إذا حكم المنجّم في القضايا ... بحكم حازم فاردد عليه
فليس بعالم ما الله قاض ... فقلّدني ولا تركن إليه
وله:
لا تركننّ إلى مقال منجّم ... وكل الأمور إلى الإله وسلّم
واعلم بأنّك إن جعلت لكوكب ... تدبير حادثة فلست بمسلم
وله كتاب «الدر المنظم» في اسم الله الأعظم. وتولى ابتداء القضاء بنصيبين، ثم ولي خطابة دمشق، ثم لما زهد في الدّنيا حجّ، فلما رجع أقام بدمشق قليلا، ثم سافر [1] إلى حلب فتوفي بها في رجب.
وفيها أبو البقاء محمد بن علي بن بقاء بن السّبّاك البغدادي [2] .
سمع من أبي الفتح بن شاتيل، ونصر الله القزّاز، وجماعة، وتوفي في شعبان.
وفيها السّديد بن مكّي بن المسلم بن مكّي بن خلف بن علّان القيسي الدمشقي [3] ، المعدّل آخر أصحاب الحافظ أبي القاسم بن عساكر وفاة، وتفرّد أيضا عن أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجائز، وأبي المعالي ابن خلدون، وتوفي في عشري صفر، عن تسع وثمانين سنة.
__________
[1] في «ط» : «ثم سار» .
[2] انظر «العبر» (5/ 213) .
[3] انظر «العبر» (5/ 213) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 286- 287) و «البداية والنهاية» (13/ 186) وقد تحرفت «السّديد» إلى «السيد» فيه فتصحح.(7/448)
سنة ثلاث وخمسين وستمائة
فيها جاء سيل بدمشق، فبلغ السيل بسوق الفاكهة من صالحية دمشق ستة أذرع.
وفيها توفي الشّهاب القوصيّ أبو المحامد، وأبو العرب، وأبو الفداء، وأبو الطّاهر إسماعيل بن حامد بن عبد الرّحمن بن المرجّى بن المؤمّل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن نفيس بن سعيد [1] بن سعد بن عبادة بن الصّامت الرئيس الفقيه الشافعي الأنصاري الخزرجي القوصي [2] ، وكيل بيت المال بالشام، وواقف الحلقة القوصية بالجامع.
ولد بقوص في المحرّم، سنة أربع وسبعين وخمسمائة، ورحل إلى مصر القاهرة سنة تسعين، ثم قدم إلى دمشق سنة إحدى وتسعين واستوطنها.
وسمع الكثير ببلاد متعددة، واتصل بالصّاحب صفي الدّين بن شكر. وروى عن إسماعيل بن ياسين، والأرتاحي، والخشوعي، وخلق كثير. وخرج لنفسه «معجما» في أربع مجلدات كبار، قال الذهبي: فيه غلط كثير.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سعد» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2] انظر «العبر» (5/ 214) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 288- 289) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 325- 326) و «البداية والنهاية» (13/ 186) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 129- 130) .(7/449)
وكان أديبا، أخباريا [1] ، فصيحا، مفوّها، بصيرا بالفقه، وترسّل إلى البلاد، وولي وكالة بيت المال، وتقدم عند الملوك، ودرّس بحلقته بجامع دمشق. وكان يلبس الطيلسان المحنّك [2] والبزّة الجميلة، ويركب البغلة.
وتوفي بدمشق في ربيع الأول، ودفن بداره التي وقفها دار حديث.
وفيها إقبال الشّرابي [3] . بنى مدرسة بواسط وإلى جانبها جامعا، وبنى ببغداد مدرسة في سوق السلطان [4] ، وجدّد بمكّة الرّباط الذي اشتهر به، وعين عرفة التي في الموقف. وأجرى ماءها لانتفاع الحجّ به، وأوقف على ذلك أوقافا سنيّة.
وفيها سيف الدّين أبو الحسن، علي بن يوسف بن أبي الفوارس القيمري [5] صاحب المارستان بصالحية دمشق. كان من جلّة الأمراء، وأبطالهم المذكورين، وصلحائهم المشهورين. وهو ابن أخت صاحب قيمر.
توفي بنابلس، ونقل فدفن بقبته التي بقرب مارستانه بالصالحية، والدّعاء عند قبره مستجاب [6] .
وفيها ضياء الدّين أبو محمد، صقر بن يحيى بن سالم بن يحيى ابن عيسى بن صقر، المفتي الإمام المعمّر الكلبي الحلبي الشافعي [7] .
__________
[1] لفظة «أخباريا» سقطت من «آ» .
[2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة «تحبك» .
[3] ذكره النّعيمي في «الدّارس في تاريخ المدارس» (1/ 159) في معرض الكلام على المدرسة الإقبالية بسوق العجم ببغداد، وانظر التعليق عليه.
[4] في «البداية والنهاية» (3/ 129) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 159) : «سوق العجم» .
[5] انظر «العبر» (5/ 214) و «البداية والنهاية» (13/ 195) و «القلائد الجوهرية» (1/ 327) .
[6] قلت: هذا من مبالغات المتأخرين.
[7] انظر «العبر» (5/ 214- 215) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 306) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 153) و «البداية والنهاية» (13/ 186) و «عقد الجمان» (1/ 111- 112) .(7/450)
ولد قبل الستين وخمسمائة، وروى عن يحيى الثقفي وجماعة، وتوفي في صفر بحلب.
وفيها النّظام البلخي، محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الحنفيّ [1] نزيل حلب.
ولد ببغداد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وتفقه بخراسان، وسمع «صحيح مسلم» من المؤيد الطّوسي، وكان فقيها، مفتيا، بصيرا بالمذهب.
توفي بحلب في جمادى الآخرة.
وفيها النّور البلخي أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف المقرئ [2] بالألحان.
ولد بدمشق سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وسمع بالقاهرة من التّاج المسعودي، واجتمع بالسّلفي، وأجاز له. وسمع بالإسكندرية في سنة خمس وسبعين، وسمع من المطهّر الشحّامي، وتوفي في الرابع والعشرين من ربيع الآخر، وكان صالحا خيّرا معمّرا.
وفيها أبو الحجّاج يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البيّاسي [3]- بفتح الباء الموحدة والياء المثناة من تحت المشددة، نسبة إلى بيّاسة مدينة كبيرة من كورة جيّان [4]-.
ولد يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وهو أحد فضلاء الأندلس وحفّاظها المتقنين.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 215) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 294) و «الجواهر المضية» (3/ 346)
[2] انظر «العبر» (5/ 215) و «النجوم الزاهرة» (7/ 35) و «عقد الجمان» (1/ 114) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 238- 244) «سير أعلام النبلاء» (23/ 339) و «نفح الطيب» (3/ 316- 318) .
[4] في «آ» و «ط» : «من كورجيّان» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «المشترك وضعا» ص (73) .(7/451)
كان أديبا، بارعا، فاضلا، مطلعا على أقسام كلام العالم، من النظم، والنثر، وراويا لوقائعها وحروبها وأيّامها.
قال ابن خلّكان: بلغني أنه كان يحفظ كتاب «الحماسة» تأليف أبي تمّام، و «ديوان المتنبي» و «سقط الزّند» وغير ذلك من الأشعار.
وتنقل في بلاد الأندلس، وطاف أكثرها، وألّف لصاحب إفريقية كتابا سمّاه «الإعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام» ابتدأه بقتل عمر بن الخطّاب، وختمه بخروج الوليد بن طريف الشّاري على هارون الرّشيد، وهو في مجلدين. وله كتاب «الحماسة» في مجلدين أيضا، ذكر فيه أشياء حسنة، منها قول المجنون:
تعلّقت [1] ليلى وهي غرّ صغيرة ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
ومنها قول الوأواء الدمشقي:
وزائر راع كلّ النّاس منظره ... أحلى من الأمن عند الخائف الوجل
ألقى على اللّيل ليلا من ذوائبه ... فهابه الصّبح أن يبدو من الخجل
أراد بالهجر قتلي فاستجرت به ... فاستلّ بالوصل روحي من يدي أجلي
وصرت فيه أمير العاشقين وقد ... صارت ولاية أهل العشق من قبلي
ومنها قول علي بن عطية البلنسي الزقّاق:
مرتجة الأعطاف أمّا قوامها ... فلدن وأما ردفها فرداح
ألمّت فبات اللّيل من قصر بها ... يطير وما غير السّرور جناح
__________
[1] في «آ» و «ط» : «علقت» والتصحيح «وفيات الأعيان» .(7/452)
وبتّ وقد زارت بأنعم ليلة [1] ... تعانقني حتّى الصّباح صباح
على عاتقي من ساعديها خمائل [2] ... وفي خصرها من ساعديّ وشاح
وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الأحد الرابع من ذي القعدة بمدينة تونس.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «لنا نعم ليلة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «حمائل» بالحاء المهملة.(7/453)
سنة أربع وخمسين وستمائة
فيها كان ظهور النّار بظاهر المدينة النبوية، على ساكنها الصلاة والسلام، وكانت مصداق قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم السّاعة حتّى تظهر نار بالحجاز [1] ، تضيء أعناق الإبل ببصرى» [2] وبقيت أيّاما، قيل ثلاثة أشهر، وكان نساء المدينة يغزلن على ضوئها، وظن أهل المدينة أنها القيامة. ظهرت من وادي أحيلين [3] في الحرّة الشرقية، تدب دبيب النمل إلى جهة الشمال، تأكل ما أتت عليه من أحجار وجبال، ولا تأكل الشجر. حتّى إن صاحب المدينة الشريفة، منيف بن شبحة أرسل اثنين ليأتياه بخبرها، فدنيا منها، فلم يجدا لها حرّا، فأخذ أحدهما سهما، ومدّ به إليها، فأكلت النصل دون العود، ثم قلبه ومدّ بالطرف الآخر، فأكلت الرّيش دون العود، وكانت تذيب وتسبك ما مرّت عليه من الجبال. فسدّت وادي شطاه بالحجر المسبوك بالنّار سدّا، ولا كسد ذي القرنين، واحتبس الماء خلفه، فصار بحرا مدّ البصر طولا وعرضا، كأنه نيل مصر عند زيادته. ثم خرقه الماء سنة تسعين وستمائة، فجرى الماء من الخرق سنة كاملة، يملأ ما بين جنبتي الوادي، ثم انسدّ، ثم
__________
[1] أقول: لفظه في «الصحيحين» : «حتّى تخرج نار من أرض الحجاز» (ع) .
[2] رواه البخاري رقم (7118) في الفتن: باب خروج النّار، ومسلم رقم (2902) في الفتن وأشراط الساعة: باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
[3] انظر تعليق العلّامة الشيخ حمد الجاسر على «المغانم المطابة في معالم طابة» ص (431) .(7/454)
انخرق ثانية في العشر الأول بعد السبعمائة، فجرى سنة وأزيد، ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة [1] .
وفيها احترق المسجد النبوي ليلة الجمعة أول ليلة من رمضان، بعد صلاة التراويح، على يد الفرّاش أبي بكر المراغي، بسقوط ذبالة [2] من يده، فأتت النّار على جميع سقوفه، ووقعت بعض السواري، وذاب الرّصاص، وذلك قبل أن ينام الناس، واحترق سقف الحجرة، ووقع بعضه في الحجرة الشريفة.
وقال بعض الناس في ذلك:
لم يحترق حرم النّبيّ لريبة ... تخشى عليه ولا دهاه العار
لكنّما أيدي الرّوافض لامست ... ذاك الجناب فطهّرته النّار
وقال ابن تولوا [3] المغربي:
قل للروافض بالمدينة ما لكم ... يقتادكم للذمّ كلّ سفيه
ما أصبح الحرم الشريف محرّما ... إلّا لذمّكم الصّحابة فيه
وفيها غرقت بغداد الغرق الذي لم يسمع بمثله، زادت دجلة زيادة ما رأي مثلها، وغرق خلق كثير، ووقع شيء كثير من الدّور على أهلها،
__________
[1] قلت: ولهذا الخبر روايات أخرى ذكرها ابن كثير في «البداية والنهاية» (13/ 187) وابن حجر في «فتح الباري» (13/ 79) نقلا عن القرطبي في «التذكرة» وابن رجب الحنبلي في «مجالس في سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم» ص (47) بتحقيقي بالاشتراك مع الأستاذ ياسين محمد السوّاس، ومراجعة والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى، طبع دار ابن كثير، وقد أفردناه من كتابه «لطائف المعارف» .
[2] جاء في «مختار الصحاح» (ذبل) : الذّبالة: الفتيلة والجمع الذّبال.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن تولو» والتصحيح من «المنتخب» (173/ ب) و «فوات الوفيات» (2/ 440) و «العبر» (5/ 354) وتحرفت في «حسن المحاضرة» (1/ 568) إلى «ابن لؤلؤ» فتصحح.(7/455)
وأشرف النّاس على الهلاك، وبقيت المراكب تمرّ في أزفة بغداد، وركب الخليفة في مركب، وابتهل النّاس إلى الله تعالى بالدّعاء.
وفيها تواترت الأخبار بوصول عساكر هلاكو إلى بلاد أذربيجان، قاصدة بلاد الشام، فوردت قصّاد الخليفة بأن يصطلح الملك الناصر مع الملك العزيز صاحب مصر، ويتفقا على قتال التتار، فأجاب إلى ذلك وعاد إلى الشام.
وفيها توفي ابن وثيق، شيخ القراء أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الإشبيلي [1] المجوّد الحاذق.
ولد سنة سبع وستين وخمسمائة، وذكر أنه قرأ القراءات السبع بغزّة وغيرها سنة خمس وتسعين على غير واحد من أصحاب أبي الحسن شريح، وأن أبا عبد الله ابن زرقون أجاز له، فروى عنه «التيسير» بالإجازة، وأقرأ بالموصل، والشام، ومصر. وكان عالي الإسناد. توفي بالإسكندرية في ربيع الآخر.
وفيها الأمير مجاهد الدّين إبراهيم بن أدنبا [2] الذي بنى الخانقاه المجاهدية بدمشق، على الشرف، القبلي، وكان والي دمشق، عاقلا فاضلا.
ومن نظمه:
أشبهك الغصن في خصال ... القدّ واللّين والتّثنّي
لكن تجنّيك ما حكاه ... الغصن يجني وأنت تجني
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 217) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 655- 656) و «غاية النهاية» (1/ 24- 25) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (173/ ب) : «ابن أدنبا» وفي «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 169) : «ابن أرينا» .(7/456)
وله في مليح اسمه مالك:
ومليح قلت ما الاس ... م حبيبي قال مالك
قلت صف لي وجهك الزّا ... هي وصف حسن اعتدالك
قال كالغصن وكالبد ... ر وما أشبه ذلك
توفي بدمشق، ودفن بخانقانه المذكورة.
وفيها بشارة بن عبد الله الأرمني الكاتب، مولى شبل الدّولة المعظّمي [1] . كان يكتب خطّا حسنا. دفن بسفح قاسيون، وذريته يدّعون النظر على الذّرية، وعلى الخانقاة الشّبلية.
وفيها الحافظ ابن شاهاور عبد الله بن محمد بن شاهاور بن أنوشروان بن أبي النّجيب الرّازي [2] .
كان حافظا، فاضلا غزير العلم، صاحب مقامات وكرامات وآثار.
وفيها العماد بن النّحاس الأصمّ أبو بكر عبد الله بن أبي المجد الحسن بن الحسين [3] بن علي الأنصاري الدمشقي [3] .
ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون. وكان آخر من روى عنه. ومن الفضل بن البانياسي، ويحيى الثقفي، وجماعة. وسمع بنيسابور من منصور الفراوي، وبأصبهان من
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (10/ 141) و «البداية والنهاية» (13/ 198) و «عقد الجمان» (1/ 162) و «القلائد الجوهرية» (1/ 195- 196) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 531) .
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (17/ 579) و «العبر» (5/ 218) .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 308) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (273) و «عيون التواريخ» (20/ 100) و «البداية والنهاية» (13/ 193) و «النجوم الزاهرة» (7/ 35) و «عقد الجمان» (1/ 131) وفي «سير أعلام النبلاء» : « ... الحسن بن الحسن ... » .(7/457)
علي بن منصور الثّقفي. وكان ثقة، خيّرا، نبيلا، به صمم مفرط. سمع الناس من لفظه، ومات في الثاني والعشرين من صفر.
وفيها شمس الدّين عبد الرحمن بن نوح بن محمد المقدسي [1] ، مدرس الرّواحية، وأجلّ أصحاب ابن الصّلاح وأعرفهم بالمذهب. توفي في ربيع الآخر، وقد تفقه به جماعة.
وفيها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن قرناص الحموي [2] أحد الأعيان العلماء الفضلاء في الفقه والأدب. تزهّد في صباه، وامتنع من قول الشعر إلّا في الزّهد ومدح النّبي- صلى الله عليه وسلم-.
ومن شعره:
يا من غدا وجهه روض العيون لما ... أعاره الحسن من أنواع أزهار
نعّمت طرفي وأودعت الحشا حرقا ... فالطرف في جنّة والقلب في نار
وله أشياء مستحسنة جدا.
وفيها زكي الدّين عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر المصري، وعرف بابن أبي الإصبع [3] صنف كتاب «تحرير التّحبير في البديع» لم يصنّف مثله.
ومن شعره المستجاد:
تبسّم لمّا أن بكيت من الهجر ... فقلت: ترى دمعي، فقال: ترى ثغري
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 218) و «الوافي بالوفيات» (18/ 292- 293) و «عقد الجمان» (1/ 131 135) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 267) .
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (18/ 519) و «عيون التواريخ» (20/ 98- 100) .
[3] انظر «عيون التواريخ» (20/ 95) و «النجوم الزاهرة» (7/ 37- 38) و «حسن المحاضرة» (1/ 567) .(7/458)
فديتك لمّا أن بكيت تنظّمت ... بفيك لآلي الدّمع عقدا من الدّر
فلا تدّعي يا شاعر الثّغر صنعة ... فكاتب دمعي [1] قال: ذا النظم من ثغري
وفيها الصّوري أبو الحسن علي بن يوسف الدّمشقي [2] ، التاجر السفّار. سمع من المؤيد الطّوسي وجماعة، وكان ذا برّ وصدقة.
توفي في المحرّم.
وفيها الشيخ الكبير عيسى بن أحمد بن إلياس اليونيني [3] الزاهد.
صاحب الشيخ عبد الله.
كان عابدا، زاهدا، صوّاما، قوّاما، خائفا، قانتا لله تعالى، متبتلا، منقطع القرين. صاحب أحوال وإخلاص، إلّا أنه كان حادّ النّفس، ولذلك قيل له سلّاب الأحوال. وكان خشن العيش في ملبسه ومأكله.
توفي في ذي القعدة، ودفن بزاويته بيونين.
وفيها ابن المقدسية، العدل شرف الدّين أبو بكر محمد بن الحسن ابن عبد السلام التّميمي السّفاقسي الأصل الإسكندراني المالكي [4] .
ولد في أول سنة ثلاث وسبعين، وأحضره خاله الحافظ ابن المفضّل قراءة «المسلسل» بالأولية عند السّلفي، واستجازه له. ثم أسمعه من أحمد بن عبد الرحمن الحضرمي وغيره.
توفي في جمادى الأولى، وله «مشيخة» خرّجها منصور بن سليم الحافظ.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «فكانت دموعي» والتصحيح من «عيون التواريخ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 218) .
[3] انظر «عيون التواريخ» (20/ 100- 101) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 299- 300) و «العبر» (5/ 218) .
[4] انظر «العبر» (5/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 295- 296) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (273) و «حسن المحاضرة» (1/ 379) .(7/459)
وفيها الكمال بن الشّعّار أبو البركات المبارك بن أبي بكر بن حمدان الموصلي [1] ، مؤلف «عقود الجمان في شعراء الزّمان» توفي بحلب.
وفيها مجير الدّين يعقوب بن الملك العادل، ويلقب هو بالملك المعزّ.
كان فاضلا. أجاز له أبو روح الهروي وطائفة. وتوفي في ذي القعدة، ودفن بالتّربة عند أبيه.
وفيها سبط ابن الجوزي العلّامة الواعظ، المؤرخ شمس الدّين أبو المظفّر يوسف بن قزغلي [2] التّركي ثم البغدادي الهبيري الحنفي، سبط الشيخ أبي الفرج بن الجوزي. أسمعه جدّه [3] منه، ومن ابن كليب وجماعة.
وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله، وعذوبة وعظه.
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (194) و «العبر» (5/ 219) و «البداية والنهاية» (13/ 195) .
[2] وفي بعض المصادر: «يوسف بن قزاوغلي» وانظر «ذيل الروضتين» ص (195) و «وفيات الأعيان» (3/ 142) و «فوات الوفيات» (4/ 356) و «عيون التواريخ» (20/ 103- 104) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 296- 297) و «البداية والنهاية» (13/ 194- 195) و «عقد الجمان» (1/ 132- 135) و «الأعلام» (8/ 246) .
قلت: قال الأستاذ خير الدّين الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمته من «الأعلام» :
قزأوغلي: بكسر القاف وسكون الزاي، ثم همزة مضمومة، وغين ساكنة، ولام مكسورة، وياء: لفظ تركي، ترجمته الحرفية «ابن البنت» أي «السبط» وفي الكتّاب من يحذف الألف والواو، تخفيفا، فيكتبها: «قزغلي» بالقاف المكسورة وضم الزاي، والنص على هذا في «تاريخ علماء بغداد» (منتخب المختار) الصفحة (236) قال: والصواب ضم الزاي، وسكون الغين. قلت (القائل الزركلي) : ولا قيمة لما ذهب إليه أحد المعاصرين- يعني به القدسي ناشر الطبعة السابقة من «الشذرات» - من أنه «الفرغلي» اعتمادا على غلطة مطبعية في كتاب ابن خلّكان- يعني من الطبعة التي سبقت طبعة الدكتور إحسان عبّاس-.
قلت: ورثاه الشهاب أحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن مصعب بأبيات يحسن بالباحث الوقوف عليها وقد ساقها العيني في آخر ترجمته.
[3] يعني الحافظ ابن الجوزي.(7/460)
وله «تفسير» في تسع وعشرين مجلّدا، و «شرح الجامع الكبير» وكتاب «مرآة الزّمان» [1] وهو كتاب كاسمه، وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة.
ودرّس وأفتى. وكان في شبيبته حنبليا، وكان وافر الحرمة عند الملوك.
نقله الملك المعظّم إلى مذهب أبي حنيفة فانتقد عليه ذلك كثير من الناس، حتّى قال له بعض أرباب الأحوال وهو على المنبر: إذا كان للرجل كبير ما يرجع عنه إلّا بعيب ظهر له فيه، فأيّ شيء ظهر لك في الإمام أحمد حتى رجعت عنه؟ فقال له: اسكت. فقال الفقير: أما أنا فسكت، وأما أنت فتكلم، فرام الكلام فلم يستطع، فنزل عن المنبر. ولو لم يكن له إلّا كتابه «مرآة الزمان» لكفاه شرفا، فإنه سلك في جمعه مسلكا غريبا، ابتدأه من أول الزمان إلى أوائل سنة أربع وخمسين وستمائة التي توفي فيها.
مات- رحمه الله- ليلة الثلاثاء العشرين من ذي الحجّة بمنزله بجبل الصالحية، ودفن هناك، وحضر دفنه الملك الناصر سلطان الشام، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
__________
[1] قام بتحقيق المجلد الأول منه الأستاذ الفاضل الدكتور إحسان عبّاس ونشره في بيروت قبل عدة سنوات، وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعينه على إتمامه.(7/461)
سنة خمس وخمسين وستمائة
فيها شاع الخبر أن الملك المعزّ صاحب مصر يتزوج بابنة صاحب الموصل، فعظم ذلك على زوجته شجرة الدّرّ، وعزمت على الفتك به، واتفقت مع جماعة من الخدم ووعدتهم بأموال عظيمة، فركب المعزّ للعب الكرة، وجاء تعبان، فدخل الحمّام يغتسل، فلما صار عريانا رمته الخدّام إلى الأرض وخنقوه ليلا ولم يدر به أحد، فأصبح الناس من الأمراء والكبراء على عادتهم للخدمة، فإذا هو ميّت، فاختبطت المدينة، ثم سلطنوا بعده ابنه الملك المنصور عليا.
وفيها وصلت التتار إلى الموصل وخرّبوا بلادها.
وفيها توفي العلّامة ابن باطيش- بالشين المعجمة- عماد الدّين أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن محمد الموصلي الشافعي [1] .
ولد في محرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ودخل بغداد فتفقه بها، وسمع بها من ابن الجوزي وغيره، وبحلب من حنبل، وبدمشق من جماعة، وخرّج لنفسه أحاديث عن شيوخه، ودرّس وأفتى، وصنّف تصانيف حسنة.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 319) و «العبر» (5/ 221- 222) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 131) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 275- 276) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 130- 131) .(7/462)
منها «طبقات الشافعية» وكتاب «المغني في غريب المهذّب» وكان من أعيان الأئمة، عارفا بالأصول، قوي المشاركة في العلوم، لكن في كتابه «المغني» أوهام كثيرة، نبّه النووي في «تهذيبه» على كثير منها.
توفي في حلب في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى.
وفيها المعزّ عز الدّين أيبك التّركماني الصّالحي، صاحب مصر جهاشنكير [1] ، الملك الصالح.
كان ذا عقل ودين، وترك للمسكن. تملّك في ربيع الآخر، سنة ثمان وأربعين.
ثم أقاموا معه باسم السلطنة الأشرف يوسف بن الناصر يوسف بن أقسيس، وله عشر سنين، وبقي المعزّ أتابكه. وهذا بعد خمسة أيام من سلطنة المعزّ. فكان يخرج التوقيع وصورته: رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزّي، ثم بطل أمر الأشرف بعد مديدة، وجرت لأبيك أمور. إلى أن خطب ابنة صاحب الموصل، فغارت أم خليل شجرة الدّرّ وقتلته في الحمّام، فقتلوها وملّكوا ولده عليا، وله خمس عشرة سنة. وكان أيبك عفيفا، طاهر الذّيل، لا يمنع أحدا حاجة، ولا يشرب مسكرا. كثير المداراة للأمراء. وبنى المدرسة المعزّية على النيل، ووقف عليها وقفا جيدا.
وفيها شجرة الدّرّ أمّ خليل [2] كانت بارعة الحسن، ذات ذكاء وعقل
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : جهاشنكير» وتكتب أيضا «جاشنكير» انظر «الوافي بالوفيات» (9/ 469) و «العبر» (5/ 222) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 198) و «النجوم الزاهرة» (7/ 4) و «عقد الجمان» (1/ 140- 141) وهو الذي يذوق طعام السلطان أو الأمير قبله مخافة أن يكون فيه سم. انظر «صبح الأعشى» (5/ 460) .
[2] انظر «العبر» (5/ 222- 223) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 199- 200) و «عقد الجمان» (1/ 165) .(7/463)
ودهاء، فأحبها الملك الصالح، ولما توفي أخفت موته، وكانت تعلّم بخطّها علامته، ونالت من السعادة أعلى المراتب [1] ، بحيث أنها خطب لها على المنابر، وملّكوها عليهم أيّاما، فلم يتم ذلك. وتملّك المعزّ أيبك فتزوج بها، وكانت ربما تحكم عليه، وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة. وآل أمرها إلى أن قتلت وألقيت تحت قلعة مصر مسلوبة، ولم يدر قاتلها، ثم دفنت بتربتها.
وفيها البادرائي [2] العلّامة نجم الدّين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن الشافعي الفرضي.
ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع من جماعة، وتفقه، وبرع في المذهب، ودرّس بالنّظامية، وترسّل غيّر مرّة وحدّث بحلب، ودمشق، ومصر، وبغداد وبنى بدمشق المدرسة الكبيرة المشهورة به، وتعرف بالبدرائية.
قال الذهبي: كان فقيها، عالما، ديّنا، صدرا، محتشما، جليل القدر، وافر الحرمة، متواضعا، دمث الأخلاق، منبسطا. وقد ولي القضاء ببغداد على كره، وتوفي بعد خمسة عشر يوما في ذي القعدة، وعافاه الله تعالى من كائنة التتار.
وقال السيوطي في «لباب الأنساب» [3] : البادرائي: بفتح الموحدة والدال والراء المهملتين، نسبة إلى بادرايا، قرية من عمل واسط.
__________
[1] في «ط» و «العبر» : «أعلى الرّتب» وكلاهما بمعنى.
[2] في «آ» و «ط» : «البدرائي» وفي «سير أعلام النبلاء» (23/ 332) وغيره من مصنفات الحافظ الذهبي: «الباذرائي» بالذال وهو خطأ، والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة (174/ آ) و «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 318- 319) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 132- 133) مصدر المؤلف، و «عقد الجمان» (1/ 160) ، وانظر كلام المؤلف في آخر ترجمته.
[3] انظر «لب اللباب في تحرير الأنساب» للسيوطي ص (25) مصورة مكتبة المثنى ببغداد.(7/464)
وفيها اليلداني المحدّث المسند، تقي الدّين عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن القرشي الدمشقي. أبو محمد اليلداني الشافعي [1] .
كان من الحفّاظ المكثرين والأثبات المصنفين. ولد بيلدا [2] قرية من قرى دمشق، في أول سنة ثمان وستين وخمسمائة، وطلب الحديث، وقد كبر ورحل، وسمع من ابن كليب، وابن بوش، وطبقتهما. وكتب الكثير، وذكر أن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- قال له في النوم: «أنت رجل جيّد» .
توفي بقريته- وكان خطيبها- في ثامن ربيع الأول.
وفيها المرسي العلّامة شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن.
محمد بن أبي الفضل السّلمي الأندلسي المحدّث المفسّر النّحويّ [3] .
ولد سنة سبعين وخمسمائة في أولها، وسمع «الموطأ» من أبي محمد ابن عبيد الله [الحجريّ] [4] . ورحل إلى أن وصل إلى أقصى خراسان.
وسمع الكثير من منصور الفراوي، وأبي روح [الهرويّ] [5] ، والكبار. وكان
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 223- 224) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 311- 312) و «عيون التواريخ» (20/ 115) و «الوافي بالوفيات» (18/ 176- 177) و «النجوم الزاهرة» (7/ 59) و «عقد الجمان» (1/ 159) .
[2] في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «بيلدان» قلت: وتقع هذه القرية إلى الجنوب الشرقي لدمشق على مسافة ستة كليومترات تقريبا، وقد اتصلت الآن بضواحي المدينة كغيرها من قرى غوطتي دمشق الشرقية والغربية، وانظر كتاب «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله تعالى ص (183) .
[3] انظر «العبر» (5/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 312- 318) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 69- 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 451- 452) و «طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 155- 156) و «عقد الجمان» (1/ 159- 160) .
[4] تكملة من ترجمته في المجلد السادس صفحة (500) .
[5] تكملة من ترجمته في الصفحة (144) من هذا المجلد.(7/465)
كثير الأسفار والتطواف، جمّاعة لفنون العلم، ذكيا، ثاقب الذهن. له تصانيف كثيرة، مع زهد، وورع، وفقر، وتعفف.
سئل عنه الحافظ الضياء فقال: فقيه، مناظر، نحويّ، من أهل السّنّة.
صحبنا وما رأينا منه إلّا خيرا.
وقال الذهبي: توفي في نصف ربيع الأول في الطريق، ودفن بتل الزّعقة، رحمه الله تعالى.(7/466)
سنة ست وخمسين وستمائة
فيها قتل المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظّاهر محمد بن النّاصر العبّاسي [1] ، آخر الخلفاء العراقيين. وكانت دولتهم خمسمائة سنة وأربعا وعشرين سنة.
ولد أبو أحمد هذا سنة تسع وستمائة في خلافة جدّ أبيه، وأجاز له المؤيد الطّوسي وجماعة، وسمع من علي ابن النّيّار [2] الذي لقنه الختمة.
وروى عنه محيى الدّين بن الجوزي، ونجم الدّين البادرائي بالإجازة، واستخلف في جمادى الأولى سنة أربعين. وكان حليما، كريما، سليم الباطن، قليل الرأي، حسن الدّيانة، مبغضا للبدعة في الجملة، ختم له
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 174- 184) و «العبر» (5/ 225- 226) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «عيون التواريخ» (20/ 129) و «البداية والنهاية» (13/ 204- 211) و «النجوم الزاهرة» (7/ 63- 64) و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (464- 477) .
[2] جاءت الإشارة إليه في ترجمة المترجم في «سير أعلام النبلاء» على النحو التالي: «ختم على ابن النيّار» ثم ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (23/ 323) في عداد من توفي مع الحافظ المنذري سنة (656) فقال: «وشيخ الشيوخ صدر الدّين ابن النيّار» فقط. وجاء في التعليق على ترجمة المستعصم من «السّير» ما نصه: «وابن النيّار قتل في الوقعة- يعني التي قتل فيها المستعصم- دون الإحالة على مصدر الكلام.
وذكره العيني في «عقد الجمان» (1/ 175) فيمن مات في كارثة بغداد فقال: «وقتل شيخ الشيوخ، مؤدّب الخليفة، صدر الدّين علي بن النيّار» ولم يزد على ذلك.(7/467)
بخير، فإن الكافر هولاكو [1] أمر به وبولده، فرفسا حتّى ماتا، وذلك في آخر المحرم. وكان الأمر أشغل من أن يوجد مؤرّخ لموته أو مواراة جسده، وبقي الوقت بلا خليفة ثلاث سنين. وكان سبب قتلهما أن المؤيد العلقمي الوزير- قاتله الله- كاتب التتار وحرّضهم على قصد بغداد لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي، فظنّ المخذول أن الأمر يتم له، وأنه يقيم خليفة علويّا، فأرسل أخاه ومملوكه إلى هولاكو [1] ، وسهّل عليه أخذ بغداد، وطلب أن يكون نائبا له عليها، فوعدوه بالأماني، وساروا فأخذ لؤلؤ صاحب الموصل يهيئ للتتار الإقامات، ويكاتب الخليفة سرّا، فكان ابن العلقمي- قبحه الله- لا يدع تلك المكاتبات تصل إلى الخليفة، مع أنها لو وصلت لما أجدت، لأن الخليفة كان يردّ الأمر إليه، فلما تحقّق الأمر، بعث ولد محيى الدّين بن الخوارزمي رسولا إلى هولاكو [1] يعده بالأموال والغنائم، فركب هولاكو [1] في مائتي ألف من التتار والكرج، ومدد من صاحب الموصل مع ولده الصالح إسماعيل، فخرج ركن الدّين الدوادار، فالتقى بأخوايين، وكان على مقدمة هولاكو [1] ، فانكسر المسلمون، ثم سار باجو فنزل من غربي بغداد، ونزل هولاكو [1] من شرقيها، فأشار ابن العلقمي على المستعصم بالله أن أخرج إليهم في تقرير الصلح، فخرج الخبيث وتوثق لنفسه، ورجع فقال:
إن الملك قد رغب أن يزوّج ابنته بابنك الأمير أبي بكر، وأن تكون الطّاعة له كما كان أجدادك مع الملوك السلجوقية، ثم يترحل، فخرج إليه المستعصم في أعيان الدولة، ثم استدعى الوزير العلماء والرؤساء ليحضروا العقد بزعمه، فخرجوا فضربت رقاب الجميع، وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة وتضرب أعناقهم، حتّى بقيت الرّعية بلا راع، ثم دخلت حينئذ التتار بغداد، وبذلوا السيف، واستمر القتل والسّبي نحو أربعين يوما، ولم يسلم إلّا من
__________
[1] في «آ» و «ط» و «تاريخ الخلفاء» : «هلاكو» .(7/468)
اختفى في بئر أو قناة، وقتل الخليفة رفسا، ويقال: إن هولاكو [1] أمر بعدّ القتلى، فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسر، فعند ذلك نودي بالأمان. ثم أمر هولاكو [1] بأخوايين فضربت عنقه، لأنه بلغه أنه كاتب الخليفة، وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها. وعملت الشعراء قصائد في مراثي بغداد وأهلها، وتمثّل بقول سبط [ابن] التّعاويذي:
بادت وأهلوها معا فبيوتهم ... ببقاء مولانا الوزير خراب [2]
وقال بعضهم:
يا عصبة الإسلام نوحي واندبي ... حزنا على ما تمّ للمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه ... لابن الفرات فصار لابن العلقمي
وكان آخر خطبة خطبت ببغداد، أن قال الخطيب في أولها: الحمد لله الذي هدم بالموت مشيّد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدّار.
وقال تقيّ الدّين بن أبي اليسر قصيدته في بغداد وهي:
لسائل الدّمع عن بغداد أخبار ... فما وقوفك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزّوراء لا تفدوا ... فما بذاك الحمى والدّار ديّار
تاج الخلافة والرّبع الذي شرفت ... به المعالم قد عفّاه إقفار
أضحى لعصف [3] البلى في ربعه أثر ... وللدّموع على الآثار آثار
__________
[1] في «آ» و «ط» و «تاريخ الخلفاء» : «هلاكو» .
[2] قال العلّامة الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمة ابن العلقمي في «الأعلام» (5/ 321) :
وهذا البيت من قصيدة للسبط في «ديوانه» ص (47) يهجو بها «ابن البلدي» ولم يدرك أيام ابن العلقمي، فإن وفاته سنة (583) .
قلت: وقد تقدمت ترجمة ابن التعاويذي في حوادث سنة (584) من المجلد السادس من كتابنا هذا صفحة (461) فراجعها.
[3] في «آ» و «ط» : «لعطف» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» .(7/469)
يا نار قلبي من نار لحرب وغى ... شبّت عليه ووافى الرّبع إعصار
علا الصّليب على أعلى منابرها ... وقام بالأمر من يحويه زنّار
وكم حريم سبته التّرك غاصبة ... وكان من دون ذاك السّتر أستار
وكم بدور على البدريّة انخسفت؟ ... ولم يعد لبدور منه إبدار
وكم ذخائر أضحت وهي شائعة؟ ... من النّهاب وقد حازته كفّار
وكم حدود أقيمت من سيوفهم ... على الرّقاب وحطّت فيه أوزار
ناديت والسّبي مهتوك تجرّهم [1] ... إلى السّفاح من الأعداء دعّار [2]
ولما فرغ هولاكو [3] من قتل الخليفة وأهل بغداد، أقام على العراق نوّابه، وكان ابن العلقمي حسّن لهم أن يقيموا خليفة علويا فلم يوافقوه، واطّرحوه، وصار معهم في صورة بعض الغلمان، ومات كمدا، لا رحمه الله.
وهو مؤيد الدّين محمد بن أحمد [4] ، وزير الإمام المستعصم بالله [5] . كان فاضلا، متغاليا في التشيع إلى غاية ما يكون عامل التتار ليظفر ببغيته، لم ينل منهم ذلك. وكان ينشد وهو في حالة الهوان:
وجرى القضاء بعكس ما أمّلته
ثم أرسل هولاكو [6] إلى الناصر صاحب دمشق كتابا صورته: يعلم
__________
[1] في «تاريخ الخلفاء» : «تجرّ بهم» .
[2] في «آ» و «ط» : «دعّاز» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[4] قال العلّامة الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمته في «الأعلام» (8/ 321) : قلت:
والمصادر مختلفة في تسميته «محمد بن أحمد» أو «محمد بن محمد» ولعل الصواب الأول، ومن سمّاه «محمد بن محمد» قد يلقبه بعز الدّين، وعز الدّين «محمد» ابنه، ولي الوزارة للتتار بعده.
[5] انظر «فوات الوفيات» (3/ 252- 255) و «الوافي بالوفيات» (1/ 184- 186) .
[6] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .(7/470)
سلطان مصر ناصر- طال بقاؤه- أنا لما توجهنا إلى العراق وخرج إلينا جنودهم فقتلناهم بسيف الله، ثم خرج إلينا رؤساء البلد ومقدّموها، فكان قصارى كلامهم سببا لهلاك نفوس تستحق الإهلاك. وأما ما كان من صاحب البلد [1] فإنه خرج إلى خدمتنا، ودخل تحت عبوديتنا [2] ، فسألناه عن أشياء كذبنا فيها، فاستحق الإعدام. وكان كذبه ظاهرا، وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً 18: 49 [3] .
أجب ملك البسيطة، ولا تقولنّ: قلاعي المانعات، ورجالي المقاتلات، ولقد بلغنا أن شذرة من العسكر التجأت إليك هاربة، وإلى جنابك لائذة:
أين المفرّ ولا مفرّ لهارب ... ولنا البسيطان الثرى والماء
فساعة وقوفك على كتابنا، تجعل قلاع الشّام سماءها أرضا وطولها عرضا [4] ، والسلام.
ثم أرسل له كتابا ثانيا يقول فيه: خدمة ملك ناصر- أطال عمره-.
أما بعد: فإنا فتحنا بغداد واستأصلنا ملكها وملكها إلى هنا [5] وكان ظنّ- وقد ضنّ [6] بالأموال، ولم ينافس الرّجال- أن ملكه يبقى على ذلك الحال، وقد علا ذكره، ونما قدره، فخسف في الكمال بدره:
إذا تمّ أمر بدا نقصه ... توقّع زوالا إذا قيل تمّ
__________
[1] في «تاريخ الخلفاء» ص (473) : «البلدة» .
[2] في «آ» و «ط» : «عبودتنا» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» مصدر المؤلف.
[3] قلت: وذلك اقتباس من قوله تعالى: وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً 18: 49 [الكهف: 49] مع مراعاة أن الله عزّ وجلّ ذكر هذه الآية في حق أهل النار، بينما استشهد بها هولاكو أو من كتب له- وهو ابن العلقمي على الأرجح- في الكلام على خليفة المسلمين، لعن الله هولاكو وكل من رضي بأعماله في حق ديار المسلمين ظاهرا أو باطنا.
[4] في «آ» و «ط» : «سماءها أرضها، وطولها عرضها» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» مصدر المؤلف.
[5] عبارة «إلى هنا» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي.
[6] في «تاريخ الخلفاء» : وقد فتن» .(7/471)
ونحن في طلب الازدياد، على ممر الآباد، فلا تكن كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ 59: 19 [1] وأبد ما في نفسك، إما إمساك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ 2: 229 [2] أجب دعوة ملك البسيطة تأمن شرّه وتنال [3] برّه، واسع إليه برجالك وأموالك، ولا تعوق رسولنا [4] ، والسلام.
ثم أرسل كتابا ثالثا يقول فيه: أما بعد: فنحن جنود الله، بنا ينتقم ممن عتا وتجبّر، وطغى وتكبّر، وبأمر الله ما ائتمر، إن عوتب تنمّر، وإن روجع استمرّ [5] ، ونحن قد أهلكنا البلاد، وأبدنا العباد، وقتلنا النسوان والأولاد، فأيّها الباقون، أنتم بمن مضى لاحقون، ويا أيها الغافلون، أنتم إليهم تساقون، ونحن جيوش الهلكة، لا جيوش المملكة [6] ، مقصودنا الانتقام، وملكنا لا يرام، ونزيلنا لا يضام، وعدلنا في ملكنا قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفر:
أين المفرّ ولا مفرّ لهارب ... ولنا البسيطان الثّرى والماء
ذلّت لهيبتنا الأسود فأصبحت ... في قبضتي الأمراء والخلفاء
ونحن إليكم صائرون، ولكم طالبون [7] ، ولكم الهرب، وعلينا الطلب.
ستعلم ليلى أيّ دين تداينت ... وأيّ غريم بالتّقاضي غريمها
دمرنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأهلكنا العباد، وأذقناهم العذاب، وجعلنا
__________
[1] اقتباس من قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ 59: 19 [الحشر: 19] .
[2] اقتباس من قوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ 2: 229 [البقرة:
229] .
[3] في «تاريخ الخلفاء» : و «تنل» .
[4] في «تاريخ الخلفاء» : «رسلنا» .
[5] في «آ» و «ط» : «روجع واستمرّ وتجبّر» واللفظة الأخيرة وصوابها: «وتجبّر» انتقلت بطرفة عين من السطر الذي قبله ولا محلّ لها هنا فحذفتها.
[6] في «تاريخ الخلفاء» : «لا جيوش الملكة» .
[7] عبارة «ولكم طالبون» سقطت من «تاريخ الخلفاء» فتستدرك.(7/472)
عظيمهم صغيرا، وأميرهم أسيرا، أتحسبون أنكم منّا ناجون، أو متخلصون، وعن قليل سوف تعلمون، على ما تقدمون، وقد أعذر من أنذر، والسلام [1] .
وفيها توفي أبو العبّاس القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري [2] المالكي المحدّث الشّاهد، نزيل الإسكندرية. كان من كبار الأئمة.
ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع بالمغرب من جماعة، واختصر «الصحيحين» وصنّف كتاب «المفهم في شرح مختصر مسلم» .
وتوفي في ذي القعدة.
وفيها ابن الحلاوي شرف الدّين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء الهزبر [3] له فضيلة تامة، وشعره في غاية الجودة والرّقّة.
فمن ذلك قوله:
وافى يطوف بها الغزال الأغيد ... حمراء من وجناته تتوقّد
مالت به وأماله سكر الصّبا ... فنديمها كمديرها يتأوّد
ثقلت مآزره وأرهف لحظه ... فالقائلان [4] مثقّل ومحدّد
فإذا انثنى وإذا رنا فقوامه ... واللّحظ منه مثقّف ومهنّد
__________
[1] قلت: وقد نثر السّبكي قصة سقوط بغداد ومقتل الخليفة المستعصم بالله عقب ترجمة الحافظ المنذري من كتابه «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 261- 274) فيحسن بالقارئ الرجوع إليه.
[2] انظر «العبر» (5/ 226- 227) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «النجوم الزاهرة (7/ 69) و «عقد الجمان» (1/ 190) و «حسن المحاضرة» (1/ 457) .
[3] انظر «العبر» (5/ 227) و «عيون التواريخ» (20/ 154- 159) و «السّلوك لمعرفة دول الملوك» (1/ 2/ 413) و «الوافي بالوفيات» (8/ 102- 108) و «فوات الوفيات» (1/ 143- 148) .
والهزبر: من أسماء الأسد. انظر «لسان العرب» (هزبر) .
[4] في «عيون التواريخ» : «فالقاتلان» .(7/473)
ومدح الملوك والكبار، وعاش ثلاثا وخمسين سنة. وكان في خدمة صاحب الموصل.
وفيها الزّعبي- بفتح الزاي، نسبة إلى زعب بطن من سليم- أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر بن إسماعيل بن علي الحمّامي [1] . روى «كتاب الشكر» عن ابن شاتيل، ومات في المحرم ببغداد.
وفيها الصّدر البكري أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك التيمي النيسابوري ثم الدمشقي [2] الصّوفي الحافظ.
ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وسمع بمكّة من عمر الميانشيّ، وبدمشق من ابن طبرزد [3] ، وبخراسان من أبي روح، وبأصبهان من أبي الفتوح، وابن الجنيد، وكتب الكثير. وعني بهذا الشأن أتم عناية، وجمع وصنّف، وشرع في مسودة «ذيل» على تاريخ ابن عساكر، وولى مشيخة الشيوخ وحسبة دمشق، وعظم في دولة المعظّم، ثم فتر سوقه وابتلي بالفالج قبل موته بأعوام، ثم تحوّل إلى مصر فمات بها في حادي عشر ذي الحجّة ضعّفه بعضهم، وقال الزكيّ البرزالي: كان كثير التخليط.
وفيها الشّرف الإربلي، العلّامة أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الهذباني [4] الشّافعي اللّغوي [5]
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 227) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 318) .
[2] انظر «العبر» (5/ 227- 228) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 326- 328) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) .
[3] في «سير أعلام النبلاء» : «ابن طبرزذ» بالذال وهو من أخطاء الطبع فتصحح.
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الهدناني» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] انظر «العبر» (5/ 228) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 354- 355) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) .(7/474)
ولد سنة ثمان وستين وخمسمائة بإربل، وسمع بدمشق من الخشوعي وطائفة. وحفظ على الكندي خطب ابن نباتة، و «ديوان المتنبي» و «مقامات الحريري» . وكان يعرف اللّغة ويقرئها.
توفي في ثاني ذي القعدة.
وفيها العماد داود بن عمر بن يوسف أبو المعالي الزّبيديّ المقدسيّ الشّافعيّ الدّمشقي الآباريّ [1] خطيب بيت الآبار [2] .
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي، والقاسم [بن عساكر] ، وطائفة. وكان فصيحا، خطيبا، بليغا، لا يكاد يسمع موعظة أحد إلّا يبكى. ولي خطابة دمشق وتدريس الغزالية بعد ابن عبد السّلام، ثم عزل بعد ست سنين، وعاد إلى خطابة القرية، وبها توفي في شعبان، ودفن هناك.
وفيها الملك النّاصر داود بن المعظّم بن العادل [3] ، صاحب الكرك، صلاح الدّين أبو المفاخر.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 229) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 301- 302) و «عيون التواريخ» (20/ 168) و «البداية والنهاية» (13/ 213) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 420) .
[2] تنبيه: تحرفت في «سير أعلام النبلاء» إلى «بيت الأبّار» فتصحح.
قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 519) : بيت الآبار: جمع بئر، قرية يضاف إليها كورة من غوطة دمشق فيها عدة قرى، خرج منها غير واحد من رواة العلم.
وقال الأستاذ محمد كرد علي في كتابه النّفيس «غوطة دمشق» ص (164) : بيت الآبار:
بليدة خربت، وكانت حاضرة الإقليم، وسمي باسمها. ويؤخذ من كلام ابن عبد الهادي في القرن العاشر أنها كانت موجودة في عصره. ومن عملها المنيحة، وجرمانا، ودير هند، وبيت سابا أو سابر. والغالب أنها التل الكبير المائل للعيان شرقي جرمانا، وقد خربت غير مرة، ويقال لخرابها الآن تل أم الإبر، وانظر تتمة كلامه هناك.
[3] انظر «العبر» (5/ 229- 230) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 376- 381) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «عيون التواريخ» (20/ 168- 177) .(7/475)
ولد سنة ثلاث وستمائة، وأجاز له المؤيد الطّوسي، وسمع ببغداد من القطيعي. وكان حنفيا، فاضلا، مناظرا، ذكيا، بصيرا بالأدب، بديع النظم، كثير المحاسن، ملك دمشق بعد أبيه، ثم أخذها منه عمّه الأشرف، فتحول إلى مدينة الكرك فملكها إحدى عشرة سنة، ثم عمل عليه ابنه، وسلّمها إلى صاحب مصر الصّالح وزالت مملكته. وكان جوادا، ممدحا.
ومن شعره يفضّل الجارية على الغلام:
أحبّ الغادة الحسناء ترنو ... بمقلة جؤذر فيها فتور
ولا أصبو إلى رشأ غرير ... وإن فتن الورى الرّشأ الغرير
وأنّى يستوي شمس وبدر ... ومنها يستمدّ ويستنير
وهل تبدو الغزالة في سماء ... فيظهر عندها للبدر نور
وله:
قلبي وطرفك قاتل وشهيد ... ودمي على خدّيك منه شهود
يا أيّها الرّشأ الذي لحظاته ... كم دونهنّ صوارم وأسود
ومن العجائب أنّ قلبك لم يلن ... لي والحديد ألانه داود
توفي- رحمه الله- بظاهر دمشق، بقرية البويضاء [1] ، ودفن عند والده الملك المعظم في جمادى الأولى، وكانت أمّه خوارزمية، عاشت بعده مدة.
وفيها بهاء الدّين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الصّاحب المنشئ أبو الفضل وأبو العلاء الأزديّ المهلّبيّ المكّيّ ثم القوصيّ [2] الكاتب، له «ديوان» مشهور.
__________
[1] قرية بالقرب من دمشق إلى الشرق منها. انظر «غوطة دمشق» للعلّامة كرد علي ص (21) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 332- 338) و «العبر» (5/ 230) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 355- 356) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «عيون التواريخ» (20/ 181-(7/476)
ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وكتب الإنشاء للملك الصّالح نجم الدّين ببلاد المشرق، فلما تسلطن بلّغه أعلى المراتب ونفّذه رسولا.
ولما مرض بالمنصورة تغيّر عليه وأبعده، لأنه كان سريع [1] التخيل والغضب والمعاقبة على الوهم، ثم اتصل البهاء زهير بالنّاصر صاحب الشام، وله فيه مدائح. وكان ذا مروءة ومكارم.
ومن شعره [2] :
يطيب لقلبي أن يطول [3] غرامه ... وأيسر ما يلقاه منه حمامه
وأعجب منه كيف يقنع بالمنى ... ويرضيه من طيف الخيال [4] لمامه
ومنها [5] :
وما الغصن إلّا ما حوته بروده ... وما البدر إلّا ما حواه لثامه
خذوا لي من البدر الذّمام فإنّه ... أخوه لعلّي نافع لي ذمامه
ومن شعره أيضا [6] :
أنا ذا زهيرك ليس إ ... لّا جود كفّك لي مزينه
أهوى جميل الذّكر عن ... ك كأنّما هو لي بثينه
__________
188) و «عقد الجمان» (1/ 186- 188) و «حسن المحاضرة» (1/ 567) و «الأعلام» (3/ 52) الطبعة الرابعة.
[1] في «العبر» بطبعتيه: « ... وأبعده. وكان سريع التخيل والغضب ... » ولا يستقيم النص بذلك لأن الضمير في الكلام يعود على الملك الصالح نجم الدّين» والصواب ما جاء في كتابنا، فليحرر.
[2] البيتان في «ديوانه» ص (301) طبعة دار صادر ببيروت.
[3] في «آ» و «ط» : «أن يطيب» وأثبت لفظ «الديوان» و «عيون التواريخ» .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «عيون التواريخ» : «من طيف الخيال» وفي «ديوانه» : «من طيف الحبيب» .
[5] البيتان في «ديوانه» ص (301- 302) .
[6] الأبيات في «ديوانه» ص (369) و «وفيات الأعيان» (2/ 336) .(7/477)
فاسأل ضميرك عن ودا ... دي [1] إنّه فيه جهينة
ومنه أيضا [2] :
بروحي من أسميّها بستّي ... فترمقني [3] النّحاة بعين مقت
يظنّوا أنّني [4] قد قلت لحنا ... وكيف وإنّني لزهير وقتي
وقد ملكت جهاتي الستّ طرّا ... فلا عجب إذا ما قلت ستّي [5]
قال ابن خلّكان: وشعره كلّه لطيف، وهو كما يقال: السهل الممتنع، وأجازني رواية «ديوانه» وهو كثير الوجود بأيدي النّاس.
قال: وكان مسّه ألم فأقام به أيّاما، ثم توفي قبل المغرب يوم الأحد رابع ذي القعدة، ودفن من الغد بعد صلاة الظهر بتربة بالقرافة الصّغرى، بالقرب من قبة الإمام الشافعي، رضي الله عنه، في جهتها القبلية، ولم يتفق لي الصّلاة عليه لاشتغالي بالمرض.
وفيها الكفرطابي أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهّاب بن بيان القوّاس الرّامي الأستاذ [6] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع الكثير من يحيى الثّقفي، وعمّر دهرا، وتوفي في الحادي والعشرين من شوال بدمشق.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «عن وداد» وأثبت لفظ «الديوان» .
[2] الأبيات في «ديوانه» ص (56) .
[3] لفظ «ديوانه» : «فتنظرني» .
[4] لفظ «ديوانه» : «يرون بأنّني» .
[5] رواية البيت في «ديوانه» :
ولكن غادة ملكت جهاتي ... فلا لحن إذا ما قلت ستّي
[6] انظر «العبر» (5/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) .(7/478)
وفيها أبو العزّ بن صديق عبد العزيز بن محمد بن أحمد الحرّاني [1] وهو بكنيته أشهر، ولهذا أسماه بعضهم ثابتا. سمع من عبد الوهّاب بن أبي حبّة، وحدّث بدمشق وبها توفي في جمادى الأولى.
وفيها الحافظ الكبير زكي الدّين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي ابن عبد الله بن سلامة المنذري الشّامي ثم المصري الشّافعي [2] ، صاحب التصانيف.
ولد سنة إحدى وثمانين خمسمائة، وسمع من الأرتاحي، وأبي الجود، وابن طبرزد، وخلق. وتخرّج بأبي الحسن علي بن المفضّل، ولزمه مدة. وله «معجم» كبير مرويّ، ولي مشيخة الكاملية مدة، وانقطع بها نحوا من عشرين سنة، مكبّا على العلم والإفادة.
قال ابن ناصر الدّين [3] : كان حافظا، كبيرا، حجّة، ثقة، عمدة. له كتاب «الترغيب والترهيب» [4] ...
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 231) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) .
[2] انظر «العبر» (5/ 232) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 319- 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 259- 261) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 223- 224) و «السلوك لمعرفة دول الملوك» (1/ 2/ 412) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 140- 142) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) و «عقد الجمان» (1/ 188- 189) و «غربال الزمان» ص (534) وقد أورد في آخر ترجمته بيتين من الشعر له يحسن ذكرهما، وهما:
اعمل لنفسك صالحا لا تلتفت ... لظهور قيل في الأنام وقال
فالناس لا يرجى اجتماع جميعهم ... لا بدّ من مثن عليك وقال
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (179/ ب) .
[4] طبع في مصر ثلاث مرّات:
الأولى في إدارة الطباعة المنيرية بعناية الشيخ محمد منير الدمشقيّ، رحمه الله، وعلى هذه الطبعة اعتمد الأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني في إعداد «صحيح الترغيب والترهيب» و «ضعيف الترغيب والترهيب» وقد صدر الأول من «الصحيح» عن المكتب الإسلامي ببيروت.(7/479)
و «التكملة لوفيات النّقلة» [1] . انتهى.
وقال ابن شهبة: برع في العربية والفقه، وسمع الحديث بمكّة، ودمشق، وحرّان، والرّها، والإسكندرية. وروى عنه الدمياطي، وابن دقيق العيد، والشّريف عز الدّين، وأبو الحسين اليونيني، وخلق. وتخرّج به العلماء في فنون من العلم. وبه تخرّج الدّمياطي، وابن دقيق العيد، والشريف عزّ الدّين، وطائفة في علوم الحديث.
قال الشريف عز الدّين: كان عديم النّظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه، عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيّما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم ووفياتهم ومواليدهم وأخبارهم. إماما، حجّة، ثبتا، ورعا، متحريا فيما يقوله، متثبتا فيما يرويه.
وقال الذهبيّ: لم يكن في زمانه أحفظ منه.
ومن تصانيفه «مختصر مسلم» [2] و «مختصر سنن أبي داود» وله عليه حواش مفيدة. وكتاب «الترغيب والترهيب» في مجلدين، وهو كتاب نفيس.
توفي- رحمه الله تعالى- في رابع ذي القعدة، ودفن بسفح المقطّم.
وفيها جمال الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة والثانية بعناية الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد، رحمه الله.
والثالثة بعناية وتعليق الشيخ مصطفى محمد عمارة، وهي أشهر الطبعات الثلاث وقد صورت مرارا.
ويقوم الأساتذة محيي الدّين مستو، وسمير العطّار، ويوسف بديوي بتحقيق الكتاب من جديد، وستصدر هذه الطبعة عن دار ابن كثير، وقد شرعت بطبع الجزء الأول وهو قيد التصحيح الآن.
__________
[1] طبع أول مرة ببغداد طبعة متقنة مفهرسة بتحقيق الأستاذ الدكتور بشار عوّاد معروف عام (1387 هـ) ثم أعادت طبعه مصورا عن طبعته الأولى مؤسسة الرسالة ببيروت عام (1401 هـ) .
[2] طبع أول مرة في الكويت بوزارة الأوقاف طبعة متقنة بتحقيق الأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني، ثم أعاد المكتب الإسلامي طبع هذه الطبعة عدة مرات في بيروت.(7/480)
ابن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النّابلسي [1] الفقيه الحنبلي المحدّث.
ولد يوم عاشوراء سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع بالقدس من أبي عبد الله بن البنّا، وحدّث بنابلس.
قال الشريف عزّ الدّين: كان له سعة وفيه فضل. توفي في ذي القعدة بنابلس.
وفيها موفق الدّين أبو محمد عبد القاهر بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن الفوطي البغدادي الحنبلي الأديب [2] .
قال ابن السّاعي: كان إماما، ثقة، أديبا، فاضلا، حافظا للقرآن، عالما بالعربية واللغة والنجوم، كاتبا شاعرا، صاحب أمثال. وكان فقيرا ذا عيال، ولم يوافق نفسه على خيانة. ولي كتابة ديوان العرض، وقتل صبرا في الواقعة ببغداد.
وفيها ابن خطيب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي الأسدي الدمشقي الناسخ [3] . كان له إجازة من السّلفي، فروى بها الكثير، وتوفي في ثالث ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة.
وفيها الشّاذلي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي [4] الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية. سكن الإسكندرية، وصحبه بها
__________
وقام بنشره منذ فترة قريبة بدمشق الأستاذ الدكتور مصطفى البغا.
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (18/ 178) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 266- 267) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 264- 265) .
[3] انظر «العبر» (5/ 232) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 347) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) .
[4] انظر «العبر» (5/ 232) و «طبقات الأولياء» ص (458- 459) و «غربال الزّمان» ص (534- 535) و «حسن المحاضرة» (1/ 520) .(7/481)
جماعة. وله في التصوف مشكلة توهم، ويتكلّف له في الاعتذار عنها، وعنه أخذ الشيخ أبو العبّاس المرسي. قاله في «العبر» .
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقات الأولياء» : علي أبو الحسن الشاذلي السيد الشريف، من ذرية محمد بن الحسن، زعيم الطائفة الشاذلية، نسبة إلى شاذلة قرية بإفريقية.
نشأ ببلده، فاشتغل بالعلوم الشرعية، حتّى أتقنها، وصار يناظر عليها، مع كونه ضريرا، ثم سلك منهاج التصوف، وجدّ واجتهد، حتّى ظهر صلاحه وخيره، وطار في فضاء الفضائل طيره، وحمد في طريق القوم سراه وسيره.
نظم فرقّق ولطّف، وتكلّم على الناس فقرّط الأسماع وشنّف، وطاف وجال، ولقي الرّجال، وقدم إلى إسكندرية من المغرب، وصار يلازم ثغرها من الفجر إلى المغرب، وينتفع الناس بحديثه الحسن وكلامه المطرب، وتحوّل إلى الدّيار المصرية، وأظهر فيها طريقته المرضية، ونشر سيرته السرية، وله أحزاب محفوظة وأحوال بعين العناية ملحوظة. قيل له من شيخك؟ فقال: أما فيما مضى فعبد السّلام بن بشيش [1] . وأما الآن فإني أسقى من عشرة أبحر، خمسة سماوية وخمسة أرضية.
ولما قدم إسكندرية كان بها أبو الفتح الواسطي، فوقف بظاهرها واستأذنه، فقال: طاقية لا تسع رأسين، فمات أبو الفتح في تلك الليلة، وذلك لأن من دخل بلدا على فقير بغير إذنه فمهما كان أحدهما أعلى سلبه أو قتله، ولذلك ندبوا الاستئذان. وحجّ مرارا، ومات قاصدا الحجّ في طريقه.
قال ابن دقيق العيد: ما رأيت أعرف بالله منه، ومع ذلك آذوه وأخرجوه بجماعته من المغرب، وكتبوا إلى نائب إسكندرية أنه يقدم عليكم مغربي
__________
[1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.(7/482)
زنديق، وقد أخرجناه من بلدنا فاحذروه. فدخل إسكندرية فآذوه، فظهرت له كرامات أوجبت اعتقاده.
ومن كلامه: كل علم تسبق إليك فيه الخواطر، وتميل النّفس، وتلتذ به فارم به وخذ بالكتاب والسّنّة.
وكان إذا ركب تمشي أكابر الفقراء وأهل الدّنيا حوله، وتنشر الأعلام على رأسه، وتضرب الكوسات [1] بين يديه، وينادي النّقيب أمامه بأمره له: من أراد القطب الغوث فعليه بالشاذلي.
قال الحنفي: اطلعت على مقام الجيلاني والشّاذلي، فإذا مقام الشاذلي أرفع.
ومن كلام الشاذلي: لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يحدث في غد وما بعده إلى يوم القيامة [2] .
وقد أفرد التّاج بن عطاء الله [3] مؤلفا حافلا لترجمته وكلامه.
مات- رحمه الله تعالى- بصحراء عيذاب [4] قاصدا للحجّ في أواخر ذي القعدة، ودفن هناك. انتهى ملخصا.
وفيها سيف الدّين بن المشدّ، سلطان الشعراء، صاحب «الديوان» المشهور. الأمير أبو الحسن علي بن عمر بن قزل التّركماني [5] .
__________
[1] قال الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله في كتابه «معجم الألفاظ التاريخية» ص (132) :
الكوسات: الطبول، وفسّرها بعضهم بأنها صنوج من نحاس شبه الترس الصغير.
[2] قلت: هذا الكلام وأمثاله من مبالغات الصّوفية وما أكثرها! ولا يعلم الغيب إلّا الله وحده جلّ جلاله.
[3] هو أحمد بن محمد بن عطاء الله الإسكندري، سترد ترجمته في وفيات سنة (709) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى.
[4] قال الزّبيدي في «تاج العروس» (عذب) : عيذاب، بالفتح بالصعيد، ونسبت إليها الصحراء.
وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (423- 424) .
[5] انظر «العبر» (5/ 233) و «عيون التواريخ» (20/ 120- 127) و «فوات الوفيات» (3/ 51-(7/483)
ولد سنة اثنتين وستمائة بمصر، وكان فاضلا، كثير الخير والصدقات، ذا مروءة.
ومن شعره:
بشرى لأهل الهوى عاشوا به سعدا ... وإن يموتوا فهم من جملة الشّهدا
شعارهم رقّة الشّكوى ومذهبهم ... أن الضّلالة تيه [1] في الغرام هدى
عيونهم في ظلام اللّيل ساهرة ... عبرى وأنفاسهم تحت الدّجى صعدا
تجرّعوا كأس خمر الحبّ مترعة ... ظلّوا سكارى فظنّوا غيّهم رشدا
وعاسل القدّ معسول مقبّله ... كالغصن لما انثنى والبدر حين بدا
نادمته وثغور البرق باسمة ... والغيث ينزل منحلّا ومنعقدا
كأنّ جلّق حيّا الله ساكنها ... أهدت إلى الغور [2] من أزهارها مددا
فاسترسل الجوّ منهلّا يزيد على ... ثوري [3] ويعقد محلول النّدى بردى
ومن شعره أيضا:
بين الجفون مصارع العشّاق ... فخذوا حذاركم من الأحداق
فهي السّهام بل السّيوف وإنّها ... أمضى وأنكى في حشا المشتاق
توفي- رحمه الله- في تاسع المحرم بدمشق، ودفن بقاسيون.
وفيها النّشبيّ المحدّث شمس الدّين أبو الحسن علي بن المظفّر بن
__________
56) و «البداية والنهاية» (13/ 197- 198) و «النجوم الزاهرة» (7/ 64- 65) و «الأعلام» (4/ 315) .
قلت: وسمي بالمشدّ لأنه تولى شدّ الدواوين بمصر والشام كما في «فوات الوفيات» و «النجوم الزاهرة» . ومعنى شدّ الدواوين: أن يكون صاحبها رفيقا للوزير، متحدثا في استخلاص الأموال، وما في معنى ذلك. انظر «صبح الأعشى» (4/ 22) .
[1] في «عيون التواريخ» : «فيه» .
[2] كذا في «آ» و «عيون التواريخ» : «إلى الغور» وفي «ط» : «إلى النور» وهو خطأ.
[3] تحرفت في «عيون التواريخ» إلى «نور» فتصحح و «ثوري» أحد فروع نهر بردى بدمشق.(7/484)
القاسم الرّبعي النّشبيّ الدمشقي [1] ، نائب الحسبة. سمع الكثير من الخشوعي، والقاسم بن عساكر، وخلق. وكان فصيحا، طيّب الصوت بالقراءة، كتب الكثير، وكان يؤدّب ثم صار شاهدا.
توفي في ربيع الأول وقد جاوز التسعين.
وفيها الشيخ علي الخبّاز [2] الزاهد، أحد مشايخ العراق. له زاوية وأتباع، وأحوال وكرامات.
وفيها ابن عوّه أبو حفص عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح الجزري [3] ، التّاجر السفّار العدل. حدّث بدمشق عن البوصيري، وتوفي في ذي الحجّة، وكان صالحا.
وفيها الموفق بن أبي الحديد أبو المعالي، القاسم بن هبة الله بن محمد بن محمد المدائني [4] المتكلم الأشعري، الكاتب المنشئ البليغ.
كان فقيها، أديبا، شاعرا، محسنا، مشاركا في أكثر العلوم. فمن شعره:
استر لثامك حتّى يستر اللّعس ... وقف ليبعد عن أعطافك الميس
إني أخاف على حسن حبيت به ... إصابة العين إنّ العين تختلس
يا غاصب الخشف أوصافا مكمّلة ... لم يبق للخشف إلّا السّوق والخنس
وفاضح البدر إنّ البدر مقتبس ... من التي هي من خدّيك تقتبس
معدّل الخلق لا طول ولا قصر ... مكمّل الخلق لا هين ولا شرس
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 233) ، و «سير أعلام النبلاء» (23/ 326) و «توضيح المشتبه» (1/ 500) .
[2] انظر «العبر» (5/ 233) و «البداية والنهاية» (13/ 213) و «غربال الزمان» ص (535) .
[3] انظر «العبر» (5/ 234) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 392) و «العبر» (5/ 234) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 274- 275 و 372) و «الوافي بالوفيات» (8/ 225- 226) و «فوات الوفيات» (1/ 154- 155) .(7/485)
حموه عن كلّ ما يشفى العليل به ... حتّى على طيفه من شكله حرس
قد كنت أبصر صبحا في محبته ... فعاد وهو بعيني كلّه غلس
توفي ببغداد في رجب.
وفيها الإمام شعلة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن الحسين الموصلي [1] الحنبلي المقرئ العلّامة، شارح «الشاطبية» . قرأ القرآن على أبي الحسن علي بن عبد العزيز الإربلي وغيره، وتفقه، وقرأ العربية، وبرع في الأدب والقراءات، وصنّف تصانيف كثيرة، ونظم الشعر الحسن.
قال الذهبي: كان شابا، فاضلا، ومقرئا محقّقا، ذا ذكاء مفرط، وفهم ثاقب، ومعرفة تامّة بالعربية واللغة، وشعره في غاية الجودة. نظم في الفقه، وفي التاريخ، وغيره. ونظم كتاب «الشّمعة في القراءات السّبعة» وكان- مع فرط ذكائه- صالحا، زاهدا، متواضعا. كان شيخنا التّقيّ المقصّاتي [2] يصف شمائله وفضائله، ويثني عليه. وكان قد حضر بحوثه.
وقال ابن رجب: له تصانيف كثيرة، أكثرها في القراءات، منها «شرح الشاطبية» وكتاب «الناسخ والمنسوخ» وكلامه فيه يدل على تحقيقه وعلمه، وله كتاب «فضائل الأئمة الأربعة» .
ومن نظمه قوله:
دع عنك ذكر فلانة وفلان ... واجنب لما يلهي عن الرّحمن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 234) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 360) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 671- 672) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 256- 258) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 80- 81) .
[2] هو شيخ القراء تقيّ الدّين أبو بكر ثابت بن محمد بن المشيّع الجزريّ المقصّاتيّ، سترد ترجمته في وفيات سنة (713) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى.(7/486)
واعلم بأنّ الموت يأتي بغتة ... وجميع ما فوق البسيطة فان
فإلى متى تلهو وقلبك غافل ... عن ذكر يوم الحشر والميزان؟
أتراك لم تك سامعا ما قد أتى ... في النّصّ بالآيات والقرآن؟
فانظر بعين الإعتبار ولا تكن ... ذا غفلة عن طاعة الدّيّان
واقصد لمذهب أحمد بن محمد ... أعني ابن حنبل الفتى الشّيباني
فهو الإمام مقيم دين المصطفى ... من بعد درس معالم الإيمان
أحيا الهدى وأقام في إحيائه ... متجرّدا للضرب غير جبان
تعلوه أسياط الأعادي وهو لا ... ينفكّ عن حقّ إلى بهتان
[ويقول عند الضّرب: لست بتابع ... يا ويحكم، لكم بلا برهان
ماذا أقول غدا لربّي إن أنا ... وافقتكم في الزّور والبهتان] [1]
وعدلت [2] عن قول النّبيّ وصحبه ... وجميع من تبعوه بالإحسان
أترون أني خائف من ضربكم ... لا والإله الواحد المنّان
كن حنبليّا ما حييت فإنّني ... أوصيك خير وصية الإخوان
ولقد نصحتك إن قبلت فأحمد ... زين الثّقات [3] وسيّد الفتيان
من ذا أقام كما [4] أقام إمامنا ... متجرّدا من غير ما أعوان
مستعذبا للمرّ في نصر الهدى ... متجرّعا لمضاضة السّلطان
وسلا بمهجته وبايع ربّه ... أن لا يطيع أئمة العدوان
وأقام تحت الضّرب حتّى إنه ... دحض الضّلال وفتنة الفتّان
وأتى برمح الحقّ يطعن في العدا ... أهل الضّلال وشرعة الشّيطان
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (176/ ب) واستدركته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «وعزلت» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «آ» و «ط» : «زين التقاة» وما أثبته من «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4] في «آ» و «ط» : «ماذا أقام وقد ... » وفي «المنتخب» : «ماذا أقول وقد ... » وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.(7/487)
من ذا لقي [1] ما قد لقيه من الأذى ... في ربّه من ساكني البلدان
فعلى ابن حنبل السّلام وصحبه ... ما ناحت الورقاء في الأغصان
إني لأرجو أن أفوز بحبّه ... وأنال في بعثي رضا الرّحمن
حمدا لربّي إذ هداني دينه ... وعلى شريعة أحمد أنشاني
واختار مذهب أحمد لي مذهبا ... ومن الهوى والغيّ قد أنجاني
من ذا يقوم من العباد بشكر ما ... أولاه سيّده من الإحسان
قال الذهبي: توفي في صفر بالموصل، وله ثلاث وثلاثون سنة، رحمه الله تعالى.
وفيها الأديب الفاضل سعد الدّين محمد بن الشيخ محيي الدّين محمد بن العربي الحاتمي الطّائي [2] .
ولد بملطية، وسمع الحديث، ودرّس. وله «ديوان» مشهور، وناب بدمشق.
ومن شعره في مليح رآه في الزيادة:
يا خليليّ في الزّيادة ظبي ... سلبت مقلتاه جفني رقاده
كيف أرجو السّلوّ عنه وطرفي ... ناظر حسن وجهه في الزّيادة
وله:
سهري من المحبوب أصبح مرسلا ... وأراه متّصلا بفيض مدامعي
قال الحبيب بأنّ ريقي [3] نافع ... فاسمع رواية مالك عن نافع
__________
[1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ماذا لقي» فتصحح.
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 186- 188) و «فوات الوفيات» (3/ 267- 271) - وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (686) - و «نفح الطيب» (2/ 170) و «الأعلام» (7/ 29) .
[3] في «آ» و «ط» : «ربعي» والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة (176/ ب) و «الوافي بالوفيات» .(7/488)
وله:
أشكو إلى الله علّام الخفيّات ... من جور ألحاظك المرضى الصحيحات
إن أنكرت هذه الأجفان ما صنعت ... سل عن دمي الوجنات العندميّات
روت لواحظها عن بابل خبرا ... ويلاه من سقم هاتيك الرّوايات
فيا جليسي بدا ما كنت أكتمه ... إنّ المجالس فاعلم بالأمانات
لله سرب ظباء من بني أسد ... حرّرت معهنّ أرباب المسرّات
حلّقت أحداقها بعدي وأوجهها ... كم من عيون تركناها وجنّات
توفي- رحمه الله تعالى- بدمشق، ودفن عند قبر أبيه بتربة بني الزّكي بقاسيون.
وفيها ابن الجرح أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري التّلمساني المالكيّ [1] نزيل الثّغر. كان من صلحاء العلماء، سمع بسبتة «الموطأ» من أبي محمد بن عبيد الله الحجري [2] ، وتوفي في ذي القعدة، عن ثنتين وتسعين سنة.
وفيها خطيب مردا الفقيه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسي النّابلسي [الحنبلي [3] .
ولد بمردا سنة ست وستين وخمسمائة ظنّا، وتفقه بدمشق، وسمع من
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 234) و «حسن المحاضرة» (1/ 457) .
[2] تقدمت ترجمته في المجلد السادس صفحة (500) فراجعها.
[3] انظر «العبر» (5/ 235) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 325- 326) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 267) .(7/489)
يحيى الثقفي] [1] وأحمد [بن] الموازييني، وبمصر من البوصيري وغير واحد، وتوفي بمردا في أوائل ذي الحجّة.
وفيها الفاسيّ الإمام أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن يوسف المغربي المقرئ [2] ، مصنف «شرح الشّاطبية» . قرأ على رجلين قرءا على الشّاطبي، وكان فقيها، بارعا، متفنّنا، متين الدّيانة، جليل القدر، تصدّر للإقراء بحلب مدة، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها الفقيه الزّاهد محيي الدّين أبو نصر محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن أبي صالح الحنبلي البغدادي [3] ، قاضي القضاة، عماد الدّين. سمع من والده، ومن الحسن بن علي بن المرتضى العلوي، وغيرهما. وطلب بنفسه، وقرأ وتفقّه. وكان عالما، ورعا، زاهدا، يدرّس بمدرسة جدّه ويلازم الاشتغال بالعلم إلى أن توفي.
ولما ولي أبوه قضاء القضاة، ولّاه القضاء والحكم بدار الخلافة، فجلس في مجلس الحكم مجلسا واحدا وحكم، ثم عزل نفسه ونهض إلى مدرستهم بباب الأزج، ولم يعد إلى ذلك تنزّها عن القضاء وتورعا.
وسمع منه الدّمياطي الحافظ، وحدّث عنه، وذكره في «معجمه» وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر شوال ببغداد، ودفن إلى جنب جدّه الشيخ عبد القادر بمدرسته، وكانت وفاته بعد انقضاء الواقعة.
وفيها ابن صلايا، الصّاحب تاج الدّين، أبو المكارم، محمد بن نصر ابن يحيى الهاشمي العلوي [4] ، نائب الخليفة بإربل. كان من رجال الدّهر
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 235) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 361) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 668- 669) و «غاية النهاية» (2/ 122- 123) و «غربال الزمان» ص (535) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 265- 266) .
[4] انظر «العبر» (5/ 236) و «الوافي بالوفيات» (5/ 128- 129) .(7/490)
عقلا، ورأيا، وهيبة، وعزما، وجودا، وسؤددا. قتله هولاكو [1] في ربيع الآخر بقرب تبريز [2] .
وفيها الفاضل الأديب نور الدّين محمد بن محمد بن رستم الإسعردي [3] الشاعر المشهور. كان قاضي القضاة ابن سني الدولة أجلسه تحت السّاعات شاهدا، فحضر يوما عند السلطان صلاح الدّين يوسف فأعجبته عبارته، فجعله نديما، وخلع عليه القباء والعمامة المذهبة، فأتى ثاني يوم بالعمامة المذهبة والقباء وجلس تحت السّاعات بين الشهود، وكان الغالب عليه المجون. وأفرد هزلياته في كتاب سماه «سلافة الزّرجون في الخلاعة والمجون» [4] .
وفيها فتح الدّين محمد بن عبد الصّمد بن عبد الله بن حيدرة السّلمي [5] . عرف بابن العدل، أحد الصّدور الأماثل. ولي حسبة دمشق إلى حين وفاته، وكان موصوفا بالعفاف، وجدّه محيي الدّين هو باني المدرسة بالزّبداني، وكان كثير البرّ والصدقة، له الأملاك الكثيرة، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها ابن شقير [6] ، الشيخ عفيف الدّين أبو الفضل المرجّى بن
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» بطبعتيه: «هولاوو» .
[2] كذا في «ط» و «العبر» : «بقرب تبريز» وفي «آ» : «بتبريز» .
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 188- 192) و «نكت الهميان» ص (255) و «فوات الوفيات» (3/ 271- 276) و «البداية والنهاية» (13/ 212) وقد تحرفت «الإسعردي» فيه إلى «الأشعري» فتصحح، و «عقد الجمان» (1/ 189) .
[4] قلت: ضمّنه هزليات من شعره، وضم إليها أشياء من نظم غيره. قال الصّفدي.
[5] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 257- 258) و «عيون التواريخ» (20/ 202- 203) و «البداية والنهاية» (13/ 213) .
[6] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» : «ابن شقير» وفي «سير أعلام النبلاء» و «معرفة القراء الكبار» :
«ابن شقيرا» وفي «غاية النهاية» : «ابن شقيرة» .(7/491)
الحسن بن هبة الله بن غزال الواسطي [1] المقرئ التّاجر السفّار.
ولد سنة إحدى وستين وخمسمائة بواسط، وقرأ القراءات على أبي بكر ابن الباقلّاني وأتقنها، وتفقه. وكان آخر من روى وحدّث عن أبي طالب الكتّاني.
وذكر الفاروثي [2] أنّه عاش إلى حدود هذه السنة.
وفيها ابن الشّقيشقة المحدّث، نجيب الدّين أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ مظفّر بن عقيل الشّيباني الدمشقي الصفّار [3] .
ولد بعد الثمانين وخمسمائة، وسمع من حنبل [4] ، وابن طبرزد، وخلق كثير. وروى «مسند أحمد» . وكان أديبا، ظريفا، عارفا بشيوخ دمشق ومروياتهم، لكن رماه أبو شامة بالكذب ورقة الدّين [5] . وكان جعله قاضي القضاة ابن سني الدولة عاقدا تحت السّاعات، فقال فيه البهاء بن الدجّاجية:
جلس الشّقيشقة الشّقيّ ليشهدا ... بأبيكما ماذا عدا فيما بدا
هل زلزل الزّلزال أم قد أخرج الدّ ... جال أم عدموا الرّجال أولي الهدى [6]
عجبا لمحلول العقيدة جاهل ... بالشّرع قد أذنوا له أن يعقدا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 236) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 329- 330) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 656- 657) و «غاية النهاية» : (2/ 293) .
[2] تحرف في «آ» و «ط» إلى «الفاروي» والصواب ما أثبته، وهو أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي الفاروثي، سترد ترجمته في وفيات سنة (694) من هذا المجلد.
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (201) و «العبر» (5/ 236- 237) و «ميزان الاعتدال» (4/ 254) و «عيون التواريخ» (20/ 205- 206) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) .
[4] في «آ» : «سمع ابن حنبل» وهو خطأ وما أثبته من «ط» و «العبر» و «ميزان الاعتدال» .
[5] انظر «ذيل الروضتين» ص (201) .
[6] رواية الشطرة الثانية من البيت في «ذيل الروضتين» :
أم عدم الرجال ذوو الهدى.(7/492)
ولابن الشّقيشقة لغز في الواو والميم والنّون، وهو:
أوّله آخره ... وبعضه جميعه
ثلاثة حروفه ... وواحد مجموعه
إن شئت أن تعكسه ... فلست [1] تستطيعه
توفي في جمادى الآخرة ووقف داره بدمشق دار حديث.
وفيها الصّرصري الشيخ العلّامة القدوة أبو زكريا يحيى بن يوسف ابن يحيى الصّرصري [2] الأصل- نسبة إلى صرصر بفتح الصادين المهملتين، قرية على فرسخين من بغداد- كان إليه المنتهى في معرفة اللّغة وحسن الشعر، «وديوانه» ومدائحه سائرة [3] ، وكان حسّان وقته.
ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وقرأ القرآن بالرّوايات على أصحاب ابن عساكر البطائحي [4] . وسمع الحديث من الشيخ علي بن إدريس اليعقوبي الزاهد، صاحبه الشيخ عبد القادر، وصحبه، وتسلّك به، ولبس منه الخرقة وأجاز له الشيخ عبد المغيث الحربي وغيره، وحفظ الفقه واللغة، ويقال: إنه كان يحفظ «صحاح» الجوهري بكمالها. وكان يتوقّد ذكاء،
__________
[1] علق الأستاذ حسام الدّين القدسي، رحمه الله تعالى،- ناشر الطبعة السابقة من الكتاب- بقوله: لعل الصواب «فأنت» لأن هذه الحروف لا تتغير إذا قرئت طردا وعكسا.
[2] انظر «العبر» (5/ 237) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «نكت الهميان» ص (308) و «فوات الوفيات» (4/ 298- 319) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 262- 263) .
[3] قال العلّامة الزركلي في «الأعلام» (8/ 177) : له ديوان صغير، ومنظومات في الفقه وغيره، منها: قصيدة دالية في الفقه الحنبلي (2774) بيتا، شرحها محمد بن أيوب التّاذفي في مجلدين، و «المنتقى من مدائح الرسول صلى الله عليه وسلم» لعله المسمى «المختار من مدائح المختار» .
[4] هو علي بن عساكر بن المرحّب البطائحي، تقدمت ترجمته في المجلد السادس صفحة (400) .(7/493)
ويقال: إن مدائحه في النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- تبلغ عشرين مجلدا، وقد نظم في الفقه «مختصر الخرقي» و «زوائد الكافي» ونظم في العربية، وفي فنون شتى وكان صالحا، قدوة، كثير التّلاوة، عظيم الاجتهاد، صبورا، قنوعا، محبّا لطريقة الفقراء ومخالطتهم. وكان يحضر معهم السماع ويرخص في ذلك، وكان شديدا في السّنّة، منحرفا على المخالفين لها. وشعره مملوء بذكر أصول السّنّة ومدح أهلها وذمّ مخالفيها.
قال ابن رجب: وكان قد رأى النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في منامه، وبشّره بالموت على السّنّة. ونظم في ذلك قصيدة طويلة معروفة.
وسمع منه الحافظ الدّمياطي، وحدّث عنه، وذكره في «معجمه» .
ولما دخل التتار بغداد، كان الشيخ بها فلما دخلوا عليه قاتلهم وقتل منهم بعكّازه نحو اثني عشر نفسا، ثم قتلوه شهيدا برباط الشيخ علي الخبّاز، وحمل إلى صرصر فدفن بها.
وفيها محيى الدّين بن الجوزي، الصّاحب العلّامة سفير الخلافة أبو المحاسن يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرّحمن بن علي بن محمد التيمي الكبري البغدادي الحنبلي [1] ، أستاذ دار المستعصم بالله.
ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وسمع من أبيه وذاكر بن كامل، وابن بوش، وطائفة. وقرأ القرآن بواسط على ابن الباقلاني، وكان كثير المحفوظ، قويّ المشاركة في العلوم، وافر الحشمة.
قال ابن رجب: قرأ القرآن بالروايات العشر على ابن الباقلّاني، وقد جاوز العشر سنين من عمره، ولبس الخرقة من الشيخ ضياء الدّين بن سكينة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 372- 374) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 258- 261) و «عقد الجمان» (1/ 175) .(7/494)
واشتغل بالفقه، والخلاف، والأصول. وبرع في ذلك. وكان أشهر فيه من أبيه، ووعظ من صغره على قاعدة أبيه، وعلا أمره، وعظم شأنه، وولي الولايات الجليلة ثم عزل عن جميع ذلك. وانقطع في داره يعظ، ويفتي، ويدرّس. ثم أعيد إلى الحبسة.
وقال ابن السّاعي: ظهرت عليه آثار العناية الإلهية مذ كان طفلا، فعني به والده، فأسمعه الحديث، ودرّبه في الوعظ، وبورك له في ذلك، وبانت عليه آثار السعادة.
وتوفي والده وعمره سبع عشرة سنة، فكفلته والدة الإمام النّاصر، وتقدمت له بالجلوس للوعظ على عادة والده عند تربتها، بعد أن خلعت عليه. فتكلم بما بهر به الحاضرين، ولم يزل في ترقّ وعلوّ، كامل الفضائل، معدوم الرّذائل، أرسله الخليفة إلى ملوك الأطراف فاكتسب مالا كثيرا، وأنشأ مدرسة بدمشق، وهي المعروفة بالجوزية، ووقف عليها أوقافا كثيرة، ولم يزل في ترقّ إلى أن قتل صبرا بسيف الكفّار شهيدا عند دخول هولاكو [1] إلى بغداد بظاهر سور كلواذى، وقتل معه أولاده الثلاثة:
الشيخ جمال الدّين أبو الفرج عبد الرّحمن [2] ، وكان فاضلا، بارعا، واعظا، له تصانيف. قتل وقد جاوز الخمسين.
وشرف الدّين عبد الله [3] ، ولي الحسبة أيضا، ثم تزهّد عنها ودرّس وتاج الدّين عبد الكريم [4] . ولي الحسبة أيضا لما تركها أخوه ودرّس، وقتل ولم يبلغ عشرين سنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 261- 262) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 262) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 262) .(7/495)
ومن مصنفات يوسف المذكور [1] «معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز» ، و «المذهب الأحمد في مذهب أحمد» ، و «الإيضاح في الجدل» .
وسمع منه [2] خلق، منهم الحافظ الدّمياطي.
__________
[1] رجع المؤلف إلى الكلام على «يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي» .
[2] في «آ» و «ط» : «منهم» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/496)
سنة سبع وخمسين وستمائة
فيها دخل هولاكو [1] ديار بكر قاصدا حلب، ونزل على آمد، وأرسل يطلب الملك السعيد صاحب ماردين، فسيّر إليه ولده، وقاضي البلد مهذّب الدّين محمد بن مجلّي بهدية واعتذر أنه ضعيف، فلم يقبل منه، وقبض على ولده. وسيّر إلى الملك يستحثه، فعظمت الأراجيف [2] وعدوا الفرات، وخرج أهل الشّام جافلين منهم، وخرج الملك النّاصر بعساكره لملتقى التتار، فنزل على برزة [3] ، واجتمع إليه أمم عظيمة، من عرب، وعجم، وأكراد مطوّعة.
وكان هولاكو [4] قد قدم في خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى، فنزل على حرّان، وسيّر ولده أشموط إلى الشام، فوصل إلى حلب وبها بوران شاه بن السلطان صلاح الدّين، وكانت في غاية التحصين، فنزل التتار على السليمة. [5] وامتدوا إلى حيلان [6] ، فخرج عسكر حلب ومعهم خلق، فولّت التتار منهم مكرا
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» : «هولاوو» .
[2] الأراجيف: جمع إرجاف، وهي الأخبار. انظر «مختار الصحاح» (رجف) .
[3] برزة: قرية صغيرة إلى الشمال الشرقي من دمشق، تحولت في أيامنا إلى بلدة صغيرة. انظر «معجم البلدان» (1/ 382- 383) .
[4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[5] في «آ» : «إلى المسلمية» وهو خطأ.
[6] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «جيلان» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (7/ 75) . قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 332) : حيلان: من قرى حلب، تخرّج منها عين فوّارة كثيرة الماء تسيح إلى حلب وتدخل إليها في قناة وتتفرق إلى الجامع وإلى جميع مدينة حلب.(7/497)
وخديعة، فتبعهم العسكر والعوام، فرجعوا عليهم فانكسر المسلمون، وتبعوهم إلى أبواب حلب يقتلون ويأسرون، ونزل التتار بظاهر حلب وهي مغلّقة الأبواب.
وفيها توفي نجم الدّين أبو إسحاق وأبو طاهر إبراهيم بن محاسن بن عبد الملك بن علي بن منجّا التّنوخي الحموي ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي الأديب الكاتب. سمع من ابن طبرزد، والكندي، وغيرهما.
توفي في العشر الأواخر من المحرم بتل ناشّر من أعمال حلب، ودفن به، رحمه الله.
وفيها الشيخ مجد الدّين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي غالب الإربلي النّحوي الحنبلي [2] المعدّل. سمع بإربل من محمد بن هبة الله [بن الكرم الصّوفي] ، وسكن دمشق، وحدّث بها، واشتغل مدة في العربية بالجامع. وقرأ عليه جماعة من الأصحاب وغيرهم، منهم: الفخر البعلبكي، وابن الفركاح، وتوفي في نصف صفر بدمشق.
وفيها الرئيس صدر الدّين أبو الفتح أسعد بن عثمان بن المنجّا التّنوخي الدمشقي الحنبلي [3] واقف المدرسة الصّدرية بدمشق، ودفن بها.
ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بدمشق، وسمع بها من حنبل، وابن طبرزد. وحدّث. وكان أحد المعدّلين ذوي الأموال والثروة والصدقات، وولي نظر الجامع مدة، وثمّر له أموالا كثيرة، واستجدّ في ولايته أمورا.
توفي في تاسع عشر شهر رمضان.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 267- 268) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3] انظر «العبر» (5/ 239) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 375) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268) و «النجوم الزاهرة» (7/ 71) .(7/498)
وفيها ابن تامتّيت [1] أبو العبّاس أحمد بن محمد بن الحسن اللّواتي الفاسي [2] المحدّث المعمّر، نزيل القاهرة. كان صالحا، عالما، خيرا. روى بالإجازة العامّة عن أبي الوقت [السّجزي] .
قال الشريف عز الدّين: مولده فيما بلغنا في المحرّم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وتوفي في رابع المحرّم، رحمه الله.
وفيها أبو الحسين بن السرّاج، المحدّث الكبير، مسند المغرب، أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي [3] .
ولد سنة ستين وخمسمائة، وسمع من ابن بشكوال، وعبد الله بن زرقون، وطائفة. وتفرّد في زمانه. وكانت الرحلة إليه بالمغرب، وتوفي في سابع صفر.
وفيها ابن اللّمط شمس الدّين أبو محمد عبد الله بن يوسف الجذامي المصري [4] .
رحل مع ابن دحية، وسمع من أبي جعفر الصيدلاني، وعبد الوهاب بن سكينة، وتوفي في ربيع الآخر، وله خمس وثمانون سنة.
وفيها صاحب الموصل الملك الرّحيم بدر الدّين لؤلؤ الأرمني
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «تاميت» وتحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ما متّيت» فتصحح. قال الصفدي في «الوافي بالوفيات» : تامتّيت: بتاء ثالثة الحروف ومثلها بعد الميم مشدّدة ومثلها بعد الياء آخر الحروف.
[2] انظر «العبر» (5/ 238) و «الوافي بالوفيات» (7/ 384) و «مرآة الجنان» (4/ 148) .
[3] انظر «العبر» (5/ 239) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 331- 332) و «النجوم الزاهرة» (7/ 71) .
[4] انظر «العبر» (5/ 239) .(7/499)
الأتابكي [1] مملوك نور الدّين أرسلان شاه بن عز الدّين مسعود، صاحب الموصل. كان مدبّر دولة أستاذه ودولة ولده القاهر مسعود، فلما مات القاهر سنة خمس عشرة وستمائة، أقام بدر الدّين ولد القاهر صورة، وبقي أتابكه مدة، ثم استقلّ بالسلطنة، وكان صارما، شجاعا، مدبّرا، خبيرا. توفي في شعبان، وقد نيّف على الثمانين، وانخزم [2] نظام بلده من بعده.
ومنها ابن الشّيرجي الصّدر نجم الدّين مظفّر بن محمد بن إلياس الأنصاري الدمشقي [3] . ولي تدريس العصرونية والوكالة، وحدّث عن الخشوعي وجماعة، وولي أيضا الحسبة ونظر الجامع، وتوفي في آخر السنة.
وفيها العدل بهاء الدّين محمد بن مكّي القرشي الصّالحي، عرف بابن الدّجاجيّة [4] . كان فاضلا، وله نظم جيد [5] .
وفيها الشيخ يوسف القمّيني المولّه [6] .
قال الذهبي في «العبر» الذي تعتقده العامة أنه وليّ الله [7] ، وحجّتهم الكشف والكلام على الخواطر. وهذا شيء يقع من الكاهن والرّاهب والمجنون الذي له قرين من الجنّ، وقد كثر هذا في عصرنا، والله المستعان.
وكان يوسف يتنجّس ببوله ويمشي حافيا ويأوي أقميم [8] حمّام نور الدّين ولا يصلي. انتهى.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 240) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 356- 358) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «وانخرط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 240) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 403) .
[4] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 58- 59) و «النجوم الزاهرة» (7/ 71) .
[5] انظر نموذجا من شعره في ص (492) من هذا المجلد.
[6] انظر «ذيل الروضتين» ص (202) و «العبر» (5/ 240) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 302- 303) و «البداية والنهاية» (13/ 216) وعنده «كان يعرف بالأقميني» .
[7] في «العبر» بطبعتيه: «أنه وليّ» .
[8] في «العبر» بطبعتيه: «قمين» .(7/500)
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان يأوي القمامين والمزابل، وغالب إقامته بإقميم حمّام نور الدّين بسوق القمح [1] ، وكان يلبس ثيابا طوالا تكنس الأرض، ولا يلتفت إلى أحد والناس يعتقدون فيه الصلاح، ويحكون عنه عجائب وغرائب، ودفن بتربة المولّهين بسفح قاسيون، ولم يتخلف عن جنازته إلّا القليل. انتهى.
__________
[1] قلت: المعروف أن حمّام نور الدّين يقع في سوق البزوريين أو ما يعرف في أيامنا بسوق البزورية وقد رقّم حديثا. انظر «عدة الملمات في تعداد الحمّامات» ضمن كتاب «رسائل دمشقية» لابن المبرد ص (38) بتحقيق الأستاذ صلاح محمد الخيمي، طبع دار ابن كثير.(7/501)
سنة ثمان وخمسين وستمائة
في المحرّم قطع هولاكو [1] الفرات، ونهب نواحي حلب، وأرسل متوليها توران شاه [2] ابن السلطان صلاح الدّين بأنكم تضعفون عنّا ونحن نقصد سلطانكم النّاصر. فاجعلوا لنا عندكم شحنة بالقلعة وشحنة بالبلد، فإن انتصر علينا النّاصر فاقتلوا الشحنتين أو أبقوهما، وإن انتصرنا فحلب والبلاد لنا، وتكونون آمنين. فأبى عليه توران شاه [2] ، فنزل على حلب في ثاني صفر فلم يصبح عليهم الصباح إلّا وقد حفروا عليهم خندقا عمق قامة، وعرض أربعة أذرع، وبنوا حائطا ارتفاع خمسة أذرع، ونصبوا عشرين منجنيقا، وألحوا بالرّمي، وشرعوا في نقب السّور.
وفي تاسع صفر ركبوا الأسوار [3] ووضعوا السيف يومهم ومن الغد واحتمى [4] في حلب أماكن [سلم] فيها نحو خمسين ألفا، واستتر خلق. وقتل أمم لا يحصون، وبقي القتل والسبيّ خمسة أيام. ثم نودي برفع السيف، وأذّن المؤذّن يومئذ يوم الجمعة بالجامع، وأقيمت الجمعة بأناس، ثم أحاطوا بالقلعة وحاصروها.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] في «آ» و «ط» : «بوران شاه» والتصحيح من «العبر» وانظر «وفيات الأعيان» (1/ 306) .
[3] في «ط» : «ركبوا للأسوار» وهو خطأ.
[4] في «العبر» : «وأحمى» .(7/502)
ووصل الخبر يوم السبت إلى دمشق، فهرب النّاصر، ودخلت يومئذ رسل هولاكو [1] ، وقرئ الفرمان بأمان دمشق.
ثم وصل نائب هولاكو، فتلقاه الكبراء، وحملت أيضا مفاتيح حماة إلى هولاكو، وسار صاحبها والنّاصر إلى نحو غزّة، وعصت قلعة دمشق، فحاصرتها التتار وألحّوا بعشرين منجنيقا على برج الطارمة فتشقق، وطلب أهلها الأمان، فأمّنهم [2] وسكنها النائب كتبغا، وتسلّموا بعلبك وقلعتها، وأخذوا نابلس ونواحيها بالسيف، ثم ظفروا بالملك، وأخذوه بالأمان وساروا به إلى هولاكو [3] ، فرعى له مجيئه، وبقي في خدمته أشهرا، ثم قطع الفرات راجعا، وترك بالشام فرقة من التتار.
وأما المصريّون فتأهبوا وشرعوا في المسير من نصف شعبان، وثارت النصارى بدمشق، ورفعت رؤوسها، ورفعوا الصليب، ومرّوا به، وألزموا النّاس بالقيام له من حوانيتهم في الثاني والعشرين من رمضان، ووصل جيش الإسلام وعليهم الملك المظفّر، وعلى مقدمته [4] ركن الدّين البندقداري، فالتقى الجمعان على عين جالوت غربي بيسان، ونصر الله دينه، وقتل في المصافّ مقدّم التتار كتبغا وطائفة من أمراء المغول، ووقع بدمشق النّهب والقتل في النصارى، وأحرقت كنيسة مريم، وعيّد المسلمون على خير عظيم، وساق البندقداري وراء التتار إلى حلب، وخلت من القوم الشام، وطمع البندقداري في أخذ حلب، وكان وعده بها المظفّر، ثم رجع، فتأثّر وأضمر [5] الشرّ، فلما رجع المظفّر بعد شهر إلى مصر مضمرا للبندقداريّ
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] في «العبر» : «فأمنوهم» .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[4] في «العبر» : «وعلى مقدمتهم» .
[5] في «آ» و «ط» : «وأضمن» وما أثبته من «العبر» .(7/503)
الشّرّ، فوافق ركن الدّين على مراده عدّة أمراء. وكان الذي ضربه بالسيف فحلّ كتفه بكتوت الجوكندار المعزّي [1] ثم رماه بهادر المعزّيّ [1] بسهم قضى عليه، وذلك يوم سادس عشر ذي القعدة بقرب قطية [2] وتسلطن ركن الدّين البندقداري الملك الظّاهر بيبرس.
وفي آخر السنة كرّت التتار على حلب، واندفع عسكرها بين أيديهم، فدخلوا إليها وأخرجوا من بها ووضعوا فيهم السّيف.
وفيها توفي ابن سني الدولة قاضي القضاة صدر الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي الشافعي [3] .
ولد سنة تسعين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي وجماعة، وتفقّه على أبيه قاضي القضاة شمس الدّين، وعلى فخر الدّين بن عساكر، وقلّ من نشأ مثله في صيانته وديانته واشتغاله، ناب عن أبيه، وولي وكالة بيت المال، ودرّس بالإقبالية وغيرها، ثم استقلّ بمنصب القضاء مدة، ثم عزل واستمر على تدريس الإقبالية والجاروخية، وقد درّس بالعادلية الكبيرة والناصرية، وهو أول من درّس بها، وخرّج له الحافظ الدّمياطي «معجما» .
قال الذهبي: وكان مشكور السيرة في القضاء، لين الجانب، حسن المداراة والاحتمال، رجع من عند هولاكو [4] متمرضا فأدركه الموت ببعلبك في جمادى الآخرة، وله ثمان وستون سنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المغربي» والتصحيح من «العبر» .
[2] انظر «معجم البلدان» (4/ 378) .
[3] انظر «العبر» (5/ 244) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 41) و «البداية والنهاية» (13/ 224) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 126) .
[4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .(7/504)
وفيها نجيب الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن خليل الدّمشقي الأدمي [1] .
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمّعه أخوه من عبد الرحمن [بن علي] الخرقي، ويحيى الثّقفي، وجماعة. وحدّث بدمشق وحلب، وعدم بها في صفر.
وفيها أبو طالب تمّام السّروري بن أبي بكر بن أبي طالب الدمشقي الجندي [2] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من يحيى الثّقفي، وتوفي في رجب.
وفيها الملك المعظّم أبو المفاخر [ابن السلطان الكبير] صلاح الدّين توران شاه [3] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من يحيى الثّقفي، وابن صدقة الحرّاني، وأجاز له عبد الله بن برّي، وكان كبير البيت الأيوبي. وكان السلطان يجلّه ويتأدّب معه. سلّم قلعة حلب لمّا عجز بالأمان، وأدركه الموت إثر ذلك، فتوفي في ربيع الأول، وله ثمانون سنة.
وفيها الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل [4] صاحب الصّبيبة وبانياس. تملّك سنة إحدى وثلاثين بعد أخيه الملك الظّاهر إلى سنة
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 244) - وما بين الحاصرتين زيادة منه- و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 340) و «العبر» (5/ 244) وقد تحرفت «السّروري» فيه وفي طبعة بيروت منه إلى «المسروي» فتصحح.
[3] انظر «العبر» (5/ 245) - وما بين الحاصرتين مستدرك منه- و «سير أعلام النبلاء» (23/ 340) و «عقد الجمان» (1/ 277) .
[4] انظر «العبر» (5/ 245- 246) و «عقد الجمان» (1/ 277) .(7/505)
بضع وأربعين، فأخذ الصّبيبة منه الملك الصّالح وأعطاه إمرة مصر، فلما قتل المعظّم بن الصّالح، ساق إلى غزّة وأخذ ما فيها، وأتى [1] الصّبيبة، فتسلّمها، فلما تملّك الملك النّاصر دمشق، قبض عليه وسجنه بإلبيرة [2] ، فلما أخذ هولاكو [3] البيرة أحضر إليه بقيوده، فأطلقه وخلع عليه، وسلّم إليه الصّبيبة، وبقي في خدمة كتبغا بدمشق، وكان بطلا شجاعا، قاتل يوم عين جالوت، فلما انهزمت التتار جيء به إلى الملك المظفّر فضرب عنقه [4] .
وفيها المحبّ عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السّعدي المقدسي الصّالحي [5] الحنبلي المحدّث. مفيد الجبل. روى عن الشيخ الموفق، وابن البنّ، وابن الزّبيدي، ورحل إلى بغداد، فسمع من القبيطي، وابن الفخّار، وطبقتهما. وكتب الكثير، وعني بالحديث أتمّ عناية.
وأكثر السّماع والكتابة. وتوفي في ثاني عشري جمادى الآخرة، وله أربعون سنة.
وفيها ابن الخشوعي أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم الدمشقي [6] . سمع من يحيى الثّقفي وأبيه، وعبد الرزاق النّجار. وأجاز له السّلفي وطائفة، وتوفي في أواخر صفر.
وفيها العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي
__________
[1] في «ط» : «وأخذ» وما جاء في «آ» موافق لما في «العبر» مصدر المؤلف.
[2] البيرة: بلد على شاطئ الفرات من أرض الجزيرة فوق جسر منبج. انظر «مراصد الاطلاع» .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[4] زاد العيني في «عقد الجمان» : لأنه كان قد لبس سراقوج- لباس الرأس عند التتار- فناصحهم.
[5] انظر «العبر» (5/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 375- 376) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268- 269) .
[6] انظر «العبر» (5/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 343) و «عيون التواريخ» (20/ 237) وقد تحرفت «عبد الله» فيه إلى «عبد الرحمن» ، و «النجوم الزاهرة» (7/ 91) .(7/506)
الجمّاعيلي الحنبلي الصّالحي [1] المؤدّب. سمع من يحيى الثّقفي، وأحمد ابن الموازيني، وجماعة. وتوفي في ربيع الأول.
وفيها ابن العجمي أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الحلبي الشّافعي [2] .
روى عن يحيى الثّقفي، وابن طبرزد. ودرّس وأفتى. عذّبه التتار على المال حتّى هلك في الرابع والعشرين من صفر.
وفيها الملك المظفّر سيف الدّين قطز [3] ، أحد مماليك المعزّ أيبك التّركماني، صاحب مصر. كان بطلا، شجاعا، حازما. كسر التتار كسرة جبر بها الإسلام، فجزاه الله عن الإسلام خيرا، ولم يخلّف ولدا ذكرا.
حكى الأمير البركة خاني [4] قال: كان المظفّر خشداشي [5] عند الهيجاوي، وكان عليه قمل كثير، فكنت أسرّحه، وكلما قتلت قملة آخذ منه فلسا أو أصفعه، فبينا أنا أسرّحه ذات يوم، قلت: والله أشتهي إمرة خمسين.
فقال لي: طيّب قلبك، أنا أعطيك إمرة خمسين، فصفعته وقلت: ويلك، أنت تعطيني إمرة خمسين! قال: نعم، فصفعته. فقال لي: أيش يلزم لك [6] إلّا إمرة خمسين، وأنا والله أعطيك ذلك. فقلت له: وكيف ذلك؟ قال: أنا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 246- 247) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 339- 341) و «الوافي بالوفيات» (18/ 83) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) .
[2] انظر «العبر» (5/ 247) و «سير أعلام النبلاء» (13/ 348- 349) و «البداية والنهاية» (13/ 225) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 440) .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (210) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 200- 201) و «العبر» (5/ 247) و «البداية والنهاية» (13/ 225- 226) .
[4] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «البردجاني» ، والتصحيح من «عيون التواريخ» (20/ 241) و «النجوم الزاهرة» (7/ 88) .
[5] قال الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله في كتابه «معجم الألفاظ التاريخية» ص (68- 69) : الخشداش: لفظ فارسيّ معناه الزميل في الخدمة، والخشداشية: هم الأمراء الذين نشؤوا مماليك عند سيد واحد.
[6] في «آ» و «ط» : «أيش عليك لك» وما أثبته من «النجوم الزاهرة» .(7/507)
أملك الدّيار المصرية وأكسر التتار وأعطيك الذي طلبت، فقلت له: أنت مجنون بقملك تملك الدّيار المصرية؟ قال: نعم. رأيت النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في النّوم، فقال لي: «أنت تملك مصر وتكسر التتار» وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّ لا شكّ فيه، وجرى ذلك.
وقال له منجم بمصر، وللملك الظّاهر بيبرس بعد أن اختبر نجم كل واحد منهما، فقال للملك المظفّر: أنت تملك مصر وتكسر التتار، فاستهزؤوا به. وقال للملك الظاهر: وأنت أيضا تملك الدّيار المصرية وغيرها، فاستهزؤوا به. فكان كما قال. وهذا من عجيب الاتفاق.
وكان المظفّر بطلا، شجاعا ديّنا، مجاهدا، انكسرت التتار على يديه واستعاد منهم الشام. وكان أتابك الملك المنصور علي ولد أستاذه، فلما رآه لا يغني شيئا عزله، وقام في السلطنة. وكان شابّا، أشقر، وافر اللّحية.
ذكر أنه قال أنا محمود بن ممدود ابن أخت السلطان خوارزم شاه، وأنه كان مملوكا لتاجر في القصاعين بمصر.
وفيها شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني الحنبلي الحافظ [1] .
ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بيونين، ولبس الخرقة من الشيخ عبد الله البطائحي عن الشيخ عبد القادر، وربّاه الشيخ عبد الله اليونيني، وتفقه على الشيخ الموفق. وسمع من الخشوعي، وحنبل. وكان يكرر على الجمع بين «الصحيحين» وعلى أكثر «مسند أحمد» ونال من الحرمة والتقدم ما لم ينله أحد. وكانت الملوك تقبّل يده وتقدم مداسه. وكان إماما، علّامة، زاهدا، خاشعا لله، قانتا له، عظيم الهيبة، منوّر الشّيبة، مليح الصّورة، حسن السّمت والوقار، صاحب كرامات وأحوال.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 248) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 269- 273) .(7/508)
قال ولده موسى قطب الدّين، صاحب «التاريخ» المشهور [1] : حفظ والدي «الجمع بين الصحيحين» وأكثر «مسند الإمام أحمد» وحفظ «صحيح مسلم» في أربعة أشهر، وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد، وحفظ ثلث «مقامات الحريري» في بعض يوم.
وقال عمر بن الحاجب الحافظ: لم ير في زمانه مثل نفسه في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة، وكان حسن الخلق والخلق، نفّاعا [للخلق] [2] ، مطرحا للتكلف. وكان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد على سبعين حديثا. وكان لا يرى إظهار الكرامات ويقول: كما أوجب الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات أوجب على الأولياء إخفاء الكرامات.
ويروى عن الشيخ عثمان [3] ، شيخ دير ناعس- وكان من أهل الأحوال- قال: قطب الشيخ الفقيه ثمان عشرة سنة. وتزوّج ابنة الشيخ عبد الله اليونيني، وهي أول زوجاته. وروى عنه ابناه أبو الحسين الحافظ، والقطب المؤرّخ، وغيرهما.
وتوفي ليلة تاسع عشر رمضان ببعلبك، ودفن عند شيخه عبد الله اليونيني، رحمة الله عليهما.
وفيها الأكّال الشيخ محمد بن خليل الحوراني ثم الدّمشقي [4] .
عاش ثمانيا وخمسين سنة، وكان صالحا، خيّرا، مؤثرا، لا يأكل لأحد شيئا إلّا بأجرة، وله في ذلك حكايات.
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 38- 71) طبع حيدرآباد.
[2] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (650) ص (436) من هذا المجلد فراجعها.
[4] انظر «العبر» (5/ 248) «الوافي بالوفيات» (3/ 49- 50) و «فوات الوفيات» (3/ 351- 352) و «عيون التواريخ» (20/ 245) .(7/509)
وفيها ابن الأبّار الحافظ العلّامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي الأندلسي البلنسي [1] ، الكاتب الأديب، أحد أئمة الحديث. قرأ القراءات، وعني بالأثر، وبرع في البلاغة والنظم والنثر. وكان ذا جلالة ورئاسة. قتله صاحب تونس ظلما في العشرين من المحرّم، وله ثلاث وستون سنة.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجمّاعيلي الحنبلي [2] . سمع من محمد بن حمزة بن أبي الصقر، وعبد الرزاق النجّار، ويحيى الثّقفي، وغيرهم. وكان آخر من روى بالإجازة عن شهدة، وهو شيخ صالح متعفف، تال لكتاب الله تعالى، يؤمّ بمسجد ساوية [3] من عمل نابلس، فاستشهد على يد التتار في جمادى الأولى، وقد نيّف على التسعين. قاله الذهبي.
وفيها الملك الكامل ناصر الدّين محمد بن الملك المظفّر شهاب الدّين غازي بن العادل [4] ، صاحب ميّافارقين. ملك سنة خمس وأربعين وستمائة، وكان عالما، فاضلا، شجاعا، عادلا، محسنا إلى الرعية. ذا عبادة وورع، ولم يكن في بيته من يضاهيه، حاصرته التتار عشرين شهرا حتى فني أهل البلد بالوباء والقحط، ثم دخلوا وأسروه، فضرب هولاكو [5] عنقه بعد
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 248) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 336- 339) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) .
[2] انظر «العبر» (5/ 249) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 342- 343) و «الوافي بالوفيات» (4/ 61) .
[3] قال الأستاذ الفاضل محمد محمد شرّاب في كتابه القيم «معجم بلدان فلسطين» ص (442) :
السّاوية: قرية تقع جنوب شرقي نابلس على بعد ثمانية عشر كيلو مترا منها.
[4] انظر «العبر» (5/ 249- 250) و «الوافي بالوفيات» (4/ 306- 307) .
[5] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .(7/510)
أخذ حلب، وطيف برأسه، ثم علّق رأسه [1] على باب الفراديس، ثم دفنه المسلمون بمسجد الرأس داخل الباب.
قال الذّهبيّ: بلغني أنّ التتار دخلوا البلد- أي ميّافارقين- فوجدوا به سبعين نفسا بعد ألوف كثيرة.
وفيها الضّياء القزويني الصّوفي، أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن محمد [2] .
ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بحلب، وروى عن يحيى الثّقفي.
وفيها الشيخ الزّاهد الكبير أبو بكر [3] بن قوام بن علي بن قوام البالسي.
كان زاهدا، عابدا، قدوة، صاحب حال وكشف وكرامات. وله زاوية وأتباع.
ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وتوفي في سلخ رجب من هذه السنة ببلاد حلب، ثم نقل تابوته ودفن بجبل قاسيون في أول سنة سبعين وستمائة، وقبره ظاهر يزار. قاله الذهبي.
وقال غيره [4] : كان شافعيّ المذهب، أشعريّ العقيدة.
ولد بمشهد صفّين، ثم انتقل إلى مدينة بالس، وصفين وبالس غربي الفرات، وببالس نشأ. وقد ألّف حفيده الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ أبي
__________
[1] لفظة «رأسه» لم ترد في «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 250) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 349- 350) .
[3] كذا ذكره بكنية الذهبي في «العبر» (5/ 250) والسّبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 401- 418) واليونيني في «ذيل مرآة الزمان» (1/ 392- 411) وابن طولون في «القلائد الجوهرية» (1/ 292) .
[4] يريد الحافظ السّبكي لأنه ترجم له في كتابه «طبقات الشافعية الكبرى» والكلام منقول عنه.(7/511)
بكر المذكور في مناقبه مؤلّفا حسنا، فمن أراد استقصاء محاسنه وكراماته فليراجعه.
وفيها حسام الدّين الهذبانيّ [1] أبو علي محمد بن علي الكردي، من كبار الدولة وأجلائها. كان له اختصاص زائد بالملك الصّالح نجم الدّين، وناب في سلطنة دمشق له، ثم في سلطنة مصر. وحجّ سنة تسع وأربعين، ثم أصابه في آخر عمره صرع وتزايد به حتّى مات.
ولد بحلب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وله شعر جيّد.
وفيها أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي [ثم المصري الحنبلي اللبّان [2] . سمع من عمّ جدّه عبد الله الأرتاحي] [3] ، وتفرّد بالإجازة من المبارك، وكان صالحا، متعففا. روى عنه الزّكي عبد العظيم [4] مع تقدّمه. توفي بمصر في جمادى الآخرة.
__________
[1] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الهدناني» والتصحيح من «العبر» (5/ 251) مصدر ترجمته، و «النجوم الزاهرة» (7/ 93) .
[2] انظر «العبر» (5/ 251) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 350) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[4] يعني بذلك الحافظ المنذري.(7/512)
سنة تسع وخمسين وستمائة
في محرّمها اجتمع خلق من التتار الذين نجوا من يوم عين جالوت، والذين كانوا بالجزيرة، فأغاروا على حلب، ثم ساقوا إلى حمص، لما بلغهم مصرع الملك المظفّر، فصادفوا على حمص حسام الدّين الجو كندار، والمنصور صاحب حماة، والأشرف صاحب حمص في ألف وأربعمائة، والتتار في ستة آلاف، فالتقوهم، وحمل المسلمون حملة صادقة، فكان النّصر، ووضعوا السيف في الكفّار قتلا، حتّى أبادوا أكثرهم، وهرب مقدّمهم بيدرا [1] بأسوإ حال، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد.
وأما دمشق فإنّ الحلبيّ دخل القلعة، فنازله عسكر مصر، وبرز إليهم وقاتلهم، ثم ردّ، فلما كان في اللّيل هرب وقصد قلعة بعلبك فعصى بها، فقدم علاء الدّين طيبرس [2] الوزيري، وقبض على الحلبيّ من بعلبك وقيّده، فحبسه الملك الظّاهر بيبرس مدة طويلة.
وفي رجب بويع بمصر المستنصر بالله أحمد بن الظّاهر محمد بن النّاصر لدين الله العبّاسي الأسود، وفوّض الأمور إلى الملك الظّاهر بيبرس، ثم قدما دمشق، فعزل عن القضاء نجم الدّين بن سني [الدولة، با] بن خلّكان [3] . ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بندرا» وما أثبته من «العبر» (5/ 252) و «دول الإسلام» (2/ 165) .
[2] في «آ» و «ط» : «طبرس» وفي «العبر» طبع بيروت: «قيبرس» والتصحيح من «العبر» و «عقد الجمان» (1/ 291) .
[3] ما بين الحاصرتين استدركته من «العبر» مصدر المؤلف.(7/513)
وكان في آخر العام مصاف بينه وبين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة وانهزم الحاكم قبجا [1] .
والمستنصر هو أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن الظّاهر بأمر الله بن النّاصر لدين الله [2] . كان محبوسا ببغداد، حبسه التتار، فلما أطلقوه التجأ لعرب العراق، فأحضروه إلى مصر، فتلقاه السلطان بيبرس، والمسلمون، واليهود، والنصارى، ودخل من باب النّصر. وكان يوما مشهودا. وقرئ نسبه بحضرة القضاة، وشهد بصبحته، وحكم به، وبويع. بايعه القاضي تاج الدّين ابن بنت الأعز، ثم بايعه الملك الظّاهر بيبرس، والشيخ عز الدّين بن عبد السلام، ثم الكبار على مراتبهم، وذلك في ثالث عشر رجب. ونقش اسمه على السّكة، وخطب له. ولقّب بلقب أخيه. وكان شديد القوى، عنده شجاعة وإقدام، وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العبّاس، رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الأرتاحي أبو العبّاس أحمد بن حاتم بن أحمد بن أحمد الأنصاري المقرئ الحنبلي [3] . قرأ القراءات على والده، وسمع من جدّه لأمّه أبي عبد الله الأرتاحي، وابن ياسين، والبوصيري. ولازم الحافظ عبد الغني [4] فأكثر عنه، وتوفي في رجب.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (179/ ب) : «قبجا» وفي «العبر» : «فنجا» وفي النصّ اضطراب عندهما والله أعلم. قارن بما عند الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (23/ 171) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (261) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 168- 171) و «تاريخ الخلفاء» ص (476- 477) .
[3] انظر «العبر» (5/ 253) و «الوافي بالوفيات» (6/ 300) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 273- 274) .
[4] يعني المقدسي. انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 444) .(7/514)
وفيها إبراهيم بن سهل الإشبيلي [1] . شاعر زمانه بالأندلس. غرق في البحر.
وفيها الصّفيّ بن مرزوق إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني الكاتب [2] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وكان متمولا، وافر الحرمة. وزر مرّة، وتوفي بمصر في ذي القعدة.
وفيها مخلص الدّين إسماعيل بن قرناص الحموي [3] . كان فقيها، عالما، فاضلا، شاعرا.
من شعره:
أما والله لو شقّت قلوب ... ليعلم ما بها من فرط حبّي
لأرضاك الذي لك في فؤادي ... وأرضاني رضاك بشقّ قلبي
وفيها شرف الدّين أبو محمد حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ثم الصّالحي الفقيه الحنبلي [4] .
ولد سنة خمس وستمائة، وسمع الكثير من أبي اليمن الكندي وجماعة بعده، وتفقه على الشيخ الموفق، وبرع وأفتى، ودرّس بالجوزية مدة.
قال أبو شامة: كان رجلا خيّرا.
توفي ليلة ثامن المحرّم [5] بدمشق ودفن بالجبل.
__________
[1] في «ط» : «الإشبيلي اليهودي» وانظر ترجمته ومصادرها في «الوافي بالوفيات» (6/ 5- 11) .
[2] انظر «العبر» (5/ 253) و «ذيل مرآة الزّمان» (1/ 472- 473) .
[3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 473) .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (211) و «العبر» (5/ 253- 254) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 273) .
[5] عند أبي شامة: «يوم تاسوعاء» .(7/515)
وفيها الباخرزي- بالموحدة، وفتح الخاء المعجمة، وسكون الراء، ثم زاي، نسبة إلى باخرز من نواحي نيسابور- الإمام القدوة، الحافظ العارف، سيف الدّين أبو المعالي، سعيد بن المطهّر [1] ، صاحب الشيخ نجم الدّين الكبرى.
كان إماما في السّنّة، رأسا في التصوف. روى عن نجم الدّين بن الجناب [2] ، وعلي بن محمد الموصلي، و [أبي] رشيد الغزّال [3] ، وخرّج أربعين حديثا.
وفيها الشّارعي العالم الواعظ جمال الدّين عثمان بن مكّي بن عثمان ابن إسماعيل السّعدي الشّافعي [4] . سمع الكثير من قاسم بن إبراهيم المقدسي، والبوصيري، وطبقتهما. وكان صالحا، متفننا، جليلا، مشهورا.
توفي في ربيع الآخر.
وفيها صاحب صهيون مظفّر الدّين عثمان بن منكورس [5] . تملّك صهيون بعد والده ثلاثا وثلاثين سنة، وكان حازما، سايسا، ومهيبا. عمّر تسعين سنة، ودفن بقلعة صهيون، وتملّك بعده ابنه سيف الدّين محمد.
وفيها الملك الظّاهر غازي [6] شقيق السلطان الملك النّاصر يوسف،
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 363- 370) و «العبر» (5/ 254) و «الوافي بالوفيات» (15/ 262) و «مرآة الجنان» (4/ 151) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن الحباب» والتصحيح من «السير» و «العبر» .
[3] في «آ» و «ط» : و «رشيد الغزالي» والتصحيح من «العبر» و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين الدمشقي (180/ آ) .
[4] انظر «العبر» (5/ 351) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 351- 352) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205) .
[5] في «آ» : «مبكروس» وفي «ط» : «منكروس» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» (5/ 254) و «النجوم الزاهرة» (7/ 206) .
[6] انظر «العبر» (5/ 255) و «دول الإسلام» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (7/ 206) .(7/516)
وأمّهما تركية. كان مليح الصّورة، شجاعا، جوادا. قتل مع أخيه بين يدي هولاكو [1] .
وفيها ابن سيّد النّاس الخطيب الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد اليعمري الإشبيلي [2] .
ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وعني بالحديث فأكثر، وحصّل الأصول لنفسه، وختم به معرفة الحديث بالمغرب. توفي بتونس في رجب.
وفيها الصائن النّعال أبو الحسن محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله البغدادي الصّوفي [3] .
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من جدّه لأمّه هبة الله بن رمضان، وظاعن الزّبيري. وأجاز له وفاء بن اليمني [4] ، وابن شاتيل، وطائفة.
وله «مشيخة» . توفي في رجب.
وفيها المتّيجي- بفتح الميم، وكسر التاء المثناة فوق المشددة، وتحتية، وجيم، نسبة إلى متيجة من ناحية بجاية- محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى ضياء الدّين الإسكندراني [5] ، الفقيه المالكي المحدّث، الرجل الصّالح. أحد من عني بالحديث، وروى عن عبد الرحمن بن موقّى [6]
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] انظر «العبر» (5/ 255) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «الوافي بالوفيات» (2/ 121- 122) .
[3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 471) و «العبر» (5/ 255) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 343- 344) .
[4] كذا في «ط» و «العبر» : طبع بيروت: «ابن اليمني» وفي «آ» : «ابن اليمن» ولم يرد اسمه في «العبر» طبع الكويت، وفي «سير أعلام النبلاء» «وفاء بن البهي» .
[5] انظر «العبر» (5/ 255- 256) و «الوافي بالوفيات» (3/ 358) و «حسن المحاضرة» (1/ 379- 380) .
[6] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 392- 393) .(7/517)
فمن بعده، وكتب الكثير، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها ابن درباس، القاضي كمال الدّين أبو حامد محمد بن قاضي القضاة صدر الدّين عبد الملك المارانيّ المصريّ الشّافعي [1] الضّرير.
ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، فأجاز له السّلفي، وسمع من البوصيري، والقاسم بن عساكر، ودرّس وأفتى واشتغل، وجالس الملوك، وتوفي في شوال.
وفيها مكّي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل أبو الحرم الزّبيدي المقدسي ثم العقرباني [2] . أجاز له عبد الرزاق النّجار، وسمع من الخشوعي وغيره، ومات في شوال.
وفيها الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف بن العزيز محمد بن الظّاهر غازي بن السّلطان صلاح الدّين [3] ، صاحب الشام.
ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، وسلطنوه بعد أبيه سنة أربع وثلاثين، ودبّر المملكة شمس الدّين لؤلؤ، والأمر كلّه راجع إلى جدّته الصّاحبة صفية ابنة العادل، ولهذا سكت الملك الكامل لأنها أخته، فلما ماتت سنة أربعين اشتد النّاصر واشتغل عنه الكامل بعمّه [4] الصّالح، ثم فتح عسكره له حمص سنة ست وأربعين، ثم سار هو وتملّك دمشق بلا قتال سنة ثمان وأربعين،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 352- 353) و «الوافي بالوفيات» (4/ 43) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205) .
[2] انظر «العبر» (5/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 344) .
[3] انظر «العبر» (5/ 256- 257) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 204- 206) و «دول الإسلام» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205- 206) و «الأعلام» (8/ 249- 250) .
[4] في «آ» و «ط» : «لعمّه» وما أثبته من «العبر» .(7/518)
فوليها عشر سنين، وفي سنة اثنتين وخمسين [1] دخل بابنة السّلطان علاء الدّين صاحب الرّوم، وهي بنت خالة أبيه العزيز.
وكان حليما، جوادا، موطّأ الأكناف، حسن الأخلاق، محببا إلى الرّعية، فيه عدل في الجملة، وقلة جور وصفح. وكان الناس معه في بلهنية من العيش، لكن مع إدارة الخمر والفواحش. وكان للشعراء دولة بأيّامه، لأنه كان يقول بالشعر ويجيز عليه. ومجلسه مجلس ندماء وأدباء. خدع وعمل عليه حتّى وقع في قبضة التتار، فذهبوا به إلى هولاكو [2] فأكرمه، فلما بلغه كسرة جيشه على عين جالوت غضب وتنمّر وأمر بقتله، فتذلّل له، وقال:
ما ذنبي؟ فأمسك عن قتله، فلما بلغه كسرة بيدرا [3] على حمص استشاط غضبا وأمر بقتله وقتل أخيه الظّاهر، وقيل: بل قتله في الخامس والعشرين من شوال سنة ثمانية، وكان أبيض، حسن الشّكل. قاله الذهبي.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : قتل معه جميع أتباعه وأقاربه، ومن جملتهم أخوه الملك الظّاهر غازي وولده العزيز، وهو- أي النّاصر- آخر ملوك بني أيوب [4] . وبني بدمشق داخل باب الفراديس مدرسة في غاية الحسن، ووقف عليها أوقافا جليلة، وبنى بجبل الصّالحية رباطا وتربة، وهي عمارة عظيمة، ما عمر مثلها. أحضر لها من حلب من الرّخام والأحجار شيئا كثيرا، وغرم عليها أموالا عظيمة، ونهر يزيد جار فيها.
__________
[1] لفظة «وخمسين» سقطت من «ط» .
[2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[3] في «آ» و «ط» : «بندرا» والتصحيح من هامش «آ» و «العبر» وأثبت في هامش «آ» أيضا بخط مغاير: «وهو ملك التتار» .
[4] جاء في هامش «آ» بخط مغاير ما نصه: قوله: «وهو آخر ملوك بني أيوب» هذا غلط وذهول، فإنه سيأتي في هذا الكتاب ترجمة جماعة من ملوك بني أيوب، كالمغيث، والأمجد، والمنصور، فكيف يكون آخرهم؟.(7/519)
وفيها توفي نور الدولة علي [بن يوسف] بن أبي المكارم المصري العطّار [1] الأديب الفاضل الشّاعر المجيد.
من نظمه لغزّ في كوز الزّير [2] :
وذي أذن بلا سمع ... له جسم [3] بلا قلب
إذا استولى على صبّ [4] ... فقل ما شئت في الصّبّ
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 131) و «عيون التواريخ» (20/ 263- 264) و «النجوم الزاهرة» (7/ 202- 203) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.
[2] وجاء بين البيتين بيت ثالث في «النجوم الزاهرة» هو:
مدى الأيّام في خفض ... وفي رفع وفي نصب
[3] في «ذيل مرآة الزّمان» و «النجوم الزاهرة» : «له قلب» .
[4] في «النجوم الزاهرة» : «إذا استولى على الحبّ» .(7/520)
سنة ستين وستمائة
في أوائل رمضان أخذت التتار الموصل بخديعة بعد حصار أشهر، وطمّنوا النّاس، وخرّبوا السّور، ثم بذلوا السيف تسعة أيام، وأبقوا [على] صاحبها الملك الصّالح إسماعيل أيّاما ثم قتلوه، وقتلوا ولده علاء الدّين الملك [1] .
وفيها وقع الخلف بين بركة صاحب دست القفجاق، وابن عمّه هولاكو [2] .
وفيها توفي أحمد بن عبد المحسن بن محمد الأنصاري [3] ، أخو شيخ الشيوخ، صاحب حماة. روى عن عبد الله بن أبي المجد وغيره.
وفيها العزّ الضّرير الفيلسوف الرّافضيّ، حسن بن محمد [4] بن أحمد ابن نجا الإربلي [5] . كان بصيرا بالعربية، رأسا في العقليات. كان يقرئ المسلمين والذّمّة بمنزله، وله حرمة وهيبة، مع فساد عقيدته، وتركه الصّلوات، ووساخة هيئته. قاله الذهبي.
__________
[1] لفظة «الملك» لم ترد في «العبر» مصدر المؤلّف ولفظة «على» مستدركة منه.
[2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» : «هلاوو» والذي أثبته هو المتعارف عليه، وانظر التعليق على «سير أعلام النبلاء» (23/ 206) .
[3] انظر «العبر» (5/ 258) .
[4] في «آ» و «ط» : «حسين بن محمد» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] انظر «العبر» (5/ 259- 260) و «نكت الهميان» ص (142- 144) و «البداية والنهاية» (13/ 235) .(7/521)
وقال غيره: كان الناس يقرؤون عليه علم الأوائل، وتتردد إليه أهل الملل [1] جميعها، مسلمها ومبتدعها، والشيعة، واليهود، والنصارى، والسّامرة. وكان ذكيا، فصيحا، أديبا، فاضلا في سائر العلوم. وكان الملك النّاصر يكرمه ولا يردّ شفاعته.
ومن نظمه في السّلوان:
ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى ... وتغيّرت أحواله وتنكّرا
وسلوت حتّى لو سرى من نحوكم ... طيف لما حيّاه طيفي في الكرى
وله:
توهّم [2] واشينا بليل [3] مزاره ... فهمّ ليسعى بيننا بالتباعد
فعانقته حتّى اتّحدنا تعانقا ... فلما أتانا ما رأى غير واحد
قال ابن العديم [4] : لما سمع هذين البيتين: مسكه مسكة أعمى.
توفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة.
وفيها عزّ الدّين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيز بن عبد السّلام ابن أبي القاسم بن الحسن، الإمام العلّامة، وحيد عصره، سلطان العلماء، السّلميّ الدمشقيّ ثم المصريّ الشّافعي [5] .
ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة، وحضر [أحمد بن] حمزة بن
__________
[1] لفظة «أهل» سقطت من «آ» ولفظة «الملل» تحرفت في «ط» إلى «الملك» .
[2] جاء في «مختار الصحاح» (وهم) : توهّم: أي ظنّ.
[3] في «آ» و «ط» : «قليل» والتصحيح من «نكت الهميان» .
[4] في «آ» : «ابن العميد» .
[5] انظر «العبر» (5/ 260) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «الوافي بالوفيات» (18/ 520- 522) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 209- 255) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 197- 199) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 137- 140) .(7/522)
الموازييني. وسمع من عبد اللطيف بن أبي سعد، والقاسم بن عساكر، وجماعة. وتفقه على فخر الدّين بن عساكر، والقاضي جمال الدّين بن الحرستاني. وقرأ الأصول على الآمدي، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وفاق الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم، من التفسير، والحديث، والفقه، واختلاف أقوال الناس، ومآخذهم. وبلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وصنّف التصانيف المفيدة، وروى عنه الدّمياطي وخرّج له أربعين حديثا، وابن دقيق العيد، وهو الذي لقّبه بسلطان [1] العلماء، وخلق غيرهما.
ورحل إلى بغداد فأقام بها أشهرا. هذا مع الزّهد، والورع، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والصّلابة في الدّين. وقد ولي الخطابة بدمشق، فأزال كثيرا من بدع الخطباء ولم يلبس سوادا، ولا سجع خطبته، [بل] كان يقولها مترسلا، واجتنب الثناء على الملوك، بل كان يدعو لهم، وأبطل صلاة الرغائب والنّصف [2] فوقع بينه وبين ابن الصّلاح بسبب ذلك.
[ولم يكن يؤذن بين يديه يوم الجمعة إلّا مؤذن واحد] [3] .
ولما سلّم الصالح إسماعيل قلعة الشّقيف وصفد للفرنج، نال منه الشيخ على المنبر، ولم يدع له. فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه، ثم أطلقه. فتوجه إلى مصر، فتلقاه صاحب مصر الصّالح أيوب وأكرمه، وفوّض إليه قضاء مصر دون القاهرة والوجه القبلي، مع خطابة جامع مصر، فأقام
__________
[1] في «آ» و «ط» : «سلطان» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.
[2] جاء في حاشية «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة ما نصه: «قال الذهبيّ: كانوا دبر الصلاة يقولون: إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. 33: 56 فأمرهم أن يقولوا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... الحديث» .
[3] ما بين الحاصرتين زيادة من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.(7/523)
بالمنصب أتمّ قيام، وتمكن من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ثم عزل نفسه من القضاء، وعزله السّلطان من الخطابة، فلزم بيته يشغل النّاس ويدرّس. وأخذ في التفسير في دروسه [1] ، وهو أول من أخذه في الدروس.
وقال الشيخ قطب الدّين اليونيني: كان مع شدته، فيه حسن محاضرة بالنّوادر والأشعار.
وقال الشريف عز الدّين: كان علم عصره في العلم، جامعا لفنون متعددة، مضافا إلى ما جبل عليه من ترك التكلف، مع الصّلابة في الدّين، وشهرته تغني عن الإطناب في وصفه.
وقال ابن شهبة: ترجمة الشيخ طويلة، وحكاياته في قيامه على الظّلمة وردعهم كثيرة مشهورة، وله مكاشفات.
وقال الذهبي: كان يحضر السماع ويرقص.
توفي بمصر في جمادى الأولى من السنة، وحضر جنازته الخاصّ والعام، السلطان فمن دونه، ودفن بالقرافة في آخرها.
ولما بلغ السلطان خبر موته قال: لم يستقر ملكي إلّا السّاعة، لأنه لو أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره.
وفيها التّاج [2] عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد بن الدمشقي بن عساكر [3] . سمع الكثير من الخشوعي وطبقته، وولي مشيخة النّورية بعد والده، وحجّ. فزار ولده أمين الدّين عبد الصمد، وجاور قليلا، ثم توفي في جمادى الأولى بمكّة.
__________
[1] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «دروسه» وفي «آ» : «درسه» .
[2] لفظة «التاج» سقطت من «آ» .
[3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 176) و «العبر» (5/ 260- 261) و «عيون التواريخ» (20/ 274) .(7/524)
وفيها نقيب الأشراف بهاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني بن أبي الجنّ [1] . سمع حضورا، وله أربع سنين من يحيى الثّقفي، وابن صدقة، وتوفي في رجب.
وفيها ابن العديم الصّاحب العلّامة كمال الدّين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي [2] . من بيت القضاء والحشمة.
ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة، وسمع من ابن طبرزد، وبدمشق من الكندي، وببغداد، والقدس، والنّواحي. وأجاز له المؤيد وخلق. وكان قليل المثل، عديم النّظير فضلا ونبلا، ورأيا وحزما، وذكاء وبهاء، وكتابة وبلاغة.
درّس وأفتى وصنّف، وجمع «تاريخا» لحلب في نحو ثلاثين مجلدا [3] . وولي خمسة من أيّامه على نسق القضاء، وقد ناب في سلطنة دمشق، وعلّم عن الملك النّاصر. وكان خطّه في غاية الحسن. باع النّاس منه شيئا كثيرا على أنه خطّ ابن البواب. وكانت له معرفة تامة بالحديث، والتاريخ، وأيّام الناس.
وكان حسن الظنّ بالفقراء والصالحين.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) .
[2] انظر «معجم الأدباء» (16/ 5- 57) و «العبر» (5/ 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ، ص (276) و «فوات الوفيات» (3/ 126- 129) و «البداية والنهاية» (13/ 236) و «النجوم.
الزّاهرة» (7/ 208- 210) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 466) و «درّ الحبب» (1/ 10) .
[3] قلت: وسمّاه «بغية الطلب في تاريخ حلب» قال ابن شاكر الكتبي: أدركته المنية قبل إكمال تبييضه واختصره في كتاب آخر سمّاه: «زبدة الحلب في تاريخ حلب» وقد طبع المجلد الأول من «المختصر» ذكر ذلك العلّامة الزركلي في «الأعلام» (5/ 40) .
وقال ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» : وذيّل عليه- يعني على «بغية الطلب» - القاضي علاء الدّين ابن خطيب النّاصرية، قاضي القضاة الشافعية بحلب ذيلا إلا أنه قصير إلى الرّكبة، وقفت عليه فلم أجده جال حول الحمى، ولا سلك فيه مسلك المذيّل عليه من الشروط، إلّا أنّه أخذ علم التاريخ بقوة الفقه، على أنه كان من الفضلاء العلماء، ولكنه ليس من خيل هذا الميدان، وكان يقال في الأمثال: من مدح بما ليس فيه، فقد تعرّض للضّحكة.(7/525)
ومن شعره من أبيات:
فيا عجبا [1] من ريقه وهو طاهر ... حلال وقد أضحى عليّ محرّما
هو الخمر لكن أين للخمر طعمه ... ولذّته مع أنّني لم أذقهما
سألزم نفسي الصّفح عن كلّ من جنى ... عليّ وأعفو عفّة وتكرّما
وأجعل مالي دون عرضي وقاية ... ولو لم يغادر ذاك عندي درهما
وقائلة يا ابن العديم إلى متى ... تجود بما تحوي ستصبح معدما
فقلت لها عنّي إليك فإنّني ... رأيت خيار النّاس من كان منعما
أبي اللؤم، لي أصل كريم وأسرة ... عقيلته سنو النّدى والتّكرّما
توفي- رحمه الله تعالى- بمصر في العشرين من جمادى الأولى، ودفن بسفح المقطّم.
وفيها الضّياء عيسى بن سليمان بن رمضان أبو الرّوح التّغلبي المصري القرافي الشّافعي [2] . آخر من روى «صحيح البخاري» عن منجب المرشدي مولى مرشد الدّين [3] . توفي في رمضان عن تسعين سنة.
وفيها الشّمس الصّقليّ أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبي الفضل الدّمشقي [4] الدّلال في الأملاك. سمع من ابن صدقة الحرّاني، وأبي الفتح المندائي [5] ، وقرأ الختمة على أبي الجود.
ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وتوفي في أواخر صفر.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (181/ آ) : «فيا عجبا» وفي «فوات الوفيات:
فوا عجبا» .
[2] انظر «العبر» (5/ 261- 262) و «النجوم الزاهرة» (7/ 210) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) وقد تصحفت «التغلبي» فيه إلى «الثعلبي» فتصحح.
[3] ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (21/ 125) فليراجع.
[4] انظر «العبر» (5/ 262) و «الوافي بالوفيات» (3/ 127) .
[5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المندلي» والتصحيح من «العبر» ومن ترجمته في ص (33) من هذا المجلد.(7/526)
وفيها ابن عرق الموت، أبو بكر محمد بن فتّوح بن خلّوف بن يخلف بن مصال الهمداني الإسكندراني [1] . سمع من التّاج المسعودي، وابن موقا، وأجازه أبو سعد بن أبي عصرون والكبار، وتفرّد عن جماعة. توفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن زيلاق [2] ، الشّاعر المشهور الأجلّ محيى الدّين محمد بن يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي العبّاسي [3] الكاتب. كان شاعرا، مجيدا، حسن المعاني.
من شعره:
بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنا ... سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا
وأبرزت وجها أخجل [4] البدر طالعا ... ومست بقدّ علّم الهيف الغصنا
وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا ... فحاكاه لكن زاد في دقّة المعنى
قتلته التتار بالموصل حين تملّكوها.
وفيها أبو بكر بن علي بن مكارم بن فتيان الأنصاري المصري [5] .
روى عن البوصيري وجماعة، وتوفي في المحرّم.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 262) و «الوافي بالوفيات» (4/ 314- 315) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) .
[2] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ابن زبلاق» فتصحح.
[3] انظر «العبر» (5/ 262) و «فوات الوفيات» (4/ 384- 395) و «البداية والنهاية» (13/ 236) و «الأعلام» (4/ 259) .
[4] في «فوات الوفيات» : «يخجل» .
[5] انظر «العبر» (5/ 262) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) .(7/527)
سنة إحدى وستين وستمائة
في ثامن المحرّم عقد مجلس عظيم للبيعة، وجلس الحاكم بأمر الله أبو العبّاس أحمد بن الأمير أبي علي بن أبي بكر بن الخليفة المسترشد بالله بن المستظهر العبّاسيّ [1] ، فأقبل عليه الملك الظّاهر بيبرس البندقداري ومدّ يده إليه وبايعه بالخلافة، ثم بايعه الأعيان، وقلّد حينئذ السلطنة للملك الظّاهر بيبرس، فلما كان من الغد، خطب بالنّاس خطبة حسنة، أولها:
الحمد لله الذي أقام لآل العبّاس ركنا وظهيرا. ثم كتب بدعوته وإمامته إلى الأقطار، وبقي في الخلافة أربعين سنة وأشهرا، وهو التاسع والثلاثون من بني العباس.
وفيها خرج الظّاهر إلى الشّام، وتحيّل على صاحب الكرك الملك المغيث، حتّى نزل إليه، فكان آخر العهد به، لأنه كان كاتب هولاكو [2] ، على أن يأخذ له مصر، وطلب منه عشرين ألف فارس، وأخرج كتبه بمصر وقرأها على العلماء، فأفتوا بعدم إبقاء من هذا فعله.
وفيها وصل كرمون المقدّم في طائفة كبيرة من التتار قد أسلموا، فأنعم عليهم الملك الظاهر.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 263) و «تاريخ الخلفاء» ص (478- 479) .
[2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .(7/528)
وفيها راسل بركة الملك الظّاهر، ثم كانت وقعة هائلة بين بركة وبين ابن عمّه هولاكو [1] ، فانهزم هولاكو [1] ولله الحمد، وقتل خلق من رجاله وغرق خلق.
وفيها توفي الحسن بن علي بن منتصر أبو علي الفاسي [2] ثم الإسكندراني الكتبي [3] ، آخر أصحاب عبد المجيد [بن الحسين] بن دليل [4] .
توفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو الرّبيع سليمان بن خليل العسقلاني [5] ، الفقيه الشافعي، خطيب الحرم، سبط عمر بن عبد المجيد الميانشيّ [6] . روى عن زاهر بن رستم وغيره، وتوفي في المحرّم.
وفيها الرّسعني- بفتح الراء، والعين المهملة، وسكون السين المهملة، نسبة إلى رأس عين، مدينة بالجزيرة- العلّامة عز الدّين عبد الرزّاق بن رزق الله بن أبي بكر [7] . المحدّث المفسّر الحنبليّ.
ولد سنة تسع وثمانين [وخمسمائة] ، وسمع بدمشق من الكندي،
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] في «حسن المحاضرة» : «الفارسي» .
[3] انظر «العبر» (5/ 264) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 125) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[5] انظر «العبر» (5/ 264) و «العقد الثمين» (4/ 603) و «غربال الزّمان» ص (542) .
[6] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «الميانسي» بالسين المهملة والتصحيح من ترجمته في المجلد السادس صفحة (446) وانظر التعليق عليه هناك، وتحرفت «عبد المجيد» في «غربال الزمان» إلى «عبد الحميد» فتصحح من هنا ومن حاشيته.
[7] انظر «العبر» (5/ 264) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 274- 276) و «النجوم الزاهرة» (7/ 211- 212) و «طبقات المفسرين» (1/ 293- 295) .(7/529)
وببغداد من ابن منينا، وصنّف تفسيرا جيدا. وكان شيخ الجزيرة في زمانه، علما، وفضلا، وجلالة. قاله في «العبر» .
وقال ابن رجب: ولد برأس عين الخابور، وسمع بالبلدان المتعددة، وتفقه على الشيخ موفق الدّين، وحفظ كتابه «المقنع» وتفنّن في العلوم العقلية والنقلية، وعدّة الذّهبيّ من الحفّاظ، وولي مشيخة دار الحديث بالموصل، وكانت له حرمة وافرة عند صاحب الموصل وغيره من ملوك الجزيرة، وصنّف تفسيرا حسنا في أربع مجلدات ضخمة، سمّاه «رموز الكنّوز» وكتاب «مصرع الحسين» ألزمه بتصنيفه صاحب الموصل، فكتب فيه ما صحّ من المقتل دون غيره، وكان متمسكا بالسّنّة والآثار، وله نظم حسن، منه:
وكنت أظنّ في مصر بحارا ... إذا أنا جئتها أجد الورودا
فما ألفيتها إلّا سرابا ... فحينئذ تيمّمت الصّعيدا
وقال الذهبي: توفي بسنجار ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر من هذه السنة.
وفيها عزّ الدّين أبو محمد وأبو القاسم وأبو الفرج، الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن شرف المقدسي [1] المحدّث الحنبلي.
ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستمائة، وحضر على أبي حفص بن طبرزد. وسمع من الكندي وطبقته، وارتحل إلى بغداد، فسمع من الفتح بن عبد السلام وطائفة، ثم إلى مصر. وكتب الكثير، وعني بالحديث. وتفقه على الشيخ الموفق. وكان فاضلا، صالحا، ثقة، انتفع به جماعة، وحدّث.
توفي في نصف ذي الحجّة، ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 218- 219) و «العبر» (5/ 265) و «الوافي بالوفيات» (18/ 240) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 276- 277) .(7/530)
وفيها النّاشري، المقرئ البارع، تقيّ الدّين عبد الرحمن بن مرهف المصري [1] . قرأ القراءات على أبي الجود، وتصدّر للإقراء، وبعد صيته، وتوفي في شوال عن نيّف وثمانين سنة.
وفيها ابن بنين أثير الدّين عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري الشّافعي القبّاني النّاسخ [2] .
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من عشير [بن علي] الجبليّ [3] ، فكان آخر أصحابه. وسمع من طائفة غيره، وأجاز له عبد الله بن برّي، وعبد الرّحمن [بن محمد] السّبييّ [4] ، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر، مع صلاح وسكون.
توفي في ثالث ربيع الآخر.
وفيها علي بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدّمشقي الحنبلي [5] . روى عن الخشوعي وغيره، وتوفي في رجب، وكان مباركا خيّرا. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 265) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 659) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «غاية النهاية» (1/ 379- 380) و «النجوم الزاهرة» (7/ 212) .
[2] انظر «العبر» (5/ 265- 266) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «النجوم الزاهرة» (7/ 212) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) .
[3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الجبل» وفي «حسن المحاضرة» إلى «الحنبلي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 172) وما بين الحاصرتين زيادة منهما، ومن «العبر» ولم يقيّد محقّقه نسبته.
قال المنذري: والجبليّ: بفتح الجيم والباء الموحدة المفتوحة وأظنّه منسوبا إلى جبلة، البلدة المشهورة بساحل الشام.
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الشيي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (21/ 130) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[5] انظر «العبر» (5/ 266) .(7/531)
وفيها الكمال الضّرير، شيخ القراء أبو الحسن علي بن شجاع بن سالم ابن علي الهاشمي العبّاسي المصري الشافعي [1] ، صاحب الشاطبي وزوج بنته.
ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على الشّاطبي، وشجاع المدلجي، وأبي الجود [2] وسمع من البوصيري وطائفة، وتصدّر للإقراء دهرا، وانتهت إليه رئاسة الإقراء. وكان إماما يجري في فنون من العلم وفيه تودّد وتواضع ولين ومروءة تامّة.
توفي في سابع ذي الحجّة.
وفيها العلم أبو القاسم، والأصح أبو محمد، القاسم بن أحمد بن موفق بن جعفر المرسي اللّورقي [3]- بفتحتين وسكون الراء، نسبة إلى لورقة، بلدة بالأندلس- المقرئ النّحوي المتكلم، شيخ القراء بالشّام.
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وقرأ القراءات على ثلاثة من أصحاب ابن هذيل، ثم قرأها على أبي الجود. ثم على الكندي، وسمع ببغداد من ابن الأخضر. وكان عارفا بالكلام، والأصلين، والعربية. أقرأ، واشتغل مدّة، وصنّف التصانيف، ودرّس بالعزيزية نيابة، وولي مشيخة الإقراء والنّحو بالعادلية، وتوفي في سابع رجب وقد شرح «الشاطبية» . قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 266) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 657- 659) و «غاية النهاية» (1/ 544- 545) و «حسن المحاضرة» (1/ 501- 502) .
[2] هو غياث بن فارس اللّخمي، مقرئ الدّيار المصرية. تقدمت ترجمته في وفيات سنة (605) ص (33) من هذا المجلد فراجعها.
[3] انظر «العبر» (5/ 266- 267) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 660- 661) و «نفح الطيب» (2/ 137) بتحقيق الدكتور إحسان عباس.(7/532)
سنة اثنتين وستين وستمائة
فيها انتهت عمارة المدرسة الظّاهرية بين القصرين بمصر، ورتّب في تدريس الإيوان القبلي القاضي تقيّ الدّين محمد بن رزين، وفي الإيوان الشمالي مجد الدّين بن العديم، وفي الإيوان الشّرقي فخر الدّين الدّمياطي في تدريس الحديث، وفي الغرب كمال الدّين المحلّي.
وفي جمادى الآخرة وصل الخبر بأن امرأة عجوزا من الحسينية عندها امرأتان تجيب لهم شبابا فيثور عليهم رجال عندها فيقتلونهم ويعطوهم لوقّاد الحمّام يحرقهم، وإذا كثر القتلى يعطوهم لملاح يغرّقهم، وكان والي الحسينية شريكهم، فحسب الذين قتلوا فكانوا خمسمائة نسمة، فأمر السلطان أن يسمّروا جميعا في الحسينية.
وفيها اشتدّ الغلاء بالقاهرة، حتّى بيع الإردبّ [1] القمح بمائة وخمسين دينارا، ففرّق الملك الظّاهر الصّعاليك على الأغنياء والأمراء، وألزمهم بإطعامهم.
وفيها أحضر إلى بين يدي الظّاهر طفل ميّت له رأسان وأربعة أعين وأربعة أيدي، وأربعة أرجل.
__________
[1] جاء في «المعجم الوسيط» (1/ 13) : الإردبّ: مكيال يسع أربعة وعشرين صاعا.(7/533)
وذكر محيي الدّين بن عبد الظّاهر أن بعض أهل قوص وجد في حفرة فلوسا كثيرة وعلى كل فلس منها صورة ملك واقف في يده اليمنى ميزان وفي يده اليّسرى سيف، وعلى الوجه الثاني رأس مصور بآذان وعيون كثيرة مفتوحة، وبدائر الفلوس سطور. واتفق حضور جماعة من الرّهبان فيهم راهب عالم بلسان اليونان، فقرأ ما على الفلس، فكان تاريخه إلى ذلك الوقت ألفي سنة وثلاثمائة سنة، وكتابته أنا غلياث الملك، ميزان العدل، والكرم في يميني لمن أطاع، والسيف في شمالي لمن عصى، وفي الوجه الآخر أنا غلياث الملك أذني مفتوحة لسماع كلمة المظلوم، وعيني مفتوحة أنظر بها مصالح ملكي.
وفيها توفي قاضي حلب كمال الدّين أحمد بن قاضي القضاة زين الدّين عبد الله بن عبد الرحمن بن الأستاذ الأسدي الشّافعي، المعروف بابن الأستاذ [1] ، وهو لقب جدّ والده عبد الله بن علوان.
ولد سنة إحدى عشرة وستمائة، وسمع من جماعة، واشتغل في المذهب، وبرع في العلوم والحديث، وأفتى ودرّس. وولي القضاء بحلب في الدولتين النّاصرية والظّاهرية.
قال الذهبي: وكان صدرا معظّما، وافر الحرمة، مجموع الفضائل، صاحب رئاسة ومكارم وأفضال وسؤدد. وولي القضاء [2] مدّة فحمدت سيرته، وروى عنه أبو محمد الدّمياطي. وكان يدعو له لما أولاه من الإحسان. انتهى.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 267) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 17- 18) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 144- 146) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 162- 163) و «السلوك لمعرفة دول المملوك» (1/ 2/ 523) و «النجوم الزاهرة» (7/ 214) .
[2] في «آ» و «ط» : «القضاء» وما أثبته هو الصواب.(7/534)
ومن تصانيفه «شرح الوسيط» في نحو عشر مجلدات، لكن عزّ وجود شيء منه، والظّاهر أنه عدم في فتنة التتار بحلب، فإنه أصيب بماله وأهله فيها، ثم أعيد إلى دولته في الدولة الظّاهرية.
وقال السبكي: وله «حواش [1] على فتاوى ابن الصّلاح» تدلّ على فضل كثير [2] واستحضار للمذهب جيّد. توفي في نصف شوال.
وفيها أبو الطّاهر الكتّاني إسماعيل بن صارم [3] الخيّاط العسقلاني ثم المصري [4] . روى عن البوصيري، وابن ياسين، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها الزّين الحافظي، سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني [5] الطّبيب، طبّ [6] الملك الحافظ صاحب جعبر فنسب إليه، ثم خدم الملك النّاصر يوسف فعظم عنده، وبعثه رسولا إلى التتار فباطنهم ونصح لهم، فأمّره هولاكو [7] ، وصار تتريا خائنا للمسلمين، فسلّط الله عليه مخدومه، فقتل بين يديه لكونه كاتب الملك الظّاهر، وقتل معه أقاربه وخاصته، وكانوا خمسين.
وفيها شيخ الشّيوخ شرف الدّين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي ثم الحموي [8] الشّافعي الأديب.
كان أبوه قاضي حماة، ويعرف بابن الرفّاء.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «حواشي» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» .
[2] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «على فضل كبير» .
[3] في «آ» و «ط» : «إسماعيل بن سالم» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1443) و «الوافي بالوفيات» (9/ 121) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) .
[5] انظر «العبر» (5/ 267- 268) .
[6] انظر «لسان العرب» (طبب) .
[7] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[8] انظر «العبر» (5/ 268) و «الوافي بالوفيات» (18/ 546- 556) و «الإعلام بوفيات الأعلام»(7/535)
ولد هو بدمشق سنة ست وثمانين وخمسمائة، وكان مفرط الذّكاء.
ورحل به أبوه، فسمع من ابن كليب «جزء ابن عرفة» ومن أبي المجد «المسند» كلّه. وله محفوظات كثيرة، وفضائل شهيرة، وحرمة وجلالة ولين جانب، يكرم من يعرف ومن لا يعرف. مات بحماة، ودفن بظاهرها في ثامن رمضان بتربة كان أعدّها له.
ومن شعره قوله:
سبى فؤادي فتّان الجمال إذا ... طلبت شبها له في النّاس لم أصب
قرأت خطّ عذاريه فأطمعني ... بواو عطف ووصل منه عن كثب
وأعربت لي نون الصّدغ معجمة ... بالحال عن نجح مقصودي وعن طلبي [1]
حتّى رنا فسبت قلبي لواحظه ... والسّيف أصدق إنباء من الكتب [2]
لم أنس ليلة طافت بي عواطفه ... فزارني طيفه صدقا بلا كذب
حيّا بما شئت من ورد بوجنته ... نهبته بابتسامي وهو منتهبي
نشوان أسأل عن قلبي فينكره ... تيها ويسأل عنّي وهو أعرف بي
وكلّما قال ممن أنت قلت له ... ممّن إذا عشقوا جاءوك بالعجب
لا تسألوا حبّكم عن حبّه فله ... من الإضافة ما يغني عن السّبب
وراقبوا منه حالا غير حائلة ... عمّا عهدتم وقلبا غير منقلب
وفيها العماد بن الحرستاني أبو الفضائل عبد الكريم بن القاضي جمال الدّين عبد الصّمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الشّافعي [3] .
__________
ص (277) و «فوات الوفيات» (2/ 354- 363) و «النجوم الزاهرة» (7/ 214- 215) .
[1] في «آ» و «ط» : «ومطلبي» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» .
[2] صدر بيت لأبي تمّام وهو في «ديوانه» وعجزه:
في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب
[3] انظر «العبر» (5/ 268- 269) و «السلوك» (1/ 2/ 523- 524) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) .(7/536)
ولد في رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي، والقاسم، وتفقه على أبيه، وأفتى وناظر، وولي قضاء الشّام بعد أبيه قليلا، ثم عزل. ودرّس بالغزالية مدّة، وخطب بدمشق. وكان من جلّة العلماء. له سمت ووقار وتواضع. وولي الدّار الأشرفية بعد ابن الصّلاح، ووليها بعده أبو شامة، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها الضّياء بن البالسي [1] أبو الحسن علي بن محمد بن علي [2] ، المحدّث الخطيب، العدل الشّروطي.
ولد سنة خمس وستمائة. وسمع من ابن البنّ، وأجاز له الكندي، وعني بهذا الشأن، وكتب الكثير. وتوفي في صفر.
وفيها الملك المغيث فتح الدّين عمر بن العادل أبي بكر بن الملك الكامل بن العادل [3] . حبس [4] بعد موت عمّه الصالح بالكرك، فلما قتلوا ابن عمّه المعظّم، أخرجه معتمد الكرك الطّواشي وسلطنه بالكرك. وكان كريما، مبذّرا للأموال. فقلّ ما عنده، حتّى سلّم الكرك إلى صاحب مصر، ونزل إليه فخنقه. وكذا [5] خنق عمّه أباه، وعاش [6] كل منهما نحوا من ثلاثين سنة.
وقال ابن شهبة في سبب موته: أن الظّاهر بيبرس أمر أيدمر الحلّي [7] نائب القاهرة أن يقتله سرّا ولا يظهر ذلك، ويدفع لقاتله ألف دينار، فطلب أيدمر رجلا شرّيرا عنده شهامة وأطلعه على ذلك، فدخل إليه فخنقه، وأخذ
__________
[1] في «ط» : «البانسي» وهو خطأ.
[2] انظر «العبر» (5/ 269) .
[3] انظر «العبر» (5/ 269) و «النجوم الزاهرة» (7/ 215- 216) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «جلس» والتصحيح من «العبر» .
[5] في «ط» : «وكذلك» .
[6] تحرفت في «ط» إلى و «دباش» من غير تنقيط الباء ظنا منه بأنها نون.
[7] انظر «الوافي بالوفيات» (10/ 5) .(7/537)
الألف دينار [1] ، وجعل يشرب الخمر في بيته على بركة الفيل، فأخرج من الذّهب، فقال له ندماؤه: من أين لك هذا الذهب؟ فأخبرهم في حال سكره أنه قتل الملك المغيث وأعطي ألف دينار، فشاع ذلك بين النّاس، فبلغ الملك الظّاهر فعظم عليه ذلك، وأنكر على أيدمر، وطلب الرجل، فاستعاد منه ذلك الذّهب وقتله.
وفيها البابشرقي [2] أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري [3] التّاجر بجيرون [4] . روى عن الخشوعي، وطائفة. وتوفي في ربيع الأول.
وفيها ابن سراقة، الإمام محيي الدّين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشّاطبي [5] ، شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة.
ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع من أبي القاسم أحمد بن بقيّ، وبالعراق من أبي علي بن الجواليقي وطبقته، وله مؤلفات في التصوف. وكان أحد الأئمة المشهورين بغزارة العلم.
ومن شعره:
وصاحب كالزّلال يمحو ... صفاؤه الشّكّ باليقين
لم يحص إلّا الجميل حتّى [6] ... كأنّه كاتب اليمين
__________
[1] لفظة «دينار» سقطت من «آ» .
[2] نسبة إلى الباب الشرقي لدمشق القديمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 269- 270) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) .
[4] قال الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر» : تطلق جيرون على المحلّة التي أمام باب الجامع الأموي الشرقي المسمى باب جيرون. وأحال على كتابه خطط دمشق. وانظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (62) و «معجم البلدان» (2/ 199) .
[5] انظر «العبر» (5/ 270) و «الوافي بالوفيات» (1/ 208- 209) و «النجوم الزاهرة» (7/ 216) و «حسن المحاضرة» (1/ 381) .
[6] في «الوافي بالوفيات» و «النجوم الزاهرة» : «مني» .(7/538)
وهذا عكس قول المنازي [1] :
وصاحب خلته خليلا ... وما جرى غدره ببالي
لم يحص إلّا القبيح حتّى [2] ... كأنّه كاتب الشّمال
وفيها الملك الأشرف، مظفّر الدّين موسى بن المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدّين شيركوه [3] ، صاحب حمص.
ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، وتملّك حمص سنة أربع وأربعين، فأخذت منه سنة ستّ. ثم تملّك [4] الرّحبة. ثم سار إلى هولاكو [5] فأكرمه وأعاد إليه حمص [6] ، وولاه نيابة الشام مع كتبغا. فلما قلع الله التتار، راسل [7] الملك المظفّر فأمّنه وأقرّه على حمص. فغسل هناته بيوم حمص وكسر التتار.
ونبل قدره. وكان ذا [8] حزم ودهاء وشجاعة وعقل مقداما، شجاعا. كسر التتار وكانوا في ستة آلاف، وكان هو في ألف وخمسمائة، وقتل أكثر التتار، ولم ينج منهم إلّا القليل، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد. وكان عفيفا، يحبّ العلم وأهله. توفي بحمص في صفر، فيقال سقي [9] ، وتسلّم الظّاهر بلده وحواصله.
__________
[1] هو أحمد بن يوسف السّليكي المنازي. تقدمت ترجمته في وفيات سنة (437) من المجلد الخامس صفحة (173) .
[2] في «الوافي بالوفيات» و «النجوم الزاهرة» : «مني» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 481) و «العبر» (5/ 270- 271) و «البداية والنهاية» (13/ 243) .
و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) .
[4] في «آ» و «ط» : «ثم ملك» وأثبت لفظ «العبر» مصدر المؤلف.
[5] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[6] في «ط» : «وأقرّه على حمص» .
[7] في «ط» : «وأرسل» .
[8] تحرفت في «العبر» طبع الكويت إلى «إذ» وصححت في «العبر» طبع بيروت ووهم محققه في التعليق عليها فقال: «في «ب» (ذا) » وكان الصواب أن يكتب «إذ» كما جاء في المطبوع منه في الكويت!.
[9] يعني: السّمّ.(7/539)
وفيها الجوكندارا العزيز بن حسام الدّين لاجين، من أكبر أمراء دمشق. كان محبّا للفقراء، مؤثرا لراحتهم، يجمعهم على السماعات والسّماطات التي يضرب بها المثل. ويخدمهم بنفسه. توفي في المحرم كهلا. قاله في «العبر» [1] .
وفيها الرّشيد العطّار الحافظ أبو الحسين، يحيى بن علي بن عبد الله ابن علي بن مفرّج القرشي الأموي النّابلسي ثم المصري المالكي [2] .
ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وسمع من البوصيري، وإسماعيل ابن ياسين، والكبار. فأكثر وأطاب، وجمع «المعجم» وحصّل الأصول، وتقدم في الحديث، وولي مشيخة الكاملية سنة ستين، وتوفي في ثاني جمادى الأولى.
وفيها العبّاريّ [3] أبو القاسم [محمد] بن منصور الإسكندرانيّ [4] الزّاهد. كان صالحا، قانتا، مخلصا، منقطع القرين في الورع. كان له بستان يعمله ويتبلّغ منه، وله ترجمة مفردة جمعها ناصر الدّين بن المنيّر [5] .
توفي في سادس شعبان [6] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 271) .
[2] انظر «العبر» (5/ 271) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) و «حسن المحاضرة» (1/ 356) .
[3] في «ط» : «القيادي» وهو خطأ.
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (231) و «العبر» (5/ 271) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (277) و «البداية والنهاية» (13/ 243) و «طبقات الأولياء» ص (319- 320) وقد تحرفت فيه «محمد بن منصور» إلى «محمد عيسى» فتصحح. ولفظة «محمد» التي بين.
الحاصرتين مستدركة من المصادر المتقدم ذكرها.
[5] سترد ترجمته في أول وفيات سنة (683) من هذا المجلد صفحة (666) فراجعها.
[6] قلت: ومن المصادفات أنني أنهيت تحقيق ترجمة المترجم في ظهيرة يوم التاسع من شعبان لعام (1410) هـ، أي بعد (748) سنة وثلاثة أيام من وفاته، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وجمعني وإيّاه يوم القيامة تحت لواء سيد المرسلين بفضله وكرمه.(7/540)
سنة ثلاث وستين وستمائة
فيها كانت ملحمة عظمى بالأندلس، التقى الفنش- لعنه الله- وأبو عبد الله بن الأحمر غير مرّة، ثم انهزمت الملاعين، وأسر الفنش ثم أفلت وحشد وجيّش ونازل غرناطة، فخرج ابن الأحمر فكسرهم وأسر منهم عشرة آلاف. وقتل المسلمون فوق الأربعين ألفا، وجمعوا كوما هائلا من رؤوس الفرنج، وأذّن عليه المسلمون واستعادوا عدّة مدائن من الفرنج، ولله الحمد.
وفيها نازلت التتار البيرة، فساق سمّ الموت [1] ، والمحمّدي [2] وطائفة وكشفوهم عنها.
وفيها قدم السّلطان بيبرس فحاصر قيساريّة [3] وافتتحها عنوة وعصت القلعة أياما، ثم أخذت، ثم نازل أرسوف [4] وأخذها بالسيف في رجب، ثم
__________
[1] هو عز الدّين إيغان، المعروف بسمّ الموت. انظر «السلوك» (1/ 2/ 523) .
[2] في «آ» و «ط» : «والحمدي» والتصحيح من «العبر» و «دول الإسلام» (2/ 168) و «السلوك» (1/ 2/ 524) وجاء في حاشية «دول الإسلام» بأن اسمه «أقروش بن عبد الله المحمدي» .
[3] قيساريّة: بلدة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في فلسطين- ردّها الله تعالى إلى أيدي المسلمين- إلى الجنوب من حيفا. انظر «معجم البلدان» (4/ 421- 422) و «أطلس التاريخ العربي» ص (25) .
[4] بلدة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في فلسطين، إلى الشمال من يافا. انظر «معجم البلدان» (1/ 151) و «أطلس التاريخ العربي» ص (57) .(7/541)
رجع فسلطن ابنه الملك السعيد في شوال وأركبه بأبّهة الملك وله خمس سنين، ثم عمل طهوره بعد أيام.
وفيها جرّد [1] بديار مصر أربعة حكّام من المذاهب لأجل توقّف تاج الدّين بن بنت الأعزّ عن تنفيذ كثير من القضايا، فتعطّلت الأمور، فأشار بهذا جمال الدّين [2] أيدغدي العزيزي، فأعجب السلطان وفعله في آخر السنة، ثم فعل ذلك بدمشق.
وفيها ابتدئ بعمارة مسجد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ففرغ في أربع سنين.
وفيها حجب الخليفة الحاكم بقلعة الجبل.
وفيها توفي المعين القرشيّ المحدّث المتقن أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن القاضي الزّكي علي بن محمد بن يحيى [3] . كتب عن ابن صباح، وابن اللّتي، وكريمة فأكثر. وكتب الكثير.
توفي فجأة في ربيع الأول.
وفيها الزّين خالد بن يوسف بن سعد، الحافظ اللّغويّ، أبو البقاء النّابلسي ثم الدمشقي [4] .
ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وسمع من القاسم [بن عساكر] ، ومحمد بن الخصيب [5] وابن طبرزد. وببغداد من ابن الأخضر وطبقته. وحصّل
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «جدّد» والتصحيح من «العبر» .
[2] في «آ» و «ط» : «كمال الدّين» والتصحيح من «العبر» (5/ 273) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) .
[3] انظر «العبر» (5/ 273) و «النجوم الزاهرة» (7/ 219) .
[4] انظر «العبر» (5/ 273) و «فوات الوفيات» (1/ 403- 404) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 106- 108) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحصيب» والتصحيح من مصادر الترجمة.(7/542)
الأصول، وتقدم في الحديث. وكان فهما يقظا، حلو النوادر.
توفي في سلخ جمادى الأولى.
وفيها النّظام بن البانياسي عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين [1] .
سمع من الخشوعي وجماعة، وكان ديّنا، فاضلا. توفي في صفر.
وفيها النّجيب أبو العشائر فراس بن علي بن زيد الكناني العسقلاني ثم الدّمشقي [2] ، التّاجر العدل [3] . روى عن الخشوعي والقاسم [بن عساكر] ، وجماعة.
وفيها ابن مسدي [4] الحافظ أبو بكر محمد بن يوسف الأزدي الغرناطيّ الأندلسي المهلّبي [5] . روى عن محمد بن عماد [6] وجماعة كثيرة.
وجمع وصنّف.
قال ابن ناصر الدّين [7] : كان حافظا، علّامة، ذا رحلة واسعة ودراية.
شاع عنه التشيع، جاور بمكة وقتل فيها غيلة. انتهى.
وقال الذهبي: توفي بمكّة في شوال، وقد خرّج لنفسه «معجما» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 274) و «ذيل مرآة الزمان» (2/ 327) .
[2] انظر «العبر» (5/ 274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 274) .
[3] في «ط» : «المعدّل» .
[4] قال الذّهبيّ في «تذكرة الحفاظ» : ومسدي: بالفتح، وياء ساكنة، ومنهم من يضمه وينوّن.
[5] انظر «العبر» (5/ 274) و «تذكرة الحفّاظ» (4/ 1448- 1450) و «العقد الثمين» (2/ 403- 410) .
[6] هو محمد بن عماد بن محمد بن حسين الحرّاني. تقدمت ترجمته في وفيات سنة (632) من هذا المجلد ص (271) وقد تحرفت «ابن عماد» في «تذكرة الحفاظ» إلى «ابن عباد» وفي «العقد الثمين» إلى «ابن عمّار» فتصحح فيهما.
[7] في «التبيان شرح بديعة البيان» (180/ ب) .(7/543)
وفيها جمال الدّين بن يغمور الباروقي موسى [1] .
ولد بالصّعيد سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وكان من جلّة الأمراء. ولي نيابة مصر ونيابة الشام، وتوفي في شعبان.
وفيها بدر الدّين السّنجاري الشّافعي، قاضي القضاة، أبو المحاسن يوسف بن الحسن الزّراري [2]- بالضم ومهملتين، نسبة إلى زرارة جدّ-.
كان صدرا معظّما وجوادا ممدّحا. ولي قضاء بعلبك وغيرها قبل الثلاثين، ثم عاد إلى سنجار فنفق على الصّالح نجم الدّين فلما ملك الدّيار المصرية وفد عليه، فولّاه مصر والوجه القبليّ. ثم ولي قضاء القضاة بعد شرف الدّين [3] بن عين الدولة [وباشر الوزارة. وكان له من الخيل والمماليك ما ليس لوزير مثله. ولم يزل في ارتقاء إلى أوائل الدولة] [4] الظّاهرية، فعزل ولزم بيته.
توفي في رجب، وقيل: كان يرتشي ويظلم. قاله في «العبر» .
وفيها أبو القاسم بن يوسف بن أبي القاسم بن عبد السلام الأموي الحوّاري العوفي [5] الزاهد المشهور الحنبلي، صاحب الزّاوية بحوّارى [6] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 218- 219) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (234) و «العبر» (5/ 274- 275) و «ذيل مرآة الزمان» (2/ 332) و «البداية والنهاية» (13/ 246) و «النجوم الزاهرة» (7/ 219) .
[3] كذا في «آ» و «العبر» مصدر المؤلف: «شرف الدّين» وفي «ط» : «الأشرف» .
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[5] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 336) و «العبر» (5/ 275) و «مشتبه النسبة» (1/ 257) و «البداية والنهاية» (13/ 246) و «عقد الجمان» (1/ 412) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 219) .
[6] كذا في «ط» و «البداية والنهاية» و «عقد الجمان» : «بحوارى» وفي «آ» : «بحوارا» وفي «ذيل مرآة الزمان» : «بحواراي» وفي ترجمة (شهاب الدّين الحواري) في «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 320) : «بحوار» ولم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان والمعجمات.(7/544)
كان خيّرا، صالحا، له أتباع وأصحاب ومريدون في كثير من قرى حوران في الجبل، والبثنيّة، ولا يحضرون سماعا بالدّف.
توفي ببلده حوارى في آخر السنة، وصلّي عليه يوم عيد النّحر ببيت المقدس صلاة الغائب، وصلّي عليه بدمشق تاسع عشر ذي الحجّة.
وقام مقامه بعده ولده عبد الله. وكان عنده تفقه وزهادة، وله أصحاب.
وكان مقصودا يزار ببلده، وعمّر حتّى بلغ التسعين. خرج ليودع بعض أهله إلى ناحية الكرك من جهة الحجاز، فأدركه أجله هناك في أول ذي القعدة، سنة ثلاثين وسبعمائة، رحمهما الله تعالى
.(7/545)
سنة أربع وستين وستمائة
فيها غزا الملك الظّاهر وبثّ جيوشه بالسواحل، فأغاروا على بلاد عكّا، وصور، وطرابلس، وحصن الأكراد. ثم نزل على صفد في ثامن رمضان وأخذت في أربعين يوما بخديعة ثم ضربت رقاب مائتين من فرسانهم، وقد استشهد عليها خلق كثير.
وفيها استباح المسلمون قارة [1] وسبي منها ألف نفس، وجعلت كنيستها جامعا.
وفيها توفي الشيخ أحمد بن سالم المصريّ النحويّ [2] . نزيل دمشق. فقير متزهّد محقّق للعربية. اشتغل بالنّاصرية وبمقصورة الحنفية مدة، وتوفي في شوال.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن صالح السّينكي [3]- بالسين المهملة
__________
[1] قارة: بلدة كبيرة إلى الشمال من دمشق تبعد عنها قرابة مائة كيلو مترا وهي إلى حمص أقرب منها إلى دمشق، وتعتبر من أهم بلدان إقليم القلمون. وكانت آخر حدود حمص في سالف الأيام، ومناخها جيد للاصطياف وتكاد الثلوج لا تفارق تلالها في فصل الشتاء. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 295) .
[2] انظر «العبر» (5/ 276) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 605) .
[3] تنبيه: كذا قيّد نسبته المؤلّف ب «السّينكي» وتبعه ابن شقدة في «المنتخب» (182/ آ) وهو(7/546)
وتحتية ونون، نسبة إلى سينكة بلد بمصر- كان كاتب عمائر جامع دمشق، وكان فاضلا، أديبا، كثير التواضع.
ومن شعره:
للّوز زهر حسنه ... يصبي إلى زمن التّصابي
شكت الغصون من الشّتا ... فأعارها بيض الثّياب
فكأنّه عشق الرّبي ... ع فشاب من قبل الشباب
وله في السّيف عامل القماير [1] :
ربع المصالح داثر ... لم يبق منه طائل
هيهات تعمر بقعة ... والسّيف فيها عامل
رتّب ناظرا بدار الضرب، فجاء إليه شخص وسأله أن يترك عنده صندوقا وديعة إلى أن يقدم من الحجاز، فأحضر إليه الصندوق ولا يعرف ما فيه، وبعد أيام كتب إلى الأمير طيبرس الوزيري [2] نائب البلدان: الشّهاب السّينكي [3] ناظر دار الضّرب عنده صندوق فيه سكك لعمل الزّغل [4] ، فكبس بيته، فوجدوا الصندوق، فلم يقبل قوله في الاعتذار، فاشتهر في دمشق على صورة قبيحة، وأنفي منها، فأرسل من الطريق إلى رفيق له:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ... ولو أنّني أعرى بها وأجوع
وما أنا إلّا المسك في غير أرضكم ... يضوع وأمّا عندكم فيضيع
__________
خطأ، والصحيح «السّنبليّ» كما في «الوافي بالوفيات» (6/ 424) و «فوات الوفيات» (1/ 70) وعندهما مات سنة (693) .
[1] في «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» : «عامل الجامع» .
[2] ذكره ابن شدّاد في «سيرة الملك الظّاهر» ص (72 و 240 و 360) .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (182/ ب) : «السّينكي» وانظر التعليق على الصفحة السابقة.
[4] يعني لضرب النقود المزوّرة.(7/547)
وفيها ابن شعيب، الإمام جمال الدّين أحمد بن عبد الله بن شعيب التميمي الصّقلّي ثم الدمشقي المقرئ الأديب الذّهبيّ [1] .
ولد سنة تسعين وخمسمائة، ولزم السّخاويّ مدّة، وأتقن القراءات، وسمع من القاسم بن عساكر وطائفة، وقرأ الكثير على السّخاوي وطبقته.
وتوفي في جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وفيها ابن البرهان العدل الصّدر رضيّ الدّين إبراهيم بن عمر بن مضر بن فارس المصريّ الواسطيّ [2] ، التّاجر السفّار.
ولد سنة ثلاث وتسعين، وسمع «صحيح مسلم» من منصور الفراوي وسمع منه خلق بدمشق، ومصر، والثّغر، واليمن. وتوفي في حادي عشر رجب.
وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن هارون المرادي السّبتي الحافظ ابن الكمّاد [3] . كان حافظ زمانه لم يكن له في عصره مثيل.
وكانت معيشته من تفقدات أهل الخير وهداياهم إلى أن مات. قاله ابن ناصر الدّين [4] .
وفيها ابن الدّرجيّ الفقيه صفيّ الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي القرشي الدمشقي الحنفي [5] .
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 350) و «العبر» (5/ 276) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) .
أقول: وقيّد ابن الأثير نسبته في «اللباب» (2/ 245) بفتح الصاد والقاف (ع) .
[2] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 348- 349) «العبر» (5/ 276) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) .
[3] انظر «تذكرة الحفّاظ» (4/ 1459- 1460) و «الوافي بالوفيات» (6/ 120) .
[4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ آ) .
[5] انظر «العبر» (5/ 277) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) .(7/548)
ولد سنة اثنتين وسبعين [وخمسمائة] . وسمع من عبد الرحمن بن علي الخرقي، ومنصور الطبري، وطائفة.
وتوفي في السادس والعشرين من ربيع الأول.
وفيها أيدغدي [1] ، الأمير الكبير كمال الدّين [2] . كان كبير القدر، شجاعا، مقداما، عاقلا، محتشما. كثير الصّدقات، حسن الدّيانة، من جلّة الأمراء ومتميزيهم. حبسه المعزّ مدّة، ثم أخرجوه يوم عين جالوت [3] . وكان الملك الظّاهر يحترمه ويتأدّب معه. جهّزه في هذه السنة، فأغار على بلاد سيس، ثم خرج على صفد فتمرّض. وتوفي في ليلة عرفة بدمشق.
وفيها ابن صصرى [4] الصّدر العدل بهاء الدّين الحسن بن سالم بن الحافظ أبي المواهب التّغلبيّ الدمشقيّ [5] ، أحد أكابر البلد. روى عن ابن طبرزد وطائفة، وتوفي في صفر عن تسع وستين سنة [6] .
وولي هو وأخوه شرف الدّين المناصب الكبار ونظر الدواوين، وسمع أخوه المذكور عبد الرحمن بن سالم [7] من حنبل، وابن طبرزد أيضا، ومات [8] في شعبان من هذه السنة، عن تسع وستين سنة [9] .
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «ايدغور» .
[2] انظر «العبر» (5/ 277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) .
[3] في «العبر» «نوبة عين جالوت» .
[4] قلت: بيّن العلّامة الزركلي ما جاء من الخلاف في ضبط هذه اللفظة فيما علقه على ترجمته في كتابه «الأعلام» (2/ 225) فيحسن بالقارئ الرجوع إليه.
[5] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 354) و «العبر» (5/ 277- 278) و «الوافي بالوفيات» (12/ 25) .
[6] في «آ» و «عن ستين سنة» وفي «ط» و «العبر» طبع بيروت: «عن ست وستين سنة» وفي «العبر» طبع الكويت: «عن تسع وستين سنة» وهو ما أثبته وهو الصواب. قال اليونيني: ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة تخمينا، وذكره في وفيات سنة (664) فعلى ذلك يكون قد قارب السبعين عاما أو مات وهو ابن تسع وستين، والله أعلم.
[7] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 355) .
[8] يعني عبد الرحمن.
[9] قلت: وهو وهم منه فإن اليونينيّ ذكر في ترجمته من «مرآة الزمان» أنه ولد سنة إحدى وتسعين(7/549)
وفيها الموقاني- بضم الميم وقاف ونون، نسبة إلى موقان، مدينة بدربند- المحدّث جمال الدّين محمد بن عبد الجليل المقدسي [1] نزيل دمشق. سمع من أبي القاسم الحرستاني، وخلق. وعني بالحديث والأدب، وله مجاميع مفيدة. وتوفي في ذي القعدة، وله أربع وسبعون سنة.
وفيها ابن فار اللّبن معين الدّين أبو الفضل عبد الله بن محمد بن عبد الوارث الأنصاري المصري [2] . آخر من قرأ «الشّاطبيّة» على مؤلّفها، وقرأها عليه جماعة، منهم: البدر التّاذفيّ [3] .
وفيها هولاكو بن قولي [قان] [4] بن جنكزخان المغلي، مقدّم التتار وقائدهم إلى النّار، الذي أباد البلاد والعباد، بعثه ابن عمّه القان الكبير على جيش المغل، فطوى الممالك وأخذ الحصون الإسماعيلية، وأذربيجان، والرّوم، والعراق، والجزيرة، والشّام. وكان ذا سطوة، ومهابة، وعقل، وغور، وحزم، ودهاء، وخبرة بالحروب، وشجاعة ظاهرة، وكرم مفرط، ومحبة لعلوم الأوائل من غير أن يفهمها. مات على كفره في هذه السنة بعلّة الصّرع، فإنه اعتراه منذ قتل الشهيد صاحب ميّافارقين الملك الكامل محمد [بن] غازي، حتى كان يصرع في اليوم مرّتين. مات بمراغة ونقلوه إلى قلعة تلا، وبنوا عليه قبة، وخلّف سبعة عشر ولدا تملّك بعده ابنه أبغا.
__________
وخمسمائة تخمينا، ومات في سنة أربع وستين وخمسمائة، فعلى هذا يكون قد عاش (73) عاما، والله أعلم.
[1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 355- 356) و «العبر» (5/ 278) .
[2] انظر «العبر» (5/ 278) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 661) .
[3] هو محمد بن أيوب بن عبد القادر التّاذفي الحلبي، المتوفى سنة (705 هـ) . انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 394) .
[4] ما بين الحاصرتين مستدرك من حاشية «العبر» (5/ 278) وحاشية «ط» . وفي بعض المصادر:
«ابن تولي خان» .(7/550)
سنة خمس وستين وستمائة
فيها كما قال ابن خلّكان [1] : بلغنا من جماعة يوثق بهم وصلوا إلى دمشق من أهل بصرى أن عندهم قرية يقال لها: دير أبي سلامة. كان بها رجل من العربان فيه استهزاء [2] زائد وجهل. فجرى يوما ذكر السّواك وما فيه من الفضيلة، فقال: والله ما أستاك إلّا من المخرج، فأخذ سواكا وتركه في دبره، فآلمه تلك الليلة، ثم مضى عليه تسعة أشهر وهو يشكو من ألم البطن والمخرج، ثم أصابه مثل طلق الحامل ووضع حيوانا على هيئة الجرذون [3] ، ورأسه مثل رأس السمكة، وله أربع أنياب بارزة وذنب طويل مثل شبر وأربع أصابع، وله دبر مثل دبر الأرنب، ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات، فقامت ابنة ذلك الرجل فشجّت رأسه فمات، وعاش ذلك الرجل بعده يومين ومات، وهو يقول: هذا الحيوان قتلني وقطّع أمعائي، وشاهد ذلك الحيوان جماعة من تلك النّاحية وخطيب المكان.
__________
[1] لم أقف على هذا النقل عند ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي، ولعله نقله عن مصدر آخر، وهو بعيد عن الواقع، ومع ذلك فإن الاستهتار بالسّواك وغيره مما استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وندب المسلمين إلى استعماله، لا يجوز بأي حال، وعقاب الذي يقوم بذلك شديد عند الله تعالى، نسأل الله العفو والعافية.
[2] في «ط» : «استهتار» .
[3] أقول: جرذ، على وزن صرد، والجمع جرذان، بضم الجيم وكسرها والجرذ: الكبير من الفئران. (ع) .(7/551)
وفيها توفي خطيب القدس كمال الدّين أحمد بن نعمة بن أحمد [1] النّابلسي الشّافعي [2] .
ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة وسمع بدمشق من القاسم بن عساكر، وحنبل، وكان صالحا متعبّدا متزهّدا.
توفي بدمشق في ذي القعدة.
وفيها إسماعيل الكوراني [3]- بالضم، وراء، نسبة إلى كوران، قرية بإسفرايين- القدوة الزّاهد، شيخ كبير القدر، مقصود بالزيارة، صاحب ورع وصدق وتفتيش عن دينه. أدركه أجله بغزّة في رجب. قاله الذّهبيّ.
وفيها بركة بن تولي [4] بن جنكزخان المغلي. سلطان مملكة القفجاق، الذي أسلم وراسل الملك الظّاهر، وكسر ابن عمّه هولاكو [5] .
توفي وهو في عشر الستين، وتملّك بعده ابن أخيه منكوتمر.
وفيها الأمير مقدّم الجيوش، ناصر الدّين حسين بن عزيز [القيمريّ] [6] ، الذي أنشأ المدرسة 3 [7] بدمشق شرقي جامع بني أمية، والآن
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أحمد بن أحمد» وهو خطأ، والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «العبر» (5/ 279) و «الوافي بالوفيات» (8/ 217- 218) .
[3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 364) و «العبر» (5/ 280) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278) .
[4] في «آ» و «ط» : «بركة بن قولي» والتصحيح من «ذيل مرآة الزمان» (2/ 364) و «العبر» (5/ 280) وفي «دول الإسلام» (2/ 170) و «النجوم الزاهرة» (7/ 224) : «بركة بن توشي» .
[5] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[6] انظر «العبر» (5/ 280) و «دول الإسلام» (2/ 170) و «البداية والنهاية» (13/ 250) وما بين الحاصرتين زيادة منهما.
[7] هي المدرسة القيمريّة. انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 441- 445) .(7/552)
تعرف تلك المحلّة بالقيمريّة [1] تسمية لها باسم المدرسة. كان بطلا شجاعا، رئيسا، عادلا، جوادا. وهو الذي ملك دمشق للناصر.
توفي مرابطا بالسّاحل في ربيع الأول.
وفيها أبو شامة، العلّامة المجتهد، شهاب الدّين أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدّمشقي [2] الشّافعي، المقرئ النحوي المؤرّخ، صاحب التصانيف.
ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة في أحد ربيعيها بدمشق، وسمّي بأبي شامة لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر، وختم القرآن وله دون عشر سنين، وأتقن فنّ القراءة على السّخاوي وله ست عشرة سنة، وسمع الكثير، حتّى عدّ في الحفّاظ. وسمع من الموفق وطائفة، وأخذ عن الشيخ عزّ الدّين ابن عبد السّلام.
قال الذهبي: كتب الكثير من العلوم، وأتقن الفقه، ودرّس وأفتى، وبرع في فنّ العربية. وذكر أنه حصل له الشيب وهو ابن خمس وعشرين سنة، وولي مشيخة القراءة بالتّربة الأشرفية، ومشيخة الحديث بالدّار الأشرفية. وكان مع كثرة فضائله متواضعا مطّرحا للتكلف، وربما ركب الحمار بين المداوير. وقرأ عليه القراءة جماعة. ومن تصانيفه «شرح الشّاطبية» ومختصرا [3] تاريخ دمشق، أحدهما في خمسة عشر مجلدا، والآخر في
__________
[1] قلت: وقد تحرف اسم المحلّة عند العوام إلى «القيمريّة» بكسر القاف وفتح الميم وكسر الراء وبالياء المشدّدة.
[2] انظر «العبر» (5/ 280- 2811) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 673- 674) و «دول الإسلام» (2/ 170) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278) و «الوافي بالوفيات» (18/ 113- 116) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 118- 119) و «البداية والنهاية» (13/ 250- 251) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 169- 171) .
[3] في «آ» : «ومختصري» وأثبت لفظ «ط» .(7/553)
خمس مجلدات. وشرح «نونية» السّخاوي في مجلد. وله كتاب «الروضتين في أخبار الدولتين النّورية والصّلاحية» وكتاب «الذّيل» عليهما. وكتاب «ضوء السّاري إلى معرفة رؤية الباري» وكتاب «الباعث على إنكار البدع والحوادث» وكتاب «السّواك» وكتاب «كشف حال بني عبيد» و «مفردات القرّاء» و «مقدمة» في النحو، وشرح «مفصّل» الزّمخشريّ، و «شيوخ [1] البيهقي» . وله غير ذلك، وأكثر تصانيفه لم يفرعها.
ومن نظمه قوله:
أيا لائمي ما لي سوى البيت موضع ... أرى فيه عزّا إنه لي أنفع
فراشي ونطعي فروتي ثمّ جبّتي ... لحافي وأكلي ما يسدّ ويشبع
ومركوبي الآن الأتان ونجلها ... لأخلاق أهل العلم والدّين أتبع
وقد يسّر الله الكريم بفضله ... غني النّفس مع عيش به أتقنّع
وما دمت أرضى باليسير فإنني ... غنيّ أرى هولا لغيري أخضع
ووقف كتبه بخزانة العادلية، وشرط أن لا تخرج فاحترقت جملة.
وقال ابن ناصر الدّين [2] : كان شيخ الإقراء، وحافظ العلماء حافظا، ثقة، علّامة، مجتهدا، [ذا فنون] .
وقال الإسنوي: وجرت له محنة في سابع جمادى الآخرة، سنة خمس وستين وستمائة، وهو أنه كان في داره بطواحين الأشنان [3] فدخل عليه رجلان جليلان [4] في صورة مستفتيين، ثم ضرباه ضربا مبرّحا إلى أن عيل صبره،
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وشرح البيهقي» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ آ) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] تحرفت في «طبقات الشافعية» للإسنوي إلى «الأشنا» فتصحح.
[4] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «جليلان» وهو وهم تبع فيه المؤلّف الإسنويّ في «طبقات الشافعية» وتبعهما ابن شقدة في «المنتخب» (183/ آ) والصحيح «جبليّان» كما في «الوافي بالوفيات» .(7/554)
ولم يغثه أحد، ثم توفي، رحمه الله، في تاسع عشر رمضان من ذلك العام.
وأنشد في ذلك لنفسه:
قلت لمن قال أما تشتكي ... ما قد جرى فهو عظيم جليل
يقيّض الله تعالى لنا ... من يأخذ الحقّ ويشفي الغليل
إذا توكّلنا عليه كفى ... فحسبنا الله ونعم الوكيل
ومن شعره:
قال النّبيّ المصطفى إنّ سبعة ... يظلّهم الله العظيم بظلّه
محبّ [1] عفيف [2] ناشئ [3] متصدّق [4] ... وباك [5] مصلّ [6] والإمام بعدله [7]
انتهى.
وفيها ابن بنت الأعزّ، قاضي القضاة، تاج الدّين أبو محمد عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلّامي المصري الشافعي [8] ، قاضي القضاة صدر الدّيار المصرية ورئيسها. كان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وعقل ونزاهة وتثبّت في الأحكام. روى عن جعفر الهمدانيّ [9] ، وولي القضاء
__________
[1] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه» رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. (ع) .
[2] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله» (ع) .
[3] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «وشاب نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ» (ع) .
[4] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتّى لا تدري شماله ما أنفقت يمينه» (ع) .
[5] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» (ع) .
[6] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل قلبه معلق بالمساجد» (ع) .
[7] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «إمام عادل» (ع) .
[8] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 369- 371) و «العبر» (5/ 281) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 318- 323) و «عيون التواريخ» (20/ 351- 352) و «النجوم الزاهرة» (7/ 222- 223) و «حسن المحاضرة» (1/ 455) .
[9] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (23/ 36) و «معرفة القراء الكبار»(7/555)
بتعيين الشيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام، وولي الوزارة ونظر الدّواوين وتدريس الشّافعي والصّالحية، ومشيخة الشيوخ والخطابة، ولم تجتمع هذه المناصب لأحد قبله. قرأ على الشيخ زكي الدّين المنذري «سنن أبي داود» وحدّث عن غيره أيضا.
قال القطب اليونيني: كان إماما، [عالما] فاضلا متبحّرا، وتقدم في الدولة، وكانت له الحرمة الوافرة عند الملك الظّاهر. وكان ذا ذهن ثاقب، وحدس صائب، وجدّ وسعد [1] وحزم وعزم، مع النزاهة المفرطة، وحسن الطّريقة والصّلابة في الدّين، والتثبّت في الأحكام، وتولية الأكفاء، لا يراعي أحدا ولا يداهنه، ولا يقبل شهادة مريب.
وقال السبكيّ: وعن ابن دقيق العيد أنه قال: لو تفرّغ ابن بنت الأعزّ للعلم لفاق ابن عبد السّلام.
وكان يقال: إنه آخر قضاة العدل، وفي أيّامه قبل موته بيسير جعلت القضاة أربعة بمصر، في سنة ثلاث وستين، وفي الشام في سنة أربع وستين.
توفي- رحمه الله تعالى- في السابع والعشرين من رجب، ودفن بسفح المقطّم.
وفيها ابن القسطلّاني الشيخ تاج الدّين علي بن الزّاهد أبي العبّاس أحمد ابن علي القيسي المصري المالكي [2] ، المفتي العدل. سمع بمكّة من زاهر بن رستم، ويونس الهاشمي، وطائفة. ودرّس بمصر، ثم ولي مشيخة الكاملية إلى أن توفي في سابع شوال، وله سبع وسبعون سنة.
__________
[ (-) ] (2/ 623) و «طبقات الشافعية الكبر» (8/ 375) و «حسن المحاضرة» : «الهمداني» وتصحفت نسبته في «ذيل مرآة الزمان» و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 318) إلى «الهمذاني» فتصحح.
[1] لفظة «وسعد» لم ترد في «ذيل مرآة الزمان» الذي بين يدي.
[2] انظر «العبر» (5/ 281) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 223) .(7/556)
وفيها أبو الحسن الدّهّان علي بن موسى السّعديّ المصريّ [1] ، المقرئ، الزّاهد.
ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على جعفر الهمداني وغيره، وتصدّر بالفاضلية للإقراء، وكان ذا علم وعمل. توفي في رجب.
وفيها صاحب المغرب المرتضى أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم القيسي المؤمني [2] . ولي الملك بعد ابن عمّه المعتضد علي، وامتدت أيّامه.
فلما كان في المحرّم من هذا العام دخل ابن عمّه أبو دبّوس، الملقب بالواثق بالله إدريس بن أبي عبد الله يوسف [بن عبد المؤمن] [3] مرّاكش، فهرب المرتضى [4] فظفر به عامل الواثق وقتله بأمر الواثق في ربيع الآخر وأقام الواثق ثلاثة أعوام، ثم قامت دولة بني مرين وزالت دولة آل عبد المؤمن.
وفيها القاضي صدر الدّين موهوب بن عمر الجزري ثم المصري الشافعي [5] ولد بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة، وأخذ عن السّخاوي، وابن عبد السلام، وغيرهما.
وكان إماما، عالما، عابدا.
قال الذهبي: تفقّه وبرع في المذهب والأصول والنحو ودرّس وأفتى، وتخرّج به جماعة. وكان من فضلاء زمانه، وولي القضاء بمصر وأعمالها دون القاهرة مدّة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 281) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 672) .
[2] انظر «العبر» (5/ 28) و «دول الإسلام» (2/ 170) .
[3] في «آ» و «ط» : «إدريس بن أبي عبد الله بن يوسف» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (7/ 18) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[4] في «وفيات الأعيان» : «فهرب المرتضى إلى آزمور وهي من نواحي مرّاكش» .
[5] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 387) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 379- 380) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 194) و «حسن المحاضرة» (1/ 415) .(7/557)
وقال غيره: تخرّجت به الطلبة، وجمعت عنه الفتاوى المشهورة به.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : ولي نيابة الحكم عن الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام، فلما عزل نفسه استقلّ بها، وكانت له أموال [1] كثيرة اكتسبها من المتجر.
حكى هو قال: جاءني شخص من خواصّ الملك المعظّم صاحب الجزيرة وقال: الليلة السلطان يريد القبض عليك، وكان عندي سبعون ألف درهم، فأخذتها وتركتها في قماقم [2] لماء [3] الورد، وخرجت من البلد بعد صلاة العصر، وقصدت المقابر، فوجدت قبرا مفتوحا، فدخلت فيه وأقمت فيه ثلاثة أيّام، فبينا أنا جالس وإذا جنازة أحضرت إلى ذلك القبر الذي أنا فيه، ففتحوا الطّاقة وأنزلوا الميّت وسدّوا الطّاقة، فلما انصرفوا جلس الميّت، فنظرت إليه والماء يقطر من ذقنه، وبقي ساعة يتكلم بكلام لا أعرفه، ثم استلقى على قفاه، فحصل عندي غاية الخوف، ثم خرّبت الطّاقة وخرجت وجلا مما شاهدت، فوجدت أكرادا قاصدين حلب، فصحبتهم وأقمت بها مدة، ثم قصدت الدّيار المصرية. وفي ليلة تغيّبت، كبسوا داري فلم يجدوني، ونادوا على من يحضرني، ولقد رأيت الجند غائرين يفتشون عليّ.
توفي- رحمه الله تعالى- بمصر فجأة وخلّف من العين ثلاثين ألف دينار.
وفيها ابن خطيب بيت الآبار [4] ضياء الدّين أبو الطّاهر يوسف بن
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «أمور» .
[2] جاء في «المعجم الوسيط» (2/ 760) : القمقم: إناء صغير من نحاس أو فضّة أو خزف صينيّ يجعل فيه ماء الورد.
[3] في «آ» و «ط» : «قماقم الماء» وما أثبته يقضيه السياق.
[4] بيت الآبار: جمع بئر، قرية يضاف إليها كورة من غوطة دمشق فيها عدة قرى، خرج منها غير-(7/558)
عمر بن يوسف بن يحيى الزّبيدي [1] سمع من الخشوعي وغيره، وناب في خطابة دمشق من العادل، وتوفي يوم الجمعة يوم الأضحى.
وفيها يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي [2] . سمع [3] شمس الدّين ولد [4] المعمّر صدر الدّين [روى عن الخشوعي والقاسم [5] وجماعة] وروى عنه زكيّ الدّين البرزالي مع تقدمه.
وتوفي في ربيع الأول [6] عن إحدى وثمانين سنة.
__________
واحد من رواه العلم. انظر «معجم البلدان» (1/ 519) وراجع كتاب «غوطة» دمشق للعلّامة محمد كرد علي ص (164) .
[1] انظر «العبر» (5/ 282) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (238- 239) و «العبر» (5/ 282) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه.
[3] لفظة «سمع» لم ترد في «العبر» بطبعتيه.
[4] في «ط» و «العبر» : «والد» .
[5] يعني ابن عساكر.
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأولى» .(7/559)
سنة ست وستين وستمائة
في جمادى الأولى افتتح الظّاهر بيبرس يافا بالسيف وقلعتها بالأمان، ثم هدمها، ثم حاصر الشّقيف عشرة أيام وأخذها بالأمان، ثم أغار على أعمال طرابلس وقطع أشجارها وغوّر أنهارها. ثم نزل تحت حصن الأكراد فخضعوا له، فترحل إلى حماة ثم إلى فامية، ثم ساق، وطلب [1] أنطاكية فأخذها في أربعة أيام، وحصر من قتل بها فكانوا أكثر من أربعين ألفا [2] .
وفيها توفي المجد بن الحلوانيّة المحدّث الجليل أبو العبّاس أحمد ابن المسلم بن حمّاد الأزدي الدّمشقي التّاجر [3] .
ولد سنة أربع وستمائة، وسمع من أبي القاسم ابن الحرستاني فمن بعده، وكتب العالي والنّازل، ورحل إلى بغداد، ومصر، والإسكندرية، وخرّج «المعجم» . وتوفي في حادي عشر ربيع الأول.
وفيها الشيخ العزّ خطيب الجبل أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب شرف الدّين عبد الله بن أبي عمر الزّاهد المقدسي الحنبلي [4] .
__________
[1] في «العبر» مصدر المؤلف: «وبغت» .
[2] زاد الذهبي في «العبر» : «ثم أخذ بغراس بالأمان» وبغراس: مدينة في لحف جبل اللّكام، بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ، على يمين القاصد إلى أنطاكية من حلب. انظر «معجم البلدان» (1/ 467) .
[3] انظر «العبر» (5/ 283- 284) و «النجوم الزاهرة» (7/ 226- 227) .
[4] انظر «العبر» (5/ 284) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 277- 278) .(7/560)
ولد سنة ست وستمائة، وسمع من العماد، والشيخ موفق الدّين، وأبي اليمن [1] الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني، وخلق. وأجاز له القاسم الصفّار وجماعة. وكان إماما في العلم والعمل، بصيرا بالمذهب، صالحا، عابدا، زاهدا، مخلصا، صاحب أحوال وكرامات، وأمر بالمعروف، قوّالا بالحقّ. وقد جمع المحدّث أبو الفداء بن الخبّاز سيرته في مجلد وحدّث وسمع منه جماعة، منهم: أبو العبّاس الحيري وهو آخر أصحابه.
توفي في تاسع عشر ربيع الأول، ودفن بسفح قاسيون، وهو والد الإمامين عزّ الدّين الفرائضي، وعزّ الدّين محمد خطيب الجامع المظفّري، رحمهم الله تعالى.
وفيها بولص الرّاهب الكاتب المعروف بالحبيس [2] .
أقام بمغارة بجبل حلوان بقرب القاهرة [3] فقيل: إنه وقع بكنز الحاكم صاحب مصر، فواسى منه الفقراء والمستورين من كل ملّة، واشتهر أمره وشاع ذكره، وقام عن المصادرين بجمل عظيمة مبلغها ستمائة ألف دينار، وذلك خارجا عمّا كان يصرفه للفقراء. طلبه السلطان فأحضره وتلطّف به، وطلب منه المال، فجعل يغالطه ويراوغه، فلما أعياه ضيّق عليه وعذّبه إلى أن مات ولم يقرّ بشيء، فأخرج من القلعة ميتا، ورمي على باب القرافة، وكان لا يأكل من هذا المال شيئا ولا يلبس، ولا ظهر منه شيء في تركته.
قال الذّهبيّ: وقد أفتى غير واحد بقتله خوفا على ضعفاء الإيمان من المسلمين أن يضلّهم ويغويهم.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النمر» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 189- 190) و «العبر» (5/ 284) و «مرآة الجنان» (4/ 165- 166) وقد تحرفت «الحبيس» فيه إلى «الحنش» فتصحح.
[3] انظر «معجم البلدان» (2/ 293) .(7/561)
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن منصور بن محمد بن وداعة الحلبي [1] . كان خطيبا بجبلة من أعمال السّاحل، ثم اتصل بصلاح الدّين، فصار من خواصه، فلما ملك دمشق ولّاه شدّ الدواوين، وكن يظهر النّسك، وله حرمة وافرة، فلما تولى الظّاهر ولّاه الوزارة، وتولى جمال الدّين أقوش [2] النّجيبيّ نيابة الشام، فحصل بينهما وحشة [باطنة] ، وكان النّجيبيّ يكرهه لتشيعه. وكان النّجيبي مغاليا في السّنّة، وعند عزّ الدّين تشيّع. فكتب عزّ الدّين إلى الظّاهر أن الأموال تنكسر وتحتاج الشّام إلى مشدّ تركيّ شديد المهابة، تكون أمور الولايات وأموالها راجعة إليه لا يعارض، وقصد بذلك رفع يد النائب فجهز [3] الظّاهر علاء الدّين كشتغدي الشّقيريّ، فلم يلبث أن وقع بينهما، لأن الشّقيريّ كان يهينه غاية الهوان، فإذا اشتكى إلى النّائب لا يشكيه ويقول: أنت طلبت مشدّا تركيا. فكتب الشّقيريّ إلى الظّاهر في حقّه.
فورد الجواب بمصادرته، فأخذ خطّه بجملة يقصر عنها ماله، وضربه وعصره، وعلّقه. فكان كالباحث عن حتفه بظلفه. وكانت له دار حسنة باعها في المصادرة، ثم طلب إلى مصر. فتوفي بها عقب وصوله، ودفن بالقرافة الصّغرى قريبا من قبّة [4] الشّافعيّ، ولم يخلّف ولدا، ولا رزقه الله في عمره [كلّه] ولدا [5] فإنه لم يتزوج إلّا امرأة واحدة في صباه، ثم فارقها بعد أيام قلائل، وبنى بجبل قاسيون تربة ومسجدا وعمارة حسنة، وله وقف على وجوه البرّ.
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 390- 392) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «القلائد الجوهرية» (1/ 323- 324) .
[2] في «آ» و «ط» : «أقش» وما أثبته من «ذيل مرآة الزمان» و «عقد الجمان» (1/ 331) .
[3] في «ط» : «فجهر» بالراء وهو خطأ.
[4] تحرفت في «ط» إلى «قبلة» .
[5] لفظة «ولدا» الثانية هذه لم ترد في «ذيل مرآة الزّمان» ولفظة «كلّه» زيادة منه.(7/562)
وفيها صاحب الرّوم السّلطان ركن الدّين [1] كيقباد [2] بن السّلطان غياث الدّين كيخسرو بن السلطان كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن قتلمش [3] بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق [4] السّلجوقي [5] كان هو وأبوه مقهورين مع التتار، له الاسم ولهم التّصرّف، فقتلوه في هذه السنة، وله ثمان وعشرون سنة، لأن بعضهم نمّ عليه بأنه يكاتب الظّاهر، فقتلوه خنقا وأظهروا أن فرسه رماه. ثم أجلسوا في الملك ولده كيخسرو وله عشر سنين.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «زكي الدّين» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى قيقباد» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (5/ 71) و «العبر» : «قتلمش» وفي «ذيل مرآة الزمان» و «النجوم الزاهرة» : «قطلمش» .
[4] تحرفت في «النجوم الزاهرة» إلى «دقماق» فتصحح، وانظر «وفيات الأعيان» (5/ 184) .
[5] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 403- 406) و «العبر» (5/ 285) و «النجوم الزاهرة» (7/ 226) .(7/563)
سنة سبع وستين وستمائة
فيها هبّت ريح شديدة بالدّيار المصرية، غرّقت مائتي مركب، وهلك منها خلق كثير.
وفيها أمر السلطان بإراقة الخمور وتبطيل المفسدات والخواطئ بالدّيار المصرية، وكتب بذلك إلى جميع بلاده، وأمسك كاتبا يقال له: ابن الكازروني، وهو سكران، فصلبه وفي عنقه جرّة الخمر، فقال الحكيم ابن دانيال:
وقد كان حدّ السّكر من قبل صلبه ... خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا
فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي ... ألا تب فإنّ الحدّ قد جاوز الحدّا
وفيها أخليت حرّان، ووصل منها خطيبها ابن تيميّة [1] وغيره.
وفيها توفي زين الدّين أبو الطّاهر إسماعيل بن عبد القوي بن عزّون [2] الأنصاري المصري الشّافعي [3] . سمع الكثير من البوصيري، وابن ياسين، وطائفة. وكان صالحا خيّرا. توفي في المحرّم.
__________
[1] يعني الإمام عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميّة والد شيخ الإسلام تقي الدّين، سترد ترجمته في وفيات سنة (682) ص (656) .
[2] تصحفت في «آ» إلى «عرون» بالراء المهملة.
[3] انظر «العبر» (5/ 286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 228) و «حسن المحاضرة» (1/ 381) .(7/564)
وفيها الرّوذراوري- بضم الراء المهملة، وسكون الواو والمعجمة، وفتح الراء والواو الثانية، ثم راء، نسبة إلى روذراور [1] بلد بهمذان- مجد الدين عبد المجيد بن أبي الفرج اللّغوي [2] نزيل دمشق.
كانت له حلقة اشتغال بالحائط الشمالي، وكان فصيحا، مفوّها، حفظة لأشعار العرب. توفي في صفر.
وفيها علي بن وهب بن مطيع العلّامة مجد الدّين بن دقيق العيد القشيري المالكي [3] شيخ أهل الصّعيد، ونزيل قوص. كان جامعا لفنون العلم، موصوفا بالصّلاح والتألّه، معظّما في النّفوس. روى عن أبي المفضّل [4] وغيره، وتوفي في المحرّم عن ستّ وثمانين سنة.
وفيها الأبيوردي- بفتح الهمزة، والواو، وسكون التحتية، وكسر الباء الموحدة، وسكون الراء، نسبة إلى أبي ورد بليدة بخراسان [5]- الحافظ زين الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن أبي بكر الصّوفي الشّافعي [6] .
سمع وهو ابن أربعين سنة من كريمة، وابن قميرة فمن بعدهما، حتّى كتب عن أصحاب محمد بن عماد، وشرع في «المعجم» وحرص وبالغ، فما
__________
[1] انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (374) و «معجم البلدان» (3/ 78) .
[2] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 418- 419) و «العبر» (5/ 286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 228) .
[3] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 420- 421) و «العبر» (5/ 286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 228) و «حسن المحاضرة» (1/ 457) .
[4] تحرفت في «آ» إلى «الفضل» وهو علي بن المفضل اللّخمي المقدسي، وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (611) ص (87) .
[5] انظر «معجم البلدان» (1/ 86- 87) .
[6] انظر «العبر» (5/ 286- 287) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278) وذكره ابن ناصر الدّين الدمشقي في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ ب) .(7/565)
أفاق من الطلب إلّا والمنيّة قد فجأته، وكان ذا دين وورع، مكثرا لكنه قلّما روى.
توفي بالقاهرة بخانقاه سعيد السّعداء في جمادى الأولى، وله شعر.
وفيها التّاج مظفّر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهّاب بن عبد الواحد بن الحنبلي أبو منصور الدمشقي الحنبلي [1] مدرّس مدرسة جدّهم شرف الإسلام، وهي المسمارية.
ولد بدمشق في سابع عشري ربيع الأول سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع بها من الخشوعي، وابن طبرزد، وحنبل، وغيرهم. وأفتى وناظر، وتفقّه. وحدّث بمصر والشام، وروى عنه جماعة، منهم: الحافظ الدّمياطي، وتوفي في ثالث صفر فجأة بدمشق ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 428) و «العبر» (5/ 286- 287) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 278) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 72) .(7/566)
سنة ثمان وستين وستمائة
فيها تسلّم الملك الظّاهر حصون الإسماعيليّة، وقرّر على زعيمهم نجم الدّين حسن بن الشّعراني أن يحمل كلّ سنة مائة ألف وعشرين ألفا، وولّاه على الإسماعيليّة. قاله في «العبر» [1] .
وفيها توفي زين الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الدّائم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم [2] ، مسند الشام وفقيهها ومحدّثها الحنبلي المذهب النّاسخ.
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وأجاز له خطيب الموصل، وابن الفراوي، وابن شاتيل وخلق، وسمع من يحيى الثّقفي، وابن صدقة، وابن الموازيني، وعبد الرحمن الخرقي، وغيرهم. وانفرد في الدّنيا بالرواية عنهم.
ودخل بغداد، فسمع بها من ابن كليب، وابن المعطوش [3] وأبي الفرج بن الجوزي، وأبي الفتح بن المنّي، وابن سكينة، وغيرهم. وسمع بحرّان من خطيبها الشيخ فخر الدّين بن تيميّة. وعني بالحديث، وتفقه بالشيخ موفق
__________
[1] (5/ 287) .
[2] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 436- 437) و «العبر» (5/ 288) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 278- 280) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن المعطوس» بالسين المهملة، والتصحيح من ترجمته في المجلد السادس صفحة (557) .(7/567)
الدّين، وخرّج لنفسه «مشيخة» وجمع «تاريخا» لنفسه. وكان فاضلا متنبّها.
وولي الخطابة بكفر بطنا [1] بضع عشرة سنة. وكان يكتب بسرعة خطّا حسنا، فكتب ما لا يوصف كثرة، يكتب في اليوم الكرّاسين والثلاثة إلى التسعة.
وكتب «تاريخ دمشق» لابن عساكر مرّتين، «والمغني» للموفق مرّات. وذكر أنه كتب بيده ألفي مجلّدة. وكان حسن الخلق والخلق، متواضعا، ديّنا. حدّث بالكثير بضعا وخمسين سنة، وانتهى إليه علوّ الإسناد. وكانت الرّحلة إليه من أقطار البلاد، وخرّج له ابن الظّاهري «مشيخة» وابن الخبّاز أخرى. وسمع منه الحفّاظ المتقدمون، كالحافظ ضياء الدّين، والزّكي البرزالي، وعمر بن الحاجب، وغيرهم. وروى عنه الأئمة الكبار، والحفّاظ المتقدمون والمتأخرون، منهم: الشيخ محيي الدّين النّووي، والشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن دقيق العيد، وابن تيميّة، وخلق، آخرهم: ابن الخبّاز. وتوفي يوم الاثنين سابع رجب، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها ضياء الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم المصري ثم الدمشقي [2] الفقيه الشافعي، الإمام الحافظ المتقن المحقّق الضّابط الزّاهد الورع، شيخ النّووي. ذكره فيما ألحقه في «طبقات ابن الصّلاح» [3] فقال: ولم تر عيني في وقته مثله، وكان- رضي الله عنه- بارعا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه، لا سيما «الصحيحان» ذا عناية
__________
[1] كفر بطنا: قرية من قرى غوطة دمشق الشرقية ذات بساتين خضراء جميلة، أنجبت عددا من العلماء منهم مؤرخ الإسلام الحافظ الذّهبي، وسكنها معاوية بن أبي سفيان. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 468) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 122) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 453) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 161) .
[3] سبق أن ذكرت من قبل بأن «طبقات الشافعية» لابن الصلاح باختصار النووي تمّ تحقيقه على يد الأستاذ محيي الدّين نجيب، وهو تحت الطبع الآن ببيروت كما ذكر لي محقّقه.(7/568)
بالغة، والنحو، والفقه، ومعارف الصّوفية، حسن المذاكرة فيها. وكان عندي من كبار السّالكين في طرائق الحقائق، حسن التعليم، صحبته نحو عشر سنين، فلم أر منه شيئا يكره. وكان من السماحة بمحلّ عال، على قدر وجده. وأما الشّفقة على المسلمين ونصيحتهم فقلّ نظيره فيهما.
توفي بمصر في أوائل سنة ثمان وستين وستمائة. انتهى كلام النّووي.
وفيها أبو دبّوس صاحب المغرب الواثق بالله أبو العلاء إدريس بن عبد الله المؤمني [1] آخر ملوك بني عبد المؤمن. جمع الجيوش، وتوثّب على مرّاكش، وقتل ابن عمّه صاحبها أبا حفص. وكان بطلا، شجاعا، مقداما، مهيبا. خرج عليه زعيم آل مرين [2] يعقوب بن عبد الحق المريني [3] وتمّت بينهما حروب، إلى أن قتل أبو دبّوس بظاهر مرّاكش في المصافّ، واستولى يعقوب على المغرب.
وفيها أحمد بن القاسم بن خليفة الحكيم عرف بابن أبي أصيبعة [4] .
كان عالما بالأدب، والطبّ، والتّاريخ. له مصنفات عدة، منها: «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» [5] .
وفيها شيخ الأطباء وكبيرهم علي بن يوسف بن حيدرة [الرّحبي] [6] .
اشتغل بالأدب، وفاق أهل زمانه، وكان يقول لأصحابه: بعد قليل يموت عند
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 288- 289) و «دول الإسلام» (2/ 171- 172) .
[2] تصحفت في «آ» إلى «مزين» .
[3] تصحفت في «آ» إلى «المزيني» .
[4] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 437) و «البداية والنهاية» (13/ 257) و «الأعلام» (1/ 197) .
[5] قال العلّامة الزركلي: صنّفه سنة (643) . قلت: وله عدة طبعات.
[6] انظر «البداية والنهاية» (13/ 255) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 130) وقد تحرفت «الرّحبي» فيه إلى «الرّضي» فتصحح، و «الأعلام» (5/ 34) وانظر تعليق العلّامة الزركلي عليه.(7/569)
قران الكوكبين، ثم يقول: قولوا للناس حتّى يعلموا مقدار علمي في حياتي وعلمي [1] بوقت موتي.
وفيها العلّامة المجيد نجم الدّين عبد الغفّار بن عبد الكريم بن عبد الغفّار القزويني الشّافعي [2] ، أحد الأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام.
قال اليافعيّ: سلك في «حاويه» مسلكا لم يلحقه أحد ولا قاربه.
قال ابن شهبة: هو صاحب «الحاوي الصغير» و «اللباب» و «العجاب» .
قال السّبكي: كان أحد الأئمة الأعلام، له اليد الطّولى في الفقه، والحساب، وحسن الاختصار. وقيل: إنه كان إذا كتب في الليل يضيء له نور يكتب عليه.
توفي في المحرّم سنة خمس وستين وستمائة. انتهى.
وجزم اليافعيّ وابن الأهدل بوفاته في هذه السنة [3] .
وفيها الكرماني الواعظ المعمّر بدر الدّين عمر بن محمد بن أبي سعد التّاجر [4] .
ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة، وسمع في الكهولة من القاسم [ابن] الصفّار. وروى الكثير بدمشق وبها توفي في شعبان.
وفيها محيي الدّين قاضي القضاة أبو الفضل يحيى بن قاضي القضاة محيي الدّين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدّين أبي
__________
[1] سقطت لفظة «وعلمي» هذه من «ط» .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 277- 278) و «مرآة الجنان» (4/ 167- 169) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 174) .
[3] يعني في سنة (668) التي ترجم المؤلف له فيها.
[4] انظر «العبر» (5/ 289) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «النجوم الزاهرة» (7/ 230) .(7/570)
الحسن علي بن قاضي القضاة منتجب الدّين أبي المعالي القرشي الدمشقي الشافعي [1] .
ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة، وروى عن حنبل، وابن طبرزد، وتفقه على الفخر بن عساكر، وولي قضاء دمشق مرّتين فلم تطل أيّامه، وكان صدرا معظّما معرقا في القضاء، له في [ابن] العربي عقيدة تتجاوز الوصف.
وكان شيعيّا يفضّل عليا على عثمان، مع كونه ادعى نسبا إلى عثمان.
وهو القائل:
أدين بما دان الوصيّ ولا أرى ... سواه وإن كانت أميّة محتدي
ولو شهدت صفّين خيلي لأعذرت ... وساء بني حرب هنالك مشهدي
وسار إلى خدمة هولاكو [2] فأكرمه وولّاه قضاء الشّام، وخلع عليه خلعة سوداء مذهّبة، فلما تملّك الملك الظّاهر أبعده إلى مصر وألزمه بالمقام بها.
وتوفي بمصر في سابع عشر رجب. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 289- 290) و «مرآة الجنان» (4/ 169- 170) و «البداية والنهاية» (13/ 257- 258) و «النجوم الزاهرة» (7/ 230) .
[2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .(7/571)
سنة تسع وستين وستمائة
في شعبانها افتتح السّلطان حصن الأكراد بالسيف، ثم نازل حصن عكّا، وأخذه بالأمان، فتذلّل له صاحب طرابلس، وبذل له ما أراد، وهادنه عشر سنين.
وفي شوّالها جاء سيل بدمشق في بحبوحة الصّيف، وذلك بالنهار والشمس طالعة، فغلّقت أبواب البلد، وطغا الماء وارتفع، وأخذ البيوت والأموال، وارتفع عند باب الفرج ثمانية أذرع، حتّى طلع الماء فوق أسطحة عديدة، وضجّ الخلق، وابتهلوا إلى الله تعالى. وكان وقتا مشهودا، أشرف الناس فيه على التّلف، ولو ارتفع ذراعا آخر لغرق نصف دمشق.
وفيها توفي ابن البارزيّ قاضي حماة شمس الدّين إبراهيم بن المسلم بن هبة الله الحموي الشّافعي [1] تفقه بدمشق بالفخر بن عساكر، وأعاد له، ودرّس بالرّواحية، وولي تدريس معرّة النّعمان، ثم تحوّل إلى حماة ودرّس بها، وأفتى، وولي قضاءها فحمدت سيرته، وكان ذا علم ودين.
وتوفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة.
وفيها الشيخ حسن بن أبي [2] عبد الله بن صدقة الأزدي الصّقليّ
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 457- 458) و «العبر» (5/ 291) و «الوافي بالوفيات» (6/ 146- 147) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 268- 269) .
[2] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .(7/572)
المقرئ [1] ، الرّجل الصّالح. قرأ القراءات على السّخاوي، وسمع الكثير، وأجاز له المؤيد الطّوسي، وتوفي في ربيع الآخر، وكان صالحا، ورعا، مخلصا، متقلّلا من الدّنيا منقطع القرين، عاش تسعا وسبعين سنة.
وفيها ابن قرقول، صاحب كتاب «مطالع الأنوار» إبراهيم بن يوسف الحموي [2] . كان من الفضلاء الصّلحاء. صحب علماء الأندلس، وكتابه ضاهى به «مشارق الأنوار» للقاضي عياض. صلّى الجمعة في الجامع ثم حضرته الوفاة، فتلا سورة الإخلاص، وكرّرها بسرعة، ثم تشهّد ثلاث مرّات وسقط على وجهه ميّتا ساجدا، رحمه الله تعالى.
وفيها ابن سبعين الشّيخ قطب الدّين أبو محمد عبد الحقّ بن إبراهيم ابن محمد بن نصر الإشبيلي المرسي الرّقوطي [3] الأصل الصّوفي المشهور [4] .
قال الذهبي: كان من زهّاد الفلاسفة، ومن القائلين بوحدة الوجود. له تصانيف وأتباع يقدمهم يوم القيامة. انتهى.
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : درّس العربية والآداب بالأندلس، ثم انتقل إلى سبتة وانتحل التصوف على قاعدة زهد الفلاسفة وتصرّفهم، وعكف على مطالعة كتبه، وجدّ واجتهد، وجال في بلاد المغرب،
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 458) و «العبر» (5/ 291) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 675) و «الوافي بالوفيات» (12/ 92) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 62- 63) و «الوافي بالوفيات» (6/ 171) .
[3] نسبة إلى رقوطة، وهي حصن منيع بقرب مرسية. قاله الفاسي في «العقد الثمين» .
[4] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 460) وقد تحرفت «الرقوطي» فيه إلى «الزقوطي» و «رقوطة» إلى «زقوطة» بالزاي مكان الراء. «عنوان الدّراية» ص (237) بتحقيق الأستاذ عادل نويهض، و «العبر» (5/ 291- 292) و «الوافي بالوفيات» (18/ 60- 64) و «الإحاطة» في أخبار «غرناطة» (4/ 31- 38) و «العقد الثمين» (5/ 326- 335) و «نفح الطيّب» (2/ 196) .(7/573)
ثم رحل إلى المشرق، وحجّ حججا كثيرة، وشاع ذكره، وعظم صيته، وكثرت أتباعه، على رأي أهل الوحدة المطلقة، وأملى عليهم كلاما في العرفان على رأي الاتحادية، وصنّف في ذلك أوضاعا كثيرة وتلقّوها عنه وبثّوها في البلاد شرقا وغربا، وقد ترجمه ابن حبيب فقال: صوفيّ متفلسف متزّهد متعبّد متقشّف، يتكلم على طريق أصحابه، ويدخل البيت لكن من غير أبوابه، شاع أمره، واشتهر ذكره، وله تصانيف، وأتباع، وأقوال، تميل إليها بعض القلوب وينكرها بعض الأسماع. وقال لأبي الحسن الشّشتري [1] عند ما لقيه- وقد سأله عن وجهته وأخبره بقصده الشيخ أبا أحمد- إن كنت تريد الجنّة فشأنك ومن قصدت، وإن كنت تريد ربّ الجنّة فهلمّ إلينا. وأما ما نسب إليه من آثار السّيما [2] والتصويف فكثير جدا.
ومن نظمه:
كم ذا تموّه بالشّعبين والعلم [3] ... والأمر أوضح من نار على علم
أصبحت [4] تسأل عن نجد وساكنها ... وعن تهامة هذا فعل متّهم
وقال البسطامي: كان له سلوك عجيب على طريق أهل الوحدة، وله في علم الحروف والأسماء اليد الطّولى، وألّف تصانيف، منها: «كتاب الحروف الوضعية في الصّور الفلكية» و «شرح كتاب إدريس عليه السلام» الذي وضعه في علم الحرف، وهو نفيس.
__________
[1] هو علي بن عبد الله النّميري الشّشتري، الفقيه الصوفي الصالح العابد، المتوفى سنة (668 هـ) انظر ترجمته في «عنوان الدّراية» ص (339- 242) و «الأعلام» (4/ 305) وتعليق العلّامة الزركلي عليه.
[2] في «ط» : «السيمايا» . وقال الصّفدي في «الوافي بالوفيات» : ولقد اجتمعت بجماعة من أصحاب أصحابه ورأيتهم ينقلون عن أولئك، أن ابن سبعين كان يعرف السيمياء والكيمياء، وأن أهل مكة كانوا يقولون: إنه أنفق فيها ثمانين ألف دينار.
[3] في «آ» و «ط» : «فالعلم» والتصحيح من «الإحاطة» و «نفح الطّيب» .
[4] «الإحاطة» و «نفح الطيب» : «ظللت» .(7/574)
ومن وصاياه لتلامذته وأتباعه: عليكم بالاستقامة على الطريقة [1] ، وقدّموا فرض الشريعة على الحقيقة، ولا تفرّقوا بينهما، فإنهما من الأسماء المترادفة، واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا، وقولوا: عليها وعلى أهلها اللعنة. انتهى.
وأغراض الناس متباينة بعيدة عن الاعتدال، فمنهم المرهق المكفّر، ومنهم المقلّد.
ومما شنّع عليه به، أنه ذكر في [2] «كتاب البدّان» [3] صاحب «الإرشاد» إمام الحرمين، إذا ذكر أبو جهل وهامان فهو ثالث الرجلين، وأنه قال في شأن الغزّاليّ: إدراكه في العلوم أضعف من خيط العنكبوت، فإن صحّت نسبة ذلك إليه، فهو من أعداء الشريعة المطهّرة بلا ريب.
وقد حكي عن قاضي القضاة ابن دقيق العيد أنه قال: جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تفهم مركّباته، والله أعلم بسريرة حاله.
وقد أخذ عن جماعة، منهم: الحرّاني، والبوني. مات بمكّة. انتهى كلام المناويّ بحروفه.
وفيها أبو الحسن بن عصفور علي بن مؤمن بن محمد بن علي النّحوي الحضرميّ الإشبيلي [4] ، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «على الطريق» وما أثبته من «الإحاطة في أخبار غرناطة» .
[2] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[3] كذا في «آ» و «ط» : «البدّان» وفي «الإحاطة» و «العقد الثمين» : «البدّ» مفردا، وعلّق الأستاذ فؤاد سيد رحمه الله على «العقد الثمين» بما يلي: المعروف أن اسمه «بدّ العارف» أو «بدء العارف» ومنه نسخة مكتوبة سنة (679 هـ) ومحفوظة بمكتبة جار الله بإستانبول برقم (1273) وأخرى في برلين برقم (1744) .
[4] انظر «عنوان الدّراية» ص (317- 319) و «الوافي بالوفيات» (22/ 265- 267) و «فوات(7/575)
قال ابن الزّبير: أخذ عن الدّبّاج والشّلوبين ولازمه مدة، ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة. وتصدّر للاشتغال مدة بعدة بلاد، وجال بالأندلس، وأقبل عليه الطلبة. وكان أصبر النّاس على المطالعة، لا يملّ من ذلك. ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو، ولا تأهّل لغير ذلك.
قال الصّفديّ: ولم يكن عنده ورع، وجلس في مجلس شراب، فلم يزل يرجم بالنّارنج إلى أن مات في رابع عشري ذي القعدة. ومولده سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وصنّف «الممتع في التصريف» [1] . كان أبو حيّان لا يفارقه، «المقرّب» شرحه لم يتم، «شرح الجزولية» ، «مختصر المحتسب» ، ثلاث شروح على «الجمل» ، «شرح الأشعار الستة» وغير ذلك.
ومن شعره:
لمّا تدنّست بالتّفريط في كبري ... وصرت مغرى بشرب الرّاح واللّعس
أيقنت [2] أنّ خضاب الشّيب أستر لي ... إنّ البياض قليل الحمل للدّنس
ورثاه القاضي ناصر الدّين بن المنيّر. قال ذلك السيوطي في كتابه «بغية الوعاة في طبقات اللّغويين والنّحاة» .
وفيها المجد بن عساكر محمد بن إسماعيل بن عثمان بن مظفّر بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدّمشقي [3] المعدّل.
سمع من الخشوعي والقاسم [4] ، وجماعة، وتوفي في ذي القعدة.
__________
[ (-) ] الوفيات» (3/ 109- 110) و «بغية الوعاة» (2/ 210) .
[1] نشرته مكتبة دار العروبة في الكويت، ونشر في بيروت أيضا.
[2] في «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» : «رأيت» .
[3] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 463) و «العبر» (5/ 292) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «الوافي بالوفيات» (2/ 219) .
[4] هو القاسم بن علي بن عساكر الدمشقي.(7/576)
سنة سبعين وستمائة
في رمضان حوّلت التتار من تبقّى من أهل حرّان [1] إلى المشرق وخربت ودثرت بالكلّيّة.
وفيها توفي معين الدّين أحمد بن قاضي الدّيار المصرية علي بن العلّامة أبي المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار الدّمشقي ثم المصري [2] .
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع من البوصيري، وابن ياسين، وطائفة، وتوفي في رجب.
وفيها الملك الأمجد حسن بن الملك النّاصر داود بن الملك المعظّم عيسى بن الملك العادل أيوب [3] .
كان من الفضلاء، عنده مشاركة جيدة في كثير من العلوم، وله معرفة تامّة بالأدب. وتزهّد وصحب المشايخ، وكان لا يدّخر عنهم شيئا. وكان كثير
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (185/ آ) : «من أهل خراسان» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «دول الإسلام» .
[2] انظر «العبر» (5/ 292- 293) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «حسن المحاضرة» (1/ 381) .
[3] انظر «النجوم الزاهرة» (7/ 236) و «ترويح القلوب» للزّبيدي ص (60) و «الأعلام» (2/ 190) .(7/577)
المروءة والاحتمال. مات بدمشق ودفن بتربة جدّه الملك المعظّم بسفح قاسيون.
وفيها الكمال سلّار بن الحسن بن عمر بن سعيد الإربلي الشّافعي [1] الإمام العلّامة مفتي الشّام ومفيده أبو الفضائل، صاحب ابن الصّلاح شيخ الأصحاب ومفيد الطلّاب. تفقّه على ابن الصّلاح حتّى برع في المذهب، وتقدم وساد، واحتاج الناس إليه، وكان معيدا بالبادرائية، عيّنه لها واقفها، فباشرها إلى أن توفي يفيد ويعيد، ويصنّف ويعلّق، ويؤلّف ويجمع، وينشر المذهب، ولم يزدد منصبا آخر، وقد اختصر «البحر» للرّوياني في مجلدات عدة، وانتفع به جماعة من الأصحاب، منهم الشيخ محيي الدّين النّووي، وأثنى عليه ثناء حسنا. قال: وتفقه على جماعة، منهم: أبو بكر الماهياني، والماهياني على ابن البرزي.
وقال الشريف عزّ الدّين: وكان عليه مدار الفتوى بالشّام في وقته، ولم يترك في بلاد الشام مثله.
توفي في جمادى الآخرة في عشر التسعين أو نيّف عليها، ودفن بباب الصغير.
وفيها الجمال البغداديّ عبد الرحمن بن سليمان [2] بن سعد بن سليمان [2] البغدادي [3] الأصل الحرّاني المولد، الفقيه الحنبلي، أبو محمد، نزيل دمشق.
__________
[1] «ذيل مرآة الزمان» (2/ 479) و «العبر» (5/ 293) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 149) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 168- 169) .
[2] في «آ» و «ط» و «النجوم الزاهرة» : «سلمان» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «الوافي بالوفيات» : «البغيداذي» وكذلك في «تاريخ الإسلام» للذهبي كما في حاشية «النجوم الزاهرة» .(7/578)
ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة في أحد ربيعيها، وسمع من عبد القادر الحافظ، وحنبل، وحمّاد الحرّاني، وغيرهم. وتفقه بالشيخ الموفق، وبرع وأفتى، وانتفع به جماعة، وحدّث. وروى عنه طائفة، منهم:
ابن الخبّاز. وكان إماما بحلقة الحنابلة بالجامع.
توفي في رابع شعبان ودفن بسفح قاسيون.
وفيها ابن يونس تاج الدّين العلّامة عبد الرحيم بن الفقيه رضي الدّين محمد بن يونس بن منعة الموصلي الشافعي [1] ، مصنّف «التعجيز» .
كان من بيت الفقه والعلم بالموصل.
ولد بها سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، واشتغل بها، وأفاد وصنّف، ثم دخل بغداد بعد استيلاء التتار عليها في رمضان هذه السنة، وولي قضاء الجانب الغربي بها، وتدريس البشيرية.
قال الإسنويّ: كان فقيها، أصوليا، فاضلا.
توفي في شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة، ودفن عند قبة الدّيلم بالمشهد الفاطمي، وجزم ابن خلّكان وصاحب «العبر» [2] بوفاته في هذه السنة.
وفيها أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 255) و «العبر» (5/ 293) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 191- 194) و «الوافي بالوفيات» (18/ 391) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 574) .
[2] قلت: ما ذكره في هذا الصدد عن ابن خلّكان صحيح فقد ذكر بأنه مات سنة (671) وأما ما ذكره عن الذهبي في «العبر» فهو وهم منه رحمه الله، فقد ذكر ضمن وفيات سنة (670) !.(7/579)
المقدسي الصّحراوي [1] . روى عن الخشوعي، ومحمد بن الخصيب، وتوفي في رمضان عن ثمانين سنة.
وفيها القاضي الرئيس عماد الدّين محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب التّغلبي [2] الدّمشقي [3] ، والد قاضي القضاة نجم الدّين.
ولد بعد الستمائة، وسمع من الكندي وجماعة، وكان كامل السّؤدد، متين الدّيانة، وافر الحرمة. توفي في العشرين من ذي القعدة عن تسعين سنة. قاله في «العبر» .
وفيها الوجيه ابن سويد التكريتي محمد بن علي بن أبي طالب التّاجر [4] . كان واسع الأموال والمتاجر، عظيم الحرمة، مبسوط اليد في الدولة النّاصرية والظّاهرية.
توفي في ذي القعدة عن نيّف وستين سنة، ولم يرو شيئا.
وفيها الحافظ محمد بن الحافظ العلم علي الصّابوني بن محمود بن أحمد بن علي المحمودي [5] أبو حامد، المنعوت بالجمال. كان إماما، حافظا، مفيدا. اختلط قبل موته بسنة أو أكثر.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» [6] :
محمد بن العلم الصّابوني ... خبرته فائقة الفنون
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 293) .
[2] في «آ» و «ط» : «الثعلبي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 294) و «الوافي بالوفيات» (3/ 84) و «النجوم الزاهرة» (7/ 237) .
[4] انظر «العبر» (5/ 294) و «الوافي بالوفيات» (4/ 186) .
[5] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1464- 1465) و «الوافي بالوفيات» (4/ 188- 189) وذكره ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ آ- ب) وذكر فوائد عزيزة في ترجمته.
[6] (25/ ب) من مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.(7/580)
وفيها أبو بكر البشتي- نسبة إلى بشت قرية بنيسابور [1]- محمد بن المحدّث عليّ بن المظفّر بن القاسم الدمشقي المولد المؤذن.
ولد في المحرّم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي وطائفة كثيرة. توقف بعض المحدّثين في السماع منه لأنه كان [2] جنائزيّا.
__________
[1] تنبيه: كذا قيّد نسبته المؤلف رحمه الله تعالى، والصواب «النّشبيّ» من ولد نشبة بن الربيع، بطن من تيم الرّباب. كما قيّده الذّهبيّ في «مشتبه النسبة» ص (348) .
[2] لفظة «كان» سقطت من «آ» .(7/581)
سنة إحدى وسبعين وستمائة
فيها وصلت التتار إلى حافة الفرات، ونازلوا البيرة، وكان السلطان بدمشق فأسرع السير وأمر الأمراء بخوض الفرات، فخاض سيف الدّين قلاوون، وبيسرى، والسلطان أولا، ثم تبعهم العسكر ووقعوا على التتار، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا مائتين، ولله الحمد.
وأنشد في ذلك الموفق الطّبيب:
الملك الظّاهر سلطاننا ... نفديه بالأموال والأهل
اقتحم الماء ليطفي به ... حرارة القلب من المغل
وفيها توفي أبو البركات أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري المالكي الإسكندراني ابن النّحاس [1] .
سمع من عبد الرحمن بن موقّى وغيره، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها أحمد بن هبة الله بن أحمد السّلميّ الكهفيّ [2] .
روى عن ابن طبرزد وغيره، وتوفي في رجب.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 295) و «حسن المحاضرة» (1/ 381) .
[2] انظر «العبر» (5/ 295) و «النجوم الزاهرة» (7/ 240) .(7/582)
وفيها أبو الفتح عبد الهادي بن عبد الكريم بن علي القيسيّ المصريّ المقرئ الشافعي [1] ، خطيب جامع المقياس.
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات بالسبعة على أبي الجود، وسمع من قاسم بن إبراهيم المقدسي وجماعة، وأجاز له أبو طالب أحمد بن المسلّم اللّخمي، وأبو طالب بن عوف، وجماعة. وتفرّد بالرّواية عنهم. وكان صالحا، كثير التّلاوة، وتوفي في شعبان.
وفيها أبو الفرج فخر الدّين عبد القاهر بن أبي محمد بن أبي القاسم ابن تيميّة الحرّاني الحنبلي [2] .
ولد بحرّان سنة اثنتي عشرة وستمائة، وسمع من جدّه، وابن اللّتي، وحدّث بدمشق، وخطب بجامع حرّان.
وتوفي في حادي عشر شوال بدمشق، ودفن من الغد بمقابر الصّوفية.
وفيها ابن هامل، المحدّث شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن عمّار بن هامل بن موهوب الحرّاني الحنبلي [3] المحدّث الرحّال نزيل دمشق.
ولد بحرّان سنة ثلاث وستمائة، وسمع ببغداد من القطيعي وغيره، وبدمشق من القاضي أبي نصر الشّيرازي وغيره، وبالإسكندرية من الصّفراوي وغيره، وبالقاهرة من ابن الصّابوني وغيره، وكتب بخطّه، وطلب بنفسه. وكان أحد المعروفين بالفضل والإفادة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 240) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 663) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (280) و «النجوم الزاهرة» (7/ 240) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 282) .
[3] انظر «العبر» (5/ 296) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (280) و «النجوم الزاهرة» ص (240) .(7/583)
قال الذهبي: عني بالحديث عناية كلّيّة، وكتب الكثير، وتعب وحصّل، وأسمع الحديث، وفيه دين وحسن عشرة. أقام بدمشق، ووقف كتبه وأجزاءه بالضّيائية.
وقال الدّمياطي في حقّه: الإمام الحافظ.
وسمع منه جماعة من الأكابر، منهم: الحافظ الدّمياطي، وابن الخبّاز.
وتوفي ليلة الأربعاء ثامن شهر رمضان بالمارستان الصغير بدمشق، ودفن من الغد بسفح قاسيون.
والمارستان الصغير بدمشق أقدم من المارستان النّوري. كان مكانه في قبلة مطهرة الجامع الأموي، وأول من عمره بيتا وخرّب رسوم المارستان منه أبو الفضل الإخنائي، ثم ملكه بعده أخوه البرهان الإخنائي، وهو تحت المئذنة [1] الغربية بالجامع الأموي من جهة الغرب، وينسب إلى أنه [من] عمارة معاوية أو ابنه.
وفيها العدل شرف الدّين علي بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن الإسكاف [2] . كان من كبار أهل دمشق، وكان قد عاهد الله تعالى أنه مهما كسب يتصدق بثلثه. بنى رباطا بجبل قاسيون، وأوقف عليه وقفا [3] كبيرا وشرط أن يقيم فيه عشرة شيوخ عمر كلّ شيخ منهم فوق الخمسين، ولكل واحد في الشهر عشرة دراهم. مات بدمشق ودفن برباطه.
وفيها الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي صاحب كتاب «التذكرة بأمور الآخرة» [4]
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المأذنة» وهو خطأ والصواب ما أثبته.
[2] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
[3] في «آ» و «ط» : «وقف» .
[4] اسمه الكامل: «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» وهو مطبوع عدة طبعات، أفضلها التي صدرت عن مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة بعناية الدكتور أحمد حجازي السّقاء، وهو(7/584)
و «التفسير الجامع لأحكام القرآن» [1] الحاكي مذاهب السّلف كلّها، وما أكثر فوائده.
وكان إماما علما، من الغوّاصين على معاني الحديث، حسن التصنيف، جيد النقل.
توفي بمينة بني خصيب من صعيد مصر، رحمه الله تعالى.
وفيها صاحب صهيون سيف الدّين محمد بن مظفّر الدّين عثمان بن منكورس [2] ملك صهيون بعد أبيه اثنتي عشرة سنة، وتوفي بها في عشر السبعين، وملك بعده ولده سابق الدّين، ثم جاء إلى خدمة الملك الظّاهر مختارا غير مكره، وسلّم الحصن إليه، فأعطاه إمرة وأعطى أقاربه أخبازا. قاله في «العبر» .
وفيها الشّرف بن النّابلسي الحافظ أبو المظفّر يوسف بن الحسن بن بدر [3] الدمشقي [4] .
ولد بعد الستمائة، وسمع من ابن البنّ وطبقته، وفي الرحلة من ابن عبد السلام الدّاهريّ، وعمر بن كرم، وطبقتهما. وكتب الحديث، وكان فهما، يقظا، حسن [5] الحفظ، مليح النّظم. ولي مشيخة دار الحديث النّورية، وتوفي في حادي عشر المحرّم.
__________
بحاجة إلى المزيد من التحقيق والضبط والتخريج فهو من أهم الكتب في موضوعه، ولعلنا نتمكن من إخراجه إخراجا جديدا يليق به وفق مناهج التحقيق الحديثة إن شاء الله تعالى.
[1] وهو مطبوع في مصر طبعة جيدة متداولة.
[2] انظر «العبر» (5/ 296) .
[3] كذا في «ط» و «العبر» و «الدارس» : «ابن بدر» وفي «آ» : «ابن بدر الدّين» .
[4] انظر «العبر» (5/ 297) و «مرآة الجنان» (4/ 172) و «النجوم الزاهرة» (7/ 240) و «الدّارس في تاريخ المدارس» (1/ 110) .
[5] لفظة «حسن» سقطت من «آ» .(7/585)
سنة اثنتين وسبعين وستمائة
فيها [1] توفي الكمال المحلّي أحمد بن علي الضرير [2] ، شيخ القراء بالقاهرة. انتفع به جماعة، ومات في ربيع الآخر عن إحدى وخمسين سنة.
وفيها المؤيد بن القلانسيّ، رئيس دمشق، أبو المعالي أسعد بن المظفّر بن أسعد بن حمزة بن أسد التّميمي [3] .
سمع من ابن طبرزد، وحدّث بمصر ودمشق، وتوفي في المحرّم.
وفيها الأتابك الأمير الكبير فارس الدّين أقطاي الصّالحي المستعرب [4] . أمّره أستاذه الملك الصّالح، ثم ولي نيابة السلطنة للمظفّر قطز، فلما قتل قام مع الملك الظّاهر، ثم اعتراه طرف جذام [5] ، فلزم بيته إلى أن توفي في جمادى الأولى بمصر، وقد شارف السبعين.
وفيها النّجيب أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصّيقل الحرّاني الحنبلي [6] التاجر، مسند الدّيار المصرية.
__________
[1] لفظة «فيها» سقطت من «آ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 297) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 685) و «غاية النهاية» (1/ 82) و «حسن المحاضرة» (1/ 503) .
[3] انظر «العبر» (5/ 297) و «النجوم الزاهرة» (7/ 241- 242) .
[4] انظر «العبر» (5/ 297- 298) و «النجوم الزاهرة» (7/ 242) .
[5] قلت: في «النجوم الزاهرة» : «وكان أظهر أن به طرف جذام ولم يكن به شيء من ذلك» .
[6] انظر «العبر» (5/ 298) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (280) و «حسن المحاضرة» (1/ 382) .(7/586)
ولد بحرّان سنة سبع وثمانين وخمسمائة، ورحل به أبوه، فأسمعه الكثير من ابن كليب، وابن المعطوس، وابن الجوزي. وولي مشيخة دار الحديث الكاملية، وتوفي في أول صفر، وله خمس وثمانون سنة.
وفيها الحافظ الإمام نجم الدّين علي بن عبد الكافي الرّبعي الدّمشقي [1] ، أحد من عني بالحديث مع الذكاء المفرط، ولو عاش لما تقدّمه أحد [2] في الفقه والحديث، بل توفي في ربيع الآخر ولم يبلغ الثلاثين.
وفيها كمال الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد وضّاح بن أبي سعيد محمد بن وضّاح [3] نزيل بغداد الفقيه الحنبلي النّحويّ الزاهد الكاتب.
ولد في رجب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع «صحيح مسلم» من المروزي، وببغداد من ابن القطيعي، وابن روزبه «صحيح البخاري» عن أبي الوقت [السّجزيّ] ، ومن عمر بن كرم «جامع الترمذي» ومن عبد اللّطيف بن القطيعي «سنن الدّارقطني» .
وسمع من الشيخ العارف علي بن إدريس اليعقوبي. ولبس منه الخرقة، وانتفع به.
ورحل، وطاف، وسمع الكثير من الكتب [4] ، وتفقه وبرع في العربية.
وكان صديقا للشيخ يحيى [5] الصّرصري.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 298) و «النجوم الزاهرة» (7/ 244) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «عاش وما تقدمه أحد» وهو خطأ والصواب ما جاء في كتابنا والنسخة «ب» من النسخ التي رجع إليها محقق «العبر» طبع بيروت وكان عليه أن يثبت الصواب في المتن لا أن يشير إليه في الحاشية!.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 282- 284) . و «معجم المؤلفين» (7/ 231) .
[4] في «آ» و «ط» : «وسمع الكثير من الكثير» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف.
[5] كذا في «آ» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «يحيى» وفي «ط» : «محيي الدّين» .(7/587)
قال ابن رجب: كان سمح النّفس، صحب المشايخ والصالحين، وكان عالما بالفقه والفرائض والأحاديث، ورتّب عقب الواقعة [1] مدرسا بالمجاهدية. وهو أحد المكثرين. وخرّج وصنّف.
ومن مصنفاته كتاب «الدليل الواضح [في] اقتفاء نهج السّلف الصّالح» وكتاب «الرّدّ على أهل الإلحاد» وغير ذلك. وله إجازات من جماعات كثيرة، منهم: من دمشق الشيخ موفق الدّين بن قدامة.
وتوفي- رحمه الله- ليلة الجمعة ثالث صفر، ودفن بحضرة قبر الإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- عند رجليه.
وفيها شمس الدّين أبو الحسن علي بن عثمان بن عبد القادر بن محمود بن يوسف بن الوجوهي البغدادي [2] الصّوفي المقرئ الفقيه الحنبلي الزّاهد، أحد أعيان أهل بغداد في زمنه. ولد في [ذي] الحجّة سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي، صاحب ابن سعدون القرطبي. وسمع الحديث من ابن روزبه [3] وغيره. وكان ديّنا، خيّرا، صالحا، خازنا بدار الوزير. وكان شيخ رباط ابن الأمير [4] وله كتاب «بلغة المستفيد في القراءات العشر» . وروى عنه جماعات. وتوفي في ثالث جمادى ببغداد ودفن بباب حرب، وروي بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال:
نزلا [5] عليّ وأجلساني وسألاني، فقلت: ألمثل [6] ابن الوجوهي يقال ذلك؟
فأضجعاني ومضيا.
__________
[1] في «آ» : «الوقعة» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 284- 285) و «غاية النهاية» (1/ 556) .
[3] تصحفت في «آ» إلى «روزنة» .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (180/ ب) : «ابن الأمير» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن الأثير» .
[5] يعني الملكان منكر ونكير عليهما السلام.
[6] في «آ» و «ط» : «لمثل» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.(7/588)
وفيها كمال الدّين التّفليسي أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر [1] الشافعي أبو حفص [2] .
ولد بتفليس سنة اثنتين وستمائة تقريبا، وتفقه، وبرع في المذهب والأصلين وغير ذلك، ودرّس وأفتى وأشغل، وجالس أبا عمرو بن الصّلاح.
وممن أخذ عنه الأصول الشيخ محيي الدّين النّووي. وولي القضاء بدمشق نيابة. وكان محمود السيرة، ولما تملّك التتار، جاءه التقليد من هولاكو [3] بقضاء الشام، والجزيرة، والموصل، فباشره مدّة يسيرة، وأحسن إلى الناس بكل ممكن، وذبّ عن الرّعية. وكان نافذ الكلمة، عزيز المنزلة عند التتار، لا يخالفونه في شيء.
قال القطب اليونيني: فبالغ في الإحسان، وسعى في حقن الدماء، ولم يتدنس في تلك المدة بشيء من الدّنيا، مع فقره وكثرة عياله، ولا استصفى لنفسه مدرسة ولا استأثر بشيء. وكان مدرّس العادلية. وسار محيي الدّين بن الزّكي فجاء بالقضاء على [4] الشام من جهة هولاكو [3] وتوجه كمال الدّين إلى قضاء حلب وأعمالها. ولما عادت الدولة المصرية غضبوا عليه ونسبت له [5] أشياء برّأه الله منها، وعصمه ممن أراد ضرره. وكان نهاية ما نالوا منه أنهم ألزموه بالسفر إلى الدّيار المصرية، فسافر وأفاد أهل مصر وأقام بالقاهرة مدّة يشغل الطلبة بعلوم عدة في غالب أوقاته، فوجد به الناس نفعا كثيرا، وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول ودفن بسفح المقطّم.
__________
[1] تكررت «ابن عمر» في «ط» وهو من خطأ النسخ والطباعة.
[2] انظر «العبر» (5/ 298- 299) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (280) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 309- 310) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 317- 318) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة» (2/ 182- 183) .
[3] في «ط» : «عن» .
[4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[5] في «ط» : «إليه» .(7/589)
وفيها مسند الشّام ابن أبي اليسر تقي الدّين أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التّنوخي الدّمشقي الكاتب المنشئ [1] .
ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وروى عن الخشوعي فمن بعده، وله شعر جيد وبلاغة، وفيه خير وعدالة.
توفي في السادس والعشرين من صفر.
وفيها ابن علّاق أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق الأنصاري المصري الرزّاز المعروف بابن الحجّاج [2] . سمع من [3] البوصيري، وابن ياسين. وكان آخر من حدّث عنهما.
توفي في أول ربيع الأول وله ست وثمانون سنة.
وفيها الكمال بن عبد، المسند [4] أبو نصر عبد العزيز بن عبد المنعم ابن الفقيه أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي الدمشقي [5] .
ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي وغيره، وتوفي في شعبان.
وفيها ابن مالك العلّامة حجّة العرب جمال الدّين أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطّائي الجيّاني [6]- بفتح الجيم وتشديد التحتية ونون، نسبة إلى جيّان بلد بالأندلس- نزيل دمشق.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 299) و «النجوم الزاهرة» (7/ 244) .
[2] انظر «العبر» (5/ 299) و «حسن المحاضرة» (1/ 382) .
[3] لفظة «من» سقطت من «آ» .
[4] في «آ» و «ط» : «السيد» والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف.
[5] انظر «العبر» (5/ 299- 300) و «النجوم الزاهرة» (7/ 244) .
[6] انظر «العبر» (5/ 300) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 67- 68) و «مرآة الجنان» (4/ 172- 173) و «البداية والنهاية» (13/ 267) وقد تصحفت «الجياني» فيه إلى «الحياني» فتصحح.(7/590)
ولد سنة ستمائة أو إحدى وستمائة، وسمع من جماعة، وأخذ العربية عن غير واحد، وجالس بحلب ابن عمرون وغيره، وتصدّر لإقراء العربية، ثم انتقل إلى دمشق. وأقام بها يشغل ويصنّف، وتخرّج به جماعة كثيرة، وخالف المغاربة في حسن الخلق والسّخاء والمذهب، فإنه كان شافعيّ المذهب.
قال الذهبي: صرف همّته إلى إتقان لسان العرب، حتّى بلغ فيه الغاية، وحاز قصب السّبق وأربى على المتقدمين، وكان إماما في القراءات وعللها، وصنّف فيها قصيدة دالية مرموزة في مقدار «الشّاطبية» وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها، والاطلاع على وحشيّها. وأما النحو والتصريف، فكان فيه بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى. وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو، فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون منه ويتعجبون من أين يأتي بها. وكان ينظم الشعر سهلا عليه. هذا مع ما هو عليه من الدّين المتين، وصدق اللهجة، وكثرة النّوافل، وحسن السّمت، ورقّة القلب، وكمال العقل، والوقار والتّؤدة. وروى عنه النّوويّ وغيره. ونقل عنه في «شرح مسلم» أشياء.
توفي بدمشق في شعبان ودفن بالرّوضة قرب الموفق.
ومن تصانيفه كتاب «تسهيل الفوائد» في النحو. وكتاب «الضّرب في معرفة لسان العرب» وكتاب «الكافية الشافية» وكتاب «الخلاصة» وكتاب «العمدة» وشرحها. وكتاب «سبك المنظوم وفك المختوم» وكتاب «إكمال الإعلام بتثليث الكلام» وغير ذلك.
وفيها أبو عبد الله نصير الدّين محمد بن محمد بن حسن [الطّوسي] [1] ...
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 300) و «البداية والنهاية» (13/ 267- 268) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 245) وما بين الحاصرتين زيادة منها.(7/591)
كان رأسا في علم الأوائل، ذا منزلة من هولاكو [1] .
قال العلّامة شمس الدّين بن القيم في كتابه «إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان» [2] ما لفظه: لما انتهت النّوبة إلى نصير الشّرك والكفر والإلحاد [3] وزير الملاحدة، النّصير الطّوسي، وزير هولاكو [4] شفا نفسه من أتباع الرّسول [- صلى الله عليه وسلم-] وأهل دينه [5] ، فعرضهم على السّيف، حتّى شفا إخوانه من الملاحدة، واشتفى هو، فقتل الخليفة، والقضاة، والفقهاء، والمحدّثين.
واستبقى الفلاسفة، والمنجّمين، والطبائعيّين، والسّحرة، ونقل أوقاف المدارس، والمساجد، والرّبط إليهم، وجعلهم خاصّته وأولياءه. ونصر في كتبه قدم العالم، وبطلان المعاد، وإنكار صفات الرّبّ جلّ جلاله، من علمه، وقدرته، وحياته، وسمعه، وبصره، [وأنّه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إله يعبد البتة] .
واتخذ للملاحدة مدارس، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن، فلم يقدر على ذلك، فقال: هي قرآن الخواصّ، وذلك قرآن العوام، ورام تغيير الصّلاة وجعلها صلاتين، فلم، يتمّ له الأمر، وتعلم السّحر في آخر الأمر، فكان ساحرا يعبد الأصنام. انتهى بلفظه.
توفي في ذي الحجّة ببغداد، وقد نيّف على الثمانين.
وفيها الشيخ سيف الدّين يحيى بن النّاصح عبد الرحمن بن النّجم ابن الحنبلي [6] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] (2/ 267) بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، طبعة البابي الحلبي، وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3] في «إغاثة اللهفان» : «الملحد» .
[4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[5] في «آ» و «ط» : «وأهل دينهم» والتصحيح من «إغاثة اللهفان» .
[6] انظر «العبر» (5/ 300- 301) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 285- 286) .(7/592)
كان مولده سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وقيل سنة تسعين. وهو آخر من حدّث بالسماع عن الخشوعي، وسمع من حنبل، وابن طبرزد، والكندي، وغيرهم بدمشق، والموصل، وبغداد، وحدّث بمصر، ودمشق، وسمع منه العلّامة تاج الدّين الفزاري [1] وأخوه الخطيب شرف الدّين، والحافظ الدّمياطي، وذكره في «معجمه» . توفي سابع عشر شوال.
__________
[1] تصحفت في «آ» إلى «الفراوي» .(7/593)
سنة ثلاث وسبعين وستمائة
في رمضان غزا السّلطان الظّاهر بلاد سيس، المصّيصة وأذنة، وإياس [1] ، ورجع الجيش بسبي [2] عظيم وغنائم لا تحصى.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين عبد الله بن محمد بن عطاء الأوزاعي الحنفي [3] كان المشار إليه في مذهبه مع الدّين، والصّيانة، والتّعفّف، والتواضع. اشتغل عليه جماعة، وروى عن ابن طبرزد وجماعة، وولي قضاء دمشق.
وتوفي في جمادى وقد قارب الثمانين.
وفيها تقيّ الدّين عمر بن يعقوب بن عثمان الإربلي الصّوفي [4] .
روى بالإجازة عن المؤيد، وزينب، وجماعة. وسمع الكثير، وتوفي يوم الأضحى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وبانياس» وفي «العبر» بطبعتيه: «واباس» والتصحيح من «دول الإسلام» (2/ 175) وجاء في التعليق عليه: وهي ثغر بإرمينية الصغرى على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
[2] في «آ» و «ط» : «بشيء» والتصحيح من «العبر» .
[3] انظر «العبر» (5/ 301) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «النجوم الزاهرة» (7/ 247- 248) .
[4] انظر «العبر» (5/ 301) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «النجوم الزاهرة» (7/ 248) .(7/594)
وفيها وجيه الدّين منصور بن سليم بن منصور بن فتّوح، المحدّث الحافظ، ابن العمادية الهمداني- بسكون الميم، نسبة إلى القبيلة المشهورة- الإسكندرانيّ الشافعيّ [1] محتسب الثغر.
ولد في صفر سنة سبع وستمائة، ورحل، وسمع الكثير من أصحاب السّلفي. ورحل إلى الشام، والعراق، وخرّج واعتنى بالحديث، والرّجال، والتاريخ، والفقه، وغير ذلك. وخرّج «تاريخا» للإسكندرية، وأربعين حديثا بلدية [2] . ودرّس، وجمع لنفسه «معجما» . وكان ديّنا، خيّرا، حميد الطريقة، كثير المروءة، محسنا إلى الرّحّالة. كتب عنه الدّمياطيّ، والشريف عز الدّين ولم يخلّف ببلده مثله توفي في شوال.
وفيها شرف الدّين نصر الله بن عبد المنعم بن حواري التّنوخيّ الحنبلي [3] .
كان أديبا فاضلا عمر في آخر عمره مسجدا بدمشق [4] عند طواحين الأشنان، تأنّق في عمارته، وصنّف كتاب «إيقاظ الوسنان في تفضيل دمشق على سائر البلدان» [5] وكانت إقامته بالعادلية الصّغرى.
ولما ولي ابن خلّكان دمشق، طلب الحساب من أربابه، ومن شرف الدّين هذا عن وقف العادلية، فعمل الحساب وكتب ورقة:
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 301- 302) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1467- 1468) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 193- 194) .
[2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «وخرّج أربعين حديثا في أربعين بلدا» .
[3] تنبيه: كذا نسبه المؤلف رحمه الله إلى المذهب الحنبلي وتبعه ابن شقدة في «المنتخب» (187/ آ) وهو وهم منهما، فهو حنفيّ المذهب، اشتهر بابن شقير، مذكور في «الجواهر المضية» (2/ 197) طبعة حيدر أباد، وانظر «الأعلام» (8/ 30- 31) الطبعة الرابعة.
[4] لفظة «بدمشق» سقطت من «آ» .
[5] قال العلّامة الزركلي: يقع في ثلاث مجلدات.(7/595)
ولم أعمل لمخلوق حسابا ... وها أنا قد عملت لك الحسابا
فقال القاضي [1] : خذ أوراقك ولا تعمل لنا حسابا ولا نعمل لك.
ومن شعره:
ما كنت أوّل مستهام مدنف ... كلف بممشوق القوام مهفهف
تزري لواحظه بكلّ مهنّد ... ماض وعطفاه بكلّ مثقّف
مستعذب الألفاظ يفعل طرفه ... في قلب من يهواه فعل المشرفي
أنا واله دنف بورد خدوده ... وبفضّ نرجس مقلتيه المضعف
يا جائرا أبدا بعادل قدّه ... ما حيلتي في الحبّ إن لم تنصف
ديوان حسنك لم يزل مستوفيا ... وجدي وأشواقي بحسن تصرّف
لك ناظر فتّان [2] بالعشّاق قد ... أضحى على الهلكات أعجل مشرف
ورشيق قدّك عامل في مهجتي ... من غير حاصل أدمعي لم يصرف
وإذا طلائع عارضيه بدت فقل ... قف يا عذار بخدّه واستوقف
لا شيء أعذب من تهتّك عاشق ... في عشق معسول المراشف أهيف
يا من يعنّف في دمشق ووصفها ... لو كنت تعقل كنت غير معنّف
هي جنّة المأوى ويكفي ميزة ... وفضيلة أوصافها في المصحف
__________
[1] يعني ابن خلّكان.
[2] في «آ» : «فتاك» .(7/596)
سنة أربع وسبعين وستمائة
فيها نزل التتار على البيرة، ونصبوا المجانيق [1] ، وكانوا ثلاثين ألف فارس، ونصبوا على القلعة منجنيقا. وكان راميه مسلما، فنصب أهل القلعة عليه منجنيقا ورموا به على مجانيق التتار، فجاء عاليا عليه، فقال رامي التتار: لو قطع الله من يدك ذراعا كان أهل البيرة يستريحون منك لقلّة معرفتك، ففطن إشارته، وقطع من رجل المنجنيق ذراعا ورمى به، فأصاب منجنيق التتار فكسره، وخرج أهل البيرة فقتلوا خلقا ونهبوا وأحرقوا المجانيق [2] .
وفيها توفي سعد الدّين شيخ الشيوخ الخضر بن شيخ الشيوخ تاج الدّين عبد الله بن شيخ الشيوخ أبي الفتح عمر بن علي ابن القدوة الزاهد ابن حمّوية الجويني ثم الدّمشقي [2] .
عمل للمجنديّة [3] مدة، ثم لزم الخانقاه، وله «تاريخ» مفيد، وشعره متوسط. سمع من ابن طبرزد وجماعة، وأجاز له ابن كليب، والكبار.
وتوفي في ذي الحجّة، وقد نيّف على الثمانين.
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (187/ آ) : «المناجيق» وما أثبته من «دول الإسلام» (2/ 175) .
[2] انظر «العبر» (5/ 303) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «مرآة الجنان» (4/ 173- 174) و «النجوم الزاهرة» (7/ 251) .
[3] في «آ» و «ط» : «عمل الجندية» وما أثبته من «العبر» .(7/597)
وفيها موفق الدّين أبو الحسن علي بن أبي غالب بن علي بن غيلان البغدادي الأزجيّ القطيعي الحنبلي [1] الفرضي المعدّل.
ولد في ذي الحجّة سنة ثلاث وستمائة، وسمع من ابن المنّي، وأجاز له غير واحد. وتفقه، وقرأ الفرائض، وشهد عند قاضي القضاة ابن اللّمعاني، وكان من أعيان العدول. وكان [2] خيّرا، كثير التّلاوة. حدّث وأجاز لجماعة، منهم: عبد المؤمن بن عبد الحق.
وتوفي يوم السبت ثالث شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها عثمان بن موسى بن عبد الله الطّائيّ الإربلي الآمديّ الفقيه الحنبلي [3] إمام الحنابلة بالحرم الشريف تجاه الكعبة.
كان شيخا، جليلا، إماما، عالما، فاضلا، زاهدا، عابدا، ورعا [متدينا] [4] ربّانيّا، متألّها، منعكفا على العبادة والخير والاشتغال بالله تعالى في جميع أوقاته. أقام بمكة نحو خمسين سنة.
ذكره القطب اليونيني وقال: كنت أودّ رؤيته وأتشوق [5] إلى ذلك، فاتفق أني حججت سنة ثلاث وسبعين، وزرته، وتملّيت برؤيته، وحصل لي نصيب وافر من إقباله ودعائه.
وقال الذهبيّ: سمع بمكة من يعقوب الحكّاك، ومحمد بن أبي البركات بن حمد، وروى عنه شيخنا الدّمياطي وابن العطّار في «معجميهما» ، وكتب إلينا بمروياته. انتهى.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 286) .
[2] لفظة «وكان» سقطت من «ط» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 286- 287) و «العقد الثمين» (6/ 50- 53) .
[4] لفظة «متدينا» لم ترد في «آ» و «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[5] تحرفت في «آ» إلى «وأتوشق» .(7/598)
توفي ضحى يوم الخميس ثاني عشري المحرم بمكّة، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الفتح عثمان بن هبة الله بن عبد الرّحمن بن مكّي بن إسماعيل بن عوف الزّهري العوفي الإسكندراني [1] ، آخر أصحاب عبد الرحمن بن موقا وفاة.
وفيها المكين الحصني المحدّث أبو الحسن مكين الدّين بن عبد العظيم بن أبي الحسن بن أحمد المصري [2] .
ولد سنة ستمائة، وسمع الكثير، وقرأ وتعب، وبالغ واجتهد، وما أبقى ممكنا. وكان فاضلا، جيد القراءة، متميزا. توفي في تاسع عشر رجب.
وفيها سعد الدّين أبو الفضل محمد بن مهلهل بن بدران الأنصاريّ [3] . سمع الأرتاحي، والحافظ عبد الغني [4] ، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها ابن السّاعي أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله البغدادي السّلامي [5] ، خازن كتب المستنصرية.
كان إماما، حافظا، مبرّزا على أقرانه. ذكره ابن ناصر الدّين.
وقال الذهبي: وقد أورد الكازروني في ترجمة ابن السّاعي أسماء
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (7/ 251) و «حسن المحاضرة» (1/ 382) .
[2] انظر «العبر» (5/ 302) و «النجوم الزاهرة» (7/ 250) و «حسن المحاضرة» (1/ 382) .
[3] انظر «العبر» (5/ 302) و «النجوم الزاهرة» (7/ 250) .
[4] يعني المقدسي.
[5] انظر «البداية والنهاية» (13/ 270) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1469- 1470) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 178- 180) وهو مترجم في «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (188/ آ) .(7/599)
التصانيف التي صنّفها وهي كثيرة جدا، لعلها وقر بعير، منها «مشيخته» بالسماع والإجازة في عشر مجلدات، وقرأ على ابن النّجار «تاريخه الكبير» ببغداد. وقد تكلّم فيه، فالله أعلم، وله أوهام. انتهى قلت: وهو شافعيّ المذهب.
قال ابن شهبة في «طبقاته» : المؤرخ الكبير. كان فقيها، بارعا، قارئا بالسبع، محدّثا، مؤرخا، شاعرا، لطيفا، كريما. له مصنفات كثيرة في التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، منها «تاريخ» في ستة وعشرين مجلدا. انتهى.
وفيها التّاج الصّرخدي محمود بن عابد التّميميّ الحنفي [1] الشّاعر المحسن. كان قانعا، زاهدا، معمّرا. قاله في «العبر» .
وفيها ظهير الدّين أبو الثناء محمود بن عبيد الله الزّنجاني الشّافعي [2] المفتي، أحد مشايخ الصوفية.
كان إمام التّقويّة، وغالب نهاره بها. صحب الشيخ شهاب الدّين السّهروردي، وروى عنه، وعن أبي المعالي صاعد، وله تصانيف، منها:
«الرسالة المنقذة من الجمر في إلحاق الأنبذة بالخمر» .
وتوفي في رمضان، وله سبع وسبعون سنة.
وفيها تقيّ الدّين مبارك بن حامد بن أبي الفرج الحدّاد [3] . كان من
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 302) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «البداية والنهاية» (13/ 270) و «النجوم الزاهرة» (7/ 250) .
[2] انظر «العبر» (5/ 303) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 370- 371) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 15- 16) .
[3] انظر «أعيان الشيعة» .(7/600)
كبار علماء الشيعة، عارفا بمذهبهم، وله صيت عظيم بالحلّة والكوفة، وعنده دين وأمانة.
وفيها عبد الملك بن العجمي الحلبي [1] . كان فاضلا.
ومن شعره في مليح في عنقه شامة واسمه العزّ:
العزّ بدر ولكن إنّ شامته ... مسروقة من دجى صدغيه والغسق
وإنما حبّة القلب التي احترقت ... في حبّه علقت للظلم في العنق
وفيها عماد الدّين عبد الرحمن بن أبي الحسن بن يحيى الدّمنهوري [2] كان فقيها شافعيا [3] ، فاضلا إماما. تولى إعادة المدرسة الصّالحية بالقاهرة، وصنّف كتابه المشهور في الاعتراض على التنبيه، وقد أساء التعبير في مواضع منه.
ولد بدمنهور الوحش من أعمال الدّيار المصرية في ذي القعدة، سنة ست وستمائة، وتوفي في شهر رمضان. قاله الإسنوي في «طبقاته» .
__________
[1] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 189) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 551) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 171- 172) و «حسن المحاضرة» (1/ 420) .
[3] لفظة «شافعيا» لم ترد في «ط» وأثبتت فيها لفظة «الشافعي» عقب لفظة «الدّمنهوري» .(7/601)
سنة خمس وسبعين وستمائة
فيها توفي الشيخ قطب الدّين أبو المعالي أحمد بن عبد السّلام بن المطهّر ابن أبي سعد بن أبي عصرون التّميمي الشّافعي [1] مدرس الأمينية والعصرونية بدمشق.
ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وختم القرآن سنة تسع وتسعين، وأجاز له ابن كليب وطائفة، وسمع من ابن طبرزد، والكندي، وتوفي في جمادى الآخرة بحلب.
وفيها السّيّد الجليل الشيخ أحمد بن علي [بن إبراهيم] بن محمد بن أبي بكر البدويّ [2] الشّريف الحسيب النّسيب.
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» أصله من بني برّي قبيلة من عرب [3] الشّام. ثم سكن والده المغرب فولد له صاحب الترجمة بفاس، سنة ست وتسعين وخمسمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن، وقرأ شيئا من فقه الشّافعيّ، وحجّ أبوه به وبإخوته [4] سنة ست وستمائة، وأقاموا بمكّة، ومات أبوه سنة سبع وعشرين وستمائة، ودفن بالمعلّى، وعرف بالبدويّ للزومه
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (7/ 60- 61) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 190) .
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (7/ 252- 253) و «طبقات الأولياء» ص (422- 423) و «حسن المحاضرة» (1/ 521- 522) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «غرب» والتصحيح من «طبقات الأولياء» .
[4] كذا في «آ» و «المنتخب» لابن شقدة (187/ آ) : «وباخوته» وفي «ط» : «وبأخويه» .(7/602)
اللّثام، لأنه كان يلبس لثامين ولا يفارقهما، ولم يتزوج قطّ، واشتهر بالعطّاب لكثرة عطب من يؤذيه [ثمّ لزم الصّمت، فكان لا يتكلّم إلّا بإشارة وتولّه، فحصل له جمعية على الحقّ فاستغرق إلى الأبد] [1] . وكان عظيم الفتوة.
قال المتبولي [2] : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما في أولياء مصر بعد محمد بن إدريس [3] أكبر فتوّة منه، ثمّ نفيسة [4] ثم شرف الدّين الكردي ثم المنوفيّ» [5] انتهى. وكان يمكث أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، وأكثر أوقاته شاخصا ببصره نحو السماء، وعيناه كالجمرتين، ثم سمع هاتفا يقول ثلاثا: قم واطلب مطلع الشّمس، فإذا وصلته، فاطلب مغربها، وسر إلى طندتا [6] فإن فيها مقامك أيّها الفتى، فسار إلى العراق، فتلقاه العارفان الكيلاني، والرّفاعي- أي بروحانيتهما- فقالا: يا أحمد! مفاتيح العراق، والهند، واليمن والشرق والغرب [7] بيدنا فاختر أيّها شئت. فقال: لا آخذ
__________
[1] ما بين الحاصرتين لم يرد في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة.
[2] هو إبراهيم بن علي بن عمر الأنصاري المتبولي، برهان الدّين، صالح مصري. كان للعامة فيه اعتقاد وغلوّ. كانت شفاعته عند السلطان والأمراء لا تردّ، وله برّ ومعروف. أنشأ جامعا كبيرا بطنطا (طندتا) وأنشأ برجا بدمياط، وأنشأ ببركة الخبّ حوضا وسبيلا وبستانا. فال ابن إياس: كان نادرة عصره وصوفيّ وقته. توفي سنة (877 هـ) عن نحو ثمانين سنة وخلّف كتابا سمّاه «الأخلاق المتبولية» . انظر «بدائع الزهور» (3/ 88) بتحقيق الأستاذ محمد مصطفى، و «الضوء اللّامع» (1/ 85- 86) و «الأعلام» (1/ 52) الطبعة الرابعة.
[3] يعني الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى.
[4] يعني السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، صاحبة المشهد المعروف بمصر، رحمها الله تعالى. انظر «الأعلام» (8/ 44) .
[5] أقول: هذا وما يتلوه في هذه القصة من شطحات الصّوفية التي ما أنزل الله بها من سلطان. (ع) .
[6] وهي المعروفة الآن ب «طنطا» وقد تحرفت في «الضوء اللّامع» (1/ 85) إلى «طنتدا» وتبعه على ذلك العلّامة الزركلي في «الأعلام» (1/ 52) فتصحح. انظر «بدائع الزهور» (1/ 1/ 336 و 463) والقسم الثالث من فهارسه صفحة (289) .
[7] كذا في «آ» و «المنتخب» لابن شقدة (187/ ب) : «والشرق والغرب» وفي «ط» : «والمشرق والمغرب» .(7/603)
المفاتيح إلّا من الفتّاح. ثم رحل إلى مصر، فتلقاه الظّاهر بيبرس بعسكره، وأكرمه، وعظّمه، ودخلها سنة أربع وثلاثين، وكان من القوم الذين تشقى بهم البلاد وتسعد، وإذا قربوا من مكان هرب منه الشيطان وأبعد، وإذا باشروا المعالي كانوا أسعد الناس وأصعد، فأقام بطندتا على سطح دار لا يفارقه ليلا ولا نهارا اثنتي عشرة سنة، وإذا عرض له الحال صاح صياحا عظيما، وتبعه جمع، منهم: عبد العال، وعبد المجيد، وكان عبد العال يأتيه بالرّجل أو الطّفل فينظر إليه نظرة واحدة فيملؤه مددا، ويقول لعبد العال: اذهب به إلى بلد كذا أو محلّ كذا، فلا تمكن مخالفته.
ولما دخل طندتا كان بها جمع من الأولياء، فمنهم من خرج منها هيبة له، كالشيخ حسن الإخنائي، فسكن إخنا [1] حتّى مات، وضريحه بها ظاهر يزار.
ومنهم من مكث كالشيخ سالم المغربي. وسالم الشيخ البدويّ، فأقرّه على حاله، حتّى مات بطندتا، وقبره بها مشهور.
ومنهم من أنكر عليه كصاحب الأيدوان العظيم بطندتا المسمى بوجه القمر. كان وليا كبيرا فندر به الحسد، فسلبه، ومحلّه الآن بطندتا مأوى الكلاب، وليس فيه رائحة صلاح ولا مدد.
وكان الشيخ إذا لبس ثوبا أو عمامة لا يخلعها لغسل ولا غيره حتّى تبلى فتبدل، وكان لا يكشف اللّثام عن وجهه. فقال له عبد المجيد: أرني وجهك. قال: كلّ نظرة برجل. قال: أرنيه ولو متّ، فكشفه فمات حالا.
وله كرامات شهيرة، منها قصة المرأة التي أسر ولدها الفرنج فلاذت به، فأحضره في قيوده.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (1/ 124) .(7/604)
ومنها أنه اجتمع به ابن دقيق العيد، فقال له: إنك لا تصلي وما هذا [من] سنن الصّالحين! فقال: اسكت وإلّا أغبّر دقيقك، ودفعه فإذا هو بجزيرة عظيمة جدا، فضاق خاطره حتّى كاد يهلك، فرأى الخضر، فقال: لا بأس عليك، إن مثل البدويّ لا يعترض عليه، لكن اذهب إلى هذه القبّة وقف ببابها، فإنه يأتي عند دخول وقت العصر ليصلي بالناس، فتعلّق بأذياله، لعله أن يعفو عنك [1] ، ففعل فدفعه، فإذا هو بباب بيته. ومات- رضي الله عنه- في هذه السنة، ودفن بطندتا، وجعلوا على قبره مقاما، واشتهرت كراماته، وكثرت النّذور إليه [2] . واستخلف الشيخ عبد العال، فعمّر طويلا، إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، واشتهرت أصحابه بالسّطوحية. وحدث لهم بعد مدة عمل المولد، وصار يقصد من بلاد بعيدة، وقام بعض العلماء والأمراء بإبطاله فلم يتهيأ لهم ذلك، إلّا في سنة واحدة، وأنكر عليه ابن اللّبان ووقع فيه، فسلب القرآن والعلم، فصار يستغيث بالأولياء حتّى أغاثه ياقوت العرشي، وشفع فيه. انتهى كلام الشيخ عبد الرؤوف المناوي باختصار.
وفيها الشيخ الزّاهد جندل بن محمد العجمي [3] .
قال القطب اليونيني في «ذيله على مختصر المرأة» له: الشيخ الصّالح العارف. كان زاهدا، عابدا، منقطعا، صاحب كرامات وأحوال ظاهرة وباطنة، وله جدّ واجتهاد، ومعرفة بطريق القوم. انتهى.
__________
[1] لفظة «عنك» سقطت من «آ» .
[2] قلت: لا يجوز النّذر لغير الله عزّ وجلّ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النّذر، وذلك فيما رواه البخاريّ رقم (6608) و (6692) و (6693) ومسلم رقم (1639) عن عبد بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما قال: عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه نهى عن النّذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل، وقد استوفيت تخريج الحديث في «عمدة الأحكام» للحافظ عبد الغني المقدسي صفحة (254) طبع دار المأمون للتراث بدمشق فراجعه.
[3] انظر «البداية والنهاية» (13/ 273) .(7/605)
وكان الشيخ تاج الدّين عبد الرحمن بن الفركاح الفزاري يتردد إليه في كثير من الأوقات، وله به اختصاص.
قال ولده الشيخ برهان الدّين: كنت أروح مع والدي إلى زيارته بمنين [1] ، ورأيته يجلس بين يديه في جمع كثير ويستغرق في وقته في الكلام مغربا لا يفهمه أحد من الحاضرين بألفاظ غريبة.
وقال الشيخ تاج الدّين المذكور: الشيخ جندل من أهل الطريق وعلماء التحقيق، اجتمعت به في سنة إحدى وستين وستمائة، فأخبرني أنه بلغ من العمر خمسا وتسعين سنة، وكان يقول: طريق القوم واحد، وإنما يثبت عليه ذوو العقول الثابتة. وقال: المولّه منفيّ ويعتقد أنه واصل، ولو علم أنه منفيّ لرجع عما هو عليه.
وقال: ما تقرّب أحد إلى الله عزّ وجلّ بمثل الذّل والتّضرّع والانكسار.
وقال ابن كثير: كانت له عبادة وزهادة وأعمال صالحة. وكان الناس يتردّدون إلى زيارته.
وزاره الملك الظّاهر بيبرس مرّات، وكذلك الأمراء بمنين.
وكان يقول: السماع وظيفة أهل البطالة.
توفي في رمضان، ودفن بزاويته المشهورة بقرية منين، ومات وله من العمر مائة وتسع سنين، رحمه الله.
وفيها ابن الفويرة [2] بدر الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد
__________
[1] منين: مصيف إلى الشمال الشرقي من دمشق على بعد ثمانية عشر كيلو مترا منها. انظر «معجم البلدان» (5/ 218) .
[2] قال صاحب «الجواهر المضية» : الفويرة: بكسر الراء المهملة واشتهر بين الناس بفتح الراء، كذا قال لي شيخنا قطب الدّين- يعني عبد الكريم بن عبد النّور الحلبي المتوفى سنة (735 هـ) .(7/606)
السّلمي الدمشقي الحنفي [1] . أحد الأذكياء الموصوفين. درّس وأفتى، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، ونظم الشعر الفائق الرائق.
منه قوله:
عاينت حبّة خاله ... في روضة من جلّنار
فغدا فؤادي طائرا ... فاصطاده شرك العذار
وله في أصيل الذّهبيات:
ورياض كلما انعطفت ... نثرت أوراقها ذهبا
تحسب الأغصان حين شدا ... فوقها القمريّ وانتحبا
ذكرت عصر الشباب وقد ... لبست أثوابه [2] قشبا
فانثنت في الدّوح راقصة ... ورمت أثوابها طربا
توفي- رحمه الله- في جمادى الأولى قبل الكهولة.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحرّاني [3] الفقيه الحنبلي الأصوليّ المناظر.
ولد بحرّان في حدود العشر والستمائة، وتفقّه بها على الشيخ مجد الدّين بن تيميّة، ولازمه حتّى برع. وقرأ الأصول والخلاف على القاضي نجم الدّين ابن المقدسي الشّافعي. وسافر إلى الدّيار المصرية، وأقام بها مدة يحضر درس الشيخ عز الدّين بن عبد السّلام. وولي القضاء ببعض البلاد
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «فوات الوفيات» (3/ 394- 397) و «الجواهر المضية» (3/ 219) بتحقيق الدكتور الحلو، و «النجوم الزاهرة» (7/ 253- 254) و «السلوك» (1/ 2/ 634) .
[2] في «فوات الوفيات» : «أبراده» .
[3] انظر «العبر» (5/ 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 287- 288) .(7/607)
المصرية، وهو أول حنبليّ حكم بالدّيار المصرية، ثم ترك ذلك ورجع إلى دمشق وأقام بها مدة سنين إلى حين وفاته، يدرّس الفقه بحلقة له بالجامع، ويكتب على الفتاوى. وباشر الإمامة بمحراب الحنابلة من جامع دمشق.
قال القطب اليونيني: كان فقيها إماما، عالما، عارفا بعلم الأصول والخلاف وحسن العبارة، طويل النّفس في البحث، كثير التحقيق، غزير الدّمعة، رقيق القلب، وافر الدّيانة، كثير العبادة، حسن النّظم.
منه قوله:
طار قلبي يوم ساروا فرقا ... وسواء فاض دمعي أو رقا
صار في سقمي من بعدهم ... كلّ من في الحيّ داوى أو رقى
بعدهم لا ظلّ وادي المنحنى ... وكذا بان الحمى لا أورقا
وابتلي بالفالج قبل موته بأربعة أشهر، وبطل شقّه الأيسر، وثقل لسانه.
وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين، لست خلون من جمادى الأولى، ودفن بمقابر باب الصّغير، ونيّف على الستين.
[وفيها صاحب تونس أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الواحد الهنتاتي [1]- بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف، نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالغرب- كان ملكا، سائسا، عالي الهمّة، شديد البأس، جوادا، ممدّحا، تزفّ إليه كلّ ليلة جارية. تملّك تونس سنة سبع وأربعين بعد أبيه، ثم قتل عمّيه، وقتل جماعة من الخوارج، وتوطد له الملك.
وتوفي في آخر العام، عن نيف وخمسين سنة] [2] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 306) و «دول الإسلام» (2/ 176) و «السلوك» (1/ 2/ 634- 635) و «الأعلام» (7/ 138) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .(7/608)
وفيها الشّهاب التّلّعفريّ- بفتح أوله واللّام المشددة والفاء، وسكون المهملة وراء، نسبة إلى التلّ الأعفر موضع بنواحي الموصل- صاحب «الديوان» المشهور. شهاب الدّين محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشّيبانيّ [1] الأديب الشاعر المفلق. مدح الملوك والكبراء، وسار شعره في الآفاق.
فمنه:
حظّ قلبي في هواك [2] الوله ... وعذولي فيك [3] مالي وله
باسم عن برد منتظم ... لم يفز إلّا فتى قبّله
جائر الألحاظ يثني قامة ... قدّه المائل ما أعدله
ومنها:
كم أداري فيك لوّامي ومن ... يعدل المشتاق ما أجهله
توفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 306) و «فوات الوفيات» (4/ 62- 71) و «الوافي بالوفيات» (5/ 255) .
[2] في «فوات الوفيات» : «في الغرام» .
[3] في «فوات الوفيات» : «فيه» .(7/609)
سنة ست وسبعين وستمائة
في أولها ولي مملكة تونس أبو زكريا يحيى بن محمد الهنتاني بعد أبيه.
وفي سابع المحرّم قدم السّلطان الملك الظّاهر، فنزل بجوسقه الأبلق [1] ثم مرض في نصف المحرم، وتوفي بعد ثلاثة عشر يوما فأخفي موته، وسار نائبه بيلبك بمحفّة يوهم أن السلطان فيها مريض، إلى أن دخل بالجيش إلى مصر، فأظهر موته، وعمل الغراء، وحلفت الأمراء لولده الملك السعيد، وكأن عهد له في حياته.
والملك الظّاهر هو السّلطان الكبير ركن الدّين أبو الفتوح بيبرس التّركي البندقداري ثم الصّالحي [2] ، صاحب مصر والشام.
ولد في حدود العشرين وستمائة. واشتراه الأمير علاء الدين البندقداري الصّالحي، فقبض الملك الصّالح على البندقداري وأخذ ركن الدّين منه، فكان من جملة مماليكه، ثم طلع ركن الدّين شجاعا فارسا، مقداما، إلى أن
__________
[1] علق الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد على «العبر» (5/ 307) بقوله: «هو القصر الأبلق الذي عمره الظاهر في الميدان الأخضر، وقامت مقامه التكية السليمية وما حولها، يعني في دمشق، وانظر التعليق على «النجوم الزاهرة» (7/ 278) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 155- 156) و «العبر» (5/ 308- 309) و «فوات الوفيات» (1/ 235- 247) وفي حاشية محققه ذكرت مصادر أخرى.(7/610)
بهر أمره، وبعد صيته. وشهد وقعة المنصورة بدمياط، ثم كان أميرا في الدولة المعزّية، وتنقلت به الأحوال، وصار من أعيان البحرية. وولي السلطنة في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين [وستمائة] ، وكان ملكا سريّا، غازيا، مجاهدا، مؤيّدا، عظيم الهيبة، خليقا للملك، يضرب بشجاعته المثل. له أيام بيض في الإسلام، وفتوحات مشهورة، ومواقف مشهودة، ولولا ظلمه وجبروته في بعض الأحايين لعدّ من الملوك العادلين. قاله في «العبر» .
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : توفي بقصره الأبلق بمرجة دمشق جوار الميدان، وغسّلوه، وصبّروه، وعلقوه في البحيرة إلى أن فرغ من الظّاهرية، فنقلوه إليها. وكان قد أوصى أن يدفن على الطريق، وتبنى عليه قبة، فابتاع له ولده الملك السعيد دار العقيقي بسبعين ألف درهم، وبناها مدرسة للشافعية والحنفية، ونقله إليها، ووقف عليها أوقافا كثيرة، وفتح بيبرس من البلاد أربعين حصنا، كانت مع الفرنج، افتتحها بالسيف عنوة. انتهى ملخصا.
وقال الذهبي: انتقل إلى عفو الله ومغفرته يوم الخميس بعد الظهر، الثامن والعشرين من المحرّم بقصره بدمشق، وخلّف من الأولاد الذكور الملك السعيد محمد، ولي السلطنة وعمره ثماني عشرة سنة، والخضر، وسلامش، وسبع بنات، ودفن بتربة أنشأها ابنه. انتهى.
وفيها إبراهيم [بن أبي المجد] الدّسوقي الهاشمي الشّافعي القرشي [1] . شيخ الخرقة [2] البرهامية، وصاحب المحاضرات القدسية والعلوم اللّدنية والأسرار العرفانية. أحد الأئمة الذين أظهر الله لهم المغيّبات [3] ، وخرق
__________
[1] انظر «الأعلام» (4/ 59) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[2] في «آ» : «الحرفة» .
[3] أقول: لا يعلم الغيب إلّا الله تعالى، وجميع ما جاء في ترجمته بعد هذا، فهو من الشطحات الصوفية التي لا يقرها الإسلام. (ع) .(7/611)
لهم العادات، ذو الباع الطويل في التصرف النافذ، واليد البيضاء في أحكام الولاية، والقدم الرّاسخ في درجات النهاية. انتهت إليه رئاسة الكلام على خواطر الأنام، وكان يتكلم بجميع اللّغات من عجمي، وسرياني، وغيرهما.
وذكر عنه أنه كان يعرف لغات الوحش والطّير، وأنه صام في المهد، وأنه رأى في اللّوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين، وأنه فكّ طلسم السبع المثاني، وأن قدمه لم تسعه الدنيا، وأنه ينقل اسم مريده من الشقاوة إلى السعادة، وأن الدّنيا جعلت في يده كخاتم.
وقال: توليت القطبانية، فرأيت المشرقين والمغربين، وما تحت التخوم [1] وصافحت جبريل [2] .
ومن كلامه: لا تكليف على من غاب بقلبه في حضرة ربّه ما دام فيها، فإذا ردّ له عقله صار مكلّفا.
وقال: عليك بالعمل بالشرع وإيّاك وشقشقة اللّسان بالكلام في الطريق دون التخلق بأخلاق أهلها.
قاله الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» .
وفيها الكمال بن فارس أبو إسحاق إبراهيم بن الوزير نجيب الدّين أحمد بن إسماعيل بن فارس التّميميّ الإسكندرانيّ [3] المقرئ الكاتب، آخر من قرأ بالرّوايات على الكندي.
__________
[1] في «آ» : «النجوم» . قال في «مختار الصحاح» (تخم) : التّخم- بالفتح- منتهى كل قرية أو أرض وجمعه تخوم.
[2] هذا كله من المبالغات التي ما كانت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون للمتأخرين من أمثال المترجم، أسأل الله السدّاد والتثبيت على النهج السليم نهج السّلف الصالح ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
[3] انظر «غاية النهاية» (1/ 6) و «النجوم الزاهرة» (7/ 279) .(7/612)
ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة، وتوفي في صفر، وكان فيه خير وتدين، ترك بعض النّاس الأخذ عنه لتوليه نظر بيت المال.
وفيها بيليك الخزندار الظّاهري [1] ، نائب سلطنة مولاه. كان نبيلا، عالي الهمّة، وافر العقل، محبّبا إلى النّاس، ينطوي على دين ومروءة ومحبة للعلماء الصّلحاء والزّهّاد، ونظر في العلوم والتواريخ، رقّاه أستاذه إلى أعلى الرّتب، واعتمد عليه في مهمّاته. قيل: إن شمس الدّين الفارقاني الذي ولي نيابة السلطنة سقاه السّمّ باتفاق مع أمّ الملك السعيد، فأخذه قولنج عظيم، وبقي به أيّاما، وتوفي بمصر في سابع ربيع الأول.
وفيها الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني- بالكسر والسكون، نسبة إلى مهران جدّ- العدويّ [2] ، شيخ الملك الظّاهر. كان له حال وكشف ونفس مؤثرة. مع سفه فم [3] ومزاح، تغيّر عليه السلطان بعد شدّة خضوعه له، وانقياده لأوامره وإرادته، لأنه كان يخبره بأمور قبل وقوعها، فتقع على ما يخبره.
منها: أنه لما توجه الظّاهر إلى الرّوم، سأله قشتمر العجميّ فقال له [4] الشيخ خضر: يظفر على الرّوم ويرجع إلى الشام فيموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما، فكان كما قال [5] .
وكان سبب تغير السلطان عليه، أنه نقل بعض أصحاب الشيخ خضر أمورا لا تليق به، فأحضره ليحاققوه، فأنكر، فاستشار الأمراء في أمره،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 309) و «البداية والنهاية» (13/ 277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 279) .
[2] انظر «العبر» (5/ 309- 310) و «البداية والنهاية» (3/ 278) و «النجوم الزاهرة» (7/ 279) و «غربال الزمان» ص (556) .
[3] في «العبر» : «مع سفه فيه» .
[4] لفظة «له» لم ترد في «آ» .
[5] أقول: وهذا أيضا من المبالغات التي لا يتجوز (ع) .(7/613)
فأشاروا عليه بقتله، فقال الشيخ خضر- وهو بعيد عنهم-: اسمع ما أقول لك، أنا أجلي قريب من أجلك، من مات قبل صاحبه لحقه الآخر، فوجم السلطان، ورأى أن يحبسه، فحبسه في القلعة وأجرى عليه المآكل المفتخرة، وبنى له زاوية بخطّ الجامع الظّاهري في الحسينية، فمات سادس المحرم ودفن بزاويته في الحسينية.
وفيها أبو أحمد زكي بن الحسن البيلقاني [1]- بفتح الموحدة واللّام والقاف، وسكون التحتية، آخره نون، نسبة إلى البيلقان مدينة بالدّربند-.
كان شافعيا، فقيها، بارعا، مناظرا، متقدما في الأصلين والكلام. أخذ عن فخر الدّين الرّازي، وسمع من المؤيد الطّوسي، وكان صاحب ثروة وتجارة، عمّر دهرا، وسكن اليمن، وتوفي بعدن.
وفيها البرواناه الصّاحب معين الدّين سليمان بن علي [2] . وزر أبوه لصاحب الرّوم علاء الدّين كيقباذ، ولولده. فلما مات ولي الوزارة بعده معين الدّين هذا سنة بضع وأربعين وستمائة، فلما غلبت التتار على الرّوم ساس الأمور، وصانع التتار، وتمكن من الممالك بقويّ إقدامه وقوة دهائه، إلى أن دخل المسلمون وحكموا على مملكة الرّوم، ونسب إلى البرواناه مكاتيبهم، فقتله أبغا في المحرم.
وفيها عزّ الدّين عبد السلام بن صالح البصري، عرف بابن الكبوش [3] الشّاعر المشهور، وشعره في غاية الرّقّة.
فمنه:
أدر ما بيننا كأس الحميّا ... بكفّ مقرطق طلق المحيّا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 310) و «مرآة الجنان» (4/ 178) .
[2] انظر «العبر» (5/ 310) .
[3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.(7/614)
يحور ولا يجور على النّدامى ... كما جارت لواحظه عليّا
[غزال لو رأى غيلان ميّ ... شمائله سلا غيلان ميّا
سقاني من مراشفه شمولا ... فأنساني حميّاه الحميّا] [1]
إلى أن قال:
إلام به تلوم ولست أصغي ... لقد أسمعت لو ناديت حيّا
وفيها مجد الدّين أبو أحمد وأبو الخير عبد الصّمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش بن عبد الله البغدادي [2] المقرئ، النّحويّ، اللّغويّ، الفقيه، الحنبلي، الخطيب، الواعظ، الزّاهد، شيخ بغداد وخطيبها، سبط الشيخ أبي زيد الحموي.
ولد في محرم سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ببغداد، وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي وغيره، وعني بالقراءات. وسمع كثيرا من كتبها. وسمع الحديث من الدّاهري، وابن النّاقد، وغيرهما مما لا يحصى. وجمع أسماء شيوخه بالسماع والإجازة، فكانوا فوق خمسمائة وخمسين شيخا.
قال الجعبري [3] : قرأ «كتاب سيبويه» و «الإيضاح» و «التكملة» و «اللّمع» على الكندي، وهو غير صحيح، ولعله على العكبري [4] ، وانتهت إليه مشيخة القراءات والحديث، وله ديوان خطب في سبع مجلدات.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 311) و «دول الإسلام» (2/ 178) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 290- 294) .
[3] هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الربعي الجعبري، سترد ترجمته في وفيات سنة (732) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى.
[4] قلت: وهذا التعقيب للحافظ ابن رجب الحنبلي، نقله المؤلّف رحمه الله عن «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/615)
وقال الذّهبيّ: قرأ عليه الشيخ إبراهيم الرّقّي الزّاهد، والمقصّاتي، وابن خروف، وجماعة. وكان إماما، محقّقا، بصيرا بالقراءات وعللها وغريبها، صالحا، زاهدا، كبير القدر، بعيد الصيت. انتهى.
وممن روى عنه الدّمياطي في «معجمه» وأحمد بن القلانسي.
وتوفي يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول، ودفن بحضرة الإمام أحمد.
وفيها الواعظ نجم الدّين علي بن علي بن إسفنديار البغدادي [1] .
ولد سنة ست عشرة وستمائة [2] ، وقرأ [3] ، وسمع من ابن الشيخ اللّتي، والحسين بن رئيس الرؤساء، ووعظ بدمشق، فازدحم عليه الخلق، وانتهت إليه رئاسة الوعظ لحسن إيراده، ولطف شمائله، وبهجة محاسنه. وتوفي في رجب.
وفيها شمس الدّين أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن شرف الدّين علي بن سرور المقدسي [4] ، نزيل مصر قاضي قضاة الحنابلة [5] ، وشيخ الشيوخ.
ولد يوم السبت رابع عشر صفر سنة ثلاث وستمائة بدمشق، وحضر بها على ابن طبرزد، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني، وغيرهما. وتفقه [على الشيخ موفق الدّين، ثم رحل إلى بغداد. وأقام بها مدّة. وسمع بها من
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 311) و «البداية والنهاية» (13/ 279) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 279) .
[2] في «العبر» : «ولد سنة ست وخمسين وستمائة» .
[3] لفظة «وقرأ» سقطت من «آ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 311- 312) و «البداية والنهاية» (13/ 277- 278) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 294- 295) .
[5] لفظة «الحنابلة» سقطت من «آ» .(7/616)
جماعة، وتفقّه] [1] أيضا بها، وتفنن في علوم شتى، وتزوّج بها وولد له، ثم انتقل إلى مصر وسكنها إلى أن مات بها، وعظم شأنه بها. وصار شيخ المذهب علما، وصلاحا، وديانة، ورئاسة، وانتفع به الناس، وولي بها مشيخة خانقاه سعيد السعداء، وتدريس المدرسة الصّالحية، ثم ولي قضاء القضاة مدة، ثم عزل منه، واعتقل مدة ثم أطلق، فأقام بمنزله يدرّس بالصالحية ويفتي ويقرئ العلم، إلى أن توفي.
قال القطب اليونيني: كان من أحسن المشايخ صورة، مع الفضائل الكثيرة التّامّة، والدّيانة المفرطة، والكرم، وسعة الصّدر، وهو أول من درّس بالمدرسة الصّالحية للحنابلة، وأول من ولي قضاء القضاة بالدّيار المصرية.
وكان كامل الآداب، سيّدا، صدرا من صدور الإسلام، متبحّرا في العلوم، مع الزّهد الخارج عن الحدّ واحتقار الدّنيا، وعدم الالتفات إليها. وكان الصّاحب بهاء الدّين- يعني ابن حنّا- يتحامل عليه ويغري الملك الظّاهر به، لما عنده من الأهلية لكل شيء من أمور الدّنيا والآخرة، ولا يلتفت إليه ولا يخضع له. حدّث بالكثير، وسمع منه الكبار، منهم: الدّمياطي، والحارثي، والإسعردي، وغيرهم.
وتوفي يوم السبت ثاني عشر المحرّم، ودفن من الغد بالقرافة عند عمّه الحافظ عبد الغني. انتهى.
وفيها الشيخ يحيى المنبجي [2] المقرئ المتصدّر بجامع دمشق. لقّن خلقا [3] كثيرا من الناس [4] ، وكان من أصحاب أبي عبد الله الفاسي توفي في المحرّم.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 559) : «المنبجي» وفي «العبر» بطبعتيه: «المنيحي» .
[3] لفظة: «خلقا» سقطت من «ط» .
[4] قوله: «من الناس» سقط من «آ» .(7/617)
وفيها شيخ الإسلام محيي الدّين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الفقيه الشافعي، الحافظ الزّاهد، أحد الأعلام النّواوي [1]- بحذف الألف ويجوز إثباتها- الدمشقي [2] .
ولد في محرّم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقرأ القرآن ببلده، وقدم دمشق بعد تسع عشرة سنة من عمره. قدم به والده، فسكن بالمدرسة الرّواحية.
قال هو: وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض. وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير، وحفظت «التنبيه» في نحو أربعة أشهر ونصف.
قال: وبقيت أكثر من شهرين أو أقل، لما قرأت: «ويجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج» اعتقد أن ذلك قرقرة البطن. وكنت أستحم بالماء البارد كلما قرقر بطني.
قال: وقرأت وحفظت ربع «المهذّب» في باقي السنة، وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا كمال الدّين إسحاق المغربي ولازمته، فأعجب بي وأحبّني، وجعلني أعيد لأكثر جماعته.
فلما كانت سنة إحدى وخمسين، حججت مع والدي، وكانت وقفة الجمعة. وكان رجبيا من أول رجب، فأقمنا بالمدينة نحوا من شهر ونصف.
__________
[1] لفظة «النواوي» لم ترد في «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 312) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1470- 1474) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «طبقات الشافعية» (8/ 395- 400) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 476- 477) و «البداية والنهاية» (13/ 278- 279) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 194- 200) ومقدمة والدي حفظه الله تعالى للطبعة الثالثة من كتاب المترجم «التبيان في آداب حملة القرآن» الصادرة عن مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع في الكويت.(7/618)
وذكر والده قال: لما توجهنا من نوى، أخذته الحمّى، فلم تفارقه إلى يوم عرفة، ولم يتأوّه قطّ. قال: وذكر لي الشيخ، أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ، شرحا، وتصحيحا، درسين في «الوسيط» ودرسا في «المهذّب» ، ودرسا في «الجمع بين الصحيحين» ودرسا في «صحيح مسلم» ودرسا في «اللّمع» لابن جنّي، ودرسا في «إصلاح المنطق» لابن السّكّيت. ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه، تارة في «اللّمع» لأبي إسحاق [1] ، وتارة في «المنتخب» لفخر الدّين. ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدّين. وكنت أعلّق جميع ما يتعلق بها، من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة. وبارك الله لي في وقتي، وخطر لي الاشتغال في علم الطب، فاشتريت كتاب «القانون» فيه، وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم على [2] قلبي، وبقيت أيّاما لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري، من أين دخل عليّ الداخل، فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطبّ، فبعت «القانون» في الحال واستنار قلبي.
وقال الذهبيّ: لزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشرين سنة، حتّى فاق الأقران، وتقدم على جميع الطلبة، وحاز قصب السبق في العلم والعمل، ثم أخذ في التصنيف من حدود الستين وستمائة إلى أن مات. وسمع الكثير من الرّضي بن البرهان، والزّين خالد، وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي وأقرانهم. وكان مع تبحّره في العلم وسعة معرفته بالحديث، والفقه، واللغة، وغير ذلك مما قد سارت به الرّكبان، رأسا في الزّهد، وقدوة في الورع، عديم المثل في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قانعا باليسير، راضيا عن الله والله راض عنه، مقتصدا إلى الغاية في ملبسه، ومطعمه، وأثاثه، تعلوه
__________
[1] قوله: «لأبي إسحاق» سقط من «آ» .
[2] لفظة «على» سقطت من «آ» .(7/619)
سكينة وهيبة، فالله يرحمه ويسكنه الجنّة بمنّه.
ولي مشيخة دار الحديث بعد الشيخ شهاب الدّين أبي شامة، وكان لا يتناول من معلومها شيئا، بل يتقنّع [1] بالقليل مما يبعثه إليه أبوه. انتهى.
وقال ابن العطّار [2] : كان قد صرف أوقاته كلّها في أنواع العلم والعمل بالعلم، وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلّا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلّا شربة واحدة عند السّحر، ولم يتزوّج.
ومن تصانيفه «الروضة» [3] و «المنهاج» و «شرح المهذّب» وصل فيه إلى أثناء الرّبا، سماه «المجموع» و «المنهاج في شرح مسلم» وكتاب «الأذكار» [4] وكتاب «رياض الصالحين» [5] وكتاب «الإيضاح» في المناسك و «الإيجاز» في المناسك. وله أربع مناسك أخر، و «الخلاصة» في الحديث [لخص فيه الأحاديث المذكورة في «شرح المهذّب» . وكتاب «الإرشاد» في علم الحديث [6]] [7] وكتاب «التقريب» و «التيسير» في مختصر الإرشاد، وكتاب «التبيان في آداب حملة القرآن» وكتاب «المبهمات» وكتاب «تحرير ألفاظ
__________
[1] في «آ» : «ينتفع» .
[2] وهو تلميذه.
[3] طبعه المكتب الإسلامي بدمشق في اثني عشر مجلدا، وقام بتحقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط.
[4] طبع عدة طبعات أشهرها التي طبعت بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في مكتبة الملاح بدمشق ثم في مكتبة الهدى في الرياض وهي الطبعة المعتمدة لدى المشتغلين بالحديث النبوي الشريف وكتب التراث.
[5] طبع عدة مرات، أفضلها التي قام عليها الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله، وصدرت عن دار المأمون للتراث بدمشق، ثم عن مؤسسة الرسالة في بيروت.
[6] طبع في دمشق حديثا بتحقيق الدكتور نور الدّين عتر.
[7] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .(7/620)
التنبيه» [1] و «العمدة في تصحيح التنبيه» وهما من أوائل ما صنّف، وغير ذلك من المصنفات الحسنة.
وقال ابن ناصر الدّين [2] : هو الحافظ القدوة، الإمام، شيخ الإسلام.
كان فقيه الأمّة وعلم الأئمّة.
وقال الإسنويّ: كان في لحيته شعرات بيض، وعليه سكينة ووقار في البحث مع الفقهاء، وفي غيره، ولم يزل [3] على ذلك إلى أن سافر إلى بلده، وزار القدس والخليل، ثم عاد إليها فمرض بها عند أبويه.
وتوفي ليلة الأربعاء رابع عشري رجب، ودفن ببلده رحمه الله ورضي عنه وعنّا به.
__________
[1] طبع في دار القلم بدمشق بتحقيق الأستاذ الشيخ عبد الغني الدقر حفظه الله تعالى.
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (82/ آ) .
[3] في «ط» : «لم يزل» .(7/621)
سنة سبع وسبعين وستمائة
فيها توفي الشّهاب بن الجزري أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عيسى الأنصاري الدمشقي [1] .
وله أربع وستون سنة. روى عن ابن اللّتي، وابن المقيّر، وطبقتهما، وكتب الكثير، ورحل إلى ابن خليل فأكثر عنه، وكان يقرأ الحديث على كرسي الحائط الشمالي. توفي في جمادى الآخرة.
وفيها الفارقاني شمس الدّين آق سنقر الظّاهري [2] ، أستاذ دار الملك الظّاهر. جعله الملك السعيد نائبه فلم ترض خاصّة السعيد بذلك، ووثبوا على الفارقاني واعتقلوه، فلم يقدر السعيد على مخالفتهم، فقيل: إنهم خنقوه في جمادى الأولى.
وكان وسيما، جسيما، شجاعا، نبيلا، له خبرة ورأي، وفيه ديانة وإيثار، وعليه مهابة ووقار. مات في عشر الخمسين.
وفيها النّجيبيّ جمال الدّين آقوش [3] النّجمي [4] أستاذ دار الملك
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 313- 314) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
[2] انظر «العبر» (5/ 314) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
[3] في «آ» و «ط» : «أقش» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[4] انظر «العبر» (5/ 314) و «البداية والنهاية» (13/ 281) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .(7/622)
الصّالح. ولي أيضا للملك الظّاهر استاداريته، ثم نيابة دمشق تسعة أعوام، وعزله بعزّ الدّين أيدمر، ثم بقي بالقاهرة مدّة بطالا، ولحقه فالج قبل موته بأربع سنين. وكان محبا للعلماء، كثير الصّدقة، لديه فضيلة وخبرة. عاش بضعا وستين سنة. وتوفي بربيع الآخر، وله بدمشق خانقاه، وخان، ومدرسة، ولم يخلّف ولدا.
وفيها قاضي القضاة صدر الدّين سليمان بن أبي العزّ بن وهيب الأذرعي، نسبة إلى أذرعات ناحية بالشام، ثم الدمشقي [1] ، شيخ الحنفية قاضي القضاة [2] أبو الفضل. أحد من انتهت إليه رئاسة المذهب في زمانه، وبقيّة أصحاب الشيخ جمال الدّين الحصيري. درّس بمصر مدّة، ثم قدم دمشق، فاتفق موت القاضي مجد الدّين ابن العديم، فقلّد بعده القضاء، فبقي فيه ثلاثة أشهر.
قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من كبار العلماء، وله تصانيف في مذهبه، وولي القضاء بالدّيار المصرية، والشامية، والبلاد الإسلامية، وأذن له في الحكم حيث حلّ من البلاد انتهى.
توفي في شعبان عن ثلاث ثمانين سنة ودفن بتربته [3] بقاسيون.
وفيها كمال الدّين أبو محمد طه بن إبراهيم بن أبي بكر الإربلي الشّافعي [4] .
__________
[1] قوله: «قاضي القضاة» لم يرد في «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 315) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «البداية والنهاية» (13/ 281- 282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
[3] في «ط» : «بتربة» .
[4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 153- 154) و «البداية والنهاية» (13/ 282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 181) و «حسن المحاضرة» (1/ 417) .(7/623)
قال الإسنويّ: كان فقيها، أديبا. ولد بإربل، وانتقل إلى مصر شابا، وانتفع به خلق كثير، وروى عنه جماعة، منهم: الدّمياطي، ومات بمصر في جمادى الأولى، وقد نيّف على الثمانين.
وفيها مجد الدّين أبو محمد عبد الله بن الحسين بن علي الكردي الإربلي الشافعي [1] ، والد شهاب الدّين بن المجد الذي تولى القضاء بدمشق. كان المجد المذكور عارفا بالمذهب، بصيرا به، خبيرا بعلم القراءات، خيّرا، ديّنا، متعبّدا، حسن السّمت والأخلاق. سمع وأسمع، ودرّس بالكلّاسة. وتوفي في ذي القعدة.
وفيها ابن العديم، الصّاحب، قاضي القضاة، مجد الدّين أبو المجد، عبد الرحمن بن الصّاحب كمال الدّين أبي القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي الحنفي [2] . سمع حضورا من ثابت بن مشرّف، وسماعا من أبي محمد بن الأستاذ، وابن البنّ، وخلق كثير. وكان صدرا، مهيبا، وافر الحشمة، عالي الهمّة والرّتبة، عارفا بالمذهب والأدب، مبالغا في التجمّل والترفّع، مع دين تامّ، وتعبّد وصيانة، وتواضع للصّالحين.
توفي في ربيع الآخر عن أربع وستين سنة.
وفيها ابن حنّا، الوزير الأوحد، بهاء الدّين علي بن محمد بن سليم المصري [3] الكاتب، أحد رجال الدّهر، حزما، ورأيا، وجلالة، ونبلا، وقياما
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 154) .
[2] انظر «العبر» (5/ 315) و «الوافي بالوفيات» (18/ 201- 203) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
[3] انظر «العبر» (5/ 315- 316) و «الوافي بالوفيات» (22/ 30- 33) و «فوات الوفيات» (3/ 76- 78) .(7/624)
بأعباء الأمور، مع الدّين، والعفّة، والصّفات الحميدة، والأموال الكثيرة.
وكان لا يقبل لأحد هدية إلّا أن يكون من الفقراء والصلحاء للتبرّك، وكان من حسنات الزّمان، توزّر للملك الظّاهر ولولده السعيد، ورزق أولادا، ومات وهو جدّ جدّ، وبنى مدرسة بزقاق القناديل بمصر، وابتلي بفقد ولديه الصّدرين فخر الدّين ومحيي الدّين، فصبر وتجلّد. وكان يهشّ للمديح.
قال فيه الفارقي:
وقائل قال لي نبّه لها عمرا ... فقلت: إن عليّا قد تنبّه لي
ما لي إذا كنت محتاجا إلى عمر ... من حاجة فلينم حتّى انتباه علي
توفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة.
وفيها الحكيم الفاضل موفق الدّين عبد الله بن عمر، المعروف بالورن [1] ، الفاضل الأديب. له مشاركة في علوم كثيرة. وكان أكثر إقامته ببعلبك، وسافر إلى مصر فلم تطل مدته. أخذه قولنج فمات.
ومن شعره:
يذكّرني نشر الحمى بهبوبه ... زمانا عرفنا كلّ طيب بطيبه
ليال سرقناها من الدّهر خلسة ... وقد أمنت عيناي عين رقيبه
فمن لي بذاك العيش لو عاد وانقضى ... ليسكن [2] قلبي ساعة من وجيبه
ألا إنّ لي شوقا إلى ساكن الغضا ... أعيذ الغضا من حرّه ولهيبه
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المعروف بالورل» وفي «المنتخب» لابن شقدة (189/ ب) : «المعروف بالورك» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «الوافي بالوفيات» (17/ 375) و «فوات الوفيات» (2/ 211) وانظر «النجوم الزاهرة» (7/ 282) .
[2] في «فوات الوفيات» : «وسكّن» .(7/625)
وفيها الظّهير العلّامة مجد الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الإربلي الحنفي الأديب [1] .
ولد سنة اثنتين وستمائة بإربل، وسمع من السّخاوي وطائفة بدمشق، ومن الكاشغري وغيره ببغداد، ودرّس بالقيمازيّة مدّة، وله «ديوان» مشهور ونظم رائق، مع الجلالة، والدّيانة التّامّة.
توفي في ربيع الآخر.
وفيها ابن إسرائيل الأديب البارع نجم الدّين محمد بن سوّار ابن إسرائيل بن خضر بن إسرائيل الدّمشقي [2] الفقير، صاحب الحريري. روح المشاهد وريحانة المجامع. كان فقيرا، ظريفا، نظيفا، مليح النّظم، رائق المعاني، لولا ما شانه بالاتحاد تصريحا مرّة وتلويحا أخرى.
من نظمه، ما كتب به إلى النّجم الكحّال:
يا سيّد الحكماء هذي سنّة ... مثبوتة في الطّبّ أنت سننتها
أو كلّما كلّت سيوف جفون من ... سفكت لواحظه الدّماء سننتها
وقال في مليح ناوله تفّاحة:
لله تفّاحة وافى بها سكني ... فسكّنت لهبا في القلب يستعر
كفأرة المسك وافاني الغزال بها ... وغرّة النّجم حيّاني بها القمر
أتى بها قاتلي نحوي فهل أحد ... قبلي تمشّى إليه الغصن والثّمر
توفي في رابع عشر ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وشهر، ودفن خارج باب توما عند قبر الشيخ رسلان.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 316) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «الجواهر المضية» (3/ 52) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 574- 575) .
[2] انظر «العبر» (5/ 316- 317) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 282- 283) .(7/626)
وفيها ناصر الدّين أبو عبد الله محمد بن عربشاه بن أبي بكر بن أبي ناصر [1] المحدّث الهمذاني ثم الدمشقي [2] . روى عن ابن الزّبيدي، والمسلم [3] المازني، وابن صباح، وكتب الكثير. وكان ثقة، صحيح النّقل.
توفي في جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وفيها أبو المرجّى مؤمّل بن محمد بن علي البالسي ثم الدمشقي [4] . روى عن الكندي، والخضر بن كامل، وجماعة. وتوفي في رجب.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «نصر» .
[2] انظر «العبر» (5/ 317) و «الوافي بالوفيات» (4/ 93- 94) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
[3] كذا في «آ» و «العبر» مصدر المؤلّف: «والمسلم» وفي «ط» : «ابن المسلم» .
[4] انظر «العبر» (5/ 317) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .(7/627)
سنة ثمان وسبعين وستمائة
فيها توفي أبو العبّاس أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحدّاد الحنبلي [1] .
ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وكان أبوه إماما بحلقة الحنابلة فمات وهذا صغير. وسمع سنة ستمائة من الكندي، وأجاز له خليل الرّارانيّ [2] ، وابن كليب، والبوصيري، وخلق. وعمّر، وروى الكثير، وكان خيّاطا ودلّالا، ثم قرّر بالرّباط النّاصري، وأضرّ بأخرة. وكان يحفظ القرآن العظيم. توفي يوم عاشوراء.
وفيها أحمد بن عبد المحسن الدّمياطي الواعظ، عرف بكتاكت [3] .
كان له الشعر الحسن، فمنه:
اكشف البرقع عن شمس العقار ... واخل في ليلك مع شمس النّهار
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 319- 320) و «الوافي بالوفيات» (6/ 397- 398) و «النجوم الزاهرة» (7/ 290) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 122- 123) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الدّاراني» وفي «الدارس في تاريخ المدارس» إلى «البزالي» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» وهو الشيخ الجليل المسند خليل بن أبي الرجاء بدر الرّاراني الأصبهاني، وقد تقدمت ترجمته في المجلد السادس ص (528) .
[3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.(7/628)
وانهب العيش ودعه ينقضي ... غلطا ما بين هتك واستتار
إن تكن شيخ خلاعات الصّبا ... فالبس الصّبوة في خلع العذار
وارض بالعار وقل قد لذّ لي ... في هوى خمّار كاسي لبس عاري
توفي بمصر، ودفن بالقرافة.
وفيها القاضي صفيّ الدّين أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن يحيى الشّقراوي الحنبلي [1] .
ولد بشقرا من ضياع زرع [2] سنة خمس وستمائة، وسمع من موسى بن عبد القادر، والشيخ موفق الدّين، وأحمد بن طاووس، وجماعة. وتفقه وحدّث، وولي الحكم بزرع نيابة عن الشيخ شمس الدّين [3] ابن أبي عمر، وكان فقيها، فاضلا، حسن الأخلاق.
قال الذهبي: كان رجلا، خيّرا، فقيها، حفظ النّوادر والأخبار، وولي قضاء زرع، وأعاد بمدرسته. وتوفي يوم السبت تاسع عشر ذي الحجّة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها شيخ الشيوخ شرف الدّين أبو بكر عبد الله بن شيخ الشيوخ تاج الدّين عبد الله بن عمر بن حمّوية الجويني ثم الدمشقي الصّوفي [4] .
ولد سنة ثمان وستمائة وروى عن أبي القاسم بن صصرى وجماعة، وتوفي في شوال.
وفيها ابن الأوحد الفقيه شمس الدّين عبد الله بن محمد بن
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (8/ 397- 398) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 297- 298) .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «زرا» .
[3] لفظة «الدّين» سقطت من «آ» .
[4] انظر «مرآة الجنان» (4/ 190) و «غربال الزّمان» ص (556) .(7/629)
عبد الله بن علي القرشيّ الزّبيريّ [1] . روى عن الافتخار الهاشمي، وكتب بديوان المارستان النّوري، وتوفي في شوال وله خمس وسبعون سنة.
وفيها الشيخ القدوة إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الحضرمي [2] ، نسبة إلى حضرموت.
قال المناوي: قطب الدّين، الإمام الكبير، العارف الشهير، قدوة الفريقين وعمدة الطريقين، شيخ الشّافعية ومربي الصّوفية.
كان إماما من الأئمة مذكورا، وعلما من أعلام الولاية مشهورا. وهو من بيت مشهور بالصّلاح، مقصود لليمن والنّجاح، أعلامه للإرشاد منصوبة، وبركات أهله كالأهلّة مرقومة مرقوبة. وكان في بدايته يؤثر الخلوة، ثم تفقه، فبرع وفاق، وسبق الأقران والرّفاق. وله عدّة مؤلفات في عدّة فنون، تدلّ على تمكّنه، منها «شرح المهذّب» و «مختصر مسلم» و «مختصر بهجة المجالس» و «فتاوى» مفيدة. وكلام في التصوف، يدلّ على كمال معرفته. انتفع به جمع من الأعيان، وولي قضاء الأقضية فأنكر المنكرات وأقام مواسم الخيرات. ثم عزل نفسه. وكتب للسلطان في شقفة من خزف: يا يوسف كثر شاكوك وقلّ شاكروك، فإما عدلت وإما انفصلت. فغضب، فلم يلتفت إليه.
وله كرامات- قال المطري [3] : كادت تبلغ التواتر-.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 320) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 130- 131) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 166- 167) و «العقود اللؤلؤية» (1/ 176- 177) بعناية الأستاذ محمد بن علي الأكوع الحوالي، طبع مركز الدراسات والبحوث اليمينة بصنعاء.
[3] هو الإمام عبد الله بن محمد بن أحمد بن خلف المطري الخزرجي العبادي، أبو السّيادة.
له «الإعلام فيمن دخل المدينة من الأعلام» - وهو الذي نقل عنه المؤلّف وهو جدير بالنشر-.
مات سنة (765 هـ) . انظر «الأعلام» للأستاذ الزركلي (4/ 126) .(7/630)
منها: أن ابن معطي قيل له في النّوم: اذهب إلى الفقيه إسماعيل الحضرمي واقرأ عليه النّحو، فلما انتبه تعجّب لكون الحضرميّ لا يحسنه، ثم قال: لا بدّ من الامتثال، فدخل عليه وعنده جمع يقرؤون الفقه، فبمجرد رؤياه، قال: أجزتك بكتب النّحو، فصار لا يطالع فيه شيئا إلّا عرفه بغير شيخ.
ومنها أنه قصد بلدة زبيد، فكادت الشّمس تغرب، وهو بعيد عنها، فخاف أن تغلق أبوابها، فأشار إلى الشّمس فوقفت [1] ، حتّى دخل المدينة.
وإليه أشار الإمام اليافعيّ بقوله:
هو الحضرمي نجل الوليّ محمد ... إمام الهدى نجل الإمام محمد
ومن جاهه أومأ إلى الشّمس أن قفي ... فلم تمش حتّى أنزلوه بمقعد
ومنها أنه زار مقبرة زبيد، فبكى كثيرا، ثم ضحك، فسئل، فقال:
كشف لي، فرأيتهم يعذّبون، فشفعت فيهم. فقالت صاحبة هذا القبر: وأنا معهم يا فقيه، قلت: من أنت؟ قالت: فلانة المغنيّة، فضحكت وقلت:
وأنت.
ومنها أن بعض الصّلحاء رأى المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فقال له: «من قبّل قدم الحضرميّ دخل الجنّة» [2] فبلغ الحكميّ مفتي زبيد، فقصده ليقبّلها، فلما وقع بصره عليه، مدّ له رجليه. انتهى ملخصا.
وفيها الشيخ نجم الدّين بن الحكيم عبد الله بن محمد بن أبي الخير الحمويّ [3] الصّوفي الفقير.
كان له زاوية بحماة ومريدون، وفيه تواضع وخدمة للفقراء، وأخلاق
__________
[1] أقول: وهذا أيضا من المبالغات في الشطحات (ع) .
[2] أقول: هذا حديث لا أصل له، وهو كذب مفترى، والأحكام الشرعية لا تؤخذ من المنامات (ع) .
[3] انظر «العبر» (5/ 320) و «مرآة الجنان» (4/ 190) .(7/631)
حميدة. صحب الشيخ إسماعيل الكوراني، واتفق موته بدمشق، فدفن عنده بمقابر الصّوفية.
وفيها الشيخ عبد السّلام بن أحمد بن الشيخ القدوة غانم بن علي المقدسي [1] الواعظ. أحد المبرّزين في الوعظ، والنّظم، والنّثر. توفي بالقاهرة في شوال.
وفيها فاطمة ابنة الملك المحسن أحمد بن السلطان صلاح الدّين [2] .
ولدت سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وسمعت من حنبل، وابن طبرزد.
وفيها السّلطان الملك السعيد ناصر الدّين أبو المعالي محمد بن الملك الظّاهر بيبرس [3] .
ولد في حدود سنة ثمان وخمسين وستمائة، بظاهر القاهرة. وتملّك بعد أبيه سنة ست وسبعين في صفر، وكان شابا، مليحا، كريما، حسن الطّباع، فيه عدل، ولين، وإحسان، ومحبة للخير. خلعوه من الأمر، فأقام بالكرك أشهرا، ومات شبه الفجأة في نصف ذي القعدة بقلعة الكرك، ثم نقل بعد سنة ونصف إلى تربة والده، وتملّك بعده أخوه خضر.
وفيها ابن الصّيرفيّ، المفتي المعمّر، جمال الدّين أبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحرّاني الحنبلي، ويعرف بابن الحبيشي [4] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 321) و «مرآة الجنان» (4/ 190) و «البداية والنهاية» (13/ 289) .
[2] انظر «العبر» (5/ 321) و «ترويح القلوب» للزّبيدي ص (76) بتحقيق الدكتور صلاح الدّين المنجد.
[3] انظر «العبر» (5/ 321) و «البداية والنهاية» (13/ 290) .
[4] انظر «العبر» (5/ 321- 322) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 290) .(7/632)
سمع من عبد القادر الرّهاوي بحرّان، ومن ابن طبرزد ببغداد، ومن الكندي بدمشق، واشتغل على أبي بكر بن غنيمة، وأبي بكر العكبري، والشيخ الموفق [1] . وكان إماما، عالما، متفننا، صاحب عبادة، وتهجد، وصفات حميدة. توفي في رابع صفر.
__________
[1] يعني الإمام الحافظ الفقيه موفق الدّين بن قدامة المقدسي، رحمه الله تعالى.(7/633)
سنة تسع وسبعين وستمائة
في آخرها نزل السّلطان الملك الكامل سنقر الأشقر إلى الشّام غازيا، فنزل قريبا من عكّا، فخضع له أهلها، وراسلوه في الهدنة، وجاء إلى خدمته عيسى بن مهنّا، فصفح عنه وأكرمه.
وفيها توفي ضياء الدّين أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمود بن رفيعا الجدري، بفتح الجيم والدال المهملة وراء، نسبة إلى جدرة حيّ من الأزد [1]- المقرئ الفرضي الحنبلي، نزيل الموصل.
قرأ بالسبع على علي بن مفلح البغدادي نزيل الموصل، وسمع الحديث من جماعة، وصنّف تصانيف في القراءات وغيرها، ونظم في القراءات والفرائض قصيدة معروفة لامية، وكان شيخ القرّاء بالموصل، قرأ عليه ابن خروف الموصلي الحنبلي وأكثر عنه، وسمع منه «الأحكام» للشيخ مجد الدّين بن تيميّة، وأجاز لعبد الصّمد بن أبي الجيش غير مرّة، وتوفي سادس جمادى الآخرة.
وفيها تقيّ الدّين أبو محمد عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر الحنبلي [2] . سمع من موسى بن عبد القادر، وابن
__________
[1] تنبيه: كذا قيد المؤلّف- رحمه الله- نسبته «الجدري» والصواب «الجزري» كما في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 298) مصدر المؤلّف، و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 403) .
[2] انظر «العبر» (5/ 323- 324) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 298- 299) .(7/634)
الزّبيدي، والشيخ الموفق، وبه تفقه في مذهب أحمد. ومهر في المذهب، وعني به، وبالسّنّة وجمع فيها، وناظر الخصوم وكفّرهم، وكان صاحب حزبية وتحرّق [1] على الأشعرية، فرموه بالتجسيم.
قال الذهبي: ورأيت له مصنّفا في الصّفات، فلم أر به بأسا. قال: وكان متأيدا للحنابلة، وفيه شراسة أخلاق، مع صلاح ودين يابس.
توفي في ثامن شعبان عن نيّف وسبعين سنة.
وفيها الفقيه [2] شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن داود بن إلياس البعلي الحنبلي [3] .
ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمع من الشيخ موفق الدّين، وابن البنّ [4] وطائفة. وخدم الشيخ الفقيه اليونيني مدة.
قال القطب ابن اليونيني: سمع من حنبل، والكندي، وابن الزّبيدي، ورحل إلى لبلاد للسماع، وخدم والدي، وقرأ عليه القرآن، واشتغل عليه، وحفظ «المقنع» وعرف الفرائض. وكان ذا ديانة وافرة، وصدق، وأمانة، وتحرّ في شهاداته وأقواله. وحدّث بمسموعاته، وتوفي في حادي عشري رمضان، ودفن بظاهر بعلبك.
وفيها ابن النّنّ- بنونات [5]- الفقيه شمس الدّين محمد بن عبد الله بن محمد البغدادي الشافعي [6] في رجب، بالإسكندرية، وله ثمانون
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «صاحب جرأة وتحرّق» .
[2] لفظة «الفقيه» سقطت من «ط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 324) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 299- 300) .
[4] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ابن المنّي» فتصحح.
[5] لفظة «بنونات» ليست في «آ» وأثبتها من «ط» .
[6] انظر «العبر» (5/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و «تبصير المنتبه» (1/ 107) .(7/635)
سنة. سمع من عبد العزيز بن منينا، وسليمان الموصلي، وجماعة. وكان ثقة، متيقظا. قاله في «العبر» .
وفيها الجزّار الأديب، جمال الدّين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم المصري [1] ، الأديب الفاضل. كان جزّارا، ثم استرزق بالمدح، وشاع شعره في البلاد، وتناقلته الرّواة. وكان كثير التّبذير، لا تكاد خلّته تنسدّ، وكان مسرفا على نفسه، سامحه الله تعالى.
ومن شعره:
عاقبتني بالصّد من غير جرم ... ومحا هجرها بقية رسمي
وشكوت الجوى إلى ريقها العذ ... ب فجارت ظلما بمنع لظلم
أنا حكّمتها فجارت وشرع ال ... حبّ يقضي أني أحكّم خصمي
ومنها في المديح:
يا أميرا يرجّى ويخشى لبأس ... ونوال في يوم حرب وسلم
أنت موسى وقد تفرّ عن ذا الخط ... ب ففرّقه من نداك بيمّ
لي من حرفة الجزارة والآ ... داب فقر يكاد ينسيني اسمي
وله:
أكلّف نفسي كلّ يوم وليلة ... هموما على من لا أفوز بخيره
كما سوّد القصّار في الشّمس وجهه ... حريصا على تبييض أثواب غيره
وكانت بينه وبين السّرّاج الورّاق [2] مداعبة، فحصل للسرّاج رمد، فأهدى الجزّار له تفاحا وكمّثرى، وكتب مع ذلك:
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 324) و «البداية والنهاية» (13/ 293) و «النجوم الزاهرة» (7/ 345) و «حسن المحاضرة» (1/ 568) .
[2] سترد ترجمته في وفيات سنة (695) انظر ص (753) من هذا المجلد.(7/636)
أكافيك عن بعض الذي قد فعلته ... لأنّ لمولانا عليّ حقوقا
بعثت خدودا مع نهود وأعينا ... ولا غرو أن يجزي الصديق صديقا
وإن حال منك البعض عمّا عهدته ... فما حال يوما عن ولاك وثوقا
بنفسج تلك العين صار شقائقا ... ولؤلؤ ذاك الدّمع عاد عقيقا
وكم عاشق يشكو انقطاعك عند ما ... قطعت على اللّذّات منه طريقا
فلا عدمتك العاشقون فطالما ... أقمت لأوقات المسرّة سوقا
توفي في شوال وله ست وسبعون سنة أو نحوها، ودفن بالقرافة.
وفيها الشيخ يوسف الفقّاعيّ الزّاهد ابن نجاح بن موهوب [1] . كان عبدا، صالحا، قانتا، كبير القدر، له أتباع ومريدون.
توفي في شوال، ودفن بزاويته بسفح قاسيون، وقد نيّف على الثمانين.
وفيها الفقيه المعمّر أبو بكر بن هلال بن عبّاد الحنفي عماد الدّين [2] ، معيد الشّبلية.
توفي في رجب عن مائة وأربعين سنة، وقد سمع في الكهولة من أبي القاسم بن صصرى وغيره.
وفيها النّجيب بن العود أبو القاسم بن حسين الحلّي الرّافضي [3] المتكلم، شيخ الشيعة وعالمهم. سكن حلب مدّة فصفع بها لكونه سبّ الصحابة [4] ، ثم سكن جزّين إلى أن مات بها في نصف شعبان، وله نيف وتسعون سنة، وكان قد وقع في الهرم.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و «النجوم الزاهرة» (7/ 347) .
[2] انظر «العبر» (5/ 325) .
[3] انظر «العبر» (5/ 325) و «مرآة الجنان» (4/ 191) و «النجوم الزاهرة» (7/ 347) .
[4] لفظة «الصحابة» سقطت من «آ» .(7/637)
سنة ثمانين وستمائة
فيها توفي الشيخ موفق الدّين الكواشي- بالفتح والتخفيف، نسبة إلى كواشة قلعة بالموصل- المفسّر العلّامة المقرئ المحقّق الزّاهد القدوة أبو العبّاس أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين الشّيبانيّ الموصليّ الشافعي [1] .
ولد بكواشة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، واشتغل، فبرع في القراءات، والتفسير، والعربية، والفضائل. وقدم دمشق فأخذ عن السّخاوي وغيره، وحجّ، وزار بيت المقدس، ورجع إلى بلده وتعبّد.
قال الذهبيّ: كان منقطع القرين، عديم النّظير، زهدا، وصلاحا، وتبتّلا، وصدقا، واجتهادا. كان يزوره السلطان فمن دونه، ولا يعبأ بهم، ولا يقوم لهم، ويتبرّم بهم، ولا يقبل لهم شيئا. وله كشف وكرامات، وأضرّ قبل موته بنحو من عشر سنين، وصنّف «التفسير» الكبير والصغير، وأخذ عنه القراءات محمد بن علي بن خروف الموصلي وغيره.
وتوفي في سابع عشر جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 327- 328) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 42) و «طبقات المفسرين» (1/ 98- 100) .(7/638)
وفيها جيعانة [1] إبراهيم بن سعيد الشّاغوري [2] المولّه. مات في جمادى الأولى، وكان من أبناء السّبعين على قاعدة المولّهين من عدم التعبّد بصلاة أو صيام أو طهارة، وللعامة فيه اعتقاد يتجاوز الوصف لما يرون من كشفه وكلامه على الخواطر. وقد شاركه في ذلك الكّاهن، والرّاهب، والمصروع، فانتفت الولاية. قاله في «العبر» .
وفيها أبغا ملك التّتار وابن ملكهم هولاكو [3] بن قاآن [4] بن جنكزخان [5] . مات بنواحي همذان بين العيدين وله نحو خمسين سنة.
وفيها الحاج عزّ الدّين أزدمر الجمدار [6] الذي ولي نيابة السلطنة بدمشق لسنقر الأشقر. كان ذا معرفة وفضيلة، وعنده مكارم كثيرة. استشهد على حمص مقبلا غير مدبر، وله بضع وخمسون سنة.
وفيها الكمال أبو محمد عبد الرّحيم بن عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي [7] الصّالح. سمع من ابن طبرزد، والكندي، وعدة.
وتوفي في عاشر [8] جمادى الأولى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «جيعان» والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة (190/ ب) والمصادر المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «العبر» (5/ 328) و «البداية والنهاية» (13/ 298) .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن فاان» وما أثبته من «العبر» مصدر المؤلف، وفي ترجمة أبيه المتقدمة في هذا المجلد ص (550) : «ابن قولي» وفي بعض المصادر: «ابن تولي» وفي بعضها الآخر:
«ابن قولي قان» .
[5] انظر «العبر» (5/ 328) و «دول الإسلام» (2/ 183) و «الوافي بالوفيات» (6/ 187) و «المنهل الصافي» (1/ 198- 200) و «السلوك» (1/ 3/ 704) .
[6] انظر «العبر» (5/ 328) و «المنهل الصّافي» (2/ 348) .
[7] انظر «العبر» (5/ 328) و «الوافي بالوفيات» (18/ 334) .
[8] لفظة «عاشر» سقطت من «آ» .(7/639)
وفيها المجد بن الخليل عبد العزيز بن الحسين الدّاري [1] والد الصّاحب فخر الدّين. سمع من أبي الحسين بن جبير الكتّاني، والفتح بن عبد السّلام، وطائفة. وكان رئيسا، ديّنا، خيّرا.
توفي بدمشق في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة.
وفيها وليّ الدّين الزّاهد أبو الحسن علي بن أحمد بن بدر الجزريّ [2] الشّافعي الفقيه، نزيل بيت لهيا. كان صاحب حال وكشف وعبادة وتبتّل.
توفي في شوال وقد قارب الستين.
وفيها أبو الحسن علي بن محمود بن حسن بن نبهان [3] ، المنجّم الأديب. عاش خمسا وثمانين سنة، وروى عن ابن طبرزد، والكندي. تركه بعض العلماء لأجل التّنجيم.
وفيها ابن بنت الأعزّ، قاضي القضاة، صدر الدّين عمر ابن قاضي القضاة تاج الدّين عبد الوهاب بن خلف الشّافعي العلامي [4] المصري [5] .
ولد سنة خمس وعشرين وستمائة، وسمع من الزّكي المنذري، والرّشيد العطّار، وولي قضاء الدّيار المصرية في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين، وعزل سنة تسع في رمضان، وقيل: إنه عزل نفسه، واقتصر على تدريس الصّالحية.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 329) و «الوافي بالوفيات» (18/ 473) .
[2] في «آ» : «الجندي» وفي «ط» : «الحجندي» والتصحيح من «العبر» (5/ 329) مصدر المؤلّف، و «النّجوم الزاهرة» (7/ 353) .
[3] انظر «العبر» (5/ 329) .
[4] تحرفت في «البداية والنهاية» : «الغلابي» وفي «حسن المحاضرة» إلى «العلائي» .
[5] انظر «العبر» (5/ 329- 330) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 310- 311) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 184) و «حسن المحاضرة» (1/ 415) .(7/640)
قال الذهبيّ: كان فقيها، عارفا بالمذهب، يسلك طريقة والده في التحرّي والصّلابة. وكان فيه دين وتعبد، ولديه فضائل. وكان عظيم الهيبة، وافر الجلالة، عديم المزاح، بارّا بالفقهاء، مؤثرا، متصدقا. وكان والده يحترمه ويتبرّك به. درّس بأماكن، وتوفي يوم عاشوراء.
وفيها الأمين [1] الإربلي العدل أبو محمد القاسم بن أبي بكر ابن القاسم بن غنيمة [2] . رحل مع أبيه، وله بضع عشرة سنة، فذكر- وهو صدوق- أنه سمع جميع «صحيح مسلم» من المؤيّد الطّوسي، ورواه بدمشق، فسمعه منه الكبار، وتوفي في جمادى الأولى وله خمس وثمانون سنة.
وفيها ابن سني الدولة، قاضي القضاة، نجم الدّين محمد ابن قاضي القضاة صدر الدّين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدّين يحيى الدمشقي الشافعي [3] .
ولد سنة ست عشرة وستمائة، واشتغل وتقدّم، وناب عن والده، ثم ولي قضاء حلب، ثم ولي قضاء دمشق، ثم عزل بعد سنة بابن خلّكان، ثم سكن مصر مدّة وصودر وتعب، ثم ولي قضاء حلب، ودرّس بالأمينية وغيرها.
وكان يعدّ من كبار الفقهاء العارفين بالمذهب، مع الهيبة والتّحرّي، موصوفا بجودة النّقل، مشهورا بالصّرامة والهمّة العالية. حدّث عن أبي القاسم بن صصرى وغيره، وتوفي في ثامن المحرّم ودفن بقاسيون.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الأمير» وهو خطأ، والتصحيح المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «العبر» (5/ 330) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (383) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 353) .
[3] انظر «العبر» (5/ 330) و «البداية والنهاية» (13/ 297) .(7/641)
وفيها شمس الدّين محمد بن مكتوم البعليّ [1] الفاضل الأديب، توفي شهيدا في وقعة حمص.
ومن شعره:
رام أن يترك الهوى فبدا له ... إذ رأى حسن وجهه قد بدا له
كلّما لمته على الحبّ يزدا ... د ضلالا فخلّه وضلاله
كيف يرجى الشّفاء يوما لصبّ ... لم يحاك السّقام إلّا خياله
ناقص صبره كثير بكاه ... لو رآه عدوّه لرثى له
دنف ظلّه مستهاما ببدر ... عمّه الوجد حين عاين خاله
أنا صب له وإن حال عنّي ... وعبيد له على كلّ حاله
فاق كلّ الورى جمالا وحسنا ... ضاعف الله حسنه وجماله
وفيها ابن المجبّر الكتبيّ شرف الدّين محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي [2] .
ولد سنة عشر وستمائة، وسمع من أبي القاسم بن صصرى وطائفة، ورحل وأكثر عن الأنجب الحمّامي وطبقته، وكتب الكثير بالخطّ الحسن، ولكنه لم يكن ثقة في نقله.
توفي في ذي القعدة، ولم يكن عليه أنس [أهل] الحديث، الله يسامحه. قاله الذّهبي.
وفيها ابن رزين قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدّين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامريّ الحمويّ الشافعي [3] .
__________
[1] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
[2] انظر «العبر» (5/ 331) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الوافي بالوفيات» (2/ 131) .
[3] انظر «العبر» (5/ 331- 332) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (383) و «طبقات الشافعية.(7/642)
ولد سنة ثلاث وستمائة في شعبان بحماة، واشتغل من الصّغر، فحفظ «التنبيه» في صغره، ثم حفظ «الوسيط» و «المفضّل» و «المستصفى» للغزّالي، إلى غير ذلك. وبرع في الفقه، والعربية، والأصول، وشارك في الخلاف [1] ، والمنطق، والكلام، والحديث وفنون العلم. وأفتى وله ثمان عشرة سنة.
وقدم دمشق، فلازم ابن الصّلاح، وقرأ القراءات على السّخاوي، وسمع منهما ومن غيرهما. وأخذ العربية عن ابن يعيش. وكان يفتي بدمشق في أيام ابن الصّلاح، ويؤمّ بدار الحديث، ثم ولي وكالة بيت المال في أيام النّاصر، مع تدريس الشّامية. ثم تحوّل من هولاكو [2] إلى مصر، واشتغل، ودرّس بالظّاهرية، ثم ولي قضاء القضاة فلم يأخذ عليه رزقا تديّنا وورعا، ودرّس بالشّافعي وامتنع من أخذ الجامكيّة، وولي عدّة جهات، وظهرت فضائله الباهرة، وتفقه به عدّة أئمة، وانتفعوا بعلمه، وهديه، وسمته، وورعه، [وممن تخرّج به بدر الدّين بن جماعة. وحدّث عنه الدّمياطيّ والمصريّون، وكان يقصد بالفتاوى من النّواحي] [3] .
وممن نقل عنه الإمام النّووي، وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقاهرة في ثالث رجب.
وفيها الجمال بن الصّابوني الحافظ أبو حامد محمد بن علي بن محمود [4] ، شيخ دار الحديث النّورية.
__________
الكبرى» (8/ 46- 47) و «الوافي بالوفيات» (3/ 18- 19) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 187- 189) .
[1] لفظة «الخلاف» سقطت من «ط» .
[2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» .
[4] انظر «العبر» (5/ 332) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و «مرآة الجنان» (4/ 193) و «النجوم الزاهرة» (7/ 353) و «الدّارس في تاريخ المدارس» (1/ 110- 111) .(7/643)
ولد سنة أربع وستمائة، وسمع من أبي القاسم بن الحرستاني وخلق كثير، وكتب العالي والنّازل، وبالغ، وحصّل الأصول، وجمع، وصنّف، واختلط قبل موته بسنة أو أكثر، وتوفي في نصف ذي القعدة.
وفيها ابن أبي الدّنيّة مسند العراق، شهاب الدّين، أبو سعد، محمد ابن يعقوب بن أبي الفرج البغدادي [1] .
ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة [2] ، وسمع من أبي الفتح المندائي، وضياء بن الخريف، والكبار [3] . وأجاز له ذاكر بن كامل، وابن كليب.
وولي مشيخة المستنصرية إلى أن توفي في ثامن عشر رجب.
وفيها ابن علّان القاضي الجليل شمس الدّين، أبو الغنائم، المسلم بن محمد بن المسلم بن مكّي بن خلف القيسي الدمشقي [4] .
ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع الكثير من حنبل، وابن طبرزد، وابن مندويه، وغيرهم. وأجاز له الخشوعي وجماعة. وكان من سروات النّاس. توفي في ذي الحجّة.
وفيها البدر يوسف بن لؤلؤ [5] ، الشّاعر المشهور.
قال الذهبيّ: كان من كبار شعراء الدولة النّاصرية، ومن الأدباء الظّراف.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 332) و «الوافي بالوفيات» (5/ 228) وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (670) .
[2] لفظة «وخمسمائة» سقطت من «آ» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «والأبار» والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلّف.
[4] انظر «العبر» (5/ 332- 333) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و «النجوم الزاهرة» (7/ 353) .
[5] انظر «العبر» (5/ 333) و «فوات الوفيات» (4/ 368- 383) .(7/644)
من شعره- وقد تكاثرت الأمطار بدمشق-:
إن ألحّ [1] الغيث شهرا هكذا ... جاء بالطّوفان والبحر المحيط
ما هم من قوم نوح يا سما ... أقلعي [عنهم] فهم من قوم لوط
وكتب إلى ابن إسرائيل [2] وكان يهوى غلاما اسمه جارح:
قلبك اليوم طائر ... عنك أم في الجوانح
كيف يرجى خلاصه ... وهو في كفّ جارح
ثم بلغه أنه تركه، فقال:
خلّصت طائر قلبك العاني ترى [3] ... من جارح يغدو به ويروح
ولقد يسرّ خلاصه إن كنت قد ... خلّصته منه وفيه روح
توفي في شعبان، وقد نيّف على سبعين سنة.
وفيها المزّيّ الفقيه، شمس الدّين أبو بكر بن عمر بن يونس الحنفي [4] . روى «البخاري» عن ابن مندويه، والعطّار، و «مسلما» عن ابن الحرستاني، وعاش سبعا وثمانين سنة، وتوفي في شعبان، رحمه الله تعالى.
__________
[1] في «فوات الوفيات» : «إن أقام» ولفظة «عنهم» مستدركة منه.
[2] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (677) ، انظر ص (626) من هذا المجلد.
[3] في «آ» و «ط» : «الذي» والتصحيح من «فوات الوفيات» .
[4] انظر «العبر» (5/ 333) .(7/645)
سنة إحدى وثمانين وستمائة
فيها وصلت رسل أحمد بن هولاكو [1] بأنه استقرّ في المملكة إلى بغداد عوض أخيه، وأمر ببناء المساجد والجوامع وإقامة الشّرع الشّريف على ما كان في زمن الخلفاء، ووصلت رسله إلى الشام وإلى مصر [2] . وكان منهم الشيخ قطب الدّين الشّيرازي.
وفيها كان بدمشق الحريق العظيم الذي لم يسمع بمثله، أقامت النّار ثلاثة أيام ليلا ونهارا. وكان مبدؤه من الذّهبيين. وذهب للنّاس شيء كثير، ولكن لم يحترق فيه أحد من الناس. ومن جملة ما ذهب فيه [3] للشيخ شمس الدّين الكتبي، عرف بالفاشوشة خمسة عشر ألف مجلد.
وحكى السيد جمال الدّين بن السّراج البصرويّ، قال: بتنا [4] في الجامع، وإذا الهواء ألقى ورقة من الحريق، مكتوب فيها:
سلم الأمر راضيا ... جفّ بالكائن القلم
ليس في الرّزق حيلة ... إنّما الرّزق في القسم
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] في «آ» و «ط» : «ومصر» .
[3] لفظة «فيه» سقطت من «ط» .
[4] تصحفت في «ط» إلى «تبنا» .(7/646)
جلّ من يرزق الضّعي ... ف وهو لحم على وضم
إنّ للخلق خالقا ... لا مردّ لما حكم
وفيها توفي [1] الأمين الأشتري الإمام أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الجبّار ابن طلحة بن عمر بن الأشتري الشّافعي الحلبي ثم الدّمشقي [2] .
ولد في شوال سنة خمس عشرة وستمائة، وسمع من أبي محمد بن علوان، والقزويني، وابن روزبه وخلق، وكان بصيرا بالمذهب، ورعا، صالحا. جمع بين العلم والعمل، والإنابة، والديانة التّامة، بحيث إن الشيخ محيي الدّين النّووي كان إذا جاءه شابّ يقرأ عليه، يرشده القراءة على المذكور، لعلمه بدينه وعفّته.
قال المزّيّ: كان ممن يظنّ به أنه لا يحسن أن يعصي الله تعالى.
وقال الذهبي: كان بارز العدالة، كبير القدر، مقبلا على شأنه، سرد الصّوم أربعين سنة. توفي فجأة بدمشق في ربيع الأول.
وفيها ابن خلّكان، قاضي القضاة، شمس الدّين أبو العبّاس، أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان البرمكيّ الإربليّ الشّافعيّ [3] .
ولد بإربل سنة ثمان وستمائة، وسمع «البخاري» من ابن مكرم، وأجاز
__________
[1] لفظة «توفي» سقطت من «آ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 334) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 454) و «البداية والنهاية» (13/ 300) .
[3] انظر «العبر» (5/ 334) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «الوافي بالوفيات» (7/ 308- 316) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 496- 497) و «البداية والنهاية» (13/ 301) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 212- 215) .(7/647)
له المؤيّد الطّوسي وجماعة، وتفقه بالموصل على كمال الدّين بن يونس، وبالشّام على ابن شدّاد، ولقي كبار العلماء، وبرع في الفضائل والآداب، وسكن مصر مدّة، وناب في القضاء، ثم ولي قضاء الشام عشر سنين، وعزل بابن الصّايغ سنة تسع وستين، فأقام سبع سنين معزولا بمصر، ثم ردّ إلى قضاء الشام، ثم عزل ثانيا في أول سنة ثمانين، واستمر معزولا وبيده الأمينية والنّجيبية.
قال الشيخ تاج الدّين الفزاري في «تاريخه» : كان قد جمع حسن الصّورة، وفصاحة المنطق، وغزارة الفضل، وثبات الجأش، ونزاهة النّفس.
وقال الذّهبيّ: كان إماما، فاضلا، متقنا، عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، علّامة في الأدب، والشعر، وأيّام الناس، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، وافر الحرمة، من سروات النّاس، كريما، جوادا، ممدّحا. وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان [1] . انتهى.
ولله درّ القائل:
ما زلت تلهج بالأموات تكتبها ... حتّى [2] رأيتك في الأموات مكتوبا
ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة.
حكي أنه جاءه إنسان فحدّثه في أذنه، أن عدلين في مكان يشربان الخمر، فقام من مجلسه ودعا برجل، وقال: اذهب إلى مكان كذا، وأمر من فيه بإصلاح أمرهما وإزالة ما عندهما، ثم عاد فجلس مكانه إلى أن علم أن نقيبه قد حضر، فدعا بذلك الرجل، وقال: أنا أبعث معك النّقيب فإن كنت
__________
[1] وهو المعروف ب «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» وهو مطبوع عدة طبعات أفضلها الصادرة عن دار صادر ببيروت في ثمانية مجلدات بتحقيق الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس، وهي طبعة جيدة مفهرسة.
[2] في «ط» : «فقد» .(7/648)
صادقا ضربتهما الحدّ، وإن كنت كاذبا أشهرتك وقطعت لسانك، وجهّز النّقيب معه، فلم يجدوا غير صاحب البيت وليس عنده شيء من ذلك، فأحضر الدّرّة وهدّده، فشفع النّقيب فيه، فقبل شفاعته، ثم أحضر له مصحفا وحلّفه أن لا يعود يقذف عرض مسلم.
وله النظم الفائق، فمنه قوله [1] :
يا سادتي إنّي قنعت وحقّكم ... في حبّكم منكم بأيسر مطلب
إن لم تجودوا بالوصال تعطّفا ... وقصدتم هجري وفرط تجنّبي
لا تحرموا عيني القريحة أن ترى ... يوم الخميس جمالكم في الموكب
قسما بوجدي في الهوى وتحرّقي ... وتحيّري وتلهّفي وتلهّبي
لو قلت لي جد لي بروحك لم أقف ... فيما أمرت وإن شككت فجرّب
وحياة وجهك وهو بدر طالع ... وبياض غرّتك التي كالغيهب
وبقامة لك كالقضيب ركبت من ... أخطارها في الحبّ أصعب مركب
لو لم أكن في رتبة أرعى لها ال ... عهد القديم صيانة للمنصب
لهتكت ستري في هواك ولذّ لي ... خلع العذار ولجّ فيك مؤنّبي
لكن خشيت بأن تقول عواذلي ... قد جنّ هذا الشيخ في هذا الصّبي
وله في ملاح يسبحون [2] :
وسرب ظباء في غدير تخالهم ... بدورا بأفق الماء تبدو وتغرب
يقول خليلي والغرام مصاحبي ... أما لك عن [3] هذي الصّبابة مذهب
وفي دمك المطلول خاضوا كما ترى ... فقلت له: دعهم يخوضوا ويلعبوا
__________
[1] الأبيات في «الوافي بالوفيات» (7/ 312) و «فوات الوفيات» (1/ 112- 113) مع بعض الخلاف.
[2] الأبيات في «الوافي بالوفيات» (7/ 313) و «فوات الوفيات» (1/ 114) .
[3] في «آ» : «في» .(7/649)
وتوفي- رحمه الله تعالى- في رجب، ودفن بالصّالحية.
قال ابن شهبة قال الإسنوي: خلّكان: قرية [من عمل إربل] كذا قال وهو وهم [1] وإنما هو اسم لبعض أجداده. انتهى.
وقال الإسنويّ في «طبقاته» : هو صاحب «التاريخ» المعروف، وهو ولد الشّهاب محمد [2] ، بيته كما ترى من أجلّ البيوت، ولكن تلعّب الدّهر بناره [3] ما بين لهيب وخبوت، وتلعّب بتذكاره، ما بين ظهور وخفوت، وقد أوضح هو حاله في «تاريخه» مفرقا. انتهى ملخصا.
وفيها البرهان بن الدّرجي أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي الحنفي [3] . إمام مدرسة الكشك. روى عن الكندي، وأبي الفتوح البكري، وأجاز له أبو جعفر الصّيدلاني وطائفة، وروى «المعجم الكبير» للطبراني، وتوفي في صفر.
__________
[1] ما بين الحاصرتين زيادة من «طبقات الشافعية» للإسنوي قلت: وعلّق محقّقه الدكتور عبد الله الجبّوري بقوله: أقول: وما زالت هذه القرية التي يقترن باسمها اسم المؤرخ العظيم قاضي القضاة ابن خلّكان إلى الآن، وهي كذلك قرية، وتقع في (جناران) - مرزا- رستم، التابعة إلى قضاء رانية، من محافظة السليمانية في شمال العراق. أفادنيه الأخوان الصديقان: العميد الأستاذ الفاضل عبد الرحمن التكريتي، والأستاذ صادق التكريتي قائم مقام قضاء بغداد. انتهى.
قلت: وسألت عن ذلك صديقي الأديب الدكتور خالد قوطرش الكرديّ- وهو ممن يتقن الكردية ويلم بالفارسية- فقال: يقال بأن «ابن خلكان» ينسب إلى قرية «خلكان» بفتح الخاء وسكون اللام وفتح الكاف، قرية تقع الآن في شمال العراق، وعليه فإن الصواب أن يقال «ابن خلكان» . ويقال أيضا: بأنه حين سئل عن نسبه، قال: خلّ كان، يعني اسأل عن الرجل ودعك من السؤال عن آبائه وأجداده. انتهى كلامه.
[2] هو محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان. مات سنة (610) هـ. ترجم له الإسنويّ في «طبقاته» (1/ 496) .
[3] انظر «العبر» (5/ 335) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «البداية والنهاية» (13/ 300) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 556- 557) .(7/650)
وفيها ابن المليجي [1] مسند القرّاء بالدّيار المصرية فخر الدّين أبو الطّاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي المقرئ المعدّل.
ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة [2] ، وقرأ القراءات على أبي الجود [3] ، فكان آخر من قرأ عليه وفاة، وسمع الحديث من أبي عبد الله بن البنّا وغيره، وتوفي في رمضان.
وفيها الشيخ عبد الله كتيلة بن أبي بكر الحربي الفقير [4] الصّوفي [5] ، بقية شيوخ العراق. كان صاحب أحوال وكرامات، وله أتباع وأصحاب.
تفقه، وسمع الحديث، وصحب الشيوخ، ومات في عشر الثمانين وكان حنبليّا [6] .
قال ابن رجب: ولد سنة خمس وستمائة، وسمع الحديث بدمشق من الحافظ الضّياء المقدسي، وسليمان الأسعردي، وأجاز له الشيخ موفق الدّين [7] ، وتفقه في المذهب ببغداد على القاضي أبي صالح، وبحرّان على مجد الدّين بن تيمية، وابن تميم صاحب «المختصر» ، وبدمشق على
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «المليحي» بالحاء المهملة، والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 663) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «غاية النهاية» (1/ 169) و «النجوم الزاهرة» (7/ 356) .
[2] لفظة «وخمسمائة» لم ترد في «آ» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النجود» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 589) و «غاية النهاية» (1/ 169) .
[4] تحرفت في «آ» إلى «الفقيه» .
[5] انظر «العبر» (5/ 335) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 301- 302) .
[6] قوله: «وكان حنبليا» لم يرد في «ط» وورد مكانه لفظة «الحنبلي» عقب لفظة «الصّوفي» في صدر الترجمة.
[7] يعني ابن قدامة المقدسي.(7/651)
الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر وغيره، وبمصر على أبي عبد الله بن حمدان، ونقل عنهم فوائد، وشرح «كتاب الخرقي» وسمّاه «المهمّ» . وله تصانيف أخر، منها مجلد في أصول الدّين، سماه «العدّة للشدّة» ومصنّف في السّماع، وحدّث، وسمع منه عبد الرزاق بن الفوطي وغيره، وكان قدوة، زاهدا، عابدا، ذا أحوال وكرامات.
وقال الذهبي: كان مع جلالته، يترنّم ويغني لنفسه في بعض الأوقات.
وكان فيه كيس وظرف وبشاشة. توفي- رحمه الله- يوم الجمعة منتصف رمضان ببغداد.
وفيها جلال الدّين أبو محمد عبد الجبّار بن عبد الخالق بن محمد بن نصر الزّاهد الفقيه الحنبلي المفسّر الأصوليّ الواعظ [1] .
ولد سنة تسع [2] عشر وستمائة ببغداد، وسمع من ابن المنيّ وغيره، واشتغل بالفقه، والأصول، والتفسير، والوعظ، والطبّ، وبرع في ذلك. وله النّظم والنّثر، والتصانيف الكثيرة، منها «تفسير القرآن» في ثمان مجلدات، ولم يزل على ذلك إلى واقعة بغداد، فأسر، واشتراه بدر الدّين صاحب الموصل، فحمله إلى الموصل فوعظ بها، ثم حدّره إلى بغداد، فاستمر بها صدرا إلى أن توفي في يوم الاثنين سابع عشري شعبان، وكان له يوم مشهود.
وفيها الشيخ زين الدّين الزّواوي الإمام أبو محمد عبد السّلام بن علي بن عمر بن سيّد النّاس المالكي القاضي المقرئ [3] ، شيخ المقرئين.
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (18/ 47) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 300- 301) و «طبقات المفسرين» للداودي (1/ 258- 259) .
[2] لفظة «تسع» لم ترد في «ط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 335- 336) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 676- 677) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «غاية النهاية» (1/ 386- 387) .(7/652)
ولد ببجاية سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وقرأ القراءات بالإسكندرية على ابن عيسى، وبدمشق على السّخاوي، وبرع في الفقه، وعلوم القرآن، والزّهد، والإخلاص، وولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصّالح اثنتين وعشرين سنة، وقرأ عليه عدد كثير، وولي القضاء تسعة أعوام، ثم عزل نفسه يوم موت رفيقه القاضي شمس الدّين بن عطاء، واستمر على التدريس والإقراء إلى أن توفي في رجب.
وفيها البرهان المراغي أبو الثّناء محمود بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد العلّامة برهان الدّين الشافعي [1] الأصولي [2] .
ولد سنة خمس وستمائة، وحدّث عن أبي القاسم بن رواحة، وكان مع سعة فضائله وبراعته في العلوم، صالحا، متعبّدا، متعفّفا، عرض عليه القضاء ومشيخة الشيوخ فامتنع، ودرّس مدّة بالفلكية، وأفتى، واشتغل بالجامع مدّة طويلة. وحدّث عنه المزّيّ، والبرزاليّ، وابن العطّار، وجماعة.
وكان شيخا، طوالا، حسن الوجه، مهيبا، متصوفا، لطيف الأخلاق، كريم الشّمائل، مكمّل الأدوات. وكان عليه وعلى الشيخ تاج الدّين مدار الفتوى بدمشق. توفي في ربيع الآخر، ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها أبو المرهف المقداد بن أبي القاسم هبة الله بن علي بن المقداد الإمام نجيب الدّين القيسيّ الشافعي [3] .
ولد سنة ستمائة ببغداد، وسمع بها من ابن الأخضر، وأحمد بن
__________
[1] في «ط» : «الشافعي العلّامة» .
[2] انظر «العبر» (5/ 336) و «البداية والنهاية» (13/ 300) و «النجوم الزاهرة» (7/ 356) .
[3] انظر «العبر» (5/ 336- 337) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 262- 263) و «النجوم الزاهرة» (7/ 356) .(7/653)
الدّبيثي، وبمكّة من ابن الحصري، وابن البنّا، وروى الكثير. وكان عدلا، خيّرا، تاجرا. توفي في ثامن شعبان بدمشق.
وفيها منكوتمر أخو أبغا بن هولاكو [1] المغلي [2] طاغية التتار. كان نصرانيا، جرح يوم المصافّ على حمص، وحصل له ألم، وغمّ بالكسرة، فاعتراه فيما قيل صرع متدارك كما اعترى أباه، فهلك في أوائل المحرّم في قرية [3] من جزيرة ابن عمر، وله ثلاثون سنة. وكان شجاعا جريئا مهيبا.
وفيها جمال الدّين أبو إسحاق يوسف بن جامع بن أبي البركات البغدادي القفصي [4] الضرير المقرئ النحوي الحنبلي الفرضي.
ولد سابع رجب سنة ست وستمائة بالقفص [5] من أعمال بغداد. وقرأ القرآن بالروايات على أبي عبد الله محمد بن سالم صاحب البطائحي وغيره، وسمع الحديث من عمر بن عبد العزيز بن النّاقد، وأخته تاج النّساء عجيبة.
وأجاز له ابن منينا وغيره، وبرع في العربية، والقراءات، والفرائض، وغير ذلك. وانتفع الناس به في هذه العلوم، وصنّف فيها التصانيف الحسنة.
قال إبراهيم الجعبري: هو جمّاعة لعلوم القرآن، قرأت عليه كتبا كثيرة في ذلك.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] في «آ» : «المضل» .
[3] في «آ» و «ط» : «بقوجه» والتصحيح من «العبر» وهامش «ط» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القصصي» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 683) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 304) و «غاية النهاية» (2/ 394) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بالقصص» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «معجم البلدان» (4/ 382) .(7/654)
وقال الذهبي: كان مقرئ بغداد، عارفا باللغة، والنّحو، بصيرا بعلل القراءات، متصديا لإقرائها. دخل دمشق، ومصر، وسمع من شيوخهما. جمّ الفضائل لا يتقدمه أحد في زمانه في الإقراء. توفي يوم الجمعة تاسع عشري صفر ببغداد، ودفن بباب حرب.(7/655)
سنة اثنتين وثمانين وستمائة
فيها توفي إسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني ثم الصّالحي [1] في ذي القعدة، وله ست وثمانون سنة. سمع من حنبل، وابن طبرزد، والكبار.
وكان أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب.
وفيها أمير آل مرى أحمد بن حجّي [2] . كان يدّعي أنه من نسل البرامكة، وأنه ابن عمّ قاضي القضاة شمس الدّين بن خلّكان. وكانت سراياه تصل إلى أقصى نجد، وأهل الحجاز يؤدّون له الخفر.
وفيها شهاب الدّين أبو المحاسن وأبو أحمد عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيميّة الحرّاني [3] ، نزيل دمشق، الحنبلي ابن المجد، وأبو شيخ الإسلام تقي الدّين.
ولد سنة سبع وعشرين وستمائة بحرّان، وسمع من والده وغيره، ورحل في صغره إلى حلب، فسمع بها من ابن اللّتي، وابن رواحة، ويوسف بن خليل، ويعيش النّحوي، وغيرهم. وتفقه بوالده، وتفنّن في الفضائل.
قال الذهبي: قرأ المذهب حتّى أتقنه على والده، ودرّس، وأفتى،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 337) و «القلائد الجوهرية» (2/ 420) .
[2] نظر «الوافي بالوفيات» (6/ 304- 305) و «المنهل الصافي» (1/ 261- 262) .
[3] انظر «العبر» (5/ 338) و «الوافي بالوفيات» (18/ 69) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 310- 311) .(7/656)
وصنّف، وصار شيخ البلد بعد أبيه، وخطيبه، وحاكمه. وكان إماما محقّقا، كثير الفنون. له يد طولى في الفرائض، والحساب، والهيئة، ديّنا، متواضعا، حسن الأخلاق، جوادا، من حسنات العصر. تفقه عليه ولداه أبو العبّاس [1] وأبو محمد، وحدّثنا عنه على المنبر ولده، وكان قدومه إلى دمشق بأهله وأقاربه، مهاجرا سنة سبع وستين، وكان من أنجم الهدى، وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس، يشير إلى أبيه وابنه.
وقال البرزالي: كان من أعيان الحنابلة، باشر بدمشق مشيخة دار الحديث السّكّرية بالقصّاعين، وبها كان يسكن، وكان له كرسيّ بالجامع يتكلم عليه أيام الجمع من حفظه، ولما توفي خلفه فيهما ولده أبو العبّاس [1] ، وله تعاليق وفوائد، ومصنّف في علوم عدّة. توفي ليلة الأحد سلخ ذي الحجّة، ودفن من الغد، يقال بسفح قاسيون.
وفيها الجمال الجزائري أبو محمد عبد الله بن يحيى الغسّاني [2] ، المحدّث، نزيل دمشق. روى عن أبي الخطّاب ابن دحية، والسّخاوي وخلق، وكتب الكثير، وصار من أعيان الطّلبة، مع العبادة والتواضع. توفي في شوال.
وفيها شيخ الإسلام وبقية الأعلام شمس الدّين أبو الفرج وأبو محمد عبد الرحمن ابن القدوة الزّاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثمّ الصّالحي الحنبلي [3] .
__________
[1] يعني شيخ الإسلام.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العتابي» والتصحيح من «العبر» (5/ 338) و «الوافي بالوفيات» (17/ 671) .
[3] انظر «العبر» (5/ 338- 339) و «الوافي بالوفيات» (18/ 240- 244) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 304- 310) .(7/657)
ولد في أول شوال، وقيل: في المحرم، سنة سبع وتسعين وخمسمائة بدير والده بسفح قاسيون، وسمع من أبيه وعمّه الشيخ موفق الدّين، ومن ابن طبرزد، وحنبل، وأبي اليمن الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني، وابن ملاعب، وجماعة مستكثرة، وأجاز له الصّيدلاني، وابن الجوزي، وجماعة، وسمع من أصحاب السّلفي، وعني بالحديث، وكتب بخطّه الأجزاء والطّباق، وتفقّه على عمّه شيخ الإسلام الموفق، وشرح كتاب عمّه «المقنع» في عشر مجلدات ضخمة، وأخذ الأصول عن السّيف الآمدي، ودرّس، وأفتى، وأقرأ العلم زمانا طويلا، وانتفع به الناس، وانتهت إليه رئاسة المذهب في عصره بل رئاسة العلم في زمانه، وكان معظّما عند الخاص والعام، عظيم الهيبة لدى الملوك وغيرهم، كثير الفضائل والمحاسن، متين الدّيانة والورع، وقد جمع المحدّث إسماعيل بن الخبّاز ترجمته وأخباره في مائة وخمسين جزءا.
قال الحافظ الذهبي: ما رأيت سيرة عالم أطول منها أبدا.
وقال الذهبي أيضا في «معجم شيوخه» [1] في ترجمة الشيخ شمس الدّين: شيخ الحنابلة، بل شيخ الإسلام، وفقيه الشام وقدوة العباد وفريد وقته ومن اجتمعت الألسن على مدحه والثّناء عليه، حدّث نحوا من ستين سنة، وكتب عنه أبو الفتح بن الحاجب، وقال: سألت عنه الحافظ الضياء فقال: إمام عالم خيّر. قال الذهبي: وكان الشيخ محيي الدّين النّواوي يقول:
هو أجلّ شيوخي.
وأول ما ولي مشيخة دار الحديث سنة خمس وستين وستمائة. حدّث عنه بها في حياته [2] .
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (1/ 375- 376) .
[2] قوله «في حياته» سقط من «ط» .(7/658)
وقال ابن رجب: روى عنه [الشيخ] محيي الدّين النّووي في كتاب «الرّخصة في القيام» [1] له، فقال: أنبأ الشيخ الإمام المتفق على إمامته وفضله وجلالته، القاضي أبو محمد عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام العالم العامل الزّاهد أبي عمر المقدسي، رضي الله عنه.
وقال الذهبي: وروى عنه أيضا الشيخ زين الدّين أحمد بن عبد الدّائم وهو أكبر منه وأسند. وذكره في «تاريخه الكبير» وأطال ترجمته، وذكر فضائله، وعباداته، وأوراده، وكرمه، ونفعه العام، وأنّه حجّ ثلاث مرّات، وكان آخرها قد رأى النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في المنام يطلبه، فحجّ ذلك العام، وحضر الفتوحات، وأنه كان رقيق القلب، سريع الدّمعة، [كريم النّفس] ، كثير الذّكر لله، والقيام بالليل، محافظا على صلاة الضّحى، ويصلي بين العشاءين ما تيسّر، ويؤثر بما يأتيه من صلات [2] الملوك وغيرهم. وكان متواضعا عند العامّة، مترفّعا عند الملوك، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والمحدّثين، وأهل الدّين، وأوقع الله محبته في قلوب الخلق. وكان كثير الاهتمام بأمور النّاس، لا يكاد يعلم بمريض إلّا افتقده، ولا مات أحد من أهل الجبل إلا شيّعه.
وذكر فخر الدّين البعلبكي، أنه منذ عرفه ما رآه غضب، وعرفه نحو خمسين سنة.
وقد ولي القضاء مدّة تزيد على اثنتي عشرة سنة، على كره منه، ولم يتناول عليه معلوما، ثم عزل نفسه في آخر عمره، وبقي قضاء الحنابلة شاغرا [مدّة] ، حتى ولي ولده نجم الدّين في آخر حياة الشيخ. وكان الشيخ ينزل [3] في ولايته الحكم على بهيمة إلى البلد.
__________
[1] ص (34) طبع دار الفكر بدمشق بتحقيق الأستاذ الفاضل أحمد راتب حمّوش.
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «من صلة» .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «نزل» .(7/659)
وقد ذكر أبو شامة في «ذيله» : ولاية الشيخ سنة أربع وستين، قال: جاء من مصر ثلاثة عهود بقضاء القضاة لثلاثة: ابن عطاء، والزّواوي، وابن أبي عمر. فلم يقبل المالكي، والحنبلي، وقبل الحنفي. ثم ورد الأمر بإلزامهما بذلك، وقيل: إن لم يقبلاها وإلّا يؤخذ ما بأيديهما من الأوقاف، ففعلا من أخذ جامكية، وقالا: نحن في كفاية، فأعفيا منها.
وبقي بعد عزل نفسه متوفّرا على العبادة والتدريس، وإشغال [1] الطلبة، والتصنيف.
وكان أوحد زمانه في تعدّد الفضائل، والتّفرّد بالمحامد، ولم يكن له نظير في خلقه ورياضته، وما هو عليه. وانتفع به خلق كثير.
وممن أخذ عنه العلم، الشيخ تقي الدّين ابن تيمية، والشيخ مجد الدّين إسماعيل بن محمد الحرّاني. وكان يقول: ما رأيت بعيني مثله.
وروى عنه خلق كثير من الأئمة والحفّاظ، منهم: الشيخ تقي الدّين بن تيمية، وأبو محمد الحارثي، وأبو الحسن بن العطّار، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم.
وتوفي- رحمه الله- ليلة الثلاثاء، سلخ ربيع الآخر، ودفن من الغد عند والده بسفح قاسيون، وكانت جنازته مشهودة، حضرها أمم لا يحصون، ويقال: إنه لم يسمع بمثلها من دهر طويل.
قال الذهبي: رأيت وفاة الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر بخط شيخنا شيخ الإسلام ابن تيميّة، فمن ذلك:
توفي شيخنا الإمام سيّد أهل الإسلام في زمانه، وقطب فلك الأيام في
__________
[1] في «آ» : «واشتغال» وهو خطأ.(7/660)
أوانه، وحيد الزّمان حقّا حقّا، وفريد العصر صدقا صدقا، الجامع لأنواع المحاسن والمعالي، [والمعافى] البريء عن جميع النقائص والمساوي، القارن بين خلّتي العلم والحلم، والحسب والنّسب، والعقل والفضل، والخلق والخلق، ذو الأخلاق الزّكية والأعمال المرضية، مع سلامة الصّدر والطبع، واللّطف والرّفق، وحسن النّيّة، وطيب الطّويّة، حتى إن كان المتعنّت ليطلب [1] له عيبا فيعوزه، إلى أن قال: وبكت عليه العيون بأسرها، وعمّ مصابه جميع الطوائف، وسائر الفرق، فأيّ دمع ما سجم، وأيّ أصل ما جذم، وأيّ ركن ما هدم، وأيّ فضل ما عدم؟ يا له من خطب ما أعظمه، [وأجل ما أقدره] ومصاب ما أفخمه [2] .
وبالجملة فقد كان الشيخ أوحد العصر في أنواع الفضائل، [بل] هذا حكم مسلّم من جميع الطوائف. وكان مصابه أجلّ من أن تحيط به العبارة، فرحمه الله، ورضي عنه، وأسكنه بحبوحة جنّته، ونفعنا بمحبته، إنه جواد كريم. انتهى.
وفيها العماد الموصلي أبو الحسن علي بن يعقوب بن أبي زهران المقرئ الشافعي [3] أحد من انتهت إليه رئاسة الإقراء. قرأ على ابن وثيق وغيره، وكان فصيحا مفوّها، وفقيها مناظرا. تكرر على «الوجيز» [4] للغزّالي، وتوفي في صفر وله إحدى وستون سنة.
وفيها ابن أبي عصرون محيي الدّين أبو الخطّاب عمر بن محمد بن القاضي أبي سعد عبد الله بن محمد التّميميّ الدّمشقي الشافعي [5] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «يطلب» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف، وهو أصح.
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ما أقحمه وأكبر ذكره» .
[3] انظر «العبر» (5/ 339) و «مرآة الجنان» (4/ 198) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 360) .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «مرآة الجنان» : «الوجيز» وفي «العبر» بطبعتيه: «الوجيه» .
[5] انظر «العبر» (5/ 339- 340) و «النجوم الزاهرة» (7/ 360) .(7/661)
سمع في الخامسة من عمره من ابن طبرزد، وسمع من الكندي وغيره، وتعانى الجنديّة، ودرّس بمدرسة جدّه بدمشق، وتوفي فجأة في ذي القعدة.
وفيها المقدسي المفتي شمس الدّين محمد بن أحمد بن نعمة الشّافعي [1] ، مدرس الشامية. ولي نيابة القضاء عن ابن الصائغ، وكان بارعا في المذهب، متين الدّيانة، خيّرا، ورعا.
توفي في ثاني عشر ذي القعدة، قاله في «العبر» .
وقال الإسنويّ في «طبقات الشافعية» : أبو العبّاس، أحمد الملقّب شرف الدّين [2] كان إماما في الفقه، والأصول، والعربية، والنّظر. حادّ الذّهن، ديّنا، متنسّكا، متواضعا، حسن الأخلاق والاعتقاد، لطيف الشّمائل، طويل الرّوح على الاشتغال، يكتب الخطّ الفائق المنسوب. انتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ تاج الدّين بن الفركاح، وتخرّج به جماعة، وصنّف في الأصول تصنيفا جيدا، ودرّس بالشّامية البرّانية والغزّالية. وتولى مشيخة دار الحديث النّوريّة، وخطابة الجامع، وناب في الحكم عن ابن الجويني [3] ، وكان نظيره في العلوم.
توفي في رمضان، سنة أربع وتسعين وستمائة، وقد نيّف على السبعين.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 340) وفي «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 457- 458) و «النجوم الزاهرة» (7/ 360) .
[2] تنبيه: وهم المؤلّف رحمه الله فأورد ترجمة أخ المترجم «شرف الدّين أحمد» من كتاب «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 456- 457) وقد سبقت عينه إليها بأمر انشغل فيه، وهو من وفيات سنة (694) ثم كرر ذكر أخيه «شمس الدّين محمد» عقب ذلك كما ترى ناقلا ذلك عن الإسنوي أيضا الذي جعل ترجمة «شمس الدّين» مسبوقة بترجمة «شرف الدّين» .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الخويني» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» .(7/662)
وأما أخوه، فهو شمس الدّين محمد [1] تفقّه، وبرع في المذهب، وكان ممن جمع بين العلم والدّين المتين، اشترك هو والقاضي عز الدّين ابن الصائغ في الشامية البرّانية، ثم استقلّ بها عند تولية ابن الصّايغ وكالة بيت المال، وناب في الحكم عن ابن الصّائغ. وسمع، وحدّث، وتوفي ثاني عشر ذي القعدة، سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وقد جاوز الخمسين. انتهى كلام الإسنوي.
وفيها ابن الحرستاني خطيب دمشق، محيي الدّين أبو حامد محمد بن الخطيب عماد الدّين عبد الكريم بن القاضي أبي القاسم عبد الصّمد بن الحرستاني الأنصاري الشافعي الخزرجي [2] .
ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من ابن صصرى وغيره، ودرّس، وأفتى، وأشغل. وكان قويّ المشاركة في العلوم، على خطابته طلاوة وروح.
قال ابن كثير: كان صيّنا، ديّنا، فقيها، نبيها، فاضلا، شاعرا، مجيدا، بارعا، ملازما منزله، فيه عبادة وتنسّك وانقطاع. طيّب الصّوت في الخطبة، عليه روح بسبب تقواه.
توفي في جمادى الآخرة ودفن بالصّالحية. انتهى.
وفيها ابن القوّاس شرف الدّين محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطّائي الدمشقي [3] .
__________
[1] سبق أن نبهت إلى أن ما أورده المؤلّف من الكلام هنا عن «شمس الدّين محمد» حقه أن مكان الكلام الذي قدمه عن أخيه «شرف الدّين أحمد» . انظر التعليق رقم (2) ص (662) .
[2] انظر «العبر» (5/ 340- 341) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 256- 257) .
[3] انظر «العبر» (5/ 341) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .(7/663)
ولد سنة اثنتين وستمائة، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني، والخضر بن كامل، وكان شيخا متميّزا، حسن الدّيانة.
توفي في ربيع الآخر.
وفيها العماد بن الشّيرازي، القاضي الرئيس، أبو الفضل، محمد ابن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي [1] ، صاحب الخط المنسوب.
ولد سنة خمس وستمائة، وسمع من ابن الحرستاني، وداود بن ملاعب. وكتب على الوليّ، وانتهت إليه رئاسة التجويد، مع الحشمة والوقار.
وتوفي في ثامن عشر صفر، وكان مرضه أربعة أيام.
وفيها الحافظ ابن جعوان- بالجيم والواو، وبينهما مهملة- محمد بن محمد بن عبّاس بن أبي بكر بن جعوان بن عبد الله الأنصاري الدمشقي الشافعي [2] .
كان إماما، حافظا، متقنا، نحويا. توفي قبيل الكهولة، ولم يبلغ من التّسمّع مأموله. قاله ابن ناصر الدّين [3] .
وفيها الرّشيد العامري محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان الدمشقي [4] . سمع «دلائل النّبوة» و «صحيح مسلم» من ابن الحرستاني، و «جزء» الأنصاري من الكندي، وتوفي في ذي الحجّة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 341) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .
[2] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1491- 1492) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 380) و «النجوم الزاهرة» (7/ 360) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (184/ آ) .
[4] انظر «العبر» (5/ 341) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .(7/664)
وفيها المحيي بن القلانسي الصّدر الأوحد أبو الفضل يحيى بن علي بن محمد بن سعد التّميميّ الدمشقي [1] .
ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من الموفّق [2] ، وابن البنّ، وطائفة. وتوفي في شوال.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 342) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .
[2] في «آ» و «ط» : «وسمع من ابن الموفق» .(7/665)
سنة ثلاث وثمانين وستمائة
في شعبان كانت الزّيادة الهائلة بدمشق باللّيل، وكان عسكر المصريين [نزّالا] [1] بالوادي، فذهب لهم ما لا يوصف، وخربت البيوت، وانطمّت الأنهار، وكسر الماء أقفال باب الفراديس، ودخل حتّى وصل إلى مدرسة المقدّمية، وكسر جسر باب الفراديس.
وفيها توفي ابن المنيّر العلّامة ناصر الدّين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي الإسكندراني المالكي [2] ، قاضي الإسكندرية وفاضلها المشهور.
ولد سنة عشرين وستمائة، وبرع في الفقه، والأصول، والنّظر، والعربية، والبلاغة، وصنّف التصانيف، وتوفي في أول ربيع الأول.
وفيها الملك أحمد بن هولاكو [3] المغلي. ولي السّلطنة بعد أخيه أبغا. أسلم وهو صبي، ويسّر له قرين صالح، وهو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا، وسعى في الصلح. مات وله بضع وعشرون سنة. وكان قليل الشّرّ مائلا إلى الخير.
ومات أيضا عبد الرّحمن في الاعتقال بقلعة دمشق بعده.
__________
[1] مستدركة من «العبر» (5/ 242) .
[2] انظر «العبر» (5/ 342) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 363- 364) و «حسن المحاضرة» (1/ 316- 317) .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .(7/666)
وفيها ابن البارزي قاضي حماة، وابن قاضيها، وأبو قاضيها، الإمام نجم الدّين عبد الرّحيم بن إبراهيم ابن هبة الله الجهني الشّافعي [1] .
ولد بحماة سنة ثمان وستمائة، وسمع من موسى بن عبد القادر، وكان بصيرا بالفقه والأصول والكلام، له ديانة متينة وصدق وتواضع وشعر بديع.
منه:
إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا ... فلا أضلعي تهدا ولا أدمعي ترقا
وإن ناح فوق البان ورق حمائم ... سحيرا فنوحي في الدّجى علّم الورقا
فرقّوا لقلب في ضرام غرامه ... حريق وأجفان بأدمعها غرقى
سميريّ من سعد خذا نحو أرضهم ... يمينا ولا تستبعدا نحوها الطّرقا
وعوجا على أفق توشّح شيحه ... بطيب الشّذا المسكي [2] أكرم به أفقا
فإنّ به المغني الذي بترابه ... وذكراه يستشفى لقلبي ويسترقى
ومن دونه عرب يرون نفوس من ... يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا
بأيديهم بيض بها الموت أحمر ... وسمر لدى هيجائهم تحمل الزّرقا
وقولا محبا للشآم [3] غدا لقى ... لفرقة قلب بالحجاز غدا ملقى
تعلّقكم في عنفوان شبابه ... ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى
وكان يمنّي النّفس بالقرب فاغتدى ... بلا أمل إذ لا يؤمّل أن يبقى
عليكم سلام الله أمّا ودادكم ... فباق وأمّا البعد عنكم فما أبقى [4]
توفي في تبوك في ذي القعدة، فحمل إلى المدينة المنوّرة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 343) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «فوات الوفيات» (2/ 306- 308) و «النجوم الزاهرة» (7/ 364) .
[2] في «آ» و «ط» : «المكي» والتصحيح من «فوات الوفيات» .
[3] في «فوات الوفيات» : «محبّ بالشآم» .
[4] هذا البيت لم يرد في «فوات الوفيات» .(7/667)
وفيها علاء الدّين صاحب الديوان عطاء مالك بن الصّاحب بهاء الدّين محمد بن محمد الخراساني الجويني [1] ، أخو الوزير الكبير شمس الدّين. نال هو وأخوه من المال والحشمة والجاه العظيم ما يتجاوز الوصف في دولة أبغا. وكان أمر العراق راجعا إلى علاء الدّين، فساسه أحسن سياسة، طلب في هذه السنة فاختفى ومات في الاختفاء.
وقتل أخوه شمس الدّين.
وفيها ابن مهنّا ملك العرب، ورئيس آل فضل [2] عيسى بن مهنّا.
كان له المنزلة العالية عند السلطان. توفي في ربيع الأول.
وقام بعده ولده الأمير حسام الدّين مهنّا صاحب تدمر.
وفيها الصّدر الكبير المنشئ بهاء الدّين ابن الفخر عيسى الإربلي [3] . له الفضيلة التّامة، والنّظم الرّائق، والنّثر الفائق. صنّف مقامات حسنة، ورسالة «الطيف» .
ومن شعره:
أيّ عذر وقد تبدّى العذار ... إن ثناني تجلّد واصطبار
فأقلّا إن شئتما أو فزيدا ... ليس لي عن هوى الملاح قرار
هل مجير من الغرام وهيها ... ت أسير الغرام ليس يجار
يا بديع الجمال قد كثرت في ... ك اللّواحي وقلّت الأنصار
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 343) .
[2] في «ط» : «رئيس آل فضل، ملك العرب» وما جاء في «آ» موافق لما عند الذهبي في «العبر» مصدر المؤلّف، وهو مترجم فيه (5/ 344) وفي «دول الإسلام» (2/ 186) و «النجوم الزاهرة» (7/ 363) .
[3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.(7/668)
وله:
ما العيش إلّا خمسة لا سادس ... لهم وإن قصرت بها الأعمار
زمن الرّبيع وشرخ أيّام الصّبا ... والكأس والمعشوق والدّينار
وله فيه:
إنّما العيش خمسة فاغتنمها ... واستمعها بصحّة من صديق [1]
من سلاف وعسجد وشباب ... وزمان الرّبيع والمعشوق
وفيها فاطمة بنت الحافظ عماد الدّين علي بن القاسم بن مؤرّخ الشّام أبي القاسم بن عساكر [2] .
ولدت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمعت من ابن طبرزد وجماعة، وأجاز لها الصّيدلاني، وتوفي في شعبان.
وفيها ابن الصّائغ- بالصّاد المهملة والغين المعجمة- قاضي القضاة عزّ الدّين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري الشافعي الدمشقي [3] .
ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع من ابن اللّتي وجماعة، ولازم القاضي كمال الدّين التّفليسي، حتّى صار من أعيان أصحابه. وكان عارفا بالمذهب، بارعا في الأصول والمناظرة. درّس بالشّامية مشاركة مع شمس الدّين المقدسي، ثم ولي وكالة بيت المال، ثم ولي قضاء الشّام، وعزل بابن خلّكان، فظهرت منه نهضة وشهامة، وقيام في الحقّ بكل ممكن. وكان عزله في أول سنة سبع وسبعين، وبقي له تدريس العذراويّة، ثم أعيد إلى
__________
[1] في «ط» : «من صدوق» وأثبت لفظ «آ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 344) .
[3] في «آ» : «الدمشقي الشافعي» وهو مترجم في «العبر» (5/ 344) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 146- 147) .(7/669)
منصبه في أول سنة ثمانين، ثم إنهم أتقنوا قضيته فامتحن في رجب سنة اثنتين وثمانين، وأخرجوا عليه محضرا بنحو مائة ألف دينار، وتمّت له فصول، إلى أن خلّصه الله، ثم ولّوا مكانه القاضي بهاء الدّين ابن الزّكيّ، وانقطع هو بمنزله في بستانه إلى أن توفي في تاسع ربيع الآخر، ولما حضرته الوفاة جمع أهله وتوضأ وصلّى بهم، ثم قال: هلّلوا معي، وبقي يهلّل معهم [1] إلى أن توفي مع قول: لا إله إلّا الله. ذكره البرزالي.
وفيها ابن خلّكان قاضي بعلبك بهاء الدّين أبو عبد الله محمد بن [محمد بن] إبراهيم [2] .
كان أسنّ من أخيه قاضي القضاة بخمس سنين، وسمع «الصحيح» من ابن مكرم، وأجاز له المؤيّد الطّوسي وطائفة، وكان حسن الأخلاق، رقيق القلب، سليم الصّدر، ذا دين وخير وتواضع. توفي في رجب.
وفيها الملك المنصور صاحب حماة ناصر الدّين محمد بن الملك المظفّر تقي الدّين محمود بن المنصور محمد بن [3] تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيوب [4] . تملّك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وله عشر سنين رعاية لأمّه الصّاحبة ابنة الكامل. وكان لعّابا مصرّا على أمور، الله يسامحه. قاله في «العبر» .
وفيها ابن النّعمان القدوة الزّاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن النّعمان التّلمساني [5] . قدم الإسكندرية شابا، فسمع بها من محمد بن
__________
[1] في «ط» : «وبقي يهلّل بهم» .
[2] انظر «العبر» (5/ 345) و «الوافي بالوفيات» (1/ 203- 204) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[3] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 345- 346) و «السلوك» (1/ 3/ 725) .
[5] انظر «العبر» (5/ 346) و «مرآة الجنان» (4/ 200) و «النجوم الزاهرة» (7/ 364) .(7/670)
عماد، والصّفراوي. وكان عارفا بمذهب مالك، راسخ القدم في العبادة والنّسك، أشعريّا منحرفا على الحنابلة. توفي في رمضان، ودفن بالقرافة، وشيّعه أمم. قاله في «العبر» .
وفيها تقيّ الدّين محمد بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي الفقيه الحنبلي [1] . سمع بدمشق من أبي القاسم بن صصرى وغيره، وببغداد من أبي الحسن القطيعي وطبقته. وكان فاضلا متفنّنا [2] صالحا. وهو والد الشيخ شهاب الدّين أحمد بن جبارة.
توفي في ذي الحجّة بسفح قاسيون ودفن به.
وفيها تقيّ الدّين أبو الميامن مظفّر بن أبي بكر بن مظفّر بن علي الجوسقي ثم البغدادي [3] الحنبلي، الفقيه الأصولي النظّار، المعروف بالحاج.
ولد في مستهلّ رجب، سنة ثلاث عشرة وستمائة، وسمع من أبي الفضل محمد بن محمد بن الحسن السبّاك، وتفقه، وبرع في المذهب والخلاف والأصول، وناظر وأفتى، ودرّس بالمدرسة البشرية [4] لطائفة الحنابلة. وكان من أعيان الفقهاء وأئمة المذهب. وحدّث، وسمع منه القلانسي وغيره، وتوفي ببغداد في آخر نهار السبت، رابع عشري ربيع الأول، ودفن بحظيرة قبر الإمام أحمد، ولم يخلّف في بغداد مثله. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 312) .
[2] كذا في «آ» : «متفنّنا» وفي «ط» : «مفنّنا» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف:
«متقنا» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 311- 312) .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «البشيرية» .(7/671)
سنة أربع وثمانين وستمائة
فيها توفي الوزيري [1] المقرئ المجوّد برهان الدّين إبراهيم بن إسحاق بن المظفّر المصري [2] .
ولد سنة تسع عشرة وستمائة، وقرأ القراءات على أصحاب الشّاطبي، وأبي الجود. وأقرأها بدمشق، وتوفي بين الحرمين في أواخر ذي الحجّة.
وفيها النّسفي العلّامة برهان الدّين محمد بن محمود بن محمد الحنفي [3] المتكلّم، صاحب التصانيف في الخلاف، وتخرّج به خلق، وبقي إلى هذا العام. وكان مولده سنة ستمائة.
وفيها ستّ العرب بنت يحيى بن قايماز أمّ الخير الدمشقية الكندية [4] . سمعت من مولاهم التّاج الكندي، وحضرت على ابن طبرزد «الغيلانيّات» . وتوفيت في المحرّم عن خمس وثمانين سنة.
وفيها الرّشيد سعيد بن علي بن سعيد البصروي [5] الحنفي مدرس
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الوزير» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «العبر» (5/ 346) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 700) و «غاية النهاية» (1/ 9) .
[3] انظر «العبر» (5/ 346- 347) و «مرآة الجنان» (4/ 200) .
[4] انظر «العبر» (5/ 347) و «مرآة الجنان» (4/ 201) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 368) .
[5] انظر «العبر» (5/ 347) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 532- 534) .(7/672)
الشبليّة. أحد أئمة المذهب. كان ديّنا، ورعا، نحويا، شاعرا. توفي في شعبان وقد قارب الستين.
وفيها الصّائن مقرئ بلاد الرّوم أبو عبد الله محمد البصري [1] المقرئ المجوّد الضّرير. قرأ القراءات بدمشق على المنتجب [2] ، وكان بصيرا بمذهب الشّافعي، عدلا، خيّرا، صالحا.
وفيها الزّين عبد الله بن النّاصح عبد الرّحمن بن نجم بن الحنبلي [3] . سمع بالموصل من عبد المحسن بن الخطيب، وببغداد من الدّاهري، وبدمشق من ابن البنّ، وعاش ثمانين سنة، وتوفي في شوال.
وفيها الشّمس المقدسي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي [4] .
ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة، وسمع من كريمة القرشية وغيرها، وتفقه، وبرع في المذهب، وأفتى ودرّس.
قال اليونيني في «تاريخه» : كان من الفضلاء الصّلحاء الأخيار. سمع الكثير، وكتب بخطّه، وشرع في تأليف كتاب في الحديث مرتّبا على أبواب الفقه، ولو تمّ لكان نافعا. وكان الشيخ شمس الدّين [عبد الرحمن] بن أبي عمر يحبّه كثيرا، ويفضّله على سائر أهله. وكان أهلا لذلك، فلقد كان من حسنات المقادسة، كثير الكرم، والخدمة، والتواضع، والسّعي في قضاء حوائج الإخوان والأصحاب.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 347) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 689) و «مرآة الجنان» (4/ 201) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «المنتخب» والتصحيح من «العبر» وانظر ترجمته في ص (393) من هذا المجلد.
[3] انظر «العبر» (5/ 347) .
[4] انظر «العبر» (5/ 348) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 312- 313) .(7/673)
توفي يوم الاثنين ثامن عشري شعبان بقرية جمّاعيل من عمل نابلس ودفن بها.
وفيها إسماعيل بن إبراهيم بن علي الفرّاء الصّالحي [1] . كان حنبليا، صالحا، زاهدا، ورعا، ذا كرامات ظاهرة، وأخلاق طاهرة، ومعاملات باطنة.
صحب الشيخ الفقيه اليونيني. وكان يقال: إنه يعرف الاسم الأعظم.
توفي بسفح قاسيون في جمادى الأولى [2] . قاله ابن رجب.
وفيها الإمام نور الدّين أبو طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي [3] القاسم بن علي بن عثمان البصري الضّرير الفقيه الحنبلي [4] ، نزيل بغداد.
ولد يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، سنة أربع وعشرين وستمائة بقرية من قرى البصرة [5] ، وحفظ القرآن بالبصرة سنة إحدى وثلاثين على الشيخ حسن بن دويرة، وحفظ «الخرقي» وكفّ بصره سنة أربع وثلاثين. وسمع بالبصرة من ابن دويرة المذكورة، وقدم بغداد وحفظ بها كتاب «الهداية» لأبي الخطّاب. ولازم الاشتغال، وأفتى سنة ثمان وأربعين، وسمع من المجد ابن تيميّة وغيره. وكان بارعا في الفقه، له معرفة بالحديث والتفسير، ولما توفي شيخه ابن دويرة بالبصرة ولي التدريس بمدرسة شيخه، وخلع عليه ببغداد خلعة وألبس الطّرحة السوداء في خلافة المستعصم [6] سنة اثنتين وخمسين.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 313) .
[2] قوله: «توفي بسفح قاسيون في جمادى الأولى» سقط من «ذيل طبقات الحنابلة» الذي بين يدي فليستدرك.
[3] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 313- 315) .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بناحية عبدليان من قرى البصرة» .
[6] تحرفت في «ط» إلى «المعتصم» .(7/674)
وذكر ابن السّاعي: أنه لم يلبس الطّرحة أعمى بعد أبي طالب بن الخلّ [1] سوى الشيخ نور الدّين هذا، ثم بعد واقعة بغداد، طلب إليها ليولي تدريس الحنابلة بالمستنصرية فلم يتفق. وتقدم الشيخ جلال الدّين بن عكبر، فرتّب الشيخ نور الدّين مدرسا بالبشرية.
وله تصانيف عديدة، منها كتاب «جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحيّ القيّوم» وكتاب «الحاوي» في الفقه في مجلدين، و «الكافي في شرح الخرقي» و «الواضح في شرح الخرقي» أيضا [2] . وغير ذلك. وتفقه عليه جماعة، منهم: صفي الدّين [بن عبد المؤمن] بن عبد الحقّ، وقال عنه:
كان شيخا من العلماء المجتهدين، والفقهاء المنفردين، وكان له فطنة عظيمة ونادرة [3] عجيبة. منها ما حكى محمد بن إبراهيم الخالدي- وكان ملازما للشيخ نور الدّين حتّى زوّجه الشيخ ابنته- قال: عقد مجلس بالمستنصرية مرة للمظالم، وحضره الأعيان، فاتفق جلوس الشيخ إلى جانب بهاء الدّين بن الفخر عيسى، كاتب ديوان الإنشاء، وتكلّم الجماعة، فبرز [4] الشيخ نور الدّين عليهم بالبحث، ورجع إلى قوله، فقال له ابن الفخر عيسى: من أين الشيخ؟ قال: من البصرة. قال: والمذهب؟ قال: حنبليّ. قال:
عجب [5] ! بصريّ، حنبلي؟ فقال الشيخ: هنا أعجب من هذا، كرديّ رافضي، فخجل ابن الفخر.
وكان كرديا رافضيا، والرفض من الأكراد معدوم أو نادر.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن الحنبلي» .
[2] لفظة «أيضا» سقطت من «آ» .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وبادرة» .
[4] في «آ» و «ط» : «فنزل» وهو خطأ والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف وما بين الحاصرتين قبل قليل مستدرك منه.
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «عجبا» .(7/675)
توفي الشيخ نور الدّين ليلة السبت ليلة عيد الفطر، ودفن قرب الإمام أحمد.
ومن فوائده أنه اختار أن الماء لا ينجس إلّا بالتغيّر، وإن كان قليلا.
وأن بني هاشم يجوز لهم أخذ الزّكاة إذا منعوا حقّهم من الخمس.
وفيها أبو الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم النّحوي [1] الأنصاري القرطاجنيّ [صاحب القصيدة الميمية في النّحو، المشهورة.
قال الشّمنّي] [2] في «حاشيته على المغني» : القرطاجني بفتح القاف، وراء ساكنة، وطاء مهملة، فألف، فجيم مفتوحة، فنون، فياء، نسبة من قرطاجنة الأندلس [3] قرطاجنة تونس.
كان إماما، بليغا، ريّان من الأدب. نزل تونس، وامتدح بها المنصور صاحب إفريقية أبا عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص، ومات سنة أربع وثمانين وستمائة. انتهى.
وفيها أبو القاسم علي بن بلبان المحدّث الرحّال علاء الدّين المقدسي النّاصري الكركي [4] مشرف الجامع وإمام مسجد الماشكيّ تحت مئذنة فيروز. ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة، وسمع من ابن اللّتي، والقطيعي، وابن القبيطي، وخلق كثير، بالشام، والعراق، ومصر، وعني بالحديث، وخرّج العوالي، وتوفي في [أول] رمضان [5] .
__________
[1] لفظة «النحوي» سقطت من «آ» .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وهو مترجم في «نفح الطّيب» (2/ 584- 589) .
[3] انظر «الروض المعطار» ص (462) .
[4] انظر «العبر» (5/ 348) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 368) .
[5] في «ط» : «برمضان» ولفظة «أول» زيادة من «العبر» مصدر المؤلّف رحمه الله تعالى.(7/676)
وفيها المرّاكشي علاء الدّين علي بن محمد بن علي البكري الكاتب [1] . سمع من ابن صباح، وابن الزّبيدي، وولي نظر المارستان، ونظر الدّواوين، وتوفي في جمادى الأولى عن بضع وستين سنة.
وفيها علاء الدّين علي البندقداري [2] ، الأمير الكبير، الذي كان مولى الملك الظّاهر. كان أميرا، جليلا، عاقلا. وكان أولا للأمير جمال الدّين بن يغمور، ثم صار [3] للملك الصّالح، فجعله بندقداره. توفي بالقاهرة.
وفيها الأمير شبل الدّولة الطّواشي أبو المسك كافور الصّوابي الصّالحي الصّفوي [4] . خزندار قلعة دمشق. روى عن ابن رواج [5] وجماعة، وكان محبّا للحديث، عاقلا، دينا.
توفي في رمضان، وقد نيّف على الثمانين.
وفيها ابن شدّاد الرئيس المنشئ البليغ عزّ الدّين محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري الحلبي [6] .
ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة، وهو الذي جمع «السيرة» للملك
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 348) .
[2] انظر «العبر» (5/ 348- 349) .
[3] في «ط» : «ثم جعله» .
[4] انظر «العبر» (5/ 349) و «مرآة الجنان» (4/ 201) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن رواح» بالحاء المهملة والتصحيح من «العبر» وهو الإمام المحدّث رشيد الدّين أبو محمد عبد الوهّاب بن رواج (واسم رواج ظافر) الأزدي القرشي.
مات سنة (648) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 237- 238) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1411) .
[6] انظر «العبر» (5/ 349) و «مرآة الجنان» (4/ 201) .(7/677)
الظّاهر [1] ، وجمع «تاريخا» لحلب [2] توفي في صفر.
وفيها ابن الأنماطي أبو بكر محمد ابن الحافظ البارع أبي الطّاهر إسماعيل بن عبد الله الأنصاري المصري [3] .
ولد بدمشق سنة تسع وستمائة، وسمع حضورا من الكندي، وأكثر عن [ابن] الحرستاني، وابن ملاعب، وخلق. وتوفي في ذي الحجّة بالقاهرة.
وفيها الأمير ناصر الدّين الحرّاني محمد ابن الافتخار أياز [4] والي دمشق بعد أبيه، ومشدّ الأوقاف. كان من عقلاء الرّجال وألبّائهم، مع الفضيلة والدّيانة والمروءة والكلمة النّافذة في الدولة. استعفى من الولاية فأعفي، ثم أكره على نيابة حمص فلم تطل مدته بها.
وتوفي في شعبان، ونقل إلى دمشق في آخر الكهولة.
وفيها الإخميميّ الزّاهد شرف الدّين محمد بن الحسن بن إسماعيل [5] . نزيل سفح قاسيون. كان صاحب توجّه [6] وتعبّد، وللناس فيه عقيدة عظيمة.
__________
[1] وقد قامت بطبعها جمعية المستشرقين الألمان ببيروت عام 1403 هـ بتحقيق الأستاذ أحمد حطيط.
[2] واسمه «الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة» وقد طبع الجزء الأول منه في المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق عام (1373) هـ بتحقيق المستشرق دمنيك سورديل، وطبع الجزء الثاني منه في المعهد الفرنسي أيضا عام (1375) هـ بتحقيق الدكتور سامي الدهّان. وطبع الجزء الثالث بقسميه في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بدمشق عام (1398) هـ بتحقيق الأستاذ يحيى عبارة.
[3] انظر «العبر» (5/ 349) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) .
[4] انظر «العبر» (5/ 349- 350) و «مرآة الجنان» (4/ 201) .
[5] انظر «العبر» (5/ 350) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «مرآة الجنان» (4/ 201) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) .
[6] تحرفت في «آ» إلى «تواجد» وفي «ط» إلى «توجد» والتصحيح من «العبر» و «مرآة الجنان» .(7/678)
توفي في جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وفيها ابن عامر الشيخ أبو عبد الله محمد بن عامر بن أبي بكر الصّالحي المقرئ [1] . صاحب الميعاد المعروف. روى عن ابن ملاعب وجماعة، وكان صالحا، متواضعا، خيّرا، حسن الوعظ، حلو العبارة. توفي في جمادى الآخرة وقد قارب الثمانين.
وفيها الرّومي الشيخ [2] الزّاهد، شرف الدّين محمد ابن الشيخ الكبير عثمان بن علي [3] . صاحب الزّاوية التي بسفح قاسيون. كان عجبا في الكرم، والتواضع، ومحبّة السّماع. توفي في جمادى الأولى، وقد نيّف على التسعين. قاله في «العبر» .
وفيها الرّضيّ رضي الدّين الشّاطبي محمد بن علي بن يوسف الأنصاري [4] .
ولد ببلنسية، سنة إحدى وستمائة. وكان إمام عصره في اللّغة، وحدّث عن المقيّر وغيره، وقرأ لورش على محمد بن أحمد بن مسعود الشّاطبي صاحب ابن هذيل، وتصدّر بالقاهرة، وأخذ عنه النّاس، وروى عنه أبو حيّان وغيره، وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى بالقاهرة.
وفيها المجير [5] بن تميم محمد بن يعقوب بن علي الجندي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 350) و «البداية والنهاية» (13/ 306) .
[2] لفظة «الشيخ» سقطت من «ط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 350) و «البداية والنهاية» (13/ 307) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) .
[4] انظر «العبر» (5/ 351) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 678) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) و «حسن المحاضرة» (1/ 533- 534) وقد تحرفت «ابن يوسف» فيه إلى «ابن يونس» فلتصحح.
[5] كذا في «آ» و «العبر» مصدر المؤلف: «المجير» وفي «ط» و «البداية والنهاية» و «الأعلام» :
«مجير الدّين» .(7/679)
الحموي الدمشقي [1] الأمير، سبط ابن تميم. استوطن حماة، وكان من العقلاء الفضلاء الكرماء. وشعره في غاية الجودة.
فمنه قوله:
أطالع كلّ ديوان أراه ... ولم أزجر عن التّضمين طيري
أضمّن كلّ بيت نصف بيت ... فشعري نصفه من شعر غيري
وقال:
عاينت ورد الرّوض يلطم خدّه ... ويقول وهو على البنفسج محنق
لا تقربوه وإن تضوّع نشره ... ما بينكم فهو العدوّ الأزرق
وقال في توديع مليح:
مولاي قد كثرت ليالي هجرنا ... حتّى عجزت- سلمت لي- عن عدّها
أودع فمي قبل التّودّع [2] قبلة ... وأنا الكفيل إذا رجعت بردّها
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 351) و «البداية والنهاية» (13/ 307) و «الأعلام» (7/ 145) .
[2] في «آ» : «قبل التفرق» .(7/680)
سنة خمس وثمانين وستمائة
فيها أخذت الكرك من الملك المسعود خضر بن الملك الظّاهر، ونزل منها وسار إلى مصر.
وفيها توفي [1] بدر الدّين أبو العبّاس أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الشّيباني الصّالحي العطّار ثم الخيّاط [2] . راوي «مسند الإمام أحمد» .
أكثر عن حنبل، وابن طبرزد، وجماعة. وأجاز له أبو جعفر الصّيدلاني وخلق. وكان مطبوعا متواضعا.
توفي في الثامن والعشرين من صفر عن تسع وثمانين سنة.
وفيها [الرّاشديّ] المقرئ الأستاذ القدوة أبو علي الحسن بن عبد الله بن بختيار المغربي البربريّ [3] ، الرّجل الصّالح. تصدّر للإقراء والإفادة، وأخذ عنه مثل الشيخ التّونسي، والشيخ شهاب الدّين بن جبارة، ولم يقرأ على غير الكمال الضرير، وتوفي في صفر بالقاهرة.
وفيها الصّفيّ أبو الصّفا خليل بن أبي بكر بن محمد بن صدّيق
__________
[1] لفظة «توفي» لم ترد في «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 351- 352) و «البداية والنهاية» (131/ 308) و «النجوم الزاهرة» (7/ 370) .
[3] انظر «العبر» (5/ 352) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 701- 702) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «غاية النهاية» (1/ 218) وما بين الحاصرتين زيادة منها جميعا.(7/681)
المراغي [1] . الفقيه الحنبلي المقرئ سمع من ابن الحرستاني، وابن ملاعب، وطائفة. وتفقه على الموفق [2] . وقرأ القراءات على ابن باسويه [3] .
وقرأ أصول الفقه على السّيف الآمدي [ولازمه، وأقام بدمشق مدّة. ثم توجّه إلى الدّيار المصرية، فأقام بها إلى أن مات] [4] . وناب في القضاء بالقاهرة، فحمدت سيرته [5] وطرائقه، وشكرت خلائقه.
قال الذهبيّ: كان مجموع الفضائل، كثير المناقب، متين الدّيانة، صحيح الأخذ، بصيرا بالمذهب، عالما بالخلاف والطبّ. قرأ عليه بالرّوايات بدر الدّين بن الجوهري، وأبو بكر بن الجعبري، وجماعة من المصريين.
وسمع منه ابن الظّاهري، وابنه والحافظ المزّي، وأبو حيّان، والحافظ عبد الكريم بن منير، وخلق سواهم.
توفي يوم السبت سابع عشر [6] ذي القعدة بالقاهرة، ودفن بمقابر باب النّصر.
وفيها الشيخ موفق الدّين أبو الحسن علي بن الحسين [7] بن يوسف بن الصيّاد [8] ، المقرئ الفقيه، الحنبلي المعدّل. حدّث عن ابن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 352) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 682- 683) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 316- 317) .
[2] يعني الإمام الحافظ موفق الدّين بن قدامة المقدسي رحمه الله.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «ابن ماسويه» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 622) و «غاية النهاية» (1/ 562) ومن ترجمته في ص (261) من هذا المجلد.
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» .
[5] لفظة «سيرته» سقطت من «آ» .
[6] في «آ» : «سابع عشري» .
[7] في «آ» : «ابن الحسن» .
[8] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 317- 318) .(7/682)
اللّتي [1] ، وروى عن حنبل، وابن طبرزد، والكندي، وهذه الطبقة [2] ، وروى عنه جماعة، وتوفي ببغداد في رجب.
وفيها أبو الفضل محمد بن محمد بن علي الزيّات البابصري البغدادي [3] الحنبلي الواعظ أحد شيوخ بغداد المسندين. حدّث عن ابن صرما، والفتح بن عبد السّلام، وغيرهما. وسمع منه خلق كثير، منهم:
الفرضي. وقال: كان عالما، زاهدا، عارفا، ثقة، عدلا، مسندا، من بيت الحديث والزّهد. وعظ في شبابه ثم ترك ذلك، وتوفي في آخر السنة.
وفيها القاضي جمال الدّين أبو إسحاق إسماعيل بن جمعة بن عبد الرزاق [4] ، قاضي سامرّا. كان فاضلا، أديبا، له نظم حسن. سمع من الشيخ جمال الدّين عبد الرحمن بن طلحة بن غانم العلثي «فضائل القدس» لابن الجوزي بسماعه منه، وأجاز لغير واحد، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها شاميّة أمة الحقّ بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد البكري [5] . روت عن جدّ أبيها، وجدّها، وحنبل، وابن طبرزد، وتفرّدت بعدة أجزاء، وتوفيت بشيزر عند أقاربها في أواخر رمضان، عن سبع وثمانين سنة.
وفيها السّراج بن فارس أبو بكر عبد الله بن أحمد بن إسماعيل التّميميّ الإسكندراني [6] ، أخو المقرئ كمال الدّين. سمع من التّاج
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «ابن الكتي» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الطيفة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318) .
[5] انظر «العبر» (5/ 352) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 370) .
[6] انظر «العبر» (5/ 353) و «حسن المحاضرة» (1/ 383) .(7/683)
الكندي، وابن الحرستاني، وتوفي بالإسكندرية في ربيع الأول.
وفيها الشيخ القدوة الزّاهد تاج الدّين عبد الدائم [بن زين الدّين أحمد بن عبد الدائم] [1] المقدسي الحنبلي. روى عن الشيخ الموفق [2] وجماعة، وتوفي في رمضان، وقد نيّف على السبعين.
وفيها عفيف الدّين عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس البغدادي بن الزجّاج [3] . أحد مشايخ العراق. فقيه حنبليّ زاهد سنّيّ أثريّ، عارف بمذهب أحمد.
ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة. وسمع من عبد السلام [بن يوسف] العبرتي، والفتح بن عبد السلام، وطائفة. وتوفي في المحرّم بذات الحجّ [4] بعد قضاء الحج، قاله في «العبر» .
وفيها الشيخ عبد الواحد بن علي القرشي الهكّاري الفارقي الحنبلي [5] . سمع من مسمار بن العويس [6] بالموصل، ومن موسى بن الشيخ عبد القادر، وطائفة بدمشق. وكان عبدا، صالحا.
توفي في رمضان بالقاهرة، وله أربع وتسعون سنة.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» ولفظة «الحنبلي» سقطت من «آ» وهو مترجم في «العبر» (5/ 353) .
[2] يعني ابن قدامة المقدسي.
[3] انظر «العبر» (5/ 353) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 315- 316) وما بين الحاصرتين مستدرك منه، و «النجوم الزاهرة» (7/ 370) .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بذات عرق» .
[5] انظر «العبر» (5/ 353- 354) .
[6] هو مسمار بن عمر بن محمد بن عيسى بن العويس النّيّار، المقرئ الصالح المسند. مات سنة (619) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 154) .(7/684)
وفيها المعين بن تولوا [1] الشّاعر المشهور، عثمان بن سعيد الفهري المصري.
توفي في ربيع الأول بالقاهرة وله ثمانون سنة.
وفيها الشّريشي- نسبة إلى شريش ككريم، مدينة بشذونة. قاله السيوطي [2]- العلّامة جمال الدّين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سحمان البكري الوائلي الأندلسي [3] ، الفقيه المالكي، الأصولي المفسّر.
ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع بالثّغر من محمد بن عماد، وببغداد من الحسن القطيعي وخلق، وبدمشق من مكرم. وكان بارعا في مذهب مالك، محقّقا للعربية، عارفا بالكلام والنظر، قيّما بكتاب الله وتفسيره، جيد المشاركة في العلوم، ذا زهد وتعبّد وجلالة، شرح «مقامات الحريري» شرحا ممتعا، وتوفي في الرابع والعشرين من رجب.
وفيها القاضي ناصر الدّين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي قاضي القضاة البيضاوي [4]- بفتح الباء نسبة [5] إلى البيضاء من بلاد فارس [6]- الشافعي [7] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «تولو» والصواب ما أثبته وانظر التعليق على ص (455) وفيات سنة (654) من هذا المجلد، وهو مترجم في «العبر» (5/ 354) و «فوات الوفيات» (2/ 440- 441) و «حسن المحاضرة» (1/ 568) .
[2] انظر «لب اللباب في تحرير الأنساب» ص (152) .
[3] انظر «العبر» (5/ 354) و «الدّيباج المذهب» (2/ 319- 320) و «درّة الحجال» (2/ 244- 245) .
[4] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 157- 158) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 283- 284) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 220- 222) و «تذكرة النبيه» (1/ 104) و «البداية والنهاية» (13/ 309) .
[5] لفظة «نسبة» سقطت من «ط» .
[6] انظر «معجم البلدان» (1/ 529) ففيه سبب تسميتها بهذا الاسم.
[7] لفظة «الشافعي» سقطت من «آ» .(7/685)
قال ابن شهبة في «طبقاته» : صاحب المصنفات، وعالم أذربيجان، وشيخ تلك الناحية. ولي قضاء شيراز.
قال السبكي: كان إماما، مبرّزا، نظّارا، خيّرا، صالحا، متعبّدا. وقال ابن حبيب: تكلّم كلّ من الأئمة بالثناء على مصنفاته، ولو لم يكن له غير «المنهاج» الوجيز لفظه المحرّر، لكفاه. ولي أمر القضاء بشيراز، وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام والاحتراز.
توفي بمدينة تبريز.
قال السّبكي والإسنوي: سنة إحدى وتسعين وستمائة، وقال ابن كثير في «تاريخه» والكتبي، وابن حبيب: توفي سنة خمس وثمانين، وأهمله الذهبي في «العبر» . انتهى كلام ابن شهبة.
وقال ابن كثير في «طبقاته» : ومن تصانيفه «الطوالع» . قال السّبكيّ:
وهو أجلّ «مختصر» في علم الكلام. و «المنهاج» مختصر من الحاصل، و «المصباح» و «مختصر الكشّاف» و «الغاية القصوى في رواية الفتوى» ، وغير ذلك، رحمه الله تعالى.
وفيها ابن الخيمي شهاب الدّين محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري اليمني ثم المصري [1] ، الصوفي. الشّاعر المحسن، حامل لواء النّظم في وقته. سمع «جامع الترمذي» من علي بن البناء، وأجاز له عبد الوهاب بن سكينة، وتوفي في رجب عن اثنتين وثمانين سنة وأكثر. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 354- 355) و «فوات الوفيات» (3/ 413- 424) و «النجوم الزاهرة» (7/ 369- 370) و «حسن المحاضرة» (1/ 569) .(7/686)
ومن شعره:
كلفت ببدر في مبادي الدّجى بدا ... فعاد لنا ضوء الصّباح كما بدا
وحجّب عنّا حسنه نور حسنه ... فمن ذلك الحسن الضّلالة والهدى
فيا حبّذا نار لقلبي تصطلي ... ويا دمع عيني حبّذا أنت موردا
ويا سقمي في الحبّ أهلا ومرحبا ... ويا صحة السّلوان شأنك والعدا
فلست أرى عن ملة الحبّ مائلا ... وكيف ونور العامريّة قد بدا
وفيها الدّينوري خطيب كفربطنا الشيخ جمال الدّين أبو البركات محمد ابن القدوة العابد الشيخ عمر بن عبد الملك الصّوفي الشّافعي [1] .
ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة بالدّينور، وقدم مع أبيه وله عشر سنين، فسكن بسفح قاسيون، وسمع الكثير، ونسخ الأجزاء، واشتغل وحصّل، وحدّث عن ابن الزّبيدي، والنّاصح بن الحنبلي، وطائفة. وكان ديّنا، فاضلا، عالما. وتوفي في رجب.
وفيها ابن الدّبّاب [2] الواعظ جمال الدّين أبو الفضل محمد بن أبي الفرج محمد بن علي البابصري الحنبلي [3] .
ولد سنة ثلاث وستمائة، وسمع من أحمد بن صرما، وثابت بن مشرّف. وحدّث بالكثير، وتوفي في آخر العام ببغداد.
وفيها ابن المهتار الكاتب المجوّد المحدّث الورع مجد الدّين
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 355) و «النجوم الزاهرة» (7/ 370- 371) .
[2] علق ناشر «ط» من الكتاب الأستاذ حسام الدّين القدسي رحمه الله تعالى على هذه اللفظة بالتالي: «يقول الذّهبيّ في «تاريخ الإسلام» : سمّي جدّه بذلك لكونه كان يمشي على تؤدة وسكون» . انتهى.
[3] انظر «العبر» (5/ 355) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318) .(7/687)
يوسف بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي الشافعي [1] ، قارئ دار الحديث الأشرفية.
ولد في حدود سنة عشر، وسمع من ابن الزّبيدي، وابن صبّاح، وطبقتهما. وروى الكثير، وتوفي في تاسع ذي القعدة.
وفيها ابن الزّكي قاضي القضاة بهاء الدّين أبو الفضل يوسف بن قاضي القضاة محيي الدّين يحيى بن قاضي القضاة محيي الدّين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدّين علي بن قاضي القضاة منتجب [2] الدّين محمد بن يحيى القرشي الدّمشقي الشّافعي [3] .
ولد سنة أربعين وستمائة، وبرع في العلم بذكائه المفرط، وقدرته على المناظرة، وحلّ المعضلات. وسمع بمصر من جماعة، وتفقه بأبيه وعيره، وأخذ العلوم العقلية عن القاضي كمال الدّين التّفليسي، وولي القضاء بعد ابن الصّايغ سنة اثنتين وثمانين، إلى أن توفي، وهو آخر من ولي القضاء من هذا البيت، وقد جمع له أجلّ مدارس دمشق وهي العزيزية، والتّقوية، والفلكية، والعادلية، والمجاهدية، والكلّاسة.
قال الذهبي: كان جليلا، نبيلا، ذكيا، سريّا، كامل الرئاسة، وافر العلم، بارعا في الأصول، بصيرا بالفقه، فصيحا، مفوّها، حلّالا للمشكلات، غوّاصا على المعاني، سريع الحفظ، قوي المناظرة، قيل: إنه كان يحفظ الورقتين والثلاثة للدرس من نظرة واحدة، ويورد الدّرس في غاية
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 356) و «البداية والنهاية» (13/ 308) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 46) .
[2] تصحفت في «آ» إلى «منتخب» .
[3] انظر «العبر» (5/ 356) و «البداية والنهاية» (13/ 308) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 267- 268) .(7/688)
الجزالة. وكان يورد في اليوم عدة دروس، وكان أديبا، أخباريا، كثير المحفوظ، علّامة، كريم النّفس، كثير المحاسن، مليح الفتاوى، وهو ذكيّ بيت الزّكي.
توفي في حادي عشر ذي الحجّة، وله خمس وأربعون سنة، ودفن بتربتهم جوار ابن عربي، قدّس سرّه
.(7/689)
سنة ست وثمانين وستمائة
فيها توفي البرهان السّنجاري قاضي القضاة أبو محمد الخضر بن الحسن بن علي الزّراري الشافعي [1] . ولي قضاء مصر وحدها مدّة في دولة الصّالح، ثم آذاه الوزير بهاء الدّين ونكبه، فلما مات ولي الوزارة للملك السّعيد، وبقي مدّة، ثم عزل، وضربه الشّجاعي، ثم ولي الوزارة ثانيا، ثم عزل وأوذي، ثم ولي قضاء القضاة بالإقليم، فتوفي بعد عشرين يوما، فيقال:
إنه سمّ.
توفي في صفر، وولي بعده تقي الدّين بن بنت الأعزّ.
وفيها ابن بليمان [2] الأديب شرف الدّين سليمان بن بليمان [2] بن أبي الجيش الإربلي. الشاعر المشهور. أحد الظّرفاء في العالم. توفي بدمشق وقد كمّل التسعين.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 143) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «نص مستدرك من العبر» ص (3) (حقّقه واستدرك فيه النقص في طبعة الكويت ونشره في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق صديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، نفع الله تعالى به، والسنوات المستدركة فيه هي (686) و (687) و (695) و (696) و (697) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 372) : «بليمان» وفي «الوافي بالوفيات» (15/ 356) و «فوات الوفيات» (2/ 57) .(7/690)
وفيها- أو في سنة أربع وثمانين-[نجم الأئمة] الرّضي [1] ، شارح «الكافية» الإمام المشهور.
قال السيوطي في «طبقات النّحاة» : [شرح «الكافية» لابن الحاجب، الشرح] الذي لم يؤلّف عليها، بل ولا في غالب كتب النّحو مثله، جمعا، وتحقيقا، وحسن تعليل، وقد [2] أكبّ النّاس عليه، وتداولوه، واعتمده شيوخ هذا العصر فمن قبلهم في مصنّفاتهم ودروسهم، وله فيه أبحاث كثيرة مع النّحاة، واختيارات جمّة، ومذهب ينفرد به [3] ، ولقّبه نجم الأئمة، ولم أقف على اسمه ولا على شيء من ترجمته، إلّا أنه فرغ من تأليف هذا «الشرح» سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
وأخبرني صاحبنا المؤرخ شمس الدّين ابن عزم [4] بمكّة أن وفاته سنة
__________
[1] انظر «بغية الوعاة في طبقات اللّغويّين والنّحاة» للسّيوطي (1/ 567- 568) وما بين الحاصرتين في الترجمة سقط من «آ» .
[2] في «ط» : «وقال» وهو خطأ.
[3] في «بغية الوعاة» : «ومذاهب ينفرد بها» .
[4] هو محمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن عزم التميمي التونسي المكّي المالكي. ولد بتونس في شوال سنة (816) ونشأ بها وأخذ العلم عن علمائها، ثم ارتحل في مستهل سنة (837) فقدم الإسكندرية، فحضر بها مجلس الشيخ عمر البسلقوني وغيره، ثم قدم القاهرة فأقام بها إلى أواخر سنة (839) وتوجه إلى مكة في البحر فوصلها في أول سنة (840) فدام بها حتى حجّ، ثم توجه في أوائل سنة (841) إلى المدينة المنورة فجاور بها بعض سنة، وسمع بها على الجمال الكازروني، ثم غادرها في أثناء السنة فوصل القاهرة، فسمع بها من الحافظ ابن حجر العسقلاني «المسلسل» ومجلسا من «صحيح مسلم» وكتب عنه مجالس من أماليه، وتوجه منها في سنة (849) إلى البلاد الشامية، وزار بيت المقدس، ثم رجع إلى القاهرة ثم إلى مكة، فقطنها وسمع بها من مشايخها والقادمين إليها، وسافر منها إلى القاهرة، وتكسّب في كل منها بالتجليد وكذا بالتجارة في الكتب. وسمع بالقاهرة من الحافظ السخاوي ورافقه في سماع أشياء وقرأ عليه أخرى، ثم اشتدّ حرصه على تحصيل تصانيف ابن عربي والتنويه بها وبمصنّفها. مات سنة (891) هـ. انظر «الضوء اللّامع» (8/ 255- 256) و «الأعلام» (6/ 315) .(7/691)
أربع وثمانين أو ست [وثمانين]- الشكّ مني- وله شرح على «الشّافية» انتهى كلام السّيوطي.
وفيها ابن عساكر الإمام الزّاهد أمين الدّين أبو اليمن عبد الصّمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدّمشقي [1] المجاور بمكة. روى عن جدّه، والشيخ الموفق، وطائفة. وكان صالحا خيّرا، قوي المشاركة في العلم، بديع النّظم، لطيف الشّمائل، صاحب توجّه وصدق.
ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وجاور بمكة أربعين سنة، وتوفي في جمادى الأولى رحمه الله.
وفيها عزّ الدّين أبو العزّ عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن الصّيقل، مسند الوقت الحرّاني [2] . روى عن أبي حامد بن جوالق، ويوسف بن كامل، وطائفة. وأجاز له ابن كليب. فكان آخر من روى عن أكثر شيوخه، وممن روى عنه الحافظ علم الدّين البرزالي. قال: حدّثنا الشيخ أبو العزّ الحرّاني، قال: حدثني عبد الكافي بمصر- ووصفه بالصّلاح- قال:
خرجت في بعض الجنائز وتحت النّعش أسود، فصلينا على الميت، ووقف الأسود لا يصلي، فلما أدخل الميت إلى القبر، نظر إليّ وقال: أنا عمله، وقفز ودخل القبر، فنظرت في القبر فلم أر شيئا. انتهى.
وتوفي أبو العزّ هذا بمصر في جامع عمرو بن العاص في رابع عشر رجب وقد نيّف على التسعين، وصلّى عليه ابن دقيق العيد.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (4) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «فوات الوفيات» (2/ 328- 330) و «البداية والنهاية» (13/ 311) .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (4- 5) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «البداية والنهاية» (13/ 310) .(7/692)
وفيها- وقيل في التي قبلها كما جزم به الإسنويّ وابن قاضي شهبة- قاضي القضاة وجيه الدّين [1] عبد الوهاب بن الحسن المصري البهنسي الشّافعي [2] .
ولي قضاء مصر والقاهرة بعد موت القاضي تقي الدّين بن رزين، في رجب سنة ثمانين [وستمائة] ، ثم أخذ منه قضاء القاهرة والوجه البحري وأعطي للقاضي شهاب الدّين الجويني في جمادى الآخرة، سنة إحدى وثمانين، واستمر الوجيه حاكما بمصر والوجه القبلي إلى أن توفي.
قال الإسنوي: كان إماما، كبيرا في الفقه.
وقال السّبكي: كان من كبار الأئمة.
وقال غيرهما: أخذ عن ابن عبد السّلام، ودرّس بالزاوية المحدثة بالجامع العتيق بمصر، وكان فقيها، أصوليا، نحويا، متدينا، متعبدا، عالي الكلام في المناظرة. حضر عند الشيخ شهاب الدّين القرافي مرّة في الدّرس وهو يتكلم في الأصول، فناظره القرافي- وكلام الوجيه يعلو- فقام طالب يتكلم بينهما فأسكته الوجيه، وقال: فروج يصيح بين الدّيكة.
توفي الوجيه- رحمه الله تعالى- في جمادى الأولى في عشر الثمانين.
وفيها ابن الحبوبي شهاب الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن حمزة بن علي الثّعلبي الدمشقي الشّاهد [3] . روى عن [ابن] الحرستاني وغيره، وأجاز له المؤيد الطّوسي، وابن الأخضر، وتوفي في رجب.
__________
[1] لفظة «الدّين» سقطت من «آ» .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 317- 318) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 283) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 236- 237) .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (5) .(7/693)
وفيها ابن القسطلّاني الإمام قطب الدّين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المصري ثم المكّي [1] .
ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من علي ابن البناء، والشّهاب السّهروردي وجماعة [2] . وتفقّه في مذهب الإمام الشّافعي، وأفتى. ثم رحل سنة تسع وأربعين، فسمع ببغداد، ومصر، والشام، والجزيرة. وكان أحد من جمع بين [3] العلم والعمل، والهيبة والورع.
قال ابن تغري بردي: كان شجاعا، عالما، عاملا، عابدا، زاهدا، جامعا للفضائل، كريم النّفس، كثير الإيثار، حسن الأخلاق، قليل المثل.
وكان بينه وبين ابن سبعين عداوة، وينكر عليه بمكة كثيرا من أحواله، وقد صنّف في الطائفة الذين [4] يسلك طريقتهم ابن سبعين، وبدأ بالحلّاج، وختم بالعفيف التّلمساني. وكان القطب هذا مأوى الفقراء، والواردين عليه يبرهم ويعين كثيرا منهم.
ومن شعره:
إذا كان أنسي في التزامي خلوتي ... وقلبي عن كلّ البرية خالي
فما ضرّني من كان لي الدّهر قاليا ... ولا سرّني من كان في موالي
وقال الإسنوي: استقرّ بمكة، وكان ممن جمع العلم والعمل، والهيبة والورع والكرم. طلب من مكة، وفوضت له مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة، إلى أن توفي في شهر المحرّم.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (6) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 373) .
[2] لفظة «وجماعة» سقطت من «ط» .
[3] لفظة «بين» لم ترد في «ط» وعن «نص مستدرك من كتاب العبر» ومن «العبر» طبع بيروت.
[4] في «آ» : «التي» .(7/694)
ومن شعره:
إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ... ومن غلط جاءت يد الشّوك بالورد
وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله ... ليظهر صنع الله في العكس والطّرد
وفيها الدّنيسري الطّبيب الحاذق عماد الدّين أبو عبد الله محمد بن عبّاس ابن أحمد الرّبعي [1] .
ولد بدنيسر سنة ست وستمائة، وسمع بمصر من علي بن مختار وجماعة، وتفقه للشافعي، وصحب البهاء زهير مدّة، وتأدّب به، وصنّف، وقال الشعر. وبرع في الطب والأدب.
ومن شعره:
فيم التّعلّل بالألحاظ والمقل ... وكم أشير إلى الغزلان والغزل
وكم أعرّض من فرط الغرام به ... عن قدّه بغصون البان في الميل
ما لذّة العيش إلّا أن أكون كما ... قد قيل فيما مضى من سالف المثل
صرّحت باسمك يا من لا شبيه له ... أنا الغريق فما خوفي من البلل
يا عاذلي كفّ عن عذلي فبي قمر ... قد حجبوه عن الأبصار بالأسل
معقرب الصّدغ في تكوين صورته ... معنى يجلّ عن الإدراك بالمقل
ومنه:
من يكن شافعي إلى حنبليّ ... هو والله مالكي لا محاله
حنفيّ بوصله عن كثب ... وعلى قتله أقام الدّلاله
بشهود من الجمال ثقات ... حسن القول منهم والعدالة
ناظر فاتر وطرف كحيل ... وجبين هاد ودمع أساله
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (7) و «الوافي بالوفيات» (3/ 200- 202) و «فوات الوفيات» (3/ 392- 394) و «البداية والنهاية» (13/ 310) .(7/695)
قد تذلّلت إذ تذلّل حتّى ... صرت أهوى تذلّلي ودلاله
وطلبت الوصال منه فنادى ... مت بداء الهوى على كلّ حاله
قمر تخجل البدور لديه ... وغزال تغار منه الغزالة
رشأ بالجمال نبّئ فينا ... ثمّ أوحى إلى القلوب رسالة
أهيف بالجفون أسهر جفني ... كيف صبري وقد رأيت جماله
قد أمال القلوب قسرا لديه ... وإذا ماس فالنّسيم أماله
لامني فيه عاذلي وتعدّى ... أنا مالي وللعذول وماله
وتوفي في ثامن صفر.
وفيها البدر بن مالك أبو عبد الله محمد بن العلّامة جمال الدّين محمد بن عبد الله بن مالك الطّائي [الجيّاني] الشافعي [1] ، شيخ العربية، وقدوة أرباب المعاني والبيان. أخذ عن والده النّحو، واللّغة، والمنطق، وسكن بعلبك مدّة، ثم رجع إلى دمشق، وتصدّر للإشغال [2] بعد موت والده. وممن أخذ عنه القاضي بدر الدّين ابن جماعة، والشيخ كمال الدّين ابن الزّملكاني.
قال الذّهبي: كان إماما، ذكيا، فهما، حادّ الذّهن، إماما في النحو، إماما في علم [3] المعاني والبيان، والنظر، جيد المشاركة في الفقه والأصول وغير ذلك. وكان عجبا في الذكاء والمناظرة وصحّة الفهم. وكان مطبوع العشرة، وفيه لعب ومزاح.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (7) و «الوافي بالوفيات» (1/ 204- 205) ولفظة «الجيّاني» مستدركة منهما، و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 98) و «النجوم الزاهرة» (7/ 373) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 257- 258) .
[2] في «آ» : «للاشتغال» وما جاء في «ط» موافق لما في «الوافي بالوفيات» .
[3] لفظة «علم» لم ترد في «ط» .(7/696)
وقال الشيخ تاج الدّين: كان قد تفرّد بعلم [1] العربية، خصوصا معرفة كلام والده. وكان له مشاركات في العلوم، وكان صحيح الذهن، جيد الإدراك، حديد النّفس.
توفي بدمشق في المحرم من قولنج كان يعتريه كثيرا.
قال الذهبي: ولم يتكهل.
وقال غيره [2] : توفي كهلا.
وقال ابن حبيب: توفي عن نيف وأربعين سنة، ودفن بباب الصغير.
ومن تصانيفه شرح «ألفية» والده، وهو شرح [3] في غاية الحسن، و «المصباح في المعاني والبيان» وكتاب في العروض، وشرح غريب تصريف ابن الحاجب، وشرح «لامية» والده التي في الصّرف.
وفيها أبو صادق جمال الدّين محمد بن الشيخ الحافظ رشيد الدّين أبي الحسين [4] يحيى بن علي القرشي المصري العطّار [5] . سمع من محمد ابن عماد، وابن باقا، وطائفة. وكتب، وخرّج «الموافقات» ، وتوفي في ربيع الآخر عن بضع وستين سنة.
__________
[1] في «آ» : «في علم» .
[2] القائل السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» .
[3] لفظة «شرح» سقطت من «آ» .
[4] في «آ» : «الحسن» .
[5] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (8) و «حسن المحاضرة» ص (1/ 383) .(7/697)
سنة سبع وثمانين وستمائة
فيها توفي شرف الدّين أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي [1] الحنبلي الفرضي [2] بقية السّلف.
ولد في رابع عشر المحرّم سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من الشيخ الموفق، وهو جدّه لأمّه وعمّ أبيه، ومن البهاء عبد الرحمن، وابن أبي لقمة، وابن اللّتي [3] ، وابن صصرى، وغيرهم. وأجاز له ابن الحرستاني، وجماعة.
وتفقه على التّقي بن العزّ. وكان شيخا، صالحا، زاهدا، عابدا، ذا عفّة وقناعة باليسير، وله معرفة بالفرائض، والجبر، والمقابلة. وله حلقة بالجامع المظفّري بقاسيون يشغل بها احتسابا بغير معلوم. وانتفع به جماعة، وحدّث وروى عنه جماعة، وتوفي ليلة الثلاثاء خامس المحرّم، ودفن من الغد عند جدّه الموفق.
وفيها الشيخ إبراهيم بن معضاد أبو إسحاق الجعبريّ [4] الزّاهد الواعظ المذكّر. روى عن السّخاوي، وسكن القاهرة، وكان لكلامه وقع في
__________
[1] لفظة «المقدسي» سقطت من «ط» .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (8) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318- 319) .
[3] في «آ» و «ط» : «وابن البن» وهو خطأ، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف.
[4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (11) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 123- 124) و «حسن المحاضرة» (1/ 523) و «طبقات الأولياء» ص (412- 413) .(7/698)
القلوب لصدقه وإخلاصه، وصدعه بالحقّ. وكان شافعيا.
قال السبكيّ في «الطبقات» : الشيخ الصّالح المشهور بالأحوال والمكاشفات. تفقه على مذهب الشّافعي، وسمع الحديث بالشام من أبي الحسن السّخاوي، وقدم القاهرة وحدّث بها، فسمع منه شيخنا أبو حيّان وغيره. وكان يعظ الناس ويتكلم عليهم، ويحصل في مجلسه أحوال سنيّة.
وتحكى عنه كرامات باهرة.
وقال في «البدر السّافر» [1] : اشتهر عنه أنه قبيل وفاته ركب دابة وجاء إلى موضع يدفن فيه، وقال: يا قبير جاءك دبير، ولم يكن به مرض ولا علّة.
فتوفي بعيد ذلك.
وتوفي- رحمه الله- في الرابع والعشرين من المحرّم وقد جاوز الثمانين، ودفن بتربته بالحسينية.
وفيها الجمال ابن الحموي أبو العبّاس أحمد بن أبي بكر بن سليمان بن علي الدّمشقي [2] . حضر ابن طبرزد، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني. افترى على الحاكم ابن الصائغ بشهادة فأسقط لأجلها، ومات بدويرة حمد [3] في ذي الحجّة، وله سبع وثمانون سنة.
وفيها أبو إسحاق اللّوري [4] إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرّعيني الأندلسي المالكي [5] .
__________
[1] واسمه الكامل: «البدر السافر وتحفة المسافر» في الوفيات للإمام كمال الدّين جعفر بن تغلب الأدفوي، المتوفى سنة (729) هـ. انظر «كشف الظنون» (1/ 230) .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (9- 10) و «الوافي بالوفيات» (6/ 269- 270) .
[3] ذكر الصّفدي في «الوافي بالوفيات» أنها بدمشق.
[4] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «اللّوزي» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[5] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (10- 11) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (287)(7/699)
ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وحجّ، فسمع من ابن رواح وطبقته، وسكن دمشق، وقرأ الفقه، وتقدم في الحديث، مع الزّهد والعبادة والإيثار والصّفات الحميدة، والحرمة والجلالة. وناب في القضاء، ثم ولي مشيخة دار الحديث الظّاهرية، وتوفي في الرابع والعشرين من صفر بالمنيبع [1] .
وفيها سعد الخير بن أبي القاسم عبد الرحمن بن نصر بن علي أبو محمد النّابلسي ثم الدّمشقي الشّاهد [2] . سمع الكثير من ابن البنّ، وزين الأمناء، وطبقتهما. وتوفي في جمادى الآخرة، وله سبعون سنة.
وفيها الأديب الفاضل الحسن بن شاور الكناني [3] . عرف بابن النّقيب، الشّاعر المشهور.
من شعره:
أراد الظّبي أن يحكي التفاتك ... وجيدك قلت: لا يا ظبي فاتك
وفدّى [4] الغصن قدّك إذ تثنّى ... وقال: الله يبقي لي حياتك
فيا آس العذار فدتك نفسي ... وإن لم أقتطف بفمي نباتك
ويا ورد الخدود حمتك منّي ... عقارب صدغه فأمن [5] جناتك
ويا قلبي ثبتّ على التّجنّي ... ولم يثبت له أحد ثباتك
__________
و «مرآة الجنان» (4/ 204) و «النجوم الزاهرة» (7/ 378) .
[1] في «آ» و «ط» : «في الينبع» والتصحيح من «نص مستدرك من كتاب العبر» وانظر التعليق عليه.
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (11- 12) .
[3] انظر «فوات الوفيات» (1/ 324- 331) و «الوافي بالوفيات» (12/ 44- 53) و «حسن المحاضرة» (1/ 569) وفيه: «محمد بن الحسن بن شاور» .
[4] في «آ» و «ط» : «وقد» والتصحيح من «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» .
[5] في «آ» و «ط» : «فأمر» وهو خطأ والتصحيح من «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» .(7/700)
وله:
يا من أدار بريقه مشمولة ... وحبابها الثّغر النّقيّ الأشنب
تفّاح خدّك بالعذار ممسّك ... لكنّه بدم الخدود [1] مخضّب
وله:
وخود [2] دعتني إلى وصلها ... وعصر الشّبيبة عنّي ذهب
فقلت مشيبي ما ينطلي ... فقالت: بلى ينطلي بالذّهب
وله:
في النّاس قوم إذا ما أيسروا بطروا ... فأصلح الأمر أن يبقوا مفاليسا
لا تسأل الله إلّا في خمولهم ... فهم جياد إذا كانوا مناحيسا
وفيها ابن خطيب المزّة شهاب الدّين عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي ثم الدمشقي [3] ، نزيل القاهرة ومسندها. سمع في الخامسة من حنبل، وابن طبرزد. وكان فاضلا، ديّنا، ثقة. توفي في تاسع رمضان.
وفيها القطب خطيب القدس أبو الذّكاء عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم القرشي الزّهري العوفي النّابلسي. الشّافعي [4] ، المفتي المفسّر.
سمع من داود بن ملاعب، وأبي عبد الله بن البناء، وأجاز له أبو الفتح المندائي وطائفة، وتوفي في سابع رمضان، وله أربع وثمانون سنة.
وفيها ابن النّفيس العلّامة علاء الدّين علي ابن أبي الحزم القرشي
__________
[1] في «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» : «بدم القلوب» .
[2] تحرفت في «آ» إلى «وخدود» والخود: الفتاة الحسنة الخلق الشّابّة، وقيل الجارية الناعمة.
انظر «لسان العرب» (خود) .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (12) و «الوافي بالوفيات» (18/ 399) .
[4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (12) .(7/701)
الدمشقي الشّافعي [1] ، شيخ الطبّ بالدّيار المصرية، وصاحب التصانيف، ومن انتهت إليه معرفة الطبّ، مع الذكاء المفرط، والذّهن الخارق، والمشار إليه في الفقه، والأصول، والحديث، والعربية، والمنطق.
قال الذهبي: ألّف في الطب كتاب «الشّامل» وهو كتاب عظيم تدل فهرسته على أنه يكون ثلاثمائة مجلدة، بيّض منها ثمانين مجلدة [2] . وكانت تصانيفه يمليها من حفظه ولا يحتاج إلى مراجعة لتبحّره في الفنّ.
وقال السّبكي: صنّف شرحا على «التنبيه» وصنّف في أصول الفقه، وفي المنطق. وأما الطبّ فلم يكن على وجه الأرض مثله، قيل: ولا جاء بعد ابن سينا مثله. قالوا: وكان في العلاج أعظم من ابن سينا.
وقال الإسنويّ: إمام وقته في فنّه شرقا وغربا بلا مدافعة، أعجوبة فيه [3] ، وصنّف في الفقه وأصوله، وفي العربية، والجدل، والبيان، وانتشرت عنه التلامذة.
وقال في «العبر» : توفي في الحادي والعشرين من ذي القعدة، وقد قارب الثمانين، ووقف أملاكه وكتبه على المارستان المنصوري، ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها السيد الشّريف محمد بن نصير بن علي الحسيني [4] . كان فاضلا بارعا.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (13) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 305- 306) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 506- 507) و «البداية والنهاية» (13/ 313) و «الأعلام» (4/ 271- 272) .
[2] قال العلّامة الزركلي، رحمه الله تعالى، منه مجلد مخطوط ضخم في الظاهرية بدمشق.
[3] في «آ» : «أعجوبة فنّه» وفي «ط» : «أعجوبة دهره» وما أثبته من «طبقات الشافعية» .
[4] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.(7/702)
حكي عن عمر بن الحسن قال: رأيت إبليس في النّوم على كركدن يقوده بأفعى، فقال لي: يا عمر بن الحسن! سلني حاجتك، فدفعت إليه رقعة كانت معي فوقّع فيها:
ألم ير العاصي وأصحابه ... ما فعل الله بأهل القرى
بلى ولكن ليس من سفلة ... إلّا إذا استعلى أذلّ الورى
فليت أني متّ فيما مضى ... ولم أعش حتّى أرى ما أرى
وكلّ ذي خفض وذي رفعة ... لا بدّ أن يعلو عليه الثّرى
ثم ضرب كركدنّه ومضى لسبيله.
وروي عن الشّافعي، رضي الله عنه، قال: رأيت بالمدينة أربع عجائب، جدّة عمرها إحدى وعشرون سنة [1] ورجلا فلّسه القاضي في مدين من النّوى، وشيخا كبيرا يدور على بيوت القيان يعلّمهنّ الغناء، فإذا حضرت الصّلاة صلّى قاعدا، ورجلا يكتب بالشّمال أسرع مما يكتب باليمين.
وفيها النّجيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد بن علي الهمذانيّ ثم المصريّ [2] المحدّث أجاز له ابن طبرزد، وعفيفة، والكبار. وسمع من عبد القوي بن الحباب. وقرأ بنفسه على ابن باقا، ثم صار كاتبا في أواخر عمره، ومات في ذي القعدة.
وفيها شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان الأمويّ الإسكندرانيّ [3] . أجاز له أبو الفخر أسعد [بن سعيد] بن روح.
__________
[1] قلت: وذكر ذلك أيضا الإمام الرئيس المبارك بن الأثير الجزري. انظر «جامع الأصول» (12/ 56) بتحقيقي وإشراف والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى.
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (13- 14) و «حسن المحاضرة» (1/ 384) .
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 219- 220) وما بين الحاصرتين زيادة منه.(7/703)
وسمع من علي بن البناء، والحافظ ابن المفضّل وطائفة كثيرة، وعاش اثنتين وثمانين سنة.
وفيها الحاج ياسين المغربي الحجّام الأسود [1] . كان جرائحيا على باب الجابية. وكان صاحب كشف وحال. وكان النّووي- رحمه الله- يزوره ويتّلمذ له، وتوفي في ربيع الأول وقد قارب الثمانين.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (15) .(7/704)
سنة ثمان وثمانين وستمائة
في ربيع الأول نازل السلطان الملك المنصور مدينة طرابلس، ودام الحصار والقتال ورمي المجانيق الكبار، وحفر [1] النّقوب ليلا ونهارا، إلى أن افتتحها بالسّيف في رابع ربيع الآخر، وغنم المسلمون ما لا يوصف، وكان سورها منيعا قليل المثل، وهي من أحسن المدائن وأطيبها، فخرّبها وتركها خاوية على عروشها، ثم أنشؤوا مدينة على ميل من شرقيها، فجاءت رديئة الهواء والمزاج.
وفيها توفي الشيخ العماد أحمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الصالحي [2] .
ولد سنة ثمان وستمائة، وسمع من أبي القاسم ابن الحرستاني وجماعة، واشتغل وتفقه، ثم تمفقر وتجرّد، وصار له أتباع ومريدون أكلة [سطلة] بطلة. توفي يوم عرفة. قاله في «العبر» .
وفيها العلم ابن الصّاحب أبو العباس أحمد بن يوسف بن الصّاحب صفيّ الدّين بن شكر المصري [3] اشتغل، ودرّس، وتميّز، ثم تمفقر وتجرّد،
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وحضر» والتصحيح من «العبر» .
[2] انظر «العبر» (5/ 357) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الوافي بالوفيات» (6/ 218- 219) و «نكت الهميان» ص (92- 93) .
[3] انظر «العبر» (5/ 357) و «البداية والنهاية» (13/ 314- 315) و «النجوم الزاهرة» (7/ 387) .(7/705)
وأرسل طباعه واشتلق على بني آدم وعاشر الخمّارين [1] ، وله أولاد [2] رؤساء، ونوادره مشهورة، وزوائده حلوة. توفي في ربيع الآخر وقد شاخ. قاله في «العبر» أيضا.
ومن شعره في الحشيشة [3] :
في خمار الحشيش معنى مرامي ... يا أهيل العقول والأفهام
حرّموها من غير عقل ونقل ... وحرام تحريم غير الحرام
وفيها أبو العبّاس أحمد بن أبي محمد بن عبد الرزاق [المغازي] [4] .
قال الذهبي: هو أخو شيخنا عيسى المغازي [5] . روى عن موسى بن عبد القادر، والموفق وجماعة، وتوفي في ثاني ذي الحجّة عن ثمان وسبعين سنة. انتهى.
وفيها زينب بنت مكّي بن علي بن كامل الحرّاني [6] الشيخة المعمّرة العابدة، أمّ أحمد. سمعت من حنبل، وابن طبرزد، وستّ الكتبة، وطائفة. وازدحم عليها الطلبة، وعاشت أربعا وتسعين سنة، وتوفيت في شوال.
وفيها الفخر البعلبكّي المفتي أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر الحنبلي [7] الفقيه المحدّث الزاهد.
__________
[1] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «الحمارى» فلتصحح من هنا.
[2] تحرفت في «ط» إلى «أولاء» .
[3] البيتان في «البداية والنهاية» (13/ 314) .
[4] انظر «العبر» (5/ 357- 358) .
[5] سترد ترجمته في وفيات سنة (704) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى.
[6] انظر «العبر» (5/ 358) و «مرآة الجنان» (4/ 207) و «النجوم الزاهرة» (7/ 382) .
[7] انظر «العبر» (5/ 358) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 319- 320) .(7/706)
ولد سنة إحدى عشرة وستمائة ببعلبك، وقرأ القرآن على خاله صدر الدّين عبد الرحيم بن نصر قاضي بعلبك.
وسمع الحديث من أبي المجد القزويني، والبهاء المقدسي، وابن اللّتي، والنّاصح ابن الحنبلي، وخلائق.
وتفقه على تقي الدّين أحمد بن العزّ، وغيره. وحفظ كتاب «علوم الحديث» وعرضه من حفظه على مؤلّفه الحافظ تقي الدّين بن الصّلاح. وقرأ الأصول وشيئا من الخلاف على السّيف الآمدي، وقرأ النّحو على أبي عمرو بن الحاجب وغيره، وصحب الشيخ الفقيه اليونيني، وإبراهيم البطائحي، والنّووي، وغيرهم. وكان اليونيني يحبه ويقدّمه على أولاده.
وتخرّج به جماعة من الفقهاء. وكان دائم [1] البشر، يحب الخمول ويؤثره، ويلازم قيام الليل من الثلث الأخير، ويتلو بين العشاءين، ويصوم الأيام البيض، وستة من شوال، وعشر ذي الحجّة، والمحرّم، ولا يخلّ بذلك. ذكر ذلك ولده الشيخ شمس الدّين [2] ، وقال: ولقد أخبر بأشياء فوقعت كما قال لخلائق، ولقد قال لي في صحته وعافيته: أنا أعيش عمر الإمام أحمد، لكن شتّان ما بيني وبينه، فكان كما قال.
وقال ابن اليونيني: كان رجلا، صالحا، زاهدا، عابدا، فاضلا، وهو من أصحاب والدي، اشتغل عليه وقدّمه يصلي به في مسجد الحنابلة. رافقته في طريق مكّة، فرأيته قليل المثل في ديانته، وتعبّده، وحسن أوصافه. وكان من خيار الشيوخ علما، وعملا، وصلاحا، وتواضعا، وسلامة صدر وحسن سمت، وصفاء قلب، وتلاوة قرآن وذكر.
__________
[1] في «ط» : «كثير» .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف: «عزّ الدّين» .(7/707)
وقال البرزالي: كان من خيار المسلمين، وكبار الصّالحين.
توفي ليلة الأربعاء سابع رجب بدمشق، ودفن بالقرب من قبر الشيخ موفق الدّين.
وفيها الكمال بن النجّار محمد بن أحمد بن علي الدمشقي الشافعي [1] مدرس الدّولعيّة [2] وكيل بيت المال. روى عن ابن أبي لقمة وجماعة، وكان ذا بشر وشهامة. قاله في «العبر» .
وفيها شمس الدّين محمد ابن الشيخ العفيف التّلمساني سليمان بن علي [3] الكاتب الأديب. كان ظريفا، لعّابا، معاشرا، وشعره في غاية الحسن، منه:
يا من حكى بقوامه ... قدّ القضيب إذا التوى
ماذا أثرت على القلو ... ب من الصّبابة والجوى
ما أنت عندي والقضي ... ب اللّدنّ في حال سوا
هذاك حرّكه النّسي ... م وأنت حرّكت الهوى
ومنه:
إنّي لأشكو في الهوى ... ما راح يفعل خدّه
ما كان يعرف ما الجفا ... حتّى تفتّح ورده
وله في ذم الحشيشة:
ما في الحشيشة [4] فضل عند آكلها ... لكنّه غير مصروف إلى رشده
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 358) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 244) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الدولقية» .
[3] انظر «العبر» (5/ 359) و «البداية والنهاية» (13/ 315) و «الوافي بالوفيات» (3/ 129- 136) و «فوات الوفيات» (2/ 72- 76) و «النجوم الزاهرة» (7/ 381- 382) .
[4] في «البداية والنهاية» : «ما للحشيشة» .(7/708)
حمراء في عينه خضراء في يده ... صفراء في وجهه سوداء في كبده
توفي في رجب وله نحو ثلاثين سنة، ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها بن الكمال المحدّث الإمام شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد [السّعديّ] المقدسي الحنبلي [1] .
ولد في ليلة الخميس حادي عشر ذي الحجّة سنة سبع وستمائة بقاسيون، وحضر على ابن الحرستاني، والكندي، وسمع ابن ملاعب، والشيخ موفق الدّين، وخلقا، ولازم عمّه الحافظ الضّياء، وتخرّج به، وكتب الكثير، وعني بالحديث، وتمّم تصنيف «الأحكام» الذي جمعه عمّه الحافظ ضياء الدّين.
قال الذهبي: كان إماما، فقيها، محدّثا، زاهدا، عابدا، كثير الخير، له قدم راسخ في التّقوى، ووقع في النّفوس. متقللا من الدنيا، من سادات الشيوخ، علما، وعملا، وصلاحا، وعبادة.
حكي لي عنه: أنه كان يحفر مكانا في جبل الصّالحية لبعض شأنه، فوجد جرّة مملوءة دنانير، وكانت زوجته معه تعينه على الحفر، فاسترجع وطمّ المكان كما كان أولا، وقال لزوجته: هذه فتنة، ولعل لها مستحقين لا نعرفهم، وعاهدها على أنها لا تشعر بذلك أحدا، ولا تتعرّض إليه. وكانت صالحة مثله، فتركا ذلك تورّعا مع فقرهما وحاجتهما، وهذا غاية الورع والزّهد، وحدّث- رحمه الله- بالكثير نحوا من أربعين سنة، وسمع منه خلق كثير، وروى عنه جماعة من الأكابر.
وحدثنا عنه جماعة، منهم: ابن الخبّاز، وابن قيّم الضيائية.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 359) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 320- 322) ولفظة «السّعدي» زيادة منه، و «النجوم الزاهرة» (7/ 382) .(7/709)
وتوفي بعد العشاء الآخرة من ليلة الثلاثاء تاسع جمادى الأولى بمدرسة عمّه بالجبل، ودفن من الغد عند الشيخ موفق الدّين.
وفيها شمس الدّين الأصفهاني الأصوليّ المتكلم العلّامة أبو عبد الله محمد بن محمود بن محمد بن عباد العجلي [1] ينتهي نسبه إلى أبي دلف الشّافعي، نزيل مصر وصاحب التصانيف. شرح «المحصول» [2] وله كتاب «الفوائد في العلوم الأربعة» الأصلين، والخلاف، والمنطق. وكتاب «غاية المطلب» في المنطق، وله يد طولى في العربية والشعر.
ولد- رحمه الله- بأصفهان سنة ست عشرة وستمائة، وكان والده نائب السلطنة بأصفهان، واشتغل بأصفهان في جملة من العلوم في حياة أبيه، بحيث إنه فاق نظراءه، ثم لما استولى العدو على أصفهان. رحل إلى بغداد، فأخذ في الاشتغال في الفقه على الشيخ سراج الدّين الهرقلي، وبالعلوم على الشيخ تاج الدّين الأرموي، ثم ذهب إلى الرّوم إلى الشيخ أثير الدّين الأبهري، فأخذ عنه الجدل والحكمة، ثم دخل القاهرة، وولي قضاء قوص خلافة عن القاضي تاج الدّين ابن بنت الأعزّ، فباشره مباشرة حسنة. وكان مهيبا، قائما في الحقّ، وقورا في درسه، ودرّس بالشافعي، ومشهد الحسين، وأخذ عنه جماعة وتخرّج به المصريون، وقيل: إن ابن دقيق العيد كان يحضر درسه بقوص.
وتوفى في العشرين من رجب، وله اثنتان وسبعون سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 359- 360) و «البداية والنهاية» (13/ 315) و «النجوم الزاهرة» (7/ 382) .
[2] هو «المحصول في أصول الفقه» للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرّازي المتوفى سنة (606) هـ. انظر «كشف الظنون» (2/ 1615) .(7/710)
وفيها المهذّب بن أبي الغنائم [1] التّنوخي العدل الكبير زين الدّين [2] ، كاتب الحكم بدمشق.
ولد سنة ثمان عشرة وستمائة، وقرأ على السّخاوي، وسمع من مكرم، وتفقه، وانتهت إليه رئاسة الشروط ومعرفة عللها ودقائقها، وتوفي في رجب.
وفيها الملك المنصور محمود بن الملك الصّالح إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب [3] سلطنه أبوه بدمشق، وركب في أبّهة السلطنة سنة أربعين وستمائة، ولا زالت تتقلّب به الأحوال إلى أن صار يطلب بالأوراق.
قال ابن مكتوم: رأيته سلطانا ورأيته يستعطي، وكان شيخا مهيبا يلبس قباء وعمامة مدورة.
وفيها الجرائدي تقيّ الدّين يعقوب بن بدران بن منصور المصري [4] ، شيخ القراء. أخذ القراءات عن السّخاوي وغيره، وروى عن الزّبيدي وغيره، وتصدّر للإقراء، وتوفي في شعبان.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المهذب أبو الغنائم» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «العبر» (5/ 360) و «النجوم الزاهرة» (7/ 382) .
[3] انظر «البداية والنهاية» (13/ 315) .
[4] انظر «العبر» (5/ 360) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 690) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (287) و «حسن المحاضرة» (1/ 504) .(7/711)
سنة تسع وثمانين وستمائة
فيها توفي نجم الدّين بن الشيخ قاضي القضاة أبو العبّاس أحمد بن شيخ الإسلام شمس الدّين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصّالحي الحنبلي [1] .
ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وستمائة، وسمع الحديث، ولم يبلغ أوان الرواية. وتفقه على والده، وولي القضاء في حياة والده بإشارته.
قال البرزالي: كان خطيب الجبل، وقاضي القضاة، ومدرّس أكثر المدارس، وشيخ الحنابلة. وكان فقيها فاضلا، سريع الحفظ، جيد الفهم، كبير المكارم، شهما، شجاعا. ولي القضاء ولم يبلغ ثلاثين سنة، فقام به [2] أتم قيام.
وقال غيره: درّس بدار الحديث الأشرفية بالسفح، وشهد فتح طرابلس مع السلطان الملك المنصور، وكان مليح البزّة، ذكيا، مليح الدروس. له قدرة على الحفظ، ومشاركة جيدة في العلوم، وله شعر جيد، منه:
آيات كتب الغرام أدرسها ... وعبرتي لا أطيق أحبسها
لبست ثوب الضّنى على جسدي ... وحلّة الصّبر لست ألبسها
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 360- 361) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 322- 323) .
[2] لفظة «به» سقطت من «ط» .(7/712)
وشادن ما رنا بمقلته ... إلّا سبى العالمين نرجسها
فوجهه جنّة مزخرفة ... لكن بنبل الحتوف يحرسها
وريقه خمرة معتّقة ... دارت علينا من فيه أكؤسها
يا قمرا أصبحت ملاحته ... لا يعتريها عيب يدنّسها
صل هائما إن جرت مدامعه ... تلحقها زفرة تيبّسها
توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى بمنزله بقاسيون، ودفن عند أبيه وجدّه.
وفيها ابن عزّ القضاة فخر الدّين أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمد الدمشقي الزّاهد [1] .
ولد سنة ثلاثين وستمائة، وخدم في الكتابة، وكان أديبا، شاعرا، ناسكا، زاهدا، خاشعا، مقبلا على شأنه، حافظا لوقته.
توفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من رمضان، وكانت له جنازة مشهودة.
وفيها خطيب المصلّى عماد الدّين أبو بكر عبد الله بن محمد بن حسّان بن رافع العامريّ [2] المعدّل. روى عن ابن البنّ، وزين الأمناء، وطائفة.
وتوفي في صفر، وله ثلاث وسبعون سنة.
وفيها الشّمس عبد الرحمن بن الزّين أحمد بن عبد الملك بن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 361) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (288) و «النجوم الزاهرة» (7/ 386) .
[2] انظر «العبر» (5/ 361) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (288) .(7/713)
عثمان بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير المقدسي ثم الصّالحي [1] ، الحنبلي المحدّث الزّاهد.
ولد في ذي القعدة سنة ست وستمائة بقاسيون، وسمع بدمشق من الكندي، وابن الحرستاني، وطائفة. وتفقّه بالموفق. ثم رحل. وأدرك الفتح بن عبد السلام وطائفة فأكثر، وأجاز له ابن طبرزد وغيره.
قال الذهبي: كان فقيها زاهدا [2] ، ثقة نبيلا من أولي العلم والعمل والصّدق والورع. حدّث بالكثير، وأكثر عنه ابن نفيس، والمزّي، والبرزالي وطائفة.
وتوفي يوم الاثنين تاسع عشري ذي القعدة بالسفح، ودفن بالقرب من قبر الشيخ أبي عمر.
وفيها خطيب دمشق جمال الدّين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الرّبعي الدمشقي الشّافعي المفتي [3] .
ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة. وسمع من ابن الصبّاح، وابن الزّبيدي، وجماعة. وناب في القضاء مدّة. وكان ديّنا، حسن السّمت للناس، فيه عقيدة كبيرة. مات في جمادى الأولى.
وفيها النّور بن الكفتي أبو الحسن علي بن ظهير بن شهاب المصري [4] شيخ الإقراء بديار مصر. أخذ القراءات عن ابن وثيق وأصحاب
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 362) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 323- 324) .
[2] لفظة «زاهدا» سقطت من «آ» .
[3] انظر «العبر» (5/ 362) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (288) و «النجوم الزاهرة» (7/ 386) .
[4] انظر «العبر» (5/ 362) و «غاية النهاية» (1/ 547) .(7/714)
أبي الجود، وشهر بالاعتناء بالقراءات وعللها، وسمع من ابن الجمّيزي وغيره، مع الورع، والتّقى، والجلالة. توفي في ربيع الآخر.
وفيها الرّشيد الفارقي أبو حفص عمر بن إسماعيل بن مسعود الرّبعي الشّافعي الأديب [1] .
ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمع من الفخر ابن تيمية، وابن الزّبيدي، وابن باقا. وكان أديبا، بارعا، منشئا، بليغا، شاعرا مفلقا، لغويا محقّقا. درّس بالنّاصرية مدّة ثمّ بالظّاهرية، وتصدّر للإفادة. كتب رقعة إلى علي بن جرير، وأرسلها إلى القاسميّة مع رجل اسمه علي:
حسدت عليّا على كونه ... توجّه دوني إلى القاسميّه
وما بي شوق إلى قربه ... ولكن مرادي ألقى سميّه
خنق في بيته في رابع المحرّم بالظّاهرية وأخذ ماله.
ودرّس بعده علاء الدّين ابن بنت الأعزّ.
وفيها السّلطان الملك المنصور سيف الدّين أبو المعالي وأبو الفتح قلاوون التّركي الصّالحي النّجمي [2] . كان من أكبر الأمراء زمن الظّاهر، وتملّك في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة، وكسر التتار على حمص، وغزا الفرنج غير مرّة، وفتح طرابلس وما جاورها، وفتح حصن المرقب. وفي سنة ثمان وثمانين عمل في القاهرة بين القصرين تربة عظيمة ومدرسة كبيرة ومارستانا للمرضى، وكانت وفاته ظاهر القاهرة بالمخيّم، وقد عزم على الغزاة، فتوفي في سادس ذي القعدة، ودفن بتربته بين القصرين.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 363) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 286- 287) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 351- 352) .
[2] انظر «العبر» (5/ 363) و «البداية والنهاية» (13/ 317- 318) .(7/715)
وفيها سبط إمام الكلّاسة المحدّث المفيد بدر الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن النّجيب [1] شابّ ذكيّ، مليح الخطّ، صحيح النّقل، حريص على الطلب، عالي الهمّة. سمع من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وحدّث، وتوفي في صفر.
وفيها شمس الدّين أبو الفضائل محمد بن عبد الرزاق الرّسعني [2]- نسبة إلى رأس عين، بلد [3]- الحنبلي، كان شاعرا أديبا معدّلا. حدّث عن ابن القبيطي وغيره، وكان أحد الشهود بدمشق ويؤم بمسجد الرّمّاحين.
ومن شعره:
ولو أنّ إنسانا يبلّغ لوعتي ... ووجدي وأشجاني إلى ذلك الرّشا
لأسكنته عيني ولم أرضها له ... ولولا لهيب القلب أسكنته الحشا
وله:
أآيس من برّ وجودك واصل ... إلى كلّ مخلوق وأنت كريم
وأجزع من ذنب وعفوك شامل ... لكلّ الورى طرّا وأنت رحيم
وأجهد في تدبير حالي جهالة ... وأنت بتدبير الأنام حكيم
وأشكو إلى نعماك ذلّي وحاجتي ... وأنت بحالي يا عزيز عليم
غرق- رحمه الله- بنهر الشّريعة من الغور [4] في جمادى الآخرة.
وفيها محمد بن عون الدّين يحيى بن شمس الدّين علي بن عز الدّين محمد بن الوزير عون الدّين بن هبيرة [5] نزيل بلبيس بها، وكان
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 363) .
[2] انظر «العبر» (5/ 364) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 324) .
[3] قوله: «نسبة إلى رأس عين بلد» سقط من «آ» .
[4] يعني غور الأردن.
[5] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من المصادر.(7/716)
ناظرا على ديوانها. حدّث عن الدّاهري، ونصر بن عبد الرزاق، وابن اللّتي.
وسمع من الحارثي، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم. وكان فاضلا، له شعر حسن.
وفيها ابن المقدسي ناصر الدّين محمد بن العلّامة المفتي شمس الدّين عبد الرحمن بن نوح الشّافعي الدمشقي [1] . تفقّه على أبيه، وسمع من ابن اللّتي، ودرّس بالرّواحيّة، وتربة أمّ الصّالح، ثم داخل الدولة.
وولي وكالة بيت المال، ونظر الأوقاف فظلم وعسف، وعدا طوره. ثم اعتقل بالعذراويّة فوجد مشنوقا بعد [أن] [2] ضرب بالمقارع وصودر.
توفي في ثالث شعبان، قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 364) و «النجوم الزاهرة» (7/ 386) .
[2] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «المنتخب» لابن شقدة (196/ ب) و «العبر» .(7/717)
سنة تسعين وستمائة
فيها ولله الحمد والمنّة فتح ما كان بأيدي النّصارى من بلاد الشّام ولم يبق لهم بها حصن ولا معقل.
وفيها توفي الشيخ الخابوري خطيب حلب ومقرئها ونحويّها الإمام شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن الزّبير الحلبي [1] صاحب النّوادر والظّرف. سمع بحرّان من فخر الدّين ابن تيميّة، وبحلب من ابن الأستاذ، وببغداد من ابن الدّاهري، وبدمشق من ابن صباح، وقرأ القراءات على السّخاوي. وتوفي في المحرّم وقد قارب التسعين.
وفيها السّويديّ الحكيم العلّامة شيخ الأطباء عزّ الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي [2] .
ولد سنة ستمائة، وسمع من الشّمس العطّار، وابن ملاعب، وطائفة.
وتأدّب على ابن معطي، وأخذ الطبّ عن المهذب الدّخوار [3] وبرع في الطبّ، وصنّف فيه، وفاق الأقران، وكتب الكثير بخطّه المليح، ونظر في
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 365- 366) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (288) و «النجوم الزاهرة» (8/ 33) .
[2] انظر «العبر» (5/ 366) و «الوافي بالوفيات» (6/ 123- 125) .
[3] هو عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي، المعروف بالمهذّب أو مهذّب الدّين الدّخوار.
وقد مضت ترجمته في وفيات سنة (628) من هذا المجلد، ص (224) .(7/718)
العقليات، وألّف كتاب «الباهر في الجواهر» وكتاب «التذكرة» في الطب، وتوفي في شعبان.
وفيها أرغون بن أبغا بن هولاكو [1] ، صاحب العراق وخراسان وأذربيجان. تملّك بعد عمّه الملك أحمد، وكان شهما مقداما، كافر النّفس، شديد البأس، سفّاكا للدّماء، عظيم الجبروت. هلك في هذا العام، فيقال:
إنه سمّ، فاتهمت المغل وزيره سعيد الدولة اليهودي بقتله، فمالوا على اليهود قتلا ونهبا وسبيا. قاله في «العبر» .
وفيها إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي الصّالحي [2] . روى عن موسى بن عبد القادر وجماعة، وتوفي في رجب.
وفيها سلامش الملك العادل بدر الدّين، ولد الملك الظّاهر بيبرس الصّالحي [3] ، الذي سلطنوه عند خلع أخيه السعيد، ثم نزعوه بعد ثلاثة أشهر، وبقي خاملا بمصر، فلما تسلطن الأشرف أخذه وأخاه الملك خضر وأهلهم، وجهّزهم إلى مدينة اسطنبول بلاد الأشكري فمات بها وله نحو من عشرين سنة. وكان مليح الصّورة، رشيق القدّ، ذا عقل وحياء.
وفيها التّلمساني عفيف الدّين سليمان بن علي بن عبد الله بن علي [4] . الأديب الشّاعر، أحد زنادقة الصّوفية، وقيل له مرّة: أأنت نصيريّ [5] ؟ فقال: النّصيريّ بعض مني.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 366) و «البداية والنهاية» (13/ 324) وفي «آ» و «ط» : «هلاكو» مكان «هولاكو» .
[2] انظر «العبر» (5/ 366- 367) .
[3] انظر «العبر» (5/ 367) و «البداية والنهاية» (13/ 326) .
[4] انظر «العبر» وما بين الحاصرتين زيادة منه (5/ 367) و «البداية والنهاية» (13/ 326) .
[5] تحرفت في «ط» إلى «نصير» .(7/719)
وأما شعره ففي الذّروة العليا من حيث [البيان و] البلاغة لا من حيث الاتحاد.
توفي في خامس رجب، وله ثمانون سنة. قاله في «العبر» .
وقال الشيخ عبد الرّؤف المناوي: أثنى عليه ابن سبعين، وفضّله على شيخه القونوي، فإنه لما قدم شيخه القونوي رسولا إلى مصر، اجتمع به ابن سبعين لما قدم من المغرب، وكان التّلمساني مع شيخه القونوي، قالوا لابن سبعين: كيف وجدته؟ - يعني في علم التوحيد- فقال: إنه من المحقّقين، لكن معه شابّ أحذق منه، وهو العفيف التّلمساني.
والعفيف هذا من عظماء الطّائفة القائلين بالوحدة المطلقة.
وقال بعضهم: هو لحم خنزير في صحن صيني، وأنه يدرج السّمّ القاتل في كلامه لمن لا فطنة له بأساس قواعده.
ورموه بعظائم من الأقوال والأفعال، وزعموا أنه كان على قدم شيخ شيخه [1] في أنه لا يحرّم فرجا، وأن عنده إن ما ثم غيره ولا سوى بوجه من الوجوه، وأن العبد إنما يشهد السوي إذا كان محجوبا، فإذا انكشف حجابه ورأى أنّ ما ثم غيره تبين له الأمر، ولهذا كان يقول: نكاح الأم والبنت والأجنبية واحد، وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا حرام علينا، فقلنا حرام عليكم.
وذكروا أنه دخل على أبي حيّان، فقال له: من أنت؟ قال: العفيف التّلمساني، وجدّي من قبل الأم ابن سبعين، فقال: إي والله عريق أنت في لإلهية يا كلب يا بن الكلب.
وأكثروا من نقل هذا الهذيان في شأنه وشأن شيخه وشيخ شيخه، ولم
__________
[1] في «ط» و «المنتخب» : «على قدم شيخه» .(7/720)
يثبت عنهم شيء من ذلك بطريق معتبر. نعم هم قائلون بأن واجب الوجود هو الوجود المطلق، ومبنى طريقهم على ذلك. انتهى كلام المناوي ملخصا.
وقال غيره: له عدة تصانيف، منها «شرح أسماء الله الحسنى» و «شرح مواقف النّفّري» [1] ، وشرح «النّصوص» وغير ذلك. وله ديوان شعر.
وقال الشيخ برهان الدّين بن الفاشوشة الكتبي: دخلت عليه يوم مات، فقلت له: كيف حالك؟ قال: بخير، من عرف الله كيف يخاف، والله مذ عرفته ما خفته وأنا فرحان بلقائه.
ومن شعره:
إن كان قتلي في الهوى يتعيّن ... يا قاتلي فبسيف طرفك أهون
حسبي وحسبك أن تكون مدامعي ... غسلي وفي ثوب السّقام أكفّن
عجبا لخدّك وردة في بانة ... والورد فوق البان ما لا يمكن
أدنته لي سنة الكرى فلثمته ... حتّى تبدّل بالشّقيق السّوسن
ووردت كوثر ثغره فحسبتني ... في جنّة من وجنيته أسكن
ما راعني إلّا بلال الخال من ... خدّيه في صبح الجبين يؤذّن
وفيها تاج الدّين الفركاح، فقيه الشام، شيخ الإسلام، أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري الدمشقي الشافعي [2] .
ولد في ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة، وسمع من ابن الزّبيدي، وابن اللّتي، وابن الصّلاح، والسّخاوي، وخلائق.
__________
[1] تصحفت في «ط» إلى «النفزي» وهو محمد بن عبد الجبّار النّفّري، أبو عبد الله، عالم متصوف. مات سنة (354) وكتاب «المواقف» مطبوع. انظر «الأعلام» (6/ 184) الطبعة الرابعة.
[2] انظر «العبر» (5/ 367- 368) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 287- 289) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 222- 226) .(7/721)
وتفقه على الإمامين ابن الصّلاح، وابن عبد السّلام.
وبرع في المذهب وهو شابّ، وجلس للإشغال وله بضع وعشرون سنة، وكتب على الفتاوى وله ثلاثون سنة. وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار.
قال القطب اليونيني: انتفع به جمّ غفير، ومعظم قضاة الشّام وما حولها وقضاة الأطراف تلامذته. وكان- رحمه الله- عنده من الكرم المفرط وحسن العشرة، وكثرة الصّبر والاحتمال، وعدم الرغبة في التّكثّر من الدنيا، والقناعة والإيثار، والمبالغة في اللّطف، ولين الكلمة والأدب، ما لا مزيد عليه.
وقال الذهبي: فقيه الشام، درّس وناظر وصنّف، وانتهت إليه رئاسة المذهب في الدّنيا، كما انتهت إلى ولده برهان الدّين. وكان من أذكياء العالم، وممن بلغ رتبة الاجتهاد. ومحاسنه كثيرة، وهو أجلّ ممن [1] ينبّه عليه مثلي.
وكان- رحمه الله- يلثغ بالراء، فسبحان من له الكمال. وكان لطيف اللّحية، قصيرا، حلو الصّورة، مفركح السّاقين: ولهذا قيل له: الفركاح.
وقال ابن قاضي شهبة: كان أكبر من النّووي بسبع سنين، وكان أفقه نفسا، وأزكى قريحة، وأقوى مناظرة، من الشيخ محيي الدّين [2] ، وأكثر محفوظا منه. وكان قليل المعلوم كثير البركة، وكان مدرّس البادرائية، ولم يكن بيده سواها.
وقال الذهبي: جمع تاريخا مفيدا، وصنّف التصانيف، رأيته وسمعت كلامه في حلقة إقرائه مدّة، وكان بينه وبين النّووي- رحمهما الله- وحشة.
توفي بالبادرائية في خامس جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب الصغير.
__________
[1] ويقال أيضا: «وهو أجلّ من أن ... » .
[2] يعني النووي رحمه الله تعالى.(7/722)
وفيها الأبهري القاضي، شمس الدّين، عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع الشّافعي [1] .
ولد بأبهر- وهي بالباء الموحدة السّاكنة، مدينة نحو يوم من قزوين- سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وسمع من ابن روزبه وابن الزّبيدي، وطائفة.
وأجاز له أبو الفتح المندائي، والمؤيد ابن الإخوة، وخلق. وسمع منه الحافظ المزّي.
وتوفي في شوال بدمشق بالخانقاه الأسدية.
وفيها الفخر بن البخاري مسند الدّنيا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السّعدي المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] .
ولد في آخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وسمع من حنبل، وابن طبرزد، والكندي، وخلق. وأجاز له أبو المكارم اللبّان، وابن الجوزي، وخلق كثير. وطال عمره، ورحل الطلبة إليه من البلاد، وألحق الأسباط بالأجداد في علو الإسناد. قاله في «العبر» .
وقال ابن رجب في «طبقاته» : تفرّد في الدّنيا بالرواية العالية. وتفقه على الشيخ موفق الدّين، وقرأ عليه «المقنع» وأذن له في إقرائه، وصار محدّث الإسلام وراويته. روى الحديث فوق ستين سنة، وسمع منه الأئمة الحفّاظ المتقدّمون، وقد ماتوا قبله بدهر. وخرّج له عمّه [3] الحافظ ضياء الدّين جزءا من عواليه. وحدّث به كثيرا، سمعناه من أصحابه.
وذكره عمر بن الحاجب في «معجم شيوخه» فقال: تفقه على والده،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 368) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 316) .
[2] انظر «العبر» (5/ 368- 369) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 325- 329) .
[3] في «آ» و «ط» : «عمّ» والتّصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/723)
وعلى الشيخ موفق الدّين، قال: وهو فاضل، كريم النّفس، كيّس الأخلاق، حسن الوجه، قاض للحاجة، كثير التّعصب- أي للحقّ- محمود السّيرة.
سألت عمّه الشيخ ضياء الدّين عنه، فأثنى عليه ووصفه بالفعل الجميل [1] والمروءة التّامّة.
وقال الفرضي في «معجمه» : كان شيخا، عالما، فقيها، زاهدا، عابدا، مسندا، مكثرا، وقورا، صبورا على قراءة الحديث، مكرما للطلبة، ملازما لبيته، مواظبا على العبادة، ألحق الأحفاد بالأجداد، وحدّث نحوا من ستين سنة، وتفرّد بالرواية عن شيوخ كثيرة.
وقال الذهبي: كان فقيها، عارفا بالمذهب، فصيحا، صادق اللهجة، يردّ على الطلبة، مع الورع والتّقوى والسّكينة والجلالة، زاهدا، صالحا، خيّرا، عدلا، مأمونا. وقال [2] : سألت المزّي عنه فقال: أحد المشايخ الأكابر والأعيان الأماثل، من بيت العلم والحديث، ولا نعلم أحدا حصل له من الحظوة في الرّواية في هذه الأزمان مثل ما حصل له.
قال شيخنا ابن تيميّة: ينشرح صدري إذا أدخلت ابن البخاري بيني وبين النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، في حديث.
قلت: وقد دخل بيني وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم، في أحاديث لا تحصى، منها:
الحديث المسلسل بالحنابلة الذي يقال له: «سلسلة الذّهب» [3] ولا يوجد حديث أصحّ منه، وهو ما حدّثني به أستاذي الشيخ أيوب بن أحمد بن أيوب، وكان حنبليا، ثم تحنّف، وهو سبط الشيخ موسى الحجاوي الحنبلي،
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بالخلق الجميل» .
[2] القائل الحافظ الذهبي.
[3] وقد جمع أحاديث سند هذه السلسلة الذهبية الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في جزء صغير، وقد حققه الدكتور عبد المعطي قلعجي ونشرته دار المعرفة ببيروت سنة (1406) هـ.(7/724)
قال: روينا عن الشيخ إبراهيم- يعني ابن الأحدب- قال: روينا بعموم الإذن إن لم يكن سماعا عن النّجم بن حسن الماتاني الحنبلي قال: ثنا أبو المحاسن يوسف بن عبد الهادي الحنبلي، ثنا جدّي أحمد بن عبد الهادي الحنبلي «ح» قال: ابن الماتاني: وأنبأنا أيضا محمد بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق، ثنا عبد الرحمن بن الطّحّان الحنبلي بقراءتي عليه، قالا: ثنا الصّلاح محمد بن أحمد بن أبي عمر الحنبلي، ثنا علي ابن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي المعروف بابن البخاري، ثنا حنبل بن عبد الله البغدادي الحنبلي، ثنا محمد بن الحصين الحنبلي، ثنا الحسن بن علي بن المذهب الحنبلي، ثنا أحمد بن جعفر القطيعي الحنبلي، ثنا عبد الله بن الإمام أحمد الحنبلي، ثنا إمام السّنّة وحافظ الأمّة الصّدّيق الثاني الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، إمام كل حنبليّ في الدّنيا، رضي الله عنه، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا مالك بن أنس، عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض» [1] . «ونهى عن النّجش» [2] و «نهى عن بيع حبل الحبلة» [3] و «نهى عن المزابنة» [4] . والمزابنة: بيع الرّطب بالتّمر كيلا، وبيع الكرم بالزّبيب كيلا» . انتهى، والله أعلم، وله الحمد والمنّة.
وقال الذهبي: وهو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمانية رجال ثقات.
__________
[1] رواه البخاري رقم (2032) في البيوع، باب لا يبع على بيع أخيه، ومسلم رقم (1412) في النكاح: باب تحريم الخطبة على الخطبة، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وانظر «جامع الأصول» (1/ 535) بتحقيقي.
[2] رواه البخاري ومسلم عن عبدان بن عمر رضي الله عنهما، وانظر «جامع الأصول» (1/ 506) .
[3] رواه البخاري ومسلم عن عبدان بن عمر رضي الله عنهما، وانظر «جامع الأصول» (1/ 488) .
[4] رواه البخاري ومسلم عن عبدان بن عمر رضي الله عنهما، وانظر «جامع الأصول» (1/ 476) .(7/725)
وقال ابن رجب: حدّث ببلاد كثيرة، بدمشق، ومصر، وبغداد، والموصل، وتدمر، والرّحبة، والحديثة، وزرع.
وتكاثرت عليه الطلبة من نحو الخمسين وستمائة، وازدحموا عليه بعد الثمانين، وروى عنه من الحفّاظ ما لا يحصى [1] ، منهم: ابن الحاجب، والزّكي المنذري، والرّشيد العطّار، والدّمياطي، وابن دقيق العيد، والحارثي، والشيخ تقي الدّين بن تيميّة. وبقيت طلبته وجماعته إلى نيّف وسبعين وسبعمائة، وهذه بركة عظيمة.
ومن شعره:
تكررت السّنون عليّ حتّى ... بليت وصرت من سقط المتاع
وقلّ النّفع عندي غير أني ... أعلّل بالرّواية والسّماع
فإن يك خالصا فله جزاء ... وإن يك مانعا فإلى ضياع
وله:
إليك اعتذاري من صلاتي قاعدا ... وعجزي عن سعي إلى الجمعات
وتركي صلاة الفرض في كلّ مسجد ... تجمّع فيه النّاس للصّلوات
فيا ربّ لا تمقت صلاتي ونجّني ... من النّار واصفح لي عن الهفوات
وتوفي- رحمه الله تعالى- ضحى يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الآخر، وصلّي عليه وقت الظهر بالجامع المظفّري، ودفن عند والده بسفح قاسيون، وكانت له جنازة مشهودة، شهدها القضاة والأمراء والأعيان، وخلق كثير.
وفيها ابن الزّملكاني الإمام المفتي علاء الدّين أبو الحسن [2]
__________
[1] في «ط» : «من لا يحصى» .
[2] قوله: «أبو الحسن» سقط من «ط» .(7/726)
علي بن العلّامة البارع كمال الدّين عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري السّماكي الدمشقي الشّافعي [1] مدرّس الأمينية.
توفي في ربيع الآخر، وقد نيّف على الخمسين.
سمع من خطيب مراد، والرّشيد العطّار، ولم يحدّث. قاله في «العبر» .
وفيها الفخر الكرخي [2] أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الشّافعي [3] ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالكرخ [4] . وتفقه بدمشق على ابن الصّلاح وخدمه مدّة. وسمع من البهاء عبد الرحمن، وابن الزّبيدي وطائفة، وليس ممن يعتمد عليه في الرّواية. توفي هو والفخر ابن البخاري في يوم واحد.
وفيها أبو محمد غازي الحلاوي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدّمشقي [5] . سمع من حنبل، وابن طبرزد، وعمّر دهرا، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر، وعاش خمسا وتسعين سنة. وتوفي في رابع صفر بالقاهرة.
وفيها الشّهاب بن مزهر الشيخ [6] أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن مزهر الأنصاري الدمشقي المقرئ [7] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 369) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 13) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الكرجي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 369) و «البداية والنهاية» (13/ 326) و «النجوم الزاهرة» (8/ 33) .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الكرج» .
[5] انظر «العبر» (5/ 369) و «النجوم الزاهرة» (8/ 32) .
[6] لفظة «الشيخ» لم ترد في «ط» .
[7] انظر «العبر» (5/ 370) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 706) .(7/727)
قرأ القراءات على السّخاوي وأقرأها، وكان فقيها، عالما، وقف كتبه بالأشرفية.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصّوري الصّالحي [1] .
ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني [2] وطائفة، وببغداد من أبي علي بن الجواليقي وجماعة. وأجاز له ابن طبرزد وجماعة. وكان آخر من سمع من الكندي موتا.
توفي في منتصف ذي الحجّة.
وفيها ابن المجاور نجم الدّين أبو الفتح يوسف ابن الصّاحب يعقوب بن محمد بن علي الشّيباني الدمشقي الكاتب [3] .
ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع من الكندي، وعبد الجليل بن مندويه وجماعة، وتفرّد برواية «تاريخ بغداد» عن الكندي.
وتوفي في الثامن والعشرين من ذي القعدة.
وكان ديّنا، ومصلّيا، إلّا أنه يخدم في المكس. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 370) و «النجوم الزاهرة» (8/ 33) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «ابن الخرستان» .
[3] انظر «العبر» (5/ 370) و «النجوم الزاهرة» (8/ 33) .(7/728)
سنة إحدى وتسعين وستمائة
فيها نازل السّلطان الملك الأشرف قلعة الرّوم وهي مجاورة لقلعة البيرة وأهلها نصارى من تحت طاعة التتار، فنصب عليها المجانيق، وجدّ في حصارها، وفتحت بعد خمسة وعشرين يوما في رجب.
وما أحسن ما قال الشّهاب محمود في كتاب «الفتح» : فسطا خميس الإسلام يوم السبت على أهل الأحد، فبارك الله للأمّة في سبتها وخميسها.
وفيها توفي الزّكي المعرّيّ إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن المغربي البعلي [1] الفقيه الحنبلي [2] ، الزّاهد العابد أبو إسحاق.
حضر على الشيخ الموفق، وسمع من البهاء عبد الرحمن وغيره، وتفقه، وحفظ «المقنع» وكان صالحا، عابدا، زاهدا، ورعا. اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه.
ذكره ابن اليونيني.
وقال الذهبي: كان من أعبد البشر.
توفي ليلة السبت سابع شوال ببعلبك، وله إحدى وثمانون سنة.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «البعلي» وفي «العبر» بطبعتيه: «البعلبكي» .
[2] انظر «العبر» (5/ 371) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 329) .(7/729)
وفيها ابن دبوقا المقرئ المحقّق أبو الفضل جعفر بن القاسم بن جعفر بن حبيش الرّبعي [1] الضّرير. قرأ القراءات على السّخاوي وأقرأها، وله معرفة متوسطة وشعر جيد. توفي في رجب. قاله في «العبر» .
وفيها سعد الدّين الفارقي الأديب البارع المنشئ أبو الفضل، سعد الله بن مروان الكاتب [2] .
قال الذهبي: هو أخو شيخنا زين، سمع من ابن رواحة، وكريمة، وطائفة. وكان بديع الكتابة معنى وخطا.
توفي في رمضان بدمشق وهو في عشر الستين.
وفيها السّيف عبد الرحمن بن محفوظ بن هلال الرّسعني [3] ، أحد الشهود تحت السّاعات.
كان عدلا، صالحا، ناسكا. روى عن الفخر ابن تيميّة وغيره، وأجاز له عبد العزيز بن منينا وجماعة، وتوفي في المحرّم عن بضع وثمانين سنة.
وفيها ابن صصرى العدل علاء الدّين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن أبي الفتح التّغلبي الدمشقي الضرير [4] . آخر من روى «صحيح البخاري» عن عبد الجليل بن مندويه، والعطّار. توفي في شعبان.
وفيها الخبّازي الإمام العلّامة جلال الدّين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخجندي الحنفي [5] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 372) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) .
[2] انظر «العبر» (5/ 372) و «النجوم الزاهرة» (8/ 36) .
[3] انظر «العبر» (5/ 372) و «النجوم الزاهرة» (8/ 36) .
[4] انظر «العبر» (5/ 372- 373) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) .
[5] انظر «البداية والنهاية» (13/ 331) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 504- 505) و «الأعلام» (5/ 63) .(7/730)
كان فقيها، بارعا، زاهدا، ناسكا، عارفا بالمذهب. صنّف في الفقه والأصلين، وأفتى، ودرّس، ثم جاور بمكة سنة، ثم رجع إلى دمشق فدرّس بالخاتونية التي على الشّرف القبلي إلى أن توفي في آخر ذي الحجّة عن اثنتين وستين سنة، ودفن بالصّوفية [1] ، رحمه الله تعالى.
وفيها وكيل بيت المال، خطيب دمشق، زين الدّين أبو حفص عمر بن مكّي بن عبد الصّمد الشّافعي الأصولي المتكلم [2] . توفي في ربيع الأول.
وفيها العماد الصّائغ محمد بن عبد الرحمن بن ملهم القرشي الدمشقي [3] . روى عن ابن البنّ حضورا، وعن ابن الزّبيدي، وتوفي في شعبان عن بضع وسبعين سنة.
وفيها الصّاحب فتح الدّين محمد بن المولى محيي الدّين عبد الله بن عبد الظّاهر المصري الكاتب [4] الموقع. روى عن ابن الجمّيزي، وتوفي بدمشق في رمضان.
وفيها ابن أبي عصرون نور الدّين محمود بن القاضي نجم الدّين عبد الرحمن بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميمي [5] . روى عن المؤيد الطّوسي بالإجازة، وتوفي في رمضان.
__________
[1] يعني بمقبرة الصوفية.
[2] انظر «العبر» (5/ 373) و «البداية والنهاية» (13/ 331) .
[3] انظر «العبر» (5/ 373) .
[4] انظر «العبر» (5/ 373) و «البداية والنهاية» (13/ 331) .
[5] انظر «العبر» (5/ 373) .(7/731)
وفيها النّجم أبو بكر بن أبي العزّ [1] مشرف الكاتب الأديب، ويعرف بابن الحردان [2] .
كان لغويا، أخباريا، فصيحا، متقعّرا. له شعر جيد. توفي في صفر قاله في «العبر» .
__________
[1] في «آ» «العزيز» .
[2] انظر «العبر» (5/ 373) .(7/732)
سنة اثنتين وتسعين وستمائة
فيها سلّم صاحب سيس قلعة بهنسا للسلطان صفوا عفوا، وضربت البشائر في رجب.
وفيها توفي تقي الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي الصالحي [1] الفقيه الحنبلي الزّاهد، شيخ الإسلام، بركة الشّام، قطب الوقت.
ولد سنة اثنتين وستمائة، وسمع بدمشق من ابن الحرستاني، وابن البنّا، والشيخ موفق الدّين، وابن أبي لقمة، وخلق. ورحل في طلب الحديث والعلم. فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السّلام، وابن الجواليقي، وغيرهما. وبحلب من عبد الرحمن بن علوان. وبحرّان من أحمد بن سلامة. وبالموصل من أبي العزّ القسطلي.
وعني بالحديث، وقرأ بنفسه. وله إجازات من جماعات من الأصبهانيين والبغداديين. وتفقه في المذهب، وأفتى، ودرّس بالمدرسة الصّاحبة [2] بقاسيون نحوا من عشرين سنة، وبمدرسة الشيخ أبي عمر. وولي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 375) و «الوافي بالوفيات» (6/ 66- 67) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 329- 331) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 357) و (2/ 82- 83) . ولفظة «الصالحي» لم ترد في «ط» .
[2] ويقال لها أيضا «المدرسة الصاحبية» انظر فهارس «الدارس في تاريخ المدارس» .(7/733)
في آخر عمره مشيخة دار الحديث الظّاهرية. وكان من خير خلق الله تعالى علما، وعملا.
قال الذهبيّ: قرأت بخطّ العلّامة كمال الدّين ابن الزّملكاني في حقّه:
كان كبير القدر، له وقع في القلوب، وجلالة، ملازما للتعبّد ليلا ونهارا. قائما بما يعجز عنه غيره، مبالغا في إنكار المنكر، بايع نفسه فيه، لا يبالي على من أنكر. يعود المرضى، ويشيّع الجنائز، ويعظم الشّعائر والحرمات. وعنده علم جيد وفقه حسن. وكان داعية إلى عقيدة أهل السّنّة والسّلف الصّالح. مثابرا على السّعي في هداية من يرى فيه زيغا عنها.
وقال البرزالي: تفرّد بعلو الإسناد وكثرة الروايات والعبادة، ولم يخلّف [1] مثله.
توفي آخر نهار الجمعة في جمادى الآخرة، ودفن بتربة الشيخ موفق الدّين.
وفيها الفاضلي جمال الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي المقرئ [2] صاحب السّخاوي. ولي مشيخة الإقراء بتربة أمّ الصّالح مدّة. وسمع من ابن الزّبيدي وجماعة، وكتب الكثير. وتوفي في مستهل جمادى الأولى.
وفيها الأرموي الشيخ الزّاهد إبراهيم ابن الشيخ القدوة عبد الله [3] .
روى عن الشيخ الموفّق وغيره، وتوفي في المحرّم، وحضر جنازته الملوك والأمراء والقضاة. وحمل على الرؤوس. وكان صالحا، خيّرا، متقنا، قانتا لله تعالى.
__________
[1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ولم يخلق مثله» .
[2] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 703- 704) .
[3] انظر «العبر» (5/ 375) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) .(7/734)
وفيها أبو العبّاس أحمد بن علي بن يوسف الحنفي [1] المعدّل.
سبط عبد الحقّ بن خلف، ووالد قاضي الحصن. روى عن موسى بن عبد القادر والشيخ الموفق، وتوفي في صفر بنواحي البقاع.
وفيها ابن النّصيبي، الرئيس كمال الدّين أحمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي [2] . آخر من حدّث عن الافتخار الهاشمي، وثابت بن مشرف، وأبي محمد بن الأستاذ. توفي بحلب في المحرّم.
وفيها تقيّ الدّين أحمد بن أبي الطّاهر بن أبي الفضل المقدسي الصّالحي [3] شيخ صالح. روى عن الموفق، والقزويني، وتوفي في رجب.
وفيها صفية بنت الواسطي أخت الشيخ إبراهيم المذكور، أول هذه السنة، روت عن الموفّق، وابن راجح، وتوفيت في ذي الحجّة عن نيف وثمانين سنة.
وفيها محيي الدّين عبد الله بن عبد الظّاهر بن نشوان المصري الأديب [4] كاتب الإنشاء وأحد البلغاء المذكورين. توفي بمصر.
وفيها المكين الأسمر عبد الله بن منصور الإسكندراني [5] . شيخ القراء بالإسكندرية. أخذ القراءات عن أبي القاسم بن الصّفراوي، وأقرأ الناس مدّة.
وفيها التّقيّ عبيد بن محمد الإسعردي الحافظ [6] نزيل القاهرة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 374) .
[2] انظر «العبر» (5/ 374) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .
[3] انظر «العبر» (5/ 374) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) .
[4] انظر «العبر» (5/ 376) .
[5] انظر «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 460) .
[6] انظر «العبر» (5/ 376) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .(7/735)
سمع الكثير من أصحاب السّلفي، وخرّج لغير واحد، وتوفي في هذا العام، وكان ثقة.
وفيها السّيف عليّ بن الرّضى عبد الرحمن بن عبد الجبّار المقدسي الحنبلي [1] ، نقيب الشيخ شمس الدّين. سمع من ابن البنّ، والقزويني، وحضر موسى، والموفّق، وتوفي في شوال.
وفيها ابن الأعمى، صاحب «المقامة» البحرية كمال الدّين علي بن محمد بن المبارك [2] الأديب الشاعر. روى عن ابن اللّتي وغيره، وتوفي في المحرم عن سنّ عالية.
ومن شعره في حمّام ضيّق ليس فيه ماء بارد:
إن حمّامنا الذي نحن فيه ... قد أناخ العذاب فيه وخيّم
مظلم الأرض والسّما والنّواحي ... كلّ عيب من عيبه يتعلّم
حرج بابه كطاقة سجن ... شهد الله من يجز [3] فيه يندم
وبه مالك غدا خازن النّا ... ر بلى مالك أرقّ وأرحم
كلّما قلت قد أطلت عذابي ... قال لي أخسأ فيه ولا تتكلّم
قلت لما رأيته يتلظّى ... ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم
وفيها ابن فرقين الأمير ناصر الدّين علي بن محمود بن فرقين [4] .
أجاز له الكندي، وسمع من القزويني وغيره، وتوفي في شعبان.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 376) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .
[2] انظر «العبر» (5/ 376- 377) و «البداية والنهاية» (13/ 333) و «فوات الوفيات» (3/ 87- 92) .
[3] في «آ» و «ط» : «من يخر» وما أثبته من «فوات الوفيات» .
[4] انظر «العبر» (5/ 377) وفيه «قرقين» في الموضعين.(7/736)
وفيها ابن الأستاذ عز الدّين أبو الفتح عمر بن محمد بن الشيخ أبي محمد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي [1] ، مدرّس المدرسة الظّاهرية التي بظاهر دمشق. روى «سنن ابن ماجة» عن عبد اللّطيف، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ترجم [2] المصري. آخر من روى «جامع الترمذي» عن علي بن البنّاء.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 377) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 345) .
[2] انظر «العبر» (5/ 377) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .(7/737)
سنة ثلاث وتسعين وستمائة
فيها قتل الملك الأشرف صلاح الدّين خليل بن الملك المنصور سيف الدّين [1] ولي السلطنة بعد والده في ذي القعدة، سنة تسع وثمانين، وفتك به الأمير بيدرا [2] ، وذلك أنه جهّز العسكر مع وزيره إلى القاهرة، وتخلّى بنفسه ليخلو مع خاصيته بسبب الصّيد، وترك نائبه الأمير بيدرا [2] تحت الصّناجق، فلما كان وقت العصر وهو جالس بمفرده، قدم الأمير بيدرا [2] وصحبته جماعة من الأمراء، فقتلوا السلطان وحلفوا لبيدرا [3] وسلطنوه. ولقّب بالملك القاهر، وتوجهوا إلى مصر، فلقيهم الخاصكية ومقدّمهم الأمير زين الدّين كتبغا، فحملوا عليهم، فانهزم الأمير بيدرا [2] ، فأدركوه وقتلوه ومسكوا باقي الأمراء فقتلوهم، وأقاموا الملك النّاصر وحلفوا له، واستقرّ الشّجاعي وزيرا.
ومسك ابن السّلعوس [4] واستأصلوا أمواله، ومسكوا أقاربه وذويه، وكان قد أحضرهم من الشّام، فحلّت عليهم النّقمة، إلّا رجل واحد لم يحضر من الشام، وكتب إليه شعرا:
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 377- 378) و «البداية والنهاية» (13/ 334- 335) .
[2] في «آ» و «ط» : «بندار» والتصحيح من «العبر» و «البداية والنهاية» .
[3] في «آ» : «لبندرا» وفي «ط» : «البندرا» والتصحيح من «العبر» و «البداية والنهاية» .
[4] سترد ترجمته بعد قليل. انظر ص (741) .(7/738)
تنبّه يا وزير الأرض واعلم ... بأنّك قد وطئت على الأفاعي
وكن بالله معتصما فإنّي ... أخاف عليك من نهش الشّجاعي
فكان كما قال. فإنه مات من نهشة الشّجاعي، عاقبه إلى أن مات، ولم يجد لنهشه درياقا، ثم إن الشّجاعيّ عزم على قتل كتبغا، فركب عليه وحصره في القلعة. فقتله بعض مماليك السلطان، ورموا به إلى كتبغا، فسكنت الفتنة، وفرح الناس بموته وطافوا به في البلد، وتزايدت أفراح النّاس لما كان تعمّد من المظالم.
وفيها شمس الدّين أبو العبّاس أحمد بن الخليل بن سعادة المعروف بابن الخويي [1] نسبة إلى خوي- بضم الخاء المعجمة، وفتح الواو، بعدها ياء تحتية، وهي مدينة من أذربيجان، أعني إقليم تبريز-.
دخل خراسان. وقرأ الأصول على القطب المصري تلميذ الفخر الرّازي. وقرأ علم الجدل على علاء الدّين الطّوسي. وسمع بخراسان والشّام. وكان شافعيا، عالما، نظّارا، خبيرا بعلم الكلام والحكمة والطّبّ، كثير الصّلاة والصّيام. صنّف في الأصول، والنّحو، والعروض. وتولى قضاء الشّام، ومات بها سنة سبع وثلاثين وستمائة، ودفن بقاسيون [2] .
وأما ولده شهاب الدّين أحمد [3] قاضي البلاد الشّامية وابن قاضيها، فولد سنة ست وعشرين وستمائة ومات ولده وهو ابن إحدى عشرة سنة، فأقام
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 379) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 500- 501) .
[2] قوله: «ودفن بقاسيون» لم يرد في «ط» .
[3] في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة: «أحمد» وما جاء في «آ» موافق لما جاء في «العبر» (5/ 379) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 501) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 247) .(7/739)
بالعادلية، ولزم الاشتغال حتّى برع، وسمع الحديث، وحدّث، وصنّف كتبا، منها: «شرح الفصول» لابن معطي، ودرّس بالمدرسة الدّماغية، ثم ولي قضاء القدس، ثم انتقل إلى القاهرة في وقعة هولاكو [1] ، فتولى بها قضاء القاهرة والوجه البحري، ثم ولي قضاء الشام بعد القاضي شهاب الدّين بن الزّكي، فاجتمع الفضلاء إليه.
وكان عالما بعلوم كثيرة، وصنّف كتابا ضمّنه عشرين علما. وكان له اعتقاد سليم على طريقة السّلف، حسن الأخلاق والهيئة، كبير الوجه، أسمر، فصيح العبارة، مستدير اللّحية، قليل الشّيب، حسن الأخلاق.
توفي ببستان من بساتين دمشق يوم الخميس، الخامس والعشرين من شهر رمضان، سنة ثلاث وتسعين وستمائة. قاله الإسنوي.
وفيها ابن [2] مزير، المحدّث المفيد، تقيّ الدّين إدريس بن محمد التّنوخي الحموي [3] . روى عن ابن رواحة، وصفية بنت الحبقبق، وطبقتهما.
وعني بالحديث، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها إسحاق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكي الكتّاني المقرئ [4] .
روى عن البهاء عبد الرحمن، وتوفي بدمشق في ذي القعدة.
وفيها بكتوت العلائي الأمير الكبير بدر الدّين المنصوري [5] . توفي بمصر في جمادى الآخرة.
وفيها الملك الحافظ غياث الدّين محمد بن شاهنشاه بن صاحب
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] تحرفت في «ط» إلى: «ابن مزيد» .
[3] انظر «العبر» (5/ 378) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «تذكرة النبيه» (1/ 170) .
[4] انظر «العبر» (5/ 378) .
[5] انظر «العبر» (5/ 378) .(7/740)
بعلبك الأمجد بهرام شاه بن فرّوخ شاه [1] . روى «صحيح البخاري» عن ابن الزّبيدي، ونسخ الكثير بخطّه، وتوفي في شعبان.
وفيها الدّمياطي شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي عبد الله المقرئ [2] . أخذ القراءات عن السّخاوي، وتصدّر، واحتيج إلى علوّ روايته. وقرأ عليه جماعة، وتوفي في صفر، وله نيّف وسبعون سنة.
وفيها ابن السّلعوس الوزير الكامل مدبّر الممالك شمس الدّين محمد بن عثمان التّنوخي الدمشقي [3] . التّاجر الكاتب. ولي حسبة دمشق فأحسن السّيرة، واستصغرها النّاس عليه، فلم ينشب أن ولي الوزارة، ودخل دمشق في دست عظيم لم يعهد مثله. وكان قبل ذلك يكثر الصّيام والذّكر، فلما تولّى الوزارة تكبّر على النّاس، لا سيما الأمراء، وآذى الذي أوصله إلى السلطان. ومات في تاسع صفر بعد أن أنتن جسده من شدّة الضّرب، وقلع منه اللّحم الميت، نسأل الله العافية.
وفيها ابن التّنبّي [4] فخر الدّين محمد بن محمد بن عقيل الدمشقي الكاتب، صاحب الخطّ المنسوب. روى عن الشيخ الموفق وغيره، وتوفي في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 379) .
[2] انظر «العبر» (5/ 379) .
[3] انظر «العبر» (5/ 380) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «تذكرة النبيه» (1/ 173) .
و «النجوم الزاهرة» (8/ 53- 54) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (99/ آ) إلى «ابن التّيني» والتصحيح من «العبر» (5/ 380) و «تبصير المنتبه» (1/ 211) .(7/741)
سنة أربع وتسعين وستمائة
فيها توفي خطيب الخطباء، شرف الدّين أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي الشافعي [1] خطيب دمشق، ومفتيها، وشيخ الشافعية بها.
ولد سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وأجاز له أبو علي بن الجواليقي وطائفة، وسمع من السّخاوي، وابن الصّلاح، وتفقه على ابن عبد السّلام وغيره، وبرع في الفقه والأصول والعربية [وناب في الحكم مدّة، ودرّس بالشّاميّة والغزالية. وكتب الخطّ المنسوب الفائق. وألّف كتابا في الأصول] [2] .
وكان كيّسا [3] ، متواضعا، متنسّكا، ثاقب الذّهن، مفرط الذّكاء، طويل النّفس في المناظرة، أديبا، من محاسن الزّمان.
ومن شعره:
احجج إلى الزّهر واسع به ... وارم جمار الهمّ مستنفرا
من لم يطف بالزّهر في وقته ... من قبل أن يحلق قد قصّرا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 380- 381) و «البداية والنهاية» (13/ 341) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 204- 205) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318- 319) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «كتيسا» .(7/742)
وله لغز في ناعورة:
وما أنثى وليست ذات فحل ... وتحمل دائما من غير بعل
وتلقي كلّ آونة جنينا ... فيجري في الفلاة بغير رجل
وتبكي حين تلقيه عليه ... بصوت حزينة ثكلت بطفل
توفي- رحمه الله تعالى- في رمضان.
وفيها الفاروثي- بالفاء والراء والمثلثة، نسبة إلى فاروث قرية على دجلة- الإمام عزّ الدّين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي المقرئ الصّوفي [1] . شيخ العراق.
ولد بواسط في ذي القعدة، سنة أربع عشرة وستمائة. وقرأ القراءات على أصحاب ابن الباقلّاني. وسمع من عمر بن كرم وطبقته، وكان إماما، عالما، متفنّنا، متضلعا من العلوم والآداب، رحّالا، حريصا على العلم ونشره، حسن التّربية للمريدين. لبس الخرقة من السّهروردي، وجاور مدّة.
قال الذهبي: ثم قدم علينا في سنة إحدى وتسعين، فأقرأ القراءات، وروى الكثير، وولي الخطابة بعد ابن المرحّل. [ثمّ] عزل بعد سنة، فسافر مع الحجّاج، ودخل العراق، ومات بواسط في أول ذي الحجّة، وقد نيّف على الثمانين.
وفيها محبّ الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد، شيخ الحرم، الطّبري المكّي [2] .
ولد بمكّة في جمادى الآخرة، سنة خمس عشرة وستمائة. وسمع من
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 381- 382) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 691- 693) .
[2] انظر «العبر» (5/ 382) و «العقد الثمين» (3/ 61- 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 179) و «النجوم الزاهرة» (8/ 74) .(7/743)
جماعة، وأفتى، ودرّس [1] ، وتفقّه، وصنّف كتابا كبيرا إلى الغاية في الأحكام في ست مجلدات، وتعب عليه مدّة. ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن، وروى عنه الدّمياطي، وابن العطّار، وابن الخبّاز، والبرزالي، وجماعة.
قال الذهبي: الفقيه الزّاهد المحدّث. كان شيخ الشّافعية، ومحدّث الحجاز.
وقال غيره: له تصانيف كثيرة في غاية الحسن، منها في التفسير كتبا.
وشرح «التنبيه» وله كتاب «الرّياض النّضرة في فضائل العشرة» وكتاب «ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى» [2] وكتاب «السّمط الثّمين في مناقب أمهات المؤمنين» وكتاب «القرى في ساكن أمّ القرى» وغير ذلك.
توفي في جمادى الآخرة على الصحيح.
وحكى البرزالي: أن ولده توفي بعده في ذي القعدة. واسم ولده محمد ولقبه جمال الدّين [3] . وكان قاضيا بمكّة المشرّفة.
وفيها الجمال المحقّق أبو العبّاس [4] أحمد بن عبد الله الدمشقي [5] . كان فقيها، ذكيا، مناظرا، بصيرا بالطبّ، درّس وأعاد. وكان فيه لعب ومزاح.
توفي في رمضان عن نحو ستين سنة. روى عن ابن طلحة.
وفيها التّاج إسماعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي المصري
__________
[1] لفظ «درس» لم ترد في «آ» .
[2] وهو من خيرة الكتب في بابه، والنيّة متجهة إلى تحقيقه وتخريج أحاديثه إن شاء الله تعالى.
[3] انظر «العقد الثمين» (1/ 294- 296) .
[4] «أبو العبّاس» سقطت من «آ» وكذلك «الدمشقي» .
[5] انظر «العبر» (5/ 382) و «البداية والنهاية» (13/ 342) .(7/744)
المحدّث [1] . كان عالما جليلا. سمع من جعفر الهمداني، وابن المقيّر وهذه الطبقة، ومات فجأة في رجب.
وفيها أبو القاسم عبد الصّمد بن الخطيب عماد الدّين عبد الكريم بن القاضي جمال الدّين بن الحرستاني الشافعي.
كان صالحا، زاهدا، صاحب كشف وفيه تواضع ووله يسير. روى عن زين الأمناء، وابن الزّبيدي، وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وسبعون سنة.
وفيها ابن سحنون خطيب النّيرب، مجد الدّين، شيخ الأطباء. أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحنفي [2] . روى عن خطيب مردا يسيرا، وله شعر وفضائل، وتوفي في ذي القعدة. قاله في «العبر» .
وفيها اللّمتونيّ أبو الحسن علي بن عثمان بن يحيى الصّنهاجي الشوّاء ثم أمين السّجن [3] . سمع ابن غسّان، الزّبيدي، وطائفة. وتوفي في ذي القعدة، وقد نيّف على السبعين.
وفيها ابن البزوري [4] أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي [5] التّاجر. روى عن ابن القبّيطيّ [6] ، ووقف كتبه على تربته بسفح قاسيون.
وكان نبيلا، سريّا. جمع «تاريخا» ذيّل به على «المنتظم» . وتوفي في صفر عن ثلاث وستين سنة، وهو أبو الواعظ نجم الدّين.
وفيها ابن الحامض أبو الخطّاب محفوظ بن عمر بن أبي بكر بن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 382) و «طبقات الشافعية» (2/ 71- 73) .
[2] انظر «العبر» (5/ 383) و «البداية والنهاية) (13/ 341- 342) .
[3] انظر «العبر» (5/ 383) .
[4] تحرفت «البزوري» في «العبر» طبع بيروت إلى الزوري فلتصحح.
[5] انظر «العبر» (5/ 383- 384) .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القسطي» والتصحيح من «العبر» .(7/745)
خليفة البغدادي التّاجر [1] . روى عن ابن عبد السّلام الدّاهري وجماعة، وتوفي بمصر يوم الأضحى.
وفيها ابن العديم الصّاحب جمال الدّين أبو غانم محمد بن الصّاحب كمال الدّين عمر بن أحمد العقيلي الحلبي الفرضي [2] الكاتب.
سمع من ابن رواحة وطائفة، وببغداد ودمشق، وانتهت إليه رئاسة الخطّ المنسوب، وتوفي بحماة في أول أيام التشريق، وله ستون سنة.
وفيها قاضي نابلس جمال الدّين محمد بن القاضي نجم الدّين محمد بن القاضي شمس الدّين سالم بن صاعد القرشي المقدسي الشّافعي [3] . روى عن أبي علي الأوقي [4] وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة.
وفيها صاحب اليمن الملك المظفّر يوسف ابن الملك المنصور عمر بن رسول [5] . بقي في السّلطنة نيفا وأربعين سنة، وكان مستظهرا في الولاية، له مشاركة في العلوم، يحب العلماء، ويعتقد الصّالحين، محبّبا إلى الرعايا. صحبه في حجّته ستمائة فارس. ومن ظرفه أنه كتب إليه رجل: إنما المؤمنون إخوة وأخوك بالباب يطلب نصيبه من بيت المال. فأرسل إليه بدرهم وقال في جوابه: إخواني المؤمنون كثير في الدنيا، لو قسمت بيت المال بينهم ما حصل لكل واحد منهم درهم.
وكتب إليه إنسان أنا كاتب أحسن الخطّ الظّريف والكشط اللّطيف.
فقال: حسن كشطك يدلّ على كثرة غلطك.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 384) .
[2] انظر «العبر» (5/ 384) .
[3] انظر «العبر» (5/ 384) .
[4] في «آ» : «الأوني» .
[5] انظر «العبر» (5/ 384- 385) و «البداية والنهاية» (13/ 341) .(7/746)
واشتكى إليه ناظره على عدن أن عبد الله بن أبي بكر الخطيب أراق خمورهم فأجابه، هذا لا يفعله إلّا صالح أو مجنون، وكلاهما ما لنا معه كلام.
توفي سامحه الله تعالى في رجب.
وفيها الجوهري الصّدر نجم الدّين أبو بكر بن محمد بن عبّاس التّميمي الحنفي [1] صاحب المدرسة الجوهرية الحنفية بدمشق.
توفي في شوال ودفن بمدرسته عن سنّ عالية.
وفيها أبو بكر بن إلياس بن محمد بن سعيد الرّسعني الحنبلي [2] .
روى عن الفخر بن تيميّة، والقزويني، وتوفي بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الرّجال بن مرّي المنيني [3] الرّجل الصّالح القدوة، بركة الوقت. كان صاحب حال وكشف، وله عظمة في النّفوس. وكان له عشرة أولاد ذكور، فكنّي بأبي الرّجال. وكان تلميذ الشيخ جندل العجمي، رحمهما الله، توفي يوم عاشوراء بمنين عن نيّف وثمانين سنة، ودفن هناك.
وفيها أبو الفهم بن أحمد بن أبي الفهم السّلمي الدمشقي [4] . رجل مستور. روى عن الشيخ الموفّق وغيره، وتوفي في أحمد الرّبيعين، وله ثلاث وثمانون سنة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 385) و «البداية والنهاية» (13/ 341) وفيه: «محمد بن عيّاش» .
[2] انظر «العبر» (5/ 385) .
[3] انظر «العبر» (5/ 385) والمنيني: نسبة إلى بلدة منين قرب دمشق، وقد سقطت هذه الترجمة بتمامها من «العبر» المطبوع في بيروت.
[4] انظر «العبر» (5/ 385) و «النجوم الزاهرة» (8/ 77) .(7/747)
سنة خمس وتسعين وستمائة
استهلت وأهل الدّيار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط، حتّى أكلوا الجيف، وأخرج في اليوم الواحد ألف وخمسمائة جنازة، وكانوا يحفرون الحفائر الكبار ويدفنون فيها الجماعة الكثيرة [1] .
وفيها، كما قال الذهبي، قدم علينا شيخ الشيوخ صدر الدّين إبراهيم بن الشيخ سعد الدّين بن حمّوية الجويني [2] طالب حديث. فسمع الكثير، وروى لنا عن أصحاب المؤيد الطّوسي، وأخبر أن ملك التتار غازان بن أرغون [3] أسلم على يده بواسطة نائبه نوروز، وكان يوما مشهودا.
وفيها توفي نجم الدّين أبو عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان [4] بن شبيب بن حمدان [بن شبيب بن حمدان] بن محمود [5] بن غياث بن سابق ابن وثّاب النّميري الحرّاني الحنبلي [الفقيه] الأصولي القاضي [6] نزيل القاهرة وصاحب التصانيف.
__________
[1] انظر الخبر برواية أخرى عند ابن حبيب في «تذكرة النبيه» (1/ 184) .
[2] هو إبراهيم بن محمد بن سعد الدّين بن حمّويه الجويني، شيخ خراسان. مات سنة (722) انظر ترجمته ومصادرها في «الوافي بالوفيات» (6/ 141- 142) .
[3] انظر «النجوم الزاهرة» (8/ 212) .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن حمد» والتصحيح مصادر الترجمة.
[5] جملة «ابن شبيب» سقطت من «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 331- 332) و «تذكرة النبيه» (1/ 186) و «المنهل الصّافي» (1/ 291- 291) .
[6] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (16) و «(7/748)
ولد سنة ثلاث وستمائة بحرّان، وسمع الكثير بها من الحافظ عبد القادر الرّهاوي، وهو آخر من روى عنه. ومن الخطيب أبي عبد الله بن تيميّة وغيره. وسمع بحلب من الحافظ ابن خليل وغيره، وبدمشق من ابن عساكر، وابن صباح. وبالقدس من الأوقي [1] وغيره. وقرأ بنفسه وقرأ [2] على الشيوخ.
وجالس ابن عمّه الشيخ مجد الدّين بن تيميّة وبحث معه كثيرا. وبرع في الفقه. وانتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه وغوامضه. وكان عارفا بالأصلين والخلاف والأدب. وصنّف تصانيف كثيرة، منها: «الرعاية الصّغرى» و «الرعاية الكبرى» في الفقه. وكتاب «الوافي» و «مقدمة في أصول الدّين» وكتاب «صفة المفتي والمستفتي» وغير ذلك. وولي نيابة القضاء بالقاهرة.
وتفقّه به وتخرّج عليه جماعة كثيرة، وحدّث بالكثير، وعمّر وأسنّ وأضرّ.
وروى عنه الدّمياطي، والحارثي، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم.
وتوفي بالقاهرة يوم الخميس سادس صفر عن اثنتين وتسعين سنة.
وتوفي أخوه تقي الدّين شبيب [3] الأديب البارع الشّاعر المفلق الطّبيب الكحّال. في ربيع الآخر من هذه السنة أيضا، وهو في عشر الثمانين. سمع ابن روزبه وطائفة، وقد عارض «بانت سعاد» بقصيدة عظيمة منها:
مجد كبا الوهم عن إدراك غايته ... وردّ عقل البرايا وهو معقول
__________
[1] هو الشيخ الصالح الزاهد أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف الأوقي ويقال في نسبته «الأوهي» أيضا. انظر ترجمته وتعليقي عليها في ص (238) من هذا المجلد.
[2] سقطت من «ط» .
[3] هو شبيب بن حمدان بن شبيب ... بن وثّاب النّميري الحرّاني. انظر «الوافي بالوفيات» (16/ 107- 111) و «فوات الوفيات» (2/ 98- 100) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 332) و «حسن المحاضرة» (1/ 543) و «الأعلام» للزركلي (3/ 156) وقد دوّن وفاته سنة (675) وهو خطأ فليصحح.(7/749)
طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى ... له بطيب ثراها الجعد تقبيل
وله أيضا:
وافى يعلّلني واللّيل قد ذهبا ... فخلت من راحة في راحة ذهبا
ظبي إذا قهقه الإبريق وابتسمت ... له المدام بكى الرّاووق وانتحبا
مقرطق لم يقم بالكأس عرس هنا ... إلّا وراح بنور الرّاح مختضبا
بجلو على ابن غمام بكر معصرة ... فقم لتشهد أن العود قد خطبا
ما هزّ من قدّه العسّال في رهج ... إلّا غدا قلب جيش الهمّ مضطربا
وفيها الشيخ أبو العبّاس الدّاري أحمد بن عبد الباري الصّعيدي ثم الإسكندراني [1] المؤدب الرّجل الصّالح. قرأ القراءات على أبي القاسم بن عيسى وأكثر عنه، وعن الصّفراوي.
وتوفي في أوائل السنة، عن ثلاث وثمانين سنة [وألّف] [2] .
وفيها أبو الفضائل المنقذي أحمد بن عبد الرّحمن بن محمد الحسيني الدمشقي [3] خادم مصحف مشهد علي بن الحسين. روى عن ابن غسّان، وابن صبّاح وجماعة، وله حضور على ذرع بن فارس، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها الشّريف عزّ الدّين الحسيني نقيب الأشراف أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحلبي ثم المصري [4] . الحافظ المؤرّخ.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (17) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 693) و «المنهل الصّافي» (1/ 329) .
[2] لفظة «وألّف» لم ترد في «آ» و «العبر» مصدر المؤلف وانفردت بها «ط» وحدها ولم أقف على إشارة إلى أنه خلّف مصنفات في المصادر التي بين يدي.
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (17- 18) .
[4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (18) و «حسن المحاضرة» (1/ 357) .(7/750)
روى عن فخر القضاة أحمد بن الحباب. وأكثر عن أصحاب البوصيري، وعني بالحديث وبالغ. وتوفي في سادس المحرم.
وفيها قاضي الحنابلة الإمام شرف الدّين حسن بن الشّرف عبد الله بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي [1] .
ولد في شوال، سنة ثمان وثلاثين وستمائة. وسمع من المرسي، وابن مسلمة وغيرهم. وقرأ بنفسه على الكفرطابي. وتفقه وبرع في المذهب الحنبلي. وولي القضاء بعد نجم الدّين أحمد بن الشيخ وإلى أن مات.
قال البرزالي: كان قاضيا بالشام، على مذهب الإمام أحمد، ومدرسا بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون، وبمدرسة جدّه. وكان مليح الشكل، حسن المحاضرة، كثير المحفوظ.
وقال الذهبي: كان من أئمة المذهب.
توفي ليلة الخميس ثاني عشري شوال، ودفن بمقبرة جدّه بسفح قاسيون، وهو والد الشيخ شرف الدّين أبي العبّاس أحمد، المعروف بابن قاضي الجبل.
وفيها بنت الواسطي الزّاهدة العابدة أم محمد زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصّالحية [2] . قال الذهبي: روت لنا عن الشيخ الموفق، وتوفيت في المحرّم وقد قاربت التسعين.
وفيها ابن قوام العدل الصّالح كمال الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن قوام بن وهب الرّصافي ثم الدمشقي [3] . قال الذهبي:
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (19) و «تذكرة النبيه» (1/ 189) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 334) .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (19) و «مرآة الجنان» (4/ 228) .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (20) .(7/751)
حدثنا عن القزويني، وابن الزّبيدي، ومات فجأة في ذي القعدة، وله ثمانون سنة.
وفيها ابن رزين الإمام صدر الدّين عبد البرّ بن قاضي القضاة تقي الدّين محمد [1] .
قال الذهبي: كان إماما، شافعيا، فاضلا. درّس بالقيمرية بدمشق، ومات بها في رجب.
وفيها ابن بنت الأعزّ قاضي الدّيار المصرية، تقيّ الدّين عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدّين العلامي [2] الشافعي [3] .
قال الذهبي: توفي في جمادى الأولى كهلا، وولي بعده ابن دقيق العيد شيخنا.
وفيها ابن الفاضل الشيخ سعد الدّين عبد الرحمن بن علي بن القاضي الأشرف أحمد بن القاضي الفاضل [4] . سمع من عبد الصّمد الغضاري، وجعفر الهمداني فأكثر، وتوفي في رجب وقد قارب السبعين.
وفيها ابن الدّميري- نسبة إلى دميرة قرية بمصر- محيي الدّين عبد الرحيم بن عبد المنعم المصري [5] أخذ من الحافظ علي ابن المفضّل، وأبي طالب بن حديد [6] ، وأكثر عن الفخر الفارسي، وكان إماما فاضلا دينا.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (20- 21) و «الوافي بالوفيات» (18/ 31) و «مرآة الجنان» (4/ 228) .
[2] في «آ» و «ط» : «العلائي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (21) و «الوافي بالوفيات» (18- 179- 182) و «البداية والنهاية» (13/ 346) .
[4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (21) و «الوافي بالوفيات» (18/ 198) .
[5] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 385) .
[6] في «ط» : «ابن جويدة» .(7/752)
توفي في المحرّم وله تسعون سنة.
وفيها العلّامة سحنون أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الأوسي الدّكّالي- بفتح الدال المهملة وتشديد الكاف نسبة إلى دكالة بلد بالمغرب- المالكي المقرئ النّحوي [1] . قرأ القراءات على الصّفراوي.
وسمع منه ومن علي بن مختار [العامري] . وكان إماما، علّامة، ورعا فاضلا.
توفي في رابع شوال.
وفيها الجلال عبد المنعم بن أبي بكر بن أحمد الأنصاري المصري الشافعي [2] قاضي القدس، كان شيخا عالما ديّنا وقورا.
قال الذهبي: حدثنا عن ابن المقيّر. وتوفي بالقدس في ربيع الآخر.
وفيها سراج الدّين عمر بن محمد الورّاق المصري [3] . أديب الدّيار المصرية.
كان مكثرا، حسن التّصرّف.
فمن شعره قوله:
سألتهم وقد حثّوا المطايا ... قفوا نفسا فساروا حيث شاءوا
وما عطفوا عليّ وهم غصون ... ولا التفتوا إليّ وهم ظباء
وفيها الشّرف البوصيري صاحب البردة محمد بن سعيد [4] بن حمّاد الدلّاصي المولد، المغربي الأصل، البوصيري المنشأ.
__________
[1] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 694) و «الوافي بالوفيات» (18/ 157) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[2] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 385) .
[3] انظر «فوات الوفيات» (3/ 140- 146) و «النجوم الزاهرة» (8/ 83- 84) و «الأعلام» (5/ 63) .
[4] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 105- 113) و «حسن المحاضرة» (1/ 570) .(7/753)
ولد بناحية دلاص في يوم الثلاثاء أول شوال سنة ثمان وستمائة. وبرع في النّظم.
قال فيه الحافظ ابن سيّد النّاس: هو أحسن من الجزّار والورّاق. قاله السيوطي في «حسن المحاضرة» .
[وأقول: والأمر كما قال ابن سيّد النّاس ومن سبر شعره علم مزيّته.
وما أحسن قوله في افتتاح «ديوانه» :
كتب المشيب بأبيض في أسود ... بقضاء ما بيني وبين الخرّد
والله أعلم] [1] .
وفيها إمام مسجد البياطرة الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سلطان التّميميّ الحنفيّ الشّاهد.
قال الذهبي: حدثنا عن ابن صباح، وتوفي في ربيع الأول، وله ثلاث وثمانون سنة.
وفيها ابن [أبي] عصرون تاج الدّين محمد بن عبد السلام بن المطهّر بن عبد الله بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميمي الشّافعي [2] ، مدرس الشّامية الصّغرى.
ولد بحلب في أول سنة عشر وستمائة. وأجاز له المؤيد الطّوسي وطبقته. وسمع من أبيه وابن روزبه وجماعة. وروى الكثير. وكان خيّرا، متواضعا، حسن الإيراد للدرس. توفي في ربيع الأول.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 256- 257) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 303- 304) .(7/754)
وفيها الشيخ شرف الدّين الأرزوني الزّاهد محمد بن عبد الملك بن عمر اليونيني [1] .
كان صالحا عابدا مقصودا بالزيارة والتبرّك. توفي في بيت لهيا [2] .
وفيها ابن النحّاس الصّاحب العلّامة محيي الدّين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن إبراهيم الأسدي الحلبي الحنفي [3] .
روى عن الكاشغري، وابن الخازن. وكان من أساطين المذهب، وتولى الوزارة بالشّام في الدولة المنصورية، ولم يزل معظّما في جميع الدول، مشهورا بالأمانة، وتوفي بالمزّة في آخر السنة، وله إحدى وثمانون سنة وشهران.
وفيها الموفق أبو عبد الله محمد بن [أبي] العلاء بن علي بن مبارك الأنصاري النّصيبي الشّافعي المقرئ [4] . شيخ القرّاء والصّوفية ببعلبك. وقرأ القراءات على ابن الحاجب، والسّديد عيسى، وأقرأها مدّة. وله نظم رائق مات [5] في ذي الحجّة وقد قارب الثمانين.
قال الذهبي: عرضت عليه ختمة للسبعة [6] .
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (4/ 45) .
[2] في «ط» : «ببيت لهيا» .
[3] انظر «الجواهر المضية» (2/ 144- 145) طبعة حيدرآباد.
[4] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 710- 711) و «غاية النهاية» (2/ 244- 245) و «لحظ الألحاظ» لابن فهد الملحق ب «ذيل تذكرة الحفاظ» ص (92) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[5] في «ط» : «توفي» .
[6] وقال في «معرفة القراء الكبار» : «قرأت عليه للسبعة في نحو من خمسين يوما في سنة ثلاث وتسعين- يعني وستمائة- ورحل إليه قبلي علم الدين طلحة مقرئ حلب، فجمع عليه.
وأخذ عنه القراءات جماعة من أهل بعلبك وتخرّجوا به» .(7/755)
وفيها شرف الدّين التّاذفي- بالمثناة الفوقية والمعجمة والفاء، نسبة إلى تاذف [1] قرية قرب حلب- محمود بن محمد بن أحمد المقرئ [2] . كان عبدا صالحا قانتا لله تعالى، خائفا منه، تاليا لكتابه. روى عن ابن رواحة، وابن خليل، ومات بسفح قاسيون في رجب، وقد نيّف على السبعين.
وفيها ابن المنجّى العلّامة زين الدّين أبو البركات المنجّى بن عثمان بن أسعد بن المنجّى التّنوخي الدمشقي الحنبلي [3] . أحد من انتهت إليه رئاسة المذهب أصولا وفروعا، مع التبحّر في العربية، والنظر، والبحث، وكثرة الصّيام والصّلاة والوقار والجلالة.
ولد في عاشر ذي القعدة، سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وسمع من السّخاوي، وابن مسلمة، والقرطبي وجماعة. وتفقه على أصحاب جدّه وأصحاب الشيخ موفق الدّين. وقرأ الأصول على التّفليسي. والنّحو على ابن مالك. وبرع في ذلك كلّه. ودرّس وأفتى، وناظر وصنّف.
ومن تصانيفه: «شرح المقنع» في أربع مجلدات. و «تفسير» كبير للقرآن العظيم. وغير ذلك.
وسمع منه ابن العطّار، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم. وتوفي يوم الخميس رابع شعبان.
وتوفيت زوجته أمّ محمد ستّ البهاء بنت الصّدر الخجندي [4] ليلة الجمعة خامس الشهر وصلي عليهما معا عقب صلاة الجمعة بجامع دمشق، ودفنا بتربة بيت المنجّى بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (2/ 6) .
[2] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 719- 720) و «غاية النهاية» (2/ 102) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 332- 333) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 333) .(7/756)
وفيها الوجيه النّفّري- بكسر النون وفتح الفاء المشددة وراء، نسبة إلى النّفّر بلد على النّرس [1]- موسى بن محمد. المحدّث [2] أحد من عني بمصر بالحديث [3] . وقدم دمشق سنة نيف وسبعين، فأكثر عن أصحاب ابن طبرزد، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها أبو الفتوح نصر الله بن محمد بن عباس بن حامد الصالحي السّكاكيني [4] . صالح خيّر فاضل، حسن المجالسة.
قال الذهبي: حدثنا عن أبي القاسم بن صصرى وعلي بن زيد التّسارسي [5] ، وطائفة. وتوفي في سلخ شوال وله تسع وسبعون سنة.
وفيها رضي الدّين القسنطيني- بضم القاف وفتح السين المهملة وسكون النون، نسبة إلى قسنطينية، قلعة بحدود إفريقية- العلّامة أبو بكر بن عمر بن علي ابن سالم الشّافعي النّحوي [6] . أخذ العربية عن ابن معطي، وابن الحاجب. وسمع من أبي علي الأوقي، وابن المقيّر. وتصدّر للإشغال مدّة. وأضرّ بأخرة. وتوفي في رابع عشر ذي الحجّة وله ثمان وثمانون سنة.
وفيها الكفرابي أبو الغنئام ابن محاسن بن أحمد بن مكارم الحرّاني [7] المعمار. روى عن قاضي حرّان أبي بكر، والقزويني، وابن روزبه. وتوفي في ذي الحجّة وله إحدى وثمانون سنة.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (5/ 295) .
[2] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 385) .
[3] في «آ» : «في الحديث» .
[4] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (2/ 352- 353) .
[5] تحرفت في «معجم الشيوخ» إلى «النّشارسي» فلتصحح وانظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 92) .
[6] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (2/ 411- 412) .
[7] لفظة «الحرّاني» سقطت من «ط» وهو مترجم في «معجم الشيوخ» (2/ 425) .(7/757)
سنة ست وتسعين وستمائة
فيها توجّه الملك العادل إلى مصر، فلما كان باللّجون وثب حسام الدّين لاجين [1] المنصور على بيحاص وبكتوت الأزرق فقتلهما، وكانا جناحي أستاذهما العادل، فخاف وركب سرا في أربعة مماليك، وساق إلى دمشق، فدخل القلعة فلم ينفعه ذلك، وزال ملكه، وخضع المصريون لحسام الدّين ولم يختلف عليه اثنان، ولقّب بالملك المنصور. وأخذ العادل تحت الحوطة فأسكن بقلعة صرخد وقنع بها.
وفيها توفي الصّدر الفاضل أحمد بن إبراهيم ببستانه بسطرا ودفن بتربة بسفح قاسيون قبالة مدرسة [2] الأتابكية جوار تربة تقي الدّين توبة.
كان فاضلا في النّحو، واللّغة، والعربية. وله تجرّد مع الفقراء الحريرية. وكان من رؤساء دمشق، وله شعر حسن.
وفيها ابن الأغلاقي أبو العبّاس أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي ثم المصري [3] .
قال الذهبي: روى لنا عن عبد القوي، وابن الحباب، وابن باقا. وكان إمام مسجد. توفي في صفر عن ست وثمانين سنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «لاشين» بالشين وما أثبته من المصادر التي بين يدي.
[2] لفظة «المدرسة» سقطت من «ط» .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (23) .(7/758)
وفيها ابن الظّاهري الحافظ الزّاهد القدوة جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي الحنفيّ المقرئ المحدّث [1] .
كان أحد من عني بهذا الشأن، وكتب عن سبعمائة شيخ، بالشام، والجزيرة، ومصر. وحدّث عن ابن اللّتي، والإربلي فمن بعدهما. وما زال في طلب الحديث وإفادته وتخريجه إلى آخر أيامه. وكان من الثّقات الأثبات.
توفي بزاويته بالمغس [2] بظاهر القاهرة في ربيع الأول، وله سبعون سنة.
قال ابن ناصر الدّين [3] : كان أبوه مولى للظّاهر غازي بن يوسف.
وفيها النّفيس نفيس الدّين إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدقة الحرّاني ثم الدمشقي [4] ، ناظر الأيتام وواقف النّفيسية بالرّصيف.
روى عن مكرم القرشي، وتوفي في ذي القعدة عن نحو من سبعين سنة.
وفيها الضّياء أبو الفضل جعفر بن محمد بن عبد الرّحيم الحسيني المصري القبّاني الشافعي المفتي [5] ، أحد كبار الشافعية، ويعرف بابن عبد الرحيم.
ولد سنة تسع عشرة وستمائة، وتفقه على الشيخين بهاء الدّين القفطي، ومجد الدّين القشيري. واستفاد من ابن عبد السّلام. وأخذ الأصول عن الشيخين مجد الدّين القشيري، وعبد الحميد الخسروشاهي. وسمع الحديث
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (23) .
[2] في «ط» : «بالمغس في زاويته» .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (183/ آ) .
[4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (24) .
[5] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (24) .(7/759)
من جماعة. ودرّس بالمشهد الحسيني. وولي كتابة بيت المال. وكان من كبار الشافعية.
قال ابن كثير في «طبقاته» : أحد الأعيان. كان بارعا في المذهب، أفتى بضعا وأربعين سنة، وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها الضّياء دانيال بن منكل الشّافعي [1] قاضي الكرك. قرأ على السّخاوي، وسمع من ابن اللّتي، وابن الخازن، وطائفة. وكان له رواء ومنظر، ولديه فضائل، وتوفي في رمضان.
وفيها التّاج أبو محمد عبد الخالق بن عبد السّلام بن سعيد بن علوان البعلبكي [2] فقيه عالم، جيد المشاركة في الفنون، ذو حظ من عبادة وتواضع. روى عن الشيخ الموفق، والزّويني، والبهاء عبد الرحمن، وتوفي في تاسع المحرم وله ثلاث وتسعون سنة.
وفيها عفيف الدّين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن عزاز المصري البصري [3] الفقيه الحنبلي المحدّث الحافظ، نزيل المدينة النبوية.
ولد بالبصرة في شوال سنة خمس وعشرين وستمائة، ورحل إلى بغداد. فسمع بها من ابن قميرة وخلق، وتفقه على الشيخ كمال الدّين بن وضاح، ثم انتقل إلى المدينة النبوية واستوطنها نحوا من خمسين سنة إلى أن مات بها. وحجّ منها أربعين حجّة على الولاء. وحدّث بالكثير بالحجاز، وبغداد، ومصر، ودمشق. وسمع منه جماعات، منهم: البرزالي، وابن
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (24) .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (25) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 334- 335) .(7/760)
الخبّاز، والحارثي، وتوفي يوم الثلاثاء بعد الصّبح سابع عشري صفر ودفن بالبقيع.
وفيها عزّ الدّين أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الحنبلي [1] . قاضي القضاة بالدّيار المصرية.
سمع من جعفر الهمداني، وابن رواح، وأفتى ودرّس. وكان محمود القضايا، مشكور السيرة، متثبتا في الأحكام، مليح الشكل. سمع منه الذهبي، وقال عنه: إمام جمّاع للفضائل، محمود القضايا، متثبّت.
توفي بالقاهرة في صفر ودفن بتربة الحافظ عبد الغني [2] وله ست وستون سنة.
وفيها الضّياء السّبني- بفتحتين ونون، نسبة إلى السّبن موضع [3]- أبو الهدى عيسى بن يحيى بن أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي الصّوفي المحدّث [4] .
ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة، وقدم مع أبيه فحج ولبس الخرقة من السّهروردي، وسمع وقرأ الكتب على الصّفراوي، وابن المقيّر، وغيرهما.
وتوفي بالقاهرة فجأة، وله ثلاث وثمانون سنة.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن حازم بن حامد بن حسن المقدسي [5] . سمع من ابن صصرى، والنّاصح بن الحنبلي، وابن الزّبيدي،
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 335- 336) .
[2] يعني المقدسي.
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (26) .
[4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (26) .
[5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 336) .(7/761)
وابن عساكر، والضياء الحافظ، وأكثر عنه. وكان حنبليا، فقيها، فاضلا، عابدا.
توفي في ذي الحجّة بنابلس في رجوعه من زيارة المسجد الأقصى وهو في عشر الثمانين.
وفيها التلّعفري الشيخ محمد بن جوهر الصّوفي المقرئ [1] . قرأ على أبي إسحاق بن وثيق، ولقّن مدة. وكان عارفا بالتجويد، وروى عن يوسف بن خليل وغيره، وتوفي بدمشق في صفر.
وفيها الضّياء بن النّصيبي محمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي الكاتب [2] . وزر لصاحب حماة، وحدّث عن [ابن] روزبه والموفق عبد اللطيف، وتوفي في رجب.
وفيها الرّضي محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني المكيّ الشافعي المفتي النّحوي [3] . الزّاهد، شيخ الحرم وفقيهه. روى عن ابن الجمّيزي وغيره.
وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن بطّيخ الدمشقي [4] .
قال الذهبي: روى لنا عن النّاصح، وكان ينادي ويتبلّغ. توفي في صفر عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها ابن العدل محيي الدّين يحيى بن محمد بن عبد الصّمد
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (27) .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (28) ولفظة «ابن» سقطت من «آ» .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (28) .
[4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (29) .(7/762)
الزّبداني [1] . مدرّس مدرسة جدّه بالزّبداني. حدّث عن ابن الزّبيدي، وابن اللّتي، وتوفي في المحرّم.
وفيها ابن عطاء أبو المحاسن يوسف بن قاضي القضاة شمس الدّين عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي الحنفي [2] . روى عن ابن الزّبيدي وغيره، وتوفي في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة.
وفيها أبو تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي الواسطي [3] . سمع من ابن الزّبيدي وغيره، وتوفي بدمشق في المحرّم، وله إحدى وتسعون سنة.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (29) .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (29) .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (29) .(7/763)
سنة سبع وتسعين وستمائة
فيها توفي الشّهاب العابر أبو العبّاس أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد المنعم بن نعمة النّابلسي الحنبلي [1] .
ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان، سنة ثمان وعشرين وستمائة بنابلس. وسمع بها من عمّه تقي الدّين يوسف، ومن الصّاحب محيي الدّين بن الجوزي. وسمع من سبط السّلفي وغيره، ورحل [2] إلى مصر، ودمشق، والإسكندرية. وتفقه في المذهب.
قال الذهبي: فقيه إمام عالم لا يدرك شأوه في علم التّعبير. وله مصنّف كبير في هذا العلم، سماه «البدر المنير» .
توفي يوم الأحد، تاسع عشري ذي القعدة، ودفن بتربة أبي الطّيب بباب الصغير.
وفيها الصّدر بن عقبة أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصروي [3] . مفت مدرّس، ولي مرّة [4] قضاء حلب. وكان ذا همّة وجلادة
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (30) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 336- 338) .
[2] في «ط» : «وترحّل» .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (30) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 512) .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «الدارس في تاريخ المدارس» : «مرّة» وفي «نص مستدرك من كتاب العبر» : «إمرة» .(7/764)
وسعي. توفي في رمضان، عن سنّ عالية. قاله في «العبر» .
وفيها أبو الرّوح جبريل بن إسماعيل بن جبريل الشّارعي [1] .
قال الذهبي: شيخ مقرئ متواضع بزوريّ يؤمّ بمسجد.
توفي في هذا العام ظنا. روى لنا عن ابن باقا وغيره، وخرّج عنه الأبيوردي في «معجمه» .
وفيها عائشة ابنة المجد عيسى بن الشيخ الموفق المقدسي مباركة صالحة عابدة.
قال الذهبي: روت لنا عن جدّها، وابن راجح، وعاشت ستا وثمانين سنة.
وفيها الكمال الفويرة، مسند العراق، أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللّطيف بن محمد البغدادي الحنبلي المقرئ البزّار [2] المكثر، شيخ المستنصرية. قرأ القراءات على الفخر الموصلي، وسمع من أحمد بن صرما وجماعة، وأجاز له ابن طبرزد، وعبد الوهاب بن سكينة، وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات والحديث، وتوفي في ذي الحجّة، وله ثمان وتسعون سنة، ووقع في الهرم، رحمه الله تعالى.
وفيها ابن المغيزل الصّدر شرف الدّين عبد الكريم بن محمد [بن محمد] بن نصر الله الحموي الشّافعي [3] . روى عن الكاشغري، وابن الخازن، وتوفي في المحرّم وله إحدى وثمانون سنة.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (31) .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (31) و «الوافي بالوفيات» (18/ 159- 160) .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (32) .(7/765)
وفيها ابن واصل قاضي حماة جمال الدّين أبو عبد الله محمد بن سالم بن نصر الله بن واصل الحموي الشافعي [1] .
كان إماما عالما بعلوم كثيرة، خصوصا العقليات، مفرطا في الذكاء، مداوما على الاشتغال والتفكّر في العلم، حتّى كان يذهل عمن يجالسه، وعن أحوال نفسه، وصنّف تصانيف كثيرة في الأصلين، والحكمة، والمنطق، والعروض، والطبّ والأدبيات.
ومن شعره:
وأغيد مصقول العذار صحبته ... وربع سروري بالتّأهّل عامر
وفارقته حينا فجاء بلحية ... تروع وقد دارت عليه الدّوائر
فكرّرت طرفي في رسوم جماله ... وأنشدت بيتا قاله قبل شاعر
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
فقال عجيب [2] والفؤاد كأنما ... يقلقله بين الجوانح طائر
بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجذوذ العواثر
توفي بحماة يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال.
وفيها ابن المغربي بدر الدّين محمد بن سليمان بن معالي الحلبي المقرئ [3] .
قال الذّهبي: عبد خيّر صالح عالم، كتب العلم، وقرأ بنفسه، وروى عن كريمة، وابن المقيّر، وطائفة، وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (33) و «الوافي بالوفيات» (3/ 85- 86) .
[2] في «آ» : «عجبا» .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (33) .(7/766)
وفيها أبو عبد الله محمد بن صالح بن خلف الجهني المصري المقرئ [1] .
قال في «العبر» : حدثنا عن ابن باقا، وتوفي في حدود هذه السنة.
وفيها الأيكي العلّامة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي الشافعي [2] .
كان فقيها، صوفيا، إماما في الأصلين. ورد دمشق، ودرّس بالغزالية، وشرح منطق «مختصر ابن الحاجب» . ثم سافر إلى مصر وولي مشيخة الشيوخ بها، فتكلم فيه الصّوفية فخرج منها، وعاد إلى دمشق فتوفي بالمزّة يوم الجمعة قبيل العصر، ثالث شهر رمضان عن سبعين سنة. قاله الإسنوي.
قلت: رماه الإمام أبو حيّان بالإلحاد، وعدّه فيمن اشتهر بذلك في (المائدة) من «تفسيره» والله أعلم.
وفيها أبو القاسم بهاء الدّين هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القاضي القفطي [3]- بكسر القاف وسكون الفاء وبالطاء المهملة- نسبة إلى قفط بلد بصعيد مصر.
ولد في سنة ستمائة أو إحدى وستمائة، وقيل: في أواخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وتفقه على المجد القشيري في مذهب الشافعي. وقرأ الأصول على الشّمس الأصفهاني بقوص. ودخل القاهرة، فاجتمع بالشيخين عزّ الدّين بن عبد السلام، والزّكي المنذري، واستفاد منهما ورجع إلى بلده
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (34) .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» (34) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 158) .
[3] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 420) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 331- 332) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 264- 267) .(7/767)
وانتفع به الناس، وتخرّجت به الطلبة، وولي قضاء أسنا وتدريس المدرسة المعزّية بها. وكانت أسنا مشحونة بالرّوافض، فقام في نصرة السّنّة، وأصلح الله به خلقا، وهمّت الروافض بقتله فحماه الله منهم، وترك القضاء أخيرا، واستمر على العلم والعبادة.
قال السبكي: كان فقيها فاضلا متعبّدا مشهور الاسم، وانتهت إليه رئاسة العلم في إقليمه. وكان زاهدا.
وقال الإسنوي: برع في علوم كثيرة وأخذ عنه الطلبة، وقصدوه من كل مكان، وممن انتفع به تقي الدّين ابن دقيق العيد، والدّشناوي، وصنّف كتبا كثيرة في علوم متعددة، وكانت أوقاته موزعة ما بين إقراء وتدريس وتصنيف.
توفي بأسنا ودفن بالمدرسة المجيدية.(7/768)
سنة ثمان وتسعين وستمائة
استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور حسام الدّين لاجين، ونائبه منكوتمر مملوكه، وهو معتمد عليه في جلّ الأمور. فشرع يمسك كبار الأمراء وينفي آخرين.
وفي ربيع الآخر استوحش قبجق المنصوري نائب الشام، وبكتمر السّلحدار، وغيرهما من فعائل منكوتمر، وخافوا أن يبطش بهم، وبلغهم دخول ملك التتار في الإسلام، فأجمعوا على المسير إليه، فساروا من حمص على البريّة، فلم يلبثوا أن جاء الخبر بقتل السلطان ومنكوتمر على يد كرجي الأشرفي، ومن قام معه. هجم عليه كرجي في ستة أنفس، وهو يلعب بالشطرنج بعد العشاء ما عنده إلّا قاضي القضاة حسام الدّين الحنفي، والأمير عبد الله، ويزيد البدوي، وأمامه المجير بن العسّال.
قال حسام الدّين: رفعت رأسي فإذا سبعة أسياف تنزل عليه، ثم قبضوا على نائبه فذبحوه من الغد، ونودي للملك النّاصر وأحضروه من الكرك فاستناب في المملكة سلّار، ثم قتل طغجي وكرجي الأشرفيّان، ثم ركب الملك الناصر بخلعة الخليفة وتقليده، وقدم الأفرم على نيابة دمشق في جمادى الأولى، وكان الملك المنصور أشقر، أصهب، فيه دين وعدل في الجملة، وله شجاعة وإقدام.
وفيها توفي ابن الحصيري [1] نائب الحكم نظام الدّين أحمد بن
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الحصير» والتصحيح من «العبر» (5/ 387) مصدر المؤلف، وهو مترجم في(7/769)
العلّامة جمال الدّين محمود بن أحمد البخاري الدمشقي الحنفي، وله نحو من سبعين سنة، قاله في «العبر» .
وفيها الصّوابي الخادم الأمير الكبير بدر الدّين بدر الحبشي [1] .
كان أميرا على مائة فارس بدمشق، وأقام في الإمرة نحوا من أربعين سنة. وكان خيّرا، ديّنا، معمرا، موصوفا بالشجاعة والعقل والرأي.
قال الذهبي: روى لنا عن ابن عبد الدائم. وتوفي فجأة بقرية الخيارة [2] في جمادى الأولى.
وقال ابن شهبة: وحمل إلى قاسيون فدفن بتربته، وهو أول من أبطل ما كان يجبى من الحجّاج في كل سنة لأجل العربان. وهو على كل جمل عشرة دراهم، أقام ذلك من ماله، وأبطل الجباية، وذلك سنة إحدى وثمانين، فبطل ذلك إلى الآن. انتهى.
وفيها التّقيّ البيّع الصّاحب الكبير أبو البقاء توبة بن علي بن مهاجر التكريتي، عرف بالبيّع. كان تاجرا، فلما أخذت التتار بغداد حضر إلى الشام وتولى البيعية بدار الوكالة، ثم ضمنها في أيام الظّاهر وخدم المنصور وأقرضه ستين ألفا بلا فائدة، فلما تولى المنصور أطلق له دار الوكالة وما كان عليه مكسورا، وهو مائة ألف درهم، وولّاه كتابة الخزانة، ثم نقل إلى وزارة الشام، وتوزّر لخمس [3] ملوك: الأشرف، والمنصور، والعادل كتبغا،
__________
«البداية والنهاية» (14/ 4) وقد تحرفت «الحصيري» فيه إلى «الحصري» فلتصحح، و «الجواهر المضية» (2/ 155) طبع حيدرآباد، وقال صاحبه: «الحصيري: نسبة إلى محلّة ببخارى يعمل فيها الحصير، كان ساكنا بها.
[1] لفظة «الحبشي» سقطت من «آ» وهو مترجم في «العبر» (5/ 386) .
[2] الخيارة: قرية من قرى غوطة دمشق، يقال لها: «خيارة نوفل» وهي من أعمال قرية عقربا.
انظر «غوطة دمشق» للعلّامة محمد كرد علي ص (19) طبع دار الفكر بدمشق.
[3] في «ط» : «الخمسة» .(7/770)
ولاجين، والناصر. وكان حسن الأخلاق، ناهضا وافرا [1] ، كافيا، وافر الحرمة.
توفي في جمادى الآخرة، ودفن بتربته بسفح قاسيون عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها صدر الدّين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن الأنجب بن الكسّار الواسطي الأصل البغدادي المحدث الحافظ الحنبلي [2] .
ولد سنة ست وعشرين وستمائة، وسمع ببغداد من ابن قميرة وغيره.
وبواسط من الشريف الدّاعي الرّشيدي. وقرأ كثيرا من الكتب والأجزاء. وعني بالحديث. وكانت له معرفة حسنة به.
قال الذهبي: قال لنا الفرضي: كان فقيها، محدّثا، حافظا، له معرفة.
وقال الذهبي: وبلغني أنه تكلّم فيه، وهو متماسك، وله عمل كثير في الحديث، وشهرة بطلبه.
وقال ابن رجب: كان- رحمه الله- زريّ اللّباس، وسخ الثياب، على نحو طريقة أبي محمد بن الخشّاب النّحوي كما سبق ذكره [3] . وكان بعض الشيوخ يتكلم فيه وينسبه إلى التهاون في الصّلاة. وكان الدّقوقي يقول: إنهم كانوا يحسدونه لأنه كان يبرز عليهم في الكلام في المجالس، والله أعلم بحقيقة أمره.
سمع منه خلق من شيوخنا وغيرهم.
توفي في رجب، ودفن بمقبرة باب حرب. انتهى كلام ابن رجب.
__________
[1] لفظة «وافرا» سقطت من «آ» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 339) .
[3] تقدم ذكره في وفيات سنة (567) من المجلد السادس صفحة (364- 367) فراجعه.(7/771)
وفيها العماد عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي النّابلسي [1] ، صاحب المدرسة بنابلس. روى عن الموفق، وابن راجح، وموسى بن عبد القادر، وجماعة. وطال عمره، وقصد بالزيارة، وتفرّد بأشياء، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها الشيخ علي الملقّن بن محمد بن علي بن بقاء الصّالحي المقرئ [2] ، العبد الصّالح. روى عن ابن الزّبيدي وغيره، وعاش ستا وثمانين سنة [3] ، وتوفي في رابع شوال.
وفيها ابن القوّاس مسند الوقت، ناصر الدّين، أبو حفص. عمر بن عبد المنعم بن عمر الطّائي الدمشقي [4] . سمع حضورا من ابن الحرستاني، وأبي يعلى بن أبي لقمة، فكان آخر من روى عنهما. وأجاز له الكندي وطائفة، وخرّجت له «مشيخة» . وكان ديّنا، خيرا، متواضعا، محبّا للرّواية.
توفي في ثاني ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة.
وفيها ابن النحّاس العلّامة حجّة العرب بهاء الدّين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي عبد الله الحلبي [5] . شيخ العربية بالدّيار المصرية.
روى عن الموفق بن يعيش، وابن اللّتي، وجماعة. وكان من أذكياء أهل زمانه.
توفي في جمادى الأولى، وله إحدى وسبعون سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 388) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (292) .
[2] انظر «العبر» (5/ 388) و «النجوم الزاهرة» (8/ 189) .
[3] لفظة «سنة» سقطت من «آ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 388) و «معجم الشيوخ» (2/ 74- 76) و «النجوم الزاهرة» (8/ 189) .
[5] انظر «العبر» (5/ 389) و «النجوم الزاهرة» (8/ 183- 185) .(7/772)
وفيها ابن النّقيب الإمام المفسّر العلّامة المفتي [1] جمال الدّين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن حسن البلخي ثم المقدسي الحنبلي [2] .
مدرّس العاشورية بالقاهرة.
ولد سنة إحدى عشرة وستمائة، وقدم مصر، فسمع بها من يوسف بن المخيلي، وصنّف تفسيرا كبيرا إلى الغاية. وكان إماما، زاهدا، عابدا، مقصودا بالزّيارة. متبرّكا به. أمّارا بالمعروف، كبير القدر.
توفي في المحرّم ببيت المقدس. قاله في «العبر» .
وفيها صاحب حماة الملك المظفّر تقيّ الدّين محمود بن الملك المنصور ناصر الدّين محمد بن المظفّر محمود بن المنصور محمد بن عمر شاهنشاه الحموي [3] آخر ملوك حماة.
مات في الحادي والعشرين من ذي القعدة.
وفيها جمال الدّين ياقوت المستعصمي [4] . الكاتب الأديب البغدادي. آخر من انتهت إليه رئاسة الخطّ المنسوب. كان يكتب على طريقة ابن البوّاب، وهو من مماليك المستعصم أمير المؤمنين.
قال الحافظ علم الدّين البرزالي، قال: أنشدني أبو شامة، قال:
أنشدني ياقوت لنفسه:
رعى الله أياما تقضّت بقربكم ... قصارا وحيّاها الحيا وسقاها
فما قلت إيه بعدها لمسامر ... من الناس إلّا قال قلبي آها
__________
[1] لفظة «المفتي» سقطت من «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 389) و «معجم الشيوخ» (2/ 193- 194) و «البداية والنهاية» (14/ 4) .
[3] انظر «العبر» (5/ 389) و «البداية والنهاية» (14/ 5) و «النجوم الزاهرة» (8/ 189) .
[4] انظر «العبر» (5/ 390) و «فوات الوفيات» (4/ 263- 264) و «البداية والنهاية» (14/ 6) .(7/773)
وفيها الملك الأوحد نجم الدّين يوسف بن النّاصر [1] ، صاحب الكرك، داود بن المعظّم.
توفي بالقدس في ذي الحجّة، وله سبعون سنة. سمع من ابن اللّتي، وروى عنه الدّمياطي في «معجمه» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 390) و «البداية والنهاية» (14/ 5) .(7/774)
سنة تسع وتسعين وستمائة
فيها كانت بالشام فتنة غازان ملك التتار، توفي فيها من شيوخ الحديث بدمشق والجبل- يعني بالصالحية [1]- أكثر من مائة نفس، وقتل بالجبل، ومات بردا وجوعا نحو أربعمائة نفس، وأسر نحو أربعة آلاف، منهم سبعون نسمة من ذريّة الشيخ أبي عمر.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل ابن عطّاف المقدسي ثم الحرّاني المقرئ [2] . روى عن القزويني وابن روزبه ووالده الفقيه أبي الربيع، وتوفي في جمادى الآخرة وله أربع وثمانون سنة.
وفيها أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز أبو العبّاس اليونيني الصّالحي الحنفي [3] . سمع البهاء عبد الرّحمن، وابن الزّبيدي، واستشهد بالجبل في ربيع الآخر.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن فرح بن أحمد الإشبيلي الشافعي [4] ، المحدّث الحافظ. تفقه على ابن عبد السّلام.
__________
[1] هذه الجملة المعترضة لم ترد في «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 393) و «معجم الشيوخ» (1/ 51- 52) .
[3] انظر «العبر» (5/ 393) .
[4] انظر «العبر» (5/ 393) وقد تصحفت «ابن فرح» فيه وفي «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (292) إلى «ابن فرج» فلتصحح. و «معجم الشيوخ» (1/ 86- 87) و «تذكرة الحفّاظ» (4/ 1486) و «النجوم الزاهرة» (8/ 191) .(7/775)
قال الذهبي: وحدثنا عن ابن عبد الدائم وطبقته. وكان له حلقة إشغال بجامع دمشق. عاش خمسا وسبعين سنة. وكان ذا ورع وعبادة وصدق.
وقال ابن ناصر الدّين [1] : ومن نظمه الرائق قصيدته التي أولها:
غرامي صحيح والرّجا فيك معضل
[2] ولقد حفظها جماعة، وعلى فهمها عوّلوا.
وفيها نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن حمزة بن منصور الهمداني الطّبيب الحنبلي [3] روى عن ابن الزّبيدي، ومات بدويرة حمد [4] في رمضان.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي الفتح الصّالحي الحدّاد [5] . روى عن أبي القاسم بن صصرى، وابن الزّبيدي.
وأجاز له الشيخ الموفق. هلك في الجبل فيمن هلك.
وفيها ابن جعوان الزّاهد المفتي الشافعي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عبّاس الدمشقي [6] ، أخو الحافظ شمس الدّين. كان عمدة في النّقل. روى عن ابن عبد الدائم.
وفيها القاضي علاء الدّين أحمد بن عبد الوهاب بن بنت الأعز [7] .
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (184/ آ) .
[2] صدر بيت عجزه:
وحزني ودمعي مرسل ومسلسل
[3] انظر «العبر» (5/ 394) .
[4] وسميت أيضا «الخانقات الدّويرية» . انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 146) .
[5] انظر «العبر» (5/ 394) .
[6] انظر «العبر» (5/ 394) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 380) .
[7] انظر «الوافي بالوفيات» (7/ 163- 165) و «الدّرر الكامنة» (1/ 196) .(7/776)
كان فصيح العبارة. تولّى حسبة القاهرة والأحباس، ودرّس بها وبدمشق في الظّاهرية والقيمرية. وناب بالقاهرة، وبها مات.
ومن نظمه:
إن أومض البرق في ليل بذي سلم ... فإنّه ثغر سلمى لاح في الظّلم
وإن سرت نسمة في الكون عابقة ... فإنّها نسمة من ربّة الخيم
تنام عين التي أهوى وما علمت ... بأنّ عيني طول اللّيل لم تنم
لله عيش مضى في سفح كاظمة ... قد مرّ حلوا مرور الطّيف في الحلم
أيّام لا نكد فيها نشاهده ... ولّت بعين الرّضا منّي ولم تدم
وقال في دمشق:
إني أدلّ على دمشق وطيبها ... من حسن وصفي بالدّليل القاطع
جمعت جميع محاسن في غيرها ... والفرق بينهما بنفس الجامع
وفيها نجم الدّين أحمد بن محسّن- بفتح الحاء وكسر السين المهملة المشدّدة- ابن ملي- باللّام- الأنصاري البعلبكي الشّافعي [1] .
قال الإسنوي: ولد ببعلبك في رمضان سنة سبع عشرة وستمائة. وأخذ النّحو عن ابن الحاجب، والفقه عن ابن عبد السّلام، والحديث عن الزّكي البدري. وكان فاضلا في علوم أخرى، منها: الأصول، والطّبّ، والفلسفة.
ومن أذكى النّاس وأقدرهم على المناظرة وإفحام الخصوم. ودخل بغداد ومصر، إلى آخر الصّعيد، وحضر الدّرس، ببلدنا أسنا ومدرّسها بهاء الدّين القفطي، ثم استقرّ بأسوان مدّة يدرّس بها بالمدرسة البانياسية، ثم عاد منها إلى الشام. وكان متّهما في دينه بأمور كثيرة، منها الرّفض، والطّعن في الصّحابة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 394- 395) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 462- 463) .(7/777)
توفي في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وستمائة بقرية يقال لها:
نخعون من جبال الظنيّين، وهو جبل بين طرابلس وبعلبك. انتهى.
وفيها شرف الدّين أبو العبّاس وأبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر المسند الأجلّ الدمشقي الشافعي [1] .
ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع القزويني، وابن صصرى، وزين الأمناء، وطائفة.
وأجاز له المؤيد الطّوسي، وأبو روح الهروي، وآخرون. وروى الكثير، وتفرّد بأشياء. وتوفي في الخامس والعشرين من أحد الجمادين.
وفيها العماد الماسح إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خلف بن راجح. ولد القاضي نجم الدّين المقدسي الصالحي [2] . روى عن إسماعيل بن ظفر وجماعة، وبالإجازة عن عمر بن كرم. وتوفي في أواخر السنة عن نيّف وسبعين سنة.
وفيها أبو عمر وأبو إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن الفرّاء الصّالحي [3] . سمع الموفق والبهاء القزويني، واستشهد بالجبل، وله سبع وثمانون سنة.
وفيها إبراهيم بن عنبر المارديني الأسمر [4] . قال الذهبي: حدثنا عن ابن اللّتي، وتوفي في جمادى الأولى بعد الشدّة والضّرب.
وفيها الشيخ بهاء الدّين أبو صابر أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم ابن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 395) و «معجم الشيوخ» (1/ 107- 108) .
[2] انظر «العبر» (5/ 395) .
[3] انظر «العبر» (5/ 395) .
[4] انظر «العبر» (5/ 396) .(7/778)
هبة الله الحلبي الحنفي ابن النحّاس [1] ، مدرس القليجية، وشيخ الحديث بها.
قال الذهبي: روى لنا عن ابن روزبه، ومكرم، وابن الخازن، والكاشغري، وابن خليل. وتوفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها بلال المغيثي الطّواشي الأمير الكبير أبو الخير الحبشي الصّالحي [2] روى عن عبد الوهاب بن رواج، وتوفي بعد الهزيمة بالرّملة، وهو في عشر المائة.
وفيها جاعان الأمير الكبير سيف الدّين [3] . الذي ولي الشدّ بدمشق.
كان فيه خير ودين.
توفي بأرض البلقاء في أول الكهولة. قاله في «العبر» .
وفيها المطروحي الأمير جمال الدّين الحاجب [4] من جلّة أمراء دمشق ومشاهيرهم. عمل الحجوبية مدّة، وعدم في الوقعة، فيقال: أسر وبيع للفرنج.
وفيها حسام الدّين قاضي القضاة الحسن بن أحمد بن أنو شروان [5] الرّازي ثم الرّومي الحنفي [6] . عدم بعد الوقعة، وتحدّث أنه في الأسر بقبرص. ولم يثبت ذلك، والله أعلم. وكان هو والمطروحي من أبناء السبعين. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 396) و «الجواهر المضية» (1/ 444) بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو.
[2] انظر «العبر» (5/ 396) و «معجم الشيوخ» (1/ 192- 193) .
[3] انظر «العبر» (5/ 396) .
[4] انظر «العبر» (5/ 396) .
[5] في «آ» و «ط» : «ابن أبي شروان» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[6] انظر «العبر» (5/ 397) و «الجواهر المضية» (2/ 39- 40) بتحقيق الدكتور الحلو.(7/779)
وفيها ابن هود الشيخ الزّاهد بدر الدّين حسن بن علي بن أمير المؤمنين أبي الحجّاج يوسف [1] .
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : المغربي الأندلسي.
نزيل دمشق، المعروف بابن هود. كان فاضلا قد تفنّن وزاهدا قد تسنّن، عنده من علوم الأوائل فنون، وله طلبة وتلامذة ومريدون، فيه انجماع عن النّاس وانقباض وانفراد وإعراض عمّا في هذه الدّنيا من الأعراض. وكان لفكرته، غائبا عن وجوده، ذاهلا عن بخله وجوده، لا يبالي بما ملك، ولا يدري أيّة سلك. قد طرح الحشمة، وذهل عما ينعم جسمه، ونسي ما كان فيه من النّعمة. وكان يلبس قبع لبّاد ينزل على عينيه ويغطي به حاجبيه. ولم يزل على حاله حتّى برق بصره، وألجمه عيه وحصره، سنة سبعمائة.
وقد ذكره الذهبي فقال: الشيخ الزاهد الكبير، أبو علي بن هود المرسي أحد الكبار في التصوف على طريق الوحدة. كان أبوه نائب السلطنة بها عن الخليفة المتوكل، حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا، فسافر وترك الحشمة. وصحب ابن سبعين واشتغل بالطّبّ والحكمة، وقرع باب الصّوفية، وخلط هذا بهذا. وكان غارقا في الفكر، عديم اللذة، مواصل الأحزان، فيه انقباض. وكان اليهود يشتغلون عليه في كتاب «الدلالة» .
ثم قال الذهبي: قال شيخنا عماد الدّين الواسطي: قلت: له أريد أن تسلّكني، فقال: من أي الطرق الموسوية أو العيسوية أو المحمدية. وكان يوضع في يده الجمر فيقبض عليه وهو لاه عنه، فإذا حرقه رجع إليه حسه فيلقيه.
وقال ابن أبي حجلة: ابن هود، شيخ اليهود، عقدوا له العقود، على ابنة العنقود، فأكل معهم وشرب، ودخل من عمران في حجر ضبّ خرب،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 397) .(7/780)
فأتوا إليه واشتغلوا عليه، فانقلب أرضهم، وأسلم بعضهم، وكان له في السلوك مسلك عجيب، ومذهب غريب، لا يبالي بما انتحل، ولا يفرق بين الملل والنحل، فربما سلك المسلم على ملة اليهود، واليهود على ملة هود، وعاد، وثمود وربما أخذته سكتة، واعترته بهتة فيقيم اليوم واليومين شاخص العينين لا يفوه بحرف، ولا يفرق بين المظروف والظرف.
ثم قال المناوي: له شعر كثير، وكلام يسير، مات سنة تسع وتسعين وستمائة، ودفن بقاسيون، وكان والده متوليا نيابة عن أخيه أمير المؤمنين المتوكل محمد بن يوسف بن هود. انتهى ملخصا.
ووصفه الذهبي في «العبر» بالاتحاد والضّلالة.
وفيها ابن النشابي الوالي عماد الدين حسن بن علي [1] كان قد أعطى الطبل خاناه، ومات في شوال بالبقاع وحمل إلى تربته بقاسيون.
وفيها ابن الصّيرفي شرف الدّين حسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري [2] المحدّث أحد من عني بالحديث وقرأ وكتب وولى مشيخة الفارقانية، روى عن ابن رواح وابن قميرة وطائفة، ومات في ذي الحجة.
وفيها خديجة بنت يوسف بن غنيمة [3] العالمة الفاضلة أمة العزيز روت الكثير عن ابن اللتي ومكرم وطائفة، وقرأت غير مقدمة في النحو، وجودت الخط على جماعة وحجت. وتوفيت في رجب عن نيف وسبعين سنة.
وفي حدودها شرف الدّين أبو أحمد داود بن عبد الله بن كوشيار الحنبلي [4] الفقيه المناظر. كان بغداديا فقيها مناظرا بارعا عارفا بالفقه. صنّف
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 397) .
[2] انظر «العبر» (5/ 397) .
[3] انظر «العبر» (5/ 397) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 344) .(7/781)
في أصول الفقه كتابا سماه «الحاوي» وفي أصول الدين كتابا سمّاه «تحرير الدلائل» .
وفي حدودها أيضا الشيخ رسلان الدمشقي [1] .
قال المناوي: من أكابر مشايخ الشام المجمع على جلالتهم، ومن جلة أهل التصريف، له أحوال معروفة ومكاشفات مشهورة، منها ما حكاه شيخ الإسلام تقي الدّين السبكي أنه حضر سماعا فيه رسلان فأنشد القوال، فصار الشيخ يثب في الهوى، ويدور فيه ثم ينزل، فعل ذلك مرارا، ثم لما استقر بالأرض استند إلى شجرة يابسة فاخضر ورقها للوقت، وأثمرت، وكان يقول، لا تأكل النار لحما دخل زاويتي، فدخل رجل للصلاة بها ومعه لحم نيء فطبخه فلم ينطبخ، ومن كلامه: قلب العارف لوح منقوش بأسرار الموجودات، فهو يدرك حقائق تلك السطور ولا تتحرك ذرة حتى يعلمه الله بها، وقال: الحدة مأوى كل شر، والغضب يحوج إلى الاعتذار، وقال:
مكارم الأخلاق العفو عند القدرة، والتواضع عند الرفعة، والعطاء بغير منّة، وقال: سبب الغضب هجوم ما تكرهه النفس عليها ممن فوقها فتحدث السطورة والانتقام، مات بدمشق، ودفن بها قبل السبعمائة. انتهى كلام المناوي.
وفيها زينب بنت عمر بن كندي أم محمد الحاجة البعلبكية الدّار الدمشقية [2] المحتد لها أوقاف ومعروف. وروت بالإجازة عن المؤيد الطّوسي وأبي روح وعدة، وتوفيت في جمادى الآخرة عن نحو تسعين سنة.
وفيها الشيخ سعيد الكاساني- بالسين المهملة نسبة إلى كاسان بلد
__________
[1] هو أرسلان بن يعقوب الجعبري، ويعرف ب «الشيخ رسلان» . انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» (1/ 288) وفي ترجمته هنا مبالغات كثيرة.
[2] في «ط» : «الشامية» ولفظة «المحتد» سقطت من «آ» . وهي مترجمة في «العبر» (5/ 398) .(7/782)
وراء الشّاش- الفرغاني [1] شيخ خانقاه الطاحون، وتلميذ الصّدر القونوي.
قال الذهبي: كان أحد من يقول بالوحدة، شرح «تائية ابن الفارض» في مجلدتين، ومات في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة. انتهى.
وفيها ابن الشّيرجي الصّاحب فخر الدين سليمان بن العماد محمد بن أحمد بن محمد [2] . سمع من ابن الصلاح ولم يحدّث، وكان ناظر الدواوين، فأقره نواب التتار على النظر، فمنع أرجواش الناس من تشييع جنازته لذلك وطردوهم وما بقي معه غير ولده، ومات في رجب عن نيف وستين سنة.
وفيها الدّواداري الأمير الكبير علم الدّين سنجر التّركي الصالحي [3] .
كان من نجباء الترك وشجعانهم وعلمائهم، وله مشاركة جيدة في الفقه والحديث، وفيه ديانة وكرم، سمع الكثير من ابن الزّكي والرّشيد العطّار وطبقتهما. وله «معجم» كبير وأوقاف بدمشق والقدس، وتحيّز إلى حصن الأكراد فتوفي به في رجب عن بضع وسبعين سنة.
وفيها صفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفرّاء المنادي أم محمد [4] .
روت في الخامسة عن الشيخ الموفق، وعدمت في الجبل. قاله في «العبر» .
وفيها الطّيّار الأمير الكبير سيف الدين المنصوري [5] .
أدركته التتار بنواحي غزة فقاتل عن حريمه حتّى قتل، وحصلت له الشهادة والخير بذلك فإنه كان مسرفا على نفسه.
وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي. [6]
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 398) وكاسان مدينة كبرة وراء الشّاس. انظر «معجم البلدان» (4/ 430) .
[2] انظر «العبر» (5/ 398- 399) .
[3] انظر «العبر» (5/ 399) .
[4] انظر «العبر» (5/ 399) .
[5] انظر «العبر» (5/ 399) .
[6] انظر «القلائد الجوهرية» (2/ 424- 425) .(7/783)
قال الذهبي: إمام، مفت، مدرس، صالح، عارف، بالمذهب، متبحّر في الفرائض والجبر والمقابلة، كبير السنّ.
توفي في العشر الأوسط من ربيع الآخر.
وفيها الفقيه سيف الدّين أبو بكر بن الشّهاب أبي العبّاس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم النّابلسي [1] .
كان مولده سنة سبعين وستمائة. وروى عنه الذهبي في «معجمه» وقال: كان فقيها، حنبليا، مناظرا، صالحا، يتوسوس من الماء. سمع بمصر جماعة، وتفقه على ابن حمدان. وسمع بدمشق بعد الثمانين. وسمع معنا كثيرا. وكان مطبوعا عارفا بالمذهب، مناظرا، ذكيا، حسن المذاكرة. عدم في الفتنة.
وفيها الباجربقي المفتي المفنن جمال الدّين عبد الرحيم بن عمرو بن عثمان الشيباني الدّنيسري الشافعي [2] .
اشتغل بالموصل، وقدم دمشق فدرّس وأشغل. وحدّث ب «جامع الأصول» عن والده، عن المصنّف. وقد ولي قضاء غزّة سنة تسع وسبعين.
قال الذهبي: شيخ، فقيه، محقّق، نقّال مهيب، ساكن، كثير الصلاة، ملازم للجامع والاشتغال. وكان لازما لشأنه، حافظا للسانه، منقطعا عن النّاس على طريقة واحدة. وله نظم وسجع ووعظ. وقد نظم كتاب «التعجيز» وعمله برموز. وتوفي في خامس شوال.
وفيها- على خلاف كبير- أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن سعيد بن عبد الله الدّميري الدّيريني [3] ، نسبة إلى ديرين قرية بصعيد مصر.
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 281) .
[2] انظر «العبر» (5/ 400) .
[3] انظر «العبر» (5/ 400) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 551- 552) .(7/784)
الفقيه الشافعي العالم الأديب الصّوفي الرّفاعي.
أخذ عن الشيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام وغيره ممن عاصره، ثم صحب أبا الفتح بن أبي الغنائم الرّسعني، وتخرّج به. وتكلم في الطرائق، وغلب عليه الميل إلى التصوف. وكان مقرّه بالرّيف ينتقل من موضع إلى موضع والناس يقصدونه للتبرك به.
ومن تصانيفه تفسير سمّاه «المصباح المنير في علم التفسير» في مجلدين. ونظم أرجوزة في التفسير سمّاها «التيسير في التفسير» تزيد على ثلاثة آلاف ومائتي بيت. وكتاب «طهارة القلوب في ذكر علام الغيوب» في التصوف. ونظم «الوجيز» فيما يزيد على خمسة آلاف بيت. ونظم «التنبيه» .
وله غير ذلك.
ومن نظمه:
وعن صحبة الإخوان والكيمياء خذ ... يمينا فما من كيمياء ولا خلّ
ولم أر خلّا قد تفرّد ساعة ... مع الله خالي البال والسرّ من شغل
وفيها ابن الزّكي القاضي عزّ الدّين عبد العزيز [1] بن قاضي القضاة محيي الدّين يحيى بن محمد القرشي الشافعي، مدرس العزيزية. وقد ولي نظر الجامع وغير ذلك، ومات كهلا.
وفيها عبد الولي بن علي بن السّماقي [2] . روى عن ابن اللّتي، وتوفي في أيام التتار، ودفن داخل السّور.
وفيها عبيد الله بن الجمال أبي حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي العلّاف [3] . روى عن جعفر الهمداني، وكريمة.
وفيها الشيخ أبو الحسن علي بن الشيخ شمس الدّين
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 400) .
[2] انظر «العبر» (5/ 400) .
[3] انظر «العبر» (5/ 401) .(7/785)
عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي [1] . قتله التتار على مرحلتين من البيرة بالجامع المظفّري.
وفيها المؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الرزاق بن خطيب عقربا [2] .
قال الذهبي: عدل كاتب متميز. روى عن ابن اللّتي، والنّاصح، وطائفة.
توفي في رجب عن سبع وسبعين سنة.
وفيها علي بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة أبو الحسن المقدسي الحنبلي [3] قيّم جامع الجبل. اعتنى بالرواية قليلا، وكتب أجزاء. وسمع من البهاء عبد الرحمن، وابن صباح. وببغداد من ابن الكاشغري وطائفة. وكان صالحا كثير التلاوة. عذّبه التتار إلى أن مات شهيدا، وله اثنتان وثمانون سنة.
وفيها علي بن مطر المحجّي ثم الصّالحي البقّال [4] . روى عن ابن الزّبيدي، وابن اللّتي، وقتل في الجبل في جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وفيها ابن العقيمي، شيخ الأدباء جمال الدّين عمر بن إبراهيم بن حسين بن سلامة الرّسعني الكاتب [5] .
ولد سنة ست وستمائة برأس عين، وأجاز له الكندي. وسمع من القزويني، وابن روزبه وطائفة. وبرع في النّظم والنثر. وتوفي في شوال.
__________
[1] انظر «القلائد الجوهرية» (1/ 258) .
[2] انظر «العبر» (5/ 401) .
[3] انظر «العبر» (5/ 401) .
[4] انظر «العبر» (5/ 401) .
[5] انظر «العبر» (5/ 401- 402) .(7/786)
وفيها الشيخ أبو محمد عبد الله المرجاني [1] .
قال ابن الأهدل: الولي الشهير. توفي بتونس، قيل له: قال فلان رأيت عمود نور ممتدا من السماء إلى فم الشيخ المرجاني في حال كلامه، فلما سكت الشيخ ارتفع العمود، فتبسّم وقال: لم يعرف كيف يعبّر، بل لما ارتفع العمود سكت، يعني أنه كان يتكلم عن مدد الأنوار، فلما ارتفع النّور انقطع الكلام.
قال اليافعي: ومناقبه تحتمل مجلدا. قال: وأما قول الذهبي: أبو محمد عبد الله المرجاني المغربي الواعظ المذكور أحد مشايخ الإسلام علما وعملا، فغض من قدره.
وفيها إمام الدّين قاضي القضاة أبو المعالي [2] عمر بن عبد الرّحمن القزويني الشّافعي. انجفل إلى مصر فتألم في الطريق، وتوفي بالقاهرة بعد أسبوع في ربيع الآخر، وكان تامّ الشكل. سمينا، متواضعا، مجموع الفضائل. لم يتكهل.
وفيها عمر بن يحيى بن طرخان المعرّي ثم البعلبكي [3] . روى عن الإربلي وغيره، وكان ضعيفا في نفسه. قاله الذهبي.
__________
[1] انظر «مرآة الجنان» (4/ 432- 233) و «غربال الزّمان» ص (574) .
[2] في «آ» و «ط» : «أبو القاسم» وهو خطأ تبع فيه المؤلف الإمام الذهبي في «العبر» (5/ 402) وتبعهما على ذلك العلّامة الزركلي في «الأعلام» (5/ 49) ومحققا الجزء الثامن عشر من «سير أعلام النبلاء» في التعليق رقم (5) من الصفحة (166) والصواب «أبو المعالي» كما في «البداية والنهاية» (14/ 13) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 244) فليصحح.
[3] انظر «العبر» (5/ 402) .(7/787)
وفيها المجد عيسى بن بركة ابن والي الحوراني [1] الصّالحي المؤدّب. روى عن ابن اللّتي وغيره، وهلك في جمادى الأولى.
وفيها ابن غانم الإمام شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن سلمان [2] ابن حمايل بن علي المقدسي الشافعي الموقّع، سبط الشيخ غانم.
قال الذهبي: روى لنا عن شيخ الشيوخ تاج الدّين بن حمّويه [وكان مع تقدمه في الإنشاء فقيها مدرسا، ذكر لخطابة دمشق، وقال غيره: روى لنا عن ابن حمويه] [3] وابن الصّلاح. وكان أحد الأعيان والأكابر معروفا بالكتابة والأمانة، حسن المحاضرة، كثير التواضع. درّس بالعصرونية، واقتنى كتبا نفيسة. وكان كثير المروءة والعصبية لمن يعرفه ومن لا يعرفه، وله بر وصدقة.
وكان حجازي الأصل، وإنما ولد في بغداد في حارة الجعافرة فكان جعفريا.
وفيها ابن الفخر المفتي المتفنن شمس الدّين محمد بن الإمام فخر الدّين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي [4] . أحد الموصوفين بالذكاء المفرط وحسن المناظرة والتقدم في الفقه وأصوله والعربية والحديث وغير ذلك. قاله الذهبي.
وقال ابن رجب: ولد في أواخر سنة أربع وأربعين وستمائة، وسمع الكثير من خطيب مردا، وشيخ شيوخ حماة، وابن عبد الدائم، والفقيه اليونيني وغيرهم. وتفقه وبرع وأفتى وناظر وحفظ عدة كتب، ودرّس بالمسمارية والجامع.
__________
[1] في «آ» : «الحواري» وفي «ط» : «الحوار» والتصحيح من «العبر» (5/ 402) مصدر المؤلّف.
[2] في «آ» : «ابن سليمان» وهو خطأ وانظر «العبر» (5/ 402) .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 403) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 341- 342) .(7/788)
وقال البرزالي: كان من فضلاء الحنابلة في الفقه والأصول والنحو والحديث والأدب، وله ذهن جيد وبحث فصيح، ودرس وأعاد وأفتى، وروى الحديث وتوفي ليلة الأحد بين العشاءين تاسع رمضان، ودفن بمقابر باب توما قبلي مقبرة الشيخ رسلان.
وفيها زين الدّين محمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي بن الحرستاني المعروف بالنحوي [1] .
قال الذهبي: دين خيّر متودد. روى عن ابن صباح، وابن اللّتي.
وتوفي في ذي القعدة عن خمس وسبعين سنة.
وفيها العلّامة شمس الدّين محمد بن عبد القوي بن بدران بن سعد الله المقدسي المرداوي الصالحي الحنبلي أبو عبد الله [2] .
ولد سنة ثلاثين وستمائة بمردا، وسمع الحديث من خطيب مردا وعثمان بن خطيب القرافة، وابن عبد الهادي وابن خليل وغيرهم. وتفقه على الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر وغيره، وبرع في العربية واللغة واشتغل ودرس وأفتى وصنف.
قال الذهبي: كان حسن الديانة، دمث الأخلاق، كثير الإفادة، مطّرحا للتكلف، ولي تدريس الصاحبة مدة، وكان يحضر دار الحديث ويشغل بها وبالجبل وله حكايات ونوادر وكان من محاسن الشيوخ. قال: وجلست عنده وسمعت كلامه ولي منه إجازة.
وقال ابن رجب: وممن قرأ عليه العربية الشيخ تقي الدّين بن تيمية.
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (2/ 219- 220) و «العبر» (5/ 403) .
[2] انظر «العبر» (5/ 403) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 342) .(7/789)
وله تصانيف، منها في الفقه «القصيدة الطويلة الدالية» وكتاب «مجمع البحرين» لم يتمه. وكتاب «الفروق» وعمل طبقات للأصحاب. وحدّث، وروى عنه إسماعيل بن الخبّاز في «مشيخته» وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو السعود محمد بن عبد الكريم بن عبد القوي المنذري المصري [1] .
روى عن ابن المقيّر وجماعة، وتوفي في ربيع الأول عن خمس وستين سنة.
وفيها الفخر محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحباب التميمي المصري [2] ناظر الخزانة. روى عن علي بن الجمل وجماعة، وتوفي في ربيع الأول عن خمس وسبعين سنة.
وفيها ابن الواسطي شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد بن فضل الصالحي الحنبلي [3] .
سمع حضورا من الموفق وموسى بن عبد القادر وابن راجح، وسمع من ابن البن وابن أبي لقمة وطائفة، وتوفي بمارستان البلد في رجب بعد أن قاسى الشدائد. وكان قليل العلم خيّرا ساكنا. قاله الذهبي.
وفيها الخطيب موفق الدّين محمد بن محمد بن الفضل بن محمد النهرواني القضاعي الحموي الشافعي، ويعرف بابن حبيش [4] . خطيب حماة، ثم خطيب دمشق، ثم قاضي حماة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 404) و «حسن المحاضرة» (1/ 386) .
[2] انظر «العبر» (5/ 404) و «حسن المحاضرة» (1/ 386) .
[3] انظر «العبر» (5/ 404) .
[4] انظر «العبر» (5/ 404- 405) و «معجم الشيوخ» (2/ 280) .(7/790)
قال الذهبي: روى لنا بالإجازة عن جدّه مدرك، وكان شيخا متنورا مديد القامة مهيبا كثير الفضائل.
توفي بدمشق في أواخر جمادى الآخرة وله سبع وسبعون سنة.
وفيها محمد بن مكّي بن أبي المذكّر [1] القرشي الصّقلي الرّقّام [2] .
روى بمصر عن ابن صباح والإربلي وطائفة كثيرة.
وتوفي في ربيع الأول وله خمس وسبعون سنة.
وفيها أبو عبد الله محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العدل الهاشمي العبّاسي الدمشقي [3] روى عن ابن الزّبيدي، وأبي المحاسن الفضل بن عقيل العبّاسي، وشهد مدة، وانقطع ببستانه. ومات في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة.
وفيها الموفق محمد بن يوسف بن إسماعيل المقدسي الحنبلي الشاهد [4] .
قال الذهبي: حدثنا عن ابن المقيّر، ومات في شعبان عن خمس وسبعين سنة.
وفيها محمد بن يوسف بن خطاب التلّي الصّالحي [5] .
قال الذهبي: حدثنا عن جعفر الهمداني ومات في جمادى الأولى بعد المحنة والشّدة بالجبل.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» إلى «الذكر» والتصحيح من «حسن المحاضرة» .
[2] انظر «العبر» (5/ 405) و «حسن المحاضرة» (1/ 386) .
[3] انظر «العبر» (5/ 405) .
[4] انظر «العبر» (5/ 405) .
[5] انظر «العبر» (5/ 405) و «معجم الشيوخ» (2/ 305) .(7/791)
وفيها مريم بنت أحمد بن حاتم البعلبكية [1] . حضرت البهاء، وسمعت الإربلي وكانت صالحة خيّرة. قاله في «العبر» .
وفيها ابن المقيّر أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحسن المقرئ [2] .
روى عن إبراهيم بن الخير وجماعة، وكان عبدا صالحا، حضر المصافّ واستشهد يومئذ.
وفيها ابن المقدّم الأمير نوح بن عبد الملك بن الأمير الكبير شمس الدّين محمد بن المقدّم [3] ، لجده المواقف المشهودة، وهو الذي استشهد بعرفة زمن صلاح الدّين، وكان هذا من أمراء حماة، استشهد يومئذ وله خمس وسبعون سنة وقد حدّث عن ابن رواحة.
وقال الذهبي: وهو ممن عرفنا من كبار من قتل يوم المصافّ.
وفيها هدية بنت عبد الحميد بن محمد المقدسية الصّالحية [4] . روت «الصحيح» عن ابن الزّبيدي، وتوفيت بالجبل في ربيع الآخر.
وفيها أبو الكرم وهبان بن علي بن محفوظ الجزري [5] ، المؤذن المعمّر.
ولد بالجزيرة سنة أربع وستمائة، وسمع بمصر من ابن باقا، وتوفي في ربيع الأول، وكان مؤذّن السلطان مدة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 406) .
[2] انظر «العبر» (5/ 406) .
[3] انظر «العبر» (5/ 406) .
[4] انظر «العبر» (5/ 407) و «معجم الشيوخ» (2/ 362) .
[5] انظر «العبر» (5/ 407) و «معجم الشيوخ» (2/ 363) .(7/792)
وفيها ابن السفّاري [1] أمير الحاج يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج الدمشقي [2] .
حدّث ب «الصحيح» [3] مرات، وروى عن النّاصح، والإربلي، وجماعة، وحجّ مرات. توفي في زمن التتار ووضع في تابوت، فلما أمّن الناس نقل إلى النّيرب ودفن في قبته التي بالخانقاه، وله نحو من تسعين سنة.
وفيها ابن خطيب بيت الآبار محيي الدّين أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي [4] . يروي عن ابن اللّتي والإربلي، ومات في شعبان.
__________
[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «معجم الشيوخ» : «السفّاري» ، وفي «العبر» و «برنامج الوادي آشي» : «الشّقاري» .
[2] انظر «العبر» (5/ 407) و «معجم الشيوخ» (2/ 398- 399) . و «برنامج الوادي آشي» (163) .
[3] يعني «صحيح البخاري» .
[4] انظر «العبر» (5/ 408) .(7/793)
سنة سبعمائة
في صفر قويت الأراجيف بالتتار، وأكريت المحارة من الشام إلى مصر بخمسمائة درهم، وأبيعت الأمتعة بالثمن البخس.
وفي ربيع الآخر جاوز غازان بجيشه الفرات وقصد حلب وساق الشيخ تقي الدّين بن تيمية في البريد إلى القاهرة يحرّض الناس على الجهاد واجتمع بأكابر الأمراء، ثم نودي في دمشق من قدر على الهرب فلينج بنفسه، فانقلبت المدينة وانرصّ الخلق بالقلعة وأشرف الناس على خطة صعبة، وبقي الخوف أياما ثم تناقص برجعة غازان لما ناله من المشاق والثلوج.
وفيها توفي العزّ أبو العبّاس أحمد بن العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الصّالحي الحنبلي [1] .
روى عن الشيخ الموفق، وابن أبي لقمة، وابن راجح، وموسى بن عبد القادر، وطائفة. وخرّج له «مشيخة» سمعها خلق، وزاره نائب السلطان، وتوفي في ثالث المحرم وله ثمان وثمانون سنة.
وفيها العماد أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] شيخ صالح مشهور.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 409) .
[2] انظر «العبر» (5/ 409) .(7/794)
روى عن القزويني، وابن الزّبيدي وجماعة. وروى الكثير، وتوفي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة.
وفيها الشيخ إسماعيل بن إبراهيم بن شويخ الصالحي، شيخ البكرية [1] .
كان ينتسب لأبي بكر رضي الله عنه، وله أصحاب وفيه خير وسكون مات كهلا.
وفيها ابن الفرّاء العدل المسند الكبير عز الدّين أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمر المرداوي الصالحي الحنبلي [2] .
روى عن الموفق وابن راجح، وابن البن، وجماعة. وروى «الصحيح» مرّات. وكان صالحا، متواضعا، متعبّدا. قاسى الشدائد عام أول، واحترقت أملاكه.
توفي في سادس جمادى الآخرة وله تسعون سنة. قاله في «العبر» .
وفيها أبو جلنك أحمد الحلبي [3] الشاعر المشهور، أسره التتر بحلب فسألوه عن عسكر المسلمين فعظمهم وكثرهم فقتلوه.
ومن شعره:
أتى العذار بماذا أنت معتذر ... وأنت كالوجد لا تبقي ولا تذر
لا عذر يقبل إذ نم العذار ولا ... ينجيك من شره خوف ولا حذر
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 410) وفيه: «ابن سونح» .
[2] انظر «العبر» (5/ 410) و «معجم الشيوخ» (1/ 175) . و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 465) .
[3] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.(7/795)
كأنني بوحوش الشعر قد أنست ... بوجنتيك وبالعشاق قد نفروا
وكلما مر بي مرد أقول لهم ... قفوا انظروا وجه هذا الكيس واعتبروا
قد كان شكلا نقيّ الخد معتدلا ... كأنه غصن بان فوقه قمر
فعاد لحيان فانفلّ الجماعة إذ ... رأوا طريقا إلى السلوان وانتصروا
وعاد في قبضهم لا شك جودلة ... فراح والدّمع من عينيه ينهمر
فاقرأ على نعشه آخر سبا فلقد ... جاءت بما تقتضي أحواله السور
إذا رأى عاشقا في النازعات غدا ... ما بعدها وهو قد أودى به الضرر
فعاد والليل يغشى نور طلعته ... وزال عن عاشقيه الهم والحصر
هذا جزاؤك يا من لا وفاء له ... والعاشقون لهم طوبى بما صبروا
وفيها المعمر شمس الدّين إبراهيم بن أبي بكر الجزري الكتبي، عرف بالفاشوشة [1] .
مولده سنة اثنتين وستمائة. وكان مشهورا بالكتب ومعرفتها، وكان عنده فضيلة. وكان يتشيع، جاء إليه إنسان فقال: عندك فضائل يزيد؟ قال: نعم، ودخل الدكان وطلع ومعه جراب فجعل يضربه به ويقول: العجب كيف ما قلت- صلى الله عليه وسلم-.
ومن شعره:
وما ذكرتكم إلا وضعت يدي ... على حشاشة قلب قلّما بردا
وما تذكّرت أياما بكم سلفت ... إلا تحدّر من عينيّ ما بردا
وفيها أيدمر الأمير الكبير عز الدّين الظّاهري [2] ، الذي كان نائب دمشق
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 338- 339) .
[2] انظر «العبر» (5/ 410) .(7/796)
في دولة مخدومه، حبس مدة ثم أطلق فلبس عمامة مدورة، وسكن بمدرسة عند الجسر الأبيض.
توفي في ربيع الأول، ودفن بتربته، وكان أبيض الرأس واللحية. قاله في «العبر» .
وفيها الأمير الكبير سيف الدّين بلبان المنصوري الطبّاحي [1] نائب حلب، ولي إمرة مصر وإمرة طرابلس، وكان من جلّة الأمراء وكبرائهم، حليما إذا غضب على أحد تكون عقوبته البعد عنه. توفي بالساحل كهلا وخلف جملة.
وفيها ابن عبدان، المسند شمس الدّين أبو القاسم الخضر بن عبد الرحمن بن الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان الأزدي الدمشقي [2] الكاتب خدم في جهات الظلم، وكان عريا من العلم، لكنه تفرّد بأشياء وحدّث عن ابن البن، والقزويني، وأبي القاسم بن صصرى وجماعة.
وتوفي في ذي الحجّة عن أربع وثمانين سنة، قاله في «العبر» .
وفيها زينب بنت قاضي القضاة محيي الدّين يحيى بن محمد بن الزكي القرشي الدمشقي أم الخير [3] .
روت عن علي بن حجاج، وابن المقيّر، وجماعة، وتوفيت في شعبان عن بضع وسبعين سنة.
وفيها أبو محمد عبد الملك بن عبد الرحمن بن عبد الأحد بن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 410) .
[2] انظر «العبر» (5/ 411) .
[3] انظر «العبر» (5/ 411) .(7/797)
العنيقة الحرّاني العطّار [1] . روى عن أبي المعالي العطّار وابن يعيش وابن خليل، وتوفي بطريق مصر عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها مفيد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سليمان [2] بن عبد العزيز بن المجلخ الحربي الضرير الفقيه الحنبلي [3] معيد الحنابلة بالمستنصرية، سمع من الشيخ مجد الدين ابن تيمية وغيره، وكان من أكابر الشيوخ وأعيانهم، عالما بالفقه والعربية والحديث، قرأ عليه الفقه جماعة، وسمع منه الدقوقي وغيره.
وفيها أبو محمد عبد المنعم بن عبد اللطيف بن زين الأمناء أبي البركات بن عساكر الدمشقي [4] روى عن ابن غسّان وابن اللّتي وطائفة، وتوفي في رجب، وله أربع وسبعون سنة.
وفيها الفرضي الإمام الحافظ شمس الدّين أبو العلاء محمود بن أبي بكر ابن أبي العلاء البخاري الكلاباذي الحنفي. الصّوفي. الحافظ [4] .
كان إماما في الفرائض، مصنّفا فيها، له حلقة إشغال، وسمع الكثير بخراسان، والعراق، والشام، ومصر. وكتب بخطه الأنيق المتقن الكثير، ووقف أجزاءه، وراح مع التتار من خوف الغلاء فنزل بماردين أشهرا فأدركه أجله بها وله ست وخمسون سنة. وكان صالحا، ديّنا، سنّيا. قاله الذهبي.
وقال [5] : حدثنا عن محمد بن أبي الدّنية وغيره.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 411) و «معجم الشيوخ» (1/ 420- 421) .
[2] في «آ» و «ط» : «عبد الرحمن بن سلمان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 344) .
[4] انظر «العبر» (5/ 411) و «معجم الشيوخ» (2/ 338) و «الجواهر المضية» (3/ 453- 457) .
[5] القائل الذهبي في «العبر» .(7/798)
وفيها الغسولي أبو علي يوسف بن أحمد بن أبي بكر الصّالحي الحجار [1] .
روى عن موسى بن عبد القادر- وهو آخر من روى في الدنيا عنه- وروى عن الشيخ الموفق، وعاش ثماني وثمانين سنة. وكان فقيرا متعفّفا أمّيّا لا يكتب. خدم مدة في الحصون. وتوفي في منتصف جمادى الآخرة بالجبل. قاله الذهبي وغيره.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 412)(7/799)
تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيقنا للمجلد السابع من كتاب «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي مساء يوم الاثنين الواقع في 26 من شوال المعظم لعام 1410 هـ، والحمد لله الّذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأله- عزّ وجل- أن يعيننا على الانتهاء من تحقيق المجلدات المتبقية من الكتاب بحوله وقوته وتأييده، إنه تعالى خير مسؤول محمود الأرناؤوط(7/800)
[المجلد الثامن]
سنة إحدى وسبعمائة
فيها قتل بمصر [1] على الزّندقة الذّكي المتفنّن [2] فتح الدّين أحمد بن [محمد] البقصي [3] . ضربت رقبته بين القصرين، وجعل يتشاهد ولم يقبل المالكي توبته. وكان قد قامت عليه بيّنة بالتنقيص للقرآن المجيد والرّسول- صلى الله عليه وسلم- وتحليل المحرّمات والاستهانة بالعقائد. وكان ذكيا.
ومن شعره:
لحا [4] الله الحشيش وآكليها ... لقد خبثت كما طاب السّلاف
كما تصبي [5] كذا تضني وتشقي ... لآكلها [6] وغايتها انحراف
__________
[1] لفظة «بمصر» سقطت من «ط» .
[2] في «ط» : «المتقن» .
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (205/ آ) : «الثقفي» وما أثبته من «ذيول العبر» ص (15) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد رشاد عبد المطلب رحمه الله تعالى، طبع وزارة الإعلام في الكويت، و «فوات الوفيات» (1/ 152) و «الوافي بالوفيات» (8/ 158) و «الدّرر الكامنة» (1/ 308) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «تبصير المنتبه» (1/ 229) و «توضيح المشتبه» (1/ 579) .
وقيّد الصفديّ نسبته في «الوافي بالوفيات» فقال: البققي: بالباء الموحدة وقافين، على وزن الثّقفي.
واقتصر ابن شاكر الكتبي في «فوات الوفيات» على القول: البققي: بباء واحدة وقافين.
[4] في «آ» و «ط» : «محا» والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة و «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» .
[5] في «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» : «كما يصبي» .
[6] في «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» : «كما يشفي» مكان «لآكلها» .(8/5)
وأصغر دائها والدّاء جمّ ... بغاء أو جنون أو نشاف
وفيها توفي صاحب مكّة عزّ الدّين أبو نمي محمد بن صاحب مكّة أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني [1] ، من أبناء السبعين.
قال الذهبي: كان أسمر، ضخما، شجاعا، سائسا، مهيبا. ولي أربعين سنة. قال لي الدّباهي: لولا أنه زيديّ لصلح للخلافة لحسن صفاته. انتهى.
وفيها خديجة بنت الرّضي عبد الرحمن بن محمد [2] ، عن أربع وثمانين سنة. روت عن القزويني، والبهاء، وجماعة.
وفيها علاء الدّين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيميّة الشّاهد الحنبلي [3] .
قال الذهبي: حدّثنا عن الموفّق عبد اللّطيف، وابن روزبه، ومات بمصر عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العبّاس أحمد بن أبي علي [الحسن] بن أبي بكر [الحسن بن علي القبّي بن] المسترشد بالله العبّاسي [4] .
توفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى، وصلّي عليه العصر بسوق الخيل [5] تحت القلعة، وحضر جنازته الدولة والأعيان كلّهم مشاة، ودفن بقرب
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (16) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (294) و «البداية والنهاية» (14/ 21) و «الدّرر الكامنة» (3/ 422) و «العقد الثمين» (1/ 456) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (16) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (293) و «أعلام النساء» (1/ 334- 335) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (16- 17) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (293) و «الدّرر الكامنة» (3/ 63) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (17) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (293) و «دول الإسلام» (2/ 206) و «تاريخ الخلفاء» ص (478- 483) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[5] قال الأستاذ صلاح الخيمي في تعليقه على كتاب «رسائل دمشقية» ص (81) طبع دار ابن كثير:
زال هذا السوق، ولا يزال هناك محلّة تعرف باسم سوق الخيل، ولكن لا يباع فيها الخيل، وهي بالقرب من ساحة الشهداء.(8/6)
السيدة نفيسة، وهو أوّل من دفن منهم هناك. واستمر مدفنهم إلى الآن. قاله السيوطي.
وقال الذهبي كانت خلافته أربعين عاما، وعهد بالخلافة إلى ابنه المستكفي سليمان.
وقال ابن الأهدل: كانت خلافتهم بمصر تحكّما لا حكما، وترسّما لا رسما.
وفيها مسند الشّام تقي الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصّوري الصّالحي الحنبلي [1] .
روى عن الشيخ الموفّق حضورا، وعن ابن أبي لقمة، والقزويني، والبهاء، وابن صصرى. وخرّجوا له «مشيخة» .
توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة.
وفيها الشيخ وجيه الدّين محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجّى أبو المعالي التّنوخي الحنبلي [2] أخو الشيخ زين الدّين بن المنجّى.
ولد سنة ثلاثين وستمائة. وسمع من جعفر الهمداني، والسّخاوي، وخلق.
وكان شيخا، عالما، فاضلا، كثير المعروف والصّدقات والبرّ والتواضع للفقراء، موسّعا عليهم، موسّعا عليه في الدنيا، له هيبة وسطوة وجلالة.
بنى بدمشق دار قرآن معروفة به قريبة من مدرسة الخاتونية الحنفية الجوانية، ودرّس في أول عمره بالمسمارية والصّدرية، ثم تركهما لولده، فمات في حياته.
وولي نظر الجامع فأحسن فيه السيرة، وحدّث وروى عنه جماعة، وتوفي في شعبان.
وفي شعبان أيضا من هذه السنة توفي ببعلبك الفقيه الحنبلي المقرئ
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (17) و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (17) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 347) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 117- 118) .(8/7)
المحدّث أمين الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الولي بن أبي محمد بن خولان البعلي التّاجر [1] . وكان مولده سنة أربع وأربعين وستمائة. وسمع من الشيخ عبد الرحمن بن أبي عمر، وابن عبد الدائم، وجماعة. وقرأ ونظر في علوم الحديث.
قال الذهبي: سمعت منه ببعلبك، والمدينة، وتبوك. وكان من خيار النّاس وعلمائهم مقرئا [2] ، ففيها، محدّثا، متقنا، صالحا، عدلا، ملازما للتحصيل.
وفيها شيخ بعلبك الحافظ شرف الدّين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني الحنبلي [3] .
ولد ببعلبك في حادي عشر رجب، سنة إحدى وعشرين وستمائة.
قال الذهبي: حدثنا عن البهاء [4] حضورا، وعن ابن صباح، وابن الزّبيدي، وعدّة، ودرّس وأفتى.
وقال البرزالي: كان شيخا، جليلا، حسن الوجه، بهي المنظر، له سمت حسن وعليه سكينة ولديه فضل كثير. فصيح العبارة، حسن الكلام، له قبول من النّاس، وهو كثير التّودد إليهم. قاض للحقوق.
وقال ابن رجب: سمع منه خلق من الحفّاظ والأئمة، وأكثر عنه البرزالي والذهبي.
وتوفي ليلة [5] الخميس حادي عشر رمضان ببعلبك. وكان موته شهادة، فإنه دخل إليه يوم الجمعة خامس رمضان وهو في خزانة الكتب بمسجد الحنابلة شخص فضربه بعصا على رأسه مرّات، وجرحه في رأسه بسكين، فاتّقى بيده، فجرحه
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 227- 228) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 347) .
[2] لفظة «مقرئا» لم ترد في «ط» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (18) و «معجم الشيوخ» (2/ 40- 41) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 345- 347) .
[4] في «معجم الشيوخ» : «وسمع من البهاء» .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «يوم» .(8/8)
فيها، فأمسك الضّارب وضرب [ضربا عظيما] [1] وحبس فأظهر الاختلال، وحمل الشيخ إلى داره، فأقبل على أصحابه يحدّثهم وينشدهم على عادته، وأتمّ صيام يومه. ثم حصل له بعد ذلك حمّى، واشتد مرضه، حتّى توفي ليلة الخميس المذكور.
وفيها مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد الأبرقوهي [2]- بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف وبالهاء، نسبة إلى أبرقوه بلدة بأصبهان- حدّث عن الفتح بن عبد السّلام، وابن صرما، وابن أبي لقمة، والفخر بن تيميّة، وتفرّد بأشياء. وكان مقرئا، صالحا، متواضعا، فاضلا.
توفي بمكة في عشري ذي الحجّة.
وفيها مجد الدّين يوسف بن القباقبي [3] ، الفاضل الأديب.
من شعره في الثّلج:
طمت الثّلوج على الوهاد مع الرّبى ... فالكون يعجب منه وهو مفضّض
فانهض لنجمع شمل أنس مقبل ... بلذاذة فاليوم يوم أبيض
__________
[1] تكملة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (18) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (294) و «البداية والنهاية» (14/ 21) و «الدّرر الكامنة» (1/ 102) و «العقد الثمين» (3/ 15) .
[3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.(8/9)
سنة اثنتين وسبعمائة
فيها وسّط اليعفوريّ والقبّاريّ، وقطعت يمين التّاج النّاسخ لدخولهم في تزوير.
وفيها طرق قازان [1] التّتريّ الشام، فالتقاه يزك [2] الإسلام، وفيهم الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، التقوا على مرج الصّفّر [3] ، فقتل من التتار خلق عظيم، وأسر منهم جماعة، ولكن استشهد من المسلمين جماعة، منهم:
الفقيه إبراهيم بن عبيدان [4] .
والأمير صلاح الدّين ولد الكامل [5] .
والأمير علاء الدّين الجاكي [6] .
والأمير حسام الدّين [أوليا] بن قرمان [7] .
والأمير الكافري [8] .
__________
[1] في «ط» : «غازان» وكلاهما صواب فقد رسمت بالوجهين.
[2] اليزك: مقدّمة الجيش، وقيل غير ذلك. انظر «الألفاظ الفارسية المعربة» لأدي شيرص (160) .
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (205/ ب) : «مرج الصّفة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (3/ 404) و «البداية والنهاية» (14/ 25) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (20) .
[5] انظر «البداية والنهاية» (14/ 26) و «دول الإسلام» (2/ 210) .
[6] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحاكي» بالحاء المهملة، والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (8/ 206) و «دول الإسلام» (2/ 210) وقد ترجم له بأوسع مما هنا فراجعه.
[7] في «آ» و «ط» : «ابن قزمان» بالزاي ثاني الحروف، والتصحيح من «دول الإسلام» و «النجوم الزّاهرة» و «الدّرر الكامنة» (1/ 499) طبعة حيدر أباد وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[8] تحرّفت في «آ» إلى «الكافوري» وانظر «دول الإسلام» (2/ 210) .(8/10)
وفيها توفي المسند بدر الدّين الحسن بن علي بن الخلّال الدّمشقي [1] ، عن ثلاث وسبعين سنة. حدّث عن مكرم، وابن اللّتي، وابن الشّيرازي، وابن المقيّر، وجعفر، وكريمة، وخلق. وتفرّد بأشياء، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها الإمام فخر الدّين أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النّابلسي [2] الفقيه الحنبلي.
ولد سنة ثلاثين وستمائة بنابلس، وسمع من ابن الجمّيزي، وابن رواح بمصر. ومن سبط السّلفي بالإسكندرية، ومن خطيب مردا، [و] محيي الدّين بن الجوزي لمّا قدم الشّام رسولا.
قال: البرزالي: كان شيخا، صالحا، عالما، كثير التواضع، محسنا إلى النّاس. أقام يفتي بنابلس مدة أربعين سنة.
وقال الذهبي: كان عارفا بالمذهب، ثقة، صالحا، ورعا، سمعت منه بنابلس. توفي ليلة الأحد مستهل المحرّم بنابلس.
وفيها متولي حماة الملك العادل زين الدّين كتبغا المغلي المنصوري [3] ، ونقل فدفن بتربته في سفح قاسيون يوم الجمعة، يوم الأضحى. وكان في آخر الكهولة أسمر، قصيرا، دقيق الصّوت، شجاعا، قصير العنق، ينطوي على دين وسلامة باطن، وتواضع. وتسلطن بمصر عامين، وخلع في صفر سنة ست وتسعين، فالتجأ إلى صرخد، ثم أعطي حماة فمات بها.
وفيها شيخ الإسلام تقي الدّين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع ابن أبي الطّاعة القشيري المنفلوطي الشّافعي المالكي [4] المصري، ابن دقيق العيد [5] .
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 211- 212) .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 31- 32) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 348) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (22) .
[4] لفظة «المالكي» سقطت من «آ» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (21- 22) و «معجم الشيوخ» (2/ 249- 250) و «الوافي بالوفيات»(8/11)
ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة، وتفقّه على والده بقوص.
وكان والده مالكيّ المذهب، ثم تفقّه على الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام، فحقّق المذهبين، وأفتى فيهما، وسمع الحديث من جماعة، وولي قضاء الدّيار المصرية، ودرّس بالشافعي ودار الحديث الكاملية وغيرهما. وصنّف التصانيف المشهورة، منها «الإلمام» في الحديث [1] ، وشرحه وسمّاه «الإمام» . وله «الاقتراح» في أصول الدّين وعلوم الحديث، و «شرح مختصر ابن الحاجب» في فقه المالكية ولم يكمله. [وشرح «عمدة الأحكام» للحافظ عبد الغني] [2] ، وله غير ذلك.
وكان يقول: ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلا إلّا أعددت له جوابا بين يدي الله تعالى.
ويحكى أن ابن عبد السّلام كان [3] يقول: ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها، ابن منير بالإسكندرية، وابن دقيق العيد بقوص.
وقال الذهبي في «معجمه» . قاضي القضاة بالدّيار المصرية، وشيخها، وعالمها، الإمام العلّامة، الحافظ القدوة الورع، شيخ العصر. كان علّامة في المذهبين، عارفا بالحديث وفنونه، سارت بمصنّفاته الرّكبان. وولي القضاء ثمان سنين.
وبسط السبكي ترجمته في «الطبقات الكبرى» قال: ولم ندرك أحدا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السّبعمائة.
وقال ابن كثير في «طبقاته» [4] : أحد علماء وقته، بل أجلّهم وأكثرهم، علما، ودينا، وورعا، وتقشفا، ومداومة على العلم في ليله ونهاره، مع كبر السّن
__________
(4/ 193- 209) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (9/ 207- 249) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 227- 233) .
[1] وقد عني به وعلق عليه صديقنا الأستاذ محمد سعيد مولوي وطبع بدمشق منذ سنوات طويلة.
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وقد سمّى شرحه ب «إحكام الأحكام» وقد طبع في المطبعة المنيرية بالقاهرة سنة (1372) هـ.
[3] لفظة «كان» سقطت من «آ» .
[4] يعني في «طبقات الشافعية» وهو من كتبه التي لم تطبع بعد فيما أعلم.(8/12)
والشّغل بالحكم. وله التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة. برع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث، فاق فيه على أقرانه وبرز على أهل زمانه. رحلت إليه الطلبة من الآفاق، ووقع على علمه وورعه وزهده الاتفاق.
وقال الإسنوي: له خطب بليغة مشهورة، أنشأها لمّا كان خطيبا بقوص، وله شعر بليغ، فمنه:
تمنّيت أنّ الشّيب عاجل لمّتي ... وقرّب منّي في صباي مزاره
لآخذ من عصر الشّباب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره
وله:
قالوا فلان عالم فاضل ... فأكرموه مثل ما يرتضي
فقلت لمّا لم يكن ذا تقى ... تعارض المانع والمقتضي
وله:
وأطيب شيء إذا ذقته ... رضاب الحبيب على ما يقال
وله:
أتعبت نفسك بين ذلّة كادح ... طلب الحياة وبين حرص مؤمّل
وأضعت نفسك لا خلاعة ماجن ... حصّلت فيه ولا وقار مبجّل
وتركت حظّ النّفس في الدّنيا وفي ال ... أخرى ورحت عن الجميع بمعزل
توفي- رحمه الله تعالى- في صفر بالقاهرة، ودفن بالقرافة.
وفيها المعمّر عبد الحميد بن أحمد بن خولان البنّا [1] .
أجاز له ابن أبي لقمة، وابن البنّ. وسمع أبا القاسم بن صصرى، والنّاصح، وابن الزّبيدي.
توفي بزملكا عن بضع وثمانين سنة.
وفيها المقرئ شمس الدّين محمد بن قايماز الطحّان الدمشقي [2] .
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 348- 349) .
[2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (294) و «الدّرر الكامنة» (4/ 134) .(8/13)
تلا بالسبع على السّخاوي، وسمع من ابن صباح وغيره. وكان خيّرا متواضعا.
توفي عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها مسند المغرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطّائي القرطبي [1] .
قال الذهبي: أجاز لنا مرويّاته، وسمع «الموطأ» و «كامل» المبرّد من أبي القاسم أحمد بن بقي في سنة عشرين، وعمّر دهرا طويلا.
توفي بتونس في ذي القعدة عن مائة عام.
وفيها نجم الدّين أبو إبراهيم موسى بن إبراهيم بن يحيى بن علوان بن محمد الأزديّ السّقراوي ثم الصّالحي، الفقيه الحنبليّ، المحدّث النّحويّ المعدل [2] .
ولد في رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة. وسمع من أبيه والحافظين إسماعيل بن مظفّر، والضّياء المقدسي. ومن خطيب مردا، ويوسف سبط ابن الجوزي. وقرأ الكثير على ابن عبد الدائم، ومن بعده، كابن أبي عمر وطبقته، وعني بالحديث. وكتب بخطّه ما لا يوصف.
قال الذهبي: كان فقيها، إماما، مفتيا، كثير المحفوظ والنّوادر.
وقال غيره: كان حسن المجالسة، مفيد المذاكرة. حدّث، وروى عنه الذهبي وغيره، وتوفي يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة، ودفن من الغد بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 341- 342) .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 344- 345) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 348- 349) .(8/14)
سنة ثلاث وسبعمائة
فيها أغارت العساكر المنصورة على ملطية، ونازلوا تلّ حمدون من بلاد سيس.
وفيها توفي القدوة الزّاهد العلّامة بركة الوقت، أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبد الكريم الرّقّي- بفتح الراء وتشديد القاف، نسبة إلى الرّقّة بلد على الفرات- الحنبلي [1] .
ولد سنة سبع وأربعين وستمائة بالرّقّة. وقرأ ببغداد بالرّوايات العشر على يوسف بن جامع القفصي، وسمع بها الحديث من الشيخ عبد الصّمد بن أبي الحسين، وصحبه.
قال الذهبي: وعني بتفسير القرآن، وبالفقه على مذهب الإمام أحمد، وتقدّم في علم الطّبّ، وشارك في علوم الإسلام. وبرع في التذكير، وله المواعظ المحرّكة إلى الله- عز وجل- والنّظم العذب، والعناية بالآثار النّبوية، والتصانيف النّافعة، وحسن التربية، مع الزّهد والقناعة باليسير في المطعم والملبس. وكان إماما، زاهدا، عارفا قدوة، سيّد أهل زمانه. وله التصانيف الكثيرة. وكان ربما خضر السّماع وتواجد.
وقال ابن رجب: سمع منه البرزالي، والذهبي، وغيرهما. وكان يسكن بأهله في أسفل المئذنة الشّرقية بالجامع الأموي في المكان المعروف بالطّواشية، وهناك
__________
[1] لفظة «الحنبلي» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «ذيول العبر» ص (23) وانظر «معجم الشيوخ» (1/ 127) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 349- 350) .(8/15)
توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرّم، وصلّي عليه عقيب الجمعة بالجامع، وحمل إلى سفح قاسيون فدفن بتربة الشيخ أبي عمر.
وفيها ابن الخبّاز [1] نجم الدّين أبو الفداء إسماعيل بن إبراهيم بن سالم، ينتهي نسبه إلى عبادة بن الصّامت الأنصاري العبادي [2] الصّالحي الحنبلي، الحافظ [3] المحدّث المكثر [4] المؤدّب.
ولد سنة تسع وعشرين وستمائة، وسمع من الحافظ ضياء الدّين، وعبد الحق بن خلف، وعبد الله بن الشيخ أبي عمر، وغيرهم، وجدّ واجتهد من سنة أربع وخمسين وإلى أن مات. وسمع وكتب ما لا يوصف كثرة، وخرّج لنفسه «مشيخة» في مائة جزء عن أكثر من ألفي شيخ، فإنه كتب العالي والنّازل، وعمّن دبّ ودرج، وخرّج سيرة لابن أبي عمر في مائة وخمسين جزءا.
وكان حسن الأخلاق، متواضعا، غير متقن فيما يجمعه. وسمع منه خلق من الحفّاظ وغيرهم، منهم المزّي، والذهبي، وولده مسند وقته أبو عبد الله محمد، وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر بدمشق، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها المعمّرة أم أحمد ستّ الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكية [5] بدمشق في المحرّم.
قال الذهبي: مكثرة عن البهاء عبد الرحمن، صالحة، خيّرة، عاشت خمسا وثمانين سنة.
وفيها زين الدّين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فئر [6] بن
__________
[1] عبارة «ابن الخبّاز» سقطت من «آ» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (24- 25) و «معجم الشيوخ» (1/ 171) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 350- 351) و «المنهل الصّافي» (2/ 382- 383) .
[3] لفظة «الحافظ» سقطت من «آ» .
[4] لفظة «المكثر» سقطت من «ط» .
[5] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 283- 284) .
[6] كذا في «المنتخب» لابن شقدة (206/ آ) : «ابن فئر» ورسمت في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 280) و «معجم الشيوخ» (1/ 342) «ابن فير» على قاعدة من يستبدل الهمزة(8/16)
الحسن الفارقي الشّافعي [1] ، خطيب دمشق، وشيخ دار الحديث، ومدرّس الشامية البرّانية.
ولد في محرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث من جماعة، واشتغل وأفتى في مذهب الشافعي [2] ، ودرّس، وولي مشيخة دار الحديث بعد النّووي، وهو الذي عمرها بعد خرابها في فتنة قازان [3] .
قال الذهبي في «معجمه» : كان عارفا بالمذهب، وبجملة حسنة في الحديث، ذا اقتصاد في ملبسه وتصوّن في نفسه، وسطوة على الطلبة، وفيه تعبّد وحسن معتقد.
وقال ابن كثير: سمع الحديث الكثير، واشتغل [4] ودرّس، وأفتى مدّة طويلة. توفي في صفر ودفن بالصالحية في تربة أهله بتربة الشيخ أبي عمر.
وفيها خطيب بعلبك ضياء الدّين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السّلمي الشافعي [5] . سمع القزويني، وابن اللّتي، وهو آخر من روى «شرح السّنّة» [6] وخطب ستين سنة، وتوفي في صفر، عن تسع [7] وثمانين سنة.
وفيها الشيخ أبو الفتح نصر بن أبي الضّوء الزّبدانيّ الفاميّ [8] ، أحد رواة «الصحيح» [9] عن ابن الزّبيدي.
__________
بالياء، وزيادة في التأكيد قام ابن شقدة بإثبات الياء وفوقها الهمزة. وكتبت في «البداية والنهاية» (14/ 30) : «ابن فهر» وهو تحريف، وتحرفت في «الدّرر الكامنة» (2/ 304) إلى «ابن فيروز» فلتصحح.
[1] لفظة «الشافعي» سقطت من «آ» .
[2] عبارة «في مذهب الشافعي» لم ترد في «ط» .
[3] في «ط» : «غازان» وكلاهما صواب.
[4] في «آ» : «وأشغل» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (24) و «الوافي بالوفيات» (18/ 183) .
[6] لصاحبه الإمام البغوي، وقد قام بطبعه المكتب الإسلامي بدمشق بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى.
[7] لفظة «تسع» سقطت من «آ» .
[8] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 354) .
[9] يعني «صحيح البخاري» .(8/17)
قال الذهبي: كتبنا عنه، وقد جاوز الثمانين.
وفيها صاحب الشّرق القآن محمود غازان بن القآن أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي، في شوال بقرب همذان، ولم يتكهل. ونقل إلى تربته بتبريز.
سمّ بمنديل [1] يمسح به بعد الجماع، وتملّك أخوه خربندا، وكان بسنجار وسمّوه محمدا، ولقّبوه غياث الدّين.
وفيها عمر بن كثير [2] خطيب القرية [3] من عمل بصرى، وهو والد الشيخ عماد الدّين بن كثير.
وفيها الصّاحب عبد الله بن الصّاحب عزّ الدّين محمد بن أحمد بن خالد بن القيسراني الحلبي [4] .
كتب في الإنشاء مدّة [5] بعد الوزارة إلى أن مات.
ومن شعره:
بوجه معذّبي آثار حسن ... فقل ما شئت فيه ولا تحاشي
ونسخة حسنه قرئت وصحّت ... وها خطّ الكمال على الحواشي
وأصله من قيساريّة الشام، وتوفي بالقاهرة، ودفن بتربته جوار السيدة نفيسة، قدّس سرّها.
__________
[1] في «ط» : «في منديل» .
[2] ترجم له ترجمة مطولة ولده الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (14/ 31- 33) فلتراجع.
[3] القرية: قال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» : «وهي قرية من أعمال بصرى» .
[4] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 331- 332) و «الدرر الكامنة» (2/ 284) .
[5] لفظة «مدة» سقطت من «آ» .(8/18)
سنة أربع وسبعمائة
فيها أخذ الشيخ تقي الدّين بن تيميّة الحجّارين وذهب إلى التي [1] في مسجد النّارنج جوار المصلّى فقطعها، وكان يزورها النّاس وينذرون لها النذور، ولهم فيها اعتقاد، فمحا ذلك، وبنى مسجد النّارنج.
وفيها ضربت رقبة الكمال الأحدب، وسببه أنه جاء إلى القاضي جمال الدّين المالكي يستفتيه- وهو [2] لا يعلم أنّه القاضي-: ما تقول في إنسان تخاصم هو وإنسان، فقال له الخصم تكذب ولو كنت رسول الله [3] فقال له القاضي: من قال هذا؟ قال: أنا، قال: فأشهد عليه القاضي من كان حاضرا وحبسه وأحضره من الغد إلى دار العدل وحكم بقتله [4] .
وفيها توفي محدّث بغداد ومفيدها، أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر القلانسي البغدادي الحنبلي [5] .
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (206/ آ) . وقال ابن المبرد في «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» ص (165) في معرض كلامه على المشاهد بدمشق: ومشهد النّارنج: به حجر مشقّق وله حكاية مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويبدو أن المقصود من كلام المؤلّف رحمه الله إنما هو هذا الحجر الذي كان لا يزال قائما في حينه، والله أعلم.
[2] لفظة «هو» سقطت من «آ» .
[3] نعوذ بالله من هذا الكفر ونسأله جلّ جلاله أن يثبتنا على النهج السليم نهج الكتاب والسّنّة.
[4] قلت: لكن الحكم فيه لم ينفّذ، وتنقل بعد ذلك بين الشام ومصر ينشر مذهبه الضّال إلى أن مات بقرية القابون قرب دمشق سنة (724) وقد ترجم له المؤلّف هناك انظر ص (116- 117) من هذا المجلد. وانظر «الأعلام» للزركلي (6/ 200) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[5] لفظة «الحنبلي» سقطت من «آ» وهو مترجم في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 353) .(8/19)
ولد في جمادى الآخرة سنة أربعين وستمائة، وعني بالحديث، وسمع الكثير، وتفقّه في مذهب الإمام أحمد [1] . وكتب الكثير بالخطّ الجيد المتقن، وخرّج لغير واحد من الشيوخ، وحدّث بالقليل، وسمع منه جماعة، وأجاز لجماعة، منهم: الحافظ الذهبي. وتوفي في رجب ببغداد، ودفن بباب حرب.
وفيها ركن الدّين أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنائم القزويني الطّاووسي [2] المعمّر، كبير الصّوفية بدمشق. روى بالإجازة العامّة عن أبي جعفر الصّيدلاني وطائفة، وبالسّماع عن ابن الخازن والسّخاوي، وتوفي في جمادى الأولى عن مائة سنة وسنتين وأربعة أشهر.
وفيها صاحب المدينة المنوّرة عزّ الدّين جمّاز [3] بن شيحة العلوي الحسيني، وقد شاخ وأضرّ، وتملّك بعده ابنه منصور، وفيهم تشيّع ظاهر. قاله الذهبي.
وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي ثم الحلبي الحنبلي [4] الصّوفي المحدّث الحافظ، نزيل دمشق.
ولد سنة أربع وثلاثين وستمائة، وسمع بحلب من ابن رواحة، وإبراهيم بن خليل. وبمصر من الكمال الضّرير، والرّشيد العطّار، وغيرهما. وبدمشق من ابن عبد الدائم، وجماعة. وقرأ كتبا مطوّلة مرارا، وعني بالحديث عناية تامّة. وكان يجوع ويشتري الأجزاء ويتعفف [ويقنع] [5] بكسرة فيسوء خلقه، مع التّقوى والصّلاح. وسمع منه الذّهبي وجماعة، وتوفي في صفر بالمارستان الصّغير بدمشق، وحمل إلى سفح قاسيون فدفن قبال زاوية ابن قوام.
__________
[1] عبارة «في مذهب الإمام أحمد» سقطت من «ط» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (27) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حمّاد» والتصحيح من «ذيول العبر» ص (27) وانظر التعليق عليه.
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 351- 352) .
[5] سقطت من «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (106/ ب) واستدركتها من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف.(8/20)
وفيها شيخ الإسكندرية تاج الدّين علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرّافي [1]- بالغين المعجمة المفتوحة، وتشديد الراء، وفاء، نسبة إلى الغرّاف نهر تحت واسط على قرى كثيرة-.
قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» : ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع من محمد بن عماد، وظافر بن نجم، وعلي بن جبارة، وطائفة. وببغداد من أبي الحسن القطيعي وغيره. وحدّث فأكثر، وحمل عنه المغاربة والرحّالة، وحدّثوا عنه في حياته. وكان عارفا بالمذهب.
وقال أبو العلاء الفرضي: كان عالما، فاضلا، محدّثا، مكثرا، مسندا، مفيدا، عابدا.
وأثنى عليه البرزالي، والذهبي، وغيرهما. وكان يرتزق بالوراقة، فإذا حصّل قوته لا يتجاوز. مات في الإسكندرية في ذي الحجّة.
وفيها الضّياء عيسى بن أبي محمد بن عبد الرزّاق المغاري [2] ، شيخ المغارة. روى عن ابن الزّبيدي، وابن صباح، والإربلي، وتوفي في ربيع الأول عن ثمانين سنة.
وفيها الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الإربلي ثم الدمشقي أبو الفضل [3] ، كبير الذّهبيين. كان مكثرا. سمع المسلم المازني، وابن الزّبيدي، وأبا نصر بن عساكر، وغيرهم. وتفرّد بأشياء.
قال الذّهبي: خرّجت له «مشيخة» ومات في رمضان. سقط من السلّم فمات لوقته عن ثمانين سنة.
وفيها الأمير الكبير الأديب شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (28- 29) و «معجم الشيوخ» (2/ 12- 13) و «الدّرر الكامنة» (3/ 17) و «حسن المحاضرة» (1/ 387) .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 88- 89) و «الدّرر الكامنة» (3/ 289) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 310- 311) و «الوافي بالوفيات» (5/ 265) .(8/21)
ابن أبي سعد بن علي بن المنصور بن محمد بن الحسين الشّيباني الآمدي ثم المصري الحنبلي [1] .
ولد بمصر ثالث عشر المحرم، سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وسمع بمصر من ابن الجمّيزي [2] ، وابن المقيّر. وبدمشق من جماعة، وبماردين من آخرين، ونشأ بماردين.
وكان والده الصّاحب شرف الدّين من العلماء الفضلاء. جمع «تاريخا» لمدينة آمد، وله نظم ونثر. وسمع الحديث ورواه، وكان محدّثا، فاضلا، متقنا.
توفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة.
وكان وزيرا للملك السعيد الأرتقي صاحب ماردين، وصار ابنه شمس الدّين هذا مع ابن الملك المظفّر بن السعيد نائبا للمملكة ومدبّرا لدولته إلى أن ذهب رسولا إلى الملك المنصور قلاوون صاحب مصر، فحبسه ست سنين، حتّى ولي ابنه الملك الأشرف فأخرجه وأنعم عليه، وولّاه نيابة دار العدل، فباشرها، وكان عالما، فاضلا، أديبا، متفننا، ذا معرفة بالحديث، والتاريخ، والسّير، والنّحو، واللّغة، وافر العقل، مليح العبارة، حسن الخطّ والنّظم والنثر، جميل الهيئة، له خبرة تامّة بسير الملوك المتقدمين ودولهم، لا تملّ مجالسته.
وذكر الذهبي أنه نسب إلى نقص في دينه، فالله تعالى أعلم.
قال ابن رجب: وسمع منه جماعة، منهم: الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، والمزّي، والبرزالي، والذّهبي، وتوفي بمصر، سقط من فرس فكسرت أعضاؤه، وبقي أياما، ثم مات في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 352- 353) .
[2] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «الجهيري» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.(8/22)
سنة خمس وسبعمائة
فيها توفي خطيب دمشق الإمام الكبير شرف الدّين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشّافعي [1] ، أخو الشيخ تاج الدّين.
ولد بدمشق في رمضان سنة ثلاثين وستمائة، وتلا بالسّبع، وأحكم العربية، وقرأ الحديث، وسمع كثيرا من السّخاوي وغيره. وكان فصيحا، عديم اللّحن، طيب الصّوت. وأقرأ العربية زمانا، مع الكيس، والتواضع والتصوّن [2] ، وولي خطابة جامع جرّاح، ثم خطابة جامع دمشق.
وتوفي في شوّال عن خمس وسبعين سنة وشهر، ودفن بباب الصغير عند أخيه.
وفيها المعمّرة [3] زينب بنت سليمان بن رحمة الإسعردي [4] .
سمعت من الزّبيدي، والشّمس أحمد بن عبد الواحد البخاري، وعلي بن حجّاج، وجماعة. وتفردّت بأشياء، وماتت في ذي القعدة عن بضع وثمانين سنة.
وفيها حافظ الوقت العلّامة شرف الدّين عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدّمياطي الشافعي [5] .
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 270- 272) .
[2] كذا في «آ» و «المنتخب» لابن شقدة (206/ ب) : «والتصون» وفي «ط» : «والتصوف» .
[3] لفظة «المعمّرة» سقطت من «آ» .
[4] انظر «الوافي بالوفيات» (15/ 67) .
[5] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (1/ 424- 425) ولم يرد اسمه في فهرسه فليستدرك، و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 552- 554) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 286- 288) .(8/23)
ولد بدمياط في أواخر سنة ثلاث عشرة وستمائة، وتفقه بها، وقرأ بالسّبع على الكمال الضرير، وسمع الكثير، ورحل، ولازم الحافظ عبد العظيم المنذري سنين، وتخرّج به، ورحل إليه الطلّاب، وحدّث قديما، وسمع منه الشيخ محمد بن محمد الأبيوردي، وكتب عنه في «معجم شيوخه» ومات قبله بتسع وثلاثين سنة.
روى عنه من تلاميذه الحفّاظ المزّي، والبرزالي، وابن سيد الناس، والسبكي، وغيرهم، فعلى هذا الدّمياطي شيخ هؤلاء وشيخ شيخهم.
قال المزّي: ما رأيت أحفظ منه.
وقال البرزالي: كان آخر من بقي من الحفّاظ وأهل الحديث أصحاب الرّواية العالية والدّراية الوافرة.
وقال الذهبي في «معجمه» : العلّامة الحافظ الحجّة، أحد الأئمة الأعلام وبقيّة نقّاد الحديث.
رحل، وسمع الكثير، و «معجمه» نحو ألف ومائتين وخمسين شيخا، وله تصانيف في الحديث والعوالي، والفقه، واللغة، وغير ذلك. ومحاسنه جمّة. انتهى.
وقد أثنى عليه غير واحد، وله مصنّفات نفيسة، منها: «السيرة النبوية» في مجلد، وكتاب في «الصلاة الوسطى» وكتاب «الخيل» وكتاب «التّسلي والاغتباط بثواب [1] من تقدّم من الأفراط» وغير ذلك.
توفي فجأة في نصف ذي القعدة بالقاهرة، ودفن بمقابر باب النّصر، رحمه الله تعالى.
وفيها قاضي حلب وخطيبها العلّامة شمس الدّين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي أبو عبد الله الكوراني [2] .
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «بقوات» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (31- 32) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 306- 307) .(8/24)
ولد سنة خمس وعشرين وستمائة، وأخذ عن ابن عبد السّلام، وأخذ القراءات عن الكمال الضّرير فيما قيل، وناب في الحكم بدمشق، ثم ولي قضاء حلب، وله «مختصر» في الخلاف، مأخوذ من «حلية الشّاشي» [1] وغيرها.
قال الذهبي: كان مشكورا، ديّنا، يدري المذهب، صالحا، ورعا.
وقال السبكي في «الطبقات الكبرى» : كان من علماء حلب، وكان يدري القراءات، توفي بحلب في جمادى الأولى.
وفيها المعمّر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب المؤدّب المصري [2] . حدّث عن ابن باقا.
قال الذهبي: حدثنا عنه أبو الحسن السّبكي، وتوفي بمصر.
وفيها الإمام المعمّر شرف الدّين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصّوّاف الجذامي المالكي [3] ، كبير الشّهود. سمع منه قاضي القضاة السّبكي وجماعة، وروى عن ابن عماد، والصّفراوي، وتلا عليه بالسّبع، وأول سماعه كان في سنة خمس عشرة وستمائة، وأصمّ وأضرّ مدة، وتوفي بالإسكندرية عن ست وتسعين سنة.
وفيها صاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن السّلطان يعقوب بن عبد الحقّ المريني [4] .
__________
[1] هو «حلية العلماء في مذاهب الفقهاء» . انظر «كشف الظنون» (1/ 690) .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 227) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (32) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (33) .(8/25)
سنة ست وسبعمائة
فيها أنشئ في الصّالحية تجاه الرّباط النّاصري جامع الأفرم، وخطب به القاضي شمس الدّين بن [أبي] العزّ [1] الحنفي.
وفيها مات رئيس التّجّار الصّدر جمال الدّين إبراهيم بن محمد بن السّواملي- والسّوامل كالطّاسات- العراقي [2] . كان يثقب اللؤلؤ، فصمّد ألفي درهم، ثم اتجر وسار إلى الصّين، فتموّل وعظم، وضمن العراق من القان ورفق بالرّعية، وصار له أولاد مثل الملوك، ثم صودر وأخذ منه أموال ضخمة، ومات فجأة بشيراز عن ست وسبعين سنة.
وفيها العلّامة نصير الدّين أبو بكر عبد الله بن عمر بن أبي الرّضا الفاروثي [3] الشّافعي.
قال البرزالي في «تاريخه» : قدم علينا دمشق، وكان يعرف الفقه، والأصلين، والعربية، والأدب. وكان جيّد المناظرة.
ولد بفاروث، وهي [4] قرية من عمل شيراز، وسكن بغداد، ومات بها.
ودرّس بالمستنصرية وغيرها من المدارس الكبار.
__________
[1] مستدركة من «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 435) ومن ترجمته في حوادث سنة (722) ص (106) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (35) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 292) .
[4] لفظة «وهي» سقطت من «آ» و «ذيول العبر» ص (36) .(8/26)
وفيها ضياء الدّين عبد العزيز بن محمد بن علي الطّوسي ثم الدّمشقي الشافعي [1] ، اشتغل بالعلم، وتفنّن ودرّس بالنّجيبيّة، وأعاد بغيرها، وشرح «الحاوي» شرحا حسنا، سمّاه المصباح، وشرح «مختصر ابن الحاجب» .
قال البرزالي: كان شيخا، فاضلا.
وقال ابن حبيب: كان ذا فضائل منتظمة الفرائد، وتصانيف مشتملة على كثير من الفوائد. توفي فجأة بدمشق في جمادى الأولى [2] ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها خطيب دمشق، شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي [3] ابن إمام الكلّاسة. كان ديّنا، صالحا، صيّنا، مليح الشّكل، طيّب الصّوت، حسن الهدي [4] . روى عن ابن البرهان، وابن عبد الدائم، وأمّ بالكلّاسة مدّة، ثم خطب للخطابة، فأقام ستة أشهر ونصفا، وخرج من الحمّام وصلى سنّة الفجر فغشي عليه وانطفأ، وحمل على الرؤوس، وصلى عليه الأفرم نائب دمشق، وولي بعده الخطابة جلال الدّين القزويني صاحب «تلخيص المفتاح» .
وفيها مسند حلب علاء الدّين [5] سنقر القضائي الزّيني [6] ، تفرّد بأشياء، وحدّث عن الموفق عبد اللّطيف، وابن شدّاد، وابن روزبه، وابن الزّبيدي، وأنجب الحمّامي وعدة، وكان دينا، خيرا، صبورا على الطلبة.
قال الذهبي: أكثرنا عنه، وتوفي بحلب في شوال عن سبع وثمانين سنة، رحمه الله تعالى.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 181) .
[2] عبارة «في جمادى الأولى» سقطت من «ط» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (35) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «الهدم» .
[5] عبارة «علاء الدين» سقطت من «ط» .
[6] انظر «ذيول العبر» ص (36) .(8/27)
سنة سبع وسبعمائة
فيها عقد مجلس بالقصر فاستنيب النّجم بن خلّكان [1] من عبارات قبيحة، ودعاو مبيحة للدم، وادّعاء نبوّة ما، فاختلفت فيه الآراء، ومال إلى الرّفق به [2] الشيخ برهان الدّين فتاب.
وفيها توفي [3] رئيس مصر، الصّاحب تاج الدّين محمد بن الصّاحب فخر الدّين محمد بن الوزير بهاء الدّين علي بن محمد حنّا [4] .
قال الذهبي: حدّثنا عن سبط السّلفي، وكان محتشما، وسيما، عادلا، شاعرا، متمولا، من رجال الكمال.
وقال غيره: وزير ابن وزير ابن وزير، انتهت إليه رئاسة عصره بمصر، صدقاته كثيرة، وتواضعه وافر، وهو الذي اشترى الآثار النبوية التي بالقاهرة على ما قيل بستين ألف درهم وجعلها في مكانه المعشوق، وهو المكان المنسوب إليه، وذلك قطعة من العنزة، ومرود، ومخصف، وملقط، وقطعة من قصعة.
وقال ابن فضل الله: رأيت إلى جانب تربته مكتب أيتام وهم يكتبون القرآن في الألواح، فإذا أرادوا مسحها غسلوا ألواحهم وسكبوا ذلك على قبره، فسألت عن ذلك، فقيل لي: هذا شرط الواقف، وهذا قصد حسن وعقيدة حسنة.
__________
[1] هو محمد بن إبراهيم. انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 455) .
[2] في «ذيول العبر» : «إلى الترفق به» .
[3] لفظة «توفي» سقطت من «آ» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (38) .(8/28)
ومن شعره:
لله في الأحوال لطف جميل ... فاغن به عن ذكر قال وقيل
ولا تفارق أبدا بابه ... فمنه قد جاء العطاء الجزيل
واشكر على الإنعام فيما مضى ... كم أسبل السّتر زمانا طويل
وا خيبة المعرض عن بابه ... خلّى كريما ثمّ أمّ البخيل
فقل لمن عدّد إنعامه ... كل لسان عند هذا كليل
وتوفي- رحمه الله تعالى- بمصر.
وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن عبد الحميد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن بكير الفنيدقي، الفقيه الحنبلي [1] .
ولد سنة ست أو خمس وثلاثين وستمائة، وسمع من أبي عبد الله بن سعد [2] المقدسي، وجدّه لأمّه خطيب مردا، وغيرهما. وبمصر من الرّشيد العطّار وجماعة، وتفقّه، وبرع، وأفتى ودرّس، مع دين وتواضع وصدق، وأضر بأخرة، وسمع منه الذّهبي، وروى عنه في «معجمه» وتوفي بجبل نابلس في رجب.
وفيها رشيد الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمر بن أبي القاسم البغدادي [3] الحنبلي المقرئ المحدّث الصّوفي الكاتب.
ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة، سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وسمع الكثير من ابن روزبه، والسّهروردي، وابن الخازن، وابن اللّتي، وغيرهم. وعني بالحديث، وسمع الكتب الكبار والأجزاء، وكان عالما، صالحا، من محاسن البغداديين وأعيانهم، ذا لطف وسهولة وحسن أخلاق، من أجلاء العدول، ولبس خرقة التصوف من السّهروردي، وحدّث بالكثير، وسمع منه خلق كثير من أهل بغداد والرحّالين، وانتهى إليه علو الإسناد، وتوفي في تاسع [4] جمادى الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 30- 31) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 354) .
[2] في «ط» : «أسعد» .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 204- 205) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 353- 354) .
[4] لفظة «تاسع» سقطت من «ط» .(8/29)
وفيها أبو عبد الله محمد [بن حجاج بن إبراهيم] بن مطرّف الأندلسي [1] .
جاور نحو ستين عاما بمكة، وكان يطوف في اليوم والليلة خمسين أسبوعا، وتوفي بمكة في رمضان، عن نيف وتسعين سنة، وحمل نعشه صاحب مكة حميضة.
وفيها جمال الدّين أبو بكر محمد بن عبد العظيم بن علي بن السّقطي الشافعي [2] .
روى بالإجازة عن ابن باقا، وعن العلم بن الصّابوني، وأكثر المحدّثون عنه.
وله أخ باسمه [3] ، وهو العدل نجم الدّين، محمد، مات بعد النّووي، ومات صاحب الترجمة بالقاهرة، عن خمس وثمانين سنة، وكان قاضي قضاتها مدة.
وفيها شهاب الدّين محمد بن أبي العزّ بن مشرف بن بيان الأنصاري البزّاز [4] ، مسند دمشق، وشيخ الرّواية بالدار الأشرفية. حدّث عن ابن الزّبيدي، والنّاصح [5] وابن صباح، وابن المقيّر، وغيرهم. وتفرّد واشتهر، وتوفي بدمشق عن ثمان وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (38) و «العقد الثمين» (1/ 452) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (39) و «حسن المحاضرة» (1/ 388) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «بسمة» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (40) .
[5] يعني ابن الحنبلي.(8/30)
سنة ثمان وسبعمائة
فيها توفي بغرناطة، عالمها، وحافظها، أبو جعفر، أحمد بن إبراهيم بن الزّبير الثّقفي. طلب العلم في سنة ست وأربعين وستمائة، وسمع من جماعة، وتفرّد ب «السّنن الكبير» للنسائي عن أبي الحسن الشّاري، بينه وبين المؤلّف ستة أنفس.
قال ابن ناصر الدّين [1] : كان نحويا، حافظا، علّامة، أستاذ القرّاء، ثقة، عمدة.
وقال الذهبي [2] : مات بغرناطة في ربيع الأول، عن ثمانين سنة.
وفيها المعمّر عماد الدّين إسماعيل بن علي بن الطبّال [3] ، شيخ المستنصرية. سمع عمر بن كرم [4] ، وابن روزبه، وجماعة. وتفرّد ومات ببغداد.
وفيها خديجة بنت عمر بن أحمد بن العديم [5] ، في عشر التسعين.
قال الذهبي: روت لنا عن الرّكن إبراهيم الحنفي.
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (183/ ب) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (44) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (45) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «مكرم» والتصحيح من «ذيول العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 325- 326) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (44) .(8/31)
وفيها الشيخ الزّاهد القدوة الكبير، عثمان بن عبد الله الصّعيدي ثم الحلبوني [1] . كان صالحا، عابدا، متعفّفا، تؤثر عنه أحوال. وأقام مدة ببعلبك ومدة ببرزة. وكان لا يأكل الخبز ويزعم أنه يتضرر بأكله، ومات في المحرّم بقرية برزة. قاله السّخاوي.
وفيها شهاب الدّين بن علي المحسنيّ [2] . كان عالما، مسندا، مكثرا عن ابن المقيّر، وابن رواج، والسّاوي، وتوفي بمصر عن ثمانين سنة.
وفيها علم الدّين إبراهيم عرف بابن أبي خليقة [3] . كان حكيما، فاضلا، رئيس الطبّ بالدّيار المصرية والشّامية، وهو أول من ركّب شراب الورد، ولم يكن [4] يعرف بدمشق قبل ذلك.
توفي بمصر، قيل: بلغت تركته ثلاثمائة ألف دينار.
وفيها أمّ عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري [5] . لها إجازة [من] الفتح، وابن عفيجة، وجماعة. وسمعت المسلّم المازني، وكريمة، وابن رواحة. وروت الكثير، وتفرّدت [6] ولم تتزوج.
توفيت في ربيع الآخر بدمشق عن قريب التسعين.
وفيها شيخ الحرم ظهير الدّين محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي [7] .
جاور بمكة أربعين سنة، وحدّث عن الشّرف المرسي، وتوفي بالمهجم [8] من نواحي اليمن، عن بضع وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (42) .
[2] في «آ» و «ط» : «المجيي» والتصحيح من «ذيول العبر» ص (42) و «الدّرر الكامنة» (2/ 195) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (42) و «النجوم الزاهرة» (8/ 229) .
[4] لفظة «يكن» لم ترد في «ط» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (42- 43) .
[6] لفظة «وتفرّدت» سقطت من «ط» .
[7] انظر «ذيول العبر» ص (43) و «العقد الثمين» (2/ 75) .
[8] مدينة من أمّات مدن الجزء الشمالي من تهامة. انظر «معجم ما استعجم» (2/ 1274) و «صفة جزيرة العرب» ص (97) وحاشيته و «معجم البلدان» (5/ 229) .(8/32)
وفيها الحافظ مفيد مصر شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن سامة بن كوكب الطّائي السّوادي الحكمي- وحكمه [1] بالفتح قرية من قرى السّواد- الحنبلي [2] الحافظ الزّاهد.
ولد في رجب سنة اثنتين وستين وستمائة، وسمع من أحمد بن أبي الخير، وابن أبي عمر، وغيرهم. ورحل سنة ثلاث وثمانين إلى مصر، وسمع بها من العزّ الحرّاني، وابن خطيب المزّة، وغيرهما. وبالإسكندرية من ابن طرخان وجماعة، وببغداد من ابن الطبّال وخلق، وبأصبهان، والبصرة، وحلب، وواسط. عني بهذا الفنّ، وحصّل الأصول. وكتب العالي والنّازل.
قال الحافظ عبد الكريم الحلبي: كان إماما، عالما، فاضلا، حسن القراءة، فصيحا، ضابطا، متقنا. قرأ الكثير، وسمع من صغره إلى حين وفاته.
وقال البرزالي: خالط الفقراء، وصارت له أوراد كثيرة، وتلاوة، واستوطن ديار مصر، وتزوّج وصارت له بها حظوة وشهرة بالحديث وقراءته، وكان معمور الأوقات بالطّاعات.
وقال الذهبي في «معجمه» [3] : أحد الرحّالين، والحفّاظ، والمكثرين.
ودخل أصبهان طمعا أن يجد بها رواة فلم يلق شيوخا ولا طلبة، فرجع. وكان ثقة صحيح النّقل، عارفا بالأسماء. من أهل الدّين والعبادة.
وقال ابن رجب: سمع منه البرزالي، والذهبي، وعبد الكريم الحلبي، وذكروه في «معاجمهم» .
توفي يوم الثلاثاء رابع عشري [4] ذي القعدة، ودفن بالقرافة بالقرب من الشّافعي.
وفيها- وجزم ابن حجر في «الدّرر الكامنة» أنه في التي قبلها-
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وحكم» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (43- 44) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 355) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 209) و «المعجم المختص بالمحدّثين» ص (101- 102) .
[4] في «ط» : «رابع عشر» وما جاء في «آ» موافق لما في «ذيل طبقات الحنابلة» .(8/33)
جمال الدّين شرف القضاة أبو عبد الله محمد بن المكين أبي الطّاهر إسماعيل بن محمد بن محمود بن عمر التّنوخي الإسكندراني المالكي [1] .
سمع من ابن الفوّي «كرامات الأولياء» ومن ابن رواج، ومن غيرهما. وسمع منه أبو العلاء الفرضي، وأبو الفتح بن سيد الناس، وغيرهما. وحدّث، وكان من أعيان أهل الإسكندرية. مات في أول يوم من شهر رمضان.
وفيها مسند دمشق والشام أبو جعفر محمد بن علي بن حسين السّلمي العبّاسي الدمشقي بن الموازيني [2] . كان ديّنا زاهدا. حجّ مرات، وتفرّد عن القاسم بن صصرى، والبهاء عبد الرحمن، ورحل إليه، وتوفي بدمشق في نصف ذي الحجّة عن أربع وتسعين سنة.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 388) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (44) و «الوافي بالوفيات» (3/ 213) و «الدّرر الكامنة» (4/ 63) .(8/34)
سنة تسع وسبعمائة
فيها كما قال السيوطي [1] خرج السلطان الملك النّاصر بن قلاوون قاصدا للحجّ، فخرج من مصر في رمضان وخرج معه جماعة من الأمراء لتوديعه فردّهم، فلما اجتاز بالكرك عدل إليها فنصب له الجسر، فلما توسطه انكسر به فسلم من قدّامة وقفز به الفرس فسلم، وسقط من وراءه، وكانوا خمسين فمات أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحته، وأقام السلطان بالكرك وكتب كتابا إلى الدّيار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة، فأثبت ذلك على القضاة بمصر، ثم نفذ على قضاة الشام.
وبويع الأمير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير [2] بالسّلطنة في الثالث والعشرين من شوال ولقّب الملك المظفّر، وقلّده الخليفة، وألبسه الخلعة السوداء والعمامة المدوّرة، ونفذ التقليد إلى الشام في كيس أطلس أسود [3] ، فقرئ هناك، وأوله إِنَّهُ من سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 27: 30 [النّمل: 30] ثم عاد الناصر في رجب سنة تسع وطلب عوده إلى الملك ووالاه على ذلك جماعة من الأمراء، فدخل دمشق في شعبان، ثم دخل مصر يوم عيد الفطر، وصعد القلعة.
وقال العلاء الوداعي [4] في عوده إلى الملك:
الملك النّاصر قد أقبلت ... دولته مشرقة الشّمس
__________
[1] انظر «حسن المحاضرة» (2/ 112- 114) .
[2] الجاشنكير: هو الذي يتصدى لتذوق المأكول والمشروب قبل السلطان. انظر «معجم الألفاظ التاريخية» لدهمان ص (50) .
[3] كذا في «آ» و «حسن المحاضرة» : «أطلس أسود» وفي «ط» : «أسود أطلس» .
[4] هو علي بن مظفّر الكندي، سترد ترجمته في وفيات سنة (716) ص (71) .(8/35)
عاد إلى كرسيّه مثل ما ... عاد سليمان إلى الكرسي
وخذل المظفّر، فجاء إلى خدمة السلطان، فوبخه وخنقه، وأباد جماعة من رؤوس الشرّ وتمكّن.
وهرب نائبه سلّار [1] نحو تبوك، ثم خدع وجاء برجله إلى أجله، فأميت جوعا، وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف، وكان تملّك إحدى عشرة سنة.
وكان مغليا، أسمر، سهل الخدّين، ليس بالطويل، ذا هيئة، قليل الظّلم، وقد بلغ من الجاه والمال ما لا مزيد عليه.
وفيها مات المقرئ المعمّر أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن علي بن صدقة المخرمي [2] .
قال الذهبي: حدّثنا عن ابن اللّتي، وجعفر، ومكرم، ومات بدمشق عن بضع وثمانين سنة.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن أبي طالب الحمّامي البغدادي الزّانكي [3] المجاور من زمان بمكّة، بحيث صار مسندها. سمع من الأنجب الحمّامي أجزاء تفرّد بها، وأخذ عنه ابن مسلّم القاضي، وشمس الدّين بن الصّلاح مدرّس القيمرية، وأجاز لأبي عبد الله الذّهبي.
وتوفي بمكّة في جمادى الآخرة، عن بضع وثمانين سنة.
وفيها أبو الفضل تاج الدّين [4] ، أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندري المالكي الشّاذلي [5] .
__________
[1] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «ذيول العبر» ص (53) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (49) و «الدّرر الكامنة» (1/ 23- 24) و «معجم الشيوخ» (1/ 132- 133) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (48- 49) و «معجم الشيوخ» (1/ 117- 118) و «الدرر الكامنة» (1/ 142) و «العقد الثمين» (3/ 49- 51) .
[4] في «ط» : «تاج الدّين أبو الفضل» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (48) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 23- 24) و «الدّرر الكامنة» (1/ 273) و «غربال الزمان» ص (580- 581) و «حسن المحاضرة» (1/ 524) .(8/36)
قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» صحب الشيخ أبا العبّاس المرسي صاحب الشّاذلي، وصنّف مناقبه ومناقب شيخه. وكان المتكلّم على لسان الصّوفية في زمانه، وهو ممن قام على الشيخ تقي الدّين بن تيميّة فبالغ في ذلك. وكان يتكلم على النّاس، وله في ذلك تصانيف عديدة.
قال الذهبي: كانت له جلالة عجيبة [1] ووقع في النّفوس، ومشاركة في الفضائل. وكان يتكلّم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النّفوس، ومزج كلام القوم [2] بآثار السّلف وفنون العلم، فكثر أتباعه، وكانت عليه سيما الخير، ويقال: إن ثلاثة قصدوا مجلسه، فقال أحدهم: لو سلمت من العائلة لتجرّدت.
وقال الآخر: أنا أصلي وأصوم ولا أجد من الصّلاح ذرّة. وقال الثالث: أنا صلاتي ما ترضيني فكيف ترضي ربّي. فلما حضروا مجلسه، قال في أثناء كلامه: ومن الناس من يقول فأعاد كلامهم بعينه.
وقال الكمال جعفر: سمع من الأبرقوهي، وقرأ النحو على الماروني، وشارك في الفقه والأدب، وصحب المرسي، وتكلّم على الناس، وكثر أتباعه.
وقال ابن الأهدل: الشيخ العارف بالله، شيخ الطريقين، وإمام الفريقين.
كان فقيها، عالما، ينكر على الصّوفية. ثم جذبته العناية، فصحب شيخ الشيوخ المرسي، وفتح عليه على يديه، والذي جرى له معه مذكور في كتابه «لطائف المنن» وله عدّة تصانيف، منها «الحكم» [3] وكلّها مشتملة على أسرار ومعارف، وحكم ولطائف. نثرا ونظما.
__________
[1] كذا في «آ» و «المنتخب من شذرات الذهب» لابن شقدة (208/ آ) : «عجيبة» وفي «ط» :
«عظيمة» .
[2] يعني الصّوفية.
[3] واسمه الكامل «الحكم العطائية» وهو كتيب صغير من كتب الصّوفية الشهيرة، نشرته المكتبة العربية بدمشق منذ سنوات طويلة بعناية الأستاذ أحمد عبيد رحمه الله. وقام بشرحه الشيخ عبد المجيد الشّرنوبي المصري المتوفى سنة (1348) هـ، وقامت بنشر شرحه المذكور دار ابن كثير سنة (1408) بعناية الأستاذ عبد الفتاح البزم، وقد أفردت أحاديث الكتاب لوالدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله من قبل الأستاذ البزم، فقام بتخريجها والحكم عليها.(8/37)
وما أحسن قوله في شيخه في بعض قصائده:
كم من قلوب قد أميتت بالهوى ... أحيا بها من بعد ما أحياها
وكان شيخه يستعيد منه هذا البيت. ومن طالع كتبه عرف فضله.
توفي- رحمه الله تعالى- بمصر في نصف جمادى الآخرة، ودفن بالقرافة، وقبره مشهور يزار.
وفيها نبيه الدّين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري [1] المعدّل. سمع من ابن المقيّر، وابن رواج، وغيرهما. وتوفي بمصر عن تسع وسبعين سنة، وأجاز له السّهرورديّ سنة ولادته، وهي سنة ثلاثين وستمائة.
وفيها شهدة بنت الصّاحب كمال الدّين عمر بن العديم العقيلي [2] .
ولدت يوم عاشوراء سنة تسع عشرة وستمائة، وحضرت الكاشغري، وعمر بن بدر. ولها إجازة من ثابت بن مشرّف. وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد.
قال الذهبي: سمعت منها، وماتت بحلب.
وفيها مات بمصر الأمير الكبير الوزير شمس الدّين سنقر المنصوري الأعسر [3] وله عدة مماليك تقدموا. وكان كبيرا، شهما، عارفا، فيه ظلم. قاله في «العبر» .
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي [4] الفقيه الحنبلي المحدّث النّحوي اللّغوي.
ولد سنة خمس وأربعين وستمائة ببعلبك، وسمع بها من الفقيه محمد
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (49) و «الدّرر الكامنة» (2/ 15) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (49) و «الدّرر الكامنة» (2/ 195) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (48) و «الدّرر الكامنة» (2/ 177) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (47) و «الوافي بالوفيات» (4/ 316) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 356- 357) .(8/38)
اليونيني، وبدمشق من ابن خليل، ومحمد بن عبد الهادي، وغيرهما، وعني بالحديث، وقرأ العربية واللّغة على ابن مالك، ولازمه حتّى برع في ذلك. وصنّف تصانيف، منها «شرح ألفية ابن مالك» وكتاب «المطلع على أبواب المقنع» [1] في غريب ألفاظه ولغاته.
قال الذهبي: كان إماما في المذهب والعربية والحديث، غزير الفوائد، متفننا، ثقة، صالحا، متواضعا، على طريقة السّلف. حدّثنا ببعلبك، ودمشق، وطرابلس.
وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر المحرّم، وذلك بعد دخوله إيّاها بدون شهر، وكان زار القدس وسار إلى مصر ليسمع ابنه، ودفن بالقرافة عند الحافظ عبد الغني [2] .
__________
[1] قلت: وقد وقفت على نسخة من مخطوطاته وهي من محفوظات مكتبة شستربتي بدبلن في إيرلندا الشمالية كتب على غلافها «المطلع على ألفاظ المقنع» وهو أصح لأنه يتناول ألفاظ «المقنع» بالشرح لا أبوابه. وقد طبع هذا الكتاب أول مرة في المكتب الإسلامي بدمشق عام 1385 هـ، وقام عليه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط وشاركه العمل فيه الأستاذ محمد محمد شرّاب.
ويقوم بتحقيقه الآن صديقي الفاضل الدكتور خالد عبد الكريم جمعة.
[2] يعني المقدسي رحمه الله تعالى.(8/39)
سنة عشر وسبعمائة
قال الذهبي [1] : في نيسان مطرنا مطرا أحمر كأعكر ماء الزيادة، وبقي أثر الطّين على التمر والورق نحو شهرين.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن شرف الدّين حسن بن الحافظ أبي موسى عبد الله بن الحافظ الكبير عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي ثم الصّالحي [2] الفقيه الحنبلي، قاضي القضاة.
ولد في ثاني عشر صفر، سنة ست وخمسين وستمائة بسفح قاسيون، وسمع من ابن عبد الدّائم وغيره، وتفقه وبرع، وأفتى ودرّس، وولي القضاء بالشام نحو ثلاثة أشهر سنة تسع وسبعمائة، ثم عزل لما عاد الملك النّاصر إلى الملك.
قال البرزالي: كان رجلا جيدا من أعيان الحنابلة وفضلائهم، فقيها، حسن العبارة، وروى لنا عن ابن عبد الدائم.
وتوفي ليلة الأربعاء تاسع عشري ربيع الأول، ودفن من الغد بتربة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازي الشاعر المشهور [3] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (51) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (52) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 358) .
[3] لفظة «المشهور» سقطت من «ط» وهو مترجم في «ذيول العبر» ص (52) و «فوات الوفيات» (1/ 95- 105) و «الدّرر الكامنة» (1/ 193) والبيت الذي بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك من «الفوات» و «الدّرر» .(8/40)
قال ابن حجر في «الدّرر» : اشتغل [1] بالأدب، ومهر، وفاق أقرانه. وسمع من نظمه أبو حيّان، والحافظ أبو الفتح اليعمري، وحدّث عنه غير واحد. وله في الموشحات يد طولى، وله في القوس ملغزا:
ما عجوز كبيرة بلغت عم ... را طويلا وتبتغيها [2] الرّجال
قد علا جسمها صفار ولم تش ... ك سقاما ولو [3] عراها هزال
ولها في البنين قهر وسهم [4] ... وبنوها كبار قدر نبال
[وبنوها لم يشبهوها ففي الأ ... م اعوجاج وفي البنين اعتدال]
قال الكمال جعفر: كان مكثرا من النّظم، وحدّث بشيء من شعره، وسمع منه الفضلاء، وكتب عنه الكبراء. ومدح الأعيان والوزراء.
وتوفي في المحرم بمصر، وله ثلاث وثمانون سنة.
وفيها المسند العالم كمال الدّين إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي بن النحّاس [5] . سمع ابن يعيش، وابن قميرة، وابن رواحة، وابن خليل فأكثر، ونسخ الأجزاء، وانقطع بموته شيء كثير، وتوفي في رمضان عن بضع وسبعين أو ثمانين [6] سنة.
وفيها الشيخ نجم الدّين أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العبّاس الأنصاري البخاري الشّافعي الشهير بابن الرّفعة [7] .
قال ابن شهبة: شيخ الإسلام وحامل لواء الشافعية في عصره.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المشتغل» والتصحيح من «الدّرر الكامنة» .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «الدّرر الكامنة» : «وتبتغيها» وفي «فوات الوفيات» : «وتتّقيها» .
[3] في «الدّرر الكامنة» : «وكم» وفي «فوات الوفيات» : «ولا» .
[4] في «فوات الوفيات» : «سهم وقسم» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (55) و «الدّرر الكامنة» (1/ 356) .
[6] لفظة «أو ثمانين» سقطت من «آ» .
[7] انظر «ذيول العبر» ص (54) و «الدّرر الكامنة» (1/ 284) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 24- 27) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 601) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 273- 274) و «النجوم الزاهرة» (9/ 213) .(8/41)
ولد بمصر سنة خمس وأربعين وستمائة، وسمع الحديث من أبي الحسن بن الصوّاف، وعبد الرحيم بن الدميري. وتفقه على الشيخين السّديد [1] والظّهير التّزمنتي [2] ، وعلى الشريف العبّاسي [3] ، وأخذ عن القاضيين ابن بنت الأعزّ [4] وابن رزين [5] ولقّب الفقيه لغلبة الفقه عليه، وولي حسبة مصر، ودرّس بالمعزّية بها، وناب في القضاء، ولم يل شيئا من مناصب القاهرة، وصنّف التصنيفين العظيمين المشهورين «الكفاية في شرح التّنبيه» و «المطلب في شرح الوسيط» في نحو أربعين مجلدا، وهو أعجوبة من [6] كثرة النصوص والمباحث، ومات ولم يكمله بقي عليه من باب صلاة الجماعة إلى البيع.
وأخذ عنه الشيخ تقي الدّين بن السبكي وجماعة.
وقال السّبكي: إنه أفقه من الرّوياني [7] صاحب «البحر» .
وقال الإسنوي: كان شافعي زمانه، وإمام أوانه، مدّ في مدارك العلم [8] باعا، وتوغل في مسائله علما وطباعا، إمام مصره بل سائر الأمصار، وفقيه عصره في سائر الأقطار، لم يخرّج إقليم مصر بعد ابن الحداد من يدانيه ولا نعلم في
__________
[1] هو عثمان بن عبد الكريم بن أحمد سديد الدّين التزمنتي، المتوفى سنة (674 هـ) . انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 178) .
[2] هو جعفر بن يحيى بن جعفر المخزومي التّزمنتي، المتوفى سنة (682 هـ) . انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 139) .
[3] هو عماد الدين العبّاسي. كان إماما عالما بالفروع، درّس بالشريفية مدة طويلة. انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 269) و «حسن المحاضرة» (1/ 414) .
[4] هو عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي، الشهير بابن بنت الأعز. المتوفى سنة (665 هـ) انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 176- 177) .
[5] هو محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامري الحموي. المتوفى سنة (680 هـ) . انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 187- 189) .
[6] في «ط» : «في» .
[7] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الرواياني» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» وهو عبد الواحد ابن إسماعيل، الملقب فخر الإسلام. انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 565- 566) .
[8] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «مدّ في مدارك الفقه» .(8/42)
الشافعية مطلعا بعد الرّافعي من [1] يساويه. كان أعجوبة في استحضار كلام الأصحاب، لا سيما في غير مظانه، وأعجوبة في معرفة نصوص الشافعيّ، وأعجوبة في قوة التخريج، ديّنا، خيّرا، محسنا إلى الطلبة.
توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة.
وفيها نجم الدّين أبو بكر عبد الله بن أبي السّعادات بن منصور بن أبي السّعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري [2] المقرئ، خطيب جامع المنصور، وشيخ المستنصرية بعد ابن الطبّال. سمع ابن بهروز، والأنجب الحمّامي، وأحمد بن المارستاني، ومات ببغداد في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها عبد الله بن أبي جمرة السّبتي المالكي [3] . روى بالإجازة عن ابن الرّبيع بن سالم، ثم ولي خطابة غرناطة في أواخر عمره فاتفق أنه صعد المنبر يوم الجمعة فسقط ميتا.
وأما عبد الله بن أبي جمرة [4] الإمام القدوة، الذي شرح «مختصره للبخاري» فمات قبل القرن.
وفيها علي بن علي بن أسمح اليعقوبي [5] الزّاهد ويلقب منلا [6] الناسخ.
__________
[1] لفظة «من» سقطت من «ط» .
[2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «ذيول العبر» ص (55- 56) و «الدّرر الكامنة» (2/ 260) .
[3] انظر «الإحاطة في تاريخ غرناطة» (3/ 415) وهو عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن أبي جمرة الأزدي.
[4] مات الإمام ابن أبي جمرة هذا سنة (695 هـ) على أرجح الأقوال وقيل سنة (699 هـ) . انظر «البداية والنهاية» (13/ 346) و «الابتهاج بتطريز الدّيباج» على هامش «الدّيباج المذهب» صفحة (140) و «شجرة النور الزّكية» ص (199) و «الأعلام» (4/ 89) .
قلت: وهو الذي صنّف «مختصر صحيح البخاري» وسمّاه: «جمع الغاية في بدء الخير وغاية» وهو إلى «التلخيص» أقرب منه إلى «المختصر» اختار فيه مؤلّفه (296) حديثا من «صحيح البخاري» وأثبتها في مختصره بعد حذف أسانيدها والإبقاء على اسم الصحابي راوي الحديث. وقد طبع هذا المختصر في مصر أول سنة (1302) هـ، ثم طبع في مصر مرة أخرى مع شرح بقلم الشيخ عبد المجيد الشّرنوبي، ثم طبع في مؤسسة الكتب الثقافية بشرح الشرنوبي أيضا.
[5] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «الدّرر الكامنة» (3/ 86) .
[6] في «الإعلام بوفيات الأعلام» : «مثلا» بالثاء. قلت: لكن ما جاء في كتابنا هو الأقرب إلى الصواب(8/43)
كان علّامة، متفنّنا، ذا محفوظات، منها «مصابيح البغوي» و «المفصّل» و «المقامات» . وسكن الرّوم، وركب البغلة، ثم تزهّد وهاجر إلى دمشق، واستمر بدلق ومئزر صغير أسود، وتردد إلى المدارس، وأقرأ العربية، ومات باللّجّون.
وفيها بهاء الدّين علي بن الفقيه عيسى بن سليمان بن رمضان الثّعلبي المصري ابن القيّم [1] . كان ناظر الأوقاف، وذكر مرّة للوزارة. وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا. حدّث عن الفخر الفارسي، وابن باقا.
وتوفي في ذي القعدة بمصر عن سبع وتسعين سنة.
وفيها أبو عمرو عثمان بن إبراهيم الحمصي النسّاخ [2] . حضر ابن الزّبيدي، وروى كثيرا عن الضّياء، ومات بدمشق في رجب عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الغني السّروجي [3] [الحنفي] [4] . أحد أئمة المذهب. صنف التصانيف واشتهر، وتوفي في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة. قاله الذهبي [5] .
وفيها ستّ الملوك فاطمة بنت علي بن أبي البدر [6] ، روت كتابي «الدارمي» و «عبد بن حميد» [7] عن ابن بهروز الطّبيب، وتوفيت ببغداد في ربيع الأول. قاله في «العبر» .
__________
لأن لفظة «منلا» أو «ملّا» تعني في لغات الأكراد وبعض أقوام بلاد ما وراء النهر «الشيخ» وقد قال ابن حجر في «الدّرر» : المعروف بالشيخ علي ببلاده» .
[1] انظر «ذيول العبر» ص (56) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «الدرر الكامنة» (3/ 91) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (54) و «الدّرر الكامنة» (2/ 435) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (53) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «الجواهر المضية» (1/ 123- 129) .
[4] في «ط» : «الشافعي» ولم ترد هذه اللفظة في «آ» والتصحيح من «ذيول العبر» و «الجواهر المضية» .
[5] جملة «قاله الذهبي» لم ترد في «ط» .
[6] انظر «ذيول العبر» ص (52) .
[7] وقد طبع «المنتخب من مسند عبد بن حميد» في مكتبة عالم الكتب ببيروت عام (1408) هـ.(8/44)
سنة إحدى عشرة وسبعمائة
فيها توفي عماد الدّين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود الواسطيّ الحزامي [1] الزّاهد القدوة العارف.
ولد في حادي أو ثاني عشري [2] ذي الحجّة سنة سبع وخمسين وستمائة بشرقي واسط. وكان أبوه شيخ الطّائفة الأحمدية. ونشأ الشيخ عماد الدّين بينهم وألهمه الله تعالى من صغره طلب الحقّ ومحبته، والنّفور عن البدع وأهلها، فاجتمع بالفقهاء بواسط، كالشيخ عز الدّين الفاروثي وغيره، وقرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي، ثم دخل بغداد، وصحب بها طوائف من الفقهاء، وحجّ واجتمع بجماعة منهم. وأقام بالقاهرة مدة ببعض جوانبها، وخالط طوائف الفقراء، ولم يسكن قلبه إلى شيء من الطرائق المحدثة، واجتمع بالإسكندرية بالطّائفة الشّاذلية، فوجد عندهم ما يطلبه من لوائح المعرفة والمحبة والسّلوك، فأخذ ذلك عنهم، وانتفع بهم واقتفى طريقتهم وهديهم، ثم قدم دمشق فرأى الشيخ تقي الدّين بن تيميّة وصاحبه [3] فدلّه على مطالعة السيرة النبوية، فأقبل على سيرة ابن إسحاق تلخيص ابن هشام، فلخصها واختصرها، وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسّنّة والآثار.
وتخلّى من جميع طرائقه وأذواقه وسلوكه، واقتفى أثر الرّسول- صلّى الله عليه وسلّم- وهديه وطرائقه المأثورة عنه في كتب السّنن والآثار. واعتنى بأمر السّنّة أصولا وفروعا
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (61) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (1/ 91) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 358- 360) .
[2] في «ط» : «ثاني عشر» .
[3] يعني الإمام ابن قيم الجوزية عليه رحمة الله.(8/45)
وشرع [1] في الردّ على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم، وبيّن عوراتهم، وكشف أستارهم، وانتقل إلى مذهب الإمام أحمد.
واختصر «الكافي» في مجلد سمّاه «البلغة» وألّف تآليف كثيرة في الطريقة [2] النبوية والسّلوك الأثري المحمدي، وهي من أنفع كتب الصّوفية للمريدين، وانتفع به خلق كثير من متصوفة أهل الحديث ومتعبديهم. قاله ابن رجب.
وقال الشيخ تقي الدّين بن تيمية: هو جنيد وقته.
وقال البرزالي في «معجمه» : صالح عارف صاحب نسك وعبادة وانقطاع وعزوف عن الدّنيا، وله كلام متين في التصوف الصحيح، وهو [3] داعية إلى طريق الله تعالى وقلمه أبسط من عبارته، واختصر «السيرة النبوية» وكان يتقوت من النسخ ولا يكتب إلّا مقدار ما يدفع به الضرورة. وكان محبا لأهل الحديث، معظّما لهم، وأوقاته كلّها معمورة.
وقال الذهبي: كان سيّدا، عارفا، كبير الشأن، منقطعا إلى الله تعالى، ينسخ بالأجرة ويتقوت، ولا يكاد يقبل من أحد شيئا إلّا في النادر. صنّف أجزاء عديدة في السلوك والسّير إلى الله تعالى، وفي الردّ على الاتحادية والمبتدعة. وكان داعية إلى السّنّة، ومذهبه مذهب السّلف في الصّفات، يمرّها كما جاءت. وقد انتفع به جماعة صحبوه، ولا أعلم خلّف بدمشق في طريقته مثله.
توفي آخر نهار السبت سادس عشري [4] ربيع الآخر بالمارستان الصغير بدمشق وصلّي عليه من الغد بالجامع، ودفن بسفح قاسيون قبالة زاوية السّيوفي.
وفيها الأمير الكبير سيف الدّين اسندمر [5] الكرجي [6] .
__________
[1] في «ط» : «وتبوع» وفي «آ» : «وتبرع» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] كذا في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «في الطريقة» وفي «آ» : «في الطرائق» .
[3] في «ط» : «وكان» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «في سادس عشر» .
[5] في «آ» و «ط» : «استذمر» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[6] انظر «ذيول العبر» ص (64) .(8/46)
قال الذهبي: توفي في سجن الكرك في آخر الكهولة. ولي البرّ [1] بدمشق، ثم نيابة طرابلس، ثم حلب. وكان بطلا، شجاعا، سايسا، داهية، جبّارا، ظلوما، مهيبا. سمع بقراءتي «صحيح البخاري» . انتهى.
وفيها إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر [2] .
قال الذهبي: حدثنا عن ابن اللّتي، ومكرم، وابن الشّيرازي، وطبقتهم.
وشيوخه نحو التسعين. وكان مكثرا، وفيه خفة وطيش، ولكنه فيه دين.
توفي بدمشق في صفر عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها- وقيل في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة- عز الدّين الحسن بن الحارث بن الحسن بن خليفة المعروف بابن مسكين [3] ، وهو من أولاد الحارث بن مسكين [4] أحد المالكية المعاصرين للشافعي.
قال ابن كثير في «طبقاته» : كان من أعيان الشافعية بالدّيار المصرية، وكان عيّن لقضاء الشافعية بدمشق فامتنع لمفارقة الوطن.
وقال الإسنويّ: درّس بالشافعي، وكان من أعيان الشافعية الصّلحاء، كتب ابن الرّفعة تحت خطّه: جوابي كجواب سيدي وشيخي.
توفي في جمادى الأولى.
وفيها رشيد الدّين رشيد بن كامل الرّقّي الشافعي [5] .
درّس وأفتى، وبرع في الأدب، وكان وكيل بلاد حلب، وحدّث عن ابن مسلمة وابن علّان، وكان علّامة، شيخ الأدباء.
توفي عن ست وثمانين سنة.
__________
[1] في «آ» : «ولي البريد» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (59) و «الدّرر الكامنة» (1/ 382- 383) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 276- 277) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 464) و «حسن المحاضرة» (1/ 422) .
[4] تقدمت ترجمته في المجلد الثالث صفحة (230) فلتراجع.
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 110) .(8/47)
وفيها- أو في التي قبلها وجزم به ابن شهبة- الشيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد الجليل النّمراوي المصري الشافعي [1] .
ولد بنمرا من أعمال الغربية، واشتغل وتصدى للاشتغال [2] ، ودرّس في التفسير بالقبة المنصورية.
قال ابن كثير في «طبقاته» : أحد الفضلاء المناظرين من الشافعية، أفتى ودرّس، وناظر بين يدي العلّامة ابن دقيق العيد، والعلّامة صدر الدّين بن الوكيل، فاستجاد ابن دقيق العيد بحثه ورجّحه في ذلك البحث على ابن الوكيل، فارتفع قدره من يومئذ. وصحب النائب سلّار فازداد وجاهة في الدنيا بذلك.
توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة.
وفيها، بل في التي قبلها جزم به غير واحد، بدر الدّين أبو البركات عبد اللّطيف بن قاضي القضاة تقي الدّين محمد بن الحسين بن رزين العامري الحموي الأصل المصري الشافعي [3] العلّامة.
مولده سنة تسع وأربعين وستمائة، وسمع بمصر والشام من جماعة، وأعاد عند والده وهو ابن عشرين سنة، وناب عنه في القضاء، وأفتى وولي قضاء العسكر في حياة والده، وخطب بجامع الأزهر، ودرّس بالظّاهرية والسّيفية والأشرفية.
قال ابن كثير: كان من صدور الفقهاء وأعيان الرؤساء، وأحد المذكورين في الفضلاء. وكان له اعتناء جيد بالحديث ويلقي الدروس منه ومن التفسير والفقه وأصوله، وله اعناء بالسماع والرّواية.
وقال السبكي في «الطبقات» : كان يجتمع عنده بالظاهرية من الفضلاء ما لا يجتمع عند غيره وتحصل بينهم الفضائل الجمّة، بحيث كان طالب التحقيقات
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 508- 509) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 281- 282) و «حسن المحاضرة» (1/ 422) .
[2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف «للإشغال» .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 409) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 285- 286) .(8/48)
يحضر درسه لأجل من يحضر، فممن كان يحضر الوالد، وقطب الدين السّنباطي، وتاج الدّين طوير اللّيل [1] وجماعة.
توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة.
وفيها شعبان بن أبي بكر بن عمر الإربلي [2] .
قال الذهبي: الشيخ الزّاهد الصّالح البركة، خرّج له رفيقه ابن الظّاهري عن محمد بن النّعالي، وعبد الغني بن بنين، والكمال الضرير، وطبقتهم. وكان خيّرا، متواضعا، وافر الحرمة.
توفي في رجب عن سبع وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة.
وفيها القاضي المنشئ جمال الدّين محمد بن مكرّم بن علي الأنصاري [الرّويفعي] [3] ، يروي عن مرتضى، وابن المقيّر، ويوسف المحيلي، وابن الطّفيل. وحدّث بمصر ودمشق، واختصر «تاريخ ابن عساكر» [4] وله نظم ونثر، وفيه شائبة تشيّع، وتوفي بمصر في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.
__________
[1] هو تاج الدّين محمد بن علي الباريناري المصري، سترد ترجمته في وفيات سنة (717) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (62) و «الدّرر الكامنة» (2/ 189- 190) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (62) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «معجم الشيوخ» (2/ 288) و «فوات الوفيات» (4/ 39- 40) و «حسن المحاضرة» (1/ 388 و 534) وقد اشتهر بابن منظور.
[4] وهو الذي قامت بطبعه دار الفكر بدمشق في تسعة وعشرين جزءا، وقام بتحقيق أجزائه عدد كبير من الأساتذة والباحثين، منهم أصدقاؤنا الأفاضل: رياض عبد الحميد مراد، ومحمد مطيع الحافظ، وإبراهيم صالح، ونزار أباظة.
قلت: واختصر أيضا كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني وسمّاه «مختار الأغاني» وقد طبعه المكتب الإسلامي بدمشق قبل سنوات طويلة، وقد تولى تحقيقه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وشاركه العمل فيه الأستاذ محمد محمد شراب وغيره ممن كان يعمل في المكتب الإسلامي، وصدر في اثني عشر مجلدا، وطبع بعد ذلك في مصر أيضا.
وهو صاحب المعجم العظيم «لسان العرب» أحد أهم المعجمات العربية، جزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.(8/49)
وفيها الأديب الخليع الحكيم شمس الدّين محمد بن دانيال [1] مؤلّف كتاب «طيف الخيال» .
كانت له نكت غريبة، وطباع عجيبة.
صحبه ولد القسيس الملكي، وكان جميل الصّورة، فخاف والده عليه منه، فكتب إليه ابن دانيال:
قلت للقسيس يوما ... والورى تفهم قصدي
ما الذي أنكرت من نج ... لك إذ أخلصت ودّي
خفت أن يسلم عندي ... هو ما يسلم عندي
ومن شعره:
ما عاينت عيناي في عطلتي ... أيشم [2] من حظّي ومن بختي
قد بعت عبدي وحماري وقد ... أصبحت لا فوقي ولا تحتي
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي نصر الدّباهي البغدادي [3] الحنبلي الزاهد.
ولد سنة ست أو سبع وثلاثين وستمائة ببغداد، وصحب الشيخ يحيى الصّرصري، وكان خال والدته، والشيخ عبد الله كتيلة مدّة، وسافر معه، وجاور بمكّة عشر سنين. ودخل الرّوم، والجزيرة، ومصر، والشام، ثم استوطن دمشق وبها توفي.
قال ابن الزملكاني عنه: شيخ صالح وعارف زاهد، كثير الرّغبة في العلم وأهله، والحرص على الخير، والاجتهاد في العبادة. تخلّى عن الدّنيا، وخرج عنها، ولازم العبادة والعمل الدائم، واستغرق أوقاته في الخير.
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 51- 57) و «فوات الوفيات» (3/ 330- 339) و «النجوم الزاهرة» (9/ 215) .
[2] في «الوافي بالوفيات» : «أقلّ» وفي «فوات الوفيات» : «أدبر» ومعنى: أيشم، أشأم، قال الجوهري:
والعامة تقول: ما أيشمه.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (60- 61) و «معجم الشيوخ» (2/ 168- 169) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 361- 364) .(8/50)
وقال ابن رجب: سمع منه البرزالي، والذهبي، ابتلي بضيق النّفس سبعة أشهر، ثم بالاستسقاء، وانتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس رابع عشري شهر ربيع الآخر ودفن بقاسيون قبل الشيخ عماد الدّين الواسطي بيومين.
وفيها شرف الدّين محمد بن شريف بن يوسف ابن الوحيد الزّرعي [1] .
قال الذهبي: شيخ التجويد، وصاحب الكتابة الباهرة والإنشاء الجيد. كان شجاعا، مقداما، متكلما، منشئا. وهو متّهم في دينه يرمى بعظائم.
توفي في شعبان وقد شاخ. انتهى.
وفيها عماد الدّين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن علي بن البالسي [2] الدمشقي [3] .
قال في «العبر» : العدل المرتضى المسند. سمع من إسحاق الشّاغوري، وكريمة، وجماعة حضورا، ومن السّخاوي، وابن قميرة، وابن شقير، وخلق.
خرّجت له «معجما» كبيرا، ووقف أجزاءه. وكان محمودا في الشهادات، حسن الدّيانة.
توفي في جمادى الأولى عن أربع وسبعين سنة.
وفيها الصّاحب فخر الدّين عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التّميمي الدّاري المصري [4] .
روى عن المرسي، وولي وزارة الصحبة في آخر الدولة المنصورية، ثم للعادل والمنصور حسام الدّين، ثم عزل ثم ولّي للناصر ثم عزل، ومات معزولا.
وكان خبيرا بالأمور، شهما، مقداما، فيه كرم وسؤدد.
مات ليلة الفطر عن إحدى وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (62) و «الدّرر الكامنة» (3/ 453) .
[2] في «آ» و «ط» : «النابلسي» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (61) و «معجم الشيوخ» (2/ 245) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدرر الكامنة» (4/ 83) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (58- 59) و «معجم الشيوخ» (2/ 76- 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 170) .(8/51)
وفيها أبو حفص عمر بن عبد النّصير بن محمد بن هاشم بن عزّ العرب القُرَشي السّهمي القوصي ثم [1] الإسكندراني، المعروف بالزّاهد [2] .
قال الذهبي: حدثنا بدمشق عن ابن المقيّر، وابن الجمّيزي، وحجّ مرات.
وقال ابن حجر: أجاز لبعض شيوخنا، وله شعر، فمنه:
قف بالحمى ودع الرّسائل ... وعن الأحبة قف وسائل
واجعل خضوعك والتذلّل ... في طلابهم وسائل
والدّمع من فرط البكا ... ء عليهم جار وسائل
واسأل مراحمهم فهنّ ... لكل محروم وسائل
وتوفي في منتصف المحرّم بالثغر عن ست وتسعين سنة.
وفيها أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي البعلي [3] والدة الشيخ إبراهيم بن القرشية [4] وإخوته. روت «الصحيح» عن ابن الزّبيدي مرّات، وسمعت «صحيح مسلم» من ابن الحصيري شيخ الحنفية، وسمعت من ابن رواحة، وكانت ديّنة، متعبّدة، صالحة، مسندة.
توفيت في صفر عن ست وثمانين سنة.
وفيها قاضي حماة العلّامة عزّ الدّين عبد العزيز بن محيي الدّين محمد بن نجم الدّين أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي [5] .
قال الذهبي: حدثنا عن ابن خليل، وهدية، وغيرهما. وكان له اعتناء ب «الكشّاف» وب «مفتاح» السّكّاكي [6] علّامة.
توفي بحماة في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة، ودفن بتربته.
__________
[1] لفظة «ثم» لم ترد في «آ» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (59) و «معجم الشيوخ» (2/ 76- 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 174) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (60) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (3/ 220) .
[4] سترد ترجمته في وفيات سن (740) ص (219) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (60) و «الدّرر الكامنة» (2/ 382) و «الجواهر المضية» (2/ 438) .
[6] تقدمت ترجمته في ص (215) من المجلد السابع وتمّ هناك التعريف بكتابه.(8/52)
وفيها قاضي الحنابلة سعد الدّين أبو محمد وأبو عبد الرحمن، مسعود بن أحمد بن مسعود [1] المحدّث الحافظ، قاضي قضاة الحنابلة الحارثي [2] .
ولد سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين وستمائة، وسمع بمصر من الرّضي بن البرهان، والنّجيب الحرّاني، وابن علّاق، وجماعة من أصحاب البوصيري.
وبالإسكندرية من عثمان بن عوف، وابن الفرات. وبدمشق من أحمد بن أبي الخير، وأبي زكريا بن الصّيرفي وخلق من هذه الطبقة. وعني بالحديث، وكتب بخطّه الكثير، وتفقّه على ابن أبي عمر وغيره، وبرع، وأفتى، وصنّف، وخرّج لنفسه أمالي، وتكلّم فيها على الحديث ورجاله، وعلى التراجم، فأحسن وشفى.
وحجّ غير مرّة. ودرّس بعدة أماكن. وولي القضاء سنتين ونصفا. وكان سنّيّا، أثريّا، متمسّكا بالحديث.
قال الذهبي في «معجمه» : كان فقيها، مناظرا، مفتيا، عالما بالحديث وفنونه، حسن الكلام، عليه وعلى الأسماء، ذا حظ من عربية وأصول، وأقرأ المذهب، ودرّس، ورأس الحنابلة. روى عنه إسماعيل بن الخبّاز، وهو أسند منه، وأبو الحجّاج المزّي، وأبو محمد البرزالي.
وذكره الذهبي أيضا في «طبقات الحفاظ» وقال: كان عارفا بمذهبه، ثقة، متقنا، صينا.
وقال ابن رجب: حدثنا بالكثير، وروى عنه جماعة من شيوخنا وغيرهم، وتوفي سحر يوم الأربعاء [رابع] عشري ذي الحجّة بالقاهرة، ودفن من يومه بالقرافة.
والحارثي: نسبة إلى الحارثية، قرية ببغداد غربيها [3] ، كان أبوه منها.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (64) و «معجم الشيوخ» (2/ 339) و «المعجم المختص» ص (281) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 362) و «تتمة المختصر في أخبار البشر» (2/ 372) .
[2] لفظة «الحارثي» سقطت من «آ» .
[3] انظر حاشية الصفحة (51) من «بلدان الخلافة الشرقية» .(8/53)
سنة اثنتي عشرة وسبعمائة
فيها مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزّاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي [1] .
حدّث عن سليمان الإسعردي، وأبي سليمان الحافظ، والشيخ الفقيه [2] وبالإجازة، عن ابن روزبه، ونصر بن عبد الرزّاق. وكان من العلماء الأبرار، قليل المثل، خيّرا، منوّرا، أمّارا بالمعروف.
توفي في صفر عن نيّف وثمانين سنة.
وفيها الصّدر الأديب المقرئ شهاب الدّين أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي [3] ، من تجار الخوّاصين، ومن عدول القيمة. عرض «الشاطبية» على السّخاوي، وسمع منه أجزاء، وله نظم جيّد، منه:
هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا ... ومنتهى أربي صدّوا وإن وصلوا
ما لي اعتراض عليهم في تصرّفهم ... جادوا عليّ بوصل أو هم بخلوا
أحبابنا كيف حلّلتم قطيعة من ... أمسى وليس له في غيركم أمل
لا يحمل الضّيم إلّا في محبّتكم ... ولا يقاس به في غيره رجل
والحبّ يبدي اعتذارا من جنايته ... بغير وجه ويعلو وجهه الخجل
وكل ساع سعى فينا يقول لنا ... لا ناقة لي في هذا ولا جمل
توفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (68) و «معجم الشيوخ» (1/ 124- 125) و «الدّرر الكامنة» (1/ 8) .
[2] في «الدّرر الكامنة» : «واشتغل على الفقيه اليونيني» فلعله هو.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (68) و «معجم الشيوخ» (1/ 47- 48) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 732- 733) و «الدّرر الكامنة» (1/ 139) .(8/54)
وفيها تاج الدّين أحمد بن العماد بن الشّيرازي [1] . ولي الوكالة، والحسبة، ونظر الدواوين، ونظر الجامع. وتنقل في المناصب ثم مات بطالا.
حدّث عن ابن عبد الدائم، وتوفي بالمزّة في رجب عن ثمان وخمسين سنة.
وفيها الفقيه الحنبلي المعمّر عماد الدّين أحمد بن القاضي شمس الدّين محمد بن العماد إبراهيم المقدسي الحنبلي [2] . سمع ببغداد من الكاشغري، وابن الخازن، وبمصر من ابن رواج وطائفة، وتفرّد بأجزاء، وتوفي بمصر في جمادى الآخرة، عن خمس وسبعين سنة.
وفيها زين الدّين أبو محمد الحسن بن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي [3] سبط الفقيه زيادة. سمع من أبي القاسم بن عيسى المقرئ، ومحمد بن عمر القرطبي [4] المقرئ، وتفرّد عنهما. وتلا بالسّبع على أصحاب أبي الجود [5] . وكان خيّرا، فاضلا، كيسا، يؤدّب في منزله.
توفي بمصر في شوال عن خمس وتسعين سنة.
وفيها نجم الدّين داود الكردي [6] الشّافعي درّس بصلاحية القدس ثلاثين سنة، وكان علّامة، وتوفي بالقدس.
وفيها شرف الدّين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني ابن خطيب حرّان فخر الدّين بن تيميّة الحرّاني [7] الحنبلي التاجر.
روى عن ابن اللّتي حضورا، وعن ابن رواحة، وابن شقير، وجماعة، وكان صالحا، عدلا، تقيا.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (68- 69) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 241) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (72) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 734) و «الدّرر الكامنة» (1/ 217) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الفوطي» والتصحيح من «ذيول العبر» و «معرفة القراء الكبار» .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النجود» والتصحيح من «ذيول العبر» و «معرفة القراء الكبار» .
[6] انظر «ذيول العبر» ص (72) و «الأنس الجليل» (1/ 393) .
[7] انظر «ذيول العبر» ص (70) و «الدرر الكامنة» (2/ 314) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 468) وفيه «عبد الواحد بن أبي القاسم» .(8/55)
توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن هارون التّغلبي الدمشقي [1] قارئ المواعيد للعامّة. سمع من ابن صباح حضورا، ومن ابن الزّبيدي، والمازني [2] وابن اللّتي، والنّاصح، ومكرم، وعدة. وتفرّد بالعوالي، واشتهر.
وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، مسندا، عالما.
توفي بمصر في ربيع الآخر وله ست وثمانون سنة.
وفيها نور الدّين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري بن الصوّاف [3] الشّافعي، الذي روى عن ابن باقا أكثر «سنن النسائي» سماعا، وتفرّد واشتهر، وسمع من جعفر الهمذاني، والعلم بن الصّابوني. وله إجازة أبي الوفاء محمود بن مندة من أصبهان.
وتوفي في رجب وقد قارب التسعين.
وفيها الملك المظفّر شهاب الدّين غازي ابن النّاصر داود بن المعظّم بن العادل [4] .
قال الذهبي: حدثنا عن الصّدر البكري، وخطيب مردا. وكان عاقلا، ديّنا، عاش نيّفا وسبعين سنة.
وفيها سلطان دست [5] القفجاق طقططيه [6] المغلي الجنكزخاني، وله
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (69) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (3/ 121) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المازري» والتصحيح من «ذيول العبر» و «الدّرر الكامنة» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (71) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299- 300) و «الدّرر الكامنة» (3/ 136) و «حسن المحاضرة» (1/ 389) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (71) و «الدّرر الكامنة» (3/ 215) و «النجوم الزاهرة» (9/ 224) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «دشت» والتصحيح من «ذيول العبر» مصدر المؤلف.
[6] انظر «ذيول العبر» ص (72- 73) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) و «الدّرر الكامنة» (2/ 226) .(8/56)
نحو من أربعين سنة. وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة، وكان على دين قومه، يحب السّحرة، وفيه عدل في الجملة، وميل إلى الإسلام. وعسكره خلق عظيم بالمرّة.
وتملّك بعده القآن الكبير أزبك خان. وهو شاب بديع الجمال حسن الإسلام موصوف بالشجاعة، وامتدت أيامه. قاله في «العبر» .
وفيها صاحب ماردين نجم الدّين غازي بن المظفّر قرا أرسلان بن السّعيد غازي بن أرتق بن غازي بن تمرتاش بن الملك غازي بن أرتق التركماني الأرتقي [1] .
توفي في ربيع الآخر ودفن بتربة آبائه، عن بضع وستين سنة.
وتملّك بعده ولده العادل فمات بعد أيام. فيقال: سمّهما قرا سنقر. ثم تملّك ابنه الآخر الملك الصّالح.
وفيها المعمّرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهرّاس [2] ولها ست وثمانون سنة. تروي عن ابن الزّبيدي حضورا، وعن ابن اللّتي، والهمذاني، وغيرهم. وكانت فقيرة، صالحة، قنوعة، متعبدة، سمراء، قابلة.
توفيت بالقدس في جمادى الأولى. قاله الذّهبي.
وفيها ست الأجناس موفّقيّة [3] بنت عبد الوهاب بن عتيق بن وردان المصرية [4] . روت عن الحسن بن دينار، والعلم بن الصّابوني، وغيرهما.
وتفرّدت وعمّرت اثنتين وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (69) و «النجوم الزاهرة» (9/ 224) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (70) و «معجم الشيوخ» (2/ 362- 363) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (4/ 403) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «موفية» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (71- 72) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) و «الدّرر الكامنة» (4/ 384) .(8/57)
وفيها الأديب محمد بن موسى القدسي [1] ، عرف بكاتب أمير سلاح.
كتب في لوح صبي مليح اسمه سالم:
وأهيف تهفو نحو بانة قدّه ... قلوب تبثّ الشجو فهي حمائم
عجبت له إذ دام توريد خدّه ... وما الورد في حال على الغصن دائم
وأعجب من ذا أن حيّة شعره ... تجول على أعطافه وهو سالم
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 93- 98) و «فوات الوفيات» (4/ 42- 45) و «الدّرر الكامنة» (4/ 269) والأبيات في «الوافي» و «الفوات» بالرواية ذاتها.(8/58)
سنة ثلاث عشرة وسبعمائة
فيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القاسم الدّشتي- بفتح المهملة وسكون المعجمة وفوقية، نسبة إلى دشتى محلّة بأصبهان- الكردي المؤدّب الحنبلي [1] .
قال الذهبي حدثنا عن ابن رواحة، وابن يعيش، وابن قميرة، والضّياء، وصفيّة القرشية، وعدة. وله مشيخة بانتقاء البرزالي، وتفرّد بأشياء عالية.
وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق عن ثمانين سنة غير أشهر.
وفيها المسند المعمّر ركن الدّين بيبرس التركي العديمي [2] .
قال الذهبي: حدّثنا عن الكاشغري، وهبة الله بن الدّوامي، وجماعة. وكان مسندا.
توفي بحلب في ذي القعدة، عن نحو التسعين أو أكثر.
وفيها شيخ القرّاء تقي الدّين أبو بكر ثابت بن محمد بن المشيّع الجزري المقصّاتي [3] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (75- 76) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) و «الدّرر الكامنة» (1/ 292) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 468) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (76) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (74- 75) و «معجم الشيوخ» (2/ 413- 414) و «غاية النهاية» (1/ 183) وفيها جميعا «أبو بكر بن عمر بن مشيّع الجزري المعصّاتي» وانظر التعليق على «ذيول العبر» .(8/59)
أمّ مدّة بالرّباط النّاصري بسفح قاسيون، وتلا على الشيخ عبد الصّمد وغيره. وروى عن الكواشي «تفسيره» وكان ديّنا، صالحا، بصيرا بالسّبع.
وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة.
وفيها فخر الدّين أبو عمرو عثمان بن محمد بن عثمان التّوزري [1]- بفتح المثناة الفوقية والزاي، بينهما واو ساكنة، وآخره راء، نسبة إلى توزر [2] مدينة بإفريقية- الحافظ المالكي المجاور. سمع السّبط، وابن الجمّيزي، وعدة. وقرأ ما لا يوصف كثرة، ثم جاور للعبادة مدة، وكان قد تلا بالسّبع.
وتوفي بمكّة المشرّفة في ربيع الآخر عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها الخطيب القاضي عماد الدّين علي ابن الفخر عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدّين عبد الرحمن بن عبد العلي ابن السّكّري المصري الشّافعي [3] ، خطيب جامع الحاكم، ومدرّس مشهد الحسين، وقد ذهب في الرسالة إلى ملك التتار، وحدّث بدمشق عن جدّه لأمّه ابن الجمّيزي، وتوفي عن أربع وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (74) و «العقد الثمين» (6/ 41- 47) و «غاية النهاية» (1/ 510) .
[2] انظر «الروض المعطار» ص (144- 145) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (74) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 170- 171) و «الدّرر الكامنة» (3/ 62) .(8/60)
سنة أربع عشرة وسبعمائة
فيها جرت وقعة بقرب مكّة بين الأخوين حميضة، وأبي الغيث، فقتل أبو الغيث واستولى حميضة على مكّة.
وفيها توفي العدل المسند زين الدّين إبراهيم بن عبد الرحمن بن تاج الدّين أحمد بن القاضي أبي نصر بن الشّيرازي الشّافعي [1] .
قال الذهبي: حدثنا عن السّخاوي، وكريمة، والنسّابة، والتّاج بن حمّوية، وطائفة. وانتخب عليه العلائي.
مولده [في أول يوم من سنة أربع وثلاثين وستمائة] .
وتوفي في جمادى الآخرة وله ثمانون سنة.
وفيها رشيد الدين إسماعيل بن عثمان بن المعلّم القرشي الدمشقي الحنفي [2] ، شيخ الحنفية. سمع من ابن الزّبيدي «الثلاثيات» [3] ، وسمع من السّخاوي، والنسّابة، وجماعة. وتفرّد وتلا بالسّبع على السّخاوي، وأفتى ودرّس، ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة، وتغيّر قبل موته بقليل وانهزم، وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وتسعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (77) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الدّرر الكامنة» (1/ 36) و «المنهل الصّافي» (1/ 80) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (77- 78) و «الجواهر المضية» (1/ 418- 422) .
[3] يعني «ثلاثيات البخاري» كما جاء مبينا في «الجواهر المضية» .(8/61)
ومات قبله ابنه المفتي تقي الدّين [1] بقليل.
وفيها نقيب الأشراف أمين الدّين جعفر ابن شيخ الشّيعة محيي الدّين محمد بن عدنان الحسيني [2] .
توفي في حياة أبيه، فولي النقابة بعده ولده شرف الدّين عدنان وخلع عليه بطرحة، وهو شاب طريّ. قاله في «العبر» .
وفيها الشيخ سليمان التركماني المولّه [3] .
قال الذهبي: كان يجلس بسقاية باب البريد وحوله الكلاب، ثم يطرق العلبيين، وعليه عباءة نجسة ووسخ بيّن، وهو ساكن، قليل الحديث، له كشف وحال من نوع إخبارات الكهنة، وللناس فيه اعتقاد زائد. وكان شيخنا إبراهيم الرّقّي مع جلالته يخضع له ويجلس عنده. قارب سبعين سنة، وكان يأكل في رمضان ولا صلاة ولا دين. ورأيت من يحكي أنه يعقل ولكنه يتجانن. انتهى.
وفيها محتشم العراق القدوة شهاب الدّين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدّين السّهرورديّ [4] ، وخلّف نعمة جزيلة، وكان عالما واعظا. حدّث عن جدّه أبي جعفر.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطّاب الباجي- بالباء الموحدة والجيم نسبة إلى باجة مدينة بالأندلس- المصري [5] الشافعي [6] الإمام المشهور.
__________
[1] هو يوسف بن إسماعيل بن عثمان القرشي، تقي الدّين. تزهّد، وأفتى، ودرس بالبلخيّة جوار جامع دمشق. انظر «ذيول العبر» ص (78) و «الدرر الكامنة» (4/ 450) و «الجواهر المضية» (3/ 621- 622) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (78) و «الدّرر الكامنة» (1/ 537) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (79) و «البداية والنهاية» (14/ 72) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (78) و «الدّرر الكامنة» (2/ 413) .
[5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 286- 287) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 290- 293) و «حسن المحاضرة» (1/ 544) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[6] لفظة «الشافعي» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» .(8/62)
ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، سنة مولد النّووي، وتفقه بالشام على ابن عبد السّلام، ثم ولي قضاء الكرك قديما في دولة الملك الظّاهر، ثم دخل القاهرة واستوطنها، وناب في الحكم، ثم ترك ذلك، ولزمته الطلبة للاشتغال عليه.
وممن أخذ عنه الشيخ تقي الدّين السّبكي، أخذ عنه الأصلين وتخرّج به في المناظرة، وله مصنّفات في فنون [ليست على قدر علمه] .
قال ابن شهبة: كان أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري، وكان هو بالقاهرة والصّفي الهندي بالشام القائمين بنصرة مذهب الأشعري، وكان ابن دقيق العيد كثير التعظيم له.
وقال التّقي السّبكي: كان ابن دقيق العيد لا يخاطب أحدا إلّا بقوله: يا إنسان غير اثنين الباجي، وابن الرّفعة، يقول للباجي: يا إمام، ولابن الرّفعة يا فقيه.
وقال الإسنوي: له في المحافل مباحث مشهورة، وفي المشاهد مقامات مأثورة. كان إماما في الأصلين، والمنطق، فاضلا فيما عداها. وكان أنظر أهل زمانه ومن أذكاهم قريحة، لا يكاد ينقطع في المباحث، فصيح العبارة. وكان يبحث مع الكبير والصغير إلّا أنه قليل المطالعة جدا، ولا يكاد أحد يراه ناظرا في كتاب.
وصنف مختصرات في علوم متعددة، واشتهرت وحفظت في حياته، وعقب موته، ثم انطفت كأن لم تكن.
توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة بقرب المكان المعروف بورش.
وفيها العالمة الفقيهة الزّاهدة القانتة، سيدة نساء زمانها، الواعظة أمّ زينب فاطمة بنت عبّاس البغدادية [1] الشّيخة بمصر، عن نيّف وثمانين سنة، وشيّعها خلائق، وانتفع بها خلق من النساء وتابوا. وكانت وافرة العقل والعلم [2] ، قانعة
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (80) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (301) و «الدرر الكامنة» (3/ 226) و «حسن المحاضرة» (1/ 390) .
[2] كذا في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة: «وافرة العقل والعلم» وفي «آ» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف، و «حسن المحاضرة» : «وافرة العلم» .(8/63)
باليسير، حريصة على النفع والتّذكير، ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف، انصلح بها نساء دمشق، ثم نساء مصر. وكان لها قبول زائد ووقع في النّفوس، رحمها الله، زرتها مرة. قاله في «العبر» .
وفيها العدل جمال الدّين ابن عطيّة بن إسماعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطيّة اللّخمي [1] المتفرّد بكرامات الأولياء عن مظفّر الفوّي.
مات وهو من أبناء الثمانين.
وفيها الصّالح المعمّر، بقية السّلف، محمد [بن محمود بن الحسين بن الحسن، المعروف ب] «حياك الله» الموصلي [2] بزاويته في سويقة كوم الرّيش [3] بمصر، ودفن بالقرافة. وكان من الأخيار يقصد للزيارة والتبرك، سئل عن مولده فقال: قدمت مصر في أول دولة المعزّ أيبك التّركماني [4] وعمري خمس وثمانون سنة، فيكون لي مائة وستون سنة. وكان كثير الذّكر والتّلاوة، وعنده محاضرة، وعلى ذهنه أشياء.
ومن شعره:
إذا الحبّ لم يشغلك عن كلّ شاغل ... فما ظفرت كفّاك منه بطائل
وما الحبّ إلا خمرة تسكر الفتى ... فيصبح نشوانا لطيف الشّمائل
لقيني من أهواه يوما فقال لي ... بمن أنت مشغوف فقلت بسائلي
ولو أن في السّلوان ما عنكم غنى ... لخلّصت قلبي واستراحت عواذلي
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (81) و «مرآة الجنان» (4/ 254) و «الدّرر الكامنة» (2/ 456) .
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (9/ 227) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] في «النجوم الزاهرة» : «سويقة الرّيش» وانظر الصفحة (201) من الجزء التاسع منه التعليق رقم (1) .
[4] انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للعلّامة الزركلي (2/ 33) .(8/64)
سنة خمس عشرة وسبعمائة
فيها كما قال في «العبر» [1] : قتل أحمد الرّويس الأقباعي بدمشق لاستحلاله المحارم وتعرضه للنّبوّة، وكان له كشف وإخبار عن المغيّبات، فضلّ به الجهلة. وكان يقول: أتاني النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وحدّثني. وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة، وعليه قباء.
وفيها توفي السيّد ركن الدّين حسن بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي [2] صاحب التصانيف. كان علّامة، متكلما، نحويا، مبالغا في التواضع، يقوم لكلّ أحد، حتّى للسّقّاء. وكانت جامكيّته [3] في الشهر ألفا وثمانية [4] دراهم، وتوفي بالموصل في المحرّم وقد شاخ.
وفيها الشّيخة الصّالحة، ستّ الوزراء ابنة [تاج الدّين] أبي الفضل يحيى بن محمد بن حمزة التّغلبي الدمشقي [5] .
مولدها سنة تسع وثلاثين وستمائة. وأجاز لها ابن البخاري والضّياء،
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (82) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (83) و «مرآة الجنان» (4/ 255) و «الدّرر الكامنة» (2/ 16) .
[3] قال الشيخ محمد أحمد رهمان رحمه الله تعالى في «معجم الألفاظ التاريخية» ص (51) :
الجامكية: لفظ مشتق من جامه بمعنى اللّباس، أي نفقات أو تعويض اللّباس الحكومي، وقد ترد بمعنى الأجر أو الراتب أو المنحة، والجمع: جامكيات، جوامك، جماكي.
[4] في «مرآة الجنان» : «ألف وستمائة» .
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 129- 130) وقد تحرفت «التّغلبي» فيه إلى «الثّعلبي» فلتصحح.
قلت: ووالدها مترجم في «معجم الشيوخ» (2/ 375- 376) .(8/65)
وعز الدّين بن عساكر، وعتيق السّلماني، وخطيب عقربا، وجماعة. وهي من بيت الحديث.
وفيها مسند الشّام قاضي القضاة تقي الدّين أبو الفضل سليمان بن حمزة ابن أحمد بن عمر بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [1] .
ولد في منتصف رجب، سنة ثمان وعشرين وستمائة. وحضر على ابن الزّبيدي «صحيح البخاري» وعلى الفخر الإربلي، وابن المقيّر، وجماعة. وسمع من ابن اللّتي، وجعفر الهمداني، وكريمة القرشية، والحافظ ضياء الدّين، وابن قميرة [2] وخلق. وأكثر عن الحافظ الضّياء، حتى قال: سمعت منه نحو ألف جزء.
وكتب كثيرا من الكتب الكبار والأجزاء، وأجاز له خلق من البغداديين، كالسّهروردي، والقطيعي، ومن المصريين كابن عماد [3] ، وعيسى بن عبد العزيز، وابن باقا.
ولازم الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وأخذ عنه الفقه والفرائض وغير ذلك.
قال البرزالي: شيوخه بالسّماع نحو مائة شيخ، وبالإجازة أكثر من سبعمائة، وخرّجت له المشيخات، والعوالي، والمصافحات [4] والموافقات. ولم يزل يقرأ عليه إلى قبل وفاته بيوم.
قال: وكان شيخا، جليلا، فقيها، كبيرا، بهي المنظر، وضيء الشّيبة، حسن الشّكل، مواظبا على حضور الجماعات، و [على] قيام اللّيل والتلاوة
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (85) و «معجم الشيوخ» (1/ 268- 269) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 364- 366) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «ابن قمرية» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «ابن عمّار» وهو ابن العماد الإمام الحافظ وجيه الدّين أبو المطفّر منصور بن سليمان الهمداني الإسكندراني. وقد مضت ترجمته في وفيات سنة (673) من المجلد السابع.
[4] تحرفت في «ط» إلى «المصالحات» .(8/66)
والصيام، وأوراد وعبادة. وكان عارفا بالفقه، خصوصا كتاب «المقنع» قرأه وأقرأه مرّات. وكان قوي النّفس، لين الجانب، حسن الخلق، متودّدا إلى الناس، حريصا على قضاء الحوائج، وعلى النّفع المتعدي. وحدّث بثلاثيات البخاري سنة ست وخمسين وستمائة، وحدّث بجميع «الصحيح» سنة ستين. وولي القضاء سنة خمس وتسعين.
وقال الذهبي: كان إماما، محدّثا، أفتى نيفا وخمسين سنة، وبرع في المذهب وتخرّج به الفقهاء، وروى الكثير، وتفرّد في زمانه. وكان يقول لم أصلّ الفريضة قطّ منفردا إلّا مرتين، وكأني لم أصلهما. وسمع منه [1] الأبيوردي، وذكره في «معجمه» مع أنه توفي قبله بدهر، وابن الخبّاز وتوفي قبله بمدّة. وسمع منه أئمة وحفّاظ. وروى عنه خلق كثير.
وتوفي ليلة الاثنين حادي عشري ذي القعدة بمنزله بالدّير فجأة، وكان قد حكم يوم الأحد [2] بالمدينة، وطلع إلى الجبل آخر النهار، فعرض له تغيّر يسير، وتوضأ للمغرب، ومات عقيب المغرب، ودفن من الغد بتربة جدّه الشيخ أبي عمر.
وفيها الشّيخ الزّاهد محيي الدّين علي بن محتسب دمشق فخر الدّين محمود بن سيما السّلمي [3] . روى عن أبيه حضورا، وعن ابن عبد الدائم. وأجاز له ابن دحية، والإربلي، وجماعة. وكان خيّرا، ديّنا، منقطعا عن النّاس.
توفي بدمشق في بستانه [4] في صفر، عن أربع وثمانين سنة.
وفيها محبّ الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن وهب بن مطيع القاضي الإمام الشّافعي بن الإمام تقي الدّين بن دقيق العيد [5] .
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «من» .
[2] في «ط» : «يوم الاثنين» وهو خطأ بين.
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 54) و «الدّرر الكامنة» (3/ 126) .
[4] عند الذهبي في «معجم الشيوخ» : «ببستانه بقرية البلاط» وانظر «غوطة دمشق» للعلّامة كرد علي ص (164) .
[5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 234) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 293) .(8/67)
ولد بقوص في صفر، سنة سبع وخمسين وستمائة. وأخذ عن والده، وسمع الحديث، وحدّث، وناب في الحكم عن والده.
قال الإسنوي: كان فاضلا، ذكيا، علّق على «التعجيز» شرحا جيدا لم يكمله. وانقطع في القرافة مدّة.
وتوفي في شهر رمضان بمصر ودفن عند أبيه.
وفيها العلّامة شيخ الشيوخ صفي الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي ثم الهندي الشافعي [1] المتكلم على مذهب الأشعري.
مولده بالهند في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة، وتفقه على جدّه لأمه الذي توفي سنة ست وستمائة، وسار من دلّي [2] سنة سبع وستين إلى اليمن، وحجّ وجاور ثلاثة أشهر، وجالس ابن سبعين. ثم قدم مصر فأقام بها أربع سنين، ثم سافر إلى بلاد الرّوم فأقام بها إحدى عشرة سنة بقونية وغيرها. وأخذ عن صاحب «التحصيل» ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين. وسمع من ابن البخاري وولي بها مشيخة الشيوخ، ودرّس بها بالظّاهرية الجوانية والأتابكية والرّواحية والدّولعية.
وانتصب للافتاء والإقراء في الأصول والمعقول والتصنيف والنظر. وأخذ عنه ابن المرحّل، وابن الوكيل، والفخر المصري، والكبار.
وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير وحسن اعتقاد. وكان يحفظ ربع القرآن.
قال السّبكي: كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسن [3] وأدراهم بأسراره، متضلعا بالأصلين.
وقال الاسنوي: كان فقيها، أصوليا، متكلّما، أديبا، متعبّدا.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (83- 84) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 162- 164) و «البداية والنهاية» (14/ 74) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 534) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 296- 298) .
[2] قال الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب رحمه الله في تعليقه على «ذيول العبر» ما نصه: هي لغة في دهلي أو دلهي عاصمة الهند الآن.
[3] يعني الأشعري رحمه الله.(8/68)
توفي بدمشق في صفر عن إحدى وسبعين سنة، ودفن بمقابر الصّوفية.
ومن تصانيفه في علم الكلام «الزّبدة» و «الفائق» وفي أصول الفقه «النهاية» و «الرسالة السيفية» . وكل مصنفاته حسنة جامعة، لا سيما «النهاية» . انتهى.
وفيها العلّامة المفتي شمس الدّين بن العونسي محمد بن أبي القاسم بن جميل المالكي [1] . ولي قضاء الإسكندرية مدّة، وكان علّامة، متفنّنا.
توفي بمصر وله ست وسبعون سنة.
وفيها تاج الدّين أبو المكارم محمد بن كمال الدّين أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النّصيبي [2] .
قال الذهبي: مكثر عن يوسف بن خليل، وكان مدرّس العصرونية، ووكيل بيت المال. وولي مرّة نظر الأوقاف وكتابة الإنشاء، وتوفي بحلب عن أربع وسبعين سنة.
وفيها ناصر الدّين محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم [3] . سمع المرجّى بن شقيرة، ومكّي بن علّان، وأبا عمرو بن الصّلاح، وعدّة، وله «مشيخة» وأجاز له ظافر بن شحم، وابن المقيّر، وتفرّد بأشياء، وتوفي في ذي الحجّة عن تسع وسبعين سنة.
وفيها عزّ الدّين أبو الفتح موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي [4] الحنفي. روى عن الإربلي حضورا، وعن مكرم، والسّخاوي، وابن الصّلاح، وجماعة. وتفرّد، ورحل إليه.
وتوفي في ذي الحجّة بمصر عن سبع وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (84) و «الدّرر الكامنة» (4/ 149) و «حسن المحاضرة» (1/ 458) وقد تحرفت «جميل» فيه إلى «حميد» فلتصحح.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (85) و «الدّرر الكامنة» (3/ 355) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (86) و «الدّرر الكامنة» (4/ 313) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (86) و «الجواهر المضية» (3/ 521) .(8/69)
سنة ست عشرة وسبعمائة
فيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي الإشبيلي المالكي [1] . سمع «التيسير» من ابن جوبر [2] بسماعه من أبي حمزة، وبحث «كتاب سيبويه» على ابن أبي الرّبيع، وتلا بالسّبع. وكان مقرئا، نحويا، ذا علوم وتصانيف وجلالة وتلامذة.
توفي بسبتة وله خمس وسبعون سنة.
وفيها المقرئ المعمّر صدر الدّين أبو الفداء إسماعيل ابن يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي الدمشقي [3] . سمع ابن اللّتي [4] ، ومكرما، وابن الشّيرازي، والسّخاوي. وقرأ عليه بثلاث روايات. وكان فقيها بالمدارس، ومقرئا بالزويزانية [5] ، وله أملاك. وتفرّد بأجزاء.
وتوفي بدمشق في شوال عن ثلاث وتسعين سنة.
وفيها الرئيس العدل شمس الدّين عبد القادر بن يوسف بن مظفّر بن الحظيري الدمشقي [6] . ولي نظر الخزانة، ونظر الجامع، ونظر المارستان.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (90) و «غاية النهاية» (1/ 8) و «الدّرر الكامنة» (1/ 13) .
[2] تصحفت في «آ» إلى «ابن خوير» وفي «ط» إلى «ابن حوير» والتصحيح من مصادر الترجمة، وانظر «غاية النهاية» (2/ 160) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (89) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (302) و «الدّرر الكامنة» (1/ 384) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «ابن التي» .
[5] انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 247) .
[6] انظر «ذيول العبر» ص (87) و «الدّرر الكامنة» (2/ 393) .(8/70)
وحدّث عن ابن رواج، وبالإجازة عن علي بن الجمل، وابن الصّفراوي، وطائفة.
وكان ديّنا، صيّنا، أمينا، وافر الجلالة.
وتوفي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة.
وفيها كشتية النّاصري [1] .
وفيها علاء الدّين علي بن مظفّر [2] الكندي، ويعرف بكاتب ابن وداعة [3] . سمع من البكري، وإبراهيم بن خليل، وطبقتهما. وتلا بالسّبع على العلم [4] . وغيره، ونسخ الأجزاء. وكان أديبا، بارعا، محدّثا، من جياد الطلبة، على رقّة في دينه وهنات، وله نظم ونثر وحسن كتابة. ولي مشيخة النّفيسية مدّة، وكتابة الإنشاء. وتوفي عن ست وسبعين سنة. قاله الذهبي.
وفيها نجم الدّين أبو الرّبيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطّوفي الصّرصري ثم البغدادي [5] ، الحنبلي الأصولي المتفنن.
ولد سنة بضع وسبعين وستمائة بقرية طوفا [6] من أعمال صرصر. وحفظ بها [ «مختصر الخرقي» في الفقه، و «اللّمع» في النحو لابن جنّي. وتردد إلى صرصر، وقرأ الفقه بها] [7] على الشيخ شرف الدّين علي بن محمد الصّرصري.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (87) وتعليق محققه الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب عليه.
[2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف وغيره من المصادر: «علي بن مظفّر» وفي بعض المصادر الأخرى: «علي بن إبراهيم بن مظفّر» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (87) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 738) و «معجم الشيوخ» (2/ 58) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (301) و «فوات الوفيات» (2/ 21- 23) و «غاية النهاية» (1/ 517) و «درّة الحجال» (3/ 222) .
[4] هو علم الدّين القاسم بن أحمد اللّورفي، تقدمت ترجمته في وفيات سنة (661) من المجلد السابع.
[5] انظر «ذيول العبر» ص (88) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 366- 370) و «الدّرر الكامنة» (2/ 154- 157) و «الأعلام» (3/ 127- 128) .
[6] كذا في «آ» و «ط» : «طوفا» بالألف الممدودة، وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «طوفى» بالألف المقصورة، وفي «الدّرر الكامنة» : «طوف» ولم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من المصادر.
[7] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.(8/71)
ثم دخل بغداد سنة إحدى وتسعين فحفظ «المحرّر» في الفقه وبحثه على الشيخ تقي الدّين الزّريراتي [1] . وقرأ العربية والتصريف على أبي عبد الله محمد بن الحسين الموصلي، والأصول على النّصير الفارقي وغيرهم. وقرأ الفرائض وشيئا من المنطق، وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون، وعلّق عنهم.
وسمع الحديث من ابن الطبّال وغيره.
وسافر إلى دمشق سنة أربع وسبعمائة، فسمع بها الحديث من ابن حمزة وغيره. ولقي الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، والمزّي، والبرزالي.
ثم سافر إلى مصر سنة خمس وسبعمائة، فسمع بها [2] من الحافظ عبد المؤمن بن خلف، والقاضي سعد الدّين الحارثي. وقرأ على أبي حيّان النّحوي «مختصره» لكتاب سيبويه [3] . ولقي بها جماعة. وحجّ وجاور بالحرمين الشريفين، وسمع بهما، وقرأ بهما كثيرا من الكتب.
وأقام بالقاهرة مدة، وصنّف تصانيف كثيرة، منها: «الاكسير في قواعد التفسير» و «الرّياض النّواضر في الأشباه والنظائر» و «بغية الواصل إلى معرفة الفواصل» . و «شرح مقامات الحريري» في مجلدات، وغير ذلك. وكان مع ذلك كلّه شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السّنّة، حتى إنه قال في نفسه [4] :
حنبليّ رافضيّ ظاهري ... أشعريّ إنّها إحدى الكبر
ووجد له في الرفض قصائد ويلوّح به في كثير من مصنّفاته [5] حتى إنه صنّف كتابا سمّاه «العذاب [6] الواصب على أرواح النّواصب» .
__________
[1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «الزيراتي» فلتصحح.
[2] لفظة «بها» سقطت من «ط» .
[3] لفظة «سيبويه» لم ترد في «آ» .
[4] رواية البيت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» :
حنبليّ أشعريّ رافضي هذه إحدى العبر ولا يستقيم وما أثبته لضرورة الوزن من «الدّرر الكامنة» .
[5] في «ط» : «تصانيفه» .
[6] تحرفت في «ط» إلى «العذاط» .(8/72)
قال تاج الدّين أحمد بن مكتوم: اشتهر عنه الرّفض، والوقوع في أبي بكر رضي الله عنه، وابنته عائشة رضي الله عنها، وفي غيرهما من جلّة [1] الصحابة رضوان الله عليهم، وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطّه، نقلها عنه بعض من كان يصحبه ويظهر موافقة له، منها قوله في قصيدة:
كم بين من شكّ في خلافته ... وبين من قيل: إنه الله
فرفع أمر ذلك إلى قاضي الحنابلة سعد الدّين الحارثي، وقامت عليه بذلك البينة، فتقدم إلى بعض نوابه بضربه وتعزيره وإشهاره، وطيف به، ونودي عليه بذلك، وصرف عن جميع ما كان بيده من المدارس، وحبس أياما، ثم أطلق، فخرج من حينه مسافرا، فبلغ قوص من صعيد مصر، وأقام بها مدة. ثم حجّ في أواخر سنة أربع عشرة وجاور سنة خمس عشرة. ثم حجّ، ثم نزل إلى الشام إلى [2] الأرض المقدسة فأدركه الأجل في بلد الخليل عليه السلام في شهر رجب.
وفيها طقطاي بن منكوتمر بن طغاي بن باطو بن [3] ، الطّاغية الأكبر جنكزخان المغلي التّتري، ملك القبجاق [4] . جلس على تخت الملك وعمره سبع سنين، وكان يحب السّحرة ويعظّمهم، ويحب الأطباء. وممالكه واسعة جدا، منها: قرم، وسراي، وغير ذلك. وكان له جيش عظيم إلى الغاية، يقال: إنه جهّز عسكرا مرّة يشتمل على مائتي ألف فارس. وطالت أيامه إلى هذه السنة، وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة.
وملك بعده أخوه أزبك خان.
وفيها مسندة الوقت ستّ الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجّى التّنوخية [5] . روت عن أبيها القاضي شمس الدّين، وابن الزّبيدي، وحدّثت
__________
[1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «جملة» .
[2] في «ط» : «في» .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 226) .
[4] ويقال القفجاق أيضا.
[5] أنظر «ذيول العبر» ص (88) و «النجوم الزاهرة» (9/ 237) .(8/73)
ب «الصحيح» [1] وب «مسند الشّافعي» بدمشق ومصر مرات. وكانت على خير عظيم.
وتوفيت في شعبان فجاءه عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها سلطان التتار غياث الدّين خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو [2] .
هلك من هيضة في هيضة في آخر رمضان ولم يتكهل. وكانت دولته ثلاث عشرة سنة، وتملّك بعده ابنه أبو سعيد.
وفيها بحماة أم أحمد فاطمة بنت النّفيس محمد بن الحسين بن رواحة [3] . روت أجزاء عن عمّها بمصر وطرابلس.
قال الذهبي: سمعنا منها.
وفيها الشيخ العلّامة ذو الفنون صدر الدّين أبو عبد الله محمد بن عمر بن مكّي بن عبد الصّمد بن عطية بن أحمد بن عطية الشّافعي العثماني، المعروف بابن المرحّل، وبابن الوكيل [4] .
ولد بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة، ونشأ بدمشق، وسمع من ابن علّان والقاسم الإربلي. وحفظ كتبا. يقال: إنه كان إذا وضع بعضها على بعض كانت طول قامته. وحفظ «المفصّل» في مائة يوم، و «مقامات الحريري» في خمسين يوما، و «ديوان المتنبي» في جمعة واحدة. قاله ابن قاضي شهبة.
وتفقّه على والده، وعلى الشيخ شرف الدّين المقدسي، والشيخ تاج الدّين الفزاري، وغيرهم. وأخذ الأصلين عن الصّفي الهندي، والنحو عن بدر الدّين بن مالك. وبرع وأفتى، وله اثنتان وعشرون سنة. واشتغل، وناظر، واشتهر اسمه، وشاع ذكره، ودرّس بالشّاميتين والعذرواية. وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية.
__________
[1] يعني «صحيح البخاري» كما في «النجوم الزاهرة» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (88- 89) و «دول الإسلام» (2/ 169) و «النجوم الزاهرة» (9/ 238) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (89) و «مرآة الجنان» (4/ 255) .
[4] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 253- 267) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 304- 306) و «الوافي بالوفيات» (4/ 264- 284) .(8/74)
وخالط النائب آقش الأفرم، وجرت له أمور لا يحسن ذكرها ولا يرشد أمرها، وأخرجت جهاته.
وانتقل إلى حلب فأقام بها مدة، ودرّس، ثم انتقل إلى الدّيار المصرية، ودرّس بالمشهد الحسيني، وجمع كتاب «الأشباه والنظائر» .
وأثنى عليه السّبكي كثيرا، وله نظم رائق وشعر فائق، منه [1] :
ليذهبوا في ملامي أيّة ذهبوا ... في الخمر لا فضّة تبقى ولا ذهب
لا تأسفنّ على مال تمزّقه [2] ... أيدي سقاة الطّلا والخرّد العرب
راح بها راحتي في راحها [3] حصلت ... فتمّ عجبي بها وازداد لي [4] العجب
فما كسوا راحتيّ من راحها حللا ... إلّا وعرّوا فؤادي الهمّ واستلبوا
إذ ينبع [5] الدّنّ [6] من حلو مذاقته ... والتّبر منسبك في الكأس منسكب
وليست الكيميا في غيرها وجدت ... وكلّ ما قيل في ألوانها كذب
قيراط خمر [7] على القنطار من حزن ... يعود في الحال أفراحا [8] وينقلب
عناصر أربع في الكأس قد جمعت ... وفوقها الفلك السيّار والشّهب
ماء ونار هواء أرضها قدح ... وطوقها فلك والأنجم الحبب
ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل ... بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب
شججت بالماء منها الرأس موضحة ... فحين أعقلها بالخمس لا عجب
وما تركت بها الخمس التي وجبت ... وإن رأوا تركها في بعض ما يجب
__________
[1] الأبيات في «طبقات الشافعية الكبرى» مع زيادة ونقصان. وفي «الوافي بالوفيات» .
[2] في «آ» و «ط» : «تفرّقه» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية الكبرى» و «الوافي» .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «الوافي بالوفيات» : «في راحتي» وفي «طبقات الشافعية الكبرى» «في راحها» .
[4] في «آ» و «ط» : «وازدادني» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية الكبرى» و «الوافي» .
[5] في «الوافي بالوفيات» : «إن ينبع» وهذا البيت لم يرد في «طبقات الشافعية الكبرى» .
[6] في «الوافي بالوفيات» : «الدّرّ» والدّنّ: ما عظم من الرّواقيد، وهو كهيئة الحبّ إلّا أنه أطول. انظر «لسان العرب» (دنن) .
[7] تحرفت في «ط» إلى «خمس» .
[8] في «طبقات الشافعية الكبرى» و «الوافي بالوفيات» : «يعيد ذلك أفراحا» .(8/75)
وإن تقطّب وجهي حين تبسم لي ... فعند بسط الموالي يحسن الأدب
عاطيتها من بنات التّرك غانية ... لحاظها لأسود والسّود قد غلبوا [1]
يا قلب [2] أردافها مهما برزت [3] بها ... قف لي عليها وقل: لي هذه الكثب
وإن مررت بشعر فوق قامتها ... بالله قل لي: كيف البان والعذب
تحكي الثنايا التي أبدته من حبب ... لقد حكيت ولكن فاتك الشّنب
وله:
عيّرتني بالسّقم إنك مشبهي ... ولذاك خصرك مثل جسمي ناحلا
وأراك تشمت إذ رأيتك سائلا ... لا بدّ أن يأتي عذارك سائلا
قال الذهبي: تخرّج به الأصحاب، وكان أحد الأذكياء.
وقال ابن شهبة: توفي في ذي الحجّة بالقاهرة، ودفن بالقرافة بتربة القاضي فخر الدّين ناظر الجيش.
ولما بلغت وفاته ابن تيميّة قال: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدّين.
وفيها، على خلاف في ذلك [4] ، محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود الجزري ثم المصري شمس الدّين أبو عبد الله [5] . ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة.
واشتغل بالعلم وأخذ بقوص عن الأصفهاني [6] وسمع، ودرّس، وأفتى في مذهب الشافعي، وخطب بجامع طولون، ودرّس بالشّريفيّة والمعزّيّة [6] ، وشرح «منهاج
__________
[1] في هذا البيت خلاف عند الصفدي في «الوافي» .
[2] في «آ» و «ط» : «ما قلت» وأثبت لفظ «الوافي» .
[3] في «الوافي بالوفيات» : «مهما مررت بها» وهو أجود.
[4] قلت: لم أقف على من ذكره في عداد وفيات سنة (716) سوى المؤلف رحمه الله تعالى.
[5] انظر «ذيول العبر» ص (63) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 275- 276) و «الدّرر الكامنة» (4/ 299- 300) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 383- 384) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 309- 310) و «النجوم الزاهرة» (9/ 221) و «حسن المحاضرة» (1/ 544) و «درة الحجّال» (2/ 19- 21) و «الأعلام» (7/ 151) .
[6] ما بين الرقمين سقط من «ط» .(8/76)
البيضاوي» شرحا حسنا، و «ألفية ابن مالك» وأخذ السّبكي عنه علم الكلام.
وتوفي بمصر في ذي القعدة.
وفيها، على خلاف أيضا، شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي بكر ابن هبة الله الجزري ثم المصري الشافعي، ويعرف بابن المحوجب، وفي بلاده بابن القوّام [1] .
ولد سنة ست وثلاثين وستمائة، كذا رأيته في بعض تواريخ المصريين، وقرأ القراآت السّبع، وأخذ بدمشق النحو عن شرف الدّين بن المقدسي، وبقوص المعقولات عن الأصفهاني، والفقه عن الشيخين ابن دقيق العيد، والدّشناوي.
وأخذ بمصر عن القرافي.
قال الإسنوي: كان ذكيا، أقام بمصر وأخذ عنه كثير من طلبتها، ودرّس بالمعزّية بعد موت ابن الرّفعة. وكانت السوداء تغلب على مزاجه.
توفي في رجب سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وقد جاوز الثمانين. كذا قاله الإسنوي.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 382) وقال: مات سنة (711) .(8/77)
سنة سبع عشرة وسبعمائة
في مستهل صفرها شرع في بناء جامع تنكز [1] ظاهر دمشق.
وفي صفرها أيضا كانت الزيادة العظمى ببعلبك، فغرق في البلد مائة وبضع وأربعون نسمة، وخرق السّيل سورها الحجارة مساحة أربعين ذراعا، ثم تدكدك يعد مكانه بمسيرة نحو من خمسمائة ذراع، فكان ذلك آية بيّنة، وتهدم من البيوت والحوانيت نحو ستمائة موضع.
وفيها ظهر جبليّ ادعى أنه المهدي بجبلة [2] ، وثار معه خلق من النّصيريّة والجهلة، وبلغوا ثلاثة آلاف، فقال: أنا محمد المصطفى مرّة، ومرة قال: أنا عليّ، وتارة قال: أنا محمد بن الحسن المنتظر، وزعم أن الناس كفرة، وأن دين النّصيريّة هو الحقّ، وأن النّاصر صاحب مصر قد مات، وعاثوا بالسّاحل واستباحوا جبلة، ورفعوا أصواتهم بقول [3] لا إله إلّا عليّ، ولا حجاب إلّا محمّد، ولا باب إلا سلمان، ولعنوا الشيخين [4] وخرّبوا المساجد، وكانوا يحضرون المسلم إلى
__________
[1] قلت: وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» (14/ 81) في تأريخه لأحداث سنة (716) ما نصه: في صفر شرع في عمارة الجامع الذي أنشأه ملك الأمراء تنكز ظاهر باب القصر تجاه حكر السماق على نهر بانياس، وتردد العلماء والقضاة في تحرير قبلته، فاستقرّ الحال في أمرها على ما قاله ابن تيميّة.
وانظر ما كتبه عن هذا الجامع الدكتور أسعد طلس في «ذيله» على «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» لابن المبرد المنشور بتحقيقه ص (202) .
[2] انظر تفاصيل خروج هذا الضال في «دول الإسلام» (2/ 224) و «البداية والنهاية» (14/ 83) .
[3] في «ط» : «وقالوا» .
[4] يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما وجمعنا بهما يوم القيامة تحت لواء سيد المرسلين،(8/78)
طاغيتهم ويقولون: اسجد لإلهك. فسار إليهم عسكر طرابلس، وقتل الطّاغية وجماعة، وتمزّقوا. قاله في «العبر» [1] .
وفيها مات الأديب الفاضل شهاب الدّين أحمد بن أبي المحاسن [يعقوب] الطّيبي [الأسديّ] الطّرابلسي [2] بها.
ومن شعره:
ما مسّني الضّيم إلّا من أحبّائي ... فليتني كنت قد صاحبت أعدائي
ظننتهم لي دواء الهمّ فانقلبوا ... داء يزيد بهم همّي وأدوائي
من كان يشكو من الأعداء جفوتهم ... فإنني أنا شاك من أودّائي
وفيها أبو بكر أحمد بن أبي بكر البغدادي الدمشقي، المعروف بنقيب المتعمّمين.
كانت عنده فضائل في النظم والنثر مما يناسب الوقائع، ويحضر التّهاني والتّعازي، ويعرف الموسيقيا، والشّعبذة، وضرب الرّمل، ويحضر مجالس البسط والهزل، ثم انقطع لكبر سنه. حكاه ابن الجزري [3] في «تاريخه» .
وفيها- وجزم ابن شهبة أنه في التي قبلها- فقال: يوسف بن محمد بن موسى بن يونس بن منعة كمال الدين أبو المعالي بن بهاء الدّين ابن كمال الدّين بن رضي الدّين قاضي الموصل [4] .
__________
وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» . رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ورواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[1] انظر «ذيول العبر» ص (91- 92) .
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (9/ 240) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.
[3] سترد ترجمته في وفيات سنة (833) من المجلد التاسع إن شاء الله، واسم تاريخه «ملخص تاريخ الإسلام» وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما أعلم ولا أدري في أي المكتبات هو.
[4] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 312- 313) و «الدّرر الكامنة» (4/ 476) و «الأعلام» (8/ 250) .(8/79)
قال بعض المتأخرين في «طبقات» جمعها: انتهت إليه رئاسة إقليمه، وشرح «الحاوي» ، وقدم رسولا من غازان [1] على الملك النّاصر، فأكرمه، وأظهر له من الحشمة والمهابة ما يليق ببيته وأصالته.
مات بالسّلطانية سنة ست عشرة وسبعمائة. انتهى كلام ابن شهبة.
وفيها، على خلاف أيضا، عزّ الدّين أبو حفص عمر بن أحمد بن أحمد المدلجي النّشائي المصري [2] .
قال ابن شهبة: لا أعلم [3] عمن أخذ الفقه. وسمع من جماعة، ودرّس بالفاضلية وله على «الوسيط» إشكالات حسنة مفيدة [في مجلدين] ، إلّا أنها لم تكمل. وعليه تفقه ولده كمال الدّين، والشيخ مجد الدّين الزّنكلوني.
وقال الإسنوي: كان إماما، بارعا في الفقه والنحو والعلوم الحسابية [أصوليا] ، محقّقا، ديّنا، ورعا، زاهدا، متصوفا، يحب السّماع ويحضره. وكانت في أخلاقه حدّة. وانتفع به خلق كثير.
وقال ابن السّبكي: كان فقيها، كبيرا، ورعا، صالحا، حجّ في البحر من عيذاب [4] سنة ست عشرة وسبعمائة.
وتوفي في تلك السنة بمكّة في العشر الأخير من ذي القعدة، وقيل في ذي الحجّة، ودفن بالمعلاة [5] . انتهى.
__________
[1] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، وفي «الأعلام» «قازان» وكلاهما صواب فقد رسمت بالوجهين في المصادر.
وهو غازان محمود بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (703) ص (18) فراجعها، وانظر «معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي» للمستشرق إدوار دفون زامباور ص (362) .
[2] انظر «العقد الثمين» (6/ 283- 285) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 509) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 294- 296) و «حسن المحاضرة» (1/ 422) .
[3] في «ط» : «لا أدري» .
[4] بلدة على ساحل البحر الأحمر. انظر «معجم البلدان» (4/ 171) و «أطلس التاريخ العربي» ص (27) .
[5] في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «بالمعلّى» والتصحيح من(8/80)
وفيها شرف الدّين الحسين بن علي بن إسحاق بن سلّام- بتشديد اللام- ابن عبد الوهاب بن الحسن ابن سلّام الشافعي [1] .
ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، واشتغل، فبرع، وحصّل، وأفتى، وناظر، ودرّس بالعذراوية. وولي إفتاء دار العدل أيام الأفرم. وكلام الكتبي يفهم أنه أول من ولي الإفتاء بها.
قال الذهبي: كان من الأذكياء.
وقال ابن كثير: كان واسع الصّدر كبير الهمّة، كريم النّفس، مشكورا في فهمه وحفظه وفصاحته ومناظرته.
توفي بدمشق في رمضان. ودفن بباب الصّغير.
وفيها الرّشيد فضل الله بن أبي الخير الهمذاني [2] الطّبيب. كان أبوه يهوديا عطّارا، فاشتغل هذا في المنطق والفلسفة، وأسلم، واتصل بغازان، وعظم في دولة خربندا بحيث إنه صار في رتبة الملوك. قام عليه الوزير علي شاه بأنه هو الذي قتل القآن خربندا لكونه أعطاه على هيضة مسهلا فتقيّأ، فخارت قواه، فاعترف، وبرطل جوبان بألف ألف دينار، فما نفع، بل قتل هو وابنه.
وكان يوصف بحلم ولطف وسخاء ودهاء.
فسّر القرآن العظيم فشحنه بآراء الأوائل، وعاش نيفا وسبعين سنة، وقيل:
بل كان جيد الإسلام وهو والد الوزير المعظم محمد بن الرّشيد. وكان وزير التتار ومدبّر دولتهم.
وفيها المحدّث الإمام الشيخ علي بن محمد الجبّني- بالضم والتشديد،
__________
«العقد الثمين» (6/ 284) . وقال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» : المعلاة: مقبرة مكة بالحجون.
[1] انظر «ذيول العبر» ص (95) و «البداية والنهاية» (14/ 85) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 408- 409) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 279- 280) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (92- 93) و «الدّرر الكامنة» (3/ 232) .(8/81)
نسبة إلى الجبن المأكول- الصّوفي [1] . روى عن الفخر علي، وتاج الدّين الفزاري، وكان تقيا، دينا، مؤثرا، كثير المحاسن.
توفي في المحرّم عن سبع وأربعين سنة.
وفيها الشيخ تاج الدّين محمد بن علي البارنباريّ [2] المصري العالم الشّافعي، الملقب طوير اللّيل [3] .
قال السّبكي: أحد أذكياء الزّمان، برع فقها [وعلما] وأصولا ومنطقا.
قرأ الأصول والمعقول على الأصبهاني شارح «المحصول» وسمعت الوالد- رحمه الله- يقول: قال لي ابن الرّفعة: من عندكم من الفضلاء في درس الظّاهريّة؟ فقلت له: قطب الدّين السّنباطي، وفلان وفلان، حتّى انتهيت إلى البارنباري، فقال لي: ما في من ذكرت مثله.
مولده سنة أربع وخمسين وستمائة. انتهى.
وفيها المعمّر قاضي المالكية بدمشق، جمال الدّين محمد بن سليمان بن سومر [4] الزّواوي [5] . استمر قاضيا بدمشق ثلاثين سنة.
قال الذهبي: ثنا الزّواوي عن الشّرف المرسي، وابن عبد السلام.
وأصابه فالج سنوات فعجز عن المنصب، فجاء على منصبه قبل موته بعشرين يوما العلّامة فخر الدّين بن سلامة الإسكندراني.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (92) و «معجم الشيوخ» (2/ 43- 45) و «المعجم المختص» ص (90) و «المعين في طبقات المحدّثين» ص (231) و «الدّرر الكامنة» (3/ 185) وفي بعض هذه المصادر «الختني» مكان «الجبّني» .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الباريناري» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 249- 251) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 288) و «الدّرر الكامنة» (4/ 100) و «حسن المحاضرة» (1/ 544) .
[4] اختلف في هذه اللفظة فقيل: «ابن سومر» وقيل: «ابن سومي» وقيل: «ابن سويد» وقيل غير ذلك.
وانظر التعليق على «النجوم الزاهرة» و «ذيول العبر» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (93- 94) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (302) و «الدّرر الكامنة» (3/ 448) و «النجوم الزاهرة» (9/ 239) .(8/82)
وتوفي الزّواوي بدمشق عن بضع وثمانين سنة.
وفيها أبو القاسم محمد بن خالد بن إبراهيم الحرّاني [1] الفقيه الحنبلي التّاجر، بدر الدّين، أخو الشيخ تقي الدّين بن تيميّة لأمّه.
ولد سنة خمسين وستمائة تقريبا بحرّان، وسمع بدمشق من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وابن الصّيرفي، وابن أبي عمر، وغيرهم. وتفقه، ولازم الاشتغال على الشيوخ، وأفتى بالمدرسة الجوزية، وبمسجد الرمّاحين بسوق جقمق، ودرّس بالمدرسة الحنبلية نيابة عن أخيه الشيخ تقي الدّين مدّة.
قال الذهبي: كان فقيها عالما إماما بالجوزية، وله رأس مال يتجر به. وكان قد تفقّه على أبي زكريا بن الصّيرفي، وابن المنجّى، وغيرهما. سمعنا منه أجزاء، وكان خيّرا، متواضعا.
وقال البرزالي: كان فقيها، مباركا، كثير الخير، قليل الشرّ، حسن الخلق، منقطعا عن النّاس، وكان يتجر، ويتكسب، وترك لأولاده تركة. وروى «جزء ابن عرفة» مرارا عديدة.
وتوفي يوم الأربعاء ثامن جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصّوفية عند والدته.
وفيها شمس الدّين محمد بن الصّلاح موسى بن خلف بن راجح الصّالحي الحنبلي [2] . سمع ابن قميرة، والرّشيد بن مسلمة، وجماعة. وله نظم جيد.
توفي في جمادى الآخرة في عشر الثمانين.
وفيها القاضي الأثير شرف الدّين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلّي العدوي [3] . كاتب السرّ بمصر، ثم بدمشق.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 370) .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 291- 292) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (94) .(8/83)
كان ديّنا، عاقلا، ناهضا، ثقة، مشكورا، مليح الخطّ والإنشاء.
روى عن ابن عبد الدائم، وتوفي بدمشق في رمضان عن أربع وتسعين سنة.
وفيها القاضي الأديب علاء الدّين علي بن الصّاحب فتح الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الظّاهر بن نشوان السّعدي الجذامي [1] . كان من كبار المنشئين وعلمائهم، ورثاه الشّهاب محمود بقصيدة أولها:
الله أكبر أيّ ظلّ زالا ... عن آمليه وأيّ طود مالا
أنعى إلى النّاس المكارم والعلا ... والجود والإحسان والإفضالا
وفيها فخر الدّين عثمان بن بلبان المقاتلي [2] ، معيد المنصوريّة.
قال الذهبي: كان رفيقنا، محدّثا، رئيسا. حدّث عن أبي حفص بن القوّاص وطبقته، وارتحل، وحصّل، وكتب، وخرّج. وكان نديما، أخباريا.
توفي بمصر عن اثنتين وخمسين سنة.
وفيها المقرئ زين الدّين محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصّنهاجيّ المرّاكشي ثم الإسكندراني [3] ، إمام مسجد قدّاح. سمع من ابن رواج، ومظفّر بن الفوّيّ.
وتوفي في ذي الحجّة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (94- 95) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (95) و «المعجم المختص» ص (154) و «معجم الشيوخ» (1/ 433- 434) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (96) و «حسن المحاضرة» (1/ 390) .(8/84)
سنة ثمان عشرة وسبعمائة
فيها كان القحط المفرط بالجزيرة وديار بكر، وأكلت الميتة، وبيع [1] الأولاد، وجلا الناس، ومات بعض النّاس من الجوع، وجرى ما لا يعبّر عنه.
وكان أهل بغداد في قحط أيضا ولكن دون ذلك.
وجاءت بأرض طرابلس زوبعة أهلكت جماعة وحملت الجمال في الجوّ.
قاله في «العبر» [2] .
وفيها توفي كمال الدّين أحمد بن الشيخ جمال الدّين محمد بن أحمد بن الشّريشيّ الوائليّ البكريّ الشافعي [3] وكيل بيت المال، وشيخ دار الحديث، وشيخ الرّباط النّاصري.
مولده في رمضان سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وسمع ورحل، وطلب مدة، وقرأ بنفسه الكتب الكبار، وكان أبوه مالكيا، فاشتغل هو في مذهب الشافعي، وأفتى ودرّس، وناظر، وناب في القضاء عن ابن جماعة، ثم ترك ذلك ودرّس بالشّامية البرّانية، وبالناصرية عشرين سنة.
قال ابن كثير: اشتغل في مذهب الشافعي فبرع وحصّل علوما كثيرة، وكان خبيرا بالنظم والنثر، وكان مشكور السّيرة. فيما يتولاه من الجهات كلّها.
__________
[1] في «ذيول العبر» : «وبيعت» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (96) .
[3] انظر «البداية والنهاية» (14/ 272) و «الدّرر الكامنة» (1/ 246) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 272- 273) و «النجوم الزاهرة» (9/ 243) .(8/85)
توفي في سلخ شوال متوجها إلى الحجّ بالحسا [1] ودفن هناك.
وفيها الشّهاب المقرئ الجنائزي أحمد بن أبي بكر بن حطّة البغدادي أبوه الدمشقي هو [2] صاحب الألحان والصّوت الطيّب، وله نظم ونثر وفضائل، وظرف، ومنادمة ووعظ.
توفي في ذي القعدة عن خمس وثمانين سنة.
وفيها المهتار شهاب الدّين أحمد بن رمضان، عرف بابن كسيرات مهتار الطستخاناه [3] ، وهو الذي سعى في تبطيل ما يؤخذ من قوام الحمّامات الرّجال والنّساء في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، واستمر الحال إلى الآن.
وفيها فخر الدّين أحمد بن سلامة بن أحمد الإسكندراني [4] ، المالكي القاضي العلّامة الأصولي البارع.
كان حميد السّيرة، بصيرا بالعلم، محتشما.
توفي بدمشق في ذي الحجّة عن سبع وخمسين سنة.
وفيها مجد الدّين أبو بكر بن محمد بن قاسم التّونسي الشافعي [5] .
قال الذهبي: هو شيخ [القراء و] النّحاة والبحّاثين. أخذ القراآت والنّحو عن الشيخ حسن الرّاشدي، وتصدّر بتربة الأشرفية وبأمّ الصّالح، وتخرّج به الفضلاء.
وكان ديّنا، صيّنا، ذكيا. حدثنا عن الفخر علي.
وتوفي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين [6] سنة.
__________
[1] الحسا: منزلة بين الكرك ومعان. قاله ابن حجر في «الدّرر الكامنة» (1/ 246) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (100) ولفظة «هو» سقطت منه فلتستدرك.
[3] لم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (100) و «الدّرر الكامنة» (1/ 140) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (99) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «غاية النهاية» (1/ 183- 184) .
[6] لفظة «وثمانين» ولم ترد في «آ» وجاء في مكانها بياض.(8/86)
وفيها السيّد ركن الدّين أبو محمد الحسن بن محمد بن شرف شاه [1] .
الإمام العلّامة المفنن الحسيني الإستراباذي الشافعي. أخذ عن النّصير الطّوسي، وحصّل، وتقدّم، وكان الطّوسيّ قد جعله رئيس أصحابه بمراغة، وكان [2] يعيد دروس الجلّة، ثم انتقل إلى الموصل، ودرّس بالنّورية بها. وشرح «مختصر ابن الحاجب» شرحا متوسطا، وشرح الحاجبية ثلاثة شروح، المتوسط أشهرها. وشرح «الحاوي» في أربع مجلدات فيه اعتراضات على «الحاوي» حسنة.
وتوفي في هذه السنة في المحرّم عن نيف وسبعين سنة بالموصل، وقيل توفي في سنة خمس عشرة.
وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ عزّ الدّين عبد الحافظ بن أبي محمد عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر بن ماضي المقدسي الحنبلي [3] .
تفقّه بدمشق، وحضر بنابلس على خطيب مردا. وسمع وكتب بخطه كثيرا.
قال الذهبي: كان فقيها، إماما، عارفا بالفقه والعربية، وفيه دين وتواضع وصلاح. وسمعت منه قصيدته التي رثى [4] بها الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر.
ثم روى عنه حديثا.
وقال ابن رجب: كان عدلا، وفقيها في المدارس، من أهل الدّين والعفاف.
وكان كثير السّكوت، قليل الكلام.
توفي بالصّالحية، ودفن بتربة الشيخ موفق الدّين، وكان من أبناء التسعين.
وفيها أبو بكر بن المنذر بن زين الدّين أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي الحنبلي [5] .
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 277- 279) .
[2] لفظة «وكان» سقطت من «ط» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 372- 373) و «معجم الشيوخ» (1/ 138) .
[4] في «ط» : «يرثي» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (98) وفيه: «أبو بكر بن المسند زين الدّين» .(8/87)
قال الذهبي: كان مسند الوقت، صالحا. سمع حضورا في سنة سبع وعشرين وستمائة، وسمع من ابن الزّبيدي، والنّاصح، والإربلي، والهمذاني، وسالم بن صصرى، وطائفة، وتفرّد، وكان ذا همة، وجلادة، وذكر، وعبادة، لكنه أضرّ وثقل سمعه.
وتوفي في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة وأشهر.
وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن تمّام بن حسّان التّلي الصّالحي [1] ، الأديب الزّاهد الحنبلي.
ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث من ابن قميرة، والمرسي، واليلداني، وجماعات. وقرأ النحو والأدب على الشيخ جمال الدّين بن مالك، وعلى ولده بدر الدّين، وصحبه ولازمه مدة. وأقام بالحجاز مدة.
قال البرزالي: كان شيخا، فاضلا، بارعا في الأدب، حسن الصّحبة، مليح المحاضرة. صحب الفضلاء والفقراء، وتخلّق بالأخلاق الجميلة، زاهدا، متقللا من الدّنيا، لم يكن له أثاث ولا طاسة، ولا فراش، ولا زبدية، ولا سراج، بل كان بيته خاليا من ذلك كله.
ومن شعره:
يا من عصيت عواذلي في حبّه ... وأطعت قلبي في هواه وناظري
لي في هواك صبابة عذريّة ... علقت بأذيال النّسيم الحاجري [2]
وحديث وجدي في هواك مكرّر ... فلذاك يحلو إذ يمرّ بخاطري
توفي ليلة السبت ثالث ربيع الآخر، ودفن من الغد بمقابر المرداويين بالقرب من تربة الشيخ أبي عمر.
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (17/ 53- 58) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 371- 372) و «الدّرر الكامنة» (2/ 241) و «القلائد الجوهرية» (2/ 474) و «درّة الحجال» (3/ 68- 70) .
[2] في «درّة الحجال» : «الحائر» .(8/88)
وفيها تاج الدّين عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدّين [أبي] حامد التّبريزي الأفضلي الشافعي [1] الواعظ.
قال الذهبي: كان شيخ تبريز، إماما، قدوة، قانتا، مذكّرا.
مات في رمضان ببغداد بعد حجّه كهلا.
وفيها زين الدّين علي بن مخلوف بن ناهض النّويري المالكي [2] قاضي المالكية بمصر.
كانت ولايته ثلاثا وثلاثين سنة، وحدّث عن المرسي وغيره، وكان مشكور السّيرة.
وتوفي بمصر عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها الإمام القدوة بركة الوقت، الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي [3] ، نزيل دمشق.
ولد سنة خمسين وستمائة.
قال الذهبيّ: كان كبير القدر، ذا صدق وإخلاص وانقباض عن الناس، متين الدّيانة، قرأت عليه أوراقا من أوائل «الغيلانيات» وسمع من الشيخ شمس الدّين ابن الشيخ أبي عمر، والكمال عبد الرحيم، والفخر، وطائفة. وقد ألّف سيرة لجده في ثلاث كراريس.
وقال ابن كثير: كان شيخا، جليلا، بشوش الوجه، حسن السّمت، مقصدا لكل أحد، كثير الوقار، عليه سيما العبادة والخير، ولم يكن له مرتب على الدولة،
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (98) و «الدّرر الكامنة» (2/ 341- 342) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 160) وما بين الحاصرتين مستدرك منها جميعا.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (97) و «الدّرر الكامنة» (3/ 127- 128) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (96- 97) و «الوافي بالوفيات» (4/ 284) و «معجم السيوخ» (2/ 260- 261) و «البداية والنهاية» (14/ 91- 92) .(8/89)
ولا لزاويته، وقد عرض عليه ذلك فلم يقبل. وكان لديه علم وفضل، وله فهم صحيح ومعرفة تامّة، وحسن عقيدة، وطوية صحيحة.
ومات في شهر صفر بزاويتهم في سفح قاسيون.
وفيها محمد بن عمر بن أحمد بن خشير [1] الزّاهد.
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : كان عالما، عاملا، عارفا، كاملا، معروفا بالصّلاح، طائرا بجناح النّجاح، ذا كرامات مشهورة، وإشارات بين القوم مذكورة. وكان في بدايته يختلي في موضع [2] مشهود له بالفضل، فأقام فيه شهرا، فدخل رجل فسلّم وأحرم بركعتين، ثم صلى ثلاثة أيام ولم يجدد وضوءا.
قال صاحب الترجمة: فقلت هذا الرجل أعطي هذا الحال وأنت مقيم في هذا الموضع مدّة ما فتح عليك بشيء، ثم عزمت على الخروج، فالتفت إليّ وقال: يقرع أحدكم الباب مدة حتّى يوشك أن يفتح له ثم يعزم على الخروج، فأقمت فما تم لي أربعون يوما إلّا وكلي عين ناظرة.
وله كلام في الحقائق يدلّ على كمال فضله وتوسّعه في علوم المعارف، فمنه المجتبى مطلوب والمنيب طالب يَجْتَبِي إِلَيْهِ من يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ من يُنِيبُ 42: 13 [الشورى: 13] والسلام على من اتبع لا من ابتدع.
وقال: رأس مال الفقير الثقة بالله وإفلاسه الرّكون إلى الخلق وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ 11: 113 [هود: 113] والظّلم تشترك فيه العامّة والخاصة، بدليل إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ 14: 34 [إبراهيم: 34] فإيّاك والركون [3] لغير الله، فتقع في الشّرك الخفي.
وقال: التعلق بغير الله تعب في الدنيا والآخرة، والإقبال عليه بالقلب راحة
__________
[1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر، وكتاب المناوي الذي نقل عنه المؤلف ليس بين أيدينا وهو غير مطبوع بعد فيما أعلم.
[2] في «ط» : «في مكان» .
[3] لفظة «والركون» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .(8/90)
فيهما، والتوفيق كلّه من الله إلّا أن التعرض للنفحات مندوب، قال: ذلك الهادي إلى [1] الرّشاد الشّافع في المعاد [2] ، عليه الصّلاة والسّلام. انتهى ملخصا.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد المحمود بن رباطر الحرّاني [3] الفقيه الزّاهد، نزيل دمشق الحنبلي.
ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة، بحرّان، وسمع بها من عيسى الخيّاط، والشيخ مجد الدّين بن تيميّة. وسمع بدمشق من إبراهيم بن خليل، ومحمد بن عبد الهادي، واليلداني، وابن عبد الدائم، وخطيب مردا، وعني بسماع الحديث إلى آخر عمره.
قال الذهبي: كان فقيها، زاهدا، ناسكا، سلفيا، عارفا بمذهب الإمام أحمد.
وقال ابن رجب: حدّث، وسمع منه جماعة، منهم: الذّهبي، وصفي الدّين عبد المؤمن بن عبد الحقّ. وسافر سنة إحدى عشرة إلى مصر لزيارة الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، فأسر من سبخة بردويل، وبقي مدة في الأسر، ويقال: إن الفرنج لما رأوا ديانته وأمانته واجتهاده أكرموه واحترموه. انتهى.
وفيها الجلال محمد بن محمد [بن عيسى] بن حسن القاهري [4] طباخ الصّوفية. حدّث عن ابن قميرة، وابن الجمّيزي، والسّاوي وطائفة.
وتوفي بالقاهرة. قاله في «العبر» .
وفيها أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التّجيبي القرطبي [5] المالكي [6] الإمام
__________
[1] لفظة «إلى» سقطت من «ط» .
[2] في «ط» : «في الميعاد» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 373) و «الدّرر الكامنة» (4/ 107) و «معجم الشيوخ» (2/ 258) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (97) و «الدّرر الكامنة» (4/ 206) و «حسن المحاضرة» (1/ 391) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (97- 98) و «البداية والنهاية» (14/ 91) .
[6] لفظة «المالكي» لم ترد في «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف.(8/91)
الكبير، إمام محراب المالكية بدمشق، ووالد إمامه.
كان من العلماء العاملين، ومن بيت فضل وجلالة.
قال الذهبي: حدثنا عن الفخر ابن البخاري.
وتوفي بدمشق في رجب، وله ثمانون سنة.(8/92)
سنة تسع عشرة وسبعمائة
فيها كما قال في «العبر» [1] : جاء كتاب سلطانيّ بمنع [2] ابن تيميّة من فتياه بالكفّارة في الحلف بالطلاق، وجمع له القضاة وعوتب [3] في ذلك، واشتدّ المنع، فبقي أصحابه يفتون بها خفية [4] .
وفيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بظاهر غرناطة، فقتل فيها من الفرنج أزيد من ستين ألفا، ولم يقتل من عسكر المسلمين سوى ثلاثة عشر نفسا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً 3: 49 [آل عمران: 49] فلله الحمد على هذا النّصر المبين، واشتهرت هذه الكائنة وصحّت لدينا. قاله في «العبر» أيضا [5] .
وفيها توفي شيخ القرّاء شهاب الدّين حسين بن سليمان بن فزارة الكفري الحنفي [6] .
قال الذهبي: كان قاضيا، مفتيا، شيخ القرّاء، تلا بالسّبع على علم الدّين القاسم، وأخذ عنه خلق. وحدّث عن ابن طلحة وغيره، وكان ديّنا، خيّرا، فقيها.
توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (103) .
[2] في «ط» : «يمنع» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «وعوقب» .
[4] قلت: وذكر ابن الوردي في «تتمة المختصر في أخبار البشر» (2/ 381- 382) بأن ذلك كان سنة (718) وتوسع في إيراد الخبر فليراجع.
[5] انظر الرواية بتوسع في «ذيول العبر» ص (104- 106) ففي ذلك فائدة إن شاء الله.
[6] انظر «ذيول العبر» ص (106) و «الجواهر المضية» (2/ 111- 112) و «غاية النهاية» (1/ 241) .(8/93)
وفيها الشيخ عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة القلانسي [1] المقرئ.
قال الذهبي: له مشيخة. حدثنا عن عمّه الرّشيد بن مسلمة، وابن علّان، وجماعة. وعن السّخاوي [2] حضورا. وكان فيه خير وقناعة.
مات بدمشق في المحرّم عن سبع وسبعين سنة.
وفيها مسند الوقت شرف الدّين عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصّالحي [3] المطعّم في الأشجار، ثم السّمسار في العقار. سمع «الصحيح» [4] بفوت من ابن الزّبيدي، وسمع الإربلي حضورا. وسمع ابن اللّتي، وجعفر، وكريمة، والضّياء. وتفرّد، وتكاثروا عليه. وكان أمّيّا عاميّا. قاله في «العبر» .
وفيها سيف الدّين اعزلوا [5] الأمير الكبير العادلي، الذي استنابه أستاذه العادل كتبغا على دمشق في آخر سنة خمس وتسعين وستمائة. وكان أحد الشجعان العقلاء، وله تربة مليحة بقاسيون.
توفي بدمشق ودفن بها.
وفيها الإمام بدر الدّين محمد بن منصور الحلبي ثم المصري ابن الجوهري [6] .
قال الذهبي: كان صدرا، كبير الرؤساء. روى عن إبراهيم بن خليل،
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (106) و «الدّرر الكامنة» (2/ 363) .
[2] يعني علم الدّين، رحمه الله تعالى.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (108) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (303) و «دول الإسلام» (2/ 226) و «الدّرر الكامنة» (3/ 204) .
[4] يعني «صحيح البخاري» .
[5] في «آ» و «ط» : «عزلو» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (9/ 245) .
[6] انظر «ذيول العبر» ص (107) و «النجوم الزاهرة» (9/ 246) .(8/94)
والكمال الضّرير، وجماعة. وتلا بالسّبع، وتفقّه. وكان فيه دين ونزاهة ويذكر [1] للوزارة، ومات غريبا بدمشق وله سبع وستون سنة.
وفيها العلّامة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع القرطبي [2] .
تفرّد بالسّماع من الشّلوبين والكبار، وكان شيخ مالقة على الإطلاق.
وفيها الإمام القدوة العابد أبو الفتح نصر بن سليمان المنبجيّ [3] المقرئ. حدّث عن إبراهيم بن خليل وجماعة، وتلا بثلاث على الكمال الضّرير، وتفقه وانعزل، ثم اشتهر وزاره الأعيان. وكان الجاشنكير الذي تسلطن يتغالى في حبّه، وله سيرة ومحاسن جمّة.
توفي بمصر في زاويته في الحسينية في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة.
وفيها، وجزم السيوطي في «حسن المحاضرة» أنه [4] في التي قبلها، فقال: أبو العلاء رافع بن محمد بن هجرس بن شافع الصّميديّ [5] السّلامي، المقرئ المحدّث، جمال الدّين، والد الحافظ تقي الدّين محمد بن رافع [6] .
تفقّه في مذهب الشّافعي على العلم العراقي، وأخذ النّحو عن البهاء بن
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وتذكر» والتصحيح من «ذيول العبر» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (108) و «الدّرر الكامنة» (4/ 280- 281) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (107- 108) و «غاية النهاية» (2/ 335) و «النجوم الزاهرة» (9/ 244) .
[4] لفظة «أنه» سقطت من «ط» .
[5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الصّعيدي» والتصحيح من «المعجم المختص» ص (98) و «الدّرر الكامنة» (2/ 106) و «غاية النهاية» (1/ 282) وفيه «هجرش» مكان «هجرس» و «حسن المحاضرة» (1/ 507) .
[6] صاحب «الوفيات» المطبوع بتحقيق الدكتور صالح مهدي عبّاس في مؤسسة الرسالة ببيروت، وبتحقيق الأستاذ عبد الجبّار زكار في وزارة الثقافة بدمشق، وسترد ترجمته في وفيات سنة (774) من هذا المجلد إن شاء الله تعالى.(8/95)
النحّاس، وسمع من أبي الحسن بن البخاري وجماعة، وتلا على أبي عبد الله محمد بن الحسن الإربلي الضّرير، وتصدّر للإقراء بالفاضلية.
ولد بدمشق سنة ثمان وستين وستمائة، ومات بالقاهرة في ذي الحجّة سنة ثمان عشرة وسبعمائة. انتهى كلام السّيوطي.
وفيها نخوة بنت محمد بن عبد القاهر بن النّصيبي [1] .
قال الذهبي: روت لنا عن يوسف بن خليل.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (106) و «معجم الشيوخ» (2/ 355) و «الدّرر الكامنة» (4/ 389) .(8/96)
سنة عشرين وسبعمائة
فيها توفي القاضي جمال الدّين أحمد المعروف بابن عصبة البغدادي الحنبلي [1] .
قال الطّوفي [2] : حضرت درسه، وكان بارعا في الفقه، والتفسير، والفرائض، وأما معرفة القضاء والأحكام فكان أوحد عصره في ذلك.
وفيها أبو الهدى أحمد بن إسماعيل بن علي بن الحباب [3] الكاتب.
تفرّد باجزاء عن سبط السّلفي، وكان قاضيا صدرا، ويلقب بفخر الدّين.
توفي بمصر عن سبع وسبعين سنة.
وفيها حميضة بن أبي نميّ الحسني [4] صاحب مكة كان، ثم نزع الطّاعة، فتولى أخوه عطيفة. قتله جندي التصق به في البريّة غيلة، ثم قتله السّلطان لغدره.
وفيها كمال الدّين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن بن ضرغام الكناني المصري الحنبلي المنشاوي [5] ، وكان خطيب المنشية.
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (6/ 299) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 373- 374) و «الدّرر الكامنة» (1/ 117) وفيهما: «ابن عصية» بالياء.
[2] هو سليمان بن عبد القوي الطّوفي. وقد مرّت ترجمته في وفيات سنة (716) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 39) و «الدّرر الكامنة» (1/ 106) و «حسن المحاضرة» (1/ 391) وفي بعض هذه المصادر: «ابن الجباب» بالجيم.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (113) و «العقد الثمين» (4/ 232) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (113) و «الدّرر الكامنة» (2/ 357) .(8/97)
قال الذهبي: حدّثنا عن السّبط واختلط قبل موته بنحو أربعة أشهر فما إخاله حدّث فيها. وكان عدلا فقيها.
توفي في ربيع الآخر وله ثلاث وتسعون سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن حسن بن سباع الجذامي المصري ثم الدمشقي الصّايغ [1] .
كان نحويا، لغويا، أديبا، بارعا، ذا نظم ونثر وتصانيف، تخرّج به فضلاء، ومات بدمشق عن خمس وسبعين سنة.
وفيها المسند الجليل شرف الدّين أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن عبّاس القرشي التّاجر الحريري المسند، ابن النّشو [2] .
قال الذهبي: حدثنا عن ابن رواج وجماعة [3] وابن الجمّيزي، وابن الحباب، وتفرّد بعوالي.
وتوفي بدمشق في شوال عن ثمانين سنة.
وفيها المعمّر الصّالح أمين الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي الحلبي الصّفار [4] .
روى عن صفية القرشية، وشعيب الزّعفراني، والسّاوي، وابن خليل، وتفرّد، وأكثروا عنه.
وتوفي في شوال بدمشق أيضا عن نيف وتسعين سنة. قاله الذهبي.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (114) و «النجوم الزاهرة» (9/ 248) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (114) و «الوافي بالوفيات» (3/ 248) .
[3] لفظة «وجماعة» سقطت من «ط» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (115) و «الوافي بالوفيات» (2/ 265) .(8/98)
سنة إحدى وعشرين وسبعمائة
فيها توفي بهاء الدّين إبراهيم بن المفتي شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن نوح المقدسي الدمشقي [1] .
قال الذهبي: حدّثنا عن ابن مسلمة، وابن علّان، والمرسي، وله أوقاف على البرّ، وفيه خير وتصوّن، وكان يكره فعائل أخيه ناصر الدين المشنوق، وكان عدلا، مسندا.
توفي بدمشق في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها نور الدّين إبراهيم بن هبة الله بن علي بن الصّنيعة [2] الحميري الإسنائي ويقال الإسنوي- نسبة إلى بلد بصعيد مصر الأعلى- الشّافعي [3] .
قال الإسنوي في «طبقاته» : كان إماما، عالما، ماهرا في فنون كثيرة، ملازما للاشتغال، والإشغال، والتّصنيف، دينا، خيّرا. أخذ في بلده عن البهاء القفطي، وهاجر إلى القاهرة في صباه، فلازم الشّمس الأصبهاني شارح «المحصول» والبهاء بن النحّاس الحلبي النّحوي، وغيرهما من شيوخ العصر، وصنّف تصانيف حسنة بليغة في علوم كثيرة، وتولى أعمالا كثيرة بالدّيار المصرية، آخرها الأعمال القوصية، ثم صرف عنها في أواخر سنة عشرين وسبعمائة لقيام بعض كتّاب أهل الدولة عليه لكونه لم يجبه إلى ما لا يجوز تعاطيه [4] فاستوطن القاهرة، وشرع في
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (119) و «الدّرر الكامنة» (1/ 60) .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن الضيعة» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[3] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 400) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 160- 161) و «الدّرر الكامنة» (1/ 74) و «حسن المحاضرة» (1/ 423) .
[4] انظر بيان ذلك فيما علّقه الأستاذ الدكتور عبد الله الجبّوري على «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 161) .(8/99)
الاشتغال والتصنيف على عادته، واجتمعت عليه الفضلاء، فعاجلته المنيّة.
وتوفي في أوائل السنة وقد قارب السبعين. انتهى.
وفيها خطيب الفيّوم الرئيس الأكمل المحتشم مجد الدّين أحمد بن القاضي معين الدّين أبي بكر الهمداني المالكي [1] . كان يضرب به المثل في السؤدد والمكارم، عزّى به الناس أخاه شرف الدّين المالكي.
وفيها تاج الدّين أحمد بن المجير محمد بن [الشيخ كمال الدين] [2] علي بن شجاع القرشي العبّاسي [3] . روى عن جدّه الكمال الضّرير، وابن رواج، والسّبط، وحدّث بالكرك لمّا ولي نظرها. وكان رئيسا، محتشما.
توفي بمصر في جمادى الأولى وله تسع وسبعون سنة.
وفيها الشيخ مجد الدّين إسماعيل بن الحسين بن أبي السّائب [4] الأنصاري [5] الكاتب المعدّل. روى عن مكّي بن علّان، والرّشيد العراقي، وجماعة. وطلب بنفسه، وأخذ النّحو عن ابن مالك، وكتب الطّباق والإجازات، وتوفي ببستانه بقرية جوبر [6] .
وفيها صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدّين داود بن الملك المظفّر يوسف بن عمر التّركماني [7] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (117) و «النجوم الزاهرة» (9/ 117) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (118) و «الدّرر الكامنة» (1/ 282) .
[4] في «آ» و «ط» : «التائب» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 173- 174) و «المعجم المختص» ص (74) و «الدّرر الكامنة» (1/ 366) .
[6] جوير: قرية من قرى غوطة دمشق الشرقية وقد اتصلت بدمشق في أيامنا كغيرها من القرى المحيطة بدمشق من الغوطتين. انظر خبرها في «معجم البلدان» (2/ 176- 177) .
[7] انظر «ذيول العبر» ص (120) و «النجوم الزاهرة» (9/ 253) و «غربال الزّمان» ص (590) .(8/100)
كانت دولته بضعا وعشرين سنة، وكان عالما، فاضلا، سائسا، شجاعا، جوادا، له كتب عظيمة نحو مائة ألف مجلد. وكان يحفظ «التنبيه» وغير ذلك، وتوفي بتعز في ذي الحجّة.
وفيها العارف الكبير نجم الدّين عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني الشّافعي [1] ، تلميذ الشيخ أبي العبّاس المرسي. جاور بمكة مدة، وانتقد عليه الشيخ علي الواسطي أنه مع ذلك لم يزر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وتوفي بمكّة في جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها العدل المسند علاء الدّين علي بن يحيى بن علي الشّاطبي الدمشقي الشّروطي [2] . روى شيئا كثيرا، وسمع ابن المسلمة، وابن علّان، والمجد الإسفراييني، وعدة. وتفرّد.
وتوفي في رمضان عن خمس وثمانين سنة.
وفيها الشيخ شمس الدّين محمد بن عثمان بن مشرف بن رزين الأنصاري الدمشقي الكناني ثم الخشّاب المعمار [3] .
روى عن التّقي بن العزّ وغيره، وبالإجازة عن ابن اللّتي، وابن المقيّر، وابن الصّفراوي.
وتوفي بدمشق في ذي الحجّة عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها تقي الدّين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمداني ثم المهلّبي [4] . حمل عن إسماعيل بن عزّون، والنّجيب، وطبقتهما. وحصّل، وتعب، ثم انقطع ولزم المنزل مدة. وكان صوفيا، محدّثا، رحّالا، ساء خلقه آخرا، وتوفي بمصر.
__________
[1] انظر «العقد الثمين» (5/ 271- 277) و «الدّرر الكامنة» (2/ 302) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (119) و «معجم الشيوخ» (2/ 63- 64) و «الدّرر الكامنة» (3/ 212) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (120) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (120- 121) و «الدّرر الكامنة» (3/ 493) .(8/101)
وفيها شيخ الشّيعة وفاضلهم محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السّكاكيني [1] . كان لا يغلو ولا يسبّ معيّنا، ولديه فضائل. روى عن ابن مسلمة، والعراقي، ومكّي بن علّان، وتلا بالسّبع، وله نظم كثير. وأخذ عن أبي صالح الرّافضي الحلبي، وأخذه معه صاحب المدينة منصور فأقام بها سنوات، وكان يتشيّع به سنّة، ويتسنّن به رافضة، وفيه اعتزال.
توفي بدمشق في صفر عن ست وثمانين سنة.
وفيها سعد الدّين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي [2] . روى عن ابن اللّتي حضورا، وعن جعفر، والمرسي، وطائفة. وأجاز له ابن روزبه، والقطيعي، وعدّة. وتفرّد، واشتهر اسمه وبعد صيته، مع الدّين والسّكينة، والمروءة، والتواضع.
قال الذهبي: وتفرّد بإجازة ابن صباح فيما أرى، وهو والد المحدّث شمس الدّين.
توفي بالصالحية في ذي الحجّة عن تسعين سنة وتسعة أشهر.
وفيها عالم المغرب الحافظ العلّامة أبو عبد الله [محمد بن عمر بن محمد] بن رشيد الفهري [3] في المحرّم بفاس، عن أربع وستين سنة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (117) و «الدّرر الكامنة» (3/ 410) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (121) و «الدّرر الكامنة» (4/ 426) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (121) و «الدّرر الكامنة» (4/ 111) و «الوافي بالوفيات» (4/ 284- 286) وما بين الحاصرتين زيادة منه ومن «الدّرر الكامنة» .(8/102)
سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة
فيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطّبري المكّي الشافعي [1] ، شيخ الإسلام وإمام المقام. كان صاحب حديث وفقه وإخلاص وتألّه. روى عن شعيب الزّعفراني، وابن الجمّيزي، وعبد الرحمن بن أبي حرمي، والمرسي، وعدة. وأجاز له السّخاوي وغيره، وخرّج لنفسه التساعيّات، وتفرّد بأشياء.
وتوفي بمكّة في ربيع الأول وله ست وثمانون سنة.
وفيها الزّاهد الكبير، قال في «العبر» [2] : جلال الدّين إبراهيم بن شيخنا زين الدّين محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي بن القلانسي الكاتب. روى عن ابن عبد الدائم والكرماني، ودخل مصر منجفلا، وانقطع في مسجد فتغالوا فيه، ونوّهوا بذكره، وعظّموه، وبنوا له زاوية، واشتهر، وحصّل لأخيه عزّ الدّين الحسبة ونظر الخزانة.
وتوفي المترجم بالقدس في ذي القعدة عن ثمان وستين سنة.
وفيها المعمّرة الرّحلة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي [3] في ذي الحجّة، عن أربع وتسعين سنة. سمعت ابن اللّتي، والهمذاني، وتفردّت بأجزاء ك «الثقفيات» ، ومسندي عبد [بن حميد] والدّارمي، وارتحلت إليها الطلبة. وحدّثت بمصر، والمدينة النّبوية، وماتت ببيت المقدس.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (124) و «العقد الثمين» (3/ 240- 247) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (125) و «الدّرر الكامنة» (1/ 125) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (126) و «النجوم الزاهرة» (9/ 258) .(8/103)
وفيها زين الدّين عبد الرّحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفّر بن نصر بن رواحة الأنصاريّ الحموي [1] الشّافعي [2] . سمع من جدّه لأمّه أبي القاسم بن رواحة، وصفية القرشية، وتفرّد، ورحل إليه، وله إجازات من ابن روزبه، والسّهروردي، وعدة.
وتوفي بأسيوط في ذي الحجّة عن أربع وتسعين سنة، وكان رئيسا، معمّرا، كاتبا.
وفيها نصير الدّين عبد الله بن الوجيه محمد بن علي بن سويد التّغلبيّ التكريتي ثم الدمشقي [3] ، الصّدر الكبير، صاحب الأموال، من أبناء السّبعين.
سمع الرّضي، والبرهان، والنّجيب، وابن عبد الدائم.
وفيها تقي الدّين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري [4] . كان محدّثا، زاهدا، له رحلة وفضائل. وروى عن النّجيب، وابن علّاق، ومرض بالفالج مدة، ثم توفي بمصر في ذي القعدة.
وفيها المعمّر الصّالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي النّجديّ [5] . كان ذا خشية، وعبادة، وتلاوة، وقناعة. سمع من المرسي، وخطيب مردا، وأجاز له ابن القبّيطي، وكريمة، وخلق. وروى الكثير، ومات بالسّفح في صفر عن بضع وثمانين سنة.
وفيها قطب الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الصّمد بن عبد القادر السّنباطي المصري الشافعي [6] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الجميزي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (126) و «دول الإسلام» (2/ 230) و «الوافي بالوفيات» (18/ 145- 146) و «حسن المحاضرة» (1/ 392) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (125) و «البداية والنهاية» (14/ 104) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (123) و «الدّرر الكامنة» (2/ 434) و «المعجم المختص» ص (153) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (124) و «الدّرر الكامنة» (3/ 324) .
[6] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 164- 165) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 72- 73)(8/104)
ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وتفقّه بابن رزين وغيره، وسمع من الدّمياطي وغيره، وتقدم في العلم، ودرّس بالمدرسة الحساميّة ثم الفاضلية، وولي وكالة بيت المال، وناب في الحكم، وصنّف «تصحيح التعجيز» و «أحكام المبعّض» و «استدراكات على تصحيح التّنبيه» للنووي، واختصر قطعة من «الروضة» .
قال السبكي: كان فقيها، كبيرا، تخرّجت به المصريون.
وقال الإسنوي: كان إماما، حافظا للمذهب، عارفا بالأصول، دينا، خيّرا، سريع الدّمعة، متواضعا، حسن التعليم، متلطّفا بالطّلبة.
توفي بالقاهرة في ذي الحجّة، ودفن بالقرافة.
وسنباط: بلدة من أعمال المحلّة.
وفيها السيد المعمّر الإمام محيي الدّين محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي [1] .
قال الذهبي: ولي نظر الحلق والسبع [2] مدة، وكان عابدا، كثير التلاوة جدا، تخضع له الشيعة، وهو والد النّقيبين زين الدّين حسين، وأمين الدّين جعفر، وجدّ النّقيب ابن عدنان، وابن عمّه.
عاش ثلاثا وتسعين سنة، وكانت له معرفة وفضيلة، وفيه انجماع وانقباض عن النّاس.
وفيها، أو في التي قبلها، الأديب شمس الدّين محمد بن علي المازني [3] . كان يعرف الأنغام، ويعمل الشّعر ويلحنه ويغنّي به.
__________
و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 379- 381) و «حسن المحاضرة» (1/ 423) و «النجوم الزاهرة» (9/ 257) .
[1] انظر «ذيول العبر» ص (122- 123) و «الدّرر الكامنة» (4/ 47) .
[2] يعني حلقات القراءة وسبع القرآن في المسجد الأموي بدمشق.
[3] انظر «فوات الوفيات» (4/ 5- 6) و «النجوم الزاهرة» (9/ 252) .(8/105)
فمن ذلك قوله:
لا تحسبوا أنني عن حبّكم سالي ... وحياتكم لم يزل حالي بكم حالي
أرخصتم في هواكم مدنفا صلفا ... وهو العزيز الذي عهدي به غالي
سكنتم في فؤادي وهو منزلكم ... لا عشت يوما أراه منكم خالي
يا هاجرين بلا ذنب ولا سبب ... قطّعتم بسيوف الهجر أوصالي
إن كان يوسف أوصى بالجمال لكم ... فإنّ والده بالحزن أوصى لي
وفيها الإمام أقضى القضاة شمس الدّين محمد بن شرف الدّين أبي البركات محمد بن الشيخ أبي العزّ الأذرعي الحنفي [1] . كان فاضلا، فقيها، بصيرا بالأحكام، حكم بدمشق نحو عشرين سنة، وخطب بجامع الأفرم مدة، ودرّس بالظّاهرية، والقليجية، والمعظمية، وأفتى.
وفيها العلّامة القدوة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السبتي المالكي [2] . روى «الموطأ» عن ابن أبي الرّبيع، عن ابن بقي، وكان صاحب فنون، وولي خطابة سبتة ثلاثين عاما، وتفقهوا عليه. ثم حجّ وبقي بمكة سبع سنين، ومات بها في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة.
وفيها مجد الدّين محمد بن محمد بن علي بن الصّيرفي سبط ابن الحبوبي [3] . روى عن أبي اليسر، ومحمد بن النشي [4] وشهد وحضر المدارس، وقال الشعر، وعمل لنفسه مجلدا ضخما. وكان محدّثا [5] متواضعا ساكنا.
توفي في رمضان بدمشق عن إحدى وستين سنة.
__________
[1] انظر «الجواهر المضية» (3/ 338- 339) و «البداية والنهاية» (14/ 103) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 547) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (123) و «الوافي بالوفيات» (1/ 232) و «العقد الثمين» (2/ 328) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (123- 124) و «الدّرر الكامنة» (4/ 198) و «معجم الشيوخ» (2/ 276) .
[4] في «الدّرر الكامنة» : «النشبي» .
[5] لفظة «محدّثا» لم ترد في «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف.(8/106)
سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
فيها توفي الشيخ أبو العبّاس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصّالحي الفامي، ويعرف بابن سعفور، ويلقب بعمّي [1] . سمع من المرسي حضورا، ومن محمد بن عبد الهادي، وخطيب مردا، وطائفة. وأجاز له السّبط، وكان خيّرا، كيسا، متعفّفا، منقطعا.
توفي بقاسيون في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة.
وفيها قاضي القضاة نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن الرئيس الكبير عماد الدّين محمد بن المعدّل أمين الدّين سالم بن الحافظ بهاء الدّين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التّغلبي الرّبعي الدمشقي الشافعي [2] . سمع الحديث من جماعة، وقرأ للسبع، وجوّد الخطّ على ابن المهتار، وأتقن الأقلام السّبعة، ودرّس بالأمينية وغيرها، واستمر على القضاء إلى أن مات. وكان حسن الأخلاق، كثير التودد، كريم المجالسة، مليح المحاضرة، حسن الملتقى.
متواضعا جدا، له مشاركة في فنون شتّى، وعنده حظ من الأدب والنّظم.
ومن نظمه:
ومهفهف بالوصل جاد تكرّما ... فأعاد ليل الهجر صبحا أبلجا
ما زلت ألثم ما حواه ثغره ... حتّى أعدت الورد فيه بنفسجا
توفي ببستانه بالسّهم وحمل الصّوفية نعشه إلى الجامع المظفّري، وصلّى
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (128) و «معجم الشيوخ» (1/ 77- 78) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (128- 129) و «معجم الشيوخ» (1/ 89- 90) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 326- 328) و «فوات الوفيات» (1/ 125) .(8/107)
عليه الشيخ برهان الدّين الفزاري، ودفن بتربته بالقرب من الرّكنية.
وفيها الفاضل الأديب العدل شهاب الدّين محمد بن محمد [بن محمود بن مكّي] [1] عرف بابن دمرداش. كان جنديا، فلما كبر وشاخ ترك ذلك وصار شاهدا بمركز الرّواحية.
وله شعر كثير لطيف، فمنه قوله:
أقول لمسواك الحبيب لك الهنا ... بلثم فم ما ناله ثغر عاشق
فقال وفي أحشائه حرق الجوى ... مقالة صبّ للدّيار مفارق
تذكّرت أوطاني فقلبي كما ترى ... أعلّله بين العذيب وبارق
وله:
يا قمّري إن جئت وادي الأراك ... وقبّلت أغصانه الخضر فاك
فأرسل إلى عبدك من بعضها ... فإنني والله ما لي سواك
وله دو بيت، قيل: إن الشيخ صدر الدّين بن الوكيل قال: وددت أنه يأخذ جميع ما قلته [2] ويعطينيه، وهو:
الصبّ بك المنعوب والمعتوب ... والقلب بك المسلوب والملسوب
يا من طلبت لحاظه سفك دمي ... مهلا ضعف الطّالب والمطلوب
وفيها الرئيس شهاب الدّين أحمد بن محمد بن القطينة [3] ، التاجر المشهور. كان فقيرا معدما ففتح الله تعالى عليه بحيث بلغت زكاته ثمانين ألفا، وكان فيه برّ وخير، وبنى مدرسة بذرع.
وتوفي بدمشق ودفن بتربته على طريق القابون.
وفيها مؤرّخ الآفاق العالم المتكلم كمال الدّين عبد الرزّاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة: «أحمد بن محمد» وهو خطأ والتصحيح من «الدّرر الكامنة» (4/ 238) و «النجوم الزاهرة» (9/ 259) وما بين الحاصرتين زيادة منهما.
[2] في «ط» : «جميع شيء قلته» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (129) و «البداية والنهاية» (14/ 107) .(8/108)
أبي المعالي الفضل بن العبّاس بن عبد الله بن معن بن زائدة الشّيباني المروزي الأصل البغدادي [1] الأخباري، الكاتب المؤرّخ الحنبلي، ابن الصّابوني، ويعرف بابن الفوطي- محركا، نسبة إلى بيع الفوط- وكان الفوطي المنسوب إليه جدّه لأمّه.
ولد في سابع عشر محرم سنة اثنتين وأربعين وستمائة بدار الخلافة من بغداد، وسمع بها من الصّاحب محيي الدّين بن الجوزي، ثم أسر في واقعة بغداد، وخلّصه النّصير الطّوسي الفيلسوف وزير الملاحدة، فلازمه وأخذ عنه علوم الأوائل، وبرع في الفلسفة وغيرها وأمره [2] بكتابة الزّيج وغيره من علم النجوم، واشتغل على غيره في اللّغة والأدب، حتّى برع ومهر في التاريخ، والشعر، وأيام الناس. وأقام بمراغة مدة، وولي بها كتب الرّصد بضع عشرة سنة، وظفر بها بكتب نفيسة، وحصّل من التواريخ ما لا مزيد عليه، وسمع بها من المبارك بن المستعصم بالله سنة ست وستين، ثم عاد إلى بغداد، وبقي بها إلى أن مات.
وسمع ببغداد الكثير، وعني بالحديث [3] ، وعدّ من الحفّاظ، حتّى ذكره الذهبي في طبقاتهم، وقال: له النّظم، والنّثر، والباع الأطول في ترصيع تراجم النّاس. وله ذكاء مفرط وخطّ منسوب رشيق، وفضائل كثيرة. وسمع منه الكثير، وعني بهذا الشأن، وجمع وأفاد، فلعل الحديث أن يكفّر عنه به، وكتب من التواريخ ما لا يوصف، وعمل تاريخا كبيرا لم يبيضه، ثم عمل آخر دوّنه في خمسين مجلدا، سمّاه «مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب» [4] وله كتاب «درر الأصداف في غرر الأوصاف» وهو كبير جدا، ذكر أنه جمعه من ألف مصنّف، وكتاب «المؤتلف والمختلف» رتّبه مجدولا، وكتاب «التاريخ» على
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (170- 171) و «البداية والنهاية» (14/ 106) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 374- 376) و «الأعلام» (3/ 349- 350) .
[2] في «ط» : «وأمدّه» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «وعني بالكثير» وهو خطأ.
[4] وقد طبع ملخصه في وزارة الثقافة بدمشق بتحقيق العالم الفاضل الدكتور مصطفى جواد رحمه الله، عام (1383) هـ.(8/109)
الحوادث، وكتاب «حوادث المائة السابعة» [1] وإلى أن مات، وكتاب [2] «نظم الدّرر النّاصعة في شعر المائة السابعة» في عدة مجلدات.
وذكر الذهبي أيضا في «المعجم المختص» أنّه خرّج «معجما» لشيوخه، فبلغوا خمسمائة شيخ بالسّماع والإجازة.
قال: وذيّل على تاريخ شيخه ابن السّاعي نحوا من ثمانين مجلدا. وله «تلقيح الأفهام في تنقيح الأوهام» وله أشياء كثيرة في الأنساب وغيرها. وقد تكلّم في عقيدته وفي عدالته.
قال: وهو في الجملة أخباريّ علّامة، ما هو بدون أبي الفرج الأصبهاني.
وكان ظريفا، متواضعا، حسن الأخلاق، الله يسامحه.
توفي في ثالث المحرم ببغداد ودفن بالشّونيزية.
وفيها مسند الشّام بهاء الدّين القاسم بن مظفّر بن النّجم محمود بن تاج الأمناء ابن عساكر [3] . حضر في سنة تسع وعشرين وستمائة على مشهور النيرباني، وحضر ابن عساكر، وكريمة، وعبد الرحيم بن عساكر، وابن المقيّر. وسمع من ابن اللّتي وجماعة، وأجاز له مشايخ البلاد، وبلغ «معجمه» سبع مجلدات، وألحق الصّغار بالكبار، ووقف أماكن على المحدّثين. وكان طبيبا، مؤرّخا، وخرّج له البرزالي مشيخة، وابن طغرلبك «معجما» كبيرا جمع فيه شيوخه، فبلغوا أكثر من خمسمائة وسبعين شيخا.
وتوفي بدمشق في شعبان عن أربع وتسعين سنة.
وفيها خطيب صفد وعالمها بها نجم الدّين حسن بن محمد الصّفدي [4] .
__________
[1] وهو «الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة» الذي تم طبع جزء منه منسوب إليه.
وذكره الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي. وانظر «الأعلام» وكلام العلّامة الزركلي عليه فقد شكّك في نسبته إليه.
[2] في «ط» : «وكتب» .
[3] انظر «ذيول المعبر» ص (130- 131) و «معجم الشيوخ» (2/ 117- 119) و «البداية والنهاية» (14/ 108) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (131) و «الوافي بالوفيات» (12/ 256- 263) .(8/110)
تقدّم في الأدب والمعقول، وله تآليف.
وتوفي في رمضان وهو من أبناء الثمانين.
وفيها شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن سعد الله بن عبد الأحد بن سعد الله بن عبد القاهر بن عبد الأحد بن عمر بن نجيح الحرّاني ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي الإمام.
سمع من الفخر بن البخاري وغيره، وطلب الحديث، وقرأ بنفسه، وتفقه وأفتى، وصحب الشيخ تقي الدّين بن تيميّة ولازمه، وكان صحيح الذّهن، جيد المشاركة في العلوم، من خيار الناس وعقلائهم وعلمائهم.
توفي في ذي الحجّة بوادي بني سالم في رجوعه من الحجّ، وحمل إلى المدينة النبوية فدفن بالبقيع، وكان كهلا.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمود الجيلي [2] ، نزيل بغداد، المدرّس للحنابلة بالبشيرية. كان إماما، فقيها، عالما، فاضلا، له مصنّف في الفقه لم يتمه، سمّاه «الكفاية» ذكر فيه أن الإمام أحمد نصّ على أن من وصّى بقضاء الصّلاة المفروضة عنه نفّذت وصيته.
توفي ببغداد في يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى.
وفيها الأمير الصّاحب الوزير نجم الدّين محمد بن عثمان بن الصّفي البصروي الحنفي [3] .
ولي الحسبة ثم الخزانة، ثم الوزارة، ثم الإمرة، ودرّس أولا بمدرسة بصرى، وكان فاضلا، مقدّم خيول عربية، فتقدم في ذلك، وتوفي ببصرى كهلا.
وفيها مسند الوقت شمس الدّين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن مميل بن الشّيرازي الدّمشقي [4] . سمع من جدّه القاضي أبي نصر، والسخاوي،
__________
[1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 110- 111) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 376) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 376- 377) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (131) و «البداية والنهاية» (14/ 108- 109) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (131- 132) و «معجم الشيوخ» (2/ 279- 280) و «الوافي بالوفيات»(8/111)
وجماعة. وبمصر من العلم بن الصّابوني، وابن قميرة. وأجاز له أبو عبد الله بن الزّبيدي، والحسين ابن السيّد، وقاضي حلب بن شدّاد، وخلق. وله «مشيخة» وعوال. وروى الكثير، وكان ساكنا، وقورا، منقبضا له، كفاية، وكبر سنّه وأكثر ولم يختلط.
وتوفي بالمزّة ليلة عرفة، عن أربع وتسعين سنة وشهرين.
وفيها صفي الدّين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم القرافي الصّوفي [1] .
كان محدّثا، لغويا، إماما. سمع الكثير، وكتب، وتعب، واشتهر، وحدّث عن النّجيب، والكمال، وكان شافعيا، حفظ «التنبيه» مع دين وتصوّن ومعرفة.
توفي بدمشق بالمارستان في جمادى الآخرة وله ست وسبعون سنة.
وفيها صاحب «الأجرومية» أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصّنهاجي [2] النّحوي المشهور بابن آجروم- بفتح الهمزة الممدودة وضم الجيم والراء [3] المشدّدة ومعناه بلغة البربر الفقير- الصّوفي، صاحب «المقدمة» المشهورة بالجرومية.
قال ابن مكتوم [4] في «تذكرته» : نحويّ مقرئ، له معلومات من فرائض، وحساب، وأدب بارع، وله مصنّفات وأراجيز.
وقال غيره: المشهور بالبركة والصّلاح، ويشهد لذلك عموم النّفع بمقدمته.
ولد بفاس سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وتوفي بها في صفر.
__________
(1/ 201- 202) و «البداية والنهاية» (14/ 109) .
[1] انظر «ذيول العبر» ص (130) و «البداية والنهاية» (14/ 108) .
[2] انظر «بغية الوعاة» (1/ 238- 239) و «الأعلام» (7/ 33) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «والدال» .
[4] هو أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي، سترد ترجمته ضمن وفيات سنة (749) إن شاء الله تعالى.(8/112)
سنة أربع وعشرين وسبعمائة
فيها كان الغلاء المفرط بالشّام، وبلغت الغرارة [1] أزيد من مائتي درهم أياما، ثم جلب القمح من مصر بإلزام سلطاني [2] لأمرائه، فنزل إلى مائة وعشرين درهما، ثم بقي أشهرا، ونزل السّعر بعد شدّة، وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني. وكان على الغرارة ثلاثة دراهم ونصف. قاله في «العبر» .
وفيها توفي القاضي المعمّر العدل شمس الدّين أحمد بن علي بن الزّبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي [3] .
سمع من ابن الصّلاح من «سنن البهيقي» .
وتوفي بدمشق في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة.
وفيها وزير الشّرق علي شاه بن أبي بكر التّبريزي [4] .
كان سنّيّا، معظّما لصاحب مصر، محبّا له.
توفي بأرّجان في جمادى الآخرة وقد شاخ.
وفيها الصّاحب الكبير كريم الدّين عبد الكريم بن هبة الله بن العلم
__________
[1] جاء في «المعجم الوسيط» (2/ 672) : الغرارة: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه.
[2] في «ذيول العبر» مصدر المؤلف: «بإلزام السلطان» وهو أصح.
[3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 77) و «الدّرر الكامنة» (1/ 209) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 470- 471) وقد تحرفت «الزبير» فيه إلى «الزير» فلتصحح.
[4] انظر «البداية والنهاية» (14/ 116) .(8/113)
هبة الله بن السّديد المصري [1] وكيل السلطان. أسلم كهلا في أيام الجاشنكير، وكان كاتبه، وتمكّن من السلطان غاية التمكن، بحيث صار الكلّ إليه، وبيده العقد والحلّ، وبلغ من الرّتبة ما لا مزيد عليه، وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان، وكان حسن الخلق، عاقلا، خيّرا، سمحا، داهية، وقورا، مرض نوبة فزيّنت مصر لعافيته، وكان يعظّم الدّيّنين، وله برّ وإيثار، عمر البيارات، وأصلح الطّرق، وعمر جامع القبيبات [2] وجامع القابون، وأوقف عليهما الأوقاف، ثم انحرف عليه السلطان ونكبه، فنفي إلى الشّويكة [3] ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان، فأصبح مشنوقا بعمامته، ولما أحس بالقتل صلّى ركعتين، وقال: هاتوا [ما عندكم] [4] ، عشنا سعداء، ومتنا شهداء، أعطاني السلطان الدّنيا والآخرة، وشنق وقد قارب السّبعين.
وفيها الحافظ الزّاهد علاء الدّين علي بن إبراهيم بن دواد بن سلمان بن سليمان أبو الحسن بن العطّار الشافعي [5] ، ويلقب بمختصر النّووي. سمع من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وغيرهما.
ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة، وتفقّه على الشيخ محيي الدّين النّووي، وأخذ العربية عن جمال الدّين بن مالك، وولي مشيخة دار الحديث النّورية وغيرها، ومرض بالفالج أزيد من عشرين سنة، وكان يحمل في محفّة، وكتب الكثير وحمله، ودرّس، وأفتى، وصنّف أشياء مفيدة.
قال الذهبي: خرّجت له «معجما» في مجلد انتفعت به، وأحسن إليّ باستجازته لي كبار المشيخة، وله فضائل وتألّه وأتباع.
__________
[1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 116- 117) و «فوات الوفيات» (2/ 377- 383) .
[2] وهو المعروف الآن بجامع الدّقّاق بحي الميدان جنوب دمشق، وقد شرع ببنائه سنة (718) ذكر ذلك ابن كثير في «البداية والنهاية» (14/ 86) وانظر «ثمار المقاصد» لابن المبرد ص (144) .
[3] الشّويكة: قرية بنواحي القدس. انظر «معجم البلدان» (3/ 374) .
[4] زيادة من «منادمة الأطلال» للشيخ عبد القادر بدران صفحة (387) (ع) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (136) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 355- 356) و «البداية والنهاية» (14/ 117) و «التبيان شرح بديعة البيان» (185/ ب) و «المعجم المختص»(8/114)
وقال ابن كثير: له مصنفات مفيدة وتخاريج ومجاميع.
وقال غيره: هو أشهر أصحاب النّووي وأخصّهم به، لزمه طويلا، وخدمه وانتفع به، وله معه حكايات، واطّلع على أحواله، وكتب مصنّفاته، وبيّض كثيرا منها، وعدّه في الحفاظ العلّامة ابن ناصر الدّين [1] وأثنى عليه.
توفي بدمشق في ذي الحجّة عن سبعين سنة.
وفيها الإمام الزّاهد نور الدّين علي بن يعقوب بن جبريل بن عبد المحسن أبو الحسن البكري المصري الشافعي [2] .
ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وسمع «مسند الشافعي» من وزيرة بنت المنجّى، واشتغل، وأفتى، ودرّس، وكان يذكر نسبه إلى أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، ولما دخل ابن تيمية إلى مصر قام عليه وأنكر ما يقوله وآذاه. قاله ابن شهبة.
وقال السّبكي في «الطبقات الكبرى» : صنّف كتابا في البيان، وكان من الأذكياء.
سمعت الوالد يقول: إن ابن الرّفعة أوصى بأن يكمل [3] شرحه على «الوسيط» .
وكان رجلا، جيدا، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، وقد واجه مرّة الملك النّاصر [محمد بن قلاوون] [4] بكلام غليظ فأمر السلطان بقطع لسانه، حتّى شفع فيه.
وقال الإسنويّ: تحيا بمجالسته النّفوس، ويتلقى بالأيدي فيحمل على
__________
ص (156- 157) .
[1] يعني في «التبيان شرح بديعة البيان» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (133- 134) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 370- 371) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 288- 289) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 360- 363) .
[3] كذا في «طبقات الشافعية الكبرى» : «يكمل» وفي «آ» و «ط» : «يعمل» .
[4] زيادة من «طبقات الشافعية الكبرى» .(8/115)
الرؤوس، تقمّص بأنواع الورع والتّقى، وتمسّك بأسباب الرّقيّ [1] فارتقى.
كان عالما، صالحا، نظّارا، ذكيا، متصوفا، أوصى إليه ابن الرّفعة بأن يكمل ما بقي من شرحه على «الوسيط» [2] لما علم من أهليته لذلك دون غيره، فلم يتفق ذلك، لما كان يغلب عليه من التخلّي، والانقطاع، والإقامة، والأعمال الخيرية.
تنقّل بأعمال مصر لأن الملك النّاصر منعه من الإقامة بالقاهرة ومصر، إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر ودفن بالقرافة.
وفيها الشيخ ركن الدّين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبي الشّاهد بن جابي الأحباس [3] .
تفرّد عن السّبط ب «جزء شيبان» وب «الدعاء» للمحاملي، و «مشيخته» .
وتوفي بالثّغر في صفر عن خمس وثمانين سنة.
وفيها قاضي حلب زين الدّين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصاري [4] . ولي حلب نيّفا وعشرين سنة، وقبلها ولي بعلبك، وناب بدمشق. وولي حمص. وكان مسمتا، مليح الشكل، فاضلا، وتوفي عن سبعين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن الإمام جمال الدّين عبد الرحيم بن عمر الباجربقي الشّافعي [5] .
قال الذهبي: الضّالّ الذي حكم القاضي المالكي بضرب عنقه مرّة [6] بعد
__________
[1] في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «بأسباب التقى» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[2] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وهو من صلاة الجماعة إلى البيع» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (133) و «الدّرر الكامنة» (3/ 191) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (135) و «الدّرر الكامنة» (2/ 295) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (134) و «البداية والنهاية» (14/ 115) و «الوافي بالوفيات» (3/ 249) .
[6] تحرفت في «ط» إلى «مدة» .(8/116)
أخرى لثبوت أمور فظيعة وكلمات شنيعة، فتغيب عن دمشق، وأقام بمصر بالجامع الأزهر، وتردّد إليه جماعة. وكان الشيخ صدر الدّين يتردّد إليه ويبهت في وجهه ويجلس بين يديه، وكان يري الناس بوارق شيطانية، وكان له قوة تأثير، وشهد عليه أيضا بما أبيح دمه به، منهم: الشيخ مجد الدّين التّونسي، فسافر إلى العراق، ثم سعى أخوه بحماة حتّى حكم الحنبلي بعصمة دمه، فغضب المالكي وجدّد الحكم بقتله، وكان أولا فقيها بالمدارس، ثم حصل له كشف شيطانيّ فضلّ به جماعة، وكان يتنقّص بالأنبياء، ويتفوّه بعظائم، ثم قدم القابون [1] مختفيا، وسكن بها إلى أن مات في ربيع عن ستين سنة.
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحدّاد الآمدي ثم المصري [2] ، الخطيب الحنبلي.
قال ابن رجب: الإمام، الصّدر، [الرئيس] الفقيه، خطيب دمشق وحلب.
سمع الحديث، وتفقّه بالدّيار المصرية، وحفظ «المحرر» وشرحه على ابن حمدان، ولازمه مدة من السنين، حتّى قرأه عليه، وبرع في الفقه، وكان ابن حمدان يشكره ويثني عليه كثيرا، واشتغل بالكتابة، واتصل بالأمير قراسنقر [3] المنصوري بحلب، فولّاه [4] نظر الأوقاف وخطابة جامعها، وصرف عنه جلال الدّين القزويني، ثم صرف بالقزويني. وولي ابن الحدّاد حينئذ نظر المارستان، ثم ولي حسبة دمشق ونظر الجامع، واستمر في نظره إلى حين وفاته، وعيّن لقضاء الحنابلة في وقت.
وتوفي ليلة الأربعاء سابع جمادى [الأولى] بدمشق ودفن بمقبرة باب الصّغير.
__________
[1] قرية كبيرة إلى الشرق من دمشق تعدّ أراضيها من أخصب أراضي الغوطة الشرقية وقد زحف العمران عليها في عصرنا فأتى على الكثير الكثير من أراضيها. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 290) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 376- 377) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3] في «آ» و «ط» : «سنقر» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4] في «ط» : «وولّاه» .(8/117)
وفيها الشيخ شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن المنجّى بن عثمان بن أسعد بن المنجّى التّنوخي الدمشقي الحنبلي [1] .
ولد سنة خمس وسبعين وستمائة، وأسمعه والده الكثير من المسلم بن علّان، وابن أبي عمر، وطبقتهما. وسمع «المسند» [2] والكتب الكبار، وتفقّه، وأفتى، ودرّس بالمسمارية. وكان من خواص أصحاب الشيخ تقي الدّين بن تيميّة وملازميه حضرا وسفرا. وكان مشهورا بالدّيانة والتّقوى، ذا خصال جميلة وعلم وشجاعة. روى عنه الذهبي في «معجمه» [3] وقال: كان إماما، فقيها، حسن الفهم، صالحا، متواضعا.
توفي إلى رضوان الله في رابع شوال ودفن بسفح قاسيون.
وفيها أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنّا [4] .
كان عاقلا، نبيلا، فيه خير، وهو أخو مهنّا.
توفي بسلميّة في أحد الرّبيعين، عن نيّف وسبعين سنة، ودفن عند أبيه.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (135) و «معجم الشيوخ» (2/ 289- 290) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 377) .
[2] يعني «مسند الإمام أحمد بن حنبل» .
[3] لم أعثر على ترجمته في «المعجم المختص» للذهبي المطبوع وهذا النقل مأخوذ عنه.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (134- 135) و «الدّرر الكامنة» (4/ 131) و «النجوم الزاهرة» (9/ 261) .(8/118)
سنة خمس وعشرين وسبعمائة
في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول، وبقيت كالسفينة، وساوى الماء الأسوار، وغرق أمم لا تحصى، وعظمت الاستغاثة بالله تعالى، ودام خمس ليال، وقيل: تهدّم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت.
قال الذهبي [1] : ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه، فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله تعالى، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر، صحّ هذا عندنا.
وفيها توفي شيخ الظّاهرية عفيف الدّين إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي [2] . روى كثيرا عن ابن خليل، وعن عيسى الخيّاط، وعدّة، وطلب الحديث، وحصّل أصولا بمروياته.
قال الذهبي: خرّج له ابن المهندس «معجما» قرأته.
توفي بدمشق في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة، رحمه الله تعالى.
وفيها الأديب الأمشاطي أحمد بن عثمان [3] قيّم الشّام في نظم الزّجل.
كان فردا في وقته، وكان كاتبا في دار البطيخ.
ومن نظمه:
وفتّاك اللّواحظ بعد هجر ... وفى كرما وأنعم بالمزار
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (136- 137) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (141) و «الجواهر المضية» (1/ 374- 375) .
[3] انظر «البداية والنهاية» (14/ 120) .(8/119)
وظلّ نهاره يرمي بقلبي ... سهاما من جفون كالشّفار
وعند اللّيل قلت لمقلتيه ... وحكم النّوم في الأجفان سار
تبارك من توفّاكم بليل ... ويعلم ما جرحتم بالنّهار
وفيها كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدّين بيبرس المنصوري الخطائي الدّويدار [1] صاحب «التاريخ الكبير» ورأس الميسرة، ونائب مصر قبل أرغون.
توفي في رمضان بمصر عن ثمانين سنة.
قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» : هو صاحب «التاريخ المشهور» في خمسة وعشرين مجلدا.
وقال الذهبي: كان عاقلا، وافر الهيبة، كبير المنزلة.
وقال غيره: كان كثير الأدب، حنفي المذهب، عاقلا، قد أجيز بالإفتاء والتدريس، وله برّ [2] ومعروف، كثير الصّدقة سرّا، ويلازم الصّلاة في الجماعة، وغالب نهاره في سماع الحديث والبحث في العلوم، وليله في القرآن والتهجد، مع طلاقة الوجه ودوام البشر، رحمه الله.
وفيها الفقيه المعمّر شهاب الدّين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصّقلي ثم الدمشقي الحنفي [3] .
إمام مسجد الرأس، وهو آخر من حدّث عن ابن الصّلاح.
توفي في صفر وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر.
وفيها جمال الدّين أحمد بن علي اليمني المعروف بالعامري [4] ، وهو ابن أخت إسماعيل الحضرمي، شارح «المهذّب» .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (141- 142) و «الدّرر الكامنة» (1/ 509) و «النجوم الزاهرة» (9/ 263) .
[2] في «ط» : «وله يد» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (139) و «معجم الشيوخ» (1/ 97- 98) .
[4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 576) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 324- 325) .(8/120)
قال الإسنوي: كان شافعيا، عالما، جليلا، شرح «الوسيط» في نحو ثمانية أجزاء، وشرح أيضا «التنبيه» شرحا لطيفا، وتولى قضاء المهجم [1] ومات بها.
وفيها صدر الدّين سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خطيب، القاضي العالم الزّاهد الورع أبو الرّبيع الهاشمي الجعفري، المعروف بخطيب داريّا [2] .
ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وسمع الحديث، وتفقّه على الشيخين تاج الدّين الفزاري، ومحيي الدّين النّووي. وولي خطابة داريّا، وأعاد بالناصرية، وناب في الحكم مدة سنين، واستسقى الناس به سنة تسع عشرة فسقوا، وكان يذكر نسبه إلى جعفر الطّيّار بينهما ثلاثة عشر أبا، ثم إنه ولي خطابة جامع التّوبة، وترك نيابة الحكم.
قال الذهبي: كان يتزهّد في ثوبه وعمامته الصغيرة، ومأكله، وفيه تواضع وترك للرئاسة والتصنّع، وفراغ عن الرّعونات، وسماحة ومروءة، ورفق. وكان لا يدخل حمّاما [3] . حدّث عن ابن أبي اليسر، والمقداد، وكان عارفا بالفقه، وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنه [4] ، وإلى فقير، وربما نزل في طريق داريّا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة، رحمه الله.
توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصّغير عند شيخه تاج الدّين.
وفيها الشيخ المعمّر عبد الرحمن بن عبد الولي الصّحراوي سبط اليلداني [5] .
سمع من جدّه كثيرا، ومن الرّشيد العراقي، وابن خطيب القرافة، وشيخ
__________
[1] المهجم: من أهم مدن الجزء الشمالي من تهامة بوادي سردد. انظر «صفة جزيرة العرب» ص (97) والتعليق عليه، و «طبقات فقهاء اليمن» ص (324) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (142) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 40- 41) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 343- 344) .
[3] يعني كان لا يغتسل بحمّام من حمّامات السوق.
[4] في «ذيول العبر» : «إلى شاهد يؤدي عنده» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (139- 140) .(8/121)
الشيوخ الحموي وأجاز له الضّياء، والسّخاوي، وسمع منه نائب السّلطنة «الآثار» للطحاوي، ووصله ورتّب له مرتّبا، ثم أضرّ وعجز.
وتوفي بدمشق في ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة.
وفيها أول الملوك العثمانية خلّد الله دولتهم، وهو السلطان عثمان بن طغربك بن سليمان شاه بن عثمان [1] .
تولى صاحب الترجمة سنة تسع وتسعين وستمائة، فأقام ستا وعشرين سنة.
نقل القطبي أن أصله من التّركمان الرّحالة النزّالة من طائفة التتار، ويتصل نسبه إلى يافث بن نوح عليه السلام. انتهى.
ونقل صاحب «درر الأثمان [2] في أصل منبع آل عثمان» أن عثمان جدّهم الأعلى من عرب الحجاز، وأنه هاجر من الغلاء لبلاد قرمان واتصل بأتباع سلطانها في سنة خمسين وستمائة، وتزوّج من قونيا، فولد له سليمان فاشتهر أمره بعد عثمان، ثم تسلطن، وهو الذي فتح بورصة في حدود ثلاثين وسبعمائة، ثم تسلطن بعد سليمان ولده عثمان حواي الأصغر، ويقال هو الذي افتتح برسبا [3] ، وأنه أول ملوك بني عثمان، فإنه استقلّ بالملك. وأما أبواه فكانا تابعين للملوك السّلجوقية.
ونقل بعض المؤرخين أن أصل ملوك بني عثمان من المدينة المنورة، فالله أعلم.
ولما ظهر جنكزخان أخرب بلاد بلخ، فخرج سليمان شاه بخمسين ألف بيت إلى أرض الرّوم، فغرق في الفرات، فدخل ولده طغربك الرّوم فأكرمه السلطان علاء الدّين السّلجوقي سلطان الرّوم، فلما مات طغربك خلّف أولادا أمجادا، أشدّهم بأسا وأعلاهم همّة عثمان صاحب الترجمة، فنشأ مولعا بالقتال والجهاد في الكفّار، فلما أعجب السلطان علاء الدّين السّلجوقي ذلك منه، أرسل إليه الرّاية
__________
[1] انظر «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (39- 41) و «التوفيقات الإلهامية» ص (363) وقد جزم فيه بوفاته سنة (726) هـ.
[2] في «آ» : «درر الإيمان» .
[3] في «آ» : «برسا» .(8/122)
السّلطانية والطّبل والزّمر، فلما ضربت النّوبة بين يديه، قام على قدميه تعظيما لذلك، فصار قانونا مستمرا لآل عثمان إلى الآن، يقومون عند ضرب النّوبة، ثم بعد ذلك تمكّن من السّلطنة، واستقلّ بالأمر، وافتتح من الكفّار عدة قلاع وحصون، رحمه الله تعالى. قاله الشيخ مرعي في «نزهة الناظرين» [1] .
وفيها الإمام المحدّث نور الدّين علي بن جابر الهاشمي اليمني [2] الشافعي، شيخ الحديث.
حدّث عن زكي البيلقاني، وعرض عليه «الوجيز» للغزّالي، وله مشاركات وشهرة.
وتوفي بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة.
وفيها علاء الدّين علي بن النّصير محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي [3] .
روى عن الكمال الضّرير «الشّاطبية» وعن ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وطلب، وكتب، وتفقّه، وشارك في العلم، وتميّز في كتابة الحكم والشروط.
وتوفي بدمشق عن ثمانين سنة.
وفيها شيخ القرّاء تقي الدّين محمد بن أحمد بن عبد الخالق [4] ، العلّامة المعروف بابن الصّايغ، الشافعي، شيخ القرّاء بالدّيار المصرية. قرأ «الشاطبية» على الكمال الضّرير، والكمال على مصنّفه ابن فارس، واشتهر، وأخذ عنه خلق، ورحل إليه، وكان ذا دين، وخير، وفضيلة، ومشاركة قوية.
__________
[1] واسمه الكامل «نزهة الناظرين في تاريخ من تولّى مصر بعد فتح الصحابة من الأمراء والسلاطين إلى آل عثمان» وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما أعلم ولا أعلم مكان وجوده. ومؤلفه هو العلّامة الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي المتوفى سنة (1033) هـ. انظر «كشف الظنون» (2/ 1948) و «الأعلام» (7/ 203) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (140) و «غربال الزمان» ص (593) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (138- 139) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (139) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 147- 148) و «غاية النهاية» (2/ 65- 67) و «حسن المحاضرة» (1/ 508) .(8/123)
قال الإسنوي: رحل إليه الطلبة من أقطار الأرض لأخذ علم القراءة عليه لانفراده بها رواية ودراية، وأعاد بالطّيبرسية، والشّريفية، وغيرهما.
وتوفي بمصر في صفر عن أربع وتسعين سنة.
وفيها العلّامة الورع نور الدّين محمد بن إبراهيم بن الأميوطي [1] الشافعي [2] .
حكم بالكرك نحوا من ثلاثين سنة، وتفقه به الطلبة، وحدّث عن قطب الدّين القسطلّاني وغيره، وهو والد شرف الدّين قاضي بلبيس، وتوفي بالكرك.
وفيها شهاب الدّين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقي أبو الثناء [3] ، كاتب السرّ الحنبلي.
قال الذهبي: علّامة الأدب، وعلم البلاغيين، وكاتب السّرّ بدمشق. حدّث عن ابن البرهان، ويحيى بن الحنبلي، وابن مالك، وخدم بالإنشاء نحوا من خمسين سنة، وكان يكتب التقاليد على البدية.
وقال ابن رجب في «طبقاته» : تعلّم الخطّ المنسوب، ونسخ بالأجرة بخطّه الأنيق كثيرا، واشتغل بالفقه على الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدّين بن مالك، وتأدّب بالمجد بن الظهير وغيره، وفتح له في النّظم والنثر، ثم ترقت حاله، واحتيج إليه، وطلب إلى الدّيار المصرية، واشتهر اسمه، وبعد صيته، وصار المشار إليه في هذا الشأن في الدّيار المصرية والشامية، وكان يكتب التقاليد [4] الكبار بلا مسودة، وله تصانيف في الإنشاء وغيره، ودوّن الفضلاء نظمه ونثره، ويقال: لم يكن بعد القاضي الفاضل مثله، وله من الخصائص ما ليس للفاضل من كثرة القصائد المطولة الحسنة الأنيقة، وبقي في
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الأسيوطي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (141) و «الوافي بالوفيات» (2/ 144) و «مرآة الجنان» (4/ 274) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (140) و «معجم الشيوخ» (2/ 329- 330) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 378) و «فوات الوفيات» (4/ 82- 96) و «النجوم الزاهرة» (9/ 264) وفي بعض هذه المصادر «محمود بن سلمان» .
[4] تحرفت في «ط» إلى «القاليد» .(8/124)
ديوان الإنشاء نحوا من خمسين سنة بدمشق ومصر، وولي كتابة السرّ بدمشق نحوا من ثماني سنين قبل موته، وحدّث، وروى عنه الذهبي في «معجمه» وقال: كان ديّنا، خيّرا، متعبدا، مؤثرا للانقطاع والسّكون، حسن المجاورة، كثير الفضائل.
وتوفي بدمشق ليلة السبت ثاني عشري شعبان ودفن بتربته التي أنشأها بالقرب من اليعمورية، وولي بعده ابنه شمس الدّين.
ومن شعره- أي الشهاب محمود-:
يا من أضاف إلى الجمال جميلا ... لا كنت إن طاوعت فيك عذولا
عوّضتني من نار هجرك جنّة ... فسكنت ظلا من رضاك ظليلا
ومننت حين منحتني سقما به ... أشبهت خصرك رقّة ونحولا
وسلكت بي في الحبّ أحسن مسلك ... لم يبق لي نحو السلوّ سبيلا
ولربّ ليل مثل وجهك بدره ... ودجاه مثل مديد شعرك طولا
أرسلت لي فيه الخيال فكان لي ... دون الأنيس مؤانسا وخليلا
إن لم أجد للوجد فيك بمهجتي ... لا نال قلبي من وصالك سولا
وله في حرّاث:
عشقت حرّاثا مليحا غدا ... في يده المسّاس ما أجمله
كأنّه الزّهرة قدّامه ال ... ثور يراعي مطلع السّنبله
وفيها سراج الدّين يونس بن عبد المجيد بن علي الأرمنتي [1]- نسبة إلى أرمنت من صعيد مصر الأعلى-.
ولد بها في المحرم سنة أربع وأربعين وستمائة، واشتغل بقوص على الشيخ مجد الدّين القشيري، وأجازه بالفتوى، ثم ورد مصر، فاشتغل على علمائها، وسمع من الرّشيد العطّار وغيره، وصار في الفقه من كبار الأئمة، مع فضله في النحو والأصول، وغير ذلك وتصدّر لإفادة الطلبة، وصنّف كتابا سمّاه «المسائل
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 164- 166) و «النجوم الزاهرة» (9/ 267) و «حسن المحاضرة» (1/ 424) .(8/125)
المهمة في اختلاف الأئمة» وكتاب «الجمع والفرق» وولاه ابن بنت الأعزّ قضاء إخميم [1] ثم صار يتنقل في أقاليم الدّيار المصرية، مشكور السيرة، محمود الحال، إلى أن تولى القوصية، فأقام بها سنين قليلة فلسعه ثعبان في المشهد بظاهر قوص، فمات به في ربيع الآخر.
وذكر قبل موته بقليل أنه لم يبق أحد في الدّيار المصرية أقدم منه في الفتوى وكان أديبا شاعرا، حسن المحاضرة، وجد بعضهم مكتوبا بخطّه على ظهر كتاب له:
الحال منّي يا فتى ... يغني عن الخبر المفيد
فبغير سكّين ذبح ... ت فؤاد حرّ في الصّعيد
فكان كذلك، لم يخرج من قوص كما سبق.
وله البيتان المعروفان في الكفاءة:
شرط الكفاءة حرّرت في ستة ... ينبيك عنها بيت شعر مفرد
نسب ودين صنعة حريّة ... فقد العيوب وفي اليسار تردّد
قاله الإسنوي.
__________
[1] إخميم: بلد في صعيد مصر. انظر «معجم البلدان» (1/ 123- 124) .(8/126)
سنة ست وعشرين وسبعمائة
فيها في شعبانها أخذ ابن تيميّة وحبس بقلعة دمشق في قاعة ومعه أخوه عبد الرحمن [1] يؤنسه، وعزّروا [2] جماعة من أصحابه، منهم ابن القيّم.
وفيها توفي زين الدّين أبو بكر بن يوسف المزّي بن الحريري الشافعي [3] .
كان عالما، متواضعا، مقرئا بالسبع. أخذ عن الزّواوي، وحفظ الفقه، والنحو، وحدّث عن خطيب مردا، والبكري، وابن عبد الدائم. وله جهات.
وكان مقرئا، مدرّسا.
توفي بدمشق في ربيع الأول عن ثمانين سنة.
وفيها الخطيب المسند تقيّ الدّين أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسي الحنبلي [4] .
__________
[1] سترد ترجمته في وفيات سنة (747) ص (262) .
[2] جاء في «لسان العرب» (عزر) : التّعزير: ضرب دون الحدّ، لمنع الجاني من المعاودة وردعه من المعصية.
قلت: ولكن أين جماعة ابن تيميّة من المعصية! ما عزّروا إلّا لأنهم اتبعوا الحقّ الذي كان يدعو إليه شيخهم بالحجّة الدّامغة في ذلك الوقت.
[3] انظر «ذيول العبد» ص (146) و «الدّرر الكامنة» (1/ 468) و «غاية النهاية» (1/ 184- 185) وفيه: «أبو بكر بن سيف» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (146) و «الدّرر الكامنة» (1/ 92) .(8/127)
سمع من خطيب مردا «السيرة» وسمع من اليلداني والبكري، ومحمد بن عبد الهادي حضورا. ومن إبراهيم بن خليل. وأجاز له السبط وجماعة.
وكان يخطب جيدا بالجامع المظفّري.
وتوفي في جمادى الآخرة عن بضع وسبعين سنة.
وفيها المعمّرة أمة الرّحمن ستّ الفقهاء بنت الشيخ تقي الدّين إبراهيم بن علي بن الواسطي [1] الصّالحية المحدّثة.
سمعت «جزء ابن عرفة» من عبد الحقّ حضورا. وسمعت من إبراهيم بن خليل وغيره، وأجاز لها جعفر الهمذاني، وكريمة، وأحمد بن المعزّ، وابن القسطي، وعدد كثير.
وكانت مشاركة، صالحة مباركة. روت الكثير.
وهي والدة فاطمة بنت الدّباهي.
توفيت في ربيع الآخر عن ثلاث وتسعين سنة.
وفيها الفاضل الأديب الحسن بن أحمد بن زفر الإربلي [2] .
سافر، وتغرّب، ودخل إلى بلاد العجم، واشتغل بالطبّ، واستوطن دمشق، وأقام بها صوفيا بدويرة حمد [3] إلى أن مات.
وكان يعرف النّحو، والأدب، والتاريخ.
ومن شعره:
وإذا المسافر آب مثلي مفلسا ... صفر اليدين من الذي رجّاه
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (146) و «مرآة الجنان» (4/ 276) و «أعلام النساء» (2/ 161- 162) .
[2] انظر «البداية والنهاية» (14/ 125) و «الأعلام» (2/ 181) .
[3] دويرة حمد: دار كانت بباب البريد بدمشق تعرف بدويرة حمد، أوقفها أبو الفرج حمد بن عبد الله ابن علي المقرئ، المتوفى سنة (401) هـ. انظر «مختصر تاريخ دمشق» (7/ 252- 253) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 149) .(8/128)
وخلا عن الشيء الذي يهديه لل ... إخوان عند لقائهم إيّاه
لم يفرحوا بقدومه وتثقّلوا ... بوروده وتكرّهوا لقياه
وإذا أتاهم قادما بهديّة ... كان السّرور بقدر ما أهداه
وفيها الزّاهد الكبير الشيخ حمّاد التّاجر بن القطّان [1] .
كان يقرئ القرآن، ويحكي عجائب عن الفقراء. وفيه زهد، وتعفّف، ويحضر السّماع، ويصيح. وله وقع في القلوب.
توفي بالعقيبة عن ست وتسعين سنة.
وفيها الشيخ علاء الدّين علي بن محمد السّكاكري الشاهد [2] .
كان رأسا في كتابة الشّروط، وفيه شهامة وحطّ على الكبار، ولكنه متحرّز في الشهادة. ساء ذهنه بأخرة، وأجاز له عبد العزيز بن الزّبيدي، وهبة الله ابن الواعظ، وغيرهما.
وسمع من ابن عبد الدائم وجماعة.
وتوفي في المحرّم عن ثمانين سنة.
وفيها خطيب المدينة وقاضيها سراج الدّين عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصريّ الشافعي [3] .
حدّث عن الرّشيد، وأجازه الشّرف المرسي، والمنذري. وتفقّه بابن عبد السلام قليلا، ثم بالسّديد التّزمنتي، والنّصير بن الطبّاخ، وخطب بالمدينة أربعين سنة، ثم سافر إلى مصر ليتداوى، فأدركه الموت بالسّويس عن تسعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (147- 148) و «مرآة الجنان» (4/ 276) و «غربال الزمان» ص (594) و «البداية والنهاية» (14/ 125) و «الدّرر الكامنة» (2/ 74) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (144) و «الدّرر الكامنة» (3/ 113) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (145) و «مرآة الجنان» (4/ 275) و «الدّرر الكامنة» (3/ 149) و «التحفة اللطيفة» (4/ 124) .(8/129)
وفيها العالم المسند شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي بن الهيجاء بن الزّرّاد الصّالحي [1] .
روى شيئا كثيرا، وتفرّد.
قال الذهبي: وخرجت له «مشيخة» .
روى عن البلخي، ومحمد ابن عبد الهادي، واليلداني، وخطيب مردا، والبكري.
وكان يروي «المسند» و «السيرة» و «مسند أبي عوانة» و «الأنواع والتقاسيم» و «مسند أبي يعلى» وأشياء. وافتقر واحتاج، وتغيّر ذهنه قبل موته، ولم يختلط.
وتوفي بقاسيون عن ثمانين سنة.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن مسلّم بن مالك بن مزروع بن جعفر الزّيني الصّالحي [2] ، الفقيه الحنبلي، قاضي قضاة المدينة المنورة.
ولد سنة اثنتين وستين وستمائة، وتوفي أبوه سنة ثمان وستين، وكان من الصّالحين، فنشأ يتيما، فقيرا. وكان قد حضر على ابن عبد الدائم، وعمر الكرماني. وسمع من ابن البخاري وطبقته. وأكثر عن ابن الكمال، وعني بالحديث، وتفقّه، وأفتى، وبرع في العربية. وتصدّى للاشتغال والإفادة، واشتهر اسمه، مع الدّيانة، والورع، والزّهد، والاقتناع باليسير. ثم بعد موت القاضي تقي الدّين سليمان ورد تقليده للقضاء في صفر سنة ست عشرة موضعه فتوقف في القبول، ثم استخار الله تعالى وقبل بعد أن شرط أن لا يلبس خلعة حرير، ولا يركب في المواكب.
قال الذهبي في «معجمه» : برع في المذهب والعربية، وأقرأ [3] الناس مدّة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (148) و «المعجم المختص» ص (223- 224) . و «الوافي بالوفيات» (2/ 147) و «الدّرر الكامنة» (3/ 376) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (149) و «معجم الشيوخ» (2/ 283- 284) و «المعجم المختص» ص (264- 265) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 380) و «الدّرر الكامنة» (4/ 258) .
[3] تحرّفت في «المعجم المختص» إلى: «وقرأ» فلتصحح.(8/130)
على ورع، وعفاف، ومحاسن جمة. ثم ولي القضاء بعد تمنّع [1] فشكر وحمد، ولم يغيّر زيّه. واجتهد في الخير، وفي عمارة أوقاف الحنابلة. وكان من قضاة العدل والحقّ، لا يخاف في الله لومة لائم.
وهو الذي حكم على ابن تيميّة بمنعه من الفتيا بمسائل الطّلاق وغيرها مما يخالف المذهب.
وقد حدّث، وسمع منه جماعة، وخرّج له المحدّثون تخاريج عدّة، وحجّ ثلاث مرّات، ثم حجّ رابعة فتمرض في طريقه، فورد المدينة المنورة يوم الاثنين ثالث عشري ذي القعدة وهو ضعيف، فصلّى في المسجد، وسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان بالأشواق إلى ذلك في مرضه، ثم مات عشية ذلك اليوم، وصلّي عليه بالرّوضة الشريفة، ودفن بالبقيع شرقي قبر عقيل [2] ، رضي الله عنه.
وفيها كمال الدّين محمد بن علي بن عبد القادر التّميمي الهمذاني ثم المصريّ الشافعي [3] .
حدّث عن النّجيب وجماعة، وقرأ عليه ولده الإمام نور الدّين «صحيح البخاري» وله عليه حواش بخطّه المنسوب.
وكان إماما قاضيا.
توفي بمصر عن إحدى وسبعين سنة.
وفيها الصّدر الكبير قطب الدّين موسى ابن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين عبد الله اليونيني الحنبلي المؤرخ [4] .
ولد بدمشق سنة أربعين وستمائة، وسمع من أبيه، ومن ابن عبد الدائم، وعبد العزيز شيخ شيوخ حماة.
__________
[1] تحرّفت في «المعجم المختص» إلى «بعد منع» فلتصحح.
[2] يعني عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (145) و «الدرر الكامنة» (4/ 68) و «حسن المحاضرة» (1/ 393) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (145- 146) و «معجم الشيوخ» (2/ 348) و «البداية والنهاية» (14/ 126) و «الدّرر الكامنة» (4/ 382) .(8/131)
وبمصر من الرّشيد العطّار. وإسماعيل بن صارم، وجماعة.
وأجاز له ابن رواج، والبشيري.
قال الذهبي: كان عالما، فاضلا، مليح المحاضرة، كريم النّفس، معظّما، جليلا، حدّثنا بدمشق، وبعلبك، وجمع «تاريخا» حسنا ذيّل به على «مرآة الزمان» .
واختصر «المرآة» . قال: وانتفعت بتاريخه، ونقلت منه فوائد جمّة، وقد حسنت في آخر عمره حالته، وأكثر من العزلة والعبادة، وكان مقتصدا في لباسه وزيّه، صدوقا في نفسه، مليح الشّيبة، كثير الهيبة، وافر الحرمة.
توفي ببعلبك عن ست وثمانين سنة، ودفن عند أخيه بباب سطحا.
وفيها جمال الدّين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السّلام البغدادي [1] المقرئ الفقيه الحنبلي، الأديب النّحوي المتفنن.
قرأ بالروايات، وسمع الحديث من محمد بن حلاوة، وعلي بن حصين، وعبد الرزّاق بن الفوطي وغيرهم.
وقرأ بنفسه على ابن الطبّال، وأخذ عن ابن القوّاس شارح «ألفية ابن معطي» الأدب، والعربية، والمنطق، وغير ذلك. وتفقه بالشيخ تقي الدّين الزّريرانيّ [2] .
وكان معيدا عنده بالمستنصرية.
قال الطّوفي [3] : استفدت منه كثيرا، وكان نحويّ العراق ومقرئه، عالما بالأدب، له حظّ من الفقه، والأصول، والفراض، والمنطق.
وقال ابن رجب: نالته في آخر عمره محنة، واعتقل بسبب موافقته الشيخ
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (148) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 379) و «غاية النهاية» (2/ 397) و «الدّرر الكامنة» (4/ 464) و «المقصد الأرشد» (3/ 140) بتحقيق الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العثيمين، طبع مكتبة الرّشد في الرياض.
[2] تحرفت في «آ» إلى «الزبداني» وفي «ط» إلى «الزيزراني» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المقصد الأرشد» .
[3] هو سليمان بن عبد القوي الطوفي الصّرصري، تقدمت ترجمته في وفيات سنة (716) من هذا المجلد ص (71) .(8/132)
تقي الدّين بن تيميّة في مسألة الزّيارة وكتابته عليها مع جماعة من علماء بغداد.
وتخرّج به جماعة.
وتوفي في حادي عشر شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها كبير السّادة الأشراف ناصر الدّين يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي [1] ، عن إحدى وثمانين سنة. وكان رئيسا، وسيما.
حدّث عن خطيب مردا، وذكر للنّقابة.
وفيها هلك قتلا بالسّيف ناصر بن أبي الفضل [2] الهيتي الصّالحي [2] [3] ضربت عنقه لثبوت زندقته على قاضي القضاة شرف الدّين بن مسلم الحنبلي، ونقل الثبوت إلى قاضي القضاة شرف الدّين المالكي، فأنفذه وحكم بإراقة دمه، وعدم قبول توبته وإن أسلم مع العلم بالخلاف، وطلع معه عالم عظيم فصلّى ركعتين، وضربت عنقه. وكان في ابتداء أمره من أحسن الناس صورة، حسن الصّوت، وعاشر الكبار، وانتفع بهم. وكان كثير المزح والمجون. ولما كبر اجتمع بمحلولي العقيدة، مثل ابن المعمار، والباجر بقي، والنّجم بن خلّكان، وغيرهم.
فانحلّت عقيدته، وتزندق من غير علم، فشهد عليه. فهرب إلى بلاد الرّوم، ثم قدم حلب، واجتمع بالشيخ كمال الدّين ابن الزّملكاني، فأكرمه، واستتابه [4] ثم ظهر منه زندقة عظيمة، فسيّره إلى دمشق فضربت عنقه، وهو من أبناء الستين، وفرح الناس بذلك.
ثم ضربت عنق توما الرّاهب [5] الذي أسلم من ثلاث سنين وارتدّ سرّا، ثم أفشى ذلك عند المالكي، فقتل [6] وأحرق ولم يتكهل، وهو بعلبكي.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (144) و «الدّرر الكامنة» (4/ 486) .
[2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (143) و «البداية والنهاية» (14/ 122) و «الدّرر الكامنة» (4/ 386) .
[4] تصحفت في «آ» إلى «فاستنابه» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (143) .
[6] لفظة: «فقتل» سقطت من «ذيول العبر» مصدر المؤلف فلتستدرك.(8/133)
وفيها هلك المعمّر فضل الله بن أبي الفخر بن الصقاعي [1] النّصراني الكاتب ببستانه بأرزة [2] ودفن في مقابر النّصارى، وكان خبيرا في صناعته، باشر ديوان المرتجع، ثم نقل إلى ديوان البريم، ثم انقطع عن ذلك كلّه. وكانت عنده فضيلة في دينه، جمع الأناجيل الأربعة، إنجيل متّى، ومرقّص، ولوقا، ويوحنا.
وجعلها إنجيلا واحدا في كتاب بألسنة مختلفة، عبراني، وسرياني، وقبطي، ورومي. وذكر في كل فصل ما قاله الآخر، وذكر اختلاف الحواريين، وبيّن عباراتهم.
وكان يقول: إنه يحفظ التوراة، والإنجيل، والمزامير. وكان المكين بن العميد النّصراني [3] قد عمل «تاريخا» من أول العالم إلى سنة ثمان وخمسين وستمائة، فكتبه ابن الصقاعي بخطّه، وذيّل عليه إلى سنة عشرين وسبعمائة، واختصر «تاريخ ابن خلّكان» وذيّل عليه [4] وعمل «وفيات المطربين» وغير ذلك، وقارب مائة سنة.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 233) و «الأعلام» (5/ 153) وانظر تعليق العلّامة الزركلي عليه فهو مفيد نافع.
[2] قال العلّامة محمد كرد علي في كتابه «غوطة دمشق» ص (162) : أرزة: كانت مكان حي الشهداء في طريق الصالحية. متصلة بسويقة صاروجا: تمتد إلى عقبة جوزة الحدباء. رأى خرائبها ابن طولون، وكانت عامرة بعض الشيء في القرن العاشر- يعني الهجري-.
[3] هو جرجس بن العميد بن إلياس، المعروف بالمكين، أو «الشيخ» المكين، ويقال له: ابن العميد، مؤرّخ من كتّاب النصارى السريان، أصله من تكريت، ومولده بالقاهرة، ونشأ بدمشق. له كتاب «المجموع المبارك جزآن، الأول في التاريخ القديم إلى ظهور الإسلام مخطوط، والثاني تاريخ المسلمين من من بدء الإسلام إلى عصر الملك الظاهر بيبرس، وقد ترجم إلى اللاتينية والفرنسية.
مات سنة (672) هـ. عن «الأعلام» للزركلي (2/ 116) .
[4] قلت: وهو المعروف ب «تالي وفيات الأعيان» وقد طبعه المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق منذ سنوات.(8/134)
سنة سبع وعشرين وسبعمائة
فيها توفي الشيخ نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن مكّي بن ياسين القرشي المخزومي القمولي- بالفتح والضم نسبة إلى قمولة بلد بصعيد مصر- المصري الشافعي [1] .
قال الإسنوي: تسربل بسربال الورع والتّقى، وتعلّق بأسباب الرّقى فارتقى، وخاض [2] مع الأولياء، فركب في فلكهم ولزمهم [3] حتّى انتظم في سلكهم.
كان إماما في الفقه، عارفا بالأصول والعربية، صالحا، سليم الصّدر، كثير الذّكر والتلاوة، متواضعا، متودّدا، كريما، كبير المروءة، شرح «الوسيط» شرحا مطوّلا أقرب تناولا من شرح ابن الرّفعة وإن كان كثير الاستمداد منه، وأكثر فروعا منه أيضا، بل لا أعلم كتابا في المذهب أكثر مسائل منه، سمّاه «البحر المحيط في شرح الوسيط» ثم لخّص أحكامه خاصة، ك «تلخيص الروضة» من الرّافعي، سمّاه «جواهر البحر» وشرح «مقدمة ابن الحاجب» في النحو شرحا مطوّلا. وشرح «الأسماء الحسنى» في مجلد. وكمّل «تفسير ابن الخطيب» وتولى تدريس الفخرية بالقاهرة ونيابة الحكم.
توفي في رجب ودفن بالقرافة.
__________
[1] انظر «الطالع السعيد» ص (125- 127) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 332- 333) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 332- 334) .
[2] كذا في «آ» و «طبقات الشافعية» للإسنوي مصدر المؤلف: «وخاض» وفي «ط» : «وغاص» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وأكرمهم» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.(8/135)
وفيها الرئيس العابد الأمين ضياء الدّين إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي [1] الكاتب.
سمع من خطيب القرافة، وشيخ الشيوخ، وكان ذا حظّ من صيام وقيام وإطعام وإيثار تام، بصيرا بالحساب، شارف الجامع مدّة والخزانة، وتوفي بدمشق في صفر عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها الملك أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد الهنتاني المغربي، ويعرف باللّحياني [2] وقد وزر أبوه لابن عمّه المستنصر بتونس مدة.
اشتغل زكريا في الفقه، والنحو، فبرع في ذلك، وتملّك تونس [3] ، وحجّ سنة تسع وسبعمائة، ورجع. فبايعوه في سنة إحدى عشرة ولقّبوه بالقائم بأمر الله، فاستمر سبع سنين، ثم تحوّل إلى طرابلس المغرب، وأخذت منه تونس، فتوجّه إلى الإسكندرية في سنة إحدى وعشرين، فسكنها. وكان قد أسقط ذكر المهدي المعصوم- أعني ابن تومرت- من الخطب.
وتوفي بالثّغر عن بضع وثمانين سنة.
وفيها المفتي الزّاهد القدوة شرف الدّين عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السّلام بن [4] عبد الله بن [4] أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيميّة الحرّاني ثم الدمشقي [5] الحنبلي الفقيه الإمام المتقن أبو محمد أخو الشيخ تقي الدّين.
ولد في حادي عشر محرم سنة ست وستين وستمائة بحرّان، وقدم مع أهله إلى دمشق رضيعا، فحضر بها على ابن أبي اليسر وغيره، ثم سمع ابن علّان، وابن
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (153) و «البداية والنهاية» (14/ 130) و «الدّرر الكامنة» (1/ 374) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (152) و «الدّرر الكامنة» (2/ 113) و «النجوم الزاهرة» (9/ 268) .
[3] تصحيف في «ط» إلى «يونس» .
[4] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (103) و «معجم الشيوخ» (1/ 323- 324: و «المعجم المختص» ص (121- 122) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 382- 384) و «الدّرر الكامنة» (2/ 266) و «المقصد الأرشد» (2/ 41- 42) .(8/136)
الصّيرفي. وخلقا. وسمع «المسند» [1] و «الصحيحين» وكتب «السنن» وتفقه في المذهب، حتّى أفتى، وبرع أيضا في الفرائض، والحساب، وعلم الهيئة، وفي الأصلين، والعربية. وله مشاركة قويّة في الحديث. ودرّس بالحنبلية مدة. وكان صاحب صدق وإخلاص، قانعا باليسير، شريف النّفس، شجاعا، مقداما، مجاهدا، زاهدا، ورعا، يخرج من بيته ليلا ويأوي إليه نهارا، ولا يجلس في مكان معيّن بحيث يقصد فيه، لكنه يأوي المساجد المهجورة خارج البلد، فيختلي فيها [2] للصّلاة، والذّكر.
وكان كثير العبادة، والتألّه، والمراقبة، والخوف من الله تعالى، ذا كرامات وكشوف. كثير الصّدقات والإيثار بالذهب والفضة في حضره وسفره، مع فقره وقلّة ذات يده. وكان رفيقه في المحمل في الحج يفتش رحله فلا يجد فيه شيئا ثم يراه يتصدق بذهب كثير جدا، وهذا أمر مشهور معروف عنه.
وحجّ مرات متعددة. وكان له يد طولى في معرفة تراجم السّلف ووفياتهم في التواريخ المتقدمة والمتأخرة. وجلس مع أخيه مدّة في الدّيار المصرية، وقد استدعي غير مرّة وحده للمناظرة، فناظر وأفحم الخصوم، وسئل عنه الشيخ كمال الدّين بن الزّملكاني، فقال: هو بارع في فنون عديدة، من الفقه، والنّحو، والأصول، ملازم لأنواع الخير وتعليم العلم. حسن العبارة، قويّ في دينه، مليح البحث، صحيح الذّهن، قوي الفهم، رحمه الله. قاله ابن رجب.
وذكره الذهبي في «المعجم» وغيره، وأثنى عليه كثيرا.
توفي- رحمه الله تعالى- يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى بدمشق، وصلّي عليه الظهر بالجامع [3] وحمل إلى القلعة، فصلّى عليه أخواه تقي الدّين، وعبد الرحمن، وغيرهما، صلّى عليه أخواه في السّجن لأن التكبير عليه كان يبلغهم، وكان وقتا مشهودا. ثم صلّي عليه مرة ثالثة ورابعة، وحمل على الرؤوس والأصابع، فدفن في مقابر الصّوفية.
__________
[1] يعني «مسند الإمام أحمد بن حنبل» .
[2] أقول: الصواب أن يقال: «فيخلو فيها» (ع) .
[3] «يعني بالجامع الأموي» .(8/137)
وفيها الشيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر [الهكّاري] الكردي الشافعي، ويعرف بابن خطيب الأشمونيّين [1] .
قال ابن شهبة: سمع من عبد الصّمد ابن عساكر بمكّة، وسمع بدمشق وغيرها من جماعة، وتفقه وتفنن، وفاق الأقران. وكان قد عيّن لقضاء دمشق بعد موت ابن صصرى، فلم يتفق. ودرّس، وأفتى، وصنّف على حديث الأعرابي الذي جامع في رمضان كتابا نفيسا، مشتملا على ألف فائدة وفائدة [2] . وولي قضاء قوص، وقضاء المحلّة. ثم قدم القاهرة فمات بها في رمضان. انتهى.
وقال السّبكي: له تصانيف كثيرة حسنة، وأدب وشعر.
وفيها المعمّر شمس الدّين محمد بن أحمد بن منعة بن مطرّف القنوي ثم الصّالحي [3] .
سمع من عبد الحق حضورا، ومن ابن قميرة، والمرسي، واليلداني. وأجاز له الضّياء الحافظ، وابن يعيش النّحوي، وروى جملة، وتفرّد.
وتوفي في المحرّم عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها النّور علي بن عمر بن أبي بكر الواني [4] الصوفي [5] .
سمع من ابن رواح، والسبط، والمرسي، وتفرّد بعوالي. وكان ديّنا، خيّرا، أضرّ ثم أبصر.
وتوفي بمصر في المحرّم عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها قاضي القضاة صدر الدّين علي بن الإمام صفي الدّين
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 82- 84) و «البداية والنهاية» (14/ 131) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 346- 347) و «الدّرر الكامنة» (2/ 368) . و «حسن المحاضرة» (1/ 424) ولفظة «الهكّاري» مستدركة من مصادر الترجمة.
[2] قلت: واسم كتابه المشار إليه «الكلام على حديث المجامع» كما في «الدّرر الكامنة» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (151- 152) و «الوافي بالوفيات» (2/ 149) و «الدّرر الكامنة» (3/ 369) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «الداني» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (152) و «الدّرر الكامنة» (3/ 90) .(8/138)
أبي القاسم بن محمد بن عثمان بن محمد البصراوي الحنفي [1] .
ولد في رجب سنة اثنتين وأربعين وستمائة بقلعة بصرى، وكان من أكابر علماء الحنفية. اشتغل على قاضي القضاة شمس الدّين بن عطاء، ودرّس في المقدّمية، والخاتونية البرّانية، والنّورية. وولي القضاء. وكان متحريّا في أحكامه، متّعه الله بسمعه، وبصره، وجميع حواسه، إلى أن توفي ببستانه بأرض سطرا [2] .
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن القاسم بن أبي العزّ بن الوّرّاق الموصلي [3] المقرئ، الفقيه الحنبلي، المحدّث النّحويّ، ويعرف بابن الخروف.
ولد في حدود الأربعين وستمائة بالموصل، وقرأ بها القراءات على عبد الله بن إبراهيم الجزريّ الزّاهد، وقصد الإمام أبا عبد الله شعلة ليقرأ عليه فوجده مريضا مرض الموت، ثم رحل ابن خروف إلى بغداد بعد الستين، وقرأ بها القراءات بكتب كثيرة في السّبع والعشر على الشيخ عبد الصّمد بن أبي الجيش، ولازمه مدّة طويلة. وقرأ القراءات أيضا على أبي الحسن بن الوجوهي، وسمع الحديث منهما، ومن ابن وضّاح.
وذكر الذهبي: أنه حفظ «الخرقي» [4] وعني بالحديث. وقرأ في التفسير على الكواشي المفسر بالموصل. وقرأ بها أيضا على الغزنويّ «معالم التنزيل» للبغوي.
وتصدّى للإقراء والإشغال ببلده مدّة. وقرأ عليه جماعة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (153- 154) و «قضاة دمشق» ص (195) و «الجواهر المضية» (2/ 586» و «الدّرر الكامنة» (3/ 96) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 621) .
[2] سطرا: من قرى دمشق: قال العلّامة محمد كرد علي في «غوطة دمشق» ص (172) : قال دهمان:
إنها كانت في الطريق المقابل لباب جامع القصب، ويعرف هذا الطريق بجادة عاصم، ويخترقه شارع بغداد، ثم يقابله بالجهة الشمالية جادة الخطيب، وكل ذلك من سطرا. وانظر «معجم البلدان» (3/ 220) .
[3] انظر «المعجم المختص» ص (247) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 726) و «الوافي بالوفيات» (4/ 229) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 381) و «المقصد الأرشد» (2/ 478) و «الدّرر الكامنة» (4/ 195) .
[4] يعني «مختصر الخرقي» وقد سبق التعريف به في المجلد الرابع ص (186) .(8/139)
وقدم الشام سنة سبع عشرة، فسمع منه الذّهبي، والبرزالي. وذكره في «معجمه» وأثنى عليه، وسمع منه أيضا أبو حيّان، وعبد الكريم الحلبي، وذكره في «معجمه» . ورجع إلى بلده الموصل فتوفي بها في ثامن جمادى الأولى، ودفن بمقبرة المعافى بن عمران، رضي الله عنه.
وفيها الشيخ كمال الدّين أبو المعالي محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري [1] الشافعي ابن خطيب زملكا، ويعرف بابن الزّملكاني.
ولد في شوال سنة سبع، وقيل: ست وستين وستمائة. وسمع من جماعة، وطلب الحديث بنفسه، وكتب الطّباق بخطّه. وقرأ الفقه على الشيخ تاج الدّين الفزاري، والأصول على بهاء الدّين بن الزّكي، والصّفي الهندي، والنّحو على بدر الدّين بن مالك. وجوّد الكتابة على نجم الدّين ابن البصيص، وكتب الإنشاء مدة، وولي نظر الخزانة مدة، ووكالة بيت المال، ونظر المارستان. ودرّس بالعادلية الصّغرى، وتربة أمّ الصّالح. ثم بالشامية البرّانية، والظاهرية الجوّانية، والعدراويّة، والرّواحية، والمسرورية، وجلس بالجامع للاشغال وله تسع عشرة سنة. أرّخ ذلك شيخه الشيخ تاج الدّين. ثم ولي قضاء حلب سنة أربع وعشرين بغير رضاه، ودرّس بها بالسّلطانية، والسّيفية، والعصرونية، والأسدية. ثم طلب إلى مصر ليشافهه السّلطان بقضاء الشام، فركب البريد، فمات قبل وصوله إلى مصر.
ومن مصنّفاته «الرّدّ على ابن تيميّة في مسألة الزّيارة» و «الرّدّ عليه في مسألة الطلاق» قال ابن كثير: في مجلد. قال: وعلّق قطعة كبيرة من «شرح المنهاج» للنووي. وله كتاب في «فضل الملك على البشر» .
قال الذهبي في «معجمه المختص» : شيخنا، عالم العصر، طلب بنفسه،
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (154) و «المعجم المختص» ص (246- 247) و «معجم الشيوخ» ص (244) و «النجوم الزاهرة» (9/ 270» و «الوافي بالوفيات» (4/ 214) و «فوات الوفيات» (4/ 7- 11) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 190- 207) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 13) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 383) و «الدّرر الكامنة» 4/ 74- 76) .(8/140)
وقرأ على الشيوخ، ونظر في الرّجال والعلل. وكان عذب القراءة، سريعا. وكان من بقايا المجتهدين، ومن أذكياء زمانه. ودرّس وأفتى، وصنّف وتخرّج به الأصحاب.
وقال ابن كثير: انتهت إليه رئاسة المذهب تدريسا وإفتاء ومناظرة. برع، وساد أقرانه، وحاز قصب السّبق عليهم بذهنه الوقّاد، وتحصيله الذي أسهره ومنعه الرّقاد. وعبارته التي هي أشهى من السّهاد، وخطّه الذي هو أنضر من أزاهير المهاد، إلى أن قال: أما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدا من الناس يدرّس أحسن منه، ولا أجلّ من عبارته، وحسن تقريره، وجودة احترازاته، وصحة ذهنه، وقوة قريحته، وحسن نظره.
توفي في رمضان ببلبيس، وحمل إلى القاهرة، ودفن جوار قبّة الشافعي، رضي الله عنه.
وفيها فخر الدّين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الصّقلي [1]- ضبطه بعضهم بفتح الصّاد والقاف، وبعضهم بفتح الصّاد وكسر القاف، نسبة إلى جزيرة صقلية في بحر الرّوم- الشافعي.
تفقه في القاهرة على الشيخ قطب الدّين السّنباطي، وناب في القضاء بظاهر القاهرة. وصنف «التنجيز في الفقه» وهو «التعجيز» إلّا أنه يزيد فيه التصحيح على طريقة النّووي، ويشير إلى تصحيح الرّافعي بالرّموز، وزاد فيه بعض قيود.
قال السبكي: كان فقيها، فاضلا، دينا، ورعا.
توفي بالقاهرة في ذي القعدة.
وفيها القاضي الأديب شمس الدّين محمد بن الشّهاب محمود [2] كاتب السّرّ. توفي في شوال عن ثمان وخمسين سنة.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 247) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 148) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 392- 393) و «الدّرر الكامنة» (4/ 236) و «حسن المحاضرة» (1/ 424) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (154- 155) و «النجوم الزاهرة» (9/ 268) و «الدّرر الكامنة» (4/ 251) .(8/141)
سنة ثمان وعشرين وسبعمائة
فيها نقض رخام الحائط القبلي من ناحية جامع دمشق الغربية، فوجد الحائط منحدبا فنقض كأنه تغير من زلزلة فأخرب إلى الأرض مساحة خمسين ذراعا، فبني، وأحدث فيه محراب للحنفية، وجدّد ترخيم حيطان الجامع سوى المقصورة، وأركان القبّة.
وفيها توفي الإمام القدوة عزّ الدّين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني العراقي [1] الشّافعي، من ولد موسى الكاظم.
سمع من والده، وحليمة بنت ولد جمال الإسلام، والباذرائي، وجماعة.
وأجاز له ابن يعيش، وابن رواج.
ونسخ بالأجرة، وتفرّد، مع التّقوى، والعلم، والورع.
توفي بالثّغر في المحرّم عن تسعين سنة.
وفيها شيخ الإسلام تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام ابن عبد الله بن تيميّة الحرّاني [2] الحنبلي، بل المجتهد المطلق.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (156) و «دول الإسلام» (2/ 236) و «المنهل الصافي» (1/ 24) و «الدّرر الكامنة» (1/ 10) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (157- 158) و «دول الإسلام» (2/ 237) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (308) و «المعجم المختص» ص (25- 27) و «معجم الشيوخ» (1/ 56- 57) و «النجوم الزاهرة» (9/ 271- 272) و «الوافي بالوفيات» (7/ 15- 33) و «فوات الوفيات» (1/ 74- 80) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 387- 408) و «الدّرر الكامنة» (1/ 144- 160) و «المقصد الأرشد»(8/142)
ولد بحرّان يوم الاثنين عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستمائة، وقدم به والده وبأخويه عند استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق سنة سبع وستين [1] ، فسمع الشيخ بها ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، والمجد بن عساكر، ويحيى بن الصّيرفي، والقاسم الإربلي، والشيخ شمس الدّين ابن أبي عمر، وغيرهم. وعني بالحديث، وسمع «المسند» مرّات، والكتب الستة. و «معجم الطبراني الكبير» وما لا يحصى من الكتب والأجزاء. وقرأ بنفسه، وكتب بخطّه جملة من الأجزاء، وأقبل على العلوم في صغره، فأخذ الفقه والأصول عن والده، وعن الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، والشيخ زين الدّين بن المنجّى، وبرع في ذلك، وناظر، وقرأ العربية على ابن عبد القوي. ثم أخذ «كتاب سيبويه» فتأمله وفهمه، وأقبل على تفسير القرآن الكريم فبرّز فيه، وأحكم أصول الفقه، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، وغير ذلك من العلوم. ونظر في الكلام والفلسفة، وبرّز في ذلك على أهله، وردّ على رؤسائهم وأكابرهم، ومهر في هذه الفضائل، وتأهل للفتوى والتدريس، وله دون العشرين سنة. وأفتى من قبل العشرين أيضا.
وأمدّه الله بكثرة الكتب، وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، وبطء النسيان، حتّى قال غير واحد: إنه لم يكن يحفظ شيئا فينساه. ثم توفي والده وله إحدى وعشرون سنة، فقام بوظائفه بعده مدة، فدرّس بدار الحديث التنكزية المجاورة لحمّام نور الدّين الشهيد في البزورية في أول سنة ثلاث وثمانين، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدّين بن الزّكي، والشيخ تاج الدّين الفزاري، وابن المرحّل، وابن المنجّى، وجماعة، فذكر درسا عظيما في البسملة، بحيث بهر الحاضرين، وأثنوا عليه جميعا.
قال الذهبي: وكان الشيخ تاج الدّين الفزاري يبالغ في تعظيم الشيخ تقي الدّين، بحيث إنه علّق بخطّه درسه بالتنكزية.
__________
(1/ 132- 140) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 75- 77) ، وقد ترجم له ترجمة وافية والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله نشرت في صدر رسالته «الأحاديث الموضوعة» المطبوعة في الكويت بتحقيقي.
[1] يعني سنة (667) هـ.(8/143)
ثم جلس عقب ذلك مكان والده بالجامع على منبر أيام الجمع لتفسير القرآن العظيم، وشرع من أول القرآن، فكان يورد في المجلس من حفظه نحو كرّاسين أو أكثر. وبقي يفسّر في سورة نوح عدّة سنين أيام الجمع.
وقال الذهبي في «معجم شيوخه» : شيخنا، وشيخ الإسلام، وفريد العصر، علما، ومعرفة، وشجاعة، وذكاء، وتنويرا إلهيا، وكرما، ونصحا للأمة، وأمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر.
سمع الحديث، وأكثر بنفسه من طلبه، وكتب، وخرّج، ونظر في الرجال والطبقات، وحصّل ما لم يحصّله غيره، وبرع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال، وخاطر وقّاد [1] إلى مواضع الإشكال ميّال، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها، وبرع في الحديث وحفظه، فقلّ من يحفظ ما يحفظ من الحديث معزوّا إلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضار له وقت إقامة الدّليل. وفاق النّاس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصّحابة والتابعين، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقوم دليله عنده. وأتقن العربية أصولا وفروعا، وتعليلا واختلافا. ونظر في العقليات، وعرف أقوال المتكلمين. وردّ عليهم، ونبّه على خطئهم وحذّر، ونصر السّنّة بأوضح حجج وأبهر براهين، وأوذي في ذات الله من المخالفين، وأخيف في نصر السّنّة المحضة، حتّى أعلى الله مناره، وجمع قلوب أهل التّقوى على محبته والدعاء له. وكبت أعداءه، وهدى به رجالا كثيرة من أهل الملل والنّحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبا، وعلى طاعته. وأحيا به الشام، بل والإسلام، بعد أن كاد ينثلم خصوصا في كائنة التتار، وهو أكبر من أن ينبّه على سيرته مثلي، فلو حلّفت بين الرّكن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه. انتهى كلام الذهبي.
وكتب الشيخ كمال الدّين ابن الزملكاني تحت اسم «ابن تيميّة» : كان إذا سئل عن فنّ من العلم ظنّ الرائي والسّامع أنه لا يعرف غير ذلك الفنّ، وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله. وكان الفقهاء من سائر الطّوائف إذا جالسوه استفادوا في
__________
[1] لفظة «وقاد» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 389) وهو المصدر الذي نقل عنه المؤلف.(8/144)
مذاهبهم منه أشياء، ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان من علوم الشّرع أو غيرها إلّا فاق فيه أهله، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها. وكتب الحافظ ابن سيّد الناس في «جواب سؤالات الدّمياطي» في حقّ ابن تيميّة: ألفيته ممن أدرك من العلوم حظا. وكاد [1] يستوعب السّنن والآثار حفظا. إن تكلّم في التفسير، فهو حامل رايته، وإن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر [2] بالحديث فهو صاحب علمه، وذو روايته، أو حاضر بالنّحل والملل لم ير أوسع من نحلته، ولا أرفع من درايته.
برز في كل فنّ على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه.
وقال الذهبي في «تاريخه الكبير» بعد ترجمة طويلة: بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث.
وترجمه ابن الزّملكاني أيضا ترجمة طويلة وأثنى عليه ثناء عظيما، وكتب تحت ذلك:
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلّت عن الحصر
هو حجّة لله باهرة ... هو بيننا أعجوبة الدّهر
هو آية للخلق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر
وللشيخ أثير الدين أبي حيّان النّحوي لما دخل الشيخ مصر واجتمع به فأنشد أبو حيّان:
لمّا رأينا تقيّ الدّين لاح لنا ... داع إلى الله فردا ما له وزر
على محيّاه من سيما الألى صحبوا ... خير البريّة نور دونه القمر
حبر تسربل منه دهره حبرا ... بحر تقاذف من أمواجه الدّرر
قام ابن تيميّة في نصر شرعتنا ... مقام سيّد تيم إذ عصت مضر
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وكان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] في «آ» و «ط» : «أودان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .(8/145)
فأظهر الدّين إذ آثاره درست ... وأخمد الشّرك إذ طارت له شرر
يا من تحدّث عن علم الكتاب أصخ ... هذا الإمام الذي قد كان ينتظر
يشير بهذا إلى أنه المجدد.
وممن صرّح بذلك الشيخ عماد الدّين الواسطي، وقد توفي قبل الشيخ. وقال في حقّ الشيخ بعد ثناء طويل جميل ما لفظه: فو الله، ثم والله، ثم والله، لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيميّة، علما، وعملا، وحالا، وخلقا واتّباعا، وكرما، وحلما، وقياما في حقّ الله عند انتهاك حرماته، أصدق النّاس عقدا، وأصحهم علما، وعزما، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحقّ وقيامه همة، وأسخاهم كفّا، وأكملهم اتباعا لنبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم. ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلي النّبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلّا هذا الرجل، يشهد القلب الصحيح أن هذا هو الاتباع حقيقة.
وقال الشيخ تقي الدّين بن دقيق العيد، وقد سئل عن ابن تيمية بعد اجتماعه به،: كيف رأيته؟ فقال: رأيت رجلا سائر العلوم بين عينيه، يأخذ ما شاء منها ويترك ما شاء، فقيل له: فلم لا تتناظرا؟ قال: لأنه يحب الكلام وأحبّ السّكوت.
وقال برهان الدّين بن مفلح في «طبقاته» [1] : كتب العلّامة تقي الدّين السّبكي إلى الحافظ الذّهبي في أمر الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، فالمملوك يتحقق [أن] قدره وزخارة بحره وتوسعته في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وأنه [2] بلغ من ذلك كل المبلغ الذي يتجاوزه الوصف، والمملوك يقول ذلك دائما، وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجلّ، مع ما جمعه الله تعالى له من الزّهادة، والورع، والدّيانة، ونصرة الحقّ، والقيام فيه لا لغرض سواه، وجريه على سنن السّلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزّمان، بل في أزمان. انتهى.
__________
[1] انظر «المقصد الأرشد» (1/ 136) ولفظة «أن» مستدركة منه.
[2] لفظة «وأنه» لم ترد في «المقصد الأرشد» فلتستدرك.(8/146)
وقال العلّامة الحافظ ابن ناصر الدّين في «شرح بديعته» [1] بعد ثناء جميل وكلام طويل: حدّث عنه خلق، منهم الذهبي، والبرزالي، وأبو الفتح بن سيد الناس، وحدّثنا عنه جماعة من شيوخنا الأكياس.
وقال الذهبي في عدّ مصنّفاته المجوّدة: وما أبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلدة.
وأثنى عليه الذهبي وخلق بثناء حميد [2] ، منهم الشيخ عماد الدّين الواسطي العارف، والعلّامة تاج الدّين عبد الرحمن الفزاري، وابن الزّملكاني، وأبو الفتح ابن دقيق العيد [3] .
وحسبه من الثناء الجميل قول أستاذ أئمة الجرح والتعديل أبي الحجّاج المزّي الحافظ الجليل، قال عنه: ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله، ولا أتبع لهما منه.
وترجمه بالاجتهاد وبلوغ درجته، والتمكن في أنواع العلوم والفنون، ابن الزملكاني، والذّهبي، والبرزالي، وابن عبد الهادي، وآخرون.
ولم [4] يخلّف بعده من يقاربه في العلم والفضل. انتهى كلام ابن ناصر الدّين ملخصا.
وكان الشيخ العارف بالله أبو عبد الله ابن قوام يقول: ما أسلمت معارفنا إلّا على يد ابن تيمية.
وقال ابن رجب: كانت العلماء، والصّلحاء، والجند، والأمراء، والتّجار، وسائر العامّة تحبه، لأنه منتصب لنفعهم ليلا ونهارا، بلسانه، وعلمه.
__________
[1] يعني في «التبيان شرح بديعة البيان» (185/ ب- 186/ آ) .
[2] في «آ» : «جميل» وما جاء في «ط» موافق لما في «التبيان شرح بديعة البيان» مصدر المؤلف.
[3] في «آ» و «ط» : «وأبو الفتح وابن دقيق العيد» وهو خطأ والتصحيح من «التبيان شرح بديعة البيان» مصدر المؤلف، فابن دقيق العيد كان يكنى بأبي الفتح.
[4] في «آ» و «ط» : «ولا» والتصحيح من «التبيان شرح بديعة البيان» مصدر المؤلف.(8/147)
ثم قال ابن رجب وغيره: ذكر نبذة من مفرداته وغرائبه:
اختار ارتفاع الحدث بالمياه المعتصرة كماء الورد ونحوه.
والقول بأن المائع لا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلّا أن يتغير قليلا كان أو كثيرا.
والقول بجواز المسح على النّعلين والقدمين وكل ما يحتاج في نزعه من الرّجل إلى معالجة باليد أو بالرّجل الأخرى، فإنه يجوز المسح عليه مع القدمين.
واختار أن المسح على الخفّين لا يتوقت مع الحاجة، كالمسافر على البريد ونحوه، وفعل ذلك في ذهابه إلى الديار المصرية على خيل البريد، ويتوقت مع إمكان النزع وتيسره.
واختار جواز المسح على اللفائف ونحوها.
واختار جواز التيمم لخشية [1] فوات الوقت في حق غير المعذور، كمن أخّر الصلاة عمدا حتّى تضايق وقتها. وكذا من خشي فوات الجمعة والعيدين وهو محدث.
واختار أن المرأة إذا لم يمكنها الاغتسال في البيت وشق عليها النزول إلى الحمّام وتكرره، أنها تتيمم وتصلي.
واختار أن لا حدّ لأقلّ الحيض ولا لأكثره، ولا لأقلّ الطّهر بين الحيضتين، ولا لسنّ الإياس [من الحيض] [2] ، وأن ذلك يرجع [3] إلى ما تعرفه كل امرأة من نفسها.
واختار أن تارك الصلاة عمدا لا يجب عليه القضاء، ولا يشرع له، بل يكثر من النوافل [4] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بخشية» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 404) .
[2] ما بين الحاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 405) .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وأن ذلك راجع» .
[4] أقول: أي لا يمكنه أن يتدارك ما فاته إلّا بالإكثار من صالح الأعمال. (ع) .(8/148)
وأن القصر يجوز في قصير السفر وطويله، كما هو مذهب الظّاهرية.
واختار القول بأن البكر لا تستبرأ وإن كانت كبيرة، كما هو قول ابن عمر واختاره البخاري صاحب «الصحيح» .
والقول بأن سجود التلاوة لا يشترط له وضوء، كما هو مذهب ابن عمر واختيار البخاري.
والقول بأن من أكل في شهر رمضان معتقدا أنه ليل وكان نهارا لا قضاء عليه كما هو الصحيح عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وإليه ذهب بعض التابعين وبعض الفقهاء بعدهم.
والقول بجواز المسابقة بلا محلّل وإن أخرج المتسابقان.
والقول باستبراء المختلعة بحيضة، وكذلك الموطوءة بشبهة، والمطلقة آخر ثلاث تطليقات.
والقول بإباحة وطء الوثنيات بملك اليمين.
وجواز طواف الحائض، ولا شيء عليها إذا لم يمكنها أن تطوف طاهرا.
والقول بجواز بيع الأصل بالعصير، كالزيتون بالزيت، والسّمسم بالسّيرج.
والقول بجواز بيع ما يتخذ من الفضة للتحلي وغيره كالخاتم ونحوه بالفضة متفاضلا، وجعل الزايد من الثمن في مقابلة الصّنعة والقول.
ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الإفتاء بها محن وقلاقل قوله بالتكفير في الحلف بالطلاق، وأن الطّلاق الثلاث لا يقع إلّا واحدة، وأن الطلاق المحرّم لا يقع، وله في ذلك مؤلفات كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط.
وقال ابن رجب: مكث الشيخ معتقلا في القلعة من شعبان سنة ست وعشرين إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين، ثم مرض بضعة وعشرين يوما، ولم يعلم أكثر الناس بمرضه، ولم يفجأهم إلّا موته.
وكانت وفاته في سحر ليلة الاثنين عشري ذي القعدة، ذكره مؤذن القلعة(8/149)
على منارة الجامع، وتكلّم به الحرس على الأبرجة، فتسامع الناس بذلك، وبعضهم علم به في منامه، واجتمع الناس حول القلعة حتّى أهل الغوطة والمرج، ولم يطبخ أهل الأسواق، ولا فتحوا كثيرا من الدكاكين، وفتح باب القلعة.
واجتمع عند الشيخ خلق كثير من أصحابه يبكون ويثنون، وأخبرهم أخوه زين الدّين عبد الرحمن أنه ختم هو والشيخ منذ دخلا القلعة ثمانين ختمة، وشرعا في الحادية والثمانين، وانتهيا إلى قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ 54: 54- 55 [القمر: 54- 55] .
فشرع حينئذ الشيخان الصّالحان عبد الله بن المحبّ الصّالحي، والزّرعيّ الضّرير- وكان الشيخ يحب قراءتهما- فابتدأ من سورة الرحمن حتى ختما القرآن.
وخرج من عنده من كان حاضرا إلّا من يغسّله ويساعد على تغسيله، وكانوا جماعة من أكابر الصّالحين وأهل العلم، كالمزّي وغيره، وما فرغ من تغسيله حتّى امتلأت القلعة وما حولها بالرّجال، فصلّى عليه بدركات القلعة الزّاهد القدوة محمد بن تمّام، وضجّ الناس حينئذ بالبكاء، والثناء، والدعاء بالتّرحم.
وأخرج الشيخ إلى جامع دمشق، وصلّوا عليه الظّهر، وكان يوما مشهودا [1] لم يعهد بدمشق مثله، وصرخ صارخ: هكذا تكون جنائز أئمة السّنّة، فبكى الناس بكاء كثيرا، وأخرج من باب البريد، واشتد الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلهم، وصار النّعش على الرؤوس يتقدم تارة ويتأخر أخرى، وخرجت جنازته من باب الفرج، وازدحم الناس على أبواب المدينة جميعا للخروج، وعظم الأمر بسوق الخيل، وتقدم في الصلاة عليه هناك أخوه عبد الرحمن، ودفن وقت العصر أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدّين عبد الله بمقابر الصّوفية. وحزر من حضر جنازته بمائتي ألف، ومن النساء بخمسة عشر ألفا. وختمت له ختمات كثيرة، رحمه الله ورضي عنه.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «مشهوا» .(8/150)
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن محمد بن بدر الجزري ثم الصّالحي [1] المقرئ الفقيه الحنبلي.
ولد في حدود السبعين وستمائة، وقرأ بالروايات على الشيخ جمال الدّين البدوي [2] وسمع من جماعة من أصحاب ابن طبرزد، والكندي، ولزم المجد التّونسي. وأخذ عنه علم القراءات، حتى مهر فيها، وأقبل على الفقه، وصحب القاضي ابن مسلم مدة وانتفع به.
وكان من خيار الناس، دينا، وعقلا، وحياء، ومروءة، وتعففا.
اقرأ القراءات، وحدّث.
وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. قاله ابن رجب.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي [3] المقرئ الفقيه [4] الحنبلي الأصولي النحوي شهاب الدّين بن الشيخ تقي الدّين.
ولد سنة سبع أو ثمان وأربعين وستمائة، وسمع من خطيب مردا، حضورا، وابن عبد الدائم.
وارتحل إلى مصر بعد الثمانين، فقرأ بها القراءات على الشيخ حسن الرّاشدي، وصحبه إلى أن مات. وقرأ الأصول على شهاب الدّين القرافي المالكي، والعربية على بهاء الدّين بن النّحاس، وبرع في ذلك. وتفقه في المذهب.
وقدم دمشق، ثم تحوّل إلى حلب، وأقرأ بها.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 408) و «غاية النهاية» (1/ 148) و «الدّرر الكامنة» (1/ 333- 334) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «البدري» .
[3] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 746) و «معجم الشيوخ» (1/ 6) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 386) و «غاية النهاية» (1/ 122) و «الدّرر الكامنة» (1/ 276) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «الفقه» .(8/151)
ثم استوطن بيت المقدس. وتصدّر لإقراء القراءات والعربية، وصنّف شرحا كبيرا ل «الشاطبية» ، وشرحا آخر ل «الرائية» في الرسم، وشرحا ل «ألفية ابن معطي» وصنّف «تفسيرا» وأشياء في القراءات. ذكره الذهبي في «معجم شيوخه» فقال: كان إماما، مقرئا، بارعا، فقيها، نحويا، نشأ إلى اليوم في صلاح ودين وزهد. سمعت منه مجلس البطاقة، وانتهت إليه مشيخة بيت المقدس.
وذكر البرزالي أنه حجّ وجاور بمكة، وأنه يعدّ في العلماء الصّالحين الأخيار، وقال: قرأت عليه بدمشق والقدس عدة أجزاء.
وتوفي بالقدس سحر يوم الأحد رابع رجب، وذكر الدّبيثي أنه مات فجأة.
وفيها الشيخ جمال الدّين عبد الله بن محمد بن علي ابن العاقولي الواسطي [1] الشّافعي، مدرّس المستنصرية.
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : مولده في رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث من جماعة، واشتغل وبرع.
وقال ابن كثير: درّس بالمستنصرية مدة طويلة، نحو أربعين سنة، وباشر نظر الأوقاف، وعيّن لقضاء القضاة في وقت، وأفتى من سنة سبع وخمسين وإلى أن مات، وذلك إحدى وسبعون سنة، وهذا شيء غريب جدا. وكان قويّ النّفس، له وجاهة في الدولة، كم كشفت به كربة عن النّاس بسعيه وقصده.
وقال السّبكي: ولي قضاء القضاة بالعراق.
وقال الكتبي: انتهت إليه رئاسة الشافعية ببغداد، ولم يكن يومئذ من يماثله ولا يضاهيه في علومه وعلو مرتبته، وعيّن لقضاء القضاة فلم يقبل.
توفي في شوال ببغداد وله تسعون سنة وثلاثة أشهر، ودفن بداره، وكان وقفها على شيخ وعشرة صبيان يقرؤون القرآن، ووقف عليها أملاكه كلّها.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (157) و «النجوم الزاهرة» (9/ 274) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 43) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 235- 236) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 344- 345) و «الدّرر الكامنة» (2/ 299) .(8/152)
وفيها الفقيه المعمّر جمال الدّين عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر المقدسي الحنبلي [1] .
ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة، وسمع من النّور البلخي، والمرسي، ومحمد بن عبد الهادي، وطائفة.
توفي بالصّالحية في ذي القعدة.
وفيها عفيف الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي، ابن الخراط الحنبلي [2] .
قال الذهبي: الإمام الواعظ، مسند العراق، شيخ المستنصرية.
مولده في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
سمع من عجيبة كثيرا، وابن الخير، وابن قميرة، وأخيه، وطائفة. وتفرّد.
ومات ببغداد في جمادى الأولى.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن عثمان بن أبي الحسن الدّمشقي الحنفي بن الحريري [3] .
ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وحدّث عن ابن الصّيرفي، والقطب بن عصرون، وابن أبي اليسر.
وكان عادلا، مهيبا، صارما، ديّنا، رأسا في المذهب.
وتوفي بمصر في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (158) و «الدّرر الكامنة» (2/ 224) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (156- 157) و «معجم الشيوخ» (2/ 225- 226) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 384- 386) و «الدّرر الكامنة» (4/ 27) و «المقصد الأرشد» (2/ 462- 463) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (157) و «الوافي بالوفيات» (4/ 90) و «الجواهر المضية» (2/ 250- 251) و «الدّرر الكامنة» (4/ 39- 40) .(8/153)
سنة تسع وعشرين وسبعمائة
فيها توفي العلّامة شيخ الإسلام برهان الدّين إبراهيم بن شيخ الشّافعية تاج الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الأصل الشافعي بل شافعيّ الشّام [1] .
ولد في شهر ربيع الأول سنة ستين وستمائة. وسمع الكثير من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وعدّة، وله مشيخة خرّجها العلائي، وأخذ عن والده، وبرع، وأعاد في حلقته، وأخذ النحو عن عمّه شرف الدّين، ودرّس بالبادرائية بعد وفاة أبيه، وخلفه في إشغال الطلبة والإفتاء، ولازم الإشغال والتّصنيف، وحدّث بالصحيح مرات، وعرض عليه القضاء فامتنع، وباشر الخطابة بعد موت عمّه مدة يسيرة، ثم تركها، وصنّف «التعليقة على التّنبيه» في نحو عشر مجلدات، وله «تعليقة» على مختصر ابن الحاجب في الأصول، وله مصنّفات أخر.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» وقال: انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه ووجوهه، مع علمه متون الأحكام وعلم الأصول والعربية، وغير ذلك، وسمع الكثير وكتب مسموعاته. وكان يدري علوم الحديث، مع الدّين والورع، وحسن السّمت، والتّواضع.
توفي بالبادرائية في جمادى الأولى ودفن بباب الصغير عند أبيه وعمه.
__________
[1] قلت: ويعرف بابن الفركاح. انظر «ذيول العبر» ص (160- 161) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 312- 313) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 290) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 314- 318) و «الدّرر الكامنة» (1/ 34- 35) .(8/154)
وفيها مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الفرّاء الحرّاني ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي، شيخ المذهب.
ولد سنة خمس أو ست وأربعين وستمائة بحرّان. وقدم دمشق مع أهله سنة إحدى وسبعين، فسمع بها الكثير من ابن أبي عمر، وابن الصّيرفي، والكمال عبد الرحيم، وابن البخاري، والإربلي، وابن حامد الصّابوني، وغيرهم.
وطلب بنفسه، وسمع «المسند» والكتب الكبار، وتفقه بالشيخ شمس الدّين ابن أبي عمر وغيره، ولازمه حتّى برع في الفقه.
وتصدّى للإشغال والفتوى مدة طويلة، وانتفع به خلق كثير. مع الدّيانة والتّقوى، وضبط اللسان، والورع في المنطق وغيره واطّراح التكلّف في الملبس وغيره.
قال الطّوفي: كان من أصلح خلق الله وأدينهم، كأنّ على رأسه الطير. وكان عالما بالفقه، والحديث، وأصول الفقه، والفرائض، والجبر، والمقابلة.
وقال الذهبي: كان شيخ الحنابلة.
وقال غيره: يقال: إنه أقرأ «المقنع» مائة مرة.
وكان عديم التكلّف، يحمل حاجته بنفسه، وليس له كلام في غير العلم، ولا يخالط أحدا، وأوقاته محفوظة.
وقال هو: ما وقع في قلبي الترفّع على أحد من الناس، فإني أخبر بنفسي ولست أعرف أحوال الناس.
وقال ابن رجب: كان سريع الدّمعة، سمعت بعض شيوخنا يذكر عنه أنه كان لا يذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دروسه إلّا ودموعه جارية، ولا سيما إن ذكر شيئا من الرقائق أو أحاديث الوعيد ونحو ذلك.
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 179) و «ذيول العبر» ص (161) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 408- 410) و «الدّرر الكامنة» (1/ 377- 378) و «المقصد الأرشد» (1/ 272- 273) .(8/155)
وقد قرأ عليه عامة أكابر شيوخنا ومن قبلهم، حتّى الشيخ تقي الدين الزّريرانيّ [1] شيخ العراق وحدّث. وسمع منه جماعة، منهم: الذهبي وغيره.
وتوفي ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى بالمدرسة الجوزية، ودفن بمقابر الباب الصّغير.
وفيها الصّاحب الأمجد رئيس الشام عزّ الدّين حمزة بن المؤيد بن القلانسي الدمشقي [2] .
كان محتشما، معظّما، متنعّما. عمل الوزارة وغيرها. وروى عن البرهان، وابن عبد الدائم.
وتوفي في ذي الحجّة عن ثمانين سنة وأشهر. قاله في «العبر» .
وفيها الإمام تقي الدّين أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن أبي البركات بن مكّي بن أحمد الزّريراتيّ [1] ثم البغدادي [3] الحنبلي فقيه العراق ومفتى الآفاق.
ولد في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وستمائة.
وحفظ القرآن وله سبع سنين، وسمع الحديث من إسماعيل بن الطبّال وخلائق.
وتفقه ببغداد على جماعة، منهم: الشيخ مفيد الدّين الحربي وغيره، ثم ارتحل إلى دمشق، فقرأ بها المذهب على الشيخ زين الدّين بن المنجّى، والشيخ مجد الدّين الحرّاني، ثم عاد إلى بلده.
وبرع في الفقه وأصوله، ومعرفة المذهب، والخلاف، والفرائض، ومتعلقاتها.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» في الموضعين إلى «الذريراتي» بالذال والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المقصد الأرشد» كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل. انظر ص (132) من هذا المجلد.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (163) و «النجوم الزاهرة» (9/ 280) و «الدّرر الكامنة» (2/ 75- 76) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» 2/ 410- 412) و «الدّرر الكامنة» (2/ 289- 290) و «المقصد الأرشد» (2/ 55- 56) .(8/156)
وكان عارفا بأصول الدّين، وبالحديث، وبأسماء الرجال، والتواريخ، وباللغة، والعربية، وغير ذلك، وانتهت إليه معرفة الفقه بالعراق.
وكان يحفظ «الهداية» و «الخرقي» وذكر أنه طالع «المغني» للشيخ موفق الدّين ثلاثا وعشرين مرة، وكان يستحضر أكثره، وعلّق عليه حواشي وفوائد.
قال ابن رجب: انتهت إليه رئاسة العلم ببغداد من غير مدافع، وأقرّ له الموافق والمخالف، وكان الفقهاء من سائر الطوائف يجتمعون به، ويستفيدون منه في مذاهبهم، ويتأدّبون معه، ويرجعون إلى قوله، ويردّهم عن فتاويهم، فيذعنون له، ويرجعون إلى ما يقوله، حتّى ابن المطهّر شيخ الشيعة، كان الشيخ يبيّن له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له.
ويوم وفاته قال الشيخ شهاب الدّين عبد الرحمن بن عسكر شيخ المالكية:
لم يبق ببغداد من يراجع في علوم الدّين مثله.
وقرأ عليه جماعة من الفقهاء، وتخرّج به أئمة، وأجاز لجماعة، وولي القضاء.
توفي ببغداد ليلة الجمعة ثاني عشري جمادى الأولى ودفن بمقابر الإمام أحمد قريبا من القاضي أبي يعلى، رحمهم الله تعالى.
وفي حدودها نجم الدّين أبو الفضل إسحاق بن أبي بكر بن ألمى بن أطز [1] التّركي ثم المصري [2] الفقيه الحنبلي المحدّث الأديب الشاعر.
ولد سنة سبعين وستمائة [3] . وسمع بمصر من الأبرقوهي، ورحل، وسمع بالإسكندرية من القرافي، وبدمشق من أبي الفوارس. وإسماعيل بن الفرّاء، وبحلب من سنقر الزّيني، وتفقه. وقال الشعر الحسن، وسمع منه الحافظ الذهبي
__________
[1] في «ط» : «أطر» .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 170) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 414- 415) و «الدّرر الكامنة» (1/ 357) و «الوافي بالوفيات» (8/ 405) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «سبعمائة» .(8/157)
بحلب، ثم دخل العراق بعد السبعمائة، وتنقّل في البلاد، وسكن أذربيجان، ولم تكن سيرته هناك مشكورة، وبقي إلى حدود هذه السنة ولم تتحقق سنة وفاته، وليس له في الزّهد والعلم مشبه سوى الحسن البصري، وابن المسيّب. قاله ابن رجب.
وفيها قاضي القضاة علاء الدّين علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي الشافعي [1] قاضي القضاة، وشيخ الشيوخ، فريد العصر.
ولد بمدينة قونوة [2] سنة ثمان وستين وستمائة. واشتغل هناك، وقدم دمشق في أول سنة ثلاث وتسعين فازداد بها اشتغالا، وسمع الحديث من جماعة، وتصدر للإشغال بالجامع، ودرّس بالإقبالية، ثم تحوّل سنة سبعمائة إلى مصر، وسمع بها من جماعة، ولازم ابن دقيق العيد، وأثنى عليه ثناء بالغا، مع شدة احترازه في الألفاظ، وتولى بالقاهرة تدريس الشّريفية، ومشيخة الميعاد بالجامع الطولوني، وولي مشيخة الشيوخ في سنة عشر وسبعمائة، وانتصب للاشغال، وازدحم عليه الناس إلى أن تخرّج به خلق كثير. وصنّف شرحه المشهور على «الحاوي» وصنّف مصنّفا في «حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم» .
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» [3] فقال: قدم علينا دمشق في أوائل سنة ثلاث وتسعين، فحضر المدارس وبهرت فضائله، ودرّس وأفتى، وأعاد [4] وأفاد، وبرع في عدة علوم، وتخرّج به أئمة. مع الوقار، والورع، وحسن السّمت، ولطف المحاورة، وجميل الأخلاق. قلّ أن ترى العيون مثله.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (162) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (308) و «النجوم الزاهرة» (9/ 279) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 132- 136) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 334- 336) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 356- 359) و «الدّرر الكامنة» (1/ 24- 28) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «قونوة» ولعلها «قونية» التي تقع في الجنوب الأوسط من تركية المعاصرة.
[3] لم أجد ترجمته في «المعجم المختص» المطبوع الذي بين أيدينا فلعل ترجمته قد سقطت منه، والله أعلم.
[4] في «ط» : «وأعادوا» وهو خطأ.(8/158)
وذكر له تلميذه الشيخ جمال الدّين الإسنوي ترجمة حسنة، وقال: كان أجمع من رأيناه للعوم، مع الاتّساع فيها، خصوصا العلوم العقلية واللّغوية، لا يشار بها إلّا إليه، ولا يحال فيها إلّا عليه، وولي القضاء بدمشق ومشيخة الشيوخ، وباشر على النّمط الذي كان عليه بالدّيار المصرية، مع الحرمة، والنّزاهة، والإشغال، والتّحديث، إلى أن توفي بدمشق في ذي القعدة، ودفن بجبل قاسيون.
وفيها الصّدر نجم الدّين علي بن محمد بن هلال الأزدي [1] .
حدّث عن ابن البرهان، والقاضي صدر الدّين بن سني الدولة، والزّين خالد والكرماني.
وطلب وحصّل الأصول، وولي نظر الأيتام، وكان تامّ الشكل حسن البزّة، ذا كرم وتحمّل.
ومات بدمشق في ربيع الآخر عن ثمانين سنة.
وفيها القاضي نجم الدّين أبو عبد الله محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي ثم المصري [2] الشافعي شارح «التنبيه» .
ولد سنة ستين وستمائة، وسمع بدمشق من جماعة، واشتغل وفضل، ثم دخل القاهرة، وسمع من ابن دقيق العيد، ولازمه، وناب في الحكم بمصر، ودرّس بالمعزّية والطّبيبرسية، وكان قويّ النّفس، كثير الإيثار مع التقلل، وانتفع به طلبة مصر، ودارت عليه الفتيا بها.
قال الذهبي: كان إماما زاهدا.
وقال السبكي في «الطبقات الكبرى» : شارح «التنبيه» ، واختصر «كتاب الترمذي» في الحديث، وكان أحد أعيان الشافعية. ديّنا وورعا.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (170- 171) و «ذيول العبر» ص (160) و «الدّرر الكامنة» (3/ 114- 115) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (159- 160) و «النجوم الزاهرة» (9/ 280) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 252) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 290- 291) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 381- 383) و «الوافي بالوفيات» (4/ 98) و «الدّرر الكامنة» (4/ 50) .(8/159)
وقال الإسنوي: كان له في التّقوى سابقة قدم، وفي الورع رسوخ قدم، وفي العلم آثار هي أوضح للسّارين من نار على علم.
كان فقيها، محدّثا، ورعا، قوّاما في الحقّ.
توفي في المحرم بالقاهرة ودفن بالقرافة الصّغرى.
وفيها بدر الدّين أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد بن جابر الأنصاري الدمشقي الإمام الزاهد ابن قاضي القضاة عز الدّين المعروف بابن الصائغ الشافعي [1] .
مولده في المحرّم سنة ست وسبعين وستمائة، وقرأ «التنبيه» ولازم الشيخ برهان الدّين الفزاري زمانا، وسمع الكثير، وحدّث، وسمع منه البرزالي، وخرّج له جزءا [2] من حديثه، وحدّث به، ودرّس بالعمادية والدماغية.
وجاءه التقليد بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فامتنع، وأصرّ على الامتناع فأعفي.
ثم ولي خطابة القدس، ثم تركها.
قال الذهبي: الإمام، القدوة، العابد. كان مقتصدا في أموره، كثير المحاسن، حجّ غير مرّة.
وقال ابن رافع: كان على طريقة حميدة، وعنده عبادة واجتماع وملازمة للصلحاء والأخيار، وإعراض عن المناصب. وكان معظّما، مبجّلا، وقورا.
توفي بدمشق في جمادى الأولى، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون.
وفيها العلّامة ناظر الجيش معين الدّين هبة الله بن مسعود بن حشيش [3] .
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (261- 262) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 388- 389) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 238) .
[2] في «آ» و «ط» : «أجزاء» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.
[3] انظر «المعجم المختص» ص (292- 293) و «ذيول العبر» ص (162) و «النجوم الزاهرة (9/ 280) و «الدّرر الكامنة» (5/ 177) .(8/160)
روى عن ابن البخاري وغيره، وله نظم ونثر، وقوة أدوات.
توفي بمصر عن ثلاث وستين سنة.
وفيها المسند المعمّر فتح الدّين يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني ثم المصري الدّبابيسي [1] .
كان آخر من روى عن ابن المقيّر بالسماع وبالإجازة، وعن المخيل، وحمزة بن أوس، وظافر بن شحم، وعدة، وتفرّد، وروى الكثير، وكان عاقلا منورا.
توفي بمصر في جمادى الأولى وقد جاوز التسعين بيسير.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (161- 162) و «الدّرر الكامنة» (4/ 484) .(8/161)
سنة ثلاثين وسبعمائة
فيها توفي مسند الدّنيا شهاب الدّين أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصّالحي الحجّار ابن الشّحنة [1] . من قرية من قرى وادي بردى بدمشق.
انفرد بالرواية عن الحسين الزّبيدي. وبين سماعه للصحيح وموته مائة سنة.
وسافر إلى القاهرة مرتين مطلوبا مكرما ليحدّث بها.
قال البرزالي: مولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة وعمّر مائة عام وسبعة أعوام، وانفرد في الدنيا [2] بالإسناد عن الزّبيدي.
وكان أميّا، يوم لا يسمع عليه يخرج إلى الجبل مع الحجّارين يقطع الحجارة، وألحق أولاد الأولاد بالأجداد، وكان ربما خرج الطلبة إليه وهو يقطع الحجارة ليسمعهم فيقول: اقرؤوا على الفروة. وكان إذا قلب عليه سند حديث يقول: لم أسمعه هكذا، وإنما سمعته كذا وكذا، طبق ما في «الصحيح» .
وقال الذهبي: حدّث يوم موته، وسمع من ابن الزّبيدي، وابن اللّتي، وأجاز له ابن روزبه، وابن القطيعي، وعدة. ونزل الناس بموته درجة.
ومات بصالحية دمشق في الخامس والعشرين من صفر، ودفن بالتربة المحوط عليها بمحلّة تعرف بالسكة بالقرب من زاوية الدومي جوار جامع الأفرم.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (164) و «معجم الشيوخ (1/ 118- 120) و «النجوم الزاهرة» (9/ 281) و «الدّرر الكامنة» (1/ 142- 143) و «القلائد الجوهرية» ص (412- 414) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
[2] في «ط» : «بالدنيا» .(8/162)
وفيها سيف الدّين بهادر آص المنصوري [1] .
كان من أمراء الألوف بدمشق وقبته خارج باب الجابية، ودفن بها وقد نيّف على السبعين.
وفيها المعمّر زين الدّين أيوب بن نعمة النّابلسي ثم الدمشقي الكحّال [2] .
حدّث عن المرسي، والرّشيد العراقي، وعبد الله بن الخشوعي، وجماعة.
وتفرّد، وحدّث بمصر ودمشق.
ومات في ذي الحجّة عن أزيد من تسعين سنة.
وفيها فخر الدّين أبو عمرو عثمان بن علي بن عثمان بن إبراهيم بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب الطّائي الحلبي الشّافعي، المعروف بابن خطيب جبرين [3] .
مولده بالقاهرة في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وستمائة، تفقه على ابن بهرام قاضي حلب وغيرها. قرأ عليه «التعجيز» بقراءته له على مصنّفه، وقرأ على القاضي شرف الدّين البارزي وغيرهما، ودرّس، وأفتى، وأشغل الناس بالعلم بحلب وانتفع به، وشرح «مختصر ابن الحاجب» و «الحاوي الصغير» ولم يكمله و «التعجيز» و «الشامل الصغير» للقزويني، و «البديع» لابن السّاعاتي، وله منسك ومصنّفات أخر.
وولي وكالة بيت المال بحلب وقضاء القضاة بها بعد شمس الدّين بن النّقيب، ووقع بينه وبين نائب حلب فكاتب فيه فطلب إلى مصر بسبب حكومة فأدركه أجله هناك.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (164) و «النجوم الزاهرة» (9/ 281- 282) و «الدّرر الكامنة» (1/ 497) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 228) .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 86) و «ذيول العبر» ص (166) و «الدّرر الكامنة» (1/ 434- 435) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (165- 166) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 126- 127) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 393- 394) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 351- 353) و «الدّرر الكامنة» (2/ 443- 446) .(8/163)
وقال الكتبي: تخرّج به الفقهاء والقرّاء، واشتهر اسمه.
وتوفي بالقاهرة في المحرم ودفن بمقبرة الصّوفية.
وجبرين: بالجيم والباء والراء المكسورة قرية من قرى حلب [1] .
والصحيح في وفاته أنه في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة كما جزم به الإسنويّ، وابن قاضي شهبة، وغيرهما.
وفيها قاضي القضاة فخر الدّين أبو عمرو عثمان ابن محمد بن عبد الرّحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم الجهني الحموي، المعروف بابن البارزي [2] الشافعي، قاضي حلب.
ولد بحماة سنة ثمان وستين وستمائة، وناب عن عمّه القاضي شرف الدّين بحماة. وتولّى قضاء حمص مدة، ثم عاد إلى حماة وولي خطابة الجامع بها ثم ولي قضاء حلب.
قال الذهبي: حدّث ب «مسند الشافعي» عن ابن النّصيبي وحفظ كتبا وأفتى.
وذكره ابن حبيب، وأثنى عليه وقال: كان عارفا بمشكلات «الحاوي» وله عليه شرح يفيد السامع والراوي.
توفي بحلب فجأة في صفر ودفن خارج باب المقام.
وفيها المحدّث الزّاهد فخر الدّين عثمان [3] .
قال الذهبي: ابن شيخنا الحافظ أحمد بن الظّاهري، حضر ابن علّاق، والنّجيب، وكان مكثرا ارتحل به أبوه ونسخ هو بخطه وحدّث.
وتوفي بمصر في رجب عن ستين سنة سوى أشهر.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (2/ 101- 102) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (165) و «الدّرر الكامنة» (2/ 448- 449) .
[3] انظر «المعجم المختص» ص (153) و «ذيول العبر» ص (165) و «الدّرر الكامنة» (2/ 436- 437) .(8/164)
وفيها قاضي مكّة ومفتيها نجم الدّين محمد بن محمد بن الشيخ محبّ الدّين الطّبري الشافعي [1] .
ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة. وسمع من جدّه الشيخ محبّ الدّين، ومن عمّ جدّه يعقوب بن أبي بكر الطّبري، والفاروثي، وغيرهم.
قال الإسنوي والسّبكي: كان فقيها شاعرا.
وقال الكتبي: كان شيخا، فاضلا، فقيها، مشهورا، يقصد بالفتاوى من بلاد الحجاز واليمن، وكان له النّظم الفائق، والنثر الرّائق، ولم يخلّف في الحرمين مثله.
توفي بمكّة في جمادى الآخرة ودفن بقية باب المعلاة [2] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (165) و «الوافي بالوفيات» (2/ 146) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 267- 268) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 180- 181) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 387- 388) و «الدّرر الكامنة» (4/ 162- 163) .
[2] في «آ» و «ط» : «باب المعلى» والصواب ما أثبته، وقد سبق التنبيه على ذلك من قبل.(8/165)
سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
وفيها وصل إلى حلب نهر السّاجور بعد غرامة كثيرة وحفر طويل، وفرحوا به.
وفيها توفي مسند حلب وخاتمة أصحاب ابن خليل عزّ الدين إبراهيم ابن صالح بن العجمي [1] .
سمع بدمشق من خطيب مردا.
وتوفي في حلب بعد أيام خلت من رجب، وهو في سنّ التسعين.
وفيها أقضى القضاة جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المظفّر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد بن القلانسي [2] الشافعي، الصدر الكبير، الرئيس الإمام العالم.
ولد سنة تسع وستين وستمائة، وحفظ «التنبيه» ثم «المحرّر» للرافعي، واشتغل على الشيخ تاج الدّين الفزاري. وقرأ النّحو على شرف الدّين الفزاري، والأدب على الرّشيد الفارقي. وولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال، وتدريس الأمينية والظّاهرية والعصرونية.
قال ابن كثير: تقدم بطلب العلم والرئاسة، وباشر جهات كبار، ودرّس في
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 137) و «ذيول العبر» ص (167- 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 27- 28) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (168- 169) و «البداية والنهاية» (14/ 156) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 329- 331) و «الدّرر الكامنة» (1/ 300- 301) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 197) .(8/166)
أماكن، وتفرّد في وقته بالرئاسة في البيت والمناصب الدينية والدنيوية. وكان فيه تواضع، وحسن سمت، وتودّد وإحسان، وبرّ بأهل العلم والصّلحاء. وهو ممن أذن لي في الإفتاء. وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة، فأجاد وأفاد، وأحسن التّعبير، وعظم في عيني.
وسمع الحديث من جماعة، وخرّج له فخر الدّين البعلبكي «مشيخة» سمعناها عليه.
توفي في ذي القعدة ودفن بتربتهم بالسّفح.
وفيها نائب السّلطنة أرغون الدويدار [1] ، الذي باشر النّيابة مدة ثم أخر.
وكان مليح الخطّ، نسخ «صحيح البخاري» وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وحصّل كتبا نفيسة.
ومات بحلب في ربيع الأول كهلا.
وفي حدودها جمال الدّين عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الجيلوني الشّيرازي [2] الشافعي، صاحب «البحر الصغير» و «العجالة» .
قال الإسنوي: كان فقيها، كبيرا، ذا حظ من كثير من العلوم، ورعا، زاهدا، بحث «الحاوي الصغير» بقزوين على ابن المصنّف في أربعين يوما، ثم عاد إلى بلده، وصنّف كتابه المسمى ب «البحر» وهو مختصر أوضح من «الحاوي» متضمن لزيادات.
توفي بجبل من نواحي شيراز سنة نيّف وثلاثين وسبعمائة. انتهى.
وفيها ضياء الدّين أبو الحسن علي بن سليم بن ربيعة [3] ، العالم القاضي الشافعي، الأنصاري الأذرعي.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» (1/ 167) و «النجوم الزاهرة» (9/ 288) و «الدّرر الكامنة» (1/ 351) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 45) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 291) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 345- 346) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 27) و «الدّرر الكامنة» (3/ 53) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 359- 360) .(8/167)
أخذ عن الشيخ محيي الدّين النّووي.
قال الذهبي: أخذ عن الشيخ تاج الدّين وغيره، وتنقّل لقضاء النّواحي نحوا من ستين سنة. وكان منطبعا بسّاما عاقلا.
وقال ابن كثير: تنقّل في ولايات الأقضية بمدائن كثيرة مدة ستين سنة، وحكم بطرابلس، ونابلس، وحمص، وعجلون، وزرع، وغيرها. وحكم بدمشق نيابة عن القونوي نحوا من شهر. وكان عنده فضيلة، وله نظم كثير. نظم «التنبيه» في ستة عشر ألف بيت وتصحيحه في ألف وثلاثمائة بيت وله غير ذلك.
توفي بالرّملة في ربيع الأول.
وفيها قاضي الحنابلة عزّ الدين محمد بن قاضي القضاة سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [1] .
ولد في عشري ربيع الآخر، سنة خمس وستّين وستمائة. وسمع وناب عن والده في الحكم. وروى عن الشيخ، وعن أبي بكر الهروي، وبالإجازة عن ابن عبد الدائم.
قال الذهبي: كان متوسطا في العلم والحكم، متواضعا.
وقال غيره: ولي القضاء مستقلا بعد موت ابن المسلم، وكان ذا فضل، وعقل، وحسن خلق، وتودّد، وتهجّد، وقضاء حوائج للناس، وتلاوة، وحجّ ثلاث مرات.
وتوفي تاسع صفر ودفن بتربة جدّه الشيخ أبي عمر.
فيها السلطان أبو سعيد عثمان بن السلطان يعقوب بن عبد الحقّ المريني [2] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (166- 167) و «معجم الشيوخ» (2/ 194) و «النجوم الزاهرة» (9/ 286) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 415- 416) و «الدّرر الكامنة» (3/ 448) و «المقصد الأرشد» (2/ 416- 417) و «الدارس في تاريخ المدارس» 1/ 53) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (168) و «النجوم الزاهرة» (9/ 29) و «الدّرر الكامنة» (2/ 452) .(8/168)
كانت دولته اثنتين وعشرين سنة.
توفي بالمغرب في ذي القعدة وقد قارب التسعين.
وتملّك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن.
وفيها تاج الدّين عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللّخمي الإسكندري الفاكهي [1] العلامة النحوي.
قال في «الدرر» : ابن الفاكهاني. سمع على ابن طرخان، والمكين الأسمر، وتفقه لمالك، وأخذ عن ابن المنيّر وغيره، ومهر في العربية والفنون، وصنّف «شرح العمدة» وغيرها.
ومن تصانيفه «الإشارة» في النحو، و «المورد في المولد» وغيرهما.
وحجّ من طريق دمشق سنة ثلاثين وسبعمائة، ورجع فمات في بلده سنة إحدى وثلاثين.
وقال الشّمنّي: له شرح مقدمة في النحو. وسمع من التّقي بن دقيق العيد، والبدر بن جماعة، وأجاز لعبد الوهاب الهروي. انتهى.
وفيها فاطمة بنت الشيخ الحافظ علم الدّين البرزالي [2] بدمشق. حفظت القرآن، وسمعت الحديث من جماعة، وكتبت ربعة شريفة. و «صحيح البخاري» وعدة أجزاء، و «أحكام» مجد الدّين بن تيمية.
وفيها كماليّة بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدّمّراوي [3] وتسمّى ستّ الناس.
روت بالإجازة عن عبد الله بن برطلة الأندلسي، ومحمد بن الجرّاح، والشّرف المرسي.
وماتت في الثّغر في شعبان.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (183) و «الدّرر الكامنة» (3/ 178- 179) .
[2] انظر «تتمة المختصر في أخبار البشر» (2/ 419) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (168) و «الدّرر الكامنة» (3/ 269) .(8/169)
وفيها نجم الدّين هاشم بن عبد الله البعلي الشّافعي [1] .
قرأ الأصول، والفقه.
ومن نظمه:
ولقد سمعت بسكّر من وصلكم [2] ... فعساكم أن تجعلوه مكرّرا
وأظنّه حلوا لذيذا طعمه ... إذ كنت أسمع بالوصال ولا أرى
وفيها العدل بدر الدّين يوسف بن عمر الختني [3] .
سمع من ابن رواج حضورا، وصالح المدلجي، والبكري، والرّشيد، والمرسي، وابن اللّمط الذي سمع من أبي جعفر الصّيدلاني، وتفرّد بأشياء.
وتوفي بمصر في صفر عن أربع وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 399- 400) .
[2] في «الدّرر الكامنة» : «من فضلكم» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (167) و «النجوم الزاهرة» (9/ 287) و «الدّرر الكامنة» (4/ 466) .(8/170)
سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة
فيها جاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمّام النائب بظاهرها نحو المائتين من نساء وأولاد.
وفيها توفي العلّامة رضي الدّين المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرّومي [1] الحنفي مدرّس القيمازية. حجّ سبع مرّات. كان مفتيا، له علم وفضل، وتلامذة.
وتوفي بدمشق عن ست وثمانين سنة.
وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل، الشيخ العلّامة المقرئ الشّافعي الرّبعي الجعبري [2] شيخ بلد الخليل.
ولد بجعبر في حدود سنة أربعين وستمائة، وتلا بالسّبع على أبي الحسن الوجوهي، وبالعشر على المنتخب التّكريتي، وسمع ببغداد من جماعة وحفظ «التعجيز» وعرضه على مصنّفه وأخذ عنه الفقه.
ثم قدم دمشق، وسمع من جماعة، وخرّج له البرزالي «مشيخة» .
ثم دخل إلى بلد الخليل عليه السلام، وأقام به مدة طويلة نحو أربعين سنة، ورحل الناس إليه.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (172) و «الجواهر المضية» (1/ 39) و «الدّرر الكامنة» (1/ 27) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (60- 61) و «معجم الشيوخ» (1/ 147- 148) و «ذيول العبر» ص (174- 175) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 398- 399) و «الدّرر الكامنة» (1/ 50- 51) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 385- 386) و «غربال الزّمان» ص (598- 599) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 318- 320) .(8/171)
وروى عنه السّبكي، والذهبي، وخلائق.
وصنف التصانيف الكثيرة، منها «شرح الشاطبية» و «شرح الرائية» واختصر «مختصر ابن الحاجب» و «مقدمته» في النحو، وحسبك قدرة على الاختصار من مختصر ابن الحاجب والحاجبية. وكمّل «شرح التعجيز» فإن مصنّفه لم يكمله كما تقدم.
قال بعضهم: وتصانيفه تقرب المائة.
وذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: العلّامة ذو الفنون، مقرئ الشام، له التصانيف المتقنة في القراءات، والحديث، والأصول، والعربية، والتاريخ، وغير ذلك. وله مصنّف مؤلّف في علوم الحديث [1] .
توفي في بلد الخليل في شهر رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة.
وفيها عماد الدّين إبراهيم بن يحيى بن الكيّال الدّمشقي الحنفي [2] .
قرأ على ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وأيوب الحمّامي، وعدة.
وكان محدّثا، إماما، عالما، فصيحا، خدم في المواريث، وحصّل، ثم تاب وحجّ، وأمّ بالرّبوة وغيرها.
وتوفي في ربيع الآخرة عن سبع وثمانين سنة.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن الفخر البعلبكي السّكاكيني [3] .
روى عن خطيب مردا، وابن عبد الدائم. وروى كثيرا وكان مقرئا صالحا تقيا.
توفي بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة.
وفيها صاحب حماة الملك المؤيد عماد الدّين إسماعيل بن الأفضل
__________
[1] قلت: واسم مصنّفه المذكور «رسوم التحديث» ولدي مصورة نسخته الخطية وفي النيّة تحقيقه إن شاء الله تعالى.
[2] انظر «المعجم المختص» ص (68) و «معجم الشيوخ» (1/ 161) و «ذيول العبر» ص (172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 76- 77) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (171) .(8/172)
علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه ابن أيوب بن شاذي [1] ، العالم العلّامة المفنّن الشّافعي السّلطان.
مولده في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة، كما ذكره هو في «تاريخه» .
قال ابن قاضي شهبة: اشتغل في العلوم، وتفنّن فيها، وصنّف التصانيف المشهورة، منها «التاريخ» في ثلاث مجلدات، و «العروض والأطوال والكلام على البلدان» في مجلد، وله نظم «الحاوي الصغير» وكتاب «الكناش» مجلدات كثيرة.
ولي مملكة حماة في سنة عشرين إلى أن توفي، وكان الملك الناصر يكرمه ويحترمه ويعظّمه.
وله شعر حسن.
وكان جوادا، ممدّحا، امتدحه غير واحد.
وقال ابن كثير: وله مصنفات عديدة، وكان يحب العلماء ويقصدونه لفنون كثيرة، وكان من فضلاء بني أيوب الأعيان منهم.
وذكر له الإسنوي في «طبقاته» ترجمة عظيمة، وقال: كان جامعا لأشتات العلوم، أعجوبة من أعاجيب الدّنيا، ماهرا في الفقه، والتفسير، والأصلين، والنّحو، وعلم الميقات، والفلسفة، والمنطق، والطبّ، والعروض، والتاريخ، وغير ذلك من العلوم. شاعرا، ماهرا، كريما إلى الغاية. صنّف في كل علم تصنيفا أو تصانيف.
توفي في المحرّم فجأة عن ستين سنة إلّا ثلاثة أشهر وأياما.
وفيها سراج الدّين أبو عبد الله الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السّري الدّجيلي- بضم المهملة، وفتح الجيم، وسكون التحتية، نسبة إلى
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (170- 171) و «النجوم الزاهرة» (9/ 292- 294) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 403- 407) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 455) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 336- 338) و «الدّرر الكامنة» (1/ 371) .(8/173)
دجيل نهر كبير بنواحي بغداد على قرى كثيرة- ثم البغدادي [1] الفقيه الحنبلي المقرئ الفرضي النّحوي الأديب.
ولد سنة أربع وستين وستمائة، وحفظ القرآن في صباه، ويقال: إنه تلقّن سورة البقرة في مجلسين والحواميم في سبعة أيام، وسمع الحديث ببغداد من إسماعيل بن الطبّال، ومفيد الدّين الحربي الضّرير، وابن الدّواليني، وغيرهم، وبدمشق من المزّي. الحافظ وغيره، وله إجازة من الكمال البزّار وجماعة من القدماء، وحفظ كتبا في العلوم، منها: «المقنع» في الفقه، و «الشاطبية» و «الألفيتان» و «مقامات الحريري» و «عروض» ابن الحاجب، و «الدريدية» و «مقدمة في الحساب» وقرأ الأصلين، وعني بالعربية، واللّغة، وعلوم الأدب.
وتفقه على الزّريراتي. وكان في مبدأ أمره يسلك طريق الزّهد والتقشف البليغ والعبادة الكثيرة، ثم فتحت عليه الدّنيا. وكان له مع ذلك أوراد ونوافل، وصنّف كتاب «الوجيز في الفقه» وعرضه على شيخه الزّريراتي. وصنّف كتاب «نزهة الناظر» وكتاب «تنبيه الغافلين» وغير ذلك.
وتوفي ليلة السبت سادس ربيع الأول، ودفن بالشهيد [2] قرية من أعمال دجيل.
وفيها وجيهيّة [3] بنت علي بن يحيى ابن علي بن سلطان الأنصارية البوصيرية. وتدعى زين الدّور [4] . روت عن أحمد بن النحّاس، وبالإجازة عن يوسف الشّاوي، والأمير يعقوب الهدباني.
وتوفيت بالإسكندرية في رجب.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 417- 418) و «المقصد الأرشد» (1/ 349- 350) .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «بالشهيد» وفي «طبقات الحنابلة» : «بالشهيل» ولم أقف على ذكر لها في المصادر والمراجع التي بين يدي.
[3] في «آ» و «ط» : «وجيهة» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (174) و «الدّرر الكامنة» (4/ 406) .(8/174)
وفيها كبير الطبّ أمين الدّين سليمان بن داود [1] في عشر التسعين.
وكان فاضلا طبيبا درس بالدخوارية.
وفيها قاضي الحنابلة شرف الدّين عبد الله بن حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] .
قرأ على ابن عبد الهادي، واليلداني، وخطيب مردا، وإبراهيم بن خليل، وغيرهم، وروى عنهم. وأجاز له جماعة، وطلب بنفسه، وتفقه، وأفتى، وناب في الحكم عن أخيه، ثم عن ابن مسلم مدة، ولازمهما [3] . ثم ولي القضاء في آخر عمره مستقلا فوق سنة، ودرّس بالصّاحبية. وولي مشيخة الحديث بالصّادرية والعالمية.
وكان فقيها، عالما، صالحا، خيرا، منفردا بنفسه، ذا فضيلة جيدة، حسن القراءة، حميد السيرة في القضاء وحدّث. وسمع منه الذّهبي وخلق.
وتوفي فجأة وهو يتوضأ للمغرب آخر نهار الأربعاء، مستهل جمادى الأولى، ودفن بتربة الشيخ أبي عمر. وكان قد حكم ذلك اليوم بالمدينة وتوجه آخر النهار إلى السّفح.
وفيها أبو محمد وأبو الفرج، عبد الرحمن بن أبي محمد بن محمد بن سلطان بن محمد بن علي القرامزي [4] العابد الحنبلي.
ولد سنة أربع وأربعين وستمائة تقريبا، وقرأ بالروايات، وسمع ابن عبد الدائم، وإسماعيل بن أبي اليسر وجماعة. وتفقه في المذهب، ثم تزهّد وأقبل
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (174) و «الدّرر الكامنة» (2/ 151) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 132) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (172- 173) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 418- 419) و «الدّرر الكامنة» (2/ 255- 256) و «المقصد الأرشد» (2/ 33- 34) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «ولا مهما» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (170) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 416) و «الدّرر الكامنة» (2/ 346) و «المقصد الأرشد» (2/ 109- 110) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 85) .(8/175)
على العبادة، والطّاعة، وملازمة الجامع، وكثرة الصّلوات. واشتهر بذلك، وصار له قبول وعظمة عند الأكابر.
وقد غمزه الذهبي بأنه نال بذلك سعادة دنيوية، وتمتّع بالدنيا وشهواتها التي لا تناسب الزّاهدين.
قال: وسمعت منه «اقتضاء العلم» [1] للخطيب. وكان قويّ النّفس، لا يقوم لأحد، وله محبّون، ومن حسناته أنه كان من اللّاعنين للاتحادية. انتهى.
توفي مستهل المحرّم ببستانه بأرض جوبر، ودفن بمقبرة باب الصّغير.
وفيها عزّ الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر بن قدامة المقدسي [2] الحنبلي الفرضي الزّاهد القدوة.
ولد في تاسع عشر جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدائم وغيره، وحجّ صحبة الشّيخ شمس الدّين بن أبي عمر. وكمّل عليه قراءة «المقنع» بالمدينة النّبوية. وحجّ بعد ذلك مرات.
وسمع منه الذهبي، وذكره في «معجمه» [3] فقال: كان فقيها، عالما، متواضعا، صالحا، على طريقة سلفه. وكان عارفا بمذهب أحمد، له فهم ومعرفة تامّة بالفرائض، وفيه تودّد وانطباع وعدم تكلّف.
أخذ عنه الفرائض جماعة وانتفعوا به.
وتوفي في ثامن شهر رجب ودفن بتربة الشيخ أبي عمر.
وفيها فخر الدّين أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن
__________
[1] وهو مطبوع منذ سنوات في المكتب الإسلامي بدمشق بتخريج الأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني.
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 419) و «الدّرر الكامنة» (2/ 321) و «المقصد الأرشد» (2/ 79- 80) .
[3] لم أجد ترجمته لا في «معجم الشيوخ» الذي بين يدي، ولا في «المعجم المختص» .(8/176)
يوسف بن محمد بن نصر البعلي ثم الدمشقي [1] الحنبلي الفقيه المحدّث.
ولد يوم الخميس رابع عشري ربيع آخر سنة خمس وثمانين وستمائة، وسمع من ابن البخاري في الخامسة، ومن الشيخ تقي الدّين الواسطي، وعمر بن القوّاص، وعني بالحديث، وارتحل فيه مرات. وكتب العالي والنّازل، وخرّج لغير واحد من الشيوخ، وأفاد. وتفقّه وأفتى في آخر عمره، وولي مشيخة الصّدرية والإعادة بالمسمارية.
وسمع منه الذهبي وجماعة، وكان فقيها محدّثا، كثير الاشتغال بالعلم، عفيفا، ديّنا.
حجّ مرات، وأقام بمكة أشهرا.
وكان مواظبا على قراءة جزئين من القرآن العظيم في الصلاة كل ليلة، وله مؤلفات كثيرة، منها كتاب «الثمر الرّائق المجتنى من الحدائق» وانتفع بمجالسه الناس.
وتوفي يوم الخميس تاسع عشري ذي القعدة ودفن بمقبرة الصوفية ولم يعقب رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري [2] الفقيه الحنبلي المناظر الأصولي.
ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة. وسمع بقراءة والده الكثير بالدّيار المصرية من العزّ الحرّاني، وابن خطيب المزّة، وغازي الحلاوي، وشامية بنت البكري، وغيرهم. وبدمشق من ابن البخاري، وابن المجاور، وجماعة، وبالإسكندرية من العراقي.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (175- 176) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 419- 420) و «الدّرر الكامنة» (2/ 342- 343) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (176) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 420- 421) و «الدّرر الكامنة» (2/ 347) و «المقصد الأرشد» (2/ 111) .(8/177)
وقدم دمشق بنفسه مرّة ثانية فسمع من عمر بن القوّاس وغيره، وعني بالسماع والطلب، وتفقّه بالمذهب حتّى برع. وأفتى وناظر، وأخذ الأصول عن ابن دقيق العيد، والعربية عن ابن النّحّاس، وناب عن والده وغيره في الحكم، ودرّس بالمنصورية، وجامع طولون، وغيرهما. وتصدّر للإشغال. وكان شيخ المذهب بالديار المصرية، وله مشاركة في التفسير، والحديث، مع الدّيانة والورع والجلالة، معدّ من العلماء العاملين، وحدّث، وسمع منه جماعة.
وتوفي يوم الجمعة سادس عشري ذي الحجّة بالمدرسة الصّالحية بالقاهرة، ودفن إلى جانب والده بالقرافة.
وفيها العلّامة شهاب الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر [1] المالكي البغدادي.
مدرّس المستنصرية، وله ثمان وثمانون سنة.
وفيها الإمام تاج الدّين أبو القاسم عبد الغفّار بن محمد بن عبد الكافي السّعدي الشّافعي [2] .
سمع ابن أبي عصرون، والنّجيب، وعدّة، وخرّج «التساعيات» و «أربعين مسلسلات» وطلب وكتب الكثير، وتميّز وأتقن، وولي مشيخة الصّاحبة، وأفتى، ونسخ نحوا من خمسمائة مجلد، وخرّج لشيوخ.
ومات بمصر في ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها محيي الدّين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن إبراهيم المقريزي البعلي [3] الحنبلي المحدّث الفقيه.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 344) و «الأعلام» (3/ 329) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (171) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 85- 87) و «الدّرر الكامنة» (2/ 386- 387) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 85) .
[3] انظر «المعجم المختص» ص (149) و «ذيول العبر» ص (172) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 416) و «الدّرر الكامنة» (2/ 391- 392) و «المقصد الأرشد» (2/ 191- 192) .(8/178)
ولد في حدود سنة سبع وسبعين وستمائة، وسمع بدمشق من عمر بن القوّاس وطائفة، وبمصر من سبط زيادة، وغيره وعني بالحديث، وقرأ وكتب بخطّه كثيرا، وخرّج وتفقه.
قال الذهبي: له مشاركة في علوم الإسلام، ومشيخة الحديث بالبهائية، وغير ذلك. علّقت عنه فوائد، وسمع منه جماعة.
وتوفي ليلة الاثنين ثامن عشر ربيع الأول، ودفن بمقبرة الصّوفية بالقرب من قبر الشيخ تقي الدّين [ابن تيمية] [1] رحمهما الله تعالى.
وفيها العدل نور الدّين علي بن التاج إسماعيل بن قريش المخزومي [2] .
سمع الزكي المنذري، والرّشيد، وشيخ شيوخ حماة، وابن عبد السّلام.
وحضر عبد المحسن بن مرتفع في الرابعة.
وكان صالحا، مكثرا.
توفي بمصر في رجب عن ثمانين سنة.
وفيها الشيخ بدر الدّين محمد بن أسعد التّستري [3]- بمثناتين فوقيتين بينهما سين مهملة نسبة إلى تستر مدينة بقرب شيراز- الشافعي.
أخذ عنه الإسنوي، وقال: كان فقيها، إمام زمانه في الأصلين والمنطق [والحكمة، محقّقا، مدقّقا، وكان أعجوبة في معرفة مصنّفات متعددة بخصوصها] مطّلعا على أسرارها، ووضع على كثير منها تعاليق متضمنة لنكت غريبة، وإن كانت عبارته [4] قلقة ركيكة، منها: «شرح ابن الحاجب» و «شرح البيضاوي» و «المطالع» و «الطوالع» و «الغاية القصوى» .
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (173- 174) و «الدّرر الكامنة» (3/ 23- 24) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 319- 321) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 374- 375) و «الدّرر الكامنة» (3/ 383- 384) .
[4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «عباراتها» .(8/179)
وشرح أيضا «كتاب ابن سينا» .
أقام بقزوين يدرّس نحو عشر سنين، وقدم الدّيار المصرية في أوائل سنة سبع وعشرين وسبعمائة فأقام بها أشهرا قلائل ثم رجع إلى العراق.
وكان يصيف بهمذان، ويشتي ببغداد لحرارتها.
وتوفي بهمذان في نيّف وثلاثين وسبعمائة.
قال: وكان مداوما على لعب الشطرنج، رافضيا، كثير التّرك للصلاة، ولهذا لم تكن عليه أنوار أهل العلم، ولا حسن هيئتهم مع ثروة زائدة، وحسن شكالة. انتهى.
وفيها قاضي القضاة علم الدّين محمد بن قاضي القضاة شمس الدّين أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة السّعديّ الإخنائي المصري الشافعي [1] .
ولد في رجب سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة، وسمع الكثير، وأخذ عن الدّمياطي وغيره، وولي قضاء الإسكندرية ثم الشام بعد وفاة القونوي.
قال الذهبي في «معجمه» : من نبلاء العلماء، وقضاة السّداد، وقد شرع في تفسير القرآن، وجملة من «صحيح البخاري» وكان أحد الأذكياء. وكان يبالغ في الاحتجاب عن الحاجات، فتتعطل أمور كثيرة، ودائرة علمه ضيقة لكنه وقور قليل الشرّ.
وقال في «العبر» : كان ديّنا، عادلا. حدّث بالكثير.
وقال ابن كثير: كان عفيفا، نزها، ذكيا، شاذّ العبارة، محبّا للفضائل، معظما لأهلها، كثير الاستماع للحديث في العادلية الكبرى، خيّرا، ديّنا.
توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون بتربة العادل كتبغا.
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 320- 321) و «المعجم المختص» ص (270) و «ذيول العبر» ص (175) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 309) و «الوافي بالوفيات» (2/ 269) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 373) و «الدّرر الكامنة» (3/ 407) .(8/180)
وفيها ناظر الجيش الصّدر قطب الدّين موسى بن أحمد بن شيخ السّلامية [1] .
كان من رجال الدّهر، وله فضل وخبرة.
وتوفي بدمشق في ذي الحجّة، ودفن بتربة مليحة أنشأها. قاله في «العبر» .
وفيها زاهد الإسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشّاذلي [2] صاحب أبي العبّاس المرسي.
كان من مشاهير الزّهّاد، وكان يقول: أنا أعلم الخلق بلا إله إلا الله.
توفي بالإسكندرية عن ثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (176) و «النجوم الزاهرة» (9/ 298) و «الدّرر الكامنة» (4/ 372) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 250) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (172) و «النجوم الزاهرة» (9/ 295) و «الدّرر الكامنة» (4/ 408) و «حسن المحاضرة» (1/ 525) .(8/181)
سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة
فيها توفي الفاضل أبو إسحاق إبراهيم بن شمس الدّين الفاشوشة الكتبي [1] .
اشتغل بالعربية والأدب.
ومن شعره في المشمش:
قد أتى سيّد الفواكه في ثو ... ب نضار والشّهد منه يفور
يشبه العاشق المتيّم حالا ... أصفر اللّون قلبه مكسور
وفيها الرئيس المعمّر تاج الدّين أحمد بن المحدّث إدريس بن محمد بن مزيز [2] الحموي [3] .
ذكر لوزارة بلده، وسمع من صفية حضورا، وبدمشق من ابن علّان، واليلداني، ومحمد بن عبد الهادي، وعدة. وأجاز له إبراهيم بن الخير، وابن العلّيق. وكان صدرا، رئيسا، محتشما.
توفي بحماة في رمضان عن تسعين سنة وشهرين.
وفيها الشيخ شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن
__________
[1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «مزين» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 36- 37) و «ذيول العبر» ص (179) و «الدّرر الكامنة» (1/ 102) .(8/182)
طاهر بن نصر بن جهبل الشافعي الحلبي الأصل الدمشقي، المعروف بابن جهبل [1] .
ولد سنة سبعين وستمائة، وسمع من جماعة واشتغل بالعلم، ولزم الشيخ صدر الدّين بن المرحّل، وأخذ عن الشيخ شرف الدّين المقدسي وغيره، ودرّس بصلاحية القدس الشريف مدة ثم تركها، وتحوّل إلى دمشق، فباشر مشيخة دار الحديث الظّاهرية، ثم ولي تدريس البادرائية بعد وفاة الشيخ برهان الدّين، وترك المشيخة المذكورة، واستمرّ في تدريس البادرائية إلى أن مات.
قال ابن كثير: ولم يأخذ معلوما من واحدة منهما. قال: وكان من أعيان الفقهاء وفضلائهم.
وقال السبكي: درّس، وأفتى، وأشغل مدّة بالعلم بالقدس ودمشق. وحدّث وسمع منه الحافظ علم الدّين البرزالي. قال: ووقفت له على تصنيف في نفي الجهة ردّا على ابن تيميّة لا بأس به، وسرده بمجموعة في «الطبقات الكبرى» في نحو كرّاسين.
توفي بدمشق في جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها الأمير الكبير بكتمر السّاقي [2] بدرب الحجاز بعيون القصب، ثم حمل فدفن بالتّربة التي أنشأها بالقرافة.
كان له عند السلطان مكانة عظيمة لا يفترقان، إما أن يكون عند السلطان أو السلطان عنده.
وكان فيه خير وسياسة وقضاء لحوائج الناس.
وكان في اصطبله مائة سطل لمائة سائس كل سائس على ستة رؤوس من الخيل العتاق، وبيع من خيله بما لا يحصى وقومت زردخاناه على الأمير قوصون
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (178- 179) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 34) و «الدّرر الكامنة» (1/ 329) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 334- 335) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (176- 177) و «النجوم الزاهرة» (9/ 300) والدّرر الكامنة» (1/ 486- 487) .(8/183)
بستمائة ألف دينار، وأخذ السلطان ثلاثة صناديق جوهر ليس لها قيمة، وأبيع له من كل نوع بما لا يحصى [1] .
وفيها أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى [2] أخت القاضي نجم الدّين. سمعت من مكّي بن علّان، وتفرّدت وحجّت مرارا.
وتوفيت بدمشق في ذي الحجّة عن خمس وتسعين سنة، وكانت مسندة ذات صدقات وفضل، رحمها الله تعالى.
وفيها الإمام القدوة الولي الشيخ علي ابن الحسن الواسطي الشافعي [3] .
كان من أعبد البشر، حجّ واعتمر أزيد من ألف مرّة، وتلا أزيد من أربعة آلاف ختمة، وطاف مرّات في اللّيل سبعين أسبوعا [4] .
ومات ببدر محرما، رحمه الله تعالى. قاله في «العبر» .
وفيها الإمام المحدّث العدل شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن غنائم بن المهندس الصالحي الحنفي [5] سمع من ابن أبي عمر، وابن شيبان فمن بعدهما، وكتب الكثير، ورحل، وخرّج وتعب، ونسخ «تهذيب الكمال» [6] مرتين. مع الدّين والتواضع، ومعرفة الشّروط.
وتوفي في شوال عن ثمان وستين سنة.
وفيها قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدّين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله الكناني الحموي الشافعي [7] .
__________
[1] في «ط» : «بما لا يحصر» .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 187- 188) و «ذيول العبر» ص (180) و «الدّرر الكامنة» (1/ 360- 361) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 24- 25) و «ذيول العبر» (179- 180) و «مرآة الجنان» (4/ 290) و (الدّرر الكامنة» (3/ 37) .
[4] أقول: في هذه الأوصاف مبالغات كثيرة. (ع) .
[5] انظر «المعجم المختص» ص (210- 211) و «معجم الشيوخ» (2/ 135- 136) و «ذيول العبر» ص (179) و «الوافي بالوفيات» (2/ 21) و «الدّرر الكامنة» 3/ 291- 292) .
[6] وهو للحافظ للمزّي.
[7] انظر «المعجم المختص» ص (209- 210) و «معجم الشيوخ» (2/ 130- 131) و «ذيول العبر»(8/184)
ولد في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة بحماة، وسمع الكثير، واشتغل، وأفتى، ودرّس. وأخذ أكثر علومه بالقاهرة عن القاضي تقي الدّين بن رزين. وقرأ النحو على الشيخ جمال الدّين بن مالك.
وولي قضاء القدس سنة سبع وثمانين، ثم نقل إلى قضاء الدّيار المصرية سنة تسعين، وجمع له بين القضاء ومشيخة الشيوخ. ثم نقل إلى دمشق وجمع له بين القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ. ثم أعيد إلى قضاء الدّيار المصرية بعد وفاة ابن دقيق العيد. ولما عاد الملك الناصر من الكرك عزله مدة سنة ثم أعيد، وعمي في أثناء سنة سبع وعشرين فصرف عن القضاء، واستمرّ معه تدريس الزاوية بمصر، وانقطع بمنزله بمصر قريبا من ست سنين يسمع عليه، ويتبرك به إلى أن توفي.
قال الذهبي في «معجم شيوخه» : قاضي القضاة، شيخ الإسلام، الخطيب المفسّر، له تعاليق في الفقه، والحديث، والأصول، والتواريخ، وغير ذلك، وله مشاركة حسنة في علوم الإسلام، مع دين، وتعبّد، وتصوّن، وأوصاف حميدة، وأحكام محمودة، وله النّظم، والنّثر، والخطب، والتلامذة، والجلالة الوافرة، والعقل التّام الرّضي، فالله تعالى يحسن له العاقبة، وهو أشعريّ فاضل.
وقال السّبكي في «الطبقات الكبرى» : حاكم الإقليمين مصرا وشاما، وناظم عقد الفخار الذي لا يسامى، متحلّ بالعفاف إلّا عن مقدار الكفاف، محدّث، فقيه، ذو عقل لا تقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه.
ومن نظمه قوله:
لمّا تمكّن في فؤادي حبّه ... عاتبت قلبي في هواه ولمته
فرثى له طرفي وقال أنا الذي ... قد كنت في شرك الرّدى أوقعته
عاينت حسنا باهرا فاقتادني ... قسرا إليه عند ما أبصرته
__________
ص (178) و «النجوم الزاهرة» (9/ 298) و «الوافي بالوفيات» (2/ 18- 20) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 139- 146) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 369- 371) و «الدّرر الكامنة» (3/ 280- 283) .(8/185)
توفي في جمادى الأولى، ودفن قريبا من الإمام الشافعي، رضي الله عنهما، وله أربع وتسعون سنة.
وفيها تقي الدّين أبو الثناء محمود بن علي بن محمود بن مقبل بن سليمان بن داود الدّقوقي ثم البغدادي [1] الحنبلي المحدّث الحافظ.
ولد بكرة نهار الاثنين سادس عشري جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستمائة. وسمع الكثير بإفادة والده من عبد الصّمد بن أبي الجيش، وعلي بن وضاح، وابن السّاعي، وعبد الله بن بلدجي، وعبد الجبار بن عكبر، وغيرهم، وأجاز له جماعة كثيرة من أهل العراق والشام، ثم طلب بنفسه، وقرأ ما لا يوصف كثرة.
وكان يجتمع عنده في قراءة الحديث آلاف. وانتهى إليه علم الحديث والوعظ ببغداد، ولم يكن بها في وقته أحسن قراءة للحديث منه ولا معرفة بلغاته وضبطه، وله اليد الطّولى في النّظم والثّر وإنشاء الخطب.
وكان لطيفا، حلو النّادرة، مليح الفكاهة، ذا حرمة، وجلالة، وهيبة، ومنزلة، عند الأكابر.
وجمع عدة «أربعينيات» في معان مختلفة. وله كتاب «مطالع الأنوار في الأخبار والآثار الخالية عن السند والتكرار» وكتاب «الكواكب الدّرّية في المناقب العلوية» وتخرّج به جماعة في علم الحديث، وانتفعوا به، وسمع منه خلق، وحدّث عنه طائفة.
وتوفي يوم الاثنين بعد العصر عشرين المحرم ببغداد رحمه الله.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (277- 278) و «ذيول العبر» ص (177- 178) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 421- 423) و «الدّرر الكامنة» (4/ 330) و «المقصد الأرشد» (2/ 549) .(8/186)
سنة أربع وثلاثين وسبعمائة
فيها جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال وعشرين فرسا، وخرّب أماكن.
وفيها توفي قاضي القضاة جمال الدّين سليمان بن عمر بن سالم بن عمرو بن عثمان الزّرعي الشافعي [1] .
قال السّبكي: سمع من عبد الدائم، والجمال بن الصّيرفي وغيرهما، وولي قضاء زرع مدة، ثم تنقلت به الأحوال، وهو قوي النّفس، لا يطلب رزقا. عفيفا في أحكامه، ثم ولي هو قضاء القضاة بالدّيار المصرية عن ابن جماعة، ثم ولي قضاء الشام بعد ابن صصرى، ثم عزل بعد عام، وبقي شيخ الشيوخ ومدرّس الأتابكية.
وتوفي بالقاهرة في صفر عن تسع وثمانين سنة.
وقال الذهبي: كان مليح الشكل، وافر الحرمة، قليل العلم لكنه حكام.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلي [2] الفقيه الزّاهد.
قال ابن رجب: ولد سنة خمس وسبعين وستمائة، وسمع الحديث، وتفقه على الشيخ تقي الدّين وغيره، وبرع وأفتى، وكان إماما عارفا بالفقه وغوامضه، والأصول، والحديث، والعربية، والتّصوف، زاهدا، عابدا، ورعا، متألها، ربّانيا.
صحب الشيخ عماد الدّين الواسطي، وتخرّج به في السّلوك، وتذكر له أحوال وكرامات.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (181) و «معجم الشيوخ» (1/ 271- 272) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (310) و «النجوم الزاهرة» (9/ 304) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 39- 40) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (140- 141) و «الدّرر الكامنة» (2/ 347) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 419) .(8/187)
ويقال: إنه كان يطّلع على ليلة القدر كلّ سنة، وقد نالته محنة مرّة بسبب حال حصل له.
وصنف كتابا في الأحكام على أبواب المقنع سمّاه «المطلع» وشرح قطعة من أول «المقنع» ، وجمع «زوائد المحرر على المقنع» وله كلام في التصوف، وحدّث بشيء من مصنفاته.
وتوفي في منتصف صفر ببعلبك ودفن بباب سطحا.
وفيها نجم الدّين أبو عمر عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر اللّخمي المصري القبابي [1]- وقباب قرية من قرى الصّعيد- الحنبلي، الفقيه الزاهد العابد القدوة.
قال ابن رجب: كان رجلا صالحا، زاهدا، عابدا، قدوة، عارفا، فقيها، ذا فضل ومعرفة، وله اشتغال بالمذهب أقام بحماة في زاوية يزار بها، وكان معظّما عند الخاص والعام، وأئمة وقته يثنون عليه، كالشيخ تقي الدين بن تيميّة وغيره، وكان أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر، من العلماء الربّانيين وبقايا السّلف الصّالحين. وله كلام حسن يؤثر عنه.
توفي في آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب بحماة، وكانت جنازته مشهودة ودفن شمالي البلد.
وتوفي ولده الإمام سراج الدّين عمر [2] بالقدس.
وكان جامعا بين العلم والعمل، واشتغل وانتفع بابن تيمية، ولم أر على طريقته في الصّلاح مثله، رحمه الله تعالى. انتهى كلام ابن رجب.
وفيها عماد الدّين أبو حفص عمر بن عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (182) و «معجم الشيوخ» (1/ 359) و «الإعلام بوفيات الأعلام» و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 425) و «الدّرر الكامنة» (2/ 327) و «المقصد الأرشد» (2/ 87) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 168) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 425) و «المقصد الأرشد» (2/ 302- 303) .(8/188)
علي بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن القرشي الزهري النّابلسي [1] الخطيب الشّافعي الإمام قاضي نابلس. تفقّه بدمشق وأذن له بالفتوى، وانتقل إلى نابلس، وولي خطابة القدس مدة طويلة وقضاء نابلس معها، ثم ولي قضاء القدس في آخر عمره.
قال ابن كثير: له اشتغال وفضيلة. وشرح «مسلما» في مجلدات. وكان سريع الحفظ، سريع الكتابة.
مات في المحرم ودفن بتربة ماملا.
وفيها- كما قال في «العبر» - الشيخ الضّال محمد بن عبد الرحمن السّيوفي [2] ، صاحب ابن سبعين. هلك به جماعة. انتهى.
وفيها فتح الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن [أحمد بن] [3] عبد الله بن محمد بن يحيى ابن سيّد النّاس الشافعي الإمام الحافظ اليعمري الأندلسيّ الإشبيليّ المصري، المعروف بابن سيّد الناس [4] .
قال ابن قاضي شهبة: ولد في ذي القعدة، وقيل في ذي الحجّة سنة إحدى وسبعين وستمائة بالقاهرة، وسمع الكثير من الجمّ الغفير، وتفقه على مذهب الشافعي. وأخذ علم الحديث عن والده، وابن دقيق العيد، ولازمه سنين كثيرة، وتخرّج عليه، وقرأ عليه أصول الفقه، وقرأ النّحو على ابن النحّاس، وولي دار الحديث بجامع الصالح، وخطب بجامع الخندق، وصنّف كتبا نفيسة: منها السيرة الكبرى سماها «عيون الأثر» في مجلدين، واختصره في كراريس وسماه
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 363) و «البداية والنهاية» (14/ 167) و «الدّرر الكامنة» (3/ 169- 170) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (182) .
[3] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (182) و «المعجم المختص» ص (260- 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (380) و «النجوم الزاهرة» (9/ 303) و «فوات الوفيات» (2/ 169) و «الوافي بالوفيات» (1/ 289) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 268- 272) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 510- 511) و «الدّرر الكامنة» (4/ 208) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 390- 392) .(8/189)
«نور العيون» [1] وشرح قطعة من «كتاب الترمذي» إلى كتاب الصلاة في مجلدين، وصنّف في منع بيع أمهات الأولاد مجلدا ضخما يدلّ على علم كثير.
وذكره الذهبي في «معجمه المختص» : وقال أحد أئمة هذا الشأن، كتب بخطه المليح كثيرا، وخرّج، وصنّف، وصحّح وعلّل، وفرّع وأصّل، وقال الشعر البديع وكان حلو النادرة، حسن المحاضرة [2] ، جالسته وسمعت قراءته وأجاز لي مروياته، عليه مآخذ في دينه وهديه، فالله يصلحه وإيانا.
وقال ابن كثير: اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث، والفقه، والنحو، وعلم السير، والتاريخ، وغير ذلك، وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين، وقد حرّر وحبّر وأجاد وأفاد، ولم يسلم من بعض الانتقاد، وله الشعر والنثر الفائق، وحسن التّصنيف، والتّرصيف، والتعبير، وجودة البديهة، وحسن الطويّة، والعقيدة السّلفية، والاقتداء للأحاديث النبوية.
وتذكر عنه شؤون أخر الله يتولاه فيها، ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ الأسانيد، والمتون، والعلل، والفقه، والملح والأشعار، والحكايات.
وقال صاحب «البدر السافر» : وخالط أهل السّفه وشرّاب المدام، فوقع في الملام، ورشق بسهام الكلام، والناس معادن والقرين يكرم ويهين باعتبار المقارن.
قال: ولم يخلّف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه، ولا من يبلغ في ذلك مرامه، أعقبه الله السلامة، في دار الإقامة.
وقال ابن ناصر الدّين [3] : كان إماما، حافظا، عجيبا، مصنّفا، بارعا، شاعرا، أديبا. دخل عليه واحد من الإخوان يوم السبت حادي عشر شعبان، فقام لدخوله ثم سقط من قامته، فلقف ثلاث لقفات، ومات من ساعته، ودفن بالقرافة عند ابن أبي جمرة، رحمهما الله تعالى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «نور العين» والصواب ما أثبته.
[2] في «المعجم المختص» : «كيس المحاضرة» .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (186/ ب) .(8/190)
سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
فيها وقع بحماة حريق كبير ذهبت به الأموال، واحترق مائتان وخمسون دكانا. قاله في «العبر» .
وفيها توفي بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتا برهان الدّين إبراهيم بن محمد الخلاطي الواني الشافعي [1] .
حدّث عن الرّضي بن البرهان، وابن عبد الدائم وجماعة، ومات في صفر عن أكثر من تسعين سنة.
وفيها نصير الدّين أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد الباقي بن عكبر البغدادي [2] المعمّر الحنبلي.
سمع الكثير من عبد الصّمد بن أبي الجيش، وابن وضّاح، وهذه الطبقة.
وحدّث وسمع منه خلق، وتفقه، وأعاد بالمدرسة البشيرية للحنابلة، وأضرّ في آخر عمره، وانقطع في بيته.
وكان يذكر أنه من أولاد عكبر الذي تاب هو وأصحابه من قطع الطرق [3] لرؤيته عصفورا ينقل رطبا من نخلة إلى أخرى حائل، فصعد فنظر حيّة عمياء والعصفور يأتيها برزقها، فتاب هو وأصحابه. ذكره ابن الجوزي في «صفة الصّفوة» [4] .
توفي صاحب الترجمة في جمادى الأولى ببغداد عن خمس وتسعين سنة.
__________
[1] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (310) و «ذيول العبر» ص (185) و «الدّرر الكامنة» (1/ 56) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 171) .
[3] في «ط» : «الطريق» .
[4] وذكر ابن الجوزي قصته في «كتاب التوابين» ص (222- 223) بأطول مما هنا فلتراجع.(8/191)
وفيها الواعظ شمس الدّين حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير [1] . سمع الحافظ عبد العظيم، وعبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي، والنّجيب. وكان حسن المذاكرة والعلم.
توفي بمصر عن أربع وثمانين سنة.
وفيها المعمّرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السّلمية [2] .
روت عن اليلداني، وإبراهيم بن خليل، وابن خطيب القرافة، وغيرهم.
ولها إجازة من السّبط. وروت الكثير وتفرّدت.
وتوفيت في ذي القعدة عن سبع وثمانين سنة.
وفيها مسند الوقت بدر الدّين عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري الدمشقي الشاهد [3] . حدّث عن ابن علّان، والعراقي، والبلخي، وعثمان بن خطيب القرافة، وجماعة، وسماعه صحيح، لكنه لين تفرّد بأشياء.
وتوفي في صفر عن قريب من تسعين سنة.
وفيها أقضى القضاة زين الدّين أبو محمد عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف بن تمّام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري الخزرجي السّبكي المصري، والد الشيخ تقي الدين السّبكي الشافعي [4] .
سمع من جماعة، وقرأ الفروع على الظّهير، والسّديد، والأصول على
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (186) و «النجوم الزاهرة» (9/ 307) و «الدّرر الكامنة» (2/ 50) .
[2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «معجم الشيوخ» (1/ 257- 258) و «ذيول العبر» ص (187) و «الدّرر الكامنة» (2/ 122) و «الوافي بالوفيات» (15/ 68) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 321- 322) و «ذيول العبر» ص (185- 186) و «الوافي بالوفيات» (17/ 47) و «الدّرر الكامنة» (2/ 256) .
[4] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 89- 94) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 348) .(8/192)
القرافي. وتنقل في أعمال الدّيار المصرية، وحدّث بالقاهرة والمحلّة، وخرّج له ولده تقي الدّين مشيخة، حدّث بها.
قال حفيده القاضي تاج الدّين: كان من أعيان نواب القاضي تقي الدّين بن دقيق العيد، وكان رجلا صالحا كثير الذكاء، وله نظم كثير، غالبه زهد ومدح في النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم-.
وتوفي في رجب.
وفيها الحافظ الكبير الإمام قطب الدّين عبد الكريم بن عبد النّور بن منير الحلبي [1] .
تلا بالسبع على إسماعيل المليحي. وسمع من ابن العماد، وإبراهيم المنقري، والعزّ، والفخر علي، وبنت مكّي، وابن الفرات الإسكندراني. وصنّف وخرّج وأفاد، مع الصّيانة، والدّيانة، والأمانة، والتواضع والعلم، ولزوم الاشتغال والتآليف.
حج مرّات.
قال الذهبي: حدّثنا بمنى، وعمل «تاريخا» كبيرا لمصر، بيّض بعضه، وشرح «السيرة» لعبد الغني في مجلدين، وعمل «أربعين تساعيات» و «أربعين متباينات» و «أربعين بلدانيات» ، وعمل معظم «شرح البخاري» في عدة مجلدات، وكان حنفي المذهب، يدرّس بالجامع الحاكمي.
وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة.
وفيها العدل الأديب الفاضل أحمد بن عبد الكريم ابن عبد الصّمد أنو شروان التبريزي الحنفي، عرف المكوشت [2] ، كان يشهد قبالة المسمارية، وعنده معرفة بالشروط، وكتابة حسنة، وله شعر كثير.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (186- 187) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1502) و «معجم الشيوخ» (1/ 412) و «النجوم الزاهرة» (9/ 306) و «الجواهر المضية» (2/ 454- 455) و «الدّرر الكامنة» (2/ 398) .
[2] في «آ» و «ط» : «عرف مكرشت» والتصحيح من «الطبقات السّنية» (1/ 385- 386) وانظر «الدّرر الكامنة» (1/ 177- 178) وفيه المعروف ب «ابن المكوشة» .(8/193)
ومن قوله:
أترى تمثّل طيفك الأحلام ... أم زورة الطّيف الملمّ حرام
يا باخلا بالطّيف في سنة الكرى ... ما وجه بخلك والملاح كرام
لو كنت تدري كيف بات متيّم ... عبثت به في حبّك الأسقام
لرحمت كلّ متيّم من أجله ... وعلمت أهل العشق كيف ينام
إن دام هجرك والتّجنّي والقلا ... فعلى الحياة تحيّة وسلام
نار الغرام شديدة لكنّها ... برد على أهل الهوى وسلام
وفيها مفيد الجماعة أمين الدّين محمد بن إبراهيم [1] [الخلاطي الواني] المذكور في أول هذه السنة.
روى المترجم عن الشّرف بن عساكر، وابن الحسن اللمتوني، وابن مؤمن، وعدة، وارتحل مرّات، وحجّ وجاور. وكتب وخرّج، وأفاد، ومات بعد والده بشهر.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن قاسم بن البرزالي البغدادي [2] الفقيه الحنبلي الأصولي الأديب النّحوي.
قرأ الفقه على الشيخ تقي الدّين الزريراتي، وكان إماما، متقنا، بارعا في الفقه، والأصلين، والعربية، والأدب، والتفسير، وغير ذلك، وله نظم حسن وخطّ مليح.
درّس بالمستنصرية بعد شيخه الزّريراتي.
وكان من فضلاء أهل بغداد. وكذلك كان والده أبو الفضل إماما عالما مفتيا صالحا.
توفي أبو عبد الله ببغداد في هذه السنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (185) و «الوافي بالوفيات» (2/ 21) و «الدّرر الكامنة» (3/ 293) و «ذيول تذكرة الحفاظ» ص (15) وما بين الحاصرتين زيادة من ترجمة أبيه المتقدمة في أول هذه السنة.
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 237) .(8/194)
وفيها مجوّد دمشق بهاء الدّين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدّين محمد بن عبد الرحيم السّلمي [1] . كتب «صحيح البخاري» وكان دينا صينا مليح الشكل متواضعا، عمّر سبعا وأربعين سنة. قاله في «العبر» .
وفيها ملك العرب حسام الدّين مهنّا بن الملك عيسى بن مهنّا الطائي [2] بقرب سلمية في ذي القعدة، عن نيف وثمانين سنة، وأقاموا عليه المآتم ولبسوا السواد، وكان فيه خير وتعبّد. قاله في «العبر» أيضا.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (186) و «البداية والنهاية» (14/ 171) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (187) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «الدّرر الكامنة» (4/ 368) .(8/195)
سنة ست وثلاثين وسبعمائة
فيها توفي الشيخ الصّالح أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكّاري الصّرخدي [1] . حدّث عن خطيب مردا، وابن عبد الدائم.
وتوفي في ربيع الأول عن تسعين سنة.
وفيها الرئيس الإمام شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي [2] العشّاب، وزير تونس.
حدّث عن يوسف بن خميس وغيره، وطلب الحديث، وبرع في النّحو وأقرأه.
ومات بالثغر في ربيع الأول عن سبع وثمانين سنة.
وفيها ناظر الخزانة عزّ الدّين أحمد بن الزّين محمد بن أحمد العقيلي بن القلانسي [3] المحتسب.
كان مليح الشكل، متواضعا، نزها، دينا، ورعا. أخذت منه الحسبة عام أول واعتقل لامتناعه من شهادة.
وتوفي بدمشق عن ثلاث وستين سنة.
وفيها كمال الدّين أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (190- 191) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «الدّرر الكامنة» (1/ 165) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (191) و «الدّرر الكامنة» (1/ 241) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (191) .(8/196)
محمد بن هبة الله ابن الشّيرازي [1] الشافعي الصّدر الكبير العالم.
مولده سنة سبعين وستمائة، وسمع من جماعة، وحفظ «مختصر المزني» ، وتفقه على الشيخين تاج الدّين الفزاري، وزين الدّين الفارقي، وقرأ الأصول على الشيخ صفي الدّين الهندي، ودرّس في وقت بالبادرائية مدة يسيرة لما انتقل الشيخ برهان الدّين إلى الخطابة، ودرّس بالشامية البرّانية وبالنّاصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته.
قال الذهبي: كان فيه معرفة وتواضع وصيانة.
وقال ابن كثير: كان صدرا كبيرا، ذكر لقضاء دمشق غير مرة، وكان حسن المباشرة والشكل.
وتوفي في صفر ودفن بتربهم بسفح قاسيون.
وفيها والي دمشق شهاب الدّين أحمد بن سيف الدّين أبي بكر بن برق الدمشقي [2] .
كان جيد السياسة محبّبا إلى الناس، ولي ثلاث عشرة سنة، وحدّث عن ابن علّاق، والمجد بن الخليلي.
وتوفي عن أربع وستين سنة.
ومات بعده بيومين والي البرّ فخر الدّين عثمان بن محمد بن ملك الأمراء شمس الدّين لولو [3] عن أربع وستين سنة أيضا. وكان أجود الرجلين. قاله في «العبر» .
وفيها شيخ الشّيعة الزّين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب [4] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (190) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 331- 332) و «الدّرر الكامنة» (1/ 165) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (192) و «الدّرر الكامنة (1/ 109) و «البداية والنهاية» (14/ 179) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (192) و «التدرر الكامنة» (2/ 450) و «البداية والنهاية» (14/ 176) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (193) .(8/197)
روى عن ابن علّان، وتفقه للشافعي، وترفض، ومات عن اثنتين وسبعين سنة.
وفيها الصّاحب الأمجد [1] .
قال الذهبي: عماد الدين إسماعيل بن محمد بن شيخنا الصّاحب فتح الدّين بن القيسراني.
كان منشئا، بليغا، رئيسا، ديّنا، صيّنا، نزها.
روى عن العزّ الحرّاني وغيره، وهو والد كاتب السرّ القاضي شهاب الدّين.
توفي بدمشق في ذي القعدة عن خمس وستين سنة.
وفيها القان أرياخان [2] الذي تسلطن بعد أبي سعيد. ضربت عنقه صبرا يوم الفطر، وكانت دولته نصف سنة، خرج عليه علي باش، والقان موسى، فالتقوا فأسر المذكور ووزيره الذي سلطنه محمد بن الرّشيد الهمذاني وقتلا صبرا. وكان المصافّ في وسط رمضان فدقت لذلك البشائر بدمشق وجاء الرسول بنصرتهم.
قاله في «العبر» .
وفيها القان أبو سعيد بن خربندا ابن أرغون بن أبغا بن هلاكو المغلي [3] .
كان يكتب الخطّ المنسوب، ويجيد ضرب العود، وفيه رأفة وديانة وقلّة شرّ.
هادن سلطان الإسلام وهادنه، وألقى مقاليد الأمور إلى وزيره ابن الرّشيد، وقدم بغداد مرّات، وأحبه الرّعية، وكانت دولته عشرين سنة.
وتوفي بالأزد، ونقل إلى السّلطانية فدفن بتربته، وله بضع وثلاثون سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (193) و «مرآة الجنان» (4/ 292) و «البداية والنهاية» (14/ 176) و «النجوم الزاهرة» (9/ 311) و «الدّرر الكامنة» (1/ 378) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (193) و «الدّرر الكامنة» (1/ 378) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (191- 192) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «النجوم الزاهرة» (9/ 309) .(8/198)
وفيها عائشة بنت محمد بن المسلم الحرّانية [1] أخت محاسن.
روت عن العراقي، والبلخي حضورا. وعن اليلداني، ومحمد بن عبد الهادي. وتفرّدت.
وتوفيت في شوال عن تسعين سنة.
وفيها المسند الرّحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود ابن جامع البندنيجيّ البغداديّ الصّوفي [2] .
سمع «صحيح مسلم» من الباذبيني و «جامع الترمذي» من العفيف بن الهيتي، وأجاز له جماعات، وتفرّد، وأكثروا عنه.
وتوفي بالسميساطية في المحرّم عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها قطب الدّين الأخوين، واسمه محمد بن عمر التّبريزي الشّافعي [3] ، قاضي بغداد.
سمع «شرح السّنّة» [4] من قاضي تبريز محيي الدّين.
وكان ذا فنون ومروءة وذكاء، وكان يرتشي، وعاش ثمانيا وستين سنة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «معجم الشيوخ» (1/ 93) و «مرآة الجنان» (4/ 292) .
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (22/ 141- 142) وذيول العبر» ص (189) و «البداية والنهاية» (14/ 174) و «الدّرر الكامنة» (3/ 119- 121) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (189) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «البداية والنهاية» (14/ 175) و «الدّرر الكامنة» (4/ 10) .
[4] وهو للإمام البغوي، وقد قام بطبعه المكتب الإسلامي بدمشق بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى.(8/199)
سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
فيها أخذ بمصر شمس الدّين بن اللّبّان الشّافعي [1] ، وشهد عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدّم، فرجع ورسم بنفيه.
وفيها قتل على الزّندقة عدوّ الله الحموي الحجّار [2] بحماة وأحرق.
أضلّ جماعة، وقام عليه قاضي القضاة شمس الدّين. قاله في «العبر» .
وفيها الأديب البليغ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن غانم الشّافعي [3] النّاظم النّاثر. دخل اليمن، ومدح الكبار، وخدم في الديوان.
وروى عن ابن عبد الدائم وجماعة، ثم اختلط قبل موته بسنة أو أكثر، وربما ثاب إليه وعيه.
وله نظم ونثر ومعرفة بالتواريخ، وعاش سبعا وثمانين سنة.
ومات قبله بأشهر أخوه الصّدر الإمام علاء الدّين علي بن محمد المنشئ [4] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (194) و «البداية والنهاية (14/ 177) و «الدّرر الكامنة» (3/ 330) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (195) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (196) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «الدّرر الكامنة» (1/ 265) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (195) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «فوات الوفيات» (2/ 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 103) .(8/200)
روى عن ابن عبد الدائم، والزّين خالد، والنّظام ابن البانياسي، وعدة.
وحفظ «التنبيه» . وله النّظم والتّرسل الفائق، والمروءة التّامّة، وكثرة التلاوة، ولزوم الجماعات، والشيبة البهية، والنّفس الزّكية.
باشر الإنشاء ستين سنة، وحدّث بالصحيحين، وحجّ مرات.
وتوفي بتبوك في المحرم عن ست وثمانين سنة.
وفيها محبّ الدّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السّعدي الصّالحي المقدسي الحنبلي بن المحبّ [1] .
ولد يوم الأحد ثاني عشر المحرم، سنة اثنتين وثمانين وستمائة بقاسيون، وأسمعه والده من الفخر بن البخاري، وابن الكمال، وزينب بنت مكّي، وجماعة.
ثم طلب بنفسه وسمع من عمر بن القوّاس، وأبي الفضل بن عساكر، ويوسف الغسولي، وخلق من بعدهم. وذكر أن شيوخه الذين أخذ عنهم نحوا من ألف شيخ.
قال الذهبي: كان فصيح القراءة، جهوري الصّوت، منطلق اللّسان بالآثار، سريع القراءة، طيّب الصّوت بالقرآن، صالحا، خائفا من الله تعالى، صادقا. انتفع الناس بتذكيره ومواعيده.
وذكره أيضا في «معجم شيوخه» [2] وقال: كان شابا، فاضلا، صالحا، في سمعه ثقل ما، وقد حدّث كثيرا، وسمع منه جماعة.
وتوفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول ودفن بالقرب من الشيخ موفق الدّين.
وفيها الزّاهد القدوة شمس الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (196) و «معجم الشيوخ» (1/ 319- 320) و «المعجم المختص» ص (117- 118) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 426) و «الدّرر الكامنة» (2/ 244) و «المقصد الأرشد» (2/ 23) .
[2] لم أر هذا النقل عند الذهبي في «معجم الشيوخ» الذي بين يدي ولا في «المعجم المختص» .(8/201)
يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النّابلسي [1] الفقيه الحنبلي.
ولد سنة تسع وأربعين وستمائة.
وحضر على خطيب مردا، وسمع من عمّ أبيه جمال الدّين عبد الرحمن بن عبد المنعم [2] . وأجاز له سبط السّلفي، وتفقه، وأفتى، وأمّ بمسجد الحنابلة بنابلس نحوا من سبعين سنة. وكان كثير العبادة، حسن الشكل والصّوت، عليه البهاء والوقار. وحدّث وسمع منه طائفة.
وتوفي يوم الخميس ثاني عشري ربيع الآخر بنابلس ودفن بها [3] .
وتوفي قبله في ربيع الأول من السنة بنابلس أيضا الإمام المفتي، عماد الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة [4] .
وفيها قتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن الملك عمر بن عبد الواحد الزّنّاتي البربري [5] .
كان سيء السيرة، قتل أباه، وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السيرة وقبح السريرة، ثم تمكّن وتظلّم. وكان بطلا، شجاعا، تملّك نيفا وعشرين سنة، حاصره سلطان المغرب أبو الحسين المريني مدة ثم برز عبد الرحمن ليكبس المريني، فقتل على جواده في رمضان كهلا. قاله في «العبر» .
وفيها المعمّر الملك أسد الدّين عبد القادر بن عبد العزيز بن السلطان الملك المعظّم [6] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (197) و «النجوم الزاهرة» (9/ 311) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 428) و «الدّرر الكامنة» (2/ 304) و «المقصد الأرشد» (2/ 56- 57) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «عبد المؤمن» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «وتوفي بها» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 428) و «البداية والنهاية» (14/ 178) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (199- 200) و «الدّرر الكامنة» (2/ 348) .
[6] انظر «ذيول العبر» ص (199) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) والبداية(8/202)
روى «السيرة» وأجزاء عن خطيب مردا، وتفرّد. وكان ممتعا بحواسه، مليح الشكل، ما تزوّج ولا تسرّى.
توفي في رمضان عن خمس وتسعين سنة، ودفن بالقدس الشّريف.
وفيها المحدّث المفيد، ناصر الدّين محمد بن طغريل [1] الصّيرفي [2] .
قرأ الكثير، وتعب، ورحل، وخرّج. وقرأ للعوام. وحدّث عن أبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى الدلّال.
ومات غريبا عن نيف وأربعين سنة، الله يسامحه.
وفيها الفقيه العالم شمس الدّين محمد بن أيوب بن علي الشافعي بن الطّحّان [3] ، نقيب الشّامية والسبع الكبير سمع من عثمان بن خطيب القرافة، ومن الكرماني، والزّين خالد.
وتوفي بدمشق في رجب وله خمس وثمانون سنة وأشهر.
وفيها الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المصري المرشدي [4] الزّاهد الشافعي.
قرأ في «التنبيه» والقرآن، وانقطع بزاوية له، وكان يقري الضّيفان، وربما كاشف، وللناس فيه اعتقاد زائد، ويخدم الواردين، ويقدم لهم ألوان المآكل، ولا خادم عنده، حتّى قيل: إنه أطعم الناس في ليلة ما قيمته مائة دينار، وأنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما قيمته ألف دينار.
__________
والنهاية» (14/ 179) و «الدّرر الكامنة» (2/ 390) .
[1] في «آ» و «ط» : «طغربك» وما أثبته من مصادر الترجمة.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (196- 197) و «المعجم المختص» ص (234) و «الوافي بالوفيات» (3/ 172) و «الوفيات لابن رافع (1/ 142) بتحقيق الدكتور صالح مهدي عباس، طبع مؤسسة الرسالة.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (198) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 162- 163) وقد أفاض في ترجمته.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (198- 199) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «دول الإسلام» (2/ 244) و «النجوم الزاهرة» (9/ 313) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 173- 174) .(8/203)
وزاره الأمراء والكبراء، وبعد صيته، حتّى إن بعض الفقهاء يقول: كان مخدوما.
وبلغني أنه كان في عافية، فأرسل إلى القرى المجاورة له: احضروا فقد عرض أمر مهمّ. ثم دخل خلوته فوجدوه ميتا في رمضان بقريته منية مرشد [1] كهلا.
قاله في «العبر» .
وفيها مسند مصر العدل شرف الدّين يحيى بن يوسف المقدسي [2] . له إجازة ابن رواج، وابن الجميزي. وروى الكثير، وتفرّد.
وتوفي بمصر في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة.
وفيها أحمد بن علي بن أحمد النّحوي، يعرف بابن نور [3] .
قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» : كان أبوه خوليا، وباشر هو صناعة أبيه، ثم اشتغل على النّجم الأصفوني، فبرع في مدة قريبة، ومهر في الفقه، والنّحو، والأصول. ودرّس وأفتى.
ومات بمرض السّلّ، رحمه الله تعالى.
__________
[1] منية مرشد: إحدى قرى مركز فوّه بمحافظة الغربية بمصر. عن «ذيول العبر» ص (198) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (197- 198) و «النجوم الزاهرة» (9/ 314) و «الدّرر الكامنة» (4/ 43) .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 205- 206) .(8/204)
سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
فيها كان أهل العراق وأذربيجان في خوف وحروب وشدائد لاختلاف التتار.
وفيها توفي الصّالح المسند أبو بكر بن محمد بن الرّضي الصّالحي القطّان [1] .
سمع حضورا من خطيب مردا، وعبد الحميد بن عبد الهادي، وسمع من عبد الله ابن الخشوعي، وابن خليل، وابن البرهان. وتفرّد وأكثروا عنه.
قال الذهبي: ونعم الشيخ كان، له إجازة السّبط. وجماعة.
وتوفي في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة.
ومات قبله بشهر المعمّر أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي [2] عن ثلاث وتسعين سنة.
روى الكثير بإجازة السّبط. انتهى.
وفيها شيخ الشّافعية، زين الدّين عمر بن أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس، المعروف بابن الكتّاني [3] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (200) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «مرآة الجنان» (4/ 296) و «الدّرر الكامنة» (1/ 459) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (200) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «الدّرر الكامنة» (1/ 456) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (203) و «مرآة الجنان» (4/ 299) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 358-(8/205)
قال الإسنوي: شيخ الشافعية في عصره بالاتفاق.
ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة بالقاهرة قريبا من جامع الأزهر، ثم سافر بعد سنة مع أبويه إلى دمشق، لأن أباه كان تاجرا في الكتّان من مصر إلى الشام، فاستقرّ بها، وتفقه وقرأ الأصول على البرهان المراغي، والفقه على التّاج الفركاح، وأفتى ودرّس.
ثم انتقل إلى الدّيار المصرية، فتولى الحكم بالحكر. [ثم ولاه ابن دقيق العيد دمياط، وبلبيس، ثم النّيابة بمصر ثم القاهرة] . ثم ولاه ابن جماعة الغربية، ثم عزل نفسه وانقطع عن ابن جماعة وهجره بلا سبب، وتولى مشيخة حلقة الفقه بالجامع الحاكمي، وخطابة جامع الصّالح، ومشيخة الخانقاه الطّيبرسية بشاطئ النّيل، وتدريس المدرسة المنكدمرية للطائفة الشافعية.
ثم فوّض إليه في آخر عمره مشيخة الحديث بالقبة المنصورية.
وكان نافرا عن الناس، سيء الخلق، يطير الذّباب فيغضب. ومن تبسم عنده يطرد إن لم يضرب. وأفضى به ذلك إلى أنه في غالب عمره المتصل بالموت، كان مقيما في بيته وحده، لم يتزوج، ولم يتسرّ، ولم يقن رقيقا ولا مركوبا، ولا دارا ولا غلاما. ولم يعرف له تصنيف ولا تلميذ، ومع ذلك كان حسن المحاضرة [1] ، كثير الحكايات والأشعار، كريما. وكتب بخطه حواشي على «الروضة» [2] وكان قليل الفتاوى.
توفي بمسكنه على شاطئ النّيل بجوار الخانقاه التي مشيختها [3] بيده يوم الثلاثاء، الخامس عشر من شهر رمضان، ودفن بالقرافة.
__________
359) وما بين الحاصرتين استدركته منه و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 364- 366) .
[1] في «طبقات الشافعية» لا لإسنوي: «حسن المناظرة» .
[2] وهو للإمام النووي، وقد طبعه المكتب الإسلامي بدمشق، وتولى تحقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، بالاشتراك مع الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، نفع الله تعالى به.
[3] في «ط» : «مشيخته» .(8/206)
وفيها زين الدّين أبو محمد عبادة بن عبد الغني بن عبادة الحرّاني ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي المفتي الشّروطي المؤذن.
ولد في رجب سنة إحدى وسبعين وستمائة. وسمع من القاسم الإربلي، وأبي الفضل بن عساكر، وجماعة.
وطلب الحديث وكتب الأجزاء، وتفقه على الشيخ زين الدّين بن المنجّى، ثم على الشيخ تقي الدّين بن تيميّة.
قال الذهبي في «معجم شيوخه» [2] : كان فقيها، عالما، جيد الفهم، يفهم شيئا من العربية والأصول. وكان صالحا، دينا، ذا حظّ من تهجد، وإيثار، وتواضع، اصطحبنا مدة ونعم والله الصّاحب هو. كان يسع الجماعة بالخدمة والإفضال والحلم. خرّجت له جزءا [3] ، وحدّث ب «صحيح مسلم» . انتهى.
وسمع من جماعة.
وتوفي في شوال ودفن بمقبرة الباب الصّغير.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين محمد بن [عبد الله] المجد [4] الإربلي ثم الدمشقي الشافعي [5] .
روى عن ابن أبي اليسر، وابن أبي عمر، وجماعة. وأفتى وناظر، وحكم نحو ثلاث سنين، وجاء على منصبه قاضي الممالك جلال الدّين.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (207) و «معجم الشيوخ» (1/ 316- 317) و «المعجم المختص» ص (117) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 432) و «الدّرر الكامنة» (2/ 238) .
[2] لم أر هذا النقل في «معجم الشيوخ» الذي بين يدي.
[3] في «ط» : أجزاء» .
[4] يعني «مجد الدّين» وهو لقب أبيه.
[5] انظر «ذيول العبر» ص (201) و «البداية والنهاية» (14/ 181) و «الوافي بالوفيات» (3/ 373) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 206- 207) و «الدّرر الكامنة» (3/ 467) و «النجوم الزاهرة» (9/ 314) وما بين الحاصرتين مستدرك من معظم هذه المصادر.(8/207)
وتوفي في آخر جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة، نفرت به بغلته فرضّت دماغه، ومات إلى عفو الله بعد ست ليال.
وفيها الشيخ زين الدّين أبو عبد الله محمد بن علم الدّين عبد الله بن الشيخ الإمام زين الدّين عمر بن مكّي بن عبد الصّمد العثماني، المعروف بابن المرحّل [1] الشافعي.
سمع من جماعة، وأخذ الفقه والأصلين عن عمّه الشيخ صدر الدّين وغيره، ونزل له عمّه عن تدريس المشهد الحسيني بالقاهرة، فدرّس به مدة، ثم قايض الشيخ شهاب الدّين بن الأنصاري منه إلى تدريس الشامية البرّانية والعذراوية، فباشرهما إلى حين وفاته.
وناب في الحكم، فحمدت سيرته، ثم تركه.
وبيّض كتاب «الأشباه والنّظائر» لعمّه وزاد فيه.
قال الذهبي: العلّامة، مدرّس الشّامية الكبرى، فقيه، مناظر، أصولي، وكان يذكر للقضاء.
وقال السّبكي: ولد بعد سنة تسعين وستمائة.
وكان رجلا، فاضلا، دينا، عالما، عارفا بالفقه وأصوله، صنّف في الأصول كتابين.
وقال الصّلاح الكتبي: كان من أحسن الناس شكلا، وربّي على طريقة حميدة في عفاف وملازمة للاشتغال بالعلوم وانجماع عن الناس. وكان يلقي الدروس بفصاحة وعذوبة لفظ، قيل: لم تكن دروسه بعيدة من درس ابن الزّملكاني. وكان من أجود الناس طباعا، وأكرمهم نفسا، وأحسنهم ملتقى.
توفي في رجب، ودفن بتربة لهم عند مسجد الذبّان عند جدّه.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (203) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 209- 211) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 157) و «البداية والنهاية» (14/ 181- 182) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 376- 377) و «الدّرر الكامنة» (3/ 479- 480) .(8/208)
وفيها ولي العهد القائم بأمر الله محمد بن أمير المؤمنين المستكفي [سليمان بن أحمد [1]] .
كان سريّا، فقيها، شجاعا، مهيبا، وسيما. قيل: هو السبب في تسييرهم إلى قوص.
مات بقوص في ذي الحجّة عن أربع وعشرين سنة.
وفيها قاضي القضاة شرف الدّين أبو القاسم هبة الله بن قاضي القضاة نجم الدّين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدّين إبراهيم، المعروف بابن البارزي [2] الشافعي، قاضي حماة وصاحب التصانيف الكثيرة.
ولد في رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة، وسمع من والده، وجدّه، وعزّ الدّين الفاروثي، وجمال الدّين بن مالك، وغيرهم.
وأجاز له جماعة. وتلا بالسبع، وتفقه على والده، وأخذ النّحو عن ابن مالك، وتفنّن في العلوم، وأفتى ودرّس، وصنّف، وولي قضاء حماة، وعمي في آخر عمره. وحدّث بدمشق. وحماة، وسمع منه البرزالي، والذهبي، وخلق.
وقد خرّج له ابن طغريل مشيخة كبيرة. وخرّج له البرزالي جزءا.
وذكره الذهبي في «معجمه» فقال: شيخ العلماء، بقية الأعلام، صنّف التصانيف، مع العبادة والدّين والتواضع ولطف الأخلاق، ما في طباعه من الكبر ذرّة، وله ترام على الصّالحين، وحسن ظن بهم.
وقال الإسنوي: كان إماما، راسخا في العلم، صالحا، خيّرا، محبا للعلم ونشره، محسنا إلى الطلبة، وصارت إليه الرّحلة.
وقال السبكي: انتهت إليه مشيخة المذهب ببلاد الشام، وقصد من الأطراف.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (204) و «الدّرر الكامنة» (3/ 446) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (202) و «النجوم الزاهرة» (9/ 315) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 189- 190) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 230- 231) و «الدّرر الكامنة» (4/ 401) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 279- 280) .(8/209)
توفي في ذي القعدة عن ثلاث وتسعين سنة، وفيه يقول ابن الوردي:
حماة مذ فارقها شيخها ... قد أعظم العاصي بها الفرية
صرت كمن ينظرها بلقعا ... أو كالّذي مرّ على قرية
ومن تصانيفه «روضات الجنان في تفسير القرآن» عشر مجلدات، كتاب «الفريدة البارزية في حلّ الشاطبية» كتاب «المجتبى» كتاب «المجتنى» وكتاب «الوفا في أحاديث المصطفى» مجلدان وغير ذلك.
وفيها القاضي جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم ابن جملة بن مسلم بن تمّام بن حسين بن يوسف المحجّي الدمشقي الصّالحي الشافعي [1] .
ولد في سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وسمع من جماعة، وأخذ عن الشيخين صدر الدّين ابن الوكيل، وشمس الدّين بن النّقيب. وولي القضاء مدة سنة ونصف، فشكرت سيرته ونهضته إلّا أنه وقع بينه وبين بعض خوّاص النائب فعزل وسجن مدة، ثم أعطي الشامية البرّانية.
قال البرزالي: خرّجت له جزءا عن أكثر من خمسين نفسا، وحدّث به بالمدينة النّبوية وبدمشق.
وكان فاضلا في فنون، اشتغل، وحصّل، وأفتى، وأعاد، ودرّس.
وله فضائل جمّة ومباحث وفوائد، وهمّة عالية، وحرمة وافرة، وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق.
ولي قضاء دمشق نيابة واستقلالا ودرّس بالمدارس الكبار.
توفي في ذي القعدة بدمشق عن سبع وخمسين سنة ودفن بسفح قاسيون عند والده وأقاربه.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (202) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 392- 393) و «مرآة الجنان» (4/ 298) و «الدّرر الكامنة» (4/ 443) .(8/210)
سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
فيها هلك بطرابلس الشام تحت الزّلزلة ستون نفسا.
وفيها قدم العلّامة شيخ الإسلام تقي الدّين السّبكي على قضاء الشّافعية بالشام وفرح الناس به.
وفيها توفي الشيخ موفق الدّين أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن مكّي الشارعي [1] ، فكان آخر من حدّث بالسّماع عن جدّ أبيه.
وتوفي بمصر عن تسعين سنة.
وفيها القاضي كمال الدّين أحمد بن قاضي القضاة علم الدّين بن الأخنائي [2] .
حدّث عن الدّمياطي وغيره، وكان قاضي العساكر وناظر الخزانة بالقاهرة وبها توفي.
وفيها قال الذهبي: شيخنا المعمّر الصّالح شرف الدّين الحسين بن علي بن محمد ابن العماد الكاتب [3] ، عن ثمانين سنة وأشهر، درّس بالعمادية، وأفتى، وحدّث عن ابن أبي اليسر، وابن الأوحد، وجماعة. انتهى.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (207) و «الدّرر الكامنة» (1/ 10) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (211) و «الدّرر الكامنة» (1/ 291) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (210) و «الدّرر الكامنة» (2/ 63) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 336 و 411) .(8/211)
وفيها نجم الدّين حسين بن علي بن سيد الكلّ [1] الأزدي المهلّبي الأسواني الشافعي [2] .
مولده سنة ست وأربعين وستمائة، وتفقه على أبي الفضل جعفر التّزمنتي، وبرع، وحدّث. وأشغل الناس بالعلم مدة كثيرة.
قال الشيخ تقي الدّين السّبكي: وكان قد وصل إلى سنّ عالية، وتحصّل للطلبة به انتفاع في الاشتغال عليه وهو فقيه حسن، مفت، وله قدم هجرة وصحبة للفقراء، يتخلق بأخلاق حسنة.
وقال الإسنوي: كان ماهرا في الفقه يشتغل [3] في أكثر العلوم، متصوفا، كريما جدا، مع الفاقة، منقطعا عن الناس، شريف النّفس، معزّا للعلم. اشتغل عليه الخلق طبقة بعد طبقة وانتفعوا به، وتصدّر بمدرسة الملك بالقاهرة، وتجرّد مع الفقراء في البلاد.
توفي في صفر، وقد زاحم المائة.
وفيها خطيب القدس زين الدّين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدّين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشّافعي [4] .
توفي بالقدس الشريف.
وفيها المعمّر نجم الدّين عبد الرحيم بن الحاج محمود السّبعي [5] . حدّث عن ابن عبد الدائم وغيره، وتوفي بالصّالحية عن إحدى وتسعين سنة. ذكره الذهبي.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي و «الدّرر الكامنة» و «حسن المحاضرة» : «سيد الكل» وفي «الطالع السعيد» و «طبقات الشافعية الكبرى» : «سيد الأهل» .
[2] انظر «الطالع السعيد» ص (224- 226) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 168- 169) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 409- 411) و «الدّرر الكامنة» (2/ 60) و «حسن المحاضرة» (1/ 426) .
[3] في «آ» و «ط» : «يشغل» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (210) و «النجوم الزاهرة» (9/ 318) و «الدّرر الكامنة» (2/ 360) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (211) و «الدّرر الكامنة» (2/ 363) .(8/212)
وفيها عالم بغداد صفي الدّين عبد المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن عبد الله بن علي بن مسعود بن شمائل البغدادي الحنبلي [1] الإمام الفرضي المتقن.
ولد في سابع عشري جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وستمائة ببغداد، وسمع بها الحديث من عبد الصّمد بن أبي الجيش، وابن الكسّار، وخلق.
وسمع بدمشق من الشّرف ابن عساكر وجماعة.
وبمكّة من الفخر التّوزري، وأجاز له ابن البخاري، وأحمد بن شيبان، وبنت مكّي وغيرهم من أهل الشام ومصر والعراق.
وتفقه على أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري ولازمه حتّى برع، وأفتى، ومهر في علم الفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، والهندسة، والمساحة. ونحو ذلك.
واشتغل في أول عمره بعد التفقه بالكتابة والأعمال الدّنيوية مدة ثم ترك ذلك، وأقبل على العلم فلازمه مطالعة وكتابة وتدريسا وتصنيفا وإشغالا وإفتاء إلى حين موته.
وصنّف في علوم كثيرة، فمن مصنّفاته «شرح المحرّر» في الفقه ست مجلدات، «شرح العمدة» مجلدان، «إدراك الغاية في اختصار الهداية» مجلد لطيف وشرحه في أربع مجلدات، «تلخيص المنقح في الجدل» ، «تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل» «اللّامع المغيث في علم المواريث» واختصر «تاريخ الطبري» في أربع مجلدات، واختصر «الرّد على الرافضي» للشيخ تقي الدين بن تيميّة في مجلدين لطيفين، واختصر «معجم البلدان» لياقوت. وله غير ذلك.
وخرّج لنفسه «معجما» لشيوخه بالسماع والإجازة نحوا من ثلاثمائة شيخ، وسمع منه خلق كثيرون.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (204) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 428) و «الدّرر الكامنة» (2/ 418) .(8/213)
وله شعر كثير رائق، منه:
لا ترج غير الله سبحانه ... واقطع عرى الآمال من خلقه
لا تطلبنّ الفضل من غيره ... واضنن بماء الوجه واستبقه
فالرّزق مقسوم وما لامرئ ... سوى الّذي قدّر من رزقه
والفقر خير للفتى من غنى ... يكون طول الدّهر في رقّه
توفي- رحمه الله تعالى- ليلة الجمعة عاشر صفر ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها قاضي حلب ذو الفنون فخر الدّين عثمان بن علي الحلبي، المعروف بابن خطيب جبرين [1]- بالباء الموحدة والراء قرية من قرى حلب [2]- وقد تقدمت ترجمته في سنة ثلاثين، والصحيح وفاته في هذه السنة.
وفيها الشيخ شرف الدّين أبو الحسين علي بن عمر البعلي [3] ، شيخ الرّبوة والشّبلية.
حدّث عن الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن البخاري، وطائفة.
وتوفي في المحرم وله بضع وثمانون سنة.
وفيها معيد البادرائية المعمّر علاء الدّين علي بن عثمان بن الخرّاط [4] .
حدّث عن ابن البخاري وغيره، وعمل خطبا ومقامات، وتوفي بدمشق.
وفيها الحافظ علم الدّين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الشافعي [5] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (205) و «النجوم الزاهرة» (9/ 320) و «الدّرر الكامنة» (3/ 443) .
[2] قلت: الذي عند ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 101) أن اسمها «جبرين قورسطايا» قال عنها: من قرى حلب من ناحية عزاز، ويعرف أيضا بجبرين الشمالي، وينسبون إليها جبراني على غير قياس.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (209) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (210) و «الدّرر الكامنة» (2/ 83) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 215) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (209) و «معجم الشيوخ» (2/ 115- 117) و «النجوم الزاهرة» (9/ 319) و(8/214)
قال الذهبي: الإمام الحافظ محدّث الشام، وصاحب «التاريخ» و «المعجم الكبير» .
أول سماعه في سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وكان له من العمر عشر سنين.
وروى عن ابن أبي الخير، وابن أبي عمر، والعزّ الحرّاني، وخلق كثير. ووقف جميع كتبه، وأوصى بثلثه، وحجّ خمس مرات انتهى.
وقال ابن قاضي شهبة.
ولد سنة ثلاث [1] وستين وستمائة، وسمع الجمّ الغفير، وكتب بخطّه ما لا يحصى كثرة، وتفقه بالشيخ تاج الدّين الفزاري وصحبه، وأكثر عنه، و [نقل عنه] [2] الشيخ تاج الدّين في «تاريخه» وولي مشيخة دار الحديث النّورية، ومشيخة النّفيسية، وصنّف «التاريخ» ذيلا على «تاريخ أبي شامة» بدأ فيه من عام مولده وهو السنة التي مات فيها أبو شامة في سبع مجلدات، و «المعجم الكبير» وبلغ «ثبته» بضعا وعشرين مجلدا، أثبت فيه كل من سمع منه، وانتفع به المحدّثون من زمانه إلى آخر القرن.
وقال الذهبي أيضا في «معجمه» : الإمام، الحافظ، المتقن، الصّادق، الحجّة، مفيدنا ومعلّمنا ورفيقنا، مؤرّخ العصر، ومحدّث الشام.
مشيخته بالإجازة والسماع فوق الثلاثة آلاف، وكتبه وأجزاؤه الصحيحة في عدة أماكن، وهي مبذولة للطلبة وقراءته المليحة الفصيحة مبذولة لمن قصده، وتواضعه وبشره مبذول لكل غني وفقير.
__________
«فوات الوفيات» (2/ 130) و «الدّرر الكامنة» (3/ 273) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 369) .
[1] تنبيه: في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «سنة خمس وستين وستمائة» وعلق محققه بقول:
في «ب وش وع وم» : «ثلاث» ولكن شطب المصنّف- يعني ابن قاضي شهبة، كلمة «ثلاث» في «ز» وكتب موضعها بخطه كلمة «خمس» .
[2] ما بين الرقمين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.(8/215)
توفي محرما بخليص [1] في ذي الحجّة، وله أربع وسبعون سنة وأشهر.
وفيها بدر الدّين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة الإمام العادل عزّ الدّين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصّايغ الدمشقي الشافعي [2] .
قال الذهبي: القاضي الإمام القدوة العابد، مدرّس العمادية والدّماغية.
حدّث عن ابن شيبان، والفخر، وطائفة. وحفظ «التّنبيه» ولازم الشيخ برهان الدّين [زمانا] [3] ، وجاءه التقليد والتشريف بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فأصرّ على الامتناع فأعفي، ثم ولي خطابة القدس وتركها.
وكان مقتصدا في أموره، كثير المحاسن، حجّ غير مرّة، وتوفي في جمادى الأولى عن ثلاث وستين سنة.
وفيها قاضي قضاة الإقليمين جلال الدّين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن دلف بن أبي دلف العجلي القزويني ثم الدمشقي الشافعي [4] .
قال ابن قاضي شهبة: مولده بالموصل سنة ست وستين وستمائة، وتفقه على أبيه، وأخذ الأصلين عن الإربلي، وسكن الرّوم مع أبيه، واشتغل في أنواع العلوم، وسمع من أبي العبّاس الفاروثي وغيره، وخرّج له البرزالي جزءا من حديثه، وحدّث به، وأفتى ودرّس، وناب في القضاء عن أخيه، ثم عن ابن صصرى، ثم ولي الخطابة بدمشق، ثم القضاء بها، ثم انتقل إلى قضاء الدّيار
__________
[1] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 387) : خليص: حصن بين مكة والمدينة.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (206) و «الوافي بالوفيات» (1/ 248) و «فوات الوفيات» (2/ 172) و «مرآة الجنان» (4/ 300) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 238) .
[3] مستدركة من «ذيول العبر» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (205- 206) و «النجوم الزاهرة» (9/ 318) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 258- 260) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 158- 161) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 377- 378) و «الوافي بالوفيات» (3/ 342) و «مرآة الجنان» (4/ 30) و «الدّرر الكامنة» (4/ 3) و «طبقات الشافعية» وللإسنوي (2/ 329- 330) .(8/216)
المصرية لما عمي القاضي [1] بدر الدّين بن جماعة، فأقام بها نحو إحدى عشرة سنة، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين، ونقل إلى قضاء الشام، وألّف «تلخيص المفتاح» في المعاني والبيان، وشرحه بشرح سمّاه «الإيضاح» .
وقال الذهبي: أفتى، ودرّس، وناظر، وتخرّج به الأصحاب، وكان مليح الشكل، فصيحا، حسن الأخلاق، غزير العلم، وأصابه طرف فالج مدة.
وقال ابن رافع: حدّثني [2] ، وسمع منه البرزالي، وخرّج له «جزءا» من حديثه عن جماعة من شيوخه.
وصنّف في الأصول كتابا حسنا، وفي المعاني والبيان كتابين كبيرا وصغيرا [3] .
ودرّس بمصر والشام بمدارس، وكان لطيف الذات، حسن المحاضرة، كريم النّفس، ذا عصبية ومودة.
وقال الإسنوي: كان فاضلا في علوم، كريما، مقداما، ذكيا، مصنّفا، وإليه ينسب كتاب «الإيضاح» و «التلخيص» في علمي المعاني والبيان.
توفي بدمشق في جمادى الأولى ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي [4] .
قال الذهبي: شيخ بلاد الجزيرة، الإمام القدوة.
كان عالما، صالحا، وقورا، وافر الجلالة، حجّ مرتين، وروى عن الفخر عليّ بدمشق وببغداد، وخلّف أولادا كبارا لهم كفاية وحرمة.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القضاء» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2] في «الوفيات» لابن رافع: «حدّث» .
[3] الأول منهما هو «تلخيص المفتاح في المعاني والبيان» انظر «كشف الظنون» (1/ 473- 474) و «معجم المطبوعات العربية» (2/ 1509) .
والثاني منهما هو «الإيضاح شرح تلخيص المفتاح» . انظر «كشف الظنون» (1/ 210) وهو مطبوع في مكتبة النهضة ببغداد.
قلت: وقد شكّك الإسنويّ في نسبتهما إليه كما سيرد في آخر ترجمته.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (208) و «الوافي بالوفيات» (3/ 149) و «الدّرر الكامنة» (3/ 452) .(8/217)
وتوفي في أول ذي الحجّة بقرية الجبال من عمل سنجار، عن سبع وثمانين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن الجزري [1] ، صاحب «التاريخ الكبير» .
قال الذهبي: كان ديّنا، خيّرا، ساكنا، وقورا، به صمم.
روى عن إبراهيم بن أحمد، والفخر بن البخاري، وسمع ولديه مجد الدّين، ونصير الدّين كثيرا. وكان عدلا أمينا.
وقال غيره: كان من خيار الناس، كثير المروءة، من كبار عدول دمشق. أقام يشهد على القضاة مدة وإذا انفرد بشهادة يكتفون به لوثوقهم به. جمع «تاريخا» كبيرا ذكر فيه أشياء حسنة لا توجد في غيره.
توفي ببستانه الزّعيفرانية في وسط السنة وله إحدى وثمانون سنة.
وفيها بأطرابلس الشيخ ناصر الدّين محمد بن المعلم المنذري [2] . سمع «المسند» من ابن شيبان.
وفيها وجيه الدّين يحيى بن محمد الصّنهاجي المالكي [3] .
قال الذهبي: مات بالإسكندرية قاضيها العلّامة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (208) و «الوافي بالوفيات» (3/ 22) و «مرآة الجنان» (4/ 303) و «الدّرر الكامنة» (3/ 301) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (210) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (211) و «الدّرر الكامنة» (4/ 328) .(8/218)
سنة أربعين وسبعمائة
في صفر هبّت بجبل طرابلس سموم وعواصف على جبال عكّا، وسقط نجم اتصل نوره بالأرض برعد عظيم، وعلقت منه نار في أراضي الجون أحرقت أشجارا ويبّست ثمارا، وأحرقت منازل، وكان ذلك آية. ونزل من السماء نار بقرية الفيجة [1] على قبّة خشب أحرقتها وأحرقت إلى جانبها ثلاثة بيوت. وصحّ هذا واشتهر. قاله في «العبر» .
وبهذه السنة ختم الذهبي كتابيه «العبر» و «الدول» [2] .
وفيها توفي نجم الدّين إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي [3] الصّوفي، أحد الأعيان الصّوفية وأكابر الفقهاء القادرية. حدّث عن الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وكان خاتمة أصحابه، وعن ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر وجماعة، وولي مشيخة الشّبلية والأسدية.
وتوفي بدمشق في رجب عن تسعين سنة أو أكثر.
__________
[1] الفيجة: قرية على مسافة فرسخين من دمشق وبقربها عين الفيجة أحد روافد نهر بردى الشهير.
[2] قلت: أما كتاب «العبر» فقد ختمه الذهبي بسنة (700) وما نقل عنه المؤلف ابن العماد الحنبلي رحمه الله إنما هو «ذيل العبر» للذهبي وقد ختمه بهذه السنة (740) وأما كتاب «دول الإسلام» فإنه ختمه بسنة (744) وذيّل عليه الحافظ السخاوي بذيل كبير سمّاه «الذيل التام على دول الإسلام» ينتهي بحوادث ووفيات سنة (901) هـ، وقد قام بتحقيقه- بإشارة مني- صديقي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، نفع الله تعالى به، والمجلد الأول منه انتهى تحقيقه، وقمت بقراءته والتقديم له وسيدفع إلى الطبع قريبا إن شاء الله تعالى.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (212) و «الوافي بالوفيات» (5/ 337) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 163) .(8/219)
وفيها مجد الدّين أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزّنكلوني المصري الشافعي [1] .
ولد سنة تسع وسبعين وستمائة، وتفقه على مشايخ عصره.
قال ابن قاضي شهبة: ولا أحفظ عمّن أخذ منهم وسمع منهم [2] الحديث، وتصدى للاشتغال والتّصنيف.
وممن أخذ عنه الشيخ جمال الدّين الإسنوي، وذكر له في «طبقاته» ترجمة حسنة، فقال: كان إماما في الفقه، أصوليا، محدّثا، نحويا، ذكيا، حسن التّعبير، قانتا لله، لا يمكن أحدا أن تقع منه غيبة في مجلسه، صاحب كرامات، منقبضا عن الناس، ملازما لشأنه، لا يتردد إلى أحد من الأمراء، ويكره أن يأتوا إليه، وراض نفسه إلى أن صار يحمل طبق العجين على كتفه إلى الفرن، ويعود به، مع كثرة الطلبة عنده.
وكان ملازما للإشغال ليلا ونهارا ويمزج الدّروس بالوعظ وبحكايات الصّالحين، ولذلك بارك الله في طلبته، وحصل لهم نفع كبير.
وكان حسن المعاشرة، كثير المروءة، ولي مشيخة الخانقاه البيبرسية، وتدريس الحديث بها، وبالجامع الحاكمي.
توفي في ربيع الأول، ودفن بالقرافة.
وزنكلون: قرية من بلاد الشّرقية من أعمال الدّيار المصرية، وأصلها سنكلوم بالسين المهملة في أولها والميم في آخرها، إلّا أن الناس لا ينطقون إلا الزّنكلوني، ولذلك كان الشيخ يكتبه بخطّه كذلك غالبا.
ومن تصانيفه «شرح التّنبيه» الذي عمّ نفعه للمتفقهة ورسخ في النّفوس
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (212- 213) و «النجوم الزاهرة» (9/ 324) و «مرآة الجنان» (4/ 304) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 17) و «الدّرر الكامنة» (1/ 441) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 322) . ونسبته فيه «السنكلومي» وانظر كلامه حولها فهو مفيد نافع.
[2] لفظة «منهم» الثانية هذه سقطت من «ط» .(8/220)
وقعه، و «المنتخب» مختصر الكفاية، وشرح «المنهاج» نحو «شرح التّنبيه» و «شرح التعجيز» و «مختصر التبريزي» وغير ذلك.
وفي حدودها علاء الدّولة وعلاء الدّين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد السّمنانيّ [1] .
ذكره الإسنوي في «طبقاته» وقال: كان إماما، عالما، مرشدا، له مصنّفات كثيرة في التفسير، والتصوف، وغيرهما.
وفيها القاضي محيي الدّين إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن نصر بن جهبل أبو الفداء الحلبي الأصل الدّمشقي الشّافعي [2] .
ولد بدمشق في سنة ست وستين وستمائة، واشتغل، وحصّل، وحدّث عن ابن عطا، وابن البخاري، وأفتى، ودرّس بالأتابكية. وسمع منه جماعة منهم البرزالي، وخرّج له «مشيخة» وحدّث بها، وناب في الحكم بدمشق، وولي قضاء طرابلس مدة ثم عزل منها، وعاد إلى دمشق.
وتوفي في شعبان ودفن عند أخيه بمقبرة الصّوفية.
وفيها مسندة الشّام أمّ عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية [3] المرأة الصّالحة العذراء.
روت عن محمد بن عبد الهادي، وخطيب مردا، واليلداني، وسبط ابن الجوزي، وجماعة.
وبالإجازة عن عجيبة الباقدارية، وابن الخير، وابن العلّيق، وعدد كثير، وتكاثروا عليها وتفرّدت، وروت كتبا كبارا.
وتوفيت في تاسع عشر جمادى الأولى عن أربع وتسعين سنة.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 73) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (214) و «الدّرر الكامنة» (1/ 383) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (213) و «مرآة الجنان» (4/ 305) و «الدّرر الكامنة» (2/ 117) .(8/221)
وفيها الخليفة المستكفي بالله أبو الرّبيع سليمان بن الحاكم بأمر الله [1] .
ولد في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة، واشتغل قليلا، وبويع بالخلافة بعهد من أبيه في جمادى الأولى، سنة إحدى وسبعمائة، وخطب له على المنابر بالبلاد المصرية والشامية، وصارت البشارة بذلك إلى جميع الأقطار والممالك الإسلامية، وكانوا يسكنون بالكبش، فنقلهم السلطان إلى القلعة وأفرد لهم دارا.
وتوفي بقوص، وكانت خلافته ثمانيا وثلاثين سنة.
وبويع أخوه إبراهيم بغير عهد.
وفيها قبض على الصّاحب شرف الدّين عبد الوهاب القبطي [2] في صفر وصودر، واستصفيت حواصله بمباشرة الأمير سيف الدّين شنكر النّاصري ومن جملة ما وجد له صندوق ضمّنه تسعة عشر ألف دينار وأربعمائة مثقال لؤلؤ كبار، وصليب مجوهر، ووجد بداره كنيسة مرخّمة بمحاريبها الشرقية ومذابحها وآلاتها، واستمرّ الملعون في العقوبة حتّى هلك في ربيع الآخر.
وفيها في ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريق كبير شمل اللّبادين القبلية وما تحتها وما فوقها، إلى عند سوق الكتب، واحترق سوق الورّاقين، وسوق الذهب، وحاصل الجامع وما حوله، والمأذنة الشرقية، وعدم للناس فيه من الأموال والمتاع ما لا يحصر. قاله في «العبر» [3] ، والله أعلم.
وفيها الحسن بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي [4] .
قال في «تاريخ غرناطة» : كان أديبا، فقيها، نحويا، أخذ عن ابن [5] خميس، وأبي الحسن القيجاطي.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (214) و «النجوم الزاهرة» (9/ 322) و «الدّرر الكامنة» (2/ 141) و «تاريخ الخلفاء» ص (321) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (214- 215) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (213- 214) .
[4] انظر «بغية الوعاة» (1/ 494) .
[5] في «آ» و «ط» : «أبي خميس» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلّف.(8/222)
ومات يوم عيد الفطر.
وفيها أبو عامر محمد بن عبد الله بن عبد العظيم بن أرقم النّميري الوادياشي [1] .
قال في «تاريخ غرناطة» : كان أحد شيوخه [2] ، مشاركا في فنون، من فقه، وأدب وعربية، وهي أغلب الفنون عليه، مطّرحا، مخشوشنا، مليح الدّعابة، كثير التواضع، بيته معمور بالعلماء أولي الأصالة والتعيّن.
تصدّر ببلده للفتيا والإسماع والتدريس.
وكان قرأ على أبي العبّاس بن عبد النّور، وأبي خالد بن أرقم. وروى عنه ابن الزّبير، وأبو بكر بن عبيد، وغيرهما. وله شعر. مات ببلده. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد المغربي الأندلسي [3] .
قال ابن حجر: كان شعلة نار في الذكاء، كثير الاستحضار، حسن الفهم، عارفا بعدّة علوم، خصوصا بالعربية. أقام بحماة مدة، وولي قضاءها، ثم توجّه إلى الرّوم، فأقام بها، وأقبل عليه الناس.
مات ببرصا في شعبان.
__________
[1] انظر «الإحاطة» (3/ 88- 89) وقد نقل ابن حجر عنه باختصار وتصرف ونقل المؤلف عنه، و «الدّرر الكامنة» (3/ 475- 476) .
[2] في «الإحاطة» : «أحد شيوخ بلده» .
[3] انظر «بغية الوعاة» (1/ 290) مصدر المؤلف.(8/223)
سنة إحدى وأربعين وسبعمائة
في ذي الحجّة منها كانت زلزلة عظيمة بمصر، والشام، والإسكندرية.
مات فيها تحت الرّدم ما لا يحصى، وغرقت مراكب كثيرة، وتهدّمت جوامع ومواذن لا تعدّ.
وفيها كانت واقعة طريف ببلاد المغرب.
قال لسان الدّين في كتاب «الإحاطة» [1] : استشهد فيها جماعة من الأكابر وغيرهم، وكان سببها أن سلطان فاس أمير المسلمين أبا الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني، جاز البحر إلى جزيرة الأندلس برسم الجهاد ونصرة أهلها على عدوهم، حسبما جرت بذلك عادة سلفه وغيرهم من ملوك العدوة، وشمّر عن ساعد الاجتهاد، وجنّد [2] من الجيوش الإسلامية نحو ستين ألفا. وجاء إليه أهل الأندلس بقصد الإمداد وسلطانهم ابن الأحمر ومن معه من الأجناد، فقضى الله الذي لا مردّ لما قدّره أن صارت [3] تلك الجموع مكسّرة، ورجع السلطان أبو الحسن مفلولا [4] ، وأضحى حسام الهزيمة عليه وعلى من معه مسلولا، ونجا برأس طمرّة ولجام، ولا تسل كيف، وقتل جمع من أهل الإسلام، وجملة [5] وافرة من الأعلام، وأمضى فيهم حكمه السّيف، وأسر ابن السلطان وحريمه، وانتهبت ذخائره، واستولت [6] على الجميع أيدي الكفر والحيف، واشرأبّ العدو الكافر لأخذ
__________
[1] انظر «رقم الحلل» للسان الدّين بن الخطيب ص (16- 17) بتحقيق الأستاذ الدكتور عدنان درويش، طبع وزارة الثقافة بدمشق.
[2] في «ط» : «ووجد» .
[3] في «آ» و «ط» : «أن سارت» والتصحيح من «رقم الحلل» .
[4] في «آ» و «ط» : «مغلولا» والتصحيح من «رقم الحلل» والمفلول المنهزم.
[5] في «رقم الحلل» : «ولمّة» .
[6] في «آ» و «ط» : «واستولى» وما أثبته من «رقم الحلل» .(8/224)
ما بقي من الجزيرة ذات الظّلّ الوريف، وثبتت [1] قدمه في بلد طريف.
وبالجملة فهذه الواقعة من الدّواهي المعضلة الداء والأرزاء [2] التي تضعضع لها ركن الدّين بالمغرب، وقرّت بذلك عيون الأعداء. انتهى.
وممن استشهد في هذه الوقعة [3] والد لسان الدّين ابن الخطيب، وهو عبد الله بن سعيد [بن عبد الله بن سعيد] [4] بن علي بن أحمد السّلماني [5] .
قال لسان الدين في «الإكليل» في حق والده هذا: إن طال الكلام، وجمحت الأقلام، كنت كما قيل: مادح نفسه يقرئك السلام، وإن أحجمت [6] فما أسديت في الثناء ولا ألمحت، أضعت الحقوق، وخفت معاذ الله العقوق. هذا ولو أني زجرت طير البيان عن أوكاره، وجئت بعون الإحسان وأبكاره، لما قضيت حقّه بعد، ولا قلت إلّا بالذي علمت سعد. فقد كان- رحمه الله- ذمر عزم، ورجل رجاء وأزم، تروق أنوار خلاله الباهرة، وتضيء مجالس الملوك من صورتيه الباطنة والظاهرة، ذكاء يتوقّد، وطلاقة يحسد نورها الفرقد، وكانت له في الأدب فريضة، وفي النادرة العذبة منادح عريضة، تكلّمت يوما بين يديه في مسائل من الطّب، وأنشدته أبياتا من شعري ورقاعا من إنشائي، فتهلّل، وما برح أن ارتجل:
الطّبّ والشّعر والكتابة ... سماتنا في بني النّجابه
هنّ ثلاث مبلغات ... مراتبا بعضها الحجابة
ووقع لي يوما بخطّه على ظهر أبيات بعثتها إليه أعرض نمطها عليه:
وردت كما صدر النسيم بسحرة ... عن روضة جار الغرام رباها
فكأنّما هاروت أودع سحره ... فيها وآثرها به وحباها
__________
[1] في «ط» : «وثبت» وهو خطأ.
[2] تحرفت في «ط» إلى «الأزراء» .
[3] في «ط» : «في هذه الواقعة» .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] انظر «رقم الحلل» ص (12 و 16 و 18- 19) .
[6] تحرفت في «ط» إلى «أجمحت» .(8/225)
مصقولة الألفاظ يبهر حسنها ... فبمثلها افتخر البليغ وباها
فقررت عينا عند رؤية وجهها ... إني أبوك وكنت أنت أباها
ومن شعره:
عليك بالصّمت فكم ناطق ... كلامه أدّى إلى كلمه
إن لسان المرء أهدى إلى ... غرّته والله من خصمه
يرى صغير الجسم مستضعفا ... وجرمه أكبر من جرمه
وقال في «الإحاطة» : كان من رجال الكمال، طلق الوجه، فقد في الكائنة العظمى بطريف يوم الاثنين سابع جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ثابت الجأش، غير جذوع ولا هيّابة.
حدّثني الخطيب بالمسجد الجامع من غرناطة الفقيه أبو عبد الله بن اللّوشي، قال: كبا بأخيك الطّرف وقد غشي العدو، فجنحت إلى أردافه فانحدر إليه والدك وصرفني وقال: أنا أولى به، فكان آخر العهد بهما. انتهى.
وذكر في «الإحاطة» : أن مولده بغرناطة في جمادى الأولى عام اثنين وسبعين وستمائة.
وفيها افتخار الدّين أبو عبد الله جابر بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن يوسف الخوارزمي الكاتي- بالمثناة أو المثلثة- الحنفي النّحوي [1] .
ولد في عاشر شوال سنة سبع وستين وستمائة، وقرأ على خاله أبي المكارم، وقرأ «المفصل» و «الكشّاف» على أبي عاصم الإسفندري، واشتغل ببلاده، ومهر، وقدم القاهرة، فسمع من الدّمياطي. وولي مشيخة الجاولية التي بالكبش، وباشر الإفتاء والتدريس بأماكن، وقدم مكّة.
وقرأ «الصحيح» على التّوزري، وتكلّم على أماكن فيه من جهة العربية، ودرّس بالقدس ومكّة. وكان فاضلا، حسن الشكل، مليح المحاضرة.
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (9/ 326) و «الجواهر المضية» (2/ 5- 6) و «العقد الثمين» (3/ 403- 404) و «الدّرر الكامنة» (2/ 68) .(8/226)
مات بالقاهرة في منتصف المحرم.
وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزّرعي ثم الدمشقي [1] ، الفقيه الحنبلي الأصولي المناظر الفرضي.
سمع بدمشق من عمر بن القوّاس، وأبي الفضل بن عساكر، وغيرهما.
وتفقه وأفتى قديما، ودرّس، وناظر، وولي نيابة الحكم عن علاء الدّين بن المنجّى وغيره، ودرّس بالحنبلية من حين سجن الشيخ تقي الدّين بالقلعة في المرة التي توفي فيها، فساء ذلك أصحاب الشيخ ومحبيه، واستمرّ بها إلى حين وفاته.
وكان بارعا في أصول الفقه، والفرائض، والحساب، وإليه المنتهى في التّحري، وجودة الخطّ، وصحة الذّهن، وسرعة الإدراك، وقوة المناظرة، وحسن الخلق، لكنه كان قليل الاستحضار لنقل المذهب، وكان قاضي القضاة أبو الحسن السّبكي يسمّيه فقيه الشام. وكان فيه لعب، وعليه في دينه مآخذ، سامحه الله تعالى. وتفقّه وتخرّج به جماعة، ولم يصنّف كتابا معروفا.
توفي وقت صلاة الجمعة سادس عشر رجب، ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها الحسين بن أبي بكر بن الحسين الإسكندري المالكي النّحوي [2] .
قال في «الدرر» : ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، واشتغل بالعلم، خصوصا العربية، وانتفع به الناس، وجمع «تفسيرا» في عشر مجلدات، وحدّث عن الدّمياطي.
وتوفي في ذي الحجّة.
وفي حدودها الشيخ علي بن عبد الله الطّواشي اليمني [3] الصّوفي الكبير، العارف الشهير.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (222) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 368) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 434) و «الدّرر الكامنة» (1/ 15) و «المقصد الأرشد» (1/ 215) .
[2] انظر «بغية الوعاة» (1/ 532) و «الدّرر الكامنة» (2/ 73) و «حسن المحاضرة» (1/ 459) وفيه: «أبو الحسن بن أبي بكر» .
[3] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.(8/227)
ذو الأحوال السّنيّة والمقامات العليّة، وحسبك فيه ما قاله تلميذه ومريده الإمام اليافعي من أبيات:
إذا قصد الزّوّار للبيت كعبة ... عليّ بن عبد الله قصدي وكعبتي
وفيها ركن الدّين شافع بن عمر بن إسماعيل [1] ، الفقيه الحنبلي الأصولي، نزيل بغداد.
سمع الحديث ببغداد على إسماعيل بن الطبّال، وابن الدّواليبي، وغيرهما.
وتفقّه على الشيخ تقي الدّين الزّريراتي، وصاهره على ابنته، وأعاد عنده بالمستنصرية.
وكان رئيسا، نبيلا، فاضلا، عارفا بالفقه والأصول والطّبّ، مراعيا لقوانينه في مأكله ومشربه، ودرّس بالمجاهدية بدمشق، وأقرأ جماعة من الأئمة.
قال ابن رجب: منهم والدي.
وله مصنّف في مناقب الأئمة الأربع سمّاه «زبدة الأخبار في مناقب الأربعة الأبرار» ، وكان قاصر العبارة لأن في لسانه عجمة، ومدرسة المجاهدية تعرف الآن بالحجازية، ثم صارت اصطبلا لخيل الطانشمندية، لا حول ولا قوة إلّا بالله.
توفي المترجم ببغداد يوم الجمعة ثاني عشر شوال، ودفن بدهليز تربة الإمام أحمد، رضي الله عنه.
وفيها شرف الدّين أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل الزّريراتي البغدادي [2] الحنبلي بن شيخ العراق تقي الدّين أبي بكر المتقدم ذكره.
ولد ببغداد، ونشأ بها، وحفظ «المحرّر» ، وسمع الحديث، واشتغل ثم رحل إلى دمشق، فسمع من زينب بنت الكمال، وجماعة من أصحاب ابن عبد الدائم،
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 435) و «الدّرر الكامنة» (2/ 283) و «المقصد الأرشد» (1/ 441) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 435- 436) وفيه: «عبد الرحيم بن عبد الله» .(8/228)
وخطيب مردا، وطبقتهما، وارتحل إلى مصر، وسمع من مسندها يحيى ابن المصري، وغيره [ولقي بها أبا حيّان وغيره] [1] ، ثم رجع إلى بغداد بفضائل جمّة، ودرّس للحنابلة بالبشرية بعد وفاة صفي الدّين بن عبد الحق، ثم درّس بالمجاهدية بعد وفاة صهره المترجم قبله شافع، ولم تطل بها مدته.
قال ابن رجب: وحضرت درسه، وأنا إذ ذاك صغير لا أحقّقه جيدا، وناب في القضاء ببغداد، واشتهرت فضائله، وخطّه في غاية الحسن. وألّف مختصرات في فنون عديدة.
وتوفي ببغداد يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجّة ودفن عند والده بمقبرة الإمام أحمد وله من العمر نحو الثلاثين سنة رحمه الله تعالى.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الشافعي [2] خازن كتب خانقاه السميساطية بدمشق.
ولد ببغداد سنة ثمان وسبعين وستمائة، وسمع الحديث، وكان صالحا، خيّرا. جمع، وألّف، فمن تأليفه «تفسير القرآن العظيم» [3] و «شرح عمدة الأحكام» وأضاف إلى «جامع الأصول» «مسند الإمام أحمد» و «سنن ابن ماجة» و «سنن الدارقطني» وسمّاه: «مقبول المنقول» ، وجمع «سيرة» . وحدّث ببعض مصنّفاته، وكان صوفيا بالخانقاه المذكورة، وكان بشوش الوجه، ذا تودّد وسمت حسن.
توفي في شعبان.
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمّام بن حسان التّليّ ثم الصّالحي [4] القدوة الزّاهد الفقيه الحنبلي.
__________
[1] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 53- 54) و «الدّرر الكامنة» (3/ 97) و «كشف الظنون» (2/ 1792) .
[3] أقول: وهو المعروف ب «تفسير الخازن» ، وهو بغدادي الأصل، يقال له: الشيحي، نسبة إلى شيحة من أعمال حلب (ع) .
[4] انظر «ذيول العبر» (220) و «معجم الشيوخ» (2/ 141- 143) و «الوافي بالوفيات» (2/ 152) و «فوات الوفيات» (3/ 413) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 353) و «الدّرر الكامنة» (3/ 311- 312) .(8/229)
ولد سنة إحدى وخمسين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدائم وغيره، وصحب الشيخ شمس الدّين ابن الكمال وغيره من العلماء والصّلحاء. وكان صالحا، تقيا، من خيار عباد الله، يقتات من عمل يده، وكان عظيم الحرمة، مقبول الكلمة عند الملوك. وولاة الأمور، ترجع إلى رأيه وقوله. أمّارا بالمعروف نهاء عن المنكر.
ذكره الذهبي في «معجم شيوخه» وقال: كان مشارا إليه في الوقت بالإخلاص، وسلامة الصّدر، والتّقوى، والزّهد، والتّواضع التّام، والبشاشة، ما أعلم فيه شيئا يشينه في دينه أصلا.
وقال ابن رجب: حدّث بالكثير، وسمع منه خلق، وأجاز لي ما تجوز له روايته بخطّ يده.
وتوفي في ثالث عشر ربيع الأول، ودفن بقاسيون، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين أبو المعالي محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة بن علي بن عقيل [1] ، الإمام، العالم، الفقيه، الشافعي، المفتي المدرّس الكبير بن القمّاح القرشي المصري.
ولد في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة، وسمع الكثير، وقرأ الحديث بنفسه، وكتب بخطّه، وتفقه على الظّهير التّرميني وغيره، وبرع، وأفتى، ودرّس بقبة الإمام الشافعي إلى حين وفاته، بعد أن أعاد بها خمسين سنة، وناب في الحكم مدة سنين، وسمع منه خلق كثير من الفقهاء والمحدّثين.
قال الإسنوي: كان رجلا، عالما، فاضلا، فقيها، محدّثا، حافظا لتواريخ المصريين، ذكيا، إلّا أن نقله يزيد على تصرّفه. وكان سريع الحفظ، بعيد النسيان، مواظبا على النّظر والتحصيل، كثير التّلاوة، سريعا، متودّدا.
توفي في ربيع الآخر أو الأول، ودفن بالقرافة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (221) و «الوافي بالوفيات» (2/ 150) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 92- 93) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 338) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 66- 67) و «الدّرر الكامنة» (3/ 303- 304) و «حسن المحاضرة» (1/ 426) .(8/230)
وفيها شرف الدّين محمد بن عبد المنعم المنفلوطي، المعروف بابن المعين الشّافعي [1] .
تفقه بالشيخ نجم الدّين البالسي وغيره، وقرأ الأصول على الشمس المحوجب.
قال الكمال الأدفوي: كان أديبا، فقيها، شاعرا، اختصر «الرّوضة» وتكلّم على أحاديث «المهذب» وسمّاه «الطّراز المذّهب» . انتهى.
وفيها عزّ الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن يوسف الأفقهسي المصري [2] .
سمع بالقاهرة ودمشق من جماعة.
قال ابن رافع: ودرّس بدمشق، وكان كثير النقل لفروع مذهبه، قوي الحافظة، قيل: إنه حفظ «محرّر الرافعي» في شهر وستة أيام.
توفي بدمشق شابا، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن بكر بن سعد الأشعري المالقي، يعرف بابن بكر [3] .
قال في «تاريخ غرناطة» : كان من صدور العلماء، وأعلام الفضل، معرفة وتفنّنا، ونزاهة، عارفا بالأحكام والقراءات، مبرّزا في الحديث والتاريخ، حافظا للأنساب والأسماء والكنى. قائما على العربية، مشاركا في الأصول، والفروع، واللغة، والفرائض، والحساب، أصيل النظر، منصفا مخفوض الجناح، حسن الخلق، عطوفا على الطلبة، محبّا للعلم والعلماء.
أخذ القراءات، والعربية، والفقه، والحديث، والأدب عن الأستاذ
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 80) و «الدّرر الكامنة» (4/ 33) .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (1/ 382) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 80- 81) و «الدّرر الكامنة» (4/ 37) .
[3] انظر «الإحاطة بتاريخ غرناطة» (2/ 176- 180) و «الدّرر الكامنة» (4/ 284) .(8/231)
أبي محمد بن أبي السّداد الباهلي، وابن الزّبير، وابن رشيد، وغيرهم، وأجاز له جماعة من سبتة وإفريقية، والمشرق. منهم: الشّرف الدّمياطي، والأبرقوهي.
وولي الخطابة والقضاء بغرناطة فصدع بالحقّ، وتصدّر لنشر العلم، فأقرأ العربية، والفقه، والقراءات، والأصول، والفرائض، والحساب، وعقد مجلس الحديث، شرحا وسماعا.
مولده في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وستمائة، ووقف في مصافّ المسلمين يوم المساحة الكبرى بظاهر طريف فكبت به بغلته، فمات منها، وذلك يوم الاثنين سابع جمادى الأولى انتهى.
وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام.
قال المقري في «التعريف بابن الخطيب» : قال مولاي الجدّ، رحمه الله تعالى،:
فممن أخذت عنه علماها- يعني تلمسان- الشّامخان، وعالماها الرّاسخان، أبو زيد عبد الرحمن، وأبو موسى عيسى، ابنا محمد بن عبد الله بن الإمام، وكانا قد رحلا في شبابهما من بلدهما برشك إلى تونس، فأخذا بها عن ابن جماعة، وابن العطّار، والنّفزي، وتلك الحلبة، وأدركا المرجاني وطبقته من أعجاز المائة السابعة، ثم وردا في أول المائة الثامنة تلمسان على أمير المسلمين أبي يعقوب وهو محاصر لها، وفقيه حضرته يومئذ أبو الحسن علي بن مخلف التّنّسي، وكان قد خرج إليه برسالة من صاحب تلمسان المحصورة، فلم يعد وارتفع شأنه عند أبي يعقوب حتّى إنه شهد جنازته ولم يشهد جنازة غيره، وقام على قبره، وقال: نعم الصّاحب فقدنا اليوم، ثم زادت حظوتهما عند أمير المسلمين أبي الحسن إلى أن توفي أبو زيد في العشر الأوسط من رمضان عام أحد وأربعين وسبعمائة، بعد وقعة طريف بأشهر، فزادت مرتبة أبي موسى عند السلطان، وكانا رحلا إلى المشرق في حدود العشرين وسبعمائة، فلقيا علاء الدّين القونوي، وجلال الدين القزويني صاحب «البيان» وسمعا «صحيح البخاري» على الحجّار، وناظرا تقي الدّين بن تيميّة، وظهرا عليه، وكان ذلك من أسباب محنته، وكان شديد الإنكار على الإمام فخر الدّين [1] .
__________
[1] يعني الرازي.(8/232)
حدّثني شيخي العلّامة أبو عبد الله الإيلي أن عبد الله بن إبراهيم الزموري أخبره أنه سمع ابن تيميّة ينشد لنفسه:
محصّل في أصول الدّين حاصله ... من بعد تحصيله علم بلا دين
أصل الضّلالة والإفك المبين فما ... فيه فأكثره وحي الشّياطين
قال: وكان في يده قضيب، فقال: والله لو رأيته لضربته بهذا القضيب.
وشهدت مجلسا عند السّلطان قرئ فيه على أبي زيد بن الإمام حديث:
«لقّنوا موتاكم لا إله إلّا الله» في «صحيح مسلم» [1] ، فقال له الأستاذ أبو إسحاق بن حكم السّلوي: هذا الملقّن محتضر حقيقة، ميت مجازا، فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم، والأصل الحقيقة، فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه، وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض «التنقيح» أي للقرافي، فقلت: زعم القرافي أن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال، مجازا في الاستقبال، مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به، أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة إجماعا، وعلى هذا التقرير لا مجاز فلا سؤال.
وذكر أبو زيد ابن الإمام يوما في مجلسه أنه سئل بالمشرق عن هاتين الشرطيتين وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ 8: 23 [الأنفال: 23] ، فإنهما يستلزمان بحكم الإنتاج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهو محال، ثم أراد أن يرى ما عند الحاضرين، فقال ابن الحكم: قال الخونجي: والإهمال بإطلاق لفظ لو، وأن في المتصلة، فهاتان القضيتان على هذا مهملتان، والمهملة في قوة الجزئية، ولا قياس عن جزئيتين. انتهى.
وفيها الملك النّاصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصّالحي [2] .
__________
[1] رواه مسلم رقم (916) في الجنائز: باب تلقين الموتى: لا إله إلّا الله.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (323- 225) و «النجوم الزاهرة» (9/ 165) و «الوافي بالوفيات» (4/ 353)(8/233)
ولد في صفر، وقيل: في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة، وشوهد منه أنه ولد وكفّاه مقبوضتان ففتحتهما الدّاية فسال منهما دم كثير، ثم صار [1] يقبضهما، فإذا فتحهما سال منهما دم كثير، فأوّل ذلك بأنه يسفك على يديه دماء كثيرة، فكان كذلك. وولي السلطنة عقب قتل أخيه الأشرف وعمره تسع سنين، فولي السلطنة سنة إلّا ثلاثة أيام، ثم خلع بكتبغا، وكان كتبغا قد جهّز النّاصر إلى الكرك بعد أن حلف له أنه إذا ترعرع وترجّل يفرغ له عن المملكة بشرط أن يعطيه مملكة الشام استقلالا، ثم أحضر الناصر من الكرك إلى مصر سنة ثمان وتسعين وسلطنوه ثانيا، واستقرّ بيبرس الجاشنكير دويدارا وسلّار نائبا في السلطنة، ولم يكن للناصر معهما حكم البتة واستقرّ أقش الأفرم نائب دمشق، وحضر الناصر وقعة غازان سنة تسع وتسعين، وثبت الناصر الثبات القوي، وجرى لغازان بدمشق ما اشتهر، وقطعت خطبة الناصر من دمشق مدة ثم أعيدت فتحرّك غازان في العود، فوصل إلى حلب، ثم رجع.
وفي شعبان سنة اثنتين وسبعمائة كانت وقعة شقحب، وكان للناصر [2] فيها اليد البيضاء من الثبات والفتك ووقع النّصر للمسلمين.
ثم في سنة ثمان وسبعمائة أظهر الناصر أنه يطلب الحجّ، فتوجه إلى الكرك، وأقام بها، وطرد نائب الكرك إلى مصر، وأعرض عن المملكة لاستبداد سلّار، وبيبرس دونه بالأمور، وكتب الناصر إلى الأمراء بمصر يترقق لهم، ويستعفيهم من السلطنة، ويسألهم أن يتركوا له الكرك، فوافقوه على ذلك، وتسلطن بيبرس الجاشنكير، ثم قصد الناصر مصر في سنة تسع وسبعمائة فاستقرّ في دست سلطنته يوم عيد الفطر، ولما استقرّت قدمه قبض على أكثر الأمراء، وعزل، وولي، وحجّ، وجدّد خيرات كثيرة، وبنى جوامع، ومدارس، وخوانق، وفتحت في أيامه ملطية،
__________
و «فوات الوفيات» (2/ 263) و «الدّرر الكامنة» (4/ 144) .
[1] تحرفت في «ط» إلى «سار» .
[2] هو الملك الناصر محمد بن قلاوون بن عبد الله الصالحي. انظر ترجمته في «الوافي بالوفيات» (4/ 353) و «ذيول العبر» ص (224) و «الدّرر الكامنة» (4/ 144- 148) .(8/234)
وطرسوس، وغيرهما. واشترى المماليك، فبالغ في ذلك، حتّى اشترى واحدا بما يزيد على أربعة آلاف دينار.
قال في «الدّرر» [1] : ولم ير أحد مثل سعادة ملكه وعدم حركة الأعادي عليه برّا وبحرا، مع طول المدة، فمنذ وقعة شقحب إلى أن مات، لم يخرج عليه أحد، ووجدت له إجازة بخط البرزالي من ابن مشرف وغيره، وسمع من ست الوزراء، وابن الشّحنة، وخرّج له بعض المحدّثين «جزءا» . وكان مطاعا، مهيبا، عارفا بالأمور، يعظّم أهل العلم والمناصب الشرعية، ولا يقرّر فيها إلّا من يكون أهلا لها.
وتوفي في تاسع عشري ذي الحجّة بقلعة مصر في آخر النهار، وحمل ليلا إلى المنصورية، فغسل بها، وصلّى عليه عزّ الدّين بن جماعة القاضي إماما بحضرة أناس قلائل من الأمراء، وحصل للمسلمين بموته ألم شديد، لأنهم لم يلقوا مثله.
وعهد قبيل موته لولده الملك المنصور، فجلس على كرسي الملك قبل موت والده بثلاثة أيام، والله أعلم.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 147- 148) .(8/235)
سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة
في محرّمها بايع السلطان الملك المنصور الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العبّاس أحمد بن الخليفة المستكفي للخلافة بعهد من والده، وجلس مع السلطان على كرسي واحد وبايعهم القضاة وغيرهم.
وفيها توفي السلطان الملك المنصور أبو بكر بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون [1] خلع في صفر.
قال السيوطي: لفساده وشرب الخمور، حتّى قيل: إنه جامع زوجات أبيه، ونفي إلى قوص، وقتل بها.
وتسلطن أخوه الملك الأشرف كجك، ثم خلع من عامه، وولي أخوه أحمد، ولقّب الناصر وعقد المبايعة بينه وبين الخليفة الشيخ تقي الدّين السّبكي، قاضي الشام، وكان قد حضر معه.
وفيها الحافظ الكبير جمال الدّين أبو الحجّاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزّهر، الإمام العلّامة الحافظ الكبير المزّي الشافعي [2] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (226) و «حسن المحاضرة» (2/ 116- 117) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (229) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1498) و «معجم الشيوخ» (2/ 389- 390) و «المعجم المختص» ص (299- 300) و «النجوم الزاهرة» (10/ 76- 77) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 395) و «فوات الوفيات» (4/ 353) و «الدّرر الكامنة» (4/ 457) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة» (3/ 99) .(8/236)
قال ابن قاضي شهبة: شيخ المحدّثين، عمدة الحفّاظ، أعجوبة الزّمان الدمشقيّ المزّي.
مولده في ربيع الآخر، سنة أربع وخمسين وستمائة بظاهر حلب، ونشأ بالمزّة.
قرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي، وحصّل طرفا من العربية، وبرع في التصريف واللغة، ثم شرع في طلب الحديث بنفسه، وله عشرون سنة. وسمع الكثير، ورحل.
قال بعضهم: ومشيخته نحو الألف، وبرع في فنون الحديث، وأقر له الحفّاظ من مشايخه وغيرهم بالتقدم، وحدّث بالكثير نحو خمسين سنة، فسمع منه الكبار والحفّاظ، وولي دار الحديث الأشرفية ثلاثا وعشرين سنة ونصفا.
وقال ابن تيمية لما باشرها: لم يلها من حين بنيت إلى الآن أحق بشرط الواقف منه، لقول الواقف: فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدّراية، قدّم من فيه الرّواية [1] .
وقال الذهبي في «المعجم المختص» : شيخنا الإمام العلّامة، الحافظ، النّاقد، المحقّق، المفيد، محدّث الشام.
طلب الحديث سنة أربع وسبعين وهلم جرا، وأكثر، وكتب العالي والنّازل بخطّه المليح المتقن. وكان عارفا بالنّحو، والتصريف، بصيرا باللغة، يشارك في الأصول والفقه، ويخوض في مضائق العقول. انتهى.
وقال السّبكي في «الطبقات» : ولا أحسب شيخنا المزيّ يدري المعقولات، فضلا عن الخوض في مضايقها. فسامح الله شيخنا الذّهبي.
ثم قال الذهبي: ويدري الحديث كما في النّفس متنا وإسنادا، وإليه المنتهى
__________
[1] علم الحديث رواية: علم يعرف به أقوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأفعاله وأحواله، وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها.
وعلم الحديث دراية: علم يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات وما يتعلق بها. (ع) .(8/237)
في معرفة الرّجال وطبقاتهم. ومن نظر في كتابه «تهذيب الكمال» [1] علم محلّه من الحفظ، فما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه في معناه.
وكان ينطوي على سلامة باطن ودين وتواضع وفراغ عن الرئاسة وحسن سمت وقلّة كلام، وحسن احتمال.
وقد بالغ في الثناء عليه أبو حيّان، وابن سيّد الناس، وغيرهما من علماء العصر.
توفي في صفر، ودفن بمقابر الصّوفية غربيّ قبر صاحبه ابن تيميّة.
ومن تصانيفه «تهذيب الكمال» و «الأطراف» [2] وغيرهما.
__________
[1] يعدّ هذا الكتاب من أجود كتب التراجم التي خلّفها علماء المسلمين، ويعتبر من الكتب الرائدة في هذا الباب، وقد وضع أصله «الكمال في أسماء الرجال» الإمام الحافظ عبد الغني المقدسي المتوفى سنة (600) هـ، وقام الإمام المزّي بتهذيبه وأضاف إليه فوائد كثيرة وسماه «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» وقد كتب الله عز وجل لكتاب المزّي هذا الشهرة والانتشار منذ عصر مؤلّفه، ولكنه بقي في عداد المخطوطات المحصور وجودها في المكتبات العامة ببعض البلاد الإسلامية، إلى أن تولت دار المأمون للتراث بدمشق إصداره مصورة لإحدى نسخه الخطية في ثلاث مجلدات كبيرة بطريقة الأوفست، تولى تقديمها للقراء الأستاذان الفاضلان عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق.
ثم تصدت لإخراجه في طبعة علمية متقنة محققة مؤسسة الرسالة بيروت، فعهدت للأستاذ الدكتور بشار عواد معروف بتحقيقه، وإلى الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط بتخريج أحاديثه والإشراف على طبعه، وقد صدر منه حتى الآن خمسة عشر مجلدا.
[2] واسمه الكامل «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» ويعدّ هو الآخر من خيرة مصنّفات المسلمين في بابه، بيّن فيه مواقع الأحاديث في مصنّفات حديثية كثيرة من خلال الدلالة على أطرافها، فأجاد وأفاد، جزاه الله تعالى عن المسلمين خير الجزاء. وقد طبع كتابه طبعة متقنة نافعة في الدار القيمة بمباي في الهند في أربعة عشر مجلدا بتحقيق الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الصمد شرف الدّين، ثم أعاد المكتب الإسلامي ببيروت إصداره مصورا عن طبعة الهند عدة مرات.
وقام الحافظ ابن حجر العسقلاني بتصنيف كتاب سمّاه «النكت الظراف على الأطراف» وقد نشر في هامش «تحفة الأشراف» على يد الشيخ عبد الصمد شرف الدّين في الهند أيضا.
وقام الحافظ ولي الدّين ابن العراقي المتوفى سنة (826) هـ بتعقب الحافظ المزّي بمصنف نافع سمّاه «الإطراف بأوهام الأطراف» وقد نشر نشرة سيئة في بيروت على يد الأستاذ كمال يوسف الحوت. وقد شرعت بتحقيقه تحقيقا يليق به معتمدا على نسختين خطيتين، وأسأل الله تعالى العون على الانتهاء منه قريبا ودفعه للطبع لكي يعم الانتفاع به.(8/238)
سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
في محرّمها جمع الناصر الأموال التي في قلعة الجبل، وأخذها وراح إلى الكرك، وترك الملك، ونسبت إليه أشياء قبيحة، فخلعوه من السلطنة، وبايعوا أخاه السلطان الصالح إسماعيل، فأرسل جيشا إلى محاربة الناصر أحمد في الكرك، وأظهر أنه يطلب الأموال.
ووقع بالشام غلاء بسبب هذا الحصار.
وفيها توفي الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل البعلبكي [1] .
روى عن التّاج بن عبد الخالق بن عبد السلام.
وتوفي في شعبان. قاله في «الدّرر» .
وفيها توفي [2] الإمام المشهور الحسن بن محمد بن عبد الله الطّيبي [3] ، شارح «الكشّاف» العلّامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان.
قال ابن حجر [4] : كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسّنن، مقبلا على نشر العلم، متواضعا، حسن المعتقد، شديد الردّ على الفلاسفة [والمبتدعة] ، مظهرا فضائحهم، مع استيلائهم حينئذ شديد الحب لله ورسوله، كثير الحياء، ملازما لإشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع، بل يخدمهم [5] ويعينهم، ويعير الكتب النّفيسة لأهل بلده وغيرهم، من يعرف ومن لا يعرف، محبّا لمن عرف منه تعظيم
__________
[1] ترجمته في «الدّرر الكامنة» (2/ 30- 32) .
[2] ليست اللفظة في «ط» .
[3] ترجمة الطيبي في «الدّرر الكامنة» (2/ 68- 69) ، و «بغية الوعاة» (1/ 522- 523) ، و «البدر الطالع» (1/ 229- 230) و «معجم المؤلفين» (4/ 53) . واسمه في بعض هذه المصادر «الحسين» .
[4] تصرّف المصنّف في نقله عن ابن حجر تقديما وتأخيرا وحذفا وإضافة.
[5] في «آ» و «ط» : «بل يجديهم» وفي «الدرر الكامنة» «يحذيهم ويعينهم» وفي هامشه: «يحدثهم ويغنيهم» وفي «بغية الوعاة» : «بل يخدمهم ... » . وهو ما أثبته لأنه مصدر المؤلّف في نقله.(8/239)
الشريعة، وكان ذا ثروة من الإرث والتجارة فلم يزل ينفقه في وجوه الخيرات، حتّى صار في آخر عمره فقيرا.
صنف «شرح الكشّاف» و «التفسير» «والتبيان» في المعاني «والبيان» وشرحه، و «شرح المشكاة» .
وكان يشغل في التفسير من بكرة إلى الظهر ومن ثم إلى العصر في الحديث إلى يوم مات فإنه فرغ من وظيفة التفسير وتوجّه إلى مجلس الحديث فصلّى النافلة، وجلس ينتظر إقامة الفريضة، فقضى نحبه متوجها إلى القبلة، وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشري شعبان.
قال السيوطي: ذكر في شرحه على «الكشّاف» أنه أخذ من أبي حفص السّهروردي وأنه قبيل الشروع في هذا الشرح رأي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد ناوله قدحا من اللّبن فشرب منه.
وفيها الأمير صارم الدّين صاروجا بن عبد الله المظفّري [1] .
كان أميرا في أول دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون بالديار المصرية. وكان صاحب أدب وحشمة ومعرفة. ولمّا أعطى الملك الناصر تنكز إمرة عشرة جعل صاروجا هذا أغاة له، وضمّه إليه، فأحسن صاروجا لتنكز، ودرّبه واستمرّ إلى أن حضر الملك الناصر من الكرك اعتقله، ثم أفرج عنه بعد عشر سنين تقريبا، وأنعم عليه بإمرة في صفد، فأقام بها نحو سنتين، ونقل إلى دمشق أميرا بها بسفارة تنكز نائب الشام، فلما وصل إلى دمشق عنّ له تنكز خدمته السالفة وحظي عنده، وصارت له كلمة بدمشق، وعمّر بها عماير مشهورة به منها السّويقة [2] التي خارج دمشق إلى جهة الصّالحية، ولما أمسك تنكز قبض على صاروجا، وحضر مرسوم بتكحيله، فكحّل وعمي، ثم ورد مرسوم بالعفو عنه، ثم جهّز إلى القدس الشريف، فأقام به إلى أن مات في أواخر هذه السنة.
__________
[1] ترجمة (صاروجا) في «نكت الهميان» للصفدي (170) ، و «الدّرر الكامنة» (2/ 198) ، و «الدارس» (1/ 124) و «الأعلام» (3/ 270) .
[2] وإلى ذلك أشار الزركلي رحمه الله بقوله: «وسوق صاروجا بدمشق أظنه منسوبا إليه والعامة تقول:
سوق ساروجا» بل يمكننا أن نجزم بأنه هو المقصود بناء على كلام ابن العماد رحمه الله.(8/240)
وفيها تاج الدّين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله الإمام الأديب البارع اليماني الأصل المكي الشافعي [1] .
ولد في رجب سنة ثمانين وستمائة بمكة، وقدم دمشق ومصر وحلب، ودرّس بالمشهد النّفيسي، وأقام باليمن مدة، وولي الوزارة، ثم عزل وصودر، ثم استقر بالقدس، ودرّس به واشتغل.
وله تآليف منها: «مطرب السّمع في شرح حديث أم زرع» ومنها «لقطة العجلان المختصر في وفيات الأعيان» . وسمع منه البرزالي والذهبي، وذكراه في «معجميهما» وابن رافع وخلائق، وكتب عنه الشيخ أبو حيّان، وأثنى عليه كثيرا [2] . وعمل «تاريخا» للنحاة، واختصر «الصّحاح» .
توفي بالقاهرة في شهر رمضان رحمه الله تعالى.
وفيها برهان الدّين عبيد الله بن محمد الشريف برهان الدين الحسيني الشّافعي الفرغاني [3] المعروف بالعبري- بكسر العين المهملة كما قاله ابن شهبة- وقال لا أدري نسبته إلى أي شيء. وقال السيوطي: بالضم والسكون نسبة إلى عبرة بطن من الأزد- قاضي تبريز [4] .
كان جامعا لعلوم شتّى من الأصلين والمعقولات.
وله تصانيف مشهورة وسكن السّلطانية مدة، ثم انتقل إلى تبريز. وشرح كتب البيضاوي: «المنهاج» و «الغاية القصوى» و «المصباح» و «المطالع» .
وقال الحافظ زين الدين العراقي في «ذيل العبر» [5] : كان حنفيا يقرئ مذهب أبي حنيفة والشافعي، وصنّف فيهما.
__________
[1] ترجمة (عبد الباقي) في «ذيول العبر» (233) و «النجوم الزاهرة» (10/ 104) و «فوات الوفيات» (2/ 246- 249) و «العقد الثمين» (5/ 321- 324) و «الدرر الكامنة» (2/ 315) .
[2] في «ط» : (وأكثر) .
[3] ترجمة (الشريف العبري) في «طبقات الشافعية» (2/ 236) و «طبقات» ابن قاضي شهبة (3/ 39) و «مرآة الجنان» (4/ 306) و «الدرر الكامنة» (2/ 433) واسمه في بعض هذه المصادر (عبد الله) .
والفرغاني: نسبة إلى فرغانة مدينة تقع فيما وراء النهر قرب سمرقند «معجم البلدان» (4/ 253) .
[4] تبريز أشهر مدن أذربيجان. انظر «معجم البلدان» (1/ 13) .
[5] ليس هذا «الذيل» بين أيدينا.(8/241)
وقال الذهبي في «المشتبه» [1] : السيد العبري، عالم كبير في وقتنا، وتصانيفه سائرة.
وقال بعض فضلاء العجم: كان مطاعا عند السلاطين، مشهورا في الآفاق، مشارا إليه في جميع الفنون، ملاذا للضعفاء، كثير التواضع والإنصاف.
توفي في رجب أو في ذي الحجّة.
وفيها أو في التي قبلها، وجزم به السيوطي في «طبقات النّحاة» ، أبو المعالي محمد بن يوسف بن علي بن محمود [2] الصّبري [3] بلدا، قاضي تعز.
كان ذا فضل في الفقه والنحو والحديث والقراءات السبع والفرائض، كثير الصلاح والورع والعبادة، ساعيا في قضاء حوائج الناس. حج في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة مع الملك المجاهد صاحب اليمن.
وتوفي آخر يوم عرفة من هذا العام مبطونا وغسّل بمنى، ودفن بالأبطح. انتهى.
وفيها شرف الدين محمود بن محمد بن محمد بن محمود الدّركزيني [4]- بفتح المهملة، وسكون الراء، وكسر الكاف، والزاي، نسبة إلى دركزين بلد بهمذان- القرشي الطّالبي العالم الصالح الشافعي.
قال الإسنوي: كان عالما زاهدا، كثير العبادة، شديد الاتّباع للسنة، صاحب كرامات، أجمع عليه الخاصة والعامة والملوك والعلماء فمن دونهم، وكان طويلا جدا جهوريّ الصوت، حسن الخلق. والخلق، جوادا من بيت علم ودين. صنّف في الحديث كتابا سماه «نزل السائرين» في مجلد، وشرح «منازل السائرين» في جزأين. توفي في شعبان بدركزين، ودفن بها والله أعلم.
__________
[1] لم أجده في «المشتبه» الموجود بين أيدينا، وقد ذكر المترجم ابن ناصر الدّين في «توضيح المشتبه» (6/ 384) فيما استدركه على نسبة «العبري» في «مشتبه» الذهبي.
[2] ترجمته في «العقد الثمين» (2/ 403» و «بغية الوعاة» (1/ 285) .
[3] الصبري: نسبته إلى صبر وهو اسم الجبل الشامخ العظيم المطلّ على قلعة تعزّ فيه عدة حصون وقرى باليمن. «معجم البلدان» (3/ 392) .
[4] ترجمة الدركزيني في «طبقات الإسنوي» (1/ 555) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 98) و «الدرر الكامنة» (4/ 338) و «معجم المؤلفين» (12/ 199) .(8/242)
سنة أربع وأربعين وسبعمائة
في جمادى الآخرة منها قتل إبراهيم بن يوسف المقصّاتي الرّافضي إلى لعنة الله. شهد عليه بسبّ الصحابة، رضي الله عنهم، وقذف عائشة والوقع [1] في حق جبريل عليه السلام.
وفيها توفي القاضي تاج الدّين أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى ابن سليمان المارديني الأصل المعروف بابن التركماني [2] الحنفي.
قال في «الدّرر» : ولد بالقاهرة ليلة السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وستمائة واشتغل بأنواع العلوم ودرس وأفتى وناب في الحكم وصنّف في الفقه، والأصلين، والحديث، والعربية، والعروض، والمنطق، والهيئة، وغالبها لم يكمل.
وسمع من الدمياطي، وابن الصوّاف والحجّار. وحدّث، ومات في أوائل جمادى الأولى وله نظم وسط.
وفيها حسن بن محمد ابن أبي بكر السكاكيني [3] .
قال في «الدرر» : كان أبوه فاضلا في عدة علوم، متشيّعا من غير سبّ ولا غلوّ، فنشأ ولده هذا غاليا في الرفض، فثبت عليه عند القاضي شرف الدين
__________
[1] كذا في «ط» : «والواقع» وفي «آ» : «وأوقع» .
[2] ترجمة (ابن التركماني) في «ذيول العبر» (24- 241) و «الجواهر المضية» (1/ 77) و «الدّرر الكامنة» (1/ 198) .
[3] ترجمة (السكاكيني) في «الدرر الكامنة» (2/ 34) .(8/243)
المالكي بدمشق، وثبت عليه أنه أكفر الشيخين، وقذف ابنتيهما، ونسب جبريل إلى الغلط في الرسالة، إلى غير ذلك، فحكم بزندقته، وبضرب عنقه، فضربت بسوق الخيل حادي عشر جمادى الأولى.
وفيها شهاب الدّين أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد العزيز بن يوسف بن أبي العزّ بن نعمة، الإمام البارع المحقّق النحوي الشافعي المصري، المعروف بابن المرحّل [1] .
قال ابن شهبة: سمع من جماعة، واشتغل في العلم، ومهر في النحو، وقد انتهت إليه وإلى الشيخ أبي حيّان مشيخة النحو بالدّيار المصرية، وأخذ عنه جمال الدين بن هشام، وهو الذي نوّه باسمه وعرف بقدره وقال: إن الاسم في زمانه كان لأبي حيّان والانتفاع بابن المرحّل.
وقال ابن رافع: وخرّجت له «جزءا» من حديثه عن بعض شيوخه.
وتصدر بالجامع الحاكمي. وأشغل [2] الناس بالعلم مدة وانتفع به جماعة.
وقال الإسنوي: كان فاضلا فقيها إماما في النحو، مدققا فيه، محققا عارفا باللغة، وعلم البيان والقراءات، وتصدّر بالجامع الحاكمي مدة طويلة، وانتفع به، وتخرّجت به الطلبة وصاروا أئمة فضلاء.
توفي في المحرم بالقاهرة وقد جاوز الستين.
وممن أخذ عنه الشيخ شمس الدّين بن الصائغ الحنفي ورثاه بقصيدة.
وفيها الحافظ أبو حامد محمد بن أيبك السروجي [3] .
كان علامة ثقة متقنا، وممن عدّه من الحفّاظ ابن ناصر الدين قال في «بديعيّته» [4] :
__________
[1] ترجمة (ابن المرحل) في «طبقات الإسنوي» (2/ 465) ، و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 36- 38) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 406- 408) .
[2] في «وفيات ابن رافع» : «وشغل الناس» .
[3] ترجمة (السروجي) في «ذيول العبر» (238) و «النجوم الزاهرة» (10/ 108) و «الوافي بالوفيات» (4/ 225) و «الدّرر الكامنة» (4/ 58) .
[4] «بديعة البيان» (الورقة 26/ آ) .(8/244)
محمّد بن أيبك السّروجي ... دار ذرى مواطن العروج
وفيها الحافظ شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسيّ الجماعيلي الأصل ثم الصالحي الفقيه الحنبلي [1] المقرئ المحدث الحافظ الناقد النحوي المتفنن الجبل الراسخ.
ولد في رجب سنة أربع وسبعمائة. وقرأ بالروايات، وسمع الكثير من ابن عبد الدائم، والحجّار، وخلق كثير، وعني بالحديث وفنونه، ومعرفة الرجال والعلل، وبرع في ذلك، وأفتى ودرّس، ولازم الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، مدة. وقرأ عليه قطعة من الأربعين في أصول الدين للرازي، ولازم أبا الحجاج المزيّ، وأخذ عن الذهبي وغيره.
وقد ذكره الذهبي في «طبقات الحفاظ» : فقال: ولد سنة خمس أو ست وسبعمائة واعتنى بالرجال والعلل وبرع وتصدّى للإفادة والأشغال في الحديث والقراءات والفقه والأصلين والنحو، وله توسّع في العلوم، وذهن سيّال. وله عدة محفوظات. وتآليف وتعاليق مفيدة، كتب عنّي، واستفدت منه. ثم قال: وصنّف تصانيف كثيرة، بعضها كمّله، وبعضها لم يكمّله، لهجوم المنية.
وعدّ له ابن رجب في «طبقاته» ما يزيد على سبعين مصنفا يبلغ التام منها ما يزيد على مائة مجلد [2] .
توفي رحمه الله عاشر جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها تقي الدّين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمّام الأنصاري السّبكي [3] الشافعي الفقيه المحدّث الأديب المفنّن.
__________
[1] ترجمته في «المعجم المختص» (215- 216) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1508) و «ذيل الذهبي عليها» (49) ، و «ذيول العبر» (238- 239) و «الوافي بالوفيات» (2/ 161) ، و «ذيل ابن رجب» (2/ 436، 439) ، و «الدرر الكامنة» (3/ 331) ، و «القلائد الجوهرية» (2/ 313- 314) ، و «المقصد الأرشد» (2/ 360) .
[2] قلت: وقد قامت مؤسسة الرسالة في بيروت بنشر كتابه «طبقات علماء الحديث» بتحقيق الأستاذين أكرم البوشي وإبراهيم الزيبق.
[3] ترجمته في «ذيول العبر» (241- 242) و «الوافي بالوفيات» (3/ 284) و «طبقات السّبكي»(8/245)
ولد سنة أربع وسبعمائة، وطلب الحديث في صغره، وسمع خلقا، وتفقّه على جدّه الشيخ صدر الدين، وعلى الشيخ تقي الدين السّبكي، والشيخ قطب الدين السّنباطي، وتخرّج بالشيخ تقي الدّين السّبكي في كل فنونه، وقرأ النّحو على أبي حيّان وتلا عليه بالسبع، ولازمه سبعة عشر عاما، ودرّس بالقاهرة وناب في الحكم. ثم قدم دمشق، وناب في الحكم أيضا، ودرّس في الشامية الجوّانية والرّكنية، وعلّق «تاريخا» للمتجددات في زمانه.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» [1] .
قال ابن فضل الله [2] : ليس في الفقهاء بعد ابن دقيق العيد، أدرب منه.
توفي في ذي القعدة، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون.
وفيها بهاء الدّين أبو الثّناء محمود بن علي بن عبد الولي بن خولان البعلي الفقيه الحنبلي [3] الفرضي.
ولد في حدود السبعمائة، وسمع الحديث من جماعة وقرأ على الحافظ الدّبيثي عدة أجزاء، وتفقّه على الشيخ مجد الدّين الحرّاني، ولازم الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، وبرع في الفرائض والوصايا والجبر والمقابلة.
وكان مفتيا ديّنا متواضعا متودّدا ملازما للاشتغال والإشغال، حريصا على إفادة الطلبة، بارا بهم، محسنا إليهم تفقه به جماعة، وانتفعوا به، وبرع منهم طائفة.
وتوفي ببعلبك في رجب، رحمه الله تعالى.
__________
(9/ 167- 181) و «طبقات الإسنوي» (2/ 74) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 25) و «الدّرر الكامنة» (4/ 25) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 426) .
[1] قال الذهبي: قدم علينا عام أربعين فسمع وأخذنا عنه وله فضائل وأدب وبلاغة واعتناء بالرواية مع الديانة والخير. «المعجم المختص» (242) .
[2] يعني العمري.
[3] ترجمته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 439- 440) .(8/246)
سنة خمس وأربعين وسبعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحرّاني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي [1] .
ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع من ابن الموازيني وغيره، وطلب بنفسه، وكتب الكثير، وسمع الكثير أيضا، وتفقّه في المذهب وأصول الفقه، وهو الذي بيّض مسودة الأصول لابن تيمية، ورتّبها.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: من أعيان أهل مذهبه في دين وتقوى ومعرفة بالفقه، أخذ عنّي ومعي.
وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق ودفن بمقبرة باب الصّغير.
وفيها علم الدّين سنجر بن عبد الله الأمير الكبير الجاولي الشافعي [2] .
ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة بآمد. ثم صار لأمير من الظاهريّة يسمّى جاولي. وانتقل بعد موته إلى بيت المنصور، وتنقلت به الأحوال إلى أن صار مقدّما بالشام، وكانت داره بدمشق غربي جامع تنكز، وبعضها شماليّه، فسأله تنكز عند بناء الجامع إضافة ما بين جامعه وبين الميدان، وكان هناك إصطبل وغيره، فأبى ذلك كلّ الإباء ووقفها، وكان ذلك سببا لنقله من دمشق، ثم ولي نيابة غزّة، ثم قبض عليه في شعبان سنة عشرين، اتّهم بأنه يريد الدخول إلى اليمن، وسجن
__________
[1] ترجمته في «المعجم المختص» (34- 35) ، و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 440) و «المقصد الأرشد» (1/ 178- 179) .
[2] ترجمة (سنجر) في «ذيل الذهبي على تذكرة الحفاظ» (28) «ذيول العبر» (247) و «النجوم الزاهرة» (10/ 109- 110) و «طبقات السبكي» (10/ 41) و «الدّرر الكامنة» (2/ 170- 172) و «حسن المحاضرة» (1/ 395) .(8/247)
بالإسكندرية، وأحيط على أمواله، ثم أفرج عنه آخر سنة ثمان وعشرين، ثم استقر أميرا مقدّما بمصر واستقر من أمراء المشورة، ثم ولي حماة بعد موت الناصر مدة يسيرة، ثم ولي نيابة غزة فأقام بها أربعة أشهر، ثم عاد إلى مصر.
وقد روى «مسند الشافعي» عن قاضي الشّوبك دانيال، وحدّث به غير مرة، ورتّب «مسند الشافعي» ترتيبا حسنا، وشرحه في مجلدات بمعاونة غيره. جمع بين شرحيه لابن الأثير والرافعي، وزاد عليهما من «شرح مسلم» للنووي، وبنى جامعا بالخليل في غاية الحسن، وجامعا بغزة، ومدرسة بها، وخانقاه بظاهر القاهرة.
قال ابن كثير: وقف أوقافا كثيرة بغزة والقدس وغيرهما، وكان له معرفة بمذهب الشافعي، ورتّب «المسند» [1] ترتيبا حسنا فيما رأيته، وشرحه في مجلدات فيما بلغني.
قال الحافظ زين الدين العراقي: إنه رتّب «الأم» للشافعي.
توفي في رمضان ودفن بالخانقاه التي أنشأها.
وفيها جلال الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد الفقيه الحنفي النحوي العراقي الكوفي، المعروف بابن الفصيح [2] .
طلب الحديث وسمع من الخزرجي والذهبي، وشارك في الفضائل. مولده في شوال سنة اثنتين وسبعمائة. قاله الصفدي.
وفيها نجم الدّين أبو الحسن علي بن داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جبارة الزّبيري القرشي الأسدي [3] .
قال الصّفدي: شيخ أهل دمشق في عصره خصوصا في العربية، قرأ عليه أهل دمشق، وانتفعوا به ولد في جمادى الأولى سنة ثمان وستين وستمائة، وقرأ
__________
[1] في «ط» : «المذهب» وهو تصحيف.
[2] ترجمة (ابن الفصيح) في «ذيول العبر» (299) و «المعجم المختصر» (119) و «النجوم الزاهرة» (10/ 297) و «وفيات ابن رافع» (1/ 480) و «الجواهر المضية» (1/ 203- 206) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 245) ، و «وبغية الوعاة» (1/ 339) و «الدارس» (1/ 525- 526) .
[3] ترجمته في «ذيول العبر» (245) ، و «فوات الوفيات» (2/ 49) و «الجواهر المضية» (4/ 283- 285) و «الدّرر الكامنة» (3/ 47- 49) و «بغية الوعاة» (2/ 166) و «الدارس» (1/ 548) .(8/248)
النحو على العلاء بن المطرّز، والفقه على الشمس الحريري، والأصول على البدر بن جماعة، والعربية على الشرف الفزاري، والمجد التونسي [1] والمعاني والبيان على البدر بن النحوية، والميقات على البدر بن دانيال، وسمع الحديث على النجم الشّقراوي، والبرهان بن الدّرجي.
قال: ولم أصنّف شيئا لمؤاخذتي للمصنّفين فكرهت أن أجعل نفسي غرضا غير أني جمعت منسكا للحج.
وله النظم والنثر والكتابة المنسوبة ولي تدريس الركنية، ثم نزل عنها ورعا، وخطب بجامع تنكز.
ومن شعره:
أضمرت في القلب هوى شادن ... مشتغل في النّحو لا ينصف
وصفت [2] ما أضمرت يوما له ... فقال لي المضمر لا يوصف
توفي في رابع عشري رجب.
وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الرحمن ابن عمر البهبهائي. صاحب «الكشف على الكشّاف» .
قرأ على قوام الدّين الشيرازي، وهو قرأ على القطب العالي، وكان له حظّ وافر من العلوم، سيّما العربية، واخترمته المنية شابا عن سبع أو ثمان وثلاثين سنة.
وفيها أبو عبد الله محمد بن علي المصري النحوي [3] .
قال الخزرجي في «طبقات أهل اليمن» : كان فقيها فاضلا عارفا بالنحو والفقه واللغة والحديث والتفسير والقراءات.
أعاد بالمؤيدية بثغر رودس وبالمجاهدية بها.
وفيها شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان بن النّقيب [4] .
__________
[1] في «آ» : «القونسي» وهو تحريف.
[2] في «الجواهر المضية» : «وطلبت» .
[3] انظر «طبقات صلحاء اليمن» ص (284) .
[4] ترجمة (ابن النقيب) في «ذيل الذهبي على التذكرة» في «ذيول العبر» (248) ، و «طبقات(8/249)
ولد تقريبا سنة اثنتين وستين وستمائة، وأخذ شيئا من الفقه عن الشيخ محيي الدّين النّووي وخدمه، وتفقه بالشيخ شرف الدّين المقدسي، وسمع الحديث، وسمع منه البرزالي وغير واحد، وأخذ عنه جمال الدّين بن جملة قديما.
وولي قضاء حمص فطرابلس ثم حلب ثم صرف عنها وعاد إلى دمشق، وولي تدريس الشامية البرانية.
قال السبكي: له الدّيانة، والعفّة، والورع، الذي طرد به الشيطان وأرغم أنفه، كان من أساطين المذهب.
توفي في ذي القعدة ودفن بالصالحية.
وفيها تقي الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن همام- بالضم والتخفيف- ابن راجي الله بن سرايا بن ناصر بن داود الإمام المحدّث العسقلاني الأصل المصري، المعروف بابن الإمام الشافعي [1] .
مولده في شعبان سنة سبع وسبعين وستمائة. وطلب الحديث، وقرأ وكتب بخطّه، وحصل الأجزاء والكتب الحديثية، وتخرج بالحافظ الدمياطي، وسمع من جماعة، وكان إماما بالجامع الصالحي ظاهر القاهرة وساكنا به، وصنف كتابا حسنا في الأذكار والأدعية، سماه «سلاح المؤمن» ، وكتاب «الاهتداء في الوقف والابتداء» من أخصر ما ألّف وأحسنه، وكتابا في المتشابه مرتبا على السور، واشتهر كتابه «سلاح المؤمن» في حياته. واختصره الذهبي.
توفي في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن مظفّر الدّين الخلخالي، ويعرف أيضا بالخطيبي الشافعي [2] .
__________
السبكي» ، (9/ 307- 309) و «طبقات الإسنوي» (2/ 512) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 64- 66) و «الدّرر الكامنة» (3/ 298) و «الدارس» (1/ 37) .
[1] ترجمة (ابن الإمام) . في «النجوم الزاهرة» (10/ 146) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 86- 87) و «غاية النهاية» (2/ 245) و «الدرر الكامنة» (4/ 203) و «الأعلام» (7/ 264) .
[2] ترجمة (الخلخالي) في «طبقات الإسنوي» (1/ 505) و «الدرر الكامنة» (2/ 60) و «بغية الوعاة» (1/ 247) .(8/250)
قال الإسنوي: كان إماما في العلوم العقلية [1] والنقلية، ذا تصانيف كثيرة مشهورة، منها «شرح المصابيح» و «مختصر ابن الحاجب» و «المفتاح» و «التلخيص» في علم البيان، وصنّف أيضا في المنطق.
وتوفي بأرّان [2] بهمزة مفتوحة، وراء مهملة مشددة [سنة خمس وأربعين وسبعمائة تقريبا] .
والخلخالي: نسبة إلى الخلخال، بخاءين معجمتين مفتوحتين، آخره لام:
قرية من نواحي السلطانية [3] .
وفيها الإمام أثير الدين أبو حيّان محمد بن يوسف ابن علي بن يوسف بن حيّان الأندلسي الغرناطي النّفزي [4]- نسبة إلى نفزة بكسر النون وسكون الفاء قبيلة من البربر- نحوي عصره ولغويّه ومفسّره ومحدّثه ومقرئه ومؤرخه وأديبه.
ولد بمطخشارش مدينة من حظيرة غرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة. وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطّبّاع، والعربية عن أبي الحسن الأبذي، وأبي جعفر بن الزّبير، وابن أبي الأحوص، وابن الصائغ، وبمصر عن البهاء بن النحّاس وجماعة، وتقدم في النحو وأقرأ في حياة شيوخه بالمغرب، وسمع الحديث بالأندلس وإفريقية والإسكندرية ومصر والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا، منهم أبو الحسن بن ربيع وابن أبي الأحوص، والقطب القسطلاني وأجاز له خلق من المغرب والمشرق، منهم الشرف الدمياطي، وابن
__________
[1] عند الإسنوي: «النقلية والعقلية» .
[2] أرّان من أصقاع إرمينية، وهو أيضا اسم لحرّان البلد المشهور من ديار مضر. «معجم البلدان» (1/ 136) .
[3] قال العلّامة محمد كرد علي: ويدخل الخلخال في الثكنة الحميدية (الجامعة السورية) وانظر «غوطة دمشق» (55 و 59 و 127) .
[4] ترجمة (أبي حيّان) في «ذيل الذهبي على تذكرة الحفاظ» (23) و «ذيول العبر» (243) ، و «النجوم الزاهرة» (10/ 111) و «فوات الوفيات» (2/ 282) و «طبقات السبكي» : (9/ 276- 307) و «طبقات الإسنوي» : (1/ 457- 459) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 88- 92) و «الدرر الكامنة» (4/ 302) و «بغية الوعاة» (1/ 280) .(8/251)
دقيق العيد، والتّقي بن رزين، وأبو اليمن بن عساكر.
وأكب على طلب الحديث، وأتقنه، وشرع فيه، وفي التفسير والعربية والقراءات والأدب والتاريخ، واشتهر اسمه، وطار صيته، وأخذ عنه أكابر عصره، وتقدموا في حياته كالشيخ تقي الدّين السبكي، وولديه، والجمال الإسنوي، وابن قاسم، وابن عقيل، والسمين، وناظر الجيش، والسّفاقسي، وابن مكتوم، وخلائق.
قال الصفدي: لم أره قط إلا يسمع [1] أو يشغل أو يكتب، أو ينظر في كتاب.
وكان ثبتا قيّما عارفا باللغة، وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق فيهما، خدم هذا الفن أكثر عمره حتّى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيهما [2] .
وله اليد الطّولى في التفسير والحديث وتراجم الناس، ومعرفة طبقاتهم خصوصا المغاربة، وأقرأ الناس قديما وحديثا، وألحق الصغار بالكبار، وصارت تلامذته أئمة وشيوخا في حياته، والتزم أن لا يقرئ أحدا إلّا في «كتاب سيبويه» أو «التسهيل» أو مصنّفاته، وكان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدّة الشبيبة على التعرض لأستاذه [3] أبي جعفر بن الطّبّاع. وقد وقعت بينه وبين أبي جعفر بن الزّبير واقعة فنال منه وتصدّى لتأليف في الردّ عليه وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى السلطان، فأمر بإحضاره وتنكيله، فاختفى ثم ركب البحر، ولحق بالمشرق.
وقال السيوطي: ورأيت في كتابه «النضار» الذي ألّفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته أنّ مما قوّى عزمه على الرحلة عن غرناطة أن بعض العلماء بالمنطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قال للسلطان: إني قد كبرت وأخاف أن أموت فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم لينتفعوا من بعدي. قال أبو حيان: فأشير إلى أن أكون من أولئك ورتّب [4] لي راتب جيد وكسوة وإحسان فتمنّعت ورحلت مخافة أن أكره على ذلك.
__________
[1] في «ط» : «يسبح» .
[2] ليست اللفظة في «آ» .
[3] في «ط» : «للأستاذ» .
[4] في «ط» : «وترتب» .(8/252)
قال الصفدي: وقرأ على العلم العراقي، وحضر مجلس الأصبهاني وتمذهب للشافعي، وكان أبو البقاء يقول: إنه لم يزل ظاهريا.
وقال ابن حجر: كان أبو حيّان يقول: محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه.
وقال الأدفوي: كان يفخر [بالبخل كما] [1] يفخر الناس بالكرم [2] ، وكان ثبتا صدوقا حجّة، سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم، ومال إلى مذهب أهل الظّاهر، وإلى محبّة علي بن أبي طالب، كثير الخشوع، والبكاء عند قراءة القرآن، وكان شيخا طوالا حسن النّغمة، مليح الوجه، ظاهر اللّون، مشربا بحمرة، منوّر الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر، وكان يعظم ابن تيمية، ثم وقع بينه وبينه في مسألة نقل سيبويه في تبيين موضع من كتابه فأعرض عنه، ورماه في تفسيره «النهر» بكل سوء.
وقال الصفدي: وكان له إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم وهو الذي جسّر الناس على مصنفات ابن مالك، ورغّبهم في قراءتها، وشرح لهم غامضها، وخاض لهم في لججها، وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب هذه نحو الفقهاء، تولّى تدريس التفسير بالمنصورية والإقراء بجامع الأقمر [3] ، وكانت عبارته فصيحة لكنه في غير القرآن يعقد القاف قريبا من الكاف، وله من التصانيف «البحر المحيط» في التفسير [، من التصانيف «البحر المحيط» في التفسير] [4] ، ومختصره «النهي وإتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب» و «التذييل» و «التّكميل في شرح التسهيل» ، و «مطوّل الارتشاف» ، ومختصره مجلدان، ولم يؤلّف في العربية أعظم من هذين الكتابين، ولا أجمع، ولا أحصى للخلاف والأحوال.
__________
[1] ليس ما بين القوسين في «آ» .
[2] في «آ» : «بآدم» وهو خطأ.
[3] انظر «حسن المحاضرة» (2/ 254) .
[4] شرع بنشره في المملكة العربية السعودية، وصدر منه مجلدان، ضمّ الأول منهما: تفسير سورة الفاتحة، وسورة البقرة، وضم الثاني تفسير سورة آل عمران.(8/253)
قال السيوطي: وعليهما اعتمدت في كتابي «جمع الجوامع» ، نفع الله به.
ومن مؤلفاته: «التّنحيل» الملخّص من «شرح التّسهيل» للمصنف وابنه بدر الدين، «والإسفار» الملخّص من شرح سيبويه للصّفّار، والتجويد لأحكام سيبويه، والتذكرة في العربية، أربع مجلدات كبار، «والتقريب» في مختصر المقرّب، «والتّدريب» في شرحه، و «المبدع في التّصريف» و «الارتضاء في الضاد والظاء» [1] و «عقد اللآلئ» في القراءات على وزن الشاطبية وقافيتها، و «الحلل الحالية في أسانيد القراءات العالية» و «نحاة الأندلس» و «الأبيات الوافية في علم القافية» و «منطق الخرس في لسان الفرس» و «الإدراك للسان الأتراك» و «زهو الملك في نحو التّرك» و «الوهّاج في اختصار المنهاج» للنووي، وغير ذلك مما لم يكمل ك «مجاني الهصر في تواريخ [2] أهل العصر» .
ومن شعره [3] :
عداي لهم فضل عليّ ومنّة ... فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا
هم بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
ومنه [3] :
سبق الدّمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحبّ عنّي نقله
فأجاد [4] السّطور في صفحة الخد ... ولم لا يجيد وهو ابن مقله
ومنه [3] :
راض حبيبي عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض
وظنّ قوم أنّ قلبي سلا ... والأصل لا يعتدّ بالعارض
مات بالقاهرة في ثامن عشر صفر، ودفن بمقبرة الصّوفية، رحمه الله تعالى.
__________
[1] انظر «كشف الظنون» (1/ 61) .
[2] في «ط» : «تاريخ» .
[3] البيتان في «طبقات الشافعية» للسبكي (9/ 285) .
[4] في «طبقات السبكي» : «وأجاد» .(8/254)
سنة ست وأربعين وسبعمائة
فيها توفي الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون [1] . ولي السلطنة سنة ثلاث وأربعين كما تقدم، وكان حسن الشكل. تزوج بنت أحمد بن بكتمر التي من بنت تنكز [وبنت طقز تمر نائب الشام] ، وكان يميل إلى السّود، مع العفة وكراهة الظلم والمثابرة على المصالح. وكان أرغون العلائي زوج أمّه مدبّر دولته ونائب مصر آق سنقر السلّاري.
ومات الصالح في ربيع الآخر، وله نحو عشرين سنة، ومدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر. وهو الذي عمّر البستان بالقلعة، وكانت أيامه طيبة، والناس في دعة وسكون خصوصا بعد قتل أخيه أحمد، واستقر عوض الصالح شقيقه الكامل شعبان.
وفيها أبو بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام [2] بن علي بن منصور بن قوام، الشيخ العالم الصالح القدوة، نجم الدين البالسيّ [3] الأصل، الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قوام.
ولد في ذي القعدة سنة تسعين وستمائة. وسمع وتفقه وكان شيخ زاوية والده، ودرّس في آخر عمره بالرّباط الناصري، وحدّث وسمع منه الحسيني وآخرون.
__________
[1] ترجمة (الملك الصالح) في «ذيول العبر» (248) و «النجوم الزاهرة» (10/ 78) و «البداية والنهاية» 14/ 16) و «الدرر الكامنة» (1/ 380) والأخير هو مصدر المؤلف وعنه الاستدراكات.
[2] ترجمة (ابن قوام) في «ذيول العبر» (252) و «الدّرر الكامنة» (460) و «الدارس» (1/ 120) .
[3] البالسي: نسبة إلى بالس وهي بلدة بالشام بين حلب والرّقّة، «معجم البلدان» (1/ 328) .(8/255)
قال ابن كثير: كان رجلا حسنا جميل المعاشرة، فيه أخلاق وآداب حسنة، وعنده فقه ومذاكرة ومحبة للعلم.
مات في رجب، ودفن بزاويتهم إلى جانب والده.
وفيها فخر الدّين أحمد بن الحسن بن يوسف، الإمام العلّامة الجاربردي الشافعي [1] ، نزيل تبريز أحد شيوخ العلم [2] المشهورين بتلك البلاد والتصدي لشغل الطلبة. أخذ عن القاضي ناصر الدّين البيضاوي، وشرح «منهاجه» و «الحاوي الصغير» ولم يكمله، وشرح «تصريف ابن الحاجب» . وله على «الكشّاف» [3] حواشي مفيدة.
قال السّبكي: كان إماما فاضلا ديّنا خيّرا وقورا مواظبا على الاشتغال بالعلم، وإفادة الطلبة [وجدّه يوسف أحد شيوخ العلم المشهورين بتلك البلاد والتصدّي لشغل الطلبة] [4] . وله تصانيف معروفة [5] ، وعنه أخذ الشيخ نور الدّين الأردبيلي وغيره.
توفي صاحب الترجمة بتبريز في شهر رمضان.
وفيها تاج الدّين [6] علي بن عبد الله بن أبي الحسن الأردبيلي [7] التّبريزي الشافعي [8] ، المتضلّع بغالب الفنون من المعقولات والفقه والنحو والحساب والفرائض.
__________
[1] ترجمة (الجاربردي) في «مرآة الجنان» (4/ 307) ، و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (9/ 8- 17) و «طبقات الإسنوي» (1/ 394) و «الدرر الكامنة» (1/ 132) ، و «بغية الوعاة» (1/ 303) و «البدر الطالع» (1/ 303) ، و «معجم المؤلفين» (1/ 198) .
[2] في «آ» : «أحد شيوخ العالم» .
[3] في «آ» : «وله على الكشف» .
[4] سقط ما بين القوسين من «آ» .
[5] في «ص» : «محرفة» .
[6] ليست لفظتا «تاج الدين» من «آ» .
[7] نسبته إلى أردبيل وهي من أشهر مدن أذربيجان بينها وبين تبريز سبعة أيام.
[8] ترجمة (الأردبيلي) في «طبقات السبكي» (10/ 137) و «طبقات الإسنوي» (1/ 321- 322)(8/256)
ولد سنة سبع وستين وستمائة، وأخذ عن قطب الدّين الشيرازي، وعلاء الدين النّعماني الخوارزمي وغيرهما، ودخل بغداد سنة ست عشرة. وحجّ ثم دخل مصر سنة اثنتين وعشرين.
قال الذهبي: هو عالم كبير شهير، كثير التلامذة، حسن الصيانة، من مشايخ الصوفية.
وقال السّبكي: كان ماهرا في علوم شتّى وعني بالحديث بأخرة وصنّف في التفسير والحديث والأصول والحساب، ولازم شغل الطلبة بأصناف العلوم.
وقال الإسنوي: واظب العلم فرادى وجماعة، وجانب الملك، فلم يسترح قبل قيامته ساعة، كان عالما في علوم كثيرة من أعرف الناس ب «الحاوي الصغير» .
وقال غيره: قرأ «الحاوي» كلّه سبع مرات في شهر واحد، وكان يرويه عن علي بن عثمان العفيفي عن مصنّفه، وتخرّج به جماعة، منهم برهان الدّين الرّشيدي، وناظر الجيش، وابن النّقيب.
وتوفي بالقاهرة يوم الأحد تاسع عشري شهر رمضان، ودفن بتربته التي أنشأها قريبا من الخانقاة الدويدارية.
وفيها مجد الدّين أبو الحسن عيسى بن إبراهيم بن محمد الماردي [1]- بكسر الراء نسبة إلى ماردة جدّ- النحويّ الشاعر.
قال في «الدّرر» : تفقه على أحمد بن مندل ومهر واختصر «المعالم» للرازي.
ومات في المحرم وهو في عشر السبعين.
وفيها أسد الدين رميثة- بمثلثة مصغر- أبو عرادة [2] بن أبي نميّ- بالنون مصغر- محمد بن أبي سعيد حسن بن علي بن قتادة الحسني [3] .
__________
و «الدرر الكامنة» (3/ 143) و «حسن المحاضرة» (1/ 315) و «بغية الوعاة» (2/ 171) .
[1] ترجمته في «الدرر الكامنة» (3/ 200- 201) .
[2] في «آ» : «عرارة» .
[3] ترجمته في «ذيول العبر» (226) و «الدرر الكامنة» (3/ 422- 423) .(8/257)
ولي إمرة مكة مع أخيه، ثم استقل سنة خمس عشرة، ثم قبض عليه في ذي الحجة سنة ثمان عشرة، فأجرى الناصر عليه في الشهر ألفا، ثم هرب بعد أربعة أشهر، فأمسكه شيخ عرب آل حديث بعقبة إيلة، فسجن إلى أن أفرج عنه في محرم سنة عشرين، وردّ إلى مكة فلما كان في سنة إحدى وثلاثين تحارب هو وأخوه عطية، ثم اصطلحا، وكثر ضرر الناس منهما، ثم بلغ الناصر أنه أظهر مذهب الزيدية، فأنكر عليه، وأرسل إليه عسكرا. فلم يزل أمير الحاج يستميله حتى عاد، ثم أمنه السلطان فرجع إلى مكة، ولبس الخلعة، ثم حج الناصر سنة اثنتين وثلاثين، فتلقاه رميثة إلى ينبع، فأكرمه الناصر، واستقرّ رميثة وأخوه إلى أن انفرد رميثة سنة ثمان وثلاثين، ثم نزل عن الإمرة لولديه ثقبة وعجلان إلى أن مات.
وفيها الملك الأشرف كجك بن محمد بن قلاوون الصّالحي.
ولي السلطنة وعمره خمس سنين تقريبا، وذلك في أواخر سنة اثنتين وأربعين، واستمر مدة يسيرة وقوصون مدبر المملكة إلى أن حضر الناصر أحمد من الكرك فخلع وأدخل الدور إلى أن مات في هذه السنة في أيام أخيه الكامل شعبان، وله من العمر نحو الاثنتي عشرة سنة.
وفيها ضياء الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي الشافعي القاضي [1] .
ولد بمنية القائد [2] سنة خمس وخمسين وستمائة، وسمع من جماعة، وأخذ الفقه عن ابن الرّفعة وطبقته، وقرأ النحو على البهاء بن النّحّاس، والأصول على الأصفهاني.
والقرافي، وأفتى وحدث، ودرّس بقبّة الشافعي وغيرها. وولي وكالة بيت المال، ونيابة الحكم بالقاهرة.
قال الإسنوي: ووضع على «التنبيه» شرحا مطوّلا. وكان ديّنا مهيبا، سليم الصدر، كثير الصمت والتعميم [3] ، لا يحابي أحدا منقطعا عن الناس.
__________
[1] ترجمة المناوي «في «طبقات الإسنوي» (2/ 466) و «الدرر الكامنة» (3/ 285- 286) .
[2] منية القائد منسوبة إلى القائد فضل وهي في أول الصعيد قبلي الفسطاط وبينها وبين مدينة مصر يومان. «معجم البلدان» (5/ 219) .
[3] في «آ» : «التصميم» .(8/258)
وتوفي في رمضان ودفن بالقرافة.
وفيها بدر الدين محمد بن محيي الدين يحيى [1] بن فضل الله [2] كاتب السر.
ولد سنة عشر وسبعمائة وتعانى صناعة أبيه، وكان في خدمته بدمشق ومصر، وهو شقيق شهاب الدّين، وأرسله أخوه علاء الدّين إلى دمشق، فباشر كتابة السرّ بها عوضا عن أخيه شهاب الدين، وذلك في رجب سنة ثلاث وأربعين، وكان أحبّ إخوته إلى أبيه وأخيه شهاب الدّين، وكان عاقلا فاضلا ساكنا كثير الصمت، حسن السيرة، أحبّه الناس، وتوفي في رجب، والله أعلم.
__________
[1] في «ط» و «آ» : «محمد بن محيي الدين بن يحيى» وهو خطأ.
[2] انظر «ذيول العبر» (252- 253) و «النجوم الزاهرة» (10- 143) و «الدرر الكامنة» 4/ 282) .(8/259)
سنة سبع وأربعين وسبعمائة
فيها خلع ثم قتل الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون [1] .
قال في «الدرر» : ولي السلطنة سن ستّ وأربعين في ربيع الآخر، بعد أخيه الصالح، فاتفق أنه لما [2] ركب من باب النصر إلى الإيوان، لعب به الفرس، فنزل عنه، ومشى خطوات حتّى دخل إيوان دار العدل، فتطيّر الناس، وقالوا لا يقيم إلا قليلا، فكان كذلك، ثم باشر السلطنة بمهابة فخافه الأمراء والأجناد، لكنه أقبل على اللهو والنساء، وصار يبالغ في تحصيل الأموال، ويبذرها عليهم، وولع بلعب الحمام، وسهل في النزول عن الإقطاعات فثار عليه يلبغا بدمشق، وأشاع خلعه معتمدا على أن الناصر كان أوصاه، وأوصى غيره أنه من تسلطن من أولاده ولم يسلك الطريقة المرضية، فجروا برجله، وملكوا غيره، فلما بلغ الكامل جهز إليه عسكرا فاتفق الأمراء والأجناد وأصحاب العقد والحل في جمادى الأولى من هذه السنة، فخلع ثم خنق في يوم الأربعاء ثالث الشهر المذكور وقرروا أخاه المظفّر حاجي.
وفيها سيف الدّين أبو بكر ابن عبد الله الحريري [3] الشافعي [4] .
قال في «الدرر» : سمع من الحجّار، وقرأ بالروايات، ومهر في النحو، وولي تدريس الظاهرية البرانية، ومشيخة النحو بالناصرية.
وذكره الذهبي في «المختص» وقال فيه: الإمام المحصّل، ذو الفضائل.
__________
[1] انظر «الدرر الكامنة» (2/ 190) و «حسن المحاضرة» (2/ 118- 119) .
[2] ليست اللفظة في «ط» .
[3] ترجمه في «وفيات ابن رافع» (1/ 233) و «الدرر الكامنة» (1/ 445) و «الدارس» (1/ 46) و «بغية الوعاة» (1/ 469) .
[4] ليست اللفظة في «آ» .(8/260)
سمع وكتب وتعب واشتغل وأفاد سمع مني وتلا بالسّبع وأعرض عن أشياء من فضلات العلم.
توفي في ربيع الأول ودفن بالصوفية.
وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الكريم بن قاضي القضاة محيي الدين يحيى [1] بن الزكي [2] .
ولد سنة أربع وستين وستمائة. وسمع من الفخر، وحدث، وكان من أعيان الدمشقيين، وبقية أهل بيته وكان أول ما درس سنة ست وثمانين بالمجاهدية، وولي مشيخة الشيوخ، سنة ثلاث وسبعمائة، لما تركها الشيخ صفيّ الدين الهندي، وكان رئيسا محتشما توفي في شوّال.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن عيسى الخضري [3] القاضي الشافعي [4] . خرج من مصر صحبة القاضي علاء الدين القونوي، وقد تضلّع من العلوم، وولي قضاء بعلبك مدة، ثم نقل إلى قضاء صفد، ثم تركه، وولي قضاء حمص.
قال ابن رافع: وحمدت [5] سيرته، وكان فاضلا وأشغل الناس ببعلبك وصفد وحمص.
وقال العثماني: قاضي صفد في «طبقات الفقهاء» : شيخي وأستاذي وأجلّ من لقيت في عيني، أحد مشايخ المسلمين والفقهاء المحقّقين والحفّاظ المتقنين، والأذكياء البارعين، والفضلاء الجامعين، والحكام الموفّقين، والمدّرسين الماهرين.
قال: ولما ولي صفد أحياها ونشر العلم بها، ودرّس بها التدريس البديع، الذي لم يسمع مثله، وكان طريقه جدا، لا يعرف الهزل، ولا يذكر أحد عنده [6] بسوء.
__________
[1] في «آ» : «محيي الدّين بن يحيي» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «ذيول العبر» (256- 257) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 404) و «الدارس» (2/ 158) .
[3] في «آ» : «الحصري» وهو تحريف.
[4] ترجمته في «وفيات ابن رافع» : (2/ 31- 32) و «الدرر الكامنة» (3/ 492) .
[5] في «آ» : «حمدت» من غير الواو.
[6] في «آ» «ولا يذكر عنده أحد» .(8/261)
توفي بحمص في شعبان.
وفيها شمس الدّين أبو بكر محمد بن محمد بن نمير بن السّراج [1] .
قال ابن حجر: قرأ على نور الدين الكفتي، وعلي المكين الأسمر وغيرهما.
وغني بالقراءات، وكتب الخطّ المنسوب، وحدّث عن شامية بنت البكري وغيرها، وتصدّر للإقراء، وانتفع الناس به، وكان سليم الباطن، يعرف النحو ويقرئه.
مات في شعبان وله سبع وسبعون سنة.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميّة [2] أخو الشيخ تقي الدّين.
ولد سنة ثلاث وستين وستمائة بحرّان، وحضر على أحمد بن عبد الدائم، وسمع من ابن أبي اليسر والقاسم الإربلي، والقطب بن أبي عصرون، في آخرين.
وجمع له منهم البرزالي ستة وثمانين شيخا.
وكان يتعانى التجارة، وهو خيّر ديّن، حبس نفسه مع أخيه بالإسكندرية ودمشق محبة له وإيثارا لخدمته، ولم يزل عنده ملازما معه للتلاوة والعبادة إلى أن مات الشيخ، وخرج هو، وكان مشهورا بالديانة والأمانة وحسن السيرة، وله فضيلة ومعرفة. مات في ذي القعدة. قاله ابن حجر.
وفيها أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي [3]- بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب.
ملك تونس نحو ثلاثين سنة.
توفي في رجب واستقر بعده ابنه أبو حفص عمر.
__________
[1] ترجمته في «وفيات ابن رافع» (1/ 236) و «غاية النهاية» (2/ 256) و «الدرر الكامنة» (4/ 232- 233) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 508) و «بغية الوعاة» (1/ 235) .
[2] ترجمته في «ذيول العبر» (259) و «الدرر الكامنة» (2/ 329) .
[3] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 177) .(8/262)
سنة ثمان وأربعين وسبعمائة
قتل في ثالث عشر شعبانها الملك المظفر سيف الدّين حاجي بن محمد بن قلاوون [1] .
ولد وأبوه في الحجاز سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وولي السلطنة في العام الذي قبل هذا، كما تقدم، واتّفق رخص الأسعار في أول ولايته، ففرح الناس به، لكن انعكس مزاجهم عليه بلعبه وإقباله على اللهو والشغف بالنساء، حتّى وصلت قيمة عصبة حظيّته التي على رأسها مائة ألف دينار، وصار يحضر الأوباش بين يديه، يلعبون بالصراع وغيره، وكان مرة يلعب بالحمام فدخل عليه بعض الأمراء، ولامه وذبح منها طيرين، فطار عقله، وقال لخواصه: إذا دخل علي [2] فبضّعوه بالسيف، فسمعها بعض من يميل إليه، فحذّره، فجمع الأمراء وركب فبلغ ذلك المظفّر، فخرج فيمن بقي معه، فلما تراءى الجمعان ضربه بعض الخدم بطبر من خلفه، فوقع وكتّفوه ودخلوا به إلى تربة هناك، فقتلوه ثم قرّروا أخاه الناصر حسن مكانه في رابع عشر شعبان. قاله ابن حجر.
وفيها كمال الدّين أبو الفضل جعفر بن ثعلب [3] بن جعفر بن الإمام العلّامة الأدفوي [4]- بضم الفاء نسبة إلى أدفو [5] بلد بصعيد مصر- الشافعي.
ولد في شعبان سنة خمس وثمانين وقيل خمس وسبعين وستمائة، وسمع الحديث بقوص والقاهرة، وأخذ المذهب والعلوم عن علماء ذلك العصر، منهم ابن دقيق العيد.
__________
[1] ترجمته في «ذيول العبر» (267) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 3- 5) .
[2] في «ط» : «إلى» .
[3] في «آ» و «ط» : «تغلب» وهو خطأ. انظر مصادره وانظر تعليق الزركلي في «الأعلام» (2/ 122) .
[4] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (10/ 237) و «طبقات الإسنوي» (1/ 170) و «الدرر الكامنة» (2/ 172) و «حسن المحاضرة» (1/ 320) و «البدر الطالع» (1/ 182) .
[5] قال ياقوت: إنها تقع بين أسوان وقوص. «معجم البلدان» (1/ 126) .(8/263)
قال أبو الفضل العراقي: كان من فضلاء أهل العلم، صنّف تاريخا للصعيد [1] ، ومصنّفا في حل السّماع سمّاه «كشف القناع» وغير ذلك.
وقال الصلاح الصفدي: صنّف «الإمتاع في أحكام السماع» و «الطالع السعيد في تاريخ الصّعيد» و «البدر السّافر في تحفة المسافر» في التاريخ انتهى.
توفي في صفر بمصر ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور ابن وزير المقدسي الشافعي [2] .
ولد سنة ست وستين وستمائة تقريبا، وقرأ على التّاج الفزاري، وولده برهان الدّين، وبرع في الفقه واللغة والعربية، وسمع الحديث الكثير بدمشق والقدس، ودرّس بالأسدية، وبحلقة صاحب حمص، وسمع منه الذهبي.
وذكره في «المعجم المختص» : فقال: الإمام الفقيه المتقن المحدّث بقيّة السّلف.
قرأ بنفسه، ونسخ أجزاء، وكتب الكثير من الفقه والعلم بخطه المتقن، وأعاد بالبادرائية، ثم تحوّل إلى القدس ودرّس بالصلاحية [ثم] تغيّر وجفّ دماغه في سنة اثنتين وأربعين. وكان إذا سمع عليه في حال تغيّره يحضر ذهنه.
وكان يستحضر العلم جيدا.
توفي بالقدس في شهر رمضان.
وفيها الإمام الحافظ شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الذهبي [3] .
قال التاج السّبكي في «طبقاته الكبرى» : شيخنا وأستاذنا محدّث العصر،
__________
[1] اسمه «الطالع السعيد في نجباء الصعيد» وقد طبع بمصر بتحقيق الأستاذ سعد محمد حسن.
[2] ترجمته في «معجم الشيوخ» (2/ 21) و «المعجم المختص» ص (163) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 40- 41) و «الدرر الكامنة» (3/ 99) .
[3] ترجمة (الذهبي) في «ذيول العبر» (268) و «ذيل تذكرة الحفاظ» (34- 38) و «الوافي بالوفيات»(8/264)
اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ وبينهم عموم وخصوص: المزّي، والبرزالي، والذّهبي، والشيخ الوالد، لا خامس لهم في عصرهم، فأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة أمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها، ثم أخذ يخبر عنها أخبار من حضرها، وكان محطّ رحال تغبّيت ومنتهى رغبات من تغبّيت. تعمل المطيّ إلى جواره، وتضرب البزل المهاري أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره، وهو الذي خرّجنا في هذه الصناعة، وأدخلنا في عداد الجماعة، جزاه الله عنّا أفضل الجزاء، وجعل حظّه من عرصات الجنان موفر الأجزاء، وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم، يذعن له الكبير والصغير من الكتب، والعالي والنازل من الأجزاء.
كان مولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة.
وأجاز له أبو زكريا بن الصّيرفي، والقطب بن عصرون، والقاسم الإربلي وغيرهم.
وطلب الحديث، وله ثمان عشرة سنة، فسمع بدمشق من عمر بن القواس، وأحمد بن هبة الله بن عساكر، ويوسف بن أحمد الغسولي، وغيرهم.
وببعلبك من عبد الخالق بن علوان، وزينب بنت عمر بن كندي، وغيرهما.
وبمصر من الأبرقوهي، وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب، وشيخ الإسلام بن دقيق العيد، والحافظين أبي محمد الدمياطي، وأبي العبّاس بن الظّاهري، وغيرهم.
ولما دخل على شيخ الإسلام ابن دقيق العيد وكان المذكور شديد التّحري في الأسماع، قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام. قال: بم تعرف؟ قال:
بالذهبي. قال: من أبو طاهر الذهبي؟ قال له: المخلّص. فقال: أحسنت، وقال:
__________
(2/ 163) ، و «فوات الوفيات» (3/ 315) و «طبقات الشافعية الكبرى» . (9/ 100- 123) . و «طبقات الإسنوي» (1/ 558- 559) و «الدرر الكامنة» (3/ 336- 338) و «الدارس» و (1/ 78) و «القلائد الجوهرية» ص (328- 329) و «الدليل الشافي» (2/ 591) .(8/265)
من أبو محمد الهلالي: قال سفيان بن عيينة. قال: أحسنت، اقرأ، ومكّنه من القراءة حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء.
وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد العراقي، وأبي الحسين يحيى بن أحمد بن الصوّاف، وغيرهما.
وبمكة من التّوزري وغيره.
وبحلب من سنقر الزّيني وغيره.
وبنابلس من العماد بن بدران.
وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم.
وسمع منه الجمّ الكثير، وما زال يخدم هذا الفنّ حتّى رسخت فيه قدمه وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلّا أنه لا يتقلّص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال.
وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السّؤالات من كل ناد، وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهو به الدّنيا وما فيها، طورا تراها ضاحكة عن تبسّم أزهارها، وقهقهة غدرانها، وتارة تلبس ثوب الوقار والافتخار بما اشتملت عليه من إمامها المعدود من سكانها.
توفي رحمه الله تعالى ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة بالمدرسة المنسوبة لأم الصّالح في قاعة سكنه، ورآه الوالد قبل المغرب، وهو في السياق، ثم سأله أدخل وقت المغرب، فقال له الوالد: ألم تصلّ العصر؟ فقال: نعم ولكن لم أصلّ المغرب إلى الآن. وسأل الوالد رحمه الله عن الجمع بين المغرب والعشاء تقديما فأفتاه بذلك ففعله، ومات بعد العشاء قبل نصف الليل، ودفن بباب الصغير.
حضرت الصلاة عليه ودفنه، وكان قد أضرّ قبل موته بمدة يسيرة.
أنشدنا شيخنا الذّهبي من لفظه لنفسه:
تولّى شبابي كأن لم يكن ... وأقبل شيب علينا تولّى
ومن عاين المنحنى والنّقى ... فما بعد هذين إلا المصلّى(8/266)
انتهى ما قاله السّبكي ملخصا.
وقال ابن تغري بردي في «المنهل الصافي» بعد ترجمة حسنة: وله أوراد هائلة، وتصانيف كثيرة مفيدة: منها «تاريخ الإسلام الكبير» في أحد وعشرين مجلدا، ومختصره «سير النبلاء» [1] في عدة مجلدات كثيرة، ومختصر «العبر في خبر من غبر» ومختصر آخر سمّاه «الدول [2] الإسلامية» ، ومختصره الصغير المسمى ب «الإشارة» [3] ، ومختصره أيضا وسمّاه «الإعلام بوفيات الأعلام» [4] واختصر «تهذيب الكمال» للمزي، وسمّاه «تذهيب التهذيب» واختصر منه أيضا [5] مجلدا سمّاه «الكاشف» . وله «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» و «المغني في الضعفاء» مختصره ومختصر آخر، قبله، و «النبلاء في شيوخ السّنّة» مجلدا، و «المقتنى في سرّ الكنى» و «طبقات الحفّاظ» مجلدين، و «طبقات مشاهير القرّاء» مجلد، و «التاريخ الممتع» في ستة أسفار، و «التجريد في أسماء الصحابة» و «مشتبه النّسبة» واختصر «أطراف المزّي» واختصر «تاريخ بغداد للخطيب» واختصر «تاريخ ابن السمعاني» واختصر «وفيات المنذري» و «الشريف النّسابة» ، واختصر «سنن البيهقي» على النصف من حجمها مع المحافظة على المتون، واختصر «تاريخ دمشق في عشر مجلدات» واختصر «تاريخ نيسابور للحاكم» واختصر «المحلّى» لابن حزم، واختصر «الفاروق» لشيخ الإسلام الأنصاري، وهذّبه، واختصر كتاب «جواز السماع» لجعفر الأدفوي، واختصر «الزّهد» للبيهقي، و «القدر» له، و «البعث» له، واختصر «الردّ على الرافضة» لابن تيميّة مجلد، واختصر «العلم [6] لابن عبد البر» واختصر «سلاح المؤمن» في الأدعية، وصنّف «الروع والأدجال في بقاء الدجال»
__________
[1] وقد طبع هذا الكتاب في مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق عدد كبير من الأساتذة، وقد أشرف على تحقيقه وخرّج أحاديثه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى.
[2] في «آ» : «بالدول» .
[3] طبع هذا الكتاب بتحقيق صديقنا الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح، ونشرته حديثا دار ابن الأثير ببيروت.
[4] طبع هذا الكتاب بتحقيق الصديقين الفاضلين رياض عبد الحميد مراد وعبد الجبّار زكّار.
[5] كذا في «آ» : «واختصر منه أيضا» . وفي «ط» : «واختصر أيضا منه» .
[6] في «آ» «المعلم» وهو المعروف ب «جامع بيان العلم وفضله» .(8/267)
وكتاب «كسروثن رتن الهندي» وكتاب «الزيادة المضطربة» وكتاب «سيرة الحلّاج» وكتاب «الكبائر» [1] وكتاب «تحريم أدبار النساء» كبيرة وصغيرة، وكتاب «العرش» وكتاب «أحاديث الصفات» وجزء «في فضل آية الكرسي» وجزء في «الشفاعة» وجزءان في «صفة النار» ، و «مسألة السماع» جزء، و «مسألة الغيب» ، وكتاب «رؤية الباري» وكتاب «الموت» وما بعده، و «طرق أحاديث النزول» ، وكتاب «اللّباس» ، وكتاب «الزلازل» و «مسألة دوام النار» وكتاب «التمسك بالسنن» وكتاب «التلويح بمن سبق ولحق» وكتاب «مختصر في القراءات» وكتاب «هالة البدر في أهل بدر» وكتاب «تقويم البلدان» وكتاب «ترجمة السّلف» و «دعاء المكروب» وجزء «صلاة التّسبيح» و «فضل الحج وأفعاله» و «كتاب معجم شيوخه الكبير» و «المعجم الأوسط» و «المعجم الصغير» و «المعجم المختص» .
وله عدة تصانيف أخر [2] أضربت عنها لكثرتها.
وقال الصفدي: ذكره الزّملكاني بترجمة حسنة، وقال أنشدني من لفظه لنفسه وهو تخيل جيد إلى الغاية:
إذا قرأ الحديث عليّ شخص ... وأخلى موضعا لوفاة مثلي [3]
فما جازى بإحسان لأنّي ... أريد حياته ويريد قتلي
ثم قال وأنشدني أيضا:
العلم قال الله قال رسوله ... إن صحّ والإجماع فاجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين الرسول وبين رأي فقيه
انتهى.
__________
[1] نشرته دار ابن كثير بتحقيق الأستاذ الفاضل محيي مستو وأعيد طبعه عدة مرات.
[2] ليست اللفظة في «آ» .
ومن مصنفاته أيضا «الأمصار ذوات الآثار» وقد قمت بتحقيقه ونشرته دار ابن كثير منذ سنوات.
[3] في «آ» .
إذا قرأ علي الحديث شخص ... وأخلى موضعا لوفاة نسلي
والشطر الأول مختلّ الوزن، وقافية «ط» أفضل.(8/268)
وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله ابن أبي الفرج بن أبي الحسن بن سرايا بن الوليد الحرّاني [1] نزيل مصر الفقيه الحنبلي القاضي، ويعرف بابن الحبّال.
ولد بعد السبعين وستمائة تقريبا، وسمع من العزّ الحرّاني، وابن خطيب المزة، والشيخ نجم الدين بن حمدان، وغيرهم، وتفقه وبرع وأفتى وأعاد بعدة مدارس، وناب في الحكم بظاهر القاهرة.
وصنّف تصانيف عديدة منها «شرح الخرقي» ، وهو مختصر جدا، وكتاب «الفنون» . وحدّث وروى عنه جماعة منهم ابن رافع، وكان حسن المحاضرة ليّن الجانب لطيف الذات ذا ذهن ثاقب.
توفي في تاسع عشر ربيع الآخر.
وفيها عزّ الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي [2] الخطيب، الصالح القدوة ابن الشيخ العزّ.
ولد في رجب سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدائم والكرماني وغيرهما، وتفقّه قديما بعمّ أبيه الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، ودرّس بمدرسة جدّه الشيخ أبي عمر، وخطب بالجامع المظفّري دهرا، وكان من الصالحين الأخيار المتفق عليهم. وعمّر وحدّث بالكثير، وخرّجوا له «مشيخة» في أربعة أجزاء.
ذكره الذهبي في «معجم شيوخه» فقال: كان فقيها عالما خيّرا متواضعا على طريقة سلفه.
توفي يوم الاثنين عشري رمضان، ودفن بتربة جدّه الشيخ أبي عمر.
__________
[1] ترجمته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 442- 443) .
[2] ترجمته في «ذيول العبر» (266) و «معجم الشيوخ» (2/ 131) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 441- 442) و «الدارس» (2/ 97) و «القلائد الجوهرية» (1/ 81) .(8/269)
وفيها جمال الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد البصّال [1]- بالباء الموحدة- اليمني الشافعي. تفقه على الفقيه عبد الرحمن بن شعبان، وصحب الشيخ عمر الصفار، ووضع شرحا على «التنبيه» وسئل أن يلي قضاء عدن، فامتنع وأخذ عنه الشيخ عبد الله اليافعي، ولبس منه خرقة التصوف.
قال الإسنوي [2] : وكان صاحب كشف وكرامات ومشاهدات.
وفيها قوام الدّين أبو محمد مسعود بن برهان الدّين محمد بن شرف الدين الكرماني الحنفي الصوفي [3] .
قال في «الدرر» : ولد سنة أربع وستين وستمائة، واشتغل في تلك البلاد، ومهر في الفقه والأصول والعربية، وكان نظّارا بحّاثا.
وقدم دمشق فظهرت فضائله، ثم قدم القاهرة، وأشغل الناس بالعلم، وله النظم الرائق، والعبارة الفصيحة.
أخذ عنه البرزالي، وابن رافع، ومات في منتصف شوال.
__________
[1] ترجمته في «طبقات الإسنوي» (2/ 579) و «الدرر الكامنة» (3/ 377) .
[2] في «طبقات الإسنوي» : «كان صاحب كشف ومشاهدات مات بعدن سنة خمس وأربعين وسبعمائة» .
[3] ترجمته في «وفيات ابن رافع» : (1/ 248) و «النجوم الزاهرة» (10/ 183) و «الدرر الكامنة» (4/ 351) و «بغية الوعاة» (2/ 286) .(8/270)
سنة تسع وأربعين وسبعمائة
فيها كان الطّاعون العام الذي لم يسمع بمثله، عمّ سائر الدنيا، حتّى قيل:
إنه مات نصف الناس حتى الطّيور، والوحوش، والكلاب، وعمل فيه ابن الوردي مقامة عظيمة، ومات فيه كما يأتي قريبا.
وفيها مات برهان الدّين إبراهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي المصري الشافعي النحوي [1] العلّامة.
مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتفقّه على العلم العراقي، وقرأ القراءات على التقي بن الصائغ، وأخذ النحو عن الشيخين بهاء الدّين بن النحّاس، وأبي حيّان، والأصول عن الشيخ تاج الدّين البارنباري. والمنطق عن السيف البغدادي، وسمع وحدّث ودرّس وأفتى، وأشغل [2] بالعلم، وولي تدريس التفسير بالقبة المنصورية بعد موت الشيخ أبي حيّان، وتصدّر مدة، وعيّن لقضاء المدينة المشرفة، فلم يفعل، وممن أخذ عنه القاضي محبّ الدّين ناظر الجيش والشيخان زين الدّين العراقي وسراج الدين بن الملقّن.
قال الصفدي: أقرأ الناس في «أصول ابن الحاجب» و «تصريفه» وفي «التسهيل» وكان يعرف الطب والحساب وغير ذلك.
توفي بالقاهرة شهيدا بالطّاعون في شوال أو في ذي القعدة.
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى بن خلف الحكري المقرئ النحوي [3] .
__________
[1] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (10/ 234) و «الوافي» (6/ 164) ، و «طبقات السبكي» (9/ 399) ، و «طبقات الإسنوي» (1/ 602) و «غاية النهاية» (1/ 38) ، و «بغية الوعاة» (1/ 434) .
[2] في «ط» : «واشتغل» .
[3] ترجمته في «طبقات الإسنوي» (1/ 459) و «الدرر الكامنة» (1/ 29- 30) و «بغية الوعاة» (1/ 451) .(8/271)
أخذ عن ابن النحّاس وتلا على التقي الصائغ وابن الكفتي، ولازم درس أبي حيّان، وأخذ عنه الناس، وكان حسن التعليم، وسمع الحديث من الدّمياطي والأبرقوهي.
مولده سنة نيف وسبعين وستمائة. ومات في الطاعون العام في ذي القعدة.
وفيها علاء الدّين أحمد بن عبد المؤمن الشافعي [1] .
قال ابن قاضي شهبة: الشيخ الإمام السبكي ثم النووي- نسبة إلى نوى من أعمال القليوبية- وكان خطيبا بها تفقّه على الشيخ عز الدين النسائي وغيره، وكتب شرحا على «التنبيه» في أربع مجلدات، وصنّف كتابا آخر، فيه ترجيحات مخالفة لما رجّحه الرافعي والنووي.
قال الزين العراقي: كان رجلا صالحا صاحب أحوال ومكاشفات، شاهدت ذلك منه غير مرة، وكان سليم الصدر، ناصحا للخلق، قانعا باليسير، باذلا للفضل بل لقوت يومه مع حاجته إليه.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن قيس الإمام العلّامة الشافعي المعروف بابن الأنصاري وابن الظهير [2] ، فقيه الديار المصرية وعالمها.
ولد في حدود الستين وستمائة، وأخذ عن الضياء جعفر وخلق، وبرع في المذهب، وسمع من جماعة ودرّس وأفتى أشغل بالعلم، وشاع اسمه، وبعد صيته، وحدث بالقاهرة والإسكندرية.
قال السبكي: لم يكن بقي من الشافعية أكبر منه.
وقال الإسنوي: كان إماما في الفقه والأصلين، ومات وهو شيخ الشافعية بالديار المصرية، وكان فصيحا إلّا أنه لا يعرف النحو، فكان يلحن كثيرا.
وقال الزين العراقي في «ذيله» : فقيه القاهرة، كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شمس الدّين بن عدلان.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 11- 12) .
[2] ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 11- 12) و «طبقات الإسنوي» (1/ 176) و «الدرر الكامنة» (1/ 296) .(8/272)
توفي شهيدا بالطاعون يوم الأضحى أو يوم عرفة.
وفيها تاج الدّين أبو محمد أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن محمد القيسي الحنفي النحوي [1] .
قال في «الدّرر» : ولد في آخر ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وأخذ النحو عن البهاء بن النحّاس، ولازم أبا حيّان دهرا طويلا، وأخذ عن السّروجي وغيره، وتقدّم في الفقه والنحو واللغة ودرّس، وناب في الحكم، وكان سمع من الدّمياطي اتفاقا قبل أن يطلب، ثم أقبل على سماع الحديث، ونسخ الأجزاء، والرواية عنه عزيزة، وقد سمع منه ابن رافع. وذكره في «معجمه» . وله تصانيف حسان منها «الجمع بين العباب والمحكم» في اللغة، و «شرح الهداية» في الفقه، و «الجمع المنتقاة في أخبار اللغويين والنحاة» ، عشر مجلدات وكأنه مات عنها مسودة فتفرقت شذر مذر.
قال السيوطي: وهذا الأمر هو أعظم باعث لي على اختصار «طبقاتي الكبرى» في هذا المختصر يعني «طبقات النحاة» [2] .
ومن تصانيفه «شرح مختصر ابن الحاجب» وشرح شافيته، وشرح «الفصيح» ، و «الدّر اللقيط من البحر المحيط» مجلدات، و «التذكرة» ثلاث مجلدات، سمّاها «قيد الأوابد» .
توفي في الطاعون في رمضان.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلّي القرشي العمري [3] الشافعي القاضي الكبير الإمام الأديب البارع.
__________
[1] ترجمته في «الوافي بالوفيات» (7/ 74- 76) و «الجواهر المضية» (192) و «الدرر الكامنة» (1/ 186- 188) و «حسن المحاضرة» (1/ 268) و «بغية الوعاة» (1/ 326- 329) و «الطبقات السنية» (1/ 381- 383) .
[2] المعروف ب «بغية الوعاة» .
[3] ترجمته في «المعجم المختص» «ذيول العبر» (275) و «النجوم» (10/ 334) و «الوافي» (7/ 252) و «فوات الوفيات» (1/ 157) و «وفيات ابن رافع» (1/ 282- 283) و «البداية والنهاية» (14/ 229) و «الدرر الكامنة» (1/ 331) و «حسن المحاضرة» (1/ 571) .(8/273)
ولد بدمشق في شوال سنة سبعمائة، وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة، وتخرّج في الأدب بوالده وبالشّهاب محمود، وأخذ الأصول عن الأصفهاني، والنحو عن أبي حيّان، والفقه عن البرهان الفزاري، وابن الزّملكاني وغيرهما، وباشر كتابة السرّ بمصر نيابة عن والده، ثم إنه فاجأ السلطان بكلام غليظ، فإنه كان قويّ النفس، وأخلاقه شرسة، فأبعده السلطان، وصادره وسجنه بالقلعة، ثم ولي كتابة السرّ بدمشق، وعزل ورسم عليه أربعة أشهر، وطلب إلى مصر، فشفع فيه أخوه علاء الدّين، فعاد إلى دمشق واستمر بطّالا إلى أن مات، ورتّبت له مرتّبات كثيرة، وصنف كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» في سبعة وعشرين مجلدا، وهو كتاب جليل ما صنّف مثله، وفواضل السمر في فضائل عمر، أربع مجلدات، والتعريف بالمصطلح، وله ديوان في المدائح النبوية وغير ذلك.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» .
وقال ابن كثير: كان يشبّه بالقاضي الفاضل في زمانه، حسن المذاكرة، سريع الاستحضار، جيد الحفظ، فصيح اللسان، جميل الأخلاق، يحب العلماء والفقراء. توفي شهيدا بالطاعون يوم عرفة.
وفيها بدر الدّين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري [1] المولد النحوي اللغوي الفقيه المالكي البارع المعروف بابن أم قاسم، وهي جدته أم أبيه واسمها زهراء. وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة. فكانت شهرته تابعة لها.
ذكر ذلك العفيف المطري في «ذيل طبقات القراء» . قال: وأخذ النحو والعربية عن أبي عبد الله [2] الطنجي، والسرّاج الدّمنهوري، وأبي زكريا الغماري، وأبي حيّان، والفقه عن الشرف المقيلي المالكي، والأصول عن الشيخ
__________
[1] ترجمته في «الدرر الكامنة» (2/ 32- 33) و «حسن المحاضرة» (1/ 536) و «بغية الوعاة» (1/ 517) .
[2] في «آ» : «عبيد الله» وانظر «الدرر الكامنة» (2/ 32) .(8/274)
شمس الدين بن اللبان، وأتقن العربية والقراءات على المجد إسماعيل التستري، وصنف وتفنن، وأجاد. وله شرح «التسهيل» وشرح «المفصّل» وشرح «الألفية» و «الجنى الدّاني في حروف المعاني» وغير ذلك، وكان تقيا صالحا مات يوم عيد الفطر.
وفيها الإمام علاء الدّين طيبرس الجندي [1] النحوي.
قال الصّفدي: هو الشيخ الإمام العالم الفقيه النحوي. أقدم من بلاده إلى البيرة، فاشتراه بعض الأمراء بها، وعلّمه الخط والقرآن، وتقدم عنده وأعتقه، فقدم دمشق، وتفقّه بها، واشتغل بالنحو واللغة والعروض والأدب والأصلين حتى فاق أقرانه، وكان حسن المذاكرة، لطيف المعاشرة، كثير التلاوة، والصلاة بالليل.
صنّف «الطرفة» جمع فيها بين الألفية والحاجبية، وزاد عليها وهي تسعمائة بيت، وشرحها، وكان ابن عبد الهادي يثني عليها وعلى شرحها.
ولد تقريبا سنة ثمانين وستمائة، ومات بالطاعون العام.
ومن شعره:
قد بتّ في قصر حجاج فذكّرني ... بضنك عيشة من في النار يشتعل
بقّ يطير وبقّ في الحصير سعى ... كأنّه ظلل من فوقه ظلل
وفيها زين الدين عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس بن الوردي [2] المعرّي [3] الحلبي الشافعي. كان إماما بارعا في اللغة والفقه والنحو والأدب مفننا في العلم، ونظمه في الذروة العليا والطبقة القصوى، وله فضائل مشهورة. قرأ على الشرف البارزي وغيره.
وصنف «البهجة» في نظم «الحاوي الصغير» ، و «شرح ألفية ابن مالك» ، و «ضوء
__________
[1] ترجمته في «الدرر الكامنة» (2/ 228- 229) .
[2] ترجمة (ابن الوردي» في «النجوم الزاهرة» (10/ 240) و «فوات الوفيات» (3/ 157- 160) و «طبقات السبكي» (10/ 373) ، و «الدرر الكامنة» (3/ 195- 197) .
[3] في «آ» : «المصري» وانظر مصادره.(8/275)
الدرة» على «ألفية ابن معطي» ، و «اللباب في علم [1] الإعراب» ، و «تذكرة الغريب» في النحو نظما، و «منطق الطير» في التصوف، وغير ذلك، وله مقامات في الطاعون العام. واتفق أنّه مات بأخرة في سابع ذي الحجة بحلب، والرواية عنه عزيزة.
قال ابن شهبة: له مقدمة في النحو اختصر فيها الملحة سماها «التحفة» وشرحها، وله تاريخ حسن مفيد، وأرجوزة في تعبير المنامات، وديوان شعر لطيف، ومقامات مستظرفة. وناب في الحكم بحلب في شبيبته عن الشيخ شمس الدّين بن النّقيب، ثم عزل نفسه، وحلف لا يلي القضاء، لمنام رآه وكان ملازما للاشغال والاشتغال والتصنيف.
شاع ذكره واشتهر بالفضل اسمه.
وقال الصفدي: بعد ترجمة طويلة حسنة شعره أسحر من عيون الغيد، وأبهى من الوجنات ذوات التوريد.
وقال السبكي: شعره أحلى من السّكّر المكرّر، وأغلى قيمة من الجوهر.
وقال السويطي: ومن نظمه [2] :
لا تقصد القاضي إذا أدبرت ... دنياك واقصد من جواد كريم
كيف ترجّي الرزق من عند من ... يفتي بأنّ الفلس مال عظيم
وله [2] :
سبحان من سخّر لي حاسدي ... يحدث لي في غيبتي ذكرا
لا أكره الغيبة من حاسد ... يفيدني الشّهرة والأجرا
وقال وقد مر به غلام جميل له قرط:
مرّ بنا [3] مقرطق ... ووجهه يحكي القمر
هذا أبو لؤلؤة ... منه خذوا ثأر عمر
__________
[1] ليست اللفظة في «آ» .
[2] التبيان في «فوات الوفيات» .
[3] ليست اللفظة في المطبوع.(8/276)
وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن سعد الله بن عبد الأحد الحرّاني ثم الدمشقي الفقيه الفرضي القاضي الحنبلي [1] ، أخو شرف الدين محمد.
ولد سنة خمس وثمانين وستمائة، وسمع من يوسف بن الغسولي وغيره بالقاهرة وغيرها، ودخل بغداد وأقام بها ثلاثة أيام، وتفقه وبرع في الفقه والفرائض، ولازم الشيخ تقي الدّين، وغيره، وولي نيابة الحكم عن ابن منجّى.
وكان ديّنا خيّرا، حسن الأخلاق، متواضعا، بشوش الوجه، متثبتا، سديد الأقضية، والأحكام.
حدث ابن شيخ السّلامية عنه أنه قال: لم أقض قضية إلا وأعددت لها الجواب بين يدي الله.
وذكره الذهبي في «المختص» فقال: عالم ذكيّ خيّر وقور متواضع بصير بالفقه والعربية. سمع الكثير، وتخرج بابن تيميّة وغيره. توفي شهيدا بالطاعون.
وفيها صفي الدين أبو عبد الله الحسين بن بدران بن داود البابصري [2] البغدادي الخطيب الفقيه الحنبلي المحدّث النحوي الأديب.
ولد آخر نهار عرفة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وسمع الحديث متأخرا، وعني بالحديث، وتفقه وبرع في العربية والأدب، ونظم الشعر الحسن، وصنّف في علوم الحديث، وغيرها واختصر «الإكمال» لابن ماكولا.
قال ابن رجب [3] : وقرأت عليه بعضه وسمعت بقراءته «صحيح البخاري» على الشيخ جمال الدّين مسافر بن إبراهيم الخالدي، وحضرت مجالسه كثيرا.
__________
[1] ترجمته في «المعجم المختص» (181) و «ذيول العبر» (4/ 151) و «النجوم الزاهرة» (10/ 240) ، و «وفيات ابن رافع» (2/ 86) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 443) و «الدرر الكامنة» (3/ 166- 167) .
[2] ترجمته في «وفيات ابن رافع» (1/ 276) ، و «ذيل تذكرة الحنابلة» (2/ 443) و «الدرر الكامنة» (2/ 53) .
[3] في ذيل ابن رجب: «واختصر الإكمال لابن ماكولا وعلقه في حياته وقرأ عليه بعضه وسمعت ... » .(8/277)
وتوفي يوم الجمعة سابع عشري رمضان ببغداد مطعونا، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو الخير سعيد ابن عبد الله الدّهلي [1] الحريري الحنبلي [2] الحافظ المؤرخ، مولى الصّدر صلاح الدّين عبد الرحمن بن عمر الحريري.
سمع ببغداد من الدّقوقي وخلق، وبدمشق من زينب بنت الكمال وأمم، وبالقاهرة والإسكندرية وبلدان شتّى، وعني بالحديث وأكثر من السماع والشيوخ، وجمع تراجم كثيرة لأعيان أهل بغداد، وخرّج الكثير وكتب بخطّه الرديء كثيرا.
قال الذهبي: له رحلة [إلى مصر] [3] ، وعمل جيد، وهمة في التاريخ، ويكثر المشايخ والأجزاء، وهو ذكي، صحيح الذهن، عارف بالرجال، حافظ. انتهى.
وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن علي بن موسى بن الخليل البغدادي الأزجي البزار الفقيه الحنبلي [4] . المحدّث.
ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة تقريبا، وسمع من إسماعيل بن الطّبّال، وابن الدواليبي وجماعة، وعني بالحديث، وقرأ الكثير، ورحل إلى دمشق، فسمع بها صحيح البخاري على الحجّار بالحنبلية، وأخذ عن الشيخ تقي الدّين ابن تيميّة، وحج مرارا، ثم أقام بدمشق، وكان حسن القراءة ذا عبادة وتهجّد.
وصنّف كثيرا في الحديث وعلومه، ثم توجّه إلى الحجّ في هذه السنة فتوفي بمنزلة حاجر، قبل الوصول إلى الميقات، ومعه نحو خمسين نفسا بالطاعون، وذلك صبيحة يوم الثلاثاء حادي عشري ذي القعدة، ودفن بتلك المنزلة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الذهلي» وانظر مصادره.
[2] ترجمته في «المعجم المختص» (104) و «ذيول العبر» (277) و «وفيات ابن رافع» (2/ 111- 112) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 445) و «الدرر الكامنة» (2/ 134- 135) .
[3] بعدها في «المعجم المختص» : «وعمل جيد وتميّز في التاريخ وتكثير المشائخ والأجزاء ومعرفة الرجال» .
[4] ترجمته في «المعجم المختص» (183) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 444- 445) و «الدرر الكامنة» (3/ 180) .(8/278)
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبّان المصري الشافعي الإمام [1] العلّامة. ولد سنة خمس وثمانين وستمائة. وسمع الحديث بدمشق والقاهرة من جماعة وتفقّه بابن الرّفعة وغيره، وصحب في التصوّف الشيخ ياقوت العرشي المقيم بالإسكندرية، ودرّس بقبة الشافعي وغيرها. وله مؤلفات منها «ترتيب الأم» للشافعي، ولم يبيّضه، واختصر «الروضة» ولم يشتهر لغلاقة لفظه، وجمع كتابا في علوم الحديث، وكتابا في النحو، وله تفسير لم يكمّله، وله كتاب «متشابه القرآن والحديث» تكلّم فيه على طريقة الصّوفية.
قال الإسنوي: كان عارفا بالفقه والأصلين والعربية، أديبا شاعرا ذكيا فصيحا، ذا همة وصرامة وانقباض عن الناس.
وقال الحافظ زين الدين العراقي: أحد العلماء الجامعين بين العلم والعمل، امتحن بأن شهد عليه بأمور وقعت في كلامه، وأحضر إلى مجلس الجلال القزويني، وادّعى عليه بذلك فاستتيب ومنع من الكلام على الناس وتعصّب عليه بعض الحنابلة، وتخرج به جماعة من الفضلاء. توفي شهيدا بالطاعون في شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق [2] بن داود، المعروف بابن عدلان الكناني المصري [3] شيخ الشافعية.
ولد في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع من جماعة، وتفقه على ابن السّكّري وغيره، وقرأ الأصول على القرافي وغيره، والنحو على ابن النحّاس، وبرع في العلوم، وحدّث، وأفتى، وناظر، ودرّس بعدة أماكن، وأفاد وتخرّج به جهات، وشرح «مختصر المزني» شرحا مطولا لم يكمله.
__________
[1] ترجمته في «الوافي» (2/ 168) و «طبقات الأسنوي» (2/ 370) و «مرآة الجنان» (4/ 333) و «الدرر الكامنة» (3/ 330- 331) و «حسن المحاضرة» (1/ 428) .
[2] في «آ» : «لاجين» .
[3] ترجمته في «طبقات الإسنوي» (2/ 237) و «الوافي» (2/ 168) و «الدرر الكامنة» (3/ 333- 334) و «حسن المحاضرة» (1/ 428) .(8/279)
قال الإسنوي: كان فقيها، إماما يضرب به المثل في الفقه، عارفا بالأصلين والنحو والقراءات، ذكيا، نظّارا، فصيحا، يعبّر عن الأمور الدقيقة بعبارة وجيزة، مع السّرعة والاسترسال، ديّنا سليم الصّدر، كثير المروءة.
وقال غيره: كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شهاب الدّين بن الأنصاري، وولي قضاء العسكر في أيام الناصر أحمد.
وتوفي في ذي القعدة.
وفيها عماد الدّين محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى البلبيسي المصري الشافعي [1] . أخذ الفقه عن ابن الرّفعة وغيره، وسمع من الدّمياطي وغيره، وولي قضاء الإسكندرية، ثم امتحن وعزل، وكان صبورا على الاشتغال، ويحثّ على الاشتغال ب «الحاوي» .
قال الإسنوي: كان من حفّاظ مذهب الشافعي، كثير التولّع بالألغاز الفروعية، محبا للفقراء، شديد الاعتقاد فيهم.
وقال الزّين العراقي: انتفع به خلق كثير من أهل مصر والقاهرة.
توفي شهيدا في شعبان بالطّاعون.
وفيها تقي الدّين محمد المعروف بابن الببائي ابن قاضي ببا الشافعي [2] .
تفقه على العماد البلبيسي وابن اللبان وغيرهما من فقهاء مصر.
ذكره الزين العراقي في «وفياته» فقال: برع في الفقه، حتّى كان أذكر فقهاء المصريين، له مع فقه النّفس والدّين المتين والورع.
وكان يكتسب بالمتجر، يسافر إلى الإسكندرية مرّتين أو مرّة، ويشغل بجامع عمرو بغير معلوم.
وكان يستحضر «الرافعي» و «الروضة» ويحلّ «الحاوي الصغير» حلّا حسنا.
__________
[1] ترجمته في «طبقات السبكي» (9/ 128) ، و «طبقات الإسنوي» (1/ 295) ، و «الدرر الكامنة» (3/ 382) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 428) .
[2] ترجمته في «الدرر الكامنة» (4/ 318) .(8/280)
وصحب الشيخ أبا عبد الله بن الحاج وغيره من أهل الخير، وتوفي شهيدا بالطّاعون.
وفيها شمس الدّين أبو الثّناء محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر ابن علي الشّافعي [1] العلّامة الأصبهاني.
ولد في شعبان سنة أربع وسبعين وستمائة، واشتغل ببلاده، ومهر، وتميّز، وتقدم في الفنون، فبهرت فضائله، وسمع كلامه التّقي ابن تيميّة فبالغ في تعظيمه، ولازم الجامع الأموي ليلا، ونهارا مكبّا على التلاوة، وشغل الطلبة، ودرّس بعد ابن الزّملكاني بالرّواحية، ثم قدم القاهرة، وبنى له قوصون الخانقاه بالقرافة، ورتّبه شيخا لها.
قال الإسنوي: كان بارعا في العقليات، صحيح الاعتقاد، محبّا لأهل الصّلاح، طارحا للتكلف. وكان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشرب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزّمان.
صنف «تفسيرا كبيرا» وشرح «كافية ابن الحاجب» وشرح «مختصره الأصلي» وشرح «منهاج البيضاوي» و «طوالعه» وشرح «بديعية ابن السّاعاتي» وشرح «الساوية» في العروض، وغير ذلك.
مات في ذي القعدة بالطّاعون، ودفن بالقرافة.
وفيها محبّ الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن لب بن الصّايغ الأموي المرّي [2] .
قال في «تاريخ غرناطة» : أقرأ النحو بالقاهرة إلى أن صار يقال له أبو عبد الله النّحوي، وكان قرأ على أبي الحسن بن أبي العيش وغيره، ولازم أبا حيّان وانتفع بجاهه.
وكان سهلا، دمث الأخلاق، محبا للطب، وتعانى الضّرب بالعود فنبغ فيه.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 172- 174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 94) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 484) .(8/281)
وقال في «الدّرر» : كان ماهرا في العربية واللغة، قيّما في العروض، ينظم نظما وسطا.
توفي في رمضان بالطّاعون.
وفيها يوسف بن عمر بن عوسجة العبّاسي النّحوي المقرئ [1] .
ذكره الذهبي في «طبقات القراء» وأصحاب التّقي الصائغ.
وقال في «الدّرر» : وكان شيخ العربية. انتهى.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 467) .(8/282)
سنة خمسين وسبعمائة
في ربيعها الأول قتل أرغون شاه الناصري [1] .
كان أبو سعيد أرسله إلى الناصر فحظي وتأمّر، وزوّجه بنت آق بغا عبد الواحد، ثم ولي الاستادارية في زمن المظفّر حاجي، ثم ولي نيابة صفد، ورجع إلى مصر، ثم ولي نيابة حلب، ثم دمشق، وتمكّن وبالغ في تحصيل المماليك والخيول، وعظم قدره، ونفذت كلمته في سائر الممالك الشامية والمصرية، ولم يزل على ذلك إلى أن برز أمر بإمساكه فأمسك وذبح، وكان خفيفا، قوي النّفس، شرس الأخلاق. قاله في «الدّرر» .
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي، ويعرف بالشّرقي [2] .
قال ابن الزّبير: كان إماما في حفظ اللّغات وعلمها، لم يكن في وقته بالمغرب من يضاهيه أو يقاربه في ذلك، متقدما في علم العروض، مقصودا في الناس، مشكور الحال في علمه ودينه. انتهى.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي الصّوفي [3] .
قال الصّفدي: شيخ العربية بدمشق في زمانه، أخذ عن أبي حيّان،
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 350) .
[2] انظر «بغية الوعاة» (1/ 416) .
[3] انظر «بغية الوعاة» (1/ 309) .(8/283)
وأبي جعفر بن الزّيّات، وكان منجمعا عن الناس، حضر يوما عند الشيخ تقي الدّين ابن السّبكي بعد إمساك تنكز بخمس سنين، فذكر إمساكه، فقال: وتنكز أمسك؟ فقيل له: نعم، وجاء بعده ثلاثة نواب أو أربعة، فقال: ما علمت بشيء من هذا.
وكان بارعا في النحو، مشاركا في الفضائل، تلا على الصائغ، وشرح «التسهيل» واختصر «تهذيب الكمال» وشرع في تفسير كبير.
مولده بعد التسعين وستمائة، ومات بعلّة الإسهال في ذي القعدة.
وفيها جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن علي بن محمد البابصري البغدادي [1] الحنبلي الفقيه الفرضي الأديب.
ولد سنة سبع وسبعمائة تقريبا [2] ، وسمع الحديث على صفي الدّين بن عبد الحق، وعلي بن عبد الصّمد، وغيرهما.
وتفقه على الشيخ صفي الدّين ولازمه وعلى غيره، وبرع في الفرائض والحساب، وقرأ الأصول، والعربية، والعروض، والأدب، ونظم الشعر الحسن، وكتب بخطّه الحسن كثيرا، واشتهر بالاشتغال والفتيا ومعرفة المذهب، وأثنى عليه فضلاء الطوائف.
وكان صالحا، ديّنا، متواضعا، حسن الأخلاق، طارحا للتكلف.
قال ابن رجب: حضرت دروسه وأشغاله غير مرّة، وسمعت بقراءته الحديث.
وتوفي في طاعون سنة خمسين ببغداد بعد رجوعه من الحجّ.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن خفاجا الصّفدي الشافعي [3] ، شيخ صفد مع ابن الرّسّام.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 445- 446) .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «تقديرا» .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 322) .(8/284)
أخذ عن ابن الزملكاني وغيره.
قال العثماني في «طبقاته» : كان ماهرا في الفرائض والوصايا، نقّالا للفروع الكثيرة، انقطع بقرية بقرب صفد يفتي ويصنّف ويتعبّد، ويعمل بيده في الزراعة لقوته وقوت أهله، ولا يقبل وظيفة ولا شيئا، وله مصنّفات كثيرة نافعة، منها «شرح التّنبيه» في عشر مجلدات، ومختصر في الفقه سمّاه «العمدة» وشرح «الأربعين» للنووي في مجلد ضخم، وغير ذلك، لكن لم يشتهر شيء منها. توفي بصفد.
وفيها نجم الدّين أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن علي أبو القاسم وأبو محمد الأصفوني- بفتح الهمزة وبالفاء- الشافعي [1] .
ولد بأصفون- بلدة في صعيد مصر- في سنة سبع وسبعين وستمائة، وتفقه على البهاء القفطي، وقرأ القراءات، وسكن قوص، وانتفع به كثيرون، وحجّ مرات من بحر عيذاب، آخرها سنة ثلاث وثلاثين. وأقام بمكّة إلى أن توفي.
قال الإسنوي: برع في الفقه وغيره، وكان صالحا، سليم الصّدر، يتبرّك به من يراه من أهل السّنّة والبدعة، اختصر «الرّوضة» وصنّف في الجبر والمقابلة.
توفي بمنى ثاني [أيام] عيد الأضحى، ودفن بباب المعلاة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن الشيخ زين الدّين المنجّى بن عثمان بن أسعد بن المنجّى التّنوخي الحنبلي [2] قاضي القضاة.
ولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وسمع الكثير عن ابن البخاري وخلق، وولي القضاء من سنة اثنتين وثلاثين، وحدّث بالكثير.
وقال ابن رجب: قرأت عليه «جزءا» فيه الأحاديث التي رواها مسلم في «صحيحه» عن الإمام أحمد بسماعه «الصحيح» من أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بن أبي عصرون بإجازته من المؤيد.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 350) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 35) و «العقد الثمين» (5/ 415) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 447) و «الجوهر المنضد» ص (88- 89) .(8/285)
توفي في شعبان بدمشق ودفن بسفح قاسيون.
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محارب الصّريحي النّحوي المالقي بن أبي الجيش [1] .
قال في «تاريخ غرناطة» : كان من صدور المقرئين. قائما على العربية، إماما في الفرائض والحساب، مشاركا في الفقه والأصول، وكثير من العقليات. أقرأ بمالقة، وشرع في تقييد على «التسهيل» في غاية الاستيفاء فلم يكمله.
ومات في ربيع الآخر بعد أن تصدّق بمال جمّ، ووقف كتبه.
__________
[1] انظر «الإحاطة» في «تاريخ غرناطة» (2/ 78- 79) و «الدّرر الكامنة» (4/ 248) و «بغية الوعاة» (1/ 235) . وقد تحرفت فيهما نسبته فلتصحح.(8/286)
سنة إحدى وخمسين وسبعمائة
فيها توفي العلّامة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد ابن حريز الزّرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي، بل المجتهد المطلق، المفسّر النّحويّ الأصولي، المتكلم، الشهير بابن قيم الجوزية [1] .
قال ابن رجب: شيخنا. ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع من الشّهاب النّابلسي وغيره، وتفقه في المذهب، وبرع، وأفتى، ولازم الشيخ تقي الدّين [2] وأخذ عنه، وتفنّن في علوم الإسلام. وكان عارفا بالتفسير، لا يجارى فيه، وبأصول الدّين. وإليه فيه المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك. وبالفقه وأصوله، والعربية، وله فيها اليد الطّولى، وبعلم الكلام، وغير ذلك. وعالما بعلم السّلوك وكلام أهل التّصوف وإشاراتهم [ودقائقهم له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولي.
قال الذهبي: في «المختص» : عني بالحديث] [3] ومتونه وبعض رجاله.
وقد حبس مدة لإنكار شدّ الرّحال [4] إلى قبر الخليل.
وتصدّر للإشغال ونشر العلم.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (269) و «الوافي بالوفيات» (2/ 270- 272) و «ذيول العبر» ص (282) و «البداية والنهاية» (14/ 234- 235) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 447- 452) و «الرد الوافر» ص (68- 69) و «النجوم الزاهرة» (10/ 299) و «الدليل الشافي» (2/ 583) و «الدّرر الكامنة» (3/ 400) و «المقصد الأرشد» (2/ 384- 385) و «بغية الوعاة» (1/ 62) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 90) و «البدر الطالع» (2/ 143- 146) .
[2] يعني ابن تيميّة.
[3] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[4] في «آ» و «ط» : «شدّ الرحيل» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .(8/287)
وقال ابن رجب: وكان- رحمه الله- ذا عبادة وتهجّد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتألّه، ولهج بالذّكر، وشغف بالمحبّة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له، والإطراح بين يديه على عتبة عبوديته. لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علما، ولا أعرف بمعاني القرآن والحديث والسّنّة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله.
وقد امتحن وأوذي مرّات، وحبس مع الشيخ تقي الدّين في المرّة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه، ولم يفرج عنه إلّا بعد موت الشيخ.
وكان في مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن وبالتدبّر والتفكّر، ففتح عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلّط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والخوض في غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بذلك.
وحجّ مرّات كثيرة، وجاور بمكّة، وكان أهل مكّة يذكرون عنه من شدّة العبادة، وكثرة الطّواف أمرا يتعجّب منه، ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة، وسمعت عليه «قصيدته النّونية» الطويلة في السّنّة [1] ، وأشياء من تصانيفه، وغيرها.
وأخذ عنه العلم خلق كثير، من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به. وكان الفضلاء يعظّمونه ويسلّمون له، كابن عبد الهادي وغيره.
وقال القاضي برهان الدّين الزّرعي عنه: ما تحت أديم السّماء أوسع علما منه.
ودرّس بالصّدرية، وأمّ بالجوزية مدّة طويلة.
وكتب بخطّه ما لا يوصف كثرة.
__________
[1] أقول: وتسمى «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» وسيذكرها المؤلف باسمها هذا بعد قليل، وقد قام بطبعها المكتب الإسلامي بدمشق سنة (1382) هـ مع شرحها للشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى الشرقي المتوفى سنة (1329) هـ، وهي تمثل عقيدة السّلف الصالح، وقد حذّر الشارح فيها من أهل وحدة الوجود، ومن الجهميين والمعطلين، وأثنى فيها على علماء أهل السّنّة والجماعة الذين ثبتوا على العقيدة الصحيحة (ع) .(8/288)
وصنّف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلوم.
وكان شديد المحبّة للعلم، وكتابته، ومطالعته، وتصنيفه، واقتناء كتبه.
واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره.
فمن تصانيفه كتاب «تهذيب سنن أبي داود، وإيضاح مشكلاته، والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة» مجلد [1] ، كتاب «سفر الهجرتين وباب السعادتين» مجلد ضخم، كتاب «مراحل السائرين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين» مجلدان، وهو شرح «منازل السائرين» لشيخ الإسلام الأنصاري، كتاب جليل القدر، كتاب «عقد محكم الاحقاء بين الكلم الطيّب والعمل الصّالح المرفوع إلى ربّ السماء» مجلد ضخم. كتاب «شرح أسماء الكتاب العزيز» مجلد، كتاب «زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدي خاتم الأنبياء» مجلد، كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد» أربع مجلدات وهو كتاب عظيم جدا [2] ، كتاب «جلاء [3] الأفهام في ذكر الصّلاة والسلام على خير الأنام وبيان أحاديثها وعللها» مجلد [4] ، كتاب «بيان الدّليل على استغناء المسابقة عن التحليل» مجلد، كتاب «نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول» مجلد، كتاب «أعلام الموقعين عن ربّ العالمين» ثلاث مجلدات، كتاب «بدائع الفوائد» مجلدان،
__________
[1] وقد طبع قبل سنوات في مصر بتحقيق العالمين الجليلين أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي رحمهما الله تعالى.
[2] وهو من خيرة كتبه وقد طبع عدة مرات في مصر ولبنان والشام أفضلها التي قام بتحقيقها والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط وزميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وصدرت عن مؤسسة الرسالة ببيروت في خمس مجلدات وقد أعيد طبعها مصورة أكثر من عشرين مرة.
وقام الأستاذ محمد أديب الجادر بإعداد فهارس تفصيلية لهذه الطبعة طبعت في مجلد مستقل ألحق بالمجلدات الخمس.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حلّ» .
[4] وقد طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان والكويت أفضلها التي صدرت بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط وزميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، عن مكتبة دار العروبة بالكويت، ثم بتحقيق الأستاذ محيي الدّين مستو عن دار ابن كثير بدمشق ودار التراث بالمدينة المنورة.(8/289)
«الشافية الكافية في الانتصار للفرقة النّاجية» ، وهي القصيدة النّونية في السّنّة مجلد [1] ، كتاب «الصّواعق المرسلة على الجهمية والمعطّلة» مجلدان، كتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» وهو كتاب صفة الجنّة مجلد [2] ، وكتاب «نزهة المشتاقين وروضة المحبين» مجلد [3] ، كتاب «الدّاء والدّواء» مجلد [4] ، كتاب «تحفة المودود في أحكام المولود» مجلد لطيف [5] ، كتاب «مفتاح دار السعادة» مجلد ضخم، كتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية» مجلد، كتاب «مصايد الشيطان» مجلد، كتاب «الطّرق الحكمية» مجلد، «رفع اليدين في الصلاة» مجلد، «نكاح المحرم» مجلد، «تفضيل مكّة على المدينة» مجلد، «فضل العلم» مجلد، كتاب «عدة الصّابرين» مجلد، كتاب «الكبائر» مجلد، حكم تارك الصّلاة مجلد، «نور المؤمن وحياته» مجلد، «حكم إغمام هلال رمضان» مجلد، «التحرير فيما يحلّ ويحرم من لباس الحرير» مجلد، «إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان» مجلد، «إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان» مجلد، «جوابات عابدي الصّلبان وأن ما هم عليه دين الشيطان» مجلد، «بطلان الكيمياء من أربعين وجها» مجلد، «الرّوح» مجلد، «الفرق بين الخلة والمحبة ومناظرة الخليل لقومه» مجلد، «الكلم [6] الطيب والعمل الصالح» مجلد لطيف، «الفتح
__________
[1] سبق التعريف بها قبل قليل من قبل والدي حفظه الله. انظر التعليق رقم (1) ص (288) .
[2] وقد قام بتحقيقه حديثا الأستاذ الشيخ علي الشربجي بالاشتراك مع الأستاذ قاسم النوري، وهو قيد الطبع في مؤسسة الرسالة ببيروت كما ذكر لي.
وقام بتحقيقه أيضا الأستاذ يوسف علي البديوي، وراجعه الأستاذ محيي الدّين مستو، ونشرته حديثا دار ابن كثير، ودار التراث بالمدينة المنورة.
[3] المعروف بأن اسم الكتاب هو «روضة المحبين ونزهة المشتاقين» وهو مطبوع في مصر قديما، ثم طبع في الشام بتحقيق الأستاذ أحمد عبيد رحمه الله.
[4] طبع عدة مرات في مصر ولبنان والشام، وأحسنها التي صدرت حديثا عن دار ابن كثير بتحقيق الأستاذ يوسف علي البديوي.
[5] طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان، وأفضلها التي قام بتحقيقها والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وصدرت عن مكتبة دار البيان بدمشق عام 1391 هـ. وقد أعاد والدي حفظه الله تحقيق الكتاب منذ فترة قريبة وتقوم بطبعه الآن مكتبة عالم الكتب بالرياض في السعودية.
[6] في «ط» : «الكلام» ولعله أراد كتابه «الوابل الصيب من الكلم الطيب» الذي قام بتحقيقه والدي(8/290)
القدسي والتحفة المكية» ، كتاب «أمثال القرآن» ، «شرح الأسماء الحسنى» ، «أيمان القرآن» ، «المسائل الطرابلسية» مجلدان، «الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم» مجلدان، كتاب «الطاعون» مجلد لطيف. وغير ذلك.
توفي- رحمه الله- وقت العشاء الآخرة ثالث عشر رجب، وصلّي عليه من الغد بالجامع الأموي عقيب الظهر، ثم بجامع جرّاح، ودفن بمقبرة الباب الصّغير.
وكان قد رأى قبل موته بمدة الشيخ تقي الدّين [1]- رحمه الله- في النوم وسأله عن منزلته، فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر، ثم قال له: وأنت كدت تلحق بنا، ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة، رحمه الله.
وفيها فخر الدّين أبو الفضائل وأبو المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الكريم، الإمام العلّامة، فقيه الشام وشيخها ومفتيها، ابن الكاتب، المصري الأصل، الدمشقي الشافعي، المعروف بالفخر المصري [2] .
ولد بالقاهرة سنة اثنتين، وقيل: إحدى وتسعين وستمائة، وأخرج إلى دمشق وهو صغير، وسمع الحديث بها وبغيرها، وتفقّه على الفزاري، وابن الوكيل، وابن الزّملكاني، وتخرّج به في فنون العلم، وأذن له في الإفتاء في سنة خمس عشرة، وأخذ الأصول عن الصّفي الهندي، والنحو عن مجد الدّين التّونسي، وأبي حيّان، وغيرهما. والمنطق عن الرّضي المنطيقي، والعلاء القونوي. وحفظ كتبا كثيرة، وحفظ «مختصر ابن الحاجب» في تسعة عشر يوما. وكان يحفظ في «المنتقى» كل يوم خمسمائة سطر. وناب في القضاء عن القزويني والقونوي، ثم ترك ذلك، وتفرّغ للعلم، وتصدّر للاشتغال والفتوى، وصار هو الإمام المشار إليه والمعوّل في
__________
الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، ونشرته مكتبة دار البيان بدمشق عام 1391 هـ.
[1] يعني ابن تيميّة.
[2] انظر «المعجم المختص» ص (246) «الوافي بالوفيات» (4/ 226) و «ذيول العبر» ص (284) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 188- 189) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 468) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 81- 84) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 138- 139) و «النجوم الزاهرة» (10/ 250) و «الدليل الشافي» (2/ 661- 662) و «الدّرر الكامنة» (4/ 51) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 245- 250) .(8/291)
الفتوى عليه. وحجّ مرارا، وجاور في بعضها، وتعانى التجارة، وحصّل منها نعما طائلة، وحصلت له نكبة في آخر أيام تنكز، وصودر، وأخرجت عنه العادلية الصّغرى، والرّواحية. ثم بعد موت تنكز استعادهما.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: تفقّه وبرع، وطلب الحديث بنفسه، ومحاسنه جمّة. وكان من أذكياء زمانه.
وقال الصلاح الكتبي: أعجوبة الزّمان. كان ابن الزّملكاني معجبا به وبذهنه الوقّاد، يشير إليه في المحافل، وينوّه بذكره، ويثني عليه.
توفي في ذي القعدة، ودفن بمقابر باب الصغير قبلي قبّة القلندرية.
وفيها، بل في التي قبلها، يحيى بن محمد بن أحمد بن سعيد الحارثي الكوفي النّحوي [1] .
قال في «الدّرر» : ولد في شعبان سنة ثمان وسبعمائة، واشتغل بالكوفة، وبغداد، وصنّف «مفتاح الألباب» في النّحو، وقدم دمشق ومات بالكوفة.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 425- 426) و «بغية الوعاة» (2/ 341) .(8/292)
سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة
فيها توفي أبو العتيق أبو بكر بن أحمد بن دمسين اليمني [1] .
قال الخزرجي في «تاريخ اليمن» : كان فقيها، نبيها، عالما، عارفا بالفقه وأصوله، والنحو واللغة، والحديث والتفسير. ورعا، زاهدا، صالحا، عابدا، متواضعا، حسن السيرة، قانعا باليسير، كثير الصّيام والقيام، وجيها عند الخاص والعام، يحبّ الخلوة والانفراد.
تفقه، وجمع، وانتشر ذكره، وله كرامات، مات بزبيد.
وفيها عماد الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الهادي [ابن عبد الحميد بن عبد الهادي] [2] بن يوسف بن محمد بن قدامة الصّالحي الحنبلي المقرئ [3] ، ولد الحافظ شمس الدّين المتقدم ذكره.
سمع من الفخر بن البخاري، والشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وغيرهما.
وسمع منه ابن رافع، والحسيني. وجمع، وتوفي في رابع صفر.
وفيها أبو الحسن علي بن أبي سعيد [عثمان] بن يعقوب المرّيني [4] صاحب مراكش وفاس.
__________
[1] ترجمته في كتاب «طراز أعلام الزمن في طبقات أعيان اليمن» للخزرجي صاحب «العقود اللؤلؤية» وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما أعلم.
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (7/ 159) و «ذيول العبر» ص (285) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 141) و «الدّرر الكامنة» (1/ 208) و «القلائد الجوهرية» (2/ 419) .
[4] ترجمته في «الدّرر الكامنة» (3/ 85) و «النجوم الزاهرة» (10/ 251) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما، وقد نثر المقري أخباره في «نفح الطيب» انظر فهرسه.(8/293)
وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن فتّوح الدّمنهوري [1] .
قال الحافظ أبو الفضل العراقي: برع في النحو، والقراءات، والحديث، والفقه. وكان جامعا للعلوم.
أخذ العربية عن الشّرف الشّاذلي، والقراءات عن التّقي الصّايغ، والأصول عن العلاء القونوي. والمعاني عن الجلال القزويني. والفقه عن النّور البكري.
وسمع من الحجّار، والشّريف الموسوي.
ودرّس وأفتى، وحدّث عنه أبو اليمن الطّبري.
وقال الفارسي: توفي يوم الثلاثاء ثالث عشري ربيع الأول ومولده بعد ثمانين وستمائة.
وفيها بهاء الدّين أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد بن سالم الأنصاري الدمشقي الشافعي، المعروف بابن إمام المشهد [2] محتسب دمشق.
ولد في ذي الحجّة سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع بدمشق، ومصر، وغيرهما. وكتب الطّباق بخطّه الحسن، وتلا بالسبع على الكفري وجماعة.
وتفقّه على المشايخ برهان الدّين الفزاري، وابن الزّملكاني، وابن قاضي شهبة، وغيرهم.
وأخذ النحو عن التونسي والقحفازي، وبرع في الحديث، والقراءات، والعربية، والفقه وأصوله.
وأفتى، وناظر، ودرّس بعدة مدارس، وخطب بجامع التّوبة. وولي الحسبة ثلاث مرّات.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (185- 189) و «الدّرر الكامنة» (3/ 365) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (245) و «النجوم الزاهرة» (10/ 290) و «الوافي بالوفيات» (4/ 222- 223) و «ذيول العبر» ص (285) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 153) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 84- 86) و «الدّرر الكامنة» (4/ 183- 184) .(8/294)
ذكره الذهبي في «المختص» ، وقال ابن رافع: جمع مجلدات على «التمييز» للبارزي، وكتابا في «أحاديث الأحكام» في أربع مجلدات وناولني إيّاه.
وتوفي في شهر رمضان، ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها تاج الدّين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد المرّاكشي المصري الشافعي [1] .
ولد سنة إحدى، وقيل: ثلاث وسبعمائة، واشتغل بالقاهرة على العلاء القونوي وغيره من مشايخ العصر، وأخذ النحو عن أبي حيّان. وتفنّن في العلوم.
وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة، وأعاد بقبّة الشافعي. وكان ضيّق الخلق، لا يحابي أحدا ولا يتحاشاه، فآذاه لذلك القاضي جلال الدّين القزويني أول دخوله القاهرة فلم يرجع، فشاور عليه السلطان، فرسم بإخراجه من القاهرة إلى الشّام مرسما عليه، فأقام بها.
ودرّس بالمسرورية مدّة يسيرة، ثم أعرض عنها تزهّدا.
قال الإسنويّ: حصّل علوما عديدة، أكثرها بالسّماع، لأنه كان ضعيف النّظر مقاربا للعمى.
وكان ذكيا غير أنه كان عجولا محتقرا للناس، كثير الوقيعة فيهم.
ولما قدم دمشق أقبل على الاشتغال والإشغال، وسماع الحديث، والتّلاوة، والنّظر في العلوم إلى الموت.
وقال السّبكي: كان فقيها، نحويا، مفتيا، مواظبا على طلب العلم جميع نهاره وغالب ليله، يستفرغ فيه قواه ويدع من أجله طعامه وشرابه.
وكان ضريرا، ولا نراه يفتر عن الطلب إلّا إذا لم يجد من يطالع له.
توفي فجاءة في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 147- 153) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 468) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 62) و «النجوم الزاهرة» (10/ 253) و «الدّرر الكامنة» (3/ 300) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 457) .(8/295)
سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
فيها على ما قاله في «ذيل الدّول» [1] قبض السلطان على الوزير علم الدّين بن زنبور، وصودر بعد الضّرب والعذاب، فكان المأخوذ منه من النّقد ما ينيف على ألفي ألف دينار، ومن أواني الذّهب والفضّة نحو ستين قنطارا، ومن اللؤلؤ نحو إردبّين، ومن الحياصات الذهب ستة آلاف، ومن القماش المفصّل نحو ألفين وستمائة قطعة، وخمسة وعشرين معصرة سكّر، ومائتي بستان، وألف وأربعمائة ساقية. ومن الخيل والبغال ألف. ومن الجواري سبعمائة، ومن العبيد مائة، ومن الطّواشية سبعين [2] ، إلى غير ذلك.
وفي صفر كان الحريق العظيم بباب جيرون.
وفيها توفي أمير المؤمنين أبو العبّاس الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي العبّاسي [3] .
كان أبوه لما مات بقوص عهد إليه بالخلافة، فقدم الملك النّاصر عليه إبراهيم ابن عمّه لما كان في نفسه من المستكفي، وكانت سيرة إبراهيم قبيحة، وكان القاضي عزّ الدّين بن جماعة قد جهد كل الجهد في صرف السلطان عنه فلم
__________
[1] ذكره الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» في الورقة (61) من المنسوخ منه، ويقوم بتحقيقه صديقي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وقد فرغ من تحقيق المجلد الأول منه وهو تحت الطبع الآن في بيروت، وانظر «البداية والنهاية» (14/ 246) و «الدّرر الكامنة» (3/ 240- 241) .
[2] في «الذيل التام على دول الإسلام» : «ستين» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (289) و «المنهل الصافي» (1/ 291) و «الدليل الشافي» (1/ 48) و «النجوم الزاهرة» (10/ 290) و «الدّرر الكامنة» (1/ 137) و «تاريخ الخلفاء» ص (490- 500) .(8/296)
يفعل، فلما حضرته الوفاة أوصى الأمراء بردّ الأمر إلى ولي عهد المستكفي ولده أحمد، فلما تسلطن المنصور عقد مجلسا وقال: من يستحق الخلافة؟ فاتفقوا على أحمد هذا، فخلع إبراهيم، وبايع أحمد، وبايعه القضاة، ولقّب الحاكم بأمر الله لقب جدّه.
قال ابن فضل الله في «المسالك» : هو إمام عصرنا، وغمام مصرنا، قام على غيظ العدى وغرق بفيض النّدى، صارت له الأمور إلى مصائرها، وسيقت إليه مصائرها، فأحيا رسوم الخلافة، ورسم بما لم يستطع أحد خلافه، وسلك مناهج آبائه. وقد طمست، وأحياها بمناهج أبنائه وقد درست، وجمع شمل بني أبيه وقد طال بهم الشّتات، وأطال عذرهم وقد اختلفت السيآت، ورفع اسمه على ذرى المنابر وقد غبر مدة لا تطلع إلّا في أفاقه تلك النّجوم ولا تسحّ إلّا من سحبه تلك الغيوم والسّجوم، طلب بعد موت السّلطان وأنفذ حكم وصيته في تمام مبايعته والتزام متابعته.
وكان أبوه قد أحكم له بالعقد المتقدم عقدها وحفظ له عند ذوي الأمانة عهدها.
وذكر الشيخ زين الدّين العراقي: أن الحاكم هذا سمع الحديث على بعض المتأخرين، وأنه حدث.
مات في الطّاعون في نصف السنة بمصر ودفن بها.
وفيها أبو علي حسين بن يوسف بن يحيى ابن أحمد الحسيني السّبتي [1] نزيل تلمسان.
قال في «تاريخ غرناطة» : كان [شريفا] ظريفا، شاعرا، أديبا، لوذعيّا، مهذّبا، له معرفة بالعربية، ومشاركة في الأصول والفروع، حجّ، ودخل غرناطة، وولي القضاء ببلاد مختلفة، ثم قضاء الجماعة بتلمسان.
__________
[1] انظر «بغية الوعاة» (1/ 544) ولفظة «شريفا» مستدركة منه وهو المصدر الذي نقل المؤلف الترجمة عنه و «درّة الحجال» (1/ 244) .(8/297)
ولد سنة ثلاث وستين وستمائة، ومات يوم الاثنين سابع عشر شوال.
وفيها عضد الدّين عبد الرحمن بن أحمد ابن عبد الغفّار قاضي قضاة المشرق، وشيخ العلماء والشافعية بتلك البلاد الإيجي- بكسر الهمزة وإسكان التحتية ثم جيم- الشّيرازي [1] ، شارح «مختصر ابن الحاجب» وله المواقف.
قال الإسنوي: كان إماما في علوم متعددة، محقّقا، مدقّقا، ذا تصانيف مشهورة، منها «شرح مختصر ابن الحاجب» و «المواقف والجواهر» وغيرها في علم الكلام. و «الفوائد الغياثية» في المعاني والبيان. وكان صاحب ثروة وجود وإكرام للوافدين عليه.
تولى قضاء القضاة بمملكة أبي سعيد فحمدت سيرته.
وقال السبكي: كان إماما في المعقولات، عارفا بالأصلين، والمعاني، والبيان، والنحو، مشاركا في الفقه، له في علم الكلام كتاب «المواقف» وغيره.
وفي أصول الفقه «شرح المختصر» وفي المعاني والبيان «الفوائد الغياثية» .
وكانت له سعادة مفرطة، ومال جزيل، وإنعام على طلبة العلم، وكلمة نافذة.
مولده سنة ثمان وسبعمائة، وأنجب تلامذة، اشتهروا في الآفاق، مثل الشّمس الكرماني، والضّياء العفيفي، والسّعد التّفتازاني، وغيرهم.
وقال التّفتازانيّ في الثناء عليه: لم يبق لنا سوى اقتفاء آثاره، والكشف عن خبيئات أسراره، بل الاجتناء من بحار ثماره، والاستضاءة بأنواره.
توفي مسجونا بقلعة بقرب إيج [2] غضب عليه صاحب كرمان فحبسه بها واستمر محبوسا إلى أن مات.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 46- 78) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 238) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 33) و «النجوم الزاهرة» (10/ 288) و «الدّرر الكامنة» (2/ 429- 430) و «بغية الوعاة» (2/ 75- 76) و «البدر الطالع» (1/ 326- 327) .
[2] إيج: بلدة كثيرة البساتين والخيرات في أقصى بلاد فارس. انظر «معجم البلدان» (1/ 287) .(8/298)
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن بليش العبدري الغرناطي النحوي [1] .
قال في «تاريخ غرناطة» : كان فاضلا، منقبضا، متضلعا بالعربية، عاكفا عمره على تحقيق اللّغة. له في العربية باع مديد [2] ، مشاركا في الطبّ أثرى من التكسب بالكتب.
وسكن سبتة مدّة، ورجع وأقرّ بغرناطة. وكان قرأ على ابن الزّبير، ومات في رجب.
وفيها شهاب الدّين يحيى بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد القيسراني [3] أحد الموقّعين.
ولد سنة سبعمائة، وورد مع أبيه من حلب فباشر أبوه توقيع الدّست، وباشر هو كتابة الإنشاء، وكان حسن الخلق جدا، تامّ الخلق، متواضعا، متودّدا، صبورا على الأذى، كثير التّجمّل في ملبوسه وهيئته، حتّى كان ابن فضل الله يقول:
المولى شهاب الدّين جمّل الديوان. وكان يكتب قلم الرّقاع، قويا إلى الغاية، ثم باشر توقيع الدّست بعد أبيه سنة ست وثلاثين، ثم ولي كتابة السّرّ في نيابة تنكز، ثم أمسك وصودر، فلزم بيته مدة، ثم نقل إلى القاهرة، فكتب بها الإنشاء سنة [4] ، ما رأيت منه سوءا قطّ.
وكان يتودد للصّالحين، ويكثر الصّوم والعبادة، ويصبر على الأذى، ولا يعامل صديقه وعدوه إلّا بالخير وطلاقة الوجه.
مات بعلّة الاستسقاء بعد أن طال مرضه به في ثاني عشري رجب بدمشق، وصلّي عليه بالجامع الأموي بعد العصر.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 215- 216) و «بغية الوعاة» (2/ 233) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «باع شديد» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (290) و «النجوم الزاهرة» (10/ 290) و «الدّرر الكامنة» (4/ 414) .
[4] لفظة «سنة» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .(8/299)
سنة أربع وخمسين وسبعمائة
فيها كما قال ابن كثير [1] : كان في ترابلس [2] بنت تسمى نفيسة، زوّجت بثلاثة أزواج ولا يقدرون عليها [يظنون أنها رتقاء] [3] فلما بلغت خمس عشرة سنة، غار ثدياها، ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليلا قليلا [4] إلى أن برز منه ذكر قدر أصبع وأنثيان، وكتب ذلك في محاضر.
وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد الخولاني، يعرف بابن الفخّار وبالإلبيري [5] النحوي.
قال في «تاريخ غرناطة» أستاذ الجماعة، وعلم الصّناعة، وسيبويه العصر، وآخر [6] الطبقة من أهل هذا الفنّ.
كان فاضلا، تقيا، منقبضا [7] ، عاكفا على العلم، ملازما للتدريس، إمام الأئمة من غير مدافع، مبرّزا، منتشر الذكر، بعيد الصّيت، عظيم الشّهرة، متبحّر العلم [8] ، يتفجّر بالعربية تفجّر البحر، ويسترسل استرسال القطر، قد خالطت
__________
[1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 248) .
[2] في «البداية والنهاية» «طرابلس» وهي المدينة المعروفة في شمال لبنان.
[3] ما بين القوسين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[4] لفظة «قليلا» الثانية سقطت من «ط» .
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 57) و «بغية الوعاة» (2/ 174- 175) .
[6] في «آ» و «ط» : «وأحد» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.
[7] في «بغية الوعاة» : «متعبدا» .
[8] في «بغية الوعاة» : «مستبحر الحفظ» .(8/300)
لحمه ودمه، ولا يشكل عليه منها مشكل، ولا يعوزه توجيه، ولا تشذّ عنه حجّة.
جدّد بالأندلس ما كان قد درس من العربية من لدن وفاة أبي عليّ الشّلوبين.
وكانت له مشاركة في غير العربية، من قراءة [1] ، وفقه، وعروض، وتفسير.
وقلّ في الأندلس من لم يأخذ عنه من الطلبة. وكان مفرط الطّول، نحيفا، سريع الخطو، قليل الالتفات والتعريج [2] ، جامعا بين الحرص والقناعة.
قرأ على أبي إسحاق الغافقي، ولازمه، وانتفع به وبغيره.
مات بغرناطة ليلة الاثنين ثاني عشر رجب.
وفيها صدر الدّين محمد ابن علي بن أبي الفتح بن أسعد بن المنجّى الحنبلي [3] .
حضر على زينب بنت مكّي [4] ، وسمع من الشّرف بن عساكر، وعمر بن القوّاس، وجماعة. وسمع منه الذهبي، والحسيني، وابن رجب. وحجّ مرارا.
وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون.
وفيها جمال الدّين أبو الحجّاج يوسف بن عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف ابن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي ثم الدمشقي [5] الحنبلي الشيخ، الإمام، العالم، العامل، العابد، الحبر.
ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع «سنن ابن ماجة» من الحافظ ابن بدران النّابلسي، وسمع من التّقي سليمان وأبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى
__________
[1] في «ط» : «من قراءات» .
[2] في «آ» و «ط» : «والتغريج» والتصحيح من «بغية الوعاة» .
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 158) و «الدّرر الكامنة» (4/ 58) و «المقصد الأرشد» (2/ 479) .
[4] في «آ» : «بنت مملي» وفي «ط» : «بنت محلي» والتصحيح من «الدّرر الكامنة» و «المقصد الأرشد» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 149) و «الدّرر الكامنة» (4/ 463- 463) و «المقصد الأرشد» (3/ 141- 142) و «الجوهر المنضد» ص (180) .(8/301)
المطعم، ووزيرة بنت المنجّى، وغيرهم. وسمع منه ابن كثير، والحسيني، وابن رجب.
وكان من العلماء العبّاد الورعين، كثير التلاوة وقيام الليل، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ومحبّة الحديث والسّنّة.
توفي في العشر الأوسط من جمادى الآخرة ودفن بقاسيون
.(8/302)
سنة خمس وخمسين وسبعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد الله الدمشقي القاضي الشافعي المعروف بالظّاهري [1] .
مولده في شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة. وسمع من جماعة، وتفقّه على الشيخ برهان الدّين الفزاري. وسمع منه البرزالي، والذهبي، وولده القاضي تقي الدّين. ودرّس بالأمجدية وغيرها. وأفتى، وولي قضاء الركب سنين كثيرة.
وحجّ بضعا وثلاثين مرّة، وزار القدس أكثر من ستين مرة، وتوفي في شعبان ودفن بقاسيون.
وفيها نجم الدّين أحمد بن قاضي القضاة عزّ الدّين محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] الخطيب بالجامع المظفّري.
سمع من جدّه التّقي سليمان وغيره، وكان من فرسان الناس، وقلّ من كان مثله في سمته.
توفي في رجب عن بضع وأربعين سنة.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (27- 28) و «الوافي بالوفيات» (7/ 139) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 171- 172) و «ذيول العبر» (299) و «النجوم الزاهرة» (10/ 298) و «الدليل الشافي» (1/ 52) و «الدّرر الكامنة» (1/ 167) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (298) و «الدّرر الكامنة» (1/ 267) و «المقصد الأرشد» (1/ 179) .(8/303)
وفيها القاضي جمال الدّين أبو الطيّب الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف بن موسى بن تمّام الأنصاري الخزرجي السّبكي المصري ثم الدمشقي الشافعي [1] .
ولد في رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وأحضره أبوه التّقي السّبكي على جماعة من المشايخ، وسمع «البخاري» على الحجّار لمّا ورد مصر، وتفقه على والده وعلى الزّنكلوني وغيره، وأخذ النّحو عن أبي حيّان، والأصول عن الأصفهاني، وقدم دمشق مع والده سنة تسع وثلاثين، ثم طلب الحديث بنفسه، فقرأ على المزّي، والذهبي، وغيرهما. ثم رجع إلى مصر، ثم عاد إلى الشام.
وأفتى، وناظر، وناب عن والده في القضاء سنة خمس وأربعين، ودرّس بالشّامية البرّانية والعذراويّة، وغيرهما.
قال ابن كثير: كان يحكم جيدا، نظيف العرض في ذلك، وأفتى وتصدّر، وكان لديه فضيلة.
وقال أخوه في «الطبقات الكبرى» : كان من أذكياء العالم، وكان عجبا في استحضار «التسهيل» ودرّس بالأجر على «الحاوي الصغير» وكان عجبا في استحضاره، ومن شعره ملغزا ولعله في ريباس:
يا أيّها البحر علما والغمام ندى ... ومن به أضحت الأيّام مفتخره
أشكو إليك حبيبا قد كلفت به ... مورّد الخدّ سبحان الّذي فطره
خمساه قد أصبحا في زيّ عارضه ... وفيه بأس شديد قلّ من قهره
لا ريب فيه وفيه الرّيب أجمعه ... وفيه يبس ولين القامة النّضره
وفيه كلّ الورى لمّا تصحّفه ... في ضيعة ببلاد الشّام مشتهره
توفي في شهر رمضان قبل والده بسبعة أشهر، ودفن بتربتهم بقاسيون.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (88) و «ذيول العبر» ص (296- 297) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 411- 425) و «البداية والنهاية» (14/ 251) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 173- 174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 25- 27) و «الدّرر الكامنة» (2/ 61- 63) .(8/304)
وفيها زين الدّين أبو الحسن علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي الموصلي الشافعي، المعروف بابن شيخ العوينة [1] .
كان جده الأعلى علي من الصّالحين، واحتفر عينا في مكان لم يعهد بالماء، فقيل له شيخ العوينة.
ولد زين الدّين في رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة، وقرأ القراءات على الشيخ عبد الله الواسطي الضّرير، وأخذ الشّاطبية عن الشيخ شمس الدّين بن الورّاق، وشرح «الحاوي» و «المختصر» ورحل إلى بغداد. وقرأ على جماعة من شيوخها. وسمع الحديث. وقدم دمشق وسمع بها من جماعة، ثم رجع إلى الموصل وصار من علمائها. وله تصانيف منها «شرح المفتاح» للسكّاكي، و «شرح مختصر ابن الحاجب» و «البديع لابن السّاعاتي» وغير ذلك.
قال ابن حبيب: إمام، بحر علمه محيط، وظل دوحه بسيط، وألسنة معارفه ناطقة، وأفنان فنونه باسقة. كان بارعا في الفقه وأصوله، خبيرا بأبواب كلام العرب وفصوله، نظم كتاب «الحاوي» وشنّف سمع الناقل والرّاوي، وبينه وبين الشيخ صلاح الدّين الصّفدي مكاتبات.
قال ابن حجر: وشعره أكثر انسجاما وأقل تكلفا من شعر الصّفدي.
توفي بالموصل في شهر رمضان.
وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الرحمن بن الحسين بن يحيى بن عبد المحسن بن القبابي الحنبلي [2] .
سمع من عيسى المطعم وغيره، وكان مشهورا بالصّلاح، كريم النّفس، كبير
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 136) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 177- 178) و «تذكرة النّبيه» (3/ 185) و «الدليل الشافي» (1/ 454) و «النجوم الزاهرة» (10/ 297) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 43- 44) و «الدّرر الكامنة» (3/ 43- 45) و «بغية الوعاة» (2/ 161) و «البدر الطالع» (1/ 442) .
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 297) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 178- 179) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 425) و «الدّرر الكامنة» (3/ 168) و «المقصد الأرشد» (2/ 302- 303) .(8/305)
القدر، جامعا بين العلم والعمل. اشتغل وانتفع بابن تيميّة، ولم ير على طريقه في الصّلاح مثله، وخرّج له الحسيني مشيخة، وحدّث بها ومات ببيت المقدس.
وفيها ناصر الدّين خطيب الشّام محمد بن أحمد [بن أحمد] [1] بن نعمة بن أحمد بن جعفر النابلسي ثم الدمشقي الحنبلي [2] .
ولد سنة ثمانين وستمائة، وسمع على الفخر بن البخاري مشيخته، ومن «جامع الترمذي» . وكان أحد العدول بدمشق.
توفي مستهل ربيع الآخر.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن معالي بن إبراهيم بن زيد الأنصاري الخزرجي الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن المهيني [3] .
سمع من ابن البخاري، ومن التّقي سليمان، وحدّث، وكان بشوش الوجه، حسن الشكل، كثير التّودد للناس، وفيه تساهل للدنيا، وصحب الشيخ تقي الدّين ابن تيمية.
وتوفي في رابع شوال بدمشق ودفن بالباب الصغير. قاله العليمي.
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 167- 168) و «الدّرر الكامنة» (3/ 309) .
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 166) و «الدّرر الكامنة» (3/ 409) و «المقصد الأرشد» (2/ 383- 384) .(8/306)
سنة ست وخمسين وسبعمائة
في شهر ربيع الآخر منها أمطر [1] ببلاد الرّوم برد زنة الواحدة نحو رطل وثلثي رطل بالحلبي [2] .
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يوسف بن محمد وقيل عبد الدائم، المعروف بابن السّمين، وقال السيوطي في «طبقات النّحاة» : ويعرف بالسمين الحلبي ثم المصري [3] الشافعي النحوي المقرئ الفقيه العلّامة.
قرأ النحو على أبي حيّان، والقراءات على ابن الصّايغ. وسمع وولي تصدير إقراء النحو بالجامع الطولوني، وأعاد بالشافعي، وناب في الحكم بالقاهرة، وولي نظر الأوقاف بها، ولازم أبا حيّان إلى أن فاق أقرانه، وسمع الحديث من يونس الدّبوسي، وله تفسير القرآن في نحو عشرين مجلدا و «إعراب القرآن» ألّفه في حياة شيخه أبي حيّان وناقشه فيه كثيرا، وشرح «التسهيل» وشرح «الشّاطبية» وغير ذلك.
مات في جمادى الآخرة بالقاهرة.
وفيها محيي الدّين أبو الرّبيع سليمان بن جعفر الإسنوي المصري الشافعي [4] .
__________
[1] في «ط» : «مطر» .
[2] وقد ذكر هذا الخبر بتوسع في «الذيل التام على دول الإسلام» في الورقة (74) من المنسوخ.
[3] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 321) و «ذيول العبر» ص (309) و «الدّرر الكامنة» (1/ 339) و «بغية الوعاة» ص (402) .
[4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 179) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 28) و «الدّرر الكامنة» (2/ 145) .(8/307)
ولد في أوائل سنة سبعمائة، وأفتى ودرّس، واشتغل، وأشغل.
ذكره ابن أخته جمال الدّين الأسنوي في «طبقاته» وقال: كان فاضلا، مشاركا، في علوم [كثيرة] ، ماهرا في الجبر والمقابلة. صنّف «طبقات فقهاء الشافعية» ومات عنها وهي مسودة لا ينتفع بها.
توفي في جمادى الآخرة ودفن بتربة الصّوفية خارج باب النّصر.
وفيها قاضي القضاة فخر الدّين أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن ممدود التّميمي الشّيرازي الشّافعي [1] .
قال ابن السّبكي: تفقه على والده، وقرأ التفسير على قطب الدّين الشعّار صاحب «التقريب على الكشاف» . وولي قضاء القضاة بفارس وهو ابن خمس عشرة سنة، وعزل بعد مدة بالقاضي ناصر الدّين البيضاوي، ثم أعيد بعد ستة أشهر، واستمر على القضاء خمسا وسبعين سنة. وكان مشهورا بالدّين والخير والمكارم، وله «شرح مختصر ابن الحاجب» و «مختصر في الكلام» ونظم كثير.
توفي بشيراز في رجب.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزّرعي الأصل الدمشقي الفقيه الحنبلي الفاضل، ابن ابن قيّم الجوزية [2] .
كان لديه علوم جيدة وذهن حاضر حاذق، وأفتى ودرّس، وناظر، وحجّ مرات. وكان أعجوبة زمانه.
توفي يوم الأحد رابع عشر شعبان.
وفيها الإمام تقي الدّين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 400- 403) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 21- 22) .
[2] انظر «البداية والنهاية» (14/ 234) و «الدّرر الكامنة» (2/ 290) و «المقصد الأرشد» (2/ 57- 58) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 90) .(8/308)
تمّام بن يوسف بن موسى بن تمّام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسور بن سوار بن سليم السّبكي [1] الشافعي المفسّر الحافظ الأصولي اللّغوي النّحوي المقرئ البياني الجدلي الخلافي، النظّار البارع، شيخ الإسلام، أوحد المجتهدين.
قال السيوطي: ولد مستهلّ صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وقرأ القرآن [2] على التّقي بن الصّايغ، والتفسير على العلم العراقي، والفقه على ابن الرّفعة، والأصول على العلاء الباجي، والنحو على أبي حيّان، والحديث على الشّرف الدّمياطي. ورحل وسمع من ابن الصوّاف، والموازيني، وأجاز له الرّشيد بن أبي القاسم وإسماعيل بن الطبّال وخلق يجمعهم «معجمه» الذي خرّجه له ابن أيبك.
وبرع في الفنون، وتخرّج به خلق في أنواع العلوم. [وناظر] وأقرّ له الفضلاء، وولي قضاء الشام بعد الجلال القزويني، فباشره بعفّة ونزاهة، غير ملتفت إلى الأكابر والملوك، ولم يعارضه أحد من نوّاب الشام إلّا قصمه الله [تعالى] .
وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية، والشّامية البرّانية، والمسرورية، وغيرها.
وكان محقّقا، مدقّقا، نظّارا، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة والدقائق والقواعد المحرّرة التي لم يسبق إليها.
وكان منصفا في البحث على قدم من الصّلاح والعفاف.
وصنّف نحو مائة وخمسين كتابا مطوّلا ومختصرا، المختصر منها [لا بد وأن]
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (304) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 139) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 75- 76) و «النجوم الزاهرة» (10/ 318) و «البداية والنهاية» (14/ 352) و «الدّرر الكامنة» (3/ 63- 71) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 135) و «بغية الوعاة» (2/ 176- 178) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه.
[2] في «بغية الوعاة» : «القراءات» .(8/309)
يشتمل على ما لا يوجد في غيره، من تحرير وتدقيق وقاعدة واستنباط [1] ، منها «تفسير القرآن» و «شرح المنهاج» في الفقه.
ومن نظمه:
إنّ الولاية ليس فيها راحة ... إلا ثلاث يبتغيها العاقل
حكم بحقّ أو إزالة باطل ... أو نفع محتاج سواها باطل
وله:
قلبي ملكت فما له ... مرمى لواش أو رقيب
قد حزت من أعشاره ... سهم المعلّى والرّقيب
يحييه قربك إن منن ... ت به ولو مقدار قيب [2]
يا متلفي ببعاده ... عنّي أما لك من رقيب [3] ؟
وأنجب أولادا كراما أعلاما.
وتوفي بمصر بعد أن قدم إليها، وسأل أن يولّى القضاء مكانه ولده تاج الدّين فأجيب إلى ذلك.
وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم بن بركات بن سعد بن بركات بن سعد بن كامل بن عبد الله بن عمر، من ذرية عبادة بن الصّامت، رضي الله عنه، الشيخ الكبير المسند المعمّر المكثر، المعروف بابن الخبّاز الحنبلي [4] .
ولد في رجب سنة تسع وستين وستمائة، وحضر الكثير على ابن عبد الدائم وغيره، وسمع من المسلم بن علّان «المسند» [5] بكماله. وأجازه عمر الكرماني،
__________
[1] في «بغية الوعاة» : «من تحقيق وتحرير لقاعدة، واستنباط وتدقيق» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «ولو نفذا رقيب» .
[3] في «بغية الوعاة» : «أما خفت الرّقيب» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (306) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 188) و «الدّرر الكامنة» (3/ 384- 385) و «المقصد الأرشد» (2/ 381- 382) و «القلائد الجوهرية» (2/ 290) .
[5] يعني «مسند الإمام أحمد» .(8/310)
والشيخ محيي الدّين النّووي، وخرّج له البرزالي مشيخة، وذكر له أكثر من مائة وخمسين شيخا. وسمع منه المزّيّ، والذّهبي، والسّبكي، وابن جماعة، وابن رافع، وابن كثير، والحسيني، والمقرئ وابن رجب، وابن العراقي، وغيرهم.
وكان رجلا، جيدا، صدوقا، مأمونا، صبورا على الإسماع، محبا للحديث وأهله، مع كونه يكتب بيده في حال السماع. وحدّث مع أبيه وعمره عشرون سنة.
وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان بدمشق عن سبع وثمانين سنة وشهرين، ودفن بباب الصغير.
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الله بن أبي نصر، المعروف بابن البطائنيّ [1] الحنبلي، الشيخ العدل الأصيل.
ولد في رمضان سنة ثمان وسبعين وستمائة، وسمع من ابن سنان، وابن البخاري، والشّرف بن عساكر. وسمع منه جماعة، منهم المقرئ ابن رجب، والحسينيّ. وباشر نيابة الحسبة بالشام. وتولى قضاء الرّكب الشامي، وتكسّب بالشهادة.
وتوفي يوم الجمعة سادس رجب، ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (305- 306) و «ذيول تذكرة الحفاظ» ص (40) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 187) و «الدّرر الكامنة» (4/ 188) و «المقصد الأرشد» (2/ 508) و «القلائد الجوهرية» (2/ 570) .(8/311)
سنة سبع وخمسين وسبعمائة
وقع فيها في جمادى الآخرة حريق بدمشق ظاهر باب الفرج لم يعهد مثله، بحيث كانت عدة الحوانيت المحرقة سبعمائة سوى البيوت [1] .
وفيها توفي كمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن عمر بن أحمد [بن أحمد] [2] بن مهدي، الإمام العالم الورع المصري الشافعي النّشائي [3]- بالنون والمعجمة مخففا، نسبة إلى نشا قرية بريف مصر-.
ولد في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع من الحفّاظ الدّمياطي، ورضي الدّين الطبري، وجماعة. واشتغل على والده وغيره من مشايخ العصر، ودرس بجامع الخطيري [4] وخطب به، وأمّ أول ما بني، وأعاد بالظّاهرية والصّالحية، وغيرها. وصنّف التصانيف المفيدة الجامعة المحرّرة، منها «المنتقى» في خمس مجلدات، و «جامع المختصرات» وشرحه في ثلاث مجلدات. و «نكت التنبيه» وهو كتاب مفيد، و «الإبريز في الجمع بين الحاوي والوجيز» و «كشف غطاء الحاوي» و «مختصر سلاح المؤمن» وكلامه في مصنّفاته قويّ مختصر جدا. وفي فهمه عسر، فلذلك أحجم كثير من الناس عن مصنّفاته.
وسمع منه، وحدّث عنه زين الدّين العراقي، وابن رجب الحنبلي.
__________
[1] ذكر هذا الخبر الحافظ السخاوي بتوسع في «الذيل التام على دول الإسلام» فراجعه فهو مفيد.
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» ومعظم المصادر.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (311) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 19) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 510) و «النجوم الزاهرة» (10/ 323- 324) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 12- 15) و «الدّرر الكامنة» (1/ 224- 225) و «حسن المحاضرة» (1/ 239) .
[4] هو جامع الأمير أيدمر الخطيري ببولاق. انظر «النجوم الزاهرة» (8/ 223) الحاشية رقم (2) .(8/312)
وذكره رفيقه الإسنويّ فقال: كان إماما، حافظا للمذهب، كريما متصوفا، طارحا للتكلّف، وفي أخلاقه حدّة كوالده.
توفي في صفر ودفن بالقرافة الصّغرى.
وفيها سلطان بغداد حسن بن أقبغا بن إيلكان بن خربندا بن أرغون بن هلاكو المغلي [1] ، ويعرف بحسن الكبير تمييزا له عن حسن بن تمرتاش [2] . وكان حسن الكبير، ذا سياسة حسنة، وقيام بالملك أحسن قيام، وفي ولايته وقع ببغداد الغلاء المفرط، حتى بيع الخبز بصنج الدّراهم، ونزح الناس عن بغداد، ثم نشر العدل، إلى أن تراجع الناس إليها، وكانوا يسمّونه الشيخ حسن لعدله.
قال في «الدّرر» : وفي سنة تسع وأربعين توجه إلى تستر ليأخذ من أهلها قطيعة قرّرها عليهم فأخذها وعاد، فوجد نوابه في بغداد في رواق الغزر [3] ببغداد ثلاث قدور مثل قدور الهريسة، مملوءة ذهبا مصريا وصوريا ويوسفيا، وغير ذلك، فيقال: جاء وزن ذلك أربعين قنطارا بالبغدادي.
ولما توفي قام ابنه أويس مقامه.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبّاس بن حامد بن خلف، المعروف بابن النّاصح، وهو لقب عبد الرحمن الحنبلي [4] .
سمع على الفخر ابن البخاري، وحدّث. وكان رجلا، صالحا، مباركا، يتعانى التجارة، ثم ترك ذلك ولازم الجامع نحو الستين سنة.
توفي في ذي القعدة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (311) و «النجوم الزاهرة» (10/ 323) و «الدّرر الكامنة» (2/ 14) وله ترجمة في «الذيل التام على دول الإسلام» للحافظ السخاوي الورقة (81) من المنسوخ.
[2] في «آ» و «ط» : «حسن بن عرباس» والتصحيح من «الدّرر الكامنة» مصدر المؤلف و «الدليل الشافي» (1/ 261) .
[3] في «آ» و «ط» : «في رواق العدل» والتصحيح من «الدّرر الكامنة» مصدر المؤلف.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (314) و «الدّرر الكامنة» (2/ 243) .(8/313)
وفيها السيد شرف الدّين أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد الحسيني الأرموي المصري الشافعي، المعروف بابن قاضي العسكر [1] .
مولده سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع من جماعة، واشتغل بالفقه والأصول والعربية، وأفتى، ودرّس بمشهد الحسين، والفخرية، والطيبرسية. وولي نقابة الأشراف والحسبة، ووكالة بيت المال، وحدّث، وسمع منه جماعة.
قال ابن رافع: كان من أذكياء العالم، كثير المروءة، أديبا بارعا.
وقال ابن السبكي: كان رجلا، فاضلا، ممدحا، أديبا، هو والشيخ جمال الدّين بن نباتة، والقاضي شهاب الدّين بن فضل الله، أدباء العصر، إلّا أن ابن نباتة، وابن فضل الله يزيدان عليه بالشعر، فإنه لم يكن له فيه يد، وأما في النثر فكان أستاذا ماهرا، مع معرفته بالفقه والأصول والنحو.
توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (312) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 137) و «النجوم الزاهرة» (10/ 322) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 190- 192) و «حسن المحاضرة» (1/ 396) .(8/314)
سنة ثمان وخمسين وسبعمائة
فيها وثب مملوك يقال له: آي قجا من مماليك السلطان علي شيخو الناصريّ وكان شيخو هذا تقدم في أيام المظفّر واستقرّ في أول دولة الناصر حسن من رؤوس أهل المشورة، ثم كاتب القصص، إلى أن صار زمام الملك بيده وعظم شأنه في سنة إحدى وخمسين. كتب له بنيابة طرابلس وهو في الصّيد، فساروا به إلى دمشق، فوصل أمر بإمساكه، فأمسك وأرسل إلى الاسكندرية، فسجن بها، فلما استقرّ الصّالح أفرج عنه في رجب سنة اثنتين وخمسين، واستقرّ على عادته أولا، وكثر دخله حتّى قيل: إنه كان يدخل له من إقطاعه وأملاكه ومستأجراته في كل يوم مائتا ألف، ولم يسمع بمثل ذلك في الدولة التركية، ولما وثب عليه المملوك وجرحه بالسيف في وجهه وفي يده اضطرب الناس، فمات من الزّحام عدد كثير، وأمسك المملوك، فقال: ما أمرني أحد بضربه ولكني قدمت له قصّة فما قضى حاجتي، فطيف بالمملوك، وقتل، وقطبت جراحات شيخو، فأقام نحو ثلاثة أيام والناس تعوده، السلطان فمن دونه، ثم مات في سادس عشر ذي القعدة وترك من الأموال ما لا يحصى.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن المصري العسجدي [1] .
ولد في رمضان سنة ست وثمانين وستمائة، وطلب الحديث وهو كبير،
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (8/ 42- 43) و «تذكرة النّبيه» (3/ 211) و «النجوم الزاهرة» (10/ 327) و «الدّرر الكامنة» (1/ 286- 289) .(8/315)
فسمع من النّور البعلي، والدّبوسي، والواني، وغيرهم، وأكثر جدا. وكتب الطّباق، وأسمع أولاده، وكان أديبا، متواضعا، فاضلا، متدينا، يعرف أسماء الكتب ومصنّفيها، وطبقات الأعيان ووفياتهم، وولي تدريس الحديث بالمنصورية والفخرية وغيرهما.
قال ابن حبيب: كان عالما، بارعا، مفيدا، مسارعا إلى الخير.
ومن شعره:
ولعي بشمعته وضوء جبينه ... مثل الهلال على قضيب مائس
في خدّه مثل الذي في كفّه ... فاعجب لماء فيه جذوة قابس
وفيها أرغون الصّغيّر الكاملي [1] نائب حلب.
كان أحد مماليك الصّالح إسماعيل. رباه وهو صغير السّنّ حتّى صيّره أميرا، وزوّجه أخته لأمّه هي بنت أرغون العلائي. وكان جميلا جدا.
قال الصفدي لما تزوّج خرج وعليه قباء مطرّز فبهر الناس بحسنه.
ولما ولي الكامل حظي عنده، وكان يدعى أرغون الصّغيّر فصار يدعى أرغون الكاملي، ثم ولّاه النّاصر حسن نيابة حلب، فباشرها مباشرة حسنة، وخافه التّركمان والعرب، ثم ولي نيابة دمشق في أول دولة الصّالح صالح ثم اعتقل بالإسكندرية، ثم أفرج عنه، وأقام بالقدس بطّالا، وعمر له فيها تربة حسنة، ومات بها في شوال.
وفيها قوام الدّين أمير، كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي أبو حنيفة الإتقاني الحنفي [2] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (316) و «الوافي بالوفيات» (8/ 356- 358) و «النجوم الزاهرة» (10/ 326) و «الدّرر الكامنة» (1/ 352- 354) .
[2] انظر «ذيل العبر» ص (317) و «النجوم الزاهرة» (10/ 325- 326) و «الدليل الشافي» (1/ 155- 156) و «تذكرة النّبيه» (3/ 208- 209) و «الجواهر المضية» (2/ 279) و «الدّرر الكامنة» (1/ 414- 416) و «بغية الوعاة» (1/ 459- 460) و «حسن المحاضرة» (1/ 470) و «البدر الطالع» (1/ 158- 159) .(8/316)
قال السيوطي [وقيل:] : اسمه لطف الله.
قال ابن حبيب: كان رأسا في مذهب أبي حنيفة، بارعا في اللّغة والعربية.
وقال ابن كثير: ولد بإتقان في ليلة السبت تاسع عشر شوال سنة خمس وثمانين وستمائة، واشتغل ببلاده، ومهر، وقدم دمشق سنة عشرين وسبعمائة، ودرّس وناظر، وظهرت فضائله.
وقال ابن حجر: ودخل مصر، ثم رجع فدخل بغداد، وولي قضاءها، ثم قدم دمشق ثانيا، وولي بها تدريس دار الحديث الظّاهرية بعد وفاة الذّهبي، وتكلّم في رفع اليدين في الصّلاة، وادّعى بطلان الصّلاة به، وصنّف فيه مصنّفا، فردّ عليه الشيخ تقي الدّين السّبكي وغيره، ثم دخل مصر فأقبل عليه صرغتمش وعظم عنده جدا، وجعله شيخ مدرسته التي بناها، وذلك في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين، فاختار لحضور الدرس طالعا، فحضر والقمر في السّنبلة والزّهرة في الأوج، وأقبل عليه صرغتمش إقبالا عظيما، وقدّر أنه لم يعش بعد ذلك سوى سنة وشيء، وكان شديد التعظيم [1] لنفسه [2] ، متعصبا جدا، معاديا للشافعيّة، يتمنى تلفهم [3] واجتهد في ذلك بالشام، فما أفاد، وأمر صرغتمش أن يقصر مدرسته على الحنفية.
وشرح «الهداية» وحدّث ب «الموطأ» رواية محمد بن الحسن [4] بإسناد نازل جدا.
وذاكر [5] القاضي عزّ الدّين ابن جماعة أن بينه وبين الزّمخشري اثنين، فأنكر ذلك، وقال: أنا أسنّ منك، وبيني وبينه أربعة أو خمسة.
وكان أحد الدّهاة. وأخذ عنه الشيخ محبّ الدّين بن الوحديّة.
__________
[1] في «بغية الوعاة» : «التعاظم» .
[2] لفظة «لنفسه» وردت بعد لفظة «متعصبا» في «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.
[3] في «آ» و «ط» : «تلافهم» وما أثبته من «بغية الوعاة» .
[4] أقول: وهو محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت. (ع) .
[5] في «ط» : «وذكر» وهو خطأ، وفي «بغية الوعاة» : و «ذاكره» .(8/317)
ومات في حادي عشر شوال. انتهى ما ذكره السيوطي في «طبقات النّحاة» .
وفيها أحمد بن مظفّر بن أبي محمد بن مظفّر بن بدر بن الحسن بن مفرّج بن بكّار بن النابلسي، سبط الزّين خالد أبو العبّاس [1] .
كان حافظا، مفيدا، حجّة، ذا صلاح ظاهر، لكنه عن الناس نافر. قاله ابن ناصر الدّين [2] .
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الولي بن جبارة المقدسي ثم الصالحي المرداوي الحنبلي المعمّر المسند المعروف بالحريري [3] .
مولده سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع من الكرماني، وابن البخاري، وخلق. وأجاز له أحمد بن عبد الدائم، والنّجيب عبد اللطيف.
قال الحسيني: وهو آخر من حدّث بالإجازة عنهم في الدّنيا، وسمع منه الذهبي، والبرزالي، والحسيني، وطائفة. وضعف بصره، وهو كثير التّلاوة والذّكر.
توفي في ثالث عشر رمضان ببستان الأعسر، وصلّي عليه بجامع المظفّري، ودفن بالسفح بمقبرة المرادوة.
وفيها شرف الدّين أبو سليمان داود بن محمد بن عبد الله المرداوي [4] الحنبلي الشيخ الإمام الصّالح، أخو قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» (42- 43) و «معجم الشيوخ» (1/ 104) و «ذيول العبر» ص (315) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 31- 34) و «الدّرر الكامنة» (1/ 317) و «الداس في تاريخ المدارس» (1/ 555) .
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (189/ ب- 190/ آ) وزاد ابن ناصر الدّين في ترجمته: «وله جزء في ذكر أبي هريرة، وجزء في ترجمة أبي القاسم بن عساكر» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (316) و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) و «القلائد الجوهرية» (2/ 302- 303) .
[4] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 188) و «المقصد الأرشد» (1/ 383- 384) .(8/318)
سمع الكثير متأخرا على التّقي سليمان، وأجاز له جماعة، منهم ابن البخاري وغيره.
وتوفي في رمضان ودفن بسفح قاسيون.
وفيها تاج الدّين محمد ابن أحمد بن رمضان بن عبد الله الجزيريّ ثم الدمشقيّ الحنبليّ [1] .
سمع من الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن عساكر، وابن الفرّاء، وأجاز له الصّيرفي، وابن الصّابوني، وابن البخاري، وابن الكمال، وخلق.
وخرّج له ابن سعد «مشيخة» سمعها عليه جماعة، منهم الحسيني، وابن رجب.
توفي مستهل رمضان وصلّي عليه بالأموي، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها مريم ستّ القضاة [2] بنت الشيخ عبد الرحمن بن أحمد ابن عبد الرحمن [3] الحنبلية، الشيخة الصّالحة، المسندة، من أصحاب الشيخ المسند أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر.
ولدت عام أحد أو اثنين وتسعين وستمائة، وروت عن خلق، وحدّثت وأجازت لولدها شمس الدّين بن عبد القادر النابلسي، ويأتي ذكره إن شاء الله تعالى، وتوفيت في المحرّم.
وفيها بهاء الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن منصور الهندي [4] الحنفي نزيل مكّة.
قال الفاسي: كان عالما بالفقه والأصول والعربية مع حلم وأدب، وعقل راجح، وحسن خلق. جاور بالمدينة، وحجّ فسقط إلى الأرض فيبست أعضاؤه
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (317) و «الدّرر الكامنة» (3/ 405) و «القلائد الجوهرية» (2/ 310) .
[2] في «آ» و «ط» : «مريم وتدعى قضاة» والتصحيح من «الأعلام» .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 345- 346) و «الأعلام» : (7/ 210) .
[4] انظر «العقد الثمين» : (354- 355) و «إتحاف الورى» ص (273) .(8/319)
وبطلت حركته، وحمل إلى مكّة، وتأخر عن الحجّ ولم يقم إلّا قليلا ومات.
وفيها محبّ الدّين أبو الثناء محمود بن علي بن إسماعيل بن يوسف التّبريزي القونوي الأصل المصري الشافعي [1] .
ولد بمصر سنة تسع عشرة وسبعمائة، وتوفي والده وهو صغير، فاشتغل وأخذ عن مشايخ العصر، ودرّس وأفتى وصنّف.
ذكره رفيقه الإسنوي في «طبقاته» وبالغ في المدح له والثناء عليه، وشرع في تصنيف أشياء عاقه عن إكمالها انخرام الأمنية وانختام المنية [2] . وكمل «شرح المختصر» [3] في جزءين، وهو من أحسن شروحه.
توفي في ربيع الآخر.
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 327) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 384) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 336- 337) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 199- 200) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 96- 98) و «الدّرر الكامنة» (4/ 328) .
[2] في «آ» و «ط» : «احترام المنية» وأثبت العبارة بكاملها من «طبقات الشافعية» للإسنوي مصدر المؤلف.
[3] يعني «مختصر ابن الحاجب» كما جاء مبينا في «طبقات الشافعية» للإسنوي.(8/320)
سنة تسع وخمسين وسبعمائة
فيها توفي أبو الغيث بن عبد الله بن راشد السّكوني الكندي الحضرمي [1] .
قال الخزرجي: كان فقيها، بارعا، محقّقا، عارفا بالفقه والنحو واللغة والمعاني والبيان والعروض والقوافي، أخذ عن جماعة من أهل زبيد، وولي القضاء بها وتدريس العفيفية، ثم نقله المجاهد إلى تعز لتدريس مدرسته فاستمر بها إلى أن مات.
وفيها الحسين بن علي بن أبي بكر بن محمد بن أبي الخير الموصلي الحنبلي [2] .
قدم الشام، وكان شيخا طوالا، ذكيا، له قدرة على نظم الألغاز، وكتابته جيدة. وكان يذكر أنه سمع «جامع الأصول» ودرّس.
وتوفي في خامس عشر رمضان، وهو والد الشيخ عزّ الدّين الموصلي.
وفيها علاء الدّين علي بن عبد الرحمن بن الحسين الخطيب بن الخطيب العثماني الصّفدي الشافعي [3] .
ناب في الحكم بصفد، وخطب بها ودرّس، وقام بالفتوى بعد ابن الرسام، وله مختصر في الفقه سماه «النافع» .
__________
[1] انظر «بغية الوعاة» (2/ 241) و «العقود اللؤلؤية» (1/ 107) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 59) و «المقصد الأرشد» (1/ 346- 347) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 47) و «الدّرر الكامنة» (3/ 58- 59) .(8/321)
توفي بصفد عقب وصوله من الحجّ وهو أخو القاضي شمس الدّين العثماني قاضي صفد، وصاحب «طبقات الفقهاء» المحشوة بالأوهام، و «تاريخ صفد» وغيرهما. قاله ابن قاضي شهبة.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن إسماعيل المعروف بالحفّة- بمهملة وفاء وقد يصغر فيقال حفيفة- الحنبلي [1] الشيخ الصّالح المقرئ الملقن المعمّر.
سمع من ابن البخاري «مشيخته» ، وحدّث وسمع منه ابن رجب، والعراقي، وطائفة. وكان يقرئ بالجامع المظفّري، وقرأ عليه جماعة مستكثرة.
توفي ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الأول بالصّالحية ودفن بسفح قاسيون.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الواحد المقدسي الأصل ثم الدمشقي [2] الحنبلي الشيخ الإمام.
كان إماما بمحراب الحنابلة بجامع دمشق، وحضر على ابن البخاري «المسند» وسمع من جدّه لأمّه الشيخ تقي الدين الواسطي، وابن عساكر، وغيرهما. وحدّث، وسمع منه الحسيني، وابن رجب.
توفي يوم السبت سابع عشر شعبان بسفح قاسيون ودفن به.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عثمان بن موسى الآمدي ثم المكّي الحنبلي [3] . إمام مقام الحنابلة بمكّة- شرّفها الله تعالى- ولي الإمامة بعد وفاة والده، فباشرها أحسن مباشرة، واستمرّ نحو ثلاثين سنة، وسمع الحديث من والده وغيره.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (323- 324) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 209) و «الدّرر الكامنة» (3/ 294) و «المقصد الأرشد» (2/ 336) .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 212- 213) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 123) والمقصد الأرشد» (2/ 362- 363) و «القلائد الجوهرية» (2/ 428) .
[3] انظر «العقد الثمين» (2/ 316) و «الدّرر الكامنة» (3/ 318) و «المقصد الأرشد» (2/ 508- 509) .(8/322)
وفيها شمس الدّين محمد بن يحيى بن محمد بن سعد [1] بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير [2] ، الشيخ الإمام العالم المتقن المحدّث المفيد الحنبلي المقدسي، ثم الصّالحي.
ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: المحدّث الفاضل البارع، مفيد الطلبة، بكّر به والده، فسمع كثيرا وهو حاضر، وسمع من خلق كثير، وطلب بنفسه، وكتب ورحل، وخرّج للشيوخ.
وقال الحسيني: سمع خلقا [3] كثيرا وجمّا غفيرا، وجمع فأوعى، وكتب ما لا يحصى، وخرّج لخلق من شيوخه وأقرانه، وأثنى عليه ابن كثير، وابن حبيب، وغيرهما.
توفي يوم الاثنين ثالث ذي القعدة بالصّالحية ودفن بقاسيون وقد قارب الستين.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «سعيد» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (323) و «المعجم المختص» ص (266) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 214- 216) و «البداية والنهاية» (14/ 263) و «الدّرر الكامنة» (4/ 283) و «ذيل تذكرة الحفّاظ» للحسيني ص (59- 61) و «تذكرة النّبيه» (3/ 216) .
[3] لفظة «خلقا» سقطت من «ذيل تذكرة الحفّاظ» للحسيني فلتستدرك.(8/323)
سنة ستين وسبعمائة
فيها توفي خطيب مكّة وقاضيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطّبري [1] القاضي المكّي الشافعي من بيت العلم والقضاء والرئاسة والحديث.
قال في «الدّرر» : ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وولي قضاء مكّة وهو شاب بعد أبيه، وولي الخطابة. وكان أسمع على الرّضي، والصّفي، والفخر التوزري، وغيرهم، وسمع منه غير واحد من شيوخنا، ومات في العشر الآخر من شعبان.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أبي الزّهر بن عطية الهكّاري الحنبلي [2] الشيخ الإمام. سمع من ابن البخاري «مشيخته» وغيرها.
وسمع منه الذهبي، وابن رجب، وابن العراقي، وغيرهم. وكان شيخا صالحا حسنا من أولاد المشايخ.
توفي ليلة الجمعة سابع عشري جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن تمّام [3] بن السرّاج الحنبلي [4] الشيخ الصّالح.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (329) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 221- 222) و «العقد الثمين» (3/ 161- 166) و «الدّرر الكامنة» (1/ 297) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (329) و «الدّرر الكامنة» (1/ 263) و «المقصد الأرشد» (1/ 179- 180) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن سام» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 224- 225) و «الدّرر الكامنة» (1/ 242- 243) و «القلائد الجوهرية» (2/ 419) و «المقصد الأرشد» (1/ 180- 181) .(8/324)
حضر في الثانية على ابن القوّاس «معجم ابن جميع» وسمع الغسولي وغيره، وحدّث، وسمع منه الذّهبي والحسيني، وابن أيدغدي، وجماعة. وكان رجلا جيدا.
توفي سابع ذي الحجّة بالصّالحية ودفن بقاسيون.
وفيها زين الدّين عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل المقدسي المؤدّب الصّالحي الحنبلي [1] . سمع من ابن البخاري «سنن أبي داود» ومن التّقي الواسطي، وخطيب بعلبك، وحدّث، وسمع منه الحسيني، وابن أيدغدي، وجماعة.
وكان من أهل الدّين والخير، وكان عامل الضيائية متودّدا كثير التحصيل للكتب الحديثية.
توفي ليلة الخميس سادس عشر ذي القعدة.
وفيها محمد بن عيسى بن عبد الله السّكسّكي النحوي الشافعي المصري [2] نزيل دمشق.
قال في «الدّرر» : مهر في العربية، وشغل الناس بها، وكان كثير المطالعة والمذاكرة، وله أرجوزة في التصريف، وكتب شيئا على «منهاج النووي» وله سماع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وغيره، وكان كثير العبادة، حسن البشر، جيد التعليم، درّس وأفتى، وولي الخانقاه الشّهابية، وله أسئلة في العربية سأل عنها الشيخ تقي الدّين السّبكي فأجابه.
مات في ثامن عشر ربيع الأول والله أعلم.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (330) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 222- 223) و «المقصد الأرشد» (2/ 303) و «الدّرر الكامنة» (3/ 175) و «القلائد الجوهرية» (1/ 286) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 129) و «بغية الوعاة» (1/ 205) .(8/325)
سنة إحدى وستين وسبعمائة
فيها توفي أورخان بن عثمان السلطان العظيم ثاني ملوك بني عثمان [1] .
ولي سنة ست وعشرين وسبعمائة [2] بعد وفاة والده السلطان عثمان حق أول ملوك بني عثمان، وكانت ولاية صاحب الترجمة في أيام السلطان حسن صاحب مصر.
قال القطيعي [3] : كان أورخان شديدا على الكفّار ففاق والده في الجهاد، وفتح البلاد فافتتح قلاعا كثيرة وحصونا منيعة، وفتح بروسة [4] وجعلها مقر سلطنته، ثم ولي بعده ولده [5] مراد.
وفيها بشر بن إبراهيم بن محمود بن بشر البعلي الحنبلي [6] الشيخ الصالح المقرئ الفقيه.
ولد في ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وستمائة، وسمع من التّاج عبد الخالق، وابن مشرف، والشيخ شرف الدّين اليونيني، وغيرهما. وكان خيّرا،
__________
[1] انظر «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (41- 44) .
[2] في «ط» : «وستمائة» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «القطبي» .
[4] في «آ» و «ط» : «برسا» والتصحيح من «القاموس الإسلامي» (1/ 308) وتعرف في أيامنا ب «بورصة» وهي في الشمال الغربي لتركيا المعاصرة.
[5] في «آ» : «ابنه» .
[6] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 228- 229) و «الدّرر الكامنة» (1/ 479) و «المقصد الأرشد» (1/ 286) .(8/326)
حسن السّمت، صحب الفقراء، وروى عنه ابن رجب حديث الربيع بنت النّضر وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» [1] . وجاور بمكّة.
وتوفي بمعان مرجعه من الحجّ ليلة الجمعة رابع عشر ذي الحجّة ودفن هناك، وأرّخ الحافظ ابن حجر وفاته في المحرّم ولعله الأقرب.
وفيها جمال الدّين الدارقوي الحنبلي [2] المقرئ للسبع، إمام الضيائية بدمشق.
توفي في جمادى الأولى. قاله العليمي.
وفيها صلاح الدّين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي [3] الشافعي الإمام المحقّق، بقية الحفّاظ.
ولد بدمشق في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وستمائة، وسمع الكثير، ورحل، وبلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة، وأخذ علم الحديث عن المزّي وغيره، وأخذ الفقه عن الشيخين البرهان الفزاري ولازمه، وخرّج له «مشيخة» والكمال الزّملكاني وتخرّج به، وعلّق عنه كثيرا. وأجيز بالفتوى، وجدّ واجتهد، حتى فاق أهل عصره في الحفظ والإتقان، ودرّس بدمشق بالأسدية وغيرها، ثم انتقل إلى القدس مدرّسا بالصّلاحية، وحجّ مرارا، وجاور، وأقام بالقدس مدة طويلة يدرّس ويفتي ويحدّث ويصنّف، إلى آخر عمره.
ذكره الذهبي في «معجمه» وأثنى عليه، وكذلك الحسيني في «معجمه»
__________
[1] رواه أحمد في «المسند» والبيهقي وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وهو حديث صحيح.
[2] ترجم له العليمي في «المنهج الأحمد» الورقة (455) من المخطوط.
[3] انظر «المعجم المختص» ص (92- 93) و «ذيول العبر» ص (335) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 35- 38) و «النجوم الزاهرة» (10/ 337) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 239) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 226- 227) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 121- 125) و «الدّرر الكامنة» (2/ 90) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 59) و «البدر الطالع» (1/ 245) .(8/327)
و «ذيله» فقال: كان إماما في الفقه، والنحو، والأصول، مفنّنا في علم الحديث ومعرفة الرجال، علّامة في معرفة المتون والأسانيد، بقية الحفّاظ، ومصنّفاته تنبئ عن إمامته في كل فنّ.
درس وأفتى وناظر، ولم يخلّف بعده مثله.
وقال السّبكي: كان حافظا، ثبتا، ثقة، عارفا بأسماء الرجال والعلل والمتون، فقيها، متكلما، أديبا، شاعرا، ناظما، متفننا، أشعريا، صحيح العقيدة، سنّيّا، لم يخلّف بعده في الحديث مثله، لم يكن في عصره من يدانيه فيه.
ومن تصانيفه «القواعد المشهورة» و «الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جدّه عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم» . و «عقيلة المطالب في ذكر أشراف الصّفات والمناقب» و «جمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم» و «منحة الرائض بعلوم آيات الفرائض» وكتابا في المدلّسين، وكتابا سماه «تلقيح الفهوم في صيغ العموم» وغير ذلك من التصانيف المتقنة المحررة [1] .
توفي بالقدس في المحرّم ودفن بمقبرة باب الرّحمة إلى جانب سور المسجد.
وفيها أبو الرّبيع سليمان [بن داود بن سليمان بن] محمد بن عبد الحقّ [2] الحنفي البليغ، الناظم الناثر، ولي ولايات جليلة.
ومن شعره:
من يكن أعمى أصمّ [3] ... يدخل الحان جهارا
__________
[1] قلت: ومن مصنفاته الأخرى المطبوعة: «جزء في تفسير الباقيات الصالحات وفضلها» وقد صدر ضمن سلسلة نصوص تراثية عن دار ابن كثير بتحقيق الأستاذين د. علي أبو زيد، وحسن إسماعيل مروة، ومراجعة والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى.
ورسالة «النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح» وقد نشرتها دار الإمام مسلم ببيروت بتحقيق الأستاذ محمود سعيد ممدوح، وهي رسالة نافعة.
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (15/ 381- 388) و «الدليل الشافي» (1/ 317- 318) و «الدّرر الكامنة» (2/ 149- 151) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] في «آ» و «ط» : «أصمّ أعمى» وما أثبته من «الدّرر الكامنة» مصدر المؤلّف.(8/328)
يسمع الألحان تتلو ... وترى النّاس سكارى
وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر بن فهد المقدسي الصّالحي البزوري العطّار الحنبلي، المعروف بابن قيّم الضيائية [1] .
ولد في أواخر سنة تسع وستين وستمائة، وأخذ عن الفخر بن البخاري، وسمع من الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن الزّين، وابن الكمال.
وسمع منه الذهبي، وابن رافع، والحسيني، وابن رجب.
وأجاز للشيخ شهاب الدّين بن حجّي، وللشيخ شرف الدّين بن مفلح. وكان مكثرا، مسندا، فقيها، وكان له حانوت بالصّالحية يبيع فيه العطر.
توفي بالصالحية ليلة الثلاثاء خامس عشري المحرم ودفن بالرّوضة عن إحدى وتسعين سنة.
وفيها جمال الدّين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري [2] الحنبلي النّحوي العلّامة.
قال في «الدرر» : ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة، ولزم الشّهاب عبد اللطيف بن المرحّل، وتلا على ابن السّراج، وسمع على أبي حيّان «ديوان زهير بن أبي سلمى» ولم يلازمه ولا قرأ عليه، وحضر درس التّاج التّبريزي، وقرأ على التّاج الفاكهاني «شرح الإشارة» له إلّا الورقة الأخيرة، وتفقه للشافعي ثم تحنبل، فحفظ «مختصر الخرقي» في دون أربعة أشهر، وذلك قبل موته بخمس سنين، وأتقن العربية، ففاق الأقران، بل الشيوخ. وحدّث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتخرّج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدّر لنفع الطالبين، وانفرد
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (335- 336) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 229) و «الدّرر الكامنة» (2/ 283) و «القلائد الجوهرية» (2/ 283) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (336) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 234- 235) و «الدّرر الكامنة» (2/ 308- 310) و «بغية الوعاة» (2/ 68- 70) و «حسن المحاضرة» (1/ 536) ومقدمة الأستاذ الدكتور مازن المبارك لرسالة «المباحث المرضية المتعلقة بمن الشرطية» ص (7- 22) الصادرة بتحقيقه عن دار ابن كثير.(8/329)
بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البالغ، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التّصرّف في الكلام، والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد، مع التواضع، والبرّ، والشفقة، ودماثة الخلق، ورقة القلب.
قال ابن خلدون: وما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام، أنحى من سيبويه، وكان كثير المخالفة لأبي حيّان، شديد الانحراف عنه، صنّف «مغني اللّبيب عن كتب الأعاريب» [1] اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه، وقد كتب عليه حاشية وشرحا لشواهده، و «التوضيح على الألفية» مجلدا و «رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة» أربع مجلدات، و «عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب» مجلدان، و «التحصيل والتفصيل لكتاب التكميل والتّذييل» عدة مجلدات، و «شرح التسهيل» مسودة، و «شرح الشواهد الكبرى والصّغرى» و «الجامع الكبير» و «الجامع الصغير» و «شرح اللّمحة» لأبي حيّان، و «شرح بانت سعاد» و «شرح البردة» و «التذكرة» خمس مجلدات، و «المسائل السّفرية» في النحو [2] ، وغير ذلك، وله عدة حواش على «الألفية» و «التسهيل» .
ومن شعره:
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله ... ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لم يذلّ النفس في طلب العلى ... يسيرا يعش دهرا طويلا أخا ذلّ
وله:
سوء الحساب أن يؤاخذ الفتى ... بكلّ شيء في الحياة قد أتى
__________
[1] وقد طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان وإيران، ومن أشهر طبعاته الطبعة التي صدرت في مصر بتحقيق العلّامة الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد. والطبعة التي صدرت عن دار الفكر ببيروت بتحقيق الأستاذين الدكتور مازن المبارك وعلي حمد الله، ومراجعة أستاذنا العلّامة سعيد الأفغاني العميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة دمشق حفظه الله وأطال عمره ونفع به.
[2] نشرت ضمن مجموعة من رسائله في مكتبة سعد الدّين بدمشق بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة.(8/330)
توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة، ودفن بعد صلاة العصر بمقبرة الصّوفية بمصر.
وفيها أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد الشريف الحسيني [1] الفقيه الجليل النّبيه، رئيس العلوم اللّسانية بالأندلس، وقاضي الجماعة بها.
قال المقرئ المغربي المتأخر في كتابه «تعريف ابن الخطيب في ذكر مشايخ لسان الدّين بن الخطيب» : كان هذا الشريف آية الله الباهرة في العربية والبيان والأدب.
قال محمد بن علي بن الصبّاغ العقيلي: كان آية زمانه وأزمة البيان طوع بنانه، له «شرح المقصورة القرطاجنية» ، أغرب ما تتحلى به الآذان، وأبدع ما ينشرح له الجنان إلى العقل الذي لا يدرك، والفضل الذي حمد منه المسلك، جرت بينه وبين الوالد نادرة، وذلك أن الوالد دخل عليه يوما لأداء شهادة، فوجد بين يديه جماعة من الغزاة يؤدون شهادة أيضا، فسمع القاضي منهم وقال: هل ثمّ من يعرفكم؟ فقالوا: نعم يعرفنا سيدي علي الصباغ، فقال القاضي: أتعرفهم يا أبا الحسن؟ فقال: نعم يا سيدي معرفة محمد بن يزيد، فما أنكر عليه شيئا، بل قال لهم: عرف الفقيه أبو الحسن ما عنده، فانظروا من يعرف معه رسم حالكم، فانصرفوا راضين، ولم يرتهن والدي في شيء من حالهم، ولا كشف القاضي لهم ستر القضية.
قال محمد بن الصباغ: أما قول والدي معرفة محمد بن يزيد فإشارة إلى قول الشاعر:
أسائل عن ثمالة كلّ حيّ ... فكلّهم يقول وما ثماله؟
فقلت محمّد بن يزيد منهم ... فقالوا الآن زدت بهم جهاله
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 352- 353) و «قضاة الأندلس» ص (171- 176) و «الدّيباج المذهب» ص (290) مصورة دار الكتب العلمية ببيروت و «الأعلام» (5/ 327) ونسبته في بعض المصادر «الحسني» .(8/331)
قال: ففطن القاضي- رحمه الله تعالى- لجودة ذكائه إلى أنه يرتهن في شيء من معرفتهم ممتنعا من إظهار ذلك بلفظه الصريح، فكنّى واكتفى بذكاء القاضي الصحيح، رحمه الله تعالى.
ومن شعر الشّريف:
وأحور زان خدّيه عذار ... سبى الألباب منظره العجاب
أقول لهم وقد عابوا غرامي ... به إذ لاح للدّمع انسكاب
أبعد كتاب عارضه يرجّى ... خلاص لي وقد سبق الكتاب
توفي في هذه السنة.
وقال في «الإحاطة» : مولده سنة سبع وتسعين وستمائة، وتوفي سنة ستين وسبعمائة، والأول أصحّ.
وفي حدودها قاضي القضاة أبو عبد الله جدّ المقري المتأخر، صاحب «نفح الطّيب» قال في «الإحاطة» : محمد بن محمد بن أحمد ابن أبي بكر [بن عبد الله] [1] بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي المقّري [2] قاضي الجماعة بفاس.
ولد بتلمسان، وكان أول من اتخذها من سلفة قرارا جدّه الخامس عبد الرحمن صاحب الشيخ أبي مدين، الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين.
وقال حفيده المقّري في كتابه «التعريف بابن الخطيب» : وقد ألّف علم الدنيا ابن مرزوق تأليفا استوفى فيه التعريف بمولاي الجدّ سمّاه «النّور البدري في التعريف بالفقيه المقري» وهذا بناء منه على مذهبه أنه بفتح الميم وسكون القاف كما صرح بذلك في «شرح الألفية» عند قوله:
ووضعوا لبعض الأجناس علم
__________
[1] ما بين الرقمين لم يرد في «الإحاطة» الذي بين يدي.
[2] انظر «الإحاطة في تاريخ غرناطة» (2/ 191- 226) و «شجرة النّور الزكية» ص (232) .(8/332)
وضبطه غيره وهم الأكثرون بفتح الميم وتشديد القاف، وعلى ذلك عوّل أكثر المتأخرين وهما لغتان في البلدة التي نسب إليها وهي قرية من قرى زاب إفريقية.
وقال مولاي الجدّ: مولدي بتلمسان أيام أبي حمّ موسى بن عثمان، وقد وقفت على تاريخ ذلك، ولكني رأيت الصفح عنه لأن أبا الحسن بن مؤمن سأل أبا طاهر السّلفي عن سنه، فقال: أقبل على شأنك فإني سألت أبا الفتح بن رويان عن سنه، فقال لي: اقبل على شأنك فإني سألت علي بن محمد اللّبّان عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك فإني سألت أبا القاسم حمزة بن يوسف السّهمي عن سنّه، فقال لي: أقبل على شأنك فإني سألت أبا بكر محمد بن عدي المنقري عن سنه، فقال لي أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إسماعيل الترمذي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنه، فقال لي:
أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي عن سنّه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك ليس من المروءة للرجل أن يخبر بسنه، انتهى.
وأنشد لبعضهم في المعنى:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سنّ ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثّلاثة تبتلى بثلاثة ... بمكفّر وبحاسد ومكذّب
وقال في «الإحاطة» في ترجمة الفقيه المقري هذا: هذا الرجل مشار إليه بالعدوة الغربية، اجتهادا، وأدبا، وحفظا، وعناية، واضطلاعا، ونقلا، ونزاهة، سليم الصّدر، قريب الغور، صادق القول، مسلوب التصنع، كثير الهشة، مفرط الخفّة، ظاهر السذاجة، ذاهب أقصى مذاهب التخلق، محافظ على العمل، مثابر على الانقطاع، حريص على العبادة، قديم النّعمة متصل الخيرية، مكب على النظر والدرس، معلوم الصّيانة والعدالة، منصف في المذاكرة، حاسر الذراع عند المباحثة، رحب الصّدر في وطيس المناقشة، غير ضنين بالفائدة، كثير الالتفات، متقلب الحدقة، جهير بالحجّة، بعيد عن المراء والمباهتة، قائل بفضل أولي الفضل من الطلبة يقوم أتمّ القيام على العربية، والفقه، والتفسير، ويحفظ(8/333)
الحديث، ويتهجر بحفظ التاريخ والأخبار والآداب، ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والمنطق والجدل، ويكتب ويشعر مصيبا، غرض الإصابة، ويتكلم في طريقة الصّوفية كلام أرباب المقال، ويعتني بالتدوين فيها شرّق وحجّ ولقي جلة ثم عاد إلى بلده فأقرأ به وانقطع إلى خدمة العلم.
وقال المقّري في هذه الترجمة: سأل ابن فرحون ابن حكم هل تجد في التنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت:
رأى فحبّ فرام الوصل فامتنعت ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى
ففكر ثم قال: نعم فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ 68: 19 [القلم: 19] إلى آخرها، ثم قال لابن فرحون: هل عندك غيره، فقال: نعم فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ الله 91: 13 [الشّمس: 13] إلى آخر السورة، وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد.
وقال المقرّي صاحب الترجمة: رأيت بجامع الفسطاط من مصر فقيرا عليه قميص إلى جانبه دفاسة قائمة وبين يديه قلنسوة، فذكر لي هنالك أنهما محشوتان بالبرادة، وأن زنة الدفاسة أربعمائة رطل مصرية، وهي ثلاثمائة وخمسون مغربية، وزنة القلنسوة مائتا رطل مصرية، فعمدت إلى الدفاسة فأخذتها من طرفها أنا ورجل آخر وأملناها بالجهد فلم نصل بها إلى الأرض، وعمدت إلى القلنسوة فأخذتها من أصبع كان في رأسها فلم أطق حملها فتركتها، وكان يوم جمعة، فلما قضيت الصّلاة مررنا في جملة من أصحابنا بالفقير فوجدناه لابسا تلك الدفاسة في عنقه واضعا تلك القلنسوة على رأسه فقام إلينا وإلى غيرنا ومشى بهما كما يمشي أحدنا بثيابه، فجعلنا نتعجب ويشهد بعضنا بعضا على ما رأى، ولم يكن بالعظيم الخلقة.
وقال: لما حللت ببيت المقدس وعرف به مكاني من الطلب، سألني بعض الطلبة بحضرة قاضيها فقال: إنكم معشر المالكية تبيحون للشامي يمرّ بالمدينة أن يتعدى ميقاتها إلى الجحفة، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد أن عيّن المواقيت لأهل(8/334)
الآفاق: «هنّ لهنّ ولمن مرّ عليهنّ من غير أهلهنّ» [1] وهذا قد مرّ على ذي الحليفة وليس من أهله، فيكون له، فقلت له: إن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من غير أهلهنّ» أي من غير أهل المواقيت، وهذا سلب كلي وإنه غير صادق على هذا الفرد ضرورة صدق نقيضه وهو الإيجاب الجزئي عليه، لأنه من بعض أهل المواقيت قطعا، فلما لم يتناوله النّص رجعنا إلى القياس. ولا شك أنه لا يلزم أحد أن يحرم قبل ميقاته وهو يمرّ عليه، فوقعت من نفوس أهل البلد بسبب ذلك. انتهى.
قلت: الحديث صحيح، خرّجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، بلفظ: «هنّ لهم، ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ» وفي أكثر طرقه: «هنّ لهنّ» والأول أصحّ.
وفيها القاضي صدر الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي ثم المصري الحنبلي [2] الشيخ الإمام. سمع من العماد بن الشيخ شمس الدّين ابن العماد، والتّقي ابن تمّام، وغيرهما. وكان حسن الشكالة، مع تواضع وحسن كتابة، ولما كان والده قاضي الحنابلة بالدّيار المصرية رأى من الجاه والسعادة ما لم يره غيره من أولاد القضاة، ويقال: إنه كان في إصطبله ما يزيد على خمسين رأسا، وبسببه عزل والده من القضاء.
توفي المترجم ليلة النّصف من ذي القعدة، والله أعلم.
__________
[1] رواه البخاري رقم (1524) في الحج: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة، ومسلم رقم (1181) (12) في الحج: باب مواقيت الحج والعمرة، وأبو داود رقم (1738) في مناسك الحج:
باب في المواقيت، وانظر تتمة تخريجه في «جامع الأصول» (3/ 16) .
[2] انظر «المقصد الأرشد» (2/ 363) .(8/335)
سنة اثنتين وستين وسبعمائة
استهلت والفناء بالدّيار المصرية فاش، وحصل للسلطان مرض ثم عوفي، ثم لما كان يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى وثب يلبغا الخاسكي وركب معه جماعة من الأمراء، وباتوا تحت القلعة، ثم هجموا على السلطان النّاصر وقبضوا عليه، ثم أحضروا صلاح الدّين محمد بن المظفّر حاجي بن الناصر محمد وأجلسوه على الكرسي وحلفوا له، ولقّبوه الملك المنصور، وعذبوا الناصر حتّى هلك بعد أيام، ودفنوه في مصطبة في داره، وكانت مدة سلطنته الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر، والثانية ست سنين وسبعة أشهر وأيام، ومات ولم يكمل ثلاثين سنة، وخلّف عشرة ذكور وست إناث، وصار المتكلّم في المملكة يلبغا.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن موسى الزّرعي الشيخ الصّالح المعمّر الحنبلي [1] أحد الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر.
كان فيه إقدام على الملوك وإبطال مظالم كثيرة، وصحب الشيخ تقي الدّين [2] دهرا وانتفع به، وكان له وجاهة عند الخاص والعام، ولديه تقشف وزهد.
توفي بمدينة حبراص في المحرّم.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (345) و «النجوم الزاهرة» (11/ 12) و «البداية والنهاية» (14/ 274) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 59) بتحقيق الدكتور صالح مهدي عباس، طبع مؤسسة الرسالة، و «الدّرر الكامنة» (1/ 324) و «لحظ الألحاظ» ص (130) و «المقصد الأرشد» (1/ 198) .
[2] يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى.(8/336)
وفيها الحافظ علاء الدّين مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحكري الحنفي [1] صاحب التصانيف.
قال الصّفدي: سمع من التّاج أحمد بن علي بن دقيق العيد أخي الشيخ تقي الدّين، ومن الواني، والحسيني، وغيرهما. وأكثر جدا من القراءة والسماع، وكتب الطّباق، وكان قد لازم الجلال القزويني، فلما مات ابن سيّد الناس تكلّم له مع السلطان، فولّاه تدريس الحديث بالظّاهرية، فقام الناس بسبب ذلك وقعدوا، وبالغوا في ذمّه وهجوه، فلما كان في سنة خمس وأربعين وقف له العلائيّ لما رحل إلى القاهرة على كتاب جمعه في العشق تعرّض فيه لذكر الصّدّيقة عائشة رضي الله تعالى عنها، فأنكر عليه ذلك، ورفع أمره إلى الموفق الحنبلي، فاعتقله بعد أن عزّره فانتصر له ابن البابا وخلّصه، وكان يحفظ «الفصيح» لثعلب.
ومن تصانيفه «شرح البخاري» و «ذيل المؤتلف والمختلف» و «الزهر الباسم» في السيرة النبوية.
قال الشهاب ابن رجب: تصانيفه نحو المائة أو أزيد، وله مآخذ على أهل اللغة، وعلى كثير من المحدّثين. قال: وأنشدني لنفسه في «الواضح المبين» شعرا يدلّ على استهتاره وضعفه في الدّين.
وقال زين الدّين بن رجب: كان عارفا بالأنساب معرفة جيدة، وأما غيرها من متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة، وتصانيفه كثيرة جدا.
توفي في رابع عشر شعبان.
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 9) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 70) و «الدّرر الكامنة» (4/ 352- 354) و «حسن المحاضرة» (1/ 359) و «ذيل طبقات الحفّاظ» ص (365) و «لحظ الألحاظ» ص (133) و «البدر الطالع» (2/ 312- 313) ومقدمة صديقنا الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح لكتاب المترجم «تاج التراجم» وهي مفيدة نافعة.(8/337)
سنة ثلاث وستين وسبعمائة
فيها توفي المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العبّاسي [1] .
بويع بالخلافة بعد موت أخيه في سنة ثلاث وخمسين بعهد منه، وكان خيّرا، متواضعا، محبّا لأهل العلم.
توفي في يوم الخميس ثاني عشري جمادى الأولى بمصر.
وبويع بعده ولده محمد بعهد منه، ولقّب المتوكل.
وفيها الشيخ شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن عمر الإسنوي [2] الشافعي الإمام، ابن عمّ الشيخ جمال الدّين.
قال ابن قاضي شهبة: كان أحد العلماء العاملين، اختصر «الشفاء» للقاضي عياض، وشرح «مختصر مسلم» [3] و «الألفية» لابن مالك، واشتغل قديما ببلده وغيرها، ثم أقام ببلده، ثم صار يجاور بمكّة سنة وبالمدينة سنة. قال له الشيخ عبد الله اليافعي: أنت قطبّ الوقت في العلم والعمل.
توفي بمكّة بعد الحجّ.
وفيها شمس الدّين أبو أمامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (350) و «النجوم الزاهرة» (11/ 14) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 97- 98) و «الدّرر الكامنة» (1/ 443) و «تاريخ الخلفاء» ص (500) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 107- 108) و «العقد الثمين» (1/ 307- 308) ولقبه فيهما «نجم الدين» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 155- 156) و «الدّرر الكامنة» (3/ 342) و «بغية الوعاة» (1/ 35) و «در الحجال» (2/ 243) .
[3] الذي اختصره الحافظ المنذري. انظر «كشف الظنون» (1/ 558) .(8/338)
عبد الرحيم المغربي الأصل المصري، المعروف بابن النقّاش الشافعي [1] .
مولده في رجب سنة عشرين وسبعمائة، وحفظ «الحاوي الصغير» ويقال: إنه أول من حفظه بالديار المصرية، واشتغل على الشيخ شهاب الدّين الأنصاري، والتّقي السبكي، وأبي حيّان، وغيرهم. وقرأ القراءات على البرهان الرّشيدي، ودرّس وأفتى، وتكلّم على النّاس، وكان من الفقهاء المبرّزين والفصحاء المشهورين، وله نظم ونثر حسن، وحصل له بمصر رئاسة عظيمة وشاع ذكره في الناس، ودرّس بعدة مدارس، وبعد صيته، وخرّج أحاديث الرافعي وسمّاه «كاشف الغمّة عن شافعية الأمة» وسمّاه أيضا «أمنية الألمعي في أحاديث الرافعي» وورد الشام في أيام السّبكي، وجلس بالجامع، ووعظ بجنان ثابت ولسان فصيح، من غير تكلّف، فعكف الناس عليه.
ومن مصنفاته: «شرح العمدة» في نحو ثمان مجلدات، و «شرح ألفية ابن مالك» وكتاب «النظائر والفروق» و «شرح التسهيل» وله كتاب في التفسير مطول جدا، التزم فيه أن لا ينقل فيه حرفا من كتاب من تفسير من تقدّمه، وهذا عجب عجيب، وسماه «اللّاحق السابق» وكان يقول الناس اليوم رافعية لا شافعية، ونووية لا نبوية.
توفي في شهر ربيع الأول.
قاله ابن قاضي شهبة.
وفيها أبو عبد الله شمس الدّين محمد بن عيسى بن حسين بن كثير كرّ [2] ، الشيخ المسند الحنبلي البغدادي [3] شيخ الزاوية جوار مسجد الحسين بالقاهرة.
روى عن غازي الحلاوي من «المسند» مواضع، وتوفي بالقاهرة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (349) و «النجوم الزاهرة» (11/ 13) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 248- 249) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 90- 91) و «الدّرر الكامنة» (4/ 71) و «البداية والنهاية» (14/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 176- 178) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» : إلى: «ابن كثير» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (4/ 305) و «الدّرر الكامنة» (4/ 245) و «المقصد الأرشد» (2/ 482) .(8/339)
وفيها أقضى القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج المقدسي ثم الصّالحي الرّاميني الحنبلي [1] الشيخ الإمام العلّامة، وحيد دهره، وفريد عصره، شيخ الإسلام، وأحد الأئمة الأعلام. سمع من عيسى المطعّم، وغيره، وتفقه وبرع، ودرّس وأفتى، وناظر وحدّث، وأفاد، وناب في الحكم عن قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وتزوج ابنته، وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث. وكان آية وغاية في نقل مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه. قال عنه أبو البقاء السّبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه، وكان ذا حظّ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في «المعجم «فقال: شاب عالم، له عمل ونظر في رجال السنن، ناظر وسمع، وكتب وتقدم، ولم ير في زمانه في المذاهب الأربعة من له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته «المنتقى في الأحكام» .
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدّين الحجّاوي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح، وحسبك بهذه الشهادة من مثل هذا.
وحضر عند الشيخ تقي الدّين [2] ونقل عنه كثيرا. وكان يقول له: ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح. وكان أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتّى إن ابن القيّم كان يراجعه في ذلك، وله مشايخ كثيرون، منهم: ابن مسلم، والبرهان الزّرعي، والحجّار، و [ابن] الفويرة، والقحفاوي [3] ، والمزّي، والذهبي، ونقل عنهما كثيرا. وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدّين السّبكي يثني عليه كثيرا.
قال ابن كثير: وجمع مصنّفات منها على «المقنع» نحو ثلاثين مجلدا، وعلى
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (352) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 252) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 99- 100) و «الدّرر الكامنة» (4/ 261) و «المقصد الأرشد» (2/ 517) و «الجوهر المنضد» ص (112- 114) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 43) و «القلائد الجوهرية» (1/ 161) .
[2] يعني ابن تيمية رحمه الله.
[3] في «آ» و «ط» : «والبخاري» والتصحيح من «المقصد الأرشد» .(8/340)
«المنتقى» مجلدين. وكتاب «الفروع» أربع مجلدات قد اشتهر في الآفاق، وهو من أجلّ الكتب وأنفعها وأجمعها للفوائد لكنه لم يبيضه كلّه ولم يقرأ عليه، وله كتاب جليل في أصول الفقه حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره وله «الآداب الشرعية الكبرى» مجلدان و «الوسطى» مجلد و «الصّغرى» مجلد لطيف. ونقل في كتابه «الفروع» في باب ذكر أصناف الزكاة أبياتا رويت عن يحيى بن خالد بن برمك في ذمّ السؤال وهي:
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضا ولو نال الغنى بسؤال
وإذا بليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرّم المفضال
وإذا السّؤال مع النّوال وزنته ... رجح السّؤال وخفّ كلّ نوال
توفي ليلة الخميس ثاني رجب بسكنه بالصّالحية ودفن بالرّوضة بالقرب من الشيخ موفق الدّين [1] ولم يدفن بها حاكم قبله، وله بضع وخمسون سنة.
__________
[1] يعني ابن قدامة المقدسي رحمه الله.(8/341)
سنة أربع وستين وسبعمائة
فيها اشتدّ الوباء والطّاعون بالبلاد الشّامية والمصرية [1] .
وفيها خلع يلبغا وغيره من الأمراء السلطان صلاح الدّين المنصور محمدا محتجين باختلال عقله، خلعوه بحضرة الخليفة والقضاة، ثم سجن بقلعة الجبل وبايعوا شعبان بن الأمجد حسين بن الناصر محمد ولقّب بالأشرف شعبان.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد [بن عبد الرحمن] [2] بن عبد الرحيم البعلبكي ثم الدمشقي الشافعي، المعروف بابن النّقيب [3] .
سمع بدمشق من ابن الشّحنة، والفزاري، وابن العطّار، وغيرهم. وبالقاهرة من جماعة وأخذ القراءات عن الشّهاب الكفري، والنحو عن أبي حيّان، والمجد التّونسي، والأصول عن الأصفهاني، وولي عدة مدارس وإفتاء دار العدل، وناب في الحكم عن ابن المجد.
قال ابن كثير: كان بارعا في القراءات والنحو والتصريف، وله يد في الفقه وغيره.
توفي في شهر رمضان ودفن بمقبرة الصّوفية.
__________
[1] في «ط» : «والعربية» وهو خطأ. وقد ذكر هذا الخبر الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (112) من المنسوخ.
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (363- 364) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 18) و «الوفيات» (2/ 266) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 130- 131) و «طبقات الشافعية» (3/ 102- 103) و «الدّرر الكامنة» (1/ 115) .(8/342)
وفيها شهاب الدّين أبو عبد الله أحمد بن محمد الشّيرجي الزّاهد الحنبلي [1] المعيد بالمستنصرية ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها صلاح الدّين أبو الصّفا خليل بن أيبك بن عبد الله الصّفدي الشافعي [2] .
مولده بصفد في سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة، وسمع الكثير، وقرأ الحديث، وكتب بعض الطّباق، وأخذ عن القاضي بدر الدّين بن جماعة، وأبي الفتح بن سيّد النّاس، والتّقي السّبكي، والحافظين أبي الحجّاج المزّي، وأبي عبد الله الذهبي، وغيرهم. وقرأ طرفا من الفقه، وأخذ النحو عن أبي حيّان، والأدب عن ابن نباتة، والشّهاب محمود ولازمه، ومهر في فنّ الأدب، وكتب الخطّ المليح، وقال النّظم الرائق، وألّف المؤلّفات الفائقة، وباشر كتابة الإنشاء بمصر ودمشق، ثم ولي كتابة السرّ بحلب، ثم وكالة بيت المال بالشام، وتصدى للإفادة بالجامع الأموي، وحدّث بدمشق وحلب وغيرهما.
ذكره شيخه الذهبي في «المعجم المختص» فقال: الإمام العالم الأديب البليغ الأكمل، طلب العلم، وشارك في الفضائل، وساد في علم الرسائل، وقرأ الحديث، وكتب المنسوب، وجمع وصنّف، والله يمده بتوفيقه. سمع مني وسمعت منه، وله تآليف وكتب وبلاغة. انتهى.
وذكر له السبكي في «الطبقات الكبرى» ترجمة مبسوطة مشتملة على فوائد ووقفت على ترجمة كتبها لنفسه نحو كرّاسين ذكر فيها أحواله ومشايخه وأسماء مصنّفاته وهي نحو الخمسين مصنّفا، منها ما أكمله، ومنها ما لم يكمله. قال:
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 265) و «المقصد الأرشد» (1/ 181) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (91- 92) و «النجوم الزاهرة» (11/ 19- 21) و «الدليل الشافي» (1/ 290- 291) و «ذيول العبر» ص (364) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 5- 32) و «الوفيات لابن رافع» (2/ 268- 270) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 134- 136) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 119- 121) و «الدّرر الكامنة» (2/ 87) .(8/343)
وكتبت بيدي ما يقارب خمسمائة مجلد. قال: ولعل الذي كتبت في ديوان الإنشاء ضعفا ذلك وذكر جملة من شعره.
توفي بدمشق في شوال ودفن بالصّوفية. قاله ابن قاضي شهبة.
وفيها بهاء الدّين عبد الوهاب بن عبد الولي بن عبد السلام المراغي المصري الإخميمي ثم الدمشقي الشافعي [1] الزّاهد القدوة.
مولده في حدود سنة سبعمائة. اشتغل بالعلم وأشغل به، وحفظ «الحاوي الصغير» وسمع الحديث.
قال ابن رافع: وجمع كتابا في أصول الفقه والدّين.
وقال ابن كثير: كان له يد في أصول الدّين والفقه، وصنّف في الكلام كتابا مشتملا على أشياء مقبولة وغير مقبولة.
وقال السبكي: أخذ بالقاهرة عن الشيخ تقي الدّين السّبكي، ولازم الشيخ علاء الدّين القونوي، ثم خرج إلى الشام واستوطنها.
وكان إماما، بارعا في علم الكلام والأصول، ذا قريحة صحيحة وذهن صحيح وذكاء مفرط، وعنده دين كثير وتأله وعبادة ومراقبة، وصبر على خشونة العيش، وكان بيني وبينه صداقة وصحبة ومحبة ومراسلات كثيرة في مباحث جرت بيننا أصولا وكلاما وفقها، وصنّف في علم الكلام كتابا سمّاه «المنقذ من الزّلل في العلم والعمل» وأحضره إليّ لأقف عليه، فوجدته قد سلك طريقا انفرد بها وفي كتابه مويضعات يسيرة لم أرتضها.
توفي في ذي القعدة مطعونا، ودفن بتربته داخل البلد.
ومراغة: بفتح الميم وكسرها قرية من الصّعيد، إليها ينسب المترجم [2] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (365- 366) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 123- 124) و «البداية والنهاية» (14/ 304) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 276- 277) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 140- 141) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 138- 139) و «الدّرر الكامنة» (2/ 425) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 203) .
[2] انظر «الروض المعطار» ص (535) وقد ذكر فيه بأنها على ضفة النيل.(8/344)
ومراغة أيضا بلدة من بلاد أذربيجان [1] خرج منها جماعة من الأئمة والمحدّثين، وهي بفتح الميم ليس إلا.
وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن عيسى بن عمر الباريني الشافعي [2] ، أحد مشايخ العلم بحلب.
ولد ببارين قرية من حماة [3] سنة إحدى وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ شرف الدّين البارزي، وسمع من الحجّار وغيره، وسكن حلب.
وكان إماما، عالما، فاضلا، فقيها، فرضيا، نحويا، أديبا، شاعرا، بارعا، ورعا، زاهدا، أمّارا بالمعروف، نهاء عن المنكر. درّس بعدة مدارس، وأخذ عنه الشيخ شمس الدّين بن الرّكن، وشمس الدّين الببائي، وشرف الدّين الدّاديخي، وغيرهم. وألّف في الفرائض والعربية، وكتب المنسوب.
توفي بحلب في شوال ودفن خارج باب المقام، وقال فيه ابن حبيب:
حلب تغيّر حالها لمّا اختفى ... من فضل زين الدّين عنها ما ظهر
ومدارس الفقها بها قد أقفرت ... من بعد عامرها أبي حفص عمر
وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن محمود بن أبي بكر الحرّاني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [4] الشيخ الصّالح.
سمع من ابن القواس، والشرف بن عساكر، وعيسى المطعّم، وغيرهم.
وسمع «صحيح البخاري» على اليونيني، وحدّث وسمع منه الحسيني، وشهاب الدّين بن رجب، وذكراه في «معجميهما» .
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (1/ 128) .
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 17) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 274) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 133) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 147- 148) و «الدّرر الكامنة» (3/ 183- 184) و «بغية الوعاة» (2/ 222) .
[3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 320- 321) : بارين، مدينة حسنة بين حلب وحماة من جهة الغرب.
[4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 272) و «الدّرر الكامنة» (3/ 190) و «المقصد الأرشد» (2/ 307) .(8/345)
توفي في هذه السنة بدمشق ودفن بمقبرة السّالف ظاهر دمشق.
وفيها عماد الدّين محمد بن الحسن بن علي بن عمر القرشي الأموي الإسنائي المصري الشافعي [1] .
ولد بأسنا في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمائة، واشتغل بها على والده في الفقه والفرائض والحساب، إلى أن مهر في ذلك، ثم ارتحل إلى القاهرة، وأخذ عن مشايخها، وأخذ بحماة عن القاضي شرف الدّين البارزي. وسمع من جماعة.
ذكره أخوه في «طبقاته» فقال: كان فقيها، إماما في علم الأصلين والخلاف والجدل وعلم التصوف، نظّارا، بحّاثا، فصيحا، حسن التّعبير عن الأشياء الدقيقة بالألفاظ الرّشيقة، ديّنا، خيّرا، كثير البرّ والصّدقة، رقيق القلب، طارحا للتكلف، مؤثرا للتقشف، برع في العلوم ولم يبق له في الأصلين والخلاف والجدل نظير، ولا من يقاربه في ذلك من أشياخه وغيرهم. صنّف مختصرا في علم الجدل سمّاه «المعتبر في علم النّظر» ثم وضع عليه شرحا جيدا. وصنّف في التصوف كتابا سمّاه «حياة القلوب» وتصنيفا في الردّ على النصارى. وناب في الحكم في القاهرة، وأضيف إليه نظر الأوقاف بها، وأوصى أن يعاد إلى من بعده قدر ما تناوله من المعلوم [2] .
توفي في شهر رجب ودفن بتربة أخيه بمقبرة الصّوفية.
وفيها صلاح الدّين محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن ابن شاكر بن هارون بن شاكر الكتبي الدّاراني ثم الدمشقي [3] المؤرّخ. سمع من ابن
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 17) و «ذيول العبر» ص (368) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 121- 122) و «الدّرر الكامنة» (3/ 421) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 182- 184) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 161- 163) .
[2] يعني من الراتب.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (369) و «الوفيات» لابن رافع (3/ 263- 264) و «ذيل العبر» لابن العراقي ص (128) و «البداية والنهاية» (14/ 303) .(8/346)
الشّحنة والمزّي، وغيرهما. وكان فقيرا جدا، ثم تعانى التجارة في الكتب فرزق منها مالا طائلا.
توفي في رمضان. قاله في «الدّرر» .
وفيها جمال الدّين أبو الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمّام بن حسين بن يوسف الدمشقي [1] الشافعي الخطيب.
ولد سنة سبع وسبعمائة، وسمع من جماعة، وحفظ «التعجيز» لابن يونس، وتفقّه على عمّه القاضي جمال الدّين، وتصدّر بالجامع الأموي، وأفتى ودرّس بالظّاهرية البرّانية، وناب في الحكم عن عمّه يوما واحدا، ثم ولي خطابة دمشق سنة تسع وأربعين، وأعرض عن الجهات التي في يده، واستمرّ في الخطابة إلى حين وفاته، مواظبا على الاشتغال [2] والإفتاء والعبادة. وكان معظّما، جاء إليه السلطان ويلبغا فلم يعبأ بهما، وسلّم عليهما وهو بالمحراب.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: شارك في الفضائل، وعني بالرّجال، ودرّس، وأشغل، وتقدم مع الدّين والتّصوف.
وقال السبكي في «الطبقات» : بعد ترجمة حسنة: قلّ أن رأيت نظيره.
توفي في شهر رمضان ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (367- 368) و «المعجم المختص» ص (279) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 265- 266) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 385- 386) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 392- 393) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 129) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 184) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 346- 347) و «القلائد الجوهرية» (2/ 442- 443) .
[2] في «ط» : «الاشغال» وما جاء في «آ» موافق لما جاء في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.(8/347)
سنة خمس وستين وسبعمائة
توفي فيها أبو جعفر أحمد بن عبد الحقّ بن محمد بن عبد الحقّ المالكي المالقي الجدلي النحوي، يعرف بابن عبد الحق [1] .
قال في «تاريخ غرناطة» : من صدور أهل العلم، متضلع من صناعة العربية، حائز قصب السّبق فيها، عارف بالفروع والأحكام، مشارك في الأصول والأدب والطبّ، قائم على القراآت [2] تصدّر للإقراء ببلده، وقضى ببلّش وغيرها، فحسنت سيرته. قرأ على أبي عبد الله بن بكر، ولازمه، وتلا على أبي محمد بن أيوب، وروى عن أبي عبد الله الطّنجانيّ [3] وغيره.
مولده ثامن شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة، ومات يوم الجمعة سابع عشري رجب.
وفيها شهاب الدّين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن سليمان الشّيرجيّ [4] البغدادي الحنبلي [5] ، الشيخ الصّالح العالم.
سمع من الشيخ عفيف الدّين الدّواليبي «مسند الإمام أحمد» ومن علي بن
__________
[1] انظر «الإحاطة في تاريخ غرناطة» (1/ 180- 182) .
[2] في «الإحاطة» : «القراءات» .
[3] في «ط» : «الطلجاني» وهو خطأ.
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «السّرجي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 265) و «المقصد الأرشد» (1/ 181) .(8/348)
حصين، وقرأ بالروايات، واشتغل بالفقه، وأعاد بالمستنصرية. وكان فيه ديانة وزهد وخير، وله شعر مدح به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي التّتريّ [1] لأن التتار أسروه.
وقال الحسيني: لأن الفرنج أسروه سنة قازان.
سمع من سليمان بن حمزة، وتفقه في مذهب الإمام أحمد، وله مشايخ كثيرة. وحدّث، وسمع منه الحسيني، والمقرئ ابن رجب وذكراه في «معجميهما» وكان فاضلا، متعبدا، حسن الأخلاق والملتقى.
توفي بالصّالحية يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة ودفن عند جدّه الشيخ أبي عمر.
وفيها القاضي جمال الدّين أبو حفص عمر بن إدريس الأنباري ثم البغدادي الحنبلي [2] الشهيد الإمام الفاضل. قرأ على البابصري وغيره، وتفقه حتّى مهر في المذهب ونصره، وأقام السّنّة، وقمع البدعة ببغداد، وأزال المنكرات. وكان إماما في التّرسل والنّظم، وله نظم في مسائل الفرائض، وارتفع حتّى لم يكن في المذهب أجمل منه في زمانه، فغضب عليه جماعة من الرافضة، فظفروا به، فعاقبوه مدة، فصبر إلى أن توفي [3] شهيدا، وتأسف عليه أهل بغداد،
__________
[1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 307) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 162) و «لحظ الألحاظ» ص (145) و «الدّرر الكامنة» (2/ 336) و «القلائد الجوهرية» (2/ 308) و «المقصد الأرشد» (2/ 99) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 446) و «الدّرر الكامنة» (3/ 154) و «المقصد الأرشد» (2/ 294- 296) .
[3] في «ط» : «إلى أن مات» .(8/349)
ودفن بمقبرة الإمام أحمد بالمدرسة التي عمرها بها [1] ثم إن أعداءه أهلكهم الله تعالى وانتقم منهم جميعا سريعا، وفرح أهل بغداد بهلاكهم.
وفيها القاضي جمال الدّين عبد الصّمد بن خليل الخضري الحنبلي [2] محدّث بغداد، المدرّس بالبشيرية. كان يحدّث ويملي التفسير الرّسعني من حفظه، ويحضره الخلق، منهم المدرّسون والأكابر، وله ديوان شعر حسن، وخطب ووعظ، وقد مدح الشيخ تقي الدين الزّريراتي ورثاه، ورثى الشيخ تقي الدّين بن تيمية أيضا.
توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها نور الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي الأصل الدمشقي الأصيل الفقيه الشافعي [3] .
ولد في رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من جماعة، وتفقّه ودرّس وحدّث.
قال ابن كثير: كان من العلماء الفضلاء، ودرّس بالناصرية البرّانية مدة سنين بعد أبيه وبغيرها.
وتوفي في ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون بزاويتهم.
وفيها القاضي تقي الدّين أبو اليمن محمد بن أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر العمري المكي الشافعي الحرازيّ [4] .
__________
[1] لفظة «بها» سقطت من «ط» .
[2] انظر «البداية والنهاية» (14/ 308) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 293) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 169) و «الدّرر الكامنة» (2/ 367) و «لحظ الألحاظ» ص (145) .
[3] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 311) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 285- 286) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 159) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 150- 151) و «الدّرر الكامنة» (3/ 409) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحوازي» وتصحفت في «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 176) إلى(8/350)
ولد بمكّة سنة ست وسبعمائة، وسمع بها كثيرا، وتفقه على والده، ورحل إلى القاضي شرف الدّين البارزي، وأجازه بالفتوى والتدريس. وكان من الفضلاء، وصار إليه أمر الفتيا والتدريس بمكة، ثم ولي القضاء في سنة ستين، ثم أضيف إليه الخطابة، فباشرها نحو سنتين، ثم عزل عن ذلك كلّه في سنة ثلاث وستين بأبي الفضل النويري فلزم بيته حتّى مات لا يخرج منه إلّا لحج أو صلاة غالبا.
وكان في قضائه عفيفا نزها وإنما عزل بسبب حكم نقم عليه أنه أخطأ فيه.
توفي بمكة في جمادى الأولى.
وفيها القاضي تاج الدّين أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن إبراهيم ابن عبد الرحمن السّلمي المصري المناوي الشافعي [1] .
سمع من جماعة، وتفقه على عمّه ضياء الدّين المناوي وطبقته، ودرّس، وأفتى، وحدّث، وناب في الحكم عن القاضي عزّ الدّين ابن جماعة. وكان إليه الأمر في غيبته وحضوره، وولي قضاء العسكر، ودرّس بالمشهد الحسيني وجامع الأزهر، وخطب بالجامع الحاكمي.
ذكره الإسنوي في «طبقاته» وقال: كان محمود الخصال مشكور السيرة.
وقال غيره: كان مهابا، صارما، لكنه قليل البضاعة في العلوم، مع صرامته في القضاء والعمل بالحقّ والنّصرة للعدل، والدّربة بالأحكام، والاعتناء بالمستحقين من أهل العلم وغيرهم. وكان القاضي عزّ الدّين قد ألقى إليه مقاليد الأمور كلّها حتّى الأقاليم.
توفي في ربيع الآخر، ودفن بتربته بظاهر باب تربة الشّافعي.
__________
«الحزازي» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (11/ 85) و «العقد الثمين» (1/ 367) و «الدّرر الكامنة» (3/ 348) .
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 85) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 127) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 467) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 283) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 157) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 159) و «الدّرر الكامنة» (3/ 380- 381) .(8/351)
وفيها السّيّد شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي، نزيل الشّامية الجوانية الشّافعي المؤرّخ [1] .
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل وفضل، ودرّس بالصّارمية، وأعاد بالشّامية البرّانية، وكتب الكثير نسخا وتصنيفا بخطّه الحسن.
فمن تصنيفه «مختصر الحلية» لأبي نعيم في مجلدات، سمّاه «مجمع الأحباب» و «تفسير» كبير، و «شرح مختصر ابن الحاجب» في ثلاث مجلدات، وكتاب في أصول الدّين مجلد. وكتاب في الردّ على الإسنوي في تناقضه.
وكان منجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا.
توفي في ربيع الأول ودفن عند مسجد القدم.
وفيها العارف بالله المحقّق محمد بن محمد بن محمد المعروف بسيدي محمد وفا والد بني وفا المشهورين الإسكندري الأصل [2] المالكيّ المذهب الشّاذليّ طريقة.
ولد بثغر الإسكندرية سنة اثنتين وسبعمائة، ونشأ بها، وسلك طريقة الشيخ أبي الحسن الشّاذلي، وتخرّج على يد الأستاذ ابن باخل، ثم رحل إلى إخميم، وتزوج بها، واشتهر هناك، وصار له سمعة ومريدون وأتباع كثيرة، ثم قدم مصر وسكن الرّوضة على شاطئ النّيل، وحصل له قبول من أعيان الدولة وغيرهم، وكان له فضيلة ومشاركة حسنة ونظم ونثر ومعرفة بالأدب، وكثر أصحابه، وصاروا يبالغون في تعظيمه، وكان لوعظه تأثير في القلوب، ثم سكن القاهرة، ولم يزل أمره يشتهر وذكره ينتشر مع جميل الطريقة وحسن السيرة إلى أن توفي يوم الثلاثاء
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 328) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 160- 161) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 328) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 158) و «الدليل الشافي» (2/ 693- 694) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 142) .(8/352)
حادي عشر ربيع الآخر ودفن بالقرافة وقبره مشهور يزار. قاله في «المنهل الصّافي» .
وفيها محبّ الدّين محمد بن علي بن مسعود الطّرابلسي، المعروف بابن الملّاح النّحوي [1] .
قال في «الدّرر» : كان عارفا بالعربية، وافر الدّيانة، جيد النّظم والكتابة، مات بطرابلس.
وفيها فتح الدّين أبو الحرم محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحرم بن أبي الفتح القلانسي الحنبلي المسند [2] .
ولد في ثالث عشر ذي الحجّة سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وسمع الكثير من ابن حمدان، والأبرقوهي، وغيرهما. وحدّث فسمع منه المقرئ ابن رجب، وذكره في «مشيخته» وقال: فيه صبر وتودد على التحدّث، سمعت عليه بالقاهرة أجزاء، منها «السّباعيات» و «الثمانيات» .
توفي بالقاهرة في جمادى الأولى.
وفيها تقي الدّين [اليونيني] محمد بن الشيخ الإمام المؤرّخ قطب الدّين موسى بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه [3] ، هكذا نقل هذا النسب والده المؤرخ قطب الدّين الحنبلي.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 90) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 176) و «لحظ الألحاظ» ص (147) و «بغية الوعاة» (1/ 192) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (256) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 284) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 160- 161) و «الدّرر الكامنة» (4/ 235) و «لحظ الألحاظ» ص (147) و «المقصد الأرشد» (2/ 522- 523) و «الجوهر المنضد» ص (138) .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 269) و «المقصد الأرشد» (2/ 521- 522) .(8/353)
سمع من أولاد عمه محمد [1] وأمة العزيز، وفاطمة، وزينب أولاد الشيخ شرف الدّين اليونيني.
وكان رضيّ النّفس، قليل الكلام، حسن الخلق، كثير الأدب، يحمل حاجته بنفسه.
توفي يوم الأحد ثالث ذي الحجّة.
__________
[1] لفظة «محمد» سقطت من «ط» .(8/354)
سنة ست وستين وسبعمائة
فيها حصل بمكّة والشّام غلاء شديد.
وفيها توفي قطب الدّين أبو عبد الله محمد وقيل محمود بن محمد الرّازي القطب المعروف بالتّحتانيّ [1] تمييزا له عن قطب آخر. كان ساكنا معه بأعلى المدرسة الظّاهرية.
كان شافعيا، إماما، ماهرا في علوم المعقول، أحد أئمتها، اشتغل في بلاده بها فأتقنها، وشارك في العلوم الشّرعية، وأخذ عن العضد وغيره بدمشق، وشرح «الحاوي» و «المطالع» و «الإشارات» وكتب على «الكشّاف» حاشية، وشرح الشمسية في المنطق.
قال السيوطي: قال شيخنا الكافيجي: السّيّد، والقطب التّحتانيّ، لم يذوقا علم العربية بل كانا حكيمين.
وقال السّبكي في «الطبقات الكبرى» : إمام مبرّز في المعقولات، اشتهر اسمه وبعد صيته، ورد إلى دمشق سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وبحثنا معه فوجدناه إماما في المنطق والحكمة، عارفا بالتفسير والمعاني والبيان، مشاركا في النحو، يتوقد ذكاء.
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 87) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 299- 300) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 322) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 183- 184) و «الدّرر الكامنة» (4/ 339) و «بغية الوعاة» (2/ 281) و «القلائد الجوهرية» (1/ 239) .(8/355)
وقال ابن كثير: كان أحد المتكلمين العالمين بالمنطق وعلم الأوائل، وله مال وثروة.
توفي في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها الشيخ نور الدّين محمد بن محمود الإمام الفقيه الحنبلي [المحدّث المعيد] المقرئ البغدادي [1] .
سمع وخرّج، وقرأ وأقرأ، وتميّز. وولي الحديث بمسجد يانس بعد القاضي جمال الدّين عبد الصمد المذكور قريبا.
توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (458) من مصورة مكتبتي الخاصة، وما بين الحاصرتين زيادة منه.(8/356)
سنة سبع وستين وسبعمائة
في يوم الأربعاء ثاني عشر محرمها، وصل فرنج أهل قبرس [1] إلى الإسكندرية في سبعين قطعة، فعاثوا ونهبوا، وأفسدوا وقتلوا، وأسروا ورجعوا إلى بلادهم، فعندها شرعت الدولة في عمل مراكب وعمارة بقصد قبرس [1] .
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن العلّامة شمس الدّين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية الحنبلي [2] .
سمع من ابن الشّحنة وغيره، واشتغل في أنواع العلوم، وأفتى ودرّس وناظر.
ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: تفقّه بأبيه، وشارك في العربية، وسمع وقرأ، وتنبّه، وأسمعه أبوه بالحجاز، وطلب بنفسه، ودرّس بالصّدرية والتدمرية، وله تصدير بجامع الأموي، وشرح «ألفية ابن مالك» وسمّاه: «إرشاد السّالك إلى حلّ ألفية ابن مالك» وكان له أجوبة مسكتة. انتهى.
توفي ببستانه بالمزّة يوم الجمعة مستهل صفر وصلّي عليه بجامعها، ثم بجامع جراح، ودفن عند والده بباب الصّغير وبلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة، وترك مالا كثيرا.
وفيها ستّ العرب بنت محمد بن الفخر علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري [3] الشّيخة الصّالحة الحنبلية المسندة المكثرة.
__________
[1] المعروفة الآن ب «قبرص» .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (66- 67) و «البداية والنهاية» (14/ 314) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 303) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 195) و «الدّرر الكامنة» (1/ 58) .
[3] انظر «المقصد الأرشد» (1/ 433- 435) .(8/357)
حضرت على جدّها كثيرا، وعلى عبد الرحمن بن الزّين وغيرهما، وحدّثت، وانتشر عنها حديث كثير، وسمع منها الحافظان العراقي والهيثمي، والمقرئ ابن رجب وذكرها في «معجمه» .
قال ابن رافع [1] : طال عمرها، وانتفع بها.
توفيت بدمشق ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى ودفنت بسفح قاسيون، وتقدم ذكر ولدها شمس الدّين محمد.
وفيها قاضي القضاة عزّ الدّين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل الدمشقي المولد المصري الشافعي [2] .
ولد بدمشق في المحرّم سنة أربع وتسعين وستمائة، ونشأ في طلب العلم، وسمع الكثير، وشيوخه سماعا وإجازة يزيدون على ألف وثلاثمائة. قاله ابن قاضي شهبة.
وتفقه على والده والوجيزي وغيرهما، وأخذ الأصلين عن الباجي، والنحو عن أبي حيّان، وولي قضاء الدّيار المصرية مدة طويلة، وجعل النّاصر إليه تعيين قضاة الشام.
وحدّث، وأفتى، وصنّف، وكان كثير الحجّ والمجاورة. وكان مع نائبه القاضي تاج الدّين المناوي كالمحجور عليه، له الاسم والمناويّ هو القائم بأعباء المنصب. فلما مات عجز القاضي عزّ الدّين عن القيام به فاستعفى، وكان يعاب بالإمساك ولم يحفظ عنه في دينه ما يشينه.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن قانع» والنقل عند ابن رافع في «الوفيات» .
[2] انظر «المعجم المختص» (147- 148) و «النجوم الزاهرة» (11/ 89) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 79- 81) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 388- 390) و «العقد الثمين» (5/ 457- 460) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 305- 307) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 200) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 135) و «الدّرر الكامنة» (2/ 378- 382) .(8/358)
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» وقد مات قبله بنحو عشرين سنة، وقال فيه: الإمام، المفتي، الفقيه، المدرّس، المحدّث. قدم علينا بوالده طالب حديث في سنة خمس وعشرين، فقرأ الكثير، وسمع وكتب الطّباق، وعني بهذا الشأن.
وكان خيّرا، صالحا، حسن الأخلاق، كثير الفضائل، سمعت منه وسمع منّي. انتهى.
وكان يقول: أشتهي أن أموت بأحد الحرمين معزولا عن القضاء فنال ما تمنى، فإنه استعفى من القضاء في السنة التي قبلها، وحجّ فمات في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بعقبة باب المعلاة [1] إلى جانب قبر الفضيل بن عياض، بينه وبين أبي القاسم القشيري.
وفيها الملك المجاهد صاحب اليمن علي ابن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول [2] .
ولي السلطنة بعد أبيه في ذي الحجّة سنة إحدى وعشرين، وثار عليه ابن عمّه الظّاهر بن المنصور فغلبه، وقبض عليه، ثم استقرّت بلاد اليمن بيد الظّاهر، وجعل تعزّ بيد المجاهد، ثم حاصره، فخرّبت من الحصار، ثم كاتب المجاهد الناصر صاحب مصر، فأرسل له عسكرا إلى أن آل أمره بعد قصص طويلة إلى أن استولى المجاهد على البلاد اليمنية جميعا.
وحجّ في سنة اثنتين وأربعين وكسا الكعبة، وفرّق هناك مالا كثيرا، ولما رجع وجد [3] ولده غلب على المملكة ولقّب المؤيد، فحاربه إلى أن قبض عليه، وقتله.
ثم حجّ في سنة إحدى وخمسين، فقدم بخيله على محمل المصريين، فاختلفوا
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المعلى» والصواب ما أثبته، وقد سبق التنبيه على هذا التحريف من قبل في جزء متقدم.
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 91) و «الدّرر الكامنة» (3/ 49) و «معجم الأنساب والأسرات الحاكمة» لزامباور ص (184- 185) وترجم له الحافظ السّخاوي ترجمة موسعة في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (126) من المنسوخ.
[3] في «آ» و «ط» : «وجده» .(8/359)
ووقع بينهم الحرب، فأسر المجاهد، وحمل إلى القاهرة، فأكرمه السلطان الناصر وحلّ قيده، وقرّر عليه مالا يحمله، وخلع عليه، وجهّزه إلى بلاده، واستمر إلى هذه السنة، فمات.
وتسلطن بعده ولده الأفضل عبّاس.
وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن سعد الله بن مسعود الخليلي الحنبلي العدل [1] . سمع من سليمان بن حمزة، وعيسى المطعّم، وغيرهما. وحدّث، فسمع منه الحسيني وقال: خرّجت له «مشيخة» و «جزءا» من عواليه، وتفقه، وشهد على الحكّام، مع الصّيانة والرئاسة والتعفّف، وقد أجاز للشّهاب ابن حجّي.
توفي يوم الأربعاء ثامن عشري شوال ودفن بسفح قاسيون.
وفيها مجد الدّين أبو الفضل محمد بن محمد بن عيسى بن محمود بن عبد الضّيف بن أبي عبد الله الأنصاري البعلبكي الشافعي [2] ، قاضي بعلبك، وابن قاضيها.
ولد سنة إحدى وسبعمائة في رجب، واجتهد في الطلب، ودأب. وكان من الأئمة الحفّاظ والعلماء الراسخين. قاله العلّامة ابن ناصر الدّين [3] .
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 297) و «المقصد الأرشد» (2/ 542) و «القلائد الجوهرية» (2/ 401) .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 319- 320) و «الدّرر الكامنة» (4/ 206- 207) و «النجوم الزاهرة» (11/ 98) و «لحظ الألحاظ» ص (151) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (190/ ب- 191/ آ) .(8/360)
سنة ثمان وستين وسبعمائة
فيها كانت زلزلة هائلة بصفد.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عثمان بن أبي بكر بن بصيص أبو العبّاس الزّبيدي [1] .
قال الخزرجي: كان وحيد دهره في النحو واللغة والعروض، متفنّنا لوذعيّا، حسن السيرة، سهل الأخلاق، مبارك التّدريس.
أخذ النحو عن جماعة، وأخذ عنه أهل عصره، وإليه انتهت الرئاسة في النحو، هرعت إليه الناس [2] من أقطار اليمن.
وشرح مقدمة ابن بابشاذ شرحا جيدا لم يتم، وله منظومة في القوافي والعروض، وغير ذلك، وكان بحرا لا ساحل له.
مات يوم الأحد حادي عشري شعبان.
وفيها آقبغا الأحمدي الجلب [3] .
قال في «الدّرر» : لا لا الملك الأشرف شعبان. كان من خواص يلبغا، ثم كان ممن اتفق على قتله [4] ، واستقرّ بعده أميرا كبيرا، ثم وقع بينه وبين استدمر فآل أمره إلى أن مات في سجن الإسكندرية في ذي القعدة.
__________
[1] انظر «العقود اللؤلؤية» (1/ 111) و «بغية الوعاة» (1/ 335) و «معجم المؤلفين» (1/ 310) .
[2] في «ط» : «رحل الناس إليه» .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 391- 392) .
[4] في «الدّرر الكامنة» : «ممن اتفق مع قتلته» .(8/361)
وفيها عفيف الدّين أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح شيخ الحجاز اليافعي اليمني ثم المكيّ الشافعي [1] .
ولد قبل السبعمائة بقليل، وكان من صغره تاركا لما يشتغل به الأطفال من اللّعب، فلما رأى والده آثار الفلاح عليه ظاهرة بعث به إلى عدن، فاشتغل بالعلم، وأخذ عن العلّامة أبي عبد الله البصّال وغيره، وعاد إلى بلاده، وحببت إليه الخلوة والانقطاع والسياحة في الجبال، وصحب الشيخ علي الطواشي، وهو الذي سلّكه الطريق، ثم لازم العلم، وحفظ «الحاوي الصغير» و «الجمل» للزّجاجي، ثم جاور بمكّة، وتزوج بها.
ذكره الإسنوي في «طبقاته» وختم به كتابه، وذكر له ترجمة طويلة، وقال:
كان إماما، يسترشد بعلومه ويقتدى، وعلما يستضاء بأنواره ويهتدى.
صنّف تصانيف [2] كثيرة في أنواع العلوم، إلا أن غالبها صغير الحجم، معقود لمسائل مفردة، وكثير من تصانيفه نظم، فإنه كان يقول الشعر الحسن الكثير بغير كلفة.
ومن تصانيفه: قصيدة مشتملة على قريب من عشرين علما إلّا أن بعضها متداخل، كالتصريف مع النحو، والقوافي مع العروض، ونحو ذلك.
وكان يصرف أوقاته في وجوه البرّ وأغلبها في العلم، كثير الإيثار والصّدقة، مع الاحتياج، متواضعا مع الفقر، مترفعا عن أبناء الدّنيا، معرضا عمّا في أيديهم.
وكان نحيفا، ربعة من الرجال، مربّيا للطلبة والمريدين، ولهم به جمال وعزّة، فنعق بهم غراب التفريق، وشتّت شمل سالكي الطريق، فتنكرت [3] طباعه، وبدت أوجاعه، فشكا من رأسه ألما، و [من] جسمه سقما، وأقام أياما قلائل.
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 313- 314) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 579- 583) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 225) و «الدّرر الكامنة» (2/ 247- 249) و «العقد الثمين» (5/ 104- 115) و «لحظ الألحاظ» ص (152) .
[2] في «آ» و «ط» : «تصانيفا» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سكرت» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 582) مصدر المؤلف.(8/362)
وتوفي وهو إذ ذاك فضيل مكّة وفاضلها، وعالم الأبطح وعاملها، يرتفع ببركة دعائه عنها الويل، وينصبّ الوبل، وتنفتح [1] أبواب السماء، فيحضر [2] منها العالي ويسيل السّافل. انتهى.
وقال ابن رافع: [اشتهر ذكره وبعد صيته] [3] وصنّف كتبا، منها: «مرهم العلل المعضلة» في أصول الدّين، و «الإرشاد والتّطريز» في التّصوف، وكتاب «نشر المحاسن» وكتاب «نشر الرّوض العطر في حياة سيدنا أبي العبّاس الخضر» وغير ذلك.
وكان يتعصب للأشعري، وله كلام في ذمّ ابن تيميّة، ولذلك غمزه بعض من يتعصب لابن تيميّة من الحنابلة وغيرهم.
ومن شعره:
وقائلة ما لي أراك مجانبا ... أمورا وفيها للتّجارة مربح
فقلت لها ما لي بربحك حاجة ... فنحن أناس بالسّلامة نفرح
توفي بمكّة في جمادى الآخرة، ودفن بمقبرة باب المعلاة جوار الفضيل بن عياض.
واليافعي: نسبة إلى يافع، بالياء والفاء والعين المهملة، قبيلة من قبائل اليمن من حمير.
وفيها نجم الدّين عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الرّويسوني الحنبلي [4] الإمام الجليل القدوة.
اشتغل بالعلم، وحفظ «المحرّر» في الفقه، وأعاد بالقبة البيبرسية. وكان حسن الأخلاق، متواضعا، من أعيان الحنابلة بمصر.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وتفتح» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[2] في «آ» و «ط» : «فيحص» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[3] ما بين القوسين لم يرد في «الوفيات» لابن رافع الذي بين يدي.
[4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 313) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 224) و «المقصد الأرشد» (2/ 137) و «لحظ الألحاظ» ص (152) .(8/363)
توفي بالقاهرة يوم الخميس تاسع عشري ربيع الأول.
ورويسون: من أعمال نابلس.
وفيها عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي الحنفي [1] .
قال في «الدّرر» : ولد قبل الثلاثين وسبعمائة، ومهر في الفقه والعربية والقراءات [والأدب] . ودرّس، وولي قضاء حماة. وكان مشكور السيرة، ماهرا في الفقه والعربية [2] ونظم قصيدة رائية من الطويل ألف بيت، ضمّنها غرائب المسائل في الفقه، وشرحها، وهي نظم [جيد] متمكن.
مات في ذي الحجّة.
وفيها محيي الدّين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة [3] الشّاعر المشهور المتقدم.
تعانى الأدب، ونظم وسطا، وكتب النسخ وقلم الحاشية والغبار، وتكسّب من ذلك بدمشق، وقدم القاهرة بعد السبعين، ومات بها بالقرب من ذلك. كذا قال في الدرر، وجزم مختصر ضوء السخاوي [4] أنه توفي في هذه السنة.
وفيها يلبغا بن عبد الله الخاصكي النّاصري [5] الأمير الكبير الشهير، أول ما أمّره النّاصر حسن مقدم ألف بعد موت تنكز، ثم كان يلبغا رأس من قام على أستاذه الناصر حسن، حتّى قتل، وتسلطن المنصور محمد بن حاجي، فاستقرّ
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 232) و «تاج التراجم» ص (138) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح نفع الله تعالى به، و «الدّرر الكامنة» (2/ 423- 424) و «لحظ الألحاظ» ص (152) و «بغية الوعاة» (2/ 123) .
[2] في «الدّرر الكامنة» : «في الفقه والأدب» وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه.
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 311- 312) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 219) و «الدّرر الكامنة» (4/ 216- 223) .
[4] هو عمر بن أحمد بن علي الشماع الحلبي، المتوفى سنة (936) هـ، وسترد ترجمته في الجزء العاشر من الكتاب إن شاء الله تعالى، ومختصره هو «القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي» .
[5] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 216) و «الدّرر الكامنة» (4/ 438- 440) .(8/364)
أتابكه، ثم خلعه في شعبان سنة أربع وستين، وتسلطن الأشرف شعبان، فتناهت إلى يلبغا الرئاسة ولقّب نظام الملك، وصار إليه الأمر والنّهي، وهو السّلطان في الباطن والأشرف بالاسم، وارتقى إلى أن صار العدد الكثير من مماليكه نواب البلاد، ومقدّمي ألوف، واستكثر من المماليك الجلبان، وبالغ في الإحسان إليهم والإكرام حتّى صاروا يلبسون الطّرر الذهبية العريضة، فإذا وقعت الشمس عليهم تكاد من شدّة لمعانها تخطف البصر، وبلغت عدة مماليكه ثلاثة آلاف، وكان يسكن الكبش بالقرب من قناطر السّباع، وكان موكبه أعظم المواكب، وأمنت في زمنه الطّرقات من العربان والتّركمان لقطعه أخبارهم [1] وآثارهم، وكان في زمنه وقعة الإسكندرية، وأخذ الفرنج لها في أوائل سنة سبع وستين، فقام أتمّ قيام، ونزعها من أيديهم، وصادر جميع النّصارى والرّهبان، واستنقذ من جميع الديار ما بها من الأموال فحصل [2] على شيء كثير جدا، حتّى يقال: اجتمع عنده اثنا عشر ألف صليب، منها صليب ذهب زنته عشرة أرطال مصرية. وكانت له صدقات كثيرة على طلبة العلم ومعروف كثير في بلاد الحجاز، وهو الذي حطّ المكس عن الحجّاج بمكّة، وعوّض أمراءها بلدا بمصر، وكان يتعصب للحنفية، حتى كان يعطي لمن يتمذهب لأبي حنيفة العطاء الجزيل، ورتّب لهم الجامكيات الزائدة، فتحول جمع من الشافعية لأجل الدنيا حنفية، وحاول في آخر عمره أن يجلس الحنفيّ فوق الشافعي فعاجله القتل، وذلك أن مماليكه منهم اقبغا المتقدم ذكره في أول هذه السنة، اجتمعوا على قتله ففرّ، ثم جاء طائعا في عنقه منديل، فأمر السلطان بحبسه، ثم أذن في قتله، وذلك في ربيع الآخر. قاله في «الدّرر» .
__________
[1] في «ط» : «أجنادهم» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «تحصل» وهو خطأ.(8/365)
سنة تسع وستين وسبعمائة
في ثاني عشري محرّمها طرق الفرنج طرابلس في مائة وثلاثين مركبا، فقتلوا وأسروا، وأفسدوا ونهبوا، ورجعوا.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن لؤلؤ المصري الشافعي [1] .
ولد سنة اثنتين وسبعمائة، واشتغل بالعلم وله عشرون سنة، فأخذ الفقه عن التّقي السّبكي، والقطب السّنباطي، وغيرهما. وأخذ النحو عن أبي حيّان، وبرع واشتغل بالعلم، وانتفع به الناس، وتخرّج به فضلاء، وحدّث، وصنّف تصانيف نافعة، منها «مختصر الكفاية» في ست مجلدات، و «نكت المنهاج» في ثلاث مجلدات. وهي كثيرة الفائدة، وكتاب على «المهذّب» في مجلدين، و «تهذيب التّنبيه» مختصر نفيس.
ذكره صاحبه الإسنوي فقال: كان عالما بالفقه، والقراءات، والتفسير، والأصول، والنحو، يستحضر من الأحاديث شيئا كثيرا، أديبا، شاعرا، ذكيا، فصيحا، صالحا [2] ، ورعا، متواضعا، طارحا للتكلّف، متصوفا. كثير البرّ والمروءة، حسن الصوت بالقراءة، كثير الحجّ والمجاورة بمكّة والمدينة. وافر العقل، مواظبا على الاشتغال والإشغال والتصنيف، لا أعلم في أهل العلم بعده
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 514- 515) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 260- 262) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 106- 108) و «الدّرر الكامنة» (1/ 239) و «النجوم الزاهرة» (11/ 101) و «حسن المحاضرة» (1/ 434) .
[2] لفظة «صالحا» سقطت من «طبقات الشافعية» للإسنوي المطبوع الذي بين يدي فلتستدرك.(8/366)
من اشتمل على صفاته، ولا على أكثرها. ولم يكتب على فتوى تورعا، ولم يل تدريسا. وكان كثير الانبساط، حلو النّادرة، فيه دعابة زائدة.
توفي في شهر رمضان بمصر، ودفن بتربة الشيخ جمال الدّين الإسنوي خارج باب النّصر.
وفيها عز الدّين أبو يعلى حمزة بن موسى بن أحمد بن الحسين بن بدران [1] الإمام العلّامة الحنبلي المعروف بابن شيخ السّلامية.
سمع من الحجّار، وتفقه على جماعة، ودرّس بالحنبلية وبمدرسة السلطان حسن بالقاهرة، وأفتى وصنّف تصانيف عدة، منها على «إجماع» ابن حزم استدراكات جيدة، وشرح على «أحكام» المجد بن تيميّة، وجمع على «المنتقى في الأحكام» عدة مجلدات، وله كتاب نقض الإجماع، واختار بيع الوقف للمصلحة موافقة لابن قاضي الجبل وغيره، وصنّف فيه مصنّفا سمّاه «رفع الماقلة في منع المناقلة» . وكان له اطلاع جيد ونقل مفيد على مذاهب العلماء المعتبرين، واعتناء بنصوص أحمد وفتاوى الشيخ تقي الدّين بن تيميّة. وله فيه اعتقاد صحيح وقبول لما يقوله وينصره ويوالي عليه ويعادي فيه، ووقف درسا وكتبا بتربته بالصّالحية، وعيّن لذلك الشيخ زين الدّين بن رجب.
توفي بالصّالحية ليلة الأحد حادي عشري ذي الحجّة، ودفن عند والده وجدّه عند جامع الأفرم.
وفيها بهاء الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الشافعي [2] .
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 337- 338) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 267- 268) و «الدّرر الكامنة» (2/ 77) و «الدليل الشافي» (1/ 279) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 75- 76 و 260) و «القلائد الجوهرية» (2/ 325 و 422) و «المقصد الأرشد» (1/ 362- 364) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 239- 240) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 326- 328) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 245- 248) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة(8/367)
قال ابن شهبة: رئيس العلماء، وصدر الشافعية بالدّيار المصرية، العقيلي الطّالبي البالسي الحلبي ثم المصري.
ولد سنة أربع وتسعين وستمائة [وقيل: سنة سبعمائة] [1] وسمع الحديث، وأخذ الفقه عن الزّين بن الكتّاني [2] وغيره، وقرأ النحو على أبي حيّان، ولازمه في ذلك اثنتي عشرة سنة، حتى قال أبو حيّان: ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل. وأخذ الأصول والفقه عن العلاء القونوي ولازمه، وقرأ القراءات على التّقي الصّايغ، واشتهر اسمه وعلا ذكره، وناب في الحكم عن القاضي جلال الدّين، ثم عن العزّ بن جماعة، ودرّس بزاوية الشافعي بمصر في آخر عمره، وولي التفسير بالجامع الطّولوني، وختم به القرآن تفسيرا في مدة ثلاث وعشرين سنة، ثم شرع بعد ذلك من أول القرآن، فمات في أثناء ذلك، وشرح «الألفية» شرحا متوسطا حسنا لكنه اختصر في النصف الثاني جدا. وشرح «التسهيل» شرحا متوسطا سمّاه ب «المساعد» ، وشرع في تفسير مطوّل وصل فيه إلى أثناء [سورة] النساء، وله آخر لم يكمله سماه ب «التعليق الوجيز على كتاب العزيز» .
وقال ابن رافع [3] : كان قويّ النّفس، تخضع له الدولة، ولا يتردد إلى أحد، وعنده حشمة بالغة وتنطع زائد في الملبس والمأكل. وكان لا يبقي على شيء.
ومات وعليه دين، وقد ولي القضاء نحو ثمانين يوما، وفرّق على الطلبة والفقهاء في ولايته مع قصرها نحو ستين ألف درهم، يكون أكثر من ثلاثة آلاف دينار.
وذكره الإسنوي في «طبقاته» ولم ينصفه، وفي كلامه تحامل عليه، وكان فيه لثغة.
__________
(3/ 29- 132) و «الدّرر الكامنة» (2/ 266- 269) و «النجوم الزاهرة» (11/ 100- 101) و «حسن المحاضرة» (1/ 537) و «بغية الوعاة» (2/ 47- 48) و «درة الحجال» (3/ 65- 66) .
[1] ما بين الحاصرتين مستدرك من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.
[2] تحرفت في متن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة إلى «الكتناني» وجاء الصواب في حاشية التحقيق منه في أسفل الصفحة. وهو مترجم في «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 358) .
[3] لم أر هذا النقل عند ابن رافع في «الوفيات» الذي بين يدي وإنما نقلها المؤلّف رحمه الله عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة بتصرف وهي عند ابن شهبة معزوة لابن رافع.(8/368)
وروى عنه سبطه جلال الدّين، والجمال بن ظهيرة، والولي العراقي.
ومات بالقاهرة ليلة الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول ودفن بالقرب من الإمام الشافعي.
ومن شعره:
قسما بما أوليتم من فضلكم ... للعبد عند قوارع الأيّام [1]
وفيها قاضي القضاة موفق الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الحجّاوي [2] الحنبلي، الإمام العلّامة قاضي القضاة بالدّيار المصرية.
سمع الحديث بالقاهرة من ابن الصوّاف وطبقته، وحدّث، فسمع منه الحافظان الزّين العراقي والهيثمي، وتفقه وأفتى، ودرّس، وباشر القضاء من سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفي.
ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: عالم ذكيّ خيّر، صاحب مروءة وديانة وأوصاف حميدة. [وله يد طولى في المذهب] [3] وقدم علينا، وهو طالب حديث سنة سبع عشرة، فسمع من ابن عبد الدائم، وعيسى المطعّم، وعني بالرواية، وهو ممن أحبه [في] الله، وحمدت سيرته في القضاء، وانتشر في أيامه مذهب أحمد بالديار المصرية وكثر فقهاء الحنابلة بها. انتهى.
وأثنى عليه الأئمة، منهم أبو زرعة ابن العراقي، وابن حبيب.
__________
[1] وأتبعه السيوطي في «بغية الوعاة» ببيت آخر هو:
ما غاض ماء وداده وثنائه ... بل ضاعفته سحائب الإنعام
[2] انظر «المعجم المختص» ص (127- 128) و «الوافي بالوفيات» (17/ 596- 597) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 239- 241) و «الدّرر الكامنة» (2/ 297- 298) و «النجوم الزاهرة» (11/ 99) و «المقصد الأرشد» (2/ 58- 60) و «الجوهر المنضد» ص (74- 75) وقد تصحفت «الحجّاوي» فيه إلى «الحجازي» فلتصحح.
[3] ما بين القوسين لم يرد في «المعجم المختص» .(8/369)
توفي نهار الخميس سابع عشري المحرم بالقاهرة، ودفن بتربته التي أنشأها خارج باب النصر.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب بن سعد أخو شمس الدّين بن قيّم الجوزية الحنبلي [1] .
كان إماما قدوة. سمع من ابن عبد الدائم وعيسى المطعّم، والحجّار. وحدّث.
وذكره ابن رجب في «مشيخته» وقال: سمعت عليه كتاب «التوكّل» لابن أبي الدنيا بسماعه على الشّهاب العابد [2] ، وتفرّد بالرواية عنه.
توفي ليلة الأحد ثامن عشري ذي الحجّة وصلّي عليه من الغد بجامع دمشق، ودفن بالباب الصغير.
وفيها القاضي صدر الدّين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر بن عيّاش بن عسكر، المعروف بابن الخابوري [3] الشافعي، شيخ [4] طرابلس وخطيبها ومفتيها.
أخذ عن البرهان الفزاري، والزّين بن الزّملكاني، ودخل مصر، أخذ عن علمائها. وسمع وحدّث وأشغل [5] وأفاد، وولي القضاء بصفد مدة، وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعيدة. جاء رجل بفتوى إلى الشيخ فخر الدّين المصري، فقال له: من أين أنت؟ قال: من صفد، فقال: عندكم مثل ابن الخابوري وتسألنا هو أعلم منا؟ ورد الفتوى. ثم نقل إلى قضاء طرابلس، ثم عزل واستمرّ على الخطابة.
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 339) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 269- 270) و «الدّرر الكامنة» (2/ 326) و «المقصد الأرشد» (2/ 83- 84) و «الجوهر المنضد» ص (57) .
[2] في «ط» : «العابر» وهو خطأ.
[3] انظر «البداية والنهاية» (14/ 107) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 322) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 238- 239) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 148- 150) و «الدّرر الكامنة» (3/ 406- 407) .
[4] لفظة «شيخ» سقطت من «آ» .
[5] في «ط» : «واشتغل» وهو خطأ وما جاء في «آ» موافق لما عند ابن شهبة مصدر المؤلف.(8/370)
قال ابن كثير: كان فقيها، جيدا، مستحضرا للمذهب، له اعتناء جيد، وقد أذن لجماعة بالإفتاء.
توفي بالمحرّم وقد جاوز السبعين، ووالده كان قاضي بعلبك.
قال ابن كثير: كان أكبر أصحاب الشيخ تاج الدّين الفزاري.
توفي بدمشق في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة عن سبعين سنة.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن محمد بن يوسف بن قدامة الشيخ المسند المعمّر الأصيل الحنبلي [1] .
ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، وحضر على ابن البخاري، وتفرّد عنه برواية «جزء ابن نجيب» وسمع منه الحافظان الزّين العراقي والنّور الهيثمي، والشيخ شهاب الدّين بن حجي.
توفي يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجّة بالصّالحية ودفن بقاسيون.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد اللطيف الحرّاني ثم المصري [2] الحنبلي، الإمام القدوة.
سمع «صحيح البخاري» على الحجّار، وسمع أيضا على حسن الكردي وغيره، وحدّث، فسمع منه أبو زرعة العراقي توفي في رمضان بالقاهرة.
وفيها قاضي القضاة جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن محمد بن التّقي عبد الله بن محمد بن محمود الشيخ الإمام العلّامة الصّالح الخاشع، شيخ الإسلام المرداوي الحنبلي [3] .
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 337) و «ذيل العبر» (1/ 267) و «الدّرر الكامنة» (3/ 482- 483) و «الجوهر المنضد» ص (120- 122) و «القلائد الجوهرية» (2/ 426- 427) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 264) و «الدّرر الكامنة» (4/ 298) و «المقصد الأرشد» (2/ 543) .
[3] انظر «المعجم المختص» ص (301- 302) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 325) و «تذكرة النبيه»(8/371)
ولد سنة سبعمائة تقريبا، وسمع «صحيح البخاري» من ابن عبد الدائم، وابن الشّحنة، ووزيرة، وسمع من غيرهم، وأخذ النحو عن القحفازي. وولي قضاء الحنابلة بالشام سبع عشرة سنة بعد موت ابن المنجّى بعد تمنّع زائد وشروط شرطها عليهم، واستمر إلى أن عزل في سنة سبع وستين بشرف الدّين بن قاضي الجبل، وذلك لخيرة عند الله تعالى. وكان يدعو أن لا يتوفاه الله قاضيا.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: الإمام المفتي الصّالح أبو الفضل، شاب خيّر، إمام في المذهب، وله اعتناء بالإسناد.
وقال الشهاب بن حجي: كان عفيفا نزها، ورعا، صالحا، ناسكا، خاشعا، ذا سمت حسن [1] ووقار، يركب الحمارة [2] ، ويفصل الحكومات بسكون، عارفا بالمذهب، لم يكن فيهم مثله، وشرح «المقنع» وجمع كتابا في الفقه سمّاه «الانتصار» ومصنّفا سمّاه «الواضح الجلي في نقض حكم ابن قاضي الجبل الحنبلي» وذلك أنه اختار جواز بيع الوقف لمصلحة وحكم به.
وقال ابن حبيب في «تاريخه» : عالم علمه زاهر وبرهان ورعه ظاهر، وإمام تتّبع طرائقه وتغتنم ساعاته ودقائقه. كان لين الجانب، متلطفا بالطالب، رضيّ الأخلاق، شديد الخوف والإشفاق، عفيف اللّسان، كثير التواضع والإحسان، لا يسلك في ملبسه سبيل أبناء الزّمان، ولا يركب حتّى إلى دار الإمارة غير الأتان.
توفي يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول بالصالحية، ودفن بتربة الموفق بسفح قاسيون.
__________
(3/ 318) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 244- 245) و «الدّرر الكامنة» (4/ 470) و «النجوم الزاهرة» (11/ 100) و «المقصد الأرشد» (3/ 145- 147) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 42- 43) و «الجوهر المنضد» ص (176- 179) و «القلائد الجوهرية» (2/ 364- 366) .
[1] لفظة «حسن» لم ترد في «المقصد الأرشد» .
[2] في «المقصد الأرشد» : «يركب الحمار» .(8/372)
سنة سبعين وسبعمائة
في رجبها هلك صاحب قبرس [1] الذي هجم على بلاد [2] الإسكندرية وتولى ولده فأرسل بهدية [3] إلى السلطان [3] ، وطلب الهدنة فوقع الصّلح ولله الحمد.
وفيها توفي صاحب تونس إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم [4] واستقرّ بعده ابنه أبو البقاء خالد.
وفيها قاضي القضاة بدر الدّين الحسن بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر الحنبلي الشيخ الإمام المقدسي الأصل ثم الدمشقي [5] .
سمع من جدّه، وعيسى المطعم، وغيرهما. وحدّث، ودرّس بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون، ودرس بالجوزية أيضا.
وكان بيده نصف تدريسها، وناب في الحكم عن ابن قاضي الجبل.
وتوفي ليلة الخميس خامس ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] المعروفة الآن ب «قبرص» .
[2] لفظة «بلاد» سقطت من «ط» .
[3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[4] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 107) .
[5] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 341- 342) و «ذيل العبر» (1/ 279) و «الدّرر الكامنة» (2/ 35- 36) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 53- 54) و «القلائد الجوهرية» (1/ 99) .(8/373)
وفيها رضي الدّين أبو مدين شعيب بن محمد بن جعفر بن محمد التّونسي النّحوي [1] .
قال في «الدّرر» : كان أحد أذكياء العالم. ولد في شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وأخذ عن ابن عبد السلام وغيره، وكان علّامة في الفقه، والنحو، والفرائض، والحساب، والمنطق، جيد القريحة، وافر الفضل، أتقن علوما عدة، حتّى الكتابة والتّزميك، وقدم القاهرة سنة سبع وخمسين ثم توطن حماة ومات بها.
وفيها القاضي شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي ثم الدمشقي الشافعي [2] .
مولده سنة ست عشرة وسبعمائة بغزّة، وأخذ بالقدس عن الشيخ تقي الدّين القلقشندي، وقدم دمشق، واشتغل بها، ثم رحل إلى القاضي شرف الدّين البارزي، فتفقه عليه. وأذن له بالفتيا، ثم عاد إلى دمشق، وجدّ واجتهد، وسمع الحديث، ودرّس، وأعاد، وناب للقاضي تاج الدّين السّبكي، وترك له تدريس الناصرية الجوانية، وألّف كتاب «ميدان الفرسان» جمع فيه أبحاث الرّافعي، وابن الرّفعة، والسبكي، وهو كتاب نفيس في خمس مجلدات.
توفي في شهر رجب ودفن بتربة السبكيين.
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سمحان الوائلي البكري العلّامة الشافعي الأصيل، إمام أهل اللغة في عصره المعروف بابن الشّريشي [3] أخذ عن والده، وقرأ النحو
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 192) و «بغية الوعاة» (2/ 4) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 155- 156) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 345- 346) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 283) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 165- 166) و «الدّرر الكامنة» (3/ 432) و «النجوم الزاهرة» (11/ 105) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 463) .
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 344- 345) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 282- 283) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 178- 179) و «النجوم الزاهرة» (11/ 105) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 163) و «بغية الوعاة» (1/ 44) .(8/374)
على أبي العبّاس الغسّاني، وبرع في الفقه، واللغة، والغريب، ونظم الشعر.
وكان يستحضر «الفائق» للزمخشري و «الصحاح» و «الجمهرة» و «النهاية» و «غريب أبي عبيد» و «المنتهى في اللغة» للبرمكي وهو أكثر من ثلاثين مجلدا. وقد عقد له مجلس بحضرة أعيان علماء دمشق وامتحن في هذه الكتب في شعبان سنة ثلاث وستين، ونزل له والده عن درس الإقبالية، وكان قليل الاختلاط بالناس منجمعا على طلب العلم، وكان أخوه شرف الدّين يقول: أخي بدر الدّين أزهد مني.
قال ابن حبيب في «تاريخه» : توفي في ربيع الآخر عن ست وأربعين سنة ودفن عند والده.
وفيها أقضى القضاة صلاح الدّين أبو البركات محمد بن محمد بن المنجّى بن عثمان بن أسعد التّنوخي المعرّي الحنبلي [1] .
سمع الحجّار وطبقته، وحفظ «المحرّر» ودرّس بالمسمارية والصّدرية، وناب في الحكم لعمّه قاضي القضاة علاء الدّين، ثم ناب للقاضي شرف الدّين بن قاضي الجبل. وكان من أولاد الرؤساء، ذا دين وصيانة. حدّث ودرّس، وحجّ غير مرة، وكان كريم النّفس، حسن الخلق والشكل، ذا حشمة ورئاسة، على قاعدة أسلافه.
توفي ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر، وصلّي عليه من الغد بجامع دمشق، ودفن بتربتهم بالصّالحية وقد جاوز الخمسين.
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 343- 344) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 279- 280) و «الدّرر الكامنة» (4/ 239- 240) و «المقصد الأرشد» (2/ 523- 524) و «الجوهر المنضد» ص (156) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 120) و «القلائد الجوهرية» (2/ 500) .(8/375)
سنة إحدى وسبعين وسبعمائة
فيها توفي قاضي القضاة شرف الدّين أبو العبّاس أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة الحنبلي، الشيخ الإمام، جمال الإسلام، صدر الأئمة الأعلام، شيخ الحنابلة، المقدسي الأصل ثم الدمشقي المشهور بابن قاضي الجبل [1] .
مولده على ما كتبه بخطّه في الساعة الأولى من يوم الاثنين تاسع شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وكان متفننا، عالما بالحديث وعلله، والنحو، واللغة، والأصلين، والمنطق. وله في الفروع القدم العالي. قرأ على الشيخ تقي الدّين بن تيميّة عدة مصنّفات في علوم شتّى، وأذن له في الإفتاء فأفتى في شبيبته، وسمع في الصّغر من الفرّاء، وابن الواسطي، ثم طلب بنفسه بعد العشر وسبعمائة، وأجازه والده، والمنجّى التنوخي، وابن القوّاس، وابن عساكر. وفي مشايخه كثرة.
ودرّس بعدة مدارس، ثم طلب في آخر عمره إلى مصر ليدرّس بمدرسة السّلطان حسن. وولي مشيخة سعيد السعداء، وأقبل عليه أهل [2] مصر وأخذوا عنه، وأقام بها مدة يدرّس ويشغل ويفتي، ورأس على أقرانه إلى أن ولي القضاء بدمشق بعد جمال الدّين المرداوي سنة سبع وستين، وكان عنده مداراة وحبّ
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (16) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 358) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 354) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 494- 295) و «الدّرر الكامنة» (1/ 120- 121) و «النجوم الزاهرة» (11/ 108) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 44- 46) و «القلائد الجوهرية» (2/ 491- 492) و «المعجم المختص» ص (16) .
[2] لفظة «أهل» سقطت من «آ» .(8/376)
للمنصب، ووقع بينه وبين الحنابلة، وباشر القضاء دون الأربع سنين إلى أن مات وهو قاض. وذكره الذهبي في «معجمه المختص» والحسيني فقال فيه: مفتي الفرق، سيف المناظرين.
وبالغ ابن رافع وابن حبيب في مدحه.
ومن إنشاده وهو بالقاهرة:
الصّالحيّة جنّة ... والصّالحون بها أقاموا
فعلى الدّيار وأهلها ... منّي التّحيّة والسّلام
وله أيضا:
نبييّ أحمد وكذا إمامي ... وشيخي أحمد كالبحر طامي
واسمي أحمد وبذاك أرجو ... شفاعة أشرف الرّسل الكرام
وله اختيارات في المذهب، منها «بيع الوقف للحاجة» ومنها أن النزول [عن الوظيفة] [1] تولية، وله عدة مصنّفات، منها كتاب «المناقلة في الأوقاف وما في ذلك من النزاع والخلاف» وتبعه على ذلك جماعة وكلّهم تبع للشيخ تقي الدّين [2] .
توفي بمنزله بالصالحية يوم الثلاثاء رابع عشر رجب ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشيخ الصّالحي المسند الشّيرازيّ الأصل ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بزغنش- بزاي مضمومة ثم غين معجمة ثم نون مضمومة ثم شين معجمة كذا ضبطه صاحب «المبدع» في كتابه «المقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد» - ويعرف أيضا بابن مهندس الحرم [3] .
__________
[1] ما بين القوسين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الدارس في تاريخ المدارس» .
[2] يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى.
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 350- 351) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 290) و «الدّرر الكامنة» (1/ 290) و «المقصد الأرشد» (1/ 181) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 125) و «القلائد الجوهرية» (2/ 419) .(8/377)
ولد سنة بضع وسبعين وستمائة، وسمع على [1] الفخر بن البخاري، وحدّث فسمع منه الحسيني، وابن رجب، وغيرهما. وكان قيّم الضّيائية، رجلا، جيدا، كثير التّلاوة للقرآن، من الأخيار الصّالحين، وطال عمره، حتّى رأى من أولاده وأحفاده مائة، وهو جد المحدّث شهاب الدّين أحمد بن المهندس.
توفي يوم الأحد ثامن المحرم ودفن بتربة الموفق بالرّوضة وقد قارب المائة.
وفيها سري الدّين أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن محمد بن علي بن عبد الله بن هانئ الغرناطيّ المالكي [2] .
ولد سنة ثمان وسبعمائة بغرناطة، وأخذ عن جماعة من أهل بلده كابن جزي، وقدم القاهرة فذاكر أبا حيّان، ثم قدم الشام، وأقام بحماة واشتهر بالمهارة في العربية، وولي قضاء المالكية بحماة وهو أول مالكي ولي القضاء بها، ثم قضاء الشام، ثم أعيد إلى حماة، ثم دخل مصر وأقام يسيرا، وشرح «تلقين» أبي البقاء في النحو، وقطعة من «التسهيل» وكان يحفظ من الشواهد كثيرا جدا، ولم يكن من المالكية بالشام مثله في سعة علومه، وبالغ ابن كثير في الثناء عليه. قال: وكان كثير العبادة وفي لسانه لثغة في حروف متعددة، ولم يكن فيه ما يعاب إلّا أنه استناب ولده، وكان سيىء السيرة جدا، وكان يحفظ «الموطأ» ويرويه عن ابن جزي. وروى عنه ابن عشائر [3] ، والجمال خطيب المنصورية وجماعة.
توفي في ربيع الآخر. قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» .
وفيها قاضي القضاة تاج الدّين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف بن موسى ابن تمّام السّبكي الشافعي [4] .
__________
[1] لفظة «على» سقطت من «آ» .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 352) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 291- 292) و «الدّرر الكامنة» (1/ 380) و «بغية الوعاة» (1/ 456) وترجم له الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (147) من المنسوخ.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن عساكر» والتصحيح من «بغية الوعاة» وهو محمد بن علي بن محمد السلمي الحلبي بن عشائر، وسترد ترجمته في وفيات سنة (789) من هذا المجلد ص (530) .
[4] انظر «المعجم المختص» ص (152) و «البداية والنهاية» (14/ 316) و «الوفيات» لابن رافع(8/378)
ولد بالقاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وسمع بمصر من جماعة، ثم قدم دمشق مع والده في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين، وسمع بها من جماعة، واشتغل على والده وغيره، وقرأ على الحافظ المزّي، ولازم الذهبي، وتخرّج به، وطلب بنفسه، ودأب، وأجازه شمس الدّين بن النّقيب بالإفتاء والتدريس، ولما مات ابن النّقيب كان عمره ثمان عشرة سنة، وأفتى، ودرّس، وصنّف وأشغل، وناب عن أبيه بعد وفاة أخيه القاضي حسين، ثم اشتغل بالقضاء بسؤال والده في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين، ثم عزل مدة لطيفة، ثم أعيد، ثم عزل بأخيه بهاء الدّين، وتوجه إلى مصر على وظائف أخيه، ثم عاد إلى القضاء على عادته، وولي الخطابة بعد وفاة ابن جملة، ثم عزل، وحصل له فتنة شديدة، وسجن بالقلعة نحو ثمانين يوما، ثم عاد إلى القضاء. وقد درّس بمصر والشام بمدارس كبار، العزيزية والعادلية الكبرى، والغزالية، والعذراوية، والشاميتين، والناصرية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، وتدريس الشافعي بمصر والشيخونية والميعاد بالجامع الطولوني، وغير ذلك.
وقد ذكره الذهبي في «المعجم المختص» وأثنى عليه.
وقال ابن كثير: جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله، وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله.
وقال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: خرّج له ابن سعد «مشيخة» ومات قبل تكميلها، وحصّل فنونا من العلم، من الفقه والأصول، وكان ماهرا فيه، والحديث والأدب، وبرع، وشارك في العربية، وكان له يد في النّظم والنثر، جيد البديهة، ذا بلاغة وطلاقة لسان وجراءة جنان، وذكاء مفرط، وذهن وقّاد، صنّف تصانيف عدة في فنون على صغر سنه وكثرة أشغاله قرئت عليه وانتشرت في حياته وبعد موته. قال: وانتهت إليه رئاسة القضاء والمناصب بالشام، وحصلت له محنة بسبب
__________
(2/ 362- 364) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 303- 306) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 140- 143) و «الدّرر الكامنة» (2/ 425) و «النجوم الزاهرة» (11/ 108) و «حسن المحاضرة» (1/ 328) .(8/379)
القضاء وأوذي فصبر، وسجن فثبت، وعقدت له مجالس فأبان عن شجاعة وأفحم خصومه مع تواطئهم عليه، ثم عاد إلى مرتبته وعفا وصفح عمن قام عليه، وكان سيّدا، جوادا، كريما، مهيبا [1] ، تخضع له أرباب المناصب من القضاة وغيرهم.
توفي شهيدا بالطّاعون في ذي الحجّة خطب يوم الجمعة وطعن ليلة السبت رابعه ومات ليلة الثلاثاء ودفن بتربتهم بسفح قاسيون عن أربع وأربعين سنة.
ومن تصانيفه «شرح مختصر ابن الحاجب» في مجلدين سمّاه «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» و «شرح منهاج البيضاوي» و «القواعد المشتملة على الأشباه والنظائر» و «طبقات الفقهاء الكبرى» في ثلاثة أجزاء و «الوسطى» مجلد ضخم، و «الصّغرى» مجلد لطيف، و «الترشيح» في اختيارات والده [2] ، و «التوشيح» على التنبيه و «التصحيح» و «المنهاج» و «جمع الجوامع» في أصول الفقه وشرحه بشرح سماه «منع الموانع» و «جلب حلب» جواب عن أسئلة سأل عنها الأذرعي، وغير ذلك.
وفيها موفق الدّين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن محمد بن علي بن شدّاد الحميري اليمني [3] .
قال الخزرجي: كان فقيها، عالما، نحويا، لغويا، محدّثا، عارفا، محقّقا في فنونه، انتهت إليه الرئاسة في اليمن في القراءات، ورحل إليه الناس، وانتشر ذكره.
مات ليلة الاثنين تاسع شوال.
وفيها أقضى القضاة بدر الدّين أبو المعالي محمد بن محمد بن عبد اللطيف أبي الفتح بن يحيى بن علي بن تمّام الأنصاري الشافعي السّبكي [4] .
__________
[1] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة «مهيبا» وفي «آ» : «مهابا» .
[2] قال ابن قاضي شهبة في «الطبقات» : «وفيه فوائد غريبة، وهو أسلوب غريب» .
[3] ذكره عرضا البريهي في «طبقات صلحاء اليمن» ص (62) وانظر حاشية محققه الأستاذ عبد الله محمد الحبشي عليه.
[4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 356- 357) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 297- 298) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 181- 183) و «الدّرر الكامنة» (4/ 189) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 254- 256) .(8/380)
ولد بالقاهرة سنة أربع أو خمس أو ست وثلاثين وسبعمائة، وسمع من جماعة بمصر والشام، وكتب بعض الطّباق، [واشتغل في فنون العلم] [1] وحصّل، ودرّس، وأفتى، وحدّث بالرّكنية وعمره خمس عشرة سنة في حياة جدّه لأمّه تقي الدّين السّبكي، وناب في الحكم لخاله تاج الدّين، ثم ولي قضاء العسكر.
ولما ولي خاله بهاء الدّين قضاء الشام كان هو الذي يباشر عنه القضاء والشيخ بهاء الدّين لا يباشر شيئا في الغالب. ودرّس بالشاميتين الجوّانية أصالة والبرّانية نيابة عن خاله تاج الدّين.
قال ابن كثير: وكان ينوب عن خاله في الخطابة، وكان حسن الخطابة، كثير الأدب والحشمة، متوددا إلى الناس وهم مجمعون على محبته، شابا، حسن الشكالة.
توفي بالقدس في شوال، ودفن بمقابر باب الرّحمة.
__________
[1] ما بين القوسين أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف. وكان مكانه في «آ» و «ط» : «وكان إماما عالما أوحد» .(8/381)
سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة
فيها ظهر في الشام، وحمص، وحلب، بعد العشاء حمرة عظيمة كأنها الجمر، وصارت في خلال النّجوم كالعمد البيض، حتّى سدت الأفق، ودام إلى الفجر، وخفي بسببه ضوء القمر، فتباكى النّاس وضجوا بالدعاء [1] .
وفي محرّمها درّس بدمش بالمدرسة الأمينية تقي الدّين علي بن تاج الدّين عبد الوهاب السّبكي، وهو ابن سبع سنين وهذا من العجائب.
وفيها توفي القدوة بدر الدّين الحسن بن محمد بن صالح بن محمد بن محمد بن عبد المحسن بن علي المجاور القرشي النابلسي الحنبلي [2] .
طلب الحديث بنفسه، وسمع من عبد الله بن محمد بن أحمد بنابلس، ومن جماعة، بمصر، والإسكندرية، ودمشق. وولي إفتاء دار العدل بمصر، ودرّس بمدرسة السلطان الملك الأشرف، ورحل إلى الثّغر، وذكر الذهبي أنه علّق عنه، وصنّف «البرق الوميض في ثواب العيادة والمريض» و «شمعة الأبرار ونزهة الأبصار» .
وتوفي في رابع عشر جمادى الآخرة.
__________
[1] وذكر هذا الخبر أيضا ابن العراقي في «ذيل العبر» (2/ 308- 309) والحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (149- 150) من المنسوخ.
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 373- 374) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 318- 319) و «غاية النهاية» (1/ 231) و «الدّرر الكامنة» (2/ 36- 37) و «النجوم الزاهرة» (11/ 117) و «المقصد الأرشد» (1/ 336) و «الجوهر المنضد» ص (23) و «لحظ الألحاظ» ص (155) .(8/382)
وفيها جمال الدّين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم القرشي الأموي الإسنوي المصري [1] الشافعي الإمام العلّامة، منقح الألفاظ ومحقّق المعاني.
ولد بأسنا في رجب سنة أربع وسبعمائة، وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين، وسمع الحديث، واشتغل بأنواع العلوم، وأخذ الفقه عن الزّنكلوني، والسّنباطي، والسّبكي، والقزويني، والوجيزي، وغيرهم. والنحو عن أبي حيّان، والعلوم العقلية عن القونوي، والتّستري، وغيرهما. وانتصب للإقراء والإفادة من سنة سبع وعشرين، ودرّس التفسير بجامع طولون. وولي وكالة بيت المال، ثم الحسبة، ثم تركها وعزل من الوكالة، وتصدّى للإشغال والتّصنيف.
ذكره تلميذه سراج الدّين بن الملقن في «طبقات الفقهاء» فقال: شيخ الشافعية، ومفتيهم، ومصنّفهم، ومدرّسهم، ذو الفنون: الأصول، والفقه، والعربية، وغير ذلك.
وقال غيره: تخرّج به خلق كثير، وأكثر علماء الدّيار المصرية طلبته، وكان حسن الشكل، حسن التّصنيف، لين الجانب، كثير الإحسان للطلبة، ملازما للإفادة والتصنيف، من تصانيفه: «كافي المحتاج في شرح المنهاج» وصل فيه إلى المساقاة، وهو أنفع شروح «المنهاج» و «الكوكب الدّرّي» في تخريج مسائل الفقه على النحو، و «تصحيح التّنبيه» و «طبقات الشافعية» وغير ذلك.
وقال السيوطي في «طبقات النّحاة» : انتهت إليه رئاسة الشافعية، وصار المشار إليه بالديار المصرية. وكان ناصحا في التعليم، مع البرّ، والدّين، والتواضع، والتودد، يقرّب الضعيف المستهان، ويحرص على إيصال الفائدة
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 370- 372) و «ذيل العبر» ص (314) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 132- 135) و «الدّرر الكامنة» (2/ 354) و «النجوم الزاهرة» (11/ 114) و «الدليل الشافي» (1/ 409) و «لحظ الألحاظ» ص (155) و «بغية الوعاة» (2/ 92- 93) و «حسن المحاضرة» (1/ 429- 434) و «درّة الحجال» (3/ 114- 115) .(8/383)
للبليد، ويذكر عنده المبتدئ الفائدة المطروقة فيصغي إليه كأنّه لم يسمعها، جبرا لخاطره، مع فصاحة العبارة، وحلاوة المحاضرة والمروءة البالغة.
توفي فجأة ليلة الأحد ثامن عشري جمادى الأولى بمصر، ودفن بتربة بقرب مقابر الصّوفية.
وفيها أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم النّميري الحنبلي [1] ، المعروف والده بابن الصقيل.
كان إماما، مسندا، جليلا، تولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة وأقام بها مدة، وتوفي بقلعة الجبل بالقاهرة.
وفيها علاء الدّين علي بن عمر بن أحمد بن عبد المؤمن الصّوري الأصل الصالحي الحنبلي [2] الشيخ المسند الخيّر الصالح.
ولد سنة اثنتين وتسعين وستمائة، وسمع من جدّه أحمد بن عبد المؤمن، والتّقي سليمان بن حمزة، وغيرهما. وأجاز له أبو الفضل بن عساكر، وابن القوّاس، ولحقه صمم [3] ، وكان يتلو القرآن كثيرا. وسمع منه الشّهاب بن حجي.
توفي في العشر الآخر من جمادى الآخرة بالصّالحية ودفن بسفح قاسيون.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الزّركشي المصريّ الحنبلي [4] الشيخ الإمام العلّامة.
كان إماما في المذهب، له تصانيف مفيدة، أشهرها «شرح الخرقي» لم يسبق إلى مثله، وكلامه فيه يدلّ على فقه نفسي وتصرف في كلام الأصحاب.
__________
[1] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 382) و «الدليل الشافي» (1/ 428) .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 373) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 318) وفيه: «علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن» فليصحح، و «الدّرر الكامنة» (3/ 87) و «لحظ الألحاظ» ص (155) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «صم» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] ترجم له العليمي في «المنهج الأحمد» وهو عنده في القسم الذي لم يطبع بعد من الكتاب الورقة (462) من مصورة مكتبتي الخاصة.(8/384)
أخذ الفقه عن قاضي القضاة موفق الدّين عبد الله الحجّاوي قاضي الدّيار المصرية، وقال ولده الشيخ زين الدّين عبد الرحمن: أخبرني والدي أن عمره- يعني عند وفاته- نحو خمسين سنة، وأن أصله من عرب بني مهنّا الذين هم من جند الشام ناحية الرّحبة.
توفي ليلة السبت رابع عشري جمادى الأولى في حياة والدته الحاجة فقها، ودفن بالقرافة الصّغرى.
وتوفيت والدته في خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك بن مكنون بن نجم العجلوني الدمشقي الحنبلي [1] خطيب بيت لهيا وابن خطيبها.
سمع وزيرة، وأجاز له جماعة، منهم: القاسم ابن عساكر، وابن القوّاس، وحدّث، فسمع منه شهاب الدّين بن حجي «ثلاثيات البخاري» عن وزيرة.
توفي في جمادى الأولى ببيت لهيا ودفن هناك.
وفيها الجلال أبو ذر محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السّلمي البعلبكي [2] الحافظ ابن الخطيب المنعوت بالجلال.
ذكره ابن ناصر الدّين في منظومته [3] فقال:
محمّد فتى الخطيب الثّالث ... ذاك الجلال ذو علوم باحث
وقال في «شرحها» [4] : مولده سنة تسع وسبعمائة بيقين. وكان إماما،
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 370) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 317) و «الدّرر الكامنة» (3/ 480) و «المقصد الأرشد» (2/ 426) و «الجوهر المنضد» ص (166) و «لحظ الألحاظ» ص (156) .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 378- 379) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 324) و «الدّرر الكامنة» (4/ 186) و «لحظ الألحاظ» ص (154) .
[3] يعني في «بديعة البيان» وذكره في الورقة (26/ ب) منها.
[4] يعني «التبيان شرح بديعة البيان» وذكر في الورقة (191/ آ) .(8/385)
حافظا، من المتقنين، فقيها، كاتبا، ذا عربية ولغة، مع صلاح ودين. انتهى.
وفيها أبو زكريا يحيى بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيني [1] المالكي النّحوي المقرئ [2] .
كان إماما، عالما، عارفا بالقراءات والعربية، صالحا زاهدا.
سمع ببلده من عبد الله بن أيوب، ومنه أبو حامد ابن ظهيرة، وجاور بمكّة مدّة، وأمّ بمقام المالكية، ومات بها. قاله السيوطي.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «العيني» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 410) و «بغية الوعاة» (2/ 330) و «غاية النهاية» (2/ 365) .(8/386)
سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة
بها ابتدأ الحافظ ابن حجر كتابه «إنباء الغمر بأنباء العمر» [1] فإنه ولد في شعبانها.
وفيها أمر السّلطان الملك الأشرف الأشراف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خضر على العمائم ففعل ذلك بمصر والشام وغيرهما [2] ، وفي ذلك يقول عبد الله بن جابر الأندلسي نزيل حلب:
جعلوا لأبناء الرّسول علامة ... إنّ العلامة شأن من لم يشهر
نور النّبوّة في كريم وجوههم ... تغني الشّريف عن الطّراز الأخضر
وقال محمد بن [إبراهيم بن] بركة الدمشقي المزيّن [3] :
أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف
والأشرف السّلطان خصّهم بها ... شرفا ليفرقهم من الأطراف
وفيها توفي الأصيل المسند نجم الدّين أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المعروف بابن النّجم الحنبلي [4] .
__________
[1] طبع الكتاب في الهند سنة (1387) هـ، ثم صور في بيروت عام (1406) .
وقام الأستاذ الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله بتحقيق المجلد الأول ونشره في دمشق عام (1399) هـ ولم يكمل تحقيقه ونشره فيما بعد.
[2] قلت: ولا زال البعض منهم يفعله إلى أيامنا والخبر في «إنباء الغمر» (1/ 8) مع الأبيات.
[3] هو محمد بن إبراهيم بن بركة العبدلي المزيّن، الأديب الشاعر، مات سنة (811) هـ. انظر «الدليل الشافي» (2/ 577- 578) و «النجوم الزاهرة» (13/ 173) .
[4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 387) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 332) و «غاية النهاية» (1/ 39) و «الدّرر الكامنة» (1/ 105) و «إنباء الغمر» (1/ 21) .(8/387)
ولد سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وروى عن ابن البخاري، والتّقي بن عساكر، وغيرهما. وحدّث، وعمّر، وتفرّد.
وقال ابن حجي: سمعنا منه مسموعه من «مشيخة ابن البخاري» و «أمالي ابن سمعون» .
توفي ليلة الجمعة ثالث جمادى الآخرة ودفن بمقبرة جدّه.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن بلبان بن عبد الله الدمشقي المالكي [1] الفقيه المفتي، كاتب الحكم.
مات في صفر وخلّف مالا كثيرا.
وفيها بهاء الدّين أبو حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي بن يحيى بن تمّام السّبكي [2] .
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وكان اسمه أولا تمّاما ثم غيّره أبوه بعد أن بلغ سنّ التمييز، وحفظ القرآن صغيرا، وتلا على التّقي الصّايغ، وسمع من الحجّار وغيره، واشتغل بالعلوم فمهر فيها، وأفتى ودرّس، وله عشرون سنة. وولي وظائف أبيه بالقاهرة وله إحدى وعشرون سنة لما تحوّل والده إلى قضاء الشام.
قال ابن حبيب: إمام، علم، زاخر اليّم، مقرون بالوفاء الجم، وفضله مبذول لمن قصد وأمّ، وقلمه كم باب عدل فتح، وكم شمل معروف منح، وكان مواظبا على التّلاوة والعبادة وهو القائل:
أتتني فأولتني [3] الّذي كنت طالبا ... وحيّت فأحيت لي منى ومآربا
وقد كنت عبدا للكتابة أبتغي ... فرقّت على رقّي فصرت مكاتبا
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 115) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (29) وقد سقط اسمه من الفهرس فليستدرك ص 227 «الوفيات» لابن رافع (2/ 388- 389) و «الوافي بالوفيات» (7/ 246- 252) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 334) و «العقد الثمين» (3/ 383) و «الدّرر الكامنة» (1/ 210) و «إنباء الغمر» (1/ 21) و «النجوم الزاهرة» (11/ 121- 122) و «بغية الوعاة» (1/ 242) .
[3] في «ط» : «فآلتني» ورواية «إنباء الغمر» : «فآتتني» .(8/388)
وقال فيه والده وقد حضر درسه
دروس أحمد خير من دروس عليّ ... وذاك عند عليّ غاية الأمل
فقال الصلاح الصّفدي بديها:
لأنّ في الفرع ما في الأصل ثمّ له ... مزيّة وقياس النّاس فيه [1] جلي [2]
وذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: له فضائل وعلم جيد، وفيه أدب وتقوى، ساد وهو ابن عشرين سنة، ودرّس في مناصب أبيه، وأثنى على دروسه.
وقال غيره: كان كثير الحج والمجاورة والأوراد والمروءة، خبيرا بأمر دنياه وآخرته، ونال من الجاه ما لم ينله غيره، وولي إفتاء دار العدل، وقضاء الشام، وقضاء العسكر. وحدّث، فسمع منه الحفّاظ والأئمة، وصنّف «عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح» أبان فيه عن سعة دائرة في الفنّ، وصنّف غير ذلك.
توفي بمكّة في رجب وله ست وخمسون سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عثمان البكري بن المجد [3] الشاعر.
كانت له قدرة على النّظم وله مدائح في الأعيان.
ومن شعره قصيدة أولها:
رعاهم الله ولا روّعوا ... ما لهم ساروا ولا ودّعوا
مات بمنية ابن خصيب [4] في شهر رمضان.
__________
[1] في «آ» : «له» .
[2] رواية البيت في «الوافي بالوفيات» :
لأن الفرع ما في الأصل وله ... زيادة ودليل النّاس فيه جلي
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 278) و «إنباء الغمر» (1/ 23) و «النجوم الزاهرة» (11/ 122) .
[4] تصحفت في «ط» إلى «بمينة ابن خصيب» وهي مدينة كبيرة حسنة كثيرة الأهل والسكن على شاطئ النّيل في الصعيد الأدنى. انظر «معجم البلدان» (5/ 218) .(8/389)
وفيها أبو بكر بن رسلان بن نصير [1] البلقيني أخو سراج الدّين [2] .
كان يتردد إلى أخيه وهو أسنّ منه بقليل، وكان على طريقة والده. قدم على أخيه في هذه السنة ليزوّج ولده جعفر، فمرض عند الشيخ ومات، فأسف عليه لأنه مات في غربة وهو شقيقه، فصار يقول: ذهب أبو بكر سيذهب عمر، فبينا هو في هذه الحال إذ سمع قارئا يقرأ: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ في الْأَرْضِ 13: 17 [الرّعد: 17] فعاش بعد أخيه اثنتين وثلاثين سنة، وقد أنجب أبو بكر هذا أولادا نبغ منهم رسلان، وجعفر، وناصر الدّين.
وفيها تقي الدّين أبو بكر [بن] محمد العراقي ثم المصري الحنبلي [3] .
كان من فضلاء الحنابلة وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها بدر الدّين الحسن بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الغني المقدسي [4] .
سمع من سليمان بن حمزة وغيره، وتفقه، وبرع، وأفتى، وأمّ بمحراب الحنابلة بجامع دمشق.
توفي بالصالحية في ثامن عشري شعبان.
وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الجبرتي [5] المقرئ المؤدّب [6] ، نزيل مكّة.
سمع بدمشق من المزّي، وبمكّة من الوادي آشي، والزّين الطّبري،
__________
[1] في «ط» : «نصر» وهو خطأ.
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 24- 25) .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 466) و «إنباء الغمر» (1/ 25) و «السحب الوابلة» ص (137) ولفظة «بن» مستدركة منها جميعا.
[4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 391- 392) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 339) و «إنباء الغمر» (1/ 25) و «الدّرر الكامنة» (2/ 11) و «السحب الوابلة» (1/ 150) و «المقصد الأرشد» (1/ 315- 316) و «الجوهر المنضد» ص (25) و «القلائد الجوهرية» (2/ 305) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحيري» والتصحيح من مصادر الترجمة جميعا.
[6] انظر «العقد الثمين» (5/ 378) و «الدّرر الكامنة» (2/ 333) و «إنباء الغمر» (1/ 26) .(8/390)
وغيرهم. وحدّث، فسمع منه أبو حامد بن ظهيرة، ومات في صفر.
وفيها شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن العزّ محمد بن العزّ إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر الصّالحي الحنبلي [1] الشيخ الإمام الخطيب الفرضي.
ولد في رجب سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من ابن حمزة، وابن عبد الدائم، وغيرهما. وسمع منه شهاب الدّين بن حجي، وكان من خيار عباد الله، وله يد طولى في الفرائض، وله حلقة وخطابة بالجامع المظفّري.
توفي يوم الأربعاء مستهل جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها فخر الدّين عثمان بن محمد بن أبي بكر بن حسن الحرّاني ثم الدمشقي، ابن المغربل، ويعرف قديما بابن سينا [2] .
ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من القاسم بن مظفّر، وابن الشّيرازي، وغيرهما. وطلب بنفسه، وحصّل الكثير، وحدّث، وحجّ كثيرا.
وذكره الذهبي في «المختص» .
مات بحلب في حادي عشر ذي القعدة أو ذي الحجّة.
وفيها سراج الدّين عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنوي الهندي [3] ، قاضي الحنفية بالقاهرة. تفقه على الوجيه الرّازي بمدينة دلّي [4] بالهند، والسّراج الثّقفي،
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 386- 387) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 331- 332) و «الدّرر الكامنة» (2/ 340) و «إنباء الغمر» (1/ 26- 27) و «المقصد الأرشد» (2/ 110) و «الجوهر المنضد» ص (58) و «القلائد الجوهرية» (2/ 308- 309) و «السحب الوابلة» ص (127) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (154- 155) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 393) و «إنباء الغمر» (1/ 27- 28) و «الدّرر الكامنة» (2/ 448) .
[3] انظر «تاج التراجم» ص (167) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح، و «الدّرر الكامنة» (3/ 154) و «إنباء الغمر» (1/ 29) و «الفوائد البهية» ص (148) و «النجوم الزاهرة» (11/ 120- 121) .
[4] ذكرها أبو الفداء في «تقويم البلدان» ص (358) في معرض كلامه عن مدن الهند وقيدها فقال:(8/391)
والرّكن البداوني [1] ، وغيرهم من علماء الهند. وحجّ فسمع بمكة. وقدم القاهرة نحو سنة أربعين فسمع بها، وظهرت فضائله، ثم ولي قضاء العسكر بعد أن كان ينوب عن الجمال التّركماني، ثم عزل، ثم قويت شوكته لما مات علاء الدّين التركماني، وولي ولده جمال الدّين فاستنابه، ولم يستنب غيره، فاستبدّ بجميع الأمور، وعظمت منزلته عند السلطان حسن، وقرر [2] في قضاء الحنفية استقلالا سنة تسع وستين.
ومن تصانيفه: «شرح المغني» و «شرح الهداية» و «شرح بديع ابن الساعاتي» و «تائية ابن الفارض» .
قال ابن حجر: كان واسع العلم، كثير الإقدام والمهابة، وكان يتعصب للصّوفية الاتحادية، وعزّر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض.
مات في الليلة التي مات فيها البهاء السّبكي سابع رجب، وكان يكتب بخطّه مولدي سنة أربع وسبعمائة انتهى.
وفيها زين الدّين عمر بن عثمان بن موسى الجعفري الدمشقي [3] .
قال ابن حجر: تفقه، وبرع، ودرّس بالجاروخية، وخطب بجامع العقيبة.
مات في نصف المحرم راجعا من الحجّ.
وفيها أبو الفتح بن يوسف بن الحسن بن علي السّجزيّ [4] المكّي [5] دلّي: بدال مهملة، ولام مشدّدة مكسورتين، ثم مثناة تحتية.
قلت: وتعرف الآن ب «دهلي» أو «دلهي» وهو الاسم الشائع للمدينة الآن.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «البداوي» والتصحيح من «تاج التراجم» .
[2] في «ط» : «وقوي» .
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 382) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 328) و «إنباء الغمر» (1/ 31- 32) و «الدّرر الكامنة» (3/ 176) .
[4] في «آ» و «ط» : «البحيري» وفي «الدّرر» و «إنباء الغمر» : «الشحري» والتصحيح من «العقد الثمين» .
[5] انظر «العقد الثمين» (8/ 81- 82) و «إنباء الغمر» (1/ 32) و «الدّرر الكامنة» (3/ 235) .(8/392)
الحنفي، إمام مقام الحنفية بمكّة. صحب الشيخ أحمد الأهدل اليمني، وتزهد، ودار بمكّة وفي عنقه زنبيل.
وفيها كمال الدّين محمد بن فخر الدّين أحمد بن كمال الدّين عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد بن حامد الهلالي الإسكندراني المالكي بن الرّبعي [1] قاضي الإسكندرية وابن قاضيها.
ولد بها سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن مخلوف وغيره، وسمع بمكّة من عيسى المحجّي، وسمع منه الحافظ العراقي، وهو الذي أرّخه.
وفيها عزّ الدّين محمد بن أبي بكر بن علي الصّوفي الصّالحي [2] أحد المسندين بدمشق.
ولد سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وستمائة، وسمع من ابن القواس «معجم ابن جميع» ومن إسماعيل بن الفرّاء بعض «سنن ابن ماجة» وحدّث، وتفرّد، وهو أحد من أجاز عاما.
توفي بالصالحية في أحد الجمادين.
وفيها جمال الدّين أبو الغيث محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الخالق ابن الصّايغ الدمشقي [3] .
سمع من الحجّار، وأسماء بنت صصرى، وغيرهما. وولي قضاء حمص وغزّة، ودرّس بالعمادية بدمشق، وأقام عند جدّه بحلب مدة، وناب في الحكم بسرمين [4] ومات في ذي الحجّة عن نحو الأربعين سنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 32) .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 385- 386) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 330) و «إنباء الغمر» (1/ 32- 33) و «الدّرر الكامنة» (3/ 405) .
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 294- 295) و «ذيل العبر» (2/ 341- 342) و «إنباء الغمر» (1/ 33) و «الدّرر الكامنة» (3/ 484) و «النجوم الزاهرة» (11/ 120) .
[4] سرمين: بلدة مشهورة من أعمال حلب قريبة من إدلب. انظر «معجم البلدان» (3/ 215) و «موسوعة حلب المقارنة» للأسدي (4/ 343) .(8/393)
قال ابن حجر: وهو أخو شيخنا أبي اليسر أحمد.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن عيسى الاقصرائي [1] الحنفي.
قدم دمشق، وسمع على المزّي وغيره، ودرّس بالعزّيّة البرّانيّة بالشرف الأعلى، وخطب بها.
مات في ذي القعدة.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن يعقوب النابلسي [2] ثم الدمشقي بن الجواشنيّ [3] الحنفي.
سمع من عيسى المطعّم، وابن عبد الدائم، وغيرهما. وعني بالعلم، وناب في الحكم.
توفي [في] تاسع ربيع الآخر عن ستين سنة وأشهر.
وفيها محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي اللّوشي [4]- بفتح اللام وسكون الواو بعدها معجمة- الغرناطي.
سمع من جعفر بن الزّين «سنن النسائي الكبرى» و «الشفا» و «الموطأ» .
وأخذ عن فضل المعافري. وكان عارفا بالحديث وضبط مشكله، وبالقراءات وطرقها، مشاركا في الفقه.
توفي في جمادى الآخرة.
وفيها شرف الدّين يحيى بن عبد الله الرّهوني- نسبة إلى رهون [5]
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 392- 393) و «ذيل العبر» (2/ 339) و «إنباء الغمر» (1/ 34) و «الدّرر الكامنة» (4/ 207) .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 384- 385) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 330) و «إنباء الغمر» (1/ 34) و «الدّرر الكامنة» (2/ 242) .
[3] في «آ» و «ط» : «الحواسني» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 35) و «الدّرر الكامنة» (4/ 298) .
[5] في «ط» : «الزرهوني، نسبة إلى زرهون» وما جاء في النسخة «آ» موافق لما في «حسن المحاضرة» وهو الصواب.(8/394)
جبل قرب فاس- الفقيه المالكي [1] . اشتغل، ومهر، ودرّس بالشيخونية، والحديث في الصرغتمشية، وله تخاريج وتصانيف، وتخرّج به المصريون.
توفي في ثالث شوال.
وفيها يحيى بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى العامري اليلدي الحموي ابن الخباز [2] الشاعر الزجّال، تلميذ السّراج المحّار [3] . تمهّر، ونظم في الفنون، وشارك في الآداب، وكتب عنه الصّفدي وغيره، وكان يتشيّع.
مات في ذي الحجّة وقد عمّر طويلا.
قال الصّفدي: سألته عن مولده فقال: سنة سبع وتسعين وستمائة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 36) و «الدّرر الكامنة» (4/ 421) و «حسن المحاضرة» (1/ 460- 461) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 36- 37) و «الدّرر الكامنة» (4/ 426) و «النجوم الزاهرة» (11/ 121) .
[3] هو سراج الدّين عمر بن مسعود بن عمر المحّار الكناني الحلبي، نزيل حماة. مات في دمشق سنة (711) هـ. انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 193) و «الأعلام» (5/ 66) .(8/395)
سنة أربع وسبعين وسبعمائة
فيها كان الوباء الكثير بدمشق، دام قدر ستة أشهر، وبلغ العدد [1] في كل يوم مائتي نفر.
وفيها كان الحريق بقلعة الجبل داخل الدّور السلطانية، استمرّ أياما وفسد منه شيء كثير، ويقال: إن أصله من صاعقة وقعت.
وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الجعفريّ الدمشقي الحنفي [2] .
برع في الفقه، وناب في الحكم، ودرّس، وتوفي في المحرّم.
وفيها إبراهيم بن محمد بن عيسى بن مطير اليمني [3] .
كان عالما، صالحا، عارفا بالفقه، درّس وأفتى، وحدّث عن أبيه، وكان [4] مقيما بأبيات حسين من سواحل اليمن. وكان يلقّب ضياء الدّين. وسمع من الحجري وغيره، وحدّث. قاله ابن حجر.
وفيها أحمد بن رجب بن حسين بن محمد بن مسعود البغدادي [5] نزيل دمشق، والد الحافظ زين الدّين بن رجب الحنبلي.
__________
[1] يعني عدد الموتى.
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 396- 397) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 346) و «إنباء الغمر» (1/ 41) و «الدّرر الكامنة» (1/ 8) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 42) و «الدّرر الكامنة» (1/ 65) .
[4] في «ط» : «فكان» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 42- 43) و «الدّرر الكامنة» (1/ 130) .(8/396)
ولد ببغداد، ونشأ بها، وقرأ بالروايات، وسمع من مشايخها، ورحل إلى دمشق بأولاده فأسمعهم بها، وبالحجاز، والقدس، وجلس للإقراء بدمشق، وانتفع به. وكان ذا خير ودين وعفاف.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الوارث البكري الفقيه الشافعي [1] وهو والد الشيخ نور الدّين الذي ولي الحسبة، وأخو عبد الوارث المالكي، وجدّ نجم الدّين عبد الرحمن.
كان عارفا بالفقه والأصل والعربية، منصفا في البحث، اعتزل الناس في آخر عمره، وتوفي في رمضان.
وفيها الحافظ الكبير عماد الدّين إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع البصرويّ [2] ثم الدمشقي الفقيه الشافعي [3] .
ولد سنة سبعمائة، وقدم دمشق وله سبع سنين، سنة ست وسبعمائة مع أخيه بعد موت أبيه، وحفظ «التّنبيه» وعرضه سنة ثمان عشرة، وحفظ «مختصر ابن الحاجب» وتفقه بالبرهان الفزاري، والكمال بن قاضي شهبة، ثم صاهر المزّي.
وصحب ابن تيميّة، وقرأ في الأصول على الأصبهاني. وألّف في صغره «أحكام التّنبيه» . وكان كثير الاستحضار، قليل النسيان، جيد الفهم، يشارك في العربية وينظم نظما وسطا.
ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: الإمام المحدّث المفتي البارع.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 43) و «الدّرر الكامنة» (1/ 196) .
[2] في «آ» و «ط» : «البصري» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «المعجم المختص» ص (74- 75) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 358- 360) و «ذيل تذكرة الحفّاظ» ص (57) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 113- 115) و «الردّ الوافر» ص (92- 95) و «إنباء الغمر» (1/ 45- 47) و «الدّرر الكامنة» (1/ 373- 374) و «النجوم الزاهرة» (11/ 123) و «طبقات الحفّاظ» ص (529) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 36- 37) و «طبقات المفسرين» (1/ 110) و «البدر الطالع» (1/ 153) ومقدمتنا لرسالته «ذكر مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورضاعه» المنشورة في دار ابن كثير بتحقيقنا بالاشتراك مع الأستاذ ياسين محمد السوّاس، ضمن سلسلة نصوص تراثية عام (1407) هـ.(8/397)
ووصفه بحفظ المتون وكثرة الاستحضار جماعة، منهم الحسيني، و [ابن] العراقي وغيرهما.
وسمع من الحجّار، والقاسم ابن عساكر، وغيرهما. ولازم الحافظ المزّي وتزوّج بابنته، وسمع عليه أكثر تصانيفه، وأخذ عن الشيخ تقي الدّين بن تيميّة فأكثر عنه.
وقال ابن حبيب فيه: إمام روي التّسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل.
سمع، وجمع، وصنّف، وأطرب الأسماع بالفتوى وشنّف [1] ، وحدّث، وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ، والحديث، والتفسير.
وهو القائل:
تمرّ بنا الأيام تترى وإنّما ... نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عائد ذاك الشّباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدّر
ومن مصنفاته «التاريخ» المسمى ب «البداية والنهاية» [2] و «التفسير» [3] ، وكتاب في «جمع المسانيد العشرة» [4] واختصر «تهذيب الكمال» وأضاف إليه
__________
[1] جاء في «المعجم الوسيط» (1/ 496) : شنّف الآذان بكلامه: أمتعها به.
[2] نقوم بتحقيقه بالاشتراك مع عدد من الأساتذة الباحثين وفق منهج وضعه والدي الأستاذ المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، حفظه الله تعالى ونفع بأقواله وأعماله، معتمدين على ثلاث من مصورات نسخه الخطية الجيدة القيمة، وقد تمّ تحقيق بعض الأجزاء منه وسوف تأخذ طريقها إلى الطبع قريبا إن شاء الله تعالى في دار ابن كثير بدمشق وبيروت.
[3] طبع عدة مرات في مصر والشام وبيروت، أفضلها التي أصدرتها دار المعرفة ببيروت وقام بإعداد فهارس لها الأخ الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي بالاشتراك مع الأستاذين محمد سليم إبراهيم سمارة وجمال حمدي الذهبي.
وعلمت من الأخ الأستاذ علي مستو صاحب دار ابن كثير بأن الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم البنّا يقوم بتحقيقه في السعودية الآن بتكليف من إحدى دور النشر هناك.
[4] واسمه «جامع المسانيد» وقد جمع فيه بين الكتب الستة، ومسند أحمد، ومسند أبي يعلى الموصلي، ومسند البزار، والمعجم الكبير للطبراني، ورتب أسماء الصحابة من رواة الأحاديث على حروف المعجم، وعرّف بكل منهم عند وروده في الكتاب لأول مرة، ثم ذكر الأحاديث التي لكل راو،(8/398)
ما تأخر في «الميزان» . سمّاه «التكميل» و «طبقات الشافعية» وله «سيرة صغيرة» [1] وشرع في أحكام كثيرة حافلة كتب منها مجلدات إلى الحجّ، وشرح قطعة من «البخاري» وغير ذلك.
وتلامذته كثيرة، منهم: ابن حجي، وقال فيه: أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها، ورجالها، وصحيحها، وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك. وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلّا واستفدت منه.
وقال غيره كما قاله [2] ابن قاضي شهبة في «طبقاته» - كانت له خصوصية بابن تيميّة ومناضلة عنه واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك وأوذي.
وتوفي في شعبان ودفن بمقبرة الصّوفية عند شيخه ابن تيميّة انتهى.
__________
وذكر من روى عنهم من الصحابة والتابعين. ويعد هذا الكتاب من خيرة مصنّفات الحافظ ابن كثير في الحديث النبوي، وهو من أواخر الكتب التي صنّفها إن لم يكن آخرها، وقد توفي- رحمه الله- دون أن يتمه، غير أن ذلك لا يمنع من نشر القسم المتوفر منه، نظرا لما لآراء هذا الإمام العظيم في الأحاديث من القيمة الكبرى، ولا سيما الضعيفة منها.
وقد قام بتحقيق هذا القسم الموجود من الكتاب في مصر الأخ الدكتور عبد المعطي قلعجي حفظه الله، وتتولى طبعه الآن دار الفكر ببيروت وسيصدر في سبعة وثلاثين مجلدا كما ذكر لي.
ويقوم بتحقيقه في الرياض أيضا الأستاذ الشيخ عبد الملك بن عبد الله بن دهيش حفظه الله، وقد صدر المجلدان الأول والثاني منه من طبعته وقد تفضل وأرسلهما لي جزاه الله تعالى خير الجزاء.
[1] قلت: يريد كتابه «الفصول في اختصار سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم» ويعد هذا الكتاب أحد المصنّفات المختصرة القيمة التي تحدثت عن سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم باختصار مفيد نافع للعام والخاص، وذلك في القسم الأول منه. وأما القسم الثاني منه فقد تكلم فيه عن أحواله وشمائله وخصائصه صلّى الله عليه وسلّم باختصار نافع مفيد أيضا، الأمر الذي جعله محبّبا إلى قلوب الناس جميعا. وقد طبع هذا الكتاب أول مرة في مصر طبعة سقيمة غير محققة، ثم طبع للمرة الثانية في دمشق بتحقيق الأستاذين الفاضلين د. محمد عيد الخطراوي، ومحيي الدّين مستو، وهي طبعة جيدة محررة متقنة مفهرسة نافعة، كتب لها الانتشار فأعيد طبعها عدة مرات، آخرها التي صدرت حديثا عن دار ابن كثير بدمشق ودار التراث بالمدينة المنورة.
[2] في «ط» : «كما ذكره» .(8/399)
وفيها أبو بكر بن محمد بن يعقوب الشقّاني، المعروف بابن أبي حرمة [1] .
قال ابن حجر: كان فقيها، عارفا، فاضلا، زاهدا، صاحب كرامات شهيرة ببلاده، وهو من شقّان- بضم المعجمة وتشديد القاف وآخره نون من السواحل بين جدّة وحلي- انتهى.
وفيها رافع بن الفزاري الحنبلي [2] ، نزيل مدرسة الشيخ أبي عمر. تفقه وعني بالحديث، وكان يقول الشعر، وولع بكتاب ابن عبد القوي «النظم» وزاد فيه وناقشه في بعض المواضع. ونسخ [منه عدة نسخ] [3] .
وتوفي في ذي الحجّة بالطّاعون.
وفيها أبو قمر سليمان بن محمد بن حميد بن محاسن الحلبي ثم النّيربي الصّابوني [4] .
ولد سنة إحدى وسبعمائة بمصر، وأحضر على الحافظ الدّمياطي، وحدّث عن ستّ الوزراء، والحجّار. وذكره ابن رافع في «معجمه» ، وسمع منه البرهان محدّث حلب، وتوفي بالنّيرب في شهر رمضان.
وفيها عبد العزيز بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحقّ أبو فارس المرّينيّ [5] صاحب فاس.
لما مات أبوه أبو الحسن اعتقل، ثم أخرجه الوزير عمر بن عبد الله وبايعه
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 48) و «الدّرر الكامنة» (1/ 466) .
[2] انظر «المقصد الأرشد» (1/ 397- 398) و «السحب الوابلة» ص (168) .
[3] تنبيه: ما بين الحاصرتين مستدرك من «السحب الوابلة» وعزاه صاحبه ل «شذرات الذهب» ولم يرد في «آ» و «ط» منه ولعل صاحب «السحب الوابلة» قد وقف على نسخة أخرى من «الشذرات» فيها هذه الزيادة أو أنها وردت عنده من مصدر آخر، والله أعلم. وفي «المقصد الأرشد» : «ونسخ وجمع بعض المجاميع» .
[4] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 360) و «إنباء الغمر» (1/ 50- 51) و «الدّرر الكامنة» (2/ 162) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 53- 55) .(8/400)
وسلطنه، وذلك في شعبان سنة ثمان وستين، ثم قتل [1] الوزير لما همّ بخلعه، واستولى على أمواله، وتوجه من فاس إلى مرّاكش، ونازل أبا الفضل وقتله، ثم حارب عامر بن محمد المتغلّب بفاس حتّى هزمه، ثم ظفر به فقتله، وقتل تاشفين في سنة إحدى وسبعين، ثم ملك تلمسان يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين، ثم المغرب الأوسط، وثبتت قدمه، ودفع الثوار والخوارج، واستمال العرب، ولم يزل إلى [أن] طرقه ما لا بد منه، فمات بمعسكره من تلمسان في شهر ربيع الآخر، وتسلطن بعده ولده السّعيد محمد.
وفيها أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعد [2] الأنصاري بن معاذ [3] .
قال ابن حجر: كان يذكر أنه من ذرّية سعد بن معاذ الأوسي. وكان فاضلا، مشاركا في عدة علوم، متظاهرا بمذهب أهل الظّاهر، يناضل عنه ويجادل، مع شدّة بأس وقوة جنان، وكان يعاشر أهل الدولة، خصوصا القبط، وكتب بخطّه شيئا كثيرا خصوصا من كتب الكيمياء، وقد سمع من ابن سيّد النّاس ولازمه مدة طويلة، وسمع منه البرهان محدّث حلب، وأخذ عنه الشيخ أحمد القصير مذهب أهل الظّاهر، وكان يذكر لنا عنه فوائد ونوادر وعجائب.
توفي بمصر في رابع شوال.
وفيها علي بن الحسن بن قيس البابي الشّافعي [4] . عني بالعلم، وأفتى، وانتفع الناس به، ودرّس بالإسكندرية، ومات في صفر.
وفيها عمر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم الكنانيّ الصالحي، المعروف بابن الكفتي [5] .
__________
[1] في «ط» : «ثم قال» .
[2] في «الدّرر الكامنة» : «خضر» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 55- 56) و «الدّرر الكامنة» (3/ 5) .
[4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 398- 399) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 349) و «إنباء الغمر» (1/ 56) و «الدّرر الكامنة» (3/ 38) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 56) و «الدّرر الكامنة» (3/ 148) .(8/401)
سمع من ابن القوّاس «معجم ابن جميع» و «جزء ابن عبد الصّمد» وغير ذلك. وتفرّد بذلك، ومات في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة.
وفيها ولي الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف العثماني الدّيباجي، المعروف بابن المنفلوطي الشافعي [1] .
ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع من جماعة، وتفقه، وبرع في فنون العلم، وأخذ عن النّور الأردبيلي، وحدّث، وأشغل، وكان قد نشأ بدمشق ثم طلب إلى الدّيار المصرية في أيام النّاصر حسن، ودرّس بالمدرسة التي أنشأها، والتفسير بالمنصورية، وغيرهما.
قال الولي العراقي: برع في التفسير، والفقه، والأصول، والتصوف، وكان متمكنا من هذه العلوم، قادرا على التصرف فيها، فصيحا، حلو العبارة، حسن الوعظ، كثير العبادة والتّألّه. جمع وألّف، وأشغل وأفتى، ووعظ وذكّر، وانتفع النّاس به، ولم يخلّف في معناه مثله.
وقال الحافظ ابن حجي: كان من ألطف الناس وأظرفهم، شكلا وهيئة، وله تآليف بديعة الترتيب.
توفي في ربيع الأول، وذكر أنه لما حضرته الوفاة قال: هؤلاء ملائكة ربّي قد حضروا وبشّروني بقصر في الجنّة، وشرع يردد السلام عليكم، ثم قال: انزعوا ثيابي عنّي فقد جاءوا بحلل من الجنّة، وظهر عليه السّرور، ومات في الحال.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الصّمد بن مرجان الحنبلي [2] الشيخ الصّالح القدوة، شيخ التّلقين بمدرسة
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 400) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 350) و «إنباء الغمر» (1/ 57- 59) و «الدّرر الكامنة» (3/ 306) و «النجوم الزاهرة» (11/ 125) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 358) و «إنباء الغمر» (1/ 59) و «الدّرر الكامنة» (3/ 373) و «القلائد الجوهرية» (1/ 177) و «المقصد الأرشد» (1/ 365) و «الجوهر المنضد» ص (123) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 110- 111) .(8/402)
شيخ الإسلام أبي عمر. روى عن التّقي سليمان، ويحيى بن سعد الكثير، وحدّث، فسمع منه الحافظ ابن حجي، وتوفي في عاشر شعبان.
وفيها الحافظ تقي الدّين أبو المعالي محمد بن جمال الدّين رافع بن هجرس بن محمد بن شافع السّلّامي- بتشديد اللام- العميدي [1] المتقن المعمّر الرّحلة المصري المولد والمنشأ، ثم الدمشقي الشافعي.
ولد في ذي القعدة سنة أربع وسبعمائة، وأحضره والده على جماعة، وأسمعه من آخرين، واستجاز له الحافظ الدّمياطي وغيره، ورحل به والده إلى الشام سنة أربع عشرة، وأسمعه من طائفة، ورجع به. وتوفي والده فطلب بنفسه بعد وفاته في حدود سنة إحدى وعشرين، وتخرّج في علم الحديث بالقطب الحلبي، وابن سيّد الناس، وسمع [وكتب، ثم رحل إلى الشام أربع مرات، وسمع] [2] بها من حفّاظها المزّي، والبرزالي، والذهبي، وذهب إلى بلاد الشمال، ثم قدم الشام خامسا صحبة القاضي السّبكي واستوطنها ودرّس بها بدار الحديث النّورية وبالفاضلية، وعمل لنفسه «معجما» في أربع مجلدات، وهو في غاية الإتقان والضبط، مشحون بالفضائل والفوائد، مشتمل على أكثر من ألف شيخ، وجمع وفيات ذيّل بها على البرزالي. وصنّف ذيلا على تاريخ بغداد لابن النجار أربع مجلدات، وقد عدم هو و «المعجم» في الفتن، وتخرّج به جماعة من الفضلاء وانتفعوا به، وخرّج له الذهبي «جزءا من عواليه وحدّث قديما وحديثا.
وذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال فيه: العالم المفيد، الرحّال المتقن، إل غير ذلك.
وقال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: كان متقنا، محرّرا لما يكتبه، ضابطا لما ينقله، وعنه أخذت هذا العلم- أي علم الحديث- وقرأت عليه الكثير، وعلّقت
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (229- 230) و «ذيل تذكرة الحفّاظ» ص (52- 53) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 352- 355) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 166- 169) و «إنباء الغمر» (1/ 59- 62) و «الدّرر الكامنة» (3/ 439) و «النجوم الزاهرة» (1/ 124) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 94- 95) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .(8/403)
عنه فوائد كثيرة، وكان يحفظ «المنهاج» و «الألفية» لابن مالك، ويكرر عليهما.
وحصل له وسواس في الطهارة حتّى انحلّ بدنه وفسدت ثيابه وهيئته، ولم يزل مبتلى به إلى أن مات في جمادى الأولى بدمشق ودفن بباب الصغير.
وقال ابن حبيب: إمام تقدم في علم الحديث ودراسته، وتميّز بمعرفة أسماء ذوي إسناده وروايته، ورحل وطلب، وسمع بمصر ودمشق وحلب، وأضرم نار التحصيل وأجج، وقرأ، وكتب، وانتقى، وخرّج، وعني بما روي عن سيّد البشر.
وجمع «معجمه» [1] الذي يزيد على ألفي نفر. وكان لا يعتني بملبس ولا مأكل، ولا يدخل فيما أبهم عليه من أمر الدنيا أو أشكل، ويختصر في الاجتماع بالناس، وعنده في طهارة ثوبه وبدنه أيّ وسواس. انتهى.
وفيها ظهير الدّين أبو محمد محمد بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن قاسم بن العجمي الحلبي [2] .
سمع «صحيح البخاري» و «سنن ابن ماجة» وغير ذلك.
ولد سنة أربع وتسعين وستمائة. وسمع منه العراقي وأرّخه، وابن عساكر، وأبو إسحاق سبط ابن العجمي، وهو أقدم شيخ له، والبرهان آخر من روى عنه، وآخرون.
وكتب الطبّاق والأجزاء، ونسخ كثيرا من الكتب بالأجرة، وكان يسترزق من الشهادة، وإذا طلب منه السماع طلب الأجرة لما يفوته من الشهادة بقدر ما يكفيه من القوت. قاله ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن فخر الدّين عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب الحلبي الحنفي [3] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وجمع مسنده» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 60) وانظر «الوفيات» لابن رافع (1/ 44) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 345- 346) و «إنباء الغمر» (1/ 64) و «الدّرر الكامنة» (4/ 24) وكنيته فيه «أبو هاشم» .
[3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 361) و «إنباء الغمر» (1/ 64- 65) و «الدّرر الكامنة» (4/ 44) .(8/404)
قال ابن حجر: كان فاضلا، متواضعا، درّس بالأتابكية والقليجية، ومات في نيف وسبعين.
وقال ابن كثير: كان من أحاسن الناس وفيه حشمة ورئاسة وإحسان.
وأخوه شهاب الدّين أحمد [1] . كان فاضلا، رحل إلى مصر واشتغل بها، ومهر في المعقول، وولي قضاء عينتاب [2] .
وأخوهما علاء الدّين [3] تلمذ للقوام الأبزازي، ومهر في الفتوى.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم البكري [4] الفقيه الشافعي.
ولد سنة سبعمائة، واشتغل كثيرا، ثم ولي تدريس الفيّوم مدة طويلة، وكان عالما بالأصلين، والفقه، والعربية، والهيئة، وصنّف تصانيف مفيدة، وهو والد نور الدّين البكري، المعروف بابن قتيلة، مات بدهروط في شهر رمضان وهو يصلّي الصّبح.
وفيها ناصر الدّين محمد بن محمد بن أحمد بن الصّفي بن العطّار [5] الدمشقي الحنفي الحاسب.
نشأ في طلب العلم، وسمع الحديث، ومهر في الفقه، وبرع في الحساب، وأتقن المساحة إلى أن صار إليه [6] المنتهى في ذلك، والمرجع إليه عند الاختلاف، ولم يكن في دمشق من يدانيه في ذلك، ثم ترك ذلك بأخرة، واشتغل بالتّلاوة، وكان مأذونا له بالإفتاء ولوالده.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 65) في آخر ترجمة أخيه عثمان.
[2] قلت: وهكذا تلفظ في أيامنا «عينتاب» موصولة، وهي في «معجم البلدان» (4/ 176) مفصولة «عين تاب» وقال: قلعة حصينة ورستاق بين حلب وأنطاكية وكانت تعرف بدلوك، ودلوك رستاقها، وهي الآن من أعمال حلب.
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 65) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 66- 67) و «الدّرر الكامنة» (4/ 127) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 67) و «الدّرر الكامنة» (4/ 168) .
[6] في «ط» : «له» .(8/405)
ومن شعره:
حديثك لي أحلى من المنّ والسّلوى ... وذكرك شغلي كان في السّرّ والنّجوى
سلبت فؤادي بالتّجنّي وإنّني ... صبرت لما ألقى وإن زادت البلوى
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان الموصلي الشافعي [1] ، نزيل دمشق.
ولد على رأس القرن، وكتب الخطّ المنسوب، ونظم الشعر فأجاد، وكان أكثر مقامه بطرابلس، ثم قدم دمشق، وولي خطابة يلبغا واتّجر في الكتب، فترك تركة هائلة تبلغ ثلاثة آلاف دينار.
قال ابن حبيب: عالم علت رتبته الشهيرة، وبارع ظهرت في أفق المعارف شمسه المنيرة، وبليغ تثني على قلمه ألسنة الأدب، وخطيب تهتز لفصاحته أعواد المنابر من الطّرب. كان ذا فضيلة مخطوبة وكتابة منسوبة، وجرى في الفنون الأدبية ومعرفة بالفقه واللغة والعربية، وله نظم «المنهاج» ونظم «المطالع» وعدة من القصائد النّبوية، وهو القائل في الذهبي لما اجتمع به:
ما زلت بالطّبع أهواكم وما ذكرت ... صفاتكم قطّ إلّا همت من طربي
ولا عجيب إذا ما ملت نحوكم ... والنّاس بالطّبع قد مالوا إلى الذّهب
تصدّر بالجامع الأموي، وولي تدريس الفاضلية بعد ابن كثير.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الصّالحي، عرف بالمنبجي [2] الحنبلي الشيخ الإمام العالم. له مصنّف في الطّاعون وأحكامه، جمعه في الطّاعون الواقع سنة أربع وستين، وفيه فوائد غريبة.
وفيها بدر الدّين محمد بن شمس الدّين محمد ابن الشّهاب محمود الحلبي [3] ناظر الجيش والأوقاف بحلب. سمع على الحجّار، ومحمد بن
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 355) و «إنباء الغمر» (1/ 68- 69) .
[2] انظر «المقصد الأرشد» (2/ 524- 525) و «الجوهر المنضد» ص (156) و «السحب الوابلة» ص (448) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 69) .(8/406)
النحّاس، وغيرهما. وحدّث وولي عدة وظائف، وأخذ عنه الحافظ العراقي وغيره، وتوفي عن خمس وسبعين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن الصالح الدمشقي المالكي القفصي [1] . سمع من الشّرف البارزي وغيره وولي مشيخة الحديث بالسّامرية، وناب في الحكم، وتوفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها منكلي بغا بن عبد الله الشّمسي [2] أتابك العساكر بعد قتل أسندمر، وكان قبل نائب السلطنة بمصر، وولي إمرة دمشق، وحلب، وصفد، وطرابلس، وتزوّج بنت الملك الناصر، ثم بنت ابنه حسين أخت الملك الأشرف، وكان مشكور السيرة.
قال ابن كثير: أثر بدمشق آثارا حسنة وأحبه أهلها، وهو الذي فتح باب كيسان، وهو من عهد نور الدّين الشهيد لم يفتح، وجدّد خطبة بمسجد الشّهرزوري، وبنى بحلب جامعا من أحسن الجوامع، وعمر الخان عند جسر المجامع والخان بقرية سعسع.
وفيها شرف الدّين يعقوب ابن عبد الرحمن بن عثمان بن يعقوب بن خطيب القلعة الحموي [3] .
أخذ عن ابن جرير وغيره، ومهر في الفقه والعربية والقراءات، إلى أن انتهت إليه رئاسة العلم ببلده، وأخذ عنه أكثر فضلائها.
وذكره ابن حبيب في «تاريخه» وأثنى عليه، وقال: انتهت إليه مشيخة بلده، واشتهر بالعلم والدّين والصّلاح، وكان خطيبا بليغا واعظا مذكرا.
__________
[1] انظر «الوفيات» (2/ 398) و «ذيل العبر» (2/ 348) و «إنباء الغمر» (1/ 69- 70) و «الدّرر الكامنة» (4/ 296) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 361) و «إنباء الغمر» (1/ 70- 71) و «الدّرر الكامنة» (4/ 367) و «النجوم الزاهرة» (11/ 124- 125) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 71- 72) و «الدّرر الكامنة» (4/ 434) .(8/407)