بخراسان لطلب العلم والتقدم، وكان يعرف اللّسان الفارسي مع العربي، وهو حسن الحديث في الجدّ والهزل، توفي يوم الاثنين سابع رجب، وكان له يوم مشهود، ودفن في جوار أبيه في مقابر الشهداء بالباب الصغير. قاله حمزة بن القلانسي في «ذيل تاريخ دمشق» [1] .
وفيها عبد الله بن هبة الله بن محمد بن أحمد بن السّامري، الفقيه الحنبلي، أبو الفتح.
ولد يوم الاثنين ثاني عشري ذي الحجة، سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وسمع الكثير من ثابت بن بندار، وابن خشيش، وجعفر السرّاج، وغيرهم، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وحدّث اليسير، وروى عنه جماعة، توفي في ليلة الاثنين ثالث عشري محرم، سنة خمس وأربعين وخمسمائة، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب. قاله ابن رجب [2] .
وفيها أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الأواني الرّاذاني [3]- بالراء والمعجمة، نسبة إلى راذان، قرية ببغداد- ثم البغدادي، الفقيه الحنبلي، الواعظ الزاهد.
ولد بأوانا- قرية على عشرة فراسخ من بغداد-. سمع من ابن بيان، وابن خشيش، وابن ناصر، ولازمه إلى أن مات، وتفقّه على أبي سعد المخرّمي، ووعظ وتقدّم، ولما توفي ابن الزاغوني أخذ حلقته [4] بجامع
__________
[1] انظر ص (483) منه بتحقيق الدكتور سهيل زكار.
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 219) .
[3] انظر «الأنساب» (6/ 37) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 220) .
[4] في «آ» و «ط» : «أخذ عنه حلقته» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 220) مصدر المؤلف و «المنهج الأحمد» (2/ 305) .(6/236)
المنصور في النظر والوعظ، وطلبها ابن الجوزي فلم يعطها لصغر سنه، وسمع منه ابن السمعاني وأثنى عليه.
قال ابن الجوزي: توفي يوم الأربعاء رابع صفر، ودفن من الغد إلى جانب ابن سمعون [1] بمقبرة الإمام أحمد، وكان موته فجأة، فإنه دخل إلى بيته ليتوضأ لصلاة الظهر، فقاء فمات. وكان قد تزوّج وعزم تلك الليلة على الدخول بزوجته.
وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الفتح محمد بن علي بن محمد الحلواني [2] الفقيه الحنبلي الإمام، وقد سبق ذكر أبيه.
ولد سنة تسعين وأربعمائة، وتفقّه على أبيه، وأبي الخطّاب، وبرع في الفقه، وله «تفسير القرآن» في أحد وأربعين جزءا، وروى عن أبيه وعلي بن أيوب البزّار، والمبارك بن عبد الجبّار، وخلق.
وذكره ابن شافع، وابن النجار وأثنيا عليه.
وذكره ابن الجوزي وقال: كان يتّجر في الخلّ ويقتنع به، ولم يقبل من أحد شيئا، وتوفي يوم الاثنين سلخ ربيع الأول، وصلى عليه من الغد الشيخ عبد القادر [3] .
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن شمعون» وما أثبتناه من «المنتظم» (10/ 146) و «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 221) و «المنهج الأحمد» (2/ 305- 306) .
[3] يعني الجيلاني رحمه الله.(6/237)
سنة سبع وأربعين وخمسمائة
فيها توفي أمية بن عبد العزيز بن أبي الصّلت الأندلسي [1] ، نزيل إسكندرية. كان أديبا فاضلا، حكيما فيلسوفا، ماهرا في الطب، ورد القاهرة واتصل بوزير الآمر، ثم نقم عليه وحبسه ثم أطلقه، فقصد يحيى بن تميم صاحب القيروان فحسنت حاله عنده، ومن تصانيفه كتاب «الأدوية المفردة» و «الانتصار» في أصول الفقه، وغير ذلك.
ومن شعره:
قد كنت جارك والأيام ترهبني ... ولست أرهب غير الله من أحد
فنافستني الليالي فيك ظالمة ... وما حسبت الليالي من ذوي الحسد
وفيها أبو عبد الله بن غلام الفرس محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد الدّاني [2] المقرئ الأستاذ. أخذ القراءات عن أبي داود [3] وابن الدّش [4] ، وأبي الحسن بن شفيع، وغيرهم، وسمع من أبي علي الصدفي،
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 243- 247) و «الوافي بالوفيات» (9/ 402- 406) .
[2] انظر «معرفة القراء الكبار» (1/ 505- 506) و «العبر» (4/ 126) و «غاية النهاية» (2/ 121) .
[3] في «آ» و «ط» إلى «ابن داود» وما أثبتناه من المصادر المذكورة في التعليق السابق.
[4] كذا كتبها المؤلف والذهبي في «العبر» (4/ 126) : «ابن الدّش» أخذا برأي من يحذف الواو لالتقاء الساكنين، وكتبها الذهبي في «معرفة القراء الكبار» (1/ 451) و (1/ 505) : «ابن(6/238)
وتصدّر للإقراء مدة، ولتعليم العربية، وكان مشاركا في علوم جمّة، صاحب تحقيق وإتقان، وولي خطابة بلده، ومات في المحرم، عن خمس وسبعين سنة.
وفيها القاضي الأرموي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف، الفقيه الشافعي.
ولد ببغداد سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وسمع أبا جعفر بن المسلمة، وابن المأمون، وابن المهتدي، ومحمد بن علي الخيّاط، وتفرّد بالرواية عنهم، وكان ثقة صالحا، تفقّه على الشيخ أبي إسحاق، وانتهى إليه علو الإسناد بالعراق، توفي في رجب، وقد تولى قضاء دير العاقول في شبيبته، وكان يشهد في الآخر.
وفيها محمد بن منصور الحرضي النيسابوري، شيخ صالح، سمع القشيري ويعقوب الصيرفي والكبار، ومات في شعبان.
وفيها السلطان مسعود غياث الدّين أبو الفتح بن محمد بن ملكشاه ابن ألب أرسلان بن جغر بيك [1] السلجوقي. ربّاه بالموصل الأمير مودود ثم آق سنقر البرسقي [2] ثم جوش بك [3] فلما تمكّن أخوه السلطان محمود طمّعه جوش بك [3] في السلطنة، فجمع وحشد، والتقى أخاه، فانكسر مسعود، ثم الدّوش» وابن الجزري في «غاية النهاية» (1/ 548) و (2/ 121) بإثبات الواو، وقيدها الأخير بقوله: بضم الدال المهملة، بعدها واو ساكنة، بعدها شين معجمة ساكنة، وربما تحذف الواو لالتقاء الساكنين.
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «ابن طغربيك» وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 384- 386) و (18/ 414) والمصادر المذكورة في هامشه.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أفسق القرسقي» .
[3] في «آ» و «ط» : «جوس بك» وفي «سير أعلام النبلاء» : «خوش بك» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (5/ 200) و «العبر» بطبعتيه.(6/239)
تنقّلت به الأحوال، واستقل بالملك سنة ثمان وعشرين وامتدت أيامه، وكان منهمكا في اللهو واللعب، كثير المزاح، ليّن العريكة، سعيدا في دنياه، سامحه الله تعالى.
عاش [1] خمسا وأربعين سنة، ومات في جمادى الآخرة، وكان قد آذى المقتفي في الآخر فقنت عليه شهرا، فمات. قاله في «العبر» [2] .
__________
[1] في «ط» : «وعاش» .
[2] (4/ 127- 128) .(6/240)
سنة ثمان وأربعين وخمسمائة
فيها توفي ابن الطّلّاية أبو العبّاس أحمد بن أبي غالب بن أحمد البغدادي [1] الحنبلي، الورّاق الزاهد العابد. سمع من عبد العزيز الأنماطي وغيره، وانفرد بالجزء التاسع من «المخلّصيّات» حتّى أضيفت عليه، وقد زاره السلطان مسعود في مسجده بالحربية، فتشاغل عنه بالصلاة، وما زاده على أن قال له: يا مسعود، اعدل، وادع لي، الله أكبر، وأحرم بالصلاة، فبكى السلطان وأبطل المكوس والضرائب وتاب، وكان الشيخ من أعاجيب دهره في الاستقامة، لازم مسجده سبعين سنة لم يخرج منه إلا للجمعة، وكان متقللا من الدّنيا، متعبدا، لا يفتر ليلا ولا نهارا، لم يكن في زمنه أعبد منه، لازم ذلك حتّى انطوى طاقين، قانعا بثوب خام، وجرة ماء، وكسر يابسة، رحمه الله تعالى.
وفيها الرّفّاء عين الزّمان [2] أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي، الشاعر المشهور. كان رافضيا [3] هجّاء فائق النظم، له
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 260- 263) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 224) و «المنهج الأحمد» (2/ 309- 310) .
[2] في «آ» و «ط» : «عين النهار» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» (1/ 156) و «الوافي بالوفيات» (8/ 193) .
[3] في «ط» : «شيعيا» .(6/241)
ديوان شعر، وكان أبوه ينشد الأشعار ويغني في أسواق طرابلس، ونشأ أبو الحسين المذكور، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم اللغة والآداب، وقال الشعر، وقدم دمشق فسكنها، وكان رافضيا [1] كثير الهجاء، خبيث اللّسان، ولما كثر ذلك منه سجنه بوري بن أتابك طغتكين، صاحب دمشق مدة، وعزم على قطع لسانه، ثم شفعوا فيه فنفاه، وكان بينه وبين ابن القيسراني مكاتبات وأجوبة ومهاجاة، وكانا مقيمين بحلب ومتنافسين في صناعتهما كما جرت عادة المتماثلين.
ومن شعره من جملة قصيدة:
وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في منزل فالحزم أن يترحّلا
كالبدر لمّا أن تضاءل جدّ في ... طلب الكمال فحازه متنقّلا
سفها لحلمك أن رضيت بمشرب ... رنق [2] ورزق الله قد ملأ الملا
ساهمت عيسك مرّ عيشك قاعدا ... أفلا فليت بهنّ ناصية الفلا
فارق ترق كالسيف سلّ فبان في ... متنيه ما أخفى القراب وأخملا
لا تحسبنّ ذهاب نفسك ميتة ... ما الموت إلّا أن تعيش مذلّلا
للقفر لا للفقر هبها إنما ... مغناك ما أغناك أن تتوسّلا
لا ترض من دنياك ما أدناك من ... دنس وكن طيفا جلا ثمّ انجلى
وهي طويلة كلها حسن.
ومن محاسن شعره القصيدة التي أولها:
من ركّب البدر في صدر الرّديني ... وموّه [3] السّحر في حدّ اليمانيّ
__________
[1] في «ط» : «شيعيا» .
[2] في «آ» و «ط» : «زيف» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» .
[3] في «ط» : «ومره» .(6/242)
وأنزل النّيّر الأعلى إلى فلك ... مداره في القباء الخسروانيّ
طرف رنا أم قراب سلّ صارمه ... وأغيد ماس أم أعطاف خطّيّ
أذلّني بعد عزّ والهوى أبدا ... يستعبد اللّيث للظبي الكناسيّ
[ومنها أيضا] [1] :
وما يجنّ [2] عقيقيّ الشفاه من ال ... ريق الرّحيقيّ والثّغر الجمانيّ
لو قيل للبدر من في الأرض تحسده ... إذا تجلّى لقال ابن الفلانيّ
أربى عليّ بشتّى [3] من محاسنه ... تألّفت بين مسموع ومرئيّ
إباء فارس في لين الشآم مع الظّ ... رف العراقيّ والنّطق الحجازيّ
وما المدامة بالألباب أفتك من ... فصاحة البدر في ألفاظ تركيّ
وله أيضا:
أنكرت مقلته سفك دمي ... وعلا وجنته فاعترفت
[4]
لا تخالوا خاله في خدّه ... قطرة من دم جفني نطفت
ذاك من نار فؤادي جذوة ... فيه ساخت وانطفت ثم طفت
وكانت ولادته سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس، ووفاته في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بحلب، ودفن بجبل جوشن، وزرت قبره ورأيت [5] عليه مكتوبا:
من زار قبري فليكن موقنا ... أن الذي ألقاه يلقاه
فيرحم الله امرءا زارني ... وقال لي: يرحمك الله
__________
[1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[2] في «آ» و «ط» : «وما يحن» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» .
[3] في «آ» و «ط» : «بشيء» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» .
[4] في «آ» و «ط» : «فاحترقت» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» .
[5] في «ط» : «ووجدت» .(6/243)
ومنير: بضم الميم وكسر النون، وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها راء. انتهى ما قاله ابن خلّكان ملخصا.
وفيها رجّار [1] الفرنجي، صاحب صقلية، هلك في ذي القعدة بالخوانيق، وامتدت أيامه.
وفيها أحمد [2] بن عبد الرحمن بن محمد الأزجي القاضي أبو علي.
سمع من أبي محمد التميمي وغيره، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وولي قضاء المدائن وغيرها.
ذكره ابن السمعاني فقال: أحد فقهاء الحنابلة وقضاتهم، كتبت عنه يسيرا. توفي يوم السبت سابع عشر شعبان.
وفيها أبو الفتح الكروخي- بالفتح وضم الراء، آخره معجمة، نسبة إلى كروخ، بلد بنواحي هراة- عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الهروي، الرجل الصالح، راوي «جامع الترمذي» . كان ورعا ثقة، كتب بالجامع نسخة ووقفها، وكان يعيش من النسخ، حدّث ببغداد، ومكّة، وعاش ستا وثمانين سنة، توفي في ذي الحجّة.
وفيها أبو الحسن البلخي علي بن الحسن الحنفي الواعظ الزاهد، درّس بالصّادريّة، ثم جعلت له دار الأمير طرخان مدرسة، وقام عليه الحنابلة لأنّه تكلّم فيهم، وكان يلقّب برهان الدّين، وكان زاهدا معرضا عن الدّنيا، وهو الذي قام في إبطال (حيّ على خير العمل) من حلب، وكان معظما
__________
[1] تصحف في «آ» و «ط» إلى «رحار» والتصحيح من «الكامل في التاريخ» (11/ 187) و «وفيات الأعيان» (6/ 218) و «العبر» (4/ 130) .
[2] في «آ» و «ط» : «حمد» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 223) و «المنهج الأحمد» (2/ 309) .(6/244)
مفخما في الدولة، درّس أيضا بمسجد خاتون ومدرسته داخل الصدرية. قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي محدّث بغداد، كان خيّرا متواضعا متقنا مكثرا، صاحب حديث وإفادة. روى عن أبي نصر الزّينبي وخلق، وتوفي في المحرم، عن أربع وثمانين سنة.
وفيها القاضي أبو المعالي الحسن بن محمد بن أبي جعفر البلخي الشافعي، تفقّه على البغوي، وروى عنه أبو سعد بن السمعاني، وأثنى عليه، وذكر أنه توفي في رمضان. قاله الإسنوي [2] .
وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسين بن محمد ابن عمر بن زيد عماد الدين أبو محمد النّيهي [3]- بكسر النون، وسكون التحتية، وهاء، نسبة إلى نيه، بلدة صغيرة بين سجستان وإسفرايين- الشافعي.
قال ابن السمعاني في «الأنساب» [4] : كان إماما فاضلا عالما عاملا، حافظا للمذهب، راغبا في الحديث ونشره، ديّنا مباركا، كثير الصلاة والعبادة، حسن الأخلاق، تفقّه على البغوي، وتخرّج عليه جماعة كثيرة من العلماء، وروى الحديث عن جماعة، وحضرت مجالس أماليه بمرو مدة مقامي.
__________
[1] (4/ 131) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 252) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 359- 360) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 475- 476) .
[4] انظر «الأنساب» (12/ 189) وقد نقل المؤلف كلامه عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.(6/245)
وقال غيره: كان شيخ الشافعية بتلك الدّيار، وله كتاب في المذهب وقف عليه ابن الصلاح وانتخب منه غرائب، وتوفي في شعبان.
وفيها عبد الرحمن بن محمد البوشنجي الخطيبي [1] الفقيه الشافعي، تفقّه على أبي نصر بن القشيري وغيره. احترق في فتنة الغزّ بمرو في المنارة.
قاله ابن الأهدل.
وفيها الملك العادل علي بن السلّار الكردي ثم المصري، وزير الظافر. أقبل من ولاية الإسكندرية إلى القاهرة ليأخذ الوزارة بالقهر، فدخل وحكم، ففرّ الوزير نجم الدّين سليم بن [محمد بن] مصال [2] ، وجمع العساكر وجاء، فجهز ابن السلّار جيشا لحربه، فالتقوا بدلاص [3] . فقتل ابن مصال وطيف برأسه في سنة أربع وأربعين، وكان ابن السلّار سنّيا شافعيا شجاعا مقداما، بنى للسّلفيّ مدرسة معروفة، لكنه جبار عنيد، ظالم، شديد البأس، صعب المراس، وكان زوج أم عبّاس بن باديس، فقتله نصر بن عبّاس هذا على فراشه بالقاهرة في المحرم، وولي عبّاس الملك.
وفيها الشهرستاني الأفضل، محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح الشافعي المتكلم، صاحب التصانيف، أخذ علم النظر والأصول عن أبي القاسم الأنصاري، وأبي نصر بن القشيري، ووعظ ببغداد، وظهر له القبول التام.
قال في «العبر» [4] : واتهم بمذهب الباطنية.
وقال ابن قاضي شهبة [5] : صنّف كتبا كثيرة، منها «نهاية الإقدام في علم
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 211- 212) .
[2] ما بين الحاصرتين مستدرك من «وفيات الأعيان» (3/ 416) وحاشية «النجوم الزاهرة» (5/ 295) .
[3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 459) : دلاص، كورة بصعيد مصر على غربي النيل.
[4] (4/ 132) .
[5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 366- 368) .(6/246)
الكلام» ، وكتاب «الملل والنّحل» و «تلخيص الأقسام لمذاهب الأعلام» .
وقال ابن خلّكان [1] : كان إماما، مبرّزا، فقيها، متكلما، واعظا، توفي في شعبان.
وقال ابن الأهدل [2] : سمع الحديث من ابن المديني، وكتب عنه ابن السمعاني، وعظم صيته في الدّنيا.
وشهرستان: اسم لثلاث مدن.
الأولى: بين نيسابور وخوارزم.
والثانية: قصبة ناحية نيسابور.
والثالثة: مدينة على نحو ميلين من أصبهان. انتهى.
وفيها أبو علي محمد بن عبد الله بن محمد البسطامي [3] الشافعي المعروف بإمام بغداد. كان فقيها مناظرا، وشاعرا مجيدا، تفقّه على إلكيا الهرّاسي، وسمع من ابن العلّاف، ولم يحدّث شيئا، وتوفي ببلخ [4] [سنة] ثمان وأربعين وخمسمائة. ذكره ابن السمعاني.
وفيها أبو طاهر السّنجي- بالكسر والسكون، نسبة إلى سنج بجيم قرية بمرو- محمد بن محمد بن عبد الله المروزي [5] الحافظ، خطيب مرو، تفقّه على أبي المظفّر السمعاني، وعبد الرحمن البزّاز. وسمع من طائفة، ولقي ببغداد ثابت بن بندار وطبقته، ورحل مع أبي بكر بن السمعاني، وكان ذا معرفة وفهم، مع الثقة والفضل والتعفف، توفي في شوال، عن بضع وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 273) ولفظة «واعظا» لم ترد فيه.
[2] انظر «مرآة الجنان» لليافعي (3/ 290) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 253) و «الوافي بالوفيات» (3/ 333) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سلخ» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي ولفظة «سنة» مستدركة منه.
[5] انظر «الأنساب» (7/ 166) و «العبر» (4/ 132- 133) .(6/247)
وفيها أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكشميهني المروزي الخطيب، شيخ الصوفية ببلده، وآخر من روى عن محمد بن أبي عمران «صحيح البخاري» عاش ستا وثمانين سنة.
وفيها أبو عبد الله بن القيسراني محمد بن نصر بن صغير [1] بن خالد الأديب، حامل لواء الشعر في عصره، تولى إدارة الساعات التي بدمشق مدة، ثم سكن حلب، وكان عارفا بالهيئة، والنجوم، والهندسة، والحساب، مدح الملوك والكبار، وعاش سبعين سنة، ومات بدمشق.
قال ابن خلّكان [2] : كان [هو، و] ابن منير ينسب إلى التحامل على الصحابة، رضوان الله عليهم، ويميل إلى التشيع، فكتب إليه ابن القيسراني، وقد بلغه أنه هجاه، قوله:
ابن منير هجوت مني ... حبرا أفاد الورى صوابه
ولم تضيّق بذاك صدري ... فإن لي أسوة الصحابة
ومن محاسن شعره قوله:
كم ليلة بتّ من كأسي وريقته ... نشوان أمزج سلسالا بسلسال
وبات لا تحتمي عنّي [3] مراشفه ... كأنّما ثغره ثغر بلا وال
وقوله في مدح خطيب:
شرح المنبر صدرا ... لتلقّيك رحيبا
أترى ضمّ خطيبا ... منك أم ضمخ طيبا
وقوله في الغزل:
بالسفح من لبنان لي ... قمر منازله القلوب
__________
[1] تصحف في «ط» إلى «صعير» .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 458- 461) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3] في «آ» و «ط» : «عنه» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وفي «الوافي بالوفيات» (5/ 114) :
«منّي» .(6/248)
حملت تحيته الشما ... ل فردّها عنّي الجنوب
فرد الصفات غريبها ... والحسن في الدّنيا غريب
لم أنس ليلة قال لي ... لما رأى جسمي [1] يذوب
بالله قل لي من أعلّ ... ك يا فتى؟ قلت: الطبيب
وكانت ولادته بعكا سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي ليلة الأربعاء حادي عشري شعبان بدمشق، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها محمد بن يحيى العلّامة أبو سعد [2] النيسابوري محيي الدّين، شيخ الشافعية، وصاحب الغزالي، انتهت إليه رئاسة المذهب بخراسان [3] وقصده الفقهاء من البلاد، وصنف التصانيف، منها «المحيط في شرح الوسيط» .
وهو القائل:
وقالوا يصير الشّعر في الماء حيّة ... إذا الشمس لاقته فما خلته صدقا
[4]
فلمّا التوى صدغاه في ماء وجهه ... وقد لسعا قلبي تيقّنته حقّا
[5] توفي في رمضان شهيدا على يد الغزّ- قبحهم الله- عن اثنتين وسبعين سنة، ورثاه جماعة، منهم: علي البيهقي فقال:
يا سافكا دم عالم متبحّر ... قد طار في أقصى الممالك صيته
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «جسدي» .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (223- 224) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (7/ 25- 28) بتحقيق الطناحي والحلو، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 312- 315) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 369- 370) وقد كنّي في بعض المصادر بأبي سعيد.
[3] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه، و «مرآة الجنان» (3/ 291) : «انتهت إليه رئاسة المذهب بخراسان» وفي المصادر الأخرى: «وانتهت إليه رئاسة المذهب بنيسابور» .
[4] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «فما خلته حقا» .
[5] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «تيقنته صدقا» .(6/249)
بالله قل لي يا ظلوم ولا تخف ... من كان محيي الدّين [1] كيف تميته
وفيها محمود بن الحسين بن بندار، أبو نجيح، الطّلحي [2] الواعظ المحدّث الحنبلي. سمع الحديث الكثير، وطلبه بنفسه، وقرأ وسمع بأصبهان كثيرا من يحيى بن مندة الحافظ وغيره، ورحل إلى بغداد وسمع بها من ابن الحصين، والقاضي أبي الحسين، وكتب بخطه كثيرا، وخطه حسن متقن، ووعظ وقال الشعر، وسمع منه ابن سعدون القرطبي. وحدّث عنه محمد بن مكّي الأصبهاني بها وغيره.
وفيها نصر بن أحمد بن مقاتل السّوسي ثم الدمشقي [3] . روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء وجماعة، وكان شيخا مباركا، توفي في ربيع الأول.
وفيها هبة الله بن الحسين بن أبي شريك الحاسب [4] ، مات ببغداد في صفر. سمع من أبي الحسين بن النّقور، وكان حشريا مذموما.
وفيها أبو الحسين المقدسي [5] الزاهد، صاحب الأحوال والكرامات، دوّن الشيخ الضياء سيرته في جزء، وقبره بحلب يزار.
__________
[1] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «يحيي الدّين» .
[2] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 308) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 222- 223) .
[3] انظر «العبر» (4/ 134) .
[4] انظر «العبر» (4/ 134) .
[5] انظر «العبر» (4/ 134) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 380- 384) ولا يعرف اسمه.(6/250)
سنة تسع وأربعين وخمسمائة
فيها في صفر أخذ نور الدّين دمشق من مجير الدّين أبق بن محمد ابن بوري بن طغتكين، على أن يعوّضه بحمص، فلم يتم، وأعطاه بالس [1] ، فغضب وسار إلى بغداد، وبنى بها دارا فاخرة، وبقي بها مدة، وكانت الفرنج قد طمعوا في دمشق بحيث أن نوّابهم استعرضوا من بدمشق من الرقيق، فمن أحب المقام تركوه، ومن أراد العود إلى وطنه أخذوه قهرا، وكان لهم على أهل دمشق القطيعة كلّ سنة، فلطف الله، واستمال نور الدّين أحداث دمشق، فلما جاء ونازلها استنجد أبق بالفرنج، وسلّم إليه النّاس البلد من شرقيه، وحاصر أبق في القلعة، ثم نزل بعد أيام، وبعث المقتفي عهدا بالسلطنة لنور الدّين وأمره بالمسير إلى مصر، وكان مشغولا بحرب الفرنج.
وفيها توفي الظافر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدّين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي الرافضي. بقي في الولاية خمسة أعوام، ووزر له ابن مصال، ثم ابن السلّار، ثم عبّاس، ثم إن عبّاسا وابنه نصرا قتلا الظافر غيلة في دارهما وجحداه في شعبان، وأجلس عباس في الدست الفائز عيسى بن الظافر صغيرا، وكان الظافر شابا لعّابا منهمكا في
__________
[1] بالس: بلدة بين حلب والرّقّة على عشرين فرسخا من حلب. انظر «الأنساب» (2/ 54) و «معجم البلدان» (1/ 328) .(6/251)
الملاهي والقصف، فدعاه نصر إليه، وكان يحبّ نصرا. فجاءه متنكّرا معه خويدم، فقتله وطمره. وكان من أحسن أهل زمانه، عاش اثنتين وعشرين سنة.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : بنى الظّافر الجامع الظّافري داخل باب زويلة، ودعاه عبّاس- وكان خصيصا به- إلى داره التي هي اليوم مدرسة الحنفية، وتعرف بالسيفية، فقتله ومن معه ليلا، وأقام ولده الفائز عيسى، ثم اطلع أهل القصر على القصة، فكاتبوا الصالح، فقصد القاهرة ومعه جيش، فهرب نصر بن عبّاس وأبوه، وكان قد دبّر ذلك أسامة بن منقذ، فخرج معهما، ودخل الصالح القاهرة، وأتوا إلى الدار، فأخرجوا الظافر من تحت بلاطة وحملوه إلى تربتهم التي في القصر، وكاتبت أخت الظافر الفرنج بعسقلان وشرطت لهم مالا على إمساك عباس، فخرجوا عليه، فصادفوه فقتلوه، وأمسكوا نصرا وجعلوه في قفص من حديد، وأرسلوه إلى القاهرة، فقطعوا يديه وقرضوا جسمه بالمقاريض، وصلبوه على باب زويلة، وبقي سنة ونصفا مصلوبا. انتهى.
وفيها أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي صفي الدّين النيسابوري. سمع من جدّه ومن جدّه لأمه طاهر الشحامي، ومحمد بن عبيد الله الصرّام، وطبقتهم، وكان رأسا في معرفة الشروط. حدّث ب «مسند أبي عوانة» ومات من الجوع بنيسابور في فتنة الغزّ، وله خمس وسبعون سنة.
قاله في «العبر» [1] .
وفيها عبيد الله بن المظفّر الباهلي الأندلسي [2] . خدم السلطان
__________
[1] (4/ 136- 137) .
[2] انظر «خريدة القصر» (قسم شعراء المغرب) ص (289- 299) و «وفيات الأعيان» (3/ 123- 124) و «نفح الطيب» (2/ 133- 135) .(6/252)
محمد بن ملكشاه، وأنشأ له مرستانا يحمل على الجمال في الأسفار، وكان شاعرا خليعا، له ديوان شعر سماه «نهج الوضاعة» [1] يذكر فيه مثالب الشعراء الذين كانوا بدمشق، وكان يهاجي أهل عصره ويرثي من يموت. حبّابا للمجون والهزل، وكان يجلس على دكان بجيرون للطب [2] ، ويدمن شرب الخمر، ولما مات ابن القيسراني رثاه بقوله:
مذ توفي محمد القيسراني ... هجرت لذّة الكرا أجفاني
لم يفق بعده الفؤاد من الحز ... ن ولا مقلتي من الهملان
في أبيات كثيرة فيها مجون.
ولما مات رثاه عرقلة الدمشقي بقوله:
يا عين سحّي بدمع ساكب ودم ... على الحكيم الذي يكني أبا الحكم
قد كان لا رحم الرّحمن شيبته ... ولا سقى قبره من صيّب الدّيم
شيخا يرى الصلوات الخمس نافلة ... ويستحل دم الحجّاج في الحرم
وفيها عبد الخالق بن زاهر بن طاهر، أبو منصور الشحّامي الشروطي المستملي. سمع من جدّه، وأبي بكر بن خلف، وطبقتهما، وهلك في العقوبة والمطالبة في فتنة الغزّ، وله أربع وسبعون سنة. وكان يملي ويستملي في الآخر.
وفيها الحافظ دادا النّجيب، أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن الحسين ابن محمد بن دادا الجرباذقاني المنعوت بالمنتجب. كان ذا علم ودين [وتعفف متين] أثنى عليه ابن نقطة وغيره. قاله ابن ناصر الدّين [3] .
__________
[1] واسمه الكامل: «نهج الوضاعة لأولي الخلاعة» كما في «الخريدة» و «نفح الطيب» .
[2] في «آ» : «للطلب» .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (164/ آ) وما بين حاصرتين زيادة منه.(6/253)
وفيها أبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي الدمشقي. سمع أبا القاسم المصّيصي. وصحب [1] نصر المقدسي مدة.
وفيها أبو الفتح الهروي محمد بن عبد الله بن أبي سعد الصوفي، الملقب بالشيرازي. أحد الذين جاوزوا المائة، صحب شيخ الإسلام وغيره، وكان من كبار الصالحين.
وفيها أبو المعمّر الأنصاري المبارك بن أحمد الأزجي الحافظ. سمع أبا عبد الله النّعالي فمن بعده، وله «معجم» في مجلد، وكان سريع القراءة معتنيا [2] بالرواية.
وفيها المظفّر بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن جهير الوزير ابن الوزير، أبو نصر بن أبي القاسم. ولي وزارة المقتفي سبع سنين، وعزل سنة اثنتين وأربعين، وتوفي في ذي الحجة، عن نيف وستين سنة.
وفيها مؤيّد الدولة ابن الصّوفي الدمشقي، وزير صاحب دمشق أبق.
كان ظلوما غشوما، فسرّ الناس بموته، ودفن بداره [3] بدمشق.
وفيها أبو المحاسن البرمكي نصر بن المظفّر الهمذاني، ويعرف بالشخص العزيز. سمع أبا الحسين بن النّقور، وعبد الوهاب بن مندة، وتفرّد في زمانه، وقصده الطلبة.
__________
[1] في «آ» و «ط» «وسمع نصر» وما أثبتناه من «العبر» بطبعتيه.
[2] في «العبر» بطبعتيه: «معنيا» .
[3] في «آ» : «في داره» .(6/254)
سنة خمسين وخمسمائة
فيها توفي أبو العبّاس الأقليشي أحمد بن معد بن عيسى التّجيبي الأندلسي الدّانيّ [1] . سمع أبا الوليد بن الدبّاغ وطائفة، وبمكّة من الكروخي، وكان زاهدا عارفا علّامة متقنا، صاحب تصانيف، وله شعر في الزهد ومن تصانيفه كتاب «النجم» .
وفيها أحمد الحريزي، كان عاملا للمقتفي على نهر الملك، وكان من أظلم العالم، يظهر الدين ويجلس على السجادة وبيده سبحة [2] يسبّح بها، ويقرأ القرآن، ويعذب الناس بين يديه، يعلّق الرجال بأرجلهم والنساء بثديهنّ، ويومئ إلى الجلّاد الرأس الوجه، دخل إلى الحمام، فدخل عليه ثلاثة فضربوه بالسيوف حتّى قطّعوه، فحمل إلى بغداد ودفن بها، فأصبح وقد خسف بقبره. قاله ابن شهبة.
وفيها أبو عثمان العصائديّ [3] إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري.
روى عن طاهر بن محمد الشحّامي وطائفة، وكان ذا رأي وعقل، عمّر تسعين سنة.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 358) .
[2] في «ط» : «مسبحة» .
[3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الغضائري» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه، و «النجوم الزاهرة» (5/ 321) .(6/255)
وفيها سعيد بن أحمد بن الإمام أبي محمد الحسن بن أحمد [بن البنّاء] البغدادي أبو القاسم الحنبلي. سمع ابن البسري، وأبا نصر الزّينبي، وعاش ثلاثا وثمانين سنة. توفي في ذي الحجة.
وفيها أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب.
سمع رزق الله التميمي، والحميدي، ومات في صفر.
وفيها محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر الحافظ الثقة البغدادي السلامي أبو الفضل [1] محدّث العراق.
ولد سنة سبع وستين وأربعمائة، وسمع علي بن البسري، وأبا طاهر بن أبي الصقر، والبانياسي، وطبقتهم، وأجاز له من خراسان أبو صالح المؤذّن، والفضل بن المحب، وأبو القاسم بن عليّك وطبقتهم، وعني بالحديث بعد أن برع في الفقه [2] وتحول من مذهب الشافعي إلى مذهب الحنابلة.
قال ابن النجار: كان ثقة ثبتا، حسن الطريقة، متدينا، فقيرا، متعففا، نظيفا، نزها، وقف كتبه، وخلّف ثيابا خلقة وثلاثة دنانير، ولم يعقب.
وقال فيه أبو موسى المديني الحافظ: هو مقدّم أصحاب الحديث في وقته ببغداد.
وقال ابن رجب [3] : كان والده شابا تركيا، محدّثا فاضلا، من أصحاب أبي بكر الخطيب الحافظ. توفي في شبيبته، وأبو الفضل هذا صغير، فكفله جده لأمه أبو حكيم الحيري الفرضي، فأسمعه في صغره شيئا يسيرا من الحديث، وأشغله بحفظ القرآن، والفقه على مذهب الشافعي. ثم إنه صحب
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 139) و «النجوم الزاهرة» (5/ 321) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «في اللغة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 225- 229) .(6/256)
أبا زكريا التبريزي اللغوي، وقرأ عليه الأدب واللغة، حتى مهر في ذلك. ثم جدّ في سماع الحديث، وصاحب ابن الجواليقي.
وكان في أول الأمر أبو الفضل أميل إلى الأدب، وابن الجواليقي أميل إلى الحديث، وكان الناس يقولون: يخرج ابن ناصر لغوي بغداد، وابن الجواليقي محدّثها، فانعكس الأمر فصار ابن ناصر محدّث بغداد، وابن الجواليقي لغويها، وخالط ابن ناصر الحنابلة، ومال إليهم وانتقل إلى مذهبهم لمنام رأى فيه النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له: «عليك بمذهب الشّيخ أبي منصور الخيّاط» .
قال السّلفي: سمع ابن ناصر معنا كثيرا، وهو شافعي أشعري، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع، ومات عليه، وله جودة حفظ وإتقان، وهو ثبت إمام.
وقال ابن الجوزي: كان حافظا ضابطا مفتيا ثقة، من أهل السّنّة، لا مغمز فيه، وكان كثير الذكر، سريع الدمعة، وهو الذي تولى تسميعي الحديث، وعنه أخذت ما أخذت من علم الحديث.
[وقال أيضا] : قرأت عليه ثلاثين سنة، ولم أستفد من أحد كاستفادتي منه.
وقال ابن رجب: ومن غرائب ما حكي عن ابن ناصر، أنه كان يذهب إلى أن السلام على الموتى، يقدم فيه لفظة «عليكم» فيقال عليكم السلام، لظاهر حديث أبي جريّ الهجيميّ [1] وذكر في بعض تصانيفه أن
__________
[1] قلت: في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف: «لظاهر حديث أبي حري الهجيمي» ، وهو تصحيف والتصحيح من «سنن أبي داود» رقم (4084) و «عمل اليوم والليلة» للنسائي رقم (318) ونص الحديث عند أبي داود: «حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن أبي عفار، حدثنا أبو تميمة الهجيمي عن أبي جريّ جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر الناس(6/257)
الإحداد [1] على الميت بترك الطيب والزينة لا يجوز للرجال [بحال] [2] ويجوز للنساء على أقاربهم ثلاثة أيام دون زيادة عليها، ويجب على المرأة على زوجها المتوفى [عنها] [2] أربعة أشهر وعشرا. انتهى.
وفيها عبد الملك بن محمد بن عبد الملك اليعقوبي المؤدّب أبو الكرم [3] .
ولد بعد السبعين والأربعمائة، وسمع من أبي الثرى، وأبي الغنائم بن المهتدي، وغيرهما، وحدّث، وسمع منه ابن الخشّاب، وابن شافع، وكان رجلا صالحا من خيار أصحابنا الحنابلة، تفقّه على ابن عقيل، وسمع الحديث الكثير.
ومن شعره:
يا أهل ودّي ويا أهلا [4] دعوتكم ... بالحقّ لكنّها العادات والنّوب
أشبهتم الدّهر في تلوين صبغته ... فكلكم حائل الألوان منقلب
وفيها أبو الكرم الشّهرزوري [5] ، المبارك بن الحسن البغدادي [6] عن رأيه، لا يقول شيئا إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قلت:
عليك السلام يا رسول الله، مرتين، قال: «لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك ... » وهو كذلك عند النسائي في «عمل اليوم والليلة» . وأبو جريّ اسمه جابر بن سليم، أو سليم بن جابر، وانظر «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» للمزي (9/ 138) و (2/ 144- 145) .
__________
[1] في «ط» : «الحداد» وكلاهما بمعنى. انظر «لسان العرب» (حدد) .
[2] ما بين حاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 229- 230) و «المنهج الأحمد» (2/ 313) .
[4] في «آ» و «ط» : «وما أهلا» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» .
[5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «السهروردي» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[6] انظر «العبر» (4/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 289- 291) و «معرفة القراء الكبار» (1/ 506- 508) .(6/258)
شيخ المقرئين، ومصنّف «المصباح في القراءات العشر» [1] كان خيّرا صالحا، قرأ عليه خلق كثير. أجاز له أبو الغنائم بن المأمون، والصّريفيني، وطائفة.
وسمع من إسماعيل بن مسعدة، ورزق الله التميمي، وقرأ القراءات على عبد السيد بن عتّاب، وعبد القاهر العبّاسي، وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها مجلّي [2] بن جميع، قاضي القضاة بالدّيار المصرية، أبو المعالي القرشي المخزومي الشافعي الأرسوفي [3] الأصل المصري، تفقّه على الفقيه سلطان المقدسي تلميذ الشيخ نصر، وبرع وصار من كبار الأئمة.
وقال الحافظ زكي الدّين المنذري: إن أبا المعالي تفقّه من غير شيخ وتفقّه عليه جماعة، منهم: العراقي شارح «المهذب» وتولى قضاء الدّيار المصرية سنة سبع وأربعين، ثم عزل لتغير الدولة [4] في أوائل سنة تسع وأربعين، ومن تصانيفه «الذخائر» .
قال الإسنوي [5] : وهو كثير الفروع والغرائب، إلّا أن ترتيبه غير معهود متعب [6] لمن أراد استخراج المسائل منه، وفيه أيضا أوهام.
وقال الأذرعي: إنه كثير الوهم، قال: ويستمد من كلام الغزالي ويعزوه إلى الأصحاب. قال: وذلك عادته، ومن تصانيفه أيضا «أدب القضاء» سمّاه
__________
[1] واسم الكتاب في «سير أعلام النبلاء» و «معرفة القراء الكبار» : «المصباح الزاهر في العشرة البواهر» .
[2] تصحف في «آ» و «ط» إلى «محلي» والتصحيح من «العبر» (4/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 325) .
[3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «الأرشوفي» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «حسن المحاضرة» (1/ 405) .
[4] في «ط» : «الدول» .
[5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 512) .
[6] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «صعب» .(6/259)
«العمدة» ومصنّف في الجهر بالبسملة، وله مصنّف في المسألة السّريجية، اختار فيه عدم الوقوع، وله مصنّف في جواز اقتداء بعض المخالفين ببعض في الفروع. قاله ابن شهبة [1] .
وتوفي في ذي القعدة.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 365) .(6/260)
سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» كثر الحريق ببغداد في المحالّ ودام.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن الفرج بن راشد بن محمد المدني الورّاق البغدادي الحنبلي [1] ، الحجّة القاضي، من أهل المدينة، قرية فوق الأنبار [2] .
ولد في عشر ذي الحجّة سنة تسعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالرّوايات على مكّي بن أحمد الحنبلي وغيره [وتفقّه على عبد الواحد بن سيف.
وسمع من أبي منصور محمد بن أحمد الخازن وغيره، وشهد عند قاضي القضاة الزّينبي، وولي القضاء بدجيل مدة.
وحدّث، وروى عنه ابن السمعاني، وغيره] [3] وتوفي يوم السبت سادس ذي الحجة، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو القاسم الحمّامي إسماعيل بن علي بن الحسين النيسابوري ثم الأصبهاني الصوفي، مسند أصبهان، وله أكثر من مائة سنة. سمع سنة
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 230) .
[2] قال ياقوت في «المشترك وضعا» ص (389) : ومدينة الأنبار مجاورة لها، بناها السّفّاح وسكنها لما ولي الخلافة.
[3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .(6/261)
تسع وخمسين وأربعمائة من أبي مسلم محمد بن مهربرود [1] ، وتفرّد بالسماع من جماعة، وسمع منه السّلفي.
وقال يوسف بن أحمد الحافظ: أخبرنا الشيخ المعمّر الممتع بالعقل، والسمع، والبصر، وقد جاوز المائة أبو القاسم الصوفي، ومات في سابع صفر.
وفيها أبو القاسم بن البنّ الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي الدمشقي، تفقّه على نصر المقدسي، وسمع من أبي القاسم المصّيصي، والحسن بن أبي الحديد، وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة.
وفيها عبد القاهر بن عبد الله الوأواء الحلبي [2] ، الشاعر، شرح «ديوان المتنبي» .
وفيها أبو بكر عتيق بن أحمد الأزدي الأندلسي الأوريولي [3] . حجّ فسمع [بمكّة] من طراد الزّينبي، وهو آخر من حدّث عنه بالمغرب. توفي بأوريولة، وله أربع وثمانون سنة.
وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن ميمون بن عبد الله الكوفني [4] المالكاني.
وكوفن: بكاف مضمومة وواو ساكنة بعدها نون، قرية من أبيورد.
ومالكان: قيل: إنها اسم قرية أيضا.
__________
[1] تحرف في «ط» إلى «مهريرد» .
[2] انظر «إنباه الرواة» (2/ 186- 187) و «الأعلام» (4/ 49) .
[3] انظر «العبر» (4/ 143) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[4] في «آ» و «ط» : «الكوفن» والتصحيح من «الأنساب» (10/ 496) و «معجم البلدان» (4/ 490) .(6/262)
وقال ابن السمعاني: كان فقيها شافعيا [1] فاضلا [مبرّزا] ، له باع طويل في المناظرة والجدل، ومعرفة تامة بهما، تفقّه على والدي، وسمع [الحديث معه و] منه.
ولد في حدود سنة تسعين وأربعمائة.
قال ابن باطيش: ومات بأبيورد ليلة الاثنين ثامن ذي القعدة.
وفيها- أو في التي قبلها وبه جزم الإسنوي [2]- علي بن معصوم بن أبي ذر المغربي الشافعي.
قال ابن السمعاني: إمام فاضل عالم بالمذهب، بحر في الحساب.
ولد بقلعة بني حمّاد من بلاد بجاية، سنة تسع وثمانين وأربعمائة، واستوطن العراق، وتفقّه على الفرج الخويي [3] ثم انتقل إلى خراسان، ومات بأسفرايين [4] في شعبان.
وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن محمويه اليزدي [5] الشافعي، المقرئ الزاهد، نزيل بغداد. قرأ بأصبهان على أبي الفتح الحدّاد، وأبي سعد المطرّز، وغيرهما، وسمع من ابن مردويه، وببغداد من أبي القاسم الرّبعي، وأبي الحسين بن الطّيوري، وبرع في القراءات والمذهب، وصنّف
__________
[1] لفظة «شافعيا» لم ترد في «الأنساب» وما بين حاصرتين في الترجمة زيادة منه.
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 435) .
[3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الخريني» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي، وانظر «الإكمال» (2/ 228) و «الأنساب» (5/ 213) وهو أبو الروح الفرج بن عبيد الله بن خلف الخوييّ مترجم في «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 482) .
[4] في «آ» و «ط» : «باسفرائن» وما أثبتناه من «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (295) و «معجم البلدان» (1/ 177) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البرذي» والتصحيح من «العبر» (4/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 334) .(6/263)
في القراءات، والزهد، والفقه، وكان رأسا في الزهد والورع، توفي في جمادى الآخرة، وقد قارب الثمانين.
وفيها علي بن الحسين الغزنويّ [1] الواعظ، الملقب بالبرهان. كان فصيحا وله جاه عريض، وكان شيعيا، وكان السلطان مسعود يزوره وبنى له رباطا بباب الأزج، واشترى له قرية من المسترشد وأوقفها عليه.
قال ابن الجوزي [2] : سمعته ينشد:
كم حسرة لي في الحشا ... من ولد إذا نشا
وكم أردت رشده ... فما نشا كما نشا
وكان يعظم السلطان ولا يعظم الخليفة، فلما مات السلطان مسعود أهين الغزنويّ ومنع من الوعظ، وأخذ جميع ما كان بيده، فاستشفع إلى الخليفة في القرية الموقوفة عليه، فقال: ما يرضى أن يحقن دمه، وكان يتمنى الموت مما لاقى من الذلّ بعد العزّ، وألقى كبده قطعا مما لاقى.
وفيها الفقيه الزاهد الصالح، عمر بن عبد الله بن سليمان بن السّري اليمني [3] توفي بمكّة حاجّا. روى طاهر بن يحيى المعمراني أنه كان قد أصابه بثرات [4] في وجهه، فارتحل إلى جبلة [5] متطببا، فرأى ليلة قدومه إليها عيسى بن مريم- صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا روح الله! امسح وجهي، فمسحه فأصبح معافى. قاله ابن الأهدل.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 324- 325) و «النجوم الزاهرة» (5/ 323- 324) .
[2] انظر «المنتظم» (10/ 167) والبيتان أيضا في «النجوم الزاهرة» وتقدما في ص (73) .
[3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 297) و «غربال الزمان» ص (430) وفيهما وفاته سنة (550) .
[4] جاء في «مختار الصحاح» (بثر) : البثر والبثور: خراج صغار واحدتها بثرة.
[5] في «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» : «إلى ذي الجبلة» وهو خطأ، وجبلة: جبل ضخم في اليمن، على مقربة من أضاخ، بين الشّريف، ماء لبني نمير، وبين الشّرف، ماء لبني كلاب.
انظر «معجم ما استعجم» (1/ 365) و «معجم البلدان» (2/ 104) .(6/264)
وفيها أبو عبد الله بن الرّطبي، محمد بن عبيد الله بن سلامة الكرخي- كرخ جدّان- المعدّل. روى عن أبي القاسم بن البسري، وأبي نصر الزّينبي، وتوفي في شوال عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها أبو البيان نبأ بن محمد بن محفوظ القرشي [1] الشافعي اللّغوي الدمشقي الزاهد، شيخ الطائفة البيانية بدمشق، ويعرف بابن الحوراني. كان كبير القدر، عالما عاملا، زاهدا، تقيا، خاشعا، ملازما للعلم والعمل والمطالعة، كثير العبادة والمراقبة، سلفيّ المعتقد، كبير الشأن، بعيد الصيت، ملازما للسّنّة، صاحب أحوال ومقامات. سمع أبا الحسن علي بن الموازيني وغيره، وله تآليف ومجاميع، ورد على المتكلمين وأذكار مسجوعة وأشعار مطبوعة، وأصحاب ومريدون، وفقراء بهديه يقتدون. كان هو والشيخ رسلان شيخي دمشق في عصرهما وناهيك بهما. قاله في «العبر» [2] .
ودخل يوما إلى الجامع الأموي، فرأى جماعة في الحائظ الشمالي يثلبون أعراض الناس، فقال: اللهم كما أنسيتهم ذكرك فأنسهم ذكري.
وقال السخاوي: قبره يزار بباب الصغير.
ولم يذكره ابن عساكر في «تاريخه» ولا ابن خلّكان في «الأعيان» .
توفي في وقت الظهر يوم الثلاثاء ثاني ربيع الأول، ودفن من الغد وشيّعه خلق عظيم. انتهى.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 326- 327) .
[2] (4/ 144- 145) .(6/265)
سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» وقعت زلازل في الشام، تهدمت منها ثلاثة عشر بلدا من بلاد الإسلام: حلب، وحماة، وشيزر، وكفر طاب، وفامية، وحمص، والمعرّة، وتل حرّان. وخمسة من بلاد الكفر: حصن الأكراد، وعرقة [1] ، واللاذقية، وطرابلس، وأنطاكية.
فأما حماة فهلك أكثرها. وأما شيزر فما سلم منها إلّا امرأة وخادم لها وهلك الباقون. وأما حلب فهلك منها خمسمائة نفس. وأما كفر طاب فما سلم منها أحد. وأما فامية فهلكت وساخت قلعتها. وهلك من حمص خلق كثير. وهلك بعض المعرة. وأما تل حرّان فإنه انقسم نصفين، وظهر من وسطه نواويس وبيوت. وأما حصن الأكراد وعرقة [1] فهلكتا جميعا. وهلكت اللاذقية فسلم منها نفر، ونبع فيها حومة ماء حمئة. وهلك أكثر أهل طرابلس، وأكثر أنطاكية.
انتهى.
وفيها كما قال في «العبر» [2] . خرجت الإسماعيلية على حجّاج خراسان، فقتلوا وسبوا، واستباحوا الركب، وصبّح الضعفاء والجرحى إسماعيلي [3] شيخ ينادي: يا مسلمين ذهبت الملاحدة فأبشروا، ومن هو
__________
[1] قال ياقوت في «المشترك وضعا» ص (307) : عرقة: بلد من سواحل الشام شرقي طرابلس على أربعة فراسخ.
[2] (4/ 146) .
[3] في «آ» و «ط» : «إسماعيل» والتصحيح من «العبر» .(6/266)
عطشان سقيته، فبقي إذا كلّمه أحد جهز عليه، فهلكوا إلى رحمة الله كلهم.
واشتدّ القحط بخراسان، وتخربت بأيدي الغزّ، ومات سلطانها سنجر، وغلب كل أمير على بلد واقتتلوا، وتعثرت الرعية الذين نجوا من القتل.
وفيها هزم نور الدّين الفرنج على صفد، وكانت وقعة عظيمة.
[وفيها انقرضت دولة الملثّمين. بالأندلس، لم يبق منهم إلّا جزيرة ميورقة] [1] .
وفيها أخذ نور الدّين من الفرنج غزّة وبانياس. وملك شيزر من بني منقذ [2] .
وفيها توفي القاضي أبو بكر بن محمد بن عبد الله اليافعي [3] . حضر موته صاحب «البيان» [4] وقال [حين نعي] [5] : ماتت المروءة. أخذ الفقه عن زيد اليفاعيّ [6] . وكان عالما شاعرا. روى عن أبيه وجدّه [7] كتاب «رسالة الشافعي» و «مختصر المزني» وولي قضاء اليمن، وكان له ولد يقال له محمد، مات في حياته، فرثاه وقال:
جوار الله خير من جواري ... له دار لكلّ خير دار
وكان للقاضي أبي بكر جاه عظيم عند الملوك، خلّص فقهاء اليمن من
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[2] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 219- 221) و «دول الإسلام» (2/ 68) و «العبر» (4/ 146) .
[3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 300- 301) و «غربال الزمان» ص (431- 432) .
[4] وهو الإمام يحيى بن أبي الخير بن سالم اليماني. سترد ترجمته في وفيات سنة (558) انظر ص (308) .
[5] ما بين حاصرتين زيادة من «مرآة الجنان» .
[6] في «آ» و «ط» : «البقاعي» وما أثبته من «غربال الزمان» و «طبقات فقهاء اليمن» للجعدي ص (150 و 175 و 213) .
[7] في «آ» و «ط» : «عن ابنه وخاله» وما أثبته من «غربال الزمان» .(6/267)
الخراج والمظالم. ولما قدم القاضي الرشيد من مصر إلى اليمن أكرمه كرامة عظيمة. قاله ابن الأهدل.
وفيها أبو علي الخرّاز أحمد بن أحمد بن علي الحريمي [1] . سمع أبا الغنائم محمد بن علي الدقاق، ومالكا البانياسي، وتوفي في ذي الحجة.
وعوّضه نصيبين فتملّكها إلى أن مات في [شعبان، وطالت أيامه بها، وخلّف ذرية فخملوا.] [2] .
وفيها أحمد سنجر السلطان الأعظم معز الدّين أبو الحارث، ولد السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغريبك السلجوقي صاحب خراسان، وأجلّ ملوك العصر وأعرقهم نسبا، وأقدمهم ملكا وأكثرهم جيشا. واسمه بالعربي أحمد بن الحسن بن محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، وخطب له بالعراق، والشام، والجزيرة، وأذربيجان، وأرّان، والحرمين، وخراسان، وما وراء النهر، وغزنة، وعاش ثلاثا وسبعين سنة.
قال ابن خلّكان [3] : أول ما ناب في المملكة عن أخيه بركياروق سنة تسعين وأربعمائة، ثم استقلّ بالسلطنة سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، ولقب حينئذ بالسلطان، وكان قبل ذلك يلقّب بالملك المظفّر. وكان وقورا مهيبا ذا حياء وكرم وشفقة على الرعية. وكان مع كرمه المفرط من أكثر الناس مالا.
اجتمع في خزانته من الجوهر ألف وثلاثون رطلا، وهذا ما لم يملكه خليفة ولا ملك فيما نعلم. توفي في ربيع الأول ودفن في [4] قبّة بناها وسمّاها دار
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 147) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 327) .
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 427- 428) وقد نقل المؤلف كلامه باختصار وتصرف تبعا لصاحب «العبر» .
[4] لفظة «في» سقطت من «آ» .(6/268)
الآخرة. وقد تضعضع ملكه في آخر أيامه وقهرته الغزّ، ورأى الهوان، ثم من الله عليه وخلص. قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو عبد الله بن خميس الحسين بن نصر الموصلي الجهني [2] الملقب بتاج الإسلام. أخذ الفقه عن الغزالي، وقضى برحبة ملك بن طوق، ثم رجع إلى الموصل، وصنّف كثيرا، وسكن قرية في الموصل، وراء القرية التي فيها العين المعروفة بعين القيّارة [3] التي ينفع الاستحمام بها من الفالج والريح الباردة [4] مشهورة هناك. قاله ابن الأهدل.
وفيها عبد الصبور بن عبد السلام أبو صابر الهرويّ [5] التاجر. روى «جامع الترمذي» ببغداد عن أبي عامر الأزدي، وكان صالحا خيّرا.
وفيها عبد الملك بن مسرّة أبو مروان اليحصبي الشّنتمري [6] ثم القرطبي. أحد الأعلام.
قال ابن بشكوال [7] : كان ممن جمع الله له الحديث والفقه، مع الأدب البارع، والدّين، والورع، والتواضع. أخذ «الموطأ» عن أبي عبد الله بن الطلّاع سماعا، وغيره، وتوفي في شعبان.
وفيها عثمان بن علي البيكندي [8] أبو عمرو، مسند بخارى. كان
__________
[1] (4/ 147- 148) وانظر «النجوم الزاهرة» (5/ 326- 327) .
[2] انظر «مرآة الجنان» (3/ 302- 303) و «غربال الزمان» ص (432) .
[3] في «آ» و «ط» : «بعين الفتاوة» وفي «غربال الزمان» : «بعين العيادة» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (2/ 139) و «مرآة الجنان» وانظر «تاج العروس» (قير) (13/ 500) .
[4] في «آ» و «ط» : «البارد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» .
[5] انظر «العبر» (4/ 148) .
[6] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المستثمري» والتصحيح من «العبر» (4/ 148) .
[7] انظر «الصلة» (2/ 367) .
[8] تحرفت نسبته في «ط» إلى «السكندري» .(6/269)
إماما ورعا عالما عابدا متعففا، تفرّد بالرواية عن أبي المظفّر عبد الكريم الأبرقي، وسمع من عبد الواحد الزّبيري المعمّر، وطائفة، ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة.
وفيها عمر بن عبد الله الحربيّ [1] المقرئ أبو حفص. سمع الكثير، وروى عن طراد وطبقته، وتوفي في شعبان.
وفيها صدر الدّين أبو بكر الخجندي محمد بن عبد اللطيف بن محمد المهلّبي الأزدي ثم الأصفهاني [2] . كان إماما فاضلا مناظرا شافعيا، صدر العراق في زمانه على الإطلاق، جوادا مهيبا متقدما عند السلاطين، يصدرون عن رأيه، ورد بغداد، وتولّى تدريس النظامية، ووعظ بها وبجامع القصر، وكان كوزير ذا حشمة أشبه منه بالعلماء، يمشي والسيوف حوله مشهورة، خرج من بغداد إلى أصبهان، فنزل بقرية بين همذان والكرخ، فنام وهو في عافية، فأصبح ميتا، وذلك في شوال، فحمل إلى أصبهان ودفن بسيلان. ذكره ابن السمعاني والذهبي.
وأما ولده عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف [3] ، فكان رئيس أصبهان في العلم، وكان فقيها فاضلا مقدّما معظما عند الرعايا والسلاطين [4] تفقّه على أبيه، ودرّس بعده، وأفتى ووعظ وأنشأ، وسمع وحدّث.
مات بهمذان بعد عوده من الحجاز في أحد الربيعين سنة ثمانين.
__________
[1] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحري» والتصحيح من «العبر» (4/ 149) و «معرفة القراء الكبار» (1/ 509) .
[2] انظر «العبر» (4/ 149) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 386- 387) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 490) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 491) .
[4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «عند الوزراء والسلاطين» .(6/270)
وخمسمائة، وهو ابن ثمان وأربعين سنة، وحمل إلى أصبهان ودفن بها. ذكره التفليسي.
وأما حفيده فهو: أبو بكر محمد بن عبد اللطيف [1] الشافعي كان فقيها بارعا، رئيسا كبيرا، عريقا في الفضل والرئاسة. انتهى إليه رئاسة الشافعية بأصبهان بعد موت أبيه، وورد بغداد فأنعم عليه الخليفة بما لم ينعم به على أحد من أمثاله، ورتّب له ما يفوت الحصر، وتولى نظر النظامية، والنظر في أحوال الفقهاء، ثم خرج مع الوزير إلى أصبهان واستولى عليها، وولى الخليفة بها سنقر الطويل من أمراء بغداد، وأذن لابن الخجندي في المقام بها، فجرت بينه وبين الأمير سنقر وحشة، فيقال: إنه دسّ عليه من قتله، وذلك في أحد الجمادين سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع شيئا من الحديث، إلّا أنه لم يبلغ سن الرواية عنه. ذكره ابن باطيش وغيره.
وفيها أبو المظفّر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سعدان الحنبلي الأزجي [2] الفقيه. سمع الحديث من القاضي الحسين، وأبي العزّ ابن كادش، وتفقّه على القاضي أبي الحسين، وأبي بكر الدّينوري، ولازمه.
وروى عنه أحمد بن طارق، وكتب عنه المبارك بن كامل [حكاية] بغير إسناد في «معجمه» .
قال صدقة بن الحسين في «تاريخه» : كان فقيها كيسا من أصحاب أبي بكر الدّينوري. توفي في ذي القعدة ودفن بباب حرب.
وفيها محمد بن خذاداذ [3] بن سلامة بن خذاداذ [3] العراقي المأموني
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 491- 492) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 230) وما بين حاصرتين في الترجمة مستدرك منه.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «خذداذ» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» (3/ 36) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 231) و «المنهج الأحمد» (2/ 314) .(6/271)
المباردي الحداد، الكاتب الفقيه الحنبلي الأديب، أبو بكر بن أبي محمد، ويعرف بنقّاش المبارد. سمع من نصر بن البطر [1] ، والحسين بن طلحة، وأبي نصر الزّينبي، وأبي الخطّاب.
وكتب خطا حسنا.
قال ابن النجار: كان فقيها مناظرا أصوليا تفقّه على أبي الخطّاب، وعلّق عنه مسائل الخلاف، وقرأ الأدب، وقال الشعر، وكان صدوقا، وتوفي ليلة الخميس مستهل جمادى الآخرة، وصلّي عليه من الغد، ودفن بباب حرب.
وقيّد ابن نقطة [2] «خذاداذ» بدال مهملة بين ذالين معجمتين.
وفيها أبو بكر بن الزّاغوني محمد بن عبيد الله بن نصر البغدادي [3] المجلّد. سمع أبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزّينبي، والكبار، وصار مسند العراق، وكان صالحا مرضيا، إليه المنتهى في التجليد، اصطفاه الخليفة لتجليد خزانة كتبه. توفي في ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة.
وفيها أبو الحسن محمد بن المبارك وكنيته أبو البقاء بن محمد بن عبد الله بن محمد، المعروف بابن الخلّ [4] . الفقيه الشافعي البغدادي، تفقّه على أبي بكر الشّاشي، وبرع في العلم، وكان يجلس في مسجده الذي بالرحبة شرقي بغداد لا يخرج منه إلّا بقدر الحاجة، يفتي ويدرّس، وكان قد تفرّد بالفتوى بالمسألة السّريجيّة ببغداد، وصنّف كتابا سمّاه «توجيه التنبيه»
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن النضر» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» و «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 46) .
[2] في «تكملة الإكمال» باب (خذاداذ وخذادار) (2/ 413) طبع جامعة أم القرى بمكّة المكرمة.
[3] انظر «العبر» (4/ 150) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 227- 228) و «العبر» (4/ 150) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 486- 487) .(6/272)
على صورة الشرح، لكنه مختصر، وهو أول من شرح «التنبيه» لكن ليس فيه طائل، وله كتاب في أصول الفقه، وسمع الحديث من أبي عبد الله الحسين ابن أحمد بن أبي طلحة، وأبي عبد الله الحسين البسري، وغيرهما. وروى عنه الحافظ أبو سعد السمعاني وغيره، وكان يكتب خطا جيدا منسوبا، وكانت الناس يحتالون على أخذ خطه في الفتاوى من غير حاجة إليها، بل لأجل الخطّ لا غير، فكثرت عليه الفتوى، وضيقت عليه أوقاته، ففهم ذلك، فصار يكسر القلم ويكتب جواب الفتوى به، فانصرفوا عنه [1] وقيل: إن صاحب الخطّ المليح هو أخوه، والله أعلم.
وتوفي ببغداد ونقل إلى الكوفة ودفن بها.
وكان أخوه أبو الحسين أحمد بن المبارك فقيها فاضلا وشاعرا ماهرا، ذكره العماد الكاتب في كتابه «خريدة القصر» وأثنى عليه، وأورد له مقاطيع شعر [2] ، ودو بيت، فمن ذلك قوله في بعض الوعاظ:
ومن الشقاوة أنهم ركنوا إلى ... نزغات ذاك الأحمق التّمتام
شيخ يبهرج دينه بنفاقه ... ونفاقه منهم على أقوام
وإذا رأى الكرسيّ تاه بنفسه [3] ... أي أن هذا منصبي ومقامي
ويدق صدرا ما انطوى إلّا على ... غلّ يواريه بكفّ عظام
ويقول أيش أقول من حصر به ... لا لازدحام عبارة وكلام
وله دو بيت:
هذا ولهي وكم [4] كتمت الولها ... صونا لوداد من هوى النفس لها
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «فأقصروا عنه» .
[2] في «ط» : «مقاطيع من شعره» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «تاه بأنفه» .
[4] في «آ» و «ط» : «وقد» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .(6/273)
يا آخر محنتي ويا أوّلها ... آيات غرامي فيك من أوّلها
وله:
ساروا وأقام في ودادي الكمد ... لم يلق كما لقيت منهم أحد
شوق وجوى ونار وجد تقد ... ما لي جلد ضعفت ما لي جلد
وله:
ما ضرّ حداة عيسهم لو رفقوا ... لم يبق غداة بينهم لي رمق
قلب قلق وأدمع تستبق ... أوهى جلدي من الفراق الفرق
وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. قاله ابن خلّكان [1] .
وفيها أبو القاسم نصر بن نصر العكبري [2] الواعظ. روى عن أبي القاسم بن البسري وطائفة، وتوفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» (4/ 227- 228) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الطبري» وانظر «العبر» (4/ 150) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 296- 297) .(6/274)
سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة
فيها كما قال ابن الأثير [1] نزل ألف وسبعمائة من الإسماعيلية على روق [2] كبير التركمان [فجازوه] [3] ، فأسرع عسكر التركمان فأحاطوا بهم ووضعوا فيهم السيف، فلم ينج منهم إلّا تسعة أنفس، فلله الحمد.
وفيها توفي مسند الدّنيا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السّجزي ثم الهروي الماليني [4] الصوفي الزاهد. سمع «الصحيح» [5] و «مسندي [6] » الدّارمي وعبد بن حميد، من جمال الإسلام الداودي في سنة خمس وستين وأربعمائة، وسمع من أبي عاصم الفضيل [7] ، ومحمد بن أبي مسعود، وطائفة، وصحب شيخ الإسلام الأنصاري وخدمه، وعمّر إلى هذا الوقت، وقدم بغداد فازدحم الخلق عليه، وكان خيّرا متواضعا متودّدا، حسن السمت،
__________
[1] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 238) والمؤلف ينقل عن «العبر» (4/ 151) وقد تصرف الذهبي أثناء النقل.
[2] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «زوق» والروق: بيت كالفسطاط يحمل على سطاع واحد في وسطه، والجمع أروقة. انظر «لسان العرب» (روق) .
[3] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 303- 311) .
[5] يعني «صحيح البخاري» انظر «الأنساب» (7/ 47) .
[6] في «آ» و «ط» : «ومسند» والتصحيح من «العبر» .
[7] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «الفضيلي» فتصحح، وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 304) .(6/275)
متين الديانة، محبا للرواية. توفي سادس ذي القعدة ببغداد وله خمس وتسعون سنة. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : حمله أبوه من هراة إلى بوشنج، فسمع «صحيح البخاري» وغيره من جمال الإسلام الداودي. عزم على الحجّ وهيأ ما يحتاج إليه فأصبح ميتا، وكان آخر كلمة قالها: يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكْرَمِينَ 36: 26- 27 [يس 26- 27] ودفن بالشونيزية وعمّر حتّى ألحق الأصاغر بالأكابر. انتهى.
وفيها أبو الفتح سالم بن عبد الله بن عبد الملك الشيباني [2] الفقيه الحنبلي الزاهد. صحب أبا بكر الدّينوري، وسمع من الشريف أبي العزّ بن المختار، وأبي الغنائم النّرسي، وغيرهما.
قال ابن شافع: كان فقيها زاهدا مخمولا ذكره عند أبناء الدّنيا رفيعا عند الله وصالحي عباده. توفي ليلة الأربعاء سابع شعبان، ودفن بباب حرب.
وفيها الإمام العلّامة عبد الله بن يحيى الصّعبي [3] عن ثمان وسبعين، أو إحدى وثمانين سنة. وكان مدرّس سهفنة [4] وقد تفقّه عليه خلق باليمن، وكان صاحب «البيان» يحبه ويقول له: شيخ الشيوخ، وحضر جنازته يوم مات.
روي أن أناسا وقعوا عليه في طريق فضربوه بالسيوف فلم تقطع سيوفهم، فسئل عن ذلك فقال: كنت أقرأ سورة يس.
قال ابن سمرة: والمشهور أنه كان يقرأ قوله تعالى:
__________
[1] (4/ 151- 152) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 232) .
[3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 306- 307) و «غربال الزمان» ص (433) .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سهقنة» والتصحيح من «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» وقد جاء في حاشية الأخير: وسهفنة من قرى ذي السفال من محافظة إب.(6/276)
وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 2: 255 [البقرة: 255] فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 12: 64 [يوسف، 64] وَحِفْظاً من كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ 37: 7 [الصّافّات، 7] وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 41: 12 [فصّلت: 12] إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ 85: 12 [البروج: 12] إلى آخر السورة، وتسمى آيات الحفظ، وسببه أنه وجدها معلقة في عنق شاة والذئاب تلاعبها لا تضرها.
صنّف الصّعبيّ كتاب «التعريف» في الفقه و «احتراز المذهب» وكان يقوم بكفايته وما يحتاج إليه رجل من مشايخ بني يحيى من يافع.
قال اليافعي- رحمه الله تعالى-[1] : [أهل] يافع يقولون: أهل يحيى وأهل عيسى وأهل موسى، ثلاثة بطون لهم [2] عز وشرف، فأهل موسى أخوالي، وفيهم الكرم والمشيخة، وأهل يحيى أخوال بني عمي، وفيهم العزّ والنجدة، ولا تزال الحرب بينهم وبين أعدائهم. وفيهم الفقيه الولي أبو بكر البحيري [3] الذي كان السلطان المؤيد في طوعه، واستدرك الفقيه حسين على اليافعي وغلّطه في ثنائه عليه، ونسبه- أي البحيري- إلى الزندقة لكونه من أتباع ابن عربي، والله أعلم بحاله. قاله ابن الأهدل.
وفيها كوتاه الحافظ أبو مسعود عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصبهاني. توفي في شعبان عن سبع وسبعين سنة، وحدّث عن رزق الله التميمي، وأبي بكر بن ماجة الأبهري، وخلق.
قال أبو موسى المديني: أوحد وقته في علمه وطريقته [4] وتواضعه، حدثنا لفظا وحفظا على منبر وعظه.
__________
[1] انظر «مرآة الجنان» (3/ 307) وما بين حاصرتين مستدرك من «غربال الزمان» .
[2] في «مرآة الجنان» : «وفيهم» .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (115/ ب) : «البحيري» وفي «غربال الزمان» : «اليحيوي» .
وفي «مرآة الجنان» : «التغزي» .
[4] في «العبر» بطبعتيه: «مع طريقته» .(6/277)
وقال غيره: كان جيّد المعرفة، حسن الحفظ، ذا عفّة وقناعة وإكرام للغرباء.
وقال ابن ناصر الدّين [1] : كان إماما حافظا من أولاد المحدّثين، كان ابن عساكر يفخّم أمره [ويصفه بالحفظ والإتقان] وأثنى عليه ابن السمعاني وغيره [من الأعيان] . انتهى.
وفيها علي بن عساكر بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الخشّاب [2] .
صحب الفقيه نصر المقدسي [مدّة] وسمع منه سنة سبعين وأربعمائة، ثم سمع بدمشق من أبي عبد الله بن أبي الحديد. توفي في سنّ أبي الوقت، صحيح الذهن والجسم، وتوفي في شوال.
وفيها العلّامة أبو حفص الصفّار عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري [3] . روى عن أبي بكر بن خلف، وأبي المظفّر موسى بن عمران وطائفة، ولقبه عصام الدّين. كان من كبار الشافعية يذكر مع محمد بن يحيى ويزيد عليه بالأصول.
قال ابن السمعاني، إمام بارع مبرّز جامع لأنواع من العلوم الشرعية، سديد السيرة، مكثرا، مات يوم عيد الأضحى.
وفيها الفقيه الإمام الورع الزاهد عمر بن إسماعيل بن يوسف اليمني. أخذ عن الإمام زيد بن الحسن الفايشي [4] «المهذب» وأصول الفقه، وصحب يحيى بن أبي الخير صاحب «البيان» في الطلب. قاله ابن الأهدل.
وفيها نصر بن منصور الحرّاني، عرف بابن العطار [5] . كان تاجرا
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (164/ آ) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[2] انظر «العبر» (4/ 152) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[3] انظر «العبر» (4/ 153) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 142- 143) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغايشي» والتصحيح من «طبقات فقهاء اليمن» ص (155) .
[5] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 239) و «البداية والنهاية» (12/ 238) .(6/278)
كبيرا كثير المال، قارئا للقرآن، يكسو العراة، ويفك الأسرى، ويسمع الحديث، ويزور الصالحين.
قال العكبري: رأيت النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم، فقلت: امسح بيدك على عيني فإنها تؤلمني، فقال: «امض إلى أبي نصر بن العطّار يمسح على عينك» فقلت في نفسي: أدع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأروح إلى رجل من أبناء الدّنيا! وعاودته القول، وقلت: يا رسول الله، امسح على عيني، فقال: أما سمعت الحديث «إن الصّدقة لتقع في يد الله قبل أن تقع في يد السّائل» [1] «وهذا نصر قد صافحت يده يد الحقّ- سبحانه وتعالى- امض إليه» فانتبهت ومضيت إليه، فلما رآني قام حافيا وقال: ما الذي رأيته في المنام، ومسح على عيني وقرأ المعوذات، فذهب الألم. قال: وذهبت إحدى عيني نصر. قال: فخرجت يوما إلى جامع السلطان لأصلي الجمعة، فجلست على جانب دجلة لأتوضأ، وإذا بفقير عليه أطمار رثة، فتقدمت إليه وقلت له: امسح على عيني، فمسح عليها فعادت صحيحة، فدفعت إليه منديلا فيه دنانير، فقال: ما لي به حاجة، إن كان معك رغيف خبز، فقمت واشتريت له خبزا، ورجعت فلم أره، فكان نصر بعد ذلك لا يمشي إلّا وفي كمه الخبز إلى أن مات.
وفيها يحيى بن سلامة الحصكفي الخطيب [2] صاحب ديوان الشعر
__________
[1] رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (9/ 114) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفا عليه، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 111) وعزاه للطبراني في «المعجم الكبير» من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال: وفيه عبد الله بن قتادة المحاربي ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات، وقد ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 141) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر هذا الأثر أيضا السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 375) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، والحكيم الترمذي، وابن أبي حاتم، وهو موقوف على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 205- 210) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 320- 321) وانظر التعليق التالي.(6/279)
والخطب، الفقيه الشافعي معين الدّين، المعروف بالخطيب.
قال ابن خلّكان: والحصكفي بكسر الحاء المهملة [1] نسبة إلى حصن كيفا، قلعة حصينة.
[ولد] بطنزة- بطاء مهملة مفتوحة ونون ساكنة وزاي معجمة- وهي بلدة صغيرة بديار بكر فوق الجزيرة. انتهى.
نشأ معين الدّين هذا بحصن كيفا، وقدم بغداد فقرأ الفقه حتّى أجاد فيه، وقرأ الأدب على الخطيب أبي زكريا التبريزي شارح «المقامات» ثم رجع إلى بلاده واستوطن ميّافارقين، وتولى بها الخطابة، وانتصب للإفتاء والاشتغال، وانتفع عليه الناس [2] .
قال العماد في «الخريدة» : كان علّامة الزمان في علمه، ومعريّ العصر في نثره ونظمه، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. قاله الإسنوي [3] .
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : له الترصيع البديع، والتجنيس النفيس، والتطبيق والتحقيق، واللفظ الجزل الرقيق، والمعنى السهل العميق، والتقسيم المستقيم، والفضل السائر المقيم، فمن قوله في مليح في خصره زنار:
قد شدّ بالميم الألف ... من جسمه ميم ألف
فقلت إذ مرّ بنا ... بخوط بان منعطف
بالله يا زنّاره ... رفقا به لا ينقصف
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي، والذي في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي: «بفتح الحاء وسكون الصاد المهملة وفتح الكاف، وفي آخرها فاء» وهو كذلك في «اللباب» (1/ 369) .
[2] في «وفيات الأعيان» : «واشتغل عليه الناس وانتفعوا بصحبته» .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 438- 439) .(6/280)
وكان الحصكفي يتشيع، وله الخطب المليحة والرسائل المنتقاة.
انتهى [1] .
__________
[1] قلت: وفيها مات بمصر محمود بن إسماعيل بن حميد الدمياطي، أبو الفتح، المعروف بابن قادوس. الشاعر المنشئ. كان القاضي الفاضل يلقبه بذي البلاغتين (النثر والشعر) له ديوان شعر في مجلدين. انظر «حسن المحاضرة» (2/ 233) و «كشف الظنون» (1/ 767) و «الأعلام» (7/ 166) .(6/281)
سنة أربع وخمسين وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» وقع في قرى بغداد برد كان في البردة خمسة أرطال، ووزنوا واحدة فبلغت تسعة أرطال، وانفتح القورج [1] وجاء الماء فأحاط بالسور، ثم فتح فتحة ودخل فأغرق كثير من محال من نهر معلّى [2] ، وهدم ما لا يحصى من الدّور، وغرقت مقبرة الإمام أحمد بن حنبل، وكانت آية عجيبة.
وفيها سار عبد المؤمن في مائة ألف، فنازل المهديّة برّا وبحرا فأخذها من الفرنج بالأمان، ولكن ركبوا البحر، وكان شتاء، فغرق أكثرهم.
وفيها أقبلت الرّوم في جموع عظيمة وقصدوا الشام، فالتقاهم المسلمون وانتصروا، ولله الحمد، وأسر ابن أخت ملك الرّوم.
وفيها توفي ابن قفرجل أبو القاسم أحمد بن المبارك بن عبد الباقي
__________
[1] القورج: نهر بين القاطول وبغداد، منه يكون غرق بغداد كل وقت تغرق. انظر «معجم البلدان» (4/ 412) .
[2] نهر المعلّى: مدينة ببغداد كانت بها قصور الخلافة، وتنسب المدينة إلى النهر الذي يخترقها، وهو بدوره منسوب إلى المعلّى بن طريف مولى المهدي. انظر «معجم البلدان» (5/ 324) .
و «الروض المعطار» ص (406) .(6/282)
البغدادي الذّهبي القطّان. روى عن عاصم بن الحسن وجماعة.
وفيها أبو جعفر العبّاسي أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكّي [1] ، نقيب الهاشميين بمكّة. روى عن أبي علي الشافعي، وحدّث ببغداد وأصبهان، وكان صالحا متواضعا فاضلا مسندا، توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة وثلاثة أشهر، وسماعه في الخامسة من أبي علي.
وفيها أحمد بن معالي- ويسمى عبد الله أيضا- ابن بركة الحربي الحنبلي [2] .
تفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وبرع في النظر.
قال ابن الجوزي: كان له فهم حسن وفطنة في المناظرة. وسمعت درسه مدة، وكان قد انتقل إلى مذهب الشافعي، ثم عاد إلى مذهب أحمد ووعظ.
وقال صدقة [بن الحسين] : كان شيخا كبيرا قد نيف [3] على الثمانين، فقيها مناظرا عارفا، له مخالطة مع الفقهاء، ومعاشرة مع الصوفية، وكان يتكلم كلاما حسنا إلّا أنه كان متلونا في المذهب.
توفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى، وصلى عليه الشيخ عبد القادر [4] ، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 155) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 331- 332) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 232- 233) و «المنهج الأحمد» (2/ 316) .
[3] في «ط» : «وقد نيف» .
[4] يعني الجيلاني.(6/283)
وكان سبب موته أنه ركب دابة فانحنى في مضيق [1] ليدخل، فاتكأ بصدره على قربوس السّرج فأثّر فيه، وانضم إلى ذلك إسهال فضعفت القوة، وكان مرضه يومين أو ثلاثة، رحمه الله تعالى.
وله تعليقة في الفقه.
وفيها أحمد بن مهلهل بن عبيد الله بن أحمد البرداسي [2] الحنبلي.
قال ابن النجار: هو من قرية برداس [3]- بسكون الراء من بلد إسكاف- المقرئ الزاهد الضرير، أبو العبّاس. كان من أهل القرآن والزهد والعبادة.
روى عن أبي طالب اليوسفي وغيره، وكان أبو الحسن بن البرداسي [4] يقول:
كان هذا الشيخ يصلي في كل يوم أربعمائة ركعة.
وتوفي يوم الخميس غرة جمادى الأولى، ودفن بباب حرب.
وقال ابن النجار: كان منقطعا في مسجده [5] لا يخالط أحدا، مشتغلا بالله عزّ وجل، وكان الإمام المقتفي يزوره، وكذلك وزيره ابن هبيرة. والناس كافة يتبركون به، وكان قد قرأ طرفا صالحا من الفقه على أبي الخطّاب الكلوذاني، ثم على أبي بكر الدّينوري، وسمع الحديث من أبي غالب الباقلاني وغيره، وحدّث باليسير، وروى عنه ابن شافع والباقداري. قاله ابن رجب.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «في ضيق» وهو خطأ.
[2] كذا في «آ» و «ط» «البرادسي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 236) و «المنهج الأحمد» (2/ 316) : «البرداني» .
[3] كذا في «آ» و «ط» : «برداس» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «برد» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «البراندسي» .
[5] في «آ» و «ط» : «في مسجد» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» .(6/284)
وفيها أبو زيد جعفر بن زيد بن جامع الحموي الشامي [1] مؤلّف رسالة «البرهان» التي رواها عنه ابن الزّبيدي، وكان صالحا عابدا، صاحب سنّة وحديث، روى عن ابن الطيوري، واليوسفي، وغيرهما، وتوفي في ذي الحجة، وقد شاخ.
وفيها أبو علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل على الله العبّاسي الهاشمي [2] المقرئ الأديب الحنبلي.
ولد في حادي عشر شوال سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وقرأ القرآن، وسمع قديما من أبي غالب البقّال الباقلاني [3] وابن العلّاف، وغيرهما، وكان فيه لطف وظرف وأدب، ويقول الشعر الحسن، مع دين وخير، وجمع سيرة المسترشد وسيرة المقتفي، وجمع لنفسه مشيخة، وجمع كتابا سمّاه «سرعة الجواب ومداعبة الأحباب» أحسن فيه.
وقال ابن النجار: كان أديبا فاضلا صالحا متدينا صدوقا. روى عنه ابن الأخضر وغيره.
وذكره ابن السمعاني [وقال: كان صالحا، فاضلا، له معرفة بالأدب والشعر] [4] ومن شعره ما كتبه:
أجزت للسادة الأخيار ما سألوا ... فليرووا عنّي بلا بخس ولا كذب
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 155) .
[2] انظر «العبر» (4/ 155) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 387- 388) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 233) وقد تحرفت فيه «الحسن» إلى «الحسين» فتصحح، و «المنهج الأحمد» (2/ 317- 320) .
[3] تقدمت ترجمته في المجلد الخامس حوادث سنة (500) ص (426) وانظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 235- 236) و «الوافي بالوفيات» (11/ 414) .
[4] ما بين حاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» .(6/285)
مما [1] أحبوه من شعر ومن خبر ... ومن جميع سماعاتي من الكتب
وليحذروا السّهو والتصحيف من غلط ... ويسلكوا سنّة الحفّاظ في الأدب
ومن شعره أيضا:
يا ذا الذي أضحى يصول ببدعة ... وتشيّع وتمشعر [2] وتمعزل
لا تنكرنّ تحنبلي وتسنّني [3] ... فعليهما يوم المعاد معوّلي
إن كان ذنبي حبّ مذهب أحمد ... فليشهد الثقلان أني حنبلي
قاله ابن رجب.
وفيها أبو عبد الله سعيد بن الحسين بن شنيف بن محمد الدّيلمي الدّارقزي [4] الأمين الحنبلي.
ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة. وسمع من أبي عبد الله الحسين بن محمد السرّاج الفقيه، والحسين بن طلحة النّعالي [5] وابن الطيوري، وغيرهم، لا من أبي الخطّاب الكلوذاني.
وسمع الحديث من أبي غالب الباقلاني وغيره، وحدّث باليسير.
وروى عنه ابن شافع، وتفقّه في المذهب، وكان إماما بجامع دار القز، وأمينا للقاضي بمحلته [6] [وما يليها] ، وكان شيخا صالحا ثقة، وروى عنه جماعة، منهم، ابنه أبو عبد الله الحسين.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «مهما» .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وتمشعر» وفي «المنهج الأحمد» : «وتجهّم» .
[3] في «آ» و «ط» : «لا تنكرن الحنبلي ونسبتي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 237) و «المنهج الأحمد» (2/ 320- 321) .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «النعال» .
[6] في «آ» و «ط» : «بمجلسه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» وما بين حاصرتين مستدرك منه.(6/286)
وتوفي ليلة السبت رابع عشر ذي الحجة، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الحسن بن أبي البركات محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله بن الأبرادي البغدادي [1] الفقيه الحنبلي. تفقّه على ابن عقيل، وسمع منه، ومن أبيه، وابن الفاعوس وحدّث باليسير.
وسمع من أبي الفضل بن شافع.
وتوفي يوم الجمعة خامس شعبان، وقد اشتبه على بعض الناس وفاته بوفاة أبيه.
وفيها محمد شاه بن السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، أخو ملكشاه السلجوقي [2] توفي بعلة السلّ، وله ثلاث وثلاثون سنة، وكان كريما عاقلا، وهو الذي حاصر بغداد من قريب، واختلف الأمراء من بعده، فطائفة لحقت بأخيه ملكشاه، وطائفة لحقت بسليمان شاه.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 236) و «المنهج الأحمد» (2/ 320) .
[2] انظر «العبر» (4/ 155) .(6/287)
سنة خمس وخمسين وخمسمائة
فيها تملّك سليمان شاه همذان، وذهب ملكشاه إلى أصبهان فمات بها.
وفيها توفي [1] المقتفي لأمر الله، أبو عبد الله محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الأمير محمد بن القائم العبّاسي، أمير المؤمنين. كان عالما فاضلا دينا حليما شجاعا مهيبا خليقا للإمارة، كامل السؤدد، كان لا يجري في دولته أمر وإن [2] صغر إلّا بتوقيعه، وكتب أيام خلافته ثلاث ربعات، ووزر له علي بن طراد، ثم أبو نصر بن جهير، ثم علي ابن صدقة، ثم ابن هبيرة، وحجبه أبو المعالي بن الصاحب ثم جماعة بعده، وكان أدم اللون بوجهه أثر جدري، مليح الشيبة، عظيم الهيبة، ابن حبشية.
كانت دولته خمسا وعشرين سنة. توفي في ربيع الأول عن ست وستين سنة، وقد جدّد باب الكعبة، واتخذ لنفسه من العقيق تابوتا دفن فيه. قاله في «العبر» [3] .
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [4] : بويع له بالخلافة عند خلع أخيه وعمره أربعون سنة، وسبب تلقبه بالمقتفي أنه رأى في منامه قبل أن يستخلف
__________
[1] لفظة «توفي» سقطت من «ط» .
[2] لفظة «وإن» سقطت من «آ» .
[3] (4/ 158- 159) .
[4] ص (437) .(6/288)
بستة أيام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له: «سيصل هذا الأمر إليك فاقتف بي» فلقب المقتفي لأمر الله.
وبعث السلطان مسعود [1] بعد أن أظهر العدل ومهد بغداد، فأخذ جميع ما في دار الخلافة من دوابّ وأثاث وذهب وستور وسرادق، ولم يترك في إصطبل الخلافة سوى أربعة أفراس وثمانية أبغال برسم الماء، فيقال: إنهم بايعوا المقتفي على أن لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر.
وكان صاحب سياسة، جدد معالم الإمامة، ومهّد رسوم الخلافة، وباشر الأمور بنفسه، وغزا غير مرّة، وامتدت أيامه.
وقال أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي في كتاب «المناقب العباسية» : كانت أيام المقتفي نضرة بالعدل، زهرة بفعل الخيرات، وكان على قدم من العبادة قبل إفضاء الأمر إليه، وكان في أول أمره متشاغلا بالدّين، ونسخ العلوم، وقراءة القرآن، ولم ير مع سماحته ولين جانبه ورأفته بعد المعتصم خليفة، في شهامته وصرامته وشجاعته، مع ما خص به من زهده وورعه وعبادته، ولم تزل جيوشه منصورة حيث يممت.
وقال ابن الجوزي: من أيام المقتفي عادت بغداد والعراق إلى يد الخلفاء، ولم يبق لها منازع، وقبل ذلك من دولة المقتدر إلى وقته كان الحكم للمتغلبين من الملوك وليس للخليفة معهم إلّا اسم الخلافة. ومن سلاطين دولته السلطان سنجر صاحب خراسان، والسلطان نور الدّين الشهيد محمود صاحب الشام، وكان شجاعا كريما، محبا للحديث وسماعه، معتنيا بالعلم، مكرما لأهله. ولما دعا المقتفي الإمام أبا منصور بن الجواليقي النحوي ليجعله إماما يصلي به، دخل عليه فما زاد على أن قال: السلام على
__________
[1] في «آ» و «ط» : «السلطان محمود» والتصحيح من «تاريخ الحلفاء» وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 401) .(6/289)
أمير المؤمنين ورحمة الله، وكان ابن التلميذ النصراني الطبيب قائما فقال:
ما هكذا يسلّم على أمير المؤمنين يا شيخ، فلم يلتفت إليه ابن الجواليقي، وقال: يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السّنّة النبوية. وروى الحديث، ثم قال: لو حلف حالف أن نصرانيا أو يهوديا لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه لما لزمته كفّارة، لأن الله ختم على قلوبهم، ولن يفك ختم الله إلّا الإيمان. فقال المقتفي: صدقت وأحسنت، وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع غزارة أدبه [1] .
وفيها توفي الفائز صاحب مصر، وأقيم بعده العاضد [2] .
وفيها أبو بكر أحمد بن غالب بن أحمد بن غالب بن عبد الله الحربي [3] الفقيه الحنبلي الفرضي المعدل.
سمع الحديث من ابن قريش وغيره، وتفقّه وبرع في المذهب.
قال ابن النجار: كان أحد الفقهاء، حافظا لكتاب الله تعالى، له معرفة بالفرائض، والحساب، والنجوم، وأوقات الليل والنهار، وشهد عند قاضي القضاة الزّينبي، وتولى قضاء دجيل مدة، ثم عزل. حدّث باليسير، وسمع منه عبد المغيث الحربي وغيره.
وتوفي يوم الأحد يوم عيد الأضحى، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها العميد بن القلانسي [4] صاحب «التاريخ» أبو يعلى حمزة بن راشد التميمي الدمشقي الكاتب، صاحب «تاريخ دمشق» [5] . انتهى به إلى هذه
__________
[1] سبق أن أورد المؤلف خبر ابن الجواليقي في ترجمته من حوادث سنة (540) ص (208) فراجعه.
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (5/ 331) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 238) و «المنهج الأحمد» (2/ 322) .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 388- 389) .
[5] نشرته دار الإحسان بدمشق بتحقيق الأستاذ الدكتور سهيل زكّار.(6/290)
السنة. حدّث عن سهل بن بشير الإسفراييني، وولي رئاسة البلد مرتين، وكان يسمى أيضا المسلم. توفي في ربيع الأول عن بضع وثمانين سنة.
وفيها أبو يعلي بن الحبوبي [1] حمزة بن علي بن هبة الله الثعلبي [2] الدمشقي البزّاز. سمع أبا القاسم المصيصي، ونصر المقدسي. مات في جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة، وكان لا بأس به. قاله في «العبر» [3] .
وفيها ثقة الملك الحلبي الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة [4] . سافر إلى مصر وتقدم عند الصالح بن زرّيك [5] وناب فيها.
ومن شعره قوله من أبيات:
يفنى الزّمان وآمالي مصرّمة ... ومن أحبّ على مطل وإملاق
واضعية العمر لا الماضي انتفعت به ... ولا حصلت على شيء من الباقي
وفيها خسر شاه، سلطان غزنة، تملّك بعد أبيه بهرام شاه بن مسعود ابن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين، وكان عادلا سايسا مقربا للعلماء، وكانت دولته تسع سنين، وتملّك بعده ولده ملكشاه.
وفيها أبو جعفر الثقفي، قاضي العراق، عبد الواحد بن أحمد بن محمد، وقد ناهز الثمانين. ولي قضاء الكوفة مدة، وسمع من أبي النّرسي [6] ، ثم ولّاه المستنجد في هذا العام قضاء القضاة [7] فتوفي في آخر العام، وولي بعده ابنه جعفر.
__________
[1] في «ط» : «الجبّري» وهو خطأ، وانظر «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (20/ 357) .
[2] في «آ» و «ط» : «التغلبي» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[3] (4/ 156- 157) .
[4] انظر «النجوم الزاهرة» (5/ 331- 332) .
[5] في «آ» و «ط» : «ابن رزيل» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النشري» والتصحيح من «العبر» (4/ 157) .
[7] في «آ» و «ط» : «قاضي القضاة» وما أثبتناه من «العبر» .(6/291)
وفيها الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر إسماعيل بن الحافظ عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي. أقيم في الخلافة بعد قتل أبيه وله خمس سنين. فحمله الوزير عبّاس على كتفه. وقال: يا أمراء، هذا ولد مولاكم، وقد قتل مولاكم أخواه فقتلتهما كما ترون، فبايعوا هذا الطفل. فقالوا: سمعنا وأطعنا. وضجّوا ضجة واحدة. ففزع الصبيّ وبال واختل عقله، فيما قيل: من تلك الضجة، وصار يتحرّك ويصرع، وتوفي في رجب في هذه السنة. وكان الحلّ والرّبط لعبّاس، فلما هرب عبّاس وقتل، كان الأمر للصالح طلائع بن رزّيك.
وفيها علوي الإسكاف [1] الحنبلي. كان شيخا صالحا من أصحاب أبي الحسن بن الزّاغوني، وكان يقرأ في كتاب الخرقي. توفي في يوم الجمعة رابع عشري جمادى الآخرة.
وفيها الشريف الخطيب أبو المظفّر محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن التّريكي [2] العبّاسي الهاشمي الحنبلي المعدّل.
كان مولده سنة سبعين وأربعمائة، وروى عن طراد، وأبي نصر الزّينبي، والعاصمي، وغيرهم، وحدّث، وسمع منه جماعة، وكان جليل القدر من رجالات الهاشميين، ذا أدب وعلم، وله نظم. قاله ابن رجب [3] .
وفيها أبو الفتوح الطائي، محمد بن أبي جعفر محمد بن علي
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 238- 239) .
[2] في «آ» و «ط» : «النويلي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «البرمكي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «المنتظم» (10/ 197) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 359) ، و «النجوم الزاهرة» (5/ 333) و «المنهج الأحمد» (2/ 321) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 238) .(6/292)
الهمذاني [1] صاحب «الأربعين» سمع فيد بن عبد الرحمن الشعراني، وإسماعيل بن الحسن الفرائضي، وطائفة، بخراسان، والعراق، والجبال، وتوفي في شوال عن خمس وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 159) و «النجوم الزاهرة» (5/ 333) .(6/293)
سنة ست وخمسين وخمسمائة
فيها توفي أبو حكيم النّهرواني إبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين بن حامد بن إبراهيم النّهرواني الرزّاز [1] ، الفقيه الحنبلي، الفرضي الزاهد، الحكيم الورع.
ولد سنة ثمانين وأربعمائة، وسمع الحديث من أبي الحسن بن العلّاف، وأبي عثمان بن ملّة، وأبي الخطّاب، وبرع في المذهب، والخلاف، والفرائض، وأفتى وناظر. وكانت له مدرسة بناها بباب الأزج، وكان يدرّس ويقيم بها، وفي آخر عمره فوضت إليه المدرسة التي بناها ابن الشمحل [2] بالمأمونية ودرّس بها أيضا. وقرأ عليه العلم خلق كثير وانتفعوا به، منهم: ابن الجوزي، وقال: قرأت عليه القرآن والمذهب والفرائض.
وممن قرأ عليه السّامري صاحب «المستوعب» ونقل عنه في تصانيفه.
قال ابن الجوزي: وكان زاهدا، عابدا، كثير الصوم، يضرب به المثل في الحلم والتواضع، من العلماء العاملين مؤثرا للخمول، ما رأينا له نظيرا
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 159) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 239- 241) و «المنهج الأحمد» (2/ 322- 325) .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن السمحل» بالسين المهملة، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» .(6/294)
في ذلك. يقوم الليل ويصوم النهار، ويعرف المذهب والمناظرة، وله الورع العظيم. وكان يكسب [1] بيده وإذا خاط ثوبا فأعطي الأجرة مثلا قيراطا، أخذ منه حبّة ونصفا وردّ الباقي، وقال: خياطتي لا تساوي أكثر من هذا [2] . ولا يقبل من أحد شيئا.
وقال ابن رجب: صنّف تصانيف في المذهب والفرائض، وشرح «الهداية» كتب منه تسع مجلدات، ولم يكمله.
وحدّث، وسمع منه جماعة، منهم: ابن الجوزي، وعمر بن علي القرشي الدمشقي، وله نظم حسن منه، قوله:
يا دهر إن جارت صروفك واعتدت ... ورميتني في ضيقة وهوان
أنّى أكون عليك يوما ساخطا ... وقد استفدت معارف الإخوان
وتوفي يوم الثلاثاء بعد الظهر، ثالث عشر جمادى الآخرة، ودفن قريبا من بشر الحافي، رحمهما الله تعالى.
وفيها علاء الدّين الحسين بن الحسين الغوري [3] سلطان الغور، وتملّك بعده ولده سيف الدّين محمد.
وفيها سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي [4] . كان أهوج أخرق فاسقا بل زنديقا يشرب الخمر في نهار رمضان، قبض [5] عليه الأمراء في العام الماضي، ثم خنق في ربيع الآخر من السنة.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «يكتب» .
[2] في «ط» : «هذه» .
[3] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 271) و «العبر» (4/ 160) .
[4] انظر «العبر» (4/ 160) .
[5] في «ط» : «فقبض» .(6/295)
وفيها طلائع بن رزّيك الأرمني ثم المصري [1] ، الملك الصالح، وزير الدّيار المصرية. غلب على الأمور في سنة تسع وأربعين، وكان أديبا شاعرا فاضلا شيعيا جوادا ممدّحا. ولما بايع العاضد زوّجه بابنته ونقّص أرزاق الأمراء، فعملوا عليه بإشارة العاضد وقتلوه في الدهليز في رمضان، وكان في نصر التشيع كالسكة المحماة. كان يجمع الفقهاء ويناظرهم على الإمامة وعلى القدر. وله مصنّف في ذلك سمّاه «الاجتهاد في الردّ على أهل العناد» قرر فيه قواعد الرفض [2] ، وجامع الصالح الذي بباب زويلة منسوب إليه، وبنى آخر بالقرافة وتربة إلى جانبه، وهو مدفون بها.
ومن شعره:
ومهفهف ثمل القوام سرت إلى ... أعطافه النّشوات من عينيه
ماضي اللحاظ كأنّما سلّت يدي ... سيفي غداة الروع من جفنيه
قد قلت إذ خطّ العذار بمسكة ... في خده ألفين [3] لا لاميه
ما الشّعر دبّ بعارضيه وإنما ... أصداغه نفضت على خدّيه
النّاس طوع يدي وأمري نافذ ... فيهم وقلبي الآن طوع يديه
فاعجب لسلطان يعمّ بعدله ... ويجوز سلطان الغرام عليه
والله لولا اسم الفرار وأنّه ... مستقبح لفررت منه إليه
وفيها أبو الفتح بن الصّابوني عبد الوهاب بن محمد المالكي [4] المقرئ الخفّاف، من قرية المالكية [5] . روى عن النّعالي، وابن البطر،
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 526- 529) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 397- 399) و «العبر» (4/ 160) .
[2] في «ط» : «التشيع» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «ألفيه» .
[4] انظر «العبر» (4/ 160- 161) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 354- 355) .
[5] قرية على الفرات بالعراق. أنظر «معجم البلدان» (5/ 43) .(6/296)
وطبقتهما، وكتب، وحصّل، وجمع أربعين حديثا. وقرأ القراءات على [ابن] بدران [1] الحلواني، وتصدّر للإقراء، وكان قيّما بالفنّ. توفي في صفر عن أربع وسبعين سنة.
وفيها الوزير جلال الدّين أبو الرضا محمد بن أحمد بن صدقة [2] ، وزر للراشد بالله، وكان فيه خير ودين. توفي في شعبان، عن ثمان وخمسين سنة.
وفيها ابن المادح [3] أبو محمد، محمد بن أحمد بن عبد الكريم التميمي البغدادي. روى عن أبي نصر الزّينبي وجماعة، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها الخاقان محمود بن محمد التّركي [4] سلطان ما وراء النهر، وابن بنت السلطان ملكشاه السلجوقي. سار بالغزّ في وسط السنة، وغزا نيسابور شهرين، وكان كالمقهور مع الغزّ، فهرب منهم إلى صاحب نيسابور المؤيد ثم خلّاه المؤيّد قليلا وسملة وحبسه.
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «زيدان» والتصحيح من «العبر» و «السير» وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[2] انظر «العبر» (4/ 161) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن المارح» بالراء وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» (4/ 161) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 391- 392) .
[4] انظر «العبر» (4/ 161) .(6/297)
سنة سبع وخمسين وخمسمائة
فيها توفي أبو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس بن كروّس السّلمي الدمشقي [1] . روى عن نصر المقدسي، ومكّي الرّميلي وجماعة، وكان شيخا مباركا حسن السمت. توفي في صفر عن أربع وثمانين سنة، وتفرّد برواية «الموطأ» .
وفيها زمرّد خاتون المحترمة [2] صفوة الملوك بنت الأمير جاولي، أخت الملك دقاق صاحب دمشق لأمه، وزوجة تاج الملك بوري، وأمّ ولديه شمس الملوك إسماعيل، ومحمود. سمعت من أبي الحسن بن قبيس، واستنسخت الكتب، وحفظت القرآن، وبنت المدرسة الخاتونية بصنعاء دمشق، ثم تزوّجها أتابك زنكي، فبقيت معه تسع سنين، فلما قتل حجّت وجاورت بالمدينة ودفنت بالبقيع، وهي التي ساعدت على قتل ولدها إسماعيل، لما كثر فساده وسفكه للدماء ومواطأته الفرنج على بلاد المسلمين، ولما جاورت بالمدينة المنورة قلّ ما بيدها، فكانت تغربل القمح والشعير، وتطحن وتتقوت بأجرتها، وكانت كثيرة البرّ، والصدقة، والصوم، والصلاة، رحمها الله تعالى.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 162) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 392- 393) و «النجوم الزاهرة» (5/ 362) .
[2] انظر «العبر» (4/ 162) و «البداية النهاية» (12/ 245- 246) .(6/298)
وأما خاتون بنت أنر زوجة الملك نور الدّين، فتأخرت، ولها مدرسة بدمشق وخانقاه معروفة على نهر بانياس [1] .
وفيها عبد الرحمن بن سالم التّنوخي، الواعظ، اجتمعت له الفصاحة والصباحة، ومواعظه مبكية مضحكة، وكلماته بالوعد والوعيد مهلكة، إذا وعظ كانت عباراته أرق من عبرات الباكين، وإذا أنشد كانت غرره مثل ثغور الضاحكين، فهو كما قال الحريري يقرّع الأسماع بزواجر وعظه، ويطبع الأسجاع بجواهر لفظه، وكان شحاذا حوّاشا قلما يخلو شركه من صيد، حتّى لو رآه الحريري لم يذكر أبا زيد.
أنشد في عزاء صدر الدّين إسماعيل شيخ الشيوخ ببغداد:
يا أخلّائي وحقّكم ... ما بقا من بعدكم فرح
أيّ صدر في الزّمان لنا ... بعد صدر الدّين ينشرح
قال ابن عساكر: كان أبوه منجما، وكان عبد الرحمن ينشد الشعر في الأسواق، خرج إلى بغداد وأظهر الزهد وعاد إلى دمشق، وصعد إليه على المنبر طفل فأمده على يديه وقال:
هذا صغير ما جنى صغيرة ... فهل كبير يركب الكبائرا
فضج الناس بالبكاء، مات بدمشق، ودفن بقاسيون. قاله ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» .
وفيها أبو مروان عبد الملك بن زهر [2] بن عبد الملك الإشبيلي، طبيب عبد المؤمن وصاحب التصانيف. أخذ عن والده وبرع في الصناعة، وهو الذي صنّف «الدرياق السبعيني» صنّفه لعبد المؤمن.
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «على نهر بأناس» .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن زهير» والتصحيح من «العبر» (4/ 163) .(6/299)
وفيها الشيخ عديّ بن مسافر بن إسماعيل الشامي ثم الهكّاري الزاهد، قطب المشايخ وبركة الوقت، وصاحب الأحوال والكرامات، صحب الشيخ عقيلا المنبجي [1] ، والشيخ حمّاد الدبّاس، وعاش تسعين سنة، ولأصحابه فيه عقيدة تتجاوز الحدّ. قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن الأهدل: له كرامات عظيمة، منها أنه إذا ذكر على الأسد وقف، وإذا ذكر على موج البحر سكن.
وإلى ذلك أشار الشيخ العارف الصّدّيق أبو محمد، المقرئ المعروف والده بالمدوّخ في «وسيلته الجامعة» فقال:
بجاه عديّ ذلك ابن مسافر ... به تسكن الأمواج في لجج البحر
وإن قلته للّيث لم يخط خطوة ... ولا الشبر من قاع ولا البعض من شبر
[3] وقال السّخاوي: أصله من قرية بشوف الأكراد تسمى بيت فار. ولد بها، والبيت الذي ولد فيه يزار إلى اليوم، وصحب الشيخ عقيل المنبجي [4] والشيخ حمّاد الدّباس، وأبا النجيب السهروردي، وعبد القادر الجيلي، وأبا الوفاء الحلواني، وأبا محمد الشنبكي [5] .
وقال ابن شهبة في «تاريخه» : كان فقيها عالما، وهو أحد أركان الطريقة، سلك في المجاهدة وأحوال البداية طريقا صعبا تعذّر على كثير من المشايخ سلوكه، وكان الشيخ عبد القادر يثني عليه كثيرا ويشهد له بالسلطنة
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «المنيحي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 254) و «العبر» .
[2] (4/ 163) .
[3] أقول: هذا من الغلو الذي لا يجوز في الإسلام (ع) .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «المنيحي» وانظر التعليق رقم (1) .
[5] في «آ» : «السنبكي» .(6/300)
على الأولياء، وكان في أوّل أمره في الجبال مجردا سائحا، وانتمى إليه عالم عظيم.
قال عمر بن محمد: خدمت الشيخ عدي سبع سنين، شهدت له فيها خارقات، أحدها أني صببت على يديه ماء، فقال لي: ما تريد؟ قلت: أريد تلاوة القرآن ولا أحفظ منه غير الفاتحة وسورة الإخلاص، فضرب بيده في صدري، فحفظت القرآن كله في وقتي وخرجت من عنده وأنا أتلوه بكماله.
وقال لي يوما: اذهب إلى الجزيرة السادسة بالبحر المحيط تجد بها مسجدا فادخله تر فيه شيخا، فقل له: يقول لك الشيخ عدي بن مسافر احذر الاعتراض ولا تختر لنفسك أمرا لك فيه إرادة، فقلت يا سيدي، وأنى لي بالبحر المحيط؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بجزيرة والبحر محيط بها، وثمّ مسجد، فدخلته فرأيت شيخا مهيبا يفكر، فسلّمت عليه وبلّغته الرسالة، فبكى، وقال: جزاه الله خيرا، فقلت: يا سيدي ما الخبر؟ فقال: اعلم أنّه [1] أحد السبعة الخواص في النزع.
وطمحت نفسي وإرادتي أن أكون مكانه، ولم تكمل خطرتي حتّى أتيتني، فقلت له:
يا سيدي، وأنّى لي بالوصول إلى جبل هكّار، فدفعني بين كتفي، فإذا أنا بزاوية الشيخ عدي، فقال لي: هو من العشرة الخواص. ذكر ذلك القطب اليونيني في «ذيله» [2] .
وفيها أبو نصر محمد الفرّوخي [3] الكاتب. كان أديبا فاضلا.
من شعره:
يا ربّ عفوك إنّني في معشر ... لا أبتغي منهم سواك ملاذا
هذا ينافق ذا وذا يغتاب ذا ... ويسبّ هذا ذا ويشتم ذا ذا
__________
[1] في «ط» : «أن» وهو تحريف.
[2] قلت: وهذا الذي قاله عمر بن محمد من مبالغات الصوفية التي لا يقرها العقل بله الشرع!
[3] انظر «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» ص (57- 62) طبع دار ابن كثير.(6/301)
وفيها الشيخ الإمام المحدّث، سيد الحفاظ، سراج الدّين أبو الحسن، علي بن أبي بكر بن حمير اليمني الهمداني [1] . روى عنه الإمام يحيى بن أبي الخير [صاحب «البيان» ] وجماعة من ذي أشرق [2] «البخاري» و «سنن أبي داود» وانتشر عنه الحديث بقطر اليمن، وعنه أخذ أحمد بن عبد الله القريظي.
قال الإمام يحيى بن أبي الخير: ما رأيت ولا سمعت بمثله، وله كتاب «الزلازل والأشراط» . قاله ابن الأهدل.
وفيها هبة الله بن أحمد الشّبلي بن المظفّر. القصّار المؤذّن. توفي في سلخ السنة، عن ثمان وثمانين سنة، وبه ختم السماع من أبي نصر الزّينبي.
وفيها أبو بكر هبة الله بن أحمد الحفّار. روى عن رزق الله التميمي، وتوفي في شوال كلاهما ببغداد.
__________
[1] انظر «مرآة الجنان» (3/ 313- 314) و «غربال الزمان» ص (435) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[2] في «آ» و «ط» : «من ذي أشرف» بالفاء وهو تصحيف، والتصحيح من «غربال الزمان» . وانظر «العقود اللؤلؤية» (1/ 58) وما بعدها بعناية الأكوع.(6/302)
سنة ثمان وخمسين وخمسمائة
فيها سار جيش المستنجد فالتقوا آل دبيس الأسديّين أصحاب الحلّة، فالتقوهم، فخذلت بنو أسد [1] وقتل من العرب نحو أربعة آلاف، وقطع دابرهم، فلم تقم لهم بعدها قائمة.
وفيها سار نور الدّين الشهيد لقتال الفرنج، وكانوا عزموا على حمص، فترفعوا وفرق في يوم مائتي ألف دينار، وكتب إليه النّواب أن الصدقات كثيرة، للفقهاء، والفقراء، والصوفية، فلو استعنت بها ثم تعوضهم عنها، فغضب وكتب إليهم: إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ 13: 11 [الرعد: 11] وهل أرجو النصر إلّا بهؤلاء، و «هَلْ تُنْصَرُونَ إِلَّا بضُعَفَائِكُمْ» [2] فكتبوا إليه فنقترض من أرباب الأموال ثم نوفيهم، فبات مفكرا، فرأى في منامه إنسانا ينشد:
__________
[1] في «ط» : «فخذلت أسد» .
[2] وذلك محاكاة لحديث رواه البخاري رقم (2896) في الجهاد: باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقّاص رحمه الله، ولفظه: «هل تنصرون إلّا بضعفائكم» ورواه أحمد في «المسند» (1/ 173) .
وهو قطعة من حديث صحيح رواه أبو داود (2594) في الجهاد: باب في الانتصار برذل الخيل والضعفة، والترمذي رقم (1702) في الجهاد: باب ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين، والنسائي (6/ 45 و 46) في الجهاد: باب الاستنصار بالضعيف، ولفظه بتمامه:
«أبغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.(6/303)
أحسنوا ما دام أمركم ... نافذا في البدو والحضر
واغنموا أيام دولتكم ... إنّكم منها على خطر
فقام مرعوبا مستغفرا مما خطر له، وكتب: لا حاجة لي بأموال النّاس، وعاد الفرنج إلى بلادهم.
وفيها توفي الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة [1] الزاهد، والد الشيخ أبي عمر، والشيخ الموفق. وله سبع وستون سنة. وكان خطيب جمّاعيل، ففرّ بدينه من الفرنج مهاجرا إلى الله، ونزل بمسجد أبي صالح، الذي بظاهر باب شرقي، ثم صعد إلى الجبل لتوخم ناحية باب شرقي عليهم، ونزل هو وولداه بسفح قاسيون، وكانوا يعرفون بالصالحية لنزولهم [2] بمسجد أبي صالح، فسميت الصالحية بهم، وكانت تسمى أولا قرية الجبل، وقيل: قرية النخل، لنخل كان بها كثيرا، وكان زاهدا صالحا قانتا لله، صاحب جدّ وصدق وحرص على الخير، وهو الذي بنى الدّير بالصالحية.
وفيها أحمد بن جعفر الدبيثي- مصغرا [3] نسبة إلى دبيثا [4] قرية بواسط- البيّع، ابن عم الحافظ أبي عبد الله الدّبيثي. قدم بغداد، وكان قد ضمن البيع بواسط، ثم عطل عنه وصودر، وروى ببغداد شيئا من شعره، وأورد له ابن النجار في «تاريخه» قوله:
يروم صبرا وفرط الوجد يمنعه ... وسلوه ودواعي الشّوق تردعه
إذا استبان طريق الرّشد واضحة ... عن الغرام فيثنيه ويرجعه
مشحونة بالجوى والشوق أضلعه ... ومفعم القلب بالأحزان مترعه
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 164) .
[2] في «ط» : «لنزلهم» .
[3] لفظة «مصغرا» لم ترد في «آ» .
[4] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 438) : بفتح أوله وثانيه وياء ساكنة ... وربما ضمّ أوله.(6/304)
ومنها:
عاثت يد البين في قلبي تقسّمه ... على الهوى وعلى الذكرى توزّعه
كأنّما آلت الأيام جاهدة ... لمّا تبدّد شملي لا تجمّعه
روّعت يا دهر قلبي كم تذوّقه ... من الأسى وفؤادي كم تجرّعه
وهي طويلة.
والظاهر أنه عارض فيها قصيدة ابن زريق المشهورة.
وفيها شهردار بن شيرويه بن شهردار بن شيرويه الدّيلمي [1] المحدّث الشافعي، أبو منصور.
قال ابن السمعاني: كان حافظا عارفا بالحديث، فهما عارفا بالأدب، ظريفا. سمع أباه، وعبدوس بن عبد الله، ومكّي السّلّار، وطائفة، وأجاز له أبو بكر بن خلف الشيرازي، وعاش خمسا وسبعين سنة. خرّج أسانيد لكتاب والده المسمى ب «الفردوس» في ثلاث مجلدات ورتبه ترتيبا حسنا [2] وسمّاه «الفردوس الكبير» .
وفيها عبد المؤمن الكوميّ التلمساني [3] صاحب المغرب والأندلس.
كان أبوه صانعا في الفخّار فصار أمره إلى ما صار. وكان أبيض مليحا، ذا جسم عمّ تعلوه حمرة، أسود الشعر، معتدل القامة، وضيئا، جهوري الصوت، فصيحا، عذب المنطق، لا يراه أحد إلّا أحبه بديهة. وكان في الآخر شيخا أنقى. وقد سبق شيء من أخباره في ترجمة ابن تومرت [4] وكان ملكا عادلا سايسا، عظيم الهيبة، عالي الهمّة، كثير المحاسن، متين الدّيانة،
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 164- 165) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 375- 378) .
[2] انظر «الرسالة المستطرفة» للكتاني ص (75- 76) طبع دار البشائر الإسلامية.
[3] انظر «العبر» (4/ 165) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 366- 375) .
[4] انظر حوادث سنة (524) ص (117- 120) .(6/305)
قليل المثل، وكان يقرأ كل يوم سبعا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير، ويصوم الاثنين والخميس، ويهتمّ بالجهاد والنظر في الملك كأنما خلق له، وكان سفّاكا لدماء من خالفه. سأل أصحابه مسألة ألقاها عليهم فقالوا: لا علم لنا إلّا ما علّمتنا [1] ، فلم ينكر ذلك عليهم، فكتب بعض الزهاد هذين البيتين ووضعهما تحت سجادته وهما:
يا ذا الذي قهر الأنام بسيفه ... ماذا يضرّك أن تكون إلها
الفظ بها فيما لفظت فإنّه ... لم يبق شيء أن تقول سواها
فلما رآها وجم وعظّم أمرهما، وعلم أن ذلك بكونه لم ينكر على أصحابه قولهم: لا علم لنا إلّا ما علّمتنا، فكان عبد المؤمن يتزيّا بزي العامة ليقف على الحقائق، فوقعت عيناه على شيخ عليه سيما الخير، فتفرّس فيه أنه قائل البيتين، فقال له: أصدقني أنت قائل البيتين، قال: أنا هو، قال: لم فعلت ذلك؟ قال: قصدت إصلاح دينك، فدفع إليه ألف دينار فلم يقبلها.
ومن شعره وقد كثر الثوار عليه:
لا تحفلنّ بما قالوا وما فعلوا ... إن كنت تسمو إلى العليا من الرّتب
وجرّد السيف فيما أنت طالبه ... فما تردّ صدور الخيل بالكتب
ومات غازيا بمدينة سلا في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن عمّار بن أحمد بن علي ابن عبدوس الحرّاني [2] الفقيه الحنبلي الزاهد العارف الواعظ.
ولد سنة عشر- أو إحدى عشرة- وخمسمائة. وسمع ببغداد من ابن
__________
[1] وذلك تشبها بجواب الملائكة المكرمين لله عزّ وجل في الآية (32) من سورة البقرة: قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 2: 32 نعوذ بالله من سوء العاقبة ونسأله تعالى أن يلهمنا حسن الختام بفضله وكرمه.
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 241- 244) و «المنهج الأحمد» (2/ 325- 328) .(6/306)
ناصر وغيره، وتفقّه وبرع في الفقه، والتفسير، والوعظ، والغالب على كلامه التذكير وعلوم المعاملات. وله تفسير كبير مشحون بهذا الفنّ، وله كتاب «المذّهب في المذهب» ومجالس وعظية، فيها كلام حسن. قرأ عليه قرينه [1] أبو الفتح نصر الله بن عبد العزيز، وجالسه الشيخ فخر الدّين بن تيمية في أول اشتغاله، وقال عنه: كان نسيج وحده في علم التذكير والاطلاع على علم التفسير، وله فيه التصانيف البديعة والمبسوطات الوسيعة.
وسمع منه الحديث أبو المحاسن عمر بن علي القرشي الدمشقي بحرّان، وقال: هو إمام الجامع بحرّان، من أهل الخير والصلاح والدّين.
قال: وأنشدني لنفسه:
سألت حبيبي وقد زرته ... ومثلي في مثله يرغب
فقلت حديثك مستظرف ... ويعجب منه الذي يعجب
أراك ظريفا مليح الجواب ... فصيح الخطاب فما تطلب
[2] ؟
فهل فيك من خلّة تزدري ... بها الصد والهجر هل يقرب؟
فقال أما قد سمعت المقال ... مغنّية الحيّ ما تطرب؟
وقوله:
قرّة عيني [3] من صدق ... بعزمه عن الصّدف
__________
[1] في «آ» و «ط» : «قرنه» وفي «المنهج الأحمد» : «قريبه» وما أثبتناه من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] رواية البيت في «ذيل طبقات الحنابلة» .
أراك مليح الجواب ... فصيح الخطاب فما تطلب؟
وفي «المنهج الأحمد» :
أراك مليحا ظريف الجواب ... فصيح الخطاب فما تطلب؟
[3] في «آ» و «ط» : «قرة عين» وما أثبته من «المنهج الأحمد» وجعل محقق «ذيل طبقات الحنابلة» البيتين بيتا واحدا رسمه على هذا النحو:
قرة عين من صدف بعزمه عن الصدف ... ثم اقتنى الدر الذي من ناله نال الشرف(6/307)
ثمّ اقتنى الدّرّ الذي ... من ناله نال الشّرف
توفي- رحمه الله تعالى- في آخر نهار عرفة، وقيل: ليلة عيد النحر، سنة تسع وخمسين وخمسمائة، كما جزم به ابن رجب.
وفيها سديد الدولة ابن الأنباري، صاحب ديوان الإنشاء ببغداد، وهو محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم الشيباني [1] ، الكاتب البليغ. أقام في الإنشاء خمسين سنة، وناب في الوزارة، ونفذ رسولا، وكان ذا رأي وحزم وعقل. عاش نيفا وثمانين سنة. وكانت رسائله بديعة المعاني، متينة المباني، عذبة المجاني. ومدحته الشعراء منهم الأرّجاني بقصيدة أولها:
إلى خيال خيال في الظلام سرى ... نظيره في خفاء الشخص إذ نظرا
ومنها:
معقرب الصّدغ تحكي نور غرّته ... بدر بدا بظلام اللّيل معتكرا
مذ سافر القلب من صدري إليه هوى ... ما عاد قطّ ولم أسمع له خبرا
وهو المسيء اختيارا إذ نوى سفرا ... وقد رأى طالعا في العقرب القمرا
وكانت بينه وبين الحريري مكاتبات ومراسلات.
وفيها الجواد جمال الدّين أبو جعفر محمد بن علي الأصبهاني [2] ، وزير صاحب الموصل أتابك زنكي. كان رئيسا نبيلا مفخّما دمث الأخلاق سمحا كريما مفضالا، متنوعا في أفعال البرّ والقرب، مبالغا في ذلك. وقد وزر أيضا لولد زنكي سيف الدّين غازي، ثم لأخيه قطب الدّين مدة، ثم قبض عليه في هذه السنة وحبسه، ومات في العام الآتي فنقل ودفن بالبقيع. ولقد حكى ابن الأثير [3] في ترجمة الجواد هذا مآثر ومحاسن لم يسمع بمثلها.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 165- 166) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 350- 351) .
[2] انظر «العبر» (4/ 166) .
[3] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 306- 310) .(6/308)
وفيها المؤيد محمد الألوسي- بفتح الهمزة وضم اللام ومهملة، نسبة إلى ألوس [1] ، ناحية عند حديثة الفرات، وقال ابن السمعاني عند طرسوس [2]- كان يتزيا بزي الأجناد، وله المعاني المبتكرة، فمن ذلك قوله في قلم:
قلم يفلّ الجيش وهو عرمرم ... والبيض ما سلت من الأغماد
وهبت له الآجام حين نشا بها ... كرم السيول وهيبة الآساد
وما أظن أنه قيل في القلم أحسن منهما.
وفيها يحيى بن سعيد النصراني. أوحد زمانه في معرفة الطب والأدب، له ستون مقامة ضاهى بها «مقامات الحريري» ومن شعره في الشيب:
نفرت هند من طلائع شيبتي ... واعترتها سآمة من وجومي
هكذا عادة الشياطين ينفر ... ن إذا ما بدت رجوم النّجوم
وفيها أبو زكريا [3] العمراني، يحيى بن أبي الخير بن سالم اليماني، صاحب «البيان» .
ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وتفقّه على جماعات، منهم زيد اليفاعي [4] ، وكان شيخ الشافعية ببلاد اليمن، وكان إماما زاهدا ورعا عالما خيّرا، مشهور الاسم، بعيد الصيت، عارفا بالفقه وأصوله، والكلام والنحو،
__________
[1] وكذا ضبطت في «معجم البلدان» (1/ 246) بفتح الهمزة، وضبطها السمعاني في «الأنساب» (1/ 343) بضم الهمزة.
[2] وكذلك ياقوت في «معجم البلدان» .
[3] في «آ» و «ط» : «أبو الخير» وما أثبتناه من «مرآة الجنان» (3/ 318) و «غربال الزمان» ص (436) .
[4] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «البقاعي» والتصحيح من «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» .(6/309)
من أعرف أهل الأرض بتصانيف الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ويحفظ «المهذب» عن ظهر قلب، وقيل: إنه كان يقرؤه في كل ليلة، وكان ورده في كل ليلة أكثر من مائة ركعة بسبع القرآن العظيم، ورحل إليه الطلبة من البلاد، ومن تصانيفه «البيان» في نحو عشر مجلدات، وهو كاسمه، وفيه قيل:
لله شيخ من بني عمران ... قد شاد قصر العلم بالأركان
يحيى لقد أحيا الشريعة هاديا ... بزوائد وغرائب وبيان
هو درّة اليمن الذي ما مثله ... من أول في عصرنا أوثان
وكان حنبلي العقيدة، شافعي الفروع، كما قال ابن الأهدل كالآجري [1] صاحب كتاب «الشريعة» .
قال ابن شهبة [2] وغيره: وله في علم الكلام كتاب «الانتصار في الرد على القدرية الأشرار» ينصر فيه عقيدته وتحامل فيه على الأشاعرة واختصر «الإحياء» وله كتاب «السؤال عما في المهذّب من الإشكال» وانتقل في آخر أمره من سير إلى ذي سفال، ثم مات بها مبطونا شهيدا، وما ترك فريضة في جملة مرضه، ونازع ليلتين، وهو يسأل عن أوقات الصلاة، ومحاسنه ومصنفاته كثيرة، رحمه الله تعالى.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «كاجري» والتصحيح من «غربال الزمان» .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 373) .(6/310)
سنة تسع وخمسين وخمسمائة
فيها كسر نور الدّين الشهيد الفرنج، وأسر صاحب أنطاكية، وصاحب طرابلس، وفتح حارم [1] .
وفيها سار أسد الدّين شير كوه من دمشق إلى مصر بأمر نور الدّين إعانة للأمير شاور، ومعه ابن أخيه صلاح الدّين يوسف بن نجم الدّين أيوب، وهو الذي صار إليه ملك مصر كما سيأتي، وكان نجم الدّين أيوب بن شاذي السعدي، وأخوه شير كوه من بلد العجم، أصلهم أكراد، وكانوا من بلد يقال له دوين، ونجم الدّين الأكبر. قدما العراق، وخدما مجاهد الدّين بهروز، ولما تمّ لزنكي أمره، ذهب إليه نور الدّين وأخوه، فلما قتل زنكي وقصد نور الدّين دمشق، كاتبهما أن يساعداه، وكانا صارا من أكابر أمراء دمشق، ووعدهما بأشياء، فساعداه على فتحها، ووفى لهما، وصارا عنده في منزلة عالية، خصوصا نجم الدّين، فلما وصل إلى مصر بالعساكر، وخرج إليهما ضرغام، فالتقوا على باب القاهرة في هذه السنة، فقتل ضرغام واستقام أمر شاور، ثم ظهر من شاور الغدر، وكتب إلى الفرنج يستنجدهم، فجاؤوا إلى بلبيس، وحصروا أسد الدّين شيركوه، ولم يقدروا عليه، خصوصا لما جاءهم الصريخ بما تمّ على دين الصليب بوقعة حارم، فصالحوا أسد الدّين، وردوا، ورجع
__________
[1] انظر «دول الإسلام» (2/ 74) .(6/311)
هو إلى الشام، ثم لا زالت تتنقل به وبابن أخيه الأحوال إلى أن صار ابن أخيه ملك مصر.
وفيها توفي أبو سعد عبد الوهاب بن الحسن الكرماني، بقية شيوخ نيسابور. روى عن أبي بكر بن خلف، وموسى بن عمران، وأبي سهل عبد الملك الدّشتي [1] وتفرّد عنهم، وعاش تسعا وسبعين سنة.
وفيها أبو المعالي الحسن [بن محمد] الوركاني [2]- بالفتح والسكون، نسبة إلى وركان، محلّة بأصبهان- الفقيه الشافعي، كان سريا مفتيا للفريقين، وله طريقة في الخلاف.
وفيها السيد أبو الحسن علي بن حمزة العلوي الموسوي [3] ، مسند هراة. سمع أبا عبد الله العمري، ونجيب بن ميمون، وأبا عامر الأزدي، وطائفة، وعاش نيفا وتسعين سنة.
وفيها أبو الخير الباغبان- بفتح الموحدتين وسكون المعجمة، نسبة إلى حفظ الباغ، وهو البستان- محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني [4] المقدّر. سمع عبد الوهاب بن مندة وجماعة، وكان ثقة مكثرا، توفي في شوال.
وفيها الزّاغولي الحافظ محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب المروزي. كان حافظا ثقة عمدة، له
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الرسي» والتصحيح من «العبر» (4/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 339) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 66- 67) و «النجوم الزاهرة» (5/ 365) وما بين حاصرتين زيادة منهما.
[3] انظر «العبر» (4/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 394- 395) .
[4] انظر «العبر» (4/ 168) و «دول الإسلام» (2/ 74) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 378) .(6/312)
مؤلفات، منها مؤلّف واحد في أكثر من أربعمائة مجلد [1] . قاله ابن ناصر الدّين [2] .
والزّاغولي: بضم المعجمة، نسبة إلى زاغولة، قرية من قرى بنج ديه [3] .
وفيها نصر بن خلف، السلطان أبو الفضل [4] ، صاحب سجستان، عمّر مائة سنة، ملك منها ثمانين سنة، وكان عادلا حسن السيرة، مطيعا للسلطان سنجر.
__________
[1] اسمه «قيد الأوابد» كما في «تذكرة الحفاظ» و «التبيان شرح بديعة البيان» .
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (164/ ب) وقد جاء في ترجمته هناك أيضا مما يجد ذكره:
حدّث عن محيي السّنّة البغوي، ونصر بن إبراهيم الحنفي، وعدة، وعنه أبو سعد السمعاني وغيره. وانظر «الأنساب» (6/ 221- 222) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1337- 1338) .
[3] فائدة: بنج ديه: قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 498) : معناه بالفارسية الخمس قرى، وهي كذلك خمس قرى متقاربة من نواحي مرو الرّوذ، ثم من نواحي خراسان، عمّرت حتى اتصلت العمارة بالخمس قرى وصارت كالمحالّ بعد أن كانت كل واحدة مفردة، فارقتها في سنة (617) قبل استيلاء التتر على خراسان، ولا أدري إلى أي شيء آل أمرها، وقد تعرّب فيقال: فنج ديه، وينسبون إليها فنجديهي، وقد نسب إليها السمعاني خمقري من الخمس قرى نسبة، وقد يختصرون فيقولون بندهي.
[4] انظر «العبر» (4/ 169) و «غربال الزمان» ص (438) .(6/313)
سنة ستين وخمسمائة
فيها وقعت فتنة هائلة بأصبهان بين صدر الدّين عبد اللطيف بن الخجندي وغيره من أصحاب المذاهب، سببها التعصب للمذاهب [1] ، فخرجوا للقتال وبقي الشرّ والقتل ثمانية أيام، قتل فيها خلق كثير، وأحرقت أماكن كثيرة.
وفيها فوّض نور الدّين دمشق إلى صلاح الدّين يوسف بن أيوب، فأظهر السياسة وهذّب الأمور.
وفيها فتح نور الدّين بانياس عنوة.
وفيها توفي أبو العبّاس بن الحطيئة [2] أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللّخمي الفاسي، المقرئ الصالح الناسخ.
ولد سنة ثمان وسبعين، وحجّ، وقرأ القراءات على ابن الفحّام، وبرع فيها، وكان لأهل مصر فيه اعتقاد كثير، توفي في المحرم ودفن بالقرافة.
وفيها أمير ميران أخو السلطان نور الدّين [3] . أصابه سهم في عينه على حصار بانياس، فمات منه بدمشق، رحمه الله تعالى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «للمذهب» وما أثبتناه من «العبر» (4/ 169) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحطية» وفي «العبر» «الحطئة» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 344) وانظر التعليق عليه.
[3] انظر «العبر» (4/ 169) و «النجوم الزاهرة» (5/ 367) .(6/314)
وفيها أبو النّدى حسّان بن تميم الزّيّات [1] . رجل حاج صالح. روى عن نصر المقدسي، وتوفي في رجب عن بضع وثمانين سنة، وروت عنه كريمة.
وفيها أبو المظفّر الفلكي [2] سعيد بن سهل، الوزير النيسابوري ثم الخوارزمي، [وزير خوارزم] شاه [3] . روى مجالس عن أحمد المديني، ونصر الله الخشنامي، وحجّ وتزهد، وأقام بدمشق بالسميساطيّة، وكان صالحا متواضعا، توفي في شوال.
وفيها أبو المعمّر الهاطر حذيفة بن سعد الأزجي الوزّان [4] . روى عن أبي الفضل بن خيرون وجماعة، وتوفي في رجب.
وفيها رستم بن علي بن شهريار صاحب مازندران. استولى في العام الماضي على بسطام، وقومس، واتسعت مملكته، مات في ربيع الأول، وتملّك بعده ابنه علاء الدّين حسن.
وفيها عبد الله بن سعد بن الحسين بن الهاطر العطار الحنبلي، وهو حذيفة المتقدم. كان اسمه حذيفة فغيّره، وصار يكتب عبد الله. قرأ القرآن بالروايات على أبي الخطّاب بن الجرّاح وغيره، وسمع الحديث من ابن طلحة وغيره، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وحدّث، وروى عنه أبو جعفر السهروردي وغيره. توفي يوم الاثنين ثامن رجب، وصلى عليه الشيخ عبد القادر الكيلاني من الغد، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 170) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 397) و «النجوم الزاهرة» (5/ 367) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العلكي» والتصحيح من «العبر» (4/ 170) و «النجوم الزاهرة» (5/ 370) .
[3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .
[4] انظر «العبر» (4/ 170) .(6/315)
وفيها أبو الحسين اللبّاد علي بن أحمد الأصبهاني. سمع أبا بكر بن ماجة، ورزق الله التميمي وطائفة، وأجاز له أبو بكر بن خلف، وتوفي في شوال.
وفيها أبو القاسم بن البزري، عمر بن محمد الشافعي جمال الإسلام، إمام جزيرة ابن عمر وفقيهها ومفتيها ومدرّسها. رحل إلى بغداد، وأخذ عن الغزالي وإلكيا [1] وجماعة، وبرع في المذهب ودقائقه، وصنّف كتابا في حلّ مشكلات «المهذّب» وكان من أهل العلم والدّين بمحلّ رفيع.
قال ابن خلّكان [2] : كان أحفظ من بقي في الدّنيا على ما يقال لمذهب الشافعي، انتفع به خلق كثير، ولم يخلّف بالجزيرة مثله.
ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وتوفي في أحد الربيعين.
والبزري: منسوب إلى عمل البزر، وهو الدّهن من حبّ الكتان.
وفيها أبو عبد الله الحرّاني محمد بن عبد الله بن العبّاس المعدّل [3] ببغداد. سمع رزق الله التميمي، وهبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري، وطراد ابن محمد [الزّينبي] ، وكان أديبا فاضلا ظريفا. توفي في جمادى الأولى.
وفيها القاضي أبو يعلى الصغير الحنبلي محمد بن أبي خازم محمد ابن القاضي أبي يعلى الكبير بن الفراء البغدادي [4] شيخ المذهب، تفقّه على أبيه وعمه أبي الحسين، وكان مناظرا فصيحا مفوّها ذكيا، ولي قضاء واسط مدة، ثم عزل منها، فلزم منزله وأضرّ بأخرة.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «والكبار» وإلكيا لقب الإمام علي بن محمد بن علي الهرّاسي، وقد تقدمت ترجمته في حوادث سنة (504) انظر ص (14- 17) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 445) .
[3] انظر «العبر» (4/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 352- 353) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 353- 354) ، و «العبر» (4/ 171- 172) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 244- 250) و «المنهج الأحمد» (2/ 328- 330) .(6/316)
قال ابن رجب: ولد يوم السبت لثمان عشرة من شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وسمع الحديث من أبي البركات العاقولي، وأبي علي الثّككيّ [1] وغيرهما، وأجازه الحريري صاحب «المقامات» ودرّس وناظر في شبيبته، وكان ذا ذكاء مفرط وذهن ثاقب وفصاحة وحسن عبارة [2] ، ظهر علمه في الآفاق، ورأى من تلاميذه من ناظر ودرّس وأفتى في حياته.
ومما كتبه [3] إلى بعض العلماء: فلو أن للكرم [4] مقلة لكان هو إنسانها، أو للمجد [5] لغة لكان هو لسانها، أو للسؤدد دهرا لكان هو ربيع أزمانه، وللشرف عمرا لكان [هو] صفو ريعانه، وللأجواد شهبا لكان هو الشمس التي إذا ظهرت خفيت الكواكب لظهورها، وإذا تأمّلها الراؤون ردّت أبصارهم عن شعاعها ونورها.
ولابن الجوزي فيه مدائح كثيرة، وله مصنفات كثيرة، منها:
«المفردات» و «التعليقة» في مسائل الخلاف، و «شرح المذهب» وكتاب «النّكت والإشارات» .
وقرأ عليه المذهب جماعة كثيرة، منهم أبو إسحاق الصقّال، وأبو العبّاس القطيعي، وأبو البقّال العكبري، ويحيى بن الرّبيع الشافعي، وسمع منه جماعة كثيرة أيضا، وتوفي ليلة السبت سحر خامس جمادى الأولى.
وفيها أبو طالب العلويّ الشريف محمد بن محمد بن محمد بن أبي
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الثكلى» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (19/ 259) و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] في «ط» : «حسن العبارة» .
[3] في «آ» : «ومن كتبه» .
[4] كذا في «آ» و «ط» : «للكرم» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «الكرم» .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «المجد» .(6/317)
زيد الحسني البصري [1] ، نقيب الطالبيين بالبصرة. روى عن أبي علي التّستري، وجعفر العبّاداني، وجماعة، واستقدمه [2] ابن هبيرة لسماع «السنن» [3] . توفي في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة.
وفيها أبو الحسن بن التلميذ، أمين الدولة هبة الله بن صاعد المصري البغدادي، شيخ قومه وقسّيسهم- لعنهم الله- وشيخ الطب وجالينوس العصر، وصاحب التصانيف. مات في ربيع الأول وله أربع وتسعون سنة. قاله في «العبر» [4] .
وقال صاحب «أنموذج الأعيان» : كان شيخا زيني المنظر، عذب المجتلى والمجتنى، لطيف الرّوح، ظريف الشخص، مصنّف الفكر، حازم الرأي، والله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يريد بعدله، وله لغز في ميزان:
ما واحد مختلف الأسماء ... يعدل في الأرض وفي السماء
يحكم بالقسط بلا مراء [5] ... أعمى يري الإرشاد كل راء
أخرس لا من علّة وداء ... يغني عن التصريح بالإيماء
يجيب إن ناداه ذو امتراء ... بالخفض والرّفع عن النداء
يفصح إن علّق في الهواء
وقوله مختلف الأسماء: يعني ميزان الشمس الأسطرلاب، وميزان الكلام النحو، وميزان الشعر العروض.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 72) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 423- 425) .
[2] في «آ» و «ط» : «واستفاد به» والتصحيح من «العبر» .
[3] يعني «سنن أبي داود» كما في «سير أعلام النبلاء» .
[4] انظر «العبر» (4/ 172) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 354) .
[5] في «وفيات الأعيان» (6/ 69) : «بلا رياء» .(6/318)
وفيها ياغي [1] أرسلان بن الداشمند صاحب ملطية، جرى بينه وبين جاره قلج أرسلان حروب عديدة، ثم مات وولى بعده ابن أخيه إبراهيم بن محمد، فصالح قلج أرسلان.
وفيها الوزير عون الدّين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد الشيباني [2] وزير المقتفى وابنه. ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة بالسواد، ودخل بغداد شابا فطلب العلم وتفقّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وسمع الحديث، وقرأ القراءات، وشارك في الفنون، وصار من فضلاء زمانه. ثم احتاج فدخل في الكتابة، وولي مشارفة الخزانة، ثم ترقّى وولي ديوان الخواص [3] ثم استوزره المقتفي، فبقي وزيرا إلى أن مات، وكان شامة بين الوزراء لعدله ودينه وتواضعه ومعرفته. روى عن أبي عثمان بن ملّة وجماعة، ولما ولّاه المقتفي امتنع من لبس خلعة الحرير وحلف أن لا يلبسها، وذا شيء لا يفعله قضاة زماننا ولا خطباؤهم [4] وكان مجلسه معمورا بالعلماء والفقهاء، والبحث وسماع الحديث، شرح «صحيحي» البخاري ومسلم، وألّف كتاب «العبادات في مذهب أحمد» ومات شهيدا مسموما في جمادى الأولى، ووزر بعده شرف الدّين أبو جعفر بن البلدي. قاله في «العبر» .
وقال ابن رجب [5] : صحب أبا عبد الله محمد بن يحيى الزّبيدي الواعظ الزاهد من حداثته، وكمّل عليه فنونا من العلوم الأدبية وغيرها، وأخذ عنه التأله والعبادة، وانتفع بصحبته حتّى إن الزبيدي كان يركب جملا ويعتم
__________
[1] في «آ» و «ط» : «باغي» بالباء الموحدة، وما أثبته من «العبر» (4/ 172) .
[2] انظر «العبر» (4/ 172- 173) .
[3] في «العبر» بطبعتيه: «ديوان الخاص» .
[4] في «العبر» بطبعتيه: «وخطباؤه» .
[5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 251- 289) .(6/319)
بفوطة، ويلويها تحت حنكه، وعليه جبّة صوف، وهو مخضوب بالحناء، فيطوف بأسواق بغداد ويعظ الناس، وزمام جمله بيد [أبي المظفّر] بن هبيرة، وهو أيضا معتم بفوطة من قطن، قد لواها تحت حنكه، وعليه قميص قطن خام، قصير الكم والذيل، وكلما وصل الزّبيدي موضعا أشار ابن هبيرة بمسبحته، ونادى برفيع صوته: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
وقال ابن الجوزي: كانت له معرفة حسنة بالنحو، واللغة، والعروض، وصنّف في تلك العلوم، وكان شديدا في اتباع السّنّة وسير السلف.
وقال ابن رجب: صنّف الوزير أبو المظفّر كتاب «الإفصاح عن معاني الصحاح» في عدة مجلدات، وهو شرح «صحيحي» البخاري ومسلم، ولما بلغ فيه إلى حديث: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» [1] شرح الحديث، وتكلّم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى ذكر [2] مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين، وقد أفرده الناس من الكتاب وجعلوه بمفرده مجلدة وسموه بكتاب «الإفصاح» وهو قطعة منه، وهذا الكتاب صنّفه في ولايته الوزارة، واعتنى به، وجمع عليه أئمة المذاهب، وأوفدهم من البلدان إليه لأجله، بحيث أنفق على ذلك مائة ألف دينار، وثلاثة عشر ألف دينار، وحدّث به، واجتمع الخلق العظيم لسماعه عليه.
__________
[1] قطعة من حديث رواه البخاري رقم (71) في العلم: باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدّين، و (3116) في فرض الخمس: باب قول الله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ 8: 41 [الأنفال: 41] و (7312) في الاعتصام: باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم» ومسلم رقم (1037) (2/ 718) في الزكاة: باب النهي عن المسألة. و (1037) (175) (3/ 1524) باب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم» من حديث معاوية رضي الله عنه.
[2] في «آ» : «إلى أن ذكر» .(6/320)
واشتغل به الفقهاء في ذلك الزمان على اختلاف مذاهبهم.
واستدعاه المقتفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة إلى داره، وقلّده الوزارة، وخلع عليه، وخرج في أبهة عظيمة، ومشى أرباب الدولة وأصحاب المناصب كلهم [1] بين يديه، وهو راكب. وحضر القراء والشعراء، وكان يوما مشهودا. وقرئ عهده، وخوطب فيه بالوزير العالم العادل عون الدّين جلال الإسلام صفي الإمام، شرف الأنام، معزّ الدولة، مجير الملّة، عماد الأمة مصطفى الخلافة، تاج الملوك والسلاطين، صدر الشرق والغرب، سيد الوزراء.
وقال يوما: لا تقولوا في ألقابي سيد الوزراء، فإن الله تعالى سمّى هارون وزيرا، وجاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّ وزيريه من أهل السّماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر» [2] .
وقال مرّة في وزارته: والله لقد كنت أسأل الله الدنيا لأخدم بما يرزقنيه منها العلم وأهله.
وكان سبب هذا أنه ذكر في مجلسه مفردات الإمام أحمد، التي تفرّد
__________
[1] لفظة «كلهم» سقطت من «ط» .
[2] أقول: وذلك فيما رواه الترمذي رقم (3680) في المناقب: باب رقم (17) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وإسناده ضعيف وذكره أيضا أبو نعيم في «حلية الأولياء» (8/ 160) والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (3/ 298) والهيثمي في «مجمع الزوائد» .
(9/ 51) من حديث عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما بلفظ: «إن الله عزّ وجل أيدني بأربعة وزراء نقباء» قلنا يا رسول الله من هؤلاء الأربع؟ قال: «اثنين من أهل السماء واثنين من أهل الأرض» فقلت: من الاثنين من أهل السماء؟ قال: «جبريل وميكائيل» قلنا من الاثنين من أهل الأرض؟ قال: «أبو بكر وعمر» وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه محمد بن محبب الثقفي وهو كذاب، ورواه البزار بمعناه، وفيه عبد الرحمن بن مالك بن مغول وهو كذاب، ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وهذا من تساهله، رحمه الله تعالى.(6/321)
بها [1] عن الثلاثة [2] فادعى أبو محمد الأشيري [3] المالكي: أنها رواية عن مالك، ولم يوافقه على ذلك أحد، وأحضر الوزير كتب مفردات أحمد، وهي منها، والمالكي مقيم على دعواه، فقال له الوزير: بهيمة أنت؟ أما تسمع هؤلاء يشهدون بانفراد أحمد بها، والكتب المصنّفة، وأنت تنازع، وتفرّق المجلس، فلما كان المجلس الثاني، واجتمع الخلق للسماع، أخذ ابن شافع في القراءة، فمنعه الوزير، وقال: كان الفقيه أبو محمد جريء في مسألة أمس على ما لا يليق به من العدول عن الأدب والانحراف عن نهج النظر، حتى قلت تلك الكلمة- أي قوله أنت بهيمة- وها أنا فليقل لي كما قلت له، فلست بخير منكم، ولا أنا إلّا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، وارتفعت الأصوات بالدعاء والثناء، وأخذ الأشيري يعتذر ويقول: أنا المذنب والأولى بالاعتذار من مولانا الوزير، ويقول القصاص القصاص، فقال يوسف الدمشقي: إذا فالفداء، فقال له الوزير: له حكمه، فقال الأشيري: نعمك عليّ كثيرة، فأيّ حكم بقي لي؟ فقال: قد جعل الله لك الحكم علينا، فقال:
على بقية دين منذ كنت بالشام، فقال الوزير: يعطى مائة دينار لإبراء ذمته وذمتي، فأحضرت له.
وقال ابن الجوزي: كان يتحدث بنعم الله عليه، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، فيقول: نزلت يوما إلى دجلة، وليس معي رغيف أعبر به.
ودخل عليه يوما تركي، فقال لحاجبه: أما قلت [4] لك: أعط هذا
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مفردة للإمام أحمد تفرّد بها» ولفظة «بها» أثبتها منه وكانت في «آ» و «ط» : «لها» .
[2] يعني عن الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي، رحمهم الله تعالى.
[3] في «آ» : «الأشير» وفي «ط» : «الأشيري» وهو ما أثبته وهو الصواب، وانظر سير أعلام النبلاء (20/ 466) و «اللباب في تهذيب الأنساب» (1/ 68) .
[4] في «آ» و «ط» : «ما قلت» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .(6/322)
عشرين دينارا، وكرّا [1] من الطعام، وقل له: لا تحضر هاهنا فقال: قد أعطيناه. فقال: عد وأعطه، وقل له: لا تحضر، ثم التفت إلى الجماعة فقال: هذا كان شحنة [2] في القرى، فقتل قتيل قريبا [3] من قريتنا، فأخذ مشايخ القرى وأخذني مع الجماعة، وأمشاني مع الفرس، وبالغ في أذاي وأوثقني ثم أخذ من [كل] واحد شيئا وأطلقه، ثم قال لي: أي شيء معك؟
قلت: ما معي شيء [4] [، فانتهرني، وقال: اذهب. فأنا لا أريد اليوم أذاه، وأبغض رؤيته، وذكر: أن الوزير قال:] [5] وما نقمت عليه إلّا أني سألته في الطريق أن يمهلني حسبما أصلي الفرض، فما أجابني وضربني [على رأسي وهو مكشوف عدة مقارع] [6] .
وقال ابن الجوزي: كنا نجلس إلى ابن هبيرة فيملي علينا كتابه «الإفصاح» فبينا نحن كذلك إذ قدم علينا رجل ومعه رجل ادعى عليه أنه قتل أخاه، فقال له عون الدّين [7] : أقتلته؟ قال: نعم. جرى بيني وبينه كلام فقتلته، فقال الخصم: سلّمه إلينا حتّى نقتله فقد أقرّ بالقتل، فقال عون الدّين: أطلقوه ولا تقتلوه، قالوا: كيف ذلك، وقد قتل أخانا؟ قال: فتبيعونيه، فاشتراه منهم بستمائة دينار، وسلّم الذهب إليهم وذهبوا، وقال للقاتل: اقعد عندنا
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : و «كذا» والكرّ: واحد أكرار الطعام، والكرّ ستّون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. انظر «لسان العرب» (كرر) .
[2] في «آ» و «ط» : «سجنه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . وانظر التعليق على «دول الإسلام» (2/ 76) .
[3] في «آ» و «ط» : «قريب» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ما معي شيئا» .
[5] ما بين حاصرتين لم يرد في «آ» و «ط» وأثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[6] ما بين حاصرتين تقدم في «آ» و «ط» إلى عدة أسطر من النص فأعدته إلى مكانه كما في «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[7] يعني ابن هبيرة، وعون الدّين لقبه كما تقدم أول الترجمة.(6/323)
لا تبرح. قال: فجلس عندهم وأعطاه الوزير خمسين دينارا. قال: فقلنا للوزير:
لقد أحسنت إلى هذا وعملت معه أمرا عظيما وبالغت في الإحسان إليه. فقال الوزير: منكم أحد يعلم أن عيني اليمنى لا أبصر بها شيئا؟ فقلنا: معاذ الله، فقال: بلى والله. أتدرون ما سبب ذلك؟ قلنا: لا. قال: هذا الذي خلّصته من القتل جاء إليّ وأنا في الدور ومعي كتاب من الفقه أقرأ فيه ومعه سلّة فاكهة، فقال: احمل هذه السلّة، قلت له: ما هذا شغلي فاطلب غيري، فشاكلني، ولكمني، فقلع عيني ومضى، ولم أره بعد ذلك إلى يومي هذا.
فذكرت ما صنع بي فأردت أن أقابل إساءته إليّ بالإحسان مع القدرة.
وقال صاحب سيرته: كنا عنده يوما والمجلس غاص بولاة الدّين والدّنيا، والأعيان [1] الأماثل، وابن شافع يقرأ عليه الحديث، إذ فجأنا من باب السّتر وراء ظهر الوزير صراخ بشع وصياح مرتفع، فاضطرب له المجلس، فارتاع الحاضرون والوزير ساكن ساكت، حتى أنهى ابن شافع قراءة الإسناد ومتنه، ثم أشار الوزير إلى الجماعة أن على رسلكم، وقام ودخل السّتر، ولم يلبث أن خرج فجلس وتقدم بالقراءة، فدعا له ابن شافع والحاضرون، وقالوا: قد أزعجنا ذلك الصياح، فإن رأى مولانا أن يعرّفنا سببه؟ فقال الوزير: حتى ينتهي المجلس، وعاد ابن شافع إلى القراءة حتّى غابت الشمس وقلوب الجماعة متعلقة بمعرفة الحال، فعاودوه، فقال: كان لي ابن صغير مات حين سمعتم الصياح عليه ولولا تعين الأمر عليّ بالمعروف في الإنكار عليهم ذلك الصياح لما قمت عن مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعجب الحاضرون من صبره.
وقال في كتابه «الإفصاح» في الخضر الذي لقيه موسى عليه السّلام:
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وأعيان» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .(6/324)
قيل: كان ملكا وقيل بشرا وهو الصحيح، ثم قيل: إنه عبد صالح ليس بنبيّ وقيل: بل نبيّ هو الصحيح. والصحيح عندنا أنه حيّ، وأنه يجوز أن يقف على باب أحدنا مستعطيا له، أو غير ذلك.
وقال ابن الجوزي: أنشدنا لنفسه:
يلذّ بهذا العيش من ليس يعقل ... ويزهد فيه الألمعيّ المحصّل
ما عجب نفس أن ترى الرأي إنما ال ... عجيبة نفس مقتضى الرأي تفعل
إلى الله أشكو همّة دنيوية ... ترى النصّ إلّا أنها تتأوّل
ينهنهها موت الشباب فترعوي ... ويخدعها روح الحياة فتغفل
وفي كل جزء ينقضي من زمانها ... من الجسم جزء مثله يتحلل
فنفس الفتى في سهوها وهي تنقضي ... وجسم الفتى في شغله وهو يعمل
قال: وأنشدنا لنفسه:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيع
قال: وأنشدنا لنفسه أيضا:
الحمد لله هذا العين لا الأثر ... فما الذي باتّباع الحقّ ينتظر
وقت يفوت وأشغال معوّقة ... وضعف عزم ودار شأنها الغير
والنّاس ركضى إلى مهوى مصارعهم ... وليس عندهم من ركضهم خبر
تسعى بها خادعات من سلامتهم ... فيبلغون إلى المهوى وما شعروا
والجهل أصل فساد النّاس كلهم ... والجهل أصل عليه يخلق البشر
وإنما العلم عن ذي الرشد يطرحه ... كما عن الطفل يوما تطرح السّرر
وأصعب الداء داء لا يحس به ... كالدّقّ يضعف حسّا وهو يستعر
وإنما لم يحسّ المرء موقعها [1] ... لأن أجزاءه قد عمّها الضرر
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وإنما لم تحس النفس موبقها» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .(6/325)
وذكر ياقوت الحموي في «معجمه» بإسناد له أن الوزير عرضت عليه جارية فائقة الحسن، وأظهر له في المجلس من أدبها وحسن كتابتها وذكائها وظرفها ما أعجبه، فأمر فاشتريت له بمائة وخمسين دينارا، وأمر أن يهيأ لها منزل وجارية، وأن يحمل لها من الفرش والآنية والثياب ما تحتاج إليه، ثم بعد ثلاثة أيام جاءه الذي باعها وشكا له ألم فراقها، فضحك وقال له: لعلك تريد ارتجاع الجارية؟ قال: إي والله، وهذا الثمن بحاله لم أتصرف فيه وأبرزه، فقال الوزير: ولا نحن تصرفنا في المثمّن، ثم قال لخادمه: ادفع إليه الجارية وما عليها وجميع ما في حجرتها، ودفع إليه الخرقة التي فيها الثمن، وقال استعينا به على شأنكما، فأكثرا من الدعاء له، فأخذها وخرج.
وحكي عنه أنه كان إذا مدّ السماط أكثر ما يحضره الفقراء والعميان، فلما كان ذات يوم وأكل الناس وخرجوا، بقي رجل ضرير يبكي ويقول:
سرقوا متاعي وما لي غيره، وو الله ما أقدر على ثمن مداس، فقام الوزير من مجلسه، ولبس مداسه وجاء إلى الضرير، فوقف عنده وخلع مداسه والضرير لا يعرف، وقال له: البس هذا وأبصره قدر رجلك؟ فلبسه وقال: نعم كأنه مداسي، ومضى الضرير ورجع الوزير إلى مجلسه وهو يقول: سلمت منه أن يقول: أنت سرقته.
وأخبار الوزير- رحمه الله تعالى- ومناقبه كثيرة جدا. وقد مدحه الشعراء فأكثروا. منهم الحيص بيص، وابن بختيار الأبله، وابن التّعاويذي، والعماد الكاتب، وخلق كثير.
قال ابن الجوزي: كان الوزير يتأسف على ما مضى من زمانه، ويندم على ما دخل فيه، ثم صار يسأل الله عزّ وجلّ الشهادة، ونام ليلة الأحد ثالث عشر جمادى الأولى في عافية، فلما كان وقت السحر، حضر طبيب كان يخدمه، فسقاه شيئا، فيقال: إنه سمّ فمات، وسقي الطبيب بعده بنحو ستة(6/326)
أشهر سما، فكان يقول: سقيت كما سقيت.
وحملت جنازة الوزير إلى جامع القصر وصلّي عليه، ثم حمل إلى مدرسته التي أنشأها بباب البصرة، فدفن بها، وغلّقت يومئذ أسواق بغداد، وخرج جمع لم نره لمخلوق قطّ، وكثر البكاء عليه، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.(6/327)
سنة إحدى وستين وخمسمائة
فيها ظهر ببغداد الرفض والسبّ وعظم الخطب.
وفيها أخذ نور الدّين من الفرنج حصن صافيتا [1] .
وفيها توفي القاضي الرشيد أبو الحسن أحمد بن القاضي الرشيد أبي الحسن علي الغسّاني الأسواني- بضم الهمزة على الصحيح-[2] الشافعي كان من ذوي الفضل والرئاسة- وأسوان قرية بصعيد مصر- وله ديوان شعر ومصنفات، ولأخيه القاضي المهذّب ديوان شعر أيضا، والمهذّب أشعر، والرشيد أعلم بسائر الفنون. قتله الوزير شاور ظلما، وذلك أنه لما دخل اليمن رسولا، مدح ملوكها فقال في علي بن حاتم الهمداني قصيدته التي يقول فيها:
وإن جهلت حقّي زعانف خندف ... فقد عرفت فضلي غطاريف همدان
__________
[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (117/ ب) . وفي جميع المصادر الأخرى التي بين يدي: «حصن المنيطرة» انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 322) و «الروضتين في أخبار الدولتين» (1/ 141) و «دول الإسلام» (2/ 75) وتصحفت «المنيطرة» فيه إلى «المنيظرة» بالظاء فتصحح، و «العبر» (4/ 174) و «البداية والنهاية» (12/ 251) . قال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 217) : المنيطرة- مصغر بالطاء المهملة-: حصن بالشام قريب من طرابلس.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 160- 164) و «مرآة الجنان» (3/ 367- 369) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 116- 118) و «غربال الزمان» ص (442- 443) وسيكرر المؤلف ترجمته في السنة التالية فتنبه.(6/328)
فكتب بذلك داعي الإسماعيلية إلى صاحب مصر، فأخذ جميع موجودة ثم قتله شاور.
وفيها الحسن بن علي القاضي المهذّب [1] ، صنّف كتاب «الأنساب» في عشرين مجلدا، ومن شعره:
أقصر فديتك عن لومي وعن عذلي ... أولا فخذ لي أمانا من ظبا المقل
من كلّ طرف مريض الجفن ينشد لي [2] ... يا ربّ رام بنجد من بني ثعل
إن كان فيه لنا وهو السقيم شفا ... فربما صحّت الأجساد بالعلل
وفيها الحسن بن العبّاس [3] الأصفهاني [4] ، الشيخ الصالح، كان كثير البكاء، ولم يكن بأصبهان أزهد منه.
قال: وقفت على علي بن ماشاذه [5] وهو يتكلم على الناس، فلما كان الليل رأيت ربّ العزة في المنام، فقال: يا حسن [6] ! وقفت على مبتدع وسمعت كلامه، لأحرمنك النظر في الدّنيا، فاستيقظ وعيناه مفتوحتان لا يبصر بهما شيئا، ومات.
قال الحميدي: سمعت الفضيل بن عياض يقول: من وقّر صاحب بدعة
__________
[1] انظر «فوات الوفيات» (1/ 337- 341) .
[2] في «فوات الوفيات» : «ينشدني» .
[3] في «آ» و «ط» : «الحسن بن عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[4] انظر «المنتظم» (10/ 219) و «الكامل في التاريخ» (11/ 323) و «العبر» (4/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 432- 435) و «الوافي بالوفيات» (12/ 61) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 64) و «البداية والنهاية» (12/ 251) .
[5] في «آ» و «ط» : «علي ابن شاده» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 434) و (17/ 297) و «ما شاذة» لقب عرف به والده واسمه محمد. انظر «ذكر أخبار أصبهان» (2/ 24) .
[6] في «آ» و «ط» : «يا أبا حسين» وما أثبته من «المنتظم» (10/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 434) .(6/329)
أورثه الله تعالى العمى قبل موته.
وفيها الحسن بن عبّاس الأصبهاني [1] ، الفقيه الشافعي، مسند أصبهان. سمع أبا عمرو ابن مندة، ومحمود الكوسج، وطائفة، وتفرّد ورحل إليه، وكان زاهدا ورعا بكاء خاشعا فقيها مفتيا [2] محقّقا، تفقّه به جماعة.
وفيها عبد الله بن رفاعة بن غدير الشافعي أبو محمد السّعدي المصري [3] قاضي الحيرة. كان فقيها ماهرا في الفرائض والمقدرات، صالحا ديّنا، تفقّه على القاضي الخلعي ولازمه، وهو آخر من حدّث عنه، ثم ترك القضاء واعتزل في القرافة مشتغلا بها بالعبادة.
قال في «العبر» : توفي في ذي القعدة، عن أربع وتسعين سنة كاملة، وقد ولي القضاء بمصر وطلب أن يعفى فأعفي.
وفيها أبو محمد الأشيري- كالكريمي، نسبة إلى أشير، حصن بالمغرب- عبد الله بن محمد المقرئ الصنهاجي [4] الفقيه المالكي الحافظ.
روى عن أبي الحسن الجذامي، والقاضي عياض، وكان عالما بالحديث وطرقه، وبالنحو، واللغة، والنسب، كثير الفضائل، وقبره ظاهر ببعلبك.
وفيها أبو طالب بن العجمي، عبد الرحمن بن الحسن الحلبي [5] ، الفقيه الشافعي، تفقّه ببغداد على الشّاشي، وأسعد الميهني، وسمع من ابن بيان، وله بحلب مدرسة كبيرة، عاش إحدى وثمانين سنة، ومات في شعبان.
وفيها الشيخ عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست بن أبي عبد الله [بن] عبد الله بن يحيى بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله
__________
[1] تنبيه: هذه الترجمة مكررة عن التي سبقتها، ولم ينتبه لذلك المؤلف رحمه الله تعالى.
[2] في «آ» : «نقيبا» .
[3] انظر «العبر» (4/ 174- 175) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 54) .
[4] انظر «العبر» (4/ 174- 175) و «مرآة الجنان» (3/ 347) و «النجوم الزاهرة» (5/ 372) .
[5] انظر «العبر» (4/ 175) .(6/330)
ابن موسى الحوزي بن عبد الله المحصن بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب الجيلاني [1] ، نسبة إلى جيل، وهي بلاد متفرقة من وراء طبرستان، وبها ولد، ويقال لها أيضا جيلان وكيلان.
وهو سبط أبي عبد الله الصومعي من جلّة مشايخ جيلان، أمّه أم الخير بنت أبي عبد الله، وأخوه الشيخ أبو أحمد عبد الله أصغر منه سنا، نشأ في العلم والخير، ومات بجيلان شابا وعمته الصالحة أم عائشة استسقى بها أهل جيلان فلم يسقوا، فكنست رحبة بيتها وقالت: يا ربّ كنّست رحبة بيتي فرّش أنت، فمطروا كأفواه القرب.
كان شيخ الشيوخ الشيخ عبد القادر نحيف الجسم، عريض الصدر، عريض اللّحية، أسمر، مدور الحاجبين، ذا صوت جهوريّ وسمت بهيّ.
ولما ترعرع وعلم [2] أن طلب العلم فريضة، شمّر ساق الاجتهاد في تحصيله، وسارع في تحقيق فروعه وأصوله، بعد أن اشتغل بالقرآن حتّى أتقنه.
ثم تفقّه في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، على أبي الوفاء بن عقيل، وأبي الخطّاب، وأبي الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى، والمبارك المخرّمي.
وسمع الحديث من جماعة، وعلوم الأدب من آخرين.
وصحب حماد الدبّاس، وأخذ عنه علم الطريقة بعد أن لبس الخرقة من
__________
[1] انظر «المنتظم» (10/ 219) و «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (304- 307) طبع مؤسسة الرسالة، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 439- 451) و «فوات الوفيات» (2/ 373- 374) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 290- 301) ولفظة «ابن» التي بين حاصرتين مستدركة منه، و «الأعلام» للزركلي (4/ 47) وفيه: «عبد القادر بن موسى» .
[2] لفظة «وعلم» سقطت من «آ» .(6/331)
أبي سعد المبارك المخرّمي، وفاق أهل وقته في علوم الديانة، ووقع له القبول التّام، مع القدم الراسخ في المجاهدة وقطع دواعي الهوى والنفس.
ولما أراد الله إظهاره أضيف إلى مدرسة أستاذه أبي سعد [1] المخرّمي، فعمرها وما حولها، وأعانه الأغنياء بأموالهم والفقراء بأنفسهم، فكملت في سنة ثمان وعشرين، ثم تصدّر فيها للتدريس، والوعظ، والتذكير، وقصد بالزيارات والنذور من الآفاق، وصنّف وأملى، وسارت بفضله الركبان، ولقب بمجمع الفريقين، وموضح الطريقين، وكريم الجدّين، ومعلّم العراقين، وتلمذ له أكثر الفقهاء في زمنه، ولبس منه الخرقة المشايخ الكبار، وصار قطب الوجود، وأكبر شيوخ اليمن وغيرها تنتسب إليه، وكراماته تخرج عن الحدّ وتفوت الحصر والعدّ، وله نظم فائق رائق. وتاب على يده معظم أهل بغداد، وأسلم معظم اليهود والنصارى على يديه.
قال الشيخ موفق الدّين- وقد سئل عن الشيخ عبد القادر-: أدركناه في آخر عمره، فأسكننا مدرسته، إلى أن قال: ولم أسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه، ولا رأيت أحدا يعظمه الناس من أجل الدّين أكثر منه.
وقال الشيخ عز الدّين بن عبد السّلام: ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتواتر إلّا الشيخ عبد القادر.
وقال ابن النجار: قال الشيخ عبد القادر: فتشت الأعمال كلها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام، أودّ لو كانت الدّنيا بيدي فأطعمها الجياع.
وقال: الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجاب عن ربّك، ما دمت
__________
[1] أقول: وهو المبارك بن علي شيخ الحنابلة، توفي سنة (513) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 428) (ع) .(6/332)
ترى الخلق لا ترى نفسك، وما دمت ترى نفسك لا ترى ربّك.
وقال ابن السمعاني: هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح ديّن خيّر، كثير الذّكر، دائم الفكر، سريعة الدمعة، كتبت عنه، وكان يسكن بباب الأزج في المدرسة التي بنيت له.
وقال ابن رجب [1] : ظهر الشيخ عبد القادر للناس، وجلس للوعظ بعد العشرين وخمسمائة، وحصل له القبول التام من الناس، واعتقدوا ديانته وصلاحه، وانتفعوا [به و] بكلامه، وانتصر أهل السّنّة بظهوره، واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته ومكاشفاته، وهابه الملوك فمن دونهم.
وصنّف الشّطنوفي [2] المصري في أخبار عبد القادر ومناقبه ثلاث مجلدات، ذكر فيه بإسناده إلى موسى ابن الشيخ عبد القادر قال: سمعت والدي يقول: خرجت في بعض سياحاتي إلى البرّيّة ومكثت أياما لا أجد ماء فاشتد بي العطش، فأظلّتني سحابة ونزل عليّ منها شيء يشبه النّدى فرويت، ثم رأيت نورا أضاء به الأفق، وبدت لي صورة، ونوديت منها يا عبد القادر أنا ربّك وقد حللّت لك المحرمات- أو قال ما حرّمت على غيرك- فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ يا لعين، فإذا ذلك النور ظلام وتلك الصورة دخان، ثم خاطبني وقال: يا عبد القادر نجوت مني بعلمك بحكم ربّك وقوتك في أحوال منازلاتك، ولقد أضللت بهذه الواقعة سبعين من أهل
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 291- 292) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2] في «آ» : «الصطنوفي» وفي «ط» : «السطيوفي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 585) و «الدرر الكامنة» (4/ 167) و «حسن المحاضرة» (1/ 506) و «الأعلام» (5/ 34) وهو علي بن يوسف بن حريز اللّخمي الشّطنوفي، شيخ الإقراء بالديار المصرية في عصره. مات سنة (713) هـ، واسم كتابه الذي ألمح إليه المؤلف «بهجة الأسرار ومعادن الأنوار» وهو مطبوع كما ذكر الزركلي رحمه الله.(6/333)
الطريق، فقلت: لربّي الفضل والمنّة. قال: فقيل له: كيف علمت أنه شيطان؟
قال: بقوله: قد حلّلت لك المحرمات.
وذكر فيه أيضا الحكاية المعروفة عن الشيخ عبد القادر أنه قال قدمي هذه على رقبة كل وليّ لله، ساقها عنه من طرق متعددة.
قال ابن رجب: أحسن ما قيل في هذا الكلام ما ذكره السهروردي في «عوارفه» أنه من شطحات الشيوخ التي لا يقتدى بهم فيها، ولا تقدح في مقاماتهم ومنازلهم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلّا المعصوم [صلى الله عليه وسلم] .
وقال ابن رجب أيضا: وكان الشيخ عبد القادر متمسكا في مسائل الصفات والقدر ونحوهما بالسّنّة، مبالغا في الردّ على من خالفها.
قال في كتابه «الغنية» [1] المشهور: وهو بجهة العلو، مستو على العرش، محتو على الملك، يحيط [2] علمه بالأشياء إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 35: 10 [فاطر: 10] . يُدَبِّرُ الْأَمْرَ من السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 32: 5 [السجدة: 5] ولا يجوز وصفه بأنه في كلّ مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش، كما قال: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] وذكر آيات وأحاديث إلى أن قال: وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش.
قال: وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كلّ نبيّ أرسل بلا كيف. وذكر كلاما طويلا، وذكر نحو هذا في سائر الصفات.
وذكر الشيخ أبو زكريا يحيى بن يوسف الصّرصري، الشاعر المشهور،
__________
[1] انظر «الغنية» (1/ 54- 55) مصورة دار الألباب بدمشق، ولكن نقل المؤلف عن «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 296) ووقع في النقل عند ابن رجب تصرف واختصار.
[2] في «الغنية» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «محيط» .(6/334)
عن شيخه العارف علي بن إدريس، أنه سأل الشيخ عبد القادر فقال: يا سيدي هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟ فقال: ما كان، ولا يكون.
انتهى ما أورده [1] ابن رجب.
ونقل عن الشيخ عبد القادر أنه قال: كنت أقتات الخرنوب والشوك، وقامة البقل، وورق الخس من جانب النهر والشطّ، وبلغت بي الضائقة في غلاء نزل ببغداد إلى أن بقيت أياما لم آكل فيها طعاما، بل كنت أتتبع المنبوذات أطعمها، فخرجت يوما من شدة الجوع إلى الشطّ لعلي أجد ورق الخس أو البقل أو غير ذلك، فأتقوت به، فما ذهبت إلى موضع إلّا وغيري قد سبقني إليه، وإذا وجدت الفقراء يتزاحمون عليه فأتركه حياء، فرجعت أمشي وسط البلد فلا أدرك منبوذا إلّا وقد سبقت إليه، حتى وصلت إلى مسجد بسوق الريحانيين ببغداد، وقد أجهدني الضعف وعجزت عن التماسك، فدخلت إليه وقعدت في جانب منه، وقد كدت أصافح الموت، إذ دخل شاب أعجمي ومعه خبز رصافي وشواء، وجلس يأكل، فكنت أكاد كلما رفع يده باللقمة أن أفتح في من شدة الجوع، حتّى أنكرت ذلك على نفسي وقلت:
ما هذا! إذ التفت إليّ العجمي فرآني، فقال: باسم الله يا أخي، فأبيت، فأقسم عليّ، فبادرت نفسي فخالفتها، وأقسم أيضا فأجبته، فأكلت، فأخذ يسائلني من أين أنت وبمن تعرف؟ فقلت: أنا متفقّه من جيلان، فقال: وأنا من جيلان، فهل تعرف شابا جيلانيا يسمى عبد القادر يعرف بأبي عبد الله الصومعي الزاهد؟ فقلت: أنا هو، فاضطرب وتغير وجهه، وقال: والله لقد وصلت إلى بغداد ومعي بقية نفقة لي، فسألت عنك فلم يرشدني أحد، ونفدت نفقتي، ولي ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي إلّا مما كان لك معي، وقد حلّت لي الميتة، وأخذت من وديعتك هذا الخبز والشواء، فكل طيبا، فإنما هو لك وأنا ضيفك
__________
[1] في «ط» : «ما أورد» .(6/335)
الآن بعد أن كنت ضيفي، فقلت له: وما ذاك؟ فقال: أمّك وجهت لك معي ثمانية دنانير، فاشتريت منها هذا للاضطرار وأنا معتذر إليك، فسكّنته وطيّبت نفسه، ودفعت إليه باقي الطعام وشيئا من الذهب برسم النفقة فقبله وانصرف.
قال: وكنت أشتغل بالعلم فيطرقني الحال فأخرج إلى الصحارى ليلا أو نهارا وأصرخ وأهج على وجهي، فصرخت ليلة فسمعني العيّارون ففزعوا، فجاؤوا فعرفوني، فقالوا: عبد القادر المجنون أفزعتنا، وكان ربما أغشي عليّ فيلفوني ويحسبون أني مت من الحال التي تطرقني.
وربما أردت الخروج من بغداد فيقال لي: ارجع فإن للناس فيك منفعة.
وقال ابن النجار: سمعت عبد الرزاق [1] بن الشيخ عبد القادر يقول:
ولد والدي تسعا وأربعين ولدا، سبع وعشرون ذكورا، والباقي إناث.
ومات الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى بعد عتمة ليلة السبت عاشر ربيع الآخر، وفرغ من تجهيزه ليلا، وصلى عليه ولده عبد الوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه وتلامذته، ثم دفن في رواق مدرسته ولم يفتح باب المدرسة حتّى علا النهار، وأهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته، وكان يوما مشهودا.
انتهى.
وبلغ تسعين سنة.
__________
[1] تحرف في «ط» إلى «عبد الرزاق» .(6/336)
سنة اثنتين وستين وخمسمائة
فيها سار أسد الدّين شيركوه المسير الثاني إلى مصر بمعظم جيش نور الدّين، فنازل الجزيرة شهرين، واستنجد وزير مصر شاور بالفرنج، فدخلوا في النيل من دمياط، والتقوا، فانتصر أسد الدّين وقتل ألوف من الفرنج.
قال ابن الأثير [1] : هو من أعجب ما ورّخ، أنّ ألفي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج.
وقال في «العبر» : ثم استولى أسد الدّين على الصعيد وتقوّى بخراجها، وأقامت الفرنج بالقاهرة حتى استراشوا [2] ، ثم قصدوا الإسكندرية وقد أخذها صلاح الدّين، فحاصروه أربعة أشهر، ثم كرّ أسد الدّين منجدا له، فترحلت الملاعين [بعد أن استقرّ لهم بالقاهرة شحنة وقطيعة مائة ألف دينار في العام] [3] وصالح شاور أسد الدّين على خمسين ألف دينار أخذها ونزل إلى الشام.
وفيها على الصحيح، توفي أحمد بن علي الغسّاني الأسواني، عرف
__________
[1] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 326) وقد نقل المؤلف كلامه عن «العبر» (4/ 176) .
[2] في «الكامل في التاريخ» : «وأما المصريون والفرنج فإنهم عادوا واجتمعوا على القاهرة، وأصلحوا حال عساكرهم، وجمعوا وساروا إلى الإسكندرية ... » .
[3] ما بين حاصرتين لم يرد في «آ» و «ط» وأثبته من «العبر» .(6/337)
بالرشيد- وتقدم الكلام عليه في السنة الماضية [1] والصحيح وفاته هنا- الكاتب الشاعر الفقيه، النحويّ اللغويّ، المنطقي المهندس، الطبيب الموسيقي المنجم. كان مفتيا وألّف تآليف التحق فيها بالأوائل، منها كتاب «منية الألمعي وبينة المدّعي» يشتمل على علوم كثيرة، ومنها «المقامات» على نسق «مقامات» الحريري، وغير ذلك.
قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : وكان مع جلالته أسود الجلد، ذا شفة غليظة، سمج الخلق، قصيرا. حكى ياقوت عنه أنه انقطع عن أصحابه يوما، فحكى لهم أنه مرّ بموضع وإذا امرأة شابة حسنة نظرت إليه نظر مطمع له في نفسها، فتوهم أنه وقع منها بموقع، فأشارت إليه بطرفها، فتبعها حتى دخلت دارا، وأشارت إليه فدخل، وكشفت عن وجهها، فإذا هي كالقمر ليلة تمامه، ثم نادت يا ست الدّار، فنزلت إليها طفلة كفلقة القمر، فقالت لها:
إن عدت تبولين في الفراش خلّيت سيدنا القاضي يأكلك، ثم قالت:
لا أعدمني الله فضلك يا سيدنا القاضي، فخرجت وأنا خزيان.
قال فيه محمود بن قادوس:
إن قلت من نار خلق ... ت وفقت كلّ النّاس فهما
قلنا صدقت فما الذي ... أطفاك [2] حتّى صرت فحما
ذهب رسولا إلى اليمن فأقام وتولى القضاء بها، وضربت له السكة على الوجه الواحد قل هو الله أحد وعلى الآخر الإمام أبو الخير [3] أحمد، ثم قبض عليه وأنفذ مكبلا في الحديد إلى قوص، فحبسه ابن طرخان في المطبخ، ثم ورد كتاب الصالح بالإحسان إليه وأحضره مكرّما، فلما نزل شيركوه
__________
[1] انظر ص (327- 328) من هذا المجلد.
[2] في «وفيات الأعيان» (1/ 163) : «أضناك» .
[3] المعروف أن كنيته «أبو الحسن» انظر ذلك في ترجمته ص (327) .(6/338)
بالإسكندرية خرج بين يدي صلاح الدّين وقاتل بين يديه، وبلغ ذلك شاور فطلبه، فلما حضر أركبه على جمل وعلى رأسه طرطور ووراؤه نفاط ينادي عليه والرشيد ينشد:
إن كان عندك يا زمان بقيّة ... ممّا تهين به الكرام فهاتها
ثم يتلو القرآن، ثم أمر به أن يصلب شنقا، فلما أحضر للشنق جعل يقول للذي تولى [1] ذلك عجّل عجّل فلا رغبة لكريم في حياة بعد هذه الحال، فصلب ثم بعد حين قتل شاور، فلما أرادوا دفنه حفروا له قبرا فوجدوا الرشيد مدفونا فيه، فدفنا معا، ثم نقل كل واحد منهما إلى تربة بالقرافة.
وكان الساعي في صلبه الفقيه عمارة اليمني، وقال: هذا أبو الفتن، ثم إن الفقيه عمارة صلب كما سيأتي، فإن المجازاة من جنس العمل، والمرء مقتول بما قتل به، ولما كان باليمن كتب إليه أخوه المهذّب:
يا ربع أين ترى الأحبة يمموا ... هل أنجدوا من بعدنا أم أتهموا
نزلوا من العين السّواد وإن نأوا ... ومن الفؤاد مكان ما أتكلّم
رحلوا وفي القلب المعنّى بعدهم ... وجد على مرّ الزّمان مخيم
رحلوا وقد لاح الصّباح وإنّما ... تسري إذا جنّ الظّلام الأنجم
وهي طويلة.
فأجابه الرشيد:
رحلوا فلا خلت المنازل منهم ... ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم
وسروا وقد كتموا الغداة مسيرهم ... وضياء نور الشّمس ما لا يكتم
وتبدّلوا أرض العقيق عن الحمى ... روّت جفوني أي أرض يمّموا
نزلوا العذيب وإنما هي مهجتي ... نزلوا وفي قلبي المعنّى خيّموا
__________
[1] في «ط» : «يولى» .(6/339)
ما ضرّهم لو ودّعوا من أودعوا ... نار الغرام وسلّموا من أسلموا
هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا ... أو أيمنوا أو أنجدوا أو أتهموا
لا ذنب لي في البعد أعرفه سوى ... أني حفظت العهد لمّا خنتم
فأقمت حين ظعنتم وعدلت لم ... اجرتم وسهرت لمّا بنتم
وفيها خطيب دمشق أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الحارثي الدمشقي [1] الفقيه الشافعي. درّس بالغزالية والمجاهدية، وبنى له نور الدّين مدرسته التي عند باب الفرج، فدرّس بها، وتعرف الآن بالعمادية لأنه درّس بها بعده العماد الكاتب فاشتهرت به. قرأ على أبي الوحش سبيع، صاحب الأهوازي، وسمع من أبي الحسن بن الموازيني، وأخذ عنه ابن عساكر، وقال: كان سديد الفتوى، واسع الحفظ، ثبتا في الرواية، ذا مروءة [2] ظاهرة. وكان عالما بالمذهب ويتكلم في الأصول والخلاف. مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة، وتوفي في ذي القعدة، ودفن بباب الفراديس.
وفيها عبد الجليل بن أبي أسعد الهروي أبو محمد المعدّل [3] ، مسند هراة، تفرّد بالرواية عن عبد الرحمن كلار، وغيره، وعاش اثنتين وتسعين سنة، وهو أكبر شيخ للحافظ عبد القادر الرّهاوي.
وفيها الحافظ أبو سعد السّمعاني تاج الإسلام عبد الكريم بن محمد ابن منصور المروزي [4] الشافعي، محدّث المشرق، وصاحب التصانيف
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 592) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (8/ 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 109) .
[2] في «آ» و «ط» : «ذا ثروة ظاهرة» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «مختصر تاريخ دمشق» .
[3] انظر «العبر» (4/ 177- 178) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 451- 452) .
[4] انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (308- 310) طبع مؤسسة الرسالة، و «العبر» (4/ 178- 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 456- 465) .(6/340)
الكثيرة، والفوائد الغزيرة، والرحلة الواسعة، عمل معجم شيوخه في عشر مجلدات كبار.
قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد. قال: وكان ظريفا حافظا، واسع الرحلة، صدوقا ثقة، ديّنا، جميل السيرة، مليح التصانيف.
وسرد ابن النجار تصانيفه، وذكر أنه وجدها بخطه، فمنها «الذيل على تاريخ الخطيب» أربعمائة طاقة، «تاريخ مرو» خمسمائة طاقة، «طراز الذّهب في أدب الطلب» مائة وخمسون طاقة، وغير ذلك. انتهى.
ولد في شعبان سنة ست وخمسمائة، وتوفي في غرّة ربيع الأول بمرو.
وفيها أبو شجاع البسطاميّ عمر بن محمد بن عبد الله [1] الحافظ المفسّر الواعظ المفتي الأديب المتفنّن، وله سبع وثمانون سنة. سمع أبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي وجماعة، وانتهت إليه مشيخة بلخ، وتفقّه عليه جماعة، مع الدّين والورع. تفرّد برواية «الشمائل» و «مسند الهيثم ابن كليب [2] » .
ومن تصانيفه كتاب «لقطات العقول» .
وفيها قيس بن محمد بن عاصم السّويقي الأصبهاني [3] المؤذن الصوفي. رحل وسمع ببغداد من أبي غالب بن الباقلاني، وابن الطيوري، وجماعة.
وفيها ابن اللحّاس أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد بن
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 178- 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 452- 454) .
[2] في «آ» و «ط» : «مسند الهيثم وابن كليب» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» وانظر «الرسالة المستطرفة» ص (73) طبع دار البشائر الإسلامية.
[3] انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 491- 492) .(6/341)
الجبّان [1] الحريمي العطّار [2] . سمع من طراد وطائفة، وهو آخر من روى بالإجازة عن أبي القاسم بن البسري، وكان صالحا ثقة ظريفا لطيفا، توفي في ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة.
وفيها محمد بن الحسن بن حمدون [3] صاحب «التذكرة الحمدونية» .
ولّاه المستنجد ديوان الزّمام، ووقف المستنجد على كتابه فوجد فيه حكايات توهم غضاضة من الدولة، فأخذ من دست منصبه وحبس إلى أن رمس [4] .
وفيها أبو طالب بن خضير المبارك بن علي البغدادي الصّيرفيّ [5] المحدّث. كتب الكثير عن أبي الحسن بن العلّاف وطبقته، وبدمشق عن هبة الله بن الأكفاني، وعاش ثمانين سنة، وتوفي في ذي الحجة.
وفيها مسند الآفاق مسعود الثقفيّ الرئيس المعمّر أبو الفرج بن الحسن بن الرئيس المعتمد أبي عبد الله القاسم بن الفضل الأصبهاني [6] رحلة العصر [7] ، توفي في رجب وله مائة سنة. أجاز له عبد الصمد بن المأمون، وأبو بكر الخطيب، وسمع من جدّه، وعبد الوهاب بن مندة، وطبقتهما.
وفيها هبة الله الحسن بن هلال الدقّاق [8] مسند العراق البغدادي.
سمع عاصم بن الحسن، وأبا الحسن الأنباري، وعمّر نحوا من تسعين سنة.
توفي في المحرم، وكان شيخا لا بأس به، متدينا. قاله في «العبر» .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن الحيان» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[2] انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 465- 466) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 380- 382) و «النجوم الزاهرة» (5/ 374- 375) .
[4] أي: إلى أن دفن.
[5] انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 487- 489) .
[6] انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 469- 471) .
[7] في «العبر» بطبعتيه: «مسند العصر ورحلة الآفاق» .
[8] انظر «العبر» (4/ 180) و «دول الإسلام» (2/ 76) .(6/342)
وفيها الصائن العساكري [1] هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله ابن الحسين الدمشقي [2] الحافظ الفقيه الشافعي. كان ثقة عمدة، وجزم ابن ناصر الدّين بوفاته في التي بعدها.
قال في «بديعته» :
ساد الفقيه الصّاين العساكري ... ثناؤه ذا جامع المآثر
[3]
__________
[1] تنبيه: كذا سماه المؤلف «العساكري» وقد أخذ ذلك عن منظومة ابن ناصر الدّين المسماة:
«بديعة البيان عن موت الأقران» وإنما سماه ابن ناصر الدّين فيها كذلك مراعاة لوزن البيت، وأما اسمه في «طبقات الشافعية» للإسنوي و «التبيان شرح بديعة البيان» فهو: «هبة الله بن الحسن ابن هبة الله بن عساكر» .
[2] انظر «العبر» (4/ 184) وقد ذكره في حوادث سنة (563) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 215) وذكره ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (166/ آ) .
[3] قلت: وفي هذه السنة على الصواب مات ابن حمدون صاحب «التذكرة» .
محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون أبو المعالي بن أبي سعد، الكاتب المعدّل، الملقب كافي الكفاة.
وقد وهم الإمام الذهبي في «العبر» فذكره في عداد وفيات سنة (608 هـ) وتبعه الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (13/ 62- 63) والمؤلف ابن العماد، فتنبه.
انظر «وفيات الأعيان» (4/ 380- 382) و «فوات الوفيات» (3/ 323- 324) و «الوافي بالوفيات» (2/ 357) و «الأعلام» (6/ 85) .(6/343)
سنة ثلاث وستين وخمسمائة
فيها أعطى نور الدّين حمص وأعمالها لنائبه أسد الدّين، فبقيت بيد أولاده مائة سنة.
وفيها توفي الباجسرائي- بكسر الجيم وسكون المهملة، نسبة إلى باجسرا، بلد بنواحي بغداد- التّاني- بمثناة فوقية وبالنون، نسبة إلى التنائية [1] ، وهي الدهقنة، ويقال لصاحب الضياع والعقار- أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة [2] . روى عن أبي البطر وطائفة، توفي في رمضان وكان ثقة.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن عمر بن الحسين بن خلف القطيعي [3] الفقيه الحنبلي الواعظ.
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة تقريبا، وسمع الحديث بنفسه بعد ما كبر من عبد الخالق بن يوسف، والفضل بن سهل الإسفراييني، وابن ناصر الحافظ، وغيرهم، وتفقّه على القاضي أبي حازم ولازمه، حتّى برع في الفقه، وأفتى، وناظر، ووعظ ودرّس، وأشغل الطلبة وأفاد.
__________
[1] تنبيه: كذا ضبطه المؤلف: نسبة إلى التنائية. وفي «الأنساب» (3/ 13) و «اللباب» (1/ 204) : نسبة إلى التناية، وانظر تعليق العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني- رحمه الله تعالى- على «الإكمال» (1/ 578- 560) و «تاج العروس» (تنأ) .
[2] انظر «العبر» (4/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 472- 473) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 301- 302) .(6/344)
وقال ابن النجار: برع في الفقه وتكلّم في مسائل الخلاف، وكان حسن المناظرة، جريئا في الجدل، ويعظ الناس على المنبر.
توفي يوم الأربعاء ثامن عشر رمضان، ودفن بالحلّة شرقي بغداد، وهو والد أبي الحسن القطيعي صاحب «التاريخ» ولم يسمع من والده هذا إلّا حديثا واحدا، وذكر أن له مصنفات كثيرة.
قال ابن رجب: منها كتاب «الشمول [1] في [أسباب] النزول» .
وفيها أبو بكر أحمد بن المقرّب الكرخي [2] . روى عن النّعالي، وطراد، وطائفة، وكان ثقة متودّدا. توفي في ذي الحجة، وله ثلاث وثمانون سنة.
وفيها قاضي القضاة أبو البركات جعفر بن قاضي القضاة أبي جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي [3] . ولي قضاء العراق سبع سنين، ولما مات ابن هبيرة ناب في الوزارة مضافا إلى القضاء، فاستفظع ذلك، وقد روى عن أبي الحصين، وعاش ستا وأربعين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها شاكر بن أبي الفضل الأسواري الأصبهاني [4] . سمع أبا الفتح السّوذرجاني [5] ، وأبا مطيع، وجماعة، وتوفي في أواخر رمضان.
وفيها أبو محمد الطّامذي عبد الله بن علي الأصبهاني [6] المقرئ
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «النحول» وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2] انظر «العبر» (4/ 180- 181) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 473) .
[3] انظر «العبر» (4/ 181) .
[4] انظر «العبر» (4/ 181) .
[5] في «آ» و «ط» : «السودرحاي» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» وانظر في ضبط نسبته «الأنساب» (7/ 185) .
[6] انظر «العبر» (4/ 181) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 473- 475) .(6/345)
العالم الزاهد المعمّر. روى عن طراد، وجعفر بن محمد العبّاداني، والكبار، وتوفي في شعبان.
والطّامذي: بفتح الطاء المهملة والميم وبمعجمة، نسبة إلى طامذ قرية بأصبهان.
وفيها أبو النّجيب السّهرورديّ [1] عبد القاهر بن عبد الله محمد بن عموية- والسّهروردي، بضم السين المهملة، وسكون الهاء، وفتح الراء والواو، وسكون الراء الثانية ومهملة، نسبة إلى سهرورد، بلد عند زنجان- الصوفيّ القدوة الواعظ العارف الفقيه الشافعي، أحد الأعلام. قدم بغداد، وسمع علي بن نبهان وجماعة، وكان إماما في الشافعية وعلما في الصوفية.
قال ابن الأهدل: هو البكريّ القرشيّ، بينه وبين أبي بكر الصّدّيق إثنا عشر رجلا، بلغ مبلغا في العلم حتّى لقّب مفتي العراقين، وقدوة الفريقين، وكان شرح أحوال القوم، ويتطيلس ويلبس لباس العلماء، ويركب البغلة، وترفع بين يديه الغاشية، مرّ يوما على جزار وقد علّق شاة مسلوخة، فوقف الشيخ وقال: إن هذه الشاة تقول إنها ميتة، فغشي على الجزار وتاب على يد الشيخ. انتهى.
وقال ابن قاضي شهبة [2] : حرّر المذهب، وأفتى وناظر، وروى الحديث عن جماعة، ثم مال إلى المعاملة، فصحب الشيخ حماد الدبّاس، وأحمد الغزالي، وبنى ببغداد رباطا ومدرسة، واشتغل بالوعظ والتذكير والدعاء إلى الله تعالى والتحذير [3] ودرّس بالنظامية سنتين، وكانت له محافيظ جيدة في التفسير وفي الفقه وأصوله وأصول الدّين. وأخذ عنه خلائق. مولده
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 181- 182) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 475- 478) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 10) .
[3] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «والتحديث» .(6/346)
في صفر سنة تسعين وأربعمائة تقريبا، وتوفي في جمادى الآخرة. انتهى.
وقال الإسنوي [1] : ظهرت بركته على أصحابه، وصار شيخ العراق في وقته، وبنى الخربة التي كان يأوي إليها رباطا وسكّنه جماعة من صالحي أصحابه، وبنى إلى جانبه مدرسة، وصار ملاذا يعتصم به الخائف من الخليفة فمن دونه [2] وتوجه إلى الشام سنة سبع وخمسين وخمسمائة لزيارة بيت المقدس، فلم يتفق له ذلك لانفساخ [3] الهدنة بين المسلمين والفرنج- خذلهم الله تعالى- فأقام بدمشق مدة يسيرة، وعقد له مجلس الوعظ، وأكرم الملك العادل مورده، وعاد إلى بغداد، فتوفي بها يوم الجمعة وقت العصر سابع جمادى الآخرة، ودفن بكرة الغد في مدرسته. انتهى.
وفيها زين الدّين صاحب إربل علي كوجك [4] بن بكتكين التركماني [5] الفارس المشهور، والبطل المذكور، ولقّب بكوجك وهو بالعربي اللطيف القدّ والقصير، وكان مع ذلك معروفا بالقوّة المفرطة والشهامة، وهو ممن حاصر المقتفي وخرج عليه، ثم حسنت طاعته، وكان جوادا معطاء، فيه عدل وحسن سيرة. ويقال: إنه تجاوز المائة، وتوفي في ذي الحجّة [6] .
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 65) .
[2] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «من الخليفة والسلطان ومن دونهما» .
[3] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «لانفتاح» .
[4] في «آ» و «ط» : «علي بن كوجك» وهو خطأ، وما أثبته من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[5] انظر «العبر» (4/ 182) و «دول الإسلام» (2/ 76) و «النجوم الزاهرة» (5/ 378- 379) .
[6] قال ابن تغري بردي في سياق ترجمته في «النجوم الزاهرة» : وكان أولا بخيلا مسيكا، ثم إنه جاد في آخر عمره، وبنى المدارس والقناطر والجسور. وحكي أن بعض الجند جاءه بذنب فرس وقال له: مات فرسي، فأعطاه عوضه، وأخذ ذلك الذنب آخر وجاءه به وقال له: مات فرسي، فأعطاه عوضه، ولا زال يتداول الذنب إثنا عشر رجلا، وهو يعلم أنه الأول ويعطيهم الخيل، فلما أعجزوه أنشد:(6/347)
وفيها أبو الحسن بن تاج القرّاء علي بن عبد الرحمن الطّوسي ثم البغدادي [1] . روى عن أبي عبد الله البانياسي وجماعة، وكان صوفيا كبيرا، توفي في صفر عن سنّ عالية.
وفيها أبو الحسن بن الصابئ محمد بن إسحاق بن محمد بن هلال ابن المحسّن [2] البغدادي [3] من بيت كتابة وأدب. سمع النّعالي وغيره، وكان ثقة، توفي في ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها أبو الفتح محمد بن عبد الحميد [4] السّمرقندي، صاحب «التعليقة» و «المعترض والمختلف» على مذهب أبي حنيفة، وكان من فرسان الكلام، شحيحا بكلامه، كانوا يوردون عليه الأسئلة وهو عالم بجوابها، فلا يذكره شحا لئلا يستفاد منه، وينقطع ولا يذكرها، ترك المناظرة إلى أن مات.
وفيها الجيّاني أبو بكر محمد بن علي بن عبد الله بن ياسر الأنصاريّ الأندلسيّ [5] . تفقّه بدمشق على نصر الله المصّيصي وأدّب بها.
قال ابن عساكر: ثم زاملني إلى بغداد، وسمع من ابن الحسين، وبمرو من أبي منصور الكراعي، وبنيسابور من سهل المسجدي [6] وطائفة، ثم سكن
__________
ليس الغبيّ بسيّد في قومه ... لكنّ سيّد قومه المتغابي
فعلموا أنه علم فتركوه.
[1] انظر «العبر» (4/ 182) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 478- 480) و «النجوم الزاهرة» (5/ 380) .
[2] في «آ» : «الحسن» وهو خطأ.
[3] انظر «العبر» (4/ 182- 183) و «النجوم الزاهرة» (5/ 380) .
[4] في «آ» و «ط» : «عبد المجيد» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (5/ 379) وانظر التعليق عليه.
[5] انظر «العبر» (4/ 183) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 509- 510) و «النجوم الزاهرة» (5/ 380) .
[6] كذا في «ط» و «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» : «المسجدي» وفي «آ» : «المستجدي» .(6/348)
في الآخر حلب، وكان ذا معرفة جيدة بالحديث.
وفيها الشريف الخطيب أبو الفتوح ناصر بن الحسن [1] الحسيني المصري [2] شيخ الإقراء. قرأ [3] على أبي الحسين الخشّاب وغيره، وتصدّر للإقراء، وحدّث عن محمد بن عبد الله بن أبي داود الفارسي. توفي [4] يوم عيد الفطر، وله إحدى وثمانون سنة.
وفيها نفيسة البزّازة، واسمها أيضا فاطمة بنت محمد بن علي البغدادية [5] . روت عن النّعالي، وطراد، وتوفيت في ذي الحجّة.
وفيها الصائن أبو الغنائم [6] هبة الله بن محفوظ بن صصرى الدمشقي التّغلبي. سمع الكثير ومات بدمشق، ودفن بباب توما عند أهله، وكان صالحا ثقة.
وفيها هبة الله بن أبي عبد الله بن كامل بن حبيش البغدادي [7] الصوفي الفقيه الحنبلي أبو علي. سمع من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي وغيره، وتفقّه على أبي علي بن القاضي، وتقدم على جماعة من المتصوفة، وكان من أهل الدّين. توفي في المحرم ودفن بمقبرة الإمام أحمد قريبا من بشر الحافي. ذكره ابن الجوزي وغيره.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ناصر بن الحسين» والتصحيح من «غاية النهاية» و «حسن المحاضرة» .
[2] انظر «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 329) و «حسن المحاضرة» (1/ 495) .
[3] لفظة «قرأ» سقطت من «آ» .
[4] في «آ» : «وتوفي» .
[5] انظر «العبر» (4/ 183) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 489) .
[6] في «آ» و «ط» : «أبو الحسين» وهو خطأ، والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (5/ 380) .
[7] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 302) .(6/349)
سنة أربع وستين وخمسمائة
فيها سار أسد الدّين سيره الثالث إلى مصر، وذلك أن الفرنج قصدوا الدّيار المصرية وملكوا بلبيس واستباحوها، ثم حاصروا القاهرة، وأخذوا كلّ ما كان خارج السور. فبذل شاور لملك الفرنج مرّي ألف ألف دينار ويعجّل له بعضها. فأجاب، فحمل إليه مائة ألف دينار، وكاتب نور الدّين واستصرخ به وسوّد كتابه، وجعل في طيّه ذوائب نساء القصر، وواصل الكتب يستحثّه، وكان بحلب، فساق إليه أسد الدّين من حمص، فأخذ يجمع العساكر، ثم توجّه في عسكر لجب، يقال كانوا سبعين ألفا من بين فارس وراجل، فتقهقر الفرنج، ودخلوا القاهرة في ربيع الآخر، وجلس أسد الدّين في دست الملك [1] ، وخلع عليه العاضد خلع السلطنة، وعهد إليه بوزارته، وقبض على شاور، فأرسل إليه العاضد يطلب رأس شاور، فقطع وأرسل إليه، فلم ينشب [أن مات] أسد الدّين شيركوه- ومعناه بالعربي الجبل- بن شادي بن مروان الملك المنصور بعد شهرين. أقام في الوزارة شهرين وأياما، وكان أحد الأبطال، يضرب بشجاعته المثل، وكان الفرنج يهابونه، ولقد حاصروه ببلبيس ولها سور، فلم يجسروا أن يناجزوه خوفا منه، وكان كثير الأكل للحوم الغليظة، فكانت تورث عليه التخم والخوانيق، فاعتراه خانوق فمات منه فجأة، ودفن بظاهر القاهرة إلى أن توفي أخوه نجم الدّين أيوب، فحملا جميعا إلى مدينة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم-
__________
[1] في «ط» : «الحكم» وما أثبته من «آ» و «العبر» (4/ 185) وما بين حاصرتين زيادة منه.(6/350)
وقلّد العاضد منصبه ابن أخيه صلاح الدّين يوسف [1] بن نجم الدّين ولقّبه بالملك الناصر.
وفيها آبق الملك المظفّر محيي الدّين صاحب دمشق قبل نور الدّين، وابن صاحبها جمال الدّين محمد بن تاج الملوك بوري التّركي ثم الدمشقي.
ولد ببعلبك في إمرة أبيه عليها، وولي دمشق بعد أبيه خمس عشرة سنة، وملّكوه وهو دون البلوغ، وكان المدبّر لدولته أنر، فلما مات أنر انبسطت يد آبق ودبّر الأمور الوزير الرئيس أبو الفوارس المسيّب بن علي بن الصوفي، ثم غضب عليه وأبعده إلى صرخد، واستوزر أخاه أبا البيان حيدرة مدة، ثم أقدم عطاء بن حفاظ من بعلبك وقدّمه على العسكر، وقتل حيدرة، ثم قتل عطاء. ولما انفصل عن دمشق توجّه إلى بالس، ثم إلى بغداد، فأقطعه المقتفي خبزا وأكرم مورده.
وفيها شاور بن مجير بن نزار [الهوازني] [2] السعدي أبو شجاع، ولّاه ابن رزّيك إمرة الصعيد فتمكن، وكان شهما شجاعا مقداما، ذا هيبة، فحشد وجمع، وتوثب على مملكة الديار المصرية، وظفر بالعادل رزّيك بن الصالح طلائع بن رزّيك، وزير العاضد فقتله، ووزر بعده، فلما خرج عليه ضرغام فرّ إلى الشام، فأكرمه نور الدّين وأعانه على عوده إلى منصبه، فاستعان بالفرنج على دفع أسد الدّين عنه، وجرت له أمور طويلة، وفي الآخر وثب عليه جرديك [3] النّوري فقتله في جمادى الأولى، لأن أسد الدّين تمارض فعاده شاور، فقبضوا عليه وقتلوه كما تقدم.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «صلاح الدّين بن يوسف» وهو خطأ فحذفت لفظة «ابن» من السياق ليصح.
[2] زيادة من «العبر» (4/ 186) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 514) .
[3] في «آ» و «ط» : «خردبك» وفي «العبر» بطبعتيه: «جردبك» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (2/ 448) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 515) .(6/351)
وفيها أبو محمد عبد الخالق بن أسد الدمشقي الحنفي المحدّث، مدرّس الصادرية والمعينيّة [1] . روى عن عبد الكريم بن حمزة، وإسماعيل بن السمرقندي، وطبقتهما، ورحل إلى بغداد وأصبهان، وخرّج لنفسه «المعجم» .
ومن شعره:
قال العواذل ما اسم من ... أضنى فؤادك قلت أحمد
قالوا أتحمده وقد ... أضنى فؤادك قلت أحمد [2]
وفيها سعد الله بن نصر بن سعيد، المعروف بابن الدجّاجي، وبابن الحيواني [3] الفقيه الحنبلي المقرئ الواعظ، الصوفي الأديب، أبو الحسن، ويلقّب مهذّب الدّين.
ولد في رجب سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وقرأ بالروايات على أبي الخطاب الكلوذاني وغيره، وتفقّه على أبي الخطّاب حتّى برع. وروى عن ابن عقيل كتاب «الانتصار لأهل السّنّة» .
قال ابن الخشاب: هو فقيه واعظ، حسن الطريقة، سمعت منه.
وقال ابن الجوزي: تفقّه ودرّس، وناظر ووعظ، وكان لطيف الكلام حلو الإيراد، ملازما لمطالعة العلم إلى أن مات.
وقال ابن نقطة: حدثنا عنه جماعة من شيوخنا، وكان ثقة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المعتبية» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» (20/ 497) .
[2] البيتان في سياق ترجمته في «النجوم الزاهرة» (5/ 381) وأورد له الذهبي بيتان آخران في «سير أعلام النبلاء» يحسن ذكرهما وهما:
قلّ الحفاظ فذو العاهات محترم ... والشّهم ذو الفضل يؤذى مع سلامته
كالقوس يحفظ عمدا وهو ذو عوج ... وينبذ السّهم قصدا لاستقامته
[3] انظر «تكملة الإكمال» (2/ 524) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 302- 305) .(6/352)
وقال ابن الجوزي: سئل في مجلس وعظه- وأنا أسمع- عن أخبار الصفات، فنهى عن التعرض [لها] ، وأمر بالتسليم، وأنشد:
أبى العاتب [1] الغضبان يا نفس أن يرضى ... وأنت التي صيّرت طاعته فرضا
فلا تهجري من لا تطيقين هجره ... وإن همّ بالهجران خدّيك والأرضا
ومن شعره:
ملكتم مهجتي بيعا ومقدرة ... فأنتم اليوم أغلالي وأغلى لي
علوت فخرا ولكني ضنيت هوى ... وأنتم اليوم أعلالي وأعلى لي
أوصى لي البين أن أسقى بحبكم ... فقطّع البين أوصالي وأوصى لي
توفي يوم الاثنين ثاني عشر شعبان، ودفن بمقبرة الرباط، ثم نقل بعد خمسة أيام فدفن على والديه بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسيّ [2] شيخ المقرئين بالأندلس.
ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وقرأ القراءات على ابن داود ولازمه أكثر من عشر سنين، وكان زوج أمّه، فأكثر عنه، وهو أثبت الناس فيه. وروى «الصحيحين» و «سنن أبي داود» وغير ذلك.
قال [ابن] الأبّار: كان منقطع القرين في الفضل والزهد والورع، مع العدالة والتواضع والإعراض عن الدّنيا والتقلل منها، صوّاما قوّاما، كثير الصّدقة، انتهت إليه الرئاسة في صناعة الإقراء، وحدّث عن جلّة لا يحصون، وتوفي في رجب.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الغائب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 304) .
[2] انظر «العبر» (4/ 187- 188) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 506- 507) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 573) .(6/353)
وفيها القاضي زكيّ الدّين أبو الحسن علي بن القاضي المنتجب [1] أبو المعالي، محمد بن يحيى القرشي [2] قاضي دمشق، هو وأبوه وجدّه، واستعفى من القضاء فأعفي، وسار فحجّ من بغداد وعاد إليها فتوفي بها، وله سبع وخمسون سنة.
وفيها أبو الفتح بن البطّي الحاجب محمد بن عبد الباقي بن أحمد ابن سليمان البغدادي [3] ، مسند العراق، وله سبع وثمانون سنة، أجاز له أبو نصر الزّينبي، وتفرّد بذلك، وبالرواية عن البانياسي، وعاصم بن الحسن، وعلي بن محمد بن محمد الأنباري، والحميدي، وخلق. وكان ديّنا، عفيفا، محبا للرواية، صحيح الأصول، توفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو عبد الله الفارقي الزاهد محمد بن عبد الملك [4] نزيل بغداد. كان يعظ ويذكّر من [غير] كلفة. وللناس فيه اعتقاد [عظيم] وكان صاحب أحوال وكرامات، ومجاهدات ومقامات، عاش ثمانين سنة.
وفيها القاضي أبو المعالي محمد بن علي بن الحسن القرشي العثماني [5] صاحب الفنون في أنواع العلم. هنأ صلاح الدّين بن أيوب بفتح حلب بقصيدة هائلة، منها:
وفتحك القلعة الشهباء في صفر ... مبشّر بفتوح القدس في رجب
فكان كما قال. قاله ابن الأهدل.
__________
[1] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «المنتخب» فتصحح.
[2] انظر «العبر» (4/ 188) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 519) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 9- 10) .
[3] انظر «العبر» (4/ 188) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 481- 484) .
[4] انظر «العبر» (4/ 188- 189) وما بين حاصرتين مستدرك منه و «سير أعلام النبلاء» (20/ 500- 501) .
[5] انظر «مرآة الجنان» (3/ 374- 375) .(6/354)
وفيها محمد بن المبارك بن الحسين [1] بن إسماعيل البغدادي [2] الفقيه الحنبلي القاضي، أبو البركات، المعروف بابن الحصري.
ذكره ابن الجوزي وقال: صديقنا، ولد سنة عشر وخمسمائة، وقرأ القرآن، وسمع الحديث من ابن البناء وغيره، وتفقّه على القاضي أبي يعلى، وناظر، وولّي القضاء بقرية عبد الله من واسط. توفي- رحمه الله تعالى- فجأة في رجب.
وفيها معمر بن عبد الواحد الحافظ أبو أحمد بن الفاخر القرشي العبشمي الأصبهاني [3] المعدّل. عاش سبعين سنة. سمع من أبي الفتح الحدّاد، وأبي المحاسن الرّوياني وخلق، وببغداد من أبي الحصين، وعني بالحديث وجمعه، ووعظ بأصبهان وأملى، وقدم بغداد مرّات يسمّع [4] أولاده، وتوفي في ذي القعدة بطريق الحجاز، وكان ذا قبول ووجاهة.
__________
[1] في «آ» : «ابن الحسن» .
[2] انظر «المنتظم» (10/ 229) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 305- 306) .
[3] انظر «العبر» (4/ 189) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 485- 487) .
[4] في «العبر» : «فسمّع» .(6/355)
سنة خمس وستين وخمسمائة
في شوال منها كانت الزلزلة العظمى بالشام، وقع معظم دمشق وشرفات جامع بني أميّة، ووقع نصف قلعة حلب والبلد، وهلك من أهلها ثمانون ألفا، ووقعت قلعة حصن الأكراد، ولم يبق لسورها أثر.
وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي ثم البغدادي [1] الحافظ الفقيه الحنبلي، أحد العلماء المعدّلين والفضلاء والمحدّثين. سمع قاضي المارستان وطبقته، وقرأ القراءات على أبي محمد سبط الخيّاط وغيره، ولازم أبا الفضل الحافظ ابن ناصر، وكان يقتفي أثره ويسلك مسلكه.
قال ابن النجار: كان حافظا، متقنا، ضابطا، محقّقا، حسن القراءة، صحيح النقل، ثبتا، حجّة، نبيلا، ورعا، متدينا، تقيا، متمسكا بالسّنّة على طريق السلف، صنّف «تاريخا» على السنين، بدأ فيه بالسنة التي توفي فيها أبو بكر الخطيب، وهي سنة ثلاث وستين وأربعمائة، إلى بعد الستين وخمسمائة. انتهى.
وتوفي يوم الأربعاء بعد الظهر ثالث شعبان، وكان مرضه البرسام [2]
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 190) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 572- 573) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 311- 313) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «السرسام» . جاء في «المعجم الوسيط» (1/ 49) : البرسام: ذات الجنب، وهو التهاب الغشاء المحيط بالرئة.(6/356)
والبرسام ستة أيام، أسكت منها ثلاثة أيام ودفن على أبيه في دكة [قبر] الإمام أحمد، وله خمس وأربعون سنة.
وفيها أبو بكر بن النّقور عبد الله بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن محمد البغدادي البزّاز [1] ثقة محدّث، من أولاد الشيوخ. سمع العلّاف، وابن الطيوري، وطائفة، وطلب بنفسه، مع الدّين، والورع، والتحري، وتوفي في شعبان، وله اثنتان وثمانون سنة.
وفيها أبو المكارم بن هلال، عبد الواحد بن أبي طاهر محمد بن المسلم بن الحسن [2] بن هلال الأزدي. سمع من عبد الكريم الكفرطابي [3] ومن النّسيب وغيرهما، وكان رئيسا جليلا، كثير العبادة والبرّ، وتوفي في جمادى الآخرة، وأجاز له الفقيه نصر.
وفيها علي بن بردوان [4] بن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة بن حمير الكندي البغدادي، النحوي الأديب الحنبلي، شمس الدّين. سمع أبا الحسن ابن عم الشيخ تاج الدّين، وقرأ وكتب الطباق بخطه على يحيى بن البنا وغيره، وقرأ النحو واللغة على ابن الجواليقي، ثم قدم دمشق، وأدرك شرف الإسلام ابن الحنبلي [5] وصحبه، وكان أعلم باللغة والنحو من ابن عمه أبي اليمن.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 190- 191) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 498- 499) .
[2] قوله «ابن الحسن» سقط من «آ» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الكوطائي» والتصحيح من «العبر» وضبطت في «سير أعلام النبلاء» بفتح الكاف وسكون الفاء وهو خطأ فتصحح. وانظر «الأنساب» (10/ 448) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «روان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 313) مصدر المؤلف.
[5] في «آ» و «ط» : «ابن الجيلي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وهو عبد الوهاب بن عبد الواحد الشيرازي الدمشقي، المعروف بابن الحنبلي. انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 198) و «المنهج الأحمد» (2/ 290) .(6/357)
ومن شعره:
درّت عليك غوادي المزن يا دار ... ولا عفت منك آيات وآثار
دعاء من لعبت أيدي الغرام به ... وساعدتها صبابات وتذكار
وفيها- على ما قاله ابن الأهدل- ابن عدي [1] مصنف كتاب «الكامل في الضعفاء» . كان حافظ وقته، وإليه المنتهى في فنّه خلا أن فيه لحنا، لأنه كان فيه عجمة ولا يعرف العربية. انتهى.
وفيها فورجة أبو القاسم محمود بن عبد الكريم الأصبهاني [2] التاجر.
روى عن أبي بكر بن ماجة، وسليمان الحافظ، وأبي عبد الله الثقفي، وغيرهم، وتوفي بأصبهان في صفر، وبه ختم «جزء» لوين.
وفيها مودود السلطان قطب الدّين الأعرج [3] صاحب الموصل وابن صاحبها، أتابك زنكي، تملّك بعد أخيه سيف الدّين غازي، فعدل وأحسن السيرة، توفي في شوال عن نيّف وأربعين سنة، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة، وكان محببا إلى الرعية.
__________
[1] كذا قال المؤلف رحمه الله تعالى، وقد تبع في ذلك ابن الأهدل في «تاريخه» الذي اختصر فيه «مرآة الجنان» لليافعي، وتبعه على ذلك أيضا العامري في «غربال الزمان» ص (445) وهو وهم، والصواب أنه مات سنة (365) هـ كما مرّ في وفيات السنة المذكورة من المجلد الرابع ص (344- 345) فراجعه.
[2] انظر «العبر» (4/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 501- 502) .
[3] انظر «العبر» (4/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 521- 522) .(6/358)
سنة ست وستين وخمسمائة
فيها سار نور الدّين إلى سنجار ففتحها وسلّمها إلى ابن أخيه عماد الدّين زنكي، ثم سار وفتح الموصل، وأعطى الشيخ عمر ستين ألف دينار وأمره بعمارة الجامع النّوري وسط البلد.
وفيها قتل الوزير أبو جعفر بن البلدي، لأن المستضيء الخليفة لما ولي الخلافة في هذا العام استوزر أبا [الفرج] [1] محمد بن عبد الله بن رئيس الرؤساء، فانتقم من ابن البلدي وقتله وألقي في دجلة.
وفيها أبو زرعة طاهر بن الحافظ محمد بن طاهر المقدسي ثم الهمذاني. ولد بالرّيّ سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وسمع بها من المقوّمي، وبالدّون من عبد الرحمن بن أحمد الدّوني، وبهمذان من عبدوس، وبالكرج [2] من السّلّار مكّي [3] وبساوة من الكامخي، وروى الكثير، وكان رجلا جيدا عريا من العلوم. قاله في «العبر» .
توفي بهمذان في ربيع الآخر.
وفيها أبو مسعود الحاجّي عبد الرحيم بن أبي الوفاء علي بن أحمد
__________
[1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» (2/ 192) .
[2] في «آ» و «ط» : «وبالكرخ» وما أثبتناه من «العبر» (4/ 193) .
[3] هو مكي بن منصور الكرجي. تقدمت ترجمته في المجلد الخامس ص (400) .(6/359)
الأصبهاني [1] . الحافظ المعدّل. سمع من جدّه غانم البرجي، ورحل فسمع بنيسابور من الشّيروي [2] ، وببغداد من ابن الحصين، توفي في شوال في عشر الثمانين.
وفيها محمد بن حامد بن حمد بن عبد الواحد بن علي بن أبي مسلم الأصبهاني [3] الواعظ الحنبلي، أبو سعيد، ويعرف بسرمس [4] . سمع أبا مسعود [5] السّوذرجاني [6] ، ويحيى ابن مندة، وغيرهما، وحدّث ببغداد وغيرها، وكان من أعيان الوعاظ، وله القبول التام عند العوام، توفي في سلخ شعبان.
وفيها النّفيس بن مسعود بن أبي الفتح بن سعيد بن علي المعروف بابن صعوة [7] السلامي [8] الفقيه الحنبلي، أبو محمد. قرأ القرآن [9] ، وتفقّه على أبي الفتح بن المنّي، ووعظ، واحتضر في شبابه، فتوفي يوم الثلاثاء تاسع شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
قال المنذري: تكلم في مسائل الخلاف، وسمع من غير واحد. قال:
وصعوة: بفتح الصاد وسكون العين المهملتين [10] وبعدها تاء تأنيث، لقب لجدّه.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 193) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 575- 576) وفيه «علي بن حمد الأصبهاني» .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «السيروي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 314) .
[4] في «آ» و «ط» : «ويعرف برمس» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] لعل الصواب: «سمع أبا سعد» انظر «الأنساب» (7/ 185) .
[6] في «آ» : «السوردجاني» وفي «ط» : «السورحاني» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «السودرجاني» وما أثبته من «الأنساب» .
[7] في «آ» : «ابن صفوة» وهو تحريف.
[8] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 314) .
[9] في «ط» : «القراءات» .
[10] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بفتح الصاد والعين المهملتين» وزاد هو لقب لجدّه مسعود.(6/360)
وفيها فتيان بن مباح بن حمد بن حمد بن سليمان بن المبارك بن الحسين السلمي الحرّاني [1] الضرير، الفقيه الحنبلي، أبو الكرم. قدم بغداد، وسمع الحديث من أبي البركات الأنماطي، وصالح بن شافع، وغيرهما، وتفقّه بمذهب الإمام أحمد، وعاد إلى بلده، فأفتى ودرّس به إلى أن مات، وسمع منه أبو المحاسن القاضي القرشي، وفخر الدّين بن تيمية، وقال في أول «تفسيره» - وقد ذكر شيوخه في العلم، فأول ما قال-: كنت برهة مع شيخنا الإمام الورع أبو الكرم فتيان بن مباح، وكان طويل الباع في علم اللغة والإعراب، لا يشق غباره في علم القرآن [2] ومعاناة المعاني، فهما في الأحكام ومواقع الحلال والحرام. انتهى.
وفيها محمد بن أسعد بن محمد بن نصر الفقيه الحنفي، المعروف بابن الحليم [3] البغدادي الواعظ. درّس بالطرخانية والصادرية، وبنى له معين الدّين مدرسة. شرح «المقامات» ودفن بباب الصغير.
ومن شعره:
الدّهر يوضع عامدا ... فيلا ويرفع قدر نمله
فإذا تنبّه للمنا ... م وقام للنّوّام نم له
[4] وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة المرسي [5] نزيل
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 315- 316) وفيه «فتيان بن مياح» .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «في علم القراءات» .
[3] في «آ» و «ط» : «المعروف بابن الحكيم» وفي «الجواهر المضية» (2/ 32) طبع حيدر أباد:
«عرف بابن حكيم» والتصحيح من «تبصير المنتبه» (1/ 448) وحاشية العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني على «الإكمال» (3/ 81) .
[4] رواية البيت في «الجواهر المضية» :
فإذا تنبه لليا ... م ونام نوام فنم له
[5] انظر «العبر» (4/ 193) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 508) .(6/361)
شاطبة، مكثر عن أبي علي الصّدفي [1] وإليه صارت عامة أصوله، وسمع أيضا من أبي محمد بن عتّاب [2] ، وحجّ [3] فسمع من ابن غزال، ورزين العبدري [4] .
قال [ابن] الأبّار: كان عارفا بالأثر، مشاركا في التفسير، حافظا للفروع، بصيرا باللغة والكلام، فصيحا، مفوّها، مع الوقار والسمت، والصيام والخشوع، ولي قضاء شاطبة، وحدّث وصنّف، ومات في أول العام، وله سبعون سنة.
وفيها يحيى بن ثابت بن بندار أبو القاسم البغدادي البقّال [5] . سمع من طراد والنّعالي وجماعة، وتوفي في ربيع الأول وقد نيّف على الثمانين.
وفيها المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف بن المقتفي لأمر الله محمد ابن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي العبّاسي [6] . خطب له أبوه بولاية العهد سنة سبع وأربعين، واستخلف سنة خمس وخمسين، وعاش ثمانيا وأربعين سنة، وأمّه طاووس الكرجية أدركت دولته.
قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [7] : كان موصوفا بالعدل والرفق، أطلق من المكوس شيئا كثيرا بحيث لم يترك بالعراق مكسا، وكان شديدا على المفسدين، سجن رجلا كان يسعى بالناس مدة، فحضر [8] رجل وبذل
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الصوفي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «نفح الطيب» (2/ 158) .
[2] في «سير أعلام النبلاء» : «ابن عبّاسة» .
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «وجمع» فتصحح.
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الغندري» .
[5] انظر «العبر» (4/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 505- 506) .
[6] انظر «العبر» (4/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 412- 418) .
[7] ص (443) .
[8] في «تاريخ الخلفاء» : «وحضره» .(6/362)
فيه عشرة آلاف درهم، فقال: أنا أعطيك عشرة آلاف دينار ودلّني على آخر مثله لأحبسه وأكفّ [1] شره.
وقال ابن النجار [2] : كان المستنجد موصوفا بالفهم الثاقب، والرأي الصائب، والذكاء الغالب، والفضل الباهر، والعدل الظاهر، له نظم بديع، ونثر بليغ، ومعرفة بعمل آلات الفلك والأسطرلاب، وغير ذلك.
ومن شعره في بخيل:
وباخل أشعل في بيته ... تكرمة منه لنا شمعه
فما جرت من عينها دمعة ... حتّى جرت من عينه دمعه
توفي في ثامن ربيع الآخر.
وفيها ابن الخلّال القاضي الأديب موفق الدّين يوسف بن محمد المصري [3] ، صاحب دواوين الإنشاء للخلفاء، وهو شيخ القاضي الفاضل.
ومن شعره:
عذبت ليال بالعذيب خوال ... وحلت مواقف بالوصال حوال
ومضت لذاذات تقضّى ذكرها ... تصبي الخليّ وتستهيم السّالي
وجلت مورّدة الخدود فأوثقت ... في الصّبوة الخالي بحسن الخال
قالوا سراة بني هلال أصلها ... صدقوا كذاك البدر فرع هلال
توفي في جمادى الآخرة، وقد شاخ وولّي بعده القاضي الفاضل.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وألف» وهو تحريف، والتصحيح من «تاريخ الخلفاء» .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 418) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 219- 225) و «العبر» (4/ 194) و «نكت الهميان» ص (314- 316) .(6/363)
سنة سبع وستين وخمسمائة
فيها تجاسر صلاح الدّين بن أيوب وقطع خطبة العاضد العبيدي، وكان قبل هذا كالمتحكم له، وخطب للخليفة العبّاسي المستضيء، فمات العاضد عقيب ذلك. قيل: إنه مات غبنا، وأظهر صلاح الدّين الحزن عليه، وجلس للعزاء، ثم تسلّم القصر وما حوى، ثم حوّل أولاد المعتضد وخاصته إلى مكان آخر ورتّب لهم كفايتهم، ولما وصل أبو سعد بن أبي عصرون رسولا بذلك إلى بغداد، زيّنت، وكان يوما مشهودا، وكانت الخطبة العبّاسية قد قطعت من مصر منذ مائتي سنة وتسع سنين بخطبة بني عبيد أهل المذهب الرديء، ثم أرسل الخليفة بالخلع الفائقة الرائقة لنور الدّين محمود بن زنكي، ولنائبه صلاح الدّين، وكان فيما أرسل لنور الدّين طوق ذهب وزنه ألف مثقال، وحصانان وسيفان، قلد بهما، إشارة إلى الجمع له بين مصر والشام.
وفيها وقعت الوحشة بين نور الدّين وصلاح الدّين، وعزم على قصده، فكتب إليه صلاح الدّين بالطاعة، فزالت الوحشة بينهما.
وفيها اتخذ نور الدّين الحمام الهوادي في جميع البلاد في الأبراج، تنقل الأخبار، فكانت من بلاد النوبة إلى همذان، وكان أهم ما عنده قلع الفرنج من السواحل.(6/364)
وفيها توفي أحمد بن محمد الحريمي العطّار [1] . روى عن النّعالي وجماعة، ومات في صفر عن خمس وثمانين سنة.
وفيها حسّان بن نمير [الكلبيّ] ، عرف بعرقلة [2] . كان شيخا خليعا مطبوعا، أعور العين، منادما. اختص بصلاح الدّين. وكان قد وعده صلاح الدّين أنه إذا أخذ مصر يعطيه ألف دينار، فلما أخذها كتب إليه:
قل للصلاح معيني عند إعساري ... يا ألف مولاي أين الألف دينار
أخشى من الأسر إن حاولت [3] أرضكم ... وما تفي جنّة الفردوس بالنّار
فجد بها عاضديّات موفّرة ... من بعض ما خلّف [4] الطاغي أخو العاري
حمرا كأسيافكم غرّا كخيلكم ... عتقا ثقالا كأعدائي وأطماري
فجهز له ألفا وأخذ له من إخوته مثلها، فجاءه الموت فجأة فلم ينتفع بفجأة الغنى [5] .
ومن شعره:
يقولون لم أرخصت شعرك في الورى ... فقلت لهم إذ مات أهل المكارم
أجازى [6] على الشعر الشعير وإنّه ... كثير إذا حصّلته [7] من بهائم
وفيها العلّامة أبو محمد بن الخشّاب عبد الله بن أحمد بن أحمد بن
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 196) .
[2] انظر «فوات الوفيات» (1/ 313- 318) و «النجوم الزاهرة» (6/ 64) .
[3] في «فوات الوفيات» : «إن وافيت» وانظر التعليق عليه.
[4] في «آ» : «أخلف» .
[5] في «آ» و «ط» : «الغناء» وهو تحريف والتصحيح من «فوات الوفيات» .
[6] في «فوات الوفيات» : «أجاز» .
[7] في «فوات الوفيات» : «إذا خلّصته» وانظر التعليق عليه.(6/365)
عبد الله بن نصر البغدادي [1] النحوي المحدّث الفقيه الحنبلي.
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وسمع من علي بن الحسين الرّبعي، وابن النّرسي، ثم طلب بنفسه، وأكثر عن أبي الحصين وطبقته، وقرأ الكثير، وكتب بخطه المليح المتقن، وأخذ العربية عن ابن الشّجري، وابن الجواليقي، وأتقن العربية واللغة والهندسة وغير ذلك، وصنّف التصانيف، وكان إليه المنتهى في حسن القراءة وسرعتها وفصاحتها، مع الفهم والعذوبة، وانتهت إليه الإمامة في النحو، وكان ظريفا مزّاحا قذرا، وسخ الثياب، يستقي في جرة مكسورة، وما تأهل قطّ ولا تسرى. توفي في رمضان. قاله في «العبر» .
وقال ابن النجار [2] : كان أعلم أهل زمانه بالنحو، حتّى يقال: إنه كان في درجة أبي علي الفارسي. قال: وكانت له معرفة بالحديث، واللغة، والمنطق، والفلسفة، والحساب، والهندسة، وما من علم من العلوم إلّا كانت [3] له فيه يد حسنة.
وقال ياقوت الحموي: رأيت قوما من نحاة بغداد يفضلونه على أبي علي الفارسي. قال: وسمع الحديث الكثير، وتفقّه فيه، وعرف صحيحه من سقيمه، وبحث عن أحكامه وتبحر في علومه.
وقال ابن الأخضر: دخلت عليه يوما وهو مريض، وعلى صدره كتاب ينظر فيه، قلت: ما هذا؟ قال: ذكر ابن جنّي مسألة في النحو، واجتهد أن يستشهد عليها ببيت من الشعر فلم يحضره، وإني لأعرف على هذه المسألة
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 196- 197) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 523- 528) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 316- 323) .
[2] انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» للدمياطي ص (257) طبع مؤسسة الرسالة.
[3] لفظة «كانت» سقطت من «آ» .(6/366)
سبعين بيتا من الشعر، كلّ بيت من قصيدة.
وكان عالما بالتفسير، والحديث، والفرائض، والحساب، والقراءات.
وقال ابن القطيعي: انتهت [1] إليه معرفة علوم جمّة، أنهاها، وشرح الكثير من علومه، وكان ضنينا بها مع لطف مخالطة وعدم تكبر، واطّراح تكلّف، مع تشدّد في السّنّة، وتظاهر بها في محافل علومه، ينتصر لمذهب أحمد، ويصرّح ببراهينه وحججه على ذلك.
وقال مسعود بن البادر: كنت يوما بين يدي المستضيء، فقال لي: كلّ من نعرفه [2] قد ذكّرنا بنفسه، ووصل إليه برّنا إلّا ابن الخشّاب، فاعتذرت عنه بعذر اقتضاه الحال، ثم خرجت، فعرّفت ابن الخشّاب ذلك، فكتب إليه هذين البيتين:
ورد الورى سلسال جودك فارتووا ... فوقفت دون الورد وقفة حائم
ظمآن أطلب خفّة من زحمة ... والورد لا يزداد غير تزاحم
قال ابن البادر: فعرضتهما على المستضيء، فأرسل إليه بمائتي دينار، وقال: لو زادنا زدناه.
وقال ابن رجب: ويقال: إنه كان بخيلا مقترا على نفسه، وكان يعتمّ العمّة، فيبقي معتّما أشهرا تتسخ أطرافها من عرقه، فتسود وتتقطع من الوسخ، وترمي عليها العصافير ذرقها، وكان إذا رفعها عن رأسه ثم أراد لبسها تركها على رأسه كيف اتفق، فتجيء عذبتها تارة من تلقاء وجهه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله [3] ، ولا يغيرها، فإذا قيل له في ذلك يقول: ما استوت العمّة على رأس عاقل قطّ.
__________
[1] في «ط» : «انتهى» .
[2] تصحفت في «ط» إلى «تعرفه» .
[3] في «آ» : «عن يساره» .(6/367)
وكان- رحمه الله تعالى- ظريفا، مزّاحا، ذا نوادر.
فمن نوادره أن بعض أصحابه سأله يوما، فقال: القفا يمد أو يقصر؟
فقال: يمد ثم يقصر.
ولابن الخشّاب شعر كثير حسن، فمنه ما ألغزه في كتابه:
وذي أوجه لكنه غير بائح ... بسرّ وذو الوجهين للسرّ يظهر
[1]
تناجيك [2] بالأسرار أسرار وجهه ... فتسمعها ما دمت بالعين تبصر
[3] ومنه لغز في شمعة:
صفراء لا من سقم مسّها ... كيف وكانت أمّها الشافية؟
عارية باطنها مكتس ... فاعجب لها عارية كاسيه
قال ابن الجوزي: مرض ابن الخشّاب نحوا من عشرين يوما، فدخلت عليه قبل موته بيومين وقد يئس من نفسه، فقال لي: عند الله أحتسب نفسي.
وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان، ودفن بمقبرة الإمام أحمد قريبا من بشر الحافي، رضي الله عنهما.
وفيها أبو محمد عبد الله بن منصور بن الموصلي البغدادي [4] المعدّل. سمع من النّعالي، وتفرّد ب «ديوان المتنبي» عن أبي البركات الوكيل، وعاش ثمانين سنة.
وفيها العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم العبيدي
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ليس يطهر» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] في «ط» : «تناديك» .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «تنظر» .
[4] انظر «العبر» (4/ 197) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 529) و «النجوم الزاهرة» (6/ 66) .(6/368)
المصري [1] الرافضي، خاتمة خلفاء الباطنية.
ولد في أول سنة ست وأربعين وخمسمائة، وأقامه الصالح بن رزّيك، بعد هلاك الفائز.
وفي أيامه قدم حسين بن نزار بن المستنصر العبيدي في جموع من الغرب [2] ، فلما قرب غدر به أصحابه وقبضوا عليه، وحملوه إلى العاضد فذبحه صبرا.
ورد أن موت العاضد كان بإسهال مفرط، وقيل: مات غما لما سمع بقطع خطبته، وقيل: بل كان له خاتم مسموم فامتصه وخسر نفسه، وعاش إحدى وعشرين سنة.
وفيها أبو الحسن بن النّعمة علي بن عبد الله بن خلف الأنصاري الأندلسي المرّيي ثم البلنسي [3] أحد الأعلام. توفي في رمضان، وهو في عشر الثمانين. روى عن أبي علي بن سكّرة وطبقته، وتصدر ببلنسية لإقراء القراءات، والفقه، والحديث، والنحو.
قال [ابن] الأبّار: كان عالما حافظا للفقه والتفاسير ومعاني الآثار، مقدّما في علم اللّسان، فصيحا مفوّها ورعا فاضلا معظّما، دمث الأخلاق. انتهت إليه رئاسة الفتوى والإقراء، وصنّف كتابا كبيرا في «شرح سنن النسائي» بلغ فيه الغاية، وكان خاتمة العلماء بشرق الأندلس.
وفيها أبو المطهّر القاسم بن الفضل بن عبد الواحد بن الفضل
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 197- 198) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 207- 215) و «النجوم الزاهرة» (5/ 334- 357) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «العرب» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» وفي «العبر» :
«المغرب» .
[3] انظر «العبر» (4/ 198) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 584- 585) .(6/369)
الأصبهاني الصّيدلاني [1]- بفتح أوله وسكون الياء التحتية، نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير- روى عن رزق الله التميمي، والقاسم بن الفضل الثقفي، وتوفي في جمادى الأولى، وقد نيّف على التسعين.
وفيها أبو عبد الله بن الفرس محمد بن عبد الرحيم الأنصاري الخزرجي الغرناطي [2] . تفقّه على أبيه، وقرأ عليه القراءات، وسمع أبا بكر بن عطيّة، وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتّاب وطبقته، وصار رأسا في الفقه، والحديث، والقراءات، توفي في شوال ببلنسية وله ست وستون سنة.
وفيها أبو حامد البرّوي الطّوسي [3] الفقيه الشافعي محمد بن محمد تلميذ محمد بن يحيى وصاحب «التعليقة» المشهورة في الخلاف. كان إليه المنتهى في معرفة الكلام والنظر والبلاغة والجدل، بارعا في معرفة مذهب الأشعري. قدم بغداد وشغّب على الحنابلة، وأثار الفتنة، ووعظ بالنظامية، وبعد صيته، فأصبح ميّتا، فيقال: إنّ الحنابلة أهدوا له مع امرأة صحن حلوى مسمومة، وقيل: إن البرّوي قال: لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية. قاله في «العبر» .
والبرّوي: بفتح الموحدة وتشديد الراء المضمومة، نسبة إلى برّوية جدّ.
وفيها أبو المكارم الباذرائي [4] المبارك بن محمد بن المعمّر، الرجل الصالح. روى عن ابن البطر، والطّرثيثي، وتوفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 199) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 528- 529) .
[2] انظر «العبر» (4/ 199) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 529) و «الوافي بالوفيات» (3/ 245) .
[3] انظر «العبر» (4/ 200) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 260- 263) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الباوراي» والتصحيح من «العبر» (4/ 200) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 494) .(6/370)
وفيها أبو جعفر مكّي بن محمد بن هبيرة البغدادي [1] الأديب الحنبلي. كان فاضلا عارفا بالأدب، نظم «مختصر الخرقي» وقرئ [2] [عليه] مرّات. [توفي] بنواحي الموصل.
قال ابن رجب: وأظنه أخا [3] الوزير أبي المظفر. وكان يلقب فخر الدولة، وكأنه [4] خرج من بغداد بعد موت الوزير.
وفيها أبو الفتوح [5] نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن قلاقس [6] الأزهري الإسكندري [7] ، الملقب القاضي الأعز، كان سناطا [8] لا لحية له.
وكان شاعرا مجيدا مدحه السّلفيّ، وصحب السّلفيّ وانتفع بصحبته، ودخل اليمن وامتدح أمير عدن فأجزل عطيته، ثم غرق ما معه وعاد إليه عريانا، فأنشده قصيدته التي أولها:
صدرنا وقد نادى السّماح ببادئ ... فعدنا إلى مغناك والعود أجمل
فأحسن إليه أيضا.
ومن شعره:
الفكر في الرّزق كيف يأتي ... شيء به تتعب القلوب
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 323) .
[2] في «آ» و «ط» : «وقرأ» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[3] في «آ» و «ط» : «أخو» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وكان» .
[5] في «آ» و «ط» و «غربال الزمان» ص (448) «أبو الفتح» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[6] في «آ» و «ط» : «ابن ملامس» وفي «غربال الزمان» إلى «قلانس» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[7] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 385- 389) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 546) و «مرآة الجنان» (3/ 383) و «البداية والنهاية» (12/ 269- 270) و «حسن المحاضرة» (1/ 564) .
[8] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سباطا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» والسّناط: الكوسج الذي لا لحية له أصلا وكذا السّنوط والسّنوطي. انظر «مختار الصحاح» (سنط) .(6/371)
وحامل الهمّ ذو دعاء ... في علم ما تحجب الغيوب
فإن ألمّت بك الرّزايا ... أو قرعت بابك الخطوب
فجانب النّاس وادع من لا ... تكشف إلّا به الكروب
من يسأل النّاس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
وفيها الإمام أبو بكر يحيى بن سعدون الأزدي القرطبي [1] المقرئ النحوي، نزيل الموصل وشيخها. قرأ القراءات على جماعة، منهم ابن الفحّام بالإسكندرية، وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتّاب، وبمصر من أبي صادق المديني، وببغداد من ابن الحصين، وقد أخذ عن الزمخشري، وبرع في العربية والقراءات، وتصدّر فيهما، وكان ثقة ثبتا، صاحب عبادة وورع وتبحر في العلوم. توفي يوم الفطر عن اثنتين وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 200- 201) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 546- 548) .(6/372)
سنة ثمان وستين وخمسمائة
فيها دخل قراقوش [1] مملوك تقي الدّين عمر بن شاه شاه ابن أخي السلطان صلاح الدّين بن أيوب المغرب، فنازل طرابلس المغرب وافتتحها، وكانت للفرنج.
وفيها سار شمس الدولة أخو صلاح الدّين، فافتتح اليمن وقبض على المتغلب عليها عبد النّبيّ الزنديق، وقام صيت الدولة الأيوبية.
قال في «السمط الغالي الثمن في أخبار ملوك اليمن» : وهم- أي بنو أيوب- سبعة: الملك المعظم توران بن أيوب، والملك العزيز أخوه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، والملك المعز ولده إسماعيل، وسيف الإسلام أتابك سنقر بحكم الأتابكية لولد سيده الملك الناصر أيوب، ثم الملك الناصر أيوب بعده، ثم الملك المعظم سليمان بن تقي الدّين، ثم الملك المسعود صلاح الدّين يوسف بن الملك الكامل، فهؤلاء سبعة، ستة منهم من بني أيوب والسابع مملوكهم. انتهى.
وفيها التقى قلج [2] بن لاون الأرمني والرّوم فهزمهم، وكان نور الدّين قد استخدم ابن لاون وأقطعه سيس، وظهر له نصحه، وكان الكلب شديد
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «قراوش» والتصحيح من «العبر» (4/ 201) و «دول الإسلام» (2/ 81) و «غربال الزمان» ص (448) .
[2] كذا في «آ» و «ط» «قلج» وفي «الكامل في التاريخ» (11/ 387) و «العبر» (4/ 201) و «دول الإسلام» (2/ 81) : «مليح» .(6/373)
النصح لنور الدّين، معينا له على الفرنج، ولما ليم نور الدّين في إعطائه سيس، قال: أستعين به وأريح عسكري وأجعله سدّا بيننا وبين صاحب القسطنطينية.
وفيها سار نور الدّين، فافتتح [بهسنا و] [1] مرعش، ثم دخل الموصل قلج أرسلان.
وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن شنيف الدّارقزّي [2]- نسبة إلى دار القزّ محلة ببغداد [3]- الحنبلي المقرئ أسند من بقي في القراءات، لكنه لم يكن ماهرا بها. قرأ على ابن سوار، وثابت بن بندار، وعاش ستا وتسعين سنة.
وفيها أرسلان خوارزم شاه بن أتسز [4] خوارزم شاه بن محمد نوشتكين [5] . ردّ من قتال الخطا فمرض ومات، فتملّك بعده ابنه محمود، فغضب ابنه الأكبر خوارزم شاه علاء الدّين تكش [6] ، وقصد ملك الخطا فبعث معه جيشا، فهرب محمود واستولى هو على خوارزم، فالتجأ محمود إلى صاحب نيسابور المؤيّد فنجده، فالتقيا، فانهزم هؤلاء، وأسر المؤيد وذبح بين يدي تكش [6] صبرا، وقتل أمّ أخيه، وذهب محمود إلى غياث الدّين صاحب الغور [7] فأكرمه.
__________
[1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» (4/ 202) و «دول الإسلام» (2/ 82) .
[2] انظر «العبر» (4/ 202) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 512) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 323- 324) وضبط السمعاني نسبته في «الأنساب» (5/ 301) بفتح الدال المهملة وسكون الراء وفتح القاف والزاي.
[3] انظر «معجم البلدان» (2/ 422) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أنس» والتصحيح من «العبر» (4/ 202) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 322) .
[5] مستدركة من «العبر» .
[6] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «تكس» بالسين، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[7] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الفور» والتصحيح من «العبر» .(6/374)
وفيها ألدكز ملك أذربيجان وهمذان. كان عاقلا حميد السيرة [1] واسع المملكة [2] ، وكان ابن امرأته أرسلان شاه بن طغرل السلجوقي هو السلطان وألدكز أتابكه، لكنه كان من تحت حكمه، وولي بعده ابنه محمد البهلوان.
وفيها الأمير نجم الدّين أيوب بن شادي الدّويني [3]- بضم الدال المهملة وكسر الواو، وتحتية، ونون، نسبة إلى مدينة بأذربيجان- وهو والد الملوك صلاح الدّين، وسيف الدّين، وشمس الدولة، وسيف الإسلام، وشاه شاه، وتاج الملوك بوري، وست الشام، وربيعة خاتون، وأخو الملك أسد الدّين. شبّ به فرسه، فحمل إلى داره ومات بعد أيام في ذي الحجّة، وكان يلقّب بالأجلّ الأفضل، وكان أول ولاية تولاها قلم تكريت بتولية عتّاب ابن مسعود السلجوقي، فقتل أخوه أسد الدّين رجلا فأخرجا منها، فخرجا إلى الموصل، فأحسن إليهما عماد الدّين بن زنكي الأتابك- والأتابك اسم لمن يربي الملك- وهو والد نور الدّين، وهو يومئذ متحكم السلجوقية، فولى نجم الدّين قلعة بعلبك، فبنى بها نجم الدّين خانقاه للصوفية، وهي المعروفة اليوم بالمنجمية، وكان نجم الدّين صالحا، حسن السيرة، كريم السريرة، ولما تولى [4] ولده صلاح الدّين مصر استدعى أباه وكان بدمشق في خدمة نور الدّين محمود بن زنكي، فاستأذنه فأذن له، فلما قدم على ولده صلاح الدّين أراد أن يخلع الأمر إليه فكره، ولما مات نجم الدّين دفن عند أخيه بالقاهرة، ثم نقلا سنة تسع وسبعين إلى المدينة النبوية.
__________
[1] في «العبر» (4/ 203) : «جيد السيرة» .
[2] في «العبر» : «واسع الممالك» .
[3] انظر «العبر» (4/ 203- 204) و «النجوم الزاهرة» (6/ 67- 68) .
[4] تحرفت في «آ» إلى «توفي» .(6/375)
وفيها المؤيد أبي به بن عبد الله السّنجري [1] ، صاحب نيسابور، قتل في هذا العام.
وفيها جعفر بن عبد الله بن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن عليّ الدّامغاني الحنفي أبو منصور. روى عن أبي مسلم السّمناني، وابن الطّيوري، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها ملك النّحاة أبو نزار الحسن بن صافي البغدادي [2] الفقيه الأصولي المصنّف في الأصلين، والنحو، وفنون الأدب. استوطن دمشق آخرا، وتوفي بها عن ثمانين سنة. وكان لقّب نفسه ملك النّحاة، ويغضب على من لا يدعوه بذلك، وله ديوان شعر، ومدح النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- بقصيدة طنّانة، واتفق أهل عصره على فضله ومعرفته.
قال في «العبر» : كان نحويّا بارعا، وأصوليا متكلما، وفصيحا متفوها، كثير العجب والتيه، قدم دمشق واشتغل بها، وصنّف في الفقه والنحو والكلام، وعاش ثمانين سنة، وكان رئيسا ماجدا. انتهى.
وكان شافعيا.
قال ابن شهبة: تفقّه على أحمد الأشنهي، تلميذ المتولي، وقرأ أصول الفقه على ابن برهان، وأصول الدّين على أبي عبد الله القيرواني، والخلاف على أسعد الميهني، والنحو على الفصيحي وبرع فيه، وسافر إلى خراسان والهند، ثم سكن واسط مدة، وأخذ عنه جماعة من أهلها، ثم استوطن دمشق، وصنّف في النحو كتبا كثيرة، وصنّف في الفقه كتابا سمّاه
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 204) .
[2] انظر «إنباه الرواة على أنباء النحاة» (1/ 340- 345) و «العبر» (4/ 204) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 4- 5) .(6/376)
«الحاكم» ومختصرين في الأصلين. وتوفي بدمشق في شوال ودفن بباب الصغير.
وفيها الحافظ عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى الأصبهاني أبو الخير [1] . كان من الأئمة الحفّاظ الأمجاد، ومن محفوظه فيما قيل «الصحيحان» بالإسناد. تكلّم فيه أبو موسى المديني وغيره من النّقّاد.
قاله ابن ناصر الدّين [2] .
وفيها أبو جعفر الصّيدلاني محمد بن الحسن الأصبهاني [3] له إجازة من بيبى الهرثميّة تفرّد بها، وسمع من شيخ الإسلام وطبقته بهراة، ومن سليمان الحافظ وطبقته بأصبهان، توفي في ذي القعدة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «المستفادة من ذيل تاريخ بغداد» ص (291- 292) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 573- 575) .
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (166/ آ) .
[3] انظر «العبر» (4/ 204) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 530- 531) .(6/377)
سنة تسع وستين وخمسمائة
فيها ثارت الفرنج لموت نور الدّين الملك العادل أبو القاسم محمود ابن زنكي ابن آق سنقر [1] . تملّك حلب بعد أبيه ثم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة، وكان مولده في شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وكان أجلّ ملوك زمانه، وأعدلهم، وأدينهم، وأكثرهم جهادا، وأسعدهم في دنياه وآخرته، هزم الفرنج غير مرّة. وأخافهم وجرّعهم المرّ، وكان أولا متحكما لملوك السلاجقة، ثم استقلّ، وكان في الإسلام زيادة ببقائه. افتتح من بلاد الرّوم عدة حصون، ومن بلاد الفرنج ما يزيد على خمسين حصنا، وكان أسمر، طويلا، مليحا، تركي اللحية، نقي الخدّ، شديد المهابة، حسن التواضع، طاهر اللّسان، كامل العقل والرأي، سليما من التكبر، خائفا من الله. قلّ أن يوجد في الصلحاء مثله، فضلا عن الملوك. ختم الله له بالشهادة ونوله الحسنى إن شاء وزيادة، وخطب له في الدّنيا، وأزال الأذان ب (حيّ على خير العمل) وبنى المدارس وسور دمشق، وأسقط ما كان يؤخذ من جميع المكوس، وبنى المكاتب للأيتام ووقف عليها الأوقاف، وبنى الرّبط والبيمارستان، وأقطع العرب الإقطاعات لئلا يتعرضوا للحاج، وبنى الخانات [2] ، وكان حسن الخطّ، كثير المطالعة، مواظبا على الصلوات
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 184- 188) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 531- 539) .
[2] في «ط» : «الخانات والرّبط» وقد تقدمت الإشارة إلى بنائه الرّبط قبل قليل كما ترى.(6/378)
الخمس، كثير تلاوة القرآن، لم تسمع منه كلمة فحش، ذو عقل متين، يحب الصالحين ويزورهم في أماكنهم.
قال ابن الأثير [1] : طالعت تواريخ [2] الملوك المتقدّمين- قبل الإسلام وإلى يومنا هذا- فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين، وعمر بن عبد العزيز، ملكا أحسن سيرة منه، ولا أكثر تحريا للعدل والإنصاف. ثم ذكر زهده، وعدله، وفضله، وجهاده، واجتهاده، وكان لا يأكل، ولا يشرب، ولا يتصرف في شيء يخصه إلّا من ملك اشتراه من سهمه من غنائم الكفّار، ولم يلبس حريرا قطّ ولا ذهبا ولا فضة، وكان كثير الصيام، وله أوراد في الليل والنهار [3] ، وكان يقدم أشغال المسلمين عليها، ثم يتمم، وكان يلعب بالكرة في ميدان دمشق، فجاء رجل فوقف بإزائه، فقال للحاجب: سله ما حاجته؟
فقال: لي مع نور الدّين حكومة، فرمى الصولجان من يده وجاء إلى مجلس القاضي كمال الدّين الشّهرزوري، وقال له: لا تنزعج، واسلك معي ما تسلكه مع آحاد الناس، فلما حضر سوى بينه وبين خصمه وتحاكما، فلم يثبت للرجل عليه حقّ، وكان يدعي ملكا [4] في يد نور الدّين، فقال نور الدّين للقاضي: هل ثبت له عليّ حقّ؟ قال: لا. قال: فاشهدوا أني قد وهبت الملك له، وقد كنت أعلم أنه لا حقّ له عندي، وإنما حضرت معه لئلا يقال عنّي أني طلبت إلى مجلس الشرع فأبيت.
وبنى دار العدل، وكان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام، ويحضر عنده الفقهاء، ويأمر بإزالة الحجّاب والبوّاب حتّى يصل إليه الشيخ الكبير
__________
[1] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 403) .
[2] في «الكامل» : «سير» .
[3] في «ط» : «في النهار والليل» .
[4] يعني شيئا من أملاكه.(6/379)
والضعيف، ويسأل الفقهاء عما أشكل، وإذا حضر الحرب شد تركشين [1] وحمل قوسين، وبنى جامعه بالموصل، وفوّض أمره إلى الشيخ عمر الملّا، وكان من الأخيار، وإنما قيل الملّا لأنه كان يملأ أتون الآجر ويتقوت بالأجرة، وليس عليه غير قميص ولا عمامة، ولا يملك شيئا، فقيل له: إن هذا لا يصح لمثل هذا العمل، فقال: إذا وليت بعض الأجناد لا يخلو من الظلم وهذا الشيخ لا يظلم، فإن ظلم كان الظلم عليه، فدفع إلى الشيخ ستين ألف دينار، وقيل: ثلاثمائة ألف دينار، فتم بناؤه في ثلاث سنين، فلما دخل نور الدّين إلى الموصل دخله وصلى فيه، ووقف عليه قرية، فدخل عليه الملّا وهو جالس على دجلة، وترك بين يديه دفاتر الخرج، وقال: يا مولانا أشتهي أن تنظر فيها، فقال نور الدّين: يا شيخ، نحن عملنا هذا لله تعالى، دع الحساب ليوم الحساب، ثم رمى الورق إلى دجلة.
ووقع في يده ملك من ملوك الفرنج، فبذل في نفسه مالا عظيما، فشاور الأمراء، فأشاروا ببقائه في الأسر خوفا من شرّه، فقال له نور الدّين أحضر المال، فأحضر ثلاثمائة ألف دينار، فأطلقه، فلما وصل إلى بلده مات.
وطلب الأمراء سهمهم، فقال: ما تستحقون شيئا لأنكم أشرتم بغير الفداء، وقد جمع الله تعالى بين الحسنيين الفداء وموت اللعين، فبنى بذلك الفداء المارستان الذي بدمشق، والمدرسة، ودار الحديث، ووقف عليها الأوقاف.
وذكر المطري [2] في كتابه «تاريخ المدينة» أن السلطان محمود رأى
__________
[1] في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (20/ 531) : «تركاشين» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» وهو الصواب. جاء في «معجم الألفاظ الفارسية المعربة» لادي شير ص (36) :
التّلكش تعريب «تركش» وهو الجعبة.
[2] هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن خلف الخزرجي الأنصاري السعدي المدني المطري، المتوفى سنة (741) هـ، واسم كتابه الذي ألمح إليه المؤلف «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» . انظر «لحظ الألحاظ» ص (110) و «الأعلام» (5/ 325- 326) .(6/380)
النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في ليلة واحدة ثلاث مرات، وهو يقول له في كل واحدة منها:
«يا محمود أنقذني من هذين الشّخصين» لشخصين أشقرين تجاهه، فاستحضر وزيره قبل الصبح فأخبره، فقال له [1] : هذا أمر حدث في مدينة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- ليس له غيرك، فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك، حتّى دخل المدينة على غفلة، فلما زار طلب الناس عامة للصدقة، وقال: لا يبقى بالمدينة أحد إلّا جاء، فلم يبق إلّا رجلان مجاوران من أهل الأندلس، نازلان في الناحية التي قبلة حجرة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التي تعرف اليوم بدار العشرة- رضي الله عنهم- قالا: نحن في كفاية، فجدّ في طلبهما، حتّى جيء بهما، فلما رآهما قال للوزير: هما [2] هذان، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما، فقالا لمجاورة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- فكرر السؤال عليهما، حتّى أفضى إلى العقوبة، فأقرا أنهما من النصارى، وصلا لكي ينقلا النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- من هذه الحجرة الشريفة، ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي يجعلان التراب في بئر عندهما في البيت، فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- خارج المسجد، ثم أحرقا، وركب متوجها إلى الشام راجعا، فصاح به من كان نازلا خارج السور واستغاثوا وطلبوا أن يبني لهم سورا يحفظهم، فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم [3] ومثل هذا لا يجري إلّا على يد وليّ الله تعالى. توفي- رحمه الله تعالى- بعلة الخوانيق، وأشار عليه الأطباء بالفصد فامتنع، وكان مهيبا، فما روجع، ودفن في بيت كان يخلو فيه بقلعة دمشق، ثم نقل إلى مدرسته التي
__________
[1] لفظة «له» لم ترد في «آ» .
[2] لفظة «هما» سقطت من «آ» .
[3] ولم يعد لذلك السور أثر الآن، وليت ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية يبادرون إلى إعادة بناء ذلك السور في مكانه الأول إحياء لذكر نور الدّين العظيم.(6/381)
عند سوق الخواصين، وروي أن الدعاء عند قبره مستجاب [1] ويقال: إنه دفن معه ثلاث شعرات من شعرات [2] لحيته- صلى الله عليه وسلم- فينبغي لمن زاره أن يقصد زيارة شيء منه- صلى الله عليه وسلم- ولما مات كان عمره نيفا وخمسين سنة.
وقام بعده بالملك ولده الصالح إسماعيل، ولما استظهر السلطان صلاح الدّين بن أيوب على بلاد الشام كلها تركه في حلب حتّى توفي سنة سبع وسبعين، وكان لموته وقع عظيم في قلوب الناس لصلاحه أيضا.
وفيها النقيب أبو عبد الله [3] أحمد بن علي الحسيني [4] الأديب، نقيب الطالبين. روى عن أبي الحسين بن الطّيوري وجماعة، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو إسحاق بن قرقول الحافظ إبراهيم بن يوسف الوهراني الحمزي- وحمزة اسم قريته [5]- سمع الكثير وعاش أربعا وستين سنة، وكان من أئمة أهل المغرب، فقيها، مناظرا، متفننا [6] حافظا للحديث، بصيرا بالرجال.
قال ابن ناصر الدّين: كان ثقة مأمونا.
وفيها الحافظ أبو العلاء العطّار الحسن بن أحمد الهمذاني [7]
__________
[1] قلت: وذلك من مبالغات المتأخرين.
[2] في «ط» : «من شعر» .
[3] في «آ» : «عبد الله» وهو خطأ.
[4] انظر «العبر» (4/ 205) .
[5] في «آ» و «ط» «الجمري، وجمرة اسم قريته» وهو تصحيف، صوابه: الحمزي- نسبة إلى حمزة مدينة بالمغرب- وهو ما أثبته انظر «وفيات الأعيان» (1/ 62- 63) و «العبر» (4/ 205) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 520) و «الوافي بالوفيات» (6/ 171) و «معجم البلدان» (2/ 302) و «التبيان شرح بديعة البيان» (167/ آ) .
[6] في «آ» : «متقنا» .
[7] انظر «العبر» (4/ 206) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 324- 329) .(6/382)
المقرئ الحنبلي، الأستاذ، شيخ همذان وقارئها وحافظها. رحل وحمل القراءات والحديث عن الحدّاد، وقرأ بواسط على القلانسي، وببغداد على جماعة، وسمع من ابن بيان وطبقته، وبخراسان من الفراوي وطبقته.
قال الحافظ عبد القادر الرّهاوي: شيخنا أبو العلاء، أشهر من أن يعرّف، بل يتعذّر وجود مثله في أعصار كثيرة، وأول سماعه الدّوني في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، برع على حفّاظ زمانه في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب، والتواريخ، والأسماء، والكنى، والقصص، والسير، وله التصانيف في الحديث [والقراءات] والرقائق. وله في ذلك مجلدات كبيرة منها: كتاب «زاد المسافر» في الحديث والقراءات، خمسون مجلدا. قال:
وكان إماما في العربية سمعت أنّ من جملة ما حفظ في اللغة كتاب «الجمهرة» وخرج له تلامذة في العربية أئمة، منهم إنسان كان يحفظ كتاب «الغريبين» للهروي، ثم أخذ عبد القادر يصف مناقب أبي العلاء ودينه وكرمه وجلالته، وأنه أخرج جميع ما ورثه، وكان أبوه تاجرا وأنه سافر مرّات ماشيا يحمل كتبه على ظهره، ويبيت في المساجد، ويأكل خبز الدّخن [1] إلى أن نشر الله ذكره في الآفاق.
وقال ابن رجب: ولد بكرة يوم السبت رابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
وقال ابن السمعاني في حقه: حافظ متقن مقرئ فاضل، حسن السيرة، مرضي الطريقة، عزيز النّفس، سخيّ بما يملك، مكرم للغرباء، يعرف القراءات، والحديث، والأدب، معرفة حسنة. سمعت منه.
__________
[1] جاء في «المعجم الوسيط» (دخن) : الدّخن: نبات عشبيّ من النجيليات، حبّه صغير أملس كحب السمسم، ينبت برّيّا ومزروعا.(6/383)
وذكره ابن الجوزي في «طبقات الأصحاب» وذكر في آخر [1] كتابه «التلقيح» أن أبا العلاء كان هو محدّث عصره ومقرئه.
وكان لا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكّن أحدا أن يعمل في محلته منكرا ولا سماعا، وتوفي ليلة الخميس لسبع عشرة بقيت من جمادى الأولى ببغداد.
وفيها دهبل بن علي بن منصور بن إبراهيم بن عبد الله المعروف بابن كاره البغدادي الحريمي الخباز أبو الحسن [2] الحنبلي.
ولد سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وسمع من ابن البسري، وابن نبهان، وغيرهما.
قال الشيخ موفق الدّين [المقدسي] : كان فقيها من فقهاء أصحابنا، وكان شيخا صالحا.
وقال أبو المحاسن القرشي [3] : كان فقيها حسنا فاضلا زاهدا صادقا ثقة.
وذكر غيره أنه أضرّ بأخرة.
وقال ابن رجب: روى عنه ابن الأخضر وجماعة، وتوفي ليلة الثلاثاء لليلتين خلتا من المحرم، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو محمد بن الدهّان سعيد بن المبارك البغدادي النحوي، ناصح الدّين [4] ، صاحب التصانيف الكثيرة. ألّف شرحا ل «الإيضاح» في ثلاث
__________
[1] لفظة «آخر» سقطت من «آ» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 329) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 46) .
[3] في «آ» و «ط» : «العرسي» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4] انظر «إنباه الرواة» (2/ 47- 51) و «العبر» (4/ 207) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 581- 582) .(6/384)
وأربعين مجلدة [1] ، وسكن الموصل، وأضرّ بأخرة، وكان سيبويه زمانه.
تصدّر للاشتغال [2] خمسين سنة [وعاش بضعا وسبعين سنة] [3] .
وفيها أبو محمد عبد الصمد بن بديل بن الخليل الجيلي [4] المقرئ الحنبلي.
قال ابن القطيعي: قدم بغداد، ونزل باب الأزج، وقرئ عليه القرآن بالروايات الكثيرة، ورواها عن أبي العلاء الهمذاني [5] وكان عالما ثقة ثبتا فقيها مفتيا، وكان اشتغاله بالفقه على والدي رحمه الله. وناظر، ودرّس، وأفتى، وكتب إليّ وأنا مسافر كتابا ذكر لي فيه ما أحببت ذكره لبركته: الله الله، كن مقبلا مديما على شؤونك مشتغلا، بما أنت بصدده، ولا تكن مضيعا أنفاسا معدودة وأعمارا محسوبة، واجعل ما لا يعنيك دبر أذنك، وأغمض عينيك [6] عما ليس من حظها، واطلب من ريحانه ما حلّ لك، ودع ما حرّم عليك، وبذلك تغلب شيطانك [7] ، وتحوز مطالبك، والسلام.
توفي- رحمه الله- سنة تسع وستين [8] وخمسمائة، ودفن بمقبرة أحمد بالقرب من بشر الحافي، رضي الله عنهما. انتهى.
وقال ابن النجار: صحب القاضي أبا يعلى، وتفقّه عليه، وكان خصيصا
__________
[1] قلت: وشرح أيضا كتاب «اللّمع» لابن جنّي في مجلدين، قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (2/ 382) : ولم أر مثله مع كثرة شروح هذا الكتاب.
[2] في «آ» و «ط» : «للاشتغال» وأثبت لفظ «العبر» مصدر المؤلف.
[3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 329- 330) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «الهمداني» والتصحيح من ترجمته في «معرفة القراء الكبار» (2/ 542) .
[6] في «آ» و «ط» : «عينك» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[7] تحرفت في «آ» إلى «سليمانك» .
[8] تحرفت في «آ» إلى «وخمسين» .(6/385)
به، وأنه توفي يوم السبت سلخ ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.
وفيها أبو بكر عبد الرحمن المقرئ بن الأسعد الغيّاثي [1] الفقيه الحنبلي، ويعرف بالأعزّ البغدادي.
كان في ابتداء أمره يغنّي، وله صوت حسن، ثم تاب وحسنت توبته.
وقرأ القرآن في زمن يسير، وتعلّم الخطّ في أيام قلائل، وحفظ كتاب الخرقي وأتقنه، وقرأ مسائل الخلاف على جماعة من الفقهاء، وكان ذكيا جدا يحفظ في يوم واحد ما لا يحفظ غيره في شهر. وسمع من عبد الوهاب الأنماطي، وسعد الخير الأنصاري [2] ، وتكلّم في مسائل الخلاف، وسافر إلى الشام، وسكن دمشق مدة، وأمّ بالحنابلة في جامعها، ثم توجه إلى ديار مصر، فاستوطنها إلى حين وفاته، وكان فقيها فاضلا قارئا مجوّدا، طيب النغمة.
قال ابن اللّيثي [3] : كان قويا في دين الله، متمسكا بالآثار، لا يرى منكرا أو يسمع به إلّا غيّره، لا يحابي في قول الحقّ أحدا. قال: وصحبته وسمعت عليه معتقدا في السّنّة. قاله ابن رجب.
وفيها عبد النّبيّ بن المهدي [4] الذي كان تغلّب على اليمن، ويلقب بالمهدي، وكان أبوه أيضا قد استولى على اليمن، فظلم، وغشم، وذبح الأطفال، وكان باطنيا من دعاة المصريين، فهلك سنة ست وستين، وقام بعده ولده [5] هذا فاستباح الحرائر، وتمرد على الله، فقتله شمس الدولة كما ذكرنا.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 330- 331) وفيه: «عبد الرحمن بن النفيس بن الأسعد» .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأنماطي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن اللتي» بالتاء، ولم أظفر بترجمة له فيما بين يديّ من المصادر والمراجع.
[4] انظر «العبر» (4/ 207) و «غربال الزمان» ص (453) .
[5] في «العبر» : «الولد» .(6/386)
وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني القرطبي [1] ، نزيل فاس. سمع «الموطأ» من أبي عبد الله بن الطلّاع [2] ، وأخذ القراءات عن أبي الحسن العبسي، وسمع من حازم بن محمد والكبار، وحجّ سنة خمسمائة، ولقي الكبار وعمّر دهرا.
ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة، وتصدّر للإقراء مدة.
وفيها الفقيه عمارة بن علي بن زيدان أبو محمد الحكمي المذحجي اليمني [3] الشافعي الفرضي، نجم الدّين، نزيل مصر، وشاعر العصر.
قال ابن خلّكان [4] : كان شديد التعصب للسّنّة، أديبا، ماهرا، لم يزل ماشي الحال في دولة المصريين إلى أن ملك صلاح الدّين، فمدحه ثم إنه شرع في أمور، وأخذ في اتفاق مع الرؤساء في التعصب للعبيديين وإعادة دولتهم، فنقل أمرهم- وكانوا ثمانية- إلى صلاح الدّين فشنقهم في رمضان.
انتهى.
وقال الإسنوي [5] : حجّ سنة تسع وأربعين، وسيّره قاسم بن هاشم أمير مكّة- شرفها الله تعالى- رسولا إلى الدّيار المصرية، فدخلها في ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة، والخليفة يومئذ الفائز بن الظافر، والوزير الصالح بن رزّيك، فمدحهما بقصيدة منها:
الحمد للعيس بعد العزم والهمم ... حمدا يقوم بما أولت [6] من النّعم
[7]
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 208) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 56- 57) .
[2] في «سير أعلام النبلاء» : «الكلاعي» .
[3] انظر «العبر» (4/ 208) و «غربال الزّمان» ص (453- 454) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 433) .
[5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 565- 568) .
[6] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (3/ 432) : «بما أولت» وفي «طبقات الشافعية» للإسنوي: «بما أوليت» .
[7] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «من نعم» .(6/387)
لا أجحد الحقّ عندي للركاب يد ... تمنّت اللّجم فيها رتبة الخطم
قرّبن بعد مزار العزّ من نظري ... حتّى رأيت إمام العصر من أمم
ورحن [1] من كعبة البطحاء مجتهدا [2] ... وفدا إلى كعبة المعروف والكرم
حيث الخلافة مضروب سرادقها ... بين النقيضين من عفو ومن نقم
فاستحسنا قصيدته وأجزلا صلته، وأقام إلى شوال من سنة خمسين في أرغد عيش وأعزّ جانب، ثم فارق مصر وتوجه إلى مكّة- حرسها الله تعالى- ثم إلى زبيد في صفر سنة إحدى وخمسين، ثم حجّ من عامه، فأرسله قاسم صاحب مكة إلى مصر في رسالة ثانية، فاستوطنها ولم يفارقها بعد، فأحسن إليه الصالح ومن يتعلق به كل الإحسان، وصحبوه مع اختلاف العقيدة وشدة التعصب للسّنّة، ولما لطف الله بإزالة ملك الدولة، كان عمارة مقيما بها، فرثاهم بقصيدة لامية طنّانة، ثم شرع في الاتفاق مع جماعة من رؤساء البلد على إعادة الدولة المصرية، فعلم بهم السلطان، وكانوا ثمانية من الأعيان، ومن جملتهم الفقيه عمارة المذكور، فأمر بشنق الجميع، فشنقوا في يوم السبت ثاني شهر رمضان، وكفى الله شرّهم.
ولما قبض على المذكور وأخذ للشنق تحيّل على المرور على باب القاضي الفاضل، فغيّب عنه، وامتنع من رؤيته، فأنشد:
عبد الرحيم قد احتجب ... إن الخلاص من العجب
وكان ذلك آخر شيء نظمه. انتهى ما ذكره الإسنويّ.
وقيل: إنه صلب منكسا، وأنه أنشد في هذه الحالة:
وما تعلّقت بالسرياق منتكسا ... لعلة أوجبت تعذيب ناسوتي
__________
[1] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وأرحن» .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي: «مجتهدا» وفي «وفيات الأعيان» :
«والحرم» .(6/388)
لكنّني مذ نفثت السّحر من كلمي ... عذّبت تعذيب هاروت وماروت
فالله أعلم.
وفيها هبة الله بن كامل المصري التّنوخي [1] قاضي القضاة، وداعي الدّعاة أبو القاسم، قاضي الخليفة العاضد. كان أحد الثمانية الذين سعوا في إعادة دولة بني عبيد، فشنقهم صلاح الدّين، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو البركات يحيى بن نجاح بن مسعود بن عبد الله اليوسفي [2] المؤدّب، الأديب الشاعر الحنبلي. سمع من أبي العز بن كادش وغيره.
وقال ابن الجوزي: سمع الحديث الكثير، ثم قرأ النحو، واللغة، وكان غزير الفضل، يقول الشعر الحسن.
وقال ابن القطيعي: كان من أهل الأدب والعلم [وفيه فضل] ، له خطّ حسن وشعر رقيق. سمع منه جماعة من الطلبة، وكان حنبلي المذهب، حسن الاعتقاد.
ومن شعره:
أقلى منك ذا الجفا أم دلال ... كلّ يوم يروعني منك حال
أعذول يغريك أم عزّة المع ... شوق أم هكذا يتيه الجمال
نظرة كنت يوم ذاك فإني ... صرت في القلب عثرة لا تقال
أنا عرّضت يوم سلع بنفسي ... للهوى فالغرام داء عضال
[3]
عبثا تقتل النّفوس ولا تح ... سب إلّا أن الدّماء حلال
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 209) و «دول الإسلام» (2/ 84) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 331- 332) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[3] رواية البيت في «ذيل طبقات الحنابلة» :
أنا عرضت مهجتي يوم سلع ... للهوى فالغرام داء عضال(6/389)
من عجيب أن لا يطيش لها سه ... م ولم تدر قطّ كيف النّضال
وهي طويلة.
توفي- رحمه الله تعالى- يوم السبت لإحدى عشرة مضت من شوال، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد.(6/390)
سنة سبعين وخمسمائة
فيها قدم صلاح الدّين، فأخذ دمشق بلا ضربة ولا طعنة، وسار الصالح إسماعيل بن نور الدّين الشهيد في حاشيته إلى حلب، ثم سار صلاح الدّين، فحاصر حمص بالمجانيق، ثم سار فأخذ حماة في جمادى الآخرة، ثم سار فحاصر حلب، وأساء العشرة في حقّ آل نور الدّين، ثم ردّ وتسلّم حمص، ثم عطف إلى بعلبك فتسلّمها، ثم كرّ فالتقى عز الدّين مسعود ابن مودود بن صاحب الموصل وأخو صاحبها، فانهزم المواصلة على قرون حماة أسوأ هزيمة، ثم استناب أخاه بدمشق سيف الإسلام، وكان بمصر أخوه العادل.
وفيها توفي أحمد بن المبارك المرقّعاتي [1] . روى عن جدّه لأمّه ثابت بن بندار، وكان يبسط المرقّعة للشيخ عبد القادر [2] على الكرسي، توفي في صفر.
وفيها خديجة بنت أحمد بن الحسين النّهرواني [3] . روت عن أبي عبد الله النّعالي، وكانت صالحة، توفيت في رمضان.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 210) .
[2] يعني الجيلاني.
[3] انظر «العبر» (4/ 210) .(6/391)
وفيها حامد بن محمود بن حامد بن محمد [1] بن أبي عمرو الحرّاني [2] ، الخطيب الفقيه الحنبلي الزاهد، أبو الفضل، المعروف بابن أبي الحجر، ويلقب تقي الدّين، شيخ حرّان، وخطيبها ومدرسها ومفتيها.
ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة بحرّان كما قال ابن تيمية، ورحل إلى بغداد، وسمع بها من عبد الوهاب الأنماطي الحافظ وغيره، وتفقّه بها، وبرع وناظر، ولقي بها الشيخ عبد القادر ولازمه، فرآه الشيخ يوما يمشي على سجادته- على بساط للشيخ- فقال الشيخ عبد القادر: كأني بك وقد دست على بساط السلطان، فكان كما قال.
وقال ابن الجوزي: صديقنا، قدم بغداد، وتفقّه وناظر، وعاد إلى حرّان، وأفتى ودرّس، وكان ورعا به وسوسة في الطهارة.
وذكر ابن القطيعي نحوا من ذلك، وقال: كان تاليا للقرآن، كتبت عنه، وكان ثقة. انتهى.
وقال [ناصح الدّين] بن الحنبلي: كان شيخ حرّان في وقته، بنى نور الدّين محمود المدرسة في حرّان لأجله، ودفعها إليه ودرّس بها، وتولى عمارة جامع حرّان فما قصّر فيه.
وقال ابن رجب: أخذ عنه العلم جماعة من أهل حرّان، منهم:
الخطيب فخر الدّين بن تيمية، وابن عبدوس، وغيرهما.
وسمع منه الحديث بحرّان جماعة، منهم: أبو المحاسن القرشي الدمشقي، وابن القطيعي. وروى عنه في «تاريخه» وقال: توفي لسبع خلون من شوال بحرّان.
__________
[1] قوله: «ابن محمد» سقط من «آ» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 332- 334) .(6/392)
وفيها شملة [1] التركماني. تملّك بلاد فارس، وجدّد قلاعا، وحارب الملوك، ونهب المسلمين، وكان يخطب للخليفة. التقاه البهلوان [بن إيلدكز] [2] ومعه عسكر من التركمان لهم ثأر على شملة [1] فانهزم جيشه، وأصابه سهم وأسر فمات، وكان ظالما جبّارا، فرح الناس بمصرعه، وكانت أيّامه عشرين سنة. قاله في «العبر» .
وفيها قايماز الملك قطب الدّين المستنجدي [3] . عظم في دولة مولاه، وصار مقدّم الجيش في دولة المستضيء، واستبد بالأمور إلى أن همّ بالخروج، فسار بعسكره نحو الموصل، فمات في ذي الحجّة، وكان فيه كرم وقلة ظلم.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل القيسي اللّبلي [4] نزيل فاس [5] ثم مرّاكش. روى عن ابن الطلّاع [6] ، وحازم بن محمد. وسمع «صحيح مسلم» من أبي علي الغسّاني.
قال [ابن] الأبّار: كان من أهل الرواية والدراية، لازم مالك بن وهيب مدة.
وفيها أبو شجاع عمر بن محمد البسطامي البلخي [7] كان فقيها فاضلا.
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سملة» والتصحيح من «العبر» (4/ 211) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 64- 65) و «البداية والنهاية» (12/ 291) .
[2] زيادة من «الكامل في التاريخ» (11/ 267) و «العبر» و «النجوم الزاهرة» (6/ 74) واسمه محمد، وكان يلقب بالبهلوان.
[3] انظر «العبر» (4/ 211) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 66) .
[4] انظر «العبر» (4/ 211) و «النجوم الزاهرة» (6/ 75) .
[5] تحرفت في «آ» إلى «فارس» .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن الطلاح» والتصحيح من «العبر» .
[7] انظر «الأنساب» (2/ 214) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 452- 454) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 248- 250) .(6/393)
ومن شعره:
وجرّبت أبناء الزّمان بأسرهم ... فأيقنت أنّ القلّ في عدّهم كثر
وخبرت طغواهم ولوم فعالهم ... فلما التقينا صغّر الخبر الخبر
وفيها أبو الفضل يحيى بن جعفر [1] صاحب المخزن، ونائب الوزارة.
كان حافظا للقرآن، فاضلا، عادلا، محبا للصالحين والعلماء، وذكره مأوى لهم. سمع الحديث الكثير. قام إليه الحيص بيص وهو في نيابة الوزارة، فقال:
لكلّ زمان من أماثل أهله ... برامكة يمتارهم كلّ معشر
[2]
أبو الفضل يحيى مثل يحيى بن خالد ... يدا [3] وأبوه جعفر مثل جعفر
فقام ناشب [4] الواعظ، فأنشد:
وفي الجانب الشّرقيّ يحيى بن جعفر ... وفي الجانب الغربيّ موسى بن جعفر
فذاك إلى الله الكريم شفيعنا ... وهذا إلى المولى الكريم المطهّر
أراد جعفر الصّادق.
__________
[1] انظر «المنتظم» (10/ 256) و «وفيات الأعيان» (6/ 243- 244) و «الكامل في التاريخ» (11/ 426) و «النجوم الزاهرة» (6/ 74- 75) .
[2] رواية «النجوم الزاهرة» : «كل معسر» .
[3] في «آ» و «ط» : «ندى» وأثبت لفظ «النجوم الزاهرة» .
[4] في «النجوم الزاهرة» : «ثابت» .(6/394)
سنة إحدى وسبعين وخمسمائة
فيها سار صلاح الدّين، فأخذ منبج، ثم نازل قلعة عزاز مدة، وقفز على الإسماعيلية فجرحوه في فخذه، وأخذوا فقتلوا، وافتتح القلعة.
وفيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب «التاريخ» الثمانين مجلدة [1]
__________
[1] واسمه الكامل «تاريخ دمشق حماها الله وذكر فضلها وتسمية من حلّها من الأوائل، أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها» وهو من أحسن ما كتب في تاريخ البلدان، ترجم فيه ابن عساكر للأعيان والمحدّثين والقادة وسواهم من مشاهير الزمان منذ عصر الصحابة وحتى الزمن الذي عاش فيه، وقد رتب الأسماء على حروف المعجم مع تقديم تراجم من سمي ب «أحمد» على من سواهم. وقد شرع المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية) في عهد رئيسه الأول العلّامة المؤرخ الأستاذ محمد كرد علي بنشر هذا الكتاب العظيم فأخرج المجلدتين الأولى والثانية بتحقيق الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد، والمجلدة العاشرة بتحقيق الأستاذ الشيخ محمد أحمد دهمان، وبعد فترة طويلة تابع المجمع نشر الكتاب فأخرج مجلدة أخرى تضم تراجم (عاصم- عائذ) بتحقيق الأستاذ الدكتور شكري فيصل ومشاركة بعض الأساتذة، وتلتها مجلدة أخرى ضمت تراجم (عبادة بن أوفى- عبد الله بن ثوب) وقد تولى تحقيقها الأستاذ الدكتور شكري فيصل والأستاذان رياض عبد الحميد مراد وروحية النحاس، ثم تلتها مجلدة أخرى ضمت تراجم (عبد الله بن جابر- عبد الله بن زيد) تولى تحقيقها الأستاذ الدكتور شكري فيصل والأستاذان سكينة الشهابي ومطاع الطرابيشي، ثم صدرت المجلدة الأخيرة من الكتاب المشتملة على تراجم النساء وقد تولت تحقيقها الأستاذة سكينة الشهابي، ثم صدرت بعض المجلدات الأخرى من الكتاب بتحقيق عدد من الأفاضل، وقد ترامى إلى سمعي أن مؤسسة الرسالة في بيروت تزمع على إعادة نشر الكتاب كاملا بتحقيق جديد ومنهج جديد.(6/395)
أبو القاسم علي ابن الحسن بن هبة الله الدمشقي [1] محدّث الشام، ثقة الدّين.
قال ابن شهبة [2] : فخر الشافعية وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم، صاحب «تاريخ دمشق» وغيره من المؤلفات المفيدة المشهورة. مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة. رحل إلى بلاد كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، وتفقّه بدمشق وبغداد، وكان ديّنا خيّرا يختم في كل جمعة، وأما في رمضان ففي كل يوم، معرضا عن المناصب بعد عرضها عليه، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قليل الالتفات إلى الأمراء وأبناء الدنيا.
قال الحافظ أبو سعد السمعاني في «تاريخه» : هو كثير العلم غزير الفضل، حافظ، ثقة، متقن، ديّن، خيّر، حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة، متثبت، محتاط، رحل وبالغ في الطلب، إلى أن جمع ما لم يجمع غيره، وصنّف التصانيف، وخرّج التخاريج.
وقال أبو محمد عبد القادر الرّهاوي: رأيت الحافظ السّلفي والحافظ أبا العلاء الهمذاني، والحافظ أبا موسى المديني، ما رأيت فيهم مثل ابن عساكر. توفي في رجب ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي الحجرة التي فيها معاوية، رضي الله عنه.
ومن تصانيفه المشهورة: «التاريخ الكبير» ثمانمائة [جزء في ثمانين وقد قام الإمام ابن منظور باختصار الكتاب إلى نحو الربع، وتقوم دار الفكر بدمشق بطبع هذا المختصر بتحقيق عدد من الأساتذة وقد صدرت معظم أجزائه.
وقام العلّامة الشيخ عبد القادر بدران الدّوماني الدمشقي بتهذيب هذا «التاريخ» وقد طبع من تهذيبه سبع مجلدات، اعتنى بإخراج السادس والسابع منها الأستاذ أحمد عبيد رحمه الله.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 309- 311) و «العبر» (4/ 212- 213) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 554- 571) وكتابي «عناقيد ثقافية» ص (45- 51) طبع دار المأمون للتراث بدمشق.
[2] انظر «طبقات الشافعية» (2/ 13- 15) .(6/396)
مجلدا [1] ، «الموافقات» اثنان وسبعون جزءا، «الأطراف للسنن الأربعة» ] [2] ثمانية وأربعون جزءا، «معجم شيوخه» [3] اثنا عشر جزءا، «مناقب الشبان» خمسة عشر جزءا، «فضل أصحاب الحديث» أحد عشر جزءا، «تبيين كذب المفتري على الشيخ أبي الحسن الأشعري» مجلدة.
وقال الذهبي: ومن تصفّح «تاريخه» عرف منزلة الرجل في الحفظ.
وله شعر حسن، منه:
ألا إنّ الحديث أجلّ علم ... وأشرفه الأحاديث العوالي
وأنفع كلّ نوع [4] منه عندي ... وأحسنه الفرائد [5] والأمالي
وإنّك لن ترى للعلم شيئا ... يحقّقه كأفواه الرّجال
فكن يا صاح ذا حرص عليه ... وخذه من الرّجال بلا ملال
ولا تأخذه من صحف فترمى ... من التّصحيف بالدّاء العضال
وفيها حفدة العطّاري [6] ، الإمام مجد الدّين أبو منصور، محمد بن أسعد بن محمد الطّوسي، الفقيه الشافعي، الأصولي الواعظ، تلميذ محيي السّنّة البغوي، وراوي كتابيه «شرح السّنّة» و «معالم التنزيل» وقد دخل إلى
__________
[1] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «مجلدة» .
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[3] وهو مخطوط لم يطبع بعد ويقع في مجلدين.
وله أيضا «المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل» وقد قامت بطبعه لأول مرة دار الفكر بدمشق بتحقيق الأستاذة سكينة الشهابي.
[4] في «آ» و «ط» : «كل يوم» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[5] في «آ» و «ط» : «الفوائد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 310) .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (121/ ب) إلى «العطاردي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (4/ 238- 239) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 539- 540) و «العبر» (4/ 213) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 76) . قال ابن خلّكان: وحفدة: بفتح الحاء المهملة والفاء والدال المهملة، ولا أعلم لم سمي بهذا الاسم مع كثرة كشفي عنه.(6/397)
بخارى [وتفقه بها] [1] ثم عاد إلى أذربيجان والجزيرة، وبعد صيته في الوعظ.
أنشد يوما على الكرسي من جملة أبيات:
تحية صوب [2] المزن يقرؤها الرّعد ... على منزل كانت تحلّ به هند
نأت فأعارتها [3] القلوب صبابة ... وعارية العشّاق ليس لها ردّ
قال ابن خلّكان: توفي في ربيع الآخر، ثم قال: وقيل سنة ثلاث وسبعين.
وفيها أبو النجم المبارك بن الحسن بن طراد الباماوردي [4] الفرضي الحنبلي، المعروف بابن القابلة.
ولد سنة خمس وخمسمائة تقريبا، وسمع من طلحة العاقولي سنة عشر، وهو أقدم سماع وجد له، ومن القاضي أبي الحسين بن الفرّاء، وأبي غالب الماوردي، وغيرهم.
قال ابن الجوزي: كان عارفا بعلم الفرائض والحساب والدور، حسن العلم بالجبر والمقابلة، وغامض الوصايا والمناسخات، أمّارا بالمعروف، شديدا على أهل البدع، عارفا بمواقيت الشمس والقمر. توفي ليلة السبت لعشر بقين من جمادى الأولى ودفن بمقبرة الطبري بقرية الزادمان [5] ظاهر بغداد.
وفيها أبو المحاسن المجمعي محمد بن عبد الباقي بن هبة الله بن حسين بن شريف المجمعي الموصلي الحنبلي [6] .
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «صوت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «فأعرناها» .
[4] انظر «المنتظم» (10/ 261) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 334- 335) .
[5] كذا في «آ» و «ط» و «المنتظم» : «الزادمان» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «الزاويان» .
[6] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 335) .(6/398)
ذكره ابن القطيعي فقال: أحد فقهاء الحنابلة المواصلة، ورد بغداد وتفقّه على القاضي أبي يعلى، وسمع بها الحديث والأدب، وكان تاليا لكتاب الله تعالى، وجمع كتابا اشتمل على طبقات الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد.
قال: وكان بالموصل عمر الملّا مقدّما في بلده، فاتهم [1] بشيء من ماله، وكان خصيصا به، فضربه إلى أن أشفى على التلف، ثم أخرجه إلى بيته، وبقي أياما يسيرة، وتوفي في رجب- أو شعبان- بالموصل. وعمر هذا [2] كان يظهر الزهد والديانة، وأظنه كان يميل إلى المبتدعة، وقد تبين بهذه الحكاية أيضا، ظلمه وتعديه. قاله ابن رجب.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «فاتهمه» .
[2] في «آ» : «وهذا محمد» وفي «ط» : «وهذا عمر» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .(6/399)
سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
فيها أمر صلاح الدّين ببناء السور الكبير المحيط بمصر والقاهرة من البرّ، وطوله تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالقاسمي، فلم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدّين وأنفق عليه أموالا لا تحصى، وكان مشيد بنائه قراقوش، وأمر أيضا بإنشاء قلعة الجبل، ثم توجه إلى الإسكندرية، وسمع الحديث من السّلفي. قاله في «العبر» [1] .
وفيها كانت وقعة الكنز، جمع الكنز الأسود مقدّم السودان خلقا وجيّش بالصعيد ليعيد دولة العبيديين، وسار إلى القاهرة في مائة ألف، فخرج لحربه نائب مصر سيف الدّين أبو بكر العادل، فالتقوا، فانكسر الكنز وقتل في المصاف.
قال أبو المظفر بن الجوزي: قيل: إنه قتل منهم ثمانون ألفا، يعني من السودان.
وفيها توفي أبو محمد صالح بن المبارك بن الرّخلة الكرخي [2] المقرئ القزاز. سمع النّعالي وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها العثماني أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي
__________
[1] (4/ 213- 214) .
[2] انظر «العبر» (4/ 214) .(6/400)
الدّيباجي، محدّث الإسكندرية بعد السّلفي في الرتبة. روى عن أبي القاسم ابن الفحّام وغيره، ويعرف بابن أبي اليابس. كان ثقة صالحا يقرئ النحو واللغة، وكان السّلفيّ يؤذيه ويرميه بالكذب، فكان يقول: كل من بيني وبينه شيء فهو في حلّ إلّا السّلفي، فبيني وبينه وقفة بين يدي الله تعالى. توفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة. قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو الحسن علي بن عساكر بن المرحّب بن العوّام البطائحي [2] الضرير المقرئ الحنبلي الأستاذ. قرأ القراءات على أبي العز القلانسي، وأبي عبد الله البارع، وطائفة، وتصدّر للإقراء، وأتقن الفنّ، وحدّث عن أبي طالب بن يوسف وطائفة.
قال الشيخ موفق الدّين بن قدامة: كان مقرئ [3] أهل بغداد في وقته، وكان عالما بالعربية، إماما في السّنّة.
قرأ عليه القراءات جماعة من الكبار، منهم: عبد العزيز بن دلف، وابن الحميري.
وحدّث عنه جماعة، منهم ابن الأخضر، وعبد الغني المقدسي، وعبد القادر الرّهاوي، وغيرهم.
توفي ليلة الثلاثاء ثامن عشري شعبان، وصلّى عليه من الغد الجواليقي، ودفن بباب حرب.
وفيها محمد بن أحمد بن ماشاذه [4] أبو بكر الأصبهاني، المقرئ
__________
[1] (4/ 213- 214) .
[2] انظر «العبر» (4/ 215) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 335- 337) .
[3] تحرفت في «آ» إلى «يقرئ» .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ماساده» والتصحيح من «العبر» (4/ 215) .(6/401)
المحقّق. قرأ القراءات، وتفرّد بالسماع من سليمان بن إبراهيم الحافظ، ومات في عشر المائة.
وفيها الأديب الرّفّاء أبو عبد الله محمد بن غالب الأندلسي [1] الشاعر المشهور، ديوانه كله ملح.
ومن شعره في غلام نسّاج:
قالوا وقد أكثروا في حبّه عذلي ... لم ذا تهيم بمذّال ومبتذل
[2]
فقلت لو كان [3] أمري في الصّبابة لي ... لاخترت ذاك ولكن ليس ذلك لي
أحببته [4] حببيّ الثّغر عاطره ... حلو اللّمى ساحر الأجفان والمقل
غزيّل لم تزل في الغزل جائلة ... بنانه جولان الفكر في الغزل
جذلان تلعب بالمحواك [5] أنمله ... على السّدى لعب الأيام بالدّول
[6]
جذبا [7] بكفّيه أو فحصا بأخمصه ... تخبّط الظّبي في أشراك محتبل
وفيها أبو المعالي محمد بن مسعود [8] . خرج إلى الحجّ فمات.
ومن شعره:
ولمّا أن تولّيت القضايا ... وفاض الجور من كفّيك فيضا
ذبحت بغير سكّين وإنّي ... لأرجو الذّبح بالسكّين أيضا
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 432- 433) و «رايات المبرزين» ص (211- 213) بتحقيق الأستاذ الدكتور محمد رضوان الداية، و «سير أعلام النبلاء» (21/ 74) .
[2] رواية البيت في «وفيات الأعيان» و «رايات المبرزين» :
قالوا وقد أكثروا في حبه عذلي ... لو لم تهم بمذال القدر مبتذل
[3] في «رايات المبرزين» : «لو أن» .
[4] في «رايات المبرزين» : «غلقته» .
[5] في «ط» : «المحراك» .
[6] في «رايات المبرزين» : «بالأمل» .
[7] في «رايات المبرزين» : «ضما» .
[8] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 79) .(6/402)
وفيها أبو الفضل بن الشهرزوري [1] قاضي القضاة كمال الدّين محمد ابن عبد الله بن القاسم بن المظفّر الموصلي الشافعي.
ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتفقّه ببغداد على أسعد الميهني، وسمع من نور الهدى الزّينبي، وبالموصل من جدّه لأمه علي بن طوق. وولي قضاء بلده لأتابك زنكي، ثم وفد على نور الدّين فبالغ في تبجيله، وركن إليه وصار قاضيه ووزيره ومشيره، ومن جلالته أن السلطان صلاح الدّين لما أخذ دمشق وتمنّعت عليه القلعة أياما، مشى إلى دار القاضي كمال الدّين فانزعج وخرج لتلقّيه، فدخل وجلس. وقال: طب نفسا فالأمر أمرك والبلد بلدك.
قال ابن قاضي شهبة [2] : ولّاه نور الدّين قضاء دمشق سنة خمس وخمسين، وهو الذي أحدث الشبّاك الكمالي الذي يصلي فيه نواب السلطنة اليوم، وبنى مدرسة بالموصل، ومدرستين بنصيبين، ورباطا بالمدينة المنورة، ووقف الهامة [3] على الحنابلة، وحكم في البلاد الشامية، واستناب ولده محيي الدّين بحلب، وابن أخيه أبي القاسم في قضاء حماة، وابن أخيه الآخر في قضاء حمص.
قال ابن عساكر: وكان يتكلم في الأصول كلاما حسنا، وكان أديبا شاعرا، فكه المجالسة.
وقال صاحب «المرآة» [4] : لما قدم أحمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 215- 216) و «النجوم الزاهرة» (6/ 79- 80) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 16) .
[3] الهامة: قرية صغيرة إلى الشمال الغربي من دمشق، ذات مناخ معتدل، يخترق أراضيها نهر بردى، يقصد بساتينها أهل دمشق في فصل الصيف للتنزه والاستجمام، وقد شهدت في السنوات العشر الأخيرة توسعا في العمران أتى على خيرة أراضيها الزراعية الخصبة. ولم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان.
[4] يعني «مرآة الزمان» وهو مترجم فيه (8/ 215- 216) .(6/403)
إلى دمشق، خرج إليه القاضي كمال الدّين ومعه ألف دينار، فعرضها عليه فلم يقبلها، فاشترى بها قرية الهامة، ووقف نصفها على الشيخ أحمد والمقادسة، ونصفها [الآخر] على الأنباري [1] . انتهى.
ومن شعر الشهرزوري:
وجاءوا عشاء يهرعون وقد بدا ... بجسمي من داء الصّبابة ألوان
فقالوا وكلّ معظم بعض ما يرى ... أصابتك عين قلت عين [2] وأجفان
وفيها مسلم بن ثابت بن زيد بن القاسم بن أحمد بن النحّاس البزّار البغدادي المأموني [3] الفقيه الحنبلي، أبو عبد الله بن أبي البركات، ويعرف بابن جوالق- بضم الجيم-.
ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة، وسمع من أبي علي بن نبهان، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وناظر وروى عنه ابن الأخضر. توفي يوم الأحد عشري ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو الفتح نصر بن سيّار [4] بن صاعد بن سيّار الكتّاني الهروي الحنفي [5] القاضي شرف الدّين. كان بصيرا بالمذهب، مناظرا، ديّنا متواضعا. سمع الكثير من جدّه القاضي أبي العلاء، والقاضي أبي عامر الأزدي، ومحمد بن علي العميري، والكبار، وتفرّد في زمانه، وعاش سبعا وتسعين سنة، وتوفي يوم عاشوراء، وهو آخر من روى «جامع الترمذي» عن أبي عامر. قاله في «العبر» .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأساري» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2] في «آ» و «ط» : «قل أن» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 337) .
[4] تحرفت في «آ» إلى «يسار» .
[5] انظر «العبر» (4/ 261) و «الجواهر المضية» (3/ 195) .(6/404)
سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
فيها كانت وقعة الرّملة، سار صلاح الدّين من مصر، فسبى وغنم ببلاد عسقلان، وسار إلى الرّملة فالتقى الفرنج، فحملوا على المسلمين وهزموهم وثبت [1] السلطان وابن أخيه تقي الدّين عمر، ودخل الليل، واحتوت الفرنج على المعسكر بما فيه، وتمزّق العسكر وعطشوا في الرمال، واستشهد جماعة [وتحيّز صلاح الدّين] [2] ونجا، ولله الحمد. وقتل ولد لتقيّ الدّين عمر، وله عشرون سنة، وأسر الأمير الفقيه عيسى الهكّاري، وكانت نوبة صعبة، ونزلت الفرنج على حماة وحاصرتها أربعة أشهر لاشتغال السلطان بلم شعث العسكر.
وفيها توفي أرسلان [شاه] بن طغرل [3] بن محمد بن ملكشاه السلجوقي، سلطان أذربيجان. كان له السكّة والخطبة، والقائم بدولته زوج أمه إلدكز [4] ، ثم ابنه البهلوان، فلما توفي خطبوا لولده طغرل [5] الذي قتله خوارزم شاه.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «وثبت» وفي «العبر» بطبعتيه: «وبيت» وانظر «الكامل في التاريخ» (11/ 442- 443) .
[2] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» بطبعتيه.
[3] في «آ» و «ط» : «ابن طغربك» وفي «العبر» بطبعتيه: «ابن طغريل» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» (11/ 446) وعند ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (5/ 208) : «ابن طغرلبك» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى: «الزكر» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.
[5] في «آ» و «ط» : «طغربك» وفي «العبر» بطبعتيه: «طغربل» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» (11/ 446) .(6/405)
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس ابن سيف الدّينوري ثم البغدادي ويعرف بابن أبي العز، وبابن الحمّامي [1] الفقيه الحنبلي، الزاهد العابد، قرأ بالروايات على جماعة، وسمع من ابن كادش وغيره، وتفقّه على أبي بكر الدّينوري، وكان رفيق ناصح الإسلام بن المنيّ [2] وبنى مدرسة ببغداد ودرّس بها، وتفقّه عليه جماعة، منهم: الشيخ فخر الدّين بن تيمية.
وروى عنه الشيخ موفق الدّين، وكان متزوجا بابنة ابن الجوزي. وتوفي يوم الثلاثاء خامس صفر، وكان له يوم مشهود وتوفي شابا.
وفيها صدقة بن الحسين بن بختيار بن الحداد البغدادي [3] الفقيه الحنبلي، الأديب الشاعر المتكلم الكاتب المؤرخ، أبو الفرج.
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وقرأ بالروايات، وسمع الحديث من أبي السعادات المتوكل وغيره، وتفقّه على ابن عقيل وابن الزّاغوني، وبرع في الفقه وفروعه وأصوله، وقرأ علم الكلام والمنطق والفلسفة والحساب ومتعلقاته من الفرائض وغيرها، وكتب خطا حسنا صحيحا، وقال الشعر الحسن، وأفتى، وتردد إليه الطلبة في فنون العلم، وروى عنه ابن شافع، وابن ريحان، وغيرهما.
قال ابن النجار: وله مصنفات حسنة في الأصول، وجمع تاريخا على السنين، بدأ فيه من وفاة شيخه ابن الزاغوني سنة سبع وعشرين وخمسمائة، مذيلا به على تاريخ شيخه، ولم يزل يكتب فيه إلى قريب وفاته، وكان قوته
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 338) .
[2] في «آ» : «ابن المثنى» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 339- 342) .(6/406)
من أجرة نسخه، ولم يزل قليل الحظّ منغّص العيش، وحطّ عليه ابن الجوزي في «تاريخه» [1] ونسبه إلى الحيرة والشك.
وفيها الوزير أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفّر بن رئيس الرؤساء الوزير أبي القاسم علي بن المسلمة [2] . روى عن ابن الحصين وجماعة، ووزر للمستضيء، ولقّب عضد الدّين. وكان جوادا سريّا معظّما مهيبا، خرج للحجّ في تجمل عظيم، فوثب عليه واحد من الباطنية فقتله في أوائل ذي القعدة عن تسع وخمسين سنة.
وفيها أبو محمد بن المأمون الأديب، صاحب «التاريخ» هارون بن العبّاس بن محمد العبّاسي المأموني البغدادي [3] الأديب. روى عن قاضي المارستان وشرح «مقامات الحريري» . توفي في ذي الحجّة كهلا.
وفيها لاحق بن علي بن كاره، أخو دهبل البغدادي [4] . روى عن أبي القاسم بن بيان وغيره، وتوفي في نصف شعبان عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها أبو شاكر السّقلاطوني يحيى بن يوسف بن بالان الخباز [5] . روى عن ثابت بن بندار، والحسين بن البسري وجماعة، وتوفي في شعبان.
__________
[1] انظر «المنتظم» (10/ 276) .
[2] انظر «العبر» (4/ 217) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 75- 77) .
[3] انظر «العبر» (4/ 217- 218) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 52- 53) .
[4] انظر «العبر» (4/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 77) .
[5] انظر «العبر» (4/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 64) .(6/407)
سنة أربع وسبعين وخمسمائة
فيها أخذ ابن قرايا الرافضي، الذي ينشد في الأسواق ببغداد، فوجدوا في بيته سبّ الصحابة، فقطعت يده ولسانه، ورجمته العامة، فهرب وسبح، فألحّوا عليه بالآجر فغرق فأخرجوه وحرقوه [1] ، ثم وقع التقبح على الرافضة وأحرقت كتبهم وانقمعوا حتّى صاروا في ذلة اليهود، وهذا شيء لم يتهيأ ببغداد من نحو مائتين وخمسين سنة.
وفيها خرج نائب دمشق فرخ شاه ابن أخي السلطان، فالتقى الفرنج فهزمهم، وقتل مقدمهم هنفري [2] الذي كان يضرب به المثل في الشجاعة.
وفيها توفي أبو أحمد أسعد بن بلدرك البغدادي البواب المعمّر [3] في ربيع الأول، عن مائة وأربع سنين، ولو سمع في صغره لبقي مسند العالم.
سمع من أبي الخطّاب بن الجرّاح، وأبي الحسين بن العلّاف.
وفيها أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أبي عيسى بن شيخون الأبرودي الجبابيني- نسبة إلى الجبابين بكسر الموحدة الثانية وتحتية ونون،
__________
[1] انظر رواية مقتله عند ابن كثير في «البداية والنهاية» (12/ 300) فقد توسع في الكلام عليه هناك.
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «هنقري» بالقاف، والتصحيح من «الكامل في التاريخ» (11/ 537) و «وفيات الأعيان» (7/ 176) و «العبر» (4/ 219) .
[3] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أسعد بن بلدرك» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 578) .(6/408)
قرية ببغداد [1]- الفقيه الحنبلي الضرير. دخل بغداد في صباه، وحفظ القرآن، وقرأ بالروايات على أبي محمد سبط الخيّاط، وسمع منه الحديث، ومن سعد الخير الأنصاري، ومن جماعة دونهما، وقرأ الفقه وحصّل منه طرفا صالحا، وكان صالحا صدوقا، توفي يوم الجمعة عاشر رجب، وصلّي عليه يومئذ ودفن بمقبرة الإمام أحمد عن نيف وأربعين سنة.
وفيها الحيص بيص شهاب الدّين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد ابن صيفيّ التّميمي [2] الشاعر المشهور، وله ديوان معروف. كان وافر الأدب، متضلعا من اللغة، بصيرا بفقه الشافعية والمناظرة.
قال ابن خلّكان: كان لا يخاطب أحدا إلّا باللغة العربية، ويلبس على زي العرب، ويتقلد سيفا، فرأى الناس في حركة مزعجة فقال: ما للناس حيص بيص، فلقّب بذلك.
وقال: تفقّه بالرّيّ على القاضي محمد بن عبد الكريم المعروف بالوزّان، وتميّز فيه، وتكلّم في الخلاف، إلّا أنه غلب عليه [الأدب، ونظم] [3] الشعر. سمع الحديث، وحدّث. وقال: توفي في سادس شعبان ودفن من الغد غربي بغداد بمقابر [4] قريش. انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : وسموا ابنه هرج مرج، وابنته دخل خرج.
حكى نصر بن مجلّي- وكان من أهل السّنّة- أنه رأى عليّ بن أبي طالب- كرّم الله وجهه- في النوم، فقال له: يا أمير المؤمنين! تفتحون مكّة
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 343) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 362- 365) و «العبر» (4/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 61- 62) و «البداية والنهاية» (12/ 301- 302) .
[3] زيادة من «وفيات الأعيان» (2/ 263) .
[4] في «آ» : «بمقبرة» .(6/409)
فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم يتم على ولدك الحسين يوم الطفّ ما تمّ؟ فقال: أما سمعت أبيات ابن صيفي في هذا المعنى؟ فقلت:
لا. قال: أسمعها منه. فاستيقظت، فأتيت إلى دار الحيص بيص فذكرت له المنام، فشهق وبكى، وحلف أنها ما خرجت من فمه لأحد، ولم ينظمها إلّا في ليلته، ثم أنشدني:
ملكنا فكان العفو منّا سجية ... فلمّا ملكتم سال بالدّم أبطح
وحلّلتم قتل الأسارى وطالما ... غدونا على الأسرى نمنّ [1] ونصفح
وحسبكم هذا التّفاوت بيننا ... وكلّ وعاء بالذي فيه ينضح
وقال غيره: خرج حيص بيص ليلة ثملا، فرأى في طريقه جرو كلب، فضربه بسيفه فقتله، فعمد بعض الظرفاء إلى أبيات وعلقها في عنق أمه، وأدخلها ديوان الوزير هيئة مشتكية، ففضّت الورقة، فإذا فيها:
يا أهل بغداد إن الحيص بيص أتى ... بخزية أكسبته العار في البلد
أبدى شجاعته في اللّيل مجترئا ... على جريّ ضعيف البطش والجلد
فأنشدت أمّه من بعد ما احتسبت ... دم الأبيلق عند الواحد الصّمد
لا أعتب الدّهر والأيام ما صنعت ... كلتا يديّ أصابتني ولم أرد
كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
يشير إلى قول [2] أعرابية قتل أخوها ولدها، والله أعلم.
وفيها شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدّينوري ثم البغدادي [3] الكاتبة المسندة، فخر النساء. كانت ديّنة عابدة صالحة. سمّعها أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق، وروت عن طراد، وابن البطر، وطائفة، وكانت ذات
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «نعفّ» .
[2] تحرفت في «آ» إلى «قتل» .
[3] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 542- 543) .(6/410)
برّ وخير، توفيت في رابع عشر المحرم، عن نيف وتسعين سنة.
وفيها أبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني [1] ، آخر من بقي بأصبهان من أصحاب الرئيس الثّقفي.
وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي [2] أخو عبد الحق. روى عن ابن بيان وجماعة، وكان خيّاطا ديّنا، توفي بمكّة وله سبعون سنة.
وفيها أبو الخطّاب العليميّ عمر بن محمد بن عبد الله الدمشقي [3] التّاجر السفّار. طلب بنفسه، وكتب الكثير في تجارته بالشام، ومصر، والعراق، وما وراء النهر. روى عن نصر الله المصّيصي، وعبد الله بن الفراوي، وطبقتهما، وتوفي في شوال عن أربع وخمسين سنة.
وفيها أبو عبد الله بن المجاهد، الزاهد القدوة، محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي [4] عن بضع وثمانين سنة. قرأ العربية، ولزم أبا بكر بن العربي مدة.
قال [ابن] الأبّار: كان المشار إليه في زمانه بالصلاح، والورع، والعبادة، وإجابة الدعوة، وكان أحد أولياء الله الذين تذكر به رؤيتهم. آثاره مشهورة وكراماته معروفة، مع الحظّ الوافر من الفقه والقراءات.
وفيها محمد بن عبد نسيم العيشوني [5] . روى عن ابن العلّاف، وابن نبهان، وقع من سلّم فمات في الحال في جمادى الآخرة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 576) .
[2] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 48- 49) .
[3] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 49- 50) .
[4] انظر «العبر» (4/ 220- 221) .
[5] انظر «العبر» (4/ 221) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 543) .(6/411)
سنة خمس وسبعين وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» وقعت زلزلة فوق بلاد إربل فتصادمت منها الجبال، وكان هناك نهر أحمر ماؤه من دماء الهالكين.
وفيها نزل صلاح الدّين على بانياس، وأغارت سراياه على الفرنج، ثم أخبر بمجيء الفرنج، فبادر في الحال وكبسهم، فإذا هم في ألف قنطارية وعشرة آلاف راجل، فحملوا على المسلمين فثبتوا لهم [1] ثم حمل المسلمون فهزموهم ووضعوا فيهم السيف، ثم أسروا مائتين وسبعين أسيرا، منهم مقدّم الدّيويّة [2] فاستفكّ نفسه بألف أسير وبجملة من المال، وأما ملكهم فانهزم جريحا.
وفيها توفي أحمد بن أبي الوفاء عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الصمد بن محمد بن الصائغ البغدادي [3] الفقيه الحنبلي الإمام، أبو الفتح، نزيل حرّان.
ولد ببغداد سنة تسعين وأربعمائة، ولزم أبا الخطّاب الكلوذاني وخدمه وتفقّه عليه، وسمع منه ومن ابن بيان، وسافر إلى حلب وسكنها، ثم استوطن
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «فبيتوا لهم» .
[2] قال الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر» : ويسمون أيضا: «الداوية» وهم المسلمون بالفرنسية.
[3] انظر «العبر» (4/ 222) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 347- 348) .(6/412)
حرّان إلى حين وفاته، وكان هو المفتي والمدرّس بها، وقرأ عليه الفقه جماعة، منهم: الشيخ فخر الدّين بن تيمية، وسمع منه جماعة، منهم: ابن عبدوس، والعماد المقدسي، وأبو الحسن بن القطيعي، وروى عنه في «تاريخه» .
قال: وأنشدني أبو الخطّاب الكلوذاني لنفسه:
أنا شيخ وللمشايخ بالآ ... داب علم يخفى على الشبّان
فإذا ما ذكرتني فتأدّب ... فهو فرض يردّ بالميزان
وفيها إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد بن الجواليقي [1] الأديب بن الأديب أبو محمد بن أبي منصور الحنبلي.
ولد في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وسمع من أبي الحصين، وأبي الحسين بن الفرّاء وغيرهما، وقرأ القرآن والأدب على أبيه، وكان عالما باللغة، والعربية، والأدب، وله سمت حسن، وقام مقام أبيه في دار الخلافة.
قال ابن الجوزي: ما رأينا ولدا أشبه أباه مثله، حتّى في مشيه وأفعاله، وتوفي يوم الجمعة منتصف شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وقال ابن النجار: كان من أعيان العلماء بالأدب، صحيح النقل، كثير المحفوظ، حجّة ثقة نبيلا، مليح الخطّ.
وفيها أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي [2] المقرئ. أخذ القراءات عن أبيه، وأبي الحسن شريح، وطائفة، وأقرأ بالإسكندرية، والقاهرة، واستملى عليه السلطان صلاح الدّين، وقرّبه واحترمه، وكان فقيها
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 346- 347) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 91) .
[2] انظر «العبر» (4/ 222) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 544- 545) .(6/413)
مفتيا محدّثا مقرئا نسابة أخباريا، بديع الخطّ، وقيل: هو أول من خطب بالدعوة العباسية بمصر، توفي في رجب.
وفيها تجنّي الوهبانية [1] أم عتب [2] . آخر من روى في الدّنيا بالسماع عن طراد، والنّعالي. توفيت في شوال.
وفيها المستضيء بأمر الله، أبو محمد الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي العبّاسي [3] بويع بعد أبيه في ربيع الآخر سنة ست وستين، ونهض بخلافته الوزير عضد الدّين ابن رئيس الرؤساء فاستوزره، وكان ذا دين وحلم وأناة ورأفة ومعروف زائد، وأمه أرمنية، عاش خمسا وأربعين سنة، وخلّف ولدين أحمد الناصر وهاشما.
قال ابن الجوزي في «المنتظم» : أظهر من العدل والكرم ما لم نره في أعمارنا، وفرّق مالا عظيما في الهاشميين وفي المدارس، وكان ليس للمال عنده وقع.
وقال الذهبي: كان يطلب ابن الجوزي ويأمر بعقد مجلس الوعظ، ويجلس بحيث يسمع ولا يرى، وفي أيامه اختفى الرفض [ببغداد ووهى، وأما بمصر والشام فتلاشى، وزالت دولة العبيديين أولي الرفض] [4] وخطب له بديار مصر وبعض المغرب واليمن.
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» : ولما استخلف خلع على أرباب الدولة وغيرهم فحكى خيّاط المخزن أنه فصل ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم،
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 223) - وقد تحرفت «الوهبانية» فيه وفي طبعة بيروت منه إلى «الوهّابية» - و «سير أعلام النبلاء» (20/ 550- 551) .
[2] في «مشتبه النسبة» للذهبي (1/ 110) : «ويقال: أم الحباء» .
[3] انظر «العبر» (4/ 223- 224) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 68- 72) و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (444- 448) .
[4] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .(6/414)
وخطب له على منابر بغداد، ونثرت الدنانير كما جرت العادة، وولّى روح الحديثي القضاء، وأمر سبعة عشر مملوكا.
وللحيص بيص فيه:
يا إمام الهدى علوت عن الجو ... د بمال وفضّة ونضار
فوهبت الأعمار والأمن والبل ... دان في ساعة مضت من نهار
فبماذا نثني عليك وقد جا ... وزت فضل البحور والأمطار
[1]
إنما أنت معجز مستقلّ ... خارق للعقول والأفكار
جمعت نفسك الشريفة بالبأ ... س وبالجود بين ماء ونار
قال ابن الجوزي: واحتجب المستضيء عن أكثر الناس فلم يركب إلّا مع الخدم، ولم يدخل عليه غير قيماز، وفي خلافته انقضت، دولة بني عبيد، وخطب له بمصر وضربت السكة باسمه، وجاء البشير بذلك، فغلّقت الأسواق ببغداد، وعملت القباب، وصنّفت كتابا سميته «النصر على مصر» . هذا كلام ابن الجوزي.
وللعماد الكاتب قصيدة في ذلك منها:
قد خطبنا للمستضيء بمصر ... نائب المصطفى إمام العصر
وخذلنا لنصره العضد العا ... ضد والقاصر الذي بالقصر
وتركنا الدّعيّ [2] يدعو ثبورا ... وهو بالذّل تحت حجر وحصر
وتوفي المستضيء في ذي القعدة عن ست وثلاثين سنة.
وفيها أبو الحسين عبد الحقّ بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفيّ [3] الشيخ الثقة، عن إحدى وثمانين سنة. أسمعه أبوه الكثير من أبي القاسم
__________
[1] في «آ» : «والأقطار» .
[2] في «آ» : «المدعي» وهو تحريف، وأثبت لفظ «ط» و «تاريخ الخلفاء» .
[3] انظر «العبر» (4/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 552- 554) و «دول الإسلام» (2/ 88) .(6/415)
الرّبعي، وابن الطّيوري، وجعفر السرّاج، وطائفة، ولم يحدّث بما سمعه حضورا تورعا، وكان فقيرا، صالحا، متعففا، كثير التلاوة جدا، توفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو الفضل عبد المحسن بن تريك [1] الأزجي البيّع. روى عن ابن بيان وجماعة. توفي يوم عرفة.
وفيها أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله بن علي القرشي الزّبيري الدمشقي [2] القاضي الحافظ، نزيل بغداد، وسمع من أبي الدّرّ ياقوت الرّومي وطائفة بدمشق، ومن أبي الوقت والناس ببغداد، وصحب أبا النجيب السّهروردي، وولي قضاء الحريم. توفي في ذي الحجّة وله خمسون سنة.
قال ابن ناصر الدّين [3] : هو حافظ رحال ثقة مأمون.
وفيها أبو هاشم الدّوشابي- بضم الدال المهملة ومعجمة وباء موحدة، نسبة إلى الدّوشاب وهو الدّبس- عيسى بن أحمد الهاشمي العبّاسي البغدادي الهرّاس [4] . روى عن الحسين بن البسري وغيره، وتوفي في رجب.
وفيها أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللّمتوني الإشبيلي [5] ، المقرئ الحافظ، صاحب شريح. فاق الأقران في ضبط القراءات، وسمع الكثير من أبي مروان الباجي، وابن العربي، وخلق، وبرع
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن نزيك» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (4/ 224) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) .
[2] انظر «العبر» (4/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 105- 106) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (168/ آ) .
[4] انظر «العبر» (4/ 225) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) .
[5] انظر «العبر» (4/ 225) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 85- 86) .(6/416)
أيضا في الحديث، واشتهر بالإتقان وسعة المعرفة بالعربية. توفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة.
قال ابن ناصر الدّين [1] : لم يكن له نظير في الإتقان.
وفيها أبو بكر الباقداري- بكسر القاف بعد الموحدة والألف وبإهمال الدال والراء، نسبة إلى باقدارى بالقصر من قرى بغداد [2]- محمد بن أبي غالب ابن أحمد بن أحمد بن مرزوق بن أحمد الضرير [3] الحافظ. سمع أبا محمد سبط الخيّاط فمن بعده، وبرع في الحديث حتّى صار ابن ناصر يسأله ويرجع إلى قوله، وكان حنبليّ المذهب.
قال ابن الدّبيثي [4] : انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه، وعليه كان المعتمد فيه، توفي كهلا لخمس بقين من ذي الحجّة ببغداد.
وفيها أبو عبد الله الوهراني محمد بن محرز ركن الدّين وقيل جمال الدّين [5] المقرئ الأديب الكاتب، صاحب المزاح والدعابة والمنام الطويل، الذي جمع أنواعا من المجون والأدب. مات في رجب بدمشق. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: هو أحد الفضلاء الظرفاء، قدم من بلاده إلى البلاد المصرية في أيام السلطان صلاح الدّين- رحمه الله تعالى- وفنّه الذي يمتّ به صناعة الإنشاء، فلما دخل البلاد رأى بها القاضي الفاضل، وعماد الدّين الأصبهاني الكاتب، وتلك الحلبة علم من نفسه أنه ليس في طبقتهم ولا تنفق سلعته مع وجودهم، فعدل عن طريق الجدّ وسلك طريق الهزل، وعمل
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (167/ ب) .
[2] انظر «معجم البلدان» (1/ 327) وهو مترجم فيه.
[3] انظر «العبر» (4/ 225) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 146) .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن الزّينبي» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[5] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 385- 386) و «العبر» (4/ 225- 226) .(6/417)
المنامات والرسائل المشهورة والمنسوبة إليه، وهي كثيرة بأيدي الناس، وفيها دلالة على خفة روحه ورقة حاشيته وكمال ظرفه، ولو لم يكن فيها إلّا المنام الكبير لكفاه، فإنه أتى فيه بكل حلاوة، ولولا طوله لذكرته، ثم إن الوهراني المذكور تنقل في البلاد وأقام بدمشق زمانا، وتوفي في رجب.
ونقلت من خطّ القاضي الفاضل: وردت الأخبار من دمشق في سابع عشر رجب بوفاة الوهراني، رحمه الله تعالى.
والوهراني: بفتح الواو وسكون الهاء وفتح الراء وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى وهران مدينة كبيرة على أرض القيروان، بينها وبين تلمسان مسافة يوم وهي على البحر الشامي [1] ، خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم.
وفي بعض نسخ ابن خلّكان، ثم إن الوهرانيّ المذكور تنقل في البلاد وأقام بدمشق زمانا، وتولى الخطابة بداريّا، وهي قرية على باب دمشق في الغوطة، وتوفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة بداريّا، ودفن على باب تربة الشيخ أبي سليمان الدّاراني، رحمه الله تعالى. انتهى ما أورده ابن خلّكان.
وفيها أبو محمد بن الطبّاخ المبارك بن علي بن الحسين بن عبد الله ابن محمد الطبّاخ البغدادي [2] نزيل مكّة وإمام الحنابلة بالحرم، المحدّث الحافظ. سمع الكثير ببغداد من ابن الطّيوري، وابن كادش وغيرهما، وتفقّه بالقاضي أبي الحسين، وابن الزّاغوني، وكان صالحا دينا ثقة، حافظ مكّة في زمانه والمشار إليه بالعلم بها، وأخذ عنه ابن عبدوس وغيره، وتوفي في ثاني شوال بمكّة، وكان يوم جنازته مشهودا، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الفضل متوجهر بن محمد بن تركانشاه [3] الكاتب. كان أديبا
__________
[1] قلت: وهي الآن في الجزائر المعاصرة إلى الشمال الغربي منها على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
[2] انظر «العبر» (4/ 226) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 554) .
[3] في «العبر» (4/ 226) : «ابن تركشاه» ولم يرد للفظة ذكر في «مرآة الجنان» (3/ 402) .(6/418)
فاضلا، مليح الإنشاء، حسن الطريقة، كتب للأمير قايماز المستنجدي، وروى «المقامات» عن الحريري مرارا، وروى عن هبة الله بن أحمد الموصلي وجماعة، وتوفي في جمادى الأولى، وله ست وثمانون سنة.
وفيها أبو منصور المظفّر بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين ابن محمد بن خلف بن الفرّاء [1] .
ولد سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وسمع الحديث، وبرع في مذهب الحنابلة أصولا وفروعا، وناظر وتأدب، وقال الشعر الجيد.
ومن شعره:
لست أنسى من سليمى قولها ... يوم جدّ البين مني وبكت
قطع الله يد الدّهر لقد ... قرطست إذ بالنّوى شملي رمت
فجرى دمعي لمّا سمعت [2] ... ووعت أذناي منها ما وعت
يا لها من قولة عن ناظري ... نومة طول حياتي قد نفت
توفي في عنفوان شبابه يوم الجمعة، لخمس عشرة خلت من شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها أبو عمر بن عيّاد الأستاذ المقرئ المحقّق، يوسف بن عبد الله ابن سعيد [3] الأندلسي الحافظ. قدم بلنسية وأخذ القراءات عن أبي مروان بن الصّيقل [4] ، وابن هذيل، وسمع من طارق بن يعيش وجماعة، وعني بصناعة الحديث، وكتب العالي والنازل، وبرع في معرفة الرجال، وصنّف التصانيف الكثيرة، وعاش سبعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 343- 344) .
[2] في «آ» و «ط» : «لما قد سمعت» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن سعد» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 181) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الصقيل» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» .(6/419)
سنة ست وسبعين وخمسمائة
فيها نزل السلطان صلاح الدّين على حصن من بلاد الأرمن فافتتحه وهدمه، ثم رجع فوافاه التقليد وخلع السلطنة بحمص من النّاصر لدّين الله، فركب بها هناك، وكان يوما مشهودا.
وفيها أبو طاهر السّلفيّ الحافظ العلّامة الكبير، مسند الدّنيا، ومعمّر الحفّاظ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواءاني- وجرواءان [1] محلّة بأصبهان. وسلفة، بكسر المهملة لقب جدّه أحمد، ومعناه غليظ الشفة- سمع من أبي عبد الله الثقفي، وأحمد بن عبد الغفّار بن أشته، ومكّي السلّار، وخلق كثير بأصبهان، خرّج عنهم في «معجم» [2] وحدّث بأصبهان في سنة اثنتين وتسعين. قال: وكنت ابن سبع عشرة سنة، أكثر أو أقل، ورحل سنة ثلاث فأدرك أبا الخطاب بن البطر ببغداد، وتفقه بها بإلكيا الهرّاسي، وأبي بكر الشّاشي، وغيرهما، وعمل «معجما» لشيوخ بغداد،
__________
[1] وكذا ضبطها السمعاني في «الأنساب» (3/ 236) وضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 130) : «جرواءان» بالضم ثم السكون، وواو، وألفين بينهما همزة وآخره نون.
[2] واسمه الكامل «معجم السّفر» وقد نشره- أو نشر قسما منه فيما أعلم- المكتب الإسلامي ببيروت بتحقيق الدكتور حسن عبد الحميد رحمه الله تعالى.(6/420)
ثم حجّ، وسمع بالحرمين، والكوفة، والبصرة، وهمذان، وزنجان [1] والرّيّ، والدّينور، وقزوين، وأذربيجان [2] ، والشام، ومصر، فأكثر وأطاب، وتفقّه فأتقن مذهب الشافعي، وبرع في الأدب وجوّد القرآن بالرّوايات، واستوطن الإسكندرية بضعا وستين سنة، مكبا على الاشتغال، والمطالعة، والنسخ، وتحصيل الكتب، وقد أفردت أخباره في «جزء» وجاوز المائة بلا ريب، وإنما النزاع في مقدار الزيادة، ومكث نيفا وثمانين سنة يسمع عليه.
قال الذّهبيّ [3] : ولا أعلم أحدا مثله في هذا.
وقال ابن عساكر [4] : سمع السّلفيّ ممن لا يحصى، ومات يوم الجمعة بكرة خامس ربيع الآخر، وتزوّج بالإسكندرية امرأة ذات يسار، [فسلّمت إليه مالها] وحصلت له ثروة بعد فقر، وصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له العادل علي بن إسحاق بن السّلّار أمير مصر مدرسة بالإسكندرية.
وقال ابن السمعاني: هو ثقة ورع متقن متثبت حافظ فهم، له حظّ من العربية.
وفيها شمس الدولة الملك المعظم توران شاه- ومعناه ملك المشرق- بن أيوب بن شاذي، وكان أسنّ من أخيه السلطان صلاح الدّين، وكان يحترمه ويتأدّب معه، سيّره فغزا النوبة، فسبى وغنم، ثم بعثه فافتتح اليمن، وكانت بيد الخوارج الباطنية، وأقام بها ثلاث سنين، ثم اشتاق إلى طيب الشام ونضارتها، فقدم وناب بدمشق لأخيه، وكان أرسله أخوه قبل فتحه اليمن إلى بلاد الرّوم ليفتحها، فوجدها لا تساوي التعب فرجع عنها بغنائم
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «زنجار» .
[2] تكرر ذكر «زنجان» هنا مرة أخرى فحذفته.
[3] انظر «العبر» (4/ 228) .
[4] انظر «تاريخ دمشق» (7/ 180) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف، وما بين حاصرتين زيادة منه.(6/421)
كثيرة ورقيق كثير، وتحول من الشام إلى مصر في سنة أربع وسبعين ثم مات بالإسكندرية في صفر هذه السنة، فنقلته أخته ستّ الشام ودفنته في مدرستها المعروفة بها بمحلّة العونيّة، ودفنت هي معه وولدها، وكان توران من أجود النّاس وأسخاهم، غارقا في اللّذات، مات وعليه مائتا ألف دينار فوفاها عنه أخوه صلاح الدّين.
قال الفاضل مهذب الدّين أبو طالب محمد بن علي الخيمي، نزيل مصر: رأيته في النّوم فمدحته وهو في القبر، فلف كفنه ورماه إليّ وقال:
لا تستقلّنّ معروفا سمحت به ... ميتا وأصبحت منه عاري البدن
[1]
ولا تظننّ جودي شابه بخل ... من بعد بذلي ملك الشّام واليمن
إني خرجت من الدّنيا وليس معي ... من كلّ ما ملكت كفّي سوى كفني
وفيها أبو الحسن علي بن محمد [2] بن المبارك بن أحمد بن بكروس الحنبلي البغدادي الفقيه، أخو أبي العبّاس أحمد.
ولد يوم الاثنين ثالث رجب، سنة أربع وخمسمائة، وسمع الحديث من ابن الحصين، وابن السمرقندي، وغيرهما.
وتفقّه في المذهب، وبرع، وأفتى، وناظر ودرّس بمدرسة أخيه آخرا، وصنّف في المذهب، وله كتاب «رؤوس المسائل» وكتاب «الأعلام» وحدّث وسمع منه جماعة، منهم: ابن القطيعي، وروى عنه في «تاريخه» ولزم بيته في آخر عمره لمرض حصل له إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث ذي الحجة، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» (1/ 309) : «فأمسيت منه عاريا بدني» .
[2] في «آ» و «ط» : «عبد الله بن محمد» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 348) .(6/422)
وفيها أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر الدّمشقي.
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وعني بالحديث. أسمعه أبوه الكثير من النّسيب، وأبي طاهر الحنّائي [1] وطبقتهما، ولعب في شبابه، وباع أصول أبيه في شبابه بالهوان. توفي في رجب على طريقة حسنة.
وفيها أبو المفاخر المأموني، راوي «صحيح مسلم» بمصر سعيد بن الحسين بن سعيد العبّاسي. روى الحديث هو وابنه وحفيده ونافلته.
وفيها أبو الفهم بن أبي العجائز الأزدي الدمشقي، واسمه عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد، وهو راوي حديث سحنام عن أبي طاهر الحنّائي.
وفيها أبو الحسن بن العصّار النّحوي علي بن عبد الرحيم السّلمي الرّقّي ثم البغدادي. كان علّامة في اللغة، حجّة في العربية. أخذ عن ابن الجواليقي، وكتب الكثير بخطه الأنيق، وروى عن أبي الغنائم بن المهتدي بالله وغيره، وخلّف مالا طائلا، وإليه انتهى علم اللغة، توفي في المحرم عن ثمان وستين سنة.
وفيها السلطان غازي سيف الدّين، صاحب الموصل وابن صاحبها قطب الدّين مودود بن أتابك زنكي التّركي الأتابكي. توفي في صفر بعلّة السّلّ وله ثلاثون سنة، وكان شابا مليحا أبيض طويلا عاقلا وقورا قليل الظلم.
قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من أحسن الناس صورة، غيورا، ما يدع خادما بالغا يدخل على حريمه، طاهر اللّسان، عفيفا عن أموال
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «الحساني» وفي «ط» إلى «الحسباني» والتصحيح من «العبر» (4/ 229) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 93) .(6/423)
النّاس، قليل السّفك للدماء، استسقى الناس [1] وهو معهم، فاستعانوا [2] عليه، وقالوا: كيف يستجاب لنا وفينا الخمور والحواطين بيننا، فقال: قد أبطلتها، فرجعوا إلى البلد، وفيهم أبو الفرج الدّقّاق الرجل الصالح، فأراق الخمور، ونهب العامة دكاكين الخمّارين، فاستدعى الدّقّاق إلى القلعة، وقال: أنت جرّأت العامة عليّ وضربه على رأسه فانكشف، فنزل مكشوف الرأس، فقيل له غطّه، فقال: لا أغطيه حتّى ينتقم الله لي ممن ظلمني، فمات الدوادار الذي ضربه بعد قليل، ومرض سيف الدّين وتوفي. انتهى.
وفيها محمد بن محمد بن مواهب أبو العزّ بن الخراساني البغدادي الأديب، صاحب النوادر، والعروض، والديوان الشعر، الذي هو في مجلدات، كان صاحب ظرف [3] ، ومجون، وذكاء مفرط، وتفنن في الأدب.
روى عن أبي الحسن بن الطّيوري، وأبي سعد بن حشيش، وجماعة، وتغيّر ذهنه قبل موته بيسير، توفي في رمضان وله اثنتان وثمانون سنة. قاله في «العبر» [4] .
__________
[1] لفظة «الناس» سقطت من «آ» .
[2] في «ط» : «واستعانوا» .
[3] كذا في «ط» و «العبر» : «ظرف» وفي «آ» : «طرف» .
[4] (4/ 230) .(6/424)
سنة سبع وسبعين وخمسمائة
فيها توفي الملك الصالح أبو الفتح إسماعيل بن السلطان نور الدّين محمود بن زنكي، ختنه أبوه [وعمل] وقتا باهرا، وزيّنت دمشق لختانه، ثم مات أبوه بعد ختانه بأيّام، وأوصى له بالسلطنة، فلم تتم له، وبقيت له حلب، وكان شابا ديّنا عاقلا محببا إلى الحلبيين إلى الغاية، بحيث إنهم قاتلوا عن حلب صلاح الدّين قتال الموت، وما تركوا شيئا من مجهودهم، ولما مرض بالقولنج في رجب ومات أقاموا عليه المآتم [1] وبالغوا في النوح والبكاء، وفرشوا الرّماد في الطّرق، وكان له تسع عشرة سنة، وأوصى بحلب لابن عمّه عز الدّين مسعود بن مودود فجاء وتملّكها.
ولما كان إسماعيل بالقولنج وصف له الأطباء قليل خمر، فقال: لا أفعل حتّى أسأل الفقهاء، فسأل الشافعية فأفتوه بالجواز، وسأل العلاء الكاساني فأفتاه بالجواز أيضا، فقال له: إن كان الله قرّب أجلي يؤخره شرب الخمر؟
فقال: لا، فقال: والله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرّم عليّ، ومات ولم يشربه، رحمه الله تعالى.
وفيها الكمال بن الأنباري النّحويّ العبد الصالح أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الشافعي، تفقّه بالنظامية على ابن الرزّاز،
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «المأتم» .(6/425)
وأخذ النحو عن ابن الشّجري واللغة عن ابن الجواليقي، وبرع في الأدب حتّى صار شيخ العراق.
توفي في شعبان وله أربع وستون سنة.
وكان زاهدا عابدا مخلصا ناسكا تاركا للدّنيا، له مائة وثلاثون مصنفا في الفقه [1] ، والأصول، والزهد، وأكثرها في فنون العربية، منها كتاب «أسرار العربية» وهو سهل المأخذ، كثير الفوائد [2] ، وكتاب «الميزان» في النحو أيضا، وكتاب «طبقات الأدباء المتقدمين والمتأخرين» مع صغر حجمه، ثم انقطع في آخر عمره في بيته، واشتغل بالعلم والعبادة، وترك الدّنيا ومجالسة أهلها، وكان لا يسرج في بيته، مع خشونة الملبس والفراش، ولا يخرج إلّا يوم الجمعة، وحمل إليه المستضيء خمسمائة دينار فردّها، فقال: أتركها لولدك، فقال: إن كنت خلقته فأنا أرزقه، وأنجب كلّ من اشتغل عليه، ودفن في تربة أبي إسحاق الشيرازي.
والأنبار: قرية قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.
وفيها شيخ الشيوخ أبو الفتح عمر بن علي بن الزاهد محمد بن علي ابن حمّويه الجويني [3] الصّوفي، وله أربع وستون سنة. روى عن جدّه، والفراوي، وولّاه نور الدّين مشيخة الشيوخ بالشام، وكان وافر الحرمة.
__________
[1] في «ط» : «في اللغة» .
[2] في «ط» : «الفائدة» .
[3] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 19- 20) و «العبر» (4/ 232) .(6/426)
سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
فيها سار صلاح الدّين، فافتتح حرّان، وسروج، وسنجار، ونصيبين، والرّقّة، ونازل الموصل فحاصرها، وتحيّر من حصانتها، ثم جاءه رسول الخليفة يأمره بالترحل عنها، فرحل ورجع، فأخذ حلب من عز الدّين مسعود الأتابكي وعوّضه بسنجار.
وفيها مات نائب دمشق فرّوخشاه، وولي بعده شمس الدّين محمد بن المقدّم.
وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد ابن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة، الشيخ الكبير الرفاعي البطائحي- والبطائح عدة قرى مجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة- كان شافعي المذهب، فقيها.
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» [1] : وهو مغربي الأصل.
ولد في المحرم سنة خمسمائة، وتخرّج بخاله الشيخ الزاهد منصور.
قال ابن خلّكان: كان رجلا صالحا شافعيا فقيها، انضم إليه خلق من الفقراء، وأحسنوا فيه الاعتقاد، وهم الطائفة الرفاعية، ويقال لهم الأحمدية
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 1- 3) .(6/427)
والبطائحية، ولهم أحوال عجيبة من أكل الحيّات حيّة، والنزول إلى التنانير وهي تضّرم نارا، والدخول إلى الأفرنة، وينام الواحد منهم في جانب الفرن والخباز يخبز في الجانب الآخر، وتوقد لهم النّار العظيمة، ويقام السماع فيرقصون عليها إلى أن تنطفئ النار، ويقال: إنهم في بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه. انتهى.
وعن الشيخ أحمد أنه قال: سلكت كل الطرق الموصلة، فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلح من الافتقار والذّل والانكسار، فقيل له: يا سيدي! فكيف يكون؟ قال: تعظم أمر الله وتشفق على خلق الله، وتقتدي بسنة سيدك رسول الله.
وقد صنّف الناس في مناقب الشيخ أحمد- رحمه الله تعالى- وأفردوا ترجمته وذكروا من كراماته ومقاماته أشياء حسنة، وكان فقيها شافعيا قرأ «التنبيه» وله شعر حسن. توفي في جمادى الأولى.
قال ابن كثير: ولم يعقب، وإنما المشيخة في ابني أخيه. انتهى كلام ابن قاضي شهبة.
وقال في «العبر» [1] : وقد كثر الزّغل في أصحابه، وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق، من دخول النيران، وركوب السباع، واللّعب بالحيّات، وهذا لا يعرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه، فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم. انتهى.
وقال سبط ابن الجوزي [2] : [حكى لي بعض أشياخنا قال:] حضرت عنده ليلة نصف شعبان وعنده نحو مائة ألف إنسان، فقلت له: هذا جمع
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 233) .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 236) وما بين حاصرتين زيادة منه.(6/428)
عظيم فقال: جسرت مجسر [1] هامان [2] ، أنى [3] خطر ببالي أني مقدم هذا الجمع؟.
وكان متواضعا، سليم الصدر، مجردا من الدّنيا، ما ادخر شيئا قطّ.
رآه بعض أصحابه في المنام مرارا في مقعد صدق ولم يخبره، وكان للشيخ أحمد امرأة بذيئة اللّسان تسفه عليه وتؤذيه، فدخل عليه الذي رآه في مقعد صدق يوما فرآه وفي يد امرأته محراك التّنّور، وهي تضربه على أكتافه، فاسود ثوبه وهو ساكت، فانزعج الرجل وخرج من عنده [فاجتمع بأصحاب الشيخ] ، وقال: يا قوم يجري على الشيخ من هذه الامرأة هذا وأنتم سكوت؟
فقال بعضهم: مهرها خمسمائة دينار وهو فقير، فمضى الرجل وجمع خمسمائة دينار وجاء بها إلى الشيخ، فقال: ما هذا؟ قال: مهر هذه الامرأة السفيهة التي فعلت بك كذا وكذا، فتبسّم وقال: لولا صبري على ضربها ولسانها ما رأيتني في مقعد صدق.
وعن يعقوب ابن كراز، أن الشيخ كان لا يقوم لأحد من أبناء الدّنيا، ويقول: النظر في وجوههم يقسي القلب، وكان يترنم بهذا البيت:
إن كان لي عند سليمى قبول ... فلا أبالي ما يقول العذول
وكان يقول:
ومستخبري عن سرّ ليلى تركته ... بعمياء من ليلى بغير يقين
يقولون خبّرنا فأنت أمينها ... وما أنا إن خبّرتهم بأمين
وذكر ابن الجوزي، أن سبب وفاته- رضي الله عنه- أبيات أنشدت بين يديه، تواجد عند سماعها تواجدا كان سبب مرضه الذي مات فيه، وكان
__________
[1] في «آ» و «ط» : «حشرت محشر» والتصحيح من «مرآة الزمان» والمعنى أقدمت مقدم هامان.
انظر «مختار الصحاح» (جسر) .
[2] في «مرآة الزمان» : «ماهان» .
[3] في «آ» و «ط» : «إن» والتصحيح من «مرآة الزمان» .(6/429)
المنشد لها الشيخ عبد الغني بن نقطة حين زاره وهي:
إذا جنّ ليلي هام قلبي بذكركم ... أنوح كما ناح الحمام المطوّق
وفوقي سحاب يمطر الهمّ والأسى ... وتحتي بحار بالأسى تتدفّق
سلوا أمّ عمرو كيف بات أسيرها ... تفكّ الأسارى دونه وهو موثق
فلا هو مقتول ففي القتل راحة ... ولا هو مأسور يفكّ فيطلق
فمفهوم كلام ابن الجوزي أن الأبيات لغيره، مع أن ابن خلّكان [1] ذكر أنها من نظمه.
وفيها أبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس الدّمشقي المقرئ. آخر من قرأ على أبي الوحش سبيع، وآخر من سمع على الشريف النّسيب، توفي في شوال وله ست وثمانون سنة.
وفيها أبو القاسم بن بشكوال خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى الأنصاري القرطبي، الحافظ. محدّث الأندلس ومؤرّخها ومسندها.
سمع أبا محمد بن عتّاب، وأبا بحر بن العاص، وطبقتهما، وأجاز له أبو علي الصّدفي، وسمع العالي والنازل، وكان سليم الباطن، كثير التواضع، ألّف خمسين تأليفا في أنواع العلوم، منها «الحكايات المستغربة» و «غوامض الأسماء المبهمة» [2] و «معرفة العلماء الأفاضل» و «القربة إلى الله بالصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم» و «جزء» ذكر فيه من روى «الموطأ» عن مالك، رتبهم على حروف المعجم، فبلغوا ثلاثة وسبعين رجلا، وكتاب «المستعينين عند المهمات والحاجات وما يسرّ الله لهم من الإجابات» وغير ذلك، وولي قضاء بعض جهات إشبيلية، ثم اقتصر على إسماع العلم، وتوفي في ثامن رمضان، وله أربع وثمانون سنة.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 172) .
[2] وقد طبع حديثا في مكتبة عالم الكتب ببيروت طبعة متقنة محررة في مجلدين.(6/430)
وفيها خطيب الموصل، أبو الفضل، عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر [1] الطّوسي ثم البغدادي.
ولد في صفر سنة سبع وثمانين، وسمع حضورا من طراد، والنّعالي، وغيرهما، وسمع من ابن البطر، وأبي بكر الطّريثيثي، وخلق، وكان ثقة في نفسه. توفي في رمضان.
قال ابن النجّار: وقرأ الفقه- أي فقه الشافعي- والأصول على إلكيا الهرّاسي، وأبي بكر الشّاشي، والأدب على أبي زكريا التّبريزي، وولي خطابة الموصل زمانا، وتفرّد في الدّنيا، وقصده الرّحّالون [2] .
وفيها أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن حمنيس [3] البغدادي السّرّاج. سمع أبا الحسن بن العلّاف، وأبا سعد بن خشيش، وجماعة.
قال ابن الأخضر: كان لا يحسن يصلي، ولا أن يقول التحيات، وتوفي في رجب. قاله في «العبر» [4] .
وفيها عز الدّين فرّوخشاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي، صاحب بعلبك وأبو صاحبها، الملك الأمجد، ونائب دمشق لعمه صلاح الدّين، وكان ذا معروف وبرّ، وتواضع، وأدب، وكان للتاج الكندي به اختصاص، توفي بدمشق ودفن في قبته التي بمدرسته المطلّة على الميدان في الشرق الشمالي
__________
[1] في «آ» و «ط» و «العبر» طبع الكويت: «عبد القادر» والتصحيح من «العبر» طبع بيروت، و «سير أعلام النبلاء» (21/ 87) .
[2] كذا في «آ» و «العبر» (4/ 234) وفي «سير أعلام النبلاء» (21/ 89) : «الرّحّالون» . وفي «آ» :
«الراحلون» .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «حمنيس» وفي «سير أعلام النبلاء» (21/ 89) :
«حمتيس» .
[4] (4/ 235) .(6/431)
في جمادى الأولى، وهو أخو صاحب حماة تقي الدّين.
وله شعر حسن، منه:
إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها ... وتوقع حكم العدل أحسن موقعه
فلا تصنع المعروف مع غير أهله ... فظلمك وضع الشّيء في غير موضعه
وفيها القطب النّيسابوري، الفقيه العلّامة، أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود الطّريثيثي- بضم الطاء المهملة، وفتح الراء، وسكون التحتية، ومثلثة، نسبة إلى طريثيث، ناحية بنيسابور- الشافعي.
ولد سنة خمس وخمسمائة، وتفقّه على محمد بن يحيى صاحب الغزالي، وتأدّب على أبيه، وسمع من هبة الله السّيدي وجماعة، وبرع في الوعظ، وحصل له القبول ببغداد، ثم قدم دمشق سنة أربعين، وأقبلوا عليه، ودرّس بالمجاهدية والغزالية، ثم خرج إلى حلب، ودرّس بالمدرستين اللتين بناهما نور الدّين، وأسد الدّين، ثم ذهب إلى همذان فدرّس بها، ثم عاد بعد مدة [1] إلى دمشق، ودرّس بالغزالية، وانتهت إليه رئاسة المذهب بدمشق، وكان حسن الأخلاق، قليل التصنّع، مطّرحا للتكلّف، صنّف مختصرا في الفقه سمّاه «الهادي» وتوفي بدمشق في شهر رمضان، ودفن بمقابر الصوفية.
وفيها أبو محمد بن الشّيرازي، هبة الله بن محمد بن هبة الله بن جميل [2] البغدادي المعدّل الصوفي الواعظ. سمع أبا علي بن نبهان وغيره، وقدم دمشق سنة ثلاثين وخمسمائة وهو شاب، فسكنها وأمّ بمشهد عليّ وفوّض إليه عقد الأنكحة، توفي في ربيع الأول وهو في عشر الثماني، وأمّ بعده في المشهد ابنه القاضي شمس الدّين أبو نصر محمد.
__________
[1] قوله: «بعد مدة» لم يرد في «آ» .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «ابن جميل» وفي «العبر» بطبعتيه: «ابن مميل» .(6/432)
وفيها أبو الفضل وفاء بن أسعد التّركي الخبّاز. روى عن أبي القاسم ابن بيان وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر، وكان شيخا صالحا.
وفيها ممدود الذّهبي البغدادي المجاب الدّعوة. اتّهم بسرقة فأتي به إلى باب المتولّي [1] ، ومدّ ليضرب، فرفع النّقيب يده ليضربه فيبست يده، فقال له صاحب الباب: ما لك؟ قال: قد يبست يدي، فرفعوه عن الأرض، فعادت يده صحيحة، فعاد النّقيب ليضربه فيبست يده، فعل ذلك ثلاث مرّات، فبكى صاحب الباب، وقام إليه وأجلسه إلى جانبه واعتذر إليه.
وفيها أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن [2] صاحب المغرب، كان حسن السيرة، مجاهدا في سبيل الله تعالى، أغار الفنش [3] ملك طليطلة على بلاد الأندلس، فعدا إليه يوسف في مائتي ألف فارس وثمانين ألفا، فنزل على بلاد الفنش [3] ، فخامر عليه وزيره ابن المالقي، وقال للعساكر: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تعدوا إلى مراكش، فبقي في نفر يسير، وأرسل إلى الفنش [3] يقول له: ادهمه، فليس معه عسكر، فجاء الفنش [3] ، فالتقاه يوسف فطعن في جنبه فمات بعد يومين وحمل إلى إشبيلية، وكانت إمارته اثنتين وعشرين سنة، وقدّموا ولده يعقوب وبايعوه، ولقّبوه [4] بالمنصور، ولم يكن في ولد عبد المؤمن [5] مثل يعقوب.
وفيها أبو الحسن علي بن أبي المعالي المبارك، وقيل أحمد بن أبي
__________
[1] في «ط» : «النوبي» .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 98- 102) .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (21/ 100) : «الفنش» وفي بعض المصادر:
«الأذفنش» .
[4] في «ط» : «ولقّب» .
[5] في «ط» : «في بني عبد المؤمن» .(6/433)
الفضل بن أبي القاسم بن الأحدب [1] الورّاق الدّارقزي المحوّلي [2] الفقيه الحنبلي، المعروف بابن غريبة.
ولد في منتصف رمضان سنة ست وخمسمائة، وسمع الكثير من أبي القاسم بن الحصين وغيره ببغداد وغيرها من البلاد، وتفقّه في المذهب على ابن سيف وغيره، وقرأ الفرائض على القاضي أبي بكر، وكان ثقة صحيح السماع، ذا عقل وتجربة، ولّاه الوزير ابن هبيرة رفع المظالم، وانقطع في آخر عمره بالمحوّل إلى أن مات، وأفلج قبل موته بشهور، وسمع منه جماعة، منهم: ابن الحنبلي، وابن القطيعي، وغيرهما، وروى عنه ابن الجوزي، وتوفي يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى بالمحوّل وحمل على أعناق الرجال، فدفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها أبو القاسم عبيد الله [3] بن علي بن محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفرّاء القاضي ابن القاضي ابن القاضي أبي يعلى.
ولد ليلة الاثنين رابع عشر ذي الحجّة سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وأسمعه أبوه الكثير في صباه من جماعة أعيان، وسمع هو بنفسه من ابن ناصر الحافظ، وأبي بكر بن الزّاغوني وغيرهما، وبالغ في السماع والإكثار، وتفقّه وكتب، وكانت داره مجمعا لأهل العلم وينفق عليهم بسخاء نفس وسعة صدر، وسمع منه جماعة، منهم: ابن القطيعي، وجمع، وصنّف أنواعا من العلوم، وحمله بذل يده وكرم طبعه على أن استدان ما لا يمكنه وفاؤه، فغلبه الأمر حتّى باع معظم كتبه، وخرج عن يده أكثر أملاكه، واختفى في بيته من
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن الأديب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 349) .
[3] كذا في «آ» و «ط» : «عبيد الله» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 351) : «عبد الله» .(6/434)
الديون، وبلغ به الحال إلى أن اغتيل في شهادة على امرأة بتصريف بعض الحاضرين، فأنكرت المرأة المشهود عليها ذلك الإشهاد، فكان سببا لعزله من الشهادة، فهو عدل في روايته ضعيف في شهادته، وتوفي يوم الجمعة يوم عيد الأضحى في هذه السنة أو في سنة ثمانين كما صححه بل جزم به ابن رجب.(6/435)
سنة تسع وسبعين وخمسمائة
فيها توفي تاج الملوك مجد الدّين بوري [1] ، أخو السلطان صلاح الدّين، وله ثلاث وعشرون سنة. كان أديبا شاعرا، له ديوان صغير، وجمع الله فيه محاسن الأخلاق ومكارمها، مع الشجاعة والفصاحة.
ومن شعره:
أقبل من أعشقه راكبا ... من جهة الغرب على أشهب
فقلت: سبحانك يا ذا العلى ... أشرقت الشمس من المغرب
ومنه أيضا:
أيا حامل الرّمح الشبيه بقدّه ... ويا شاهرا سيفا على لحظه عضبا
ذر الرّمح واغمد ما سللت فربّما ... قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا
أصابت ركبته طعنة على حلب مات منها بعد أيام [2] .
وفيها تقيّة بنت غيث بن علي الأرمنازي [3] الشاعرة المحسنة، لها شعر سائر، وكانت امرأة برزة جلدة، مدحت تقي الدّين عمر صاحب حماة والكبار، وعاشت أربعا وسبعين سنة، ولها ابن محدّث معروف. [صحبت
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 290- 292) وفيه: «وبوري معناه بالعربية ذئب» و «العبر» (4/ 237) .
[2] راجع هذه الفقرة عند ابن خلّكان في «الوفيات» (1/ 292) فهي أوضح وأتم هناك.
[3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 297- 300) وما بين حاصرتين في الترجمة زيادة منه لا بد منها، و «العبر» (4/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 94- 95) .(6/436)
الحافظ السّلفي زمانا بثغر الإسكندرية، وذكرها في بعض تعاليقه، وأثنى عليها، وكتب بخطّه] عثرت يوما [في منزل سكناي] فانجرحت، فشقّت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبت به جرحي [1] فقالت:
لو وجدت السّبيل جدت بخدّي ... عوضا عن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أقبّل اليوم رجلا ... سلكت دهرها الطّريق الحميدة
وفيها أبو الفتح الخرقي عبد الله بن أحمد بن أبي [الفتح] الأصبهاني [2] مسند أصبهان. سمع أبا مطيع المصري، وأحمد بن عبد الله السّوذرجانيّ وانفرد بالرواية عن جماعة. توفي في رجب وله تسع وثمانون سنة، وكان رجلا صالحا.
وفيها الأبله الشاعر صاحب الديوان أبو عبد الله محمد بن بختيار البغدادي [3] شاب ظريف، وشاعر مفلق، جمع شعره بين الصناعة والرّقّة، وسمي الأبله لذكائه من باب تسمية الشيء بضده كما يقال للأسود كافور.
أنشد الأبله لابن الدّوامي [4] الحاجب يوما قوله:
زار من أحيا بزورته ... والدّجى في لون طرّته
قمر يثني معاطفه ... بانة في طيّ بردته
بتّ أستجلي المدام على ... غرّة الواشي وغرّته
__________
[1] في «آ» و «ط» : «جرحها» وما أثبته يقتضيه السياق.
[2] انظر «العبر» (4/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 90- 91) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[3] انظر «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» ص (235- 236) طبع دار ابن كثير، و «وفيات الأعيان» (4/ 463- 465) و «العبر» (4/ 238) و «الوافي بالوفيات» (2/ 244- 246) و «النجوم الزاهرة» (6/ 95- 96) .
[4] هو عزّ الكفاة الحسن بن هبة الله الدوامي البغدادي، سترد ترجمته في وفيات سنة (645) من المجلد السابع إن شاء الله تعالى.(6/437)
آه من خصر له وعلى ... رشفة من برد ريقته
يا له في الحسن من صنم ... كلّنا من جاهليّته
فقال له ابن الدّوامي: يا حجّة العرب! هي لك؟ قال: نعم، فصاح صائح: يكذب، ما هي له، ففتشوا فلم يجدوا أحدا، فقال: أنشدني غيرها.
فأنشده غيرها، كل ذلك والقائل يقول له تكذب- ثلاث مرات- فقال الأبله في الثالثة: فما هي لي فهي لمن؟ فقال القائل: هي لي، قال: ومن أنت؟ قال شيطانك الذي أعلمك قول الشعر، قال له: صدقت، الله يحفظك عليّ.
قال أبو الدرّ الرّومي الشاعر: مرض الأبله فعدته، فقال: ما بقيت أقدر أنظم، قلت: فما سببه؟ قال: مات تابعي، وتوفي بعد ذلك ومن شعره أيضا:
دارك يا بدر الدّجى جنّة ... بغيرها نفسي ما تلهو
وقد روي في خبر أنه ... أكثر أهل الجنّة البله
وله:
يا ذا الذي كفل اليتيم ... وقصده كفل اليتيم
إن كنت ترغب في النّعيم ... فقد حصلت على الجحيم
قال الذهبي: مات وخلّف ثمانية آلاف دينار، ولم يكن له وارث، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها أبو العلاء البصري محمد بن جعفر البصري ثم البغدادي [1] المقرئ، قرأ القراءات [2] على أبي الخير الغسّال [3] وسمع من ابن بيان، وأبي النّرسي، وعاش ثلاثا وتسعين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 238) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 91) .
[2] كذا في «آ» و «العبر» : «القراءات» وفي «ط» : «القرآن» .
[3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «العسّال» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (1/ 465) .(6/438)
وفيها قاضي زبيد الإمام الفاضل البارع المحمود السيرة، علي بن الحسين السّيري [1]- بفتح السين وبالراء المهملتين- توفي بمخلاف الساعد قافلا من مكّة، وكان ممن أجمع على فضله الموافق والمخالف، يقال: إنه أجاب عن ألف مسألة امتحنه بها أهل زبيد، وفضائله يتعجب منها السامع، كما قال ابن سمرة [2] .
وفيها أبو طالب الكتّاني محمد بن علي بن أحمد الواسطي [3] المحتسب. توفي في المحرّم، وله أربع وتسعون سنة. سمع من أبي الصقر الشاعر، وأبي نعيم الجمّاري وطائفة، وانفرد بإجازة أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرجي، [و] الباقلّاني، وجماعة، ورحل إلى بغداد فلحق بها أبا الحسن بن العلّاف، وكان ثقة ديّنا.
وفيها يونس بن محمد بن منعة الإمام رضي الدّين الموصلي [4] الشافعي، والد العلّامة كمال الدّين موسى، وعماد الدّين محمد، تفقّه على الحسين بن نصر بن خميس، وببغداد على أبي منصور الرزاز، ودرّس، وأفتى، وناظر، وتفقّه به جماعة، وكان مولده بإربل سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وتوفي في المحرم.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «السير» وتصحفت في «طبقات فقهاء اليمن» إلى «البشري» ، وانظر «مرآة الجنان» (3/ 415) و «غربال الزمان» ص (463) .
[2] في «طبقات فقهاء اليمن» ص (243) وهو عمر بن علي بن سمرة الجعدي أبو الخطاب، مؤرخ يماني، من القضاة، مات بعد سنة (586) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (5/ 55) .
[3] انظر «العبر» (4/ 238) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[4] انظر «العبر» (4/ 238) و «النجوم الزاهرة» (6/ 96) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 25- 26) .(6/439)
سنة ثمانين وخمسمائة
فيها توفي إيلغازي بن ألبي [1] بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق، الملك قطب الدّين التركماني، صاحب ماردين، وليها بعد أبيه مدة، وكان موصوفا بالشجاعة والعدل، توفي في جمادى الآخرة.
وفيها [محمد بن حمزة] بن أبي الصّقر [2] أبو عبد الله القرشي الدّمشقي الشّروطي المعدّل. توفي في صفر وله إحدى وثمانون سنة، وكان ثقة صاحب حديث. سمع من هبة الله بن الأكفاني وطائفة، ورحل فسمع من ابن الطّبري [3] ، وقاضي المارستان، وكتب الكثير وأفاد، وكان شروطي البلد.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن المني» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (5/ 207) و «النجوم الزاهرة» (6/ 97) والضبط عنه.
[2] ما بين حاصرتين لم يرد في «آ» وهو مترجم في «العبر» (4/ 239) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 109) .
[3] في «آ» : «ابن الطير» وفي «ط» و «العبر» : «ابن الطبر» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» .(6/440)
سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
فيها نازل صلاح الدّين الموصل، وقد سارت إلى خدمته ابنة الملك نور الدّين محمود زوجة عز الدّين صاحب البلد، وخضعت له، فردّها خائبة، وحصر الموصل، فبذل أهلها نفوسهم، وقاتلوا أشدّ قتال، فندم وترحّل عنهم لحصانتها، ثم نزل على ميّافارقين فأخذها بالأمان، ثم ردّ إلى الموصل وحاصرها أيضا، ثم وقع الصلح على أن يخطبوا له، وأن يكون صاحبها طوعه، وأن يكون لصلاح الدّين شهرزور وحصونها، ثم رحل، فمرض واشتد مرضه بحرّان، حتّى أرجفوا بموته، وسقط شعر لحيته ورأسه.
وفيها استولى ابن عائنة الملثّم على أكثر بلاد إفريقية، وخطب للناصر العبّاسي، وبعث رسوله يطلب التقليد بالسلطنة.
وفيها توفي صدر الإسلام أبو الطاهر بن عوف إسماعيل بن مكّي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف الزّهري الإسكندراني المالكي [1] في شعبان، وله ست وتسعون سنة، تفقّه على أبي بكر الطّرطوشي، وسمع منه ومن أبي عبد الله الرّازي، وبرع في المذهب، وتخرّج به الأصحاب، وقصده السلطان صلاح الدّين وسمع منه «الموطأ» .
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 242) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 122- 123) .(6/441)
وفيها محمد البهلوان بن إلدكز [1] الأتابك، شمس الدّين، صاحب أذربيجان، وعراق العجم، توفي في هذه السنة، وقام بعده أخوه قزل، وكان السلطان طغرل [2] السلجوقي من تحت حكم البهلوان كما كان أبوه أرسلان شاه من تحت حكم أبيه إلدكز [1] وكان له خمسة آلاف مملوك.
وفيها الشيخ الكبير، الولي الشهير، حياة بن قيس الحرّاني [3] ، أحد الأربعة الذين قال فيهم أبو عبد الله القرشي: رأيت أربعة من المشايخ يتصرفون في قبورهم كحياتهم، الشيخ معروف الكرخي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ عقيل المنبجي، والشيخ حياة بن قيس الحرّاني، رضي الله عنهم، تخرّج بالشيخ حياة كثير من المريدين وأنجبوا، وله من الكرامات أحوال تذهل العقول، منها ما حكاه الشيخ الصالح غانم بن يعلى، قال:
انكسرت بنا سفينة في بحر الهند، فنجوت إلى جزيرة فوجدت فيها مسجدا فيه أربعة نفر متوجهون إلى الله تعالى، فلما كان وقت العشاء دخل الشيخ حياة الحرّاني فتبادروا للسلام، وتقدم فصلى بهم، ثم صلوا الفجر، وسمعته يقول في مناجاته: يا حبيب التائبين، ويا سرور العارفين، ويا قرّة عين العابدين، ويا أنس المنفردين، ويا حرز اللاجئين، ويا ظهير المنقطعين، يا من حنّت إليه قلوب الصّدّيقين، وأنست به أفئدة المحبين، وعلّقت عليه همة الخائفين. ثم بكى، فرأيت الأنوار قد حفّت بهم، ثم خرج من المسجد وهو يقول:
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الزكر» والتصحيح من «العبر» (4/ 242) .
[2] في «آ» و «ط» : «طغربك» وفي «العبر» : «طغرل» وهو ما أثبته، وفي «سير أعلام النبلاء» (21/ 145) : «طغريل» .
[3] انظر «العبر» (4/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 181- 182) و «مرآة الجنان» (3/ 419- 422) و «طبقات الأولياء» ص (430- 431) و «غربال الزمان» ص (465) .(6/442)
سير المحبّ إلى المحبوب زلزال ... والقلب فيه من الأهوال بلبال
[1]
أطوي المهامة [2] من قفر على قدم ... إليك تدفعني [3] سهل وأجبال
فقالوا لي: اتبع الشيخ، فتبعته، فكانت الأرض تطوى لنا، فوافينا حرّان وهم يصلون الصبح. سكن- رحمه الله تعالى- حرّان إلى أن توفي. قاله ابن الأهدل.
وفيها أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد التّنوخي المعرّي ثم الدّمشقي [4] ، صاحب ديوان الإنشاء في الدولة النّورية، عاش خمسا وثمانين سنة.
وفيها المهذّب بن الدّهّان عبد الله بن أسعد بن علي الموصلي [5] الفقيه الشافعي الأديب الشاعر النحوي، ذو الفنون، دخل يوما على نور الدّين الشهيد، فقال له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت كما لا يريد الله ولا رسوله، ولا أنت ولا أنا، ولا ابن عصرون، فقال نور الدّين: كيف ذلك؟
فقال: لأن الله ورسوله يريدان مني الإعراض عن الدّنيا والإقبال على الآخرة ولست كذلك، وأنت تريد منّي أن لا أسألك شيئا ولست كذلك، وأنا أريد من نفسي أن أكون أسعد الناس ولست كذلك، وابن عصرون يريد مني أن أكون مقطّعا إربا إربا ولست كذلك، فضحك منه وأمر له بصلة.
وقال العماد الكاتب: لما وصل السلطان صلاح الدّين إلى حمص، خرج إلينا ابن الدّهّان، فقدّمته وقلت: هذا الذي يقول في قصيدة يمدح بها ابن رزّيك:
__________
[1] البلبال: الهم ووسواس الصدر. انظر «مختار الصحاح» (بلل) .
[2] المهامه: المفاوز. انظر «مختار الصحاح» (مهه) .
[3] في «غربال الزمان» : «ترفعني» .
[4] انظر «العبر» (4/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 145) .
[5] انظر «العبر» (4/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 176- 177) .(6/443)
أأمدح التّرك أبغي الفضل عندهم ... والشّعر ما زال عند التّرك متروكا
فأعطاه السلطان مائة دينار، وقال: حتى لا تقول إنه متروك عند التّرك، فامتدحه بقصيدته العينية التي يقول فيها:
أعلمت بعدك وقفتي بالأجرع ... ورضا طلولك عن دموعي الهمّع
لا قلب لي فأعي الكلام فإنني ... أودعته بالأمس عند مودّعي
قل للبخيلة بالسلام تورّعا ... كيف استبحت دمي ولم تتورّعي
هل تسمحين ببذل أيسر نائل ... أن أشتكي وجدي إليك وتسمعي
أو سائلي جسدي ترى أين العنا ... أو فاسألي إن شئت شاهد أدمعي
فالسّقم آية ما أجنّ من الجوى ... والدّمع بيّنة على ما أدّعي
وله في غلام لسبته [1] نحلة في شفته:
بأبي من لسبته نحلة ... آلمت أكرم شيء وأجل
أثّرت لسبتها في شفة ... ما براها الله إلّا للقبل
حسبت أنّ بفيه بيتها ... إذ رأت ريقته مثل العسل
توفي بحمص في شعبان، وكان مدرسا بها.
وفيها عبد الحقّ بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو محمد الأزدي الإشبيلي [2] الحافظ، ويعرف بابن الخرّاط، أحد الأعلام، ومؤلف «الأحكام الكبرى» و «الصغرى» و «الجمع بين الصحيحين» وكتاب «الغريبين في اللغة» وكتاب «الجمع بين [الكتب] الستة» [3] وغير ذلك. روى عن أبي الحسن شريح وجماعة، نزل بجاية، وولي خطابتها، وبها توفي بعد محنة لحقته من
__________
[1] جاء في «لسان العرب» (لسب) : لسبته الحيّة والعقرب الزّنبور ... لدغته.
[2] انظر «العبر» (4/ 243- 244) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 198- 202) .
[3] تصحفت لفظة «الستة» في «آ» و «ط» إلى «السنة» ولفظة «الكتب» سقطت منهما والتصحيح من «العبر» و «كشف الظنون» (1/ 600) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 199) .(6/444)
الدولة في ربيع الآخر عن إحدى وسبعين سنة، وكان مع جلالته في العلم قانعا متعفّفا موصوفا بالصلاح والورع ولزوم السّنّة.
وفيها الإمام السّهيلي أبو زيد، وأبو القاسم، وأبو الحسن، عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد العلّامة الأندلسي [1] المالقي النّحوي، الحافظ العلم، صاحب التصانيف، منها «الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام» و « [التعريف و] الإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام» [2] وكتاب «نتائج الفكر» [3] ومسألة رؤية الله- عزّ وجل- في المنام، وروية النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومسألة السرّ في عور الدّجال، ومسائل كثيرة، وله أبيات الفرج المشهورة.
قال ابن دحية أنشدنيها، وقال: ما يسأل الله بها أحد حاجة إلّا أعطاه إيّاها، وهي:
يا من يرى ما في الضّمير ويسمع ... أنت المعدّ لكلّ ما يتوقّع
يا من يرجّى للشدائد كلّها ... يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن ... أمنن فإنّ الخير عندك أجمع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة ... فلئن رددت فأي باب أقرع
[4]
__________
[1] انظر «إنباه الرواة» (2/ 162- 164) و «وفيات الأعيان» (3/ 143- 144) و «العبر» (4/ 244) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 157) و «البداية والنهاية» (12/ 318- 319) .
[2] نقوم بتحقيقه أنا وصديقي الأستاذ حسن مروة بالاعتماد على نسختين خطيتين، ونرجو الله عزّ وجل أن يعيننا على الانتهاء منه ودفعه إلى الطبع قريبا إن شاء الله تعالى.
ولابن عسكر كتاب سمّاه «التكملة والإتمام لكتاب التعريف والإعلام» استدرك به ما فات السّهيلي ذكره، وفي النية تحقيقه عقب الفراغ من تحقيق «التعريف والإعلام» إن شاء الله تعالى.
[3] تحرف اسم الكتاب في «آ» و «ط» إلى «نتائج النظر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «البداية والنهاية» .
[4] تأخر هذا البيت في «وفيات الأعيان» و «البداية والنهاية» إلى ما بعد البيت الذي يليه.(6/445)
ما لي سوى فقري إليك وسيلة ... وبالافتقار إليك فقري أدفع
من ذا الذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لمجدك أن تقنّط عاصيا ... الفضل أجزل والمواهب أوسع
[1] وله أشعار كثيرة نافعة، وكان مالكيا ضريرا، أخذ القراءات عن جماعة، وروى عن ابن العربي والكبار، وبرع في العربية واللغات والأخبار والأثر، وتصدّر للإفادة، وكان مشهورا بالصلاح، والورع، والعفاف، والقناعة بالكفاف، وأقام ببلده إلى أن نمى خبره إلى مرّاكش، فطلبه وإليها وأحسن إليه، وأقبل [بوجه الإقبال] عليه، وأقام بها نحو ثلاثة أعوام.
وهو منسوب إلى السّهيل، قرية بالقرب من مالقة بالأندلس.
وتوفي في شعبان في اليوم الذي توفي فيه شيخ الإسكندرية أبو الطاهر ابن عوف، وعاش اثنتين وسبعين سنة.
وفيها عبد الرزاق بن نصر بن المسلم الدّمشقي النجّار [2] . روى عن ابن الموازيني وغيره، وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة.
وفيها ابن شاتيل أبو الفتح، عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا الدّبّاس [3] مسند بغداد. سمع الحسين بن البسري، وأبا غالب بن الباقلاني وجماعة، وتفرّد بالرواية عن بعضهم، ووهم من قال: إنه سمع من [ابن] البطر، توفي في رجب عن تسعين سنة.
وفيها عصمة الدّين الخاتون [4] بنت الأمير معين الدّين أنر زوجة
__________
[1] وزاد ابن فرحون في «الدّيباج المذهب» ص (151) طبع دار الكتب العلمية:
ثم الصّلاة على النّبيّ وآله ... خير الأنام ومن به يتشفّع
[2] انظر «العبر» (4/ 244) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 130) .
[3] انظر «العبر» (4/ 244- 245) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «سير أعلام النبلاء» (21/ 117- 118) .
[4] انظر «العبر» (4/ 245) .(6/446)
نور الدّين ثم صلاح الدّين، وواقفة المدرسة التي بدمشق للحنفية، وبنت خانقاه للصوفية على الشرف القبلي خارج باب النصر، وبنت تربة بقاسيون على نهر يزيد تجاه قبة جركس ودفنت بها، وهي في يومنا هذا داخل جامع الجديد بالصالحية، وأوقفت على هذه الأماكن أوقافا كثيرة.
وفيها الميّانشي [1] أبو حفص، عمر بن عبد المجيد القرشي، شيخ الحرم، تناول من أبي عبد الله الرّازي، وسمع من جماعة، وله كرّاس في علم الحديث. توفي بمكّة.
وفيها أبو المجد البانياسي الفضل بن الحسين الحميري عفيف الدّين الدمشقي [2] . روى عن أبي القاسم الكلابي، وأبي الحسن بن الموازيني.
توفي في شوال وله ست وثمانون سنة.
وفيها صاحب حمص الملك ناصر الدّين محمد بن الملك أسد الدّين شيركوه [3] ، وابن عم السلطان صلاح الدّين. كان فارسا شجاعا جريئا متطلعا إلى السلطنة، قيل: إنه قتله الخمر، وقيل: بل سقي السّمّ، مات يوم عرفة.
وفيها أبو سعد الصّائغ محمد بن عبد الواحد الأصبهاني [4] المحدّث. روى عن غانم البرجي، والحداد، وخلق.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الماشي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (4/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 157) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) و «منتخب مخطوطات الحديث في الظاهرية» للأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني ص (416) .
[2] انظر «العبر» (4/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 157) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 480) و «العبر» (4/ 246) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) .
[4] انظر «العبر» (4/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 129- 130) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) .(6/447)
وفيها أبو موسى المدينيّ [1] محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ، صاحب التصانيف، وله ثمانون سنة. سمع من غانم البرجي وجماعة من أصحاب أبي نعيم، ولم يخلّف بعده مثله. مات في جمادى الأولى، وكان مع براعته في الحفظ والرّجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقى.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 152- 159) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) .(6/448)
سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة
قال العماد الكاتب: أجمع المنجمون في هذا العام في جميع البلاد على خراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الرّيح، وخوّفوا بذلك الأعاجم والرّوم، فشرعوا في حفر مغارات، ونقلوا إليها الماء والزّاد [1] وتهيئوا، فلما كانت الليلة التي عيّنها المنجمون لمثل ريح عاد، ونحن جلوس عند السلطان، والشموع توقد فلا تتحرك، ولم نر ليلة مثل ركودها.
وفيها توفي العلّامة عبد الله بن برّي أبو محمد المقدسي ثم المصري [2] النّحوي، صاحب التصانيف، وله ثلاث وثمانون سنة. روى عن أبي صادق المديني وطائفة، وانتهى إليه علم العربية في زمانه، وقصد من البلاد لتحقيقه وتبحّره، ومع ذلك فله حكايات في التغفّل [3] وسذاجة الطبع، كان يلبس الثياب الفاخرة، ويأخذ في كمّه العنب [مع الحطب] والبيض، فيقطر على رجله ماء العنب، فيرفع رأسه ويقول: العجب! إنها [4] تمطر مع
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «والأزواد» .
[2] انظر «إنباه الرواة» (2/ 110- 111) و «العبر» (4/ 247- 248) وما بين حاصرتين في الترجمة مستدرك منه و «سير أعلام النبلاء» (21/ 136- 137) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الفضل» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.
[4] في «آ» و «ط» : «إنما» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.(6/449)
الصحو، وكان يتحدث ملحونا، ويتبرم بمن يخاطبه بإعراب، وهو شيخ الجزولي.
وفيها أبو السعود أحمد بن المبارك الزاهد الحريمي [1] . كان عطّارا فأقامه الله، فانقطع إليه، وصحب الشيخ عبد القادر الكيلاني، وله كرامات، وكان لا يأكل حتّى يطعم، ولا يشرب حتّى يسقي، ولا يلبس ثوبا حتّى يجعل في عنقه، ولا يتكلم إلّا جوابا، ولا يزال على طهارة، مستقبل القبلة، وقع عليه سقف، فجاء جذع فكسر رؤوس أضلاعه فلم يتحرك، حتى جاء أصحابه فأزالوا السقف عنه، فأقام عشرين سنة لا يعلم أحد أن أضلاعه مكسّرة حتّى مات، فوجدوها على المغتسل مكسّرة.
وفيها عبد الرّحمن بن جامع بن غنيمة بن البنّاء البغدادي الأزجي الميداني [2] الفقيه الحنبلي الزاهد، أبو الغنائم، ويسمى أيضا غنيمة.
ولد سنة خمسمائة تقريبا، وسمع الحديث من أبي طالب اليوسفي وغيره، وتفقّه على أبي بكر الدّينوري، وقرأ الخلاف على أسعد الميهني، وبرع، وأفتى، وناظر، ودرّس بمسجده، وكان عارفا بالمذهب، صالحا، تقيا.
قال ابن النجار: كان فقيها فاضلا ورعا زاهدا، مليح المناظرة، حسن المعرفة بالمذهب والخلاف. وحدّث عنه الشيخ موفق الدّين وغيره، وتوفي ليلة الاثنين ثامن شوال ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها علي بن مكّي [3] بن عبد الله أبو الحسن الضرير المقرئ الفقيه
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 502) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 353- 354) .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن عكبر» .(6/450)
الحنبلي الأزجي [1] . قرأ القرآن، وسمع الحديث الكثير من ابن ناصر، وابن البطي، وغيرهما، وتفقّه على أبي حكيم النّهرواني، وكان من أهل الدّين والصلاح.
توفي ليلة الأربعاء عاشر شوال، ودفن بباب حرب إلى جانب شيخه أبي حكيم.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 354) .(6/451)
سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة
فيها افتتح صلاح الدّين بالشام فتحا مبينا، ورزق نصرا متينا، وهزم الفرنج وأسر ملوكهم، وكانوا أربعين ألفا، ونازل القدس وأخذه، وكان المنجمون قد قالوا له: تفتح القدس وتذهب عينك الواحدة، فقال: رضيت أن أفتحه وأعمى، فافتتحها بعد أن كانت بأيدي الفرنج أكثر من تسعين سنة [1] ثم أخذ عكا، ثم جال فافتتح عدة حصون، ودخل على المسلمين سرور لا يعلمه إلّا الله تعالى.
وفيها قتل ابن الصّاحب [2] ببغداد، ولله الحمد، فذلّت الرافضة.
وفيها توفي عبد الجبّار بن يوسف البغدادي [3] ، شيخ الفتوة وحامل لوائها، كان قد علا شأنه بكون الناصر الخليفة يمضي إليه، توفي حاجّا بمكّة.
وفيها عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي [4] المحدّث الزاهد أبو العزّ [5] بن [أبي] حرب [6] الحنبلي، محدّث بغداد.
__________
[1] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي وتعليقي عليه ص (22) طبع دار ابن كثير.
[2] انظر «العبر» (4/ 248) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 164- 165) واسمه هبة الله وكنيته مجد الدّين.
[3] انظر «العبر» (4/ 249) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 133) .
[4] انظر «العبر» (4/ 249) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 354- 358) .
[5] في «آ» و «ط» : «أبو العزيز» والتصحيح من «العبر» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[6] ما بين حاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» .(6/452)
ولد سنة خمسمائة تقريبا، وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وابن كادش، وغيرهما، وعني بهذا الشأن، وحصّل الأصول، ولم يزل يسمع حتّى سمع من أقرانه، وتفقّه على القاضي أبي الحسين بن الفرّاء، وكان صالحا متدينا صدوقا أمينا، حسن الطريقة، جميل السيرة، حميد الأخلاق، مجتهدا في اتباع السّنّة والآثار، منظورا إليه بعين الديانة والأمانة، وجمع وصنّف وحدّث، ولم يزل يفيد الناس إلى حين وفاته، وبورك له، حتى حدّث بجميع مروياته، وسمع منه الكبار.
قال الدّبيثي: عني بطلب الحديث وسماعه، وجمعه من مظانه، وخرّج وصنّف، وكان ثقة صالحا صاحب طريقة حميدة، وكتبنا عنه ونعم الشيخ كان، وروى عنه الشيخ موفق الدّين، والحافظ عبد الغني، وغيرهما، وقدم دمشق وحدّث بها.
وقال ابن الحنبلي: سمعت من عبد المغيث، وكان حافظا زاهدا ورعا، كنت إذا رأيته خيّل إليّ أنه أحمد بن حنبل غير أنه كان قصيرا، وتوفي ليلة الأحد ثالث عشر [1] المحرم، ودفن بتكة قبر الإمام أحمد.
قال الذهبي: صنف جزءا في «فضائل يزيد» أتى فيه بالموضوعات.
وفيها قاضي القضاة ابن الدّامغاني أبو الحسن علي بن أحمد ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي [2] وله سبعون سنة، وكان ساكنا وقورا محتشما، حدّث عن ابن الحصين وطائفة، وولي القضاء بعد موت قاضي القضاة أبي القاسم الزّينبي ثم عزل عند موت المقتفي، فبقي معزولا إلى سنة سبعين، ثم ولي إلى أن مات.
__________
[1] في «ط» : «ثالث عشري» .
[2] انظر «العبر» (4/ 249) و «الجواهر المضية» (2/ 538- 540) .(6/453)
وفيها ابن المقدّم الأمير الكبير شمس الدّين محمد بن عبد الملك [1] كان من أعيان أمراء الدولتين، وهو الذي سلّم سنجار إلى نور الدّين ثم تملّك بعلبك، وعصى على صلاح الدّين مدة، فحاصره ثم صالحه، وناب له بدمشق، وكان بطلا شجاعا محتشما عاقلا، شهد في هذا العام الفتوحات.
وحجّ فلما حلّ بعرفات رفع علم السلطان صلاح الدّين وضرب الكوسات، فأنكر عليه أمير ركب العراق [2] طاشتكين، فلم يلتفت [إليه] ، وركب في طلبه، وركب طاشتكين، فالتقوا، وقتل جماعة من الفريقين، وأصاب ابن المقدّم سهم في عينه فخرّ صريعا، وأخذ طاشتكين ابن المقدّم فمات من الغد بمنى [3] ، وهو باني المدرسة المقدّمية، والتربة والخان داخل باب الفراديس.
وفيها مخلوف بن علي بن جارة أبو القاسم المغربي ثم الإسكندراني [4] المالكي، أحد الأئمة الكبار، تفقّه به أهل الثغر زمانا.
وفيها أبو السعادات القزّاز نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد الشيباني الحريمي [5] مسند بغداد. سمع جدّه أبا غالب القزّاز، وأبا القاسم الرّبعي، وطائفة، وتوفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها أبو بكر محمد بن نصر الخرقي القاشاني، الحافظ الثقة،
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 250) و «النجوم الزاهرة» (6/ 105) .
[2] لفظة «العراق» سقطت من «العبر» المطبوع في الكويت واستدركت في المطبوع في بيروت، ولفظة «إليه» التي بين حاصرتين مستدركة من الطبعتين.
[3] ضبطها محقق «العبر» طبع الكويت بضم الميم وهو خطأ، وتبعه محقق طبعة بيروت فتصحح فيهما.
[4] انظر «العبر» (4/ 250) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 134) .
[5] انظر «العبر» (4/ 250) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 132- 134) و «النجوم الزاهرة» (6/ 106) .(6/454)
الناقد النبيل، كما قال ابن ناصر الدّين [1] .
وفيها أبو الفتح بن المنّي ناصح الإسلام نصر بن فتيان بن مطر النّهرواني ثم البغدادي [2] الحنبلي، فقيه العراق، وشيخ الحنابلة على الإطلاق. روى عن أبي الحسن بن الزّاغوني وطبقته، وتفقّه على أبي بكر الدّينوري، وكان ورعا زاهدا متعبدا، على منهاج السلف الصالح، تخرّج به أئمة.
قال الشيخ ناصح الدّين بن الحنبلي: رحلت إليه فوجدت مسجده بالفقهاء والقراء معمورا، وكل فقيه عنده من فضله وإفضاله مغمورا، فأنخت راحلتي بربعه، وحططت زاملة بغيتي على شرعة شرعه، فوجدت الفضل الغزير، والدّين القويم المنير، [والفحر المستطيل المستطير، والعالم الخبير] [3] ، فتلقاني بصدر بالأنوار قد شرح، ومنطق بالأذكار قد ذكر ومدح، وبباب إلى كل باب من الخيرات قد شرع وفتح، فتح الله تعالى عليه. حفظ القرآن العظيم وهو في حداثة من سنّه، ولاحت عليه أعلام المشيخة، فرجح منه على كل فنّ [4] بفضل الله ومنّه.
ثم قال: لم ننقل [عنه] أنه لعب ولا لها، ولا طرق باب طرب، ولا مشى إلى لذّة ومشتهى.
وقال: قال لي ابن المنّي: تقدمت في زمن أقوام ما كنت أصلح أن أقدّم مداسهم.
وقال لي- رحمه الله تعالى-: ما أذكر أحدا قرأ عليّ القرآن إلّا حفظه، ولا سمع درس الفقه إلّا انتفع.
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (169/ آ) .
[2] انظر «العبر» (4/ 251) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 137- 138) و «النجوم الزاهرة» (6/ 106) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 358- 365) .
[3] ما بين حاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4] في «آ» و «ط» : «على كلّ من» والمثبت من «ذيل طبقات الحنابلة» .(6/455)
ثم قال: هذا حظي من الدّنيا.
قال ابن الحنبلي: وما تزوّج ولا تسرى، ولا ركب بغلة ولا فرسا، ولا ملك مملوكا، ولا لبس الثياب الفاخرة إلّا لباس التقوى، وكان أكثر طعامه يشرب في قدح ماء الباقلّاء.
وكان إذا فتح عليه بشيء فرّقه بين أصحابه.
وكان لا يتكلم في الأصول، ويكره من يتكلم فيه، سليم الاعتقاد، صحيح الانتقاد في الأدلة الفروعية.
وقال ابن رجب: (صرف همته طول عمره إلى الفقه أصولا وفروعا، مذهبا وخلافا، واشتغالا وإشغالا ومناظرة، وتصدّر للدرس والاشتغال [1] والإفادة وطال عمره وبعد صيته، وقصده الطلبة من البلاد، وشدت إليه الرّحال في طلب الفقه، وتخرّج به أئمة كثير، منهم: ابن الجوزي، وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه وإلى أصحابه) لأن فقهاء زماننا إنما يرجعون في الفقه من جهة [الشيوخ و] الكتب إلى الشيخين: موفق الدّين المقدسي، ومجد الدّين بن تيمية الحرّاني.
فأما الشيخ الموفق فهو تلميذ ابن المنّي، وعنه أخذ الفقه.
وأما ابن تيمية، فهو تلميذ تلميذه أبي بكر بن الحلاوي.
وكان مرض ابن المنّي الإسهال، وذلك من تمام السعادة، لأن مرض البطن شهادة، وتوفي به يوم السبت رابع شهر رمضان، ودفن يوم الأحد، ونودي في النّاس بموته، فانثال من الخلائق والأمم عدد لا يحصى، وازدحم الناس، وخيف من الفتن فنفّذ الولاة الأجناد والأتراك بالسلاح، ومات عن اثنتين وثمانين سنة، ولم يخلّف مثله.
__________
[1] في «ط» : «والإشغال» وما بين القوسين لم أره في «ذيل طبقات الحنابلة» الذي بين يدي.(6/456)
وفيها الزاهد عبد الغني [بن أبي بكر] بن شجاع البغدادي [1] الحنبلي، المعروف بابن نقطة [2] .
قال السخاوي: هو مشهور بالتقلل والإيثار والزهد، وكان له ببغداد زاوية يأوي إليها الفقراء، ولم يكن في عصره من يقاومه في التجريد. كان يفتح عليه قبل غروب الشمس بألف دينار فيفرّقها والفقراء صيام، فلا يدّخر لهم منها شيئا، ويقول: نحن لا نعمل بأجرة، يعني لا نصوم وندخر ما نفطر عليه، وزوّجته أم الخليفة الناصر بجارية من خواصها، وجهزتها بعشرة آلاف دينار، فما حال الحول وعنده سوى هاون، فجاء فقير فوقف على الباب، وقال: لي ثلاثة أيام ما أكلت شيئا، فأخرج إليه الهاون وقال: لا تشنّع على الله، كل بهذا ثلاثين يوما.
وقال ابن شهبة في «تاريخه» : وكان له أخ مزكلش ينشد كان وكان ومواليا في الأسواق، ويسحر الناس في رمضان، فقيل له: أخوك زاهد العراق وأنت هكذا؟ فأنشد مواليا:
قد خاب من شبّه الجزعة إلى درّه ... وسام قحبة إلى مستحسنة حرّه
أنا مغنّي وخي زاهد إلى مرّه ... بيرين في دار ذي حلوة وذي مرّة
انتهى.
وتوفي في رابع جمادى الآخرة ببغداد، ويأتي ذكر ولده محمد في سنة ثمان وعشرين وستمائة، إن شاء الله تعالى.
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (125/ آ) : «عبد الغني بن شجاع أبو بكر البغدادي» والتصحيح من ترجمة ولده الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الغني في «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 300) و «وفيات الأعيان» (4/ 392) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 347) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الثالثة والستون) ص (344) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] أقول: قال الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (22/ 349) : «سئل أبو بكر عن نقطة، فقال: هي جارية عرفنا بها، ربت شجاعا جدّنا. (ع) .(6/457)
وفيها مجد الدّين ابن الصّاحب، هبة الله بن علي. ولي أستاذ داريّة [1] المستضيء، ولما ولي النّاصر رفع منزلته وبسط يده، وكان رافضيّا سبّابا، تمكّن وأحيا شعار الإمامية، وعمل كلّ قبيح، إلى أن طلب إلى الديوان فقتل، وأخذت حواصله، فمن ذلك ألف ألف دينار، وعاش إحدى وأربعين سنة. قاله في «العبر» [2] .
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (125/ آ) «راية» وهو خطأ، وما أثبته من «العبر» وفي «سير أعلام النبلاء» : «أستاذ دار» .
[2] (4/ 251) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 164- 165) .(6/458)
سنة أربع وثمانين وخمسمائة
دخلت وصلاح الدّين يصول ويجول بجنوده على الفرنج، حتّى دوّخ بلادهم، وبثّ سراياه، وافتتح أخوه الملك العادل الكرك بالأمان في رمضان، وسلّموها لفرط القحط.
وفيها توفي أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ، الأمير الكبير، مؤيد الدولة، أبو المظفر، الكناني الشّيزري [1] . كان من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر [2] وعلمائهم وشجعانهم، له تصانيف عديدة في فنون الأدب والأخبار والنظم، وفيه تشيع.
قال العماد الكاتب في «الخريدة» : سكن دمشق ثم نبت به كما تنبو الدار بالكريم، فانتقل إلى مصر، فبقي فيها مؤمّرا مشارا إليه بالتعظيم إلى أيام الصالح بن رزّيك، ثم عاد إلى الشام وسكن دمشق، ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا، فأقام به حتّى ملك السلطان صلاح الدّين دمشق، فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين.
وقال ابن خلّكان [3] : له ديوان شعر في جزأين موجود بأيدي الناس، ورأيته بخطّه ونقلت منه:
__________
[1] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الشيرازي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[2] قال ياقوت: «شيزر» قلعة تشتمل على كورة بالشام قرب المعرّة. انظر «معجم البلدان» (3/ 383) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 196- 199) وقد نقل المؤلف كلام العماد الكاتب المتقدم عنه.(6/459)
لا تستعر جلدا على هجرانهم ... فقواك تضعف عن صدود دائم
واعلم بأنّك إن رجعت إليهم ... طوعا وإلّا عدت عودة راغم
وله جواب عن أبيات كتبها أبوه إليه:
وما أشكو تلوّن أهل ودّي ... ولو أجدت شكيّتهم شكوت
مللت [1] عتابهم ويئست منهم ... فما أرجوهم فيمن رجوت
إذا أدمت قوارضهم فؤادي ... كظمت على أذاهم وانطويت
ورحت عليهم طلق المحيّا ... كأنّي ما سمعت ولا رأيت
تجنّوا لي ذنوبا ما جنتها ... يداي ولا أمرت ولا نهيت
ولا والله ما أضمرت غدرا ... كما قد أظهروه ولا نويت
ويوم الحشر موعدنا فتبدو ... صحيفة ما جنوه وما جنيت
وله وقد قلع ضرسه، وقال: عملتهما ونحن بظاهر خلاط، وهو معنى غريب، ويصلح أن يكون لغزا في الضرس:
وصاحب لا أملّ الدّهر صحبته ... يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد
لم ألقه مذ تصاحبنا فمذ وقعت ... عيني عليه افترقنا فرقة الأبد
[2] توفي يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان، ودفن من الغد شرقي جبل قاسيون.
وفيها عبد الرّحمن بن محمد بن حبيش القاضي أبو القاسم الأنصاري المريّيّ [3] ، نزيل مرسية، عاش ثمانين سنة، وقرأ القراءات على
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ملكت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وديوانه ص (115) .
[2] رواية البيت في «وفيات الأعيان» :
لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا ... لناظريّ افترقنا فرقة الأبد
[3] في «آ» و «ط» : «المري» والتصحيح من «العبر» (4/ 252) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 119) .(6/460)
جماعة، ورحل بعد ذلك، فسمع بقرطبة من يونس بن محمد بن مغيث والكبار، وكان من أئمة الحديث، والقراءات، والنحو، واللغة، ولي خطابة مرسية وقضاءها مدة، واشتهر ذكره وبعد صيته، وكانت الرحلة إليه في زمانه، وقد صنّف كتاب «المغازي» في عدة مجلدات [1] .
وفيها عمر بن بكر بن محمد بن علي القاضي عماد الدّين بن الإمام شمس الأئمة الجابريّ [2] الزّرنجري- بفتح الزاي والراء الأولى والجيم، وسكون النون، نسبة إلى زرنجرا قرية ببخارى [3]- شيخ الحنفية في زمانه بما وراء النهر، ومن انتهت إليه رئاسة الفقه، توفي في شوال عن نحو تسعين سنة.
وفيها التّاج المسعودي محمد بن عبد الرحمن البنجديهي [4]- بفتح الموحدة وسكون النون، وفتح الجيم، وبعد الدال المهملة تحتية، نسبة إلى بنج دية خمس قرى بمرو الرّوذ [5]- الخراساني الصّوفي الشافعي، الرحّال الأديب، مات عن اثنتين وثمانين سنة بدمشق، وسمع من أبي الوقت وطبقته، وأملى بمصر مجالس، وعني بهذا الشأن، وكتب وسعى، وجمع فأوعى، وصنّف شرحا طويلا للمقامات.
قال يوسف بن خليل الحافظ: لم يكن في نقله بثقة.
وقال بن النجار: كان من الفضلاء في كلّ فنّ، في الفقه، والحديث، والأدب، وكان من أظرف المشايخ وأجملهم.
__________
[1] في «سير أعلام النبلاء» : «في خمس مجلدات» .
[2] في «آ» و «ط» : «الخابوري» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[3] انظر «العبر» (4/ 253) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 172- 173) و «الجواهر المضية» (2/ 640- 641) .
[4] انظر «العبر» (4/ 253) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 173- 175) .
[5] انظر «معجم البلدان» (1/ 498) .(6/461)
وفيها أبو الفتح بن التّعاويذي [1] محمد بن عبيد الله [2] ، الكاتب الشاعر المشهور، نسب إلى التّعاويذي لأنه نشأ في حجره، وهو جدّه لأمه، كان شاعرا لطيفا، عذب الكلام، سهل الألفاظ، سار نظمه في الآفاق، وتقدم على شعراء العراق وعمي في آخر عمره، وجمع ديوانه بنفسه.
قال ابن خلّكان: كان شاعر وقته، لم يكن فيه مثله، جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها، ورقة المعاني ودقتها، وهو في غاية الحسن والحلاوة، وفيما أعتقده لم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه، وله في عماه أشياء كثيرة يرثي عينيه وزمان شبابه ونضرته. وكان قد جمع ديوانه بنفسه قبل العمى، وعمل له خطبة ظريفة، ورتبه أربعة فصول، وكل ما جدده بعد ذلك سماه الزيادات، فلهذا يوجد ديوانه خاليا من الزيادات، وفي بعضها مكملا بالزيادات، ولما عمي كان باسمه راتب في الديوان، فالتمس أن ينقل باسم أولاده فنقل، وكان وزير الديوان ابن البلدي قد عزل أرباب الدواوين وحبسهم وحاسبهم وصادرهم وعاقبهم، فقال فيه ابن التّعاويذي:
يا ربّ أشكو إليك ضرّا ... أنت على كشفه قدير
أليس صرنا إلى زمان ... فيه أبو جعفر وزير
وكانت ولادة ابن التّعاويذي في العاشر من رجب يوم الجمعة، سنة تسع عشرة وخمسمائة، وتوفي في ثاني شوال.
والتّعاويذي: نسبة إلى كتب التّعاويذ وهي الحروز.
وفيها أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم، المعروف
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 466- 473) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 175- 176) و «العبر» (4/ 253) .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» والتصحيح من مصادر الترجمة المذكورة في التعليق السابق.(6/462)
بالحازمي- بالحاء المهملة نسبة إلى جدّه- الهمذاني [1] الشافعي الملقب زين الدّين. كان فقيها حافظا زاهدا ورعا متقشفا، حافظا للمتون والأسانيد، غلب عليه علم الحديث، وصنّف فيه تصانيفه المشهورة، منها «الناسخ والمنسوخ» في الحديث، لم يصنّف في فنّه مثله، وكتاب «المشتبه» وكتاب «سلسلة الذهب» فيما روى الإمام أحمد عن الشافعي، وفي شروط الأئمة وغيرها من التصانيف النافعة، واستوطن بغداد، ولازم الاشتغال والتعبد إلى أن مات ليلة الاثنين الثامن والعشرين من جمادى الأولى، ودفن في الشونيزية مقابل الجنيد، وكان قد فرّق كتبه على أصحاب الحديث.
قال الإسنوي [2] : ولا نعلم أحدا ممن ترجمنا له توفي أصغر سنا منه، [وذلك] عكس القاضي أبي الطيب، وأبي طاهر الزّيّادي. نقل عنه في «الروضة» في أثناء كتاب القضاء، أن الذين أدركتهم من الحفّاظ كانوا يميلون إلى جواز إجازة غير المعين بوصف العموم، كأجزت [3] للمسلمين ونحوه، ثم صحّحه النّووي. انتهى.
وفيها ابن صدقة الحرّاني [4] أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة، التّاجر السفّار. راوي «صحيح مسلم» عن الفراوي. شيخ صالح صدوق، كثير الأسفار، سمع في كهولته الكتاب المذكور، وعمّر سبعا وتسعين سنة، توفي في ربيع الأول بدمشق، وله بها أوقاف وبرّ.
وفيها يحيى بن محمود بن سعد الثقفي أبو الفرج الأصبهاني [5]
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 167- 172) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 414) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[3] تحرفت في «طبقات الشافعية» للإسنوي إلى «كأجرة» فتصحح من هنا.
[4] انظر «العبر» (4/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 193- 194) .
[5] انظر «العبر» (4/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 134- 135) .(6/463)
الصوفي، حضر في أول عمره على الحداد وجماعة، وسمع من جعفر بن عبد الواحد الثقفي، وفاطمة الجوزدانية، وجدّه لأمه أبي القاسم، صاحب «الترغيب والترهيب» . وروى الكثير بأصبهان، والموصل، وحلب، ودمشق، وتوفي بنواحي همذان، وله سبعون سنة.(6/464)
سنة خمس وثمانين وخمسمائة
فيها توفي أبو العبّاس [التّرك] أحمد بن أحمد بن محمد بن ينال الأصبهاني [1] شيخ صوفيّة بلده ومسندها. سمع أبا مطيع، وعبد الرحمن الدّوني، وببغداد أبا علي بن نبهان، وتوفي في شعبان في عشر المائة.
وفيها ابن الموازيني أبو الحسين أحمد بن حمزة بن أبي الحسين علي بن الحسن السّلمي [2] . سمع من جدّه، ورحل إلى بغداد في الكهولة، فسمع من أبي بكر بن الزّاغوني وطبقته، وكان صالحا خيّرا محدّثا فهما، توفي في المحرم، وهو في عشر التسعين.
وفيها ابن أبي عصرون [3] ، قاضي القضاة. فقيه الشام، شرف الدّين أبو سعد، عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المطهّر بن علي بن أبي عصرون التّميمي الحديثي [4] ثم الموصلي، أحد الأعلام، ومولده في ربيع الأول سنة
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 255) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 124- 125) و «النجوم الزاهرة» (6/ 110) وما بين حاصرتين مستدرك منها جميعا.
[2] انظر «العبر» (4/ 255- 256) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 161- 162) و «النجوم الزاهرة» (6/ 110) .
[3] انظر «العبر» (4/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 125- 129) .
[4] نسبة إلى حديثة الفرات، وتعرف بحديثة النورة، وهي على فراسخ من الأنبار. انظر «معجم البلدان» (2/ 230- 231) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 33- 36) .(6/465)
اثنتين، وقيل: ثلاث وتسعين وأربعمائة. تفقّه بالموصل وسمع بها من أبي الحسن بن طوق، ثم رحل إلى بغداد، فقرأ القراءات على أبي عبد الله البارع، وسبط الخيّاط، وسمع من أبي الحصين وطائفة، ودرس النحو والأصلين، ودخل واسط وتفقّه بها، ورجع إلى الموصل بعلوم جمّة، ودرّس بها وأفتى، ثم سكن سنجار مدة، ثم قدم حلب ودرّس بها، وأقبل عليه نور الدّين، فقدم معه عند ما افتتح دمشق، وولي القضاء لصلاح الدّين سنة ثلاث وسبعين، وله مصنفات كثيرة، منها: «الانتصار» في أربع مجلدات، و «صفوة المذهب في نهاية اختصار نهاية المطلب» في سبع مجلدات، وغير ذلك.
قال الشيخ موفق الدّين بن قدامة: كان ابن أبي عصرون إمام أصحاب الشافعي.
وقال ابن الصلاح في «طبقاته» : كان من أفقه أهل عصره، وإليه المنتهى في الفتاوى والأحكام، وتفقّه به خلق كثير. انتهى.
وبنى له نور الدّين المدارس بحلب، وحماه، وحمص، وبعلبك، وبنى هو لنفسه مدرسة بحلب وأخرى بدمشق، وتوفي في شهر رمضان، وله ثلاث وتسعون سنة.
وفيها أبو طالب الكرخي [1] ، صاحب ابن الخلّ، واسمه المبارك بن المبارك، شيخ الشافعية بوقته في بغداد، وصاحب الخطّ المنسوب، ومؤدّب أولاد الناصر لدين الله. درّس بالنظامية بعد أبي الخير القزويني، وتفقّه به جماعة، وحدّث عن ابن الحصين، وكان ربّ علم وعمل ونسك وورع، وكان أبوه مغنيا فتشاغل الابن بضرب العود، حتّى شهدوا له أنه في طبقة
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 257) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 224) .(6/466)
معبد، ثم أنف من ذلك، فجوّد الكتابة حتّى زاد بعضهم، وقال هو: أكتب من ابن البوّاب، ثم اشتغل بالفقه فبلغ في العلم الغاية.
وفيها محمود بن علي بن أبي طالب أبو طالب التّميمي الأصفهاني الشافعي.
قال ابن خلّكان [1] : تفقّه على محمد بن يحيى، وبرع في علم الخلاف، وصنّف فيه تعليقة [2] مشهورة، وكانت عمدة المدرسين في إلقاء الدروس، ويعدون تاركها قاصر الفهم عن إدراكها، واشتغل عليه خلق كثير، فصاروا أئمة، وكان خطيبا واعظا، له اليد الطولى في الوعظ، ودرّس بأصبهان مدة.
وقال الذهبي: كان ذا يقين في العلوم، وله تعليقة جمّة المعارف، وتوفي في شوال.
وفيها- كما قال ابن ناصر الدّين [3]- يوسف بن أحمد الشيرازي.
كان حافظا نقّادا بارعا، شيخ الصوفية ببغداد. انتهى.
وفيها البحراني [4] الشاعر المشهور، تفنن في الأدب، واشتغل بكتب الأوائل، وحلّ كتاب إقليدس، وهو منسوب إلى البحرين بليدة فوق هجر، لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الإحساء قدرها ثلاثة أميال، وكرهوا أن يقولوا البحري فيشتبه بالنسبة إلى البحر. قاله ابن الأهدل في «تاريخه» .
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 174) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار.
[2] في «آ» و «ط» : «طريقة» وما أثبته موافق لما في «وفيات الأعيان» .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (169/ ب) .
[4] هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن قائد، الملقب موفق الدّين الإربلي أصلا ومنشأ البحراني. انظر «وفيات الأعيان» (5/ 9- 12) و «مرآة الجنان» (3/ 431- 432) .(6/467)
سنة ست وثمانين وخمسمائة
دخلت والفرنج محدقون بعكا، والسلطان في مقاتلتهم، والحرب مستعر، فتارة يظهر هؤلاء، وتارة يظهر هؤلاء، وقدمت عساكر الأطراف مددا لصلاح الدّين، وكذلك الفرنج أقبلت في البحر من الجزائر البعيدة، وفرغت السنة والناس كذلك.
وفيها توفي أبو المواهب، الحسن بن هبة الله بن محفوظ، الحافظ الكبير، ابن صصرى التّغلبي الدمشقي [1] . سمع من جدّه، ونصر الله المصّيصي وطبقتهما، ولزم الحافظ ابن عساكر وتخرّج به، ثم رحل وسمع بالعراق من ابن البطّي وطبقته، وبهمذان من أبي العلاء الحافظ وعدة، وبأصبهان من ابن ماشاذه وطبقته، وبالجزيرة والنواحي، وبرع في هذا الشأن، وجمع وصنّف، مع الثقة، والجلالة، والكرم، والرئاسة عاش تسعا وأربعين سنة وكان ثبتا.
وفيها أبو القاسم سيف الدّين عبد الله بن عمر بن أبي بكر [المقدسي] [2] الفقيه الحنبلي الإمام.
ولد سنة تسع وخمسين وخمسمائة بقاسيون، ورحل إلى بغداد، فسمع
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 258) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 264- 266) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 371- 373) وما بين حاصرتين مستدرك منه.(6/468)
بها من جماعة، وتفقّه، وبرع في معرفة المذهب والخلاف والمناظرة، وقرأ النحو على أبي البقاء، وحفظ «الإيضاح» [1] لأبي علي، وقرأ العروض، وله فيه تصنيف.
قال الحافظ الضياء: اشتغل بالفقه، والخلاف، والفرائض، والنحو، وصار إماما عالما ذكيا فطنا فصيحا، مليح الإيراد، حتّى إنني سمعت بعض الناس يقول عن بعض الفقهاء: ما اعترض السيف على دليل إلّا ثلم دليله.
قاله ابن رجب.
وكان حسن الخلق والخلق، أنكر منكرا ببغداد، فضربه الذي أنكر عليه، فكسر ثنيته، ثم إنه مكّن من ذلك الرجل، فلم يقتص منه، وغزا مع صلاح الدّين، وسافر إلى حرّان، فتوفي بها شابا في حياة أبيه، وتوفي في شوال، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو العلاء نجم الدّين عبد الوهاب بن شرف الإسلام عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي الأصل الأنصاري [2] شيخ الحنابلة بالشام في وقته.
قال ولده ناصح الدّين عبد الرحمن: ولد والدي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وأفتى ودرّس وهو ابن نيف وعشرين سنة إلى أن مات، وما زال محترما معظما قويا، ولما مرض مرض الموت، رآني وقد بكيت، فقال: أيش بك؟ قلت: خيرا، قال: لا تحزن عليّ أنا ما توليت قضاء ولا شحنكية، ولا حبست ولا ضربت، ولا دخلت بين الناس، ولا ظلمت أحدا، فإن كان لي ذنوب فبيني وبين الله عزّ وجلّ، ولي ستون سنة أفتي الناس، والله
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الإفصاح» وهو خطأ، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وهو لأبي علي الفارسي.
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 368- 371) .(6/469)
ما حابيت في دين الله تعالى.
وكان الشيخ الموفق وأخوه أبو عمر إذا أشكل عليهما شيء سألا والدي، وتوفي ثاني عشري ربيع الآخر، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها عز الدّين عبد الهادي بن شرف الإسلام الحنبلي.
كان فقيها واعظا شجاعا، حسن الصوت بالقرآن، شديد القوى، شديدا في السّنّة، تحكى عنه حكايات عجيبة في شدة قوته، منها أنه بارز فارسا من الفرنج، فضربه بدبوس فقطع ظهره وظهر الفرس فوقعا جميعا، وكان في صحبة أسد الدّين شيركوه إلى مصر، وشاهده جماعة رفع الحجر الذي على بئر جامع دمشق فمشى به خطوات ثم رده إلى مكانه، وبنى مدرسة بمصر، ومات قبل تمامها، وتوفي بمصر. وهو أخو نجم الدّين المذكور قبله.
وفيها علي بن محمد بن علي بن الزّيتوني [1] الفقيه الحنبلي، المقرئ الضرير، أبو الحسن، المعروف بالبرابدسي وبرابدس [2] قرية من قرى بغداد.
قال ابن القطيعي: سألته عن مولده فقال: ما أعلم، ولكني ختمت القرآن سنة ثمان وخمسمائة.
قال: وسمع من ابن الحصين وغيره، وتفقّه، وناظر، وأفتى، ودرّس.
وقال المنذري في «وفياته» : مولده سنة ثمانين وأربعمائة. انتهى.
وفيها أبو بكر بن الجدّ محمد بن عبد الله بن يحيى الفهري الإشبيلي [3] الحافظ النحوي. ختم «كتاب سيبويه» على أبي الحسن بن
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 131- 132) بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف، طبع مؤسسة الرسالة و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 366- 368) .
[2] كذا في «آ» و «ط» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «بالبراندسي، وبراندس ... » .
[3] انظر «العبر» (4/ 258) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 177- 179) .(6/470)
الأخضر، وسمع «صحيح مسلم» من أبي القاسم الهوزني [1] ، ولقي بقرطبة أبا محمد بن عتّاب وطائفة، وبرع في الفقه، والعربية، وانتهت إليه الرئاسة في الحفظ، وقدم للشورى [2] في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وعظم جاهه وحرمته، وتوفي في شوال، وله تسعون سنة.
وفيها محيي الدّين قاضي القضاة أبو حامد محمد بن قاضي القضاة كمال الدّين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن الشّهرزوري [3] الشافعي، تفقّه ببغداد على أبي منصور بن الرزّاز، وناب بدمشق عن أبيه، ثم ولي قضاء حلب، ثم الموصل، وتمكن من صاحبها عز الدّين مسعود إلى الغاية.
قال ابن خلّكان: قيل: إنه أنعم في ترسله مرة إلى بغداد بعشرة آلاف دينار على الفقهاء، والأدباء، والشعراء، ويقال: إنه في مدة حكمه بالموصل لم يعتقل غريما على دينارين فما دونها، بل يوفي ذلك عنه، وتحكى [4] عنه رئاسة ضخمة ومكارم كثيرة.
ومن شعره في وصف جرادة:
لها فخذا بكر وساقا نعامة ... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم
حبتها أفاعي الرّمل بطنا وأنعمت ... عليها جياد الخيل بالرأس والفم
وتوفي بالموصل في جمادى الأولى، وله اثنتان وستون سنة.
وفيها محمد بن المبارك بن الحسين أبو عبد الله [5] بن أبي السعود
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الهوازني» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «للستوري» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 246- 248) و «العبر» (4/ 259) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 101- 102) و «مرآة الجنان» (3/ 432) .
[4] في «وفيات الأعيان» : و «يحكى» .
[5] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .(6/471)
الحلاوي الحربي [1] المقرئ. روى بالإجازة عن أبي الحسين بن الطّيوري وجماعة، ثم ظهر سماعه بعد موته من جعفر السرّاج وغيره، وعاش ثلاثا وتسعين سنة.
وفيها أبو الفضل مسعود بن علي بن النّادر البغدادي [2] . قرأ على أبي بكر المزرفي، وسبط الخيّاط، وكتب عن قاضي المارستان فمن بعده فأكثر، ونسخ مائة وإحدى وعشرين ختمة، وعاش ستين سنة، وتوفي في المحرم.
وفيها ابن الكيّال أبو الفتح، نصر الله بن علي [3] الفقيه الحنفي، مقرئ واسط. أخذ العشرة عن علي بن علي بن شيران [4] ، وأبي عبد الله البارع، وأخذ العربية عن ابن الشّجري، وابن الجواليقي، وتفقّه، ودرّس، وناظر، وولي قضاء واسط، توفي في جمادى الآخرة، عن أربع وثمانين سنة، وحدّث عن ابن الحصين.
وفيها زين الدّين يوسف بن زين الدّين علي بن كوجك [5] ، صاحب إربل وابن صاحبها، مظفر الدّين، مات مرابطا على عكا.
وفيها الفقيه نجم الدّين محمد بن الموفق الصّوفي الزاهد الشافعي الخبوشاني [6] . تفقّه على محمد تلميذ الغزالي، وكان يستحضر كتابه «المحيط في شرح الوسيط» وصنّف عليه كتابا سماه «تحقيق المحيط» ستة
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 259- 260) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 131 و 150) .
[2] انظر «العبر» (4/ 260) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 150) .
[3] انظر «العبر» (4/ 260) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 559- 560) و «الجواهر المضية» (2/ 198) طبعة حيدر أباد.
[4] تحرفت في «ط» إلى «بشران» .
[5] انظر «العبر» (4/ 260) .
[6] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (7/ 14- 21) و «مرآة الجنان» (3/ 433) .(6/472)
عشر مجلدا، وكان صلاح الدّين يعتقد فيه ويبالغ في احترامه [1] ، وعمّر له مدرسة الشافعي، فعمد إلى قبر ابن الكيراني الظاهري، وهو من غلاة أهل السّنّة فنبشه من عند الشافعي، وقال: لا يكون صدّيق وزنديق في موضع واحد، فثارت عليه الحنابلة بمصر، ووقع فتنة بسبب ذلك، ودفن نجم الدّين تحت رجلي الشافعي بينهما شباك، وكان يوصف بسلامة الباطن وقلة المعرفة بأحوال أهل الدّنيا. قاله ابن الأهدل.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وكان صلاح الدين يعتقده» وما أثبته من «مرآة الجنان» .(6/473)
سنة سبع وثمانين وخمسمائة
فيها توفي الموفق أسعد بن المطران [1] الطبيب. كان نصرانيا فأسلم، وكان غزير المروءة، حسن الأخلاق، متعصبا للناس عند السلطان، وكان يتوالى أهل البيت، وكان يحب صبيا اسمه عمر، فقال ابن عنين:
قالوا الموفّق شيعيّ فقلت لهم ... هذا خلاف الذي للنّاس منه ظهر
وكيف يصبح دين الرّفض مذهبه ... وما دعاه إلى الإسلام غير عمر
وكان يعود المرضى من الفقراء، ويحمل إليهم الأشربة من عنده والأدوية، حتى أجرة الحمّام، وكان مليح الصورة، ومات بدمشق ودفن بقاسيون على قارعة الطريق عند دار زوجته واسمها جوزه، وبنت إلى جانب تربته مسجدا ويعرف بدار جوزه.
وفيها الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللّخمي الدمشقي الخرقي [2] الشافعي. روى عن ابن الموازيني، وعبد الكريم بن حمزة وجماعة، وكان فقيها متعبدا يتلو كلّ يوم وليلة ختمة، أعاد مدة بالأمينية، وتوفي في ذي القعدة وسنّه ثمان وثمانون سنة.
__________
[1] انظر «مرآة الزمان» (8/ 263- 264) (مخطوط) وفيه: «ابن البطران» و «الأعلام» للزركلي (1/ 300) الطبعة الرابعة، ولقبه عندهما «موفق الدّين» .
[2] انظر «العبر» (4/ 261) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 196- 197) .(6/474)
وفيها الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور [1] الشّاطبي الكاتب، وهو آخر من سمع من أبي علي بن سكّرة، وسمع أيضا من جماعة، وكان منشئا بليغا مفوها شاعرا، وتوفي في صفر.
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري الأندلسي المريّيّ [2] أبو محمد عبد الله [3] المقرئ الصالح. كان حافظا غاية في الورع والصلاح والعدالة، برع في هذا الشأن. قاله ابن ناصر الدّين [4] .
وفيها أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن المظفّر الفراوي النيسابوري [5] ، مسند خراسان. سمع من جدّه، وأبي بكر الشيروئي [6] وجماعة، وتفرّد في عصره، وتوفي في أواخر شعبان عن سنّ عالية.
وفيها تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المظفّر [7] ، صاحب حماة وأحد الأبطال الموصوفين. كان عمه صلاح الدّين يحبه ويعتمد عليه، وكان يتطاول للسلطنة ولا سيما لما مرض صلاح الدّين، فإنه
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن مفاوز» والتصحيح من «العبر» (4/ 261) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 150) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المري» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «التبيان شرح بديعة البيان» .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» وما أثبته هو الصواب.
[4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (170/ آ) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 251- 255) .
[5] انظر «العبر» (4/ 262) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 179- 180) .
[6] في «آ» و «ط» و «العبر» : «الشيروي» وما أثبته من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 158) و «سير أعلام النبلاء» .
[7] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 456- 458) و «العبر» (4/ 262) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 202- 203) و «دول الإسلام» (2/ 99) .(6/475)
كان نائبه على مصر، سار إلى ميّافارقين، وإلى خلاط فأخذهما، وحاصر منازكرد فمرض في رمضان ومات يوم الجمعة، وكان معه ولده المنصور محمد فكتم موته إلى ميّفارقين [1] وبنيت له مدرسة بظاهر حماة ودفن بها، واستقر ولده محمد المنصور بحماة.
وفيها قزل أرسلان بن إلدكز [2] ملك أذربيجان، وأرّان، وهمذان، وأصبهان، والرّيّ بعد أخيه البهلوان محمد، قتل غيلة على فراشه في شعبان.
وفيها السّهروردي الفيلسوف المقتول شهاب الدّين يحيى بن حبش ابن أميرك [3] . أحد أذكياء بني آدم. كان رأسا في معرفة علوم الأوائل، بارعا في علم الكلام، مناظرا محجاجا متزهدا زهد مردكة وفراغ، مزدريا للعلماء مستهزئا، رقيق الدّين. قدم حلب واشتهر اسمه، فعقد له الملك الظاهر غازي ولد السلطان صلاح الدّين مجلسا، فبان فضله وبهر علمه، فارتبط عليه الظاهر واختص به، وظهر للعلماء منه زندقة وانحلال، فعملوا محضرا بكفره وسيّروه إلى صلاح الدّين وخوّفوه من أن يفسد عقيدة ولده، فبعث إلى ولده بأن يقتله بلا مراجعة، فخيّره السلطان فاختار أن يموت جوعا، لأنه كان له عادة بالرياضة [4] ، فمنع من الطعام حتّى تلف، وعاش ستا وثلاثين سنة. قاله في «العبر» .
وقال السيف الآمدي: رأيته كثير العلم، قليل العقل، قال لي: لا بد لي أن أملك الأرض.
__________
[1] قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» : وقيل: بل توفي ما بين خلاط وميّافارقين.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 209) و «العبر» (4/ 262) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 268- 274) و «العبر» (4/ 263- 265) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 207- 211) .
[4] في «العبر» بطبعتيه: «بالرياضيات» .(6/476)
وقال ابن خلّكان [1] : هو يحيى بن حبش، وقيل اسمه أحمد، وقيل اسمه كنيته، أبو الفتوح، وقيل عمر، والأول أصح، كان من علماء عصره.
قرأ الحكمة وأصول الفقه على الشيخ مجد الدّين الجيلي بمدينة مراغة من أعمال أذربيجان، إلى أن برع فيهما، وهذا مجد الدّين الجيلي هو شيخ فخر الدّين الرازي، وعليه تخرّج وبصحبته انتفع، وكان إماما في فنونه.
قال في «طبقات الأطباء» [2] : كان السّهروردي أوحد أهل زمانه في علوم الحكمية، جامعا للفنون الفلسفية [3] ، بارعا في أصول الفقه مفرط الذكاء، [فصيح العبارة] ، وكان علمه أكثر [4] من عقله. قال: ويقال عنه إنّه كان يعرف علم السيمياء. حكى بعض فقهاء العجم: أنه كان في صحبته، وقد خرجوا من دمشق، قال: فلما وصلنا إلى القابون، الذي هو على باب دمشق في طريق من يتوجه إلى حلب، لقينا قطيع غنم مع تركماني، فقلنا للشيخ: يا مولانا نريد من هذا الغنم رأسا نأكله، فقال: هذه عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم، فاشترينا من أحدهم رأسا ومشينا قليلا، فلحقنا رفيق لمن باعنا وقال: ردوا هذا الرأس وخذوا أصغر منه، فإن هذا ما عرف يبيعكم، وتقاولنا نحن وإيّاه، فلما عرف الشيخ ذلك قال لنا: خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه [5] وأرضيه، فتقدمنا نحن، وبقي الشيخ يتحدث معه ويطيّب قلبه، فلما مضينا قليلا تركه وتبعنا، وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه، ولما لم
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 268- 272) .
[2] يعني «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» والكلام فيه ص (641 وما بعدها) طبع مكتبة دار الحياة ببيروت.
[3] في «آ» و «ط» : «في العلوم الحقيقية والفلسفة» والتصحيح من «عيون الأنباء» و «وفيات الأعيان» وما بين حاصرتين زيادة منهما.
[4] في «آ» و «ط» : «أكبر» وما أثبته من «عيون الأنباء» و «وفيات الأعيان» .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وأضيعه» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .(6/477)
يكلمه لحقه بغيظ وجذب يده اليسرى وإذا بيد الشيخ انخلعت من عند كتفه وبقيت بيد التركماني. ودمها يجري، فبهت التركماني وتحيّر في أمره، ورمى اليد وخاف، فأخذ الشيخ اليد بيده اليمنى ولحقنا، فلما وصل إلينا رأينا في يده اليمنى منديلا لا غير.
ويحكى عنه أشياء مثل هذه كثيرة، والله أعلم بصحتها.
وله تصانيف، فمن ذلك «التنقيحات» في أصول الفقه، و «التلويحات» و «الهياكل» وغير ذلك.
وله أشعار، فمن ذلك ما قاله في النفس على مثال أبيات ابن سينا:
خلعت هياكلها بجرعاء الحمى ... وصبت لمغناها القديم تشوقا
وتلفّتت نحو الدّيار فشاقها ... ربع عفت أطلاله فتمزّقا
وقفت تسائله فردّ جوابها ... رجع الصدى أن لا سبيل إلى اللّقا
فإذا بها برق تألّق بالحمى ... ثم انطفى [1] فكأنه ما أبرقا
ومن شعره المشهور أيضا:
أبدا تحن إليكم الأرواح ... ووصالكم ريحانها والرّاح
وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم ... وإلى لذيذ لقائكم ترتاح
وا رحمتا للعاشقين تكلّفوا ... ستر المحبة والهوى فضّاح
وهي طويلة.
وله في النظم والنثر أشياء لطيفة، وكان شافعي المذهب، وكان يتّهم بانحلال العقيدة والتعطيل، ويعتمد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «ثم انطوى» .(6/478)
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان دنيء الهمّة، زري الخلقة، دنس الثياب، وسخ البدن، لا يغسل له ثوبا ولا جسما ولا يدا، ولا يقصّ ظفرا ولا شعرا، وكان القمل يتناثر على وجهه ويسعى على ثيابه، وكل من يراه يهرب منه، وهذه الأشياء تنافي الحكمة والعقل والشرع.
وقال ابن الأهدل: قيل: قتل وصلب أياما، وقيل: خيّر في أنواع القتل، فاختار القتل بالجوع، لاعتياده الرياضة [1] ، فمنع من الطعام حتّى تلف.
وقال ابن شدّاد: أقمت بحلب فرأيت أهلها مختلفين فيه، منهم من يصدقه ومنهم من يزندقه، والله أعلم.
وفيها أبو طاهر يحيى بن مقبل بن أحمد بن بركة بن عبد الملك التيمي القرشي الحريمي البغدادي [2] الحنبلي، المعروف بابن الصدر، وهو لقب جده عبد الواحد، ويعرف أيضا بابن الأبيض.
ولد في شعبان سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع من ابن الحصين، وأبي بكر الأنصاري، وغيرهما، وتفقّه في المذهب، وناظر في حلق الفقهاء وحدّث.
قال ابن القطيعي: كتبت عنه وكان ثقة، قال: وتوفي يوم الاثنين في شهر شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
__________
[1] في «ط» : «الرياضات» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 373- 374) .(6/479)
سنة ثمان وثمانين وخمسمائة
فيها أخذ سيف الدّين يافا بالسيف، ثم هادن الفرنج ثلاثة أعوام وثمانية أشهر.
وفيها توفي أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمد البغدادي المقرئ أبو العبّاس، المعروف بالعراقي [1] نزيل دمشق. قرأ القرآن على أبي محمد سبط الخيّاط، وسمع الحديث من ابن سهلون وغيره، ومهر في علم القراءات، ولقي المهذّب بن منير الشاعر بحلب وروى عنه، وقدم دمشق فسكنها من سنة أربعين إلى أن مات، وقعد للإقراء تحت قبة النسر، وكان حنبليا.
قال الشيخ موفق الدّين: كان إماما في السّنّة، داعيا إليها، إماما في القراءة، وكان ديّنا يقول الشعر الحسن.
وروى عنه الشيخ موفق الدّين وغيره، وتوفي في شعبان.
وفيها الجنزوي [2] أبو الفضل إسماعيل بن علي الشافعي الشّروطي
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 180) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 561) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 376- 377) وعنه نقل المؤلف الترجمة.
[2] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «الخبزوي» وهو خطأ والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 234) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 370) و «النجوم الزاهرة» (6/ 119) ويقال(6/480)
الفرضي من أعيان المحدّثين بدمشق وبها ولد. تفقّه على جمال الإسلام بن المسلم وغيره، وسمع من هبة الله بن الأكفاني وطبقته، ورحل إلى بغداد، فسمع أبا علي بن الباقرحي، وابن مرزوق والزّعفراني والكبار، وكتب الكثير، وكان بصيرا بعقد الوثائق والسجلات، وتوفي في جمادى الأولى عن تسعين سنة.
وفيها موفق الدّين خالد بن الأديب [1] البارع محمد بن نصر القيسراني أبو البقاء [2] الكاتب، صاحب الخط المنسوب. كان صدرا نبيلا وافر الحشمة، وزر للسلطان نور الدّين الشهيد، وسمع بمصر من عبد الله بن رفاعة، وتوفي بحلب.
وفيها أبو جعفر بن السّمين عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي الورّاق [3] الحنبلي المقرئ المحدّث الزاهد، نزيل الموصل.
ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وسمع الكثير من أبي منصور القزّاز وغيره، وتفقّه على أبي الحسن، وأبي بكر ابني الزّاغوني، وغيرهما، وحدّث بالكثير ببغداد والموصل، وكان صالحا ثقة ديّنا صدوقا، من أهل التقشف والصلاح والنسك، يأكل من كسب يده، توفي في العشر الأخير من شهر رمضان بالموصل، ودفن بتل توبه.
وفيها أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبّة البغدادي الطحّان [4] . روى عن ابن الحصين، وزاهر، وقدم حرّان، فورى بها «المسند» في نسبته: «الجنزي» أيضا نسبة إلى «جنزة» بلدة من العجم، بين أذربيجان وإرمينية، وهي التي يقال لها «كنجة» .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الوليد» والتصحيح من «العبر» .
[2] انظر «العبر» (4/ 266) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 175) .
[4] انظر «العبر» (4/ 266- 267) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 227- 229) .(6/481)
وكان فقيرا صبورا، توفي في ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة.
وحبّة: بباء موحدة.
وفيها علي بن مكّي بن جرّاح بن علي البغدادي [1] الفقيه الحنبلي الزاهد، أبو الحسن، تفقّه على أبي الفتح بن المنّي وأبي يعلى بن أبي خازم، وبرع في الفقه، وأفتى وناظر، وكان زاهدا عابدا، توفي في حادي عشري صفر ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو الحسن علي بن أبي العزّ بن عبد الله الباجرّائي- بفتح الموحدة والجيم، وتشديد الراء، نسبة إلى باجرّا قرية بالجزيرة [2]- الفقيه الحنبلي الزاهد.
كان يسكن بمدرسة الشيخ عبد القادر، وسمع الكثير من أبي الوقت، وابن البطي، وغيرهما، وحدّث باليسير، وسمع منه جماعة من الفقهاء، وكان صالحا ورعا متدينا، ذا عبادة وزهد، وجمع كتابا في تفسير القرآن الكريم في أربع مجلدات، وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة، ودفن بباب حرب.
وفيها الأمير سيف الدّين المشطوب، مقدّم الجيوش، علي بن أحمد ابن صاحب قلاع الهكّارية أبي الهيجاء الهكّاري [3] ، نائب عكا. لما أخذت الفرنج عكا أسروه، ثم اشتري بمبلغ عظيم، وكان شجاعا صابرا في الحرب، مطاعا في قبيلته، دخل مع أسد الدّين شيركوه إلى مصر، وشهد فتحها، وأقطعه السلطان نابلس، فجار نوابه على أهلها فشكوا إلى السلطان
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 378) .
[2] وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «الباجسرائي» وهي نسبة إلى «باجسرا» قرية كبيرة بنواحي بغداد. انظر «الأنساب» (2/ 17) .
[3] انظر «العبر» (4/ 267) .(6/482)
وهو مار بهم واستغاثوا، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: يتظلمون من ابن المشطوب وأصحابه، وهو راكب بين يديه، فقال له السلطان: لو كان هؤلاء يدعون لك هيهات أن يسمع الله، فكيف وهم يدعون عليك؟ ثم أقطعه صلاح الدّين القدس، فتوفي بها في شوال، وكان ابنه عماد الدّين بن المشطوب من كبراء الأمراء بمصر.
وفيها راشد الدّين أبو الحسن سنان بن سلمان [1] ، مقدّم الإسماعيلية، وصاحب الدعوة بقلاع الشام، وأصله من البصرة.
قدم إلى الشام في أيام نور الدّين الشهيد، وأقام في القلاع ثلاثين سنة، وجرت له مع السلطان صلاح الدّين وقائع وقصص، ولم يعط طاعة قطّ، وعزم السلطان على قصده بعد صلح الفرنج، وكان قد قرأ كتب الفلسفة والجدل.
قال المنتجب: أرسلني السلطان إلى سنان مقدّم الإسماعيلية ومعي القطب النيسابوري، وأرسل معنا تخويفا وتهديدا فلم يجبه، بل كتب على طرّة كتاب السلطان:
يا ذا الذي بقراع السيف هدّدني ... لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قام الحمام على البازي يهدّده [2] ... وكشّرت لأسود الغاب أضبعه
إنّا منحناك عمرا كي تعيش به ... فإن رضيت وإلّا سوف ننزعه
أضحى يسدّ فم الأفعى بإصبعه ... يكفيه ماذا تلاقي منه أصبعه
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 182- 190) و «دول الإسلام» (2/ 100) وفيهما مات سنة (589) وراجع ما كتبه العلّامة الزركلي في هامش ترجمته من كتابه «الأعلام» (3/ 141) فهو مفيد نافع.
[2] رواية هذه الشطرة في «سير أعلام النبلاء» :
جاء الغراب إلى البازي يهدده
ولكنها أدرجت في سياق الكلام النثري والأصح أن تفصل في سطر مستقل وأن تثبت نقط مكان الشطرة الثانية من البيت ويثبت قول المؤلف: «وذكر الأبيات» في سطر مستقل، ثم يثبت قوله: «وقال: هذا جوابه إلخ» في سطر جديد.(6/483)
ثم كتب بعد الأبيات خطبة بليغة مضمونها عدم الخوف والطاعة، فلما يئس صلاح الدّين منه، جنح إلى صلحه فصالحه، ودخل في مرضاته.
قال اليونيني في «تاريخه» : إن سنانا سيّر رسولا وأمره أن لا يؤدي رسالته إلّا خلوة، ففتشه السلطان صلاح الدّين فلم يجد معه ما يخافه، فأخلى له المجلس إلّا نفرا يسيرا، فامتنع من أداء الرسالة حتّى يخرجوا، فخرجوا كلهم غير مملوكين صغيرين، فقال: هات رسالتك، فقال: أمرت أن لا أقولها إلّا في خلوة، فقال: هذان ما يخرجان، قال: ولم؟ قال: لأنهما مثل أولادي، فالتفت الرسول إليهما وقال: إذا أمرتكما عن مخدومي بقتل هذا السلطان تقتلانه؟ قالا: نعم. وجذبا سيفهما، فبهت السلطان، وخرج الرسول وأخذهما معه، فجنح صلاح الدّين إلى الصلح وصالحه ودخل في مرضاته.
انتهى.
وفيها قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش ابن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق التّركي السلجوقي [1] صاحب الرّوم، وحمو الناصر لدين الله. امتدت أيامه وشاخ وقويت [2] عليه أولاده وتصرفوا في ممالكه في حياته، وهي قونية، وأقسر، وسيواس، وملطية، وعاش سلطانا أكثر من ثلاثين سنة، وتملّك بعده ابنه غياث الدّين.
وفيها ابن مجبر [3] الشاعر أبو بكر بن يحيى بن عبد الجليل الفهري ثم الإشبيلي، صاحب الأندلس في عصره، وهو كثير القول في يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 267) و «دول الإسلام» (2/ 100) و «النجوم الزاهرة» (6/ 117) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «وقوي» .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن مجير» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 215) و «فوات الوفيات» (4/ 275) و «نفح الطيب» (3/ 237) .(6/484)
وفيها أبو المرهف وأبو الفتح أيضا، نصر بن منصور بن الحسن النّميري [1] الأديب الشاعر الحنبلي.
ولد يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة بالرافقة بقرب رقّة الشام، وكان من أولاد أمراء العرب. نشأ بالشام وخالط أهل الأدب، وقال الشعر الفائق وهو مراهق، وأصابه جدري، وله أربع عشرة سنة فضعف بصره حتّى كان لا يبصر إلّا ما قرب منه، ثم قدم بغداد لمعالجة بصره، فأيس [2] الأطباء منه، فعمي، وأقام ببغداد، وسكن باب الأزج، فحفظ القرآن العظيم، وسمع الحديث من أبي الحصين، والقاضي أبي بكر، وابن ناصر، وغيرهم، وتفقّه وقرأ العربية والأدب على ابن الجواليقي، وصحب العلماء والصالحين، كالشيخ عبد القادر وغيره، ومدح الخلفاء والوزراء، وله ديوان شعر حدّث به، وكان فصيح القول، حسن المعاني، ذا دين وصلاح وتصلب في السّنّة، وسمع منه القطيعي وغيره، وروى عنه جماعة.
ومن شعره- وقد سئل عن مذهبه واعتقاده-:
أحبّ عليا والبتول وولدها ... ولا أجحد الشيخين حقّ التّقدّم
وأبرأ ممّن نال عثمان بالأذى ... كما كنت أبرا من ولاء ابن ملجم
ويعجبني أهل الحديث بصدقهم ... فلست إلى قوم سواهم بمنتمي
[3]
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 213- 214) و «البداية والنهاية» (12/ 353) و «النجوم الزاهرة» (6/ 118) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 374) - 376) .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «فآيسه» .
[3] كذا هي الشطرة الثانية من البيت في «آ» و «ط» و «البداية والنهاية» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
وفي «سير أعلام النبلاء» :
مدى الدهر في أفعالهم والتكلّم(6/485)
ومن شعره أيضا:
سبرت شرائع العلماء طرّا ... فلم أر كاعتقاد الحنبليّ
فكن من أهله سرّا وجهرا ... تكن أبدا على النهج السّويّ
هم أهل الحديث وما عرفنا ... سوى القرآن والنّص الجليّ
ومنه أيضا:
وزهّدني في جميع الأنا ... م قلّة إنصاف من يصحب
هم النّاس ما لم تجرّبهم ... وطلس الذئاب إذا جرّبوا
ولم تك تسلم عند البعا ... د منهم، فكيف إذا قرّبوا
[1] توفي يوم الثلاثاء ثامن عشري ربيع الآخر، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «إذا تقرّبوا» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» .(6/486)
سنة تسع وثمانين وخمسمائة
وتسمى سنة الملوك.
فيها توفي بكتمر السلطان سيف الدّين صاحب خلاط، توفي في جمادى الأولى، وكان فيه دين وإحسان إلى الرّعية، وله همّة عالية، ضرب لنفسه الطبل في أوقات الصلوات الخمس، قتله بعض الإسماعيلية. قاله في «العبر» [1] .
وفيها صاحب مكّة داود بن عيسى بن فليتة بن أبي هاشم العلوي الحسني [2] ، وكانت مكّة تكون له تارة ولأخيه مكثّر تارة.
وفيها محمود سلطان شاه أخو الملك علاء الدّين خوارزم شاه ابنا أرسلان بن محمد الخوارزمي [3] . تملّك بعد أبيه سنة ثمان وسبعين، ثم قوي عليه [4] أخوه وحاربه، وتنقّلت به الأحوال، ثم وثب على مدينة مرو، وكان نظيرا لأخيه في الجلالة والشجاعة، دفع الغزّ عن مرو، ثم تجمعوا له وحاربوه وقتلوا رجاله ونهبوا خزائنه، فاستعان على حربهم بالخطا، وجاء
__________
[1] (4/ 268) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 277- 278) .
[2] انظر «العبر» (4/ 268) و «العقد الثمين» (4/ 354- 356) .
[3] انظر «العبر» (4/ 268- 269) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 218- 219) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «على» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.(6/487)
بجيش عرمرم، واستولى على مملكة مرو، وسرخس، ونسا، وأبيورد، ووردت الخطا بمكاسب عظيمة من مال المسلمين، ثم أغار على بلاد الغوري، وظلم وعسف، ثم التقى هو والغوريّة فهزموه، ووصل إلى مرو في عشرين فارسا، وجرت له أمور طويلة، وتوفي في سلخ رمضان.
وفيها الحضرمي قاضي الإسكندرية أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد [1] المالكي [2] . روى عن محمد بن أحمد الرّازي وغيره.
وفيها صاحب الموصل السلطان عز الدّين مسعود بن مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر.
قال ابن الأثير [3] : بقي عشرة أيام لا يتكلم إلا بالشهادتين وبالتلاوة، ورزق خاتمة خير، وكان كثير الخير والإحسان، يزور الصالحين ويقرّبهم ويشفّعهم، وفيه حلم وحياء ودين. انتهى.
ودفن بمدرسته التي أنشأها بالموصل تجاه دار السلطنة، وتمكن بعده ولده نور الدّين.
وفيها السلطان صلاح الدّين الملك الناصر أبو المظفّر يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدّويني الأصل [4] أول دولة الأكراد وملوكهم.
قال ابن خلّكان [5] : اتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من دوين
__________
[1] قوله: «ابن محمد» سقط من «آ» .
[2] انظر «العبر» (4/ 269) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 216- 217) .
[3] انظر «الكامل» لابن الأثير (12/ 101- 102) .
[4] انظر «الكامل» لابن الأثير (12/ 95- 97) و «العبر» (4/ 270) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 278- 291) .
[5] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 139) .(6/488)
- بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون، وهي بلدة في آخر عمل أذربيجان من جهة أرّان وبلاد الكرج [1]- وإنهم أكراد رواديّة- بفتح الراء والواو وبعد الألف دال مهملة ثم ياء مثناة من تحتها مشددة وبعدها هاء، والروادية بطن من الفذّانيّه [2] بفتح الفاء والذال المعجمة، وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة مثناة من تحتها وبعدها هاء [3] ، قبيلة كبيرة من الأكراد- انتهى.
وقال الذهبي: هو تكريتيّ المولد. ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وكان أبوه شحنة تكريت، ملك البلاد ودانت له العباد، وأكثر من الغزو وأطاب، وكسر الفرنج مرّات، وكان خليقا بالملك، شديد الهيبة، محببا إلى الأمة، عالي الهمّة، كامل السؤدد، جمّ المناقب، ولي السلطنة عشرين سنة، وتوفي بقلعة دمشق في السابع والعشرين من صفر، وارتفعت الأصوات في البلد بالبكاء، وعظم الضجيج، حتّى إن العاقل يتخيل أن الدّنيا كلها تصيح صوتا واحدا، وكان أمرا عجيبا، فرحمه الله ورضي عنه. انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان شجاعا، سمحا، جوادا، مجاهدا في سبيل الله، يجود بالمال قبل الوصول إليه، وكان مغرما بالإنفاق في سبيل الله، وما كان يلبس إلّا ما يحل له لبسه، ومن جالسه لا يعلم أنه جليس سلطان، وكان شديد الرغبة في سماع الحديث. ادعى رجل عليه أن سنقر الخلاطي مملوكه مات على رقّه، فتزحزح عن طرّاحته وساواه في
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الكرد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» والكرج: مدينة بين همذان وأصبهان. انظر «معجم البلدان» .
[2] كذا في «آ» و «ط» وفي هامش «ط» علّق الأستاذ حسام الدّين القدسي رحمه الله بقوله: في ابن خلّكان: «الهذانية» وأما في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي فاللفظة طبعت على هذا النحو: «الهذبانية» فلتحرر.
[3] لفظة «هاء» سقطت من «آ» .(6/489)
الجلوس، وادعى الرجل، فرفع السلطان رأسه وقال: لمن تعرفون سنقر؟
قالوا: نشهد أنه مملوكك مات على رقّك، ولم يكن للرجل بيّنة فأسقط في يده، ثم إن السلطان وهب له خلعة ونفقة وبغلة.
وما شتم أحدا قطّ، ولا كتب بيده ما فيه أذى مسلم، وكان الحجّاب يزدحمون على طرّاحته، فجاء سنقر الخلاطي وقدّم له رقعة [1] يعلّم عليها، وكان السلطان قد مدّ يده اليمنى على الأرض ليستريح، فداس عليها سنقر ولم يعلم، وقال له: علّم لي على هذه القصة، وكرر القول، والسلطان لا يرد عليه، فقال له السلطان: أعلّم بيدي أو برجلي؟ فنظر سنقر فرأى يد السلطان تحت رجله، فخجل، وتعجب الحاضرون من حلمه.
وأول ما فتح الدّيار المصرية، والحجاز، ومكّة، والمدينة، واليمن من زبيد إلى حضرموت، متصلا بالهند، ومن الشام: دمشق، وبعلبك، وحمص، وبانياس، وحلب، وحماة. ومن الساحل: بلاد القدس، وغزة، وتل الصافية، وعسقلان، ويافا، وقيسارية، وحيفا، وعكا، وطبرية، والشّقيف، وصفد، وكوكب، والكرك، والشّوبك، وصيدا، وبيروت، وجبلة، واللّاذقية، والشّغر، وصهيون، وبلاطنس، ومن الشرق حرّان، والرّها، والرّقّة، ورأس عين، وسنجار، ونصيبين، وسروج، وديار بكر، وميّافارقين، وآمد، وحصونها، وشهرزور، ويقال: إنه فتح ستين حصنا، وزاد على نور الدّين بمصر، والمغرب، والحجاز، واليمن، والقدس، والساحل، وبلاد الفرنج، وديار بكر، ولو عاش لفتح الدّنيا شرقا وغربا، وبعدا وقربا، ولم يبلغ ستين سنة، وكذا نور الدّين، وكان له ستة عشر ولدا ذكرا وبنت واحدة، وأكبرهم الأفضل علي، وابنته مؤنسة خاتون، تزوّج بها الكامل بن العادل، وبنى الملك الأفضل قبة شمالي الجامع الأموي في جواره شباك إلى الجامع ونقله
__________
[1] لفظة «رقعة» سقطت من «آ» .(6/490)
إليها في يوم عاشوراء، سنة اثنتين وتسعين، ومشى الأفضل بين يدي تابوته، وأراد العلماء والفقهاء حمله على أعناقهم، فقال الأفضل: تكفي أدعيتكم الصالحة، وحمله مماليكه وأخرج من القلعة وأدخل إلى [1] الجامع، ووضع قدّام باب النسر، وصلّى عليه القاضي محيي الدّين بن الزّكي، ثم حمل على الرؤوس إلى بطن ملحده، ثم لحده الأفضل وجلس ثلاثة أيام للعزاء، وأنفقت ستّ الشام أخت السلطان في هذه الأيام أموالا عظيمة، وقد رأى بعض الصالحين النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في جماعة من أصحابه رضي الله عنهم وقد زاروا قبر صلاح الدّين، ولما مات اختلفت اخوته، وطمع الفرنج فأخذوا جبيلا حاصروها وبها جماعة من الأكراد فباعوها للفرنج. انتهى ما أورده ابن شهبة ملخصا.
وفيها أبو المظفّر منصور بن المبارك الواعظ، الملقب جرادة [2] . كان ظريفا كيّسا. ذكر يوما في وعظه حديث: «من قتل حيّة كان له قيراطان من الأجر، ومن قتل عقربا كان له قيراط» [3] فقام رجل فقال: يا سيدي، ومن قتل جرادة؟ قال: صلب على باب المسجد.
__________
[1] لفظة «إلى» سقطت من «آ» .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 197) .
[3] ذكره سبط ابن الجوزي في «مرآة الزمان» (8/ 272) في معرض ترجمته ولم يعزه لأحد، ولم أجده بهذا اللفظ، وفي معناه حديث «من قتل حية فكأنما قتل كافرا» ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (2/ 234) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وإسناده ضعيف، وانظر «ميزان الاعتدال» للحافظ الذهبي (4/ 492 و 493) .(6/491)
سنة تسعين وخمسمائة
فيها سار بنارس أكبر ملوك الهند، وقصد الإسلام، فطلبه شهاب الدّين الغوري، فالتقى الجمعان على نهر ماحون [1] .
قال ابن الأثير [2] : وكان مع الهنديّ سبعمائة فيل، ومن العسكر على ما قيل ألف ألف نفس، فصبر الفريقان، وكان النصر لشهاب الدّين، وكثر القتل في الهنود، حتّى جافت منهم الأرض، وأخذ شهاب الدّين تسعين فيلا وقتل بنارس ملك الهند، وكان قد شدّ أسنانه بالذهب، فما عرف إلّا بذلك، ودخل شهاب الدّين بلاد بنارس وأخذ من خزانته ألفا وأربعمائة حمل، ومن جملة الفيلة فيل أبيض حدّثني من رآه.
وفيها توفي القزويني العلّامة رضي الدّين أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطّالقاني، الفقيه الشافعي الواعظ.
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وتفقّه على الفقيه ملكداذ العمركيّ [3] ، وقرأ بالرّوايات على إبراهيم بن عبد الملك القزويني، وفاق
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» (4/ 270) وفي «الكامل» لابن الأثير (12/ 105) : «نهر ماجون» وفي «سير أعلام النبلاء» (22/ 215) : «نهر ماخون» .
[2] انظر «الكامل في التاريخ» (12/ 105- 106) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف تبعا للذهبي في «العبر» .
[3] في «آ» و «ط» : «ملكدار القزويني» وهو خطأ، وتحرفت «ملكداذ» في «العبر» بطبعتيه إلى «ملكدار» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» (21/ 191) .(6/492)
الأقران، وسمع من الفراوي، وزاهر [الشّحاميّ] [1] وخلق، ثم قدم بغداد قبل الستين ودرّس بها ووعظ، ثم قدمها قبل السبعين، ودرّس بالنظامية، وكان إماما في المذهب، والخلاف، والأصول، والتفسير، والوعظ، وروى كتبا كبارا، ونفق كلامه على الناس لحسن سمته، وحلاوة منطقه، وكثر محفوظاته، وكان صاحب قدم راسخ في العبادة، عديم النظير، كبير الشأن، رجع إلى قزوين سنة ثمانين ولزم العبادة إلى أن مات في المحرم.
قال ابن شهبة [2] : صنّف كتاب «البيان في مسائل القرآن» ردا على الحلولية [3] والجهمية، وصار رئيس الأصحاب، وكان يتكلم يوما وابن الجوزي يوما، ويحضر الخليفة من وراء الأستار، وتحضر الخلائق والأمم.
انتهى.
وفيها طغرل بك شاه بن أرسلان شاه بن طغرل بك بن محمد شاه السّلجوقي [4] السلطان، صاحب أذربيجان. طلب السلطنة من الخليفة، وأن يأتي بغداد ويكون على قاعدة الملوك السلجوقية سوى صاحب الرّوم، وكان سفاكا للدماء، قتل خلقا كثيرا.
قال السبط: رأيته وكأن وجهه القمر، ولم ير في زمانه أحسن صورة منه، قصده خوارزم شاه والتقيا على الرّيّ، فجاءته نشّابة في عينه فضربه مملوك له بالسيف فقتله وقطع رأسه، وحمله إلى خوارزم شاه، وهو آخر [الملوك] [5] السلجوقية، وعدتهم نيف وعشرون ملكا، ومدة ملكهم مائة وستون سنة.
__________
[1] زيادة من «سير أعلام النبلاء» .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 28- 29) .
[3] تحرفت في «آ» إلى «الحولية» .
[4] انظر «العبر» (4/ 272) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 267- 268) .
[5] ما بين حاصرتين تكملة من «مرآة الزمان» (8/ 284) و «سير أعلام النبلاء» .(6/493)
وفيها عبد الخالق بن فيروز الجوهري الهمذاني الواعظ، أكثر الترحال، وروى عن زاهر والفراوي وطائفة، ولم يكن ثقة ولا مأمونا. قاله في «العبر» [1] .
وفيها عبد الوهّاب بن علي القرشي الزّبيري الدمشقي الشّروطي، ويعرف بالحبقبق، والد كريمة. روى عن جمال الإسلام أبي الحسن السّلمي وجماعة، وتوفي في صفر.
وفيها الشّاطبي أبو محمد القاسم بن فيرّه- بكسر الفاء وسكون التحتية وتشديد الراء المضمومة، معناه بالعربي الحديد- بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرّعيني- بضم الراء وفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وبعدها نون، نسبة إلى ذي رعين، أحد أقيال اليمن- الشّاطبي الضرير المقرئ، صاحب القصيدة التي سمّاها «حرز الأماني ووجه التهاني» في القراءات وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا، ولقد أبدع فيها كل الإبداع، وهي عمدة قرّاء هذا الزمان في نقلهم، ولم يسبق إلى أسلوبها. روي عنه أنه كان يقول: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلّا وينفعه الله عزّ وجل، لأنني نظمتها لله تعالى مخلصا في ذلك، ونظم قصيدة دالية خمسمائة بيت، من حفظها أحاط علما بكتاب «التمهيد» لابن عبد البرّ، وكان عالما بكتاب الله تعالى، قراءة، وتفسيرا، وبحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مبرزا فيه، وكان إذا قرئ عليه «صحيح» البخاري ومسلم، و «الموطأ» يصحح النسخ من حفظه ويملي النّكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحد في علم النحو واللغة، عارفا بعلم الرؤيا، حسن المقاصد، مخلصا فيما يقول ويفعل. قرأ القرآن العظيم بالروايات على ابن هذيل الأندلسي وغيره، وسمع الحديث من ابن سعادة
__________
[1] (4/ 272) وانظر «ميزان الاعتدال» (2/ 543) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 243) .(6/494)
وغيره، وانتفع به خلق كثير، وكان يتجنب فضول الكلام، ولا ينطق في سائر أوقاته إلّا بما تدعو إليه ضرورة، ولا يجلس للإقراء إلّا على طهارة في هيئة حسنة، وتخشّع واستكانة، وكان يعتل العلّة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوه، وإذا سئل عن حاله قال: العافية، لا يزيد على ذلك، وكان كثيرا ما ينشد هذا اللغز في نعش الموتى:
أتعرف شيئا في السماء نظيره ... إذا سار صاح النّاس حيث يسير
فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا ... وكلّ أمير يعتليه أسير
يحضّ على التّقوى ويكره قربه ... وتنفر منه النفس وهو نذير
ولم يستزر عن رغبة في زيارة ... ولكن على رغم المزور يزور
وكانت ولادته سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وكان ثقة في نفسه، وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن بتربة القاضي الفاضل بالقرافة، وقبره مشهور مزور، وكان شافعي المذهب كما ذكره ابن شهبة في «طبقاته» [1] .
وفيها أبو مدين الأندلسيّ [2] الزاهد العارف شيخ أهل المغرب، شعيب بن الحسين، سكن تلمسان، وكان من أهل العمل والاجتهاد، منقطع القرين في العبادة والنسك، بعيد الصيت، ويسميه الشيخ محيي الدّين بن عربي بشيخ الشيوخ، ونشر الله ذكره، وتخرّج به جماعة من الفضلاء، كأبي عبد الله القرشي وغيره، وانتهى إليه كثير من العلماء المحقّقين وفضلاء الصالحين، كابن عربي، وله في الحقائق كلام واسع.
ومن شعره:
يا من علا فرأى ما في الغيوب وما ... تحت الثّرى وظلام الليل منسدل
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 43- 45) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 219- 220) .(6/495)
أنت الغياث لمن ضاقت مذاهبه ... أنت الدّليل لمن حارت به الحيل
إنّا قصدناك والآمال واثقة ... والكلّ يدعوك ملهوف ومبتهل
فإن عفوت فذو فضل وذو كرم ... وإن سطوت فأنت الحاكم العدل
طلبه سلطان المغرب، فلما وصل إلى تلمسان قال: ما لنا وللسلطان، نزور الإخوان، ثم نزل واستقبل القبلة وتشهّد وقال: ها قد جئت ها قد جئت وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى 20: 84 [طه: 84] فمات، ودفن في جبّانة العبّاد، وقد قارب الثمانين، وقبره بها مشهور مزور.
وفيها ابن الفخّار أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خلف الأنصاري المالقي [1] الحافظ، صاحب أبي بكر بن العربي. أكثر عنه، وعن شريح وخلق، وكان إماما ثقة مأمونا معروفا يسرد المتون والأسانيد، عارفا بالرجال واللغة، جليل القدر، طلبه السلطان ليسمع منه بمرّاكش فمات بها في شعبان وله ثمانون سنة.
وفيها محمد بن عبد الملك بن بونة العبدري [2] المالقي، ابن البيطار نزيل غرناطة، وآخر من روى بالإجازة عن أبي علي بن سكّرة. سمع أبا محمد بن عتّاب، وأبا بحر بن العاص، وعاش أربعا وثمانين سنة.
وفيها فخر الدّين بن الدّهّان محمد بن علي بن شعيب البغدادي الفرضي [3] الحاسب الأديب، النحوي الشاعر، جال في الجزيرة، والشام، ومصر، وصنّف الفرائض على شكل المنبر، فكان أول من اخترع ذلك، وله «تاريخ» [4] وألّف كتاب «غريب الحديث» في مجلدات، وصنّف في النجوم،
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 209- 210) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 241- 243) .
[2] في «آ» و «ط» «ابن بويه الغندري» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» (4/ 274) .
[3] انظر «العبر» (4/ 274) .
[4] تحرفت في «آ» إلى «تاريخا» .(6/496)
والزيج، وكان أحد أذكياء العالم، مات فجأة بالحلّة.
وفيها مصلح الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن محمد ابن عبد الله ابن عبد الملك الأصبهاني الحمّامي [1] الحنبلي العابد الأديب الجورتاني- نسبة إلى جورتان [2] من قرى أصبهان-.
ولد سنة خمسمائة في رجب، وسمع من أبي علي الحداد وغيره.
قال ابن النجّار: كان فقيها فاضلا كامل المعرفة بالأدب، وأكثر أدباء أصبهان من تلامذته، وكان متدينا حسن الطريقة صدوقا. انتهى.
وكان يقول لما بلغ عقد الثمانين: أسأل الله تعالى أن يمهلني إلى التسعين، وأن يوفقني كل يوم لختمة، فاستجيبت دعوته.
وقال ابن النجار: سمعت أبا البركات الرّويدشتيّ [3] بأصبهان يقول: توفي محمد بن أحمد الحنبلي- يعرف بالحمامي- أستاذ الأئمة يوم الأربعاء ثالث عشر شهر ربيع الآخر.
وقال ابن رجب: توفي قبله بيسير ولده أبو بكر أحمد، وكان سمع سعيد ابن أبي الرجاء وغيره، وكان يلقب أمين الدّين. انتهى.
وفيها أبو عبد الله، ويقال أبو الفتح، محمد بن عبد الله بن الحسين ابن علي بن أبي طلحة نصر بن أحمد بن محمد بن جعفر البرمكي الهروي الإشكيذباني- بكسر الهمزة، وسكون الشين المعجمة، وكسر الكاف، وسكون الياء التحتية، وفتح الذال المعجمة وبعدها باء موحدة مفتوحة، وبعد
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 204- 205) و «ذيل تاريخ بغداد» لابن الدبيثي (1/ 129- 131) و «الوافي بالوفيات» (2/ 108) و «ذيل طبقات الحنابلة» .
(1/ 380- 381) .
[2] انظر «معجم البلدان» (2/ 180) .
[3] تحرفت في «آ» إلى «الدويسي» وفي «ط» إلى «الدويدسي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «معجم البلدان» (3/ 105) .(6/497)
الألف نون. قاله المنذري [1]- كان حنبليا محدّثا، نزل مكّة، فكان عظيم الحنابلة بها.
ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وسمع بهمذان من أبي الوقت، وأبي الفضل بن حمّان [2] وغيرهما، وببغداد من ابن النحّاس وغيره، وبمصر من أبي الطاهر الزيّات، وبالإسكندرية من الحافظ السّلفي، وحدّث بمكة، ومصر، والإسكندرية، وأقام بمكة في آخر عمره وأمّ بها في موضع الحنابلة.
قال ابن الحنبلي ناصح الدّين: سمعت منه بقراءته جزءا بمكة، وكان في عزمي أنني أدخل اليمن، وقد هيأت هدية لصاحبها من طرف دمشق، فاستشرته فقال: أنت أعلم. ثم قال: قرأنا ها هنا جزءا من أيام فجاء فيه عن بعض السلف علامة قبول الحجّ: أن الإنسان لا ينصرف عن مكّة طالبا للدّنيا، فزهدت في اليمن ورجعت عن ذلك العزم.
وفيها الشيخ الأجل إمام الحرم مكيّ بن نابت- بالنون- بن أبي زهرة الحنبلي [الغضاري] [3] ، بمصر ليلة السادس من شهر ربيع الآخر. ذكره المنذري ولم يزد عليه.
وفيها أبو الكرم علي بن عبد الكريم بن أبي العلاء العطّار العبّاسي الهمذاني [4] مسند همذان. حدّث سنة خمس وثمانين عن أبي غالب العدل، وفيد الشعراني [5] .
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 213- 215) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 381- 382) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حماز» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 203- 204) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 110) .
[5] في «آ» و «ط» : «وقيل الشعراني» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» وخبر وفاته فيه (19/ 208- 209) .(6/498)
وفيها جاكير الزاهد القدوة، أحد شيوخ العراق، واسمه محمد بن رستم [1] الكردي الحنبلي، له أصحاب وأتباع وأحوال وكرامات. قاله في «العبر» .
وقال السخاوي: له كرامات ولم يتزوج، وله زاوية وضريح براذان، وهي على بريد من سامرا [2] وأن أخاه الشيخ أحمد قعد بعده في المشيخة.
وقال ابن الأهدل: لما شاع ذكره بعث إليه تاج العارفين أبو الوفاء طاقيته من الشيخ علي الهيتي ولم يكلفه الحضور، فقال الشيخ علي الهيتي: سألت الله أن يكون جاكير من مريديّ فوهبه لي، وكان يفتخر به وينوه بذكره، وكان ربما عرف ما في بطون البهائم المنذورة له ومن يذبحها ومن يأكلها. سكن صحراء من صحاري العراق على يوم من سامرا ومات بها، فبني إلى جانبه قرية بنيت للتبرك به. انتهى.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «دشتم» والتصحيح من «العبر» (4/ 275) و «المنهج الأحمد» (2/ 220) .
[2] انظر «معجم البلدان» (3/ 13) .(6/499)
سنة إحدى وتسعين وخمسمائة
فيها كانت وقعة الزلّاقة بالأندلس [بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وبين ألفنش [1] المتغلب على أكثر جزيرة الأندلس] [2] فدخل يعقوب وعديّ من زقاق سبته في مائة ألف وأما المطوّعة فقل ما شئت، وأقبل ألفنش [1] في مائتي ألف وأربعين ألفا، فانتصر الإسلام وانهزم الكلب في عدد يسير، وقتل من الفرنج كما أرخ أبو شامة [3] وغيره مائة ألف وستة وأربعون ألفا، وأسر ثلاثون ألفا، وغنم المسلمون غنيمة لم يسمع بمثلها، حتّى أبيع السّيف بنصف درهم، والحصان بخمسة دراهم، والحمار بدرهم، وذلك في شعبان.
وفيها توفي أبو الحسن إسماعيل بن أبي سعد بن علي بن إبراهيم بن محمد الأصبهاني المحدّث، ويعرف بطاهريته [4] الحنبلي. سمع الكثير، وحصّل الأصول، وحدّث ببغداد، قدمها حاجّا عن فاطمة الجوزدانية، وفاطمة
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الفيش» وما أثبته من «العبر» (4/ 275) و «دول الإسلام» (2/ 102) و «النجوم الزاهرة» (6/ 137) والضبط عنهما.
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (7- 8) .
[4] في «آ» و «ط» : «ويعرف بطاهرنية» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 219) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 383) .(6/500)
بنت محمد بن أحمد بن البغدادي، وسمع منه أبو الفتوح بن الحصري وغيره، وكان شيخا صالحا صدوقا، توفي في صفر.
وفيها ذاكر بن كامل الخفّاف البغدادي [1] أخو المبارك. سمّعه أخوه من أبي علي الباقرحيّ، وأبي علي بن المهدي، وأبي سعيد بن الطّيوري، والكبار، وكان صالحا خيّرا صوّاما، توفي في رجب.
وفيها أبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي، المصري [2] المقرئ الفقيه المالكي النحوي. قرأ القراءات على ابن الحطيئة [3] ، وسمع من جماعة، وتصدّر بجامع مصر، وتوفي في ربيع الآخر، وآخر أصحابه الكمال الضرير.
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري الأندلسي المريّيّ [4] ، الحافظ الزاهد القدوة، أحد الأعلام.
ولد سنة خمس وخمسمائة، وقرأ «صحيح البخاري» على شريح، وسمع فأكثر عن أبي الحسن بن مغيث، وابن العربي، والكبار، وتفنن في العلوم، وبرع في الحديث، وطال عمره وشاع ذكره، وكان قد سكن سبتة، فدعاه السلطان إلى مرّاكش ليسمع منه، وكان غاية في العدالة في هذا الشأن، توفي في أول صفر.
وفيها أبو محمد عبد المؤمن بن عبد الغالب بن محمد بن طاهر بن
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 276) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 250- 251) .
[2] «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 220- 221) وانظر «العبر» (4/ 276- 277) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 575- 576) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «الخطية» وفي «العبر» بطبعتيه إلى «الحطئة» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «معرفة القراء الكبار» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المري» والتصحيح من «العبر» (4/ 277) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 251) .(6/501)
خليفة بن محمد بن حمدان الشيباني البغدادي الورّاق [1] الفقيه الحنبلي.
ولد في شهر ربيع الآخر سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع ببغداد من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي، وابن الطّلّاية، وابن الزّاغوني وغيرهم، وبهمذان من أبي الخير الباغبان وغيره، وحدّث وسمع منه ابن القطيعي، وقال: كان له صلاح ودين زائد، وروى عنه ابن خليل الحافظ وغيره، وتوفي يوم عرفة ودفن بباب حرب.
وفيها أبو الحسن علي بن هلال بن خميس الواسطي الفاخراني- نسبة إلى بيع الفخّار [2]- الضرير ويلقب معين الدّين. ذكره المنذري [3] فقال: تفقّه على مذهب الإمام أحمد، وسمع من أبي الحسين بن عبد الخالق، وأبي الفرج بن صدقة، وخديجة بنت أحمد النّهرواني، وغيرهم، وحدّث، وهو منسوب إلى الفخرانية قرية من سواد واسط، توفي في حادي عشري ذي الحجة. انتهى.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 234) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 383) .
[2] قلت: وذلك ما أشار إليه ابن الأثير في «اللباب في تهذيب الأنساب» (2/ 401) في كلامه عمن عرف بهذه النسبة ولكن المترجم منسوب إلى «الفخرانية» كما ذكر المنذري في «التكملة» وابن رجب في «الذيل» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 235- 236) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 384) .(6/502)
سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة
فيها التقى يعقوب صاحب المغرب وألفنش [1] فهزمه أيضا يعقوب، ولله الحمد، وساق وراءه إلى طليطلة وحاصره، وضربها بالمجانيق، فخرجت والدة ألفنش [1] وحريمه، وبكين بين يدي يعقوب، فرقّ لهنّ ومن عليهنّ، ولولا ابن غانية الملثم وهيجه ببلاد المغرب لافتتح يعقوب عدة مدن للفرنج، لكنه رجع لحرب غانية.
وفيها هبّت ريح سوداء عمّت الدّنيا، وذلك بعد خروج الناس من مكة، ووقع على الناس رمل أحمر، ووقع من الركن اليمانيّ قطعة، وتحرك البيت الحرام [مرارا] ، وهذا شيء لم يعهد [منذ بناه عبد الله بن الزّبير، رضي الله عنهما] [2] .
وفيها ظهر ببوصير- قرية بصعيد مصر- بيت هرمس الحكيم [3] ، وفيه
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الفيش» والتصحيح من «دول الإسلام» (2/ 102) و «النجوم الزاهرة» .
(6/ 137) وقال صديقي الأستاذ عدنان عبد ربّه وتلفظ في الإسبانية ب «القنس» بالسين المهملة آخر الحروف.
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 139) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[3] قال السيوطي في «حسن المحاضرة» (1/ 62) : هو هرمس المثلث، ويقال له: إدريس عليه الصلاة والسلام، كان نبيّا، وحكيما، وملكا. وهرمس لقب ... قال أبو معشر: هو أول من تكلم في الأشياء العلويّة من الحركات النجومية، وأول من بنى الهياكل، ومجّد الله فيها، وأول من نظر في الطب وتكلم فيه، وأنذر بالطوفان، وكان يسكن صعيد مصر، فبنى هناك(6/503)
أمثلة كباش، وضفادع، وقوارير، كلها كاس، وفيه أموات لم تبل ثيابهم.
وفيها توفي أبو الرّضا أحمد بن طارق الكركي ثم البغدادي، التاجر المحدّث. سمع من ابن ناصر، وأبي الفضل الأرموي، وطبقتهما فأكثر، ورحل إلى دمشق ومصر، وهو من كرك نوح، وكان شيعيّا جلدا. قاله في «العبر» [1] .
وفيها نجيب الدّين أبو عبد الله حامد بن محمد بن حامد الصفّار الأصفهاني [2] ، الفقيه الحنبلي، المحدّث الإمام. سمع أباه أبا جعفر محمد، وأبا طاهر بن نصر، وجماعة بأصبهان، وبهمذان أبا زرعة المقدسي، وأبا العلاء العطّار [3] ، وقدم بغداد حاجّا سنة ثمان وثمانين، وسمع بها من جماعة، وقرأ على ابن الجوزي مناقب الإمام أحمد، وحدّث بها باليسير، وكتب عنه ابن النّفيس.
قال ابن النجّار: كان فقيها حنبليا فاضلا، له معرفة بالحديث. انتهى.
وفيها الإمام فخر الدّين قاضي خان [الحسن بن منصور] [4] بن
__________
الأهرام والبراني، وصوّر فيها جميع الصناعات، وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده حرصا منه على تخليد العلوم بعده، وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، ورفعه إليه مكانا عليا.
أقول: وقال المرتضى الزّبيدي في «تاج العروس» (17/ 32) : وهرمس الهرامسة، يعنون به سيدنا إدريس عليه السلام وهو النبي المثلث. (ع) .
[1] (4/ 378- 379) وانظر «النجوم الزاهرة» (6/ 140) وهو منسوب إلى «كرك» قرية في أصل جبل لبنان كما في «معجم البلدان» (4/ 452) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 384) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القطّان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «الأنساب» (8/ 474) .
[4] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .(6/504)
محمود بن عبد العزيز الأوزجندي [1] الإمام الكبير، بقية السلف، مفتي الشرق، من طبقة المجتهدين في المسائل. أخذ عن الإمام ظهير الدّين المرغيناني، وإبراهيم بن إسماعيل الصفّار، وتفقّه عليه شمس الأئمة الكردري [2] ، وله «الفتاوى» و «شرح الجامع الصغير» . قاله ابن كمال باشا في «طبقاته» [3] .
وفيها تقي الدّين أبو الفضل إلياس بن حامد بن محمود بن حامد بن محمد ابن أبي الحجر الحرّاني [4] الفقيه الحنبلي المحدّث. سمع ببغداد من شهدة وغيرها.
قال ناصح الدّين بن الحنبلي: وكان رفيقي في درس شيخنا ابن المنّي، وسكن الموصل إلى أن توفي بها في سلخ شوال، وولي مشيخة دار الحديث بها، وكان حسن الطريقة، وسمع منه بدل التبريزي.
وفيها سعد بن أحمد بن مكّي النّيلي [5]- بكسر النون نسبة إلى نيل بلد على الفرات [6]- المؤدب الشاعر، أكثر شعره مديح في أهل البيت.
قال العماد: كان غاليا في التشيع حاليا بالتورع، عالما بالأدب.
__________
[1] قلت: ويقال أيضا: «الأزكندي» نسبة إلى «أوزكند» ويقال: «أزجند» أيضا بلد بما وراء النهر من نواحي فرغانة. قال ياقوت: وخبّرت أن «كند» بلغة أهل تلك البلاد معناه القرية كما يقول أهل الشام «الكفر» وانظر «معجم البلدان» (1/ 280) .
[2] نسبة إلى «كردر» ناحية من نواحي خوارزم أو ما يتاخمها من نواحي الترك. انظر «معجم البلدان» (4/ 450) .
[3] يعني في كتابه «طبقات المجتهدين» وهو مخطوط لم ينشر بعد فيما أعلم. انظر «الأعلام» للعلّامة الزركلي- طيّب الله ثراه- (1/ 133) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 387) .
[5] انظر «معجم الأدباء» (11/ 190- 191) وقد أرّخ وفاته سنة (565) و «فوات الوفيات» (2/ 50- 51) وفيه «سعيد» بدل «سعد» .
[6] انظر «معجم البلدان» (5/ 334) .(6/505)
ومن شعره:
قمر أقام قيامتي بقوامه ... لم لا يجود لمهجتي بذمامه
ملّكته كبدي فأتلف مهجتي ... بجمال بهجته وحسن كلامه
وبمبسم عذب كأنّ رضا ... به شهد مذاب في عبير
[1] مدامه وهي طويلة.
وفيها الشيخ السّديد، شيخ الطبّ بالدّيار المصرية، شرف الدّين عبد الله بن علي [2] . أخذ الصناعة عن الموفّق بن المعين، وخدم العاضد صاحب مصر، ونال الحرمة والجاه العريض، وعمّر دهرا، وأخذ عنه نفيس الدّين بن الزّبير.
وحكى بعضهم أن الشيخ السّديد حصل له في يوم ثلاثون ألف دينار.
وحكى عنه ابن الزّبير تلميذه، أنه طهّر ولدي الحافظ لدّين الله، فحصل له من الذّهب نحو خمسين ألف دينار.
وفيها عبد الخالق بن عبد الوهّاب بن محمد الصّابوني المالكي الخفّاف [3] الحنبلي أبو محمد الضرير. سمّعه أبوه من أبي علي الباقرحي، وعلي بن عبد الواحد الدّينوري، وطائفة، وتوفي في ذي الحجّة. قاله في «العبر» .
ومن شعره:
دع النّاس طرّا واصرف الودّ عنهم ... إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح
فشيئان معدومان في الأرض درهم ... حلال وخلّ في الحقيقة ناصح
__________
[1] في «آ» و «ط» : «في عتيق» وما أثبته من «معجم الأدباء» و «فوات الوفيات» .
[2] انظر «العبر» (4/ 279) و «حسن المحاضرة» (1/ 540) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 268- 269) و «العبر» (4/ 279) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 274- 275) .(6/506)
وفيها أبو الغنائم بن المعلّم، شاعر العراق، محمد بن علي بن فارس بن علي بن عبد الله بن الحسين بن القاسم الواسطي الهذلي، الملقب نجم الدّين [1] الشاعر المشهور. كان شاعرا رقيق الشعر، لطيف حاشية الطبع، يكاد شعره يذوب من رقته، وهو أحد من سار شعره وانتشر ذكره ونبه بالشعر قدره وحسن به حاله وأمره وطال في نظم القريض عمره، وساعده على قوله زمانه ودهره. يغلب على شعره وصف الشوق والحب، وذكر الصّبابة والغرام.
وذكر بعضهم أن سبب لطافة شعر ابن المعلّم حفظ المنتسبين للشيخ أحمد بن الرفاعي لشعره واعتناؤهم به في سماعاتهم، فعادت عليه بركة أنفاسهم.
قال ابن خلّكان: وبالجملة فشعره يشبه النّوح، لا يسمعه من عنده أدنى هوى إلّا فتنة وهاج غرامه، وكان بينه وبين ابن التّعاويذي تنافس.
ومن شعر ابن المعلّم قوله من قصيدة:
ردّوا عليّ شوارد الأظعان ... ما الدار إن لم تغن من أوطاني
[ومنها:]
ولكم بذاك الجذع من متمنّع ... هزأت معاطفه بغصن البان
وقوله:
كم قلت إيّاك العقيق فإنّه ... ضربت جآذره بصيد أسوده
وأردت صيد مها الحجاز فلم يسا ... عدك القضاء فرحت بعض صيوده
وله من قصيدة:
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 5- 9) و «العبر» (4/ 279) .(6/507)
أجيرتنا إنّ الدّموع التي جرت ... رخاصا على أيدي النّوى لغوالي
أقيموا على الوادي ولو عمر ساعة ... كلوث إزار أو كحلّ عقال
فكم ثمّ لي من وقفة لو شريتها ... بنفسي لم أغبن فكيف بمالي
وكانت ولادته في ليلة سابع عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة، وتوفي رابع رجب بالهرث- بضم الهاء وسكون الراء وبعدها ثاء مثلثة قرية من أعمال نهر جعفر بينها وبين واسط نحو عشرة فراسخ- وكانت وطنه ومسكنه إلى أن توفي بها.
وفيها ابن القصّاب الوزير الكبير مؤيد الدّين أبو الفضل محمد بن علي البغدادي [1] المنشئ البليغ، وزر [وسار بالعساكر، ففتح همذان وأصبهان، وحاصر الرّيّ، وصارت له هيبة عظيمة في النّفوس. توفي] بظاهر همذان في شعبان، وقد نيّف على السبعين [2] وردّ العسكر [3] ، فلما جاء خوارزم شاه نبشه [4] وحزّ رأسه وطوّف به بخراسان.
وفيها المجير الإمام أبو القاسم محمود بن المبارك الواسطي ثم البغدادي [5] ، الفقيه الشافعي، أحد الأذكياء والمناظرين.
ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وتفقّه بالنظامية على أبي منصور بن الرزّاز وغيره، وأخذ علم الكلام عن أبي الفتوح محمد بن الفضل الإسفراييني، وصار المشار إليه في زمانه، والمقدّم على أقرانه. حدّث عن
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 279- 280) وما بين حاصرتين استدركته منه. و «سير أعلام النبلاء» (21/ 323- 324) .
[2] في «آ» و «ط» : «على التسعين» والتصحيح من «العبر» وفي «سير أعلام النبلاء» : «وقد جاوز سبعين سنة» كما في كتابنا.
[3] في «ط» «المعسكر» وفي «آ» «العساكر» وما أثبته من «العبر» وهو الصواب.
[4] في «العبر» بطبعتيه إلى «بيّته» .
[5] انظر «العبر» (4/ 280) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 255- 256) .(6/508)
أبي الحسين وجماعة، ودرّس بالنظامية، وكان ذكيا طوالا غوّاصا على المعاني. قدم دمشق وبنيت له مدرسة جاروخ [1] ثم توجه إلى شيراز وبنى له ملكها مدرسة، ثم أحضره ابن القصّاب وقدّمه.
قال ابن شهبة [2] : قال ابن الدّبيثي: ما رأينا أجمع لفنون العلم منه، مع حسن العبارة. قال: وخرج رسولا إلى خوارزم شاه إلى أصبهان، فمات بهمذان في ذي القعدة.
وفيها يوسف معالي الأطرابلسي ثم الدّمشقي الكتّاني البزّار [3] المقرئ. روى عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة، وتوفي في شعبان.
__________
[1] وكانت تعرف بالمدرسة الجاروخية، وهي داخل بابي الفرج والفراديس، لصيقة الإقبالية الحنفية، شمالي الجامع الأموي والظاهرية الجوانية، بناها جاروخ التركماني الملقب ب سيف الدّين. انظر «الدارس في تاريخ المدارس» للنعيمي (1/ 225- 232) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 62) .
[3] انظر «العبر» (4/ 280) .(6/509)
سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة
في شوال افتتح العادل يافا [1] عنوة، وكانت لها [2] مدّة في يد الفرنج.
وفيها أخذت الفرنج من المسلمين بيروت، وهرب أميرها عز الدّين سامة [3] إلى صيدا.
وفيها توفي سيف الإسلام الملك العزيز طغتكين بن أيوب بن شاذي [4] ، أرسله أخوه صلاح الدّين، فتملّك اليمن، وكان بها نوّاب أخيهما شمس الدولة، وبقي بها بضع عشرة سنة، وكان شجاعا سايسا فيه ظلم، رحل إليه ابن عنين إلى اليمن لما نفاه صلاح الدّين لهجوه للناس، فامتدحه بقصيدة لامية، ومدح فيها دمشق أولها [5] :
__________
[1] في «آ» و «ط» : «باقا» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (4/ 281) و «دول الإسلام» (2/ 103) .
[2] في «آ» و «ط» : «له» والتصحيح من «العبر» .
[3] في «آ» و «ط» : «شامة» وما أثبته من «العبر» و «دول الإسلام» .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (11) و «وفيات الأعيان» (2/ 523- 525) و «العبر» (4/ 281) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 333) و «دول الإسلام» (2/ 103) .
[5] انظر «ديوان ابن عنين» ص (68- 72) بتحقيق الأستاذ خليل مردم بك، رحمه الله، طبع دار صادر ببيروت.(6/510)
حنين إلى الأوطان ليس يزول ... وقلب عن الأشواق ليس يحول
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... وظلّك في مقرى [1] عليّ ظليل
دمشق فبي شوق إليها مبرّح ... وإن لجّ واش أو ألحّ عذول
بلاد [2] بها الحصباء درّ وتربها ... عبير وأنفاس الشمال شمول
تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصحّ نسيم الرّوض وهو عليل
وفي كبدي من قاسيون حرارة ... تزول رواسيه وليس تزول
وو الله ما فارقتها عن ملالة ... سواي عن العهد القديم يحول
ولكن أبت أن تحمل الضّيم همّتي ... ونفس لها فوق السّماك حلول
فإنّ الفتى يلقى المنايا مكرّما ... ويكره طول العمر وهو ذليل
[3]
وكيف أخاف الدّهر [4] أو أحرم الغنى ... ورأي ظهير الدّين في جميل
فتى الجدّ [5] أمّا جاره فمكرّم [6] ... عزيز وأمّا ضدّه فذليل
من القوم أمّا أحنف فمسفّه ... لديه وأمّا حاتم فبخيل
[7]
__________
[1] في «ديوانه» : «يا مقرى» وعلق محققه بقوله: «مقرى ورد في معجم البلدان أنها قرية من نواحي دمشق. وعيّن ابن طولون الصالحي مكانها بقوله في رسالته «ضرب الحوطة على الغوطة» : مقرى كانت قرية فخربت شرقي الصالحية أدركت فيها السبع قاعات، والآن باق بها مسجد ومئذنة عند طاحونها على نهر ثورا» .
[2] في «ديوانه» : «ديار» .
[3] في «آ» و «ط» : «وهو ظليل» والمثبت من «ديوانه» .
[4] في «ديوانه» : «الفقر» .
[5] في «ديوانه» : «المجد» .
[6] في «ديوانه» : «فممنّع» .
[7] تقدم هذا البيت في ديوانه إلى ما قبل البيت السابق.(6/511)
وأمّا عطايا كفّه فسوابغ ... عذاب وأما ظلّه فظليل
فأجزل صلته واكتسب من جهته مالا وافرا، وخرج به من اليمن وسلطانها يومئذ الملك العزيز عثمان بن صلاح الدّين، فألزمه بدفع الزكاة من المتاجر التي وصلت معه من اليمن فقال [1] :
ما كلّ من يتسمّى بالعزيز لها ... أهل ولا كلّ برق سحبه غدقه
[2]
بين العزيزين بون في فعالهما ... هذاك يعطي وهذا يأخذ الصّدقه
وكان طغتكين صاحب الترجمة، محمود السيرة مع ظلم وعسف، ولما كثر عليه الذهب سبكه وجعله مثل الطواحين، ومات بالمدينة التي أنشأها باليمن، يقال لها المنصورة، وقام من بعده ولده إسماعيل الذي سفك الدماء، وقال: إنه أمويّ وادّعى الخلافة.
وفيها تقي الدّين أبو محمد طلحة بن مظفر [3] بن غانم بن محمد العلثي- بفتح العين المهملة وسكون اللام ومثلثة، نسبة إلى علث قرية بين عكبرا وسامرّا- الفقيه الحنبلي الخطيب المحدّث الفرضي النظّار المفسر الزاهد الورع [4] العارف. نشأ في العلث، وحفظ الكتاب العزيز، وقرأ على البطائحي، والبرهان ابن الحصري، وغيرهما.
وقرأ الفقه على ابن المنّي، وسمع الحديث الكثير، وقرأ «صحيح مسلم» .
__________
[1] انظر «ديوانه» ص (223) .
[2] في «آ» و «ط» : «ولا كل سحب في الورى غدقه» وأثبت لفظ «ديوانه» .
[3] في «آ» و «ط» : «طلحة بن عبد بن مظفّر» وما أثبته موافق لما عند ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 146) والمنذري في «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 295) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 390) و «طبقات المفسرين» (1/ 219- 221) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «الورف» .(6/512)
وكان متواضعا لطيفا أديبا في مناظرته لا يسفه على أحد، فقيرا مجردا، ويرحم الفقراء ولا يخالط الأغنياء، وروى عن ابن الجوزي ولازمه وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه، وكان أديبا شاعرا فصيحا، واشتهر اسمه ورزق القبول من الخلق، وكثر أتباعه وانتفع به الناس، وروى عنه [1] ابن الجوزي في «تاريخه» حكاية فقال: حدثني طلحة بن مظفّر الفقيه أنه ولد عندهم بالعلث مولود لستة أشهر، فخرج وله أربعة أضراس.
قال المنذري: توفي في ثالث عشر ذي الحجة بالعلث ودفن بزاويته هناك.
وفيها الوزير جلال الدّين عبيد الله [2] بن يونس بن أحمد بن عبيد الله ابن هبة الله البغدادي الأزجي، الفقيه الحنبلي الفرضي، الأصولي المتكلم، وزير الخليفة الناصر جلال الدّين، تفقّه في الأصلين، والحساب، والهندسة، والجبر، والمقابلة، ورحل في طلب العلم إلى همذان، وصنّف وعني بالحديث، والفرائض، والحساب، وسمع ممن لا يحصى، وسمع منه جماعة لا تحصر، منهم: ابن دلف، وابن القطيعي، وبالغ في مدحه والثناء عليه.
وذكر ابن النجار: أنه لم يكن في ولايته محمودا، وقد علمت أن الناس لا يجتمعون على حمد شخص ولا ذمه.
وأما أبو شامة [3] فإنّه بالغ في ذمه والحطّ عليه بأمور لم يقم عليها حجّة. وكذلك ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» قال بعد أن أثنى عليه: غير أنه
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عن» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «طبقات المفسرين» .
[2] في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 392) : «عبد الله» والتصحيح من «العبر» (4/ 281) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 299) ، وورد في «آ» و «ط» : «ابن يونس مسعود بن أحمد» وأبقيت الكلام كما في «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (12) وكذلك ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (6/ 142) .(6/513)
شان فضيلته برأيه الفاسد وأفعاله السيئة، فإنه خرّب بيت الشيخ عبد القادر الكيلاني وشتّت أولاده، ويقال: إنه بعث في الليل من نبش قبر الشيخ عبد القادر الكيلاني ورمى عظامه في اللّجّة [1] وقال: هذا وقف ما يحلّ أن يدفن فيه أحد [2] .
ولما اعتقله الخليفة كتبوا فيه فتاوى أنه كان سبب هزيمة العسكر، فذكروا أشياء فأفتوا بإباحة دمه، فسلّم إلى الوزير ابن القصّاب واعتقله في بيت للسلاح، فأخرج منه ميتا. انتهى.
وفيها أبو بكر بن الباقلّاني [3] مقرئ العراق، عبد الله بن منصور بن عمران الرّبعي الواسطي، تلميذ أبي العزّ القلانسي، وآخر أصحابه، روى الحديث عن خميس الحوزيّ [4] ، وأبي عبد الله البارع، وطائفة، وتوفي في سلخ ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة وثلاثة أشهر.
وفيها أبو محمد عبد الوهّاب بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ثم البغدادي الأزجي [5] الفقيه الحنبلي الواعظ.
ولد في ثاني شعبان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
ذكر أبو شامة: أنه سمع من ابن الحصين، وابن السمرقندي.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «دجلة» والتصحيح من «ذيل الروضتين» و «النجوم الزاهرة» .
[2] قلت: وعقب ابن تغري بردي على فعلته هذه في «النجوم الزاهرة» بقوله: قلت: وما فعله هو بعظام الشيخ أقبح من أن يدفن بعض المسلمين في بعض أوقاف المسلمين، وما ذاك إلا الحسد من الشيخ عبد القادر وعظم شهرته، حتى وقع منه ما وقع، ولهذا كان موته على أقبح وجه، بعد أن قاسى خطوبا ومحنا، وحبس سنين، حتى أخرج من الحبس ميتا، وهذا ما وقع له في الدنيا، وأما الآخرة فأمره إلى الله تعالى، وبالجملة فإنه كان من مساوئ الدّهر.
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 277- 278) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 246- 248) و «العبر» (4/ 281) .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الجوزي» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» .
[5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 288- 289) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 388- 390) .(6/514)
وذكر ابن القادسي: أنه سمع من ابن الحصين، وابن الزّاغوني، وابن البنا، وغيرهم.
وأسمعه والده في صباه من أبي غالب بن البنا وغيره.
وقرأ الفقه على والده حتّى برع، ودرّس نيابة عن والده بمدرسته، وهو حيّ وقد نيّف على العشرين من عمره، ثم استقلّ بالتدريس بها بعده، ثم نزعت منه لابن الجوزي، ثم ردّت إليه، وتولى المظالم للناصر سنة ثلاث وثمانين، وكان كيّسا ظريفا من ظرفاء أهل بغداد، ولم يكن في أولاد أبيه أفقه منه. كان فقيها فاضلا، له كلام حسن في مسائل الخلاف، فصيحا في الوعظ وإيراد الملح مع عذوبة الألفاظ، مليح النّادرة، ذا مزح ودعابة وكياسة.
قال أبو شامة: قيل له يوما على مجلس وعظه: ما تقول في أهل البيت؟ فقال: قد أعموني، وكان أعمش أجاب عن بيت نفسه.
وروى عنه ابن الدّبيثي، وابن الغزّال الواعظ، وابن خليل [1] وأجاز لمحمد بن يعقوب، وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشري شوال.
وفيها قاضي القضاة أبو طالب علي بن علي بن هبة الله بن محمد بن البخاري [2] البغدادي الشافعي. سمع من أبي الوقت، وولي القضاء سنة اثنتين وثمانين، ثم عزل، ثم أعيد سنة تسع وثمانين.
وفيها محمد بن حيدرة بن أبي البركات عمر بن إبراهيم بن محمد أبو المعمّر الحسيني الزّيدي الكوفي [3] . سمع من جدّه، وهو آخر من حدّث عن أبي النّرسي، وكان رافضيا.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «خيل» .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «النجاري» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 281) و «النجوم الزاهرة» (6/ 143) .
[3] انظر «العبر» (4/ 282) و «النجوم الزاهرة» (6/ 143) .(6/515)
وفيها أبو البركات، ويقال أبو الثناء، محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحربي الحذّاء [1] . سمع من ابن الطّلّاية، وعبد الخالق بن يوسف، وغيرهما، وتفقّه في مذهب أحمد، وأقرأ الفقه وحدّث، وتوفي في شهر ربيع الآخر ببغداد.
وفيها أبو إسحاق، ويقال أبو الحزم، مكّي بن أبي القاسم بن عبد الله بن معالي بن عبد الباقي بن العرّاد البغدادي المأموني [2] ، الفقيه الحنبلي المحدّث.
ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع من ابن ناصر، والأرموي، وابن البنا، وغيرهم، واعتنى بهذا الشأن، ولم يزل يقرأ ويسمع إلى آخر عمره، وهو ثقة صحيح السماع، وقد نسبه القطيعي إلى التساهل والتسامح.
وروى عنه ابن خليل، والبلداني، وغيرهما، وتوفي ليلة الجمعة سادس المحرم ببغداد، ودفن بباب حرب مجاورا قبر بشر الحافي.
وفيها ناصر بن محمد أبو الفتح الأصبهاني القطّان [3] . روى الكثير عن جعفر الثقفي، وإسماعيل بن الإخشيذ، وخلق، وتوفي في ذي الحجّة، وأكثر عنه الحافظ ابن خليل.
وفيها أبو القاسم يحيى بن أسعد بن بوش الأزجي الحنبلي الخبّاز [4] سمع الكثير من أبي طالب اليوسفي، وأبي سعد بن الطّيوري، وأبي علي الباقرحي، وطائفة، وكان عاميّا. مات شهيدا غصّ بلقمة فمات في ذي القعدة، عن بضع وثمانين سنة، وله إجازة [من] ابن بيان. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 278- 279) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 391) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 387- 388) .
[3] انظر «العبر» (4/ 282) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 306- 307) وفيهما: «ويعرف بالويرج» .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 243- 244) و «العبر» (4/ 283) و «النجوم الزاهرة» .
(6/ 143) .(6/516)
سنة أربع وتسعين وخمسمائة
فيها استولى علاء الدّين بن خوارزم شاه تكش على بخارى، وكانت لصاحب الخطا لعنه الله، وجرى له معه حروب وخطوب ثم انتصر تكش وقتل خلق من الخطا.
وفيها توفي أبو علي الفارسي [1] ، الزاهد، واسمه الحسن بن مسلم الحنبلي الفارسي، من قرية بنهر عيسى يقال لها الفارسية. كان أحد الأبدال وزاهد العراق. سمع وتفقّه بأبي ذرّ الكرخي، وكان متبتلا أقام أربعين سنة لا يكلّم أحدا من الناس، صائم الدّهر، قائم الليل، يقرأ كل يوم وليلة ختمة.
وكانت السباع تأوي إلى زاويته، والخليفة وأرباب الدولة يمشون إلى زيارته.
حكي أن فقيرا احتلم بزاويته في ليلة باردة، فنزل إلى النهر ليغتسل، فجاء السبع فنام على جبته، وكاد الفقير يموت من البرد والخوف، فخرج الشيخ حسن وجاء إلى السبع فضربه بكمه وقال: يا مبارك لم تتعرض لضيفنا، فقام السبع يهرول، وتوفي بالفارسية في المحرم وقد بلغ التسعين.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 283) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 301- 302) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 395- 396) وهو غير أبي عليّ الفارسي الإمام النحوي الشهير.(6/517)
وفيها جرديك [1] أحد أكابر أمراء الدولتين النّورية والصّلاحية. حضر جميع الفتوحات، وهو الذي قتل شاور بمصر، وابن الخشّاب بحلب، وكان فارس الإسلام.
وفيها صاحب سنجار الملك عماد الدّين زنكي بن قطب الدّين مودود ابن أتابك زنكي [2] تملّك حلب بعد ابن عمه الصالح إسماعيل فسار السلطان صلاح الدّين فنازله، ثم أخذ منه حلب وعوّضه بسنجار فملكها إلى هذا الوقت، ونجد صلاح الدّين على عكا، وكان عادلا متواضعا موصوفا بالبخل، وتملّك بعده ابنه قطب الدّين محمد.
وفيها تقي الدّين أبو الحسين وأبو الخير، سلامة بن إبراهيم بن سلامة الحدّاد [3] القبّاني الدّمشقي المحدّث الفقيه الحنبلي. سمع من ابن هلال، وابن الموازيني، وغيرهما من مشايخ دمشق، وعني بالحديث، وأمّ بحلقة الحنابلة بجامع دمشق، وكان ثقة صالحا، وابن نقطة الحافظ يعتمد على خطّه وينقل عنه في «استدراكه» .
قال ابن الحنبلي: كان حسن السمت، يحفّ شاربه ويقصّر ثوبه، ويأكل من كسب يده، ويعمل القبابين ويعتمد عليه في تصحيحها. وروى عنه ابن خليل في «معجمه» وتوفي سابع عشري ربيع الآخر.
وفيها أبو الفضائل الكاغدي الخطيب، عبد الرحيم بن محمد
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (13) و «النجوم الزاهرة» (6/ 143) واسمه جرديك بن عبد الله النّوري.
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (13) و «العبر» (4/ 283- 284) و «النجوم الزاهرة» (6/ 144) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» للذهبي ص (244) بتحقيق الأستاذين رياض عبد الحميد مراد، وعبد الجبّار زكار، طبع مكتبة دار العروبة بالكويت، و «الوافي بالوفيات» (15/ 331- 332) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 397) وقد تحرفت «الحداد» إلى «الحذاء» في «آ» و «ط» .(6/518)
الأصبهاني [1] المعدّل. روى عن أبي علي الحدّاد وعدة، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها أبو طاهر الأصبهاني علي بن سعيد بن فاذشاه [2] . روى عن الحداد [3] أيضا ومات في ربيع الأول.
وفيها أبو الهيجاء مقدّم الأكراد، ويعرف بالسّمين [4] ، بعثه الخليفة إلى همذان فلم يتمّ أمره وتفرّق عنه أصحابه، فاستحيا أن يعود إلى بغداد، فطلب الشام فلما وصل إليها مرض، وكان نازلا على تلّ، فقال: ادفنوني فيه، فلما مات حفر له قبر على رأس التلّ فظهرت بلاطة عليها اسم أبيه فدفنوه عليه.
وفيها أبو الحسن علي بن موسى بن محمد بن خلف الأنصاري [5] نزيل فاس وخطيبها ومصنّف «شذور الذهب» في صنعة الكيمياء، الذي لم ينظم أحد في الكيمياء مثل نظمه، حتّى قيل إنه إن لم يعلمك صنعة الذّهب علّمك صنعة الأدب، وإن فاتك ذهبه لم يفتك أدبه، ويعرف بابن أرفع رأس [6] ويقال: هو شاعر الحظ، حكيم الشعر.
وفيها مجاهد الدّين قايماز الخادم الرّومي [7] الحاكم على الموصل، وهو الذي بنى الجامع المجاهدي، والمدرسة، والرّباط، والمارستان بظاهر
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 284) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 246) .
[2] انظر «العبر» (4/ 284) .
[3] يعني عن أبي علي الحداد المتقدم ذكره في الترجمة السابقة.
[4] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 145) .
[5] انظر «فوات الوفيات» (3/ 106- 109) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 581- 582) .
و «كشف الظنون» (2/ 1029) و «الأعلام» للزركلي (5/ 26) .
[6] في «الأعلام» : «ويعرف بابن أرفع رأسه» .
[7] انظر «مرآة الزمان» (8/ 294) و «النجوم الزاهرة» (6/ 144) .(6/519)
الموصل على دجلة، وأوقف عليه الأوقاف، وكان عليه رواتب كثيرة بحيث لم يدع في الموصل بيت فقير إلّا وأغنى أهله، وكان ديّنا صالحا يتصدق كل يوم خارجا عن الرواتب بمائة دينار، وكان يصوم في السنة ستة أشهر، ومدحته الشعراء، منهم ابن التّعاويذي بقصيدة أولها:
عليل الشّوق فيك متّى يصحّ ... وسكران بخبل كيف يصحو
فأعطاه ألف دينار.
وفيها قوام الدّين بن زبادة يحيى بن سعيد بن هبة الله الواسطي ثم البغدادي [1] صاحب ديوان الإنشاء ببغداد، ومن انتهت إليه صناعة التّرسل مع معرفته بالفقه، والأصول، والكلام، والنحو، والشعر. أخذ عن ابن الجواليقي، وحدّث عن علي بن الصبّاغ، والقاضي الأرّجاني، وولي نظر واسط، ثم ولي حجابة الحجّاب وغير ذلك، وتوفي في ذي الحجّة.
ومن شعره:
باضطراب الزّمان ترتفع الأن ... ذال فيه حتّى يعمّ البلاء
وكذا الماء ساكنا فإذا حرّ ... ك ثارت من قعره الأقذاء
وله أيضا:
لا تغبطنّ وزيرا للملوك وإن ... أناله الدّهر منهم فوق همّته
واعلم بأنّ له يوما تمور به ال ... أرض الوقور كما مارت لهيبته
هارون وهو أخو موسى الشقيق له ... لولا الوزارة لم يأخذ بلحيته
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 244- 249) و «العبر» (4/ 284) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 336- 337) .(6/520)
سنة خمس وتسعين وخمسمائة
فيها كانت فتنة فخر الدّين الرّازي، صاحب التصانيف، وذلك أنه قدم هراة ونال إكراما عظيما من الدولة، فاشتد ذلك على الكراميّة، فاجتمع يوما هو والزاهد مجد الدّين بن القدوة، فاستطال فخر الدّين على ابن القدوة وشتمه وأهانه، فلما كان من الغد جلس ابن عم مجد الدّين فوعظ الناس، وقال: رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ 3: 53 [آل عمران: 53] أيها الناس! لا نقول إلّا ما صحّ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأما قول أرسطو، وكفريات ابن سينا، وفلسفة الفارابي فلا نعلمها فلأي شيء يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذبّ عن دين الله، وبكى فأبكى الناس وضجت الكراميّة وثاروا من كل ناحية، وحميت الفتنة، فأرسل السلطان الجند فسكّنهم، وأمر الرّازي بالخروج. قاله في «العبر» [1] .
وفيها كانت بدمشق فتنة الحافظ عبد الغني [2] ، وكان أمّارا بالمعروف، داعية إلى السّنّة، فقام عليه الأشعرية وأفتوا بقتله، فأخرج من دمشق طريدا.
قاله في «العبر» [3] أيضا.
وفيها مات العزيز صاحب مصر أبو الفتح عثمان بن السلطان
__________
[1] (4/ 285) .
[2] يعني المقدسي.
[3] (4/ 286) وانظر الخبر بتوسع في «ذيل الروضتين» ص (16) .(6/521)
صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] ، توفي في المحرّم عن ثمان وعشرين سنة.
وكان شابا مليحا ظريف الشمائل قويا ذا بطش وأيد وكرم وحياء وعفة، بلغ من كرمه أنه لم تبق له خزانة، وبلغ من عفته أنه كان له غلام بألف دينار، فحلّ لباسه، ثم وفّق فتركه وأسرع إلى سريّة له فافتضّها، وأمر الغلام بالتستّر.
وأقيم بعده ولده علي فاختلفت الأمراء، وكاتب بعضهم الأفضل، فصار من صرخد إلى مصر وعمل نيابة السلطنة، ثم سار بالجيوش ليأخذ دمشق من عمه، فأحرق العادل الحواضر والسّرب، ووقع الحصار، ثم دخل الأفضل من باب السلامة، وفرحت به العامة وحوصرت القلعة مدة، وكان سبب موت العزيز أنّه خرج إلى الفيّوم يتصيّد فتقنطرت به فرسه فأصابته حمى فمات بعد يومين ودفن بالقرافة قرب الإمام الشافعي، وكان عمره سبعا وعشرين سنة، وخلّف عشرة أولاد أكبرهم ناصر الدّين محمد.
وفيها صلب بدمشق الذي زعم أنه عيسى بن مريم وأضلّ طائفة، فأفتى العلماء بقتله.
وفيها عبد الخالق بن هبة الله أبو محمد الحريمي بن البندار [2] الزّاهد. روى عن ابن الحصين وجماعة.
قال ابن النجار: كان يشبه الصحابة، ما رأيت مثله، توفي في ذي القعدة.
وفيها ابن رشد الحفيد، هو العلّامة أبو الوليد محمد بن أحمد بن العلّامة المفتي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي [3] المالكي. أدرك من حياة جده شهرا سنة عشرين، وتفقّه وبرع، وسمع الحديث وأتقن الطب
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 286) و «النجوم الزاهرة» (6/ 146) .
[2] انظر «العبر» (4/ 286) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 328- 330) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 321- 322) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 307- 310) .(6/522)
وأقبل على الكلام والفلسفة حتّى صار يضرب به المثل فيها، وصنّف التصانيف، مع الذكاء المفرط والملازمة للاشتغال ليلا ونهارا، وتآليفه كثيرة نافعة، في الفقه، والطب، والمنطق، والرياضي، والإلهي، وتوفي في صفر بمرّاكش.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الملك [1] بن إسماعيل بن عبد الملك بن إسماعيل بن علي الأصبهاني [2] الواعظ الحنبلي.
ولد سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وسمع من أبي علي الحمّامي، والباغبان، وغيرهما. وببغداد من هبة الله بن الشّبلي وخلق، وكان له قبول كثير عند أهل بلده، وقدم بغداد غير مرّة وأملى بها، وسمع منه ابن القطيعي، وابن النجّار، وقال: كان فاضلا صدوقا. وتوفي ليلة الرابع والعشرين من ذي الحجّة.
وفيها أبو بكر [3] بن زهر [3] محمد بن عبد الملك بن زهر الإيادي الإشبيلي [4] شيخ الطب وجالينوس العصر.
ولد سنة سبع وخمسمائة، وأخذ الصناعة عن جدّه أبي العلاء زهر بن عبد الملك، وبرع ونال تقدّما وحظوة عند السلاطين، وحمل الناس عنه تصانيفه.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» والتصحيح من مصادر الترجمة المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 342- 343) و «الوافي بالوفيات» (4/ 43) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 397- 398) .
[3] في «آ» و «ط» : «أبو بكر بن خيرون بن زهر» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[4] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 434- 437) و «العبر» (4/ 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 325- 327) .(6/523)
وكان جوادا ممدحا محتشما كثير العلوم. قيل: إنه حفظ «صحيح البخاري» كلّه.
قال ابن دحية: كان شيخنا أبو بكر يحفظ شعر ذي الرّمّة، وهو ثلث لغة العرب، مع الإشراف على جميع أقوال أهل الطب، توفي بمرّاكش في ذي الحجّة.
وفيها أبو جعفر الطّرسوسي محمد بن إسماعيل الأصبهاني [1] الحنبلي. سمع أبا علي الحدّاد، ويحيى بن مندة، وابن طاهر، وطائفة، وتفرّد في عصره، وتوفي في جمادى الآخرة عن أربع وتسعين سنة.
وفيها أبو الحسن الجمّال مسعود بن أبي منصور بن محمد الأصبهاني الخيّاط [2] . روى عن الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وحضر غانما البرجي، وأجاز له عبد الغفّار الشّيروي، وتوفي في شوال.
وفيها أبو الفضل الصّوفي منصور بن أبي الحسن الطّبري [3] الواعظ.
تفقّه وتفنّن، وسمع من زاهر الشّحّامي وغيره، وهو ضعيف في روايته [4] لمسلم [5] عن الفراوي توفي بدمشق في ربيع الآخر.
وفيها جمال الدّين أبو القاسم يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله [6] ، العلّامة البغدادي، شيخ الشافعية بها، ويعرف بابن فضلان.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وتفقّه على أبي منصور بن الرزّاز
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 287- 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 245- 246) .
[2] انظر «العبر» (4/ 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 268) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) .
[3] انظر «العبر» (4/ 288- 289) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) .
[4] في «ط» : «في رواية» .
[5] قال الذهبي في ترجمته في «ميزان الاعتدال» (4/ 183) : «أخذ يروي «صحيح مسلم» عن الفراوي، فتقدم ابن خليل وبيّن للجماعة أن الثبت مزوّر، فقاموا» .
[6] انظر «العبر» (4/ 154) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) .(6/524)
ببغداد، وبنيسابور على محمد بن يحيى تلميذ الغزالي، وسمع جماعة، وانتفع به خلق كثير، واشتهر اسمه وطار صيته، وكان إماما في الفقه، والأصول، والخلاف، والجدل، مشارا إليه في ذلك، وكان يجري له وللمجير البغدادي بحوث ومحافل، ويشنّع كل منهما على الآخر، وتوفي في شعبان.
وفيها المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي [1] الملقب بأمير المؤمنين. بويع سنة ثمانين وخمسمائة بعد أبيه وسنّه اثنتان وثلاثون سنة، وكان صافي اللّون، جميلا، أعين، أفوه، أقنى، أكحل، مستدير اللّحية، ضخما، جهوريّ الصوت، جزل الألفاظ، كثير الإصابة بالظنّ والفراسة، خبيرا، ذكيا، شجاعا، مقداما، محبا للعلوم، كثير الجهاد، ميمون التقيّة، ظاهري المذهب، معاديا لكتب الفقه والرأي [2] ، أباد منها شيئا كثيرا بالحريق، وحمل الناس على التشاغل بالأثر. قاله في «العبر» .
وقال ابن الأهدل: طاب حاله وأظهر بهجة ملك عبد المؤمن، وتنصّل للجهاد، وأجرى الأحكام على قانون الشرع، ولقّب أمير المؤمنين كأبيه وجدّه. رحل إلى الأندلس، ورتّب قواعدها، وعزم عليهم في الجهر بالبسملة [3] في أول الفاتحة، ثم عاد إلى مرّاكش وهي كرسي ملكهم، فجاءه كتاب ملك الفرنج يتهدده، من جملة كتابه: باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، وصلّى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته، فمزّق يعقوب الكتاب، وكتب على ظهر قطعة منه: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ 27: 37 [النّمل: 37] الجواب ما ترى لا ما تسمع، وأنشد:
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 289) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 311- 319) .
[2] في «آ» و «ط» : «لكتب الفقه والفقه» والتصحيح من «العبر» .
[3] في «آ» و «ط» : «بالتسمية» والتصحيح من «مرآة الجنان» (3/ 480) .(6/525)
ولا كتب إلّا المشرفيّة عندنا ... ولا رسل إلّا الخميس العرمرم
[1] ثم سار إليهم وعبر بحر سبتة إلى الأندلس، ثم رحل منها فدخل بلادهم وأوقع بهم وقعة لم يسمع بمثلها، ولم ينج منهم إلّا ملكهم في عدد يسير، وبلغت الدّروع من المغنم ستين ألف درع ولم يحص عدد الدواب، وكان من عادة الموحدين لا يأسرون مشركا بل يقتلونهم، ثم عاد إلى إشبيلية والتمس الفرنج صلحهم فصالحهم، ولو طالت أيامه لم يترك في يدهم مدينة.
وبنى بالقرب من سلا مدينة على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن التقسيم والتحسين، بناها على جانب البحر المحيط، وسمّاها دار الفتح، ثم رجع إلى مرّاكش، وكان محبا للعلم والعلماء، يصلّي بالناس الخمس ويلبس الصوف، وكان على قدم التواضع وإليه تنسب الدنانير اليعقوبية، وكان قد عزم على علماء زمانه أن لا يقلدوا أحدا من الأئمة الماضين بل تكون أحكامهم بما ينتهي إليه اجتهادهم.
قال ابن خلّكان [2] : أدركنا جماعة منهم على هذا المنهج، مثل أبي الخطّاب بن دحية، وأخيه أبي عمر، ومحيي الدّين بن عربي الطائي نزيل دمشق، وغيرهم، وتوفي يعقوب بمرّاكش وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق لتترحم عليه المارّة، وقيل: إنه تجرّد من الملك وذهب إلى المشرق فمات خاملا.
قال اليافعي [3] : سمعت من لا أشك في صلاحه من المغاربة أن
__________
[1] البيت للمتنبي وهو في «ديوانه» بشرح العكبري (3/ 352) وفيه «عنده» مكان «عندنا» .
قال العكبري: المشرفية: السيوف، تنسب إلى موضع تطبع فيه السيوف، وهي المشارف.
والخميس: الجيش العظيم. والعرمرم: الكثير.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 10) .
[3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 483) .(6/526)
شيوخ المغرب راموا أن يعارضوا «رسالة» القشيري وما جمع فيها من المشايخ المشارقة فذكروا إبراهيم بن أدهم، وقالوا: لا تتم لنا المعارضة إلّا بملك مثله، فلما تزهد يعقوب وانسلخ عن الملك تمّ لهم ذلك.
وبويع بعد يعقوب لولده محمد الناصر فاسترجع المهدية من الملثم.(6/527)
سنة ست وتسعين وخمسمائة
قال ابن كثير [1] : في هذه السنة والتي بعدها، كان بديار مصر غلاء شديد، فهلك الغنيّ والفقير، وعمّ الجليل والحقير، وهرب الناس منها نحو الشام، ولم يصل منهم إلّا القليل من الفيام [2] وتخطفتهم الفرنج من الطرقات وغرّوهم [3] في أنفسهم واغتالوهم بالقليل من الأقوات.
وفيها توفي أبو جعفر [4] القرطبي أحمد بن علي بن أبي بكر المقرئ الشافعي إمام الكلّاسة وأبو إمامها.
ولد سنة ثمان وعشرين بقرطبة، وسمع بها من أبي الوليد بن الدبّاغ [5] ، وقرأ القراءات على أبي بكر بن صاف [6] ثم حجّ وقرأ القراءات على ابن سعدون القرطبي، ثم قدم دمشق فأكثر عن الحافظ ابن عساكر، وكتب
__________
[1] انظر «البداية والنهاية» (13/ 22) .
[2] في «ط» : «الفئام» والفيام: الجماعة من الناس. انظر «لسان العرب» (فيم) وقوله: «من الفيام» لم يرد في «البداية والنهاية» الذي بين يدي.
[3] في «ط» و «المنتخب» (129/ ب) : «وعزوهم» وفي «آ» : «وغزوهم» وفي «البداية والنهاية» :
«وغروهم» وهو ما أثبته وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
[4] في «آ» : «جعفر» وهو خطأ، وهو مترجم في «العبر» (4/ 291) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 303- 304) .
[5] في «سير أعلام النبلاء» : «سمع منه «الموطأ» بقراءة والده» .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «ابن صيف» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 555) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 304) وهو محمد بن خلف الإشبيلي أبو بكر.(6/528)
الكثير، وكان عبدا صالحا خبيرا بالقراءات.
وفيها أبو إسحاق العراقي [1] العلّامة إبراهيم بن منصور بن المسلّم، الفقيه الشافعي المصري، المعروف بالعراقي.
ولد بمصر سنة عشر وخمسمائة، ولقّب بالعراقي لاشتغاله ببغداد، وتفقّه بها على أبي بكر الأرموي تلميذ أبي إسحاق الشيرازي وغيره، وبمصر على القاضي مجلّي، وشرح «المهذب» [2] في نحو خمسة عشر جزءا متوسطة [3] ، وتخرّج به جماعة، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها إسماعيل بن صالح بن ياسين أبو الطاهر الشّارعيّ [4] المقرئ الصالح. روى عن أبي عبد الله الرزّاز «مشيخته» و «سداسياته» وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها أبو سعيد الرّاراني [5]- براءين مهملتين، نسبة إلى راران قرية بأصبهان- خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الأصبهاني الصّوفي.
ولد سنة خمسمائة، وروى عن الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وطائفة.
وتوفي في ربيع الآخر، وتفرّد بعدة أجزاء.
وفيها علاء الدّين خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان [6] بن
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 33- 36) و «العبر» (4/ 291) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 304- 305) .
[2] لأبي إسحاق الشيرازي.
[3] في «الوافي بالوفيات» (6/ 151) : «في عشرة أجزاء» .
[4] في «آ» و «ط» : «الساعي» وهو تحريف، والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 367) و «العبر» (4/ 291) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 270) .
[5] انظر «العبر» (4/ 291- 292) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 269) .
[6] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه، و «النجوم الزاهرة» (6/ 159) : «خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان» وفي «الكامل في التاريخ» (12/ 156) : «خوارزم شاه تكش بن ألب(6/529)
آتز [1] بن محمد بن نوشتكين [2] ، سلطان الوقت، ملك من السّند، والهند، وما وراء النهر، إلى خراسان، إلى بغداد. وكان جيشه مائة ألف فارس. وهو الذي أزال دولة بني سلجوق، وكان حاذقا بلعب العود، ذهبت عينه في بعض حروبه، وكان شجاعا فارسا عالي الهمّة، تغيرت نيته للخليفة، وعزم على قصد العراق، فجاءه الموت فجأة بدهستان في رمضان، وحمل إلى خوارزم، وقيل كان عنده أدب ومعرفة بمذهب الإمام أبي حنيفة، مات بالخوانيق.
وقام بعده ولده قطب الدّين محمد ولقبوه بلقب أبيه.
وفيها مجد الدّين طاهر بن نصر الله بن جهبل الكلابي الحلبي [3] الشّافعي الفرضي، مدرس مدرسة صلاح الدّين بالقدس. سمع الحديث من جماعة، وحدّث وصنّف للسلطان نور الدّين الشهيد كتابا في فضل الجهاد، وهو والد بني جهبل الفقهاء الدمشقيون، وأحد من قام على السّهروردي الفيلسوف، وأفتى بقتله، مات بالقدس عن أربع وستين سنة.
وفيها القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللّخمي البيساني ثم العسقلاني ثم المصري محيي الدّين [4] صاحب «ديوان الإنشاء» وشيخ البلاغة.
ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
قيل: إن مسودّات رسائله لو جمعت لبلغت مائة مجلد.
قال عبد اللطيف البغدادي في «تاريخه» : كان ثلاثة إخوة أصلهم من
__________
أرسلان» وفي «ذيل الروضتين» ص (17) : «خوارزم شاه تكش بن أرسلان شاه» وفي «سير أعلام النبلاء» : «خوارزم شاه تكش بن أرسلان» .
[1] في «آ» و «ط» : «بن أطر» والتصحيح من «ذيل الروضتين» و «سير أعلام النبلاء» .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن بوستكين» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[3] انظر «العبر» (4/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 31) .
[4] انظر «العبر» (4/ 293) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 338- 344) .(6/530)
بيسان، وكان أحدهم بالإسكندرية وبها مات، وخلّف من الخواتم صناديق ومن الحصر والقدور والخزف بيوتا مملوءة، وكان متى رأى خاتما أو سمع به اجتهد في تحصيله واشتراه.
وأما الأخ الثاني فكان له هوس مفرط في تحصيل الكتب، وكان عنده مائتا ألف كتاب، ومن كل كتاب نسخ كثيرة حتّى من «الصحاح» ثمان عشرة نسخة.
وأما الثالث فالقاضي الفاضل، وكان يحب الكتابة، فقصد مصر ليشتغل بالأدب، فاشتغل به، وحفظ القرآن، وقال الشعر والمراسلات، وخدم الأكابر، فلما ملك أسد الدّين احتاج إلى كاتب فأحضر إليه فأعجبه نفاده وسمته ودينه ونصحه، فلما تملّك صلاح الدّين استخلصه لنفسه، وحسّن اعتقاده فيه ووجد البركة في رأيه، ولذلك لم يكن أحد في منزلته، وكان نزها عفيفا نظيفا، قليل اللّذات، كثير الحسنات، دائم التهجد، ملازم القرآن والاشتغال بعلوم الأدب، غير أنه كان خفيف البضاعة من النحو لا عريا منه، لكن قوة الدّربة توجب له عدم اللّحن، وكتب ما لم يكتبه أحد، ولما عظم شأنه أنف من قول الشعر، وكان لباسه لا يساوي دينارين، وثيابه البياض، ولا يركب معه أحد ولا يصحبه سوى غلام له، ويكثر زيارة القبور، ويشيّع الجنائز ويعود المرضى، وكان له صدقات ومعروف كثير في الباطن، وكان ضعيف البنية رقيق الصورة، له حدبة يسترها الطيلسان، وفيه سوء خلق، لا يضر أحدا، ولأصحاب الفضائل عنده موقع، يحسن إليهم ولا يمنّ عليهم، ويؤثر أرباب البيوت ومن كان خملا من ذوي النباهة، ويحب الغرباء، ولم يكن له انتقام من أعدائه بل يحسن إليهم، وكان دخله كل سنة من إقطاعه ورباعه وضياعه خمسون ألف دينار، هذا سوى التجارات من الهند والمغرب وغير ذلك، وسوى ضيعة من السلطان تسمّى ترنجه تعمل اثني عشر ألف دينار، وكان(6/531)
يقتني الكتب من كل فنّ ويجتلبها من كل جهة، وله نسّاخ لا يفترون ومجلّدون لا يسأمون.
قال لي بعض من يخدمه في الكتب: إن عدد كتبه قد بلغ مائة ألف كتاب وأربعة عشر ألف كتاب، هذا قبل أن يموت بعشرين سنة.
وحكى لي ابن صورة الكتبي [1] قال: إن ابنه التمس مني نسخة «حماسة» ليقرأها، فقلت للفاضل، فاستدعى من الخادم أن يحضر شدات «الحماسة» فأحضر خمسا وثلاثين نسخة، يقول: هذه بخطّ فلان، وهذه بخط فلان، حتّى أتى على الجميع، ثم قال: ليس فيها ما تبتذله الصبيان، فاشترى له نسخة، ولم يزل معظّما بعد موت صلاح الدّين عند ولده العزيز، ثم الأفضل، ومات فجأة أحوج ما كان إلى الموت عند تولي الإقبال واستيلاء الإدبار، كان أمر بإصلاح الحمّام وقت السحر فأصلح، وجاءت ابنته تخبره بذلك فوجدته جالسا ساكتا فهابته لأنه كان مهابا، فطال سكوته حتّى ارتابت، فقدمت قليلا قليلا فلم تر عليه أثر حركة، فوضعت يدها عليه فخرّ صريعا وأخذ في النزع، وقبض وقت الظهر وقت رجوع عسكر مصر مهزوما، ودخل الملك الأفضل فصلّى عليه ودفن بالقرافة، وكان له يوم مشهود.
وفي حدبة القاضي الفاضل يقول ابن سناء الملك:
حاشا لعبد الرحيم سيّدنا ال ... فاضل ما تقوّله السفل
يكذب من قال إنّ حدبته ... في ظهره من عبيده حبل
هذا قياس في غير سيّدنا ... يصحّ لو كان يحبل الرّجل
وحدثني من أثق به أن الفاضل دخل مع أبيه مصر لطلب الإنشاء، وكان إذ ذاك المقدّم بها فيه ابن عبد الظاهر فقصده وطلب منه الاشتغال عليه
__________
[1] انظر التعريف به في تعليقي على آخر أحداث سنة (607) من المجلد السابع.(6/532)
بذلك، فقال له: ما أعددت للإنشاء؟ قال: ديواني الطائيين، يعني أبا تمّام الطائي والبحتري الطائي، فقال مختبرا لقابليته: اذهب فانثرهما فذهب ونثرهما في ليلة واحدة وعرضهما عليه، فقال له: يقرب أن تصير كاتب إنشاء. انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخه» : كان له بمصر ربع [1] عظيم يؤجّر بمبلغ كثير، فلما عزم على الحجّ ركب ومرّ به ووقف وقال: اللهم إنك تعلم أن هذا الرّبع ليس شيء أحبّ إليّ منه. اللهم فاشهد أني وقفته على فكاك الأسرى، وهو إلى يومنا هذا وقف، وهو الذي زاد في الكلّاسة بدمشق مثلها. ولما حفرها وجد تحت الأرض أعمدة رخام قائمة على قواعد رخام وفوقها مثلها وأثر العمارة متصل تحت الأرض، ليس له نهاية، وكأنه [2] كان معبدا ووجد فيه قبلة نحو الشمال، وله مدرسة بالقاهرة هي أول مدرسة بنيت بالقاهرة، وكان صلاح الدّين يقول: ما فتحت البلاد بالعساكر إنما فتحتها بكلام الفاضل، وله مائتان وخمسون ألف بيت من الشعر. انتهى ملخصا.
وفيها تاج الدّين أبو منصور عبد العزيز بن ثابت بن طاهر البغدادي المأموني السّمعي- بكسر السين المهملة والسكون [3] نسبة إلى السّمع بن مالك بطن من الأنصار- الخيّاط [4] المقرئ الفقيه الحنبلي الزاهد.
قال أبو الفرج بن الحنبلي: كان رفيقنا في سماع درس ابن المنّي، وبلغ من الزهد والعبادة إلى حد يقال به تمسك بغداد، وكان لطيفا في صحبته، توفي يوم الأربعاء تاسع عشري شعبان، ودفن بباب حرب.
__________
[1] الرابع: الدار وجمعها رباع. انظر «مختار الصحاح» (ربع) .
[2] لفظة «كأنه» لم ترد في «آ» .
[3] وقال السمعاني في «الأنساب» (7/ 147) : بكسر السين المهملة، وفتح الميم، وقيل بسكونها. وانظر «الإكمال» لابن ماكولا (4/ 458) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 360) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 398) .(6/533)
وفيها عبد اللطيف بن أبي البركات إسماعيل بن أبي سعد النيسابوري ثم البغدادي [1] ابن شيخ الشيوخ [2] . كان صوفيّا عامّيّا. روى عن قاضي المارستان، وابن السمرقندي، وحجّ فقدم دمشق فمات بها في ذي الحجّة.
وفيها ابن كليب، مسند العراق أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب ابن سعد الحرّاني ثم البغدادي [3] الحنبلي التّاجر.
ولد في صفر سنة خمسمائة، وسمع من ابن بيان، وابن نبهان، وابن زيدان الحلواني، وطائفة، ومات في ربيع الأول ممتّعا بحواسه. قاله في «العبر» .
وفيها الأثير محمد بن محمد بن أبي الطّاهر بن محمد بن بيان الأنباري ثم المصري [4] الكاتب. روى عن أبي صادق مرشد [5] المديني وغيره، وروى ببغداد «صحاح» الجوهري عن أبي البركات العراقي، وعمّر وزالت رئاسته، وتوفي في ربيع الآخر وله تسع وثمانون سنة.
وفيها الشهاب الطّوسي أبو الفتح محمد بن محمود بن محمد بن شهاب الدّين [6] ، نزيل مصر، وشيخ الشافعية. توفي بمصر عن أربع وسبعين سنة، ودرّس وأفتى ووعظ، وتخرّج به الأصحاب، وكان يركب بالغاشية
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 370) و «العبر» (4/ 293) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 334- 336) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «التكملة» و «العبر» : «ابن شيخ الشيوخ» . وفي «سير أعلام النبلاء» : «أخو شيخ الشيوخ» .
[3] انظر «العبر» (4/ 293) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 258- 260) .
[4] انظر «العبر» (4/ 294) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 220- 223) .
[5] في «آ» و «ط» : «عن أبي صادق ومرشد» وهو خطأ.
[6] انظر «العبر» (4/ 294) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 387- 389) .(6/534)
والسيوف المسلولة، وبين يديه ينادى: هذا ملك العلماء. وبنى له الملك عمر ابن شاهنشاه المدرسة المعروفة بمنال العزّ، وانتفع به جماعة كثيرة، وكان جامعا لفنون كثيرة، معظما للعلم وأهله، غير ملتفت إلى أبناء الدّنيا، ووعظ بجامع مصر مدة.
ذكر أبو شامة [1] أنه لما قدم بغداد كان يركب بسنجق والسيوف مسلّلة، والغاشية على رأسه، والطوق في عنق بغلته، فمنع من ذلك، فذهب إلى مصر ووعظ وأظهر مذهب الأشعري ووقع بينه وبين الحنابلة.
وقال غيره [2] : كان معظما عند الخاص والعام، طويلا مهيبا مقداما يرتاع منه كلّ أحد ويرتاع هو من الخبوشاني، وعليه مدار الفتوى في مذهب الشافعي، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها ابن زريق الحدّاد أبو جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد الواسطي [3] شيخ الإقراء.
ولد سنة تسع وخمسمائة، وقرأ على أبيه وعلى سبط الخيّاط، وسمع من أبي علي الفارقي، وعلي بن علي بن شيران، وأجاز له خميس الحوزيّ [4] وطائفة وتوفي في رمضان.
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (18- 19) .
[2] في «سير أعلام النبلاء» : «وقال عبد اللطيف- يعني البغدادي-» .
[3] انظر «العبر» (4/ 295) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 327- 328) .
[4] تصحفت في «ط» إلى «الجوزي» .(6/535)
سنة سبع وتسعين وخمسمائة
فيها كان الجوع المفرط والموت بالدّيار المصرية، وجرت أمور تتجاوز الوصف، ودام ذلك إلى نصف العام الآتي، فلو قال قائل: مات ثلاثة أرباع أهل الإقليم لما أبعد. وأكلت لحوم الآدميين.
وفي شعبان كانت الزلزلة العظمى التي عمّت أكثر الدّنيا.
قال أبو شامة [1] : مات بمصر خلق [كثير] تحت الهدم. قال: ثم تهدمت نابلس. وذكر خسفا عظيما، إلى أن قال: وأحصي من هلك في هذه السنة فكان ألف ألف ومائة ألف.
وفيها توفي اللبّان القاضي العدل أبو المكارم، أحمد بن محمد بن محمد التّميمي الأصبهاني [2] مسند العجم، مكثر عن أبي علي الحدّاد، وله إجازة من عبد الغفّار الشّيروي [3] ، توفي في آخر العام.
وفيها أبو القاسم تميم بن أحمد بن أحمد البندنيجيّ الأزجي [4] الحنبلي، مفيد بغداد ومحدّثها. كتب الكثير وعني بهذا الشأن، وحدّث عن
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (20) وما بين حاصرتين زيادة منه، و «العبر» (4/ 296) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 362- 363) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (246) و «النجوم الزاهرة» (6/ 179) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «السروي» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» .
[4] انظر «العبر» (4/ 297) و «النجوم الزاهرة» (6/ 180) .(6/536)
أبي بكر بن الزّاغوني وطبقته، وسمع منه ابن النجّار، وتكلّم فيه هو وشيخه ابن الأخضر، وأجاز للحافظ المنذري، وتوفي يوم السبت ثالث جمادى الآخرة عن أربع وخمسين سنة ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها ظافر بن الحسين أبو منصور الأزدي المصري [1] شيخ المالكية.
كان منتصبا للإفادة والفتيا، وانتفع به بشر كثير وتوفي بمصر في جمادى الآخرة.
وفيها أبو محمد بن الطّويلة عبد الله بن أبي بكر المبارك بن هبة الله البغدادي [2] . روى عن ابن الحصين وطائفة، وتوفي في رمضان.
وفيها أبو الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله ابن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- القرشي التّيمي البكري البغدادي [3] الحنبلي الواعظ المتفنّن، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم، من التفسير، والحديث، والفقه، والزهد، والوعظ، والأخبار، والتاريخ، والطب، وغير ذلك.
ولد سنة عشر وخمسمائة أو قبلها، وسمع من علي بن عبد الواحد الدّينوري، وابن الحصين، وأبي عبد الله البارع، وتتمّة سبعة وثمانين نفسا.
ووعظ من صغره وفاق فيه الأقران، ونظم الشعر المليح، وكتب بخطّه ما لا
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 297) و «حسن المحاضرة» (1/ 454) .
[2] انظر «العبر» (4/ 297) .
[3] انظر «العبر» (4/ 297- 298) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 365- 387) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 399- 433) ومقدمة كتابه «زاد المسير في علم التفسير» تحقيق الشيخين شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط. طبع المكتب الإسلامي بدمشق وبيروت. وكتابي «زهرات الياسمين» ص (91) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت.(6/537)
يوصف، ورأى من القبول والاحترام ما لا مزيد عليه.
وحكي غير مرّة أن مجلسه حزر بمائة ألف، وحضر مجلسه الخليفة المستضيء مرّات من وراء الستر.
وذكر هو أنه منسوب إلى محلّة بالبصرة تسمّى محلّة الجوز.
ولما ترعرع حملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر- وهو خاله- فاعتنى به وأسمعه الحديث، وحفظ القرآن وقرأه على جماعة من القرّاء بالروايات. وسمع بنفسه الكثير، وعني بالطلب، ونظر في جميع الفنون وألّف فيها، وعظم شأنه في ولاية ابن هبيرة.
قال في آخر كتاب «القصّاص والمذكّرين» له: ما زلت أعظ النّاس وأحرّضهم على التّوبة والتّقوى، فقد تاب على يدي [1] إلى أن جمعت هذا الكتاب أكثر من مائة ألف رجل، وقد قطعت من شعور الصبيان اللّاهين أكثر من عشرة آلاف طائلة، وأسلم على يدي أكثر من مائة ألف.
قال: ولا يكاد يذكر لي حديث إلّا ويمكنني [أن] أقول: صحيح، أو حسن، أو محال. ولقد أقدرني الله على أن أرتجل المجلس كله من غير ذكر محفوظ.
وقال سبطه أبو المظفّر [2] : كان زاهدا في الدّنيا متقللا منها. وما مازح أحدا قطّ، ولا لعب مع صبيّ، ولا أكل من جهة لا يتيقّن حلّها. وما زال على ذلك الأسلوب إلى أن توفاه الله تعالى.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيف الصوت، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه
__________
[1] قوله: «فقد تاب على يدي» سقط من «آ» .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 311) .(6/538)
مائة ألف أو يزيدون، لا يضيّع من زمانه شيئا. يكتب في اليوم أربع كراريس، ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدا إلى ستين، وله في كل علم مشاركة. وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة، يعتاض عن الفاكهة بالمفاكهة. لباسه الأبيض الناعم المطيّب.
ونشأ يتيما على العفاف والصلاح، وله مجون لطيف ومداعبات حلوة، ولا ينفك من جارية حسناء.
وذكر غير واحد أنه شرب حبّ البلادر فسقطت لحيته، فكانت قصيرة جدا، وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات. وصنّف في جواز الخضاب بالسواد مجلدا وسئل عن عدد تصانيفه فقال: زيادة على ثلاثمائة وأربعين مصنفا، منها ما هو عشرون مجلدا وأقل.
وقال الحافظ الذهبي: ما علمت أن أحدا من العلماء صنّف ما صنّف هذا الرجل.
وقال يوما في مناجاته: إلهي لا تعذب لسانا يخبر عنك، ولا عينا تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدما تمشي إلى خدمتك، ولا يدا تكتب حديث رسولك، فبعزتك لا تدخلني النّار، فقد علم أهلها أني كنت أذبّ عن دينك.
وقال ابن رجب [1] : نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكيرهم [2] عليه في ذلك، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف، وهو وإن كان مطلعا على الأحاديث والآثار فلم يكن [خبيرا] بحلّ شبه المتكلمين وبيان فسادها، وكان معظما لأبي الوفاء ابن عقيل، متابعا لأكثر ما يجده من كلامه، وإن كان قد ردّ [3] عليه في بعض
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 414) .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «نكرهم» ولفظة «خبيرا» مستدركة منه.
[3] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ورد» فتصحح.(6/539)
المسائل، وكان ابن عقيل بارعا في الكلام. ولم يكن تامّ الخبرة بالحديث والآثار، فلهذا يضطرب في هذا الباب وتتلون فيه آراؤه. وأبو الفرج تابع له في هذا التلون.
قال الشيخ موفق الدين المقدسي: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنّف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، وكان يدرّس الفقه ويصنف فيه، وكان حافظا للحديث، وصنّف فيه، إلّا أننا لم نرض تصانيفه في السّنّة ولا طريقته فيها. انتهى.
توفي ليلة الجمعة بين العشاءين من شهر رمضان، وكان في تموز فأفطر بعض من حضر جنازته لشدة الزحام والحرّ.
وفيها ابن ملّاح الشطّ عبد الرحمن بن محمد بن أبي ياسر البغدادي [1] . روى عن ابن الحصين وطبقته، ومات في عشر المائة.
وفيها عمر بن علي الحربي الواعظ أبو علي البغدادي [2] . روى عن ابن الحصين أيضا والكبار، وتوفي في شوال.
وفيها قراقوش الأمير الكبير الخادم بهاء الدّين الأبيض [3] فتى الملك أسد الدّين شيركوه، وقد وضعوا عليه خرافات لا تصحّ، ولولا وثوق صلاح الدّين بعقله لما سلّم إليه عكا وغيرها، وكانت له رغبة في الخير وآثار حسنة.
قال ابن شهبة: أسر في عكا ففداه السلطان بستين ألف دينار، وهو الذي بنى قلعة القاهرة والسور على مصر والقاهرة، والقنطرة التي عند
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 298) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 310- 311) .
[2] انظر «العبر» (4/ 298) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 353- 354) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 91- 92) و «العبر» (4/ 298- 299) و «النجوم الزاهرة» (6/ 180) .(6/540)
الأهرام، وله مع المصريين وقعات عجيبة، حتّى صنّفوا له كتاب «الفافوش في أحكام قراقوش» . انتهى.
وفيها الكرّاني أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن أحمد الأصبهاني الخبّاز [1] المعمّر، توفي في شوال وقد استكمل مائة عام، وسمع الكثير من الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وغيرهما.
وكرّان محلّة معروفة بأصبهان [2] .
وفيها العماد الكاتب، الوزير العلّامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني ويعرف بابن أخي العزيز [3] .
ولد سنة تسع عشرة بأصبهان، وتفقّه ببغداد في مذهب الشافعي على ابن الرزّاز، وأتقن الفقه، والخلاف، والعربية، وسمع من علي بن الصبّاغ وطبقته، وأجاز له ابن الحصين والفراوي، ثم تعانى الكتابة والترسّل والنظم، ففاق الأقران، وحاز قصب السبق، وولاه ابن هبيرة نظر واسط وغيرها، ثم قدم دمشق بعد الستين وخمسمائة وخدم في ديوان الإنشاء، فبهر الدولة ببديع نثره ونظمه، وترقّى إلى أعلى المراتب، ثم عظمت رتبته في الدولات الصلاحيّة وما بعدها، وصنّف التصانيف الأدبية، وختم به هذا الشأن.
وكانت بينه وبين القاضي الفاضل مطارحات ومداعبات [4] .
قال يوما للقاضي الفاضل: سر فلا كبا بك الفرس. وكانا تلاقيا في الطريق وإنما أراد أنه يقرأ طردا وعكسا، فأجابه الفاضل في الحال: دام علا العماد، وهو أيضا يقرأ طردا وعكسا.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 299) و «النجوم الزاهرة» (6/ 180) .
[2] انظر «معجم البلدان» (4/ 444) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 147- 152) و «العبر» (4/ 299) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 345- 350) و «الوافي بالوفيات» (1/ 132- 140) .
[4] في «وفيات الأعيان» : «مكاتبات ومحاورات» .(6/541)
واجتمعا يوما في موكب [1] السلطان وقد انتشر الغبار لكثرة الفرسان، فأنشد العماد:
أمّا الغبار فإنّه ... ممّا أثارته السّنابك
والجوّ منه مظلم ... لكن أنار به السّنا [2] بك
يا دهر لي عبد الرحي ... م فلست أخشى مسّ نابك
ولما صنّف «خريدة القصر» أرسلها إلى [القاضي] الفاضل، فوقف عليها فلم تعجبه، وكانت في ثمانية أجزاء، فقال: أين الآخران لأنه سمّاها «خريدة» يعني خرى عشرة، وهذه ثمانية لأن ده بالعجمي عشرة، ومن ها هنا أخذ ابن سناء الملك قوله:
خريدة أفّيّة من نتنها ... كأنّها من بعض أنفاسه
فنصفها الأول في ذقنه ... ونصفها الآخر في رأسه
توفي العماد- رحمه الله تعالى- في أول رمضان، ودفن بمقابر الصوفية.
وفيها ابن الكيّال أبو عبد الله محمد بن محمد بن هارون البغدادي ثم الحليّ البزّار [3] . أحد القراء الأعيان.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وقرأ القراءات على سبط الخيّاط، وأبي الكرم الشّهرزوري، وأقرأ بالحلّة زمانا، وتوفي في ذى الحجّة.
وفيها أبو شجاع بن المقرون محمد [بن أبي محمد] بن أبي المعالي البغدادي [4] ، أحد أئمة القراء. قرأ على سبط الخيّاط، وأبي الكرم، وسمع
__________
[1] في «ط» : «في مجلس» .
[2] جاء في «مختار الصحاح» (سنا) : السّنا، مقصور ضوء البرق.
[3] انظر «العبر» (4/ 300) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 256- 257) .
[4] انظر «العبر» (4/ 300) وما بين الحاصرتين زيادة منه.(6/542)
من أبي الفتح بن البيضاوي وطائفة، ولقن خلقا لا يحصون، وكان صالحا عابدا ورعا، مجاب الدعوة، يتقوت من كسب يده، وكان من الآمرين بالمعروف النّاهين عن المنكر، توفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو الحجّاج يوسف بن عبد الرّحمن بن غصن الإشبيلي [1] .
أخذ القراءات عن شريح وجماعة، وحدّث عن ابن العربي، وتصدّر للإقراء، وكان آخر من قرأ القراءات على شريح، توفي في هذا العام أو في حدوده.
قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 300) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 570) .(6/543)
سنة ثمان وتسعين وخمسمائة
فيها تغلّب قتادة بن إدريس الحسيني على مكّة، وزالت دولة بني فليتة.
وفيها جاءت زلزلة عظيمة في شعبان شقّت قلعة حمص، ورمت المنظرة التي على القلعة وأخربت ما بقي من نابلس.
وفيها شرع الشيخ أبو عمر شيخ المقادسة في بناء الجامع بالجبل، وكان بقاسيون رجل فاميّ يقال له أبو داود محاسن، فوضع أساسه وبقي قامة، وأنفق عليه ما كان يملكه، وبلغ مظفّر الدّين كوكبوري صاحب إربل فبعث إلى الشيخ أبي عمر مالا فتممه، وأوقف عليه وقفا، وبعد ذلك أراد مظفر الدّين [أن] يسوق إليه ماء من برزة [1] وبعث إليه الماء، فقال [الملك] المعظم عيسى [بن العادل] : طريق الماء كلها قبور، كيف يجوز نبش عظام المسلمين اعملوا مدارا على بغل، ولا تؤذوا أحدا، واشتروا بالباقي وقفا، ففعلوا ذلك [2] .
وفيها توفي أحمد بن ترمش الخيّاط البغدادي [3] نقيب القاضي.
__________
[1] برزة: قرية كبيرة من قرى الغوطة إلى الشمال الشرقي من دمشق. انظر «معجم البلدان» (1/ 382- 383) .
قلت: وأصل الماء الذي يرد إلى برزة من قرية منين، يخترق أراضي قريتي حرنة ومعربة قبل أن يصل إليها.
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (29) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[3] انظر «العبر» (4/ 121) .(6/544)
روى عن قاضي المارستان، والكروخي، وجماعة، وتوفي بحلب.
وفيها أسعد بن أحمد بن أبي غانم الثّقفي الأصبهاني [1] الضرير.
سمع هو وأخوه زاهر الثقفي «مسند أبي يعلى» من أبي عبد الله الخلّال، وسمع هو من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وجماعة، وكان فقيها معدّلا.
وفيها المؤيد أبو المعالي أسعد بن العميد بن أبي يعلى بن القلانسي التّميمي الدمشقي [2] الوزير. روى عن نصر الله المصّيصي وغيره، ومات في ربيع الأول، وكان صدر البلد.
وفيها الملك المعزّ إسماعيل بن سيف الإسلام طغتكين بن نجم الدّين أيوب [3] ، صاحب اليمن وابن صاحبها. كان مجرما مصرا على الخمر والظلم، ادعى أنه أموي وخرج وعزم على الخلافة، فوثب عليه أخوان من أمرائه فقتلاه، ويقال: إنه ادعى النبوّة ولم يصحّ، وولي بعده أخ له صبيّ اسمه الناصر أيوب. قاله في «العبر» .
وفيها الخشوعيّ، مسند الشام، أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدّمشقي الأنماطي [4] .
ولد في صفر سنة عشر، وأكثر عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة، وأجاز له الحريري، وأبو صادق المديني، وخلق من العراقيين والمصريين والأصبهانيين، وعمّر وبعد صيته، ورحل إليه، وكان صدوقا. توفي في سابع صفر.
وفيها أبو الثّناء حمّاد بن هبة الله بن حمّاد بن الفضل بن الفضيلي [5]
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 301) .
[2] «ذيل الروضتين» ص (31) وانظر «العبر» (4/ 301) .
[3] انظر «العبر» (4/ 301) .
[4] انظر «العبر» (4/ 302) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 355- 358) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الفضلي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وهو مترجم فيه (1/ 434- 435) وفي «العبر» (4/ 302) .(6/545)
الحرّاني التّاجر السفّار المحدّث الحافظ الحنبلي المؤرخ.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى عشرة بحرّان، وسمع ببغداد من أبي القاسم بن السمرقندي، وأبي بكر بن الزّاغوني، وجماعة. وبهراة، ومصر، والإسكندرية من الحافظ السّلفي وغيره. وجمع «تاريخا» لحرّان [1] ، وحدّث به، وجمع جزءا فيمن اسمه حمّاد، وله شعر جيد، وحدّث بمصر، والإسكندرية، وبغداد، وحرّان. وممن روى عنه الشيخ موفق الدّين، وعبد القادر الرّهاوي، والعلم السّخاوي [2] المقرئ، والحافظ الضياء، وغيرهم، وتوفي يوم الأربعاء ثاني عشري ذي الحجّة بحرّان.
وفيها أبو محمد الحربي عبد الله بن أحمد بن أبي المجد الإسكاف [3] . روى «المسند» [4] عن ابن الحصين ببغداد وبالموصل، واشتهر ذكره، وتوفي في المحرم.
وفيها أبو بكر عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عطية المحاربي الغرناطي [5] المالكي المفتي، تفرّد بإجازة غالب بن عطية أخو جدّهم، وأبي محمد بن عتّاب، وسمع من القاضي عياض والكبار، وهو من بيت علم ورواية.
وفيها أبو الحسن العمري عبد الرحمن بن أحمد بن محمد البغدادي [6] القاضي. أجاز له أبو عبد الله البارع، وسمع من ابن الحصين وطائفة، وناب في الحكم، وتوفي في رمضان.
وفيها زين القضاة أبو بكر عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بحرّان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] تحرفت في «آ» إلى «السنجاري» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 409- 410) و «العبر» (4/ 302) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 361- 362) .
[4] يعني «مسند الإمام أحمد» كما جاء مبينا في «سير أعلام النبلاء» .
[5] انظر «العبر» (4/ 302- 303) .
[6] انظر «العبر» (4/ 303) .(6/546)
الدّمشقي [1] الشافعي. سمع من جدّه أبي الفضل القاضي يحيى الزّكي وجماعة، وأجاز له زاهر الشحامي وجماعة، وكان نعم الرجل فقها وفضلا ورئاسة وصلاحا، توفي في ذي الحجّة، رحمه الله.
وفيها عبد الرحيم بن أبي القاسم الجرجاني [2] أبو الحسن، أخو زينب الشعرية، ثقة صالح مكثر. روى «مسلما» [3] عن الفراوي، و «السنن والآثار» عن عبد الجبّار الخواري [4] و «الموطأ» عن السّيّدي [5] و «السنن الكبير» عن عبد الجبّار الدّهّان، وتوفي في المحرم.
وفيها الدّولعي- نسبة إلى الدّولعيّة، قرية بالموصل [6]- خطيب دمشق ضياء الدين عبد الملك بن زيد بن يس التغلبي الموصلي الشافعي وله إحدى وتسعون سنة. تفقّه بدمشق وسمع من الفقيه نصر الله المصيصي وببغداد من الكروخي، وكان مفتيا خبيرا بالمذهب. خطب دهرا ودرس بالغزالية وولي الخطابة بعده سبعا وثلاثين سنة ابن أخيه.
قال النووي في «طبقاته» : كان عبد الملك شيخ شيوخنا وكان أحد الفقهاء المشهورين والصلحاء الورعين. توفي في ربيع الأول ودفن بباب الصغير ونقل عنه في «الروضة» .
وفيها علي بن محمد بن علي بن يعيش، سبط ابن الدامغاني. روى عن
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 303) و «النجوم الزاهرة» (6/ 181) .
[2] انظر «العبر» (4/ 303) و «النجوم الزاهرة» (6/ 181) .
[3] يعني «صحيح مسلم» .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحواري» بالحاء المهملة، والتصحيح من «العبر» وهو عبد الجبّار بن محمد الخواري البيهقي. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (20/ 71- 72) .
[5] هو أبو محمد هبة الله بن سهل البسطامي النيسابوري، المعروف بالسّيّدي. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (20/ 14- 15) .
[6] انظر «معجم البلدان» (2/ 486) .(6/547)
ابن الحصين وزاهر وتوفي في صفر، وكان متميزا جليلا. لقيه ابن عبد الدائم.
وفيها لؤلؤ الحاجب العادلي [1] من كبار الدولة. له مواقف حميدة بالسواحل، وكان مقدم المجاهدين المؤيدين الذين ساروا لحرب الفرنج الذين قصدوا الحرم النبوي في البحر وظفروا بهم. قيل إن لؤلؤا سار جازما بالنصر وأخذ معه قيودا بعدد الملاعين وكانوا ثلاثمائة وشيء، كلهم من الأبطال من كرك الشوبك مع طائفة من العرب المرتدة، فلما بقي بينهم وبين المدينة يوم أدركهم لؤلؤ وبذل الأموال للعرب فخامروا معه وذلّت الفرنج واعتصموا بجبل فترجل لؤلؤ وصعد إليهم بالناس، وقيل بل صعد في تسعة أنفس، فهابوه وسلّموا أنفسهم، فصفّدهم وقيّدهم كلّهم، وقدم بهم مصر، وكان يوم دخولهم يوما مشهودا، وكان لؤلؤ شيخا أرمنيا من غلمان القصر، فخدم مع صلاح الدّين، فكان أينما توجّه فتح ونصر، ثم كبر وترك، وكان يتصدق كل يوم بعدة قدور طعام وباثني عشر ألف رغيف، ويضعف ذلك في رمضان. توفي في صفر، رحمه الله تعالى.
وفيها ابن الوزّان عماد الدّين محمد بن الإمام أبي سعد عبد الكريم ابن أحمد الرّازي [2] شيخ الشافعية بالرّيّ، وصاحب «شرح الوجيز» .
قال ابن السمعاني: عالم محقق مدقق، تفقّه على والده، ثم على أبي بكر الخجندي، وجالس الشيخ أبا إسحاق.
وفيها ابن الزّكي قاضي الشّام محيي الدّين أبو المعالي محمد بن قاضي القضاة منتجب الدّين محمد بن يحيى القرشي [3] من ذريّة عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، الشافعي.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 304- 305) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 384- 385) .
[2] انظر «العبر» (4/ 305) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 47- 48) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 229- 237) و «العبر» (4/ 305) و «البداية والنهاية»(6/548)
ولد سنة خمسين وخمسمائة، وروى عن الوزير الفلكي وجماعة، وكان فقيها إماما طويل الباع في الإنشاء والبلاغة، فصيحا، مفوّها، كامل السؤدد.
قال ابن خلّكان: كان ذا فضائل عديدة، من الفقه والأدب وغيرهما، وله النظم المليح والخطب والرسائل، وتولى القضاء بدمشق، وكذلك أبوه زكي الدّين، وجده مجد الدّين، وجد أبيه زكي الدّين، وهو أول من ولي من بيتهم، وولده زكي الدّين أبو العبّاس الطّاهر، ومحيي الدّين أبو الفضل يحيى، كانوا قضاتها، وكانت له عند السلطان صلاح الدّين المنزلة العالية، ولما فتح السلطان المذكور حلب ثامن صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة أنشده القاضي محيي الدّين قصيدة بائية من جملة أبياتها:
وفتحك القلعة الشهباء في صفر ... مبشّر بفتوح القدس في رجب
فكان كما قال، فإن القدس فتحت لثلاث بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة [1] ، فقيل لمحيي الدّين: من أين لك هذا؟ قال: أخذته من تفسير ابن برّجان [2] في قوله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ من بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بِضْعِ سِنِينَ 30: 1- 4 [الرّوم: 1- 4] وذكر له حسابا طويلا وطريقا في استخراج ذلك، وخطبته يوم فتح القدس [3] من أبلغ الخطب وأشهرها، فلا نطوّل بذكرها [4] ، وتوفي في سابع شعبان (13/ 32- 33) و «النجوم الزاهرة» (6/ 181- 182) .
__________
[1] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (22) وتعليقي عليه، طبع دار ابن كثير.
[2] هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللّخمي الإفريقي الإشبيلي، المعروف بابن برّجان، المتوفى سنة (536) هـ، قال العلّامة الزركلي- طيّب الله ثراه-: وأكثر كلامه في «تفسيره» على طريق الصوفية، ولم يكمله. انظر «فوات الوفيات» (2/ 323) و «الأعلام» (4/ 6) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «المقدس» .
[4] قلت: وقد ذكرها بتمامها ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» فيحسن بالقارئ الرجوع إليه للاطلاع عليها.(6/549)
بدمشق، ودفن من يومه بسفح قاسيون.
وفيها محمود بن عبد المنعم التّميمي الدّمشقي [1] . روى «معجم ابن جميع» عن جمال الإسلام، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها السبط أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن أبي سعيد الهمذاني [2] سبط ابن لال. روى عن أبيه وابن الحصين، وخلق. توفي في المحرم.
وفيها البوصيري أبو القاسم هبة الله بن علي بن سعود الأنصاري [الخزرجي المنستيري] [3] ، الكاتب الأديب، مسند الدّيار المصرية.
ولد سنة ست وخمسمائة، وسمع من أبي صادق المديني، ومحمد بن بركات السعيدي، وطائفة، وتفرّد في زمانه، ورحل إليه [4] ، توفي في ثاني صفر.
وفيها أبو غالب هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد السّامري ثم البغدادي الحريمي ثم الأزجي [5] الفقيه الحنبلي الواعظ. سمع أبي البدر الكرخي وغيره، ولازم أبا الفرج بن الجوزي، وتفقّه وتكلّم، وأفتى ووعظ.
قال القادسي: كان فقيها مجوّدا واعظا دينا خيّرا. سمع منه ابن القطيعي، وروى عنه ابن خليل في «معجمه» وتوفي ليلة الخميس ثامن عشر المحرم، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد قريبا من بشر الحافي، رضي الله عنهم أجمعين.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 424) و «العبر» (4/ 305- 306) .
[2] انظر «العبر» (4/ 306) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 352- 353) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 67- 69) و «العبر» (4/ 306) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 390) .
[4] قال ابن خلّكان: وهو آخر من روى عن أبي الفتح سلطان بن إبراهيم بن مسلم المقدسي في الأرض كلها.
[5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 410) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 433- 434) .(6/550)
سنة تسع وتسعين وخمسمائة
في ليلة السبت سلخ المحرم ماجت [1] النجوم في السماء شرقا وغربا، وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا، ودام [2] ذلك إلى الفجر، وانزعج الخلق، وضجّوا بالدعاء، ولم يعهد مثل ذلك إلّا عام البعث. قاله السيوطي في «حسن المحاضرة» [3] .
وفيها توفي أبو علي بن أشنانة [4] الحسن بن إبراهيم بن منصور الفرغاني ثم البغدادي الصوفي. روى عن ابن الحصين وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها أبو محمد بن عليّان عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الحربي [5] . روى عن ابن الحصين وجماعة، وتغيّر من السوداء في آخر عمره مديدة.
وفيها أبو الفتح القاشاني إسماعيل بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن الخليل المرّوذي الحافظ ابن أبي نصر. كان عالما فاضلا حافظا من المكثرين.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هاجت» وما أثبته من «حسن المحاضرة» و «مرآة الجنان» .
[2] في «آ» و «ط» : «وأقام» والتصحيح من «حسن المحاضرة» و «مرآة الجنان» .
[3] (2/ 293) وفي «مرآة الجنان» (3/ 496) : «ولم يعهد ذلك إلا عند ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم» وذلك ما أراده السّيوطي أيضا من قوله عام البعث- يعني بعثته صلى الله عليه وسلم.
[4] في «آ» و «ط» : «شنانة» والتصحيح من «العبر» (4/ 307) .
[5] انظر «العبر» (4/ 307) .(6/551)
قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» [1] :
ثمّ الفتى إسماعيل ذا القاشاني ... ثبت صدوق طيّب اللّسان
وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد [2] بن الصقّال الطيبي ثم البغدادي الأزجي [3] الفقيه الحنبلي، مفتي العراق، ويلقب موفق الدّين.
ولد في خامس عشري شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وسمع من ابن الطّلّاية، وابن ناصر، وأبي بكر بن الزّاغوني، وغيرهم. وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلى الصغير، وأبي حكيم النّهرواني، وقيل: وعلى ابن المنّي أيضا. وبرع في الفقه مذهبا وخلافا وجدلا، وأتقن علم الفرائض والحساب، وكتب خطّا حسنا، وأفتى ودرّس وناظر، وكان من أكابر العدول وشهود الحضرة وأعيان المفتين المعتمد على أقوالهم في المحافل والمجالس، متين الديانة، حسن المعاشرة، طيب المفاكهة. وسمع منه القطيعي، وروى عنه ابن الدّبيثي، والحافظ الضياء، وابن النجار. وتوفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجّة، ودفن بباب حرب.
وهو منسوب إلى الطّيب: بلدة قديمة بين واسط والأهواز [4] وينسب إليها الطّيبي شارح «الكشاف» أيضا.
وفيها أبو بكر مجد الدّين عبيد الله بن علي بن نصر بن حمرة بن
__________
[1] في «بديعة البيان عن موت الأعيان» (23) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.
[2] كذا في «آ» و «ط» : «إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الصقال» وفي «التكملة» :
«إبراهيم بن محمد بن أحمد بن الصقال» وفي «الوافي بالوفيات» : «إبراهيم بن محمد بن الصقال» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 467) و «الوافي بالوفيات» (6/ 137- 138) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 440- 442) .
[4] انظر «معجم البلدان» (4/ 52- 53) .(6/552)
علي بن عبيد الله البغدادي التيمي [1] ، المعروف بابن المرستانية [2] الفقيه الحنبلي الأديب المحدّث المؤرخ. كان يذكر أنه من ولد أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، ويذكر نسبا متصلا إليه، وذكر أنه ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وسمع الحديث من أبي المظفّر بن الشبلي، وابن البطي، وابن بندار، وشهدة، وغيرهم. وقرأ كثيرا على المشايخ المتأخرين بعدهم، وحصّل الأصول، وعني بهذا الفنّ، وتفقّه في المذهب، وصنّف كتابا سمّاه «ديوان الإسلام في تاريخ دار السلام» قسّمه ثلاثمائة وستين كتابا، وله غير ذلك.
قال ابن النجار: كان قد قرأ كثيرا من علم الطب، والمنطق، والفلسفة، وكانت بينه وبين عبيد الله بن يونس صداقة، فلما أفضت [3] إليه الوزارة اختصّ به وقوي جاهه، وبنى دارا بدرب الشاكرية وسمّاها دار العلم، وجعل فيها [4] خزانة كتب وأوقفها على طلاب العلم، ورتب ناظرا على أوقاف المارستان العضدي، فلم تحمد سيرته، فقبض عليه وسجن في المارستان مدة مع المجانين مسلسلا وبيعت داره [5] دار العلم بما فيها من الكتب مع سائر أمواله وأطلق فصار يطبب الناس ويدور على المرضى في منازلهم، وصادف قبولا في ذلك فأثرى وعاد إلى حالة حسنة، وحصّل كتبا كثيرة، وكان القبض عليه بعد عزل ابن يونس والقبض عليه، وتتبع أصحابه.
وفي تلك الفتنة كانت محنة ابن الجوزي أيضا. وبالغ ابن النجار في الحطّ عليه بسبب ادعائه النسب إلى أبي بكر الصّدّيق ونسبه إلى أنه روى عن
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «التميمي» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 442- 446) .
[3] في «ط» : «أفضيت» .
[4] في «آ» و «ط» : «وحصل فيه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] لفظة «داره» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» الذي بين يدي.(6/553)
مشايخ لم يدركهم واختلق طباقا على الكتب بخطوط مجهولة تشهد بكذبه وتزويره. قاله ابن رجب ثم انتصر له.
وفيها زين الدّين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري الدّمشقي الفقيه الحنبلي الواعظ المفسر المعروف بابن نجية [1] نزيل مصر، سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الجيلي.
ولد بدمشق سنة ثمان وخمسمائة فيما ذكره ابن نقطة، والمنذري، وغيرهما، وقال ابن الحنبلي: سنة عشر، وسمع بدمشق من أبي الحسن علي ابن أحمد بن قيس، وسمع درس خاله شرف الإسلام عبد الوهاب، وتفقّه، وسمع التفسير، وأحب الوعظ، وغلب عليه واشتغل به [2] .
قال ناصح الدّين: قال لي حفّظني خالي مجلس وعظ وعمري يومئذ عشر سنين، ثم نصب لي كرسيا في داره، وأحضر لي جماعة، وقال: تكلّم، فتكلمت، فبكى. قال: وكان ذلك المجلس يذكره وهو ابن تسعين سنة، وكان بطيء النسيان، يعظ بالعربية وغيرها، بعثه نور الدّين الشهيد رسولا إلى بغداد سنة أربع وستين وخلع عليه خلعة سوداء، فكان يلبسها في الأعياد، وسمع هناك الحديث من سعد الخير ابن محمد الأنصاري، وصاهره على ابنته فاطمة ونقلها معه إلى مصر، وسمع من غيره ببغداد، واجتمع بالشيخ عبد القادر [3] وغيره من الأكابر.
وقال سبط ابن الجوزي: كان ابن نجية قد اقتنى أموالا عظيمة، وتنعم تنعما زائدا، بحيث أنه كان في داره عشرون جارية للفراش تساوي كل جارية ألف دينار، وأما الأطعمة فكان يعمل في داره ما لا يعمل في دور الملوك،
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 436- 442) .
[2] في «آ» : «واشتهر به» .
[3] يعني الجيلاني.(6/554)
وتعطيه الملوك والخلفاء أموالا عظيمة كثيرة. قال: ومع هذا مات فقيرا، كفّنه بعض أصحابه.
وذكر ابن الحنبلي: أن ابن نجا المذكور ضاق صدره في عمره من دين عليه وأن الملك العزيز عثمان لما عرف ذلك أعطاه ما يزيد على أربعة آلاف دينار مصرية. قال: وقال لي: ما احتجت في عمري إلّا مرتين.
وقال ناصح الدّين: قال لي والدي زين الدّين- أي صاحب الترجمة- أنا أسعد بدعاء والدتي، كانت صالحة حافظة، تعرف التفسير. قال زين الدّين: كنا نسمع من خالي التفسير ثم أجيء إليها فتقول: أيش فسّر أخي اليوم، فأقول: سورة كذا وكذا، فتقول: ذكر قول فلان، ذكر الشيء الفلاني؟ فأقول: لا، فتقول: ترك هذا، وكانت تحفظ كتاب «الجواهر» .
مجلدة تأليف والدها.
وسمع من ابن نجية خلق، منهم الحافظ عبد الغني [1] ، وابن خليل، والضياء المقدسي، وجماعات، وأجاز للمنذري وغيره، وتوفي في شهر رمضان ودفن في سفح المقطم.
وفيها عبد الوهّاب الحنفي أبو محمد بن النحّاس، المعروف بالبدر [2] .
قال ابن العديم: تفقّه وبرع في المذهب [3] ، وأفتى، وكان مجيدا في مناظرته، فريدا في محاورته، ناظر الفحول الواردين من وراء النهر وخراسان.
قدم القاهرة ودرّس بالسيوفيّة، ومات بها. قاله في «حسن المحاضرة» .
__________
[1] يعني المقدسي.
[2] في «آ» و «ط» : «المجرد» والتصحيح من «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» (2/ 488) .
و «حسن المحاضرة» (1/ 464) .
[3] في «الجواهر المضية» : «وبرع في الفقه» .(6/555)
وفيها علي بن حمزة أبو الحسن البغدادي الكاتب [1] حاجب باب النوبيّ. حدّث بمصر عن ابن الحصين، وتوفي في شعبان.
وفيها غياث الدّين الغوري سلطان غزنة أبو الفتح محمد بن سام بن حسين [2] ملك جليل عادل [3] محبّب إلى رعيته، كثير المعروف والصدقات، تفرّد بالممالك بعده أخوه السلطان شهاب الدّين.
وفيها ابن الشّهرزوري، قاضي القضاة، أبو الفضائل القاسم بن يحيى ابن أخي قاضي الشام كمال الدّين [4] ولي قضاء الشام بعد عمه قليلا، ثم لما تملّك العادل سار إلى بغداد، فولي بها القضاء والمدارس والأوقاف، وارتفع شأنه عند الناصر لدين الله إلى الغاية، ثم إنه خاف الدوائر فاستعفى، وتوجّه إلى الموصل، ثم قدم حماة، فولي قضاءها فعيب عليه ذلك، وكان جوادا ممدّحا، له شعر جيد ورواية عن السّلفيّ. توفي بحماة في رجب عن خمس وستين سنة، وحمل إلى دمشق فدفن بها.
وفيها الزّاهد أبو عبد الله القرشي محمد بن أحمد بن إبراهيم الأندلسي [5] الصوفي أحد العارفين وأصحاب الكرامات والأحوال. نزل بيت المقدس وبه توفي عن خمس وخمسين سنة، وقبره مقصود بالزيارة.
وفيها أبو بكر بن أبي جمرة محمد بن أحمد بن عبد الملك الأموي مولاهم القرشي [6] المالكي القاضي، أحد أئمة المذهب. عرض «المدونة» .
على والده، وله منه إجازة كما لأبيه إجازة من أبي عمرو الدّاني، وأجاز له أبو
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 308) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 396- 397) .
[2] انظر «العبر» (4/ 308) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 320- 322) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عال» والتصحيح من «العبر» .
[4] انظر «العبر» (4/ 308) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 393) .
[5] انظر «العبر» (4/ 309) و «النجوم الزاهرة» (6/ 184) .
[6] انظر «العبر» (4/ 309) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 398- 399) .(6/556)
بحر بن العاص، وأفتى ستين سنة، وولي قضاء مرسية وشاطبة دفعات، وصنّف التصانيف، وكان أسند من بقي بالأندلس، توفي في المحرم.
وفيها الغزنوي الفقيه بهاء الدّين أبو الفضل محمد بن يوسف الحنفي [1] المقرئ. روى عن قاضي المارستان وطائفة، وقرأ القراءات على سبط الخيّاط، قرأ عليه بطرق «المنهج» السخاويّ [2] وغيره، ودرّس المذهب، وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الباقي ابن العكبري البغدادي الظّفري [3]- نسبة إلى الظّفريّة محلّة ببغداد [4]- الفقيه الحنبلي المحدّث الواعظ.
قال ابن النجار: جارنا بالظّفريّة. حفظ القرآن في صباه، وقرأه بالرّوايات على أبي بكر بن الباقلاني الواسطي وغيره، وتفقّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقرأ العربية على أبي البركات الأنباري، وابن الخشّاب، وصحب شيخنا أبا الفرج بن الجوزي، وقرأ عليه شيئا من مصنفاته في الوعظ وغيره، وسمع الحديث من أبي العبّاس أحمد بن محمد بن المرقّعاتي، وشهدة الكاتبة، وخلق كثير، وكان يجلس للوعظ ثم انقطع ببيته لا يخرج إلّا إلى الجمعة والجماعة، وكان يكثر الجلوس في المقابر. سمعت منه، وكان يسمع بقراءتي على مشايخنا، وكان صدوقا متدينا عفيفا، قليل المخالطة للناس، محبا للخلوة. وقال: ذكر أن مولده في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي ليلة الاثنين ثامن عشر جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 309- 310) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 579) .
[2] في «ط» : «للسخاوي» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 456) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 435- 436) .
[4] انظر «معجم البلدان» (4/ 61) .(6/557)
وفيها ابن المعطوش [1] مسند العراق أبو طاهر، المبارك بن المبارك ابن هبة الله الحريمي العطّار.
ولد سنة سبع وخمسمائة، وسمع من أبي علي بن المهدي، وأبي الغنائم بن المهتدي بالله، وبه ختم حديثهما، وسمع «المسند» كله ورواه، وتوفي في عاشر جمادى الأولى.
وفيها البرهان الحنفي أبو الموفق مسعود بن شجاع الأموي الدمشقي [2] مدرس النّورية والخاتونية، وقاضي العسكر. كان صدرا معظما مفتيا رأسا في المذهب. ارتحل إلى بخارى، وتفقّه هناك وعمّر دهرا. توفي في جمادى الآخرة وله تسع وثمانون سنة، وكان لا تغسل له فرجية بل يهبها ويلبس جديدة.
وفيها ابن الطّفيل أبو يعقوب يوسف بن هبة الله بن محمود الدمشقي [3] الصّوفي، شيخ صالح، له عناية بالرواية. رحل إلى بغداد، وسمع من أبي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وطبقتهما، وأسمع ابنه عبد الرّحيم من السّلفي.
وفيها أبو بكر جمال الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن منصور المقدسي [4] الزاهد، أخو البهاء عبد الرحمن الآتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وسمع الحديث بدمشق، ودخل مع
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أبو المعطوس» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (4/ 310) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 400) .
[2] انظر «العبر» (4/ 310) و «مرآة الجنان» (3/ 496) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 457) و «العبر» (4/ 310) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 442) .(6/558)
أخيه بغداد وسمع بها وأقام بها مدة، واشتغل وحصّل فنونا من العلم ثم عاد.
وكان فقيها ورعا زاهدا، كثير الخشية والخوف من الله تعالى، حتّى كان يعرف بالزّاهد، وكان يبالغ في الطهارة وأمّ بدمشق بمسجد دار البطيخ، وهو مسجد السلاطين، وحجّ في آخر عمره، ثم توجّه إلى القدس، فأدركه أجله بنابلس.
قاله ابن رجب.(6/559)
سنة ستمائة
فيها أخذت الفرنج فوّة [1] عنوة واستباحوها دخلوا من فم رشيد في النيل، فلا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم.
وفيها توفي العلّامة أبو الفتوح العجلي منتخب [2] الدّين أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف الأصبهاني [3] الشافعي الواعظ، شيخ الشافعية. عاش خمسا وثمانين سنة، وروى عن جماعة، وكان يقنع وينسخ، وله كتاب «مشكلات الوجيز» و «تتمة التتمة» وترك الوعظ وألّف كتابا سماه «آفات الوعّاظ» .
قال ابن شهبة [4] : ولد بأصبهان في أحد الربيعين، سنة خمس عشرة وخمسمائة، وكان فقيها مكثرا من الرواية، زاهدا، ورعا، يأكل من كسب يده، يكتب ويبيع ما يتقوت [5] به لا غير. وكان عليه المعتمد بأصبهان في الفتوى، وتوفي في صفر بأصبهان.
__________
[1] فوّة: بليدة على شاطئ النيل من نواحي مصر قرب رشيد، بينها وبين البحر نحو خمسة فراسخ أو ستة، وهي ذات أسواق ونخل كثير. انظر «معجم البلدان» (4/ 280) .
[2] وفي بعض المصادر: «منتجب» .
[3] انظر «العبر» (4/ 311- 312) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 402- 403) .
[4] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 30) .
[5] في «آ» و «ط» : «يتقوت» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.(6/560)
وفيها بقاء بن عمر بن حنّد [1] أبو المعمر الأزجي الدقّاق، ويسمى أيضا المبارك. روى عن ابن الحصين وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو الفرج بن اللّحية جابر بن محمد بن يونس الحموي ثم الدمشقي [2] التاجر. روى عن الفقيه نصر المصّيصي وغيره.
وفيها ابن شرقيني أبو القاسم شجاع بن معالي البغدادي العرّاد القصباني [3] . روى عن ابن الحصين وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو سعد بن الصّفّار عبد الله بن العلّامة أبي حفص عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري الشافعي [4] فقيه متبحر أصولي، عامل بعلمه.
ولد سنة ثمان وخمسمائة، وسمع من جدّه لأمه أبي نصر بن القشيري، وسمع «سنن الدارقطني» بفوت من أبي القاسم الأبيوردي، وسمع «سنن أبي داود» من عبد الغافر بن إسماعيل. وسمع من طائفة كتبا كبارا. توفي في شعبان أو رمضان وله اثنتان وتسعون سنة.
وفيها الإمام تقي الدّين أبو محمد الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد ابن علي بن سرور المقدسي الجمّاعيلي [5] الحنبلي.
ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهاجر صغيرا إلى دمشق بعد الخمسين، فسمع أبا المكارم بن هلال، وببغداد أبا الفتح بن البطّي وغيره،
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن جند» وما أثبته من «العبر» (4/ 312) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 414) .
[2] انظر «العبر» (4/ 312) .
[3] انظر «العبر» (4/ 312) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 414) وفيه: «ابن شدقيني الغراد» .
[4] انظر «العبر» (4/ 313) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 403- 404) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 144) .
[5] انظر «العبر» (4/ 313) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 443- 471) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 5- 34) ومقدمتي لكتابه «عمدة الأحكام» ص (17- 23) .(6/561)
وبالإسكندرية من السّلفي. وهذه الطبقة، ورحل إلى أصبهان فأكثر بها سنة نيف وسبعين، وصنّف التصانيف الكثيرة الكبيرة الشهيرة، ولم يزل يسمع ويكتب إلى أن مات. وإليه انتهى حفظ الحديث متنا وإسنادا ومعرفة بفنونه، مع الورع والعبادة والتمسك بالأثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيرته في جزءين ألّفها الحافظ الضياء.
قال ابن ناصر الدّين [1] : هو محدّث الإسلام وأحد الأئمة المبرّزين الأعلام، ذا ورع وعبادة وتمسك بالآثار، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، له كتاب «المصباح» في ثمانية وأربعين جزءا وغيره من المصنفات.
وقال ابن رجب: امتحن الشيخ ودعي إلى أن يقول لفظي [2] بالقرآن مخلوق، فأبى، فمنع من التّحديث، وأفتى أصحاب التأويل بإراقة دمه، فسافر إلى مصر وأقام بها إلى أن مات.
وقال فيه أبو نزار ربيعة بن الحسن:
يا أصدق النّاس في بدو وفي حضر ... وأحفظ النّاس فيما قالت الرّسل
إن يحسدوك فلا تعبأ بقائلهم ... هم الغثاء وأنت السّيّد البطل
وقال الضياء: ما أعرف أحدا من أهل السّنة رأى الحافظ عبد الغني إلّا أحبّه حبّا شديدا، ومدحه مدحا كثيرا.
وكان إذا مر بأصبهان يصطفّ [3] الناس في السوق فينظرون إليه، ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها من حبهم له ورغبتهم فيه، ولما وصل إلى مصر أخيرا كان إذا خرج يوم الجمعة إلى الجامع لا يقدر يمشي من كثرة الخلق يتبركون به ويجتمعون حوله.
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (171/ آ) .
[2] لفظة «لفظي» سقطت من «آ» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «يعطف» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .(6/562)
وقال الشيخ موفق الدّين: كان جوادا يؤثر بما تصل إليه يده سرّا وعلانية.
قال ولده الحافظ أبو موسى ابن بنت الشيخ أبي عمر بن قدامة زوجة الحافظ عبد الغني: قال لي والدي في مرضه الذي مات فيه: يا بني أوصيك بتقوى الله والمحافظة على طاعته، فجاء جماعة يعودونه فسلّموا عليه فردّ عليهم السلام وجعلوا يتحدثون، ففتح عينيه وقال: ما هذا الحديث؟ اذكروا الله وقولوا: لا إله إلا الله، فقالوها ثم قاموا، فجعل يذكر الله ويحرّك شفتيه بذكره، ويشير بعينه، فدخل رجل فسلّم عليه وقال له: ما تعرفني يا سيدي، فقال: بلى، فقمت لأناوله كتابا من جانب المسجد، فرجعت وقد خرجت روحه، وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرون من ربيع الأول، ودفناه يوم الثلاثاء بالقرافة مقابل [1] قبر الشيخ أبي عمرو بن مرزوق.
وفيها أبو الفضل ركن الدّين عزيز بن محمد [2] بن العراقي القزويني الشافعي المعروف بالطاووسي [3] . كان إماما فاضلا مناظرا محجاجا قيّما في علم الخلاف، ماهرا فيه، اشتغل فيه على الشيخ رضي الدّين النيسابوري الحنفي صاحب «الطريقة» في الخلاف وبرز فيه، وصنّف ثلاث تعاليق «مختصرة» في الخلاف وثانية وثالثة مبسوطة، واجتمع عليه الطلبة بمدينة همذان، وقصدوه من البلاد البعيدة، وعلّقوا تعاليقه، وبنى له الحاجب جمال الدّين بهمذان مدرسة تعرف بالحاجبية، و «طريقته» الوسطى أحسن من «طريقتيه» الأخريين، لأن فقهها كثير وفوائدها غزيرة جمّة، وأكثر اشتغال الناس في هذا الزمان بها، واشتهر صيته في البلاد، وحملت طرائقه إليها، وتوفي
__________
[1] في «ط» : «مقابلة» .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» : «عزيز بن محمد» وفي المصادر الأخرى «عرافي بن محمد» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 258- 259) و «العبر» (4/ 313- 314) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 353) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 176- 178) .(6/563)
بهمذان رابع عشر جمادى الآخرة. ولعله منسوب إلى طاووس بن كيسان التابعي. قاله ابن خلّكان.
وفيها فاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن عبد الكريم [1] . ولدت بأصبهان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وسمعت حضورا من فاطمة الجوزدانية، ومن ابن الحصين، وزاهر الشحّامي، ثم سمعت من هبة الله بن الطّبر وخلق، وتزوّج بها أبو الحسن بن نجا الواعظ. روت الكثير بمصر، توفيت في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها القاسم بن الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن المحدّث أبو محمد بن عساكر الدمشقي الشافعي [2] .
قال ابن شهبة: ولد في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وكان محدّثا، حسن المعرفة، شديد الورع، ومع ذلك كان كثير المزاح، وتولى مشيخة دار الحديث النّورية بعد والده، فلم يتناول من معلومها [3] شيئا بل كان يرصده للواردين من الطلبة، حتّى قيل: لم يشرب من مائها ولا توضأ.
وقال الذهبي: سمع من جدّ أبويه القاضي الزّكي يحيى بن علي القرشي، وجمال الإسلام بن مسلم، وطبقتهما. وأجاز له الفراوي، وقاضي المارستان، وطبقتهما. وكان محدّثا فهما، كثير المعرفة، شديد الورع، صاحب مزاح وفكاهة، وخطّه ضعيف عديم الإتقان، وتوفي في صفر.
وفيها محمد بن صافي أبو المعالي البغدادي النقّاشي [4] . روى عن
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 314) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 412- 413) .
[2] انظر «العبر» (4/ 314) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 405- 411) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 42- 43) .
[3] يعني من وقفها.
[4] انظر «ذيل تاريخ بغداد» لابن الدبيثي (1/ 293- 294) و «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 24) و (2/ 224) و «العبر» (4/ 315) .(6/564)
أبي بكر المرزفي [1] وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو البركات محمد بن أحمد التّكريتي الأديب، يعرف بالمؤيد [2] . كان في زمنه شخص نحويّ يعرف بالوجيه النّحوي حنبلي المذهب، فآذاه الحنابلة، فتحنّف، فآذاه الحنفية فانتقل إلى مذهب الشافعي، فجعلوه مدرّس النظامية في النحو، فعمل فيه المؤيد التّكريتي:
ألا مبلغ [3] عنّي الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدي إليه الرسائل
تمذهبت للنّعمان بعد ابن حنبل ... وذلك لمّا أعوزتك المآكل
وما اخترت رأي الشّافعيّ تديّنا ... ولكنما تهوى الذي هو حاصل
وعمّا قليل أنت لا شكّ صائر ... إلى مالك فافهم [4] لما أنا قائل
وفيها المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب الأزجي الطحّان بن السّيبيّ [5] . روى عن ابن الحصين وجماعة، وتوفي في شوال.
وفيها صنيعة الملك القاضي أبو محمد هبة الله بن يحيى بن علي بن حيدرة المصري، ويعرف بابن مشير المعدّل [6] . راوي كتاب «السّيرة» توفي في ذي الحجة.
وفيها، وجزم السيوطي أنه في التي قبلها، قال في «حسن
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «المزني» وفي «ط» إلى «المرزبي» والتصحيح من «ذيل تاريخ بغداد» و «العبر» .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (36) - وفيه: «محمد بن أحمد بن سعيد البكري» - و «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» ص (50- 51) طبع دار ابن كثير، وحاشية «إنباه الرواة» (3/ 255) .
[3] وفي رواية: «ومن مبلغ» .
[4] في «ذيل الروضتين» و «المحمدون» : «فافطن» .
[5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى: «الشبيبي» وتصحفت في «العبر» (4/ 315) إلى «الشيبي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 41) .
[6] انظر «العبر» (4/ 315) و «حسن المحاضرة» (1/ 376) .(6/565)
المحاضرة» [1] : أبو القاسم هبة الله بن معد بن عبد الكريم القرشي الدمياطي الشافعي، المعروف بابن البوري- نسبة إلى بورة، بلد قرب دمياط ينسب إليها السمك البوري [2]- تفقّه على ابن أبي عصرون، وابن الخلّ، ثم استقرّ بالإسكندرية، ودرّس بمدرسة السّلفي. انتهى.
وفيها لاحق بن أبي الفضل بن علي بن حيدرة [3] . روى «المسند» كلّه عن ابن الحصين، وتوفي في المحرم عن ثمان وثمانين سنة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
[1] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 408) .
[2] انظر «معجم البلدان» (1/ 506) .
[3] في «العبر» (4/ 9315) : «بن قندرة» .(6/566)
تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيقنا للمجلد السادس من كتاب «شذرات الذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي والمؤذن يؤذن لصلاة عصر يوم الخميس في غرة شهر شعبان المعظم لعام 1409 هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأسأله تعالى أن ينفع بأعمالنا جميعها وأن يجعلها حجّة لنا يوم نعرض عليه عزّ وجل، وأن يعيننا على إتمام تحقيق بقية الكتاب بتأييد من لدنه جلّ جلاله.
محمود الأرناؤوط(6/567)
[المجلد السابع]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سنة إحدى وستمائة
فيها تغلّبت الفرنج على مملكة القسطنطينيّة، وأخرجوا الرّوم منها بعد حصار طويل، وحروب كثيرة. قاله في «العبر» [1] .
وفيها خرجت الكرج فعاثوا ببلاد أذربيجان [2] ، وقتلوا وسبوا، ووصلت زعازعهم [3] إلى عمل خلاط، فانتدب لحربهم عسكر خلاط، وعسكر أرزن [4] الرّوم، فالتقوهم، ونصر الله الإسلام، وقتل في المصافّ ملك الكرج.
وفيها جاءت الفرنج إلى حماة بغتة، وأخذوا النّساء الغسّالات من باب البلد، وخرج إليهم الملك المنصور، وقاتل قتالا حسنا، وكسر الفرنج
__________
[1] (5/ 1) .
[2] قلت: كذا ضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 128) بفتح الهمزة، وسكون الذال، وفتح الراء، وكسر الباء الموحدة، وياء ساكنة، وجيم. وقال: وقد فتح قوم الذال، وسكّنوا الراء، ومدّ آخرون الهمزة مع ذلك. وأضاف: وروي عن المهلّب- ولا أعرف المهلّب هذا- آذريبجان، بمد الهمزة، وسكون الذال، فيلتقي الساكنان، وكسر الراء، ثم ياء ساكنة، وباء موحدة مفتوحة، وجيم، وألف، ونون.
[3] كذا في «آ» و «ط» : «زعازعهم» وهي الكتائب. انظر «لسان العرب» (زعع) وفي «العبر» :
«عياراتهم» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أردن» والتصحيح من «العبر» ، وقال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 150) : أرزن مدينة مشهورة قرب خلاط.(7/5)
عسكره، ووقف على السّاقة [1] من الرّقيطا [1] إلى باب حماة، ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدا [2] .
وفيها ولدت امرأة ولدا له رأسان وأربعة أرجل وأيد، ومات من يومه. قاله ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» .
وفيها توفي السّكّر المحدّث أحمد بن سليمان بن أحمد الحربي [3] المقرئ المفيد، عن نيف وستين سنة. قرأ القراءات على أحمد بن محمد ابن شنيف وجماعة، وسمع من سعيد بن البنّا، وابن البطّي فمن بعدهما، وكان ثقة، مكثرا، صاحب قرآن وتهجد وإفادة للطلبة، توفي في صفر.
وفي حدودها وما يقرب، أبو الآثار وأبو الأمانة جبريل بن صارم بن علي بن سلامة الصّعبيّ [4] الأديب الحنبلي. قدم بغداد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو فقير، فتفقّه في المذهب، وقرأ الخلاف، وجالس النّحاة، وحصّل طرفا صالحا من الأدب، وسمع الحديث من ابن الجوزي وغيره، ومدح الخليفة الناصر بعدّة قصائد، وأثرى ونبل مقداره، واشتهر ذكره، فنفذ من الديوان في رسالة إلى خوارزم شاه، وسمع الحديث من مشايخ خراسان، وحصّل نسخا بما سمع، ثم عاد إلى بغداد وقد صار له الغلمان التّرك والمراكب، ولم يزل يرسل من الديوان إلى خوارزم شاه إلى أن قبض عليه لسبب ظهر منه، فسجن بدار الخلافة، وانقطع خبره عن النّاس.
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (132/ آ) : «ووقف في السّاقة» وما أثبته من «النجوم الزاهرة» (6/ 187) وجاء في حاشيته: الرقيطاء: قرية بحماة كما في «تاريخ حماة» للصابوني ص (27) وساقة الجيش: مؤخّره انظر «تاج العروس» (سوق) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (51) وانظر رواية أخرى للخبر في «تاريخ الإسلام» للذهبي (الطبقة الحادية والستون) ص (45) طبع مؤسسة الرسالة.
[3] انظر «العبر» (5/ 1) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 580) و «النجوم الزاهرة» (6/ 188) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 38- 39) .(7/6)
ومما أنشد له ابن القطيعي:
لا غرو إن أضحت الأيّام توسعني ... فقرا وغيري بالإثراء موسوم
فالحرف في كلّ حال غير منتقص ... ويدخل الاسم تصغير وترخيم
وفيها عبد الرّحيم بن محمد بن أحمد بن حمّويه الأصبهاني [1] الرجل الصّالح، نزيل همذان. روى بالحضور «معجم الطبراني» عن عبد الصمد العنبري، عن ابن ريذة.
وفيها أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي الفلّاح [2] . آخر من سمع من أبي العزّ بن كادش، وسمع أيضا من ابن الحصين. توفي في ربيع الأول.
وفيها نجم الدّين أبو محمد عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور ابن هبة الله النّهري الحرّاني [3] . الفقيه الحنبلي الواعظ، من أهل حرّان.
رحل إلى بغداد في صباه سنة ثمان وسبعين لطلب العلم، فسمع من أبي السّعادات القزّاز وغيره. وتفقه على أبي الفتح بن المنّي، حتّى حصّل طرفا صالحا من المذهب والخلاف، ثم عاد إلى حرّان، ثم قدم بغداد مرة أخرى سنة ست وتسعين ومعه ولداه النّجيب عبد اللطيف، والعزّ عبد العزيز، فسمع، وأسمعهما الكثير، وقرأ على الشيوخ. وكتب وحصّل وناظر في مجالس الفقهاء وحلق المناظرين، ودرّس وأفاد الطلبة، واستوطن بغداد وعقد بها مجلس الوعظ بعدّة أماكن.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 1- 2) .
[2] انظر «العبر» (5/ 2) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 419- 420) وزاد في نسبته: البقلي البستبان، وقال: وتفسيره النّاطور.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 36- 38) .(7/7)
ذكره ابن النجار وقال: كان مليح الكلام في الوعظ، رشيق الألفاظ، حلو العبارة، كتبنا عنه شيئا يسيرا، وكان ثقة، صدوقا، متحرّيا، حسن الطّريقة، متديّنا، متورّعا، نزها، عفيفا، عزيز النّفس، مع فقر شديد، وله مصنفات حسنة، وشعر جيد، وكلام في الوعظ بليغ. وكان حسن الأخلاق، لطيف الطبع، متواضعا.
وقال سبط ابن الجوزي: كان كثير الحياء، يزور جدّي ويسمع معنا الحديث. وذكر أنه استوطن بغداد لوحشة جرت بينه وبين خطيب حرّان ابن تيمية، فإنه خشي منه أن يتقدم عليه، وكان يقصد التجانس في كلامه، وسمعته ينشد:
وأشتاقكم يا أهل ودّي وبيننا ... كما زعم البين المشتّ فراسخ
فأمّا الكرى عن ناظري فمشرّد ... وأما هواكم في فؤادي فراسخ
وقال ابن النجّار أيضا: توفي يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول.
وفيها شميم الحلّيّ أبو الحسن علي بن الحسن بن عنتر [1] النّحوي اللّغوي الشاعر. تأدب بابن الخشّاب، وكان ذا تيه وحمق ودعاوى كثيرة، تزري بكثرة فضائله. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان [2] : كان أديبا، فاضلا، خبيرا بالنحو واللغة وأشعار العرب، حسن الشعر، وكان اشتغاله ببغداد على ابن الخشّاب ومن في طبقته من أدباء ذلك الوقت، ثم سار إلى ديار بكر والشام، ومدح الأكابر، وأخذ جوائزهم، واستوطن الموصل، وله عدة تصانيف، وجمع من نظمه كتابا سمّاه «الحماسة» ورتّبه على عشرة أبواب، وضاهى به كتاب «الحماسة» لأبي تمّام. وكان جمّ الفضيلة، إلّا أنه كان بذيء اللّسان، كثير الوقوع في الناس،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 2) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 411- 412) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 339- 340) .(7/8)
متعرّضا لثلب أعراضهم [1] لا يثبت لأحد في الفضل شيئا.
وسئل لم سمي شميما؟ قال: أقمت مدة آكل كل يوم شيئا من الطّين [2] ، فإذا وضعته عند قضاء الحاجة شممته فلا أجد له رائحة، فسمّيت [3] بذلك شميما.
وشميم: بضم الشين المعجمة، وفتح الميم، وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها ميم، وهو من الشمّ. انتهى ملخصا.
وقال ياقوت الحموي [4] : قدمت آمد فقصدته فوجدته شيخا كبيرا نحيف الجسم، وبين يديه جمدان [5] مملوء كتبا من تصانيفه، فقال: من أين قدمت؟
قلت: من بغداد، فهشّ لي، وأقبل يسألني عنها. وقلت له: إنما جئت لأقتبس من علومك [6] شيئا، فقال: وأيّ علم تحبّ؟ قلت: الأدب، فقال:
إنّ تصانيفي في الأدب كثيرة، وكلما أجمع الناس على استحسان شيء، أنشأت فكرتي من جنسه ما أدحض به المتقدم [7] . ورأيت النّاس مجمعين على خمريّات أبي نواس، فعملت كتاب «الخمريات» من نظمي، لو عاش أبو نواس لاستحيا أن يذكر شعر نفسه. ورأيتهم مجمعين على خطب ابن نباتة، فصنّفت كتاب الخطب، وليس للناس اليوم إلّا الاشتغال بخطبي.
وجعل يزري على المتقدمين ويمدح نفسه، ويجهّل الأوائل، فعجبت منه، وقلت: أنشدني شيئا من شعرك، فأنشدني:
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «مسلطا على ثلب أعراضهم» .
[2] سيرد التعريف بالطّين في حاشية الصفحة (11) .
[3] في «آ» و «ط» : «فسمّي» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف.
[4] انظر «معجم الأدباء» (13/ 50- 59) وقد نقل عنه بتصرف واختصار.
[5] في «معجم الأدباء» : «جامدان» ولعله أراد بقوله: «جمدان» أي «وعاء» .
انظر التعليق الذي كتبه العلّامة الشيخ أحمد محمد شاكر على «المعرّب» للجواليقي ص (95) .
[6] في «معجم الأدباء» : «من علوم الموالي» .
[7] في «ا» و «ط» : «المتقدمين» وما أثبته من «معجم الأدباء» .(7/9)
امزج بمسبوك اللّجين ... ذهبا حكته دموع عيني
لمّا نعى ناعي [1] الفرا ... ق ببين [2] من أهوى وبيني
كانت ولم تقدر لشي ... ء قبلها إيجاب كوني
فأخالها [3] التّحريم لم ... اشبّهت بدم الحسين
خفقت لنا شمسان من ... لآلائها في الخافقين
وبدت لنا في كأسها ... من لونها في حلّتين
فاعجب هداك الله من ... كون اتّفاق الضّرّتين
في ليلة جاء [4] السّرو ... ر بها يطالبنا بدين
ومضى طليق الرّاح من ... قد كان مغلول اليدين
هي [5] زينة الأحياء في ال ... دّنيا وزينة كلّ زين
فاستحسنت ذلك، فقال: ويلك يا جاهل [6] ، ما عندك غير الاستحسان؟
قلت: فما أصنع؟ قال: اصنع هكذا، ثم قام يرقص ويصفّق إلى أن تعب ثمّ جلس، وقال: ما أصنع بهؤلاء الذين لا يفرّقون بين الدّرّ والبعر، والياقوت والحجر؟ فاعتذرت إليه. وسألته عمن تقدّم من العلماء، فلم يحسن الثّناء على أحد منهم، فسألته عن أبي العلاء المعرّي، فغضب وقال: ويلكم كم تسيئون [7] الأدب بين يديّ، من هو ذاك الكلب الأعمى حتّى يذكر بحضرتي؟
قلت: يا سيدي! أنا رجل محدّث وأحبّ أن أسألك عن شيء، فقال: هات
__________
[1] في «معجم الأدباء» : «لما دعا داعي» .
[2] البين: البعد.
[3] في «معجم الأدباء» : «وأحالها» .
[4] في «معجم الأدباء» : «بدأ» .
[5] في «معجم الأدباء» : «ذي» .
[6] لفظة «يا جاهل» لم ترد في «معجم الأدباء» .
[7] في «معجم الأدباء» : «ويلك كم تسيء» .(7/10)
مسألتك. فقلت: لم سمّيت شميما؟ فشتمني ثم ضحك وقال: بقيت مدّة من عمري لا آكل إلّا الطّين [1] . بحيث تنشفت الرّطوبة، فإذا جاءني الغائط كان مثل البندقة، فكنت آخذه وأقول لمن أنبسط إليه شمّه فإنه لا رائحة له، فكثر ذلك مني، فلقّبت بذلك. انتهى.
توفي بالموصل في رجب عن سنّ عالية.
وفيها أبو محمد محمد بن حمد بن حامد بن مفرّج بن غياث الأنصاري الأرتاحي المصري [2] الحنبلي.
ولد سنة سبع وخمسمائة تخمينا. وسمع بمصر من أبي الحسن علي ابن نصر بن محمد بن عفير الأرتاحي العابد وغيره، وبمكّة من المبارك بن الطبّاخ، وأجاز له أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفرّاء الموصلي، وتفرّد بإجازته.
قال المنذري: كتب عنه جماعة من الحفّاظ وغيرهم من أهل البلد والواردين عليها، وحدّثوا عنه، وهو أول شيخ سمعت منه الحديث، ونعته بالشيخ الأجل الصالح أبي عبد الله محمد بن الشيخ الأجل الصالح أبي الثّناء حمد. قال: وهو من بيت القرآن والحديث والصلاح، حدّث من بيته غير واحد، وروى عنه ابن خليل في «معجمه» ونعته بالصالح وبالإمام. توفي في عشري شعبان بمصر، ودفن بسفح المقطّم.
__________
[1] في «معجم الأدباء» : «الطيب» . وقال الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس في تعليقه على «وفيات الأعيان» (3/ 339) : قال آدم متز: وكان من الأطعمة المحبوبة الطّين الذي يؤكل في آخر الطعام، وأحسنه ما كان يجلب من ناحية كرّان، وهو أخضر كالسلق وأشرق منه ولا نظير له، وكذلك ورد ذكر الطّين الأبيض العادي في كلام الشعراء، وكان الأخضر يجلب بكثرة من بلاد قوهستان، وكان يجلب من نيسابور طين يسمى بالنقل يحمل إلى أداني البلاد وأقاصيها ويتحف به الملوك والسادة، وكان الرطل منه ربما يباع في مصر وبلاد المغرب بدينار ...
على أن كثيرا من الفقهاء حرّموا أكل الطّين.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 72) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 38) .(7/11)
وفيها ابن الخصيب [1] أبو المفضّل محمد بن الحسن بن أبي الرّضا القرشي الدمشقي. روى عن جمال الإسلام، وعلي بن أبي عقيل الصّوري، وضعّفه ابن خليل.
وفيها يوسف بن سعيد البناء الأزجي البعلي [2] الفقيه الحنبلي المحدّث. سمع كثيرا، وكتب بخطّه.
توفي يوم السبت سلخ السنة، ودفن يوم الأحد مستهل السنة التي بعدها.
وفيها أبو الفتوح يوسف بن المبارك بن كامل الخفّاف البغدادي [3] .
سمّعه أبوه الحافظ أبو بكر الكثير من القاضي أبي بكر الأنصاري، وابن زريق القزّاز، وطائفة، وكان عامّيّا لا يكتب، توفي في ربيع الأول.
__________
[1] تصحف في «آ» و «ط» و «المنتخب» (133/ آ) إلى: «الحصيب» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 54) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 442) و «العبر» (5/ 2) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 49) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 60- 61) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 417- 418) و «النجوم الزاهرة» (6/ 188) .(7/12)
سنة اثنتين وستمائة
فيها كما قال في «العبر» [1] وجد بإربل خروف وجهه وجه آدميّ.
وفيها كثرت الغارات من الكلب ابن ليون صاحب سيس على بلاد حلب، يسبي ويحرق، فسار لحربه عسكر حلب فهزمهم. انتهى.
وفيها وجد التّقيّ الأعمى [2] مدرّس الأمينية مشنوقا في المنارة الغربية، ابتلي بأخذ ماله من بيته فاتّهم شخصا كان يقرأ عليه ويقوده من الجامع إلى بيته ومن بيته إلى الجامع، فأنكر المتهم ذلك، وتعصب له أقوام عند والي البلد، فوقع الناس في عرض التّقيّ لكونه اتّهم من ليس من أهل التّهم، ولكونه جمع المال وهو وحيد غريب، وأنه ليس بصادق فيما ادعاه، فغلب عليه هم من ضياع ماله والوقع في عرضه، ففعل بنفسه ذلك، وامتنع الناس من الصلاة عليه، وقالوا: قتل نفسه، فتقدم الشيخ فخر الدّين بن عساكر وصلّى عليه، فاقتدى الناس به.
ودرّس بعده في الأمينية الجمال المصري وكيل بيت المال.
وفيها توفي أبو يعلى حمزة بن علي بن حمزة بن فارس بن
__________
[1] (5/ 3) وذكره الذهبي أيضا في «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (91) .
[2] هو عيسى بن يوسف بن أحمد الغرّافي. انظر «ذيل الروضتين» ص (54- 55) و «تاريخ الإسلام» (61/ 105- 107) وقد تحرفت نسبته في «البداية والنهاية» (13/ 44) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 185) إلى «العراقي» فتصحح.(7/13)
القبّيطي [1] البغدادي المقرئ [2] . قرأ القراءات على سبط الخيّاط، والشّهرزوري. وسمع منهما [3] ، ومن أبي عبد الله السلّال وطائفة.
وكان خبيرا زاهدا، بصيرا بالقراءات، حاذقا بها. توفي في ذي الحجّة.
وفيها عثمان بن عيسى بن درباس القاضي العلّامة ضياء الدّين أبو عمرو الكردي الهذباني المارانيّ [4] ثم المصري. تفقه في مذهب الشافعي على أبي العبّاس الخضر بن عقيل، وابن أبي عصرون، والخضر بن شبل، وساد وبرع، وتقدم في المذهب، وشرح «المهذّب» في عشرين مجلدا إلى كتاب الشهادات، وشرح «اللّمع» في مجلدين، وناب عن أخيه صدر الدّين عبد الملك.
قال ابن خلّكان: كان من أعلم الفقهاء في وقته بمذهب الشافعي، ماهرا في أصول الفقه. توفي بالقاهرة في ذي القعدة وقد قارب تسعين سنة، ودفن بالقرافة الصغرى. قاله ابن قاضي شهبة في «طبقاته» [5] .
وفيها [السلطان شهاب الدّين الغوري] [6] محمد بن سام، صاحب غزنة. قتلته [7] الإسماعيلية في شعبان بعد قفوله من غزو الهند، وكان ملكا
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القسطي» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 92) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 264) و «النجوم الزاهرة» (6/ 191) .
[3] في «آ» : «وروى وسمع منهما» وآثرت لفظ «ط» .
[4] تحرفت نسبته في «آ» إلى «الحارثي» وفي «ط» إلى «الحاراني» والتصحيح من التكملة لوفيات النقلة» (2/ 90) و «وفيات الأعيان» (3/ 242) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 337) .
[5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 75- 76) .
[6] ما بين حاصرتين سقط من «ط» وتقدم في «آ» إلى ما قبل ترجمة (عثمان بن عيسى) السابقة، وهو مترجم في «العبر» (5/ 4) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 320- 322) .
[7] في «آ» : «قتله» .(7/14)
جليلا مجاهدا، واسع الممالك، حسن السيرة، وهو الذي حضر عنده فخر الدّين الرّازي فوعظه، وقال: يا سلطان العالم! لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرّازي يبقى، وإنّ مردّنا إلى الله، فانتحب السلطان بالبكاء.
وفيها ضياء بن أبي القاسم أحمد بن علي بن الخريف البغدادي النجّار [1] . سمع الكثير من قاضي المارستان، وأبي الحسين محمد بن الفرّاء وكان أمّيّا. توفي في شوال.
وفيها أبو العزّ عبد الباقي بن عثمان الهمذاني الصّوفي [2] . روى عن زاهر الشّحّامي وجماعة، وكان ذا علم وصلاح.
وفيها أبو زرعة اللّفتواني- بفتح اللّام وسكون الفاء وضم الفوقية، نسبة إلى لفتوان قرية بأصبهان [3]- عبيد الله بن محمد بن أبي نصر الأصبهاني [4] . أسمعه أبوه الكثير من الحسين الخلّال، وحضر على ابن أبي ذرّ الصالحاني، وبقي إلى هذه السنة، وانقطع خبره بعدها.
وفيها طاشتكين أمير الحاج العراقي ويلقب بمجير الدّين [أبو سعيد المستنجدي] [5] . حجّ بالنّاس ستا وعشرين سنة، وكان شجاعا، سمحا، قليل الكلام، حليما، يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم. استغاث إليه رجل فلم يكلّمه، فقال له الرجل: الله كلّم موسى، فقال له: وأنت موسى؟ فقال له الرجل: وأنت الله! فقضى حاجته. وكان قد جاوز التسعين، واستأجر وقفا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 5) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 418- 419) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (112- 113) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] انظر «العبر» (5/ 5) .
[3] انظر «معجم البلدان» (5/ 20) .
[4] انظر «العبر» (5/ 5) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (117) .
[5] انظر «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (113) وما بين حاصرتين زيادة منه، و «النجوم الزاهرة» (6/ 190) واسمه فيه: «طاشتكين بن عبد الله المقتفوي» .(7/15)
مدة ثلاثمائة سنة على جانب دجلة ليعمره دارا، وكان ببغداد رجل محدّث يقال له فتيحة، فقال: يا أصحابنا نهنّيكم، مات ملك الموت، فقالوا: وكيف ذلك؟ فقال [1] : طاشتكين عمره تسعون سنة، واستأجر أرضا ثلاثمائة سنة، فلو لم يعرف أنّ ملك الموت قد مات لم يفعل ذلك، فضحك النّاس. قاله ابن شهبة في «تاريخه» .
__________
[1] لفظة «فقال» سقطت من «آ» .(7/16)
سنة ثلاث وستمائة
فيها تمّت عدّة حروب بخراسان، قوي فيها خوارزم شاه، واتّسع ملكه، وافتتح بلخ وغيرها.
وفيها قبض الخليفة على الرّكن [1] عبد السّلام بن الشيخ عبد القادر [2] وأحرقت كتبه، وحكم بفسقه، وهو الذي وشى على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، حتّى نكب، فلقاه الله تعالى.
وفيها توفي جمال الدولة، واقف الإقباليتين، إقبال الخادم [3] بالقدس، بعد أن وقف داره بدمشق مدرستين شافعية وحنفية، ووقف عليها مواضع: الثلثان على الشافعية، والثلث على الحنفية.
وفيها ايتامش [4] مملوك الخليفة الناصر، كان أقطعه الخليفة دجيل وقوفا وبها رجل نصراني من جهة الوزير ابن مهدي يؤذي المسلمين ويركب ويتجبّر على المسلمين، فسقى ايتامش سما فمات، فأمر الخليفة أن يسلّم ابن ساوة النصراني لمماليك ايتامش، فكتب الوزير إلى الخليفة يقول: إن
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الركني» وما أثبته من «ذيل الروضتين» ص (55) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (49) .
[2] أقول: هو الركن عبد السلام بن عبد الوهّاب بن الشيخ عبد القادر الجيلاني كان فاسد العقيدة.
انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 55) و «البداية والنهاية» (13/ 68) وستأتي ترجمته صفحة (83) من هذا الجزء (ع) .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (59) .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (61) وقد ذكره في وفيات سنة (604) .(7/17)
النصارى بذلوا في ابن ساوة مائة ألف دينار على أن لا يقتل، فكتب الخليفة على رأس الورقة:
إنّ الأسود أسود الغاب همّتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السّلب
فسلّم إلى المماليك فقتلوه وأحرقوه.
وفيها داود بن محمد بن محمود بن ماشاذه، أبو إسماعيل الأصبهاني [1] [في شعبان] [2] . حضر فاطمة الجوزدانيّة، وسمع زاهر الشّحّامي، وغانم بن خالد وجماعة.
وفيها سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطّاف أبو القاسم المؤدّب [3] ببغداد. روى عن قاضي المارستان، وأبي القاسم بن السّمرقندي، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها عبد الرزّاق بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح [الجيليّ] [4] الحافظ الثقة الحنبلي، أبو بكر. أسمعه أبوه من أبي الفضل الأرموي وطبقته، ثم سمع هو بنفسه.
قال الضياء: لم أر ببغداد في تيقظه وتحرّيه مثله.
وقال ابن نقطة: كان حافظا ثقة مأمونا.
وقال ابن النجار: كان حافظا ثقة متقنا، حسن المعرفة بالحديث، فقيها على مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ورعا متدينا، كثير العبادة، منقطعا في منزله عن النّاس، لا يخرج إلّا في الجمعات، محبا للرواية، مكرما لطلاب
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 6) .
[2] ما بين الحاصرتين لم يرد في «آ» .
[3] انظر «العبر» (5/ 6) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (130) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (133- 134) وما بين الحاصرتين زيادة منه.(7/18)
العلم، سخيا بالفائدة، ذا مروءة، مع قلّة ذات يده، وأخلاق حسنة، وتواضع وكيس. وكان خشن العيش، صابرا على فقره، عزيز النّفس، عفيفا، على منهاج السلف.
وقال أبو شامة في «تاريخه» [1] : كان زاهدا عابدا ورعا، لم يكن في أولاد الشيخ مثله، وكان مقتنعا من الدّنيا باليسير، ولم يدخل فيما دخل فيه غيره من إخوته.
وقال ابن رجب [2] : ولد يوم الاثنين ثامن عشر ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ببغداد. وسمع الكثير بإفادة والده وبنفسه، وتوفي ليلة السبت سادس شوال، وصلّي عليه بمواضع متعددة، وكان يوما مشهودا، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وقال الذهبي [3] : حدّث عنه أبو عبد الله الدّبيثي، وابن النجّار، والضياء المقدسي، والنّجيب عبد اللطيف، والتّقي اليلداني، وابنه قاضي القضاة أبو صالح، وآخرون.
وفيها أبو محمد عبد الحليم بن محمد بن أبي القاسم الخضر [بن] محمد بن تيميّة أبو محمد بن الشيخ فخر الدّين [4] ، وسيأتي ذكر والده.
ولد المترجم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وسمع الحديث ببغداد من ابن كليب [5] ، وابن المعطوش [6] ، وابن الجوزي، وغيرهم.
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (58) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 40- 41) .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (134) .
[4] مترجم في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 39- 40) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ آ) إلى «ابن كلب» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[6] تصحفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ آ) إلى «ابن المعطوس» والتصحيح من «سير(7/19)
وأقام ببغداد مدة طويلة، وقرأ الفقه على مذهب الإمام أحمد، وأتقن الخلاف، والأصول، والحساب، والهندسة، والفلسفة، والعلوم القديمة. ذكر ذلك ابن النجّار.
وسمع منه الحافظ ضياء الدّين وغيره، وتوفي في سادس شوال بحرّان.
وذكر والده في كتابه «الترغيب» أن لولده عبد الحليم هذا كتابا سمّاه «الذخيرة» وذكر عنه فروعا في دقائق الوصايا وعويص المسائل.
وفيها أبو الفرج علي بن عمر بن فارس الحدّاد الباجسرائي [1] ثم البغدادي الأزجي الفرضي الحنبلي. تفقه على أبي حكيم النّهرواني، وقرأ الفرائض والحساب، وكان فيه فضل ومعرفة، وتقلب في الخدم الديوانية.
ذكره المنذري وقال: توفي ليلة رابع شعبان ببغداد.
وفيها أبو الحسن علي بن فاضل بن سعد الله بن صمدون [2] الحافظ الصّوري ثم المصري [3] . قرأ القراءات على أحمد بن جعفر الغافقي، وأكثر عن السّلفي، وسمع بمصر من الشريف الخطيب، وكان رأسا في هذا الشأن، وكتب الكثير. توفي في صفر.
وفيها أبو جعفر الصّيدلاني- نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير- محمد ابن أحمد بن نصر الأصبهاني [4] سبط حسين بن مندة.
أعلام النبلاء» (21/ 400) و «ذيل طبقات الحنابلة» .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ آ) إلى «الباجرائي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 109) مصدر المؤلف.
[2] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ابن حمدون» فتصحح.
[3] انظر «العبر» (5/ 6) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (137) و «حسن المحاضرة» (1/ 354) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 138- 139) و «العبر» (5/ 7) .(7/20)
ولد في ذي الحجّة سنة تسع وخمسمائة، وحضر الكثير على الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وسمع من فاطمة الجوزدانية، وانتهى إليه علو الإسناد في الدّنيا، ورحلوا إليه. توفي في رجب.
وفيها محمد بن كامل بن أحمد بن أسد أبو المحاسن التّنوخي الدّمشقي [1] . سمع من طاهر بن سهل الإسفراييني، ومات في ربيع الأول.
وممن حدّث عنه الفخر بن البخاري.
وفيها مخلص الدّين [2] أبو عبد الله محمد بن معمر بن الفاخر القرشي الأصبهاني [3] . ولد سنة عشرين وخمسمائة، وأسمعه والده حضورا من فاطمة الجوزدانية، وجعفر الثّقفي، وسمع من [محمد بن علي بن] أبي ذرّ، وزاهر [الشّحّامي] ، وخلق. وكان عارفا بمذهب الشافعي، وبالنحو والحديث، قويّ المشاركة، محتشما ظريفا وافر الجاه. توفي في ربيع الآخر.
وفيها صائن الدّين أبو الحرم مكّي بن ريّان بن شبّة، العلّامة الماسكيني [4]- بكسر الكاف وبالمهملة نسبة إلى ماكسين مدينة بالجزيرة [5]- ثم الموصلي الضرير المقرئ النحوي، صاحب ابن الخشّاب.
قرأ القراءات على يحيى بن سعدون، وبرع في القراءات، والعربية، واللغة، وغير ذلك، ولم يكن لأهل الجزيرة في وقته مثله.
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 142- 143) .
[2] ويلقب ب «فخر الدّين» أيضا. انظر حاشية «تاريخ الإسلام» .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 143- 144) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه، و «العبر» (5/ 7) .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (58- 59) و «وفيات الأعيان» (5/ 278- 280) و «تاريخ الإسلام» (61/ 145- 146) و «العبر» (5/ 8) وقد تصحفت «ريّان» فيه إلى «ربّان» فتصحح.
[5] انظر «معجم البلدان» (5/ 43) .(7/21)
روى عن خطيب الموصل، وسمع منه الفخر علي [1] والنّاس.
توفي بالموصل وقد شاخ.
وفيها الشيخ الكبير الشهير أبو الحسن علي بن عمر بن محمد، المعروف بالأهدل، وقيل: توفي سنة سبع، واقتصر عليه الجزري في «تاريخه» .
كان من أعيان المشايخ أهل الكرامات والإفادات، قدم جدّه محمد من العراق على قدم التصوف، وهو شريف حسينيّ، ونشأ ابن ابنه عليّ نشوءا حسنا، وبلغ من الحال والشهرة مبلغا. قيل: ولم يكن له شيخ، وقيل: بل صحبه رجل سائح من أصحاب الشيخ عبد القادر الجيلاني. وقيل: رأى أبا بكر الصّدّيق [رضي الله عنه] وأخذ عنه مناما، وقيل: أخذ من الخضر، وكان يقول: أنا نبات الرحمن. وبه تخرّج أبو الغيث بن جميل وتهذّب، وكان يقول: خرجت من عند ابن أفلح لؤلؤا بهما، فثقبني سيدي علي الأهدل.
وأما والد الشيخ، فكان سائحا، ونعاه ولده الشيخ علي إلى أصحابه يوم مات، وصلوا عليه، وتوفي الشيخ علي بأحواف السودان من سهام، ولذريته كرامات وبركات. قاله ابن الأهدل في «تاريخه» .
__________
[1] هو ابن أخت الحافظ ضياء الدّين المقدسي كما جاء مبينا في «تاريخ الإسلام» .(7/22)
سنة أربع وستمائة
فيها سار خوارزم شاه محمد بن تكش بجيوشه وقصد الخطا، فحشدوا له والتقوه، فجرى لهم وقعات، وانهزم المسلمون، وأسر جماعة، منهم السلطان خوارزم شاه، واختبطت البلاد، وأسر معه أمير من أمرائه، فأظهر خوارزم شاه أنه مملوك لذلك الأمير، ثم قال الأمير: أريد أن أبعث رجلا بكتابي إلى أهلي ليستفكوني بما أردت. قال: ابعث غلامك بذلك، وقرر عليه مبلغا كثيرا، فبعث مملوكه- يعني خوارزم شاه- وخلّص بهذه الحيلة، ووصل، وزيّنت [1] البلاد، ثم قال الخطائي [2] لذلك الأمير: [إن] سلطانكم قد عدم. قال: أوما تعرفه؟ قال: لا. قال: هو الذي قلت لك إنه مملوكي. قال:
هلّا عرّفتني حتّى كنت أخدمه وأسير به إلى مملكته فأسعد به؟ قال: خفتك عليه. قال: فسر بنا إليه، فسارا إليه.
وفيها تملّك الملك الأوحد أيوب بن العادل مدينة خلاط بعد حرب جرت بينه وبين صاحبها بليان ثم قتل بليان بعد ذلك.
وفيها توفي أبو العبّاس الرّعيني أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام الإشبيلي المقرئ [3] . آخر من روى القراءات عن أبي الحسن شريح، وسمع
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «ورتبت» وهو خطأ فتصحح وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 51) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» إلى «الخطاي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» .
[3] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 585) و «تاريخ الإسلام» (61/ 149) و «العبر» (5/ 9- 10) .(7/23)
منه ومن أبي [بكر بن] العربي وجماعة، وكان من الأدب والزّهد بمكان. أخذ الناس عنه كثيرا، وتوفي بين العيدين عن سبع وثمانين سنة.
وفيها حنبل بن عبد الله الرّصافي [1] أبو عبد الله المكبّر. راوي «المسند» بكماله عن ابن الحصين. كان دلّالا في الأملاك، وسمع «المسند» في نيّف وعشرين مجلسا بقراءة ابن الخشّاب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
توفي في رابع المحرم بعد عوده من دمشق، وما تهنّى بالذهب الذي ناله وقت سماعهم عليه. قاله في «العبر» .
وفيها ستّ الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن الطرّاح [2] روت الكثير بدمشق عن جدّها، وتوفيت في ربيع الأول.
وفيها عبد المجيب بن عبد الله بن زهير البغدادي [3] . سمّعه عمّه عبد المغيث بن عبد الله من أحمد بن يوسف ومن جماعة، وكان كثير التلاوة جدّا. توفي بحماة في سلخ المحرم.
وفيها أبو محمد وأبو الفرج عبد الرّحمن بن عيسى بن أبي الحسن علي بن الحسين البزوري البابصري [4] ، الواعظ الحنبلي.
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، وهبة الله بن الشّبلي [5] وغيرهما.
وقرأ الوعظ، والفقه، والحديث، على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 10) و «تاريخ الإسلام» (61/ 151- 152) .
[2] انظر «العبر» (5/ 10) و «تاريخ الإسلام» (61/ 153- 154) .
[3] انظر «العبر» (5/ 10) و «تاريخ الإسلام» (61/ 158) .
[4] انظر: «تاريخ الإسلام» (61/ 156- 157) و «البداية والنهاية» (13/ 50) - وقد تحرفت «البزوري» فيه إلى «المروزي» - و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 41- 43) .
[5] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» المطبوع إلى «السبكي» فتصحح.(7/24)
وكان خصيصا به، ثم تهاجرا، وتباينا إلى أن فرّق الموت بينهما.
قال سبط ابن الجوزي: ثم حدّثته نفسه بمضاهاة جدّي وتكنى بكنيته، واجتمع إليه سفساف أهل باب البصرة، وانقطع عن جدّي، ولما جاء من واسط، ما جاء إليه، ولا زاره، وتزوّج صبيّة وهو في عشر السبعين، فاغتسل في ماء بارد فانتفخ ذكره فمات [1] .
وقال ابن رجب: هو منسوب إلى بزور [2] قرية بدجيل.
وقال ابن النجار: تفقّه على مذهب أحمد، ووعظ، وكان صالحا، حسن الطريقة، خشن العيش، غزير الدمعة عند الذّكر. كتبت عنه، وهو الذي جمع سيرة ابن المنّي، وطبقات أصحابه، وذكر فيها أنه لزمه، وقرأ عليه، وكلامه فيها يدل على فصاحة ومعرفة [3] بالفقه والأصول والحديث [4] .
وقد ذكره الحافظ الضياء، فقال: شيخنا الإمام الواعظ أبو محمد، ولكن ابن الجوزي وأصحابه يذمونه.
توفي ليلة الاثنين السادس من شعبان ودفن بباب حرب.
وفيها أبو الفضل عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان الأزجي البيّع [5] المقرئ الأستاذ. قرأ القراءات على سبط الخيّاط، وأبي الكرم
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ ب) : «ومات» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (135/ آ) : «بزورا» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» وهو الصواب وانظر «أحسن التقاسيم» ص (237) . وذكره ابن نقطة في «تكملة الإكمال» الشهير ب «الاستدراك» (1/ 401) بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد ربّ النّبيّ (باب البزوري والبزروي) وضبط نسبته ولم يذكر إلى أي شيء نسب.
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «على فصاحته ومعرفته» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والجدل» .
[5] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 584) .(7/25)
الشّهرزوري، وسمع منهما ومن الأرموي. وأقرأ القراءات، وكان ديّنا صالحا، توفي في ربيع الأول.
وفيها ابن السّاعاتي الشاعر المفلق بهاء الدّين علي بن محمد بن رستم [1] ، صاحب ديوان الشعر.
قال ابن خلّكان: له ديوان شعر يدخل في مجلدين، أجاد فيه كلّ الإجادة، وآخر لطيف سماه «مقطّعات النّيل» نقلت منه:
لله يوم في سيوط وليلة ... صرف الزّمان بأختها لا يغلط
بتنا وعمر اللّيل في غلوائه ... وله بنور البدر فرع أشمط
والطّلّ في سلك الغصون كلؤلؤ ... رطب يصافحه النّسيم فيسقط
والطّير يقرأ والغدير صحيفة ... والرّيح يكتب والغمام ينقّط [2]
وهذا تقسيم بديع.
ونقلت منه أيضا:
ولقد نزلت بروضة حزنيّة [3] ... رتعت نواظرنا [4] بها والأنفس
وظللت أعجب حيث يحلف صاحبي ... والمسك من نفحاتها [5] يتنفّس
ما الجوّ إلّا عنبر والدّوح إلّا ... جوهر والرّوض إلّا سندس
سفرت شقائقها فهمّ الأقحوا ... ن بلثمها فرنا إليه النّرجس
فكأنّ ذا خدّ وذا ثغر يحا ... وله وذا أبدا عيون تحرس
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 395- 397) و «العبر» (5/ 11) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 471- 472) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» : «ينقّط» وفي «وفيات الأعيان» : «تنقط» .
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «خزية» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «نواظرها» والتصحيح من «المنتخب» و «وفيات الأعيان» .
[5] في «ط» : «نفحائها» .(7/26)
وله كل معنى مليح.
أخبرني ولده بالقاهرة المحروسة، أن أباه توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان بالقاهرة، ودفن بسفح المقطّم، وعمره إحدى وخمسون سنة وستة أشهر واثنا عشر يوما. انتهى.
وفيها أبو ذرّ الخشني، مصعب بن محمد بن مسعود الجيّاني [1] النّحويّ اللّغويّ، الفقيه المالكي، ويعرف أيضا بابن أبي ركب. صاحب التصانيف، وحامل لواء العربية بالأندلس. ولي خطابة إشبيلية مدة، ثم قضاء جيّان، ثم تحوّل إلى فاس [2] ، وبعد صيته وسارت الرّكبان بتصانيفه. توفي بفاس، وله سبعون سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 11) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 477- 478) .
[2] تحرفت في «آ» إلى «فارس» .(7/27)
سنة خمس وستمائة
فيها نازلت الكزج [1] مدينة أرجيش [2] فافتتحوها بالسّيف وأحرقوها.
قال ابن الأهدل: والكزج بالزّاي والجيم [1] .
وفيها توفي ابن القارص [3] الحسين بن أبي نصر بن الحسين [4] بن هبة الله بن أبي حنيفة الحريمي [5] المقرئ الضرير. روى عن ابن الحصين، وعمّر دهرا، وتوفي في شعبان.
وفيها أبو عبد الله الحسين بن أحمد الكرخي الكاتب [6] . روى عن
__________
[1] قلت: وهو وهم منه ومخالف لما جاء في المصادر الأخرى.
قال الزّبيدي في «تاج العروس» (كرج) : الكرج، بالضم جيل من النصارى.
وقال اليافعي في «مرآة الجنان» (4/ 5) : الكرج: بالراء والجيم.
ويخيل إليّ بأن ابن الأهدل توهم بأن السكون التي على الراء نقطة فقيدها بالزاي دون الرجوع إلى المصادر التي تحدثت عنهم وهي كثيرة.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (135/ آ) إلى (ارحلس) والتصحيح من «العبر» (5/ 11) و «دول الإسلام» (2/ 111) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (135/ آ) و «العبر» طبع بيروت إلى «ابن الفارض» والتصحيح من «العبر» طبع الكويت و «سير أعلام النبلاء» و «تبصير المنتبه» و «النجوم الزاهرة» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حسن» والتصحيح من «المنتخب» (135/ آ) و «العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «النجوم الزاهرة» .
[5] انظر «العبر» (5/ 12) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 433- 434) و «تبصير المنتبه» (3/ 1065) - وقد تحرفت «الحريمي» فيه إلى «الجرمي» - و «النجوم الزاهرة» (6/ 196) .
[6] انظر «العبر» (5/ 12) و «تاريخ الإسلام» (61/ 173) .(7/28)
قاضي المارستان، وأبي منصور بن زريق. مات في ذي القعدة.
وفيها صاحب الجزيرة العمرية الملك سنجرشاه بن غازي بن مودود ابن أتابك زنكي [1] . قتله ابنه غازي وحلفوا له، ثم وثب عليه من الغد خواصّ أبيه فقتلوه، وملّكوا أخاه الملك المعظم، وكان سنجر سيىء السيرة ظلوما.
وفيها الجبّائي الإمام السّنّي أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج [2] .
قال المنذري: ابن أبي الفضل، بدل ابن أبي الفرج، والأول أصح.
قال القطيعي: سألته عن مولده فقال: سنة إحدى وعشرين وخمسمائة تقريبا، وسألته عن نسبه فقال: نحن من قرية يقال لها الجبّة [3] من ناحية بشرى من أعمال طرابلس، وكنا قوما نصارى فتوفي أبي ونحن صغار، وكان أبي من علماء النصارى، وهم يعتقدون فيه أنه يعلم الغيب، فلما مات نفذت إلى المعلّم، فقالت والدتي: ولدي الكبير للكسب وعمارة أرضنا، وولدي الصغير يضعف عن الكسب، وأشارت إليّ، ولنا أخ أوسط، فقال المعلّم: أمّا هذا الصغير- يعنيني- فما يتعلم، ولكن هذا- وأشار إلى أخي- فأخذه وعلّمه ليكون مقام أبي، فقدّر الله أن وقعت حروب، فخرجنا من قريتنا. فهاجرت من بينهم. وكان في قريتنا جماعة من المسلمين يقرؤون القرآن، وإذا سمعتهم أبكي، فلما دخلت أرض الإسلام أسلمت وعمري بضع عشرة سنة،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 12) و «تاريخ الإسلام» (61/ 154) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 153- 155) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 488) و «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 201- 202) و «العبر» (5/ 12- 13) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 44- 47) والقسم الذي نشره الدكتور إحسان عبّاس من كتاب «الاستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد» ضمن كتابه «شذرات من كتب مفقودة» ص (186- 187) وفيه بعض الخلاف عما في كتابنا.
[3] وقال ابن نقطة أيضا: قال لي محمد بن عبد الواحد المقدسي: إنه من قرية من أعمال طرابلس الشام يقال لها «الجبّة» .(7/29)
ثم بلغني إسلام أخي الكبير، وتوفي مرابطا، ثم أسلم أخي الذي كان يعلّمه المعلّم، ودخلت بغداد في سنة أربعين وخمسمائة.
وقال ابن رجب: وأصابه سباء [1] فاسترق.
وقال أبو الفرج ابن الحنبلي: كان مملوكا، فقرأ القرآن في حلقة الحنابلة بجامع دمشق، فحفظه وحفظ شيئا من عبادات المذهب الحنبلي، فقام قوم إلى الشيخ زين الدّين علي بن إبراهيم بن نجا الواعظ، وهو على منبر الوعظ، فقالوا: هذا الصبيّ قد حفظ القرآن وهو على خير، نريد أن نشتريه ونعتقه، فاشتري من سيده وأعتق، وسافر عن دمشق، وطلب همذان، ولقي الحافظ أبا العلاء الهمذاني، فأقام عنده. وقرأ عليه القرآن، وسمع الحديث، وصار عند الحافظ مصدّرا يقرئ الناس ويأخذ عليه، واشتهر بالخير والعلم، ودخل العجم. وسمع الكثير، ورجع إلى بغداد، وسمع حديثها، ولقي مشايخها.
قال: ولقيته ببغداد واستزارني إلى بيته، وقال لجماعته [2] : أنا مملوك بيت الحنبلي، ثم سافر إلى أصبهان.
وقال الشيخ موفق الدّين: كان رجلا صالحا، وهو من جبّة طرابلس.
سبي من طرابلس صغيرا، واشتراه ابن نجية وأعتقه، فسافر إلى بغداد ثم إلى أصبهان، وكان يسمع معنا الحديث. انتهى.
سمع المترجم من ابن ناصر وأضرابه، وتفقّه على أبي حكيم النّهرواني، وصحب الشيخ عبد القادر الجيلي مدة، مائلا إلى الزهد والصلاح، وانتفع به.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «سبي» .
[2] في «ط» : «وقال جماعته» وهو خطأ.(7/30)
قال ابن النجّار: كتب إليّ عبد الله بن أبي الحسن الجبّائي قال: كنت أسمع كتاب «حلية الأولياء» على شيخنا ابن ناصر، فرقّ قلبي، وقلت في نفسي: أشتهي [1] أن أنقطع عن الخلق وأشتغل بالعبادة، ومضيت وصلّيت خلف الشيخ عبد القادر، فلما صلى، جلسنا بين يديه، فنظر إليّ وقال: إذا أردت الانقطاع فلا تنقطع حتّى تتفقّه، وتجالس الشيوخ وتتأدّب بهم، فحينئذ يصلح لك الانقطاع، وإلّا فتمضي وتنقطع قبل أن تتفقه، وأنت فريخ ما ريّشت، فإن أشكل عليك شيء من أمر دينك تخرج من زاويتك، وتسأل الناس عن أمر دينك؟ ما يحسن بصاحب [2] الزاوية أن يخرج من زاويته، ويسأل الناس عن أمر دينه. ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره.
قال: وكان الشيخ يتكلم يوما في الإخلاص، والرّياء، والعجب، وأنا حاضر في المجلس، فخطر في نفسي: كيف الخلاص من العجب؟ فالتفت إليّ الشيخ وقال: إذا رأيت الأشياء من الله تعالى، وأنه وفقك لعمل الخير، وأخرجت [نفسك] من الشّين [3] ، سلمت من العجب.
وقال ابن الحنبلي: كانت حرمة الشيخ عبد الله [الجبّائي] كبيرة ببغداد وبأصبهان، وكان إذا مشى في السوق قام له أهل السوق.
وله رياضات ومجاهدات.
وروى عنه ابن خليل في «معجمه» وتوفي ثالث جمادى الآخرة بأصبهان.
وفيها عبد الواحد بن أبي المطهّر القاسم بن الفضل الصّيدلاني
__________
[1] في «آ» و «ط» : «اشتهيت» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] في «آ» و «ط» : «ما أحسن صاحب» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (135/ ب) : «البين» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» ولفظة «نفسك» زيادة منه. والشّين ضد الزّين.(7/31)
الأصبهاني [1] في جمادى الأولى، عن إحدى وتسعين سنة. سمع من جعفر الثّقفي، وفاطمة الجوزدانية، وغيرهم.
وفيها أبو الحسن المعافري، خطيب القدس، علي بن محمد بن علي بن جميل المالقي [2] المالكي. سمع كتاب «الأحكام» من مصنّفه عبد الحق، وسمع بالشام من يحيى الثقفي وجماعة، وكتب وحصّل، ونال رئاسة وثروة مع الدّين والخير.
وفيها علي بن ربيعة بن أحمد بن محمد بن حينا الحربوي، من أهل حربا من سواد بغداد [3] . قدم بغداد في صباه، وصحب عمّه لأمّه أبا المقال سعد بن علي الخاطري، وقرأ عليه الأدب، وحفظ القرآن، وتفقّه في مذهب الإمام أحمد، وسمع الحديث من أبي الوقت، وسعيد بن البنا، وأبي بكر بن الزّاغوني، وغيرهم، وشهد عند الحكّام، وتوكل للخليفة الناصر، ورفع قدره ومنزلته، ثم عزل عن الوكالة.
وكان ذا طريقة حسنة [4] حميدة، وحسن سمت، واستقامة وعفّة ونزاهة، فاضلا، خيّرا، يكتب خطا حسنا على طريقة ابن مقلة. وسمع منه إسحاق العلثي، وكان يكره الرواية ويقل مخالطة الناس.
ذكره ابن النجار [5] وقال: توفي يوم السبت ثامن شوال، ودفن بباب حرب، وأظنه قارب السبعين.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 13) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 435- 436) .
[2] انظر «العبر» (5/ 13) و «النجوم الزاهرة» (6/ 197) .
[3] وقال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 237) و «ابن نقطة» في «تكملة الإكمال» (2/ 130) والمنذري في «التكملة لوفيات النقلة» : حربا: قرية من أعمال دجيل بالعراق مما يلي الموصل.
[4] لفظة «حسنة» سقطت من «ط» .
[5] تنبيه: سقطت ترجمته من «ذيل تاريخ بغداد» لابن النجار الجزء الرابع من المطبوع في حيدرآباد فحقها أن تكون فيه، فقد جاء في آخر الجزء الثالث من المطبوع: آخر المجلد(7/32)
وفيها أبو الجود غياث بن فارس اللّخمي [1] مقرئ الدّيار المصرية.
ولد سنة ثمان وخمسمائة، وسمع من ابن رفاعة، وقرأ القراءات على الشريف الخطيب، وأقرأ النّاس دهرا، وآخر من مات من أصحابه إسماعيل المليجي، توفي في رمضان.
وفيها أبو الفتح المندائي [2] محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المعدّل، مسند العراق.
ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وأسمعه أبوه القاضي أبو العبّاس من ابن الحصين، وأبي عبد الله البارع، وغيرهما، وتفقّه على سعيد بن الرزّاز، وتأدب على ابن الجواليقي. توفي في شعبان، وكان من خيار النّاس.
وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة- محمد بن أحمد بن أبي سعد [3] الإمام أبو الخطاب، رئيس الشافعية ببخارى هو وأبوه وجدّه وجدّ جدّه.
قال السبكي في «الطبقات الكبرى» : كان عالم تلك البلاد، وإمامها، ومحقّقها، وزاهدها، وعابدها.
وقال عفيف الدّين المطري: هو مجتهد زمانه، وعلّامة أقرانه، لم تر العيون مثله، ولا رأى مثل نفسه. انتهى.
__________
العاشر من هذه النسخة، وهو آخر المجلد العشرين من الأصل، ويتلوه في الذي يليه- إن شاء الله تعالى- «علي بن الحسين بن أبي الحمراء» وواقع الحال أن الجزء الذي تلاه بدئ بترجمة «علي بن محمد» !.
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 182- 184) و «العبر» (5/ 13- 14) و «غاية النهاية» (2/ 4) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الميداني» والتصحيح من «العبر» (5/ 14) و «تاريخ الإسلام» (61/ 184) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن سعد» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 43) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 79) .(7/33)
قال السبكي: وهو مصنّف «الملخص» [1] وكتاب «المصباح» كلاهما في الفقه.
وفيها أبو بكر بن مشّق المحدّث العالم، محمد بن المبارك بن محمد البغدادي البيّع [2] . عاش ثنتين وسبعين سنة. وروى عن القاضي الأرموي وطبقته، وكان صدوقا متودّدا، بلغت أثبات مسموعاته ست مجلدات.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المخلص» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2] انظر «العبر» (5/ 14) و «تاريخ الإسلام» (61/ 188- 189) .(7/34)
سنة ست وستمائة
فيها جلس سبط ابن الجوزي بجامع دمشق ووعظ وحثّ على الغزاة، وكان الناس من باب الساعات إلى مشهد زين العابدين، واجتمع عنده شعور عظيمة [1] كثيرة، وذكر حكاية أبي قدامة الشّامي مع تلك المرأة التي قطعت شعرها وبعثت به إليه وقالت: اجعله قيدا لفرسك في سبيل الله، فعمل من الشعور التي عنده مجتمعة شكلا لخيل المجاهدين، ولما صعد المنبر أمر بإحضارها، فكانت ثلاثمائة شكال، فلما رآها الناس صاحوا صيحة واحدة، وقطعوا مثلها، وكان والي دمشق حاضرا والأعيان، فلما نزل عن المنبر، قام والي دمشق ومشى مع السبط وركب وركب الناس، وخرجوا إلى باب المصلّى، وكانوا خلقا لا يحصون كثرة، وساروا إلى نابلس لقتال الفرنج، فأسروا، وهزموا، وهدموا، وقتلوا، ورجعوا سالمين غانمين.
وفي سابع شوال شرعوا في عمارة المصلّى بظاهر دمشق المجاورة لمسجد النّارنج [2] برسم صلاة العيدين، وفتحت له الأبواب من كل جانب، وبني له منبر كبير عال.
وفيها جدّدت أبواب الجامع [الأموي] الغربية من جهة باب البريد بالنّحاس الأصفر.
__________
[1] لفظة «عظيمة» لم ترد في «ط» .
[2] اسمه «مسجد الحجر» ويعرف ب «مسجد النارنج» . انظر «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» ص (128) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 361) .(7/35)
وفيها توفي إدريس بن محمد أبو القاسم العطّار، المعروف بآل والويه. روى عن محمد بن علي بن أبي ذرّ الصّالحاني، وتوفي في شعبان.
قيل: إنه جاوز المائة.
وفيها أسعد- ويسمّى محمد- ابن المنجّى بن بركات بن المؤمل التّنوخي المعرّيّ ثم الدمشقي [1] الحنبلي القاضي، وجيه الدّين، أبو المعالي، ويقال في أبيه أبو المنجّى، وفي جدّه أبو البركات.
ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة، وسمع بدمشق من أبي القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل السّوسي، وببغداد من أبي الفضل الأرموي، وأبي العبّاس الماندائي [2] وغيرهم، وهو واقف الوجيهية التي برأس باب البريد، وهي مدرسة قريبة من مدرسة الخاتونية الجوانية، وبها خلاو كثيرة، ولها وقف كثير اختلس.
قال المنذري: وتفقّه ببغداد على مذهب الإمام أحمد.
وقال الذهبي [3] : ارتحل إلى بغداد وتفقّه بها، وبرع في المذهب، وأخذ الفقه عن الشيخ عبد القادر الجيلي وغيره، وتفقه بدمشق على شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج [الحنبلي] ، وأخذ عنه الشيخ الموفّق بن روى عنه جماعة.
وقال ناصح الدّين بن الحنبلي: كان أبو المعالي بن المنجّى يدرّس في المسمارية يوما وأنا يوما، ثم استقليت بها في حياته. وكان له اتصال بالدولة
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 176- 177) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (249) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 49- 51) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (180- 181) .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (136/ آ) : «المايداي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» :
«المايدائي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» وعلّق محققه الدكتور بشار عواد معروف بقوله: تكتب «الماندائي» و «المندائي» .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 195) .(7/36)
وخدمة السلاطين، وأسنّ وكبر، وكفّ بصره في آخر عمره.
وله تصانيف منها كتاب «الخلاصة في الفقه» و «العمدة» و «النهاية في شرح الهداية» في بضعة عشر مجلدا. وسمع منه جماعة، منهم: الحافظ المنذري، وابن خليل، وابن البخاري، وتوفي في ثامن [1] عشري ربيع الأول، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الطّاهر إسماعيل [بن عمر] بن نعمة بن يوسف بن شبيب الرّؤبي [2] المصري العطّار الأديب البارع ابن أبي حفص [3] .
ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة تقديرا. وكان بارعا في الأدب، حنبلي المذهب، له مصنفات أدبية، وله مماليك [4] منها مائة جارية ومائة غلام، وغير ذلك، وكان بارعا في معرفة العقاقير.
ذكره المنذري وقال: رأيته ولم يتفق لي السماع منه، وتوفي في عشري المحرم بمصر، ودفن إلى جنب أبيه بسفح المقطّم على جانب الخندق، وكان أبوه رجلا صالحا مقرئا، وأخوه مكّي هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني [5] .
وفيها عفيفة بنت أحمد بن عبد الله بن محمد بن [أمّ] هانئ الفارفانية [6] الأصبهانية.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (136/ ب) : «ثامن» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 50) :
«ثاني» .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «الرّومي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (61/ 197) وانظر التعليق عليه فهو مفيد نافع، وما بين الحاصرتين مستدرك منه ومن «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 48) .
[4] قوله: «وله مماليك» لم يرد في «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] يعني المقدسي.
[6] نسبة إلى «فارفان» من قرى أصبهان. انظر «معجم البلدان» (4/ 228) وهي مترجمة في(7/37)
ولدت سنة عشر وخمسمائة، وهي آخر من روى عن عبد الواحد [الدّشتج] ، صاحب أبي نعيم، ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة، وسمعت من فاطمة «المعجمين» الكبير والصغير للطبراني. توفيت في ربيع الآخر.
وفيها القاضي الأسعد أبو المكارم، أسعد بن الخطير أبي سعد مهذّب بن مينا [1] بن زكريا بن أبي قدامة بن أبي مليح ممّاتي المصري، الكاتب الشاعر.
كان ناظر الدواوين بالدّيار المصرية، وفيه فضائل، وله مصنفات عديدة، ونظم سيرة السلطان صلاح الدّين، ونظم كتاب «كليلة ودمنة» .
وله ديوان شعر منه:
تعاتبني وتنهى عن أمور ... سبيل النّاس أن ينهوك عنها
أتقدر أن تكون كمثل عيني ... وحقّك ما عليّ أضرّ منها
وله في ثقيل رآه بدمشق:
حكى نهرين ما في الأر ... ض من يحكيهما أبدا
حكى في خلقه ثوري ... وفي ألفاظه [2] بردى
__________
[ (-) ] «العبر» (5/ 17) و «تاريخ الإسلام» (61/ 199- 200) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 481- 483) .
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (136/ ب) : «ابن ميناس» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (1/ 210) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 485) وانظر مصادر ترجمته الأخرى في حاشيته.
[2] في «وفيات الأعيان» : «وفي أخلاقه» ونهر «ثوري» أحد الأنهار المتفرعة من نهر بردى الشهير بدمشق، ويجري في شمال المدينة القديمة، وتروى منه إلى الآن أراضي عدة قرى من الغوطة الشرقية.(7/38)
وله في غلام نحويّ:
وأهيف أحدث لي نحوه ... تعجّبا يعرب عن ظرفه
علامة التأنيث في لفظه ... وأحرف العلّة في طرفه
توفي يوم الأحد سلخ جمادى الأولى عن اثنتين وستين سنة، وكانت وفاته في حلب.
وفيها الحسن بن أحمد بن جكّينا [1] الشاعر الأديب.
قال العماد: أجمع أهل بغداد على أنّه لم يرزق أحد من الشعراء [2] لطافة شعره ومنه:
لافتضاحي في عوارضه ... سبب والنّاس لوّام
كيف يخفى ما أكابده ... والذي أهواه نمّام
وقوله:
لمّا بدا خطّ العذا ... ر يزين [3] عارضه بمشق
وظننت أنّ سواده ... فوق البياض كتاب عتقي [4]
فإذا به من سوء حظ ... ي عهدة كتبت برقّي
وفيها أبو عبد الله المرادي محمد بن سعيد المرسي [5] . أخذ
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أحمد بن حكينا» وهو خطأ، والتصحيح من المجلد السادس من كتابنا هذا ص (146) فقد سبق له أن ترجمه هناك في موضعه الصحيح، وأما إيراد ترجمته هنا أيضا فهو وهم منه تبع فيه ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (6/ 197) .
[2] في «ط» : «من الشعر» وهو خطأ.
[3] في «آ» و «ط» : «بريش» والتصحيح من المجلد السادس ص (147) .
[4] في «آ» و «ط» : «عتق» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» (11/ 390) و «فوات الوفيات» (1/ 320) .
[5] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 203) و «العبر» (5/ 21) .(7/39)
القراءات عن ابن هذيل، وسمع من جماعة، وتوفي في رمضان.
وفيها الإمام فخر الدّين الرّازي العلّامة أبو عبد الله، محمد بن عمر ابن حسين القرشي الطّبرستاني الأصل، الشافعي المفسّر المتكلّم، صاحب التصانيف المشهورة.
ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، واشتغل على والده الإمام ضياء الدّين خطيب الرّيّ، صاحب محيي السّنّة البغوي، وكان فخر الدّين ربع القامة، عبل الجسم، كبير اللّحية، جهوري الصوت، صاحب وقار وحشمة، له ثورة ومماليك وبزّة حسنة وهيئة جميلة. إذا ركب مشى معه نحو الثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير، والفقه، والكلام، والأصول، والطّبّ، وغير ذلك. وكان فريد عصره، ومتكلّم زمانه، رزق الحظوة في تصانيفه، وانتشرت في الأقاليم. وكان له باع طويل في الوعظ، فيبكي [1] كثيرا في وعظه. سار إلى شهاب الدّين الغوري سلطان غزنة، فبالغ في إكرامه، وحصلت له منه أموال طائلة، واتصل بالسلطان علاء الدّين خوارزم شاه، فحظي لديه، وكان بينه وبين الكراميّة السيف الأحمر، فينال منهم وينالون منه، سبّا وتكفيرا، حتّى قيل: إنّهم سمّوه فمات، وخلّف تركة ضخمة، منها ثمانون ألف دينار.
توفي بهراة يوم عيد الفطر. قاله جميعه في «العبر» [2] .
وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «تفسير كبير» - لم يتمه [3]-، في
__________
[1] في «آ» و «العبر» : «فبكى» وما أثبته من «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (137/ آ) .
[2] (5/ 18- 19) وانظر «تاريخ الإسلام» (21/ 204- 215) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 500- 501) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2- 84) .
[3] قلت: وأتمه فيما بعد الإمام العلّامة نجم الدّين أحمد بن محمد المخزومي القمولي، المتوفى سنة (727) . انظر «طبقات المفسرين» (1/ 86- 87) و «كشف الظنون» (2/ 1756) .(7/40)
اثني عشر مجلدا كبارا، سمّاه «مفاتيح الغيب» وكتاب «المحصول» و «المنتخب» و «نهاية العقول [1] » و «تأسيس التقديس» و «العالم في أصول الدّين» و «المعالم في أصول الفقه» و «الملخص» في الفلسفة و «شرح سقط الزّند» لأبي العلاء، وكتاب «الملل والنّحل» .
ومن تصانيفه على ما قيل: كتاب «السّرّ المكتوم في مخاطبة الشمس والنّجوم» على طريقة من يعتقده، ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته.
انتهى ملخصا.
وقال ابن الصلاح: أخبرني القطب الطّوعاني مرّتين، أنه سمع فخر الدّين الرّازي يقول: يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام، وبكى.
وروي عنه أنه قال: لقد اختبرت الطّرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فلم أجدها تروي غليلا، ولا تشفي عليلا، ورأيت أصحّ الطرق طريقة القرآن. أقرأ في التنزيل [2] وَالله الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ 47: 38 [محمّد: 38] ، وقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 [الشورى: 11] ، وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 [الإخلاص: 1] ، وأقرأ في الإثبات: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] ، يَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ 16: 50 [النّحل: 50] ، وإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ 35: 10 [فاطر: 10] ، وأقرأ إن الكلّ من الله قوله: قُلْ كُلٌّ من عِنْدِ الله 4: 78 [النّساء: 78] ، ثم قال:
وأقول من صميم القلب، من داخل الرّوح: إني مقرّ بأن كلّ ما هو الأكمل الأفضل الأعظم [3] الأجلّ، فهو لك، وكلّ ما هو [4] عيب ونقص فأنت [5] منزّه عنه. انتهى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «نهاية المعقول» والتصحح من «وفيات الأعيان» (4/ 249) و «تاريخ الإسلام» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2] تحرفت في «ط» إلى «التنزيه» .
[3] لفظة «الأعظم» سقطت من «آ» .
[4] لفظة «هو» سقطت من «آ» .
[5] لفظة «فأنت» سقطت من «آ» .(7/41)
وقال ابن الأهدل: ومن شعره [1] :
نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وأنشد يوما معاتبا لأهل هراة [2] :
المرء ما دام حيّا يستهان به ... ويعظم الرّزء فيه حين يفتقد
انتهى.
وفيها العلّامة [3] مجد الدّين أبو السّعادات ابن الأثير المبارك بن محمد ابن محمد بن عبد الكريم الشّيباني الجزريّ ثم الموصلي [4] الشافعي الكاتب. مصنّف «جامع الأصول» [5] ...
__________
[1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (4/ 250) و «تاريخ الإسلام» (61/ 209) و «مرآة الجنان» (4/ 10) .
[2] البيت في «وفيات الأعيان» (4/ 252) و «مرآة الجنان» (4/ 11) .
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «والعلاء» فتصحح.
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 191- 192) و «وفيات الأعيان» (4/ 141- 143) و «العبر» (5/ 19) و «تاريخ الإسلام» (61/ 216- 217) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 488- 489) و «مرآة الجنان» (4/ 11- 13) .
[5] واسمه الكامل «جامع الأصول في أحاديث الرسول» وقد طبع أول مرة في مطبعة أنصار السّنّة المحمدية بمصر، وقام بتحقيقه الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي، رحمه الله، بإشراف العلّامة الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الدّيار المصرية آنذاك، رحمه الله، لكنه لم يخرّج أحاديثه ولم يبيّن درجة كل حديث ذكره المؤلف من خارج «الصحيحين» من جهة الصحة والضعف. ثم قام بتحقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط من جديد تحقيقا علميا، خرّج فيه الأحاديث، وبيّن درجة كل حديث من الأحاديث التي أوردها المؤلف من «السنن» و «موطأ مالك» وقامت بطبعه بدمشق مكتبة الحلواني، ومطبعة الملّاح، ومكتبة دار البيان، وذلك بين عامي (1389- 1394 هـ) وقد كتب الله عزّ وجلّ لهذه الطبعة القبول والانتشار، فأعيد طبعها مصورة عدة مرّات في بيروت.-(7/42)
و «النهاية في غريب الحديث» [1] ولد سنة أربع وأربعين، وسمع من يحيى بن سعدون القرطبي، وخطيب الموصل.
قال ابن شهبة في «طبقاته» [2] : ولد بجزيرة ابن عمر، ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل، وسمع الحديث، وقرأ الفقه والحديث والأدب والنحو، ثم اتصل بخدمة السلطان، وترقت به المنازل، حتّى باشر كتابة السّرّ، وسأله صاحب الموصل أن يلي الوزارة، فاعتذر بعلو السنّ والسهو [3] بالعلم، ثم حصل له نقرس، أبطل حركة يديه ورجليه، وصار يحمل في محفّة.
ويقوم والدي الآن بمراجعة كاملة للكتاب لتصحيح ما وقع فيه من الأخطاء المطبعية وغير المطبعية، مضيفا إليها ما وقع عليه من الملاحظات أثناء المراجعة فيه خلال العشرين سنة التي مضت على طبعه، وسوف تصدر هذه الطبعة المنقحة والمزيدة من التحقيق والضبط والتخريج قريبا إن شاء الله تعالى.
وللكتاب «تتمة» لم تطبع حتى الآن أقوم بتحقيقها بالاشتراك مع الأستاذين رياض عبد الحميد مراد، ومحمد أديب الجادر، بإشراف والدي حفظه الله تعالى، وهي تضم فهرسا رائدا في الدلالة على الألفاظ الخفية التي يشكل أمر الوصول إليها على المحدّثين المتمرسين، بله الباحثين الجدد وسواهم من القراء، وسوف يضمه الجزء الثاني عشر، وتضم «التتمة» كذلك سيرة مختصرة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولآل بيته الكرام، ثم للعشرة المبشرين بالجنة، ثم تراجم وافية مفيدة لكل من ذكر في الكتاب من الأعلام تمتاز بالسبق والدّقة وضبط الأنساب وتقييدها بالحركات، وسوف يضم قسم التراجم الأجزاء الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وسنتبع هذه الأجزاء- إن شاء الله تعالى- بجزء يضم فهارس تفصيلية ل «التتمة» سيتولى إعداده الأستاذ عدنان عبد ربّه، فنسأل الله عزّ وجلّ العون على الانتهاء من تحقيق «التتمة» في أقرب وقت ودفعها إلى الطبع على الفور لكي يعم الانتفاع بها، إنه تعالى خير مسؤول.
__________
[1] طبع في مصر طبعة متقنة بتحقيق الأستاذين طاهر أحمد الزاوي، والدكتور محمود محمد الطناحي، ثم صورت طبعته عدة مرات.
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 76- 78) .
[3] في «آ» و «ط» : «بعلو السند والشهرة» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.(7/43)
وقال ابن خلّكان [1] كان فقيها، محدّثا، أديبا، نحويا، عالما بصنعة الحساب والإنشاء، ورعا، عاقلا، مهيبا، ذا برّ وإحسان.
وذكره ابن المستوفي، والمنذري، وأثنى كل واحد منهما عليه.
وذكره ابن نقطة [2] وقال: توفي آخر يوم من سنة ست وستمائة برباطه في قرية من قرى الموصل، ودفن به.
وقال ابن الأهدل: له مصنفات بديعة وسيعة، منها: «جامع الأصول الستة الصحاح أمّهات الحديث» وضعه على كتاب رزين بن معاوية الأندلسي إلّا أن فيه زيادات كثيرة، ومنها: «النهاية في غريب الحديث» وكتاب «الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشّاف» في تفسير القرآن العظيم، أخذه من الثّعلبي والزّمخشري، وله كتاب «المصطفى المختار في الأدعية والأذكار» وكتاب «صنعة الكتابة» و «شرح أصول ابن الدهّان» [3] في النحو، وكتاب «شافي العي [4] في شرح مسند الشافعي» وغير ذلك، وعرض له فالج أبطل نصفه، وبقي مدة تغشاه الأكابر من العلماء، وأنشأ رباطا، ووقف أملاكه عليه. وداره التي يسكنها، وحكي أن تصنيفه كلّه في حال تعطله، لأنّه كان عنده طلبة يعينونه على ذلك، وحكى أخوه أبو الحسن [5] : جاءه طبيب وعالجه بدهن قارب أن يبرأ، فقال: أنا [6] في راحة من صحبة هؤلاء القوم وحضورهم، وقد
__________
[1] تنبيه: نقل المؤلف هذا النقل عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، ولم أقف عليه في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي.
[2] انظر «تكملة الإكمال» (1/ 123) بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد رب النّبي.
[3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (137/ ب) : «وشرح أصول ابن الدهّان» وفي «مرآة الجنان» : «وكتاب البديع في شرح الفصول في النحو» لابن الدهان.
[4] في «آ» و «ط» : «الشافعي» والتصحيح من «كشف الظنون» (2/ 1683) .
[5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (137/ ب) : «أبو الحسين» وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.
[6] في «ط» : «إني» .(7/44)
سكنت نفسي إلى الانقطاع [1] فدعني أعش باقي عمري سليما من الذّل، وترك. انتهى.
وفيها ابن الإخوة مؤيّد الدّين أبو مسلم هشام بن عبد الرحيم بن أحمد [بن محمد بن الإخوة البغدادي ثم الأصبهاني [2] المعدّل. سمع حضورا من أبي ذرّ، وزاهر، وسمع] [3] من أبي عبد الله الخلّال وطائفة، وروى كتبا كبارا. توفي في جمادى الآخرة.
وفيها أبو زكريا الأواني يحيى بن الحسين [4] . قرأ القراءات على أبي الكرم الشّهرزوري، ودعوان، وسمع بواسط من أبي عبد الله الجلّابي وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها مجد الدّين يحيى بن الرّبيع العلّامة أبو علي الشّافعي [5] .
ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بواسط. تفقّه أولا على أبي النّجيب السّهروردي، ورحل إلى محمد بن يحيى، فتفقّه عنده سنتين ونصف، وسمع من نصر الله بن الجلخت، وببغداد من ابن ناصر، وبنيسابور من عبد الله بن الفراوي [6] ، وولي تدريس النّظّامية، وكان إماما في القراءات، والتفسير، والمذهب، والأصلين، والخلاف، كبير القدر، وافر الحرمة.
توفي في ذي القعدة.
__________
[1] قوله: «إلى الانقطاع» لم يرد في «آ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 19) .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[4] انظر «العبر» (5/ 20) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 591) .
[5] انظر «العبر» (5/ 20) و «تاريخ الإسلام» (61/ 223- 224) .
[6] قلت: ضبطها محققو «تاريخ الإسلام» بفتح الفاء وهو وهم منهم، والصواب بضمها. انظر «الأنساب» (9/ 256) .(7/45)
سنة سبع وستمائة
فيها خرجت الفرنج من البحر من غربي دمياط، وساروا في البرّ، فأخذوا قرية نورة واستباحوها وردّوا في الحال.
وفيها توفي صاحب الموصل الملك العادل نور الدّين أرسلان شاه بن عزّ الدّين مسعود بن مودود بن أتابك زنكي التّركي [1] . ولي بعد أبيه ثمان عشرة سنة، وكان شهما، شجاعا، سايسا، مهيبا، مخوفا.
قال أبو السعادات بن الأثير وزيره: ما قلت له في فعل خير إلّا وبادر إليه.
وقال أبو شامة: كان عقد نور الدّين صاحب الموصل مع وكيله بدمشق على بنت من بيت المال على مهر ثلاثين ألف دينار، ثم بان أنه قد مات من أيام.
وقال أبو المظفّر [سبط ابن] الجوزي [2] : كان جبّارا، سافكا للدماء، بخيلا.
وقال ابن خلّكان [3] : كان شهما عارفا بالأمور، تحوّل شافعيا ولم يكن في بيته شافعي سواه، وله مدرسة قلّ أن يوجد مثلها في الحسن.
توفي ليلة الأحد التاسع والعشرين من رجب في شبارة بالشطّ ظاهر الموصل.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 21) .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 356) وقد نقل عنه بتصرف واختصار.
[3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 193- 194) .(7/46)
والشبارة عندهم هي الحرّاقة [1] بمصر، وكتم موته حتى دخل به دار السلطنة بالموصل، ودفن بتربته التي بمدرسته المذكورة.
وخلّف ولدين، هما الملك القاهر عز الدّين مسعود، والملك المنصور عماد الدّين زنكي.
وقام بالمملكة بعده ولده القاهر، وهو أستاذ الأمير بدر الدّين أبي الفضائل لؤلؤ الذي تغلب على الموصل وملكها في سنة ثلاثين وستمائة في أواخر شهر رمضان، وكان قبل نائبا بها ثم استقلّ.
وفيها أبو الفخر أسعد بن سعيد بن محمود بن محمد بن روح الأصبهاني [2] ، التاجر، رحلة وقته.
ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع «المعجم الكبير» للطبراني بفوت و «المعجم الصغير» من فاطمة [3] ، وكان آخر من سمع منها. وسمع من زاهر [4] وسعيد بن أبي الرجاء. توفي في ذي الحجة، وآخر من سمع منه وروى عنه بالإجازة تقي الدّين ابن الواسطي.
وفيها تقيّة [5] بنت محمد بن آموسان. روت عن أبي عبد الله الخلّال، وغانم بن خالد. توفيت في رجب بأصبهان.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الحرافة» والتّصحيح من «المنتخب» (137/ ب) و «وفيات الأعيان» والحرّاقة: ضرب من السّفن فيها مرامي نيران يرمى بها العدوّ في البحر. انظر «المعجم الوسيط» (حرق) .
[2] انظر «العبر» (5/ 21- 22) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 491- 492) .
[3] يعني الجوزدانية كما في «سير أعلام النبلاء» .
[4] يعني الشّحّامي.
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بقية» والتصحيح من «العبر» (4/ 22) و «تاريخ الإسلام» (61/ 230) .(7/47)
وفيها أخوها جعفر بن آموسان [1] الواعظ أبو محمد الأصبهاني. سمع من فاطمة بنت البغدادي وجماعة، وروى الكثير، وحجّ فأدركه الأجل بالمدينة النبوية في المحرم.
وفيها زاهر بن أحمد بن أبي غانم أبو المجد بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني [2] .
ولد سنة إحدى وعشرين، وسمع من محمد بن علي بن أبي ذرّ، وسعيد بن أبي [3] الرجاء، وزاهر بن طاهر، وطائفة، وروى حضورا عن جعفر ابن عبد الله الثقفي. توفي في ذي القعدة.
وفيها عائشة بنت معمر بن الفاخر أم حبيبة الأصبهانية [4] . حضرت فاطمة الجوزدانية، وسمعت من زاهر [بن طاهر] وجماعة.
قال ابن نقطة: سمعنا منها «مسند أبي يعلى» بسماعها من سعيد الصّيرفي. توفيت في ربيع الآخر.
وفيها أبو أحمد بن سكينة الحافظ ضياء الدّين عبد الوهاب بن الأمين علي بن علي البغدادي [5] الصّوفي الشافعي، مسند العراق، وسكينة جدّته.
ولد سنة تسع عشرة، وسمع من ابن الحصين، وزاهر الشّحّامي وطبقتهما، ولازم ابن السمعاني، وسمع الكثير من قاضي المارستان وأقرانه،
__________
[1] في «تاريخ الإسلام» (61/ 231) : «جعفر بن أبي سعيد بن أبي محمد، المعروف جده بآموسان» .
[2] انظر «العبر» (5/ 22) .
[3] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 22- 23) و «تاريخ الإسلام» (61/ 235) .
[5] انظر «العبر» (5/ 23- 24) و «تاريخ الإسلام» (61/ 236- 239) .(7/48)
وقرأ القراءات على سبط الخيّاط وجماعة ومهر فيها، وقرأ العربية على ابن الخشّاب، وقرأ المذهب والخلاف على أبي منصور الرّزّاز، وصحب جدّه لأمه أبا البركات إسماعيل بن أسعد، وأخذ علم الحديث عن ابن ناصر ولازمه.
قال ابن النجار: هو شيخ العراق في الحديث، والزهد، والسمت، وموافقة السّنّة. كانت أوقاته محفوظة لا تمضي له ساعة إلّا في تلاوة، أو ذكر، أو تهجد، أو تسميع، وكان يديم الصيام غالبا، ويستعمل السّنّة في أموره، إلى أن قال: وما رأيت أكمل منه، ولا أكثر عبادة، ولا أحسن سمتا، صحبته وقرأت عليه القراءات، وكان ثقة نبيلا من أعلام الدّين.
وقال ابن الدّبيثي: كان من الأبدال.
وقال الذّهبي: آخر من له إجازته، الكمال المكبّر.
توفي في تاسع ربيع الآخر.
وفيها ابن طبرزد، مسند العصر، أبو حفص موفق الدّين عمر بن محمد بن معمر الدّراقزّيّ [1] المؤدّب.
ولد سنة ست عشرة وخمسمائة، وسمع من ابن الحصين، وأبي غالب ابن البنّا، وطبقتهما. فأكثر. وحفظ أصوله إلى وقت الحاجة، وروى الكثير، ثم قدم دمشق في آخر أيامه فازدحموا عليه، وقد أملى مجالس بجامع المنصور، وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر، وكان ظريفا، كثير المزاح. توفي في تاسع رجب ببغداد.
وفيها أبو موسى الجزولي- بضم الزاي، نسبة إلى جزولة [2] بطن من
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 24) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 507- 512) .
[2] قال القفطي في «إنباه الرواة» : وربما قالوا: «كزولة» بالكاف.(7/49)
البربر بالمغرب- عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البربريّ المراكشيّ [1] النحويّ العلّامة.
حجّ وأخذ العربية عن ابن برّي بمصر، وسمع الحديث من أبي [محمد بن] عبيد الله [2] . وإليه انتهت الرئاسة في علم النحو، وولي خطابة مرّاكش مدة، وكان بارعا في الأصول، والقراءات.
قال ابن خلّكان [3] : كان إماما في علم النحو، كثير الاطلاع على دقائقه وغريبه وشاذّه، وصنّف فيه المقدّمة التي سمّاها «القانون» ولقد أتى فيها بالعجائب، وهي في غاية الإيجاز مع الاشتمال على شيء كثير من النحو، ولم يسبق إلى مثلها، واعتنى بها جماعة من الفضلاء فشرحوها، ومنهم من وضع لها أمثلة، ومع هذا كله لا تفهم حقيقتها، وأكثر النّحاة يعترفون بقصور أفهامهم عن إدراك مراده منها، فإنها كلها رموز وإشارات، وبالجملة فإنه أبدع فيها. وله أمال في النحو لم تشتهر، ونسبت «الجمل» إليه لأنها من نتائج خواطره، وكان يقول: هي ليست من تصنيفي، لأنه كان متورّعا، وكان استفادها من شيخه ابن برّي، وإنما نسبت إليه لأنه انفرد بترتيبها، وانتفع به خلق كثير، وتوفي بأزمّورة [4] من عمل مراكش.
ويللبخت: بفتح التحتية المثناة واللام الأولى، وسكون الثانية، وفتح الباء الموحدة، وسكون الخاء المعجمة وبعدها تاء مثناة فوقية، اسم بربريّ.
وفيها الشيخ أبو عمر المقدسي الزّاهد محمد بن أحمد بن محمد بن
__________
[1] انظر «إنباه الرواة» (2/ 378- 380) و «العبر» (5/ 24) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 497) .
[2] ما بين الحاصرتين مستدرك من «سير أعلام النبلاء» وقد سمع منه «صحيح البخاري» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 488- 490) .
[4] في «آ» و «ط» ، «بأزمور» والتصحيح من «معجم البلدان» (1/ 169) وقال: بلد بالمغرب في جبال البربر.(7/50)
قدامة بن مقدام الحنبلي [1] القدوة الزّاهد، أخو العلّامة موفق الدّين.
ولد بجمّاعيل سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وهاجر [مع والده] إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة، وسمع الحديث من أبي المكارم عبد الواحد بن هلال وطائفة كثيرة، وكتب الكثير بخطّه، وحفظ القرآن، والفقه، والحديث، وكان إماما، فاضلا، مقرئا، زاهدا، عابدا، قانتا لله، خاشعا من الله، منيبا إلى الله، كثير النفع لخلق الله، ذا أوراد وتهجّد واجتهاد وأوقات مقسمة على الطاعات [2] من الصّلاة، والصّيام، والذّكر، وتعلّم العلم، والفتوّة والمروءة والخدمة والتواضع، رضي الله عنه وأرضاه.
فلقد كان عديم النظير في زمانه. خطب بجامع الجبل إلى أن مات. قاله في «العبر» [3] .
وقال ابن رجب في «طبقاته» [4] : هاجر به والده وبأخيه الشيخ الموفق وأهلهم إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة، فنزلوا بمسجد أبي صالح ظاهر باب شرقي، فأقاموا به مدة نحو سنتين، ثم انتقلوا إلى الجبل.
قال أبو عمر: فقال الناس: الصالحية، الصالحية، ينسبونا إلى مسجد أبي صالح، لا أنّا صالحون.
حفظ الشيخ أبو عمر القرآن، وقرأه بحرف أبي عمرو. وسمع الحديث من والده وخلائق، وقدم مصر وسمع بها من الشريف أبي المفاخر سعيد بن الحسن بن المأموني، وأبي محمد بن برّي النحوي. وخرّج له الحافظ عبد الغني المقدسي أربعين حديثا من رواياته، وحدّث بها. وسمع منه جماعة، منهم: الضياء، والمنذري، وروى عنه ابن خليل، وولده
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 5- 9) وعبارة «مع والده» التي بين الحاصرتين زيادة منه.
[2] في «العبر» : «على الطاعة» .
[3] (5/ 25) وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 247- 259) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 52- 61) .(7/51)
شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن قاضي القضاة، وحفظ «مختصر الخرقي [1] » في الفقه. وتفقّه في المذهب، وكتب بخطّه كثيرا، من ذلك «الحلية» لأبي نعيم، و «تفسير البغوي» و «المغني» في الفقه لأخيه الشيخ موفق الدّين، و «الإبانة» لابن بطّة. وكتب مصاحف كثيرة لأهله، وكتب [2] «الخرقي» [3] للناس والكلّ بغير أجرة، وكان سريع الكتابة، وربما كتب في اليوم كرّاسين بالقطع الكبير.
وقال الحافظ الضياء: وكان الله قد جمع له معرفة الفقه، والفرائض، والنحو، مع الزّهد، والعمل، وقضاء حوائج الناس.
قال: وكان لا يكاد يسمع دعاء إلّا حفظه ودعا به [ولا يسمع ذكر صلاة إلّا صلّاها] [4] ولا يسمع حديثا إلّا عمل به، وكان لا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته، وقلّل الأكل في مرضه قبل موته، حتّى عاد كالعود، ومات وهو عاقد على أصابعه يسبّح.
قال: وحدّثت عن زوجته قالت: كان يقوم الليل، فإذا جاءه النوم عنده قضيب يضرب به على رجله [5] فيذهب عنه النوم.
وكان كثير الصيام سفرا وحضرا.
وقال [ولده] [6] عبد الله: إنه في آخر عمره سرد الصّوم [7] ، فلامه أهله،
__________
[1] جاء في هامش «المنتخب» لابن شقدة: قال ابن حجر: الخرقي: هو بخاء معجمة مكسورة، شيخ الحنابلة، منسوب إلى «خرق» قرية على بريد من مرو. «تاريخ العدوي» .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (138/ ب) : «ويكتب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] يعني «مختصر الخرقي» .
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «رجله» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «رجليه» .
[6] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[7] أقول: أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوما، ويفطر يوما. (ع) .(7/52)
فقال: أغتنم أيامي، وكان لا يسمع بجنازة إلّا حضرها، ولا مريض إلّا عاده، ولا بجهاد إلّا خرج فيه، وكان يقرأ في الصلاة كل ليلة سبعا مرتّلا، ويقرأ في النهار سبعا بين الظهر والعصر، وكان يقرئ [1] ويلقن إلى ارتفاع النهار، ثم يصلي الضحى طويلة، وكان يصلي كل ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التسبيح [ويطيلها] [2] ، ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 [3] . وكان يصلي في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة نافلة، وله أوراد كثيرة. وكان يزور القبور كل جمعة بعد العصر، ولا ينام إلّا على وضوء، ويحافظ على سنن وأذكار عند نومه.
وكان لا يترك غسل الجمعة، ولا يخرج إلى الجمعة إلّا ومعه شيء يتصدق به. وكان يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم، ويتصدق كثيرا ببعض ثيابه، حتى يبقى في الشتاء بجبة بغير قميص. وكانت عمامته قطعة بطانة، فإذا احتاج أحد إلى خرقة أو مات صغير، قطع منها. وكان يلبس الخشن وينام على الحصير. وكان ثوبه إلى نصف ساقه، وكمّه إلى رسغه.
ومكث مدة لا يأكل أهل الدّير إلّا من بيته. يجمع الرجال ناحية، والنساء ناحية، وكان إذا جاء شيء إلى بيته فرّقه على الخاص والعام.
وكان يقول: لا علم إلّا ما دخل مع صاحبه القبر.
ويقول: إذا لم تتصدقوا لا يتصدق أحد عنكم، وإذا لم تعطوا السائل أنتم أعطاه غيركم.
وكان إذا خطب ترقّ القلوب وتبكي النّاس بكاء كثيرا. وكانت له هيبة عظيمة في القلوب. واحتاج الناس إلى المطر سنة، فطلع إلى مغارة الدّم [4] ومعه
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «يقرئ» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «يقرأ» .
[2] زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] أقول: هذه الصلاة بهذه الكيفية لم ترد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (ع) .
[4] حول مغارة الدّم راجع كتاب «حدائق الإنعام في فضائل الشام» ص (96) بتحقيق الأستاذ يوسف بديوي.(7/53)
نساء من محارمه، واستسقى ودعا، فجاء المطر حينئذ، وجرت الأودية شيئا لم يره الناس من مدة طويلة [1] .
وقال عبد الله بن النحاس: كان والدي يحب الشيخ أبا عمر، فقال لي يوم جمعة: أنا أصلي الجمعة خلف الشيخ، ومذهبي أن بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 من الفاتحة، ومذهبه أنها ليست من الفاتحة، فمضينا إلى المسجد، فوجدنا الشيخ، فسلّم على والدي وعانقه، وقال: يا أخي صلّ وأنت طيب القلب، فإنني ما تركت بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 في فريضة ولا نافلة مذ أممت بالناس. وله كرامات كثيرة، وقد أطال الضياء ترجمته، وكذلك سبط ابن الجوزي في «المرآة» [2] وقال: كان معتدل القامة، حسن الوجه، عليه أنوار العبادة، لا يزال متبسما، نحيل الجسم من كثرة الصيام والقيام.
وكان يحمل الشّيخ من الجبل إلى بيوت الأرامل واليتامى، ويحمل إليهم في الليل الدراهم والدقيق ولا يعرفونه. ولا نهر أحدا [3] ولا أوجع قلب أحد. وكان أخوه الموفق يقول: هو شيخنا، ربّانا وأحسن إلينا، وعلّمنا وحرص علينا، وكان للجماعة كالوالد يقوم بمصالحهم، ومن غاب منهم خلفه في أهله، وهو الذي هاجر بنا وسفّرنا إلى بغداد، وبنى الدّير. ولما رجعنا من بغداد زوّجنا وبنى لنا دورا خارجة عن الدّير وكفانا هموم الدّنيا. وكان يؤثرنا ويدع أهله محتاجين، وبنى المدرسة والمصنع بعلو همته، وكان مجاب الدعوة، وما كتب لأحد ورقة للحمّى إلّا وشفاه الله تعالى.
وذكر جماعة أن الشيخ قطب، [وأقام قطب الوقت] [4] قبل موته بست سنين.
__________
[1] لفظة «طويلة» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 356- 361) .
[3] في «مرآة الزمان» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وما نهر أحدا» وهو أجود.
[4] زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 58) لا يتم المعنى بدونها.(7/54)
وقال سبط ابن الجوزي: كان على مذهب السّلف الصالح، حسن العقيدة، متمسكا بالكتاب والسّنّة والآثار المروية وغيرها [1] كما جاءت من غير طعن على أئمة الدّين وعلماء المسلمين، وينهى عن صحبة المبتدعين، ويأمر بصحبة الصالحين.
قال: وأنشدني لنفسه:
أوصيكم في القول بالقرآن ... بقول أهل الحقّ والإيقان [2]
ليس بمخلوق ولا بفان ... لكن كلام الملك الدّيّان
آياته مشرقة المعاني ... متلوّة في اللفظ باللّسان
محفوظة في الصّدر والجنان ... مكتوبة في الصّحف بالبنان
والقول في الصّفات يا إخواني ... كالذّات والعلم مع البيان
إمرارها من غير ما كفران [3] ... من غير تشبيه ولا عدوان
ولما كان عشية الاثنين ثامن عشري ربيع الأول، جمع أهله واستقبل القبلة، ووصاهم بتقوى الله تعالى ومراقبته، وأمرهم بقراءة يس وكان آخر كلامه إِنَّ الله اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 2: 132 [البقرة: 132] .
وتوفي- رحمه الله- وغسّل في المسجد، ومن وصل إلى الماء الذي غسّل به، نشّف [به] النساء [مقانعهن] والرجال عمائمهم [4] ، وكان يوما مشهودا، ولما خرجوا بجنازته من الدّير كان يوما شديد الحرّ، فأقبلت غمامة
__________
أقول: وهذه الألقاب من قطب وغيرها، ليست ألقابا صحيحة، ولم يذكرها العلماء المتقدمون، وليس في الإسلام قطب ولا غوث ولا غيرهما. (ع) .
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (139/ آ) : «ويمرها» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والإيقاف» .
[3] في «آ» «من غير كفران» وهذه الأبيات لم ترد في «مرآة الزمان» .
[4] في «آ» و «ط» . «نشّف النساء والرجال به عمائهم» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 60) .(7/55)
فأظلت الناس إلى قبره. وكان يسمع منها دوىّ كدويّ النّحل، ولولا [المبارز المعتمد، والشجاع بن محارب، وشبل] الدولة [الحسامي] [1] أحاطوا به بالسيوف، لما وصل من كفنه إلى قبره شيء.
ولمّا دفن رأى بعض الصالحين في منامه تلك الليلة النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وهو يقول: «من زار أبا عمر ليلة الجمعة، فكأنّما زار الكعبة، فاخلعوا نعالكم قبل أن تصلوا إليه» [2] .
ومات عن ثمانين سنة، ولم يخلّف قليلا ولا كثيرا.
وذكر الضياء عن عبد المولى بن محمد، أنه كان يقرأ عند قبر الشيخ سورة البقرة، وكان وحده، فبلغ إلى قوله تعالى: لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ 2: 68 [البقرة: 68] ، قال: فغلطت، فردّ عليّ الشيخ من القبر. قال: فخفت وارتعدت وقمت، ثم مات القارئ بعد ذلك بأيام.
قال: وقرأ بعضهم عند قبره سورة الكهف، فسمعه من القبر يقول:
لا إله إلّا الله [3] ، ورؤيت له منامات كثيرة، ودفن بسفح قاسيون إلى جانب والده، رحمهما الله تعالى.
وفيها محمد بن هبة الله بن كامل أبو الفرج [4] الوكيل عند قضاة بغداد. أجاز له ابن الحصين، وسمع من أبي غالب بن البنّا وطائفة، وروى الكثير، وكان ماهرا في الحكومات. توفي في رجب.
وفيها المظفّر بن إبراهيم أبو منصور بن البرتي- بكسر الموحدة
__________
[1] ما بين الحاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] أقول: لا تؤخذ الأحاديث والأحكام من المنامات. (ع) .
[3] قلت: هذا وما سبقه من مبالغات محبيه المغالين في الإطراء، هو مما نهى الشرع الحنيف عنه، ولو حصل لأحد لحصل لسيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأصحابه المكرمين رضي الله عنهم أجمعين، ولكن لا يصح شيء من ذلك.
[4] انظر «العبر (5/ 26) و «تاريخ الإسلام» (61/ 260) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 10- 11) .(7/56)
وفوقية، نسبة إلى برت قرية بنواحي بغداد [1]- الحربي. آخر من حدّث عن أبي الحسين محمد بن الفرّاء توفي في شوال.
وفيها أبو القاسم المبارك بن أنوشتكين [2] بن عبد الله النّجمي السّيدي البغدادي [3] المعدّل الأديب الحنبلي. سمع من أبي المظفّر ابن التّركي الخطيب وخلق، وشهد عند قاضي القضاة أبي القاسم بن الشّهرزوري، وكان وكيل الخليفة الناصر بباب طراد، وبقي على ذلك إلى موته.
قال ابن نقطة: سمعت منه، وكان ثقة عالما فاضلا.
وروى عنه ابن خليل في «معجمه» . توفي في حادي عشر صفر، ودفن بباب حرب.
وفيها أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح بن عمر بن الطبّاخ الحرّاني [4] الضرير المقرئ [5] ، الفقيه الحنبلي. رحل وقرأ القرآن بواسط بالروايات على هبة الله الواسطي وغيره، وسمع بها الحديث من ابن الكتّاني، وسمع ببغداد من ابن الخشّاب، وشهدة في آخرين، وتفقّه ببغداد، ورجع إلى حرّان وحدّث بها، وسمع منه سبط ابن الجوزي وغيره، وتوفي في شوال بحرّان.
وفيها صفي الدّين أبو زكريا يحيى بن المظفّر بن علي بن نعيم
__________
[1] تنبيه: كذا قال المؤلف- رحمه الله تعالى-. وضبط ابن نقطة نسبته في «إكمال الإكمال» (1/ 375) بالحروف «البرني» بفتح الباء وسكون الراء بعدها نون مكسورة، ومثله المنذري في «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 57) ، وقال ابن نقطة: سمعت منه، وكان شيخا صالحا، صحيح السماع.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن أبي سكين» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ابن أبي شتكين» والتصحيح من «تكملة الإكمال» (باب السّندي والسيدي) مصورة عن مخطوطة الظاهرية.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 51- 52) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 264) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 62) .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «المقدسي» .(7/57)
البغدادي البدري، الزاهد الحنبلي، المعروف بابن الحبير [1] .
ولد في محرم سنة أربعين وخمسمائة، وسمع الحديث من ابن ناصر، وأبي الوقت، وغيرهما. وتفقّه في المذهب، وكان يسافر في التجارة إلى الشام ثم انقطع في بيته بالبدرية محلّة من محال بغداد الشرقية. وكان كثير العبادة، حسن الهيئة والسمت، كثير الصلاة والصيام والتنسك، ذا مروءة وتفقد للأصحاب وتودّد إليهم، وانتفع به جماعة من مماليك الخليفة، وبنيت له دكّة [2] في آخر عمره لقراءة الحديث عليه. وتوفي في يوم الاثنين ضحى تاسع عشري ذي الحجّة، ودفن بباب حرب.
وكان له ابن [3] يقال له: أبو بكر محمد، كان فقيها فاضلا في المذهب، فانتقل إلى مذهب الشافعيّ لأجل الدّنيا، وولي القضاء وقيلت فيه الأشعار.
قاله ابن رجب [4] .
__________
[1] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 12) و «تاريخ الإسلام» (61/ 264) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 62- 63) .
قال ابن رجب: و «الحبير» بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وبالراء المهملة.
وقال ابن نقطة: أوله حاء مهملة مضمومة، تصغير حبر.
[2] في «آ» و «ط» : «وثبتت له ذكر» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف، وجاء في الخبر عنده أيضا: «بأمر الخليفة بجامع القصر» .
قال ابن منظور في «لسان العرب» : والدّكّة، بناء يسطّح أعلاه.
[3] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .
[4] قلت: وفي هذه السنة أيضا توفي الوجيه أبو الفتوح ناصر بن أبي الحسن علي بن خلف الأنصاري، المعروف بابن صورة. كان سمسار الكتب بمصر، وله في ذلك حظّ كبير، وكان يجلس في دهليز داره لذلك، ويجتمع عنده في يومي الأحد والأربعاء أعيان الرؤساء والفضلاء ويعرض عليهم الكتب التي تباع، ولا يزالون عنده إلى انقضاء وقت السوق، فلما مات السّلفيّ سار إلى الإسكندرية لبيع كتبه. مات في السادس عشر من شهر ربيع الآخر، سنة سبع وستمائة بمصر، ودفن بقرافتها، رحمه الله تعالى. انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 201) و «وفيات الأعيان» (1/ 197) .(7/58)
سنة ثمان وستمائة
فيها قدم رسول جلال الدّين حسن صاحب الألموت بدخول قومه في الإسلام، وأنهم قد تبرّؤوا من الباطنية وبنوا المساجد والجوامع، وصاموا رمضان، ففرح الخليفة بذلك.
وفيها وثب قتادة الحسني [1] أمير مكّة على الركب العراقي بمنى، فنهب النّاس، وقتل جماعة، فقيل: راح للناس ما قيمته ألف ألف دينار. ولم ينتطح فيها عنزان. قاله في «العبر» [2] .
وفيها كانت زلزلة عظيمة بمصر هدمت دورا كثيرة بالقاهرة، ومات خلق كثير تحت الهدم. قاله السيوطي [3] .
وفيها توفي أبو العبّاس العاقولي أحمد بن الحسن بن أبي البقاء [4] المقرئ. قرأ القراءات على أبي الكرم الشّهرزوري، وسمع من أبي منصور القزّاز، وابن خيرون، وطائفة. وتوفي يوم التّروية، عن ثلاث وثمانين سنة.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسيني» والتصحيح من «الكامل في التاريخ» (12/ 401) و «العبر» وانظر «العقد الثمين» (6/ 39) .
[2] (5/ 26- 27) .
[3] انظر «كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة» للسيوطي ص (115) بتحقيق الأستاذ عبد الرحمن ابن عبد الجبّار الفريوائي، طبع مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
[4] انظر «العبر» (5/ 27) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 598) .(7/59)
وفيها جهاركس، ويقال جركس، الأمير الكبير فخر الدّين الصلاحي [1] . أعطاه العادل بانياس والشّقيف، فأقام هناك مدّة، وكان أحد أمراء صلاح الدّين. شهد الغزوات كلّها، وتوفي في رجب بدمشق ودفن بقاسيون في تربته التي وقف عليها [2] قرية بوادي بردى تسمّى الكفر [3] وعشرين قيراطا من جميع قرية بيت سوا، سوى أحكار بيوت بالصالحية، وعلى قبره قبة عظيمة على جادة الطريق.
قال ابن خلّكان: كان كريما، نبيل القدر، عالي الهمّة، بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه. رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون: لم نر في شيء من البلاد مثلها في حسنها وعظمها وإحكام بنائها، وبنى بأعلاها مسجدا كبيرا وربعا معلّقا.
وجهاركس: بكسر الجيم، معناه بالعربي أربعة أنفس.
وفيها ابن حمدون صاحب «التذكرة» أبو سعد الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن حمدون البغدادي، كاتب الإنشاء للدولة. قاله في «العبر» [4] فكناه بأبي سعد، وجزم بوفاته في هذه السنة.
وقال ابن خلّكان [5] : أبو المعالي محمد بن أبي سعد الحسن بن محمد [ابن] علي بن حمدون الكاتب، الملقب كافي الكفاة، بهاء الدين البغدادي.
كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة، من بيت مشهور بالرئاسة، هو،
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 381) و «تاريخ الإسلام» (61/ 267- 268) و «العبر» (5/ 27) .
[2] لفظة «عليها» سقطت من «آ» .
[3] قلت: لعلها «كفر مدير» وهي في الغوطة الشرقية لدمشق. انظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله ص (178) .
[4] (5/ 27) .
[5] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 380- 382) وذكره ابن شاكر الكتبي في «فوات الوفيات» (3/ 323- 324) والصفدي في «الوافي بالوفيات» (2/ 357) .(7/60)
وأبوه، وأخواه أبو نصر وأبو المظفّر. وسمع أبو المعالي من أبي القاسم إسماعيل بن الفضل الجرجاني وغيره، وصنّف كتاب «التذكرة» وهو من أحسن المجاميع، يشتمل على التاريخ، والأدب، والنوادر، والأشعار، لم يجمع أحد من المتأخرين مثله، وهو مشهور بأيدي النّاس، كثير الوجود، وهو من الكتب الممتعة.
ذكره العماد الكاتب الأصبهاني في «الخريدة» فقال: كان عارض العسكر المقتفوي [1] ثم صار صاحب ديوان الزّمان المستنجدي، وهو كلف باقتناء الحمد وابتناء المجد، وفيه فضل ونبل، وله على أهل الأدب ظل وأكفّ [2] . وألّف كتابا سمّاه «التذكرة» وجمع فيه الغثّ والسمين، والمعرفة والنكرة، فوقف الإمام المستنجد [3] على حكايات ذكرها نقلا من التواريخ، توهم في الدولة غضاضة، فأخذ من دست منصبه وحبس، ولم يزل في نصبه إلى أن رمس، وذلك في أوائل سنة اثنتين وستين وخمسمائة.
وأورد له:
يا خفيف الرّأس والعقل معا ... وثقيل الرّوح أيضا والبدن
تدّعي أنّك مثلي طيّب ... طيّب أنت ولكن بلبن [4]
انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا، فانظر التناقض بين كلامه وكلام «العبر» .
وفيها أسباه مير بن محمد بن نعمان الجيلي، الفقيه الحنبلي، أبو
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المقتدي» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[2] لفظة «وأكف» لم ترد في «ط» و «وفيات الأعيان» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المستنجدي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، وهو الخليفة العبّاسي المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف بن المقتفي المتوفى سنة (566 هـ) . انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (442- 443) .
[4] علق الصفديّ على ذلك بقوله: يريد أنه قرع.(7/61)
عبد الله [1] . تفقّه ببغداد على الشيخ عبد القادر، ونزل عنده، ولازم الاشتغال بمدرسته إلى آخر عمره.
وسمع من ابن المادح، وحدّث عنه باليسير، وعمّر. وسمع منه ابن القطيعي وجماعة. وكان أصابه صمم شديد في آخر عمره.
قال ابن النجار: كان شيخا صالحا [2] مشتغلا بالعلم والخير، مع علو سنّه، وأظنه ناطح المائة.
وقال ابن رجب: توفي ليلة الجمعة حادي عشري ربيع الأول، ودفن بباب حرب.
وفيها الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع الدمشقي السّروجي المعبّر [3] . سمع من نصر الله المصّيصي، وببغداد من الحسين سبط الخيّاط.
توفي في شوال.
وفيها عبد الرحمن الرّومي عتيق أحمد بن باقا البغدادي [4] . قرأ على أبي الكرم الشّهرزوري، وروى «صحيح البخاري» بمصر والإسكندرية، عن أبي الوقت [السّجزي] . توفي في ذي القعدة وقد شاخ.
وفيها ابن نوح الغافقيّ العلّامة أبو عبد الله محمد بن أيوب بن محمد ابن وهب الأندلسي البلنسي [5] .
ولد سنة ثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات على ابن هذيل، وسمع من
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 223) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 63) .
[2] لفظة «صالحا» سقطت من «آ» .
[3] انظر «العبر» (5/ 27) و «تاريخ الإسلام» (61/ 269) .
[4] انظر «العبر» (5/ 28) و «تاريخ الإسلام» (61/ 271) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[5] انظر «العبر» (5/ 28) و «تاريخ الإسلام» (61/ 276- 277) .(7/62)
جماعة، وتفقّه وبرع على مذهب مالك، ولم يبق له في وقته نظير بشرق الأندلس تفنّنا واستبحارا. كان رأسا في الفقه، والقراءات، والعربية، وعقد الشروط.
قال [ابن] الأبّار: تلوت عليه، وهو أغزر من لقيت علما وأبعدهم صيتا. توفي في شوال.
وفيها عماد الدّين محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلّامة أبو حامد [الإربلي] الشافعي [1] .
تفقّه على والده، وببغداد على يوسف بن بندار وغيره، ودرّس في عدة مدارس بالموصل، واشتهر، وقصده الطلبة من البلاد.
قال ابن خلّكان [2] : كان إمام وقته في المذهب، [والأصول، والخلاف، وكان له صيت عظيم في زمانه، صنّف «المحيط» جمع فيه بين «المهذّب» ] [3] و «الوسيط» وكان ذا ورع ووسواس في الطهارة، بحيث إنه يغسل يده من مس القلم، وكان كالوزير لصاحب الموصل نور الدّين، وما زال به حتى نقله إلى الشافعية، وتوجّه إلى بغداد، وتفقّه بالمدرسة النظامية على السّديد محمد، وسمع بها الحديث من الكشميهنيّ وغيره. وعاد إلى الموصل ودرّس بها في عدّة مدارس، منها النّورية، والعزّية، والزّينبية، والبقشية [4] ، والعلائية.
وقال ابن شهبة [5] : كان لطيف المحاورة، دمث الأخلاق. وكان مكمّل
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 28- 29) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 253- 254) وقد نقل المؤلف كلامه عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[4] في «ط» : «والبغشية» .
[5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 85) وراجع ترجمته في «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 97- 98) .(7/63)
الأدوات، لم يرزق سعادة في تصانيفه، فإنها ليست على قدر فضله. توفي في جمادى الآخرة. انتهى.
وقال الذّهبي [1] : هو جدّ مصنّف «التعجيز» تاج الدّين عبد الرحيم [2] بن محمد بن محمد الموصلي.
وفيها منصور بن عبد المنعم بن أبي البركات عبد الله بن فقيه الحرم محمد بن الفضل الفراوي أبو الفتح وأبو القاسم [3] .
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وسمع من جدّه وجدّ أبيه، وعبد الجبّار الخواري، ومحمد بن إسماعيل الفارسي، وروى الكتب الكبار، ورحلوا إليه، وتوفي في ثامن شعبان بنيسابور.
وفيها ابن سناء الملك، القاضي أبو القاسم هبة الله بن القاضي الرّشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد سناء الملك المصري [4] الأديب، صاحب «الديوان» المشهور، والمصنّفات الأدبية. قرأ [القرآن] [5] على الشريف الخطيب [6] ، وقرأ النحو على ابن برّي، وسمع من السّلفيّ، وكتب بديوان الإنشاء مدة، وكان بارع التّرسّل والنظم.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 29) وراجع «تاريخ الإسلام» (61/ 280- 282) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «عبد الرحمن» وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 282) .
[3] انظر «العبر» (5/ 29) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 61- 66) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 480- 481) و «العبر» (5/ 29- 30) و «تاريخ الإسلام» (61/ 284- 486) .
[5] سقطت لفظة «القرآن» من «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (139/ ب) ومن «العبر» بطبعتيه، واستدركتها من «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» .
[6] هو الإمام أبو الفتوح ناصر بن الحسن الزّيدي، مقرئ الدّيار المصرية في عصره. انظر ترجمته في «معرفة القراء الكبار» (2/ 525- 526) وقد تحرفت «الزّيدي» إلى «الزّيري» في حاشية «سير أعلام النبلاء» (1/ 480) فتصحح.(7/64)
قال ابن خلّكان: كان كثير التخصص [1] والتنعّم، وافر السعادة، محظوظا من الدّين، اختصر كتاب «الحيوان» للجاحظ، وسمّى المختصر «روح الحيوان» وهي تسمية لطيفة. وله ديوان جميعه موشحات سماه «دار الطّراز [2] » . وجمع شيئا من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل، وفيه كل معنى مليح.
واتفق في عصره جماعة من الشعراء المجيدين، وكان لهم مجالس تجري بينهم فيها مفاكهات ومحاورات يروق سماعها. ودخل في ذلك الوقت إلى مصر شرف الدّين بن عنين، فعملوا له الدعوات، وكانوا يجتمعون على أرغد عيش، وكانوا يقولون: هذا شاعر الشام، وجرت لهم محافل سطّرت عنهم.
ومن شعر ابن سناء الملك [3] .
لا الغصن يحكيك ولا الجؤذر ... حسنك مما ذكروا [4] أكثر
يا باسما أبدى لنا ثغره ... عقدا ولكن كلّه جوهر
قال لي اللّاحي ألا تسمع [5] ... فقلت يا لاحي ألا تبصر
وله يتغزل بجارية عمياء [6] :
شمس بغير الشّعر لم تحجب ... وفي سوى العينين لم تكسف
__________
[1] في «آ» و «ط» : «كثير التخصيص» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[2] تحرف اسمه في «آ» و «ط» إلى «درّ الطّراز» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وهو مطبوع بتحقيق الدكتور جودت الركابي وانظر «كشف الظنون» (1/ 732) .
[3] انظر «ديوانه» ص (344) طبع دار الجيل ببيروت.
[4] في «آ» و «ط» : «مما أكثروا» وفي «وفيات الأعيان» : «مما كثروا» والتصحيح من «ديوانه» .
[5] في «آ» و «ط» : «ألا تستمع» والتصحيح من «ديوانه» و «وفيات الأعيان» .
[6] انظر «ديوانه» ص (484- 485) .(7/65)
مغمدة المرهف لكنّها ... تجرح في الجفن [1] بلا مرهف
رأيت منها الخلد [2] في جؤذر ... ومقلتي يعقوب في يوسف
وله في غلام ضرب ثم حبس [3] :
بنفسي من لم يضربوه لريبة ... ولكن ليبدو الورد في سائر الغصن
ولم يودعوه السّجن إلّا مخافة ... من العين أن تعدو على ذلك الحسن
وقالوا له شاركت في الحسن يوسفا ... فشاركه أيضا في الدّخول إلى السّجن
وله أيضا [4] :
وما كان تركي حبّه عن ملالة ... ولكن لأمر يوجب القول بالتّرك [5]
أراد شريكا في الذي كان بيننا ... وإيمان قلبي قد نهاني عن الشّرك
وقال العماد الكاتب في «الخريدة» : كنت عند القاضي الفاضل في خيمته، فأطلعني على قصيدة كتبها إليه ابن سناء الملك، وكان سنّه لم يبلغ عشرين سنة، فعجبت منها، وأولها [6] :
فراق قضى للهمّ والقلب بالجمع ... وهجر تولّى صلح عيني مع الدّمع
وتوفي ابن سناء الملك في العشر الأول من شهر رمضان بالقاهرة، عن بضع وستين سنة.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» وفي «ديوانه» : «تقتل بالغمد» .
[2] في «آ» و «ط» : «الجلد» بالجيم، وما أثبته من «ديوانه» و «وفيات الأعيان» .
[3] انظر «ديوانه» ص (783- 784) .
[4] انظر «ديوانه» ص (528) .
[5] كذا رواية البيت في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وروايته في «ديوانه» :
تركت حبيب القلب لا عن ملالة ... ولكن لذنب أوجب الأخذ بالترك
[6] البيت في «وفيات الأعيان» (6/ 65) .(7/66)
وفيها يونس بن يحيى الهاشمي أبو محمد البغدادي القصّار، نزيل مكّة. روى عن أبي الفضل الأرموي، وابن الطّلّاية، وطبقتهما. قاله في «العبر» [1] .
__________
[1] (5/ 30) وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 288- 289) .(7/67)
سنة تسع وستمائة
فيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بين النّاصر محمد بن يعقوب ابن يوسف وبين الفرنج، ونصر الله الإسلام واستشهد بها عدد كثير، وتعرف بوقعة العقاب.
وفيها توفي أبو جعفر الحصّار أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري الأندلسي الدّاني، المقرئ المالكي، نزيل بلنسية. قرأ القراءات على ابن هذيل، وسمع من جماعة، وتصدّر للإقراء، ولم يكن أحد يقارنه في الضبط والتحرير، ولكن ضعّفه الأبّار وغيره لروايته عن ناس كأنّه ما لقيهم [1] . توفي في صفر. قاله في «العبر» [2] .
وفيها أبو عمر بن عات أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النّقري- بضم النون والقاف [3] وراء- نسبة إلى نقر بطن من أحمس-
__________
[1] في «آ» و «ط» و «العبر» : «ما كأنه لقيهم» وما أثبته يقتضيه السياق.
[2] (5/ 30) وانظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 593- 594) .
[3] تنبيه: وهم محقق «العبر» طبع الكويت فضبطها بضم النون وسكون القاف، وأحال على «اللباب» ! وفي «اللباب» بضم النون والقاف كما في كتابنا، وتبعه محقق «العبر» طبع بيروت!!.
أقول: والذي في «سير أعلام النبلاء» (22/ 13) : «النّفزي» وجاء في التعليق عليه:
وضبطها المنذري بالحروف، قال: ونفزة، بفتح النون وسكون الفاء وفتح الزاي وبعدها تاء تأنيث. قبيلة كبيرة. (ع) .(7/68)
الشّاطبي الحافظ. سمع أباه العلّامة أبا محمد، وابن هذيل. ولما حجّ [سمع] من السّلفيّ، وكان عجبا في سرد المتون ومعرفة الرجال والأدب [وكان زاهدا، سلفيا، متعفّفا، عدم في وقعة العقاب في صفر.
قال ابن ناصر الدّين [1]] [2] : كان زاهدا ورعا حافظا ثقة مأمونا. انتهى.
وفيها الملك الأوحد أيوب بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب [3] .
تملّك خلاط خمس سنين، وكان ظلوما غشوما [4] سفّاكا لدماء الأمراء.
مات في ربيع الأول.
وفيها أبو نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي اليمني الصّنعاني [5] الشافعي المحدّث.
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وتفقّه بظفار، ورحل إلى العراق وأصبهان، وسمع من أبي المطهّر الصيدلاني، ورجاء بن حامد المعداني [6] وطائفة، وكان مجموع الفضائل، كثير التعبّد والعزلة.
قال ابن ناصر الدين [7] : أبو نزار الذّماري ربيعة بن الحسن بن علي الحضرمي الصّنعاني أبو نزار الحافظ الفقيه الشافعي. كان إماما حافظا فقيها ماهرا لغويا أديبا شاعرا. انتهى.
توفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (172/ آ) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف.
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[3] انظر «العبر» (5/ 31) .
[4] لفظة «غشوما» لم ترد في «ط» و «العبر» .
[5] انظر «العبر» (5/ 31) و «تاريخ الإسلام» (61/ 294- 296) .
[6] في «آ» : «العدائي» وما أثبته من «ط» و «تاريخ الإسلام» .
[7] في «التبيان شرح بديعة البيان» (172/ آ) .(7/69)
وفيها أبو شجاع زاهر بن رستم الأصبهانيّ الأصل ثم البغدادي [1] ، الفقيه الشافعي الزاهد. قرأ القراءات على سبط الخيّاط، وأبي الكرم، وسمع منهما ومن الكروخي وجماعة، وجاور، وأمّ بمقام إبراهيم إلى أن عجز وانقطع. توفي في ذي القعدة، وكان ثقة بصيرا بالقراءات.
وفيها أبو الفضل بن المعزّم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمذاني [2] الفقيه. توفي في ربيع الآخر، وسمع من أبي جعفر محمد بن علي الحافظ، وعبد الصبور الهروي، وطائفة. وكان مكثرا، صحيح السماع.
وفيها علي بن يحيى الحمّامي [3] .
قال ابن ناصر الدّين [4] : معدود في الحفّاظ الفضلاء والمحدّثين العلماء. انتهى.
وفيها أبو الحسن بن النجّار علي بن محمد بن حامد اليغنوي- بفتح الياء التحتية والنون وسكون الغين المعجمة، نسبة إلى يغنى قرية بنسف [5]- الفقيه الحنبلي. قرأ الفقه والخلاف على الفخر إسماعيل صاحب ابن المنّي، وتكلم في مسائل الخلاف فأجاد، وقرأ طرفا صالحا من الأدب، وقال الشعر وكان يكتب خطا حسنا، وسافر عن بغداد ودخل ديار بكر، وولي القضاء بآمد، وأقام بها إلى حين وفاته، وكان صهرا لعبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 31- 32) و «تاريخ الإسلام» (61/ 296) .
[2] انظر «العبر» (5/ 32) و «تاريخ الإسلام» (61/ 300) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 258- 259) .
[4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (172/ آ) .
[5] انظر «معجم البلدان» (5/ 438) و «اللباب» (3/ 415) وقد تحرفت نسبته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 65) إلى «البغوي» فتصحح.(7/70)
الكيلاني على ابنته، وتوفي بآمد في رمضان وقد جاوز الأربعين.
قال ابن النجار: أنشدت له:
لو صبّ ما ألقى على صخرة ... لذابت الصّخرة من وجدها
أو ألقيت نيران قلبي على ... دجلة لم يقدر على وردها
أو ذاقت النّار غرامي بكم ... لم تتوار النّار في زندها
لو لم ترجّ الرّوح روح اللقا ... لكان روح الرّوح في فقدها
وفيها ابن القبّيطيّ [1] أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة أخو حمزة [2] الحرّاني ثم البغدادي. روى عن الحسين، وأبي محمد، سبطي الخيّاط [3] وأبي منصور بن خيرون، وطائفة، وكان متيقظا، حسن الأخلاق.
وفيها محمد بن محمد بن أبي الفضل الخوارزمي [4] . سمع من زاهر الشحّامي بأصبهان.
وفيها ناصر الدّين أبو الثناء وأبو الشكر، محمود بن عثمان بن مكارم النعّال البغدادي الأزجي [5] ، الفقيه الحنبلي، الواعظ الزاهد.
ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ببغداد، وقرأ القرآن، وسمع
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (140/ آ) إلى «القسطي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 249) و «تاريخ الإسلام» (61/ 310) و «العبر» (5/ 32) .
[2] في «آ» و «ط» : «أبو حمزة» وهو تحريف، والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق السابق.
[3] في «التكملة لوفيات النقلة» : «سمع من أبي عبد الله الحسين، وأبي محمد عبد الله ابني علي ابن أحمد المقرئين سبطي الشيخ أبي منصور الخياط» .
[4] انظر «العبر» (5/ 32) و «تاريخ الإسلام» (61/ 311 و 312) .
[5] انظر «ذيل الروضتين» ص (82) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 63- 64) .(7/71)
الحديث، من أبي الفتح بن البطّي [1] ، وحدّث، وحفظ «مختصر الخرقي» ، وقرأ على أبي الفتح بن المنّي، وصحب الشيخ عبد القادر مدة، وتأدّب به، وكان يطالع الفقه والتفسير، ويجلس في رباطه للوعظ، وكان رباطه مجمعا للفقراء وأهل الدّين والفقهاء الغرباء، الذين يرحلون إلى أبي الفتح بن المنّي، وكان الاشتغال في رباطه بالعلم أكثر من الاشتغال في سائر المدارس. سكنه الشيخ موفق الدّين المقدسي، والحافظ عبد الغني [وأخوه الشيخ العماد، والحافظ عبد القادر الرّهاوي، وغيرهم من أكابر الرحّالين لطلب العلم] [2] .
قال أبو الفرج بن الحنبلي [3] : ولما قدمت بغداد سنة اثنتين وسبعين نزلت الرّباط، ولم يكن فيه بيت خال، فعمرت به بيتا وسكنته، وكان الشيخ محمود وأصحابه ينكرون المنكر، ويريقون الخمور، ويرتكبون الأهوال في ذلك، [حتّى إنه أنكر على جماعة من الأمراء، وبدّد خمورهم، وجرت بينه وبينهم فتن] وضرب مرات، وهو شديد في دين الله، له إقدام وجهاد. وكان كثير الذّكر، قليل الحظّ من الدنيا، وكان يسمّى شيخ الحنابلة.
قال: وكان يهذّبنا ويؤدّبنا، وانتفعنا به كثيرا.
وقال أبو شامة: كانت له رياضات وسياحات [4] ومجاهدات، وساح في بلاد الشام وغيرها، وكان يؤثر أصحابه، وانتفع به خلق كثير، وكان مهيبا، لطيفا، كيّسا، باشّا، مبتسما، يصوم الدّهر، ويختم القرآن كل يوم وليلة [5] ، ولا يأكل إلّا من غزل عمّته.
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «البعلي» وهو أبو الفتح محمد بن عبد الباقي البغدادي الحاجب ابن البطّي. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (20/ 481- 484) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[3] انظر كتاب «شذرات من كتب مفقودة» للدكتور إحسان عبّاس ص (200) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[4] لفظة «سياحات» لم ترد في «ذيل الروضتين» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] أقول: صيام الدّهر، وختم القرآن كل يوم وليلة خلاف السنة. (ع) .(7/72)
توفي ليلة الأربعاء عاشر صفر عن أزيد من ثمانين سنة ودفن برباطه.
وفيها أبو زكريا يحيى بن سالم بن مفلح البغدادي [1] نزيل الموصل، الحنبلي. سمع ببغداد من أبي الوقت، وتفقّه بها على صدقة بن الحسين بن الحداد، وحدّث بالموصل، وتوفي بها في شهر رمضان، ودفن بمقبرة الجامع العتيق.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 64- 65) .(7/73)
سنة عشر وستمائة
فيها ظهرت بلاطة وهم يحفرون خندق حلب، وقلعت فوجد تحتها سبع عشرة قطعة من ذهب وفضة على هيئة اللّبن، فوزنت، فكانت ثلاثة وستين رطلا بالحلبي، وعشرة أرطال ونصف، وأربعة وعشرين فضة، ثم وجد حلقة من ذهب وزنها رطلان ونصف، فكمّل الجميع قنطارا.
وفيها كما قال أبو شامة [1] : ورد الخبر بخلاص خوارزم شاه من أسر التتار. أي وذلك أنه كان صاحب إقدام، فكان من خبره أنه نازل التتار بجيوشه، فخطر له أن يكشفهم، فتنكر ولبس زيهم هو وثلاثة، ودخلوا فيهم، فأنكرتهم التتار وقبضوا عليهم، وقرّروهم، فمات اثنان تحت الضرب ولم يقرّا، ورسموا على خوارزم شاه ورفيقه فهربا في الليل.
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس البغدادي [2] الفقيه الحنبلي المعدّل، ويلقب شمس الدّين.
ولد ليلة ثامن عشري جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وخمسمائة.
ذكر [ابن] القادسي، أن أباه سمّاه عبد الرحمن، فرأى في منامه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يسمّيه إبراهيم ويكنيه أبا محمد، وقرأ القرآن على عمه، وسمع من
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (83) و «العبر» (5/ 33) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 69- 70) .(7/74)
أبيه وعمّه، ومن أبي الفتح بن البطّي وجماعة كثيرة، واشتغل بالمذهب على أبيه وعمه، وبالخلاف على أبي الفتح بن المنّي ولازمه مدة، وشهد عند قاضي القضاة ابن الشّهرزوري، وولي نظر وقوف الجامع، ثم ولي النيابة بباب النّوبي [1] سنة أربع وستمائة، فغيّر لباسه، وتغيرت أحواله، وأساء السيرة بكثرة الأذى والمصادرة والجنايات على الناس والسعي بهم.
قال ابن القادسي: حدثني عبد العزيز بن دلف، قال: كان ابن بكروس يلازم قبر معروف الكرخي، فسمعته يدعو أكثر الأوقات: اللهم مكّني من دماء المسلمين ولو يوما واحدا. قال: فمكّنه الله تعالى من ذلك.
وقال ابن السّاعي [2] : حدثني عبد العزيز الناسخ، أنه وعظ ابن بكروس يوما فقال: يا شيخ! اعلم أني قد فرشت حصيرا في جهنم، فقمت متعجّبا من قوله، ولم يزل على ذلك إلى أن قبض عليه في ربيع الآخر، وضرب حتّى تلف فمات ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى.
قال ابن القادسي: قرأ سورة يس فلما بلغ إلى قوله تعالى: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ 36: 53 [يس: 53] جعل يكررها إلى أن مات. انتهى.
وفيها أبو الفضل تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدّمشقي المعدّل ابن عساكر [3] ، والد العزّ النسّابة.
ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وسمع من نصر بن أحمد بن مقاتل، وأبي القاسم بن البنّ، وعمّيه الصائن، والحافظ، وطائفة، وسمع بمكّة
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بباب النوى» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] تحرفت في «ط» إلى «اللياعي» .
[3] انظر «العبر» (5/ 33) و «الأعلام» (1/ 217) .(7/75)
من أحمد بن المقرّب، وخرّج لنفسه «مشيخة» وكتب وجمع، وخدم في جهات كبار. توفي في رجب.
وفيها أبو الفضل التّركستاني أحمد بن مسعود بن علي [1] شيخ الحنفية بالعراق وعالمهم ومدرّس مشهد أبي حنيفة الإمام. توفي في ربيع الآخر.
وفيها الفخر فخر الدّين إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي المأموني الفقيه الحنبلي أبو محمد، ويعرف بابن الرّفّاء المناظر، ويعرف أيضا بغلام ابن المنّي [2] .
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، ولازم أبا فتح نصر بن المنّي مدة، وسمع من شهدة، وكانت له حلقة كبيرة للمناظرة والاشتغال بعلم الكلام والجدل، ولم يكن في دينه بذاك، وتخرّج به جماعة، وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش المقرئ. وولاه الخليفة الناصر النظر في قراه وعقاره الخاص، ثم صرفه.
وقد حطّ عليه أبو شامة، ونسبه إلى الظلم في ولايته، وكذلك ابن النجّار، مع أنه قال: كان حسن العبارة، جيد الكلام في المناظرة، مقتدرا على ردّ الخصوم، وكانت الطوائف مجمعة على فضله وعلمه. قال: ورتّب ناظرا في ديوان المطبق مديدة فلم تحمد سيرته، فعزل واعتقل مدة بالديوان ثم أطلق، ولزم منزله.
قال: ولم يكن في دينه بذاك. ذكر لي ولده أبو طالب عبد الله في معرض المدح، أنه قرأ المنطق والفلسفة على ابن مرقيس [3] الطبيب
__________
[1] انظر «الجواهر المضية» (1/ 331- 333) بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، و «البداية والنهاية» (13/ 65) .
[2] انظر «العبر» (5/ 34) و «البداية والنهاية» (13/ 65) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 66- 68) .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (140/ ب) وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن مرقش» .(7/76)
النصراني، ولم يكن في زمانه أحد [1] أعلم منه بتلك العلوم، وأنه كان يتردد إليه إلى بيعة النصارى.
قال: وسمعت من أثق به من العلماء أنه صنّف كتابا سماه «نواميس الأنبياء» يذكر فيه أنهم كانوا حكماء، كهرمس، وأرسطاطاليس.
قال: وسألت بعض تلامذته الخصيصين به [عن ذلك] [2] فما أثبته ولا أنكره.
وقال: كان متسمحا في دينه، متلاعبا به، ولم يزد على ذلك.
قال: وكان دائما يقع في الحديث، وفي رواته، ويقول: هم جهّال لا يعرفون العلوم العقلية ولا معاني الحديث الحقيقية، بل هم مع اللفظ الظاهر، ويذمهم ويطعن عليهم.
ومما أنشده ابن النجّار من شعره:
دليل على حرص ابن آدم أنّه ... ترى كفّه مضمومة وقت وضعه
ويبسطها وقت الممات إشارة ... إلى صفرها مما حوى بعد جمعه
وتوفي- كما قال أبو شامة، وابن القادسي- في ربيع الأول.
وقال ابن النجار: يوم الثلاثاء ثامن ربيع الآخر، ودفن من يومه بداره بدرب الجب، ثم نقل إلى باب حرب، سامحه الله.
وفيها أيدغمش [3] السلطان شمس الدّين صاحب همذان وأصبهان والرّيّ. كان قد تمكّن وكثرت جيوشه واتّسعت ممالكه، بحيث إنّه حصر ولد
__________
[1] لفظة «أحد» لم ترد في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] ما بين حاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «دول الإسلام» (2/ 115) و «تاريخ الإسلام» (61/ 322) و «العبر» (5/ 34) .(7/77)
أستاذه أبا بكر بن البهلوان بأذربيجان إلى أن خرج عليه منكلي بالتركمان وحاربه، واستعان عليه بالمماليك البهلوانية، فهرب إلى بغداد، فسلطنه الخليفة وأعطاه الكوسات في العام الماضي، فلما كان في المحرم كبسته التركمان وقتلوه وحملوا رأسه إلى منكلي.
وفيها الحسين بن سعيد بن شنيف [1] أبو عبد الله الأمين. سمع من هبة الله بن الطبر، وقاضي المارستان وجماعة، وتوفي في المحرم ببغداد.
وفيها زينب بنت إبراهيم القيسي زوجة الخطيب ضاء الدّين الدّولعي أم الفضل [2] . سمعت من نصر الله المصّيصي، وأجاز لها أبو عبد الله الفراوي وخلق. توفيت في ربيع الأول.
وفيها ابن حديدة الوزير معز الدّين أبو المعالي سعيد بن علي الأنصاري البغدادي [3] وزر للناصر في سنة أربع وثمانين وخمسمائة، فلما عزل بابن مهدي صودر، فبذل للمترسّمين ذهبا وهرب، وحلق لحيته [4] والتفّ في إزار، وبقي بأذربيجان مدة، ثم قدم بغداد ولزم بيته إلى أن مات في جمادى الأولى.
وفيها عبد الجليل بن أبي غالب بن مندويه الأصبهاني أبو مسعود [5] ، الصّوفي المقرئ، نزيل دمشق. روى «الصحيح» [6] عن أبي الوقت، وروى عن نصر البرمكي.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 35) .
[2] انظر «العبر» (5/ 35) .
[3] انظر «العبر» (5/ 35) و «تاريخ الإسلام» (61/ 326- 327) .
[4] في «العبر» و «تاريخ الإسلام» : «وحلق رأسه» .
[5] انظر «العبر» (5/ 35) و «تاريخ الإسلام» (61/ 329- 330) .
[6] يعني «صحيح البخاري» كما في «تاريخ الإسلام» .(7/78)
قال القوصي [1] : هو الإمام، شيخ القراء، بقية السّلف.
توفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن هبل الطبيب العلّامة، مهذّب الدّين علي بن أحمد بن علي البغدادي [2] ، نزيل الموصل. روى عن أبي القاسم بن السّمرقندي، وكان من الأذكياء الموصوفين، له عدة تصانيف وجماعة تلامذة.
وفيها عين الشّمس بنت أحمد بن أبي الفرج الفقيهة الأصبهانية [3] .
سمعت حضورا في سنة أربع وعشرين من إسماعيل بن الإخشيذ، وسمعت من أبي ذرّ [الصّالحاني] ، وكانت آخر من حدّث عنهما.
توفيت في ربيع الآخر.
وفيها محمد بن مكّي بن أبي الرجاء بن علي بن الفضل الأصبهاني المليحي [4] المحدّث الحنبلي المؤدّب. سمع من مسعود الثقفي وخلق كثير، وعني بهذا الشأن، وقرأ الكثير بنفسه، وكتب بخطّه وخرّج وأفاد الطلبة بأصبهان، وحدّث وأجاز للحافظ المنذري، ولأبي الحسن بن البخاري، وأحمد بن شيبان. وقد رويا عنه بالإجازة.
توفي في العشر الأواخر من المحرّم بأصبهان.
وفيها محمد بن حمّاد بن محمد بن جوخان البغدادي الضرير الفقيه الحنبلي [5] أبو بكر. سمع الحديث من ابن البطّي، وشهدة، وحدّث بيسير، وحفظ القرآن وقرأه بتجويد وأقرأه، وتفقّه على ابن المنّي، وتكلّم في مسائل
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العوصي» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[2] انظر «العبر» (5/ 36) .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 336) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[4] انظر «العبر» (5/ 36) و «تاريخ الإسلام» (61/ 340- 341) و «سير أعلام النبلاء» .
(22/ 110- 111) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 65- 66) .
[5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 68) .(7/79)
الخلاف، وتوفي يوم الأربعاء سلخ رمضان ببغداد وقد ناطح السبعين، ودفن بباب حرب.
وفيها أبو العشائر بن التّلولي [1] محمد بن علي بن محمد بن كرم السّلامي المعدّل. سمع من ابن البطّي وجماعة، وتفقّه في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقرأ طرفا من العربية على ابن الخشّاب، وشهد عند قاضي القضاة العبّاسي، وكان يؤم بمسجد بالجانب الغربي من بغداد. حدّث وسمع منه قوم من الطلبة، وكان غاليا في التسنن، حتى إنه يقول أشياء لا يلزمه التلفظ بها.
منها: أن بلالا خير من موسى بن جعفر ومن أبيه، وكان ذلك في وزارة القميّ الشيعي فنفاه إلى واسط، وكان ناظرها غاليا في التشيّع، فأخذه وطرحه في مطمورة إلى أن مات بها وانقطع خبره في هذه السنة، رحمه الله تعالى.
وفيها صاحب المغرب السلطان الملك الناصر الملقب بأمير المؤمنين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي [2] وأمّه أمة روميّة، وكان أشقر أشهل أسيل الخدّ [3] ، حسن القامة، طويل الصمت، كثير الإطراق، بعيد الغور، ذا شجاعة وحلم، وفيه بخل بيّن.
تملّك بعد أبيه في صفر، سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ووزر له غير واحد، منهم أخوه إبراهيم، وكان أولى بالملك منه.
وفي سنة تسع وتسعين سار ونزل على مدينة فاس، وكان قد أخذها منهم ابن غانية فظفر جيشه بابن غانية عبد الله بن إسحاق بن غانية متولّي
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البلوي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (62/ 83) وجعله في وفيات سنة (611) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 68) .
[2] انظر «العبر» (5/ 36- 38) و «تاريخ الإسلام» (61/ 341- 344) .
[3] في «تاريخ الإسلام» : «أسيل الخدّين» .(7/80)
فاس، فقتلوه. ثم خرج عليه عبد الرحمن بن الجزارة [1] بالسّوس، وهزم الموحدين مرّات، ثم قتل واستولى ابن عمّة [2] ابن غانية على إفريقية كلها سوى بجاية وقسنطينية [3] فسار الناصر وحاصر المهديّة أربعة أشهر، ثم تسلّمها من ابن عمّة ابن غانية، وصار من خواص أمرائه، ثم خامر إليه سير أخو ابن غانية، فأكرمه أيضا.
قال عبد الواحد المراكشي في «تاريخه» : فبلغني أن جملة ما أنفقه في هذه السفرة مائة وعشرين حمل ذهب، ثم دخل الأندلس في سنة ثمان وستمائة، فحشد له الإذفنش [4] واستنفر عليه حتّى فرنج الشام وقسطنطينية الكبرى، وكانت وقعة الموضع المعروف بالعقاب، فانكسر المسلمون، وكان الذي أعان على ذلك أن البربر الموحّدين [5] لم يسلّوا سلاحا، بل جبنوا وانهزموا غيظا على تأخير أعطياتهم، وثبت السلطان ولله الحمد ثباتا كليا، ولولا ذلك لاستؤصلت تلك الجموع، ورجعت الفرنج بغنائم لا تحصى، وأخذوا بلد بيّاسة [6] عنوة، ثم مات بالسكتة في شعبان.
وفيها أبو النجم هلال بن محفوظ الرّسعني الجزري [7] الفقيه
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن الحدارة» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» وفيه: «يحيى بن عبد الرحمن بن الجزارة» .
[2] لفظة «ابن عمة» لم ترد في «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه وفي «تاريخ الإسلام» إلى «قسطنطينية» فتصحح. وانظر «معجم البلدان» (4/ 349) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأذقيش» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[5] في «آ» و «ط» : «الموجودين» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ببا» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» وانظر «معجم البلدان» (1/ 518) و «الروض المعطار» ص (121- 122) .
وقال الحميري في «الروض المعطار» ص (121) : بيّاسة: بالأندلس، بينها وبين جيّان عشرون ميلا، وكل واحدة منهما تظهر من الأخرى.
[7] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 68) .(7/81)
الحنبلي. رحل إلى بغداد، وسمع بها من شهدة الكاتبة وغيرها، وتفقّه بها.
وبيته بالجزيرة بيت مشيخة وصلاح.
حدّث [1] برأس العين، وسمع منه جماعة، رحمه الله تعالى [2] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أحدث» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] جاء في «ط» بعد قوله: «رحمه الله تعالى» : «والله سبحانه أعلم» .(7/82)
سنة إحدى عشرة وستمائة
فيها توفي جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن الفرّاء الحنبلي البغدادي [1] القاضي بن القاضي أبي يعلى [بن القاضي] أبي حازم بن القاضي أبي يعلى الكبير.
ولد بواسط، إذ كان أبوه قاضيها [2] بعد الأربعين وخمسمائة بقليل، وسمع الكثير من أبي بكر بن الزّاغوني، وسعيد بن البنا، وأبي الوقت، وابن البطّي، وخلق كثير. وعني بالحديث، وكتب بخطّه الكثير لنفسه وللناس، وشهد عند ابن الدّامغاني.
قال ابن القادسي: كان خيّرا من أهل الدّين، والصّيانة، والعفّة، والدّيانة. وحدّث، وسمع منه ابن الدّبيثي وغيره، وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشري شعبان ودفن عند أبيه بباب حرب.
وفيها الركن عبد السّلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الكيلاني [3] ويلقب بالرّكن، وتقدم ذكر أبيه وجدّه.
ولد ليلة ثامن ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 76- 77) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «قاضيا بها» .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 70- 71) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 55- 56) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 71- 73) .(7/83)
الحديث من جدّه، وابن البطّي، وشهدة وغيرهم. وقرأ وكتب، وتفقّه بجدّه، ودرّس بمدرسة جدّه. وكان حنبليا، وولي عدة ولايات، وكان أديبا، كيّسا، مطبوعا عارفا بالمنطق، والفلسفة، والتنجيم، وغير ذلك من العلوم الرديّة، وبسبب ذلك نسب إلى عقيدة الأوائل، حتى قيل: إن والده رأى عليه يوما ثوبا بخاريّا فقال: والله هذا عجيب [1] !! ما زلنا نسمع البخاريّ ومسلم، فأمّا البخاريّ وكافر [2] ، فما سمعناه. وكان أبوه كثير المجون والمداعبة، كما تقدم.
وكان عبد السّلام أيضا غير ضابط للسانه، ولا مشكور في طريقته وسيرته، يرمى بالفواحش والمنكرات، وقد جرت عليه محنة في أيام الوزير ابن يونس، فإنه كبس دار عبد السّلام هذا وأخرج منها كتبا من كتب الفلاسفة، ورسائل إخوان الصفا، وكتب السحر، والنارنجات [3] ، وعبادة النجوم، واستدعى ابن يونس العلماء، والفقهاء، والقضاة، والأعيان، وكان ابن الجوزي معهم، وقرئ في بعضها مخاطبة زحل يقول: أيها الكوكب المضيء المنير، أنت تدبّر الأفلاك، وتحيي وتميت، وأنت إلهنا، وفي حق المريخ من هذا الجنس، وعبد السلام حاضر، فقال ابن يونس: هذا حطّك؟
قال: نعم، قال: لم كتبته؟ قال: لأردّ [4] على قائله، ومن يعتقده، فأمر بإحراق كتبه، فجلس قاضي القضاة، والعلماء، وابن الجوزي معهم على سطح مسجد مجاور لجامع الخليفة يوم الجمعة، وأضرموا نارا عظيمة تحت المسجد، وخرج الناس من الجامع، فوقفوا على طبقاتهم والكتب على سطح المسجد، وقام أبو بكر بن المارستانية، فجعل يقرأ كتابا كتابا من مخاطبات الكواكب ونحوها، ويقول: العنوا من كتبه، ومن يعتقده [5] وعبد السلام
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هذا عجب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] يريد أن ثوبك ثوب بخاريّ واعتقادك اعتقاد الكفّار.
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والنارنجة» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «الأرده» .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «من كتبها ومن يعتقدها» .(7/84)
حاضر، فتصيح [1] العوام باللّعن، فتعدى اللّعن إلى الشيخ عبد القادر، بل وإلى الإمام أحمد، وظهرت الأحقاد الصّدرية [2] .
ثم حكم القاضي بتفسيق عبد السلام ورمى طيلسانه، وأخرجت مدرسة جدّه من يده ويد أبيه عبد الوهاب، وفوّضت إلى الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي.
قال ابن القادسي- بعد ذكر ذلك-: ثم أودع عبد السلام الحبس مدة، ولما أفرج عنه أخذ خطّه بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الإسلام حقّ وما كان عليه باطل، وأطلق.
ثم لما قبض على ابن يونس، ردّت مدرسة الشيخ عبد القادر إلى ولده عبد الوهاب، وردّ ما بقي من كتب عبد السلام التي أحرق بعضها، وقبض على الشيخ أبي الفرج بسعي عبد السلام هذا، ونزل عبد السلام معه في السفينة إلى واسط، واستوفى بالكلام منه والشيخ ساكت. ولما وصل إلى واسط عقد مجلس حضره القضاة والشهود، وادعى عبد السلام على الشيخ بأنه تصرّف في وقف المدرسة، واقتطع من مالها، وأنكر الشيخ ذلك، وكتب محضر بما جرى، وأمر الشيخ بالمقام بواسط، ورجع عبد السلام.
وذكره ابن النجار في «تاريخه» وذمّه ذما بليغا، وذكر أنه لم يحدّث بشيء، وأنه توفي يوم الجمعة لثمان خلون من رجب، ودفن شرقي بغداد.
وفيها أبو محمد بن الأخضر الحافظ المتقن، مسند العراق، عبد العزيز بن محمود بن المبارك الجنابذي- بضم الجيم وفتح النون وموحدة
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «فيصيح» .
[2] في «آ» و «ط» : «البدرية» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/85)
ثم معجمة، نسبة إلى جنابذ، ويقال كونابذ، قرية بنيسابور- الحنبلي ثم البغدادي [1] .
ولد يوم الخميس ثامن عشر رجب، سنة أربع وعشرين وخمسمائة ببغداد، وأول سماعه سنة ثلاث وخمسمائة. سمع بإفادة أبيه وأستاذه ابن بكروس من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي، وأبي القاسم بن السّمرقندي، وخلق. وسمع هو بنفسه من أبي الفضل الأرموي، وابن الزّاغوني، وابن البنا، وابن ناصر الحافظ، وأبي الوقت، وطبقتهم، ومن بعدهم، وبالغ في الطلب، وقرأ بنفسه، وكتب بخطّه، وحصّل الأصول، ولازم أبا الحسن بن بكروس الفقيه، وابن ناصر، وانتفع بهما، ولم يزل يسمع ويقرأ على الشيوخ لإفادة الناس إلى آخر عمره.
قال ابن النجار: صنّف مجموعات حسنة في كل فنّ، ولم يكن في أقرانه أكثر سماعا منه ولا أحسن أصولا، كأنها الشمس وضوحا وعليها أنوار الصدق. وبارك الله له في الرّواية، حتّى حدّث بجميع مسموعاته [2] ومروياته.
صحبته مدة طويلة، وقرأت عليه الكثير من الكتب الكبار والأجزاء، وأكثر ما جمعه وخرّجه، وعلّقت عنه، واستفدت منه كثيرا، وكان ثقة حجة نبيلا، ما رأيت في شيوخنا سفرا و [لا] حضرا مثله، في كثرة مسموعاته ومعرفته بمشايخه، وحسن أصوله وحفظه وإتقانه.
وكان أمينا، متدينا، جميل الطريقة، عفيفا، أريد على أن يشهد عند القضاة فأبى ذلك، وكان من أحسن النّاس خلقا، وألطفهم طبعا، من محاسن البغداديين وظرفائهم، ما يملّ جليسه منه.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 38) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 79- 82) .
[2] لفظة «مسموعاته» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/86)
وقال المنذري: حدّث نحوا من ستين سنة، وصنّف تصانيف مفيدة، وانتفع به جماعة، ولنا منه إجازة، وكان حافظ العراق في وقته.
وقال ابن رجب: ومن تصانيفه «المقصد الأرشد في ذكر من [1] روى عن [الإمام] أحمد» في مجلدين، وكتاب «تنبيه اللّبيب وتلقيح فهم المريب في تحقيق أوهام الخطيب» و «تلخيص وصف الأسماء في اختصار الرسم والترتيب» أجزاء كثيرة، رأيت منه الجزء العشرين.
وروى عنه ابن الجوزي، وابن الدّبيثي، وابن نقطة، وابن النجّار، والضياء المقدسي، والبرزالي، وابن خليل، وغيرهم من أكابر الحفّاظ، وتوفي ليلة السبت بين العشاءين، سادس شوال، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو محمد عبد المحسن بن يعيش بن إبراهيم بن يحيى الحرّاني [2] ، الفقيه الحنبلي. سمع بحرّان من أبي ياسر بن أبي حبّة، ورحل إلى بغداد، فسمع من ابن كليب، وابن الجوزي، وطبقتهما. وقرأ المذهب والخلاف، حتّى تميّز، وأقام ببغداد مدة، ثم عاد إلى حرّان، فأقام بها، ثم قدم بغداد حاجّا سنة عشر وستمائة، وحدّث بها، وسمع منه بعض الطلبة، ثم رجع إلى حرّان، فتوفي بها وهو شاب.
وفيها علي بن المفضّل بن علي الإمام الحافظ المفتي شرف الدّين أبو الحسن اللّخمي المقدسي ثم الإسكندراني [3] الفقيه المالكي.
ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتفقه على أبي طالب صالح [بن إسماعيل] بن بنت معافى، وأبي طاهر بن عوف، وأكثر إلى الغاية عن
__________
[1] في «آ» : «فيمن» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 82) .
[3] انظر «العبر» (5/ 38- 39) و «تاريخ الإسلام» (62/ 77- 79) وما بين حاصرتين زيادة منه.(7/87)
السّلفي والموجودين، ورحل سنة أربع وسبعين، فكتب عن الموجودين، وسكن في أواخر عمره بمصر، ودرّس بالصّاحبية، وصنّف التصانيف الحسان. توفي في غرة شعبان.
وفيها الخطيب المالقي أبو بكر عبد الله بن الحسن بن أحمد الأنصاري القرطبي، الحافظ المالكي. كان إماما من الثقات. قاله ابن ناصر الدّين [1] .
وفيها أبو المظفّر مهذّب الدّين محمد بن علي بن نصر بن البلّ الدّوري [2] الواعظ الحنبلي.
ولد سنة ست عشرة أو سبع عشرة وخمسمائة بالدّور- وهي دور الوزير ابن هبيرة بدجيل- ونشأ بها، ثم قدم بغداد واستوطنها، وسمع بها من ابن ناصر الحافظ، وابن الطّلّاية، والوزير ابن جهير، وابن الزّاغوني، وأبي الوقت وجماعة كثيرة، وقال الشعر، وفتح عليه في الوعظ، حتّى صار يضاهي ابن الجوزي ويزاحمه في أماكنه. ولما اعتقل ابن الجوزي بواسط خلا للدّوري الجو، فكان يعظ مكانه.
قال ابن نقطة [3] : سمعت منه وكان شيخا صالحا متعبدا.
وقال المنذري [4] : حدّث، وعمّر، وعجز عن الحركة، ولزم بيته إلى أن مات، وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة، وكان شيخا صالحا متعبّدا.
__________
[1] في التبيان «شرح بديعة البيان» (172/ ب) وزاد هناك: «ويكنى أيضا أبا عبد الله. حدّث عن عدة، منهم أبوه، وأبو بكر بن الجد، وأبو عبد الله بن رزقون. وعنه أبو القاسم بن الطيلسان وآخرون. حافظا متقنا، من الثقات، ذا معرفة بالجرح والتعديل ووجوه القراءات» .
[2] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 83- 84) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 74- 76) .
[3] انظر «تكملة الإكمال» (1/ 316) بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد رب النّبي.
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 308- 309) .(7/88)
والبلّ: بفتح الباء الموحدة وتشديد اللام. انتهى.
وقال ابن رجب: توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان.
وكان له ولد اسمه محمد يكنى أبا عبد الله. كانت له معرفة جيدة بالحساب وأنواعه، والمساحة، والفرائض، وقسمة التركات. وأقرأ ذلك مدة، وسمع من ابن البطّي وغيره، وشهد عند ابن الشّهرزوري. توفي شابا في حياة أبيه يوم الاثنين رابع عشري شوال، سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
وفيها أبو بكر بن الحلاوي عماد الدّين محمد بن معالي بن غنيمة البغدادي [1] المأموني، المقرئ الفقيه الحنبلي الزاهد. سمع من أبي الفتح ابن الكروخي، وابن ناصر، وأبي بكر بن الزّاغوني، وغيرهم. وتفقّه على أبي الفتح بن المنّي، وبرع في المذهب، حتّى قال الذهبي: هو شيخ الحنابلة في زمنه ببغداد، وعليه تفقه الشيخ المجد جدّ شيخنا ابن تيمية.
وقال ابن القادسي: كانت له اليد الباسطة في المذهب والفتيا، وكان ملازما لزاويته في المسجد، قليل المخالطة إلّا لمن عساه أن [2] يكون من أهل الدّين، ما ألم بباب أحد من أرباب الدّنيا، وما قبل لأحد هدية، وكان أحد الأبدال الذين يحفظ الله بهم الأرض ومن عليها.
وقال النّاصح بن الحنبلي: كان زاهدا عالما فاضلا، مشتغلا بالكسب من الخياطة، ومشتغلا بالعلم، يقرئ القرآن احتسابا.
وقال ابن رجب: له تصانيف، منها: «المنير في الأصول» وعليه تفقّه مجد الدّين بن تيمية، ويحيى بن الصّيرفي. وسمع منه هو، وابن القطيعي، وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشري رمضان، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 39) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 77- 79) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (200) .
[2] لفظة «أن» لم ترد في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/89)
وفيها أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي الأصل الموصلي المولد السائح [1] المشهور، نزيل حلب.
طاف البلاد، وأكثر من الزيارات.
قال ابن خلّكان [2] : لم يترك برّا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا من الأماكن التي يمكن قصدها ورؤيتها إلّا رآها [3] . ولما سار ذكره بذلك واشتهر به، ضرب به المثل فيه.
وله مصنفات، منها: كتاب «الإشارات في [معرفة] الزيارات» وكتاب «الخطب الهروية» وغير ذلك.
وتوفي في العشر الأوسط من رمضان في مدرسته. انتهى ملخصا.
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 79- 80) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 346- 347) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] في «وفيات الأعيان» : «إلا رآه» .(7/90)
سنة اثنتي عشرة وستمائة
فيها أخذت أنطاكية من الفرنج، أخذها كيكاووس ملك الرّوم [1] .
وفيها ثارت الكرج وبدّعوا بأذربيجان، وقتلوا وسبوا، وأسروا نحو مائة ألف.
وفيها توفي ابن الدّبيقيّ أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن بركة البزّاز [2] ببغداد، وله بضع وثمانون سنة. روى عن قاضي المارستان، وابن زريق القزّاز، وجماعة، وهو ضعيف، ألحق اسمه في أماكن، توفي في ربيع الآخر.
وفيها سليمان بن محمد بن علي الموصلي [3] الفقيه أبو الفضل الصّوفي.
ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وسمع من إسماعيل بن السّمرقندي، ويحيى بن الطّرّاح، وطائفة، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها أبو محمد بن حوط الله الحافظ عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري الأندلسي [4] .
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 11) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 330) و «تاريخ الإسلام» (62/ 92- 94) و «العبر» (5/ 40) .
[3] انظر «العبر» (5/ 40) و «تاريخ الإسلام» (62/ 98- 99) .
[4] انظر «العبر» (5/ 40- 41) و «تاريخ الإسلام» (62/ 99- 101) .(7/91)
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الحسن بن هذيل، وابن حبيش، وخلق كثير.
وكان موصوفا بالإتقان، حافظا لأسماء [1] الرجال. صنّف كتابا في تسمية شيوخ البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، ولم يتمّه.
وكان إماما في العربية، والترسل، والشعر.
ولي قضاء إشبيلية، وقرطبة، وأدّب أولاد المنصور صاحب المغرب بمرّاكش. توفي في ربيع الأول.
وفيها عبد الله بن أبي بكر بن أحمد بن أحمد بن طليب أبو علي الحربي [2] .
روى عن عبد الله بن أحمد بن يوسف. توفي في ذي الحجة.
وفيها ابن منينا أبو محمد عبد العزيز بن معالي بن غنيمة البغدادي الأشناني [3] .
آخر من حدّث بالعراق عن قاضي المارستان، وسمع من جماعة.
توفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة.
وفيها الحافظ أبو محمد عبد القادر [بن عبد الله] الرّهاوي [4] الحنبلي.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «لا سيما» .
[2] انظر «العبر» (5/ 41) و «تاريخ الإسلام» (62/ 101) .
[3] انظر «العبر» (5/ 41) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 33) .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (90- 91) و «العبر» (5/ 41- 42) و «تاريخ الإسلام» (62/ 104- 106) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 71- 75) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 82- 86) .(7/92)
كان مملوكا لبعض أهل الموصل فأعتقه، وحبّب إليه فنّ الحديث، فسمع الكثير، وصنّف وجمع، وله «الأربعون المتباينة الإسناد والبلاد» وهو أمر ما سبقه إليه أحد ولا يرجوه بعده محدّث لخراب البلاد.
سمع بأصبهان من مسعود الثقفي، وبهمذان من أبي العلاء الحافظ، وأبي زرعة المقدسي، وبهراة من عبد الجليل بن أبي سعد، وبمرو، ونيسابور، وسجستان، وبغداد، ودمشق، ومصر. قاله في «العبر» .
وقال ابن خليل [1] : كان حافظا، ثبتا، [كثير السماع] كثير التصنيف، [متقنا] ختم به [علم] الحديث.
وقال أبو شامة: كان صالحا، مهيبا، زاهدا، خشن العيش، ورعا، ناسكا.
وقال ابن رجب: هو محدّث الجزيرة. ولد في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وخمسمائة بالرّها، ثم أصابه سبي [2] لما فتح زنكي الرّها سنة تسع وثلاثين، فاشتراه بنو فهم الحرّانيّون وأعتقوه.
وقال الدّبيثي: كان صالحا، كثير السماع، ثقة، كتب الناس عنه كثيرا، وأجاز لنا مرارا.
وقال ابن النجار: كان حافظا، متقنا، فاضلا، عالما، ورعا، متدينا، زاهدا، عابدا، صدوقا، ثقة، نبيلا، على طريقة السّلف الصالح. لقيته بحرّان وكتبت عنه جزءا واحدا، انتخبته من عوالي مسموعاته في رحلتي الأولى.
وقال ابن رجب: سمع منه خلق كثير من الحفّاظ والأئمة، منهم: أبو
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 105) وما بين الحاصرتين في الخبر زيادة منه.
[2] في «آ» و «ط» : «سباء» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/93)
عمرو بن الصّلاح، وحدّث عنه ابن نقطة، وأبو عبد الله البرزالي، والضياء، وابن خليل، وابن عبد الدائم، وأبو عبد الله بن حمدان الفقيه، وهو خاتمة أصحابه. توفي- رحمه الله- يوم السبت ثاني جمادى الأولى بحرّان.
وفيها أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن الحسين بن سليمان الباجسرائي [1] ثم البغدادي. الفقيه الحنبلي.
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة بباجسرا. وقدم بغداد في صباه، فسمع من شهدة وغيرها، وقرأ الفقه على أبي الفتح بن المنّي، ولازمه حتى برع، وقرأ الأصول، والخلاف، والجدل، على محمد [بن علي] النّوقاني [2] الشافعي، وصحب ابن الصقّال، وصار معيدا لمدرسته، ثم درّس بمسجد شيخه ابن المنّي بالمأمونية مدة، وكان يؤم بمسجد الآجرة.
وشهد عند قاضي القضاة ابن الشهرزوري.
وكان فقيها فاضلا، حافظا للمذهب، حسن الكلام في مسائل الخلاف، متدينا، حسن الطريقة. ذكر ذلك ابن النجار، وقال: سمع معنا أخيرا من مشايخنا فأكثر، وكان حسن الأخلاق، متوددا. روى عنه أبو عبد الله ابن الدّبيثي، وابن السّاعي بالإجازة، وقال: أنشدني هذين البيتين:
إذا أفادك إنسان بفائدة ... من العلوم فأدمن شكره أبدا
وقل فلان جزاه الله صالحة ... أفادنيها وألق الكبر والحسدا
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الباجسري» وما أثبته من «تاريخ الإسلام» (62/ 107) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 86) وانظر «الأنساب» (2/ 17) .
[2] في «آ» : «البرقاني» وفي «ط» : «التوقاني» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «البوقاني» وجميعه خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 248) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 29) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 499) وما بين الحاصرتين زيادة من المصادر المذكورة.(7/94)
توفي- رحمه الله- يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الأولى، ودفن بباب حرب.
وفيها أبو الفتح عبد الوهاب بن بزغش- بالباء الموحدة المضمومة، وبالزاي والغين والشين المعجمات- العيبيّ بكسر العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف وكسر الموحدة، نسب لذلك لأن أباه كان يحمل العيب التي فيها كتب الرسائل [1]- المقرئ البغدادي الحنبلي، ختن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي.
ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة تقديرا. وقرأ القرآن [2] بالروايات الكثيرة على سعد الله بن الدّجاجي وغيره، وسمع الحديث الكثير من أبي الوقت وخلق كثير، وعني بالحديث، وحصّل الأصول، وتفقّه في المذهب.
قال ابن النجار: كان حسن المعرفة بالقراءات، حسن الأداء، طيّب النّغمة، ضابطا، له معرفة بالوعظ، يحسن الكلام في مسائل الخلاف. كتبنا عنه، وكان صدوقا، حسن الطريقة، متدينا، فقيرا، صبورا، وزمن في آخر عمره وانقطع في بيته مدة.
وقال ابن نقطة: [هو] ثقة لكنه أخرج أحاديث مما قرب سنده، ولا يعرف الرّجال، فربما سقط من الإسناد رجلان أو أكثر، وهو لا يدري.
وقال [ابن] القادسي: حدّث، وسمع منه جماعة.
وتوفي ليلة الخميس خامس ذي القعدة، وصلّى عليه من الغد محيي الدّين بن الجوزي ودفن بباب حرب.
__________
[1] قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (62/ 108) : المعروف ب «قطينة» .
وقال ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 88) : كان يلقب قطينة لبياضه.
[2] كذا في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» وفي «آ» : «وقرأ القراءات» .(7/95)
وفيها أبو الحسن بن الصبّاغ القدوة العارف علي بن حميد الصعيدي [1] . صحب الشيخ عبد الرحيم القناوي [2] وتخرّج به، وكان والده صباغا، وكان يعيب عليه عدم معاونته له وانقطاعه إلى أهل التصوف، فأخذ يوما الثياب التي عند والده جميعها، وطرحها في زير واحد، فصاح عليه والده، وقال: أتلفت ثياب الناس! وأخرجها، فإذا كل ثوب على اللون الذي أراد صاحبه، فحينئذ اشتهر أمره وصحبه خلائق.
قال ابن الأهدل: وكان لا يصحب إلّا من رآه مكتوبا في اللّوح المحفوظ من أصحابه [3] . وسأله إنسان الصحبة والخدمة له، فقال له: ما بقي عندنا وظيفة نحتاجك لها إلا أن تجيء كل يوم بحزمة من الحلفاء، فقال:
نعم، فكان يأخذ المحش فيأتي كل يوم بحزمة، ثم ملّ وترك، فرأى القيامة قامت وأشرف على الوقوع في النار، وإذا حزمة الحلفاء تحته مارة به على النّار وهو فوقها حتى أخرجته، فجاء إلى الشيخ، فلما رآه قال: ما قلنا لك ما عندنا خدمة تصلح سوى الحلفاء، فاستغفر وعاد إلى الخدمة. وله مناقب كثيرة. انتهى.
وقال في «العبر» [4] : انتفع به خلق كثير.
توفي في نصف شعبان ودفن برباطه بقناء [5] من الصعيد، رحمه الله.
انتهى.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 340) و «تاريخ الإسلام» (62/ 111- 112) و «مرآة الجنان» (3/ 24- 26) و «النجوم الزاهرة» (6/ 215) .
[2] قلت: ويقال له «القنائي» أيضا. انظر «حسن المحاضرة» (1/ 515) .
[3] قلت: هذه مبالغة من مبالغات الصوفية، فكيف يرى اللوح المحفوظ أمثال المترجم ولم يره أفضل الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نسأل الله العفو والعافية.
[4] (5/ 42) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «فناء» والتصحيح من «العبر» .(7/96)
وفيها أبو عبد الله بن البناء الشيخ أبو النّجيب نور الدّين محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع البغدادي [1] الصوفي. صحب الشيخ أبا النّجيب السّهروردي، وسمع من ابن ناصر، وابن الزّاغوني، وطائفة. وكتب سماعاته، وحدّث بالعراق، والحجاز، ومصر، والشام، واستقر بالسميساطية إلى أن توفي في ذي القعدة عن ست وسبعين سنة.
وفيها ابن الجلاجلي كمال الدّين أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك البغدادي [2] . التاجر الكبير. سمع من هبة الله بن أبي شريك الحاسب وغيره، وتوفي ببيت المقدس في رمضان.
وفيها الوجيه بن الدهّان أبو بكر المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر الواسطي [3] الضرير النحوي.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وسمع ببغداد من أبي زرعة، ولزم الكمال عبد الرحمن الأنباري، وأبا محمد بن الخشّاب، وبرع في العربية، ودرّس النحو بالنّظّامية، وكان حنبليا فتحوّل حنفيا، وقيل: تحوّل أيضا شافعيا، وفيه أبيات سائرة [4] . توفي في شعبان ببغداد.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 43) و «النجوم الزاهرة» (6/ 215) .
[2] انظر «العبر» (5/ 43) .
[3] انظر «العبر» (5/ 43) و «تاريخ الإسلام» (62/ 119- 121) .
[4] قالها فيه المؤيد أبو البركات محمد بن أحمد التكريتي المتوفى سنة (599) ، وهي:
ومن مبلغ عنّي الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدي لديه الرّسائل
تمذهبت للنّعمان بعد ابن حنبل ... وذلك لمّا أعوزتك المآكل
وما اخترت رأي الشّافعيّ ديانة ... ولكنّما تهوى الذي هو حاصل
وعمّا قليل أنت لا شكّ صائر ... إلى مالك فافطن لما أنا قائل
وانظر «ذيل تاريخ بغداد» لابن الدّبيثي (1/ 137- 138) و «تاريخ الإسلام» (62/ 120) .(7/97)
وفيها موسى بن سعيد [1] أبو إسماعيل الهاشمي البغدادي [2] ابن الصّيقل. سمع من إسماعيل بن السمرقندي، وأبي الفضل الأرموي، وكان صدرا معظما ولي [حجابة باب النّوبي، ثم] نقابة الكوفة.
توفي في جمادى الأولى.
وفيها يحيى بن ياقوت البغدادي [الفرّاش] [3] ، المجاور بمكة. روى عن إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الجبّار بن أحمد بن توبة، وجماعة، وتوفي في جمادى الآخرة، رحمه الله.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «موسى بن سعد» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (62/ 123) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 53) و «العبر» (5/ 44) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[2] تحرفت في «ط» إلى «البغداويّ» .
[3] ما بين الحاصرتين زيادة من «العبر» (5/ 44) مصدر المؤلف، وانظر «تاريخ الإسلام» (62/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 53) .(7/98)
سنة ثلاث عشرة وستمائة
قال ابن الأثير [1] : فيها وقع بالبصرة برد [كثير] قيل: إن أصغره كالنارنجة [الكبيرة] ، وأكبره ما يستحي الإنسان أن يذكر.
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن الحسين البغدادي [2] ، أخو الفخر إسماعيل غلام ابن المنّي. سمع الحديث، وتفقه في مذهب الحنابلة على أخيه، وتكلّم في مسائل الخلاف، وكان فقيها صالحا. توفي ثاني عشر ربيع الأول، ودفن عند أخيه بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها إسماعيل بن عمر بن بكر المقدسي [3] أبو إسحاق وأبو القاسم وأبو الفضل، ويلقب محب الدّين، الحنبلي. سمع بدمشق من أبي اليمن الكندي وغيره، وبمصر من البوصيري والحافظ عبد الغني [4] ، وببغداد من ابن الأخضر وطبقته، وبأصبهان من أبي عبد الله محمد بن مكّي وغيره، وكانت رحلته مع الضياء بعد الستمائة. وعني بالحديث، ووصفه جماعة بالحافظ، وتفقّه وحدّث، وتوفي في ثامن عشر شوال.
__________
[1] انظر «الكامل في التاريخ» (12/ 314- 315) وما بين حاصرتين زيادة منه، و «العبر» (5/ 44) ولفظة «الكبيرة» مستدركة منه.
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 89) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 90) .
[4] يعني المقدسي صاحب «الكمال» وغير، رحمه الله تعالى.(7/99)
وفيها الشيخ شرف الدّين أبو الحسن أحمد بن عبيد الله بن قدامة المقدسي [1] الحنبلي.
ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وسمع من أبي الفرج ابن كليب وغيره، وحدّث، وكان فقيها فاضلا ديّنا عاملا، جمع الله له بين حسن الخلق والخلق، والأمانة والمروءة، وقضاء حوائج الإخوان، والكرم، والإحسان إلى الضعفاء والمرضى وقضاء حوائجهم، والتهجد.
وكان يقول الحقّ ولا يحابي أحدا. توفي ليلة رابع عشر ذي القعدة ودفن من الغد بسفح قاسيون، ورؤيت له منامات حسنة جدا، ورثاه غير واحد، ولما توفي هؤلاء الثلاثة الأحبار [2] المقدسيون، المحبّ، والعزّ [3] ، والشّرف، في مدة متقاربة، رثاهم شيخ الإسلام موفق الدّين بقوله:
مات المحبّ ومات العزّ والشّرف ... أئمة سادة ما منهم خلف
كانوا أئمة علم يستضاء بهم ... لهفي على فقدهم لو ينفع اللهف
ما ودّعوني غداة البين إذ رحلوا ... بل أودعوا قلبي الأحزان وانصرفوا
وهي طويلة.
وفيها العلّامة تاج الدّين الكندي أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادي [4] ، المقرئ النحويّ اللغويّ. شيخ الحنفية والقرّاء والنّحاة بالشام، ومسند العصر.
ولد سنة عشرين وخمسمائة، وأكمل القراءات العشرة، وله عشرة
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 92- 93) .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «الأخيار» .
[3] في «آ» : «المعز» .
[4] انظر «إنباه الرواة» (2/ 10- 14) و «تاريخ الإسلام» (62/ 134- 141) و «العبر» (5/ 44) .(7/100)
أعوام، وهذا ما لا نعلمه تهيأ لأحد سواه. اعتنى به سبط الخيّاط، فأقرأه وحرص عليه، وجهّزه إلى أبي القاسم هبة الله بن الطّبر، فقرأ عليه بست [1] روايات، وإلى أبي منصور ابن خيرون، وأبي بكر خطيب الموصل، وأبي الفضل بن المهتدي بالله. فقرأ عليهم بالروايات الكثيرة. وسمع من ابن الطّبر، وقاضي المارستان، وأبي منصور القزّاز، وخلق، وأتقن العربية على جماعة، وقال الشعر الجيد، ونال الجاه الوافر، فإن الملك المعظم كان مديما للاشتغال عليه، وكان ينزل إليه من القلعة.
توفي في سادس شوال، ونزل الناس بموته درجة في القراءات وفي الحديث، لأنه آخر من سمع من القاضي أبي بكر، والقاضي أبو بكر آخر من سمع من أبي محمد الجوهري، والجوهري آخر من روى عن القطيعي، والقطيعي آخر من روى عن الكريمي وجماعة. قاله في «العبر» .
قلت ومن شعره [2] :
تمنّيت في عصر [3] الشّبيبة أنّني ... أعمّر والأعمار لا شكّ أرزاق [4]
فلمّا أتاني ما تمنّيت [5] ساءني ... من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق
وها أنا في إحدى وتسعين حجّة ... لها في إرعاد مخوف وإبراق
يقولون ترياق لمثلك نافع ... وما لي إلّا رحمة الله ترياق
وفيها عبد الرحمن بن علي الزّهري الإشبيلي [6] أبو محمد، مسند الأندلس في زمانه. روى «صحيح البخاري» سماعا من أبي الحسن شريح،
__________
[1] في «ط» : «ست» .
[2] انظر «الأبيات في وفيات الأعيان» (2/ 341- 342) و «تاريخ الإسلام» (62/ 139) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عشر» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» .
[4] في «آ» : «رزاق» .
[5] في «تاريخ الإسلام» : «فلما أتى ما قد تمنيت» .
[6] انظر «العبر» (5/ 46) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 55) .(7/101)
وعاش بعد ما سمعه ثمانين سنة، وهذا شيء لا نعلمه وقع لأحد بالأندلس غيره. توفي في آخر هذا العام.
وفيها الملك الظاهر غازي [بن يوسف] [1] ، صاحب حلب، ولد السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب.
ولد بمصر سنة ثمان وستين وخمسمائة، وحدّث عن عبد الله بن برّي وجماعة، وكان بديع الحسن، كامل الملاحة، ذا غور ودهاء ورأي ومصادقة لملوك النواحي، فيوهمهم أنه لولا هو لقصدهم عمه العادل، ويوهم عمه أنّه لولا هو لاتفق عليه الملوك وشاقوه، وكان سمحا جوادا، تزوّج بابنتي عمّه.
قال ابن خلّكان [2] : كان ملكا، مهيبا، حازما، متيقظا، كثير الاطلاع على أحوال رعيته وأخبار الملوك، عالي الهمّة، حسن التدبير والسياسة، باسط العدل، محبا للعلماء، مجيزا للشعراء. أعطاه والده مملكة حلب في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بعد أن كانت لعمّه الملك العادل، فنزل عنها وتعوّض غيرها.
ويحكى عن سرعة إدراكه أشياء حسنة، منها: أنه جلس يوما لعرض العسكر، وديوانيّ [3] الجيش بين يديه، فكان كلما حضر واحد من الأجناد سأله الديوانيّ [3] عن اسمه لينزلوه حتّى حضر واحد فسألوه، فقبّل الأرض، فلم يفطن أحد من أرباب الديوان لما أراد، فعاودوا سؤاله [4] ، فقال الملك الظاهر: اسمه غازي، وكان كذلك، وتأدب الجندي أن يذكر اسمه لما كان موافقا اسم السلطان، وعرف هو مقصوده، وله من هذا الجنس شيء
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 46) و «تاريخ الإسلام» (62/ 151- 155) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 6) .
[3] في «وفيات الأعيان» : «وديوان» و «الديوان» وما جاء في كتابنا هو الصواب.
[4] في «آ» و «ط» : «فعاود وسأله» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .(7/102)
كثير، وتوفي بقلعة حلب ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة، ودفن بالقلعة.
ثم بنى الطواشيّ شهاب الدّين أتابك ولده الملك العزيز مدرسة تحت القلعة، وعمر فيها تربة ونقله إليها. والعجب أنه دخل حلب مالكا لها في الشهر بعينه واليوم سنة اثنتين وثمانين [وخمسمائة] . انتهى ملخصا.
وكانت وفاته بالإسهال، وتسلطن بعده ولده الملك العزيز وله ثلاثة أعوام.
وفيها الجاجرمي، مؤلّف «الكفاية» في الفقه، الإمام معين الدّين أبو حامد محمد بن إبراهيم الفقيه الشافعي.
قال ابن خلّكان [1] : كان إماما، فاضلا، متقنا، مبرّزا. سكن نيسابور، ودرّس بها، وصنّف في الفقه كتاب «الكفاية» وهو في غاية الإيجاز، مع اشتماله على أكثر المسائل [2] التي تقع في الفتاوى، وهو في مجلد واحد.
وله كتاب «إيضاح الوجيز» أحسن فيه، وهو مجلدين، وله طريقة مشهورة في الخلاف والفوائد [3] المشهورة منسوبة إليه. واشتغل عليه الناس وانتفعوا به بكتبه من بعده، خصوصا «القواعد» فإن الناس أكبوا على الاشتغال بها.
وتوفي بكرة نهار الجمعة عاشر رجب بنيسابور.
والجاجرمي: بفتح الجيمين وسكون الراء، نسبة إلى جاجرم، بلدة بين نيسابور وجرجان خرج منها جماعة من العلماء [4] . انتهى.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 265) .
[2] في «آ» و «ط» : «على كثير المسائل» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «والقواعد» .
[4] انظر «معجم البلدان» (2/ 92) .(7/103)
وفيها العزّ [1] محمد بن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحافظ ابن الحافظ أبو الفتح.
ولد سنة ست وستين وخمسمائة، ورحل إلى بغداد، وهو مراهق، فسمع من ابن شاتيل [2] وطبقته، وسمع بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجائز وطائفة، وكتب الكثير، وعني بالحديث. وارتحل إلى أصبهان وغيرها، وكان موصوفا بحسن القراءة وجودة الحفظ والفهم.
قال الضياء: كان حافظا، فقيها، حنبليا، ذا فنون. ثم وصفه بالديانة المتينة، والمروءة التّامة.
وقال أبو شامة [3] : صحب الملك المعظّم عيسى، وسمع بقراءته [4] الكثير، وكان حافظا، ديّنا، زاهدا، ورعا.
وقال الذهبي: روى عنه ابنا تقي الدّين أحمد، وعز الدّين عبد الرحمن، والحافظ ضياء الدّين، والشهاب القوصي، والشيخ شمس الدّين عبد الرحمن بن أبي عمر، وابن البخاري، وآخرون.
توفي- رحمه الله- ليلة الاثنين، تاسع عشر شوال، ودفن بسفح قاسيون.
قال الحافظ الضياء: قال بعضهم: كنا نقرأ عنده ليلة مات، فرأيت على بطنه نورا مثل السّراج.
__________
[1] في «العبر» (5/ 47) طبع الكويت: «العزيز» وهو خلاف لما في المصادر الأخرى، وأبعد محقق «العبر» طبع بيروت فبدّل «العز» إلى «العزيز» ، ولقبه «عز الدين» كما في «تاريخ الإسلام» (62/ 158) واختصر إلى «العز» في بعض المصادر.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن شامل» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (99) .
[4] في «آ» : «بقراءة» .(7/104)
سنة أربع عشرة وستمائة
ايها توفي أبو الخطّاب بن واجب أحمد بن محمد بن عمر القيسي البلنسي، الإمام المالكي.
ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. وأكثر عن جدّه أبي حفص بن واجب، وابن هذيل، وابن قزمان صاحب ابن الطلّاع، وطائفة. وأجاز له أبو بكر بن العربي.
قال [ابن] الأبّار: هو حامل راية الرواية بشرق الأندلس، وكان متقنا، ضابطا، نحويا، عالي الإسناد، ورعا، قانتا، له عناية كاملة بصناعة الحديث.
ولي القضاء ببلنسية وشاطبة غير مرة، ومعظم روايتي عنه. انتهى.
وفيها الشيخ العماد أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي [1] الحنبلي، أخو الحافظ عبد الغني.
ولد بجمّاعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وهاجر سنة إحدى وخمسين مع أقاربه، وسمع من عبد الواحد بن هلال وجماعة، وببغداد من شهدة، وصالح بن الرّحلة، وبالموصل من خطيبها، وحفظ «الخرقي» [2]
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 49- 55) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 93- 106) و «تاريخ الإسلام» (62/ 173- 183) .
[2] يعني «مختصر الخرقي» .(7/105)
و «الغريب» للعزيزي. وألقى الدروس، وناظر، واشتغل، وقرأ القراءات على أبي الحسن البطائحي، وكان متصديا لإقراء القرآن والفقه، ورعا، تقيا، متواضعا، سمحا، مفضالا، صوّاما، قوّاما، صاحب أحوال وكرامات، موصوفا بطول الصلاة.
قال الشيخ الموفق: ما فارقته إلّا أن يسافر، فما عرفته أنه عصى الله معصية.
وقال الحافظ الضياء: كان عالما بالقرآن، والنحو، والفرائض، وغير ذلك من العلوم. وصنّف كتاب «الفروق» في المسائل الفقهية. وكان من كثرة اشتغاله وإشغاله لا يتفرغ للتصنيف والكتابة، وكان يشغل بالجبل إذا كان الشيخ موفق الدّين في المدينة، فإذا صعد الموفق نزل هو فأشغل بالمدينة.
وكان يشغل بجامع دمشق من الفجر إلى العشاء لا يخرج إلّا لما لا بد له منه.
يقرئ القرآن والعلم، فإذا لم يبق له من يشتغل عليه اشتغل بالصلاة، وكان داعية إلى السّنّة، وتعلّم العلم والدّين، وما علم أنه أدخل نفسه في شيء من أمر الدنيا، ولا تعرض له، ولا نافس فيها. وكان يحترز في الفتاوى احترازا كثيرا. وكان كثير الورع والصدق، سمعته يقول لرجل: كيف ولدك؟ فقال:
يقبّل يدك، فقال: لا تكذب. وكان كثير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، خرج مرّة إلى قوم من الفسّاق فكسر ما معهم، فضربوه ونالوا منه، حتّى غشي عليه، فأراد الوالي ضرب الذين نالوا منه، فقال: إن تابوا ولزموا الصلاة فلا تؤذهم [1] ، وهم في حلّ من قبلي، فتابوا ورجعوا عما كانوا عليه.
وسمعت الإمام أبا إبراهيم محاسن بن عبد الملك التّنوخي يقول: كان الشيخ العماد جوهرة العصر، وكان كثير التواضع، يذمّ نفسه ويقول: ايش
__________
[1] في «آ» و «ط» : «فلا تؤذيهم» والصواب ما أثبتناه.(7/106)
يجيء مني، وكان يكثر في دعائه من قول: اللهم اجعل عملنا صالحا واجعله لوجهك الكريم خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا.
اللهم خلّصني من مظالم نفسي، ومظالم كل شيء قبل الموت، ولا تمتني ولأحد عليّ مظلمة يطلبني بها بعد الموت. ولا بد من الموت فاجعله على توبة نصوح بعد الإخلاص من مظالم نفسي ومظالم العباد قتلا في سبيلك على سنتك وسنة رسولك، شهادة يغبطني بها الأولون والآخرون، واجعل النّقلة إلى روح وريحان [ومستراح] في جنّات النعيم، ولا تجعلها إلى نزل من حميم وتصلية جحيم.
قال الضياء: توفي- رحمه الله- ليلة الخميس وقت عشاء الآخرة، وكان صلى تلك الليلة المغرب بالجامع ثم مضى إلى البيت، وكان صائما فأفطر على شيء يسير، ولما جاءه الموت جعل يقول: يا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث، واستقبل القبلة وتشهّد ومات.
وقال سبط ابن الجوزي: غسّل وقت السحر، وأخرجت جنازته إلى جامع دمشق، فما وسع الناس الجامع، وصلى عليه الموفق بحلقة الحنابلة بعد جهد جهيد، وكان يوما لم ير في الإسلام مثله. كان أول الناس عند مغارة الدّم ورأس الجبل إلى الكهف، وآخرهم بباب الفراديس. وما وصل إلى الجبل إلى آخر النهار. قال: وتأملت الناس من أعلى قاسيون إلى الكهف إلى قريب الميطور [1] ، لو رمى الإنسان عليهم إبرة لما ضاعت.
فلما كان في الليل نمت وأنا متفكر في جنازته، وذكرت أبيات سفيان الثوري التي أنشدها في المنام:
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الميظور» وتحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «المنظور» والتصحيح من «غوطة دمشق» ص (181) للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي، طيّب الله ثراه، وقال فيه: الميطور: في أرض الصالحية آخر حدودها تحت نهر يزيد.(7/107)
نظرت إلى ربّي كفاحا فقال لي ... هنيئا رضائي عنك يا بن سعيد
فقد كنت قوّاما إذا أقبل الدّجى ... بعبرة مشتاق وقلب عميد
فدونك فاختر أيّ قصر تريده ... وزرني فإني منك غير بعيد
وقلت: أرجو أن العماد يرى ربّه كما رآه سفيان عند نزول حفرته، ونمت فرأيت العماد في النوم وعليه حلّة خضراء، وعمامة خضراء، وهو في مكان متسع كأنه روضة، وهو يرقى في درج مرتفعة، فقلت: يا عماد الدّين، كيف بت؟ فإني والله متفكر [1] فيك، فنظر إليّ وتبسم على عادته، وقال:
رأيت إلهي حين أنزلت حفرتي ... وفارقت أصحابي وأهلي وجيرتي
فقال: جزيت الخير عنّي فإنني ... رضيت فها عفوي لديك ورحمتي
دأبت [2] زمانا تأمل الفوز والرّضى ... فوقّيت نيراني ولقّيت جنّتي
قال: فانتبهت مرعوبا وكتبت الأبيات.
وتوفي- رحمه الله ورضي عنه- فجأة في سابع عشر ذي القعدة.
وفيها عبد الله بن عبد الجبّار العثماني أبو محمد الاسكندراني [3] التاجر المحدّث. سمع من السّلفي فأكثر، وتوفي في ذي الحجة عن سبعين سنة.
وفيها ابن الحرستاني، قاضي القضاة جمال الدّين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الخزرجي الدمشقي [4] الشافعي.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «مفكر» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «رأيت» فتصحح.
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (106- 108) و «تاريخ الإسلام» (62/ 189- 190) و «النجوم الزاهرة» (6/ 221) .
[4] انظر «العبر» (5/ 50- 51) و «تاريخ الإسلام» (62/ 193- 197) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 80- 84) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 71- 73) .(7/108)
ولد سنة عشرين وخمسمائة، وسمع سنة خمس وعشرين من عبد الكريم بن حمزة، وجمال الإسلام [1] ، وطاهر بن سهل الإسفراييني والكبار. ودرّس وأفتى، وبرع في المذهب، وانتهى إليه علو الإسناد، وكان صالحا عابدا من قضاة العدل.
قال ابن شهبة: تفرّد بالروايات عن أكثر شيوخه، ورحل إلى حلب وتفقّه بها على المحدّث الفقيه أبي الحسن المرادي [2] ، وناب في القضاء عن ابن أبي عصرون، ثم ولي قضاء الشام في آخر عمره سنة اثنتي عشرة، ودرّس بالعزيزية، وكان يجلس للحكم بالمجاهدية. وكان إماما عارفا بالمذهب، ورعا، صالحا، محمود الأحكام، حسن السيرة، كبير القدر.
وقال أبو شامة: حدثني الشيخ عز الدّين بن عبد السّلام أنه لم ير أفقه منه، وعليه كان ابتداء اشتغاله، ثم صحب فخر الدّين بن عساكر، فسألته عنهما فرجح ابن الحرستاني وقال: إنه كان يحفظ كتاب «الوسيط» للغزالي.
قال: ولما طلب للقضاء امتنع من الولاية حتى ألحوا عليه فيها، وكان صارما عادلا على طريقة السلف في لباسه وعفته، بقي في القضاء سنتين وسبعة أشهر.
وقال سبط ابن الجوزي: كان زاهدا عفيفا عابدا ورعا نزها، لا تأخذه في الله لومة لائم، اتفق أهل دمشق على أنه ما فاتته صلاة بجامع دمشق في جماعة إلّا إذا كان مريضا.
توفي في رابع ذي الحجة، وهو ابن خمس وتسعين سنة.
__________
[1] هو علي بن المسلّم السّلمي الدمشقي. انظر ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 345- 346) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المراري» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.(7/109)
وفيها علي بن محمد بن علي الموصلي [1] أبو الحسن، أخو سليمان. سمع من الحسين سبط الخيّاط، وأبي البدر الكرخي، وجماعة.
وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها ابن جبير الكناني، الإمام الرئيس محمد بن أحمد بن جبير البلنسي [2] . نزيل شاطبة.
ولد سنة أربعين وخمسمائة، وسمع من أبيه، وعلي بن أبي العيش المقرئ، وأجاز له أبو الوليد بن الدبّاغ، وحجّ فحدّث في طريقه.
قال [ابن] الأبّار: عني بالآداب فبلغ فيها الغاية، وتقدم في صناعة النظم والنثر، ونال بذلك دنيا عريضة، ثم زهد ورحل مرتين إلى المشرق، وفي الثالثة توفي بالإسكندرية في شعبان.
وفيها أبو عبد الله بن سعادة الشّاطبي [3] المعمّر محمد بن عبد العزيز ابن سعادة. أخذ قراءة نافع عن أبي عبد الله بن غلام الفرس، والقراءات عن ابن هذيل، وأبي بكر محمد بن أحمد بن عمران. وسمع من ابن النّعمة، وابن عاشر، وأبي عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة. أكثر عنه [ابن] الأبّار، وكان مولده سنة ست عشرة وخمسمائة أو قبل ذلك، وتوفي بشاطبة في شوال.
وفيها الشجاع محمود الدّماغ [4] : كانت له ثروة عظيمة، وقف مدرسة للشافعية والحنفية داخل باب الفرج، تعرف بالدّماغية.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 51) .
[2] انظر «العبر» (5/ 51) وهو صاحب «الرّحلة» الشهيرة. وقال العلّامة الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (5/ 320) : يقال: إنه لم يصنّف كتاب «الرّحلة» وإنما قيّد معاني ما تضمنته، فتولى ترتيبها بعض الآخذين عنه.
[3] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 605) و «العبر» (5/ 51- 52) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 209) .(7/110)
سنة خمس عشرة وستمائة
فيها جاءت رسل جنكزخان ملك التتار محمود الخوارزمي، وعلي البخاري بتقدمة مستظرفة إلى خوارزم شاه، وتطلب [1] منه المسالمة والهدنة، فاستمال خوارزم شاه محمودا الخوارزمي وقال: أنت منا وإلينا، وأعطاه معضدة جوهر، وقرّر [2] معه أن يكون عينا للمسلمين. ثم قال له: أصدقني، أيملك جنكزخان طمغاج الصين؟ قال: نعم. قال: فما ترى؟ قال: الهدنة.
فأجاب، وسرّ جنكزخان بإجابته. واستقرّ الحال إلى أن جاء من بلاده تجّار إلى ما وراء النهر وعليها خال خوارزم شاه، فقبض عليهم وأخذ أموالهم شرها منه. ثم كاتب خوارزم شاه يقول: إنهم تتار في زيّ التجار، وقصدهم يجسّوا البلاد، ثم جاءت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه تقول: إن كان ما فعله خالك بأمره فسلّمه إلينا، وإن كان بأمرك فالعذر قبيح، وستشاهد ما تعرفني به، فندم خوارزم شاه وتجلّد، وأمر بالرّسل فقتلوا لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا 8: 42 [الأنفال: 42] . فيا لها من حركة عظيمة الشؤم أجرت بكل قطرة بحرا من الدماء.
وفيها توفي محدّث بغداد أبو العبّاس البندنيجي- بفتح الباء الموحدة والمهملة وسكون النون الأولى وكسر الثانية ثم تحتية وجيم، نسبة إلى
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «ويطلب» .
[2] في «آ» و «ط» : «وقدّر» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.(7/111)
بندنيجين [1] بلفظ المثنى بلد قرب بغداد- أحمد بن أحمد بن أحمد بن كرم [2] بن غالب البغدادي الأزجي، الحافظ المحدّث المعدّل الحنبلي.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وتلقّن القرآن من أبي حكيم النّهرواني، وقرأه [3] بالروايات على أبي الحسن البطائحي وغيره.
وسمع الحديث الكثير من أبي بكر بن الزّاغوني، وأبي الوقت، وخلق.
قال الدّبيثي: كان وافر السماع، كثير الشيوخ، حسن الأصول، حدّث بالكثير وسمع منه جماعة.
وقال ابن ناصر الدّين [4] : هو محدّث بغداد. كان حافظا مكثرا، لكنه غير عمدة، رماه ابن الأخضر وكذّبه وقبله غيره.
وقال ابن رجب في «طبقاته» [5] : توفي معه في ثالث عشر [6] رمضان أبو محمد عبد الكافي بن بدر بن حسّان الأنصاري الشّامي الأصل المصري النجّار الحنبلي، وكان صالحا كثير الصيام والتعبد. سمع من البوصيري، والأرتاحي، وعبد الغني الحافظ [7] ، وربيعة بن نزار، وغيرهم، وعلّق عنه المنذري شيئا. توفي وله نحو الستين سنة. انتهى.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (1/ 499) قال ياقوت: موضع يسمّى وندنيكان وعرّب على البندنيجين ولم يفسر معناه ... وحدثني العماد بن كامل البندنيجي الفقيه قال: البندنيجين اسم يطلق على عدة محال متفرقة غير متصلة البنيان، بل كل واحدة منفردة لا ترى الأخرى، لكن نخل الجميع متّصلة، وأكبر محلّة فيها يقال لها باقطنايا ... وقد خرج منها خلق من العلماء، محدّثون وشعراء وفقهاء وكتّاب.
[2] تحرف في «آ» و «ط» إلى «ابن كر» والتصحيح من «العبر» (5/ 55) و «تاريخ الإسلام» (62/ 216) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 108) .
[3] في «آ» و «ط» و «قرأ» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (173/ ب) .
[5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 109) .
[6] في «ط» : «عشري» .
[7] يعني الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى.(7/112)
أي ودفن الأول بباب حرب من بغداد والثاني بالمقطّم من مصر.
وفيها الشمس العطّار أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السّلمي البغدادي الصيدلاني [1] ، نزيل دمشق.
ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وسمع الناس منه «صحيح البخاري» غير مرّة. وكان ثقة. توفي في شعبان.
وفيها صاحب الموصل السلطان الملك القاهر عز الدّين أبو الفتح مسعود بن السلطان نور الدّين أرسلان شاه بن مسعود الأتابكي [2] .
ولد سنة تسعين وخمسمائة، وتملّك بعد أبيه، وله سبع عشرة سنة، وكان موصوفا بالملاحة والعدل والسماحة، قيل: إنّه سمّ ومات في ربيع الآخر وله خمس وعشرون سنة، وعظم [على] الرّعية فقده.
وولي بعده بعهد منه ولده نور الدّين أرسلان شاه، ويسمّى أيضا عليّا، وله عشر سنين، فمات في أواخر السنة أيضا.
وفيها زينب الشّعريّة الحرّة أمّ المؤيّد [3] بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن أحمد بن سهل الجرجاني ثم النيسابوري الشعري [4] الصّوفي.
ولدت سنة أربع وعشرين [وخمسمائة] ، وسمعت من ابن الفراوي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 55) و «تاريخ الإسلام» (62/ 218- 219) .
[2] انظر «العبر» (5/ 55- 56) ولفظة «على» مستدركة منه و «تاريخ الإسلام» (62/ 244- 245) .
[3] تصحفت في «ط» إلى «المؤبد» بالباء.
[4] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 344- 345) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 85- 86) و «العبر» (5/ 56) و «الأعلام» (3/ 66) .(7/113)
عبد الله لا من أبيه، ومن زاهر الشّحّامي، وعبد المنعم بن القشيري [1] ، وطائفة.
توفيت في جمادى الآخرة وانقطع بموتها إسناد عال.
وفيها أبو القاسم الدّامغاني [2] . قاضي القضاة، عبد الله بن الحسين ابن أحمد بن علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، الفقيه الحنفي [3] العلّامة عماد الدّين. سمع من تجنّي الوهبانية، وولي القضاء بالعراق سنة ثلاث وستمائة إلى أن عزل سنة إحدى عشرة، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها القاضي شرف الدّين بن الزّكي القرشي أبو طالب، عبد الله بن زين القضاة عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى بن علي الدّمشقي الشافعي.
قال ابن شهبة [4] : ناب في القضاء عن ابن عمّه القاضي محيي الدّين ابن الزّكي، وعن أبيه زكي الدّين الطاهر، ودرّس بالرواحية، فكان أول من درّس بها. ودرّس بالشامية البرانية.
وقال ابن كثير [5] : إنه أول من درّس بها أيضا.
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «القيري» .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 448) و «ذيل الروضتين» ص (110) و «تاريخ الإسلام» (62/ 225- 226) و «العبر» (5/ 56) و «البداية والنهاية» (13/ 82) و «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» (2/ 301- 303) .
[3] قلت: وهو الصواب، ولكن وصفه المنذري في «التكملة» والذهبي في «تاريخ الإسلام» بأنه شافعي المذهب. وعقب الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف على ذلك في المصدرين بقوله:
والمعروف عن بيت الدامغاني أنهم من رؤساء الحنفية المشهورين.
[4] لم أجد ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة الذي بين يدي، وأظن المؤلف- رحمه الله- قد وهم فأحال عليه، والصواب أنه نقل عن «العبر» فالكلام بتمامه فيه (5/ 56) وهو مترجم أيضا في «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 535) .
[5] نقل المؤلف هذا الكلام عن «طبقات الشافعية» لابن كثير، وهو غير متوفر بين أيدينا، وترجم له في «البداية والنهاية» (13/ 81) .(7/114)
وقال سبط ابن الجوزي: كان فقيها نزها لطيفا عفيفا.
وقال الشهاب القوصي: كان ممن زاده الله بسطة في العلم والجسم.
توفي في شعبان.
وفيها الشّهاب فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال الأسدي الحنفي الدمشقي المعروف بالشّاغوري.
قال ابن خلّكان [1] : كان فاضلا شاعرا ماهرا، خدم الملوك ومدحهم وعلّم أولادهم. وله ديوان شعر فيه مقاطيع حسان، وأقام مدة بالزّبداني [2] وله فيها أشعار لطيفة، فمن ذلك قوله في جهة الزّبداني- وهي أرض فيحاء جميلة المنظر، تتراكم عليها الثلوج في زمن الشتاء، وتنبت أنواع الأزهار في أيام الربيع، ولقد أحسن فيها كل الإحسان وهي-:
قد أجمد الخمر كانون بكل قدح ... وأخمد الجمر في الكانون حين قدح
يا جنّة الزّبداني أنت مسفرة ... عن كلّ حسن إذا وجه الزّمان كلح
فالثّلج قطن عليه السّحب تندفه [3] ... والجوّ يحلجه والقوس قوس قزح
وله وقد دخل إلى حمّام ماؤها شديد الحرارة، وكان قد شاخ:
أرى ماء حمّامكم كالحميم ... نكابد منه عناء وبؤسا
وعهدي بكم تسمطون الجداء [4] ... فما بالكم تسمطون التّيوسا
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 24- 26) و «تاريخ الإسلام» (62/ 237- 238) .
[2] الزّبداني: بلدة كبيرة تقع إلى الشمال الغربي من دمشق، تبعد عنها قرابة (45) كيلو مترا، ذات طبيعة جميلة ومناخ معتدل، تنتج أصنافا مختلفة من أجود أنواع الفواكه، ويقصدها أغنياء أهل دمشق وغيرها من حواضر العرب للاصطياف. وانظر «معجم البلدان» (3/ 130) .
[3] في «آ» و «ط» : «مندفة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «الجدي» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .(7/115)
وله:
علام تحرّكي والحظّ ساكن ... وما نهنهت في طلب ولكن
أرى نذلا تقدّمه المساوي ... على حرّ تؤخّره المحاسن
توفي بدمشق ودفن بمقابر باب الصغير.
وفيها صاحب الرّوم الملك الغالب عزّ الدّين كيكاوس بن كيخسرو ابن قلج أرسلان السّلجوقي، سلطان قونية، وأقصرا، وملطية، وأخو السلطان علاء الدّين كيقباذ [1] . كان ظلوما غشوما سفّاكا للدماء، قيل: إنه مات فجأة مخمورا فأخرجوا أخاه علاء الدّين وملّكوه بعده، وذلك في شوال. قاله في «العبر» [2] .
وفيها ركن الدّين أبو حامد محمد بن العميد الفقيه الحنفي السمرقندي [3] ، مصنّف الطريقة العميدية المشهورة. كان إماما في الخلاف، وشرح «الإرشاد» وصنف كتاب «النفائس» وكان حسن الأخلاق، كثير التواضع. توفي في جمادى الآخرة ببخارى.
وفيها شهاب الدّين عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر بن علي بن عبد الدّائم بن الغزّالي البغدادي [4] الحنبلي الواعظ أبو محمد.
ولد في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وسمع الكثير بإفادة أبيه وبنفسه من الحافظ ابن ناصر، وسعد بن البنا، وأبي بكر بن الزّاغوني، وأبي الوقت، وغيرهم. وعني بهذا الشأن، وله في الخطّ طريقة
__________
[1] في «آ» و «ط» : « «كبعباد» هكذا مهملة من دون تنقيط، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (22/ 138) .
[2] (5/ 57) .
[3] انظر «العبر» (5/ 57) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 76- 77 و 97- 98) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 106) .(7/116)
حسنة معروفة، ووعظ مدة، ومال إلى مدح الحلّاج وتعظيمه، ولقد أخطأ في ذلك.
قال ابن النجّار: سمعت بقراءته كثيرا وسمعت منه، وكان سريع القراءة والكتابة، إلّا أنه قليل المعرفة بأسماء المحدّثين، وحدّث وسمع منه جماعة، وأجاز المنذريّ [1] وغيره، وروى عنه ابن الصّيرفي، وتوفي يوم [2] الثلاثاء نصف شعبان ودفن بباب حرب.
وفيها السلطان الملك العادل سيف الدّين أبو بكر محمد بن الأمير نجم الدّين أيوب بن شاذي [3] .
ولد ببعلبك حال ولاية أبيه عليها، ونشأ في خدمة نور الدّين مع أبيه، وكان أخوه صلاح الدّين يستشيره ويعتمد على رأيه وعقله ودهائه، ولم يكن أحد يتقدم عليه عنده، ثم تنقلت به الأحوال واستولى على الممالك، وسلطن ابنه الكامل على الدّيار المصرية، وابنه المعظّم على الشام، وابنه الأشرف على الجزيرة، وابنه الأوحد على خلاط، وابن ابنه المسعود على اليمن، وكان ملكا جليلا سعيدا، طويل العمر، عميق الفكر، بعيد الغور، جمّاعا للمال، ذا حلم وسؤدد وبرّ كثير، وكان يضرب المثل بكثرة أكله، وله نصيب من صوم وصلاة، ولم يكن محبّبا إلى الرّعية لمجيئة بعد الدولتين النّورية والصلاحية. وقد حدّث عن السّلفي، وخلّف سبعة عشر ابنا، تسلطن منهم الكامل، والمعظّم، والأشرف، والصالح، وشهاب الدّين غازي صاحب ميّافارقين، وتوفي في سابع جمادى الآخرة وله بضع وسبعون سنة.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «للمنذريّ» .
[2] لفظة «يوم» سقطت من «ط» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ليلة» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 74- 79) و «العبر» (5/ 58) .(7/117)
سنة ست عشرة وستمائة
فيها تحركت التّتار- وهم نوع من التّرك مساكنهم جبال طغماج [1] من نحو الصين، يسجدون للشمس عند طلوعها ولا يحرّمون شيئا، ولا يحصون كثرة- فخارت قوى السلطان خوارزم شاه، وتقهقر بين أيديهم ببلاد ما وراء النهر، وانجفل الناس بخوارزم شاه وأمرت أمّه بقتل من كان محبوسا من الملوك بخوارزم، وكانوا بضعة عشر نفسا، ثم سارت بالخزائن إلى قلعة ايلال بمازندران، ووصل خوارزم شاه إلى همذان في نحو عشرين ألفا، وتقوضت أيامه.
وفي أول العام خرّب الملك المعظّم سور بيت المقدس خوفا وعجزا من الفرنج أن تملكه، فشرعوا في هدم السور في أول يوم من المحرّم، وضج الناس، وخرج النساء المخدرات، والبنات، والشيوخ، والعجائز، والشباب إلى الصخرة والأقصى، فقطعوا شعورهم وخرجوا هاربين، وتركوا أموالهم وما شكّوا أن الفرنج يصبحوهم، فهرب بعضهم إلى مصر، وبعضهم إلى الكرك، وبعضهم إلى دمشق، ومات خلق من الجوع والعطش، ونهبت الأموال التي كانت لهم بالقدس، وأبيع القنطار الزيت بعشرة دراهم، والرطل النحاس بنصف درهم، وذم الناس الملك المعظم، فقال بعضهم:
__________
[1] مدينة مشهورة كبيرة من بلاد الترك. انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (411) .(7/118)
في رجب حلّل المحرّم [1] ... وأخرب القدس في المحرّم
واستخدم القبط والنصارى ... وبعد ذا وزر المكرّم
وقال مجد الدّين قاضي الطّور:
مررت على القدس الشّريف مسلّما ... على ما تبقّى من ربوع وأنجم [2]
ففاضت دموع العين منّي صبابة ... على ما مضى من عصره [3] المتقدّم
وقد رام علج أن يعفّي رسومه ... وشمّر عن كفّي لئيم مذمّم
فقلت له شلّت يمينك خلّها ... لمعتبر أو سائل أو مسلّم
فلو كان يفدى بالنّفوس فديته ... بنفسي وهذا الظّنّ في كلّ مسلم [4]
وفي شعبان أخذت الفرنج دمياط بعد ما حصر أهلها ووقع فيهم الوباء، وعجز الكامل عن نصرهم، فطلبوا من الفرنج الأمان وأن يخرجوا منها بأهلهم وأموالهم في القساقسة [5] وحلفوا لهم على ذلك، ففتحوا لهم الأبواب، فدخلوا وغدروا بأهلها، ووضعوا فيهم السيف، قتلا وأسرا، وباتوا في الجامع يفجرون بالنساء ويفتضّون البنات، وأخذوا المنبر والمصحف وبعثوا بهما إلى الجزائر.
وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن سيّدهم الأنصاري الدمشقي، المعروف بابن الهرّاس [6] . سمع من نصر الله المصّيصي وغيره، وتوفي في شعبان.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «لحميا» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (62/ 24) .
[2] في «تاريخ الإسلام» : «كأنجم» .
[3] في «تاريخ الإسلام» : «عصرنا» .
[4] رواية الشطرة الثانية في «تاريخ الإسلام» :
... وهذا صحيح الظّنّ في كلّ مسلم
[5] جمع قس، وهو رئيس من رؤساء النصارى في الدّين والعلم، وكذا القسيس بكسر القاف.
انظر «مختار الصحاح» (قسس) .
[6] انظر «العبر» (5/ 60) و «تاريخ الإسلام» (62/ 260) .(7/119)
وفيها أبو البشائر إسحاق بن هبة الله بن صالح [1] قاضي خلاط. كان فقيها شافعيا عالما، حسن الكلام في الوعظ والتذكير، من محاسن القضاة، يرجع إلى دين. قدم إربل وتوفي بها.
ومن شعره:
قال الهلال وعندي في مجالستي ... بدر بوجه على شمس الضّحى سادا
ليس الهلاك بمحبوب لذي أرب ... وإن حببناه أحيانا وأعيادا
هذا يزيد حياتي في مجالستي ... وذاك ينقص عمري كلّما زادا
وفيها ابن ملاعب زين الدّين أبو البركات داود بن أحمد بن محمد ابن منصور بن ثابت بن ملاعب الأزجي [2] وكيل القضاة. روى عن الأرموي، وابن ناصر، وطائفة. توفي في جمادى الآخرة بدمشق.
وفيها ريحان بن تيكان بن موسك الحربي [3] الضرير. مات في صفر وله بضع وتسعون سنة. روى عن أحمد بن الطّلّاية، والمبارك بن أحمد الكندي.
وفيها ستّ الشام الخاتون أخت الملك العادل بنت أيوب [4] . كانت عاقلة، كثيرة البرّ والصدقة، بابها ملجأ للقاصدين، وهي أم حسام الدّين، وتزوّجها محمد بن شيركوه صاحب حمص، وبنت لها مدرسة وتربة بالعونية على الشرف الشمالي من دمشق، وأوقفت دارها قبيل موتها مدرسة، وهي التي إلى جانب المارستان النّوري، وأوقفت عليها أوقافا كثيرة، وتوفيت في
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 262) .
[2] انظر «العبر» (5/ 60) و «تاريخ الإسلام» (62/ 265- 266) .
[3] انظر «العبر» (5/ 60) و «تاريخ الإسلام» (62/ 267) .
[4] انظر «العبر» (5/ 61) و «تاريخ الإسلام» (62/ 267- 268) .(7/120)
ذي القعدة، ودفنت بتربتها بالعونية، وكان كافور الحسامي [1] خادمها، وكان لها نيف وثلاثون محرما من الملوك سوى أولادهم، فإخوتها صلاح الدّين، والعادل، وسيف الإسلام وولده.
وفيها أبو منصور بن الرزّاز سعيد بن محمد ابن العلّامة المفتي سعيد بن محمد بن عمر البغدادي [2] . روى «البخاري» عن أبي الوقت، وحضر أبا الفضل الأرموي.
وفيها العلّامة أبو البقاء محب الدّين عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء العكبري الأزجي الضرير الحنبلي النحوي الفرضي [3] . صاحب التصانيف.
قرأ القراءات على ابن عساكر البطائحي، وتأدب على ابن الخشّاب، وتفقه على أبي يعلى الصغير، وروى عن ابن البطّي وطائفة، وحاز قصب السبق في العربية، وتخرّج به خلق.
ذهب بصره في صغره بالجدري، وكان دينا ثقة. قاله في «العبر» .
وقال ناصح الدّين بن الحنبلي: كان إماما في علوم القرآن، إماما في الفقه، إماما في اللغة، إماما في النحو، إماما في العروض، إماما في الفرائض، إماما في الحساب، إماما في معرفة المذهب، إماما في المسائل النظريات. وله في هذه الأنواع من العلوم مصنفات مشهورة.
__________
[1] مترجم في «وفيات الأعيان» (1/ 307) .
[2] انظر «العبر» (5/ 61) .
[3] انظر «العبر» (5/ 61) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 91- 93) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (253) و «تاريخ الإسلام» (62/ 270- 272) و «نكت الهميان» ص (178- 180) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 109- 120) و «المنهج الأحمد» الورقة (346) (مخطوط) من القسم الذي لم ينشر بعد، و «شذرات من كتب مفقودة» ص (187) .(7/121)
قال: وكان معيد الشيخ [1] أبي الفرج بن الجوزي. وكان متدينا، قرأت عليه كتاب «الفصيح» لثعلب من حفظي.
وقال ابن أبي الجيش: كان يفتي في تسعة علوم، وكان أوحد زمانه في النحو، واللغة، والحساب، والفرائض، والجبر، والمقابلة، والفقه، وإعراب القرآن، والقراءات الشاذة، وله في كل هذه العلوم تصانيف كبار، وصغار، ومتوسطات، وذكر أنه قرأ عليه كثيرا.
وقال ابن النجار [2] : قرأت عليه كثيرا من مصنفاته، وصحبته مدة، وكان حسن الأخلاق، متواضعا، كثير المحفوظ، محبّا للاشتغال والأشغال ليلا ونهارا، ما تمضي عليه ساعة بلا اشتغال أو إشغال حتى إن زوجته تقرأ له بالليل كتب الأدب وغيرها.
وقال غيره: كان إذا أراد أن يصنّف كتابا أحضرت له عدة مصنّفات في ذلك الفنّ وقرئت عليه، فإذا حصّله في خاطره أملاه.
وقال ابن رجب: من تصانيفه: «تفسير القرآن» و «إعراب القرآن» في مجلدين، و «إعراب الشواذ» و «متشابه القرآن» و «إعراب الحديث» وكتاب «التعليق في مسائل الخلاف» في الفقه، و «شرح الهداية» لأبي الخطّاب في الفقه، وكتاب «المرام في نهاية الأحكام» في المذهب، وكتاب «مذاهب الفقهاء» وكتاب «الناهض في علم الفرائض» وكتاب «بلغة الرائض في علم الفرائض» و «المنقح من الخطل في علم الجدل» و «الاعتراض على دليل التلازم [ودليل التنافي] [3] » و «الاستيعاب في أنواع الحساب» و «اللّباب في
__________
[1] في «آ» : «وكان معيد الشيخ» وأثبت لفظ «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» و «شذرات من كتب مفقودة» .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن البخاري» وهو خطأ، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] ما بين الحاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/122)
البناء والإعراب» و «شرح الإيضاح» [1] و «شرح اللّمع» و «شرح خطب ابن نباتة» و «شرح المقامات الحريرية» و «شرح الحماسة» و «شرح ديوان المتنبّي» وغير ذلك.
ومن شعره:
صاد قلبي على العقيق غزال ... ذو نفار وصاله ما ينال
فاتر الطرف تحسب الجفن منه ... ناعسا والنّعاس منه مزال [2]
توفي ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب، رحمه الله تعالى.
وفيها ابن شاس العلّامة جمال الدّين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار الجذاميّ السعديّ المصريّ [3] ، شيخ المالكية، وصاحب كتاب «الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة» . كان من كبار الأئمة العاملين، حجّ في أواخر عمره ورجع فامتنع من الفتيا إلى أن مات مجاهدا في سبيل الله، في حدود رجب.
وفيها عبد الرحمن بن محمد بن علي بن يعيش [4] الصّدر أبو الفرج الأنباري، أخو أبي الحسن علي [5] . روى عن عبد الوهاب الأنماطي وغيره، وعمّر تسعين سنة. توفي في شعبان.
__________
[1] يقوم بتحقيقه صديقي الفاضل الأستاذ المحقّق يحيى ميرعلم لنيل درجة الدكتوراه من قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب بجامعة دمشق.
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مدال» .
[3] انظر «العبر» (5/ 61- 62) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 98- 99) و «تاريخ الإسلام» (62/ 272- 273) .
[4] انظر «العبر» (5/ 62) و «تاريخ الإسلام» (62/ 274- 275) .
[5] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» : «أخو أبي الحسن علي» وفي «تاريخ الإسلام» : «سبط قاضي القضاء أبي الحسن علي بن محمد بن الدامغاني» .(7/123)
وفيها أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن مسعود ابن النّاقد البغدادي [1] المقرئ الصالح. قرأ القراءات على أبي الكرم الشّهرزوري وغيره، وسمع من أبي سعد البغدادي، والأرموي. توفي في شوال.
وفيها الافتخار الهاشمي أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل العبّاسي البلخي ثم الحلبي [2] الحنفي، إمام المذهب بحلب. سمع بما وراء النهر من القاضي عمر بن علي المحمودي، وأبي شجاع البسطامي وجماعة، وبرع في المذهب، وناظر وصنّف، وشرح «الجامع الكبير» [3] وتخرّج به الأصحاب، وعاش ثمانين سنة. توفي في جمادى الآخرة.
وفيها عثمان بن مقبل بن قاسم الياسري ثم البغدادي [4] ، الفقيه الحنبلي الواعظ، أبو عمر، جمال الدّين. من أهل الياسريّة من قرى بغداد على نهر عيسى [5] .
قدم بغداد وسمع بها من ابن الخشّاب وشهدة، وطبقتهما ومن دونهما، وتفقه على أبي الفتح بن المنّي، ووعظ ولازم الوعظ.
ذكره ابن أبي الجيش في شيوخه، وقال: له تصانيف. وقد حدّث، وسمع منه جماعة.
وقال ابن الحنبلي: مات ضاحي نهار الحادي والعشرين من ذي الحجة، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 62) و «تاريخ الإسلام» (62/ 275- 276) .
[2] انظر «العبر» (5/ 62) و «تاريخ الإسلام» (62/ 277- 278) .
[3] وهو للإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، صاحب إمام الفقهاء أبي حنيفة النعمان. انظر «كشف الظنون» (1/ 567) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 279) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 122) .
[5] انظر «معجم البلدان» (5/ 425) .(7/124)
وفيها عماد الدّين أبو القاسم علي بن القاسم بن الحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر [1] .
ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وسمع من أبيه، وعبد الرحمن بن الخرقي، وإسماعيل الجنزوي [2] ورحل إلى خراسان، فكان آخر من رحل إليها من المحدّثين، وأكثر عن المؤيد الطّوسي ونحوه، وكان صدوقا ذكيا فهما حافظا مجدّا في الطلب، إلا أنه كان يتشيع، وقد خرجت عليه الحراميّة في قفوله من خراسان فجرحوه، وأدركه الموت ببغداد في جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وفيها صاحب سنجار الملك المنصور، قطب الدّين محمد بن عماد الدّين زنكي بن آق سنقر [3] . تملّك سنجار مدة، وحاصره الملك العادل أياما، ثم رحل عنه بأمر الخليفة. توفي في صفر.
وتملّك بعده ولده عماد الدّين شاهنشاه أشهرا، ومات قبله أخوه عمر، وتملّك بعده مديدة، ثم سلّم سنجار إلى الأشرف، ثم مات.
وفيها أبو الحسن علي بن أبي زيد بن محمد بن علي النحوي، المعروف بالفصيحي، الإستراباذي [4] .
أخذ النحو عن عبد القاهر صاحب «الجمل الصغرى» [5] ، وتبحر فيه
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 62- 63) و «تاريخ الإسلام» (62/ 281- 282) .
[2] تصحفت في «آ» إلى «الجيزوي» وفي «ط» إلى «الخبزوي» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[3] انظر «العبر» (5/ 63) .
[4] انظر «معجم الأدباء» (15/ 66- 75) و «وفيات الأعيان» (3/ 337) .
[5] في «آ» و «ط» : «الجبل الصقري» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وسماه حاجي خليفة في «كشف الظنون» (1/ 602) : «الجمل في النحو» وسماه عبد اللطيف بن محمد رياض زاده في «أسماء الكتب» ص (126) : «الجمل» وعلق محققه الدكتور محمد ألتونجي في حاشيته بقوله: طبع في دمشق.(7/125)
حتى صار أعرف أهل زمانه، وقدم بغداد واستوطنها، ودرّس النحو بالمدرسة النظامية مدة، وانتفع به خلق كثير، ومن جملة من أخذ عنه ملك النّحاة [1] الحسن بن صافي.
وروى عنه أبو طاهر السّلفي قال: جالسته ببغداد وسألته عن أحرف في [2] العربية.
وقال أنشدني لبعض النّحاة:
النّحو شؤم كلّه فاعلموا ... يذهب بالخير [3] من البيت
خير من النحو وأصحابه ... ثريدة تعمل بالزيت
توفي يوم الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة ببغداد.
قال ابن خلّكان: ولم أعرف أنسبه بالفصيحي إلى كتاب «الفصيح» لثعلب أم لشيء آخر؟
وفيها أبو عبد الله نصير الدّين محمد بن عبد الله بن الحسين السّامرّي، الفقيه الفرضي الحنبلي، ويعرف بابن سنينة- بسين مهملة مضمومة ونونين مفتوحتين بينهما ياء تحتية ساكنة [4]-.
قال ابن النجار: ولد سنة خمس وثلاثين وخمسمائة بسامرا.
وسمع من ابن البطّي، وأبي حكيم النّهرواني، وغيرهما ببغداد، وتفقّه على أبي حكيم ولازمه، وبرع في الفقه والفرائض، وصنّف فيهما تصانيف
__________
[1] تصحفت في «ط» إلى «ملك النجاة» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «من» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «بالخبز» .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 470- 471) و «تاريخ الإسلام» (62/ 288) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 144- 145) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 121- 122) .(7/126)
مشهورة، منها كتاب «المستوعب» في الفقه، وكتاب «الفروق» وكتاب «البيان» [1] في الفرائض.
وولي القضاء بسامرا وأعمالها مدة، ثم ولي القضاء والحسبة ببغداد، ثم عزل عن القضاء وبقي على الحسبة، ثم عزل عنها وولي إشراف ديوان الزّمام وعزل أيضا. ولقّب في أيام ولايته «معظّم الدّين» ولما عزل لزم بيته مدة، ثم أذن له بالعود إلى بلده فعاد إليها، ثم رجع إلى بغداد في آخر عمره وبها توفي.
قال ابن النجار: كان شيخا جليلا فاضلا نبيلا حسن المعرفة بالمذهب والخلاف، له مصنفات فيها حسنة، وما أظنه روى شيئا من الحديث.
وذكر ابن السّاعي المؤرخ أنه كتب عنه، وأجاز للشيخ عبد الرحيم بن الزّجّاج [2] .
توفي ليلة الثلاثاء سابع عشري رجب ودفن بمقبرة باب حرب.
وفي كتابيه «المستوعب» و «الفروق» فوائد جليلة ومسائل غريبة.
وفيها أبو الحسين تاج الدّين يحيى بن [أبي] علي [منصور] بن الجرّاح ابن الحسين بن محمد بن داود [3] .
كتب في ديوان الإنشاء بالدّيار المصرية مدة طويلة، وكان خطّه في غاية الجودة، وكان فاضلا أديبا متقنا، له فطرة حسنة، وشعر جيد رائق، ورسائل أنيقة. سمع الحديث بثغر الاسكندرية على السّلفي، وسمع الناس عليه، وله
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «البستان» .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن الدجاج» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 472- 473) و «وفيات الأعيان» (6/ 254- 258) و «تاريخ الإسلام» (62/ 294- 295) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.(7/127)
لغز في الدّملج [1] الذي تلبسه النساء، وهو: ما شيء قلبه حجر، ووجهه قمر، إن نبذته صبر، واعتزل البشر، وإن أجعته رضي بالنّوى، وانطوى على الخوى، وإن أشبعته قبّل قدمك، وصحب خدمك، وإن علقته ضاع، وإن أدخلته السوق أبى أن يباع، وإن أظهرته جمّل المتاع، وأحسن الإمتاع، وإن شددت ثانيه وحذفت منه القافية كدر الحياة، وأوجب التخفيف في الصلاة، وأحدث وقت العصر الضجر، ووقت الفجر الخدر، وجمع بين حسن العقبى وقبح الأثر، وإن فصلته دعا لك وأبقى [2] ، ما إن ركبته هالك، وربما بلّغك آمالك، وكثّر مالك وأحسن بعون المساكين مآلك، والسلام.
وكانت ولادته خامس عشر شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وتوفي خامس شعبان بدمياط.
__________
[1] جاء في «المعجم الوسيط» (1/ 297) : الدّملج والدّملوج: سوار يحيط بالعضد.
[2] كذا في «آ» و «وفيات الأعيان» . وفي «ط» : «وإن» .(7/128)
سنة سبع عشرة وستمائة
في رجبها كانت وقعة البرلّس [1] بين الكامل والفرنج، وكان نصرا عزيزا، قتل من الملاعين عشرة آلاف، وانهزموا إلى دمياط.
وفيها أخذت التتار خراسان وقتلوا أهلها، وكانوا أخذوا بخارى وسمرقند وقتلوا وما أبقوا، ثم عبروا نهر جيحون، وأبادوا ما هناك قتلا وسبيا وتخريبا إلى حدود العراق، بعد أن هزموا جيوش خوارزم شاه ومزقوهم، ثم عطفوا إلى قزوين فاستباحوها، ثم سارت فرقة كبيرة إلى أذربيجان فاستباحوها، وحاصروا تبريز وبها ابن البهلوان، فبذل لهم أموالا وتحفا، فرحلوا عنه ليشتوا على الساحل، فوصلوا إلى موغان [2] ، وحاربوا الكرج وهزموهم في ذي القعدة من هذه السنة.
ثم ساروا إلى مراغة، فأخذوها [3] بالسيف. ثم كروا نحو إربل،
__________
[1] جاء في حاشية «النجوم الزاهرة» (6/ 248) : البرلس من الثغور المصرية القديمة الواقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، بين دمياط ورشيد، وإليها تنسب بحيرة البرلس الواقعة في شمال مديرية الغربية. وانظر «معجم البلدان» (1/ 402) .
[2] في «ط» : «مرغان» وهو خطأ.
قال القزويني في «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (564) موغان: ولاية واسعة بها قرى ومروج بآذربيجان. وفي «تاريخ الإسلام» (62/ 42) : «مفرقان» وهو تحريف فتصحح.
[3] في «ط» : «فأخذوا» .(7/129)
فاجتمع لحربهم عسكر العراق والموصل مع صاحب إربل فهابوهم، وعرّجوا إلى همذان، فحاربهم أهلها أشد محاربة في العام المقبل، وأخذوها بالسيف وأحرقوها. ثم نزلوا على بيلقان [1] وأخذوها بالسيف، وقتلوا بلا استثناء، ثم حاربوا الكرج أيضا وقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا. ثم سلكوا طرقا وعرة في جبال دربند شروان [2] وانبثوا في تلك الأراضي وبها اللّان، واللكز، وطوائف من التّرك، وفيهم قليل مسلمون، فاجتمعوا والتقوا وكانت الدّبرة على اللّان. ثم بيّتوا القفجاق وقتلوا وسبوا وأقاموا بتلك الدّيار، ووصلوا إلى سوادق [3] وهي مدينة القفجاق فملكوها، وأقاموا هناك إلى سنة عشرين وستمائة.
ولما تمكّن الطاغية جنكزخان، وعتا وتمرّد، وأباد الأمم، وأذلّ العرب والعجم، قسّم عساكره، وجهز كل فرقة إلى ناحية من الأرض، ثم عادت إليه أكثر عساكره إلى سمرقند، فلا يقال: كم أباد هؤلاء من بلد، وإنما يقال:
كم بقي.
وكان خوارزم شاه محمد بطلا مقداما هجّاما، وعسكره أوباشا [4] ليس لهم ديوان ولا إقطاع، بل يعيشون من النهب والغارات. وهم تركيّ كافر، أو مسلم جاهل، لم يعرفوا تعبئة العسكر في المصافّ، ولم يدمنوا إلّا على
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سلفان» والتصحيح من «العبر» (5/ 65) و «تاريخ الإسلام» (62/ 43) وانظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (513) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سروان» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «سوراق» بالراء فتصحح، وانظر «الكامل» لابن الأثير (12/ 386) و «تاريخ الإسلام» (62/ 44) . قال ابن الأثير في «الكامل» : سوداق مدينة القفجاق وهي على بحر الخزر. وهو المعروف الآن ببحر قزوين.
[4] في «العبر» طبع الكويت: «أوشابا» وفي «العبر» طبع بيروت: «أو شابا» وقد فصل محققه بين «أو» و «شابا» ! وصواب اللفظة كما أراده صاحب «العبر» : «أو شابا» .
قال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» (وشب) : الأوشاب: الأوباش والأخلاط واحده:
وشب بالكسر.(7/130)
المهاجمة، ولا لهم زرديّات ولا عدد جيدة [1] . ثم إنه كان يقتل بعض القبيلة ويستخدم باقيها، ولم يكن فيه شيء من المداراة ولا التؤدة لا لجنده ولا لعدوّه، وتحرّش بالتتار وهم يغضبون على من يرضيهم، فكيف بمن يغضبهم ويؤذيهم، فخرجوا عليه وهم بنو أب وأولو كلمة مجتمعة وقلب واحد ورئيس مطاع، فلم يمكن أن يقف مثل خوارزم شاه بين أيديهم، ولكل أجل كتاب، فطووا الأرض، وكلّت أسلحتهم وتكلكلت أيديهم مما قتلوا من النساء والأطفال، فضلا عن الرجال، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 قال ابن الأثير [2] : والتتار نوع من التّرك يسجدون للشمس عند شروقها، ويأكلون لحم بني آدم والدواب لا غير، ويأتي المرأة غير واحد، فإذا جاءت بولد لا يعرف من أبوه. ومساكنهم جبال طغماج [3] من نحو الصين.
ملكوا الدّنيا في سنة واحدة. دوابهم التي تحمل أثقالهم تحفر الأرض وتأكل شروش العشب [4] ولا تعرف الشعير.
وفيها توفي قاضي القضاة زكي الدّين [الطّاهر] بن قاضي القضاة محيي الدّين محمد بن الزّكي القرشي الدمشقي [5] . ولي قبل ابن الحرستاني، ثم بعده، وكان ذا هيبة وحشمة وسطوة، وكان الملك المعظّم يكرهه. فاتفق أن زكي الدّين طالب جابي العزيزيّة [6] بالحساب، فأساء الأدب
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «ولا عدد جند» .
[2] انظر «الكامل» لابن الأثير (12/ 360) وقد نقل عنه بتصرف واختصار.
[3] طغماج: مدينة مشهورة كبيرة من بلاد الترك ذات قرى كثيرة. انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (411) .
[4] في «الكامل» لابن الأثير: «وتأكل عروق النبات ... » .
[5] انظر «العبر» (5/ 67) و «تاريخ الإسلام» (62/ 302- 304) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[6] العزيزية: من مدارس الشافعية التي كانت قديما بدمشق الشام. انظر «الدارس في تاريخ المدارس» للنعيمي (1/ 382) .(7/131)
بين يديه [1] ، فأمر بضربه بين يديه، فوجد المعظّم سبيلا إلى أذيّته، فبعث إليه بخلعة أمير قباء وكلّوته [2] وألزمه بلبسهما في مجلس حكمه ففعل، ثم قام فدخل ولزم بيته ثم مات كمدا.
يقال: إنه رمى قطعا من كبده، ومات في صفر كهلا وندم المعظّم.
وفيها الشيخ عبد الله اليونيني، وهو ابن عثمان بن عبد العزيز بن جعفر [3] ، الزاهد الكبير، أسد الشام. كان شيخا كبيرا [4] مهيبا طوالا، حادّ الحال، تامّ الشجاعة، أمّارا بالمعروف، نهاء عن المنكر، كثير الجهاد، دائم الذّكر، عظيم الشأن، منقطع القرين، صاحب مجاهدات وكرامات. كان الأمجد صاحب بعلبك يزوره، فكان يهينه ويقول يا أميجد [5] أنت تظلم وتفعل. وهو يعتذر إليه، وقيل: كان قوسه ثمانين رطلا، وما كان يبالي بالرجال قلّوا أم كثروا.
وكان ينشد هذه الأبيات ويبكي [6] :
شفيعي إليكم طول شوقي إليكم ... وكل كريم للشفيع قبول
وعذري إليكم أنني في هواكم ... أسير ومأسور الغرام ذليل
__________
قال أبو شامة في «ذيل الروضتين» ص (117- 118) : جابي المدرسة المضروب هو السديد خطيب عقربا، واسمه: سالم بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل العقرباني.
[1] كذا في «آ» و «ط» : «فأساء الأدب بين يديه» وفي «العبر» : «فأساء الأدب عليه» وفي «تاريخ الإسلام» : فأغلظ له في الخطاب» .
[2] في «آ» و «ط» : «وكالوته» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه و «ذيل الروضتين» و «تاريخ الإسلام» .
[3] انظر «العبر» (5/ 67- 68) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 101- 103) و «تاريخ الإسلام» (62/ 304- 312) .
[4] لفظة «كبيرا» لم ترد في «ط» و «العبر» مصدر المؤلف.
[5] كذا في «آ» و «ط» : «يا أميجد» وفي «العبر» بطبعتيه و «تاريخ الإسلام» : «يا مجيد» .
[6] الأبيات في «العبر» و «تاريخ الإسلام» (62/ 311) .(7/132)
فإن تقبلوا عذري فأهلا ومرحبا ... وإن لم تجيبوا [1] فالمحبّ حمول
سأصبر لا عنكم ولكن عليكم ... عسى لي إلى ذاك الجناب وصول
قاله في «العبر» .
وقال السخاوي: اقتات سنة بثلاثة دراهم، اشترى بدرهم دقيقا، وبدرهم سمنا، وبدرهم عسلا، ولتّه وجعله ثلاثمائة وستين كبّة، كان يفطر كل ليلة على كبّة. وقيل: إنه عمل مرة مجاهدة تسعين يوما، يفطر كل ليلة على حمّصة حتّى لا يواصل. وكان يأكل كل عشرة أيام أكلة.
وعن الشيخ علي الشبلي قال: احتاجت زوجتي إلى مقنعة، فقلت:
عليّ دين خمسة دراهم، فمن أين أشتري لك مقنعة؟ فنمت فرأيت من يقول لي: إذا أردت أن تنظر إلى إبراهيم الخليل فانظر إلى الشيخ عبد الله بن عبد العزيز، فلما أصبحت أتيته بقاسيون، فقال لي: ما لك يا علي؟ اجلس، وقام إلى منزله وعاد ومعه مقنعة في طرفها خمسة دراهم، فأخذتها ورجعت [2] .
انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : أصله من قرية من قرى بعلبك يقال لها: يونين [3] . كان صاحب رياضات وكرامات ومجاهدات، ولم يقم لأحد قطّ تعظيما لله تعالى، ولا ادّخر، ولا لمس بيده دينارا ولا درهما، زاهدا عفيفا، ما لبس قطّ سوى الثوب الخام وقلنسوة من جلود الغنم تساوي نصف درهم.
وقال القاضي يعقوب قاضي البقاع: كنت يوما بدمشق عند الجسر الأبيض في مسجد هناك وقت الحرّ، وإذا بالشيخ عبد الله قد نزل يتوضأ وإذا
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وإن لم تحنوا» وما أثبته من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[2] أقول: ليس معنى ذلك، أنه يعلم الغيب، فإنه لا يعلم ذلك إلا الله تعالى، وإنما جاءت عفوا. (ع) .
[3] قال الزّبيدي في «تاج العروس» (يون) : يقال لها «يونان» و «يونين» بالضم.(7/133)
بنصرانيّ عابر على الجسر ومعه بغل عليه حمل خمر، فعثر البغل على الطريق ووقع الحمل على الطريق وليس في الطريق أحد، فصعد الشيخ وصاح بي: يا فقيه تعال، فجئت، فقال: عاوني، فعاونته حتّى حمّل الحمل على البغل، وذهب النصراني، فقلت في نفسي: مثل الشيخ يفعل هذا! ثم مشيت خلف البغل إلى العقيبة، فجاء إلى دكان الخمّار وحطّ الحمل وفتح الظروف، فإذا هي قد صارت خلّا، فقال الخمّار: ويحك هذا خلّ، فبكى وقال:
والله ما كانت إلّا خمرا [1] ، وإنما أنا أعرف العلّة، ثم ربط البغل في الحال وصعد إلى الجبل إلى عند الشيخ فدخل عليه وقال: يا سيدي أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وصار فقيرا من فقرائه.
ولما قدم الشيخ حمص للغزاة قدّم له [2] الملك المجاهد أسد الدّين حصانا من خيله، فركبه الشيخ ودخل في العدو، فعمل العجائب، وما قامت غزاة بالشام قطّ إلّا حضرها.
ولما كان يوم الجمعة في عشر ذي الحجّة، صلى الصبح بجامع بعلبك، واغتسل قبل صلاة الجمعة. وجاء داود المؤذن وكان يغسّل الموتى، فقال: ويحك يا داود، أنظر كيف تكون غدا؟ فما فهم داود، وقال: يا سيدي غدا نكون في خفارتك، وصعد الشيخ إلى المغارة، وكان قد أمر الفقراء أن يقطعوا صخرة عند اللّوزة التي كان ينام بجانبها، فقطعوها، فأصبح الشيخ، فصلى الصبح، وصعد إلى الخصرة والفقراء يتممون قطعها والسّبحة في يده، فطلعت الشمس وقد فرغوا منها والشيخ نائم والسّبحة في يده، فجاء خادم من القلعة في شغل فرآه قاعدا نائما، فما تجاسر أن يوقظه، فطال عليه ذلك، فقال: يا عبد الصمد! ما أقدر أقعد أكثر من هذا، فتقدم وقال: يا سيدي فما تكلّم فحركه، فإذا هو ميت، فارتفع الصياح، وجاء صاحب بعلبك فرآه على
__________
[1] أقول: هذا من المبالغات التي لا سند لها. (ع) .
[2] لفظة «له» لم ترد في «ط» .(7/134)
تلك الحال فقال: ابنوا عليه بنيانا وهو على حالته، فقالوا: اتّباع السّنّة أولى، وجاء داود المؤذن فغسّله عند اللّوزة، وذلك يوم السبت وقد تجاوز الثمانين سنة، وقبره يزار ببعلبك، رحمه الله.
وفيها أبو المظفّر بن السمعاني فخر الدّين عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعيد عبد الكريم بن الحافظ أبي بكر محمد بن الإمام أبي المظفّر منصور بن محمد التميمي المروزي [1] الشافعي الفقيه المحدّث، مسند خراسان.
ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وروى كتبا كبارا، منها «البخاري» و «مسند الحافظ أبي عوانة» و «سنن أبي داود» و «جامع الترمذي» و «تاريخ الفسوي» و «مسند الهيثم بن كليب» . سمع من وجيه الشحّامي، وأبي الأسعد القشيري، وخلق. رحّله أبوه إليهم بمرو، ونيسابور، وهراة، وبخارى، وسمرقند، ثم خرّج له أبوه «معجما» في ثمانية عشر جزءا، وكان مفتيا عارفا بالمذهب، وروى الكثير، ورحل الناس إليه، وسمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي، ومات قبله بدهر، وحدّث عنه الأئمة: ابن الصلاح، والضياء المقدّسي، والزّكي البرزالي، والمحب بن النجّار. وخرّج لنفسه «أربعين حديثا» وانتهت إليه رئاسة الشافعية ببلده، وختم به البيت السمعاني. عدم في دخول التتار ومرّ في آخر العام.
وفيها قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى العلوي الحسنيّ [2] ، صاحب مكّة أبو عزيز [3] . عاش أكثر من ثمانين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 68- 69) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 107- 109) و «تاريخ الإسلام» (62/ 313- 316) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسيني» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[3] انظر «العبر» (5/ 69) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 159- 160) و «تاريخ الإسلام» (62/ 323- 324) و «العقد الثمين» (7/ 39- 61) .(7/135)
وفيها خوارزم شاه محمد بن تكش السلطان الكبير علاء الدين [1] . كان ملكا جليلا أصيلا، عالي الهمّة، واسع الممالك، كثير الحروب، ذا ظلم وجبروت وغور ودهاء. تسلطن بعد والده علاء الدّين تكش، فدانت له الملوك، وذلّت له الأمم، وأباد أمة الخطا، واستولى على بلادهم إلى أن قهر بخروج التتار الطغماجية عسكر جنكزخان، واندفع قدّامهم، فأتاه أمر الله من حيث لا يحتسب، فما وصل إلى الرّيّ إلّا وطلائعهم على رأسه، فانهزم إلى قلعة برجين [2] وقد مسّه النصب، فأدركوه وما تركوه يبلع ريقه، فتحامل إلى همذان، ثم إلى مازندران، وقعقعة سلاحهم قد ملأت مسامعه، فنزل ببحيرة هناك، ثم مرض بالإسهال، وطلب الدواء فأعوزه، ومات. فقيل: إنه حمل إلى دهستان في البحر.
وأما ابنه جلال الدّين [3] فتقاذفت به البلاد وألقته بالهند، ثم رمته الهند إلى كرمان، وقيل: بلغ عدد جيشه ثلاثمائة ألف، وقيل: أكثر من ذلك.
وفيها أبو عبد الله شهاب الدّين محمد بن أبي المكارم الفضل بن بختيار بن أبي نصر البعقوبي [4] الخطيب الواعظ الحنبلي ويعرف بالحجّة [5] .
__________
[1] انظر «الكامل في التاريخ» (12/ 371- 372) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 139- 143) و «تاريخ الإسلام» (62/ 326- 337) و «العبر» (5/ 69- 70) .
[2] في «بلدان الخلافة الشرقية» ص (187) : وتعرف اليوم «أسّار لك» .
[3] أخباره مبسوطة في أماكن متفرقة من الجزء الثاني عشر من «الكامل في التاريخ» .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «اليعقوبي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» .
واليعقوبي: نسبة إلى «بعقوبا» قرية كبيرة كالمدينة بينها وبين بغداد عشر فراسخ. انظر «معجم البلدان» (1/ 453) .
[5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 13- 14) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 123) .(7/136)
ذكر أن مولده في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ببعقوبا [1] ، وسمع ببغداد من ابن الجوزي وطبقته، ومن أبي الوقت، والشيخ عبد القادر [2] وولي الخطابة ببلده بعقوبا [3] ، وحدّث بها وبإربل وغيرهما، وحدّث بأحاديث فيها وهم، فعرف الخطأ فيها فترك روايتها، وصنّف كتاب «غريب الحديث» و « «شرح العبادات الخمس» لأبي الخطّاب وقرأه على أبي الفتح بن المنّي سنة إحدى وثمانين، وكتب له عليه، قرأه على مصنّفه الشيخ الأجل العالم الفقيه بهاء الدّين حجّة الإسلام قراءة عالم بما فيه من غرائب الفوائد وعجائب الفرائد.
توفي في جمادى الأولى بدقوقا ودفن بها.
وفيها صدر الدّين، شيخ الشيوخ، أبو الحسن، محمد بن شيخ الشيوخ عماد الدّين عمر بن علي الجويني [4] .
برع في مذهب الشافعي، وسمع من يحيى الثقفي، ودرّس وأفتى، وزوّجه شيخه القطب النيسابوري بابنته فأولدها الإخوة الأمراء الأربعة، ثم ولي بمصر تدريس الشافعي، ومشهد الحسين، وبعثه الكامل رسولا يستنجد بالخليفة وجيشه على الفرنج، فأدركه الموت بالموصل. أجاز له أبو الوقت [السّجزيّ] وجماعة، وكان كبير القدر.
وفيها الشيخ الكبير الشهير، كبير الشأن، ظاهر البرهان، المبارك على أهل زمانه، محمد بن أبي بكر الحكمي اليمني [5] ، نفع الله به. نشأ في
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بيعقوبا» وهو تصحيف والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» .
[2] يعني الجيلاني.
[3] في «آ» و «ط» : «يعقوبا» .
[4] انظر «العبر» (5/ 70- 71) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 79- 80) و «تاريخ الإسلام» (62/ 340- 341) ولفظة «السجزي» التي بين الحاصرتين زيادة منه.
[5] انظر «غربال الزمان» ص (500- 501) .(7/137)
السلوك في بلده المصبرا- بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وقبل الألف راء، بلدة من نواحي رحبان- وبها قبر والده، ثم انتقل إلى ذوال ثم إلى سهام، وصحب بها الفقيه العالم الصالح المصلح محمد بن حسين البجليّ، وأخذ خرقة التصوف القادرية عن الشيخ علي الحداد، وسكن مع البجلي في عواجة حتّى مات هناك، ومات البجليّ بعده سنة إحدى وعشرين وستمائة، وقبراهما متلاصقان، وإلى جانبهما علي بن الحسين البجلي، ولهما زاوية محترمة، وذكر واسع، وكرامات جمّة، وذريّة أخيار، نعدد فيهم الصلحاء العلماء، وبصحبتهما ومحبتهما في الله يضرب المثل.
قاله ابن الأهدل.
وفيها صاحب حماة الملك المنصور محمد بن المظفّر تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيوب [1] . سمع من أبي الطاهر بن عوف، وجمع «تاريخا» على السنين في مجلدات.
وقد تملّك حماة بعده ولده الناصر قلج أرسلان، فأخذها منه الكامل وسجنه ثم أعطاها لأخيه الملك المظفّر.
وفيها المؤيد بن محمد بن علي بن حسن رضي الدّين أبو الحسن الطّوسي [2] المقرئ، مسند خراسان.
ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة [3] ، وسمع «صحيح مسلم» من الفراوي، و «صحيح البخاري» من جماعة، وعدة كتب وأجزاء، وانتهى إليه علو الإسناد بنيسابور، ورحل إليه من الأقطار.
توفي ليلة الجمعة العشرين من شوال.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 71) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 146- 147) و «تاريخ الإسلام» (62/ 341- 343) .
[2] انظر «العبر» (5/ 71) و «تاريخ الإسلام» (62/ 346- 348) .
[3] لفظة «وخمسمائة» لم ترد في «ط» .(7/138)
وفيها ناصر بن مهدي الوزير نصير الدّين العجمي [1] قدم من مازندران سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، فوزر للخليفة الناصر سنتين ثم قبض عليه سنة أربع وستمائة، وعاش إلى هذا الوقت، توفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن هلالة الحافظ عبد العزيز بن الحسين [2] كان حافظا نقادا مجودا.
قال ابن ناصر الدين في «بديعته» [3] :
ثمّ فتى هلالة الطّبيري ... يفوح زهر خيره الكثير
وأثنى عليه في شرحها.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 71) و «تاريخ الإسلام» (62/ 348) .
[2] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 316- 317) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (173/ ب) .
[3] (24/ آ) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.(7/139)
سنة ثمان عشرة وستمائة
استهلت والدّنيا تغلي بالتتار، وتجمّع إلى السلطان جلال الدّين بن خوارزم شاه كل عساكره، والتقى تولي خان بن جنكزخان، فانكسر تولي خان وأسر من التتار خلق وقتل آخرون ولله الحمد، فقامت قيامة جنكزخان، واشتد غضبه إذ لم ينهزم له جيش قبلها، فجمع جيشه وسار بهم إلى ناحية السّند، فالتقاه جلال الدّين في شوال من السنة، فانهزم جيشه أيضا وثبت هو وطائفة، ثم ولى جنكزخان منهزما وكادت الدائرة تدور عليه لولا كمين عشرة آلاف خرجوا على المسلمين، فطحنت الميمنة وأسروا [1] ولد السلطان جلال الدين فتبدد نظامه وتقهقر إلى حافة السّند.
وأما بغداد فانزعج أهلها، وقنت المسلمون، وتأهب الخليفة واستخدم، وأنفق الأموال.
وفيها تملّك التتار مراغة وخرّبوها وأحرقوها، وقتلوا أكثر أهلها، وساروا إلى بلاد الروس.
وفيها سار الملك الأشرف ينجد أخاه الكامل، وسار معه عسكر الشام.
وخرجت الفرنج من دمياط بالفارس والراجل أيام زيادة النيل، فنزلوا
__________
[1] في «ط» : «وأسرو» وهو خطأ، وفي «العبر» : «وأسر» .(7/140)
على ترعة، فبثق المسلمون عليها النيل، فلم يبق لهم وصول إلى دمياط، وجاء الأسطول فأخذوا مراكب الفرنج، وكانوا مائة كند [1] وثمانمائة فارس، فيهم صاحب عكا وخلق من الرجّالة، فلما عاينوا الخذلان تطلبوا الصلح على أن يسلّموا دمياط إلى الكامل، فأجابهم، ثم جاءه أخواه بالعساكر في رجب، فعمل سماطا عظيما، وأحضر ملوك الفرنج وأنعم عليهم، ووقف في خدمته المعظّم والأشرف، وكان يوما مشهودا، وقام راجح الحلّي [2] فأنشد قصيدة منها:
ونادى لسان الكون في الأرض رافعا ... عقيرته في الخافقين ومنشدا
أعبّاد عيسى إن عيسى وحزبه ... وموسى جميعا ينصران محمّدا
وأشار إلى الإخوة الثلاثة.
وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة نجم الدّين أبو الجناب الخيوقي أحمد بن عمر بن محمد [3] الصوفي المحدّث، شيخ خوارزم، ويقال له الكبرى. رحل [إلى] الأقطار راكبا وماشيا، وأدرك من المشايخ ما لا يحصى كثرة، ولبس خرقة التصوف النهر جورية من الشيخ إسماعيل القصري والسّهروردية للتبرك من الشيخ أبي ناصر عمّار بن ياسر، وسبق أقرانه في صغره إلى فهم المشكلات والغوامض، فلقبوه الطّامة الكبرى، ثم كثر استعماله، فحذفوا الطّامة وأبقوا الكبرى [4] .
وخيوق المنسوب إليها من قرى خوارزم.
__________
[1] جاء في حاشية «تاريخ الإسلام» (62/ 55) ما نصه: الكند: هو الكونت، ويجمعها المؤرخون المسلمون آنذاك على كنود.
[2] سترد ترجمته في ص (217) من هذا المجلد.
[3] انظر «العبر» (5/ 73) و «تاريخ الإسلام» (62/ 353- 355) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 111- 114) و «غربال الزمان» ص (501- 502) .
[4] وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (62/ 353) : سمعت أبا العلاء الفرضي يقول: إنما هو نجم الكبراء، ثم خفّف وغيّر، وقيل: نجم الدّين الكبرى.(7/141)
سمع بهمذان من الحافظ أبي العلاء، وبالإسكندرية من السّلفي، وعني بمذهب الشافعي والتفسير، وله «تفسير» في اثنتي عشرة مجلدة، واجتمع به الإمام فخر الدّين الرّازي فاعترف بفضله.
قال عمر بن الحاجب: طاف البلاد، وسمع بها الحديث، واستوطن خوارزم، وصار شيخ تلك الناحية، وكان صاحب حديث وسنّة، ملجأ للغرباء، عظيم الجاه، لا يخاف في الله لومة لائم.
وقال ابن الأهدل: استشهد- رضي الله عنه- بخوارزم في فتنة التتار، وذلك أن سلطانها لما فرّ [1] ، جمع الشيخ أصحابه وكانوا نحو ستين، فقال لهم: ارتحلوا إلى بلادكم، فإنه قد خرجت نار من المشرق تحرق إلى قرب المغرب، وهي فتنة عظيمة ما وقع في هذه الأمة مثلها، فقال له بعضهم: لو دعوت برفعها، فقال: هذا قضاء محكم لا ينفع فيه الدعاء. فقالوا له: تخرج معنا، فقال: إني أقتل هاهنا [2] ، فخرج أصحابه.
فلما دخل الكفّار البلد، نادى الشيخ وأصحابه الباقون: الصلاة جامعة، ثم قال: قوموا نقاتل في سبيل الله، ودخل البيت ولبس خرقة شيخه، وحمل على العدو فرماهم بالحجارة، ورموه بالنبل، وجعل يدور ويرقص حتّى أصابه سهم في صدره فنزعه ورمى به نحو السماء، وفار الدم وهو يقول: إن أردت فاقتلني بالوصال أو بالفراق، ثم مات، ودفن في رباطه، رحمه الله تعالى.
وفيها عبد الرحيم بن النّفيس بن هبة الله بن وهبان بن رومي بن سلمان بن محمد بن سلمان بن صالح بن محمد بن وهبان السّلمي الحديثي ثم البغدادي أبو نصر [3] الفقيه الحنبلي المحدّث.
ولد في عاشر ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة ببغداد، وسمع الكثير
__________
[1] في «ط» : «لما قد» وهو خطأ وفي «غربال الزمان» : «لما مرّ» .
[2] أقول: هذا أيضا من المبالغات، ولا يعلم الغيب إلا الله. (ع) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 128- 130) .(7/142)
من أبي الفتح بن شاتيل وخلق، وبالغ في الطلب، وارتحل فيه إلى الشام، والجزيرة، ومصر، والعراق، وخراسان، وما وراء النهر، وخوارزم، وتفقه في المذهب، وتكلّم في مسائل الخلاف. وحدّث ببغداد ودمشق وغيرهما.
قال ابن النجار: كان مليح الخطّ، صحيح النقل والضبط، حافظا، متقنا، ثقة، صدوقا، له النظم والنثر الجيد. كان من أكمل الناس ظرفا ولطفا، وحسن خلق، وطيب عشرة وتواضع، وكمال مروءة، ومسارعة إلى قضاء حوائج الإخوان.
ومن شعره:
سلوا فؤادي هل صفا شربه ... منذ [1] نأيتم عنه أو راقا؟
وهل يسلّيه إذا غبتم ... إن أودع التسليم أوراقا؟
قتل شهيدا في فتنة التتار بخراسان.
وفيها أبو القاسم عبد الغني بن قاسم بن عبد الرزاق بن عيّاش الهلباوي المقدسي الأصل المصري [2] ، الفقيه الحنبلي الزاهد.
سمع بمصر من البوصيري وغيره، وتفقّه في المذهب، وانقطع إلى الحافظ عبد الغني [3] ولازمه، وكتب عنه كثيرا من مصنّفاته وغيرها. ذكر ذلك المنذري. وقال: سمع معنا من جماعة من شيوخنا، وصحب جماعة من المشايخ، وكان صالحا مقبلا على مصالح نفسه، منفردا، قانعا باليسير، يظهر التجمل مع ما هو عليه من الفقر، وحدّث.
وتوفي ليلة ثامن عشر صفر ودفن من الغد بسفح المقطّم.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «مذ» وما أثبتناه يقتضيه الوزن.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 35) و «تاريخ الإسلام» (62/ 365) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 123- 124) وقد تحرفت «الهلباوي» فيه إلى «الهناوي» .
[3] يعني المقدسي كما جاء مبينا في «التكملة» .(7/143)
وفيها عبد المعزّ بن محمد بن أبي الفضل بن أحمد أبو روح الهرويّ البزّاز ثم الصوفي [1] ، مسند العصر.
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وسمع من تميم الجرجاني، وزاهر الشحّامي وطبقتهما، وله «مشيخة» في جزء. روى شيئا كثيرا، واستشهد في دخول التتار هراة في ربيع الأول، وهو آخر من كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبعة أنفس ثقات. قاله في «العبر» .
وفيها أبو محمد عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني الدمشقي [2] الحافظ. تكلم فيه ابن النجار بعدم تحريره في الحديث، وفقد بنيسابور لما دخلتها التتار بالسيف.
قال ابن ناصر الدّين [3] :
مثاله المفقود ذا الشيباني ... عبد العزيز اللّين المباني
أي الضعيف.
وفيها أبو الحسن علي بن ثابت بن طالب بن الطالباني البغدادي الأزجي [4] الفقيه الحنبلي الواعظ موفق الدّين.
سمع ببغداد من صالح ابن الرحلة، وشهدة، وسمع بالموصل من خطيبها أبي الفضل، وتفقه ببغداد على ابن المنّي، واشتغل بالموصل بالخلاف على ابن يونس الشافعي، وأقام بحرّان مدة عند الخطيب ابن تيمية، ثم جرى بينه وبينه نكد، فقدم دمشق ثم رجع وأقام برأس العين من أرض الجزيرة ووعظ هناك، وانتفع به.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 74) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 114- 115) .
[2] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 365) و «التبيان شرح بديعة البيان» (174/ آ) .
[3] في «بديعة البيان» (24/ آ) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 125- 128) .(7/144)
قال ابن نقطة: سمعت منه وسماعه صحيح.
وقال المنذري: له اختيارات في المذهب.
وفيها القاسم بن المفتي أبي سعد عبد الله بن عمر أبو بكر بن الصفّار النيسابوري [1] الشافعي الفقيه.
روى عن جدّه العلّامة عمر بن أحمد الصفّار، ووجيه الشّحّامي، وأبي الأسعد القشيري، وطائفة، وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
استشهد في دخول التتار نيسابور في صفر.
وفيها الشهاب محمد بن خلف بن راجح بن بلال بن هلال بن عيسى بن موسى بن الفتح بن زريق المقدسي ثم الدمشقي [2] الإمام أبو عبد الله الحنبلي الفقيه المناظر.
ولد سنة خمسين وخمسمائة بجمّاعيل، ثم قدم دمشق وسمع بها من أبي المكارم بن هلال. وقدم مصر فسمع بها بالإسكندرية من السّلفي وأكثر عنه. وقدم بغداد فسمع من ابن الخشّاب، وشهدة وطبقتهم، وتفقه بها في المذهب والخلاف على ابن المنّي حتى برع. وكان بحاثا مناظرا مفحما للخصوم، ذا حظ من صلاح وأوراد وسلامة صدر. أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر.
قال المنذري: لقيته بدمشق وسمعت منه، وكان كثير المحفوظات، متحريا في العبادات، حسن الأخلاق.
وقال أبو المظفّر سبط ابن الجوزي: كان زاهدا عابدا ورعا، فاضلا في
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 74- 75) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 139) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 36- 37) و «العبر» (5/ 75) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 124- 125) .(7/145)
فنون العلوم، وحفظ «المقامات الحريرية» في خمسين ليلة فتشوش خاطره، وكان يغسل باطن عينيه حتّى قلّ نظره. وكان سليم الصدر من الأبدال، ما خالف أحدا قطّ، رأيته يوما وقد خرج من جامع الجبل، فقال له إنسان:
ما تروح إلى بعلبك؟ فقال: بلى، فمشى من ساعته إلى بعلبك بالقبقاب.
وقال أبو شامة: كنت أراه يوم الجمعة قبل الزوال يجلس في درج المنبر السفلي بجامع الجبل، وبيده كتاب من كتب الحديث وأخبار الصالحين يقرؤه على الناس، إلى أن يؤذن المؤذن للجمعة.
وتوفي يوم الأحد سلخ صفر، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد الغالب العثماني المحدّث الدمشقي [1] . ديّن، صالح ورع. روى عن أحمد بن حمزة بن الموازيني، وابن كليب، وطبقتهم. توفي بالمدينة النبوية في المحرّم [2] كهلا.
وفيها أبو نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي [3] .
روى عن أبيه، وابن ناصر، وسعيد بن البنّا، وأبي الوقت. وسكن دمشق، وكان عريا من العلم. توفي في أول جمادى الآخرة عن ثمانين سنة قاله في «العبر» .
وفيها أبو الفتوح برهان الدّين نصر بن محمد بن علي بن أبي الفرج أحمد بن الحصري الهمذاني البغدادي الحنبلي [4] المقرئ المحدّث الحافظ الزاهد الأديب. نزيل مكة.
ولد في شهر رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمائة. وقرأ القرآن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 75) و «تاريخ الإسلام» (62/ 384- 385) .
[2] في «آ» و «ط» : «في الحرم» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[3] انظر «العبر» (5/ 75) و «تاريخ الإسلام» (62/ 389) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 130- 132) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (204) .(7/146)
بالروايات على أبي بكر بن الزّاغوني، وأبي الكرم الشهرزوري، وابن السمين، وابن الدجّاجي، وجماعة.
وسمع الحديث الكثير من أبي الوقت [السجزي] وغيره وخلق كثير.
منهم الشيخ عبد القادر [1] ، وعني بهذا الشأن، ثم خرج من بغداد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة فاستوطنها وأمّ بها بالحنابلة، وكان شيخا صالحا متعبدا.
قال ابن الدّبيثي: كان ذا معرفة بهذا الشأن [2] ونعم الشيخ كان، عبادة، وثقة.
قال ابن النجار- هو خاتمة أصحابه-: كان حافظا حجة نبيلا، جمّ الفضائل، كثير المحفوظ، من أعلام الدّين وأئمة المسلمين.
حدّث بالكثير ببغداد، ومكة، وسمع منه خلق كثير من الأئمة والحفاظ [3] ، منهم الدّبيثي، وابن نقطة، وابن النجار، والضياء، والبرزالي، وابن خليل.
وقال ابن الحنبلي: مات بالمهجم من أرض اليمن في شهر ربيع الآخر، وكان خروجه إلى اليمن بأهله لقحط وقع بمكة. وكان ذا عائلة، فنزح بهم إلى اليمن. في نحو سنة ثمان عشرة، أي هذه السنة.
وفيها هبة الله بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس السّديد أبو محمد الدمشقي [4] .
سمّعه أبوه من نصر الله المصّيصي، وابن البن، وكان كثير التلاوة.
توفي في جمادى الأولى.
__________
[1] يعني الجيلاني.
[2] يعني علوم الحديث.
[3] في «ط» : «من الأئمة الحفاظ» .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 390- 391) و «العبر» (5/ 76) .(7/147)
وفيها أبو الدّر ياقوت بن عبد الله [1] الموصلي [2] الكاتب المجيد المشهور، الملقب أمين الدّين، المعروف بالملكي، نسبة إلى السلطان ملكشاه. سكن الموصل، وأخذ النحو عن ابن الدهّان، وكان ملازما قراءة «ديوان» المتنبي و «المقامات» وكتب بخطّه الكثير، وانتشر خطّه في الآفاق، وكان خطّه في نهاية الحسن، ولم يؤدّ أحد طريقة ابن البوّاب مثله، مع فضل غزير ونباهة، وكان مغرى بنقل «صحاح» الجوهري، وكتب منها نسخا كثيرة كل نسخة في مجلد، وكتب عليه خلق كثير وانتفعوا به، وكانت له سمعة كثيرة في زمنه، مات في هذه السنة وقد أسنّ وتغيّر خطّه كثيرا.
وفيها سالم بن سعادة الحمصي [3] الشاعر، مات بحلب.
ومن شعره:
وروض أريض من شقيق ونرجس ... لنوريهما من تحت قضب الزّبرجد
خدود عقيق تحت خالات عنبر ... وأجفان درّ حول أحداق عسجد
وفيها جلال الدّين [الحسن، حفيد] الحسن [بن] الصّبّاح [4] ، صاحب الألموت، وكردكوه [5] ، وهو مقدّم الإسماعيلية، وكان قد أظهر شريعة الإسلام من الأذان وغيره وولّى بعده ولده الأكبر.
__________
[1] تنبيه: في «آ» و «ط» : «ياقوت المستعصمي بن عبد الله الموصلي» وهو وهم من المؤلف رحمه الله، والصواب حذف لفظة «المستعصمي» لأنها سبقت إلى ذهن المؤلف فإن ياقوتا المستعصمي مات سنة (698) كما سيأتي في أواخر أحداثها من هذا الكتاب ص (773) لذا قمت بحذفها.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 119- 122) و «النجوم الزاهرة» (5/ 283) .
[3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
[4] انظر «الكامل في التاريخ» (12/ 405) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 158- 159) و «تاريخ الإسلام» (62/ 358) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[5] في «آ» و «ط» : «ودردكوه» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» .(7/148)
سنة تسع عشرة وستمائة
فيها توفي أبو طالب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الكناني الإسكندراني المالكي [1] .
روى عن السّلفي وجماعة، وهو من بيت قضاء وحشمة. توفي في جمادى الآخرة.
وفيها ابن الأنماطي الحافظ تقي الدّين أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن المصري الشافعي [2] .
قال عمر بن الحاجب: كان إماما ثقة حافظا، مبرّزا، واسع الرواية، وعنده فقه وأدب ومعرفة بالشعر وأخبار الناس. قال: وسألت الحافظ الضياء عنه فقال: حافظ ثقة مفيد إلّا أنه كان كثير الدعابة مع المرد.
وقال ابن النجار [3] : ولد سنة سبعين وخمسمائة، واشتغل من صباه، وتفقّه وأقرأ الأدب [4] وسمع الكثير، وقدم دمشق سنة ثلاث وتسعين، ثمّ حجّ سنة إحدى وستمائة وقدم مع الركب، وكانت له همّة وافرة وجدّ واجتهاد
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 76) و «تاريخ الإسلام» (62/ 395- 396) .
[2] انظر «العبر» (5/ 76) و «تاريخ الإسلام» (62/ 399- 400) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 134- 135) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن البخاري» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وافر الأدب» .(7/149)
ومعرفة كاملة، وحفظ وفصاحة، وفقه، وسرعة فهم، واقتدار على النّظم والنثر. وكان معدوم النظير في وقته [1] .
قال الضياء: بات صحيحا فأصبح لا يقدر على الكلام أياما، واتصل به ذلك حتّى مات في رجب.
وفيها ثابت بن مشرّف أبو سعد [2] الأزجي البنّاء المعمار [3] . روى عن ابن ناصر والكروخي وطبقتهما فأكثر، وحدّث بدمشق وحلب، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها الشيخ عليّ بن [أبي بكر محمد بن عبد الله بن] إدريس اليعقوبيّ [4] الزاهد، صاحب الشيخ عبد القادر الكيلاني، سيّد زاهد عابد ربّاني متألّه، بعيد الصيت. توفي في ذي القعدة.
وفيها أبو الفضائل شهاب الدّين عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب ابن عبد الواحد الشيرازي الدمشقي بن الحنبلي [5] الفقيه الحنبلي، أخو ناصح الدّين [عبد الرّحمن الآتي ذكره إن شاء الله تعالى، وهو أصغر من الناصح بتسع سنين. سمع ببغداد من نصر الله] [6] القزّاز. وأجاز له الحافظ أبو موسى المديني وغيره، وتفقّه، وبرع، وأفتى، وناظر، ودرّس بمدرسة جدّه بدمشق، وهي الحنبلية جوار الرواحية سكن بني الأسطواني.
__________
[1] في «ط» : «لي وقته» وهو خطأ.
[2] لفظة «أبو سعد» سقطت من «آ» .
[3] انظر «العبر» (5/ 76- 77) و «تاريخ الإسلام» (62/ 400- 401) .
[4] انظر «العبر» (5/ 77) و «تاريخ الإسلام» (62/ 409- 410) و «النجوم الزاهرة» (6/ 254) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما وقد سقط من «العبر» بطبعتيه فيستدرك.
[5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 132- 133) .
[6] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/150)
قال أبو شامة: هو أخو البهاء والناصح، وهو أصغرهم، وكان أبرعهم في الفقه والمناظرة والمحاكمات، بصيرا بما يجري عند القضاة في الدعاوى والبينات.
وقال ابن السّاعي في «تاريخه» : كان فقيها، فاضلا، خيّرا، عارفا بالمذهب والخلاف.
وقال غيره: كان ذا قوة وشهامة، وانتزع مسجد الوزير من يد العلم السخاوي، وبقي للحنابلة.
توفي في [1] سابع ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون.
وفيها العلّامة كمال الدّين علي بن محمد بن يوسف بن النّبيه [2] ، الكاتب الشاعر، صاحب ديوان رسائل الملك الأشرف موسى بن العادل، وله ديوان شعر مشهور كله ملح، فمن شعره:
بدر تمّ له من الشّعر هاله ... من رآه من المحبّين هاله
قصر الليل حين زار ولا غر ... وغزال غارت عليه الغزالة
يا نسيم الصّبا عساك تحمّل ... ت لنا من سكان نجد رسالة
كلّ مسعولة المراشف بيضا ... ء حمتها سمر القنا العسّاله
وله:
أمانا أيّها القمر المطلّ ... فمن جفنيك أسياف تسلّ
يزيد جمال وجهك كلّ يوم ... ولي جسد يذوب ويضمحلّ
يميل بطرفه التركيّ عنّي ... صدقتم إنّ ضيق العين بخل
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[2] انظر «فوات الوفيات» (3/ 66- 73) و «تاريخ الإسلام» (62/ 410) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 178) .(7/151)
أيا ملك [1] القلوب فتكت فيها ... وفتكك في الرّعية لا يحلّ
قليل الوصل يقنعها فإن لم ... يصبها وابل منه فطلّ
وله:
لماك والخدّ النّضر ... ماء الحياة والخضر
أخذتني يا تاركي ... أخذ عزيز مقتدر
أحلت سلواني على ... ضامن قلب منكسر
ونمت عن ذي أرق ... إذا غفا النّجم سهر
قد أضحت الترك به ... ذا العربيّ تفتخر [2]
وليّ عهد البدر إن ... غاب فإنّي منتظر
في خلقه وخلقه ... ما في الغزال والنّمر
ترعاه أحداق الورى ... فحيثما سار تسر
وفيها أبو العبّاس الخضر بن نصر الإربلي [3] الفقيه الشافعي، تفنن في العلوم، مع الزهد والورع، وهو أول من درّس بإربل، وله تصانيف حسان في التفسير والفقه، وله كتاب ذكر فيه ستا وعشرين خطبة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلها مسندة، وانتفع به خلق كثير. قاله ابن الأهدل.
__________
[1] في «آ» : «أيا مالك» .
[2] رواية البيت في «فوات الوفيات» :
قلبي على الترك به ... ذا البدويّ يفتخر
[3] تنبيه: كذا أورد المؤلف ترجمته هنا في حوادث سنة (619) هـ وهو وهم منه تبع فيه ابن الأهدل وابن الأهدل تبع في ذلك اليافعي في «مرآة الجنان» (4/ 45- 46) وقد تبعهم في ذلك أيضا العامري في «غربال الزمان» ص (502) والصواب أنه مات سنة (567) والمتوفى سنة (619) إنما هو ابن أخيه (نصر بن عقيل) الذي سيترجم المؤلف له بعد قليل. انظر «وفيات الأعيان» (2/ 237- 238) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 83) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 118- 119) .(7/152)
وفيها الحافظ محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرج الغافقي الملّاحي الأندلسي الغرناطي المالكي أبو القاسم [1] .
كان إماما، حافظا، مكثرا، من الأثبات. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها أبو القاسم نصر بن عقيل بن نصر الإربلي [2] .
ولد بإربل سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وتفقه بها على عمه أبي العبّاس الخضر المتوفى في هذا العام أيضا [3] ، ثم توجه إلى بغداد سنة ستمائة، فآذاه متوليها [4] مظفّر الدّين، واستولى على أملاكه، فتوجه إلى الموصل سنة ست وستمائة، فأقبل عليه صاحبها الأتابك نور الدّين أرسلان شاه بن مسعود، وأحسن إليه، ورتّب له كفايته، ولم يزل مكرّما إلى أن مات بها في رابع عشر ربيع الآخر. ذكره التفليسي.
وفيها الشيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشّيباني المخارقي القنيّي [5]- نسبة إلى القنيّة، قرية من نواحي ماردين [6]- وهذا شيخ الطائفة اليونسية أولي الشّطح وقلة العقل وكثرة الجهل، أبعد الله شرّهم.
وكان- رحمه الله- صاحب حال وكشف. يحكى عنه كرامات. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 162- 163) و «تاريخ الإسلام» (62/ 415- 416) و «التبيان شرح بديعة البيان» (174/ آ) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 388) و «تاريخ الإسلام» (62/ 419) .
[3] سبق أن نبهت عند التعليق على ترجمة (الخضر بن نصر) المتقدمة قبل قليل إلى وهم المؤلف رحمه الله تعالى في إيراده مع وفيات هذا العام، وأن الصواب وفاته سنة (567) هـ.
[4] في «آ» و «ط» : «بتوليها» وما أثبته يقتضيه السياق.
[5] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 256- 257) و «العبر» (5/ 77- 78) و «تاريخ الإسلام» (62/ 424- 426) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 178- 179) .
[6] قال ابن خلّكان: القنيّة: تصغير قناة.(7/153)
وقال ابن خلّكان: سألت رجلا من أصحابه عنه فقال: كنا مسافرين والشيخ يونس معنا، فنزلنا في الطريق بين سنجار وعانة، وهي مخوفة فلم يقدر أحد منا ينام من شدة الخوف، ونام الشيخ يونس، فلما انتبه قلنا له:
كيف قدرت تنام؟ فقال: والله ما نمت حتّى جاء إسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام، وتدرك القفل، ورحلنا سالمين ببركة الشيخ يونس [1] .
ومن شعره مواليا:
أنا حميت الحمى وأنا سكنت [2] فيه ... وأنا رميت الخلائق في بحار التّيه
من كان يبغي العطا منّي أنا أعطيه ... أنا فتى ما أداني من به تشبيه
وله:
إذا صرت [3] سندانا فصبرا على الذي ... ينالك من مكروه دقّ المطارق
لعلّ اللّيالي أن تعيدك ضاربا ... فتضرب أعناق العدا بالبوارق
توفي بقريته القنيّة وقد ناهز التسعين، وقبره مشهور هناك.
__________
[1] هذا من المبالغات التي لا يقرها شرعنا الحنيف.
[2] كذا في «آ» و «ط» ، وفي «وفيات الأعيان» و «تاريخ الإسلام» : «سكنتو» .
[3] في «ط» : «إذا صوت» وهو تحريف.(7/154)
سنة عشرين وستمائة
فيها كانت الملحمة الكبرى بين التتار وبين القفجاق والرّوس، وثبت الجمعان أياما، ثم انتصرت التتار وغسلوا [1] أولئك بالسيف.
وفيها توفي الشيخ أبو علي الحسن بن زهرة الحسيني النّقيب [2] ، رأس الشيعة بحلب، وعزّهم وجاههم وعالمهم. كان عارفا بالقراءات، والعربية، والأخبار، والفقه، على رأي القوم، وكان متعينا للوزارة، ونفذ رسولا إلى العراق وغيرها، واندكت الشيعة بموته.
وفيها الحسين [3] بن يحيى بن أبي الردّاد المصري، ويسمى أيضا محمدا [4] . كان آخر من روى بنفس مصر عن ابن رفاعة. توفي في ذي القعدة.
وفيها الشيخ موفق الدّين المقدسي أحد الأئمة الأعلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي [5] صاحب التصانيف.
ولد بجمّاعيل سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهاجر مع أخيه الشيخ أبي عمر سنة إحدى وخمسين، وحفظ القرآن، وتفقه، ثم ارتحل إلى بغداد،
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وغلّوا» والتصحح من «العبر» بطبعتيه.
[2] انظر «العبر» (5/ 78) و «تاريخ الإسلام» (429- 430) .
[3] في «آ» و «ط» : «الحسن» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[4] انظر «العبر» (5/ 78- 79) و «تاريخ الإسلام» (430- 431) .
[5] انظر «العبر» (5/ 79- 80) و «تاريخ الإسلام» (62/ 434- 448) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 165- 173) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 133- 149) و «القلائد الجوهرية» (2/ 465- 470) طبعة المجمع.(7/155)
فأدرك الشيخ عبد القادر [1] ، فسمع منه، ومن هبة الله الدقّاق، وابن البطّي وطبقتهم، وتفقه على ابن المنّي حتّى فاق على الأقران، وحاز قصب السبق، وانتهى إليه معرفة المذهب وأصوله، وكان مع تبحّره في العلوم ويقينه، ورعا زاهدا تقيّا ربّانيا، عليه هيبة ووقار، وفيه حلم وتؤدة، وأوقاته مستغرقة للعلم والعمل، وكان يفحم الخصوم بالحجج والبراهين، ولا يتحرّج ولا ينزعج، وخصمه يصيح ويحترق.
قال الحافظ الضياء: كان تامّ القامة، أبيض، مشرق الوجه، أدعج العينين، كأن النّور يخرج من وجهه لحسنه، واسع الجبين، طويل اللّحية، قائم الأنف، مقرون الحاجبين، لطيف اليدين [2] ، نحيف الجسم، إلى أن قال: رأيت الإمام أحمد في النوم فقال: ما قصّر صاحبكم الموفق في شرح «الخرقي» [3] .
وسمعت أبا عمرو [4] بن الصلاح المفتي يقول: ما رأيت مثل الشيخ الموفق.
وسمعت شيخنا أبا بكر بن غنيمة المفتي ببغداد يقول: ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلّا الشيخ الموفق.
قلت: جمع له الضياء ترجمة في جزءين، ثم قال: توفي في يوم عيد الفطر. قاله جميعه في «العبر» .
وذكر الناصح بن الحنبلي [5] : أنه حجّ سنة أربع وسبعين وخمسمائة،
__________
[1] يعني الجيلاني رحمه الله تعالى وهو عبد القادر بن موسى، وقد توفي ببغداد سنة (561) هـ.
[2] في «آ» و «ط» : «لطيف البدن» وما أثبته في «العبر» .
[3] يعني «مختصر الخرقي» ومعلوم أنه شرحه في كتابه العظيم «المغني» وسوف يذكر المؤلف ذلك بعد قليل.
[4] في «ط» : «أبا عمر» وهو خطأ.
[5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 134) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (186) وما بين الحاصرتين مستدركة منه.(7/156)
ورجع مع وفد العراق إلى بغداد، وأقام بها [سنة] . واشتغلنا جميعا على الشيخ أبي الفتح [بن المنّي] ثم رجع إلى دمشق واشتغل بتصنيف كتاب «المغني في شرح الخرقي» فبلغ الأمل في إتمامه، وهو كتاب بليغ في المذهب، عشر مجلدات، تعب عليه وأجاد فيه، وجمّل به [1] المذهب. وقرأه عليه جماعة، وانتفع بعلمه طائفة كثيرة.
قال: ونشأ على سمت [2] أبيه وأخيه، في الخير، والعبادة، وغلب عليه الاشتغال بالفقه والعلم.
وقال سبط ابن الجوزي: كان إماما في فنون كثيرة، ولم يكن في زمانه- بعد أخيه أبي عمر، والعماد [3]- أزهد ولا أورع [4] منه. وكان كثير الحياء، عزوفا [5] عن الدّنيا وأهلها، هينا، لينا، متواضعا، محبا للمساكين، حسن الأخلاق، جوادا، سخيا، من رآه كأنما رأى بعض الصحابة، وكأن النّور يخرج من وجهه. كثير العبادة، يقرأ كل يوم وليلة سبعا من القرآن، ولا يصلي ركعتي السّنّة إلّا في بيته اتباعا للسّنّة. وكان يحضر مجالسي دائما بجامع دمشق وقاسيون.
وقال أبو شامة: كان شيخ الحنابلة موفق الدّين إماما من أئمة المسلمين، وعلما من أعلام الدّين في العلم والعمل، وصنّف كتبا حسانا في الفقه وغيره، عارفا بمعاني الأخبار والآثار. سمعت عليه أشياء، وجاءه مرّة الملك العزيز بن الملك العادل يزوره، فصادفه يصلي، فجلس بالقرب منه
__________
[1] لفظة «به» سقطت من «آ» .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سمعت» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] أقول: أخوه أبو عمر: هو محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة (607) هـ وقد تقدم صفحة (50) .
والعماد: هو إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي، أخو الحافظ عبد الغني المقدسي، توفي سنة (614) هـ وقد تقدم صفحة (105) من هذا المجلد (ع) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أروع» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] في «ط» : «عفوفا» وهو تحريف.(7/157)
إلى أن فرغ من صلاته، ثم اجتمع به ولم يتجوز في صلاته. ومن أظرف [1] ما حكي عنه: أنه كان يجعل في عمامته ورقة مصرورة، فيها رمل يرمّل به ما يكتبه للناس من الفتاوى والإجازات وغيرها، فاتفق ليلة أن [2] خطفت عمامته، فقال لخاطفها: يا أخي خذ من العمامة الورقة المصرورة بما فيها وردّ العمامة أغطي بها رأسي وأنت في أوسع الحلّ مما في الورقة، فظن الخاطف أنها فضة، ورآها ثقيلة، فأخذها وردّ العمامة، وكانت صغيرة عتيقة، فرأى أخذ الورقة خيرا منها بدرجات، فخلّص الشيخ عمامته بهذا الوجه اللّطيف.
وقال أبو العباس بن تيمية: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفق، رحمه الله.
وقال الضياء: كان- رحمه الله تعالى- إماما في القرآن، إماما في التفسير، إماما في علم الحديث ومشكلاته، إماما في الفقه، بل أوحد زمانه [فيه، إماما] [3] في علم الخلاف، أوحد زمانه في الفرائض، إماما في أصول الفقه، إماما في النحو، إماما في الحساب، إماما في النجوم السّيّارة والمنازل.
قال: ولما قدم بغداد قال له الشيخ أبو الفتح بن المنّي: اسكن هنا، فإن بغداد مفتقرة إليك، وأنت تخرج من بغداد ولا تخلّف فيها مثلك.
وكان العماد [4] يعظّم الموفق تعظيما كثيرا، ويدعو له، ويقعد بين يديه، كما يقعد المتعلم من العالم.
__________
[1] في «ط» : «ومن أطرف» .
[2] لفظة «أن» لم ترد في «آ» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[4] يعني عماد الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، أخو الحافظ عبد الغني المقدسي، المتوفى سنة (614) هـ وقد تقدم صفحة (105) .(7/158)
وقال ابن غنيمة: ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلّا الموفق.
وقال أبو عمرو بن الصلاح: ما رأيت مثل الشيخ الموفق.
وقال الشيخ عبد الله اليونيني: ما أعتقد أن شخصا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصّل بها الكمال سواه، فإنه- رحمه الله- كان إماما كاملا في صورته ومعناه، من الحسن، والإحسان، والحلم، والسؤدد، والعلوم المختلفة، والأخلاق الحميدة، والأمور التي ما رأيتها كملت في غيره. وقد رأيت من كرم أخلاقه وحسن عشرته، ووفور حلمه، وكثرة علمه، وغزير فضله وفطنته [1] ، وكمال مروءته، وكثرة حيائه، ودوام بشره، وعزوف نفسه عن الدّنيا وأهلها، والمناصب وأربابها، ما قد عجز عنه كبار الأولياء، فإن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قال: «ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره» [2] فقد ثبت بهذا أن إلهام الذكر أفضل [من] الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى نفعه إلى العباد، وهو تعليم العلم والسّنّة، وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلّة وطبعا، كالحلم، والكرم، والفضل [3] ، والعقل، والحياء، وكان قد جبله الله على خلق شريف، وأفرغ عليه المكارم إفراغا، وأسبغ عليه النّعم، فلطف به في كل حال.
وقال ابن رجب: كان كثير المتابعة للمنقول في باب الأصول وغيره، لا يرى إطلاق ما لم يؤثر من العبارات، ويأمر بالإقرار والإمرار لما جاء في
__________
[1] في «ط» : «وغزير فطنته» .
[2] ذكره الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/ 400) من رواية ابن أبي الدنيا عن أبي ذرّ رضي الله عنه بلفظ «ما من يوم وليلة إلا ولله عز وجل فيه صدقة يمنّ بها على من يشاء من عباده، وما من الله على عبد بأفضل من أن يلهمه ذكره» وصدّره بلفظ روي، وهذا دليل على ضعفه كما ذكر في مقدمته للكتاب، فهو حديث ضعيف.
وهو قطعة من حديث أبي ذر ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/ 236- 237) وقال:
رواه البزّار وفيه حسين بن عطاء، ضعّفه أبو حاتم وغيره، وذكره ابن حبّان في «الثقات» وقال:
يخطئ ويدلس.
[3] لفظة «والفضل» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/159)
الكتاب والسّنّة من الصفات من غير تغيير ولا تكييف، ولا تمثيل ولا تحريف، ولا تأويل ولا تعطيل.
ومن تصانيفه في أصول الدّين «البرهان في مسألة القرآن» و «جواب مسألة وردت من صرخد في القرآن» جزء، و «الاعتقاد» [1] جزء، و «مسألة العلو» جزءان، و «ذم التأويل» جزء، و «كتاب القدر» جزءان، و «منهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين» و «رسالة إلى الشيخ فخر الدّين بن تيمية في عدم تخليد أهل البدع في النار» و «مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام» .
ومن تصانيفه في الحديث « [مختصر العلل للخلّال» مجلد ضخم، و «مشيخة شيوخه» أجزاء كثيرة.
ومن تصانيفه في الفقه: «المغني» في عشر مجلدات، و «الكافي» [2] أربع مجلدات، و «المقنع» [3] مجلد] [4] و «مختصر الهداية» مجلد.
و «العمدة» مجلد صغير، و «مناسك الحج» جزء، و «ذم الوسواس» جزء، وفتاوى ومسائل منثورة، ورسائل شتى كثيرة [5] و «الروضة في أصول الفقه» مجلد.
__________
[1] واسمه الكامل «لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد» وقد طبع في دمشق عام (1391) هـ بمكتبة دار البيان بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، ثم نشرته مكتبة الهدى في الرياض نشرة جديدة عام (1408) هـ اشتملت على زيادات وفوائد نافعة كتبها والدي في حواشي الكتاب. وهو كتاب صغير الحجم جمّ الفوائد لو عمل الإنسان بما فيه لكفاه إن شاء الله عن الخوض في الكتب المطولات في هذا الباب.
[2] وقد قام بتحقيقه والدي حفظه الله بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، ونشره المكتب الإسلامي بدمشق في ثلاث مجلدات كبار عام (1382) هـ.
[3] وهو مطبوع في مصر طبعة قديمة صورت مرات عدة، وقد حصلت على مصورتين لنسختين خطيتين نفيستين منه.
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[5] في «آ» و «ط» : «ورسائل شيء كثير» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/160)
وله في اللغة والأنساب ونحو ذلك مصنفات. وله «كتاب التوابين» [1] و «كتاب المتحابين في الله» و «كتاب الرّقة والبكاء» وغير ذلك.
وانتفع بتصانيفه المسلمون عموما، وأهل المذهب خصوصا، وانتشرت واشتهرت بحسن قصده وإخلاصه، ولا سيما كتابه «المغني» فإنه عظم النفع به، حتّى قال الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم [2] مثل «المجلّى و «المحلّى» [3] وكتاب «المغني» للشيخ موفق الدّين بن قدامة في جودتهما وتحقيق ما فيهما.
ونقل عنه أيضا أنه قال: ما طابت نفسي بالفتيا حتّى صار عندي نسخة «المغني» مع أنه كان يسامي الشيخ في زمانه.
وقال سبط ابن الجوزي: أنشدني الموفق لنفسه:
أبعد بياض الشّعر أعمر مسكنا ... سوى القبر إني إن فعلت لأحمق
يخبّرني شيبي بأني ميّت ... وشيكا وينعاني إليّ فيصدق
يخرّق عمري كل يوم وليلة ... فهل مستطيع رفو [4] ما يتخرّق [5]
كأني بجسمي فوق نعشي ممدّدا ... فمن ساكت أو معول يتحرّق
إذا سئلوا عني أجابوا وأعولوا ... وأدمعهم تنهلّ هذا الموفّق
وغيّبت في صدع من الأرض ضيّق ... وأودعت لحدا فوقه الصخر مطبق
__________
[1] وقد طبع في المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق أول مرة بتحقيق جورج المقدسي، ولكن تلك الطبعة جاءت خالية من الضبط والإتقان والشرح والبيان والتخريج والتوضيح والتعليق على المواطن المهمة، فتصدى لتحقيق ذلك كله والدي حفظه الله وصدرت الطبعة التي حققها منه عن دار البيان بدمشق عام (1389) هـ، ثم صورت مرات كثيرة في دور نشر مختلفة ببيروت. وقد قمت باختصاره بالاشتراك مع الأستاذ حسن مروة، ونشرته دار الخير بدمشق.
[2] قوله: «في العلم» لم يرد في «آ» .
[3] وهما للإمام ابن حزم الأندلسي، وقد شرح «المجلّى» بكتابه «المحلّى» . انظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 194) .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «رفق» .
[5] في «البداية والنهاية» لابن كثير (13/ 100) : «فهل مستطاع رقع ما يتخرق» . (ع) .(7/161)
ويحثو عليّ التّرب أوثق صاحب ... ويسلمني للقبر من هو مشفق
فيا ربّ كن لي مؤنسا يوم وحشتي ... فإني لما أنزلته لمصدّق
وما ضرّني أني إلى الله صائر ... ومن هو من أهلي أبرّ وأرفق
ومن شعره أيضا:
لا تجلسنّ بباب من ... يأبى عليك دخول داره
وتقول حاجاتي إلي ... هـ يعوقها إن لم أداره
اتركه واقصد ربّها ... تقضى وربّ الدار كاره
وتفقه على الشيخ موفق الدّين خلق كثير، منهم ابن أخيه الشيخ شمس الدّين عبد الرحمن. وروى عنه جماعة من الحفّاظ وغيرهم، منهم ابن الدّبيثي، والضياء، وابن خليل، والمنذري، وعبد العزيز بن طاهر بن ثابت الخيّاط المقرئ.
وتوفي- رحمه الله تعالى- بمنزله بدمشق يوم السبت يوم عيد الفطر، وصلّي عليه من الغد، وحمل إلى سفح قاسيون فدفن به، وكان جمع عظيم لم ير مثله.
قال عبد الرحمن بن محمد [1] العلوي: كنا بجبل بني هلال، فرأينا على قاسيون ليلة العيد ضوءا عظيما، فظننا أن دمشق قد احترقت، وخرج أهل القرية ينظرون إليه، فوصل الخبر بوفاة الموفق، وسمّيت تربته بالروضة لأنه رؤي بعض الموتى المدفونون هناك في سرور عظيم، فسئل عن ذلك فقال: كنا في عذاب، فلما دفن عندنا الموفق صارت تربتنا روضة من رياض الجنة [2] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «محمد بن عبد الرحمن» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «القلائد الجوهرية» .
[2] أقول: في هذه القصة أيضا مبالغات. (ع) .(7/162)
وقال سبط ابن الجوزي: كان له أولاد: محمد، ويحيى، وعيسى، ماتوا كلّهم في حياته، وله بنات. ولم يعقب من ولد الموفق سوى عيسى، خلّف ولدين صالحين وماتا وانقطع عقبه.
وفيها أبو أحمد عبد الحميد بن مرّي بن ماضي المقدسي [1] الفقيه الحنبلي، نزيل بغداد. سمع الكثير من ابن كليب وطبقته، وحدّث عنه بنسخة ابن عرفة، سمعها منه الحافظ الضياء، وتفقه في المذهب، وكان حسن الأخلاق، صالحا، خيّرا، متوددا.
توفي ليلة الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة، ودفن بباب حرب.
قال ابن النجار: أظنه جاوز الخمسين بيسير.
وفيها فخر الدّين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الإمام المفتي الدمشقي الشافعي شيخ الشافعية بالشام [2] .
ولد سنة خمسين وخمسمائة، وسمع من عمّيه الصائن، والحافظ أبي القاسم، وحسّان الزيّات، وطائفة. وبرع في المذهب على القطب النيسابوري، وتزوج بابنته، ودرّس بالجاروخية، ثم بالصلاحية بالقدس، ثم بالتقوية بدمشق، وكان يقيم بالقدس أشهرا وبدمشق أشهرا، وكان لا يملّ أحد من رؤيته لحسن سمته واقتصاده في لباسه، ولطفه ونور وجهه، وكثرة ذكره لله تعالى.
قال ابن شهبة: كان لا يخلو لسانه من ذكر الله تعالى، وأريد على أن يلي القضاء فامتنع، وجهّز أهله للسفر إلى ناحية حلب، وأشار بتولية ابن الحرستاني.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 133) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 187- 190) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، (2/ 67- 69) .(7/163)
وقال أبو المظفّر [1] : كان زاهدا، عابدا، ورعا، منقطعا إلى العلم والعبادة، حسن الأخلاق، قليل الرغبة في الدّنيا.
وقال عمر بن الحاجب: صنّف في الفقه والحديث مصنفات، وتفقه عليه جماعة، منهم: عز الدّين بن عبد السلام، وكان إماما، زاهدا، ثقة، كثير التهجد، غزير الدمعة، حسن الأخلاق، كثير التواضع، قليل التعصب. سلك طريق أهل اليقين، وكان يطرّح التكلف، وعرضت عليه مناصب ولايات دينية فأباها. توفي في رجب، ودفن بطرف مقابر الصوفية الشرقي مقابل قبر ابن الصّلاح، جوار تربة شيخه القطب.
وفيها الأمير مبارز الدّين سنقر الصّلاحي [2] . كان مقيما بحلب، ثم انتقل إلى ماردين، فخاف منه الأشرف وشكا حاله للمعظّم، فخدعه ووعده بأن يوليه مهما اختار، وجهّز إليه ابنه، فحضر إلى الشام، فالتقاه المعظم ولم ينصفه، وتفرّق عنه أصحابه، فمرض من شدة غبنه ونزل في دار شبل الدولة بالصالحية، ومات غبنا، فقام شبل الدولة بأمره أحسن قيام، واشترى له تربة على رأس زقاق الخانقاه عند المصنع ودفنه بها، وكان المبارز محبّبا إلى الناس ولم يكن في زمنه أكرم منه.
وفيها محمد [بن سليمان] بن قتلمش السّمرقندي [3] . كان حاجبا للخليفة، وبرع في علم الأدب، وكان مغرى بالنرد والقمار.
__________
[1] يعني سبط ابن الجوزي.
[2] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 432) .
[3] انظر «معجم الأدباء» (18/ 205- 206) و «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» بتحقيق صديقي العزيز الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، مصورة دار ابن كثير، و «الوافي بالوفيات» (3/ 125) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.(7/164)
ومن شعره:
لا والذي سخّر قلبي لها ... عبدا كما سخّر لي قلبها
ما فرحي في حبّها [1] غير أن ... تبيح [2] لي عن هجرها قلبها
ومنه أيضا:
ومقرطق [3] وجدي عليه كردفه ... وتجلّدي والصّبر عنه كخصره
نادمته في ليلة من شعره ... أجلو محاسنه بشمعة ثغره
وفيها صاحب المغرب السلطان المستنصر بالله أبو يعقوب يوسف بن محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسيّ [4] . لم يكن في آل عبد المؤمن أحسن منه ولا أفصح ولا أشغف باللّذات. ولي الأمر عشر سنين بعد أبيه، ومات ولم يعقب.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى: «حبه» .
[2] في «آ» و «ط» : «يتيح» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» ورواية البيت في «معجم الأدباء» :
ما فرحي في حبّها غير أن ... زيّن عندي هجرها قلبها
[3] كذا في «آ» و «ط» : «ومقرطق» وفي «الوافي بالوفيات» : «ومقرطف» بالفاء.
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 465- 467) و «العبر» (5/ 81) .(7/165)
سنة إحدى وعشرين وستمائة
فيها استولى [بدر الدّين] لؤلؤ على الموصل، وخنق ابن أستاذه محمود بن القاهر، وزعم أنه مات.
وفيها عادت التتار من بلاد القفجاق ووصلوا إلى الرّيّ، وكان من سلم من أهلها قد تراجعوا إليها، فما شعروا إلّا بالتتار قد أحاطوا بهم، فقتلوا وسبوا، ثم ساروا إلى قمّ، وقاشان، فأبادوهما، ثم عطفوا إلى همذان، فقتلوا وفظّعوا، ثم ساروا إلى توريز فوقع بينهم وبين الخوارزمية مصاف.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن أبي الفتح يوسف بن محمد الأزجي المشتري [1] . مسند وقته. سمع من الأرموي، وابن الطّلّاية، وابن ناصر، وطائفة، وتفرّد بأشياء. توفي في شعبان.
وفيها أحمد بن محمد القادسي [2] الضرير الحنبلي. كان خشن العيش. طلب المستضيء بالله من يصلي به التراويح، فأحضروه فقالوا:
ما مذهبك؟ قال: حنبلي، فقالوا: ما يمكن أن يصلي بدار الخلافة حنبليّ، فقال [3]
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (142) و «تاريخ الإسلام» (63- 7) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (117) بتحقيق الأستاذ خضير عبّاس محمد خليفة المنشداوي، طبع دار الكتاب العربي ببيروت.
[2] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 47- 48) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 191- 192) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 130- 131) و «ذيل الروضتين» ص (43- 144) .(7/166)
القادسي: أنا حنبلي وما أريد أن أصلي بكم، فسمعه الخليفة فقال: صلّ على مذهبك، وكان ملازما لابن الجوزي، وبه انتفع.
وفيها أبو سليمان ابن حوط الله، وهو داود بن سليمان بن داود الأنصاري [1] نزيل مالقة. رحل، وروى عن ابن بشكوال فأكثر، وعن عبد الحق بن بويه، وأبي عبد الله بن زرقون، وولي قضاء بلنسية، وغيرها، وعاش تسعا وستين سنة.
وفيها أبو طالب بن عبد السميع عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع بن أبي تمّام الواسطي [2] المقرئ المعدّل. قرأ القراءات على عبد العزيز السّماتي وغيره، وسمع ببغداد من هبة الله بن الشّبلي وطائفة، وصنّف أشياء حسنة، وعني بالحديث والعلم. توفي في المحرّم عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها ابن الحباب، القاضي الأسعد، أبو البركات عبد القوي بن عبد العزيز بن الحسين التميمي السّعدي الأغلبي المصري [3] المالكي الأخباري المعدّل، راوي «السيرة» عن ابن رفاعة [4] . كان ذا فضل ونبل، وسؤدد، وعلم، ووقار، وحلم. وكان جمالا لبلده. توفي في شوال وله خمس وثمانون سنة.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 119- 120) و «تاريخ الإسلام» (63/ 50- 51) و «العبر» (5/ 83) .
[2] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 611- 612) و «العبر» (5/ 83) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 185- 187) و «تاريخ الإسلام» (63/ 55- 56) .
[3] انظر «العبر» (5/ 83) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) .
[4] هو أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي المصري المتوفى سنة (561) انظر «العبر» (4/ 174) و «حسن المحاضرة» (1/ 406) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السادس ص (329) .(7/167)
وفيها عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، سلطان المغرب، أبو محمد [1] . ولي الأمر في العام الماضي فلم يدار أمراء البربر فخلعوه وخنقوه في شعبان، وكانت ولايته تسعة أشهر، وفي أيامه استولى على مملكة الأندلس ابن أخيه عبد الله بن يعقوب الملقب بالعادل، والتقى الإفرنج فهزموا جيشه، ثم طلب مرّاكش بأسوإ حال فقبضوا عليه، وتملّك الأندلس بعده أخوه إدريس مديدة فخرج عليه محمد بن هود [الجذامي، ودعا إلى آل العبّاس، فمال الناس إليه، فهرب إدريس بعسكره إلى مرّاكش، فالتقاه] [2] صاحبها يومئذ يحيى بن محمد بن يوسف، فهزم يحيى.
وفيها علي بن عبد الرشيد أبو الحسن الهمذاني [3] ، قاضي همذان، ثم قاضي الجانب الغربي ببغداد، ثم قاضي تستر. حضر على أبي الوقت [السّجزي] ، وسمع من أبي الخير الباغياني. وقرأ القراءات على جدّه لأمه أبي العلاء العطّار. توفي في صفر.
وفيها الشيخ علي الفرنثي [4] الزاهد، صاحب الزاوية والأصحاب بسفح قاسيون. وكان صاحب حال وكشف وعبادة وصدق، وهو الذي حكي عنه أنه قال: أربعة يتصرفون في قبورهم كتصرف الأحياء [5] : الشيخ عبد القادر [6] ، ومعروف الكرخي، وعقيل المنبجي، وحياة بن قيس الحرّاني.
توفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 341) و «العبر» (5/ 83- 84) .
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 84) و «تاريخ الإسلام» (63/ 63) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 65) و «العبر» (5/ 84) وقد تحرفت «الفرنثي» في المطبوع منه في الكويت وبيروت إلى «الفرتثي» فتصحح، وتحرفت في «آ» إلى «القرشي» . قال الذهبي في «مشتبه النسبة» ص (506) : وفرنث: من قرى دجيل.
[5] أقول: هذا من المبالغات التي لا تجوز. (ع) .
[6] يعني الجيلاني.(7/168)
وفيها ابن اليتيم أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري الأندرشي [1] ، خطيب المريّة. رحل في طلب الحديث، وسمع من أبي الحسن بن النّعمة [2] ، وابن هذيل، والكبار. وبالإسكندرية من السّلفي.
وببغداد من شهدة. وبدمشق من الحافظ ابن عساكر.
ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها ابن اللّبودي شمس الدّين محمد بن عبدان الدمشقي الطّبيب [3] .
قال ابن أبي أصيبعة: كان علّامة وقته، وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية. وكان له ذكاء مفرط، وحرص بالغ.
توفي في ذي القعدة، ودفن بتربته بطريق المزّة.
وفيها ابن زرقون أبو الحسين محمد بن أبي عبد الله محمد بن سعيد الأنصاري الإشبيلي [4] ، شيخ المالكية. كان من كبار المتعصبين للمذهب فأوذي من جهة بني عبد المؤمن لما أبطلوا القياس وألزموا الناس بالأثر والظاهر. وقد صنّف كتاب «المعلّى في الردّ على المحلّى» لابن حزم.
توفي في شوال وله ثلاث وثمانون سنة.
وفيها محمد بن هبة الله بن مكرّم أبو جعفر البغدادي [5] الصّوفي.
__________
[1] في «ا» و «ط» : «الأندلسي» والتصحيح من «العبر» (5/ 84) والأندرشي نسبة إلى «أندرش» مدينة من أعمال المريّة. انظر «الروض المعطار» ص (42) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العمة» والتصحيح من «العبر» .
[3] انظر «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» ص (662- 663) طبع مكتبة دار الحياة ببيروت، و «العبر» (5/ 85) .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 311- 312) و «العبر» (5/ 85) .
[5] انظر «العبر» (5/ 85- 86) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 246- 247) و «تاريخ الإسلام» (63/ 70- 71) .(7/169)
توفي في المحرم ببغداد وله أربع وثمانون سنة. روى عن أبي الفضل الأرموي، وأبي الوقت [السّجزي] وجماعة.
وفيها الفازاري [1] محمد بن يخلفتن [2] بن أحمد البربري التلمساني، الفقيه المالكي، الأديب الشاعر. ولي قضاء قرطبة.
وفيها الفخر الموصلي أبو المعالي محمد بن أبي الفرج [بن] أبي المعالي الموصلي ثم البغدادي [3] الشافعي المقرئ، صاحب يحيى ابن سعدون، ومعيد النظامية. كان بصيرا بعلل القراءات.
قال ابن النجار: كان فقيها فاضلا نحويا، حسن الكلام في مسائل الخلاف. له معرفة تامة بوجوه القراءات وعللها وطرقها. وله في ذلك مصنّفات، وكان كيّسا، متواضعا، متوددا، حسن العشرة. وقدم بغداد سنة اثنتين وسبعين [4] وخمسمائة، فتفقه بها، وتوفي بها في سادس رمضان، رحمه الله.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغاراري» والتصحيح من «العبر» (5/ 86) و «تاريخ الإسلام» (63/ 71) .
[2] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «يخلقتن» بالقاف.
[3] انظر «العبر» (5/ 86) و «تاريخ الإسلام» (63/ 71- 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 446- 447) .
[4] لفظة «وسبعين» سقطت من «آ» .(7/170)
سنة اثنتين وعشرين وستمائة
فيها جاء جلال الدّين بن خوارزم شاه، فبذل السيف في دقوقا [1] ، وفعل ما لا تفعله الكفرة، وأحرق دقوقا، وعزم على هجم بغداد، فانزعج الخليفة النّاصر، وحصّن بغداد، وأقام المجانيق، وأنفق ألف ألف دينار، ففجأ ابن خوارزم شاه أن الكرج قد خرجوا على بلاده، فساق إليهم والتقاهم.
قال أبو شامة [2] : فظفر بهم، وقتل منهم سبعين ألفا، ثم أخذ تفليس [3] بالسيف، وقتل بها ثلاثين ألفا في آخر العام.
وكان قد أخذ تبريز بالأمان، وتزوّج بابنة السلطان طغريل [4] السّلجوقي، ثم جهز جيشا فافتتحوا كنجة، وأخذ أيضا مراغة، وكانت الكرج قد ملّكوا عليهم امرأة وتطلبوا لها من ينكحها لينوب عنها في الملك، فأرسل سلطان الرّوم [5] إليها يخطبها لابنه فامتنعوا، وقالوا: لا يحكم علينا مسلم،
__________
[1] مدينة بين إربل وبغداد. انظر «معجم البلدان» (2/ 459) و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (120- 121) . وجاء في «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (119) بأنه فعل ذلك لكونهم سبّوه وشتموه على الأسوار.
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (144) .
[3] انظر «معجم البلدان» (2/ 35- 36) و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (216) .
[4] في «آ» و «ط» : «طغربك» وما أثبته من «العبر» (5/ 87) و «تاريخ الإسلام» (63/ 11) .
[5] كذا في «آ» و «ط» : «سلطان الروم» وفي «الكامل» لابن الأثير (12/ 416- 417) و «تاريخ الإسلام» : «صاحب أرزن الرّوم مغيث الدّين طغريل شاه بن قليج أرسلان ... » .(7/171)
فقال: إن ابني يتنصّر ويتزوجها فأجابوه، فتنصّر ابنه وأقام معها، وأمر ونهى، نعوذ بالله من الخذلان. وكان الزوج يسمع عنها القبائح ويسكت، وكانت تعشق مملوكا لها، ورآها يوما في الفراش مع المملوك فأنكر ذلك، فقالت:
إن رضيت وإلّا أنت أخبر. ثم نقلته إلى قلعة وحجرت عليه، ثم سمعت بشابين مليحين، فأحضرت أحدهما وتزوجت به، وأحضرت آخر بديع الحسن من أهل كنجة، فطلبت منه أن يتنصّر للتزوج به.
وفي سلخ رمضان توفي الخليفة النّاصر لدين الله أبو العبّاس أحمد ابن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي الهاشمي العبّاسي [1] . بويع بالخلافة في أول ذي القعدة، سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وله ثلاث وعشرون سنة، وكان أبيض، تركيّ الوجه، أقنى الأنف، خفيف العارضين، رقيق المحاسن، فيه شهامة وإقدام، وله عقل ودهاء، وهو أطول بني العبّاس خلافة، كما أن الناصر لدين الله الأموي صاحب الأندلس أطول بني أميّة دولة، وكما أن المستنصر بالله العبيدي أطول العبيديين دولة، وكما أن السلطان سنجر بن ملكشاه أطول بني سلجوق دولة.
قال الموفّق عبد اللطيف: كان يشقّ الدّروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيبون لقاءه، أظهر الفتوة والبندق والحمام المناسيب في أيامه، وتفنن الأعيان والأمراء في ذلك ودخل فيه الملوك.
وقال الذهبي: وكان مستقلا [2] بالأمور بالعراق، متمكنا من الخلافة، يتولى الأمور بنفسه، ما زال في عزّ وجلالة واستظهار وسعادة. أصابه فالج في
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 87- 88) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 192) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (121- 123) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «مشتغلا» .(7/172)
آخر أيامه، وتوفي في سلخ رمضان وله سبعون سنة إلّا أشهرا [1] . وولي بعده ولده الظاهر.
وقال ابن النجار: دانت السلاطين للناصر، ودخل تحت طاعته من كان من المخالفين، وذلّت له العتاة والطّغاة، وانقهرت لسيفه الجبابرة، وفتح البلاد العديدة، وملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدّمه. من السلاطين والخلفاء والملوك، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين، وكان أسد بني العبّاس تتصدع لهيبته الجبال، وكان حسن الخلق، لطيف الخلق، كامل الظرف، فصيح اللّسان، بليغ البيان، له التوقيعات المسددة والكلمات المؤيدة. كانت أيامه غرّة في وجه الدّهر، ودرّة في تاج الفخر.
وقال الموفق عبد اللطيف: أحيا هيبة الخلافة- وكانت قد ماتت بموت المعتصم- ثم ماتت بموته، وكان الملوك والأكابر بمصر والشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالا.
وقال ابن واصل [2] : كان مع ذلك رديء السيرة في الرعية، مائلا إلى الظّلم والعسف. وكان يفعل أفعالا متضادة. وكان يتشيّع ويميل إلى مذهب الإمامية، بخلاف آبائه، حتّى إن ابن الجوزي سئل بحضرته من أفضل الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: أفضلهم بعده من كانت ابنته تحته، فكنّى بفضل الصّديق ولم يقدر أن يصرح.
وقال الذهبي: أجاز الناصر لجماعة من الأعيان فحدثوا عنه، منهم ابن سكينة، وابن الأخضر، وابن النجار، وابن الدامغاني، وآخرون.
وقال سبط ابن الجوزي وغيره: قلّ بصر الناصر في آخر عمره، وقيل:
ذهب بالكلّية، ولم يشعر بذلك أحد من الرّعية، حتّى الوزير وأهل الدّار.
__________
[1] كذا في «ط» و «العبر» : «إلا أشهرا» وفي «آ» : «إلا شهرا» .
[2] في كتابه «مفرج الكروب» وهو غير متوفر بين أيدينا.(7/173)
وكان له جارية قد علّمها الخطّ بنفسه، فكانت تكتب مثل خطّه، فتكتب على التواقيع.
وقال شمس الدّين الجزري [1] : كان الماء الذي يشربه النّاصر تأتي به الدّواب من فوق بغداد بسبعة [2] فراسخ ويغلى سبع غلوات كل يوم غلوة، ثم يحبس في الأوعية سبعة أيام، ثم يشرب منه، ومع هذا ما مات حتّى سقي المرقد مرات، وشقّ ذكره، وأخرج منه الحصى ثم مات منه.
ومن لطائفة أن خادما له اسمه يمن كتب إليه ورقة فيها عتب، فوقّع فيها: بمن يمنّ يمن، ثمن يمن ثمن.
وفيها ابن يونس صاحب «شرح التنبيه» الإمام شرف الدّين أحمد بن العلّامة ذي الفنون كمال الدّين موسى ابن الشيخ المفتي رضي الدّين يونس الموصلي الشافعي [3] . توفي في ربيع الآخر عن سبع وأربعين سنة.
قال ابن خلّكان: كان كثير المحفوظات، غزير المادة، نسج على منوال أبيه في التفنن، وما سمعت أحدا يلقي الدروس مثله. ولقد كان من محاسن الوجود، وما أذكره إلّا وتصغر الدنيا في عيني.
وقال الذهبي: عاش بعده أبوه سبع عشرة سنة.
وفيها إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي المواقيتي أبو إسحاق الخيّاط [4] . روى «الصحيح» [5] غير مرة عن أبي الوقت [السّجزي] ، وتوفي في شعبان، وكان ثقة فاضلا مؤقّتا.
__________
[1] انظر «المختار من تاريخه» للذهبي ص (122) .
[2] في «آ» و «ط» : «سبعة» والتصحيح من «المختار من تاريخ ابن الجزري» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 108- 109) و «العبر» (5/ 88- 89) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 156- 157) و «العبر» (5/ 89) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 288) و «تاريخ الإسلام» (63/ 91) .
[5] يعني «صحيح البخاري» فقد رواه عن أبي الوقت السّجزي، ورواه السجزيّ عن أبي محمد-(7/174)
وفيها أبو إسحاق بن البرني إبراهيم بن مظفّر بن إبراهيم [1] الواعظ، شيخ دار الحديث المهاجرية بالموصل. روى عن ابن البطّي وجماعة، وكان عالما متفننا.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن أبي المكارم بن شكر بن نعمة بن علي ابن أبي الفتح بن حسن بن قدامة بن أيوب بن عبد الله بن رافع المقدسي [2] ، الخطيب الحنبلي، خطيب قرية مردا من عمل نابلس.
قال الحافظ الضياء: سافر إلى بغداد في طلب العلم، واشتغل وحصّل في مدة يسيرة ما لم يحصّله غيره في مدة طويلة. وسمع الحديث ببغداد وبجبل قاسيون، وسمعت شيخنا الإمام عماد الدّين إبراهيم بن عبد الواحد غير مرة يغبطه بما هو عليه من كثرة الخير، ثم ذكر له كرامات من تكثير الطعام في وقت احتيج فيه إلى تكثيره، ومن المعافاة من الصرع بما يكتبه.
وقال المنذري: توفي بمردا.
وفيها أحمد بن علي بن أحمد الموصلي الفقيه الحنبلي الزاهد أبو العبّاس المعروف بالوتّارة، ويقال: ابن الوتّارة [3] قال المنذري: سمع على علو سنّه من المتأخرين.
وقال النّاصح ابن الحنبلي: كان يعرف «مسائل الهداية» لأبي الخطاب، ويأكل من كسب يده، ولباسه الثوب الخام، وانتفع به جماعة، وصارت له
__________
[ (-) ] ابن حمّوية السّرخسي، ورواه ابن حموية عن الفربري رواية الإمام البخاري.
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 136) و «تاريخ الإسلام» (63/ 92) و «الوافي بالوفيات» (6/ 147) و «توضيح المشتبه» (1/ 417) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 159- 160) و «تاريخ الإسلام» (63/ 89) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 163- 164) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 163) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 164) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (179) .(7/175)
حرمة قوية بالموصل واحترام من جانب صاحبها ومن بعده.
وتوفي بالموصل رابع عشر ذي الحجة.
وفيها أبو الفضل جعفر بن شمس الخلافة محمد ابن مختار الأفضلي المصري مجد الملك [1] ، الشاعر الأديب الكبير.
قال ابن خلّكان: كان فاضلا، حسن الخطّ، وكتب كثيرا، وخطه مرغوب فيه لحسنه وضبطه، وله ديوان جمع فيه أشياء لطيفة، دلّت على [2] جودة اختياره. وله ديوان شعر أجاد فيه، نقلت من خطّه لنفسه:
هي شدّة يأتي السّرور [3] عقيبها ... وأسى يبشّر بالسّرور العاجل
وإذا نظرت فإن بؤسا دائما [4] ... للمرء خير من نعيم زائل
وتوفي في الثاني عشر من المحرم، ودفن بالموضع المعروف بالكوم الأحمر، ظاهر مصر، رحمه الله.
والأفضلي: بفتح الهمزة وسكون الفاء، وفتح الضاد المعجمة وبعدها لام، نسبة إلى الأفضل أمير الجيوش بمصر.
وتوفي والده في ذي الحجّة سنة عشرين وستمائة.
وفيها أبو عبد الله الحسين بن عمر بن باز، المحدّث الموصلي [5] .
رحل وسمع من شهدة وطبقتها، وكتب الكثير، وولي مشيخة دار الحديث بالموصل التي بناها صاحب إربل. توفي في ربيع الآخر.
__________
[1] انظر «وفيات لأعيان» (1/ 362- 363) و «العبر» (5/ 89) .
[2] لفظة «على» سقطت من «آ» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «يأتي الرخاء» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «زائلا»
[5] انظر «العبر» (5/ 89- 90) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 258- 259) .(7/176)
وفيها ابن شكر، الصاحب الوزير، صفي الدّين أبو محمد عبد الله [بن علي] بن الحسين بن عبد الخالق الشّيبي الدّميري المالكي [1] .
ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع الحديث، وتفقه وساد.
قال أبو شامة [2] : كان خليقا بالوزارة، لم يتولّها [3] [بعده] مثله.
وقال الذهبي: كان يبالغ في إقامة النواميس، مع التواضع للعلماء، ويتعانى الحشمة الضخمة [4] والصدقات والصّلات، ولقد تمكّن من العادل تمكّنا لا مزيد عليه، ثم غضب عليه ونفاه، فلما مات عاد ابن شكر إلى مصر ووزر للكامل، ثم عمي في الآخر. توفي في شعبان.
وفيها ابن البنّاء [5] . راوي «جامع الترمذي» عن الكروخي، أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك العراقي ثم المكّي الجلال.
حدّث بمصر، والإسكندرية، وقوص، وأماكن، وتوفي بمكة في صفر أو في ربيع الأول.
وفيها زين الدّين قاضي القضاة بالدّيار المصرية أبو الحسن علي ابن العلّامة يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم البغدادي الشافعي [6] . عاش اثنتين وسبعين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة، وروى عن أبي زرعة وغيره.
__________
[1] نظر «فوات الوفيات» (2/ 193- 196) و «العبر» (5/ 90) وما بين الحاصرتين مستدرك منه وقد تحرفت «الدّميري» فيه وفي المطبوع منه ببيروت إلى «الدّينوري» و «سير أعلام النبلاء» (22/ 294- 295) و «تاريخ الإسلام» (63/ 99- 103) وسوف يكرر المؤلف ترجمته قريبا.
انظر ص (184) .
[2] وعزا هذا النقل لأبي شامة أيضا الذهبي في كتبه المذكورة في التعليق السابق ولم أقف عليه في «ذيل الروضتين» ص (147) .
[3] في «آ» و «ط» : «لم يبق» وما أثبته من مصادر الترجمة وما بين الحاصرتين مستدرك منها.
[4] في «آ» : «الفخمة» .
[5] انظر «العبر» (5/ 90) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 247- 248) .
[6] انظر «العبر» (5/ 91) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 296- 297) .(7/177)
وفيها الملك الأفضل نور الدّين علي بن السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] .
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة بالقاهرة، وسمع من عبد الله بن برّي وجماعة، وله شعر وترسل وجودة كتابة. تسلطن بدمشق ثم حارب أخاه العزيز صاحب مصر على الملك، ثم زال سلطانه، وتملّك سميساط، وأقام بها مدة. وكان فيه عدل وحلم وكرم وإنما أدركته حرفة الأدب. توفي فجأة في صفر، وكان فيه تشيّع. قاله في «العبر» .
زاد ابن خلّكان: ونقل إلى حلب، ودفن بتربته بظاهر حلب بالقرب من مشهد الهروي.
وفيها عمر بن بدر الموصليّ الحنفي ضياء الدّين [2] . حدّث عن ابن كليب وجماعة، وتوفي بدمشق في شوالها، عن بضع وستين سنة.
وفيها الفخر الفارسي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفيروزآبادي [3] الشافعيّ الصوفيّ. روى الكثير عن السّلفي، وصنّف التصانيف في التصوف والمحبة وفيها أشياء منكرة. توفي في أثناء ذي الحجّة وقد نيّف على التسعين. قاله في «العبر» .
وقال اليافعي: هو صاحب العلوم الربّانية النافعة، وقد نقم عليه الذهبي.
وقال ابن شهبة في «طبقاته» [4] : سمع من السّلفي، وابن عساكر،
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 419- 421) و «العبر» (5/ 91) و «تاريخ الإسلام» (63/ 112- 114) .
[2] انظر «العبر» (5/ 91) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 287- 288) .
[3] انظر «العبر» (5/ 91) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 179- 181) و «مرآة الجنان» (4/ 53) .
[4] لم أقف على هذا النقل في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة الذي بين يدي.(7/178)
وغيرهما، وكان صوفيا، محقّقا، فاضلا، بارعا، فصيحا، بليغا، له مصنّفات كثيرة، منها كتاب «مطية النقل وعطية العقل» في الأصول والكلام، وغير ذلك من المصنفات، وبنى زاوية بالقرافة بمعبد ذي النّون المصري ودفن بها.
وفيها القزويني مجد الدّين أبو المجد، محمد بن الحسين بن أبي المكارم [1] الصوفي الفقيه.
ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة بقزوين. وسمع «شرح السّنّة» و «معالم التنزيل» من حفدة العطاردي، وسمع من جماعة، وحدّث بالعراق، والشام، والحجاز، ومصر، وأذربيجان، والجزيرة. وبعد صيته. توفي بالموصل في شعبان.
وفيها الفخر بن تيميّة أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيميّة الحرّاني [2] ، الفقيه الحنبلي، المقرئ الواعظ، فخر الدّين، شيخ حرّان وخطيبها.
ولد في أواخر شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحرّان، وقرأ القرآن على والده، وله نحو عشر سنين، وكان والده زاهدا يعدّ من الأبدال.
وشرع في الاشتغال بالعلم من صغره، وتردّد إلى فتيان بن ميّاح، وابن عبدوس، وغيرهما ثم ارتحل إلى بغداد، وسمع بها الحديث من المبارك بن خضر، وابن البطّي، وابن الدّجاجي، وخلق، وتفقه ببغداد على أبي الفتح ابن المنّي، وابن بكروس، وغيرهما، ولازم ابن الجوزي وسمع منه كثيرا من مصنفاته، وقرأ عليه «زاد المسير في [علم] التفسير» [3] قراءة بحث وفهم،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 92) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 249- 250) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 386- 388) و «العبر» (5/ 92) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 288- 290) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 151- 162) .
[3] وقد قام بطبعه المكتب الإسلامي بدمشق في تسع مجلدات بتحقيق الشيخين شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط.(7/179)
وجدّ في الاشتغال والبحث، ثم أخذ في التدريس، والوعظ، والتصنيف، وإلقاء التفسير بكرة كل يوم بجامع حرّان، واظب على ذلك حتّى فسّر القرآن العظيم خمس مرات.
قال ابن خلّكان: ذكره محاسن بن سلامة الحرّاني في «تاريخ حرّان» وابن المستوفي في «تاريخ إربل» فقال: له القبول التام عند الخاص والعام، وكان بارعا في تفسير القرآن وجميع العلوم، له فيها يد بيضاء.
وقال ابن نقطة: ثقة، فاضل، صحيح السماع، مكثر. سمعت منه بحرّان.
وقال ابن النجار: سمعت منه ببغداد، وحرّان، وكان شيخا فاضلا، حسن الأخلاق، صدوقا، متدينا.
وقال ابن رجب: كان صالحا تذكر له كرامات وخوارق، وله تصانيف كثيرة، منها: «التفسير الكبير» في أكثر من ثلاثين مجلدا، وهو تفسير حسن، ومنها ثلاث مصنفات في المذهب، وله ديوان خطب مشهور، و «الموضح في الفرائض» ومصنفات في الوعظ وغير ذلك، وبينه وبين الموفق كلام ورسائل في مسألة خلود أهل البدع المحكوم بكفرهم في النّار، كان يقول بخلودهم والموفّق لا يطلق عليهم الخلود.
وله شعر حسن، توفي- رحمه الله- يوم الخميس عاشر صفر بحرّان.
كذا ذكره ولده عبد الغني، وقال: مات الوالد في الصلاة، فإني ذكّرته بصلاة العصر وأخذته إلى صدري فكبّر وجعل يحرّك حاجبه وشفتيه بالصلاة حتّى شخص بصره، رحمه الله.
وقد ذكر ولده له مناقب صالحة رؤيت له بعد وفاته، وهي كثيرة جدا، جمعها في جزء.(7/180)
وفيها أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد بن الزّيتوني البوازيجي- بفتح الموحدة والواو وزاي وتحتية وجيم، نسبة إلى بوازيج بلد قرب تكريت [1]- سمع من ابن الفاخر، وابن بندار، وابن الرّحبي، وغيرهم.
قال ابن السّاعي: كان حنبليا، خيّرا، محسنا، صالحا، صاحب سند ورواية، أنشدني:
ضيّق العذر في الضراعة أنّا ... لو قنعنا بقسمنا لكفانا
ما لنا نعبد العباد إذا كا ... ن إلى الله فقرنا وغنانا
وفيها محمد بن علي بن مكّي بن ورخز [2] البغدادي، الفقيه الحنبلي المعدّل، أبو عبد الله. تفقه على ابن المنّي، وأفتى وناظر، وشهد عند الريحاني، ورتّب مشرفا على وكلاء الخليفة الناصر، وكان فقيها فاضلا خيّرا ديّنا ثقة خبيرا بالمذهب. قاله ابن رجب.
وقال ابن السّاعي أنشدني:
يجمع المرء ثم يترك ما يج ... مع من كسبه لغير شكور
ليس يحظى إلّا بذكر جميل ... أو بعلم من بعده مأثور
توفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها عمرو بن رافع بن علوان الزّرعي [3] .
قال ناصح الدّين بن الحنبلي: قدم من زرع في عشر الستين، وهو ابن نيف وعشرين سنة، ونزل عندنا في المدرسة هو ورفقة له [4] واشتغلوا على
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 142- 143) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 162- 163) .
[2] في «ط» «ورخزا» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 163) مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 166) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (196- 197) .
[4] في «آ» و «ط» : «هو ورفيق له» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» و «شذرات من كتب مفقودة» .(7/181)
والدي، فحفظوا القرآن، وسمعوا درسه، وحفظوا كتاب «الإيضاح» وكان هذا الفقيه الحنبلي عمرو يحفظ كثيرا وسريعا. وعمل الفرائض فأسرع في معرفتها. ورحل إلى حرّان وأقام بها مديدة يشتغل، ثم رجع إلى دمشق، ثم إلى زرع، وأقام بها يفتي، ثم أضرّ في آخر عمره، ومات بزرع، رحمه الله.
وفيها الزّكي بن رواحة [1] هبة الله بن محمد الأنصاري، التاجر المعدّل، واقف المدرسة الرّواحية بدمشق، وأخرى بحلب. توفي في رجب بدمشق.
وفيها أبو السعادات أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور السّلمي السّنجاري [2] الشافعي، الشاعر المنعوت بالبهاء. كان فقيها، وتكلّم في الخلاف، إلّا أنه غلب عليه الشعر، وأجاد فيه، واشتهر به، وخدم به الملوك، وأخذ جوائزهم، وطاف البلاد، ومدح الأكابر.
قال ابن خلّكان: وشعره كثير يوجد بأيدي الناس، ولم أدر هل دوّن شعره أم لا، ثم وجدت له في خزانة التّربة الأشرفية بدمشق «ديوانا» في مجلد كبير.
ومن شعره من جملة قصيدة مدح بها كمال الدّين بن الشهرزوري [3] :
وهواك ما خطر السّلوّ بباله ... ولأنت أعلم في الغرام بحاله
ومتى وشى واش إليه فإنه ... سال هواك فذاك من عذّاله
أوليس للكلف المعنّى شاهد ... من حاله يغنيك عن تسآله
جدّدت ثوب سقامه وهتكت ست ... ر غرامه، وصرمت حبل وصاله
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن راحة» والتصحيح من «العبر» (5/ 92) و «تاريخ الإسلام» (63/ 126) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 214- 217) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 302- 303) و «تاريخ الإسلام» (63/ 93- 94 و 165- 166) . و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (125) .
[3] هو القاضي محمد بن عبد الله بن أبي أحمد القاسم الشهرزوري، الملقب كمال الدّين. مات سنة (599 هـ) . انظر «وفيات الأعيان» (4/ 241- 245) .(7/182)
أفزلّة [1] سبقت له أم خلّة ... مألوفة من تيهه ودلاله
يا للعجابة [2] من أسير دأبه ... يفدي الطليق بنفسه وبماله
بأبي وأمي نابل بلحاظه [3] ... لا يتّقى بالدّرع حدّ نباله
ريّان من ماء الشّبيبة والصّبا ... شرقت معاطفه بطيب زلاله [4]
تسري النّواظر في مراكب حسنه ... فتكاد تغرق في بحار جماله
فكفاه عين كماله في نفسه ... وكفى كمال الدّين عين كماله
كتب العذار على صحيفة خدّه ... نونا وأعجمها بنقطة خاله
فسواد طرّته كليل صدوده ... وبياض غرّته كيوم وصاله
وله أيضا من جملة قصيدة:
ومهفهف حلو الشمائل فاتر ال ... ألحاظ فيه طاعة وعقوق
وقف الرّحيق على مراشف ثغره ... فجرى به من خدّه راووق
سدّت محاسنه على عشّاقه ... سبل السّلوّ فما إليه طريق
وله من جملة قصيدة أخرى:
هبّت نسيمات الصّبا سحرة ... ففاح منها العنبر الأشهب
فقلت إن مرت [5] بوادي الغضا ... من أين هذا النّفس الطّيّب
وله أشياء حسنة.
وكانت ولادته سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وتوفي في أوائل هذه السنة. انتهى ملخصا.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أفذلة» بالذال والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» و «تاريخ الإسلام» : «يا للعجائب» .
[3] في «آ» و «ط» : «بابلي لحاظه» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «دلاله» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «تاريخ الإسلام» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «إذ مرت» .(7/183)
وفيها الوزير صفي الدّين أبو محمد عبد الله بن علي [1] بن شكر، له بدمشق آثار حسنة، منها عمارة المصلى بميدان الحصى، وتبليط جامع بني أميّة، وعمارة مسجد الفوّارة، وتجديد جامع حرستا، وجامع المزّة، وغير ذلك.
وفيها أبو الحسن علي بن الجارود، الأديب الفاضل الشاعر.
فمن شعره:
أحكم فإنّك في الجمال أمير ... واعدل فقلبي في يديك أسير
واكفف لحاظك أيها الرشأ الذي ... يسطو على أسد الشرى ويجور
يا عاذلي خفّض عليك فإنني ... مذ خطّ لام عذاره معذور
وفيها أبو الدّر ياقوت بن عبد الله الرّومي، الملقب مهذّب الدّين [2] ، الشاعر المشهور. مولى أبي منصور التّاجر الحلبي.
قال ابن خلّكان: اشتغل بالعلم وأكثر من الأدب، واستعمل قريحته في النظم فجاد فيه، ولما تميّز ومهر سمّى نفسه عبد الرحمن، وكان مقيما في المدرسة النظامية ببغداد، وعدّه ابن الدّبيثي في جملة من اسمه عبد الرحمن، وذكر أنه نشأ ببغداد، وحفظ القرآن الكريم، وقرأ شيئا من الأدب، وكتب خطا حسنا، وقال الشعر، وأكثر منه في الغزل والتصابي، وذكر المحبة، وراق شعره.
ومن شعره:
ألست من الولدان أحلى شمائلا ... فكيف سكنت القلب وهو جهنّم
وقال ابن النجار في «تاريخ بغداد» : وجد أبو الدّر المذكور في داره ميتا
__________
[1] في «ا» و «ط» «أبو عبد الله محمد» وهو خطأ والتصحيح من ترجمته التي أوردها المؤلف قبل قليل. انظر ص (177) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 122- 126) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 312- 313) و «تاريخ الإسلام» (63/ 126- 127) .(7/184)
يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى من السنة، وكان قد خرج من النظامية فسكن في دار بدرب دينار الصغير، فلم يعلم متى مات، وقد ناهز الستين، والله أعلم.
وقال ابن خلّكان: أيضا: الروميّ- بضم الراء وسكون الواو، بعدها ميم، نسبة إلى بلاد الرّوم، وهو إقليم مشهور متسع كثير البلاد-.
وهاهنا نكتة غريبة يحتاج إليها ويكثر السؤال عنها، وهي أن أهل الرّوم يقال لهم: بنو الأصفر، واستعمله الشعراء في أشعارهم، فمن ذلك قول عدي ابن زيد العبادي [1] من جملة قصيدته المشهورة:
وبنو الأصفر الكرام ملوك الرّ ... وم لم يبق منهم مذكور
ولقد تتبعت ذلك كثيرا فلم أجد فيه أحدا شفى الغليل، حتّى ظفرت بكتاب قديم نقلت منه ما صورته، عن العبّاس، عن أبيه قال: انحرق ملك الرّوم في الزمان الأول، فبقيت امرأة، فتنافسوا في الملك حتّى وقع بينهم شرّ، فاصطلحوا أن يملّكوا أوّل من يشرف عليهم، فجلسوا مجلسا لذلك، وأقبل رجل معه عبد حبشيّ يريد الرّوم، فأبق العبد منه، فأشرف عليهم، فقالوا:
انظروا في أي شيء وقعتم، فزوّجوه تلك المرأة، فولدت غلاما، فسموه الأصفر، فخاصمهم المولى، فقال: صدق أنا عبده، فأرضوه وأعطوه، حتّى رضي، فبسبب ذلك قيل للرّوم: بنو الأصفر لصفرة لون الولد، لكونه مولّدا بين الحبشي والمرأة البيضاء، والله أعلم. انتهى وفيها أبو المكارم، يعيش [بن ريحان] بن مالك بن هبة الله بن ريحان الأنباري ثم البغدادي [2] ، الفقيه الحنبلي الزاهد.
__________
[1] انظر «الأعلام» (4/ 220) للزركلي وتعليق مؤلفه عليه فهو مفيد نافع.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 163- 164) و «تاريخ الإسلام» (63/ 127) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 164) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.(7/185)
ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة تقريبا، وسمع من ابن الدّجّاجي، وصدقة بن الحسين، وأبي زرعة المقدسي، وآخرين.
قال المنذري: كان من فضلاء الفقهاء، متدينا، معتزلا عن الناس، ولنا منه إجازة. وتوفي ليلة الخميس خامس عشر ذي الحجة ودفن من الغد بباب حرب
.(7/186)
سنة ثلاث وعشرين وستمائة
وفيها وقع برد وزنوا بردة فكانت مائة رطل بالبغدادي.
وفيها توفي الشمس البخاري أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السّعدي المقدسي ثم الدمشقي المعروف بالبخاري [1] ، شمس الدّين أبو العبّاس أخو الحافظ ضياء الدّين محمد، ووالد الفخر علي، مسند عصره.
ولد في العشر الأواخر من شوال، سنة أربع وستين وخمسمائة بالجبل، وسمع بدمشق من أبي المعالي بن صابر وغيره، وببغداد من ابن الجوزي وطبقته، وبنيسابور وواسط من جماعة. وتفقه في مذهب الإمام أحمد، وبرع في المذهب، وأقام مدة يشتغل بالخلاف على الرّضي النيسابوري، ولهذا عرف بالبخاري، ثم رجع إلى الشام وسكن حمص مدة.
قال المنذري: وهو أول من ولي القضاء بها [2] .
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 255- 257) و «تاريخ الإسلام» (63/ 129- 130) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 168- 170) و «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» (2/ 418) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
[2] قوله: «وهو أول من ولي القضاء بها» لم يرد في «التكملة» للمنذري التي بين يدي، والذي عنده: «وولي القضاء بحمص» وعلق محقّقه الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف- نفع الله به- بقوله: قال ابن العديم في «بغية الطلب» : وذكر الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي(7/187)
وقال ابن الذهبيّ [1] : كان إماما، عالما، مفتيا، مناظرا، ذا سمت ووقار. وكان كثير المحفوظ [كثير الخير] [2] ، حجّة، صدوقا، كثير الاحتمال، تامّ المروءة، [فصيحا، مفوّها] [2] ، لم يكن في المقادسة أفصح منه، واتّفقت الألسنة على شكره وشهرته وفضله [3] . وما كان عليه يغني عن الإطناب في ذكره.
وروى عنه [أخوه] الضياء الحافظ وغيره، وأجاز للمنذري، وقال: إنه توفي ليلة الخميس خامس جمادى الآخرة، ودفن من الغد إلى جانب خاله الشيخ موفق الدّين.
وفيها أحمد بن محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحريمي الحذّاء أبو العبّاس بن أبي البركات [4] .
ولد سنة ثلاث وأربعين تقديرا، وسمع ما أفاده والده من ابن البطّي، وابن بندار، وابن الدّجّاجي، وغيرهم، وتفقه في مذهب الإمام أحمد على والده، وحدّث، وأجاز للمنذري.
قال ابن الساعي: توفي يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
المنذري في كتاب «التكملة» أنه ولي القضاء بحمص وليس كذلك، وإنما ولي التحديث بحمص في أيام الملك المجاهد شيركوه بن محمد، أحضره إليها للتحديث، فظنّ الناقل أنه ولي القضاء. وكان قاضي حمص صالح بن أبي شبل.
[1] في «آ» و «ط» : «وقال الدّبيثيّ» وهو خطأ والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» واستدركته من «تاريخ الإسلام» .
[3] قوله: «وشهرته وفضله» لم يرد في «تاريخ الإسلام» وإنما هو في «ذيل طبقات الحنابلة» ولعله زيادة من مؤلّفه، والله أعلم.
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 174- 175) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 167- 168) .(7/188)
وفيها أحمد بن ناصر بن أحمد بن محمد بن ناصر، الإسكاف الفقيه، أبو العبّاس بن أبي البركات الفقيه الحنبلي الحربي [1] .
قرأ طرفا من الفقه على والده، وسمع الحديث من ابن البطّي، ويحيى ابن ثابت بن بندار، وابن الدّجّاجي وغيرهم، وكتب عنه ابن النجار. وقال:
كان شيخا، حسنا، فهما، متيقظا. توفي يوم الأحد حادي عشري جمادى الأولى، ودفن بباب حرب.
وفيها ابن الأستاذ أبو محمد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علوان الحلبي [2] المحدّث الصالح، والد قاضي حلب.
ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة. وسمع من طائفة، وحجّ من بغداد، فسمع بها من أحمد بن محمد العبّاسي، وكان له عناية متوسطة بالحديث، توفي في عاشر جمادى الآخرة.
وفيها الإمام الرافعي أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن [3] ، الإمام العلّامة إمام الدّين الشافعي، صاحب «الشرح» المشهور الكبير على «المحرر» وصاحب «الوجيز» . انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه. وكان مع براعته في العلم صالحا، زاهدا، ذا أحوال وكرامات ونسك وتواضع.
__________
[1] تنبيه: وهم المؤلف في إيراد هذه الترجمة هنا فهي تكرار للترجمة المتقدمة عليها مباشرة مع اختلاف في نسب المترجم، وقد تبع في ذلك ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 168) ويعود الفضل في التنبيه على هذا الوهم إلى الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف فيما علقه على «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 174) جزاه الله تعالى خيرا ونفع به.
[2] انظر «العبر» (5/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 303- 304) .
[3] انظر «العبر» (5/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 252- 255) و «تاريخ الإسلام» (63/ 143- 144) .(7/189)
قال ابن قاضي شهبة: إليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذه الأعصار في غالب الأقاليم والأمصار، ولقد برز فيه على كثير ممن تقدّمه، وحاز قصب السبق، فلا يدرك شأوه إلّا من وضع يديه حيث وضع قدمه. تفقّه على والده وغيره، وسمع الحديث من جماعة.
وقال ابن الصلاح: أظن أني لم أر في بلاد العجم مثله. كان ذا فنون، حسن السيرة، جميل الأمر، صنف «شرح الوجيز» في بضعة عشر مجلدا لم يشرح «الوجيز» بمثله.
وقال النووي [1] : إنه كان من الصالحين المتمكنين، وكانت له كرامات [كثيرة] ظاهرة.
وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفراييني: هو شيخنا، إمام الدّين، وناصر السّنة صدقا. كان أوحد عصره في العلوم الدينية، أصولا وفروعا، ومجتهد زمانه في المذهب، وفريد وقته في التفسير. [كان له مجلس بقزوين للتفسير] [2] ولتسميع الحديث. صنّف شرحا ل «مسند الشافعي» وأسمعه وصنّف شرحا ل «الوجيز» ، ثم صنّف أوجز منه.
وقيل: إنه لم يجد زيتا للمطالعة في قرية بات بها فتألم، فأضاء له عرق كرمة فجلس يطالع ويكتب عليه.
ومن شعره:
أقيما على باب الرّحيم أقيما ... ولا تنيا في ذكره فتهيما
هو الرّبّ من يقرع على الصّدق بابه ... يجده رؤوفا بالعباد رحيما
__________
[1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 264- 265) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «تاريخ الإسلام» مصدر المؤلف وانظر «تهذيب الأسماء واللغات» .(7/190)
وقال ابن خلّكان [1] : توفي في هذه السنة بقزوين وعمره نحو ست وستين سنة.
ومن تصانيفه «العزيز في شرح الوجيز» الذي يقول فيه النووي بعد وصفه: واعلم أنه لم يصنّف في مذهب الشافعيّ- رضي الله عنه- ما يحصّل لك مجموع ما ذكرته أكمل من كتاب الرافعي ذي التحقيقات، بل اعتقادي واعتقاد كل مصنّف أنه لم يوجد مثله في الكتب السابقات ولا المتأخرات فيما ذكرته من المقاصد المهمات.
والرافعي: منسوب إلى رافعان، بلدة من بلاد قزوين. قاله النووي [2] .
وقال الإسنوي [3] : وسمعت قاضي القضاة جلال الدّين القزويني يقول:
إن رافعان بالعجمي، مثل الرافعي بالعربي، فإن الألف والنون في آخر الاسم عند العجم كياء النسبة [4] في آخره عند العرب، فرافعان نسبة إلى رافع، قال: ثم إنه ليس بنواحي قزوين بلدة يقال لها رافعان [5] ولا رافع، بل هو منسوب إلى جدّ له يقال له: رافع، أي وهو رافع بن خديج.
وحكى ابن كثير [6] قولا أنه منسوب إلى رافع مولى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم.
وفيها علي بن النّفيس بن بورنداز [7] أبو الحسن البغدادي.
__________
[1] تنبيه: لم أقف على ذكره في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي، وهذا النقل في «فوات الوفيات» (2/ 377) دون ذكر السنّ الّتي مات فيها.
[2] هذا القول ذكره النووي في «مختصر طبقات الشافعية» لابن الصلاح، وليس في «تهذيب الأسماء واللغات» والله أعلم.
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 571- 573) .
[4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «كالنسبة» .
[5] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 254) فقد أورد الذهبي فيه رأيا لأبي المعالي بن رافع يؤيد ما جاء في كتابنا هذا.
[6] في كتابه «طبقات الشافعية» وليس في «البداية والنهاية» .
[7] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بوريدان» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة»(7/191)
ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، ومحمود فورجه، وجماعة، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها شبل الدولة، كافور الحسامي طواشي حسام الدّين محمد [1] ، ولد ستّ الشام، وخادم ستّ الشام. له فوق جسر ثورا [2] من صالحية دمشق، المدرسة، والتربة، والخانقاه، وأوقف عليها الأوقاف، ونقل لها الكتب الكثيرة، وفتح للناس طريقا من الجبل إلى دمشق قريبة على عين الكرش، وبنى المصنع الذي على رأس الزقاق [الطويل] [3] ، والخانقاه للصوفية إلى جانب مدرسته، ومصنعا آخر عند مدرسته، وكان ديّنا، وافر الحشمة. روى عن الخشوعي، ودفن بتربته إلى جانب مدرسته.
وفيها الظّاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي العباسي [4] .
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وبويع بالخلافة بعد أبيه في العام الماضي، وكانت خلافته تسعة أشهر ونصفا، وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، حتّى بالغ ابن الأثير وقال: أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنّة العمرين.
__________
(3/ 191- 192) و «العبر» (5/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 297) .
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (150) و «العبر» (5/ 95) .
[2] يعني جسر نهر ثورا أحد أفرعة نهر بردى الشهير بدمشق. انظر «معجم البلدان» (2/ 86) و «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (86) .
[3] زيادة من «ذيل الروضتين» .
[4] انظر «مرآة الزمان» (8/ 423) و «ذيل الروضتين» ص (149- 150) و «العبر» (5/ 95- 96) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 264- 268) و «تاريخ الخلفاء» ص (458- 460) .(7/192)
وقال أبو شامة [1] : كان أبيض مشربا بحمرة، حلو الشمائل، شديد القوى [2] ، قيل له: ألا تتفسح [3] ؟ قال: لقد لقس الزرع [4] ، فقيل: يبارك الله في عمرك، فقال: من فتح [دكانا] [5] بعد العصر أيش يكسب. ثم إنه أحسن إلى النّاس وفرّق الأموال، وأبطل المكوس وأزال المظالم.
وقال الذهبي: توفي في ثالث عشر رجب، وبويع بعده ابنه المستنصر بالله.
وفيها أحمد بن عبد المنعم الحكيم البغدادي [6] . كان حسن المعرفة بالأدب والطلب.
ومن شعره:
إذا لم أجد لي في الزّمان مؤانسا ... جعلت كتابي مؤنسي وجليسي
وأغلقت بابي دون من كان ذا غنى ... وأمليت من مال القناعة كيسي
وفيها ابن أبي لقمة، أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي الصفّار [7] المعمّر.
ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع من هبة الله بن طاووس، والفقيه نصر الله المصّيصي، وجماعة. تفرّد بالرّواية عنهم، وأجاز له من
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (145) ضمن ترجمة أبيه.
[2] في «ذيل الروضتين» : «شديد القوة» .
[3] في «ذيل الروضتين» : «ألا يتفسح» وفي «سير أعلام النبلاء» : «ألا تتنزّه» .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» : «لقد لقس الزرع» وفي «ذيل الروضتين» الذي بين يدي: «قد فات الزرع» .
جاء في «تاج العروس» (لقس) : اللّقس واللّاقس: الجرب.
[5] استدركتها من «ذيل الروضتين» .
[6] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
[7] انظر «العبر» (5/ 96) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 298- 299) .(7/193)
بغداد سنة أربعين علي بن الصبّاغ وطبقته، وكان ديّنا، كثير التلاوة والذّكر.
توفي في ثالث ربيع الأول.
وفيها ابن البيّع أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدّينوري الزّهري [1] . سمع من عمّه أبي بكر محمد بن أبي حامد، ومحمد ابن طراد الزّينبي، وجماعة، انفرد بالرواية عنهم، وكان شيخا جليلا نبيلا رضيا، توفي في شوال.
وفيها أبو القاسم العتّابي المبارك بن علي بن أبي الجود الورّاق [2] آخر أصحاب ابن الطّلّاية. كان رجلا صالحا، توفي في المحرم.
قال الذهبي: حدثنا عنه الأبرقوهيّ.
وفيها أبو العزّ موفق الدّين مظفّر بن إبراهيم بن جماعة بن علي بن شامي بن أحمد بن ناهض بن عبد الرزاق العيلاني- بالعين المهملة، نسبة إلى قيس عيلان- الحنبلي الأديب الشاعر العروضي الضرير المصري [3] .
ولد لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة، سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر، وسمع الحديث من أبي القاسم بن البستي، وابن الصّابوني، وأبي طاهر السّلفي، والبوصيري، وغيرهم. ولقي جماعة من الأدباء، وقال الشّعر الجيّد، وبرع في علم العروض، وصنّف فيه تصنيفا مشهورا دلّ على حذقه. ومدح جماعة كثيرة من الملوك، والشعراء، والوزراء، وغيرهم. وحدّث بتصنيفه وبشيء من شعره.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 262- 263) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 262- 263) .
[2] انظر «العبر» (5/ 96- 97) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 263) و «تاريخ الإسلام» (63/ 156- 157) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 168- 169) و «وفيات الأعيان» (5/ 213- 217) و «تاريخ الإسلام» (63/ 157- 159) و «نكت الهميان» ص (290- 293) وقد تصحفت «العيلاني» فيه إلى «الغيلاني» بالغين المعجمة فتصحح. و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 166- 167) .(7/194)
قال المنذري: سمعت منه وكان بقية فضلاء طبقته.
وذكر ابن خلّكان أنه قال: دخلت يوما على القاضي هبة الله بن سناء الملك الشاعر فقال لي: يا أديب صنفت نصف بيت ولي أيام أفكر في تمامه قلت: وما هو؟ قال:
بياض عذاري من سواد عذاره
قلت: قد حصل تمامه، وأنشدت:
كما جلّ ناري فيه من جلنّاره
فاستحسنه وعمل عليه.
ومن نظمه الأبيات المشهورة السائرة الرائقة الفائقة:
قالوا عشقت وأنت أعمى ... ظبيا كحيل الطّرف ألمى
وحلاه ما عاينتها ... فنقول قد شغفتك دهما
وخياله بك في المنا ... م فما أطاف ولا ألمّا
من أين أرسل للفؤا ... د وأنت لم تنظره سهما
ومتى رأيت جماله ... حتّى كساك هواه سقما
وبأيّ جارحة وصل ... ت لوصفه نثرا ونظما
والعين داعية الهوى ... وبه ينمّ إذا تنمّى
فأجبت إني موسو ... يّ العشق إنصافا وفهما
أهوى بجارحة السّما ... ع ولا أرى ذات المسمّى
وقال ابن خلّكان: وأخبرني أحد أصحابه أن شخصا قال له: رأيت في بعض تآليف أبي العلاء المعرّي ما صورته: أصلحك الله وأبقاك، لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم إلى منزلنا الخالي، لكي نحدث عهدا بك يا زين(7/195)
الأخلاء، فما مثلك من ضيّع عهدا [1] وغفل، وسأله من أي الأبحر هذا؟ وهل هو بيت واحد أم أكثر؟ فإن كان أكثر فهل أبياته على رويّ واحد أم هي مختلفة الرّويّ. قال: فأفكر ساعة، ثم أجابه بجواب حسن، فلما قال لي المخبر ذلك، قلت له: اصبر عليّ حتّى أنظر [فيه] ولا تقل ما قاله، ثم أفكرت فيه فوجدته يخرج من بحر الرّجز، وهذا المجزوء منه، وتشتمل هذه الكلمات على أربعة أبيات، على رويّ اللّام، وهي على صورة يسوغ استعمالها عند العروضيين، ومن لم يكن من العروضيين [2] ومن لم يكن له بهذا الفنّ معرفة، فإنه ينكرها، لأجل قطع الموصول منها، ولا بد من الإتيان بها لتظهر [3] صورة ذلك وهي:
أصلحك الله وأب ... قاك لقد كان من ال
واجب أن تأتينا ال ... يوم إلى منزلنا ال
خالي لكي نحدث عه ... دا بك يا زين الأخل
لاء فما مثلك من ... ضيّع [4] عهدا أو غفل [5]
وهذا إنما يذكره أهل هذا الشأن للمعاياة لا أنه [6] من الأشعار المستعملة، فلما استخرجته عرضته على ذلك الشخص، فقال: هكذا قاله مظفّر الأعمى.
وكانت ولادة مظفّر الدّين المذكور لخمس بقين من جمادى الآخرة،
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «من غير عهدا» .
[2] قوله: «ومن لم يكن من العروضيين» لم يرد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي.
[3] في «آ» و «ط» : «لتنظر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «غيّر» .
[5] في «آ» و «ط» : «وغفل» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[6] في «وفيات الأعيان» : «لا لأنه» .(7/196)
سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر، وتوفي بها سحرة يوم السبت من المحرم. انتهى ملخصا، أي ودفن بسفح المقطّم.
وفيها الجمال المصري، قاضي القضاة أبو الوليد يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد بن محمد بن علي الشّيبي الشّافعي [1] .
ولد في حدود الخمسين وخمسمائة، وسمع من السّلفي، وولي الوكالة السلطانية بالشام، ودرّس بالأمينيّة، ثم ولي القضاء، ودرّس بالعادليّة، واختصر «الأم» للشافعي، ولم يكن بذاك المحمود في الولاية.
توفي في ربيع الآخر، ودفن بداره بقرب القليجيّة، وقد تكلّم في نسبه.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 97) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 257- 258) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 122- 123) .(7/197)
سنة أربع وعشرين وستمائة
فيها جاء الخبر إلى السلطان جلال الدّين وهو بتوريز [1] أنّ التتار قد قصدوا أصبهان وبها أهله، فسار إليها وتأهب للملتقى، فلما التقى الجمعان خذله أخوه غياث الدّين وولّى، وتبعه جهان بهلوان، فكسرت ميمنته ميسرة التتار، ثم حملت ميسرته على ميمنة التتار فطحنتها أيضا، وتباشر الناس بالنصر، ثم كرّت التتار مع كمينها، وحملوا حملة واحدة كالسّيل، وقد أقبل الليل، فزالت الأقدام، وقلت الأمراء [واشتد القتال] [2] وتداعى بنيان جيش جلال الدّين، وثبت هو في طائفة يسيرة، وأحيط [3] به، فانهزم على حميّة، وطعن طعنة لولا الأجل لتلف، وتمزّق جيشه، وكانت ملحمة لم يسمع بمثلها في الملاحم في انهزام كلا الفريقين [4] ، وذلك في رمضان. قاله في «العبر» [5] .
__________
[1] لم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان والمعجمات. وإنما ورد ذكرها في «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (137) .
وجاء في حاشية التحقيق من «تاريخ الإسلام» (63/ 18) ما نصه: وهي تبريز، هكذا تلفظ عند بعضهم، دون الإحالة على مصدر الكلام.
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[3] في «آ» و «ط» : «واحتيط» والتصحيح من «العبر» .
[4] في «ط» : «الفرقين» وهو تحريف.
[5] (5/ 97- 98) .(7/198)
وفيها في رمضان قبل [هذا] [1] المصاف بأيام، اتفق موت جنكزخان طاغية التتار وسلطانهم الأعظم، الذي خرّب البلاد وأباد الأمم، وهو الذي جيّش الجيوش، وخرج بهم من بادية الصين، فدانت له المغول، وعقدوا له عليهم، وأطاعوه طاعة الأبرار للملك القهّار، واسمه قبل الملك تمرجين [2] ، ومات على الكفر، وكان من دهاة العالم، وأفراد الدّهر، وعقلاء التّرك، وهو جدّ ابني العم بركة وهولاكو.
وفيها توفي قاضي حرّان، أبو بكر عبد الله بن نصر بن محمد بن أبي بكر [3] ، الفقيه الحنبلي المقرئ. رحل إلى بغداد، وتفقه بها، وسمع الحديث من شهدة، وابن شاتيل، وطبقتهما. ورحل إلى واسط، وقرأ بها القراءات بالروايات.
قال ابن حمدان الفقيه: سمعت عليه أشياء. قال: وكان مشهورا بالدّيانة والصيانة، متوحدا في فنّه، وفي فنون القراءة وجودة أدائها. وصنّف في القراءات، وعاش خمسا وسبعين سنة.
وفيها عبد الله بن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني [4] .
سمع أباه، ونصر بن المظفّر، وعلي بن محمد المشكاني [5] راوي «تاريخ البخاري» [6] وجماعة. توفي في شعبان.
__________
[1] مستدركة من «العبر» .
[2] تصحف في «آ» و «ط» إلى «تمرحين» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» (63/ 168) .
[3] انظر «العبر» (5/ 98- 99) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 182) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 171- 172) .
[4] انظر «العبر» (5/ 99) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 263- 264) .
[5] انظر ترجمته في «الأنساب» (11/ 334- 335) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 311- 312) .
[6] يعني «التاريخ الصغير» كما جاء مبينا في «الأنساب» و «سير أعلام النبلاء» .(7/199)
وفيها البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي [1] ، الفقيه الحنبلي الزاهد، بهاء الدّين أبو محمد، ابن عم البخاري.
ولد سنة خمس، وقيل: ست وخمسين وخمسمائة. وسمع بدمشق من ابن [2] أبي الصقر وغيره، ورحل إلى بغداد، وسمع بها من شهدة، وعبد الحق اليوسفي، وطبقتهما. وسمع بحرّان من أحمد بن أبي الوفاء الفقيه، ويقال: إنه تفقه ببغداد على ابن المنّي، وبالشام على الشيخ موفق الدّين ولازمه، وصنف التصانيف، منها «شرح عمدة [3] الشيخ موفق الدين» وهو في مجلد، نصّ في أوله أن الماء لا ينجس حتّى يتغير مطلقا، ويقال: إنه شرح «المقنع» أيضا.
قال سبط ابن الجوزي: كان يؤم بمسجد الحنابلة بنابلس، ثم انتقل إلى دمشق. قال: وكان صالحا، ورعا، زاهدا، غازيا، مجاهدا، جوادا، سمحا.
وقال المنذري: كان فيه تواضع وحسن خلق، وأقبل في آخر عمره على الحديث إقبالا كليّا [4] وكتب منه الكثير. وحدث بنابلس، والشام. توفي- رحمه الله- في سابع ذي الحجة، ودفن من يومه بسفح قاسيون.
وفيها قاضي القضاة ابن السّكّري عماد الدّين عبد الرحمن بن
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 212- 213) و «العبر» (5/ 99) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 99) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 170- 171) و «القلائد الجوهرية» (2/ 475) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
[2] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .
[3] المعروف ب «عمدة الفقه» وهو مطبوع أكثر من مرة آخرها بدمشق بتحقيق ثناء الهوّاري وإيمان زهراء.
[4] في «لتكملة» : «إقبالا كثيرا» .(7/200)
عبد العلي بن علي المصري [1] الشافعي. تفقه على الشهاب الطّوسي، وبرع في المذهب، وأفتى، وولي القضاء بالقاهرة وخطابتها، وحدّث وأفتى ودرّس، وله حواش على «الوسيط» مفيدة، و «مصنّف في مسألة الدّور» وعزل قبل موته من القضاء بسبب أنه طلب منه قرض شيء من مال الأيتام فامتنع.
ويحكى عنه أنه عزل الشيخ عبد الرحمن النويري لحكمه بالمكاشفات، فقال النويري: عزلته وعزلت ذرّيته، فعزل بعد ذلك.
وفيها حجّة الدّين الحقيقي أبو طالب عبد المحسن بن أبي العميد الأبهري [2] الشافعي الصوفي.
ولد سنة ست وخمسين وخمسمائة، وتفقه بهمذان، وعلّق «التعليقة» عن الفخر النّوقاني [3] . وسمع بأصبهان من التّرك وجماعة، وببغداد من ابن شاتيل، وبدمشق ومصر. وكان كثير الأسفار، والعبادة، والتهجد، صاحب أوراد، وصدق، وعزم. جاور مدة بمكة، وتوفي في صفر.
وفيها الملك المعظّم سلطان الشّام، شرف الدّين عيسى بن العادل [4] الحنفي، الفقيه الأديب.
ولد بالقاهرة سنة ست وسبعين وخمسمائة، وحفظ القرآن، وبرع في الفقه، وشرح «الجامع الكبير» في عدة مجلدات بإعانة غيره، ولازم الاشتغال
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 99) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 170- 171) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 67) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 92) .
[2] انظر «العبر» (5/ 99- 100) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 314) و «العقد الثمين» (5/ 493- 495) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البوقاني» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق السابق.
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 494- 496) و «العبر» (5/ 100) و «تاريخ الإسلام» (63/ 185- 189) و «البداية والنهاية» (13/ 121- 122) .(7/201)
زمانا، وسمع «المسند» [كلّه] [1] لابن حنبل. وله شعر كثير. وكان عديم الالتفات إلى النواميس وأبّهة الملوك [2] ، ويركب وحده مرارا ثم تتلاحق به مماليكه. وكان فيه خير وشرّ كثير، سامحه الله تعالى.
قال ابن الأهدل: كان حنفيا شديد التعصب لمذهبه، ولم يكن في بني أيوب حنفيّ سواه، وتبعه أولاده، وكان قد شرط لمن حفظ «المفصّل» للزمخشري مائة دينار وخلعة، فحفظه جماعة لهذا السبب، وكان من النّجباء الأذكياء. انتهى.
وقال غيره: ومن شعره- وقد مرض بالحمى-:
زارت ممحّصة [3] الذّنوب وودّعت ... تبّا لها من زائر ومودّع
باتت معانقتي كأنّي حبّها ... ومقيلها ومبيتها في أضلعي
قالت وقد عزمت على ترحالها ... ماذا تريد؟ فقلت: ألا ترجعي
وله:
هجم الشتاء ونحن بالبيداء ... فدفعت شرّته بصوت غناء
وجمعت قافات يزول بجمعها ... همّ الشتاء ولوعة البرحاء
قدح وقانون وقاني قهوة ... مع قينة في قبّة زرقاء
ومرض ابن عنين، فكتب إليه:
أنظر إليّ بعين مولى لم يزل ... يولي الندى وتلاف قبل تلافي
أنا كالذي أحتاج ما تحتاجه ... فاغنم ثوابي والثناء الوافي
فجاء إليه فعاده ومعه صرّة فيها ثلاثمائة دينار، وقال: هذه الصلة وأنا
__________
[1] زيادة من «العبر» مصدر المؤلف.
[2] في «العبر» بطبعتيه: «وأبّهة الملك» .
[3] في «ط» : «ممخضة» .(7/202)
العائد، وهذه لو وقعت لأكابر النّحاة لاستحسنت منه، فكيف هذا الملك.
توفي- رحمه الله- في سلخ ذي القعدة.
وقال ابن خلّكان: توفي يوم الجمعة، مستهل ذي الحجة بدمشق، ودفن في قلعتها، ثم نقل إلى الصالحية ودفن في مدرسته هناك، بها قبور جماعة من إخوته وأهل بيته، تعرف بالمعظمية. انتهى.
وفيها الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السّلام، عميد الدّين، أبو الفرج البغدادي [1] الكاتب.
ولد في أول سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وسمع من جدّه أبي الفتح، وأبي الفضل الأرموي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، وطائفة، وتفرّد بالرواية عنهم، ورحل الناس إليه.
توفي في الرابع والعشرين من المحرم، وهو من بيت حديث وأمانة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 100- 101) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 272- 274) و «تاريخ الإسلام» (63/ 189- 191) .(7/203)
سنة خمس وعشرين وستمائة
فيها توفي اللّبلي- بالباء الموحدة نسبة إلى لبلة بلد بالأندلس- المحدّث الرّحّال، محب الدّين، أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي [1] .
طوّف، وسمع من ابن طبرزد، والمؤيد الطّوسي، وطبقتهما. وكان من وجوه أهل لبلة. توفي في رجب بدمشق كهلا.
وفيها ابن طاووس أبو المعالي أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد الصّوفي [2] أخو هبة الله. سمع من حمزة بن كروّس، وكان عريا من الفضيلة. توفي في رمضان. قاله في «العبر» .
وفيها أحمد بن شيرويه بن شهردار الدّيلمي أبو مسلم الهمذاني [3] روى عن جدّه، ونصر بن المظفّر البرمكي، وأبي الوقت [السّجزي] ، وطائفة، وتوفي في شعبان.
وفيها أبو منصور ابن البرّاج، أحمد بن يحيى بن أحمد البغدادي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 102) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 301) و «تاريخ الإسلام» (63/ 199) .
[2] انظر «العبر» (5/ 102) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 152) و «تاريخ الإسلام» (63/ 200) .
[3] انظر «العبر» (5/ 103) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 260- 261) و «تاريخ الإسلام» (63/ 200) وما بين الحاصرتين زيادة منهما وقد تحرفت «شيرويه» في «آ» و «ط» و «العبر» إلى «شرويه» .(7/204)
الصوفي [1] . راوي «سنن النسائي» عن أبي زرعة، وسمع أيضا من ابن البطّي، وكان صالحا، عابدا، توفي في المحرّم.
وفيها ابن بقيّ قاضي الجماعة أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد الأموي مولاهم البغوي القرطبي [2] . سمع جدّه أبا الحسن، ومحمد بن عبد الحق الخزرجي، وأجاز له شريح، وجماعة. وكان ظاهريّ المذهب، مسند أهل المغرب وعالمهم ورئيسهم. ولي القضاء بمرّاكش مضافا إلى خطتي المظالم والكتابة العليا [3] وغير ذلك. توفي في نصف رمضان وقد تجاوز ثمانيا وثمانين سنة، وآخر من روى عنه عبد الله بن هارون الطائي.
وفيها داود بن رستم بن محمد بن أبي سعيد الحرّاني [4] الحنبلي ببغداد، ودفن بباب حرب. سمع من نصر القزّاز وغيره، وصفه المنذري بأنه رفيقه، وذكره ابن النجار وأنه ناطح الستين.
وفيها أبو علي الجواليقي الحسن بن إسحاق بن العلّامة أبي منصور، موهوب بن أحمد البغدادي [5] . روى عن ابن ناصر، وعن أبي بكر بن الزّاغوني، وجماعة، وكان ذا دين ووقار.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 103) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 277- 278) و «تاريخ الإسلام» (63/ 202) .
[2] انظر «العبر» (5/ 103) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 274- 277) و «تاريخ الإسلام» (63/ 203- 204) .
[3] في «آ» و «ط» : «مضافا إلى الغاية العليا» وفي «العبر» : «مضافا إلى الكتابة العليا» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 224) و «تاريخ الإسلام» (63/ 210) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 172) .
[5] انظر «العبر» (5/ 103- 104) و «تاريخ الإسلام» (63/ 208- 209) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 278) .(7/205)
وفيها النّفيس بن البنّ أبو محمد الحسن بن علي بن أبي القاسم الحسين بن الحسن الأسدي الدمشقي [1] تفرّد عن جدّه بحديث كثير، وكان ثقة، حسن السمت والديانة. توفي في شعبان.
وفيها القاضي الإمام جمال الدّين عبد الرحيم [بن علي] ابن شيث القرشي [2] . جمع الله له بين الفضل والمروءة، والكرم والفتوة. كان كثير الصدقات، وكان القاضي الفاضل يحتاج إليه في علم الرسائل. كتب إليه أبو المظفّر كتابا يتشوق إليه، فأجابه:
وافى كتابك وهو الرّوض مبتسما ... عن ثغر درّ طغى من بحرك الطّامي
وكان عندي كالماء الزّلال وقد ... تناولته يمين الحائم الظّامي
لله نفحة فضل منه رحت بها ... نشوان أسحب أذيالي وأكمامي
تولى الوزارة للملك المعظم بالشام، ونشأ بقوص، ومات بدمشق، ودفن بتربته بقاسيون.
وفيها ابن عفيجة أبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي ثم البغدادي البيّع [3] . أجاز له في سنة بضع وثلاثين وخمسمائة أبو منصور ابن خيرون، وأبو محمد سبط الخيّاط، وطائفة. وسمع من ابن ناصر. توفي في ذي الحجّة.
وفيها محمد بن النّفيس بن محمد بن إسماعيل بن عطاء أبو الفتح
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 278- 280) .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 431) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 217) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 301- 302) و «تاريخ الإسلام» (63/ 212- 213) و «النجوم الزاهرة» (6/ 271) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منها جميعا.
[3] انظر «العبر» (5/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 280- 281) و «تاريخ الإسلام» (63/ 216- 217) .(7/206)
البغدادي الصّوفي [1] . سمع «الصحيح» [2] من أبي الوقت [السّجزي] ، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها أبو محمد عبد المحسن بن عبد الكريم بن ظافر بن رافع [الحصنيّ] الحصري المصري [3] الحنبلي الفقيه.
ولد في أوائل سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بمصر، وسمع بها من أبي إسحاق إبراهيم بن هبة الله وجماعة كثيرة، ورحل إلى دمشق، فتفقه بها على الشيخ موفق الدّين، وانقطع إليه مدة، وتخرّج به، وسمع منه، ومن أبي الفتوح البكري، وغيرهما. وسمع بحرّان من الحافظ عبد القادر الرّهاوي.
وحدّث بحمص، وبمصر، وكتب بخطه، وحصّل كسبا. وتوجه إلى الحجّ فغرق [في البحر] وذهب جميع ما معه، وعاد إلى مصر مجردا من جميع ما كان معه، ولم يزل على سداد وأمر جميل إلى أن توفي في ثالث جمادى الآخرة بمصر، ودفن بسفح المقطّم. قاله ابن رجب.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 261- 262) و «تاريخ الإسلام» (63/ 220) .
[2] يعني «صحيح البخاري» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 223- 224) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 172) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منهما.(7/207)
سنة ست وعشرين وستمائة
فيها سلّم الكامل القدس الشريف لملك الفرنج بعد أن كاتبه الأنبرور ملكهم في العام الماضي يقول: أنا عتيقك وتعلم أني أكبر مغول الفرنج، وأنت كاتبتني بالمجيء، وقد علم البابا والملوك باهتمامي، فإن رجعت خائبا انكسرت حرمتي، وهذه القدس هي أصل دين النصرانية، وأنتم قد خرّبتموها، وليس لها دخل طائل، فإن رأيت أن تنعم عليّ بقبضة البلد ليرتفع رأسي بين الملوك، وأنا ألتزم بحمل دخلها لك. فلان له وسلّمه إياها في هذا العام، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. ثم أتبع فعله هذا بحصار دمشق وأذيّة الرّعية. وجرت بين عسكره وعسكر النّاصر وقعات، وقتل جماعة في غير سبيل الله، وأحرقت الخانات، ودام الحصار أشهرا، ثم وقع الصّلح في شعبان، ورضي الناصر بالكرك ونابلس فقط، ثم سلّم دمشق إلى أخيه الأشرف بعد شهر، وأعطاه الأشرف حرّان، والرّقّة، والرّها، وغير ذلك.
وفيها توفي أبو القاسم بن صصرى، مسند الشام، شمس الدّين، الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد التّغلبي الدّمشقي الشّافعي [1] .
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 240- 241) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 282- 284) و «تاريخ الإسلام» (63/ 228- 230) و «العبر» (5/ 105) وقد تحرفت لفظة «الحسين» إلى «الحسن» في «آ» و «ط» وصححتها من المصادر المذكورة في أعلى التعليق.(7/208)
ولد سنة بضع وثلاثين، وسمع من جدّه لأبيه، وجدّه لأمه عبد الواحد ابن هلال، وأبي القاسم بن البنّ، وخلق كثير. وأجاز له علي بن الصبّاغ، وأبو عبد الله بن السلّال، وطبقتهما. ومشيخته في سبعة عشر جزءا. توفي في الثالث والعشرين من المحرّم.
وفيها أمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علي بن الآبنوسي [1] . روت الكثير عن أبيها، وتفرّدت عنه، وتوفيت في المحرّم أيضا، وتلقب بشرف النساء، وكانت صالحة خيّرة.
وفيها ابن التّانرايا [2] موفق الدّين أبو المعالي، عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن علي بن محمد البغدادي، الواعظ الفقيه، الحنبلي المعدّل، ثم الحاكم، أبو محمد، ويقال: أبو الفضل، ويقال: أبو المعالي. سمع من عبد الحق اليوسفي، وابن شاتيل، ونصر الله القزّاز، وابن المنّي، وابن الجوزي، وغيرهم. وتفقه على ابن المنّي، وبرع، وناظر، وقرأ الوعظ على ابن الجوزي ووعظ.
قال ابن النجار: كان حسن الأخلاق فاضلا.
[وقال المنذري: كان فقيها، فاضلا] [3] مناظرا. وله يد في الوعظ.
وقال ابن رجب: وقد حدّث، وسمع منه غير واحد، منهم: ابن النجّار، وأجاز للمنذري، ولابن أبي الجيش. وقال عنه [4] : كان [أصله] من
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 239- 240) و «تاريخ الإسلام» (63/ 227) و «النجوم الزاهرة» (6/ 273) .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن البابرايا» وهو تصحيف والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 246) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 173) .
[3] ما بين الحاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف، والقول موجود في «التكملة» .
[4] القائل عنه ذلك: الشيخ عبد الصمد كما في «ذيل طبقات الحنابلة» وما بين الحاصرتين مستدرك منه.(7/209)
العجم، وتوفي ليلة الاثنين الخامس والعشرين من جمادى الآخرة فجأة، ودفن بمقبرة الإمام أحمد، رحمه الله.
وفيها بهاء الدّين أبو العبّاس أحمد بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي الدمشقي، أخو الشهاب والنّاصح، وكان أكبر الإخوة.
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وسمع من أبي الفضل بن الشّهرزوري، وحدّث عن الحيص بيص الشّاعر، وأجاز للمنذري، وتوفي في حادي عشري ذي القعدة بدمشق، ودفن بالجبل.
وفيها الحاجب عليّ [بن] حسام الدّين [1] ، نائب خلاط للملك الأشرف. كان شهما، مقداما، موصوفا بالشجاعة، والسياسة، والحشمة، والبرّ، والمعروف. قبض عليه الأشرف على يد مملوكه عز الدّين أيبك فلم يمهل الله أيبك، ونازله خوارزم شاه، وأخذ خلاط، وأخذ أيبك وجماعة.
وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن أبي حرب بن النّرسي الكاتب الشاعر [2] . روى عن أبي محمد بن المادح، وهبة الله الشّبلي، وله ديوان شعر. توفي في جمادى الآخرة.
وفيها الملك المسعود أقسيس بن الكامل [3] ، وأقسيس بلغة اليمن موت.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 106) ولفظة «ابن» التي بين الحاصرتين مستدركة منه.
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 146) وقد أورد له الصفديّ أبياتا في كتابه اخترت منها هذا البيت:
ليت العواذل للعذّال ما خلقوا ... كم عذّبوا بأليم اللوم مشتاقا
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 331- 332) و «الوافي بالوفيات» (9/ 315- 316) و «مرآة الجنان» (4/ 93- 94) و «البداية والنهاية» (13/ 124) و «غربال الزمان» ص (506) وقد تصحف «أقسيس» في «آ» و «ط» إلى «أفسيس» بالفاء.(7/210)
كان جبّارا عنيدا. حجّ مرّة، فكان يرمى بالبندق، وكان غلمانه يدخلون الحرم، ويضربون الناس بالسيوف، ويقولون: مهلا فإن الملك نائم سكران.
ونادى مرّة في بلاد اليمن: من أراد السّفر من التجار إلى الدّيار المصرية والشامية صحبة السلطان فليتجهز، فجاء التجار من السّند والهند بأموال الدنيا والجواهر، ولما تكاملت المراكب بزبيد قال: اكتبوا لي بضائعكم لأحميها من الزكاة، فكتبوها له، فصار يكتب لكل تاجر برأس ماله إلى بعض بلاد اليمن، ويستولي على ماله، فاستغاثوا وقالوا: فينا من له عن أهله سنين، فلم يلتفت إليهم، فقالوا: خذ مالنا وأطلقنا، فلم يلتفت إليهم أيضا، فعبّأ ثقله في خمسمائة مركب ومعه ألف خادم ومائة قنطار عنبر، وعود ومسك، ومائة ألف ثوب، ومائة صندوق أموال وجواهر، وركب الطريق إلى مكة، فمرض مرضا مزمنا، فوصل إلى مكّة وقد أفلج ويبست يداه ورجلاه، ورأى في نفسه العبر، ثم مات فدفنوه في المعلّى، وضرب الهواء بعض المراكب فرجعت إلى زبيد، فأخذها أصحابها.
وفيها نجم الدّين يعقوب بن صابر المنجنيقي [1] . كان فاضلا أديبا شاعرا. برع على أهل صناعته في علم المنجنيق.
ومن شعره:
[و] كنت [2] سمعت أن النّجم عند اس ... تراق السّمع يقذف بالرّجوم
فلمّا أن علوت وصرت نجما ... رجمت بكلّ شيطان رجيم
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 242) و «وفيات الأعيان» (7/ 35- 46) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 309- 310) و «تاريخ الإسلام» (63/ 248- 249) و «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (440- 441) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] أضفنا الواو لضرورة الوزن.(7/211)
وله:
كلفت بعلم [1] المنجنيق ورميه ... لهدم الصّياصي [2] وافتتاح المرابط
وعدت إلى نظم القريض لشقوتي ... فلم أخل في الحالين من قصد خابط [3]
وله في الصّوفية:
قد لبسوا الصّوف لترك الصّفا ... مشايخ العصر لشرب العصير
وقصّروا للعشق أثوابهم ... شرّ طويل تحت ذيل قصير
وفيها أبو نصر المهذّب بن علي بن قنيدة الأزجي الخيّاط المقرئ [4] . روى عن أبي الوقت وجماعة، وتوفي في شوال.
وفيها أبو الدّر [5] ياقوت بن عبد الله الرّومي الجنس، الحموي المولد، البغدادي، الدار، الملقب شهاب الدّين [6] . أخذ من بلاده صغيرا، وابتاعه ببغداد رجل تاجر يعرف بعسكر الحموي، وجعله في الكتّاب لينتفع به في ضبط تجايره. وكان مولاه عسكر لا يحسن الخطّ ولا يعلم [شيئا] سوى
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بعسلم» وصححتها من «وفيات الأعيان» و «سير أعلام النبلاء» .
[2] جاء في «لسان العرب» (صيص) : الصياصي: الحصون، وكل شيء امتنع به وتحصّن به فهو صيصة.
[3] في «وفيات الأعيان» و «سير أعلام النبلاء» : «من قصد حائط» .
[4] انظر «العبر» (5/ 106) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 313- 314) و «تاريخ الإسلام» (63/ 243- 244) .
[5] أقول: أبو الدّر، هو ياقوت الرّومي، مهذّب الدّين، الشاعر، وقد تقدم في الصفحة (184) وتوفي سنة (622) هـ.
وأما ياقوت الحموي المترجم هنا، فإنه شهاب الدّين أبو عبد الله، صاحب «معجم البلدان» وهو من وفيات (626) هـ كما ذكر المؤلف. (ع) .
[6] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 127- 139) و «العبر» (5/ 106) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 312- 313) و «تاريخ الإسلام» (63/ 244- 248) و «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (426- 427) طبع مؤسسة الرسالة.(7/212)
التجارة، فشغله مولاه بالأسفار في متاجره، فكان يتردد إلى [كيش] وعمان [1] والشام. وجرت بينه وبين مولاه نبوة [2] أوجبت عتقه والبعد عنه، فاشتغل بالنسخ بالأجرة، وحصلت له بالمطالعة فوائد. ثم إن مولاه بعد مديدة ألوى [3] عليه وأعطاه شيئا وسفّره إلى كيش، ولما عاد كان مولاه قد مات. فحصّل شيئا مما كان في يده وأعطاه أولاد مولاه وزوجته وأرضاهم به، وبقي بيده بقية جعلها رأس ماله. وسافر بها وجعل بعض تجارته كتبا.
وكان متعصبا على عليّ- رضي الله عنه- وكان قد اطلع على شيء من كتب الخوارج، فعلق في ذهنه منها طرف قويّ. وتوجه إلى دمشق في سنة ثلاث عشرة وستمائة، وقعد في بعض أسواقها. وناظر بعض من يتعصب لعليّ- رضي الله عنه- وجرى بينهما كلام أدّى إلى ذكر علي- رضي الله عنه- بما لا يسوغ، فثار عليه الناس ثورة كادوا يقتلونه، فسلم منهم وخرج من دمشق منهزما بعد أن بلغت القصة [4] إلى والي البلد، فطلبه فلم يقدر عليه، ووصل إلى حلب خائفا يترقب، وخرج منها إلى الموصل، ثم انتقل إلى إربل، وسلك منها إلى خراسان، ووصل إلى خوارزم، فصادف خروج التتار، فانهزم بنفسه كبعثته [5] يوم الحشر من رمسه. وقاسى في طريقه من الضائقة [6]
__________
[1] تحرفت لفظة «وعمان» في «آ» و «ط» إلى «نعمان» والتصحيح من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف ولفظة «كيش» التي بين الحاصرتين مستدركة منه. وكيش جزيرة في الخليج العربي، و «كيش» تعجيم «قيس» صارت في المئة السادسة مرفأ تجارة، وقد نسب المحدّثون إليها إسماعيل بن مسلم العبدي الكيشي. انظر «معجم البلدان» (4/ 497- 498) و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (293) .
[2] أي: جفوة. انظر «لسان العرب» (نبا) .
[3] أي: عطف. انظر «مختار الصحاح» (لوي) .
[4] في «وفيات الأعيان» : «القضية» .
[5] في «ط» : «كبعثة» .
[6] في «وفيات الأعيان» : «من المضايقة» .(7/213)
والتعب ما يكلّ اللّسان عن شرحه. ووصل إلى الموصل وقد تقطعت به الأسباب، ثم انتقل إلى سنجار، وارتحل إلى حلب، وأقام بظاهرها في الخان إلى أن مات. وكان قد تتبع التواريخ، وصنّف كتابا سماه «إرشاد الألبّاء إلى معرفة الأدباء» يدخل في أربع مجلدات، وهو في نهاية الحسن والإمتاع.
وكتاب «معجم البلدان» و «معجم الأدباء» و «معجم الشعراء» و «المشترك وضعا المختلف صقعا» وهو من الكتب النافعة، و «المبدأ والمآل» في التاريخ، و «الدول» و «مجموع كلام أبي علي الفارسي» و «عنوان كتاب الأغاني» و «المقتضب في النسب» يذكر فيه أنساب العرب، و «أخبار المتنبي» .
وكانت له همّة عالية في تحصيل المعارف.
قال ابن خلّكان: وكانت ولادته في سنة أربع وسبعين وخمسمائة ببلاد الرّوم، وتوفي يوم الأحد العشرين من رمضان في الخان بظاهر مدينة حلب، وقد كان أوقف كتبه على مسجد الزّيدي بدرب دينار ببغداد، وسلّمها إلى الشيخ عز الدّين بن الأثير صاحب «التاريخ الكبير» . ولما تميّز ياقوت واشتهر سمّى نفسه يعقوب.
ولقد سمعت الناس عقيب موته يثنون عليه ويذكرون فضله وأدبه، ولم يقدّر لي الاجتماع به. انتهى ملخصا.
ومن شعره في غلام تركي رمدت عينه، فجعل عليها وقاية سوداء:
ومولّد للتّرك تحسب وجهه ... بدرا يضيء سناه بالإشراق
أرخى على عينيه فضل وقاية ... ليردّ فتنتها عن العشّاق
تالله لو أنّ السوابغ دونها ... نفذت فهل لوقاءة [1] من واق
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «فهل لوقاية» .(7/214)
وفيها يوسف بن أبي بكر السّكّاكي [1] . صاحب «المفتاح» [2] . أخذ عن شيخ الإسلام محمود بن صاعد الحارثي وعن سديد بن محمد الخيّاطي [3] وكان حنفيا، إماما كبيرا، عالما، بارعا، متبحرا في النحو والتصريف وعلم المعاني والبيان والعروض والشعر. أخذ عنه علم الكلام مختار بن محمود الزّاهدي [4] صاحب «القنية» [5] . قاله ابن كمال باشا في «طبقاته» .
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 250) و «الجواهر المضية» (2/ 225- 226) طبع حيدر أباد.
[2] يعني «مفتاح العلوم» وقد تكلم عنه حاجي خليفة مطولا في «كشف الظنون» (2/ 1762- 1768) فراجعه تجد فائدة عزيزة إن شاء الله تعالى.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحناطي» والتصحيح من «الجواهر المضية» وهو مترجم فيه (2/ 219) بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو.
[4] في «آ» و «ط» : «الزاهد» والتصحيح من «الجواهر المضية» .
[5] واسمه الكامل «قنية المنية على مذهب أبي حنيفة» انظر «كشف الظنون» (2/ 1357) .(7/215)
سنة سبع وعشرين وستمائة
فيها خاف أهل الشّام وغيرها من الخوارزمية، وعرفوا أنهم إن ملكوا عملوا بهم كل نحس، فاصطلح الأشرف وصاحب الرّوم علاء الدّين واتفقوا على حرب جلال الدّين، وساروا فالتقوه في رمضان فكسروه واستباحوا عسكره، ولله الحمد. وهرب جلال الدّين بأسوإ حال، ووصل إلى خلاط في سبعة أنفس، وقد تمزق جيشه وقتلت أبطاله، فأخذ حريمه وما خفّ حمله وهرب إلى أذربيجان، ثم أرسل إلى الملك الأشرف في الصّلح وذلّ وأمنت خلاط، وشرعوا في إصلاحها.
قال الموفق عبد اللطيف: هزم الله الخوارزميّة بأيسر مؤونة بأمر ما كان في الحساب، فسبحان من هدم ذاك الجبل الرّاسي في لمحة ناظر.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن فهد بن الحسين بن فهد العلثي [1] الفقيه الحنبلي. سمع من أبي شاكر السقلاطوني، وشهدة، وغيرهما. وتفقه على ابن المنّي. وكان حسن الكلام في مسائل الخلاف، وفيه صلاح وديانة.
وكان زيّه زي العوام في ملبسه، وحدّث وسمع منه جماعة، وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر شعبان.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 267- 268) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 177) وفيه «أحمد بن نصر بن الحسين» فيصحح.(7/216)
وفيها زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي الشافعي [1] . روى عن أبي العشائر محمد بن خليل [القيسيّ] [2] ، وعبد الرحمن الدّاراني، والفلكي، وطائفة. وكان صالحا خيّرا، من سروات الناس. حسن السمت. تفقه على جمال الأئمة علي بن الماسح، وولي نظر الخزانة والأوقاف، ثم تزهّد. عاش ثلاثا وثمانين سنة، وتوفي في صفر.
وفيها أبو الذّخر خلف بن محمد بن خلف الكنّري البغدادي الحنبلي [3] .
ولد بكنّر من قرى بغداد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وحفظ بها القرآن، وتفقه في المذهب. ثم سافر إلى الموصل واستوطنها، وسمع بها من الخطيب أبي الفضل الطّوسي، ويحيى الثقفي، وغيرهما. وحدّث، وأقرأ القرآن، وكتب عنه الناس. وكان متدينا، صالحا، حسن الطريقة. توفي في المحرّم بالموصل.
وفيها راجح بن إسماعيل الحلّي [4] ، الأديب شرف الدّين. صدر نبيل، مدح الملوك بمصر والشام والجزيرة، وسار شعره. توفي في شعبان.
وفيها أبو الخير موفق الدّين سلامة بن صدقة بن سلامة بن الصّولي الحرّاني [5] ، الفقيه الحنبلي الفرضي. سمع ببغداد من أبي السعادات القزّاز وغيره، وتفقه بها.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 258- 259) و «العبر» (5/ 108) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 284- 287) و «تاريخ الإسلام» (63/ 256- 257) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 220) .
[2] زيادة من «سير أعلام النبلاء» .
[3] انظر «معجم البلدان» (4/ 483) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 178) .
[4] انظر «العبر» (5/ 108) و «تاريخ الإسلام» (63/ 258) و «النجوم الزاهرة» (6/ 275) وهو منسوب إلى «الحلّة» كما في «تاريخ الإسلام» .
[5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 258) و «تاريخ الإسلام» (63/ 258- 259) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 174) .(7/217)
قال ابن حمدان: كان من أهل الفتوى، مشهورا بعلم الفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة. سمعت عليه كثيرا من «الطبقات» لابن سعد، وقرأت عليه ما صنّفه في الحساب والجبر والمقابلة، وأجوبته في الفتوى غالبا: نعم أولا.
وقال ابن رجب: قال المنذري: لنا منه إجازة.
وقال [1] : الصّولي: بفتح الصاد المهملة، الإسكاف، هكذا تقوله أهل بلده.
ورأيت على مقدمة من تصنيفه في الفرائض، ابن الصولية، ولم تضبط الصاد بشيء. توفي في المحرّم بحرّان.
وفيها أبو بكر عبد الله بن معالي بن أحمد بن الرّيّاني [2] ، المقرئ الفقيه الحنبلي. تفقه على أبي الفتح بن المنّي وغيره، وسمع منه ومن شهدة وغيرهما. وحدّث.
قال ابن نقطة: سمعت منه أحاديث، وهو [3] شيخ حسن.
وقال ابن النجار: كان صالحا، حسن الطريقة. وشهد عند القضاة وحدّث باليسير، وتوفي يوم الجمعة خامس جمادى الأولى، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وهو منسوب إلى الرّيّان، بفتح الراء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وبعد الألف نون، محلّة بشرقي بغداد [4] .
__________
[1] القائل المنذري في «التكملة» ونقله عنه ابن رجب في «الذيل» .
[2] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 755) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 262- 263) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 174- 175) .
[3] لفظة «وهو» لم ترد في «تكملة الإكمال» الذي بين يدي فتستدرك.
[4] انظر «معجم البلدان» (3/ 111) .(7/218)
وفيها سليمان بن أحمد بن أبي عطّاف المقدسي الحنبلي [1] ، نزيل حرّان. تفقه بها، وحدّث عن أبي الفتح بن أبي الوفاء الفقيه، وتوفي بها في ثاني عشر جمادى الأولى.
وفيها أبو محمد عبد السلام بن عبد الرحمن ابن الشيخ العارف معدن الحكم والمعارف أبي الحكم بن برجان اللّخمي المغربي ثم الإشبيلي [2] ، حامل لواء اللغة بالأندلس. أخذ عن أبي إسحاق بن ملكون.
وتوفي في جمادى الأولى. قاله ابن الأهدل.
وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن عتيق بن عبد العزيز بن صيلا الحربيّ المؤدّب [3] .
روى عن أبي الوقت [السّجزي] وغيره، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها عبد السلام بن عبد الرحمن بن الأمين علي بن علي بن سكينة علاء الدّين الصّوفي البغدادي [4] .
سمع أبا الوقت، ومحمد بن أحمد البرمكي، وجماعة كثيرة. وتوفي في صفر.
وفيها أبو يحيى زكريا بن يحيى القطفتيّ [5]- بضمتين وسكون الفاء وفوقية مثناة، نسبة إلى قطفتا محلّة ببغداد [6]-.
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 259) .
[2] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 262- 263) و «العبر» (5/ 109) و «مرآة الجنان» (4/ 65) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 262) و «تاريخ الإسلام» (63/ 260- 261) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 332) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 259- 260) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 333) و «تاريخ الإسلام» (63/ 262) .
[5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 263) و «تاريخ الإسلام» (63/ 258) .
[6] انظر «معجم البلدان» (4/ 374) .(7/219)
ولد سنة أربع أو خمس وأربعين وخمسمائة، وتفقه في مذهب أحمد، وسمع من يحيى بن موهوب، وحدّث. وتوفي في جمادى الأولى ببغداد، ودفن بمقبرة معروف. قاله المنذري في «وفياته» .
وفيها أبو الفتوح عبد الرحمن بن عربد الدّنيسري [1] محتسب دنيسر، بلدة قرب ماردين، كان فصيحا شاعرا، فيه فضيلة تامة، حبسه صاحب ماردين، فمات في السجن.
ومن شعره:
تزايد في هوى أملي جنوني ... وأورث مهجتي سقما شجوني
وصرت أغار من نظر البرايا ... عليه ومن خيالات الظّنون
ويعذب لي عذابي في هواه ... وهذا نصّ معتقدي وديني
فقل لللّائمين عليه جهلا ... دعوني لا تلوموني دعوني
وله:
لا والذي بيديه البرء والسّقم ... ما لي سوى وجنتيه في الهوى قسم
أحوى حوى السّحر في أجفانه وعلى ... خدّيه من مهجات المدنفين دم
مزنّر الخصر وا شوقي إلى خصر ... في فيه يقصر عنه البارد الشّبم
كالماء جسما ولكن قلبه حجر ... فما سباني إلّا وهو لي صنم
وفيها الصدر فخر الدّين أبو بكر محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الدمشقي [2] المعدّل. من بيت أمانة وصيانة ودين. كان أجمل أهل بيته وأحسنهم خلقا [3] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن عرند» والتصحيح من «تاريخ دنيسر» ص (153) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
[2] انظر «تاريخ دنيسر» ص (153- 155) و «الوافي بالوفيات» (18/ 153) وكنيته فيهما «أبو محمد» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 273) و «تاريخ الإسلام» (63/ 269) و «العبر» (5/ 109) .(7/220)
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وسمع من السّلفي، وابن عساكر.
وكان رئيسا سريّا، صاحب أخبار وتواريخ، ماجنا [1] ، خليعا، من غير ذكر فاحشة، وكان متولعا بستّ الشام، يتولى أمر ديوانها، وفوضت إليه أوقافها، وترك الولايات في آخر عمره. وكان له تجّار يسافرون في تجارته، وله نظم، وعنده كتب كثيرة. توفي بدمشق، ودفن بالباب الصغير.
وفيها فخر الدّين بن شافع، محمد بن أحمد بن صالح بن شافع بن صالح بن حاتم الجيلي ثم البغدادي المعدّل الحنبلي، أبو المعالي [2] .
ولد ببغداد ليلة الجمعة سادس عشري جمادى الآخرة، سنة أربع وستين وخمسمائة. وتوفي والده [3] وله سنة وشهور، فتولاه خاله أبو بكر بن مشق، وأسمعه الكثير من خلق، منهم: السّقلاطوني، وابن الرّحلة، وشهدة.
وقرأ القرآن بالرّوايات، وتفقه في المذهب.
قال ابن النجار: كان طيّب النغمة في قراءة القرآن والحديث، ويفيد الناس إلى آخر عمره. وكان متدينا، صالحا، حسن الطريقة، جميل السيرة، وقورا، صدوقا، أمينا. كتبت عنه ونعم الرجل.
وقال ابن نقطة: ثقة [مأمون] مكثر، حسن السمت.
وقال ابن السّاعي: ثقة، صالح، جميل الطريقة، من بيت العدالة والرواية.
وقال ابن النجار: توفي يوم الأحد رابع رجب، ودفن عند آبائه بدكة الإمام أحمد.
__________
[1] في الأصل: «مجانا» وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.
[2] انظر «تكملة الإكمال» (2/ 490) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 264- 265) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 175- 177) ولفظة «مأمون» مستدركة منه.
[3] تحرفت في «آ» إلى «ولده» .(7/221)
سنة ثمان وعشرين وستمائة
لما علمت التتار بضعف جلال الدّين خوارزم شاه، بادروا إلى أذربيجان، فلم يقدم على لقائهم، فملكوا مراغة، وعاثوا، وبدّعوا [وفرّ هو إلى آمد] [1] وتفرّق جنده، فبيّته التتار ليلة فنجا بنفسه. وطمع الأكراد والفلّاحون وكلّ أحد في جنده وتخطّفوهم. وانتقم الله منهم، وساقت التتار إلى ماردين يسبون ويقتلون، ودخلوا إلى إسعرد [2] فقتلوا نيفا وعشرين ألفا، وأخذوا من البنات ما أرادوا، ووصلوا إلى أذربيجان ففعلوا كذلك، واستقرّ ملكهم بما وراء النهر، وبقيت مدن خراسان خرابا لا يجسر أحد يسكنها.
وفيها توفي أبو نصر بن النّرسي أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن هبة الله البغدادي البيّع [3] روى عن أبي الوقت [السّجزي] وجماعة، وتوفي في رجب.
وفيها الملك الأمجد مجد الدّين أبو المظفّر بهرام شاه بن فرّوخ شاه
__________
[1] ما بين الحاصرتين مستدرك من «العبر» (5/ 110) .
[2] ذكرت «إسعرد» غير مرة في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير. وقال في «بلدان الخلافة الشرقية» ص (145) مدينة «سعرت» أو «سعرد» أو «إسعرت» كانت تعد في الغالب من أعمال أرمينية، وانظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (360) أثناء الكلام على «حيزان» .
[3] انظر «العبر» (5/ 110) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 307- 308) و «تاريخ الإسلام» (63/ 278- 279) .(7/222)
ابن شاهنشاه بن أيوب بن شادي [1] ، صاحب بعلبك. تملّكها بعد والده خمسين سنة، وكان جوادا [2] كريما شاعرا محسنا، قتله مملوك له جميل بدمشق في شوال. وسببه أنه سرقت له دواة من ذهب تساوي مائتي دينار، فظهرت عند هذا المملوك، فحبسه في خزانة في داره، فلما كان ليلة الأربعاء ثامن شوال فتح الخزانة بسكين كانت معه قلع بها رزة الباب، وأخذ سيف الأمجد، وكان يلعب بالشطرنج، فضربه فحلّ [3] كتفه، وطعنه بالسيف في خاصرته فمات، وهرب المملوك، فثارت عليه المماليك وقتلوه، ودفن الأمجد بتربة أبيه على الشرف الشمالي.
ومن شعره في مليح يقطع بانا:
من لي بأهيف قال حين عتبته ... في قطع كلّ قضيب بان رائق
تحكي شمائله الرّشاق إذا انثنى ... ريّان بين جداول وحدائق:
سرقت غصون البان لين معاطفي ... فقطعتها والقطع حدّ السّارق
ورؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال:
كنت من ذنبي على وجل ... زال عنّي ذلك الوجل
أمنت نفسي بوائقها ... عشت لمّا متّ يا رجل
وفيها جلدك التقويّ الأمير [4] . ولي نيابة الإسكندرية، وسدّ [5] الدّيار
__________
[1] انظر «مرآة الزمان» (8/ 441- 442) و «وفيات الأعيان» (2/ 453) و «تاريخ الإسلام» (63/ 281- 282) و «النجوم الزاهرة» (6/ 275- 276) وأورد له أبياتا أخرى من شعره يحسن بالقارئ الوقوف عليها.
[2] تحرفت في «ط» إلى «جودا» .
[3] في «آ» و «ط» : «حل» وما أثبته من «مرآة الزمان» .
[4] انظر «فوات الوفيات» (1/ 300- 301) و «العبر» (5/ 111) و «الوافي بالوفيات» (11/ 174- 175) .
[5] في «العبر» بطبعتيه: «وشدّ» .(7/223)
المصرية، وكان أديبا شاعرا. روى عن السّلفي، ومولاه- هو صاحب حماة- تقي الدّين عمر. توفي في شعبان.
وفيها الزّين الكردي محمد بن عمر المقرئ [1] . أخذ القراءات عن الشّاطبي، وتصدّر بجامع دمشق مع السّخاويّ.
وفيها المهذّب الدّخوار عبد الرحيم بن علي بن حامد الدّمشقي [2] ، شيخ الطّب وواقف المدرسة التي بالصّاغة العتيقة على الأطباء [3] .
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة، وأخذ عن الموفق بن المطران، والرّضي الرّحبي [4] . وأخذ الأدب عن الكندي. وانتهت إليه معرفة الطب، وصنّف التصانيف فيه، وحظي عند الملوك ولما تجاوز سنّ الكهولة عرض له طرف خرس حتّى بقي لا يكاد يفهم كلامه. واجتهد في علاج نفسه فما أفاد، بل ولّد له أمراضا. وكان دخله في الشّهر مائة وخمسون دينارا، وله أقطاع تعدل ستة آلاف وخمسمائة دينار. ولما ثقل لسانه كان الجماعة يبحثون بين يديه فيكتب لهم ما أشكل عليهم في اللوح، واستعمل المعاجين الحادة فعرضت له حمّى قوية أضعفت قوته، وزادت إلى أن سالت عينه.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 111) .
[2] انظر «العبر» (5/ 111- 112) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 316- 317) و «تاريخ الإسلام» (63/ 292- 294) و «القلائد الجوهرية» (1/ 331- 333) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
[3] وقد تحولت مدرسته في هذه الأيام إلى متحف للطب العربي الإسلامي القديم، وتقام فيها- على فترات متباعدة- بعض الندوات العلمية وتلقى فيها المحاضرات في الأمسيات الصيفية غالبا، ومن جملة من حاضر فيها محاضرة علمية إسلامية الشكل والمضمون قبل ثلاث سنوات، العالم الجزائري الفاضل الدكتور أحمد عروة، تحدث فيها عن خلق الإنسان في القرآن الكريم، وقد تنادى إلى حضورها أهل العلم والثقافة والأدب في دمشق في حينه.
[4] في «العبر» بتحقيق الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد «الرّخي» وتبعه محقّق «العبر» طبع بيروت، وهو خطأ.(7/224)
وفيها ناصح الدّين أبو محمد عبد الوهاب بن زاكي بن جميع الحرّاني [1] الفقيه الحنبلي. نزيل دمشق. سمع بحرّان من عبد القادر الرّهاوي.
قال ابن حمدان: كان فاضلا في الأصلين، والخلاف، والعربية، والنثر، والنظم، وغير ذلك. رحل إلى بغداد، وقرأت عليه «الجدل الكبير» لابن المنّي، و «منتهى السول» وغير ذلك. وكان كثير المروءة والأدب، حسن الصحبة.
وذكر المنذري: أنه حدّث بشيء من شعره. قال: وجميع: بضم الجيم وفتح الميم. وتوفي خامس ذي القعدة، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها الدّاهري أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران البغدادي الحافظ [2] الخفّاف الخرّاز [3] . سمع من أبي بكر الزّاغوني، ونصر العكبري، وجماعة. وكان عاميّا مستورا، كثير الرّواية. توفي في ربيع الأول.
وفيها ابن رحّال العدل نظام الدّين علي بن محمد بن يحيى المصري [4] . سمع من السّلفي وغيره، وتوفي في شوال.
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى الحميري الكتامي الفاسي القطّان [5] ، قاضي الجماعة. كان حافظا ثقة مأمونا، لكن نقمت عليه أغراض في قضائه. قاله ابن ناصر الدّين.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 292) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 177- 178) .
[2] لفظة «الحافظ» لم ترد في «ط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 112) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 304- 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) .
[4] انظر «العبر» (5/ 112) و «تاريخ الإسلام» (63/ 297- 298) .
[5] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 296- 297) و «التبيان شرح بديعة البيان» (175/ آ) .(7/225)
وفيها القاسم بن القاسم الواسطي [1] ، شاعر فاضل.
من نظمه:
لا ترد من خيار دهرك خيرا ... فبعيد من السرب السّراب
منطق [2] كالحباب يطفو على الكا ... س ولكن تحت الحباب الحباب
عذبت في اللقاء ألسنة القو ... م ولكن تحت العذاب العذاب [3]
وله:
ديباج خدّك بالعذار مطرّز ... برزت محاسنه وأنت مبرّز
وبدت على غصن الصّبا لك روضة ... والغصن ينبت في الرّياض ويغرز
وجنت على وجنات خدّك حمرة ... خجل الشقيق بها وحار القرمز
لو كنت مدّعيا ملاحة يوسف ... لقضى القياس بأن حسنك معجز
أو كان عطفك مثل عطفك ليّن ... ما كان منك تمنّع وتعزّز
وفيها ابن عصيّة أبو الرّضا محمد بن أبي الفتح المبارك بن عبد الرّحمن الكندي الحربي [4] . روى عن أبي الوقت وغيره، وتوفي في المحرم.
وفيها ابن معطي النحوي الشيخ زين الدّين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النّور الزّواوي- نسبة إلى زواوة قبيلة كبيرة بأعمال
__________
[1] انظر «معجم الأدباء» (16/ 296- 316) و «تاريخ الإسلام» (63/ 239) و «فوات الوفيات» (3/ 192- 196) وقد ذكروا جميعا بأنه مات سنة (626) فتنبه.
[2] في «فوات الوفيات» : «رونق» .
[3] رواية البيت في «فوات الوفيات» :
عذبت في النفاق ألسنة القو ... م وفي الألسن العذاب العذاب
[4] انظر «العبر» (5/ 112) و «تاريخ الإسلام» (63/ 300) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) .(7/226)
إفريقية- الفقيه الحنفي [1] .
ولد سنة أربع وستين وخمسمائة، وأقرأ العربية مدّة بمصر ودمشق، وروى عن القاسم بن عساكر وغيره، وهو أجلّ تلامذة الجزوليّ، وانفرد بعلم العربية، وصنّف «الألفية» المشهورة [2] وغيرها، ومات في ذي القعدة بمصر وقبره قريب من تربة الإمام الشّافعي.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 197) و «العبر» (5/ 112) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 324) و «تاريخ الإسلام» (63/ 303- 305) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) .
[2] انظر «كشف الظنون» (1/ 155- 156) .(7/227)
سنة تسع وعشرين وستمائة
فيها عاثت التتار لموت جلال الدّين ووصلوا إلى شهرزور، فأنفق [1] المستنصر بالله في العساكر، وجهزهم مع قشتمر [2] النّاصري، فانضموا إلى صاحب إربل، فتقهقرت التتار.
وفيها توفي السّمّذي- بكسرتين وتشديد الميم نسبة إلى السّمّذ وهو الخبز الأبيض يعمل للخواص- أبو القاسم أحمد بن أحمد بن أبي غالب البغدادي الكاتب [3] . روى «جزء» أبي الجهم عن أبي الوقت، وبعضهم سمّاه عليا. توفي في المحرّم.
وفيها الشيخ شرف الدّين إسماعيل الموصلي ابن خالة القاضي شمس الدّين بن الشيرازي [4] . كان ينوب عن ابن الزّكي الشّافعي في القضاء، وهو على مذهب أبي حنيفة. وكان بيده تدريس مدرسة الطرخانية.
بعث إليه الملك المعظّم يقول له: أفت بإباحة الأنبذة، وما يعمل من الرّمّان وغيره، فقال الشيخ شرف الدّين: لا أفتح على أبي حنيفة هذا الباب! وأنا
__________
[1] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «فاتّفق» فتصحح.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «قستم» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» (63/ 38) .
[3] انظر «العبر» (5/ 113) و «تاريخ الإسلام» (63/ 306- 307) .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (161) و «النجوم الزاهرة» (6/ 278- 279) .(7/228)
على مذهب محمد [1]- رضي الله عنه- في تحريمها، وأبو حنيفة لم تتواتر الرواية عنه في إباحتها، وقد صحّ عن أبي حنيفة أنه لم يشربها قطّ، فغضب المعظّم، وأخرجه من مدرسة طرخان، وولاها لتلميذه الزّين بن العتّال، وأقام هو في بيته تتردد الناس إليه، لا يغشى أحدا من خلق الله تعالى، قانعا باليسير إلى أن مات، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو علي الحسين بن المبارك الزّبيدي [2] . قدم بغداد وسكنها، وكان خيّرا، عارفا بمذهب أبي حنيفة، عالي الإسناد. سمع أبا الوقت [السّجزيّ] وغيره، ومنه الأبرقوهي.
وفيها أبو الرّبيع سلمان بن نجاح القوصي [الغمري] [3] . سكن دمشق وكان بارعا في الأدب. ومن شعره:
أراك منقبضا عنّي بلا سبب ... وكنت بالأمس يا مولاي منبسطا
وما تعمّدت ذنبا أستحقّ به ... هذا الصّدود لعلّ الذّنب كان خطا
فإن يكن غلط [4] منّي على غرر ... قل لي لعلّي أن أستدرك الغلطا
وفيها السلطان جلال الدّين خوارزم شاه منكوبري بن خوارزم شاه علاء الدّين محمد بن خوارزم شاه علاء الدّين تكش بن خوارزم شاه أرسلان ابن خوارزم شاه أتسز [5] بن محمد الخوارزمي. أحد من يضرب به المثل في الشجاعة والإقدام.
__________
[1] يعني محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة (ع) .
[2] انظر «العبر» (5/ 113) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 357- 359) و «البداية والنهاية» (13/ 133) وقد تحرفت «الحسين» إلى «الحسن» في «العبر» بطبعتيه فتصحح.
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (15/ 437- 438) ولفظة «الغمري» زيادة منه.
[4] في «الوافي بالوفيات» : «غلطة» .
[5] في «آ» و «ط» : «أنز» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (2/ 428) و «العبر» (5/ 114) وهو مترجم أيضا في «سير أعلام النبلاء» (22/ 326- 329) و «تاريخ الإسلام» (63/ 283- 287) .(7/229)
قال الذهبي: لا أعلم في السلاطين أكثر جولانا منه في البلدان، ما بين الهند إلى ما وراء النهر، إلى العراق، إلى فارس، إلى كرمان، إلى أذربيجان، وإرمينية، وغير ذلك. وحضر مصافا، وقاوم التتار في أول جدّهم [1] وحدّتهم. وافتتح غير مدينة، وسفك الدماء، وظلم، وعسف، وغدر، ومع ذلك كان صحيح الإسلام. وكان ربما قرأ في المصحف ويبكي.
وآل أمره إلى أن تفرّق [عنه] [2] جيشه وقلّوا، لأنهم لم تكن لهم إقطاع، بل أكثر عيشهم من نهب البلاد. انتهى.
وقال غيره: انهزم من التتار فرآه فلاح من قرية يقال لها: عين دارا [3] ، راكبا على سرج مرصّعا باليواقيت، وعلى لجام فرسه الجواهر، فشره الفلّاح إلى ما كان معه فأنزله فأطعمه، فلما نام ضربه بفأس فقتله وأخذ ما معه ودفنه، فبلغ ذلك شهاب الدّين غازي صاحب ميّافارقين، فأحضر الفلّاح وعاقبه، فأقر. وأحضر الفرس والسلاح، وكان جلال الدّين سدّا بين المسلمين والكفّار. فلما مات انفتح السدّ. وكان يتكلم بالتّركية والفارسية. انتهى.
وفيها أبو موسى الحافظ جمال الدّين عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحنبلي [4] ، الحافظ ابن الحافظ.
ولد في شوّال سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وسمع من عبد الرحمن
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «في أول جدهم» وفي «العبر» : «في أول حدهم» بالحاء المهملة.
[2] لفظة «عنه» مستدركة من «العبر» .
[3] عين دارا، لم أقف على من ذكرها بهذا الاسم عند أصحاب كتب البلدان التي بين يدي، ولكن جاء في «معجم البلدان» (2/ 418) : دارا ... بلدة في لحف جبل بين نصيبين وماردين ... ذات بساتين ومياه جارية.
[4] انظر «العبر» (5/ 114- 115) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 317- 320) و «تاريخ الإسلام» (63/ 316- 320) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 185- 187) .(7/230)
ابن الخرقي بدمشق، ومن ابن كليب ببغداد، ومن خليل الرّاراني [1] بأصبهان.
ومن الأرتاحي بمصر. ومن منصور الفراوي بنيسابور. وكتب الكثير، وعني بهذا الشأن. وجمع وأفاد، وتفقه وتأدب وتميّز. مع الأمانة والدّيانة والتقوى.
قال الضياء: اشتغل بالفقه والحديث، وصار علما من الأعلام، حافظا متقنا ثقة.
وقال عمر بن الحاجب: لم يكن في عصره مثله في الحفظ والمعرفة والأمانة، وكان كثير الفضل، وافر العقل، متواضعا، مهيبا، وقورا، جوادا، سخيّا، له القبول التّام، مع العبادة والورع والمجاهدة.
وقال الذهبي: روى عنه الضياء، وابن أبي عمر، وابن النجار [2] ، وجماعة كثيرون. ومع هذا فقد غمزه النّاصح بن الحنبلي، وسبط ابن الجوزي بالميل إلى السلاطين.
قال ابن رجب: والعجب أن هذين الرجلين كانا من أكثر الناس ميلا إلى السلاطين [3] والملوك، وتوصلا [4] إليهم، وإلى برّهم بالوعظ وغيره. ولقد كان أبو موسى أتقى لله تعالى، وأورع، وأعلم منهما، وأكثر عبادة، وأنفع للناس. وبنى الملك الأشرف دار الحديث بالسفح على اسمه، وجعله شيخها. وقرّر له معلوما. فمات أبو موسى قبل كمالها.
توفي- رحمه الله- يوم الجمعة خامس رمضان ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الرّازاني» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 354) و (3/ 319) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1408) وحوادث سنة (596) في المجلد السادس ص (528) وتحرفت نسبته في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «الداراني» فتصحح.
[2] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «وابن البخاري» .
[3] لفظة «السلاطين» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والتوصل» .(7/231)
وفيها عبد الغفّار بن شجاع المحلّي [1] الشّروطي [2] . روى عن السّلفي وغيره، ومات في شوّال عن سبع وسبعين سنة.
وفيها عبد اللّطيف بن عبد الوهّاب بن محمد بن الطّبري [3] . سمع من أبي محمد بن المادح، وهبة الله بن الشّبلي، وتوفي في شعبان.
وفيها الموفق أبو محمد عبد اللّطيف بن يوسف العلّامة ذو الفنون البغدادي [4] الشافعي النّحوي اللّغوي الطّبيب الفيلسوف، صاحب التصانيف الكثيرة.
ولد سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وسمع من جماعة كثيرين، منهم:
ابن البطّي، وأبو زرعة، وتفقه على أبي القاسم بن فضلان، وأقام بحلب، وحفظ كتبا كثيرة، ومن تصانيفه «شرح مقدمة ابن باب شاذ» [5] في النحو، و «شرح المقامات» [6] و «شرح بانت سعاد» و «الجامع الكبير» في المنطق والطبيعي والإلهي في عشر مجلدات، و «الرد على اليهود والنصارى» و «غريب الحديث» في ثلاث مجلدات، واختصره. و «شرح أحاديث ابن ماجة المتعلقة بالطب» . وحدّث ببلدان كثيرة.
__________
[1] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «المجلّي» فتصحح.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 320- 321) و «العبر» (5/ 115) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 320) و «تاريخ الإسلام» (63/ 322) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 315- 316) و «العبر» (5/ 115) و «تاريخ الإسلام» (63/ 323- 324) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 297- 298) و «العبر» (5/ 115- 116) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 320- 323) و «تاريخ الإسلام» (63/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) .
[5] في «تاريخ الإسلام» (63/ 328) : «شرح مقدمة بابشاد» .
[6] في «تاريخ الإسلام» : «الإنصاف بين ابن برّي وابن الخشّاب في كلامهما على المقامات» .(7/232)
قال الذهبي: كان أحد الأذكياء البارعين [1] في اللغة، والآداب، والطبّ، وعلم الأوائل. لكن كثرة دعاويه أزرت به.
ولقد بالغ القفطيّ [2] في الحطّ عليه، وظلمه وبخسه حقّه.
سافر من حلب ليحجّ من العراق، فأدركه الموت ببغداد في ثاني عشر المحرم. انتهى كلام الذّهبي.
وقال الدّبيثي: غلب عليه علم الطبّ والأدب، وبرع فيهما.
ومن كلامه: من لم يحتمل ألم التّعلّم، لم يذق لذّة العلم، ومن لم يكدح لم يفلح.
وفيها الشيخ عمر بن عبد الملك الدّينوري [3] الزاهد، نزيل قاسيون.
كان صاحب أحوال ومجاهدات وأتباع، وهو والد جمال الدّين خطيب كفر بطنا.
وفيها عمر بن كرم بن أبي الحسن أبو حفص الدّينوري ثم البغدادي الحمّامي [4] .
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وسمع من جدّه لأمه عبد الوهاب الصّابوني، ونصر العكبري، وأبي الوقت [السّجزي] . وأجاز له الكروخي، وعمر بن أحمد الصفّار الفقيه، وطائفة. انفرد عن أبي الوقت بأجزاء، وكان صالحا. توفي في رجب.
__________
[1] في «تاريخ الإسلام» : «المتضلعين» .
[2] في «آ» : «القطيعيّ» وهو خطأ.
[3] انظر «العبر» (5/ 116) و «تاريخ الإسلام» (63/ 335- 336) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 313) و «العبر» (5/ 116) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 325) و «تاريخ الإسلام» (63/ 336- 337) .(7/233)
وفيها عيسى بن المحدّث عبد العزيز بن عيسى اللّخمي الشّريشي ثم الإسكندراني المقرئ [1] .
سمع من السّلفي، وقرأ القراءات على أبي الطيّب عبد المنعم بن الخلوف، ثم ادعى أنه قرأ على ابن خلف الدّاني وغيره، فاتّهم، وصار من الضعفاء، وفجعنا بنفسه. توفي في سابع جمادى الآخرة. قاله في «العبر» .
وفيها الحافظ الرحّال أبو بكر محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي الحنبلي، المعروف بابن نقطة، ويلقب معين الدّين ومحب الدّين أيضا [2] .
ولد في عاشر رجب سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وسمع ببغداد من يحيى بن بوش، وابن سكينة، وغيرهما. ورحل إلى البلدان، فسمع بواسط من أبي الفتح بن المندائي [3] ، وبإربل من عبد اللّطيف بن أبي النّجيب السّهروردي. وبأصبهان من عفيفة الفارفانية، وزاهر بن أحمد، وجماعات.
وبخراسان من منصور الفراوي، والمؤيد الطّوسي، وغيرهما. وبدمشق من أبي اليّمن الكندي، وابن الحرستاني، وداود بن ملاعب، وغيرهم. وبمصر من ابن الفخر الكاتب وغيره. وبالإسكندرية من جماعة من أصحاب السّلفي.
وبمكّة من يحيى بن ياقوت. وبحرّان من الحافظ عبد القادر [الرّهاوي] [4] .
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 312) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 315) و «العبر» (5/ 116- 117) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 614- 619) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 300- 301) و «وفيات الأعيان» (4/ 392- 393) و «العبر» (5/ 117) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 347) و «تاريخ الإسلام» (63/ 344- 346) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 182- 184) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المنادي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «المنداي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» .
[4] تكملة من «تاريخ الإسلام» .(7/234)
وبحلب من الافتخار الهاشمي. وبالموصل من جماعة. وبدمنهور، ودنيسر، وبلاد أخر. وعني بهذا الشأن عناية تامّة، وبرع فيه، وكتب الكثير. وحصّل الأصول. وصنّف تصانيف مفيدة.
ذكره عمر بن الحاجب في «معجمه» فقال: شيخنا هذا أحد الحفّاظ الموجودين في هذا الزمان. طاف البلاد، وسمع الكثير، وصنّف كتبا حسنة في معرفة علوم الحديث والأنساب، وكان إماما، زاهدا، ورعا، ثقة، ثبتا، حسن القراءة، مليح الخطّ، كثير الفوائد، متحريا في الرواية، حجّة فيما يقوله ويصنّفه ويجمعه من النقل. ذا سمت ووقار وعفاف، حسن السيرة، جميل الظاهر والباطن، سخي النّفس، مع القلّة، قانعا باليسير، كثير الرغبة إلى الخيرات. سألت الحافظ الضياء عنه فقال: حافظ ديّن ثقة، صاحب مروءة، كريم النّفس، كثير الفائدة. مشهور بالثقة، حلو المنطق. وسألت البرزالي عنه فقال: ثقة ديّن مفيد. انتهى.
وقال المنذري: الحافظ أبو بكر بن نقطة، سمعت منه وسمع مني بجيزة فسطاط مصر وغيرها. وكان أحد المشهورين.
وقال ابن خلّكان: دخل خراسان وبلاد الجبل والجزيرة والشام ومصر، ولقي المشايخ وأخذ عنهم، وكتب الكثير وعلّق التعاليق النافعة، وذيّل على «الإكمال» لابن ماكولا في مجلدين. وله كتاب آخر لطيف في «الأنساب» [1] وله كتاب «التقييد بمعرفة رواة السنن والمسانيد» وله غير ذلك.
وقال ابن رجب: روى عنه المنذري، والسيف بن المجد، وابن الأثري، وابنه اللّيث بن نقطة، وغيرهم.
__________
[1] سماه «تكملة الإكمال» واشتهر ب «الاستدراك» وهو قيد الطبع الآن في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، وقد صدر المجلد الأول منه بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد ربّ النبيّ، والمجلد الثاني بتحقيق الدكتور عبد القيوم بالاشتراك مع الأستاذ محمد صالح عبد العزيز المراد. وقد صدر المجلدان الثالث والرابع منه حديثا بتحقيق الدكتور عبد القيوم، نفع الله تعالى به.(7/235)
وذكر ابن الأنماطي أنه سأله عن نسبته فقال: جارية ربّت جدّتي أمّ أبي اسمها نقطة عرفنا باسمها. توفي في سنّ الكهولة بكرة يوم الجمعة ثاني عشري صفر ببغداد ودفن عند قبر أبيه.
وأبوه الزاهد أبو محمد عبد الغني [1] . كان من أكابر الزّهاد المشهورين بالصلاح والإيثار، وله أتباع ومريدون، وبنت له أمّ الخليفة النّاصر مسجدا حسنا ببغداد فانقطع فيه، وكان يقصده الناس فيتكلم عليهم، وزوّجته بجارية من خواصها وجهزتها بنحو من عشرة آلاف دينار، فما حال الحول وعندهم من ذلك شيء، بل جميع ذلك تصدق به. وكان يتصدق في [كلّ] [2] يوم بألف دينار وأصحابه [3] صيام، لا يدّخر لهم عشاء. وقف عليه سائل يلح في الطلب ويصف فقره وأنه منذ كذا لم يجد شيئا، فأخرج إليه الهاون، وقال: خذ هذا كل به في ثلاثين يوما ولا تشنّع على الله عزّ وجل. وتوفي ببغداد في رابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، رحمه الله.
وكان محمد بن نقطة ينشد:
لا تظهرنّ لعاذل أو عاذر ... حاليك في السّرّاء والضّرّاء
فلرحمة المتوجّعين مرارة ... في القلب مثل شماتة الأعداء
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ ترجمة 18) كما في فهرسه. قلت: ولم أقف عليها في النسخة التي بين يدي فقد سقطت هي وغيرها أثناء الطبع من طبعة مؤسسة الرسالة. و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 184) .
[2] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] يعني أهل بيته.(7/236)
سنة ثلاثين وستمائة
فيها حاصر الملك الكامل آمد وأخذها من صاحبها الملك المسعود مودود، ضربها بالمجانيق، فلما رأى المسعود الغلبة، خرج وفي رقبته منديل، فرسم عليه وتسلّم منه البلد، وطلب منه تسليم القلاع، فسلّم الجميع إلّا حصن كيفا، فعذّبه بأنواع العذاب، وكان يبغضه، وكان المسعود فاسقا يأخذ الحرم غصبا، حتّى وجدوا في قصره خمسمائة حرّة من بنات النّاس.
وفيها توفي بهاء الدّين التّنوخي القاضي إبراهيم بن أبي اليسر شاكر ابن عبد الله الشّافعي [1] الكاتب البليغ، والد تقي الدّين إسماعيل. روى بالإجازة عن شهدة، وولي قضاء المعرّة في صباه خمس سنين، فقال:
وليت الحكم خمسا هنّ [2] خمس ... لعمري والصّبا في العنفوان
فلم [3] تضع الأعادي قدر شاني ... ولا قالوا فلان قد رشاني
توفي في المحرّم.
وفيها إدريس بن السلطان يعقوب بن يوسف أبو العلاء المأمون [4] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 118) و «تاريخ الإسلام» (63/ 354- 356) .
[2] في «آ» و «ط» : «وهي» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[3] في «آ» و «ط» : «فكم» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[4] انظر «العبر» (5/ 118) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 342- 343) و «تاريخ الإسلام» (63/ 309- 310) .(7/237)
بايعوه بالأندلس، ثم جاء إلى مرّاكش وملكها وعظم شأنه وسلطانه. وكان بطلا شجاعا، ذا هيبة شديدة وسفك للدماء. قطع ذكر ابن تومرت من الخطبة، ومات غازيا، والله يسامحه.
وفيها إسماعيل بن سليمان بن أيداش أبو طاهر الحنفي ابن السّلّار [1] . حدّث عن الصائن هبة الله [بن عساكر] ، وعبد الخالق بن أسد، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها الأوهي- بفتحتين نسبة إلى أوه قرية بين زنجان وهمذان [2]- الزاهد أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف. نزيل بيت المقدس. أكثر عن السّلفي وجماعة، وكان عبدا صالحا قانتا لله، صاحب أحوال ومجاهدات، له أجزاء يحدّث منها. توفي في عاشر صفر.
وفيها الحسن بن السّيّد الأمير علي بن المرتضى أبو محمد العلوي الحسينيّ [3] . آخر من سمع من ابن ناصر، يروي عنه كتاب «الذّرّيّة الطّاهرة»
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 351) و «العبر» (5/ 118) و «تاريخ الإسلام» (63/ 356) و «الجواهر المضية» (1/ 408) و «الطبقات السنية» (2/ 189) .
[2] قلت: كذا قيّد المؤلف نسبته «الأوهي» بفتح الهمزة والواو ثم هاء وياء. وعند ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 283) : «الأوقي» بفتح الهمزة والواو، ثم قاف وياء، وقال: لقيته بالبيت المقدس تاركا للدنيا مقبلا على قراءة القرآن، مستقبلا قبلة المسجد الأقصى ... وسألته عن نسبه فقال: أنا من بلد يقال له «أوه» فقال لي السّلفيّ الحافظ: ينبغي أن تزيد فيه قافا للنسبة، فلذلك قيل لي «الأوقي» وضبط في «سير أعلام النبلاء» (22/ 349) و «تاريخ الإسلام» (63/ 357) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (260) و «توضيح المشتبه» (1/ 286) :
«الإوقي» بكسر الهمزة وفتح الواو ثم قاف مكسورة تليها ياء النسب، وقال العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني في تعليقه على «الأنساب» (1/ 388) : ليست- يعني القاف- بزيادة وإنما هي إبدال الهاء الساكنة في آخر الكلمة الأعجمية قافا كنظائره.
[3] انظر «العبر» (5/ 119) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 344- 345) و «تاريخ الإسلام» (63/ 359) .(7/238)
توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة، وسماعه في الخامسة من عمره. قاله في «العبر» .
وفيها صفي الدّين أبو بكر عبد العزيز بن أحمد بن عمر بن سالم بن محمد بن باقا، العدل البغدادي الحنبلي [1] التاجر.
ولد في رمضان سنة خمس وخمسين وخمسمائة ببغداد، وقرأ القرآن، وسمع من أبي زرعة، وابن بندار، وابن النّقور، وابن عساكر علي [البطائحي] [2] ، وخلق.
وقرأ طرفا من الفقه على ابن المنّي، واستوطن مصر إلى أن مات، وشهد بها عند القضاة. وحدّث بالكثير إلى ليلة وفاته، وكان كثير التلاوة للقرآن.
قال ابن النجار: كان شيخا جليلا، صدوقا أمينا، حسن الأخلاق، متواضعا. وسمع منه خلق كثير من الحفّاظ وغيرهم، منهم: ابن نقطة، وابن النجّار، والمنذري. وحدّث عنه خلق كثير، وتوفي سحر تاسع عشر رمضان بالقاهرة، ودفن بسفح المقطّم.
وفيها القاضي أبو المعالي أحمد بن يحيى ابن قايد [3] الأواني، الحنبلي. ولّاه أبو صالح الجيلي قضاء دجيل، وله نظم، حدّث ببعضه. توفي بأوانا في جمادى الأولى، وكان ابن عمّ أبي عبد الله محمد بن أبي المعالي ابن قايد [3] الأواني، وكان زاهدا قدوة، ذا كرامات، حكى عنه الشيخ شهاب الدّين السّهروردي وغيره حكايات.
قال الناصح بن الحنبلي: زرته أنا ورفيق لي، فقدّم لنا العشاء وعنده
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 119) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 351- 352) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 188) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (180) .
[2] زيادة من «سير أعلام النبلاء» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «آ» و «ط» : «قائد» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» و «شذرات من كتب مفقودة» : «فايد» وما أثبته-(7/239)
جماعة كثيرة، ولم أر إلّا خبزا وخلّا وبقلا، فتحدث على الطعام، ثم قال:
ضاف بعيسى، [1] ابن مريم أقوام، فقدم لهم خبزا وخلّا، وقال: لو كنت متكلّفا لأحد شيئا لتكلفت لكم. قال: فعرفت أنه قد عرف حالي.
دخل عليه رجل من الملاحدة في رباطه وهو جالس وحده فقتله فتكا، رضي الله عنه، ودفن في رباطه وقتل قاتله وأحرق.
وفيها سالم بن محمد بن سالم العامري اليمني.
قال المناوي في «طبقاته» : كان رفيع المجد، عليّ القدر، كثير التواضع، سليم الصدر. أثنى الأكابر على لطفه وفضله، وجنى المريدون ثمار الإحسان من تربيته وعطفه، وكان شريف النّفس، عالي الهمّة، صاحب كرامات. انتهى.
وفيها الملك العزيز عثمان بن العادل أبي بكر بن أيوب شقيق المعظم [2] ، وهو صاحب بانياس [3] ، وتبنين [4] وهونين [5] وهو الذي بنى قلعة الصّبيبة بين هؤلاء البلدان، وكان عاقلا ساكنا، اتفق موته بالنّاعمة وهو بستان له ببيت لهيا من صالحية دمشق في عشر رمضان.
__________
[ (-) ] من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 341) و «توضيح المشتبه» (1/ 279) و «المنهج الأحمد» للعليمي الورقة (366) . وقيده المنذري بقوله: «وقايد: بفتح القاف وبعد الألف ياء آخر الحروف ودال مهملة» .
[1] في «آ» و «ط» : «ضاف عيسى» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» و «شذرات من كتب مفقودة» .
[2] انظر «العبر» (5/ 119) و «تاريخ الإسلام» (63/ 367) .
[3] بانياس: بلدة من أعمال الجولان إلى الشمال الغربي من القنيطرة. وانظر «الروض المعطار» ص (74) و «أطلب التاريخ العربي» ص (59) طبع دار الفكر بدمشق، و «أطلس العالم» ص (15) طبع مكتبة لبنان.
[4] تبنين: بلدة في جبال بني عامر المطلة على بانياس بين دمشق وصور. انظر «معجم البلدان» (2/ 14) .
[5] هونين: بلد في جبال عاملة مطلّ على نواحي حمص. انظر «معجم البلدان» (5/ 420) و «تاج العروس» (9/ 368) الطبعة القديمة.(7/240)
وفيها العلّامة عبيد الله بن إبراهيم جمال الدّين العبادي المحبوبي البخاري [1] ، شيخ الحنفية بما وراء النهر، وأحد من انتهى إليه معرفة المذهب. أخذ عن أبي العلاء عمر بن أبي بكر بن محمد الزّرنجري، عن أبيه شمس الأئمة. وبرهان الأئمة [2] عبد العزيز بن عمر بن مازة. وتفقه أيضا على قاضي خان فخر الدّين حسن بن منصور الأوزجندي. وتوفي ببخارى في جمادى الأولى عن أربع وثمانين سنة.
وفيها علي [بن عبد الرحمن] بن الجوزي أبو الحسن [3] . ولد العلّامة جمال الدّين أبي الفرج عبد الرّحمن بن علي البغدادي الناسخ. نسخ الكثير بالأجرة، وكان معاشرا لعّابا. روى عن ابن البطّي، وأبي زرعة، وجماعة، وتوفي في رمضان.
وفيها ابن الأثير الإمام عز الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري [4] المؤرخ الشافعي، أخو مجد الدّين صاحب «النهاية» [5] .
ولد صاحب الترجمة سنة خمس وخمسين وخمسمائة، واشتغل في بلاد متعددة، وكان إماما، نسّابة، مؤرخا، أخباريّا، أديبا، نبيلا، محتشما. وصنّف التاريخ المشهور ب «الكامل» على الحوادث والسنين في عشر مجلدات، وهو
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 345- 346) و «تاريخ الإسلام» (63/ 366- 367) و «الجواهر المضية» (2/ 490) و «الفوائد البهية» ص (108) وتصحفت «البخاري» في «تاريخ الإسلام» إلى «النجاري» فتصحح.
[2] في «ط» و «تاريخ الإسلام» : «وبرهان الأئمة» .
[3] انظر «العبر» (5/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 352- 353) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 348- 350) و «العبر» (5/ 120- 121) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 353- 356) و «تاريخ الإسلام» (63/ 369) .
[5] وصاحب «جامع الأصول» أيضا.(7/241)
من خيار التواريخ، ابتدأ فيه من أول الزّمان إلى سنة تسع وعشرين وستمائة.
واختصر «الأنساب» لأبي سعد السمعاني، وهذّبه وأفاد فيه أشياء، وهو في مقدار نصف أصله وأقل [1] ، وصنّف كتابا حافلا في معرفة الصحابة، جمع فيه بين كتاب ابن مندة، وكتاب أبي نعيم، وكتاب ابن عبد البرّ، وكتاب أبي موسى، وزاد وأفاد، وسماه «أسد الغابة في معرفة الصحابة» [2] وشرع في «تاريخ الموصل» .
قال ابن خلّكان: كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء. اجتمعت به بحلب فوجدته مكمّل الفضائل والتواضع وكرم الأخلاق، فترددت إليه.
وقال في «العبر» : كان صدرا، معظّما، كثير الفضائل، وبيته مجمع الفضلاء. روى عن خطيب الموصل أبي الفضل [3] وغيره، وتوفي في
__________
[1] وسمّاه «اللباب في تهذيب الأنساب» وهو مطبوع متداول. قال ابن خلّكان: استدرك فيه على السمعاني في مواضع، ونبّه على أغلاط، وزاد أشياء أهملها السمعاني، وهو مفيد جدا.
[2] قلت: ولأخيه مجد الدّين المبارك بن محمد بن الأثير الجزري المتوفى سنة (606 هـ) كلام في غاية النفاسة والإتقان عن رجال «الموطأ» للإمام مالك، و «الصحيحين» و «سنن أبي داود» و «سنن الترمذي» و «المجتبى- أو المجتنى- من السنن» للنسائي، بدأ فيه بالكلام عن سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، وسير الأنبياء عليهم السلام، وسير العشرة المبشرين بالجنة، ثم الصحابة والتابعين وأتباعهم ممن ورد ذكرهم في الكتب المذكورة، وذلك في القسم الأخير من كتابه الفذ «جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلّم» وهو القسم الذي لم يطبع بعد من الكتاب، وقد اقتسمت تحقيقه مع الأستاذين الفاضلين رياض عبد الحميد مراد، ومحمد أديب الجادر، ويقوم والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بالإشراف على تحقيقه وتخريج الأحاديث الواردة فيه، وسوف يصدر هذا القسم قريبا في أربع مجلدات يتبعها مجلد لفهارس هذا القسم.
وقد وهم الإمام محمد بن إبراهيم الوزير في «العواصم والقواصم» (1/ 412) فنسب هذا القسم من «جامع الأصول» للإمام عز الدّين ابن الأثير- صاحب الترجمة- ولم ينتبه لذلك محققه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وعلّق تعليقا أشار فيه إلى القسم المذكور من «جامع الأصول» دون التنبيه على وهم ابن الوزير!.
[3] هو الإمام العالم الفقيه المحدّث، أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطّوسي ثم البغدادي، ثم الموصلي، المتوفى سنة (578 هـ) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السادس صفحة (430) .(7/242)
الخامس والعشرين من شعبان عن خمس وسبعين سنة.
وفيها الحافظ ابن الحاجب الرحّال عز الدّين أبو الفتح عمر بن محمد بن منصور الأميني الدّمشقي [1] . سمع سنة ست عشرة بدمشق، ورحل إلى بغداد، فأدرك الفتح بن عبد السلام، وخرّج لنفسه معجما في بضع وستين جزءا. توفي في شعبان وقد قارب الأربعين، وكان فيه دين وخير، وله حفظ وذكاء وهمّة عالية في طلب الحديث، قلّ من أنجب مثله في زمانه.
وفيها الملك مظفّر الدّين، صاحب إربل، الملك المعظم أبو سعيد كوكبوري [2] بن الأمير زين الدّين علي كوجك التركماني [3] ، وكوجك بالعربي اللّطيف القدر. ولي مظفّر الدّين مملكة إربل بعد موت أبيه في سنة ثلاث وستين، وله أربع عشرة سنة، فتعصّب عليه أتابكه مجاهد الدّين قيماز وكتب محضرا أنه لا يصلح للملك لصغره، وأقام أخاه يوسف، ثم سكن حرّان مدة، ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدّين، وتمكّن منه، وتزوّج بأخته ربيعة واقفة مدرسة الصاحبة [4] بشرقي الصالحية، وشهد معه عدة مواقف أبان فيها عن شجاعة وإقدام، وكان حينئذ على إمرة حرّان والرّها، فقدم أخوه يوسف منجدا لصلاح الدّين، فاتفق موته على عكّا، فأعطى السلطان صلاح الدّين لمظفّر الدّين إربل وشهرزور، وأخذ منه حرّان والرّها، ودامت
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 121) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 370- 371) و «تاريخ الإسلام» (63/ 373- 375) .
[2] قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (4/ 121) : وكوكبوري: بضم الكافين، بينهما واو ساكنة، ثم باء موحدة مضمومة، وواو ساكنة، بعدها راء، وهو اسم تركي معناه بالعربي ذئب أزرق.
قلت: وضبطها محققو «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» بسكون الكاف فتصحح.
[3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 113- 121) و «العبر» (5/ 121- 122) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 334- 337) و «تاريخ الإسلام» (63/ 375- 380) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (260) و «النجوم الزاهرة» (6/ 282) .
[4] انظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (127- 128) .(7/243)
أيامه إلى هذا العام. وكان من أدين الملوك وأجودهم وأكثرهم برّا ومعروفا على صغر مملكته.
قال ابن خلّكان: وأما سيرته، فكان له في فعل الخير [1] عجائب، ولم نسمع أن أحدا فعل في ذلك مثل ما فعله، لم يكن شيء في الدنيا أحبّ إليه من الصّدقة، وكان له في كل يوم قناطير مقنطرة من الخبز يفرّقها على المحاويج في عدة مواضع من البلد، وإذا نزل من الركوب يكون قد اجتمع جمع كثير عند الدّار فيدخلهم إليه، ويدفع لكل واحد كسوة على قدر الفصل من الصيف والشتاء وغير ذلك، ومع الكسوة شيء من الذهب، وكان قد بنى أربع خانقاهات [2] للزّمنى والعميان، وملأها من هذين الصّنفين، وقرّرا لهم ما يحتاجون إليه كل يوم وليلة [3] ، وكان يأتيهم بنفسه كل عصرية اثنين وخميس ويدخل إلى كل واحد في بيته ويسأله عن حاله، ويتفقده بشيء من النفقة، وينتقل إلى الآخر حتّى يدور عليهم جميعهم، وهو يباسطهم ويمزح معهم ويجبر قلوبهم. وبني دارا للنساء الأرامل، ودارا للضعفاء، ودارا للأيتام، ودارا للملاقيط، ورتّب بها جماعة من المراضع، وكل مولود يلتقط يحمل إليهنّ فيرضعنه. وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه في كل يوم، وكان يدخل إليهم في كل يوم ويتفقد أحوالهم ويعطيهم النفقات زيادة على المقرّر لهم، وكان يدخل إلى البيمارستان ويقف على مريض مريض ويسأله عن مبيته وكيفية حاله وما يشتهيه، وكان له دار مضيف يدخل إليها كل قادم على البلد من فقيه وفقير وغيرهما، وإذا عزم الإنسان على السفر أعطاه نفقة تليق بمثله، ولم تكن له لذّة بسوى السماع، فإنه كان لا يتعاطى المنكر ولا يمكّن من إدخاله البلد، وكان إذا طرب في السماع خلع شيئا من ثيابه وأعطاه
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «في فعل الخيرات» .
[2] في «آ» و «ط» : «خانقات» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3] لفظة «وليلة» لم ترد في «ط» و «وفيات الأعيان» .(7/244)
للناشد ونحوه. وكان يسيّر في كل سنة دفعتين، جماعة من أصحابه وأمنائه إلى بلاد الساحل ومعهم جملة مستكثرة من المال يفتكّ [1] بها أسرى المسلمين من أيدي الكفّار، فإذا وصلوا إليه أعطى كلّ واحد شيئا، وإن لم يصلوا فالأمناء يعطوهم بوصية منه.
وكان يقيم في كل سنة سبيلا للحاج ويسيّر معهم جميع ما تدعو إليه حاجة المسافر في الطريق، ويسيّر أمينا معه خمسة آلاف دينار ينفقها في الحرمين على المحاويج وأرباب الرواتب، وله بمكّة- حرسها الله تعالى- آثار جميلة، وهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات [ليلة الوقوف] [2] وغرم [3] عليه جملة كثيرة، وعمل [4] بالجبل مصانع للماء.
وأما احتفاله بمولد النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، فإن الوصف يقصر عن الإحاطة به [5] . كان يعمله سنة في الثامن من شهر ربيع الأول، وسنة في الثاني عشر لأجل الاختلاف الذي فيه، فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل، والبقر، والغنم شيئا كثيرا، يزيد على الوصف، وزفّها بجميع ما عنده من الطّبول والمغاني والملاهي، حتى يأتي بها [إلى] الميدان، ثم يشرعون في نحرها، وينصبون القدور ويطبخون الألوان المختلفة، فإذا كان ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة، ثم ينزل وبين يديه من الشموع الموكبية التي تحمل كل واحدة على بغل، ومن ورائها رجل يسندها، وهي مربوطة على ظهر البغل، فإذا كان صبيحة يوم المولد أنزل الخلع والبقج ويخلع على كل واحد من الفقهاء، والوعاظ، والقرّاء، والشعراء، ويدفع لكل
__________
[1] في «آ» و «ط» : «يفك» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[2] زيادة من «وفيات الأعيان» .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «عرم» . وغرم: استدان. انظر «لسان العرب» (غرم) .
[4] في «وفيات الأعيان» : «وعمّر» .
[5] لفظة «به» سقطت من «ط» .(7/245)
واحد نفقة وهدية وما يوصله إلى وطنه. انتهى ما أورده ابن خلّكان مخلصا.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» بعد كلام طويل وثناء جميل: قال جماعة من أهل إربل: كانت نفقته على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وعلى الأسرى مائتين ألف دينار، وعلى دار المضيف مائة ألف دينار، وعلى الخانقاه مائة ألف، وعلى الحرمين والسّبيل وعرفات ثلاثين ألف دينار، غير صدقة السّرّ.
مات في رمضان بقلعة إربل، وأوصى أن يحمل إلى مكّة فيدفن في حرم الله تعالى، وقال أستجير به فحمل في تابوت إلى الكوفة، ولم يتفق خروج الحاج في هذه السنة من التتار، فدفن عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. انتهى.
وفيها ابن سلّام المحدّث الزّكي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن سالم بن سلّام الدّمشقي [1] . سمع من داود بن ملاعب، وابن البنّ وطبقتهما، وكان إماما، فاضلا، يقظا، متقنا، صالحا، ناكسا على صغره. كتب الكثير، وحفظ «علوم الحديث» للحاكم. مات في صفر عن إحدى وعشرين عاما، وفجع [2] به أبوه.
وفيها ابن عنين الصّدر شرف الدّين أبو المحاسن محمد بن نصر الله ابن مكارم بن حسن بن عنين الأنصاري الدّمشقي [3] الأديب. له «ديوان» مشهور وهجو مؤلم، وكان بارعا في معرفة اللغة، كثير الفضائل، يشتعل ذكاء، ولم يكن في دينه بذاك. توفي في ربيع الأول وله إحدى وثمانون سنة. اتّهم بالزّندقة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 122) و «تاريخ الإسلام» (63/ 381) .
[2] في «آ» و «فجّ» وهو تحريف.
[3] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 14- 19) و «العبر» (5/ 122- 123) و «تاريخ الإسلام» (63/ 385- 388) .(7/246)
وقال ابن خلّكان: الكوفي الأصل الدّمشقي المولد، الشاعر المشهور، خاتمة الشعراء، لم يأت بعده مثله، ولا كان في أواخر عصره من يقاس به، ولم يكن شعره مع جودته مقصورا على أسلوب واحد، بل تفنن فيه، وكان غزير المادة من الأدب، مطلعا على معظم أشعار العرب، ويكفي أنه كان يستحضر كتاب «الجمهرة» لابن دريد في اللغة. وكان مولعا بالهجاء وثلب أعراض الناس، وله قصيدة طويلة جمع فيها خلقا من رؤساء دمشق، سمّاها «مقراض الأعراض» .
أقول [1] منها:
سلطاننا أعرج وكاتبه ... ذو عمش والوزير منحدب
وصاحب الأمر خلقه شرس ... وناظر الجيش داؤه عجب
والدّولعيّ الخطيب منعكف ... وهو على قشر بيضة ثلب
ولابن باقا وعظ يغرّ به الن ... اس وعبد اللطيف محتسب
وحاكم المسلمين ليس له ... في غير غرمول جرجس أرب
عيوب قوم لو أنّها جمعت ... في فلك ما سارت به الشّهب
ثم قال ابن خلّكان: وكان قد نفاه السلطان صلاح الدّين من دمشق بسبب وقوعه في الناس، فلما خرج منها عمل:
فعلا م أبعدتم أخا ثقة ... لم يجترم ذنبا ولا سرقا؟
أنفوا المؤذّن من بلادكم ... إن كان ينفى كلّ من صدقا؟
وطاف البلاد، من الشام، والعراق، والجزيرة، وأذربيجان، وخراسان، وغزنة، وخوارزم، وما وراء النهر، ثم دخل الهند واليمن- وملكها يومئذ سيف
__________
[1] القائل هنا المؤلف ابن العماد، ولم أجد الأبيات في «ديوانه» المطبوع بتحقيق الأستاذ خليل مردم بك في دار صادر ببيروت.(7/247)
الإسلام طغتكين بن أيوب، أخو السلطان صلاح الدّين- وأقام بها مدة ثم رجع إلى الحجاز والدّيار المصرية.
ثم قال: ولما مات السلطان صلاح الدّين وملك الملك العادل دمشق، كتب إلى الملك العادل قصيدته الرائية يستأذنه في الدخول إليها ويصف دمشق ويذكر ما قاساه في الغربة، ولقد أحسن فيها كل الإحسان، واستعطفه بها أبلغ الاستعطاف، وأولها [1] :
ماذا على طيف الأحبّة لو سرى ... وعليهم لو سامحوني بالكرى
ومنها بعد وصف محاسن دمشق قوله [2] :
فارقتها لا عن رضا وهجرتها ... لا عن قلى ورحلت لا متخيّرا
أسعى لرزق في البلاد مشتّت [3] ... ومن العجائب [4] أن يكون مقتّرا
وأصون وجه مدائحي متقنّعا ... وأكفّ ذيل مطامعي متستّرا
ومنها يشكو الغربة وما قاساه [5] :
أشكو إليك نوى تمادى عمرها ... حتّى حسبت اليوم منها أشهرا
لا عيشتي تصفو ولا رسم الهوى ... يعفو، ولا جفني يصافحه الكرى
أضحى عن الأحوى المريع محلّئا [6] ... وأبيت عن ورد النّمير منفّرا
ومن العجائب أن يقيل بظلّكم ... كلّ الورى ونبذت وحدي بالعرا
__________
[1] انظر «ديوانه» ص (3) .
[2] انظر «ديوانه» ص (5) .
[3] في «ديوانه» : «مفرّق» .
[4] في «ديوانه» : «ومن البلية» .
[5] انظر «ديوانه» ص (8) .
[6] في «آ» و «ط» : «محولا» وأثبت لفظ «ديوانه» .(7/248)
وهذه القصيدة من أحسن الشعر، وهي عندي خير من قصيدة ابن عمّار الأندلسي التي أولها:
أدر الزّجاجة فالنّسيم قد انبرى [1] ...
فلما وقف عليها الملك العادل أذن له في الدخول إلى دمشق، فلما دخلها قال [2] :
هجوت الأكابر في جلّق ... ورعت الوضيع بسبّ الرّفيع
وأخرجت منها ولكنّني ... رجعت على رغم أنف الجميع
وكان له في عمل الألغاز وحلّها اليد الطّولى، ومتى كتب إليه شيء منها حلّه في وقته، وكتب الجواب أحسن من السؤال نظما، ولم يكن له غرض في جمع شعره، فلهذا لم يدوّنه، فهو يوجد مقاطيع بأيدي الناس، وقد جمع له بعض أهل دمشق ديوانا صغيرا لا يبلغ عشر ما له من النظم [3] ، ومع هذا ففيه أشياء ليست له، وكان من أظرف الناس وأخفّهم روحا، وأحسنهم مجونا، وله بيت عجيب من جملة قصيدة يصف فيها توجهه إلى المشرق وهو [4] :
أشقّق قلب الشّرق حتّى كأنّني ... أفتّش في سودائه عن سنا الفجر
__________
[1] صدر بيت له، عجزه:
... والنّجم قد صرف العنان عن السّرى
وقد تقدم البيت في المجلد الخامس صفحة (335) .
[2] انظر «ديوانه» ص (94) .
[3] وهو الذي بين يدي، وقد قام بتحقيقه الأستاذ خليل مردم بك في دمشق سنة 1365 هـ- 1946 م معتمدا على عدد كبير من النسخ الخطية، وأضاف إليه مستدركا صغيرا في آخره.
[4] انظر «ديوانه» ص (29) .(7/249)
وكان وافر الحرمة عند الملوك، وتولى الوزارة بدمشق في آخر دولة الملك المعظّم، ومدة ولاية الملك النّاصر بن المعظّم، وانفصل منها لمّا ملكها الملك الأشرف، ولم يباشر بعدها خدمة، وتوفي عشية نهار الاثنين العشرين من شهر ربيع الأول، ودفن من الغد بمسجده الذي أنشأه بأرض المزّة، وقيل: بتربة باب الصغير. انتهى ملخصا.
وفيها أبو محمد المعافى بن إسماعيل بن الحسين الموصلي، ويعرف أيضا بابن الحدوس الشّافعي [1] . كان إماما، فقيها، بارعا، جيدا، صالحا، ديّنا [2] أديبا.
ولد بالموصل، وتفقه بها على ابن مهاجر ثم على القاضي الفخر السّهروردي، ثم على العماد بن يونس. وسمع، وحدّث، وأفتى، وصنّف، وناظر.
ومن تصانيفه كتاب «الكامل في الفقه» كتاب مطوّل، و «أنس المنقطعين» وهو مشهور، وتفسير يسمى «البيان» ، وكتاب «الموجز في الذكر» . وكان حسن الشكل والملبس. توفي بالموصل في شعبان أو في رمضان. قاله الإسنوي.
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 389) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 374) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 450- 451) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 116- 117) .
[2] لفظة «دينا» لم ترد في «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي.(7/250)
سنة إحدى وثلاثين وستمائة
فيها تسلطن بدر الدّين لؤلؤ بالموصل، وانقرض البيت الأتابكي.
وفيها تكامل بناء المستنصريّة ببغداد، وهي على المذاهب الأربعة، على يد أستاذ الدّار ابن العلقمي الذي وزر، ولا نظير لها في الدّنيا فيما أعلم. قاله الذهبي [1] .
وفيها توفي صلاح الدّين أحمد بن عبد السّيد بن شعبان الإربلي [2] .
كان حاجبا لمظفّر الدّين صاحب إربل، فتغيّر عليه واعتقله، فلما خرج، خرج إلى الشام ودخل مصر، فعظمت منزلته عند الكامل، ثم تغيّر عليه واعتقله، وكان ذا فضيلة تامّة ونظم حسن، فعمل دو بيت وأملاه لبعض القيان فغنت [3] به، فقال: هذا لمن؟ فقيل للصلاح الإربلي، فأطلقه وعادت منزلته أحسن ما كانت، والدّوبيت:
ما أمر تجنّيك على الصبّ خفي ... أفنيت زماني بالأسى والأسف
ما ذاك بقدر ذنبي [4] ولقد ... بالغت فما قصدك إلّا تلفي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 123) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 184- 187) و «الوافي بالوفيات» (7/ 62- 64) و «المختصر في أخبار البشر» (2/ 156) .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «الوافي بالوفيات» : «فغنت» وفي «وفيات الأعيان» : «فغناه» فليحرر.
[4] في «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» : «ماذا عضب بقدر ذنبي» وفي الشطرة الثانية بعض الخلاف عندهما.(7/251)
وكان الكامل قد تغيّر على بعض إخوته وهو الفائز إبراهيم، فأصلح قضيته الصلاح، وكتب إلى الكامل:
وشرط صاحب مصر أن يكون كما ... قد كان يوسف في الحسنى لإخوته
أسوا فقابلهم بالعفو وافتقروا ... فبرّهم وتولّاهم برحمته
وله:
وإذا رأيت بنيك فاعلم أنّهم ... قطعوا إليك مسافة الآجال
وصل البنون إلى محلّ أبيهم ... وتجهّز [1] الآباء للتّرحال
وفيها أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي الجوهري [2] عن ثمانين سنة. روى عن هبة الله الدقّاق، وابن البطّي، وطائفة. وتفرّد بأشياء، وكان صالحا ثقة، توفي في ذي القعدة. قاله في «العبر» .
وفيها ابن الزّبيدي سراج الدّين أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم بن موسى بن عمران الرّبعي الزّبيدي الأصل البغدادي البابصري الحنبلي [3] . مدرس مدرسة عون الدّين بن هبيرة.
ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وروى عن أبي الوقت [السّجزي] ، وأبي زرعة [المقدسي] ، وأبي زيد الحموي، وغيرهم. وقرأ القرآن بالرّوايات. وتفقه في المذهب وأفتى، وكانت له معرفة حسنة بالأدب، وصنّف تصانيف، منها كتاب «البلغة» في الفقه. وله منظومات في اللغة، والقراءات،
__________
[1] في «ط» : «وتجهزوا» وهو تحريف.
[2] انظر «العبر» (5/ 123- 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 356- 357) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 361) و «العبر» (5/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 357- 359) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 188- 189) و «المنهج الأحمد» الورقة (366) .(7/252)
وكان فقيها، فاضلا، ديّنا، خيّرا، حسن الأخلاق، متواضعا. وحدّث ببغداد، ودمشق، وحلب، وغيرها من البلاد. وسمع منه أمم، وروى عنه خلق كثير من الحفّاظ وغيرهم، منهم الدّبيثي، والضياء. وآخر من حدّث عنه أبو العبّاس الحجّار الصّالحي. سمع منه «صحيح البخاري» وغيره، وتوفي ثالث عشري صفر ببغداد.
وفيها العلبي زكريا بن علي بن حسّان بن علي أبو يحيى البغدادي الصّوفي [1] . روى عن أبي الوقت [السّجزي] وغيره، وكان عامّيّا. مات في ربيع الأول.
وفيها السّيف الآمدي أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الحنبلي ثم الشافعي [2] المتكلم العلّامة، صاحب التصانيف العقلية.
ولد بعد الخمسين بآمد، وقرأ القراءات والفقه، ودرس على ابن المنّي، وسمع من ابن شاتيل، ثم تفقه للشافعي على ابن فضلان، وبرع في الخلاف، وحفظ طريقة أسعد الميهني، وقيل: إنه حفظ «الوسيط» للغزالي، وتفنن في علم النظر، والكلام، والحكمة، وكان [ذكيا] [3] من أذكياء العالم.
أقرأ بمصر مدة، فنسبوه إلى دين الأوائل، وكتبوا محضرا بإباحة دمه، فلما رأى بعضهم ذلك الإفراط وقد حمل المحضر إليه ليكتب كما كتبوا، كتب:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... والقوم أعداء له وخصوم
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 359- 360) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 293- 294) و «العبر» (5/ 124- 125) و «المختصر في أخبار البشر» (2/ 155- 156) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 306- 307) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 137- 139) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 99- 101) و «النجوم الزاهرة» (6/ 285) .
[3] لفظة «ذكيا» لم ترد في «ط» وانفردت بها «آ» .(7/253)
قال ابن خلّكان: وضعوا خطوطهم بما يستباح به الدّم، فخرج مستخفيا إلى الشام، فنزل حماة مدة، وصنّف في الأصلين، والحكمة، والمنطق، والخلاف، وكلّ ذلك مفيد، ثم قدم دمشق في سنة اثنتين وثمانين فأقام بها مدة، ثم ولاه الملك المعظّم بن العادل تدريس العزيزية، فلما ولي أخوه الأشرف موسى عزل عنها [1] ونادى في المدارس: من ذكر غير التفسير، والحديث، والفقه، أو تعرّض لكلام الفلاسفة، نفيته. فأقام السيف الآمدي خافيا في بيته إلى أن توفي في صفر، ودفن بتربته بقاسيون.
ويحكى عن ابن عبد السلام أنه قال: ما تعلّمنا قواعد البحث إلّا منه، وأنه قال: ما سمعت أحدا يلقي الدّرس أحسن منه، كأنه يخطب، وأنه قال:
لو ورد على الإسلام متزندق يشكك [2] ما تعيّن لمناظرته غيره [لاجتماع آلات ذلك فيه] .
وقال سبط ابن الجوزي: لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين، وعلم الكلام. ومن تصانيفه المشهورة «الإحكام في أصول الأحكام» مجلدين، و «ابكار الأفكار» في أصول الدّين، في خمس مجلدات، واختصره في مجلد.
قال الذهبي: وله نحو من عشرين تصنيفا.
وقال السّبكي: وتصانيفه كلّها حسنة منقّحة.
وفيها القرطبيّ أبو عبد الله محمد بن عمر المقرئ المالكي [3] ، الرجل الصالح. حجّ. وسمع من عبد المنعم بن الفراوي وطائفة. وقرأ
__________
[1] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف، وفي «آ» : «عزل منها» .
[2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «يستشكل» وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] انظر «العبر» (5/ 125) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 639- 640) و «العقد الثمين» (2/ 237- 242) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 219- 220) .(7/254)
القراءات على أبي القاسم الشّاطبي، وكان إماما، زاهدا، متقنا، بارعا في عدة علوم، كالفقه، والقراءات، والعربية، طويل الباع في التفسير. توفي بالمدينة المنورة في صفر. قاله في «العبر» .
وفيها طغريل [1] شهاب الدّين، الخادم أتابك صاحب حلب، الملك العزيز، ومدبّر دولته. كان صالحا، خيّرا، متعبّدا، كثير المعروف، ذا رأي، وعقل، وسياسة، وعدل.
وفيها الشيخ عبد الله بن يونس الأرمني [2] الزّاهد القدوة، صاحب الزّواية بجبل قاسيون. كان صالحا، متواضعا، مطّرحا للتكلف، يمشي وحده، ويشتري الحاجة. وله أحوال، ومجاهدات، وقدم في الفقر. سافر [إلى] الأقطار، ولقي الأبدال والأبرار. كان في بدايته لا يأوي إلّا [إلى البراري] [3] القفار. قرأ القرآن، وتفقه لأبي حنيفة، وحفظ «القدوري» [4] وصحب رجلا من الأولياء، فدلّه على الطريق.
بعث إليه الأمجد صاحب بعلبك أربعين دينارا يقضي بها دينه وهو بالقدس، فأخذها الرّسول. ثم إن الأمجد زاره وقال له: بعثت إليك أربعين
__________
[1] في «آ» و «ط» : «طغربك» وفي «وفيات الأعيان» : «طغرل» والتصحيح من «مرآة الزمان» (8/ 453) و «العبر» (5/ 125) مصدر المؤلف. و «النجوم الزاهرة» (6/ 286) .
[2] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «الأرموي» والتصحيح من «مرآة الزمان» (8/ 454) وقال عنه: «وكان أرمنيّا بل روميّا» و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 373) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (153) وقال عنه: «من إرمينية» و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «النجوم الزاهرة» (6/ 286) .
[3] زيادة من «مرآة الزمان» .
[4] يعني «مختصر القدوري» وهو في فروع الحنفية، وهو للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد القدوري، وهو الذي يطلق عليه لفظ «الكتاب» في المذهب، وهو متن متين معتبر، متداول بين الأئمة الأعيان. انظر «اللباب في تهذيب الأنساب» (3/ 19- 20) و «كشف الظنون» (2/ 1631- 1634) .(7/255)
دينارا، فقال الشيخ: وصلت، وشكره، فجاء الرسول يستغفر، فقال: قد قلت له: إنها وصلت.
وحكى عن نفسه غير أنه لم يصرح. قال: كان فقيرا يدور في جبل لبنان، فوقع عليه حراميّة الفرنج، فعذّبوه وربطوه، وبات في أشدّ ما يكون.
فلما أصبحوا ناموا، وإذا حراميّة المسلمين يطلبون حراميّة الفرنج، فأيقظهم وقال: اقعدوا جاءتكم حراميّة المسلمين. فدخلوا مغارة ودخل معهم، ولم يرهم حراميّة المسلمين، فلما بعدوا قال الفرنج له: هلّا دللت علينا وتخلّصت؟ فقال [1] لهم: إني صحبتكم وأكلت خبزكم. وفي طريقنا أن الصحبة عزيزة، فما رأيت خلاص نفسي بهلاككم. فشكروه على ذلك، وسألوه أن يقبل منهم شيئا من الدّنيا، فأبى فأطلقوه.
وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن عساكر [2] . روى عن عمّيه الصّائن، والحافظ، وطائفة. وكان قليل الفضيلة. توفي في شعبان قاله في «العبر» .
وفيها أبو رشيد الغزال [3] محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني [4] المحدّث التّاجر. سمع من خليل الرّارانيّ [5] وطبقته. وكان عالما، ثقة. توفي ببخارى في شوال.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «فقلت» والتصحيح من «مرآة الزمان» .
[2] انظر «العبر» (5/ 126) و «سير أعلام النبلاء» (63/ 367) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[3] في «النجوم الزاهرة» : «الغزاليّ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 126) و «النجوم الزاهرة» (6/ 286- 287) .
[5] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الرازاني» بالزاي، والتصحيح من ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا ص (528) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 269) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (245) .(7/256)
وفيها محيي الدّين بن فضلان، قاضي القضاة، أبو عبد الله محمد ابن يحيى بن علي بن الفضل البغدادي الشافعي [1] ، مدرس المستنصريّة.
تفقه على والده العلّامة أبي القاسم، وبرع في المذهب، والأصول، والخلاف، والنظر. وولي القضاء في آخر أيام الناصر، فلما استخلف الظاهر عزله بعد شهرين من خلافته.
قال ابن شهبة في «طبقاته» : رحل إلى خراسان، وناظر علماءها، وولي تدريس النّظاميّة ببغداد، ثم ولي قضاء القضاة [2] ، ثم عزل. ودرّس بالمستنصريّة عند كمال عمارتها في رجب، سنة إحدى وثلاثين، وهو أوّل من درّس بها. وتوفي بعد أشهر في شوال- أي عن بضع وستين سنة- وكان موصوفا بحسن المناظرة، سمحا، جوادا [3] ، نبيلا، لا يكاد يدّخر شيئا.
وفيها المسلّم بن أحمد بن علي أبو الغنائم المازنيّ النّصيبي ثم الدمشقي [4] . روى عن عبد الرحمن بن أبي الحسن الدّاراني، والحافظ أبي القاسم بن عساكر، وأخيه الصائن. ودخل في المكس مدّة، ثم تركه. وروى الكثير. توفي في ربيع الأول، وآخر من روى عنه فاطمة بنت سليمان. قاله في «العبر» .
وفيها الأمير ركن الدّين منكورس [5] ، مملوك فلك الدّين أخي العادل.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 107- 108) وعنده: «محمد بن واثق بن علي ... » و «العبر» (5/ 126) و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 114- 115) .
[2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «ثم ولي قضاء القاهرة، ثم عزل ... » .
[3] تحرفت في «ط» إلى «جودا» .
[4] انظر «العبر» (5/ 126- 127) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 362- 363) و «تاريخ الإسلام» (64/ 72) .
[5] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 73- 74) .(7/257)
كان ديّنا، صالحا، عفيفا، ملازما لجامع بني أميّة، وله بقاسيون مدرسة وتربة أوقف عليها شيئا كثيرا، وداخل دمشق مدرسة كبيرة للشافعية، وقرية جرود [1] وقف عليهما. توفي بجرود، وحمل فدفن في تربته بقاسيون.
وفيها أبو الفتوح الأغماتي ثم الإسكندراني ناصر بن عبد العزيز بن ناصر [2] . روى عن السّلفي، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها الرّضيّ الرّخيّ- بتشديد الخاء المعجمة نسبة إلى الرّخ ناحية بنيسابور [3]- أبو الحجّاج يوسف بن حيدرة [4] ، شيخ الطب بالشام، وأحد من انتهت إليه معرفة الفنّ. قدم دمشق مع أبيه حيدرة الكحّال في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، ولازم الاشتغال على المهذّب ابن النقّاش فنوّه باسمه، ونبّه على [محلّ] علمه، وصار من أطباء صلاح الدّين، وامتدت أيّامه، وصارت أطباء البلد تلامذته، حتّى إنّ من جملة أصحابه المهذّب الدّخوار، وعاش سبعا وتسعين سنة، ممتعا بالسمع والبصر. توفي يوم عاشوراء. قاله في «العبر» .
__________
[1] جرود: قرية من قرى بلدة معلولا من أعمال دمشق من جهة الشمال. انظر «معجم البلدان» (2/ 130) و «وفيات الأعيان» (6/ 354) ويقال لها في أيامنا جيرود.
[2] انظر «العبر» (5/ 127) و «تاريخ الإسلام» (64/ 74) .
[3] انظر «معجم البلدان» (3/ 38) .
[4] انظر «العبر» (5/ 127) وما بين الحاصرتين مستدرك منه وفي «تاريخ الإسلام» (64/ 76- 77) «الرّحبي» .(7/258)
سنة اثنتين وثلاثين وستمائة
فيها ضربت ببغداد دراهم وفرّقت في البلد، وتعاملوا بها، وإنما كانوا يتعاملون بقراضة الذّهب، القيراط، والحبّة، ونحو ذلك، فاستراحوا.
قاله في «العبر» .
وفيها شرع الأشرف في بنائه خان الزّنجاري جامعا، وهو جامع التّوبة بالعقيبة [1] وكان خانا معروفا بالفجور، والخواطئ، والخمور، وسمّاه «جامع التوبة» ووقف عليه أوقافا كثيرة. وجرى في خطابته نكتة غريبة وهي، أنه كان بمدرسة الشاميّة إمام يعرف بالجمال السّبتي [2] وكان شيخا حسنا صالحا [3] وكان في صباه يلعب بملهاة تسمّى الجغانة [4] ، ثم حسنت طريقته، وصار معدودا في عداد الأخيار، فولّاه الأشرف خطيبا، فلما توفي تولى مكانه العماد الواسطي الواعظ، وكان متّهما بشرب الشراب، وكان ملك دمشق في
__________
[1] أحد أحياء مدينة دمشق القديمة إلى الشمال من مسجد بني أمية الكبير خارج السور القديم، ولا زال هذا الجامع عامرا بفضل الله عزّ وجل وتقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين، وقد تعاقب على الخطابة والإمامة فيه عدد كبير من علماء دمشق الأفاضل، وقد نقل المؤلّف عن «وفيات الأعيان» (5/ 334- 335) و «تاريخ الإسلام» (64/ 10- 11) وانظر «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (156- 157) .
[2] وكذا سمّاه ابن خلّكان، وكان يعرفه معرفة شخصية.
[3] ولفظة «صالحا» لم ترد في «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «الجفانة» بالفاء، وفي «وفيات الأعيان» و «المختار من تاريخ ابن الجزري» :
«الجغانة» وهو ما أثبته. وانظر التعليق عليهما فهو مفيد.(7/259)
ذلك الوقت الملك الصالح أبو الجيش، فكتب إليه الجمال عبد الرحيم بن الزّويتينة [1] :
يا مليكا أوضح ال ... حقّ لدينا وأبانه
جامع التّوبة قد قلّ ... دني منه الأمانه
قال قل للملك الصّا ... لح أعلى الله شانه
يا عماد الدّين يا من ... حمد النّاس زمانه
كم إلى كم أنا في ض ... رّ وبؤس وإهانة
لي خطيب واسطيّ ... يعشق الشّرب [2] ديانه
والذي قد كان من قب ... ل يغنّي بالجغانه [3]
فكما كنت كذا صر ... ت فلا أبرح حانه
ردّني للنّمط الأوّ ... ل واستبق ضمانه [4]
وفيها توفي أبو صادق الحسن بن صبّاح المخزومي المصري [5] الكاتب، عن نيّف وتسعين سنة. وكان آخر من حدّث عن ابن رفاعة. توفي [في] سادس عشر رجب، وكان أديبا، ديّنا، صالحا، جليلا.
وفيها الملك الزّاهر داود ابن الملك الناصر صلاح الدّين يوسف بن أيوب [6] . كان صاحب البيرة [7] بلد من ثغور الرّوم بقرب سميساط. وكان
__________
[1] هو عبد الرحيم بن علي الرّحبي، ابن الزّويتينة. انظر «فوات الوفيات» (2/ 318- 319) .
[2] في «آ» : «الشراب» وفي «فوات الوفيات» : «الخمر» .
[3] «آ» و «ط» : «بالجفانة» وفي «المختار من تاريخ ابن الجزري» و «فوات الوفيات» : «بالجغانة» وهو ما أثبته، وفي «وفيات الأعيان» : «بجغانة» .
[4] انظر رواية البيت في «وفيات الأعيان» و «فوات الوفيات» ففيه بعض الخلاف عندهما.
[5] انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 81- 82) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 372- 373) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[6] انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 84) .
[7] انظر «معجم البلدان» (1/ 244) .(7/260)
فاضلا أديبا، وشاعرا مجيدا. يحب العلماء. مقصودا للشعراء وغيرهم، وهو الثاني عشر من أولاد صلاح الدّين.
وفيها شمس الدّين صواب العادلي الخادم [1] ، مقدّم جيش الكامل، وأحد من يضرب به المثل في الشجاعة. وكان له من جملة المماليك مائة خادم فيهم جماعة أمراء. توفي بحرّان في رمضان، وكان نائبا عليها للكامل.
وفيها الشّهاب عبد السّلام بن المطهّر بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميميّ الدّمشقيّ الشّافعي [2] . روى عن جدّه، وكان صدرا محتشما، مضى في الرسالة إلى الخليفة، وتوفي في المحرّم.
وفيها ابن باسويه [3] تقي الدّين علي بن المبارك بن الحسن الواسطي، الفقيه الشافعي، المقرئ المجود. روى عن ابن شاتيل وطبقته، وقرأ القراءات على أبي بكر الباقلّاني، وعلي بن مظفّر الخطيب. وسكن دمشق، وقرأ بها. وتوفي في شعبان عن ست وسبعين سنة.
وفيها سيدي ابن الفارض ناظم «الديوان» المشهور شرف الدّين أبو القاسم عمر بن علي بن مرشد الحموي الأصل المصري [4] .
قال في «العبر» : هو حجّة أهل الوحدة [5] ، وحامل لواء الشعراء [6] .
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 86) و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «النجوم الزاهرة» (6/ 287) .
[2] انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 87- 88) و «النجوم الزاهرة» (6/ 287) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «باشوية» وتحرفت في «العبر» بطبعتيه وفي «النجوم الزاهرة» (6/ 292) إلى «ماسوية» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 394- 395) وقد قيدها المنذري فيه: «بالباء الموحدة، وبعد الألف سين مهملة مضمومة، وبعد الواو الساكنة ياء آخر الحروف مفتوحة وبعدها تاء التأنيث» وانظر «تاريخ الإسلام» (64/ 91- 92) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 622) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 454- 456) و «العبر» (5/ 129) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 129) و «تاريخ الإسلام» (64/ 93- 96) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[5] أقول: يعني أهل وحدة الوجود، نسأل الله العافية من هذه العقيدة. (ع) .
[6] في «العبر» بطبعتيه: «وحامل لواء الشعر» .(7/261)
وقال الشيخ عبد الرّؤوف [1] المناوي في «طبقاته» : الملقب في جميع الآفاق بسلطان المحبّين والعشّاق، المنعوت بين أهل الخلاف والوفاق بأنه سيّد شعراء عصره على الإطلاق. له النظم الذي يستخف أهل الحلوم والنثر، الذي تغار منه النّثرة [2] بل سائر النجوم.
قدم أبوه من حماة إلى مصر، فقطنها وصار يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكّام، ثم ولي نيابة الحكم، فغلب عليه التّلقيب بالفارض، ثم ولد له بمصر عمر في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة، فنشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة، وعبادة وديانة، بل زهد وقناعة، وورع أسدل عليه لباسه وقناعه. فلما شبّ وترعرع اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وعنه الحافظ المنذري وغيره. ثم حبّب إليه الخلاء وسلوك طريق الصّوفية، فتزهّد وتجرّد، وصار يستأذن أباه في السياحة فيسيح في الجبل الثاني من المقطّم، ويأوي إلى بعض أوديته مرّة، وفي بعض المساجد المهجورة في خربات القرافة مرّة، ثم يعود إلى والده، فيقيم عنده مدة، ثم يشتاق إلى التجرّد ويعود إلى الجبل، وهكذا حتّى ألف الوحشة وألفه الوحش، فصار لا ينفر منه، ومع ذلك لم يفتح عليه بشيء حتّى أخبره البقّال أنه إنما يفتح عليه بمكّة. فخرج فورا في غير أشهر الحجّ ذاهبا إلى مكّة، فلم تزل الكعبة أمامه، حتى دخلها، وانقطع بواد بينه وبين مكّة عشر ليال، فصار يذهب من ذلك الوادي وصحبته أسد عظيم إلى مكّة فيصلي بها الصلوات الخمس، ويعود إلى محلّه من يومه، وأنشأ غالب نظمه حالتئذ، وكان الأسد يكلّمه ويسأله أن يركب عليه فيأبي، وأقام كذلك نحو خمسة عشر عاما، ثم رجع إلى مصر فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر، وعكف عليه الأئمة،
__________
[1] هو محمد عبد الرؤوف المناوي، المتوفى سنة (1031) هـ. (ع) .
[2] النّثرة: كوكب في السماء كأنه لطخ سحاب كوكبين، تسميه العرب نثرة الأسد وهي من منازل القمر، وهي في علم النجوم من برج السّرطان. انظر «لسان العرب» (نثر) .(7/262)
وقصد بالزيارة من الخاصّ والعام، حتى إن الملك الكامل كان ينزل لزيارته.
وسأله أن يعمل له قبرا عند قبره بالقبّة التي بناها على ضريح الإمام الشافعي فأبى، وكان جميلا، نبيلا، حسن الهيئة والملبس، حسن الصحبة والعشرة، رقيق الطبع، عذب المنهل والنبع، فصيح العبارة، دقيق الإشارة، سلس القياد، بديع الإصدار والإيراد، سخيّا، جوادا، توجه يوما إلى جامع عمرو، فلقيه بعض المكّارية، فقال: اركب معي على الفتوح، فمرّ به بعض الأمراء، فأعطاه مائة دينار، فدفعها للمكّاري. وكان أيام النيل يتردد إلى المسجد المعروف بالمشتهى في الرّوضة، ويحبّ مشاهدة البحر مساء، فتوجّه إليه يوما، فسمع قصّارا يقصر ويقول:
قطّع قلبي هذا المقطع ... لا هو يصفو أو يتقطّع
فصرخ وسقط مغمى عليه، فصار يفيق ويردد ذلك ويضطرب، ثم يغمى عليه، وهكذا. وكان يواصل أربعينيات فاشتهى هريسة فأحضرها، ورفع لقمة إلى فيه، فانشقّ الجدار، وخرج شاب جميل [1] فقال: أف عليك، فقال: إن أكلتها، ثم طرحها وأدّب نفسه بزيادة عشر ليال.
ورأى المصطفى صلى الله عليه وسلّم في نومه فقال: «إلى من تنتسب» ؟ فقال:
يا رسول الله! إلى بني سعد قبيلة حليمة، فقال: «بل نسبك متّصل بي» يعني نسبة محبة وتبعية.
ومن خوارقه العجيبة أنّه رأى جملا لسقاء، فكلف به وهام، وصار يأتيه كل يوم ليراه، وناهيك ب «ديوانه» الذي اعترف به [2] الموافق والمخالف، والمعادي والمحالف. سيما القصيدة التائية [3] . وقد اعتنى بشرحها جمع من
__________
[1] أقول: هذا من المبالغات التي لا دليل عليها. (ع) .
[2] لفظة «به» سقطت من «آ» .
[3] هي في «ديوانه» ص (46- 116) طبع دار صادر ببيروت، ومطلعها:
سقتني حميّا الحبّ راحة مقلتي ... وكأسي محيّا من عن الحسن جلّت(7/263)
الأعيان، كالسّراج الهندي الحنفي، والشمس البسطامي [1] المالكي، والجلال القزويني الشّافعي، غير متعاقبين ولا مبالين بقول المنكرين الحسّاد. شعره ينعت بالاتحاد، وكذا شرحها الفرغاني، والقاشاني، والقيصري، وغيرهم.
وعلى الخمريّة وغيرها شروح عدة.
وقال بعض أهل الرسوخ: إن «الديوان» كله مشروح.
وذكر بعض الأكابر أن بعض أهل الظّاهر في عصر الحافظ ابن حجر كتب على التائية شرحا وأرسله إلى بعض عظماء صوفية الوقت ليقرضه [2] فأقام عنده مدة ثم كتب عليه عند إرساله إليه:
سارت مشرّقة وسرت مغرّبا ... شتّان بين مشرّق ومغرّب
فقيل له في ذلك، فقال: مولانا الشّارح اعتنى بإرجاع الضمائر والمتبدإ والخبر والجناس والاستعارة، وما هنالك من اللغة والبديع، ومراد الناظم وراء ذلك كلّه. وقد أثنى على «ديوانه» حتّى من كان سيء الاعتقاد، ومنهم ابن أبي حجلة الذي عزّره السّراج الهندي بسبب الوقيعة فيه، فقال:
هو من أرقّ الدواوين شعرا وأنفسها درّا، برّا وبحرا. وأسرعها للقلوب جرحا وأكثرها على الطّلول [3] نوحا، إذ هو صادر عن نفثة مصدور، وعاشق مهجور، وقلب بحرّ النّوى مكسور، والناس يلهجون بقوافيه وما أودع من القوى فيه، وكثر حتّى قلّ من لا رأى «ديوانه» أو طنّت بأذنه قصائده الطنّانة.
قال الكمال الأدفوي: وأحسنه القصيدة الفائية [4] التي أولها:
__________
[1] في «ط» : «البساطي» وهو خطأ.
[2] ويقال أيضا: «ليقرظه» وكلاهما بمعنى.
[3] في «آ» : «الطول» .
[4] وهي في «ديوانه» ص (151- 155) طبع دار صادر ببيروت.(7/264)
قلبي يحدّثني بأنّك متلفي
[1] واللّاميّة [2] التي أولها:
هو الحبّ فاسلم بالحشا ما الهوى سهل
[3] والكافية [4] التي أولها:
ته دلالا فأنت أهل لذاكا
[5] قال: وأما التائية فهي عند أهل العلم- يعني الظّاهر- غير مرضية، مشعرة بأمور رديئة.
وكان عشاقا بعشق مطلق الجمال، حتّى أنه عشق بعض الجمال. بل زعم بعض الكبار أنه عشق برنيّة [6] بدكان عطّار.
وذكر القوصي [7] في «الوحيد» أنه كان للشيخ جوار بالبهنسا يذهب
__________
[1] وعجزه:
روحي فداك عرفت أم لم تعرف
[2] وهي في «ديوانه» ص (134- 139) .
[3] وعجزه:
فما اختاره مضنى به، وله عقل
[4] وهي في «ديوانه» ص (156- 161) .
[5] وعجزه:
وتحكّم، فالحسن قد أعطاكا
[6] جاء في «لسان العرب» (برن) : البرنيّة: شبه فخّارة ضخمة خضراء ... وقيل: إناء من الخزف.
[7] هو عبد الغفّار بن أحمد بن عبد المجيد الأقصري ثم القوصي، المعروف بابن نوح، من مشاهير متصوفة مصر. مات سنة (708 هـ) . وكتابه الذي أشار إليه المؤلف- رحمه الله تعالى- هو «الوحيد في سلوك أهل التوحيد» وهو مخطوط لم يطبع بعد. انظر «حسن المحاضرة» (1/ 424) و «كشف الظنون» (2/ 2005) و «الأعلام» للزركلي (4/ 31) .(7/265)
إليهن فيغنّين له بالدّف والشبابة، وهو يرقص ويتواجد، ولكل قوم مشرب، ولكلّ مطلب. وليس سماع الفسّاق كسماع سلطان العشّاق [1] . ولم يزل على حاله راقيا في سماء كماله، حتى احتضر، فسأل الله أن يحضره في ذلك الهول العظيم جماعة من الأولياء، فحضره جماعة، منهم: البرهان الجعبري، فقال- فيما حكاه سبط صاحب الترجمة-: رأى الجنّة مثلت له، فبكى وتغيّر لونه، ثم قال:
إن كان منزلتي في الحبّ عندكم ... ما قد رأيت فقد ضيّعت أيّامي [2]
قال: فقلت له: يا سيدي! هذا مقام كريم. فقال: يا إبراهيم رابعة [3] وهي امرأة تقول: وعزّتك ما عبدتك رغبة في جنّتك، بل لمحبّتك، وليس هذا ما قطعت عمري في السلوك إليه، فسمعت قائلا يقول له: فما تروم فقال:
أروم وقد طال المدى منك نظرة
[4] البيت [5] .
فتهلل وجهه وقضى نحبه، فقلت: إنه أعطي مرامه. انتهى.
وقد شنّع عليه بذلك المنكرون.
__________
[1] قلت: بل كل ذلك سواء، فقد صحّ عنه- صلى الله عليه وسلّم- قوله: «ما أسكر قليله فكثيره حرام» وليس هذا الرقص والتواجد من صنيع المسلمين المتمسكين بتعاليم كتاب الله عزّ وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم، ولم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا صحابته الكرام، ولا التابعون، ولا الأئمة الأربعة ولا المتقدمون من أتباعهم، وإنما ابتدعه نفر من متأخري الصوفية عن جهل وقلة فهم لأحكام وتعاليم الشرع الحنيف، نسأل الله العفو والعافية والتثبيت على النهج المستقيم بفضله وكرمه ورحمته.
[2] البيت في «ديوانه» ص (207) .
[3] يعني رابعة العدوية.
[4] وعجزه:
وكم من دماء دون مرماي طلّت
[5] وهو في «ديوانه» ص (39) .(7/266)
فقال بعضهم: لما كشف له الغطاء، وتحقّق أنه هو غير الله، وأنه لا حلول ولا اتحاد، قال ذلك.
وقال بعضهم: قاله لما حضره ملائكة العذاب الأليم، أستغفر الله سبحانه، هذا بهتان عظيم.
والحاصل أنه اختلف في شأن صاحب الترجمة، وابن عربي، والعفيف التّلمساني، والقونوي، وابن هود، وابن سبعين، وتلميذه الشّشتري، وابن مظفّر، والصفّار من الكفر إلى القطبانية. وكثرت التصانيف من الفريقين في هذه القضية، ولا أقول كما قال بعض الأعلام سلّم تسلم والسلام، بل أذهب إلى ما ذهب إليه بعضهم أنه يجب اعتقادهم وتعظيمهم، ويحرم النظر في كتبهم على من لم يتأهل لتنزيل ما فيها من الشطحات على قوانين الشريعة المطهّرة [1] ، وقد وقع لجماعة من الكبار الرجوع عن الإنكار. انتهى كلام المناوي مختصرا.
وما أحسن قوله في التائية:
وكلّ أذى في الحبّ منك إذا بدا ... جعلت له شكري مكان شكيّتي [2]
وله ما رأيته في دواوينه، وهو معنى في غاية اللّطف والرّقّة:
خلص الهوى لك واصطفتك مودّتي ... إني أغار عليك من ملكيكا
ولو استطعت منعت لفظك غيرة ... إني أراه مقبّلا شفتيكا
وأراك تخطر في شمائلك التي ... هي فتنة فأغار منك عليكا
ورؤي في النوم فقيل له: لم لا مدحت المصطفى في «ديوانك» ؟
فقال:
أرى كلّ مدح في النّبيّ مقصّرا ... وإن بالغ المثني عليه وكثّرا
__________
[1] أقول: الشطحات لا تقبل من أي شخص كان. (ع) .
[2] البيت في «ديوانه» ص (50) .(7/267)
إذا الله أثنى بالذي هو أهله [1] ... عليه فما مقدار ما يمدح الورى
ويقال: إنه لما نظم قوله:
وعلى تفنّن واصفيه بحسنه ... يفنى الزّمان وفيه ما لم يوصف [2]
فرح فرحا شديدا وقال: لم يمدح صلّى الله عليه وسلّم بمثله، وبعض الناس يقول:
باطن كلامه كلّه مدح فيه صلى الله عليه وسلّم، وغالب كلامه لا يصلح أن يراد به ذلك، والله أعلم.
توفي- رحمه الله تعالى- في جمادى الأولى عن ست وخمسين سنة إلا شهرا، ودفن بالمقطّم.
وفيها الشيخ شهاب الدّين السّهروردي [3] ، قدوة أهل التوحيد، وشيخ العارفين أبو حفص، وأبو عبد الله، عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التّيمي البكري الصّوفي الشّافعي.
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرورد، وقدم بغداد، فلحق بها هبة الله بن الشّبلي، فسمع منه، وصحب عمّه أبا النّجيب، وتفقه وتفنّن، وصنّف التصانيف، منها «عوارف المعارف» في بيان طريقة القوم، وانتهت إليه تربية المريدين، وتسليك العبّاد، ومشيخة العراق.
قال الذهبي: لم يخلّف بعده مثله.
وقال ابن شهبة في «طبقاته» : أخذ عن أبي القاسم بن فضلان، وصحب الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من جماعة. وله «مشيخة» في
__________
[1] إشارة منه إلى قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 68: 4 [القلم: 4] .
[2] البيت في «ديوانه» ص (154) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 446- 448) و «العبر» (5/ 129) و «تاريخ الإسلام» (64/ 96- 99) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 65) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 103- 104) .(7/268)
جزء لطيف. روى عنه ابن الدّبيثي، وابن نقطة، والضياء، والزّكي البرزالي، وابن النجّار، وطائفة.
وقال ابن النجار: كان شيخ وقته في علم الحقيقة، وانتهت إليه الرئاسة في تربية المريدين، ودعاء الخلق إلى الله تعالى. وبالغ في الثناء عليه.
وعمي في آخر عمره وأقعده، ومع ذلك فما أخلّ بشيء من أوراده.
وقال ابن خلّكان: كان شيخ الشيوخ ببغداد، وكان له مجلس وعظ، وعلى وعظه قبول كثير. وله نفس مبارك. حكى لي من حضر مجلسه أنه أنشد يوما على الكرسي:
لا تسقني وحدي فما عوّدتني ... إني أشحّ بها على جلّاسي
أنت الكريم ولا يليق تكرّما ... أن يصبر [1] النّدماء دون الكاس
فتواجد الناس لذلك، وقطعت شعور كثيرة، وتاب جمع كبير.
وله تآليف حسنة، منها: كتاب «عوارف المعارف» وهو أشهرها.
وله شعر منه:
تصرّمت وحشة اللّيالي ... وأقبلت دولة الوصال
وصار بالوصل لي حسودا ... من كان في هجركم رثى لي
وحقّكم بعد إذ [2] حصلتم ... بكلّ من فات لا أبالي
تقاصرت عنكم قلوب ... فيا له موردا حلالي
عليّ ما للورى حرام ... وحبّكم في الحشا حلالي
تشرّبت أعظمي هواكم ... فما لغير الهوى ومالي
فما على عادم أجاجا ... وعنده أعين الزّلال
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «أن يعبر» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «بعد إن» .(7/269)
وكان كثير الحجّ، وربما جاور في بعض حججه، وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه صور فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم.
سمعت بعضهم أنه كتب إليه: يا سيدي إني إن تركت العمل، أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيّهما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب. وله من هذا شيء كثير.
وذكر في «عوارف المعارف» أبياتا لطيفة، منها:
أشمّ منك نسيما لست أعرفه ... أظنّ لمياء جرّت فيك أذيالا
وفيه أيضا:
إن تأمّلتكم فكلّي عيون ... أو تذكّرتكم فكلّي قلوب
توفي في مستهل المحرم ببغداد، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا.
وفيها الشيخ غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر المقدسي النابلسي [1] القدوة الزاهد، أحد عبّاد الله الأخفياء الأتقياء، والسّادة الأولياء.
ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة بقرية بورين [2] من عمل نابلس، وسكن القدس عام أنقذه السلطان صلاح الدّين من الفرنج [3] سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة [4] . وساح بالشام، ورأى الصّالحين، وكان مؤثرا للخمول، صاحب أحوال وكرامات.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 129- 130) و «تاريخ الإسلام» (64/ 101- 103) .
[2] قال الأستاذ الفاضل محمد محمد شراب في كتابه النافع «معجم بلدان فلسطين» ص (172) طبع دار المأمون للتراث بدمشق: بورين: بلدة تقع على مسافة عشرة أكيال إلى الجنوب من نابلس، وترتفع ما بين 600- 650 مترا عن سطح البحر، حيث تعتبر بقعتها جزءا من جبال نابلس، وذكر ما نسب إليها من العلماء، فراجع تتمة كلامه فيه فهو مفيد.
[3] جاء في هامش النسخة «ط» : في غير الأصل: «عام أنقذه الله من الفرنج» .
[4] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (22) وتعليقي عليه، طبع دار ابن كثير.(7/270)
قال ابنه عبد الله: انقطع تحت الصخرة في الأقباء السليمانية ست سنين [1] ، وصحب الشيخ عبد الله الأرموي بقية عمره، وعاشا جميعا مصطحبين.
وقد أفرد سيرة الشيخ غانم [في «جزء» ] [2] : أبو عبد الله محمد بن الشيخ علاء الدّين. وتوفي الشيخ غانم في غرّة شعبان، ودفن بالحضيرة [3] التي بها صاحبه ورفيقه الشيخ عبد الله الأرموي بسفح قاسيون.
وفيها محمد بن عبد الواحد بن أبي سعيد المديني الواعظ أبو عبد الله [4] ، مسند العجم.
ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وسمع من إسماعيل الحمّامي، وأبي الوقت [السّجزي] ، وأبي الخير الباغبان.
قال ابن النجار: واعظ مفت [5] ، شافعيّ. له معرفة بالحديث وقبول عند أهل بلده. وفيه ضعف. بلغنا أنه استشهد بأصبهان على يد التتار في أواخر رمضان. انتهى.
وقال الذهبي: وفي دخولهم [6] إليها قتلوا أمما لا تحصى.
وفيها محمد بن عماد بن محمد بن حسين الحرّاني [7] الحنبلي التاجر، نزيل الإسكندرية. روى عن ابن رفاعة، وابن البطّي، والسّلفي،
__________
[1] في «تاريخ الإسلام» للذهبي: «سنة ستين» .
[2] زيادة من «تاريخ الإسلام» .
[3] في «تاريخ الإسلام» : «بالحضرة» .
[4] انظر «العبر» (5/ 130) و «تاريخ الإسلام» (64/ 106) .
[5] في «آ» و «ط» : «مفتي» وما أثبته من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[6] أي في دخول التتار إلى أصبهان.
[7] انظر «العبر» (5/ 130) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 379- 381) و «تاريخ الإسلام» (64/ 107- 108) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .(7/271)
وطائفة كثيرة باعتناء خاله حمّاد الحرّاني. وتوفي في عاشر صفر، وكان ذا دين وعلم وفقه، عاش تسعين سنة. وروى عنه خلق كثير.
وفيها شعرانة، وجيه الدّين، محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني [1] الثّقة الصّالح. سمع «الصحيح» [2] من أبي الوقت [السّجزي] وعمّر دهرا، ومات شهيدا.
وفيها محمد بن غسّان بن غافل بن نجاد [3] الأمير سيف الدولة الحمصي ثم الدمشقي. روى عن الفلكيّ، وابن هلال، وطائفة. وتوفي في شعبان عن ثمانين سنة.
وفيها أبو الوفاء محمود بن إبراهيم بن سفيان بن مندة العبدي الأصبهاني [4] ، بقية آل مندة ومسند وقته. روى الكثير عن مسعود الثّقفي، والرّستمي، وأبي الخير الباغبان، وغيرهم. وعدم تحت السيف، رحمه الله.
وفيها أبو موسى الرّعيني عيسى بن سليمان بن عبد الله الرّعيني الأندلسي المالقي الرّندي الحافظ. كان حافظا متقنا أديبا نبيلا.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» [5] :
ثم أبو موسى الرّعيني عيسى ... خير له بضبطه النّفيسا
وفيها أبو يحيى وأبو الفضل، عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 130) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 379) و «تاريخ الإسلام» (64/ 105- 106) .
[2] يعني «صحيح البخاري» .
[3] انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 381) و «تاريخ الإسلام» (64/ 108- 109) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[4] انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 382- 383) و «تاريخ الإسلام» (64/ 109- 110) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[5] انظر «بديعة البيان» الورقة (24) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.(7/272)
ابن خمارتكين بن طاشتكين الإربلي المعروف بالحاجري، الملقب حسام الدّين [1] .
قال ابن خلّكان: هو جندي ومن أولاد الأجناد، وله «ديوان» شعر تغلب عليه الرّقّة، وفيه معان جيدة، وهو مشتمل على الشعر، والدّوبيت، والمواليا.
ولقد أحسن في الكلّ مع أنه قلّ من يجيد في مجموع الثلاثة. وله أيضا «كان وكان» واتفقت له فيه مقاصد حسان. وكان صاحبي وأنشدني كثيرا من شعره، فمن ذلك قوله- وهو معنى جيد-:
ما زال يحلف لي بكلّ أليّة ... أن لا يزال مدى الزّمان مصاحبي
لما جفا نزل العذار بخدّه ... فتعجّبوا لسواد وجه الكاذب
وأنشدني لنفسه أيضا:
لك خال من فوق عر ... ش شقيق قد استوى
بعث الصّدغ مرسلا ... يأمر النّاس بالهوى
وأنشدني لنفسه أبياتا منها في صفة الخال:
لم يحو ذاك الخدّ خالا أسودا ... إلّا لنبت شقائق النّعمان
وله، وقال لي: ما يعجبني فيما عملت مثل هذا الدّوبيت، وهو آخر شيء عملته إلى الآن وهو:
حيّا وسقى الحمى سحاب هامي ... ما كان ألذّ عامه من عام
يا علوة ما ذكرت أيّامكم ... إلّا وتظلّمت على الأيام
وكان لي أخ يسمى ضياء الدّين عيسى، وكان بينه وبين الحاجري المذكور مودة أكيدة، فكتب إليه من الموصل في صدر كتاب، وكان الأخ بإربل:
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 501- 505) و «النجوم الزاهرة» (6/ 290- 291) .(7/273)
الله يعلم ما أبقى سوى رمق ... منّي فراقك يا من قربه أمل
فابعث كتابك واستودعه تعزية ... فربما متّ شوقا قبل ما يصل
وكنت قد خرجت من إربل في أواخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وهو معتقل بقلعتها لأمر يطول شرحه، بعد أن كان حبس بقلعة خفتيد [1] كان ثم نقل منها، وله في ذلك أشعار منها قوله:
قيد أكابده وسجن ضيّق ... يا ربّ شاب من الهموم المفرق
ومنها:
يا برق إن جئت الدّيار بإربل ... وعلا عليك من التّداني رونق
بلّغ تحيّة نازح حسراته ... أبدا بأذيال الصّبا تتعلّق
قل يا حبيب [2] لك الفداء أسيركم ... من كلّ مشتاق إليكم أشوق
والله ما سرت الصّبا نجدية ... إلّا وكدت بدمع عيني أشرق
وبلغني بعد ذلك أنه خرج من الاعتقال، واتصل بخدمة الملك المعظم مظفّر الدّين صاحب إربل، وتقدم عنده وغيّر لباسه، وتزيّا بزي الصّوفية. فلما توفي مظفّر الدّين سافر من إربل ثم عاد إليها وقد صارت في مملكة أمير المؤمنين المستنصر بالله ونائبه بها الأمير شمس الدّين أبو الفضائل باتكين، وكان وراءه من يقصده، فاتفق أنه خرج من بيته يوما قبل الظهر، فوثب عليه شخص وضربه بسكين فأخرج حشوته، فكتب في تلك الحال إلى باتكين المذكور وهو يكابد الموت:
أشكوك يا ملك البسيطة حالة ... لم تبق رعبا في عضوا ساكنا
__________
[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» : «خفتيد» بالدال المهملة كذا قيدها ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (3/ 505) . وفي «معجم البلدان» (2/ 380) «خفتيذ» بالذال المعجمة.
[2] في «وفيات الأعيان» : «يا جعلت» .(7/274)
إن تستبح إبلي لقيطة [1] معشر ... ممن أؤمل غير جأشك مازنا
ومن العجائب كيف يمشي خائفا ... من بات في حرم الخلافة آمنا
ثم توفي بعد ذلك من يومه يوم الخميس ثاني شوال، وتقدير عمره خمسون سنة.
والحاجري: بفتح الحاء المهملة، وبعد الألف جيم مكسورة، وبعدها راء، نسبة إلى حاجر بليدة بالحجاز، لم يبق اليوم منها سوى الآثار، ولم يكن الحاجريّ منها، بل نسب إليها لكونه استعملها في شعره كثيرا. انتهى ملخصا.
وفيها أبو الفتوح الوثّابي محمد بن محمد بن أبي المعالي الأصبهاني [2] . يروي عن جدّه كتاب الذّكر بسماعه من ابن طبرزد، ويروي عن رجاء بن حامد المعداني، راح تحت السيف في فتنة التتار، وله ثمان وسبعون سنة.
وفيها جامع بن إسماعيل بن غانم بن صائن الدّين الأصبهاني الصّوفي، المعروف بباله [3] ، راوي «جزء» لوين عن محمد بن أبي القاسم الصّالحاني.
وفيها شمس الدّين محمود بن علي بن محمود بن قرقين [4] الدّمشقي، الجندي الأديب الشاعر. روى عن أبي سعد بن أبي عصرون، وتوفي في شوال.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن اللقيطة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف.
[2] انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 544) ضمن ترجمة شيخه رجاء بن حامد المعداني.
[3] انظر «العبر» (5/ 131- 132) .
[4] في «آ» و «ط» : «قرقر» والتصحيح من «العبر» (5/ 132) و «تاريخ الإسلام» (64/ 114- 115) .(7/275)
وفيها ابن شدّاد قاضي القضاة بهاء الدّين أبو العزّ يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي الشافعي [1] .
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات والعربية بالموصل على يحيى بن سعدون القرطبي. وسمع من حفدة العطاردي وطائفة، وبرع في الفقه والعلوم، وساد أهل زمانه، ونال رئاسة الدّين والدّنيا، وصنّف التصانيف.
قال ابن شهبة: سمع من جماعة كثيرة ببغداد وغيرها، وأعاد بالنظامية في حدود سنة سبعين، ثم انحدر إلى الموصل، ودرّس بمدرسة الكمال الشهرزوري، ثم حجّ سنة ثلاث وثمانين، وزار الشام واصتل بالسلطان صلاح الدّين وحظي عنده، وولاه قضاء العسكر وقضاء بيت المقدس، وصنّف له كتابا في فضل الجهاد. ولما توفي اتصل بولده الظاهر وولاه قضاء حلب ونظر أوقافها، وأجزل رزقه وعطاءه، وأقطعه إقطاعا جزيلا، ولم يكن له ولد ولا قرابة، فكان ما يحصل له يتوفر عنده، فبنى به مدرسة وإلى جانبها [2] ، دار حديث وبينهما [3] تربة، وقصده الطلبة للدّين والدّنيا، وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره وارتفاع منزلته.
قال عمر بن الحاجب: كان ثقة عارفا بأمور الدّين، اشتهر اسمه وسار ذكره، وكان ذا صلاح وعبادة، وكان في زمانه كالقاضي أبي يوسف في زمانه. دبّر أمر الملك بحلب، واجتمعت الألسن على مدحه، وطوّل ابن خلّكان ترجمته، وهو ممن أخذ عنه.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 84- 85) و «العبر» (5/ 132) و «تاريخ الإسلام» (64/ 117- 121) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 383- 387) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 120- 122) .
[2] في «آ» و «ط» : «وإلى جنبها» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[3] في «آ» و «ط» : «وبينها» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.(7/276)
توفي في رابع صفر، ودفن بتربته بحلب، وذلك بعد أن ظهر أثر الهرم عليه. ومن تصانيفه «دلائل الأحكام» على التنبيه في مجلدين، وكتاب «الموجز الباهر» في الفقه، وكتاب «ملجأ الحكّام» [1] في الأقضية في مجلدين، و «سيرة صلاح الدّين» أجاد فيها وأفاد.
__________
[1] واسمه الكامل كما في «وفيات الأعيان» : «ملجأ الحكّام عند التباس الأحكام» .(7/277)
سنة ثلاث وثلاثين وستمائة
في ربيعها جاءت فرقة من التتار فكسرهم عسكر إربل، فما بالوا، وساقوا إلى بلاد الموصل، فقتلوا وسبوا، فاهتمّ المستنصر بالله، وأنفق الأموال، فردّوا ودخلوا [1] الدّربند [2] .
وفيها أخذت الفرنج قرطبة واستباحوها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون [3] .
وفيها توفي الجمال أبو حمزة أحمد بن عمر [بن الشيخ أبي عمر] [4] المقدسي الحنبلي [5] . روى عن نصر الله القزّاز، وابن شاتيل، وأبي المعالي ابن صابر. وكان يتعانى الجندية، وفيه شجاعة وإقدام. توفي في ربيع الأول.
__________
[1] لفظة «ودخلوا» سقطت من «آ» .
[2] ويسمى أيضا «باب الأبواب» . انظر «معجم البلدان» (2/ 449) .
[3] قال الذهبي: فقال لنا أبو حيّان- يعني الغرناطي النحوي أثير الدّين المفسّر المشهور- توفي ابن الرّبيع- يعني أبو سليمان ربيع بن عبد الرحمن القرطبي- بإشبيلة بعد استيلاء النصارى على شرقي قرطبة سنة ثلاث وثلاثين. انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 13- 14 و 130) والتعليق عليه.
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[5] انظر «العبر» (5/ 133) و «تاريخ الإسلام» (64/ 83) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .(7/278)
وفيها القيلويي [1] المؤرّخ، أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل.
عاش سبعين سنة، وروى عن الأبله الشاعر وغيره، فكتب الكثير. وكان أديبا أخباريا.
وفيها زهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر [أم الحياء، الأنباريّة] [2] .
شيخة صالحة صوفية. روت عن ابن البطّي، ويحيى بن ثابت، وتوفيت في جمادى الأولى عن تسع وسبعين سنة.
وفيها خطيب زملكا، عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري [3] ، وله اثنتان وسبعون سنة. روى عن أبي القاسم بن عساكر، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها ابن الرّمّاح عفيف الدّين علي بن عبد الصّمد بن محمد المصري [4] . المقرئ النحوي. قرأ القراءات على أبي الجيوش عساكر بن علي، وسمع من السّلفي، وتصدّر للإقراء والعربية بالفاضلية وغيرها، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن روزبه أبو الحسن علي بن أبي بكر [بن روزبه] [5] البغدادي القلانسي العطّار الصّوفي [6] . حدّث بالصحيح عن أبي الوقت [السّجزي] ،
__________
[1] تحرفت نسبته في «ط» إلى «القليوبي» وما جاء في «آ» هو الصواب. انظر «العبر» (5/ 133) و «تاريخ الإسلام» (64/ 129- 130) .
أقول: وفي «معجم البلدان» (4/ 423) القيلوي، نسبة إلى قيلوية، ينسب إليها أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل القيلوي. (ع) .
[2] انظر «العبر» (5/ 133- 134) و «تاريخ الإسلام» (64/ 131) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] انظر «العبر» (5/ 134) و «تاريخ الإسلام» (64/ 136) وقد توسع في ترجمته فراجعه.
[4] انظر «العبر» (5/ 134) و «تاريخ الإسلام» (64/ 138- 139) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 549) .
[5] ما بين الحاصرتين لم يرد في «آ» .
[6] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 409- 410) و «العبر» (5/ 134) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 387- 389) و «تاريخ الإسلام» (64/ 140- 141) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .(7/279)
ببغداد، وحرّان، ورأس العين، وحلب. وردّ منها خوفا من الحصار الكائن بدمشق على الناصر داود، وإلّا كان عزمه المجيء إلى دمشق. توفي فجأة في ربيع الآخر وقد نيّف على التسعين.
وفيها العلّامة الحافظ ابن دحية أبو الخطّاب عمر بن حسن بن محمد الجميّل [1] بن فرح [2] بن خلف الكلبي الدّاني ثم السّبتي [3] الحافظ اللّغوي الظّاهري المذهب. روى عن أبي عبد الله بن زرقون، وابن بشكوال، وهذه الطبقة. وعني بالحديث أتمّ عناية، وجال في مدن الأندلس ومدن العدوة، وحجّ في الكهولة، فسمع بمصر من البوصيري، وبالعراق «مسند الإمام أحمد» ، وبأصبهان «معجم الطبراني» من الصيدلاني، وبنيسابور «صحيح مسلم» بعلو بعد أن كان حدّث به بالغرب بالإسناد النازل للأندلسي، وكان يقول: إنه حفظه كلّه.
قال في «العبر» : وليس هو بالقويّ، ضعّفه جماعة. وله تصانيف ودعاو [4] مدحضة، وعبارة متغيرة ومبغضة. وقد نفق على [الملك] الكامل وجعله شيخ دار الحديث بالقاهرة. انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متفننا في الحديث، والنحو، واللغة، وأيام العرب وأشعارها.
حصّل ما لا حصّل غيره [5] من العلم، وكان في المحدّثين مثل ابن عنين في
__________
[1] الجميّل: تصغير جمل. قاله الذهبي في «تاريخ الإسلام» (64/ 15) .
[2] تصحف في «ط» إلى «فرج» .
[3] انظر «العبر» (5/ 134- 135) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 389- 395) و «تاريخ الإسلام» (64/ 141- 146) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين الدمشقي (176/ آ) .
[4] في «آ» و «ط» : «ودعاوى» وأثبت لفظ «العبر» .
[5] أقول: في «سير أعلام النبلاء» (22/ 391) : «وحصّل ما لم يحصّله غيره» . (ع) .(7/280)
الشعراء. يثلب علماء المسلمين ويقع في أئمة الدّين، فترك الناس كلامه وكذّبوه. ولما انكشف حاله للكامل أخذ منه دار الحديث وأهانه، ودخل دمشق، فمال إليه الوزير ابن شكر، فسأله أن يجمع بينه وبين الشيخ تاج الدّين الكندي، فاجتمعا وتناظرا، وجرى بينهما البحث، فقال له الكنديّ: أخطأت، فسفّه عليه، فقال الكنديّ: أنت تكذب في نسبك إلى دحية الكلبي، ودحية بإجماع المحدّثين ما أعقب، وقد قال فيك ابن عنين:
دحية لم يعقب فكم تنتمي [1] ... إليه بالبهتان والإفك
ما صحّ عند النّاس فيه سوى ... أنّك من كلب بلا شكّ
توفي في رابع عشر ربيع الأول، وله سبع وثمانون سنة، ودفن بالقاهرة.
وفيها الإربلي فخر الدّين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سليمان الصّوفي [2] . روى عن يحيى بن ثابت، وأبي بكر بن النّقور، وجماعة كثيرة، وتوفي بإربل في رمضان، وروايته منتشرة عالية.
وفيها أبو بكر المأموني محمد بن محمد بن أبي المفاخر سعيد بن حسين العباسي النيسابوري ثم المصري الجنائزي [3] . روى عن السّلفي وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها نصر بن عبد الرزّاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني [4] قاضي القضاة، عماد الدّين، أبو صالح الجيلي ثم البغدادي الحنبلي. أجاز له ابن
__________
[1] في «سير أعلام النبلاء» : «فلم تعتزي» .
[2] انظر «العبر» (5/ 135) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 395- 396) و «تاريخ الإسلام» (64/ 147- 148) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .
[3] انظر «العبر» (5/ 135) و «النجوم الزاهرة» (6/ 296) .
[4] انظر «العبر» (5/ 136) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 136) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 189- 192) و «المنهج الأحمد» الورقة (366) .(7/281)
البطّي، وسمع من شهدة وطبقتها، ودرّس، وأفتى، وناظر، وبرع في المذهب، وولي القضاء سنة ثلاث وعشرين، وعزل بعد أشهر، وكان لطيفا ظريفا متين الدّيانة، كثير التواضع، متحرّيا في القضاء، قوي النفس في الحقّ، عديم المحاباة والتكلف. قاله في «العبر» .
وقال ابن رجب: كان عظيم القدر، بعيد الصّيت، معظّما عند الخاصة والعامة، ملازما طريق النّسك والعبادة، مع حسن سمت، وكيس، وتواضع، ولطف، وبشر، وطيب ملاقاة [1] . وكان محبا للعلم، مكرما لأهله، ولم يزل على طريقة حسنة، وسيرة مرضية. وكان أثريّا، سنّيّا، متمسكا بالحديث، عارفا به. ولّاه الظّاهر الخليفة بن الناصر قضاء القضاة بجميع مملكته، فيقال: إنه لم يقبل إلّا بشرط أن يورّث ذوي الأرحام. فقال له: أعط كل ذي حقّ حقّه، واتق الله، ولا تتق سواه. وأرسل إليه عشرة آلاف دينار يوفي بها ديون من في سجنه من المدينين الذين لا يجدون وفاء.
ورد إليه النظر في جميع الأوقاف: وقوف العامة ووقوف المدارس [2] الشافعية والحنفية، وجامعي السلطان وابن عبد المطّلب [3] ، فكان يولي ويعزل في جميع المدارس حتّى النظامية.
ولما توفي الظاهر أقرّه ابنه المستنصر مديدة، وكان في أيام ولايته يؤذّن نوّابه في مجلس الحكم، ويصلي جماعة، ويخرج إلى الجامع راجلا. وكان يلبس القطن، متحريا في القضاء، قوي النّفس في الحقّ، ويتخلق بسائر سيرة السّلف. ولما عزله المستنصر أنشد عند عزله:
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وطيب ملتقى» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «الوقوف العامة ووقوف المدارس» .
[3] في «ط» : «وابن عبد اللطيف» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «وابن المطلب» بدون لفظ «عبد» .(7/282)
حمدت الله عزّ وجلّ لمّا ... قضى لي بالخلاص من القضاء
وللمستنصر المنصور أشكر ... وأدعو فوق معتاد الدّعاء
ولا أعلم أحدا من أصحابنا دعي بقاضي القضاة قبله، ولا استقلّ منهم بولاية قضاء القضاء في مصر غيره. وقد صنّف في الفقه كتابا سمّاه «إرشاد المبتدئين» وخرّج لنفسه أربعين حديثا. وتفقه عليه جماعة وانتفعوا به، وسمع منه الحديث خلق كثير. وروى عنه جماعة، منهم: عبد الصّمد بن أبي الجيش، وتوفي سحر يوم الأحد سادس عشر شوال عن سبعين سنة، ودفن بتربة الإمام أحمد رضي الله عنه. انتهى ملخصا
.(7/283)
سنة أربع وثلاثين وستمائة
فيها نزل التّتار على إربل وحاصروها وأخذوها بالسيف، حتّى جافت المدينة بالقتلى، وترحّلت الملاعين بغنائم لا تحصى، فلا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
وفيها توفي الملك المحسن عين الدّين أحمد بن السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] . روى عن ابن صدقة الحرّاني، والبوصيري، وعني بالحديث أتمّ عناية، وكتب الكثير، وكان متواضعا، متزهدا، كثير الإفضال على المحدّثين، وفيه تشيّع قليل. توفي بحلب في المحرم. قاله في «العبر» .
وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن خلف البغدادي القطيعي الأزجي المؤرّخ الحنبلي [2] ، وقد سبق ذكر أبيه. أسمعه أبوه من ابن الخلّ الفقيه، وأبي بكر بن [3] الزّاغوني، ونصر بن نصر العكبري، وسلمان بن حامد الشحّام، وتفرّد في وقته بالرّواية عن هؤلاء. وأسمعه أيضا من أبي الوقت [السّجزي] «صحيح البخاري» . وهو آخر من حدّث عنه به.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 136- 137) و «تاريخ الإسلام» (64/ 162- 163) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «النجوم الزاهرة» (6/ 298) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 212- 214) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 212- 214) .
[3] لفظة «ابن» لم ترد في «آ» .(7/284)
ثم طلب هو بنفسه وسمع من جماعة، ورحل وسمع بالموصل، ودمشق، وحرّان. ثم رجع إلى بغداد ولازم ابن الجوزي مدة، وأخذ عنه، وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه ومروياته. وجمع تاريخا في نحو خمسة أسفار، ذيّل به [على] [1] «تاريخ ابن السمعاني» سمّاه «درّة الإكليل في تتمة التّذييل» وفيه فوائد جمّة، مع أوهام [وأغلاط] [2] .
وقد بالغ ابن النجار في الحطّ على «تاريخه» هذا، مع أنه أخذه عنه، ونقل منه في «تاريخه» أشياء كثيرة، بل نقله كله كما قال ابن رجب.
وشهد عند القضاة مدة، واستخدم في عدة خدم، وأسنّ وانقطع في منزله إلى حين وفاته. وكان يخضب بالسواد، ثم تركه قبل موته بمدة.
وقد وصفه غير واحد من الحفّاظ وغيرهم بالحافظ. وأثنى عمر بن الحاجب على «تاريخه» .
وحدّث بالكثير ببغداد والموصل، وروى عنه جماعة كثيرون، منهم:
الشيخ تقي الدّين الواسطي.
قال ابن النجار: توفي ليلة السبت لأربع خلون من ربيع الآخر ببغداد ودفن بباب حرب.
وفيها أبو الفضل وأبو محمد إسحاق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي [3]- بفتح العين المهملة، وسكون اللام، وثاء مثلثة، نسبة إلى علث قرية بين عكبرا وسامرا [4]- الزاهد القدوة، ابن عمّ طلحة بن المظفّر. سمع من
__________
[1] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 441) و «تاريخ الإسلام» (64/ 165- 166) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 205- 211) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (180) .
[4] انظر «معجم البلدان» (4/ 145- 146) .(7/285)
أبي الفتح بن شاتيل، وقرأ على ابن كليب، وكان فقيها، حنبليا، عالما، أمّارا بالمعروف، نهاء عن المنكر، لا يخاف أحدا إلا الله، ولا تأخذه في الله لومة لائم. أنكر على الخليفة الناصر فمن دونه، وواجه الخليفة وصدعه بالحقّ.
قال النّاصح بن الحنبلي: هو اليوم شيخ العراق، والقائم بالإنكار على الفقهاء والفقراء وغيرهم فيما ترخّصوا فيه.
وقال المنذري: قيل إنه لم يكن في زمانه أكثر إنكارا للمنكر منه، وحبس على ذلك مدة.
وقال ابن رجب: وله رسائل كثيرة في الإنكار، وحدّث وسمع منه جماعة، وتوفي في شهر ربيع الأول.
وفيها موفق الدّين حمد بن أحمد [1] بن محمد بن صديق الحرّاني [2] الحنبلي. رحل إلى بغداد، وتفقّه بابن المنّي. وسمع من عبد الحق وطائفة، وتوفي بدمشق في صفر.
وفيها الخليل بن أحمد أبو طاهر الجوسقي الصّرصريّ [3] الخطيب بها- أي بصرصر، وهي بصادين مهملتين قرية على فرسخين من بغداد [4]-.
قرأ القراءات على جماعة، وسمع من ابن البطّي وطائفة، وتوفي في ربيع الأول عن ست وثمانين سنة، وقد أجاز لجماعة.
__________
[1] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «أحمد بن أحمد» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 434) و «العبر» (5/ 137) ، و «تاريخ الإسلام» (64/ 168) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 201) وسوف يكرر المؤلف ترجمته بعد قليل. انظر ص (291) .
[2] لفظة «الحراني» سقطت من «آ» .
[3] انظر «العبر» (5/ 137) و «تاريخ الإسلام» (64/ 170- 171) .
[4] انظر «معجم البلدان» (3/ 401) .(7/286)
وفيها أبو منصور سعيد بن محمد بن ياسين البغدادي [1] ، السفّار في التجارة. حجّ تسعا وأربعين حجّة، وحدّث عن ابن البطّي وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها أبو الرّبيع الكلاعي سليمان بن موسى بن سالم البلنسي [2] ، الحافظ الكبير الثقة، صاحب التصانيف، وبقيّة أعلام الأثر بالأندلس.
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة، وسمع ابن زرقون وطبقته.
قال [ابن] الأبّار: كان بصيرا بالحديث حافلا [3] ، عارفا بالجرح والتعديل، ذاكرا للموالد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك، خصوصا من تأخّر زمانه. ولا نظير لخطّه في الإتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والبلاغة. كان فردا في إنشاء الرسائل، مجيدا في النظم، خطيبا مفوّها، مدركا، حسن السّرد والمساق، مع الشّارة [4] الأنيقة، وهو كان المتكلم عن الملوك في مجالسهم، والمبيّن لما يريدونه على المنبر في المحافل. ولي خطابة بلنسية، وله تصانيف في عدة فنون. استشهد بكائنة أنيشة [5] بقرب بلنسية، مقبلا غير مدبر، في ذي الحجّة.
وفيها أبو داود سليمان بن مسعود الحلبي [6] ، الشاعر اللطيف.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 137) و «تاريخ الإسلام» (64/ 172- 173) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 5) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .
[2] انظر «العبر» (5/ 137- 138) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 134- 140) و «تاريخ الإسلام» (64/ 173- 176) .
[3] كذا في «آ» و «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» : «حافلا» وفي «ط» و «العبر» بطبعتيه:
«عاقلا» .
[4] في «آ» : «الإشارة» .
[5] في «آ» و «ط» : «ايتسة» والتصحيح من «العبر» و «الروض المعطار» ص (41) وقال محققه الدكتور إحسان عبّاس: وهي على بعد (20) كيلو مترا شمال بلنسية.
[6] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 173) .(7/287)
من شعره:
ألا زد غراما بالحبيب وداره ... وإن لحّ [1] واش فاحتمله وداره
وإن قدح اللّوام فيك بلومهم ... زناد الهوى يوما فأورى فواره
عسى زورة تشفى بها منه خلسة ... فإنّك لا يشفيك غير ازدياره
وذي هيف فيه يقوم لعاذلي ... بعذري إذا ما لام لام عذاره
فسبحان من أجرى الطّلا من رضابه ... ومن أنبت الرّيحان من جلّناره
وقد دبّ عنها صدغه بعقارب ... وناظره من سيفه بشفاره
وفيها النّاصح بن الحنبلي أبو الفرج، عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج بن الحنبلي [2] السّعدي العبادي الشّيرازي الأصل الدمشقي [3] ، الفقيه الحنبلي، المعروف بابن الحنبلي.
ولد بدمشق ليلة الجمعة سابع عشر شوال، سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وسمع بها من القاضي أبي الفضل الشّهرزوري وجماعة، ورحل إلى البلاد فأقام ببغداد مدة، وسمع بها من شهدة والسّقلاطوني، وخلائق.
وسمع بأصبهان من أبي موسى المديني، وهو آخر من سمع منه، لأنه سمع منه في مرض [4] موته. وسمع بالموصل من الشيخ أبي أحمد الحدّاد الزّاهد شيئا من تصانيفه، ودخل بلاد كثيرة [5] ، واجتمع بفضلائها وصالحيها،
__________
[1] في «ط» : «لجّ» .
[2] في «آ» : «ابن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي» وفي «ط» : «ابن الشيخ أبي الفرج بن الجزري» وما أثبته من «تاريخ الإسلام» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 429- 430) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 6- 7) و «تاريخ الإسلام» (64/ 179- 181) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 193- 201) و «المنهج الأحمد» الورقة (367- 370) .
[4] في «آ» : «في زمن» .
[5] تحرفت في «آ» إلى «بلاد أكره» وفي «ط» إلى «بلاد أكوه» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/288)
وفاوضهم، وأخذ عنهم، وقدم مصر مرّتين. وتفقه ببغداد على ابن المنّي، وأبي البقاء العكبري، وقرأ عليه «فصيح ثعلب» من حفظه، وأخذ عن الكمال السّنجاري، واشتغل بالوعظ وبرع فيه، ووعظ من أوائل عمره، وحصل له القبول التام. وقد وعظ بكثير من البلاد التي دخلها، كمصر، وحلب، وإربل، والمدينة النبوية، وبيت المقدس. وكانت له حرمة عند الملوك والسلاطين، خصوصا ملوك الشام بني أيوب.
وحضر فتح القدس مع السلطان صلاح الدّين. قال: واجتمعت بالسلطان في القدس بعد الفتح بسنتين، وسألني عن أشياء كثيرة، منها الخضاب بالسواد، فقلت: مكروه. ومنها من أربعة من الصحابة من نسل رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقلت: أبو بكر الصّدّيق، وأبوه أبو قحافة، وعبد الرحمن ابن أبي بكر، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر. ثم أخذ السلطان يثني على والدي ويقول: ما أولد إلّا بعد أربعين. قال: وكان عارفا بسيرة والدي.
ودرّس الناصح بمدارس، منها مدرسة جدّه شرف الإسلام، [ودرّس] [1] بالمسمارية. ثم بنت له الصاحبة ربيعة خاتون مدرسة بالجبل، وهي المعروفة بالصاحبية. فدرّس بها سنة ثمان وعشرين وستمائة، وكان يوما مشهودا.
وحضرت الواقفة من وراء الستر.
وانتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ موفق الدّين، وكان يساميه في حياته.
قال الناصح: وكنت قدمت من إربل سنة وفاة الشيخ الموفق، فقال لي: سررت بقدومك، مخافة أن أموت وأنت غائب، فيقع وهن في المذهب، وخلف بين أصحابنا.
__________
[1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/289)
وقد وقع مرة [1] بين النّاصح والشيخ الموفق اختلاف في فتوى في السماع المحدث، فأجاب فيها الشيخ الموفق بإنكاره، فكتب النّاصح بعده ما مضمونه: الغناء كالشعر، فيه مذموم وممدوح، فما قصد به ترويح النفس، وتفريج الهموم، وتفريغ القلوب، كسماع موعظة، وتحريك لتذكرة، فلا بأس به وهو حسن. وذكر أحاديث في تغني جويريات الأنصار، وفي الغناء في الأعراس، وأحاديث في الحداء. وأما الشبابة فقد سمعها جماعة ممن لا يحسن القدح فيهم من مشايخ الصوفية وأهل العلم، وامتنع من حضورها الأكثر. وكون النّبيّ صلى الله عليه وسلّم سدّ أذنيه منها مشترك الدلالة، لأنه لم ينه ابن عمر عن سماعها. وأطال في ذلك.
وردّ مقالة الموفق لما وقف عليه، فراجعه في «طبقات» [2] ابن رجب، فإنه نافع مهم، والله أعلم.
وللنّاصح تصانيف عدة، منها: كتاب «أسباب الحديث» في مجلدات عدة، وكتاب «الاستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد» [3] وكتاب «الأنجاد في الجهاد» .
وقال الحافظ الدّبيثي في «تاريخه» : للناصح خطب ومقامات، وكتاب «تاريخ الوعاظ» وأشياء في الوعظ. قال: وكان حلو الكلام، جيد الإيراد، شهما، مهيبا، صارما. وكان رئيس المذهب في زمانه بدمشق.
وقال أبو شامة: كان واعظا، متواضعا، متقنا، له تصانيف.
وقال المنذري: قدم- يعني النّاصح- مصر مرتين ووعظ [بها، وحدّث. وحصل له بها قبول، وحدّث بدمشق، وبغداد، وغيرهما، ووعظ] [4]
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مرات» .
[2] يقصد «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] وقد نشر الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس ما عثر عليه منه ضمن كتابه النافع «شذرات من كتب مفقودة» الصادر عن دار الغرب الإسلامي في بيروت.
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/290)
ودرّس. وكان فاضلا. وله مصنّفات، وهو من بيت الحديث والفقه. حدّث هو وأبوه وجدّه وجدّه أبيه وجدّ جدّه. لقيته بدمشق وسمعت منه.
وقال ابن رجب: سمع منه الحافظ ابن النجار وغيره، وخرّج له الزّكي البرزالي وروى عنه.
وتوفي يوم السبت ثالث المحرم بدمشق، ودفن من يومه بتربتهم بسفح قاسيون.
وفيها موفق الدّين أبو عبد الله حمد بن أحمد [1] بن محمد بن بركة ابن أحمد بن صديق بن صرّوف الحرّاني [2] الفقيه الحنبلي.
ولد سنة ثلاث أو أربع وخمسين وخمسمائة بحرّان، وسمع بها من ابن أبي حبّة [3] وغيره، ورحل إلى بغداد، وسمع بها من ابن شاتيل وغيره، وتفقه على ابن المنّي، وأبي البقاء العكبري، وابن الجوزي ولازمه، ورجع إلى حرّان، وحدّث بها وبدمشق، وسمع منه المنذري والأبرقوهي، وابن حمدان، وقال: كان شيخا صالحا من قوم صالحين، وتوفي سادس عشر صفر، ودفن بسفح قاسيون، وتقدم ذكره في هذه السنة مختصرا [4] .
وفيها أبو العبّاس أحمد بن أكمل بن أحمد بن مسعود بن عبد الواحد
__________
[1] تحرف اسمه في «آ» و «ط» و «المنتخب» (160/ آ) إلى «أحمد بن أحمد» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 434- 435) و «تاريخ الإسلام» (64/ 168- 169) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 201) و «المنهج الأحمد» الورقة (370) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «حية» بالياء، والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «تاريخ الإسلام» .
[4] انظر ص (286) .(7/291)
ابن مطر بن أحمد بن محمد الهاشمي العبّاسي البغدادي الخطيب المعدّل الحنبلي [1] .
ولد في ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة، وسمع من ابن شاتيل وغيره، وتفقه في المذهب، وطعن فيه بعضهم، وحدّث هو وأبوه وجدّه وعمه أفضل [2] وسمع منه ابن السّاعي وغيره، وتوفي في ثامن ربيع الأول، ودفن عند أبيه بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها ناصح الدّين عبد القادر بن عبد القاهر [3] بن عبد المنعم بن محمد بن حمد بن سلامة [بن أبي الفهم] الحرّاني [4] الفقيه الحنبلي الزاهد، شيخ حرّان ومفتيها.
ولد في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة بحرّان. وسمع بها من ابن طبرزد وغيره، وسمع بدمشق من ابن صدقة وغيره، وببغداد من ابن الجوزي وجماعة. وأخذ العلم بحرّان عن أبي الفتح بن عبدوس وغيره، وقرأ «الروضة» على مؤلّفها الموفق، وأقرأ وحدّث.
وقال المنذري: لقيته بحرّان، وسمعت منه.
وقال ابن حمدان: قرأت عليه «الخرقي» و «الهداية» وبعض «العمدة» وسمعت عليه أشياء كثيرة، منها: «جامع المسانيد» لابن الجوزي. وكان قليل الكلام فيما لا يعنيه، كثير الدّيانة والتحرز فيما يعنيه، شريف النّفس، مهيبا،
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 436- 437) و «تاريخ الإسلام» (64/ 161- 162) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 201) و «المنهج الأحمد» الورقة (370- 371) .
[2] انظر ترجمته في «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 239- 240) .
[3] تحرفت في «العبر» طبع الكويت إلى «عبد الطاهر» وفي «العبر» طبع بيروت إلى فتصحح.
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 437) و «العبر» (5/ 139) و «تاريخ الإسلام» (64/ 183- 184) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 202- 204) وما بين الحاصرتين زيادة منه ومن غيره.(7/292)
معروفا بالفتوى في مذهب أحمد. وصنّف منسكا وسطا جيدا، وكتاب «المذهب المنضد في مذهب أحمد» ضاع منه في طريق مكّة. وحفظ «الروضة الفقهية» و «الهداية» وغيرهما، ولم يتزوج. وطلب للقضاء فأبى، ودرّس في آخر عمره بحضوري عنده في مدرسة بني العطّار التي عمرت لأجله، وتوفي في الحادي عشر من ربيع الأول بحرّان. انتهى كلام ابن حمدان.
وفيها شمس الدّين أبو طالب عبد الله بن إسماعيل بن علي بن الحسين البغدادي الأزجي [1] ، الواعظ الحنبلي، المعروف والده بالفخر.
غلام ابن المنّي. سمع أبو طالب من ابن كليب وغيره، وتفقه في المذهب، واشتغل بالوعظ، ووعظ ببغداد ومصر. وحدّث، وله نظم.
قال المنذري: سمعت منه شيئا في شعره.
توفي في ثاني عشري شعبان، وهو في سنّ الكهولة.
وفيها عزّ الدّين أبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان المقدسي [2] الفقيه الحنبلي. سمع من أسعد بن سعيد وغيره، وتفقه في المذهب، ودرّس وحدّث. توفي في حادي عشر ذي القعدة.
وفيها أبو عمرو عثمان بن الحسن السّبتيّ [3] اللّغوي، أخو ابن دحية. روى عن ابن زرقون، وابن بشكوال، وغيرهما. وولي مشيخة الكاملية بعد أخيه، وتوفي بالقاهرة.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 456) و «تاريخ الإسلام» (64/ 176) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 215- 216) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 460) و «تاريخ الإسلام» (64/ 182) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 216) .
[3] انظر «العبر» (5/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 26- 27) و «تاريخ الإسلام» (64/ 187) .(7/293)
وفيها صاحب الرّوم السلطان علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج [1] أرسلان السلجوقي [2] . كان ملكا جليلا شهما شجاعا، وافر العقل، متسع الممالك. تزوّج بابنة الملك العادل، وامتدت أيّامه، وتوفي في سابع شوال. وكان فيه عدل وخير في الجملة. قاله في «العبر» .
وفيها أبو الحسن القطيعي محمد بن أحمد بن عمر البغدادي [3] المحدّث المؤرخ.
ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وسمع من ابن الزّاغوني، ونصر العكبري، وطائفة. ثم طلب بنفسه، ورحل إلى خطيب الموصل، وبدمشق من أبي المعالي بن صابر. وأخذ الوعظ عن ابن الجوزي، وهو أول شيخ ولي المستنصرية، وآخر من حدّث ب «البخاري» سماعا عن أبي الوقت [السّجزي] . ضعّفه ابن النجّار لعدم إتقانه وكثرة أوهامه. توفي في ربيع الآخر.
وفيها الملك العزيز غياث الدّين محمد بن الملك الظّاهر غازي بن صلاح الدّين [4] ، صاحب حلب وسبط الملك العادل. ولّوه السلطنة بعد أبيه وله أربع سنين من أجل والدته الصّاحبة، وهي كانت الكلّ، وكان الأتابك طغريل [5] يسوس الأمور، وكان العزيز حسن الصّورة عفيفا. توفي في هذه السنة ودفن بالقلعة، وأقيم بعده ابنه الملك الناصر يوسف وهو طفل أيضا.
__________
[1] وكتبها الذهبي في «تاريخ الإسلام» : «قليج» أيضا وهو يترجم له.
[2] انظر «العبر» (5/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 24) و «تاريخ الإسلام» (64/ 194) .
[3] انظر «العبر» (5/ 139- 140) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 8- 11) و «تاريخ الإسلام» (64/ 194- 196) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .
[4] انظر «العبر» (5/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 359- 360) و «تاريخ الإسلام» (64/ 199) .
[5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (160/ آ) : «طغربك» وما أثبته من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .(7/294)
وفيها مرتضى ابن أبي الجود، حاتم بن المسلّم الحارثي الحوفي أبو الحسن [1] المقرئ. قرأ القراءات وسمع الكثير من السّلفي وجماعة، وكان عالما عاملا، كبير القدر، قانعا، متعففا، يختم في الشهر ثلاثين ختمة. توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة. قاله في «العبر» .
وفيها أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن أحمد البغدادي المقرئ، المعروف بالأشقر [2] . قرأ القراءات على محمد بن خالد الرزّاز وغيره، وتفقه في مذهب الإمام أحمد.
قال ابن السّاعي: كان شيخا فاضلا، حسن التلاوة للقرآن، مجيد الأداء به، عالما بوجوه القراءات وطرقها وتعليلها وإعرابها، يشار إليه بمعرفة علوم القرآن، بصيرا بالنحو واللغة، وكان يؤم بالخليفة الظّاهر، وقرأ عليه الظّاهر والوزير ابن النّاقد، فلما ولي الظّاهر الخلافة أكرمه وأجلّه، وكذلك لما ولي ابن النّاقد الوزارة.
وكان يقول: قرأ عليّ القرآن أرباب الدّنيا والآخرة.
وكان لأمّ الخليفة الناصر فيه عقيدة، فمرض، فجاءته تعوده، وسمع منه ابن النجّار، وابن السّاعي، وغيرهما. وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين.
وفيها أبو بكر الحربي هبة الله بن عمر بن كمال الحلّاج [3] . آخر من حدّث عن هبة الله بن الشّبلي، وكمال بنت السّمرقندي. توفي في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 11- 12) و «تاريخ الإسلام» (64/ 202- 203) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحابلة» (2/ 211- 212) .
[3] انظر «العبر» (5/ 140- 141) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 12- 13) و «تاريخ الإسلام» (64/ 208- 209) .(7/295)
وفيها ياسمين بنت سالم بن علي بن [1] البيطار أمّ عبد الله الحريميّة [2] . روت عن هبة الله بن الشّبلي القصّار، وتوفيت يوم عاشوراء.
وفيها أبو الحرم مكّي بن عمر بن نعمة بن يوسف بن عساكر بن عسكر بن شبيب بن صالح المقدسي الأصل، الفقيه الحنبلي، الزاهد، الرّؤبيّ [3] .
ولد في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بمصر، وسمع من والده، ومن ابن برّي النحوي وخلق، وسمع بمكة من محمد بن الحسين الهراوي الحنبلي وغيره. [وتفقه في المذهب بمصر.
قال المنذري: اشتره بمعرفة الفقه، وجمع مجاميع الفقه وغيره] [4] وانتفع به جماعة، وأمّ بالمسجد المعروف به بدرب البقّالين بمصر، وسمعت منه، وكان يبني ويأكل من كسب يده.
وقال ابن رجب: هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني [5] ، وتوفي في العشرين من جمادى الآخرة بمصر، ودفن من الغد إلى جانب والده بسفح المقطّم.
وفيها أبو المظفّر يوسف بن أحمد بن الحلاوي [6] الحنبلي.
__________
[1] لفظة «ابن» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .
[2] تصحفت نسبتها في «آ» و «ط» إلى «الخريمية» وفي «المنتخب» (160/ آ) إلى «الحزيمية» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 430) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 13) و «تاريخ الإسلام» (64/ 209) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 450- 451) و «تاريخ الإسلام» (64/ 205) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 214- 215) .
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[5] يعني المقدسي، رحمه الله تعالى.
[6] تحرفت نسبته إلى «الحلال» في «آ» و «ط» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 439) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 204) .(7/296)
سمع من ابن شاتيل، وتفقه في المذهب، وكان فقيها، صالحا، فاضلا، مقرئا، متدينا، حسن الطريقة. توفي ببغداد في العشرين من ربيع الأول.(7/297)
سنة خمس وثلاثين وستمائة
فيها وصلت التتار إلى دقوقا تنهب [وتسبي] وتفسد، فالتقاهم الأمير بكلك الخليفتي في سبعة آلاف، والتتار في عشرة آلاف، فانهزم المسلمون بعد أن قتلوا خلقا وكادوا ينتصرون، وقتل بكلك وجماعة أمراء أعيان.
وفيها توفي أبو محمد [1] الأنجب بن أبي السعادات البغدادي الحمّامي، عن إحدى وثمانين سنة. راو حجّة. روى عن ابن البطّي، وأبي المعالي بن اللحّاس [2] ، وطائفة، وأجاز له مسعود [3] الثقفي وجماعة.
توفي في تاسع عشر ربيع الآخر.
وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن سيدك الأواني [4] الشاعر المجيد. أشعاره رائقة مطربة، منها:
سلوا من كسا جسمي نحافة خصره ... وكلّفني في الحبّ طاعة أمره
يبدّل نكر الوصل منه بعرفه ... لديّ وعرف الهجر منه بنكره
فما تعرف الأرواح إلّا بقربه ... ولا تصرف الأتراح إلّا بذكره
__________
[1] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 470) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 14) و «العبر» (5/ 142) طبع الكويت و (3/ 222) طبع بيروت: «أبو محمد» وفي «آ» : «أبو أحمد» وفي «تاريخ الإسلام» (64/ 215) : «أبو حمد» .
[2] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «النحاس» فلتصحح.
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «سعيد» فلتصحح.
[4] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.(7/298)
ولا تنعم الأوقات إلّا بوصله ... ولا تعظم الآفات إلّا بهجره
فأقسم بالمحمر من ورد خدّه ... يمينا وبالمبيضّ من درّ ثغره
لقد كدت لولا ضوء صبح جبينه ... أتيه ضلالا في دجى ليل شعره
وفيها ابن رئيس الرّؤساء أبو محمد الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله ابن الوزير، رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة البغدادي النّاسخ الصّوفي [1] .
ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وسمع من ابن البطّي، وأحمد بن المقرّب، وتوفي في رجب.
وفيها قاضي حلب زين الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الشافعي، ابن الأستاذ [2] . روى عن يحيى الثقفي.
توفي في شعبان بحلب عن ثمان وخمسين سنة، وكان من سروات الرّؤساء.
وفيها ابن اللّتيّ، مسند الوقت، أبو المنجّى عبد الله بن عمر بن علي ابن عمر بن زيد الحريمي القزّاز [3] . رجل مبارك حييّ [4] .
ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، وسعيد بن البنّا، وطائفة. وأجاز له مسعود الثقفي والأصبهانيون، وكان آخر من روى حديث البغوي بعلو. نشر حديثه بالشام ورجع منها في آخر سنة أربع وثلاثين، فتوفي ببغداد في رابع عشر جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 142- 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 20) و «تاريخ الإسلام» (64/ 219) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[2] انظر «العبر» (5/ 143) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 155- 156) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 146) و «البداية والنهاية» (13/ 151) .
[3] انظر «العبر» (5/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 15- 17) و «تاريخ الإسلام» (64/ 221- 224) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[4] كذا في «آ» و «ط» : «حييّ» وفي «العبر» بطبعتيه: «خيّر» .(7/299)
وفيها أبو طالب عبد الله بن المظفّر ابن الوزير أبي القاسم علي بن طراد الزّينبي العبّاسي البغدادي [1] . روى عن ابن البطّي حضورا، وعن أبي بكر بن النّقور، ويحيى بن ثابت. توفي في رمضان.
وفيها الرّضي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبّار أبو محمد المقدسي الملقّن [2] . أقرأ كتاب الله احتسابا أربعين عاما، وختم عليه خلق كثير، وروى عن يحيى الثقفي وطائفة، وكان كثير العبادة والتهجد. توفي في ثاني صفر وقد شاخ.
وفيها صدر الدّين عبد الرزّاق ابن الإمام أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة، شيخ الشيوخ البغدادي [3] . حضر على ابن البطّي، وسمع من شهدة، وترسل عن الخليفة إلى النواحي، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو بكر عبد الكريم بن عبد الله بن مسلم بن أبي الحسن بن أبي الجود الفارسي [4] الزاهد الحنبلي، ابن أخي الحسن بن مسلم الزاهد المتقدم ذكره.
ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة بالفارسيّة، قرية على نهر عيسى، وقرأ القرآن [5] ، وسمع الحديث من أبي الفتح البرداني، وابن بوش، وغيرهما، وتفقه في المذهب، وحدّث وسمع منه ابن النجار [6] ، وعبد الصمد بن أبي الجيش، وغيرهما، ووصفاه بالصلاح والدّيانة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 18- 19) و «تاريخ الإسلام» (64/ 225) .
[2] انظر «العبر» (5/ 144) و «تاريخ الإسلام» (64/ 227- 228) .
[3] انظر «العبر» (5/ 144) و «تاريخ الإسلام» (64/ 229) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 467) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 216) .
[5] كذا في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وقرأ القرآن» وفي «آ» : «القراءات» .
[6] تحرفت في «ط» إلى «ابن البخاري» .(7/300)
قال ابن النجار: كان شيخا، صالحا، متدينا، ورعا، منقطعا عن الناس في قريته، يقصده الناس لزيارته والتبرك به، وحوله جماعة من الفقراء، ويضيف من يمرّ به.
وتوفي يوم الخميس لتسع خلون من صفر، ودفن من يومه عند عمّه الحسن [1] بن مسلم بالفارسيّة.
وفيها الملك الكامل سلطان الوقت، ناصر الدّين أبو المعالي محمد ابن العادل أبي بكر محمد بن أيوب [2] .
ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، وتملك الدّيار المصرية تحت جناح والده عشرين سنة وبعده عشرين سنة، وتملّك دمشق قبل موته بشهرين، وتملّك حرّان وآمد وتلك الدّيار، وله مواقف مشهودة، وكان صحيح الإسلام، معظّما للسّنّة وأهلها، محبا لمجالسة العلماء، فيه عدل وكرم وحياء، وله هيبة شديدة. ومن عدله المخلوط بالجبروت والظلم، شنق جماعة من أجناده على آمد في أكيال شعير غصبوه. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: كان سلطانا عظيم القدر، جميل الذّكر، محبا للعلماء، متمسكا بالسّنّة النبوية، حسن الاعتقاد، معاشرا لأرباب الفضائل، حازما في أموره، لا يضع الشيء إلّا في موضعه، من غير إسراف ولا إقتار.
وكان يبيت [3] عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء، ويشاركهم في
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسين» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 300) ومن ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا ص (517) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 79- 89) و «العبر» (5/ 144- 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 236- 240) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 201- 203) .
[3] في «وفيات الأعيان» (5/ 81) : «تبيت» .(7/301)
مباحثاتهم [1] ويسألهم عن المواضع المشكلة من كل فنّ، وهو معهم كواحد منهم، وكان يعجبه هذان البيتان وينشدهما كثيرا وهما:
ما كنت من قبل ملك قلبي ... تصدّ عن مدنف حزين
وإنما قد طمعت لمّا ... حللت في موضع حصين
وبنى بالقاهرة دار حديث ورتب لها وقفا جيدا. وقد بنى على قبر الإمام الشافعي، رضي الله عنه، قبة عظيمة، ودفن أمّه عنده، وأجرى إليها من ماء النيل ومدده بعيد، وغرم على ذلك جملة عظيمة.
ولما مات أخوه الملك المعظم صاحب الشام، وقام ولده الملك النّاصر صلاح الدّين داود مقامه، خرج الملك الكامل من الدّيار المصرية قاصدا لأخذ [2] دمشق منه، وجاء أخوه الملك الأشرف مظفّر الدّين موسى، فاجتمعا على أخذ دمشق بعد فصول جرت يطول شرحها، وملك دمشق في أول شعبان سنة ست وعشرين وستمائة، وكان يوم الاثنين، فلما ملكها دفعها لأخيه الملك الأشرف، وأخذ عوضها [3] من بلاد الشرق، حرّان، والرّها، وسروج، والرّقّة، ورأس عين، وتوجه إليها بنفسه في تاسع شهر رمضان من السنة.
واجتزت بحرّان في شوال سنة ست وعشرين والملك العادل مقيم بها بعساكر الدّيار المصرية، وجلال الدّين خوارزم شاه يوم ذاك يحاصر خلاط، وكانت لأخيه الملك الأشرف.
ثم قال ابن خلّكان: خطب له بمكّة- شرفها الله تعالى- فلما وصل
__________
[1] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» : «في مباحثاتهم» وفي «آ» : «في مباحثهم» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «أخذ» .
[3] في «آ» و «ط» : «موضعها» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .(7/302)
الخطيب إلى الدعاء للملك الكامل قال: صاحب مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها [1] ، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، وربّ العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين، أبو المعالي محمد الملك الكامل ناصر الدّين، خليل أمير المؤمنين.
ولقد رأيته بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة عند رجوعه من بلاد الشرق، واستنقاذه إيّاها من يد علاء الدّين كيقباد بن سلجوق صاحب الرّوم، وهي وقعة [2] يطول شرحها، وفي خدمته بضعة عشر ملكا، منهم أخوه الملك الأشرف. ولم يزل في علو شأنه وعظم سلطانه إلى أن مرض بعد أخذه دمشق ولم يركب، وكان ينشد في مرضه كثيرا:
يا خليليّ خبّراني بصدق ... كيف طعم الكرى فإني عليل [3]
ولم يزل كذلك [4] إلى أن توفي يوم الأربعاء بعد العصر، ودفن بقلعة دمشق يوم الخميس الثاني والعشرين من رجب، وكنت بدمشق يومئذ، وحضرت الصبحة [5] يوم السبت في جامع دمشق، لأنهم أخفوا موته إلى وقت صلاة الجمعة، فلما دنت الصلاة قام بعض الدّعاة على العريش الذي بين يدي المنبر وترحم على الملك الكامل، ودعا لولده الملك العادل صاحب مصر، وكنت حاضرا في ذلك الموضع، فضجّ النّاس ضجة واحدة، وكانوا قد أحسوا بذلك، لكنهم لم يتحققوا. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
__________
[1] قوله: «والشام وصناديدها» سقط من «وفيات الأعيان» الذي بين يدي فيستدرك من هنا.
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «واقعة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» جاء في «مختار الصحاح» (وقع) : الوقعة، صدمة الحرب، والواقعة القيامة.
[3] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» : «فإني عليل» . وفي «آ» : «فإني نسيت» .
[4] لفظة «ذلك» سقطت من «آ» .
[5] في «آ» و «ط» : «الصبيحة» وما أثبته من «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» .(7/303)
وقال الذّهبي: مرض بقلعة دمشق بالسّعال والإسهال نيفا وعشرين ليلة، وكان في رجله نقرس، فمات.
وقال ابن الأهدل: وللكامل هفوة جرت منه- عفا الله عنه- وذلك أنه سلّم مرة بيت المقدس إلى الفرنج اختيارا، نعوذ بالله من سخط الله وموالاة أعداء الله.
وفيها أبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز [1] البغدادي الطبيب.
سمّعه خاله من أبي الوقت [السّجزي] ، وتفرّد بالرواية بالسماع منه [2] وتوفي في رمضان وقد جاوز التسعين.
وفيها شرف الدّين محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محفوظ القرشي الدّمشقي ابن ابن [3] أخي الشيخ أبي البيان [4] . كان أديبا، شاعرا، صالحا، زاهدا، ولي مشيخة رباط أبي البيان، وروى عن ابن عساكر، وتوفي في رجب.
وفيها أبو نصر بن الشّيرازي القاضي شمس الدّين محمد بن هبة الله ابن محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي الشافعي [5] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) إلى «مهزوز» والتصحيح من «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 241) و «البداية والنهاية» (13/ 151) و «النجوم الزاهرة» (6/ 302) وقد ضبط فيها جميعا بكسر الباء، والصواب بضمها كما نصّ عليه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في «توضيح المشتبه» (1/ 619) حيث قال: بهروز: بضم أوله، وسكون الهاء، تليها راء مضمومة، ثم واو ساكنة.
[2] في «العبر» بطبعتيه: «عنه» .
[3] لفظة «ابن» الثانية لم ترد في «العبر» بطبعتيه فتستدرك.
[4] انظر «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 242- 243) .
[5] انظر «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 243- 245) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 106- 107) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 117- 118) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 113- 114) .(7/304)
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وأجاز له أبو الوقت [السّجزي] وطائفة، وسمع من أبي يعلى بن الحبوبي [1] ، وطائفة كثيرة، وله «مشيخة» في جزء. ودرس وأفتى، وناظر ودرّس، وصار من كبار أهل دمشق في العلم، والرّواية، والرّئاسة، والجلالة. ودرّس مدة بالشامية الكبرى.
قال ابن شهبة: ولي قضاء بيت المقدس، ثم ولي تدريس الشامية البرّانية، ثم ولي قضاء دمشق في سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وكان فقيها، فاضلا، خيّرا، ديّنا، منصفا، عليه سكينة ووقار. حسن الشكل، يصرف أكثر أوقاته في نشر العلم. مات في جمادى الآخرة.
وفيها خطيب دمشق الدّولعي- بفتح الدال المهملة وبعد الواو واللام عين مهملة، نسبة إلى الدّولعيّة قرية بالموصل- جمال الدّين محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين أبو عبد الله التّغلبي [2] الشّافعي.
ولد بالدّولعية في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتفقه على عمّه ضياء الدّين الدّولعي خطيب دمشق أيضا. وسمع منه ومن جماعة، منهم: ابن صدقة الحرّاني، وولي الخطابة بعد عمّه وطالت مدته في المنصب. وولي تدريس الغزالية مدة، وكان له ناموس وسمت حسن. يفخّم كلامه.
قال أبو شامة: وكان المعظّم قد منعه من الفتوى مدة، ولم يحجّ لحرصه على المنصب، مات في جمادى الأولى ودفن بمدرسته التي أنشأها بجيرون.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحيوني» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «طبقات الشافعية الكبرى» .
[2] في «آ» و «ط» : و «العبر» بطبعتيه و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 111) :
«الثعلبي» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (64/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 24) .(7/305)
وفيها نجم الدّين أبو المفضّل مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد المسند القرشيّ الدّمشقي المعروف بابن أبي الصّقر [1] .
ولد في رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع من حمزة بن الحبوبي [2] ، وحمزة بن كروّس، وحسّان الزّيّات، و [وسعيد بن سهل] الفلكي، وعلي بن أحمد بن مقاتل، وطائفة. وتفرّد، وطال عمره، وسافر للتجارة كثيرا. وتوفي في رجب.
وفيها الملك مظفّر الدّين أبو الفتح، موسى بن العادل [3] . ولد هو وأخوه الكامل في سنة واحدة، وهي سنة ست وسبعين وخمسمائة، وماتا أيضاً في هذه السنة [4] ، وكان مولده بالقاهرة. وروى عن ابن طبرزد، وتملّك حرّان وخلاط، وتلك الدّيار مدة، ثم تملّك دمشق تسع سنين، فأحسن وعدل، وخفّف الجور.
قال الذهبي: كان فيه دين وتواضع للصالحين. وله ذنوب عسى الله أن يغفرها له. وكان حلو الشمائل، محبّبا إلى رعيته، موصوفا بالشجاعة، لم تكسر له راية قطّ. انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان جوادا، عادلا، سخيّا، لو دفع الدّنيا إلى أقل الناس لم يستكثرها عليه. ميمون الطليعة، ما كسرت له راية قطّ. متعففا عن المحارم، ما خلا بامرأة قطّ إلّا زوجته أو محرمه.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 146) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 34- 35) و «تاريخ الإسلام» (64/ 249- 250) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحبوني» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 146- 147) و «تاريخ الإسلام» (64/ 250- 256) .
[4] أي في سنة خمس وثلاثين وستمائة.(7/306)
قال أبو المظفّر [1] : لما صعدت [2] إلى خلاط اجتمعت معه في منظرة، فقال: والله ما مددت عيني إلى حريم أحد قطّ، لا ذكر ولا أنثى، ولقد كنت يوما قاعدا هاهنا، فقال الخادم: على الباب عجوز تستأذن من عند بنت شاه أرمن صاحب خلاط سابقا، فأذنت لها، فناولتني ورقة تذكر أن الحاجب عليا قد قصدها وأخذ ضيعها، وقصد هلاكها، وتخاف منه أن تخرج، فكتبت على الورقة بإطلاق الضيعة، ونهي الحاجب عنها، فقالت العجوز: هي تسأل الإذن بالحضور [بين يديك] فلها سرّ تذكره للسلطان، فقلت: بسم الله، فغابت ساعة ثم جاءت ومعها امرأة ما يمكن في الدنيا أحسن من قدّها، ولا أظرف من شكلها، كأن الشمس تحت نقابها، فحذمت [3] ووقفت، فقمت لها، لكونها بنت شاه، فسفرت عن وجهها، فأضاءت منه المنظرة، فقلت: غطّي وجهك واذكري حاجتك، فقالت: مات أبي واستوليتم على البلاد، ولي ضيعة أعيش منها، أخذها الحاجب مني، وما أعيش إلّا من عمل النقش، وأنا ساكنة في دور الكراء. قال: فبكيت وأمرت لها [من الخزانة] بقماش وسكن يصلح لها، وقلت: بسم الله في حفظ الله، وودّعته [4] ، فقالت العجوز: ما جاءت إلّا لتحظى بك الليلة. قال: فأوقع الله في قلبي تغيّر الزّمان، وتملّك غيري، وتحتاج بنتي [5] أن تقعد مثل هذه القعدة، فقلت: يا عجوز! معاذ الله، والله ما هو من شيمتي، ولا خلوت بغير محارمي، خذيها وانصرفي،
__________
[1] انظر «مرآة الزمان» (8/ 470- 471) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف وما بين الحاصرتين في السياق زيادة منه.
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) : «ولما صعد» والتصحيح من «مرآة الزمان» مصدر المؤلف.
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «فخدمت» والتصحيح من «مرآة الزمان» .
[4] في «آ» و «ط» : «ودعته» بإسقاط الواو الأولى والتصحيح من «المنتخب» (161/ آ) .
[5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) : «بنيّ» وما أثبته من «مرآة الزمان» .(7/307)
وهي العزيزة الكريمة، ومهما كان لها من الحوائج فهذا الخادم تنفذ إليه، فقامت وهي تبكي وتقول بالأرمنية: صان الله حريمك، [قال:] فلما خرجت، قالت لي النفس: في الحلال مندوحة عن الحرام، تزوجها، فقلت للنفس:
يا خبيثة: أين الحياء والكرم والمروءة؟ والله لا فعلته أبدا.
وقدم عليه النظام بن أبي الحديد ومعه نعل النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- فقام له قائما، ونزل فأخذ النّعل ووضعه على عينيه وبكى، وأجرى على النظام النفقات، وأراد أن يأخذ منه قطعة تكون عنده، ثم رجع وقال: ربما يجيء بعدي من يفعل مثل فعلي فيتسلسل الحال ويؤدي إلى استئصاله فتركه، ومات النظام بعد مدة وأوصى له بالنّعل، فلما فتح دمشق اشترى دار قايماز النجمي وجعلها دار حديث، وترك النّعل بها، وبنى مسجد أبي الدّرداء بقلعة دمشق، والمسجد الذي عند باب النصر، وخان الزّنجاري وهو جامع العقيبة، ومسجد القصب خارج باب السلاح، وجامع جرّاح، وجامع بيت الأنبار، وجامع حرستا، وزاد وقف دار الحديث النّوريّة، والتربة التي بالكلّاسة، وكان حسن الظنّ بالفقراء. وكان له في بستانه الذي بالنّيرب أماكن مشهورة مزخرفة، مثل صفة بقراط وغيرها يخلو بها، وأباح لأهل دمشق الفرجة بها تطييبا لقلوب الرّعية.
ومن شعره يخاطب الخليفة الناصر:
العبد موسى ذو الضّراعة طوره ... بغداد آنس عندها نار الهدى [1]
عبد أعدّ لدى الإله وسيلة ... دنيا ودينا أحمدا ومحمّدا
هذا يقوم بنصره في هذه ... عند الخطوب وذاك شافعه غدا
__________
[1] رواية البيت في «تاريخ الإسلام» :
العبد موسى طوره لمّا غدا ... بغداد آنس عندها نار الهدى(7/308)
وتوفي يوم الخميس رابع المحرم، فتسلطن بعده أخوه الصالح إسماعيل، وركب ركوب السلطنة، وترجل الناس بين يديه، وصادر جماعة من أهل دمشق، وركب التعاسيف، فجاء عسكر الكامل وحصر دمشق، وقطع المياه، وأحرق العقيبة، وقصر حجّاج، ونصبوا المجانيق، ووقّع الصلح، على أن أعطوا الصالح بعلبك وبصرى، وتسلّم الكامل دمشق.
وفيها الحكيم الفاضل سديد الدّين أبو الثناء محمود بن عمر الحانويّ [1] عرف بابن زقيقة [2] الشيباني [3] . صنّف كتاب «قانون الحكماء وفردوس النّدماء» وكتاب «الغرض المطلوب في تدبير المأكول والمشروب» وغير ذلك. وله ديوان شعر، منه فيما يتعلق بالطبّ:
توقّ الامتلاء وعدّ عنه ... وإدخال الطّعام على الطّعام
وإكثار الجماع فإنّ فيه ... لمن والاه داعية السّقام
ولا تشرب عقيب الأكل ماء ... لتسلم من مضرّات الطّعام
ولا عند الخوى والجوع حتّى ... تلهّى باليسير من الإدام
وخذ منه القليل ففيه نفع ... لدى العطش المبرّح والأوام
وهضمك فاصلحنه [4] فهو أصل ... وأسهل بالأيارج كلّ عام
وفصد العرق نكّب عنه إلّا ... لدى مرض بطيب الطبع حامي
ولا تتحركنّ عقيب أكل ... وصيّر ذاك بعد الانهضام
ولا تطل السّكون فإنّ منه ... تولّد كلّ خلط فيك خام
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ ب) : «الحابولي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ ب) : «ابن دقيقة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «الأعلام» .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 247 و 331) و «الأعلام» (7/ 178) الطبعة الرابعة.
[4] كذا في «آ» و «ط» : «فأصلحنه» وفي «المنتخب» (161/ ب) : «فأصلحه» .(7/309)
وقلّل ما استطعت الماء بعد الرّ ... ياضة واجتنب شرب المدام [1]
وخلّ السّكر واهجره مليّا ... فإنّ السكر من فعل الطّغام [2]
وأحسن صون نفسك عن هواها ... تفز بالخلد في دار السّلام
وفيها شمس الدّين بن سنيّ الدولة قاضي القضاة أبو البركات يحيى ابن هبة الله بن سنيّ الدولة الحسن بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة الدّمشقي الشافعي [3] ، والد قاضي القضاة صدر الدّين أحمد.
ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وتفقه على ابن أبي عصرون، والقطب النيسابوري، واشتغل بالخلاف، وسمع من أحمد ابن الموازيني وطائفة، وولي قضاء الشام.
قال الذهبي: وحمدت سيرته، وكان إماما فاضلا، مهيبا، [جليلا] [4] .
حدّث بمكة، وبيت المقدس، وحمص، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء [5] ، الملقب شهاب الدّين، الكوفي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والوفاة [6] . كان أديبا، فاضلا، متقنا لعلم العروض والقوافي، شاعرا. يقع له في النظم المعاني البديعة، وله ديوان شعر في أربع مجلدات.
__________
[1] جاء في «مختار الصحاح» (دوم) : المدام والمدامة: الخمر.
[2] جاء في «مختار الصحاح» (طغم) : الطّغام: أوغاد النّاس.
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 257- 258) و «العبر» (5/ 147) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 547) و «البداية والنهاية» (3/ 151) .
[4] لفظة «جليلا» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «تاريخ الإسلام» مصدر المؤلّف.
[5] تحرفت في «مرآة الجنان» إلى «الشفاء» فتصحح فيه.
[6] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 231- 236) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 28) و «تاريخ الإسلام» (64/ 258- 259) و «مرآة الجنان» (4/ 89- 90) .(7/310)
وكان ملازما لحلقة الشيخ تاج الدّين المعروف بابن الحرّاني الحلبي النحوي اللّغوي، وأكثر ما أخذ الأدب عنه وبصحبته انتفع.
قال ابن خلّكان: كان بيني وبين الشهاب الشوّاء مودة أكيدة ومؤانسة كثيرة. وكان حسن المحاورة، مليح الإيراد مع السكون والتأني، وأول شيء أنشدني من شعره قوله:
هاتيك يا صاح ربا لعلع ... ناشدتك الله فعرّج معي
وانزل بنا بين بيوت النّقا ... فقد غدت آهلة المربع
حتى نطيل اليوم وقفا على السّ ... اكن أو عطفا على الموضع
وأنشد لنفسه أيضا:
ومهفهف عني الزّمان بخدّه ... فكساه ثوبي ليله ونهاره
لا مهّدت عذري محاسن وجهه ... إن غضّ عندي منه غضّ [1] عذاره
وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر:
أرسل صدغا ولوى قاتلي ... صدغا فأعيا بهما واصفه
فخلت ذا في خدّه حيّة ... تسعى وهذا عقربا واقفه
ذا ألف ليست لوصل، وذا ... واو ولكن ليست العاطفة
وله في شخص لا يكتم السّرّ:
لي صديق غدا وإن كان لا ين ... طق إلّا بغيبة أو محال
أشبه النّاس بالصدى إن تحدّث ... هـ حديثا أعاده في الحال
وله- وهو معنى لطيف-:
هواك يا من له اختيال ... ما لي على مثله احتيال
__________
[1] في «آ» و «ط» : «إن غضّ مني غص» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.(7/311)
قسمة أفعاله لحيني ... ثلاثة ما لها انتقال
وعدك مستقبل، وصبري ... ماض، وشوقي إليك حال
وله في غلام [قد] [1] ختن:
هنّأت من أهواه عند ختانه ... فرحا وقلت وقد عراه وجوم
يفديك من ألم ألمّ بك امرؤ ... يخشى عليك إذا ثناك نسيم
أمعذّبي كيف استطعت على الأذى ... جلدا، وأجزع ما يكون الرّيم
لو لم تكن هذي الطهارة سنّة ... قد سنّها من قبل إبراهيم
لفتكت جهدي بالمزيّن إذ غدا ... في كفّه موسى وأنت كليم
ومعظم شعره على هذا الأسلوب، وكان من المغالين في التشيع وأكثر أهل حلب ما يعرفونه إلّا بمحاسن الشوّاء، والصواب ما ذكرته. وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بحلب، ودفن بظاهرها، ولم أحضر الصلاة عليه لعذر عرض لي، رحمه الله، فلقد كان نعم الصاحب. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
__________
[1] مستدركة من «وفيات الأعيان» .(7/312)
سنة ست وثلاثين وستمائة
فيها توفي أبو العبّاس القسطلّاني ثم المصري [1] الفقيه المالكي، الزاهد القدوة، أحمد بن علي، تلميذ الشيخ أبي عبد الله القرشي. سمع من عبد الله ابن برّي، ودرّس بمصر وأفتى، ثم جاور بمكة مدة، وتزوج بعد موت شيخه زوجته الصّالحة الجليلة [2] أمّ ولده قطب الدّين.
حكي أن أهل المدينة أجدبوا، فاتفق رأيهم أن يستسقوا يوما والغرباء يوما، فاستسقى أهل المدينة يومهم فلم يسقوا، ثم عمل هو طعاما للضعفاء واستسقى مع المجاورين فسقوا، وله مؤلّف جمع فيه كلام شيخه القرشي وبعض شيوخه وبعض كراماته. توفي بمكة المشرّفة في جمادى الآخرة وقبره يزار بها في الشعب الأيسر.
وفيها صاحب ماردين، أرتق بن ألبي الأرتقي التركماني [3] تملّك ماردين بضعا وثلاثين سنة، وكان فيه عدل ودين في الجملة. قتله غلمانه بمواطأة ابن ابنه، وتملّك بعده ابنه نجم الدّين غازي.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 148) و «تاريخ الإسلام» (64/ 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) و «مرآة الجنان» (4/ 94) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314) و «حسن المحاضرة» (1/ 455) .
[2] لفظة «الجليلة» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «المنتخب» (161/ ب) .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 262- 263 و 300- 301) و «العبر» (5/ 148- 149) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314) .(7/313)
وفيها التّاج أسعد بن المسلّم بن مكّي بن علّان القيسي الدمشقي [1] . توفي في رجب عن ست وتسعين سنة. روى عن ابن عساكر، وأبي الفهم بن أبي العجائز، وكان من كبار العدول، وهو أسنّ من أخيه السّديد.
وفيها أبو الخير بدل بن أبي المعمّر بن إسماعيل التّبريزي [2] ، المحدّث الحافظ الثقة الرحّال.
ولد بعد الخمسين وخمسمائة، وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون وجماعة، ورحل فأكثر عن اللبّان، والصيدلاني، وسمع بنيسابور، ومصر، والعراق، وكتب وتعب، وخرّج، وولي مشيخة دار الحديث بإربل، فلما أخذتها التتار قدم حلب وبها توفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو الفضل جعفر بن علي بن هبة الله الهمداني الإسكندراني [3] المالكي المقرئ الأستاذ المحدّث.
ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على عبد الرحمن بن خلف صاحب ابن الفحّام، وأكثر عن السّلفي وطائفة، وكتب الكثير، وحصّل، وتصدّر للإقراء، ثم رحل في آخر عمره، فروى الكثير بالقاهرة ودمشق، وبها توفي في صفر وقد جاوز التسعين.
وفيها ابن الصّفراوي جمال الدّين أبو القاسم عبد الرحمن بن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 149) و «تاريخ الإسلام» (64/ 263- 264) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314) .
[2] انظر «العبر» (5/ 149) و «تاريخ الإسلام» (64/ 264- 265) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[3] انظر «العبر» (5/ 149) و «تاريخ الإسلام» (64/ 265- 267) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .(7/314)
عبد المجيد بن إسماعيل بن عثمان بن يوسف بن حفص الإسكندراني [1] الفقيه المالكي المقرئ.
ولد في أول سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على ابن خلف الله [2] ، وأحمد بن جعفر الغافقيّ، واليسع [بن عيسى] بن حزم، وابن الخلوف [3] .
وتفقه على أبي طالب صالح بن بنت معافى، وسمع الكثير من السّلفي وغيره، وانتهت إليه رئاسة الإقراء والفتوى ببلده، وطال عمره وبعد صيته.
توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر.
وفيها أبو الفتوح وأبو الفرج وأبو عمر ضياء الدين عثمان بن [أبي] نصر [4] بن منصور بن هلال البغدادي المسعودي، الفقيه الحنبلي، الواعظ المعروف بابن الوتّار.
ولد سنة خمسين وخمسمائة تقريبا. وسمع من أبي الفتح بن المنّي وغيره، وتفقه عليه، ووعظ وشهد عند قاضي القضاة عبد الرزاق ابن ابن الشيخ عبد القادر، وأفتى. وكان فاضلا، فقيها، إماما، عالما، حسن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 150) و «تاريخ الإسلام» (64/ 272- 274) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314) .
[2] هو أبو القاسم عبد الرحمن بن خلف الله بن محمد بن عطية القرشي المالكي المؤدّب توفي قريبا من سنة (572 هـ) . انظر ترجمته في «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 367- 368) .
[3] هو أبو الطيب عبد المنعم بن يحيى بن خلف بن نفيس بن الخلوف الحميري الغرناطي، يعرف بابن الخلوف. مات سنة (586) هـ. انظر «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 471- 472) .
[4] في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 217) : «عثمان بن نصر» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 507) و «تاريخ الإسلام» (64/ 277) .(7/315)
الأخلاق. أجاز للمنذري، وابن أبي الجيش، والقاسم بن عساكر، والحجّار، وغيرهم، وتوفي في سابع عشري جمادى الأولى ببغداد وقد ناهز التسعين والمسعودي: نسبة إلى المسعودة، محلّة شرقي بغداد [1] وفيها عسكر بن عبد الرحيم بن عسكر بن أسامة أبو عبد الرحيم العدويّ النّصيبيّ [2] من بيت مشيخة وحديث ودين، وله أصحاب وأتباع.
رحل في الحديث، وسمع من سليمان الموصلي وطبقته، وله مجاميع حسنة.
توفي في المحرّم.
وفيها الصّاحب جمال الدّين علي بن جرير الرّقّي [3] الوزير. وزر للأشرف، ثم للصالح إسماعيل، وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق. قاله في «العبر» .
وفيها عماد الدّين بن الشيخ- هو الصاحب الرئيس أبو الفتح- عمر ابن شيخ الشيوخ صدر الدّين محمد بن عمر الجويني ثم الدمشقي [4] الشّافعي.
ولي تدريس الشافعي، ومشهد الحسين، ومشيخة الشيوخ بالدّيار المصرية. وقام بسلطنة الجواد، ثم دخل الدّيار المصرية، فلامه صاحبها العادل أبو بكر، فردّ، وهمّ بخلع الجواد من السلطنة، فلم يمكنه، وجهّز عليه من الإسماعيلية من قتله في جمادى الأولى وله خمس وخمسون سنة.
__________
[1] قلت: وتعرف ب «مسعودة المأمونية» . انظر «معجم البلدان» (5/ 126) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 495- 496) و «العبر» (5/ 150) و «تاريخ الإسلام» (64/ 278- 279) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314- 315) .
[3] انظر «العبر» (5/ 150) و «تاريخ الإسلام» (64/ 279) .
[4] انظر «العبر» (5/ 150- 151) و «تاريخ الإسلام» (64/ 280- 283) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 97- 99) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 342) .(7/316)
وفيها أبو الفضل بن السّبّاك محمد بن محمد بن الحسن البغدادي [1] ، أحد وكلاء القضاة. روى عن ابن البطّي، وأبي المعالي [ابن] اللّحاس، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها شرف الدّين أبو المكارم، محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي القاسم بن صدقة، قاضي القضاة، الإسكندري المصري الشافعي، المعروف بابن عين الدولة [2] .
ولد بالإسكندرية في جمادى الآخرة، سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.
وقدم القاهرة في سنة ثلاث وسبعين، واشتغل على العراقي شارح «المهذّب» وحفظ «المهذّب» وناب في القضاء، ثم ولي قضاء القاهرة والوجه البحري سنة ثلاث عشرة وستمائة، ثم جمع له العملان سنة سبع عشرة وستمائة، ثم عزل عن قضاء مصر خاصة قبل وفاته بشهر، وكان ذكيا، كريما، متدينا، ورعا، قانعا باليسير. من بيت رئاسة تولى الإسكندرية من أعمامه وأخواله ثمانية أنفس.
قال المنذري: وكان عارفا بالأحكام، مطلعا على غوامضها، وكتب الخطّ الجيد، وله نظم ونثر. وكان يحفظ من شعر المتقدمين والمتأخرين جملة.
وقال غيره: نقل المصريون عنه كثيرا من النوادر والزوائد، كان يقولها بسكون وناموس.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 502- 503) و «العبر» (5/ 151) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 42- 43) و «تاريخ الإسلام» (64/ 286- 287) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 590- 591) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 105- 106) و «تاريخ الإسلام» (64/ 388- 390) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 63- 66) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 544) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 109- 110) و «حسن المحاضرة» (1/ 412) ووفاته في جميعها سنة تسع وثلاثين وستمائة.(7/317)
ومن شعره:
وليت القضاء وليت القضا ... ء لم يك شيئا تولّيته
فأوقعني في القضاء القضا [1] ... وما كنت قدما تمنّيته
توفي في هذه السنة وجزم ابن قاضي شهبة أنه توفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين [2] .
وفيها الزّكي البرزالي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يدّاس [3] الإشبيلي. الحافظ الجوّال. محدّث الشام ومفيده. سمع بالحجاز، ومصر، والشام، والعراق، وأصبهان، وخراسان والجزيرة، فأكثر.
وجمع فأوعى، وأول طلبه سنة اثنتين وستمائة، وأقدم شيوخه عين الشمس الثقفية، ومنصور الفراوي. وأقام بمسجد فلوس [4] بدمشق زمانا طويلا.
وتوجّه إلى حلب، فأدركه أجله بحماة في رمضان، وله ستون سنة، وهو والد الشيخ علم الدّين البرزالي.
__________
[1] كذا رواية هذه الشطرة في «ط» و «تاريخ الإسلام» و «طبقات الشافعية» للإسنوي و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة:
فأوقعني في القضاء القضا
وفي «آ» :
فأوقعني القضاء في القضا
وفي «طبقات الشافعية الكبرى» :
وقد ساقني للقضاء القضا
[2] قلت: وهو ما أجمع عليه أصحاب المصادر التي ترجمت له كما نبّهت على ذلك من قبل.
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بداش» وفي «العبر» بطبعتيه إلى «بدّاس» والتصحيح من «التكملة» لوفيات النقلة» (3/ 514) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 55) وضبط في «تاريخ الإسلام» (64/ 288) بضم الياء فيصحح، ونسبته إلى قبيلة برزالة بالمغرب.
[4] انظر «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» ص (128) وتعليق الدكتور محمد أسعد طلس عليه.(7/318)
وفيها جمال الدّين بن الحصيري [1] ، شيخ الحنفية أبو المحامد محمود بن أحمد بن عبد السيد البخاري. روى «صحيح مسلم» عن أصحاب الفراوي، ودرّس بالنّورية بدمشق خمسا وعشرين سنة. وصنّف الكتب الحسان، منها: «شرح الجامع الكبير» [2] . وكان من العلماء العاملين، كثير الصّدقة، غزير الدّمعة. انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة.
توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها العلّامة الحافظ يوسف بن عمر بن صقير- ويقال بالسين أيضا- الواسطي. كان من الحفّاظ الأعيان. قاله ابن ناصر الدّين [3] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 152) و «الجواهر المضية» (2/ 155) طبعة حيدرآباد، وجاء فيه:
والحصيري: نسبة إلى محلة ببخارى يعمل فيها الحصير، كان ساكنا بها. قال المنذري: قال لي الصدر الخلاطي: سمعته يقول: مولدي ببخارى سنة ست وأربعين وخمسمائة.
[2] وهو للإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن حسن الشيباني الحنفي المتوفى سنة مائة وسبع وثمانين هجرية. قال الشيخ أكمل الدين: هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه، جامع كبير، قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات، بحيث كاد أن يكون معجزا ولتمام لطائف الفقه منجزا. انظر «كشف الظنون» (1/ 567- 570) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (176/ ب) وانظر «تاريخ الإسلام» (64/ 292) .(7/319)
سنة سبع وثلاثين وستمائة
فيها هجم الصّالح إسماعيل في صفر على دمشق فملكها وتسلّم القلعة، واعتقلوا الصالح أيوب بالكرك أشهرا، فطلبه أخوه العادل من الناصر داود، وبذل فيه مائة ألف دينار، وكذا طلبه الصّالح إسماعيل، فامتنع الناصر، ثم اتفق معه وحلّفه وأخذه وسار به إلى الدّيار المصرية، فمالت الكامليّة إليه، وقبضوا على العادل، وتملّك الصّالح نجم الدّين أيوب، ورجع النّاصر بخفي حنين.
وفيها أنزل الكامل إلى تربته بجامع دمشق من قلعتها، وفتح لها شبابيك إلى الجامع.
وفيها توفي الخوييّ [1]- بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وتشديد الياء الأولى نسبة إلى خوي مدينة بأذربيجان من إقليم تبريز [2]- قاضي القضاة شمس الدّين أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهلّبي الشّافعي أبو العبّاس.
ولد في شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ودخل خراسان وقرأ بها الأصول على القطب المصري، صاحب الإمام فخر الدّين.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 152- 153) و «تاريخ الإسلام» (64/ 295) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 16- 17) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 500- 501) .
[2] انظر «معجم البلدان» (2/ 408) .(7/320)
قال ابن السّبكي في «طبقاته الكبرى» : وقرأ الفقه على الرّافعي، وعلم الجدل على علاء الدّين الطّاووسي [1] . وسمع الحديث من جماعة، وولي قضاء القضاء بالشام، وله كتاب في الأصول، وكتاب فيه رموز حكمية، وكتاب في النحو، وكتاب في العروض، وفيه يقول أبو شامة:
أحمد بن الخليل أرشده الل ... هـ لما أرشد [2] الخليل بن أحمد
ذاك مستخرج العروض وهذا ... مظهر السّرّ منه والعود أحمد
وقال الذهبي: كان فقيها، إماما، مناظرا، خبيرا بعلم الكلام، أستاذا في الطبّ والحكمة، ديّنا، كثير الصلاة والصيام. توفي في شعبان، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها الصّدر علاء الدّين أبو سعد ثابت بن محمد بن أبي بكر الخجندي [3]- بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون ومهملة، نسبة إلى خجندة مدينة بطرف سيحون- ثم الأصبهاني سمع «الصحيح» [4] حضورا في الرابعة من أبي الوقت [السّجزي] ، وبقي إلى هذا الوقت بشيراز.
وفيها أبو العبّاس بن الرّوميّة أحمد بن محمد بن مفرّج بن عبد الله الأموي مولاهم الأندلسي الإشبيلي الزّهري النّباتي [5] الحافظ. كان حافظا
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الطّوسي» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 177) .
[2] في «آ» و «ط» : «كما أرشد» وما أثبته من «ذيل الرّوضتين» ص (169) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 17) .
[3] انظر «العبر» (5/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 59- 60) و «تاريخ الإسلام» (64/ 302- 303) .
[4] يعني «صحيح البخاري» .
[5] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 58- 59) و «الدّيباج المذهب» (1/ 191- 192) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (177/ آ) .(7/321)
صالحا مصنّفا، من الأثبات، ظاهريّ المذهب، مع ورع. وكان يحترف من الصيدلة لمعرفته الجيدة بالنبات. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها أمين الدّين أبو الغنائم، سالم بن الحسن بن هبة الله الشّافعي التّغلبي الدمشقي [1] . رحل به أبوه، وسمّعه من ابن شاتيل وطبقته، وسمع هو بنفسه. وولي المارستان، والمواريث، والأيتام، وتوفي في جمادى الآخرة وله ستون سنة، ودفن بتربته بقاسيون، وخلّف ذرية صالحة أبقت ذكره.
وفيها الملك المجاهد أسد الدّين شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شادي [2] ، صاحب حمص. توفي بها في رجب.
قال ابن خلّكان: مولده سنة تسع وستين وخمسمائة، وتوفي يوم الثلاثاء تاسع رجب بحمص، ودفن بتربة [3] داخل البلد، وكانت له أيضا الرّحبة، وتدمر، وماكسين من بلد الخابور. وخلّف جماعة من الأولاد، فقام مقامه في الملك ولده الملك المنصور ناصر الدّين إبراهيم. انتهى.
وفيها أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن هبة الله بن الطّفيل الدّمشقي [4] . توفي بمصر في ذي الحجّة، وروى عن السّلفي.
وفيها أبو محمد وأبو الفضل عفيف الدّين عبد العزيز بن دلف [5] بن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 60- 61) و «تاريخ الإسلام» (64/ 306- 307) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 479- 480) و «المختصر في أخبار البشر» (2/ 165) و «العبر» (5/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 221) و «تاريخ الإسلام» (64/ 307- 308) .
[3] في «وفيات الأعيان» : «بتربته» .
[4] انظر «العبر» (5/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 43- 44) و «النجوم الزاهرة» (6/ 317) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «دنف» .(7/322)
أبي طالب بن دلف بن القاسم البغدادي [1] الحنبلي، المقرئ الناسخ الخازن.
ولد سنة إحدى أو اثنتين وخمسين وخمسمائة. وقرأ بالرّوايات الكثيرة على أبي الحارث أحمد بن سعيد العسكري وغيره، وسمع الحديث من أبي علي الرّحبي وغيره، وكتب الكثير بخطّه الحسن لنفسه وللناس، وشهد عند الرّيحاني زمن الناصر، وكان الخليفة الناصر أذن لولده الظّاهر برواية «مسند الإمام أحمد» عنه بالإجازة، وأذن لأربعة من الحنابلة بالدخول إليه للسماع، عبد العزيز هذا منهم، فحصل له به أنس، فلما أفضت إليه الخلافة ولّاه النظر في ديوان التركات الحشرية، فسار فيها أحسن سيرة، وردّ تركات كثيرة على الناس.
قال النّاصح بن الحنبلي [2] : كان إماما في القراءة، وفي علم الحديث.
سمع الكثير، وكتب بخطه الكثير، وهو يصوم الدّهر، لقيته ببغداد في المرتين.
وقال ابن النجار: كان كثير العبادة، دائم الصوم والصلاة وقراءة القرآن مذ كان شابا، وإلى حين وفاته. وكان مسارعا إلى قضاء حوائج الناس والسعي بنفسه إلى دور الأكابر في الشفاعات وفكّ العناة، وإطلاق المعتقلين بصدر منشرح وقلب طيب، وكان محبا لإيصال الخير إلى الناس ودفع الضرّ عنهم، كثير الصدقة والمعروف، والمواساة بماله حال فقره وقلّة ذات يده وبعد يساره وسعة ذات يده. وكان على قانون واحد في ملبسه لم يغيره، وكان ثقة،
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3 ك 526) و «تاريخ الإسلام» (64/ 313- 314) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 44- 46) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) .
[2] في «الاستسعاد بمن لقيته من صالحي العباد في البلاد» وترجمته في القسم المنشور منه ضمن كتاب «شذرات من كتب مفقودة في التاريخ» ص (190) استخراج وتحقيق الدكتور إحسان عبّاس.(7/323)
صدوقا، نبيلا، غزير الفضل، أحسن الناس تلاوة للقرآن، وأطيبهم نغمة.
وكذلك في قراءة الحديث.
وتوفي ليلة الاثنين السادس والعشرين من صفر ببغداد، ودفن بجانب معروف الكرخي.
وفيها- وجزم ابن ناصر الدّين [1] أنه في التي قبلها- أبو بكر محمد ابن إسماعيل بن محمد بن خلفون الحافظ [2] الأزدي الأندلسي الأونبي [3] .
كان حافظا متقنا للأسانيد والأخبار، مصنّفا.
وفيها ابن الكريم الكاتب شمس الدّين محمد بن الحسن بن محمد ابن علي البغدادي [4] المحدّث الأديب الماسح المتفنن. روى عن ابن بوش، وابن كليب، وخلق. وسكن دمشق، وكتب الكثير بخطّه. توفي في رجب عن سبع وخمسين سنة.
وفيها ابن الدّبيثي- بضم الدال المهملة وفتح الموحدة التحتية وسكون المثناة التحتية ومثلثة، نسبة إلى دبيثا قرية بواسط- الحافظ المؤرخ المقرئ الحاذق أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى الواسطي [5] الشافعي.
ولد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وسمع من أبي طالب الكناني، وابن شاتيل، وعبد المنعم بن الفراوي، وطبقتهم. وقرأ القراءات على
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (176/ ب) .
[2] لفظة «الحافظ» لم ترد في «ط» .
[3] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» و «التبيان شرح بديعة البيان» إلى «الأوبني» والتصحيح من «تذكرة الحفّاظ» (3/ 1400) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 71) و «تاريخ الإسلام» (64/ 284) .
[4] انظر «العبر» (5/ 153- 154) و «تاريخ الإسلام» (64/ 319- 320) .
[5] انظر «العبر» (5/ 154) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 68- 70) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) و «مرآة الجنان» (4/ 95- 97) .(7/324)
جماعة، وتفقه على أبي الحسن هبة الله بن البوقي، وأتقن العربية، وتقدم وساد، وعلّق الأصول والخلاف، وعني بالحديث ورجاله، وصنّف كتابا في تاريخ واسط، و «ذيلا» [1] على «مذيّل» ابن السمعاني وأسمعهما، وله معرفة بالأدب والشعر. وله شعر جيد، وقد أثنى على حفظه وذهنه واستحضاره الحافظ الضياء المقدسي، وابن نقطة، وابن النجار. وقال: هو شيخي، وهو آخر الحفّاظ المكثرين، ما رأت عيناي مثله في حفظ التواريخ، والسير، وأيام الناس، وأضرّ في آخر عمره.
وقال ابن الأهدل: وأنشد لنفسه:
خبرت بني الأيام طرّا فلم أجد ... صديقا صدوقا مسعدا في النوائب
وأصفيتهم منّي الوداد فقابلوا ... صفاء ودادي بالعدا والشوائب
وما اخترت منهم صاحبا وارتضيته ... فأحمده في فعله والعواقب
وقال في «العبر» : توفي في ثامن ربيع الآخر ببغداد.
وفيها تقي الدّين محمد بن طرخان بن أبي الحسن السّلمي الدّمشقي الصّالحي الحنبلي [2] .
ولد بقاسيون سنة إحدى وستين وخمسمائة، وروى عن ابن صابر، وأبي المجد البانياسي، وطائفة. وخرّج لنفسه «مشيخة» ، وكان فقيها، جليلا، متودّدا. وسمع بمكّة، والمدينة، واليمن، وحدّث، وتوفي في تاسع المحرّم بالجبل.
وفيها أبو طالب بن صابر الدّمشقي محمد بن أبي المعالي عبد الله ابن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السّلمي الصّوفي [3] الزاهد. روى
__________
[1] حقق الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف الجزء الأول منه ونشرته وزارة الإعلام العراقية سنة (1394) هـ.
[2] انظر «العبر» (5/ 154) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) .
[3] انظر «العبر» (5/ 154- 155) و «تاريخ الإسلام» (64/ 323- 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) .(7/325)
عن أبيه وجماعة، وصار شيخ الحديث بالعزّيّة [1] .
قال ابن النجار: لم أر إنسانا كاملا غيره، زاهدا، عابدا، ورعا، كثير الصلاة والصيام. توفي في سابع المحرم.
وفيها ابن الهادي محتسب دمشق، رشيد الدّين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن يحيى القيسي الدمشقي [2] . شيخ وقور مهيب عفيف. سمع ابن عساكر، وأبا المعالي بن صابر، وتوفي في جمادى الآخرة عن سبع وثمانين سنة.
وفيها الرّشيد النيسابوري محمد بن أبي بكر بن علي الحنفي [3] الفقيه. سمع بمصر من أبي الجيوش عساكر [بن علي] ، والتاج المسعودي، وجماعة. ودرّس، وناظر، وعاش سبعا وسبعين سنة. وولي قضاء الكرك والشوبك، ثم درّس بالمعينية [4] ، وتوفي في خامس ذي القعدة.
وفيها شرف الدّين أبو البركات بن المستوفي المبارك بن أحمد بن أبي البركات اللّخمي الإربلي [5] وزير إربل وفاضلها ومؤرخها.
ولد سنة أربع وستين وخمسمائة، وسمع من عبد الوهاب ابن حبّة، وحنبل [بن عبد الله] ، وابن طبرزد، وخلق. وكان بيته مجمع الفضلاء، وله يد
__________
[1] هي المدرسة العزّية البرانية. انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 555) .
[2] انظر «العبر» (5/ 155) و «تاريخ الإسلام» (64/ 324) .
[3] انظر «العبر» (5/ 155) و «تاريخ الإسلام» (64/ 328) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «الجواهر المضية» (2/ 35- 36) طبع حيدر أباد.
[4] انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 589) .
[5] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 147- 152) و «العبر» (5/ 155- 156) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 49- 53) و «تاريخ الإسلام» (64/ 329- 331) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (175) و «مرآة الجنان» (4/ 95- 97) و «البداية والنهاية» (13/ 139) .(7/326)
طولى في النثر والنظم، ونفس كريمة كبيرة، وهمّة عليّة. شرح ديواني أبي تمام والمتنبي في عشر مجلدات، وله غير ذلك. وديوان شعر منه في تفضيل البياض على السّمرة:
لا تخدعنّك سمرة غرّارة ... ما الحسن إلّا للبياض وجنسه
فالرّمح يقتل بعضه من غيره ... والسيف يقتل كلّه من نفسه
وله:
يا ربّ قد عظمت جناية عينه ... وعتا بما أبداه من أنواره
فاشف السّقام المستكنّ بطرفه ... واستر محاسن وجهه بعذاره
سلم بقلعة إربل من التتار، ثم سكن الموصل وبها مات في المحرم.
قال ابن الأهدل: جمع لإربل «تاريخا» في أربع مجلدات، وله «المحصّل» على أبيات المفصّل في مجلدين. وله كتاب «سرّ الصنعة» وكتاب سمّاه [1] «أبا قماش [2] » جمع فيه آدابا ونوادر، وأرسل دينارا إلى شاعر على يد رجل يقال له الكمال، وكان الدينار مثلوما، فتوهم الشاعر أن الكمال نقّصه، فكتب:
يا أيّها المولى الوزير ومن به ... في الجود حقّا تضرب الأمثال
أرسلت بدر التمّ عند كماله ... حسنا فوافى العبد وهو هلال
ما عابه [3] النّقصان إلّا أنّه ... بلغ الكمال كذلك الآجال
فأجاز الشاعر وأحسن إليه.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «سماد» .
[2] تحرفت في «مرآة الجنان» إلى «حماش» .
[3] في «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» : «ما غاله» .(7/327)
ورثاه بعضهم فقال:
أبا البركات لو درت المنايا ... بأنّك فرد عصرك لم تصبكا
كفى الإسلام رزءا فقد شخص ... عليه بأعين الثقلين يبكى
انتهى.
وفيها ضياء الدّين بن الأثير الصّاحب العلّامة أبو الفتح، نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشّيباني الجزري [1] ، الكاتب البليغ، صاحب «المثل السائر» [2] . انتهت إليه كتابة الإنشاء والتّرسل، ومن جملة محفوظاته شعر أبي تمّام، والبحتري، والمتنبي. وزر بدمشق للملك الأفضل فأساء وظلم، ثم هرب، ثم كان معه بسميساط سنوات. ثم خدم الظّاهر صاحب حلب، فلم يقبل عليه. فتحوّل إلى الموصل، وكتب الإنشاء لصاحبها محمود بن عزّ الدّين مسعود، ولأتابكه لؤلؤ، وذهب رسولا في آخر أيامه إلى الخليفة فمات ببغداد في ربيع الآخر، وكان بينه وبين أخيه عزّ الدّين مقاطعة كلّيّة. قاله في «العبر» .
قلت: ومن شعره:
ثلاثة [3] تعطي الفرح ... كأس وكوز وقدح
ما ذبح الزّقّ لها ... إلّا وللهمّ ذبح
وقال ابن خلّكان: ولما كملت [4] له الأدوات قصد جناب الملك النّاصر
__________
[1] انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» للدمياطي ص (405- 406) و «وفيات الأعيان» (5/ 389- 397) و «العبر» (5/ 156) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 72- 73) و «تاريخ الإسلام» (64/ 332) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) .
[2] وهو من مصادر كتابنا هذا، وقد طبع طبعة جيدة متقنة مفهرسة في دار نهضة مصر بالقاهرة في أربع مجلدات بتحقيق الدكتور أحمد الحوفي، والدكتور بدوي طبانة.
[3] في «آ» و «ط» : «ثلاث» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» : «وكلمت» وهو خطأ.(7/328)
صلاح الدّين. وكان يومئذ شابا، فاستوزره ولده الملك الأفضل نور الدّين علي، وحسنت حاله عنده.
ولما توفي صلاح الدّين، واستقلّ ولده الأفضل بمملكة دمشق، استقلّ ضياء الدّين بالوزارة وردّت إليه أمور الناس، وصار الاعتماد في جميع الأحوال عليه، ولما أخذت دمشق من الملك الأفضل وانتقل إلى صرخد، وكان ضياء الدّين قد أساء العشرة على أهلها، فهمّوا بقتله، فأخرجه الحاجب محاسن بن عجم [مستخفيا] [1] في صندوق.
ولما استقرّ الأفضل في سميساط عاد إلى خدمته، وأقام عنده مدة، ثم فارقه واتصل بخدمة أخيه الملك الظاهر صاحب حلب، فلم يطل مقامه عنده، فخرج مغاضبا [2] وعاد إلى الموصل، فلم يستقر حاله، فورد إربل فلم يستقم حاله، فسافر إلى سنجار ثم عاد إلى الموصل واتخذها دار إقامته [3] .
ولقد ترددت إلى الموصل من إربل أكثر من عشر مرّات، وهو مقيم بها، وكنت أودّ الاجتماع به لآخذ عنه شيئا، لما [4] كان بينه وبين الوالد من المودة الأكيدة، فلم يتفق ذلك.
ولضياء الدّين من التصانيف الدّالة على غزارة فضله وتحقيق نبله، كتابه الذي سمّاه «المثل السائر» في أدب الكتاب والشاعر، وهو في مجلدين.
جمع فيه فأوعب [5] ، ولم يترك شيئا يتعلق بفنّ الكتابة إلّا ذكره. ولما فرغ من تصنيفه كتبه الناس عنه، ومحاسنه كثيرة.
__________
[1] مستدركة من «وفيات الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «مغضبا» .
[3] كذا في «ط» و «وفيات الأعيان» : «دار إقامته» وفي «آ» : «دار إقامة» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «ولمّا» والصواب ما في كتابنا.
[5] في «آ» و «ط» : «فأوعى» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .(7/329)
وكانت ولادته بجزيرة ابن عمر، انتهى ملخصا.
وقال ابن الأهدل: كان هو وأخواه أبو السعادات، وعزّ الدّين كلّهم نجباء رؤساء، لكل منهم تصانيف، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو محمد عبد العزيز بن بركات بن إبراهيم الخشوعي الدّمشقي [1] ، إمام الرّبوة. روى عن أبيه، وأبي القاسم ابن عساكر، وتوفي في ثامن ربيع الآخر.
وفيها أبو الحسن الحرالي [2] علي بن أحمد بن الحسن التّجيبي المرسي [3] . كان عارفا، متقنا للنحو والكلام والمنطق. سكن حماة، وله تفسير عجيب [4] . قاله في «العبر» .
وفيها قشتمر [5] [سلطان بغداد] ومقدّم العساكر، جمال الدّين الخليفتي النّاصري. توفي في ذي القعدة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 157) و «تاريخ الإسلام» (64/ 312- 313) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحرّاني» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 157) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 47) و «عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية» ص (143- 155) بتحقيق الأستاذ عادل نويهض، طبع دار الآفاق الجديدة ببيروت.
[4] قال صاحب «عنوان الدراية» : سلك فيه سبيل التحرير، وتكلم عليه لفظة لفظة، وحرفا حرفا.
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «قستمر» بالسين المهملة والتصحيح من «العبر» وما بين الحاصرتين مستدرك منه (5/ 157) و «تاريخ الإسلام» (64/ 317) .(7/330)
سنة ثمان وثلاثين وستمائة
فيها سلّم الملك الصالح إسماعيل قلعة الشّقيف للفرنج لغرض في نفسه، فمقته المسلمون، وأنكر عليه ابن عبد السلام، وأبو عمرو بن الحاجب، فسجنهما، وعزل ابن عبد السلام من خطابة دمشق. قاله في «العبر» [1] .
وفيها توفي أبو علي أحمد بن محمد بن محمود بن المعزّ الحرّاني ثم البغدادي الصّوفي [2] . روى عن ابن البطّي، وأحمد بن المقرّب، وجماعة. وتوفي في المحرّم.
وفيها نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي [3] ثم الشافعي [4] ، صاحب التصانيف. روى عن ابن صدقة الحرّاني وجماعة، وسافر إلى همذان، فلزم الرّكن الطّاووسي، حتّى
__________
[1] (5/ 157- 158) .
[2] انظر «العبر» (5/ 158) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 73- 74) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) .
[3] قال الإسنوي: ويعرف بالحنبلي لأنه كان في صباه كذلك.
قلت: لكن ما جاء في ترجمته حول هذا الموضوع عند ابن قاضي شهبة يشير إلى أن تحوله إلى المذهب الشافعي قد تأخر إلى أن بلغ منزلة رفيعة بين أهل العلم.
[4] انظر «العبر» (5/ 158) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 75- 76) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 448- 449) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 89- 90) .(7/331)
صار معيده، ثم سافر إلى بخارى، وبرع في علم الخلاف، وطار اسمه وبعد صيته، وكان يتوقّد ذكاء، ومن جملة محفوظاته «الجمع بين الصحيحين» [1] .
وكان صاحب أوراد وتهجد.
توفي في خامس شوال.
وفيها جمال الملك أبو الحسن علي بن مختار بن نصر بن طغان العامري المحلّي ثم الإسكندراني، المعروف بابن الجمل [2] . روى عن السّلفي وغيره، وتوفي في شعبان.
وفيها أبو بكر محيي الدّين محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطّائي الأندلسي [3] ، العارف الكبير، ابن عربي، ويقال: ابن العربي.
قال الشعراوي في كتاب «نسب الخرقة» : كان مجموع الفضائل، مطبوع الكرم والشمائل، قد فضّ له فضله ختام كلّ فنّ وبلّ له وبله رياض ما شرد من العلوم وعنّ، ونظمه عقود العقول وفصوص الفصول، وحسبك بقول زرّوق وغيره من الفحول، ذاكرين بعض فضله: هو أعرف بكل فنّ من أهله، وإذا أطلق الشيخ الأكبر في عرف القوم فهو المراد.
ولد بمرسية، سنة ستين وخمسمائة، ونشأ بها، وانتقل إلى إشبيلية سنة ثمان وسبعين، ثم ارتحل وطاف البلدان، فطرق بلاد الشام والرّوم والمشرق، ودخل بغداد وحدّث بها بشيء من مصنّفاته، وأخذ عنه بعض الحفّاظ، كذا ذكره ابن النجار في «الذيل» .
__________
[1] وهو للإمام الحميدي كما جاء مبينا في «تاريخ الإسلام» (64/ 338) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الجبل» والتصحيح من «العبر» (5/ 158) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 77) .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 48- 49) و «تاريخ الإسلام» (64/ 352- 359) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) و «طبقات الأولياء» لابن الملقن ص (469- 470) .(7/332)
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقات الأولياء» له: وقال الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» [1]- وهو ممن كان يحطّ عليه ويسيء الاعتقاد فيه-: كان عارفا [2] بالآثار والسّنن، قويّ المشاركة في العلوم. أخذ الحديث عن جمع، وكان يكتب الإنشاء لبعض ملوك المغرب، ثم تزهّد وساح، ودخل الحرمين والشام، وله في كل بلد دخلها مآثر. انتهى.
وقال بعضهم: برز منفردا مؤثرا للتخلّي والانعزال عن الناس ما أمكنه، حتى إنه لم يكن يجتمع به إلّا الأفراد، ثم آثر التآليف، فبرزت عنه مؤلّفات لا نهاية لها، تدلّ على سعة باعه، وتبحّره في العلوم الظّاهرة والباطنة، وأنه بلغ مبلغ الاجتهاد في الاختراع والاستنباط، وتأسيس القواعد والمقاصد التي لا يدريها ولا يحيط بها إلّا من طالعها بحقّها، غير أنه وقع له في بعض تضاعيف تلك الكتب كلمات كثيرة أشكلت ظواهرها، وكانت سببا لإعراض كثيرين لم يحسنوا الظنّ به، ولم يقولوا كما قال غيرهم من الجهابذة المحقّقين، والعلماء العاملين، والأئمة الوارثين: إن ما أوهمته تلك الظواهر ليس هو المراد، وإنما المراد أمور اصطلح عليها متأخر وأهل الطريق غيرة عليها، حتّى لا يدّعيها الكذّابون، فاصطلحوا على الكناية عنها بتلك الألفاظ الموهمة خلاف المراد، غير مبالين بذلك، لأنه لا يمكن التعبير عنها بغيرها.
قال المناوي: وقد تفرّق الناس في شأنه شيعا، وسلكوا في أمره طرائق قددا [3] فذهبت طائفة إلى أنه زنديق لا صدّيق، وقال قوم: إنه واسطة عقد الأولياء، ورئيس الأصفياء، وصار آخرون إلى اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه.
__________
[1] انظر «لسان الميزان» (5/ 311- 315) .
[2] في «لسان الميزان» : «عالما» .
[3] أي سلكوا في أمره طرائق مقطوعة. انظر «لسان العرب» (قدد) .(7/333)
أقول: منهم الشيخ جلال الدّين السيوطي، قال في مصنّفه «تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي» : والقول الفيصل في ابن العربي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه، فقد نقل عنه هو أنه قال: نحن قوم يحرم النظر في كتبنا.
قال السيوطي: وذلك لأن الصوفية تواضعوا على ألفاظ اصطلحوا عليها، وأرادوا بها معان غير المعاني المتعارفة منها، فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر كفر، نصّ على ذلك الغزّالي في بعضه كتبه، وقال: إنه شبيه بالمتشابه من القرآن والسّنّة، من حمله على ظاهره كفر.
وقال السيوطي أيضا في الكتاب المذكور: وقد سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية في عصره: ما حملكم على أن اصطلحتم على هذه الألفاظ التي يستشنع ظاهرها؟ فقال: غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس من أهله، إلى أن قال: وليس من طريق القوم إقراء المريدين كتب التصوف، ولا يؤخذ هذا العلم من الكتب، وما أحسن قول بعض العلماء لرجل قد سأله أن يقرأ عليه «تائية ابن الفارض» فقال له: دع عنك هذا، من جاع جوع القوم، وسهر سهرهم، رأى ما رأوا، ثم قال في آخر هذا التصنيف: إن الشيخ برهان الدّين البقاعي قال في «معجمه» : حكى لي الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن أبي الوفاء المقدسي الشافعي، قال- وهو أمثل الصوفية في زماننا- قال: كان بعض الأصدقاء يشير عليّ بقراءة كتب ابن عربي، وبعض يمنع من ذلك، فاستشرت الشيخ يوسف الإمام الصّفدي في ذلك، فقال: اعلم يا ولدي- وفّقك الله- أن هذا العلم المنسوب إلى ابن عربي ليس بمخترع له، وإنما هو كان ماهرا فيه، وقد ادعى أهله أنه لا تمكن معرفته إلّا بالكشف، فإذا فهم المريد مرماهم فلا فائدة في تفسيره، لأنه إن كان المقرّر والمقرّر له مطلعين على ذلك، فالتقرير تحصيل الحاصل، وإن(7/334)
كان المطلع أحدهما، فتقريره لا ينفع الآخر، وإلّا فهما يخبطان خبط عشواء، فسبيل العارف عدم البحث عن هذا العلم، وعليه السلوك فيما يوصل إلى الكشوف عن الحقائق، ومتى كشف له عن شيء علمه. ثم قال: استشرت الشيخ زين الدّين الخافي، بعد أن ذكرت له كلام الشيخ يوسف، فقال: كلام الشيخ يوسف حسن، وأزيدك أن العبد إذا تخلّق ثم تحقّق ثم جذب، اضمحلت ذاته، وذهبت صفاته، وتخلّص من السوي، فعند ذلك تلوح له بروق الحقّ بالحقّ، فيطلع على كل شيء، ويرى الله عند كل شيء، فيغيب [1] بالله عن كل شيء ولا شيء [2] سواه، فيظن أن الله عين كل شيء، وهذا أول المقامات، فإذا ترقى عن هذا المقام وأشرف على مقام أعلى منه، وعضده التأييد الإلهي، رأى أن الأشياء كلها فيض وجوده تعالى لا عين وجوده، فالناطق حينئذ بما ظنّه في أول مقام، إما محروم ساقط، وإما نادم تائب، وربّك يفعل ما يشاء. انتهى.
ولقد بالغ ابن المقري في «روضته» فحكم بكفر من شكّ في كفر طائفة ابن عربي، فحكمه على طائفته بذلك دونه [3] ، يشير إلى أنه إنما قصد التنفير عن كتبه، وإن من لم يفهم كلامه ربما وقع في الكفر باعتقاده خلاف المراد، إذ للقوم اصطلاحات أرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة، فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظّاهر ربما كفر كما قاله الغزالي.
ثم قال المناوي: وعوّل جمع على الوقف والتسليم، قائلين: الاعتقاد صبغة، والانتقاد حرمان، وإمام هذه الطائفة شيخ الإسلام النّووي، فإنه استفتي
__________
[1] كذا في «ط» و «المنتخب» (163/ ب) : «فيغيب» وفي «آ» : «فيغضب» .
[2] في «آ» و «ط» : «ولا شيئا» والتصحيح من «المنتخب» .
[3] في «المنتخب» (163/ ب) : «فحكمه على طائفته دون، بذلك يشير ... » .(7/335)
فيه فكتب: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ 2: 134 الآية [البقرة: 134] ، وتبعه على ذلك كثيرون، سالكين سبيل السّلامة، وقد حكى العارف زرّوق عن شيخه النوري، أنه سئل عنه فقال: اختلف فيه من الكفر إلى القطبانية، والتسليم واجب، ومن لم يذق ما ذاقه القوم ويجاهد مجاهداتهم لا يسعه من الله الإنكار عليهم. انتهى.
وأقول: وممن صرّح بذلك من المتأخرين الشيخ أحمد المقري المغربي، قال في كتابه «زهر الرّياض في أخبار عياض» [1] : والذي عند كثير من الأخيار في أهل هذه الطريقة التسليم، ففيه السّلامة، وهي أحوط من إرسال العنان وقول يعود على صاحبه بالملامة، وما وقع لابن حجر، وأبي حيّان في «تفسيره» من إطلاق اللّسان في هذا الصّدّيق وأنظاره، فذلك من غلس الشيطان، والذي أعتقده ولا يصح غيره، أن الإمام ابن عربي وليّ صالح، وعالم ناصح، وإنما فوّق إليه سهام الملامة من لم يفهم كلامه، على أنه دسّت في كتبه مقالات قدره يجل عنها، وقد تعرض من المتأخرين ولي الله الرّباني سيدي عبد الوهاب الشّعراني [2]- نفعنا الله به- لتفسير كلام الشيخ على وجه يليق، وذكر من البراهين على ولايته ما يثلج صدور أهل التحقيق، فليطالع ذلك من أراده، والله وليّ التوفيق. انتهى كلام المقري.
ثم قال المناوي: وفريق قصد بالإنكار عليه وعلى أتباعه الانتصار لحظ نفسه، لكونه وجد قرينه وعصريّه يعتقده وينتصر له، فحملته حميّة الجاهلية على معاكسته، فبالغ في خذلانه وخذلان أتباعه ومعتقديه، وقد شوهد عود الخذلان والخمول على هذا الفريق وعدم الانتفاع بعلومهم وتصانيفهم على
__________
[1] ليس بين يدي.
[2] سترد ترجمته في حوادث سنة (973) من المجلد العاشر إن شاء الله تعالى.(7/336)
حسنها. قال: وممن كان [1] يعتقده سلطان العلماء ابن عبد السلام، فإنه سئل عنه أولا فقال: شيخ سوء كذّاب لا يحرّم فرجا، ثم وصفه بعد ذلك بالولاية، بل بالقطبانية، وتكرر ذلك منه.
وحكي عن اليافعيّ أنه كان يطعن فيه ويقول: هو زنديق، فقال له بعض أصحابه يوما: أريد أن تريني القطب، فقيل: هو هذا، فقيل له: فأنت تطعن فيه، فقال: أصون ظاهر الشرع، ووصفه في «إرشاده» بالمعرفة والتحقيق، فقال: اجتمع الشيخان الإمامان العارفان المحقّقان الربّانيّان السّهروردي، وابن عربي، فأطرق كل منهما ساعة، ثم افترقا من غير كلام، فقيل لابن عربي: ما تقول في السّهروردي؟ فقال: مملوء سنّة من فرقه إلى قدمه، وقيل للسّهروردي، ما تقول فيه؟ قال: بحر الحقائق.
ثم قال المناوي: وأقوى ما احتج به المنكرون، أنه لا يؤوّل [2] إلّا كلام المعصوم، ويردّه قول النّوويّ في «بستان العارفين» [3] بعد نقله عن أبي الخير التّيناتي [4] واقعة ظاهرها الإنكار: قد يتوهم من يتشبه بالفقهاء ولا فقه عنده، أن ينكر هذا، وهذا جهالة وغباوة، ومن يتوهم ذلك فهو جسارة منه على إرسال الظنون في أولياء الرحمن. فليحذر العاقل من التعرض لشيء من ذلك، بل حقّه إذا لم يفهم حكمهم المستفادة، ولطائفهم المستجادة، أن يتفهمها ممن يعرفها، وربما رأيت من هذا النوع مما يتوهم فيه من لا تحقيق عنده أنه مخالف، ليس مخالفا، بل يجب تأويل أفعال أولياء الله [تعالى] .
إلى هنا كلامه.
__________
[1] لفظة «كان» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .
[2] في «ط» : «لا يأول» .
[3] ص (181) من طبعة الشيخ محمد الحجّار، وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
[4] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «التبياني» والتصحيح من «اللباب في تهذيب الأنساب» (1/ 234) وقال ابن الأثير: ويعرف بالأقطع.(7/337)
وإذا وجب تأويل أفعالهم وجب تأويل أقوالهم، إذ لا فرق، وكان المجد صاحب «القاموس» عظيم الاعتقاد في ابن عربي، ويحمل كلامه على المحامل الحسنة، وطرّز شرحه ل «البخاريّ» بكثير من كلامه. انتهى.
وأقول: ومما يشهد بذلك، ما أجاب به على سؤال رفع إليه، لفظه:
ما تقول العلماء- شدّ الله بهم أزر الدّين ولمّ بهم شعث المسلمين- في الشيخ محيي الدّين بن العربي، وفي كتبه المنسوبة إليه، ك «الفتوحات» و «الفصوص» وغيرهما، هل تحلّ قراءتها وإقراؤها للناس أم لا؟ أفتونا مأجورين. فأجاب- رحمه الله رحمة واسعة-: اللهم أنطقنا بما فيه رضاك، الذي أقوله في حال المسؤول عنه، وأعتقده وأدين الله سبحانه وتعالى به، أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما، وإمام الحقيقة حدّا ورسما، ومحيي رسول المعارف فعلا واسما، إذا تغلغل فكر المرء في طرف من بحره [1] غرقت فيه خواطره في عباب لا تدركه الدّلاء، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء، وأما دعواته فإنها تخرق السبع الطباق، وتفترق بركاته فتملأ الآفاق، وإني أصفه، وهو يقينا فوق ما وصفته، وغالب ظني أني ما أنصفته:
وما عليّ إذا ما قلت معتقدي ... دع الجهول يظنّ الجهل عدوانا
والله تالله بالله العظيم ومن ... أقامه حجّة لله برهانا
إنّ الذي قلت بعض من مناقبه ... ما زدت إلّا لعلّي زدت نقصانا
وأما كتبه فإنها البحار الزّواخر، جواهرها لا يعرف لها أول من آخر، ما وضع الواضعون مثلها، وإنما خصّ الله بمعرفتها أهلها، فمن خواص كتبه أنه من لازم مطالعتها والنظر فيها انحلّ فهمه لحلّ المشكلات وفهم المعضلات، وهذا ما وصلت إليه طاقتي في مدحه، والحمد لله رب العالمين.
__________
[1] كذا في «ط» : «بحره» وفي «آ» : «مجده» .(7/338)
وكذلك أجاب ابن كمال باشا [1] بما صورته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لمن جعل من عباده العلماء المصلحين، وورثة الأنبياء والمرسلين، والصلاة والسلام على محمد المبعوث لإصلاح الضّالين والمضلّين، وآله وأصحابه المجدّين لإجراء الشرع المبين.
وبعد: أيّها النّاس! اعلموا أن الشيخ الأعظم، المقتدى الأكرم، قطب العارفين، وإمام الموحدين، محمد بن علي بن العربي الطائي الأندلسي، مجتهد كامل، ومرشد فاضل، له مناقب عجيبة، وخوارق غريبة، وتلامذة كثيرة، مقبولة عند العلماء والفضلاء، فمن أنكره فقد أخطأ، وإن أصرّ في إنكاره فقد ضلّ، يجب على السلطان تأديبه، وعن هذا الاعتقاد تحويله، إذا السلطان مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وله مصنّفات كثيرة، منها: «فصوص حكمية» و «فتوحات مكّية» وبعض مسائلها معلوم اللفظ والمعنى، وموافق للأمر الإلهيّ والشرع النبوي، وبعضها خفي عن إدراك أهل [2] . الظّاهر دون أهل الكشف والباطن، فمن لم يطّلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام، لقوله تعالى:
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ به عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا 17: 36 [الإسراء: 36] ، والله الهادي إلى سبيل الصواب، وإليه المرجع والمآب. انتهى.
وكلا الجوابين مكتوب في ضريح المترجم فوق رأسه، والله أعلم.
ثم قال المناوي: وأخبر الشّعراوي عن بعض إخوانه أنه شاهد رجلا أتى ليلا بنار ليحرق تابوته فخسف به وغاب بالأرض، فأحسن أهله، فحفروا فوجدوا رأسه، فكلما حفروا نزل في الأرض، فعجزوا وأهالوا عليه التراب.
__________
[1] لعله نقل هذا الكلام عن كتابه «طبقات المجتهدين» وهو مخطوط لم يطبع بعد كما ذكر الزركلي في ترجمته من كتابه «الإعلام» (1/ 133) .
[2] لفظة «أهل» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .(7/339)
قال [1] : ومن تأمل سيرة ابن عربي [2] وأخلاقه الحسنة وانسلاخه من حظوظ نفسه وترك العصبية، حمله ذلك على محبته واعتقاده، ومما وقع له أن رجلا من دمشق فرض على نفسه أن يلعنه كل يوم عشر مرات، فمات، وحضر ابن عربي جنازته ثم رجع فجلس ببيته وتوجه للقبلة، فلما جاء وقت الغداء أحضر إليه فلم يأكل، ولم يزل على حاله إلى بعد العشاء، فالتفت مسرورا وطلب العشاء وأكل، فقيل له في ذلك، فقال: التزمت مع الله أني لا آكل ولا أشرب حتّى يغفر لهذا الذي يلعنني، وذكرت له سبعين ألف لا إله إلا الله، فغفر له.
وقد أوذي الشيخ كثيرا في حياته وبعد مماته بما لم يقع نظيره لغيره، وقد أخبر هو عن نفسه بذلك، وذلك من غرر كراماته، فقد قال في «الفتوحات» كنت نائما في مقام إبراهيم، وإذا بقائل من الأرواح- أرواح الملأ الأعلى- يقول لي عن الله: ادخل مقام إبراهيم، إنّه كان أوّاها حليما [3] ، فعلمت أنه لا بد أن يبتليني بكلام في عرضي من قوم، فأعاملهم بالحلم. قال: ويكون أذى كثيرا، فإنه جاء بحليم بصيغة المبالغة، ثم وصفه بالأوّاه، وهو من يكثر منه التأوّه لما يشاهد من جلال الله. انتهى.
وقال الصّفي بن أبي منصور: جمع ابن عربي بين العلوم الكسبية والعلوم الوهبية، وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا وخلقا، لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا.
وقال تلميذه الصّدر القونوي الرّومي [4] : كان شيخنا ابن عربي متمكنا من
__________
[1] القائل المناوي.
[2] تحرفت في «ط» إلى «ابن عرابي» .
[3] وذلك محاكاة لقوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ 9: 114 [التّوبة: 114] .
[4] هو محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرّومي، صدر الدّين، صوفي من كبار تلامذة الشيخ محيي الدّين بن العربي، تزوّج ابن عربي أمّه، وربّاه، له مصنّفات في(7/340)
الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين، على ثلاثة أنحاء، إن شاء الله، استنزل روحانيته في هذا العالم، وأدركه متجسدا في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسّية العصرية، التي كانت له في حياته الدّنيا، وإن شاء الله، أحضره في نومه، وإن شاء انسلخ عن هيكله واجتمع به [1] ، وهو أكثر القوم كلاما في الطريق، فمن ذلك ما قال: ما ظهر على العبد إلّا ما استقرّ في باطنه، فما أثّر فيه سواه، فمن فهم هذه الحكمة وجعلها مشهودة أراح نفسه من التعلق بغيره، وعلم أنه لا يؤتى عليه بخير ولا شرّ إلّا منه، وأقام العذر لكل موجود. وقال: إذا ترادفت عليك الغفلات وكثرة النوم، فلا تسخط ولا تلتفت لذلك، فإن من نظر الأسباب مع الحقّ أشرك. كن مع الله بما يريد لا مع نفسك بما تريد، لكن لا بد من الاستغفار.
وقال [2] : علامة الراسخ أن يزداد تمكنا عند سلبه، لأنه مع الحقّ بما أحبّ، فمن وجد اللذّة في حال المعرفة دون السلب فهو مع نفسه غيبة وحضورا.
وقال [2] : من صدق في شيء وتعلقت همته بحصوله، كان له عاجلا أو آجلا، فإن لم يصل إليه في الدنيا فهو له في الآخرة. ومن مات قبل الفتح رفع إلى محلّ همته.
وقال [2] : العارف يعرف ببصره ما يعرفه غيره ببصيرته، ويعرف ببصيرته ما لا يدركه أحد إلّا نادرا، ومع ذلك فلا يأمن على نفسه من نفسه، فكيف يأمن على نفسه من مقدور ربّه، وهذا مما قطع الظهور سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ 7: 182 [الأعراف: 182] .
وقال [2] : لا ينقص العارف قوله لتلميذه: خذ هذا العلم الذي لا تجده
__________
التصوف. مات سنة ستمائة وثلاث وسبعون. انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 45) و «الأعلام» (6/ 30) .
[1] أقول: كل هذا من المبالغات التي لا تجوز. (ع) .
[2] القائل ابن العربي.(7/341)
عند غيري ونحوه مما فيه تزكية نفسه، لأن قصده حث المتعلم على القبول.
وقال: كلام العارف على صورة السّامع بحسب قوة استعداده وضعفه، وشبهته القائمة بباطنه.
وقال: كل من ثقل عليك الجواب عن كلامه فلا تجبه، فإن وعاءه ملآن لا يسع الجواب.
وقال: من صحّ له قدم في التوحيد، انتفت عنه الدعاوى من نحو رياء وإعجاب، فإنه يجد جميع الصفات المحمودة لله لا له، والعبد لا يعجب بعمل غيره ولا بمتاع غيره.
وقال: من ملكته نفسه عذّب بنار التدبير، ومن ملكه الله عذّب بنار الاختبار، ومن عجز عن العجز، أذاقه الله حلاوة الإيمان، ولم يبق عنده حجاب.
وقال: من أدرك من نفسه التغيّر والتبديل في كل نفس، فهو العالم بقوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ 55: 29 [الرّحمن: 29] .
وقال: من طلب دليلا على وحدانية الله تعالى، كان الحمار أعرف بالله منه.
وقال: الجاهل لا يرى جهله لأنه في ظلمته، والعالم لا يرى علمه لأنه في ضياء نوره، ولا يجري شيء إلّا بغيره، فالمرآة تخبرك بعيوب صورتك وتصدقها [1] مع جهلك بما أخبرت به، والعالم يخبرك بعيوب نفسك مع علمك بما أخبرك به وتكذبه، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال.
وقال: حسن الأدب في الظّاهر آية حسنه في الباطن، فإيّاك وسوء الظنّ والسلام.
__________
[1] كذا في «ط» و «المنتخب» (165/ ب) : «وتصدقها» وفي «آ» : «وتصدقك» .(7/342)
وقال: معنى الفتح عندهم كشف حجاب النّفس، أو القلب، أو الرّوح، أو السر لما في الكتاب والسّنّة.
وقال: وربما فهم أحدهم من اللفظ ضد ما قصده المتكلم. سمع بعض علماء بغداد رجلا من شربة الخمر ينشد:
إذا العشرون من شعبان ولّت ... فواصل شرب ليلك بالنّهار
ولا تشرب بأقداح صغار ... فإنّ الوقت ضاق على الصّغار
فهام على وجهه في البرّيّة، حتّى مات.
وقال: كثيرا ما تهبّ في قلوب العارفين نفحات الهيبة، فإن نطقوا بها جهّلهم كمّل العارفين، وردّها عليهم أصحاب الأدلة من أهل الظّاهر، وغاب عن هؤلاء أنه تعالى كما أعطى أولياءه الكرامات التي هي فرع المعجزات، فلا بدع أن تنطق ألسنتهم بعبارات تعجز العلماء عن فهمها.
وقال: من لم يقم بقلبه تصديق ما يسمعه من كلام القوم، فلا يجالسهم، فإن مجالستهم بغير تصديق سمّ قاتل.
وقال: شدة القرب حجاب، كما أن غاية البعد حجاب، وإن كان الحقّ أقرب إلينا من حبل الوريد، فأين السبعون ألف حجاب.
وقال: لا تدخل الشبهة في المعارف والأسرار الربّانيّة، وإنما محلّها العلوم النظرية.
وقال: نهاية العارفين منقولة غير معقولة، فما ثمّ عندهم إلّا بداية وتنقضي أعمارهم، وهم مع الله على أول قدم.
وقال: كلّ من آمن بدليل فلا وثوق بإيمانه، لأنه نظريّ، فهو معرّض للقوادح، بخلاف الإيمان الضروري الذي يوجد في القلب ولا يمكن دفعه، وكل علم حصل عن نظر وفكر لا يسلم من دخول الشبه عليه ولا الحيرة فيه.(7/343)
وقال: شرط الكامل، الإحسان إلى أعدائه وهم لا يشعرون، تخلّقا بأخلاق الله، فإنه دائم الإحسان إلى من سمّاهم أعداءه، مع جهل الأعداء به.
وقال: شرط الشيخ أن يكون عنده جميع ما يحتاجه المريد في التربية لا ظهور كرامة، ولا كشف باطن المريد.
وقال: الشفقة على الخلق أحقّ بالرّعاية من الغيرة في الله، لأن الغيرة لا أصل لها في الحقائق الثبوتية، لأنها من الغيرية، ولا غيرية هناك وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها 8: 61 [الأنفال: 61] وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها 42: 40 [الشّورى: 40] فجعل القصاص سيئة، أي أن ذلك الفعل سيء مع كونه مشروعا، وكل ذلك تعظيما لهذه النشأة التي تولى الحقّ خلقها بيده، واستخلفها في الأرض، وحرّم على عباده السّعي في إتلافها بغير إذنه.
وقال: الصّوفي، من أسقط الياءات الثلاث، فلا يقول: لي، ولا عندي، ولا متاعي، أي لا يضيف لنفسه شيئا.
وقال: «الدّعاء مخّ العبادة» [1] وبالمخ تكون القوة للأعضاء، فلذا تتقوى به عبادة العابدين.
وقال: تحفّظ من لذّات الأحوال، فإنها سموم قاتلة، وحجب مانعة.
وقال: لا يغرنّك إمهاله [2] ، فإن بطشه شديد، والشقيّ من اتّعظ بنفسه.
__________
[1] رواه الترمذي رقم (3368) في الدعوات. باب ما جاء في فضل الدعاء من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفي سنده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف. ويغني عنه حديث «الدّعاء هو العبادة» من حديث النّعمان بن بشير رضي الله عنه، رواه الترمذي رقم (3369) في الدعوات: باب رقم (2) وابن ماجة رقم (3828) في الدعاء: باب فضل الدعاء، وهو حديث صحيح.
[2] يعني الله تعالى.(7/344)
لا يغرنّك من خالف فجوزي بإحسان المعارف، ووقف في أحسن المواقف، وتجلّت له المشاهد، هذا كله مكر به واستدراج من حيث لا يعلم، قل له إذا احتجّ عليك بنفسه:
سوف ترى إذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك أم حمار
وقال: لا يصح لعبد مقام المعرفة بالله وهو يجهل حكما واحدا من شرائع الأنبياء، فمن ادعى المعرفة واستشكل حكما واحدا في الشريعة المحمدية أو غيرها فهو كاذب.
وقال: أجمعت الطائفة على أن العلم بالله عين الجهل به تعالى.
وقال: إذا ذكر الله الذّاكر ولم يخشع قلبه، ولا خضع عند ذكره إيّاه، لم يحترم الجناب الإلهي، ولم يأت بما يليق به من التعظيم، وأول ما تمقته جوارحه وجميع أجزاء بدنه.
وقال: الأسماء الإلهية كلها التي عليها يتوقف وجود العالم أربعة لا غير: الحيّ، القادر، المريد، العالم. وبهذه الأسماء ثبت كونه إلها.
وقال: أخبرني من أثق به، قال: دخلت على رجل فقيه، عالم متكلم، فوجدته بمجلس فيه الخمر وهو يشرب، ففرغ النبيذ، فقيل له: انفذ إلى فلان يأتي بنبيذ، فقال: لا، فإني ما أصررت على معصية قطّ، ولي بين الكأسين توبة ولا أنتظره، فإذا حصل بيدي أنظر هل يوفقني ربّي فأتركه أو يخذلني فأشربه، ثم قال- أعني ابن عربي-: فهكذا العلماء. انتهى كلام المناوي ملخصا [1] .
وأقول: ومن كلامه أيضا:
ما نال من جعل الشّريعة جانبا ... شيئا ولو بلغ السّماء مناره
__________
[1] أقول: وفي كلامه كله مبالغات لا يقرها الإسلام. (ع) .(7/345)
ومن شعره الرائق قوله:
حقيقتي همت بها ... وما رآها بصري
ولو رآها لغدا ... قتيل ذاك الحور
فعند ما أبصرتها ... صرت بحكم النّظر
فبتّ مسحورا بها ... أهيم حتّى السّحر
يا حذري من حذري ... لو كان يغني حذري
والله ما هيّمني ... جمال ذاك الخفر
يا حسنها من ظبية ... ترعى بذات الخمر
إذا رنت أو عطفت ... تسبي عقول البشر
كأنّما أنفاسها ... أعراف مسك عطر
كأنها شمس الضّحى ... في النّور أو كالقمر
إن سفرت أبرزها ... نور صباح مسفر
أو سدلت غيّبها ... ظلام ذاك الشّعر
يا قمر تحت دجى ... خذي فؤادي أو ذري
عسى لكي أبصركم ... إن [1] كان حظي نظري
وكان يقول: أعرف الاسم الأعظم، وأعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب، وكان مجتهدا مطلقا بلا ريب.
قال في رائيته:
لقد حرّم الرّحمن تقليد مالك ... وأحمد والنّعمان والكلّ فاعذروا
وقال أيضا في نونيته:
لست ممن يقول قال ابن حزم ... لا ولا أحمد ولا النّعمان
__________
[1] في «ط» : «إذ» .(7/346)
وهذا صريح بالاجتهاد المطلق، كيف لا وقد قال: عرضت أحاديثه- صلى الله عليه وسلم جميعها عليه، فكان يقول عن أحاديث: صحّت من جهة الصناعة ما قلتها، وعن أحاديث ضعفت من جهتها قلتها، وإذا لم يكن مجتهدا فليس لله مجتهد.
إن لم تره فهذه آثاره
هذا وما نقم عليه أحد فيما أعلم بغير ما فهمه من كلامه من الحلول أو الاتحاد، وما تفرّع عليهما من كفر أو إلحاد، وساحته النزهة منهما، وشأوه أبعد شأوا عنهما، وكلامه بنفسه يشهد بهذا.
خلي افتراك فذاك خلي لا ذا
قال في «فتوحاته المكية» التي هي قرة عين السادة الصوفية، في الباب الثاني والتسعين ومائتين: من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم، أن تعلم عقلا أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء، وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها، وإنما كان القمر محلا لها، كذلك [1] العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حلّ فيه.
وقال أيضا فيها في الباب الثامن والسبعين، كما نقله عنه الشعراني في كتابه «اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر» : إن الله تعالى لم [2] يوجد العالم لافتقاره إليه، وإنما الأسباب في حال عدمها الإمكاني لها طلبت وجودها ممن هي مفتقرة إليه بالذات، وهو الله تعالى، لا تعرف غيره، فلما طلبت بفقرها الذاتي من الله تعالى أن يوجدها، قبل الحقّ سؤالها، لا من حاجة قامت به إليها، لأنها كانت مشهودة له تعالى في حال عدمها النّسبي كما
__________
[1] في «ط» : «فلذلك» .
[2] لفظة «لم» لم ترد في «آ» .(7/347)
هي مشهودة له في حال وجودها سواء، فهو يدركها- سبحانه- على ما هي عليه في حقائقها حال وجودها وعدمها، بإدراك واحد، فلهذا لم يكن إيجاده للأشياء عن فقر، بخلاف العبد، فإن الحقّ تعالى لو أعطاه جزء «كن» وأراد إيجاد شيء لا يوجده إلّا عن فقر إليه وحاجة، فما طلب العبد إلّا ما ليس عنده، فقد افترق إيجاد العبد عن إيجاد الحقّ تعالى، قال: وهذه مسألة لو ذهبت عينك جزاء لتحصيلها لكان قليلا في حقّها، فإنها مزلّة قدم، زلّ فيها كثير من أهل الله تعالى، والتحقوا فيها بمن ذمّهم الله تعالى في قوله: لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ 3: 181 [آل عمران: 181] [1] انتهى. فإن قلت: قد نقل بعضهم عن الشيخ أنه كان ينشد:
الكلّ مفتقر ما الكلّ مستغني ... هذا هو الحقّ قد قلنا ولا نكني [2]
فالجواب: إن هذا ومثله من المدسوس عليه في كتاب «الفصوص» وغيره، فإن هذا يكذّبه الناقل عنه خلاف ذلك. انتهى كلام الشعراني.
توفي- رحمه الله ورضي عنه- في الثاني والعشرين من ربيع الآخر بدمشق، في دار القاضي محيي الدّين بن الزّكي، وحمل إلى قاسيون فدفن في تربته المعلومة الشريفة، التي هي قطعة من رياض الجنّة، والله تعالى أعلم.
وفيها أمين الدّين أبو بكر وأبو عبد الله، أحمد بن محمد بن طلحة بن الحسن بن طلحة بن حسّان البصري الأصل البغدادي المصري [3] الفقيه الحنبلي، المحدّث المعدّل.
__________
[1] قلت: وقد تحرفت الآية في «آ» و «ط» إلى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ ... 5: 17.
[2] قلت: جاء في هامش «ط» ما نصه: «أقول: ليس في هذا البيت نص أنه بالكل حتّى الله، بل المراد من المخلوقات، ولا حاجة إلى الجواب بأنه مدسوس» . لكتابه داود كما في هامش الأصل.
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 336- 337) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 220- 221) .(7/348)
ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة تقريبا، وطلب الحديث، وسمع الكثير من ابن كليب، وذاكر ابن كامل، وأبي الفرج بن الجوزي، وابن المعطوش وخلق كثير من هذه الطبقة. وكتب بخطه كثيرا، وتفقّه في المذهب، وتكلّم في الخلاف، وحصّل طرفا صالحا من الأدب، وسافر إلى بلاد فارس، والرّوم، ومصر، وشهد عند ابن اللّمغاني [1] . وله مجموعات وتخاريج في الحديث، وجمع الأحاديث السباعيات والثمانيات التي له، و «معجما» لشيوخه. وحدّث ببغداد وغيرها. ذكر ذلك ابن النجار. وقال:
سمعت منه وهو فاضل، عالم، ثقة، صدوق، متدين، أمين، نزه، حسن الطريقة، جميل السيرة، طاهر السّريرة، سليم الجانب. مسارع إلى فعل الخير، محبوب إلى الناس. انتهى.
توفي ليلة الأحد ثالث ربيع الأول ببغداد.
وفيها تقي الدّين أبو عبد الله يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي [2] ، الفقيه الحنبلي المحدّث.
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة تقديرا ببيت المقدس، وسمع بدمشق من ابن طبرزد وغيره.
قال المنذري: ترافقنا [3] في السماع كثيرا، وكان على طريقة حسنة.
توفي [في] عاشر ذي القعدة بمدينة نابلس.
__________
[1] هو قاضي القضاة كمال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن عبد السلام بن إسماعيل اللّمغاني ثم البغدادي، المتوفي سنة (649) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 250) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 564) و «تاريخ الإسلام» (64/ 365- 366) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 221) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «توافقنا» والتصحيح من «التكملة» و «الذيل» .(7/349)
سنة تسع وثلاثين وستمائة
فيها توفي الشّمس بن الخبّاز النّحوي أبو عبد الله أحمد بن الحسين ابن أحمد بن معالي الإربلّي ثم الموصلي [1] الضرير، صاحب التصانيف الأدبية.
توفي في رجب بالموصل وله خمسون سنة [2] . قاله في «العبر» .
وفيها المارستاني أبو العبّاس أحمد بن يعقوب بن عبد الله البغدادي [3] الصّوفي، قيّم جامع المنصور. روى عن أبي المعالي بن اللّحّاس وحفدة العطّاري [4] ، وجماعة، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محفوظ بن مهنّا بن شكر بن الصّافيوني [5] الرّصافي البغدادي [6] الحنبلي، الفقيه المحدّث. سمع الكثير، وعني
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 159) و «تاريخ الإسلام» (64/ 367) و «النجوم الزاهرة» (6/ 342) .
[2] لفظة «سنة» سقطت من «آ» .
[3] انظر «العبر» (5/ 159) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 77- 80) و «تاريخ الإسلام» (64/ 368- 369) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) .
[4] تحرفت لفظة «العطاري» إلى «العطاردي» في «آ» و «ط» والتصحيح من «السير» و «تاريخ الإسلام» وهو محمد بن أسعد العطاري الشهير ب «حفدة» ، انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 46- 47) والمصادر المذكورة في هامشه.
[5] كذا في «آ» و «ط» «الصافيوني» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف «الصابوني» .
[6] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 223) .(7/350)
بالسماع، وكتب الطباق بخطّه، وهو حسن، وتفقّه على القاضي أبي صالح نصر بن عبد الرزّاق، وكان خيّرا، صالحا، متعبّدا. توفي يوم الأحد تاسع عشر صفر، ودفن بمقبرة معروف الكرخي.
وفيها تقي الدّين إسحاق بن طرخان بن ماضي، الفقيه الشافعي الشاغوري [1] ، آخر من حدّث، عن حمزة بن كروّس [2] . توفي في رمضان بالشاغور.
وفيها النّفيس بن قادوس القاضي أبو الكرم أسعد بن عبد الغني العدوي المصري [3] ، آخر من روى عن الشريف أبي الفتوح الخطيب، وأبي العبّاس بن الحطيئة [4] . توفي في ذي الحجّة وله ست وتسعون سنة.
وفيها أبو الطاهر إسماعيل بن ظفر [5] بن أحمد بن إبراهيم بن مفرج بن منصور بن ثعلب بن عيينة بن ثابت بن بكّار بن عبد الله بن شرف ابن مالك بن المنذر بن النّعمان بن المنذر المنذري النابلسي [6] ، الدمشقي المولد، المحدّث الحنبلي.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 159) و «تاريخ الإسلام» (64/ 370- 371) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «كروش» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 392) وقد ضبطت فيه «كرّوس» بفتح الكاف وتشديد الراء. قال ابن نقطة في «تكملة الإكمال» باب (كروّس وكدوّش) : أما «كروّس» : بفتح الكاف والراء، والواو المشدّدة، وآخره سين مهملة.
[3] انظر «العبر» (5/ 159- 160) و «تاريخ الإسلام» (64/ 371- 372) .
[4] في «آ» و «ط» «ابن الحطية» وما أثبته من «تاريخ الإسلام» .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «مظفر» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[6] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 81) و «تاريخ الإسلام» (64/ 373- 374) ، و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 224- 225) ونسبه الذهبي في «تاريخ الإسلام» إلى النعمان بن المنذر ملك عرب الشام.(7/351)
ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة بدمشق، وارتحل في طلب الحديث إلى الأمصار، فسمع بمكّة من ابن الحصري، وبمصر من البوصيري، والأرتاحي، والحافظ عبد الغني [1] وجماعة، وببغداد من المبارك بن كليب، وابن الجوزي، وغيرهما. وبأصبهان من أبي المكارم اللّبّان وغيره، وبخراسان من عبد المنعم الفراوي، والمؤيد الطّوسي، وجماعة. وبنيسابور من أبي سعد الصفّار وغيره، وبحرّان من الحافظ عبد القادر الرهّاوي، وانقطع إليه مدة.
وكتب الكثير بخطه، وحدّث بالكثير.
قال المنذري: سمعت منه بحرّان ودمشق، وكتب عنه ابن النجار ببغداد، وقال: كان شيخا صالحا.
وقال عمر بن الحاجب: كان عبدا صالحا، صاحب كرامات، ذا مروءة، مع فقر مدقع، صحيح الأصول. روى عنه الحافظ الضياء، والمنذري، والبرزالي، والقاضي سليمان بن حمزة. وتوفي في رابع شوال بسفح قاسيون ودفن به.
وفيها الإسعردي [2] أبو الرّبيع سليمان بن إبراهيم بن هبة الله بن رحمة الحنبلي [3] المحدث، خطيب بيت لهيا.
ولد بإسعرد سنة سبع وستين وخمسمائة، ورحل فسمع بدمشق من الخشوعي، وابن طبرزد، وجماعة كثيرة. وبمصر من البوصيري وغيره،
__________
[1] يعني المقدسي رحمه الله تعالى.
[2] قال ابن ناصر الدّين: وكانوا يؤذونه، فيكشطون الدال، فيبقى الأسعري- وقد تصحفت في «توضيح المشتبه» إلى الأشعري- فيغضب.
قلت: «القائل ابن ناصر الدّين) : ووجدت نسبة سليمان هذا بخطّه: السعردي، فكأنّه- والله أعلم- لما أوذي بكشط الدال كتب: السعردي لتزول العلّة مع كشط الدال.
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 576- 577) و «العبر» (5/ 160) و «تاريخ الإسلام» (64/ 377- 378) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 223) و «توضيح المشتبه» (1/ 223- 224) وقد تأخرت هذه الترجمة في «ط» إلى عقب الترجمة التالية.(7/352)
وبالإسكندرية من ابن علّاس [1] ، وانقطع إلى الحافظ عبد الغني المقدسي مدة، وتخرّج به، وسمع منه الكثير، وكتب بخطّه كثيرا. وكان كثير الإفادة، حسن السيرة. سئل عنه الحافظ الضياء فقال: خيّر ديّن ثقة. وأقام ببيت لهيا، وتولى إمامتها وخطابتها.
قال المنذري: اجتمعت به ولم يتفق لي السماع منه، وأفادنا إجازة عن جماعة من شيوخ المصريين وغيرهم، شكر الله سعيه، وجزاه خيرا.
توفي في ثاني عشري ربيع الآخر ببيت لهيا.
ورحمة اسم أم أبي [2] جدّه وبها عرف جدّه.
وفيها أبو علي الحسن بن إبراهيم بن هبة الله بن دينار المصري الصّائغ [3] . روى عن السّلفي، ومات في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة.
وفيها أبو المعالي عماد الدّين عبد الرحمن بن مقبل [4] . العلّامة قاضي القضاة الواسطي الشافعي [5] .
ولد سنة سبعين وخمسمائة، وتفقه، فدرّس وأفتى، وناب في القضاء عن أبي صالح الجيلي، ثم ولي بعده القضاء، ودرّس بالمستنصرية، ثم عزل عن الكلّ سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، فتزهّد، وتعبد، ثم ولي مشيخة رباط في سنة خمس وثلاثين، وحدّث عن ابن كليب، وتوفي في ذي القعدة.
__________
[1] هو عبد الرحمن بن مكي بن حمزة بن موقّى الأنصاري السعدي الثغري، ويعرف بابن علّاس، المتوفى سنة (599) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 392- 393) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (247) .
[2] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[3] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 344) وقد تقدمت ترجمته في «ط» إلى ما قبل ترجمة الإسعردي التي قبلها.
[4] تحرفت «ابن مقبل» في «ا» و «ط» إلى «ابن نفيل» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] انظر «العبر» (5/ 161) و «تاريخ الإسلام» (64/ 379- 380) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 187) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 553- 554) .(7/353)
وفيها عبد السّيّد بن أحمد الضّبّي [1] ، خطيب بعقوبا. روى عن يحيى ابن ثابت، وأحمد المرقّعاتي، وتوفي في صفر، وله تسع وسبعون سنة.
وفيها أبو محمد سيف الدّين عبد الغني بن فخر الدّين أبي عبد الله محمد بن تيميّة الحرّاني [2] الحنبلي، خطيب حرّان وابن خطيبها الفخر.
ولد في ثاني صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بحرّان، وسمع بها من والده، وعبد القادر الرّهاوي وغيرهما. ورحل إلى بغداد، فسمع من ابن سكينة، وابن طبرزد، وغيرهما. وأخذ الفقه عن غلام ابن المنّي [3] وغيره، ورجع إلى حرّان، وقام مقام أبيه بعد وفاته، فكان يخطب، ويعظ، ويدرّس، ويلقي التفسير في الجامع على الكرسي.
قال ابن حمدان: كان خطيبا، فصيحا، رئيسا، ثابتا، رزين العقل، وله تصنيف «الزوائد على تفسير الوالد» و «إهداء القرب إلى ساكني الترب» .
قال: ولم أسمع منه، ولا قرأت عليه شيئا. وسمعت بقراءته على والده كثيرا.
توفي في سابع المحرّم بحرّان.
وفيها البدر علي بن عبد الصّمد بن عبد الجليل الرّازي [4] ، المؤدّب بمكتب جاروخ بدمشق. روى عن السّلفي «ثمانين» [5] الآجري، وتوفي في ربيع الآخر.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 161) و «تاريخ الإسلام» (64/ 380) .
[2] انظر «العبر» (5/ 161) و «تاريخ الإسلام» (64/ 381) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 222) .
[3] هو إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي المأموني، يعرف بالرّفّاء المناظر، ويعرف أيضا بغلام ابن المني. مات سنة (610 هـ) وقد تقدمت ترجمته في ص (76) من هذا المجلد.
[4] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المرازقي» والتصحيح من «العبر» (5/ 161) و «تاريخ الإسلام» (64/ 384) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 79) .
[5] في «ط» : «ثماني» والصواب ما جاء في «آ» وانظر «الرسالة المستطرفة» ص (104) .(7/354)
وفيها أبو فضيل قايماز المعظّمي مجاهد الدّين [1] والي البحيرة.
روى عن السّلفي، ومات في سلخ شوال.
وفيها شرف الدّين بن الصّفراوي [2] قاضي قضاة مصر أبو المكارم محمد بن القاضي [الرّشيد علي بن القاضي] أبي المجد حسن الإسكندراني ثم المصري الشافعي.
ولد بالإسكندرية سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وقدم القاهرة فناب في القضاء سنة أربع وثمانين عن نصر الدّين بن درباس، ثم ناب عن غير واحد، وولي قضاء الدّيار المصرية في سنة سبع عشرة وستمائة، وتوفي في تاسع عشر ذي القعدة.
وفيها ابن نعيم القاضي أبو بكر محمد بن يحيى بن مظفّر البغدادي الشافعي، المعروف بابن الحبير [3] .
ولد سنة تسع وخمسين، وسمع من شهدة وجماعة، وكان من أئمة الشافعية، صاحب ليل وتهجّد، وحجّ، طويل الباع في النظر والجدل، ولي تدريس النظامية مدة.
قال الإسنويّ: كان إماما، عارفا بالمذهب ودقائقه وتحقيقاته، وله اليد الطّولي في الجدل والمناظرة، ديّنا، خيّرا، كثير التّلاوة [والتّهجّد، والحجّ] .
عليه وقار وسكينة، وتفقه على المجير [4] البغدادي بعد أن كان حنبليا، وناب
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 588) و «العبر» (5/ 162) و «تاريخ الإسلام» (64/ 386- 387) .
[2] انظر «العبر» (5/ 162) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 12) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 586- 587) و «العبر» (5/ 162) و «تاريخ الإسلام» (64/ 391- 392) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 449- 450) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المحبر» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 271 و 450) .(7/355)
في القضاء عن ابن فضلان، وحدّث، وتوفي في سابع شوال.
وفيها الكمال بن يونس، العلّامة أبو الفتح موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الموصلي [1] الشّافعي، أحد الأعلام.
ولد سنة إحدى وخمسين بالموصل، وتفقه على والده، وببغداد على معيد النّظامية السّديد السّلماسي، وبرع عليه في الأصول والخلاف، وقرأ النحو على ابن سعدون القرطبي، والكمال الأنباري.
وأكب على الاشتغال بالعقليات، حتّى بلغ فيها الغاية، وكان يتوقّد ذكاء، ويموج بالمعارف، حتّى قيل: إنه كان يتقن أربعة عشر فنّا، واشتهر ذكره، وطار صيته وخبره، ورحلت الطلبة إليه من الأقطار، وتفرّد بإتقان علم الرّياضي، ولم يكن له في وقته نظير.
قال ابن خلّكان: كان يتهم في دينه لكون العلوم العقلية غالبة عليه، كما قال العماد المغربي فيه:
وعاطيته صهباء من فيه مزجها ... كرقّة شعري أو كدين ابن يونس
وقال ابن خلّكان أيضا: ولقد رأيته بالموصل في شهر رمضان، سنة ست وعشرين وستمائة، وترددت إليه دفعات عديدة، لما كان بينه وبين الوالد- رحمه الله- من المؤانسة والمودّة الأكيدة، ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام، وكان الفقهاء يقولون: إنه يدري أربعة وعشرين علما [2] دراية متقنة، فمن ذلك المذهب، وكان فيه أوحد أهل زمانه، وكان جماعة من الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم، ويحلّ لهم
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 311- 318) و «العبر» (5/ 162- 163) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 85- 87) و «تاريخ الإسلام» (64/ 394- 397) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) .
[2] في «وفيات الأعيان» : «فنّا» .(7/356)
مسائل [1] «الجامع الكبير» أحسن حلّ، مع ما هي عليه من الإشكال المشهور. وكان يتقن فنّي [2] الخلاف العراقي والبخاري، وأصول الفقه والدّين، ولما وصلت كتب فخر الدّين الرّازي إلى الموصل- وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء- لم يفهم أحد اصطلاحه فيها سواه، وكذلك «الإرشاد» للعميدي، لمّا وقف عليها [حلّها] في ليلة واحدة وأقرأها [3] على ما قالوه.
وبالجملة فقد كان كمال الدّين كما قال الشاعر:
وكان من العلوم بحيث يقضى ... له في كلّ علم [4] بالجميع
واستخرج في علم الأوقات [5] طرقا لم يهتد إليها أحد. وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئا كثيرا. وكان أهل الذّمة يقرؤون عليه التوراة والإنجيل، ويشرح لهما هذين الكتابين شرحا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله.
وبالجملة فإنّ مجموع ما كان يعرف من العلوم لم يكن يسمع عن أحد ممن كان تقدمه أنه جمع مثله.
وتوفي- رحمه الله تعالى- بالموصل رابع عشر شعبان. انتهى كلام ابن خلّكان ملخصا [6] .
__________
[1] لفظة «مسائل» سقطت من «آ» .
[2] في «ط» : «فنّ» وهو خطأ.
[3] في «آ» : «وقرأها» وما جاء في «ط» موافق لما في «وفيات الأعيان» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «فنّ» .
[5] في «ط» و «وفيات الأعيان» : «في علم الأوفاق» .
[6] قلت: وفيها على الصواب مات قاضي القضاة أبو المكارم محمد بن عبد الله بن الحسن الإسكندري المصري المعروف بابن عين الدولة، وقد وهم المؤلّف- رحمه الله تعالى- فأورد ترجمته في سنة (ست وثلاثين وستمائة) وقد نبّهت على وهمه عند التعليق على ترجمته ص (317) فراجعها.(7/357)
سنة أربعين وستمائة
فيها جهّز الملك الصالح أيوب عسكره وعليهم كمال الدّين ابن الشيخ لأخذ دمشق من عمّه الصّالح إسماعيل، فمات مقدّم العسكر كمال الدّين بغزّة، ويقال: إنه سمّ.
وفيها توفي الزّين أحمد [1] بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي الشّروطي الناسخ [2] . روى عن يحيى الثقفي، والبوصيري، وابن المعطوش [3] وطبقتهم. وطلب وكتب الأجزاء.
توفي في رمضان عن ثلاث وستين سنة.
وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدّمشقي الخشوعي [4] . آخر من سمع من عبد الواحد بن هلال، وما يدرى ما سمع من ابن عساكر. توفي في رجب وله اثنتان وثمانون سنة.
وفيها آسية [بنت عبد الواحد] المقدسية [5] ، والدة السيف بن المجد.
قال أخوها الضياء: ما في زماننا مثلها، لا تكاد تدع قيام الليل.
__________
[1] لفظة «أحمد» سقطت من «العبر» بطبعتيه فتستدرك.
[2] انظر «العبر» (5/ 164) و «تاريخ الإسلام» (64/ 402) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «المعطوس» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] انظر «العبر» (5/ 164) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 102- 103) و «تاريخ الإسلام» (64/ 405- 406) .
[5] انظر «العبر» (5/ 164) و «تاريخ الإسلام» (64/ 406- 407) وما بين الحاصرتين زيادة منه.(7/358)
وفيها الجهة [1] الأتابكية، امرأة الأشرف موسى، صاحبة المدرسة والتّربة بجبل قاسيون تركان بنت الملك عز الدّين مسعود بن قطب الدّين مودود بن أتابك زنكي.
وفيها جمال النّساء بنت أحمد بن أبي سعد الغرّاف البغدادية [2] سمعت من ابن البطّي، وأحمد بن محمد الكاغدي، وبقية عشرة شيوخ، وتوفيت في جمادى الأولى.
وفيها أبو محمد الحسن بن الأكرم، عرف بابن الزّاهد، العلوي الأديب.
ومن شعره:
صدّ عنّي وجاء شيئا فريّا ... فنبذت الكرى مكانا قصيّا
ورعيت النّجوم في الليل حتّى ... بات طرفي موكّلا بالثّريّا
وبراني الأسى فقلت لقلبي ... ذق أليم الغرام ما دمت حيّا
كيف تهوى من لا يرقّ لصب ... قد كوت قلبه الصّبابة كيّا
يا طبيب القلوب عالج مريضا ... يشتكي من جفاك داء دويّا
ترك الحزم من أحب كحبي ... من بني التّرك ظالما تركيّا
يا بخيلا بوصله ولعمري ... ضيّق العين لا يكون سخيّا
وفيها سعيدة بنت عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة [3] .
روت بالإجازة عن العثماني [4] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الحجة» وما أثبته من «العبر» (5/ 164) و «تاريخ الإسلام» (64/ 408) .
[2] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 408- 409) و «مرآة الجنان» (4/ 104) و «غربال الزمان» ص (520) وقد تصحفت «الغرّاف» إلى «العرّاف» في «آ» و «ط» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 410) .
[4] هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي الدّباجي العثماني، المتوفى سنة-(7/359)
وفيها عائشة بنت المستنجد بالله [1] بن المقتفي، وأخت المستضيء، وعمّة النّاصر. عمّرت دهرا، وماتت في ذي الحجّة.
وفيها عبد الحميد بن محمد بن سعد الصّالحي الطّيّان [2] . روى عن يحيى الثّقفي، وتوفي في رجب.
وفيها ابن أبيه [3] عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن الدّجّاجية.
روى عن الحافظ ابن عساكر، ومات في المحرّم.
وفيها أبو محمد عبد العزيز بن مكّي بن كرسا البغدادي [4] . روى عن ابن البطّي وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها صاحب المغرب أبو محمد بن المأمون، واسمه عبد الواحد ابن إدريس المؤمني [5] ، صاحب مراكش. ولي الأمر سنة ثلاثين وستمائة، وأعاد ذكر ابن تومرت في الخطبة ليستميل قلوب الموحدين. توفي غريقا في صهريج بستانه [6] ، وولي بعده أخوه المعتضد علي.
وفيها العلم بن الصّابوني أبو الحسن علي بن محمود بن أحمد المحمودي الجوّيثي [7] الصّوفي، والد الجمال بن الصّابوني، المحدّث. أجاز
__________
[ (-) ] (572) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السادس ص (399- 400) .
[1] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 412- 413) .
[2] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 413- 414) .
[3] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 416) وقال الذهبي فيه: المعروف بابن الدّجاجية، وبابن أبيه.
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 601) و «تاريخ الإسلام» (64/ 416) و «العبر» (5/ 165) .
[5] انظر «العبر» (5/ 165- 166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 419) .
[6] في «تاريخ الإسلام» : «في صهريج بستان له بمرّاكش» .
[7] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحزني» والتصحيح من «العبر» (5/ 166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 420) وانظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) .(7/360)
له أبو المطهّر الصيدلاني، وابن البطّي، وطائفة. وسمع من السّلفي، وكان عدلا، جليلا، وافر الحرمة.
توفي في شوال عن أربع وثمانين سنة.
وفيها ابن شفنين [1] ، الشّريف أبو الكرم محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد الهاشمي العبّاسي المتوكلي، مسند العراق.
أجاز له أبو بكر بن الزّاغوني، ونصر بن نصر العكبري، وأبو الوقت [السّجزي] ، ومحمد بن عبيد الله الرّطبي. وسمع من يحيى بن السّدنك.
وتوفي في رجب وله إحدى وتسعون سنة، وكان سريّا نبيلا.
وفيها المستنصر بالله أبو جعفر منصور بن الظّاهر بأمر الله محمد بن النّاصر أحمد بن المستضيء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي العبّاسي [2] .
ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وهو ابن تركية، واستخلف في رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة، فحمدت سيرته.
وكان أشقر، ضخما، قصيرا، وخطه الشّيب، فخضب بالحناء، ثم تركه.
وكان جوادا، كريما، رحيما، سمحا، عادلا. بنى مدرسة المستنصرية ووقفها على المذاهب الأربعة، وفيها المارستان والحمّام، وليس في الدّنيا مثلها، وهي بالعراق كجامع دمشق.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «شفين» والتصحيح من «العبر» (5/ 166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 424- 425) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) .
[2] انظر «العبر» (5/ 166- 167) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 155- 168) و «تاريخ الإسلام» (64/ 427- 431) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) .(7/361)
وبنى المساجد، والخوانك، والخانات في الطّرق، ولم يكن للمال عنده قدر. بنى أبوه الناصر بركة وترك فيها المال، وكان يقول: ترى أعيش حتّى أملأها، فلما ولي المستنصر كان يقول: ترى أعيش حتّى أفرغها.
وتوفي بكرة الجمعة عاشر جمادى الآخرة وحزن الناس عليه حزنا عظيما، وبويع لولده عبد الله المستعصم بالله
.(7/362)
سنة إحدى وأربعين وستمائة
فيها كما قال في «العبر» [1] حكمت التتار على بلد الرّوم، والتزم [2] صاحبها ابن علاء الدّين بأن يحمل لهم كلّ يوم ألف دينار، ومملوكا، وجارية، وفرسا، وكلب صيد.
وفيها توفي أبو إسحاق تقي الدّين إبراهيم بن محمد بن الأزهر بن أحمد بن محمد الصّريفيني [3]- بفتح الصاد المهملة، وكسر الراء والفاء بين تحتيتين ساكنتين، وآخره نون، نسبة إلى صريفين قرية ببغداد، ولنا أخرى بواسط- الحافظ الحنبلي الفقيه، نزيل دمشق.
ولد ليلة حادي عشر محرم سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وخمسمائة بصريفين ودخل بغداد، وسمع بها من ابن الأخضر، وابن طبرزد، وهذه الطبقة، ورحل إلى الأقطار. وسمع بأصبهان، ونيسابور، وهراة، وبوشنج، ودينور، ونهاوند وتستر، وطبس، والموصل، ودمشق، وبيت المقدس، وحرّان من أعلام هذه المدن.
__________
[1] (5/ 167) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «وألزم» .
[3] انظر «العبر» (5/ 167) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 89) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 227- 230) .(7/363)
وتخرج بحرّان على الرّهاوي، وتفقه ببغداد على ابن البوازيجي [1] ، وأبي البقاء العكبري، وتأدّب بهبة الله الدّوري.
قال عمر ابن الحاجب الحافظ: كان أحد حفّاظ الحديث وأوعية العلم، إماما، فاضلا، صدوقا، خيّرا، نبيلا، ثقة، حجّة، واسع الرواية، ذا سمت ووقار وعفاف، حسن السيرة، جميل الظّاهر، سخي النّفس، مع القلة، كثير الرغبة في فعل الخيرات. سافر الكثير، وجال في الآفاق. وكتب الكثير، وقرأ وأفاد. كثير التواضع، سليم الباطن. وكان شيخا لدار حديث منبج، تركها واستوطن حلب، وولي بها دار الحديث التي للصاحب بن شدّاد، وكان يحدّث بها، ويتكلم على الأحاديث وفقهها ومعانيها.
سألت البرزالي عنه فقال: حافظ ديّن ثقة.
وقال أبو شامة: كان عالما بالحديث، ديّنا، متواضعا.
توفي في خامس عشر جمادى الأولى وحضرت الصلاة عليه بجامع دمشق، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
وفيها الأعزّ بن كرم [2] أبو محمد [3] الحربي الإسكاف البزّاز [4] .
سمع من يحيى بن ثابت وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها شمس الدّين أبو الفتوح وأبو الخطّاب عمر بن أسعد بن المنجّى بن بركات المؤمل التّنوخي المعرّي الحرّاني المولد الدمشقي الدار والوفاة القاضي الحنبلي بن القاضي وجيه الدّين [5] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «التواريخي» وتصحفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «البوازيحي» بالحاء المهملة، والتصحيح من ترجمة أبيه في «توضيح المشتبه» (1/ 630) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «ابن كريم» .
[3] في «النجوم الزاهرة» : «ابن محمد» .
[4] انظر «العبر» (5/ 167- 168) و «النجوم الزاهرة» (6/ 349) .
[5] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 80- 81) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1435) و «الإعلام بوفيات-(7/364)
ولد بحرّان- إذ أبوه قاضيها في الدولة النّورية- سنة سبع وخمسين وخمسمائة، ونشأ بها، وتفقّه على والده، وسمع من عبد الوهاب بن أبي حبّة. وقدم دمشق فسمع بها من القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وغيره، ورحل إلى العراق، وخراسان. وسمع ببغداد. واشتغل بالخلاف على المحبر الشافعي. وأفتى ودرّس.
وكان عارفا بالقضاء بصيرا بالشروط والحكومات والمسائل الغامضات، صدرا نبيلا، وولي قضاء حرّان قديما، واستوطن دمشق ودرّس بها بالمسمارية. وحدّث عنه البرزالي، وابن العديم، وغيرهما. وأجاز لابن الشيرازي.
توفي في سابع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون، كذا قال أبو شامة [1] .
وفيها أبو القاسم حمزة بن عمر بن عتيق بن أوس الغزّال الأنصاري الإسكندراني [2] . روى عن السّلفي، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها سلطان بن محمود البعلبكي [3] الزاهد، أحد أصحاب الشيخ عبد الله اليونيني. كان صاحب أحوال وكرامات، وهو والد الشيخ الصالح محمود.
قال السخاوي في «طبقاته» : كان من كبار أولياء الله تعالى، تقوّت مدة من مباح جبل لبنان. حكى العماد أحمد بن سعد أن الشيخ معالي خادم
__________
[ (-) ] الأعلام» ص (266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 225- 226) .
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (173) .
[2] انظر «العبر» (5/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 19) وقد سمّاه الذهبي هناك «حمزة بن أوس الغزّال» .
[3] انظر «العبر» (5/ 168) .(7/365)
الشيخ سلطان حدّثه أنه سأل الشيخ سلطان، فقال: يا سيدي كم مرّة رحت إلى مكّة في ليلة؟ قال: ثلاث عشرة مرة. قلت: فالشيخ عبد الله اليونيني قال: لو أراد أن لا يصلي فريضة إلّا في مكّة لفعل.
وقال الشيخ عبد الدائم بن أحمد بن عبد الدائم: لما أعطي الشيخ سلطان الحال جاء إليه سايس كردي فقال: قد عزلت أنا ووليت أنت وبعد ثلاثة أيام ادفني. قال: فمات بعد ثلاث ودفنه [1] .
وحكى الشيخ الصالح محمود بن الشيخ سلطان، أن أباه كانت تفتح له أبواب بعلبك بالليل انتهى.
وفيها عائشة بنت محمد بن علي بن البلّ البغدادي [2] الواعظة. أجاز لها أبو الحسن بن غبرة، والشيخ عبد القادر [3] ، وكانت صالحة تعظ النساء، توفيت في جمادى الأولى.
وفيها أبو محمد عبد الحق بن خلف بن عبد الحق الدمشقي الحنبلي [4] روى عن أبي الفهم بن أبي العجائز، وابن صابر وجماعة. وكان يلقب بالضياء، وسمع بحرّان من أبي الوفاء. وحدّث، وكان مشهورا بالخير والصلاح، وعجز في آخر عمره عن التصرف، وتفرّد بأشياء، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها عز الدّين أبو الفتح وأبو عمرو عثمان بن أسعد الحنبلي [5] .
ولد في محرم سنة سبع وستين وخمسمائة، وسمع بمصر من
__________
[1] قلت: هذه الفقرة وما سبقها من الشطحات التي لا يقرها الشرع الحنيف ولا العقل السليم.
[2] انظر «العبر» (5/ 168) .
[3] يعني الجيلاني، رحمه الله تعالى.
[4] انظر «العبر» (5/ 168) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 227) .
[5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 226) .(7/366)
البوصيري، ويوسف [1] بن الطّفيل. وببغداد من ابن سكينة وغيره. وسمع منه الحافظ ابن الحاجب، وابن الحلوانية، وولداه: وجيه الدّين محمد، وزين الدّين المنجّى، والحسن بن الخلّال. وكان فقيها فاضلا معدّلا. ودرّس بالمسمارية عن أخيه نيابة. وكان تاجرا ذا مال وثروة. توفي في مستهل ذي الحجة.
وفيها أبو الوفاء عبد الملك بن عبد الحق بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي [2] .
ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وسمع بالإسكندرية من السّلفي، وبمكة من المبارك بن الطبّاخ. وبدمشق من أبي الحسين بن الموازيني.
وحدّث، وتوفي في جمادى الآخرة ودفن بجبل قاسيون.
وفيها أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن هلال الأزدي الدمشقي [3] . روى عن الحافظ ابن عساكر، والأمير أسامة، وتوفي في رجب.
وفيها التّسارسي [4] أبو الرضا علي بن زيد بن علي الإسكندراني الخيّاط. روى عن السّلفي، وتسارس [5] من قرى برقة. توفي في رمضان.
قاله في «العبر» .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ويعقوب» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 457) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 393) .
[2] انظر «العبر» (5/ 169) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 226- 227) .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (173) و «العبر» (5/ 169) و «النجوم الزاهرة» (6/ 349) .
[4] في «آ» و «ط» : «البسارسي» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» (5/ 169) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 92) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) و «النجوم الزاهرة» (6/ 349) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بسارس» والتصحيح من «العبر» وانظر «معجم البلدان» (2/ 29) .(7/367)
وفيها علي بن أبي الفخار هبة الله بن أبي منصور محمد بن هبة الله الشريف أبو تمّام الهّاشمي العدل [1] ، خطيب جامع ابن المطلب ببغداد.
روى عن ابن البطّي، وأبي زرعة، وجماعة. وعاش تسعين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها قصير بن فيروز البوّاب أبو محمد القطيعي [2] . روى عن عبد الحق اليوسفي، وتوفي في شهر رمضان.
وفيها كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر مسندة الشام أم الفضل القرشية الزّبيريّة، وتعرف ببنت الحبقبق [3] . روت عن حسّان الزّيّات وخلق، وأجاز لها أبو الوقت [السّجزي] ، وابن الباغبان [4] ، ومسعود الثقفي، وخلق. وروت شيئا كثيرا. توفيت في جمادى الآخرة [5] ببستانها بالميطور [6] .
وفيها الجواد الذي تسلطن بدمشق بعد الملك الكامل، هو مظفّر الدّين يونس بن ممدود بن العادل [7] . كان من أمراء عمّه الكامل، وكان جوادا لكنه لا يصلح للملك.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 169- 170) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 90- 91) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) .
[2] انظر «العبر» (5/ 170) و «النجوم الزاهرة» (6/ 350) .
[3] انظر «العبر» (5/ 170) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 92- 93) و «النجوم الزاهرة» (6/ 349) .
[4] تصحفت إلى «الباغيات» في «آ» و «ط» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 378) وسقط ذكره من «المنتخب» لابن شقدة (167/ ب) .
[5] في «ط» : «الآخر» .
[6] انظر «معجم البلدان» (5/ 244) و «القلائد الجوهرية» (1/ 218) .
[7] انظر «العبر» (5/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 184- 185) .(7/368)
وفيها الأمير أبو المنصور مهلهل بن الأمير محمد الملك أبي الضياء بدران بن يوسف بن عبد الله بن رافع بن زيد بن أبي الحسن علي بن سلامة بن طارق [بن ثعلب بن طارق] [1] بن سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت الحسّاني النابلسي [2] الأصل المصري الحنبلي [3] . سمع من إسماعيل ابن ياسين والبوصيري [4] ، والأرتاحيّ، وابن نجا، والحافظ عبد الغني [5]- ولازمه كثيرا- وخلق كثير، وكتب بخطّه، وقرأ بلفظه.
قال المنذري: سمعت منه، وتوفي في سابع عشر شعبان.
وفيها الصّدر الرئيس جمال الدّين محمد بن عقيل بن كروّس [6] محتسب دمشق. كان كيّسا، متواضعا، دفن بداره بدرب السّامري، والله أعلم.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[2] في «ط» : «البابلسي» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 627- 628) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 227) .
[4] في «آ» و «ط» : «والأبو صيري» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 414) .
[5] يعني المقدسي كما جاء مبينا في «التكملة» .
[6] انظر «مرآة الزمان» (8/ 491- 492) .(7/369)
سنة اثنتين وأربعين وستمائة
وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن محمد بن فاتك بن محمد المعروف بابن أبي الدّم [1] ولد بحماة في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ورحل إلى بغداد، فتفقّه بها. وسمع بالقاهرة وحدّث بها وبكثير من بلاد الشام، وولي قضاء بلده همذان- بإسكان الميم [2]- وهو حموي ولي قضاءها [3] أيضا.
وكان إماما في مذهب الشافعي، عالما بالتاريخ، له نظم ونثر، ومن تصانيفه «شرح مشكل الوسيط» و «أدب القاضي» وكتاب في التاريخ والفرق الإسلامية.
__________
[1] انظر «المختصر في تاريخ البشر» (3/ 173) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 125- 126) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 115- 118) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 124) .
[2] تنبيه: كذا قيّدها المؤلّف رحمه الله: «همذان» بإسكان الميم ونسبه إليها وأظنه وهم في ذلك لأن «همذان» مفتوحة الميم، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن ابن قاضي شهبة قيّد نسبته «الهمداني» بإسكان الميم وبالدال وهو الصواب، و «الهمداني» نسبة إلى قبيلة «همدان» كما ومعروف.
[3] يعني قضاء حماة.(7/370)
وقال الذهبي: له «التاريخ الكبير المظفّري» وتصانيفه تدلّ على فضله.
توفي في جمادى الآخرة.
وفيها التّاج بن الشّيرازي أبو المعالي أحمد بن القاضي أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد الدّمشقي المعدّل [1] . روى عن جدّه، والفضل ابن البانياسي، وجماعة. وتوفي في رمضان، وله إجازة من السّلفي.
وفيها أبو طالب حاطب بن عبد الكريم بن أبي يعلى الحارثي [2] .
روى عن [أبي] القاسم بن عساكر، وتوفي في المحرّم عن خمس وتسعين سنة.
وفيها أبو المنصور ظافر بن طاهر بن ظافر بن إسماعيل بن سحم الأزدي الإسكندراني المالكي المطرّز [3] . روى عن السّلفي وجماعة، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها تاج الدّين بن حمّوية شيخ الشيوخ أبو محمد عبد الله، ويسمى أيضا عبد السلام بن عمر بن علي بن محمد الجويني الصّوفي [4] ، شيخ السميساطية.
ولد بدمشق سنة ست وستين، وسمع من شهدة، والحافظ أبي القاسم ابن عساكر. ودخل المغرب قبل الستمائة، فأقام هناك ست سنين، وله مجاميع وفوائد، وكان نزها، عفيفا، قليل الطمع، لا يلتفت إلى أحد من خلق الله تعالى لأجل الدنيا. وصنّف التاريخ، وهو عم أولاد شيخ الشيوخ.
توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصّوفية.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 171- 172) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 352) .
[2] انظر «العبر» (5/ 172) و «مرآة الجنان» (4/ 105) .
[3] انظر «العبر» (5/ 172) و «النجوم الزاهرة» (6/ 351- 352) .
[4] انظر «العبر» (5/ 172) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 96) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) .(7/371)
وفيها الرّفيع الجيلي، قاضي القضاة بدمشق أبو حامد عبد العزيز [1] .
قال الإسنوي في «طبقاته» : رفيع الدّين أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل الجيلي الشّافعي. كان فقيها، بارعا، مناظرا، عارفا بعلم الكلام والفلسفة وعلوم الأوائل، جيد القريحة، شرح «الإشارات» لابن سينا شرحا جيدا. وكان فقيها في مدارس دمشق. [و] كان يصحب كاتب الصالح إسماعيل، وهو أمين الدّين بن غزال الذي كان سامريا فأسلم، فلما أعطيت بعلبك للصالح إسماعيل وبنى أمين الدّين بن غزال بها المدرسة المعروفة بالأمينية. وسعى الرّفيع في قضاء بعلبك، فتولاها مع المدرسة، فلما انتقل الصّالح إلى ملك دمشق، واستوزر أمين الدّين نقل الرّفيع من بعلبك إلى قضاء دمشق بعد موت شمس الدّين ابن الخويي [2] ، فسار القاضي المذكور سيرة فاسدة، حمله عليها قلة دينه، وفساد عقيدته من إثبات المحاضر الفاسدة، والدعاوى الباطلة، وإقامة شهود رتّبهم لذلك، وأكل الرّشا وأموال الأيتام والأوقاف وغير ذلك، ومهما حصل يأخذ الشهود بعضهم، والباقي يقسم بين القاضي والوزير. هذا، مع استعمال المسكرات، وحضور صلاة الجمعة وهو سكران، ثم إن الله تعالى كشف الغمّة بأن أوقع بين الوزير والقاضي، وأراد كل منهما هلاك الآخر ودماره، فبادر الأمير وقرّر أمره مع الصالح، فأمر ورسم له بمكة [3] .
قال أبو شامة: وفي ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وستمائة. قبض
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 172) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 592- 594) و «النجوم الزاهرة» (6/ 350- 351) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الجويني» والتصحيح من هامش «آ» ومن ترجمته في حوادث سنة (637) من هذا المجلد.
[3] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «فرسم يمسكه» .(7/372)
على أعوان الرّفيع الظّلمة الأرجاس، وعلى كبيرهم [1] الموفق حسين الواسطي، المعروف بابن الروّاس، وسجنوا ثم عذّبوا بالضرب والعصر والمصادرة، ومات ابن الرّواس في العقوبة في جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين.
قال: وفي ثاني [ذي] الحجّة أخرج الرّفيع من داره وحبس بالمقدميّة، ثم أخرج ليلا، وذهب به فسجن بمغارة من نواحي البقاع، ثم انقطع خبره، فقيل: خنق، وقيل: ألقي من شاهق في هوّة، ولم يذكر الذهبي في «العبر» غيره.
وقيل: مات حتف أنفه، وتولى بعده محيي الدّين بن الزّكي بمدرسة واحدة، وفرّقت مدارسه على العلماء.
وأمّا صاحبه الوزير المسمّى بالأمين، فإنه بقي إلى سنة ثمان وأربعين [وستمائة] ثم شنق بالدّيار المصرية، وأخذت حواصله فبلغت ثلاثة آلاف ألف دينار. انتهى كلام الإسنوي.
وقال ابن قاضي شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان فاسد العقيدة، دهريا، مستهزئا بأمور الشريعة، يخرج إلى الجمعة سكران، وإذا سمع بصاحب مال جهّز من يدّعي عليه بمبلغ من المال، فإذا أنكر أخرج عليه حجّة بالمبلغ، وعنده شهود زور، أعدّهم لذلك. وحمل القاضي الرّفيع إلى بعلبك على بغل بغير إكاف، ثم بعث به إلى مغارة في جبل لبنان من ناحية الساحل، وأرسل إليه شاهدا عدل ببيع أملاكه، وأوقف على رأس القلعة، فقال: دعوني حتى أصلي ركعتين، فصلّى وأطال، فرفسه داود سيّاف النقمة فوقع، فما وصل إلى الماء إلّا وقد تقطع. انتهى.
__________
[1] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وغلّ كبيرهم» .(7/373)
وفيها الملك المغيث عمر بن الصالح أيوب [1] ، لم تحفظ عنه كلمة فحش. حبسه الملك إسماعيل وضيّق عليه السّامري، فمات غمّا وغبنا، ودفن بتربة جدّه الملك الكامل.
وفيها النّفيس أبو البركات محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي [2] . سمع بمكة عبد المنعم الفراوي، وبالثغر من أبي الطّاهر بن عوف، وأبي طالب التّنوخي. توفي في آخر السنة عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها أبو القاسم القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الأنصاري القرطبي [3] نزيل مالقة. كان حافظا، مصنّفا، إماما في العربية والقراءات. قاله ابن ناصر الدين.
وفيها أبو الحسن علي [بن الأنجب] بن ما شاء الله بن الحسين بن عبد الله بن عبد الله العلوي الحسيني البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي المقرئ ابن الجصّاص [4] .
ولد في أوائل سنة ست وستين وخمسمائة، وقرأ القراءات على ابن الباقلاني الواسطي بها. وسمع الحديث من ابن شاتيل، وشهدة، وابن كليب، وغيرهم.
وتفقّه على أبي الفتح بن المنّي، وتكلّم في مسائل الخلاف، وناظر، وحدّث.
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 351) .
[2] انظر «العبر» (5/ 173) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) .
[3] انظر «الذيل والتكملة» للمراكشي (5/ 2/ 557- 566) - وفيه مصادر ترجمته- و «التبيان شرح بديعة البيان» (177/ آ) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 230) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.(7/374)
وروى عنه ابن النجّار، وأجاز لسليمان بن حمزة، والقاسم بن عساكر، وغيرهما، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعيد بن مسافر بن جميل البغدادي الأزجي الحنبلي الأديب [1] .
ولد في سابع ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. وسمع بإفادة والده من ابن شاتيل، وابن كليب، وغيرهما. وكان لديه فضل وأدب، وله تصانيف. وسمع منه المحبّ المقدسي، وعلي بن عبد الدائم، وتوفي في ثالث رجب ببغداد.
وفيها الجمال بن المخيلي أبو الفضل يوسف بن عبد المعطي بن منصور بن نجا الغسّاني الإسكندراني المالكي [2] . روى عن السّلفي وجماعة، وكان من أكابر بلده. توفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 230- 231) .
[2] انظر «العبر» (5/ 173) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 116) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 352) .(7/375)
سنة ثلاث وأربعين وستمائة
بها كان الغلاء المفرط بدمشق، بيعت الغرارة بألف وستمائة درهم، وأكلت الجيف، وتوفي بها خلق كثير من الأعيان.
وفيها، وجزم ابن كمال باشا أنه توفي في التي قبلها، شمس الأئمة الكردري الحنفي محمد بن عبد الغفّار بن محمد العلماوي الكردري- بفتح الكاف والدال المهملة وسكون الراء الأولى، نسبة إلى كردر ناحية بخوارزم-.
قال ابن كمال باشا في «طبقاته» : كان أستاذ الأئمة على الإطلاق، والموفود إليه من الآفاق. أخذ عن شيخ الإسلام برهان الدّين علي المرغيناني صاحب «الهداية» والشيخ مجد الدّين السّمرقندي، والشيخ برهان الدّين ناصر صاحب «المغرب» [1] ، والعلّامة بدر الدّين عمر بن عبد الكريم الورسكي، والشيخ شرف الدّين أبي محمد عمر بن محمد بن عمر العقيلي، والقاضي عماد الدّين أبي العلى عمر بن محمد الزّرنجري [2] ، والإمام الزّاهد زين الدّين الغتّابي، والشيخ نور الدّين أبي محمد أحمد بن محمود الصّابوني، والإمام فخر الدّين قاضي خان، ونسبته إلى الجدّ المنسوب إلى الكردر من عمل
__________
[1] طبع في مكتبة أسامة بن زيد بحلب بتحقيق الأستاذين محمود الفاخوري وعبد الحميد مختار عام 1399 هـ وصدر في مجلدين.
[2] في «آ» : «الزّرنجي» .(7/376)
جرجانية خوارزم، برع في معرفة المذهب، ورفع علم أصول الفقه بعد اندراسه من زمن القاضي أبي زيد الدّبوسي، وشمس الأئمة السّرخسي، وتفقه عنه كثير من الفقهاء، ومات ببخارى يوم الجمعة تاسع المحرّم انتهى.
وفيها سيف الدّين أبو العبّاس أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد ابن قدامة المقدسي الصّالحي [1] ، المحدّث الحافظ ابن ابن شيخ الإسلام موفق الدّين الحنبلي.
ولد سنة خمس وستمائة بالجبل، وسمع من جدّه الكثير، ومن أبي اليمن الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني، وداود بن ملاعب، وطبقتهم.
ورحل فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السّلام وخلق من أصحاب ابن ناصر وغيرهم، وكتب بخطّه الكثير.
قال الذهبي: كتب العالي والنازل. وجمع وصنّف، وكان ثقة، حافظا، ذكيا، متيقظا [2] مليح الخطّ، عارفا بهذا الشأن، عاملا بالأثر، صاحب عبادة وإنابة، تامّ المروءة، أمّارا بالمعروف، قوّالا بالحقّ، ولو طال عمره لساد أهل زمانه علما وعملا. ومحاسنه جمّة، وألّف مجلدا كبيرا في الردّ على الحافظ محمد بن طاهر المقدسي بإباحته للسماع، وانتفعت كثيرا بتعاليق الحافظ سيف الدّين. انتهى.
توفي في مستهل شعبان بسفح قاسيون، ودفن به، وله أيضا كتب أخر.
وفيها الإمام تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الفقيه الحنبلي [3] .
__________
[1] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1446- 1447) و «القلائد الجوهرية» (2/ 435- 436) و «النجوم الزاهرة» (6/ 353) .
[2] في «آ» : «منقطعا» وما جاء في «ط» موافق لما في «تذكرة الحفّاظ» مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 232- 233) و «القلائد الجوهرية» (2/ 470- 471) .(7/377)
ولد في صفر سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع بدمشق من أبي طاهر الخشوعي، وحنبل الرّصافي، وابن طبرزد، وغيرهم، ورحل في طلب الحديث، فسمع بأصبهان من أسعد بن روح، وعفيفة الفارفانية وخلق.
وببغداد من سليمان بن الموصلي وغيره، وقرأ الحديث بنفسه كثيرا وإلى آخر عمره، وتفقّه على الشيخ موفق الدّين، وهو جدّه لأمه، وببغداد على الفخر إسماعيل، وبرع، وانتهت إليه مشيخة المذهب بالجبل.
قال ابن الحاجب: سألت عنه الحافظ ابن عبد الواحد فقال: حصّل ما لم يحصّله غيره، وحدّث، وروى عنه سليمان بن حمزة القاضي وغيره، وتوفي في ثامن عشري ربيع الآخر، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها ابن الجوهري الحافظ أبو العبّاس أحمد بن محمود بن إبراهيم ابن نبهان الدمشقي [1] مفيد الجماعة، وله أربعون سنة. سمع من أبي المجد القزويني وخلق، ورحل إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وكتب الكثير، واستنسخ، وكان ذكيا متقنا رئيسا ثقة. قاله الذّهبي.
وفيها القاضي الأشرف أبو العبّاس أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني [2] ثم المصري [3] في جمادى الآخرة وله سبعون سنة. سمع من فاطمة بنت سعد الخير، والقاسم بن عساكر، وحصل له في الكهولة غرام زائد بطلب الحديث، فسمع الكثير، وكتب واستنسخ، وكان رئيسا، نبيلا، وافر الجلالة، استوزره الملك العادل، فلما مات عرضت عليه فلم يقبلها. مات بالقاهرة ودفن بتربة أبيه.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 264) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) .
[2] في «آ» و «ط» : «البيثاني» بالثاء والتصحيح من «العبر» و «حسن المحاضرة» .
[3] انظر «العبر» (5/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 211) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «الوافي بالوفيات» (7/ 57- 85) و «حسن المحاضرة» (1/ 564) .(7/378)
وفيها معين الدّين الصّاحب الكبير أبو علي الحسن ابن شيخ الشيوخ صدر الدّين محمد بن عمر الجويني [1] في رمضان، وقد قارب الستين. ولي عدة مناصب، وتقدم عند صاحب مصر فأمّره على جيشه الذين حاصروا دمشق، فأخذها وولّى وعزل، وعمل نيابة السلطنة، فبغته الأجل بعد أربعة أشهر ووجد ما عمل.
وفيها ربيعة خاتون الصّاحبة أخت صلاح الدّين والعادل [2] وقد نيّفت على الثمانين، ودفنت بمدرستها بالجبل، وتوفيت في شعبان.
وفيها أبو الرجاء سالم بن عبد الرزاق بن يحيى المقدسي [3] ، خطيب عقربا [4] . روى عن أبي المعالي بن صابر وجماعة، وعاش أربعا وسبعين سنة.
وفيها الشّرف أبو محمد وأبو بكر، عبد الله بن الشيخ أبي عمر، محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل الصّالحي الحنبلي الخطيب [5] .
ولد في أواخر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بدمشق، وسمع بها من يحيى الثقفي وغيره، وببغداد من أبي الفرج بن الجوزي، وابن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 175- 176) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 100) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (177) و «المختصر في تاريخ البشر» (3/ 174) و «العبر» (5/ 176) و «البداية والنهاية» (13/ 170) و «ترويح القلوب في ذكر ملوك بني أيوب» للمرتضى الزّبيدي ص (78) بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد.
[3] انظر «العبر» (5/ 176) .
[4] قرية من قرى الغوطة إلى الجنوب الشرقي من دمشق تبعد عن وسط المدينة قرابة خمس كيلو مترات.
[5] انظر «ذيل الروضتين» ص (177) و «العبر» (5/ 176) و «القلائد الجوهرية» (1/ 478- 479) .(7/379)
المعطوش [1] ، وابن سكينة، وطبقتهم. وبمصر من البوصيري، والأرتاحي، وغيرهما. وتفقّه على والده وعمّه، وخطب بجامع الجبل مدة، وكان شيخا حسنا يشار إليه بالعلم والدّين، والورع والزهد، وحسن الطريقة وقلّة الكلام.
قال الحافظ الضياء: كان فقيها، فاضلا، ديّنا، ثقة وكتب عنه مع تقدمه. توفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها أبو منصور عبد الله بن محمد بن أبي محمد بن الوليد البغدادي الحريمي الحافظ المحدّث الحنبلي [2] ، أحد من عني بهذا الشأن [3] . سمع الكثير ببغداد من خلق، منهم: ابن الأخضر، وبحرّان من الرهاوي الحافظ وغيره، وبحلب من جماعة، وبدمشق من أبي اليمن الكندي وجماعة.
قال ابن نقطة: سمع بالشام وبلاد الجزيرة، وقرأ الكثير. قال لي أبو بكر تميم بن البندنيجي وغيره: إن اسمه الذي تسمّى به جزيرة تصغير جزرة- بالجيم والزاي-.
وقال الشريف أبو العبّاس الحسيني: كان حافظا، مفيدا، سمع الناس الكثير بقراءته، وكان مشهورا بسرعة القراءة وجودتها، وجمع وحدّث.
وقال ابن رجب: له تخاريج كثيرة [4] ، وفوائد وأجزاء. ورسائل [5] إلى السّامري صاحب «المستوعب» ينكر عليه فيها تأويله [6] لبعض الصفات.
__________
[1] تصحف في «آ» و «ط» و «القلائد الجوهرية» إلى «ابن المعطوس» والتصحيح ترجمته في الجزء السادس صفحة (557) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 213- 214) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 232- 233) .
[3] يعني بالحديث النبوي وعلومه.
[4] في «آ» و «ط» : «له تاريخ كبير» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «رسالة» .
[6] في «آ» و «ط» : «تأوله» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/380)
وذكر ابن السّاعي وغيره، أن المستنصر بالله لما بنى مدرسته المعروفة، رتّب بدار الحديث بها شيخين يشتغلان [1] بعلم الحديث، أحدهما: أبو منصور هذا، والثاني ابن النجار الشافعي صاحب «التاريخ» .
توفي ببغداد في ثالث جمادى الأولى ودفن خلف بشر الحافي.
وفيها أبو سليمان عبد الرحمن بن الحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي [2] الحنبلي، الفقيه الزاهد.
ولد سنة ثلاث أو أربع وثمانين وخمسمائة في شوال، وسمع بدمشق من الخشوعي وغيره، وبمصر من البوصيري وغيره. وببغداد من ابن الجوزي وطبقته. وتفقّه على الشيخ الموفق حتّى برع، وكان يؤم معه في جامع بني أميّة بمحراب الحنابلة. وأفتى ودرّس، وكان إماما، عالما، فاضلا، ورعا، حسن السمت، دائم البشر، كريم النّفس، مشتغلا بنفسه وبإلقاء الدّروس المفيدة.
قال أبو شامة: كان من أئمة الحنابلة، ومن الصالحين، وحدّث، وروى عنه ابن النجار.
وتوفي في تاسع عشري صفر، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها الحافظ المكثر سراج الدّين أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن بركات بن شحانة الحرّاني الحنبلي [3] . أحد من عني بعلم الحديث. سمع بحرّان من الرهاوي، وبدمشق من ابن الحرستاني، وابن ملاعب، وغيرهما.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «يشغلان» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «العبر» (5/ 176- 177) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 231- 232) و «القلائد الجوهرية» (1/ 477) .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 214- 215) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 240- 241) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.(7/381)
وبحلب من الافتخار الهاشمي. وبالموصل من مسمار بن العويس. وبمصر من أصحاب السّلفي وغيره. وببغداد من الأرموي وغيره. وكتب بخطّه الكثير.
قال ابن نقطة: هو شاب ثقة [حسن المذاكرة] .
وقال غيره: كان ممن له الرحلة الواسعة في الطلب. سمع من الجمّ الغفير، وسكن آخر عمره بميّافارقين، وبها مات. وصار صاحب ثروة بعد الفقر. وكانت له بنت عمياء تحفظ كثيرا، إذا سئلت عن باب من العلم من الكتب الستة ذكرت أكثره، وكانت في ذلك أعجوبة، لم تبلغ أوان الرواية [1] ، وتوفي والدها في جمادى الآخرة.
وشحانة: بضم الشين المعجمة، وفتح الحاء المهملة الخفيفة، وبعد الألف نون.
وفيها أسعد الدّين أبو القاسم عبد الرحمن بن مقرّب بن عبد الكريم الحافظ التّجيبي الكندي الإسكندراني [2] ، المنعوت بالجلال العدل، تلميذ ابن المفضّل. روى عن البوصيري، وابن موقا، وعني بالحديث، وكتب وخرّج وتوفي في صفر.
وفيها عبد المحسن بن حمّود الصدر العلّامة أمين الدّين التّنوخي الحلبي [3] ، الكاتب المنشئ. روى عن حنبل وطبقته، وله «ديوان» ترسّل
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «لم يبلغ أبو محمد- يعني المترجم- رحمه الله أوان الرواية» .
[2] انظر «العبر» (5/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 215) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) .
[3] انظر «العبر» (5/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 215- 216) و «النجوم الزاهرة» (6/ 353) .(7/382)
و «ديوان» شعر، وكتب لجماعة من الملوك. وصنّف «مفتاح الأفراح [1] في امتداح الرّاح» وغير ذلك من المجاميع الأدبية.
توفي في رجب وله ثلاث وسبعون سنة.
وفيها الصّاحب الوزير، فلك الدّين عبد الرحمن بن هبة الله المسيري [2] الوزير المصري، وزير الملك العادل. كانت الملوك تقبّل يديه إذا رأوه ركب في الموكب مع الملك الكامل، فلما وصل إلى باب السرّ أراد أن ينزل على العادة، فرسم له أن لا ينزل، فدخل قدّام الكامل إلى القلعة راكبا، فلما نزلا قال للكامل: ما بقيت أخشى بعدها أي موتة أموت، فضحك الكامل. وكان له مملوك حسن يقال له: أزبك، فائق الجمال، فعمل فيه العزّ القليوبي دوبيت:
البدر بدا من صدغه في حلك ... والعقل غدا من حسنه في شرك
تحت الفلك الخلق كثير لكن ... ما مثلك يا أزبك فوق الفلك
وفيها تقي الدّين بن الصّلاح الحافظ، شيخ الإسلام أبو عمرو عثمان ابن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشّهرزوري الموصلي الشافعي [3] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من عبيد الله بن السّمين، ومنصور الفراوي، وطبقتهما. وتفقّه، وبرع في المذهب وأصوله، وفي الحديث وعلومه. وصنّف التصانيف، مع الثقة، والدّيانة، والجلالة.
قال ابن خلّكان: كان أحد فضلاء عصره في التفسير، والحديث،
__________
[1] في «كشف الظنون» (2/ 1758) : «مفاتح الأرواح ... » .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 501) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 243- 245) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 140- 144) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 326- 336) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. (2/ 142- 146) .(7/383)
والفقه، وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث واللغة.
وإذا أطلق الشيخ في علماء الحديث فالمراد به هو، وإلى ذلك أشار العراقي صاحب «الألفية» بقوله فيها [1] :
وكلّما أطلقت لفظ الشّيخ ما ... أريد إلّا ابن الصّلاح مبهما
وكانت فتاويه مسددة، وكان شيخي [2] أحد أشياخي الذين انتفعت بهم. قرأ الفقه أولا على والده الصلاح، ثم نقله والده إلى الموصل واشتغل بها مدة، ثم تولى الإعادة عند ابن يونس بالموصل، ثم سافر إلى خراسان وأقام بها زمانا، وحصّل علم الحديث هناك، ثم رجع إلى الشام. وتولى المدرسة الناصرية [3] بالقدس الشريف، المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدّين يوسف بن أيوب، وأقام بها مدة. واشتغل الناس عليه وانتفعوا به، ثم انتقل إلى دمشق، وتولى تدريس المدرسة الرواحية التي أنشأها الزّكي ابن رواحة الحموي. ولما بنى الأشرف دار الحديث بدمشق، فوّض تدريسها إليه، وتولى تدريس مدرسة ستّ الشام التي قبل المارستان النّوري، وكان يقوم بوظائف الجهات الثلاث، من غير إخلال بشيء منها. وكان من العلم والدّين على قدم عظيم، ولم يزل أمره جاريا على السّداد، والصلاح، والاجتهاد في الاشتغال إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح، وصلّي عليه بعد الظهر، وهو الخامس والعشرون من ربيع الآخر بدمشق، ودفن بمقابر الصّوفية. انتهى ملخصا.
وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «مشكل الوسيط» في مجلد كبير.
__________
[1] انظر «فتح المغيث شرح ألفية الحديث» (1/ 6) .
[2] يعني المترجم.
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (168/ ب) : «النظامية» والتصحيح من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف وانظر «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 83) .(7/384)
وكتاب «الفتاوى» و «علوم الحديث» [1] وكتاب «أدب المفتي والمستفتي» [2] ونكت على «المهذّب» و «فوائد الرحلة» وهي أجزاء كثيرة. و «طبقات الشافعية» واختصره النّووي [3] واستدرك عليه، وأهملا خلائق من المشهورين، وإنهما كانا يتّبعان التراجم الغريبة. انتهى ملخصا أيضا.
وفيها السخاوي علم الدّين العلّامة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصّمد بن عبد الأحد الهمداني، المقرئ النحوي الشافعي [4] .
ولد قبل الستين وخمسمائة، وسمع من السّلفي وجماعة، وقرأ القراءات على الشّاطبي وغيره حتى فاق أهل زمانه في القراءات، وانتهت إليه رئاسة الإقراء والأدب بدمشق، وقرأ عليه خلق لا يحصيهم إلا الله.
قال الذهبي: ما علمت أحدا في الإسلام حمل عنه القراءات أكثر مما حمل عنه. وله تصانيف سائرة متقنة.
وقال ابن قاضي شهبة: ازدحم عليه الطلبة وقصدوه من البلاد وتنافسوا في الأخذ عنه، وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، مطّرحا للتكلف، حلو المحاضرة، مطبوع النّادرة، حادّ القريحة، من أذكياء بني آدم، وكان وافر الحرمة، كبير القدر، محبّبا إلى الناس، ليس له شغل إلّا العلم والإفادة.
__________
[1] نشر عدة مرات أجودها التي صدرت عن دار الفكر بدمشق بتحقيق الأستاذ الدكتور نور الدّين عتر.
[2] نشر بتحقيق الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان، نفع الله تعالى به.
[3] والمختصر قيد الطبع ببيروت، وقد قام بتحقيقه الأستاذ محيي الدّين نجيب، زاده الله تعالى توفيقا.
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 340- 341) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 122- 124) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 297- 298) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 631- 635) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 147- 149) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 412- 413) .(7/385)
توفي في جمادى الآخرة، ودفن بقاسيون. ومن تصانيفه «التفسير» إلى الكهف في أربع مجلدات، و «شرح الشاطبية» في مجلدين، و «شرح الرائية» في مجلد، وكتاب «جمال القراء وتاج الإقراء» و «شرح المفصل» للزّمخشري في أربع مجلدات، وغير ذلك.
وقال ابن خلّكان: رأيته مرارا راكبا بهيمة وهو يصعد إلى جبل الصالحية وحوله اثنان أو ثلاثة، وكل واحد يقرأ ميعاده في غير موضع الآخر، والكلّ في دفعة واحدة، وهو يردّ على الجميع. [ولم يزل] مواظبا على وظيفته.
ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه:
قالوا غدا تأتي ديار الحمى ... وينزل الرّكب بمغناهم
فكلّ من كان مطيعا لهم ... أصبح مسرورا بلقياهم
قلت: فلي ذنب فما حيلتي ... بأيّ وجه أتلقّاهم
قالوا: أليس العفو من شأنهم ... لا سيما عمّن ترجّاهم
ثم ظفرت بتاريخ مولده سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بسخاو [1]- بفتح السين المهملة والخاء المعجمة وبعدها ألف ثم واو- هذه النسبة إلى سخاو [1] بليدة من أعمال مصر، وقياسه سخوي، ولكن الناس أطبقوا على النسبة الأولى. انتهى.
وفيها أبو الحسن بن المقيّر، مسند الدّيار المصرية، علي بن أبي عبد الله الحسين بن علي بن منصور البغدادي الحنبلي النجّار [2] .
__________
[1] كذا كتبها المؤلف «سخاو» بسين وخاء وألف وواو، والذي في «معجم البلدان» (3/ 196) :
«سخا» بسين وخاء وألف.
[2] انظر «العبر» (5/ 178) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 119- 121) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «النجوم الزاهرة» (6/ 355) .(7/386)
ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وسمع من شهدة، ومعمر بن الفاخر، وجماعة. وأجاز له ابن ناصر، وأبو بكر ابن الزّاغوني، وطائفة. وكان صاحب تلاوة وذكر وأوراد. توفي في نصف ذي القعدة بالقاهرة. قاله في «العبر» .
وفيها ضياء الدّين أبو إبراهيم محاسن بن عبد الملك بن علي بن نجا التنوخي الحموي ثم الصّالحي [1] ، الفقيه الحنبلي.
سمع بدمشق من الخشوعي، وتفقّه على الشيخ موفق الدّين حتّى برع، وكان عارفا بالمذاهب، قليل التعصب، زاهدا، ما نافس في منصب قطّ ولا دنيا، ولا أكل من وقف، بل كان يتقوت من شكارة تزرع له بحوران. وما آذى مسلما قطّ، ولا دخل حمّاما، ولا تنعّم في ملبس ولا مأكل، ولا زاد على ثوب وعمامة في طول عمره. وكان على خير كثير، قلّ من يماثله في عبادته واجتهاده وسلوك طريقته، رحمه الله.
قرأ عليه جماعة وحدّث.
وتوفي في ليلة الرابع من جمادى الآخرة بجبل قاسيون وبه دفن، وممن قرأ عليه صاحب «المبهم» عبد الله بن أبي بكر الحربي كتيلة [2] ، وقال: ذكر لي أن من يحرّك أصبعه المسبّحة في تشهده، كان ذلك عبثا يبطل صلاته [3] .
قال: وقول من قال من أصحابنا: يشير بها مرارا، يعني عند الشهادتين فقط.
وفيها الحافظ الكبير ضياء الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد ابن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السّعدي المقدسي
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 234) و «القلائد الجوهرية» (2/ 477- 478) .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (169/ آ) : «كتابه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[3] أقول: ليس عليه أي دليل على البطلان. (ع) .(7/387)
الصّالحي الحنبلي [1] ، محدّث عصره ووحيد دهره، شهرته تغني عن الإطناب في ذكره والإسهاب في أمره.
ولد في [2] خامس جمادى الآخرة سنة تسع وستين وخمسمائة. وسمع بدمشق من أبي المجد البانياسي، وأحمد بن الموازيني وغيرهما. وبمصر من البوصيري، وفاطمة بنت سعد الخير، وجماعة. وببغداد الكثير من ابن الجوزي، وابن المعطوش [3] وابن سكينة، وابن الأخضر، وهذه الطبقة.
وبأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني وطبقته، وبهمذان من عبد الباقي بن عثمان. وبنيسابور من المؤيد الطّوسي وطبقته، وبهراة من أبي روح، وبمرو من أبي المظفّر بن السمعاني، ورحل مرتين إلى أصبهان. وسمع بها ما لا يوصف كثرة. وكتب بخطّه الكثير من الكتب الكبار وغيرها.
قال ابن رجب: يقال: إنه كتب عن أزيد من خمسمائة شيخ، وحصّل أصولا كثيرة، وأقام بهراة، ومرو مدة، وله إجازة من السّلفي، وشهدة.
وقال ابن النجار: كتبت عنه ببغداد، ونيسابور، ودمشق، وهو حافظ، متقن، ثبت، ثقة، صدوق، نبيل، حجّة، عالم بالحديث وأحوال الرجال.
وله مجموعات وتخريجات، وهو ورع، تقيّ، زاهد، عابد، محتاط في أكل الحلال، مجاهد في سبيل الله، ولعمري ما رأت عيناي مثله في نزاهته، وعفّته، وحسن سيرته وطريقته في طلب العلم.
وقال عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبد الله، شيخ وقته، ونسيج وحده، علما، وحفظا، وثقة، ودينا، من العلماء الربّانيين، وهو أكبر من أن يدلّ عليه
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 179- 180) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 126- 130) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «الوافي بالوفيات» (4/ 65- 66) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 236- 240) و «القلائد الجوهرية» (1/ 130- 134) .
[2] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[3] في «آ» و «ط» : «المعطوس» بالسين المهملة، والتصحيح من المصادر التي بين يدي.(7/388)
مثلي. كان شديد التحري في الرواية، مجتهدا في العبادة، كثير الذكر، منقطعا عن الناس، متواضعا في ذات الله، رأيت جماعة من المحدّثين ذكروه فأطنبوا في حقّه، ومدحوه بالحفظ والزهد، سألت البرزالي عنه فقال: ثقة جبل حافظ ديّن.
وقال الشريف أبو العبّاس الحسيني: حدّث بالكثير مدة، وخرّج تخاريج كثيرة مفيدة، وصنّف تصانيف حسنة. وكان أحد أئمة هذا الشأن، عارفا بالرّجال وأحوالهم، والحديث صحيحه وسقيمه، ورعا، متدينا، طارحا للتكلف.
وقال الذهبي: بنى مدرسة على باب الجامع المظفّري بسفح قاسيون، وأعانه عليها بعض أهل الخير، ووقف عليها كتبه وأجزاءه.
وقال غيره: بناها للمحدّثين والغرباء الواردين، مع الفقر والقلة، وكان يبني منها جانبا ويصبر إلى أن يجتمع عنده ما يبني به، ويعمل فيها بنفسه، ولم يقبل من أحد فيها شيئا تورعا. وكان ملازما لجبل الصالحية قبل أن يدخل البلد، أو يحدّث به، ومناقبه أكثر من أن تحصر.
وقال الذهبي أيضا- نقلا عن الحافظ المزّي- أنه كان يقول: الضياء أعلم بالحديث والرجال من الحافظ عبد الغني، ولم يكن في وقته مثله.
وقال الذهبي أيضا: الإمام، العالم، الحافظ، الحجّة، محدّث الشام، شيخ السّنّة، ضياء الدّين، صنّف، وصحّح، وليّن، وجرّح، وعدّل. وكان المرجوع إليه في هذا الشأن.
وقال ابن رجب أيضا: من مصنفاته «الأحاديث المختارة» [1] خرّجها من
__________
[1] قلت: قال العلّامة الكتّاني في «الرسالة المستطرفة» ص (24) طبع دار البشائر الإسلامية:
وهو مرتب على المسانيد على حروف المعجم، لا على الأبواب، في ستة وثمانين جزءا، ولم يكمل، التزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها، وقد سلّم له فيها-(7/389)
مسموعاته. كتب منها تسعين جزءا ولم تكمل، كتاب «فضائل الأعمال» أربعة أجزاء [1] ، كتاب «فضائل الشام» ثلاثة أجزاء [2] ، «مناقب أصحاب الحديث» أربعة أجزاء، «صفة الجنة» ثلاثة أجزاء، «صفة النّار» جزءان، «أفراد الصحيح» جزء و «غرائبه» تسعة أجزاء، «ذم المسكر» جزء، «الموبقات» أجزاء كثيرة، «كلام الأموات» جزء، «شفاء العليل» جزء، «الهجرة إلى أرض الحبشة» جزء، «قصة موسى عليه السلام» جزء، «فضائل القراءة» جزء، «الرّواة عن البخاري» جزء، كتاب «دلائل النبوة» ، «الإلهيات» ثلاثة أجزاء، «الحكايات المستطرفة» [3] أجزاء كثيرة، كتاب «سبب هجرة المقادسة إلى دمشق وكرامات مشايخهم» نحو عشرة أجزاء، وأفرد لأكابرهم من العلماء لكل واحد سيرة في أجزاء كثيرة، «الطب والرقيات» أجزاء [4] وغير ذلك.
وممن روى عنه ابن نقطة، وابن النجار، والبرزالي، وعمر بن الحاجب، وابن أخيه الفخر البخاري، وخلق كثير.
__________
إلّا أحاديث يسيرة جدا تعقبت عليه، وذكر ابن تيمية، والزركشي، وغيرهما، أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم. وفي «اللآلئ» ذكر الزركشي في تخريج الرافعي، أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم، وأنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبّان. وذكر ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي» نحوه، وزاد فإن الغلط فيه قليل، ليس هو مثل صحيح الحاكم، فإن فيه أحاديث كثيرة يظهر أنها كذب موضوعة، فلهذا انحطت درجته عن درجة غيره.
قلت: وشرعت الرئاسة العامة لتعليم البنات في المملكة العربية السعودية بطبعه بتحقيق الأستاذ الشيخ عبد الملك بن عبد الله بن الدّهيش، وقد صدر المجلد الأول منه في العام الماضي. وصدر المجلد الثاني هذا العام، والمجلد الثالث منه تحت الطبع.
[1] نشر أول مرة في مكتبة النمنكاني بالمدينة المنورة من غير تحقيق ولا تخريج، ثم نشر نشرة متقنة جيدة في مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق الأستاذ غسّان عيسى محمد هرماس.
[2] حقّق القسم المتعلق ببيت المقدس منه صديقي الفاضل الأستاذ محمد مطيع الحافظ، حفظه الله تعالى ونفع به، ونشرته دار الفكر بدمشق منذ عدة سنوات.
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «الحكايات المستطرفات» .
[4] قلت: ومن مصنفاته أيضا رسالة «اتباع السنن واجتناب البدع» وهي رسالة نافعة مفيدة في موضوعها، وقد من الله- عزّ وجلّ- عليّ بتحقيقها بالاشتراك مع صديقي الفاضل الأستاذ محمد بدر الدّين قهوجي، ونشرتها دار ابن كثير ضمن سلسلة «نصوص تراثية» .(7/390)
توفي يوم الاثنين ثامن عشري جمادى الآخرة بسفح قاسيون، ودفن به، رحمه الله تعالى.
وفيها العزّ النسّابة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن عساكر الدمشقي الشافعي [1] .
قال الذهبي: صدر كبير محتشم، سمع من عمّ والده الحافظ [2] ، ومن أبي الفهم بن أبي العجائز، وطائفة.
وتوفي في جمادى الأولى. انتهى.
وفيها التّاج أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي [3] إمام الكلّاسة وابن إمامها.
ولد بدمشق في أول سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من عبد المنعم الفراوي بمكّة. ومن يحيى الثّقفي، والفضل البانياسي بدمشق.
وطلب، وتعب، ونسخ الكثير. وكان حافظا ذا دين ووقار.
قال ابن ناصر الدّين [4] : كان حافظا مشهورا وإماما مكثرا مذكورا.
توفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن الخازن أبو بكر محمد بن سعيد بن الموفق النيسابوري ثم البغدادي [5] ، أحد مشايخ الصّوفية الأكابر.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 216- 217) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) .
[2] يعني الحافظ أبي القاسم بن عساكر صاحب «تاريخ دمشق» .
[3] انظر «العبر» (5/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 217- 218) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267- 268) .
[4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (178/ آ- ب) .
[5] انظر «العبر» (5/ 179) .(7/391)
ولد في صفر سنة ست وخمسين وخمسمائة، وسمع من أبي زرعة المقدسي، وأحمد بن المقرّب، وجماعة، وتوفي في السابع والعشرين من ذي الحجّة.
وفيها ابن النجّار الحافظ الكبير محبّ الدّين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي [1] صاحب «تاريخ بغداد» [2] .
ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع من ذاكر بن كامل، وابن بوش، وابن كليب. ورحل إلى أصبهان، وخراسان، والشام، ومصر، وكتب ما لا يوصف. وكان ثقة متقنا، واسع الحفظ، تامّ المعرفة بالفنّ. قاله في «العبر» .
وقال ابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» : كان شافعي المذهب وأول سماعه وهو ابن عشر سنين، وطلب بنفسه وهو ابن خمس عشرة، وسمع الكثير، وقرأ بالسبع على أبي أحمد بن سكينة، ورحل رحلة عظيمة إلى الشام، ومصر، والحجاز، وأصبهان، وحرّان، ومرو، وهراة، ونيسابور.
واستمر في الرحلة سبعا وعشرين سنة. وكتب عمّن دبّ ودرج، وعمّن نزل وعرج. وعني بهذا الشأن عناية بالغة، وكتب الكثير وحصّل وجمع.
قال الذهبي: كان إماما، ثقة، حجّة، مقرئا، مجوّدا، كيسا، متواضعا، ظريفا، صالحا، خيّرا، متنسكا، أثنى عليه ابن نقطة، والدّبيثي، والضياء المقدسي، وهم من صغار شيوخه من حيث السند.
وقال ابن الساعي: كان ثقة من محاسن الدّنيا [3] ، ووقف كتبه بالنظامية،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 131- 134) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 156- 158) .
[2] الصواب في اسمه «ذيل تاريخ بغداد» وقد طبع قسم منه في الهند.
[3] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «كان شيخ وقته، وكان من محاسن الدنيا ... » .(7/392)
مات ببغداد في خامس شعبان ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب.
ومن تصانيفه كتاب «القمر المنير في المسند الكبير» و «ذكر كل صحابي وما له من الحديث» وكتاب «كنز الأنام في السّنن والأحكام» وكتاب «جنّة النّاظرين في معرفة التابعين» وكتاب «الكمال في معرفة الرجال» و «ذيل على تاريخ بغداد» للخطيب في ستة عشر مجلدا، وكتاب «المستدرك على تاريخ الخطيب» في عشر مجلدات، وكتاب في «المتفق والمفترق» على منهاج كتاب الخطيب، وكتاب في «المؤتلف والمختلف» ذيّل به على ابن ماكولا، وكتاب «المعجم» له اشتمل على نحو من ثلاثة آلاف شيخ، وكتاب «العقد الفائق في عيون أخبار الدّنيا ومحاسن الخلائق» ، وكتاب «الدّرّة الثمينة في أخبار المدينة» وكتاب «نزهة الورى في أخبار أم القرى» وكتاب «روضة الأولياء في مسجد إيلياء» وكتاب «مناقب الشافعي» وكتاب «غرر الفوائد» [1] في ست مجلدات، وغير ذلك. انتهى كلام ابن شهبة.
وفيها المنتجب [2] بن أبي العزّ بن رشيد أبو يوسف الهمذاني المقرئ [3] ، نزيل دمشق. قرأ القراءات على أبي الجود وغيره، وصنّف شرحا كبيرا ل «الشاطبية» وشرحا ل «مفصّل» الزمخشري، وتصدر للإقراء.
توفي في ربيع الأول.
وفيها أبو غالب منصور بن أبي الفتح أحمد بن محمد بن محمد المراتبي الخلّال ابن المعوّج [4] .
__________
[1] في «ط» : «الفرائد» .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «المنتخب» بالخاء والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 219- 220) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 637- 638) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) .
[4] انظر «العبر» (5/ 181) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 220) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) .(7/393)
ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وسمع محمد بن إسحاق الصّابي، وأبا طالب بن حضير، وغيرهما. وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها تاج الدّين أبو القاسم نصر بن أبي السعود بن مظفّر بن الخضر ابن بطّة اليعقوبي [1] الضرير، الفقيه الحنبلي من أهل يعقوبا، وفي كثير من طباق السماع ينسب إلى عكبرا، وفي بعض الطباق بسبط ابن بطّة، وهذا يدلّ على أنه من ولد بعض بنات أبي عبد الله بن بطّة. دخل بغداد في صباه، فقرأ على ابن زريق القزّاز، وابن شاتيل، وابن كليب، وغيرهم. وتفقه في المذهب على ابن الجوزي وغيره، وبرع وأفتى وناظر، وأخذ عنه ابن النجار ولم يذكره في «تاريخه» . وأجاز لعبد الصّمد بن أبي الجيش وغيره، ولأحمد الحجّار. وتوفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ببغداد ودفن بباب حرب.
وفيها عماد الدّين أبو بكر يحيى بن علي بن علي بن عنان الغنوي البغدادي الفقيه الحنبلي الفرضي، المعروف بابن البقّال [2] .
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة تقريبا، وطلب العلم في صباه، وسمع الكثير من أبي الفتح بن شاتيل، وأبي الفرج بن كليب، وابن الجوزي، وغيرهم. وتفقه في المذهب، وقرأ الفرائض والحساب، وتصرف في الأعمال السلطانية، وكان صدوقا، حسن السيرة، وروى عنه جماعة، منهم عبد الصمد بن أبي الجيش، وتوفي يوم الأحمد سلخ رمضان ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب. قاله ابن رجب.
وفيها الموفق يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي [3] .
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 235- 236) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 242) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 46- 53) و «العبر» (5/ 181) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 144- 147) .(7/394)
ولد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وسمع بالموصل من أبي الفضل الطّوسي. وبحلب من أبي سعد بن أبي عصرون، وطائفة. وانتهى إليه معرفة العربية ببلده، وتخرّج به خلق كثير. توفي في الخامس والعشرين من جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: كان فاضلا، ماهرا في النحو والتصريف، ويعرف بابن الصائغ. رحل في صدر عمره من حلب قاصدا بغداد ليدرك أبا البركات عبد الرحمن المعروف بابن الأنباري، فلما وصل إلى الموصل بلغه خبر وفاته، فأقام بها مديدة، وسمع الحديث بها، ولما عزم على التصدّر للإقراء سافر إلى دمشق واجتمع بالشيخ تاج الدّين الكندي الإمام المشهور، وسأله عن مواضع مشكلة في العربية، ثم رجع فتصدّر، وكان حسن التفهيم، لطيف الكلام، طويل الرّوح على المبتدئ، والمنتهي، خفيف الرّوح، لطيف الشمائل، كثير المجون، مع سكينة ووقار. له نوادر كثيرة. انتهى ملخصا
.(7/395)
سنة أربع وأربعين وستمائة
فيها توفي الملك المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدّين شيركوه ابن محمد بن شيركوه [1] ، صاحب حمص وابن صاحبها، وأحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام. مرض بدمشق ببستان الملك الأشرف بالنّيرب، ومات في حادي عشر صفر وحمل تابوته إلى حمص فدفن عند أبيه، وكان عازما على أخذ دمشق ففجأه الموت، وقام بعده بحمص ولده الملك الأشرف موسى.
وفيها أبو العبّاس عز الدّين أحمد بن علي بن معقل المهلّبي الحمصي [2] العلّامة اللّغوي، الذي نظم «الإيضاح» و «التكملة» . عاش سبعا وسبعين سنة، وتوفي في ربيع الأول، وأخذ عن الكندي، وأبي البقاء، وبرع في لسان العرب. وكان صدرا محترما غاليا في التشيع، ومن شعره:
أما والعيون النّجل حلفة صادق ... لقد بيّض التفريق بيض المفارق
وفيها تاج العارفين شمس الدّين الحسن بن عدي [3] بن أبي البركات ابن صخر بن مسافر [4] ، حفيد أبي البركات أخي الشيخ عدي شيخ العدويّة الأكراد، له تصانيف في التصوف وشعر كثير وأتباع يتغالون فيه إلى الغاية.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 481) و «العبر» (5/ 183) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 222- 223) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) ، و «الوافي بالوفيات» (7/ 239- 240) .
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «علي» فتصحح.
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 223) و «العبر» (5/ 183) و «الوافي بالوفيات» (12/ 101- 103) وقد نقل المؤلّف عن «تاريخ الإسلام» وهو غير مطبوع إلى الآن.(7/396)
قال الذهبي: وبينه وبين الشيخ عدي من الفرق كما بين القدم والفرق، وبلغ من تعظيم العدوية الأكراد له ما حدّثني الحسن بن أحمد الإربلي قال: قدم واعظ على هذا الشيخ حسن فوعظه فرقّ قلبه وبكى، وغشي عليه، فوثب الأكراد على الواعظ فذبحوه، فلما أفاق الشيخ رآه يخبط في دمه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: وإلا أيش هو [1] هذا الكلب حتى يبكي سيدنا الشيخ، فسكت حفظا لحرمة نفسه.
احتال عليه بدر الدّين لؤلؤ صاحب الموصل حتى حضر إليه، فحبسه وخنقه بوتر خوفا من الأكراد على بلاده أن يأمرهم بأمر فيخرّبون بلاد الموصل.
وختم الذهبي ترجمته بأن قال [2] :
أمرد وقحبة وقهوة ... طريق أرباب الهوى
هذي طريق الجنّة ... فأين طريق النّار
وفيها إسماعيل بن علي الكوراني [3] الزاهد. كان عابدا، قانتا، صادقا، أمّارا بالمعروف، نهّاء عن المنكر، ذا غلظة على الملوك ونصيحة لهم. روى عن أحمد بن محمد الطرسوسي الحلبي، وتوفي بدمشق في شعبان.
وفيها أبو المظفّر عبد المنعم بن محمد بن محمد بن أبي المضاء البعلبكي ثم الدمشقي [4] . حدّث بحماة عن أبي القاسم بن عساكر، وتوفي في ذي الحجّة بحماة.
__________
[1] لفظة «هو» سقطت من «آ» .
[2] لا يستقيم وزن البيتين وكتاب الذهبي غير متوفر بين أيدينا للعودة إليه للتأكد منه.
[3] انظر «العبر» (5/ 184) و «مرآة الجنان» (4/ 112) .
[4] انظر «العبر» (5/ 184) و «النجوم الزاهرة» (7/ 357) وفيه «ضياء» مكان «مضاء» .(7/397)
وفيها محمد بن حسّان بن رافع بن سمير أبو عبد الله العامري [1] المحدّث المفيد. روى عن الخشوعي وجماعة، وكتب الكثير، وتوفي في صفر.
وفيها تقي الدّين محمد بن محمود بن عبد المنعم البغدادي المراتبي [2] ، نزيل دمشق. الفقيه الحنبلي الإمام أبو عبد الله.
كان عالما، متبحّرا، لم يخلّف في الحنابلة مثله. صحب ببغداد أبا البقاء العكبري وأخذ عنه، ثم قدم دمشق، فصاحب الشيخ موفق الدّين، وتفقه عليه. وبرع وأفتى.
قال أبو شامة: كان عالما فاضلا ذا فنون، ولي به صحبة قديمة، وبعده لم يبق في مذهب أحمد مثله بدمشق.
توفي في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 184) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 147- 148) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (179) و «العبر» (5/ 184) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 242) .(7/398)
سنة خمس وأربعين وستمائة
في جمادى الآخرة أخذ المسلمون عسقلان، وطبريّة عنوة، وكان الفتح على يد فخر الدّين ابن الشيخ.
وفيها توفي الكاشغري- بسكون الشين وفتح الغين المعجمتين وراء، نسبة إلى كاشغر مدينة بالمشرق [1]- أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي [2] ببغداد في حادي عشر جمادى الأولى، وله تسع وثمانون سنة.
سمع من ابن البطّي، وعلي بن تاج القرّاء، وأبي بكر بن النّقور، وجماعة.
وعمّر ورحل إليه الطلبة، وكان آخر من بقي بينه وبين مالك خمسة أنفس ثقات، ولي مشيخة المستنصرية.
وفيها أبو مدين شعيب بن يحيى بن أحمد بن الزعفراني [3] التاجر، إسكندراني متميز. جاور بمكة، وحدّث عن السّلفي، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها أبو محمد علي بن أبي الحسن بن منصور [الحريريّ] الدمشقي الفقير [4] .
__________
[1] انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 430- 431) .
[2] انظر «العبر» (5/ 185) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 148- 150) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .
[3] انظر «العبر» (5/ 186) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 268- 269) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .
[4] انظر «العبر» (5/ 186) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 224- 227) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) و «البداية والنهاية» (13/ 173- 174) .(7/399)
ولد بقرية بسر من حوران [1] ، ونشأ بدمشق، وتعلّم بها نسج العتابي، ثم تمفقر وعظم أمره وكثر أتباعه، وأقبل على المطيبة والراحة والسماعات والملاح، وبالغ في ذلك، فمن يحسّن الظن به يقول: هو كان صحيحا في نفسه صاحب حال ووصول. ومن خبر أمره رماه بالكفر والضلال، وهو أحد من لا يقطع له بجنة ولا نار، فإنا لا نعلم بما يختم له به، لكنه توفي في يوم شريف يوم الجمعة قبل العصر، السادس والعشرين من رمضان وقد نيّف على التسعين. مات فجأة قاله في «العبر» .
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : هو صاحب الزاوية التي بظاهر دمشق بالشرف الأعلى القبلي، التي يجتمع بها الناس للسماعات، يقال لها:
زاوية الحريري، وقف عليه في أول أمره دراهم فحبسه أصحاب الديوان، فبات تلك الليلة في الحبس بلا عشاء، فلما أصبح صلّى بالمحتبسين [2] صلاة الصبح، وجعل يذكر بهم إلى ضحوة، وأمر كلّ من جاءه شيء من المأكول من أهله أن يشيله، فلما كان وقت الظهر أمرهم أن يمدوا الأكل سماطا، فأكل كل من في الحبس وفضل شيء كثير، فأمرهم بشيله. وصلّى بهم الظهر، وأمرهم أن يناموا ويستريحوا، ثم صلّى بهم العصر، وجعل يذكر بهم إلى المغرب، ثم صلّى بهم المغرب وقدّم ما حضر، وبقي على هذا الحال، فلما كان في اليوم الثالث أمرهم أن ينظروا في حال المحتبسين وكلّ من كان محبوسا على دون المائة يجبون له من بينهم ويرضون غريمه ويخرجونه، فخرج جماعة، وشرع الذين خرجوا يسعون في خلاص من بقي، وأقام ستة أشهر محبوسا، وجبوا له وأخرجوه، فصار كلّ يوم يتجدد له أتباع إلى أن آل من أمره ما آل.
__________
[1] انظر خبرها في «معجم البلدان» (1/ 420) .
[2] في «آ» و «ط» : بالمحتسبين» وما أثبته يقتضيه سياق النص.(7/400)
قال شرف الدّين خطيب عقربا: خرج الفلك المسيري يقسم قرية له وأخذ معه جماعة، فلما قسموا ووصلوا إلى زرع، قالوا: نمشي إلى عند الشيخ علي الحريري، فقال أحدهم: إن كان صالحا يطعمنا حلوى سخنة بعسل وسمن وفستق وسكر، وقال الآخر: يطعمنا بطيخا أخضر، وقال الآخر:
يسقينا فقّاعا عليه الثلج، فلما وصلوا تلقاهم بالرحب وأحضر شيئا كثيرا، من جملته حلوى، كما قال ذلك الرجل، فأمر بوضعها بين يدي مشتهيها، ثم أحضر بطيخا أخضر [1] ، وأشار إلى مشتهيه بالأكل، فلما فرغوا نظر إلى صاحب شهوة الفقّاع، وقال: يا أخي كان عندي تحت الساعات أو باب البريد، ثم صاح: يا فلان ادخل، فدخل فقير وعلى رأسه دست فقّاع وعليه الثلج منحوت، وقال: بسم الله، اشرب [2] ولما مات كانت ليلة مثلجة، فقال نجم الدّين بن إسرائيل:
بكت السماء عليه ساعة دفنه ... بمدامع كاللؤلؤ المنثور
وأظنّها فرحت بمصعد روحه ... لمّا سمت وتعلّقت بالنّور
أوليس دمع الغيث يهمي باردا ... وكذا تكون مدامع المسرور
وفيها أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك [3] ابن أحمد بن محمد بن بكروس بن سيف التميمي الدّينوري، الفقيه الحنبلي، وقد سبق ذكر أبيه وجدّه.
ولد في تاسع عشري رمضان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وأسمعه والده الكثير في صغره من ابن بوش، وابن كليب، وتفقّه وحدّث، وروى عنه
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «آخر» .
[2] قلت: وهذا أيضا ما لا يقرّه الإسلام الحنيف ولا العقل السليم.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المبرك» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 243) مصدر المؤلّف.(7/401)
محمد بن أحمد القزّاز، وأجاز لسليمان بن حمزة الحاكم، وتوفي ليلة سادس عشر رجب.
وفيها أبو علي الشّلوبين عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الإشبيلي النحوي [1] ، أحد من انتهت إليه معرفة العربية في زمانه.
ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة، وسمع من أبي بكر بن محمد بن خلف، وعبد الله بن زرقون، والكبار. وأجاز له السّلفي، وكان أسند من بقي بالمغرب. وكان في العربية بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى، قياما عليها واستبحارا فيها. تصدّر لإقراء النحو نحوا من ستين عاما، وصنّف التصانيف، وله حكايات في التغفّل. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: كان فيه مع هذه الفضيلة غفلة وصورة بله في الصورة الظاهرة. توفي في أحد الرّبيعين، وقيل في صفر بإشبيلية.
والشّلوبين: بفتح الشين المعجمة واللّام، وسكون الواو، وكسر الباء الموحدة، وسكون المثناة التحتية ونون، هي بلغة الأندلس الأبيض الأشقر.
وفيها الملك المظفّر شهاب الدّين غازي بن العادل [2] . كان فارسا شجاعا، وشهما مهيبا، وملكا جوادا. وكان صاحب ميّافارقين، وخلاط، وحصن منصور، وغير ذلك. حجّ من بغداد، ثم توفي في هذه السنة، وتملّك بعده ابنه الشهيد الملك الكامل ناصر الدّين.
وفيها ابن الدّوامي عزّ الكفاة، الصاحب أبو المعالي هبة الله بن الحسن بن هبة الله [3] . كان أبوه وكيل الخليفة الناصر، وسمع هو من تجنّي
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 451- 452) و «العبر» (5/ 186- 187) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 207- 208) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .
[2] انظر «العبر» (5/ 187) .
[3] انظر «العبر» (5/ 187) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 230- 231) .(7/402)
الوهبانية، وابن شاتيل، وكان صاحب الحجّاب مدة، ثم تزهد وانقطع إلى أن توفي في جمادى الأولى.
وفيها شرف الدّين الأمير الكبير يعقوب بن محمد بن حسن الهدباني الإربلي [1] . روى عن يحيى الثقفي وطائفة، وولي شدّ دواوين الشام، وكان ذا علم وأدب. توفي في ربيع الأول بمصر.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 187- 188) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 231- 232) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) .(7/403)
سنة ست وأربعين وستمائة
فيها توفي أبو العبّاس أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان النجّار الحرّاني الحنبلي [1] ، المحدّث الزاهد الثقة القدوة. سمع الكثير من ابن كليب، وكتب الأجزاء والطّباق، وصحب الحافظ عبد الغني المقدسي، والحافظ الرهاوي، والشيخ موفق الدّين [2] . وسمع منهم وسمع منه جماعة.
قال ابن حمدان: سمعت عليه كثيرا، وكان من دعاة أهل السّنّة وأوليائهم، مشهورا بالزّهد والورع والصلاح.
توفي وسط العام بحرّان.
وفيها إسماعيل بن سودكين أبو الطّاهر النّوري [3] ، الحنفي الصّوفي.
كان صاحب الشيخ محيي الدّين بن العربي، وله كلام وشعر.
توفي في صفر وروى عن الأرتاحي.
وفيها صفية بنت عبد الوهاب بن علي القرشية [4] ، أخت كريمة. لم
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 188) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 243) .
[2] يعني ابن قدامة المقدسي.
[3] انظر «العبر» (5/ 188) .
[4] انظر «العبر» (5/ 188- 189) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 270- 271) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .(7/404)
تسمع شيئا بل أجاز لها مسعود الثقفي والكبار، وتفرّدت في زمانها. توفيت في رجب بحماة.
وفيها ابن البيطار، الطبيب البارع، ضياء الدّين عبد الله بن أحمد المالقي العشّاب [1] ، صاحب كتاب «المفردات في الأدوية» انتهت إليه معرفة النبات وصفاته ومنافعه وأماكنه، وله اتصال بخدمة الكامل ثم ابنه الصالح، وكان رئيسا في الدّيار المصرية. توفي بدمشق في شعبان.
وفيها ابن رواحة عز الدّين أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري الحموي الشافعي [2] .
ولد بصقلية وأبواه في الأسر سنة ستين وخمسمائة، وسمّعه أبوه بالإسكندرية من السّلفي الكبير، ومن جماعة.
توفي في ثامن جمادى الآخرة وله خمس وثمانون سنة.
وفيها ابن الحاجب العلّامة أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الأسنائي [3]- وأسنا: بفتح الهمزة [4] وسكون السين المهملة وفتح النون وبعدها ألف، بليدة صغيرة من أعمال القوصيّة بالصعيد الأعلى من مصر-.
ولد في أواخر سنة سبعين وخمسمائة بأسنا، وكان أبوه حاجبا للأمير عز الدّين موسك الصلاحي، فاشتغل هو بالقراءات على الشّاطبي وغيره.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 189) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 256- 257) .
[2] انظر «العبر» (5/ 189) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 261- 263) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 248- 250) و «العبر» (5/ 189- 190) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 648- 649) و «مرآة الجنان» (4/ 114- 115) و «النجوم الزاهرة» (6/ 360) .
[4] تنبيه: كذا ضبطها المؤلف- رحمه الله- بفتح الهمزة، وقد تبع في ذلك ابن خلّكان، وضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 189) ومحققو «معرفة القراء الكبار» بكسر الهمزة. وجاء في هامش «النجوم الزاهرة» : إسنا، بالكسر وتفتح.(7/405)
وبرع في الأصول والعربية، وتفقه في مذهب الإمام مالك.
قال اليافعي: وبلغني أنه كان محبا للشيخ عز الدّين بن عبد السلام، وأن ابن عبد السلام حين حبس بسبب إنكاره على السلطان، دخل معه الحبس موافقة ومراعاة. ولعل انتقاله إلى مصر كان بسبب انتقال الشيخ ابن عبد السلام، وفيهما أنهما اجتمعا في الإنكار.
وقال ابن خلّكان: انتقل إلى دمشق ودرّس بها في زاوية المالكية، وأكبّ الناس على الاشتغال عليه، والتزم له الدروس، وتبحر في العلوم، وكان الأغلب عليه علم العربية. وصنّف «مختصرا» في مذهبه، و «مقدمة» وجيزة في النحو، سمّاها «الكافية» وأخرى مثلها في التصريف سمّاها «الشافية» وشرح المقدمتين. وله:
أيّ غد مع يد دد ذي حروف ... طاوعت في الرّويّ وهي عيون
هذا جواب البيتين المشهورين:
ربما عالج القوافي رجال ... في المعاني فتلتوي وتلين
طاوعتهم عين وعين وعين ... وعصتهم نون ونون ونون
وله في أسماء قداح الميسر:
هي فذّ وتوأم ورقيب ... ثم حلس ونافس ثم مسبل
والمعلّى والوغد ثم سفيح ... ومنيح هذي الثلاثة تهمل
ولكل مما عداه نصيب ... مثله أن تعد أول أول
وصنّف في أصول الفقه، وكل تصانيفه في نهاية الحسن والإفادة.
وخالف النّحاة في مواضع، وأورد عليها إشكالات وإلزامات تتعذر الإجابة عنها. وكان من أحسن خلق الله ذهنا.
ثم عاد إلى القاهرة، وأقام بها والناس ملازمون الاشتغال عليه. وجاءني(7/406)
مرارا بسبب أداء شهادات، وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام، ومن جملة كلامه عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط في قولهم «إن أكلت، إن شربت، فأنت طالق» لم يتعين تقدم الشرب [1] على الأكل بسبب وقوع الطلاق، حتى لو قال: ثم شربت، لا تطلق.
وسألته عن بيت المتنبي:
لقد تصبّرت حتّى لات مصطبر ... والآن أقحم حتّى لات مقتحم [2]
ولات ليست من أدوات الجرّ، فأطال الكلام فيها، وأجاب فأحسن الجواب عنها، ولولا التطويل لذكرت ما قاله.
ثم انتقل إلى الإسكندرية للإقامة بها، فلم تطل مدته هناك. توفي ضحى نهار الخميس سادس عشري شوال، ودفن خارج باب البحر بتربة الشيخ الصالح ابن أبي شامة. انتهى.
وفيها ابن الدبّاج العلّامة أبو الحسن علي بن جابر [3] النحوي المقرئ، شيخ الأندلس. أخذ القراءات عن أبي بكر بن صاف، والعربية عن أبي ذر بن أبي ركب الخشني، وساد أهل عصره في العربية.
ولد سنة ست وستين وخمسمائة، وتوفي بإشبيلية بعد أخذ الرّوم الملاعين لها في شعبان بعد جمعة، فإنه هاله نطق الناقوس وخرس الأذان، فما زال يتلهف ويتأسف ويضطرب إلى أن قضى نحبه، وقيل مات يوم أخذها.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «لم تعين تقديم الشرب» .
[2] البيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (4/ 40) .
[3] انظر «العبر» (5/ 190) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 209- 210) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 528- 529) .(7/407)
وفيها وزير حلب علي بن يوسف القفطي [1]- بكسر القاف وسكون الفاء نسبة إلى قفط بالطاء المهملة، بلد بصعيد مصر- عرف بالقاضي الأكرم أحد الكتّاب المبرزين في النثر والنظم. كان عارفا باللغة، والنحو، والفقه، والحديث، وعلوم القرآن، والأصول، والمنطق، والحكمة، والنجوم، والهندسة، والتاريخ. وكان صدرا، محتشما، كامل المروءة. جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد، وكان لا يحب من الدّنيا سوى الكتب، ولم تكن له دار ولا زوجة. وصنّف كتاب «الدر الثمين في أخبار المتيمين» [2] وكتاب «إصلاح خلل صحاح الجوهري» وكتاب «الكلام على صحيح البخاري» وكتاب «نزهة الناظر ونهزة الخاطر» [3] وغير ذلك.
وفيها صاحب المغرب المعتضد، ويقال له أيضا السعيد أبو الحسن المؤمني علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف [4] ، ولي الأمر بعد أخيه عبد الواحد سنة أربعين، وقتل وهو على ظهر جواده وهو يحاصر حصنا بتلمسان في صفر.
وولي بعده المرتضى [5] أبو حفص فامتدت دولته عشرين عاما.
وفيها الملك العادل كمال الدّين أبو بكر بن الملك الكامل بن أيوب [6] .
__________
[1] انظر «فوات الوفيات» (3/ 117- 118) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 227) و «العبر» (5/ 191) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) ومقدمة الأستاذ الكبير محمد أبي الفضل إبراهيم لكتابه «إنباه الرّواة» ومقدّمة صديقي العزيز الأستاذ الفاضل رياض عبد الحميد مراد لكتابه «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» مصورة دار ابن كثير.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المنتمين» والتصحيح من «فوات الوفيات» .
[3] في «فوات الوفيات» : «نهزة الخاطر ونزهة الناظر» .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 17- 18) و «العبر» (5/ 190) و «نفح الطيب» (4/ 384) .
[5] وهو أبو حفص عمر بن إبراهيم بن يوسف بن عبد المؤمن. انظر «وفيات الأعيان» (7/ 18) و «نفح الطيب» (7/ 384) .
[6] انظر «مرآة الزمان» (8/ 512) .(7/408)
قتله أخوه الملك الصالح خنقا بقلعة دمشق، ودفن بتربة شمس الدولة ولم تطل مدة أخيه بعده بل كان بينهما عشرة أشهر، ورأى في نفسه العبر.
وفيها أفضل الدّين الخونجي [1]- بخاء معجمة مضمومة ثم واو بعدها نون ثم جيم- محمد بن ناماور- بالنون في أوله- ابن عبد الملك، قاضي القضاة، أبو عبد الله الشافعي.
ولد في جمادى الأولى سنة تسعين وخمسمائة، واشتغل في العجم، ثم قدم مصر وولي قضاءها، وطلب وحصّل، وبالغ في علوم الأوائل، حتّى تفرّد برئاسة ذلك في زمانه. وأفتى وناظر، وصنّف «الموجز» و «الجمل» و «كشف الأسرار» وغير ذلك.
قال أبو شامة: كان حكيما، منطقيا، مات في رمضان ودفن بسفح المقطّم.
ورثاه تلميذه العزّ الإربلي الضرير فقال من قصيدة أولها:
قضى أفضل الدّنيا فلم يبق فاضل ... ومات بموت الخونجيّ الفضائل
فيا أيّها الحبر الذي جاء آخرا ... فحلّ لنا ما لم تحلّ الأوائل
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : له «الموجز» في المنطق، وكتاب «أدوار الحميات» وكان تلحقه غفلة فيما يفكره من المسائل العقلية. جلس يوما عند السلطان وأدخل يده في رزّة هناك ونسي روحه في الفكرة، فقام الجماعة وبقي جالسا تمنعه أصبعه من القيام، فظنّ السلطان أن له حاجة، فقال له: أللقاضي حاجة؟ قال: نعم تفك أصبعي من الرزّة، فأحضر حدادا
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (182) و «العبر» (5/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 228) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 105- 106) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 502- 503) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 158- 159) .(7/409)
وخلص أصبعه، فقال: إني فكرت في بسط هذا الإيوان فوجدته يتوفر فيه بساط إذا بسط على ما دار في ذهني، فبسط على ما قال ففضل بساط.
انتهى.
وفيها أبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت الإسكندراني المقرئ [1] . روى عن السّلفي وغيره، وتوفي في سابع عشر ربيع الآخر.
وفيها منصور بن السّند بن الدّبّاغ [2] أبو علي الإسكندراني النحّاس.
روى عن السّلفي، وتوفي في ربيع الأول.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 271) .
[2] في «آ» و «ط» : «منصور بن السيد بن الدماغ» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (6/ 361) وانظر «العبر» (5/ 191) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) .(7/410)
سنة سبع وأربعين وستمائة
في ربيعها الأول نازلت الفرنج دمياط برا وبحرا، وكان بها فخر الدّين ابن الشيخ، وعسكر. فهربوا وملكها الفرنج بلا ضربة ولا طعنة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وكان السلطان على المنصورة فغضب على أهلها [1] كيف سيبوها حتّى أنه شنق ستين نفسا من أعيان أهلها، وقامت قيامته على العسكر، بحيث إنهم تخوّفوه وهمّوا به. فقال فخر الدّين: أمهلوه، فهو على شفا، فمات ليلة نصف شعبان.
وفيها الملك الصّالح [2] نجم الدّين أيوب [3] بن الملك الكامل محمد ابن العادل، وكتم موته أيّاما، وساق مملوكه أقطايا على البريّة إلى أن عبر الفرات، وساق إلى حصن كيفا، وأخذ الملك المعظم بوران شاه ولد الصالح وقدم به دمشق، فدخلها في آخر رمضان في دست السلطنة، وجرت للمصريين مع الفرنج فصول وحروب إلى أن تمّت وقعة المنصورة في ذي القعدة، وذلك أن الفرنج حملوا ووصلوا إلى دهليز السلطان، فركب مقدّم
__________
[1] يعني على أهل دمياط.
[2] في «آ» و «ط» : «وهو الملك الصالح ... » وما أثبته يقتضيه السياق.
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (182- 183) و «العبر» (5/ 193) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 187- 193) .(7/411)
الجيش فخر الدّين بن الشيخ وقاتل فقتل، وانهزم المسلمون، ثم كرّوا على الفرنج، ونزل النصر، وقتل من الفرنج مقتلة عظيمة ولله الحمد. ثم قدم الملك المعظم بعد أيّام، وكان مولد الملك الصالح- المترجم- سنة ثلاث وستمائة بالقاهرة وسلطنه أبوه على آمد، وحرّان وسنجار، وحصن كيفا، فأقام هناك إلى أن قدم وملك دمشق بعد الجواد، وجرت له أمور ثم ملك الدّيار المصرية، ودانت له الممالك. وكان وافر الحرمة، عظيم الهيبة، طاهر الذّيل، خليقا للملك، ظاهر الجبروت.
وفيها ابن عوف الفقيه، رشيد الدّين أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب ابن العلّامة أبي الطاهر إسماعيل بن مكّي الزّهري العوفي الإسكندراني المالكي [1] . سمع من جدّه «الموطأ» وكان ذا زهد وورع. توفي في صفر عن ثمانين سنة.
وفيها عجيبة بنت الحافظ محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادية [2] سمعت من عبد الحق، وعبد الله ابني منصور الموصلي، وهي آخر من روى بالإجازة عن مسعود، والرّستمي، وجماعة. توفيت في صفر عن ثلاث وتسعين سنة، ولها «مشيخة» في عشرة أجزاء.
وفيها ابن البرادعي صفي الدّين أبو البركات عمر بن عبد الوهاب القرشي الدمشقي [3] العدل. روى عن ابن عساكر، وأبي سعد بن أبي عصرون، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها السّيّدي أبو جعفر محمد بن عبد الكريم بن محمد البغدادي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 193- 194) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) .
[2] انظر «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 232- 233) .
[3] انظر «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 263- 264) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .(7/412)
الحاجب [1] . روى عن عبد الحق، وتجنّي، وجماعة كثيرة، وطال عمره.
وفيها فخر الدّين بن شيخ الشيوخ الأمير نائب السلطنة أبو الفضل يوسف بن الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمّويه الجويني [2] .
ولد بدمشق بعد الثمانين وخمسمائة، وسمع من منصور بن أبي الحسن الطبري وغيره، وكان رئيسا، محتشما، سيّدا، معظّما، ذا عقل ورأي، ودهاء، وشجاعة، وكرم. سجنه السلطان سنة أربعين، وقاسى شدائد، وبقي في الحبس ثلاث سنين، ثم أخرجه وأنعم عليه وقدّمه على الجيش. طعن يوم المنصورة وجاءته ضربتان في وجهه فسقط.
وفيها السّاوي يوسف بن محمود بن يعقوب المصري الصوفي [3] .
روى عن السّلفي، وعبد الله بن برّي، وتوفي في رجب عن ثمانين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 266- 268) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (184) و «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 100- 102) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .
[3] انظر «العبر» (5/ 195) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 195) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) .(7/413)
سنة ثمان وأربعين وستمائة
استهلّت والفرنج على المنصورة والمسلمون بإزائهم مستظهرون لانقطاع الميرة عن الفرنج، ولوقوع المرض في خيلهم، ثم عزم ملكهم الفرنسيس على المسير في الليل إلى دمياط، ففهمها المسلمون، وكان الفرنج قد عملوا جسرا من صنوبر على النيل، فنسوا قطعة، فعبر عليه الناس وأحدقوا بهم، فاجتمع إلى الفرنسيس خمسمائة فارس من أبطاله، وحملوا على المسلمين حملة واحدة، ففرّج لهم المسلمون، فلما صاروا في وسطهم أطبقوا عليهم، فلم ينج منهم أحد، ومسّكوا الفرنسيس أسرة سيف الدّين القيمري باني المارستان في صالحية دمشق وانهزم جلّ الفرنج على حمية، فحمل عليهم المسلمون، ووضعوا فيهم السيف، وغنم الناس ما لا يحدّ ولا يوصف، وأركب الفرنسيس في حرّاقة والمراكب الإسلامية محدقة به تخفق بالكوسات والطبول، وفي البرّ الشرقي الجيش سائر تحت ألوية النصر، وفي البر الغربي العربان والعوام. وكانت ساعة عجيبة، واعتقل الفرنسيس بالمنصورة، وذلك في أول يوم من المحرّم.
قال سعد الدّين بن حمّويه: كانت الأسرى نيفا وعشرين ألفا، فيهم ملوك وكبار، وكانت القتلى سبعة آلاف، واستشهد من المسلمين نحو مائة نفس، وخلع الملك المعظّم على الكبار من الفرنج خمسين خلعة، فامتنع(7/414)
الكلب الفرنسيس من لبس الخلعة، وقال: أنا مملكتي بقدر مملكة صاحب مصر، كيف ألبس خلعته؟.
ثم بدت من المعظّم خفّة وطيش وأمور خرج بسببها عليه مماليك أبيه وقتلوه بعد أن استردوا دمياط، وذلك أن حسام الدّين بن أبي علي أطلق الفرنسيس على أن يسلّم دمياط، وعلى بذل خمسمائة ألف دينار للمسلمين، فأركب بغلة، وساق معه الجيش إلى دمياط، فما وصلوا إلّا وأوائل المسلمين قد ركبوا أسوارها، فاصفرّ لون الفرنسيس، فقال حسام الدّين: هذه دمياط قد ملكناها، والرأي لا نطلق هذا، لأنه قد اطلع على عوراتنا. فقال عزّ الدّين أيبك: لا أرى الغدر، وأطلقه [1] .
وفيها توفي ابن الخيّر أبو إسحاق إبراهيم بن محمود بن سالم بن مهدي الأزجي المقرئ الحنبلي [2] . روى الكثير عن شهدة، وعبد الحق، وجماعة. وأجاز له ابن البطّي. وقرأ القراءات.
ولد في سلخ ذي الحجّة سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وعني بالحديث، وكان له به معرفة، وكان أحد المشايخ المشهورين بالصلاح وعلو الإسناد. دائم البشر، مشتغلا بنفسه، ملازما لمسجده حسن الأخلاق.
قال ابن نقطة: سماعه صحيح، وهو شيخ مكثر. روى عن خلق كثير، منهم: ابن الحلوانية، وابن العديم، والدمياطي، وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد.
وكان والده شيخا صالحا ضريرا. حدّث عن ابن ناصر وغيره، وهو الذي يلقب بالخيّر. توفي في صفر سنة ثلاث وستمائة.
__________
[1] انظر الخبر برواية أخرى في «مرآة الزمان» (8/ 517- 518) و «النجوم الزاهرة» (6/ 367) .
[2] انظر «العبر» (5/ 198) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 235- 236) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .(7/415)
وفيها فخر القضاة بن الجبّاب أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين السّعدي المصري [1] ، ناظر الأوقاف، وراوي «صحيح مسلم» عن المأموني. سمع قليلا من السّلفي، وابن برّي، وتوفي في رمضان، وله سبع وثمانون سنة.
وفيها الحافظية أرغوان العادلية [2] عتيقة الملك العادل، وسميت بالحافظية لتربيتها للملك الحافظ صاحب قلعة جعبر. وكانت امرأة صالحة مدبرة، صادرها الصالح إسماعيل، فأخذ منها أربعمائة صندوق، ووقفت دارها التي داخل باب النصر بدمشق وتعرف بدار الإبراهيمي على خدّامها، وبنت بالصالحية تحت ثورا [3] قرب عين الكرش مدرسة وتربة كانت بستانا للنّجيب غلام التّاج الكندي فاشترته منه، وبنت ذلك، ووقفت عليه أوقافا جيدة، منها بستان بصارو، وتسمى الآن بالحافظية [4] .
وفيها الملك الصالح عماد الدّين أبو الجيش إسماعيل بن العادل [5] ، الذي تملّك دمشق مدة. انضم سنة أربع وأربعين إلى ابن أخيه صاحب حلب الملك الناصر، فكان من كبراء دولته ومن جملة أمرائه بعد سلطنة دمشق، ثم قدم معه دمشق، وسار معه، فأسره الصالحية، ومرّوا على تربة [6] الصالح مولاهم، وصاحوا: يا خوند أين عينك ترى عدوّك أسيرا. ثم أخذوه في الليل وأعدموه في سلخ ذي القعدة، وكان ملكا شهما محسنا إلى خدمه وغلمانه وحاشيته، كثير التجمل.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 198) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 234- 235) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .
[2] انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 243) و «أعلام النساء» لكحالة (1/ 26) .
[3] يعني نهر ثورا.
[4] قلت: وتعرف في أيامنا بالست حفيظة.
[5] انظر «العبر» (5/ 198- 199) .
[6] تحرفت في «ط» إلى «طربة» .(7/416)
وفيها أمين الدولة الوزير أبو الحسن الطبيب [1] . كان سامريّا ببعلبك فأسلم في الظّاهر، والله أعلم بالسرائر، ونفق على الصالح إسماعيل حتّى وزر له، وكان ظالما، نجسا، ماكرا، داهية، وهو واقف الأمينية التي ببعلبك.
أخذ من دمشق بعد حصار الخوارزمية، وسجن بقلعة مصر، فلما جاء الخبر الذي لم يتمّ بانتصار الناصر، توثب أمين الدولة في جماعة وصاحوا بشعار الناصر، فشنقوا، وهم: هو، وناصر الدّين بن يغمور [2] ، والخوارزمي.
ومن جملة ما وجد في تركة أمين الدولة، ثلاثة آلاف ألف دينار، غير ما كان مودعا له عند الناس.
وفيها الملك المعظم غياث الدّين توران شاه بن الصّالح نجم الدّين أيوب [3] . لما توفي أبوه حلف له الأمراء وقعدوا [4] وراءه كما ذكرنا، وفرح الخلق بكسر الفرنج على يده، لكنّه كان لا يصلح لصالحة، لقلّة عقله وفساده في المرد. ضربه مملوك بسيف فتلقاها بيده، ثم هرب إلى برج خشب فرموه بالنفط، فرمى بنفسه وهرب إلى النيل فأتلفوه، وبقي ملقى على الأرض ثلاثة أيام، حتّى انتفخ، ثم واروه. وكان قويّ المشاركة في العلوم، ذكيا.
قال ابن واصل: لما دخل المعظم مصر، قام إليه الشعراء، فابتدأ ابن الدجاجية تاج الدّين فقال:
كيف كان القدوم من حصن كيفا ... حين أرغمت للأعادي أنوفا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 199) .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن مغمور» والتصحيح من «العبر» .
[3] انظر «فوات الوفيات» (1/ 263- 265) و «العبر» (5/ 199- 200) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 193- 196) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وتعدوا» والتصحيح من «العبر» .(7/417)
فأجابه الملك المعظم:
الطّريق الطّريق يا ألف نحس ... تارة آمنا وطورا مخيفا
أدركته حرفة الأدب كما أدركت عبد الله بن المعتز.
قال أبو شامة: دخل في البحر إلى حلقه، فضربه البندقداري بالسيف فوقع.
وفيها ابن رواج المحدّث رشيد الدّين أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر ابن علي بن فتّوح الإسكندراني المالكي [1] .
ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وسمع الكثير من السّلفي وطائفة، ونسخ الكثير، وخرّج «الأربعين» . وكان ذا دين وفقه وتواضع. توفي في ثامن عشر ذي القعدة.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي السعادات الدبّاس الفقيه الحنبلي البغدادي [2] ، أحد أعيان فقهاء بغداد وفضلائهم. سمع الحديث من ابن شاتيل، وابن زريق البرداني، وابن كليب وتفقه على إسماعيل بن الحسين صاحب أبي الفتح بن المنّي، وقرأ علم الخلاف والجدل والأصول على النّوقاني، وبرع في ذلك، وتقدم على أقرانه، وتكلّم وهو شاب في مجالس الأئمة فاستحسنوا كلامه. وشهد عند قاضي القضاة أبي صالح.
قال ابن السّاعي: قرأت عليه مقدمة في الأصول، وكان صدوقا، نبيلا، ورعا، متدينا، حسن الطريقة، جميل السيرة، محمود الأفعال، عابدا، كثير التلاوة للقرآن، محبا للعلم ونشره، صابرا على تعليمه، لم يزل على قانون واحد، لم تعرف له صبوة من صباه إلى آخر عمره، يزور الصالحين، ويشتغل
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 200) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 245- 246) .(7/418)
بالعلم، لطيفا. كيّسا، حسن المفاكهة. قلّ أن يغشى أحدا، مقبلا على ما هو بصدده. وروى عنه ابن النجار في «تاريخه» ووصفه بنحو ما وصفه ابن السّاعي. توفي في حادي عشري شعبان ودفن بباب حرب وقد ناهز الثمانين، ومرّ ليلة بسوق المدرسة النظامية ليصلي العشاء الآخرة بالمستنصرية إماما فخطف إنسان بقياره في الظلماء وعدا، فقال له الشيخ: على رسلك وهبتكه، قال: قبلت. وفشا خبره بذلك فلما أصبح أرسل إليه عدة بقايير، قيل أحد عشر، فلم يقبل منها إلّا واحدا تنزها.
وفيها المجد الإسفراييني المحدّث [1] ، قارئ الحديث، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر الصّوفي. روى عن المؤيد الطّوسي وجماعة، وتوفي في ذي القعدة بالسميساطيّة من دمشق.
وفيها مظفّر بن الفوّي أبو منصور بن عبد الملك بن عتيق الفهري الإسكندراني المالكي الشاهد [2] . روى عن السّلفي، وعاش تسعين سنة، وتوفي في سلخ [ذي] القعدة.
وفيها أبو الحجّاج يوسف بن خليل بن قراجا بن عبد الله، محدّث الشام الدمشقي الأدمي الحنبلي [3] ، نزيل حلب.
ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة بدمشق، وتشاغل بالكسب إلى الثلاثين من عمره، ثم طلب الحديث، وتخرّج بالحافظ عبد الغني [4] واستفرغ فيه وسعه. وكتب ما لا يوصف بخطّه المليح المتقن، ورحل إلى
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 200) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 258) .
[2] انظر «العبر» (5/ 201) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 268) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) .
[3] انظر «العبر» (5/ 201) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 151- 155) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 244- 245) .
[4] يعني المقدسي، رحمه الله تعالى.(7/419)
الأقطار، فسمع بدمشق من الحافظ عبد الغني، وابن أبي عصرون، وابن الموازيني، وغيرهم. وببغداد من ابن كليب، وابن بوش، وهذه الطبقة.
وبأصبهان من ابن مسعود الحمّال وغيره. وبمصر من البوصيري وغيره، وكان إماما، حافظا، ثقة، نبيلا، متقنا، واسع الرّواية، جميل السيرة، متسع الرّحلة.
قال ابن ناصر الدّين [1] : كان من الأئمة الحفّاظ المكثرين الرحّالين، بل كان أوحدهم فضلا، وأوسعهم رحلة وكتابة ونقلا.
وقال ابن رجب: تفرّد في وقته بأشياء كثيرة عن الأصبهانيين، وخرّج وجمع لنفسه «معجما» عن أزيد من خمسمائة شيخ، و «ثمانيات» و «عوالي» و «فوائد» وغير ذلك. واستوطن في آخر عمره حلب، وتصدّر بجامعها، وصار حافظا والمشار إليه بعلم الحديث فيها. حدّث بالكثير من قبل الستمائة وإلى آخر عمره، وحدّث عنه البرزالي، ومات قبله باثنتي عشرة سنة. وسمع منه الحفّاظ المقدّمون، كابن الأنماطي، وابن الدّبيثي، وابن نقطة، وابن النجّار، والصّريفيني، وعمر بن الحاجب، وقال: هو أحد الرحّالين، بل واحدهم فضلا، وأوسعهم رحلة.
نقل بخطه المليح ما لا يدخل تحت الحصر، وهو طيّب الأخلاق، مرضي الطريقة، متقن، ثقة، حافظ.
وسئل عنه الحافظ الضياء فقال: حافظ مفيد صحيح الأصول. سمع وحصّل، صاحب رحلة وتطواف.
وسئل الصّريفيني عنه فقال: حافظ، ثقة، عالم بما [2] يقرأ عليه، لا يكاد يفوته اسم رجل.
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (178/ ب) .
[2] لفظة «بما» سقطت من «آ» .(7/420)
وقال الذهبي: روى عنه خلق كثير، وآخر من روى عنه إجازة زينب بنت الكمال.
توفي سحر يوم الجمعة منتصف- وقيل عاشر- جمادى الآخرة بحلب ودفن بظاهرها، رحمه الله تعالى.(7/421)
سنة تسع وأربعين وستمائة
فيها توفي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي [1] الإسلامي. كان يهوديا فأسلم، وكان أديبا ماهرا، وله قصيدة مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، وكان يهوى صبيا يهوديا اسمه موسى، فمن قوله فيه من جملة أبيات [2] :
فما وجد أعرابيّة بان إلفها [3] ... فحنّت إلى بان الحجاز ورنده
بأعظم من وجدي بموسى وإنما ... يرى أنني أذنبت ذنبا بودّه
وله فيه [4] :
يقولون لو قبّلته لاشتفى الجوى ... أيطمع في التقبيل من يعشق البدرا؟
إلى أن قال:
إذا فئة العذّال جاءت بسحرها ... ففي وجه [5] موسى آية تبطل السّحرا
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (6/ 5- 11) و «فوات الوفيات» (1/ 20- 30) .
[2] البيتان من قصيدة طويلة انظرها في «ديوانه» بتحقيق بطرس البستاني ص (92- 94) طبع مكتبة صادر.
[3] في «ديوانه» : «أهلها» .
[4] انظر «ديوانه» ص (35) .
[5] في «ديوانه» : «ففي لحظ» .(7/422)
ثم إنه هوي بعد إسلامه صبيا اسمه محمد، فقال [1] :
تركت هوى موسى لحبّ محمد ... ولولا هدى الرّحمن ما كنت أهتدي
وما عن قلى حبي تركت وإنما ... شريعة موسى عطّلت بمحمد
مات غريقا، رحمه الله.
وفيها ابن العلّيق أبو نصر الأعزّ بن فضائل البغدادي البابصري [2] .
روى عن شهدة، وعبد الحق، وجماعة. وكان صالحا، تاليا لكتاب الله تعالى. توفي في رجب.
وفيها البشيريّ [3]- بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبعد الياء راء، نسبة إلى قلعة بشير بنواحي الدوران من بلاد الأكراد- أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن معمر الفقيه ضياء الدّين، شيخ ماردين. روى عن أبي الفتح بن شاتيل وجماعة، وكانت له مشاركة قويّة في العلوم.
قال الذهبي: قال شيخنا الدّمياطي: مات في الثاني والعشرين من ذي الحجّة، وقد جاوز المائة.
وقال الشريف عز الدّين في «الوفيات» : كان يذكر أنه ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. قاله في «العبر» .
__________
[1] رواية البيتين في «ديوانه» ص (139) :
تسلّيت عن موسى بحبّ محمد ... هديت، ولولا الله ما كنت أهتدي
وما عن قلى قد كان ذاك، وإنما ... شريعة موسى عطّلت بمحمّد
[2] انظر «العبر» (5/ 202) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 238- 239) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) .
[3] تنبيه: كذا قيد المؤلّف- رحمه الله- نسبته «البشيري» وهو وهم منه في قراءتها، والصواب «النّشتبري» كما في «سير أعلام النبلاء» (23/ 239) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «العبر» (5/ 202) وقد ضبطت فيه بكسر النون المشدّدة.(7/423)
وفيها الإمام رشيد الدّين عبد الظاهر بن نشوان الجذامي المصري [1] الضرير، شيخ الإقراء بالدّيار المصرية. كان عارفا بالنحو أيضا.
قال السيوطي في «حسن المحاضرة» : قرأ على أبي الجود، وسمع من أبي القاسم البوصيري، وبرع في العربية، وتصدّر للإقراء، وانتهت إليه رئاسة الفنّ في زمانه، وكان ذا جلالة ظاهرة، وحرمة وافرة، وخبرة تامّة بوجوه القراءات. مات في جمادى الأولى، وهو والد الكاتب البليغ محيي الدّين بن عبد الظّاهر. انتهى.
وفيها أبو نصر الزّبيدي عبد العزيز بن يحيى بن المبارك الرّبعي البغدادي [2] ولد سنة ستين وخمسمائة، وسمع من شهدة وغيرها، وتوفي سلخ جمادى الأولى.
وفيها نور الدّين أبو محمد عبد اللّطيف [بن علي] بن نفيس بن بورنداز [3] بن الحسام البغدادي الحنبلي المحدّث المعدّل.
ولد في صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع من أبيه أبي الحسن، وأبي محمد جعفر بن محمد بن أموسان، وغيرهما. وعني بهذا الشأن. وقرأ الكثير على عمر بن كرم، ومن بعده. وكتب الكثير بخطّه.
قال الذهبي في «تاريخه» : هو الحافظ المفيد، كتب الكثير، وأفاد، وسمع منه الحافظ الدّمياطي، وذكره في «معجمه» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 202) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 650) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 391- 392) و «حسن المحاضرة» (1/ 500) .
[2] انظر «العبر» (5/ 203) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 251- 252) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 247) : «ابن نورندان» وما بين الحاصرتين مستدرك منه.(7/424)
وشهد عند محمود الزّنجاني [1] .
ثم إنه امتحن لقراءته شيئا من أحاديث الصفات بجامع القصر، فسعى به بعض المتجهمة، وحبس مديدة، وأسقطت عدالته، ثم أفرج عنه، وأعاد عدالته ابن مقبل، ثم أسقطت، ثم أعاد عدالته قاضي القضاة أبو صالح، فباشر ديوان الوكالة إلى آخر عمره.
توفي بكرة السبت ثالث عشري ربيع الآخر ودفن بباب حرب، وكان له جمع عظيم، وشدّ تابوته بالحبال، وأكثر العوام الصّياح في الجنازة: هذه غايات الصالحين. انتهى.
قال ابن السّاعي: ولم أر ممن كان على قاعدته فعل في جنازته مثل ذلك، فإنه كان كهلا يتصرف في أعمال السلطان، ويركب الخيل، ويحلّي فرسه بالفضة على عادة أعيان المتصرفين. انتهى.
وقال ابن رجب: حصل له ذلك ببركة السّنّة، فإن الإمام أحمد قال:
بيننا وبينهم [2] الجنائز.
وفيها ابن الجمّيزي العلّامة بهاء الدّين أبو الحسن علي بن هبة الله ابن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللّخمي المصري الشافعي [3] ، مسند الدّيار المصرية وخطيبها ومدرسها.
ولد بمصر يوم الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وحفظ القرآن سنة تسع وستين، ورحل به أبوه فسمّعه بدمشق من ابن عساكر، وببغداد من
__________
[1] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الريحاني» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 345) .
[2] يعني أهل البدعة.
[3] انظر «العبر» (5/ 203) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 253- 254) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 583) .(7/425)
شهدة وجماعة، وقرأ القراءات على أبي الحسن البطائحي. وقرأ كتاب «المهذب» على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون. وقرأه أبو سعد على القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلّفه، وسمع بالإسكندرية من السّلفي، وتفرّد في زمانه. ورحل إليه الطلبة، ودرّس وأفتى، وانتهت إليه مشيخة العلم بالدّيار المصرية. وهو آخر من قرأ القراءات في الدّنيا على البطائحي، بل وآخر من روى عنه بالسماع. وقرأ أيضا بالقراءات العشر على ابن أبي عصرون. وسمع منه الكثير، وهو آخر تلاميذه في الدّنيا. وكان رئيس العلماء في وقته، معظما عند الخاصة والعامة، وعليه مدار الفتوى ببلده. كبير القدر، وافر الحرمة.
روى عنه خلائق لا يحصون. توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجّة.
وفيها السّديد أبو القاسم عيسى بن أبي الحرم مكّي بن حسين العامري المصري الشافعي المقرئ [1] ، إمام جامع الحاكم. قرأ القراءات على الشّاطبي وأقرأها مدة، وتوفي في شوال عن ثمانين سنة، وقرأ عليه غير واحد.
وفيها ابن المنّي أبو المظفّر سيف الدّين محمد بن أبي البدر مقبل بن فتيان بن مطر النّهرواني [2] ، المفتي الإمام. الفقيه الحنبلي، ابن أخي شيخ المذهب أبي الفتح بن المنّي.
ولد ببغداد في خامس رجب، سنة سبع، وقيل: تسع وستين وخمسمائة.
وقرأ بالروايات على ابن الباقلّاني بواسط. وروى عن جماعة، منهم:
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 203- 204) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 652) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) .
[2] انظر «العبر» (5/ 204) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 252- 253) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 248) .(7/426)
شهدة، وعبد الحق اليوسفي. وتفقه على عمه ناصح الإسلام أبي الفتح بن المنّي. وتأدّب بالحيص بيص الشاعر وغيره. وناظر في المسائل الخلافية، وأفتى وشهد عند القضاة. وكان حسن المناظرة، متدينا، مشكور الطريقة، كثير التلاوة للقرآن الكريم.
وحدّث، وأثنى عليه ابن نقطة، وروى عنه ابن النجار، وابن السّاعي، وعمر بن الحاجب. وبالإجازة جماعة، آخرهم: زينب بنت الكمال المقدسية، وتوفي في سابع جمادى الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها جمال الدّين بن مطروح الأمير الصّاحب أبو الحسين يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن مطروح المصري [1] ، صاحب الشعر الرائق.
ولد بأسيوط يوم الاثنين ثامن رجب، سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.
ونشأ هناك، وتنقلت به الأحوال والخدم والولايات، حتّى اتصل بخدمة السلطان الملك الكامل بن الملك العادل بن أيوب، وكان إذ ذاك نائبا عن أبيه بالدّيار المصرية. ولما اتسعت مملكة الكامل بالبلاد الشرقية، وصار له آمد، وحصن كيفا، وحرّان، والرّها، والرّقّة، ورأس عين، وسروج، وما انضم إلى ذلك، سيّر إليها ولده الملك الصالح نائبا عنه، وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة، فكان ابن مطروح في خدمته، ولم يزل ينتقل في تلك البلاد إلى أن وصل الملك الصّالح إلى مصر مالكا لها، وكان دخوله يوم الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة، سنة سبع وثلاثين وستمائة. ثم وصل ابن مطروح إلى الدّيار المصرية في أوائل سنة تسع وثلاثين. فرتّبه السلطان ناظرا في الخزانة، ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده، إلى أن ملك الصالح دمشق في
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 258- 266) و «العبر» (5/ 204) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 273- 274) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «النجوم الزاهرة» (7/ 27- 29) .(7/427)
جمادى الأولى، سنة ثلاث وأربعين. فكان ابن مطروح في صورة وزير لها، ومضى إليها، فحسنت حاله، وارتفعت منزلته، ثم إن الصّالح توجّه إليها، فوصلها في شعبان، سنة ست وأربعين، وجهّز عسكرا إلى حمص لاستنقاذها من نواب الملك الناصر، فعزل ابن مطروح عن ولايته بدمشق، وسيّره مع العسكر، ثم بلغه أن الفرنج قد اجتمعوا في جزيرة قبرس [1] على عزم قصد الدّيار المصرية، فسيّر إلى العسكر المحاصرين حمص، وأمرهم أن يعودوا لحفظ الدّيار المصرية، فعاد العسكر وابن مطروح في الخدمة، والملك الصالح متغير عليه لأمور يفهمها منه [2] .
ولما مات الملك الصالح، وصل ابن مطروح إلى مصر، وأقام في داره إلى أن مات.
قال ابن خلّكان: كان ذا أخلاق رضية، وكان بيني وبينه مكاتبات ومودة أكيدة، وله ديوان شعر أنشدني أكثره، فمن ذلك قوله في أول قصيدة طويلة:
هي رامة فخذوا يمين الوادي ... وذروا السّيوف تقرّ في الأغماد
وحذار من لحظات أعين عينها ... فلكم صرعن بها من الآساد
من كان منكم واثقا بفؤاده ... فهناك ما أنا واثق بفؤادي
يا صاحبيّ ولي بجرعاء الحمى ... قلب أسير ما له من فادي
سلبته مني يوم بانوا مقلة ... مكحولة أجفانها بسواد
وبحيّ من أنا في هواه ميّت ... عين على العشّاق بالمرصاد
وأغنّ مسكيّ اللّمى معسوله ... لولا الرقيب بلغت منه مرادي
كيف السّبيل إلى وصال محجّب ... ما بين بيض ظبا وسمر صعاد
__________
[1] كذا كانت تعرف في السابق ب «قبرس» بالسين المهملة آخر الحروف، وتعرف في أيامنا ب «قبرص» بالصاد آخر الحروف.
[2] في «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف: «لأمور نقمها عليه» .(7/428)
في بيت شعر نازل من شعره ... فالحسن منه عاكف في بادي
حرسوا مهفهف قدّه بمثقّف ... فتشابه الميّاس بالميّاد
قالت لنا ألف العذار بخدّه ... في ميم مبسمه شفاء الصّادي
ومن شعره قوله:
وعلّقته من آل يعرب لحظه ... أمضي وفتك من سيوف عريبه
أسكنته بالمنحنى من أضلعي ... شوقا لبارق شوقه وعذيبه
يا عائبا ذاك الفتور بطرفه ... خلّوه لي أنا قد رضيت بعيبه
لدن وما مرّ النّسيم بعطفه ... أرج وما نفح العبير بجيبه
ونزل في بعض أسفاره بمسجد وهو مريض فقال:
يا ربّ قد عجز الطّبيب فداوني ... بلطيف صنعك واشفني يا شافي
أنا من ضيوفك قد حسبت وإنّ من ... شيم الكرام البرّ بالأضياف
وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي وأحسن فيهما، وهما:
إذا ما سقاني ريقه وهو باسم ... تذكّرت ما بين العذيب وبارق
ويذكرني من قدّه ومدامعي ... مجر عوالينا ومجرى السوابق
وكان بينه وبين البهاء زهير محبة قديمة من زمن الصّبا وإقامتهما بالصعيد، حتى كانا كالأخوين وليس بينهما فرق في أمور الدّنيا. ثم اتصلا بخدمة الصالح وهما على تلك الحال والمودة.
وتوفي ليلة الأربعاء مستهل شعبان، ودفن بسفح المقطّم، وأوصى أن يكتب عند رأسه دو بيت نظمه في مرضه وهو:
أصبحت بقعر حفرتي [1] مرتهنا ... لا أملك من دنياي إلّا كفنا
يا من وسعت عباده رحمته ... من بعض عبادك المسيئين [2] أنا
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «حفرة» .
[2] في «آ» و «ط» : «المسيكين» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .(7/429)
سنة خمسين وستمائة
فيها وصلت التتار إلى ديار بكر فقتلوا وسبوا وعملوا عوائدهم.
وفيها توفي الرّشيد بن مسلمة أبو العبّاس أحمد بن مفرّج بن علي بن الدّمشقي [1] ، ناظر الأيتام.
ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وأجاز له الشيخ عبد القادر الجيلي، وهبة الله الدقّاق، وابن البطّي، والكبار. وتفرّد في وقته، وسمع من الحافظ ابن عساكر وجماعة. وتوفي في ذي القعدة.
وفيها الكمال إسحاق بن أحمد بن عثمان المعرّي [2] الشيخ المفتي الإمام الفقيه الشافعي المعرّي [3] ، أحد مشايخ الشافعية وأعيانهم.
أخذ عن الشيخ فخر الدّين بن عساكر، ثم عن ابن الصّلاح. وكان
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 205) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «النجوم الزاهرة» (7/ 30) .
[2] انظر «العبر» (5/ 205) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «النجوم الزاهرة» (7/ 30) .
[3] كذا قيّدت نسبته في «آ» و «ط» و «المنتخب» (172/ ب) . وعند تلميذه الإمام النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 18) ب: «المغربي» وقيّدت في «العبر» (5/ 205) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 248) و «مرآة الجنان» (4/ 120) ب «المعرّي» وتحرفت في «ذيل الرّوضتين إلى «المقرئ» ، وانظر ترجمته في «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 126) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 140) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 127- 128) ، وقد قيّدت نسبته فيها جميعا كما في كتابنا.(7/430)
إماما، عالما، مقيما بالرّواحية، أعاد بها عند ابن الصلاح عشرين سنة، وقد أخذ عنه جماعة، منهم: الإمام محيي الدّين النّووي.
قال أبو شامة: كان زاهدا، متواضعا.
وقال النووي في أوائل «تهذيب الأسماء واللغات» : أول شيوخي الإمام المتفق على علمه، وزهده، وورعه، وكثرة عبادته، وعظيم [1] فضله وتميّزه [2] في ذلك على أشكاله.
وقال غيره: كان متصديا للإفادة والفتوى، تفقّه به أئمة، وكان كبير القدر في الخير والصلاح، متيقن الورع. عرضت عليه مناصب فامتنع، ثم ترك الفتوى، وقال: في البلد من يقوم مقامي. وكان يسرد الصوم، ويؤثر بثلث جامكيته [3] ويقنع باليسير، ويصل رحمه بما فضل عنه، وكان في كلّ رمضان ينسخ ختمة ويوقفها. وله أوراد كثيرة، ومحاسن جمّة. توفي في ذي القعدة عن نيّف وخمسين سنة، ودفن بتربة الصّوفية إلى جانب ابن الصّلاح.
وفيها [الصّغاني] العلّامة رضي الدّين أبو الفضائل الحسن بن محمد [بن الحسن] بن حيدر العدوي العمري الهندي اللّغوي [4] ، نزيل بغداد.
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة بكوهور [5] ، ونشأ بغزنة، وقدم بغداد، وذهب في الرسائل غير مرّة. وسمع بمكّة من أبي الفتوح بن [محمد]
__________
[1] في «تهذيب الأسماء واللغات» : «وعظم» .
[2] في «آ» و «ط» : «وتمييزه» وما أثبته من «تهذيب الأسماء واللغات» .
[3] الجامكية: الراتب. انظر «الألفاظ الفارسية المعرّبة» لأدشير ص (45) .
[4] انظر «العبر» (5/ 205- 206) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 282- 283) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «النجوم الزاهرة» (7/ 26 و 30) ويقال في نسبه «الصّغاني» و «الصّاغاني» .
[5] في «آ» و «ط» : «بدوهور» والتصحيح من «العبر» وعلّق محقّقه الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد بقوله: يعني لاهور في الهند.(7/431)
الحصري، وببغداد من سعيد بن الرزّاز. وكان إليه المنتهى في معرفة اللغة.
له مصنّفات كبار في ذلك، وله بصر في الفقه، مع الدّين، والأمانة.
توفي في شعبان، وحمل إلى مكّة فدفن بها.
وفيها الخطيب العدل عبد الله بن حسّان بن رافع [1] ، خطيب المصلّى. توفي بدمشق بقصر حجّاج، بالمسجد المعروف به، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها الخطيب كمال الدّين عبد الواحد بن خلف بن نبهان، خطيب زملكا، جدّ الشيخ كمال الدّين بن الزّملكاني [2] . كان فاضلا، خيّرا، متميزا في علوم متعددة. تولى قضاء صرخد، ودرّس ببعلبك، وناب بدمشق، ومات بها. حكى عنه ابن أخيه عبد الكافي أنه لما طال به المرض ونحن عنده إذ التوت [3] يده اليمنى إلى أن صارت كالقوس، ثم فقعت وانكسرت، وبقيت معلّقة بالجلدة، ثم يوما آخر أصاب يده اليسرى مثل ذلك، ثم رجله اليمنى، ثم رجله اليسرى كذلك، فبقيت أربعته مكسرة. وسألوا الأطباء عن ذلك فما عرفوا جنس هذا المرض.
وفيها الشيخ الصّالح علي بن محمد الفهّاد [4] . كان بحرم السلطان.
سنجرشاه، فلما قتل انقطع في بيته وبنى مسجدا ورباطا ووقف عليهما ما ملك، وبقي يؤذّن احتسابا، فلما كان في بعض الأيام، جاء إلى المسجد وفيه بئر، فأدلى السطل ليستقي ماء، فطلع مملوءا ذهبا، فقال: بسم الله مردود، فأنزله مرة ثانية فطلع مملوءا ذهبا، فقال: بسم الله غير مردود وقلبه في البئر،
__________
[1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
[2] سترد ترجمة حفيده في الصفحة (438) .
[3] في «ط» : «أن التوت» وهو خطأ.
[4] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.(7/432)
وأنزله مرة ثالثة فطلع مملوءا ذهبا، فقال: يا ربّ لا تطردني عن بابك، أنا أروح إلى الشطّ أتوضأ، ليس قصدي سوى الماء لأداء فريضتك، ثم أنزله رابعة فطلع مملوءا ماء، فسجد شكرا لله تعالى [1] .
وفيها الإمام شمس الدّين محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الأنصاري المقدسي الأصل ثم الدمشقي الكاتب الفقيه الحنبلي [2] .
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وسمع من يحيى الثقفي، وابن صدقة الحرّاني، وغيرهما. وأجاز له السّلفي وغيره، وكان شيخا، فاضلا، وأديبا حسن النظم والنثر، من المعروفين بالفضل والأدب، والكتابة، والدّين، والصّلاح، وحسن الخطّ، وحسن الخصال، ولطف المقال. وطال عمره، ووزر للملك الصّالح إسماعيل مدة. وحدّث بدمشق وحلب، وكتب عنه ابن الحاجب، وقال: سألت الحافظ ابن عبد الواحد عنه فقال: عالم ديّن. روى عنه جماعة، منهم: ابنه يحيى بن محمد بن سعد، وسليمان بن حمزة، وتوفي في ثاني شوال بسفح قاسيون ودفن به من الغد.
وتوفي أخوه أحمد في نصف ذي القعدة من هذه السنة [3] . روى عن الخشوعي، وابن طبرزد.
وفيها الفقيه العلّامة المحدّث الصّالح الورع، محمد بن إسماعيل
__________
[1] لله رجال صدقوا مع الله حق الصدق وخلعوا من أنفسهم حبّ الدنيا الفانية، فأكرمهم الله بالقناعة، وهذا لعمري منهم- إن صحّت هذه الرواية- رحمه الله تعالى وأحسن إليه.
[2] انظر «العبر» (5/ 206) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 248- 249) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 248- 249) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 249) .(7/433)
الحضرمي [1] ، والد الفقيه إسماعيل المشهور. كان مفتيا [2] ، مدرسا.
وصنّف، واختصر «شعب الإيمان» للبيهقي، وله عليه زيادات حسنة، وتخرّج به جماعة، منهم: ولده.
ولما مات نزل في قبره الشيخ أبو الغيث بن جميل [اليمني] ، نفع الله بهما. قاله ابن الأهدل.
وفيها سعد الدّين بن حمّويه الجويني محمد بن المؤيد بن عبد الله ابن علي الصّوفي [3] ، صاحب أحوال ورياضات. وله أصحاب ومريدون، وله كلام على طريقة الاتحاد. سكن سفح قاسيون مدة، ثم رجع إلى خراسان، وتوفي هناك. قاله في «العبر» .
وفيها الفقيه موسى بن محمد القمراوي [4] ، نسبة إلى قمراء، قرية من أعمال صرخد.
ومن شعره قصيدة وازن بها قصيدة الحصري القيرواني [5] ، التي أولها:
يا ليل الصّبّ متى غده ... أقيام السّاعة موعده
فقال القمراوي:
قد [6] ملّ مريضك عوّده ... ورثى لأسيرك حسّده
لم يبق جفاك سوى نفس ... زفرات الشوق تصعّده
__________
[1] انظر «غربال الزمان» ص (525) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.
[2] في «غربال الزمان» : «متفننا» .
[3] انظر «العبر» (5/ 206) و «مرآة الجنان» (4/ 121) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 332- 334) .
[5] تقدمت ترجمته في المجلد الخامس صفحة (381- 383) .
[6] في «ط» : «قل» .(7/434)
هاروت يعنعن فنّ [1] السّح ... ر إلى عينيك ويسنده
وإذا أغمضت [2] اللّحظ فتك ... ت فكيف وأنت تجرّده
كم سهّل خدّك وجه رضا ... والحاجب منك يعقّده
ما أشرك فيك القلب فلم ... في نار الشّوق تخلّده
وفيها فخر القضاة نصر الله بن هبة الله بن بصاقة [3] الحنفي الكاتب [4] .
من شعره:
على ورد خدّيه وأسّ عذاره ... يليق بمن يهواه خلع عذاره
وأبذل جهدي في مداراة قلبه ... ولولا الهوى يقتادني لم أداره
أرى جنّة في خدّه غير أنني ... أرى جلّ ناري شبّ من جلّناره
سكرت بكأس من رحيق رضابه ... ولم أدر أنّ الموت عقبى خماره
وفيها علي بن أبي الفوارس الخيّاط المقرئ، عرف بالسير باريك [5] . كان حاذقا بالخياطة، قيل: إن الأمير الأرنباي أحضره ليلة العيد وقد عرض عليه ثوب أطلس، فطلب صاحبه ثمنا كثيرا، فقال: أنا أخيّطه ولا أقطعه، ويلبسه الأمير. فإن رضي صاحبه بما يعطى وإلّا يعاد عليه، فقال:
افعل، ففعل ذلك، وجاء صاحبه وأصرّ على الثمن الغالي، فطواه وثقله وأعاده عليه، فلما رآه صحيحا رضي بما أعطي.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «في» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «أغمدت» .
[3] تحرفت «بصاقة» في «الجواهر المضية» طبع حيدرآباد إلى «رصافة» فتصحح.
[4] انظر «الجواهر المضية» (2/ 199) و «حسن المحاضرة» (1/ 567) و «الأعلام» (8/ 31) وانظر التعليق عليه لمؤلّفه العلّامة خير الدّين الزركلي طيّب الله ثراه.
[5] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.(7/435)
وفيها الشيخ عثمان الديرناعسي [1]- من دير ناعس من قرى البقاع- شيخ عظيم، صاحب كرامات ومكاشفات. أدرك جماعة من الأولياء، ودفن بزاوية هناك، وكان له صيت وسمعة.
وفيها ابن قميرة المؤتمن أبو القاسم يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القاسم بن أبي الحسن التميمي الحنظلي الأزجي [2] ، التاجر السفّار، مسند العراق.
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة. وسمع من شهدة، وتجنّي، وعبد الحق، وجماعة. وحدّث في تجارته بمصر والشام.
توفي في السابع والعشرين من جمادى الأولى.
وفيها هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرّج جمال الدّين أبو البركات المقدسي ثم الإسكندراني الشافعي، ويعرف بابن الواعظ [3] . من عدول الثّغر. روى عن السّلفي قليلا، وعاش إحدى وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 295) .
[2] انظر «العبر» (5/ 206- 207) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 285) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) .
[3] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 378) .(7/436)
سنة إحدى وخمسين وستمائة
فيها توفي الجمال بن النّجّار إبراهيم بن سليمان بن حمزة القرشي الدّمشقي المجوّد [1] .
كتب للأمجد صاحب بعلبك مدة، وله شعر وأدب. أخذ عن الكندي، وفتيان الشّاغوري، وتوفي بدمشق في ربيع الآخر.
وفيها الملك الصّالح صلاح الدّين أحمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدّين يوسف بن أيوب [2] ، صاحب عين تاب.
ولد سنة ستمائة، وإنما أخّروه عن سلطنة حلب لأنه ابن أمة، ولأن أخاه العزيز ابن بنت العادل، وقد تزوّج بعد أخيه العزيز بفاطمة بنت الملك الكامل، وكان مهيبا وقورا، حدّث عن الافتخار الهاشمي، وتوفي في شعبان بعنتاب.
وفيها الصّالح بن شجاع بن سيّدهم أبو التّقي المدلجي المصري [3]
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 207) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان» للعيني (1/ 82) طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب.
[2] انظر «العبر» (5/ 207- 208) و «عقد الجمان» (1/ 84) .
[3] انظر «العبر» (5/ 208) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 289- 290) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «حسن المحاضرة» (1/ 379) .(7/437)
المالكي الخيّاط، راوي «صحيح مسلم» عن أبي المفاخر المأموني، وكان صالحا، متعففا. توفي في المحرّم.
وفيها السبط جمال الدّين أبو القاسم عبد الرحمن بن مكّي بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي ثم الإسكندراني [1] .
ولد سنة سبعين وخمسمائة، وسمع من جدّه السّلفي الكثير [2] ، ومن غيره وأجاز له عبد الحق، وشهدة، وخلق، وانتهى إليه علو الإسناد بالدّيار المصرية. وكان عريا من العلم. توفي في رابع شوال بمصر. قاله في «العبر» .
وفيها ابن الزّملكاني العلّامة كمال الدّين عبد الواحد ابن خطيب زملكا أبو محمد عبد الكريم بن خلف الأنصاري السّماكي الشّافعي [3] ، صاحب علم المعاني والبيان. كان قويّ المشاركة في فنون العلم، خيّرا، متميزا، ذكيا سريا. ولي قضاء صرخد، ودرّس مدّة ببعلبك. وله نظم رائق. وهو جدّ الكمال الزّملكاني المشهور، واسطة عقد البيت.
وتوفي عبد الواحد في المحرّم بدمشق.
وكان له ولد يقول له أبو الحسن علي [4] ، إمام جليل وافر الحرمة، حسن الشكل، درّس بالأمينية، وتوفي في ربيع الأول سنة تسعين وستمائة وقد نيّف على الخمسين.
وفيها أبو الحسن بن قطرال علي بن عبد الله بن محمد الأنصاري
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 208) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 278- 280) و «عقد الجمان» (1/ 82) و «حسن المحاضرة» (1/ 379) .
[2] في «آ» و «ط» : «الكبير» والتصحيح من «العبر» .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (187- 188) و «العبر» (5/ 208- 209) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 316) و «عقد الجمان» (1/ 83- 84) و «غربال الزمان» (ص (527) .
[4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 13) .(7/438)
القرطبي [1] . سمع عبد الحق بن توبة، وأبا القاسم بن الشّرّاط، وناظر علي بن أبي العباس بن مضاء [2] . وقرأ العربية، وولي قضاء أبّذة [3] ، فلما أخذها الفرنج سنة تسع وستمائة أسروه، ثم خلّص، وولي قضاء شاطبة، ثم ولي قضاء قرطبة، ثم ولي قضاء فاس. وكان يشارك في عدة علوم، ويتفرّد ببراعة البلاغة.
توفي بمرّاكش في ربيع الأول، وله ثمان وثمانون سنة.
وفيها أبو الحسن موفق الدّين علي بن عبد الرحمن البغدادي البابصري [4] الفقيه الحنبلي.
سمع مع أبيه من أبي العبّاس أحمد بن أبي الفتح بن صرما وغيره، وتفقه في المذهب. وكان معيدا لطائفة الحنابلة بالمستنصرية.
توفي في شعبان ببغداد، ودفن بباب حرب.
وفيها الشيخ محمد بن الشيخ الكبير عبد الله اليونيني [5] ، خلف أباه في المشيخة ببعلبك مدة، وكان زاهدا عابدا متواضعا كبير القدر.
توفي في رجب.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 209- 210) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 304- 305) .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن مصا» والتصحيح من «العبر» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «آمد» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» وهي مدينة صغيرة بالأندلس بينها وبين بيّاسة سبعة أميال. انظر «الروض المعطار» ص (6) ، وقيّدها ياقوت بالدال ثالث الحروف «أبّدة» وأضاف بأنها تعرف ب «أبّدة العرب» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 249) .
[5] انظر «العبر» (5/ 210) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 299- 300) و «مرآة الجنان» (4/ 128) ، وقد تحرفت «اليونيني» فيه إلى «الجويني» .(7/439)
سنة اثنتين وخمسين وستمائة
فيها شرعت التتار في فتح البلاد الإسلامية، والخليفة غافل في خلوته ولهوه، والوزير مؤيد الدّين وأتباع الخليفة يكاتبون هلاكو والرّسل بينهم.
وفيها ظهر بأرض عدن في بعض جبالها نار يطير شرارها إلى البحر بالليل ويصعد منها دخان عظيم بالنهار فما شكّوا أنّها النّار التي ذكرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنها تظهر في آخر الزّمان [1] ، فتاب الناس.
وفيها توفي الرّشيد العراقي أبو الفضل إسماعيل بن أحمد بن الحسين الحنبلي الجابي [2] . بدار الطّعم. كان أبوه فقيها مشهورا. سكن دمشق، واستجاز لابنه من شهدة، والسّلفي، وطائفة، فروى الكثير بالإجازة، وتوفي في جمادى الأولى.
__________
[1] قلت: وذلك فيما رواه الإمام أحمد في «المسند» (4/ 6- 7) ومسلم في «صحيحه» رقم (2901) (40) في الفتن وأشراط الساعة، وأبو داود في «سننه» رقم (4311) في الملاحم:
باب أمارات الساعة من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه، فاطّلع إلينا فقال: «ما تذكرون؟» قلنا: الساعة. قال: «إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدّخان، والدّجّال، ودابّة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشّمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس» واللفظ لمسلم.
[2] انظر «العبر» (5/ 210- 211) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 305- 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) .(7/440)
وفيها الأمير فارس الدّين أقطايا [1] التّركي الصّالحي النّجمي. كان موصوفا بالشجاعة والكرم، اشتراه الصّالح بألف دينار، فلما اتصلت السلطنة إلى رفيقه الملك المعزّ بالغ أقطايا [1] في الإذلال والتجبّر، وبقي يركب ركبة ملك، وتزوّج بابنة صاحب حماة، وقال للمعزّ: أريد أعمل العرس في قلعة الجبل، فأخلها لي، وكان يدخل الخزائن ويتصرف في الأموال، فاتفق المعزّ وزوجته شجرة الدّر عليه، ورتّبا من قتله، وأغلقت أبواب القلعة، فركبت مماليكه وكانوا سبعمائة، وأحاطوا بالقلعة، فألقي إليهم رأسه، فهربوا وتفرّقوا. وكان قتله في شعبان.
وفيها شمس الدّين الخسروشاهي [2]- بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة، وفتح الراء، وبعد الواو شين معجمة، نسبة إلى خسروشاه، قرية بمرو- أبو محمد عبد الحميد بن عيسى بن عمريه بن يوسف بن خليل بن عبد الله ابن يوسف التّبريزي الشّافعي، العلّامة المتكلم.
ولد سنة ثمانين وخمسمائة، ورحل فأخذ الكلام عن الإمام فخر الدّين الرّازي، وبرع فيه. وسمع من المؤيد الطّوسي، وتقدم في علم الأصول والعقليات، وأقام في الشّام بالكرك مدة عند الناصر، وتفنن في علوم متعددة، منها الفلسفة، ودرّس وناظر، وقد اختصر «المهذّب» في الفقه، «والشفا» لابن سينا. وله إشكالات وإيرادات جيدة، وروى عنه الدّمياطي، وأخذ عنه الخطيب زين الدّين بن المرحل، ومات في ثاني عشري شوال بدمشق ودفن بقاسيون.
وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن كمال باشا- العلّامة
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 211) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 298) و «النجوم الزاهرة» (7/ 33) وقد يكون الأصح أن يقال: «أقطاي» انظر «عقد الجمان» (1/ 143) .
[2] انظر «العبر» (5/ 211- 212) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 503) و «النجوم الزاهرة» (7/ 32) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 135- 136) ، و «عقد الجمان» (1/ 94) .(7/441)
بدر الدّين محمد بن محمود بن عبد الكريم الكردري، المعروف بخواهر زاده الحنفي [1] . أخذ عن خاله شمس الأئمة الكردري، وتفقه به.
والكردري: يقال لجماعة من العلماء كانوا أخوات شمس الأئمة، ولكن المشهور بهذه النسبة عند الإطلاق اثنان:
أحدهما متقدم، وهو أبو بكر محمد بن حسين البخاري ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد، وقد تكرر ذكره في «الهداية» بلقبه هذا، وهو مراد صاحبها.
والثاني خواهرزاده، صاحب هذه الترجمة.
توفي- رحمه الله تعالى- في سنة إحدى وخمسين وستمائة. قاله ابن كمال باشا.
وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل- شيخ شيوخ اليمن أبو الغيث بن جميل اليمني [2] . كان كبير الشأن، ظاهر البرهان، تخرّج به خلق وانتفع به الناس. وكان وجوده حياة للوجود، وفيه يقول اليافعي- رحمه الله تعالى-:
لنا سيّد كم ساد بالفضل سيّدا ... بكلّ زمان ثمّ كلّ مكان
إذا أهل أرض [3] فاخروا بشيوخهم ... أبو الغيث فينا فخر كلّ يماني
كان في ابتداء أمره عبدا- أي قنّا- قاطعا للطريق، فبينا هو كامن لأخذ قافلة، إذ سمع هاتفا يقول:
يا صاحب العين عليك أعين
[4]
__________
[1] انظر «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» (2/ 131) طبع حيدر أباد، و «عقد الجمان» (1/ 83) .
[2] انظر «مرآة الجنان» (4/ 121- 127) و «غربال الزمان» ص (526- 527) وقد ذكراه في حوادث سنة (651) .
[3] في «ط» : «إذا أرض أهل» وهو خطأ.
[4] في «آ» و «ط» : «عليك عينا» والتصحيح من «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» .(7/442)
فوقع منه موقعا أزعجه، وأقبل على الله، وظهر عليه من أوله صدق الإرادة، وسيماء السعادة. وصحب أولا الشيخ علي بن أفلح الزّبيدي، ثم الشيخ المبجّل علي الأهدل. ولما انتشر صيت الشيخ بنواحي سردد [1] كتب إليه الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذيبين [2] يدعوه إلى البيعة، فأجابه الشيخ، ورد كتاب السيد، وفهمنا مضمونه، ولعمري إن هذا سبيل سلكه الأولون، غير أنا نفر منذ سمعنا قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ 13: 14 [الرّعد: 14] لم يبق لإجابة الخلق فينا متسع، وليس لأحد منا أن يشهر سيفه على غير نفسه، ولا أن يفرّط في يومه بعد أمسه، فليعلم السيد قلّة فراغنا لما رام منا، ويعذر المولى، والسلام.
وكان أمّيّا وله كلام في الحقائق، وأحوال باهرة، وكرامات ظاهرة، ووضع عليه كتاب في التصوف.
وفيها مجد الدّين بن تيمية، شيخ الإسلام أبو البركات عبد السلام ابن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحرّاني [3] الفقيه الحنبلي الإمام المقرئ المحدّث المفسّر الأصولي النحوي، شيخ الإسلام، وأحد الحفّاظ الأعلام، وفقيه الوقت، ابن أخي الشيخ مجد الدّين محمد المتقدم ذكره.
ولد سنة تسعين وخمسمائة تقريبا بحرّان، وحفظ بها القرآن. وسمع من عمه الخطيب فخر الدين، والحافظ عبد القادر الرّهاوي.
__________
[1] في «آ» : «سرد» وفي «ط» : «سردر» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «غربال الزمان» وانظر «معجم ما استعجم» (3/ 732) و «صفة جزيرة العرب» ص (97) وهو واد من أودية اليمن.
[2] كذا في «آ» و «ط» : «ذيبين» وفي «غربال الزمان» : «دينين» ولم أقف على ذكر لأي من الوجهين في المصادر التي بين يدي، ولعلها: «الذّنانين» وهو ماء من مياه ماويّة باليمن، أو «الذنبتين» انظر «فهرس طبقات فقهاء اليمن» ص (314) والله أعلام بالصواب.
[3] انظر «العبر» (5/ 212) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 291- 293) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 249- 254) و «عقد الجمان» (1/ 97) .(7/443)
ثم ارتحل إلى بغداد سنة ثلاث وستمائة مع ابن عمّه سيف الدّين عبد الغني المتقدم ذكره أيضا، فسمع بها من ابن سكينة، وابن الأخضر، وابن طبرزد، وخلق. وأقام بها ستّ سنين يشتغل بأنوع العلوم. ثم رجع إلى حرّان، فاشتغل على عمّه فخر الدّين. ثم رجع إلى بغداد، فازداد بها من العلوم. وتفقه بها على أبي بكر بن غنيمة [الحلاوي] ، والفخر إسماعيل، وأتقن العربية، والحساب، والجبر، والمقابلة. وبرع في هذه العلوم وغيرها.
قال الذهبي: حدثني شيخنا- يعني أبا العباس بن تيمية شيخ الإسلام حفيد الشيخ مجد الدين هذا- أن جدّه ربّي يتيما، وأنه سافر مع ابن عمّه إلى العراق ليخدمه ويشتغل معه وهو ابن ثلاث عشرة سنة، فكان يبيت عنده، فيسمّعه مسائل الخلاف، فيحفّظه المسألة، فقال الفخر إسماعيل: ايش حفظ هذه الصغير، فبدر وعرض ما حفظه في الحال، فبهت فيه الفخر، وقال لابن عمه: هذا يجيء منه شيء وحرضه [1] على الاشتغال. قال: فشيخه في الخلاف الفخر إسماعيل، وعرض عليه مصنّفه «جنّة الناظر» وكتب له عليه:
عرض عليّ الفقيه الإمام العالم، أوحد الفضلاء. وهو ابن ست عشرة عاما.
قال الذهبي: وقال لي شيخنا أبو العبّاس: كان الشيخ جمال الدّين بن مالك يقول: ألين للشيخ المجد الفقيه كما ألين لداود الحديد [2] .
وقال الشيخ جم الدّين بن حمدان مصنّف «الرعاية» في تراجم شيوخ حرّان: صحبت المجد صحبته بعد قدومي من دمشق ولم أسمع منه شيئا، وسمعت بقراءته على ابن عمّه كثيرا. وولي التفسير والتدريس بعد ابن عمه، وكان رجلا فاضلا في مذهبه وغيره، وجرى لي معه مباحث كثيرة ومناظرات عديدة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وحرصه» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «فعرضه» والصواب ما أثبته.
[2] في «آ» و «ط» : «كما ألين الحديد لداود» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .(7/444)
وقال الحافظ عز الدّين الشريف: حدّث بالحجاز، والعراق، والشام، وبلده حرّان. وصنّف، ودرّس، وكان من أعيان العلماء وأكابر الفضلاء.
وقال الذهبي: قال شيخنا [1] : كان جدّنا عجبا في حفظ الأحاديث وسردها، وحفظ مذاهب الناس بلا كلفة.
وقال الذهبي: وكان الشيخ مجد الدّين معدوم النظير في زمانه، رأسا في الفقه وأصوله، بارعا في الحديث ومعانيه، له اليد الطّولي في معرفة القراءات والتفسير. صنّف التصانيف، واشتهر اسمه وبعد صيته. وكان فرد زمانه في معرفة المذهب، مفرط الذكاء، متين الدّيانة، كبير الشأن.
وللصّرصريّ [2] من قصيدة يمدحه بها:
وإنّ لنا في وقتنا وفتوره ... لإخوان صدق بغية المتوصّل
يذبّون عن دين الهدى ذبّ ناصر ... شديد القوى لم يستكينوا لمبطل
فمنهم بحرّان الفقيه النّبيه ذو ال ... فوائد والتّصنيف في المذهب الجلي
هو المجد ذو التّقوى ابن تيميّة الرّضا ... أبو البركات العالم الحجّة الملي
محرّره في الفقه حرّر فقهنا ... وأحكم بالإحكام علم المبجّل
جزاهم بخير [3] ربّهم عن نبيّهم ... وسنّته آلوا به خير موئل [4]
ومن مصنّفاته «أطراف أحاديث التفسير» رتّبها على السور «الأحكام الكبرى» في عدة مجلدات، «المنتقى من أحاديث الأحكام» وهو الكتاب المشهور، «المحرّر» في الفقه، «منتهى الغاية في شرح الهداية» وغير ذلك.
__________
[1] يعني شيخ الإسلام تقي الدّين بن تيمية رحمه الله تعالى.
[2] هو يحيى بن يوسف بن يحيى الصّرصري، سترد ترجمته في وفيات سنة (656) ص (493) من هذا المجلد.
[3] في «آ» و «ط» : «خيرا» ولا يستقيم الوزن بها وما أثبتناه يقتضيه المقام.
[4] كذا رواية البيت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف وهو مكسور.(7/445)
قال ابن رجب في «طبقاته» : كان المجد يفتي أحيانا أن الطلاق الثلاث المجموعة إنما يقع منها واحدة فقط.
وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم عيد الفطر بعد صلاة الجمعة منه بحرّان، ودفن بظاهرها.
وتوفيت ابنة عمّه زوجته بدرة بنت فخر الدّين بن تيميّة [1] قبله بيوم واحد. روت بالإجازة عن ضياء بن الخريف، وتكنى أم البدر.
وفيها أبو علي حسن بن أحمد [2] بن أبي الحسن بن دويرة البصري المقرئ الزاهد، شيخ الحنابلة بالبصرة ورئيسهم ومدرّسهم. اشتغل عليه أمم، وختم عليه القرآن أزيد من ألف إنسان. وكان صالحا، زاهدا، ورعا.
وحدّث ب «جامع الترمذي» بإجازته من الحافظ أبي محمد بن الأخضر.
سمعه منه الشيخ نور الدّين عبد الرحمن بن عمر البصري، وهو أحد تلامذته، وعليه ختم القرآن، وحفظ «الخرقي» [3] عنده بمدرسته بالبصرة، وتوفي الشيخ أبو علي في هذه السنة بالبصرة وولي بعده التدريس بمدرسته تلميذه الشيخ نور الدّين المذكور، وخلع عليه ببغداد في عشر جمادى الآخرة من هذه السنة.
وفيها أبو الفضل عيسى بن سلامة بن سالم الحرّاني الخيّاط [4] .
ولد في آخر شوال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وسمع من أحمد ابن أبي الوفاء الصّايغ، وأجاز له ابن البطّي، وأبو بكر بن النّقور، ومحمد بن
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 253) .
[2] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أحمد» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 254) مصدر المؤلّف.
[3] يعني «مختصر الخرقي» .
[4] انظر «العبر» (5/ 212- 213) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 280- 281) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) .(7/446)
محمد بن السّكن، وجماعة. وانفرد بالرواية عنهم. توفي في آخر هذه السنة.
وفيها النّاصح فرج بن عبد الله الحبشي [1] الخادم، مولى أبي جعفر القرطبي، وعتيق المجد البهنسي. سمع الكثير من الخشوعي والقاسم [ابن عساكر] ، وعدة. وكان صالحا، كيسا، متيقظا. وقف كتبه، وعاش قريبا من ثمانين سنة، وتوفي في شوال.
وفيها الكمال محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن كمال الدّين أبو سالم القرشي العدوي النّصيبي الشّافعي [2] المفتي الرحّال. مصنّف كتاب «العقد الفريد» [3] وأحد الصدور والرؤساء المعظمين.
ولد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وسمع بنيسابور من المؤيد، وزينب الشعرية. وتفقه، فبرع في الفقه، والأصول، والخلاف. وترسّل عن الملوك، وساد وتقدم. وحدّث ببلاد كثيرة، وفي سنة ثمان وأربعين وستمائة كتب تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصل، فلم يقبل منه، فتولاها يومين ثم انسلّ خفية، وترك الأموال والموجود، ولبس ثوبا قطنيا، وذهب فلم يدر أين ذهب. وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف والأوقات [4] ، وأنه يستخرج أشياء من المغيبات، وقيل: إنه رجع، ويؤيد ذلك قوله في المنجّم:
__________
[1] انظر «تكملة إكمال الإكمال» لابن الصابوني (265- 266) بتحقيق الدكتور مصطفى جواد، مصورة عالم الكتب بيروت، و «العبر» (5/ 212- 213) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 290- 291) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) .
[2] انظر «العبر» (5/ 213) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 293- 294) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 503- 504) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 153- 154) .
[3] وهو غير «العقد الفريد» لابن عبد ربّه. قال حاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1152) :
جعله على أربعة قواعد: الأول في مهمات الأخلاق والصفاة. والثاني في السلطنة والولايات.
والثالث في الشرائع والديانات. والرابع في تكملة المطلوب بأنواع من الزيادات.
[4] وفي «ط» : «الأوفاق» .(7/447)