الفضل بْن مشرّف، وابن أخت غانم.
ولقي بِبَلَنْسيَة: أَبَا حفص بْن واجب، وأبا إِسْحَاق بْن خَفَاجة الشّاعر.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبو عمران بن أبي تليد، وجماعة.
ورحل واستوطن الإسكندرية، وأقرأ بها القراءات. ثمّ رحل إلى القاهرة واشتمل عَلَيْهِ الملك صلاح الدّين، وَرَسَم لَهُ جاريا يقوم به. وكان يُكْرمه ويحترمه ويقبل شفاعته. وكان مِن أوّل من خطب بالدّعوة العباسيّة.
وكان فقيها، مشاوَرًا، مُقْرئًا، محدّثا، حافظا نسّابة، بديع الخطّ، بليغ الإنشاء، رائق النظم. وَلَهُ تصنيف سمّاه «المُغرِب فِي محاسن المَغرب» .
قيل هُوَ متّهم فِي هذا التّصنيف.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه التّجيبيّ، والحافظ أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل، وأَبُو الْحُسَيْن بْن الصّفراويّ، وآخرون.
وقرأ عَلَيْهِ بالروايات ابن الصّفروايّ، وغيره.
وتُوُفي فِي رجب وقد جاوز السّبعين.
- حرف التاء-
150-[تجَني] [1] أمّ عِتْب الوَهْبانية [2] .
عتيقة أبي المكارم بن وهبان.
__________
[1] في الأصل بياض. والمثبت من: الإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب: تجني ونحيي، والمختصر المحتاج إليه 3/ 259 رقم 1391، والعبر 4/ 223، ودول الإسلام 2/ 88، والمشتبه في الرجال 1/ 69، وسير أعلام النبلاء 20/ 550، 551 رقم 351، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1872، وتذكرة الحفاظ 4/ 154 وفيه: «تحيي» ، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 268، 269، والوافي بالوفيات 10/ 379، رقم 4873، والقاموس المحيط (مادة ج ن ي) وفيه ظنّها مسمّاة بالفعل المضارع من: جنيت، المبني للمجهول، أي تجنى، وتبصير المنتبه 1/ 194، والنجوم الزاهرة 6/ 8، والدارس في تاريخ المدارس 2/ 93، وشذرات الذهب 4/ 250، وتاج العروس 10/ 78، وأعلام النساء 1/ 165، 166، وانظر: الإكمال 1/ 503 بالحاشية.
[2] في دول الإسلام: «الربانية» .(40/164)
شيخة مسندة معمّرة. وهي من آخر من سمع فِي الدّنيا من طِراد الزَّيْنَبي، وابن طلْحة النعَالي.
روى عَنْهَا: أَبُو سعد السّمعانيّ، والشّيخ الموفّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والنّاصح بْن نجم الحنبليّ، وعبد الرّحيم بْن عُمَر بْن عليّ القُرَشي، وعمر بْن عَبْد العزيز بْن النّاقد، وعبد السّلام بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سُكَيْنَة، وأبو الفُتُوح نصر بْن الحُصري، وهبة اللَّه بْن الْحَسَن الدّوامي، وسيّدة بِنْت عَبْد الرحيم بْن السهْروَرْدي، ومحمد بْن عَبْد الكريم السّيّديّ، وزُهرة بِنْت حاضر، وفخر النّساء بِنْت الوزير مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابْن رئيس الرؤساء، ويوسف بْن يحيى البزّاز، وأبو الوليد منصور بْن عَبْد اللَّه بْن عفيجة، وإبراهيم بْن الخيّر، ويحيى بْن القُمَيْرة، وآخرون.
قال ابْن الدّبيثيّ [1] : أجازت لنا، وتُوُفيت فِي شوّال.
- حرف الحاء-
151- الحجّاج بْن عليّ بْن حَجاج [2] .
أَبُو القاسم بْن الدّبيثيّ، الواسطيّ.
قال ابْن الدّبيثيّ: هُوَ جدّي لأمّي.
سمع بواسط من القاضي الجلّابيّ. وسمع ببغداد من: أَبِي السّعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد، وابن الحُصَيْن.
وسألته عَن مولده فقال: سنة خمس وخمسمائة يوم عاشوراء وتُوفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَفَر.
سمعته يتمثّل بِشعْر.
152- الْحَسَن المستضِيء بأمر اللَّه [3] .
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه 3/ 259.
[2] انظر عن (الحجّاج بن علي) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[3] انظر عن (المستضيء بأمر الله) في: المنتظم 10/ 236 (18/ 190 وما بعدها) ، وسنا البرق-(40/165)
أمير المؤمنين أَبُو مُحَمَّد بْن المستنجد باللَّه يوسف بْن المقتفي مُحَمَّد بْن المستظهر أَحْمَد بْن المقتدي، الهاشميّ، العبّاسيّ.
بويع بالخلافة بعد موت أبيه فِي ربيع الآخر سنة ستّ وستّين وخمسمائة. وكان القائم بأخذ البيعة لَهُ الوزير عَضُد الدّين أَبُو الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابْن رئيس الرؤساء واستوزره يومئذٍ.
وُلِد المستضيء في سنة ستّ وثلاثين وخمسمائة، وكان ذا حُلُم وأناة، وفيه رَأفة. وكان كثير الصدَقة والمعروف. وأمّه أرمنيّة تُدْعى غضة، وكان لَهُ من الولد أَحْمَد، وهو الْإِمَام النّاصر، وهاشم أَبُو منصور.
قال ابْن الْجَوْزي فِي «المنتظم» [1] : بايعه النّاس ونودي برفع المكوس، ورد مظالم كثيرة، وأظهر من العدل والكرم ما لم نره فِي أعمارنا. وفَرق مالا عظيما على الهاشميّين، والعلويّين، والعُلماء، والمدارس، والرُّبُط. وكان
__________
[ (-) ] الشامي 1/ 342، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 9، والتاريخ الباهر 179، والكامل في التاريخ 11/ 459، وتاريخ دولة آل سلجوق 277، وزبدة التواريخ 286، وتاريخ الزمان 195، وتاريخ مختصر الدول 216، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 237- 241، وتاريخ إربل 1/ 210 و 214 و 421، والفخري 319- 321، وخلاصة الذهب المسبوك 1278- 280، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوط دار الكتب الوطنية بباريس، رقم 5922) ورقة 22، ومرآة الزمان 8/ 356، ومضمار الحقائق 4، والمختصر في أخبار البشر 3/ 62، ومرآة الزمان 8/ 356، والمختصر المحتاج إليه 2/ 30، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والعبر 4/ 223، وسير أعلام النبلاء 21/ 68- 72 رقم 24، ودول الإسلام 2/ 88، وتاريخ ابن الوردي 2/ 89، ونهاية الأرب 23/ 300- 308، والبداية والنهاية 12/ 304، ومرآة الجنان 3/ 401، والوافي بالوفيات 12/ 309- 311 رقم 280، والعسجد المسبوك 2/ 163، ومآثر الإنافة 2/ 50- 55، وتاريخ الخميس 2/ 409، وتاريخ ابن خلدون 3/ 528، والجوهر الثمين 1/ 212، 213، وفوات الوفيات 2/ 269- 271 رقم 19، والسلوك ج 1 ق 1/ 70، والنجوم الزاهرة 6/ 85، وتاريخ الخلفاء 444، وتاريخ ابن سباط 1/ 153، 154، وشذرات الذهب 4/ 250، 251، وأخبار الدول 177، وتحفة الناظرين للشرقاوي (على هامش: فتوح الشام للواقدي) 1/ 133.
وانظر كتاب: المصباح المضيء في خلافة المستضيء، لابن الجوزي.
[1] ج 10/ 436 (18/ 190) .(40/166)
دائم البَذْل للمال ليس لَهُ عنده وقْع. ولمّا استخلف خلع على أرباب الدّولة وغيرهم، فحكى خيّاط المخزن أنّه فصّل ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم. وخُطِب لَهُ على منابر بغداد، ونُثِرت لَهُ الدّنانير كما جَرَت العادة.
ووُلي رَوْح بْن الحديثيّ قضاء القضاة، ثمّ أمّر سبعة عشر مملوكا.
وللحَيْص بَيص فِيهِ:
يا إمام الهدى علوت من الجو ... د بمالٍ وفِضةٍ ونِضَارِ
فوهْبتُ الأعمارَ والأمْنَ والبلدان ... فِي ساعةٍ مَضَتْ من نَهَارِ
فبماذا نُثْني عليكَ وقد جَاوزتَ ... فضلَ البُحُورِ والأمطارِ
إنّما أنت مُعجزٌ مستقلٌ ... خارقٌ للعقول وللأفكار
جَمَعَتْ نفسك الشّريفة بالبأس ... وبالجود بين ماءٍ ونارِ
[1] قال ابْن الجوزيّ [2] : واحتجبِ المستضيء عن أكثر الناس، فلم يركب إلا مع الخدم، ولم يدخل عَلَيْهِ غير قيماز. وفي خلافته انقضت دولة بني عُبَيد المصريّين، وخُطِب لَهُ بمصر، وضُرِبت السّكّة باسمه، وجاء البشير بذلك إلى بغداد، فغلّقت الأسواق ببغداد وعلمت القباب. وصنفتُ كتابا سمّيته «النّصر على مِصْر» وعرضته على الْإِمَام المستضيء.
تُوُفي فِي شوّال.
قلت: رُزِق سعادة عظيمة فِي خلافته، وخُطِب لَهُ باليمن، وبَرقة، وتَوْرَز، ومصر إلى أسوان. ودانت الملوك بطاعته. وكان يطلب ابْن الجوزيّ، ويأمر بعقد مجلس الوعظ، ويجلس بحيث يُسمع، ويميل إلى الحنابلة.
وفي أيّامه ضَعُفَ الرفْض ببغداد ووهى، وأمن النّاس.
__________
[1] لم ترد هذه الأبيات في (ديوان الحيص بيص) بتحقيق مكي السيد جاسم وشاكر هادي شكر (بغداد 1974- 1975) ، كما لم ترد في خريدة القصر حيث ورد معظم شعره.
[2] في المنتظم.(40/167)
قال ابْن النّجّار: وكان حليما، رحيما، شفيقا، ليّنا، كريما. نقلت من خطّ أَبِي طَالِب عَبْد السّميع أنّه كان من الأئمّة الموفّقين، كثير السّخاء، حَسَن السّيرة. إلى أن قَالَ: اتّصل بي أنّه وهب فِي يومٍ لجهاتٍ وحظايا زيادة على خمسين ألف دينار.
وقال عَبْد العزيز بْن دُلَف: ثنا مَسْعُود بْن النّاصر قَالَ: كنت أنادم المستضيء، وكان صاحب المخزن ابْن العطّار قد عمل تور كأنّه شمعدان شمعه من ألف دينار.
قال: فحضر وفيه الشّمعة، فلمّا قمت قام الخادم بها بين يدي، فأطلق لي التور.
مات فِي سَلْخ شوّال.
- حرف السين-
153- سالم بْن عليّ بْن سلامة [1] .
الدّلّال ابْن البيطار.
بغداديّ، سمع بنفسه من القاضي أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وعليّ بْن الصّبّاغ، وجماعة.
وحدّث [2] .
154- سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مفضّل [3] .
أَبُو القاسم الأزجيّ.
__________
[1] انظر عن (سالم بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 99 رقم 710، والوافي بالوفيات 15/ 88، 89 رقم 117.
[2] قال ابن الدبيثي: سمع منه القرشي، وابن مشّق، وغيرهما، وكان صحيح السماع. توفي في آخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
وقال ابن النجار: سمع الكثير وحصّل الأصول. وكان متيقّظا صالحا صدوقا.. وخرّج له ابن الأخضر فوائد في جزء لطيف، ورواه لنا عنه. ولد سنة إحدى وخمسمائة.
[3] انظر عن (سعيد بن عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 87 رقم 691.(40/168)
سمع: أبيّا النّرسيّ، ومحمد بْن عَبْد الباقي الدّوريّ.
وكان كاتبا مذموم السّيرة.
سمع منه: أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب، والقدماء [1] .
وتُوُفي فِي رَمَضَان [2] .
- حرف الشين-
155- شافع بْن صالح [3] بْن حاتم [4] .
الجيليّ، ثمّ البغداديّ. أخو الحافظ أَحْمَد بْن صالح. وشافع الأكبر.
وكان من عُدُول بغداد.
سمع: أَبَا سعد بْن الطيُوري، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه الشُرُوطي.
روى عَنْهُ: إلياس بْن جامع الإربليّ، وجماعة.
قال ابْن الدّبيثيّ: أجاز لنا.
وتُوُفي فِي آخر السّنة.
156- شهاب بْن أَبِي الفوارس مُحَمَّد بْن هبة اللَّه.
أَبُو شجاع البوّاب.
أسمعه خاله عليّ بْن سعد الخبّاز من: أَبِي نصر بْن رضوان، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
روى عنه غير واحد.
__________
[1] ولد سنة 497 هـ.
[2] في المختصر: «شعبان» .
[3] انظر عن (شافع بن صالح) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 102 رقم 718، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري 3/ 532 رقم 2932 في ترجمة ابنه (أبي المعالي صالح بن شافع بْن صالحُ بْن شافع بْن صالح بْن حاتم..) ، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 49، والوافي بالوفيات 16/ 76 رقم 95، وشذرات الذهب 3/ 364.
[4] في الأصل: «حامد» وهو سهو.(40/169)
- حرف العين-
157- عبد الله بن أحمد بن بكران [1] .
أَبُو مُحَمَّد الدّاهريّ، الضّرير، المقرئ والد عَبْد السّلام الخفّاف.
والدّاهرية من قُرى السّواد.
قرأ على سِبْط الخيّاط. وسمع من: أَبِي غالب بن البنّاء.
وتُوُفي راجعا من الحجّ.
158- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن علي بْن قُرَشي.
أَبُو الوليد الحَجْري، القُرطُبي.
سمع من: أَبَا الوليد بْن الدّبّاغ، وأبي الْحَسَن بْن النّعمة، وجدّه لأمّه أَبِي الْحَسَن بْن فيد.
وصحِب أَبَا بَكْر عتيق ابْن الخصم وتأدّب به، وأبي الْحَسَن بْن سعد الخير.
ومَهَرَ فِي صناعة العربيّة واللُغة، وجلس لإقرائهما. وَلَهُ النظْم والنثْر.
أخذ عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن سعادة النحْوي، وغيره.
159- عَبْد الحقّ بْن عَبْد الخالق بْن أحمد بن عَبْد القادر بن مُحَمَّد بن يوسف [2] .
أَبُو الْحُسَيْن الشَّيْخ، الثقة، من بيت الحديث والفضل.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن أحمد بن بكران) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 130، ومعرفة القراء الكبار 2/ 572 رقم 529، وغاية النهاية 1/ 405.
[2] انظر عن (عبد الحق بن عبد الخالق) في: الكامل في التاريخ 11/ 461، وتاريخ إربل 1/ 35، 98، 132، 184، والمختصر المحتاج إليه 2/ 70، 71 رقم 873، والعبر 4/ 224، وسير أعلام النبلاء 20/ 552، 553 رقم 353، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1871، ودول الإسلام 2/ 88، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وتذكرة الحفاظ 4/ 1361، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 269، وذيل التقييد 2/ 115 رقم 1259، والعسجد المسبوك 2/ 176، 177، والنجوم الزاهرة 6/ 86، وشذرات الذهب 4/ 251.(40/170)
ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وسمّعه أبوه الكثير من أبي الحسين بن الطّيوريّ، وجعفر السّرّاج، وأبي القاسم الرّبعيّ، وأبي سعد بْن خُشَيْش، وأبي الْحَسَن العلّاف، وابن بيان، وخلْق سواهم.
وكان أَبُو الفضل بْن شافع يقول: هُوَ أثبت أقرانه [1] .
وقال عَبْد العزيز بْن الأخضر: كان عَبْد الحقّ لَا يحدّث بما سمعه حُضُورًا. ترك ذلك تورّعا [2] .
روى عَنْهُ: ابْن السّمعانيّ، وذكره فِي «تاريخه» ، وأبو الفَرَج بْن الجوزيّ، وقال: كان حافظا لكتاب اللَّه، ديّنا، ثقة، سمع الكثير وحدّث [3] .
وهو من بيت المحدّثين [4] .
وقال البهاء عَبْد الرَّحْمَن: سمعنا كثيرا على عَبْد الحق، وكان من بيت الحديث فإنه روى لنا عَن أَبِيهِ عَن أَبِيهِ عَن أَبِيهِ.
قال: وكان صالحا فقيرا، وكان عَسِرًا فِي السَّماع جدّا. ورزُقت منه حظّا، لأَنَّه كَانَ يراني مُنْكَسرًا مُواظبًا، وكان يُعيرني الأجزاءَ فأكتبها. وألهِمَ فِي آخر عِمره القرآن، فكان يقرأ كُلَّ يوم عشرين جزءا أو أكثر [5] .
قلت: وَرَوَى عَنْهُ الحافظان: عَبْد العزيز بْن الأخضر، وعبد القادر الرّهاويّ، والشّيخ موفّق الدّين، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّهاب بْن راجح، وحمد بْن صِديق الحرّانيّ، وأبو الْحُسَيْن القطيعيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن بخْتيار، وقَيصَر البوّاب، وإبراهيم بْن الخيّر، ويحيى بْن القُمَيْرَة، وعليّ بْن هبة اللَّه بْن الْجُمَّيْزيّ، والأعزّ بْن العُليق، ومحمد بْن عَبْد الكريم السّنديّ، وخلق سواهم.
وقال ابْن مَشقْ: تُوُفي فِي السادسِ والعشرين من جُمادى الأولى.
__________
[1] المختصر المحتاج إليه 2/ 70.
[2] المختصر المحتاج إليه 2/ 70.
[3] المختصر المحتاج إليه 2/ 71.
[4] المختصر المحتاج إليه 2/ 71.
[5] المختصر المحتاج إليه 2/ 71.(40/171)
160- عَبْد المحسّن بْن تُرَيْك بْن عَبْد المحسن بْن تُرَيْك [1] .
أَبُو الفضل الأزَجي، البيّع.
سمع: أَبَا الغنائم النرْسِي، وأبا القاسم بْن بيان، وأبا عَبْد اللَّه الدّوريّ.
سمع منه: أَحْمَد وتميم ابنا أَحْمَد البَنْدَنِيجي، وعبد العزيز بْن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ونصر بْن عَبْد الرّزّاق، وآخرون.
تُوُفي يوم عَرَفَة.
161- عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدَامة.
أخو الشَّيْخ أَبِي عُمَر، والشّيخ الموفّق.
وُلِد فِي أوّل سنة خمسين، وعاش خمسا وعشرين سنة.
ومات فِي طريق الحجّ.
وقد سافر إلى بغداد، وسمع من: شُهْدَة، وعبد الحقّ، وجماعة.
وكان ذا مُروءة وكَرَم. رُمِيَ بسهمٍ بين مَكَّة وعَرَفات، فبقي منه مريضا حتّى مات بين تَيْماء والمدينة.
قال الضّياء: وسمعت أنّ ابنه الشّرف كان طفلا نائما، فانتبه فقال:
السّاعة يدفنون أَبِي. فَزَجَرَتْه أمّه. فلمّا قدِم الحاجّ تبيّن أنّهم دفنوه تلك اللّيلة.
خلّف من الولد: أَحْمَد، وسارة، وزينب.
162- عَلم [2] زَوْجَة الشّيخ مُحَمَّد بْن يحيى الزّبيديّ.
امْرَأَة زاهدة، صالحة، واعِظة.
قدِمَت بغداد مع زوجها. وهي أمّ المبارك وجدّة الْحُسَيْن.
تزوّج بها بدمشق، وعمّرت دهرا.
__________
[1] انظر عن (عبد المحسّن بن تريك) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 87 رقم 915، والمشتبه في الرجال 1/ 72، والعبر 4/ 224، وسير أعلام النبلاء 20/ 553 دون ترجمة.
[2] في الأصل: «علما» والتصحيح من: المختصر المحتاج إليه 3/ 267 رقم 1420.(40/172)
163- عليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن حَسَن [1] .
أَبُو الْحَسَن العَلَوي الحسينيّ الزيديّ البغداديّ، القُدْوَة السيّد الفقيه الشافعيّ المحدّث.
قال ابْن الدّبيثيّ [2] : أحد الأعيان والزّهّاد والنّسّاك. حفظ القرآن وحصّل الفقه، وكتب الكثير من الحديث وجمعه. وكان نبيلا، جامعا لِصفات الخير.
سمعتُ شيخنا ابْن الأخضر يعظّم شأنه ويُثني عَلَيْهِ ويصف زُهده ودينه.
وقال: أوّل سماعه سنة أربعين وإلى آخر عمره.
سمع: الحافظ ابْن ناصر، وابن الزاغُوني، ونصر بْن العُكْبَري.
وانتخبَ لنفسه أجزاء، وحدّث بها وسمع منه شيوخه وأقرانه تَبَركًا به، منهم: عُمَر القُرَشي، وعمر العُلَيمي، وأبو المواهب بْن صَصْرَى.
وكان ثقة صدوقا. وُلِد سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة.
وتُوُفي فِي شوّال وأبواه فِي الحياة، ودُفِنَ بداره. ووقَفَ كُتُبه، وانتفع بها النّاس. فقيل إنّ الوزير عضُد الدّين ابْن رئيس الرؤساء لمّا عادَ إلى الوزارة بعث إليه بألف دينار، وكان نَذَرَها إن عاد إلى الوزارة، فلمّا سمع المستضيء بذلك بعث إلى الشّريف بألف دينار أخرى، وبعثت إليه بنفسه أمّ الخليفة بألف دينار، فلم يتصرّف فِيهَا بل بنى مسجدا واشترى كُتُبًا كثيرة وقفها [3] فِيهِ وانتفع بها النّاس [4] .
__________
[1] انظر عن (علي بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 114، 115 رقم 975، والتاريخ المجدّد لمدينة السلام لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 1690، 170، ومرآة الزمان 8/ 356، 357، وذيل تاريخ بغداد 3/ 158- 162 رقم 740، و (المخطوط) 2/ ورقة 212 أ، وسير أعلام النبلاء 21/ 104، 105 رقم 49، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1873، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 271، والنجوم الزاهرة 6/ 86، والعسجد المسبوك 2/ 177.
[2] في المختصر المحتاج إليه.
[3] في الأصل: «فوقها» .
[4] وقال ابن النجار: أبو الحسن العلويّ الحسني الزيدي نسبا الشافعيّ مذهبا، وكذا رأيت-(40/173)
164- عليّ بْن حُمَيْد بْن عمّار [1] .
أَبُو الْحَسَن الأنصاري، الأطرابلسي، ثم المكي، النحوي، المقرئ.
حدث فِي هذا العام «بصحيح الْبُخَارِيّ» ، عَن أَبِي مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي سماعا، وهو آخر مَن سمع منه.
روى عَنْهُ: محمد بن عبد الرحمن التجيبي الأندلسي، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَرَميّ فُتُوح بْن بَنِين الْمَكِّيّ العطّار، وناصر بْن عَبْد اللَّه الْمَصْرِيّ العطّار
__________
[ (-) ] نسبه بخط يده، كان أحد الأعيان المشار إليهم بالزهد والعبادة والفضل والعفة والنزاهة، وحسن الطريقة، وصحّة العقيدة، وسلامة الطويّة، قطع أوقاته في العبادة، ومواصلة الطاعة، وطلب العلم ودرسه وكتابته والسعي في تحصيله حتى مكّن الله منزلته في قلوب الناس، فأحبّه الخاص والعام، ووقع له القبول في الأرض حتى كان يقصده الأماثل والأعيان لزيارته والتبرّك به، وهو مع ذلك متواضع في طلب العلم وحضور مجالس الحديث والسماع من كل راو وصحبة طلب العلم والنسخ والتحصيل لا يفتر من ذلك، وكان موصوفا بحسن الخلق، والخلق وطيب الملقى وحسن العشرة وحلاوة الألفاظ والجود والمروءة، وبذل ما بيده، وتفقد المتحملين، والإفضال على الناس، وسمع الحديث الكثير، وقرأ بنفسه وكتب بخطه، واستكتب بخط غيره، وحصّل الأصول الكثيرة حتى صار له من الكتب المصنّفة والمسانيد والأجزاء شيء كثير، فوقفه بمسجده الّذي استجدّه بدار دينار الصغيرة، وشاركه في الوقفية شريكه رفيقه صبيح النصري، وأضاف إلى كتبه ما حصّله من كتب وما كتبه بخطه واستكتبه بخط غيره، وكان على طريقة جميلة من حسن الصحبة وصحة النيّة وسلامة الطويّة حتى كأنهما روحان في جسد.. وبالغ في الطلب حتى طلب من أقرانه، وعمّن هو دونه، وحدّث باليسير لأنه مات شابا قبل أوان الرواية..
قرأت في كتاب القاضي أبي المحاسن عمر بن علي القرشي بخطه قال: وممن مات في شوال في هذه السنة في هذا الطاعون- يعني سنة خمس وسبعين وخمسمائة- الشريف الزاهد وليّ الله أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن الزيدي، وكان عالما فاضلا، حافظا عارفا له المجاهدات الكثيرة والمعرفة التامة، والأحوال الحسنة والكرامات الظاهرة لو أتيت ما شاهدت له من الكرامات، وما حدّثني به الثقات من ذلك لقام من ذلك كراريس، ومات عن قريب من سبع وأربعين سنة، وكان رفيقي في السماع سنين كثيرة. (ذيل تاريخ بغداد) .
[1] انظر عن (علي بن حميد) في: سير أعلام النبلاء 20/ 541 (دون ترجمة) ، والعقد الثمين لقاضي مكة 6/ 156، 157، وذيل التقييد، له 2/ 191 رقم 1413. وقد تقدّم برقم (12) .(40/174)
نزيل مَكَّة ستّين عاما، وأبو الربيع سُلَيْمَان بن أحمد السّعديّ المغربل الشّاوي، وآخرون.
وحدّث فِي سنة خمسٍ وسبعين.
165- عليّ بْن هبة اللَّه بْن عليّ بْن خلدون [1] .
أَبُو المعالي الواعظ.
وُلِد ببغداد، ونشأ بالكوفة، وحجّ، ودخل مِصْر فتعلّم الوعْظ، ثمّ قدِم دمشقَ وسمع بها من أَبِي الْحُسَيْن عليّ بْن المَوَازيني. وسكنها حتّى مات.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى وقال: تُوُفي فِي ربيع الآخر عَن ثلاثٍ وتسعين سنة ممتَّعًا بحواسّه.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ: عتيق السّلمانيّ، ومكّيّ بْن عِلان.
166- عُمَر بْن عَليّ بْن الخَضر بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ [2] .
أبو المحاسن القرشيّ، الزّبيريّ، الدّمشقيّ، القاضي، الحافظ.
قال ابْن الدّبيثيّ [3] : حافظ، ثقة، عالم. عِني بطلب الحديث وبسماعه وكتابته:
وسمع بدمشق، وحلب، وحَران، والمَوْصِل، وبغداد، والكوفة، والحجاز، ورزق الفهم والحديث.
سمع: أَبَا الدُّر ياقوت، وأبا القاسم بن البنّ، وأبا طالب عبد
__________
[1] انظر عن (علي بن هبة الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 146 رقم 10066، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس رقم 2131) ورقة 65، 66، وسير أعلام النبلاء 20/ 553 دون ترجمة، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والنجوم الزاهرة 6/ 86.
[2] انظر عن (عمر بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 101، 102 رقم 944، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس) ورقة 113، والكامل في التاريخ (حوادث 575 هـ.) ولقبه: نعنع، وتلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 1483، والعبر 4/ 224، وسير أعلام النبلاء 21/ 105، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1874، ومرآة الجنان 3/ 402، والعسجد المسبوك 2/ 177، والنجوم الزاهرة 6/ 86، وشذرات الذهب 4/ 252.
[3] في المختصر المحتاج إليه.(40/175)
الرَّحْمَن بْن العجميّ، وحامد بْن محمود الحرّانيّ.
وقدِم بغدادَ فِي سنة ثلاثٍ وخمسين، وسكنها. وسمع: أَبَا الوقت، وأبا جعفر العبّاسيّ، وأَبَا المظفّر بْن التُريْكي، وأَبَا مُحَمَّد بْن المادح، فمن بعدهم.
حتى سمع من أصحاب قاضي المَرِسْتان.
وصحِب أَبَا النّجيب السّهرورديّ. وولّاه قاضي القضاة رَوْح بْن الحديثيّ قضاء الحريم.
ونُفذَ رسولا إلى نور الدّين وما كان بلغ الثّلاثين سنة.
سمع منه: أَبُو سُكرة الباقداريّ، وأحمد بن أحمد البَنْدَنِيجي، وأبو الفُتُوح بْن الحصْري، وابنه أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن عُمَر.
وأجاز لي.
وُلِد بدمشق فِي شَعْبان سنة ستّ وعشرين.
وتُوُفي فِي ذي الحجّة.
167- عيسى بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه [1] .
أَبُو هاشم الدُّوشابي [2] ، الهاشميّ، العبّاسيّ، البغداديّ، الهرّاس. وهو منسوب إلى دوشاب بْن عليّ العبّاسيّ.
سمع من: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن عليّ بْن البُسْري.
قال أَبُو سعد السّمعانيّ: كان هرّاسا. كتبتُ عَنْهُ حديثين.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وأبو بَكْر عَبْد اللَّه بْن نصر قاضي حرّان، وحمد بْن صُدَيق، وابن المقيّر، وجماعة.
توفّي في رجب.
__________
[1] انظر عن (عيسى بن أحمد) في: الأنساب 5/ 263، 264، واللباب 1/ 513، والمختصر المحتاج إليه 3/ 152 رقم 1084، والعبر 5/ 225، وسير أعلام النبلاء 21/ 83، والإعلام بوفيات الأعلام 237.
[2] الدّوشابي: بضم الدال المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخرها باء موحّدة. هذه النسبة إلى دوشاب، وهو الدبس بالعربية، وبيعه أو عمله.(40/176)
168- عيسى بْن الْإِمَام المسترشد باللَّه.
تُوُفي كهلا فِي المحرّم.
- حرف القاف-
169- القاسم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن دحمان [1] .
أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، المالقيّ، المقرئ.
قال الأبّار: أخذ القراءات عَن أَبِي منصور بْن الخير، وأبي عَبْد اللَّه ابْن أخت غانم، وأبي الْحُسَيْن بْن الطّراوة، وأبي الفتح سَعْدون المراديّ أخذ عَنْهُ كُتُب النّحو.
وناظر فِي «المدوّنة» على: أَبِي مُحَمَّد بْن الوحيديّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن الأديب. وسمع منهما «صحيح الْبُخَارِيّ» .
وأجاز لَهُ أَبُو بحر الأسَدي، وأبو عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وجماعة.
وكان مقرِئًا جليلا، نحويّا ماهرا، عالما بالقراءات والعربيّة، متصوّرا لإقرائها. حدّث عَنْهُ جماعة من شيوخنا.
وقد أخذ عَنْهُ: أَبُو زيد السُهَيْلي مَعَ تقدّمه، وأبو الْحَسَن بْن خروف.
تُوُفي بمالقة وقد نيّف على الثّمانين.
- حرف الميم-
170- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الفَرَج [2] .
أَبُو منصور الدّقاق، البغداديّ الوكيل بباب القاضي. وهو أحد الإخوة الأربعة.
__________
[1] انظر عن (القاسم بن عبد الرحمن) في: التكملة لكتاب الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 101، والمطرب لابن سعيد 216، وبغية الملتمس للضبّي 450، 451 رقم 1307، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 2/ 545، 546، ومعرفة القراء الكبار 2/ 551 رقم 500، وغاية النهاية 2/ 19، وبغية الوعاة 2/ 255.
[2] انظر عن (محمد بن أحمد بن الفرج) في: تاريخ إربل 1/ 184، والمختصر المحتاج إليه 1/ 9.(40/177)
سمّعه خاله الحافظ مُحَمَّد بْن ناصر من أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المَحَامِلي، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن السّمرقنديّ، وأبي طَالِب اليُوسُفي، وأبي العزّ القلانِسي.
وحدّث عَنْهُمْ. وكان ثقة.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو بَكْر الخازميّ، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وطائفة سواهم.
وتُوُفي فِي ذي الحجة. وكان مولده في سنة أربع وخمسمائة.
وأوّل سماعه سنة إحدى عشرة من ابْن يوسف.
171- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن الخليل [1] .
أَبُو الفَرَج الأديب الهيتيّ.
سمع: أَبَا القاسم بْن الطبر، وعبد الوهّاب الأنماطيّ.
وقرأ العربيّة على ابْن الشّجريّ.
كتب عَنْهُ ابْن السّمعانيّ مع تقدّمه، وتُوُفي فِي ربيع الآخر [2] .
172- مُحَمَّد بْن خير بْن عُمَر بْن خليفة [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن الحسين) في: مرآة الزمان 8/ 357، 358.
[2] ولد بهيت سنة 495 هـ. وسكن بغداد وكان صالحا فاضلا، له نظم ونثر وله براعة في ذلك:
يا راقدا أسهر لي مقلة ... عزيزة عندي وأبكاها
ما آن للهجران أن ينقضي ... عن مهجة هجرك أفناها
إن كنت ما ترحمني فارتقب ... يا قاتلي في قتلي الله
وله من النثر:
من كان الصمت شجرته، كانت السلامة ثمرته.
في احتراز اللبيب، ما يغنيه عن الطبيب.
من ترك المراء، استمال الورى.
[3] انظر عن (محمد بن خير) في: بغية الملتمس للضبي 75 رقم 113، وتكملة كتاب الصلة-(40/178)
المقرئ، الأستاذ، الحافظ، أَبُو بَكْر اللّمتونيّ، الإشبيليّ.
أخذ القراءات عَن شُريْح، واختصّ به حتّى برع وفاق.
وسمع من: أبي مروان الباجيّ، وأبي بَكْر بْن العربيّ.
ورحل إلى قرطبة فسمع من: أَبِي جعفر بْن عَبْد العزيز، وابن عمّه أَبِي بَكْر، وأبي القاسم بْن بقيّ، وابن مغيث، وابن أَبِي الخصال، وطائفة.
قال الأبّار [1] : وكان مكثرا إلى الغاية بحيث انّه سمع من رفاقه، وسمع أكثر من مائة نفر. وَلَا نعلم أحدا من طبقته مثله. وتصدّر بإشبيليّة للإقراء والإسماع. وأخذ النّاس عَنْهُ. وكان مقرئا مجوّدا، ومحدّثا مُتقنًا، أديبا، نَحويًا، لغويّا، واسع المعرفة، رضا، مأمونا. ولما مات بيعت كتبه بأغلى ثمن لصحّتها.
ولم يكن لَهُ نظير فِي هذا الشّأن مع الحظّ الأوفر من علم اللّسان.
تُوُفي فِي ربيع الأوّل، وكان لَهُ جنازة مشهودة.
ووُلِد سنة اثنتين وخمسمائة.
أكثر عَن شيخنا ابْن واجب.
173- مُحَمَّد ابْن قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن علي بْن أَحْمَد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ [2] .
القاضي أبو الفتح بن الدّامغانيّ.
__________
[ (-) ] لابن الأبّار 2/ 523- 525، والعبر 4/ 225، والمعين في طبقات الحفاظ 175 رقم 1875، ومعرفة القراء الكبار 2/ 558، رقم 512، وتذكرة الحفاظ 4/ 1366، وسير أعلام النبلاء 21/ ومرآة الجنان 3/ 402، والوافي بالوفيات 3/ 51 رقم 949، وغاية النهاية 1/ 139، وبغية الوعاة 1/ 41، وطبقات الحفاظ للسيوطي 483، وشذرات الذهب 4/ 252، ومعجم طبقات الحفاظ 156 رقم 1073.
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (محمد بن علي بن أحمد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 125 رقم 352، والمختصر المحتاج إليه 1/ 91، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 1219، والجواهر المضيّة 2/ 21، ومرآة الزمان 8/ 358.(40/179)
كان عارفا بمذهب أَبِي حنيفة، وناب فِي الحُكْم عَن والده.
وتُوُفي شابا عَن تسعٍ وعشرين سنة [1] .
174- مُحَمَّد بْن عليّ بْن حمزة بْن مُحَمَّد [2] أَبُو يَعْلَى بْن الأقساسيّ [3] ، العلويّ، الشّريف، الكوفيّ، أخو النّقيب أَبِي مُحَمَّد الْحَسَن بْن عليّ.
كان أديبا، شاعرا [4] .
سمع من: أَبِي النّرسيّ، وأبي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العَلويّ.
وتُوُفّي فِي ذي الحجّة وقد قارب الثّمانين.
175- مُحَمَّد بْن القاضي عياض بْن مُوسَى بْن عياض [5] .
اليحصُبي السّبتيّ أَبُو عَبْد اللَّه قاضي دانية.
قيل: تُوُفي فِي هذه السّنة، أو سنة اثنتين وسبعين [6] .
__________
[1] وقال سبط ابن الجوزي: من بيت الرئاسة والفضل والقضاء استنابه أبوه في القضاء، وكان فاضلا نزها عفيفا.
[2] انظر عن (محمد بن علي بن حمزة) في: الكامل في التاريخ 11/ 188، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 126 رقم 353، وتلخيص مجمع الآداب 4/ 698 رقم 2894، والمختصر المحتاج إليه 1/ 92، والوافي بالوفيات 4/ 155، 156 رقم 1689، والعسجد المسبوك 2/ 178.
[3] الأقساسي: بفتح الألف وسكون القاف والألف بين السينين المهملتين. هذه النسبة إلى الأقساس وهي قرية كبيرة بالكوفة. (الأنساب 1/ 333) .
[4] من شعره:
ربّ قوم في خلائقهم ... غرر قد صيّروا غررا
ستر الإثراء عيبهم ... سترى إن زال ما سترا
ومنه أيضا:
وكنت إذا خاصمت خصما كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم
فلما تنازعنا الخصام تحكّمت ... عليّ وقالت: قم فإنك ظالم
[5] انظر عن (محمد بن عياض) في: الوفيات لابن قنفذ 288 رقم 575، والديباج المذهب 289، الوافي بالوفيات 4/ 294 رقم 1826.
[6] في الديباج المذهب وفاته سنة 595 هـ. وقال ابن قنفذ في (الوفيات) إنه توفي بغرناطة، وعرّف في تآليفه بأبيه.(40/180)
176- مُحَمَّد بْن أَبِي غالب بْن أَحْمَد بْن مرزوق [1] .
الحافظ أَبُو بَكْر الباقداريّ [2] ، الضّرير.
قدِم بغداد في صباه من باقدارى، وقرأ على جماعة.
وسمع الحديث من خلق كثير.
وقال ابْن الدّبيثيّ: وانتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه، وعليه كان المعتمد فِيهِ [3] .
وقال أَبُو الفتوح بْن الحُصْري: هُوَ آخر من بقي من حفّاظ الحديث الأئِمة [4] .
وقال ابْن الدّبيثيّ: سمعتُ غير واحدٍ من شيوخنا يذكرون أَبَا بَكْر الباقداريّ، ويصفُونه بالحفْظ ومعرفة الرجال، والمُتُون، والإتقان، مع كونه ضريرا مقصورا، إلَّا أنّه كان حفَظَة، حَسَن الفهم.
سمع: أَبَا مُحَمَّد سبط الخيّاط، وابن ناصر، وابن الزّاغونيّ، والفضل بْن سهل الإسْفَرَائيني، والنّاس بعدهم.
وبلغني أنّ ابْن ناصر كان يُراجع الباقداريّ فِي أشياء، ويرجع إلى قوله [5] .
وقال الحافظ زكيّ الدّين عَبْد العظيم، وذكر الباقداريّ فقال: كان أَبُوهُ أحد حُفاظ بغداد المشهورين بمعرفة الرجال، والتّقدّم مع ضرره [6] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن أبي غالب) في: العبر 4/ 225، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1876، وفيه «محمد بن غالب» ، ومرآة الجنان 3/ 2- 4، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 344- 346 رقم 162، وشذرات الذهب 4/ 252.
[2] الباقداري: بكسر القاف، نسبة إلى باقدارى بالقصر. قرية من قرى بغداد. (شذرات الذهب) .
[3] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 344.
[4] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 345.
[5] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 345.
[6] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 345.(40/181)
قلت: وسمع منه: إِبْرَاهِيم الشّعّار، وعمر بْن عليّ القُرَشي، ونصر بْن الحُصْري.
وقال ابْن الدّبيثيّ: أَنَا عَبْد اللَّه بْن عُمَر الوكيل، أَنَا الحافظ أَبُو بَكْر، أَنَا ابْن الزاغُوني، وسعيد بن البنّاء، وابن المادح قَالُوا: أَنَا أَبُو نصر الزَّيْنَبي، فذكر من البعث أنّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوفيت بنته زينب، فخرج لجنازتها.. الحديث.
تُوُفي الحافظ أَبُو بَكْر فِي ذي الحجّة كهْلًا.
وكانت بنته «عجيبة» من أسند شيوخ بغداد. سمّعها واستجاز لها الكبار.
177- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد [1] .
الأنباريّ، أَبُو الفَرَج.
صاحب ديوان الإنشاء ببغداد. ناب فِي الوزارة.
وقد كتب الإنشاء سبعة عشر عاما وأشهرا.
وحدّث عَن: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن السمَرْقَنْدي.
تُوُفي فِي ذي القعدة وَلَهُ ثمان وستّون سنة.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن طارق الكَرْكي.
وكان ناقص الفضيلة، ظاهر القصور فِي التَرسُل. وإنّما رُوعي لأجل والده سديد الدّولة مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم.
178- مُحَمَّد بْن محرز [2] .
أبو عَبْد اللَّه الوَهْرَاني المغربيّ، ركن الدّين. وقيل جمال الدّين.
أحد ظُرفاء العالم وأدبائهم. قدِم من بلاده إلى ديار مِصْر وهو يدّعي أنّه
__________
[1] انظر عن (محمد بن محمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 461، ومضمار الحقائق 135، 136، والعسجد المسبوك 2/ 178، ومرآة الزمان 8/ 358.
[2] انظر عن (محمد بن محرز) في: وفيات الأعيان 4/ 385، 386 رقم 656، والعبر 4/ 225، 226، والوافي بالوفيات 4/ 386- 389 رقم 1945، وشذرات الذهب 4/ 252، وتاريخ الأدب العربيّ 1/ 489.(40/182)
يعرف صناعة الإنشاء، فرأى بها القاضي الفاضل والعماد الكاتب وتلك الحلبة، فعلم من نفسه أنّه ليس من طبقتهم، فسلك سبيل الهزل، وعمل المنامات المشهورة [1] ، والرسائل المعروفة. ولو لم يكن فِي ذلك إلَّا المنام الكبير لكفاه، فإنّه ما سُبِق إلى مثله.
قدم دمشق وأقام بها مُدَيْدَة، وبها تُوُفي فِي رجب.
وأمّا وَهْران فمدينةٌ كبيرةٌ على أرض القيروان بينها وبين تلْمِسان يومان.
بُنيت سنة تسعين ومائتين.
ومن كلامه، ممّا كتب به إلى القاضي الأثير: «فالخادم كلّما ذكر تلك المائدة الخصيبة، وما يجري عليها من الخواطر المصيبة علِم أنّ التخلّف عَنْهَا هُوَ المصيبة. لكنّه إذا ذكر ما يأتي بعدها من القيام والقعود، والركوع والسّجود، علم أنّ هذا أجْرة ما يأكله من تلك الوليمة، نحو من عشرين تسليمة، كلّ لُقْمة بنقْمة، فما تحصل الشّبعة إلَّا بأربعين ركعة، فيكون الدّعوة عَلَيْهِ لَا لَهُ، والحضور فِي الشّرطة أحبّ إليه منها لَهُ. فزهدتُ حينئذٍ فِي الوصول، إذ ليس للخادم من الدّين، وَلَا قوّة اليقين، ما يهجز لأجله مؤاكلة الوجوه القمريّة، بمشاهدة السّنّة العمرية. فموعد الإتمام انقضاء شهر الصّيام، والسّلام» .
وكتب رُقْعة إلى ابْن القاسم العَوْني الأعور: يا مولاي الشَّيْخ الزّاهد، دبّوس الْإِسْلَام، لتّ الفقهاء، قنطاريّة العلماء، تافروت الأئمّة، طبل باز السّنّة، نصر اللَّه خاطرك، وستر ناظرك. أنت تعلم أنّ اللَّه ما خلقك إلَّا تلْعة، فكُنْ فِي رقاب الرّافضة واليهود، وما صوّرك إلَّا لالكة فِي رءوس المبْتَدِعة، وأراذل الشّهود. وأنت بلا مِرْية جعموس عظيم، ولكنْ فِي ذقون الزّائغين، فاللَّه ينفعك بالإسلام، وَلَا يوقعك يوم القيامة فِي يد عليّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وأنْ ينقذك من الهاوية، بشفاعة معاوية.
__________
[1] طبعت باسم «منامات الوهراني ومقاماته ورسائله» ، بتحقيق: إبراهيم شعلان ومحمد تغش. وصدرت عن دار الكاتب العربيّ للطباعة والنشر بالقاهرة 1387 هـ. / 1968 م.(40/183)
وله: وصل كِتَاب الأمير المولى تقيّ الدّين مصطفى أمير المؤمنين- أطال اللَّه بقاءه-، حتّى يتوب المخلص من القيادة، وينقطع المُعيدي إلى العبادة، بألفاظ أحسن من فتور الألحاظ، ومعاني كترجيع المغاني. وكان ذلك أجمل فِي عيني من الرَّوض غبّ السَّحاب، وألذّ من الصَّفْع بخفاف القِحاب، لَا بل أحلى من مطابقة الزّامر للعَوَّاد، وأَشْهى إلى النّفس من مواعيد القوَّاد، فطرب المملوك وَلَا طَرَب فلان الفُلاني لما اجتمع بفلانة فِي دعوة فلان فِي المحرّم من هذه السّنة، وغنَّت لَهُ:
ما غيَّر البُعْد ودّا كنت تعرفه ... وَلَا تبدَّل بعد الذكْر نسيانا
ولا ذكرت صديقا كنت آلفه ... إلَّا جعلتك فوق الذّكر عنوانا
فإنّه لمّا سمع ذلك قام وقعد، وصاح ولطم، وفتل شَعْر عنْفُقَته، وأدار شربوشه على رأسه، وشقّ غلالته، وجَرَى إلى الشّمعة ليحرق ذقنه بها ولم يزل يحلف بحياة الجماعة، لَيَسْكِبَن قدحه فِي سُرتها، ويتلقّاه ويستقيه من بين أشفارها، بحيث أن يكون لحيته ستارة على ثُقبها، فمنعه عشيقها، فحلف برأس الملك العظيم ليشْرِبَن بخُفها، فقال: هذا هيّن، فلو أردت أن أسقيك بالخفّ ثلاثمائة فَعَلْت. فَعَبَّ فِي الخُف إلى أن وقع. لَا وَاللَّه وَلَا طَرَب الصّوفية ليلة العيد، إذا حضر عندهم مرتضى المغنّي، معشوق العماد الكاتب، وقد أسبل شَعْره على كتفيه، وأمسك أَبُو شعيب الشّمعة بين يديه، وهو يغنّي لابن رشيق القيروانيّ:
فتور عينيك ينهاني ويأمرني ... وورد خدّيك يغري بي ويغريني
أمّا لئن بِعْت ديني واشتريت به ... دنيا فما بِعت فيك الدّين بالدُّونِ
سُبحانَ من خَلَق الأشياء قاطبة ... تُراه صوّر ذاك الجسم من طينِ
استغفر اللَّه لَا وَاللَّه ما نَفَعَتْ ... من سِحْرِ مُقْلته آياتُ ياسين
فإنّهم لمّا سمعوا هاجوا وماجوا، وصاحوا وناحوا، وزعقوا وقفزوا إلى السّماء، وفتلوا حتّى انخسف ببعضهم الموضع، فنُبِشوا وكُفنوا ودُفنوا، والباقون يرقصون وَلَا يدرون.(40/184)
وبعد هذا فالّذي فعله مولانا تقيّ الدّين من التقاء الْجَمْع الكثير بالعدد القليل عين الخطأ، لأنّه ما المغرورُ بمحمودٍ وإنْ سَلِم. فاللَّه اللَّه لَا يكون لها مَثنوية، وَلَا يرجع المولى يلتقي ألفا وستّمائة فارس إلَّا أن يكون فِي ثلاثين ألفا، بشرط أن يكون العدوّ مثل حمزة الزّامر، وعثمان الجنكيّ، وأبي عليّ العوّاد، وحُمَيدة المخنّث، وأمثال هؤلاء الفرسان، ويكون جُنْدك مثل فُلان وفُلان الّذين ما اجتمع المملوك بواحدٍ منهم إلَّا تجشّأ فِي وجهي سيوف وسكاكين، ويزعم أنّه يُقرقش الحديد. والرأي عندي غير هذا كلّه. وهو أن تستقيل من الخدمة، وتنقطع فِي بستان القابون، وتنكث التّوبة، وتجمع عُلُوق دمشق، وقِحاب الموصل، وقَوادين حلب، ومغاني العراق، وتقطع بقية العُمر على القصْف، وتتّكل على عفْو العفوّ الرحيم. فَيَوْمٌ من أيّامك فِي دِمياط مكفّر لهذا كلّه. فإنْ قِبلت منّي فأنت صحيح المِزاج، وإنْ أبَيْت ولعنت كلّ من جاء من وَهْران، فأنت منحرف، محتاج إلى العلاج.
وله، جواب كِتَاب إلى الكِنْدي: «فأمّا تعريضه لخادمه بالقِيَادة، وعَتَبِه عليّ بالتّزويج بالنّساء العَوَاهر، فسيّدي معذور، لأنّه لم يَذُق حلاوة هذه الصّفعة، ولو أنّه- أدام اللَّه عزّه- خرج يوما من البيت، ولم يترك إلَّا ثمن الخُبْز والْجُبن، ورجع بعد ساعة، وجد السَنْبُوسَك المورّد، والدّجاج المسمّن، والفاكهة المنوّعة، والخُضْرة النّضرة، فتربّع فِي الصدْر، فأكل وشرب وطرِب، ولم يخرج فِي هذا كلّه إلَّا التّغافل وحُسْن الظّنّ، وقِلة الفضول لَسَأل اللَّه أن يُحْييه قوّادا، وأن يُميته قوّادا، وأن يحشره مع القوّادين.
ويظنّ الخادم أنّه فِي هذا القول كجالب التّمر إلى هجر، و (ربّ حامِل فقهٍ إلى من هُوَ أفقه منه) [1] ، ومهما جهل من فضل نكاح المِلاح النهِمات،
__________
[1] ما بين القوسين جزء من الحديث المشهور: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي هذه فوعاها وحفظها وعقلها، فربّ حامل فقه ليس بفقيه» . وفي رواية: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا فحفظه حتى يبلّغه غيره، فربّ حامِل فقهٍ إلى من هُوَ أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» .(40/185)
فلا يجهل أنّ أكل الحلاوة مع النّاس أحسن من أكل الخرا منفردا» .
179- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عثمان.
أَبُو الفضل بْن الدباب البابَصْري، الدّبّاس.
عن: عَبْد اللَّه بْن الحُصَيْن، وأحمد بْن المُجلي.
وعنه: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح الْجِيلي.
وكان شيخا صالحا، كثير الصّدق.
مات فِي شعبان.
180- المبارك بْن علي بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو مُحَمَّد بْن الطّبّاخ البغداديّ، الحنبليّ. نزيل مَكَّة.
كان إمام الحنابلة بِمَكَّةَ ويكتب العُمر [2] ويبيعها.
سمع: أَبَا السّعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد المتوكّليّ، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن كادَش، وإسماعيل بْن أَبِي صالح المؤذّن، وجماعة.
ونسخ بخطّه [3] .
__________
[1] انظر عن (المبارك بن علي) في: المنتظم 10/ 216، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 338، والمختصر المحتاج إليه 3/ 172 رقم 1139، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والعبر 4/ 226، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 346 رقم 163، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 286 رقم 1637، والعقد الثمين، له 7/ 119، والعسجد المسبوك 2/ 177، 178، وشذرات الذهب 4/ 253.
[2] أي يكتب مناسك العمرة للمعتمرين الذين لا يعرفون مناسكها.
[3] طبع بروايته كتاب «الكنى والأسماء» لأبي بشر محمد بن أحمد بن حمّاد الدولابي، في حيدرآباد الدكن سنة 1322 هـ.، وجاء في أوله: «أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو محمد المبارك بن علي بن الحسين مكاتبة من مكة- شرّفها الله تعالى- ونقلته من خطّه» .
وتكرّر ذكره ثانية في ج 2/ ص 2 منه: «أبو محمد المبارك بن علي بن الحسين الطباخ البغدادي في كتابه إليّ من مكة» .
وقال ابن رجب: وعني بالطلب، وسمع الكثير، وقرأ بنفسه، وكتب بخطّه. وكان صالحا ديّنا ثقة، وهو كان حافظ الحديث بمكة في زمانه، والمشار إليه بالعلم بها.(40/186)
سمع منه: أبو سعد السمعاني مع تقدمه.
وروى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن قدَامة، وابن الأخضر، وغير واحد.
وتُوُفي فِي شوّال.
أخبرني عَبْد الحافظ، أَنَا ابْن قُدَامة، أَنَا ابْن الطّبّاخ، أنا زاهر، وإسماعيل بْن المؤذّن بالمسلسل بالأوّليّة.
181- المبارك بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قيداس.
أَبُو المعالي الحريميّ.
سمع: ابْن بيان، وأبيّا النرْسي.
وعنه: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز.
وكان ظريفا مطبوعا.
بقي إلى هذه السّنة، وتُوُفي فِي الغُربة.
182- المبارك بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن أَبِي الفوارس [1] .
أَبُو الفُتُوح الهاشميّ، البغداديّ.
سمع: ابْن بيان، وابن نبهان.
وقرأ القرآن على: أَبِي بَكْر المزْرَفي.
سمع منه: عُمَر القُرَشي، وابن الأخضر.
وتُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى فِي ذي القعدة.
183- محمود بْن تكَش [2] .
الأمير شهاب الدّين الحارِمي صاحب حماه. خال السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 175 رقم 1147.
[2] انظر عن (محمود بن تكش) في: البرق الشامي 3/ 53، وسنا البرق الشامي 1/ 268، 269، والروضتين ج 1 ق 2/ 707، ومفرّج الكروب 2/ 70، ومرآة الزمان 8/ 343، والسلوك ج 1 ق 1/ 66، والبداية والنهاية 12/ 298، 299، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ ورقة 211 ب. وقد تقدّم في وفيات 573 هـ. برقم (90) .(40/187)
مات فِي هذه السّنة كهْلًا [1] .
184- مكّيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك.
الهَمَذَانيّ، أَبُو مُحَمَّد الشّعّار.
من بيت الحديث.
ذكره ابْن النّجّار فقال: كان حافظا ذا فَهمٍ ثاقب وإدراك. وكان من أصحاب الحافظ أَبِي العلاء العطّار، خِصيصًا به، مُقَدمًا عنده.
قدِم بغداد، وحدّث عَن: مُحَمَّد بْن عليّ بْن كاكوَيْه الكاتب، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الكرجيّ، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الحافظ، وهبة اللَّه ابْن أخت الطّويل.
روى عنه: محمد بن محمود الحرّانيّ، وأبو الحَسَن القطيعيّ.
وتوفّي في المحرّم عن 52 سنة.
185- منصور بْن نصر بْن منصور بْن الْحُسَيْن [2] .
أَبُو بَكْر بن العطّار الحرّانيّ، ثمّ البغداديّ، الكاتب الوزير.
كان أَبُوهُ من كبار التّجّار.
قال ابْن النّجّار: نشأ أَبُو بَكْر، وسمع الكثير وقرأ العلم.
وقال ابن الدّبيثيّ: لقبه ظهير الدّين.
سمع من: ابن ناصر، وأبي بكر بن الزاغوني، وأبي الوقت.
سمع منه: مكّيّ الغرّاد.
__________
[1] مرض عند نزول الفرنج على حماه، ومرض ولده تكش الأمير وهو شاب في ريعان إبانه، وعنفوان حسنه وإحسانه. فمات يوم الأربعاء سابع جمادى الآخرة، ومات شهاب الدين يوم الأحد بعده بثلاثة أيام. واتفق ذلك وقت وقعة الرملة. فأصيب السلطان في الشام.
بخاله وابن أخته منه. (سنا البرق 1/ 268، 269) .
[2] انظر عن (منصور بن نصر) في: الكامل في التاريخ 11/ 447، والمنتظم 18/ 191، 193، 197، 222، 230، ومرآة الزمان 8/ 358- 360، والمختصر المحتاج إليه 3/ 191، رقم 1204، وسير أعلام النبلاء 21/ 84، 85 رقم 32، والفخري 321 و 323.(40/188)
فلمّا مات أبوه بسط يده بالمال وخالط الدّولة.
قال ابن النّجّار: ورث نعمة طائلة، وخالط الكبراء وأرباب المناصب، وبذل معروفه، وتوصّل حتّى صار له اختصاص بالإمام المستضيء قبل أن يلي الخلافة. فلمّا استخلف قرّبه وولّاه مُشارفة المخزن، ثمّ ولّاه نظر المخزن والوكالة المطلقة، وارتفع أمره. فلمّا قُتِلَ الوزير أَبُو الفَرَج ابْن رئيس الرؤساء ردّ المستضيء جميع أمور دواوينه إليه، ونابه فِي الوزارة. وكان كلّ الدولة يحضرون عَلَيْهِ. وكان يولّي ويعزل. وكان شَهْمًا مِقدامًا، لَهُ هيبة عظيمة، وشدّة وطأة، ولم يزل على ذلك حتّى مات المستضيء، فأقرّه النّاصر على نظر المخزن فقط، ثمّ خلّاه أيّاما وقبض عَلَيْهِ وسجنه أيّاما، ومات.
وبلغني أنْ مولده سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.
وأنبأنا ابْن الجوزيّ [1] قَالَ: منصور بْن العطّار كان مِقْدامًا على القطْع والصلْب، ولمّا مات حُمِل إلى بيت أخته، فأخْرج بعد الصُبْح، فعلم به النّاس فضربوا التّابوت بالآجُر، ثمّ رُمي فطُرح التّابوت فِي النّار، وخرّق الكفن، وأخذ القُطْن، فأخرج عريانا، وشُد فِي رجْله حبلٌ، وسُحِب إلى المدبغة.
ورمَوْه فِيهَا. ثمّ سُحِب إلى قراح أَبِي الشحْم، والصّبيان يصيحون بين يديه: يا مولانا وقّع لنا. إلى أن جاء جماعة من الأتراك فاستخلصوه منهم، ولفّوه فِي شقّة، ومضوا به فألقوه فِي قبر والده [2] .
تُوُفي فِي ذي القعدة وأراح اللَّه منه، إلَّا أنّه كان نقمة وعذابا على الشّيعة.
__________
[1] في المنتظم.
[2] وقال ابن الطقطقي: ومن طريف ما وقع في ذلك أن بعض الأتراك عمّر حمّاما وجعل مجراته تجوز على دار بعض الجيران. فتأذّى ذلك الجار بتلك المجراة، فشكا ذلك إلى الوزير، فزبره ولم يأخذ بيده، وقال له: إن لم تسكت وإلّا جعلت رأسك في المجراة، فيقال: إنّ ابن العطار لما سحبه العوامّ ومثّلوا به اجتازوا به على باب الحمّام المذكور، فاتفق أنه وقع في المجراة، فسحبوه فيها خطوات، فتعجّب الناس من ذلك. (الفخري 323) .(40/189)
186-[منوجهر] [1] بْن مُحَمَّد بْن تركانشاه.
أَبُو الفضل الكاتب. كاتب الأمير قُطْب الدّين قايماز المستنجديّ.
قال ابْن النّجّار: كان أديبا فاضلا، صادقا، حَسَن الطّريقة، صدوقا.
سمع: أَبَاهُ أَبَا الوفاء، وهبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوْصِلي، وأبا القاسم بْن بيان، والقاسم بْن عليّ الحريريّ رَوَى عَنْهُ المقامات مِرارًا. وهو آخر من رواها عَنْهُ ببغداد.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السّمعانيّ [2] .
وثنا عَنْهُ: ابْن الأخضر، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْري، وأحمد بْن البَنْدَنِيجي، وسعيد بْن المبارك الحماميّ.
وقرأتُ مولده بخطّه فِي شوّال سنة تسع وثمانين وأربعمائة.
وحدّث بكتاب «إصلاح المنطق» عَن أَبِي عَبْد اللَّه البارع.
قلت: وأصله من بروجرد، وهو بغداديّ.
وروى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، ونصر بن عبد الرّزّاق الجيليّ، ويوسف بْن عُمَر بْن صُفَير، وطائفة سواهم.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة.
- حرف النون-
187- نصر اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد السّلام [3] .
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من: المختصر المحتاج إليه 1/ 67 و 3/ 202، 203 رقم 1235، ومعجم الأدباء 7/ 193، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 233 رقم 179، والعبر 4/ 226، وفيه «متوجهر وتركشاه» ، والعسجد المسبوك 2/ 178، وبغية الوعاة 2/ 399، وشذرات الذهب 4/ 254.
[2] وهو ذكره في تاريخه فقال: هو أخو تركانشاه، يكون مولده تقريبا سنة أربع وتسعين وأربعمائة، سمع بقراءة والدي جزءا من هبة الله الموصلي.
[3] انظر عن (نصر الله بن عبد الرحمن) في: الكامل في التاريخ 11/ 461، والمختصر المحتاج إليه 3/ 208 رقم 1246، والجواهر المضية 2/ 197، والعسجد المسبوك 178.(40/190)
أَبُو الفُتُوح الدامغانيّ، الحنفيّ، الفقيه.
كان مُفتيًا، مناظِرًا ببغداد، كثير العبادة، ديّنا خيّرا رَحِمَهُ اللَّهُ.
- حرف الياء-
188- يوسف بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن.
أَبُو طَالِب اللّبّان. لَهُ دكّان ببغداد لبيع اللّبن.
سمع: أَبَا المعالي أَحْمَد بْن الْبُخَارِيّ، وأخاه هبة اللَّه، وأبا العزّ بْن كادش.
وعنه: أَحْمَد بْن البَنْدَنِيجي، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر بْن الغزّال.
مات فِي شعبان عَن خمسٍ وسبعين سنة.
189- يوسف بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي زيد [1] .
الأندلسيّ اللّرييّ [2] الأستاذ أَبُو عُمَر بْن عيّاد [3] .
أخذ القراءات عَن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق.
وقدِم بَلَنْسِيَة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، ولقي بها أعلام المقرءين:
أبا مروان بن الصّيقل، وابن هذيل، وأبا الحسن بن النّعمة، فأخذ عنهم.
وسمع من: أبي الوليد بن الدّبّاغ، وطارق بن يعيش، وخلق.
وكتب إليه أبو القاسم بن ورد، وأبو محمد بن عطيّة.
__________
[1] انظر عن (يوسف بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 141، ومعرفة القراء الكبار 2/ 554، 555 رقم 506، وتذكرة الحفاظ 4/ 1361، والعبر 4/ 226، وسير أعلام النبلاء 21/ 180، 181 رقم 91، ومرآة الجنان 3/ 402، وغاية النهاية 2/ 397، وطبقات الحفاظ 484، ونيل الابتهاج للتنبكتي 351، وشذرات الذهب 4/ 254، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 190 رقم 1074، وإيضاح المكنون 1/ 54، 545 و 2/ 60، 70، 325، وهدية العارفين 2/ 552، 553، والأعلام 9/ 317، ومعجم المؤلفين 13/ 313.
[2] تحرّفت هذه النسبة في غاية النهاية إلى «اللدي» بالدال.
[3] تصحّفت في العبر إلى «عباد» .(40/191)
وكان معنيّا بصناعة الحديث، جمّاعة للدّفاتر والدّواوين، معدودا في الأثبات المكثرين. سمع العالي والنّازل، ولقي خلقا، ولو اعتنى بذلك من أوّل أمره اعتناءه به فِي الآخر لبذّ أقرانه وفات أصحابه.
وكان يحفظ أخبار المشايخ وينفق عليهم ويعتني بهم، ويؤرّخ وفياتهم ويدوّن قصصهم، وفي ذلك أنفق عمره.
وكان قد شرع فِي تذييل كِتَاب ابْن بَشكُوال، وَلَهُ كِتَاب «الكفاية فِي مراتب الرّواية» و «المرتضى في شرح المنتقى لابن الجارود» ، و «بهجة الألباب في شرح الشّهاب» ، و «الأربعون حديثا فِي النّشر وأهوال الحشر» ، «وأربعون حديثا في وظائف العبادة» ، و «المنهج الرائق في الوثائق» ، و «بهجة الحقائق فِي الزّهد والرقائق» ، وكتاب «طبقات الفقهاء» من عصر ابْن عَبْد البرّ إلى عصره.
حدّث عَنْهُ: ابنه أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد، وأبو الحَجاج بْن عَبدَة، وأبو مُحَمَّد بْن غَلْبُون، وغيرهم.
وصفه بعض أصحابه بالمشاركة فِي الآداب والفقه وفهم القراءات.
وكان من أهل التّواضع والخُلُق السهْل.
واستشهد ببلده عند كبسة العدوّ، فقاتل حتّى أثخِن جراحا، ثمّ أجهزوا عَلَيْهِ، وذلك يوم العيد. وعاش سبعين سنة رَحِمَهُ اللَّهُ. ترجمه الأبّار [1] .
190- يوسف بْن عُمَر بْن الحَسَن [2] .
أَبُو الحَجاج بْن البستنيان البغداديّ، المقرئ.
سمع: أَبَا طَالِب بْن يوسف، وحدّث.
وتوفّي في المحرّم وقد شاخ.
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (يوسف بن عمر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 234 رقم 1319.(40/192)
وَفِيهَا وُلد ابْن عَبْد الدائم، والإمام مجد الدّين إِسْمَاعِيل بْن باطيش الفقيه، ومحمد بْن الأنجب النّعّال، وعبد الغنيّ بْن بنين، والعماد أَبُو بَكْر بْن هلال بْن عبّاد الحنفيّ.(40/193)
سنة ست وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
191- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام [1] .
أبو الغنائم الكاتب.
سمّعه أَبُوهُ أَبُو الفتح من: جَدّه، وأبي الغنائم بْن المهتدي باللَّه، وأبي عليّ بْن المهديّ، وابن الحُصَيْن.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن طارق الكَرْكي، وغيره.
ذُبِح غِيلة فِي جُمادى الأولى ولم يُعلم بوفاته.
192- أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بْن حمدي [2] .
أَبُو المظفّر البغداديّ، المقرئ، الشّاهد.
قرأ القراءات عَلَى أَبِي مُحَمَّد سِبْط الخَيّاط، وقبله على أَبِي بَكْر المَزْرَفي، وأبي عَبْد اللَّه البارع.
وأقام بعد بمسجد ابْن جردة. وكان طيّب الصّوت مجوّدا.
سمع: أَبَا سعد بْن الطُيُوري، وأبا العزّ بْن كادش، وزاهر بْن طاهر، وابن الحُصين، وخلْقًا سواهم.
وحدّث بالكثير. وولد سنة عشر وخمسمائة.
وتوفّي في جمادى الأولى.
__________
[1] سيعاد برقم (243) .
[2] انظر عن (أحمد بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 171، والوافي بالوفيات 6/ 228، 229 رقم 2699، ومرآة الزمان 8/ 361.(40/194)
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن قُدامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن مقبل بْن المَني [1] .
193- أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد [2] .
الشّاشيّ، ثمّ البغداديّ، العلّامة أَبُو نصر مدرّس النّظاميّة، وأحد المصنّفين فِي المذهب.
تفقّه على أَبِيهِ، وعلى أَبِي الحسين بْن الخَل [3] .
وسمع من أَبِي الوقت.
ومات شابّا رَحِمَهُ اللَّهُ.
194- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم [4] .
__________
[1] وبالغ في الطلب حتى كتب عن أصحاب طراد، وابن البطر، وابن طلحة، ومن دونهم، وكتب بخطه كثيرا وكان خطّه جيدا ونقله حسنا، وله معرفة بالحديث، وحدّث بأكثر مسموعاته وسمع منه الكبار.
قال ابن النجار: وكان ثقة صدوقا، حدّثنا عنه الحافظ أبو محمد ابن الأخضر، وله طريقة غريبة في التلاوة يقصده الناس لسماعها. وتوفي سنة ست وسبعين وخمسمائة بالمخزن كان به معتقلا وحمل إلى بيته فدفن بباب حرب لأنه تولى نظر ديوان الجوالي أيام الإمام المستضيء ثم عزل واعتقل.
[2] انظر عن (أحمد بن عبد الله) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) ورقة 163، وسير أعلام النبلاء 21/ 85 رقم 33، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 39، والوافي بالوفيات 2/ 73، و 7/ 117 رقم 3044.
[3] ولازم ابن الخلّ حتى برع، وولي التدريس بالنظاميّة.. وحدّث باليسير، وكانت له معرفة بالفقه.
[4] انظر عن (أحمد بن محمد بن أحمد السلفي) في: الأنساب 7/ 105، 106، وتاريخ دمشق (أحمد بن عتبة- أحمد بن محمد بن المؤمّل) 7/ 179- 182 رقم 109، والكامل في التاريخ 11/ 469، واللباب 1/ 550، وتاريخ إربل 1/ 132، 215، 216، 245، والتقييد لابن نقطة 176- 180 رقم 199، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 6، 11، 14، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 119، والروضتين 2/ 16، ووفيات الأعيان 1/ 155- 107، والتدوين في أخبار قزوين 2/ 224- 226، ومرآة الزمان 8/ 361، وبدائع البدائه لابن ظافر 252 و 350، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري (الطبعة الأولى) 3/ 151، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي ج 4 ق 2/ 1135، والوفيات لابن قنفذ 289 رقم 576، وطبقات الشافعية للنووي (مخطوط) ورقة 42، وملء العيبة للفهري (انظر فهرس الأعلام) 2/ 484، وأزهار الرياض 3/ 167، 283، والمختصر المحتاج إليه 1/ 206، -(40/195)
الحافظ الكبير أَبُو طاهر بْن أَبِي أَحْمَد بْن سِلَفة الأصبهانيّ، الْجَرْواني، وجَرْوان: محلّة بأصبهان. وسِلَفة لقب أَحْمَد وإليه يُنْسَب.
قال الحافظ عَبْد الغنيّ: سمعت السِّلَفيّ يقول: أَنَا أذكر قتل نظام المُلْك فِي سنة خمسٍ وثمانين، وكان عمري نحو عشر سِنين. وقد كتبوا عنّي فِي أول سنة اثنتين وتسعين وأنا ابْن سبْع عشرة سنة أكثر أو أقلّ، وليس في
__________
[ (-) ] والعبر 4/ 227، وتذكرة الحفاظ 4/ 1298، وميزان الاعتدال 1/ 155 رقم 610، وأهل المائة فصاعدا (نشر في مجلّة المورد العراقية) 134، وسير أعلام النبلاء 21/ 5- 39 رقم 1، والمعين في طبقات المحدّثين 176 رقم 1879، والإعلام بوفيات الأعلام 237، ودول الإسلام 2/ 89، والوافي بالوفيات 7/ 351- 356 رقم 3344، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 210، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 37 أ، ومرآة الجنان 3/ 403، 404، والبداية والنهاية 12/ 307، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 68- 72 رقم 45، وذيل التقييد لقاضي مكة 1/ 371، 372 رقم 721، وغاية النهاية 1/ 102، 103 رقم 472، وتوضيح المشتبه 5/ 131، 132، وذيل تاريخ ابن الفرات 9/ 23، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 338، 339 رقم 304، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 58، 59 رقم 644، ولسان الميزان 1/ 299، 300 رقم 880، والتاج المكلّل للقنوجي 34، والعسجد المسبوك 2/ 181، 182، وتبصير المنتبه 2/ 738، والسلوك ج 1 ق 1/ 63، 72، وعقد الجمان للعيني (مخطوط) 16/ ورقة 630، والنجوم الزاهرة 6/ 88، وحسن المحاضرة 1/ 354، وطبقات الحفاظ 469، وتاريخ الخلفاء 457، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 3/ 229 رقم 278، وشذرات الذهب 4/ 255، وديوان الإسلام لابن الغزّي 3/ 94 رقم 1175، وكشف الظنون 54، 587، 982، 996، 997، 1044، 1696، وإيضاح المكنون 2/ 508، وفهرس الفهارس للكتاني 2/ 339- 342، والأعلام 1/ 215، ومعجم المؤلفين 2/ 75، 76، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 449، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 57 رقم 1047، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2 ج 1/ 355- 357 رقم 210، ودراسات في تاريخ الساحل الشامي (لبنان في العصر الفاطمي) - التاريخ الحضاريّ- (تأليفنا) 324- 326.
وانظر للسلفي كتابه «معجم السفر» ففيه معلومات كثيرة عنه. وانظر: مختصر معجم السفر، الّذي نشره الدكتور إحسان عباس في (أخبار وتراجم أندلسية) بيروت 1963- ص 5- 14، والجزء الأول من معجم السفر الّذي نشرته د. بهيجة الحسني- بغداد 1398 هـ. / 1978، ونقد الكتاب المذكور للدكتور بشار عوّاد معروف في مجلّة المورد العراقية- مجلّد 8، العدد 1، بغداد 1979، ومقدّمة كتاب سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي، بتحقيق مطاع الطرابيشي، طبعة دار الفكر دمشق 1403 هـ. / 1983 م.(40/196)
وجهي شعرة كالبخاريّ، يعني لمّا كتبوا عَنْهُ.
وأوّل سماع السلَفي سنة ثمانٍ وثمانين.
سمع من: القاسم بْن الفضل الثّقفيّ، وسمع من: عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن يوسف السمْسار، وسعيد بْن مُحَمَّد الجوهريّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب المَدِينيّ، والفضل بْن عليّ الحنفيّ، وأحمد بْن عَبْد الغفّار بْن أشتة، وأحمد ومحمد ابني عَبْد اللَّه بْن السُوذَرْجَاني [1] ، ومكّيّ بْن منصور بْن علّان الكرجيّ، ومَعْمَر بْن أَحْمَد اللّنبانيّ [2] ، وخلْق كثير.
وعمل مُعْجَمًا حافلا لشيوخه الأصبهانيّين. ثمّ دخل فِي رَمَضَان إلى بغداد، من سنة ثلاثٍ وتسعين وأدرك أَبَا الخطّاب نصر بْن البَطِر، فقال حمّاد الحرانيّ: سمعت السّلفيّ يقول: دخلت بغداد فِي رابعِ شوّال سنة ثلاثٍ، فساعةَ دخولي لم يكن لي هِمةٌ إلَّا أنْ مضيتُ إلى ابْن البَطِر فدخلت عَلَيْهِ، وكان شيخًا عِسرًا، فقلت: قد وصلت من أصبهان لأجلك. فقال: اقرأ. جعل بدل الرّاء غَيْنًا. فقرأتُ عَلَيْهِ وأنا مُتِكئ لأجل دمامل بي، فقال: أبصِرْ ذا الكلب. فاعتذرتُ بالدّماميل، وبكيت من كلامه، وقرأت سبعة عشر حديثا، وخرجت، ثمّ قرأتُ عَلَيْهِ نحوا من خمسة وعشرين جزءا، ولم يكن بذاك.
قلت: فسمع منه، ومن: أبي بكر الطّريثيثيّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن البُسْري، وثابت بْن بُنْدَار، والموجودين بها.
وعمل معجَمًا لشيوخ بغداد، ثمّ حجّ وسمع فِي طريقه بالكوفة من: أَبِي البقاء المعمّر بْن مُحَمَّد الحبّال، وغيره.
وبمكّة من: الحسين بن عليّ الطّبريّ.
__________
[1] السّوذرجاني: بضم السين المهملة، والذال المفتوحة المعجمة، وسكون الراء، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى سوذرجان، وهي من قرى أصبهان. (الأنساب 7/ 185) .
[2] اللّنباني: بضم اللام، وسكون النون. وفتح الباء المنقوطة بواحدة وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى محلّة كبيرة بأصبهان. (الأنساب 11/ 32) .(40/197)
وبالمدينة: أَبَا الفَرَج القزوينيّ.
وقدِم بغدادَ، وأقبل على الفقه، والعربيّة، حتّى برع فيهما، وأتقن مذهب الشّافعيّ.
ثمّ رحل إلى البصرة سنة خمسمائة، فسمع من: مُحَمَّد بْن جَعْفَر العسكريّ، وجماعة.
وبزنجان: أَبَا بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زَنْجُوَيْه الفقيه، الرّاوي عَن أَبِي عليّ بْن شاذان.
وبهمذان: أبا غالب أحمد بن محمد المزكّي، وطائفة.
وجال في الجبال ومدنها.
وسمع بالرّيّ، والدّينور، وقزوين [1] ، وساوة، ونهاوند.
وكذا طاف بلاد أذربيجان إلى دربند، فسمع بأماكن، وعاد إلى الجزيرة من ثغر آمد.
وسمع بخلاط، والرّحبة. وقدم دمشق سنة تسع وخمسمائة بعلم جمّ، فأقام بها عامين. وسمع بها من: أبي طاهر الحنّائيّ، وأبي الْحُسَيْن بْن المَوَازِيني، وخلْق.
ثمّ مضى إلى صور [2] ، وركب منها البحر
__________
[1] قال عبد الكريم القزويني: ورد قزوين سنة إحدى وخمسمائة، وسمع بها من أبي الفتح إسماعيل بن عبد الجبار القاضي وغيره، ورأيت خطّه على كثير من الأجزاء العتيقة، وسمع واستفاد منه الجمّ الغفير. (التدوين 2/ 225) .
[2] أقام السّلفي مدّة في صور قبل أن يبحر إلى الإسكندرية سنة 511 هـ. فكان يأخذ على شيوخها، وهو كان يروي أيضا، فقصده عبد الجليل الحيفي من حيفا بساحل فلسطين، فسمع منه بصور، وكان من رجال البحر. والتقى السلفي بدمشق وصور أبا النور ضياء بن الحسين بن نصير، وهو من أهل جبل عاملة، وسمع منه. كما سمع بدمشق من: أبي الفرج أحمد بن الحسن بن علي بن زرعة الصوري، وأبي طالب علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي عقيل الصوري، وأبي عمرو عثمان بن عمر بن أبي عبد الله البيروتي.
وكان أهل صور وطرابلس يتردّدون عليه وهو في الإسكندرية، ومنهم: عبد الله بن أحمد بن الحسين بن النقّار الطرابلسي وقد علّق عنه من شعره ومن شعر أبيه، وكان يراسله ويكاتبه-(40/198)
الأخضر [1] إلى الإسكندرية، فاستوطنها إلى الموت، لم يخرج منها إلَّا مرّة فِي سنة سبع عشرة إلى مِصْر، فسمع من: أَبِي صادق المَدِيني، والموجودين. وعاد.
وكان إماما، مُقْرِئًا، محمودا، ومحدّثا، حافظا، جَهْبَذًا، وفقيها متقنا، ونَحْويًا ماهرا، ولُغَوِيًا محقّقا، ثقة فيما ينقله، حُجة، ثبتا. انتهى إليه عُلُو الإسناد فِي البلاد. وقد جمع مُعْجَمًا ثالثا فِي البلدان الّتي سمع بها، سوى أصبهان، وبغداد، فإنّ لكلّ واحدة معجما.
سمع منه ببغداد من شيوخه ورفاقه: أَبُو عليّ البَرَدَاني، وهزارسْب بْن عِوَض، وأبو عامر العَبْدَري، وعبد الملك بْن يوسف، وسعد الخير الأندلسيّ.
وروى عَنْهُ: الحافظ مُحَمَّد بْن طاهر شيخه، وسِبْطُه أَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مكّيّ، وبينهما فِي الموت مائة وأربعٌ وأربعون سنة.
وروى عَنْهُ: الحافظ سعد الخير، وعليّ بْن إِبْرَاهِيم السرَقُسطِي، وأبو العِز مُحَمَّد بْن عليّ المُلْقَاباذِي، والطّبيب بْن مُحَمَّد المَرْوَزِي، وقد رَوَى عَن هؤلاء الثّلاثة عَنْهُ أَبُو سعد السّمعانيّ. ومات ابْن السّمعانيّ قبله بأربع عشرة سنة.
وروى عَنْهُ أَيْضًا: الصّائن هبة اللَّه بْن عساكر، ويحيى بْن سعدون القُرطُبي.
وروى عنه بالإجازة جماعة ماتوا قبله، منهم القاضي عياض.
__________
[ (-) ] نظما. وأنشده أبو الحسن علي بن يحيى الكتاني الجلالي المعروف بالناهض الّذي تربّى في خدمة بني عمّار بطرابلس، وأبو البركات محمد بن موهوب القاضي بمصر، وهو من مواليد صور، وأبو الحسين علي بن الحسن بن جعفر الصيداوي الفقيه المعروف بعين الدولة، وتقيّة بنت غيث الأرمنازية، وكان ابنها الفقيه علي بن فاضل بن حمدون الصوري يدرس عليه. وتصدّر في جامع عمرو بن العاص بالفسطاط لإقراء القرآن مع المتصدّرين هبة الله الكاملي الصوري، وكان صديقا للسلفي أثناء إقامته بصور، فلم ينقطع السلفي عن زيارته في مصر وكان يأنس به. (انظر: كتابنا: لبنان في العصر الفاطمي- التاريخ الحضاريّ- الحياة الثقافية في صور) .
[1] هكذا يسمّيه المؤلف- رحمه الله-.(40/199)
وروى عَنْهُ أمم منهم: حمّاد الحَراني، والحافظ عليّ بْن الفضل، والحافظ عَبْد الغنيّ، والحافظ عَبْد القاهر الرُهاوي، وابن راجح، وعبد القويّ بْن الجبّاب، وفرقد الكبانيّ، وعبد الغفّار المحبّلي، ونصر بْن جرو، والفخر الفارسيّ، والشّيخ حَسَن الأدمي، وعيسى بْن الوجيه اللّخميّ، ومحمد بْن عمّاد، ومحمد بْن عَبْد الوهّاب بْن الشّيرجيّ، وعبد الخالق بْن إِسْمَاعِيل التّنيسيّ، وعليّ بْن رحّال، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد المأمونيّ، ومُرتَضَى بْن أَبِي الجود، وأبو القاسم عبد الرّحمن بن الصّفراويّ، وأبو الفضل جعفر الهمذانيّ، وإبراهيم ومحمد ابنا عَبْد الرَّحْمَن بْن الجبّاب، وأحمد بن محمد بن الجبّاب، وعبد الرحيم بْن الطُفَيْل، والحسين بْن دينار، وعليّ بْن مختار، ويوسف بْن المخيلي، وظافر بْن شحْم، وعليّ بْن زيد التسَارَسِي [1] ، ومحمد بْن عليّ بْن تاجر عينه، وحمزة بْن أوس الغزّال، وعلي بْن جُبَارة، ويحيى بْن عَبْد العزيز الأغمَاتي، وحسين بْن يوسف الشّاطبيّ، وعبد العزيز بْن النّقّار، ومظفّر بْن الفُوي [2] ، ومنصور بْن الدّماغ، وعليّ بْن مُحَمَّد السّخاويّ، وعليّ بْن عَبْد الجليل الرّازيّ، وأبو الوفاء عَبْد الملك ابْن الحنبليّ، وشُعَيب الزّعفرانيّ، والعَلَم بْن الصّابونيّ، والعزّ بْن روَاحة، وعبد الوهّاب بن رواح، ويوسف بن محمود السّاويّ، وبهاء الدّين بْن الجيِزي، وهبة اللَّه بْن مُحَمَّد ابْن الواعظ. وتُوُفي سنة خمسين وستّمائة، والسّبط.
وبقي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن السفَاقُسي إلى سنة أربعٍ وخمسين، فروى عَن السلَفي «المُسَلْسَل» بأوّل حديثٍ، رَوَاهُ حضورا، ولم يكن عنده سواه. وهو ابْن أخت الحافظ عليّ بْن المفضّل.
أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَلَامَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، بِنْتِ سَعْدٍ الْخَيِّرِ ح. وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله المخزوميّ، عن فاطمة بنت سعد
__________
[1] التّسارسي: بفتح التاء المشدّدة المثنّاة والسين المهملة، والراء، وسين مهملة أخرى.
(انظر: معجم البلدان) وفيه: تسارس: قصر ببرقة.
[2] الفوّي: بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة، نسبة إلى فوّة بلدة قريبة من الإسكندرية.(40/200)
الْخَيِّرِ، قَالَتْ: أَنَا أَبِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ: حَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرِ بْنُ سِلَفَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَأْرَبَعِمَائَةٍ: أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الثَّقَفِيُّ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَلَدِ الرَّائِعِ، وَهُوَ إِصْبَهَانُ، مَتْنُهُ: «إِنَّكُمُ الْيَوْمَ عَلَى دِينٍ وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ» [1] .
ولا أعلم أحدا فِي الدّنيا حدّث نيّفا وثمانين سنة سوى السلَفي. وقد أملى المجالس الخمسة بسَلَمَاس، وعُمره ثلاثون سنة. وعمل «الأربعين البلديّة» الّتي لم يُسْبَق إلى مثلها.
وقد انتخب على غير واحدٍ من شيوخه.
قال الزّاهد أَبُو عليّ الأوقيّ: سمعت السّلفيّ يقول: لي ستّون سنة ما رَأَيْت منارة الإسكندريّة إلَّا من هذه الطّاقة. رواها ابْن النّجّار عَن الأوقيّ.
وقال ابْن المفضّل فِي معجمه: عدّة شيوخ شيخنا السّلفيّ تزيد على ستّمائة نفس بأصبهان. وخرج إلى بغداد وَلَهُ نحو من عشرين سنة أقلّ أو أكثر، ومشيخته البغداديّة خمسة وثلاثون جزءا. وَلَهُ تصانيف كثيرة. وكان يستحسن الشعْر ويَنْظمُه، ويُثيب من يمدحه.
وأخذ الفقه عَن: إلْكِيا أَبِي الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد الطّبريّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد الشّاشيّ، وأبي القاسم يوسف بْن عليّ الزّنجانيّ.
والأدب عَن: أَبِي زكريّا التبرِيزي، وأبي الكَرَم بْن فاخر، وعليّ بْن مُحَمَّد القصبجيّ.
وسمعته يقول: مَتَى لم يكن الأصل بخطّي لم أفرح به.
وكان جيّد الضّبط، كثير البحث عمّا يُشْكل عَلَيْهِ. وكان أوحد زمانه فِي علم الحديث، وأعْرَفهم بقوانين الرّواية والتحْدِيث. جمع بين عُلُو الإسناد، وعلوّ الانتقاد، وبذلك كان ينفرد عن أبناء جنسه.
__________
[1] حديث إني مكاثر بكم الأمم، أخرجه النسائي في النكاح 6/ 65، 66 باب: كراهية تزويج العقيم، وابن ماجة في النكاح (1863) باب تزويج الحرائر والولود، وأحمد في المسند 3/ 158 و 245 و 4/ 249 و 251.(40/201)
وقال ابْن السّمعانيّ فِي «الذّيل» : هُوَ ثقة ورع، متقن، متيقّظ، حافظ، فَهْم، لَهُ حِفْظ من العربيّة، كثير الحديث، حَسَن الفهم والبصيرة فِيهِ.
روى عَنْهُ الحافظ ابْن طاهر فسمعت أَبَا الْعَلَاءِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْحَافِظُ يقول: سمعت مُحَمَّد بْن طاهر المقدسيّ يقول: سمعت أَبَا طاهر الأصبهانيّ، وكان من أهل الصنْعة، يقول: كان أَبُو حازم العبدريّ: إذا رَوَى عَن أَبِي سعد المالِيني يقول: أنبا أَحْمَد بْن حفص الحديثيّ هذا أو نحوه.
وقال الحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ: سمعت من يحكي عَن الحافظ ابْن ناصر أنّه قَالَ عَن السّلفيّ: كان ببغداد كأنّه شُعْلة نار فِي تحصيل الحديث.
قال عَبْد القادر: وكان لَهُ عند ملوك مِصْر الجاه والكلمة النّافدة مع مخالفته لهم فِي المذهب. وكان لَا يبدو منه جفوة لأحد، ويجلس للحديث فلا يشرب ماء، وَلَا يَبزق، وَلَا يتورّك، وَلَا يبدو لَهُ قَدَم، وقد جاز المائة.
بلغني أنّ سلطان مِصْر حضر عنده للسّماع، فجعل يتحدّث مع أخيه فَزَبَره وقال: أيش هذا، نَحْنُ نقرأ الحديث وأنتما تتحدّثان؟! قال: وبلغني أنّه فِي مدّة مُقامة بالإسكندريّة، وهي أربعٌ وستّون سنة، ما خرج إلى بستان وَلَا فرجة غير مرةٍ واحدة. بل كان عامّة دهره لازما مدرسَتَه، وما كُنَّا نكاد ندخل عَلَيْهِ إلَّا نراه مطالِعا فِي شيء. وكان حليما، متجمّلا لحُفاظ الغرباء.
وقد سمعت بعض فُضَلاء هَمَذَان يقول: السلَفي أحفظ الحفّاظ.
وحدّث بدمشق، فسمع منه أصحابنا، ولم أظفر بالسّماع منه. وسمعت بقراءته من شيوخ عدّة. ثمّ خرج إلى مِصْر، واستوطن الإسكندريّة، وتزوّج بها امْرَأَة ذات يسار، وحصلت لَهُ ثروة بعد فقرٍ وتصوّف. وصارت لَهُ بالإسكندريّة وجاهة. وبنى لَهُ العادل عليّ بْن إِسْحَاق بْن السّلّار أميرُ مِصْر مدرسة بالإسكندريّة. وحدّثني عَنْهُ أخي وأجاز لي. أنا ابن البطر أَنَا ابْن البيّع، فذكر حديثا، وهو موافقة مُسْلِم من سادس المَحَامِليات.(40/202)
ثمّ قَالَ: أنشدنا أَبُو سعد السّمعانيّ بدمشق، أنشدنا أَبُو العزّ مُحَمَّد بْن عليّ البُستي: أنشدنا أَبُو طاهر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحافظ لنفسه بميافارِقين:
إنّ علم الحديث عِلْم رجال ... تركوا الابتداع للأتباع
فإذا اللّيل جنهُم [1] كتبوه ... وإذا أصبحوا غدوا للسماعٍ
[2] وقلت: أنشَدَناهما أَبُو الْحُسَيْن اليُونيني وأبو عليّ بْن الخلّال قالا:
أنشدنا جَعْفَر بْن عليّ، أنشدنا السّلفيّ، فذكرهما.
وقال الحافظ عَبْد القادر عَنْهُ: وكان آمرا بالمعروف، ناهيا عَن المنكَر، حتّى إنّه كان قد زال من جواره مُنْكَرات كثيرة. ورأيته يوما وقد جاء جماعة من المقرءين بالألحان فأرادوا أن يقرءوا، فمنعهم من ذلك وقال: هذه القراءة بِدْعة. بل اقرأوا ترسّلا، فقرءوا كما أمرهم.
قرأت بخطّ الحافظ عَبْد الغنيّ جزءا فِيهِ نقل خطوط المشايخ للسّلفيّ بالقراءات. وقد قرأ بحرف عاصم على أَبِي سعد المطرّز، وقرأ بحمزة والكِسائي على مُحَمَّد بْن أَبِي نصر القصّار، وقرأ برواية قالون على نصر بْن مُحَمَّد الشّيرازيّ، وبرواية قُنْبُل على عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخِرقي. وقد قرأ عليهم سنة إحدى وتسعين وبعدها.
وقال ابْن نُقْطَة [3] : كان حافظا، ثقة، جَوالًا فِي الآفاق. سَأَلَ عَن أحوال الرجال شجاعا الذُّهلي، والمؤتَمن السّاجيّ، وأبا عليّ البَرَدَاني، وأبا الغنائم النرسِي، وخميسا الحوزيّ.
وحدّثني عبد العظيم المنذريّ الحافظ قال: لمّا أرادوا أن يقرءوا «سُنَن النّسائيّ» على السلَفي أتَوْه بنسخة سعد الخير وهي مصحّحة قد سمعها من
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 36: «فإذا جنّ ليلهم» . والمثبت يتفق مع: الوافي بالوفيات.
[2] سير أعلام النبلاء 21/ 36، الوافي بالوفيات 7/ 353.
[3] في التقييد 176.(40/203)
الدُّوني. فقال: اسمي فِيهَا؟ قَالُوا: لَا. فاجتذبها من يد القارئ بغيظ وقال:
لَا أُحدث إلَّا من أصلٍ فِيهِ اسمي. ولم يُحدث بالكتاب.
وقال لي عَبْد العظيم إنّ أَبَا الْحَسَن المقدسيّ قَالَ: حفظت أسماء وَكَني، وجئت إلى السلَفي فذاكَرتُه بها، فجعل يذكرها من حفْظه، وما قَالَ لي أحسنت. وقال: ما هذا شيء مليح، أَنَا شَيْخ كبير فِي هذه البلدة هذه السّنين لَا يُذاكرني أحدٌ وحِفْظي هكذا.
وقال أَبُو سعد السّمعانيّ: أنشدنا يحيى بْن سعدون النّحويّ بدمشق:
أنشدنا السلَفي لنفسه:
ليس حُسْنُ الحديث قربَ رجالٍ ... عند أرباب عِلْمِهِ النقادِ
بل عُلُو الحديثِ عند أولي الإتقان ... والحِفظ صحةُ الإسناد
فإذا ما تجمّعا في حديث ... فاغتمنه فذاك أقصر المرادِ
[1] قلت: أنشدنا اليونينيّ، وابن الخلّال قَالَ: أنشدنا جَعْفَر أنشدنا السلَفي فذكرها.
قرأت بخطّ السّيف بْن المجد: سمعت أَحْمَد بْن سلامة النّجّار يقول إنّ الحافظين: عَبْد الغنيّ وعبد القادر، أرادا سماع كِتَاب اللّالكائيّ، يعني «شرح السّنّة» ، على السلَفي، فأخذ يتعلّل عليهما مرّة، ويدافعهما عَنْهُ أخرى بأصل السّماع، حتّى كلّمته امرأته فِي ذلك.
قرأت بخطّ الحافظ عُمَر بْن الحاجب أنّ «معجم السفَر» للسلَفي مشتمِل على ألفَيْ شَيْخ.
وقال الحافظ زكيّ الدّين عبد العظيم: كان السّلفيّ مغرى بجمع الكُتُب والاستكثار منها. وما كان يصل إليه من المال يُخرجه فِي شرائها. وكان عنده خزائن كُتُب، وَلَا يتفرّغ للنّظر فِيهَا. فلمّا مات وجدوا معظم الكتب في
__________
[1] سير أعلام النبلاء 21/ 37.(40/204)
الخزائن قد عَفنت، والتصق بعضها فِي بعض، لنداوة الإسكندريّة. وكانوا يستخلصونها بالفأس فتلَفَ أكثرها.
أنبأنا أَحْمَد بْن سلامة الحدّاد، عَن الحافظ عَبْد الغنيّ، أنّ السلَفي أنشدهم لنفسه:
ضلّ المجسّم والمعطّل مثله ... عَن منهج الحقّ المبين ضلالا
وأتى أماثلهم ينكر لَا رعوا ... من مَعْشرٍ قد حاولوا الأشكالا
وعدّوا يقيسون الأمور برأيهم ... ويُدلسون على الوَري الأقوالا
فالأوّلون تعدّوا الحَد الَّذِي ... قد حُد فِي وصف الإله تعالى [1]
وتصوّروه صورة من جنسنا ... جسما، وليس اللَّه عزّ مثالا
والآخرون فعطّلوا ما جاء فِي ... القرآن أقبح بالمقال مقالا
وأبوا حديث المصطفى أنْ يقبلوا ... ورأوه حَشْوًا لَا يفيد منالا
وهي بضعةٌ وعشرون بيتا.
وله قصيدةٌ أخرى نحو من تسعين بيتا، سمّى فِيهَا أئمّة السّنّة، ورءوس البِدعة، أوردتها فِي ترجمته الّتي أفردتها [2] .
وقال الوجيه عيسى بْن عَبْد العزيز اللّخميّ: تُوُفي الحافظ صبيحة الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ستّ وسبعين، وَلَهُ مائة وستّ سنين. ولم يزل يُقرأ عَلَيْهِ الحديث إلى أن غربت الشّمس من ليلة وفاته، وهو يرد على
__________
[1] في الأصل: «تعالا» .
[2] وأورد القزويني من شعره:
دين الرسول وشرعه أخباره ... وأجلّ علم يقتنى آثاره
من كان مشتغلا بها وينشرها ... بين البريّة لا عفت آثاره
وأيضا:
كم جئت طولا وعرضا ... وجلت أرضا فأرضا
وما ظفرت بخلّ ... من غير غلّ فأرضى
(التدوين 2/ 226) .(40/205)
القارئ اللّحن الخفيّ، وصلّى يوم الجمعة الصّبح عند انفجار الفجر، وتُوُفي بعدها فجأة.
قلت: قد اضطرب قول السلَفي فِي مولده. وقد ذكرنا قوله للحافظ عَبْد الغنيّ إنّه كان ابْن نحو عشر سِنين وقت قُتِلَ نظام المُلْك، فيكون مولده على هذا القول فِي حدود سنة خمسٍ وسبعين.
وقال الْإِمَام شهاب الدّين أَبُو شامة: سمعت الْإِمَام عَلَم الدّين السَخَاوي يقول: سمعت أَبَا طاهر السلَفي يوما وهو ينشد لنفسه شعرا قاله قديما، وهو:
أَنَا من أهل الحديث وهم خير فِئَهْ ... جُزْت تسعين وأرجو أن أجوز مائه
فقيل لَهُ: قد حقّق اللَّه رجاءك. فعلمت أنّه قد جاوز المائة. وذلك فِي سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة.
وقال مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ التّجيبيّ الأندلسيّ: سمعت الحديث على السلَفي، ووجدت بخطّه: مولدي بأصبهان سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة تخمينا لَا يقينا.
وقال قاضي القضاة ابْن خَلكان [1] : كانت ولادة السّلفيّ سنة اثنتين وسبعين تقريبا.
قال: وجدت العلماء بالدّيار المصريّة من جملتهم الحافظ زكيّ الدّين عَبْد العظيم يقولون فِي مولده هذه المقالة.
قال: ثمّ وجدت فِي كِتَاب «زهر الرياض» لجمال الدّين عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد المجيد الصفْراوي يقول: إنّ السلَفي كان يقول: مولدي- بالتّخمين لَا باليقين- سنة ثمانٍ وسبعين.
قد شذَّ الصفْراوي عَن الجماعة بهذا القول، والسلَفي فقد جاوز المائة بلا ريب. وقد طلب الحديث، وكتب الأجزاء، وقرأ بالروايات في سنة تسعين
__________
[1] في وفيات الأعيان 1/ 106، 107.(40/206)
وبعدها، فقد حكى الحافظ عَبْد الغنيّ أنّه حدّث سنة اثنتين وتسعين، وما فِي وجهه شعرة، وأنّه كان ابْن سبع عشرة سنة أو نحوها، ولكنّه اختلف قوله، فتارة قَالَ سنة اثنتين وسبعين تقريبا، وتارة يقول فِي سنة خمسٍ وسبعين تقريبا، وهذا تبايُن ظاهر [1] .
195- أَحْمَد بْن أَبِي الوفاء [2] .
الصّائغ الحنبليّ.
قد ذُكِر فِي العام الماضي. وقيل: تُوُفي فِي هذا العام.
196- إِبْرَاهِيم بْن عليّ بْن مواهب [3] .
أَبُو إِسْحَاق ابْن الزّرّاد، الأزَجي، البزّاز.
روى عَن: أَبِي الغنائم النرْسي.
سمع منه: أَبُو سعد السّمعانيّ.
وتُوُفي فِي رجب.
197- أيّوب بْن مُحَمَّد بْن وهْب بْن أيّوب.
أَبُو مُحَمَّد الغافقيّ، المعروف بابن نوح، وهو لَقَب جدّهم وهْب بْن أيّوب لُقب به لكثرة أولاده.
كان أَبُو مُحَمَّد من رؤساء سَرَقُسْطَة.
روى عَن: أَبِيهِ مُحَمَّد، وأبي زيد بْن الورّاق، وأبي مروان بْن الصّيقل، وجماعة.
وأخذت الروم سَرَقُسطَة فخرج منها سنة اثنتي عشرة إلى طرطُوشَة، ثمّ سكن غُرْناطة، ولقي أَبَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال، وكتب عَنْهُ خطَبَه الّتي عارض بها ابْن نُباته. ثمّ كَر إلى بَلَنسِية فسكنها، وولي قضاء جزيرة سَقر بعد أَبِيهِ. ونسخ عِلما كثيرا، وجمع شيئا من التّاريخ رَوَاهُ عَنْهُ ابنه القاضي أَبُو
__________
[1] كتب بعضهم على هامش الأصل: «إذا قال تقريبا فقد ارتفع التباين» .
[2] تقدّم برقم (143) .
[3] تقدّم برقم (145) .(40/207)
عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن نوح، وقال: تُوُفي فِي صَفَر عَن تسعين سنة.
- حرف الباء-
198- بدر [1] .
الحبشيّ الجذاذاديّ [2] ، الطّواشيّ، أَبُو الضّياء، مولى العدل أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن جذاذاد الإسكندريّ أو الْمَصْرِيّ، والثّاني أقرب.
سمع: أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرّازيّ، وأبا صادق المَدِيني، وأبا الْحُسَيْن الفرّاء، وعبد الرَّحْمَن بْن فاتك، وأبا القاسم بْن الدّوريّ.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل، ويوسف بْن جبريل اللّواتيّ، وأبو القاسم سِبط السلَفي، وآخرون.
وتُوُفي فِي شوّال رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
- حرف التاء-
199- توران شاه [3] .
__________
[1] انظر عن (بدر) في: سير أعلام النبلاء 20/ 579 وفيه: «راوي الصحيح» .
[2] في السير: «الجذاداذي» .
[3] انظر عن (توران شاه) في: البرق الشامي 3/ 52، 778 93، 99، 143، 144، 153، وسنا البرق الشامي 1/ 129، والروضتين، والكامل في التاريخ 11/ 468، 469، والبستان (مخطوط) ورقة 119 أ، ومفرّج الكروب 1/ 228، 229، وتاريخ الزمان 197، وتاريخ مختصر الدول 218، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 2/ 1186، ووفيات الأعيان 1/ 306، ومرآة الزمان 8/ 362، والمختصر في أخبار البشر 3/ 62، 63، والدرّ المطلوب 68، ومسالك الأبصار (مخطوط) 27/ ورقة 130 أ، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وسير أعلام النبلاء 21/ 53، 54 رقم 10، ودول الإسلام 2/ 89، والعبر 4/ 228، 229، وتاريخ ابن الوردي 2/ 90، والوافي بالوفيات 10/ 441- 443 رقم 4933، ومرآة الجنان 3/ 304، 405، والبداية والنهاية 12/ 306، 307، ومآثر الإنافة 2/ 65 (وفيه مات سنة 578 هـ.) ، والسلوك ج 1 ق 1/ 71، والذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك للمقريزي 70- 73، والعقود اللؤلؤية للخزرجي 1/ 26، والعسجد المسبوك 2/ 181، والنجوم الزاهرة 6/ 87، وتاريخ ابن سباط 1/ 157، 158، -(40/208)
الملك المعظّم، شمس الدّولة بْن أيّوب بْن شاذي، أخو صلاح الدّين، والسّلطان سيف الدّين، وكان يُلقب أَيْضًا بفخر الدّين. وكان أسَن من صلاح الدّين، فكان يحترمه ويرجّحه على نفسه. وسيّره سنة ثمان وستّين إلى بلاد النّوبة ليفتحها، فلمّا قدِمَها وجدها لَا تساوي التّعب، فرجع بغنائم كثيرة، ورقيق.
ثمّ أرسله إلى اليمن، وبها عَبْد النَّبِيّ بْن مهديّ قد استولى على أكثر اليمن. فقدمها توران شاه، وظفر بعبد النَّبِيّ وقتله، وملك معظم اليمن.
وكان سخيّا جوادا. ثمّ إنّه قدِم دمشق فِي آخر سنة إحدى وسبعين، وقد تمهّدت لَهُ مملكة اليمن، لكنه كره المقام بها، وحنّ إلى الشّام وثِماره. وكان قد جاءه رسول من أخيه صلاح الدّين يرغّبه فِي المُقام باليمن، فلمّا أدّى الرسالة طلب ألف دينار، وقال لغلام لَهُ: امض إلى السّوق واشترِ لي بها قطعة ثلج. فقال: ومن أَيْنَ هنا الثّلج؟ فقال: فاشترِ به طَبَق مشْمش، فقال:
ومن أَيْنَ يوجد ذلك؟ فأخذ يذكر لَهُ أنواع الفواكه، والغلام يقول ما يوجد.
فقال للرسول: ليت شِعْري، ما أصنع بالأموال إذا لم أنتفع بها فِي شهوتي؟
ورجع الرَّسُول فأذِن لَهُ السّلطان فِي القُدوم. وقد كتب لَهُ بإنشاء القاضي الفاضل:
لا تضجَرَن ممّا أتيت [1] فإنّه ... صدرٌ لأسرار الصّبابة ينَفِثُ
أمّا فِراقُكَ واللقاءُ فإنّ ذا ... منهُ أمُوتُ وذا منه أبعَثُ
حَلَف الزّمان على تفرّق شَمِلنا ... فمتَى يرقّ لنا الزّمان ويَحْنَثُ؟
حول المضاجع كتبُكُم فكأنّني ... مَلْسُوعُكُمْ وهي الرقاةُ النفثُ
كم يَلْبَثُ الجسمُ الَّذِي ما نفسُهُ ... فِيهِ وَلَا أنفاسُهُ كم يلبثُ
[2] فلمّا قدِم دمشق استنابه بها صلاح الدّين لمّا رجع إلى مصر. ثمّ انتقل
__________
[ (-) ] وتحفة الأحباب للسخاوي 97، وشذرات الذهب 4/ 255.
[1] هكذا في الأصل، وديوان القاضي الفاضل. وفي الوافي بالوفيات 10/ 441 «أبثّ» .
[2] ديوان القاضي الفاضل 1/ 485، الوافي بالوفيات 10/ 441، 442.(40/209)
توران شاه إلى مِصْر سنة أربعٍ وسبعين.
وكانت وفاته بالإسكندريّة فِي صَفَر سنة ستّ، فنقلته شقيقته ستّ الشّام فدفنته فِي مدرستها.
وذكر المهذّب مُحَمَّد بْن عليّ بْن الخيميّ الحلّيّ الأديب قال: رأيت في النّوم شمس الدّولة توران شاه بعد موته، فمدحته بأبيات وهو فِي القبر، فلفّ كفنه ورماه إليّ، ثمّ قَالَ:
لا تستقلّنّ معروفا سمحتُ به ... ميّتا فأمسيت [1] منه عاريَ البدن
ولا تظننَ جودي شَانَهُ بَخَل ... من بعد بذْليَ ملك الشّام واليمن
إنّي خرجتُ من الدّنيا وليس معي ... من كلّ ما ملكت يدي [2] سوى كفني
[3] توران شاه: معناه ملك الشّرق. قَالَ ابْن الأثير: كان لمّا قدِم من اليمن وعمل نيابة دمشق قد ملك بَعْلَبَك، ثمّ عوّضه أخوه عَنْهَا بالإسكندريّة إقطَاعًا، فذهب إليها. وكان لَهُ أكثر بلاد اليمن، ونوّابه هناك يحملون إليه الأموال من زَبِيد، وعدن، وما بينهما.
وكان أجْوَد النّاس وأسخاهم كفّا، يُخرجِ كلّما يُحمل إليه من البلاد، ومع هذا مات وعليه نحو مائتي ألف دينار، فَوَفاها أخوه صلاح الدّين عنه.
وكان منهمكا على اللهو واللعِب، فِيهِ شرّ وظُلْم.
- حرف الحاء-
200- حمّاد بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق بْن أَحْمَد بْن شيث بْن نصر بْن شيث بْن الحَكَم بْن افلذ بْن أبان بْن عقبة بن يزيد [4] .
__________
[1] في الوافي: «فأصبحت» .
[2] في الوافي: «كفّي» .
[3] الوافي بالوفيات 10/ 442، 443، وانظر له قصيدة أخرى.
[4] انظر عن (حمّاد بن إبراهيم) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 38، والأنساب 8/ 78، وسير أعلام النبلاء 21/ 91، 92 رقم 38، والجواهر المضيّة 1/ 224، -(40/210)
الْإِمَام قوام الدّين أَبُو المحامد ابْن الْإِمَام رُكْن الدّين أَبِي إِسْحَاق ابْن الْإِمَام أَبِي إِبْرَاهِيم الوائليّ، الْبُخَارِيّ ابْن الصّفّار الحنفيّ.
سمع من: أبيه، وإسماعيل بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن البيهقيّ.
وعنه: إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد البَيلقي، وإبراهيم بْن سالار الخُوَارَزْمي، وأبو الفضل عُبَيْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم المحبوبيّ، والأديب أَبُو عليّ الْحَسَن بْن عُمَر التَرْمِذيّ، وبُرهان الْإِسْلَام عُمَر بْن مَسْعُود بْن مازة، وآخرون آخرهم موتا تاج الْإِسْلَام مُحَمَّد بْن طاهر بْن مُحَمَّد الخُدَاباذي الْبُخَارِيّ.
نقلت ذلك من خطّ الفرَضي [1] .
ثمّ قَالَ:
- وأبوه رُكْن الدّين.
من كبار مشايخ الْبُخَارِيّ. سمع على: والده، وعلى عُمَر بْن منصور البزّاز المعروف بخنب، وعبد العزيز بْن المستقرّ الكرْمِيني، وأجاز لَهُ، وشيخ الْإِسْلَام أَبُو نصر أَحْمَد بْن عثمان العاصميّ البلخيّ، وغيرهم.
قال: وتُوُفي رُكْن الدّين بعد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة.
- وأبوه إِسْمَاعِيل الوائليّ:
روى عَن: عُمَر بْن عبد العزيز بن مُحَمَّد بْن النضْر الشُرُوطي، وأبي عاصم مُحَمَّد بْن عليّ البلْخي، وأبي الْحُسَيْن عَبْد الغافر بْن مُحَمَّد الفارسيّ.
وعنه: ولده رُكن الدّين. ولم يذكر الفرضيّ لهذا وفاة.
__________
[ (-) ] رقم 560، وتلخيص مجمع الآداب ج 4/ رقم 3041، والوافي بالوفيات 13/ 153 رقم 166، وغاية النهاية 2/ 345 رقم 1401، ولسان الميزان 2/ 345 رقم 1401.
[1] وقال الصفدي: من بيت العلم والزهد، شذا طرفا من الكلام والفقه والأدب. وكان يؤمّ بالناس يوم الجمعة في الصلاة ويخطب غيره. وكذا عادة أهل بخارا، لا يصلّي بهم الخطيب إلّا من هو أعلم منه وأحسن طريقة.
ووقع في الوافي أنه توفي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة.(40/211)
- حرف الخاء-
201- خَلف بْن يحيى بْن خطّاب [1] .
أَبُو القاسم القرْطُبي الزّاهد.
من أهلِ التصوّف والهَدْي الصّالح.
وكان يوصف بإجابة الدّعوة. أمّ بجامع قُرْطُبة مُدَيْدَة، ثمّ رغب فِي الانقباض.
وكان يعظ ويقصده النّاس للبركة رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
- حرف السين-
202- سالم بْن إِسْحَاق بْن الْحُسَيْن.
البزّاز أَبُو المعالي التّنوخيّ. تاجر صاحب مُرُوءة وخير.
قال الشّيخ الموفّق: كان ذا مروءة وكرم. حملني الحافظ عبد الغنيّ من بغداد إلى دمشق، وكنّا نرى منه كرما وبذلا.
قلت: روى عن سعيد بن البنّاء، وجماعة من البغداديّين.
سمع منهم بعد الأربعين وخمسمائة.
وروى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، والحافظ عَبْد القادر، والشّيخ الموفّق.
وكان يسافر كثيرا للتّجارة.
وتُوُفي فِي عَشْر السّتّين.
203- سَعِيد بْن الحسين بن سعيد بن محمد [2] .
__________
[1] انظر عن (خلف بن يحيى) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 304 رقم 830، والوافي بالوفيات 13/ 369 رقم 462.
[2] انظر عن (سعيد بن الحسين) في: العبر 4/ 229، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1880، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وسير أعلام النبلاء 20/ 579، 580، ومرآة الجنان 3/ 405، والنجوم الزاهرة 6/ 88، وحسن المحاضرة 1/ 375، وفيه «سعد» ، -(40/212)
أَبُو المَفَاخر الهاشميّ، المأمونيّ، النّيسابوريّ، الشّريف.
قدِم مصر وحدّث بها «بصحيح مُسْلِم» غير مرّة، عَن أَبِي عَبْد اللَّه الفراويّ.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل المقدسيّ، وصالح بْن شجاع الدلَجي، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز ابْن الجبّاب، وحفيده مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المأمونيّ، وآخرون.
ورّخه ابن المفضّل.
204- سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم [1] .
فخر الدّين أَبُو الرّضا، أخو القاضي كمال الدّين مُحَمَّد الشّهرزوريّ [2] .
فقيه شافعيّ. سمع بالعراق من: زاهر الشّحّاميّ، والقاضي أَبِي بَكْر، وجماعة.
وتفقّه بخُراسان عند الفقيه مُحَمَّد بْن يحيى. وعاد إلى المَوْصِل، وتقدّم وسادَ، وصار أوجه أهل بيته. وسار فِي الرسليّة إلى بغداد.
سمع منه: هبة اللَّه بْن الْحَسَن الفقيه، والياس بْن جامع الإربليّ، وأحمد بْن صَدَقة.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة فِي العَشْر الأخير عَن سبعين سنة [3] .
205- سُلَيْمَان بن أحمد بن سليمان [4] .
__________
[ (-) ] وشذرات الذهب 4/ 257، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 244 وقد ورد في الأصل: «سعد» والمثبت من المصادر.
[1] انظر عن (سعيد بن عبد الله) في: مرآة الزمان 8/ 362، 363، والمختصر المحتاج إليه 2/ 787 88 رقم 692، وتلخيص مجمع الآداب ج 4/ رقم 1252، والوافي بالوفيات 14/ 232، 233 رقم 326، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 221.
[2] انظر عنه في: المختصر المحتاج إليه 1/ 55.
[3] مولده سنة 506 هـ. وكان أمير أهل بيته، يعرف المذهب والخلاف، ويكتب خطّا حسنا.
وكان نزها كثير الصدقة مقبلا على أهل الخير.
[4] انظر عن (سليمان بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 6987، والذيل والتكملة-(40/213)
وبعض أصحابه قال فيه: سليمان بن خَلَف.
أَبُو الْحُسَيْن الإشبيليّ جدّ أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بْن سيّد النّاس لأمّه.
سمع من: أَبِي بَكْر بْن طاهر، وأبي الْحَسَن شُرَيْح وأخذ عَنْهُ القراءات.
وسمع من: ابْن العربيّ، وغير واحد.
وكان مُقْرِئًا، نَحْوِيًا، ضابطا، مجوّدا.
أخذ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حَوْط اللَّه، ومفرّج بْن حسين الضّرير، وغيرهم.
حدّث فِي هذا العام وانقطع ذِكره.
206- سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن حَسَن [1] .
أَبُو طَالِب العُكْبَرِي، ثمّ الواسطيّ، المقرئ.
قرأ القراءات على: ابْن شيران، وأبي بَكْر المَزْرَفي، وسِبْط الخيّاط، والشّهرزوريّ.
قرأ عَلَيْهِ ابْن الدبِيثي، وعليّ بْن منصور البُرْسُقي.
- حرف العين-
207- عَبْد اللَّه بْن المحدّث عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن صابر السلَمي [2] .
أَبُو المعالي الدّمشقيّ، ويُعرف بابن سيده.
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
__________
[ (-) ] لكتابي الموصول والصلة 4/ 56، 57 رقم 130، وبغية الوعاة 1/ 596 رقم 1264.
[1] انظر عن (سليمان بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 97 رقم 106، ومعرفة القراء الكبار (مخطوطة دار الكتب الوطنية بباريس 2084) ورقة 169، وغاية النهاية 1/ 315 رقم 1386.
[2] انظر عن (عبد الله بن عبد الرحمن) في: الإعلام بوفيات الأعلام 237، وسير أعلام النبلاء 21/ 93، 94 رقم 40، والعبر 4/ 229، والمختصر المحتاج إليه 2/ 146، 147 رقم 779، والنجوم الزاهرة 6/ 88، وشذرات الذهب 4/ 256، والعسجد المسبوك 2/ 182.(40/214)
وسمع: الشّريف أَبَا القاسم النّسيب، وأبا طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنائي، وابن الموازينيّ، وطبقتهم.
وحدّث ببغداد فسمع منه: الحافظ أَبُو سعد السّمعانيّ كِتَاب «المروة» .
وذكره فِي «الذّيل» فقال: شابٌ قدِم بغداد للتّجارة.
وذكره أَبُو المواهب بْن صَصْرَى فِي «معجمه» فقال: باع كُتُب أَبِيهِ وعمّه بثمنٍ بخْس، وأعرض عَن الخير فِي وسط عمره، ثمّ أقلعَ فِي آخره. وسُمِع منه مِن النّسخ الّتي بأيدي النّاس.
وتُوُفي فِي رجب.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغنيّ [1] ، والشّيخان أَبُو عَمْرو والموفّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والشّمس عُمَر بْن المُنَجا، وسالم بْن عَبْد الرّزّاق، وأخوه يحيى، وعبد الحقّ بْن خَلَف، والحافظ الضّياء، وغيرهم.
208- عَبْد اللَّه بْن خَلَف بْن مُحَمَّد بْن حبيب بن فرقد [2] .
__________
[1] غلط محقق كتاب «العسجد المسبوك» السيد شاكر محمود عبد المنعم، إذ اعتبر أن أبا محمد عبد الغنيّ هذا: هو أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر الأزدي الحافظ المصري، صاحب مشتبه النسبة، وكتاب المؤتلف والمختلف، وغير ذلك.
(العسجد 2/ 182 بالحاشية رقم 58) .
ويقول محقق هذا الكتاب طالب العلم «عمر عبد السلام تدمري» : إن هذا غلط فاحش، لأن عبد الغني بن سعيد الأزدي صاحب مشتبه النسبة توفي سنة 409 هـ. فكيف يروي عن أبي المعالي الدمشقيّ وهو لم يكن قد ولد بعد؟ أما الحافظ أبو محمد عبد الغني الّذي يروي عن أبي المعالي فهو: «أبو محمد عَبْد الغني بْن عَبْد الواحد بْن عَلِيّ بْن سرور بن رافع المقدسي الأصل الجماعيلي الدمشقيّ الدار المصري الوفاة الحنبلي. توفي سنة 600 هـ. (انظر عنه: التكملة لوفيات النقلة 2/ 17- 19 رقم 778) وانظر عن «عبد الغني بن سعيد الأزدي» في تاريخ الإسلام (401- 420 هـ.) 188- 190 رقم 277.
[2] انظر عن (عبد الله بن خلف) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 854، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 4/ 223، 224 رقم 382.(40/215)
أَبُو مُحَمَّد القُرشِي، الفِهْري، الأندلسيّ، الإشبيليّ.
سمع مع أخيه أَبِي إِسْحَاق من: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي الْحَسَن بْن تقيّ [؟] . وناظَرَ فِي الرأي عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ.
وأخذ القراءات عَن أَبِي عَمْرو وموسى بْن حبيب عَن مكّيّ بْن أَبِي طَالِب.
وقال الأبّار [1] : كان حافظا للفقه، صادِعًا بالحقّ.
مولده بعد التّسعين وأربعمائة.
حدّث عَنْهُ ابنه أَبُو القاسم.
209- عَبْد اللَّه بْن مُغِيث بْن يونس بْن مُحَمَّد بْن مغيث بْن مُحَمَّد بْن يُونُس بْن عَبْد اللَّه بْن مُغِيث [2] .
أَبُو مُحَمَّد بْن الصّفّار الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبي.
روى عَن: جَدّه أَبِي الْحَسَن، وأبي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وجماعة.
وولّي قضاء الجماعة بقُرطُبة ثمانية عشر عاما.
قال الأبّار: رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن الملجوم، وعامر بْن هاشم، وأبو مُحَمَّد بْن حَوْط الله، وأخوه أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه.
وتُوُفي فِي ربيع الأوّل وَلَهُ ستّون سنة.
210- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
القاضي أَبُو مُحَمَّد السّعديّ، الغَرْناطي، ثمّ اليَحْصبي. من قلعة يحصب.
حدّث فِي هذا العام عَن أَبِي الوليد بْن طريف، وأبي الْحَسَن بن البادش، وطائفة.
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (عبد الله بن مغيث) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(40/216)
وعنه: الأخَوان ابنا حوط اللَّه، وابن دحية، وآخرون.
211- عَبْد اللَّه بْن يوسف بْن عليّ بْن مُحَمَّد.
القُضَاعي، المُري.
سمع من: أَبِيهِ.
وبالثّغر من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرّازيّ.
روى عَنْهُ: عليّ بْن المفضّل الحافظ.
بقي إلى هذا العام.
212- عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى بْن عليّ بْن هلال [1] .
أَبُو سَعِيد الأزَجي، الدّبّاس، المعروف بابن الأعرابيّ.
سمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأَبَا ياسر البَرَداني، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الدّوريّ، وابن الحُصَيْن، وجماعة.
سمع منه: أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب مع تقدّمه.
وروى عَنْهُ: ابْن الدّبيثيّ، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر وَلَهُ ستٌ وسبعون سنة.
213- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن علي بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد بْن حُمَيد بْن أَبِي العجائز [2] .
أَبُو الفهْم الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ.
من بيت الحديث والرواية.
سمع: أَبَا طاهر الحِنائي، وغيره.
روى عَنْهُ: الحافظ ابْن عساكر، وابنه القاسم، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، وإبراهيم الخُشُوعي، ومكّيّ بْن علّان، وطائفة.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن يحيى) في: تاريخ ابن الدبيثي.
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن عبد العزيز) في: العبر 4/ 229، والمعين في طبقات المحدّثين 176 رقم 1878، وسير أعلام النبلاء 21/ 94 رقم 41، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والعسجد المسبوك 2/ 183، والنجوم الزاهرة 6/ 88، وشذرات الذهب 4/ 257.(40/217)
وكان ملازما لحلقة الحافظ ابْن عساكر.
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ ثمانون سنة. وهو راوي حديث سختام.
214- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحمد.
أبو جَعْفَر بْن القصير الْأَزْدِيّ، الغرناطيّ.
روى عَن: أبيه أَبِي الْحَسَن، وعمّه أَبِي مروان عَبْد الملك، وأبي الْحَسَن بْن البادش، وأبي الوليد بْن رُشد، والقاضي عِياض.
وكان وجيها فِي بلده، من بيت تقدّم، وكان كثير العناية بالرواية، وَلَهُ حظٌ وافرٌ من الفقه والأدب. وصنّف تصانيف منها شيء من مناقب أهل عصره. وحجّ وسكن بإفريقية وتونس.
وولّي القضاء.
وحدّث عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن نافع الخطيب.
غرق فِي البحر فِي آخر العام رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
215- عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الماجد بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي القاسم القُشَيْري.
أَبُو المحاسن النَّيْسابوري، الصّوفيّ.
تُوُفي فِي ربيع الأوّل، وَلَهُ خمسون سنة.
روى عَن: عَبْد المنعم القُشَيْري.
رَوَى عَنْهُ: أبو القاسم بن صصرى.
216- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن هبة اللَّه ابْن رئيس الرؤساء.
أَبُو المفضّل ابْن الوزير أَبِي الفَرَج. يُلَقب كمال الدّين.
استنابه أَبُوهُ في الأستاذ داريّة ثمّ استقلّ بها عند ما وزَرَ أَبُوهُ.
وكان ذا غِلْظة وشدّة وطأة وصرامةٍ وقساوة وسوء سيرة. كانت الألسِنة مُجْمِعَة على ذَمْه. وَلَهُ شِعْرٌ جيّد.(40/218)
قال العماد الكاتب: هُوَ شهم مَهِيب، وَلَهُ فهم مُصيب. وهو غضنفر بني المظفّر، وقيل: بني الرقيل. ومن شِعره:
وأهيَفٌ معسولُ النّكاهة واللمَى ... مليح النسى والشّمائل والقد
به ري عيني وهو ظاميء إلى دمي ... وخدّي لَهُ ورد ومن خدّه وردي
تُوُفي فِي الكُهُولة. وقد عُزِل عَن أستاذيّةالدار لسوء سيرته، فِي أيّام أَبِيهِ. وخافه مجد الدّين ابْن الصّاحب أستاذ دار الخليفة النّاصر، فدقّق الحيلة فِي القبض عَلَيْهِ، ثمّ صادره وعاقبه عقوبة شديدة. وقيل إنّه رفسه بِرجله فمات منها.
217- عليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بكروس [1] .
أَبُو الْحَسَن.
وُلِد سنة تسع وخمسمائة.
وتُوُفي فِي ثالث ذي الحجّة ببغداد.
كذا سمّاه ابْن مَشق، وسيُعاد.
218- عليّ بْن عَبْد الرحيم بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك [2] .
أَبُو الْحَسَن بْن القَصار [3] السّلميّ، المِرْداسي، الرّقّيّ، ثمّ البغداديّ، اللّغويّ.
__________
[1] سيعاد باسم: «عليّ بْن مُحَمَّد بْن المبارك بْن أَحْمَد بن بَكْروس» ، برقم (219) .
[2] انظر عن (علي بن عبد الرحيم) في: معجم الأدباء 14/ 10، 11، والكامل في التاريخ 11/ 469، واللباب 2/ 138، وتلخيص مجمع الآداب 3/ 944 و 967، وإنباه الرواة 2/ 291، 292، والعبر 4/ 229، 230، والمشتبه 1/ 365، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1881، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وسير أعلام النبلاء 20/ 578، 579 رقم 361، وتلخيص ابن مكتوم 144، 145، والوافي بالوفيات 21/ 232، 233، رقم 157، وفيه «علي ابن عبد الرحيم بن الحسن» ، ومرآة الجنان 3/ 405 وفيه «علي بن عبد الرحمن» ، وطبقات النحويين واللغويين لابن قاضي شهبة 2/ 164، 165، والنجوم الزاهرة 6/ 88، والعسجد المسبوك 2/ 182، وبغية الوعاة 2/ 175، وتاريخ الخلفاء 457، وشذرات الذهب 4/ 257.
[3] هكذا في الأصل وتاريخ الخلفاء 47، وفي العبر 4/ 229، وسير أعلام النبلاء 20/ 578، والوافي بالوفيات 21/ 232 «العصار» بالعين، ومثله في العسجد المسبوك 2/ 82، وفي مرآة الجنان 3/ 405 «عطار» .(40/219)
كان علّامة العرب وحُجة الأدب فِي نقل اللّغة.
أخذ عَن أَبِي منصور بْن الجواليقيّ، وكتب الكثير. وأكثر المطالعة.
وكان مليح الخطّ، أنيق الوراقة والضّبط، ثقة.
سافر إلى مصر تاجرا، وأقام بها مدّة، وقرأ بها الأدب على أبي الحجّاج يوسف بن محمد بن الحسين الكاتب ابن الخلّال صاحب ديوان الإنشاء. ثمّ قدِم بغداد، وتصدّر للإقراء والإفادة فِي داره.
وكان الفضلاء يتردّدون إليه، ويقرءون عليه كتب الأدب.
وسمع من: أبي الغنائم بْن المهتدي، وأبي العزّ بْن كادَش، وجماعة.
روى عَنْهُ: أَبُو الفُتُوح بْن الحُصري، وابن أخته أَحْمَد بْن طارق، وغيرهما.
وتُوُفي فِي المحرّم.
وولد سنة ثمان وخمسمائة.
وقال ابْن النّجّار: وخلّف مالا طائلا، وكان بخيلا مقتّرا على نفسه رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
قلت: كان آية فِي اللّغة، وهو متوسّط فِي النحْو، وكان تاجرا متموّلا، سافر إلى مِصْر. ويحضر حلقة ابْن بَري، ويأخذ عَنْهُ النّحو، وكان ابْن بَري يأخذ عَنْهُ اللّغة.
وكان يحفظ من أشعار العرب ما لا يوصف [1] .
219- عليّ بْن مُحَمَّد بْن المبارك بْن أَحْمَد بن بَكْروس [2] .
__________
[1] وقال ابن النجار: لم يكن له عيب سوى تقنيطه على نفسه، وله في ذلك حكايات، وخلّف مالا طائلا.
[2] تقدّم باسم «عليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بكروس» برقم (217) .
وانظر عنه في:
التاريخ المجدّد لابن الدبيثي (مخطوطة باريس 2131) ورقة 16، 17، والمختصر المحتاج إليه 3/ 135 رقم 1032، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 348 رقم 166.(40/220)
أَبُو الْحَسَن أخو أَبِي الْعَبَّاس البغداديّ، الحنبليّ.
شيخ صالح، سمع الكثير بنفسه.
روى عَن: أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المهتدي باللَّه، وابن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء، وهبة اللَّه الشرُوطي، وجماعة.
روى عَنْهُ: موفّق الدّين بْن قُدامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والياس [1] الإربليّ، وآخرون.
تُوُفي فِي ذي الحجَّة [2] .
220- عُمَر بن عَبْد الرحمن بن عذرة.
أبو حفص الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، من أهل الجزيرة الخضراء.
روى عن: أبي بكر بن العربي، وأبي الحسن بْن مُغِيث، وأبي القاسم بْن بَقِي.
وولي قضاء بلده وقضاء سبتَة.
وكان فقيها مشاورا، له النّظم والنّثر.
أخذ عَنْهُ: أَبُو الوليد القسطليّ، وعمر بْن عَبْد المجيد النّحويّ، وجماعة.
وتوفّي في رمضان.
- حرف الغين-
221- غازي [3] .
__________
[1] مهملة في الأصل. والتحرير من تاريخ ابن الدبيثي ومختصره.
[2] مولده ثالث رجب 504 هـ. وتفقّه في المذهب وبرع وأفتى وناظر، ودرّس بمدرسة أخيه آخرا، وصنّف في المذهب، وله كتاب «رءوس المسائل» وكتاب «الأعلام» .
لزم بيته في آخر عمره لمرض حصل له إلى أن توفي.
[3] انظر عن (غازي) في: سنا البرق الشامي 1/ 356، 357، والكامل في التاريخ 11/ 462، 463، والتاريخ الباهر 180، وتاريخ الزمان 191، وزبدة الحلب 3/ 39، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 57 و 227، ومفرّج الكروب 1/ 116 و 2/ 92- 94، ووفيات الأعيان-(40/221)
سيف الدين صاحب الموصل ابْن الملك قُطْب الدّين مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر التّركيّ. والد سنجر شاه صاحب جزيرة ابْن عُمَر.
لمّا مات أَبُوهُ قُطْب الدّين بلغ السلطانَ نورَ الدّين الخبر، وهو على تلّ باشَر، فسار فِي الحال إلى الموصل، وأتى الرّقّة فِي أوّل سنة ستّ وستّين فَمَلَكها، ثمّ سار إلى نَصيبين فملكها، ثمّ أخذ سَنْجَار فِي ربيع الآخر، ثمّ أتى الموصل، وقصد أن لَا يقابلها، فعبر بجيشه من مخاضة بلدٍ ثمّ نزل قُبَالة الموصل، وأرسل إلى غازي وعرّفه صحّة قصده، فصالحه. ونزل الموصل ودخلها، وأقرّ صاحبها فِيهَا، وزوّجه بابنته، وعاد إلى الشّام، فدخل فِي شعبان من السّنة. فلمّا تملّك صلاح الدّين وسار إلى حلب وحاصرها، سيّر إليه غازي جيشا عَلَيْهِ أخوه عزّ الدّين مَسْعُود، فالتقوا عند قرون حماه، فانكسر عزّ الدّين. فتجهّز غازي وسار بنفسه، فالتقوا على تلّ السّلطان، وهي قرية بين حلب وحماه فِي شوّال سنة إحدى وسبعين، فانكسرت ميسرة صلاح الدّين بمظفّر الدّين ابْن ربيب الدّين صاحب إربل، فإنّه كان على ميمنة غازي، فحمل السّلطان صلاح الدّين بنفسه، فانهزم جيش غازي فعاد إلى حلب، ثمّ رحل إلى الموصل. ومات بالسّلّ فِي صَفَر. وعاش نحوا من ثلاثين سنة.
قال ابْن الأثير [1] : كان مليح الشّباب، تامّ القامة، أبيض اللّون، وكان عاقلا وقُورًا، قليل الالتفات. لم يُذكر عَنْهُ ما يُنافي الصّفة. وكان غيورا شديد الغيرة، يمنع الخدّام من دخول الدّور، وَلَا يحبّ الظُّلْم، على شحّ فيه وجبن.
__________
[ (- 4] / 3، 4، ومضمار الحقائق 43، ومرآة الزمان 8/ 363، 365، والمختصر في أخبار البشر 3/ 62، وتاريخ مختصر الدول 218، والعبر 4/ 230، ودول الإسلام 2/ 89، وسير أعلام النبلاء 20/ 192، 193 رقم 124، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وتاريخ ابن الوردي 2/ 90، وتاريخ ابن خلدون 5/ 238- 240، ومرآة الجنان 3/ 405، 406، و 407، والدرّ المطلوب 64، 69، والسلوك ج 1 ق 1/ 70، والنجوم الزاهرة 5/ 286، والعسجد المسبوك 179، 180، وتاريخ ابن سباط 1/ 156، 157، واللمعات البرقية في النكت التاريخية لابن طولون 12، وشذرات الذهب 4/ 139.
[1] في الكامل 11/ 463.(40/222)
قلت: وأدار الخمر والزّنا ببلاده بعد موت نور الدّين، فمقته أهل الخير. وقد تاب قبل موته بيسير، وتملّك بعده أخوه مَسْعُود، فبقي ثلاث عشرة سنة.
- حرف الميم-
222- مُحَمَّد بْن حامد.
أَبُو سَعِيد الأصبهانيّ.
من حفّاظ الحديث ببلده.
يروي عَن: أَبِي العلاء صاعد بْن سيّار الدّهّان. وغيره.
تُوُفي بأصبهان.
223- مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هشام [1] .
الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الخُشني، الرّنديّ، نزيل مالقة.
ويُعْرف قديما باسم العويص.
أخذ القراءات عَن: منصور بْن الخير، وعن أَبِي القاسم بْن رضا.
وسمع من: ابْن مغيث، وابن مكّيّ، وجماعة.
وناظر فِي «كِتَاب سِيبوَيْه» على ابْن الطرَاوة وَرَوَى عَنْهُ، وعن أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيوسي.
قال الأبّار: وكان مُقْرِئًا ماهرا، نحويّا، لغويّا، دأب على تعليم القرآن والعربيّة دهره. وحدّث.
وتُوُفي بمالقة فِي شوّال.
ثنا عَنْهُ: ابْن حَوْط اللَّه، وأبو الْعَبَّاس الغرقيّ.
224- مُحَمَّد بن عليّ بن محبوب [2] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبيد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر عن (محمد بن علي بن محبوب) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 126، 127 رقم 354، والمختصر المحتاج إليه 1/ 92.(40/223)
أَبُو بَكْر البغداديّ المُسَدي [1] .
سمع: أَبَا العزّ مُحَمَّد بْن المختار، وأحمد بْن الْحُسَيْن بْن قريش.
وعنه: ابْن الحُصْري، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جرير.
وكان مباركا. تُوُفي فِي ربيع الآخر [2] .
225- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مَوَاهب [3] .
أَبُو العزّ بْن الخُراساني، البغداديّ، الشّاعر، صاحب العَرُوض ومصنّف النّوادر المنسوبة إلى حدّة الخاطر.
قرأ الأدب على: أبي منصور بن الجواليقيّ.
وله ديوان شعر في خمسة عشر مجلّدا. قاله العماد الكاتب. ومصنّفات أدبيّة ومدح الخلفاء والوزراء، وتغيّر ذهنه في آخر أيّامه قليلا. وكان بارع الأدب بصيرا بالعروض، مقدّما في اللّغة والنّحو، صاحب مُجْون وخلاعة ونوادر.
سمع: أَبَا الْحُسَيْن المبارك بْن عَبْد الجبّار، وأبا سعد بْن خُشَيْش، وأحمد بْن المظفّر بْن سَوْسن، وأبا عليّ بْن نبهان.
قال ابن الدّبيثيّ [4] : سمعت منه وتركته لتغيّره. وأجاز لي قبل أن يتغيّر ذهنه.
__________
[1] هذه النسبة تقال ببغداد لمن يعمل السدي للثياب السقلاطونية.
[2] وكان مولده في سنة 489 هـ.
[3] انظر عن (محمد بن محمد بن مواهب) في: معجم الأدباء 7/ 101، وإنباه الرواة 3/ 213، والمختصر المحتاج إليه 1/ 119، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة أحمد الثالث 2917/ 14) ورقة 68، وسير أعلام النبلاء 21/ 82، 83 رقم 30، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1882، والعبر 4/ 230، ومرآة الجنان 3/ 405، والوافي بالوفيات 1/ 150، 151 رقم 65، وفوات الوفيات 3/ 238، وإنباه الرواة 3/ 213، والعسجد المسبوك 2/ 183، وبغية الوعاة 1/ 235، وشذرات الذهب 4/ 257، وتلخيص الآداب ج 4 ق 3/ 373 رقم 2428.
[4] في تاريخه.(40/224)
قلت: روى عَنْهُ الشيخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
تُوُفي فِي رَمَضَان، وَلَهُ اثنتان وثمانون سنة.
قال ابْن الدبِيثي: أنشدنا فِي المسترشد باللَّه:
قُلْ للإمام الَّذِي أنعامه نعمٌ ... وسحّ كفَّيْهِ منه تخجل الديَمُ
وعرضه وافر فِي كلّ نازِلة ... وماله فِي جميع النّاس مقتسَمُ
وبحرة الْجَم عذْبٌ ماؤه غدَقٌ ... سهل الشرائعِ غمر طيّب سمُ
مسترشد إنْ بَدَا فالبدر غُرَّتُهُ ... وإنْ يقلْ كَلِما فالدُّرُّ منتظِم
[1] 226- المبارك بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد [2] .
أَبُو منصور البغدادي.
قال الدبِيثي: كان خيّرا متيقّظا. سمعت عَلَيْهِ.
روى عَن: ابْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر. ولازَم ابْن ناصر فأكثر.
وتُوُفي فِي رَمَضَان.
227- المبارك بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حكيم [3] .
أَبُو بَكْر الخياط البغداديّ.
__________
[1] وأورد له ابن النجار ما يكتب على كمران:
أنا محسود من الناس ... على أمر عجيب
أنا ما بين قضيب ... ينثني فوق كثيب
وقوله:
أنا راض منكم بأيسر شيء ... يرتضيه لعاشق معشوق
بسلام على الطريق إذا ما ... جمعتنا بالاتّفاق الطريق
وقوله:
إن شئت أن لا تعدّ غمرا ... فخلّ زيدا معا وعمرا
واستغن باللَّه في أمور ... ما زلن طول الزمان إمرا
ولا تخالف مدى الليالي ... للَّه حتى الممات أمرا
واقنع بما راج من طعام ... والبس إذا ما عريت طمرا
[2] انظر عن (المبارك بن عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 170 رقم 1131.
[3] انظر عن (المبارك بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 176 رقم 1153.(40/225)
سمع: أَبَا الْحَسَن العلّاف، وشجاعا الذُّهْلي، وأبا عليّ بْن المهديّ، وغيرهم.
روى عَنْهُ: إلياس بْن جامع، وابن الأخضر، والبهاء [1] عَبْد الرَّحْمَن، وآخرون.
تُوُفي أَيْضًا فِي رَمَضَان [2] .
228- المبارك بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن العرمرم.
أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي طاهر بْن الواسطيّ، البغداديّ.
له إجازة من جَعْفَر السّرّاج، وأبي الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ.
سمع منه: عليّ بْن أَحْمَد الرنْدِي، ومحمد بْن سَعِيد بْن الدَّبيثي.
مات فِي ذي القعدة سنة ستّ.
229- مَسْعُود بن عُمَر الملّاح.
سمع: أَبَا الْحَسَن بْن الزَّاغوني، وعليّ بْن الفاعوس.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن القطِيعي فِي «تاريخه» .
230- مَسْعُود بْن محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد المنعم بْن ماشاذة [3] .
الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الأصبهانيّ، المفسّر، الفقيه.
قال ابن النّجّار: كان إماما حافظا، قيّما بالمذهب، والخلاف، والتّفسير، والوعظ.
سمع: غانما البُرجي، وأَبَا عليّ الحدّاد، ومحمود بْن إِسْمَاعِيل، وعبد الكريم بْن فُورجة.
وحجَّ وحدّث [4] ببغداد [5] ، وجلس للوعظ، ولقي القبول التّام، واستحسن الأكابر كلامه.
__________
[1] في الأصل: «البا» .
[2] مولده تقريبا سنة 500 هـ.
[3] انظر عن (مسعود بن محمود) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 190 رقم 1200.
[4] في الأصل: «وحدّث وحج ببغداد» .
[5] وكان قدومه بغداد سنة 576 هـ.(40/226)
قلت: ولم يذكر أنّ أحدا رَوَى عَنْهُ.
231- مُسْلِم بْن عَبْد المحسن بْن أَحْمَد.
أَبُو الغنائم الكَفَرْطابيّ، ثمّ الدّمشقيّ، البزّاز.
سمع من: جدِّه لأمّه أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنائي.
ودخل بغداد للتّجارة، وسمع بها: عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام.
أخذ عَنْهُ: عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر، وإلياس بْن جامع، وغيرهما.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة عَن إحدى وسبعين سنة.
232- مظفَّر بْن خَلَف بْن عَبْد الكريم بْن خَلَف بْن طاهر بْن مُحَمَّد الشّحّاميّ.
النَّيْسابوري.
حدث بدمشق عَن: وجيه بْن طاهر.
وكان صوفيّا ينسخُ بالأجرة.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أَبُو القاسم، ومحمد البَلْخي المقرئ.
233- مظفَّر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن جند.
أَبُو عَبْد اللَّه البنّاء، البغداديّ.
معمّر، وهو ابْن عمّ بقاء بْن عُمَر.
سمع: أَبَا طَالِب بْن يوسف، وأبا الْحَسَن الزاغُوني، وأبا غالب بْن البنّاء.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي وأثنى عَلَيْهِ.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر.
- حرف النون-
234- نَصْر اللَّه بْن أَحْمَد بْن حمزة بْن أَبِي الحجّاج [1] .
__________
[1] رسم اسم «الحجاج» في الأصل: «الحححاح» .(40/227)
أَبُو الفتح العَدَوي، الحلبيّ، ثمّ الدّمشقيّ، العطّار.
حدّث عَن: هبة اللَّه بْن طاوس.
وعنه: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
- حرف الهاء-
235- هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هلال [1] .
أَبُو الفَرَج بْن الأعرابيّ، الأزجيّ، الدَّبَّاس.
سمع: أبا القاسم بن بيان، وأبا الغنائم النرسي، وأَبَا ياسر البرْداني.
سمع منه: أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب، وعمر بْن عليّ القُرَشي.
وتُوُفي فِي رجب [2] .
وهو أسَنْ من ابْن عمّه عَبْد الجبّار بعامَيْن.
- حرف الواو-
236- واثق بْن الْحُسَيْن بْن عليّ [3] .
العطّار أَبُو الْحُسَيْن بْن السّمّاك.
سمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء.
روى عنه: عبد الله بْن أَحْمَد الخبَّاز.
وعاش ثلاثا وستّين سنة [4] .
- حرف الياء-
237- يوسُف بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي سَعِيد [5] .
الموصليّ، ثمّ البغداديّ، أخو سليمان وعليّ، ووالد الموفّق عبد اللّطيف.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 20 رقم 1280.
[2] ولد في شعبان سنة 498 هـ.
[3] انظر عن (واثق بن الحسين) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 217 رقم 1271.
[4] ولد سنة 513 هـ.
[5] انظر عن (يوسف بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 236 رقم 1324.(40/228)
صحِب أَبَا النّجيب السّهرورديّ وتفقّه عَلَيْهِ.
وسمع: أَبَا القاسم بْن السّمرقنديّ، وأَبَا منصور بْن خَيْرون، وخلقا.
وسمّع ابنه، وحدّث.
وتُوُفي فِي المحرّم، وَلَهُ إحدى وستّون سنة [1] .
238- يونس بْن مُحَمَّد.
أَبُو الوليد القَسْطلي، الأندلسيّ.
مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ وأعيان البُلغاء.
كتب لبعض ملوك الأندلس، وصنفَ فِي الأدب.
وَفِيهَا وُلِد كمال الدّين مُحَمَّد ابْن قاضي القُضاة صَدْر الدين عَبْد الملك بْن درباس الماراني فِي ربيع الأول.
__________
[1] ولد تقريبا سنة 515 هـ.(40/229)
سنة سبع وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
239- أَحْمَد بْن حَمَيْد بْن الْحَسَن.
أَبُو منصور الأزَجْي، الكاتب، الشَّيْبَانيّ، مصنّف «المقامات» العشرين.
أديب بارع، وشاعر مُحْسِن.
روى عَنْهُ: ولده يوسف.
تُوُفي فِي ربيع الأوّل ببغداد.
240- أَحْمَد بْن عَبْد الملك بْن عُمَيْرة [1] .
أَبُو جَعْفَر الضّبّي، الأندلسيّ.
سمع بُمرْسية [2] من: أَبِي عليّ الصَّدَفي، وأبي مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر الفقيه.
وبقرطُبة [3] : أَبَا مُحَمَّد بْن عتّاب، وابن رُشْد.
ولقي بمصالة منصور بْن الخير وأخذ عَنْهُ القراءات. وحجَّ، وكان زاهدا عابدا، قانتا للَّه.
روى عَنْهُ: سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأحمد بْن يحيى بْن عُمَيْرة.
وتُوُفي عَن سنّ عالية [4] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الملك) في: معجم شيوخ الصدفي 53، وتكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 79، وبغية الملتمس للضبيّ 194، 195، رقم 441، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 1 ق 1/ 264، 265 رقم 344، ونفح الطيب 3/ 357.
[2] رحل إليها سنة 513 هـ.
[3] رحل إليها سنة 515 هـ.
[4] وقال أبو جعفر بن يحيى بن عميرة: ساكنته أياما فما رأيته من الليالي إلا قائما ولا من النهار إلّا صائما. قال: وقال لي: كنت قبل أن أرحل أرى الناس يعظمون العلم وأهله، -(40/230)
241- أَحْمَد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن سُلَيْمَان بْن سند [1] .
أَبُو الْعَبَّاس الأندلسيّ، الكتّانيّ، النحْوي، من أهل إشبيلية.
وكان يُعرف باللّصّ لإغارته على الأشعار فِي حداثته [2] .
__________
[ (-) ] فلما قدمت من رحلتي لم أر ما عهدت، وأبصرت أمري، وأقبل على العمل وترك التصنّع ونبذ الدنيا. (الذيل والتكملة 1/ 264، 265) .
وقال الضبّي: هو ابن عمّ أبي يكنى أبا جعفر، وكان رحمه الله عالما عاملا زاهدا فاضلا متقلّلا من الدنيا، أخبرت عنه أنه كان يواصل الصيام خمسة عشر يوما. وكانت أوقاته محفوظة عليه. أخبرني رحمه الله قال: دخلت مرسية بعد العشر وخمسمائة سمعت بها على الحافظ أبي علي بن سكرة، وعلى الفقيه أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي جعفر، فلما توفي الحافظ أبو علي رحلت إلى قرطبة وسمعت بها وقرأت علي أبي الوليد بن رشد، وأبي محمد بن عتاب، والموروري، وجماعة. ثم انصرفت وقد نلت حظّا وافرا من العمل، فلما وصلت مالقة قيل لي: تترك الفقيه أبا علي منصور بن الخير بمالقة وتنصرف! فقصدته وجمعت عليه كتاب الله العزيز بالقراءات السبع، ثم انصرفت إلى وطني بلس، ورأى الناس عند دخوله يعظّمون العلم وأهله، فكتب: أرى من في بلس يلقاني على مسيرة يوم وأن أهل لورقة يتجاورون في لقائي ببلس، فلما وصلت لم ألق أحدا، ولا رأيت من الناس ما عهدت، فكان لي في ذلك موعظة ورجعت إلى نفسي فقلت: يا أحمد، فكأنك إنما رحلت في طلب العلم وسهرت الليل ليعظّمك الناس، لقد خبت وضلّ سعيك، فعكفت على ما ينفعني ولزمت بيتي، ولم أتعرّض لعرض دنياوي، وسلكت سبل القوم لعلّ الله أن يجعلني منهم، وبكتبهم انتفعت.
وكان رحمه الله إماما في طريقة التصوّف، وكنت لا تراه من الليل إلّا قائما. وكان أكثر دهره صائما. توفي وقد أناف على التسعين. توفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة، ومولده بعيد الثمانين وأربعمائة.
ولما اجتمع معه شيخي القاضي أبو القاسم ابن حبيش بلورقة رأيته قد بكى فسألته ممّ بكاؤك؟ ذكرتني رؤية ابن عمّ أبيك هذا من تقدّم هكذا كان زيّهم وسمتهم. وقد بتّ عنده ليالي ذوات عدد فما كان يوقظني في أكثر الليالي إلّا بكاؤه في السجود، وما كان ينام من الليل إلّا قليلا، فلما وصلت من عنده مرسية حدّثت بذلك بعض جيرانه قديما بلورقة، فقال لي: هكذا أعرفه منذ أزيد من ثلاثين عاما. (بغية الملتمس) .
[1] هكذا في الأصل: «سند» ، وفي المصادر: «سيد» . انظر: المعجب 154، والمطرب 182، وتكملة الصلة 1/ 80، والمنّ بالإمامة 155، وزاد المسافر 25، ورايات المبرّزين 19، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 1 ق 1/ 316- 320 رقم 411، وبغية الوعاة 1/ 344، 345 رقم 657، ونفح الطيب 5/ 325.
[2] وجاء في «المنّ بالإمامة» أنه يسمّى باللص لقوله يتغزّل في أبي الحسين ابن فندلة أيام الفتوة: -(40/231)
روى عَن: أَبِي بَحْر الأسَدي، وأبي مُحَمَّد بْن صاوة.
وأقرأ الآداب والعربيّة واللّغة. وكان شاعرا محسنا [1] .
__________
[ (-) ]
خلبت قلبي بطرف ... أبا الحسين خلوب
قلم أسمّ بلصّ ... وأنت لصّ القلوب
وواضح من البيتين أنه كان يسمّى باللص قبل قوله لهما. ولابن دحية في (المطرب) وجهة أخرى للّقب إذ قال: وكان شيخنا هذا رحمه الله يلقّب باللص لدمائته وسكونه وتصرّفه خفية في جمع شئونه. ولكنه لا ينكر هذا اللقب مع جاهه عند سلطان زمانه. وانظر اعترافه بلقبه وأنه لسرقته أشعار الناس في (نفح الطيب 5/ 332) .
[1] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان مقرئا محدّثا متحقّقا بعلوم اللسان نحوا ولغة وأدبا، ذاكرا للتواريخ حسن المجالسة، شاعرا مفلقا، وشعره مدوّن، وأقرأ اللغة والعربية والأدب طويلا. ومن طريف ما جرى له في انتحاله شعر غيره أن أحد بني عبد المؤمن قدم على إشبيلية واليا فانتدب أدباءها لامتداحه وتلقّيه بالتهنئة والإنشاد إذا دخلوا عليه قال: فطمعت في تلك الليلة أن يسمح خاطري بشيء في ذلك المقصد فلم يتّجه لي شيء، فنظرت إلى معلّقاتي فخرج لي قصيد لأبي العباس الأعمى وعليه مكتوب ولم ينشد، فأدغمت فيه اسم ذلك الأمير وقلبته في مدحه، فلمّا أصبحنا وخرجنا إلى اللقاء وأنشد الناس وأنشدت ذلك القصيد، فقام أبو القاسم محمد بن إبراهيم بن المواعيني، وأخرج من كمّه القصيد نفسه وقد صنع فيه ما صنعت، وأخبر بقصته في ذلك، فإذا قصّتهما واحدة، فضحك الوالي من ذلك وأثابهما ثواب غيرهما من الشعراء، وكثر العجب من تواردهما على السرقة وصارت بين الناس أحدوثة زمانا. وبالجملة فإنه كان من الشعراء المجيدين والأدباء المبرّزين والأساتيذ المفيدين، وقد أنجب تلامذة شعراء برعة. ومما استجيد من شعره في معنى المناجاة قوله:
مولاي إني ما أتيت جريمة ... إلّا وقلت تندّمي يمحوها
لولا الرجاء ونية لي نطتها ... بكريم عفوك لم أكن آتيها
ومن نظمه في حال مرض أصابه:
وقائلة والضنا شاملي ... على م سهرت ولم ترقد؟
وقد ذاب جسمك فوق الفراش ... حتى خفيت على العود
فقلت: وكيف أرى نائما ... ورابي المنيّة بالمرصد
وكان دأبه استصحاب كسرة خبز لا يفارقها، فقيل له في ذلك، فذكر أنه قيل له في النوم لا يموت إلا عطشان فأنا أخاف من ذلك فإن أصابني العطش دفعتها إلى سقّاء يسقيني، فقضى الله سبحانه أن توفي وحيدا في منزله فلا يبعد أن يكون مات عطشا كما أخبر في النوم. والله أعلم. وكانت وفاته عام سبعة أو ثمانية وقيل: ثلاثة. وقال أبو الحسن الشاري اثنين وسبعين وخمسمائة، وهذان القولان الآخران كلاهما باطل قطعا، فقد وقفت على بعض ما قرئ عليه مؤرّخا بجمادى الأولى سنة أربع وسبعين، مولده في صفر سنة ثنتين-(40/232)
روى عَنْهُ: أَبُو الْحُسَيْن بْن رزقون، وأبو الخطّاب بْن دحية.
وعاش بضعا وسبعين سنة.
وتُوُفي سنة سبع أو سنة ثمانٍ وسبعين.
242- أَحْمَد بْن عليّ بْن سَعِيد.
أَبُو الْعَبَّاس الحوزيّ الصُّوفي.
قرأ بواسط، وسمع بها من: أَبِي عليّ الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
وببغداد من: أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وكان رجلا صالحا. عاش 77 سنة.
243- أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام [1] .
أبو الغنائم الكاتب، أخو أَبِي منصور عَبْد اللَّه.
سمع: أبا علي بن المهدي، وأبا القاسم بْن الحُصَيْن.
وحدّث.
قتله غلام لَهُ طَمَعًا فِي شيء كان لَهُ فِي المحرّم. وقيل في سنة ستّ.
وولد سنة أربع وخمسمائة.
244- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم.
الشَّيْخ أَبُو الرشيد الخفيفيّ، الصّوفيّ، الزّاهد.
قال ابْن النّجّار: قدِم بغداد شابّا من أبهَر زنجان، وتفقّه مدّة.
وسمع: زاهر الشّحّاميّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وجماعة.
وصحب أَبَا النّجيب السَّهْرُوَرديّ، وانقطع، وجلس فِي الخَلْوَة، وظهر لَهُ الكرامات، وفُتِح عَلَيْهِ.
روى لنا عَنْهُ: أَبُو نصر عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر المقري.
وقرأت بخطّ عُمَر بْن عليّ القُرَشي: جَلَسَ أَبُو الرشيد الأبهريّ فِي الخَلْوة اثنتي عشرة سنة، وفُتِح لَهُ خيرٌ كثير، وظهر كلامه.
__________
[ (-) ] أو ثلاث- الشك منه- وخمسمائة. (الذيل والتكملة) .
[1] تقدّم برقم (192) .(40/233)
وقد كتب من كلامه ما يُقارِب ثمانين مجلّدة.
قال ابْن النّجّار: بلغني أنّه كان فِي جُمادى الآخرة. وكان منسوبا إلى ابْن خفيف الشّيرازيّ.
245- أَحْمَد بْن مواهب بْن حَسَن.
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن البغداديّ، المعروف بغلام الزّاهد ابْن العلبيّ.
شيخ صالح، سمع: أَبَا طَالِب بْن يوسف.
سمع منه: ابنه عَبْد الرَّحْمَن، وتميم بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي، والحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ.
سمعوا منه فِي هذه السّنة، وانقطع خبره.
246- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مهران [1] .
الْإِمَام رضيّ الدّين أَبُو إِسْحَاق الجزَري، الفقيه الشّافعيّ.
تفقّه وبرع على شيخه أَبِي القاسم بْن البزْري. ثمّ تفقّه ببغداد بالنّظاميّة.
وسمع من: الكروخيّ.
ودرّس ببلده وساد بعد ابْن البزريّ.
مات فِي المحرّم عَن أربعٍ وستّين سنة. ذكره الفَرَضي [2] .
247- إِسْمَاعِيل بْن الملك الصّالح نور الدّين [3] .
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن محمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 477.
[2] وقال ابن الأثير: كان فاضلا كثير الورع.
[3] انظر عن (إسماعيل بن نور الدين) في: البرق الشامي 3/ 14، 50- 52، 153، 173، والنوادر السلطانية 55، والتاريخ الباهر 181، 182، والكامل في التاريخ 11/ 472، 473، وتاريخ مختصر الدول 217، وتاريخ الزمان 197، وزبدة الحلب 3/ 40، 41، ومرآة الزمان 8/ 366، والمختصر في أخبار البشر 3/ 63، والدرّ المطلوب 69، (سنة 576 هـ.) ، والعبر 4/ 231، وسير أعلام النبلاء 21/ 110- 112 رقم 54، ودول الإسلام 2/ 89، والإعلام بوفيات الأعلام 238، والوافي بالوفيات 9/ 221- 223 رقم 4125، ومرآة الجنان 3/ 407، 408، والبداية والنهاية 12/ 308، 309، وتاريخ ابن الوردي 2/ 90، وتاريخ ابن خلدون 5/ 253، والكواكب الدرّية 229، 230، والسلوك-(40/234)
أَبُو الفتح بْن الملك العادل نور الدين محمود بْن زنكي التركي.
خَتنه أَبُوهُ فِي سنة تسعٍ وستّين، وسرّ به، وزيّنوا دمشق، وكان وقتا مشهودا وهو يوم عيد الفِطْر. وزُينت دمشق أيّاما وضُرِبت خيمة بالميدان، وصلّى هناك بالنّاس شمس الدّين قاضي العسكر، وخَطَب، ثمّ مُدَّ السّماط العامّ، وأُنِهبَ على عادة التُّرْك.
وعاد نور الدّين إلى القلعة فمدّ سماطه الخاصّ، ولعب من الغد بالكُرة، فاعترضه برتقش أمير آخور وقال لَهُ: باش. فاغتاظ بخلاف عادته، وزير برتقش، ثمّ ساقَ ودخل القلعة، فما خرج منها إلَّا ميّتا.
وتُوُفي نور الدّين بعد الخِتان بأيّام، فحلّف أمراء دمشق لابنه أنْ يكون فِي السَّلْطَنة بعده، وهو يومئذ صبيّ، ووقعت البطاقة إلى حلب بموت نور الدّين، ومتولّيها شاذبخت الخادم، فأمر بضرب البشائر، وأحضر الأمراء والعلماء وقال: هذا كِتَاب من السّلطان بأنّه خَتَنَ ولده وولّاه العهد. فحلفوا كلّهم فِي الحال. ثمّ قام إلى مجلس فلبس الحِداد، وخرج إليهم وقال:
يُحسِن اللَّه عزاكم فِي الملك العادل بْن زنكي.
وأمّا صلاح الدّين فسار إلى الشّام ليكون هو المدبّر لدولة هذا الصّبيّ، ويستولي على الأمور. ووقعت الفتنة بحلب بين السّنّة والرّافضة. ونهبت الشّيعة دار قُطْب الدّين ابْن العجميّ، ودار بهاء الدّين بْن أمين المُلْك. ونزل بحْرية القلعة وأمَرهُم الأمير شمس الدّين عليّ بْن مُحَمَّد ابْن الداية والي القلعة أن يزحفوا إلى دار أَبِي الفضل بْن الخشّاب رئيس الشّيعة، فزحفوا إليها ونهبوها، واختفى ابْن الخشّاب.
ثمّ وصل الصّالح إِسْمَاعِيل إلى حلب فِي ثاني المحرّم من سنة سبعين، ومعه سابق الدّين عثمان ابْن الداية، فقبض عَلَيْهِ، وصعِد القلعة، وظهر ابن
__________
[ (-) ] ج 1 ق 1/ 77، والعسجد المسبوك 2/ 183، 184، ومضمار الحقائق 59، 60، والنجوم الزاهرة 6/ 89، وتاريخ ابن سباط 1/ 159، وشذرات الذهب 4/ 258.(40/235)
الخشّاب، وركب فِي جَمْعٍ عظيم إلى القلعة، فصعدِ إليها، والشّيعة تحت القلعة وُقُوف. فَقُتِلَ بها ابْن الخشّاب وتفرّق ذلك الْجَمْع. وسُجِن شمس الدّين عليّ بْن الدّاية وأخواه: سابق الدّين عثمان، وبدر الدّين حَسَن.
ودخل السّلطان صلاح الدّين دمشق فِي سلخ ربيع الآخر، ثمّ سار إلى حمص فملكها. ثمّ نازلَ حلب فِي سَلْخ جُمادى الأولى، فنزل الملك الصّالح إلى البلد، واستنجد بأهلها، وذكّرهم حقوق والده، فوعدوه بالنَّصْر، وجاءته النّجدة من ابْن عمّه صاحب الموصل مع عزّ الدّين مَسْعُود بْن مودود. فردّ السّلطان صلاح الدّين إلى حماه، وتِبعه عزّ الدّين مَسْعُود، فالتقوا عند قرون حماه فِي رَمَضَان. فانكسر عزّ الدّين وانهزم، وردّ صلاح الدّين فنازل حلب، فصالحوه وأعطوه المَعَرَّة، وكَفَرْطاب، وبارين. ثمّ جاء صاحب الموصل سيف الدّين غازي فِي جيشٍ كثيف، وجاء صلاح الدّين بعساكره، فالتقوا فِي شوّال سنة إحدى وسبعين، فانكسر صاحب الموصل على تلّ السّلطان، وسار صلاح الدّين، فأخذ منبج، ثمّ نازل عزاز ففتحها، ثمّ نازل حلب فِي ذي القعدة، وأقام عليها مدّة. وبذل أهلها المجهود فِي القتال، بحيث أنّهم كانوا يحملون ويصلون إلى مخيّم صلاح الدّين، وأنّه قبض على جماعة منهم، فكان يشرّح أسافل أقدامهم، وَلَا يمنعهم ذلك عَن القتال، فلمّا ملَّ صالَحَهُم وسار عَنْهَا. وخرجت إليه أخت الملك الصّالح، وكانت طفلة، فأطلق لها عزاز لمّا طلبتها منه. وكان تدبير أمر حلب إلى والدة الصّالح، وإلى شاذبخت، وخالد بْن القيسرانيّ.
ثمّ إنّ الصّالح مرض بالقولنج جُمعَتَين، ومات فِي رجب من سنة سبْع، وتأسّفوا عليه، وأقاموا عليه المآتم، وفرشوا الرَّماد فِي الأسواق، وبالغوا فِي النّوح عَلَيْهِ. وكان أمرا مُنْكَرًا.
وكان ديِّنًا، عفيفا، ورِعًا، عادلا، محبّبا إلى العامّة، متِبعًا للسّنّة، رَحِمَهُ اللَّهُ، ولم يبلغ عشرين سنة.
وَذَكَرَ الْعَفِيفُ بْنُ سُكَّرَةَ الْيَهُودِيُّ- لَا رَحِمَهُ اللَّهُ-، وَكَانَ يُطَبِّبُهُ، قَالَ:(40/236)
قُلْتُ لَهُ: يَا مَوْلانَا، وَاللَّهِ شِفَاؤُكَ فِي قَدَحِ خَمْرٍ، وَأَنَا أَحْمِلُهُ إِلَيْكَ سِرًّا، وَلَا تعلم والدتك، ولا اللّالا، ولا أحد. فَقَالَ: كُنْتُ أَظُنُّكَ عَاقِلًا، نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا» [1] . وَتَقُولُ لِي أَنْتَ هَذَا.
وَمَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ أَشْرَبَهُ وَأَمُوتُ وَهُوَ فِي جَوْفِي؟! [2] .
وقيل: تُوُفي وَلَهُ قريبٌ من ثماني عشر سنة. فتملّك حلبَ بعده عزّ الدّين مَسْعُود ابْن عمّه مودود.
248- أشرف بْن هبة اللَّه.
أَبُو الْعَبَّاس الهاشميّ، البياضيّ. إمام جامع المنصور.
سمع: أحمد بن المُجلي، وهبة اللَّه بْن الحُصَين.
سمع منه: مُحَمَّد بْن مَشقْ، وأحمد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي.
وتُوُفي فِي أوّل السّنة.
- حرف التاء-
249- تمرتاش.
مولى أَبِي الفَرَج هبة اللَّه ابْن رئيس الرؤساء.
سمع من: أَبِي الْحُسَيْن بْن العلّاف.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وغيره، ونصر بْن الحصريّ.
وتوفّي في رمضان.
__________
[1] أخرجه البخاري في الأشربة 6/ 248 باب: شراب الحلواء والعسل. وهو قول ابن مسعود في السّكّر: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم» .
[2] وقال ابن الأثير: إنه لما اشتدّ به المرض وضعف وصف له الأطباء قليل خمر، فقال لا أفعل حتى أسأل الفقهاء، فسأل الشافعية فأفتوه بالجواز، وسأل العلاء الكاشاني فأفتاه أيضا، ولم يفعل، وقال: إن كان الله قرّب أجلي أيؤخّره شرب الخمر؟ قال: لا. قال:
فو الله لا لاقيت الله وقد لقيت ما حرّم عليّ. فمات ولم يشربه. (الكامل) .
قال سبط ابن الجوزي: أخطأ الكاشاني، فإنّ الخمر لا يباح عند أبي حنيفة، وجميع أصحابنا للتداوي، وكذا عند مالك، وأحمد، وعند الشافعيّ يجوز للضرورة، وعندنا أن الله لم يجعل شفاء الأمّة فيما حرّم عليها. (مرآة الزمان 8/ 366، 367) .(40/237)
- حرف السين-
250- سُلَيْمَان بْن أرسلان [1] .
المعروف بشرف الدّين بْن شاووش البغداديّ.
كان يخدم فِي السّواد فَعَلا وساد، وناب فِي وزارة النّاصر لدين اللَّه أوّل ما استخلف، ثمّ عُزِل بعد شهرين لشيخوخته وضعفه.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى عَنْ سِنٍّ عالية [2] .
- حرف العين-
251- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي سعيد [3] .
__________
[1] انظر عن (سليمان بن أرسلان) في: مضمار الحقائق 14، والوافي بالوفيات 15/ 352 رقم 497.
[2] وكان شيخا حسنا فاضلا نبيلا، حافظا لكتاب الله تعالى، كثير التلاوة. سمع من أبي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي، وحدّث بيسير.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 477، وإنباه الرواة 2/ 171، والروضتين 2/ 27، ووفيات الأعيان 3/ 139، ومرآة الزمان 8/ 368، والمختصر في أخبار البشر 3/ 63، والمختصر المحتاج إليه 2/ 209، والعبر 4/ 231، وسير أعلام النبلاء 21/ 113- 115 رقم 56، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1883، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وتاريخ ابن الوردي 2/ 91، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 248، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 20، وفوات الوفيات 2/ 282، والبداية والنهاية 12/ 310، ومرآة الجنان 3/ 408، والوافي بالوفيات 18/ 247- 220 رقم 298، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 342، 343، رقم 308، والوفيات لابن قنفذ 290 رقم 577، والعسجد المسبوك 2/ 185، 186، وفيه «عبد الله» بدل «عبيد الله» ، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 124، 125، والنجوم الزاهرة 6/ 90، وتاريخ الخلفاء 457، وبغية الوعاة 2/ 86، وتاريخ ابن سباط 1/ 160، وشذرات الذهب 4/ 258، وكشف الظنون 83، 123، 130، 182، 212، 228، 285، 621، 670، 690، 728، 972، 1095، 1096، 1165، 1271، 1457، 1540، 1564، 1565، 1731، 1789، 1858، 1899، 1918، 1940، 1983، 2002، 2030، وإيضاح المكنون 1/ 47، 92، 118، 191، 193، 206، 224، 301، 362، 420، 527، 548، و 2/ 50، 52، 112، 146، 154، 220، 271، 320، 324، 464، -(40/238)
كمال الدين أَبُو البركات الأنباريّ، النّحويّ، الرجل الصّالح، صاحب التّصانيف المفيدة.
سكن بغداد من صباه، وتفقَّه بالنّظاميّة على أَبِي منصور بْن الرّزّاز، وقرأ النّحو على أَبِي السّعادات بْن الشَّجَري: واللّغة على أَبِي منصور بْن الجواليقيّ.
وبرع فِي الأدب حتّى صار شَيْخ العراق فِي عصره، وأقرأ النّاس ودرَّس النّحو بالنّظاميّة، ثمّ انقطع فِي منزله مشتغِلًا بالعِلم والعبادة والورع وإفادة النّاس.
وكان زاهدا ناسكا، تاركا للدُّنيا، ذا صِدق وإخلاص.
قال الموفّق عَبْد اللّطيف: أمّا شيخنا كمال الدّين الأنباريّ فلم أرَ فِي العبّاد والمنقطعين مثله [1] فِي طريقه، وَلَا أصدق منه فِي أسلوبه، خير محض لَا يعتريه تصنُّع، وَلَا يعرف الشّرور، وَلَا أحوال العالم. وكان لَهُ من أَبِيهِ دار يسكنها، ودار وحانوت مقدار أجرتهما نصف دينار فِي الشّهر ينتفع به ويشتري منه ورقا.
وسيّر إليه المستضيء خمسمائة دينار فردّها، فقالوا لَهُ: اجعلها لولدك، فقال: إنْ كنت خَلَقْتُه فأنا أرزقه.
وكان لَا يوقِد عَلَيْهِ ضوءا. وتحته حصير قَصَب، وعليه ثوب وعمامة من قُطْن يلبسهما يوم الجمعة. وكان لَا يخرج إلَّا للجمعة، ويلبس فِي بيته ثوبا خلقا.
وكان ممّن قعد فِي الخَلْوة عند الشَّيْخ أَبِي النّجيب.
قرأ عَلَيْهِ مُعيد بالنّظاميّة، فبقي يُكْثر الصّياح والكلام، فلطمه على رأسه وقال: ويلك، إذا كنت تَجْتَر فِي المرعى مَتَى ترعى؟
وللشيخ مائة وثلاثون مصنّفا، أكثرها نحو، وبعضها في الفقه
__________
[ (- 528، 539، 574، 626، 645، 675، 677، 724] وهدية العارفين 1/ 519، والأعلام 4/ 104، ودائرة المعارف الإسلامية 3/ 4، 5.
وانظر مقدّمة كتاب: نزهة الألبّاء، له، بتحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي.
[1] في الأصل: «منه» .(40/239)
والأصول، والتّصوّف، والزّهد، أتيت على أكثرها قراءة، وسماعا وحِفْظًا.
قلت: من كُتُبه «أسرار العربيّة» ، «الإنصاف فِي مسائل الخلاف» ، «أخبار النحَاة» ، «الدّاعي إلى الْإِسْلَام فِي عِلم الكلام» ، «النّور اللّائح [1] فِي اعتقاد السلَف الصّالح» ، «الْجُمَل فِي عِلم الجدل» ، «كتاب ما» [2] ، و «غرائب إعراب القرآن» ، «ديوان اللّغة» ، «الضّاد والظّاء» ، «تفسير لغة المقامات» ، «شرح الحماسة» ، «شرح المتنبّي» ، «نزهة الألبّاء فِي طبقات الأدبا» ، «تاريخ الأنبار» ، «نَسْمَةُ العبير فِي علم التّعبير» .
وروى الحديث عَن: أبيه، وخليفة بْن محفوظ الأنباريّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن عطّاف، وأحمد بْن نظام الملك.
رَوَى عَنْهُ: الحافظ أَبُو بَكْر الحازمي، وابن الدّبيثيّ، وطائفة.
وتُوُفي فِي شعبان. وَلَهُ أربعٌ وستّون سنة.
ومن شِعره:
دَع الفؤادَ بما فِيهِ من الخِرِق ... ليس التصوُّفُ بالتّلبيس والخِرَقِ
بل التصوّف صَفْوُ القلبِ من كدرٍ ... ورؤيةُ الصُّوفية أعظم الخرقِ
وصبر النّفس على أذى مطاعمها ... وعن مطامعها فِي الخلق بالخلق
وترك دعوى بمعنى فِيهِ حقته ... فكيف دعوى بلا معنى وَلَا خلق؟
252- عَبْد الصمَد بْن عليّ [3] .
أَبُو القاسم بْن الأخرم البغداديّ، الحذّاء.
سمع: أَبَا عليّ الباقرحيّ، وأبا سعد بْن الطّيوريّ، وأَبَا طَالِب اليُوسُفي.
سمع منه: عُمَر القُرَشي، وجماعة.
وتُوُفي فجأة فِي ذي الحجّة، وَلَهُ سبعون سنة [4] .
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 114 «اللامح» .
[2] في سير أعلام النبلاء 21/ 114 «كتاب لو وما» .
[3] انظر عن (عبد الصمد بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 79 رقم 894.
[4] وقال ابن الدبيثي: رأيته ولم يتفق لي السماع منه وأجاز لي. ومولده سنة سبع وخمسمائة.(40/240)
253- عَبْد القادر بْن عليّ بْن نوقة [1] .
أَبُو مُحَمَّد الواسطيّ الشّاعر.
جالس أَبَا السّعادات بْن الشَجَري، وأَبَا منصور بْن الجواليقيّ.
ومَدَح الخلفاء.
ومات غريبا بمصر.
ومن شِعره:
أصيب ببلوى الجسم أيّوب فاغْتَدَى ... به تضرب الأمثال أنْ ذُكِر [2] الصبرُ
فلمّا انتهى بلواه من بعد جسمه ... إلى القلب نادى مُعْلنًا: «مَسَّنِي الضّرّ» [3]
وكلُّ بلائيَ عند قلبي ولم أبحْ ... بشكوى الَّذِي ألقى ولم يظهر السّرّ
هذا هَذَيان وقَولٌ من وراء العافية، ومجرد دعوى كاذبة. كما فشر من قَالَ:
وكُلُّ بلاء أيّوب بعضُ بليّتي ولكن الشّعراء فِي كلّ واد [4] يهيمون، ويقولون ما لَا يفعلون. وكما قيل: أمْلَح الشعْر أكذبه [5] .
__________
[1] انظر عن (عبد القادر بن علي) في: خريدة القصر (قسم مصر) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 80 رقم 898.
[2] في المختصر: «إذ يذكر» .
[3] اقتباس من سورة الأنبياء، آية 83.
[4] في الأصل: «واحد» ، والقول فيه.
إشارة إلى الآيات الكريمة: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ.
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ 26: 224- 226 (النمل 224- 226) .
[5] وقال العماد الكاتب: لقيته كهلا، للفضل أهلا، وله نظم رائق بالتحسين والإحسان حقيق، وأنشدت له، ثم أنشدني لنفسه:
قسما بأغصان القدود ... تهزّ بيان الصدور
ويعضّ تفاح الخدود ... ورشف كافور الثغور
إني ليصرعني الهوى ... بين الروادف والخصور
بسلاف أفواه تسلل ... في أباريق النحور
(خريدة القصر) .(40/241)
254- عثمان بْن يوسف بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد البرّ بْن سيّدي بْن ثابت [1] .
أَبُو عمرو الأنصاريّ، السّرقسطيّ، المعروف بالبلجيطيّ.
أخذ القراءات عَن: أَبِي زيد الورّاق، ويحيى بْن مُحَمَّد القلعيّ.
وأخذ قراءة نافع عَن: أَبِي زيد بْن حيوة.
واختلف إلى أَبِي جَعْفَر بن سراج، وأبي الحسن بن طاهر وأخذ عنه العربيّة.
وسمع «التّيسير» سنة إحدى وعشرين وخمسمائة من ابن هذيل.
وأقرأ القراءات، وسكن بلد لريّة ثمّ ولّي قضاءها.
وكان محقّقا للقراءات، ضابطا، إخباريا، ذاكرا، ماهرا بالقضاء والشّروط.
توفّي عَن تسعين سنة فِي نصف ذي القعدة.
أخذ عنه: أبو عمر بن عياد، وأبو عَبْد اللَّه بْن عيّاد، وأبو عَبْد اللَّه الشّونيّ، وأبو الربيع بْن سالم [2] .
255- عليّ بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن [3] .
أَبُو المفاخر المستوفي البيهقيّ، الواعظ، الصُّوفي.
حدّث ببغداد وواسط عَن: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صاعد، وعبد الغافر بْن إسماعيل، وأبي عبد الله الفراويّ، وغيرهم.
وتوفّي رحمه الله في شعبان.
256- عمر بن عليّ بن الزاهد محمد بن عليّ بن حمّويه [4] .
__________
[1] انظر عن (عثمان بن يوسف) في: صلة الصلة لابن الزبير 75، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1835، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 140، 141 رقم 286.
[2] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان مقرئا مجوّدا، ضابطا، محقّقا، تاريخيا، ذاكرا ملوك بلده وقضاته وعلماءه، فقيها حافظا عاقدا للشروط، بصيرا بالأحكام، جيد الدربة فيها، تردّد في الكثير من كور بلنسية وأقرأ فيها، واستوطن لرية، ثم رحل عنها حاجا سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فكاد يغرق في ركوبه البحر، فعاد إليها واستقرّ بها واستقضي فيها وفي جزيرة شقر.
ولد بسرقسطة أول يوم من شعبان سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي بلرية.
[3] انظر عن (علي بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 135 رقم 1033.
[4] انظر عن (عمر بن علي بن الزاهد) في: العبر 4/ 232، والإعلام بوفيات الأعلام 238، -(40/242)
أبو الفتح الجوينيّ [1] الصّوفيّ. شيخ الشّيوخ بدمشق.
ولد في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.
وسمع من: جدّه، وأبي عبد الله الفراويّ، وأبي القاسم الشّحّاميّ، وأبي الفتوح عبد الوهّاب الشّاذياخيّ [2] ، وعبد الجبّار الخواريّ [3] ، وعبد الواحد الفارمذيّ [4] .
وأقام بدويرة السّميساطيّ [5] . وحدّث، وإليه انتهى التّقدّم فِي التّصوّف.
وكان السّلطان صلاح الدّين يحترمه ويُعَظْمه، وهو أخو أَبِي بَكْر وأبي سعد عَبْد الواحد.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو المواهب، وأخوه أَبُو القاسم الْحُسَيْن، والبهاء عَبْد الرحمن، والحافظ الضّياء، وآخرون.
__________
[ (-) ] وسير أعلام النبلاء 21/ 115 دون ترجمة، ومرآة الجنان 3/ 408، والنجوم الزاهرة 6/ 90، والعسجد المسبوك 2/ 186، وشذرات الذهب 4/ 259.
[1] الجويني: بضم الجيم وفتح الواو وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، هذه النسبة إلى جوين وهي إلى ناحية كثيرة مشتملة على قرى مجتمعة يقال لها كويان معرّب وجعل جوين. وهذه الناحية متّصلة بحدود بيهق ولها قرى كثيرة متّصلة بعضها ببعض. (الأنساب 3/ 385) .
[2] الشاذياخي: بفتح الشين المعجمة والذال المعجمة الساكنة، والياء المفتوحة المنقوطة باثنتين من تحتها بين الألفين، وفي آخرها الخاء المعجمة. هذه النسبة إلى موضعين:
أحدهما إلى باب نيسابور مثل قرية متّصلة بالبلد بها دار السلطان. وشاذياخ: قرية ببلخ على أربعة فراسخ منها.
وقال ياقوت بكسر الذال المعجمة. يؤيّده قول أبي محلّم في شعره:
سقى قصور الشاذياخ الحيا (الأنساب 7/ 240- 242) .
[3] الخواريّ: بضم الخاء المنقوطة والراء بعد الواو والألف. هذه النسبة إلى خوار الري، مدينة على ثمانية عشر فرسخا من الري. (الأنساب 5/ 195) .
[4] الفارمذي: بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الميم وفي آخرها الذال المعجمة. نسبة إلى فارمذ وهي قرية من قرى طوس.
[5] السّميساطي: بضم السين المهملة بعدها ميم، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وبعدها سين أخرى مفتوحة وفي آخرها الطاء. نسبة إلى سميساط من بلاد الشام.
(الأنساب 7/ 153) .(40/243)
وتُوُفي فِي رجب ودُفِن بمقابر الصّوفيّة.
وذكره العماد الكاتب فقال: كبير الشّأن، كثير الإحسان، لم يكن لَهُ فِي عِلْم الطّريقة والحقيقة مساو.
وأقبل عليه نور الدّين بكلّيته، وأمرني بإنشاء منشور لَهُ بمشيخة الشّام، ورغّبه بالإحسان فِي المُقام، ومن جملة ما أتحفه به عِمامةٌ ذهبيّة نفّذ بها صلاح الدّين من مِصْر، فبُذل لَهُ فِيهَا ألف دينار بزنة ذهبها، فلم يُجِب.
- حرف الميم-
257- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الحِمْيَري، القُرْطُبيّ، المعروف بالأسْتِجِي نزيل مالقة.
سمع: «صحيح الْبُخَارِيّ» من شُرَيْح.
وولي خطابة مالقة.
وكان من أهل الفضل والصّلاح.
ورّخه الأبّار، وقال: ثنا عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الأندرشيّ، وأبو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه.
258- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن مَسْعُود بْن بَشْكُوال.
أخو الحافظ أَبِي القاسم، أَبُو عَبْد اللَّه القُرْطُبيّ.
روى عَن: أبيه، وأبي جَعْفَر البَطْروجي، وأبي الْحَسَن بْن مغيث.
وكان فقيها شروطيّا.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكرَة.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة قبل أخيه.
259- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن شجاع بْن أَحْمَد بن عليّ.
أبو الطيّب اللّفتوانيّ، الأصبهانيّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(40/244)
سمع: أباه أَبَا بَكْر، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثّقفيّ، وفاطمة الجوزدانيّة، وجماعة.
وطلب بنفسه، وكتب، وقرأ.
تُوُفي فِي صَفَر.
260- المبارك بْن عليّ بْن مُحَمَّد بن خَلَف [1] .
أَبُو الفائز البردانيّ، الدّلّال فِي الدّور.
سمع: أَبَا الغنائم النّرسيّ، ومحمد بن الحسن بن البنّاء، وأبا طَالِب بْن يوسف.
روى عَنْهُ: أَبُو بَكْر الحازميّ، وابن الأخضر، وآخرون [2] .
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة وَلَهُ سبْعٌ وسبعون سنة. وقيل: إحدى وثمانون سنة [3] .
- حرف الهاء-
261- هاشم بْن أحمد بن عبد الواحد بن هاشم [4] .
أَبُو طاهر الحلبيّ، الخطيب. شَيْخ زَاهِد خيّر بارع فِي العربيّة.
كتب عَنْهُ: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ، والخطيب يونس بْن مُحَمَّد الفارقيّ.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة.
وروى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وقال: كان خطيب حَلَب، جامعا لفنونٍ شتّى.
وقال ابْن النّجّار: أديب، بليغ، فصيح، لَهُ تصانيف وخُطَب، وَلَهُ كِتَاب «التّنبيه عَن اللّحن الخفيّ» . قرأ عَلَيْهِ حمزة بن القبّيطيّ.
عاش ثلاثا وثمانين سنة.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 172 رقم 1140.
[2] وقال ابن الدبيثي: أجاز لي ورأيته.
[3] ولد سنة 500 هـ.
[4] انظر عن (هاشم بن أحمد) في: الوافي بالوفيات (مخطوط) 27/ 88، والأعلام 9/ 46، ومعجم المؤلفين 13/ 131.(40/245)
262- هبة اللَّه بن المبارك بْن بكري الحريميّ [1] .
من بيت رواية.
سمع: أَبَا الْحَسَن الدَّينَوَرِيّ، وابن الحُصَيْن، أخذ عَنْهُ ابْن مَشقْ، وغيره.
وتُوُفي فِي شوّال.
وروى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب بْن برغش، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر الغزّال.
263- هبة اللَّه بْن أَبِي الكرم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مَخْلَد [2] .
أَبُو الْعَبَّاس بْن الْجَلَخْت الواسطيّ، المعدّل.
ثقة، صحيح السّماع، من بيت رواية وعدالة.
وُلِد سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
وسمع: أَبَا نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماريّ، وأبا نُعَيْم مُحَمَّد بْن زبزب، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن السّواديّ.
وسمع ببغداد من: هبة اللَّه بْن الْبُخَارِيّ، وأَبَا بَكْر القاضي.
وروى الكثيرَ.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله بن الدّبيثيّ وترجمه، وقال: تُوُفي فِي رجب.
- حرف الياء-
264- يَحْيَى بْن عليّ بْن يحيى بْن العافية.
المؤذّن أبو زكريّا الدّمشقيّ، المقري.
سمع من: جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن.
كتب عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: تُوُفي في ربيع الأوّل.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 227 رقم 1297.
[2] انظر عن (هبة الله بن أبي الكرم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 228 رقم 1298.(40/246)
الكنى
265- أَبُو الفَهْم بْن فتيان بْن حيدرة.
الْبجَلي، الدّمشقيّ ابْن الكاتب.
زاهد عابد ورع.
روى عَن: جمال الْإِسْلَام.
وعنه: ابْن صَصْرَى.
وَفِيهَا وُلد: أَبُو البيان بْن سعد اللَّه بْن راهب الحمويّ بحماه، وشمس الدّين إِسْحَاق ابْن بلكوَيْه، وأبو الفتح عَبْد الهادي بْن عَبْد الكريم القَيْسي، وعبد العزيز بْن عَبْد الوهّاب الكَفَرْطابي، وعماد الدّين بْن الحَرَسْتانيّ، وكمال الدّين أَحْمَد بْن نعمة بنابلس.(40/247)
سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
266- أَحْمَد بْن أَبِي الْحَسَن بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن حازم بْن عليّ بْن رفاعة [1] .
الزّاهد الكبير، سلطان العارفين فِي زمانه أَبُو الْعَبَّاس الرّفاعيّ، المغربيّ رضي اللَّه عنه.
قدِم أَبُوهُ العراقَ وسكن البطائح بقرية اسمها أمّ عَبِيدةَ، فتزوّج بأخت الشَّيْخ منصور الزّاهد، ورُزِق منها أولادا منهم الشَّيْخ أَحْمَد بْن الرفاعيّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وكان أَبُو الْحَسَن مُقرِئًا يؤمّ بالشّيخ منصور، فمات وزوجته حامل
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أبي الحسن بن علي) في: الكامل في التاريخ 11/ 492، ووفيات الأعيان 1/ 171، ومرآة الزمان 8/ 370، 371، والمختصر في أخبار البشر 3/ 65، 66، ودول الإسلام 2/ 90، وسير أعلام النبلاء 21/ 77- 80 رقم 28، والعبر 4/ 233، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1884، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، والبداية والنهاية 12/ 312، ومرآة الجنان 3/ 409- 412، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 40، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 30 أ، والوافي بالوفيات 7/ 219، رقم 3177، ومختصر تاريخ ابن الساعي 112، والعسجد المسبوك 2/ 187، والنجوم الزاهرة 6/ 92، وتاريخ ابن سباط 1/ 163، وشذرات الذهب 4/ 259- 262، وطبقات الأولياء لابن الملقّن 93- 101 رقم 22، وتاريخ الخلفاء 457، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 224، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 164، والكواكب الدريّة في تراجم السادة الصوفية للمناوي 2/ 75، وذيل تاريخ الأدب العربيّ لبروكلمان 1/ 87، ومعجم المطبوعات العربية والمعرّبة 947، 948، والأعلام 1/ 169، ومعجم المؤلفين 2/ 25، وديوان الإسلام 2/ 331 رقم 995.(40/248)
بالشّيخ أَحْمَد، فربّاه خاله منصور، فقيل إنّه ولد في أوّل المحرّم سنة خمسمائة.
ويُروى عَن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيّديّ أَحْمَد بْن الرفاعيّ فِي المجلس، فقال لأصحابه: إي سادة، أقسمتُ عليكم بالعزيز سبحانه، مَن كان يعلم فِي عَيْبًا [1] يقوله.
فقام الشَّيْخ عُمَر الفاروقيّ وقال: إي سيّديّ، أنا أعلم فيك عيبا.
فقال: يا شَيْخ عُمَر، قله [2] لي.
قال: إي سيّدي عَيبك نَحْنُ الّذين مثلنا فِي أصحابك.
فبكى الشَّيْخ والفقراء وقال: أي عُمَر، إنْ سَلِم المركبُ حمل من فيه في التّعدية.
وقيل إنْ هرّة نامت على كُم الشَّيْخ أَحْمَد، وجاء وقت الصّلاة، فقصّ كُمه، ولم يزعجْها، وعاد من الصّلاة فوجدها قد فاقت، فوصل الكُم بالثّوب وخيّطه وقال: ما تغيّر شيء.
وعن يعقوب بْن كِراز، وكان يؤذّن فِي المنارة ويُصلي بالشّيخ، قَالَ:
دخلت على سيّديّ أَحْمَد فِي يوم باردٍ، وقد تَوضأ ويده ممدودة، فبقي زمانا لَا يُحرك يده، فتقدمتُ وجئت أقبّلها فقال: أيّ يعقوب، شوشْتَ، على هذه الضّعيفة.
قلت: من هِيَ؟
قال: بَعُوضة كانت تأكل رزقها من يدي، فهربتْ منك.
قال: ورأيته مرّة يتكلّم ويقول: يا مُباركة ما علمت بك، أبعدتك عَن وطنك. فَنظَرتُ فإذا جرادةٌ تعلّقت بثوبه، وهو يعتذر إليها رحمة لها.
وعنه قَالَ: سلكت كلّ الطُرُق الموصلة، فما رَأَيْت أقرب وَلَا أسهل ولا
__________
[1] في الأصل: «عيب» .
[2] في الأصل: «قوله لي» .(40/249)
أصحّ من الافتقار، والذّلّ، والإنكسار. فقيل لَهُ: يا سيّدي، فكيف يكون؟
قَالَ: تعظّم أمرَ اللَّه، وتُشْفِق على خلْق اللَّه، وتقتدي بسنّة سيّدك رسول اللَّه.
وورد أنّه كان فقيها، شافعيّ المذهب.
وعن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيّدي أَحْمَد إذا قدِم من سَفَرٍ شمَّرَ، وجمع الحَطَب، ثمّ يحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين، فكان الفقراء يوافقونه ويحتطبون معه. وربّما كان يملأ الماء للأرامل ويُؤثرهم رَحِمَهُ اللَّهُ.
قيل لَهُ: أي منصور أطلب. فقال: أصحابي. فقال رَجُل لسيّدي أَحْمَد:
يا سيّدي وأنت أيش؟ فبكى فقال: أي فقير، ومَن أَنَا فِي البَيْن، ثَبت نَسَب وأطْلُب ميراث [1] .
فقلت: يا سيّدي أقسم عليك بالعزيز أيْش أنت؟
قال: أي يعقوب، لمّا اجتمع القوم وطلب كلّ واحدٍ شيئا [2] دارت النّوبة إلى هذا اللّاشيء أَحْمَد وقيل: أيْ أَحْمَد أطلُبْ. قُلْت: أيْ ربّ عِلْمُكَ محيط بطلبي. فكرّر عليّ القول، قُلْت: أي مولاي، أريد أن لَا أريد، وأختار أن لَا يكون لي اختيار. فأجابني، وصار الأمر لَهُ وعليه. أيْ يعقوب، مَن يختاره العزيز يُحببه إلى هذه البُقْعة.
وعن يعقوب قَالَ: مرَّ سيّديّ على دار الطّعام، فرأى الكلاب يأكلون التّمر من القوصرَّة، وهم يتجارشون، فوقف على الباب لئلّا يدخل إليهم أحد يؤذيهم، وهو يقول: إي مُبارَكين اصطلحوا وكُلُوا، وإلّا يدروا بكم منعوكم.
ورأى فقيرا يقتل قملة فقال: لَا واخَذَكَ اللَّه، شفيتَ غيظك؟
وعن يعقوب، قَالَ لي سيّديّ أَحْمَد: يا يعقوب، لو أنّ عن يميني خمسمائة يروّحوني بمراوح النّدّ والطّيب، وهم من أقرب النّاس إليّ، وعن يساري مثلهم من أبغض النّاس إليّ، معهم مقاريض يقرضون بها لحمي، ما
__________
[1] العبارة هكذا في الأصل.
[2] في الأصل: «شيء» .(40/250)
زاد هؤلاء عندي، وَلَا نقص هؤلاء عندي بما فعلوه. ثمّ قرأ: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ 57: 23 [1] .
وكان سيّدي أَحْمَد إذا حضر بين يديه تَمْرٌ أو رُطَبٌ ينقّي الشّيص والحشف لنفسه يأكله ويقول: أَنَا أحقّ بالدُّون من غيري، فإنّي مثله دون.
وكان لَا يجمع بين لبس قميصين لَا فِي شتاء وَلَا فِي صيف، وَلَا يأكل إلَّا بعد يومين ثلاثة أكلة. وإذا غَسَلَ ثوبه نزل فِي الشّطّ كما هُوَ قائم يفركه، ثمّ يقف فِي الشّمس حتّى ينشف.
وإذا ورد عَلَيْهِ ضيفٌ يدور على بيوت أصحابه يجمع الطّعام فِي مِئزِر.
وأحضر ابْن الصّيرفيّ وهو مريض ليدعو لَهُ الشَّيْخ ومعه خَدَمه وحَشَمه، فبقي أيّاما لم يكلّمه، فقال يعقوب بْن كِراز: أيْ سيّدي ما تدعو لهذا المريض.
فقال: أيْ يعقوب، وعِزَّةِ العزيزِ لأحمد كلّ يوم عَلَيْهِ مائة حاجةٍ مَقْضيّه، وما سألتموه [2] منها حاجة واحدة.
فقلت: أي سيّدي فتكون واحدة لهذا المريض المسكين.
فقال: لَا كرامة ولا عزازة، تريدني أكون سيّئ الأدب. لي إرادة وَلَهُ إرادة.
ثمّ قرأ: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ 7: 54 [3] أيْ يعقوب، الرجل المتمكّن فِي أحواله، إذا سَأَلَ حاجة وقُضِيتَ لَهُ، نقص تمكُنُه درجة.
فقلت: أراكَ تدعو عقيب الصَّلَوات وكلّ وقت. قَالَ: ذاك الدّعاء تعبُّد وامتثال. ودعاء الحاجات لها شروط، وهو غير هذا الدّعاء.
ثمّ بعد يومين تعافى ذلك المريض.
__________
[1] سورة الحديد، الآية 23.
[2] في الأصل: «وما سألتوه» .
[3] سورة الأعراف، الآية 54.(40/251)
وعن يعقوب أنّه سَأَلَ الشَّيْخ أَحْمَد: أيْ سيّدي، لو كانت جهنَّمُ لَكَ ما كنت تصنع بها؟ تُعَذبُ بها أحدا؟ [1] فقال: لَا وعِزتِهِ، ما كنت أدخل إليها أحدا. فقال: أي شَيْخ، فأنت تقول إنّك أكرم ممّن خلقها لينتقم بها ممّن عصاه. فزعق وسقط على وجهه زمانا، ثمّ أفاق وهو يقول: من هُوَ أَحْمَد فِي البَيْن؟ يكرّرها مرّات.
وقال: أيْ يعقوب، المالك يتصرّف سبحانه.
وعن يعقوب أنّ الشَّيْخ أَحْمَد كان لَا يقوم لأحد من أبناء الدُّنيا، ويقول: النّظر إلى وجوههم يُقسي القلب.
وعن الشَّيْخ يعقوب، وسُئل عَن أوراد سيّدي أَحْمَد، فقال: كان يُصلي أربع رَكْعاتٍ بألْف قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 [2] . ويستغفر اللَّه كلّ يوم ألف مرةٍ، واستغفارُه أن يقول: لَا إله إلَّا أنت سبحانك إنّي كنتُ من الظّالمين، عملت سوءا، وظلمت نفسي، وأسرفت فِي أمري، وَلَا يغفر الذّنوب إلَّا أنت، فاغفِرْ لي، وتُبْ عليَّ، إنّك أنت التوابُ الرَّحيم. يا حيُّ يا قَيومُ، لَا إله إلَّا أنت.
وذكر غير ذلك.
وكان يترنّم بهذا البيت:
إن كان لي عند سُلَيْمى قَبُولُ ... فلا أبالي ما يقول العَذُولُ
وكان يقول:
ومستخبر عَن سِرِّ ليلى تركته ... بعَمْياء من ليلى بغير يقين
يقولون: خبّرْنا، فأنت أمينُها ... وما أَنَا إنْ خبّرتهم بأمين
ويقول:
أرى رجالا بدون العَيش قد قنعوا ... وما أراهم رضوا الدّنيا على الديِن
__________
[1] في الأصل: «أحد» .
[2] أول سورة الإخلاص.(40/252)
إذا رَأَيْت ملوكَ الأرض أجمعها ... بلا مِراءٍ وَلَا شكٍ وَلَا ميْنِ
وقيل هُوَ فوقهم فِي النّاس مرتبة ... فقُلْ نَعَم مَلِكٌ فِي زِي مسكينِ
ذاك الَّذِي حَسُنِت فِي النّاس سِيرتُهُ ... وصار يصلُحُ للدّنيا وللدّين
ويقول:
أغارُ عليها من أبيها وأمّها ... ومِن كلّ مَن يرنو إليها وينظُرُ
وأحْذَرُ من حدّ المرآة بكَفها ... إذا نظرت منك الَّذِي أَنَا أنظرُ
ومنه:
إذا تذكرتُ من أنتم وكيف أَنَا ... أجللت ذِكْركم يجري على بالي
ولو شريت بروحي ساعة سَلَفَتْ ... من عيشتي معكم ما كان بالغالي
وكان كثير التّعظيم لخاله سيّدي الشَّيْخ منصور، ويقول للفقراء: إذا قبّلتم عَتَبة الشَّيْخ منصور، فإنّما تقبّلون يده. ويقول: أَنَا ملّاح لسفينة الشَّيْخ منصور، فاسألوا ربّنا به فِي حوائجكم.
وكان يقول: إلى أن يُنْفَخُ فِي الصُّور لَا يأتي مثل طريق الشَّيْخ منصور.
وعن ابْن كِراز: سمعت يوسف بْن صُقَيْر المحدّث يقول: كُنَّا فِي قريةٍ الصّريّة مع سيّدي أَحْمَد، وقد غنّى ابْن هديّة:
لو يسمعون كما سمعت حديثَها ... خرّوا لعِزّه ركّعا وسُجُودا
فقام سيّدي وتواجد، وردّد البيت، ولم يَزَلْ حتّى كادت قلوب الفقراء تنفطر. وكان ذلك فِي بدايته بعد موت الشَّيْخ منصور. ولمّا كان فِي النهاية بقي سبع سِنين لَا يسمع الحادي وهو قريب منه حتّى تُوُفي.
وعنه قَالَ: ذكر الشَّيْخ جمال الدّين أبو الفرج بن الجوزيّ أنّ سبب وفاة سيّدي أَحْمَد أبيات أنشِدت بين يديه، تواجَدَ عند سماعها تواجُدًا كان سبب مرضه الَّذِي مات فِيهِ. وكان المنشد لها الشَّيْخ عَبْد الغنيّ بْن نُقْطَة حين زاره، وهي:
إذا جنّ ليلي هام قلبي بذِكركمْ ... أنوحُ كما ناح الحمامُ المطوقُ(40/253)
وفوقي سَحَابٌ يمطِرُ الهمّ والأسى ... وتحتي بحارٌ بالدّموع [1] تدفّقُ
سلوا أمّ عَمْروٍ كيف بات أسيرها ... تُفَكُّ الأسارى دونه وهو موثقُ
فلا أَنَا [2] مقتولٌ ففي القتلِ راحةٌ ... وَلَا أَنَا ممنونٌ عليّ فأعتَقُ
[3] قال: وتُوُفي يوم الخميس ثاني عشر جُمادى الأولى سنة ثمانٍ وسبعين.
وعن يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيّدي أَحْمَد والفقراء فِي نهر وليد فقال: لَا إله إلَّا اللَّه، قد حان أوان هذا المجلس، فليُعلم الحاضرُ الغائبَ أنْ أَحْمَد يقول، وأنتم تسمعون: مَن خَلا بامرأةٍ أجنبيّة، فأنا منه بريء، وسيّدي الشَّيْخ منصور منه بريء، وسيّدي المصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه بريء، وربّنا سبحانه منه بريء، ومن خلا بأمْرَدٍ فَكذلك، ومن نكث البَيْعة فإنّما ينكث على نفسه. ثمّ قام من مجلسه.
وبعد شهر عَبَر إلى اللَّه، ودُفن فِي قبّة الشَّيْخ يحيى النّجّار.
وحكى الشَّيْخ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي طَالِب الصّوفيّ أنّه سمع جدّه عفيف الدّين أَبَا طَالِب يقول: سمعت الشَّيْخ عَبْد الرَّحْمَن شَمْلَة يقول: سمعت سيّدي عليّ يقول: لمّا حَضَرَت الوفاةُ سيّدي أحمدَ قبْلها بأيّام قُلْت: أيْ سيّدي، ما نقول بعدك، وأيش تورّثنا؟
فقال: أيْ عليّ، قُلْ عنّي إنّه ما نام ليلة إلَّا وكلُّ الخَلْق أفضل منه، وَلَا حرد قطّ، وَلَا رأى لنفسه قيمة قطّ. وأمّا ما أورثه فيا ولدي تشهد أنّ لي مال حتّى أورثكم؟! إنّما أورثكم قلوبَ الخَلْق.
فلمّا سمعت من سيّدي خرجت إلى الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز فأخبرته، فقال: لك حَسبٌ، أو لذرّيتك معك؟ فعدت إلى سيدي فقلت لَهُ فقال: لك
__________
[1] في الوافي: «بحار للأسى» .
[2] في الوافي: «فلا هو» .
[3] في الوافي: «عليه فيطلّق» . (7/ 219) .(40/254)
ولذُريتك إلى يوم القيامة، البَيْعة عامّة، والنّعمة تامّة، والضّمين ثقة، هِيَ اليوم مشيخة وإلى يوم القيامة مملكة بمشيخة.
نقلت أكثر ما هنا عَن يعقوب من كِتَاب «مناقب ابْن الرفاعيّ» رضي اللَّه عنه. جمع الشَّيْخ محيي الدّين أَحْمَد بْن سُلَيْمَان الهماميّ، الحسينيّ، الرفاعيّ، شَيْخ الرّواق المعمور بالهلاليّة، بظاهر القاهرة، سمعه منه الشَّيْخ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر ابْن الشَّيْخ أَبُو طَالِب الْأَنْصَارِيّ، الرفاعيّ، الدّمشقيّ، ويُعرف بشيخ حِطين، بالقاهرة فِي سنة ثمانين وستّمائة. وقد كتبه عَنْهُ مناولة وإجازة المولى شمسُ الدّين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجزريّ، وأودعه تاريخه في سنة خمس وسبعمائة، فأوّله قَالَ: ذِكر ولادته. ثمّ قَالَ:
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز، وأكثر الكتاب عَن الشَّيْخ يعقوب، وهو نحو من أربعة كراريس. وهو ثمانية فصول فِي مقاماته وكراماته، وغير ذلك. وهي بلا إسناد، وقع الاختيار منها على هذا القَدَر الَّذِي هنا.
وتُوُفي الشَّيْخ ولم يُعْقِب. وإنّما المشيخة فِي أولاد أخيه.
قال القاضي ابْن خَلكان [1] : كان رجلا صالحا، شافعيا، فقيها، انضمّ إليه خلْقٌ من الفقراء، وأحسنوا فِيهِ الاعتقاد، وهم الطّائفة الرفاعيّة، ويُقال لهم الأحمديّة. ويقال لهم البطائحيّة. ولهم أحوالٌ عجيبة من أكل الحَيات حيّة، والنّزول إلى التّنانير وهي تُضْرَم نارا، والدّخول إلى الأفْرِنَة، وينام الواحدُ منهم فِي جانب الفُرن والخبّاز يخبز فِي الجانب الآخر. وتُوقد لهم النّار العظيمة، ويُقام السّماع، فيرقصون عليها إلى أن تنطفئ. ويُقال إنّهم فِي بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه. ولهم أوقات معلومة يجتمع عندهم من الفقراء عالم لَا يُحْصَوْن ويقومون بكفاية الجميع.
والبطائح عدَّة قرى مجتمعة فِي وسط الماء بين واسط والبصرة.
__________
[1] في وفيات الأعيان.(40/255)
- أَحْمَد بْن المسلم.
سيأتي [1] .
- حرف الحاء-
267- الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المعمّر.
أَبُو جَعْفَر البغداديّ.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان.
وعنه: نسيبه أَبُو طَالِب عليّ بْن جَعْفَر.
مات فِي صَفَر.
قاله ابْن النّجّار.
268- الْحَسَن بْن عليّ بْن الْحُسَيْن بْن شِيرُويْه [2] .
أَبُو علي الدَّيْلمي الأصل، الأزجيّ.
سمع: أَبَا الغنائم مُحَمَّد بْن عليّ النرْسي.
روى عَنْهُ: أَحْمَد وتميم ابنا البَنْدَنِيجي، ونصر بْن الحُصْري، وأبو الحسن بن المُقَير، وجماعة.
وتُوُفي فِي وسط السّنة.
269- الْحَسَن بن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن علي بْن المطّلب [3] .
__________
[1] بعد قليل باسم خليفة بْن المسلم بْن رجاء أَبُو طَالِب التنوخي الاسكندراني، ويعرف بأحمد اللّخمي. وهو برقم (272) .
[2] انظر عن (الحسن بن علي) في: سير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة.
[3] انظر عن (الحسن بن هبة الله) في: الكامل في التاريخ 11/ 491، 492، وفيه «أبو المظفّر بن الحسن بن هبة الله بن المطّلب» ، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 20، والتاريخ المظفري لابن أبي الدم الحموي (مخطوطة مكتبة البلدية بالإسكندرية 1292 ب) ورقة 209، ومرآة الزمان 8/ 237، والمختصر المحتاج إليه 2/ 26، 27 رقم 597، وسير أعلام النبلاء 21/ 97، 98 رقم 45، وتلخيص مجمع الآداب ج 4/ رقم 2063، والوافي بالوفيات 12/ 291 رقم 262، والعسجد المسبوك 2/ 187 وفيه «أبو المظفر بن الحسن بن هبة الله بن المطلب» .(40/256)
فخر الدّولة أَبُو المظفّر ابْن الوزير أَبِي [1] المعالي.
كان متصوّنا متزهّدا كثير الحجّ والصدَقات والأوقاف، كبير الشّأن، وافر الحُرْمة. لَهُ جامع كبير بغربيّ بغداد.
له مدرسة بشرقيّ بغداد ورباط، ولم يدخل فِي الولايات.
سمع: أَبَا الْحَسَن العلّاف، وقرأ الأدب على أَبِي بَكْر بْن جُوامرد.
وامتنع فِي كِبَره من الرواية.
وقد سمع منه: أَبُو سعد السمعاني، وأحمد بن صالح الجيليّ، والكبار.
وتُوُفي فِي شوّال.
- حرف الخاء-
270- الخضِر بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن طاوس [2] .
أَبُو طَالِب الدمشقي.
قرأ القرآن على أبي الوحش سبيع بْن قيراط صاحب أَبِي عليّ الأهوازيّ، وهو آخر من قرأ فِي الدّنيا عَلَيْهِ، وآخر من سمع من الشّريف أَبِي القاسم النّسيب، وأبي الْحَسَن عليّ بْن طاهر.
ومولده فِي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وكان أبوه وجده من كبار المقرءين.
روى عنه: أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أَبُو القاسم.
وقال أَبُو القاسم: تُوُفي فِي ثامن شوّال.
وروى عَنْهُ أَيْضًا: موفّق الدّين بْن قُدَامة، والشّمس والضّياء ابنا عَبْد الواحد، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وزين الأمَناء، وطائفة سواهم، وأحمد بن
__________
[1] في الأصل: «أبو» .
[2] انظر عن (الخضر بن هبة الله) في: المعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1885، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة، والعبر 4/ 233، 234، والوافي بالوفيات 13/ 328 رقم 407، وشذرات الذهب 4/ 261، والدارس في تاريخ المدارس 2/ 91، 95.(40/257)
الْحَسَن بْن ريش، والعزّ النّسّابة، وإبراهيم بْن الخُشُوعي.
271- خَلَف بْن عَبْد الملك بْن مَسْعُود بْن مُوسَى بْن بشْكُوال بْن يوسف بْن داحة [1] .
أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ، المحدّث. حافظ الأندلس فِي عصره ومؤرّخها ومُسندها.
وُلِد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وسمع: أباه، وأبا مُحَمَّد بْن عتّاب فأكثر، وأبا بحر بن العاص، وأبا الوليد بن رُشد، وأبا الوليد بْن طريف، وأبا القاسم بْن بَقِي، وخلْقًا.
ورحل إلى إشبيلية فسمع: شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبا بَكْر بْن العربيّ.
وأجاز لَهُ: عليّ بْن سُكَّرَة، وأبو القاسم بْن منظور، وطائفة.
ومن العراق: أَبُو المظفّر هبة الله الشّلبيّ بأخرة.
__________
[1] انظر عن (خلف بن عبد الملك) في: معجم شيوخ الصدفي لابن الأبّار (طبعة مدريد 1885) ص 82، وتكملة الصلة، له، 1/ 304، رقم 831، ووفيات الأعيان 2/ 240، وفهرست ابن خير 502، 511، والوفيات لابن قنفذ 290 رقم 578، ومستفاد الرحلة والاغتراب للتجيبي السبتي 65، 66، 81، 183، 223، 228، 269، 286، 316، 345، 449، والمختصر في أخبار البشر 3/ 66، والعبر 4/ 234، وتذكرة الحفاظ 4/ 1239، والمعين في طبقات المحدّثين 177 و 1886، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 139- 143 رقم 71، ودول الإسلام 2/ 90، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، ومرآة الجنان 3/ 412، 413، والوفيات لابن قنفذ 290 رقم 578، والوافي بالوفيات 13/ 369، 370 رقم 463، والبداية والنهاية 12/ 312، والديباج المذهب 114، وفيه وردت وفاته سنة 598 هـ.، وذيل التقييد 1/ 522، 523 رقم 1021، وطبقات الحفاظ 479، وتاريخ الخلفاء 457، وعقد الجمان (مخطوط) 16/ ورقة 650، وتاريخ ابن سباط 1/ 163، 164، وشذرات الذهب 4/ 261، 262، وملء العيبة للفهري (انظر فهرس الأعلام) 2/ 497، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسّرين 84 رقم 1062، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 97، 98، وكشف الظنون 285، 286، 1674، 1707، وهدية العارفين 1/ 349، والرسالة المستطرفة 95، وشجرة النور الزكية 154، 155، ودائرة معارف البستاني 2/ 365، والأعلام 2/ 311، ومعجم المؤلفين 6/ 105، وديوان الإسلام 1/ 351، 352 رقم 550 وانظر مقدّمة كتاب «الصلة» طبعة مصر 1966.(40/258)
وله مُعْجَم مفيد.
قال أَبُو عَبْد اللَّه الأبّار [1] : كان متّسع الرّواية، شديد العناية بها، عارفا بوجوهها، حجّة، مُقدمًا على أهل وقته، حافظا، حافلا، إخباريّا، تاريخيا، ذاكرا لأخبار الأندلس القديمة والحديث. سمع العالي والنّازل. وأسند عَن شيوخه نيّفا وأربعمائة كِتَاب بين صغيرٍ وكبير. ورحل إليه النّاس وأخذوا عَنْهُ.
وثنا عَنْهُ جماعة، ووصفوه بصلاح الدّخلة، وسلامة الباطن وصحّة التّواضع، وصِدق الصّبر للطّلبة، وطول الاحتمال: وألفَ خمسين تأليفا فِي أنواع العِلم. ووُلي بإشبيليّة قضاءَ بعض جهاتها لأبي بَكْر بْن العربيّ. وعقد الشّروط، ثمّ اقتصر على إسماع العِلم وعلى هذه الصّناعة، وهي كانت بضاعته. والرّواة عَنْهُ لَا يُحْصون، منهم: أَبُو بَكْر بْن خير، وأبو القاسم القنْطري، وأبو القاسم بْن سَمْحُون، وأبو الْحَسَن بْن الضّحّاك. وكلّهم مات قبله.
وصنّف كِتَاب «الصّلة» فِي علماء الأندلس، وَصَلَ به «تاريخ ابْن الفَرَضي» . وقد حمله عَنْهُ شيخه أَبُو الْعَبَّاس بْن العريف الزّاهد.
قلت: وَلَهُ «كِتَاب الحكايات المستغربة» مجلّد، و «غوامض الأسماء المبهمة» عشرة أجزاء، و «كتاب معرفة العلماء الأفاضل» أحد وعشرون جزءا، و «طرق حديث المِغْفَر» ثلاثة أجزاء، «القربة إلى اللَّه بالصّلاة على نبيّه» جزء كبير، «من رَوَى الموطّأ عَن مالك» فِي جزءين، «اختصار تاريخ أَبِي بَكْر القشّي» فِي تسعة أجزاء، «أخبار سُفْيان بْن عُيَيْنَة» جزء كبير، «أخبار ابْن المبارك» جزءان، «أخبار الأعمش» ثلاثة أجزاء، «أخبار النّسائيّ» جزء، «أخبار زيادة شبطون» جزء، «أخبار المُحَاسبي» جزء، «أخبار أَبِي القاسم» جزء، «أخبار إِسْمَاعِيل القاضي» جزء، «أخبار ابْن وهْب» جزء، «أخبار أَبِي المطرّف عبد الرحمن بن مرزوق القنازعيّ» جزء، «قضاة قرطبة» ثلاثة أجزاء،
__________
[1] في تكملة الصلة.(40/259)
«المسلسلات» جزء، «طُرق من كذَب عليّ» جزء إلى غير ذلك.
وممّن رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رُشْد، وأحمد بْن عَبْد المجيد المالِقي، وأحمد بْن مُحَمَّد الأصلع، وأبو القاسم أَحْمَد بْن يزيد بْن بَقِي، وأحمد بْن عيّاش المُرْسي، وأحمد بْن أَبِي حُجة القيْسي، وثابت بْن مُحَمَّد الكَلاعي، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن صلتان، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن الصّفّار القُرْطُبيّ، وموسى بْن عَبْد الرَّحْمَن الغَرْناطي، وأبو الخطّاب عُمَر بْن دِحْيَة، وأخوه عثمان بْن دِحْيَة.
وبالإجازة: أَبُو الفضل جَعْفَر بْن عليّ الهَمَذَانيّ، وأبو القاسم سِبْط السلَفي، وآخرون.
قال الأبّار [1] : تُوُفي فِي ثامن رَمَضَان. ودُفن بقرب قبر يحيى بْن يحيى اللّيثيّ وَلَهُ أربعٌ وثمانون سنة.
272- خليفة بْن المسلم بْن رجاء [2] .
أَبُو طَالِب التنوخي، الاسكندراني، ويُعرف بأحمد اللّخميّ.
قال أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل الحافظ: غلب عَلَيْهِ أَحْمَد.
سمع: أَبَا عَبْد اللَّه الرّازيّ، وأَبَا بَكْر الطرطُوشي، وعبد المُعْطي بْن مسافر.
وكان عارفا بالفقه والأصول، ماهرا فِي عِلم الكلام وفيه لِينٌ فيما يرويه، إلَّا أَنَا لم نسمع منه إلَّا من أصوله.
توفّي في رمضان [3] .
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (خليفة بن المسلم) في: الوافي بالوفيات 13/ 383 رقم 485، ولسان الميزان 2/ 408 رقم 1678، والمقفى الكبير 1/ 663، 664 رقم 635 وفيه: «أحمد بن مسلم بن رجاء بن جامع بن منصور بن الحسين بن زياد بن المطهّر.. ويسمّى أيضا خليفة» .
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في: سير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة.
[3] وكان مولده بالإسكندرية سنة 494 هـ.(40/260)
قلت: وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن رواحة، وعبد الوهّاب بْن روّاج، وأبو عليّ الأوقي، وبنا بْن هجّام [1] .
273- (......) [2] .
العبد الصّالح.
تُوُفي بالقاهرة، فِي ذي القعدة.
- حرف العين-
274- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر [3] .
الخطيب أَبُو الفضل بْن أَبِي نصر الطّوسيّ، ثمّ البغداديّ، نزيل المَوْصِل وخطيبها.
وُلِد فِي صفر سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
وسمع حضورا من: طراد الزَّيْنَبي، وأبي عَبْد اللَّه بْن طلحة النّعاليّ، وطائفة.
وسمع من: ابْن البَطِر، والطُرَيثيثي، وأحمد بْن عَبْد القادر، وأبي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام، وجعفر السّرّاج، وأبي الخطّاب بْن الجرّاح، وأبي غالب الباقِلَاني، وأبي الْحَسَن بْن أيّوب البزّار، ومنصور بن حيد،
__________
[1] وقال المقريزي: وسير رسولا إلى ملك الروم لأنه لم يوجد في ذلك الزمان أكفى منه.
ومن شعره قوله:
خير المعارف من كفاني شرّه ... في ذا الزمان، وبتّ منه سالما
لا أبتغي ربحا وذلك بغيتي ... وأكون في طلب الفوائد ظالما
ومتى طلبت كمن مضى في ودّهم ... مع رفدهم أكون غمرا حالما
[2] في الأصل بياض، ولم أتبيّن اسم صاحب الترجمة.
[3] انظر عن (عَبْد اللَّه بن أَحْمَد بن مُحَمَّد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 131، 132 رقم 759، وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 284، ودول الإسلام 2/ 90، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1887، وتذكرة الحفاظ 4/ 1341، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 87- 89 رقم 35، والعبر 4/ 234، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 119، 120 رقم 814، والوافي بالوفيات 17/ 36، 37 رقم 29، ومرآة الجنان 3/ 413، والنجوم الزاهرة 6/ 94، والعسجد المسبوك 2/ 188، وشذرات الذهب 4/ 262.(40/261)
والحسين بْن البُسْري وأبي منصور الحنّاط، وجماعة.
وتفرّد بالرّواية عَن أكثرهم. وكان فِي نفسه ثقة.
وكان أَبُو بَكْر الخازميّ إذا رَوَى عَنْهُ قَالَ: أَنَا أَبُو الفضل من أصله العتيق، يقول ذلك احترازا ممّا زوّر لَهُ وغيّره مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق اليُوسُفي.
لكنّ لمّا بيّن المحدّثون ذلك للخطيب أَبِي الفضل رجع عن روايته. ثمّ خرّج لنفسه المشيخة المشهورة من أصوله.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السّمعانيّ. وعبد القادر الرّهاويّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والقاضي أَبُو المحاسن يوسف بْن شدّاد، وأبو الْحَسَن عليّ بْن الأثير، وأبو البقاء يعيش النّحويّ، وعبد الكريم بْن عَبْد الرَّحْمَن التُرابي، وأبو الخير إياس الشَّهْرزُوري، وإبراهيم بْن يوسف بْن خنّة [1] الكُتُبي المَوْصِلي، وآخرون.
قال الشَّيْخ الموفّق: كان شيخا حَسَنًا. قرأت عَلَيْهِ «المعتقد» لعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حاتم. فكتب فِي آخره سماعي، وكتب: هذا اعتقادي وبه أدين للَّه تعالى. ولم نَرَ منه إلَّا الخير.
وقال ابْن الدّبيثي [2] : أنشدنا لنفسه كتابة:
أقولُ وقد خيّمت بالخيف من منى ... وقرّبت قُرْباني وقَضَّيْتُ أنْسَاكي
وحُرْمةِ بيتِ اللَّه ما أنا بالّذي ... أمَلُكِ مَعَ طولِ الزّمان وأنْسَاك
[3] تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَمَضَان فِي اثنتين وتسعين سنة.
وقال الحافظ ابْن النّجّار فِي تاريخه: ولد ببغداد، وقرأ الفقه والأصول
__________
[1] خنّة: بالخاء المعجمة ونون مشدّدة. هكذا قيدها في الأصل.
[2] في المختصر 2/ 132.
[3] في الأصل: «وأنساكي» ، والتصحيح من: الوافي بالوفيات 17/ 36.
ومن شعره أيضا:
سقى الله أياما لنا ولياليا ... نعمنا بها والعيش إذ ذاك ناضر
ليالي لا أصغي إلى لوم عاذل ... وطرفي إلى أنوار وجهك ناظر(40/262)
على إلِكيا أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن مُحَمَّد الهَرَّاسِيّ، وأبي بَكْر الشّاشيّ.
وقرأ الأدب على: أبي زكريّا التّبريزيّ، وأبي محمد الحريريّ.
وسمع بأصبهان من: أَبِي عليّ الحدّاد، وبَنيْسابور من: أَبِي نصر بْن القُشَيْري، وبترمذ من: أَبِي المظفّر ميمون بْن مُحَمَّد، وبالموصل من: أبيه وعمّه. وولي خطابتها زمانا.
وتفرّد وقصده الرّحّالون. ثنا عَنْهُ: هبة اللَّه بْن باطيش، وعليّ الطّبيب، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بْن القَطِيعي.
275- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن حَمْنيس [1] .
أَبُو مُحَمَّد السّرّاج البغداديّ. وقيل اسمه عُبَيْد اللَّه.
سمع: أَحْمَد بْن المظفّر بْن سوسن، وأَبَا القاسم بْن بيان، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن المختار، وأَبَا الْحَسَن بن العلّاف، وأبا سعد بن خشيش.
قال ابْن الأخضر: كان عاميّا لَا يفهم، وَلَا يُحسن أن يُصلي، وَلَا يقرأ التّحيّات.
قلت: رَوَى عَنْهُ: تميم البَنْدَنِيجي، ونصر بْن الحُصْري، وأبو عَبْد اللَّه بْن الدّبيثيّ، وأبو صالح الجيليّ، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل الطّبّال، وعبد اللطيف بن المبارك النّهروانيّ، وآخرون.
ومات في رجب عَن سنٍ عالية.
276-[عَبْد اللَّه] [2] بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو الخير الرّوميّ، الجوهريّ، مولى جَعْفَر الطّيبيّ.
قال الدّبيثيّ: كان خيّرا حافظا للقرآن. قرأ لأبي عمرو على أبي العزّ
__________
[1] انظر عن (عَبْد اللَّه بن أَحْمَد بن مُحَمَّد) في: العبر 4/ 235، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1888، وشذرات الذهب 4/ 262.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- دون أن يترجم له في: سير أعلام النبلاء 21/ 89.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: المختصر المحتاج إليه 2/ 146 رقم 778.(40/263)
القلانسيّ سنة سبع عشرة وخمسمائة ببغداد. وأقرأ النّاس.
وروى عَن: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن.
277- عَبْد اللَّه بْن يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن فُتُوح [1] .
أَبُو مُحَمَّد الحضرميّ، الدّانيّ، النّحويّ، المعروف بعبدون، وبابن صاحب الصّلاة.
أخذ القراءات عن أبي عبد الله بن سَعِيد الدّانيّ، وقرأ عَلَيْهِ الأدب، وعلى: والده يحيى، وأبي الْحَسَن طاهر.
وحمل عَن: الحافظ أَبِي الوليد بْن خيرة.
وأقرأ النّحو بشاطِبة زِمانًا. ثمّ أدّب بني صاحب بَلَنْسِيَة. وكان مبرّزا فِي العربيّة، مشاركا فِي الفقه وقَوْل الشعر، متواضعا، طيّب الأخلاق.
أخذ عَنْهُ جِله منهم: أَبُو جَعْفَر الذهَبي، وأبو الْحَسَن بْن حريق، وأبو مُحَمَّد بْن نصرون، وأبو الربيع بْن سالم.
وتُوُفي فِي مُسْتَهل رجب ببَلَنْسِية وَلَهُ إحدى وستّون سنة.
278- عَبْد [اللَّه] [2] بْن القاضي أَبِي خازم مُحَمَّد بْن القاضي أَبِي يَعْلَى بْن الفرّاء.
الحنبليّ أخو أَبِي يَعْلَى الصّغير.
سمع: أَبَاهُ، وابن الحُصَيْن، وابن كادش.
وعنه: القطِيعي، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز.
ولد سنة عشر وخمسمائة.
ومات في ذي الحجّة.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن يحيى) في: المقتضب من تحفة القادم 68، 69، وتكملة الصلة 2/ 857، 858 رقم 2066، والوافي بالوفيات 17/ 168- 170 رقم 566، وبغية الوعاة 2/ 65، 66 رقم 1451.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 351- 353 رقم 171.(40/264)
279- ( ... ) [1] بْن عَبْد اللَّه بْن علوان.
أَبُو عَبْد اللَّه الأسَدي، الحلبيّ المجاور بالحجاز، أخو أَبِي مُحَمَّد ابْن الأستاذ.
إمام زاهد عابد. علّق عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: أقام بالحجاز سنين، وكان للمجاورين به راحة.
قدِم علينا سنة ثمانٍ وسبعين، ثمّ سَأَلَ من صلاح الدّين أن يرسل معه من يخفره إلى المدينة، فأرسل معه مَن خفره، فوصل ومرض، فمات فِي شعبان منها.
280- عليّ بْن أنوشتكين [2] .
أَبُو الْحَسَن الجوهريّ.
روى عَن: أَبِي النرْسِيّ.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ، وغيره.
وتُوُفي فِي رجب وقد نيّف على الثّمانين [3] .
281- عليّ بْن الْحُسَيْن [4] .
أَبُو الْحَسَن الأندلسيّ، النّجّار، الزّاهد المعروف بابن سَعْدوك من جزيرة شُقْر.
سكن بَلَنْسِيَة.
قال الأبّار [5] : كان من أهل الزّهد والصّلاح التّام والعِلم، يستظهر كثيرا من «صحيح مُسْلِم» . وتؤثَر عَنْهُ كرامات مشهورة ومقالات عجيبة.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] انظر عن (علي بن أنوشتكين) في: ذيل تاريخ بغداد 3/ 210، 211 رقم 689.
[3] قال ابن النجار: كان يبيع الجوهر، ثم كبر وأسنّ فانقطع في منزله.
[4] انظر عن (علي بن الحسين) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1869، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 205 رقم 406.
[5] في تكملة الصلة.(40/265)
وكان يخبر بأشياء خَفِية لَا تتوانى أن تظهر جليّة.
وكان أمّارا بالمعروف، نهّاء عَن المُنْكَر. يجلس للنّاس ويِعظ.
وكانت العامّة حزبه. ولمّا مات ازدحم الخلْق على نَعشه رَحِمَهُ اللَّهُ.
282- عيسى بْن عِمران.
أَبُو مُوسَى المِكْناسي.
صحِب أَبَا القاسم بْن ورد وأختصَّ به. وكان يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي القاسم بن ورد.
ولقي بأغمات أَبَا مُحَمَّد اللخْمي فسمع منه فِي سنة ثلاثين. وكان من الرّاسخين فِي العِلم، قائما على الأصول والفروع، أديبا شاعرا، خطيبا، مُفَوَّهًا، مدركا، من رجال الكمال.
ولي قضاء مَراكُش فحمدت سيرته.
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وتُوُفي فِي شعبان وَلَهُ ستٌ وستّون سنة.
- حرف الفاء-
283- فرّوخ شاه بْن شاهنشاه بْن أيّوب بْن شاذي [1] .
الملك عزّ الدّين أَبُو سعد، صاحب بَعْلَبَك، ابْن أخي السّلطان صلاح الدّين. كان كثير الصدَقة والتّواضع، ولديه فضيلة في العربيّة والشّعر.
__________
[1] انظر عن (فروخ شاه) في: البرق الشامي 3/ 29، 85، 86، 94، 149، 150، 161، 171، 178 و 5/ 18، 59، 60، 62، 67، 75، والنوادر السلطانية 56، والكامل في التاريخ 11/ 491، والأعلاق الخطيرة 1/ 49، ومفرّج الكروب 2/ 124- 126، ومرآة الزمان 8/ 372، وزبدة الحلب 3/ 27، ووفيات الأعيان 7/ 167، والمختصر في أخبار البشر 3/ 65، والإعلام بوفيات الأعلام 238، والعبر 4/ 233، و 235، ودول الإسلام 2/ 90، وسير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة، والسلوك ج 1/ ق 1/ 79، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، والبداية والنهاية 12/ 311، ومضمار الحقائق 15 و 31، و 104، وتاريخ ابن سباط 1/ 163، والعسجد المسبوك 2/ 187.(40/266)
ناب عَن صلاح الدّين بالشّام، وكان للتّاج الكِنْدي به اختصاص. وقد مدحه هُوَ والعماد الكاتب.
تُوُفي بدمشق فِي جُمادى الأولى، ودُفن بقبتِه. ومدرسته بالشّرف الأعلى [1] .
وولي بَعْلَبَكَّ بعده ابنُه الملك الأمجد.
- حرف القاف-
284- القاسم بْن عُمَر.
الأديب البارع، أَبُو عَبْد اللَّه البغداديّ، المؤدّب، ويُعرف بالخليع، الشّاعر مدح [2] الخلفاء والوزراء.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن القَطِيعي.
وكان من فحول الشّعراء. لَهُ قصيدة طنّانة فِي المستضيء.
مات فِي جُمادى الأولى سنة ثمانٍ، وَلَهُ إحدى وستّون سنة.
- حرف الميم-
285- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن حسين [3] .
__________
[1] وقال سبط ابن الجوزي: كان من الأفاضل الأنابل، كثير الصدقات، متواضعا، سخيّا، جوادا، مقداما، متّصلا من المظالم. وكان صلاح الدين قد استنابه بالشام، وكان فرخ شاه شاعرا فصيحا.
قال العماد: أنشدني في قلعة دمشق ونحن بين يدي صلاح الدين:
إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها ... وتوقع حكم العدل أحسن موقعه
فلا تصنع المعروف مع غير أهله ... فظلمك وضع الشيء في غير موضعه
وقد قال في وصف دمشق:
دمشق سقاك الله صوب غمامة ... فما غائب عنها لدى رشيد
عسى مسعد لي أن أبيت بأرضها ... على أنني لو صحّ لي لسعيد
وله أشعار كثيرة مدوّنة.
[2] في الأصل: «مع» .
[3] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبيد الله) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.(40/267)
أَبُو المفضّل الآمِدي ثمّ الواسطيّ. سِبط ابْن الأغلاقيّ.
من أهل القرآن والحديث والتصوّف.
سمع من: أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حمدون المقرئ، والمبارك بْن إِبْرَاهِيم الخطيب، وأبي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
وتُوُفي فِي ذي الحجّة بواسط، وَلَهُ ثلاثٌ وسبعون سنة.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن الدُّبَيْثِيّ فِي «تاريخه» .
286- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن عليّ بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو المحاسن الهَمَذَانيّ.
كان أَبُوهُ محدّثا مُكثِرًا، قدِم بغداد واستوطنها.
وسمع مُحَمَّد من: ابْن الفاعوس، وابن الحُصَيْن، وأحمد بْن رضوان [2] ، وزاهر بْن طاهر.
وكان مُحَمَّد ثقة مطبوعا، سمع منه جماعة.
وتوفي في ذي الحجة.
أجاز لابن الدبِيثي [3] ، وللشّيخ الضّياء.
وحدّث عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الغزّال.
287- مُحَمَّد بْن عتيق بْن عطّاف.
أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ اللّارديّ [4] ، المعروف بابن المؤذّن.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الملك) في: مشيخة النعّال البغدادي 61- 63، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 51- 53 رقم 259، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي ج 5/ رقم 1561، والمختصر المحتاج إليه 1/ 70.
[2] هو: أبو نصر أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن رضوان. (مشيخة النعّال) .
[3] وهو قال: وكان ثقة، صحيح السماع، سهل الأخلاق، وسمع منه أصحابنا وما لقيته. وقد أجاز لنا. (ذيل التاريخ 2/ 52) .
[4] اللّارديّ: بالراء مكسورة، والدال مهملة. نسبة إلى لاردة، مدينة مشهورة بالأندلس شرقي قرطبة تتّصل أعمالها بأعمال طرّكونة منحرفة عن قرطبة إلى ناحية الجوف. (معجم البلدان 5/ 7) .(40/268)
سكن بَلَنْسِيَة.
وأخذ عَن: أَبِي مُحَمَّد القلنيّ وناظر عَلَيْهِ فِي «المدوّنة» .
ورحل إلى قُرْطُبة فناظر على أَبِي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ.
وقُدم للشورى والفتيا بِبَلَنْسيَة. وكان عارفا بالفقه، حافظا إماما.
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شعبان وقد تعدّى الثّمانين.
288- مُحَمَّد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْر [1] .
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الفتح الكُشْميَهني [2] ، المَرْوَزي، الواعظ. والد أبي المحامد محمود.
قدم بغداد سنة ستّين وخمسمائة. وحدّث «بصحيح مُسْلِم» عَن الفُرَاوي فِي مجلس الوزير ابْن هُبَيْرة.
وسمع أَيْضًا من: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن منصور السّمعانيّ، وأَبَا حنيفة النّعمان ابْن إِسْمَاعِيل، وأَبَا منصور مُحَمَّد بْن عليّ الكُراعي [3] .
وقد سمع ببغداد من: هبة اللَّه بْن الطَّبر، وأبي غالب بْن البنّاء.
وسمع بنَيْسابور من: أَحْمَد بْن عليّ بْن سَلْموَيْه، والفُرَاوي، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل.
وقد قدِم الشّام وحدّث بها.
روى عَنْهُ: أَبُو الفُتُوح بْن الحُصْري، والأستاذ عَبْد الرَّحْمَن الأسَدي بحلب، وزين الأمَناء ابْن عساكر، وأبو القاسم بن صصريّ بدمشق حدّث بها
__________
[1] انظر عن (محمد بن محمد بن عبد الرحمن) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) ورقة 108، والمختصر المحتاج إليه 1/ 120، وسير أعلام النبلاء 21/ 81، 82 رقم 29، والوافي بالوفيات 1/ 165، 166 رقم 96.
[2] الكشميهني: بضم الكاف وسكون الشين المعجمة وكسر الميم وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفتح الهاء وفي آخرها النون. نسبة إلى قرية من قرى مرو على خمسة فراسخ منها في الرمل إذا خرجت إلى ما وراء النهر. (الأنساب 10/ 436) .
[3] الكراعي: بضم الكاف وفتح الراء وفي آخرها العين المهملة. نسبة إلى بيع الأكارع والرءوس. (الأنساب 10/ 373، 374) .(40/269)
هُوَ وابنه محمود ولم يذكرهما ابْن عساكر فِي «تاريخه» فإنّهما قدِما دمشق بعد أن فرغ من «التّاريخ» .
وآخر من رَوَى عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاق الكاشْغَري [1] . سمع منه «جزء الكُرَاعي» أو بعضه في سنة ستّين وخمسمائة.
وكان ورِعًا ديّنا، مليح الوعظ.
روى عَنْهُ: أبو الفرج بن الجوزي، وغيره.
وتوفي في المحرّم بمَرْو، وَلَهُ خمسٌ، وثمانون سنة إلَّا شهرا.
289- مُحَمَّد بْن مالك بْن أَحْمَد بْن مالك [2] .
أَبُو بكر وأبو عَبْد اللَّه الميريليّ نزيل إشبيلية.
أخذ القراءات عَن شُرَيْح، والعربيّة عَن أَبِي الْعَبَّاس بْن حاطب.
وروى عَن: أَبِي بَكْر بْن العربيّ.
وحجَّ وحدّث. وكان فاضلا زاهدا مشارا إليه بإجابة الدّعوة.
روى عَنْهُ: ثابت بْن خيار وقرأ عَلَيْهِ «كِتَاب سِيبَويْه» ، وأبو إِسْحَاق الأصبحيّ، وأخذ عَنْهُ القراءات وأجاز لَهُ فِي شوّال من السّنة.
290- مروان بْن عَبْد اللَّه بْن مروان بْن مُحَمَّد [3] .
أَبُو عَبْد الملك البَلَنْسِي، قاضي بَلَنْسِيَة ورئيسها.
سَمِعَ من: أَبِي الْحَسَن بْن هُذَيْل، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدّانيّ، وأبي الوليد بْن الدّبّاغ.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكَّرَةَ، وجماعة.
وولّي القضاء سنة تسعٍ وثلاثين، ثمّ تأمّر ببلده عند انقراض الدّولة اللمتُونية فِي شوّال من سنة تسعٍ، وبويع بالإمرة في صفر سنة أربعين. ثمّ خلع
__________
[1] الكاشغريّ: بفتح الكاف وسكون الشين المعجمة وفتح الغين وفي آخرها الراء. نسبة إلى بلدة من بلاد المشرق يقال لها كاشغر. (الأنساب 10/ 324) .
[2] انظر عن (محمد بن مالك) في: غاية النهاية 2/ 234 رقم 3387.
[3] انظر عن (مروان بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبار.(40/270)
بعد قليل، وحبسه اللمتُونيون فِي حصن سيف عشرة سنين. ثمّ خلّص وسار إلى مَراكُش وحدث بها.
قال الأبّار: أخذ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حَوْط اللَّه، وعقيل بن عطيّة، وأبو الخطّاب بن الجميّل، وأخوه عثمان.
ومات بمَراكُش وَلَهُ أربعٌ وسبعون سنة.
291- مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود [1] .
قُطْب الدّين النيْسابوري أَبُو المعالي الطُرَيثيثي [2] ، الفقيه الشّافعيّ، نزيل دمشق.
ولد سنة خمس وخمسمائة. ورأى: أَبَا نصر عَبْد الرحيم بْن القُشَيْري.
وتفقّه بنْيسابور على ابْن يحيى. وقرأ الأدب على والده أَبِي عَبْد اللَّه الطُرَيثيثي. ثمّ رحل إلى مَرْو، فتفقّه على أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد المَرْوزي.
وسمع من: هبة الله السّدّيّ، وعبد الجبّار البيهقيّ.
__________
[1] انظر عن (مسعود بن محمد) في: وفيات الأعيان 3/ 135 و 311 و 4/ 200، 201، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 4/ 719، ومرآة الزمان 8/ 372، 373، والمختصر في أخبار البشر 3/ 66، والعبر 4/ 235، 236، ودول الإسلام 2/ 90، والإعلام بوفيات الأعلام 238، والمعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1889، وسير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 309، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 498 رقم 1193، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، 93 ومرآة الجنان 3/ 413، 414، والبداية والنهاية 12/ 312، 313، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 6/ 352، 353 رقم 319، والنجوم الزاهرة 6/ 94، والعسجد المسبوك 2/ 190 (وفيات 579 هـ.) ، وتاريخ ابن سباط 1/ 164، وشذرات الذهب 4/ 263، والدارس في تاريخ المدارس 1/ 83، والأعلام 8/ 115.
[2] الطّريثيثيّ: بضم الطاء المهملة، وفتح الراء، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وبعدها الثاء المثلّثة بين الياءين، وفي آخرها مثلّثة أخرى. نسبة إلى طريثيث وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور بها قرى كثيرة، ويقال لها بالعجمية «ترشيز» . (الأنساب 8/ 238) .(40/271)
ودرّس بنظاميّة نَيْسابور نيابة، واشتغل بالوعظ. وورد بغداد ووعظ بها، وحصل لَهُ القبول التّامّ.
وكان ديّنا، عالما، متفنّنا.
ثمّ راح إلى دمشق سنة أربعين، وأقبلوا عَلَيْهِ، ودرّس بالمجاهديّة [1] ثمّ بالزّاوية الغزاليّة [2] بعد موت أَبِي الفتح نصر اللَّه المصّيصيّ.
وكان حَسَن النّظر.
ثمّ خرج إلى حلب، وولي بها تدريس المدرستين اللّتين بناهما نور الدّين وأسد الدّين، ثمّ مضى إلى هَمَذَان وولي بها التّدريس مدّة. ثمّ عاد إلى دمشق، ودرّس بالغزاليّة وحدّث، وتفرّد برئاسة الشّافعيّة.
قال القاسم بن عساكر: كان حَسَن الأخلاق، متودّدا، قليل التّصنّع.
مات في سلخ رمضان. ودفن يوم العيد.
قلت: وقد ورد بغداد رسولا، وكتب عَنْهُ: عُمَر بْن عليّ القرشيّ، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، وأجاز للبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وللحافظ الضّياء.
وروى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وتاج الدّين عَبْد اللَّه بْن حَمُويْه.
وتخرّج به جماعة.
وقيل إنّه وعظ مرّة، فسأل نور الدّين أن يحضر مجلسه، فحضر فشرع فِي وعظه يناديه كما كان يفعل البرهان البلْخي شَيْخ الحنفيّة، فقال للحاجب:
اصعد إليه، وقُلْ لَهُ لَا تخاطبني باسمي.
فَسُئل نور الدّين عَن ذلك فيما بعد. فقال: إنّ البلْخي كان إذا قَالَ يا محمود قامت كلّ شعرةٍ فِي جَسَدي هيبة لَهُ، ويرقّ قلبي، والقُطْبُ إذا قَالَ يا محمود يقسو قلبي ويضيق صدري. حكاها سِبْط ابْن الجوزيّ [3] ، وقال: كان
__________
[1] انظر عنها في: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 347، ومنادمة الأطلال 146، 147.
[2] انظر عنها في: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 136 و 313.
[3] في مرآة الزمان 8/ 372.(40/272)
القُطْب غريقا فِي بحار الدّنيا.
قلت: وكان معروفا بالفصاحة والبلاغة وكثرة النّوادر ومعرفة الفقه والخلاف. تخرّج به جماعة. ودرّس أَيْضًا بالجاروخيّة [1] . ودُفن بتُربةٍ أنشأها بغربيّ مقابر الصّوفيّة. وبنى مسجدا على الصّخرات الّتي بمقبرة طاحون الميدان، ووقف كُتُبه.
292- مَعَد بْن حَسَن بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو تراب البغداديّ، المنادي.
سمع: أَبَا سعد أَحْمَد بْن عَبْد الجبّار الصيْرفي، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
سمع أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي.
وكان لَا بأس به ينادي على السّقط.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة.
293- مودود [2] .
الذّهبيّ، الزّاهد. بغداديّ كبير القدْر.
قال ابْن النّجّار: ذكر لي شيخنا السّهروَرْدي أنّه كان من أولياء اللَّه المكاشفين.
قال: وصحِبْتُه.
قال ابْن النّجّار: وذكر لي أَبُو الْحَسَن القَطِيعي: أخِذ مودود الذّهبيّ فِي حادثة إلى باب النّوبيّ، فأمروا بضربه، فلمّا رفع الضارب بيده لم يقدر على حطّها. فأطلق فأطلقت يد الضّارب، فانقطع عَن النّاس.
وكان جارنا أَبُو البركات الشَهرزُوري يذكر لنا أحواله وكراماته.
تُوفّي فِي هذا العام.
__________
[1] انظر عنها في: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 169، ومنادمة الأطلال 93.
[2] في الأصل: «ممدود» ، والمثبت من: مرآة الزمان 8/ 373، والمختصر المحتاج إليه 3/ 203 رقم 1237، وفي العسجد المسبوك 2/ 190 «أبو ممدود» .(40/273)
- حرف الهاء-
294- هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن مميل [1] .
أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي نصر الشّيرازيّ، ثمّ البغداديّ.
وُلِد ببغداد سنة خمسمائة، وسمع بها: أَبَا عليّ بْن نبهان، ومحمد بن الحسن بن باكير، الفارسيّ، وجماعة.
وكان عدْلًا فاضلا، وصوفيّا واعظا.
قدم دمشق سنة ثلاثين وخمسمائة فاستوطنها، وولي إمامة مشهد عليّ بالجامع. وفُوض إليه عقد الأنكحة.
وكان ديّنا، حَسَن الطّريقة.
ولمّا تُوُفي فِي ربيع الأوّل خَلَفه فِي إمامة المشهد ابنه القاضي أَبُو نصر.
روى عَنْهُ: ابنه، وابن ابنه أَبُو المعالي أَحْمَد بْن مُحَمَّد، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، وآخرون.
- حرف الواو-
295- وفاء بْن أسعد بْن النّفيس بْن البهيّ [2] .
أَبُو الفضل التّركيّ، ثمّ البغداديّ الخبّاز.
شيخ صالح من أولاد الأجناد.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان [3] ، وأبا الخطّاب الكَلْوَاذاني [4] ، وأَبَا طاهر عَبْد الرَّحْمَن اليُوسُفي، وجماعة.
ووُلِد سنة خمسمائة.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن محمد) في: العبر 4/ 236، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة.
[2] انظر عن (وفاء بن أسعد) في: مشيخة النعّال 59- 61، والمختصر المحتاج إليه 1/ 12 و 3/ 218 رقم 1274، والعبر 4/ 237، وشذرات الذهب 4/ 263،
[3] هو: أبو القاسم علي بن أحمد بن بيان الرزّاز. توفي سنة 510 هـ.
[4] هو: أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني. توفي سنة 510 هـ.(40/274)
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وأبو صالح الجيليّ، وجماعة.
وقال أَبُو الفُتوُح بْن الحُصْري: تُوُفّي فِي ربيع الآخر.
- حرف الياء-
296- يَحْيَى بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن سيدبونه.
أَبُو زكريّا الخُزَاعي، الدّانيّ.
روى عَن: أبيه، وأبي إِسْحَاق بْن جماعة.
وأخذ القراءات عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدّانيّ.
وحجَّ، وسمع بالإسكندريّة.
سمع منه فِي هذا العام مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عامر الدّانيّ.
وَفِيهَا وُلد بعقرباء، مكّيّ بْن عَبْد الرّزّاق.(40/275)
سنة تسع وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
297- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد [1] .
الْإِمَام أَبُو جَعْفَر الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، الملقّب بالطّيلسان، لِحُسْنِ بِزته.
أكثر عَن أَبِي مروان بن مسرّة، وغيره.
وطال عُمره.
قال حفيده أَبُو القاسم بْن الطيْلسان: تُوُفي فِي صَفَر [2] .
298- إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عثمان [3] .
أَبُو إِسْحَاق الْأَنْصَارِيّ، الغَرْناطي.
سمع من: غالب بْن عطيّة، وابن البادش، وأبي الوليد بْن بقوة، وابن عتّاب.
وقرأ بالرّوايات على: منصور بْن الخير، وابن شفيع، وابن المطرّف بْن الورّاق.
وسمع «الموطّأ» فِي يومٍ واحد على ابْن موهب.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن سليمان) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 81، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 1 ق 2/ 432، 433 رقم 643.
[2] وكان من أهل العلم بتجويد القرآن العظيم كثير التلاوة له، معروف الفضل من بيت علم ونباهة ودين.
[3] انظر عن (إبراهيم بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 155، 156، ومعرفة القراء الكبار 2/ 547 رقم 494، وغاية النهاية 1/ 7.(40/276)
وله إجازة من أَبِي بَكْر الطرَطُوشي.
وأوّل سماعه سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وكان ذا تفنّن فِي العلوم [1] .
وُلي القضاء بأماكن.
روى عَنْهُ: أَبُو الخطّاب بْن واجب.
مات فِي جُمادى الأولى وَلَهُ أربعٌ وثمانون سنة رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
299- إِسْمَاعِيل بْن قاسم الزّيّات [2] .
الْمَصْرِيّ.
روى عَن: أَبِي صادق مرشد بْن يحيى المَدِيني، وغيره.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ أَبُو عُمَر، ونبا بْن أَبِي المكارم الأطْرابُلُسي، وكريمة بِنْت عَبْد الحقّ القضاعيّة، وجماعة.
قال أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل: أجاز لي ولولديّ.
وتُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ بمصر فِي شعبان.
- حرف الباء-
300- بُجَيْر بْن عليّ بْن بُجَيْر.
القاضي أَبُو الفتح الأشِيري، الفقيه. نزيل دمشق.
حدّث عَن: عَبْد الملك الكَرُوخي.
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وغيره.
وناب في القضاء عن الشّهرزوريّ.
ودرّس بالغزاليّة مدّة، وعاش نيّفا وسبعين سنة.
تُوُفي فِي تاسع ربيع الآخر.
__________
[1] وقال ابن الأبّار: وكان من أهل المعرفة الكاملة والتفنّن في العلوم والنفوذ في الأحكام.
(تكملة الصلة) .
[2] انظر عن (إسماعيل بن قاسم) في: سير أعلام النبلاء 21/ 91 دون ترجمة.(40/277)
301- بوري [1] .
تاج الملوك مجد الدّين، أخو السّلطان صلاح الدّين.
صار إلى عفو اللَّه فِي الثالث والعشرين من صَفَر، وَلَهُ ثلاثٌ وعشرون سنة.
وكان أصغر أولاد نجم الدّين أيّوب.
وكان أديبا فاضلا لَهُ ديوان شِعر، فمنه:
يا حياتي حين يرضى ... ومماتيِ حين يسخط [2]
بين أجفانك [3] وسلطان ... على ضَعْفي مُسلط
قد تصبّرت وإنْ ... برّح بي الشّوق وأفرط
فلعلّ الدّهر يوما ... بالتّلاقي منك يغلط
وله:
رمضان بلا مرضان إلَّا أنّهم ... غلطوا [4] إذا فِي قولهم وأساءوا
مرضان فيه تخالف، فنهاره ... سلّ وسائر [5] ليله استسقاء
[6] وله:
__________
[1] انظر عن (بوري) في: ذيل تاريخ دمشق 219، وزبدة الحلب 3/ 64، ومفرّج الكروب 2/ 144، ومرآة الزمان 8/ 378، والمختصر في أخبار البشر 3/ 66، والدرّ المطلوب 77، والعبر 4/ 237، وتاريخ ابن الوردي 2/ 93، ومرآة الجنان 3/ 414، 415، والوافي بالوفيات 10/ 320- 322 رقم 4832، والسلوك ج 1 ق 1/ 81، والمقفى الكبير 2/ 510- 512 رقم 984، والنجوم الزاهرة 6/ 96، وشذرات الذهب 4/ 265 ومضمار الحقائق 144، وترويح القلوب 78، وتاريخ ابن سباط 1/ 164 (578 هـ.) ، والأعلام 1/ 56.
[2] زاد في مرآة الجنان بيتا بعده:
آه من ورد على خدّيه ... بالمسك منقّط
[3] في مرآة الجنان «جفنيك» .
[4] في الدرّ المطلوب: «أخطوا» .
[5] في الدرّ المطلوب: «ولكن» .
[6] مفرّج الكروب 2/ 144، الدرّ المطلوب 77، النجوم الزاهرة 6/ 96، مرآة الزمان 8/ 378.(40/278)
أقبل من أعشقه راكبا ... من جهة الغرب [1] على أشهب
فقلت: سُبحانك يا ذا العُلا ... أشرقت الشّمس من المغرب [2]
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ على حلب من طعنةٍ أصابت رُكْبته يوم سادس عشر المحرّم يوم نزول أخيه عليها، فمرض منها. وكان السّلطان قد أعدّ للصّالح عماد الدّين صاحب حلب ضيافة فِي المخيّم بعد الصُّلح، وهو على السّماط إذ جاءه الحاجب فأسرَّ إليه موت بوري، فلم يتغيّر وأمره بتجهيزه ودفْنه سرّا، وأعطى الضّيافة حقّها. فكان يقول: ما أخذنا حلب رخيصة.
وبوري بالعربيّ: ذئب.
- حرف التاء-
302- تقيّة [3] .
__________
[1] في مرآة الجنان «من جوانب الغور» .
[2] وله أيضا:
أيا حامل الرمح الشبيه بقدّ ... ويا شاهرا سيفا حكى لحظه غضبا
ضع الرمح واغمد ما سللت فربّما ... قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا
(مرآة الجنان 3/ 414) و (المقفى 2/ 511) .
وقال العماد فيه: «ذو الكرم الظاهر، والمحتد الطاهر، والفخر الصادع فجره الصادق، والنجر السامي قدره السامق، طفل السّنّ، كهل السنا، أهل المدح والثناء، نشأ بالفضل متشبّثا، وبالفصل متحدّثا، وبالنبل منبعثا، له الفطرة الذكية الزكية، والهمّة العليّة الجليّة، والعزمة الماضية المضيّة، لم يبلغ العشرين سنة، ولم يورق في ترعة الترعرع غصنه، وله نظم لطيف وفهم شريف.
وله قوله:
لي في الأنام حبيب ... ينمى إلى الأتراك
أشكو إليه غرامي ... فما يرقّ لشاكي
يظلّ بضحك عجبا ... والطرف منّي باك
فديته من غزال ... بعينه فتّاك
ظبي أغار على ريقه ... من المسواك
يا ليتني كنت في كفّه ... عويد أراك
[3] انظر عن (تقيّة) في: صلة الصلة لابن الزبير 217، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري-(40/279)
أمّ عليّ. الشّاعرة بِنْت المحدّث غَيْث بْن عليّ السُّلَمي الأرْمَنَازي [1] ، ثمّ الصُّوري. والدة المحدّث تاج الدّين عليّ بْن فاضل بْن صمدون الصُّوري.
صحِبَت السلَفْي بالإسكندريّة، تعاليقها، وقال: عَثَرْتُ في منزلي، فانجرح أخمصي، فشقّت وليدةٌ فِي الدّار خِرقةً من خمارها وعَصَبْتها، فأنشدتْ تقيّة فِي الحال لنفسها:
لو وجدت السبيلَ جُدْتُ بخدّي ... عِوَضًا عَن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أقبّل اليومَ رِجْلًا ... سلكت دَهْرَهَا الطّريق الحميدة [2]
وذكر الحافظ تقيّ الدّين المنذري أنّ تقيّة نظمت قصيدة تمدح بها الملك المظفّر تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدّين، فوصفت الخمر وآلة المجلس، فلمّا قرأها قَالَ: الشَّيْخة تعرف هذه الأحوال من صباها.
فبلغها ذلك، فعلمت قصيدة أخرى حربيّة وأرسلتها، تقول علمي بذاك كعلمي بهذا [3] .
__________
[ (-) ] (الطبعة الأولى) 3/ 151، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 260، ووفيات الأعيان 1/ 297، 298، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 47- 51، وخريدة القصر (شعراء مصر) 2/ 221، وغربال الزمان (كتاب في التاريخ ينتهي بسنة 750 هـ.) ليحيى بن أبي بكر العامري (مخطوط بخزانة نصيف بجدّة) ، والعبر 4/ 237، والإعلام بوفيات الأعلام 238، 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 91 دون ترجمة، والمشتبه في الرجال 1/ 74، ومرآة الجنان 3/ 415، 416، ونزهة الجلساء في أشعار النساء للسيوطي 27، وشذرات الذهب 4/ 265، وديوان الإسلام 2/ 6 رقم 750، وأعلام النساء 1/ 145، والأعلام 2/ 86، ومعجم المؤلفين 3/ 92، وشاعرات العرب، جمع وتحقيق عبد البديع صقر 37، وتاريخ التربية الإسلامية للدكتور أحمد شلبي 334، وكتابنا:
موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 5/ 166- 172 رقم 1534، ودراسات في تاريخ الساحل الشامي (لبنان من عصر السيادة الفاطمية حتى السقوط بيد الصليبين) قسم التاريخ الحضاريّ. ص 318- طبعة دار الإيمان- طرابلس 1994.
[1] الأرمنازي: بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الميم والنون، ثم زاي مكسورة. نسبة إلى أرمناز قرية بالقرب من صور على ساحل الشام.
[2] وفيات الأعيان 1/ 297.
[3] وفيات الأعيان 1/ 297، شذرات الذهب 4/ 265، 266.(40/280)
ولدت بدمشق من أوّل سنة خمس وخمسمائة. وتوفّيت في أوائل شوّال [1] .
__________
[1] وصفها المنذري بأنها من الشاعرات المجيدات والفاضلات المشهورات. (التكملة لوفيات النقلة 3/ 151) وكتب عنها الحافظ السلفي وذكرها في (معجم السفر) ، وحدّث عنها الشيخ الحافظ أبو الحسن المقدسي، وكان يثني عليها كثيرا، وسمعها أبو الحجّاج يوسف المالقي المعروف بابن الشيخ بمالقة، وكان أحد الزهّاد المشهورين، وأجازت قطعة صالحة من نظمها باستدعاء ابنها لعليّ بن عتيق الأنصاري.
وقال ابن خلّكان: كانت فاضلة ولها شعر جيد، قصائد ومقاطيع. وكتب عنها السلفي في «معجم السفر» وقال:
لم أر شاعرة غيرها. وأثنى عليها، ومدحته. وذكرها في بعض تعاليقه، وكتب عن نفسه.
ووصفها أبو القاسم عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي بالأديبة وقال: أنشدتنا لنفسها بثغر الإسكندرية تمدح شيخنا الحافظ أبا طاهر السلفي وتعتذر إليه لانقطاع ولدها أبي الحسن بن حمدون عن مجلسه وملازمته للشريف أبي محمد بن أبي اليابس الديباجي، وكان الحافظ قد غضب عليه بسبب ذلك:
تاللَّه ما غبت عنكم مللا ... ولا فؤادي عن الدنوّ سلا
وكيف أنسى جميلكم ولكم ... عليّ فضل يبلغ الأملا
أنقذتموني من كل مهلكة ... قلت أبغي بقربكم بدلا
داركم مذ حللت بساحتها ... كأنّني الشمس حلّت الحملا
أسحبت ذيلي في عزّها مرحا ... وكنت قدما لا أعرف الخيلا
وإنما غبت عنكم خجلا ... لأن ذنبي يزيدني خجلا
تقول عيني ودمعها وكف ... لما رأيت عبدكم قد انتقلا
وزدت في عذله لأردعه ... وهو عصيّ لا يسمع العذلا
حتى إذا زدت في ملامته ... وظنّ قلبي بأنه اعتدلا
قلت له والدموع واكفة ... والقلب مني للبين قد وجلا
كيف تطيق البعاد عن رجل ... حوى جميع الفنون واكتملا
الحافظ الحبر والّذي اكتملت ... به المعالي وزيّن الدولا
أولاك فضلا وسؤددا وحجا ... فصرت في الناس أوحد الفضلا
فقال: خطّي لديه محتقر ... إن قلت قولا أجاب عنه بلا
يرفع دوني والعين تنظره ... ولم أزل مصابرا ومحتملا
وكل واش أتاه في سببي ... صدّقه وهو قائل زللا
كأنني «المشركون» إذ خدموا ... لا يرفع الله عنهم عملا
فصنت عرضي بنقلتي أسفا ... ولم أجد مسلكا ولا سبلا
-(40/281)
__________
[ (-) ]
حتى كأن البلاد لست أرى ... في ساحتيها سهلا ولا جبلا
فهو إمامي ولا يرى أحد ... بين فؤادي وبينه خللا
أمدحه ما حييت مجتهدا ... في كل ناد ومحفل وملا
فإن حياني يزيدني شرفا ... وإن قلاني فليس ذاك قلى
فاللَّه يبقيه دائما أبدا ... وزاده الله رفعة وعلا
ما لاح برق وما دجا غسق ... وما همي وابل وما هطلا
وسمع منها القاضي أبو القاسم حمزة بن علي بن عثمان المخزومي المغربي المصري وقد وفد إلى دمشق في شعبان سنة 571 بكرّاسة فيها شعر تقيّة قد سمعه منها وخطّها عليه بتاريخ محرّم سنة 569 بالإسكندرية:
أعوامنا أشرقت أيامها ... وعلا على ظهر السّماك خيامها
والروض مبتسم بنور أقامه ... لما بكى فرحا عليه غمامها
والنرجس الغضّ الّذي أحداقه ... ترنو لتفهم ما يقول خزامها
والورد يحكي وجنة محمرّة ... انحلّ من فرط الحياء لثامها
وأهدت إلى بعض الأفاضل توتا فكتب إليها:
وتوت أتانا ماؤه في احمراره ... كدمعي على الأحباب حين ترحّلوا
هدية من فاقت جمالا وفطنة ... وأبهى من البدر المنير وأجمل
فلا عدمت نفسي تفضّلها الّذي ... يقصّر وصفي عن مداه ويعدل
فكتبت إليه تقيّة:
أتاني مديح يخجل الطرف حسنه ... كمثل بهيّ الدرّ في طيّ قرطاس
ولها وقد أعارت ابن حريز دفترا فحبسه عنده أشهرا:
قل لذوي العلم وأهل النّهى ... ويحكم لا تبذلوا دفترا
فإن تعيروه لذي فطنة ... لا بدّ أن يحبسه أشهرا
وإن تعودوا بعد نصحي لكم ... تخالفوني فالبراء البرا
ولها من قصيدة:
خان أخلّائي وما خنتهم ... وأبرزوا للشرّ وجها صفيق
كدّر الودّ القديم الّذي ... قد كان قدما صافيا كالرحيق
وساعدوني بعد قربي لهم ... وحمّلوا قلبي ما لا أطيق
ولها من أخرى:
هاجت وساوس شوقي نحو أوطاني ... وبان عنّي اصطباري بعد سلواني
وبتّ أرعى السّها والليل معتكر ... والدمع منسجم من سحب أجفاني
وعاتبت مقلتي طيفا ألمّ بها ... أهكذا فعل خلّان بخلّان؟ -(40/282)
__________
[ (-) ]
نأيت عنكم وفي الأحشاء جمر لظى ... وسقم جسمي لما أهواه عنواني
إذا تذكرت أياما لنا سلفت ... أعان دمعي على تغريق نسياني
وكتب بعض الأفاضل لها وقد مدحت نفسها:
وما شرف أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أفعالا تذمّ وتمدح
وما كلّ حين يصدق المرء قلبه ... ولا كل أصحاب التجارة تربح
ولا كل من ترجو لغيبك حافظ ... ولا كل من ضمّ الوديعة يصلح
فكتبت إليه:
تعيب على الإنسان إظهار علمه ... أبالجدّ هذا منك أم أنت تمزح
فدتك حياتي قد تقدّم قبلنا ... إلى مدحهم قوم وقالوا فأفصحوا
وللمتنبّي أحرف في مديحه ... على نفسه بالحق والحق أوضح
أروني فتاة في زماني تفوقني ... وتعلو على علمي وتهجو وتمدح
وكانت تقيّة سألت الشيخ الإمام العالم أبا الطاهر إسماعيل بن عوف الزهري عن الشعر، فقال: هو كلام، إن تكلّمت بحسن فهو لك، وإن تكلّمت بشر فهو عليك.
وقال ابن خلكان: لها من قصيدة في الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي:
أعوامنا قد أشرقت أيامها ... وعلا على ظهر السماك خيامها
والروض مبتسم بروض أقاحه ... لما بكى فرحا عليه غمامها
والنرجس الغضّ الّذي أحداقه ... ترنو فيفهم ما يقول خزامها
وشقائق النعمان في وجناته ... خالات مسك حاكها رقّامها
وبنفسج لبس الحداد لحزنه ... أسفا على مهج يزيد غرامها
والجلّنار على الغصون كأكؤس ... خرطت عقيقا والنضار مدامها
وكأنما زهر الرياض عساكر ... في موكب منشورة أعلامها
يبدي نسيم الصبح سرّ عبيرها ... فينمّ عن طيب بها تمّامها
يا صاح قم لسعادة قد أقبلت ... وتنبّهت بعد الكرى نوّامها
واجمع خواطرنا لنجلو فكرها ... لما تجرّد للقريض حسامها
مدح الإمام علي الأنام فريضة ... فخر الأئمة شيخها وإمامها
ومن شعرها:
نأيت وما قلبي على النأي بالراضي ... فلا تغترر منّي بصدّي وإعراضي
وإني لمشتاق إليهم متيّم ... وقد طعنوا قلبي بأسمر عرّاض
إذا ما تذكّرت الشام وأهله ... بكيت دما حزنا على الزمن الماضي
ومذ غبت عن وادي دمشق كأنني ... يقرض قلبي كل يوم بمقراض
أبيت أراعي النجم والنجم راكد ... وقد حجبوا عن مقلتي طيب إغماضي
فهل طارق منهم يلمّ بناظري ... فإنّ لقاء الطيف أكبر أغراضي-(40/283)
وقد رَوَى عَنْهَا من شِعْرها أَبُو القاسم عَبْد اللَّه بْن رواحة.
وتُوُفي ابنها فِي سنة ثلاث وستّمائة.
303- ثعلب بْن مذكور بْن أرنب [1] .
أَبُو الْحَسَن، وقيل أَبُو الحُصَيْن الأكّاف [2] ، أخو رجب.
سمع من: أَبِي العزّ بْن كادَش، وأبي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء.
وكان حارسا سيّئ الطّريقة، ليس بأهلٍ أن يُحمل عَنْهُ.
كان مقدّم حرّاس الخليفة.
مات فِي رَمَضَان [3] .
- حرف الحاء-
304- الْحَسَن بْن سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن بُنْدار [4] .
أَبُو عليّ الشّاتايّ [5] عَلَم الدّين الشّاعر.
قدِم بغداد وتفقه وتأدّب.
وسمع من: قاضي المَرِسْتان، وابن الحُصَيْن، وإسماعيل بْن السَّمَرْقَندي.
__________
[ (-) ]
لعل الليالي أن تجرّد صارما ... على البين أو يقضي لها حكم قاضي
(موسوعة علماء المسلمين) .
[1] انظر عن (ثعلب بن مذكور) في: مشيخة النعّال البغدادي 68، 69، والمختصر المحتاج إليه 1/ 270، والمشتبه في الرجال 1/ 114 ولسان الميزان 2/ 82.
[2] الأكاف: بفتح الألف والكاف المشدّدة، هذه اللفظة لمن يعمل إكاف البهائم أي البرذعة.
[3] قال النعّال: وهو أخو شيخنا أبي الحرم رجب بن مذكور.
[4] انظر عن (الحسن بن سعيد) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 2/ 361، ووفيات الأعيان 2/ 113، والروضتين 1/ 171، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 61، والوافي بالوفيات 12/ 28، 29 رقم 23 و 12/ 175- 178 رقم 155، وهو في الثانية باسم «الحسن بن علي بن سعيد بن عبد الله» ، والنجوم الزاهرة 6/ 58، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 177.
[5] الشاتاني: بالشين المعجمة وبعد الألف الأولى تاء ثالثة الحروف وبعد الألف الثانية نون.
وشاتان قلعة من ديار بكر.(40/284)
وأنشأ الرسائل، وسكن الموصل، ونفّذه أميرها رسولا إلى الدّيوان.
وخرج إلى الشّام، وحدّث بها. وسمّاه ابْن عساكر فِي «تاريخه» .
وكان ابْن هُبَيْرة الوزير مقبلا عَلَيْهِ.
تُوُفي فِي شعبان بالموصل [1] .
305- الْحَسَن بْن عسكر [2] .
أَبُو مُحَمَّد الواسطيّ.
سمع: أَبَا عليّ الفارقيّ، وغيره.
روى عَنْهُ ابْن الدّبيثيّ قَالَ: كنت ببغداد فِي ليلة رجب سنة إحدى وعشرين وخمسمائة جالسا على دكَة للفُرْجَة بباب أبَرز، إذ جاء ثلاثُ نِسْوة فجلسْنَ إلى جانبي، فأنشدتُ متمثّلا:
هواء ولكنّه راكدٌ ... وماءٌ ولكنّه غير جاري
فقالت لي إحداهنّ: هَلْ تحفظ لهذا البيت تمام؟
قلت: لَا.
فقالت: إنْ أنْشَدَك أحدٌ تمامَه ما تُعطية؟
قلت: أقبّل فاه.
فأنشدتني.
وخمرٌ من الشّمس مخلوفةٌ ... بدت لك فِي قَدَحٍ من نُضَارِ
إذا ما تأملتَها وهي فيه ... تأملت نورا محيطا بنار
__________
[1] وهو ولد سنة: 51 هـ. وقيل 513 هـ. (الوافي 12/ 28 و 177) .
ومن شعره:
أهدى إلى جسدي الضّنى فأعلّه ... وعسى يرقّ لعبده ولعلّه
ما كنت أحسب أن عقد تجلّدي ... ينحلّ بالهجران حتى حلّه
يا ويح قلبي أين أطلبه وقد ... نادى به داعي الهوى فأضلّه
إن لم يجد بالعطف منه على الّذي ... أضناه من فرط الغرام فمن له
وأشدّ ما يلقاه من ألم الهوى ... قول العواذل إنّه قد ملّه
[2] انظر عن (الحسن بن عسكر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 21 رقم 586.(40/285)
هواءٌ ولكنّه جامدٌ ... وماءٌ ولكنّه غير جاري
كأنّ المدير لها باليمين ... إذا دار للشُّرب أو باليَسارِ
توشّح ثوبا من الياسمين ... لَهُ فرد كمّ من الْجُلنَارِ
306- الْحُسَيْن بْن القاضي أَبِي الْحَسَن أَحْمَد ابْن قاضي القضاة عليّ بْن مُحَمَّد [1] .
الدامَغَانيّ.
استنابه أخوه قاضي القُضاة في القضاء ببغداد سنة ستّ وأربعين وخمسمائة.
قال ابْن النّجّار: لم يُحْمَد فِي القضاء. ثنا عَنْهُ أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن حنظلة اللّيثيّ.
وقد سمع من: ابْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء.
وعاش نيّفا وستّين سنة.
307- الْحُسَيْن بْن هبة اللَّه بن رُطْبة [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه السّواريّ [3] ، شَيْخ الشّيعة وأبو شيخهم الفقيه العلّامة أَبِي طاهر هبة اللَّه.
كان متبحّرا فِي الأصول والفُروع على مذهب الرافضة.
قرأ الكثير، ورحل إلى خُراسان، والرّيّ، ومازنْدَران، ولقي كبار الشّيعة، وصنّف، واشتغل بسورا، والحلّة.
__________
[1] انظر عن (الحسين بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 32 رقم 607، والجواهر المضيّة 1/ 207، والوافي بالوفيات 12/ 337، 338 رقم 313.
[2] انظر عن (الحسين بن هبة الله) في: الوافي بالوفيات 13/ 79 رقم 68، ولسان الميزان 2/ 316، وأمل الآمل 2/ 93، 104، وأعيان الشيعة 27/ 360، وورد «الحسن بن هبة الله» في 24/ 203 رقم 4480 وفيه: كان حيّا سنة 560 هـ.
و «رطبة: واحدة الرّطب» .
[3] السّوراي: بضم أوله وسكون ثانيه ثم راء وألف مقصورة أو ممدودة. نسبة إلى سورا بالقصر، موضع بالعراق من أرض بابل.(40/286)
وتُوُفي فِي رجب.
- حرف السين-
308- سُبَيْع بْن خَلَف بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو الوحش الأسَدي، الأديب.
شاعر دمشقيّ معروف، مليح القول.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: مات فِي عاشر رجب.
وأنشدني لنفسه:
يَمَّمْتُ دارَ أَبِي فلان قاصدا ... بمدائحي فيه وحسن قصائدي [2]
فرأيت منه ضدّ ما عُوّدْتُه ... من بُخْلِه المتكاثف المتزايد
فذكرتُ لمّا أنْ رجعتُ مُجَلْبَبًا ... بعطائه ولقيتُ غير عوائدي
وَلُربَّما جاد البخيلُ وما به ... جودٌ ولكن من نجاح القاصدِ [3]
- حرف الصاد-
309- صالح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن زَرْعان [4] .
أَبُو مُحَمَّد البغداديّ، التّاجر، أحد الأعيان.
سمع: ابْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء، وأَبَا غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الماوَرْديّ وجماعة.
وكتب بنفسه عنهم.
__________
[1] انظر عن (سبيع بن خلف) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 242، والوافي بالوفيات 15/ 112، 113 رقم 161.
[2] في الوافي: «مقاصدي» .
[3] الوافي 15/ 112، 113 وفيه نماذج أخرى من شعر سبيع.
[4] انظر عن (صالح بن عبد الرحمن) في: مشيخة النعّال 69، 70، والمختصر المحتاج إليه 2/ 105 رقم 723.
و «زرعان» ضبطه النعّال: بفتح الزاي وسكون الراء المهملة وعين مهملة وفي آخره نون.(40/287)
سمع منه جماعة [1] .
- حرف الطاء-
310- طاهر بْن عطيّة.
أَبُو منصور اللَّخْميّ، الإسكندريّ.
رَجُل صالح.
روى عَن: أَبِي بَكْر الطّرطُوشيّ.
أخذ عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن المقدسيّ، وغيره.
- حرف العين-
311- عبد الله بْن أحمد بْن أبي الفتح بن محمد بن أحمد [2] .
أبو الفتح القاسميّ، الخرقيّ، الأصبهانيّ.
شيخ نبيل صالح من أولاد المحدّثين، ومن بقايا المسندين.
سمع: أبا العبّاس الراويّ عَن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر الذَّكْوانيّ، وأَبَا مطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الصّحّاف، وأبا الفتح أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد السُّوذَرْجانيّ، وأبا الفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحدّاد، وبُنْدار بْن مُحَمَّد الخلْقاني القاضي، وعبد الرَّحْمَن بْن حمْد الدّونيّ، وأبا أَحْمَد حَمْد بْن عَبْد اللَّه بْن حنَّة، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي عثمان الصّابونيّ، وعمر بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن علُّوَيْه، وأبا عليّ الحدّاد، وطائفة سواهم.
وتفرّد بالرواية عَن جماعة، وسماعه من ابْن علّوَيْه فِي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة حضورا، فأنا ابْن الخلّال، ثنا مُحَمَّد بْن يوسف البرزاليّ
__________
[1] قال النعّال: وكان مولده سنة سبع وخمسمائة. وتوفي في صفر، ويقال في ليلة التاسع والعشرين من رجب، ويقال في شهر رمضان، وهذا هو الأشبه، سنة تسع وسبعين وخمسمائة ببغداد.
[2] انظر عن (عبد الله بن أحمد) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1890، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 90، 91 رقم 37، ودول الإسلام 2/ 91، والعبر 4/ 237، وشذرات الذهب 4/ 266.(40/288)
الحافظ أنْ هذا الشَّيْخ وُلِد فِي يوم عيد النّحر سنة تسعين وأربعمائة. وكان جدّه حيّا، فسمّاه باسمه وكنّاه بكْنيته. وعاش بعد ذلك شهرا.
قلت: رَوَى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، ومحمد بْن مكّيّ الحنبليّ، وعبد الله بن أبي الفرج الجبّائيّ، والمهذّب بْن الْحُسَيْن بْن زينة، وأبو الفضل بْن سلامة العطّار، ومحمد بْن خليل الرّاذانيّ [1] ، وآخرون.
وبالإجازة: ابْن اللّتّيّ، وكريمة، والحافظ الضّياء، والرّشيد إِسْمَاعِيل بْن العراقيّ، وغيرهم.
وقرأت وفاته بخطّ زكيّ الدّين البِرْزالي فِي يوم الثلاثاء بعد فراغه من صلاة الصُّبح السّابع والعشرين من رجب، ودُفن بالمُصَلي، وصلّى عَلَيْهِ الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِينيّ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ بِقِرَاءَتِي: أَنَا أَبُو الْفَضْلِ بن سلامة بحران، أنا أبو الفتح عبد اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ بِقِرَاءَتِي: أَنَا أبو الفضل بن سلامة بحران، أنا أبو الْفَتْحِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بِإِصْبَهَانَ، أَنَا تَمَّامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ بُنْدَارٍ، ثنا الطَّبَرَانِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيَّ يَقُولُ: عَلَى الإِمَامِ أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَ الْجَهْمِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ، فَإِنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ.
312- عَبْد اللَّه بْن فَرَج.
أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبّي، الورّاق الزمِن. الرجل الصّالح.
أجاز لَهُ أَبُو محمد بْن عتّاب ما رَوَاهُ عَن مكّيّ بْن أَبِي طَالِب خاصّة.
وأخذ أَيْضًا عَن: أَبِي الوليد بْن طريف، وأبي بكر بن العربيّ.
وتوفّي في رمضان.
__________
[1] الراذاني: بفتح الراء والذال المعجمة بين الألفين وفي آخرها النون. نسبة إلى راذان وهي قرية من قرى بغداد. (الأنساب 6/ 36) .(40/289)
313- عليّ بْن عليّ بْن نَمَا بْن حمدون [1] .
الكاتب أَبُو الْحَسَن الحِلي، الرّافضيّ، الخبيث.
مدح ملوك الشّام، وَلَهُ ديوان. وقد كفّر الصّحابة رضي اللَّه عَنْهُمْ.
وهو القائل، لعنه اللَّه:
أيُولي على البريّة مَنْ ليسَ ... على حَمْل سُورةٍ بأمينِ [2]
وهذا البيت من قصيدة ينشدها أهل الرفض فِي المواسم.
ذكره ابن النّجّار.
- حرف الكاف-
314- كرم بْن بختيار بْن عليّ [3] .
البغداديّ، الزّاهد [4] .
أحد الصّالحين.
روى عَن: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
أخذ عَنْهُ: ابْن مَشقْ، وعبد العزيز بْن الأخضر، وأحمد بْن أَبِي بَكْر البزّاز، وغيرهم.
وتُوُفي فِي ذي الحجّة [5] .
__________
[1] انظر عن (علي بن علي) في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 3/ 344 رقم 149، والوافي بالوفيات 21/ 335- 337 رقم 219، وطبقات أعلام الشيعة (الثقات العيون في سادس القرون) 197، 198.
[2] من قصيدة طويلة في: الذيل، والوافي.
[3] انظر عن (كرم بن بختيار) في: الكامل في التاريخ 11/ 503 وفيه «مكرم» ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 162 رقم 1112، وذيل طبقات الحنابلة 11/ 350، 351 رقم 169.
[4] كنيته: أبو الخير، وقيل أبو علي.
[5] ولد في حدود سنة 494 هـ.
وقال الناصح ابن الحنبلي: سمعت منه جزءا بقراءة الشيخ طلحة العلثي يوما وهو مضطجع على جنبه والفقيه ابن فضلان- يعني شيخ الشافعية- عنده يزوره، فأخذ بيد الشيخ كرم يقبّلها تبرّكا، وكان زاهدا منقطعا بالرصافة.
وقال القطيعي: كان زاهدا ورعا، سريع الدمعة، كثير العبادة، وفي بعض الأوقات تصدر-(40/290)
- حرف الميم-
315- محمد بن أحمد بن بلال.
أَبُو سَعِيد المُزَني، الحارثيّ، الدّهّان.
حدّث عَن: جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن.
وعنه: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه الْحُسَيْن.
316- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حمزة بْن جِياه [1] .
أَبُو الفَرَج الكاتب الحلّي.
من فرسان البلاغة والشعْر. لَهُ النظْم والنثْر.
روى عَنْهُ: عليّ بْن نصر بْن هارون الحِلي، ومحمود بْن مفرَّج، وأبو بَكْر عُبَيْد اللَّه بْن عليّ التّيميّ.
ولم يكن بالعراق مثله فِي الترسُّل والأدب، ولكنّه كان ناقص الحظّ، لَهُ ملْك يتبلّغ منه.
مات في المحرّم [2] .
__________
[ (-) ] منه كلمات على خاطر الحاضر عنده.
وقال الدبيثي: كان أحد الشيوخ الموصوفين بالصلاح، وتوفي يوم الأربعاء سادس ذي الحجة سنة تسع وسبعين وخمسمائة، ودفن بمقبرة الإمام أحمد في دكة بشر الحافي، وكان حنبليا.
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن حمزة) في: معجم الأدباء 6/ 361، والوافي بالوفيات 2/ 112، 113 رقم 445، وبغية الوعاة 1/ 9 و «جيا» بكسر الجيم.
[2] ومن شعره:
حتّام أجري في ميادين الهوى ... لا سابقا أبدا ولا مسبوق
ما هزّني طرب إلى رمل الحمى ... إلّا تعرّض أجرع وعقيق
شوق بأطراف البلاد مفترق ... يحوي شتيت الشمل منه فريق
ومدامع كفلت بعارض مزنة ... لمعت لها بين الضلوع بروق
وكأنّ جفني بالدموع موكّل ... وكأنّ قلبي للجوى مخلوق
إن عادت الأيام لي بطويلع ... أو ضمّنا والظّاعنين طريق-(40/291)
317- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [1] .
أبو عَبْد اللَّه بْن عرّاق [2] الغافقيّ، القُرْطبي، المقرئ.
أخذ القراءات، سوى قراءة الكوفيّين، عَن: أَبِي القاسم بْن النّخّاس، وعَوْن اللَّه بن محمد.
وسمع من: أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر بْن العاص.
وتصدّر للإقراء والتّسميع.
روى عنه: ابن حوط الله، وأبو الخطّاب بن دحية.
وتوفّي في رجب.
ومولده في سنة تسعين وأربعمائة.
318- محمد بن بختيار [3] .
__________
[ (-) ]
لأنبّهنّ على الغرام بزفرتي ... ولتطربنّ لما أبثّ النوق
ومن شعر ابن جياه الكاتب قوله:
أما والعيون النّجل تصمي نبالها ... ولمع الثنايا كالبروق تخالها
ومنعطف الوادي تأرّج نشره ... وقد زار في جنح الظلام خيالها
وقد كان في الهجران ما يريح الهوى ... ولكن شديد في الطباع انتقالها
منها في المديح:
أيا ابن الألى جادوا وقد بخل الحيا ... وقادوا المذاكي والدماء نعالها
ذد الدهر عنّي من رضاك بعزمة ... معقودة أن لا يفكّ رعالها
ومنه قوله:
قل لحادي عشر البروج أبي العاشر ... منها ربّ القران الثاني
يا ابن شكر إن ضلّة الزمان ... صرت فيه تدعى من الأعيان
ليس طبعي ذمّ الزمان ولكن ... أنت أغريتني بذمّ الزمان
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 530، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 6/ 61، ومعرفة القراء الكبار 2/ 547، وغاية النهاية 2/ 86.
[2] تحرّفت في غاية النهاية إلى «عرّاف» بالفاء.
[3] انظر عن (محمد بن بختيار في: خريدة القصر (العراق) 1/ 85، والكامل في التاريخ 11/ 503، وتاريخ ابن الدبيثي 1/ رقم 91، والمختصر المحتاج إليه 1/ 28، والذيل على الروضتين (تحقيق محمد زاهد الكوثري) نشره عزت العطار الحسيني بدار الكتب المصرية-(40/292)
أبو عبد الله البغداديّ، الأبله، الشّاعر، صاحب الدّيوان المشهور.
كان شابّا ظريفا وشاعرا محِسنًا، يلبس زيّ الْجُنْد. وشِعره فِي غاية الرّقّة وحُسْن المَخْلَص إلى المدح.
وكان أحد الأذكياء، ولذا قيل لَهُ الأبله بالضّدّ.
وقيل: بل كان فيه بله.
توفّي ببغداد فِي جُمادى الآخرة. وقد سار لَهُ هذا البيت:
ما يعرف الشوقَ إلَّا مَن يُكابدُهُ ... وَلَا الصبابةَ إلَّا من يُعانيها
[1] وله:
دارُكَ يا بدْرَ الدُّجَى جنةٌ ... وبغيرها نفسي لَا تلهو
وقد أتى فِي خبرٍ أنّه ... أكثر أهل الجنّة البُلْهُ
[2] وله:
أقول للغيث لمّا سال واديهِ ... تحدّثي عَن جفوني يا غواديهِ
أعَرت مُزْنَك أجفانا بكيت لَهُ ... فمن أعارك ضوء البرْق من فيهِ
أما ورد [خدّه] [3] والشُّهب ناعسةٌ ... واللّيل قد راق أو كادت حواشيه
__________
[ (- 1947-) ] ص 66، وذكر وفاته في سنة 605 هـ.، ومرآة الزمان 8/ 379، 380، ووفيات الأعيان 4/ 463، والعبر 4/ 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 132 رقم 66، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 1/ 297، والوافي بالوفيات 2/ 244- 246، رقم 647، ومرآة الجنان 3/ 416، 417، والعسجد المسبوك 2/ 189، 190، والنجوم الزاهرة 4/ 266، وبغية الوعاة 1/ 33، وشذرات الذهب 4/ 266.
[1] وفيات الأعيان 4/ 464.
[2] الوافي بالوفيات 2/ 246، وفيات الأعيان 4/ 465.
[3] في الأصل بياض.
(الكامل 11/ 503) .
وقال العماد الكاتب: هو شاب ظريف يتزيّا بزيّ الجند، رقيق أسلوب الشعر حلو الصناعة رائق البراعة، عذب اللفظ، أرقّ من النسيم السّحري، وأحسن من الوشي التّستري، وكل ما ينظمه، ولو أنه يسير، يسير، والمغنون يغنون برائقات أبياته عن أصوات القدماء، فهم يتهافتون على نظمه المطرب تهافت الطير الحوّم على عذب المشرب. ثم قال: أنشدني لنفسه من قصيدة سنة خمس وخمسين وخمسمائة بغداد: -(40/293)
لقد وهَى عزْمُ صبري يوم ودّعني ... أحوى ضعيف نطاق الخصر واهيه
عصيتُ فِي حبّه من بات يعذِلني ... وما أطعت الهوى دالا لأعصيه
باللَّه يا لائمي فيمن كلفْتُ به ... أقامةُ الغُصن أحلى، أم تثنيهِ؟
قال أَبُو الفَرَج بْن الجوزيّ: ذكِر عَنْهُ أنّه خَلَف ثمانية آلاف دينار، وشاع أنّه كان يُعامل بالرّبا.
ثمّ ورَّخ وفاته كما مرَّ.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن القَطِيعي، وعليّ بْن نصر الأديب [1] .
319- مُحَمَّد بن جَعْفَر بْن عَقِيل [2] .
أَبُو العلاء البصريّ، ثمّ البغداديّ، المقرئ.
__________
[ (-) ]
زار من أحيا بزورته ... والدّجى في لون طرّته
قمر يثني معانقة ... بانة في طيّ بردته
بتّ أستجلي المدام على ... غرّة الواشي وغرّته
يا لها من زورة قصرت ... فأماتت طول جفوته
آه من خصر له وعلى ... رشفة من برد ريقته
يا له في الحسن من صنم ... كلّنا من جاهليّته
وذكر أبو المعالي الكتبي في (ملح الملح) من شعره في رجل كفل يتيما وكان مشهورا بالغلمان:
يا ذا الّذي كفل اليتيم ... وقصده كفل اليتيم
إن كنت تطمع في النعيم ... فقد حصلت على الجحيم
[1] ومن شعره:
أراق دمعي، لا بل أراق دمي ... ظلما بظلم من ريقه الشّبم
ذو قامة كالقضيب ناضرة ... وناظر من سقامه سقمي
حصلت من وعده على أصدق ... الوعد ومن وصله على التّهم
[2] انظر عن (محمد بن جعفر) في: مشيخة النعّال البغدادي 63- 65، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) الورقة 27، 28، والمختصر المحتاج إليه 1/ 30، والعبر 4/ 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 91 دون ترجمة، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وشذرات الذهب 4/ 267.(40/294)
قرأ القراءات على: أَبِي الخير المبارك الغسّال [1] ، وسمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا الغنائم النرسِي، وأَبَا غالب مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد القزّاز.
قال ابْن الدّبيثيّ [2] : وكان حَسَن المحاضرة، كثير المحفوظ من الأشعار والحكايات.
وأجاز لَهُ: أَبُو الْحَسَن العلّاف، وأبو [3] الفتح الحدّاد الأصبهانيّ.
ذكره ابْن السّمعاني فِي «الذّيل» [4] .
قلت: رَوَى عَنْهُ: أمين الدّين سالم بْن صَصْرَى، ومحمد بْن أَحْمَد بْن خيثمة بْن الخرّاط، ومحمد بْن سَعِيد بْن الخازن، وآخرون.
ولم أظفر باسم أحدٍ ممّن قرأ عَلَيْهِ بالرّوايات.
وتُوُفي فِي جمادى الآخرة وَلَهُ ثلاثٌ وتسعون سنة [5] .
320- محمد بن عبد العزيز بن عَليّ بن عيسى [6] .
أَبُو الْحَسَن الغافقيّ، القُرْطُبيّ، المعروف بالشّقوريّ.
سمع من: أَبِي عَبْد اللَّه بْن الأحمر، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وأبي جَعْفَر البطروجيّ، وجماعة.
قال الأبّار: وكان حافظا لأخبار الأندلس، مَعْنِيًّا بالرجال، ضابطا، متقنا، لَهُ مشاركة فِي اللّغة والنّحو، مع الزّهد والفضل.
ووُلي قضاء شَقُورة وحُمِدت سيرته، وأخذ النّاس عنه.
__________
[1] الغسّال: بالغين المعجمة والسين المهملة.
[2] في تاريخه.
[3] في الأصل: «وأبا» وهو خطأ.
[4] وقال النعّال: حدّث عنه الحافظ أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني، وتوفي قبل مولدي بثلاث سنين. (مشيخة النعال 64) .
[5] مولده في ذي الحجّة سنة 486 هـ.
[6] انظر عن (محمد بن عبد العزيز) في: تكملة الصلة لابن الأبار.(40/295)
وتُوُفي فِي المحرّم. وكان مولده فِي سنة عشرين وخمسمائة.
321- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْجُنيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْجُنيد [1] .
أَبُو مُسْلِم الأصبهانيّ.
سمع: أبا الفتح الحدّاد، وأبا سعد المطرّز، والحافظ مُحَمَّد بْن طاهر المقدسي.
وقدِم بغداد حاجّا مع خاله أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن رزينةٍ، فكتب عَنْهُ المبارك بْن كامل الخفّاف حديثين.
وكان ثقة من بيت حديث وتصوّف.
تُوُفي فِي رجب وَلَهُ 82 سنة.
وقد رَوَى الكثير بأصبهان.
322- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمزة بْن أَبِي جيش.
أَبُو طَالِب الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ.
سمع: هبة اللَّه بْن الأكفانيّ.
روى عَنْهُ: المسلم بْن عَبْد الوهّاب، وأبو القاسم بْن صَصْرَى.
323- مُحَمَّد بْن أَبِي الأزهر علي بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بْن يوسف [2] .
أَبُو طَالِب الواسطيّ، الكتّانيّ، المحتسب، المعدّل.
كان على حسْبة واسط هُوَ وأبوه.
ولد سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن محمد بن الجنيد) في: الوافي بالوفيات 1/ 157، 158 رقم 78.
[2] انظر عن (محمد بن أبي الأزهر) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوط شهيد علي) ورقة 84، والمطبوع 15/ 53، والتقييد لابن نقطة 95، والمختصر المحتاج إليه 1/ 94، والعبر 4/ 238، والمعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1891، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 115، 116 رقم 57، وذيل التقييد لقاضي مكة 1/ 176 رقم 317، وشذرات الذهب 4/ 267.(40/296)
قال ابْن الدّبيثيّ [1] : سمع مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي الصَّقْر الشّاعر، وأبا نُعَيْم مُحَمَّد بن إبراهيم الحماديّ، وأبا الْحَسَن كاتب الوقف، وأبا نُعَيْم بْن زَبزَب، وأحمد بْن أَبِي مُحَمَّد العُكْبَري، وأَبَا غالب مُحَمَّد بْن أَحْمَد، والمبارك بْن فاخر، وهبة اللَّه بْن السقَطي.
وانفرد فِي الدّنيا بإجازة أَبِي طاهر أَحْمَد بْن الْحَسَن الباقلّانيّ، وأبي منصور عَبْد المحسن الشّيحيّ، وأبي الْحَسَن بْن أيّوب البزّاز.
ورحل إلى بغداد، فسمع أَبَا الْحَسَن بْن العلّاف، وأَبَا القاسم بْن بيان، ونور الهدى الزَّيْنَبي.
وكان ثقة صحيح السّماع، متخشّعا، يرجع إلى دين وصلاح.
رحل النّاس إليه وكتبوا عَنْهُ.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، ويوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ، وعبد القادر الرُهاوي، وأبو بَكْر بْن مُوسَى الحارميّ، وأبو الفتح المنْدائي، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع.
وسمعنا منه الكثير ونِعْمَ الشَّيْخ كان.
سمعت منه بقراءتي فِي سنة أربع وسبعين.
قلت: وروى عنه المرجّى بْن شُقيْر كِتَاب «الطّوالات» للتّنوخيّ.
قال ابْن الدبِيثي [2] : وأنشدنا قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد بْن عليّ بن زبزب سنة أربع وخمسمائة: أنشدنا أَبُو تمّام عليّ بْن مُحَمَّد بْن حسن قاضي واسط لبعضهم:
لمّا تكهّل مَن هَوَيْت ... وقلت: رَبْعٌ قد دثر
عاينت من طلّابه ... بالباب أفواجا زُمَر
وكذاك أرباب الحديث ... نفاقهم عند الكبر
__________
[1] في تاريخه.
[2] في تاريخه.(40/297)
تُوُفي رحمه الله فِي ثاني المحرّم بواسط وَلَهُ أربعٌ وتسعون سنة.
324- محمود بْن نصر بْن حمّاد بْن صَدَقة بْن الشّعار [1] .
أَبُو المجد الحرّانيّ، البغداديّ، والد المحدّث إِبْرَاهِيم.
شيخ صالح، سمع الكثير بنفسه من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه بْن الطبَر، وأبي بَكْر المَزْرَفي، فَمَن بعدهم.
قال ابْن الدّبيثيّ: كان ثقة، صحيح النّقل.
تُوُفي فِي رَمَضَان، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
قرأتُ عَلَيْهِ ونِعْمَ الشَّيْخ كان.
قلت: وَرَوَى عَن: العلّامة أَبِي الوفاء بْن عَقِيل.
وروى عَنْهُ: القاضي أَبُو منصور سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن جحدر الصُوفي.
وقد قرأ بالروايات على هبة اللَّه بْن الطَّبر، وكان ثقة.
325- مُقَاتل بْن عزّون.
الرّقّيّ، المعروف بابن العريف المصريّ.
واسع الرّواية.
قال الحافظ ابْن المفضّل فِي «الوَفَيَات» : قرأتُ عَلَيْهِ «سُنَن أَبِي دَاوُد» ، وأخبرنا ابْن المشرّف، عَن الحبّال، عَن أَبِي مُحَمَّد النّحّاس، عَن ابْن الأعرابيّ مناولة، عَنه.
وقرأتُ عَلَيْهِ ستّة أجزاء من أول كِتَاب «الأسماء والكنَى» للنَّسَائي، وهو عشرون جزءا، عن ابن المشرّف، عن الحبّال، عَن ابْن الخصيب، عَن ابْن النّسائيّ، عَن أَبِيهِ.
وناولني «صحيح مُسْلِم» ، أصل سماعه من يوسف المَيُورقي، اللخْمي، عَن الْحُسَيْن بْن عليّ الطّبريّ، بسنده.
__________
[1] انظر عن (محمود بن نصر) في: مشيخة النّعال 65- 67، والمختصر المحتاج إليه 3/ 185 رقم 1183، وسير أعلام النبلاء 21/ 91 دون ترجمة.(40/298)
وتوفّي في رمضان. ومولده سنة إحدى وخمسمائة رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
326- الموفَّق بْن شوعة [1] .
اليهوديّ، المصريّ، الطّبيب، الملقّب بالقيثارة.
من أعيان الأطبّاء والكحّالين. وكان ظريفا، شاعرا، ماجنا.
خدم السّلطان صلاح الدّين بالطّبّ.
وكان الشَّيْخ نجم الدّين الخَبُوشاني لَهُ صورة بمصر، وفيه صلاح و (دين) [2] ، فإذا رَأَى ذِميًا راكبا قصد قتْله، فكانوا يتحامونه، فرأى الموفّق راكبا فضربه بشيء أصاب عينه، فقلعها وراحت هدْرًا.
وله، أعني الموفّق، قصيدة يهجو فِيهَا ابْن جُمَيع اليهوديّ رأس الأطبّاء بالقاهرة ويرميه بالأبْنَة. ولهم اللعْنة.
- حرف الياء-
327- يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن عثمان [3] .
أَبُو الحَجّاج العَبْدَري، الغَرْناطيّ، المعروف بالثَغْري [4] .
أخذ القراءات عَن: عَبْد الرحيم بْن الفَرَس، وأبي الْحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي بَكْر يحيى بْن الخلوف، وأبي الْحَسَن بْن الباذش.
وسمع منهم، ومن: أَبِي مروان الباجيّ، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وأبي الحسن بن مغيث، وخلق.
__________
[1] انظر عن (الموفق بن شوعة) في: عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة 3/ 192، 193 وفيه «شرعة» بالراء في العنوان، و «شوعة» في المتن.
[2] في الأصل بياض.
[3] انظر عن (يوسف بن إبراهيم) في: بغية الملتمس للضبّي 488، 489، رقم 1438، وتكملة الصلة (مخطوط) 3/ ورقة 142، ومعجم شيوخ الصدفي، لابن الأبار 331، وصلة الصلة لابن الزبير 213، 214، ومعرفة القراء الكبار 2/ 551، 552 رقم 501، وغاية النهاية 2/ 392، 393، وطبقات المفسّرين للداوديّ 2/ 378، 379.
[4] عرف بالثّغري لأن أباه أصله من ثغر لاردة. (تكملة الصلة) .(40/299)
وصحِب أَبَا بَكْر بْن مَسْعُود النَّحْوي مدَّة، وأخذ عَنْهُ العربيّة. وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكَّرَة، وأبو بَكْر الطّرْطُوشي.
قال الأبّار [1] : وكان فقيها حافظا، محدّثا، راوية، مقرئا، ضابطا، مفسّرا، أديبا. نزل فِي الفتنة قليوشة وأقرأ فِيهَا. وولي الصّلاة والخطْبة.
أكثر عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه التُّجيْبي وقال: لم أر أفضل منه، وَلَا أزهد، وَلَا أحفظ لحديثٍ وتفسير منه. ولم أر بالبلاد المشرقية أفضل من أَبِي مُحَمَّد العثماني وَلَا أزهد وَلَا أورع.
قال: وروى عَن أَبِي الحَجّاج: أَبُو عُمَر بْن عيّاد، وأبو الْعَبَّاس بْن عُمَيْرَة، وأبو سليمان بن حَوْط اللَّه [2] .
وتُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شوّال، وَلَهُ 86 سنة.
328- يونس بْن مُحَمَّد بْن مَنْعة بْن مالك بْن مُحَمَّد [3] .
الْإِمَام رضيّ الدّين أَبُو الفضل المَوْصِلي الإربليّ الأصل، الشّافعيّ.
والد الشَّيْخ كمال الدّين مُوسَى وعماد الدّين مُحَمَّد.
وُلِد بإربل، وتفقَّه بالموصل على الْحُسَيْن بْن نصر بْن خميس الْجُهَنيّ، وسمع منه كثيرا من حديثه. ثمّ انحدر إلى بغداد وتفقَّه بها على أَبِي منصور سَعِيد بْن مُحَمَّد الرّزّاز.
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] وقال الضبّي: فقيه، محدّث، راوية عارف، أديب. انتقل إلى مرسية في الفتنة وصار خطيبا بقليوشة من قرى مدينة أوريولة، واقتنع ولم يتعرّض لظهور، وكان قد غصّ به جماعة من الفقهاء بمرسية حين وصلها لمعرفته، فسعى له في الخطبة بجامع قليوشة المذكورة وانتقل إليها. سمعت عليه بعض كتاب «الموطّأ» . (بغية الملتمس) .
[3] انظر عن (يونس بن محمد) في: تاريخ إربل 1/ 74، ووفيات الأعيان 6/ 252، والإعلام بوفيات الأعلام 239، والعبر 4/ 238، ومرآة الجنان 3/ 406 (576 هـ.) و 415، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 354، 355 رقم 321، وتاريخ الخلفاء 457، والنجوم الزاهرة 6/ 96، وشذرات الذهب 4/ 267.(40/300)
ثمّ ردَّ إلى الموصل وسكنها، وصادف بها قبولا عند متولّيها زين الدّين عليّ كَوْجَك صاحب إربل.
ودرَّس وأفتى وناظر، وتفقَّه به جماعة.
تُوُفي فِي المحرَّم وَلَهُ ثمانٍ وستّون سنة. ورَّخه ابْن خَلكان [1] .
وَفِيهَا وُلد:
نقيب الأشراف بهاء الدّين عليّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الجن.
وأبو المجد عَبْد الملك بْن نصر بْن الفويّ بالثغْر. سمع من ابْن المفضّل.
وأبو بَكْر بْن عليّ بْن بكّار.
__________
[1] في وفيات الأعيان.
وحدّث القاضي أبو محمد جعفر بن محمد بن محمود قال: أنشدت شيخنا يونس بْن مُحَمَّد بْن مَنْعة بْن مالك الفقيه- رحمه الله- أبياتا «إلى ماذا يقول» :
ماذا يقول رضيّ الدين في رجل ... قد شفّه قمر يزري على القمر
متيّم قلق صبّ حليف ضنى ... مولّه بفتور اللحظ والحور
وقد خلا بالذي يهوى فهل حرج ... عليه إن فاز بالتقبيل والنظر؟
(تاريخ إربل 1/ 74) .(40/301)
سنة ثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
329- أَحْمَد بْن عليّ بْن معمّر بْن رضوان [1] .
أَبُو بَكْر بْن جرادة المشاهر البغداديّ.
سمع: إِسْمَاعِيل بْن ملّة، وأَبَا طَالِب بْن يوسف.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وهو ابْن خمسٍ وتسعين سنة.
قاله الدّبيثيّ.
330- أَحْمَد بْن المبارك بْن دَرَك [2] .
أَبُو الْعَبَّاس البغداديّ، الضّرير، المقرئ، الدارقَزّي [3] .
شيخ صالح.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأحمد بْن عليّ بْن قريش.
سمع منه: أَحْمَد بْن طارق، وعبد العزيز بْن الأخضر، وغيرهما.
وقال إلياس بْن جامع الإربليّ [4] : قرأت عَلَيْهِ جزءا تحت شجرةٍ فِي داره، فقال لي: قرأتُ تحت هذه الشّجرة عشرة آلاف ختْمة.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبار ج 1.
[2] انظر عن (أحمد بن المبارك) في: تاريخ ابن الدبيثي 2/ ورقة 65 ب، والمختصر المحتاج إليه 1/ 214، 215، والعسجد المسبوك 2/ 192، 193.
[3] الدارقزّي: نسبة إلى دار القزّ.
[4] له ذكر في تاريخ إربل 1/ 191.(40/302)
331- إِبْرَاهِيم بْن حسين بْن يوسف بْن محارب [1] .
أَبُو إِسْحَاق القيْسي البَلَنْسِي، المقرئ.
أخذ القراءات عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد.
سمع من: أَبِي بَكْر بْن برنجال.
وأخِذت عَنْهُ القراءات وكتبها. وكان مشهورا بالتّجويد.
قال الأبّار: أخذ عنه شيوخنا أبو عبد الله بن واجب، وأبو الحجّاج بن أيّوب، وأبو الحسن بن خيرة.
وقرأ عليه في صغره أبو جعفر بن عون الله الحصّار.
توفّي سنة ثمانين أو إحدى وثمانين.
332- إيلغازي بْن ألبي بْن تمرتاش بْن إيلغازي بْن أرتق [2] .
الملك قطب الدّين صاحب ماردين. وليها مدّة طويلة بعد أَبِيهِ.
وكان موصوفا بالشّجاعة والعدل.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وخلّف ولدين صغيرين، فأقيم فِي الأمر أحدهما، وهو حسام الدّين، وقام بتدبيره مملوكه نظام الدّين ألْبُقش من تحت جناح خال أَبِيهِ شاه أرمن صاحب خلاط. فلمّا مات ولي الآخر قُطب الدّين، فامتدّت أيّامه إلى أن قتَلَ ألْبقُش واستقلّ بالأمر [3] .
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن حسين) في: تكملة الصلة لابن الأبار ج 1.
[2] انظر عن (إيلغازي) في: الكامل في التاريخ 11/ 475 و 508، وتاريخ مختصر الدول 219، وتاريخ الزمان 202 ووفيات الأعيان 1/ 191 و 2/ 265 و 451، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 121، 149، وق 2/ 446، 447، 450، 451، 556، والروضتين 2/ 60 (طبعة وادي النيل) ، ومرآة الزمان 8/ 383، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 4/ 620، والدرّ المطلوب 78، والمختصر في أخبار البشر 3/ 68، والعبر 4/ 239، وتاريخ ابن الوردي 2/ 94، والوافي بالوفيات 10/ 26، 27 رقم 4469، والسلوك ج 1 ق 1/ 86 (سنة 579 هـ.) ، والنجوم الزاهرة 6/ 97، والعسجد المسبوك 2/ 191، وتاريخ ابن سباط 1/ 168، وشذرات الذهب 4/ 268.
[3] الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 2/ 557 وفيه أن قطب الدين بن إيلغازي قتل ألبقش وهو يعوده في مرضه.(40/303)
- حرف الباء-
333- بدر بْن عَبْد الغنيّ بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو النجْم الطّحّان، الواسطيّ، المقرئ.
قرأ على: عليّ بْن شِيران، وأبي مُحَمَّد سبط الخيّاط.
روى القراءات بواسط.
قال الدّبيثيّ: سمعتُ منه. وتُوُفّي فِي ربيعٍ الأوّل.
- حرف الحاء-
334- الْحَسَن بْن عيسى بْن أصبغ.
أَبُو الوليد الْأَزْدِيّ، القُرْطُبيّ، المعروف بابن المناصف.
روى عَن: عمّ أمّه أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، سمع منه «المدوّنة» وكتابه الكبير فِي المواعظ الملقّب ب «شفاء الصُّدور» .
وله إجازة عَن: أَبِي عليّ بْن سُكَّرَة.
ولي خطابة إشبيلية.
وحدّث عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن الملجوم، وأبو سليمان بن حوط الله، وأبو الخطّاب بن دحية.
وتوفّي في المحرّم.
وولد ظنّا سنة اثنتين وخمسمائة.
335- الحُسَيْن بْن عليّ بْن عَبْد الواحد بْن شبيب [2] .
أبو عبد الله النّصيبيّ، ثمّ البغداديّ، الكاتب.
كان كاتبا منشئا، فصيحا، بليغا، مفوّها، له النّظم والنّثر.
وكان يدخل على المستنجد باللَّه ويجالسه، ويحبّ سماع كلامه. ويأمره
__________
[1] انظر عن (بدر بن عبد الغني) في: تكملة الصلة لابن الأبار ج 1.
[2] انظر عن (الحسين بن علي بن عبد الواحد) في: معجم الأدباء 10/ 126- 130 رقم 10 وفيه قال محقّقه بالحاشية: «لم نعثر له على ترجمة سوى ترجمته في ياقوت» .(40/304)
بإطالة مقامه. قَالَ لَهُ مرّة مصحّفا: أَابنُ شَبِيب؟ فجاوبه مسرعا: عبدُ مولانا [1] .
تُوُفي فِي ربيع الآخر [2] .
- حرف الزاي-
336- زهير بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي سَعِيد [3] .
أَبُو سعد الأصبهانيّ. يعرف بشعرانة [4] .
__________
[1] وقال ياقوت: كان أديبا كاتبا شاعرا له اليد الطولى في حلّ الألغاز العويصة. تفاوض أبو منصور محمد بن سليمان بن قتلمش، وأبو غالب بن الحصين في سرعة خاطر ابن شبيب وتقدّمه في حلّ الألغاز، فعمل ابن قتلمش أبياتا على صورة الألغاز، ولم يلغز فيها بشيء وأرسلاها إلى ابن شبيب يمتحنانه بها وهي:
وما شيء له في الرأس رجل ... وموضع وجهه منه قفاه؟
إذا غمّضت عينك أبصرته ... وإن فتّحت عينك لا تراه
ونظم أيضا:
وجار وهو تيّار ... ضعيف العقل خوّار
بلا لحم ولا ريش ... وهو في الرمز طيّار
بطبع بارد جدّا ... ولكن كلّه نار
فكتب ابن شبيب على الأول: هو طيف الخيال. وكتب على الثاني: هو الزئبق. فجاء أبو غالب وأبو منصور إليه وقالا: هب اللغز الأول طيف الخيال، والبيت الثاني يساعدك على ما قلت، فكيف تعمل بالبيت الأول؟ فقال: لأن المنام يفسّر بالعكس، لأن من بكى يفسّر بكاؤه بالضحك والسرور، ومن مات يفسّر موته بطول العمر. وأما اللغز الثاني: فإن أصحاب صناعة الكيمياء يرمزون للزئبق بالطيّار والفرّار والآبق وما أشبه ذلك، لأنه يناسب صفته، وأمّا برده فظاهر، ولإفراط برده ثقل جسمه وجرمه، وكله نار لسرعة حركته وتشكّله في افتراقه والتئامه، وعلى كل حال ففي ذلك تسامح يجوز في مثل هذه الصور الباطلة إذا طبّقت على الحقيقة.
ومن شعر ابن شبيب في المستنجد:
أنت الإمام الّذي يحكي بسيرته ... من ناب بعد رسول الله أو خلفا
أصبحت لبّ بني العباس كلّهم ... إن عدّدت بحروف الجمّل الخلفا
فإنّ جمّل حروف «لبّ» اثنان وثلاثون، والمستنجد هو الثاني والثلاثون من الخلفاء.
[2] مولده سنة 500 هـ.
[3] انظر عن (زهير بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 75 رقم 673، وتلخيص مجمع الآداب 4/ 91، وغاية النهاية 1/ 295.
[4] ويلقّب: غياث الدين.(40/305)
والد مُحَمَّد شعرانة الَّذِي أجاز للقاضي تقي الدّين الحنبليّ.
سمع: سَعِيد بْن أَبِي الرجاء الصيرَفي.
قال الدّبيثيّ: وكان مقرئا مجوّدا، قدِم بغداد، ولقِيتُه بالحِلة وبمدينة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسمعتُ منه.
وتُوُفي معنا بوادي العروس فِي تاسع المحرّم.
- حرف السين-
337- السّديد [1] .
أَبُو البيان بْن المدوَّر اليهوديّ، طبيب السّلطان صلاح الدّين.
كان حاذقا بصيرا بالعلاج، خدم الخلفاء الباطنيّة، وخدم بعدهم صلاح الدّين، وطال عمره وانقطع. وكان لَهُ فِي الشّهر أربعة وعشرون دينارا إلى أن مات إلى لعنة اللَّه.
وكان يُقرئ الطبَّ فِي داره بمصر، وعاش ثلاثا وثمانين سنة. وهو من تلامذة زين الحسّاب.
تُوُفي سنة ثمانين.
338- سعد بْن الْحَسَن بْن سلمان [2] .
أَبُو مُحَمَّد الحرّانيّ، ثمّ البغداديّ، ويُعرف بابن التّورانيّ [3] . وتُوران قرية على باب حَران.
كان تاجرا معروفا، وأديبا شاعرا. جالس أَبَا منصور الجواليقيّ، وغيره.
روى عَنْهُ أبو سعدون شعره في «الذّيل» .
__________
[1] انظر عن (السديد) في: عيون الأنباء 2/ 115، والوافي بالوفيات 15/ 127 رقم 180.
[2] انظر عن (سعيد بن الحسن) في: معجم الأدباء 11/ 192، رقم 57، ومعجم البلدان 2/ 57، والمختصر المحتاج إليه 2/ 83 رقم 685، والوافي بالوفيات 15/ 178 رقم 239، وبغية الوعاة 2/ 252.
[3] تحرّفت في معجم الأدباء إلى «النوراتي» .(40/306)
وتُوُفي فِي ذي القعدة [1] .
- حرف العين-
339- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن وقّاص.
أَبُو مُحَمَّد اللّمطيّ، المَيُورقي، خطيب مَيُورقَة ومفتيها.
استشهد فِي الحادثة الكائنة بقصر مَيُورقَة فِي هذا العام.
340- عَبْد الرحيم بْن أَبِي البركات إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد [2] .
صدر الدّين أَبُو القاسم النيْسابوري، ثمّ البغداديّ، الصُّوفي. شَيْخ الشّيوخ.
كان حَسَن النظْم والنّثر، وَلَهُ رأي ودهاء وتقدمٌ وجاه عريض. فكان المشار إليه فِي حُسْن الرأي والتّدبير، مع زُهد وعبادة.
ترسّل إلى الشّام، وكانت الملوك تستضيء برأيه [3] .
سمع: أَبَاهُ، وأَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وزاهر بن طاهر، وأبا عليّ
__________
[1] ومن شعره:
قد قلت للقلب اللجوج ... وقد شكا فرط الغرام
ألبين يوم ذا فكيف ... إذا بليت ببين عام
ومنه:
جاءت تسائل عن ليلي فقلت لها ... وسورة الهمّ تمحو سيرة الجذل
ليلي يكفيك فأغنى عن سؤالك لي ... إن بنت طال وإن واصلت لم يطل
وقال ما يكتب على سكّين:
حدّي وحدّك أمضي ... من القضاء وأجرى
كم قط صدري رأسا ... وشقّ رأسي صدرا
[2] انظر عن (عبد الرحيم بن إسماعيل) في: الكامل في التاريخ 11/ 509، والمختصر المحتاج إليه 3/ 25، 27 رقم 786، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 102 (دون ترجمة) ، والوافي بالوفيات 18/ 121، 122 رقم 133، وفيه «عبد الرحمن» ، والعسجد المسبوك 2/ 192.
[3] في الوافي 18/ 21 «تستغني برأيه» .(40/307)
الفارقيّ، ومقرّب بْن الْحُسَيْن النّسّاج.
وروى الكثير، وكان صدوقا نبيلا.
سمع منه: أَبُو سعد السّمعانيّ مع تقدُّمه، وأبو الخير القزوينيّ، وأبو منصور حَفَدَة العطّاريّ.
وروى عَنْهُ: أَبُو أحمد بْن سُكَيْنَة، وابنه أَبُو الفُتُوح، وأبو عَبْد الله محمد بن الدّبيثيّ، وسالم بن صَصْرَى، وآخرون.
وكان فِي الرسْليَة من قِبَل أمير المؤمنين، هُوَ والطّواشيّ شهاب الدّين بشير، فمرضا بدمشق، وطلبا العود إلى بغداد. وسارا فِي الحَرّ، فتوفّي بشير بالسخْنة. وأمّا الشَّيْخ صدر الدّين فإنّه لم يستعمل فِي مرضه هذا دواء توكُّلًا على اللَّه تعالى. كذا نقل ابْن الأثير [1] فِي «تاريخه» .
وتُوُفي بالرحْبَة فِي رجب.
وكان معه كَفَنُهُ إلى أَيْنَ سافر، وكان من غزْل أمّه، ومعه دينار لتجهيزه، من أجرة غزْل أمّه [2] .
341- عَبْد الرحيم بْن عُمَر بْن عَبْد الرحيم بْن أَحْمَد [3] .
__________
[1] في الكامل 11/ 509.
[2] ومن شعره:
من عاش في أهله أبدوا سآمته ... وعافه منهم أهل وجيران
يحنو ودادا وتبدو منهم إحن ... وليس يألوهم نصحا وإن خانوا
يهوى لإيثارهم موتا يعاجله ... والمرتجى بعده عفو وغفران
إن بان من بينهم سرّوا بغيبته ... وليس يهناؤه عيش إذا بانوا
ومنه من أبيات:
سافر بهمّك في مقامات الرضى ... واسرح بقلبك في رياض الأنس
شمّر فقد وضح الطريق إلى الهدى ... والحرّ موعده زوال اللّبس
من عاف شهوته وعفّ ضميره ... فهو المعافى من عيوب النفس
[3] انظر عن (عبد الرحيم بن عمر) في: تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 600، 601، ومعجم المؤلفين 5/ 210.(40/308)
أَبُو القاسم الحضْرمي، الفاسيّ، المعروف بابن عكيس.
سمع بقُرْطُبة وإشبيلية من: أَبِي الْحَسَن بْن مُغِيث، وأبي بَكْر بْن العربيّ.
وكان حافظا، مشاورا، فقيها، مبرّزا، لَهُ تواليف.
حدّث عَنْهُ: ابنه عُمَر، وأبو مُحَمَّد بْن مطروح.
تُوُفي فِي شعبان وَلَهُ ثمانون سنة.
342- عَبْد القادر بْن هبة اللَّه الغضائريّ [1] .
سمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأَبَا الْحُسَيْن بْن الفرّاء.
كتب عَنْهُ: ابْن مَشقْ، وغيره.
343- عَبْد اللّطيف بْن مُحَمَّد بْن ثابت [2] .
الْخُجَنْدِيُّ. رئيس أصبهان.
عالم، إمام كبير القدْر، بعيد الصّيت.
قدِم بغداد ووعظ، وحجَّ، وعاد إلى بلده.
فتُوُفّي فِي ربيع الأوّل. وقد حدّث [3] .
344- عُبَيْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بن الفرّاء [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد القادر بن هبة الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 80 رقم 899.
[2] انظر عن (عبد اللطيف بن محمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 509، 510، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس) 2/ ورقة 160 ب، والطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 261، وشذرات الذهب 4/ 327.
[3] قال ابن الأثير: وله شعر فمنه:
بالحمى دار ساقاها مدمعي ... يا سقى الله الحمى من مربع
ليت شعري والأماني ضلّة ... هل إلى وادي الغضى من مرجع؟
أذنت علوة للواشي بنا ... ما على علوة لو لم تسمع
أو تحرّت رشدا فيما وشى ... أو عفت عني فما قلبي معي
[4] انظر عن (عبيد الله بن علي) في: مشيخة النّعال 70- 72، والمختصر المحتاج إليه 2/ 180، 181 رقم 824، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 22 59) ورقة 115، وتلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 361، وذيل تاريخ بغداد 2/ 92- 94 رقم 338، ولسان الميزان 4/ 109، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 351- 353 رقم 171 وفيه «عبد الله» .(40/309)
أَبُو القاسم بْن أَبِي الفَرَج ابْن أَبِي خازم ابْن القاضي أَبِي يَعْلَى البغداديّ، الحنبليّ.
سمّعه أَبُوهُ الكثير من أَبِي منصور عَبْد الرَّحْمَن القَزَّاز، وأبي منصور بْن خيرون، وأبي عَبْد اللَّه السّلال، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السّلام.
وطلب هُوَ بنفسه، وأكثر عَن أصحاب عاصم بْن الْحَسَن، وطِراد.
وبالغ حتّى سمع من أصحاب ابْن الحُصَيْن. وكتب وحصّل الأصول.
قال ابْن النّجّار [1] : وكانت داره مجمعا لأهل العِلم والشّيوخ، وينفق عليهم ويتكرَّم. وكان لطيفا حَسَن الأخلاق ذا مروءة. قرأ الفقه وشهد على القضاة، ثمّ عُزِل لمّا ظهرت منه أشياء لَا تليق بأهل الدّين قبل موته بقليل.
سمع منه: ابْن الأخضر، وكان يصفه بالسّخاء والعطاء.
وقال لي ابْن القطيعيّ: كان عَدْلًا فِي روايته ضعيفا فِي شهادته.
مات سنة ثمانين فِي آخرها. مرض بالفالج أسبوعا. ومولده سنة سبْعٍ وعشرين.
قلت: رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفّق وقال: كان آخر مَن بقي مِن ذرّيّة القاضي أَبِي يَعْلَى ممّن لَهُ حشمة وجاه ومنصب.
وكان لَهُ دار واسعة، وعنده أكثر كتب أَبِي يَعْلَى. ثمّ افتقر فباع أكثرها.
345- عتيق بْن أَحْمَد بْن سلمون.
أَبُو بَكْر البَلَنْسِي، النحْوي.
أخذ القراءات عَن: ابْن هُذَيل، والنّحو عَن: أَبِي مُحَمَّد بْن عَبْدُون.
استشهد فِي كائنة غربالة.
346- عثمان بْن محمد بن عيسى [2] .
__________
[1] في ذيل تاريخ بغداد 2/ 93.
[2] انظر عن (عثمان بن محمد) في: صلة الصلة لابن الزبير 76، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1836، وبغية الملتمس للضبّي 409، 410، رقم 1177، والذيل والتكملة لكتابي-(40/310)
أَبُو عَمرو اللخْمي، المُرْسِي، البشجيّ [1] ، نسبة إلى بعض الثّغور.
أخذ عَن: أَبِي الْحَسَن بْن هُذيْل، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعادة.
وكان فقيها ماهرا، مدرّسا، مناظِرًا.
تفقّه به أَبُو سُلَيْمَان بْن حوْط اللَّه.
وروى عَنْهُ: هُوَ، وأبو عيسى بْن أَبِي السّداد [2] .
347- عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوارث [3] .
أَبُو الْحَسَن الغَرْناطي.
روى عَن: أَبِي الْحُسَيْن بْن ثابت، وابن العربيّ، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي جَعْفَر البطْروجي.
قال ابْن الزُبَيْر [4] : صاحب رواية ودراية وخير وتواضع.
تُوُفي سنة ثمانين أو نحوها.
348- علي بن محمد بن عبد الملك [5] .
- الموصول والصلة 5 ق 1/ 138، 139 رقم 282.
__________
[1] في الذيل والتكملة: «البججي» ، والمثبت يتفق مع: الصلة، والتكملة. وفي بغية الملتمس 410 «البشيجي» .
[2] وكان فقيها حافظا مدرّسا للفقه، أديبا ماهرا، ذا مشاركة في علم الحديث، وحظ صالح من قرض الشعر. دخل يوما مجلس أبي العباس ابن الحلال القاضي فسأل بعض الحاضرين عنه فقيل له هو ابن أخت أبي عبد الله القسطلي، فأنشد السائل متمثّلا:
فإنّ ابن أخت القوم مصغى إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله باب جلد
فأجابه أبو عمرو بديهة:
أنا ابن الأكرمين من آل لخم ... وأخوالي أولو عالي السناء
وليس إناي بين القوم مصغى ... لأني من بني ماء السماء
وكان له سلف في العلم. (الذيل والتكملة) .
[3] انظر عن (علي بن محمد بن عبد الوارث) في: صلة الصلة لابن الزبير 107، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 313 رقم 618.
[4] في صلة الصلة.
[5] انظر عن (علي بن محمد بن عبد الملك) في: صلة الصلة لابن الزبير 106، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1872، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 5-(40/311)
أَبُو الحَكَم اللخْمي الإشبيليّ.
نزل به أَبُوهُ قُرْطبة.
سمع: أباه، وأبا عَبْد الملك بْن مكّيّ، وأبا الْحُسَيْن بْن مغيث.
ووُلي خطّة الكتابة بمَرّاكُش.
وكان كاتبا بليغا مفوَّهًا، من بيت رئاسة.
حدّث فِي هذا العام واختفى خَبَرهُ [1] .
- حرف الميم-
349- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي عَليّ.
أَبُو بَكْر الأصبهانيّ، ثمّ البغداديّ السّيّديّ، منسوب إلى خدمة الأمير السّيّد أَبِي الْحَسَن العَلوي.
شيخ صالح. سمع فِي الكهولة من: ابْن البطّيّ، وأبي زُرْعة، ومُعَمّر بْن الفاخر.
وسمّع: ابنه عَبْد الكريم، وحفيده أَبَا جَعْفَر محمدا.
وكان ثقة.
روى عَنْهُ: إلياس بْن جامع الإربليّ فِي مصنّفاته.
وتُوُفي فِي شعبان، وَلَهُ سبعون سنة.
350- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي عليّ مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن نبهان.
أَبُو الفَرَج البغداديّ، الكراخيّ.
سمع من: جدّه، وابن بيان الرّزّاز.
__________
[ (-) ] ق 1/ 312 رقم 615.
[1] وقال المراكشي: وكان من بيت علم وجلالة، نبيه القدر، أحد الكتبة المجيدين، الفائقين لفظا وخطا، متين المعارف الأدبية، سريّ الهمّة، كريم الأخلاق، وكتب عن أبي يعقوب بن عبد المؤمن زمانا، ثم إن أبا يعقوب خيّم بظاهر إشبيلية في غزواته ونهى أهل محلّته كلهم عن الدخول إلى إشبيلية فدخل إليها أبو الحكم هذا فهجره أبو يعقوب ثم أقصاه ولم يعده بعد إلى الكتابة.(40/312)
روى عَنْهُ: تميم البَنْدَنِيجي، والْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر، وأبو بَكْر عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد المقرئ، وسالم بْن صَصْرَى، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل الطّبّال، وجماعة. وكان شاعرا يمدح الرؤساء، وَلَهُ:
تركتُ القريضَ لمن قالَهُ ... وجُودَ فلان وأفضالَهُ
وتبت من الشّعر لمّا رَأَيْت ... كساد كساد القريض وإهمالَهُ
وعدتُ إلى منزلي واثقا ... بربٌ يرى الخلْق سوالَهُ
تُوُفي فِي رَمَضَان وَلَهُ أربعٌ وتسعون سنة.
351- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن طاهر [1] .
أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، الإشبيليّ، النّحويّ. ويُعرف بالخِدَب [2] .
أخذ العربيّة عَن: أَبِي القاسم بْن الرّمّال، وأبي الْحَسَن بْن مُسْلِم.
وسادَ أهل زمانه فِي العربيّة، ودرّس فِي بلادٍ مختلفة. وكان قائما على «كِتَاب سيبوَيْه» ، وَلَهُ عليه تعليق سمّاه «الطُّرر» ، لم يُسبق إلى مثله.
وكان يتعانى التّجارة، فدخل مدينة فاس وأقرأ أهلها مدَّة.
أخذ عَنْهُ: أَبُو ذَرّ الخُشَنيّ، وأبو الْحَسَن بْن خَرُوف.
وحجّ، وأقرأ بمصر، وحلب، والبصْرة، ثم رجع. واختلط عقله فأقام ببجاية وربّما ثاب إليه عقل فيتكلّم فِي مسائل أحسن ما يكون. ذكره الأبّار [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، 803، والوافي بالوفيات 2/ 113، 114 رقم 448، وبغية الوعاة 1/ 12، وتاريخ الخلفاء 457، والمقفى الكبير 5/ 182، 183 رقم 1733، ولسان الميزان 5/ 48 رقم 184، وكشف الظنون 213، ومعجم المؤلفين 8/ 271.
[2] الخدبّ: ضبطه الصفدي فقال: بكسر الخاء المعجمة والدال المهملة المفتوحة والباء الموحّدة المشدّدة. وهو الرجل الطويل.
[3] في التكملة. وقال: وأقسم أنه يقرئ كتاب سيبويه بالبصرة حيث وضعه سيبويه، فأقرأه بها.
وأنشد له أبو محمد المنذري من قصيدة طويلة يمدح بها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب: -(40/313)
352- مُحَمَّد بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سلامة بْن أَبِي جميل [1] .
القُرَشي أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَعْلَى الشُّرُوطي المعدّل الدّمشقيّ، المعروف بابن أَبِي الصّقر. أحد محدّثي دمشق الثّقات.
وُلِد فِي رجب سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
وسمع من: هبة اللَّه بْن الأكفانيّ، وعليّ بْن أَحْمَد بْن قبيس، وجمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن السلَمي، وطائفة.
ورحل سنة تسعٍ وعشرين، فسمع: هبة اللَّه بْن الطَّبَر، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وجماعة.
ولم يزل مشتغلا بالطلَب والإفادة.
وسمّع ولده مُكْرَمًا من حمزة بْن الحُبُوبي، وطبقته. وكان شُرُوطي البلد.
روى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعبد القادر الرّهاويّ، وأبو الْحَسَن القطِيعي، والضّياء مُحَمَّد، وآخرون.
وقرأت وفاته بخطّ الحافظ الضّياء فِي يوم السَّبْت السّابع والعشرين من صفر سنة ثمانين.
__________
[ (-) ]
مغاني سلمى بالشريف ألا اسلمي ... سقتك الغوادي كلّ أوطف أسحم
فكم وقفة لي في جنابك أعربت ... عن الشوق حتى قيل عليّ المتيّم
وصهباء شملال كأنّ مسيرها ... إلى الريح ينمى للجديد، وشدتم
وأنه قال: كنت في صباي أربط شعري بالحائط حتى لا أنام عن الاشتغال، وسكنت في الفندق إيثارا لطلب العلم، أربع عشرة سنة.
وأنه قدم إلى مصر ومعه أربعة آلاف دينار أخذها منه أخوه فاختلّ عقله، وعاد إلى بجاية، فصار بالليل يسرد وقت اختلاله أبيات سيبويه.
[1] انظر عن (محمد بن حمزة) في: الإعلام بوفيات الأعلام 239، والمعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1892. وسير أعلام النبلاء 21/ 109 رقم 52، والعبر 4/ 239، وشذرات الذهب 4/ 268.(40/314)
قلت: رَوَى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى.
353- مُحَمَّد بْن خَالِد بْن بختيار [1] .
أَبُو بَكْر الأزَجي ابْن الرّزّاز، الضّرير، المقرئ.
قال الدّبيثيّ: شَيْخ فاضل، عارف بالقراءات والأدب.
قرأ على: أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وسِبْط الخيّاط، ودعوان بْن عليّ.
وسمع منهم. وأقرأ النّاس مدّة، وتخرّج به جماعة فِي النّحو. وكان ثقة عارفا بوجوه القراءات. أمّ مدّة بمسجد دعوان بباب الأزَج.
وتُوُفي فِي المحرّم رَحِمَهُ اللَّهُ.
354- مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن عُبَيْد اللَّه [2] .
أَبُو المظفّر المؤدّب. شيخ بغداديّ، مليح الخطّ.
علّم خلْقًا.
قال الدّبيثيّ: هُوَ مؤدّبنا. وكان شيخنا ابْن ناصر يقول: هُوَ علّمني الخطّ.
حدّث عَن: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِيّ، وأبي منصور بْن الجواليقيّ، وجماعة.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر.
355- مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بن الفضل [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن خالد) في: تاريخ ابن الدبيثي 1/ 263، وإنباه الرواة 3/ 123، والمختصر المحتاج إليه 1/ 46، ومعرفة القراء الكبار 2/ 552 رقم 502، وتلخيص ابن مكتوم (مخطوط) ورقة 208، وغاية النهاية 2/ 136.
[2] انظر عن (محمد بن سعيد) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الكريم) في: عيون الأنباء 2/ 190، وتاريخ إربل 1/ 82، والتدوين في أخبار قزوين 1/ 328- 422، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 64 رقم 272، وسير أعلام النبلاء 21/ 97 رقم 44، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 131- 133، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 570، والوافي بالوفيات 3/ 280، 281 رقم 1322، وتاريخ الخلفاء 457، وطبقات الشافعية لابن هداية الله 80.(40/315)
أَبُو الفضل القَزْوِيني، الرافعيّ، الفقيه الشّافعيّ، والد صاحب «الشّرح» تفقّه ببلده على مَلْكَدَاذ بْن عليّ العمركيّ، وأبي عليّ بْن شافعيّ، وأبي سُلَيْمَان الزُبَيْري. وسمع منهم.
ثمّ قدِم بغداد، وتفقّه على أَبِي منصور بْن الرّزاز بالنّظاميّة، وسمع منه.
ومن: سعد الخير، ومحمد بْن طِراد الزَّيْنَبي، وغيرهم.
ثمّ رحل إلى مُحَمَّد بْن يحيى فقيه نَيْسابور فتفقّه عنده، وبرع في المذهب.
وسمع من: عَبْد الله بْن الفُرَاوي، وعبد الخالق بْن الشّحّاميّ.
ثمّ عاد إلى وطنه، ودرّس الفقه وَرَوَى الحديث [1] .
أخذ عَنْهُ: ابنه الْإِمَام أَبُو الفضائل، وغيره.
وتُوُفي في رمضان وهو فِي عَشْر السّبعين [2] .
356- مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن [3] .
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن المَرْوَزي، الكُشْميهني، الصّوفيّ.
قدِم دمشق سنة ثمانٍ وخمسين، وحدّث بها عَن: مُحَمَّد بْن عليّ الكراعيّ.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بن صصريّ، وغير واحد.
__________
[1] طوّل ابنه ترجمته في (التدوين) وقال فيها إنه سافر إلى الري سنة 535، وإلى بغداد 536، وحجّ سنة 538، وعقد المجلس في التاجية سنة 542 هـ. ودخل نيسابور في تلك السنة، وسمع بطوس، وآمل، وعاد إلى قزوين سنة 549 هـ. وذكر أسماء شيوخه، ثم تلاميذه، ومصنّفاته: «التحصيل في تفسير التنزيل» ، وهو كتاب كبير يشتمل على ثلاثين مجلّدة، و «الحديث الحاوي الأصول من أخبار الرسول» صلّى الله عليه وسلم، و «تحفة الغزاة ونزهة الهداة» ، و «فضائل الشهور الثلاثة» ، وغيره.
[2] لم يحدّد ابنه تاريخ ولادته فقال: كانت ولادته رحمه الله سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة وخمسمائة. (التدوين 1/ 329) .
[3] انظر عن (محمد بن أبي بكر محمد) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 120، 121، والعسجد المسبوك 2/ 190 (في وفيات سنة 579 هـ.) ، والوافي بالوفيات 1/ 165، 166 رقم 96.(40/316)
ومات سنة 580.
357- المبارك بْن مُحَمَّد بْن يحيى [1] .
أَبُو بَكْر ابْن الواعظ الزّبيديّ.
قدِم مع أبيه بغداد وسكنها، وتكلّم فِي الوعظ.
وسمّع ابنيه الْحَسَن والحسين من أَبِي الوقت.
وحدّث عَن: أَبِي غالب بْن البنّاء، وغيره.
أخذ عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح الجيليّ، وابن الدّبيثيّ، وغيرهما.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ 86 سنة.
358- محمود بْن أَبِي القاسم بْن عُمَر بْن حَمَكَا [2] .
أَبُو الوفاء سِبْط مُحَمَّد بْن أَحْمَد البغداديّ، الأصبهانيّ.
شيخ معمّر، مُسْنِد، ثقة. حمل النّاس عَنْهُ، وطال عمره. وتفرّد فِي عصره.
وكانت لَهُ إجازة من النّقيب طِراد الزَّيْنَبي، وابن طلْحة النّعاليّ.
وسمع: أَبَا الفتح أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه السوذرْجاني.
وحدّث ببغداد في سنة ستّ وخمسين وخمسمائة.
وتُوُفي سنة ثمانين هذه فِي ربيع الآخر وَلَهُ إحدى وتسعون سنة.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن واقا، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْري، والحافظ عَبْد الغنيّ.
وهو ابْن أخت الحافظ أَبِي سعد البغداديّ.
- حرف الهاء-
359- هبة اللَّه بْن أَبِي نصر مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْبُخَارِيّ [3] .
__________
[1] انظر عن (المبارك بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 175 رقم 1149.
[2] انظر عن (محمود بن أبي القاسم) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1893.
والمختصر المحتاج إليه 3/ 186، وسير أعلام النبلاء 21/ 89، 90 رقم 36.
[3] انظر عن (هبة الله بن أبي نصر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 227 رقم 1295، وطبقات-(40/317)
أبو المظفّر، ابْن عمّ قاضي القُضاة أَبِي طَالِب.
تفقّه على مذهب الشّافعيّ، وبرع فِي علم الكلام. وولّاه أمير المؤمنين النّاصر نيابة الوزارة إلى أن مات فِي المحرّم. بقي فِيهَا بعض سنة.
- حرف الواو-
360- وشاح بْن جواد بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو طاهر البغداديّ، الضّرير.
سمع: أَبَا طَالِب عَبْد القادر بْن يوسف.
أخذ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وغيره.
تُوُفي فِي شعبان.
- حرف الياء-
361- يوسف بْن عَبْد المؤمن بْن علي [2] .
السلطان أَبُو يعقوب صاحب المغرب.
لمّا مات عَبْد المؤمن فِي سنة ثمانٍ وخمسين كان قد جعل الأمرَ بعده
__________
[ (-) ] الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 381.
[1] انظر عن (وشاح بن جواد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 219 رقم 1376، ونكت الهميان للصفدي 306.
[2] انظر عن (يوسف بن عبد المؤمن) في: الكامل في التاريخ 11/ 505، والحلية السيراء لابن الأبّار 2/ 240، 241، 259، 260، والمعجب في تلخيص أخبار المغرب 236- 260، والروض المعطار 103، 127، 163، 303، 319، 346، 479، 568، والمختصر في أخبار البشر 3/ 67، والإحاطة 4/ 354، 356، وشرح رقم الحلل 190، 199، 200، والدرّ المطلوب 74 (سنة 578 هـ.) ، ومرآة الزمان 8/ 374، 375 (سنة 578 هـ.) ، والعبر 4/ 239- 241، ودول الإسلام 2/ 91، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 98- 103 رقم 46، ووفيات الأعيان 7/ 130- 138 رقم 845، ومرآة الجنان 3/ 417، 418، وتاريخ ابن الوردي 2/ 93، والعسجد المسبوك 2/ 193، وصبح الأعشى 5/ 192، والبداية والنهاية 12/ 315، ومآثر الإنافة 2/ 72، والسلوك ج 1/ 86، (سنة 579 هـ.) ، والنجوم الزاهرة 6/ 93، ومضمار الحقائق 33، 201، وتاريخ ابن سباط 1/ 167، وشذرات الذهب 4/ 264.(40/318)
لابنه الأكبر محمد، وكان لا يصلح للملك لإدمانه الخمور وكثرة طيشه.
وقيل: كان به أَيْضًا جُذام. فاضطرب أمره، وخلعه الموحّدون بعد شهرٍ ونصف. ودار الأمر بين أخويه يوسف وعمر، فامتنع عُمَر وبايع أخاه مختارا، وسلّم إليه الأمر، فبايعه النّاس، واتّفقت عَلَيْهِ الكلمة بسعي أخيه عُمَر، وأمّهما هِيَ زينب بِنْت مُوسَى الضّرير.
وكان أَبُو يعقوب أبيض بحُمرة، أسود الشعْر، مستدير الوجه، أفْوَه، أعْين، إلى الطّول ما هُوَ، حُلْو الكلام، فِي صوته جهارة، وفي عبارته فصاحة. حُلْو المفاكهة، لَهُ معرفة تامّة باللّغة والأخبار. قد صَرَفَ عنايته إلى ذلك لمّا ولي لأبيه إشبيلية، وأخذ عَن علمائها، وبرع فِي أشياء من القرآن والحديث والأدب.
قال عَبْد الواحد بْن عليّ التّميميّ فِي كِتَاب «المُعْجِب» : صحّ عندي أنّه كان يحفظ أحد الصّحيحين، غالب ظنّي أنه الْبُخَارِيّ. وكان سديد الملوكيّة، بعيد الهمّة، سخيّا، جوادا، استغنى النّاس فِي أيّامه، وتموّلوا.
قال: ثمّ إنّه نظر فِي الفلسفة والطّبّ، وحفظ أكثر الكتاب الملكيّ.
وأمر بجمع كُتُب الفلاسفة، فأكثر منها وتطلّبها من الأقطار. وكان ممّن صحبه أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن طُفَيْل الفيلسوف، وكان بارعا فِي علم الأوائل، أديبا، شاعرا، بليغا، فكان أَبُو يعقوب شديد الحبّ لَهُ. بلغني أنّه كان يقيم عنده فِي القصر أياما ليلا ونهارا، وكان هُوَ الَّذِي نبّه على قدر الحكيم أَبِي الوليد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن رُشْد المتفلسف.
وسمعت أَبَا بَكْر بْن يحيى القُرطُبي الفقيه يقول: سمعت الحكيم أَبَا الوليد يقول: لمّا دخلت على أمير المؤمنين أَبِي يعقوب وجدته هُوَ وأبو بَكْر بْن طُفَيْل فقط، فأخذ أَبُو بَكْر يُثْني عليّ ويُطْريني، فكان أوّل ما فاتحني به أمير المؤمنين أن قَالَ لي: ما رأيهم، يعني الفلاسفة، فِي السّماء، أقديمة أمْ حادثة؟ فأدركني الخوف فتعلّلت وأنكرت اشتغالي بعلم الفلسفة، ففهم منّي(40/319)
الرَّوْع، فالتفت إلى ابْن طُفَيْل وجعل يتكلّم على المسألة، ويذكر قول أرسطو فِيهَا، ويُورد احتجاجَ أهل الْإِسْلَام على الفلاسفة، فرأيت منه غزارةَ حِفْظٍ لم أظنّها فِي أحدٍ من المشتغلين. ولم يزل يبسطني حتّى تكلّمت، فعرف ما عندي من ذلك. فلمّا قمت أمر لي بخِلْعةٍ ودابةٍ ومال.
وقد وَزَرَ لأبي يعقوب أخوه عُمَر أيّاما، ثمّ رفع قدره عَنْهَا، وولّى أَبَا العلاء إدريس بْن جامع إلى أن قبض عَلَيْهِ سنة سبْعٍ وسبعين، وأخذ أمواله، واستوزر وليّ عهده ولده يعقوب.
وكتبَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد عيّاش بْن عَبْد الملك بْن عيّاش كاتب أَبِيهِ، وأبو القاسم العالميّ، وأبو الفضل جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن محشوه البجّائيّ. وكان على ديوان جيشه أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الطّوسيّ. وكان حاجبه مولاه كافور الخَصِي.
وكان لَهُ من الولد ستّة عشر ذَكَرًا مِنهم صديقي يحيى.
قال: ومنه تلقّيت أكثر أخبارهم. ولم أر فِي الملوك وَلَا فِي السُّوقة مثله.
قال: وقُضاته: أَبُو مُحَمَّد المالقيّ، ثمّ عيسى بْن عمران التّاريّ، وتارا من أعمال فاس. ثمّ الحَجاج بْن إِبْرَاهِيم التّجيبيّ الأغماتيّ الزّاهد، فاستعفى، فولي بعده أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن مضاء القرطبيّ.
وفي سنة اثنتين وستّين وخمسمائة نزعت قبيلة غمارة الطّاعة، وكان رأسهم سبُع بن حيّان ومزدرع فدعوا إلى الفتنة. واجتمع لهم خلْق.
وبلاد غمارة طولا وعرضا مسيرة اثنتي عشرة مرحلة، فخرج أَبُو يعقوب بجيوشه، فأسلمت الرجلين جموعهما فأُسِرا، وشرّدهما إلى قُرطُبة.
ودخل الأندلس، والتفت على ما بيد مُحَمَّد بْن سعد بْن مردنيش، فنزل إشبيلية، وجهّز العساكر إلى مُحَمَّد، وأمّر عليهم أخاه أمير غَرْناطة عثمان.
فخرج مُحَمَّد فِي جموع أكثرها من الفرنج. وكانوا أجناده، قد اتّخذهم أنصاره لمّا أحسّ باختلاف قوّاده عَلَيْهِ، فقتل أكثرهم، وأمّر الفرنج وأقطعهم. وأخرج(40/320)
الكثير من أهل مُرْسِية وأسكن الفِرنج دُورَهم. فالتقى هُوَ والموحّدون على فرسخ من مُرْسِية، فانكسر وانهزم جيشه، وقتِل منهم جملة. ودخل مُرْسِية مستعدّا للحصار، فضايقه الموحدون، وما زالوا محاصرين لَهُ إلى أن مات، فسُتِرت وفاتُه إلى أن ورد أخوه يوسف بْن سعد من بَلَنْسِيَة، فاتّفق رأيه ورأي القُواد على أن يسلّموا إلى أَبِي يعقوب البلادَ. ففعلوا ذلك.
وقد قيل إنّ مُحَمَّد بْن سعد لمّا احتضر أشار على بنيه بتسليم البلاد.
وسار أَبُو يعقوب من إشبيلية قاصدا بلاد الأدفنش [1] لعنه اللَّه تعالى.
فنازل مدينة وبزي، وهي مدينة عظيمة، فحاصرها أشهرا إلى أن اشتدّ الأمر وأرادوا تسليمها.
قال: فأخبرني جماعة أن أهل هذه المدينة لمّا برّح بهم العطش أرسلوا إلى أَبِي يعقوب يطلبون الأمان، فأبى، وأطمعه ما نُقِل إليه من شدّة عَطَشَهم وكثْرة من يموت منهم فلمّا يئسوا [2] من عنده سُمِع لهم فِي اللّيل لغَطٌ وضجيج، وذلك أنّهم اجتمعوا يدعون اللَّه ويستسقون، فجاء مطرٌ عظيم كأفواه القرَب ملأ صهاريجهم وتقوّوا، فرحل عَنْهُمْ أَبُو يعقوب بعد أن هادَنَ الأدفنش [3] سَبْع سِنين.
وأقام بإشبيليّة سنتين ونصف، ورجع إلى مَراكُش فِي آخر سنة تسعٍ وستّين وقد ملك الجزيرة بأسرها.
وفي سنة إحدى وسبعين خرج إلى السُّوس لتسكين خلافٍ وقع بين القبائل فسكّنهم.
وفي سنة خمس وسبعين خرج إلى بلاد إفريقية حتّى أتى مدينة قَفْصة.
وقد قام بها ابْن الرّند، وتلقّب بالنّاصر لدين النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحاصره وأسره،
__________
[1] في الأصل: «الادنش» .
[2] في الأصل: «يأسوا» .
[3] في الأصل: «الفنش» .(40/321)
وصالح ملك صَقَلْية وهادنه على أن يحمل إليه كلّ سنة مالا، فأرسل إليه فيما بلغني ذخائر معدومة النّظير، منها حجر ياقوت على قدر استدارة حافر الفَرَس، فكلّلوا به المصحف، مع أحجار نفيسة. وهذا المصحف من مصاحف عثمان رضي اللَّه عنه، من خزائن بني أميّة، يحمله الموحّدون بين أيديهم أنّى توجّهوا على ناقةٍ عليها من الحُلِي والدّيباج ما يعدل أموالا طائلة.
وتحته وطاء من الدّيباج الأخضر، وعن يمينه وشماله لواءان أخضران مذهّبان لطيفان. وخلف النّاقة بغْلٌ مُحَلَّى عَلَيْهِ مصحف آخر. قيل إنّه بخط ابْن تُومَرْت. هذا كلّه بين يدي أمير المؤمنين.
قال: وبلغني من سخاء أَبِي يعقوب أنّه أعطى هلال بْن مُحَمَّد بْن سعد المذكور أَبُوهُ فِي يوم اثني عشر ألف دينار وقرّبه، وبالغ فِي رفْع منزلته.
وقال الحافظ أَبُو بَكْر بْن الجدّ: كُنَّا عند أمير المؤمنين أَبِي يعقوب، فسألنا عَن سِحْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كم بقي مسحورا؟ فبقي كلّ إنسانٍ منّا يتزمزم، فقال: بقي به شهرا كاملا. صحّ ذلك.
وكان أمير المؤمنين إماما يتكلّم فِي مذاهب الفقهاء فيقول: قول فلانٍ صواب، ودليله من الكتاب والسّنّة كذا كذا، فنتابعه على ذلك.
قال عَبْد الواحد: ولمّا تجهّز لحرب الروم أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث فِي الجهاد تُمْلى على الموحّدين ليدرسوا. ثمّ كان هُوَ يُملي بنفسه عليهم، فكان كلّ كبيرٍ من الموحّدين يجيء بلوح ويكتب.
وكان يُسهل عَلَيْهِ بذل الأموال سعة ما يتحصّل من الخراج. كان يرتفع إليه من إفريقية فِي كلّ سنة مائة وخمسون، حمل بغل، هذا سوى حملِ بجّاية وأعمالها، وتلْمِسان وأعمالها. وكانت أيّامه مواسم وخصْبًا وأمْنًا.
وفي سنة تسع وسبعين تجهّز للغزو واستنفر أهل السّهل والجبل والعرب، فعبر بهم الأندلس فنزل إشبيلية، ثمّ قصد مدينة شَنْتَرِين أعادها إلى المسلمين، وهي بغرب الأندلس. أخذها ابْن الربق لعنه اللَّه، فنازلها أَبُو(40/322)
يعقوب وضايقها، وقطّع أشجارها، وحاصرها مدّة. ثمّ خاف المسلمون البرد وزيادة النّهر، فأشاروا على أَبِي يعقوب بالرجوع فوافقهم.
وقال: غدا فرحل. فكان أوّل من قَوض خباءه أَبُو الْحَسَن عليّ بْن القاضي عَبْد اللَّه المالقيّ، وكان خطيبهم. فلمّا رآه النّاس قوّضوا أخبيتهم ثقة به لمكانه، فعبر تلك العشيّة أكثرُ العسكر النهرَ، وتقدّموا خوف الزّحام، وبات النّاس يعبرون اللّيل كلّه، وأبو يعقوب لَا عِلم لَهُ بذلك. فلمّا رَأَى الروم عبور العساكر، وأخبرهم عيونهم بالأمر، انتهزوا الفُرصة وخرجوا وحملوا على النّاس، فانهزموا أمامهم حتّى بلغوا إلى مخيّم أَبِي يعقوب، فَقُتِلَ على باب المخيّم خلقٌ من أعيان الْجُنْد، وخلص إلى أمير المؤمنين، فطُعن تحت سُرته طعنة مات منها بعد أيّام يسيرة. وتدارك النّاس، فانهزم الروم إلى البلد، وقد قضوا ما قضوا، وعَبَر الموحّدون بأبي يعقوب جريحا فِي مَحَفة، وتهدّد ابْن المالقيّ فهرب بنفسه حتّى دخل مدينة شَنْتَرِين، فأكرمه ابْن الربق. وبقي عنده إلى أن تهيّأ لَهُ أمر، فكتب إلى الموحّدين يستعطفهم ويتقرّب إليهم بضعف البلد، ويدلّهم على عورته. وقال لابن الربق: إنّي أريد أن أكتب إلى عيالي بإكرام الملك لي. فإذِن لَهُ، فعثر على كتابه فأحضره وقال: ما حملك على هذا مع إكرامي لك؟ فقال: إنّ ذلك لَا يمنعني من النّصح لأهل ديني.
فأحرقه.
ولم يسيروا بأبي يعقوب إلَّا ليلتين أو ثلاثا حتّى مات.
وأخبرني من كان معهم أنّه سمع فِي العسكر النّداء الصّلاة على جنازة رَجُل، فصلّى النّاس قاطبة لَا يعرفون على مَن صلّوا. وصبّروه وبعثوا به في تابوت مع كافور الحاجب إلى تين ملّل، فدُفن هناك مع أَبِيهِ وابن تومرت.
مات فِي سابع رجب، وأخذ البيعة لابنه يعقوب عند موته، فبايعوه.
وَفِيهَا وُلد:(40/323)
التّقيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُرْهَف النّاشريّ، المقرئ، وقاضي حماه أَبُو طاهر إِبْرَاهِيم بْن هبة اللَّه بْن البازريّ الْجُهَني فِي شعبان.
وفاطمة بِنْت محمود ابْن الملثّم العادليّ، سمعت من البُوصِيري.
وَفِيهَا وُلِد: عَبْد الحميد بْن رضوان الْمَصْرِيّ.
وأبو القاسم مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم، رَوَى عَن ابْن طَبَرْزَد.
وأبو بَكْر مُحَمَّد بن زكريّا بْن رحمة.(40/324)
المتوفون على التخمين
- حرف الألف-
362- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد [1] .
اللخْمي السّبتيّ، المعروف بابن المتقن.
روى عَن: أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر الأسَدي.
وحجّ، وسمع من السلفي.
قال الأبار: توفّي بعد السّبعين وخمسمائة.
363- إسحاق بن هبة الله.
أَبُو طاهر الخراقيّ، المقرئ.
قدِم دمشق سنة اثنتين وسبعين، وحدّث عَن: عليّ بْن الصّبّاغ.
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وغيره.
364- إِسْمَاعِيل بْن غانم بْن خَالِد [2] .
أَبُو رشيد الأصبهانيّ، البيّع.
سمع: أبا الفتح أحمد بن عبد الله السوذرجاني، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُوسَى بْن مردويه، وجماعة.
وعمّر دهرا.
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبار ج 1.
[2] انظر عن (إسماعيل بن غانم) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1894.(40/325)
روى عنه: الحافظ عبد الغني، ومحمد بن سَعِيد بْن أَبِي أَحْمَد الأسواريّ، ومحمد بْن النّجيب أَحْمَد بْن نصر الأصبهانيّ، وآخرون.
وبقي إلى سنة خمسٍ وسبعين. وهو من كبار الشّيوخ الّذين لحقهم عَبْد الغنيّ بأصبهان.
365- إِسْمَاعِيل بْن يونس بْن سلمان.
الْقُرَشِيّ، الدّمشقيّ المعروف بابن الأفطس.
سمع: هبة اللَّه بْن الأكفانيّ، وعليّ بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس.
وأجاز للضّياء مُحَمَّد.
- حرف الحاء-
366- حبيب بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو رشيد الأصبهانيّ، المقرئ.
سمع: محمود بْن إِسْمَاعِيل الصّيرفيّ، وغيره.
وعنه: الحافظ عَبْد الغنيّ، وغيره.
وأجاز للحافظ الضّياء فيما أظنّ.
- حرف الزاي-
367- زاهر بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي القاسم.
الهَمَذَانيّ.
أجاز للضّياء في سنة أربع وسبعين. وأدركه الحافظ عَبْد الغنيّ.
- حرف السين-
368- سالم بْن عَبْد السّلام بْن علوان [1] .
__________
[1] انظر عن (سالم بن عبد السلام) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 99 رقم 711، وتلخيص مجمع الآداب (في الملقبين ب «قوام الدين» ) ، والوافي بالوفيات 15/ 83 رقم 109، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 220.(40/326)
أَبُو المُرجَّى البوازيجيّ [1] ، الصُّوفي.
صحِب أَبَا النّجيب السهروَرْدي ولازَمَه.
وسمع معه من: زاهر الشّحّاميّ، وغيره.
وعنه: يوسف بْن مُحَمَّد الواعظ، وعمر بْن مُحَمَّد المقرئ، وشهاب الدّين السَّهْرُوَرديّ، وغيرهم.
وتوفّي قبل الثّمانين وخمسمائة. قاله ابْن الدّبيثيّ.
369- سلامة الصّيّاد [2] .
المَنْبِجِي، الزّاهد، رفيق الشَّيْخ عدِي.
قال الحافظ عَبْد القادر الرهَاوي، وكانا جميعا من تلاميذ الشَّيْخ عقيل:
المنبجيّ الزّاهد، ساح ولقي المشايخ، ورأى منهم الكرامات، وأقام بالمَوْصِل مدّة فِي زمن بني الشهرزُورِي حين كان لا يقدر أحد أن يتظاهر بالحنبليّة وَلَا السّنّة. فأقام يظهر السّنّة ويحاجّ عنها. ثمّ رجع إلى منبج، فأقام بها إلى أن مات.
وكان يتعيّش في المقاثي وعمل الحُصْر، وينفق من ذلك. دخلتُ عَلَيْهِ بمنبج فِي داره وهو جالس على حصير يعمله، فترك العمل، وأقبل عليّ يحادثني، فرأيت منه وقارا وعدْلًا وحِفْظ لسان، وتعرّيا من الدّعاوى.
__________
[1] لقبه عند ابن الفوطي «قوام الدين» ، وسمّاه: «سالم بن عبد السلام بن عبدان بن عبدون البوازيجي» . وقال: أنشد:
أهلا وسهلا بطيف مرتحل ... أنسني بالعناق والقبل
وصار يهدي فمي إلى فمه ... أحلى من السلسبيل والعسل
ما لي أنيس سوى مطوّقة ... فارقها إلفها فلم يصل
تؤنسني في الدّجى ويؤنسها ... كل كئيب الفؤاد مختبل
تنشدني سجعها وأنشدها ... مدح علي بن جعفر بن علي
ما قال لا قط في محاورة ... كأنه عدّ لا من الخطل
[2] انظر عن (سلامة الصياد) في: الوافي بالوفيات 15/ 331 رقم 469.(40/327)
وكان قد لزِم بيته، وترك الخروج إلى الجماعة لأنّ أهل مَنْبِج كانوا قد صاروا ينتحلون مذهب الأشعريّ، ويبغضون الحنابلة بسبب واعظ قدِم يُسمى الدّماغ، فأقام بها مدّة، وحسّن لهم ذلك. وكان البلد خاليا من أهل العلم، فشربت قلوبهم ذلك.
قال: وسمعت رجلا يقول للشّيخ عسكر النّصيبيّ: أهل مَنْبِج قد صاروا يبغضون أهل حرّان. فقال: لَا يبغض أهل حرّان من فِيهِ خير.
وسمعت الشَّيْخ سلامة يقول، لمّا مضى الدّماغ إلى دمشق ومات، جاءنا الخبر فقاموا يُصلون عَلَيْهِ، ولم أقم أَنَا، فقالوا لي: ما تصلّي عَلَيْهِ؟ فقلت:
لَا، قُعُودي أفضل. وقالوا لي: لِمَ لَا تخرج إلى الجماعة؟ فقلت: جماعتكم صارت فِرقة.
وقال لي: عبر الشَّيْخ الزّاهد أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحرّانيّ على مَنْبِج، ولم يدخل إليّ، وبعث يقول: إنّه لم يدخل إليّ لأجل أهل منبج. وأنا أيش ذنبي.
وكان الشَّيْخ أَبُو بَكْر يذكره كثيرا، وينوّه باسمه، ويحثّ على زيارته، وهو الَّذِي عرّفنا به.
سمعت الشَّيْخ سلامة يقول: كنت بالموصل فِي زمن بني الشّهرزوريّ أذكر السّنّة، وأنكِر السّماع.
سمعت رجلا من أهل الموصل يقول: جئت إلى الجزيرة، فأخبرت أنّ الشَّيْخ هناك، فسألت عَنْهُ فوجدته فِي بعض المساجد، فجئت إليه، ثمّ خرجنا من هناك، فمشى بين يديّ، فنظرت فإذا هُوَ سبقني، فقلت فِي نفسي من غير أن يسمع، كذا وكذا من أخت كذا.
فالتفت إليّ وقال: أيّ أخواتي فإنّهن جماعة؟
قلت: أيهنّ شئت.(40/328)
370- سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان [1] .
أَبُو الربيع الحضرميّ، الإشبيليّ، المعروف بالمفوّقيّ.
روى عَن: أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر الأسَدي.
وكان يعقد الشّروط.
وكان أَبُو بَكْر بْن الجدّ يغضّ منه ويغص به.
روى عَنْهُ: ابْن أخته مُحَمَّد بْن عليّ التُجِيبي.
قال الأبّار [2] : تُوُفي فِي حدود الثّمانين.
371- السمَوْأل بْن يحيى بْن عَياش [3] .
المغربيّ، ثمّ البغداديّ.
كان يهوديا فأسلم، وبرع فِي العلوم الرّياضيّة.
وكان يتوقّد ذكاء، وسكن بلاد العجم مدّة بأَذَرْبيْجان ونواحيها.
ومات قبل أن يكتهل بمَراغة فِي هذا القُرب.
قال الموفّق عبد اللّطيف: أبلغ فِي العدديّات مبلغا لم يصله أحدٌ فِي زمانه، وكان حادّ الذّهن جدّا، بلغ فِي العدديّات وصناعة الجبْر الغاية القُصْوى. وَلَهُ كِتَاب «المفيد الأوسط فِي الطّبّ» ، وكتاب «إعجاز المهندسين» صنّفه في سنة سبعين وخمسمائة، وكتاب «الرّدّ على اليهود» ، وكتاب «القوانين فِي الحساب» .
__________
[1] انظر عن (سليمان بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 4/ 78 رقم 194.
[2] في تكملة الصلة.
[3] انظر عن (السموأل بن يحيى) في: تاريخ الحكماء لقفطي 209، والوافي بالوفيات 15/ 453، 454 رقم 610، وعيون الأنباء 2/ 30، 31، وتاريخ مختصر الدول 337، وكشف الظنون 1377، 1412، 1940، وإيضاح المكنون 1/ 99، 556، 562 و 2/ 323، 328، 335، 340، وتراث العرب العلمي لطوقان 333، ومعجم المؤلفين 4/ 281.(40/329)
- حرف الصاد-
372- صالح بْن وجيه بْن طاهر بْن مُحَمَّد.
الشّحّاميّ.
أجاز للشّيخ الضّياء مروياته.
- حرف العين-
373- عَبَّاس بْن أَبِي الرجاء بْن بدر.
أَبُو الفضل الرّارانيّ [1] .
أجاز للضّياء من أصبهان. وهو أخو خليل.
سمع من: الحدّاد.
374- عَبْد اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن الْحَسَن بْن المفرّج.
أَبُو مُحَمَّد الكنانيّ، الدّمشقيّ، المؤدّب.
إمام مسجد ابْن لَبِيد بالفسقار.
سمع: أَبَا الْحَسَن بْن الموازينيّ، ومحمد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العلاء المصّيصيّ.
قال أَبُو المواهب بْن صَصْرَى: وكانت لَهُ حلقة بالجامع يقرئ بها الصّبيان، وكان شيخا صالحا.
وقال ابْن خليل: وُلِد فِي رجب سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
قلت: روى عنه: أبو القاسم بن صصرى، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
وأجاز لجماعة.
وتُوُفي سنة نيفٍ وسبعين، وقد جاوز الثّمانين رَحِمَهُ الله تعالى.
__________
[1] الراراني: راران بالراءين المفتوحتين المنقوطتين من تحتهما بنقطة واحدة قرية من قرى أصبهان. (الأنساب 6/ 38) .(40/330)
375- عبد الجبّار بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ [1] .
أَبُو سَعِيد الأصبهانيّ.
من كبار مُسْنِدي بلده.
سمع من: القاسم بْن الفضل الأصبهانيّ، الثّقفيّ.
وحدّث سنة سبعين. وتُوُفي بعد ذلك بسنة أو نحوها.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن خليل الرّارانيّ، وعمر بْن أَبِي بَكْر بْن مَسْعُود الأصبهانيّ. وبالإجازة كريمة.
376- عَبْد الرّزّاق بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن عثمان [2] .
أَبُو المحاسن الهَمَذَانيّ القُومَسَاني.
سمع: عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمْد الدُّوني، وناصر بْن مَهْدي الهَمَذَانيّ، وغيرهما.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ.
وأجاز للحافظ الضّياء فِي سنة أربعٍ وسبعين.
377- عبد الملك بن محمد بن عبد الملك [3] .
أبو مروان الْأَنْصَارِيّ، الإشبيليّ، الحماميّ.
سمع «تاريخ ابْن أَبِي خيثمة» من: أَبِي الْحَسَن بْن مغيث.
وعنه: أَبُو القاسم الملّاحيّ، وأبو سُلَيْمَان حوط الله.
مات قبل الثّمانين وخمسمائة.
378- عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد التّميميّ.
أَبُو الْحُسَيْن ابْن اللّحيانيّ، الإشبيليّ، المقرئ.
أخذ القراءات عَن: شريح، وأحمد بن عيشون.
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن محمد) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1895.
[2] انظر عن (عبد الرزاق بن إسماعيل) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1896.
[3] انظر عن (عبد الملك بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1723، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 5 ق 1/ 35 رقم 86.(40/331)
وتصدّر للإقراء.
قرأ عَلَيْهِ: أَبُو القاسم بْن أَبِي هارون.
وحدّث عَنْهُ: مفرّج بْن حسين الضّرير.
تُوُفي فِي حدود الثّمانين.
379- عليّ بْن بركات.
أَبُو الْحَسَن المَشْغراني، ثمّ الدّمشقيّ، المقرئ.
تُوُفي بعد السّبعين.
روى عَن: نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصّيصيّ.
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
380- عليّ بْن الْحُسَيْن اللّوّاتيّ.
مرّ فِي سنة ثلاثٍ وسبعين [1] .
381- عليّ بْن خَلَف بْن غالب [2] .
أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ. نزيل [قصر كُتامة] [3] .
سمع من: أَبِي القاسم بْن رضا، وأبي عَبْد اللَّه بْن مُعَمَّر، وأبي الْحَسَن بْن وليد بْن مَفوز.
وتعلّم الفرائض والحساب وتصوّف. وصنّف كِتَاب «اليقين» .
رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الجليل بْن مُوسَى.
وقال أيّوب بْن عَبْد اللَّه السّبتيّ: رحَلت إليه مرّات إلى قصر عَبْد الكريم وكان قد سكنه. وكان محدّثا شاعرا [4] .
__________
[1] تقدم برقم (80) .
[2] انظر عن (علي بن خلف) في: صلة الصلة لابن الزبير 99، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1870، والتشوّف 211 قم 81، وسلوة الأنفاس 2/ 24، وجذوة الاقتباس 297، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 1/ 208- 212 رقم 415.
[3] إضافة من مصادر ترجمته.
[4] وقال المراكشي: وكان عالما أديبا شاعرا، ديّنا زاهدا متواضعا، إذا رأيته وعظك بحاله وهو صامت مما غلب عليه من الحضور والمراقبة للَّه تعالى، قد جمع الله له محاسن جمّة-(40/332)
382- عليّ بْن مُحَمَّد بْن ناصر.
أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ.
أخذ القراءات عَن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن صائن، وعبد الجليل بْن عَبْد العزيز.
وروى عَن: أَبِي القاسم بْن بَقِي، وأبي جَعْفَر البَطْرُوحي، وأبي القاسم بن رضا، وجماعة.
وكان مقرئا، نحْويًا.
روى عَنْهُ: أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عليّ الشّريشيّ.
383- عليّ بْن هبة اللَّه.
الكامليّ، الْمَصْرِيّ.
سمع من: أَبِي صادق مرشد المَدِيني، وغيره.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، وعبد القادر، وابن رواحة، وعليّ بْن رحّال، وعبد الرحيم بْن الطّفيل، ومحمد بْن الملثَّم، وآخرون.
384- عليّ بْن أَبِي القاسم بْن أَبِي حنّون [1] .
أَبُو الْحَسَن التلْمِساني، قاضي مَرّاكُش.
روى عَن: أَبِي عَبْد اللَّه الخَولاني، وأبي عليّ بْن سُكَّرَة.
وعنه: أَبُو عَبْد اللَّه بْن عبد الحقّ التلْمِساني، وعقيل بْن طلْحة، وأبو الخطّاب ابْن دحية.
قال الأبّار: كان حيّا في حدود الثّمانين.
__________
[ (-) ] من العلوم والمعارف والآداب، وخصوصا علم الحقائق والرياضات وعلوم المعاملات والمقامات والأحوال السنية والآداب السّنّيّة، وكان من المحدّثين قيّد في الحديث روايات كثيرة، ولقي من المشايخ الجلّة جملة، غير أنه كان يغلب عليه المراقبة للَّه والتأهّب للقائه وحسن الرعاية والإقبال على الدار الآخرة، وكان قد بلغ الثمانين سنة وهو في اجتهاده كما كان في بدايته، وكان شيخ وقته علما وحالا وورعا، أشفق خلق الله على الناس، وأحسنهم ظنا بهم.
[1] انظر عن (علي بن أبي القاسم) في: تكملة الصلة لابن الأبار.(40/333)
- حرف القاف-
385- القاسم بْن عليّ بْن صالح [1] .
أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ نزيل دانية.
أخذ القراءات عَن: أَبِي الْعَبَّاس القصيبيّ، وأبي الْعَبَّاس بْن العريف، وابن غلام الفَرَس فسمع منه «التّيسير» سنة سبع وعشرين وخمسمائة.
وتصدّر للإقراء بدانية.
أخذ عنه: أسامة بن سليمان، وغيره.
بقي إلى قريب الثّمانين وخمسمائة. نسيته وقت ترتيب الأسماء.
- حرف الميم-
386- محمد بن التّابلان [2] .
المنبجيّ الزّاهد.
قال الحافظ عبد القادر: كان رفيق الشّيخ عديّ والشّيخ سلامة، من تلاميذ الشيخ عقيل. حدّثني بعض الصُّوفية أنّ الشَّيْخ عقيل أوصى لَهُ بعد موته بالجلوس فِي موضعه. دخلت عَلَيْهِ بمنْبج غير مرّة فرأيت شيخا وَقورًا مَهِيبًا.
عاش عُمرًا طويلا فِي طريقةِ حَسَنة ومحمود ذِكر. وكان لَهُ جماعة تلاميذ.
وكان حافظا للقرآن يؤمّ بالنّاس. وكان لَهُ ملْك يتعيْش منه رَحِمَهُ اللَّهُ.
قلت: كأنّ هذا بقي إلى قرب السّتّمائة، فإنّ ابنه الفقيه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم بن التّابلان المنبجيّ سمع منه شيخنا الشّهاب الدشْتيّ بمَنْبِج، وهو يروي عَن التّاج الكنديّ.
__________
[1] ذكره المؤلّف- رحمه الله- في آخر المتوفين ظنّا، وقد نسي ترتيبه ونوّه بذلك في آخر الترجمة.
[2] انظر عن (محمد بن التابلان) في: الوافي بالوفيات 2/ 274 رقم 698.(40/334)
387- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد.
الغَرْناطي أَبُو عَبْد اللَّه بْن الغاسل.
سمع: أَبَا عَبْد اللَّه النُمَيْري وصحِبَه زمانا.
ورحل معه فلقي أَبَا الْحَسَن بْن الباذَش.
وقرأ بالروايات على شُرَيْح.
وسمع أَيْضًا: أَبَا الْحَسَن بْن مغيث.
وأجاز لَهُ ابْن عتّاب.
وكان مُقرِئًا، محدّثا، ضابطا. توفّي سنة نيفٍ وسبعين.
388- مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز [1] .
الفقيه أَبُو عَبْد الله الإربليّ، الشّافعيّ.
قدِم بغداد، وتفقّه بالنّظاميّة، وبرع فِي المذهب. وولي إعادة النّظاميّة.
ومن شِعره، وكتبه عَنْهُ عَبْد السّلام بْن يوسف الدّمشقيّ:
رُوَيدك فالدّنيا الدَّنية كم دَنَتْ ... بمكروهها من أهلها وصحابها
لقد فاق فِي الآفاق كلّ موفّق ... أفاقَ بها من سُكْره وصحابها
فسَلْ جامعَ الأموالِ فِيهَا بِحِرْصه ... أخَلَّفَها من بعده أمْ سَرَى بها؟
هِيَ الآل فاحذَرْها وذَرْها لأهلها ... فما الآل إلَّا لمعة من سرابها
وكم أسد ساد البرايا ببرّه ... ولو نابها خَطْب إذا ما دنا بها
فأصبح فِيهَا عبرة لأولي النُّهى ... بمخلبها قد مزَّقَتْه ونابها
قال ابْن النّجّار: وبلغني أنْ أَبَا عَبْد اللَّه الإربليّ سافر إلى الشّام ومات هناك فِي حدود سنة ثمانين وخمسمائة.
389- مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ [2] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد العزيز) في: الوافي بالوفيات 3/ 259، 260 رقم 1289.
[2] انظر عن (محمد بن علي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 127 رقم 355، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار (مخطوطة أحمد الثالث 2917/ 14) الورقة 87، -(40/335)
أَبُو بَكْر البَتِمَّاري [1] ، النَّهْرواني، المعروف بابن العُجَيْل.
سمع: أحمد بن المظفر بن سوسن، وأبا سَعِيد بْن خُشَيْش.
سمع منه: عُمَر الْقُرَشِيّ، وغيره.
وأصابه صَمَمٌ.
وتُوُفي بعد السّبعين. ذكره ابْن النّجّار.
390- محمد بن كشيلة.
الحرّانيّ، الزّاهد.
قال الرّهاويّ: كان أحد مشايخ أهل حَران، زُهْدًا، وورعا واجتهادا فِي أبواب الخير.
وكان متواضعا، كريما، حيّيا، لَا يكاد يرفع رأسه من الحياء، صبورا على الفَقْر موثرا.
وكان الشَّيْخ أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل يذكره ويمدحه بكونه يعيش من كسْبه.
ولمّا مرض أَبُو بَكْر خرج مُحَمَّد إلى عيادته، فوصّى لَهُ بثُلث رحاه، واستخلفه فِي موضعه بالمشهد.
وسمعت بعض أصحابنا يقول: قَالَ أصحاب أَبِي بَكْر لأبي بَكْر: من تأمرنا نجالس بعدك؟ فقال: عليكم بسيّد السّادات مُحَمَّد.
ذكر الرّهاويّ هؤلاء وغيرهم. وما أراه ذكر الشَّيْخ حياء، وسأذكره فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
391- محمود بْن مُحَمَّد.
أَبُو الثّناء البغداديّ.
__________
[ (-) ] والمختصر المحتاج إليه 1/ 92.
[1] البتمّاري: بفتح الباء وكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، وتشديد الميم المفتوحة، وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى بتمّار وهي قرية من قرى النهروان ببغداد. (الأنساب 2/ 76) .(40/336)
حدّث بالإسكندريّة عَن: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي منصور القزّاز.
روى عَنْهُ: عليّ بْن المفضّل، وغيره.
392- المطهّر بْن عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن عثمان.
الهَمَذَانيّ القُومَسَاني.
روى عَن: عَبْد الرَّحْمَن بْن الدّونيّ، وناصر بْن مَهْدي.
وعنه: الحافظ أَبُو مُحَمَّد المقدسيّ، وغيره.
وناصر المذكور هُوَ ابْن مهديّ بْن نصر بْن عليّ بْن نصر بْن عَبْدان أَبُو عليّ المشطّب الهَمَذَانيّ. بكّر به أبوه أبو الحَسَن المشطّب فأسمعه «سنن الحلوانيّ» من عليّ بن شعيب بن عبد الوهّاب الهمذانيّ.
وكان عليّ بْن شُعيب مسند همذان في زمانه. روى عَن أَوس الخطيب، وجبريل العدل، وأبي أَحْمَد الغطرِيفي، وإسحاق بْن سعد بْن الْحَسَن بْن سُفيان، وطائفة.
روى عَنْهُ: عليّ بْن الْحُسَيْن، وابن ممان. وناصر هذا، وأحمد بْن عمر البيّع.
وكان ثقة، صَدُوقًا، صالحا.
قال الحافظ شِيرُوَيْه: سمعت أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ يقول: لمّا رجع الشَّيْخ مُحَمَّد بْن عيسى، شَيْخ الصُّوفية، إلى هَمَذَان استقبله الخاصّ والعامّ، وكان عليّ بْن شُعيب مع من استقبله، وكان راجلا، رثّ الهيئة، فكان أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى لَا ينزل لأحد، لَا للأشراف وَلَا للوجوه، وإنّما يُصافحهم راكبا. فلمّا رَأَى عليّ بْن شُعيب نزل عَن دابّته وعانقه، ومشى معه ساعة حتّى سأله أن يركب فركب.
قلت: كان ابْن شُعيب باقيا بعد الثّلاثين وأربعمائة.(40/337)
الكنى
393- أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحرّانيّ. الزّاهد.
ذكره الحافظ فقال: كان من مفاريد الزّمان. اجتمعت فيه من خِلال الخير أشياء لو سُطِرت كانت سيرة. كان زاهدا، ورِعًا، مجاهدا، مجتهدا، متواضعَا، ذا عزائم خالصة، بصيرا بآفات أعمال الآخرة وعيوب الدّنيا، ذا تجارب.
ساح وخالط، وكان لَا تأخذه فِي اللَّه لومَة لائم، منقادا للحقّ، محبّا للخمول، عاريا من زيّ أهل الدّين. ظاهرا لَا يستوطن المواضع. كان تارة يكون مُعَممًا، وتارة بغير عمامة، وتارة محلوقا وتارة بشَعْر. إذا وقف بين جماعة لَا يعرفه الغريب، ولم يكن لَهُ فِي المسجد موضع يُعرف به.
وكان إذا قَالَ لَهُ أحد: أريد أن أتوب على يدك. يقول: أيش تعمل بيدي، تُبْ إلى اللَّه.
وكان شجاعا. وهو الَّذِي جَرى المسلمين على محاصرة الرّها في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، واشتهر بين النّاس أنّهم يوم وقعة الثَلْمة الّتي بالرُّها دخل منها المسلمون رأوا رجلا قد صعِد فِيهَا، فهزم من كان بها من الإفرنج، وصعِد النّاس بعده، فحكى لي بعض النّاس أنّه الشَّيْخ أَبُو بَكْر رضي اللَّه عَنْهُ.
وبلغني أنّ ناسا اختلفوا فِيهِ، فحلف بعضهم أنّه الشَّيْخ عديّ بْن صخْر، فاختلفوا إليه فِي ذلك، فقال: ذاك الحرّانيّ. سمعته يقول: كان أَبِي قد أسره الفرنج إلى الرُّها، فقادوه، وأخذوني وأخي رهينة، يعني وهما صغيران، فكان صاحب البلد يأخذني ويجيء بي عند الصّليب، ويجعل يُحني رأسي نحوه، فأمتِنع عَلَيْهِ مع هيبته، ويقع فِي نفسي أنّي إنْ فعلت صرت نصرانيّا.
وكان يأخذ أخي فيجيء به إلى الصّليب، فيسجد لَهُ، فأتعلّق به وأمنعه.
ثمّ إنّه خلّص من أيدي الفِرنج، فسمعته يقول: كنت أمرّ إلى الرُّها فِي اللّيل فأصعد إلى السّور، وأنزل إلى البلد، فإذا عرفوا بي صعدت إلى السّور، فإذا صرت على السّور ومعي سيفي وترسي لم أبال بأحدٍ. وصعدت مرّة إلى السّور، فلقيت اثنين، قتلت الواحد ودخل الآخر إلى البرُج، فدخلت خلفه فقتلته.(40/338)
سمعته غير مرةٍ يقول: رَأَيْت قائلا يقول لي: كن تَبَعًا إلَّا فِي ثلاثة: فِي الزّهد، والورع، والجهاد.
وحجّ نحوا من ثلاثين حَجَّة ماشيا. وبلغني عَنْهُ أنّه حجّ في بعضها، ولم ينم فِي تلك المدَّة حتّى خرج من الحجّ. ثمّ إنّه ترك الحجّ، وسكن مشهدا قريبا من حَران، واشتغل بعمارة رحى هناك. ورتّب الضّيافة لكلّ وارد خبزا ولحما وشهوات.
وكان سبب ذلك كما حكى لي قَالَ: كنت أَنَا وآخر فِي الشّام، فجعْنا جوعا شديدا، ثمّ جئنا إلى قريةٍ، فصنع لنا إنسان طعاما وقدّمه إلينا، فجعلنا نأكل وهو حارّ، فلمّا رَأَى شَرَهَنَا فِي الأكل مع حرارته قَالَ: أرِفقُوا فهو لكم.
فأعتقد أنّه لو كان لذلك الرجل ذنوب مثل الجبال لغُفِرت لِما صادف من إشباع جوعنا. فرأيت أنّ حجّي ليس فِيهِ منفعة لغيري، وأنّي لو عملت موضعا يستظل به إنسان كان أفضل من حجّي.
وكان مع ذلك يكره كثرة العلائق ويقول: لو قيل لي فِي المنام أنّك تصير إلى هذا المال ما صَدَّقت.
وبنى عند المشهد خانا للسّبيل، وكان يعمل عامّة نهاره فِي الحَر والغُبار، ويقول: لو أن لي من يعمل معي فِي اللّيل لعملت.
وعمل لنفسه رحى، وكان يتقوَّت منه باليسير، ويُخرج الباقي فِي البِرّ.
دخلت عَلَيْهِ فِي بيته مِرارًا وهو يتعشّى، فما رَأَيْته جالسا فِي سِراج قطّ، وَلَا كان تحته حصير جيّد قطّ وَلَا فِراش، بل حصير عتيق، تحته قش الرَز.
وحضرت يوما معه فِي مكانٍ، فلمّا حضر وقت الغداء جلسنا نتغدّى، وأخرج رغيفا كان معه، فأكل نصفه، وناولني باقيه، وقال: ما بقي يصلح لي، آكل شيئا وَلَا أعمل شيئا.
وقال لي: وددت أنّي لآتي مكانا لَا أخرج منه حتّى أموت.(40/339)
وقد سمعته يقول، وذكر لي إنسان أنّ بعض الرؤساء عرض عَلَيْهِ ملكا يقفه عَلَيْهِ، فقال لَهُ أَبُو بَكْر: وأيش تعمل به لو لم يكن فِي مالهم شُبْهة إلَّا الجاه لكفى.
سمعت فتيان بْن نيّاح الحرّانيّ، وكان عالِم أهل حَران وقد جرى بيننا ذِكر الكرامات فقال: أَنَا لَا أحكي عَن الأموات ولكن عَن الأحياء. هذا أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل حجّ فِي بعض السّنين، فلمّا قرُب مجيء الحاجّ جاء الخبر أنّ أَبَا بَكْر قد مات. فجلست محزونا فجاءتني والدته وأنا فِي مكاني هذا، فسلمَتْ، فرددتُ عليها متحزْنًا.
فقالت [1] : أيش هُوَ؟
فقلت: هُوَ الَّذِي يحكى.
فقالت: ما هُوَ صحيح.
قلت: من أَيْنَ لكِ؟
قَالَتْ هُوَ قَالَ لي قبل أن يخرج إنّه سَيَبْلُغُكِ أنّي قد متّ، فلا تصدّقي، فإنّي لا بدّ أجيء وأتزوّج، وأرزقُ ابنا وأموت.
قال: فأوّل من جاء هُوَ، وتزوّج ورُزق ابنا، ومات.
هذا مع كراهيته إظهار الكرامات والدعاوَى.
وكان عاقلا فِطنًا، يتكلّم بالحكمة فِي أمر الدّين.
حدّثني مَن حضر موته قَالَ: كُنَّا أَنَا وفلان وفلان، فتوضّأ ثمّ صار يسأل عَن وقت الظُهر، فقال بعضنا: جرت عادة النّاس يأخذون من آثار مشايخهم للتّبرّك. فقال: إن قبِلتم منّي لَا تريدون شيئا من الدّنيا.
قال: فبينما أَنَا جالس أغفيت، فرأيت كأنّ البيت الَّذِي نَحْنُ فِيهِ يخرج منه مثل ألسُن الشّمع، يعني النّور. ورأيت كأنّ شيخا جاء إلى عند الشَّيْخ أَبِي بَكْر، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا الشّيخ حمد.
__________
[1] في الأصل: «فقال» .(40/340)
فانتبهت فجعلت أسأل الجماعة عَن الشَّيْخ حمْد، ففِطن لي الشَّيْخ فقال: أيش تقول؟ فقصصت عَلَيْهِ الرّؤيا، فقال: نعم هذا الشَّيْخ حمْد بْن سُرور قد جاء إلينا. وكان الشَّيْخ حمْد من مشايخ حَران.
قال: ثمّ إنّه مال يسأل عَن وقت الظُهر، حتّى بقي من الوقت قدر قراءة جزء، ثمّ إنّه تَفَلَ مثل النَّقْحة، فخرجت منها نفسُه وحُمِل إلى حَران فدُفن بها رضي اللَّه عنه.
394- أَبُو جَعْفَر بْن هارون.
التّرحاليّ، الأندلسيّ، من كبار أهل إشبيلية.
وكان رأسا فِي الفلسفة، والطّبّ، والكحالة. ذا عناية بكتب أرِسْطُوطاليس.
خدم أَبَا يعقوب بْن عَبْد المؤمن.
وقد أخذ عَن الفقيه أَبِي بَكْر بْن العربيّ، ولازمه مدّة.
وعنه أخذ أَبُو الوليد بْن رُشْد الحفيد، عِلْم الأوائل.
وترحاله: من ثغور الأندلس.
395- أَبُو الفتح.
المَوْصِلي، العابد، ويُعرف بابن الرئيس.
قال الحافظ الرّهاويّ: كان زاهدا، ورِعًا، قنوعا، صائم الدهْر، نورانيّ الوجه، حَسَن الأخلاق، رزين العقل، متواضعا، شديدا فِي السّنّة، داعيا إليها، حافظا للقرآن.
لقّن خلْقًا. وكان خيّاطا يتقوّت باليسير والباقي ينفقه على أخيه وأولاد أخيه.
وكان يلبس قميص خام ومِئزر خام خِشنًا.
ولم يكن بالموصل فِي آخر زمانه مثله. وشيّعه خلق لا يحصون رحمه الله تعالى.(40/341)
396- أبو ألوفا.
شيخ أهل آمد في زمانه.
قال الحافظ الرّهاويّ: تكرّرت إليه مدّة مقامي بآمد، فرأيت منه عقلا وافرا، وحلما وتواضعا، وسخاء، وتألّفا للنّاس على مذهب أحمد.
وكان كثير الاحتمال للأذى في تألّف النّاس. مفيدا بكلامه، حافظا للسانه، ذكيّا، فهما. لم أر في تردادي إليه سقطة، ولا بلغني عنه.
ولقد فرحت برؤيتي له فرحا شديدا، وأحببته كأشدّ ما أحببت أحدا من المشايخ.
وكان له شيء من الدّنيا يتعيّش منه، ويواسي منه الفقراء، رحمه الله تعالى.
انتهى المجلد السابع عشر من تاريخ الإسلام ونقلته من خط مؤلفه الحافظ العلامة شمس الدين الذهبي والحمد للَّه وحده. يتلوه إن شاء الله تعالى الطبقة 59. سنة 581.(40/342)
(بعون الله وتوفيقه تمّ تحقيق هذه الطبقة من «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» لمؤرّخ الإسلام الحافظ شمسُ الدين مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْن عثمان بن قايماز المعروف بالذهبي، الدمشقيّ، المتوفّى سنة 748 هـ. - رحمه الله-، وقام بضبط نصّها، وتخريج أحاديثها وأشعارها، وتوثيق مادّتها، والإحالة إلى المصادر، والتعليق على متنها، وصنعة فهارسها، خادم العلم وطالبه، الحاج أبو غازي، الأستاذ الدكتور عمر عبد السلام تدمري، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، عضو الهيئة العربية العليا لإعادة كتابة تاريخ الأمة في اتحاد المؤرّخين العرب، الطرابلسي مولدا وموطنا، الحنفيّ مذهبا، وكان الفراغ من التحقيق عند أذان العصر من يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1415 هـ. الموافق للثاني والعشرين من شهر نيسان (أبريل) 1995 م. وذلك في منزله بساحة النجمة من مدينة طرابلس الشام المحروسة، حماها الله وجعلها آمنة عامرة مطمئنة، سخاء رخاء رغدا، وسائر بلاد المسلمين، ونفع الله بهذا العمل إلى يوم الدين، فهو نعم المولى وإليه أنيب)(40/343)
[المجلد الحادي والأربعون (سنة 581- 590) ]
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً 2: 250
الطبقة التاسعة والخمسون
ذكر الوقائع الكائنة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
[وقوع البَرَد]
فِي المحرَّم وقع بناحية نهر الملك بَرَدٌ أهلك الزَّرْع وقتل المواشي، وُزِنت منه بَرَدة فكانت رِطْلين بالعراقيّ.
[تدريس النظامية]
وَفِي صَفَر انفصل رَضِيُّ الدّين أَبُو الخير القزْوينيّ عَنْ تدريس النّظاميّة، وولي أَبُو طَالِب الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك الكرْخيّ، وخُلع عليه منَ الدّيوان الْعَزِيز بطراحة [1] .
[منع الوعّاظ]
وَفِي رجب أمر الخليفة منع الوعّاظ كلّهم إلّا ابن الجوزيّ.
[مولود بأذن واحدة]
ووُلِد بالعراق ولدٌ طول جبهته شبر وأربعة أصابع، وله أُذُنٌ واحدة.
[خطبة الملثّم للناصر لدين اللَّه]
وفيها وردت الأخبار بأنّ عليّ بْن إِسْحَاق الملثَّم خطب للنّاصر لدين اللَّه بمعظم بلاد المغرب، وخالف بني عبد المؤمن [2] .
__________
[1] الكامل 11/ 552.
[2] العبر 4/ 424.(41/5)
[مسير السلطان إِلَى الموصل]
وفيها سار السّلطان الملك النّاصر قاصدا المَوْصِل، فَلَمَّا قاربَ حلبَ تلقّاه صاحبها الملك العادل أخوه، ثُمَّ عَدِيّ الفرات إلى حرّان، وكانت إذ ذاك لمظفّر الدّين ابن صاحب إربل، وَقَدْ بَذَل خطّه بخمسين ألف دينار يوم وصول السّلطان إلى حَرّان برسم النَّفَقَة، فأقام السّلطان أيّاما لَمْ يَرَ للمال أثرا، فغضب عَلَى مظفّر الدّين واعتقله، ثُمَّ عفا عَنْهُ، وكتب لَهُ تشريفا بعد أن تسلَّمَ منه حَرّان، والرُّها، ثُمَّ أعادهما إِلَيْهِ فِي آخر العام. وسار إلى المَوْصِل فحاصرها وضايقها، وبذلت العامَّةُ نفوسهم فِي القتال بكلّ ممكنٍ لكون بِنْت السلطان نور الدّين، وهي زَوْجَة صاحب المَوْصِل عزّ الدّين سارت إلى صلاح الدّين قبل أن ينازل البلد، وخضعت لَهُ تطلب الصُّلْح والإحسان، فردّها خائبة، ثُمَّ إنَّه ندِم، ورأى أَنَّهُ عاجز عَنْ أخْذ البلد عَنْوةٍ، فأتت الأخبار بوفاة شاه أرمن صاحب خِلاط، وبوفاة نور الدّين مُحَمَّد صاحب حصن كيفا وآمِد، فتقسّم فِكْرُه، واختلفت آراء أمرائه، فلم يلبث أن جاءته رُسُل أمراء خِلاط بتعجيل المسير إليهم، فأسرع إليهم، وَجَعَل عَلَى مقدِّمته ابنَ عمّه ناصر الدّين مُحَمَّد بْن شِيرَكُوه ومظفَّر الدّين كوكبوري ابن صاحب إربل إلى خِلاط، فوجد الأمير بكتمر مملوك شاه أرمن قَدْ تملَّك، فنزلا بقربها.
ووصل الملك شمس الدّين البهلوان مُحَمَّد بْن ألْدِكِز بجيش أَذَرْبَيْجان ليأخذ خِلاط فنزل أيضا بقربها. وكان الوزير بها مجد الدّين عَبْد اللَّه بْن الموفَّق بْن رشيق، فكاتب صلاح الدّين مرَّة، وصلاح الدّين أخرى [1] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 511- 514، زبدة الحلب 3/ 82، مفرّج الكروب 2/ 168، تاريخ الزمان 203، تاريخ مختصر الدول 219، 220، النوادر السلطانية 67- 69، المختصر في أخبار البشر 3/ 69، مضمار الحقائق 212- 218، العبر 4/ 241، دول الإسلام 2/ 91، تاريخ ابن الوردي 2/ 94، مرآة الجنان 3/ 418، 419، البداية والنهاية 12/ 315، 316، العسجد المسبوك 194، المغرب في حلى المغرب 151، تاريخ ابن خلدون 5/ 303، السلوك ج 1 ق 1/ 89، 90، شفاء القلوب 114- 116، تاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 169.(41/6)
[منازلة صلاح الدين ميّافارقين]
ووصل صلاح الدّين ميّافارقين فنازلها وحاصرها، وكتب إلى مقدّمته يأمرهم بالعَود إِلَيْهِ فعادوا، وتسلّمها بأمان، وسلّمها إلى مملوكه سُنْقُر فِي جُمادى الأولى. فأتته رُسُلُ البهلوان بما فِيهِ المصلحة وأن يرجع عَنْ خِلاط، فأجاب: عَلَى أن ترحل أَنْت أيضا إلى بلادك [1] .
[منازلة المَوْصِل]
ثُمَّ عاد صلاح الدّين فنازل المَوْصِل وضايقها، فخرج إِلَيْهِ جماعة منَ النّساء الأتابكيّات فخضعْن لَهُ، فأكرمهنّ وقَبِل شفاعتهنّ. واستقرّ الأمر عَلَى أن يكون عماد الدِّين زنكي بْن مودود بْن زنكي صاحب سِنْجار هُوَ المتكلّم، فتوسَّط بأن تكون بلاد شهرزُور وحصونها للسّلطان، وتُضْرب السّكَّة باسمه والخطْبة لَهُ بالموصل، وأن تكون المَوْصِل لصاحبها، وأن يكون طَوْعه [2] .
[مرض السلطان]
ثُمَّ رجع السّلطان فتمرّض بحَرّان مُدَيْدَة، واشتدّ مرضه، وتناثر شَعْر رأسه ولحيته، وأرجفوا بموته. ثمّ عوفي [3] .
__________
[1] النوادر السلطانية 69، الكامل في التاريخ 11/ 515، تاريخ الزمان 203، تاريخ مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 82، المغرب في حلى المغرب 151، الروضتين 2/ 61، الدرّ المطلوب 78، تاريخ ابن الوردي 2/ 94، البداية والنهاية 12/ 316، المختصر في أخبار البشر 3/ 69، مرآة الجنان 3/ 419، تاريخ ابن خلدون 5/ 303، السلوك ج 1 ق 1/ 89، العسجد المسبوك 194، شفاء القلوب 114، تاريخ ابن سباط 1/ 169، 170.
[2] النوادر السلطانية 69، 70، مضمار الحقائق 219، 220، الكامل في التاريخ 11/ 515، 516، زبدة الحلب 3/ 82، 83، تاريخ الزمان 203، تاريخ مختصر الدول 220، المغرب في حلي المغرب 151، المختصر في أخبار البشر 3/ 69، الروضتين 2/ 61، الدرّ المطلوب 78، تاريخ ابن الوردي 2/ 94، 95، البداية والنهاية 12/ 316، مرآة الجنان 3/ 419، تاريخ ابن خلدون 5/ 303، السلوك ج 1 ق 1/ 89، العسجد المسبوك 194، شفاء القلوب 114، 115، تاريخ ابن سباط 1/ 170.
[3] النوادر السلطانية 71، الكامل في التاريخ 11/ 517، 518، تاريخ الزمان 203، تاريخ(41/7)
[وفاة صاحب حمص]
وتُوُفّي ناصر الدّين مُحَمَّد بْن أسد الدّين صاحب حمص، فأنعم بها السّلطان عَلَى ولده الملك المجاهد أسد الدّين شِيركُوه بْن مُحَمَّد. وسِنُّه يومئذٍ ثلاث عشرة سنة، وامتدَّت أيّامه [1] .
[مصالحة أَهْل خلاط للبهلوان]
وأمّا أَهْل خِلاط فإنّهم اصطلحوا مَعَ البهلوان مُحَمَّد [2] ، وصاروا من حزبه.
[فتنة التركمان والأكراد]
قَالَ ابن الأثير [3] : وفيها ابتداء الفتنة بَيْنَ التُّركمان والأكراد بالموصل، والجزيرة، وشهرزور، وأَذَرْبَيْجان، والشّام. وَقُتِلَ فيها منَ الخلق ما لا يُحصى، ودامت عدَّة سِنين. وتقطّعت الطُّرُق، وأُرِيقت الدّماء، ونُهِبت الأموال.
وسببها أنّ تُرْكُمانيَّة تزوَّجت بتُركمانيّ، فاجْتازوا بأكرادٍ، فطلبوا منهم وليمة العُرْس، فامتنعوا وجرى بينهم خصام آلَ إلى القتال، فَقُتِلَ الزّوج،
__________
[ () ] مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 83، المغرب 151، الروضتين 2/ 61، المختصر في أخبار البشر 3/ 69، الدر المطلوب 78، تاريخ ابن الوردي 2/ 95، مرآة الجنان 3/ 419، البداية والنهاية 12/ 316، تاريخ ابن خلدون 5/ 304، السلوك ج 1 ق 1/ 89، العسجد المسبوك 194، شفاء القلوب 116، تاريخ ابن سباط 1/ 170.
[1] النوادر السلطانية 71، الكامل في التاريخ 11/ 518، تاريخ الزمان 204، مضمار الحقائق 228، زبدة الحلب 3/ 83، 94، مفرّج الكروب 2/ 174، وفيات الأعيان 2/ 480 و 3/ 244 و 5/ 206 و 7/ 172، والمختصر في أخبار البشر 3/ 69، 70، الدرّ المطلوب 80، دول الإسلام 2/ 92، سير أعلام النبلاء 21/ 143، 144 رقم 72، العبر 4/ 246، تاريخ ابن الوردي 2/ 95، البداية والنهاية 12/ 317، الوافي بالوفيات 3/ 154، تاريخ ابن خلدون 5/ 304، العسجد المسبوك 195، 196، النجوم الزاهرة 6/ 98، تاريخ ابن سباط 1/ 171، شذرات الذهب 4/ 273.
[2] هو محمد بن ألدكز. توفي في السنة التالية 582 هـ. (المختصر في أخبار البشر 3/ 70، مرآة الزمان 8/ 384) .
[3] في الكامل 11/ 519.(41/8)
فهاجت الفِتنة، وقامت التّرْكمان عَلَى ساقٍ، وقتلوا جمْعًا منَ الأكراد، فتناخت الأكراد وقتلوا فِي التُّرْكمان. وتفاقم الشَّرّ ودام، إِلَى أن جمع الأمير مجاهد الدّين قايماز رحِمَه اللَّه عنده جَمْعًا من رءوس التُّركمان والأكراد وأصلح بينهم، وأعطاهم الخِلَع والثّياب، وأخرج عليهم مالا جمّا، فانقطعت الفتنة [1] .
[استيلاء ابن غانية عَلَى بلاد إفريقية]
وفيها استولى ابن غانية الملثَّم عَلَى أكثر بلاد إفريقية كَمَا ذكرنا فِي سنة ثمانين استطرادا [2] .
__________
[1] العبر 4/ 241، 242.
[2] الكامل 11/ 519.(41/9)
سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة
[اعتدال صحَّة السلطان]
فِي أوّلها صح مِزاج السّلطان بحَرّان فرحل عَنْهَا، ومعه ولداه الظّاهر، والعزيز، وأخوه العادل، وقدِم الشّام. فبذل العادل بلاد حلب لأولاد أَخِيهِ، فشكره السّلطان عَلَى ذَلِكَ، وملّكها للسّلطان الملك الظّاهر غازي ولده. وسيَّر أخاه العادل إلى مصر، ونزل عَلَى نواحي البلقاء.
وقيل إنّ الملك الظّاهر لمّا تزوَّج بابنة العادل نزل لَهُ العادل عَنْ حلب، وقَالَ: أَنَا ألزم خدمة أَخِي وأقنع بما أعطاني. وسمح بهذا لأنّ السّلطان أخاه كَانَ فِي مرضه قَدْ أوصى إِلَيْهِ عَلَى أولاده وممالكه، فأعجبه ذَلِكَ [1] .
[رواية المنجّمين عَنْ خراب العالم]
قَالَ العماد الكاتب: أجمع المنجّمون فِي سنة اثنتين وثمانين فِي جميع البلاد بخراب العالم فِي شعبان عِنْد اجتماع الكواكب السّتَّة [2] فِي الميزان بطوفان الرّيح فِي سائر البلدان. وخوّفوا بِذَلِك من لا توثُّق لَهُ باليقين، ولا إحكامٌ لَهُ فِي الدّين من ملوك الأعاجم والروم، وأشعروهم من تأثيرات النّجوم، فشرعوا فِي حفْر مغارات عَلَى التُّخوم، وتعميق بيوتٍ فِي الأسراب وتوثيقها، وشدّ منافسها عَلَى الرّيح، ونقلوا إليها الماء والأزواد وانتقلوا إليها، وانتظروا الميعاد وسلطاننا متنمّر من أباطيل المنجّمين، موقن أنّ قولهم مبنيّ
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 524، 525.
[2] في الكامل 11/ 528 «تجتمع الكواكب الخمسة» ، والمثبت يتفق مع البداية والنهاية 12/ 319، والعبر 4/ 246.(41/10)
عَلَى الكذِب والتّخمين. فَلَمَّا كَانَتِ اللّيلة الّتي عيَّنها المنجّمون لمثل ريح عاد، ونحن جلوسٌ عِنْد السّلطان، والشُّموع توقد، وما يتحرَّك لنا نسيم، ولم نَرَ ليلة مثلَها فِي ركودها [1] .
وعمل فِي ذَلِكَ جماعةٌ منَ الشّعراء. فممّا عمل أَبُو الغنائم مُحَمَّد بْن المعلّم فيما ورَّخه أَبُو المظفَّر السَّنَةَ فِي «المرآة» [2] :
قُلْ لأبي الفضْل قَوْلَ معترفٍ [3] ... مضى جُمادى وجاءنا رَجَبُ
وما جرت زعزعا كَمَا حكموا ... ولا بَدَا كوكبٌ لَهُ ذَنَبُ
كلَّا، ولا أظلَّت [4] ذُكاء ولا ... أبدَتْ أذى فِي أقرانها [5] الشُّهُبُ
يقضي عليها من لَيْسَ يعلم ما ... يُقضَى عليه هَذَا هُوَ العَجَبُ [6]
قَدْ بان كذِبُ المنجّمين وَفِي ... أَيِّ مقالٍ [7] قَالُوا وما كذبوا؟
[8]
[فتنة عاشوراء]
قَالَ ابن البُزُوريّ: وَفِي يوم عاشوراء سنة اثنتين قَالَ مُحَمَّد بْن القادسيّ فُرِش الرَّمادُ فِي الأسواق ببغداد، وعُلِّقت المُسُوح، وناح أهل الكرخ
__________
[1] العبر 4/ 246، 247.
[2] مرآة الزمان 8/ 387.
[3] في المرآة: «معتبر» .
[4] في المرآة: «أظلمت» .
[5] في المرآة: «قرانها» .
[6] في المرآة بعده: بيت هو:
فارم بتقويمك الفرات والأسطرلاب ... خير من ضبوة الخشب
[7] في المرآة: «مثال» .
[8] في المرآة زيادة: (8/ 387، 388) :
مدبّر الأمر واحد ليس إلّاه ... وفي كلّ حادث سبب
لا المشتري سالم ولا زحل ... باق ولا زهرة ولا قطب
تبارك الله حصحص الحقّ ... وانجاب التمادي وزالت الريب
فليبطل المدّعون ما صنعوا ... في كتبهم ولتحرق الكتب(41/11)
والمختارة، وخرج النّساء حاسراتٍ يَلْطمْن ويَنُحْن من باب البدريَّة إلى باب حجرة الخليفة، والخِلَع تفاض عليهنّ وعلى المُنْشِدين منَ الرجال.
وتعدّى الأمر إلى سَبِّ الصّحابة. وكان أَهْل الكرْخ يصيحون: ما بقي كتمان. وأقاموا ابنة قرايا، وكان الظّهير ابن العَطَّار قَدْ كبس دار أبيها، وأخرج منها كُتُبًا فِي سبّ الصّحابة، فقطع يديه ورِجْلَيه، ورجمته العوامّ حَتَّى مات، فقامت هَذِهِ المرأة تحت منظرة الخليفة وحولها خلائق وهي تنشد أشعار العَوْني وتقول: العنوا راكبةَ الجمل. وتذكر حديث الإفْك.
قَالَ: وكلّ ذَلِكَ منسوبٌ إلى أستاذ الدّار، وَهُوَ مجد الدّين ابن الصّاحب، ثُمَّ قُتِلَ بعد [1] .
[خِلاف الفرنج]
وفيها وقع الخلاف بَيْنَ الفِرنج- لعنهم اللَّه- وتفرَّقت كلمتهم، وكان فِي ذَلِكَ سعادة الْإِسْلَام [2] .
[غدْر أرناط صاحب الكَرَك]
وفيها غدر اللّعين أرناط صاحب الكَرَك، فقطع الطّريق عَلَى قافلةٍ كبيرة جاءت من مصر، فقتل وأسر، ثُمَّ شنّ الغارات عَلَى المسلمين، ونبذ العهد.
فتجهّز السّلطان صلاح الدّين لحربه، وطلب العساكر منَ البلاد، ونذر إن ظَفَرَ بِهِ ليقتلنّه، فأظفره الله به كما يأتي [3] .
__________
[1] دول الإسلام 2/ 92 (باختصار) ، العبر 4/ 274.
[2] مرآة الزمان 8/ 389، دول الإسلام 2/ 92.
[3] الكامل في التاريخ 11/ 527، 528، تاريخ الزمان 207، مرآة الزمان 8/ 389، المختصر في أخبار البشر 3/ 71، دول الإسلام 2/ 92، تاريخ ابن الوردي 2/ 96، السلوك ج 1 ق 1/ 92، شفاء القلوب 118، تاريخ ابن سباط 1/ 173.(41/12)
[خروج طغتكين عَنْ طاعة صلاح الدين]
أَنْبَأَنَا ابن البُزُوريّ فِي «الذَّيْل» قَالَ: وَقَدِمَ الحاجّ بغداد، وأخبروا أنّ سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين أخا صلاح الدّين خرج عَنِ الطّاعة، وترك مراضي الدّيوان واتّباعه، واستولى على مكّة وأهلها، وخطب لأخيه [1] .
وأخبروا أنّ قفْل الكعبة عَسُر عليهم فتْحُه، وازدحم النّاس، فمات منهم أربعةٌ وثلاثون نفسا.
[مزاعم المنجّمين]
قَالَ: وَفِي هَذِهِ السّنة كَانَ المنجّمون يزعمون أنّ فِي تاسع جُمادى الآخرة تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان، وَهُوَ القِران الخامس، ويدلّ ذَلِكَ عَلَى رياحٍ شديدة، وهَلاك مدنٍ كثيرة، فلم يُرَ إلّا الخير. وأخبرتُ أنّ الهواء توقَّف فِي الشّهر المذكور عَلَى أَهْل السّواد، فلم يكن لهم ما يذرّون بِهِ الغَلَّة [2] .
وكان الخليفة أمر بأخْذ خطوط المنجمّين بِذَلِك، فكتبوا سوى قايماز، وكان حاذقا بالنّجوم، فإنّه كتب: لا يتم من ذَلِكَ شيء. وخرج. فَقَالَ لَهُ منجّم: ما هَذَا؟ قَالَ: إنْ كَانَ كَمَا تزعمون من هَلاك العالَم من يواقفني؟ وإنْ كَانَ ما قلته حظيت عندهم.
[عقد قران الخليفة الناصر]
وفيها عقد أمير المؤمنين الناصر عَلَى الجهة سلجوق خاتون بِنْت قَلِج أرسلان بْن مَسْعُود صاحب بلاد الروم بوكالةٍ من أخيها كيخسْرو، وسار لإحضارها الحافظ يوسف بن أحمد شيخ الرّباط الأرجوانيّ.
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 388.
[2] الكامل 11/ 528، مرآة الزمان 8/ 385 و 387.(41/13)
[الفتنة بَيْنَ الرافضة والسُّنَّة]
وفيها جَرَت فتنة عظيمة بَيْنَ الرافضة والسُّنَّة قُتِلَ فيها خلْقٌ كثير، وغلبوا أَهْل الكرْخ [1] .
[الفِتَن بأصبهان]
وفيها وردت الأخبار بالفِتَن بأصبهان، والقتال والنَّهب، وإحراق المدارس، وقتْل الأطفال، فَقُتِلَ أربعة آلاف نفس. وسببه اختلاف المذاهب بعد وفاة زعيم أصبهان البلهوان. ثُمَّ ملك بعده أخوه فهذَّب البلاد.
[إمرة الركْب العراقي]
وأمير الركب العراقي فِي هَذِهِ الأعوام طاشتكين المستنجديّ [2] .
كثرة الخُلْف بَيْنَ الأمم والطوائف]
وَفِي هَذِهِ الأيام كَثُر الخُلْف بديار بَكْر والجزيرة بَيْنَ الأكراد والتُّركمان، وبين الفرنج والروم والأرمن، وبين الإسماعيليّة وال [- سّنّة] [3] . وقتلت الإسماعيليَّة ابن نيسان والد الّذي أَخَذَ منه صلاح الدين آمِد.
[تصادم الطيور فِي الجوّ]
ووقع بَيْنَ الكراكيّ واللَّقالق والإوَزّ، وصارت تصطدم بالجوّ وتتساقط جرحى وكَسْرَى، وأمْتار النّاس منها بأرض حرّان. قاله عبد اللّطيف.
__________
[1] دول الإسلام 2/ 92.
[2] مرآة الزمان 8/ 389.
[3] في الأصل بياض.(41/14)
سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة
[اتفاقات الأوائل]
أوّل يوم فِي السّنة كَانَ أوّل أيام الأسبوع، وأوّل السّنة الشّمسيَّة وأوَل سِنِيّ الفُرْس، والشّمس والقمر فِي أوّل البروج. وكان ذَلِكَ منَ الاتّفاقات العجيبة. قَاله لنا ابن البُزُوريّ.
[نقابة النقباء]
قَالَ: وَفِي صَفَر عُزِل نقيب النُّقَباء ابن الرمّال بأبي القاسم قثم بن طلحة الزّينبيّ.
[قتل مجد الدين ابن الصاحب]
وَفِي ربيع الأوّل استدعي مجد الدّين هبة الله ابن الصّاحب أستاذ الدّار إلى باطن دار الخلافة، فَقُتِلَ بها [1] . وكان قَدِ ارتفعت رُتْبته وعلا شأنه وتولّى قتْلَه ياقوتُ النّاصريّ، وعلَّق رأسه عَلَى باب داره. وولي أستاذيّةالدار قِوام الدّين أَبُو طَالِب يَحْيَى بْن زيادة، نقْلًا من حجابة الباب النُّوبيّ وأُمِرَ بكشْف ترِكة ابن الصّاحب، فكانت ألف ألف دينار وخمسة وثلاثين ألف دينار، سوى الأقمشة والآلات والأملاك. وتقدَّم أن لا يتعرّض إِلَى ما يخصّ أولاده من أملاكهم الّتي باسمهم [2] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 562.
[2] دول الإسلام 2/ 92، 93.(41/15)
وقَالَ سِبْط الجوزيّ [1] : قرَّبه النّاصر تقريبا زائدا [2] ، فبسط يده فِي الأموال، وسفك الدّماء، وسبّ الصحابة ظاهرا، وبَطَر بطَرًا شديدا، وعزم عَلَى تغيير الدّولة.
إلى أن قَالَ: وثب عليه فِي الدِّهْليز ياقوت شِحْنة بغداد فقتله، ووُجد لَهُ ما لَمْ يوجد فِي دُور الخلفاء.
[إحراق النقيب]
قُلْتُ: وتُوُفّي النّقيب عَبْد الملك بْن عليّ بالسّجن، وكان خاصّا بابن الصّاحب والمنفّذ لمراسمه، وأُخرج، فَلَمَّا رأت العامَّة تابوته رَمَوْه، وشدّوا فِي رِجْله حَبْلًا وسحبوه، وأحرقوه بباب المراتب.
[نيابة الوزارة]
وَفِي شوّال عُزِل ابن الدريج عَنْ نيابة الوزارة، ثُمَّ نُفِّذ إلى جلال الدّين أَبِي المظفّر عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس فوُلي الأمر. ثُمَّ استُدْعيَ يوم الجمعة إلى باب الحجرة، وخُلِعَ عليه خِلْعة الوزارة الكاملة، ولُقِّب يومئذٍ جلال الدّين، وقبَّل يد الخليفة وقَالَ لَهُ: قلَّدتك أمور الرعيَّة فقدِّم تقوى اللَّه أمامك [3] .
[وفاة ابن الدامغانيّ]
وَقَدْ كَانَ ابن يُونُس يشهد عِنْد قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن بْن الدّامغانيّ، وتوقَّف مرَّةَ فِي سماع قوله. فَلَمَّا كَانَ هَذَا اليوم كَانَ قاضي القُضاة مِمَّنْ مشى بَيْنَ يديه. فَقِيل إنَّه قَالَ: لعن اللَّه طول العمر. ثُمَّ مات بعد أيّام فِي ذِي الحجّة [4] ، فوُلّي قضاءَ القُضاة بالعراق أَبُو طَالِب عليّ بن عليّ بن البخاريّ.
__________
[1] يوجد نقص في المطبوع من مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي في أثناء حوادث سنة 583 هـ.
حتى 585 هـ.
[2] في الأصل: «قرّبه الناصر تقريب زائد» .
[3] الكامل في التاريخ 11/ 562.
[4] الكامل 11/ 563.(41/16)
[هدم مملكة السلطان طغرل]
وفيها أرسل السّلطان طُغْرُل بْن أرسلان بْن طُغْرُل بْن مُحَمَّد السَّلْجوقيّ إلى الدّيوان يطلب أن تُعمّر دار المملكة ليجيء وينزلها، وأن يُسَمَّى فِي الخطبة. فأمر الخليفة فَهُدِمَت المملكة وأُعيد رسوله بغير جواب [1] . وكان مُستضْعَف المُلك مَعَ البهلوان لَيْسَ لَهُ غير الاسم. فَلَمَّا تُوُفّي البهلوان قويت نفسه وعسكر، وأنضمَّ إِلَيْهِ أمراء.
[الحرب بَيْنَ الركْب العراقي والركْب الشامي]
وحجَّ بالركْب العراقيّ مجِير الدّين طاشتِكين عَلَى عادته.
وحجَّ منَ الشّام الأمير شمس الدّين مُحَمَّد بْن عَبْد الملك، المعروف بابن المقدَّم، فضرب كوساته، وتقدَّم من عَرَفَات قبل أصحاب الخليفة، فأرسل طاشتِكِين يلومه، فلم يفكّر فِيهِ، فركب طاشتكين فِي أجناده، إلى قتاله، وتبعَه خلْق من ركْب العراق. ووقع الحرب، وَقُتِلَ من رَكْب الشّام خلْق [2] .
[وفاة ابن المقدَّم]
ثُمَّ أُسِرَ ابن المقدَّم، وجيء بِهِ إلى خيمة طاشتكين، وخيطت جراحاته، ثُمَّ مات بمِنى ودُفن بها [3] .
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ مِن كبار الأمراء النُّوريَّة وولي نيابة دمشق للسّلطان صلاح الدّين وَهُوَ واقف المدرسة المقدّميَّة.
[إحراق ضياع الكرك والشوبك]
وفيها كتب السّلطان صلاح الدّين إلى الأمصار يستدعي الأجناد إلى
__________
[1] الكامل 11/ 560.
[2] الكامل 11/ 559، دول الإسلام 2/ 93.
[3] الكامل 11/ 560 ودفن بمقبرة المعلّى، دول الإسلام 2/ 93.(41/17)
الجهاد. وبرز فِي أوّل السّنة، ونزل عَلَى أرض بُصْرَى مرتقبا [1] مجيء الحاجّ ليخفِرَهم منَ الفِرَنج. وسار إلى الكَرَك والشَّوْبَك، فأحرق ضياعهما، وأقام هناك شهرين.
[الإغارة عَلَى طبريَّة]
واجتمعت الجيوش برأس الماء عِنْد ولده الأفضل، فجهَّز بعثا فأغاروا عَلَى طبريَّة.
[هزيمة الفِرَنج بصفُّوريَّة]
وقدِم منَ الشّرق مظفَّر الدّين صاحب إربِل بالعساكر، وقدِم بدر الدّين ولدرم عَلَى عسكر حلب، وقايماز النَّجْميّ عَلَى عسكر دمشق، فساروا مُدْلجين حَتَّى صَبَّحوا صَفُّورِيَّة، فخرجت الفِرَنج فنصر الله المسلمين، وَقُتِلَ منَ الفِرَنج خلقٌ منَ الإسْبِتار، وأسروا خلْقًا [2] .
[موقعة حِطّين]
وأسرع السّلطان حَتَّى نزل بعشترا، وعرض العساكر وأنفق فيهم، وسار بهم وقد ملئوا الفضاء فنزل الأُرْدُنّ، ونزل مُعظم العساكر. وسار إلى طبريَّة فأخذها عَنْوةً، فتأهَّبت الفِرَنج وحشدوا، وجاءوا من كُلّ فجّ وأقبلوا، فرتَّب عساكره فِي مقابلهم وصابَحَهم وبايتهم.
وكان المسلمون اثني عشر ألف فارس وخلْقٍ منَ الرجَّالة. وقيل كَانَ الفِرَنج ثمانين ألفا ما بَيْنَ فارسٍ وراجل. والتجئوا إلى جبل حِطّين، فأحاط المسلمون بهم من كُلّ جانب، فهرب القومُّص لَعَنَه اللَّه، ووقع القتال، فكانت
__________
[1] في الأصل: «مرتقب» .
[2] النوادر السلطانية 74، الكامل في التاريخ 11/ 529، 530، تاريخ الزمان 207، تاريخ مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 91، الفتح القسي 59، المختصر في أخبار البشر 3/ 71، دول الإسلام 2/ 93، تاريخ ابن الوردي 2/ 96، البداية والنهاية 12/ 320، تاريخ ابن خلدون 5/ 305، السلوك ج 1 ق 1/ 92، شفاء القلوب 119، تاريخ ابن سباط 174، 175.(41/18)
الدّائرة عَلَى الفِرَنج، وأسِر خلْقٌ منهم الملك كي، وأخوه جفْري، وصاحب جُبَيْل، وهنْفري بْن هَنْفري، والإبْرِنْس أرناط صاحب الكَرَك، وابن صاحب إسكندَرونة، وصاحب مَرَقيَّة [1] .
وما أحلى قول العماد الكاتب [2] : «فَمنْ شاهد القَتْلَى يومئذٍ قَالَ: ما هناك أسير، ومَن عايَنَ الأسرى قَالَ: ما هناك قتيل» .
قُلْتُ: ولا عَهْد للإسلام بالشّام بمثل هَذِهِ الوقعة من زمنَ الصّحابة.
فقتل السّلطانُ صاحبَ الكَرَك بيده لأنّه تكلَّم بما أغضب صلاح الدّين، فتنمّر وقام إِلَيْهِ طيَّر رأسه، فأُرْعِب الباقون.
وقَالَ ابن شدّاد [3] : بل كَانَ السّلطان نَذَر أن يقتله لأنّه سار ليملك الحجاز، وغَدَرَ وأخذ قَفْلا كبيرا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ مقدَّم الفِرَنج نَوْبةَ الرملة لمّا كبسوا صلاح الدّين وكسروه سنة ثلاثٍ وسبعين.
وكان أرناط فارس الفِرَنج فِي زمانه، وَقَدْ وقع فِي أسْر الملك نور الدّين، وحبسه مدَّةً بقلعة حلب. فَلَمَّا مات نور الدّين وذهب ابنه إلى حلب وقصده صلاح الدّين غير مرَّةٍ ليأخذ حلب أطلق أرناط وجماعة من كبار الفرنج ليُعينوه عَلَى صلاح الدّين.
ثُمَّ قيَّد جميع الأسارى وحُمِلوا إلى الحصون، وأخذ السّلطان يومئذ منهم صليب الصّلبوت.
__________
[1] انظر عن موقعة حطين في: الفتح القسّي في الفتح القدسي 61- 84، والنوادر السلطانية 75- 79، والكامل في التاريخ 11/ 534- 583، وتاريخ الزمان 208، 209، ومرآة الزمان 8/ 392، 393، وزبدة الحلب 3/ 92- 96، والمختصر في أخبار البشر 3/ 71، 72، وتاريخ ابن الوردي 2/ 96، ومرآة الجنان 3/ 424، والبداية والنهاية 12/ 320، ودول الإسلام 2/ 93، 94، وتاريخ ابن خلدون 5/ 305، 306، ومشارع الأشواق لابن النحاس 2/ 837، 934، 935، والسلوك ج 1 ق 1/ 93، وشفاء القلوب 119- 121، وتاريخ ابن سباط 1/ 176، 177.
[2] في البرق الشامي.
[3] في النوادر السلطانية.(41/19)
وكانت وقعة حِطّين هَذِهِ فِي نصف ربيع الآخر، ولم ينْجُ فيها منَ الفِرَنج إلّا القليل، وهي من أعظم الفتح فِي الْإِسْلَام.
وقيل كَانَ للفرنج أربعين ألفا.
وأبيع فيها الأسير بدمشق بدينار فلله الحمد.
قَالَ أَبُو المظفَّر بْن الجوزيّ [1] : خيَّم السّلطان عَلَى ساحل البحيرة فِي اثني عشر ألفا منَ الفرُسان سوى الرّجّالة، وخرج الفِرَنج من عكّا، فلم يَدَعوا بها محتلِمًا. فنزلوا صَفُّوريَّة، وتقدَّم السّلطان إلى طبريَّة، فنصب عليها المجانيق، وافتتحها فِي ربيع الآخر، وتقدّمت الفِرَنج فنزلوا لوبية منَ الغد، وملك المسلمون عليهم الماء، وكان يوما حارّا. والتهب الغَوْر عليهم، وأضرم مظفَّر الدّين النّارَ فِي الزُّروع، وأحاط بهم المسلمون طول اللّيل، فَلَمَّا طلع الفجر قاتلوا إلى الظُّهْر، وصعدوا إلى تلّ حِطّين والنّار تُضْرَم حولهم، وساق القُومُّص عَلَى حَمِيَّة وحرق، وطلع إلى صَفد [2] ، وعملت السّيُوف فِي الفِرَنج، وانكسر [3] منَ الملوك جماعة، وجيء بصليب الصَّلَبُوت إلى السّلطان، وَهُوَ مرصَّع بالجواهر واليواقيت فِي غلافٍ من ذهب. فأُسِرَ ملكَ الفِرنج درباسُ الكُرديّ، وأسر إبرنس الكَرَك إِبْرَاهِيمُ غلام المهرانيّ.
قَالَ: واستدعاهم السّلطان، فجلس الملك عَنْ يمينه، ويليه إبْرنْس الكَرَك، فنظر السّلطان إلى الملك وَهُوَ يَلْهَث عَطَشًا، فأمر لَهُ بماءٍ وثَلْج، فشرب وسقى البِرِنْس، فَقَالَ السّلطان: ما أذنْتُ لك فِي سقْيه. والتفتَ إلى البِرِنس فَقَالَ: يا ملعون يا غدّار، حَلَفْت ونكثْت. وَجَعَل يعدّد عليه غَدْراته.
ثُمَّ قام إِلَيْهِ فضربه حلَّ كتفه، وتمَّمه المماليك، فطار عقل الملك، فأمّنه السّلطان وقَالَ: هَذَا كلب غدر غير مرّة.
__________
[1] في مرآة الزمان 8/ 393.
[2] في مرآة الزمان 8/ 393 «صفت» .
[3] هكذا في الأصل. ولعلّ الصحيح «وأسر» .(41/20)
إلى أن قَالَ: وأبيعت الأسارى بثمنٍ بخْسٍ، حَتَّى باع فقيرٌ أسيرا بنَعْل، فَقِيل لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أردت هوانهم.
ووصل القاضي ابن أَبِي عصرون [1] دمشقَ وصليب الصَّلَبُوت منكَّسًا بَيْنَ يديه [2] ، وعاد السّلطان إلى طبريَّة، وآمن صاحبتها، فخرجت بأموالها إلى عكّا. وأمّا القومُّص فسار من صَفَد إلى طرابُلُسَ فمات بها، فَقِيل: مات من جراحاتٍ أصابته. وقيل: إنّ امرأته سمّته.
قَالَ القاضي جمال الدّين بْن واصل [3] : اجتمعت الجحافل عَلَى رأس الماء عِنْد الملك الأفضل ابن السّلطان، فتأخّرت العساكر الحلبيَّة لانشغالها بِفرنج أنطاكيَّة وبالأرمن، فدخل الملك مظفَّر صاحب حماه فأخمد ثائرتهم، ثُمَّ ردّ إلى حماه ومعه فخر الدّين مَسْعُود بْن الزَّعْفَرانيّ عَلَى عساكر المَوْصِل وعسكر ماردين، فلحقوا السّلطان بعشترا، ثُمَّ ساروا، وأحاطت جيوشه بُحيرة طبريَّة عِنْد قرية الصّفيرة، ثُمَّ نازل طبريَّة فافتتحها فِي ساعةٍ من نهار.
[رواية ابن الأثير]
وحكى ابن الأثير [4] عمّن أخبره عَنِ الملك الأفضل قَالَ: كُنْت إلى جانب والدي السّلطان فِي مُصافّ حِطّين، وهو أوَّل مُصافٍّ شاهدتُه، فَلَمَّا صار ملك الفِرَنج عَلَى التّلَّة حملوا حملة منْكَرَةً علينا، حَتَّى ألحقوا المسلمين بوالدي، فنظرت إِلَيْهِ وَقَدْ أرْبَدَّ لونُه، وأمسك بلحيته، وتقدَّم وَهُوَ يصيح:
كذب الشَّيْطان. فعاد المسلمون عَلَى الفِرَنج، فرجعوا إلى التّلّ. فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ صُحْت: هزمناهم، هزمناهم. فعاد الفِرَنج وحملوا حملةً ثانيةً حَتَّى
__________
[1] هو أبو سَعْد عَبْد اللَّه بن أَبِي السّرِيّ مُحَمَّد بن هبة الله بن مطهر بْن عَلِيّ بْن أَبِي عَصْرون بْن أَبِي السري التميمي، الحديثي، ثم الموصلي، الفقيه الشافعيّ، الملقّب شرف الدين. توفي سنة 585 هـ. بدمشق. وسيأتي في وفيات هذا الجزء برقم (174) .
[2] مشارع الأشواق 2/ 935.
[3] في مفرّج الكروب.
[4] في الكامل في التاريخ 11/ 536، 537.(41/21)
ألحقوا المسلمين بوالدي، وفعَل مثل ما فعل أوّلا، وعطف المسلمون عليهم وألحقوهم بالتّلّ، فصحت أَنَا: هزمناهم. فَقَالَ والدي: اسكُت، ما نهزمهم حَتَّى تسقط تِلْكَ الخيمة، يعني خيمة الملك.
قَالَ: فهو يَقُولُ لي وَإِذَا الخيمة قَدْ سقطت، فنزل أَبِي وسجد شكرا للَّه، وبكى من فرحه.
وكان سبب سقوطها أنّهم عطشوا، وكانوا يرجون بالحملات الخلاص، فَلَمَّا لَمْ يجدوه نزلوا عَنْ خيلهم وجلسوا، فصعِد المسلمون إليهم، وألقوا خيمة ملكهم، وأسروهم كلّهم.
[رواية ابن شدّاد]
قَالَ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد [1] : وحَدَّثَنِي من أثِق بِهِ أَنَّهُ لقي بحَوْران شخصا واحدا ومعه طنب خَيْمة، وفيه نيّفٌ وثلاثون أسيرا يجرّهم وحده بخذْلانٍ وقع عليهم.
[إنشاء العماد]
ومن إنشاءٍ عِماديّ [2] إلى الخليفة: «الحمد للَّه الَّذِي أعاد الْإِسْلَام جديدا..
إلى أن قَالَ: ونُورِدُ البُشرى بما أنعم اللَّه تَعَالَى فِي يوم الخميس الثّالث والعشرين من ربيع الآخر إلى الخميس الآخر، عمَل [3] سبْع ليالٍ وثمانية أيّام حُسُوما، فيوم الخميس فُتِحت طبريَّة، ويوم الجمعة والسّبت نُوديَ [4] الفِرَنج فكُسِروا كسرة ما لهم بعدها قائمة.
__________
[1] في النوادر السلطانية.
[2] إنشاء عماديّ: هو ما كتبه العماد الأصبهاني الكاتب.
[3] في مشارع الأشواق 2/ 936 «تلك» ، ومثله في: مرآة الزمان 8/ 395.
[4] في مشارع الأشواق 2/ 936 «نوزل» .(41/22)
وَفِي يوم الخميس سلْخ الشّهر فُتِحت عكّا بالأمان، ورُفعت بها أعلام الْإِيمَان، وهي أمُّ البلاد، وأخت إرَمَ ذات العماد» [1] .
إلى أن قَالَ: «فأمّا القتلى والأَسْرى فإنّها تزيد عَلَى ثلاثين ألفا [2] ، يعني فِي وقعة حِطّين وما حولها فِي هَذَا الأسبوع» .
وَقَدْ ذكر العماد رحِمَه الله أيضا أَنَّهُ خُلّص من هَذِهِ السّنة من أسْر الكُفْر أكثر من عشرين ألف أسير، ووقع فِي الأسر منَ الكفّار مائة ألف أسير. هكذا قَالَ.
[تتابع الفتوحات]
ثُمَّ سار السّلطان إلى عكّا فوصلها بعد خمسة أيّام منَ الوقعة، فأخذها بالأمان، وملَكها بلا مَشَقَّة. وبلغ السّلطان الملك العادل هَذَا النّصرُ العظيمُ، فخرج من مصر بالجيوش، فمرّ بيافا ومجدل فافتتحهما عَنْوةً، وغنِم منَ الأموال ما لا يوصف. ثُمَّ فتح اللَّه النّاصرة وصفُّوريَّة عَلَى يد مظفَّر الدّين صاحب إربل عَنْوةً، وفُتِحت قَيْساريَّة عَلَى يد ولدرم وغرس الدّين قلِيج عَنْوةً، ونابلس عَلَى يد حسان الدّين لاجين بالأمان بعد قتالٍ شديد، ثُمَّ حصن الفولة بالأمان [3] .
[فتح تبنين وصيدا وبيروت وجبيل]
ثُمَّ نازل السّلطان تِبْنين فافتتحها، ثُمَّ صيدا فافتتحها، ثمّ بيروت، ثم
__________
[1] إرم ذات العماد هي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، سورة الفجر، الآية 7.
قال ياقوت: إرم ذات العماد: قيل: هي الإسكندرية، وأكثرهم يقولون: هي دمشق، وقيل: إنها بلاد باليمن بين حضر موت وصنعاء من بناء شدّاد بن عاد. (معجم البلدان 1/ 155) .
[2] مشارع الأشواق 2/ 935، 936.
[3] النوادر السلطانية 79، تاريخ الزمان 209، تاريخ مختصر الدول 220، الكامل في التاريخ 11/ 538- 540، زبدة الحلب 3/ 57، المختصر في أخبار البشر 3/ 72، دول الإسلام 2 ج 94، العبر 4/ 248، تاريخ ابن الوردي 2/ 96، مرآة الجنان 3/ 424، البداية والنهاية 12/ 322، مشارع الأشواق 2/ 936، وفيه حصن «الغولة» ، بالغين، السلوك ج 1 ق 1/ 94، 95، شفاء القلوب 122- 124، تاريخ ابن سباط 1/ 177، 178.(41/23)
جُبَيل، ثُمَّ سار إلى عسقلان فحاصرها وضيّق عليها بالقتال والمجانيق، ثُمَّ أخذها بالأمان. وأخذ الرملة، والدّاروم، وغزّة، وبيت جبريل، والنَّطْرُون بالأمان [1] .
[فتح بيت المَقْدِس]
ثُمَّ سار مؤيَّدًا منصورا إلى البيت المقدّس، فنزل من غربيّه فِي نصف رجب، وكان بها يومئذٍ ستّون ألف مقاتل. فقاتلهم المسلمون أشدّ قتال، ثُمَّ انتقل السّلطان بعد خمسٍ إلى الجانب الشّماليّ منَ البلد ونصب المجانيق ووقع الجدّ، فطلب الفرنج الأمان، فأمَّنهم بعد تمنُّع، وقرَّر عَلَى كُلّ رجلٍ عشرة دنانير، وعلى كُلّ امرأةٍ خمسة دنانير، وعلى كُلّ صغير وصغيرةٍ دينارين فَإِن من عجز أمهل أربعين يوما، ثُمَّ يُسْتَرَق. فأجابوا إلى ذلك. وجمع المال فكان سبعمائة ألف دينار، فقسّمه فِي الجيش. وبقي ثلاثون ألفا لَيْسَ فيهم [2] فكاك، فاستعبدهم وفرَّقهم. وخلّص من أسارى المسلمين عشرين ألفا.
وخرج منها البَتْرَك بأموالٍ لا تُحْصَى، فأراد الأمراء الغدر بِهِ فمنعهم وخَفَره وقال: الوفاء خير منَ الغدر، وهذا البَتْرك عندهم أعظم رتبة من ملك الفِرَنج [3] .
وكان ببيت المَقْدِس أيضًا منَ الكبار صاحب الرملة ياليان ابن ياوران، وَهُوَ دون ملك الفِرَنج فِي الرُّتْبة بقليل، وخلْق كثير من كبار فرسانهم.
وكان الموت أهون عليهم من أخْذ المسلمين القدس من أيديهم إذ هو
__________
[1] النوادر السلطانية 80، الفتح القسي 99- 108، الكامل في التاريخ 11/ 541- 543، تاريخ الزمان 209، تاريخ مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 97، مرآة الزمان 8/ 396، المختصر في أخبار البشر 3/ 72، دول الإسلام 2/ 94، العبر 4/ 248، تاريخ ابن الوردي 2/ 96، مرآة الجنان 3/ 424، البداية والنهاية 12/ 322، مشارع الأشواق 2/ 936، 936، وفيه «بيت جبرين» ، السلوك ج 1 ق 1/ 94، 95، شفاء القلوب 122- 124، تاريخ ابن سباط 1/ 178.
[2] في مشارع الأشواق 2/ 937 «ليس معهم» .
[3] مشارع الأشواق 2/ 937.(41/24)
بيت عبادتهم الأعظم، ومحلّ تجسّد النّاسوت فيما زعموا باللّاهوت- تَعَالَى اللَّه وتقدَّس عمّا يقولون عُلوًّا كبيرا- وبه قُمامة الّتي تُدعى القيامة محلّ ضلالتهم وقِبلة جهالتهم، زعموا أنّ المسيح دُفن بعد الصَّلب بها ثلاثة أيّام، ثُمَّ قام منَ القبر، وصعِد إلى السّماء، فبالغوا فِي تحصينه بكلّ طريق. فنازله السّلطان، وما وجد عليه موضعا أقرب من جهة الشّمال فنزل عليه، واشتدّ الحرب، وبقيت الفرسان تخرج منَ المدينة وتحمل وتقاتل أشدّ القتال وأقواه، ثُمَّ إنَّ المسلمين حملوا عليهم يوما حَتَّى أدخلوهم القدس، ولصقوا بالخندق، ثُمَّ جَدُّوا فِي النُقُوب، وتتابع الرمْي بالمجانيق منَ الفريقين، ووقع الجدّ، واجتمعت الفِرَنج، واتّفقوا عَلَى طلب الأمان، فامتنع السّلطان- أيَّده اللَّه- من إجابتهم فَقَالَ: لا أفعل فِيهِ إلّا كَمَا فعلتم بأهله حين ملكتموه من نحو تسعين سنة. فرجعت رُسلهم خائبين. فخرج صاحب الرملة ياليان بنفسه فطلب الأمان فلم يُعط، فاستعطف السّلطان فامتنع، فَلَمَّا أيس قَالَ: نَحْنُ خلْقٌ كثير وإنّما يفترّون عَنِ القتال رجاء الأمان ورغبة فِي الحياة، وَإِذَا رأينا أنَّ الموت لا بدَّ منه لنقتلنّ أبناءنا ونساءنا، وتحرّق أموالنا، ولا ندع لكم شيئا، فإذا فرغنا أخربنا الصّخرة والأقصى، وقتلنا الأسرى، وهم خمسة آلاف مُسْلِم، وقتلنا الدّوابّ، ثُمَّ خرجنا إليكم وقاتلنا قتال الموت، فلا يقُتل منّا رَجُل حَتَّى يقتل رَجُلا ونُموت أعزّاء.
فاستشار حينئذٍ السّلطان أُمراءه فقالوا: المصلحة الأمان. وقالوا:
نحسب أنهم أسارى بأيدينا فنبيعهم نفوسهم. فأمّنهم بشرط أن يزِن كُلّ رجل عشرة دنانير، وكلّ امْرَأَةٍ خمسة دنانير، والطّفل دينارين.
ثُمَّ رُفعت أعلام الْإِسْلَام عَلَى السُّور، ورتَّب السّلطان أُمَنَاءه عَلَى أبواب القدس ليأخذوا المال مِمَّنْ يَخْرُج، وكان بها ستّون ألفا سوى النّساء والوِلْدان. ووزن ياليان من عنده عَنْ ثمانية عشر ألف رَجُل. ثُمَّ بعد ذَلِكَ أسر منها عشرة آلاف نفس فقراء لَمْ يقدروا عَلَى شراء أنفسهم.
ثُمَّ إنّ جماعة منَ الأمراء ادَّعوا أنّ لهم فِي القدس رعيَّة، فكان يطلقهم.(41/25)
كمظفّر الدّين ابن صاحب إربل ادَّعى أنّ جماعة من أَهْل الرُّها بالقدس وعِدَّتهم ألف نفس. وكذلك صاحب البيرة ادّعى أنّ فيها خمسمائة نفس من أَهْل البيرة.
[تطهير قبة الصخرة والمسجد الأقصى]
وكان عَلَى رأس قُبَّة الصَّخرة صليبٌ كبير مذهَّب، فطلع المسلمون ورموه، وضجّ الخلْق ضجَّة عظيمة إلى الغاية.
وكان المسجد الأقصى مشغولا بالخنازير والخَبَث والأبنية، بَنت الدّاويةُ فِي غربيّه مساكن وفيها المراحيض، وسدّوا المحراب، فبادر المسلمون إلى تنظيفه وتطهيره، وبسطوا فِيهِ البُسُط الفاخرة، وعُلَّقت القناديل، وخطب بِهِ النّاسَ يوم الجمعة، وهو رابع شعبان [1] ، القاضي محيي الدين بْن الزّكيّ.
وتسامع النّاس، وتسارعوا من كلّ فجّ وقرب وبُعْدٍ للزّيارة، وازدحموا يوم هَذِهِ الجمعة حَتَّى فاتوا الإحصاء.
وحضر السّلطان فصلّى بقبّة الصَّخرة، وفرح إذ جعله اللَّه تَعَالَى فِي هَذَا الفتح ثانيا لعمر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فاستفتح القاضي خطبته بقوله تَعَالَى: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 6: 45 [2] ، ثُمَّ أوّل الأنعام، وآخر سُبْحان، وأوّل الكهف، وحَمْدَلة النَّمل، وأوّل سبإ، وفاطر، ثُمَّ قَالَ: الحمد للَّه مُعِزّ الْإِسْلَام [3] ينصره.. إلى آخرها. ثُمَّ خطب ثلاث جُمَع بعدها من إنشائه [4] .
__________
[1] مشارع الأشواق 2/ 937.
[2] سورة الأنعام، الآية 45.
[3] كتب فوقها في الأصل: «الدين» .
[4] انظر عن فتح بيت المقدس في: الفتح القسي 112- 115، والنوادر السلطانية 81، 82، والكامل في التاريخ 11/ 546- 553، ومفرّج الكروب 2/ 213- 217، وزبدة الحلب 3/ 98- 100، وتاريخ الزمان 210- 212، وتاريخ مختصر الدول 220، 221، والأعلاق الخطيرة 2/ 204- 220، والمغرب في حلى المغرب 154. ومرآة الزمان 8/ 397- 400، ونهاية الأرب 28/ 403- 405، والمختصر في أخبار البشر 3/ 72، 73، والدرّ المطلوب 84- 93، والعبر 4/ 248، ودول الإسلام 2/ 94، 95، وتاريخ(41/26)
[عمل منبر الأقصى]
وَقَدْ كَانَ الملك نور الدّين أنشأ منبرا برسم الأقصى قبل فتح بيت المَقْدِس طمعا فِي أن يفتتحه، ولم تزل نفسه تحدّثه بفتحه، وكان بحلب نجّار فائق الصَّنعة، فعمل لنور الدّين هَذَا المِنبر عَلَى أحسن نَعْتٍ وأجمله وأبدعه، فاحترق جامع حلب، فنُصب فِيهِ لمَّا جُدّد المنبر المذكور، ثُمَّ عمل النّجّار المذكور ويُعرف بالأخترينيّ، نسبة إلى قرية أخترين، محرابا من نسبة ذَلِكَ المنبر، فَلَمَّا افتتح السّلطان بيت المَقْدِس أمر بنقل المِنبر إلى جانب محراب الأقصى، فلله الحمد عَلَى هَذِهِ النِّعَم الّتي لا تُحصى [1] .
وَقَدْ كَانَتِ الفِرَنج بنوا عَلَى الصَّخرة كنيسة، وغيّروا أوضاعها وصوَّروها، ونصبوا مذبحا، وعملوا عَلَى موضع القدم قُبَّةً لطيفة مذهَّبة بأعمدة رخام، فخرّبت تِلْكَ الأبنية عَنِ الصَّخرة وأُبرزت. وكانت الفِرَنج قَدْ قطعوا منها قطعا، وحملوها إلى القُسْطَنْطِينيَّة وإلى صَقَلّية، حَتَّى قِيلَ كانوا يبيعونها بوزنها ذهبا.
وحضر الملك المظفّر تقيّ الدّين فحمل إليها أحمالا من ماء الورد فغسّلها بها، وكنس ساحاتها بيده، وغسّل جدرانها، ثُمَّ بخّرها بالطّيب [2] .
وحضر الملك الأفضل ابن السّلطان ففرش فيها بُسُطًا نفيسة ورتَّب الأئمَّة، والمؤذّنين، والقُوَّام. ثُمَّ عيَّن السّلطان كنيسة صندجية وصيَّرها مدرسة للشّافعيَّة ووقف عليها وقوفا جليلة. وقرَّر دار البترك الأعظم رباطا للفقراء، ومحا آثار النّصرانيَّة، وأمر بإغلاق كنيسة قُمامة، ومنع النَّصارى من زيارتها.
ثُمَّ تقَّرر بعدُ على من زارها ضريبة تؤخذ منه.
__________
[ () ] ابن الوردي 2/ 97، 98، ومرآة الجنان 3/ 424، والبداية والنهاية 12/ 323- 327، والإعلام والتبيين 33، 34، وتاريخ ابن خلدون 5/ 309- 311، والسلوك ج 1 ق 1/ 96، 97، وشفاء القلوب 128- 151، وتاريخ ابن سباط 1/ 180، 181.
[1] نهاية الأرب 28/ 45.
[2] مشارع الأشواق 2/ 937.(41/27)
ولمّا افتتح عُمَر بيت المَقْدِس أقرَّ هَذِهِ الكنيسة ولم يهدمها، ولهذا أبقاها السّلطان.
وللنّسّابة مُحَمَّد بْن سعد الجوانيّ نقيب الأشراف بمصر:
أَترَى مناما ما بعيني أُبصرُ ... القدسُ يُفْتَح والنَّصارى تكسرُ؟
وقمامة قمت منَ الرجس الَّذِي ... بزواله وزوالها يتطهَّرُ
ومليكهم فِي القيد مصفودٌ ولم ... ير قبل هذا لهم ملكا يؤسَرُ
قَدْ جاء نصر اللَّه والفتحُ الَّذِي ... وعد الرَّسُول فسبّحوا واستغفروا
يا يوسف الصِّدِّيق أَنْت بفتحها ... فاروقها عُمَر الْإِمَام الأطهرُ
[رواية سبط ابن الجوزي]
قَالَ أَبُو المظفّر ابن الجوزيّ [1] : ولمّا افتتح السّلطان عكّا راح إلى تِبنين فتسلّمها بالأمان، وتسلّم صيدا، وبيروت، وجُبيل، وغزَّة [2] ، والدّاروم، والرملة، وبيت جبريل [3] ، وبلد الخليل، (ونازل عسقلان فقتل عليها حسام الدّين ابن المهرانيّ ثُمَّ تسلّمها) [4] ، فكان مدّة استيلاء الفِرَنج عليها خمسا وثلاثين سنة.
إلى أن قَالَ: ملك السلطان هَذِهِ الأماكن فِي أربعين يوما أولها ثامن عشرين جمادى الأولى، ثُمَّ نازل القدس.
إلى أن قَالَ: وخلّص منَ الأسر بعكا أربعة آلاف، ومنَ القدس ثلاثة آلاف فلله الحمد.
__________
[1] في مرآة الزمان 8/ 396، 397.
[2] في مرآة الزمان 8/ 396 «وغيرها» بدل «وغزّة» وهو وهم.
[3] في مرآة الزمان 8/ 396 «بيت جبرين» بالنون: والمثبت هو الصحيح. قارن بمفرّج الكروب 2/ 210، ونهاية الأرب 28/ 402.
[4] ما بين القوسين ليس في مرآة الزمان.(41/28)
[فتح عسقلان]
وقَالَ ابن الأثير [1] : سار السّلطان عَنْ بيروت نحو عسقلان، واجتمع بأخيه العادل سيف الدّين، ونازلوها فِي سادس جُمادى الآخرة، وزحفوا عليها مرّة بعد أخرى، وأُخذت بالأمان فِي سلْخ الشّهر وسار أهلها إلى بيت المَقْدِس.
وتسلّم البلد لثلاثٍ بقين من رجب. وأنقذه اللَّه منَ النَّصارى الأنجاس بعد إحدى وتسعين سنة.
[الصَّلاة فِي المسجد الأقصى]
فَلَمَّا كَانَ يوم الجمعة رابع شعبان أقيمت الجمعة بالمسجد الأقصى، وخطب للنّاس قاضي القضاة محيي الدّين بْن الزَّكيّ [2] خطبة موثّقة بليغة.
وابتدأ السّلطان فِي إصلاح المسجد الأقصى والصَّخرة، ومحو آثار الفِرَنج وشعارهم. وتنافس الملوك معه فِي عمل المآثر الحَسَنة والآثار الجميلة، فرزقنا اللَّه شُكر هَذِهِ النِّعم، ورحم اللَّه صلاح الدّين وأسكنه الْجَنَّة.
[وقعة حِطّين يصفها العماد]
وللعماد الكاتب يصف وقعة حِطّين: «حَتَّى إذا أسفَر الصّباح خرج إلى ( ... ) [3] تحرق نيران الفصال أَهْل النّار، ورَنَّت القسِيّ، وغنَّت الأوتار، واليوم ذاكٍ، والحرب شاكٍ، وسقط عليهم فيض، وماء الغيظ منهم غَيْض، وَقَدْ وَقَدَ الحرّ، واستشرى الشّرّ، ووقع الكَرّ والفرّ، والجوّ محرق، والجوى مقلق، وأصبح الجيش عَلَى تعبية، والنّصر عَلَى تلبية.
قَالَ: وبرَّح بالفِرنج العطش، وأَبَتْ عُثْرتها تنتعش، فرمى بعض المطّوّعة
__________
[1] في الكامل في التاريخ 11/ 545.
[2] هو محمد بن علي بن محمد قاضي دمشق والخطيب والإمام. توفي سنة 598 هـ. (وفيات الأعيان 4/ 229 رقم 594) وستأتي ترجمته في الجزء التالي من هذا الكتاب إن شاء الله.
[3] في الأصل بياض.(41/29)
المجاهدين النّار فِي الحشيش، فتأجَّج عليهم استعارها، فَرَجَا الفِرَنج فَرَجًا، وطلب قلبهم المحرج مخرجا. وكلّما خرجوا جُرِحوا، وبرّح بهم حرّ الحرب فَمَا برحوا، فَشوتْهُم نار السّهام وأَشْوَتْهُم، وصمتت عليه قلوب القسيّ القاسية وأَصْمَتْهُم.
وقَالَ: وفتحوا فِي يوم الجمعة مستهل جُمادى الأولى، فجئنا إلى كنيستها العُظمى، فأزحنا عَنْهَا البُؤْسى بالنُّعمى، وحضر الأجلّ الفاضل فرتَّب بها المنبر والقبلة» .
وأوّل من خطب بها جمال الدّين عَبْد اللّطيف بْن أَبِي النّجيب السَّهْرُوَرْديّ، وولّاه السّلطان بها القضاء والخطابة والأوقاف.
وقَالَ فِي حصار القدس: «أقامت المنجنيقات عَلَى حصانته حَدّ الرجم، وواقعت ثنايا شرفاته بالهَتْم، وتطايرت الصّخور فِي نُصرة الصَّخرة المباركة، وحَجَرَت عَلَى حكم السّور بسَفَه الأحجار المتداركة، وحسرت النُّقوب عَنْ عروس البلد نقب الأسوار، وانكشفت للعيون انكشاف الأسرار» .
[حصار صور]
وَفِي رمضان توجّه صلاح الدّين فنازل صور ونصب عليها المجانيق، وكان قَدِ اجتمع بها خلْقٌ لا يُحصَوْن منَ الفِرَنج، فقاتلهم قتالا شديدا، وحاصرها إلى آخر السنة وترحَّل عَنْهَا.
وكان قَدْ خرج أصطول صور فِي اللّيل فكبس أصطول المسلمين، وأسروا المقدّم والرَّئِّيس وخمس قِطَع، وقتلوا خلْقًا منَ المسلمين فِي أواخر شوّال. فعظُم ذَلِكَ عَلَى السّلطان وتألَّم، وهجم الشِّتَاء والأمطار، فرحل فِي ثاني ذِي القعدة، وأقام بمدينة عكّا شهرين فِي خواصّه [1] .
__________
[1] انظر عن حصار صور في: الفتح القسي 153، والنوادر السلطانية 83، والكامل في التاريخ 11/ 553- 555، وزبدة الحلب 3/ 100، وتاريخ الزمان 212، وتاريخ مختصر الدول 221، 222، والمغرب في حلى المغرب 155، والمختصر في أخبار البشر(41/30)
سنة أربع وثمانين وخمسمائة
[فتح بلاد الساحل الشمالية]
ترحّل السّلطان صلاح الدّين عن صور لأنّه تعذّر عليه فتْحها لكثُرة من فيها وقوَّة شوكتهم. ونزل عَلَى حصن كوكب [1] فِي وسط المحرَّم، فوجده لا يُرام، فرتَّب عليه قايماز النَّجْميّ فِي خمسمائة فارس، ثُمَّ قدِم دمشق وأقام بها مُدَيْدَة. ورحل إلى بِعْلَبَكّ فرتَّب أمورها، ثُمَّ اجتمع هُوَ والملك عماد الدّين زنكيّ بْن مودود، وصاحب سَنْجار عَلَى بُحَيرة قَدَس، وكان قَدْ جاء إلى السّلطان لأجل الغَزَاة، فجعله عَلَى ميمنته، وجعل مظفّر الدّين ابن صاحب إربل عَلَى الميسرة. ثُمَّ سار السّلطان فنزل بأرض حصن الأكراد فِي ربيع الآخر، وبثّ العساكر فِي تخريب ضياع الفِرَنج، وقطّع أشجارهم ونهبهم.
ثُمَّ رحل إلى أَنْطَرَطُوس، فافتتحها عنوة، وسار إلى جبلة [2] فتسلّمها
__________
[ () ] 3/ 73، ومفرّج الكروب 2/ 242- 244، ونهاية الأرب 28/ 405، 406، ودول الإسلام 2/ 95، وتاريخ ابن الوردي 2/ 98، ومرآة الزمان 8/ 400، والإعلام والتبيين 38، 39، والبداية والنهاية 12/ 327، وتاريخ ابن خلدون 5/ 311، والسلوك/ 1 ق 1/ 97، وشفاء القلوب 151، وتاريخ ابن سباط 1/ 182.
[1] انظر عن حصار حصن كوكب في: الفتح القسي 204، والنوادر السلطانية 84، والكامل في التاريخ 12/ 5، 6، وزبدة الحلب 3/ 101، والمختصر في أخبار البشر 3/ 74، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والبداية والنهاية 12/ 329، وتاريخ ابن خلدون 5/ 311، والإعلام والتبيين 39، والسلوك ج 1 ق 1/ 99، وشفاء القلوب 153، وتاريخ ابن سباط 1/ 183.
وكوكب: اسم قلعة على الجبل المطلّ على مدينة طبرية. (معجم البلدان 4/ 494) .
[2] انظر عن فتح جبلة في: الفتح القسي 233، 234، والنوادر السلطانية 87- 89، والكامل في التاريخ 12/ 7، 8، وتاريخ الزمان 213، وزبدة الحلب 3/ 102، 103، ومفرّج الكروب 2/ 258، والروضتين 2/ 127، ومعجم البلدان 2/ 26، والمختصر في أخبار البشر 3/ 24، والدرّ المطلوب 95، والمغرب في حلى المغرب 156، ودول الإسلام(41/31)
عَنْوة فِي ساعتين- ثُمَّ تسلّم بكّاس والشُّغْر [1] وسلّمها إلى الأمير غرز الدّين قليج والد الأميرين سيف الدّين وعماد الدّين.
ثُمَّ سيَّر ولده الملك الظّاهر إلى سرمانية فهدمها.
قَالَ العماد الكاتب: فهذه ستّ مدن وقلاع فُتِحت فِي ستّ جُمَع تِباع:
جَبَلَة، واللّاذقيَّة، وصهيُون، والشُّغْر [2] ، وبَكّاس [3] ، وسرمانية [4] .
[فتح برزية ودربساك وبغراس]
ثُمَّ نازل السّلطان حصن بَرْزَية [5] فِي جمادى الآخرة، وضربه بالمجانيق وأخذه بالأمان، وسلّمه إلى الأمير عزّ الدّين بْن شمس الدّين بْن المقدّم.
__________
[ () ] 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والبداية والنهاية 12/ 330، وتاريخ ابن خلدون 5/ 312، والسلوك ج 1 ق 1/ 100، والإعلام والتبيين 39، وشفاء القلوب 154، وتاريخ ابن سباط 1/ 184، ومشارع الأشواق 2/ 937، 938 وفيه سقط اسم جبلة، وجاء في المطبوع: «وسار إلى ساعتين» !.
[1] انظر عن فتح بكاس والشغر في: النوادر السلطانية 91، والفتح القسي 245- 247، والكامل في التاريخ 13/ 12، 13، وزبدة الحلب 3/ 104، وتاريخ الزمان 213، وتاريخ مختصر الدول 222، والمغرب 157، والمختصر في أخبار البشر 3/ 74، والبداية والنهاية 12/ 330، ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، وتاريخ ابن خلدون 5/ 314، والسلوك ج 1 ق 1/ 100، وشفاء القلوب 156 وتاريخ ابن سباط 1/ 185.
[2] الشّغر: قلعة حصينة مقابلها أخرى يقال لها بكاس على رأس جبلين، وهما قريب أنطاكية.
(معجم البلدان 3/ 352) .
[3] بكّاس: بالفتح. قلعة من نواحي حلب على شاطئ نهر العاصي. (معجم البلدان 1/ 474) .
[4] سرمانية: بليدة مشهورة من أعمال حلب، أهلها إسماعيلية. (معجم البلدان 3/ 215، تقويم البلدان 264، مراصد الاطلاع 2/ 710) ويقال: سرمينية.
[5] برزية: برزوية، حصن قرب الساحل على سنّ جبل شاهق. بفتح أوله وسكون ثانيه، وفتح الزاي والياء. (معجم البلدان 2/ 383) . انظر عن فتح برزية في: النوادر السلطانية 92، والفتح القسي 248- 254، والكامل في التاريخ 12/ 14، وزبدة الحلب 3/ 105، والمغرب في حلى المغرب 158، والمختصر في أخبار البشر 3/ 75، ونهاية الأرب 28/ 408، ومفرّج الكروب 2/ 265- 267، ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والبداية والنهاية 12/ 330 وفيه تحرّف الاسم إلى «بدرية» ، وتاريخ ابن خلدون 5/ 314، 315، وشفاء القلوب 156، وتاريخ ابن سباط 1/ 186.(41/32)
ثُمَّ رحل إلى دَرْبَسَاك [1] فتسلَّمها، ثُمَّ رحل إلى بَغْراس [2] فتسلّمها.
[مهادنة صاحب أنطاكية]
ثُمَّ عزم عَلَى قصد أنطاكية، فرغب صاحبها البرنس فِي الهدنة، فهادنه السّلطان. ثُمَّ رحل. وودَّعه عماد الدّين زنكيّ، وعاد إلى سِنْجار [3] .
[دخول السلطان حلب ودمشق]
وأقام السّلطان بحلب أياما، ثُمَّ قدم حماه وضيفه تقيّ الدّين عُمَر، فأعطاه الْجَبَلَة واللّاذقيَّة. وسار عَلَى طريق بِعْلَبَكّ فِي شعبان، ودخل دمشق وخرج منها فِي أوائل رمضان طالبا للغزاة [4] .
__________
[1] دربساك: بفتح أوله وسكون ثانيه، وفتح الباء والسين وهي قلعة منيعة قريبة من أنطاكية.
وفي الكامل: «درب سالك» . انظر عن فتحها في: الفتح القسي 255، 256، والنوادر السلطانية 93، والكامل في التاريخ 12/ 17، 18، ومفرّج الكروب 2/ 268، والروضتين 2/ 132، وزبدة الحلب 3/ 106، والمختصر 3/ 75، ونهاية الأرب 28/ 409، ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والإعلام والتبيين 39 وفيه «دربّاك» ، والمغرب 158، والبداية والنهاية 12/ 330، وصبح الأعشى 4/ 122، وتاريخ ابن خلدون 5/ 315، والنجوم الزاهرة 6/ 41، وشفاء القلوب 156، 157، وتاريخ ابن سباط 1/ 187.
[2] بغراس: مدينة بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ. (معجم البلدان 1/ 467) . انظر عن فتحها في: النوادر السلطانية 93، 94، والفتح القسي 257- 259، والكامل في التاريخ 12/ 18، 19، وزبدة الحلب 3/ 106، والمغرب 158، ومفرّج الكرب 2/ 268، 269، ونهاية الأرب 28/ 409، 410، والمختصر 3/ 75، ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والإعلام والتبيين 39، والبداية والنهاية 12/ 330، وتاريخ ابن خلدون 5/ 315، وتاريخ ابن سباط 1/ 187.
[3] النوادر السلطانية 94، الفتح القسي 260، 261، الكامل في التاريخ 12/ 19، 20، تاريخ الزمان 214، تاريخ مختصر الدول 222، المغرب 158، نهاية الأرب 28/ 410، المختصر 3/ 75، الإعلام والتبيين 39، الدرّ المطلوب 95، مسالك الأبصار (مخطوط) ج 16/ ق 2/ 386، دول الإسلام 2/ 96، تاريخ ابن الوردي 2/ 99، البداية والنهاية 12/ 330، تاريخ ابن خلدون 5/ 316، السلوك ج 1 ق 1/ 100، شفاء القلوب 157، مشارع الأشواق 2/ 938، تاريخ ابن سباط 1/ 187، 7188 تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا) 1/ 539، 540.
[4] الفتح القسي 262، الكامل 12/ 20، المختصر 3/ 75، نهاية الأرب 28/ 410، ابن الوردي 2/ 99، الإعلام والتبيين 39، تاريخ ابن سباط 1/ 188.(41/33)
[فتح تبنين والشوبك]
وأمّا الملك العادل أخوه فكان نازلا عَلَى تِبْنين بعساكر مصر متحرّزا عَلَى البلاد من غائلة العدوّ. وكان صِهره سعد الدّين كمشتية الأَسَديّ مُوَكَّلًا بحصار الكَرَك، فضاقت الميرة عليهم، ويئسوا من نجدةٍ تأتيهم، فتضرّعوا إلى الملك العادل، وتردّدت الرُّسل بينهم، وَهُوَ يشدّد حَتَّى دخلوا تحت حكمه، وسلّموا الحصن إلى المسلمين فِي رمضان لفَرْط ما نالهم منَ الجوع والقحط. ثُمَّ تسلّم السّلطان الشَّوْبك بالأمان [1] .
[فتح صفد]
وسار السّلطان إلى صفد فنازلها، ووصل إِلَيْهِ أخوه العادِل، ودام الحصار عليها إلى ثامن شوّال وأُخذت بالأمان. وكان أهلها قَدْ قاربت ذخائرهم وأقواتهم أن تنفد، فلهذا سلّموها. ولو اتكل أخْذُها وأخْذ الكَرَك إلى فتحها بأسباب الحصار والنّقوب لطال الأمر جدّا [2] .
__________
[1] انظر عن فتح الكرك والشوبك في: الفتح القسي 266، 267، والكامل في التاريخ 12/ 20، 21، وزبدة الحلب 3/ 107. والمختصر 3/ 75، والدرّ المطلوب 95، والإعلام والتبيين 39، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، ومفرّج الكروب 2/ 271، 272، ونهاية الأرب 28/ 410، 411، وتاريخ ابن خلدون 5/ 316، والسلوك ج 1 ق 1 ج/ 101، وتاريخ ابن سباط 1/ 188، ومرآة الزمان 8/ 405 (حوادث سنة 586 هـ.) .
[2] انظر عن فتح صفد في: الفتح القسي 270- 275، والنوادر السلطانية 96، والكامل في التاريخ 12/ 22، 23، وزبدة الحلب 3/ 108، وتاريخ الزمان 214، والمختصر 3/ 75، 76، والإعلام والتبيين 39، ونهاية الأرب 28/ 411، ومفرّج الكروب 2/ 232، والمغرب 158، والدر المطلوب 95، ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 100، والبداية والنهاية 12/ 330، وتاريخ ابن خلدون 5/ 316، والسلوك ج 1 ق 1/ 101، وشفاء القلوب 158، وتاريخ ابن سباط 1/ 189.(41/34)
[فتح حصن كوكب]
ثُمَّ سار إلى حصن كَوْكَب ونازلها وحاصرها، وأخذها بالأمان فِي نصف ذي القعدة [1] .
[تعبيد السلطان فِي القدس]
ثُمَّ قصد بَيْتَ المَقْدِس فدخلها فِي ثامن ذِي الحجّة هُوَ وأخوه فعيَّد.
وسار إلى عسقلان فرتَّب أمورها، وجهَّز أخاه إلى مصر. ثُمَّ رحل صَوْب عكّا ووصلها فِي آخر السَّنة [2] .
[رواية سبط ابن الجوزي]
قَالَ صاحب «مرآة الزمان» [3] : ووكّل صلاح الدّين بحصار كَوْكَب قايماز النَّجْميّ، ووكّل بصفد طغْرِيل، وبعث إلى الكَرَك والشَّوْبك كوجبا؟ وَهُوَ صهر السّلطان. وسار فِي السّاحل ففتح أنْطَرَسُوس، وكان بها برجان عظيمان، فخرّبهما، وَقُتِلَ من كَانَ فيهما [4] .
وأمّا جَبَلَة فأرسل قاضيها مَنْصُور بْن نبيل يشير عَلَى السّلطان بقصْدها، وأخذ أمانا لأهل جَبَلَة. وكان إبرنس أنطاكية قَدْ سلّمها إلى القاضي منصور
__________
[1] انظر عن أخذ كوكب في: الفتح القسّي 270- 275، والنوادر السلطانية 96. والكامل في التاريخ 12/ 22، 23، ومفرّج الكروب 2/ 272- 276، وتاريخ الزمان 214، والمغرب 159، ونهاية الأرب 28/ 411، 412، وزبدة الحلب 3/ 108، والمختصر 3/ 75، 76، والدرّ المطلوب 95، والإعلام والتبيين 39، ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 100، والبداية والنهاية 12/ 330، وتاريخ ابن خلدون 5/ 316، 31، والسلوك ج 1 ق 1/ 101، وشفاء القلوب 158، وتاريخ ابن سباط 1/ 189.
[2] الفتح القسّي 275، 276، النوادر السلطانية 96، الكامل 12/ 23، مفرّج الكروب 2/ 276، المغرب 159، زبدة الحلب 3/ 108، المختصر 3/ 76، الإعلام والتبيين 39، 40، نهاية الأرب 28/ 412، دول الإسلام 2/ 96، تاريخ ابن الوردي 2/ 100، البداية والنهاية 12/ 331، تاريخ ابن خلدون 5/ 317، شفاء القلوب 158، تاريخ ابن سباط 1891.
[3] لم أجد قوله في المطبوع من مرآة الزمان. والقائل هو «ابن الأثير» في: الكامل 12/ 5، 6.
[4] الكامل 12/ 7.(41/35)
ووثق بِهِ فِي حفظها، فنازلها صلاح الدّين وأخذها. وامتنع عليه الحصن يوما، وتسلّمه بالأمان [1] .
وسار إلى اللّاذقيَّة، وهي بلد كبير عَلَى السّاحل، بها قلعتان عَلَى تلّ، ولها ميناء مِن أحسن المواضع، وهي من أطيب البلاد، فحصرها أيّاما، وافتتحها، وأخذ منها غنائم كثيرة [2] ، ثُمَّ نازل القلعتين، وغلّقت النّقوب، فصاحوا بالأمان، وساروا إلى أنطاكية.
قَالَ العماد: ولقد كثر تأسُّفي عَلَى تِلْكَ العمارات كيف زالت، وعلى تِلْكَ الحالات كيف حالت.
[فتح صهيون]
وسار فنازل صهيون، وهي حصينة فِي طرف الجبل، لَيْسَ لها خندق محفور إلّا من ناحية واحدة، طوله ستّون ذراعا، نُقِر فِي حجر، ولها ثلاثة أسوار. وكان عَلَى قُلتها عَلَمٌ طويل عليه صليب. فَلَمَّا شارفها المسلمون وقع الصّليب، فاستبشروا ونصبوا عليها المناجيق، وأخذوها بالأمان فِي ثلاثة أيّام [3] ، ثُمَّ سلّمها إلى الأمير ناصر الدّين منكورس [4] بْن الأمير خُمارتِكِين، فسكنها وحصَّنها. وكان من سادة الأمراء وعُقلائهم. تُوُفّي وَهُوَ مالك صهيون. وولي بعده ولده مظفّر الدّين عُثْمَان، ثمّ وليها بعده سيف الدّين مُحَمَّد بْن عثمان إلى بعد السّبعين وستّمائة.
[فتح الحصون الشمالية]
وبثَّ السّلطان عسكره وأولاده فأخذوا حصون تلك النّاحية مثل
__________
[1] الكامل 12/ 7.
[2] الكامل 12/ 9، مشارع الأشواق 2/ 938.
[3] مشارع الأشواق 2/ 938.
[4] في الكامل 12/ 11 «منكوبرس» .(41/36)
بلاطُنُس، وقلعة الجماهرين، وبكّاس، والشّغر، وسَرْمانية [1] ، ودَرْبَسَاك [2] ، وبغراس، وبرزية.
قال: وعلوّ قلعة برزية خمسمائة ونيِّفٌ وسبعون ذراعا، لأنّها عَلَى سِنِّ جبلٍ شاهق، ومن جوانبها أودية [3] ، فسلّم دَرْبَسَاك إلى عَلَم الدّين سُلَيْمَان بْن جندر، وهي قلعة قريبة من أنطاكية.
[مهادنة صاحب أنطاكية]
ثُمَّ سار يقصد أنطاكية، فراسله صاحبها وقدَّم لَهُ. وكانت العساكر المشرقيَّة قَدْ ضجرت خصوصا عماد الدّين صاحب سِنْجار، فطال عليه المُقام. فهادن السّلطانُ صاحبَ أنطاكية ثمانية أشهر عَلَى أن يُطلق الأسارى.
ودخل إلى حلب فبات بها وعاد إلى دمشق. وأعطى تقي الدّين عُمَر صاحب حماه جَبَلَة واللّاذقيَّة [4] .
[رواية ابن الأثير عَنْ فتوحات الشمال]
وقَالَ ابن الأثير [5] : نزل صلاح الدّين تحت حصن الأكراد، وكنت معهم، فأتاه قاضي جَبَلَة مَنْصُور بْن نبيل، وكان مسموع القول عِنْد بيمند صاحب أنطاكية وجَبَلَة، وله الحُرْمة الوافرة، ويحكم عَلَى جميع المسلمين بجَبَلَة ونواحيها، فحملته غيرة الدّين عَلَى قصد السّلطان، وتكفَّل لَهُ بفتح جَبَلَة واللّاذقيَّة والبلاد الشّماليّة، فسار صلاح الدّين معه فأخذ أَنْطَرَطُوس، وسار إلى المَرْقَب وَهُوَ من حصونهم الّتي لا تُرام، ولا تحدّث أحد نفسه بملكه لعُلُوه وامتناعه، ولا طريق إلى جَبَلَة إلّا من تحته.
__________
[1] في الكامل 12/ 13 «سرمينيّة» ، وتحرّفت في مشارع الأشواق 2/ 938 إلى «شرمانية» بالشين المعجمة، وضبط محقّق الكتاب الشين بالضمّ، وهو غلط.
[2] تحرّفت إلى «درب شاك» في: مشارع الأشواق 2/ 938.
[3] مشارع الأشواق 2/ 938.
[4] الكامل 12/ 19، 20.
[5] في الكامل 12/ 7.(41/37)
ثمّ ساق عزّ الدّين ابن الأثير فتوحات الحصون المذكورة بعبارةٍ طويلة واضحة، لأنّ عزّ الدّين حضر هَذِهِ الفتوحات الشّمالية. ثُمَّ ذكر بعدها فتح الكَرَك، والشَّوْبك وما جاور تِلْكَ النّاحية منَ الحصون الصّغار. ثُمَّ ذكر فتح صَفَد، وكَوْكَب، إلى أن قَالَ [1] : فتسلّم حصن كَوْكَب فِي نصف ذِي القعدة، وأمّنهم وسيَّرهم إلى صور، فاجتمع بها شياطين الفِرَنج وشجعانهم، واشتدّت شوكتهم، وتابعوا الرُّسُل إلى جزائر البحر يستغيثون، والأمداد كُلّ قليل تأتيهم. وكان ذَلِكَ بتفريط صلاح الدّين فِي إطلاق كُلّ من حضره، حَتَّى عضّ بنانه ندما وأسفا حيث لَمْ ينفعه ذَلِكَ. وتمّ للمسلمين بفتح كَوْكَب من حد أيلَة إلى بيروت، لا يفصل بَيْنَ ذَلِكَ غير مدينة صور.
[نيابة الوزارة]
أَنْبَأَني ابن البُزُوريّ قَالَ: وَفِي المحرَّم خرج الوزير جلال الدّين بْن يُونُس للقاء السّلطان طُغْرُل بْن رسلان شاه فِي العساكر الدِّيوانيَّة، واستنيب فِي الوزارة قاضي القضاة أَبُو طَالِب عَلِيّ بْن البخاريّ.
[المصافّ بَيْنَ طغرل والوزير ابن يُونُس]
وَفِي ربيع الأوّل كان المصافّ بين الوزير ابن يُونُس وطُغْرل، وحرَّض الوزير أصحابه وكان فيما يَقُولُ: مَن هاب خاب، ومَن أقدم أصاب، ولكلّ أَجَلٍ كتاب. فَلَمَّا ظهر لَهُ تقاعُس عساكره عَنِ الإقدام، وزلّت بهم الأقدام، تأسَّف عَلَى فوت المُرام، وثبت فِي نفرٍ يسير كالأسير، وبيده سيف مشهور، ومُصْحف منشور، لا يقدم لهيبته أحدٌ عليه، بل ينظرون إِلَيْهِ. وأقدم بعض خواصّ طُغْرُل وجاء فأخذ بعِنان دابّته، وقادها إلى خيمته، ثمّ أنزله وأجلسه، فجاء إِلَيْهِ السّلطان فِي خواصّه ووزيره، فلزِم معهم قانون الوزارة، ولم يقم إليهم، فعجبوا من فِعْله، وكلَّمهم بكلام خَشِن، فلم يزل السّلطان طُغْرُل لَهُ مُكْرِمًا، ولمنزلته محترما، إلى حين عوده [2] .
__________
[1] في الكامل 12/ 23.
[2] الكامل 12/ 24، 25، المختصر 3/ 76.(41/38)
[رواية سبط ابن الجوزي عَنِ ابن يُونُس]
وأمّا أَبُو المظفّر فَقَالَ فِي «المرآة» [1] : أُخذ ابن يُونُس وكان محلوق الرأس، فأُحضر بَيْنَ يدي السّلطان طُغْرُل، فألبسه طرطورا أحمر فِيهِ خلاخل، وَجَعَل يضحك عليه، ولم يرجع إلى بغداد منَ العسكر إلّا القليل، تقطّعوا فِي الجبال، وماتوا جوعا وعطشا، وعمل النّاس الأشعار فيها.
قَالَ: ثُمَّ كتب الخليفة إلى بكتمر صاحب خِلاط ليطلب ابن يُونُس من طُغْرُل، وكان قزل أخو البهلوان قَدْ حشد وجمع، والتقى طُغْرُل عَلَى هَمَذان، فانهزم طُغْرُل [2] إلى خِلاط ومعه ابن يُونُس، فأنكر عليه بكتمر ما فعله بالوزير وبعسكر الخليفة، فقال: هُمْ بدءوني وبَغَوْا عليّ.
فقال لَهُ: أَطْلِق الوزير. فلم يُمكنه مخالفته فأطلقه، فبعث إِلَيْهِ بكتمر الخيل والمماليك، فردّ الجميع، وأخذ بغلين ببردعتين، وركب هُوَ بغلا وغلامه آخر، وسار فِي زيّ صوفيّ، وقدِم المَوْصِل، فانحدر فِي سفينة متنكّرا.
[العزل عَنْ نيابة الوزارة]
وَفِي ربيع الأوّل عُزل قاضي القضاة أَبُو طَالِب عَنْ نيابة الوزارة.
[وزارة بغداد]
وَفِي شعبان وُلّي الوزارةَ ببغداد شهاب الدّين أَبُو المعالي سعيد بن حديدة.
__________
[1] القول غير موجود في المطبوع من: مرآة الزمان حيث سقطت حوادث 584 و 585 هـ.
[2] جاء في «آثار الأول في ترتيب الدول» للعبّاسي ص 104: «ولما حارب السلطان طغرل السلجوقي لقزل أرسلان في المرة الأولى لمخامرة عسكره عليه، انكسر وبقي السلطان أسيرا مع غلمانه راكبا على فرسه والجتر على رأسه، وقد هربت عساكره، وتقدّمت جموعه، ونهبت أثقاله، فتقدّم قزل أرسلان وترجّل عن فرسه وقبّل الأرض بين يديه، وقال له: يا خوند أنت السلطان ونحن عبيد ومماليك وخواجه تاشية نتخاصم مع بعضنا بعض، ونتقاتل ونصطلح، فارجع إلى همذان ونحن بين يديك، ففعل ذلك مدة. وهذا من جميل مقابلة النّعم بالشكر» .(41/39)
[قضاء القضاة]
وَفِي رمضان عُزل أَبُو طالب عَلِيّ بْن عليّ عَنْ قضاء القضاة، وقُلِّده فخر الدّين أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الْعَبَّاسيّ.
[ضعف تدبير الوزارة]
وفيه وصل الوزير جلال الدّين فِي سفينةٍ منَ المَوْصِل، وصعِد إلى داره مختفيا. وبلغ الخليفةَ فكتب إلى ابن حديدة يَقُولُ: اين هُوَ ابن يُونُس؟ فَقَالَ:
يكون اليوم بتكريت. فَقَالَ لَهُ الخليفة: بهذه المعرفة تدبِّر دولتي؟ ابن يُونُس فِي بيته.
وكان ابن حديدة بقوانين التّجارة أعرف منه بقوانين الوزارة.
[ولاية الأستاذ دارية]
وفي شوّال عزل عن الأستاذ داريّة أَبُو طَالِب بْن زيادة ووُلي عَلِيّ بْن بختيار.
[ظهور الباطنية بالقاهرة]
وفيها ثار بالقاهرة اثنا عشر من بقايا شيعة الباطنيَّة باللّيل، ونادوا: يالَ عليّ يالَ عليّ. وصاحوا فِي الدّروب ليلبّي أحدٌ دعوتهم، فَمَا التفت إليهم أحد. فاختفوا [1] .
[استرجاع السلطان عسقلان]
وفيها وهب السّلطان أخاه العادل سيف الدّين الكَرَك، واستعاد منه عسقلان.
__________
[1] الكامل 12/ 24، مفرّج الكروب 2/ 276، نهاية الأرب 28/ 412.(41/40)
سنة خمس وثمانين وخمسمائة
[اعتذار شحنة أصبهان]
فِي أوّلها قدِم الخادم فَرَج شِحْنة أصبهان رسولا منَ السّلطان طُغْرُل، فقدّم تُحَفًا وهدايا، ومضمون الرسالة الاستغفار والاعتذار، لاجئا إلى الدّيوان لتُقال عَثْرَتُه.
[الخطبة لوليّ العهد]
وَفِي صَفَر أمر الخليفة بالدّعاء بالخُطْبة لوليّ عهده أَبِي نصر مُحَمَّد، ونقش اسمه عَلَى الدّينار والدّرهم، وأن يُكتب بِذَلِك إلى سائر البلاد [1] .
[ولاية ابن يُونُس المخزن]
وَفِي صَفَر أيضا وُلي أَبُو المظفّر عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس الَّذِي كَانَ وزيرا وكسره طُغْرُل صدْرًا بالمخزن المعمور.
[عزْل ابن حديدة]
وفيه عُزِل الوزير ابن حديدة. وكانت ولايته أقلّ من شهر.
[وصول صليب الصلبوت إلى باب النوبيّ]
وَفِي ربيع الأوّل وصل القاسم بْن الشّهْرَزُوريّ رسولا منَ السّلطان صلاح الدّين وصُحبته صليب الصَّلَبُوت الّتي تزعم النَّصارى أنّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامَ صُلِب عليه. فأُلقي بَيْنَ يدي عتبة باب النّوبيّ، فبقي أيّاما [2] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 12/ 42، البداية والنهاية 12/ 332.
[2] البداية والنهاية 12/ 332.(41/41)
[محاصرة قلعة الْحَدِيثة]
وَفِي جُمادى توجّه مُجِير الدّين طاشتكين الحاجّ فِي جيشٍ فنزل عَلَى قلعة الحديثة وحاصرها.
[تقليد نيابة الوزارة]
وَفِي رجب قُلِّد مؤيَّد الدّين مُحَمَّد بْن القصَّاب نيابة الوزارة.
[مقتل زعيم قلعة تكريت]
وَفِي شوّال قُتِلَ زعيم قلعة تكْريت، وتسلّمها نواب الخليفة [1] .
[عزل صدر المخزن]
وَفِي ذِي القعدة عُزل صدر المخزن أَبُو المظفَّر عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس.
[وصول شباب منَ الفِرَنج]
وفيها وصل جماعة منَ الفِرَنج شبابُ مِلاح مُرْد فِي القيود من جهة صلاح الدّين إلى الدّيوان الْعَزِيز، فَقَالَ فيهم قِوام الدّين يَحْيَى بْن زيادة:
أبدى بُدُورًا عَلَى غصونٍ ... أسْرَى يُقَادون فِي القيود
قَدْ نظُموا فِي الحِبال حَسْرَى ... نظْم الْجُمَانات فِي العقود
إنْ سكنوا هَؤُلَاءِ نارا ... فهي إذا جنّة الخلود
[تسليم أرناط حصن الشقيف وغدره]
وفيها سار السّلطان صلاح الدّين من عكّا إلى دمشق فدخلها فِي صفر، ثُمَّ توجَّه إلى شَقِيف أرْنُون [2] فأقام بمرج برغوث [3] أيّاما، ثُمَّ أتى مَرْج
__________
[1] الكامل 12/ 42.
[2] في الأصل: «أزبون» ، وفي الكامل 9/ 199 طبعة المنيرية «أرنوم» ، وكذا في نهاية الأرب 28/ 413، والمثبت هو الصحيح، قلعة حصينة بين بانياس والساحل. (معجم البلدان) وهي حاليا في جنوب لبنان.
[3] مرج برغوث بالقرب من صيدا.(41/42)
عيون [1] ، فنزل أرناط [2] صاحب الشَّقيف وحيدا إلى خدمة السّلطان فخلع عليه واحترمه، وكان من أكبر الفِرَنج وكان يعرف العربيّة، وله معرفة بالتّواريخ، فسلّم الحصن من غير تعب وقَالَ: لا أقدر أُساكن الفِرَنج، والتمس المُقام بدمشق، ثُمَّ بدا منه غدر فقبض عليه وحبسه بدمشق، ووكّل بالحصن من يحاصره [3] .
[مقتل الفِرَنج عِنْد صيدا وعكا]
ثُمَّ بلغ إلى السّلطان أنّ الفِرَنج قَدْ جمعوا وحشدوا وجيّشوا من مدينة صور، وساروا لحصار صيدا وعكّا ليستردّوها، فسار إليهم فالتقاهم، فَظَهَر الفِرَنج وَقُتِلَ فِي سبيل اللَّه طائفة. ثُمَّ كرّ المسلمون عليهم فردّوهم حَتَّى ازدحموا عَلَى جسرٍ هناك، فغرق مائتا نفس [4] .
[القتال عَلَى عكا]
ثُمَّ سار السّلطان إلى تِبْنين فرتَّب أمورها، وسار إلى عكّا فأشرف عليها، وقرَّر بها أميرين: سيف الدّين عليّ المشطوب الكُرْديّ، وبهاء الدّين قراقوش الخادم الأبيض، وعاد فلم يلبث أنْ نازلت الفِرَنج عكّا، وجاءت منَ البَرّ والبحر، فسار السّلطان حَتَّى نزل قِبالتهم وحاربهم مرّاتٍ عديدة، وطال القتال عليهم، واشتدّ البلاء، وَقُتِلَ خلقٌ منَ الفِرَنج والمسلمين إلى أن دخلت السّنة الآتية والأمر كذلك [5] .
__________
[1] مرج عيون: مرجعيون، في الشمال الشرقي من الشقيف.
[2] أرناط هو: رينالد، ويعرف بريجنالد صاحب صيدا.
[3] الفتح القسّي 285- 292، النوادر السلطانية 97- 103، مفرّج الكروب 2/ 282- 290، الكامل في التاريخ 12/ 27- 30، زبدة الحلب 3/ 108- 110، تاريخ الزمان 214، المختصر 3/ 76، نهاية الأرب 28/ 413، 414، تاريخ ابن الوردي 2/ 100، تاريخ ابن خلدون 5/ 317، السلوك ج 1 ق 1/ 102، شفاء القلوب 159، 160، تاريخ ابن سباط 1/ 190، 191.
[4] المصادر السابقة.
[5] ستأتي مصادر موقعة عكا بعد قليل.(41/43)
[نيابة دمشق]
وفيها ولّي نيابة دمشق الأمير بدر الدّين مودود أخو الملك العادل لأمّه.
[رواية ابن الأثير عَنْ تحشّدات الفِرَنج]
وقَالَ ابن الأثير [1] : اجتمع بصور عالم لا يُعد ولا يُحصَى، ومنَ الأموال ما لا يَفْنَى. ثُمَّ إنّ الرُّهبان والقُسُوس وجماعة منَ المشهورين لبسوا السّواد، وأظهروا الحزن عَلَى بيت المَقْدِس، فأخذهم بَتْرَكُ القُدس، ودخل بهم بلاد الفِرَنج يطوف بهم ويستنفرون الفِرَنج، وصوّروا صورة المسيح وصورة النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يضرب المسيح وَقَدْ جرحه، فعظُم ذَلِكَ عَلَى الفِرَنج، وحشدوا وجمعوا حَتَّى تهيّأ لهم منَ الرجال والأموال ما لا يتطرّق إِلَيْهِ الإحصاء، فحدّثني رجلٌ من حصن الأكراد من أجناد أصحابه الّذين سلّموه إلى الفِرَنج قديما، وكان قَدْ تاب وندم عَلَى ما كَانَ منه فِي الغارة مَعَ الفِرَنج عَلَى الْإِسْلَام.
قال [2] : دخل عليّ [3] جماعة منَ الفِرَنج من أَهْل حصن الأكراد إلى البلاد البحريّة فِي أربعة شواني يستنجدون. قَالَ: وانتهى بنا الطّواف إلى رومية الكبرى، فخرجنا منها وَقَدْ ملأنا الشّواني نُقْرَة.
قَالَ ابن الأثير [4] : فخرجوا عَلَى الصَّعْب والذَّلُول برّا وبحرا من كُلّ فجٍّ عميق، ولولا أنّ الله لطف بالمسلمين وأهلك ملك الألمان لمّا خرج إلى الشّام، وإلّا كَانَ يُقَالُ إنّ الشّام ومصر كَانتا للمسلمين.
قَالَ [5] : ونازلوا عكّا فِي منتصف رجب، ولم يبق للمسلمين إليها
__________
[1] في الكامل 12/ 32.
[2] في الكامل 12/ 33.
[3] في الكامل 12/ 33 «دخل مع» .
[4] في الكامل 12/ 33، وعنه ينقل ابن النحاس في: مشارع الأشواق 2/ 939.
[5] في الكامل 12/ 34.(41/44)
طريق، فنزل صلاح الدّين عَلَى تلّ كيسان، وسيّر الكُتُب إلى ملوك الأطراف يطلب العساكر، فأتاه عسكر المَوْصِل وديار بَكْر والجزيرة، وأتاه تقيّ الدّين ابن أَخِيهِ [1] .
قَالَ ابن الأثير [2] : فكان بَيْنَ الفريقين حروب كثيرة، فقاتلهم صلاح الدّين فِي أوّل شعبان، فلم ينل منهم غرضا، وبات النّاس عَلَى تعبئة، وباكروا القتال منَ الغد، وصبر الفريقان صبرا حار لَهُ مَن رآه إلى الظّهر، فحمل عليهم تقيّ الدّين حملة مُنْكَرَة منَ الميمنة عَلَى من يليه فأزاحهم عن مواقفهم، والتجئوا إلى من يليهم، وملك تقيّ الدّين مكانهم والتصق بعكّا. ودخل المسلمون البلد، وخرجوا منه، وزال الحصر. وأدخل إليهم صلاح الدّين ما أراد منَ الرجال والذّخائر [3] ، ولو أنّ المسلمين لزِموا القتال إلى اللّيل لبلغوا ما أرادوا. وأدخل إليهم صلاح الدّين الأمير حسام الدّين السّمين.
[ذكر الوقعة الكبرى]
قَالَ [4] : وبقي المسلمون إلى العشرين من شعبان، كلّ يوم يغادون القتال ويراوحونه، والفِرَنج لا يظهرون من معسكرهم ولا يُفارقونه حَتَّى تجمّعوا للمشورة، فقالوا: عساكر مصر لَمْ تحضر، والحال مَعَ صلاح الدّين هكذا. والرأي أنّنا نلقَى المسلمين غدا لعلَّنا نظفر بهم. وكان كثير [5] من عساكر السّلطان غائبا، بعضها فِي مقابل أنطاكية خوفا من صاحب أنطاكية، وبعضها فِي حمص مقابل طرابُلُس، وعسكر فِي مقابل صور، وعسكر مصر بالإسكندريّة ودِمياط، وأصبح صلاح الدّين وعسكره عَلَى غير أُهْبة، فخرجت الفِرَنج منَ الغد كَأنَّهُمُ الجراد المنتشر، قد ملئوا الطُّول والعَرْض، وطلبوا ميمنة الْإِسْلَام وعليها تقيّ الدّين عُمَر، فَرَدَفه السّلطان برجالٍ، فعطفت الفِرَنج
__________
[1] مشارع الأشواق 2/ 940.
[2] في الكامل 12/ 34، 35.
[3] مشارع الأشواق 2/ 940.
[4] ابن الأثير في الكامل 12/ 36.
[5] في الأصل «كثيرا» .(41/45)
نحو القلب، وحملوا حملة رجلٍ واحد، فانهزم المسلمون، وثبت بعضُهم، فاستشهد جماعة، منهم الأمير مجلس، والظّهير أخو الفقيه عِيسَى الهكّاريّ، وكان متولّي بيت المَقْدِس، والحاجب خليل الهكّاريّ. ثُمَّ ساقوا إلى التّلّ الَّذِي عليه خيمة صلاح الدّين فقتلوا ونهبوا، وقتلوا شيخنا جمال الدّين بْن رَوَاحة، وانحدروا إلى الجانب الآخر منَ التّلّ، فوضعوا السّيف فيمن لقوة، ثُمَّ رجعوا خوفا أن ينقطعوا عَنْ أصحابهم، فحملت مَيْسَرَة المسلمين عليهم فقاتلوهم، وتراجع كثيرٌ منَ القلب، فحمل بهم السّلطان فِي أقفية الفِرَنج وهم مشغولون بالميسرة، فأخذتهم سيوف اللَّه من كُلّ جانب، فلم يفلت منهم أحدٌ، بل قُتِلَ أكثرهم، وأُسِر الباقون، فيهم مقدَّم الدّاوية الَّذِي كَانَ السّلطان قد أسره وأطلقه، فقتله الآن. وكانت عِدَّة القتلى عشرة آلاف، فأمر بهم فأُلقوا فِي النّهر الَّذِي يشرب منه الفِرَنج. وكان أكثرهم من فرسان الفرنج [1] .
قال القاضي ابن شدّاد [2] : لقَدْ رأيتهم يُلْقَوْن فِي النَّهر فحزرتُهُم بدون سبعة آلاف.
قَالَ غيره: وَقُتِلَ منَ المسلمين نحو مائة وخمسين نفرا، وكان من جملة الأسرى ثلاث نِسْوة فرنجيات كنَّ يقاتلْن عَلَى الخيل [3] .
وأمّا المنهزمون فبلغ بعضهم إلى دمشق، ومنهم مَن رجع مِن طبريَّة [4] .
قَالَ العماد الكاتب [5] : العَجَب أنّ الّذين ثبتوا نحو ألف [6] ردّوا مائة ألف، وكان الواحد يَقُولُ: قتلت منَ الفِرَنج ثلاثين، قتلت أربعين.
وجافَت الأرض من نَتَن القتلى، وانحرفت الأمزجة وتمرّض صلاح
__________
[1] الكامل 12/ 36- 39، مشارع الأشواق 2/ 940.
[2] في النوادر السلطانية.
[3] في الكامل 12/ 39.
[4] في الكامل 12/ 39.
[5] في الفتح القسّي.
[6] في مشارع الأشواق 2/ 940 «أن الذين ثبتوا من المسلمين ردّوا» .(41/46)
الدّين، وحصل لَهُ قولَنْج كَانَ يعتاده. فأشار الأمراء عليه بالانتقال منَ المنزلة، وترك مضايقة الفِرَنج، وأن يبعد عَنْهُمْ، فَإِن رحلوا فقد كُفِينا شَرَّهم، وإن أقاموا عُدنا، وأيضا فلو وقع إرجاف، يعني بوفاتك، لهلك النّاس، فرحل إلى الخَرُّوبة [1] فِي رابع عشر رمضان.
[محاصرة الفِرَنج عكا]
وأخذت الفِرَنج فِي محاصرة عكّا، وعملوا عليها الخندق، وعملوا سورا من تراب الخندق وجاءوا بما لَمْ يكن فِي الحساب.
واشتغل صلاح الدّين بمرضه، وتمكّن الفِرَنج وعملوا ما أرادوا. وكان مَن بِعَكَّا يخرجون إليهم كُلّ يومٍ ويقاتلونهم.
وَفِي نصف شوّال وصل العادل بالمصريّين، فقويت النّفوس، وأحضر معه منَ آلات الحصار شيئا كثيرا [2] . وجمع صلاح الدّين منَ الرّجّالة خلائق، وعزم عَلَى الزَّحف.
وجاءه الأصطول الْمَصْرِيّ عليه الأمير لؤلؤ، وكان شَهْمًا، شجاعا، خبيرا بالبحر، ميمون النّقيبة، فوقع عَلَى بَطْسَةٍ للفرنج فأخذها، وحوّل ما فيها إلى عكّا فسكنت نفوس أهلها وقوي جَنانهم [3] .
قَالَ [4] : ودخل صفر من سنة ستّ وثمانين، فسمع الفِرَنج أنّ صلاح الدّين قَدْ سار يتصيّد، ورأوا اليَزَكَ الَّذِي عليهم قليلا [5] ، فخرجوا مِن خندقهم عَلَى اليَزَك العصر، فحمي القتال إلى اللّيل وَقُتِلَ خلقٌ منَ الفريقين، وعاد الفِرَنج إلى سورهم.
وجاءت السّلطان الأمدادُ، وذهب الشِّتَاء فتقدّم من الخرّوبة نحو عكّا،
__________
[1] الخرّوبة: حصن بسواحل بحر الشام مشرف على عكا. (معجم البلدان 2/ 362) .
[2] مشارع الأشواق 2/ 940.
[3] الكامل 12/ 41.
[4] في الكامل 12/ 44.
[5] في الأصل: «قليل» وهو غلط نحوي.(41/47)
فنزل بتلّ كيسان وقاتل الفِرَنج كُلّ يوم وهم لا يسأمون [1] . إلى أن قَالَ [2] :
وافترقوا فرقتين، فرقة تقابله، وفرقة تقاتل عكّا. ودام القتال ثمانية أيّام متتابعة [3] .
ثُمَّ ساق قصّة الأبراج الخشب الّتي يأتي خبرها، وقَالَ: فكان يوما مشهودا لَمْ يَرَ النّاس مثله، والمسلمون ينظرون ويفرحون، وَقَدْ أسفرت وجوههم بنصر اللَّه [4] . إلى أن قَالَ:
[ذكر وصول ملك الألمان إلى الشّام]
والألمان نوع من أكثر الفِرَنج عددا وأشدّهم بأسا. وكان قَدْ أزعجه أَخَذَ بيت المَقْدِس، فجمع العساكر وسار، فَلَمَّا وصل إلى القُسْطَنْطِينيَّة عجز ملكها عَنْ منعهم مِن العبور فِي بلاده، فساروا وعبروا خليج قُسْطَنْطِينيَّة، ومرّوا بمملكة قلج أرسلان، فثار بهم التّركمان، فَمَا زالوا يسايرونهم ويقتلون منَ انفرد ويسرقونهم. وكان الثّلج كثيرا فأهلكهم البرد والجوع، وماتت خيلهم لعدم العَلَف والبرد، وتمَّ عليهم شيء ما سُمِع بِمِثْلِهِ. فَلَمَّا قاربوا قُونية خرج قُطب الدّين ملك شاه بْن قلج أرسلان ليمنعهم، فلم يقربهم، وكان قَدْ حجر عَلَى والده، وتفرَّق أولاده، وغلب كُلّ واحد عَلَى ناحية من بلاده.
فنازلوا قونية وأرسلوا إلى قلج أرسلان هديّة وقالوا: ما قَصْدُنا بلادك، إنّما قصدنا بيت المَقْدِس. وطلبوا منه أن يأذن لرعيّته فِي إخراج سوق، وشبعوا وتزوّدوا. وطلبوا من صاحب الروم جماعة تخفرهم من لصوص التُّرْكمان، فنفّذ معهم خمسة وعشرين أميرا، فَمَا قدِروا عَلَى منع الحراميّة لكَثْرتهم، فغضب ملك الألمان، وقبض عَلَى أولئك الأمراء، وقيَّدهم ونهب متاعهم، ثمّ
__________
[1] الكامل 12/ 44، 45.
[2] في الكامل 12/ 45.
[3] مشارع الأشواق 2/ 940، 941.
[4] الكامل 12/ 46، 47.(41/48)
منهم من خلّص، ومنهم من مات فِي الأسر [1] .
[رواية ابن واصل]
وقَالَ ابن واصل [2] : جمع قُطْب الدّين صاحب قونية العساكر والتقاهم فكسروه كسرة عظيمة، وهجموا قونية بالسّيف، وقتلوا منها عالما عظيما.
ووصل إلى السّلطان مناصحة من ملك الأرمن صاحب قلعة الروم: «كتاب المخلص الدّاعي الكاغيكوس [3] » أنّ ملك الألمان خرج من دياره، ودخل بلاد الهنكْر، ثُمَّ أرض مقدّم الروم، فقهره وأخذ رهائنه وولده وأخاه في جماعة، وأخذ منه أموالا عظيمة إلى الغاية.
وسار ملك الألمان حَتَّى أتى بلاد الأرمن، فأمدَّهم صاحبها بالأقوات وخضع لهم، ثُمَّ ساروا نحو أنطاكية فنزل ملكهم يغتسل فِي نهر هناك، فغرق فِي مكانٍ منه لا يبلغ الماء وسط الرجل، وكفى اللَّه شرّه [4] .
وقيل: بل غرق فِي مخاضةٍ، أَخَذَ فرسه التّيّار. وقيل: بل سبح فمرض أيّاما ومات [5] .
وسار فِي المُلْك بعده ولده، وسار إلى أنطاكية فاختلف أصحابه عليه، وأحبّ بعضهم العَوْد إلى بلاده، ومال بعضهم إلى تملُّك أخ لَهُ فرجعوا، فسار من ثبت معه فوصلوا إلى أنطاكية، فكانوا نيّفا وأربعين ألفا، فوقع فيهم الوباء وتبرَّم بهم صاحب أنطاكية، وحسَّن لهم المسير إلى الفِرَنج الّذين عَلَى عكّا، فساروا عَلَى جَبَلَة واللّاذقيَّة، وتخطّف المسلمون منهم فبلغوا طرابُلُس، وأقاموا بها أيّاما، فكثُر فيهم الموت، ولم يبق منهم إلّا نحو ألف رجل،
__________
[1] الكامل 12/ 48، 49.
[2] في مفرّج الكروب 2/ 320، وعنه نقل ابن الفرات في تاريخه.
[3] هكذا في الأصل، ومثله في النوادر السلطانية 124، وفي مفرّج الكروب «الكاغيلوس» باللام، ومثله في تاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 216.
[4] الكامل 12/ 49، مشارع الأشواق 2/ 941.
[5] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 216.(41/49)
وركبوا فِي البحر إلى الفِرَنج الّذين عَلَى عكّا، فَلَمَّا وصلوا ورأوا ما نالهم وما هُمْ فِيهِ منَ الاختلاف عادوا إلى بلادهم، فغرق بهم المراكب، ولم ينج منهم أحدٌ. وردّ اللَّه كَيْدهم فِي نحرهم [1] .
قَالَ ابن واصل [2] : ورد كتاب الملك الظّاهر من حلب إلى والده يخبره أَنَّهُ قَدْ صحَّ أنّ ملك الألمان قَدْ خرج من جهة القُسْطَنْطِينيَّة فِي عدةٍ عظيمة، قِيلَ إنّهم مائتا ألف وستّون ألفا تريد الْإِسْلَام والبلاد.
قُلْتُ: كَانَ هلاك هَذِهِ الأمّة منَ الآيات العظيمة المشهورة. وكان الحامل لخروجهم من أقصى البحار أخْذُ بيت المَقْدِس من أيديهم.
قَالَ ابن واصل [3] : وصل إلى السّلطان كتاب كاغيكوس الأرمنيّ صاحب قلعة الروم، وَهُوَ للأرمن كالخليفة عندنا.
نسخة الكتاب: «كتاب الدّاعي المخلص الكاغيكوس: فَمَا أطالع بِهِ مولانا [4] ومالكنا السّلطان الملك النّاصر، جامع كلمة الْإِيمَان، رافع عَلَم العدل والإحسان، صلاح الدّين والدّنيا [5] ، من أمر ملك الألمان، وما جرى لَهُ، فَإنَّهُ خرج من دياره، ودخل بلاد الهنْكر [6] غصْبًا ثُمَّ دخل أرض مقدَّم الروم، وفتح البلاد ونهبها، وأخذ رهائن ملكها، ولَدَه وأخاه، وأربعين نَفَرًا من جُلَسائه [7] ، وأخذ منه خمسين قنطارا ذهبا، وخمسين قنطارا فضّة، وثياب أطلس [8] مبلغا عظيما، واغتصب المراكب، وعدَّى بها إلى هَذَا الجانب، يعني فِي خليج قسطنطينيّة.
__________
[1] الكامل 12/ 49، 50، تاريخ الزمان 218، تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا) 1/ 541، مشارع الأشواق 2/ 941.
[2] في مفرّج الكروب 2/ 317.
[3] في مفرّج الكروب 2/ 320.
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 216 «مما أطالع به علوم مولانا» .
[5] في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 217 «صلاح الدين والدين» .
[6] الهنكر هم: الهنغاريّون، أو المجريّون.
[7] في تاريخ ابن الفرات: «خلصائه» .
[8] في تاريخ ابن الفرات: «ثياب طلس» .(41/50)
قَالَ: ودخل إلى حدود بلاد قَلِج أرسلان، وردّ الرهائن، وبقي سائرا ثلاثة أيّام، وتُرْكمان الأوج يَلْقوْنه بالأغنام والأبقار والخيل والبضائع، فتداخَلَهم الطَّمع وتجمَّعوا لَهُ من جميع البلاد، ووقع القتال بَيْنَ التُّرْكمان وبينهم، وضايقوه ثلاثة وثلاثين يوما وَهُوَ سائر. ولمّا قرب من قونية جمع ابن قَلِج أرسلان العساكر، فضرب معه المصافّ، فكسره ملك الألمان كسرة عظيمة، وسار حَتَّى أشرف عَلَى قونية، فخرج إِلَيْهِ جموع عظيمة، فردّهم مكسورين، وهجم قونية بالسّيف، وَقُتِلَ منهم عالما عظيما منَ المسلمين، وأقام بها خمسة أيّام، فطلب قَلِج أرسلان منه الأمان فآمنه، وأخذ منه رهائن عشرين من أكابر دولته، وأشار عَلَى الملك أن يمرّوا عَلَى طَرَطُوس [1] ففعل.
وقبل وصوله بعث إليَّ رسولا، فأنفذ المملوك خاتما، وصُحْبته ما سَأَلَ، وجماعة إِلَيْهِ، فكثُرت عليه العساكر ونزل عَلَى نهرٍ فأكل خُبزًا ونام، ثُمَّ تاقت نفسه إلى الاستحمام ففعل، وتحرَّك عليه مرضٌ عظيم ومات بعد أيّام قلائل.
وأمّا لافون فسار لتلقّيه، فَلَمَّا علم بهذا احتمى بحصنٍ لَهُ. وأمّا ابن ملك الألمان فكان أَبُوهُ منذ خرج نَصَب ولده هَذَا عِوَضه، وتأصّرت [2] قواعده، فَلَمَّا بلغه هرب رُسُل لافون نفّذ يستعطفهم فأحضرهم وقَالَ: إنّ أَبِي كَانَ شيخا كبيرا، وإنّما قصد هذه الدّيار لأجل حجّ بيت المقدس وأنا الّذي دبّرت الملك، فَمَنْ أطاعني وإلّا قصدت بلاده. واستعطف لافون، واقتضى الحال الاجتماع بِهِ ضرورة. وبالجملة قَدْ عرض عسكره، فكانوا اثنين وأربعين ألف فارس، وأمّا الرّجّالة فلا يُحْصَوْن، وهم أجناس متفاوتة، وهم عَلَى سياسةٍ عظيمة، حَتَّى إنّ من جنى منهم جناية قُتِلَ. ولقد جنى كبير منهم عَلَى غلامه فجاوز الحدَّ فِي ضرْبه، فاجتمعت القسوس للحكم فأمروا بذبحه، فشفع إلى الملك منهم خلْقٌ، فلم يلتفت إلى ذَلِكَ وذبحه. وَقَدْ حرّموا الملاذّ
__________
[1] هكذا في الأصل، والمراد: «طرسوس» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 218 «تأكّدت» .(41/51)
عَلَى أنفسهم، ولم يلبسوا إلّا الحديد، وهم منَ الصّبر عَلَى الذُّل والتَّعَب والشّقاء عَلَى حالٍ عظيم» [1] . انتهى الكتاب.
فَلَمَّا هلك ملكهم سار بهم ولده إلى أنطاكية، وعمَّهم المرض، وصار مُعظمهم حَمَلة عِصِي ورُكاب حِمْيَر. فتبرَّم بهم صاحب أنطاكية، وحسَّن لهم قصْدَ حلب، فأبوا وطلبوا قلعته ليُودِعوا فيها الخزائن، فأخلاها لهم، ففاز بما وضعوه بها وجاءت فرقة منَ الألمانية إلى بغْراس، وظنّوا أنّها للنَّصارى، ففتح واليها الباب، وخرج أصحابه فتسلّموا صناديق أموال، وقتلوا كثيرا منهُم. ثُمَّ خرج جُنْد حلب وتلقطوهم. وكان الواحد يأسر جماعة، فهانوا فِي النّفوس بعد الهيبة والرعب منهم، وبيعوا فِي الأسواق بأبخس ثمن [2] .
قَالَ ابن شدّاد [3] : مرض ابن ملك الألمان مرضا عظيما فِي بلاد ابن لاون [4] ، وأقام معه خمسة وعشرون فارسا وأربعون داويا، ونفّذ عسكره نحو أنطاكية، حَتَّى يقطعوا الطّريق، ورتّبهم ثلاث فرق لكثْرتهم. فاجتازت فرقة تحت بغراس، فأخذ عسكر بغراس مَعَ قلّته مائتي رجلٍ منهم. وسار بعض عسكر البلاد فكشف أخبارهم، فوقعوا عَلَى فِرْقة منهم، فقتلوا وأسروا زهاء خمسمائة [5] .
وقَالَ ابن شدّاد [6] : حضرت من يخبر السّلطان عَنْهُمْ ويَقُولُ: هُمْ ضعفاء قليلو الخيل والعدّة، أكثر ثقلهم عَلَى حِمْيَر وخيلٍ ضعيفة، ولم أر مَعَ كُثير منهم طارقة [7] ولا رُمْحًا، فسألتهم عَنْ ذَلِكَ فقالوا: أقمنا بمرج وخم أيّاما، وقلّت أزوادنا وأحطابنا، فأوقدنا معظم عُدَدنا، وذبحنا الخيل وأكلناها.
__________
[1] النوادر السلطانية 124، 125، مفرّج الكروب 2/ 320، 321، تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 216- 219.
[2] المصادر نفسها.
[3] في النوادر السلطانية 125.
[4] هكذا في الأصل، وهو «ابن لافون» كما في المصادر.
[5] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 219، 220.
[6] في النوادر السلطانية 127.
[7] طارقة، جمعها طوارق، وهي نوع من الرماح الثقيلة.(41/52)
ومات الكُنْد [1] الَّذِي عَلَى الفِرقة الواحدة، وطمع ابن لاون [2] حَتَّى عزم عَلَى أخذ مال الملك لضعفه ومرضه، وقلّة من أقام معه، فشاور السّلطان الأمراء، فوقع الاتّفاق عَلَى تسيير بعض العساكر إلى طريقهم. فكان أوّل من سار الملك المنصور مُحَمَّد بْن المظفّر، ثُمَّ عزّ الدّين ابن المقدّم صاحب بَعْرين وفامية، ثُمَّ الأمجد صاحب بِعْلَبَكّ، ثُمَّ سابق الدّين عثمان ابن الدّاية صاحب شَيْزَر، ثُمَّ عسكر حماه. ثُمَّ سار الملك الظّاهر إلى حِفْظ حلب، فخفّت الميمنة، فانتقل إليها الملك العادل، ووقع فِي العسكر مرضٌ كثير، وكذلك فِي العدوّ.
وتقدَّم السّلطان يهدم سور طبريَّة، ويافا، وأرسُوف، وقَيْساريَّة، وصيدا، وجُبَيل، وانتقل أهلها إلى بيروت [3] .
وَفِي رجب سار ملك الألمانيّين من أنطاكية إلى اللّاذقيَّة ثُمَّ إلى طرابُلُس، وكان قَدْ سار إِلَيْهِ المركيس صاحب صور، فقوّى قلبه، وسلك بِهِ السّاحل، فكانت عدّة من معه لمّا وصل إلى طرابُلُس خمسة آلاف [4] بعد ذَلِكَ الجيش العظيم. ثُمَّ إنَّه نزل منَ البحر، وسار معظم أصحابه فِي السّاحل، فثارت عليه ريح، فأهلكت من أصحابه ثلاثة مراكب، فوصل إلى عكّا فِي جَمْع قليل فِي رمضان، فلم يظهر لَهُ وقْع، ثُمَّ هلك عَلَى عكّا فِي ثاني عشر ذِي الحجّة سنة ستّ وثمانين، فسبحان من أبادهم ومحقهم.
__________
[1] تعريب للفظ: «الكونت» أي الأمير.
[2] هكذا في الأصل، وهو «ابن لافون» .
[3] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 220- 222.
[4] قيل إنهم كانوا في طريقهم قبيل طرابلس 15 ألفا. (الفتح القسّي 424) ، وقيل في موضع آخر منه إنهم كانوا 42 ألفا عند طرطوس، وعند ما وصلوا إلى طرابلس نقص نصفهم.
(393 و 396) ، وقيل في نحو ألفي فارس. (زبدة الحلب 3/ 115) وقيل في نفر يسير.
(مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 403، البداية والنهاية 12/ 341) والمثبت عن ابن الفرات(41/53)
ويوم وصول ملك الألمان إلى عكّا ركبت الفِرَنج وأظهروا قوّة وأرجفوا، وحملوا عَلَى يَزَك المسلمين، فركب السّلطان، ووقع الحرب، ودام إلى اللّيل وكانت الدّائرة عَلَى الكفّار، ولم يزل السَّيف يعمل فيهم حَتَّى دخلوا خيامهم. ولم يقتل يومئذٍ منَ المسلمين إلّا رجلان، لكنْ جُرِح جماعة [1] .
ولمّا مات طاغية الألمان حزنت عليه الفِرَنج، وأشعلوا نيرانا هائلة بحيث لَمْ يبق خيمةٌ إلّا أوقد فيها النّار. ومات لهم كنْد عظيم، ووقع الوباء فيهم والمرض، ومرض كنْدهري، وصار يموت فِي اليوم المائة وأكثر فِي معسكرهم. واستأمن منهم خلْقٌ عظيم، أخرجهم الجوع، وقالوا للسّلطان:
نَحْنُ نركب البحر فِي مراكب صِغار، ونكسب منَ النَّصارى، ويكون الكسب لنا ولك. فأعطاهم السّلطان مركبا فركبوا فِيهِ، وتحفّزوا لمراكب التّجّار النَّصارى، وأتوا بالغنائم إلى السّلطان فأعطاهم الجميع، فَلَمَّا رأوا هَذَا أسلم جماعة منهم.
واستشهد فِي هَذِهِ السّنة سبعة أمراء عَلَى عكّا [2] .
[استشهاد الأمير جمال الدين بن ألدكز]
والتقى شواني المسلمين وشواني الفِرَنج فِي البحر، وأُحرقت للفِرنج شواني برجالها، وأحاطت مراكب العدوّ بشينيِّ مقدّمه الأمير جمال الدّين مُحَمَّد بْن ألْدِكِز [3] ، فترامى ملّاحو الشّيني إلى الميناء، فقاتل جمال الدّين، فعرضوا عليه الأمان فَقَالَ: ما أضع يدي إلّا فِي يد مقدّمكم الكبير. فجاء مقدّمهم إِلَيْهِ، فعانقه جمال الدّين وماسَكَه وشَحَطه، فوقعا فِي البحر وغرقا معا [4] .
__________
[1] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 227.
[2] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 244 ومنهم: الأمير سوار.
[3] تصحّف في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 244 إلى «ارلكلن» .
[4] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 244.(41/54)
سنة ست وثمانين وخمسمائة
استهلّت والفرنج مُحدِقون بعكّا محاصرون لها، والسّلطان بعساكره فِي مقابلتهم، والقتال عمَّال، فتارة يظهر هَؤُلَاءِ، وتارة يظهر هَؤُلَاءِ.
وقدِمت العساكر البعيدة مَدَدًا للسّلطان صلاح الدّين، فقدِم صاحب حمص أسد الدّين، وصاحب شَيْزَر سابق الدّين عُثْمَان ابن الدّاية، وعزّ الدّين ابن المقدَّم، وَغَيْرُهُمْ [1] .
ثُمَّ قدِمت عساكر الشّرق مَعَ مظفَّر الدّين صاحب إربل، ومع عماد الدّين ابن صاحب سنجار، ومعزّ الدّين سنجر شاه بْن غازي. واشتدّ الأمر، وجدَّت الفِرَنج فِي الحصار، وأتتهم الأزواد منَ الجزائر البعيدة حَتَّى ملئوا البرّ والبحر فتُوُفّي صاحب إربل زين الدّين يوسف بْن زين الدّين عليّ كَوْجَك، ففوّض السلطان مملكة إربل من حينئذٍ إلى أَخِيهِ مظفَّر الدّين كَوْكُبرى بْن عليّ.
ودام الحصار والنّزال عَلَى عكّا حَتَّى فرغت السَّنة.
ومن كتابٍ فاضليّ إلى بغداد: «ومن خبر الفِرَنج أنّهم الآن عَلَى عكّا يمدّهم البحر بمراكب أكثر عدّة من أمواجه، ويخرج للمسلمين أمرّ من أجَاجه، وَقَدْ تعاضدت ملوك الكُفْر عَلَى أن يُنهضوا إليهم من كُلّ فرقة طائفة، ويرسلوا إليهم من كُلّ سلاح شوكة، فإذا قُتِلَ المسلمون واحدا فِي البرّ بعثوا ألفا عِوَضه فِي البحر، فالزَّرع أكثر منَ الحصاد، والثّمرة أنْمى منَ الجذاذ.
وهذا العدوّ قَدْ زرَّ عليه منَ الخنادق دروعا متينة، واستجنّ منَ الجنوبات بحصونٍ حصينة، فصار معجزا، وممتنعا حاسرا، ومدرّعا، ومواصلا،
__________
[1] تاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 209، مفرّج الكروب 2/ 313.(41/55)
ومنقطعا، وعددهم الجمّ قَدْ كاثر القتل، ورفا بهم الغلب، قَدْ قطعت النّصل لشدّة ما قطعها النصْل. وأصحابنا قَدْ أثَّرت فيهم المدّة الطّويلة، والكِلَف الثّقيلة فِي استطاعتهم لا فِي طاعتهم، وَفِي أحوالهم لا فِي شجاعتهم، وكلّ من يعرفهم يُناشد اللَّه فيهم المناشدة النبويَّة فِي الصّحابة البدريّة، اللَّهمّ أن تهلك هَذِهِ العصابة، ويخلص الدّعاء ويرجوا عَلَى يد مولانا أمير المؤمنين الإجابة. وَقَدْ حرَّم باباهم، لعنه اللَّه، كُلّ مباح، واستخرج منهم كُلّ مدحور، وأغلق دونهم الكنائس، ولبس وألبس الحِداد، وحكم أن لا يزالوا كذلك أَوْ يستخلصوا المقبرة. فيا عُصْبة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخلفه فِي أمّته بما تطمئنّ بِهِ مضاجعه، ووفِّه الحقّ فينا، فَإِنا والمسلمون عندك ودائعه، ولولا أنّ فِي التّصريح ما يعود عَلَى العدالة بالتّجريح، لقال الخادم ما يُبْكي العيون وينْكي القلوب، لكنّه صابر محتسب، منتظر للنصر مرتقب. ربِّ إنّي لا أملك إلّا نفسي، وها هي فِي سبيلك مبذولة، وأخي وَقَدْ هاجر هجرة يرجوها مقبولة، وولدي وَقَدْ بِذَلت للعدوّ صفحات وجوههم، وهان عَلَى عيونك بمكروههم.
ونقف عِنْد هَذَا الحد، وللَّه الأمر من قبل ومن بعد» .
وقَالَ الموفّق عَبْد اللّطيف: إنّ الفِرَنج عاثوا فِي سوق العسكر وَفِي الخِيَم، فرجع عليهم السّلطان فطحنهم طحنا، وأحصى قتلاهم بأنْ غرزوا فِي كُلّ قتيل سهما، ثُمَّ جمعوا السّهام، فكانت اثني عشر ألفا وخمسمائة. والّذين لحِقوا بأصحابهم هلك منهم تمام أربعين ألفا [1] . وبلغت الغرارة عندهم مائة وعشرين دينارا.
قَالَ: وخرجوا مرّة أخرى، فَقُتِلَ منهم ستّة آلاف ونيّف، ومع هَذَا فصبرهم صبرهم. وعمروا عَلَى عكّا بُرجين من خشب، كُلّ برج سبْع طبقات، بأخشاب عاتية، ومسامير هائلة، يبلغ المسمار نصف قنطار، وضبّات [2] عَلَى هَذَا القياس، وصُفِّح كُلّ برج منها بالحديد، ولُبِّس الجلود، ثمّ اللّبود المشربة
__________
[1] مشارع الأشواق 2/ 941.
[2] في مشارع الأشواق 2/ 941 «صبّات» وهو تحريف.(41/56)
بالخلّ، وجُلِّل ذَلِكَ بشِباك من حبال القِنَّب لتردّ حدّة المنجنيق، وكلّ واحدٍ يعلو سور عكّا بثلاث طبقات. وزحفوا بهما [1] إلى السّور، وَفِي كُلّ طبقة مقاتلة، فيئس المسلمون بعكّا، فَقَالَ دمشقيّ يُقَالُ لَهُ ابن النّحّاس: دَعُوني أضربها بالمجانيق. فسخروا منه، فطلب من قراقوش أن يمكّنه منَ الآلات، ورمى البرج حَتَّى خَلْخَلَه، ثُمَّ رماه بقِدْر نِفط، ثُمَّ صاح: اللَّه أكبر، فعلا الدُّخانُ، فضجّ المسلمون، وبرزوا من عكّا، وعملت النّار فِي أرجائه، والفِرَنج ترمي أنفسها منَ الطّبقات، واشتعلوا، فأحرق المسلمون السّتائر والعُدَد، وانكسرت صولتهم [2] .
ثُمَّ اجتمعت هِمَمُهم نوبة، وعملوا كبْشًا هائلة، رأسه قناطر منَ الحديد ليبعجوا [3] بِهِ السُّور فينهدم، فَلَمَّا سحبوه وقُرِّب منَ السّور ساخ فِي الرمل لِثقله، وعجزوا عَنْ تخليصه.
وكان المسلمون فِي عكّا فِي مرضٍ وجوع قَدْ ملّوا منَ القتال، ما يحملهم سوى الْإِيمَان باللَّه تَعَالَى. وَقَدْ هدمت الفِرَنج برجا وبدنة، ثُمَّ سدّ ذَلِكَ المسلمون فِي اللّيل ووثّقوه [4] .
وكان السّلطان يكون أوّل راكب وآخر نازل.
قُلْتُ: ولعلّه وجبت لَهُ الْجَنَّة برباطه هذين العامين.
ذكر العماد الكاتب [5] أَنَّهُ حُزِر [6] ما قُتِلَ منَ الفِرَنج فِي مدّة الحرب عَلَى عكّا، فكان أكثر من مائة ألف [7] .
ومن كتاب إلى بغداد: «وَقَدْ بُلي الْإِسْلَام منهم بقومٍ استطابوا الموت،
__________
[1] في مشارع الأشواق 2/ 941 «بها» وهو غلط.
[2] مشارع الأشواق 2/ 941، 942 وفيه «فانكسرت همتهم» .
[3] في مشارع الأشواق 2/ 942 «لينطحوا» .
[4] مشارع الأشواق 2/ 942.
[5] في الفتح القسّي.
[6] في تاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 213 «حرر» .
[7] تاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 213، 214.(41/57)
واستجابوا الصّوت، وفارقوا الأوطان والأوطار، والأهل والدّيار، طاعة لقِسِّيسهم وغيرة لمعبدهم وحميَّة لمعتقدهم، وتهالكا عَلَى مقبرتهم، وتحرُّقًا عَلَى فخامتهم، حَتَّى خرجت النّساء من بلادهنّ متبرّزات، وسِرْن فِي البحر متجهّزات، وكانت منهنّ ملكة استتبعت خمسمائة مقاتل، والتزمت بمئونتهم، فأُخِذت برجالها بقرب الإسكندريّة. ومنهنّ ملكة وصلت مَعَ ملك الألمان، وذوات المقانع منَ الفِرَنج مقنّعات دارعات، يحملن الطّوارق والقنطاريّات. وَقَدْ وُجدت فِي الوقعات الّتي جرت عدّة منهنّ بَيْنَ القتلى. وما عُرِفنَ حَتَّى سُلِبن. والبابا الَّذِي بروميّة قَدْ حرَّم عليهم لذَّاتهم وقَالَ: مَن لا يتوجَّه إلى القدس فهو محرم، لا ملح لَهُ ولا مَطْعَم، فلهذا يتهافتون عَلَى الورود، ويتهالكون عَلَى يومهم الموعود» . وقَالَ: «إنّي واصل فِي الرَّبِيع، جامع عَلَى الاستنفار شمل الجميع. وَإِذَا نهض هَذَا اللّعين فلا يقعد عَنْهُ أحد، ويصل معه كُلّ من يَقُولُ للَّه تعالى ولد» .
ومن كتاب فاضليّ إلى السّلطان: «فَلَيْس إلّا الدّعاء والتّجلُّد للقضاء، فلا بُدَّ من قدر مفعول، ودعاء مقبول.
نَحْنُ الّذين إذا علوا لم يبطروا ... يوم الهجاج وإنْ عُلوا لَمْ يضجروا
ومَعَاذ اللَّه أن يفتح علينا البلاد، ثُمَّ يغلقها، وأن يسلم عَلَى أيدينا القدس، ثُمَّ ينصِّره، ثُمَّ مُعَاذ اللَّه أن يغلب عَنِ النّصر، ثُمَّ مَعَاذ اللَّه أن يُغلب عَلَى الصَّبر. وَإِذَا كَانَ ما يُقدمنا الله إِلَيْهِ لا بُدَّ منه وَهُوَ لقاؤه، فلأن نلقاه والحجّة لنا خيرٌ من أن نلقاه والحجّة علينا. ولا تعظم هَذِهِ الفتون عَلَى مولانا فتبهر صبره، وتملأ صدره، فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَالله مَعَكُمْ 47: 35 [1] . وهذا دِين ما غُلِب بكثرَة وإنّما اختار اللَّه لَهُ أَرباب بنات، وروى قلوب رجالات، فليكن الوليّ نِعْمَ السَّلَف، لذلك الخَلَف، واشتدّي أزمة تنفرجي، والغمرات تذهب ثُمَّ لا تجيء، والله يسمعنا ما يسرّ القلوب،
__________
[1] سورة محمد، الآية 35.(41/58)
ويصرف عَنِ الْإِسْلَام غاشية هَذِهِ الكروب. ونستغفر اللَّه فَإنَّهُ ما ابتلى إلّا بذنب» .
ومن كتاب آخر يَقُولُ: «ولَسْتُ بملك هازم لنظيره، ولكنّك الْإِسْلَام للشِّرْك هازم» . يشير رحِمَه اللَّه إلى أَنَّهُ وحده بعسكره فِي مقابلة جميع دين النّصرانيّة، لأنّ نفيرهم إلى عكّا لَمْ يكن بعده بعد، ولا وراءه حدّ.
ثُمَّ قَالَ: «وليس لك منَ المسلمين مساعد إلّا بدعوة، ولا خارج بَيْنَ يديك إلّا بأجرة، تشتري منهم الخطوات شبرا بذراع، تدعوهم إلى الفريضة، وكأنّك تكلّفهم النّافلة، وتعرِض عليهم الْجَنَّة، وكأنّك تريد أن تستأثر بها دونهم.
والآراء تختلف بحضرتك، فقائل يَقُولُ: لَمْ لا يتباعد عَنِ المنزلة؟
وآخر: لَمْ لا يميل إلى المصالحة؟ ويشير بالتّخلّي عَنْ عكّا، حَتَّى كَأَنّ تركها تعليق المعاملة، ولا كأَنَّها طليعة الجيش، ولا قفل الدّار، ولا خَرزة السِّلْك إنْ وَهَت تَدَاعى السّلك. فألهمك اللَّه قتلَ الكافر، وخلاف المجدّل، فكما لَمْ يُحدِثِ استمرار النِّعم لك بَطَرًا، فلا تُحدث لَهُ ساعات الامتحان ضجرًا» .
وما أحسن قول حاتم:
شربنا كأس الفقر يوما وبالغِنى ... وما فينا إلّا سقانا بِهِ الدهرُ
فَمَا زادانا تعبا عَلَى ذِي قرابةٍ ... غِنانا ولا أزرى بأحسابِنا الفقر
وقَالَ الآخر:
لا بطرا إنْ تتابعت نِعَمٌ ... وما يرقي البلا محتسبُ
وقيل للمهلّب: أَيَسُرُّك سفرٌ لَيْسَ فِيهِ تعب؟ فَقَالَ: أكره عادة العجز.
ونحن في ضرّ قد مسّنا، ولا نرجو لكشفه إلّا منَ ابتلى. وَفِي طوفان فتنة، قَالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا من رَحِمَ 11: 43 [1] ، ولنا ذنوب قد سدّت
__________
[1] سورة هود، الآية 43.(41/59)
طريق دعائنا، فنحن أَوْلَى أن نلوم أنفسنا، وللَّه قدر لا سلام لنا فِي دفعه إلّا لا حول ولا قوَّة إلّا باللَّه. وَقَدْ أشرفنا عَلَى أهوال قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمن كُلِّ كَرْبٍ 6: 64 [1] . وَقَدْ جمع لنا العدوّ، وقيل لنا: اخشوه فنقول: حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 3: 173 [2] . وليس إلّا الاستغاثة باللَّه، فَمَا دأبنا فِي الشّدائد إلّا عَلَى طروق بابه، وعلى التضرُّع لَهُ فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ 6: 43 [3] نعوذ باللَّه منَ القسوة، ومنَ القنوط منَ الرحمة.
وما شرَّد الكَرَى، وطوَّل عَلَى الأفكار السّرى، إلّا ضائقة القُوت بعكّا.
وهذه الغَمَرات هِيَ نعمة الله عليه، وهي درجات الرّضوان، فاشكر اللَّه كَمَا تشكره عَلَى الفتوحات.
واعلم أنّ مثوبة الصَّبْر فوق مثوبة الشُّكر. ومِن ربط جأْش عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قوله: لو كَانَ الصَّبْر والشُّكر بعيرَين ما باليت أيُّهما ركِبت. وبهذه العزائم سبقونا فلا تطمع بالغبار، وامتدّت خُطاهم، ونعوذ باللَّه منَ العثار.
ومن ( ... ) [4] أن ترق بك ماضيه جبل فلا تعجز، وإن نزل بك ما لَيْسَ فِيهِ حيلة فلا تجزع» .
ولمّا اشتدّ الأمر بعكّا وطال أرسل السّلطان كتابا إلى شمس الدّين بْن منقذ يأمره بالمسير إلى صاحب المغرب يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمِن يستنصر به، ليقطع عنه مادّتهم من جهة البحر [5] . وأمر ابن منقذ أن يستقرئ فِي الطّريق والبلاد ما يُحيي بِهِ الملك يعقوب وكيف عاداتهم. وأن يقصّ عليه: من أوّل وصولنا إلى مصر، وما أزلنا بها منَ الإلحاد، وما فتحنا من بلاد الفِرَنج وغيرها وتفصيل ذَلِكَ كلّه، وأمر عكّا، وأنّه لا يمضي يوم إلّا عَنْ قوَّة تتجدَّد، وميرة فِي البحر تصل، وأنّ ثغرنا حصروه، ونحن حصرناهم، فما
__________
[1] سورة الأنعام، الآية 64.
[2] سورة آل عمران، الآية 173.
[3] سورة الأنعام، الآية 43.
[4] في الأصل بياض.
[5] مرآة الزمان 8/ 405، مفرّج الكروب 2/ 361، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 23، 24.(41/60)
تمكَّنوا من قتال الثّغر، ولا تمكّنوا من قتالنا، وخندقوا عَلَى نفوسهم عدّة خنادق، فَمَا تمكنّا من قتالهم. وقدَّموا إلى الثّغر أبرجة [1] من خشب أحرقها أهله. وخرجوا مرَّتين إلينا يبغون غرَّتنا، ينصرنا اللَّه عليهم، ونقتلهم قتلا ذريعا، أجلت إحدى النَّوبتين عَنْ عشرين ألف قتيل منهم. والعدوّ وإن حصر الثّغر فَإنَّهُ محصور، ولو أبرز صفحته لكان بإذن اللَّه هُوَ المكسور.
ويذكر ما دخل الثّغر من أساطيلنا ثلاث مرّات واحتراق مراكبهم، وهي الأكثر، ودخولها بالسّيف الأظهر ينقل إلى البلد الميرة. وإنّ أمر العدوّ قَدْ تطاول، ونجدته تتواصل، ومنهم ملك الألمان فِي جموع جماهيرها مجمهرة وأموالها مقنطرة. وإنّ اللَّه سُبْحَانَهُ وتعالى قَدْ قصم طاغية الألمان، وأخذه أخْذ فرعون بالإغراق فِي نهر الدُّنْيَا، وإنّهم لو أرسل اللَّه عليهم أسطولا قويّا مستعدّا يقطع بحرة، ويمنع ملكه، لأخذنا العدوّ بالجوع والحصر، والقتال والنّصر.
فَإِن كَانَتْ بالجانب الغربيّ الأساطيل ميسَّرة، والرجال فِي اللّقاء فارهة غير كارهة، فالبدار البدار.
وأنت أيُّها الأمير أوّل منَ استخار اللَّه وسار، وما رأينا أهلا لخطابنا، ولا كفؤا لإنجادنا، إلّا ذَلِكَ الجانب، فلم ندعه إلّا لواجبٍ عليه. فقد كَانَتْ تتوقّع منه همّة تَقِدُ فِي الغرب نارها، ويستطير فِي الشّرق سناها، ويغرس فِي العُدْوة القصوى شجرتها، فينال من في العُدْوة الدُّنْيَا جناها، فلا ترضى همَّته أن يعين الكفر الكفر، ولا يعين الْإِسْلَام الْإِسْلَام. واختُص بالاستعانة لأنّ العدوّ جاره، والجار أقدر عَلَى الجار، وأهل الْجَنَّة أَوْلى بقتال أَهْل النّار.
ولأنّه بحر والنّجدة بحريّة، ولا غرو أن تجيش البحار.
وأن يذكر ما فعل بوزبا وقراقوش فِي أطراف المغرب، فيعرّفه أنّهما ليسا من وجوه الأمراء، ولا منَ المعدودين فِي الطُّواشيَّة والأولياء، وإنّما كسدت سوقهما، وتبِعَهما ألفافٌ أمثالُهما. والعادة جارية أنّ العساكر إذ طالت ذيولها، وكثُرت جُمُوعها، خرج منها وانضاف إليها، فلا يظهر مديدها ولا نقصها.
__________
[1] في الأصل: «برجة» .(41/61)
ولا كَانَ هذان المملوكان مِمَّنْ إذا غاب أُحْضِر، ولا إذا ذهب افْتُقِد، ولا يُقّدَّر فِي أمثالهما أنّهما مِمَّنْ يستطيع نكاية، ولا يأتي بما يوجب شكوى من جناية.
ومعاذ اللَّه أن يأمر مفسدا يفسد فِي الأرض. واللَّه يوفّق الأمير، ويهدي دليله، ويسهِّل سبيله. وكتب فِي شعبان سنة ستٍّ وثمانين» .
وأمّا الكتاب إِلَى صاحب المغرب فعنوانه: «بلاغ إلى محلّ التّقوى الطّاهر منَ الذَّنْب، ومستقرّ حزب اللَّه الظّاهر منَ الغرب، أعلا اللَّه بِهِ كلمة الْإِيمَان، ورفع بِهِ منار الإحسان» .
وأوّله: بسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحيم.
الفقير إلى رحمة ربه يوسف بْن أيّوب.
أمّا بعد، فالحمد للَّه الماضي المشيّة، المُمْضي القضيّة، البَرُّ بالبريَّة، الحفيّ بالحنيفيَّة، الَّذِي استعمل عليها منَ استعمر بِهِ الأرض، وأغنى من أهلها من ماله القرض، وأنجد من أجرى عَلَى يده النّافلة والفَرْض، وصلّى اللَّه عَلَى مُحَمَّد الَّذِي أنزل عليه كتابا فِيهِ الشّفاء والتّبيان.
إلى أن قال: وهذه التّحيّة الطّيّبة وفادة عَلَى دار الملك، ومدار النُّسك، ومحلّ الجلالة، وأصل الأصالة، ورأس السّياسة، ونفس النّفاسة، وعلم العلم، وقائم الدّين وقيّمه، ومقدّم الْإِسْلَام ومقدّمه، ومثبت المتّقين عَلَى اليقين، ومُعْلي الموحّدين عَلَى الملحدين، أدام اللَّه لَهُ النُّصرة، وجَهَّز بِهِ العُسْرة، وبسط لَهُ باع القدرة. تحيّة استتر فيها الكتاب، واستنيب عَنْهَا الجواب، وحفز بها حافزان، أحدهما شوق قديم كَانَ مطل غيمه ممكنا إلى أن تتيسّر الأسباب، والآخر مُرام عظيم كرّه إذا استفتِحت بِهِ الأبواب. وكان وقت المواصلة وموسم المكاتبة عناءه بفتح بيت المقدس وعدّة منَ الثّغور، ولم تتأخّر المكاتبة إلّا لُيتِم اللَّه ما بدا من فضله، والمفتتح بيد اللَّه مُدُن وأمصار، وبلاد كبار وصغار، والباقي بيد الكُفْر مِنها أطرابُلُس، وصور، وأنطاكية، يسّر اللَّه أمرها بعد أن كسر اللَّه العدوّ الكسرة الّتي لَمْ يُجْبر بعدها، ولم يؤجر فتح هَذِهِ المُدُن الثّلاثة، إلّا أنّ فرع الكُفار بالشّام استصرخ بأصله،(41/62)
فأجابوهم رجالا وفرسانا، وزرافات ووحدانا، وبرّا وبحرا، ومركبا وظهرا، وسهلا ووعرا. وخرج كُلّ يلبّي دعوة بطرَكه، ولا يحتاج إلى عزمة ملكه.
ونزلوا عَلَى عكّا يمدّهم البحر بأمداده، ويصل إلى المقاتل ما يحتاجه من سلاحه وأزواده، وعدّتهم مائة ألف أو يزيدون، كلّما أفناهم القتْل أخلفتهم النّجدة.
قَالَ: واستمرَّ العدوّ يحاصر الثّغر محصورا مِنَّا أشدّ الحصر، لا يستطيع قتال الثّغر لأنّا من خلفه، ولا يستطيع الخروج إلينا خوفا من حتفه، ولا نستطيع الدّخول إِلَيْهِ لأنّه قَدْ سوّر وخندق، وحاجز من وراء الحجرات وأغلق. ولمّا خرج ملك الألمان بجيشه وعاد عَلَى رسم قديم إلى الشّام، فكان العَوْد لأُمَّة أحمد أَحْمَد. فظنّوا أَنَّهُ يزعجنا، فبعثنا إِلَيْهِ مَن تلقّاه بعسكرنا الشّماليّ، فسلك ذات الشّمال متوعّرا، وأظهر أَنَّهُ مريض. وكان أَبُوه الطّاغية قَدْ هلك فِي طريقه غرقا، وبقي ابنه المقدّم المؤخّر، وقائد الجميع المكسّر، وربّما وصلهم إلى ظاهر عكّا فِي البحر، تهيُّبًا أن يسلك البرّ، ولو سبق عساكرنا إلى عساكر الألمان قبل دخولها إلى أنطاكية لأخذوهم، ولكنّ للَّه المشيئة.
ولمّا كَانَتْ حضرة سلطان الْإِسْلَام، وقائد المجاهدين إلى دار السلام، أَولى من توجَّهَ إِلَيْهِ الْإِسْلَام بشكواه وبثّه، واستعان بِهِ عَلَى حماية نسْله وحَرْثه، وكانت مساعيه ومساعي سَلَفه فِي الجهاد الغُر المحجَّلة، الكاشفة لكلّ مُعْضِلة، والأخبار بِذَلِك سائرة، والآثار ظاهرة.
إلى أن قَالَ: وكان المتوقَّع من تلك الدّولة العالية، والعزمة العارية، مَعَ القدرة الوافية، والهمَّة المهديَّة الهادية، أن يمدّ غرب الْإِسْلَام المسلمين بأكثر ممّا أمدّ به غرب الكفّار الكافرين. فيملؤها عليهم جواري كالأعلام، ومُدُنًا فِي الحجّ كأَنَّها اللّيالي مقلعة بالأيّام، تطلع علينا آمالا، وعلى الكفر آجالا، وتردّنا إمّا جملة وإمّا أَرسالًا ولمّا استبطأت ظُنَّ أنّها قَدْ توقّفت عَلَى الاستدعاء، فصرّحنا بِهِ فِي هذه التّحيّة، وسُيِّر لحضور مجلسه الأطهر، ومحلّه(41/63)
الأنور، الأمير الأجلّ المجاهد شمس الدّين أَبُو الحَرَم عَبْد الرَّحْمَن بْن منقذ، الهديَّة إِلَيْهِ ختمة في ربعة، وثلاثمائة مثقال مسك، وستّمائة حبّة عنبر، عشرة منارهن بلسان مائة دِرْهَم، مائة فؤوس بأوتارها، عشرون سرجا، عشرون سيفا، سبعمائة سهم.
وكان دخوله عَلَى يعقوب فِي العشرين من ذِي الحجّة بمرّاكُش، فأقام سنة وعشرين يوما، وخرج وقدم الإسكندريّة فِي جُمادى الآخرة سنة ثمانٍ وثمانين، ولم يحصل الغرض، لأنّه عزَّ عَلَى يعقوب كونه لَمْ يُخَاطب بأمير المؤمنين.
وقد مدحه ابن منقذ بقصيدةٍ منها:
سأشكر بحرا ذا عبابٍ قطعته ... إلى بحر جود ما لنعماه ساحِلُ
إلى معدن التّقوى إلى كعبة الهدى ... إلى مَن سَمَت بالذِّكْر منه الأوائِلُ
وكان السّلطان صلاح الدّين قَدْ هُمْ بأن يكتب إِلَيْهِ بأمير المؤمنين، فكتب إلى السّلطان القاضي الفاضل يَقُولُ: «والمملوك لَيْسَ عِنْد المولى من أَهْل الاتّهام، والهديّة المغربيّة نجزت كَمَا أمر» . وكتب الكتاب عَلَى ما مثّل، وفخّم الوصف فوق العادة.
وعند وصول الأمير نجم الدّين فاوضته فِي أَنَّهُ لا يمكن إلّا التّعريض لا التّصريح بما وقع لَهُ أَنَّهُ لا تنجح الحاجة إلّا بِهِ من لفظة أمير المؤمنين، وأنّ الَّذِي أشاروا بهذا ما قَالُوا نقلا، ولا عرفوا مكاتبة المصريّين قديما. وآخر ما كتب فِي أيّام الصّالح بْن رُزّيك، فخوطب بِهِ أكبر أولاد عَبْد المؤمن ووليّ عهده بالأمير الأصيل النِّجار، الجسيم الفخار. وعادت الأجوبة إلى ابن رُزيك الَّذِي فِي أتباع مولانا مائة مثله، مترجمة بمعظِّم أمره، وملتزِم شكره. هَذَا والصّالح يتوقَّع أن يأخذ ابن عَبْد المؤمنَ البلاد من يديه، ما هُوَ أن يهرب مملوكان طريدان مِنَّا فيستوليان عَلَى أطراف بلاده، ويصل المشار إِلَيْهِ بالأمر من مَرّاكُش إلى القيروان، فيلقاهم فيُكسر مرّة ويتماسك أخرى. وأُعلم نجم الدّين بِذَلِك، فأمسك مقدار عشرة أيّام. ثُمَّ أنفذ نجم الدّين إِلَيْهِ عَلَى يد ابن(41/64)
الجليس بأنّ الهدية أُشير عليه بأنّ لا يستصحبها، وإن استصحبها تكون هديّة برسم مَن حواليه، وأنّ الكتاب لا يأخذه إلّا بتصريح أمير المؤمنين، وأنّ السّلطان- عزّ نصرُه- رسم بِذَلِك، والملك العادل بأن لا يسير إلا بِذَلِك، وأَنَّهُ إذا لقي القوم خاطبهم بهذه التّحيّة عَنِ السّلطان من لسانه، فأجابه المملوك بأنّ الخَطَّاب وحده يكفي، وطريق جحده ممكن، وإنّ الكتابة حجّة تقيّد اللّسان عَنِ الإنكار، فلا ينبغي. ومتى قُرِئت عَلَى منبر الغرب جُعِلنا خالعين شاقّين عصا المسلمين، مطيعين مَن لا تجوز طاعته، ويفتح باب يعجز موارده عَنِ الإصدار، بل تمضي وتكشف الأحوال، فإنْ رَأَيْت للقوم شَوْكة، ولنا زبدة، فِعدْهم بهذه المخاطبة، واجعل كلّما يأخذه ثمنا للوعد بها خاصّة، فامتنع وقَالَ: أَنَا أقضي أشغالي، وأتوجّه للإسكندريّة، وأنتظر جواب السّلطان.
وإلى أن أنجز أمر الموكب وأمر الرّكاب، فسيَّر المملوك النّسخة فَإِن وافقت فيتصدَّق المولى بترجمة يلصقها عَلَى ما كتبه المملوك، ويأمر نجم الدّين بتسلّم الكتاب، مَعَ أنّ ابن الجليس حدَّثه عَنْهُ أَنَّهُ ممتنع منَ السّفر إلّا بالمكاتبة بها. فأمّا الَّذِي يترجم بِهِ مولانا فيكون مثل الَّذِي يُدعى بِهِ عَلَى المنبر لمولانا، وَهُوَ الفقير إلى الله تَعَالَى يوسف بْن أيّوب. وَإِذَا كتب إليهم ابن رُزّيك منَ السّيّد الأجَلّ، الملك الصّالح، قُبح أن يكتب إِلَيْهِ مولانا الخادم. وهذا مبلغ رأي المملوك. وَقَدْ كتبت النّسخة، ولم يبق إلّا تلك اللّفظة، وليست كتابة المملوك لها شركا، والمملوك وعقبه مستجيرون باللَّه، ثُمَّ بالسّلطان من تعريضهم لكدر الحياة، ومعاداة مَن لا يُخفى عَنْهُ خبر، ولا تُقال بِهِ عَثْرَة. والكُتّاب الّذين يشتغلون بتبييض النّسخة موجودون، فينوبون عَنِ المملوك» .
ومن كتاب لَهُ رحِمَه اللَّه إلى السّلطان: «تبرَّمَ مولانا بكثرة المطالبات، لا أخلاه اللَّه منَ القُدْرَة عليها، وهنيئا لَهُ. فاللَّه تَعَالَى يطالبه بحفظ دينه، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطالبه بِحُسن الخلافة فِي أمّته، والسَّلَف يطالبونه بمباشرة ما لو حضروه لما زادوا عَلَى ما يفعله المولى، وأهل الحزب يطالبونه بالذّهب(41/65)
والفِضَّة والحديد، والرعيَّة تطالبه بالأمن فِي سربهم، والاستقامة فِي كسْبهم، والسّلامة فِي سُبُلهم، ونفسه الكريمة تطالبه بالجنَّة فهل عدم منَ اللَّه نُصرة؟ أم هَلِ استمرَّت بِهِ عُسْرة؟ أم هَلْ تمَّت لعدوِّه عليه كرَّة؟ هَلْ بات إلّا راجيا؟ أم أصبح إلّا راضيا» ؟.
إلى أن قَالَ: والمشهور أنّ ملك الألمان خرج فِي مائتي ألف، وأَنَّهُ الآن فِي دون خمسة آلاف.
قُلْتُ: وأُنبئِت عَنِ العماد الكاتب قال: ووصلت في مراكب ثلاثمائة إفرنجيَّة من ملاحِهِم الزَّوَاني قَدْ سَبَلْنَ أنفسهنّ لعسكر الفِرَنج تغرية لإسعاف الشّباب من كُلّ تائقة شائقة، مائقة رائقة، رامقة مارِقة، تميس كأَنَّها قضيب، وتزيّنت وعلى لبَّتها صليب، فَتَحْنَ أبواب الملاذّ، وسَبَلْنَ ما بَيْنَ الأفخاذ» .
[العفو عَنِ الملك طُغْرُل]
وَفِي المحرَّم خرجت جيوش بغداد، ومقدّمها نجاح الشّرابيّ إلى دَقُوقا لقتال الملك طُغْرُل، فدخل بعد أيّام ولد طُغْرُل، ابن سبْع سِنين، يطلب العفو لأبيه، فعفا عَنْهُ [1] .
[ولادة ابنين وبنتين فِي بطن واحد]
وأنبأنا ابن البُزُوريّ قَالَ: فِي ربيع الأوّل وُلدت امْرَأَة ابنين وبنتين فِي جوفٍ واحد.
[مقتل آلاف الفِرَنج أمام المصريين]
وَفِي جُمادى الآخرة فِي العشرين منه خرجت جيوش الفِرَنج من وراء خنادقهم، وحملوا عَلَى الملك العادل والمصريّين فالتقوهم، واشتدّ القتال، فتقهقر المصريّون، ودخل الفِرَنج خيامهم ونهبوها، فَكَرَّ المصريّون عليهم فقتلوهم بَيْنَ الخيام، وذهبت فرقة منَ المسلمين، فوقفت على فم الخندق
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 400، 401.(41/66)
تمنع من يَخْرُج مددا، وأخذت الفِرَنج السُّيُوفُ من كُلّ ناحيةٍ، فَقُتِلَ منهم مقتلة عظيمة فوق العشرة آلاف، وقيل ثمانية آلاف، وأقلّ ما قِيلَ خمسة آلاف.
وَقُتِلَ منَ المسلمين نحو عشرة أنفس فقط. وكان يوما مشهودا حاز فضله المصريّون.
[موت ملك الألمان]
وجاءت الأخبار منَ الغد بموت ملك الألمان [1] ، وبالوباء فِي أصحابه، وتباشر المسلمون، وفرحوا بنصر اللَّه، فجاءت الفِرَنج نجدةٌ كبيرة لَمْ تكن فِي حسْبانهم مَعَ ملكهم كنْدهري، وجاءتهم أموال كثيرة ومِيرة وأسلحة، فقويت نفوسهم.
[دخول بُطْسة المسلمين عكا]
وأنتنت منزلة المسلمين بريح القتلى، فانتقل صلاح الدّين، إلى الخَرُّوبة فِي السّابع والعشرين من جُمادى الآخرة، كَمَا انتقل عام أوّل. وقلَّت الأقوات بعكّا، فبعث السّلطان إلى متولّي بيروت فجهَّز بُطْسة [2] عظيمة، وألبس الرجال لُبس الفِرَنج، ورفعوا الصُّلْبان بالبطْسة، فوصلت إلى عكّا، فلم يشكّ الفِرَنج أنّها لهم، ولم يتعرّضوا لها، فَلَمَّا حاذت ميناءَ عكّا ودخلته ندمت الفِرَنج، وانتعش المسلمون [3] .
[خروج كمين المسلمين عَلَى الفِرَنج]
وَفِي شوّال خرجت الفِرَنج من وراء خنادقهم في أكمل أهبة وأكثر عدد،
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 403، الكامل 12/ 49، نهاية الأرب 28/ 424، النوادر السلطانية 123، 124، تاريخ ابن سباط 1/ 195.
[2] البطسة: البطشة. وجمعها: بطسات وبطس، وبطشات وبطش. قال في (محيط المحيط) إنها مأخوذة عن الإسبانية، ومعناها السفينة الكبيرة.
[3] الكامل 12/ 52، 53، مرآة الزمان 8/ 404، مفرّج الكروب 2/ حوادث 587 هـ.، النوادر السلطانية 129، تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 227، 228.(41/67)
فالتقاهم السّلطان فِي تعبئةٍ حسنة، فكان أولاده فِي القلب، وأخوه الملك العادل فِي الميمنة، وابن أَخِيهِ تقيّ الدّين عُمَر، وصاحب سِنْجار عماد الدّين فِي الميسرة.
واتّفق للسّلطان قولنج كَانَ يعتاده، فنُصبت لَهُ خيمة عَلَى تلّ، فرأى الفِرَنج ما لا قِبَل لهم بِهِ فتقهقروا.
قَالَ ابن الأثير [1] : لولا الألم الَّذِي حدث لصلاح الدّين لكانت هِيَ الفيصل، وإنّما للَّه أمر هُوَ بالِغُه. فَلَمَّا دخل الفِرَنج خندقهم، ولم يكن لهم بعدها ظهور منه، عاد المسلمون إلى خيامهم وَقَدْ قتلوا منَ الفِرَنج خلقا يومئذٍ.
إلّا أنّ فِي الثّالث والعشرين من شوال تعرَّض عسكر من المسلمين للفرنج، فخرج إليهم أربعمائة فارس فناوشوهم القتال وتطارحوا، فتبِعتهم الفِرَنج، فخرج كمين للمسلمين عليهم فلم يفلت منهم أحد.
[اشتداد الغلاء عَلَى الفِرَنج]
واشتدّ الغلاء عَلَى الفِرَنج، وجاء الشِّتَاء، وانقطعت مادّة البحر لتهيّجه، ولولا أنّ بعض الجهّال كانوا يجلبون إليهم الغلّات لأنّ الغرارة بلغت عندهم ألف دِرْهَم، لكانوا هلكوا جوعا [2] .
[تبديل عسكر عكا]
وأرسل أَهْل عكّا يشكون الضَّجَر والسّآمة، فأمر السّلطان بإخراجهم، وإقامة البَدَل، وكان ذَلِكَ من أسباب أخْذها. فأشار الجماعة عليه بأن يرسل اليهم النّفقات الواسعة والذّخائر، فإنّهم قَدْ تدرّبوا، واطمأنّت نفوسهم، فلم يفعل وتوهّم فيهم الضَّجَر، وأنّ ذَلِكَ يحملهم على العجز. وكان بها أَبُو الهيجا السّمين، فنزل الملك العادل تحت جبل حَيْفا، وجمع المراكب والشّواني، فكان يبعث فيها عسكرا، ويردّ عِوَضهم من عكّا فِي المراكب،
__________
[1] في الكامل 12/ 54.
[2] الكامل 12/ 54، 55.(41/68)
لكنْ كَانَ بها ستّون أميرا، فخرج أولئك، ودخل بدلهم عشرون أميرا، فكان ذَلِكَ منَ التّفريط أيضا. وتوانى أجناد صلاح الدّين، واتّكل عَلَى غيره.
وكان رأس الّذين دخلوا سيف الدّين عَلِي المشطوب، وكان دخولهم فِي أوّل سنة سبْع [1] وكان بها زهاء عشرين ألفا. ولم يَخْرُج قراقوش [2] .
[كسرة مراكب القوت عِنْد عكا]
وجهّز السّلطان لعكّا إقامة كبيرة وقوت سنة، ولكن كان البحر في هيجه، فتكسّرت عامّة المراكب [3] .
__________
[1] الكامل 12/ 55.
[2] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 242.
[3] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 243.(41/69)
سنة سبع وثمانين وخمسمائة
[استيلاء الفِرَنج عَلَى عكا]
دخلت وَقَدِ اشتدّت مضايقة الفِرَنج لعكّا، والقتال بينهم وبين السّلطان مستمرّ، وكلّ وقتٍ يأتيهم مَدَدٌ منَ البحر، فوصل ملك الإنكلتير [1] فِي جُمادى الأولى، وكان قَدْ دخل قبرص وغَدَرَ بصاحبها وتملّكها، ثُمَّ سار إلى عكّا فِي خمسٍ وعشرين قطعة مملوءة رجالا وأموالا، وكان رَجُل وقْته مكْرًا ودهاء، ورُميَ المسلمون منه بحجرٍ ثقيل. وعظم الخَطْب، وعملت الفِرَنج تلّا عظيما منَ التّراب لا تؤثّر فِيهِ النّار ولا غيرها، فنفعهم فِي القتال، وأوهن المسلمين خروجُ أميرين فِي اللّيل ركبوا فِي شينيّ ولحِقوا بالمسلمين، فضعُفَت الهِمَم ووجلت القلوب، وراسلوا صلاح الدّين، فبعث إليهم أن اخرجوا منَ البلد كلّكم عَلَى حمِية، وسيروا مَعَ البحر، واحملوا عليهم، وأنا أجيئهم منَ الجهة الأخرى وأكشف عنكم، وذَروا البلد بما فِيهِ. فشرعوا فِي هَذَا [2] ، فلم يتهيّأ لهم، ولا تمكّنوا منه، فَلَمَّا اشتدّ البلاء عَلَى أهل عكّا وضعُفت قلوبهم، وقلَّت مَنعتهم، ونُقبت بدنة منَ الباشورة، خرج الأمير سيف الدّين عَلِيّ بْن أَحْمَد المشطوب الهَكَّاري إلى ملك الفِرَنج وطلب الأمان، فأبى عليه إلّا أن ينزل عَلَى حكمه، فَقَالَ: نَحْنُ لا نسلّم البلد إلّا أن نُقتل بأجمعنا، ورجع مغاضبا.
فَلَمَّا كَانَ يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة زحف
__________
[1] في الأصل: «الانكثير» . والتصحيح من المصادر، وهو ملك الإنكليز.
[2] الكامل 12/ 66.(41/70)
الفِرَنج زحفا شديدا، وأشرفوا عَلَى أَخْذَ البلد، فطلب المسلمون منهم الأمان عَلَى أن يُسلِّموا إليهم عكّا، ومائتي ألف دينار، وألفا وخمسمائة أسير، ومائة أسير منَ الأعيان، وصليب الصَّلبوت. فوقع الأمان عَلَى ذَلِكَ، وأخذوا رهائن عَلَى تمام القطيعة، وملكوا عكّا. فَلَمَّا كَانَ فِي ثامن رجب جاءت رُسُلُهم لذلك، فأحضر السّلطان مائة ألف دينار، وصليب الصَّلَبُوت، والأسارى، فأبوا إلّا جميع المال، واختلف الأمر نحو شهر، ثُمَّ كمل لهم المال، وأحضر صليبهم، وكانوا قد ظنّوا أنّ السّلطان فرَّط فِيهِ، فَلَمَّا عاينوه خرّوا لَهُ سُجَّدًا.
ثُمَّ ظهر للسّلطان غدرهم ومكْرهم، فتوقَّف فِي مضاء المقرّر [1] .
[رواية ابن شدّاد]
قَالَ ابن شدّاد فِي «سيرة صلاح الدّين» [2] : «إنّ الّذين بعكّا بذلوا للفرنج البلد بما فِيهِ منَ السّلاح والآلات والمراكب، ومائتي ألف دينار، وخمسمائة أسير، ومائة أسير يقترحونهم معروفين، وصليب الصَّلَبُوت، عَلَى أن يخرجوا بأموالهم وأهلهم، ويعطوا للمركيس الَّذِي توسَّط بينهم أربعة آلاف دينار، فَلَمَّا وقف السّلطان عَلَى ذَلِكَ أنكره وعظُم عليه، وجمع أَهْل الرأي، واضطربت آراؤهم، وتقسَّم فكره، وعزم عَلَى أن يكتب تِلْكَ اللّيلة ينكر عليهم المصالحة، وبقي متردّدا، فلم يشعر إلّا وَقَدِ ارتفعت صلبان الكُفْر عَلَى البلد، ونارهم وشعارهم عَلَى السّور، وذلك ظُهْر يوم الجمعة سابع عشر من جُمادى الآخرة. وصاح الفرنج صيحة واحدة، وعظمت المصيبة على المسلمين،
__________
[1] انظر عن سقوط عكا في: الفتح القسّي 484- 530، والنوادر السلطانية 155- 175، والكامل 12/ 63- 68، وتاريخ الزمان 219، 220، وتاريخ مختصر الدول 222، والمغرب 167- 170، وزبدة الحلب 3/ 119، 120، ومفرّج الكروب 2/ 260- 268، والمختصر 3/ 79، والدرّ المطلوب 106- 109، ونهاية الأرب 28/ 432، 433، ومرآة الزمان 8/ 408، والعبر 4/ 261، ودول الإسلام 2/ 98، 99، وتاريخ ابن الوردي 2/ 103، والبداية والنهاية 12/ 341- 345، وتاريخ ابن خلدون 5/ 325، 326، والسلوك ج 1 ق 1/ 105، وشفاء القلوب 170، 171، والنجوم الزاهرة 6/ 44- 47، وتاريخ ابن سباط 1/ 196- 198، وتاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 13- 25.
[2] المسمّاة «النوادر السلطانية في المحاسن اليوسفية» 142.(41/71)
ووقع فيهم البكاء والنّحيب، فإنّا للَّه وإنّا إِلَيْهِ راجعون.
وخيَّمَ ملك الأنكتير [1] بيافا، وشرعوا فِي عمارتها. ثُمَّ راسل ملك الانكتير السّلطان فِي طلب الهدنة، فكانت الرسائل تتردَّد إلى الملك العادل، فتقرّرت القاعدة أنّ ملك الأنكتير يزوِّج أخته بالملك العادل، ويكون القدس وما بأيدي المسلمين من بلاد السّاحل للعادل، وتكون عكّا لأخت ملك الأنكتير مضافا إلى مملكةٍ كانت لها داخل البحر قَدْ ورثتها من زوجها.
وأجاب صلاح الدّين إلى ذَلِكَ، فاجتمع الرهبان والقِسِّيسون، وأنكروا عَلَى الملكة، ومنعوها منَ الإجابة. ثُمَّ إنّ الفِرَنج نوّهوا بقصد بيت المَقْدِس، فصاف صلاح الدّين إلى الرملة جريدة، وجرت بَيْنَ المسلمين وبين الفِرَنج عدّة [وقعات] صِغار فِي هَذِهِ الأيّام، فِي سائرها يكون الظَّفَر للمسلمين [2] . ثُمَّ دخل صلاح الدّين القدس لكثرة الأمطار، وتقدّمت الفِرَنج إلى النّطرون عَلَى قَصدْ بيت المَقْدِس. واشتدّ الأمر، وجرى بينهم وبين يَزَك المسلمين عدّة وقعات.
[تحصين القدس]
وجدّ صلاح الدّين فِي تحصين القدس بكلّ ممكن، حَتَّى كَانَ [يحمل] الحجارة عَلَى فرسه بنفسه، وممّا جرى أنّ ملك الأنكتير [3] ركب بالفرنج فِي البحر، فركب السّلطان فِي البرّ لقتالهم. فأحضر الفرنج جماعة من أسارى المسلمين، فقتلوهم صبرا، فحمل المسلمون عليهم وأزالوهم عَنْ مواقفهم، وقتلوا منهم جماعة، واستشهد منَ المسلمين جماعة. ثُمَّ انصرف السّلطان فِي المال المقرَّر، فَلَمَّا دخل شعبان زحفت الفرنج بخيلهم ورجلهم، فعرف
__________
[1] هكذا في الأصل، ومثله في (الفتح القسّي) . ويرد في المصادر: «ملك الإنكلتير» . و «ملك الإنكتار» ، و «ملك الإنكلتار» ، أي ملك أنكلترا. وهو «ريشارد قلب الأسد ابن هنري الثامن ملك الإنكليز» .
[2] تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 26.
[3] هكذا في الأصل.(41/72)
السّلطان أنّ قصدهم عسقلان، فرحل بالجيش، قبالتهم، وبقي يَزَكُ المسلمين يقاتلونهم فِي كُلّ مرحلة [1] .
[وقعة نهر القصب]
ثُمَّ كَانَتْ بينهم وبين السّلطان وقعة نهر القَصَب، استشهد فيها أياز [2] الطّويل وكان أحد الأبطال [3] .
ثُمَّ كَانَتْ وقعة أَرْسُوف، فكانت الدّبرة عَلَى الفِرَنج خذلهم اللَّه [4] .
[هدم عسقلان وتخريب الرملة ولُدّ]
ووصل السّلطان إلى عسقلان فأخلاها، وشرع فِي هدمها فِي أثناء شعبان.
ثُمَّ رحل إلى الرملة، فأمر بتخريب حصنها، وتخريب لُدّ، ثُمَّ مضى جريدة إلى القدس وأمّر وعاد [5] .
__________
[1] الكامل 12/ 69، 70، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 27، 28.
[2] في الأصل: «ياز» .
[3] الكامل 12/ 70، مرآة الزمان 8/ 409، دول الإسلام 2/ 99، شفاء القلوب 171، تاريخ ابن سباط 1/ 198، الإعلام والتبيين 41، نهاية الأرب 28/ 434، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 32.
[4] انظر عن وقعة أرسوف في:
الفتح القسّي 543- 545، والنوادر السلطانية 183- 185، والكامل في التاريخ 12/ 70، والمغرب 170، ومرآة الزمان 8/ 409، 410، ومفرّج الكروب 2/ 367، 368، ونهاية الأرب 12/ 345، وتاريخ ابن خلدون 5/ 326، والسلوك ج 1 ق 1/ 105، 106، وشفاء القلوب 171، وتاريخ ابن سباط 1/ 198، 7199 وتاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 32- 34.
[5] الفتح القسّي 550، 551، النوادر السلطانية 187- 189، الكامل في التاريخ 12/ 71، 72، مرآة الزمان 8/ 410، مفرّج الكروب 2/ 369، 370، زبدة الحلب 3/ 120، تاريخ الزمان 221، تاريخ مختصر الدول 222، 223، المختصر 3/ 79، نهاية الأرب 28/ 434، 435، الإعلام والتبيين 41، المغرب 171، الدرّ المطلوب 110، دول الإسلام 2/ 99، تاريخ ابن الوردي 2/ 103، البداية والنهاية 12/ 345، 346، تاريخ ابن خلدون 5/ 327، السلوك ج 1 ق 1/ 106، شفاء القلوب 172، تاريخ ابن سباط 1/ 199، 200، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 34- 36.(41/73)
[إقطاع الدينور للماهكي]
أَنْبَأَنَا ابن البُزُوريّ قَالَ: فِي ربيع الأوّل حضر عَبْد الوهَّاب الكرديّ السّارق قلعة الماهكيّ مصفَّدًا بالحديد، فرحمه الخليفة وخلع عليه وأُعطي كوسات وأعلاما، وأُقطع الدِّينَوَر.
[أستاذ داريّة الخلافة]
وَفِي جُمادى الأولى عُزِل عَنِ استاذ داريّة الخلافة عَلِيّ بْن بختيار وولي جلال الدّين عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس.
[السعي من تكريت إلى بغداد فِي يوم]
وَفِي جُمادى الآخرة عدا بركة السّاعي من تكريت إلى بغداد فِي يومٍ ولم يُسبق إلى هَذَا، وحصل لَهُ خِلَع ومال طائل [1] .
[جاثليق النَّصارى]
وَفِيه رُتِّب الْمَوْصِلِيّ النَّصْراني جاثليق النَّصارى، وخُلِع عليه بدار الوزارة، وقُرئ عهده فِي كنيسة درب دينار.
[خروج عسكر الخليفة إلى خوزستان]
وَفِي شوّال خرج العسكر الخليفيّ مع مؤيّد الدّين ابن القصّاب نائب الوزارة، وعزّ الدّين نجاح الشّرابيّ إلى بلاد خوزستان، ورجعوا فِي ذِي الحجّة.
[إحراق السَّهْرُوَرْديّ الساحر]
وفيها ظهر بحلب الشّهاب السَّهْرُوَرْديّ الفيلسوف السّاحر. وكان فقيها واعظا، ملعون الاعتقاد، بارعا فِي علوم الأوائل، خبيرا بالسّيمياء، فعقد
__________
[1] سيأتي له خبر آخر في حوادث سنة 593 هـ. وهو في: اللمعات البرقية في النكات التاريخية لابن طولون 54.(41/74)
صاحب حلب الملك الظّاهر لَهُ مجلسا، فأفتوا بكُفْره، فحُبس فِي هَذِهِ السّنة ثُمَّ أُحرِق بعد أن مِيت جوعا [1] .
[تراجع الفِرَنج إلى الرملة]
وفيها، فِي آخرها، تأخّر الفِرَنج إلى الرملة لِقلة الميرة عليهم. وقَالَ ملك الانكتار [2] لمن معه: إنّي ما رَأَيْت القدس، فصوّروها لي. فرأى الوادي يحيط بها ما عدا موضع يسير من جهة الشّمال. فَقَالَ: هَذِهِ مدينة لا يمكن حصرها مَعَ وجود صلاح الدّين، ومع اجتماع كلمة المسلمين [3] .
[انتحار تاجر حلبي]
وفيها، قَالَ لنا ابن البُزُوريّ فِي مُذَيَّلة: قدِم بغداد تاجر حلبيّ بمالٍ طائل، فعشق واحدة فأنفق عليها ماله حَتَّى أفلس، ولم يَبْق يقدر عليها، ولا لَهُ صبر عَنْهَا، فدخل عليها فضربها بسِكّينٍ، وضرب نفسه فمات. وأمّا هي فخِيط جرحُها وعاشت.
[حجّ طاشتكين]
وحجَّ بالنّاس من بغداد طاشتِكِين عَلَى عادته [4] .
__________
[1] انظر عن السهروردي في: معجم الأدباء 19/ 314، وعيون الأنباء 2/ 167، ووفيات الأعيان 6/ 268- 274، والمختصر 3/ 1.، والعبر 4/ 290، وسير أعلام النبلاء 21/ 207- 211 رقم 102، ودول الإسلام 2/ 99، وتاريخ ابن الوردي 2/ 104، ومرآة الجنان 3/ 434، والعسجد المسبوك 213، والفلاكة والمفلوكين 67، ومفتاح السعادة 1/ 240، 241، والنجوم الزاهرة 6/ 114، وتاريخ ابن سباط 1/ 202، 203، وشذرات الذهب 4/ 290.
[2] هكذا في الأصل. وقد تقدّم «الإنكتير» .
[3] النوادر السلطانية 189، الفتح القسّي 551، الكامل في التاريخ 12/ 74، 75، مرآة الزمان 8/ 411، مفرّج الكروب 2/ 370، تاريخ ابن سباط 1/ 200.
[4] مرآة الزمان 8/ 411.(41/75)
[إمارة مكة]
وفيها أَخَذَ دَاوُد أمير مكّة ما فِي الكعبة منَ الأموال وطَوْقًا كَانَ يمسك الحجر الأسود لتشعُّثه، إذ ضربه ذاك الباطنيّ بعد الأربعمائة بالدّبّوس. فَلَمَّا قدِم الركْبُ عزل أمير الحاجّ دَاوُد، وولى أخاه مكثرا، وهما ابنا عِيسَى بْن فُلَيْتَة بْن قاسم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي هاشم الحَسَنيّ. فأقام دَاوُد بثجله إلى أن تُوُفّي فِي رجب سنة تسعٍ وثمانين وهو وآباؤه الخمسة أمراء مكّة [1] .
__________
[1] البداية والنهاية 12/ 346.(41/76)
سنة ثمان وثمانين وخمسمائة
[استتابة ابن عَبْد القادر]
قَالَ ابن البُزُوريّ: فِي صَفَر كُفَّت يد عَبْد الوهَّاب بْن الشَّيْخ عَبْد القادر عَنْ وقف الجهة الإخلاطيّة سلجق خاتون. ووجد عِنْد ابنه عَبْد السّلام كُتُب بخطّ والده عَبْد الوهَّاب فيها يتخيَّر الكواكب، فَسُئل: هَلْ هِيَ بخطّك؟ فأقرّ، فأفتوا بقلّة دينه، وأنّ الكاتب لها والقارئ لها مخطئ، ومُعْتِقدَها كافر. وعُرِضت الفتاوى عَلَى الخليفة فاستُتِيب. وأُحْرِقت الكتُب فِي محفل. وكان فيها أنْ لا مدبِّر للعالم سوى الكواكب، وأنّها هي الرّزّاقة. ووهت حرمة بني عبد القادر، وأُخرجوا عَنْ مدرستهم، وسُلِّمتْ إلى ابن الجوزيّ [1] .
[عزل قاضي القضاة]
وفيها عُزِل قاضي القُضاة الْعَبَّاسيّ لأنّه حكم فِي كتابٍ زوّره حاجبه أَبُو جَعْفَر وابن الحرّانيّ.
[ترسُّل السَّهْرُوَرْديّ]
وفيها نفذ شهاب الدّين السَّهْرُوَرْديّ رسولا إلى زعيم خِلاط بكتمر.
[حبْس أمير الحاج طاشتِكِين]
وَفِي رجب عُقِد مجلس بدار أستاذ دار الخليفة، وأحضر أمير الحاجّ مُجِير الدّين طاشتِكِين متولي الحِلَّة، ثُمَّ أُخرج مكتوب فِيهِ الخادم طاشتكين
__________
[1] انظر: مرآة الزمان 8/ 415.(41/77)
يخدم السّلطان ويقول: أَنَا مشدود بواسط فِي خدمتكم، وهذا وقتكم، والبلاد خالية، فإذا هادنت الفِرَنج وعدت إلى الشّام فأنا أتولّى الخدمة. وَقَدْ توّج المكتوب بالقلم الشّريف. إنّا ما أَنْبَأَنَا إلى طاشتِكِين قطّ وله حقوق، غير أنّ باطنه رَوَى ما يخبئه. فأنكر طاشتِكِين، وزعم أنّ هَذَا الخطّ لا يعرفه. فشهد عليه جماعة مِمَّنْ تختصّ بِهِ وكذَّبوه. فحُبِس، وكان لَهُ إلى هَذِهِ السّنة تسع عشرة حَجة. ووُلي إيليا إمرة الحاجّ [1] .
[بناء دار الخلافة]
وبنى الخليفة دارا هائلة مزخرفة فِي بستانها منَ الطّير والوحش ما يبهت الرّائي. فَلَمَّا فرغت وهبها لولده أَبِي نصر مُحَمَّد.
[عمارة الفِرَنج عسقلان]
وفيها فِي المحرَّم، أعني سنة ثمانٍ، نزل الفِرَنج بعسقلان وهي خراب، فأخذوا فِي عمارتها [2] .
[قَتْلُ المركيس صاحب صور]
وَفِي ربيع الآخر قُتِلَ المركيس صاحب صور، وكان من شياطين الفِرَنج، قدِم منَ البحر فِي مركبٍ عالٍ وتجارة أيّام فتح بيت المَقْدِس، فدخل صور وأهلها فِي هَرَج ومرج، وليس لهم رأس، فملّكوه عليهم، فقام بأمرهم أتمّ قيام، وضبط البلد وحصَّنها، وحاصرهم صلاح الدّين مدّة بعد فتح بيت المَقْدِس فلم يقدر عليهم، فجرّد عَلَى البلد من يضيِّق عليهم ورحل.
وكان المركيس أحد من بالغ فِي حصار عكّا. وكان سبب قتله أنّ سِنانًا مقدّم الإسماعيليّة بعث إِلَيْهِ صلاح الدّين أن يرسل من يقتل ملك الإنكتار،
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 415، الكامل 12/ 93، 94، البداية والنهاية 12/ 352.
[2] الفتح القسّي 583، الكامل في التاريخ 12/ 78، تاريخ الزمان 223، تاريخ مختصر الدول 223، المختصر في أخبار البشر 3/ 82، تاريخ ابن الوردي 2/ 105، تاريخ ابن خلدون 5/ 328، العسجد المسبوك 216، السلوك ج 1 ق 1/ 108، تاريخ ابن سباط 1/ 203، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 58.(41/78)
وإنْ قُتِلَ المركيس فَلَه عشرة آلاف دينار. فأرسل رجلين فِي زيّ الرهبان، فاتّصلا بصاحب صيدا، فأظهرا العبادة، فأنِس بهما المركيس، ووثق لهما فقتلاه، وقُتِلا معه [1] .
[تملُّك كندهري صور]
وتملَّك صور بعده كنْدهري ابن أخت ملك الإنكتار، فبقي إلى سنة أربع وتسعين، فسقط من سطح ومات [2] . وكان لمّا رحل خاله إلى بلاده أرسل يستعطف صلاح الدّين ويطلب منه خِلْعةً وقَالَ: أَنْت تعلم أنّ لبس القباء والشَّرَبُوش عندنا عَيب، وأنا ألبسهما منك محبّة فيك. فنفذ إِلَيْهِ خِلْعةً سَنِيَّة بشَرَبُوش، فلبسها بعكّا [3] .
[انتهاب البصرة]
وفيها فِي صَفَر نهبت بنو عامر البصرة. تجمّعوا مَعَ أميرهم عميرة، وكان بها أمير فحاربهم، فلم يقولهم، وَقُتِلَ جماعة، ودخلوها وفعلوا كُلّ قبيح، وذهبت أمتعة النّاس [4] .
__________
[1] انظر عن قتل المركيس صاحب صور في: الفتح القسّي 589، 590، والكامل في التاريخ 12/ 78، 79، وتاريخ الزمان 223، ومرآة الزمان 8/ 420، والروضتين 2/ 196، والمختصر 3/ 82، وتاريخ ابن الوردي 2/ 105، والبداية والنهاية 12/ 348، وتاريخ ابن خلدون 5/ 328، وتاريخ ابن سباط 1/ 203، وتاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 63، 64، ومفرّج الكروب 2/ 383.
[2] تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 64، 65.
[3] النوادر السلطانية 234، الفتح القسّي 603- 605، الكامل في التاريخ 12/ 85، 86، تاريخ مختصر الدول 223، تاريخ الزمان 224، مفرّج الكروب 2/ 394، زبدة الحلب 3/ 122، مرآة الزمان 8/ 421، المختصر 3/ 82، الدرّ المطلوب 111، دول الإسلام 2/ 100، تاريخ ابن الوردي 2/ 105، البداية والنهاية 12/ 350، تاريخ ابن خلدون 5/ 329، 330، صبح الأعشى 5/ 375، السلوك ج 1 ق 1/ 110، العسجد المسبوك 217، النجوم الزاهرة 6/ 47، 48، تاريخ ابن سباط 1/ 204.
[4] الكامل 12/ 80.(41/79)
[انصباب البلاء عَلَى الفِرَنج]
وفيها فِي جُمادى الأولى استولت الفِرَنج عَلَى حصن الدّاروم، ثُمَّ ساروا حَتَّى بَقُوا عَلَى فرسَخَين منَ القدس، فصبّ المسلمون عليهم البلاء، وتابعوا إرسال السّرايا، وبُليَ الفِرَنج منهم بداهيةٍ، فرجعوا وتخطّفهم المسلمون [1] .
[غزو الهند وقتل ملكها]
وكان شهاب الدّين الغُوريّ غزا الهند فِي سنة ثلاثٍ وثمانين فانهزم، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ السّنة خرج من غزْنَة بجيوشه، وقصد عدوّه، فتجهَّز الكافر ملك الهند وسار نحوه، فلمّا قاربه تقهقر شهاب الدّين، وتبِعه ملك الهند إلى أن قارب ملك المسلمين، فندب شهاب الدّين شطر جيشه، فداروا فِي اللّيل حَتَّى صاروا من وراء الهنود، وحمل منَ الغد هُوَ من بَيْنَ أيديهم وأولئك من خلفهم، وكثُر القتل فِي الهنود، وأُسِر ملكهم فِي خلْقٍ من جُنْده، وغنم المسلمون ما لا يوصف. ومن ذَلِكَ أربعة عشر فيلا، فَقَالَ ملك الهند: إن كُنْت طالبا [2] بلادنا فَمَا بقي بها من يحفظها، وإنْ كُنْت طَالِب مالٍ فعندي أموال تحمل منها جمالك كلّها.
فسار شهاب الدّين، وَهُوَ معه، إلى قلعته واسمها جهير [3] ، فتملّكها شهاب الدّين وتملّك جميع نواحيها، وأقطع الجميع لمملوكه قُطْب الدّين أيْبك. وَقُتِلَ ملك الهند ورجع إلى غَزْنَة مؤيَّدًا منصورا [4] .
[كسرة المسلِمين]
وكان عسكر مصر قَدْ خرجوا للغزاة فأقاموا ببلبيس حتّى اجتمعت إليهم
__________
[1] الكامل 12/ 81، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 65.
و «الداروم» : قلعة بعد غزّة للقاصد إلى مصر، الواقف فيها يرى البحر، إلّا أن بينها وبين البحر مقدار فرسخ. (معجم البلدان 25/ 525) .
[2] في الأصل: «طالب» .
[3] في الكامل: «أجمير» ، وفي نسخة «حمير» وفي أخرى «احمير» .
[4] الكامل 12/ 91- 93، المختصر 3/ 85، البداية والنهاية 12/ 352.(41/80)
القوافل، وساروا فِي اللّيل، فتهيَّأت الفِرَنج لكبْسهم وكمنوا لهم، ثُمَّ بيَّتوهم بأرض الحسا. فطاف الإنكتير حول القَفَل فِي صورة بدويّ، فرآهم ساكنين، فكبسهم فِي السَّحر بخيله ورَجْله، فكان الشّجاع من نجا بنفسه. وكانت وقعة شنعاء لَمْ يُصب النّاس بمِثلها فِي هَذِهِ السّنين. وتبدَّد النّاس فِي البريَّة وهلكوا، وحازت الفِرَنج أموالا وأمتعة لا تحصى، وأسروا خمسمائة نفس، ونحو ثلاثة آلاف جَمَلٍ محمّلة، فقويت نفوس الملاعين بالظَّفَر والغنائم، وعزموا عَلَى قصد القدس [1] .
[المشورة فِي أمر القدس]
وسار كنْدهري إلى صور، وطرابُلُس، وعكّا يستنفر النّاس، فهيَّأ السّلطان القدس وحصَّنها للحصار، وأفسد المياه الّتي بظاهر القدس كلّها، وجمع الأمراء للمشورة، فَقَالَ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد [2] : فأمرني أن أحثّهم عَلَى الجهاد، فَذَكَرَتْ ما يسَّر اللَّه تَعَالَى، وقلت: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اشتد بِهِ الأمر بايع الصّحابة عَلَى الموت، ونحن أول من تأسّى بِهِ، نجتمع عِنْد الصَّخرة، ونتحالف عَلَى الموت. فوافقوا عَلَى ذَلِكَ. وسكت السّلطان طويلا، والنّاس كَأَنّ عَلَى رءوسهم الطّير، ثُمَّ قَالَ: الحمد للَّه والصّلاة على رسول الله. اعلموا أنّكم جُنْد الْإِسْلَام اليوم ومَنعته، وأنتم تعلمون أنّ دماء المسلمين وأموالهم وذراريهم متعلّقة فِي ذمَّتكم [3] . وإنّ هَذَا العدوّ لَيْسَ لَهُ مَن يلقاه غيركم، فلو لوَيْتم أَعِنَّتكم، والعياذ باللَّه، طوى البلاد، وكان هَذَا من ذمّتكم، فإنّكم أنتم الّذين تصدَّيْتم لهذا، وأكلتم بيت مال المسلمين لحفْظ حَوْزتهم.
فانتدب جوابه سيف الدّين المشطوب وقَالَ: نَحْنُ مماليكك وعبيدك، وأنت الَّذِي أنعمت علينا وعظَّمتنا [4] ، وليس لنا إلّا رقابنا، وهي بين يديك،
__________
[1] الكامل 12/ 82، مفرّج الكروب 2/ 284، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 66- 68.
[2] في النوادر السلطانية، وعنه ينقل ابن الفرات في تاريخه 4/ 2/ 69.
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 69 «في ذممكم» .
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 69 «وأعنتنا» .(41/81)
واللَّه ما يرجع أحدٌ منَّا عَنْ نُصرتك إلى أن تموت [1] .
فَقَالَ الجماعة مثل ما قَالَ، فانبسطت نفس السّلطان وأطعمهم، ثُمَّ انصرفوا.
فَلَمَّا كَانَ عشاء الآخرة اجتمعنا فِي خدمته عَلَى العادة وسَمَرْنا وَهُوَ غير منبِسط. ثُمَّ صلّينا العشاء، وكانت الصَّلاة هِيَ الدُّستور العامّ، فصلّينا وأخذنا فِي الانصراف فاستدعاني وقَالَ: أَعَلِمتَ ما تجدَّد؟ قُلْتُ: لا.
قَالَ: قَالَ إنّ أَبَا الهيجا السّمين تقدَّم إليّ اليوم وقَالَ: اجتمع اليوم عنده الأمراء، وأنكروا موافقتنا عَلَى الحصار، وقالوا لا مصلحة فِي ذَلِكَ، فإنّا نُحصَر ويجري علينا ما جرى عَلَى أَهْل عكّا، وعند ذَلِكَ تؤخذ بلاد الْإِسْلَام أجمع. والرأي أنْ نعمل [2] مُصَافًّا، فإنْ هزمْناهم مَلَكْنا بقيّة بلادهم، وإنْ تكن الأخرى سلِم العسكر وذهب [3] القدس. وَقَدِ انحفظت بلاد الْإِسْلَام وعساكرها مدّة بغير القدس.
وكان السّلطان رحِمَه اللَّه عنده منَ القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال، فشقَّت عليه هَذِهِ الرسالة.
وقمت تِلْكَ اللّيلة فِي خدمته إلى الصّباح، وهي منَ اللّيالي الّتي أحياها فِي سبيل اللَّه.
وكان ممّا قالوه فِي الرسالة: «إنّك إنْ أردتنا أن نقيم بالقدس فتكون أَنْت معنا أَوْ بعض أهلك، فالأكراد لا يدينون للأتراك، ولا الأتراك يدينون للأكراد» .
فانفصل الحال عَلَى أن يضمّ من أهله الملك الأمجد صاحب بِعْلَبَكّ.
وكان رحِمَه اللَّه يحدِّث نفسه بالمُقام، ثُمَّ امتنع من ذلك لما فيه من
__________
[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 69 «يموت» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 70 «أن نلقي» .
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 70 «ومضى» .(41/82)
خطر للإسلام، فَلَمَّا صلّينا الصُّبح قُلْتُ لَهُ: ينبغي أن ترجع إلى اللَّه تَعَالَى، وهذا يوم جمعة، وفيه دعوة مُستجابة، ونحن فِي أَبْرك موضع. فالسّلطان يغتسل الجمعة ويتصدَّق بشيء سرّا [1] ، وتصلّي بَيْنَ [2] الأذان والإقامة ركعتين تناجي فيهما ربَّك، وتفوِّض مقاليد أمورك إِلَيْهِ، وتعترف بعجْزك عمّا تصدَّيْت لَهُ، فلعلّه يرحمك ويستجيب لك.
وكان رحِمَه اللَّه حَسَن الاعتقاد، تامّ الْإِيمَان، يتلقّى الأمور الشرعيَّة بأحسن انقياد [3] .
فَلَمَّا كَانَ وقت الجمعة صلّيت إلى جانبه فِي الأقصى، وصلّى ركعتين، ورأيته ساجدا ودموعه تتقاطر [4] .
ثُمَّ انقضت الجمعة. فَلَمَّا كَانَ العشِيّ وصلت رقعة من عزّ الدّين جرديك، وكان فِي اليَزَك، يَقُولُ فيها: إنّ القوم قَدْ ركبوا بأسرهم، ووقفوا فِي البرّ عَلَى ظهر، ثُمَّ عادوا إلى خيامهم، وَقَدْ سيّرنا جواسيس تكشف [أخبارهم] [5] .
ولمّا كَانَ منَ الغد يوم السّبت، وَهُوَ الحادي والعشرين من جُمادى الآخرة، وصلت رقعةٌ أخرى تُخْبر أنّ الجواسيس رجعوا، وأخبروا أنّ القوم اختلفوا فِي الصُّعود إلى القدس أَوِ الرحيل إلى بلادهم، فذهب الفرنسيسة إلى الصّعود إلى القدس وقالوا: إنّما جئنا بسببه فلا نرجع [6] . وقَالَ الأنكتير إنّ هَذَا الموضع قَدْ أُفسِدت مياهُه ولم يبق حوله ماء [7] ، فمن أين نشرب؟ قالوا:
__________
[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 «خفية» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 «من» .
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 «بأكمل انقياد ومثول» .
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 زيادة: «على مصلّاه» .
[5] إضافة على الأصل من: تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71.
[6] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 «إنما جئنا من بلادنا بسبب القدس ولا نرجع دونه» .
[7] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 زيادة: «أصلا» .(41/83)
نشرب من نهر نقوع، وَهُوَ عَلَى فرس منَ القدس، فَقِيل [1] : كيف نذهب إِلَيْهِ؟ قَالُوا: قسم يذهب إلى السَّقْيِ، وقسم يبقى عَلَى البلد، فَقَالَ: إذا يأخذ العسكر البرّانيّ الَّذِي لهم منَ الَّذِي يذهب مَعَ الدّوابّ، ويخرج عسكر البلد عَلَى الباقين [2] .
فانفصل الحال عَلَى أنّهم حكّموا ثلاثمائة من أعيانهم، وحكّم الثّلاثمائة اثني عشر منهم، وحكَم الاثنا عشر ثلاثة منهم، وَقَدْ باتوا عَلَى حكم الثّلاثة.
فَلَمَّا أصبحوا حَكَموا عليهم بالرحيل، فلم يمكنهم المخالفة، فرحلوا ليومهم، وَهُوَ يوم السّبت المذكور، نحو الرملة، ناكصين عَلَى أعقابهم.
ثُمَّ نزلوا الرملة، وتواتر الخبر بِذَلِك إلى السّلطان، وكان يوم فرحٍ وسرور.
ثُمَّ ورد رسول الأنكتير فِي الصُّلْح يَقُولُ: قَدْ هلكنا نَحْنُ وأنتم، والأصلح حَقْن [3] الدّماء، ولا تغترّ بتأخيري عَنْ منزلتي، فالكبش يتأخَّر لينطح. وهذا ابن اختي كنْدهري قَدْ ملَّكْته هَذِهِ الدّيار، وسلّمته إليك يكون بحكمك [4] . وإنّ جماعة منَ الرُّهْبان قَدْ طلبوا منك كنائس، فَمَا بخلت بها عليهم، وأنا أطلب منك كنيسة فِي القدس، وأنا أرسلتك [5] بِهِ مَعَ الملك العادل قَدْ تركته، يعني من طلبه القدس وغيرها، ولو أعطيتني قرية أَوْ مقرعة [6] لقبِلْتها [7] .
فاستشار السّلطان الأمراء، فأشاروا بالصّلح لما بهم من الضّجر والتّعب
__________
[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 «فقال» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 زيادة: «ويذهب دين النصرانية» .
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 «نحقن» .
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «يكون وعسكره بحكمك» .
[5] كذا في الأصل، والصحيح «راسلتك» .
[6] هكذا في الأصل، وأيضا في أصل تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 انظر الحاشية رقم 279 وأثبتها محقّقه في المتن: «مزرعة» .
[7] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «قبلتها وقبلتها» .(41/84)
وعلاهم منَ الدّيون. فاستقرّ الحال أنّ الجواب ما جزاء الإحسان إلّا الإحسان، وابن أختك يكون [1] كبعض أولادي، وسيبلغك ما أفعل بِهِ [2] ، وأنا أعطيك أكبر الكنائس، وهي القيامة [3] ، والبلاد الّتي بيدك بيدك، وما بأيدينا منَ القِلاع الجبليّة يكون لنا، وما بَيْنَ العملَين مناصفة، وعسقلان وما وراءها يكون خرابا.
فانفصل الرَّسُول طيّب القلب. ثُمَّ ورد رسوله يَقُولُ [4] أن يكون لنا فِي القدس عشرون نفرا، وإنّ من سَكَن منَ النَّصارى والفِرَنج فِي القدس لا يُتعرَّض لهم، وأمّا بقية البلاد [فلنا منها الساحليات والوطاة، والبلاد الجبلية تكون لكم] [5] . فأجابه السّلطان بأنّ القدس لَيْسَ لكم فِيهِ سوى [6] الزّيارة.
فَقَالَ الرَّسُول: وليس عَلَى الزّوّار شيء؟ [7] فَقَالَ السّلطان: نعم.
وأطلق لهم بلاد عسقلان يزرعونها، وأن تكون قرى الدّاروم مناصفة [8] .
[عمارة سور القدس]
وفيها قسّم السّلطان صلاح الدّين عمارة سور بيت المَقْدِس عَلَى أَخِيهِ وأولاد أَخِيهِ. ولم يزل مُجِدًّا فِي عمارتها حَتَّى ارتفعت [9] .
__________
[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «يكون عندي» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «ما أفعل في حقه من الخير» .
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «القمامة» .
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «يطلب» .
[5] ما بين الحاصرتين إضافة على الأصل من تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 وفيه زيادة أخرى.
[6] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 74 «ليس لكم فيه حديث سوى» .
[7] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 74 زيادة: «يؤخذ منهم» .
[8] في تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 69- 74.
[9] انظر عن عمارة سور القدس في: الفتح القسّي 610، والكامل في التاريخ 12/ 86، 87، ونهاية الأرب 28/ 435، والمختصر 3/ 83، وتاريخ ابن الوردي 2/ 105، والبداية والنهاية 12/ 351، وتاريخ ابن خلدون 5/ 230، والعسجد المسبوك 218، وشفاء القلوب 177، وتاريخ ابن سباط 1/ 205، وتاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 42، ومفرّج الكروب 2/ 375، 376.(41/85)
[موت ابن المشطوب]
وفيها كَانَ خلاص سيف الدّين عَلَى بْن المشطوب أمير عكّا منَ الأسر عَلَى مالٍ قرَّره. ثُمَّ مات فِي آخر شوّال. فعيّن السّلطان ثُلث نابلس لمصالح بيت المَقْدِس وباقيها للأمير عماد الدّين أَحْمَد ابن المرحوم سيف الدّين المشطوب [1] .
[أَخَذَ الفِرَنج للداروم]
وفيها نازل الفِرَنج قلعة الدّاروم وافتتحوها بالسّيف [2] . ثُمَّ كَانَتْ وقعات بينهم وبين المسلمين كلّها للمسلمين عليهم، إلّا وقعة واحدة كَانَ العادل أخو السّلطان مقدّمها ودهمهم [3] العدوّ فهزموهم.
[فتح يافا وقلعتها]
وفيها نزل السّلطان عَلَى يافا وأخذها بالسّيف، وأخذ القلعة بالأمان [4] ، ثمّ طوّلوا ساعات الانتقال وأَمْهلوا وسوَّفوا، حَتَّى جاءهم ملك الأنكتير نجدة فِي البحر بغتة، ودخل القلعة وغدروا، فأسر السّلطان من كَانَ قَدْ خرج منهم، وسار إلى الرملة [5] .
[الهدنة بَيْنَ السلطان والفِرَنج]
ثُمَّ وقعت الهدنة بينه وبين الفِرَنج مدّة ثلاث سِنين وثمانية أشهر، وَجَعَل لهم من يافا إلى قَيْساريَّة إلى عكّا، إلى صور. وأدخلوا فِي الصّلح طرابُلُس، وأنطاكية، واستعاد منهم الدّاروم [6] ، ودخل فِي هَذَا الصّلح وَهُوَ كارْهٌ يأكل يديه منَ الحنق والغَيظ ولكنّه عجز وكثُرت عليه الفِرَنج. وكُتِب كتاب الصّلح
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 420، مفرّج الكروب 2/ 410، الروضتين 2/ 209، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 92.
[2] الكامل 12/ 81.
[3] في الأصل: «دمهم» وهو سهو من الناسخ.
[4] الكامل 12/ 81 و 84، النوادر السلطانية 222، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 75- 81 و 85.
[5] الكامل 12/ 84، 85، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 85.
[6] تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 85.(41/86)
بَيْنَ الملَّتَيْن فِي الثّاني والعشرين من شعبان. ووقعت الأَيْمان والمواثيق عَلَى ذَلِكَ منَ الفريقين، ونوديَ بِذَلِك.
وكان فِي جملة من حضر عِنْد صلاح الدّين صاحب الرملة، فَقَالَ لصلاح الدّين: ما عمل أحدُ ما عملت، إننا أحصينا من خرج إلينا فِي البحر منَ المقاتلة فكانوا ستّمائة ألف رَجُل ما عاد منهم إلى بلادهم من كُلّ عشرة واحد [1] ، بعضهم قُتِلوا [2] ، وبعضهم مات، وبعضهم غرق. وأذِن صلاح الدّين فِي زيارة القدس للفرنج، وتردَّدت الرُّسل بَيْنَ السّلطان وبين الفِرَنج [3] .
[امتناع جُند السلطان عن القتال]
ثمّ سار فنزل بالعوجاء، وبلغه أنّ الأنكتير بظاهر يافا فِي نفرٍ يسير، فساق ليكبسه، فأتى فوجد نحو عشر خيم، فحمل السّلطان عليهم، فثبتوا ولم يتحرَّكوا، وكشّروا عَنْ أنياب الحرب، فارتاع عسكر السّلطان وهابوهم، وداروا حولهم حلقة. وكانت عدّة الخيل سبعة عشر، والرجّالة ثلاثمائة.
فوجَدَ السّلطان من ذَلِكَ وتألَّم، ودار عَلَى جُنْده ينخّيهم عَلَى الحملة، فلم يُجِب دعاءه سوى ولده الملك الظّاهر. وقَالَ للسّلطان الجناح أخو سيف الدّين المشطوب: قل لغلمانك الّذين ضربوا النّاس يوم فتح يافا وأخذوا منهم الغنيمة يحملون. وكان فِي نفوس العسكر غَيْظ عَلَى السّلطان حيث فوَّتهم الغنيمة. فغضب السّلطان وأعرض عن القتال [4] .
__________
[1] مشارع الأشواق 2/ 942.
[2] في الكامل 12/ 86: «بعضهم قتلته أنت» .
[3] الكامل 12/ 85- 87، الفتح القسيّ 603- 605، النوادر السلطانية 234، تاريخ الزمان 224، تاريخ مختصر الدول 223، مفرّج الكروب 2/ 394، زبدة الحلب 3/ 122، المختصر 3/ 82، الدر المطلوب 111، دول الإسلام 2/ 100، البداية والنهاية 12/ 350، العسجد المسبوك 217، تاريخ ابن الوردي 2/ 105، تاريخ ابن خلدون 5/ 329، 330، صبح الأعشى 5/ 375، السلوك ج 1 ق 1/ 110، النجوم الزاهرة 6/ 47، 48، شفاء القلوب 177، تاريخ ابن سباط 1/ 204.
[4] الكامل 12/ 84، 85.(41/87)
وذُكِر أنّ الأنكتير حمل يومئذٍ برْمحه من طرف الميمنة إلى طرف الميسرة، وما تعرَّض لَهُ أحد.
فردّ السّلطان وسار إلى النّطرون ثُمَّ إلى القدس [1] .
[توثيق الهدنة]
ومرض الأنكتير، وكانت رُسُله تتردّد فِي طلب الخَوْخ والكُمِّثْرَى، وكان السّلطان يمدّه بِذَلِك وبالثّلج.
ثُمَّ عُقِدت الهدنة وتوثّق منَ الفريقين، فحلف جماعة من ملوك الفرنج ومن ملوك الْإِسْلَام من آل السّلطان ومن أمرائه الأعيان، وكان يوم الصّلح يوما مشهودا، عمَّ الفرح هَؤُلَاءِ وهَؤُلاءِ. ورجع إلى القدس فتمَّم أسواره ودخل دمشق [2] .
[مقتل سلطان الروم]
وفيها قتل سلطان الروم قلج أرسلان [3] .
__________
[1] الكامل 12/ 85، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 82.
[2] الكامل 12/ 86، 87، نهاية الأرب 28/ 436، 437، النوادر السلطانية 235، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 90، 91.
[3] انظر عن (قلج أرسلان) في: الكامل في التاريخ 12/ 87- 90، والفتح القسّي 623- 625، وتاريخ مختصر الدول 223، والروضتين 2/ 209، ومفرّج الكروب 2/ 412، ومرآة الزمان 8/ 420، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مصورّة بمكتبة الدراسات العليا في جامعة بغداد) ورقة 74، والدرّ المطلوب 111، والمختصر لأبي الفداء 3/ 84، والعسجد المسبوك 218، 219، ودول الإسلام 2/ 100، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106، والبداية والنهاية 12/ 352، والسلوك ج 1 ق 1/ 112، والنجوم الزاهرة 6/ 117، 118، وتاريخ ابن سباط 1/ 206، وشذرات الذهب 4/ 295، وأخبار الدول للقرماني (الطبعة الجديدة) 2/ 514، وتاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 93- 95.(41/88)
سنة تسع وثمانين وخمسمائة
[قدوم ابن شملة عَلَى الخليفة]
فيها قدِم عَلِيّ ابن الأمير شملة إلى الخليفة بمفاتيح قلاع أَبِيهِ، فخلع عليه.
[إمرة الحاجّ]
وفيها ولي إمرة الحاجّ قُطْب الدّين سَنْجَر النّاصريّ [1] .
[إعادة ابن الْبُخَارِيّ للقضاء]
وفيها أُعيد إلى القضاء أَبُو طَالِب بْن الْبُخَارِيّ.
[مقتل بكتمر]
وفيها قتل بكتمر المتغلّب على مدينة خِلاط عَلَى يد الباطنيّة. وكان قَدْ تسلْطَن وضرب لنفسه الطّبل فِي أوقات الصّلوات الخمس [2] .
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 422.
[2] انظر عن مقتل بكتمر في: الكامل في التاريخ 12/ 102، 103، ومرآة الزمان 8/ 423، وتاريخ مختصر الدول 224، وإنسان العيون، ورقة 46، ومفرّج الكروب 3/ 19، والمختصر 3/ 88، 89، والدرّ المطلوب 125، وسير أعلام النبلاء 21/ 277، 278، رقم 150، وتاريخ ابن الوردي 2/ 109، والبداية والنهاية 23/ 7، والوافي بالوفيات 10/ 189، 190 رقم 4675، وشفاء القلوب 202، والنجوم الزاهرة 6/ 132، 133، وتاريخ ابن سباط 1/ 210، وشذرات الذهب 4/ 297.(41/89)
[مرض السلطان طُغْرُل]
وفيها سار السّلطان طُغْرُل إلى الرّيّ، فتل بها ألف نفس، وعاد إلى هَمَذَان، فمرض وبطل نصفه.
[الخِلعة عَلَى قيماز]
وفيها خلِع عَلَى قَيُماز شِحْنة أصبهان القادم فِي صُحبة مؤيّد الدّين ابن القصّاب وأُعطي ستّة آلاف دينار، وتوجّه إلى بلده وفي صحبته الأميران سنقر الطّويل وإيلبا.
[وفاة السلطان صلاح الدين]
وتُوُفّي السّلطان صلاح الدّين، فوصل إلى بغداد فِي رمضان الرَّسُول وَفِي صُحبته لأْمَة الحرب الّتي لصلاح الدّين وفَرَسه ودينار واحد وستّة وثلاثون درهما، لَمْ يخلّف منَ المال سواها. وصُحبة ذَلِكَ صليب منَ الذّهب الأحمر كَانَ قَدْ أخذه منَ القدس [1] .
__________
[1] انظر عن وفاة صلاح الدين في: الفتح القسّي 627، 628، والنوادر السلطانية 241، والكامل 12/ 95- 97، وتاريخ مختصر الدول 223، وتاريخ الزمان 225، 226، والروضتين 2/ 212، وزبدة الحلب 3/ 124، 125، والتاريخ الباهر 185- 189، ومرآة الزمان 8/ 425- 436، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 183، 184 رقم 189، والمختصر 3/ 85، 87، والإعلام والتبيين 42- 44، ونهاية الأرب 28/ 437- 440، ومفرّج الكروب 2/ 423- 426، والدرّ المطلوب 113- 115، ووفيات الأعيان 7/ 139- 218 رقم 846، والعسجد المسبوك 220، 221، ودول الإسلام 2/ 101، وسير أعلام النبلاء 21/ 278- 291 رقم 151، والإعلام بوفيات الأعلام 243، والعبر 4/ 270، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106، 107، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 325- 341، وأمراء دمشق في الإسلام 102 رقم 300، والاجتهاد في طلب الجهاد لابن كثير 91، ومرآة الجنان 3/ 439- 466، والبداية والنهاية 13/ 2- 6، والجوهر الثمين 2/ 13- 19، وتاريخ ابن خلدون 5/ 330، وتحفة الأحباب للسخاوي 41، 42، والسلوك ج 1 ق 1/ 112- 114، وشفاء القلوب 179- 196، وثمرات الأوراق لابن حجّة الحموي 225، والنجوم الزاهرة 6/ 50- 61، وتاريخ ابن سباط 1/ 206- 209، والدارس 2/ 432، وترويح القلوب للزبيدي 42 رقم 25، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 247- 250، وأخبار الدول للقرماني 194، 195، ومشارع الأشواق 2/ 934- 949.(41/90)
[افتتاح مدرسة ببغداد]
وفيها فُتحت المدرسة الّتي بْنِيَت ببغداد لوالدة النّاصر لدين اللَّه، ودرَّس بها أَبُو علي النّوقانيّ [1] .
[فتوحات أيبك]
وفيها غزا السّلطان شهاب الدّين صاحب غَزْنة وتقدّم مملوكه أيبك بالجيوش، فافتتح ما أمكنه، وسبى وغنِم شيئا كثيرا، ورجع سالما [2] .
[انقضاض كوكبين]
قَالَ ابن الأثير [3] : وفيها انقضّ كوكبان عظيمان واضطربا، وسُمِع صوت هَدَّةٍ عظيمة، وذلك بعد طلوع الفجر، غلب ضوءهما ضوء القمر وضوء النّهار.
__________
[1] في الأصل: «الونقاني» وهو غلط. والخبر في: مرآة الزمان 8/ 422.
[2] الكامل 12/ 103.
[3] في الكامل 2/ 104.(41/91)
سنة تسعين وخمسمائة
[ولاية شحنكية بغداد]
فِي ربيع الأوّل وُلّي مجد الدّين ياقوت الروميّ شِحْنكيَّة بغداد، فأقام سياسة البلد وأخلاه منَ المفسدين.
[الحرب بَيْنَ ملك غزنة وسلطان الهند]
وفيها كان الحرب بَيْنَ السّلطان شهاب الدّين الغوريّ ملك غَزْنَة وَبَيْنَ بنارس سلطان الهند. وذلك أن أَيْبك مملوك شهاب الدّين لمّا دخل عام أوّل الهندَ فأغار عَلَى الأطراف تنمَّر بنارس وغضب، وَهُوَ أكبر ملوك الهند.
قَالَ ابن الأثير [1] : وولايته من حدّ الصّين إلى بلاد ملاو طولا، ومنَ البحر إلى مسيرة عشرة أيّام من لهاوور [2] عَرْضًا، فحشد وجمع وقصد الْإِسْلَام، فطلبه شهاب الدّين بجيوشه، فالتقى الجمعان عَلَى نهر ماجون.
قال: وكان مع الهنديّ سبعمائة فيل. وكذا قَالَ ابن الأثير.
قَالَ: ومنَ العسكر عَلَى ما قِيلَ ألف ألف نفس، ومن جملة عسكره عدّة أمراء مسلمين كانوا فِي تِلْكَ البلاد. فصبر الفريقان، واشتدّ الحرب، وكان النّصر لشهاب الدّين، وكثُر القتل فِي الهنود حَتَّى جافت منهم الأرض، وأخذ شهاب الدّين تسعين فيلا. وَقُتِلَ بنارس ملك الهند، ولم يعرفه أحد، إلّا أَنَّهُ كَانَ قَدْ شدّ أسنانه بالذّهب، فبذلك عرف.
__________
[1] في الكامل 12/ 105.
[2] في الأصل: «الهاوور» .(41/92)
ودخل شهاب الدّين بلاد بنارس وحمل من خزائنها ألفا [1] وأربعمائة حمل [2] ، وعاد إلى غَزْنَة.
ومن جملة الفِيَلَة الّتي أخذها فِيل أبيض. حَدَّثَنِي بِذَلِك من رآه. فَلَمَّا عُرِضت الفِيَلَة عَلَى شهاب الدّين خدمت جميعها إلّا الفيل الأبيض فَإنَّهُ لَمْ يخدم [3] .
[مقتل السلطان طُغْرُل]
وفيها، فِي جُمادى الأولى، وصل رسول من خُوارزم شاه وصُحبته ابن عَبْد الرّشيد الَّذِي سار فِي رسالة الخليفة إلى خوارزم شاه يأمره بمحاربة المارق طُغْرُل السَّلْجُوقيّ. فمرض عَبْد الرّشيد وأحسّ بالموت، فأمر ولده بالمسير إلى خوارزم شاه لأداء الرسالة، فقابل الرسالة بالسَّمْع والطّاعة، وسار بجيوشه فحارب طُغْرُل وانتصر عليه، وهزم عساكره ونهب أمواله، وقتله، وحمل رأسه إلى بغداد وصُحبة رسوله، فأبرز للقيَّة الموكب، وأُتي بالرأس عَلَى رُمح، ودخل قاتله وَهُوَ شابٌّ تركيّ من أمراء خُوارزم شاه [4] .
وأوَّل كتابه: «الحمد للَّه الَّذِي جعل الملوك من أخلص المماليك عقيدة ونيّة، وأصحَّهم ولاء وعُبُودية، وأصفاهم سريرة وطَوِية.
وفيه: ولمّا وردت المراسم بردع ذَلِكَ المارق المنافق، أرسل المملوك داعيا لَهُ إلى الطّريق اللّاحب، ومشيرا عليه باعتماد الواجب، ليعود إلى طاعة
__________
[1] في الأصل: «ألف» .
[2] في الكامل 12/ 106 «حمل من خزائنها على ألف وأربع مائة جمل» .
[3] الكامل 12/ 105، 106.
[4] الكامل 12/ 106- 108، المختصر 3/ 89، مرآة الزمان 8/ 444، 445، نهاية الأرب 27/ 63، إنسان العيون (ورقة 52) ، العسجد المسبوك 228، دول الإسلام 2/ 102، سير أعلام النبلاء 21/ 267، 268، رقم 140، العبر 4/ 272، تاريخ ابن الوردي 2/ 109، البداية والنهاية 13/ 9، النجوم الزاهرة 6/ 134، تاريخ ابن سباط 1/ 211، 212، شذرات الذهب 4/ 301.(41/93)
الْإِمَام، وعارضا عليه تجديد الْإِسْلَام، أَوِ الاستعداد للمصافّ، والرجوع إلى حكم الاستئناف. وكان بالرّيّ، فزلف المملوك إِلَيْهِ فِي كتيبةٍ شهباء من جنود الْإِسْلَام، مقنعة بالزَّرَد المحبوك، مُحْتَفٍّ بالملائكة، محفوفة بالملوك، يتألّق حديدها، ويتنمّر أُسودها، وهي كالجبل العظيم، واللّيل البهيم، خلفها السِّباع والذّفريان وفوقها النُّسور والعُقْبان، وبين يديها شخص المنون عريان، إلى أن وافت ذَلِكَ المخذول، وَهُوَ فِي جيش يُعْجِز الإحصاء، ويضيق عَنْهُ الفضاء، فصبّ اللَّه عليهم الخذلان، لمّا تراءى الجمعان، وبرز الكفر إلى الْإِيمَان، فتلا المملوك: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ 9: 14 [1] » .
إلى أن قَالَ: «وأنفذ اللَّه حكمه فِي الطّاغية، وعجَّل بروحه إلى الهاوية، وملك المملوك بلادهم» .
[التجاء خوارزم شاه إلى الجبال]
قَالَ ابن الأثير [2] : وكان الخليفة قَدْ سيَّر نجدة لخُوارزم شاه، وسيَّر لَهُ مَعَ وزيره ابن القصّاب خِلَع السَّلطنة، فنزل عَلَى فرسخٍ من هَمَذَان، فأرسل إليه خوارزم شاه بعد الوقعة يطلبه إِلَيْهِ، فَقَالَ مؤيَّد الدّين ابن القصّاب: ينبغي أن تحضر أَنْت وتلبس خِلْعة أمير المؤمنين من خيمتي. وتردّدت الرُّسل بينهما، فَقِيل لخُوارزم شاه. إنّها حيلة عَلَى القبض عليك. فرحل خُوارزم شاه ليأخذه، فاندفع بَيْنَ يديه، والتجأ إلى بعض الجبال، فامتنع بِهِ.
[ولاية الأستاذ دارية]
وفيها عُزِل أَبُو المظفّر عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس منَ الأستاذ داريَّة، وحُبِس إلى أن مات، وولي مكانه تاج الدّين أبو الفتح بن رزين.
__________
[1] سورة التوبة، الآية 14.
[2] في الكامل 12/ 108.(41/94)
[قُتِلَ متولّي الحلَّة]
وفيها قُبض عَلَى ألب غازي متولّي الحِلَّة وأُخذت أمواله، وَقُتِلَ جزاء بما كذب عَلَى الأمير طاشتِكِين.
[وزارة ابن القصّاب]
وفي رمضان أحضر مؤيّد الدّين ابن القصّاب وشافهه الخليفة بالوزارة [1] ، وقَالَ: يا مُحَمَّد قَدْ قلّدتك ما وراء بابي، وجعلته فِي ذمّتك، فاعمل فيما ترى برأيك.
وخلع عليه وضُرِبت النّوبة عَلَى بابه عَلَى قاعدة الوزراء، ثمّ توجّه إلى تستر، فافتتح بلاد خُوزستان [2] .
[حبس ابن الجوزي]
وَفِي شوّال وقع الرّضا عَنْ أولاد الشَّيْخ عَبْد القادر وأُخذ ابن الجوزيّ إلى واسط، فحُبس بها مدّة خمس سنين [3] .
[السلاطين الأيوبيّون وبلادهم]
وكان سلطان مصر فِي هَذِهِ السّنة: الملك الْعَزِيز عماد الدّين عُثْمَان بْن صلاح الدّين، وسلطان دمشق: الملك الأفضل نور الدّين عَلِيّ بْن صلاح الدّين، وسلطان حلب: الملك الظّاهر غياث الدّين غازي بْن صلاح الدّين، والكَرَك وناحيتها، حَرّان، والرُّها، وتلك النّاحية بيد الملك العادل سيف
__________
[1] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 438.
[2] الكامل 12/ 108، 109.
[3] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 339.(41/95)
الدّين أبي [1] بكر، وحماه، والمعرّة، وسليمة، ومَنْبِج بيد الملك المنصور مُحَمَّد بْن تقيُّ الدِّين عُمَر بْن شاهنشاه، وبِعْلَبَكّ بيد الأمجد بهرام شاه بن فرّخ شاه، وحمص بيد المجاهد أسد الدّين شِيرَكُوه [2] .
[قصد الملك الْعَزِيز دمشق]
وكان الملك العادل بالكَرَك عِنْد موت أَخِيهِ وهي مُسْتَقَرَّهُ وحصْنه، فتوجّه نحو دمشق لمّا بلغه مجيء الملك الْعَزِيز يحاصر أخاه الأفضل، ورافقه الظّاهر غازي، فأصلح بينهم عمُّهم، ورجع الْعَزِيز إلى مصر فِي رمضان منَ السّنة الماضية [3] .
ثُمَّ إنّ الْعَزِيز قصد دمشق فِي هَذِهِ السّنة فِي شعبان.
[استعادة الفِرَنج جُبَيل]
وقَالَ الْإِمَام أَبُو شامة [4] : وفيها استعادت الفِرَنج حصن جُبَيل بمعاملة من خَصِيٍّ كرديّ [5] .
قُلْتُ: ثُمَّ افتتحها الملك الأشرف بعد مائة سنة.
[الصلح بَيْنَ الأخوين الأفضل والعزيز]
قَالَ: وفيها قدِم العادل منَ الشرق وطلع إلى قلعة حلب وبات بها واستخلص داروم (....) [6] منَ اعتقال ابن أَخِيهِ الملك الظّاهر، ثمّ قدم
__________
[1] في الأصل: «أبو» .
[2] مفرّج الكروب 3/ 4، تاريخ ابن سباط 1/ 209.
[3] الكامل 12/ 109، 110.
[4] في الروضتين 2/ 242.
[5] نهاية الأرب 28/ 442، 443، مفرّج الكروب 3/ 26.
[6] بياض في الأصل.(41/96)
دمشق فأصلح بَيْنَ الأخوين الأفضل والعزيز، عَلَى أنّ للعزيز من بَيْسان إلى أسوان. وقدِم الظّاهر، من حلب إلى دمشق، ثُمَّ عاد كُلّ إلى بلاده [1] .
[زواج الْعَزِيز منَ ابْنَة عمّه]
وتزوَّج الْعَزِيز بابنة عمّه العادل [2] .
[دهاء الملك العادل]
قُلْتُ: وَذَلِكَ من دهاء الملك العادل فَإنَّهُ بقي يلعب بأولاد أَخِيهِ لعبا [3] ، فَإنَّهُ قدِم من حلب بصاحبها، وبصاحب حماه ناصر الدّين مُحَمَّد بْن عُمَر، وبصاحب حمص، وَغَيْرُهُمْ، واتّفقوا عَلَى حفْظ دمشق. وأوضح لهم العادل بأنّ الملك الْعَزِيز إنْ مَلَكَ دمشق أَخَذَ منكم بلادكم [4] .
[المصالحة بَيْنَ الأيوبيّين]
فَلَمَّا رَأَى الْعَزِيز اجتماعهم راسل فِي الصُّلح، فاستقرَّت القاعدة عَلَى أن يكون لَهُ مملكة فلسطين، وهي البيت المقدس وبلادها مَعَ مصر، عَلَى أنّ للعادل إقطاعه الأول بمصر، وأن يكون نائبا للسّلطنة بمصر. وأنّ للملك الأفضل دمشق والأردنّ، وأنّ للظّاهر مملكة حلب مَعَ جَبَلَة واللّاذقيَّة. وتفرّقوا عَلَى ذَلِكَ. وخرج الأفضل فودّع أخاه الملك العزيز [5] .
__________
[1] الكامل 12/ 109، 110، نهاية الأرب 28/ 444- 446، المختصر 3/ 90، الدر المطلوب 124، 125، التاريخ المنصوري (تحقيق الدكتور دودو) 4، زبدة الحلب 3/ 130، تاريخ ابن الوردي 2/ 110، العسجد المسبوك 229، 230، البداية والنهاية 13/ 8، 9، تاريخ ابن خلدون 5/ 331، السلوك ج 1 ق 1/ 116، 117، تاريخ ابن سباط 1/ 213.
[2] نهاية الأرب 28/ 445، مفرّج الكروب 3/ 34، 35.
[3] في الأصل: «لعب» .
[4] الكامل 12/ 110.
[5] الكامل 12/ 110، نهاية الأرب 28/ 445، مفرّج الكروب 3/ 35، 36.(41/97)
قَالَ العماد الكاتب [1] : قَالَ لي الأفضل: كُنْت قَدْ فارقت أَخِي منذ تسع سنين، وما التقينا إلّا فِي هَذِهِ السّنة.
قَالَ: وأنشدني لنفسه فِي المعنى:
نَظَرْتُكَ نظرة من بَعْد تِسْعٍ ... تقضَّت بالتَّفرُّق من سِنين
وغضّ الطَّرْف [2] عَنْهَا طَرْفُ غدْرٍ ... مسافة قرب طَرْفٍ [3] من جبين [4]
فويح الدّهر لم يسمح بقرب [5] ... بعيد بِهِ الهجوعَ إلى الْجُفُون
فراقٌ [6] ثُمَّ يُعْقِبُهُ بَيْنٌ ... يُعيدُ إلى الحشا عَدَم السُّكون
ولا يُبدي جيوشَ القُربِ حَتَّى ... يرتّبَ جيشَ بُعْدٍ في الكمين
ولا يُدني محلّي منك إلّا ... إذا دارتْ رَحى الحربِ الزَّبُون
فَلَيْتَ الدّهرُ يسمح لي بأُخْرى ... ولو أمضى بها حُكْمَ المنون
[7] فقلت: للَّه درُّك ما أبدع هَذَا المعنى، فكاتِبْ أخاك بما فِيهِ استعطاف.
[الإفساد عَلَى الأفضل]
قَالَ العماد [8] : فلو تُرِك الأفضلُ وفِطْنته الذّكيّة، لجرت الأمور عَلَى السّداد، ولكنّ أصحابه وجلساءه أفسدوا أحواله، ورموا أكابر أمرائه بالمكاتبة والخيانة، فوقعت [9] الوحشة، وقالوا لَهُ: أَنْت أحقّ بالسّلطنة، وأنت أكبر الإخوة، وأنت وليّ عهد أبيك. فتفرَّق عَنْهُ كبراء دولته، وتوجّهوا إلى الْعَزِيز. فكان إذا
__________
[1] في الفتح القسّي، ونقل عنه ابن واصل في: مفرّج الكروب 3/ 37 وما بعدها.
[2] في الروضتين، ومفرّج الكروب: «وغضّ الدهر» .
[3] في الروضتين: «قرب عين» .
[4] في الأصل: «حنين» ، والتصحيح من: الروضتين، ومفرّج الكروب.
[5] في مفرّج الكروب: «لم يسمح بوصل» .
[6] في مفرّج الكروب: «فراقا» .
[7] الأبيات في: الروضتين 2/ 229، ومفرّج الكروب 3/ 37، 38.
[8] في الفتح القسّي، وعنه نقل ابن واصل في: مفرّج الكروب 3/ 38.
[9] في مفرّج الكروب 3/ 38 «فتمكّنت الوحشة في قلبه وقلوب أمرائه» .(41/98)
قدِم منهم أميرٌ بالَغَ فِي إكرامه، فأخذوا يحرّضون الْعَزِيز عَلَى قصد دمشق [1] .
وأقبل الأفضل مَعَ هَذَا عَلَى الشُّرب والأغاني ليله ونهاره، وأشاع نُدَماؤه أنّ عمّه العادل حضر عنده ليلة، وحسَّن لَهُ ذَلِكَ واستحسن المجلس، وقال:
أَيِّ حاجة لك إلى التكتُّم، ولا خير فِي الّلذَّات من دونها سِتْر. فقبل وصيَّة عمّه وتظاهر. ودبّر وزيره [2] الأمور برأيه الفاسد.
ثُمَّ إنّ الأفضل أصبح يوما تائبا من غير سبب، وأراق الخمُور، وأقبل عَلَى الزُّهد، ولبس الخشِن وأكثر التّعبُّد. وواظب عَلَى صيام أكثر الأوقات، وشرع فِي نسْخ مُصحَف، وضرب أواني الشّرب دراهم ودنانير، واتّخذ لنفسه مسجدا وجالسَ الفقراء [3] .
قَالَ ابن واصل [4] ، وغيره: ولكنّه كان قليل السّعادة، ضعيف الآراء.
__________
[1] مفرّج الكروب 3/ 38، 39.
[2] هو ضياء الدين بن الأثير صاحب كتاب «المثل السائر» .
[3] مفرّج الكروب 3/ 40، المختصر 3/ 790 91، وتاريخ ابن الوردي 2/ 110، البداية والنهاية 13/ 9، السلوك ج 1 ق 1/ 118، 119، تاريخ ابن سباط 1/ 213، 214.
[4] في مفرّج الكروب 3/ 38.(41/99)
بِسْمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5
الموتى في هذه الطبقة
الموتى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
1- أَحْمَد بْن سالم بْن نبهان.
أَبُو سَعِيد الأَسَديّ، المطَّوّعيّ، القاضي.
حدَّث فِي هَذَا العام بالإجازة ببغداد عَنْ: أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزَّنْجُونيّ.
روَى عَنْهُ: أَحْمَد بْن محمود الواسطيّ.
ومولده سنة خمسمائة.
2- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو الْعَبَّاس بْن اليتيم الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ، الأَنْدَرْشِي الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءاتِ عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن موهب الْجُذَاميّ، وأبي عَلِيّ بْن عُرَيْب، وأبي إِسْحَاق بْن صالح، وأبي الْعَبَّاس بْن العريف، وجماعة لقيهم بالمَرِيَّة وسمع منهم. ومن: ابن ورد، وابن عطيّة، وابن اللّوّاز.
وأجاز لَهُ أَبُو عَلِيّ بْن سُكَّرَة. وتصدَّر للإقراء بمالقة، وأخذ النّاس عنهم.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن عبد الله) في: بغية الملتمس للضبيّ 168، وتكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 83، ومعجم الصدفي 53، والذيل والتكملة للمراكشي ج 1 ق 2/ 439- 447، ومعرفة القراء الكبار 2/ 557 رقم 510، وغاية النهاية 1/ 121، 122، وبغية الوعاة 1/ 367، وروضات الجنات 1/ 231، 232.(41/100)
قال الأبّار [1] : ثنا عَنْهُ: ابنه أَبُو عَبْد اللَّه، وأَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو الخَطَّاب الرمليّ.
وتُوُفّي فِي رمضان بالمَرِيَّة.
3- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الطّيّبيّ.
أَبُو الْعَبَّاس المعدَّل، والد الوزير أَبِي المظفّر عُبَيْد اللَّه.
سَمِع من: المعمَّر بْن مُحَمَّد البيِّع. وقاضي المَرِسْتان.
وحدَّث.
4- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن منذر [2] بن أحمد بن سعيد بن [ملكو] ن [3] .
الأستاذ أَبُو إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ، النَّحْويّ، الإشبيليّ.
سَمِع من: أَبِي مَرْوَان الباجيّ، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وعبّاد بْن سرحان، وأبي الْوَلِيد بْن حَجّاج، وأبي القاسم بْن الرّمال، وعنهما أَخَذَ علم العربيّة والآداب فرأسَ فيهما وبرع.
وأجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن بْن مغيث، وجماعة.
واشتهر اسمه وصنّف « [إيضاح] [4] المنهج» جمع فِيهِ بَيْنَ كتابي ابن جنّي على «الحماسة» «التنبيه» و «المبهج» ، وصنّف غير ذَلِكَ.
أَخَذَ عَنْهُ جماعة منَ الجلّة، وأجاز لأبي سُلَيْمَان بْن حوط اللَّه.
وتُوُفّي بإشبيليّة، ودُفِن بداره.
حَمَل عَنْهُ: أَبُو عليّ الشّلوبين، والقاضي أبو مروان الباجيّ.
__________
[1] في تكملة الصلة 1/ 83.
[2] انظر عن (إبراهيم بن محمد) في: تكملة الصلة 192، والوافي بالوفيات 6/ 130 رقم 2568، وبغية الوعاة 1/ 188، وكشف الظنون 339، 692، وإيضاح المكنون 1/ 7158 ومعجم المصنّفين للتونكي 4/ 398، 399، وفهرس المخطوطات المصورة لسيد 1/ 342، ومعجم المؤلفين 1/ 108 وفيه وفاته سنة 584 هـ.
[3] في الأصل بياض، والمستدرك من المصادر.
[4] في الأصل بياض، والمستدرك من المصادر.(41/101)
5- إِسْمَاعِيل بْن مكّيّ [1] بْن إِسْمَاعِيل [2] بْن عِيسَى بْن عَوْف.
من ولد حُمَيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف.
صَدْر الْإِسْلَام أَبُو الطّاهر القُرَشِيّ الزُّهْرِيّ الإسكندريّ، الفقيه المالكي.
وُلِد سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وتفقّه عَلَى أَبِي بَكْر الطُّرْطُوشيّ، وبَرَع فِي المذهب وأقرأ النّاس، وتخرّج بِهِ جماعة.
وسمع منَ: الطُّرْطُوشيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرازيّ.
كتب عَنْهُ الحافظ أَبُو طاهر بْن سِلَفَة وَهُوَ من شيوخه.
وحدّث عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ المقدسيّ، وعبد القادر الرَّهاويّ، وعليّ بْن المفضّل، وآخرون، وأحفادُه الْحَسَن وعبد اللَّه وعَبْد الْعَزِيز بنو الفقيه عَبْد الوهَّاب ولده.
ورحل إِلَيْهِ السّلطان صلاح الدّين يوسف، وسمع منه «الموطّأ» .
تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي الخامس والعشرين من شعبان [3] .
- حرف الباء-
6- بهلوان بن إلدكز [4] .
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن مكي) في: العبر 4/ 242، وسير أعلام النبلاء 21/ 122، 123 رقم 60، وتذكرة الحفاظ 4/ 1336، والمعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1897، والإعلام بوفيات الأعلام 239، ومرآة الجنان 3/ 419، وذيل التقييد 1/ 474 رقم 925، والديباج المذهب 95، والمقفى الكبير 2/ 183، 184 رقم 783، والوافي بالوفيات 9/ 228 رقم 4132، وشذرات الذهب 4/ 1/ 26.
[2] في الأصل: «أسد» ، والمثبت عن المصادر.
[3] وقال ابن الجمّيزي في مشيخته: هو إمام عصره، وفريد دهره في الفقه، وعليه مدار الفتوى مع الورع والزهادة وكثرة العبادة. (سير أعلام النبلاء) .
[4] انظر عن (بهلوان بن إلدكز) في: الكامل في التاريخ 11/ 525، 526 (حوادث سنة 582 هـ.) ، والفتح القسّي 181، 572- 574، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 391، 392، والروضتين 2/ 73، وتاريخ مختصر الدول 220، والمختصر في أخبار البشر 3/ 70 (سنة 582 هـ.) ، وتاريخ ابن الوردي 2/ 96 (سنة 582 هـ.) ، وسير أعلام النبلاء 21/ 144، 145 رقم 73، ودول الإسلام 2/ 91، والعبر 4/ 242 وفيه اسمه «محمد» ، ومرآة الجنان(41/102)
الأتابَك شمس الدّين صاحب أَذَرْبَيْجان وعراق العجم أصبهان، والريّ، وبلاد أرّان.
كان أبوه الأتابك إلدكز كبير القدر، وكان أتابك السّلطان رسلان شاه بن طغريل بن محمد بن ملك شاه، فمات هو وسلطانه في سنة سبعين وخمسمائة، فتملّك البهلوان إلى أن مات فِي آخر هَذَا العام، وقام بعده أخوه الملك قزل مِن أُمّه، فبقي إلى أن مات سنة سبع وثمانين وخمسمائة.
وكان البهلوان قَدْ أقام فِي المُلْك طُغْريل بْن أرسلان شاه آخر ملوك بني سلجوق، فكان من تحت حكم البهلوان.
وخلّف البهلوان فيما قِيلَ خمسة آلاف مملوك وثلاثين ألف دابّة، ومنَ الأموال ما لا يُحصى.
ثُمَّ قوي طُغْريل وتحارب هُوَ وقَزَل، وجَرَت أمور طويلة.
- حرف الثاء-
7- ثعلب بْن عَلِيّ بْن حسن.
أَبُو الوحش الْأَنْصَارِيّ، الْمَصْرِيّ، الكاتب.
رَوَى عن: عَبْد اللَّه بْن رفاعة، وأحمد بْن الحُطَيْئة.
وعنه: الحافظ ابن المفضّل.
- حرف الحاء-
8- الْحَسَن بْن سَعِيد بن أحمد بن البنّاء [1] .
أَبُو مُحَمَّد. من بيت الْحَدِيث والإسناد.
قَدْ ذكرناه فِي سنه اثنتين وسبعين.
وبعض النّاس ذكر أَنَّهُ مات فِي هَذَا العام فِي شعبان، فاللَّه أعلم.
__________
[ () ] 3/ 419، والعسجد المسبوك 198، وفيه وفاته سنة 582 هـ.، وشفاء القلوب 115.
[1] انظر عن (الحسن بن سعيد) في: الجزء السابق من هذا الكتاب، في وفيات 472 هـ.(41/103)
9- حياة بْن قَيْس [1] بْن رحّال [2] بْن سلطان.
الْأَنْصَارِيّ، الحرَّاني، الزَّاهد، شيخ حرّان وصالحها، قُدوة الزُّهاد بها.
كان عبدا صالحا، سَكّانًا، قانتا للَّه، صاحب أحوال وكرامات، وصدق وإخلاص، وجدُّ واجتهاد، وتعفُّف وانقباض.
كَانَتِ الملوك والأعيان يزورونه ويتبرَّكون بلقائه. وكان كلمة إجماع بَيْنَ بلده.
وقيل إنّ السّلطان نور الدّين بْن زنكي زَارَه واستشاره فِي جهاد الفِرَنج، فقوَّى عَزْمَه ودعا لَهُ، ولمّا توجّه السّلطان صلاح الدّين إلى حرب صاحب المَوْصِل دخل عَلَى الشَّيْخ حياة وطلب منه الدُّعاء، فأشار عليه بترك المسير إلى المَوْصِل، فلم يقبل، وسار إليها فلم يظفر بها.
ومن شيوخه: أَبُو عَبْد اللَّه الْحُسَيْن البواريّ الرجل الصّالح تلميذ الشَّيْخ مُجلّي بْن ياسين.
وللشّيخ حياة سيرةٌ فِي نحو مجلَّد كَانَتْ عِنْد ذُريته، فَلَمَّا استولت التّتار الغازانيّة عَلَى الشّام نُهِبت فيما نُهِب بالصّالحية. وَقَدْ بَلَغَنا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ ملازما بحرّان نحوا من خمسين سنة لم تفته الجماعةُ إلّا من عُذرٍ شرعيّ.
وكان بَشُوش الوجه، ليِّن الجانب، رحيم القلب، سخيّا كريما، مُحِبًّا للَّه تَعَالَى، راجيا عفوه وكرمه، صاحبَ ليلٍ وتهجُّد.
انتقل إلى اللَّه تَعَالَى فِي ليلة الأربعاء سلْخ جُمادى الأولى سنة إحدى
__________
[1] انظر عن (حياة بن قيس) في: العبر 4/ 243، وسير أعلام النبلاء 21/ 181، 182 رقم 92، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1898، والإعلام بوفيات الأعلام 239، ودول الإسلام 2/ 91، 92 وفيه «حيوة» ، ومرآة الجنان 3/ 419- 422 وفيه «حيوة» ، والوافي بالوفيات 13/ 226 رقم 271، والنجوم الزاهرة 6/ 100، وشذرات الذهب 4/ 269، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 121.
[2] هكذا في الأصل بالحاء المهملة، وفي سير أعلام النبلاء بالجيم (رجّال) ، وما أثبتناه يتفق مع: الوافي بالوفيات، والأصل، (رحّال) .(41/104)
وثمانين هَذِهِ، وله ثمانون سنة رحِمَه اللَّه، ولم يخلّف بحرّان بعده مثله.
نقلتُ كثيرا من ترجمته من «تاريخ» صاحبنا العدل الجليل شمس الدّين أَبِي المجد مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم ابن الْجَزَريّ، وَهُوَ تاريخ مفيد استفدت منه أشياء مطبوعة لا تكاد توجد إلّا فِيهِ. وَقَدْ كُنْت انتخبتُ منه مجلّدا هُوَ الآن ملك الفقيه المحدّث الأوحد صاحبنا صلاح الدّين خليل بْن كيكلديّ الشّافعي، حفظه اللَّه وأصلحَه [1] .
- حرف السين-
10- سعْد الدين [2] .
ولد الأمير مقدَّم الجيوش معين الدّين أُنُر، اسمه مَسْعُود.
كَانَ من أكابر الأمراء النُّوريَّة والصّلاحيَّة لأبُوَّته ولمكان أخته الخاتون زَوْجَة نور الدّين وصلاح الدين.
توفّي فِي هَذِهِ السّنة بعد أخته بيسير.
وكان زوج ربيعة خاتون أخت السّلطان صلاح الدّين، فتزوَّج بعدَه بها ابن صاحب اربل [3] .
__________
[1] ومن كلام حياة بن قيس: «قيمة القشور بلبابها، وقيمة الرجال بألبابها، وعزّ العبيد بأربابها، وفخر المحبّة بأحبابها» . وقال: آثار المحبّة إذا بدت أماتت قوما، وأحيت أسرارا، ونفت أشرارا، وأنارت أسرارا. وأنشد:
وإذا الرياح مع العشيّ تناوحت ... أسهرن حاسده وهجن غيورا
وأمتن ذا بوجود وجد دائم ... وأقمن ذا وكشفن عنه ستورا
ومن شعره:
سمير المحبّ إلى المحبوب إعجال ... والقلب فيه من الأحوال بلبال
أطوي المهامة من قفر على قدم ... إليك يدفعني سهل وأجبال
(مرآة الجنان) .
[2] انظر عن (سعد الدين) في: ديوان ابن الدهان 166، والكامل في التاريخ 11/ 488، والسلوك ج 1 ق 1/ 90، والنجوم الزاهرة 6/ 99.
[3] في ديوان ابن الدهان قصيدة يمدح فيها صاحب الترجمة، مطلعها:
مولاي سعد الدين دعوة آمل ... من بحر فيض يديك خير مؤمّل(41/105)
11- سَعِيد بْن أَبِي البقاء الموفّق بْن عَلِيّ بْن جَعْفَر [1] .
أَبُو مُحَمَّد النَيْسابوريّ،. ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصّوفيّ، الخازن.
صحِب شيخ الشيوخ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد، وكان برباطِهِ.
وُلدِ سنة خمسٍ وخمسمائة، وسمع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، والحسين بْن الفَرّخان السّمنانيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابنه مُحَمَّد، وعبد الْعَزِيز بْن دُلَف، وجماعة.
- حرف الشين-
12- شاكر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه [2] .
الرَّئيسُ أَبُو اليُسْر التّنوخيّ، المعَرّي، ثُمَّ الدِّمشقيّ، كاتب الإنشاء.
كَانَ أديبا فاضلا، جليلا، ذكيّا، شاعرا.
قرأ الأدب عَلَى جدّه القاضي أَبِي المجد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بحماه.
وسمع من: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن العجميّ، وغيره.
وحدَّث. ووُلد بشَيزَر فِي سنة ستّ وتسعين وأربعمائة.
روى عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر مَعَ تقدُّمه، وَهُوَ جدّ المحدّث تقيّ الدّين إِسْمَاعِيل.
وكان كاتب إنشاء ديوان الملك نور الدّين.
وروى عَنْهُ أيضا: ابنه إِبْرَاهِيم، وأَبُو القاسم بن صصريّ [3] .
__________
[ () ]
إن أرتحل بالجسم عنك فإنّ لي ... قلبا أقام لديك لمّا يرحل
[1] انظر عن (سعيد بن أبي البقاء) في: مشيخة النعال 72، 73، والمختصر المحتاج إليه 2/ 89 رقم 693.
[2] انظر عن (شاكر بن عبد الله) في: التذكرة لابن العديم (مخطوطة دار الكتب المصرية 2042 أدب) ورقة 113 و 338، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 2/ 35، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 145 رقم 74، والعبر 4/ 243، والوافي بالوفيات 16/ 85- 87 رقم 98، وفوات الوفيات 2/ 96، وشذرات الذهب 4/ 270، وتعريف القدماء بأبي العلاء 504.
[3] وقال العماد الكاتب في (الخريدة) : وكان حميد السيرة، جميل السريرة، ومن شعره:
وردت بجهلي مورد الحبّ فارتوت ... عروقي من محض الهوى وعظامي(41/106)
13- شاه أرمن [1] .
صاحب مملكة خِلاط.
توفّي بها فِي تاسع ربيع الآخر، وتملَّك بعده مملوكه بكتمر.
- حرف العين-
14- عَبْد اللَّه [2] .
أَبُو طَالِب ابن النّقيب الطاهر أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن المعمّر العَلَويّ، الحَسَنيّ، الْبَغْدَادِيّ، النّقيب.
ولي النّقابة بعد أَبِيهِ، وله شِعر جيد [3] .
__________
[ () ]
ولم يك إلّا نظرة بعد نظرة ... على غرّة منها ووضع لثام
فحلّت بقلبي من بثين طمّاعة ... أقرّت بها حتى الممات غرامي
ومنه:
وجدت الحياة ولذّاتها ... منغّصة بوقوع الأذى
إذا استحسنت مقلة الناظرين ... ففي الحال يظهر فيها القذى
وأطيب ما يتغذّى به ... في وقته يستحيل الغذا
فلا حبّذا طول عمر الفتى ... وإن قصر العمر يا حبّذا
وللأديب نجم بن عبد المنعم بن الحسن التغلبي الحلبي قصيدة يمدح فيها أبا اليسر شاكر، ذكر ابن العديم الحلبي بعضها في (التذكرة) ورقة 113.
[1] انظر عن (شاه أرمن) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 183، والكامل في التاريخ 11/ 268 و 278 و 283 و 287 و 487- 489 و 508 و 511، والوافي بالوفيات 16/ 94 رقم 109، والعسجد المسبوك 2/ 194، والسلوك ج 1 ق 1/ 89.
[2] انظر عن (عبد الله العلويّ) في: الوافي بالوفيات 17/ 33، 34 رقم 27.
[3] وقال الصفدي: وكان شاب سريّا، فاضلا، أديبا، شاعرا، مترسّلا، من شعره فيما يكتب على قسيّ البندق:
حملتني راحة في ... جودها للخلق راحه
فأنا للفتك أهل ... وهي أهل للسماحه
ومنه أيضا فيه:
أنا في كفّ ماجد ... جوده الغمر مفرط
كل طير يلوح لي ... فهو في الحال يهبط
ومنه فيه:
لا زلت يا ممسكي براحته ... في ظلّ عيش يصفو من الكدر(41/107)
15- عَبْد اللَّه بْن أسعد [1] بْن عَلِيّ بْن عيسى.
مهذّب الدّين أَبُو الفَرَج ابن الدّهّان، الْمَوْصِلِيّ، الفقيه، الشّافعيّ، الأديب، الشّاعر. ويُعرف أيضا بالحمصيّ.
لَهُ ديوان صغير، كَانَ مجموع الفضائل.
لمّا ضاقت بِهِ الحال بالموصل وعزم عَلَى قصد الملك الصّالح طلائع بْن رُزّيك وزير مصر، كتب إلى الشّريف ضياء الدّين زَيْد بْن مُحَمَّد نقيب المَوْصِل [2] :
وذات شجوٍ أسالَ البَيْنُ عَبْرَتَها ... باتت تُؤمِّلُ بالتّقييد [3] إمساكي
لجَّت فَلَمَّا رأتْني لا أُصيخُ لها ... بكتْ فأقرحَ قلبي جفنها الباكي
__________
[ () ]
ترمي بني الطير حين تحملني ... والدهر يرمي عداك بالقدر
ومنه فيه:
وقناة قد ثقّفتها ... لحرب ردينها
ثم لما انحنت بلا ... كبر فيه شينها
استجادت من المنون ... أخا وهو زينها
كم على الجوّ طائر ... قد أصابته عينها
فارتقى وهو مرتق ... ما تعدّاه حينها
[1] انظر عن (عبد الله بن أسعد) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 2/ 279، والكامل في التاريخ 11/ 522، والروضتين 2/ 72، وتكملة إكمال الإكمال 312، وإنباه الرواة 2/ 103، ووفيات الأعيان 3/ 57 رقم 336، وتاريخ إربل 1/ 58، والعبر 4/ 243، وسير أعلام النبلاء 21/ 176، 177 رقم 88، ومرآة الجنان 3/ 422، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 120 (وقد سقطت الترجمة من النسخة) ، والبداية والنهاية 12/ 317، وطبقات الشافعية للإسنويّ 22/ 440، 441، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 140 أ، والوافي بالوفيات 17/ 67- 73 رقم 60، والعسجد المسبوك 2/ 197، والمقفى الكبير 4/ 576- 578 رقم 1533، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 21، والنجوم الزاهرة 6/ 100، وشذرات الذهب 4/ 270، والأعلام 4/ 198، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 292، وكشف الظنون 766، وهدية العارفين 1/ 457. ومعجم المؤلفين 4/ 35.
وانظر مقدّمة ديوانه، للدكتور عبد الله الجبوري- طبعة المعارف، بغداد 1388 هـ. / 1968 م.
[2] جاء في الديوان إنه قال الأبيات مخاطبا والدته عند خروجه من الموصل.
[3] في الديوان 182 «بالتنفيذ» .(41/108)
قَالَتْ وَقَدْ رأتِ الأجمالَ مُحْدجَةُ ... والبَيْنُ قَدْ جمع المشكُوَّ والشّاكي:
منْ لي إذا غبتَ فِي ذا المحْلِ [1] قُلْتُ لها ... اللَّه وابنُ عُبَيْد اللَّه مولاكِ
[2] فَقَام النّقيب بواجب حقّها مدّة غيبته بمصر [3] .
ومدح ابن رُزّيك بالقصيدة الكافيّة الّتي يقول فيها:
أأمدحُ التُّرْكَ أبغي الفضلَ عندهُمُ ... والشِّعرُ ما زال عِنْد التُّركِ متروكا؟ [4]
لا نِلتُ وصْلَكِ إنْ كَانَ الَّذِي زعموا ... ولا شفا [5] ظَمَأي جودُ ابنِ رُزِّيكا
[6] ثُمَّ تقلّبت بِهِ الأحوال، وتولّي التّدريس بحمص. ثُمَّ قدِم عَلَى السّلطان صلاح الدّين، فأحسن إِلَيْهِ، وله فِيهِ مدائح جيّدة.
ومن شعره:
يُضْحِي يُجَانُبني مُجانَبَةَ العِدَى ... ويَبيتُ وَهُوَ إلى الصّباح نديمُ
ويمرُّ بي يخشى الرقيبَ فلفظُه: ... شَتْمٌ، وغنْجُ لحاظِه تسليم
[7] وله:
قالوا: سلا، صدقوا، عن السّلو ... - ان لَيْسَ عَنِ الحبيبِ
قَالُوا: فَلِمَ تركَ الزّيارةَ ... ؟ قُلْتُ: من خوفِ الرّقيب
قَالُوا: فكيف يعيش مع ... هذا؟ فقلت: من العجيب
[8]
__________
[1] في الديوان: «في ذا العام» .
[2] وزاد في الديوان بيتا:
تجزعي بانحباس الغيث عنك فقد ... سألت نوء الثّريّا صوب مغناك
وهو في المقفّى الكبير 4/ 577 وفيه: «جود مغناك» .
[3] هذه العبارة والأبيات تؤكّد أنّ المخاطب هو أمّه.
[4] البيت في المقفى الكبير 4/ 557.
[5] في ملحق الديوان 220: «ولا سقى» .
[6] البيتان في تكملة الديوان من قصيدة طويلة 219- 223.
[7] البيتان في تكملة الديوان 230 رقم 4 وفيه: «ولفظه» ، وانظر التخريج في الحاشية.
[8] البيتان في التكملة 232 رقم 6.
وجاء في هامش الأصل قرب هذه الأبيات تعليق، بخط مختلف، نصّه: «نسبة هذه الأبيات(41/109)
ومن شعره:
تُردي الكتائبَ كُتْبُهُ فإذا انبرت [1] ... لَمْ تَدْرِ [2] أنفَذ أَسْطُرًا أم عسكرا
لَمْ يُحسِن الإتْرابَ فوق سُطُورها ... إلّا لأنّ الجيش يَعقدُ عِثْيَرا
[3] وقَالَ جمال الدّين القفطيّ [4] : ابن الدّهّان نَحْويّ، أديب، شاعر، قدِم الشّام صُحبة أَبِي سعد بْن عصْرُون، وكان يلزم درسَه، ثُمَّ إنَّه ولي التّدريس بحمص.
توفّي فِي شعبان بحمص.
16- عَبْد اللَّه بْن سماقة.
قِوامُ الدّين أَبُو مُحَمَّد، وزير ابن قُرا رسلان.
دخل عليه فِي ثامن رمضان مماليك مخدومه فطلبوه إلى الخدمة فجاء ودخل فِي الدِّهْليز، فأغلقوا الباب الَّذِي دخل منه، والباب الَّذِي من جهة الأمير وقتلوه، وأخرجوه.
17- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عُبَيْد [5] .
البكريّ، القُرْطبيّ، أَبُو عُبَيْد.
رَوَى عَنْ: جَعْفَر بْن مكّيّ، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وغيرهما.
وكان من أَهْل المعرفة باللّغة والأدب. وكان جَدّه أَبُو عُبَيْد عبد الله بن
__________
[ () ] إلى ابن الدهان وهم، سببه ذكر ابن خلكان لها في ترجمة المذكور، وإنما هي للشريف ضياء الدين ابن عبيد الله نقيب العلويين بالموصل. وقد ذكر ابن خلكان ترجمته في ذيل ترجمة ابن الدهان وذكر له هذه الأبيات» .
وانظر الحاشية في ديوان ابن الدّهان.
[1] في المقفى الكبير 4/ 577 «فإذا غدت» ، وفي الديوان: «فإذا مضت» .
[2] في المقفى الكبير 4/ 577 «لم أدر» .
[3] زاد في المقفى الكبير بيتا:
مدح الملوك فرى ومؤسف يوسف ... ما مدحه الوافي حديثا يفترى
والبيتان من قصيدة في الديوان- ص 51 و 52، وهما رقم 30 و 31.
[4] في إنباه الرواة 2/ 103.
[5] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 36.(41/110)
عَبْد الْعَزِيز من مفاخر الأندلس.
وهذا أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو القاسم الملاحي، وابنا حوط الله.
وتوفّي بقرطبة عَنْ أربعٍ وسبعين سنة فِي جُمادى الأولى، قاله الأبّار.
18- عَبْد الحق بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَيْن بْن سَعِيد [1] .
أَبُو مُحَمَّد الحافظ الْأَزْدِيّ، الإشبيليّ، ويُعرف أيضا بابن الخرّاط.
رَوَى عَنْ: شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي الحَكَم بْن برَّجان، وعمر بْن أيّوب، وأبي بَكْر بْن مُدير، وأبي الْحَسَن طارق، وطاهر بْن عطيّة.
وأجاز لَهُ محدِّث الشّام أَبُو القاسم بْن عساكر، وغيره.
ونزل بجايةَ وقت فتنة الأندلس بانقراض الدّولة اللَّمتُونيَّة، فبثَّ علْمه بها. وصنَّف التّصانيف، وولي الخطبة والصّلاة بها.
قَالَ الأبار [2] : وكان فقيها، حافظا، عالما بالحديث وعلله، عارفا بالرجال، موصوفا بالخير، والصّلاح، والزّهد، والورع، ولُزُوم السُّنة، والتقّلُّل منَ الدُّنْيَا، مشاركا فِي الأدب وقَوْل الشِّعْر.
وَقَدْ صنّف فِي الأحكام نسختين «كُبرى» و «صغرى» . سبقه إلى مثل
__________
[1] انظر عن (عبد الحق بن عبد الرحمن) في: بغية الملتمس للضبيّ 368، وتكملة الصلة لابن الأبّار 647، 648، وصلة الصلة لابن الزبير 4- 7، وعنوان الدراية فيمن عرف من أعيان المائة السابعة ببجاية، للغبريني (تحقيق عادل نويهض) بيروت 1979، ص 20، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 292، 293، رقم 337، وفيه وفاته سنة 582 هـ. وملء العيبة للفهري 2/ 217، 225، 277، ودول الإسلام 2/ 92، وسير أعلام النبلاء 21/ 198- 202 رقم 99، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1899، وتذكرة الحفاظ 4/ 1350- 1352، والإعلام بوفيات الأعلام 239، والعبر 4/ 243، 244، ومرآة الجنان 3/ 422، وفوات الوفيات 2/ 256، 257، والوافي بالوفيات 18/ 64، 65 رقم 58، والديباج المذهب 2/ 59- 61، والوفيات لابن قنفذ 293 (وفيه وفاته سنة 582 هـ.) ، والنجوم الزاهرة 6/ 100، وتاريخ الخلفاء 457، وطبقات الحفاظ 479، 480. وشذرات الذهب 4/ 271، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 107 رقم 1065، وكشف الظنون 19، 20، 481، ومعجم المؤلفين 3/ 92.
[2] في تكملة الصلة 647.(41/111)
ذَلِكَ أَبُو الْعَبَّاس بْن أَبِي مَرْوَان الشّهيد بَلْبَلة، فحظي عبدُ الحقّ دونه، وله «الجمع بَيْنَ الصّحيحين» مصنّف. وله مصنّف كبير فِي «الجمع بَيْنَ الكُتُب السّتّة» . وله كتاب فِي «المُعْتَلّ منَ الْحَدِيث» ، وكتاب فِي «الرّقائق» ، ومصنَّفات أُخَر.
وله فِي اللّغة كتاب حافل ضاهَى بِهِ كتاب «الغريبين» للهَرَوِيّ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ جماعة من شيوخنا.
ولد سنة عشر وخمسمائة.
وتوفّي رحِمَه اللَّه ببجَّاية بعد محنةٍ مِن قبل الوفاة فِي ربيع الآخر.
ومن شِعره:
وَاهًا لدنيا ولمغرورها ... كم شابتِ الصَّفْوَ بتكدِيرها
أَيِّ امرئ أمّن فِي سَرْبه ... ولم يَنَلْهُ سوء مقدورها
وكان ذا [1] عافيةٍ جسمُهُ ... من مَسّ بلْواها وتغييرها
وعنده بُلْغة يومٍ فقد ... حِيزَتْ إليه [بحذا] فيرها
[2] سَمِع منَ ابن عطيّة «صحيح مُسْلِم» ، عَنْ مُحَمَّد بْن بشر، عَنِ الصَّدَفيّ، عَنِ العُذْريّ، نازلا.
وذكر ابن فرتون أنّ وفاته كَانَتْ سنة اثنتين وثمانين. وقَالَ: حَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو ذرّ، وأبو الحجّاج ابن الشَّيْخ، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن يَنيمَش [3] . وحَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاس العَزَفّي [4] بسَبْتَة: كتب إليّ عَبْد الحقّ: ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن خَلَف بْن مُدير، نا أَبُو الْعَبَّاس العُذْريّ، نا مُحَمَّد بْن رَوْح بمكّة، نا الطَّبَرَانِيّ فذكر حديثا.
__________
[1] في التذكرة: «وكان في» .
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: تذكرة الحفاظ 4/ 1352.
[3] هكذا في الأصل. وفي سير أعلام النبلاء 21/ 200 «نفيمش» .
[4] العزفي: بالزاي والتحريك. انظر: المشتبه 2/ 453.(41/112)
ومن شِعره رحِمَه اللَّه تَعَالَى:
إنّ فِي الموت والمعادِ لشُغْلا ... وادّكارا لِذِي النُّهَى وبَلاغا
فاغْتَنِم خُطَّتَينْ قبل المنايا: ... صحّة الجسم يا أَخِي والفراغا
[1] قُلْتُ: وروى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد المَعَافِرِي خطيب الأندلُس [2] .
19- عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن صولة.
أَبُو القاسم الْمَصْرِيّ، المالكيّ، الكاتب المعدَّل.
حدَّث عَنِ الفقيه سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ.
وتُوُفّي فِي ذِي القِعْدة.
20- عَبْد الرَّحْمَن بْن أيّوب بْن تمّام [3] .
أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، المالِقيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْر بْن العربيّ، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وجماعة.
وكان عالما بالعربيّة، واللّغة، والآداب، مبرّزا فيها، مع مشاركة في الفقه والحديث. استوطن دانية وأقرأ بها العربيّة، وأسمع الحديث.
روى عنه جماعة.
وتُوُفّي فِي شوّال. قاله الأَبّار.
21- عَبْد الرَّحْمَن بن عبد الله بْن أحمد بْن أصْبَغ بْن الْحُسَيْن بْن سعدون بْن رضوان بْن فتّوح [4] .
__________
[1] البيتان في الوافي بالوفيات 18/ 65، وتكملة الصلة 648، وسير أعلام النبلاء 21/ 201، وفوات الوفيات 2/ 257.
[2] وقال ابن الزبير في صلة الصلة 5: «كان يزاحم فحول الشعراء، ولم يطلق عنانه في نطقه» .
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن أيوب) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 652.
[4] انظر عن (عبد الرحمن بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبار، رقم 613، وبغية الملتمس 367 رقم 1025، وإنباه الرواة 2/ 162- 164، والمطرب من أشعار أهل(41/113)
الْإِمَام الحَبْر أَبُو القاسم، وأَبُو زَيْد، ويُقَالُ أيضا أَبُو الْحَسَن، ابن الخطيب أَبِي مُحَمَّد ابْن الخطيب أَبِي عُمَر بْن أَبِي الْحَسَن الخثْعميّ السُّهَيْليّ، الأندلسيّ المالقيّ، النَّحْويّ، الحافظ، صاحب المصنَّفات.
أَخَذَ القراءات عَنْ: سُلَيْمَان بْن يَحْيَى، وبعضها عَنْ: أَبِي عليّ مَنْصُور بْن الخيّر.
وسمع: أبا عبد الله المعمّر، وأبا بكر بن العربيّ، وأبا عبد الله بن مكّيّ، وأبا عبد الله بن نجاح الذّهبيّ، وجماعة.
وأجاز له أبو عبد الله ابن أخت غانم، وغيره.
وناظر على أبي الحسين بن الطّبر في «كتاب سيبويه» . وسمع منه كثيرا من كتب اللّغة والآداب. وكُفَّ بصرُه وَهُوَ ابن سبْع عشرةَ سنة.
وكان عالما بالقراءات، واللُّغات، والغريب، بارعا فِي ذَلِكَ.
تصدَّر للإقراء والتّدريس والحديث. وبعد صيته، وجلّ قدره.
__________
[ () ] المغرب 230- 243، والمغرب في حلى المغرب (قسم الأندلس) 1/ 448، ووفيات الأعيان 3/ 143، 144، والاستقصاء 1/ 187، والوفيات لابن قنفذ 292 رقم 581، وملء العيبة للفهري 2/ 218، 322، 363، والإعلام بوفيات الأعلام 279، وتذكرة الحفاظ 4/ 1348- 1350، ودول الإسلام 2/ 92، والعبر 4/ 244، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1900، ومرآة الجنان 3/ 422، 423، ونكت الهميان 187، 188، والوافي بالوفيات 18/ 170- 172 رقم 215، والديباج المذهب 1/ 480، 483، وغاية النهاية 1/ 351، وبغية الوعاة 2/ 354 (وفيه وفاته 583 هـ.) ، وطبقات الحفاظ 478، 479، وتاريخ الخلفاء 457، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 122- 124، ونفح الطيب 3/ 41، 401، والنجوم الزاهرة 6/ 100، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 266- 269، وشذرات الذهب 4/ 271، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 245، وديوان الإسلام 3/ 107 رقم 1189، وكشف الظنون 421، وإيضاح المكنون 2/ 451، وهدية العارفين 1/ 520، والأعلام 3/ 313، ومعجم المؤلفين 5/ 147، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 109 رقم 1064.
ولم يترجم له المؤلف الذهبي- رحمه الله- في: سير أعلام النبلاء، بل ذكره عرضا فقط في جزء 21/ 130 في المتوفين سنة 581 هـ.! ثم أعاد ذكره مرة أخرى 21/ 157 وزاد أنه صاحب «الروض الأنف» . ووقع فيه «إصبغ» بكسر الهمزة، وهو غلط.(41/114)
جمع بَيْنَ الرواية والدّراية، وحمل النّاس عَنْهُ، وصنَّف «الروض الأُنُف» [1] فِي شرح «السّيرة» لابن إِسْحَاق، دلّ عَلَى تبحُّره وبراعته. وَقَدْ ذكَرَ فِي آخره أَنَّهُ استخرجه من نيفٍ وعشرين ومائة ديوان.
وللسُّهَيْليّ فِي ابن قرقول:
سَلا عَنْ سَلا أهلَ المعارف والنُّهى ... بها ودعا أمَّ الرَّباب ومَأْسَلَا
بَكَيْتُ دما أزمانَ كَانَ بسبتة ... فكيف التأسي حين منزله سلا
وقال أناس: إن في البعد سلوة ... وقد طال هذا البعد والقلب ما سلا
فليت أبا إِسْحَاق إذْ شطَّت النَّوَى ... تحيَّته الْحُسْنَى مَعَ الريح أرسلا
فعادت دبور الرّيح عندي كالصّبى ... لدى عُمَر إذا مرّ زَيْد تنسّلا
وَقَدْ كَانَ يُهديني الحديثَ مُعَنْعَنًا ... فأصبح موصول الأحاديث مُرْسَلا
وله كتاب «التَّعريف والإعلام بما أُبهِمَ فِي القرآن منَ الأسماء الأعلام» ، وكتاب «شرح آية الوصيّة» ، و «شرح الجمل» ولم يُتمّه. واستُدْعي إلى مَرّاكُش لُيسْمِع بها. وبها تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من شعْبان هُوَ والإمام أَبُو الطّاهر إِسْمَاعِيل بْن عَوْف شيخ الإسكندريّة فِي يومٍ واحد، وعاش ثنتين أَوْ ثلاثا وسبعين سنة.
قَالَ ابن خَلِّكان [2] : فَتُّوح جدّهم هُوَ الدّاخل إلى الأندلس، سَمِع منه أَبُو الخطَّاب بْن دحية.
وقَالَ: كَانَ ببلده يتسوَّغ بالعفاف، ويتبلَّغ بالكفاف، حَتَّى نما خبره إلى صاحب مَرّاكُش، فطلبه وأحسن إِلَيْهِ، وأقبل عليه. وأقام بها نحوا من ثلاثة أعوام.
وسُهَيْل قرية بالقرب من مالقة سُمّيت بالكوكب لأنه لا يُرى من جميع
__________
[1] تصحف إلى «الأنق» بالقاف، في: مرآة الجنان 3/ 422.
[2] في وفيات الأعيان 3/ 143.(41/115)
الأندلس إلّا من جبلٍ مُطِلّ عَلَى هَذِهِ القرية. ثُمَّ وجدتُ عَلَى كتاب «الفرائض» للسُّهَيْليّ أنّه ولد بإشبيليّة سنة ثمان وخمسمائة، وأنّه وُلي قضاءَ الجماعة، فحسُنت سيرته [1] .
22- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الحُسين بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو القاسم السِّبْيي، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، الرجل الصّالح المعروف بابن نُخَيْسَة الجيّار. وَلِد سنة ثمانٍ وخمسمائة.
وسمع من: سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ، وأجاز لَهُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الحَسَن بْنِ طَلْحَةَ التِّنِّيسيّ ابن النّخّاس.
روى عَنْهُ المصريّون.
قَالَ الحافظ زكيّ الدّين المنذريّ: ثنا عَنْهُ جماعة من شيوخنا. وسِبْيه:
مثل صِبْية بباء موحّدة، من قُرى عسقلان، ونُخَيْسَة والنّخّاس: بنون ثُمَّ خاء معجمة فيها. والجيّار: بجيم، ثُمَّ ياء آخر الحروف.
23- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبَّاس [3] .
أَبُو القاسم، وأبو مُحَمَّد الْجُذَاميّ، الْمُقْرِئ، نزيل سَبْتَة.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبي الْحَسَن شُرَيْح وقرأ عليه القرآن، وعلى أَبِي القاسم بْن رضا.
وتصدّر للإقراء والتّحديث.
__________
[1] وقال الضبيّ: أذن لي في الرواية عنه. توفي بحاضرة مراكش «حرست» سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. أنشدت من شعره:
أسائل عن جيرانه من لقيته ... وأعرض عن ذكراه والحال تنطق
وما لي إلى جيرانه من صبابة ... ولكنّ قلبي عن صبوح يرقق
(بغية الملتمس 367) .
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: المشتبه في الرجال 1/ 347 وقال: مات بعد سنة 580 هـ.، وتوضيح المشتبه 3/ 484، و 5/ 24، وذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- عرضا دون ترجمة 21/ 130.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن علي) في: غاية النهاية 1/ 375 رقم 1593.(41/116)
حدَّث عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَان، وأَبُو مُحَمَّد ابنا حَوْط اللَّه، وأيّوب بْن عَبْد اللَّه، وَغَيْرُهُمْ.
24- عَبْد الرّزّاق بْن نصر بْن السّلم بْن نصر [1] .
أَبوْ مُحَمَّد، وأَبُو مُسْلِم الدّمشقيّ، النّجّار، البنّاء.
سَمِع من: أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن الحسين الحِنّائيّ، وأبي الْحَسَن بْن الموازينيّ، وهبة اللَّه ابن الأكفانيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي العلاء، وأبي الْحَسَن بْن مُسْلِم الفقيه، وعبد الرَّحْمَن بْن صابر.
ووُلِد في سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في سادس ربيع الآخر.
رَوَى عَنْهُ: عَبْد القادر الرّهاويّ، وعبد اللَّه بْن الخُشُوعيّ، وأَبُو المعالي أَحْمَد بْن الشّيرازيّ، والشّمس مُحَمَّد بْن عَبْد الهادي المقدسيّ، والأمين أَبُو الغنائم سالم بْن صَصْرى، والتّاج مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر القُرْطُبيّ، وآخرون.
25- عَبْد الصَّمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي الوفاء عَبْد الغفّار [2] .
أَبُو المظفّر الكُلاهينيّ، الزَّنْجانيّ، الصُّوفيّ، الواعظ المعروف بالبديع.
وعظ ببغداد دهرا، وأخذ الوعظ عَنْ أَبِي النّجيب السّهرورديّ وصحبه.
وحدّث ب «مسند» أَحْمَد كلّه عَنِ ابن الحُصَيْن.
وروى أيضا عَنْ: زاهر الشّحّاميّ.
قَالَ ابن الدَّبيثيّ: وكان لَهُ رباط بقراح القاضي يجلس فِيهِ، وعنده جماعة منَ الفقراء.
قُلْتُ: وقرأ عليه الحافظ أبو بكر الحازمي «المسند» .
__________
[1] انظر عن (عبد الرزاق بن نصر) في: العبر 4/ 244، وسير أعلام النبلاء 21/ 130 (دون ترجمة) وكذا 1/ 157، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1901، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وتذكرة الحفّاظ 4/ 1336. وذيل التقييد 2/ 120، 121 رقم 1273، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وشذرات الذهب 4/ 271.
[2] انظر عن (عبد الصمد بن الحسين) في: طبقات الشافعية الكبرى 7/ 170، 171، والوافي بالوفيات 18/ 444 رقم 465.(41/117)
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر. وكان ذا تعبُّدٍ وتألُّهٍ.
26- عُبَيْد اللَّه بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن نجا بْن شاتيل [1] .
أَبُو الفتح الْبَغْدَادِيّ، الدّبّاس.
سَمِع: أَبَاه، والْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن البُسْريّ، وأبا غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الباقِلّانيّ، وأحمد بْن المظفّر بْن سُوسَن، وأبا الْحَسَن بْن العلَّاف، وانفرد عَنْهُمْ سوى أَبِيهِ، وأبا سعد بْن خُشَيْش، وأبا القاسم عَلِيّ بْن الْحَسَن الرَّبَعيّ، وَأُبَيًّا النَّرْسِيّ، وأبا عَلِيّ بْن نبهان، وطائفة.
ووُجد سماعه منقولا بخطّ أَبِي بَكْر بْن كامل عَلَى جزء الإفْك، من أَبِي الخَطَّاب بْن البَطِر سنة تسعينٍ وأربعمائة، فسمعه عليه قوم، فإنْ كَانَ سماعه صحيحا فتاريخه غَلَط، وإنْ كَانَ تاريخه صحيحا فيكون لأخٍ لَهُ باسمِه مات.
قَالَ ابن النّجّار [2] : مَعَ أن أكثر أصحاب الْحَدِيث أبطلوا سماعه منَ ابن البَطِر، فَإنَّهُ ذكر أنّ مولده سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
وقَالَ بعضهم عَنْهُ إنَّه وُلِد سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ مَعَ تقدُّمه، وابن الأخضر، والشّيخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرحمن، والعزّ محمد ابن الحافظ، وأبوه، وسالم بْن صَصْرى، ومُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الحمّاميّ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن بقاء السّبّاك، وفضل اللَّه الجيليّ، وخلْق كثير.
__________
[1] انظر عن (عبيد الله بن عبد الله) في: مشيخة النعّال 3، 74، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 92، 93، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 166، وتاريخ إربل لابن المستوفي 98، 261، 293، 346، وتلخيص مجمع الآداب 1/ 320، و 2/ 879، والمختصر المحتاج إليه 2/ 181- 183 رقم 825 وفيه «شابيل» وهو تحريف، والعبر 4/ 244، 245، ودول الإسلام 2/ 92، وسير أعلام النبلاء 21/ 117، 118 رقم 68، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1902، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وتذكرة الحفاظ 4/ 1336، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وشذرات الذهب 4/ 272 وفيه «شابيل» وهو تصحيف، وتاريخ علماء المستنصرية 1/ 231.
[2] في التاريخ المجدّد 93.(41/118)
وكان مُسْنِد بغداد فِي عصره. وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة الزّين أَحْمَد بْن عَبْد الدّائم.
قَالَ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد القَطِيعيّ: سَأَلْتُهُ عَنْ مولده فَقَالَ: فِي ذِي الحجّة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
وتُوُفّي فِي العشرين من رجب. ووقع لَهُ حديثٌ بينه وبين أَبِي دَاوُد السّجِسْتانيّ، فِيهِ ثلاثة أنفس [1] .
27- عُبَيْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن غَلَنْدَة.
أَبُو الحَكَم الأندلسيّ، مَوْلَى بني أُميَّة.
نزل إشبيليَّة، وكان شاعرا، طبيبا، ماهرا، بارع الخطّ. نقل خطّه الكثير.
وطال عُمره.
وتوفّي بمَرّاكُش.
28- عساكر بْن عَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل بْن نصر [2] .
أَبُو الجيوش الْمَصْرِيّ المولد، الخَنْدقيّ المنشأ، الْمَصْرِيّ الْمُقْرِئ، النَّحْويّ، الشافعيّ، المعدَّل.
وُلِد سنة تسعين وأربعمائة، وأخذ القراءات عَنْ: أَبِي الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن شُمول الْمُقْرِئ، وعليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن القاسم الْحَضْرَمِيّ نِفْطوَيْه، وأبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن أغلب النَّحْويّ، والشّريف الخطيب.
وسمع من: مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرَّازيّ. وتفقَّه عَلَى قاضي القضاة مجلّي بن جميع.
__________
[1] انظر: مشيخة النعّال 74.
[2] انظر عن (عساكر بن علي) في: تكملة إكمال الإكمال 247، 248، وتذكرة الحفاظ 4/ 1336، ومعرفة القراء الكبار 2/ 552، 553 رقم 503، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 130 (دون ترجمة) ، وغاية النهاية 1/ 512 رقم 2116، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وحسن المحاضرة 1/ 496.(41/119)
وقرأ العربيّة عَلَى ابن برّي، وغيره. وتصَّدر للإقراء بدار العلم وبالجامع الظّافريّ [1] . وانتفع بِهِ الناسُ. أَخَذَ عَنْهُ عَلَم الدّين السَّخَاوي، وجماعة.
وتُوُفّي فِي تاسع المحرَّم. وكان صالحا خيِّرًا.
29- عصمة الدِّين [2] .
الخاتون المحترمة بِنْت الأمير معين الدّين أُنُز [3] . زَوْجَة السّلطان نور الدّين، ثُمَّ زوجة السّلطان صلاح الدّين. تزوّج بها صلاح الدّين فِي سنة اثنتين وسبعين، وكانت من أعفّ النّساء وأجلّهن، وأوفرهنّ حشمة. وهي واقفة المدرسة الخاتونيَّة بمحلّة حجر الذَّهب بدمشق، والخانقاه [4] الخاتونيَّة الّتي عَلَى بانياس [5] .
أمّا الخاتونيّة الّتي فِي آخر الشرَف القِبليّ فمنسوبة إلى زُمُرُّد خاتون بِنْت جاولي أخت الملك دُقاق لأمّه، وزوجة أتابَك زنكي والد نور الدّين.
توُفّيت عصْمةٌ الدّين بدمشق فِي ذِي القعدة، وتُعرف بالخاتون العِصميَّة، ودُفِنَت بتُربتها المنسوبة إليها بقاسيون قِبليّ قبَّة شركس [6] ، ومنارتها كلّها حجر.
30- عُمَر بْن عَبْد المجيد بْن عُمَر بْن حُسَيْن [7] .
__________
[1] قال ابن الجزري: الجامع الظافري هو الّذي بسوق الشّوايين من القاهرة، ويعرف اليوم بجامع الفاكهانيين.
[2] انظر عن (عصمة الدين) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 385، والعبر 4/ 245، والدارس في تاريخ المدارس 1/ 74 و 388- 390، البداية والنهاية 12/ 295، وشذرات الذهب 4/ 274.
[3] هكذا في الأصل، بالزاي، وهو يرد أيضا بالراء.
[4] في الأصل: «الخانقة» .
[5] في الدارس 1/ 389 ظاهر باب النصر في أول الشرف القبلي على بانياس.
[6] في الأصل: «سركس» بالمهملتين. وترد «جركس» .
[7] انظر عن (عمر بن عبد المجيد) في: معجم البلدان 5/ 239، والإعلام بوفيات الأعلام 240، وسير أعلام النبلاء 21/ 157 (دون ترجمة) ، والعبر 4/ 245، والعقد الثمين 6/ 334، وشذرات الذهب 4/ 272، وكشف الظنون 1575، ومعجم المؤلفين 7/ 295.(41/120)
أَبُو حَفْص الْقُرَشِيّ، العَبْدَريّ، الميانِشِيّ [1] ، شيخ الحرم.
حدَّث عَنِ: القاضي أَبِي المظفَّر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الشَّيْبَانِيّ الطّبريّ، وأَحْمَد بْن مَعَد الأقليشيّ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ المازريّ، وأبي طاهر السِّلَفيّ.
ولقي أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرّازيّ وفَرَّط بِهِ، فأكثر ما عمل أَنَّهُ تناول منه «سُداسيّاته» .
رَوَى عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَرَميّ، وجماعة. وآخر من حدَّث عَنْهُ صدر الدّين أَبُو عليّ البكْريّ.
توفّي بمكَّة فِي جُمادى الأولى.
وكان محدِّثًا متقِنًا صالحا، صنَّف جزءا فِي «ما لا يسع المحدّث جهلُه» .
- حرف الفاء-
31- الفضل بْن الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم بْن سُلَيْمَان [2] .
أَبُو المجد الحِمْيَريّ، البانياسيّ، الرئيس عفيف الدّين.
من كبار شيوخ دمشق. وُلد بها فِي رجب سنة خمس وتسعين وأربعمائة. وَهُوَ آخر من حدَّث عَنْ أَبِي القاسم الكِلابيّ.
وحدّث أيضا عَنْ: أَبِي الْحَسَن عليّ، وأبي الفضل مُحَمَّد ابني الحسن بن الموازينيّ، وغيرهم.
__________
[1] الميانشي: نسبة إلى ميانش قرية من قرى المهدية بإفريقية. (معجم البلدان 5/ 239) وقد تصحفت إلى «الماشي» في شذرات الذهب 4/ 272.
[2] انظر عن (الفضل بن الحسين) في: العبر 4/ 245، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1903، والإعلام بوفيات الأعلام 239، 240، وسير أعلام النبلاء 21/ 130 (دون ترجمة) وفيه أثبته محقّقاه الدكتور بشار عواد معروف، والدكتور محيي هلال السرحان «المفضّل» وهو وهم، وقد أعيد ذكره مرة أخرى على الصحيح «الفضل» 1/ 157 دون ترجمة أيضا، ولم يتنبّه المحقّقان الفاضلان إلى ذلك، فليراجع، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وشذرات الذهب 4/ 273.(41/121)
روى عنه: موفّق الدّين الحنبليّ، والبهاء عبد الرّحمن، والحافظ الضّياء، وعبد الرحمن بن أبي حرميّ المكّيّ، وآخرون.
وتوفّي في سابع شوّال.
ولم يكن من بانياس، وإنّما خزن مرّة رزّا كثيرا من بانياس، فكان الرّزّازون يَقُولُ أحدهم: اذهبوا بنا نشتري منَ البانياسيّ. وَإِلَيْهِ يُنسبُ الدَّرْب الَّذِي فِي الكَتّانيّين.
- حرف الميم-
32- مُحَمَّد بْن الملك أسد الدين شيركوه بْن شاذي بْن مَرْوَان [1] .
الملك القاهر ناصر الدّين، صاحب حمص، ابن عم صلاح الدّين.
تُوُفّي بحمص يوم عَرفة، وقت الوقفة، بمرضٍ حادّ مزعج، وتملَّك حمصَ بعدَه ولده الملك المجاهد أسد الدّين شِيركُوه فطالت أيّامه.
وكان السّلطان صلاح الدّين قَدْ مرض فِي هَذِهِ السّنة بحرّان فِي شوّال حَتَّى اشتدّ مرضه وأوصى، فسار من عنده ناصر الدّين مُحَمَّد واجتاز بحلب، وأخذ جماعة منَ الأحداث وأعطاهم مالا ووعدهم، وقِدم حمصَ فكاتبَ أَهْل دمشق بأن تكون لَهُ دمشق إن مات ابن عمّه.
ثُمَّ عوفي صلاح الدّين.
وقيل إنَّه سكر فقتله الخمر، وقيل ابن عمّه سقاه سُمًّا، ونقلته زوجته بِنْت عمّه ستّ الشّام بِنْت أيّوب إلى تربتها بمدرستها الشّامية بظاهر دمشق، ودفنته عند أخيها شمس الدّولة توران شاه.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أسد الدين) في: زبدة الحلب 3/ 83، ومفرّج الكروب 2/ 174، وديوان ابن الدهان 86، والروضتين 2/ 77، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 385، 386، والدرّ المطلوب 80، وسير أعلام النبلاء 21/ 143، 442 رقم 72، والعبر 5/ 246، ودول الإسلام 2/ 92، والبداية والنهاية 12/ 316، والوافي بالوفيات 3/ 154، والعسجد المسبوك 2/ 195، والسلوك ج 1 ق 1/ 90، والنجوم الزاهرة 6/ 99، وشذرات الذهب 4/ 273.(41/122)
وكان موصوفا بالشّجاعة والإقدام، لَهُ نفْسٌ أَبيَّة، وهمّة أيّوبيَّة.
قَالَ ابن واصل: شرب خمرا فأكثر منها فأصبح ميتا. فأقطع السّلطان لولده الملك المجاهد وله اثنتا عشرة سنة، فتملّك حمص بضْعًا وخمسين سنة.
وذُكِر العماد الكاتب أنّ التَّرِكَة بلغت ما قيمته ألف ألف دينار.
33- مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الوهَّاب بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ [1] .
الحافظ أَبُو سعْد الأصبهانيّ، الصّائغ.
وُلِد سنة سَبْعٍ وتسعين وأربعمائة.
وسمع من: أَبِي القاسم غانم البُرْجيّ، وأبي عليّ الحدّاد، وحمزة بْن الْعَبَّاس العَلَويّ، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وصاعد بْن سيّار الدّهان، وأبي عدنان مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، وطائفة.
ورحل إلى الجبال، وفارس، وخُوزستان. وسمع بَهَمَذَان من:
جُميع بْن الْحَسَن، وأبي طاهر مُحَمَّد بْن عَبْد الغفّار، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الحافظ.
سَمِع بشيراز من: أَبِي مَنْصُور عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الخطيب، وأبي الفتح هبة اللَّه بْن الْحَسَن، وجماعة.
وَسَمِع بالأهواز من: أَبِي القاسم عبد الْعَزِيز بْن الْحُسَيْن.
وحدَّث وخرَّج. وَقَدْ كتب عَنْهُ من أماليه الحافظ أَبُو سعد السّمعانيّ.
وروى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، والفقيه أَبُو نزار ربيعة اليمنيّ.
وبالإجازة: كريمة، وابن اللَّتّيّ.
وتُوُفّي فِي الثاني والعشرين من ذِي القعدة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الواحد) في: المعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1905، والإعلام بوفيات الأعلام 240، والعبر 4/ 246، وسير أعلام النبلاء 21/ 129، 130، رقم 64، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وشذرات الذهب 4/ 273.(41/123)
34- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو الفوارس، العجليّ، اليعقوبيّ.
ولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
وسمع من: مُحَمَّد بْن طِراد، وعَلِيّ بْن الصّبّاغ.
وحدَّث.
35- مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عُمَر بْن أَبِي عِيسَى أَحْمَد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد [2] .
الحافظ الكبير أَبُو مُوسَى المدينيّ، الأصبهانيّ.
صاحب التّصانيف وبقيَّة الأعلام.
وُلِد فِي ذِي القعدة سنة إحدى وخمسمائة.
وسَمِع حضورا فِي سنة ثلاثٍ باعتناء والده من: أَبِي سعد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المطرِّز، ومات المطرّز في شوّال سنة ثلاث وخمسمائة.
وسمع من: أَبِي مَنْصُور مُحَمَّد بْن عَبْد الله بن مندويه الشّروطيّ، وغانم
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 132 رقم 360.
[2] انظر عن (محمد بن أبي بكر) في: الروضتين 2/ 68، ووفيات الأعيان 4/ 286، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 2/ 98- 100 رقم 311، والمختصر المحتاج إليه 1/ 83- 85، والمختصر في أخبار البشر 3/ 70، والعبر 4/ 246، ودول الإسلام 2/ 92، وسير أعلام النبلاء 21/ 152- 159 رقم 78، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1906، وتذكرة الحفاظ 4/ 1234- 1236، والإعلام بوفيات الأعلام 240، وتاريخ ابن الوردي 2/ 95، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 30، 31 رقم 23، ومرآة الجنان 3/ 423، 440، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 90، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 439، 440، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) 142 ب، 143 أ، والبداية والنهاية 12/ 318، والوافي بالوفيات 4/ 246، 247، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 373، 374 رقم 342، وغاية النهاية 2/ 215، 216، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 21، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وتاريخ الخلفاء 457، وشذرات الذهب 4/ 373، وكشف الظنون 89، وإيضاح المكنون 1/ 472، وهدية العارفين 2/ 100، وديوان الإسلام 4/ 196، 197 رقم 1927، والأعلام 6/ 313، ومعجم المؤلفين 11/ 76.
وقد أضاف محقّقا سير أعلام النبلاء الدكتور بشار عوّاد معروف، والدكتور محيي هلال السرحان إلى المصادر كتابي: «الأنساب» لابن السمعاني، و «اللباب» لابن الأثير، وليس فيهما ذكر لصاحب الترجمة، فليراجع.(41/124)
البُرْجيّ، وأبي عليّ الحدّاد، وأبي الفتح مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه خوروست، وأبي الفتح مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشّرابيّ بليزة، وأبي الرجاء مُحَمَّد بْن أَبِي زَيْد الجردانيّ، ومُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن المطهّر العدنانيّ، وأبي الفضل مُحَمَّد بْن طاهر الحافظ، ومُحَمَّد بْن الفضل القرابيّ القصّار، وأبي الرجاء أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن مَنْدَهْ، وإِبْرَاهِيم بْن أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبروَيْه، وإِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي ذرّ الصّالحانيّ، وإِسْمَاعِيل بْن الفضل الإخشيد، وأبي القاسم إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن الفضل الحافظ وبه تخرَّج وَهُوَ أستاذه، وإسحاق بْن أَحْمَد الراشتينانيّ [1] ، وتميم بْن عَلِيّ الواعظ، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وحمزة بْن الْعَبَّاس العَلَويّ، وأبي شكر حمد بْن عَلِيّ الحبّال، وحبيب بْن أَبِي مُسْلِم الزَّاهد، ورجا بْن إِبْرَاهِيم الخباز، وطَلْحَة بْن الْحُسَيْن الصّالحانيّ، وطاهر بْن أَحْمَد البزّار، وأبي نَهْشَل عَبْد الصّمد بْن أَحْمَد العنْبري، وعبد الكريم بْن عَلِيّ بْن فُورجة، وعَبْد الواحد بْن مُحَمَّد الدَّشْتَج، وعُثْمَان بْن عَبْد الرحيم اللّبيكيّ النَيْسابوريّ، وعليّ بْن عَبْد اللَّه النَيْسابوريّ الواعظ يرويان عَنِ ابن مسرور، وغانم بْن عَلِيّ العَطَّار مشكة، ومحمود بن إسماعيل الصّيرفيّ الأشقر، ونصر بن أبي القاسم الصّبّاغ، ونوشروان بن شيرزاد الدّيلميّ، وهبة الله بن الحسن الأبرقوهيّ، وهبة الله بن الحصين، سَمِع منه «المسند» ، وهبة اللَّه بن الطّبر الحريريّ، وهادي بْن إِسْمَاعِيل العَلَويّ، والهيثم بْن مُحَمَّد المعدانيّ، ويحيى بْن عَبْد الوهَّاب بْن مَنْدَهْ الحافظ، وخُجسْتَه بِنْت عَلِيّ بْن أَبِي ذرّ، ودَعْجاء بِنْت أَبِي سهل الكاغديّ، وفاطمة الْجُوزدانيَّة، وأبي العزّ بْن كادش، وخلْق كثير ببلده، وببغداد، وهَمَذَان.
وصنّف التّصانيف النَّافعة. وكان واسع الدّائرة فِي معرفة الْحَدِيث، وعلله، وأبوابه، ورجاله، وفنونه، ولم يكن فِي وقته أحدٌ أحفظ منه، ولا أعلم، ولا أعلى [2] سندا ممّن يعتني بهذا الشّأن.
__________
[1] الراشتيناني: الشين معجمة ثم التاء المثنّاة من فوقها وياء آخر الحروف ساكنة ونون وآخره نون، من قرى أصبهان. (معجم البلدان) .
[2] في الأصل: «أعلا» .(41/125)
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [1] : عاش حَتَّى صار أوحَدَ وقته وشيخ زمانه إسنادا وحِفْظًا.
وقَالَ أَبُو سعد السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه وكتب عنّي، وَهُوَ ثقة صدوق.
قُلْتُ: وروى عَنْهُ: الحافظ مُحَمَّد بْن مكّيّ، وعبد العظيم بْن عَبْد اللّطيف الشّرابيّ، والْحَسَن بْن أَبِي مَعْشر الأصبهانيّ، والنّاصح بْن الحنبليّ، وأَبُو نجيح مُحَمَّد بْن مُعَاوِيَة مقرئ أصبهان، وخلْق كثير.
وبالإجازة: الفقيه مُحَمَّد اليُونينيّ [2] ، وعَبْد اللَّه بْن الخُشوعيّ، وآخرون.
وكانت رحلته إلى ابن الحصين سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
ثُمَّ قدِم بغداد ثانيا فِي سنة اثنتين وأربعين، وعاد إلى بلده وأقبل عَلَى التَّصنيف والإملاء وتعليم العِلم والأدب.
ومن مصنَّفاته الكتاب المشهور فِي «تتمَّة معرفة الصّحابة» الَّذِي ذيَّل بِهِ عَلَى أَبِي نُعَيْم [3] ، يدلّ عَلَى تبحّره وحِفْظه، وكتاب «الطّوالات» مجلّدان، وكتاب «تتمَّة الغريبين» يدلّ عَلَى براعته فِي اللّغة والغريب، وكتاب «الوظائف» ، وكتاب «اللّطائف» ، وكتاب «عوالي التّابعين» ، وغير ذَلِكَ.
وعَرَض من حِفْظه كتاب «علوم الْحَدِيث» للحاكم عَلَى إِسْمَاعِيل الحافظ.
قَالَ الحافظ عَبْد القادر إنّ أبا مُوسَى حصّل منَ المسموعات بأصبهان خاصّة ما لَمْ يحصل لأحدٍ فِي زمانه فيما أَعْلم، وانضمّ إلى كثرة مسموعاته الحِفْظ والإتقان. ولَهُ التَّصانيف الّتي أربى فيها عَلَى تصانيف بعض من تقدَّمه، مَعَ الثّقة فيما يَقُولُ، وتعفّفه الَّذِي لم نره لأحد من حفّاظ الحديث في زماننا له شيء سير يتربّح به وينفق منه، ولا يقبل من أحد شيئا قطّ، حتى إنّه كان
__________
[1] في ذيل تاريخ بغداد 2/ 100.
[2] اليونيني: نسبة إلى بلدة يونين قرب بعلبكّ.
[3] توجد نسخة مخطوطة من «معرفة الصحابة» لأبي نعيم، في المكتبة الظاهرية، رقم 2344 حديث.(41/126)
ببعض قرى أصبهان رجل من أهل العلم والدّين أراد أن يحجّ حجّ نافلة، فجاء جماعة إلى الحافظ أَبِي مُوسَى فسألوه أن يشفع إِلَيْهِ فِي قعوده عَنِ الحجّ لما يرجون منَ الانتفاع بإقامته، فخرج معهم إلى القرية راكبا عَلَى حمار، فأجابه إلى ذَلِكَ، فحملوا إلى أَبِي مُوسَى شيئا منَ الذَّهب، فلم يقبله. فقالوا: فرِقه فِي أصحابك. قَالَ: فرِّقوه أنتم إن شئتم.
وحدَّثني بعضُ مَن رحل بعدي إلى أصبهان أنّ رجلا منَ الأغنياء أوصى إلى الشَّيْخ أَبِي مُوسَى بمالٍ كثيرٍ يفرّقه فِي البرّ، فلم يقبل، وقَالَ: بل أوصي إلى غيري، وأنا أدلّك إلى مَن تدفعه إِلَيْهِ. ففعل.
وفيه منَ التَّواضع بحيث أَنَّهُ يُقْرئ كُلّ من أراد ذَلِكَ من صغير وكبير، ويرشد المبتدءين، حَتَّى رَأَيْته يحفّظ صبيانا القرآن فِي الألواح. ولا يكاد يستتبع أحدا إذا مضى إلى موضع، حَتَّى إنّني تبعته مرَّةً فَقَالَ: ارجِع. ثُمَّ تبِعتُه، فالتفت إليَّ مُغضبًا وقَالَ لي: ألم أقُلْ لك لا تمش خلفي، أنتَ إذا مشيت خلفي لا تنفعني. وتبطل عَنِ النَّسْخ، وتردّدتُ إِلَيْهِ نحوا من سنة ونصف، فَمَا رَأَيْت منه ولا سَمِعْتُ عَنْهُ سَقْطةً تُعاب عليه.
وقَالَ مُحَمَّد بْن محمود الرُّوَيْدَشْتيّ [1] : تُوُفّي الحافظ أَبُو مُوسَى فِي تاسع جُمادى الأولى، وكان أَبُو مَسْعُود كُوتاه الحافظ يَقُولُ: أَبُو مُوسَى كنزٌ مَخْفِيّ.
وقَالَ الْحُسَيْن بْن يَوْحن [2] الباورّيّ [3] : كنتُ فِي مدينة الخان [4] فجاءني رَجُل فسألني عَنْ رؤيا قَالَ: رَأَيْت كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفّي. فقلت: هَذِهِ رؤيا الكبار، وإنْ صَدَقَتْ رؤياك يموت إمام لا نظير لَهُ فِي زمانه. فَإِن هَذَا المنام رُئِيَ حالةَ وَفاة الشّافعيّ، والثّوريّ، وأحمد بن حنبل.
__________
[1] الرّويدشتيّ: نسبة إلى رويدشت. (معجم البلدان) ويقال لها أيضا: «روذدشت» قرية من قرى أصبهان. وقد تصحّفت في طبقات الشافعية الكبرى إلى «الرويدني» .
[2] في تذكرة الحفاظ «يوحز» ، وسيأتي برقم (251) في وفيات 587 هـ. ثم برقم (292) في وفيات 588 هـ.
[3] الباورّي: نسبة إلى باورّ موضع باليمن.
[4] الخان: موضع بأصبهان.(41/127)
قَالَ: فَمَا أمسينا حَتَّى جاءنا الخبر بوفاة الحافظ أَبِي مُوسَى.
وعن عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد الخُجَنْدِيّ قَالَ: لمّا مات أَبُو مُوسَى لَمْ يكادوا ينزعون حَتَّى جاء مطر عظيم فِي الحَرّ الشّديد، وكان الماء قليلا بأصبهان، رحِمَه اللَّه.
36- مُحَمَّد بْن مُنْجح بْن عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو شجاع الفقيه الشّافعيّ، الصُّوفيّ الواعظ.
تُوُفّي ببغداد فِي ربيع الأوّل. وكان مولده في سنة خمس وخمسمائة.
وسمع من قاضي المَرِسْتان.
وتفقّه عَلَى: أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر الشّاشيّ، وأجاز لَهُ ابن طاهر المقدسيّ.
وله شِعر حَسَن.
وتفقَّه أيضا بالجزيرة عَلَى الأستاذ أَبِي القاسم البزريّ، وخرج إلى الشّام. ووُلي قضاء بِعْلَبَكّ، ثُمَّ عاد إلى بغداد.
ومن شِعره:
سلام عَلَى وادي الغضا ما تناوحَتْ ... عَلَى ضفّتيه شَمْألٌ وجنوبُ
أُحمِّلُ أنفاسَ الخُزَامَى تحيَّةً ... إذا آنَ منها بالعشِيّ هبوبُ
لَعَمْري لئن شطَّت بنا غُرْبَةُ النَّوَى ... وطالت صروفٌ دوننا وخطوبُ
وما كُلّ رملٍ جئته رملُ عالجٍ ... ولا كُلّ ماء عمْتَ فِيهِ مشروبُ
رعى اللَّه هَذَا الدَّهْر كُلّ محاسني ... لديه وإن كثّرتهنّ ذنوب
[2]
__________
[1] انظر عن (محمد بن منجح) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 143، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 186 أو 6/ 401، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 112، 113، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 143 ب، والوافي بالوفيات 5/ 65، 66، وكتابنا موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 4/ 213، 214 رقم 1222.
[2] ومن شعره أيضا:
عذيري من زمن كلّما ... شددت عرى أملي حلّها(41/128)
وكان رحِمَه اللَّه فِيهِ مِزاح ودُعابة، طاب وعْظُه لأهل واسط لمّا دخلها، فسألوه أن يجلس فِي الأسبوع مرَّتين، فكان كلّما عيَّن يوما يحتجّون بأنّ القرّاء يكونون مشغولين، فَقَالَ: لو عرفتُ هَذَا كُنْت جئت معي بيومٍ من بغداد.
توفّي ببغداد في ثامن عشر ربيع الأوّل.
37- الْمُبَارَك بْن فارس.
أَبُو مَنْصُور المّاوَرْدِيّ.
حدَّث بدمشق فِي هَذِهِ السّنة عَنْ قاضي المَرِسْتان بنسخة الْأَنْصَارِيّ.
سَمِع منه: بَدَل التّبريزيّ.
38- محمود بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو الفتح المحموديّ الْبَغْدَادِيّ الجعفريّ الصُّوفيّ، ابن الصّابونيّ.
من ساكني الجعفريّة، كَانَ من أجلّاء الشّيوخ. ولد سنة خمسمائة تقريبا، وقرأ بالروايات عَلَى أَبِي العزّ القلانسيّ.
وسَمِع الْحَدِيث من: أبي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي بَكْر المزرفيّ، وعليّ بْن الْمُبَارَك بْن نَغُوبا، وأبي البدر الكَرْخيّ.
وصحِب: أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن مهديّ الْبَصْرِيّ الصُّوفيّ، وحَمَّاد بْن مُسْلِم الدّبّاس.
وكان لَهُ رباط ببغداد. ثُمَّ إنَّه سافر إلى مصر وسكنها، وروى بها الكثير. وحدَّث عَنْهُ: ابنه عَلَم الدّين، وابن المفضّل الحافظ، وجماعة.
__________
[ () ]
عرائس فكري قد عنست ... لأني عدمت لها أهلها
ونفسي تنهل من مورد ... ترى الموت في الورد إن علّها
عليها من الدهر أثقاله ... ولا يغلط الدهر يوما لها
[1] انظر عن (محمود بن أحمد) في: الروضتين 2/ 68، والمختصر المحتاج إليه 3/ 181، وسير أعلام النبلاء 21/ 163، 164 رقم 81، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 22، وشذرات الذهب 3/ 283.
وانظر مقدمة كتاب «تكملة إكمال الإكمال» للدكتور مصطفى جواد، ص 34 م. وما بعدها.(41/129)
ولقبُه جمال الدّين. وَهُوَ منسوب إلى جدّ أُمّه شيخ الْإِسْلَام أَبِي عُثْمَان الصّابونيّ، وقيل لجدّه أَبِي جَعْفَر عَلِيّ بْن أحمد المحموديّ، لاتّصاله بالسّلطان محمود بن محمد بن ملك شاه.
ولمّا قدِم أبو الفتح هَذَا دمشق نزل إلى زيارته السّلطان نور الدّين محمود، وسأله الإقامة بدمشق، فذكر لَهُ قصْده زيارة الشّافعيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فجهّزه صُحبة الأمير نجم الدّين أيّوب عند ما سار إلى ولده صلاح الدّين، وصار بينه وبَيْنَ نجم الدّين مودّة أكيدة، ومحبّة عظيمة، فكان السّلطانان النّاصر والعادل يرعيانه ويحترمانه.
وَقَدْ كتب الشَّيْخ الزَّاهد عُمَر الملّا الْمَوْصِلِيّ كتابا إلى ابن الصّابونيّ هَذَا يطلب منه الدّعاء.
تُوُفّي فِي الثّامن والعشرين من شعبان.
39- مظفَّر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق [1] .
أَبُو سعد الْبَغْدَادِيّ، النّجّار، المعبّر الرؤيا، ويُعرف بالحُجَّة.
كَانَ مشهورا بالكلام العجيب، وَقد سمع الكثير من: عَبْد القادر بْن مُحَمَّد بْن يوسف، وابن الحُصَيْن، وزاهر الشّحّاميّ [2] .
رَوَى عَنْهُ: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخيّاط، وغيره [3] .
وتُوُفّي فِي شوّال عَنْ سبعٍ وسبعين سنة [4] .
40- مُوسَى بْن عَبْد اللَّه بْن هلْوات [5] .
أَبُو عِمْرَانَ الْجُذَاميّ، النّاتليّ، الْمَصْرِيّ، الفقيه الشّافعيّ، المقرئ، الضّرير.
__________
[1] انظر عن (مظفّر بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 193 رقم 1210.
[2] قال ابن الدبيثي: وكان سماعه صحيحا على تسامح فيه.
[3] وقال ابن الدبيثي: وأجاز لي.
[4] كان مولده في شعبان سنة 504 هـ.
[5] انظر عن (موسى بن عبد الله) في: طبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 144 ب.(41/130)
قرأ القرآن عَلَى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الكيزانيّ، وعَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن نِفْطوَيْه.
وسمع من: مُنْجب المُرْشديّ.
وتفقّه عَلَى: القاضي المجلّيّ بْن جُمَيْع المخزوميّ.
رَوَى عَنْهُ: ابنه وحَرَميّ، وجماعة.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ذِي القعدة.
- حرف النون-
41- نور الدّين [1] .
صاحب آمِد وحصن كِيفا. اسمه مُحَمَّد بْن قُرا رسلان بْن داوة.
تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة، وتملّك بعده ابنه قُطْب الدّين سُقْمان، وَزَرَ لَهُ القوام بْن سماقا الأسْعرديّ. فبادر سُقمان إلى خدمة السّلطان صلاح الدّين وَهُوَ يحاصر ميّافارقين، فأقرّه عَلَى ملك بلاده، وأنْ يصدر عَنْ أمره ونهيه.
ثُمَّ إنّ قطب الدّين سكمان قتل غيلة فِي رمضان منَ السّنة.
- حرف الياء-
42- يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ [2] .
القاضي أَبُو الْحُسَيْن الْمَصْرِيّ، الخيْميّ، الْمُقْرِئ، نائب الحكم بمصر.
رَوَى عَنْ: أَبِي طَالِب عَبْد الجبّار بْن مُحَمَّد المَعَافِرِي، وغيره [3] .
43- يوسف بْن المظفّر بْن فاخر [4] .
__________
[1] انظر عن (نور الدين) في: الكامل في التاريخ 11/ 514، 515، والفتح القسّيّ 213، 566.
[2] انظر عن (يحيى بن إبراهيم) في: غاية النهاية 2/ 364، 365 رقم 3819.
[3] وقع في غاية النهاية 2/ 365 «مقريء مصدّر بجامع مصر، قرأ على (بياض) قرأ عليه بالسبع عبد العزيز بن سحنون، مات في حدود الستين وخمسمائة» . وأقول: اختلطت ترجمة «يحيى بن إبراهيم» هذا بغيره كما هو واضح من تاريخ الوفاة.
[4] انظر عن (يوسف بن المظفّر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 236 رقم 1329، وتلخيص(41/131)
أَبُو الحَجَّاج الْبَغْدَادِيّ، الْمُقْرِئ، نزيل واسط.
قرأ القراءات عَلَى جماعة بواسط، منهم: أَبُو الفتح بْن زُرَيق، وأبو يَعْلَى بْن تركان.
وببغداد عَلَى: أَبِي مُحَمَّد سبْط الخياط، وأبي الكَرَم الشّهْرَزُوريّ.
وأقرأ النّاس مدّة. وكان بارعا فِي الفنّ، حُلْو التّلاوة، مجوِّدًا.
ويُعرف بغلام كنينيّ.
تُوُفّي فِي أوّل ذِي الحجّة.
44- يُونُس بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن هِبة اللَّه [1] .
أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ، والد الوزير أَبِي المظفّر عبيد الله بْن يُونُس كَانَ متديِّنًا، حَسَن الطّريقة، توكّل لوالدة الخليفة [2] .
وحدَّث عَنْ: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي مَنْصُور القزّاز.
[مواليد السنة]
وفيها وُلد: قاضي قُوص صالح بْن الْحُسَيْن الجعفريّ الزّيْنبيّ، وله تواليف.
والعلّامة زكيّ الدّين عَبْد العظيم المنذريّ.
ومجد الدّين عليّ بْن وهب القُشَيْريّ بمنفلوط، والخطيب عَبْد المعطي بْن عَبْد الكريم الْأَنْصَارِيّ، ويوسف بْن عُمَر ابن خطيب بيت الآبار.
__________
[ () ] مجمع الآداب ج 4 ق 1/ 555.
[1] انظر عن (يونس بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 253، 254 رقم 1374.
[2] هو الناصر لدين الله.(41/132)
سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
45- أَحْمَد بْن عَبْد الصَّمد بْن أَبِي عُبَيْدة مُحَمَّد بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو جَعْفَر الخَزْرجيّ، القُرْطُبيّ، نزيل بجَاية وغَرْناطة.
رَوَى عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وعبد الرحيم الحَجّاريّ، وشريح بن محمد، وأبي بكر بن العربيّ.
وكان معتنيا بالآثار، صنّف كتاب الأحكام وسمّاه «آفاق الشّموس وأعلاق النّفوس» .
قال الأبّار: ثنا عَنْهُ: ابن بَقِيّ، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط الله.
وتُوُفّي بفاس فِي ذِي الحجّة، وله أربعٌ وستّون سنة، رحِمَه اللَّه تَعَالَى.
46- أَحْمَد بْن يوسف بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن رُشْد.
أَبُو القاسم القيسيّ، الورّاق، القُرْطُبيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي بحر الأَسَديّ، وابن رشد.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو الْحَسَن بْن قُطرال.
توفّي يوم عرفة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الصمد) في: الوافي بالوفيات 7/ 66 رقم 3003، والديباج المذهب 50، 51، ونيل الابتهاج للتنبكتي 59، وتعريف الخلف للحفناوي 2/ 61، 62 ومعجم المؤلفين 1/ 274.(41/133)
47- أحمد بن أَبِي بَكْر بْن الْمُبَارَك بْن الشّبْل [1] .
أبو السّعود الحريميّ، العَطَّار، الزَّاهد.
صاحب الشَّيْخ عَبْد القادر، وكان منزله مجمع الفقراء، وَلَهُ قبول زائد.
وصار يُشار إِلَيْهِ فِي الطّريقة والمعرفة، وفيه رفق وانبساط، رحِمَه اللَّه تَعَالَى.
- حرف الباء-
48- بِيبشَ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن بِيبشَ [2] .
أَبُو بَكْر العَبْدَريّ، الشّاطبيّ، الفقيه، قاضي شاطبة.
سَمِع: أَبَا الْحَسَن بْن هُذَيْل، وأبا عَبْد اللَّه بْن سعادة.
وكان امرأ صِدْقٍ، حُمَيد السّيرة، مَهِيبًا. قَلّ ما يغيب عَنْهُ شيء من «صحيح الْبُخَارِيّ» لِحفْظه إيّاه. وكان مُفْتيًا، مُفَسِّرًا، مصنِّفًا، لَهُ آثار فِي الأمر بالمعروف وقمع الباطل.
ألَّف الأحاديث الّتي انفرد بها مُسْلِم، واختصر «صحيح الْبُخَارِيّ» .
سَمِع منه: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابنا حَوْط اللَّه.
وعاش ثمانيا وخمسين سنة.
- حرف الحاء-
49- الحَسَن بْن أَحْمَد بْن قاضي القضاة أَبِي الحسن علي بن محمد بن علي.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أبي بكر) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 389، 390 وفيه: ويقال له ابن السبيل، وتاريخ ابن الدّبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 242، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 58، رقم 4، والمختصر المحتاج إليه 1/ 228، 229، والوافي بالوفيات 6/ 269 رقم 2761، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ 29، وشذرات الذهب 4/ 274.
وسيعاد في الكنى من وفيات هذه السنة برقم (79) .
[2] انظر عن (بيبش بن محمد) في: التكملة لابن الأبار 1/ 228، وطبقات المفسرين للسيوطي 10، ومعجم المؤلفين 3/ 85، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 125، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 221 رقم 116.(41/134)
القاضي الأجلّ أَبُو مُحَمَّد بْن الدّامغانيّ.
وُلِد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
وسمع: هبة الله بن الطّبر، وإِسْمَاعِيل بْن السَّمَرْقَنْدِيّ.
ووُلي القضاء برَبْع الكَرْخ، ثُمَّ وُلّي قضاء واسط مُضَافًا إلى قضاء الكرخ فانحدر إلى واسط، واستنابَ عَلَى الكرخ.
فَلَمَّا عُزِل أخوه قاضي القضاة عُزِلَ هَذَا فلازم بيته. فَلَمَّا وُلّي قضاء القضاة رَوْح الحَدِيثيّ أعاد هَذَا إلى قضاء واسط.
تُوُفّي فِي رجب ببغداد.
50- الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ [1] .
فخر الكُتّاب الْجُوَيْنيّ، المجوّد.
كَانَ أوحد زمانه فِي براعة الخطّ، كتب عليه خَلْقٌ ببغداد. وخطُّه يُتَغَالَى فِي تحصيله بالثمنَ الوافر.
تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة فيما نبَّأني ابن البُزُوريّ.
51- الْحَسَن بْن سيف.
أَبُو عليّ الشّهْرابانيّ، ثمَّ الْبَغْدَادِيّ، التّاجر العدل.
تُوُفّي بمكّة فِي جمادى الأولى.
وَقَدْ رَوَى عَنْ: زاهر بْن طاهر الشّحّاميّ.
52- الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن بركة بْن عبيدة [2] .
أبو محمد الكرخيّ، المقرئ، النّحويّ.
__________
[1] هكذا هنا، والصحيح: «الحسن بن علي بن إبراهيم» . انظر ترجمته الآتية في وفيات 584 هـ. برقم (117) .
[2] انظر عن (الحسن بن علي) في: معجم الأدباء 3/ 155، وإنباه الرواة 1/ 316، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 390، والمختصر المحتاج إليه 1/ 285، 286، والمشتبه في الرجال 1/ 343، ومعرفة القراء الكبار 2/ 553 رقم 504، وغاية النهاية 1/ 224، والنجوم الزاهرة 6/ 104، وحسن المحاضرة 1/ 511.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- دون أن يترجم له في سير أعلام النبلاء 21/ 137.(41/135)
من كبار القُرّاء. قرأ القراءات عَلَى أَبِي مَنْصُور بْن خيرون، وأبي مُحَمَّد السِّبْط.
ورحل إلى الكوفة فقرأ عَلَى أَبِي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم.
وسمع الْحَدِيث منَ: القاضي أَبِي بَكْر. وأخذ العربيّة عَنْ أَبِي السّعادات بْن الشِّجَريّ.
وكان إماما أيضا فِي معرفة الفرائض والحساب. أقرأ النّاس، وتخرَّج بِهِ جماعة.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي شوّال.
ومن شِعره:
وما شنئان الشَّيْبَ من أجل لَوْنِهِ ... ولكنَّهُ حادٍ [1] إلى الموتٍ مُسْرِعُ
إذا ما بَدَت منه الطَّليعة آذَنَتْ ... بأنَّ المنايا بعدَها [2] تتطلَّعُ
فإنْ قَصَّها المِقْراضُ جاءت بأُختها ... وتَطْلُعُ يتلوها ثلاثٌ وأربعُ
وإنْ خُضِبَتْ حالَ الخِضَاب [3] لأنّه ... يُغَالبُ صُنْعَ اللَّه واللَّه أصنعُ
[4] 53- الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن مَهْجَل [5] .
أَبُو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، الضّرير.
الرجل الصّالح. قرأ القراءات عَلَى جماعة.
وسَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
رَوَى عَنْهُ ابن الدُّبِيثيّ فِي «تاريخه» .
__________
[1] في الأصل: «حادي» ، وفي مرآة الزمان: «داع» .
[2] في مرآة الزمان: «بعده» .
[3] في مرآة الزمان: «السواد» .
[4] في مرآة الزمان: زيادة بيت:
ويضحى كريش الديك فيه تلمع ... وأفظع ما تكساه ثوب ملمع
(ج 8 ق 1/ 390) .
[5] انظر عن (الحسين بن علي) في: معجم البلدان 1/ 327، والمختصر المحتاج إليه 2/ 39، 40 رقم 619، ونكت الهميان 144 وفيه «بهجل» بدل «مهجل» ، وهو تصحيف.(41/136)
وتُوُفّي فِي ثالث ربيع الأوّل.
قَالَ ابن النّجّار: قرأ بالروايات عَلَى البارع.
- حرف الخاء-
54- الخضر بْن كامل بْن مَنْصُور.
الأمير أَبُو مُحَمَّد الغَنَويّ، المعدَّل بدمشق.
رَوَى عَنْ: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن تغلب الآمديّ.
وعاش خمسا وسبعين سنة.
وكان كبير المروءة، قاضيا لحقوق النّاس. ويُنعت بصفِيّ الدّولة.
كتب عَنْهُ: أَبُو المواهب.
- حرف الضاد-
55- ضياء بْن بدر بْن عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو الفَرَج بْن البزّاز، عتيق ابن غواديّ التّاجر.
بغداديّ يروي عَنْ: هبة اللَّه بْن الْبُخَارِيّ، والْحُسَيْن بْن مُحَمَّد البارع، وغيرهما.
كتب عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ.
وأجاز لابن الدُّبِيثيّ.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
- حرف الطاء-
56- طُغان شاه بْن الملك المؤيّد أَيِّ أبَه [2] .
وكنيته أَبُو بَكْر.
تملّك نَيْسابور بعد مقتل والده سنة ثمان وستّين.
__________
[1] انظر عن (ضياء بن بدر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 115 رقم 734.
[2] انظر عن (طغان شاه) في: الكامل في التاريخ 11/ 378، 379، 383- 385، والوافي بالوفيات 16/ 443، 444 رقم 477.(41/137)
وكان منهمكا فِي اللّذّات، معاقرا للخمر. التقى هُوَ فِي سنة ستّ وسبعين وسلطان شاه ابن صاحب خوارزم الَّذِي تملّك مرو، فنُصِر عليه سلطان شاه وأخذ بعض بلاده.
وتُوُفّي فِي المحرَّم سنة اثنتين هَذِهِ، وتملّك بعده ابنه سنجر شاه، وصيَّر أتابكه مملوك جَدّه أمير منكلي، فغلبَ عَلَى الأمور، وتفرَّق أمراء والده واتّصل أكثرهم بسلطان شاه الخُوارَزْميّ، وهو أخو علاء الدّين تكش.
وأساء منكلي وظَلَمَ وَعَسَفَ، وقتل بعض الأمراء، فسار إِلَيْهِ علاء الدّين تكش، وحَصَرَ نَيْسابور شهرين، ثُمَّ عاد لحصارها منَ العام الآتي، فتسلّمها بالأمان، وَقُتِلَ منكلي، وأخذ سَنْجَر شاه معه، وأزوجه بابنته، وتزوَّج بوالدته، وبقيت البنت فِي صُحبة سَنْجَر مدّة وماتت، فتزوَّج بأخت علاء الدّين. وعاش إلى سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة.
قاله أَبُو الْحَسَن البَيْهَقيّ فِي كتاب «مسارب التجارِب» .
- حرف العين-
57- عَبْد اللَّه بْن بَرِّي بنِ عَبْد الجبّار بن برّي [1] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن برّي) في: الكامل في التاريخ 11/ 528، ومعجم الأدباء 12/ 56، وإنباه الرواة 2/ 110، رقم 319، والروضتين 2/ 73 وفيه «محمد أبو عبد الله بن بري» ، وهو وهم، وطبقات الشافعية لابن الصلاح 1/ 505 رقم 183، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 58- 60 رقم 6، وبدائع البدائه 89، وطبقات الشافعية للنووي (مخطوطة) ورقة 59، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 294، والمختصر في أخبار البشر 3/ 71، ووفيات الأعيان 3/ 108، 109 رقم 353، والمشتبه في الرجال 1/ 64، والعبر 4/ 247، 248، ودول الإسلام 2/ 52، وسير أعلام النبلاء 21/ 136، 137 رقم 69، والإعلام بوفيات الأعلام 240، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1907، والوفيات لابن قنفذ 293 رقم 582، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 121- 123 رقم 817، ومرآة الجنان 3/ 424، وتاريخ ابن الوردي 2/ 96، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 267، 268 رقم 245، والبداية والنهاية 12/ 319، 320، والوافي بالوفيات 8017- 83 رقم 68، وفوات الوفيات 3/ 291، والعسجد المسبوك 2/ 200، والفلاكة والمفلوكين 79، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 359، 360 رقم 327، وطبقات النحاة، له (مخطوط) ورقة(41/138)
العلّامة أَبو مُحَمَّد بْن أَبِي الوحش المقدسيّ الأصل، الْمَصْرِيّ، النَّحْويّ، الشّافعيّ.
وُلِد سنة تسع وتسعين وأربعمائة فِي رجبها. وقرأ الأدب عَلَى الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الملك النَّحْويّ.
وسَمِع من: أَبِي صادق المَدِينيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرَّازيّ، وعبد الجبّار بْن مُحَمَّد المَعَافِرِي، وعَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ، وأبي البركات محمد بن حمزة ابن العرقيّ، وأبي الْعَبَّاس بْن الحُطَيْئة، وَغَيْرُهُمْ.
وتصدّر بجامع مصر لإقراء العربيّة، وتخرَّج بِهِ جماعة كثيرة.
وانفرد بهذا الشّأن، وقَصَده الطَّلَبة منَ الآفاق.
قَالَ جمال الدّين القِفْطيّ [1] : وكان عالما «بكتاب سِيبوَيْه» وعِلله، قيّما باللّغة وشواهدها. وكان إِلَيْهِ التصفُّح فِي ديوان الإنشاء، لا يصدر كتاب عِنْد الدّولة إلى ملوك النّواحي إلّا بعد أن يتصفَّحه.
وكان يُنَسبُ إلى الغَفْلة فِي غير العربيّة، ويُحكَى عَنْهُ حكايات.
وَقَدْ تصدَّر غير واحد من أصحابه فِي حياته.
وكان قليل التّصنيف، لَهُ مقدّمة سمّاها «اللّباب» ، وَلَهُ «جواب المسائل العشر» الّتي سَأَلَ عَنْهَا ملكُ النّحاة [2] .
وَلَهُ حواشي عَلَى «صحيح الجوهريّ» أجادَ فيها، وهي ستّ مجلّدات، وكان ثقة حجّة.
__________
[162، 163،) ] وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 28، 29، والمقفى الكبير 4/ 450- 455 رقم 1519، والسلوك ج 1 ق 1/ 92، والنجوم الزاهرة 2/ 103، وبغية الوعاة 2/ 34 رقم 1364، وحسن المحاضرة 1/ 533 رقم 12، وتاريخ الخلفاء 457، ومفتاح السعادة 1/ 118، 7119 وخزانة الأدب للبغدادي 2/ 529، وشذرات الذهب 4/ 273، 274، وديوان الإسلام 1/ 345 رقم 540، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 96، 97، والأعلام 4/ 200، والتاج المكلل للقنوجي 62، 63، وتاج العروس (برّ) 3/ 37، 38.
[1] في إنباه الرواة 2/ 111.
[2] هو أبو نزار الحسن بن أبي الحسن صافي بن عبد الله بن نزار النحويّ. توفي 568 هـ.
وكان معاصرا للشاعر ابن منير الطرابلسي الّذي هجاه في شعره.(41/139)
تُوُفّي فِي السّابع والعشرين من شوّال.
رَوَى عَنْهُ: الحافظ ابن المفضّل، والزّاهد أبو عُمَر المقدسيّان، والفقيه عَبْد اللَّه بْن نجم بْن شاش [1] ، وأبو المعالي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ المُغيريّ، ومصطفى بْن محمود، ونبأ بْن أَبِي المكارم الأطرابلسيّ، والوجيه عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد القوصيّ، والزّاهد أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد القَسْطَلانيّ، وعبد الرحيم بْن الطُّفَيْل، وبهاء الدّين عَلِيّ بْن الْجُمَّيْزيّ، ومرتضى بْن أبي الجود حاتم.
ومن تلامذته: أَبُو مُوسَى عيسى بن يللبخت الجزوليّ صاحب «القانون» .
وقال الموفّق عَبْد اللّطيف: كَانَ ابن بَرّي شيخا محقِّقًا، صُحفيًّا، ساذَج الطِّباع أبله فِي أمور الدُّنْيَا، مُبارك الصُّحْبة، ميمون الطّلعة، وفيه تغفُّل عجيب، يستبعد مَن سمعه أن يجتمع فِي رَجُل متقِن للعِلم.
فَمنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يلبس ثيابا فاخرة، ويأخذ فِي كُمّه الواسع العنب والبيض والحطب. وربّما وجد منزله مُغلَقًا فرمى بالبيض منَ الطّاقة إلى داخل، ويقطر ماء العنب عَلَى قدمه، فيرفع رأسه إلى السّماء ويقول: العُجب أنّها تُمطِر مَعَ الصَّحو.
وكان يتحدَّث ملحونا ولا يتكلفُ، ويتبرَّم بمن يخاطبه بإعرابٍ، رحِمَه اللَّه.
قُلْتُ: وَقَدْ أجاز لجميع من أدرك حياته منَ المسلمين. قرأت ذَلِكَ بخطّ أَحْمَد بْن الجوهريّ، عَنْ خطّ حَسَن بْن عَبْد الباقي الصَّقَلّيّ، عَنْهُ.
58- عَبْد الله بن محمد بن جرير [2] .
__________
[1] في الأصل: «شاس» .
[2] انظر عن (عبد الله بن محمد بن جرير) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 157 رقم 794، والوافي بالوفيات 17/ 577 رقم 482، والعسجد المسبوك 2/ 200، ولسان الميزان(41/140)
أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيّ، الأُمَويّ، الْبَغْدَادِيّ، النّاسخ، من وُلِد سَعِيد بْن العاص بْن أُمَية.
سَمِع: الكثير وكتب منَ الكُتُب الكِبار شيئا كثيرا، وكان مليح الكتابة، محدّثا مفيدا، مالكيَّ المذهب.
سَمِع: القاضي أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا مَنْصُور بْن زُريق، ويَحْيَى بْن الطّرّاح، وأبا البدر الكرْخيّ، وأبا منصور بْن خَيْرون، وعبد الوهَّاب الأَنماطيّ، وخلقا كثيرا.
رَوَى عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وإلياس بْن جامع، ومُحَمَّد بْن مَشِّق، وآخرون.
وتُوُفّي فِي سابع ربيع الأوّل [1] .
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [2] : ظاهرُ أمره الصِّدْق.
وقَالَ ابن النّجّار: كتب ما لا يدخل تحت الحصر بالأجرة.
ويقال إنّه كتب بخمسمائة رِطْل حِبْرٍ أحصاها هُوَ، وكان حَسَن الطريقة، متديِّنًا.
تُوُفّي فِي شَعْبان وَلَهُ 72 سنة.
59- عَبْد الرحمن بن جامع [3] بن غنيمة [4] بن البنّاء.
__________
[ () ] 3/ 348، والنجوم الزاهرة 6/ 104 وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 137 دون ترجمة.
[1] في المختصر: توفي في شهر رجب.
[2] في المختصر 2/ 157.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن جامع) في: مشيخة النعّال 77، 78، ومعجم البلدان 4/ 713، 714، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 56، 57 رقم 3، ومعجم البلدان 5/ مادة «ميدان» ، والتقييد لابن نقطة 342، 343 رقم 420، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 243، والمختصر المحتاج إليه 2/ 196 رقم 845، والمشتبه في الرجال 2/ 623، والوافي بالوفيات 18/ 129 رقم 145، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 253، 254، وشذرات الذهب 4/ 274، وتاج العروس (ميد) 2/ 507.
[4] غنيمة: بفتح الغين المعجمة وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف، وبعد الميم المفتوح(41/141)
أبو الغنائم، ويُدعى أيضا غَنِيمَة، الفقيه الصّالح، الْبَغْدَادِيّ، الحنبليّ.
تفقّه عَلَى أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الدِّينَوَرِيّ.
وسَمِع من: أَبِي طَالِب بْن يوسف.
وسَمِع من: أَبِي الحصيُن المُسْنِد، ومنَ: الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلَّال، والقاضي أَبِي بَكْر.
وكان فقيها مُناظِرًا، عارفا بالمذهب.
روى عَنْهُ: الشيخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وحمْد بْن أَحْمَد بْن صدّيق، وعمر بْن بركات الحرّانيّان، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن الدُّبِيثيّ، وآخرون.
تُوُفّي ثامن شوّال.
60- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن قاسم [1] .
الشّريف الأجلّ أَبُو القاسم العَلَويّ الحُسَينيّ.
تُوُفّي فِي شوّال بالقاهرة.
ولد بدمشق في حدود سنة عشرين وخمسمائة [2] .
وَهُوَ جدّ الشّريف عزّ الدّين الحافظ.
61- عَبْد السّلام بْن يوسُف بْن مُحَمَّد بْن مقلّد [3] .
أَبُو الفُتُوح التّنُوخيّ، الْجُماهِريّ، الدّمشقيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ.
سَمِع ببغداد بإفادة أَبِيهِ منَ: القاضي الأُرْمَوِيّ، وأبي مَنْصُور بْن خيرون، وابن ناصر، وأبي الوقت.
وطلب بنفسه، وقرأ عَلَى الجماعة الشّيوخ.
__________
[ () ] تاء تأنيث. (المنذري 1/ 57) .
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 58 رقم 5.
[2] قال المنذري: وكان منشؤه بحلب.
[3] انظر عن (عبد السلام بن يوسف) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) ج 3 ق 1/ 308- 322، وفوات الوفيات 2/ 326، 327، والوافي بالوفيات 18/ 438، 439 رقم 455، والنجوم الزاهرة 6/ 99.(41/142)
وحدّث ببغداد، والمَوْصِل، ودمشق.
وبدمشق تُوُفّي فِي رجب.
كتب عَنْهُ: أَبُو المواهب الحافظ، وقَالَ: كَانَ قَدْ قدِم إلينا مسرورا من عِنْد الملك النّاصر صلاح الدّين وأعطاه ذَهَبًا. وكان يترسَّل وينظُم، وحُمِلت ترِكتُه إلى أهله بالعراق.
ومن شِعره:
عَلَى ساكني بطْنِ العقيق سلامُ وهي أبيات مشهورة [1] .
62- عَبْد الصَّمد بْن مُحَمَّد بْن يعيش.
الغسّاني الأندلسيّ، المُنكّبيّ، خطيب المنكّب.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن ثَابِت، وأبي بَكْر بْن الخلوف.
وروى عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، والقاضي عِياض.
وتصدَّر للإقراء. وأخذ النّاس عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم الملاحيّ، وأَبُو مُحَمَّد بْن حوط الله.
وبقي إلى هَذَا العام.
63- عَبْد الغنيّ بْن الحافظ أَبِي العلاء الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الحسن [2] .
الهمذانيّ، العطّار، أبو محمد.
__________
[1] ومنها:
على ساكني بطن العقيق سلام ... وإن أسهرونا بالفراق وناموا
حظرتم علينا النوم وهو محلّل ... وحلّلتم التعذيب وهو حرام
إذا بنتم عن حاجر وحجرتم ... على السمع أن يدنو إليه سلام
فلا ميّلت ريح الصّبا فرع بانه ... ولا سجعت فوق الغصون حمام
ولا قهقهت فيه الرعود ولا بكت ... على حافتيه بالعشيّ غمام
[2] انظر عن (عبد الغني بن أبي العلاء) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 82 رقم 903، وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 137 دون ترجمة.(41/143)
رحَلَ بِهِ والده إلى أصبهان فسمع من: جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وغانم بْن خَالِد.
ورحَلَ بِهِ إلى بغداد فسمّعه من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء، وطبقتهما.
وبهَمَذَان من: عَبْد الملك بْن مكّيّ بْن بنجير، وهبة اللَّه ابن أخت الطّويل، وطائفة.
وَلَهُ إجازة من أَبِي عليّ الحدّاد.
تُوُفّي، رحِمَه اللَّه، فِي رمضان ببلده، وكان مولده في المحرّم سنة خمس عشرة وخمسمائة.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله بْن الدُّبَيْثِيّ، فَإنَّهُ حجَّ سنة إحدى وثمانين. وحدَّث.
64- عَبْد الغنيّ بْن القاسم بْن الْحَسَن [1] .
أَبُو مُحَمَّد المعريّ، الْمُقْرِئ، الشّافعيّ الحجّار الَّذِي اختصر «تفسير» [2] سُلَيْم الرَّازيّ [3] ، اختصره اختصارا حَسَنًا وقَالَ: أَنَا بِهِ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن ثَابِت الْمُقْرِئ، أَنَا سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ، عَنْ نصر المقدسيّ، عَنْ سُلَيْم.
سَمِع منه: عَبْد اللَّه بْن خَلَف المِسْكيّ.
تُوُفّي فِي شوّال.
65- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ.
أَبُو الحَسَن الطّليطليّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الغني بن القاسم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 55، 56 رقم 2، وطبقات المفسرين للسيوطي 20، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 249 رقم 292، وكشف الظنون 1091، وهدية العارفين 1/ 588، 589، ومعجم المؤلفين 5/ 276.
[2] اسمه «ضياء القلوب» ألّفه سليم الرازيّ أثناء إقامته بمدينة صور.
[3] توفي عند ساحل جدّة غرقا وهو عائد من الحج سنة 447 هـ. انظر ترجمته ومصادرها في كتابنا: موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 1 ج 2/ 322- 327 رقم 662.(41/144)
رَوَى عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وأبي الحسن شريح.
وأخذ القراءات عَنْ شُرَيْح.
رَوَى عَنْهُ: يعيش بْن القديم، وأَبُو الْحَسَن بْن القطّان.
وكان حيّا فِي هَذِهِ السّنة.
66- عَلِيّ بْن الوزير عضُد الدّين أَبِي الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن هبة اللَّه بْن المظفر ابن رئيس الرؤساء [1] .
أَبُو الْحَسَن عماد الدّين.
تزهَّد وتصوَّف، وبنى رِباطًا بدار الخلافة، فلمّا نُكِب أخوه اتُّهِم هُوَ بمالِ إخوته الصّغار، فخرج إلى الشّام، فأكرمه السّلطان صلاح الدّين، وأدرّ عليه أنعاما [2] .
وكان قَدْ سَمِع منَ: القاضي الأُرْمَوِيّ، وأبي الوقت.
وعاش أربعا وأربعين سنة، ودُفِن بقاسيون.
67- عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن عَلِيّ بْن حُسَيْن [3] .
أَبُو حَفْص ابن التّبّان المأمونيّ، البغداديّ.
سَمِع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر الشّحّاميّ، وأبا غالب بن البنّاء، وجماعة.
وكان رَجُلًا صالحا من سكّان المأمونيَّة.
68- عوض بن إبراهيم بن خلف [4] .
__________
[1] انظر عن (علي ابن الوزير) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 391 وفيه: «عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه بْن المظفّر ... » .
[2] قال سبط ابن الجوزي: خرج من بغداد ولم يعلم به أحد، فوصل إلى دمشق فأكرمه صلاح الدين واحترمه بحيث أن صلاح الدين إذا أكل طعاما وأكل ابن الوزير معه غسّل يده معه في الطشت، فحسده شمس الدين بن هبيرة، فبلغ السلطان، فقال: هذا وزير ابن وزير إلى أن ينقطع النّفس مع الدّين المتين والزهد في الدنيا، وغيره ليس كذلك.
[3] انظر عن (عمر بن أبي بكر) في: مشيخة النعال 75، 76.
[4] انظر عن (عوض بن إبراهيم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 154، رقم 1090، ومعرفة(41/145)
أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، المَرَاتبِيّ [1] ، الْمُقْرِئ.
قرأ القراءات على: أبي عبد الله البارع، وأبي بكر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفيّ.
وسَمِع منَ: ابن الحصين.
أخذ عنه: أبو عبد الله ابن الدُّبِيثيّ [2] . وقرأ عليه بعض الخَتْمَة، وقَالَ:
تُوُفّي فِي رجب.
- حرف الميم-
69- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن دَاوُد [3] .
الشَّيْخ أَبُو الرّضا المؤدّب، الحَيْسُوب، المعروف بالمفيد.
بغداديّ بارع فِي الحساب، لَهُ تصانيف.
سَمِع منه ابن البَطّيّ قليلا، وتخرَّج عليه خلْق [4] .
70- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن العلامَّة أَبِي المظفّر بْن عَبْد الجبّار السّمعانيّ [5] .
أَبُو المعالي المَرْوَزِيّ، الواعظ.
ورد بغداد، ووعظ بها مدّة [6] ، وتُوُفّي بها.
وَهُوَ ابن عمّ الحافظ أبي سعد.
__________
[ () ] القراء الكبار 2/ 564، 565 رقم 521، وغاية النهاية 1/ 605، 606.
[1] نسبة إلى باب المراتب ببغداد.
[2] وهو قال: وكان لا يعرف الخط. (المختصر) .
[3] انظر عن (محمد بن أحمد بن داود) في: المختصر المحتاج إليه (الملحق) 1/ 229، 230 رقم 16، وتلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 1586، والوافي بالوفيات 2/ 114.
[4] وقال ابن الدبيثي: كان يسكن بالقريّة من دار الخلافة.. وله هناك مكتب يعلّم فيه الصبيان الخط والحساب، وكانت له معرفة جيدة بالحساب وأنواعه، وله فيه تصنيف وتعاليق.
وتخرّج به جماعة وتعلّموا منه. سمع شيئا من الحديث من أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يحيى بْن مسلّم الزبيدي الواعظ، وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان المعروف بابن البطي، وغيرهما. وروى شيئا يسيرا، وكان بتعليم الحساب والخط أشهر.
[5] انظر عن (محمد بن أحمد بن منصور) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 230 رقم 17 (بالملحق) ، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 60 رقم 7.
[6] بالمدرسة النظامية.(41/146)
71- مُحَمَّد بْن الحسن بن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن موهوب بْن عَبْد الملك بْن مَنْصُور [1] .
الفقيه أَبُو الْحَسَن، وقيل أَبُو الفضل السَّمَرْقَنْدِيّ، المنصوريّ، الحنفيّ، الْمُقْرِئ. خطيب سَمَرْقَنْد.
من علماء بلده.
تفقّه عَلَى: الْحَسَن بْن عطاء السُّغْديّ [2] ، وعمر بْن مُحَمَّد النَّسَفيّ.
وسمع من: أَبِي المحامد محمود بْن مَسْعُود القاضي السُّغْديّ، وعَلِيّ بْن عُثْمَان الخرّاط، وأبي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بْن مُحَمَّد النُّوحيّ [3] ، وإِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل الصّفّار.
وحدّث ببغداد سنة ستّ وسبعين. وعاد إلى بلاده.
وتُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة عَنْ مائةٍ وأربع سنين، وكان معمَّرًا مُسْنِدًا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن القَطِيعيّ، وعَبْد اللَّه بن أبي النّجيب السّهرورديّ.
وكان ممتَّعًا بحواسِّه فِي هَذِهِ السّنّة.
وقيل: بل عاش 95 سنة.
72- مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد [4] .
الفقيه أَبُو أَحْمَد العامريّ، الْبَصْرِيّ، الفقيه المالكيّ، المفتي.
وُلِد سنة عشرين وخمسمائة.
وأقرأ القرآن وحدّث، وأفتى.
__________
[1] انظر عن (محمد بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 61، 62 رقم 9، والمختصر المحتاج إليه 1/ 34، والجواهر المضيّة 1/ 97 و 2/ 41.
[2] السّغدي: بضم السين المهملة وسكون الغين المعجمة وآخرها دال مهملة، ويقال أيضا بالصاد، نسبة إلى السّغد: بلدة بين بخارى وسمرقند.
[3] النّوحي: نسبة إلى جدّه نوح. (المنذري 1/ 62) .
[4] انظر عن (محمد بن طلحة) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 302، 303 رقم 104 (الملحق) .(41/147)
سَمِع منَ: ابن ناصر، وغيره.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي رمضان بالبصرة [1] .
73- مُحَمَّد بْن الحافظ أَبِي مَسْعُود عَبْد الجليل بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد.
أَبُو حامد بْن كوتاه الأصبهانيّ، الْجُوباريّ. وأَبُو بَكْر هو الملقَّب بكوتاه، وعُرف بِذَلِك أيضا عَبْد الجليل، وَهُوَ بالعربيّ: القصير.
وجُوبار: محلّة بأصبهان.
وُلِد سنة عشرين وخمسمائة.
وسمع من: جَعْفَر بْن عبد الواحد الثَّقَفيّ، وسعيد بْن أَبِي الرجا الصَّيْرفيّ، وأبي نصر الغازي، ومَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن سُلَيْم، والْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلَّال.
وحدّث ببغداد، وأصبهان، وجمع كتابا فِي «أسباب الْحَدِيث» .
رَوَى عَنْهُ عَبْد الله بْن أَحْمَد الخباز، وأَبُو نزار ربيعة اليمانيّ.
وتُوُفّي فِي نصف المحرَّم.
74- مُحَمَّد بْن القاضي السّعيد عَلِيّ بْن عُثْمَان بْن إِبْرَاهِيم [2] .
الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، المُغيريّ، الْمَصْرِيّ، القاضي الأسعد، أَبُو الطّاهر الشّافعيّ.
وُلِد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
__________
[1] قال ابن الدبيثي: شيخ فاضل صالح، له معرفة بمذهب مالك بن أنس وبالأدب، وإليه كان المرجع بالبصرة في الفتوى وإملاء الحديث وإقراء القرآن الكريم والنظر في المصالح الدينية. قدم بغداد بعد سنة أربعين وخمسمائة فيما ذكر شيخنا أبو الحسن ابن المعلّمة البصري، قال: وكنت معه، وَسَمِعَ من أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن ناصر وعاد إلى بلده وحدّث عنه وعن غيره بالكثير. لقيته بواسط سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وجلست إليه، وطلبت منه شيئا من مسموعاته فلم يحضره، ثم كتب إليّ بخطّه أحاديث من مسموعاته وأناشيد له ولغيره، وكان نعم الشيخ دينا وعلما.
[2] انظر عن (محمد ابن القاضي السعيد) في: المقفى الكبير للمقريزي 6/ 320 رقم 2787.(41/148)
وسمع منَ: السِّلَفيّ، والعثمانيّ.
واستشهد فِي صَفَر ببزاعة.
75- محمد بن عليّ بن فارس [1] .
الفرّاش، الشّرابيّ أَبُو بَكْر، ويُقَالُ أَبُو عبد اللَّه الزَّاهد.
حدَّث عَنْ: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وغيره.
وكان منقطعا بمسجد كامل.
76- مُحَمَّد بْن أَبِي مَنْصُور الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الخطيب [2] .
أَبُو المعالي قاضي المدائن وابن قاضيها.
الفقيه الشّافعيّ.
رَوَى عَنْ: أبي الوقت.
وَلَهُ شِعْر.
- حرف الهاء-
77- هارون بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن عات [3] .
أَبُو مُحَمَّد النَّفْزيّ [4] ، الشّاطبيّ، الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي مَرْوَان بْن يَسَار صاحب ابن الدّوش.
وسمع من: أَبِي الْوَلِيد بْن الدّبّاغ.
وتفقَّه عَلَى أَبِي جَعْفَر الخشنيّ [5] ولازمه سبْع سِنين، وعرضَ عليه «المدوَّنة» مرّات. ومَهَر عنده.
وكان فقيها مشاوَرًا مستقلّا بالفتوى، فرضيّا، حاسبا، مصنّفا. استقضي
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن فارس) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 130، 131، رقم 357، والمختصر المحتاج إليه 1/ 94.
[2] انظر عن (محمد بن أبي منصور) في: طبقات الشافعية، لابن كثير (مخطوط) ورقة 143 أ.
[3] انظر عن (هارون بن أحمد) في: غاية النهاية 2/ 345 رقم 3756، ومعجم المؤلفين 13/ 127.
[4] النّفزي: من نفزة، قرية بمالقة. انظر عنها في: توضيح المشتبه 9/ 109.
[5] في غاية النهاية: «الحسني» ، وهو تصحيف.(41/149)
بشاطبة [1] فحمدت سيره.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عُمَر بْن عُبَاد، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن سعادة، وابنه أَبُو عُمَر بْن عات.
وتُوُفّي فِي شعبان عَنْ سبعين سنة.
وكان من أئمَّة الأندلس.
- حرف الواو-
78- واجب بْن أَبِي الخَطَّاب مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن واجب بْن عُمَر بْن واجب.
أَبُو مُحَمَّد البَلَنْسيّ، القَيْسيّ.
سَمِع: ابن هُذَيْل، وأبا عَبْد اللَّه بْن سعادة.
وأجاز لَهُ أَبُو مَرْوَان بْن قزمان، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
وسمع منه: أبو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه.
وكان كاتبا بليغا، شاعرا، خطيبا، مفوّها، من بيت جلالة. بيت جلالة.
صحِب السّلطان، وتُوُفّي بمَرّاكُش.
وجدُّ جدِّه واجب سَمِع من أَبِي الْعَبَّاس العُذْريّ، وتوفّي قبل التّسعين وأربعمائة.
الكنى
79- أَبُو السّعود بْن الشِّبل [2] .
العَطَّار الحريميّ الزَّاهد.
كَانَ عطّارا فزهِد، وصحِب الشَّيْخ عَبْد القادر، وصار من كبار الفقراء.
__________
[1] في غاية النهاية: «وولي قضاء شاطبية» ، وهو وهم.
[2] هو أحمد بن أبي بكر بن المبارك، وقد تقدّم برقم 47.
وجاء على هامش الأصل بقرب الترجمة: «هو أحمد بن أبي بكر ... عليه ابن قاضي شهبة» .(41/150)
لَهُ كرامات وأحوال، وَقَبُولٌ عظيم. غلب عليه الفناء فكان لا يأكل ولا يلبس إلّا أن يُطعموه أَوْ يُلبسوه. ولا يكاد يتكلَّم إلّا جوابا. ولا يزال عَلَى طهارة مستقبل القِبلة.
حكى لي عَنْهُ جماعة. يَقُولُ أبو المظفّر بْن الجوزيّ [1] : قَالوا كَانَ جالسا فوقع السّقف، فجاء طرف جذْع عَلَى أضلاعه فكسرها، فلم يتحرَّك فبقي عشرين سنة، فَلَمَّا مات وجُرِّد للغسْل رأوا أضلاعه مكسَّرَة.
تُوُفّي فِي عاشر شوّال، وبنوا عَلَى قبره قبَّةً عالية، وقبره يُزار رحِمَه اللَّه.
[مواليد السنة]
وفيها وُلِد الكمال بْن طَلْحَةَ، وزكيّ البَيْلَقانيّ، وعثمان بن عبد الرحمن بن رشيق الرّبعي.
__________
[1] في مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 389، 390.(41/151)
سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
80- أَحْمَد بْن المفرّج بْن درع [1] .
التكريتيّ [2] .
حدَّث عَنْ: أبي شاكر مُحَمَّد بْن سعد، وغيره.
وتُوُفّي بتكريت.
81- أَحْمَد بْن أَبِي المطرّف عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جُزَيٍّ [3] .
أَبُو بَكْر البَلَنْسيّ.
سَمِع: أبا محمد الطليوسيّ، وطارق بْن يعيش، وأبا الْوَلِيد بْن الدّبَّاغ وأقرأ النّاس الفرائض والحساب. وهو آخر الرّواة عَنِ البَطَلْيُوسيّ.
حدَّث عَنْه: أَبُو عامر بْن نذير، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وابن نعمان.
وبالإجازة: الطّيّب بْن مُحَمَّد، وأَبُو عِيسَى بْن أَبِي السّدّاد.
وتُوُفّي فِي المحرَّم عَنْ أربعٍ وثمانين سنة.
82- إِبْرَاهِيم بْن الْحُسَيْن.
الأمير الكبير حسام الدّين المهرانيّ، أحد أمراء صلاح الدّين.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن المفرّج) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 24، وتاريخ إربل 1/ 205.
[2] كنيته: أبو العباس.
[3] انظر عن (أحمد بن أبي المطرّف) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 13.(41/152)
استُشْهِد عَلَى حصار عسقلان فِي جُمادى الآخرة.
- حرف الحاء-
83- الْحَسَن بْن حفّاظ بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن [1] .
أَبُو عليّ الغسّاني الدّمشقيّ، النَّاسخ، المعدَّل.
حدَّث عَنْ: طاهر بْن سهل الإسْفَرايينيّ.
وعاش ستّا وثمانين سنة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرى.
ضعُف وأصابته رعشة وافتقر، رحِمَه اللَّه.
84- الْحَسَن بْن نصر اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد [2] .
أَبُو القاسم الدّسْكَرِيّ، ثمَّ الْبَغْدَادِيّ، المعروف بابن الفقيه.
سَمِع من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب أَحْمَد بن البنّاء.
وكان جَدّه أَبُو سعد عَبْد الواحد من أصحاب الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق الشّيرازيّ.
- حرف السين-
85- سَعِيد بْن عَبْد السّميع بْن مُحَمَّد بْن شجاع [3] .
أَبُو الْحَسَن الهاشميّ، الْبَغْدَادِيّ.
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وسمع من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة الله بْن عَبْد اللَّه الشُّرُوطيّ، وأبي بَكْر الأنصاريّ.
كتب عنه جماعة.
__________
[1] انظر عن (الحسن بن حفّاظ) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 30.
[2] انظر عن (الحسن بن نصر الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 74، 75 رقم 28، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 18.
[3] انظر عن (سعيد بن عبد السميع) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 89 رقم 694، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 65، 66 رقم 14.(41/153)
وتوفّي فِي ربيع الأوّل.
86- سُلَيْمَان بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو الرَّبِيع التُّجَيْبيّ الخَشينيّ، ويُقَالُ الخُشَنيّ، الْمُقْرِئ.
رَوَى عَنْ: أَبِي القاسم بن الأبرش، وأحمد بْن يَعْلَى.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عتّاب.
وكان عارفا بالعربيّة والفقه. وتصدَّر للإقراء والعربيّة.
حدَّث عَنْه: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان، ابْنَا حَوْط اللَّه، وأجاز لهما فِي هَذَا العام، وانقطع خبره.
- حرف الشين-
87- شروين بْن حسن.
الأمير الكبير، جمال الدّين الزّرزاريّ، الصّلاحيّ.
كَانَ أول مَن بادر وخاطر فسبق بأصحابه إلى منازلة القدس قبل تواصل الجيش، فلقيه جمع كبير منَ الفِرَنج خرجوا يَزَكًا فقتلوه، وقتلوا جماعة مِن أصحابه، رحِمَهم اللَّه.
- حرف العين-
88- عَبْد الجبّار بْن يوسف بْن عَبْد الجبّار بْن شبل بن عَلِيّ [1] .
القاضي الأكرم أبو محمد ابن القاضي الأجلّ أَبِي الحَجَّاج الْجُذَاميّ، الصّويتيّ، والمقدسيّ.
ولد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
وسمع منَ السِّلَفيّ.
ووُلّي ديوان الجيوش بمصر مدّة.
وصويت: فخذ من جذام.
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن يوسف) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 25، والعبر 4/ 246، والوافي بالوفيات 18/ 38 رقم 35.(41/154)
تُوُفّي فِي سابع عشر ذِي القعدة ببيت المَقْدِس، ودُفِن بباب المرجة.
ومولده وداره بمصر.
89- عَبْد الجبّار بْن يوسف بْن صالح الْبَغْدَادِيّ [1] .
شيخ الفُتُوَّة [2] ورئيسها، ودُرَّة تاجها، وحامِلُ لوائها.
تفرَّد بالمروءة والعصبيَّة، وانفرد بشرفِ النَّفس والأُبُوَّة، وانقطع إلى عبادة اللَّه تَعَالَى بموضعٍ اتّخذه لنفسه وبناه، فاستدعاه الْإِمَام النّاصر لدين اللَّه، وتفتَّى إِلَيْهِ، ولبس منه.
خرج حاجّا فِي هَذِهِ السّنة فتُوُفّي بالمُعَلَّى، ودُفِن بِهِ فِي ذِي الحجّة.
90- عَبْد الغنيّ بْن أَبِي بَكْر [3] .
الْبَغْدَادِيّ، الإسكاف، الفقير، المعروف بابن نُقْطَة، وهي أمُّه.
كَانَ يلعب بالحَمَام، فتاب عَلَى يد الشَّيْخ أَبِي الفَرَج بْن الجوزيّ، وصَحِب الفقراء فكثُر أتباعه، وبَنَتْ لَهُ أُمّ الخليفة مسجدا، فكان يأتيه النّاس ويتكلَّم عليهم.
ولم يكن يعرف شيئا منَ العلم ولا القرآن ولا الخطّ، بل كَانَ رَجُلًا خيِّرًا.
تُوُفّي كَهْلًا في جمادى الآخرة رحِمَه اللَّه.
وَهُوَ والد الحافظ أَبِي بَكْر مُحَمَّد مصنِّف «التّقييد» . وذَكَر ابنه أَنَّهُ كَانَ لا يدّخر شيئا.
وَلَهُ أخبار مشهورة فِي الإيثار والتَّنَزُّه عَنِ الدُّنْيَا.
91- عَبْد المغيث بن زهير بن زهير بن علويّ [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن يوسف) في: العبر 4/ 249، والإعلام بوفيات الأعلام 240، ومرآة الجنان 3/ 329، والعقد الثمين 5/ 326، والنجوم الزاهرة 6/ 106، وشذرات الذهب 4/ 275.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 133 دون ترجمة.
[2] تصحّفت في النجوم الزاهرة إلى «شيخ الفتوى» .
[3] انظر عن (عبد الغني بن أبي بكر) في: ذيل الروضتين 28، والمختصر المحتاج إليه 3/ 84 رقم 906، والتكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 18، وشذرات الذهب 4/ 278.
[4] انظر عن (عبد المغيث بن زهير) في: الكامل في التاريخ 11/ 562، 563، ومشيخة النعال(41/155)
المحدِّث أَبُو العزّ [1] بْن أَبِي حرب الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ.
أحد من عُني بهذا الشّأن. قرأ الكثير، وحصَّلَ، ونَسَخَ، وخَرَّج، وصنّفَ.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [2] : كَانَ ثقة صالحا، صاحب سُنَّة، منظورا إِلَيْهِ بعين الدِّيانة والأمانة.
سَمِع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا العزّ بْن كادش، وهبة الله بن الطّبر، وأبا غالب بن البنّاء، فَمنْ بعدهم.
وحدَّث بالكثير، وأفاد الطّلبة، ونِعْمَ الشّيخ كان.
كان مولده في سنة خمسمائة، وتُوُفّي فِي الثّالث والعشرين منَ المحرَّم.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، والحافظ عَبْد الغنيّ، وحَمْد بْن صُديق الحرّانيّ، والبهاء المقدسيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، وخلْق سواهم.
وصنّف كتابا فِي «فضائل يزيد» أتى فِيهِ بالعجائب، ولو لَمْ يصنِّفه لكان خيرا لَهُ. وعمله ردّا عَلَى ابن الجوزيّ. ووقَعَ بينهما عداوة لأجل يزيد، نسأل اللَّه أن يثبّت عقولنا، فَإِن الرجل لا يزال بعقله حَتَّى ينتصب لعداوة يزيد أَوْ ينتصر لَهُ، إذْ لَهُ أُسوة بالملوك الظَّلَمة.
وذكر شيخنا ابن تيميّة قَالَ: قَدْ قِيلَ إنّ الخليفة النّاصر لمّا بلغه نَهْيُ الشَّيْخ عَبْد المغيث عَنْ لعنة يزيد قَصَده متنكِّرًا، وسأله عَنْ ذَلِكَ، فعرَفَه عَبْد المغيث، ولم يُظْهِرُ أَنَّهُ يعرفه، فَقَالَ: يا هذا، أنا قصدي كفى ألْسِنة النّاس عَنْ خلفاء المسلمين، وإلّا فلو فتحنا هَذَا الباب لكان خليفة الوقت هَذَا أحقّ
__________
[ () ] 78- 80، والتقييد 388، 389 رقم 504، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 285، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 16/ 2، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 63 رقم 11، والمختصر المحتاج إليه 3/ 94، 95 رقم 929، والإعلام بوفيات الأعلام 240، وسير أعلام النبلاء 21/ 159- 161 رقم 79، والعبر 4/ 249، والبداية والنهاية 12/ 328، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 354- 358، والعسجد المسبوك 2/ 203، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ 51، والنجوم الزاهرة 6/ 106، وشذرات الذهب 4/ 275، 276.
[1] تصحّفت الكنية في شذرات الذهب إلى «أبي العزيز» .
[2] في المختصر المحتاج إليه 3/ 95، وذيل تاريخ بغداد 15/ 285.(41/156)
باللّعن، فَإنَّهُ يفعل كذا، وَجَعَل يُعَدِّد خطايا الخليفة، حَتَّى قَالَ: يا شيخ ادعُ لي. وذهب.
92- عطاء بْن عَبْد المنعم بْن عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو الغنائم الأصبهانيّ، الخاني.
حدَّث ببغداد، وأصبهان عَنْ: غانم البُرْجيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفُتوح بْن الحُصْريّ [2] .
وعاش إلى هَذِهِ السّنة. وكان مولده سنة 506.
93- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [3] .
أَبُو الحَسَن بْن لَبَّال [4] الشُّرَيْشِيّ.
سَمِع «صحيح» خ. من أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وقرأ عليه بالرّوايات.
وروى عَنْ: أَبِي بَكْر بْن العربيّ «الموطّأ» . وولي قضاء شُرَيش.
وكان من أَهْل العَدَالة والوَرَع.
صنَّف شرحا «لمقامات الحريريّ» ، وَلَهُ النَّظم والنَّثر.
قَالَ الأَبّار: حدَّث عَنْهُ جماعةٌ من شيوخنا.
94- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن قاضي القضاة أبي عبد الله [5] .
__________
[1] انظر عن (عطاء بن عبد المنعم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 55 رقم 1093.
[2] وقال ابن الدبيثي: قدم للحج سنة ستين وخمسمائة.
[3] انظر عن (علي بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 673، وغاية النهاية 1/ 521 رقم 2154، ومعجم المؤلفين 7/ 21.
[4] لبّال: بفتح اللام وتشديد الباء الموحّدة وبعدها لام. (غاية النهاية) .
[5] انظر عن (علي بن أحمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 563، والتاريخ المجدّد لمدينة السلام لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 181، وذيل تاريخ مدينة السلام، له، مجلّد 4/ ورقة 169 أ، والمختصر في أخبار البشر 3/ 74، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 74 رقم 27، والمختصر المحتاج إليه 3/ 115 رقم 976، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 1130، والعبر 4/ 249، والبداية والنهاية 12/ 329، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والعسجد المسبوك 2/ 203، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 52، والنجوم الزاهرة 6/ 104، 105، والجواهر المضية 1/ 350، وشذرات الذهب 4/ 276، والطبقات السنية(41/157)
الدّامْغَانيّ، أَبُو الْحَسَن قاضي القضاة بالعراق، الفقيه الحنفيّ.
ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ببغداد.
وسمع: هبات [1] اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن الطّبر، والشُّرُوطيّ، وأبا الْحُسَيْن بْن القاضي أَبِي يَعْلَى.
وكان ساكنا وَقُورًا، رئيسا، نبيلا. وُلّي قضاء رَبع الكَرْخ بعد وفاة والده. ثُمَّ ولّي قضاء القضاة بعد وفاة أَبِي القاسم الزَّيْنبي سنة ثلاثٍ وأربعين، فبقي فِيهِ إلى أن عزله المستنجدُ أوّل ما استخلف. وطالت أيّام عزْله. ثُمَّ وُلّي القضاء فِي سنة سبعين وخمسمائة [2] .
سَمِع منه: عُمَر الْقُرَشِيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن الصّبّاغ، وغيرهما.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة، وشيَّعه أعيان الدّولة وخلق كثير.
قَالَ ابن النّجّار [3] : كان مهيبا، جليلا، عالما، تخين السّتر، عفيفا، كامل العقل، نزها، جميل السّيرة.
95- عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي مَنْصُور جلال الدّين ابن الوزير أَبِي جَعْفَر الجواد وزير السّلطان عز الدين مَسْعُود [4] .
تُوُفّي فِي المحرَّم. وقيل: تُوُفّي قبل هَذَا. وَقَدْ ذكر [5] .
96- عيسى بن مالك [6] .
__________
[ () ] (مخطوط) 2/ ورقة 641، 642 وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 133 دون ترجمة.
[1] هكذا «هبات» لأنه سمع على ثلاثة اسمهم «هبة الله» هم: ابن الحصين، وابن الطبر، والشروطي.
[2] في خلافة المستضيء بأمر الله (الكامل) .
[3] في ذيل تاريخ مدينة السلام 4/ ورقة 169 أ.
[4] انظر عن (علي بن محمد بن علي) في: الكامل في التاريخ 11/ 563.
[5] وقال ابن الأثير: وكان من الأولياء أرباب الكرامات، وصحبته أنا مدّة، فلم أر مثله حسن خلق وسمت وكرم وعبادة.
[6] انظر عن (عيسى بن مالك) في: الكامل في التاريخ 11/ 548.(41/158)
العُقَيْليّ الأمير الشّهيد عزّ الدّين، ابن صاحب قلعة جَعْبَر.
أمير جليل، شجاع بطل.
استُشْهِد فِي حصار القدس بعد أن بيَّن وأبلى بلاء حسنا، وتأسَّف المسلمون عَلَى قتله.
قُتِلَ فِي رجب، رحِمَه اللَّه.
- حرف الميم-
97- مُحَمَّد بْن بركة بْن عُمَر [1] .
أبو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، الحلّاج العَطَّار، لا القطّان.
لَهُ إجازة عالية من أَبِي القاسم الرَّبَعيّ، وأبي الغنائم النَّرْسِيّ، وشجاع الذُّهليّ. حدَّث بها عنهم.
سَمِع منه: عَبْد الجبّار بْن البُنْدار، وجماعة، ومحمد بْن أَحْمَد بْن شافع.
مات فِي ذِي القعدة.
98- مُحَمَّد بْن ذاكر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَمْر [2] .
أَبُو بَكْر الأصبهانيّ، الخِرَقيّ.
حجَّ سنة ثمانٍ وستّين. وحدَّث ببغداد عَنْ: أَبِي علي الحدّاد، وجَعْفَر الثَّقَفيّ.
وسمع الكثير من أصحاب أَحْمَد بْن محمود الثَّقَفيّ، وسعيد العيّار.
وخرَّج لنفسه مُعْجَمًا.
كتب عَنْهُ أَبُو بَكْر الحازميّ، وجماعة، وابنه أَبُو نصر القاسانيّ.
وتُوُفّي فِي رجب عَنْ ثمانين سنة.
وَهُوَ مُحَمَّد بْن أَبِي نصر.
قَالَ أَبُو رشيد الغزَّال: سَمِعْتُ منه الكثير بإفادة والدي، وَقَدْ رحل إلى نيسابور بعد الأربعين.
__________
[1] انظر عن (محمد بن بركة) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 26.
[2] انظر عن (محمد بن ذاكر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 285، 286 رقم 84 (بالملحق) ، والوافي بالوفيات 3/ 66.(41/159)
99- مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق بْن أَبِي شُكر [1] .
أَبُو المحاسن الْأَنْصَارِيّ، الأصبهانيّ، الجوهريّ.
وُلِد سنة سبع وتسعين وأربعمائة. وسمع حضورا سُنَن النَّسائيّ، منَ الدّونيّ، وسمع كتاب تاريخ «أصبهان» ، و «الحلية» ، و «مستخرج» أَبِي نُعَيم عَلَى خ. م.، عَلَى أَبِي عليّ الحدّاد. وسمع «المعجم الكبير» للطّبرانيّ، عَلَى المجسَّد [2] بْن مُحَمَّد الإسكاف، بسماعه منَ ابن فادشاه.
ورَّخ موته أَبُو رشيد الغزّال.
100- مُحَمَّد بْن أَبِي مَسْعُود عَبْد الجليل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد [3] .
أَبُو حامد كوتاه الأصبهانيّ. والدُ أَبِي بَكْر مُحَمَّد.
محدّث حافظ مصنّف، لَهُ كتاب «أسباب الْحَدِيث» عَلَى أُنموذج «أسباب النّزول» للواحديّ، لَمْ يُسبق إلى مثله. وسوَّد «تاريخا لأصبهان» ، وكتب الكثير، وكان صدوقا نبيلا.
سَمِع: جَعْفَر بْن عَبْد الواحد، وزاهر بْن طاهر، وسعيد بْن أَبِي الرّجاء.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد الغزّال.
تُوُفّي فِي المحرَّم وَلَهُ ثلاث وستّون سنة.
وقيل: تُوُفّي فِي العام الماضي.
101- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الْعَزِيز بْن خليفة بْن أَبِي العافية.
الْأَزْدِيّ، الغرناطيّ، أبو بكر الكتنديّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الخالق) في: سير أعلام النبلاء 21/ 123 رقم 61.
[2] المجسّد: بفتح السين المهملة المشدّدة، وفي آخره دال مهملة أيضا. وهو أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين الأصبهاني المتوفى سنة 433 هـ. (انظر عنه في: تاريخ الإسلام- (حوادث ووفيات 421- 440 هـ.) ص 376، 377 رقم 67) .
[3] انظر عن (محمد بن أبي مسعود) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 79 رقم 289، والمختصر المحتاج إليه 1/ 79، والوافي بالوفيات 3/ 218.
ويقول خادم العلم محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : فات الأستاذ عمر رضا كحّالة أن يذكر صاحب الترجمة في «معجم المؤلفين» وفي مستدركه أيضا، فليراجع.(41/160)
روى عن: أبي محمد بن أبي جعفر، وأبي عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبي الْحَسَن بْن مغيث.
ولقي ابن خَفَاجة الشّاعر وأخذ عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو القاسم الملاحيّ، وغيرهما.
وكان أديبا، كاتبا، شاعرا، لُغَويًّا.
تُوُفّي سنة ثلاثٍ أَوْ أربعٍ وثمانين.
102- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك [1] .
الأمير شمس الدّين ابن المقدَّم. من كبار أمراء الدّولتين النُّوريَّة والصّلاحيَّة.
وَهُوَ الَّذِي سلَّم سنْجار إلى نور الدّين، وسكن دمشق. فَلَمَّا تُوُفّي نور الدّين كَانَ أحد من قام بسلطنة نور الدّين. ثُمَّ إنّ صلاح الدّين أَعْطَاه بِعْلَبَكّ، فتحوَّل إليها وأقام بها. ثُمَّ عصى عَلَى صلاح الدّين، فجاء إِلَيْهِ وحاصره، وأعطاه عِوَضها بعض القلاع. ثُمَّ استنابه عَلَى دمشق سنة نيفٍ وثمانين.
وكان بطلا شجاعا، محتشما. وَقَدْ حضر فِي هَذَا العام وقعة حِطّين، وفُتُوح عكّا، والقدس، والسّواحل. وتوجَّه إلى الحجّ فِي تجمُّل عظيم، فَلَمَّا بلغ عَرَفَات رفع علم صلاح الدّين وضرب الكوسات، فأنكر عليه طاشتِكِين أمير الركْب العراقيّ وقَالَ: لا يُرفع هنا إلّا علم الخليفة. فلم يلتفت إِلَيْهِ، وأمر غلمانَه فرموا عَلَمَ الخليفة، وركب فيمن معه منَ الْجُنْد الشّاميّين، وركب طاشتِكِين، فالتقوا وَقُتِلَ بينهما جماعة. وجاء ابن المقدَّم سهمٌ فِي عينه، فخرّ صريعا. وجاء طاشتِكِين فحمله إلى خيمته وخيط جَراحه، فُتُوفّي منَ الغد
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الملك) في: الكامل في التاريخ 11/ 405- 408، 415، 416، 437، 450، 458، 491، 559، 560، والفتح القسّي 188، 252، 570، 577، والروضتين 2/ 123، والعبر 4/ 250، والإعلام بوفيات الأعلام 240، ومرآة الجنان 3/ 426، والوافي بالوفيات 4/ 39 (وفيه وفاته سنة 584 هـ.) ، والعسجد المسبوك 2/ 201، والنجوم الزاهرة 6/ 105، وشذرات الذهب 4/ 276.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 133، 134 واكتفى بقوله: «قتل بعرفة» .(41/161)
بمِنَى يوم الأضحى. ونُهِب الركْب الشّاميّ.
قَالَ العماد الكاتب: [1] وصَل شمسُ الدّين عَرَفَات، وما عرف الآفات.
وشاع وصوله، وضُرِبت طبوله، وجالت خيوله، وخفقت أعلامه، وضُرِبت خيامه، فغاظ ذَلِكَ طاشتِكِين، فركب فِي أصحابه، فأوقع بشمس الدّين وأترابه، وَقُتِلَ جماعة وجُرحوا.
قَالَ: ودُفن بالمُعَلّى، وارتاع طاشتِكِين لِمَا اجْتَرَمه، وأخذ شهادة الأعيان أنّ الذَّنْبَ لابن المقدّم. وقُرِئ المحضر فِي الدّيوان. ولمّا بلغ السّلطان مقتلُهُ بكى وحزن عليه وقَالَ: قتلني اللَّه إنْ لَمْ أنتصر لَهُ. وتأكَّدت الوحْشة بينه وبين الخليفة. وجاءه رسولٌ يعتذر فَقَالَ: أَنَا الجواب عمّا جرى.
ثُمَّ اشتغل بالجهاد عَنْ ذَلِكَ.
وقَالَ ابن الأثير [2] : لمّا فُتح بيت المَقْدِس طلب ابن المقدّم منَ السّلطان إذْنًا ليحجّ ويُحرِم منَ القدس، ويجمع فِي سَنَته بَيْنَ الجهاد والحجّ، وزيارة الخليل، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِما وَسَلَّمَ. وكان قَدِ اجتمع بالشّام ركْبٌ عظيم، فحجّ بهم ابن المقدّم. فَلَمَّا كَانَ عشيَّةَ عَرَفَة، أمر بضرب كوساته ليتقدّم للإفاضة، فأرسل إِلَيْهِ مُجير الدّين طاشتِكِين ينهاه عَنِ التّقدُّم، فأرسل إِلَيْهِ: إنّي لَيْسَ لي معك تَعَلُّق، وكُلّ يفعلُ ما يراه. وسار ولم يقف. فركب طاشتِكِين فِي أجناده، وتبِعه منَ الغَوْغاء والطّمّاعة عالمٌ كبير، وقصدوا حاجّ الشّام، فَلَمَّا قربوا خرج الأمر عَنِ الضَّبْط، فهجم طمّاعةُ العراق عَلَى الشّاميّين، وفتكوا فيهم، وقتلوا جماعة، ونُهِبت أموالهم. وجُرح ابن المقدّم عدَّة جراحات. وكان يكفُّ أصحابَه عَنِ القتال، ولو أذِن لانتصف منهم، ولكنّه راقبَ اللَّه تَعَالَى وحُرْمَة المكان واليوم، فَلَمَّا أُثخِن بالجراحات أخذه طاشتِكِين إلى خيمته، وأنزله عنده ليمرّضه ويستدرك الفارط، فمات منَ الغد، ورُزِق الشّهادة بعد الجهاد، رحِمَه الله تعالى.
__________
[1] في البرق الشامي، القسم المفقود.
[2] في الكامل 11/ 559.(41/162)
قُلْتُ: وَلَهُ دارٌ كبيرة إلى جانب مدرسته المقدَّميَّة بدمشق، ثُمَّ صارت لصاحب حماه، ثُمَّ صارت لقراسنقُر المنصوريّ، ثُمَّ صارت للسّلطان الملك النّاصر بعده. وَلَهُ تربة، ومسجد، وخان داخل باب الفراديس.
103- مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن واجب.
أَبُو بَكْر القَيْسيّ البَلَنْسيّ.
سَمِع: أَبَاه وعليه تفقّه، وأبا الْحَسَن ابن النّعمة.
وأخذ القراءات عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن سعدون الضّرير.
104- مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن مواهب بْن إِسْرَائِيل [1] .
أَبُو الفتح البَرَدانيّ [2] .
رَوَى عَنْ: أَبِي عَلِيّ بْن نبهان، وأبي غالب مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، وأبي عَلِيّ ابْن المهلّبيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الدُّوريّ.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [3] : رَأَيْتُ بعضهم يتّهمه بالتَّحْدِيث بما لَمْ يسمعه، ولم أقِف عَلَى ما يُنافي الصّحة. سمعنا منه.
وسمع منه: عُمَر الْقُرَشِيّ، وأصحابنا.
وولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
وتوفّي رحمه الله في جمادى الأولى [4] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن يحيى) في: مشيخة النعّال 82، 83، والتكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 17، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 175، والمختصر المحتاج إليه 1/ 160، 161، وميزان الاعتدال 4/ 66 رقم 8313، والنجوم الزاهرة 6/ 106، وتوضيح المشتبه 1/ 427، ولسان الميزان 5/ 427 رقم 1396.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 133 دون ترجمة.
[2] البرداني: بالتحريك، نسبة إلى البردان: من سواد العراق.
[3] في ذيل تاريخ بغداد، والمختصر المحتاج إليه.
[4] وقال ابن النجار: حدّث بالكثير عن أبي علي بن الهندي، وأبي غالب القزّاز، والدوري، والطبقة. روى لنا عنه أبو الفتوح ابن المصري، وسألته عنه فقال: كان صالحا إلّا أنه لعب به الصبيان وقالوا له: لو ادّعيت سماع «المقامات» فكان يحصل لك بروايتها شيء كثير من(41/163)
105- الْمُبَارَك بْن الأعزّ بْن سعد الله [1] .
أَبُو المظفّر التّوثيّ، القوّال [2] . مغنّي بغداد فِي عصره.
من أَهْل محلَّة التُّوثة.
كَانَ رأسا فِي الغناء، وأخذ المطربون عَنْهُ الأنغام.
وَلَهُ تصانيف فِي الموسيقى. وكان يخالط الصُّوفيَّة.
106- الْمُبَارَك بْن عَبْد الواحد بْن غَيْلانَ [3] .
الْبَغْدَادِيّ.
سَمِع منَ: ابن الحُصَيْن، وحدَّث [4] .
107- محفوظ بْن أَحْمَد بْن العلّامة أَبِي الخَطَّاب محفوظ بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن [5] .
الكَلْوَذانيّ [6] .
سَمِع: ابن الحُصَيْن.
وحدَّث.
وكان أَبُوهُ من عُدُول بغداد [7] .
108- مخلوف بن عليّ بن عبد الحقّ [8] .
__________
[ () ] المحتشمين، وحسّنوا له ذلك، فادّعى سماعها، فنهيته عن ذلك، فصار يدعو عليّ، وما أدري حدّث بها أم لا!
[1] انظر عن (المبارك بن الأعز) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 71 رقم 22.
[2] زاد المنذري: المقرئ، البزّاز.
[3] انظر عن (المبارك بن عبد الواحد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 171 رقم 1134، والتكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 23.
[4] قال ابن الدّبيثي: أجاز لنا، وكتب عنه عمر القرشي. وقد جاوز الثمانين.
[5] انظر عن (محفوظ بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 197 رقم 1222، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 75، 76 رقم 29.
[6] الكلوذاني: نسبة إلى كلواذى: بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الواو، وبين الألفين ذال معجمة. قرية من قرى بغداد.
[7] وزاد المنذري: وجدّه أبو الخطّاب أحد فقهاء الحنابلة، وتصانيفه مشهورة.
[8] انظر عن (مخلوف بن علي) في: العبر 4/ 250، وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 134 وسمّاه: «مخلوف بن جارة الإسكندراني» دون أن يترجم له.(41/164)
الفقيه أَبُو القاسم التَّمِيمِيّ، القَرَويّ، ثمَّ الإسكندرانيّ. الفقيه المالكيّ، المعروف بابن جارة.
تفقَّه وبرع فِي المذهب.
ومن شيوخه: أَبُو الحَجَّاج يوسف بْن عَبْد الْعَزِيز اللّخْميّ، ومُحَمَّد بْن أَبِي سَعِيد الأندلسيّ، وسَنَد بْن عنّان، وأَبُو عَبْد اللَّه المازريّ، وآخرون.
ودرّس وأفتى، وانتفع بِهِ جماعةٌ كثيرة فِي الفقه.
وكان من أعلام المذهب.
تُوُفّي فِي رمضان بالثّغر.
تفقَّه بِهِ ابن المفضّل، وروى عَنْهُ.
- حرف النون-
109- نصر اللَّه بْن أَبِي مَنْصُور عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد [1] .
أَبُو السّعادات بْن زُرَيْق [2] الشَّيْبَانِيّ، القزَّاز، الحَرِيميّ.
مُسند بغداد فِي وقته. كَانَ شيخا صالحا من بيت الرواية [3] .
سَمِع: جَدّه أَبَا غالب، وأبا سعد بْن خُشَيْش، وأبا القاسم الرَّبَعيّ، وأبا الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ، وأبا الْحَسَن بْن العلّاف، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن الْمُخْتَارِ، وأبا الْعَبَّاس أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمروس، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن العلّاف، وأبا القاسم بْن بيان، وأبا عَلِيّ بْن نبهان، وشجاع بْن فارس الذُّهْليّ، وأُمّه شمس النَّهار بِنْت أَبِي عليّ البردانيّ.
__________
[1] انظر عن (نصر الله بن أبي منصور) في: مشيخة النعال 80- 82، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 66- 68 رقم 16، وتلخيص مجمع الآداب 4/ 854 رقم 2173، وتاريخ إربل 1/ 81، والمختصر المحتاج إليه 3/ 208، 209 رقم 1248، والمشتبه في الرجال 1/ 222، وسير أعلام النبلاء 21/ 132، 133 رقم 67، والعبر 4/ 250، ودول الإسلام 2/ 95، والإعلام بوفيات الأعلام 240، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1904، وتاريخ الخميس 2/ 409، والنجوم الزاهرة 6/ 106، وشذرات المذهب 4/ 276.
[2] في الأصل: «رزيق» ، بتقديم الراء، وهو تحريف، والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] قال المنذري: وهو من بيت الحديث، حدّث هو، وأبواه، وجدّاه، وعمّاه، وعمّا أبيه، وابنه، وأمّه.(41/165)
حدَّث عَنْهُ: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ، ومات قبله بإحدى وعشرين سنة، وابنه عُثْمَان، وابن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والتَّقِيّ بْن باسوَيْه، ومعالي بْن سلامة الحرّانيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن الدُّبِيثيّ، والجمال أَبُو حَمْزَة، ومُحَمَّد بْن الحافظ عَبْد الغنيّ، والأمين سالم بْن صَصْرى، وفضل اللَّه بْن عَبْد الرزّاق الْجيليّ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن بقاء السّبّاك، ومُحَمَّد بْن أَبِي الفُتُوح بْن الحُصْريّ، وعَبْد اللَّه بْن عُمَر البَنْدَنِيجيّ، وآخرون.
وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة ابن عَبْد الدّائم.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [1] : أراني مولده بخطّ جَدّه أَبِي غالب فِي جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
وتوفي في تاسع عشر ربيع الآخر، وله اثنتان وتسعون سنة.
110- نصر بْن فتيان بْن مطر [2] .
العلّامة ناصح الدّين أَبُو الفتح بْن المَنّيّ النّهروانيّ، الحنبليّ، فقيه العراق.
وُلِد سنة إحدى وخمسمائة.
وتفقَّه عَلَى أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الدِّينَوَرِيّ، ولازمه حَتَّى بَرَعَ فِي المذهب.
وسمع من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، والْحُسَيْن بْن مُحَمَّد البارع، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الدَّنِف، والْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلّال، وأبي الْحَسَن بْن الزّاغُونيّ، وأبي غالب بْن البنّاء، وأبي نصر اليونارتيّ.
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه 3/ 209.
[2] انظر عن (نصر بن فتيان) في: الكامل في التاريخ 11/ 563، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 70، 71 رقم 21، وتاريخ إربل 1/ 98، 292، وتلخيص مجمع الآداب 1/ 244 و 2/ 855 و 3/ 115، والمختصر المحتاج إليه 3/ 212 رقم 1256، والعبر 4/ 251، والإعلام بوفيات الأعلام 240، وسير أعلام النبلاء 21/ 137، 138 رقم 70، ودول الإسلام 2/ 95، والمشتبه 2/ 461، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 78، ومرآة الجنان 3/ 426 وفيه: «نصر بن قينان» وهو تصحيف، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 358- 365، والبداية والنهاية 12/ 329، والعسجد المسبوك 2/ 203، 204، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 52، والنجوم الزاهرة 6/ 106، وشذرات الذهب 4/ 77.(41/166)
وتصدَّر للإِشغال، وطال عُمره، وقصده الطَّلبة منَ البلاد، وبَعُدَ صيتُه، واشْتَهَر اسمه، وتخرَّج بِهِ أئمَّة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ ورِعًا عابدا، حَسَن السَّمْت، عَلَى منهاج السَّلَف.
أضرّ فِي آخر عمره، وحصل لَهُ طَرَش. ولم يزل يدرّس الفقه إلى حين وفاته.
تُوُفّي فِي خامس رمضان.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ [1] : كَانَ لَهُ مَسْجِد فِي المأمونيَّة وبه يدرّس [2] .
قُلْتُ: تفقَّه عليه الشَّيْخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وروى عَنْهُ:
هما، وابن أَخِيهِ مُحَمَّد بْن مقبل، وأبو صالح نصر بن عبد الرّزّاق، وجماعة.
قَالَ ابن النّجّار: حُمل على الرءوس، وتولّى حفْظ جنازته جماعة منَ الأتراك خوفا منَ العوامّ وازدحامهم عليه، ودُفِن بداره.
- حرف الهاء-
111- هبة الله بْن أَبِي القاسم عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن [3] .
المولى مجد الدّين أبو الفضل ابن الصّاحب، أستاذ دار المستضيء.
انتهت إِلَيْهِ الرئاسة فِي زمانه. وبلغ منَ الرُّتبة رُتب الوزير وأبلغ، وصار يولّي ويعزل. وماج فِي أيّامه الرفض، وشمخت المبتدعة.
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه.
[2] وزاد ابن الدبيثي: شيخ صالح مقدّم عند أهل مذهبه، وبرع في المذهب والخلاف وتخرّج به جماعة. وكان ثقة ديّنا حميد السيرة، وسمع منه جماعة من أصحابنا ولم يتفق لي منه سماع، وأضرّ قبل موته ثم أصابه صمم.
[3] انظر عن (هبة الله بن أبي القاسم) في: الكامل في التاريخ 11/ 434، وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 560، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 66 رقم 15، والمختصر في أخبار البشر 3/ 77، 78، والمختصر المحتاج إليه 3/ 225 رقم 1295، والعبر 4/ 251، ودول الإسلام 2/ 68، ومرآة الجنان 3/ 426، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 53، وشذرات الذهب 4/ 275- 279.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 134 دون ترجمة.(41/167)
وَقَدْ وُلّي حجابة الباب النُّوبيّ فِي أيّام المستنجد، ولمّا بويع النّاصر قرّبه وأدناه، وحكّمه فِي الأمور والصُّدور. ولم يزل عَلَى ارتقائه إلى أن سَعَى بِهِ بعض النّاس، فاستُدْعِيَ إلى دار الخلافة، فقتِل بها تاسع عشر ربيع الأوّل، وعُلِّق رأسه عَلَى داره.
وكان رافضيّا سبّابا.
عاش إحدى وأربعين سنة، وَقَدْ خلّف ترِكةً عظيمة منها ألف ألف دينار ونيّف.
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: التَّقِيّ الحَوْرانيّ الزّاهد، وفراس بن العسقلانيّ، والجمال يحيى ابن الصَّيْرفيّ، وعمر بْن عوة الْجَزَريّ، وآخرون.(41/168)
سنة أربع وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
- أَحْمَد بْن الْحَسَن [1] .
112- إِبْرَاهِيم بْن سُفْيان بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الوهّاب ابن الحافظ عَبْد اللَّه بْن مَنْدَه [2] .
أَبُو إِسْحَاق العبديّ، الأصبهانيّ.
حدَّث عَنْ: زاهر الشّحّاميّ، والْحُسَيْن بْن الخلَّال، وخلْق.
قَالَ ابن النّجّار: سَمِع كثيرا وأسمع أولاده، وكتب بخطّه وكان موصوفا بالصّدق والأمانة، وحُسْن الطّريقة والدّيانة.
تُوُفّي فِي ثاني عشر جُمادى الأولى.
113- إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الأعلى بْن أَحْمَد [3] .
أَبُو غالب الخطيب، الواسطيّ، المعدَّل.
شيخ صالح يخطب بقرية.
سَمِع: أباه، ونصر اللَّه بن الجلخت، والحسن بن إبراهيم الفارقيّ الفقيه، والمبارك بن نغوبا.
قال ابن الدّبيثيّ: قدِم بغداد، وكتبنا عَنْهُ. وكان ثقة.
تُوُفّي في المحرّم وله نيّف وسبعون سنة.
__________
[1] هكذا في أصل المتن من المخطوط، من غير ترجمة. وقد كتب بجانبه على الهامش: «مرّ سنة 72» .
[2] ذكره ابن النجار في تاريخه كما ذكر في ترجمته.
[3] انظر عن (إبراهيم بن عبد الأعلى) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 31.(41/169)
114- أُسَامَة بْن مُرشد بْن عَلِيّ بْن مُقَلّد بْن نَصْر بْن منقذ [1] .
الأمير الكبير مجد الدّين، مؤيَّد الدَّولة، أَبُو المظفَّر الكِنانيّ، الشَّيزَرِيّ الأديب، أحد أبطال الْإِسْلَام، ورئيس الشّعراء الأعلام.
ولد بشيزر في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. وسمع سنة تسعٍ وتسعين نسخة أَبِي هُدْبة من: عَلِيّ بْن سالم السِّنْبِسيّ [2] .
سَمِع منه: أَبُو القاسم بْن عساكر الحافظ، وأَبُو سعد بْن السّمعانيّ، وأَبُو المواهب بْن صَصْرى، والحافظ عَبْد الغنيّ، وولده الأمير أَبُو الفوارس مُرْهَف، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وشمس الدّين مُحَمَّد بْن عَبْد الكافي، وعبد الصَّمد بْن خليل بْن مقلّد الصّائغ، وعبد الكريم بْن نصر اللَّه بْن أَبِي سُرَاقة، وآخرون.
وَلَهُ شِعْر يروق وشجاعة مشهورة. دخل ديار مصر وخدم بها في أيّام
__________
[1] انظر عن (أسامة بن مرشد) في: الباهر 112- 116، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 498- 547، و (قسم شعراء الشام) 1/ 499، وسنا البرق الشامي 1/ 227، والفتح القسي 261، ومعجم الأدباء 2/ 173- 197، والتذكرة لابن العديم (مخطوط) 87، 90، 91، 263، وبغية الطلب (مخطوط) 3/ 396- 410 رقم 375، والروضتين 2/ 137، ووفيات الأعيان 1/ 195 رقم 84، والذيل على الروضتين 93، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 95، 96 رقم 51، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 82، وديوان ابن منير الطرابلسي (بعنايتنا) 12، 15، 17، 21، 23، 63، 64، 72، 74، 79، 114، 272، 273، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 4/ 258- 262 رقم 241، والعبر 4/ 252، ودول الإسلام 2/ 96، وسير أعلام النبلاء 21/ 165- 167 رقم 83، والإعلام بوفيات الأعلام 240، ومرآة الجنان 3/ 427، 428، والوافي بالوفيات 8/ 378 رقم 3818، والبداية والنهاية 12/ 313، والعسجد المسبوك 2/ 205، 206، والمقفى الكبير 2/ 40- 49 رقم 711، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 64، والإعلان بالتوبيخ للسخاوي 54، والنجوم الزاهرة 6/ 107، 108، وروضات الجنات 72، وكشف الظنون 769، وسلّم الوصول لحاجّي خليفة (مخطوط) ورقة 174، وشذرات الذهب 4/ 279، وديوان الإسلام 4/ 285 رقم 2051، وأعيان الشيعة 10/ 228، وتهذيب تاريخ دمشق 2/ 400، والأعلام 1/ 260، ومعجم المؤلفين 2/ 184، ومقدّمة كتابه «الإعتبار» للدكتور فيليب حتى، وكتابه «لباب الآداب» وغيره.
[2] السّنبسيّ: بكسر السين المهملة وسكون النون وكسر الباء الموحّدة وفي آخرها سين أخرى. نسبة إلى سنبس: قبيلة مشهورة من طيِّئ. (الأنساب 7/ 158، اللباب 2/ 144، توضيح المشتبه 5/ 255) .(41/170)
العادل بْن السّلّار، ثمّ قدِم دمشقَ، وسكن حماه مدّة، وكان أَبُوهُ أميرا شاعرا مُجِيدًا أيضا.
وقَالَ ابن السّمعانيّ: قَالَ لي أَبُو المظفَّر: أحفظ أكثر من عشرين ألف بيت من شِعْر الجاهلية. ودخلتُ بغداد وقت مُحاربة دُبَيْس والمسترشد باللَّه، ونزلت بالجانب الغربيّ، وما عبرتُ إلى شرقيّها.
وقَالَ العماد الكاتب [1] : مؤيَّد الدّولة أعرف أَهْل بيته فِي الحسب، وأعرفهم بالأدب. وجرت لَهُ نَبْوة فِي أيّام الدّمشقيّين، وسافر إلى مصر فأقام بها سنين فِي أيّام المصريّين، ثمّ عاد إلى دمشق. وكنت أسمع بفضله وأنا بأصبهان. وما زال بنو [2] منقذ مالكي شَيْزَر إلى أن جاءت الزَّلزَلة في سنة نيّف وخمسين وخمسمائة، فخرَّبت حصنها، وأذهبت حُسْنها، وتملَّكها نور الدّين عليهم، وأعاد بناءها، فَتَشعَّبوا شُعَبًا، وتفرَّقوا أيدي سبأ. وأسامة كإسمه فِي قوّة نثره ونظْمه، تلوح فِي كلامه إمارة الأمارة، ويؤسِّسُ بيتُ قريضهِ عمارةَ العبارَة. انتقل إلى مصر فبقي بها مؤمَّرًا، مشارا إِلَيْهِ بالتّعظيم إلى أيّام ابن رُزّيك، فعاد إلى دمشق محتَرَما حَتَّى أُخِذت شَيْزَر من أهله، ورشقهم صرف الزّمان بنَبْله، ورماه الحِدْثان إلى حصن كِيفا مقيما بها فِي ولده، مؤثِرًا بلَدَها عَلَى بلده، حَتَّى أعاد اللَّه دمشق إلى سلطنة صلاح الدّين، ولم يزل مشغوفا بذِكره، مستهترا بإشاعة نظْمه ونثْره. والأمير عضُد الدّولة وُلِد الأمير مؤيّد الدّولة جليسه ونديمه [3] ، فطلبه إلى دمشق وَقَدْ شاخ، فاجتمعتُ بِهِ وأنشدني لنفسه فِي ضرسه:
وصاحب لا أملُّ الدّهرَ صُحْبَتَه ... يشقى لنفْعي ويسعى [4] سعْي مجتهدِ
لَمْ أَلْقَهُ مُذْ تصاحبنا، فحين بدا ... لناظريّ افترقنا فرقة الأبد
[5]
__________
[1] في خريدة القصر (الشام) 1/ 499.
[2] في الأصل: «بنوا» .
[3] معجم الأدباء 5/ 192، 193.
[4] في الأصل: «يسعا» .
[5] البيتان في ديوانه ص 153، وسنا البرق الشامي 1/ 227، ومعجم الأدباء 5/ 194،(41/171)
قَالَ العماد: ومن عجيب ما اتّفق لي أنّي وجدتُ هذين البيتين مَعَ أُخَر فِي ديوان أَبِي الْحُسَيْن أَحْمَد بْن منير الرّفّاء [1] المتوفّى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وهي:
وصاحبٍ لا أملُّ الدّهرَ صُحبَتَه ... يسعى لنفعي وأجني ضُرَّه بيدي
أدنى إلى القلب من سمعي، ومن بصري ... ومن تِلادي، ومن مالي، ومن ولدي
أخلو ببثّي من خالٍ بوجنته ... مداده زائد التّقصير للمُدَد
[2] والأشبه أنّ ابن منير أخذهما وزاد عليهما [3] .
ولأسامة فِي ضرسِ آخر:
أعجب بمحتجب عَنْ كُلّ ذِي نَظَر ... صحِبْتُه الدَّهرَ لَمْ أَسْبِرْ خلائقه
حَتَّى إذا رابني قابَلْتُه فقضى ... حباؤه وإبائي أن أفارقه
وَلَهُ:
وصاحبٍ صاحَبَني فِي الصّبى ... حَتَّى تردَّيت رداء المَشيبْ
لَمْ يَبْدُ لي ستّين حولا، ولا ... بلوت من أخلاقه ما يريبْ
أفسَده الدّهر، ومن ذا الَّذِي ... يحافظ العهد بظهر المغيب؟
منذ افترقا لَمْ أصِبْ مثله ... عُمري ومثلي أبدا لا يصيب
وَلَهُ:
قَالُوا نَهَتْهُ الأربعون عَنِ الصّبا ... وأخو المشيب بحرم [4] ثمّت يهتدي
__________
[ () ] والنجوم الزاهرة 6/ 107، وبلوغ الأرب لجرمانوس 125 وفيه أنهما لبعض الأدباء، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 4/ 260، والوافي بالوفيات 8/ 379.
[1] انظر ديوان ابن منير، بعنايتنا- ص 272، 273.
[2] في ديوان ابن منير زيادة بيت هو البيت الثاني الّذي أنشده أسامة.
[3] وقال العماد: وقد وجدت هذا البيت الأول على صورة أخرى حسنة:
وصاحب ناصح لي في معاملتي وانظر: الروضتين ج 1 ق 2/ 677، 678.
[4] في معجم الأدباء: «يجور» .(41/172)
كم صار [1] فِي ليلِ الشّباب فدلَّه ... صُبْحُ المَشِيب عَلَى الطّريق الأقصدِ
وَإِذَا عَدَدْتَ سِنِيّ ثُمَّ نَقَصْتَها ... زَمَنَ الهُمُوم فتِلكَ ساعةُ مولدي
[2] وَلَهُ فِي الشَّيْب:
أَنَا كالدُّجى لمّا تناهى عُمره ... نشرت لَهُ أيدي الصّباح ذوائبا
[3] وَلَهُ:
انظر إلى لاعب الشَّطْرَنْج يجمعُها ... مُغالِبًا ثُمَّ بعد الجمْع يرميها
كالمرءِ يكْدَحُ للدّنيا ويجمعُها ... حَتَّى إذا مات خلّاها وما فيها
[4] وَلَهُ إلى الصّالح طلائع بْن رُزّيك وزير مصر يسأله تسييرَ أهله إلى الشّام، وكان الصّالح ابن رُزّيك يتوقَّع رجوعَه إلى مصر:
أذْكِرْهُمُ الوِدَّ إنْ صدُّوا وإنْ صَدَفوا ... إنّ الكرام إذا استعطفْتهُمُ عطفوا
ولا تُرِدْ شافعا إلّا هواك لهم ... كفاك ما اختبروا وما كشفوا
يا حيرة القلب والفُسْطاطُ دارُهُم ... لَمْ تصقب الدّار ولكنْ أصقب الكَلَفُ
فارقتُكُم مُكْرَهًا والقلبُ يخبرني ... أن ليس لي عِوضٌ عنكم ولا خَلَفُ
ولو تعوَّضْتُ بالدّنيا غُبِنتُ، وهل ... يُعوِّضني عَنْ نفس الجوهر الصَّدَفُ؟
ولَسْتُ أُنكر ما يأتي الزّمان بِهِ ... كُلّ الورى لرزايا دهرهم هرفُ
ولا أسِفتُ لأمرٍ فات مطْلبُه ... ولكنْ لفُرقِه مَن فارقتُه الأسفُ
الملكُ الصّالح الهادي الَّذِي شهِدَتْ ... بفضل أيّامه الأنباءَ والصُّحُفُ
ملكٌ أقلّ عطاياه الغِنى، فإذا ... أدناكَ منه فأدنى حظّك الشَّرَفُ
سعتْ إلى زُهده الدُّنْيَا بزُخْرُفها ... طَوْعًا، وفيها عَلَى خطابها صلف
__________
[1] في معجم الأدباء: «جار» .
[2] معجم الأدباء 5/ 194، الخريدة 1/ 533، الوافي بالوفيات 8/ 381، مقدّمة لباب الآداب (م، ن) .
[3] معجم الأدباء 5/ 198، لباب الآداب- ص (ن) . وقال أسامة في (اللباب 377) : أفردت لذكر الشيب والكبر والشباب كتابا ترجمته بكتاب (الشيب والشباب) اشتمل على كثير مما يتطلّع إليه من هذا النوع.
[4] خريدة القصر 1/ 515، معجم الأدباء 5/ 204، الوافي بالوفيات 8/ 381.(41/173)
مُسْهَدٌ وعيونُ النّاس هاجعةٌ ... عَلَى التَّهجُّدِ والقرآنِ معتكِفُ
وتُشرق الشّمس من لألاء غُرَّتِهِ ... فِي دَسْتِهِ فتكاد الشّمس تنكسِفُ
فأجابه الصّالح، وكان يجيد النَّظْم رحِمَه اللَّه:
آدابُكَ الغُرّ بحرٌ ما لَهُ طَرَفُ ... فِي كُلّ جنسٍ بدا من حُسِنِه طُرَفُ
نقول لمّا أتانا ما بعثتَ بِهِ: ... هَذَا كتابٌ أتى، أمْ روضةٌ أنُفُ
إذا ذكرناك مجدَ الدّين عاوَدَنا ... شوقٌ تجدَّد منه الوجدُ والأسفُ
يا مَن جفانا ولو قَدْ شاء كَانَ إلى ... جنابنا دون أَهْل الأرض ينعطف
وهي طويلة.
ولأسامة:
مَعَ الثّمانين عاش الضَّعْفُ فِي جسدي ... وساءني ضَعْفُ رِجْلي واضطّرابُ يدي
إذا كتبتُ فخطّي خطُّ مضطَّرِبٍ ... كخطّ مُرْتَعِشِ الكفَّين مُرْتَعدِ
فاعْجب لضَعْفِ يدي عَنْ حَمْلها قَلَمًا ... من بَعْد حَطْمِ القَنَا فِي لُبَّةَ الأَسَدِ
وإن مشيتُ وَفِي كفّي العصا ثقُلَتْ ... رِجلي كأنّي أخوضُ الوحل فِي الجلدِ
فقُلْ لمن يتمنّى طول مدَّتِهِ: ... هذي عواقبُ طُولِ العُمرِ والمُدَدِ
[1] ولمّا قدِم من حصن كِيفا عَلَى صلاح الدّين قَالَ:
حَمِدْتُ عَلَى طول عُمري المَشِيبا ... وإنْ كنتُ أكثرتُ فِيهِ الذُّنوبا
لأنّي حييتُ إلى أن لقيت ... بعد العدوّ صديقا حبيبا
وَلَهُ:
لا تَستعِرْ جلَدًا عَلَى هجرانهم ... فقِواك تَضْعُفُ عَنْ حدودٍ دائمِ
واعْلم بأنَّك إنْ رجعتَ إليهم ... طَوْعًا، وإلّا عُدْتَ عَودة راغمِ
[2] وعندي لَهُ مجلَّدٌ يخبر فِيهِ بما رَأَى منَ الأهوال قَالَ: حضرت منَ المصافّات والوقعات مَهْولَ أخطارِها، واصطليت من سعير نارها، وباشرت
__________
[1] الاعتبار 163، 164، الروضتين 1/ 114 وبعض هذه الأبيات في سير أعلام النبلاء 21/ 167.
[2] خريدة القصر، الوافي بالوفيات 8/ 380، لباب الآداب (ن) .(41/174)
الحربَ وأنا ابن خمس عشرة سنة إلى أن بلغت مدى التّسعين، وصرتُ منَ الخوالِفِ، خَدِين المنزلُ، وعن الحروب بمعزِل، لا أُعَدُّ لمهمّ، ولا أدعى لدفاع ملمّ، بعد ما كنتُ أوّل من تنثني عليه الخناصر، وأكبر العدد لدفع الكبائر، أوّل من يتقدَّم السَّنْجَقِيَّة عِنْد حملة الأصحاب، وآخر جاذب عِنْد الجولة لحماية الأعقاب.
كم قَدْ شهدت منَ الحروب فليتني ... فِي بعضها مِن قبل نكسي أُقتلُ
فالقتلُ أحسن بالفتى من قبل أن ... يفنى ويبليه الزّمان وأجملُ
وأبيكَ ما أحجمتُ عَنْ خوض الرَّدى ... فِي الحرب، يشهد لي بذاك المنْصلُ
لكنْ قضاء اللَّه أخَّرني إلى ... أَجَلي الوقت لي فماذا أفعلُ؟
ثُمَّ أَخَذَ يعدّ ما حضره منَ الوقعات الكبار قَالَ: فَمنْ ذَلِكَ وقعة كَانَ بيننا وبين الإسماعيليّة فِي قلعة شَيْزَر لمّا وثبوا على الحصن في سنة سبع وخمسمائة [1] ، ووقعة كَانَتْ بَيْنَ عسكر حماه وعسكر حمص في سنة خمس وعشرين وخمسمائة، ومصافّ عَلَى تِكْريت بَيْنَ أتابَك زنكي بْن آق سنقر، وبَيْنَ قُراجا صاحب مرس فِي سنة ستٍّ وعشرين، ومصافّ بين المسترشد باللَّه وبين
__________
[1] هكذا في الأصل. ووقع في كتاب «لباب الآداب» لأسامة ص 190 «سنة سبع وعشرين وخمسمائة» .
ويقول خادم العلم محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : إنّ كلا التاريخين غير صحيح استنادا إلى ما جاء في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير 10/ 472، وغيره من المؤرخين الذين ذكرت مصادرهم في حوادث تلك السنة من هذا الكتاب، من أن حادثة استيلاء الإسماعيلية الباطنية على حصن شيزر كانت في فصح النصارى من سنة 502 هـ.
والوهم في التاريخين (527 هـ.) و (528 هـ.) من أسامة نفسه، خاصّة وأنه ذكر أن الشيخ أبا عَبْد الله مُحَمَّد بْن يوسف بْن المنيّرة الكفرطابي كان بشيزر وقت الحادثة.
والمعروف أن ابن المنيّرة توفي سنة 503 هـ. (كما في: بغية الوعاة 1/ 124، وكشف الظنون 1/ 186 و 2/ 158 و 612) فكيف يكون موجودا في سنة 527 هـ.؟
قال أسامة: في (لباب الآداب 190) : «كان بيننا وبين الإسماعيلية قتال في قلعة شيزر في سنة سبع وعشرين وخمسمائة، لعملة عملوها علينا، ملكوا بها حصن شيزر، وجمّاستنا في ظاهر البلد ركاب، والشيخ العالم أبو عبد الله محمد بن يوسف بن المنيّرة رحمه الله في دار والدي يعلّم إخوتي رحمهم الله، فلما وقع الصياح في الحصن تراكضنا وصعدنا في الحبال، والشيخ أبو عبد الله قد مضى إلى داره إلى الجامع..» .(41/175)
أتابَك زنكي عَلَى بغداد فِي سنة سبْعٍ وعشرين، ومصافّ بَيْنَ أتابَك زنكي وبَيْنَ الأرتقيَّة وصاحب آمِد عَلَى آمد فِي سنة ثمانٍ وعشرين، ومصافّ عَلَى رَفَنية بَيْنَ أتابَك زنكي وبَيْنَ الفِرَنج سنة إحدى وثلاثين، ومصافّ عَلَى قِنَّسْرين بَيْنَ أتابَك وبَيْنَ الفِرَنج لَمْ يكن فِيهِ لقاء فِي سنة إحدى وثلاثين، ووقعة بَيْنَ المصريّين وبَيْنَ رضوان الولخشي سنة اثنتين وأربعين، ووقعة بَيْنَ السُّودان بمصر فِي أيّام الحافظ فِي سنة أربعٍ وأربعين.
ووقعة كَانَتْ بَيْنَ الملك العادل ابن السّلّار، وبَيْنَ أصحاب ابن مَصال فِي السَّنة، ووقعة أيضا بَيْنَ أصحاب العادل وبَيْنَ ابن مصال فِي السّنة أيضا بدلاص، وفتنة قُتِلَ فيها العادل بْن السّلّار فِي سنة ثمانٍ وأربعين. وفتنة قُتِلَ فيها الظّافر وأخواه وابن عمّه فِي سنة تسعٍ وأربعين، وفتنة المصريّين وعبّاس ابن أَبِي الفتوح فِي السّنة. وفتنة أخرى بعد شهر حين قامت عليه الْجُنْد.
ووقعة كَانَتْ بيننا وبَيْنَ الفِرَنج فِي السّنة.
ثُمَّ أَخَذَ يسرُد عجائب ما شاهد فِي هَذِهِ الوقعات، ويصف فيها شجاعته وإقدامه رحِمَه اللَّه.
وَقَدْ ذكره يَحْيَى بْن أَبِي طيِّئ فِي «تاريخ الشّيعة» [1] فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: اجتمعت بِهِ دفعات، وكان إماميّا حَسَن العقيدة، إلّا أَنَّهُ كَانَ يداري عَنْ منْصبه ويُظهر التَّقِيَّة. وكان فِيهِ خيرٌ وافر. وكان يرفد الشّيعة، ويَصِل فُقراءهم، ويعطي الأشراف.
وصنّف كتبا منها «التّاريخ البدريّ» [2] جمع فِيهِ أسماء من شهد بدرا منَ الفريقين، وكتاب «أخبار البلدان» في مدّة عمره، وذيّل عَلَى «خريدة [3] القصر» للباخَرْزِيّ، وَلَهُ «ديوان» كبير، ومصنّفات.
__________
[1] هذا واحد من كتبه المفقودة حتى الآن.
[2] سمّاه فيليب حتى في مقدّمة كتاب «الإعتبار» : «التاريخ البلدي» وهو تصحيف واضح.
[3] هكذا في أصل المؤلّف- رحمه الله- وهو سبق قلم منه، والصحيح «دمية القصر» . أما «الخريدة» فهو للعماد الكاتب.(41/176)
تُوُفّي ليلة الثّالث والعشرين من رمضان بدمشق، ودُفِن بسفح قاسيون عَنْ سبْعٍ وتسعين سنة [1] .
115- إقبال بْن أَحْمَد بن عليّ بْن بَرْهان [2] .
أَبُو القاسم الواسطيّ، الْمُقْرِئ، النَّحْويّ، المعروف بابن الغاسلة.
ولد بواسط سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وقرأ القرآن عَلَى المظفَّر بْن سلامة الخبّاز، وجماعة.
وسمع من: أَبِي عليّ الفارقيّ، وأبي السّعادات الخطيب.
ودخل بغداد فسمع من: أَبِي بَكْر بْن الزّاغونيّ.
وكان عارفا بالعربيّة.
تُوُفّي ليلة عيد الأضحى.
وبَرْهان: بالفتح.
رَوَى عَنْهُ: ابن الدُّبِيثيّ ووثّقه.
116- أيّوب بْن مُحَمَّد.
أَبُو مُحَمَّد بْن القلاطيّ، البَلَنْسيّ، المؤدِّب.
أَخَذَ القراءات عن: ابن هذيل.
__________
[1] ومن شيوخ أسامة الذين تلقّى العلم عليهم: أبو عبد الله أحمد بن محمد الطليطلي النحويّ، وكان ناظرا على دار العلم بطرابلس، وحين سقطت المدينة بأيديهم سنة 502 هـ. أخذوه أسيرا، فاستخلصه والد أسامة من أيديهم لقاء مبلغ من المال، فأقام عندهم بشيزر- وكان في النحو سيبويه زمانه- فقرأ عليه أسامة النحو نحوا من عشر سنين. (الإعتبار 208، 209) وانظر: كتابنا: الحياة الثقافية في طرابلس الشام- بيروت 1973- ص 48، 49.
ولأسامة أبيات قالها في مدينة صور وقد زار أطلال قصور قضاتها وأمرائها من بني أبي عقيل. انظر ديوانه ص 281، والمنازل والديار، له ص 236، والروضتين لأبي شامة ج 1 ق 1/ 317، وخطط الشام لمحمد كردعلي 5/ 273، ولبنان من السيادة الفاطمية حتى السقوط بيد الصليبيين (تأليفنا) - طبعة دار الإيمان، طرابلس 1414 هـ. / 1994 م.
ص 131 (القسم السياسي) .
[2] انظر عن (إقبال بن أحمد) في: إنباه الرواة 1/ 236، 237، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 274، 275، والمختصر المحتاج إليه 1/ 259، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 104 رقم 61، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة، ورقة 117.(41/177)
وكان صالحا، محقِّقًا، مجوِّدًا.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وأَبُو بَكْر بْن مُحْرِز.
- حرف الحاء-
117- الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم [1] .
أَبُو عليّ الْجُوَيْنيّ الكاتب. صاحب الخطّ المنسوب.
كَانَ أديبا فاضلا، شاعرا، حدَّث عَنْ: موهوب بْن أَحْمَد الجواليقيّ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد المُنْذريّ [2] : أنشدنا عَنْهُ غيرُ واحدٍ من أصحابه.
وتُوُفّي فِي تاسع صَفَر بالقاهرة.
قَالَ: وقيل إنَّه تُوُفّي سنة ستٍّ وثمانين [3] .
قُلْتُ: وكان مختصّا بالسّلطان نور الدّين وبابنه لأدبه وظرفه.
118- الْحُسَيْن بْن مُسَافِر بْن تغلب [4] .
أَبُو عَبْد اللَّه الواسطيّ، البرجونيّ، الضرّير، الْمُقْرِئ.
قدِم بغداد فِي صباه، وقرأ القراءات عَلَى سِبط الخيّاط وأكثر عَنْهُ، وعاد إلى بلده، وحمل النّاس عَنْهُ. وكان حاذِقًا بالفنّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، وغيره.
تُوُفّي فِي ذِي الحجَّة.
وجدّه تغلب: بغين معجمة.
__________
[1] انظر عن (الحسن بن علي) في: معجم الأدباء 3/ 156، 157، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 79 رقم 34، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 2039، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) ج 3 مجلّد 2/ 58- 63، ووفيات الأعيان 2/ 131، وبغية الطلب لابن العديم (مخطوط) 5/ 532 رقم 761 وفيه «الحسن بن إبراهيم بن علي» ، وسير أعلام النبلاء 21/ 233، 234 رقم 119.
وقد تقدّم في وفيات سنة 582 هـ. برقم (50) وهو هناك: «الحسن بن إبراهيم بن علي» .
[2] في التكملة 1/ 79.
[3] ورّخه فيها ابن العديم الحلبي في (بغية الطلب 5/ 532) .
[4] انظر عن (الحسين بن مسافر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 45، 46 رقم 628، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 105، 106 رقم 65.(41/178)
- حرف الخاء-
119- خالص [1] .
الأمير مجاهد الدّين الحبشيّ، الخادم.
كَانَ ذا رأيٍ وعقل. وَلَهُ اختصاص بالدّخول عَلَى الخليفة.
تُوُفّي فِي رجب.
قَالَ ابن الأثير: كَانَ أكبر أمراء بغداد.
- حرف السين-
120- سلجوقي خاتون بِنْت قِليج رسلان بْن مَسْعُود [2] .
الرّوميَّة الجهة، المعظّمة، ابْنَة سلطان الروم، وتُعرف بالخِلاطيَّة.
زَوْجَة النّاصر لدين اللَّه، وكان يحبّها.
قدِمَتْ بغدادَ للحجّ [3] ، فوُصفت لأمير المؤمنين، وأخبر بجمالها الزّائد،
__________
[1] انظر عن (خالص) في: الكامل في التاريخ 12/ 26.
[2] انظر عن (سلجوقي خاتون) في: الكامل في التاريخ 12/ 26 وفيه: «سلجوقة» ، ورحلة ابن جبير 161، 177- 179، 206، 212، وجهات الأئمّة الخلفاء من الحرائر والإماء، لابن الساعي، بتحقيق مصطفى جواد، القاهرة، ص 110- 119، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 142 رقم 42، والوافي بالوفيات 15/ 296 رقم 413، والعسجد المسبوك 2/ 205 وفيه «سلجوقة» .
[3] قال ابن جبير في رحلته- ص 161، 162 إن الملكة خاتون بنت الأمير مسعود ملك الدروب والأرمن وما يلي بلاد الروم، وهي إحدى الخواتين الثلاث اللّاتي وصلن للحجّ، مع أمير الحاج أبي المكارم طاشتكين مولى أمير المؤمنين، الموجّه كل عام من قبل الخليفة، وله بتولّي هذه الخطة نحو الثمانية أعوام أو أزيد، وخاتون هذه أعظم الخواتين قدرا، بسبب سعة مملكة أبيها. والمقصود من ذكر أمرها أنها أسرت من بطن مرّ ليلة الجمعة إلى مكة في خاصّة من خدمها وحشمها، فتفقّد موضعها يوم الجمعة المذكور، فوجّه الأمير ثقات من خاصّة أصحابه يستطلعونها في الانصراف، وأقام بالناس منتظرا لها، فوصلت عتمة يوم السبت، وأجيلت في سبب انصراف هذه الملكة المترفة قداح الظنون، وسلّت الخواطر على استخراج سرّها المكنون، فمنهم من يقول: إنها انصرفت أنفة لبعض ما انتقدته على الأمير، ومنهم من قال: إنّ نوازع الشوق للمجاورة عطفت بها إلى المثابة المكرمة، ولا يعلم الغيب إلّا باللَّه.(41/179)
وكانت مزوَّجةٌ بصاحب حصن كِيفا. فحجَت وعادت إلى بلدها، فتوفّي زوجها، فراسل الخليفة أخاها وخَطَبها، فزوّجها منه. ومضى لإحضارها الحافظ يوسف بْن أَحْمَد شيخ رِباط الأرجوانيَّة فِي سنة إحدى وثمانين، فأُحضرت وشُغِف الخليفة بها.
وبنَتْ لها رِباطًا وتربة بالجانب الغربيّ، فتُوفّيت قبل فراغ العمارة، ودخل عَلَى الخليفة منَ الحزن ما لا يوصف، وذلك فِي ربيع الآخر، وحضرها كافّة الدّولة والقُضاة والأعيان. ورُفعت الغُرَز والطَّرحات، ولبسوا الأبيض ورُفعت البِسملَّة ووضعت عَلَى رءوس الخدّام، وارتفع البكاء منَ الْجَوَارِي [1] والخَدَم، وعُمِل لها العزاء والخَتْمات [2] .
121- سُلَيْمَان بْن أَبِي البركات مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن خميس [3] .
أَبُو الرَّبِيع الكعبيّ، الْمَوْصِلِيّ المعدّل.
حدَّث عن والده.
__________
[ () ] وأبو هذه المرأة المذكورة الأمير مسعود، كما ذكرناه، وهو في بسطة من ملكه واتّساع من إمرته، يركب له، على ما حقّق عندنا، أكثر من مائة ألف فارس، وصهره عليها نور الدّين صاحب آمد وما سواها، ويركب له أيضا نحو اثني عشر ألف فارس. ولخاتون هذه أفعال من البرّ كثيرة في طريق الحاجّ، منها سقي الماء للسبيل، عيّنت لذلك نحو الثلاثين ناضحة، ومثلها للزاد، واستجلبت لما تختصّ به من الكسوة والأزودة وغير ذلك نحو المائة بعير، وأمورها يطول وصفها. وسنّها نحو خمسة وعشرين عاما.
ثم وصف ابن جبير- ص 177 زيارتها لقبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم. ثم وصف موكبها وزينتها بعد انصرافها من الحج سنة 579 هـ. ص 206، 207، ثم دخولها الموصل- ص 212.
[1] في الأصل: «الجوار» .
[2] وقال ابن جبير ص 213: وأخبرنا غير واحد من الثقات، ممن يعرف حال خاتون هذه، أنها موصوفة بالعبادة والخير، مؤثرة لأفعال البرّ، فمنها أنها أنفقت في طريقها هذا إلى الحجاز في صدقات ونفقات في السبيل، مالا عظيما، وهي تحبّ الصالحين والصالحات وتزورهم متنكّرة رغبة في دعائهم. وشأنها عجيب كلّه على شبابها وانغماسها في نعيم الملك، والله يهدي من يشاء من عباده.
[3] انظر عن (سليمان بن أبي البركات) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 78 رقم 32، والمشتبه في الرجال 1/ 189.(41/180)
وتُوُفّي فِي أوّل السّنة. وكان ثقة.
وأبوه أَبُو البَرَكات يروي عَنْ أَبِي نصر أَحْمَد بْن طَوق الْمَوْصِلِيّ.
وأَبُو البركات هُوَ عمّ الفقيه الْإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن نصر بْن خميس الشّافعيّ، وكان صاحب فنون. رَوَى عَنِ ابن البَطِر وطبقته، ومات بالموصل قبل أَبِي الوقت.
- حرف الصاد-
122- صَبِيح بْن عَبْد اللَّه [1] .
أبو الخير الحبشيّ، العطّاريّ، الْبَغْدَادِيّ، الزَّاهد، مَوْلَى أَبِي القاسم نَصْر بْن مَنْصُور العَطَّار، الحرَّاني، التّاجر.
حفظ القرآن وسمع الكثير مَعَ [ابن] [2] مولاه، وكتب بخطّه الكثير.
واعتنى بالسّماع فسمع منَ: ابن ناصر، ونَصْر العُكْبَرِيّ، وابن الزّاغونيّ، وأبي الوقت. وطبقتهم.
وكان عبدا صالحا، وقف كُتُبه.
ويُقَالُ لَهُ: النَّصْري، نسبة إلى مُعْتِقِه نَصْر.
سَمِع منه: إِبْرَاهِيم بْن محمود الشّعّار، وعَلِيّ بْن الْحَسَن ابن رئيس الرؤساء، وأَبُو المواهب بْن صَصْرى، ودَاوُد بْن عليّ.
توفّي في صفر.
__________
[1] انظر عن (صبيح بن عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 114، 115 رقم 733، والمشتبه 1/ 83 (النصري) ، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 1.- 83 رقم 36، وتوضيح المشتبه 1/ 551 و 579، وتبصير المنتبه 1/ 99 ويقول خادم العلم محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : ضبط الدكتور بشار عوّاد معروف اسم «صبيح» في التكملة للمنذري، بضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحّدة. وقد أثبتّه بفتح الصاد وكسر الباء كما قيّده المؤلّف في الأصل، وكذلك في كتابه (المشتبه 1/ 83) كما عاد محقّق (المشتبه) علي محمد البجّاوي فضبطه بفتح الصاد (1/ 88 بالحاشية) ، وهكذا فعل ابن ناصر الدين في (التوضيح 1/ 551 و 579) فليحرّر.
[2] إضافة على الأصل من مصادر الترجمة.(41/181)
واسم أَبِيهِ: بَكَّر مُثقَّل، وَهُوَ فَرْدٌ.
- حرف الظاء-
123- ظاعن بْن مُحَمَّد بْن محمود بْن الفَرَج بْن زُرَير [1] .
أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو المقيم الأَسَديّ، الزُّبَيْريّ، الأَزَجّي، الخيّاط، من ذرِّيَّة أمير المؤمنين عبد الله بْن الزُّبَير.
سَمِع: أَبَا عُثْمَان بْن مَلَّة، وأبا طَالِب بْن يوسف.
وكان حافظا لكتاب اللَّه.
رَوَى عَنْهُ: حفيده عَلِيّ بْن عَبْد الصَّمد شيخ للدّمياطيّ، وغيره.
وآخر من حدَّث عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بْن النّعّال [2] .
وسمع منه: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ [3] وقَالَ: شابٌّ من أهلِ دار الخلافة، لا بأس بِهِ، كتبت عَنْهُ شيئا يسيرا، وقَالَ لي: كنّاني المسترشد باللَّه بأبي مقيم، ولي أربعون سنة. قَالَ ذَلِكَ فِي سنة ستٍّ وثلاثين.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ [4] : وُلِد فِي ذِي الحجَّة سنة 496.
قُلْتُ: آخر من رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أنجب النّعّال الصُّوفيّ.
124- ظافر بْن عساكر بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد [5] .
أَبُو المَنْصُور الخَزْرجيّ، الْأَنْصَارِيّ، المصريّ، المالكيّ.
ولد سنة عشرين وخمسمائة.
وسمع من: أَحْمَد بْن الحُطَيْئة، ومُحَمَّد بْن إبراهيم الكيزانيّ.
__________
[1] انظر عن (ظاعن بن محمد) في: مشيخة النعال 85، 86، والمختصر المحتاج إليه 2/ 126 رقم 752، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 85، 86 رقم 40، والنجوم الزاهرة 6/ 108.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 دون ترجمة.
[2] ذكره باعتباره التاسع عشر من مشيخته 85، 86.
[3] ومات قبله باثنتين وعشرين سنة. (المنذري 1/ 86) .
[4] في المختصر من تاريخه 2/ 126.
[5] انظر عن (ظافر بن عساكر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 102 رقم 58.(41/182)
وَهُوَ والد المحدَّث أَبِي اليُمَن بركات.
وَلَهُ شِعْرٌ حَسَن [1] .
- حرف العين-
125- عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن عُمَر بْن حسن [2] .
أَبُو مُحَمَّد بْن سُوَيْدة [3] التكْريتيّ.
سَمِع: أَبَاه، ومُحَمَّد بْن خَلَف بتكْريت.
ورحل وطلب الْحَدِيث، فسمع بالموصل مُحَمَّد بْن القاسم الْأَنْصَارِيّ، وأَحْمَد بْن أَبِي الفضل الزُّبَيْريّ، وببغداد: أَبَا الفتح الكروخيّ، وابن ناصر، وعبد الخالق اليُوسُفيّ.
سَمِع منه: أَهْل تَكْريت والرحّالة.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: كَانَ فِيهِ تساهل فِي الرواية.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعزّ الدّين ابن الأثير.
قَالَ [4] : وكان عالما بالحديث، وَلَهُ تصانيف حَسَنة.
126- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد [5] بن سَعْد الله [6] بن محمد.
__________
[1] قال المنذري: كتبنا منه شيئا.
[2] انظر عن (عبد الله بن علي) في: الكامل في التاريخ 12/ 26، والمختصر المحتاج إليه 2/ 152، 153 رقم 788، وتلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 25، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 85 رقم 39، وتذكرة الحفاظ 4/ 1354، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 57، والبداية والنهاية 12/ 332، ولسان الميزان 3/ 319، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 65، والإعلان بالتوبيخ 625، 626.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 ولم يترجم له.
[3] تصحّف إلى «سويد» في: البداية والنهاية، والإعلان بالتوبيخ.
[4] القائل هو ابن الأثير في «الكامل» 12/ 26.
[5] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 161، 162 رقم 797، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 108، 109 رقم 68، والجواهر المضية 1/ 285، وحسن المحاضرة 1/ 219، والطبقات السنية (مخطوط) 2/ ورقة 349، 350.
[6] تصحّف إلى «سعد الدولة» في الطبقات السنية.(41/183)
أَبُو مُحَمَّد البَجَليّ، الْجُرَيْري، الْبَغْدَادِيّ، الحنفيّ الواعظ المعروف بابن الشّاعر. نزيل القاهرة.
تُوُفّي بالقاهرة عَنْ ثِنْتَين وسبعين سنة.
وكان ذا جاهٍ وَقَبُولٍ وتقدُّم فِي مذهبه.
رَوَى عَنِ: ابن الحُصَيْن، وأبي المواهب بْن مُلُوك، والقاضي أَبِي بَكْر، وجماعة منَ الكبار.
وقدم دمشق وسمع من: أبي المكارم بن هلال، والحافظ ابن عساكر.
ودرَّس بالأَسَديَّة، وهي الّتي فِي قِبْلة الميدان. وحدّث بدمشق، ومصر.
رَوَى عَنْهُ: ابن المفضّل الحافظ، وأَبُو القاسم بْن صَصْرى.
127- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي المفضّل.
أَبُو بَكْر الطُّوسيّ، الشّنجيّ، شيخ رِباط الشّونيزيَّة. وذكر أَنَّهُ ابن أخت الغزاليّ.
رَوَى عَنْ: عَبْد المنعم بْن القُشَيْريّ.
وعنه: أَبُو المواهب بْن صَصْرى.
تُوُفّي فِي ذِي الحجَّة سنة أربعٍ وثمانين.
128- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن خَلَف.
أَبُو مُحَمَّد اللَّخْميّ، الإشبيليّ، نزيل بَلَنْسِية.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وجماعة.
لقِيه أَبُو الرَّبِيع بْن سالم فِي هَذِهِ السّنة وأخذ عَنْهُ.
129- عَبْد الباقي بْن إِبْرَاهِيم [1] .
الواسطيّ، الحَنّائيّ.
يروي عَنْ: أَبِي عليّ الفارقيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابن الدّبيثيّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الباقي بن إبراهيم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 89 رقم 44.(41/184)
مات فِي جُمادى الأولى.
130- عَبْد الجبّار بْن هبة اللَّه بْن القاسم بْن مَنْصُور [1] .
أبو طاهر بْن أَبِي البقاء بْن البُنْدار الْبَغْدَادِيّ.
ولد سنة أربع وخمسمائة.
وسمع من: أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المهتدي باللَّه، وهبة اللَّه بْن عَلِيّ الْبُخَارِيّ، وعَلِيّ بْن عَبْد اللَّه الدِّينَوَرِيّ، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء، وجماعة.
روى عنه: أبو بكر الحازمي، وأبو بَكْر بْن مشّق، وجماعة.
وكان ثقة من بيت الرواية.
تُوُفّي فِي شوّال.
131- عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن عَبْدان [2] .
العدل أَبُو الْحُسَيْن بْن العدْل أَبِي عَبْد اللَّه الأزديّ، الدّمشقيّ.
ولد سنة عشرين وخمسمائة.
وَسَمِعَ من: عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، وطاهر بْن سهل الإسْفَرَائينيّ، وعليّ بْن عِيسَى المالكيّ، وجمال الْإِسْلَام.
ورحل فسمع ببغداد من: أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، والْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك التّعاويذيّ، وعَلِيّ بْن عَبْد السّيّد الصّبّاغ.
وتُوُفّي فِي رابع عشر شعبان.
روي [3] عنه.
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن هبة الله) في: مشيخة النعال 90، 92، والتقييد 350 رقم 434، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 259، والمختصر المحتاج إليه 3/ 52 رقم 831، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 97، 98 رقم 55.
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن الحسين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 93، 94 رقم 48، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 240.
[3] في الأصل: «روى» ، والصحيح ما أثبتناه.(41/185)
132- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن يوسف بْن أَبِي عِيسَى [1] .
القاضي أَبُو القاسم بْن حُبَيْش الْأَنْصَارِيّ الأندلسي المرّيّي، نزيل مُرْسِيَة.
وحُبَيْش خاله، فنُسِبَ إليه، واشتهر به.
ولد سنة أربع وخمسمائة بالمريّة، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي القاسم أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن القَصَبيّ، وأبي القاسم بْن أَبِي رجاء البَلَويّ، وأبي الأصْبَغ بْن الْيَسَع.
وتفقّه بأبي القاسم بْن ورد، وأبي الْحَسَن بْن نافع. وسمع منهما.
ومِن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن وضّاح، وعبد الحقّ بْن غالب، وعَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ، وأبي الْحَسَن بْن مَوْهَب الْجُذَاميّ.
ورحل إلى قُرْطُبة، فأدرك بها يُونُس بْن مُحَمَّد بْن مغيث، وَهُوَ أسْند شيوخه، فسمع منه ومن: جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن مكّيّ، وقاضي الجماعة مُحَمَّد بْن أصْبَغ، وأبي بَكْر ابن العربيّ.
وأخذ الأدب عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي زَيْد النَّحْويّ.
وبَرَعَ فِي النَّحو، فَلَمَّا تغلّبت الروم على المريّة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة خرج إلى مُرْسِيَة، ثُمَّ أوطن جزيرة شَقْر [2] ، ووُلّي القضاة والخطابة بها ثِنْتَيْ عشرة سنة. ثُمَّ نُقِل إلى خطابة مُرْسِيَة، ثُمَّ وُلّي قضاءها سنة خمسٍ وسبعين، فحُمِدت أحكامه مَعَ ضيق في أخلاقه.
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 35، وتكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 573، وتكملة إكمال الإكمال 111، والمشتبه في الرجال 1/ 270، والعبر 4/ 252، وسير أعلام النبلاء 21/ 118- 121 رقم 59، وتذكرة الحفاظ 4/ 1353، ومرآة الجنان 3/ 428، والوافي بالوفيات 18/ 258، 259 رقم 311، وغاية النهاية 1/ 378، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 181، والنجوم الزاهرة 2/ 85، وشذرات الذهب 4/ 280، وبغية الوعاة 2/ 85، وديوان الإسلام 2/ 205، 206 رقم 830، والأعلام 3/ 327، ونيل الابتهاج للتنبكتي 162، وروضات الجنات 426، وكشف الظنون 1460، 1747، ومعجم المؤلفين 5/ 182، 183.
[2] شقر: بفتح الشين المعجمة، وسكون القاف. (معجم البلدان) .(41/186)
وكان أحد أئمّة الْحَدِيث بالأندلس، والمسلَّم لَهُ فِي حِفْظ أغرِبة الْحَدِيث ولُغات العرب وأيّامها، لَمْ يكن أحد يُجاريه فِي معرفة الرجال والتّواريخ والأخبار. قاله أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار [1] .
قَالَ: وسَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه يَقُولُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ إنَّه مرّ عليه وقتٌ يذكر فِيهِ «تاريخ» أَحْمَد بْن أَبِي خَيْثَمَة أَوْ أكثره.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وكان خطيبا، فصيحا، حَسَن الصَّوت، لَهُ خُطَبٌ حِسان.
وذكره أَبُو عَبْد اللَّه بْن عيّاد فَقَالَ: كَانَ عالما بالقرآن إماما فِي عِلم الْحَدِيث، عارفا بعِلله، واقفا عَلَى رجاله. لَمْ يكن بالأندلس مَن يُجاريه فِيهِ.
أقرَّ لَهُ بِذَلِك أَهْل عصره، مَعَ تقدّمه فِي اللّغة والأدب، واستقلاله بغير ذَلِكَ من جُمَيْع الفنون.
قَالَ: وكان لَهُ حَظّ منَ البلاغة والبيان، صارما فِي أحكامه، جزِلًا فِي أموره. تصدّر للإقراء والتّسميع وتدريس الأدب، وكانت الرحلة فِي وقته إِلَيْهِ وطال عُمره.
قَالَ: وَلَهُ كتاب «المغازي» فِي عدّة مجلّدات حمله عَنْهُ النّاس.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّرْطُوشيّ، وأَبُو سليمان بْن حَوْط اللَّه، ومُحَمَّد بْن وهب الفِهْريّ، ومُحَمَّد بْن الْحَسَن اللَّخْميّ الدَّانيّ، ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن صَلْتان، ومُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حبُّون المُرْسِيّ، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي السّداد اللّمتُونيّ، ونذير بْن وهب الفِهْريّ أخو مُحَمَّد، وعبد اللَّه بْن الْحَسَن المالقيّ، ويُعرف بابن القُرْطُبيّ الحافظ، وأَبُو الخَطَّاب عُمَر بْن دُحْية الكلبيّ، وعَلِيّ بْن يوسف بْن الشّريك، وعليّ بْن أَبِي العافية القسطليّ، وخلْق سواهم.
وروى عَنْهُ بالإجازة أَبُو عليّ عُمَر بْن محمد الشّلوبين النّحويّ، وغيره.
__________
[1] في تكملة الصلة 2/ 573.(41/187)
قَالَ الأَبّار [1] : تُوُفّي بمُرْسِيَة فِي رابع عشر صَفَر. وكاد يهلك أناسٌ منَ الزَّحْمة عَلَى نعشه.
133- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد.
أَبُو الْحَسَن القُرْطُبيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ أَبِي بَكْر، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وميمون بْن ياسين.
ووُلّي خطابة إشبيلية.
وكان من أَهْل الفضل والصّلاح والانقباض.
أَخَذَ النّاس عَنْهُ.
تُوُفّي سنة أربعٍ، وقيل سنة 5.
134- عَشِير بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن الفتح [2] .
أَبُو القبائل الشّاميّ، الجبليّ، المزارع، القيِّم، الوقّاد، الرجُل الصَّالح، المعمّر.
وُلِد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
وسَمِع وَهُوَ كبير من: أَبِي صادق مرشد بْن يَحْيَى المَدِينيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد الرَّازيّ.
رَوَى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، والحافظ عَبْد القادر، وطائفة آخرهم عَبْد الغنيّ بْن بنين.
وعاش مائة وسنتين.
قَالَ الحافظ المُنْذريّ [3] : قَالَ لي بعض شيوخنا: لولا بياض لحيته ما كُنْت تظنّه شيخا لظهور قوته.
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (عشير بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 104، 105 رقم 62، والنجوم الزاهرة 6/ 108 وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 ولم يترجم له.
[3] في التكملة 1/ 105.(41/188)
وكأَنَّه من جَبَلَة الّتي بالسّاحل.
135- عَلِيّ بْن يَحْيَى بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الطّرّاح [1] .
أبو الحسن بن أبي محمد البغداديّ، المدير.
سَمِع: أَبَاه، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه الشُّرُوطيّ، ومُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الإسكاف، وجماعة.
وروى الكثير.
رَوَى عَنْهُ: ابن الدُّبِيثيّ فِي «تاريخه» ، وأولاده مُحَمَّد، وعزيزة، ونعمة، وجماعة.
ويُقَالُ لمن يدور بالسَّجّلّات الّتي حكم القاضي عَلَى الشهود: المُدِير.
واشتهر بهذا جَدّه.
تُوُفّي فِي رمضان [2] .
136- عُمَر بْن بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الفضل [3] .
القاضي العلّامة عماد الدّين أَبُو حَفْص ابن الْإِمَام الكبير شمس الأئمَّة أَبِي الفضل الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرجيّ، الجابريّ، الْبُخَارِيّ، الزَّرَنْجَرِيّ، وزَرَنْجَرَة [4] من أعمال بُخَارى.
الفقيه الحنفيّ، ويُكنّى أيضا بأبي العلاء.
أَنْبَأَني أَبُو العلاء الفَرَضيّ قَالَ: هُوَ نعمان الثّاني فِي وقته، تفقَّه عَلَى أَبِيهِ وعَلَى بُرهان الأئمَّة ابن مازة رفيق والده.
وسَمِع «صحيح الْبُخَارِيّ» من أَبِيهِ، أَنَا أَبُو سهل الأَبِيوَرْدِيّ، أَنَا أَبُو عَلِيّ بْن حاجب الكُشانيّ، أَنَا الفِرَبْريّ، عَنِ المؤلّف.
__________
[1] انظر عن (علي بن يحيى) في: مشيخة النعال 88- 90، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 95 رقم 50، والمختصر المحتاج إليه 3/ 147 رقم 1069.
[2] ومولده سنة 501 هـ.
[3] انظر عن (عمر بن بكر) في: دول الإسلام 2/ 97، والعبر 4/ 253، وسير أعلام النبلاء 21/ 172، 173 رقم 85، ومرآة الجنان 3/ 428، وتاريخ الخميس 2/ 409، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 1159.
[4] ويقال: زرنجرى، وزرنكرى.(41/189)
وسَمِع أيضا منَ: الْحُسَيْن بْن أَبِي الْحَسَن الكاشْغَريّ، وأبي الفتح مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الحمدونيّ السَّرْخَسِيّ، وَغَيْرُهُمْ.
تفقَّه عليه شمسُ الأئمَّة أَبُو الوحْدة مُحَمَّد بْن عَبْد السّتّار الكَرْدَريّ [1] ، ومُفتي الشّرق جمال الدّين عُبَيْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم المحبوبيّ، وصدْر العالم مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مازة.
وسمع منه: أَبُو الوحدة المذكور، وأثير الدّين أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخُجَنْدِيّ.
وعاش نحوا من تسعين سنة. وانتهت إِلَيْهِ رئاسة المذهب.
وتُوُفّي فِي تاسع عشر شوّال.
وَهُوَ آخر من روى عَنْ أَبِيهِ.
137- عُمَر بْن نعمة بْن يوسُفَ بْن سَيْف بْن عساكر [2] .
أَبُو حَفْص الرُّؤْبيّ [3] ، المقدسيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، الْمُقْرِئ البنّاء.
ولد سنة خمسمائة، وقرأ القرآن عَلَى سلطان بْن صخر.
وسَمِع من أَبِي الفتح الكَرُوخيّ.
وأقرأ القرآن مدّة طويلة بمسجده بسوق وَرْدان. وكان عجبا فِي ملازمة التّلقين.
رَوَى عَنْهُ: ابنه أَبُو الحَرَم مكّيّ، وقَالَ إنَّه منسوب إلى رُؤبَة، وَإِنَّهُ صحابيّ، وهذا لا يعرف.
وقيل روبة بلد بالشّام.
138- عِيسَى بْن مَوْدود بْن عَلِيّ بن عبد الملك بن شعيب [4] .
__________
[1] تصحّفت هذه النسبة من «الكردريّ» إلى «الكردي» في سير أعلام النبلاء 21/ 173 بتحقيق الدكتور بشّار عوّاد معروف والدكتور محيي هلال السرحان. وانظر عنه مصحّحا في الجزء 23/ 112 رقم 86 بتحقيقهما.
والكردري: نسبة إلى كردرة: ناحية كبيرة من بلاد خوارزم.
[2] انظر عن (عمر بن نعمة) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 98، 99 رقم 56، والذيل على طبقات الحنابلة 2/ 215.
[3] الرؤبيّ: بضم الراء المهملة وسكون الواو وباء موحّدة مفتوحة وتاء تأنيث. (المنذري 1/ 99) .
[4] انظر عن (عيسى بن مودود) في: وفيات الأعيان 3/ 498- 500، وكشف الظنون 804،(41/190)
الأمير فخر الدّين أَبُو المَنْصُور التُّركيّ، صاحب تَكْرِيت. من أتراك الشّام.
كَانَ حَسَن السّيرة، كثير المروءة، سَمْحا، جوادا، لَهُ نَظْم لطيف الأسلوب، وترسُّل، وديوان.
ومن شِعره:
وما ذات طوْق فِي فُروع أراكةٍ ... لها رنَّة تحت الدُّجَى وصدوحُ
ترامت بها أيدي النَّوى وتمكَّنت ... بها فرقةٌ من أهلها ونُزُوحُ
بأبرحَ مِن وجْدي لذِكراكم مَتَى ... تألَّق بَرْقٌ أَوْ تنسَّم رِيحُ
وُلِد بحماه وقتلته إخوته بقلعة تَكْريت، ثُمَّ باع أخوه إلياس قلعة تَكْريت للخليفة.
- حرف الغين-
139- غالب بْن مُحَمَّد بْن هِشَام.
أَبُو تمّام العَوْفيّ، الأندلسيّ، من أَهْل وادي آش.
رَوَى عَنْ: أَبِي القاسم بْن ورد، وأبي مُحَمَّد بْن عطيّة، وأبي الحجّاج القضاعيّ، وجماعة.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو القاسم الملاحيّ، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو الْوَلِيد بْن الحاجّ.
عاش إلى هَذِهِ السّنة
- حرف الميم-
140- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه البُسْتيّ، الصُّوفيّ، العارف.
تُوُفّي برُوذَرَاوَر [2] فِي رمضان عن نيّف وثمانين سنة.
__________
[ () ] ومعجم المؤلفين 8/ 34.
[1] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 97 رقم 54، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 112- 114 رقم 40، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (مخطوطة باريس) ورقة 24، والمختصر المحتاج إليه (المستدرك) 2/ 247، 248 رقم 35.
[2] روذراور: قال ياقوت: بضم أوله وسكون ثانيه وذال معجمة وراء، وبعد الواو المفتوحة(41/191)
لَهُ تصانيف فِي الطّريقة [1] .
141- مُحَمَّدِ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَسْعُود بْن أَحْمَد بن الحسين [2] .
__________
[ () ] راء أخرى. كورة قرب نهاوند من أعمال الجبال.
[1] وقال ابن المستوفي: صوفيّ مشهور وديّن مذكور. ممن ينسب إلى الكرامات ويشار إليه عند ذكر أصحاب المقامات، كثير المجاهدة والرياضة، حسن المعاملة والعبادة، لم يطعم الخبز عمره، إنما كان يأكل يسيرا من اللبن. ورد إربل ونزل بالقلعة في الجانب الغربي من مسجدها في آخر موضع فيه، فهو إلى الآن يعرف بزاوية البستي، رحمه الله، كان يزوره الأكابر وينعكفون على خدمته، رأيته وأنا صغير مع والدي- رحمه الله- وسكن من المسجد الجامع بالربض في القبة التي بناها والدي شماليّه، وهي معروفة إلى الآن.
قال سعد بن عبد العزيز الضرير: ورد البوازيج، ومات في مجلس وعظه أمير البوازيج أرسلان بن كرباوي. وحدّثت أنه لما مرض أرادوا معالجته فلم يجسروا على أن يسقوه ماء الشعير ولا يطعموه خلاف عادته ويسقوه، فبقي أياما على ذلك، ثم استأذنوه فاستعمل ما وصفوه له.
سمع الحديث، فمن مسموعاته كتاب «جواهر الكلام في الحكم والأحكام» تأليف أبي الفتح عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد الآمدي القاضي، رأيت طبقة سماعه عليه في جزء منه. وأجاز له محمد بن علي بن ياسر الجيّاني الأنصاري إجازة جامعة، كتب له بها خطه بالموصل على أول ورقة من كتاب «المصابيح» في شهر ربيع الآخر سنة ستين وخمسمائة.
كتب له أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الله بن زيادة ينشده:
أنت الّذي قد كنت أطلب مثله ... فيعزّ وجداني له وطلابي
حتى ظفرت به فأغناني عن ... الأوطار والأوطان والأتراب
فقرابة الأخلاق مثل قراب ... الأعراق، والأسباب كالأنساب
كلّفتني أخلاقك الغرّ التي ... أعطاكها المعطي بغير حساب
وأمرتني بالصبر- وهو شكيتي- ... كمعالج الأوصاب بالأوصاب
مهلا فإنّ البزّل الأعواد لا ... تلقي زواملها على الأسقاب
هذا على أنّي وحقّك لم أزل ... حرب الزمان وحربه أحرى بي
لنهوضه بالقاعدين عن العلا ... وقعوده بالأروع الوثّاب
وله مصنّفات فيها كلام عال يعجز الفهم عن إدراكه، ومن كلامه: الأرواح حواسيس القلوب. فمن حيث يتوجّه الصفاء يوجد الوفاء، ومن حيث تغلّ الصدور يقع النفور. (ابن المستوفي، تاريخ إربل) .
[2] انظر عن (محمد بن عبد الرحمن بن محمد) في: الأنساب 4/ 216، 217، واللباب 1/ 387، ومعجم الأدباء 18/ 215 رقم 66، ومعجم البلدان 1/ 743، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 41، 42 رقم 251، ووفيات الأعيان 4/ 390 رقم 659، وإنباه الرواة 3/ 166، 167، والمختصر المحتاج إليه 1/ 67، 68، والعبر 4/ 253،(41/192)
الْإِمَام أَبُو سَعِيد وأبو عَبْد اللَّه بْن أَبِي السّعادات المسعودي، الخُراسانيّ، البَنْجَدِيهيّ، الفقيه الصُّوفيّ، المحدّث.
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة فِي أول ربيع الآخر.
وسَمِع بخُرَاسان من: أَبِي شجاع عُمَر بْن مُحَمَّد البِسْطاميّ، وأبي الوقت السِّجْزيّ، ومُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر السِّنْجيّ، وعبد السّلام بْن أَحْمَد بليترة، وأبي النّصر الفاميّ، ومَسْعُود بْن مُحَمَّد الغانميّ، والْحَسَن بْن مُحَمَّد المُوساباذيّ.
وسمع ببغداد من: أَبِي المظفَّر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن التُّرَيْكيّ، وبمصر من: عَبْد اللَّه بْن رفعة، وبالإسكندريّة منَ: السِّلَفيّ.
وحدّث عَنْ: أَبِيهِ، وعبد الصَّبُور بْن عَبْد السّلام، ومَسْعُود بْن الْحَسَن الثَّقَفيّ.
وأملى بمصر سنة خمسٍ وسبعين مجالس.
وبَنْجَدِية [1] : من أعمال مروالرّوذ.
وأدَّب الملك الأفضل بْن السّلطان صلاح الدّين. وصنَّف «شرح المقامات» وطوّله، واقتنى كُتُبًا نفيسة بجاه الملك.
قَالَ القِفْطيّ [2] : فأخبرني أَبُو البركات الهاشميّ قَالَ: لمّا دخل صلاح الدّين حلب سنة سَبْعٍ وسبعين نزل البَنْجَدِيهيّ [3] الجامع، واختار من خزانة الوقف جُملة كُتُبٍ لَمْ يمنعه منها أحد، ورأيته يحشرها فِي عدْل. وكان
__________
[ () ] والإعلام بوفيات الأعلام 240، وسير أعلام النبلاء 21/ 173- 175، رقم 86، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 86- 88 رقم 41، والتلخيص لابن مكتوم (مخطوط) ورقة 218، 219، ومرآة الجنان 3/ 448، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 21- 23 رقم 16، والوافي بالوفيات 3/ 233 رقم 124، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 458 رقم 1141، والفلاكة والمفلوكين 88، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 370 رقم 338، وطبقات النحاة، له (مخطوط) ورقة 70، 71، ولسان الميزان 5/ 256، والمقفّى الكبير 6/ 47- 49 رقم 2440، وبغية الوعاة 1/ 158، 159، وشذرات الذهب 4/ 280، 281، وديوان الإسلام 1/ 315 رقم 494، وهدية العارفين 2/ 101، ومعجم المؤلفين 10/ 155.
[1] يقال: بنجديه، وبندهي، وبنج ديه، وفنجديه.
[2] في إنباه الرواة 3/ 166.
[3] على هامش الأصل كتب بقرب هذه الكلمة: «بخطه البندهي» .(41/193)
المحدّثون يليّنونه فِي الْحَدِيث، ولَقَبُه: تاج الدّين.
وقَالَ المُنْذريّ [1] : كتب عَنْهُ السِّلَفيّ أناشيد. وثنا عَنْهُ الحافظ عَلِيّ بْن المفضّل، وآخرون. وَهُوَ منسوبٌ إلى جَدّه مَسْعُود.
قُلْتُ: روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر البلْخيّ، وزين الأمناء أَبُو البركات، والتّاج بْن أَبِي جَعْفَر، وجماعة.
وقَالَ ابن خليل الأَدَميّ: لَمْ يكن فِي نقله بثقةٍ ولا مأمون.
تُوُفّي المسعوديّ فِي سلْخ ربيع الأوّل، ودُفِن بسفح جبل قاسيون، ووقف كتبه بالسُّمَيْساطِيَّة.
وقَالَ ابن النّجّار فِي «تاريخه» : كَانَ المسعوديّ منَ الفُضَلاء فِي كُلّ فنّ، فِي الفقه، والحديث، والأدب [2] ، وكان من أظرف المشايخ، وأحسنهم هيئة، وأجملهم لِباسًا.
قدِم بغدادَ سنة أربع وخمسين طَالِب حديث. وسمع بدمشق من:
عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْحَسَن الدّارانيّ، والفَلَكيّ.
وأجاز له أبو العزّ بن كادش [3] .
__________
[1] في التكملة 1/ 87، 88.
[2] المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 22.
[3] وقال ابن السمعاني: كان فقيها ورعا حسن السيرة، تفقّه على والدي رحمه الله، وسمع «جامع» أبي عيسى ببغشور من أَبِي سعيد محمد بْن علي بْن أبي صالح القاضي، عن الجراحي، عن المحبوبي، عنه، وسمعت منه كذلك،.. وكانت ولادته بعد سنة سبعين وأربعمائة بمرست إحدى القرى الخمس. (الأنساب 4/ 216، 217) .
ومن شعر المسعودي لنفسه:
قالت: عهدتك تبكي ... دما حذار التنائي
فلم تعرّضت عنها ... بعد الدماء بماء؟
فقلت: ما ذاك منّي ... لسلوة أو عزاء
لكن دموعي شابت ... من طول عمر بكائي
(معجم الأدباء، الوافي بالوفيات، المستفاد) .(41/194)
142- مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو الفتح بْن التّعاويذيّ، الشّاعر المشهور صاحب الدّيوان الَّذِي فِي مجلَّدّتين. وإنّما عُرِف بابن التّعاويذيّ لأنّه سِبْط الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك ابن التّعاويذيّ.
وكان عُبَيْد اللَّه والده مَوْلَى لبني المظفَّر اسمه نُشْتِكين [2] ، ثُمَّ سمّي عُبَيْد اللَّه. وأضرَّ أَبُو الفتح فِي آخر عمره.
وكان شاعر العراق فِي وقته. وَهُوَ القائل:
أَمِطِ اللّثامَ عَنِ العِذَارِ السّائلِ ... ليقومَ عُذري فيك عِنْد [3] عواذلي
واغْمِدْ لِحَاظَكَ قَدْ فللتَ تجلّدي ... واكْفنْ سِهامك قَدْ أصبتَ مقاتلي
لا تجمع الشَّوْقَ المبرّح والقِلَى ... والبينَ لي، أحدُ الثّلاثة قاتلي
وبنفسي الغضبان لا يرضيه غيرُ ... دمي وما فِي سَفْكهِ من طائل
عانقته أبكي ويبسم ثغره ... كالبرق أَوْمَضَ فِي غمامٍ هاطلِ
[4] وكان كاتبا بديوان المقاطعات، وكان الوزير أَبُو جعفر بن البلديّ قد
__________
[1] انظر عن (ابن التعاويذي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 36 رقم 245، والروضتين 2/ 123، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 103، 104 رقم 60، ووفيات الأعيان 4/ 466، والمختصر في أخبار البشر 3/ 76 وفيه «محمد بن عبد الله» ، والمختصر المحتاج إليه 1/ 26، والتذكرة الفخرية 60، 61، 129، 151، 155، 413، وسير أعلام النبلاء 21/ 175، 176 رقم 87، والعبر 4/ 253، والإعلام بوفيات الأعلام 240، 241، وتاريخ ابن الوردي 2/ 100 وفيه «محمد بن عبد الله» - فهو ينقل عن المختصر لأبي الفداء-، ومرآة الجنان 3/ 429، ونكت الهميان 259، والوافي بالوفيات 4/ 11- 19، والبداية والنهاية 12/ 319، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 53، والنجوم الزاهرة 6/ 105، وشذرات الذهب 3/ 281، 282، وديوان الإسلام 2/ 38 رقم 618 وفيه «محمد بن عبد الله» ، وكشف الظنون 630، 764، وهدية العارفين 2/ 101، والأعلام 60/ 260، ومعجم المؤلفين 10/ 278.
[2] في الأصل: «كمستكين» ، وما أثبتناه عن: وفيات الأعيان 4/ 466 فقد قيّده ابن خلّكان بالحروف فقال: بضم النون، وسكون الشين المعجمة، وكسر التاء المثنّاة.
[3] في الديوان، والتذكرة الفخرية 152 «بين» .
[4] ديوانه 333.(41/195)
عزل الدّواوين وصادرهم وعاقبهم، فعمل ابن التّعاويذيّ فِي بغداد من قصيدة:
بادَت وأهلوها معا فديارهم ... ببقاء مولانا الوزير خرابُ
والناسُ قَدْ قامت قيامتهم فلا ... أنسابَ بينهُم ولا أسبابُ
حَشْرٌ [1] وميزانٌ وهَوْلٌ مفظعٌ [2] ... وصحائفٌ منشورةٌ وحِسابُ
ما فاتهم مِن كُلّ [3] ما وُعِدوا بِهِ ... فِي الحشرِ إلّا راحمٌ وَهَّابُ
[4] وَلَهُ:
قَالَتْ أَتَقْنَع أن أزورَك فِي الكَرَى ... فتبيتَ فِي حُلمِ المنامِ ضَجِيعي
وأبيكَ ما سَمَحتْ بطَيف خَيالِها ... إلّا وَقَدْ مَلَكَتْ عليَّ هجوعي
وَلَهُ أشعارٌ كثيرة يرثي عينيه ويبكي أيّام شبابه. وكان قَدْ جمع ديوانه قبل العَمَى، ورتّبه أربعة فضول. وكلّما جدّده بعد ذَلِكَ سمّاه «الزّيادات» .
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بْن الْمُبَارَك بْن الوارث.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي شوّال عَنْ خمسٍ وستّين سنة.
143- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن جَابِر بْن أوسَن.
أَبُو عَبْد الله اليَحْصُبيّ، القُرْطُبيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَصْبَغ.
وسمع «الموطّأ» من: أَبِي عَبْد اللَّه بْن نجاح الذّهبيّ.
وقرأ القراءات عَلَى: عيّاش بْن فَرَج. وأتقن العربيّة ووُلّي خطابة قُرْطُبة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو القاسم بْن ملجوم.
ووصفه غير واحد بالحِفْظ والدّين.
وتوفّي في ذي القعدة.
__________
[1] في المختصر في أخبار البشر 3/ 76 «جسر» ، والمثبت يتفق مع تاريخ ابن الوردي 2/ 100.
[2] في المختصر في أخبار البشر 3/ 76 «وعرض جرائد» ، والمثبت يتفق مع تاريخ ابن الوردي 2/ 100.
[3] في المختصر في أخبار البشر 3/ 76 «من يوم» ، والمثبت يتفق مع تاريخ ابن الوردي 2/ 100.
[4] انظر الأبيات وزيادة في المختصر لأبي الفداء 3/ 76، وتاريخ ابن الوردي 2/ 100.(41/196)
144- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن صَدَقة [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الحرَّاني، التّاجر السّفّار، ويُعرف بابن الوَحِش [2] .
شيخ صالح، صَدُوق، معمَّم، جليل، تردَّد فِي التّجارة إلى خُراسان، وغيرها.
وسَمِع فِي الكهولة «صحيح مُسْلِم» من أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاويّ سنة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة وَلَهُ إحدى وأربعون سنة. وحدّث بِهِ بدمشق، وسمعه منه خلْق.
روى عَنْهُ: الشَّيْخ أَبُو عُمَر، والشّيخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والحافظ الضّياء، وخطيب مردا، ومُحَمَّد بْن عَبْد الهادي، وابن عَبْد الدّائم، ويوسف بْن خليل، وأَبُو المعالي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الشّيرازيّ، ومُحَمَّد بْن سعد الكاتب، والعماد عَبْد الله بْن الْحَسَن بْن النّحّاس، ومُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الصَّقَلّيّ الدّلّال، وخلْق سواهم.
وَقَدْ رَوَى ابن الدُّبِيثيّ [3] فِي «تاريخه» عَنِ ابن الأخضر، عَنْهُ.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل. وقيل فِي ربيع الآخر بدمشق، وَلَهُ سبْعٌ وتسعون سنة.
وقَالَ ابن النّجّار: سكن دمشق وبنى [4] بها مدرسة ووقفها عَلَى الحنابلة [5] .
145- مُحَمَّد بْن المطهّر بْن يَعْلَى بْن عِوَض بْن أميرجة [6] .
أَبُو الفُتُوح العَلَويّ، العُمَرِي، الهرويّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن محمد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 131، 132 رقم 358، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 89 رقم 43، والمختصر المحتاج إليه 1/ 93، والعبر 4/ 254، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1908، والإعلام بوفيات الأعلام 241، وتذكرة الحفاظ 4/ 1355، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 27 رقم 19، والنجوم الزاهرة 6/ 109، وشذرات الذهب 4/ 282.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 دون أن يترجم له.
[2] تصحّف في (المستفاد 27) إلى «الوحشي» .
[3] ذيل تاريخ بغداد، والمختصر المحتاج إليه.
[4] في الأصل، وفي (المستفاد) أيضا «بنا» .
[5] قال المؤلّف الذهبي- رحمه الله-: لا وجود للمدرسة (السير 21/ 194) .
[6] انظر عن (محمد بن المطهّر) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 148، 149، والمختصر المحتاج إليه 1/ 145، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 106 رقم 66.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 ولم يترجم له.(41/197)
حدَّث ببغداد، والحجاز عَنْ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صاعد، ومُحَمَّد بْن الفضل الفُرَاويّ.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله بْن الدُّبَيْثِيّ، والتّاج محمد بن أبي جعفر، ومحمد بن أبي البدر بن المنّي، وأبو القاسم عليّ بن سالم بن الخشّاب، وآخرون.
وتوفّي بأذربيجان، ولعلّه حدَّث هناك، وعاش ثمانين سنة.
146- مُحَمَّد بْن مُوسَى [1] بْن عُثْمَان بْن مُوسَى بْن عُثْمَان بْن حازم [2] .
الحافظ أَبُو بَكْر الحازميّ، الهَمَذَانيّ.
ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن موسى) في: تاريخ إربل لابن المستوفي 6/ 122، 123 رقم 47، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 147، 148، والروضتين 2/ 137، ووفيات الأعيان 4/ 294، 295، رقم 597، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 89- 92 رقم 45، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 1/ 276 رقم 77، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 192، وطبقات علماء الحديث 4/ 136- 138، والمختصر المحتاج إليه 1/ 144، 145، والعبر 4/ 254، ودول الإسلام 2/ 97، والمشتبه في الرجال 1/ 202، وسير أعلام النبلاء 21/ 167- 172 رقم 84، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1909، والإعلام بوفيات الأعلام 241، ومرآة الجنان 3/ 429، والبداية والنهاية 12/ 332، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 179 (7/ 13) ، والوافي بالوفيات 5/ 88، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 144 أ، ب، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 160، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 379، 380 رقم 347، وتبصير المنتبه 2/ 483، وتوضيح المشتبه 3/ 25، 26، وتاريخ الخلفاء 457، وتاريخ الخميس 2/ 409، وطبقات الحفاظ 482، 483، والنجوم الزاهرة 6/ 109، وطبقات الشافعية لابن هداية الله 211، 212، وشذرات الذهب 4/ 282، وكشف الظنون 996، 1047، 1125، 1261، 1429، 1430، 1454، 1460، 1573، 1913، 1920، وإيضاح المكنون 1/ 97 و 2/ 320، وهدية العارفين 2/ 101، وديوان الإسلام 2/ 155، 156 رقم 768، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 61، والتاج المكلّل للقنوجي 121، والرسالة المستطرفة 80، وفهرس المخطوطات المصوّرة 2/ 180، والأعلام 7/ 339، ومعجم المؤلفين 12/ 64، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 169 رقم 1071.
[2] في الأصل «خازم» بالخاء المعجمة، وهو تحريف.
[3] في تاريخ إربل 1/ 122 مولده في سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وسيأتي مثله نقلا عن ابن النجار.(41/198)
وسمع بَهَمَذَان من: أَبِي الوقت حضورا، ومِن شَهردار بْن شِيرُويْه، وأبي زُرْعة بْن طاهر، وأبي العلاء العَطَّار، ومُحَمَّد بْن بنيمان، وعبد اللَّه بْن حيدر القزْوينيّ، ومعمر بْن الفاخر.
ورحل إلى بغداد سنة بضْعٍ وسبعين فسمع: عَبْد اللَّه بْن عَبْد الصَّمد السُّلَمي العَطَّار، وأبا الْحُسَيْن عَبْد الحقّ، وأخاه أَبَا نصر عَبْد الرحيم، وأبا الثّناء مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الزيتونيّ، وطائفة.
وسَمِع بالموصل من خطيبها أَبِي الفضل. وبواسط من: أَبِي طَالِب الكِنانيّ المحتسب، وأَحْمَد بْن سالم الْمُقْرِئ. وبالبصرة من: مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ المالكيّ. وبدرب عَمْرو بأصبهان من: أَبِي الفتح عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخِرَقيّ، وأَحْمَد بْن ينال، وأبي مُوسَى المَدِينيّ الحافظ، وطائفة سواهم.
وسمع بالجزيرة، والحجاز، والشّام، وعُني بهذا الشّأن، وكتب الكثير، وصنّف.
وَلَهُ إجازة من: أَبِي سعد السّمعانيّ، وأبي عَبْد اللَّه الرُّسْتُميّ، وأبي طاهر السِّلَفيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، والتّقيّ عَلِيّ بْن ماسُوَيْه الْمُقْرِئ، وابن أَبِي جَعْفَر، وخطيب دمياط الجلال عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن السّعديّ، وآخرون.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [1] : قدِم بغداد عِنْد بلوغه واستوطنها، وتفقَّه بها عَلَى مذهب الشّافعيّ، وجالَسَ علماءَها، وتميّز، وفهِم، وصار من أحفظ النّاس للحديث وأسانيده ورجاله، مَعَ زُهْدٍ، وتَعبُّد، ورياضةٍ وذِكر.
صنّف فِي علم الْحَدِيث عدّة مصنّفات، وأملى عدّة مجالس. سَمِعْتُ منه ومعَه. وكان كثير المحفوظ، حلْو المذاكرة، يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام. وأملى طُرُق الأحاديث الّتي فِي كتاب «المهذَّب» لأبي إِسْحَاق وأسندها، ولم يتمّه.
__________
[1] في تاريخه، ورقة 148.(41/199)
وقَالَ ابن النّجّار [1] : كَانَ منَ الأئمَّة الحفّاظ العالِمِين بفقه الْحَدِيث ومعانيه ورجاله. ألَّف كتاب «النّاسخ والمنسوخ» ، وكتاب «عُجالة المبتدئ فِي الأنساب» [2] ، و «المؤتلف والمختلف فِي أسماء البلدان» ، وكتاب «إسناد الأحاديث الّتي فِي المهذَّب» . وأملى بواسط مجالس. وكان ثقة، حُجَّة، نبيلا، زاهدا، عابدا، ورِعًا، مُلازِمًا للخلْوة والتّصنيف ونشْر العِلم. أدركه أَجَلُه شابّا.
وسَمِعْتُ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن غانم الحافظ بأصبهان يَقُولُ:
كَانَ شيخنا الحافظ أَبُو مُوسَى يفضّل أَبَا بَكْر الحازميّ عَلَى عَبْد الغنيّ بْن عَبْد الواحد المقدسيّ ويَقُولُ: هُوَ أحفظ منه. وما رَأَيْت شابّا أحفظ منه.
سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن سَعِيد الحافظ يَقُولُ: ذكر لنا الحازميّ أنّ مولده فِي سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
وتُوُفّي فِي ثامن وعشرين جُمادى الأولى.
قُلْتُ: عاش خمسا وثلاثين سنة [3] .
__________
[1] في القسم الضائع من (التاريخ المجدّد) .
[2] وفي تاريخ إربل: وصنّف كتاب «مشتبه النسب» وهو صغير، إلّا أنه عظيم الفائدة وسمّاه «كتاب اصطلاح النّسّاب في علم الأنساب» . (1/ 122، 123) وكتاب «الإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأخبار» ، وهو كتاب حسن، وهو تحفة السفينة في علم الحديث، وكتاب «الفيصل في مشتبه النسبة» . (1/ 123) .
[3] وقال ابن الصلاح: كان معدودا في المتميّزين في زمانه في علم الحديث، وله فيه تصانيف حملت عنه، وكان له عناية تامّة، وشرع في تخريج أحاديث «المهذّب» فبلغ فيه إلى أثناء كتاب الصلاة، ورأيت ذلك القدر منه، فوجدته قد أجاد فيه، وبلغني أنه تردّد إلى أصبهان بسببه، ومصداق هذا موجود فيما جمعه منه.
وقال ابن المستوفي: الإمام العلّامة المصنّف الحافظ، ورد إربل وحدّث بها، مشهور، وأخذ عنه المواصلة، وكان أديبا فاضلا زاهدا ... أقام ببغداد في حداثته، وتفقّه على مذهب الشافعيّ، وصحب الصوفية، وسمع الحديث ... وسافر الأرض طولها والعرض، وسمع الكثير وكتبه، وكان صالحا ديّنا، وافر الأدب، كبير الشأن في معرفة الحديث وفنونه، توفي شابا لم يبلغ الأربعين.
ونقلت من خط الإمام أبي الخير أحمد بن إسماعيل القزويني، في أول جزء بخط الحافظ ذكر فيه شيوخ القزويني وإجازاته: «كتبها بخطّه الحافظ، فريد عصره في علم الحديث،(41/200)
147- محمد بن أبي المعالي بن قائد [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الأَوَانيّ، الصُّوفيّ، الصّالح.
دخل عليه رَجُل منَ الملاحدة فِي الخامس والعشرين من رمضان فوجده وحْده فقتله وَهُوَ صَائِم، ودُفِن فِي رِباطه رحِمَه اللَّه بأَوَانَا.
حكى عَنْهُ شهاب الدّين عُمَر السَّهْرُوَرْديّ وغيره حكايات.
وقائد بالقاف. وأَوَانا قرية عَلَى مرحلة من بغداد ممّا يلي المَوْصِل.
قَالَ سِبط ابن الجوزيّ [2] : كَانَ صاحب كرامات وإشارات ورياضات، وكلام عَلَى الخواطر. أُقعِد زمانا، وكان يُحمل فِي محفَّة إلى الجمعة. وقدِم إلى أَوَانا واعظ فنال منَ الصّحابة، فجاءوا بِهِ فِي المحفّة، فصاح عَلَى الواعظ، ثُمَّ قَالَ: انزلْ يا كلب.
وكان الواعظ من دُعاة سِنان رأس الإسماعيليَّة، وزَحَمَتْهُ العامَّة فهرب إلى الشّام، وحدّث سِنانًا بما جرى عليه، فبعث له اثنين، فأقاما في رباطه
__________
[ () ] زين الدين مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن عُثْمَان بْن مُوسَى بن عثمان الحازمي الهمدانيّ» .
وقال ابن النجار: وسمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب «الإكمال» في المؤتلف والمختلف، ومشتبه النسبة، وكان يكرّر عليه، ووجدت بخط الإمام أبي الخير القزويني وهو يسأل الحازمي: ماذا يقول سيّدنا الإمام الحافظ في كذا وكذا؟ وقد أجاب أبو بكر الحازمي بأحسن جواب.
ثم قال ابن النجار: سمعت أبا القاسم المقري جارنا يقول، وكان صالحا: كان الحازمي رحمه الله في رباط البديع، فكان يدخل بيته في كل ليلة ويطالع، ويكتب إلى طلوع الفجر، فقال البديع للخادم: لا تدفع إليه الليلة بزرا للسراج لعلّه يستريح الليلة، قال:
فلما جنّ الليل، اعتذر إليه الخادم لأجل انقطاع البزر، فدخل بيته، وصفّ قدميه يصلّي ويتلو، إلى أن طلع الفجر، وكان الشيخ قد خرج ليعرف خبره، فوجده في الصلاة. (سير أعلام النبلاء 21/ 169) .
[1] انظر عن (محمد بن أبي المعالي) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) ورقة 154، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 96 رقم 52، والمشتبه في الرجال 1/ 413، وسير أعلام النبلاء 21/ 195 رقم 96، والوافي بالوفيات 4/ 352، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 63، وتوضيح المشتبه 1/ 279.
[2] سقط من المطبوع من (مرآة الزمان) بضع سنوات منها وفيات السنة التي فيها قتل ابن أبي المعالي.(41/201)
أشهُرًا يتعبّدان، ثُمَّ وثبا عليه فقتلاه، وقتلا صاحبه عَبْد الحميد، وهربا مذعورَيْن، فدخلا البساتين، فرأيا فلّاحا يسقي ومعه مرّ، فأنكرهما وحطّ بالمَرّ عَلَى الواحد فقتله، فحمل عليه الآخر فاتّقاه بالمَرّ، فقتل الآخر. ثُمَّ سُقِط فِي يده وندم، ورآهما بزِيّ الفقر. ووقع الصّائح بأَوَانا حَتَّى بَطَلَت يومئذٍ الجمعة بها. وجاء الفلّاح للضّجَّة فسأل: مَن قُتِلَ الشَّيْخ؟ فوصفوا لَهُ صفة الرَّجلين، فَقَالَ: تعالوا. فجاء معه فقراء فقالوا: هما واللَّه. وقالوا لَهُ: أَعَلِمْتَ الغيب؟
قَالَ: لا واللَّه، بل ألهمت إلهاما. فأحرقوهما.
وقيل إنّ الشّيخ عبد الله الأرمويّ نزيل قاسيون حضر هذه الوقعة.
148- المبارك بن أبي غالب أحمد بن وفا بن منصور [1] .
الأزجيّ أبو الفضل الدّقّاق المعروف بابن الشّيرجيّ.
ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وحدّث عَنْ: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي غالب بن البنّاء.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه تَعَالَى فِي شوّال.
149- الْمُبَارَك بْن أَبِي بَكْر عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الحُسَيْن أحمد بْن محمد بن النَّقُّور [2] .
أَبُو الفَرَج الْبَغْدَادِيّ، المعدّل.
من بيت الرواية والمشيخة.
ولد سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وسمع بإفادة أبيه، وبنفسه من: هبة اللَّه بن الحصين، وأحمد بن
__________
[1] انظر عن (المبارك بن أبي غالب) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 166، 167 رقم 1117، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 103 رقم 59.
[2] انظر عن (المبارك بن أبي بكر) في: مشيخة النعّال 87، 88، والكامل في التاريخ 12/ 11، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 94، 95 رقم 49، وتاريخ إربل 1/ 210، والمختصر المحتاج إليه 3/ 170 رقم 1132.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 ولم يترجم له.(41/202)
الحسن بن البنّاء، وهبة اللَّه بْن أَحْمَد الحريريّ، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبي مَنْصُور القزّاز، وطائفة.
وَهُوَ آخر أولاد ابن النّقُّور، ولم يخلِّف ذَكرًا [1] .
سَمِع منه: إِبْرَاهِيم بْن الشّعّار، وعليّ بْن أَحْمَد الزَّيْديّ، وعمر بْن عَلِيّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي شعبان.
150- مَسْعُود بْن قُراتِكين [2] .
أَبُو الفتح البدْريّ [3] ، الْجُنْديّ.
حدَّث عَنْ: أَبِي جَعْفَر بْن مُحَمَّد الْعَبَّاسيّ، وأبي الوقت، وجماعة بنابلس.
وكان جنديّا فتزهّد وتعبّد.
151- مفرّج بْن سعادة.
أَبُو الفَرَج الإشبيليّ، المعروف بغلام أَبِي عَبْد اللَّه البَرْزاليّ.
رَوَى عَنْ: ميمون بْن ياسين، وأبي القاسم الهَوْزَنيّ، ونعمان بْن عَبْد اللَّه.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عَتّاب.
وكان محدّثا، حافظا، متقنا، نبيلا.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي مَرْوَان، وأبو مُحَمَّد بْن جَهْوَر، وأَبُو بكر بن عبيد.
وكان حيّا في هَذِهِ السَّنة.
152- المفضّل بْن عَلِيّ بْن مفرّج بْن حاتم بْن الْحَسَن [4] .
القاضي الأنجب أَبُو المكارم المقدسيّ الأصل، الإسكندرانيّ، المالكيّ.
__________
[1] وقال المنذري: حدّث هو، وأبوه، وجدّه، وجدّ أبيه. (التكملة 1/ 95) .
[2] انظر عن (مسعود بن قراتكين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 97 رقم 53.
[3] قال المنذري: ويشبه أن يكون منسوبا إلى البدرية، محلّة مشهورة ببغداد.
[4] انظر عن (المفضّل بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 92، 93 رقم 46.(41/203)
ولد سنة ثلاث وخمسمائة، وحدّث عَنْ: عمّه الْحُسَيْن بْن مفرّج المقدسيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابنه الحافظ أَبُو الْحَسَن، وغيره.
وتُوُفّي فِي رجب بالإسكندريّة.
153- ميمون بْن جُبَارة بْن خَلْفُون.
أَبُو تميم الفرداويّ.
دخل الأندلس ووُلّي قضاء بَلَنْسِية مدّة، ثُمَّ صُرِف. وولّي قضاء بجاية.
وكان من كبار العلماء، معدودا فِي الرؤساء، كريم الأخلاق، عظيم الحُرْمة، وبه انتفع أَهْل بَلَنْسِية واستقاموا وتفقّهوا.
استُقْدِمَ إلى مَرّاكُش لتولّي قضاة مُرْسِيَة بعد وفاة الْإِمَام أَبِي القاسم بْن حُبَيْش، فتُوفّي فِي طريقه إليها بتِلمسان.
أَخَذَ عَنْهُ القاضي أَبُو عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحقّ، وغيره.
- حرف الهاء-
154- هارون بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو جَعْفَر بْن المهتدي باللَّه، الخطيب الْعَبَّاسيّ.
من بيت خطابة ورئاسة. ولّي خاطبة جامع القصر زمانا، وسمع: أَبَا طَالِب بن يوسف، وهبة الله بْن الحُصَيْن.
وشهد عِنْد قاضي القضاة أَبِي القاسم الزَّيْنبيّ.
وكان كثير الخشوع فِي صلاته، بليغ الموعظة.
تُوُفّي فِي صَفَر وله أربع وسبعون سنة.
__________
[1] انظر عن (هارون بن محمد) في: مشيخة النعال 84، 85، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 78 رقم 33، والمختصر المحتاج إليه 3/ 229 رقم 1304، والجامع المختصر 9، 29، 56، 59، 189، 281.(41/204)
- حرف الياء-
155- يَحْيَى بْن عِيسَى بْن أزهر.
أَبُو بَكْر الحَجْريّ، الشُّرَيْشِيّ، قاضي شُرَيْش.
أَخَذَ عَنْ: أَبِيهِ، وأبي القاسم بْن جهور.
وعلّم بالقرآن والعربيّة.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو الْعَبَّاس بْن سَلَمَةَ اللَّوْرَقيّ، وأَبُو بَكْر الغزّال.
وأجاز لأبي عليّ الشّلُوبينيّ.
156- يَحْيَى بْن محمود بْن سعد [1] .
أَبُو الفَرَج الثَّقَفيّ، الصُّوفيّ، الأصبهاني.
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة، وسمع حضورا فِي الأولى من: أَبِي عليّ الحدّاد، وحَمْزَة بْن الْعَبَّاس العَلَويّ، وأبي عدنان مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي نزار.
وسَمِع من: حَمْزَة بْن طباطبا العَلَويّ، وعبد الكريم بْن عَبْد الرّزّاق الحَسْنَاباذيّ [2] ، والمحسن بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن واقد، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، والْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الأديب، وفاطمة بِنْت عَبْد اللَّه الْجُوزدانيَّة [3] ، وجَدّه لأمّه إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الحافظ مؤلّف «التّرغيب والتّرهيب» .
وحدّث بأصبهان، ودمشق، وحلب، والمَوْصِل، وكان لَهُ نُسَخٌ بمسموعاته، اقتناها لَهُ والده. ورحل فِي آخر عمره، ونشر حديثه.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، وأَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن حمُّوَية، والشّيخ أبو
__________
[1] انظر عن (يحيى بن محمود) في: التقييد لابن نقطة 487 رقم 663، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 107، 108، رقم 67، والعبر 4/ 254، ودول الإسلام 2/ 97، والإعلام بوفيات الأعلام 241، وسير أعلام النبلاء 21/ 134، 135 رقم 68، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1910، والنجوم الزاهرة 6/ 109، وشذرات الذهب 4/ 282.
[2] سمع منه «صحيح البخاري» . (التقييد 487) .
[3] سمع منها «المعجم الكبير» للطبراني.(41/205)
عُمَر، وابنه عَبْد اللَّه بْن أَبِي عُمَر، ويوسف بْن خليل، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، وبدل التّبريزيّ، والخطيب عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ المَعَافِرِي، والرَّضِيّ عَبْد الرَّحْمَن المقدسيّ، والقاضي زين الدّين عبد الله ابن الأستاذ، ومُحَمَّد بْن طرخان الصّالحيّ، ونجم الدّين الْحَسَن بْن سلّام، وسالم بْن عَبْد الرّزّاق خطيب عَقْرباء، وعقيل بْن نصر اللَّه بْن الصُّوفيّ، وإِسْحَاق بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرى، وخطيب مَرْدا، والعماد عَبْد الحميد، ومُحَمَّد ابنا عَبْد الهادي، والضّياء صقر الحلبيّ، وإِبْرَاهِيم بْن خليل، وخلْق كثير آخرهم الزَّين أَحْمَد بْن عَبْد الدّائم.
تُوُفّي قريبا من هَمَذَان غريبا عَنْ سبعين سنة.
وقيل تُوُفّي فِي أواخر سنة ثلاثٍ وثمانين [1] .
157- يعقوب بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن يُونُس بْن طَلْحَةَ.
أَبُو يوسف الشُّقْريّ، نزيل شاطبة.
قرأ «الموطأ» عَلَى أَبِي بَكْر عتيق بْن أسد، وصحِب أبا إِسْحَاق بْن خَفَاجة الشّاعر، وحمل عَنْهُ.
وكان فقيها مشاوَرًا، أديبا، بارعا، عالِمًا بالشُّروِط.
رَوَى عَنْهُ: طَلْحَةُ بْن يعقوب، وأَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو القاسم البرّاق.
وعاش ثمانيا وسبعين سنة.
__________
[1] ورّخه فيها ابن نقطة في (التقييد 487) .
وله قصيدة مدح بها القاضي الفاضل، منها:
فما لي من مولى ومول وموئل ... ومال ومأمول سواكم وعاصم
وقال ابن السمعاني: قرأت عليه ثلاثة أجزاء، انتقاها له حموه الحافظ إسماعيل، فيها عن ابن عمّ جدّه الرئيس الثقفي، وأبي نصر السمسار، وأبي القاسم بن بيان الرزاز، وكان حريصا على طلب الحديث وجمعه، وحصّل الكتب الكبار. (سير أعلام النبلاء 21/ 135) .(41/206)
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: حسن بْن المهر الْبَغْدَادِيّ، وأَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن طُغان الطّرائفيّ، والرّشيد العَطَّار الحافظ، ويوسف بن مكتوم.(41/207)
سنة خمس وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
158- أَحْمَد بْن أَبِي مَنْصُور أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يَنَال [1] .
أَبُو الْعَبَّاس التُّرك الأصبهانيّ، شيخ الصُّوفيَّة بأصبهان.
كَانَ أديبا متواضعا، عالي الرّواية. مُسْنِد أصبهان فِي عصره.
سَمِع: أبا مطيع محمد بن عبد الواحد المصري، وعبد الرَّحْمَن بْن حَمْد الدُّونيّ، وتفرّد بالرّواية عَنْهُمَا.
وقدم بغداد فِي صِباه فسمع: أَبَا عليّ نبهان الكاتب، وأبا طاهر عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد اليُوسُفيّ.
وطال عمره: وخرَّج لَهُ الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِينيّ.
وروى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن عساكر الحافظ، والحافظ عَبْد الغنيّ، والحافظ أَبُو بَكْر الحازميّ، وأَبُو المجد القزْوينيّ، وخلْق كثير.
وبالإجازة: أَبُو المنجّا بْن اللّتّيّ، والرّشيد إِسْمَاعِيل العراقيّ.
وتُوُفّي فِي شعبان بأصبهان عن نيّف وتسعين سنة [2] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أبي منصور) في: المشتبه 2/ 672، والعبر 4/ 255، ودول الإسلام 2/ 97، وسير أعلام النبلاء 21/ 124 رقم 62، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1912، والإعلام بوفيات الأعلام 241، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 148، 149 رقم 127 (في وفيات 586 هـ.) ، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 160، والمختصر المحتاج إليه 1/ 172، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 78، والنجوم الزاهرة 6/ 110، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 1922 و 5/ رقم 733، وشذرات الذهب 4/ 283.
[2] ورّخه المنذري في وفيات سنة 586 هـ.، ثم قال في آخر ترجمته: وقيل كانت وفاته في(41/208)
159- أَحْمَد بْن حَمْزَة بْن أبي الْحَسَن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن الموازينيّ [1] .
السُّلَميّ، الدّمشقيّ، أَبُو الْحُسَيْن بْن أَبِي طاهر، المعدَّل.
ولد في ربيع الأوّل سنة ستّ وخمسمائة.
وسَمِع من: جَدّه أبي الْحَسَن، وأُمّه شكر بِنْت سهل الإسْفَرَائينيّ.
ورحل إلى بغداد وَهُوَ كهْل فسمع: أَبَا الكَرَم الشّهْرَزُوريّ، وأبا بَكْر بن الزَّاغُونيّ، ومُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الرُّطَبِيّ، وسليمان بن مسعود الشّحّام، وسعيد بن البنّاء، وجماعة.
وَلَهُ إجازة من أبي عليّ الحدّاد، وغيره.
وكان محدّثا، خيّرا، صالحا، يحبّ العزلة والانقطاع.
رَوَى عَنْهُ: البَهَاء عَبْد الرَّحْمَن، والضياء مُحَمَّد، والزَّين بْن عَبْد الدّائم، وجهمة بِنْت هبة اللَّه السُّلَميَّة، وعبد الحقّ بْن خَلَف، وعليّ بْن حسّان الكُتُبيّ، ويوسف بْن خليل الحافظ، ومُحَمَّد بْن سعد الكاتب، وأَبُو الفضل عَبَّاس بْن نصر اللَّه القَيْسَرانيّ، والعماد عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن النّحّاس الأصمّ، وخطيب مَرْدا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، والعماد عَبْد الحميد بْن عَبْد الهادي، وخلْق سواهم.
قرأتُ فِي حقّهِ بخطّ الضّياء: كَانَ خيِّرًا، ديِّنًا، كبيرا، سمعنا عليه الكثير، وكان يسكن الجبل. وكان كُلّ ليلةٍ يأتي من منزله حَتَّى نسمع عليه، وكان قَدِ انحنى. وسمعنا عليه أكثر «الحلية» بإجازته من أَبِي عليّ الحدّاد.
وقرأتُ بخطّ ابن الحاجب أَنَّهُ سَمِع أيضا من نصر بْن نصر العُكْبَرِيّ، وابن ناصر، وأبي الْعَبَّاس بْن الطّلايَّة، وأبي الفضل الأُرْمَوِيّ، وهبة الله الحاسب، وأبي القاسم الكروخيّ.
__________
[ () ] يوم الأربعاء السابع من شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة. (التكملة 1/ 149) .
[1] انظر عن (أحمد بن حمزة) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 183، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 110، 111 رقم 71، وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 738، وتكملة إكمال الإكمال 247، والمختصر المحتاج إليه 1/ 181، والعبر 4/ 255، 256، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1911، وسير أعلام النبلاء 21/ 161، 162 رقم 80، والإعلام بوفيات الأعلام 241، والنجوم الزاهرة 6/ 110، وشذرات الذهب 4/ 283، وديوان الإسلام 5/ 295 رقم 2067.(41/209)
وبالموصل منَ: الْحُسَيْن بْن نصر بْن خميس، وبنصيبين من عسكر بْن أسامة، وبدمشق أيضا من: حَمْزَة بْن كردوس، ومُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الحوافر، وحَمْزَة بْن أسد التَّمِيمِيّ.
ولم يزل مُؤْثِرًا للانقطاع عَنِ النّاس. أنفق مالا صالحا عَلَى زاويةٍ انقطع إليها بالجبل. وكان مُقْبلًا عَلَى شأنه، مفيدا لمن قصده من إخوانه، مواسيا، باذلا.
خرَّج لنفسه مشيخة، وخرّج فِي الرّقائق الفضائل، ورحل إلى العراق مرَّتين.
وتُوُفّي فِي نصف المحرَّم.
قُلْتُ: كذا ورّخه الضّياء، والدُّبِيثيّ، والمُنْذريّ، وَغَيْرُهُمْ.
وقَالَ أَبُو المواهب بْن صَصْرى: تُوُفّي فِي نصف ذِي الحجَّة سنة خمس، ولعلّه سَبْقُ قَلَمٍ.
160- أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مَنْصُور بْن الفضل [1] .
الفقيه أبو الفضل بْن الشَّيْخ أبي القاسم ابن أَبِي عَبْد اللَّه الْحَضْرَمِيّ الصَّقَلّيّ الأصل، ثمَّ الإسكندرانيّ، المالكيّ.
تفقَّه وأحكم المذهب.
وروى عَنْ: أبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي، وَأَبِي الْوَلِيد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خيرة، ويوسف بْن مُحَمَّد الأُمَويّ.
وسمع فِي الكهولة بمصر من أَبِي مُحَمَّد بْن رِفاعة. وبمكَّة منَ الحافظ أبي مُوسَى المَدِينيّ.
وحدّث ودرّس. وقَالَ: مولدي فِي المحرَّم سنة اثنتين وعشرين، فعلى هَذَا يكون سماعه منَ الرَّازيّ حضورا.
وهو من بيت الرّواية والعلم.
حدَّث هُوَ وأخوه القاضي مُحَمَّد، وأبوهما، وجدّهما. وأبوهما آخر من
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الرحمن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 115 رقم 79، وسير أعلام النبلاء 21/ 217، 218 رقم 107.(41/210)
حدَّث عَنِ الحبّال بالإجازة.
تُوُفّي أَحْمَد فِي سادس رجب، وَهُوَ أقدم شيخ لأبي طاهر بْن الأنْماطيّ الحافظ. وروى عَنْهُ جماعة.
161- أَحْمَد بْن أَبِي نصر بْن نظام المُلْك.
الطُّوسيّ، ثمَّ الْبَغْدَادِيّ.
أحد الأكابر. كَانَ ذا فضل وأدب وحشمة وجلالة.
تُوُفّي ببغداد، وشيّعه الأعيان.
162- إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ.
أَبُو إِبْرَاهِيم العَبْدَريّ المَيُورقيّ، ويُعرف بابن عَائِشَة.
فقيه مالكيّ مشاور، قائم عَلَى «المدُّونة» ، بعيد الصِّيت.
تفقّه عليه غير واحد.
اشتغل عَلَى أَبِي إِسْحَاق بْن فتحون، وغيره.
وتُوُفّي فِي حدود هَذِهِ السّنة.
163- إِسْمَاعِيل بْن مَفْرُوح بْن عَبْد الملك بْن إِبْرَاهِيم [1] .
أَبُو العرب الكِنَانيّ السّبْتيّ، المغربيّ، ويُعرف بابن مَعِيشَة [2] .
شابٌّ فاضل فِي عِلم الكلام والأدب. لَهُ شِعرٌ جيّد. قدِم العراقَ وناظَر.
وأوّل طلوعه منَ البحر منَ اللّاذقيَّة. فدخل حلب ومدح الملك الظّاهر صاحبَها، فخلَع عليه. واتّفق أَنَّهُ دخل الحمّام [3] ، فرأى رجلا يخاصم النّاطور عَلَى عِمامةٍ لَهُ ضاعت، فَقَالَ: أَنَا أُقاسمك بقياري [4] . ثمّ قطعه نصفين. وكان معروفا بالكرم.
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن مفروح) في: بغية الطلب (مخطوط) 4/ 368- 371 رقم 548، وبدائع البدائه 371 رقم 442.
[2] في بدائع البدائه: «معوشة» ، والمثبت كما في الأصل وبغية الطلب.
[3] هو حمّام النطاعين، كما يقول ابن العديم الحلبي.
[4] البقيار: عمامة توضع على الرأس.(41/211)
وَفِي شِعره يبوسة وفصاحة. فَلَه فِي الظّاهر:
جَنِّبِ السِّرْبَ وخَفْ مِن أنْ تُصَدّ ... أيُّها الآمِلُ جُهْدًا أن يَصِدْ
واجتِنبْ رشْقَة ظبْيٍ إنْ رَنا ... أثبتَ الأسهُمَ فِي خِلْب الكبدْ
تُعِلِيُّ الطرفِ طائيّ الحَشَا ... مازِنيّ الفتْك صخْريّ الْجَلَدْ
أَهْيَفٌ لاعَبَهُ من شَعْره ... أرقَمٌ ماسَ عَلَى خوطهِ قدْ
فانْثنَتْ [1] غُصْنًا ومن أزهاره ... بدرُ تَمٍّ حلّ فِي بُرُج الفَنَدْ
مَنَعتْهُ عَقْرَبا أَصْداغِه ... مِن جنا لَثْم ومن تجميش يدْ
وحسامٍ من لِحاظٍ خِلْتُهُ ... صارمَ الظّاهر يوم المطّرد
ملك قامت له هيبة [2] ... عوض الجيش وتكثير العدد
علّق الفَرْقَدُ فِي جَبْهَتِهِ ... والثُّرَيّا فِي عذارٍ فوق خد
وأرانا سَرْجُه شمس الضُّحَى ... فحسِبْنا أَنَّهُ بُرجُ الأَسَدْ
[3] ثُمَّ رجع أَبُو العرب هَذَا فِي هَذَا العام إلى مصر، فالتقى الحكيم أَبَا مُوسَى اليهوديّ الَّذِي أُهدِر دمُه بالمغرب وهَرَب، فاصطنعه أَبُو العرب، فنُمِي الخبر إلى صاحب المغرب، فطلب أَبَا العرب أيضا، فهرب وطلع منَ اللّاذقيَّة ثانيا، وأراد أن يتكلَّم فِي اليهوديّ بمصر، فبذل لرجلٍ ذَهَبًا حَتَّى يقتل أبا العرب، فأتاه وَهُوَ عَلَى شاطئ النّيل، فضربه بخشبةٍ، فسقط فِي النّيل [4] .
__________
[1] في الأصل: «فانثنا» ، والمثبت من الهامش حيث كتب: «فانثنت، يعني الخوطة. وكذا في: بغية الطلب 4/ 370.
[2] في بغية الطلب: «هيبته» .
[3] الأبيات في (بغية الطلب) وفيه زيادة.
[4] قال الخطيب أبو عبد الرحمن بن هاشم: وقيل إنما فعل به أبو موسى اليهوديّ هذا لأنّ أبا العرب كان عرف من حاله أنه أسلم في بلاد الغرب وحفظ القرآن، فشهد عليه بذلك وأراد إقامة البيّنة عليه ففعل به ذلك.
وقال ابن العديم: كتب إلينا الحافظ أبو عبد الله الدبيثي الواسطي قال: إِسْمَاعِيل بْن مَفْرُوح بْن عَبْد الملك بْن إبراهيم الكناني أبو العرب الباديسي المغربي، منسوب إلى بلدة بالمغرب تسمّى باديس، شاب فاضل كاتب، له معرفة حسنة بعلم الكلام والأدب، وله شعر جيد. قدم بغداد وأقام بها وتكلّم مع جماعة من أهلها في علم الكلام، وجالس(41/212)
- حرف التاء-
164- تميم بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي نصْر [1] .
أَبُو نصْر الْبَغْدَادِيّ، البزّاز ويُعرف بابن القَرَاح.
رَوَى عَنْ: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وغيره.
والقَراح بالتّخفيف.
- حرف الحاء-
165- حزب اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ.
أَبُو مَرْوَان الْأَزْدِيّ، البَلَنْسيّ.
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي عبد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق.
وكان يحَفظ «الكامل» للمبرّد، و «النّوادر» للقالي.
166- الحسن بن أحمد بن يحيى.
أبو عليّ الأنصاريّ، القرطبيّ، نزيل مالقة. والد الحافظ أبي محمد.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن سعد بْن خَلَف، وأبي القاسم بْن رضا.
وسمع منهما، ومن: أَبِي إِسْحَاق بْن قرقول.
وكان ذا فنون، وَلَهُ يد طُولَى فِي الفرائض.
أَخَذَ عَنْهُ: ابنه، وأبو الرَّبِيع بْن سالم، وعبد الحقّ بن بونة.
__________
[ () ] العلماء وناظر وانحدر منها إلى واسط، ولقيته بها وسمعت منه قصائد من شعره وأناشيد لغيره، وصار منها إلى البصرة، وتستر، وعاد إلى بغداد، ثم توجّه إلى بلده فأدركه أجله قبل وصوله إليه، ويقال: قتل في طريقه، والله أعلم. كذا (في الأصل «كذي» ) قال ابن الدبيثي منسوب إلى بلدة بالمغرب تسمّى باديس، وهو وهم فاحش، وباديس ابن رجل ينتسب إليه جماعة من الملثّمة، وفيهم ملوك منهم تميم بن باديس، وهذا سبتيّ. وباديس التي هي المدينة ليس هذا منها، والله أعلم. (بغية الطلب 4/ 371) .
[1] انظر عن (تميم بن الحسين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 112، 113 رقم 74، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 279، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 255.(41/213)
وتُوُفّي فِي رمضان فِي عَشْر السّبعين.
167- الْحَسَن بن محمد بن الحسن.
أبو علي بن الرَهَبيل الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ.
سَمِع من: أَبِي الْحَسَن بْن النّعمة كثيرا، وأخذ عَنْهُ القراءات وحجّ فسمع من السّلفيّ، و «الصّحيح» للْبُخَارِيّ، من عَلِيّ بْن عمّار.
ورجع فلزِم الزُّهْد والتَّبَتُّل.
سمعوا منه بالإسكندريّة «التّيسير» بروايته عَنِ ابن هُذَيْل.
مات فِي شعبان كهلا.
168- الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن رواحة [1] .
أَبُو عليّ الْأَنْصَارِيّ، الحمويّ. الفقيه الشّافعيّ، الشّاعر ابن خطيب حماه.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة [2] .
وسمع دمشق من: أبي المظفَّر الفَلَكيّ، وأبي الْحَسَن عَلِيّ بْن سُلَيْمَان المُرَاديّ، والصّائن هبة اللَّه، وجماعة.
ووقع فِي أسْر الفِرَنج، فبقي عندهم مدّة، ووُلد لَهُ بجزائر البحر عزّ الدّين عَبْد اللَّه [3] . ثُمَّ قدِم بِهِ إلى الإسكندريّة، وسمّعه الكثير منَ السِّلَفيّ.
وسبب أسْرهِ أَنَّهُ سافر فِي البحر إلى المغرب فأُسِر، ثُمَّ خلّصه اللَّه سُبْحَانَهُ. وَلَهُ شِعْرٌ رائق، وحصلت لَهُ الشّهادة على عكّا.
__________
[1] انظر عن (الحسين بن عبد الله بن رواحة) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 481، 496 ومعجم الأدباء 10/ 46، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 116 رقم 80. ومفرّج الكروب 2/ 300- 302، وتاريخ إربل 1/ 412- 414 و 416 (في ترجمة ابنه عبد الله) ، وفوات الوفيات 1/ 376، 37 رقم 136، والمقفّى للمقريزي 3/ 517- 520 رقم 1242، والوافي بالوفيات 12/ 413 رقم 370، والمغرب 160، والعقد المذهب (مخطوط) ورقة 158، وعقود الجمان للزركشي (مخطوط) ورقة 107، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 305.
[2] هكذا ورّخه ابنه. (تاريخ إربل 1/ 414) .
[3] ولد بساحل البحر بصقلية سنة 560 هـ. (تاريخ إربل 1/ 412) .(41/214)
قَالَ الحافظ المُنْذريّ [1] : أنشدنا عَنْهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل الكِنْديّ بمصر، ومُحَمَّد بْن المفضّل البَهْرَانيّ بمَنْبِج.
قَالَ القاضي ابن واصل [2] فِي مصرعه: نقلت من خطَّة نَسَبَه هكذا:
الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن رَوَاحة بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن رواحة بن عُبَيْدُ [اللَّهِ] بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رواحة الخَزْرجيّ الحمويّ [3] .
- حرف الخاء-
169- خاصّة بِنْت أَبِي المعمّر الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز الْأَنْصَارِيّ [4] .
الواعظة صاحبة الشَّيْخ أَبِي النّجيب السَّهْرُوَرْديّ.
كَانَتْ تعِظ برباطها عَلَى النّساء، وَقَدْ حدّثت.
__________
[1] في التكملة 1/ 116.
[2] في مفرّج الكروب 2/ 300.
[3] تاريخ إربل 1/ 412.
ومن شعره وقد مرّ بعسقلان، وزار قبور الشهداء حين توجّه إلى مصر:
مررت بعسقلان وقد رمتها ... يد الحدثان بالسّهم المصيب
فأبكتني على الإسلام دينا ... خلاف بكا المحبّ على الحبيب
وكم في التّرب فيها من شهيد ... وكم في الأسر فيها من غريب
ومنه:
يا قلب دع عنك الهوى قسرا ... ما أنت منه حامدا أمرا
أضعت دنياي بهجرانه ... إن نلت وصلا ضاعت الأخرى
ومنه:
لاموا عليك وما دروا ... أنّ الهوى سبب السعادة
إن كان وصلا فالمنى ... أو كان هجرا فالشهادة
ومنه:
إن كان يحلو لديك قتلي ... فزد من الهجر في عذابي
عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب
[4] انظر عن (خاصّة) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 120 رقم 85.(41/215)
- حرف الراء-
170- الرشيد بْن البُوسَنْجيّ.
نشأ ببغداد، وكان من ملاحها، فحصَّل الأدب وقَالَ الشِّعر. ثُمَّ تحوَّل إلى الشّام، واتّصل بخدمة السّلطان صلاح الدّين، وعلا شأنه حَتَّى بعثه السّلطان رسولا إلى الخليفة فعزّ عليهم ذَلِكَ وقالوا: مَن هُوَ ابن البُوسَنْجيّ حَتَّى يُبعث إلى الدّيوان رسولا؟ وحصَل فِي هَذَا إنكار.
ثُمَّ إنَّه استُشْهد عَلَى عكّا بسهم، وضُرِب لَهُ فِي الجهاد بسهم.
ومن شِعره:
قفوا واسألوا عَنْ حال قلبي وضعْفهِ ... فقد زاده الشوق الأسى فوق ضِعْفِهِ
وقولوا لمن أرجو الشفاء بوصلهِ ... مريضك قَدْ أشفى عَلَى الموت فاشفِهِ
أخو سقمٍ أخفاه إخفاؤه الهوى ... نحولا ومن يُخْفِ المحبَّة تُخْفِهِ
وما شغفي بالدار إلا لأهلها ... وما جزعي بالجزع إلا لخشْفِهِ
- حرف السين-
171- سَعِيد بْن يَحْيَى بْن عَلِيّ بْن حَجّاج [1] .
أَبُو المعالي الدُّبِيثيّ.
والد الحافظ أَبِي عَبْد اللَّه مِن قرية دُبيْثا.
قدِم جَدّه عليّ منها إلى واسط فسكنها.
سَمِع سَعِيد من: سعد الخيْر الْأَنْصَارِيّ.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ الفارقيّ الفقيه.
كتب عَنْهُ ابنُه، وقَالَ: توفّي يوم الأضحى.
وولد في سنة 527.
__________
[1] انظر عن (سعيد بن يحيى) في: تلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 261، والمختصر المحتاج إليه 2/ 90 رقم 695، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 124، 125 رقم 93.(41/216)
- حرف العين-
172- عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه.
التُّجَيْبيّ، القُرْطُبيّ، أَبُو مُحَمَّد الزَّاهد المعروف بالأندوجريّ.
كَانَ صالحا، عابدا، قانتا، مُجاب الدَّعوة، لَهُ ذِكْرٌ.
173- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الخلَّال.
أَبُو الفرج الأبياريّ، الْبَغْدَادِيّ.
من رؤساء العراق. وُلّي صدريَّة ديوان الزّمام مدَّةً، ثُمَّ عُزِل.
174- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن المطهّر بْن عَلِيّ بْن أبي عصرون بن أبي السّريّ [1] .
__________
[1] انظر عن (ابن أبي عصرون) في: الكامل في التاريخ 12/ 42، وخريدة القصر (قسم العراق) 1/ 12، و (قسم شعراء الشام) 2/ 351- 357، والفتح القسّي 355، وطبقات الشافعية لابن الصلاح 1/ 512- 516 رقم 187، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 200- 205 رقم 82، والروضتين 2/ 673، ووفيات الأعيان 3/ 53- 57 رقم 335، ورحلة ابن جبير 4، والدرّ المطلوب 109 (وفيه توفي 587 هـ.) ، وديوان ابن الدهان 107، 108، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 102، و (المطبوع) 15/ 221، وطبقات الشافعية للنواوي (مخطوط) ورقة 59، والمختصر المحتاج إليه 2/ 158- 160 رقم 795، والعبر 4/ 256، والإعلام بوفيات الأعلام 241، ودول الإسلام 2/ 97، وسير أعلام النبلاء 21/ 125- 129 رقم 63، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1913، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 149، 150 رقم 104، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 227 (7/ 132- 137 رقم 834) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 193- 196 رقم 810، والبداية والنهاية 12/ 333، ومرآة الجنان 3/ 430، ونكت الهميان 185، وفيه «عضرون» وهو تحريف 186، والوافي بالوفيات 17/ 578- 574 رقم 479، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 140 ب، 141 أ، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 70، وذيل التقييد للفاسي 2/ 65 رقم 1162، وغاية النهاية 1/ 455 رقم 1899، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 361- 363 رقم 328، والإعلام، له (مخطوط) ورقة 211، والعسجد المسبوك 207، 208، والسلوك للمقريزي ج 1 ق 1/ 103، والنجوم الزاهرة 6/ 109، وتاريخ الخلفاء 457، وشذرات الذهب 4/ 283، 284، والدارس 1/ 303- 305، والقضاة الشافعية للنعيمي 49- 51 رقم 83، وكشف الظنون 67، 174، 493، 520، 883، 1455، 1573، 1654، 1913، 1990، وإيضاح المكنون 1/ 543، وهدية العارفين 1/ 547، 548، وطبقات الشافعية لابن هداية(41/217)
قاضي القضاة شرف الدّين أَبُو سعد التَّمِيمِيّ، الحَدِيثيّ، ثُمَّ الْمَوْصِلِيّ، أحد الأعلام.
تفقَّه أولا عَلَى: القاضي المُرتَضَى الشّهْرَزُوريّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن خميس الْمَوْصِلِيّ.
وكان مولده سنة 492، وتلقّن عَلَى المُسلّم السُّرُوجيّ.
وقرأ بالسَّبْع ببغداد عَلَى: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد البارع، وبالعَشْر عَلَى: أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ، ودَعْوان، وسِبْط الخيّاط.
وتوجَّه إلى واسط فتفقّه بها عَلَى القاضي أَبِي عليّ الفارقيّ، وبَرَع عنده.
وعلّق ببغداد عن: أَبِي سعد المِيهنيّ. وأخذ الأصول عَنْ أبي الفتح أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن بَرهان.
وسمع من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي البركات بن البخاريّ، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذّن.
درس النّحو على: أبي الحسن بن دبيس، وأبي دلف.
وسمع قديما في سنة ثمان وخمسمائة من أَبِي الْحَسَن بْن طوق.
ورجع إلى وطنه بعِلمٍ كثير، فدرس بالموصل فِي سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة. ثُمَّ أقام بسِنْجار مدَّةً.
ووصل حلب فِي سنة خمسٍ وأربعين، ودرَّس بها، وأقبل عليه صاحبها السّلطان نور الدّين. فَلَمَّا أَخَذَ دمشق سنة تسعٍ وأربعين قدِم معه، ودرّس بالغَزّاليَّة، ووُلّي نظر الأوقاف. ثُمَّ ارتحل إلى حلب.
__________
[ () ] الله 212، 213، وديوان الإسلام 3/ 367، 368 رقم 1546، والإشارات إلى أماكن الزيارات لابن الحوراني 32، وفهرس المخطوطات المصورة 1/ 287، 288، والأعلام 4/ 268، ومعجم المؤلفين 2/ 106.
وقد وقع في (ديوان الإسلام 3/ 367، 368) بين مصادر صاحب الترجمة في الحاشية:
تاريخ بغداد 5/ 14 والمنتظم 6/ 336، وهذا وهم واضح، لعلّه إقحام من الطباعة، فليحرّر.(41/218)
ثُمَّ وُلّي قضاء سِنْجار، وحرّان، وديار ربيعة، وتفقّه عليه جماعة، ثُمَّ عاد إلى دمشق فِي سنة سبعين، فوُلّي بها القضاء سنة ثلاثٍ وسبعين.
وصنّف التّصانيف، وانتفع بِهِ خلْق، وانتهت إِلَيْهِ رئاسة المذهب.
ومن تلامذته الشّيخ فخر الدّين أبو منصور بن عساكر.
ومن تصانيفه: «صفوة المذهب فِي نهاية المطْلب» [1] فِي سبْع مجلّدات، وكتاب «الإنتصار» فِي أربع مجلّدات، وكتاب «المرشد» فِي مجلَّدين، وكتاب «الذَّريعة فِي معرفة الشّريعة» ، وكتاب «التَّيْسير فِي الخلاف» أربعة أجزاء، وكتاب «ما أَخَذَ النّظر» ، ومختصر [2] فِي الفرائض، وكتاب «الإرشاد فِي نُصْرة المذهب» ولم يُكمله، وذهبَ فيما نُهِبَ لَهُ بحلب.
وبنى لَهُ نور الدّين المدارس بحلب، وحماة، وحمص، وبِعْلَبَكّ. وبنى هُوَ لنفسه مدرسة بحلب، وأخرى بدمشق.
وَلَهُ أيضا كتاب «التّنبيه فِي معرفة الأحكام» وكتاب «فوائد المهذّب» فِي مجلّدين، وغير ذَلِكَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرى، وأَبُو نصر بْن الشّيرازيّ، وأَبُو مُحَمَّد بْن قُدامة، وعبد اللّطيف بْن سيما، والتّاج بْن أَبِي جَعْفَر، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْدان، وعليّ بْن قرقين، وصدّيق بْن رمضان، وخلْق آخرهم موتا العماد أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن النّحّاس.
وأضرَّ فِي آخر عمره وَهُوَ قاض، فصنَّف جزءا فِي «جواز قضاء الأعمى» ، وَهُوَ خلاف مذهبه. وَفِي المسألة وَجْهان، والجواز أقوى، لأنّ الأعمى أجود حالا منَ الأصمّ والأعجميّ الَّذِي يتعرَّف الأمور بترجمان.
وَقَدْ كَانَ وُلّي القضاء قبل شرف الدّين القاضي ضياء الدّين ابن
__________
[1] في طبقات ابن الصلاح 1/ 513: «صفوة المذهب في تهذيب نهاية المطلب» في نحو ثماني مجلّدات، وقفت على شيء منه، فوجدته قد استدرك على الإمام أشياء لم أرتض ما وقع له فيها.
[2] في الأصل: «ومختصرا» .(41/219)
الشّهْرَزُوريّ، بحكم العهد إِلَيْهِ من عمّه القاضي كمال الدّين قاضي الشّام، فلم يعزله السّلطان صلاح الدّين، وآثر أن يكون الحكم لابن أبي عصرون، فاستشعر ذَلِكَ ضياء الدّين، فاستعفى فأُعفي، وبقي عَلَى وكالة بيت المال.
ووُلّي القضاء ابن أَبِي عَصْرون، وناب فِي القضاء الأوْحد دَاوُد، والقاضي محيي الدّين مُحَمَّد بْن الزَّكيّ، وكُتِب لهما توقيع سلطانيّ، فكانا فِي حكم المستقلّين، وإنْ كَانَ فِي الظّاهر نائبين، وذلك فِي سنة اثنتين وسبعين. فَلَمَّا عاد السّلطان من مصر سنة سبْعٍ وسبعين تكلّم النّاس فِي ذهاب بصر ابن عَصْرون، ولم يذهب بالكلّية أَوْ ذهب، فولّي السّلطان القضاءَ لولده القاضي محيي الدّين من غير عزْلٍ للوالد. واستمرّ هَذَا إلى سنة سبْعٍ وثمانين، فَصُرِف عَنِ القضاء، واستقلّ قاضي القضاة محيي الدين بْن الزَّكيّ.
ويُقَالُ إنّ هَذَا لَهُ:
أؤمّل أن أحيا وَفِي كُلّ ساعةٍ ... تمرُّ بي الموتى تهزّ نعوشها
وما أَنَا إلّا مثلهم غير أنّ لي ... بقايا ليالٍ فِي الزّمان أعيشها
وتوفّي إلى رضوان الله في حادي عشر رمضان. ودفن بمدرسته بدمشق.
وقد سُئل عَنْهُ الشَّيْخ الموفّق فَقَالَ: كَانَ إمام أصحاب الشّافعيّ فِي عصره، وكان يذكر الدّرس فِي زاوية الدَّوْلَعيّ، ويصلّي صلاة حَسَنَة ويُتِمّ الرُّكوع والسّجود. ثُمَّ تولّى القضاء فِي آخر عمره وعَمِي. وسمعنا درسه مَعَ أَخِي أَبِي عُمَر، وانقطعنا عَنْهُ، فسمعت أَخِي رحِمَه اللَّه يَقُولُ: دخلتُ عليه بعد انقطاعنا فَقَالَ: لِمَ انقطعتم عنّي؟ فقلت: إنّ ناسا يقولون إنّك أشْعرِيّ. فَقَالَ:
واللَّه ما أَنَا بأشْعرِيّ. هَذَا معنى الحكاة.
ومن شِعر القاضي شرف الدين:
كُلّ جَمْع فِي الشّتات يصيرُ ... أيُّ صَفْوٍ ما شانه تكديرُ
أَنْت فِي اللَّهْو والأماني مقيمٌ ... والمنايا فِي كُلّ وقتٍ تسيرُ
والَّذِي غرّه بلوغُ الأماني ... بسَراب وخُلَّبٍ مغرورُ
ويكِ يا نفسُ أخْلصي إنَّ ربّي ... بالَّذِي أَخْفَتِ الصُّدورُ بصيرُ(41/220)
175- عَبْد اللَّه بْن أَبِي الفتوح بْن عِمْرَانَ [1] .
الْإِمَام أَبُو حامد القزْوينيّ الشّافعيّ.
رحل إلى نَيْسابور، وتفقّه عَلَى الإمام مُحَمَّد بْن يَحْيَى.
وتفقّه ببغداد عَلَى: أَبِي المحاسن يوسف بْن بُنْدار الدّمشقيّ.
وسمع من: أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر الحافظ، وجماعة.
وحدَّث بقَزْوين [2] .
176- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عامر أَحْمَد بْن عَبْد الرحمن بْن ربيع [3] .
الْأَشْعَرِيِّ، القُرْطُبيّ، أَبُو الْحُسَيْن.
سَمِع: أَبَاه، وأبا بَكْر بْن العربيّ، وأبا جَعْفَر البطروجيّ، وعبّاد بن سرحان، وأبا مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الرَّبِيع بْن سالم الحافظ، وغيره.
وَلَهُ جزء مفيد خرّجه عَنْ «مشيخته» . وُلّي قضاء أسْتَجة، وكان ذا عناية بالحديث، وعاش ستّا وستّين سنة، لأنّه وُلِد سنة تسع عشرة وخمسمائة.
وروى عَنْهُ أيضا بنوه الرَّبِيع، ويَحْيَى، وأَحْمَد، وأَبُو يَحْيَى بْن الفَرَس.
177- عَبْد الرَّحْمَن بْن قاضي القضاة عَبْد الملك بْن عِيسَى بْن درباس [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن أبي الفتوح) في: التدوين في أخبار قزوين 3/ 233، 234، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 124 رقم 92، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 112، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 242 (7/ 142) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 321، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوطة) ورقة 141 أ، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 70.
[2] وقال الرافعي القزويني: أبو حامد بن الأئمة المذكورين من أقرانه، وكان من شركاء والدي رحمه الله ببغداد، وبنيسابور، تفقّه عليه جماعة في أول عوده من خراسان، وفي آخر أمره وعمره حين تولّى التدريس في مدرسة القاضي عمر بن عبد الحميد الماكي، وسمع الكثير بقزوين، وبغداد، وبنيسابور، وغيرهما، وقرأت عليه «جامع» أبي عيسى الترمذي بتمامه.
(التدوين) .
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن أبي عامر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 126، 127 رقم 97، وفهرس الفهارس للكتاني 1/ 100، ومعجم المؤلّفين 5/ 117.
[4] انظر عن (عبد الرحمن بن عبد الملك) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 119 رقم 83.(41/221)
أَبُو طَالِب المارانيّ.
تُوُفّي فِي حياة والده.
وكان قد ناب عَنْ أَبِيهِ فِي القضاء.
178- عَبْد الرّزّاق بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الجوزيّ [1] .
أَبُو البقاء الْبَغْدَادِيّ، الصّفّار، أخو العلّامة أَبِي الفَرَج [2] .
تُوُفّي فِي المحرَّم.
يُقَالُ إنَّه رَوَى شيئا منَ الْحَدِيث. وكان مزوِّقًا دهّانا. سمّعه أخوه من:
هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن المّاوَرْدِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابن أَخِيهِ أَبُو القاسم عليّ، وأبو الْحَسَن بْن القَطِيعيّ.
ومولده كَانَ فِي صَفَر سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
سقط منَ الصّقالة. فَزَمِنَ مدّة.
179- عَبْد السّلام بْن عَبْد السّميع بْن مُحَمَّد [3] .
أَبُو جَعْفَر الهاشميّ البوّاب.
سَمِع من: زاهر، وأبي الحُصَيْن.
وعنه: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز.
مات فِي ربيع الأوّل.
180- عَبْد المجيد بْن الحُصَيْن بْن يوسف بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن دليل [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الرزاق بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 61 رقم 852، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 158، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 110 رقم 70.
[2] كتب على هامش الأصل بجانبه: «عبد الرحمن» .
[3] انظر عن (عبد السلام بن عبد السميع) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 43 رقم 814 وفيه وفاته سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
[4] انظر عن (عبد المجيد بن الحصين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 12 رقم 86، والنجوم الزاهرة 6/ 110 وفيه ضبط «دليل» ب «دليل» بفتح الدال المهملة بدل ضمّها، والصحيح هو المثبت كما في الأصل.
وقد ذكر المؤلّف- رحمه الله- صاحب الترجمة في سير أعلام النبلاء 21/ 125 رقم 86(41/222)
أَبُو المفضّل الكِنْديّ، الإسكندرانيّ، المعدَّل.
سَمِع منَ: الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الْوَلِيد الطُّرْطُوشيّ، وروى عَنْهُ «سُنَن أَبِي دَاوُد» .
وحدّث عَنْهُ: أَبُو البقاء صالح بْن بدر الشّافعيّ، والحسن بْن ناصر المهدويّ، وعليّ بْن مُحَمَّد بْن منتصر، وآخرون.
وتُوُفّي فِي تاسع شوّال وَلَهُ اثنتان وتسعون سنة.
181- عُبَيْد اللَّه بْن هبة اللَّه [1] .
أَبُو الوفاء القزْوينيّ، ثُمَّ الأصبهانيّ، الواعظ الحنفيّ، يُعرف بابن شِفروه [2] .
أخو رزق اللَّه.
لَهُ النّظْم والنَّثْر، وكان فصيحا بليغا، عقد ببغداد مجلس الوعظ لمّا حجّ.
وتُوُفّي كهلا [3] .
__________
[ () ] دون أن يترجم له.
[1] انظر عن (عبيد الله بن هبة الله) في: الجواهر المضيّة 2/ 507، 508 رقم 909، والطبقات السنية، رقم 1393.
ولم يذكره الرافعي القزويني في «التدوين في أخبار قزوين» مع أنه من شرطه.
[2] هكذا في الأصل بالفاء، ومثله في الجواهر المضيّة.
[3] وقال ابن النجار: كان من أعيان أهل بلده فضلا وعلما وأدبا، وكان يعظ على الكرسي بكلام مليح، وله النظم والنثر الحسن، وكان فصيحا، بليغا، ظريفا، لطيفا. ذكر لي ولده أبو عبد الله الحسين أنه دخل حاجّا عدّة مرار، وأنه أقام ببغداد سنة، وعقد بها مجلس الوعظ بالمدرسة التاجية.
قال ابن النجار: أنشدني أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن هبة الله القزويني بأصبهان، أنشدني والدي، ببغداد على المنبر في المدرسة التاجية، مرتجلا لنفسه، وقد دنت الشمس للغروب، وكان ساعتئذ شرع في مناقب عليّ رضي الله عنه:
لا تعجلي يا شمس حتى ينتهي ... مدحي لفضل المرتضى ولنبله
يثني عنانك إن غربت ثناؤه ... أنسيت يومك إذ رددت لأجله
إن كان للمولى وقوفك فليكن ... هذا الوقوف لخيله ولرجله(41/223)
182- عَلِيّ بْن سلمان بْن سالم [1] .
أَبُو الْحَسَن الكعكيّ.
سَمِع الكثير من: أَبِي الفتح بْن شاتيل، وطبقته.
وكتب بخطّه، وعُني بالسّماع.
ومات شابّا، رحِمَه اللَّه.
183- عَلِيّ بْن عُثْمَان بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن يوسف [2] .
القاضي السّعيد، أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الشّافعيّ الْمَصْرِيّ.
وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وحدَّث عَنْ: عَبْد العزيز بْن عُثْمَان التُّونسيّ، وأَحْمَد بْن الحُطَيْئة، وإِسْمَاعِيل بْن الْحَارِث القاضي.
قَالَ أَبُو محمد المُنْذريّ [3] : حدّثونا عَنْهُ، وكان عارفا بكتابة الخراج، صنّف فِي ذَلِكَ كتابا. وتقلَّب فِي الخِدَم وتقدَّم فيها.
184- عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى [4] .
الأمير العالِم، الفقيه، أَبُو مُحَمَّد الهَكّاريّ، الشّافعيّ، ضياء الدّين.
أحد أمراء الدّولة الصّلاحيّة، بل واحدهم وكبيرهم.
__________
[1] انظر عن (علي بن سلمان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 115 رقم 78.
[2] انظر عن (علي بن عثمان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 112 رقم 73، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 279، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 255.
وقد ترجم ابن المستوفي لابنه «حمزة» المتوفى سنة 616 هـ. في تاريخ إربل 1/ 293- 295 رقم 192.
[3] في التكملة 1/ 112.
[4] انظر عن (عيسى بن محمد) في: الكامل في التاريخ 12/ 42، والفتح القسّي 174، والروضتين 2/ 150، والتاريخ المظفّري لابن أبي الدم الحموي (مخطوط) ورقة 222، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 123 رقم 90، ووفيات الأعيان 3/ 165 رقم 489، والمختصر في أخبار البشر 3/ 81، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 289، والمغرب في حلى المغرب 192، والبداية والنهاية 12/ 334، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 159، والعسجد المسبوك 2/ 208، والسلوك ج 1 ق 1/ 94، 103، والنجوم الزاهرة 6/ 109، 110، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 78.(41/224)
كَانَ فِي مبدإ أمره يشتغل، فتفقّه بالجزيرة عَلَى الْإِمَام أَبِي القاسم عُمَر بْن البِزْريّ شيخ الشّافعيّة، واشتغل بحلب بالمدرسة الزّجاجيّة، ثُمَّ اتّصل بخدمة الملك أسد الدين شِيرَكُوه، وصار إمامه فِي الصَّلَوات، وتوجَّه معه إلى مصر. وكان هُوَ أحد الأسباب المُعِينة عَلَى سلطنة صلاح الدّين بعد عمّه مَعَ الأمير الطُّواشيّ بهاء الدّين قراقوش، فرُعيت لَهُ خِدَمُه وقِدَمهُ.
وكان ذا شجاعة وشهامة فأمَّره أسد الدّين.
وَقَدْ سَمِع منَ: الحافظ أَبِي طاهر السِّلَفيّ، والحافظ ابن عساكر.
وحدَّث بقَيْسَارِيَّة، فسمع منه: القاضي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْأَنْصَارِيّ، وغيره.
وكان ذا مكانةٍ عظيمة عِنْد صلاح الدّين، واشتهر بقضاء الحوائج، فكان لا يدخل عَلَى صلاح الدّين إلّا ومعه أوراق وقصص فِي عمامته ومنديله وَفِي يده، فيكتب لَهُ عليها [1] .
تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ذِي القعدة بالمخيّم أيّام حَصْر عكّا. وَلَهُ ذِكرٌ فِي الحوادث وأنّه أُسِر وخُلَّص منَ الأسر بستّين ألف دينار.
- حرف الغين-
185- غَيْداق بْن جَعْفَر [2] .
الدَّيلميّ.
رَوَى شيئا عَنْ: أحمد بن ناقة [3] .
- حرف القاف-
186- قيصر [4] .
__________
[1] المنذري 1/ 123.
[2] انظر عن (غيداق بن جعفر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 127 رقم 99 وهو هكذا بالغين المعجمة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها ثم دال مهملة، وألف، وقاف.
[3] في الأصل: «ناقيا» ، والتصحيح من: التكملة، ومن الأنساب 11/ 316.
[4] انظر عن (قيصر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 123، 124 رقم 91.(41/225)
الأمير الأجَلٌ ابن الأمير طيّ ابْن الملك أمير الجيوش شاوَر بْن مُجير السَّعْدِيّ، الْمَصْرِيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن المسلّم الْأَنْصَارِيّ.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة.
- حرف الميم-
187- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن صاف [1] .
أَبُو بَكْر الإِشْبِيليّ، الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، واختلف إلى أبي القاسم بْن الرّمّاك فِي العربيّة.
وأجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن بْن مغيث، وابن مكّيّ.
وكان عارفا بالقراءات والعربية متقدّما فيهما. من كبار أصحاب شُرَيْح، شرح «الأشعار السّتَّة» ، و «الفصيح» لثعلب، وغير ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأبّار: حدَّث عَنْهُ جماعة من شيوخنا، وأقرأ نحْوًا من خمسين سنة.
وتوفّي سنة خمس، ويُقَالُ سنة ستّ وثمانين عَنْ بضع وسبعين سنة رحِمَه اللَّه.
188- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الكريم [2] .
الْأَنْصَارِيّ، الطَّنْجيّ.
دخل الأندلس، وسَمِع من: أبي الحسن بن مغيث، وغيره.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 538، والذيل والتكملة للمراكشي 6/ 188- 190، ومعرفة القراء الكبار 2/ 555 رقم 507 وفيه «محمد بن خَلَف بن محمد بن عبد الله بن صاف» ، والوافي بالوفيات 3/ 46، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 221، وغاية النهاية 137، 138، وبغية الوعاة 1/ 100.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 125 باسم «محمد بن خلف بن صاف» دون أن يترجم له.
[2] انظر عن (محمد بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(41/226)
وكان أديبا شاعرا.
ورّخه الأبّار.
وطَنْجَة من أقصى المغرب.
189- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك [1] بْن عَلِيّ.
أَبُو الكَرَم الهاشميّ، المخرِّميّ [2] .
سَمِع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء.
روى عنه: عبد الله بن أحمد الخباز، وغيره.
وكتب عَنْهُ جماعة.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
190- مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن العدل أَبِي غالب مُحَمَّد بْن عَلِيّ [3] .
الفقيه أَبُو جَعْفَر بْن الصّبّاغ، الْبَغْدَادِيّ، الشّافعيّ.
سَمِع: أَبَا السّعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد المتوكّليّ، وأبا القاسم هبة اللَّه بْن الحُصَيْن. وناب فِي تدريس النّظاميَّة.
سَمِع: عُمَر بن عليّ الْقُرَشِيّ، وسعيد بْن هبة اللَّه، وَغَيْرُهُمَا.
وتُوُفّي فِي ذِي الحجَّة وَقَدْ شاخ. فَإنَّهُ وُلِد فِي سنة ثمانٍ وخمسمائة.
وتفقّه عَلَى سَعِيد الرّزَّاز.
ووُلّي القضاء بحريم دار الخلافة فلم تحمد سيرته وعزل.
__________
[1] في الأصل: «محمد بن عبد العزيز» ، والتصحيح من مصادر ترجمته:
ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 53 رقم 260، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 114 رقم 76، والمختصر المحتاج إليه 1/ 70، 71.
[2] قال المنذري: المخرّم: محلّة ببغداد نزلها بعض ولد يزيد بن المخرّم فسمّيت به، وهي بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المهملة وتشديدها.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الواحد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 57، 58 رقم 266، ومشيخة النعّال 94، 95، والمختصر المحتاج إليه 1/ 72، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 86 (6/ 148، 149) ، والوافي بالوفيات 4/ 64، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 ب.، والعقد المذهب لابن الملقن (مخطوط) ورقة 160، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 41، وعلماء النظاميات 20.(41/227)
وكانت لَهُ إجازة منَ ابن بيان الرارّ.
وروى عَنْهُ منَ المتأخّرين: مُحَمَّد بْن النّفيس الأَزَجّي، وغيره.
191- مُحَمَّد بْن الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [1] .
أَبُو السّعادات السُّلَميّ الْجُبّيّ.
سَمِع: ابن شاتيل، وأبا السّعادات القزّاز، وطائفة.
وعُني بالحديث. ولزِم الحازميّ، وكتب تصانيفه.
والْجُبَّة: قرية من قُرى بغداد عَلَى طريق خُراسان، وبها تُوُفّي فِي ذِي الحجَّة.
وكان أَبُوهُ أحد الشّيوخ الزُّهاد، كنيته أَبُو سَعْد.
192- مُحَمَّد بْن يوسف بْن مُحَمَّد بْن قائد [2] .
موفّق الدّين الإربِليّ، البَحْرانيّ، النَّحْويّ، الشّاعر.
كَانَ بارع الأدب، رائق الشّعر، لطيف المعاني. قدِم دمشقَ، ومدح السّلطان صلاح الدّين، ومدح صاحب إربل زين الدّين يوسف بْن زين الدّين علي، إلّا أَنَّهُ اشتغل بعلم الفلاسفة.
وكان يعرف الهندسة، وألّف فيها. وكان أَبُوهُ من تجّار إربل يتردّد إلى البحرين، فُولِد لَهُ الموفّق بالبحرين.
وَلَهُ:
رُبّ دارٍ بالغضا [3] طال بلاها ... عكف الدَّهْرُ عليها فبكاها
درست إلّا بقايا أسطُر ... سمح الدّهر بها ثُمَّ محاها
وقفت فيها الغوادي وَقْفةً ... أَلْصقَتْ حَرَّ ثراها بحشاها
__________
[1] انظر عن (محمد بن المبارك) في: معجم البلدان 2/ 31، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس) ورقة 141، والمشتبه في الرجال 1/ 140، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 126 رقم 96.
[2] انظر عن (محمد بن يوسف) في: المختصر في أخبار البشر 3/ 77، 78، وتاريخ ابن الوردي 2/ 101، 102.
[3] في المختصر لأبي الفداء: «بالحمى» ، والمثبت يتفق مع تاريخ ابن الوردي.(41/228)
وبكت أطلالُها نائبة ... عَنْ جفوني أحسَن اللَّه جزاها
كَانَ لي فيها زمانٌ وانقضى ... فسَقَى اللَّه زماني وسقاها
[1] 193- الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك [2] .
أبو طَالِب الكّرْخيّ، الفقيه الشّافعيّ، صاحب ابن الخَلّ [3] . وكان من أئمّة الشّافعيّة.
درّس، وأفتى، وكتب الخطّ المنسوب.
وسمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وكان ذا جاهٍ وَقَبُولٍ لكونه أدَّب السّادة الأمراء أولاد النّاصر لدين اللَّه.
درّس بالنّظاميَّة بعد أَبِي الخير القزْوينيّ سنة إحدى وثمانين، وتفقّه بِهِ جماعة. وكتب عَنْهُ أَبُو بَكْر الحازميّ، وغيره.
وعاش اثنتين وثمانين سنة. وتُوُفّي فِي ثامن ذِي القعدة.
وذكره الموفّق عَبْد اللّطيف فَقَالَ: كَانَ ربّ عِلْم، وعمل، وعفاف، ونُسُك، وورع. وكان ناعم العَيْش، يقوم عَلَى نفسه وبدنه قياما حكميّا [4] .
رَأَيْته يُلقي الدّرس، فسمعت منه فصاحة رائعة، ونغمة رائقة، فقلت: ما أفصح هَذَا الرجل! فَقَالَ شيخنا ابنُ عُبَيْدة النَّحْويّ: كان أبوه عوّادا، وكان هُوَ معي فِي المكتب، وضَرَب بالعود وأجاد وتحذَّق فِيهِ حَتَّى شَهِدوا لَهُ أنّه في
__________
[1] الأبيات بنقص وزيادة في: المختصر، وتاريخ ابن الوردي.
[2] انظر عن (المبارك بن المبارك) في: الكامل في التاريخ 12/ 43، ومعجم الأدباء 6/ 230، ومشيخة النعّال 92- 94، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 124 رقم 89، والمختصر المحتاج إليه 3/ 177 رقم 1155، والعبر 4/ 257، وسير أعلام النبلاء 21/ 224- 226 رقم 112، ومرآة الجنان 3/ 430، و 431، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 299 (7/ 275) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 353، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 أ، والبداية والنهاية 12/ 334، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 159، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 369، 370 رقم 337، والعسجد المسبوك 2/ 208، 209، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 78، والنجوم الزاهرة 6/ 110، 111، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 74، وشذرات الذهب 4/ 284.
[3] الخلّ: بفتح الخاء المعجمة، وهو محمد بن المبارك بن محمد العكبريّ المتوفى سنة 552 هـ.
[4] في سير أعلام النبلاء 21/ 225 «حكيما» .(41/229)
طبقة مَعْبَد، ثُمَّ أَنِف واشتغل بالخطّ، إلى أن شُهِد لَهُ أَنَّهُ أَكْتَب منَ ابن البوّاب ولا سيما فِي الطُّومار والثُّلُث، ثُمَّ أنِف منه، واشتغل بالفِقْه، فصار كَمَا ترى.
وعلَّم ولديّ النّاصر لدين اللَّه، وأصلحا مَدَاسَهُ [1] .
194- مجاهد بْن مُحَمَّد بْن مجاهد [2] .
أَبُو الجيش الأندلسيّ.
قَالَ الأَبّار: رَوَى عَنْ أَبِي عليّ الصَّدَفيّ، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب.
قَالَ يعيش بْن القديم: لقيته بمَرّاكُش.
وبها تُوُفّي فِي ذِي القعدة.
195- محمود بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْن أَبِي الرجاء [3] .
الأستاذ أَبُو طَالِب التَّمِيمِيّ، الأصبهانيّ، الشّافعيّ، المعروف بالقاضي.
صاحب الطّريقة فِي الخلاف.
كَانَ من كِبار الأئمَّة. تفقَّه عَلَى الْإِمَام مُحَمَّد بْن يحيى صاحب الغزالي،
__________
[1] وقال ابن الأثير: وكان صالحا خيّرا، له عند الخليفة والعامّة حرمة عظيمة، وجاه عريض، وكان حسن الخط يضرب به المثل.
وقال ابن النجار: شهد عند قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي في سنة ثلاثين وخمس مائة، ثم درّس بمدرسة شيخه ابن الخلّ بعده، ثم ولي النظامية في سنة إحدى وثمانين. وكان إمام وقته في العلم والدين والزهد والورع، لازم ابن الخلّ حتى برع في المذهب والخلاف، إلى أن قال: وكان من الورع والزهد والعفّة والنزاهة والسّمت على طريقة اشتهر بها.
وكان أكتب أهل زمانه لطريقة ابن البوّاب، وعليه كتب الظاهر بأمر الله.
قال: وكان ضنينا بخطّه، حتى إنه كان إذا شهد، وكتب في فتيا، كسر القلم، وكتب به خطّا رديّا.
[2] انظر عن (مجاهد بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (محمود بن علي) في: وفيات الأعيان 4/ 261، والمختصر في أخبار البشر 3/ 78، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 304، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 175، ومرآة الجنان 3/ 431، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 144 ب، وتاريخ ابن الوردي 2/ 102، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 380 رقم 348، وشذرات الذهب 4/ 284، وإيضاح المكنون 1/ 299، وهدية العارفين 2/ 404، ومعجم المؤلفين 12/ 182.(41/230)
وكان لَهُ فِي الوعظ اليد البيضاء، وكان ذا تفنُّن فِي العلوم.
تفقَّه بِهِ جماعة بأصبهان، وتوفّي فِي شوّال.
وَلَهُ تعليقة جمَّة المعارف [1] .
196- مشرّف بْن المؤيَّد بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو المحاسن الهَمَذَانيّ، الصّوفيّ، الشّافعيّ، البزّاز، أثير الدّين، المعروف بابن الحاجب.
سَمِع: هِبَة اللَّه بْن الفَرَج ابْن أخت الطّويل، وأبا الفُتُوح الطّائِيّ.
وقدم دمشق، فسمع بها من: أبي المظفَّر الفلكيّ، ودخل مصر واستوطنها وسمع بها من أبي الحسن عليّ ابن بنت أبي سعد.
وقد سمع من جماعة سوى من ذكرنا. وحدَّث بمصر وبها تُوُفّي فِي ثامن جُمادى الأولى. وَهُوَ أخو جدّ شيخنا الأَبَرْقُوهيّ.
197- مُنْجَبُ بنُ عَبْد اللَّه [3] .
أَبُو المعالي، وأَبُو النّجاح، مَوْلَى مرشد بْن يَحْيَى المَدِينيّ، المُرْشِديّ.
رَوَى عَنْ مولاه «صحيح الْبُخَارِيّ» ، وعاش قريبا من مائة سنة. وكان ظاهر القوّة يمشي عَلَى هَذَا السّنّ [4] بالقبقاب عدّة فراسخ.
رَوَى عَنْهُ جماعة منهم: ضياء الدّين عِيسَى بْن سُلَيْمَان بْن رمضان، وكُتاب بِنْت مرتضى بْن أَبِي الجود، والحافظ عَلِيّ بْن المفضّل.
__________
[1] قال أبو الفداء: وصنّف فيه التعليقة وهي «عمدة المدرّسين» في إلقاء الدروس، ومن لم يذكرها فإنما هو لقصور فهمه من إدراك دقائقها.
[2] انظر عن (مشرّف بن المؤيّد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 113، 114 رقم 75، وتكملة إكمال الإكمال 6- 8، والعقد المذهب (مخطوط) ورقة 160، 161، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 82.
[3] انظر عن (منجب بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 111، 112 رقم 72، وذيل التقييد للفاسي 2/ 290 رقم 1651.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 125 ولم يترجم له.
[4] في التكملة: «يمشي هذه المسافة» .(41/231)
وتُوُفّي فِي المحرَّم.
198- مُوسَى بْن جكّوا [1] .
الأمير الكبير عزّ الدّين ابن خال السّلطان صلاح الدّين.
تُوُفّي بمنزلة العسكر عَلَى عكّا مُرَابِطًا رحِمَه اللَّه تَعَالَى.
- حرف الياء-
199- يزيد بْن مُحَمَّد بْن يزيد بْن رفاعة [2] .
أَبُو خَالِد اللَّخْميّ، الغَرْناطيّ. ويُعرف بابن الصّفّار أيضا.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن الباذش.
وسمع من: أبي مُحَمَّد بْن عطيّة، وابن العربيّ، والقاضي عِياض.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عتّاب، وأَبُو عِمران بْن أَبِي تُلَيْد، وطائفة.
وكان عارفا بالقراءات والعربيّة، راوية جليلا، يعقد الوثائق.
مات فِي المحرّم وَلَهُ أربعٌ وسبعون سنة.
200- يوسف بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه [3] .
الحافظ أَبُو يعقوب الشّيرازيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ، شيخ الصُّوفيَّة، بالرّباط الأرجوانيّ.
ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وسمّعه أَبُوهُ منَ الحافظ أَبِي القاسم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبي مُحَمَّد بْن الطَّرّاح، وَأَبِي الْحَسَن بن عَبْد السَّلَام،
__________
[1] انظر عن (موسى بن جكوا) في: الفتح القسّي 355، وتلخيص مجمع الآداب 1/ 370 وفيه «جكو» ، والمختصر في أخبار البشر 3/ 138 وفيه «موصك بن جكويه» ، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 72.
[2] سيعاد في وفيات 588 هـ. برقم (320) .
[3] انظر عن (يوسف بن أحمد) في: تاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 123- 125 رقم 48، وتلخيص مجمع الآداب 1/ 460 و 5/ رقم 648، والإعلام بوفيات الأعلام 241، وسير أعلام النبلاء 21/ 239- 241 رقم 123، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1914، وتذكرة الحفاظ 4/ 1356، والمختصر المحتاج إليه 3/ 231، رقم 1309، والنجوم الزاهرة 6/ 111، وشذرات الذهب 4/ 284.(41/232)
وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وعُمَر بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ، والكَروخيّ.
وسمع بنفسه منَ: ابن ناصر، وابن الزّاغونيّ، وهذه الطّبقة.
وجال فِي الآفاق ما بَيْنَ خُراسان، وفارس، والجزيرة، والشّام، والحجاز، والجبال.
وسمع: أبا الْحَسَن بْن غبرة بالكوفة، وأبا الوقت السِّجْزيّ بكرمان، وعبد اللَّه بْن عُمَر بْن سَليخ بالبصرة، وأحمد بْن بختيار القاضي بواسط، وعبد الجليل بْن أَبِي سعد بهَرَاة، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ الطُّوسيّ، وعبد الملك بْن جامع الفارسيّ بنَيْسابور، وأبا شجاع البسطاميّ ببلْخ، وإِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ الحمّاميّ المعمّر، ومَسْعُود الثَّقَفيّ، والرُّسْتُميّ، وطائفة بأصبهان، ونصر بْن المظفَّر، وشِيرُويْه بَهَمَذَان، وعبد الواحد بْن هلال بدمشق.
وخرَّج وكتب الكثير. وكان ثقة واسع الرِّحلة، جمع «أربعي البلدان» ، فأجاد تصنيفها.
رَوَى عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الواعظ، والتّاج مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر القُرْطُبيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن الدُّبِيثيّ، وآخرون.
وثّقه الدُّبِيثيّ، وكتب عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرى وقَالَ: اشتغل فِي آخر عمره بالتَّرَسُّل منَ الدّيوان إلى الأطراف، ووُلّي رباطا [1] ببغداد. وكان حَسَن المفاكهة والعشْرة.
وقَالَ ابن النّجّار: كَانَ ثقة حسَنَ المعرفة، نُفَّذ رسولا منَ الدّيوان الْعَزِيز إلى الروم، ووُلّي المشيخة برباط الخليفة، وصارت لَهُ ثروة، وحدّث باليسير.
وتُوُفّي فِي رمضان.
__________
[1] في الأصل: «ربطا» .(41/233)
[مواليد السنة] وفيها وُلد: الحافظ زين الدّين خَالِد بْن يوسف بنابلس، وشرف الدّين عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن صالح السُّبْكيّ، وأَبُو البركات أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه النّحّاس الإسكندريّ، وعبد الواحد بْن أَبِي بَكْر بْن الحَمَويّ.(41/234)
سنة ست وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
201- أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد.
أَبُو الْعَبَّاس الْمَازِنِيّ، النّصِيبيّ، الجابي، المعروف أَبُوهُ بالخطيب.
شيخ دمشقيّ. وَهُوَ والد المسلّم.
سَمِع: عبد الكريم بْن حَمْزَة، وغيره.
ووُلِد سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وعاش ثمانيا وثمانين سنة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرى.
202- أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن المأمون [1] .
أَبُو الْعَبَّاس بْن الزَّوَال [2] الْعَبَّاسيّ، المأمونيّ، الْبَغْدَادِيّ، أحد العدول والأشراف.
قرأ القراءات عَلَى: أَبِي بَكْر بْن المَزْرَفيّ. والعربيّة عَلَى: أَبِي مَنْصُور بْن الجواليقيّ.
وسمع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي العز بْن كادش، وبدر بْن عَبْد اللَّه الشّيحيّ.
وصنّف في اللّغة، وروى الكثير.
__________
[1] انظر عن (أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن هبة اللَّه) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 204، وإنباه الرواة 1/ 88، 89، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 142، 143 رقم 119، ومشيخة النعال 99، 100، والمختصر المحتاج إليه 1/ 196، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 94، 95، وبغية الوعاة 1/ 348، 349، وسلّم الوصول لحاجّي خليفة (مخطوط) ورقة 107، وروضات الجنات 1/ 82.
[2] الزّوال: بفتح الزاي والواو مخفّفا وآخره لام. (المنذري) .(41/235)
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله بْن الدُّبَيْثِيّ، وغيره.
ووُلّي قضاء دُجَيْل، وكان رأسًا فِي العربيّة.
ولد سنة تسع وخمسمائة، وتُوُفّي فِي شعبان.
أَنْبَأَني ابن البُزُوريّ أنّ لَهُ مصنّفا سمّاه «أسرار الحروف» ، قَالَ: ووقع لي جزء بخطُّه فنقلت منه قوله:
قَدْ كُنْت أركب بالخيل العتاق فَمَا ... أَبقى لي الدّهرُ لا بغلا ولا فَرَسا
وكنت أنهضُ بالعبءِ الثّقيل فقد ... أجدَّ بي الدَّهرُ عَنْ نهضي بِهِ فَرَسا
وكم فرستُ أسودا عَنْوةً فِرَسًا ... وعضّني الدَّهرُ حَتَّى خِلْته فَرِسا
فآه من دهرنا أُفٍّ لَهُ فلقد ... أضاع حرّا كريما بيننا فَرَسَا
مِنَ الفراسة.
203- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن خَلَف.
أَبُو جَعْفَر بْن برنجال الدَّانيّ.
سَمِع: أَبَاه، وأبا بَكْر بْن أسوة القاضي.
ووُلّي قضاء دانية.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى، وَقَدْ شاخ.
204- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر [1] .
العلّامة الزَّاهد زين الدّين أَبُو القاسم الْبُخَارِيّ،. العتّابيّ، مِن محلَّة عتّاب ببُخَارى.
كَانَ من كِبار الحَنَفيَّة، صنَّف «الجامع الكبير» و «الزّيادات» ، و «تفسير القرآن» .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد) في: المشتبه 1/ 241، 442، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 1/ 245، والجواهر المضيّة 1/ 298- 300 رقم 222، والوافي بالوفيات 8/ 74، وتبصير المنتبه 3/ 990، وكتاب أعلام الأخيار، رقم 397، والطبقات السنية، رقم 344، وتاج التراجم لابن قطلوبغا 7، وطبقات المفسّرين للسيوطي 6، والفوائد البهية للكنوي 36، 37، وكشف الظنون 1/ 453، 563، 567، 568، 611، 963، 964، ومعجم المؤلفين 2/ 140.(41/236)
لازمه شمس الأئمَّة مُحَمَّد بْن عَبْد السّتار الكَرْدَريّ، وأخذ عَنْهُ.
ومات ببُخَارى، ورَّخه الفَرَضيّ.
- حرف الحاء-
205- الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن أَبِي البركات محفوظ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرى [1] .
الحافظ الكبير أَبُو المواهب بْن أَبِي الغنائم الرَّبَعيّ، التَّغْلبيّ، البلديّ الأصل، الدّمشقيّ، المعدَّل.
وُلِد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وكان اسمه أولا نَصْر اللَّه فغيّره بالحَسَن.
سَمِع بدمشق: جَدّه أَبَا البركات، والفقيه نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصِّيصيّ، وعَبْدان بْن زَرِّين [2] المقري، وعَلِيّ بْن حَيْدَرة العَلَويّ، ونصر بْن أَحْمَد بْن مقاتل، والْحُسَيْن بْن البُنّ الأَسَديّ، وأبا يعلى بْن الحُبُوبيّ، وأبا المظفَّر الفَلَكيّ، وحَمْزَة بْن كرّوس، وأبا الْحُسَيْن هبة اللَّه بْن الْحَسَن، وأبا يَعْلَى حَمْزَة بْن أسد التَّمِيمِيّ، وأبا النَّدى حسّان بْن تميم، وخلْقًا كثيرا.
ولِزم أَبَا القاسم الحافظ فأكثر عَنْهُ، وتخرَّج بِهِ، وعُني بهذا الشّأن أتمّ عنايةٍ، ثُمَّ رحل فسمع بحماه: مُحَمَّد بْن ظَفَر الحجَّة، وبحلب: أبا طَالِب بْن العجمي، وابن ياسر الْجَيّانيّ، وبالموصل: الْحَسَن بْن عَلِيّ الكعبيّ، وسُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن خميس، ويَحْيَى بْن سعدون المقرئ، وطائفة.
__________
[1] انظر عن (الحسن بن هبة الله) في: تاريخ إربل 1/ 125 و 229، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 20، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 146- 148 رقم 126، والمختصر المحتاج إليه 2/ 27، والمشتبه في الرجال 1/ 115، والعبر 4/ 285، وتذكرة الحفاظ 4/ 1358، ودول الإسلام 2/ 98، والإعلام بوفيات الأعلام 241، وسير أعلام النبلاء 21/ 264- 266 رقم 137، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1915، ومرآة الجنان 3/ 432، والوافي بالوفيات 12/ 292- 294، رقم 265، وتوضيح المشتبه 2/ 48، والنجوم الزاهرة 6/ 1112 و 272، وشذرات الذهب 4/ 285، وإيضاح المكنون 1/ 547 و 2/ 130، 196، 509، والرسالة المستطرفة 74، ومعجم المؤلفين 3/ 301.
[2] في الأصل: «رزّين» بتقديم الراء، والتصحيح من المشتبه 1/ 316.(41/237)
وببغداد: هبة اللَّه بْن الْحَسَن الدّقّاق، ومُحَمَّد بن عبد الباقي ابن البَطّيّ، ويَحْيَى بْن ثَابِت، وصالح بْن الرحلة، وشُهْدَة الكاتبة، وجماعة.
وبَهَمَذَان: أَبَا العلاء العَطَّار الحافظ، وبأصبهان مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن ماشاذة صاحب سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، وأبا رشيد عَبْد اللَّه بْن عُمَر، وعَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مردوَيْه، والحافظ أَبَا مُوسَى المَدِينيّ، وطائفة.
وبتبريز: مُحَمَّد بْن أسعد العطّاريّ، حفدة أَوْ لِقيه بالموصل.
رَوَى عَنْهُ: ولده أمين الدّين سالم.
وصنّف التّصانيف، وجمع «المعجم» لنفسه فِي ستّة عشر جزءا، وصنّف «فضائل الصحابة» ، و «فضائل القدس» ، و «عوالي ابن عُيَيْنة» ، وجزءا فِي «رُباعيات التّابعين» . وأصيب بكُتُبه فإنّها احترقت لمّا وقع الحريق بالكلّاسة [1] . ثُمَّ وقف بعد ذَلِكَ خزانة أخرى.
وكان ثقة متقنا، مستقيم الطّريقة، ليّن الجانب، سَمْحًا، كريما. رحل سنة ثمانٍ وسبعين بابنه أَبِي الغنائم سالم، فسمّعه منَ ابن شاتيل وطبقته.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ [2] : كَانَ ثقة، وتُوُفّي سنة ستّ وثمانين. وكتب إلينا بالإجازة.
قُلْتُ: عاش تسعا وأربعين سنة.
206- الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [3] .
أَبُو عليّ الفارسيّ، الدّارابجرديّ، المقرئ، الخوّاصّ، المؤدّب [4] .
__________
[1] الكلّاسة: بتشديد اللام، موضع بدمشق. (تاج العروس- كلس- 4/ 235) .
[2] في تاريخه، ورقة 20.
[3] انظر عن (الحسين بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 141، 142 رقم 118، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 1/ 246 وفيه «الحسن» ، والمقفّى الكبير للمقريزي 3/ 620 رقم 1261.
[4] وقال ابن الفرات: «ويعرف بالمجاور» وهو والد الوزير أبي الفتح يوسف وزير الملك العزيز.(41/238)
سمع: هبة الله بن الأكفاني.
روى عنه: أَبُو القاسم بْن صَصْرى.
وتُوُفّي فِي رجب.
- حرف الخاء-
207- خَلَف بْن مُحَمَّد بْن رئيس.
المكّيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ.
سَمِع منَ: الفقيه رسلان بْن عَبْد اللَّه بْن شعبان الشّارعيّ.
وَهُوَ والد الحافظ أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه، المعروف بابن بُصَيْلَة.
- حرف الصاد-
208- صالح بْن أَبِي القاسم خَلَف بْن عُمَر.
أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، الأوثبيّ، المالقيّ.
رَوَى عَنْ: مَنْصُور بْن الخير، وأبي الْحُسَيْن بْن الطّراوة.
ورحل فلقي بتلمسان أَبَا جَعْفَر بْن باقي، وأخذ عَنْهُ علم الكلام. ولقي بتونس عَبْد الرّزّاق الفقيه.
وأخذ بالمهديَّة عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه المازريّ.
وكان متقدّما فِي علم الكلام والعقليّات.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حَوْط الله.
وتُوُفّي فِي رمضان وَلَهُ ستٌّ وثمانون سنة.
- حرف العين-
209- عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر [1] .
سيف الدّين، أَبُو القاسم المقدسيّ، الحنبليّ. أحد الأعلام.
وُلِد سنة تسعٍ وخمسين وخمسمائة بجبل قاسيون. ورحل إلى بغداد،
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن عمر) في: الوافي بالوفيات 17/ 370، 371 رقم 303، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 371- 373 رقم 178، وشذرات الذهب 4/ 285.(41/239)
وسمع بها الكثير، وتفقَّه. قرأت أخباره بخطّ الحافظ الضّياء قَالَ: اشتغل بالفقه، والخلاف، والفرائض، والنَّحْو، وصار إماما، عالِمًا، ذكيّا، فطِنًا، فصيحا، مليح الإيراد، حَتَّى إنّني سَمِعْتُ بعض النّاس يَقُولُ عَنْ بعض الفقهاء إنَّه قَالَ: ما اعترض السّيف عَلَى مستدلّ إلّا ثلم دليلَه. وكان يتكلَّم فِي المسألة غير مستعجلٍ بكلامٍ فصيح من غير توقُف ولا تَتَعْتُع. وكان رحِمَه اللَّه حَسَن الخَلْق والخُلُق، وكان أنكر منكَرًا ببغداد، فضربه الَّذِي أنكر عليه وكسر ثنيّته، ثُمَّ إنَّه مُكِّن من ذَلِكَ الرجل، فلم يقتصّ منه.
وسافرتُ معه إِلَى بيت المَقْدِس، فرأيت منه من ورعِه وحُسنِ خُلقِه ما تعجّبت منه.
قَالَ: وشهِدنا غَزَاةً مَعَ صلاح الدّين، فجاء ثلاثة فقهاء فدخلوا خيمة أصحابنا، فشرعوا فِي المناظرة، وكان الشَّيْخ الموفّق والبهاء حاضرين، فارتفع كلام أولئك الفقهاء، ولم يكن السّيف حاضرا، ثُمَّ حضر فشرع فِي المناظرة، فَمَا كَانَ بأسرع من أن انقطعوا من كلامِه.
وسمِعتُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن يَقُول مرَّة: كَانَ أَبُو القاسم عَبْد اللَّه بْن عُمَر فِيهِ منَ الذّكاء والفطنة ما يدُهِش أَهْل بغداد. كَانَ يحفظ درس الشَّيْخ إذا أُلقي عليه من مرَّة أَوْ مرَّتين، وكنت أَنَا أتعب حَتَّى أحفظه.
وكان ورِعًا، يتعلّم منَ العماد ويسلك طريقه. وكان مبرّزا فِي علم الخلاف.
واشتغل بالنَّحو عَلَى الشّيخ أَبِي البقاء، فحفظ كتاب «الإيضاح» لأبي عليّ الفارسيّ. واشتغل بعلم العَرُوض وصنّف فِيهِ تصانيف [1] .
قَالَ الضّياء: تُوُفّي بحَرّان فِي شوّال. ورثاه سُلَيْمَان بْن النّجيب بقوله:
عَلَى مثلِ عَبْد اللَّه يُفترضُ الحزنُ ... وتُسْفَح آماقٌ ولم يغتمِضْ جفْنُ
عليه بكى الدّين الحنيفيّ والتُّقَى ... كَمَا قَدْ بكاه الفقه والذّهن والحسن
__________
[1] في الأصل: «تصانيفا» .(41/240)
ثوى لثواه كُلّ فَضْلٍ وسُؤْدُدٍ ... وعِلمٍ جزيلٍ لَيْسَ تحمله البُدْنُ
وهي بضعة وستّون بيتا.
وقَالَ فِيهِ جبريل المُصْعَبيّ الْمَصْرِيّ:
صبْري لفَقْدِك عَبْد اللَّه مفقودُ ... ووَجْدُ قلبي عليك الدَّهَر موجودُ
عدِمتُ صبري لمّا قِيلَ إنّك فِي ... قبر بحرّان سيفَ الدّين مغمودُ
نبكي عليك بشَجْوٍ بالدّما كَمَا ... تبكي التّعاليقُ حزنا والمسانيدُ
وللمشايخ تعديدٌ عليك كَمَا ... للطّير فِي الرُّوح تغريدٌ وتعديدُ
وهي ستّة وعشرون بيتا.
210- عَبْد الجبّار بْن الْحَسَن بْن عَبْد الْعَزِيز [1] .
أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الفرّاش.
مصريّ قديم المولد [2] .
سَمِع فِي الكهولة من: عَبْد اللَّه بْن رفاعة.
211- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيّ بْن قريش [3] .
أَبُو المجد المخزوميّ، الْمَصْرِيّ.
استُشْهِد فِي جُمادى الأولى بظاهر عكّا.
لَهُ رواية عَنِ: السِّلَفيّ.
212- عَبْد الرَّحْمَن بن محمد بن غالب [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 133 رقم 109.
[2] قال المنذري: مولده سنة خمس وخمسمائة.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 146 رقم 110، وذيل الروضتين 2/ 182، وتاج العروس 2/ 528.
[4] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 139 رقم 114، وتكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 13، وتذكرة الحفاظ 4/ 1360، ومعرفة القراء الكبار 2/ 562 رقم 517، وغاية النهاية 1/ 379، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 178، 179.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 150 دون أن يترجم له.(41/241)
أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ المعروف بالشّرّاط.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي القاسم الحَجّاريّ، وأبي القاسم بْن رضا.
وسَمِع من: أَبِي القاسم بْن بَقِيّ، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي عبد الله بن مكي، وأبي بكر بن العربيّ، وجماعة.
وأخذ الأدب عَنْ: أَبِي بَكْر بْن فندلة، وأبي الْوَلِيد بْن حَجّاج.
قَالَ الأَبّار [1] : وكان عارِفًا بالقراءات، رأسا فِي تجويدها، بصيرا بالعربيّة، زاهدا، ورِعًا، صاحب ليل، أقرأ النّاسَ القراءات والنَّحْو، وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ: ابنه غالب، وابن أخته الأستاذ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد، وابنا حَوْط اللَّه، والحافظ أَبُو مُحَمَّد القُرْطُبيّ، وأَبُو عليّ الرّنديّ، وأَبُو مُحَمَّد بْن عطيّة، وأَبُو الْحُسَيْن بْن السّرّاج، وأَبُو يَحْيَى بْن عَبْد الرحيم.
وتُوُفّي فِي ثاني جُمادى الآخرة وَلَهُ خمس وسبعون سنة. ولم يتخلّف عَنْ جنازته كبيرُ أحدٍ، ودُفِن بمقبرة أمّ سَلَمَةَ بظاهر قُرْطُبة.
213- عَبْد الرشيد بْن عَبْد الرّزّاق [2] .
الكَرْخيّ، الصُّوفيّ، أَبُو مُحَمَّد.
ذكره أَبُو شامة فِي «تاريخه» فِي ترجمة «إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد» فَقَالَ: جَرَت ببغداد واقعة، كَانَ ببغداد عَبْد الرّشيد، وكان ورِعًا عاملا، وكان ببغداد النّفيس الصُّوفيّ يضحك منه ويسخر بِهِ، وكان يدخل عَلَى الخليفة، فدخل يوما مدرسة دار الذَّهب فجعل يتمسخر، فَقَالَ لَهُ الكَرْخيّ: اتقِ اللَّه، نَحْنُ فِي بحث العلم وأنت تهزل. فدخل عَلَى الخليفة وبكى وقال: ضربني الكرخيّ وعيّرني.
فثار الخليفة وأمر بصلبه. فأُخرج وعليه ثوب ليصلبوه فَقَالَ: دعوني أُصلي رَكْعتين. فصلّى وصلبوه، فجاء أمر الخليفة لا تصلبوه وَقَدْ فات، فلعن النّاس
__________
[1] في تكملة الصلة 3/ ورقة 13.
[2] انظر عن (عبد الرشيد بن عبد الرزاق) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 405، 406.(41/242)
النّفيس واختفى. ورأى بعض الصّالحين الكَرْخيّ فِي النّومِ فَقَالَ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: أوقفني بَيْنَ يديه، فقلت: يا إلهي رضيتَ ما جرى عليّ؟ فَقَالَ:
أَوْ ما سَمِعْتُ ما قُلْتُ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً 3: 169 [1] إنّي أردتُ أن تصل إلى درجة الشهداء.
214- عَبْد المحمود بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [2] .
الفقيه الصالح أَبُو مُحَمَّد الواسطيّ، الشّافعيّ.
تفقَّه بواسط عَلَى أَبِي جَعْفَر هبة اللَّه بْن البُوقيّ.
وسَمِع بالكوفة من: أَبِي الْعَبَّاس بْن ناقة، وبالبصرة منَ الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد المواقيتيّ، وبمكّة منَ الْمُبَارَك بْن عَلِيّ الطّبّاخ.
ودرَّس وأفتى ومات كهلا فِي ربيع الأوّل بواسط.
215- عَبْد المنعم ابْن الْمُقْرِئ الكبير أَبِي بَكْر يَحْيَى بْن خَلَف بْن النّفيس [3] .
الْإِمَام أَبُو الطّيّب الحِمْيَريّ، الأندلسيّ، الغَرْناطيّ، الْمُقْرِئ، المُكْتِب.
أخذ القراءات عَنْ والده، وعن: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي الْحَسَن بْن ثَابِت الخطيب، وأبي عَبْد اللَّه النّوالشيّ، وأبي الْحَسَن بْن هُذَيْل، وجماعة.
وروى عن: أبي بكر بن العربي، وأبي الحسن بْن مَوْهَب، والقاضي عِياض، وعبد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن رضا، وجماعة.
ونزل مَرّاكُش مدّة، فأدّب بالقرآن زمانا وأقرأ القراءات.
__________
[1] سورة آل عمران، الآية 169.
[2] انظر عن (عبد المحمود بن أحمد) في: تاريخ ابن الدّبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 190، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 130، 131 رقم 105.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 150 رقم 104، دون ترجمة.
[3] انظر عن (عبد المنعم بن أبي بكر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 130 رقم 104، وتكملة الصلة لابن الأبار (مخطوط) 3/ ورقة 40، والذيل والتكملة للمراكشي 5 ق 1/ 64، 65، وصلة الصلة لابن الزبير 16، وتذكرة الحفاظ 4/ 1360، ومعرفة القراء الكبار 2/ 556، 557، رقم 509، وغاية النهاية 1/ 471، والنجوم الزاهرة 6/ 112.(41/243)
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار: أُخِذَ عَنْهُ ولم يكن بالضّابط لأسماء شيوخه مَعَ رداءة خطّه. وكان لَهُ حظُّ منَ العربيّة. ثُمَّ إنَّه حجّ وتجوّل فِي بلاد المشرق، وسكن الإسكندريّة وحدّث بها، وأقرأ القراءات، وسَمِع فيها [1] هناك «الموطّأ» أَبُو الْحَسَن بْن خيرة.
قُلْتُ: وقرأ عليه القراءات أَبُو القاسم بْن عِيسَى.
وسَمِع منه: عَلِيّ بْن المفضّل الحافظ، والفقيه أَبُو البركات مُحَمَّد بْن مُحَمَّد البَلَويّ.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل، ويُعرف بابن الخُلوف.
216- عَبْد الواحد بْن أَبِي الفتح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَصِيَّة [2] .
أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
217- عَبْد الوهَّاب بْن عَبْد الصَّمد بْن مُحَمَّد بْن غِياث.
أَبُو مُحَمَّد الصَّدَفيّ، نزيل مالقة.
سَمِع: أَبَا بَكْر بْن العربيّ، وأبا الْوَلِيد بْن بقوة.
وأخذ عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه النّوالشيّ كثيرا من كتب القراءات.
وولّي القضاء، وحدّث.
وَقُتِلَ رحِمَه اللَّه بإشبيليّة فِي فتنة الْجُرَيْري، وصُلِب فِي هَذِهِ السّنة.
218- عُثْمَان بْن سعادة بْن غنيمة [3] .
اللّبّان المعّاز.
سمع من ابن ناصر.
__________
[1] في الأصل: «منها» .
[2] انظر عن (عبد الواحد بن أبي الفتح) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 138، 139 رقم 113، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 174، والمشتبه 2/ 463.
[3] انظر عن (عثمان بن سعادة) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 207، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 149 رقم 128.(41/244)
219- عُثْمَان بْن الْحَسَن بْن قُدَيْرة [1] .
أَبُو عَمْرو الْبَغْدَادِيّ، الدّقّاق.
حدَّث عَنْ: أَبِي البدر إِبْرَاهِيم الكَرْخيّ، وغيره.
220- عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ [3] ، الضّرير، الْمُقْرِئ، الفقيه.
سَمِع: أبا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء، وأبا القاسم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ.
وحدّث [4] .
221- عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن شعيب.
أَبُو مُوسَى الغافقيّ، الورّاق.
رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْر بْن العربيّ، وأبي الفضل بن الأعلم، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (عثمان بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 128 رقم 100، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 207.
[2] انظر عن (علي بن محمد بن علي) في: مشيخة النعال 95- 97، والتقييد لابن نقطة 415 رقم 552، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 312، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس) ورقة 7، 8، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 366- 368، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 131 رقم 106، وشذرات الذهب 4/ 286.
[3] يضاف إلى نسبته «البراندسي» كما في المصادر.
[4] وقال ابن نقطة: وكان شيخا صالحا ديّنا عابدا، صحيح القراءات والسماع، ثقة فاضلا، قاله لي أبو المعالي محمد بن أحمد بن شافع. (التقييد) .
وقال المنذري: مولده سنة ثمانين وأربعمائة. (التكملة 1/ 131) . وعلّق ابن رجب على ذلك بقوله: وأمّا قوله إن مولده سنة ثمانين وأربعمائة فغلط محض، فإنه على قوله يكون قد جاوز المائة بست سنين، فأين آثار ذلك من تفرّده عن أقرانه بالسماع من الشيوخ ثم قد سبق أن القطيعي سأله عن مولده فذكر ما دلّ على أنه قبل الخمس مائة بنحو سنتين، وهذا هو الصحيح. (الذيل 1/ 368) .
أما ابن النجار فقال- نقلا عن ابن الجوزي، وابن مشّق- إن مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة- (ذيل تاريخ بغداد 15/ 312) .
ونقل ابن العماد عن أبي الحسن القطيعي قوله: سألته عن مولده، فقال: ما أعلم، ولكنّي ختمت القرآن سنة ثمان وخمسمائة. (شذرات 4/ 286) والله أعلم.(41/245)
وكان فقيها، كاتبا، شاعرا. استوطن فاس.
وتُوُفّي في جمادى الآخرة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن القطّان.
- حرف الميم-
222- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَليّ بْن أَبِي الضّوء [1] .
أَبُو الْحَارِث الهاشميّ، الواسطيّ، الضّرير.
سَمِع: نصر بْن نصر العُكْبَرِيّ، والْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك السّرّاج.
وتُوُفّي بواسط.
223- مُحَمَّد بْن جَعْفَر [2] بْن أَحْمَد بْن حُمَيْد [3] بْن مأمون.
أَبُو عَبْد اللَّه الأمويّ، البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءات عَنِ: ابن هُذَيْل، ثُمَّ رحل إلى غَرْناطة فأخذ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن ثَابِت الخطيب، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَمُرة.
وأخذ القراءات بإشبيليّة عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح.
وسَمِع منهم ومن: أَبِي جَعْفَر بْن ثعبان.
وقرأ بجَيّان عِلم العربيّة واللّغة عَلَى: أَبِي بَكْر بْن مَسْعُود. وأقرأ العربيّة واللّغة، وحمل النّاس عَنْهُ.
وَقَدْ أجاز لَهُ أَبُو الحسن بن مغيث.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 140، 141 رقم 116، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 1/ 116، والمختصر المحتاج إليه 1/ 10.
[2] انظر عن (محمد بن جعفر) في: بغية الملتمس 165، 166، وتكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 539، 540، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 137، 138 رقم 112، وسير أعلام النبلاء 21/ 276، 277 رقم 149، ومعرفة القراء الكبار 2/ 559 رقم 513، وتذكرة الحفاظ 4/ 1360، والإحاطة في أخبار غرناطة 300، وغاية النهاية 2/ 108 رقم 2889، وبغية الوعاة 1/ 68، 69، وكشف الظنون 212، 603، وهدية العارفين 2/ 102، والأعلام 6/ 300، ومعجم المؤلفين 9/ 149.
[3] حميد: بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وآخره دال مهملة.
(المنذري) .(41/246)
وسَمِع بالمَرِيَّة: أَبَا مُحَمَّد بْن عطيّة.
وولّي قضاء بَلَنْسِية فَحُمدت طريقته. ثُمَّ أوطن مُرْسِيَة فِي آخر عمره.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى وله ثلاث وسبعون سنة [1] .
روى عَنْهُ: أَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وغيره.
224- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْدان [2] .
أَبُو طَالِب الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ، العدل.
وُلِد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
وسَمِع من: عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، وجمال الْإِسْلَام بْن المسلم، وأبي الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس، وطاهر بْن سهل.
رَوَى عنه: الحافظ ابن خليل، وغيره.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ربيع الآخر.
- مُحَمَّد بْن خَلَف بْن صاف [3] .
مَرَّ سنة خمس.
225- مُحَمَّد بْن أَبِي الطّيّب سَعِيد بْن أَحْمَد بْن سَعِيد بْن عَبْد البرّ بْن مجاهد [4] .
الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، الإشبيليّ، المالكيّ، المقرئ المعروف بابن زرقون [5] .
__________
[1] ورّخ السيوطي وفاته في سنة 587 هـ. (بغية الوعاة) .
[2] انظر عن (محمد بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 132 رقم 107.
[3] تقدّم برقم (187) واسمه: «مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن صاف» .
[4] انظر عن (محمد بن أبي الطيب) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 540، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 141، 142 رقم 118، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 89، ودول الإسلام 2/ 98، والإعلام بوفيات الأعلام 241، وسير أعلام النبلاء 21/ 147- 150 رقم 76، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1916، والعبر 4/ 258، وتذكرة الحفاظ 4/ 1361، والوافي بالوفيات 3/ 102، وغاية النهاية 2/ 143 رقم 3020، والوفيات لابن قنفذ 295 رقم 586، والنجوم الزاهرة 6/ 112، والأعلام 7/ 10.
[5] في دول الإسلام 2/ 98 «رزقون» ، هكذا ضبطه محقّق الكتاب وقدّم الراء. وهو غلط.(41/247)
ولد سنة اثنتين وخمسمائة، فأجاز لَهُ فِي هَذِهِ السّنة أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْخَوْلانِيّ. وانفرد فِي الدُّنْيَا بالرواية عَنْهُ.
وسَمِع بمَرّاكُش من: أَبِي عِمْرَانَ مُوسَى بْن أَبِي تُلَيْل وتفرَّد بالسّماع منه.
وسَمِع بسَبْتَة منَ: القاضي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُمَر القَيْسيّ الوحيديّ.
وسَمِع أيضا من: عَبْد المجيد بْن عَبْدُون [1] ، وخَلَف بْن يوسف الأَبْرَش، والقاضي عِياض، ولزِمه زمانا.
وحدّث عَنْهُمْ، وعن: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وحمد بْن شِبْرين [2] الشَّلْبيّ، وأبي بحر بْن العاص، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي مَرْوَان عَبْد الملك بْن عَبْد الْعَزِيز.
وقرأ «التّقصّي» عَلَى أَبِي عِمْرَانَ بْن أَبِي تليد، وسَمِع «الموطّأ» منَ القاضي عِياض.
قَالَ الأَبّار [3] : وولّي قضاء سَبْتَه فشُكِر. وكان من سَرَوات الرجال، فقيها، مبرِّزًا، وأديبا كاملا، حَسَن البزّة، ليّن الجانب، صبورا عَلَى التّسميع، جمع بَيْنَ «جامع» التِّرمِذيّ و «سنن» أَبِي دَاوُد، ورحل النّاس إِلَيْهِ لعُلُوّ روايته.
ولم يكن لَهُ سماع كثير.
قَالَ: وولد بشريش فِي نصف ربيع الأوّل سنة اثنتين، وَفِي ذِي قعدتها أجاز لَهُ الْخَوْلانِيّ.
وتُوُفّي بإشبيليّة فِي نصف رجب.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أحمد بن محمد النباتيّ ابن الرُّوميَّة، وإبراهيم بْن قسّوم اللَّخْميّ، وأَبُو سُلَيْمَان دَاوُد بْن حَوْط اللَّه، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن القُرْطُبيّ، ومحمد بْن عَبْد النّور الإشبيليّ، ومحمد بن عامر الفهريّ،
__________
[ () ] وزرقون: لقب لسعيد والد جدّه. (المنذري) .
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 147 «عيذون» ، والمثبت هو الصحيح عن الأصل.
[2] شبرين: بكسر الشين وتسكين الباء الموحّدة وكسر الراء المهملة وبعد الياء آخر الحروف نون. (المنذري 1/ 142) .
[3] في تكملة الصلة 2/ 541.(41/248)
ومحمد بْن مُحَمَّد اللّوشيّ الجيّانيّ، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل بْن خَلْفُون الأُوَيْنيّ الحافظ، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن الصّفّار الضّرير، وعبد الغنيّ بْن مُحَمَّد الغَرْناطيّ الصَّيْدلانيّ، وأَبُو الخَطَّاب عُمَر بْن حسَن الكلبيّ بْن دحْية وأخوه عُثْمَان، وخلْق كثير.
وكان مُسْنِد الأندلس فِي وقته. وزَرْقون هُوَ لَقبَ جدّهم سَعِيد.
226- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى بْن فَرَج بْن الْجَدّ [1] .
أَبُو بَكْر الفِهْريّ، الإشبيليّ، الحافظ. أصلُهُ من لَبْلة.
سَمِع أَبَا الْحَسَن بْن الأخضر، وبحث عليه «كتاب» سِيبوَيْه وأخذ عَنْهُ كتب اللّغات. وسَمِع «صحيح مُسْلِم» من أَبِي القاسم الهَوْزنيّ، ومن أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وكان لا يحدِّث عَنْهُمَا.
ولقي بقُرْطُبة أَبَا مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبا الْوَلِيد بْن رُشد، وأبا بحر بْن العاص.
وبرعَ فِي الفقه والعربيّة، وانتهت إِلَيْهِ الرئاسة فِي الحفظ والفُتيا، وقُدِّم للشُّورَى مَعَ أَبِي بَكْر بْن العربيّ ونُظَرائه سنة إحدى وعشرين. وعظُمَ جاهه وحُرمتُه مَعَ أَنَّهُ امتُحِن فِي كائنة لَبْلَة، وقُيِّد وسُجِن.
وكان فِي وقته فقيه الأندلس، وحافظ مذهب مالك. واستفاد ثروة عظيمة ودنيا واسعة، ولم يكن الْحَدِيث من شأنه، مَعَ أنّ إسناده فِيهِ عالٍ، وإليه كَانَتْ رئاسة بلده.
وكان فقيها، فصيحا، خطيبا، مفوَّهًا، كبير الشّأن. يبلغ بالبديهة ما لا يُبلَغ بالرّويّة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 542، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 145 رقم 123، والعبر 4/ 258، والإعلام بوفيات الأعلام 241، وسير أعلام النبلاء 21/ 117- 179 رقم 89، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1917، ومرآة الجنان 3/ 432، والوافي بالوفيات 3/ 335، وطبقات النحاة لابن شهبة (مخطوط) ورقة 32، والنجوم الزاهرة 6/ 112، وشذرات الذهب 4/ 286.(41/249)
أَخَذَ عَنْهُ جِلةُ أَهْل الأندلس، وطال عُمره، واشتهر اسمه.
وتُوُفّي فِي رابع عشر شوّال سنة ستّ وثمانين وَلَهُ تسعون سنة كاملة وأشهُر.
ومِمَّن رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الشُّرَيْشِيّ، وأَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن زَرْقون، وأَبُو بَكْر مُحَمَّد بن عليّ ابن الغزّال، وأَبُو عليّ عُمَر بْن مُحَمَّد الشلوبين، وأَبُو الخَطَّاب بْن دُحِية، ويَحْيَى بْن أَحْمَد السَّكُونيّ اللَّبْليّ، وخلْق سواهم [1] .
227- مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الباقي [2] .
أَبُو الفتح الشَّهْرياريّ، الفارسيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، المعروف بالدَّارِيج.
خدم حاجبا ثُمَّ وُلّي حجبة الحجّاب، ثُمَّ نُقِل إلى صدريّة ديوان العّرْض.
ثُمَّ خرج بالعسكر المَنْصُور إلى دقوقا فافتتحها.
وكان نجيبا، شهْمًا، كامل السُّؤْدُد، فوُلّي نيابة الوزارة، وعُزِل قبل موته.
وتُوُفّي فِي ثامن جُمادى الأولى.
228- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم بن المظفّر بن عليّ [3] .
__________
[1] وقال أبو الربيع بن سالم: ومن أعيان شيوخي الإمام الحافظ الصدر الكبير أبو بكر بن الجدّ، فقيه الأندلس، وحافظها، وزعيمها غير منازع، ولا مدافع، انتهت إليه رئاسة الفقه أزيد من ستين سنة مع الجلالة التي تجاوز مداها، والخلال التي التزم أهداها، وكان في غزارة الحفظ، ومتانة مادّة العلم، عبرة من العبر، وآية من الآيات، سمعت عليه «جامع الترمذي» ، وأشياء، رحمه الله.
وذكره ابن رشيد فقال: بحر الفقه وحبره، وفقيه الأندلس في وقته، وحافظ المذهب، لا يدانيه أحد، مع الذهن الثاقب وسرعة الجواب، والبراعة في العربية، وقد حلف أبو بكر محمد بن علي التجيبي أن ابن الجدّ أحفظ من ابن القاسم، وقد أكثر عن أبي الحسن ابن الأخضر، ومع إمامته قلّ ما صنّف. (سير أعلام النبلاء 21/ 178، 179) .
[2] انظر عن (محمد بن عبد الباقي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 75 رقم 284.
[3] انظر عن (محمد بن محمد) في: الكامل في التاريخ 12/ 59، والروضتين 2/ 182، وخريدة القصر (قسم الشام) 2/ 329، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 341 (في ترجمة أبيه) ،(41/250)
قاضي القضاة أَبُو حامد ابن قاضي القضاة كمال الدّين أَبِي الفضل بْن الشّهْرَزُوريّ الْمَوْصِلِيّ، الفقيه الشّافعيّ، الملقّب بمحيي الدّين.
كَانَ أَبُوهُ من أمْيَز القضاة وأحشمهم. وَقَدْ مرَّ فِي سنة اثنتين وسبعين.
وتفقّه هَذَا ببغداد عَلَى أَبِي مَنْصُور سَعِيد بْن الرّزّاز، ثُمَّ قدِم الشّام، وولّي قضاء حلب بعد أن ناب فِي الحكم بدمشق عَنْ أَبِيهِ. ثُمَّ بعد حلب انتقل إلى المَوْصِل وولّي قضاءها، ودرَّس بمدرسة أَبِيهِ، وبالمدرسة النّظاميّة بها.
وتمكّن منَ الملك عزّ الدّين مَسْعُود بْن زنكي، واستولى عَلَى أموره. وكان جوادا سَرِيًّا.
قَالَ ابن خَلِّكان [1] رحِمَه اللَّه: قِيلَ إنَّه أنْعَمَ فِي بعض رسائله إلى بغداد بعشرة آلاف دينار أميريّة عَلَى الفقهاء والأدباء والشُّعراء. ويُقَالُ إنَّه فِي مدةِ حكمه بالموصل لَمْ يعتقل غريما عَلَى دينارَيْن فَمَا دونها، بل كَانَ يُوَفّيها عَنْهُ.
ولمّا وُلّي قضاء حلب كَانَ بعد عزل ابن أَبِي جرادة، فتمكَّن أيضا من صاحبها الملك الصّالح إِسْمَاعِيل بْن نور الدّين غاية التّمكّن، وفوّض إِلَيْهِ تدبير مملكة حلب. ثُمَّ فارق حلب فِي سنة ثلاثٍ وسبعين.
وتوجّه رسولا إلى الخليفة غير مرّة.
__________
[ () ] وتاريخ إربل 1/ 127، ووفيات الأعيان 4/ 246 رقم 599، والتكملة لوفيات النقلة 21/ 136، 137 رقم 111، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 124، 125، والعبر 4/ 259، وسير أعلام النبلاء 21/ 60، 1 رقم 15، وتاريخ إربل 1/ 127، ومرآة الجنان 3/ 432، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 37 رقم 28، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 96، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/ 101، 102، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 143 أ، ب، والوافي بالوفيات 1/ 210، والبداية والنهاية 12/ 341، والعقد المذهب (مخطوط) ورقة 71، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 375، 376 رقم 344، والعسجد المسبوك 2/ 210، 211، والمقفى الكبير 7/ 32- 34 رقم 3100، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 102، والنجوم الزاهرة 6/ 108 و 112، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 55، وشذرات الذهب 5/ 287، والأعلام 7/ 253.
[1] في وفيات الأعيان 4/ 246.(41/251)
ويُحكَى عَنْهُ رئاسة ضخمة، ومكارم كثيرة. وأنشدني لَهُ بعض الأصحاب فِي جرادة:
لها فخِذا بِكْرٍ وساقا نَعَامةٍ ... وقادِمَتَا نَسْرٍ وجُؤْجُؤُ ضَيْغَم
حَبَتْها أفَاعِي الرملِ بطنا وأَنْعَمَتْ ... عليها جِيادَ الخيلِ بالرأسِ والفَم
[1] قلت: حدَّث عَنْ عمّ أَبِيهِ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم.
كتب عَنْهُ القاضي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْأَنْصَارِيّ.
وتُوُفّي فِي رابع عشر جُمادى الأولى [2] . وَلَهُ اثنتان وستّون سنة. ودُفِن بالموصل. وقيل إنَّه نُقِل إلى المدينة المنوّرة، ولم يصحّ.
ومن شِعره:
قامت بإثبات الصِّفاتِ أدِلَّةٌ ... قَصَمت ظهور أئمَّة التّعطيل
وطلائع التّنزيه لمّا أقبلت ... هَزَمت دوي التّشبيه والتّمثيل
فالحقّ ما صرْنا إِلَيْهِ جميعنا ... بأدلَّة الأخبار والتّنزيل
من لَمْ يكن بالشَّرْع مقتديا فقد ... ألقاه فرط الجهل في التّضليل
[3]
__________
[1] وفيات الأعيان، مرآة الجنان 3/ 432.
[2] جاء في الوافي بالوفيات، والنجوم الزاهرة أنه توفّي سنة 584 هـ.
[3] ومن شعره في ساق أسود:
وأسود معسول الشمائل ناعم ... المفاصل مثل المسك في اللون والبشر
فبات يريني الشمس تطلع من دجى ... إذا ضمّ يحسدها وتغرب في فجر
وله أيضا:
لا تحسبوا أني امتنعت من البكا ... عند الوداع تجلّدا وتصبّرا
لكنّني زوّدت عيني نظرة ... والدمع يمنع لحظها أن تنظرا
إن كان ما فاضت فقد ألزمتها ... صلة السّهاد وسمتها هجر الكرا
(المستفاد) وأنشد أبو الثناء محمود اللبّان المتوفى سنة 605 هـ. قصيده يمدح بها أبا حامد:
قف باللّوى إن مررت بالحاجر ... وعج على النقرتين يا سائر
وأنشد فؤادي إن شئت ذا سلم ... وخذ بثأري إن كنت لي ناصر
فعند تلك الأبيات طلّ دمي ... وظلّ قلبي مما رأى حائر
وظبية تخجل الهلال إذا ... تمّ وأمسى في ليله بادر
(تاريخ إربل 1/ 827) .(41/252)
229- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن واجب.
أَبُو عَبْد اللَّه القَيْسيّ، البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ، وأبي الْعَبَّاس بْن الخلَّال، وأبي عبد الله بن سعادة، وأبي الحسن بن النّعمة، وأخذ عَنْهُ القراءات والأدب.
وقرأ ببعض الروايات عَنْ أَبِي القاسم مُحَمَّد بْن وضّاح.
وكان موصوفا بالتَّجويد والصَّلاح.
تُوُفّي فِي الكهولة، رحمه الله تعالى.
230- محمد بن مالك بن محمد.
أبو عبد الله الغافقيّ، المرسيّ.
أخذ عَنْ: أَبِي بَكْر بْن العربيّ.
وكان بصيرا بمذهب مالك مقدَّمًا، محقّقا له، ذاكر.
231- محمد بن المبارك بن الحسين بن طالب [1] .
أبو عبد الله بن أبي السّعود الحلاويّ، الحربي، المقرئ. شيخ معمّر عتيق، لم يظهر له سماع ولا إجازة. ثمّ إنّ المحدّث أحمد بن سلمان بن شريك ذكر إنّه وجد لَهُ إجازات من جماعةٍ قدماء، منهم أَبُو الْحَسَن بْن الطُّيُوريّ، وجَعْفَر بْن أَحْمَد السّرّاج، وجماعة. فازدحم عليه الطّلبة، وقرءوا عليه الكثير فِي زمنٍ يسير. ولم يَعِش بعد ظهور الإجازة إلّا أربعين يوما.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ [2] : وكتب إلى تميم بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ قَالَ:
وجدتُ سماعَ هَذَا الشَّيْخ بعد موته فِي سنة تسعٍ وتسعين من جعفر السّرّاج، وفي سنة ستّ وخمسمائة من أَبِي مَنْصُور عَلِيّ بْن مُحَمَّد الأنباريّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن المبارك) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 145، 146 رقم 124، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) ورقة 123، والعبر 4/ 259، 260، وسير أعلام النبلاء 21/ 131 رقم 65، والمختصر المحتاج إليه 1/ 139، وشذرات الذهب 4/ 287.
[2] في تاريخه، ورقة 123.(41/253)
وقَالَ: مولده بمكّة فِي جُمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وأربعمائة، ومات فِي التاسع والعشرين من ذِي القعدة، ودُفِن عِنْد بِشر الحافي، وَلَهُ ثلاثٌ وتسعون سنة.
وقَالَ ابن النّجّار: مُحَمَّد بْن الحلاويّ سَمِع: أَبَاه، وأبا الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الفرّاء، وظهرت لَهُ إجازة قديمة من أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، والْحَسَن بْن مُحَمَّد التِّكَكِيّ، وابن الطُّيُوريّ، فأكبَّ عليه أصحاب الحديث يقرءون عليه. سَمِع منه عامّة رفقائنا، وحدَّثونا عَنْهُ.
232- مُحَمَّد بْن أَبِي اللَّيْث بْن أَبِي طَالِب [1] .
أَبُو بَكْر الرّاذانيّ، الضّرير، الْمُقْرِئ، العراقيّ، المعروف بالقُنَين.
قرأ القراءات عَلَى أَبِي مُحَمَّد سبط الخَيّاط، ودَعوان بْن عَلِيّ الْجُبّائيّ، وسَمِع منهما.
ومن: مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفيّ، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وجماعة.
وأقرأ، وحدَّث.
وراذان ناحية منَ السّواد كبيرة، وراذان قرية أيضا من نواحي المدينة لها ذِكرٌ فِي حديث ابن مَسْعُود.
233- الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن أَبِي مُحَمَّد [2] .
أَبُو مُحَمَّد الدِّينَوَرِيّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الشّروطيّ سبط ابن السّلّال.
سَمِع: هبة [3] اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن الْبُخَارِيّ، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
سَمِع منه جماعة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أبي الليث) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 43، 144 رقم 120، والمشتبه 2/ 538.
[2] انظر عن (المبارك بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 167 رقم 118، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 146 رقم 125.
[3] في الأصل: «هبتي» .(41/254)
وتوفّي فِي ذِي الحجَّة.
234- مَسْعُود بْن عَلِيّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن النّادر [1] .
أَبُو الفضل الْبَغْدَادِيّ، المعدَّل، الْمُقْرِئ، المحدّث.
وُلِد فِي أوّل سنة ستّ عشرة، وسَمِع الكثير، وتلقَّن القرآن على أبي بكر محمد بن الحسين المزرفيّ. وقرأ ببعض الروايات على أبي محمد سبط الخيّاط.
وسمع: أبا بكر الأنصاريّ، ويحيى بن البنّاء، وهبة الله بن الطّبر، وأبا منصور بن زريق، وأبا القاسم بن السّمرقنديّ، وأبا البركات الأنماطيّ، وجماعة كثيرة.
وعني بهذا الشّأن، وكتب الكثير، وكان مليح الخطّ، ثقة، ظريفا صاحب نوادر.
قَالَ الدُّبِيثيّ [2] : سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كتبتُ القرآن بخطّي مائة وإحدى وعشرين مرّة، منها ختمة تحت ميزاب الكعبة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ ثقة موصوفا بالدَّماثة والظُّرْف والتّجمّل والمزاح والدُّعابة. وكان خِصِّيصًا بمنصور بْن العَطَّار صاحب المخزن، وبطريقة صار يجالس المستضيء وينادِمه.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (مسعود بن علي) في: الكامل في التاريخ 12/ 59، ومشيخة النعال 97، 98، وإكمال الإكمال لابن نقطة (مخطوط) ورقة 73، والتقييد، له 445 596، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 351، وتلخيص مجمع الآداب 4 ق 2/ رقم 1276، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 128، 129 رقم 101، ومرآة الزمان ج 4 ق 1/ 406، والمختصر المحتاج إليه 3/ 189 رقم 1195، والعبر 4/ 260، وسير أعلام النبلاء 21/ 150 (دون ترجمة) ، والعسجد المسبوك 2/ 210، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 103، 104، والنجوم الزاهرة 6/ 111، وشذرات الذهب 4/ 277.
[2] في ذيل تاريخ بغداد 15/ 351.(41/255)
وسَمِع منه: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ، وأَبُو بَكْر الحازميّ، وتقيّ الدّين عَلِيّ بْن الْمُبَارَك بْن ناسويه.
وتُوُفّي فِي الثّالث والعشرين منَ المحرَّم.
- حرف النون-
235- نجم الدّين [1] .
الفقيه أَبُو العلاء ابْن شرف الْإِسْلَام أَبِي البركات عَبْد الوهَّاب بْن الشَيخ أَبِي الفَرَج عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرجيّ، السَّعْديّ، العُبَاديّ، الشّيرازيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الحنبليّ، والد النّاصح.
فقيه فاضل فِي مذهبه، أجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن الزّاغونيّ، وغيره.
وتُوُفّي فِي الثالث والعشرين من ربيع الآخر. ودُفِن بسفح قاسيون بتربتهم، وشيَّعه خلائق.
236- نصر اللَّه بْن عَلِيّ بْن مَنْصُور [2] .
أَبُو الفتح بْن الكيّال الواسطيّ، الْمُقْرِئ، الفقيه الحنفيّ، قارئ واسط.
أَخَذَ العشرة عَنْ أَبِي القاسم عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن شِيران، ورحل إلى بغداد فقرأ القراءات عَلَى: أَبِي عَبْد الله الْحُسَيْن البارع، وإبراهيم بْن مُحَمَّد الهيتيّ القاضي.
وتفقَّه وقرأ الخلاف وناظر ودرس.
__________
[1] انظر عن (نجم الدين) في: تاريخ إربل 1/ 316، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 132، 133 رقم 108، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 368- 371، وشذرات الذهب 4/ 285.
[2] انظر عن (نصر الله بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 139، 140 رقم 115، وتاريخ إربل 1/ 402، والمختصر المحتاج إليه 3/ 209، 210، رقم 1249، والعبر 4/ 260، ومعرفة القراء الكبار 2/ 559، 560 رقم 514، والجواهر المضية 2/ 198، وغاية النهاية 2/ 339، 340، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوطة) ورقة 258، 259، والطبقات السنية (مخطوط) 3/ 1060- 1062، وشذرات الذهب 4/ 287، 288.
وذكره المؤلف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 150 ولم يترجم له.(41/256)
وأخذ النّحو عَنْ: أَبِي السَّعادات هبة اللَّه بْن الشِّجَريّ، وابن الجواليقيّ.
وسَمِع من: أَبِي عليّ الفارقيّ، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وجماعة.
وولّي قضاء البصرة سنة خمسٍ وسبعين. ثُمَّ قدِم بغداد فأقرأ بها. وكان غزير الفضل واسع العلم. ثُمَّ وُلّي قضاء واسط، وعاد إلى وطِنه.
ولد سنة اثنتين وخمسمائة [1] ، وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة عَنْ أربعٍ وثمانين سنة. وكان عالي الإسناد فِي القراءات.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أحمد القَطِيعيّ، ومحمد بْن سَعِيد الحافظ، وعبد الوهَّاب بْن بزغش، وآخرون.
قال محمد بن سعيد الدّبيثيّ [2] . قرأتُ عليه بالروايات، وسَمِعْتُ منه الكثير، وكان ثقة صدوقا.
قُلْتُ: وقرأ عليه بكتابه «المفيدة [3] فِي العشرة» : ابنُ الدُّبِيثيّ وأَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن محمود بْن مُحَمَّد بْن حَمْزَة النّاسخ الأَزَجّي.
وسَمِع منه: الكتاب: هما، والمرجّى [4] بْن شقيرة، وأَبُو طَالِب بْن عَبْد السّميع، وعليّ بْن مَسْعُود بْن هيّاب الجماجميّ، وعمر بْن عَبْد الواحد العَطَّار الواسطيّون.
- حرف الهاء-
237- هبة اللَّه بْن الْحُسَيْن [5] .
أَبُو المكارم الْمَصْرِيّ، الفقيه.
ذكره: أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي «تاريخه» فَقَالَ: كَانَ من أَهْل العلم، عارِفًا بالأصول، حافظا للحديث، متيقّظا، حَسَن الصّورة والشّارة. دخل الأندلس،
__________
[1] قال المنذري: مولده سنة ثلاث وخمسمائة، وقال مرة أخرى: سنة اثنتين وخمسمائة.
[2] في المختصر المحتاج إليه 3/ 210.
[3] «المفيدة في القراءات العشر» كما في: معرفة القراء الكبار 20/ 560.
[4] في الأصل: «المرجّى» .
[5] انظر عن (هبة الله بن الحسين) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(41/257)
وولّي قضاء إشبيلية سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وبِهِ صُرِفَ أَبُو القاسم الْخَوْلانِيّ. وأقام بها سنة. وكان قدومه الأندلس خوفا من صلاح الدّين.
قدِم فِي قوم من شيعة العُبَيْديّ ملك مصر، ثُمَّ استصحبه المَنْصُور معه فِي غَزْوَة قَفْصَة الثّانية، وولّاه قضاء تونس، وولّى صاحبَه أَبَا الوفاء الْمَصْرِيّ القضاء.
تُوُفّي أَبُو المكارم عَلَى قضاء تونس سنة ستّ هَذِهِ.
- حرف الياء-
238- يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد.
أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ. عُرِف بالأركشيّ.
حَمَلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاق بْن خَفَاجة ديوانَه.
وسَمِع من: أَبِي الطَّاهر التَّمِيمِيّ، وعبّاد بن سرحان، وأبي بكر بن العربيّ.
وكان أديبا، بليغا، كاتبا، شاعرا. قتل بقرطبة في داره وله إحدى وثمانون سنة.
روى عنه: أبو سليمان بن حوط الله.
239- يوسف [1] .
زين الدّين أبو يعقوب بن زين الدّين عليّ كوجك بن يلتكين. صاحب إربل. وليها بعد والده إلى أن مات، وولي بعده ولدُه فغلب عَلَى البلد أخوه مظفَّر الدّين.
وكانت وفاته بظاهر عكّا مرابطا في شوّال.
__________
[1] انظر عن (يوسف زين الدين) في: الفتح القسّي 217، والكامل في التاريخ 12/ 56، والروضتين 2/ 61، والنوادر السلطانية 190، ومفرّج الكروب 2/ 339، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 406، 407، والمختصر في أخبار البشر 3/ 79، والدرّ المطلوب 103، والعبر 4/ 260، وتاريخ ابن الوردي 2/ 102، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 1/ 235، والعسجد المسبوك 2/ 209، 210، وشفاء القلوب 169، والنجوم الزاهرة 6/ 112.(41/258)
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: العزّ حسن بْن مُحَمَّد الضّرير المتكلِّم، وأَبُو عِيسَى عَبْد اللَّه بْن علّاق، والمعين أحمد بْن القاضي زين الدّين، والجمال عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ، وشيخ الشّيوخ عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، وإسماعيل بن عبد الله ابن قاضي اليمن.(41/259)
سنة سبع وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
240- أَحْمَد بْن سالم [1] .
أَبُو الْعَبَّاس البَرْجُونيّ، الواسطيّ الْمُقْرِئ.
شيخ معمَّر، وُلِد سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
وسَمِع من: أَبِي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بْن الْمُبَارَك البَرْجُونيّ بْن باسويه، وعليه تلقَّن القرآن كله [2] .
241- أَحْمَد بْن محمد بن أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام [3] .
أبو الغنائم الْبَغْدَادِيّ الكاتب، أخو أَبِي مَنْصُور عَبْد اللَّه.
سمع: أبا علي بن المهدي، وأبا القاسم، وأبا الْحَسَن بْن عَبْد السّلام.
استُشْهِد ببغداد فِي سادس عشر المحرَّم، قتله غلامه لأجل سُحْت الدُّنْيَا.
كتب عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ، وغيره.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن سالم) في: تاريخ إربل 1/ 402، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 155 رقم 140.
[2] وقال البرجوني: وهو أول شيخ لقيته، وقرأت عليه القرآن، وهو الّذي لقّنني إيّاه أجمع.
وكان من خيار الناس، رحمه الله.
[3] انظر عن (أحمد بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 150 رقم 129، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 221، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 11، والمختصر المحتاج إليه 1/ 208.(41/260)
وعاش 83 سنة [1] .
242- أَحْمَد بْن أَبِي السَّعادات الْمُبَارَك بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الوهَّاب بْن الْحُسَيْن بْن نَغَوبا [2] .
أَبُو الفَرَج الواسطيّ.
وُلِد سنة خمسمائة، وحدّث عَنْ خميس بْن عَلِيّ الحوزيّ الحافظ، والفضل بْن الْحُسَيْن بْن تُرْكان، وأبي تغلب مُحَمَّد بْن عُجَيْف، وَغَيْرُهُمْ.
ونَغُوبا لقبٌ لجدِّهِ، لُقِّبَ باسم ضيعةٍ كَانَ يُكثر المُضِيّ إليها.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
وقَالَ يوسف بْن خليل: رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيد مُحَمَّد بْن حَمَّاد العميد، عَنِ البرمكيّ «جزء الْأَنْصَارِيّ» سماعا [3] .
243- أَحْمَد بْن مَنْصُور بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله [4] .
أَبُو الْعَبَّاس الكازرُونيّ.
قدِم بغداد، وسَمِع: أَبَا مُحَمَّد سِبْط الخيّاط، وأبا عَبْد اللَّه بْن السّلّال، وأبا بَكْر أَحْمَد بْن الأشقر، وجماعة.
وكتب أكثر مسموعاته، وتفقّه مدّة عَلَى مذهب الشّافعيّ. ثُمَّ وُلّي قضاء كازرون، ثُمَّ قدِم بعد مدةٍ رسولا من أمير شيراز، وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ فَقَالَ: سَمِعْتُ منه مشيخته فِي سبعة أجزاء
__________
[1] ولد في شهر ربيع الآخر سنة 504 هـ.
[2] انظر عن (أحمد بن أبي السعادات) في: تاريخ إربل 1/ 402، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 154 رقم 138، وإكمال الإكمال لابن نقطة (مخطوط) ورقة 58.
[3] أخذ عنه الإجازة أبو الفضل المرجّى بن أبي الحسن بن هبة الله بن شقيرة بن غزال القزّاز الواسطي المتوفى سنة 656 هـ. في جمادى الأولى من سنة 578 هـ. (تاريخ إربل) .
[4] انظر عن (أحمد بن منصور) في: معجم البلدان 4/ 336، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 56 (6/ 64، 65) والتكملة لوفيات النقلة 1/ 155، 156 رقم 141، والمختصر المحتاج إليه 1/ 218، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 165، وهدية العارفين 1/ 88، والأعلام 1/ 244، 245، ومعجم المؤلفين 2/ 182.(41/261)
جَمَعَها لنفسه، وقَالَ لي وُلِدتُ سنة ستّ عشرة وخمسمائة [1] .
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى بشيراز [2] .
وَقَدْ حفظ أَبُو الْعَبَّاس هَذَا جماعة كتبٍ فِي اللّغة والعربيّة.
244- أَحْمَد بْن أَبِي مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم [3] .
أَبُو الرضا، الرجل الصّالح الْمُقْرِئ النّجّاد [4] .
من شيوخ بغداد.
سَمِع: عَبْد الوهَّاب الأَنْماطيّ، وأبا الْحَسَن بْن عَبْد السّلام، وغيرهما.
ويُعرف بابن العُوديّ [5] .
قرأ القراءات عَلَى سِبْط الخيّاط. وكان ناسخا.
245- إِبْرَاهِيم بْن بركة بْن إِبْرَاهِيم بْن طاقوَيْه [6] .
أَبُو إِسْحَاق الأَزَجّي البيّع [7] .
وُلِد سنة ثلاث وخمسمائة، وقرأ ببعض الروايات على أبي بكر المزرقيّ، وأبي الفضل الإسكاف.
وسَمِع: أَبَا العزّ بْن كادش، وزاهر بْن طاهر، وابن الحُصَيْن، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْر الحازميّ، وأبو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، ويوسف بْن خليل.
ولم يكن بالمَرْضِيّ فِي دينه.
تُوُفّي فِي ذِي القعْدة.
__________
[1] في العقد المذهب: ولد سنة 510 هـ. وهو خطأ.
[2] ووقع في هدية العارفين أنه توفي سنة 578 هـ. وهو خطأ. وأرّخ كحّالة وفاته بسنة 586 هـ. (معجم المؤلفين) ، وهو غلط.
[3] انظر عن (أحمد بن أبي محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 157، 158 رقم 147، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 242، والمشتبه 2/ 478.
[4] النجاد: بالدال المهملة في آخره.
[5] العودي: بضم العين المهملة وسكون الواو وبعدها دال مهملة مكسورة.
[6] انظر عن (إبراهيم بن بركة) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 162، 163 رقم 155، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 244، والمختصر المحتاج إلهي 1/ 229.
[7] قال المنذري: وكان يذكر أن له نسبا بالإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- من قبل أمّه.(41/262)
قَالَ ابن النّجّار: وكان يشرب الخمر.
246- إِسْحَاق بْن هبة اللَّه.
أَبُو طاهر الأسنانبرتيّ الضّرير الْمُقْرِئ، ويُسمّى أَحْمَد.
من سَوَاد العراق.
قرأ بالروايات على: هبة الله بن الطّبر، وسِبْط الخيّاط.
وسَمِع من: عَلِيّ بْن عَبْد السّيّد، وغيره.
وسكن دمشق وأقرأ بها. وكان صالِحًا، مجوِّدًا، مقرئا.
سَمِع منه: أَبُو المواهب بْن صَصْرى، والخَضِر بْن عَبْدان.
حدَّث فِي هَذِهِ السنة.
247- أسعد بْن إلياس بْن جرجس [1] .
المطران موفّق الدّين الطّبيب، طبيب السّلطان صلاح الدّين، وشيخ الأطبّاء بالشّام. وكان من أَهْل الظَّرافة والنّظافة، ومن ذوي الفصاحة والحصافة.
وفّقه اللَّه فِي بدايته للإسلام، ونال الحشمة والاحترام.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
وكان مَعَ براعته فِي الطّبّ عارِفًا بالعربيّة، ذكيّا، كثير الاشتغال، لَهُ تصانيف.
وكان مليح الصّورة، سَمْحًا، جوادا، نبيلا، يركب فِي مماليكَ تُرْكٍ حَتَّى كأَنَّه وزير، ويتيه ويحمق.
وَقَدِ اشتغل عَلَى مهذَّب الدّين بْن النّقّاش.
ويُقَالُ إنَّه من عُجْبِه وبَأوِهِ عمل أنابيبَ بركةِ قاعتِهِ ذَهَبًا. وزوّجه السّلطان بواحدة من حظاياه.
__________
[1] انظر عن (أسعد بن إلياس) في: الفتح القسّي 576، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 411، 412، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء 2/ 175- 181، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 46، وشذرات الذهب 4/ 288، وكشف الظنون 243، 1388، والمخطوطات العربية لشيخو 17، ومعجم الأطباء لأحمد عيسى 135، 136، وأعيان الشيعة 11/ 188- 194، ومعجم المؤلفين 2/ 245.(41/263)
وخلّف منَ الكُتُب نحوا من عشرة آلاف مجلَّدة. وأجلّ تلامذته المهذّب عَبْد الرحيم بْن عَلِيّ الدّخوار [1] .
248- أسعد بْن نصر بْن أسعد.
أَبُو مَنْصُور بْن العَبَرْتيّ الشّاعر.
أَخَذَ الأدب عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن الخشّاب، وغيره.
وتُوُفّي فِي رمضان.
249- إقبال بْن الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن [2] .
أَبُو جَعْفَر العُكْبَرِيّ، الواسطيّ، المعدّل.
__________
[1] وقال سبط ابن الجوزي: وكان الموفق يحب أهل البيت ويبغض ابن عنّين الشاعر لخبث لسانه ولقبح هجائه وثلبه لأعراض الناس ويحرّض السلطان على نفيه من البلاد وقال:
أليس هو القائل:
سلطاننا أعرج وكاتبه ... أعمش والوزير منحدب
فهجاه ابن عنّين وقال:
قالوا الموفّق شيعي، فقلت لهم ... هذا خلاف الّذي للناس منه ظهر
فكيف يحمل دين الرفض مذهبه ... وما دعاه إلى الإسلام غير عمر
(وهذا إشارة إلى أن الموفق صحب صبيّا من المسلمين اسمه عمر وكان حسن الصورة فأحسن إليه) .
وكان الموفق يعود الفقراء المرضى ويحمل إليهم من عنده الأشربة والأدوية حتى أجرة الحمّام، وزوّجه السلطان بجارية له يقال لها جورة وكانت من حظايا السلطان، ونقل معها جهازا عظيما، وقال ليلة عرسها: احملوا إليه المطبخ، فنزل الموفق جامع دمشق ليصلّي العصر فجاء إليه الصوفيّة الخانكاه وطلبوا منه سماعا بالخانكاه، فقال: سمعا وطاعة، وقام فدخل إلى الخانكاه الصميصاطي واستدعى مطبخ السلطان من دار العقيقي، وأحضرت المغاني والحلاوة الكثيرة إلى الخانكاه، ونزلت العروس مع حظايا السلطان إلى دار العقيقي، فأقمن طول الليل وهو عند الصوفية وهم يرقصون وما علموا أنها ليلة عرسه، فاستحيى أن يعرّفهم، فلما كان في آخر الليل قيل للصوفية: أيش عملتم، الرجل الليلة عريس على جارية السلطان، والساعة يبلغ السلطان فيغضب، فجاءوا إليه بأجمعهم واعتذروا وسألوه أن يمضي، فقال: لا والله إلى الصباح. وبلغ السلطان فقال: ألام على هذا وتقريبه؟.
[2] انظر عن (إقبال بن المبارك) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 159 رقم 149، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 275، ولسان الميزان 1/ 465.(41/264)
سَمِع: عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن شِيران، وأبا عليّ الفارقيّ، وأبا عبد الله مُحَمَّد بْن عَلِيّ الجلّابيّ، وَغَيْرُهُمْ.
وحدَّث، وتُوُفّي فِي خامس رمضان [1] .
- حرف الحاء-
250- الْحُسَيْن بْن حَمْزَة بْن الْحُسَيْن بْن حُبَيْش [2] .
البَهْرَاني، الحبشيّ، الحمويّ، القُضاعيّ، الشّافعيّ، قاضي حماه، أمين الدّولة، أَبُو القاسم.
أحد الكُرماء الأجواد. كَانَ يُضيِّفُ الخاصّ والعامّ. وكان السّلطان صلاح الدّين يُكرمه ويُجله. وكان لا يقبل برَّ أحدٍ. نقلتُ هَذَا مِن تعاليق البرزاليّ، وأنّه مات سنة سبع، في ترجمة العدل كمال الدّين عَبْد الوهَّاب بْن القاضي محيي الدّين حَمْزَة بْن مُحَمَّد قاضي القُضاة بحماه أَبِي القاسم هَذَا.
قُلْتُ: ومن أولاده خطيب دمشق موفّقُ الدِّين مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المفضّل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم بْن أَبِي القاسم.
251- الْحُسَيْن بْن يَوْحن بْن أبويه [3] .
الباوريّ.
شيخ صالح تُوُفّي بأصبهان.
يروي عَنْ: أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر.
فِي السّنة الآتية، والأظهر أَنَّهُ تُوُفّي فِي هذا العام.
__________
[1] قال المنذري: ولكنه غير مرضيّ.
[2] انظر عن (الحسين بن حمزة) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 412، 413، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 40 أ، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 49.
[3] ستعاد ترجمة (الحسين بن يوحن) في وفيات 588-. برقم (292) .(41/265)
- حرف السين-
252- سُلَيْمَان [1] بْن جَنْدَر [2] .
الأمير الكبير عَلَم الدّين صاحب عزاز، وبغْراس.
أحد الأمراء الكبار، لَهُ مواقف مشهودة فِي جهاد الفِرَنج.
تُوُفّي فِي أواخر ذِي الحجَّة بقرية غباغِب.
- حرف الصاد-
253- صالح الزَّناتيّ [3] .
أَبُو الْحَسَن الإشبيليّ العابد، أحد الأولياء.
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي «تاريخه» ، فَقَالَ: زاهد عابد لَمْ يتشبّث منَ الدُّنْيَا بقليلٍ ولا بكثير، ولا شاهده أحدٌ يبتاع شيئا، ولا يطبخ قِدْرًا. وكان يأوي إلى مسجد.
شيّع جنازته أمم لا يُحْصَوْن.
- حرف العين-
254- عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحقّ [4] .
القاضي أبو مُحَمَّد الأندلسيّ الْأَنْصَارِيّ.
__________
[1] انظر عن (سليمان بن جندر) في: الفتح القسّي 294، والكامل في التاريخ 12/ 77، وفيه «جندر» بالجيم. وورد في نسختين خطيتين منه «حيدر» ، والروضتين 2/ 195، والدر المطلوب 82 وفيه «جندر» ، والسلوك ج 1 ق 1/ 107 وفيه «جندر» ، والعسجد المسبوك 2/ 216 وفيه «حيدر» : والنجوم الزاهرة 6/ 113، وشفاء القلوب 117، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 413 وفيه «جندر» ، وفي نسخة خطية أخرى «حيدر» ، انظر الحاشية (1) ، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 46 وفيه «جندر» ، وص 97، وزبدة الحلب 3/ 84، «جندر» وفي الأصل المخطوط «حيدر» ، انظر الحاشية، وص 85، 90، والوافي بالوفيات 15/ 372 رقم 519 «جندر» ، والأعلام 3/ 183.
[2] في الأصل: «حندر» بالحاء المهملة. والمثبت عن أغلب المصادر.
[3] انظر عن (صالح الزناتي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[4] انظر عن (عبد الله بن عبد الحق) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(41/266)
وُلّي قضاء إشبيلية.
قَالَ الأَبّار: كَانَ جزْلًا، صارما، صليبا فِي الحقّ، ذا سطوةٍ مرهوبة، وأحكام محمودة.
255- عَبْد اللَّه بْن عَبْد القادر بْن أَبِي صالح [1] .
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الجيليّ [2] .
كَانَ أكبر وُلِد الشَّيْخ: وُلِد سنة ثمانٍ وخمسمائة.
وسَمِع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بن البنّاء.
ويُقَالُ إنَّه حدَّث ولم يكن مشتغلا بالعلم.
تُوُفّي فِي صَفَر.
256- عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَعْلَى [3] .
أَبُو القاسم الشّيرازيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الخيّاط.
سَمِع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا البركات عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد البيّع.
وحدَّث.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن القَطِيعيّ.
257- عَبْد الحقّ بن عبد الملك بن بونه بن سعيد [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن عبد القادر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 149 رقم 783، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 93، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 152، 153 رقم 135.
[2] الجيلي: بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها لام، وهي بلاد متفرقة وراء طبرستان، ويقال لها أيضا: جيلان، وينسب إليها جيلاني، ويقال فيها: كيل وكيلان، فعرّبت.
[3] انظر عن (عبد الله بن مسعود) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 170 رقم 810، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 150 رقم 130، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 108.
[4] انظر عن (عبد الحق بن عبد الملك) في: صلة الصلة لابن الزبير 7، 8، وتكملة الصلة لابن الأبّار 648، 649، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 164، 165 رقم 160، والوافي بالوفيات 18/ 65، 66 رقم 59، والعبر 4/ 261 وفيه مات 586 أو 587 هـ.، والمشتبه 1/ 104، وسير أعلام النبلاء 21/ 275، 276 رقم 148، والوفيات لابن قنفذ 295، وتوضيح(41/267)
أَبُو مُحَمَّد المالقيّ، العَبْدَريّ، المعروف بابن البيطار. نزيل مدينة المُنكَّب بالأندلس. شيخ مُعَمَّر، يروي عن: أَبِيهِ أَبِي مَرْوَان، وأبي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر بْن العاص، وغالب بْن عطيّة، وأبي الْحَسَن بْن الباذش، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، وطائفة.
وأجاز لَهُ أَبُو عَلِيّ بْن سُكَّرَة.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار [1] : كَانَ عالي الإسناد، صحيح السّماع، اعتنى بِهِ أَبُوه وسمّعه صغيرا، ورحل بِهِ إلى قُرْطُبة فأورثه نباهة، وأخذ عَنْهُ جماعة من شيوخنا، وقرأتٌ بخطّ ابن سالم أَنَّهُ تُوُفّي فِي آخر سنة سبع وثمانين.
وقال ابن حَوْط اللَّه: تُوُفّي يوم الأضحى سنة ستّ وثمانين [2] . وكان مولده فِي سنة أربعٍ وخمسمائة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ جماعة كابن دحية، وغيره.
وقَالَ ابن فرتون: ثنا عَنْهُ: هاني بْن هاني، وابنا حَوْط اللَّه، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وَغَيْرُهُمْ.
ومن روايته عَنِ اثنين عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ أَبِي الفضل الجوهريّ قَالَ:
يا خَرِبَ القلب عامرَ الوطن ... عِشْتَ وغرَّتْكَ صحَّةُ البَدَنِ
لا أَنْت قصَّرتَ فِي القبيح ولا ... سترتَ بعضَ القبيح بالحَسَن
لو كنتَ مِمَّنْ تكفّه وَعْظةٌ ... كفّك ذِكرُ الحنُوط والكَفَنِ
258- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن المسلَّم بْن الحسين [3] .
__________
[ () ] المشتبه 1/ 670 و «بونه» : بضم الباء والنون. والهاء ساكنة.
[1] في تكملة الصلة 648.
[2] وجاء في (توضيح المشتبه 1/ 270) أنه توفي سنة 585 هـ.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن علي) في: تاريخ إربل 1/ 91، والتقييد لابن نقطة 343 رقم 421، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 161 رقم 153، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 123، والعبر 4/ 261، والإعلام بوفيات الأعلام 242، وسير أعلام النبلاء 21/ 196، 197 رقم 97، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1918، والمشتبه 1/ 226، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 190- 195 (7/ 153، 154) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 534، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 41 أ، ب، والعقد(41/268)
الفقيه أَبُو مُحَمَّد اللَّخْميّ، الدّمشقيّ، الخِرَقيّ [1] ، الفقيه الشّافعيّ.
وُلِد فِي نصف شعبان سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة.
وسَمِع: أَبَا الحسَن عَلِيّ بْن المَوَازِينيّ، وعبد الكريم بْن حَمْزَة، وعليّ بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس، وأبا الْحَسَن بْن المسلم الفقيه، وطاهر بْن سهل الإسْفَرَائينيّ، والْحُسَيْن بْن حَمْزَة الشُّعَيْريّ، ونصر اللَّه المَصِّيصيّ الفقيه، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، والبهاء [2] عَبْد الرَّحْمَن، والحافظ الضّياء، ويوسف بْن خليل، وخطيب مَرْو، وإِبْرَاهِيم بْن خليل، وعبد الرَّحْمَن بْن سلطان الحنفيّ، وأَبُو الثّناء محمود بن نصر الله ابن البَعْلَبَكّيّ، ومحمد بْن سعد الكاتب، وأحمد بْن عَبْد الدّائم، وطائفة سواهم.
ونقلت من خطّ عُمَر بْن الحاجب قَالَ: حكى ابن نُقْطة [3] عَنِ ابن الأَنْماطيّ أنّ الخِرَقيّ رَوَى نسخة أَبِي مُسْهِر بقوله، ولم يوجد لَهُ بها سَمَاع [4] ، إنّما سُمِعت عليه بقوله، عَنِ ابن المَوَازِينيّ.
قَالَ ابن الحاجب: وكان فقيها، عدْلًا، صالحا، يقرأ كُلّ يومٍ وليلةٍ خَتْمة.
تُوُفّي فِي ذِي القعدة.
وأنبأني أَبُو حامد بْن الصّابونيّ أنّ أَبَا مُحَمَّد بْن الخِرَقيّ أعاد مدَّة بالأمينيَّة لجمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن السّلميّ، وكان من جلّة العدول بدمشق،
__________
[ () ] المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 159، وتوضيح المشتبه 1/ 183، 184، والكواكب الدريّة للمناوي 2/ 88، والنجوم الزاهرة 6/ 116، وشذرات الذهب 4/ 289.
[1] الخرقي: بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء. نسبة إلى بيع الخرق والثياب. ضبطه المؤلّف- رحمه الله- في المشتبه، وتابعه ابن ناصر الدين في التوضيح.
وخالف محقّقو كتاب: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 153) فقالوا: بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة، وهذه النسبة إلى «خرق» قرية من قرى مرو، وهذا غير صحيح.
[2] في الأصل: البا عبد الرحمن.
[3] في التقييد 343.
[4] العبارة في (التقييد) : «ولم يوجد له بها سماع أصلا أنها قرئت عليه» .(41/269)
وأضرّ فِي الآخر وأُقعِد، فاحتاج ليلة إلى الوضوء، ولم يكن عنده فِي البيت أحد. فذُكِر عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: فبينا أَنَا أتفكّر إذا بنورٍ منَ السّماء دخل البيت، فبصُرت بالماء فتوضّأت، حدَّث بذلك بعض إخوانه، وأوصاه أن لا يخبر بها إلّا بعد موته [1] .
259- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مغاور [2] .
الفقيه أَبُو بَكْر السّلميّ، الشّاطبيّ، الكاتب.
وُلِد فِي سنة اثنتين وخمسمائة.
وسَمِع من: أَبِيهِ مُحَمَّد بْن مغاور بْن الحَكَم، وأبي عليّ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الصَّدَفيّ ابن سُكَّرَة، وَهُوَ آخر مَن سَمِع منه.
وأخذ «صحيح الْبُخَارِيّ» عَنْ أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن غزلون [3] صاحب أَبِي الْوَلِيد الباجيّ.
وسَمِع أيضا من أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جحدر الْأَنْصَارِيّ، الشّاطبيّ.
قَالَ الأَبّار [4] : وكان بقيّة مشيخة الكتّاب والأدباء والمشاهير، مع الثّقة والكرم، بليغا مفوّها، مدركا، له حظّ وافر من قرض الشّعر وصدق اللهجة طال عمره وعلت روايته.
وتوفّي في صفر.
حدّث بشاطبة، فروى عنه: أبو القاسم الطّيّب المرسيّ، وقال: هو
__________
[1] وقال ابن نقطة: حدّث بكتاب «السنن» لأبي دَاوُد، عن عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، عن الخطيب، قال لي بدل بن أبي المعمّر التبريزي: إنه كان يفوته الجزء الأخير من السنن، وأوله: باب ما يقول الرجل إذا تعارّ من الليل، إلى آخر الكتاب. (التقييد) .
[2] انظر عن (ابن مغاور) في: تكملة الصلة (مخطوط) 3/ ورقة 13، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 153 رقم 136، وزاد المسافر للتجيبي 37، والعبر 4/ 261، 262، وسير أعلام النبلاء 21/ 150، 151 رقم 77، وشذرات الذهب 4/ 289.
[3] في الأصل: «عزلون» بالعين المهملة، وكذا في أصل (سير أعلام النبلاء) ، والمثبت عن (الصلة في تاريخ أئمة الأندلس لابن بشكوال 1/ 79) وهو: أبو جعفر أحمد بن علي بن غزلون الأموي التّطيلي المتوفى بالعدوة سنة 524 هـ.
[4] في تكملة الصلة 3/ ورقة 13.(41/270)
رئيس البلاغة، وابنا حَوْط اللَّه، وهاني بْن هاني، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم.
260- عَبْد المنعم بْن أَبِي البركات عَبْد اللَّه [1] بْن مُحَمَّد بْن الفضل [2] أَبِي [3] أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
أَبُو المعالي الصّاعديّ، الفُرَاوِيّ الأصل، النَّيْسابوريّ.
وُلِد سنة سبع وتسعين وأربعمائة فِي ربيع الأوّل.
وسَمِع من: جَدّه، وعبد الغفّار بْن مُحَمَّد الشِّيرُويّ [4] ، وأبي نصر عَبْد الرّحيم بن القُشَيْريّ، وأبي الفضل الْعَبَّاس بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الشَّقَّانيّ، وأبي الْحَسَن طريف بْن مُحَمَّد الحِيرِيّ، وجماعة.
وحجّ فِي أواخر عمره، وحدَّث بالحَرَمَيْن وبغداد. وتفرَّد عَنْ أقرانه.
وكان أسند أَهْل خُراسان.
رَوَى عَنْهُ: مُكْرَم بْن مَسْعُود الفقيه، والإمام شمس الدّين أَحْمَد بْن عَبْد الواحد والد الفخر بْن الْبُخَارِيّ، والتّقيّ عَلِيّ بْن باسُوَيْه، وأَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عُمَر القُرْطُبيّ الْمُقْرِئ، وأَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عَبْد الجبّار الأُمَويّ، وأَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، والنّفيس مُحَمَّد بْن رواحة، والتّاج محمد بن أبي جعفر، وآخرون.
__________
[1] انظر عن (عبد المنعم بن أبي البركات) في: مشيخة النعّال 107، 108، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 184، 185، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 26، والعبر 4/ 462، ودول الإسلام 2/ 99، والمعين في طبقات المحدّثين 190 رقم 1919، وسير أعلام النبلاء 21/ 179، 180 رقم 90، والإعلام بوفيات الأعلام 242، والمختصر المحتاج إليه 3/ 90 رقم 922، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 158، 159 رقم 148، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 175 رقم 130، ومرآة الجنان 3/ 433، والنجوم الزاهرة 6/ 116، وشذرات الذهب 4/ 289.
[2] في شذرات الذهب «المظفر» بدل «الفضل» .
[3] في الأصل: «أبو» .
[4] الشيروي أو الشيروئي، أو الشيروييّ: بكسر الشين المعجمة، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وضم الراء وفي آخرها ياء أخرى. هذه النسبة إلى شيرويه، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه. (الأنساب 7/ 466) .(41/271)
وَهُوَ من بيت الرواية والإسناد العالي هُوَ وابنه مَنْصُور، وأبوه، وجَدّه، وأَبُو جَدّه، وحفيده مُحَمَّد بْن مَنْصُور.
وفُراوَة، بالضّمّ والفتح، بُلَيْدَة ممّا يلي خُوارزم.
قدِم منها أَبُو مَسْعُود الفضل فسكن نَيْسابور.
تُوُفّي عَبْد المنعم رحِمَه اللَّه فِي أواخر شعبان بنَيْسابور، وَلَهُ تسعون سنة.
261- عَلِيّ بْن أَبِي السَّعادات بْن عَلِيّ بْن مَنْصُور [1] .
أَبُو الْحَسَن الهاشميّ، الْبَغْدَادِيّ، الخرّاط.
شيخ معمّر، سَمِع «جزء ابن عَرَفَة» من: أَبِي القاسم بْن بيان.
رَوَى عَنْهُ: سَعِيد بْن الْمُبَارَك، وأبو بَكْر الخبّاز.
وتُوُفّي فِي صَفَر.
262- عُمَر بْن الأمير نور الدّين شاهنشاه بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي [2] .
الملك المظفَّر تقيّ الدّين صاحب حماه، وأَبُو ملوكها.
__________
[1] انظر عن (علي بن أبي السعادات) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 152 رقم 133.
[2] انظر عن (عمر بن شاهنشاه) في: زبدة الحلب 3/ 121، وخريدة القصر (بداية قسم شعراء الشام) 80، والفتح القسّي 566، والنوادر السلطانية 191، والروضتين 2/ 194، والأعلاق الخطيرة 3/ ق 1/ 57، 58، 97، 118 وق 2/ 453، 493، ومفرّج الكروب 2/ 375، وتاريخ إربل 1/ 298 و 416، ووفيات الأعيان 3/ 456، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 159، 160 رقم 150، والكامل في التاريخ 12/ 34- 37 و 61، 63، والمختصر في أخبار البشر 3/ 80، والدرّ المطلوب 110، ودول الإسلام 2/ 99، والإعلام بوفيات الأعلام 242، وسير أعلام النبلاء 21/ 202، 203، رقم 100، والعبر 4/ 262، ومرآة الجنان 3/ 433، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 286، وتاريخ ابن الوردي 2/ 103، 104، والبداية والنهاية 12/ 346، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 141 ب، 142 أ، والوافي بالوفيات 22/ 484- 487 رقم 344، والعسجد المسبوك 2/ 211، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 47، 48، والسلوك ج 1 ق 1/ 107، والنجوم الزاهرة 6/ 113، وشفاء القلوب 234، وترويح القلوب 49، والدارس 1/ 216، وشذرات الذهب 4/ 289، والقلائد الجوهرية 187، والبدر السافر للأدفوي (مخطوطة الفتح 4201) ورقة 41 ب.(41/272)
كَانَ بطلا شجاعا لَهُ مواقف مشهودة فِي قتال الفِرَنج مَعَ عمّه السّلطان صلاح الدّين، وكان يحبّه، وَهُوَ الَّذِي أَعْطَاه حماه. وَقَدِ استنابه عَلَى مصر مدَّة، وأعطاه المَعرَّة، وسَلَمية، وكَفَرْطاب، وميّافارقين. ثُمَّ أَعْطَاه فِي العام الماضي حَرّان والرُّها بعد ابن صاحب إربل، فأذِن لَهُ فِي السَّفَر إلى تِلْكَ البلاد ليقرّر قواعدها، فسار إليها وإلى ميّافارقين في سبعمائة فارس، وكان عالي الهمَّة، فقصد مدينة حاني فحاصرها وافتتحها، فَلَمَّا سَمِع الملك بكتمر صاحب خِلاط سار لقتاله فِي أربعة آلاف فارس فالتقوا، فلم يثُبت عسكر خِلاط وانهزموا، فساق تقيّ الدّين وراءهم، وأخذ قلعة لبكتمر، ونازل خِلاط وحاصرها، فلم ينل غَرَضًا لقلّة عسكره، فرحل. ونازل منازكُرد مدَّة. وَلَهُ أفعال بِرّ بمصر والفيّوم.
وسَمِع بالإسكندريّة منَ: السِّلَفيّ، والفقيه إِسْمَاعِيل بْن عَوْف، وروى شيئا من شِعره.
تُوُفّي عَلَى منازكرد محاصرا لها، وهي من عمل أرمينيَّة فِي طريق خِلاط، فِي تاسع عشر رمضان، ونُقِل إلى حماه فدُفن بها. وكان فِيهِ عدل، وكرم، ورئاسة.
ثُمَّ فوَّض السّلطان حماه، والمَعَرَّة، وسَلَمية إلى ولده الملك المَنْصُور ناصر الدّين مُحَمَّد.
وكان تقيّ الدّين قد حدَّث نفسه بتملُّك الدّيار المصريّة، فلم يتمّ لَهُ، وعُوفي عمّه صلاح الدّين، وطلبه إلى الشّام، فامتنع واستوحش، وهَمَّ باللّحُوق بمملوكيه قراقوش وبوزبا اللَّذَين استوليا عَلَى بَرْقة وأطراف المغرب، وتجهَّز للمسير، ثُمَّ سار إِلَيْهِ الفقيه عِيسَى الهَكّاريّ الأمير، وكان مَهِيبًا مُطاعًا، فثنى عزْمه، وأخرجه إلى الشّام، فأحسن إِلَيْهِ عمّه السّلطان وأكرمه وداراه، وأعطاه عدّة بلاد.
قَالَ ابن واصل [1] : كَانَ الملك المظفَّر عُمَر شجاعا جوادا، شديد
__________
[1] في مفرّج الكروب 2/ 375.(41/273)
البأس، عظيم الهيبة، ركنا من أركان البيت الأيّوبيّ. وكان عنده فضل وأدب، وَلَهُ شِعْر حَسَن، أصيب السّلطان صلاح الدّين بموته لأنّه كَانَ من أعظم أعوانه عَلَى الشّدائد. وتملّك حَرّان، والرُّها بعده العادل سيف الدّين.
- حرف الغين-
263- غيّاث بْن هيّاب [1] بْن غيّاث بْن الْحُسَيْن.
أَبُو الفضل الْبَصْرِيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، المعروف بالأنطاكيّ.
سَمِع: عَبْد اللَّه بْن رفاعة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الطاهر إِسْمَاعِيل بْن الأَنْماطيّ.
وغيّاث وهيّاب بالتّشديد.
- حرف الفاء-
264- فضالة بْن نصر اللَّه بْن جَوّاس [2] .
أَبُو المكارم العُرْضيّ.
سَمِع بدمشق من: أَبِي الفتح نصر اللَّه المَصِّيصيّ.
وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد وإِسْمَاعِيل ابنا أَبِي جَعْفَر.
265- الفضل بْن أَبِي المطهّر القاسم بْن الفضل بْن عَبْد الواحد [3] .
أَبُو الفضائل الأصبهانيّ، الصَّيْدلانيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي عليّ الحدّاد، وغيره.
رَوَى عَنْهُ: الحافظان أَبُو بكر الحازميّ، وأبو نزار ربيعة اليمنيّ.
تُوُفّي فِي الحادي والعشرين من جمادى الآخرة.
__________
[1] في الأصل: «هيّاث» ، والتصحيح من:
التكملة لوفيات النقلة 1/ 164 رقم 159، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 363، والمشتبه 1/ 441.
[2] انظر عن (فضالة بن نصر الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 151 رقم 131.
[3] انظر عن (الفضل بن أبي المطهّر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 156 رقم 143.(41/274)
وكان مُكثِرًا. وَهُوَ أخو عَبْد الواحد.
- حرف القاف-
266- قزل أرسلان [1] .
أخو البهلوان مُحَمَّد بْن إلدكز [2] .
ولّي أذربيجان، وأرّان، وهَمَذَان، وأصبهان، والرّيّ بعد أَخِيهِ. وَقَدْ كَانَ سار إلى أصبهان والفِتّن بها متّصلة بَيْنَ المذاهب، وَقَدْ قُتِلَ خلْق، فقبض عَلَى جماعة منَ الشّافعيَّة فصلب بعضهم، وعاد إلى هَمَذَان، وخطب لنفسه بالسّلطنة.
وكان فِيهِ كَرَم وعدْل وحلْم فِي الجملة.
قُتِلَ ليلة عَلَى فراشه غِيلة، ولم يُعرف قاتله، وذلك فِي شعبان [3] . قاله ابن الأثير [4] .
- حرف الميم-
267- محمد بن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن وضّاح [5] .
أَبُو القاسم اللَّخْميّ، الغرناطيّ.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحُسَيْن بْن هُذَيْل.
وحجَّ فأخذ القراءات بمكة عَنْ: أبي عليّ بن العرجاء سنة سبع وأربعين.
__________
[1] انظر عن (قزل أرسلان) في: الكامل في التاريخ 12/ 75، 76، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 406 (وفيات 586 هـ.) ، والمختصر في أخبار البشر 3/ 81، والعبر 4/ 262، وتاريخ ابن الوردي 2/ 104، والعسجد المسبوك 2/ 215 وفيه «قرا» ، ومآثر الإنافة 2/ 57، 58، وشذرات الذهب 4/ 289.
[2] تصحّف في شذرات الذهب 4/ 289 إلى «الزكر» .
[3] جاء في مآثر الإنافة أنه مات سنة 586 هـ.
[4] في الكامل 12/ 76.
[5] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 544، والذيل والتكملة لكتاب الموصول والصلة 6/ 104، ومعرفة القراء الكبار 2/ 571 رقم 527، وغاية النهاية 2/ 46، ونفح الطيب 2/ 160.(41/275)
وحجّ ثلاث حجج. ودخل بغداد، ثمّ ردّ واستوطن جزيرة شقر خطيبا ومقرئا بلا معلوم. وكان زاهدا قانتا واحدا في وقته، يشار إليه بإجابة الدّعوة.
أخذ عنه: ابنه أبو بكر محمد بن محمد، وأبو عبد الله بن سعادة.
268- محمد بن أحمد بن سلطان [1] .
أبو الفضل الواسطيّ، الغرّافيّ.
حدّث عَنْ: أَبِي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
والغَرَّاف: من سواد واسط.
269- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه الْجَمَديّ، والْجَمَد: قرية بِدُجَيْل.
سكن بغداد، وسَمِع من: أَبِي البدر الكَرْخيّ، وعبد الوهَّاب بْن الأَنْماطيّ، وسعد الخير الأندلسيّ، وطائفة.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن خَالِد الحربيّ.
وكان صالحا خيّرا، مُجاوِرًا بجامع الرّصافة [3] .
270- محمد بن الحسن بن محمد [4] .
أبو عبد اللَّه الرَّاذانيّ [5] ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ.
كَانَ من أولاد المشايخ.
سَمِع: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا القاسم بْن السّمرقنديّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن سلطان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 154، 155 رقم 139.
[2] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 116، 117 رقم 81، والمشتبه 1/ 169، وتوضيح المشتبه 2/ 392.
[3] ورّخ المنذري وفاته في سنة 585 هـ.
[4] انظر عن (محمد بن الحسن بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 156 رقم 142، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 31، والمختصر المحتاج إليه 1/ 34، 35، وتاج العروس 2/ 563.
[5] قال المنذري: وهو منسوب إلى راذان العراق، وليس هو من راذان المدينة.(41/276)
سَمِع منه: مُحَمَّد بْن محمود بْن المعزّ الحرَّاني، وغيره.
تُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
271- مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم ابْن شيخ الشّيوخ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد [1] .
النَّيْسابوريّ، الصُّوفيّ.
صحِب جَدّه، وسَمِع منه، ومن: أَبِي الفتح عَبْد الملك الكَرُوخيّ [2] ، وأبي الوقت السَّجْزيّ.
وتُوُفّي فِي جمادى الآخرة.
حدَّث بدمشق فسمع منه: أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن أَبِي الحديد الدّمشقيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن المَرْوَزِيّ.
272- مُحَمَّد بْن عَلِيّ الوزير أَبِي طَالِب بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ.
أَبُو المحاسن السُّمَيْرَميّ، الأصبهانيّ، الملقَّب بالعضُد.
قتِل أَبُوهُ ببغداد سنة ستّ عشرة، وحُمِل فِي تابوت، وسار معه ولده هَذَا إلى أصبهان. ثُمَّ إنَّه قدِم فِي دولة المقتفي والمستنجد ومَدَحهما، وخدم فِي الدّيوان، ثُمَّ عاد إِلَى أصبهان، ومضى إلى أَذَرْبَيْجان، وخدم السّلطان دَاوُد، وتولّى الكتابة والإنشاء، ثُمَّ عاد إلى أصبهان وتزهّد وتعبّد، وأقبل عَلَى شأنه.
وَقد سمع بأصبهان من غانم بْن خَالِد، ومن إِسْمَاعِيل الحافظ. وكتب كُتُبًا كثيرة بخطّه المليح. وَلَهُ شِعرٌ رائق. وترجّل لَهُ قاضي أصبهان مرّة، فرأى سَرجَه بالحرير، فأنكر عليه وعنّفه. تُوُفّي فِي رمضان سنة سبْعٍ وثمانين.
- مُحَمَّد.
ويلقّب بالفضل، أَبُو المحاسن وَلَدُ الوزير الكبير أَبِي طَالِب عَلِيّ بن أحمد السّميرميّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الكريم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 156، 157 رقم 144، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 66، 67، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 65 رقم 273.
[2] في الأصل: «الكروجي» بالجيم، وهو تحريف.(41/277)
وُلِد سنة 505، هُوَ هَذَا المتقدّم.
273- مُحَمَّد بْن عُمَر بْن لاجين [1] .
ابن أخت السّلطان صلاح الدّين، الأمير حسام الدّين.
تُوُفّي فِي تاسع عشر رمضان فِي اللّيلة الّتي تُوُفّي فِي صبيحتها صاحب حماه تقيّ الدّين، فحزن عليهما السّلطان.
ودُفِن حسام الدّين فِي التُّربة الحُساميَّة المنسوبة إِلَيْهِ من بناء والدته ستّ الشّام، وهي فِي الشّاميَّة الكبرى بظاهر دمشق.
وقيل اسمه عُمَر بْن لاجين.
274- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد.
أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ، الفقيه، قاضي مالقة.
رَوَى عَنْ: أَبِي القاسم بْن رضا، وأبي جَعْفَر بْن الباذش.
وعاش ثمانين سنة.
275- مُحَمَّد بْن الموفّق بْن سَعِيد بْن عَلِيّ بْن الحسن [2] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عمر) في: الكامل في التاريخ 12/ 77، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 413، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 49، والمختصر في أخبار البشر 3/ 80، وتاريخ ابن الوردي 2/ 104.
[2] انظر عن (محمد بن الموفّق) في: معجم البلدان 3/ 398، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 161، 162 رقم 154، ورحلة ابن جبير 23، والتاريخ المظفري لابن أبي الدم (مخطوط) ورقة 224، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 414، 415، ووفيات الأعيان 4/ 239 رقم 597، والعبر 4/ 262، 263، والإعلام بوفيات الأعلام 242، وسير أعلام النبلاء 21/ 204- 207 رقم 101، والدرّ المطلوب 110، و 111، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 190 (7/ 14) ، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) 142 أ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 493، 494، ومرآة الجنان 3/ 433، 434، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 378 رقم 346، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 143 ب، 144 أ، والبداية والنهاية 12/ 347، والوافي بالوفيات 5/ 99 رقم 2108، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 49- 51، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 25، وطبقات الأولياء، له 471 رقم 155، والسلوك ج 1 ق 1/ 107، والمقفّى الكبير 7/ 225- 229(41/278)
نجم الدّين أَبُو البركات الخُبُوشانيّ [1] ، الصُّوفيّ، الفقيه الشّافعيّ.
قَالَ القاضي شمس الدّين [2] : كَانَ فقيها ورِعًا، تفقّه بنَيْسابور عَلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى وكان يستحضر كتابه «المحيط» حَتَّى قِيلَ أَنَّهُ عُدِم الكتاب فأملاه من خاطره. وَلَهُ كتاب «تحقيق المحيط» وَهُوَ فِي ستة عشر مجلدا رَأَيْته.
وقَالَ الحافظ المُنْذريّ: كَانَ مولده بأستوا بخبوشان في رجب سنة عشر وخمسمائة، وحدَّث عَنْ: أَبِي الأسعد هبة الرَّحْمَن القُشَيْريّ.
وقدم مصر سنة خمس وستين فأقام بالمسجد المعروف بِهِ بالقاهرة عَلَى باب الجوانية مدة، ثُمَّ تحوَّل إلى تربة الشافعيّ رحِمَه اللَّه، وتبتل لعمارة التربة المذكورة والمدرسة، ودرّس بها مدّة طويلة، وأفتى. ووضع فِي المذهب كتابا مشهورا.
وخُبُوشان قرية من أعمال نَيْسابور.
وقَالَ ابن خلّكان [3] : كَانَ السّلطان صلاح الدّين يقرّبه ويعتقد فِي علمه ودِينه، وعمَّرَ لَهُ المدرسة المجاورة لضريح الشّافعي، ورأيتُ جماعة من أصحابه، وكانوا يصفون فضله ودينه، وأَنَّهُ كَانَ سليم الباطن.
وقَالَ الموفَّق عَبْد اللَّطيف: كَانَ فقيها صوفيّا، سكن خانقاه السُّمَيْساطيّ بدمشق، وكانت له معرفة بنجم الدّين أيّوب، وبأَسَد الدّين أَخِيهِ. وكان قَشفًا فِي العيش، يابسا فِي الدّين، وكان يَقُولُ بمِلءِ فِيهِ: اصعد إلى مصر وأُزيل ملك بني عُبَيْد اليهوديّ. فَلَمَّا صعِد أسد الدّين صعد ونزل بمسجد، وصرّح
__________
[ () ] رقم 3294، والنجوم الزاهرة 6/ 115، وعقد الجمان للعيني (مخطوط) 17/ ورقة 133 ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 62، وتاريخ الخلفاء 457، وحسن المحاضرة 1/ 189. والكواكب الدريّة للمناوي 2/ 100، ومفتاح السعادة 2/ 210، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 245، والأعلام 7/ 342، ومعجم المؤلفين 12/ 69.
[1] الخبوشانيّ: بضم الخاء المعجمة والباء الموحّدة كما قيّده ابن السمعاني، وابن الأثير، والمنذري، والسبكي وغيرهم. أما ياقوت فقال في (معجم البلدان 2/ 300) بفتح الخاء المعجمة، وتابعه ابن عبد الحق في (مراصد الاطلاع) .
[2] هو ابن خلّكان في (وفيات الأعيان 4/ 239) .
[3] في وفيات الأعيان 4/ 240.(41/279)
بثلْب أهلِ القصر، وَجَعَل تسبيحه سبَّهم، فحاروا فِي أمره، فأرسلوا إِلَيْهِ بمالٍ عظيم، قِيلَ مبلغه أربعة آلاف دينار، فَلَمَّا وقع نَظَرُه عَلَى رسولهم وَهُوَ بالزِّيّ المعروف، نهض إِلَيْهِ بأشدّ غضب وقَالَ: ويلك ما هَذِهِ البدعة؟ وكان الرجل قد زوّر في نفسه كاملا يلاطفه بِهِ، فأعجله عَنْ ذَلِكَ، فرمى الدّنانير بَيْنَ يديه، فضربه عَلَى رأسه، فصارت عمامته حَلقًا فِي عُنقه، وأنزله منَ السُّلَّم وَهُوَ يرمي بالدّنانير عَلَى رأسه، ويلعن أَهْل القصر.
ثُمَّ إنّ العاضد تُوُفّي، وتهيَّب صلاح الدّين أن يخطب لبني الْعَبَّاس خوفا منَ الشّيعة، فوقف الخُبُوشانيّ قُدّام المنبر بعصاه، وأمَر الخطيب أن يذكر بني الْعَبَّاس، ففعل، ولم يكن إلّا الخير. ووصل الخبر إلى بغداد، فزيّنوا بغداد وبالغوا، وأظهروا منَ الفرح فوق الوصْف.
ثُمَّ إنّ الخُبُوشانيّ أَخَذَ فِي بناء ضريح الشّافعيّ، وكان مدفونا عنده ابن الكيزانيّ، رجلٌ ينسب إلى التّشبيه، وَلَهُ أتباع كثيرون منَ الشّارع.
قُلْتُ: بالغ الموفّق، فإنّ هَذَا رجلٌ سُنّيّ يلعن المشبِّهة، تُوُفّي فِي حدود السّتّين وخمسمائة.
قَالَ: فَقَالَ الخُبُوشانيّ: لا يكون صِدّيق وزِنديق فِي موضع واحد.
وَجَعَل ينبش ويرمي عظامه وعظام الموتى الَّذِين حوله، فشدّ الحنابلة عليه وتألّبوا، وصار بينهم حملات حربيَّة، وزحفات إفرنجيَّة، إلى أن غلبهم وبنى القبر والمدرسة، ودرّس بها. وكان يركب الحمار، ويجعل تحته أكْسِية لئلّا يصل إِلَيْهِ عَرَقُه. وجاء الملك الْعَزِيز إلى زيارته وصافَحَه، فاستدعى بماءٍ وغَسَل يده وقَالَ: يا ولدي إنّك تمسك [1] العنان، ولا يتوقّى الغلمانُ عليه.
فَقَالَ: اغسِل وجهك، فإنّك بعد المصافحة لمستَ [2] وجهك. فقال: نعم.
وغسَل وجهه.
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 205 «تمسّ»
[2] في سير أعلام النبلاء 21/ 205 «لمست» .(41/280)
وكان أصحابه يتلاعبون بِهِ، ويأكلون الدُّنْيَا بسببه، ولا يسمع فيهم قولا، وَهُم عنده معصومون.
وكان مَتَى رَأَى ذِميًّا راكبا قصد قتله، فكانوا يتحامونه، وإنَّه ظفر بواحد منهم، فوكزه بالمِقْرَعة، فأندر عينه وذهبت هَدْرًا. وكان هَذَا طبيبا يُعرف بابن شوعَة، وكان صلاح الدّين لمّا توجّه إلى الفِرَنج نوبة الرملة خرج فِي عسكرِ كثيفٍ فيهم أربعة عشر ألف فارس مزاجي العِلل، وجاء إلى وداعه، فالتمس منه أن يُسقِط رسوما لا يمكن إسقاطها، فسَاء عليه خُلُقه وقَالَ: قُمْ لا نَصَرَك اللَّه. ووكزه بعصا، فوقعت قَلَنْسُوَتُه عَنْ رأسه. فوجمَ لها، ثُمَّ نهض متوجِّهًا إلى الحرب، فكسر وأسر كثيرا من أصحابه، فظنّ أنّ ذَلِكَ بدعوة الشَّيْخ، فجاء وقبّل يديه، وسأله العفو.
وكان تقيّ الدّين عُمَر ابن أَخِي صلاح الدّين لَهُ مواضع يباعُ فيها المِزْرُ.
فكتبَ ورقة إلى صلاح الدّين فيها: إنّ هَذَا عُمَر لا جَبَره الله يبيع المِزْر.
فسيّرها إلى عُمَر وقَالَ: لا طاقة لنا بهذا الشَّيْخ فارْضِهْ. فركب إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ حاجبه ابن السّلّار: قفْ بباب المدرسة وأسبقك. فأُوطِّئ لك. فدخل وقَالَ:
إنّ تقيّ الدّين يُسلّم عليك. فَقَالَ: بل شقيّ الدّين لا سلّم اللَّه عليه.
قَالَ: إنَّه يعتذر ويقول: لَيْسَ لي موضعُ يباع فِيهِ المِزْر. فَقَالَ: يكذب.
فَقَالَ: إنْ كَانَ هناك موضع مزْرٍ فأرِناه. فَقَالَ: أُدْنُ. وأمْسَكَ ذُؤابتيه وَجَعَل يلطم عَلَى رأسه وخدَّيه ويقول: لستُ مزارا فأعرف مواضع المِزْر، فخلّصوه من يده، فخرج إلى تقيّ الدّين وقال: سلمت وفديتك بنفسي.
وعاش هَذَا الشَّيْخ عُمره لَمْ يأخذ دِرهمًا من مال الملوك، ولا أكل من وقف المدرسة لُقمةً، ودُفِن فِي الكساء الّذين صحِبه من خُبُوشان. وكان بمصر رَجُل تاجر من بلده يأكل من ماله. وكان قليل الرُّزْءِ، لَيْسَ لَهُ نصيب فِي لذّات الدُّنْيَا.
ودخل يوما القاضي الفاضل لزيارة الشّافعيّ، فوجده يُلقي الدّرس عَلَى(41/281)
كُرسيّ ضيّق، فجلس عَلَى طرفه وجّنْبه إلى القبر، فصاح به: قم ظهرك إلى الْإِمَام. فَقَالَ: إنْ كنتُ مُسْتَدْبِرُهُ بقالبي فأنا مستقبله بقلبي، فصاح فِيهِ أخرى وقَالَ: ما تعبّدنا بهذا. فخرج وَهُوَ لا يعقِل.
تُوُفّي فِي ذِي القعدة [1] .
276- محمود بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [2] .
الفقيه أَبُو القاسم القزْوينيّ، الشّافعي، الواعظ.
ولد سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وحدَّث بمصر عَنْ أَبِي شجاع عُمَر بْن مُحَمَّد البِسْطاميّ، وأبي القاسم بْن عساكر، والسِّلَفيّ [3] .
ودرّس بمشهد الْحُسَيْن مدَّةً. ووعظ.
وتُوُفّي فِي صَفَر [4] .
- حرف النون-
277- نور العين بِنْت أَبِي بَكْر [5] بْن أَحْمَد بْن أَبِي اللّيات [6] .
الحربيَّة البغداديّة.
__________
[1] ورّخه ابن أيبك الدواداريّ مرّتين، في وفيات سنة 587 هـ. وفي وفيات سنة 588 هـ.
(الدرّ المطلوب 110 و 111) .
[2] انظر عن (محمود بن محمد) في: التدوين في أخبار قزوين 4/ 77، 78، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 152 رقم 134، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 79.
[3] وله سماع ببغداد سنة 542 هـ. حيث سمع «تحفة الزائر» للخوارزمي.
[4] وقال الرافعي القزويني: ومحمود بن محمد هذا أظنّه الّذي كان يطوف بالشام وديار مصر، وخطب بديار مصر العباسية أولا حين رفع الملك يوسف بن أيوب رحمه الله تعالى الدعوة الفاسدة. (التدوين) .
[5] انظر عن (نور العين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 157 رقم 145.
[6] في الأصل: «اللباب» ، والتصحيح من التكملة.(41/282)
أجاز لها شجاع الذُّهْليّ، وأبو طَالِب بْن يوسف، وعُبَيْد اللَّه بْن نَصْر الزّاغونيّ.
رَوَت بالإجازة.
وتُوُفّيت فِي رَجَب.
- حرف الياء-
278- يَحْيَى [1] بْن حَبَش [2] بْن أميرك [3] .
الشّهاب السَّهْرُوَرْديّ، الفيلسوف [4] .
شابٌّ فاضل، متكلّم، مُناظر، يتوقّد ذكاء.
ذكره ابن أَبِي أُصَيْبَعَة [5] فَقَالَ: اسمه عُمَر. كَانَ أوحد فِي العلوم الحكميَّة، جامعا لفنون الفلسفة، بارعا فِي أصول الفِقه، مُفْرط الذّكاء، فصيح العبارة، لَمْ يناظر أحدا إلّا أرْبى عليه، وكان علمه أكثر من عقله.
__________
[1] انظر عن (يحيى بن حبش) في: معجم الأدباء 7/ 269، ووفيات الأعيان 6/ 268، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة 2/ 167، وآثار البلاد وأخبار العباد للقزويني 571، والمختصر في أخبار البشر 3/ 82781، ودول الإسلام 2/ 99، وسير أعلام النبلاء 21/ 207- 211 رقم 102، والإعلام بوفيات الأعلام 242، والعبر 4/ 263- 265، وتاريخ ابن الوردي 2/ 104، 105، ومرآة الجنان 3/ 434- 437، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 442، 443، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 144 ب، 145 أ، والعسجد المسبوك 2/ 213، 214، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 51- 57، والفلاكة والمفلوكين 67، والنجوم الزاهرة 6/ 114، ومفتاح السعادة 1/ 340، 341، وشذرات الذهب 4/ 290، 291.
[2] تحرّف من «حبش» إلى «حنش» في: المختصر في أخبار البشر 3/ 81، وتاريخ ابن الوردي 2/ 104، وقد قيّدها ابن خلّكان بفتح الحاء المهملة والباء الموحّدة. (وفيات الأعيان 6/ 273) .
[3] أميرك: بالفارسية تعني «أمير» بالتصغير، والعجم يضيفون الكاف في آخر الأسماء للتصغير.
[4] وقيل في اسمه: يحيى، أو محمد، أو عمر، (الفلاكة 67) وقيل يكنى: أبو الفتوح، وقيل اسمه أحمد، وقيل اسمه كنيته. (تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 51) .
[5] في عيون الأنباء 2/ 167.(41/283)
قَالَ فخر الدّين المارْدِينيّ: ما أذكى هَذَا الشّابّ وأفصحه إلّا أنّي أخشى عليه لكثرة تهوّره واستهتاره تلافَه [1] .
ثُمَّ إنّ الشّهاب السَّهْرُوَرْديّ قدِم الشامَ فناظر فُقهاء حلب، ولم يُجارِه أحدٌ، فاستحضره الملك الظّاهر، وعقد لَهُ مجلسا، فبان فضله، وبهر علمه، وحَسُنَ موقعه عِنْد السّلطان، وقرّبه، واختصّ بِهِ، فشنّعوا عليه، وعملوا محاضر بكُفره، وسيّروها إلى السّلطان صلاح الدّين، وخوّفوه من أن يفسد اعتقاد ولده، وزادوا عليه أشياء كثيرة، فبعث إلى ولده الملك الظّاهر بخطّ القاضي الفاضل يَقُولُ فِيهِ: لا بدّ من قتله، ولا سبيل إِلَى أن يُطْلق ولا يُبْقى بوجه. فَلَمَّا لَمْ يبْقَ إلّا قتْله اختار هُوَ لنفسه أن يُتْرَك فِي بيتٍ حَتَّى يموت جوعا، فَفُعِل بِهِ ذَلِكَ فِي أواخر سنة ستّ وثمانين بقلعة حلب. وعاش ستّا وثلاثين سنة.
حكى ابن أَبِي أُصَيْبَعَة [2] هَذَا الفصل عَنِ السّديد محمود بْن زُقَيْقَة [3] . ثُمَّ قَالَ: وحَدَّثَنِي الحكيم إِبْرَاهِيم بْن صَدَقَة أَنَّهُ اجتمع مَعَ الشّهاب هُوَ وجماعة، وخرج من باب الفَرَج إلى الميادين، فجرى ذِكر السِّيمياء، فمشى قليلا وقَالَ:
ما أحسن دمشق وهذه المواضع. فنظرنا فإذا من ناحية الشّرق جواسق مبيّضة كثيرة مزخرفة، وَفِي طاقاتها نساء كالأقمار ومغاني، وغير ذَلِكَ فتعجّبنا وانذهلنا فبقينا ساعة، وعُدنا إلى ما كنّا نعرفه، إلّا أنّي عِنْد رؤية ذَلِكَ بقيت أحسّ من نفسي كَأَنِّي فِي سِنَّة خَفِيَّة، ولم يكن إدراكي كالحالة الّتي أتحقَّقها منّي.
وحَدَّثَنِي بعض فُقهاء العجم قَالَ: كُنَّا مَعَ شهاب الدّين عِنْد القابون، فَقُلْنَا: يا مولاي، نريد رأس غنم. فأعطانا عشرة دراهم، فاشترينا رأسا، ثمّ
__________
[1] عيون الأنباء 2/ 167.
[2] في عيون الأنباء.
[3] زقيقة: بالزاي المضمومة وفتح القاف، وبعدها ياء مثنّاة من تحتها ساكنة، وقاف مفتوحة أخرى. وهو سديد الدين محمود بن عمر الشيبانيّ الطبيب، له شعر جيد، روى عنه منه القوصيّ في معجمه. (المشتبه 1/ 322) .(41/284)
تنازعنا نحن والتّركمانيّ فَقَالَ الشَّيْخ: رُوحوا بالرأس وأنا أُرْضِيه، فتقدّمنا، ثُمَّ تبِعَنا الشَّيْخ، فَقَالَ التُّرْكماني: أعطني رَحْلي وأرْضِني. وَهُوَ لا يردّ فِي التُّرْكمانيّ، وجذب يده وقَالَ: كيف تَرُوح وتُخلّيني؟ فإذا بيد الشَّيْخ قَدِ انخلعت من كتفه، وبقيت فِي يد التُّرْكمانيّ، ودمُها يَشْخَب. فتحيّر التُّرْكمانيّ، ورماها وهرب، فأخذ الشَّيْخ تِلْكَ اليد اليُسرَى بيده اليُمنى، فَلَمَّا صار معنا رأينا فِي يده منديله لا غير [1] .
وقَالَ الضّياء صَقْر: فِي سنة تسعٍ وسبعين قدِم إلى حلب شهاب الدّين عُمَر السَّهْرُوَرْديّ، ونزل فِي مدرسة الحلاويَّة، ومدرسُها الافتخار الهاشميّ، فحَضَر وبحث وَهُوَ لابس دلق، وَلَهُ إبريق وعكّاز. فأخرج لَهُ افتخار الدّين ثوب عتّابيّ [2] ، وبقيار [3] ، وغلالة، ولباس [4] ، وبعثها مَعَ ولده إِلَيْهِ. فسكت عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ضَعْ هَذَا واقضِ لي حاجة. وأخرج فَصّ بَلَخْش كالبيضة، ما ملك أحدٌ مثله وقَالَ: نادِ لي عليه وعرِّفْني. فجاب خمسة [5] وعشرين ألفا.
فأخذه العريف وطلع إلى الملك الظّاهر غازي، فدفع فِيهِ ثلاثين ألفا. فنزل وشاور، فأتاه ابن الافتخار وعرّفه، فتألَّم وصعُب عليه، وأخذ الفَصَّ جعله عَلَى حَجَر، وضربه بحجرٍ آخر فتّته، وقَالَ: يا ولدي، خُذْ هَذِهِ الثّياب، وقبلْ يدَ والدك، وقُلْ لَهُ: لو أردنا الملبوس ما غُلِبنا عَنْهُ.
فراح إلى أَبِيهِ، وعرّفه، فبقي متحيّرا.
وأمّا السّلطان فطلب العريف وقَالَ: أريد الفَصّ. فَقَالَ: هُوَ لابن الشّريف الافتخار. فركب السّلطان، ونزل إلى المدرسة، وقعد في الإيوان
__________
[1] انظر وفيات الأعيان.
[2] هكذا في الأصل، وكذا في سير أعلام النبلاء 21/ 209، والصواب: «ثوبا عتابيا» .
[3] هكذا في الأصل. والصواب: «بقيارا» ، والبقيار من البقير المشقوق كالمبتور، وهو برد بلا كمّين يشقّ فيلبس. (القاموس المحيط- مادة «بقر» ) .
[4] هكذا في الأصل، والصواب «لباسا» ، وقد أبقيت على الأصل كما كتبه المؤلّف- رحمه الله-.
[5] في الأصل: «خمس» .(41/285)
وكلّمه، فَقَالَ السّلطان: إن صَدَق حدسي فهذا الشّهاب السَّهْرُوَرْديّ. ثُمَّ قام واجتمع بِهِ، وأخذه معه إلى القلعة، وصار لَهُ شأنٌ عظيم، وبحث مَعَ الفقهاء وعجّزهم، واستطال عَلَى أهل حلب، وصار يكلّمهم كلام من هُوَ أعلى [1] منهم قدْرًا، فتعصّبوا عليه، وأفتوا فِي دمه حَتَّى قُتِلَ.
وقيل: إنّ الملك الظّاهر سيّر إِلَيْهِ من خنقه، ثُمَّ بعد مدةٍ نقم عَلَى الَّذِين أفتوا فِي دمه، وحبس جماعة وأهانهم وصادرهم.
حَدَّثَنِي السّديد محمود بْن زُقَيْقَة قَالَ: كَانَ السَّهْرُوَرْديّ لا يلتفت إلى ما يلبسه، ولا يحتفل بأمور الدُّنْيَا. كنتُ أتمشّى أَنَا وَهُوَ فِي جامع ميّافارقين وعليه جُبَّة قصيرة زرقاء، وعلى رأسه فُوطة، وَفِي رِجليه زرْبول، كأَنَّه خربنْدا.
وللشّهاب شِعْر رائق حَسَن، وَلَهُ مصنّفات منها كتاب «التّلويحات اللّوحيَّة والعرشيَّة» [2] ، وكتاب «اللَّمْحَة» ، وكتاب «هياكل النّور» ، وكتاب «المعارج» وكتاب «المطارحات» [3] ، وكتاب «حكمة الإشراق» .
قُلْتُ: سائر كتبه فلسفة وإلحاد. نسأل اللَّه السّلامة فِي الدّين.
قُتِلَ سنة سبع وثمانين [4] .
وذكره في حرف الياء ابن خَلِّكان [5] ، فسمّاه كَمَا ذكرنا، وأنّه قرأ الحكمة والأصول عَلَى مجد الدّين الْجِيليّ شيخ الفخر الرَّازيّ بَمَراغة، وقَالَ:
كَانَ شافعيّ المذهب، وَلَهُ فِي النَّظْم والنَّثْر أشياء، ولقّبوه المؤيّد بالملكوت.
قَالَ [6] : وكان يُتَّهم بانحلال العقيدة والتّعطيل، ويعتمد مذهب الحكماء
__________
[1] في الأصل: «أعلا» .
[2] في المختصر لأبي الفداء 3/ 82: «التلويحات والتنقيحات والمشارع والمطارحات» .
[3] جعله المؤلّف- رحمه الله- والّذي قبله كتابا واحدا في سير أعلام النبلاء 21/ 210 فقال:
«كتاب المعارج والمطارحات» .
[4] وفي: الفلّاكة للدلجي 67 مات سنة 586 هـ.
[5] في وفيات الأعيان 6/ 268.
[6] في وفيات الأعيان 6/ 272.(41/286)
المتقدّمين. اشتهر ذَلِكَ عَنْهُ، وأفتى علماء حلب بإباحة دمه. وكان أشدّهم عليه زين الدّين، ومجد الدّين ابني جَهْبَل.
ابن خَلَّكان قَالَ [1] : قَالَ السيفُ الآمِديّ: اجتمعت بالسَّهْرُوَرْديّ بحلب، فرأيته كثير العِلم، قليل العقل. قَالَ لي: لا بُدّ أن أمِلك الأرض. رأيتُ كَأَنِّي قَدْ شرِبتُ ماء البحر. فقلتُ: لعلّ هَذَا يكون اشتهار العِلم وما يناسب هَذَا.
فرأيته لا يرجع [2] . ولمّا أن تحقّق هلاكه قَالَ:
أرى قدمي أراقَ دمي ... وهانَ دمي فها نَدَمي
قَالَ ابن خَلِّكان [3] : حَبَسه الملك الظّاهر، ثُمَّ خنقه فِي خامس رجب سنة سبْع.
وقَالَ بهاء الدّين بْن شدّاد [4] : قُتِلَ ثُمَّ صُلِب أيّاما.
وقَالَ: أُخْرِج السَّهْرُوَرْديّ ميّتا فِي سَلْخ سنة سبْعٍ منَ الحبس، فتفرَّق عَنْهُ أصحابه.
وَقَدْ قرأتُ بخطّ كاتب ابن وداعة أنّ شيخنا محيي الدّين بْن النّحّاس حدّثه قَالَ: حَدَّثَنِي جدّي موفّق الدّين يعيش النَّحْويّ، أنّ السَّهْرُوَرِديّ لمّا تكلّموا فِيهِ قَالَ لَهُ تلميذ: قَدْ كثّروا القول بأنّك تَقُولُ النُّبُوَّة مُكْتَسَبة، فانْزَحْ بنا.
فَقَالَ: اصبرْ عليَّ أيّاما حَتَّى نأكل البِطّيخ ونروح، فَإِن بي طرفا منَ السِّلّ، وَهُوَ يوافقه.
ثُمَّ خرج إلى قرية دوبران الخشّاب، وبها مَحْفَرة تُراب الرّاس، وبها بِطيخٌ مليح، فأقام بها عشرة أيّام، فجاء يوما إلى المَحْفَرة، وحفر فِي أسفلها، فطلع لَهُ حَصًى، فأخذه ودهنه بدهنٍ معه، ولفّه في قطن وتحمّله في وسطه
__________
[1] في وفيات الأعيان 6/ 272.
[2] المختصر لأبي الفداء 3/ 82.
[3] في وفيات الأعيان 6/ 272.
[4] في النوادر السلطانية.(41/287)
ووسط أصحابه أيّاما. ثُمَّ أحضَر بعض من يحكّ الجوهر، فحكّه فظهر كلُّه ياقوتا أحمر، فباع منه ووهب. ولمّا قُتِلَ وُجد منه شيءٌ فِي وسطه [1] .
279- يَحْيَى بْن غالب [2] بْن أَحْمَد بْن أَبِي غالب.
أَبُو القاسم الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ.
سَمِع: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف.
وأجاز لَهُ شجاع الذُّهْليّ، وأحمد بْن الْحُسَيْن بْن قريش.
وحدَّث.
وتوفّي فِي شعبان.
280- يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق.
أبو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، الّلِريّيّ، من أَهْل لِرْيَة.
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِيهِ، وسَمِع منه، ومن: ابن هُذَيْل.
وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدَّانيّ، والسِّلَفيّ.
وتصدّر للإقراء. وخَلَف أَبَاه جاريا عَلَى مهْيَعه.
سَمِع منه مُحَمَّد بْن عُبَاد كثيرا، وأخذ عَنْهُ القراءات أَبُو عَبْد اللَّه بْن هاجر.
وسَمِع منه فِي هَذِهِ السّنة أَبُو عَبْد اللَّه بْن غبَرة.
281- يَحْيَى بْن أَبِي القاسم مقبل بن أحمد بن بركة بن الصّدر [3] .
__________
[1] وقال القزويني: وحكى الحكيم الفاضل أبو الفتح يحيى السهروردي الملقّب بشهاب الدين في بعض تصانيفه: بينا أنا بين النائم واليقظان رأيت في نور شعشعاني بمثل إنساني، فإذا هو المعلّم، فسألته عن فلان وفلان من الحكماء فأعرض عني، فسألته عن سهل بن عبد الله التستري وأمثاله فقال: أولئك هم الفلاسفة حقّا، نطقوا بما نطقنا فلهم زلفى وحسن مآب! (آثار البلاد 571) .
[2] في الأصل (يحيى بن أبي غالب) والتصحيح من: التكملة لوفيات النقلة 1/ 157 رقم 146.
[3] انظر عن (يحيى بن مقبل) في: مشيخة النعال 109، 110، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 163 رقم 156، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 899 (في من لقبه: عفيف الدين) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 251 رقم 1368، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 373،(41/288)
أَبُو طاهر الْبَغْدَادِيّ، الحريميّ، المعروف بابن الأبيض ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة.
وسمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وحدَّث.
تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ذِي القعدة.
282- يَحْيَى بْن هبة اللَّه بْن فَضْل اللَّه بن محمد [1] .
أبو الحسن ابن النّخاس، بخاء معجمة، الواسطيّ، الغَرَّافيّ [2] .
حدَّث عَنْ: أَبِي عليّ الفارقيّ، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السّلام.
تُوُفّي فِي رابع شوّال.
وكان أَبُوهُ أَبُو المعالي قاضيا بالغرّاف.
283- يعقوب بْن يوسف بْن عُمَر بْن الْحُسَيْن [3] .
أَبُو محمد الحربيّ، الْمُقْرِئ.
قرأ القراءات عَلَى: الْحُسَيْن بْن محمد البارع، ومحمد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفيّ، وغيرهما.
وسَمِع منَ: ابن الحُصَيْن، وابن كادش، وأبي الْحُسَيْن بْن الفرّاء، وجماعة.
وأقرأ النّاس القراءات، وكان مبرّزا فِي معرفتها، قيّما بها، ثقة، مُسِنًّا.
رَوَى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن وقَالَ: سمعنا عليه، وعلى عَبْد المغيث «مُسنّد» الْإِمَام أَحْمَد.
__________
[ () ] 374، وشذرات الذهب 4/ 292.
[1] انظر عن (يحيى بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 160 رقم 151، والمشتبه 2/ 541، وتوضيح المشتبه 6/ 220.
[2] الغرّافي: بالغين المعجمة، وتشديد الراء، ثم فاء. نسبة إلى الغرّاف: من سواد واسط.
[3] انظر عن (يعقوب بن يوسف) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 160، 161، رقم 152، والمختصر المحتاج إليه 3/ 230، رقم 1308، ومعرفة القراء الكبار 2/ 560، 561 رقم 515، وغاية النهاية 2/ 391.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 180 ولم يترجمه.(41/289)
وروى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، وأجاز للزَّين بْن عَبْد الدّائم، وغيره.
وتُوُفّي فِي شوّال عَنْ سِنٍّ عالية.
وعنه أيضا: عَبْد الرَّحْمَن بْن يوسف بْن الكِلّ.
284- يوسف [1] بْن الْحَسَن [2] بْن أَبِي البقاء بْن الْحَسَن.
أَبُو مُحَمَّد العاقُوليّ [3] الأصل، الْبَغْدَادِيّ، المأمونيّ، الْمُقْرِئ.
وُلد سنة عشر وخمسمائة.
وسمع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي بَكْر بْن عَبْد الباقي، وأبي مَنْصُور القزّاز، وجماعة.
وكتب الكثير.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [4] : كتبتُ عَنْهُ، وما أعلم من أمره إلّا خيرا. وتُوُفّي فِي صَفَر.
وقَالَ ابن النّجّار: كَانَ صالحا متديّنا، إلّا أَنَّهُ لَمْ يكن يعرف شيئا من علم الْحَدِيث، وَهُوَ كثير الغَلَط.
285- يوسف الأندلسيّ.
البِشْريّ، الزَّاهد، أَبُو الحَجَّاج. تلميذ أَبِي عَبْد الله بْن المجاهد. مشهور بالزُّهد والعبادة، وَلَهُ فِي ذَلِكَ أخبار وأحوال.
وعاش نَحْوًا من ثمانين سنة.
توفّي فِي هَذِهِ السّنة ظنّا.
الكنى
286- أَبُو القاسم بْن حُبيش [5] .
__________
[1] انظر عن (يوسف بن الحسن) في: مشيخة النعال 101، 102، والتكملة لوفيات النقلة/ 151، 152 رقم 132، والمختصر المحتاج إليه (مخطوط) ورقة 124.
[2] في الأصل: «الحسين» ، والتصحيح من المصادر.
[3] العاقولي: نسبة إلى دير العاقول: بلدة بين بغداد وواسط في شرقيّ دجلة.
[4] في المختصر المحتاج إليه، ورقة 124.
[5] انظر عن (أبي القاسم بن حبيش) في: مفرّج الكروب لابن واصل ج 2.(41/290)
البَهْرَاني، الحَمَويّ، الفقيه الشّافعيّ، قاضي القُضاة بحماة، أمين الدّين.
قال القاضي ابن واصل: تُوُفّي فِي حادي عشر رمضان.
قَالَ: وكان رئيسا جوادا، عظيم القدْر بحماه، مشهورا عِنْد الملوك.
قُلْتُ: هُوَ من أجداد شيخنا موفّق الدّين الحَمَويّ خطيب دمشق.
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: العماد أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن السَّهْرُوَرِديّ، والمجد مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عساكر، والنّجيب عبد اللّطيف بن الصّيقل، والنّصير بن تمّام رئيس المؤذّنين، ونجم الدّين مظفَّر بْن مُحَمَّد بْن الياس بْن الشيرجيّ، والأمير يعقوب بْن المعتمد العادليّ.(41/291)
سنة ثمان وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
287- أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [1] .
الفقيه أَبُو العبّاس، العراقيّ، الحنبليّ، الْمُقْرِئ، الملقّن بجامع دمشق تحت النَّسْر.
سَمِع: مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سهلون السِّبْط، وأبا الفتح الكَرُوخيّ، وسعد الخير الْأَنْصَارِيّ، وجماعة.
وَهُوَ والد الرّشيد إِسْمَاعِيل الراويّ بالإجازة عَنِ السِّلَفيّ.
رَوَى عَنِ: الشَّيْخ موفّق الدّين، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
ذكر زكيّ الدّين المُنْذريّ [2] أَنَّهُ تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة.
وقَالَ الضّياء مُحَمَّد: تُوُفّي فِي جُمادى الأولى سنة ستّ وسبعين، فَوَهِم.
وذكره الشَّيْخ الموفّق فَقَالَ: إمامٌ فِي السُّنَّة داعيا إليها، إمامٌ فِي القراءة، كَانَ يقرئ تحت النَّسْر، وكان ديّنا يَقُولُ شِعْرًا حَسَنًا. وشرحَ عبادات الخِرَقيّ بالشِّعر.
وقَالَ ابن النّجّار: قرأ القرآن عَلَى سِبْط الخيّاط، وسَمِع بدمشق فِي سنة إحدى وخمسين أيضا من مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الحوافر البعلبكّيّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن الحسين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 180 رقم 184، ومعرفة القراء الكبار 2/ 561 رقم 516، والوافي بالوفيات 6/ 352، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 376، 377، وغاية النهاية 1/ 50، وشذرات الذهب 4/ 293.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 228 ولم يترجم له.
[2] في التكملة.(41/292)
وروى عَنْهُ أيضا: يوسف بْن خليل، ومحمد بْن طرخان.
وقَالَ ابن خليل: قرأ القرآن بالقراءات عَلَى أَبِي مُحَمَّد، وغيره. وكان شيخا فاضلا، متفنِّنًا، طيّب المحاضرة.
تُوُفّي سنة ثمانٍ.
288- أَحْمَد بْن خَلَف [1] .
أَبُو القاسم الكَلاعيّ، الإشبيليّ، الفقيه، المعروف بالحوفي.
سَمِع «صحيح الْبُخَارِيّ» من أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي بَكْر بْن العربيّ.
وولّي قضاء إشبيلية مرَّتين. وكان مشكورا فِي الأحكام، فَرَضِيًّا [2] .
289- إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد بْن أَبِي بَكْر [3] .
الفقيه، الأخباريّ أَبُو إِسْحَاق الهاشميّ، الْعَبَّاسيّ، الْمَصْرِيّ، إمام مَسْجِد الزُّبَير.
من فُضلاء المالكيَّة.
حدَّث عَنْ: أَبِي القاسم بْن عساكر بمصر.
وألّف تاريخا فِي أمراء مصر إلى أيّام صلاح الدّين، وجمع مجاميع. وَلَهُ كتاب «البُغْية والاغتباط فِي من سكن الفُسطاط» [4] ، وكتاب فِي الوعظ. وله نَظْم.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل [5] وله ثلاثٌ وسبعون سنة [6] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن خلف) في: الوفيات لابن قنفذ 295، 296 رقم 588 وفيه قال محقّقه السيد عادل نويهض بالحاشية رقم (3) : «من أهل الحوف بمصر، ولم أعثر على ترجمة وافية له فيما بين يدي الساعة من كتب الرجال» .
[2] وقال ابن قنفذ: «وكان قوته في مدّة قضائه من صيد الحوت بيده، وكان الأمير يقوم بأمر بغلته، ولم يزد ثوبا على مرقّعته» .
[3] انظر عن (إبراهيم بن إسماعيل) في: المقفّى الكبير للمقريزي 1/ 1004 رقم 54، وسيعيده المؤلّف- رحمه الله- في السنة التالية، رقم (323) .
[4] في المقفّى: «البغية والاغتباط فيمن ولي مصر والفسطاط» .
[5] في المقفى: يوم الأحد حادي عشرين شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
[6] في المقفى: مولده آخر شهر رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة.(41/293)
290- إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي القاسم [1] .
أَبُو الفضل الْجَنْزَويّ [2] الأصل، الدّمشقيّ، المولد والدّار، الفقيه الشّافعيّ الشُّرُوطيّ، الكاتب المعدَّل، الفَرَضيّ. ويُقَالُ فِيهِ أيضا الْجَنْزيّ.
وُلِد فِي ربيع الأوّل سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وتفقّه عَلَى جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن بْن المسلَّم، وأبي الفتح نصر اللَّه المَصِّيصيّ، وسَمِع منهما.
ومنَ: الأمين هبة اللَّه بْن الأكفانيّ، وعبد الكريم بْن حَمْزَة، وطاهر بْن سهل، وعليّ بْن قُبَيْس، ويَحْيَى بْن بِطريق، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم الشّهْرَزُوريّ، وطبقتهم بدمشق.
ورحل فسمع: أَبَا البركات هبة اللَّه بْن البخاريّ، وأبا محمد عَبْد اللَّه بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبا عليّ الْحَسَن بْن إِسْحَاق الباقَرْحيّ [3] ، وأبا الْحَسَن مُحَمَّد بْن مرزوق الزَّعْفَرانيّ، وأبا نصر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسيّ، وأبا القاسم هبة اللَّه الحريريّ، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وطائفة كبيرة ببغداد، وبالأنبار.
كتب عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وأَبُو المواهب بن صصريّ، وأبو محمد القاسم ابن الحافظ، وعبد الْعَزِيز بْن الأخضر، وعبد القادر بْن الرهاويّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد، ويوسف بن خليل الحفّاظ، والشّيخ موفّق الدّين،
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن علي) في: معجم البلدان 2/ 132، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 245، 246، والمختصر المحتاج إليه 1/ 242، 243، والعبر 4/ 266، والمشتبه 1/ 183، والإعلام بوفيات الأعلام 242، والمعين في طبقات المحدّثين 181 رقم 1920، وسير أعلام النبلاء 21/ 234، 235 رقم 120، ومرآة الجنان 3/ 437، 438، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 207 (7/ 52، 53) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 370، 371، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 139 ب.، والنجوم الزاهرة 6/ 116، وشذرات الذهب 4/ 293.
[2] الجنزوي: بفتح الجيم وسكون النون وفتح الزاي.
[3] الباقرحي: بفتح القاف وسكون الراء، وكسر الحاء المهملة. نسبة إلى باقرح وهي قرية من نواحي بغداد. (الأنساب 2/ 48) .(41/294)
والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والتّاج بْن أَبِي جَعْفَر، وإبراهيم بْن خليل، وعبد اللَّه بْن الخُشُوعيّ، والعماد عَبْد الحميد بْن عَبْد الهادي، والزَّين أَحْمَد بْن عَبْد الدّائم.
وجَنْزَة من مُدُن أرّان، وإقليم أرّان بَيْنَ أَذَرْبَيْجان وأرمينية.
كَانَ يشهد عَلَى باب الجامع، وكان بصيرا بكتابة الشُّروط نبيها فِي الْحَدِيث ذا عنايةٍ بسماعه وروايته.
تُوُفّي فِي سلْخ جُمادى الأولى.
ورحل إلى بغداد مرّات، وعُمِّر تسعين سنة.
- حرف الحاء-
291- الْحَسَن بْن الْإِمَام أَبِي جَعْفَر هبة اللَّه بْن يَحْيَى بْن أَبِي نُعَيم الْحَسَن بْن أَحْمَد [1] .
الفقيه أَبُو عليّ الواسطيّ، الشّافعيّ، المعدَّل، المعروف بابن البُوقيّ [2] .
وُلِد سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة.
وتفقّه عَلَى أَبِيهِ، وبرع فِي المذهب.
وسَمِع من: أَبِي الكَرَم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَخْلَد، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الجلابي [3] ، وسعد بْن عَبْد الكريم الغَنْدَجَانيّ [4] .
__________
[1] انظر عن (الحسن بن هبة الله) في: الكامل في التاريخ 12/ 94، وإكمال الإكمال لابن نقطة (مخطوطة الظاهرية) ورقة 53، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 20، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 173، 174 رقم 171، والمختصر المحتاج إليه 2/ 28، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 223 (7/ 72) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 264، 265، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 140 أ، والوافي بالوفيات 12/ 292 رقم 264، وتوضيح المشتبه 1/ 465.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 228 ولم يترجم له.
[2] البوقي: بالباء الموحّدة المضمومة وسكون الواو، وكسر القاف، نسبة إلى بوقة قرية من قرى أنطاكية. (معجم البلدان 1/ 510، 511) .
[3] الجلّابي: بضم الجيم وتشديد اللام وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة. نسبة إلى الجلّاب، (الأنساب 3/ 400) .
[4] الغندجاني: بفتح الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة والجيم وفي آخرها النون. نسبة إلى غندجان وهي بلدة من كور الأهواز من بلاد الخوز. (الأنساب 9/ 179) .(41/295)
وسَمِع ببغداد منَ: الوزير أَبِي المظفَّر بْن هُبَيْرة، وأبي الفتح بْن البَطّيّ، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ.
وكان إِلَيْهِ الفتوى بواسط.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي سادس شعبان.
292- الْحُسَيْن بْن يَوْحن [1] بْن أَبَويْه بْن النُّعْمَان [2] .
أَبُو عَبْد الله الباوَرِيّ [3] ، اليمنيّ. وباوَر جزيرة فِي البحر باليمن.
سَمِع ببغداد: أَبَا الفضل مُحَمَّد بْن عُمَر الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر، وابن الزّاغونيّ.
ودخل أصبهان وسكنها، وسَمِع بها من: أَبِي الخير الباغْبَان، ومَسْعُود الثَّقَفيّ، وجماعة.
ثُمَّ قدِم بغداد، وسَمِع ولديه: الْحَسَن، وعليّا من شُهْدَة.
سَمِع منه: عَبْد اللَّه الْجُبّائيّ، وعَلِيّ بْن يعيش القَوَاريريّ.
وكان صالحا صوفيّا، كتب الكثير.
كَانَ الشَّيْخ عَبْد الرّزّاق الْجِيليّ بثني عليه كثيرا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، وغيره.
قَالَ ابن النّجّار: تُوُفّي سنة ثمانٍ وثمانين بأصبهان، وَقَدْ نيّف عَلَى الثّمانين، رحِمَه اللَّه [4] .
- حرف الخاء-
293- خَالِد بْن مُحَمَّد بْن نصر بْن صغير [5] .
__________
[1] في الأصل: «بوجن» ، وهو تحريف.
[2] تقدّمت هذه الترجمة برقم (251) .
[3] الباوري: بفتح الباء الموحّدة وبعد الألف واو مفتوحة وراء مهملة مكسورة مخفّفة.
(المنذري 1/ 154) .
[4] ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229، وقيّده محقّقاه بضم الياء المثنّاة من تحت «يوحن» ، والصحيح بالفتح «يوحن» كما قيّد في (التكملة للمنذري) .
[5] انظر عن (خالد بن محمد) في: العبر 4/ 266، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني(41/296)
الرئيس موفّق الدّين أبو البقاء ابن الأديب البارع أَبِي عَبْد اللَّه، المخزوميّ، الخالديّ، الحلبيّ، ابن القّيْسَرانيّ، الكاتب، وزير السّلطان نور الدّين.
كَانَ صدرا نبيلا، وافر الجلالة، بارع الكتابة، يكتب الخطّ المحقّق كتابة ينفرد بها.
بعثه نور الدّين رسولا إلى الدّيار المصريّة، فسمع من: عَبْد اللَّه بْن رفاعة، والسِّلَفيّ.
وسَمِع بدمشق منَ: ابن عساكر.
وحدَّث بحلب.
رَوَى عَنْهُ: الموفّق يعيش النَّحْويّ، وغيره.
ومات في جمادى الآخرة بحلب.
- حرف الزين-
294- زينب ستّ النّاس [1] .
وتُدعَى مباركة، بِنْت الشَّيْخ أَبِي الفَتْح عَبْد الوهَّاب بْن مُحَمَّد الصَّابونيُّ، الخفّاف، الحنبليّ.
سمَّعَها أبوها من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وقُراتِكين بْن الأسعد، وأحمد بن البنّاء.
رَوَى عَنْهَا: ابنها عُمَر بْن كرم الدِّينَوَرِيّ، والْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن حمدون.
وتُوُفِّيَت فِي ذي القعدة. وهي أخت عبد الخالق.
__________
[ () ] 244- 246 رقم 38، وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 1939، والبداية والنهاية 14/ 31 (في ترجمة حفيده) ، والوافي بالوفيات 13/ 282، 283 رقم 343، والمقفّى الكبير 3/ 740، 745 رقم 1351، وبغية الوعاة 7/ 98- 105 رقم 996، والأعلام 2/ 340.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 ولم يترجم له.
[1] انظر عن (زينب ست الناس) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 261 رقم 1403، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 176 رقم 177، والمشتبه 2/ 566.(41/297)
- حرف السين-
295- ستّ الدّار بِنْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن الأشقر [1] .
الحربيّة.
رَوَت عَنْ: أبيها، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف.
296- سعد السُّعْود بْن أَحْمَد بْن هِشَام بْن إدريس [2] .
أَبُو الْوَلِيد الأُمَويّ، الأندلسيّ، اللَّبْليّ. ويُعرف بابن عُفَيْر.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي مُحَمَّد بْن كوثر، وأبي الْحَسَن بْن مؤمن، وأبي الْعَبَّاس بْن أَبِي مَرْوَان واختصَّ بِهِ ولزِمه.
وسَمِع من جماعة آخرين.
قَالَ الأَبّار [3] : وكان فقيها ظاهريا، محدّثا، نظّارا، أديبا، شاعرا.
حدَّث عَنْهُ ابنه أَبُو أُميَّة إِسْمَاعِيل، وأبو الْعَبَّاس النباتيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن خَلْفُون.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة بقرية برجلاته من قرى لَبْلَة. وعاش خمسا وسبعين سنة، رحِمَه اللَّه تَعَالَى.
- حرف الطاء-
297- طاهر بْن مكارم بن أحمد بن سعد [4] .
__________
[1] انظر عن (ست الدار) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 177 رقم 179، والمشتبه 1/ 58 (البرني) وفيها اسم أبيها: «علي بن عبد الرحمن بن الأشقر بن البرني» ، وتوضيح المشتبه 1/ 417 وصحّح اسم أبيها كما هنا.
[2] انظر عن (سعد السعود) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 764 رقم 2012، والوافي بالوفيات 15/ 183، 184 رقم 255.
[3] في تكملة الصلة 2/ 764.
[4] انظر عن (طاهر بن مكرم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 175 رقم 173، وتاريخ إربل 1/ 167 في ترجمة ابنه علي، ومعجم البلدان 4/ 310، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة كمبرج) ورقة 121، وسير أعلام النبلاء 21/ 302 رقم 158.(41/298)
أَبُو مَنْصُور الْمَوْصِلِيّ، القلانِسيّ، المؤدّب، البقّال.
سَمِع «مُسْنَد» المُعَافى [1] بْن أَبِي القاسم نصر بْن أحمد بن صفوان في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن الأثير، والحافظ ابن خليل، وغيرهما.
تُوُفّي فِي رابع رمضان بالموصل.
- حرف العين-
298- عَبْد السّلام بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيّ بْن قريش [2] .
القاضي الوجيه أَبُو المعالي الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الْمَصْرِيّ الكاتب.
تُوُفّي بالقدس ودُفِن بِهِ.
كتب للملك العادل مدّة.
299- عَبْد الواحد بْن عَلِيّ ابْن القُدْوَة أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن حَمُّوَية [3] .
أَبُو سعد الْجُوَيْنيّ، البحيراباذيّ، الشّافعيّ، الصُّوفيّ.
وُلِد سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
وسَمِع من: وجيه الشّحّاميّ.
وببغداد من: أَبِي الوقت، وبَهَمَذَان من: شَهْرَدار بْن شيرُوَيْه، وأبي الفضل أحمد بن سعد.
__________
[1] في الأصل: «المعافا» .
[2] انظر عن (عبد السلام بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 168 رقم 162، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 159.
[3] انظر عن (عبد الواحد بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 76 رقم 885، والتاريخ المجدّد لمدينة السلام، لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 50، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 80- 82، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 178، 179 رقم 181، والعقد المذهب (المخطوط) ورقة 159، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 141 ب، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 97، 98، وقد وقع نقص في الترجمة فورد فقط:
«عبد الواحد بن الشيخ ... أبي الحسن علي بن الإمام علم الزهاد بن عبد الله محمد بن حمويه ... » .(41/299)
وحدَّث ببغداد، ومكّة، ودمشق.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بْن المفضّل الحافظ، والتّاج بْن أَبِي جَعْفَر، وآخرون.
وتُوُفّي بالرّيّ.
ومِمَّن رَوَى عَنْهُ: ابن أخته تاج الدّين عَبْد السّلام، وأَبُو طاهر الحسن بن أحمد التّميميّ.
ووهم من قال إنَّه تُوُفّي سنة خمسٍ وثمانين. وَقَدْ ذكر أَبُو حامد بْن الصّابونيّ [1] أنّ سنة ثمانٍ وهْمٌ أيضا، وقَالَ: فَإِن شيخنا أَبَا طاهر التَّمِيمِيّ سَمِع منه مشيخة وجيه فِي المحرَّم سنة تسعٍ وثمانين.
300- عَبْد الوهَّاب بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو الفتح ابْن الكتّانيّ، الواسطيّ.
رَوَى عَنِ: الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن السّواديّ، وخميس بْن عَلِيّ الحّوْزِيّ الواسطيّين.
مات في صفر.
301- عبد الوهّاب بن هبة الله بن أبي ياسر عبد الوهّاب بن عليّ بن أبي حبّة [3] .
أبو ياسر الدّقّاق، الطّحّان، البغداديّ.
سمع الكثير من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء، وأبي الحسن بن الفرّاء، وهبة الله بن الطّبر، ومحمد بن الحسين المزرفيّ، وزاهر الشّحّاميّ، وخلق كثير.
__________
[1] في تكملة إكمال الإكمال 82.
[2] انظر عن (عبد الوهاب بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 169 رقم 164.
[3] انظر عن (عبد الوهاب بن هبة الله) في: التقييد لابن نقطة 372، 373 رقم 477، والتكملة لوفيات النقلة 2/ 169 رقم 165، ومشيخة النعال 110، 111، وتاريخ إربل 229، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 262، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 74، والمختصر المحتاج إليه، ورقة 80، والمشتبه 1/ 213، والإعلام بوفيات الأعلام 242، والعبر 4/ 266، 267، وسير أعلام النبلاء 21/ 227، 228، رقم 114، وشذرات الذهب 4/ 293، وتاج العروس (حب) ، وتوضيح المشتبه 3/ 79.(41/300)
وروى الكثير. وحدَّث بمُسْنَد أَحْمَد بحرّان.
وكان فقيرا قانعا.
قَالَ ابن النجّار [1] : كَانَ لا بأسَ بِهِ، صَبُورًا عَلَى فقْره.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ [2] : كَانَ فقيرا، صبورا، صحيح السّماع [3] ، وُلِد سنة ستّ عشرة وخمسمائة، وأدركه أجَلُه بحرّان فِي الحادي والعشرين من ربيع الأوّل.
قُلْتُ: حدَّث ببغداد، والموصل، وحرّان.
وأَبُو حبّة: بباء موحّدة.
رَوَى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن صُديق.
302- عُبَيْد الله بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن السّمين [4] .
أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي المعالي الْبَغْدَادِيّ.
من أولاد المحدّثين.
سَمِع: هبة اللَّه الحريريّ، ومحمد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِي، وعبد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد اليُوسُفيّ، وعبد الملك الكَرُوخيّ، وطائفة سواهم.
وكتب بخطّه الكثير لنفسه وللنّاس.
وخرَّج، وحدَّث ببغداد والموصل. وولد سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة.
قَالَ أَبُو الْحَسَن القَطِيعيّ: كتبتُ عَنْهُ، وكان ثقة من أهل التّقشّف والصّلاح.
__________
[1] في التاريخ المجدّد، ورقة 74.
[2] في ذيل تاريخ بغداد 15/ 262، والمختصر المحتاج إليه، ورقة 80.
[3] وقال ابن نقطة نحوه في (التقييد) .
[4] انظر عن (عبيد الله بن أحمد) في: مشيخة النعّال 111- 113، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 175 رقم 174، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 116، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 82، والمختصر المحتاج إليه 2/ 189 رقم 831، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 293، وشذرات الذهب 4/ 293.(41/301)
كتب الكثير، وأكل من كسْب يده.
قُلْتُ: وروى عَنْهُ الْإِمَام أَبُو عَمْرو بْن الصّلاح.
وتُوُفّي فِي رمضان.
303- عَرَفة بْن عَلِيّ بْن أَبِي الفضل [1] .
أَبُو المعالي بْن البَقَليّ الْمُقْرِئ، الزَّاهد.
شيخ عابد منقطع فِي مسجده، يلقّن القرآن.
روى عَنْ: أَبِي نصر الْحَسَن بْن مُحَمَّد اليونارتيّ، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن مقبل.
وعاش تسعا وثمانين سنة.
304- عَلِيّ بْن أَحْمَد ابْن صاحب القلاع الهَكّاريَّة أَبِي الهيجاء بْن عَبْد اللَّه بْن المرزُبان بْن عَبْد اللَّه [2] .
الأمير الكبير، مقدَّم الجيوش، سيف الدّين الهَكّاريّ المشطوب.
وُلّي نيابة عكّا، ثُمَّ أقطعه السّلطان صلاح الدّين القدس. وخلّص منَ الفِرَنج الَّذِين أسروه من عكّا قبل موته بنحوٍ من ستّة أشهر.
ولم يكن فِي أمراء الدّولة أحدٌ يُدانيه حشمة وجلالة. كَانَ يُلَقَّب بالأمير الكبير. ولمّا استفكّ منَ الأسر وصل إلى السّلطان وهو بالقدس في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر عن (عرفة بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 176، 177 رقم 178، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 34، وأخبار الزهاد لابن الساعي (مخطوط) ورقة 84.
[2] انظر عن (علي بن أحمد) في: النوادر السلطانية 239، 240، والفتح القسّي 53، 442، 457، 505، 513، 588، 613، والكامل في التاريخ 11/ 15، ومفرّج الكروب 2/ 410، والروضتين 2/ 209، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 420، والمختصر في أخبار البشر 3/ 83، والدرّ المطلوب 100، 107، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106، ومرآة الجنان 3/ 328، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 92 وفيه «سيف الدين بن علي بن أحمد المشطوب» ، وج 4 ق 2/ 98، 99، وفيه «علي بن أحمد الهكاري» وكنيته: أبو الحسن، والنجوم الزاهرة 6/ 117، وشفاء القلوب 179، وشذرات الذهب 4/ 294.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 ولم يترجم له.(41/302)
قَالَ ابن شدّاد [1] : دخل عَلَى السّلطان بغتة وعنده أخوه الملك العادل، فنهض واعتنقه، وسُرَّ بِهِ سرورا عظيما، وأخلى المكان، وتحدّث معه طويلا.
قُلْتُ: وقيل إنّ خبزه كَانَ يعمل ثلاثمائة ألف دينار. وقيل: إنَّه استفكّ نفسه منَ الفِرَنج بخمسين ألف دينار، وجاء فأعطاه السّلطان نابلس، فظلَم أهلها قليلا، فَشَكوه إلى السّلطان، فعتب عليه. ثمّ مات عن قريب.
وأقطع السّلطان وَلَده عماد الدّين أَحْمَد بْن سيف الدّين المشطوب ثلث نابلس.
وأمّا سيف الدّين فتُوُفّي بالقدس فِي شوّال. وكان ابنه عماد الدّين ابن المشطوب من كبار أمراء الدّولة الكامليَّة.
305- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
الحَدِيثيّ، أخو قاضي القضاة رَوْح.
سَمِع: قاضي المَرِسْتان، وعبد الرَّحْمَن القزّاز، وبدر الشّيحيّ.
وعنه: يوسف بْن خليل، وغيره.
مات فِي ربيع الآخر.
306- عَلِيّ بْن مرتضى بن عليّ بن محمد ابن الدّاعي [2] .
الشّريف الأجلّ أَبُو الْحَسَن بْن الشّريف أَبِي الْحُسَيْن الْمُرْتَضَى الحُسَينيّ، الأصبهانيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، الفقيه الحنفيّ، المعروف بالأمير السّيّد.
وُلِد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وتفقّه وحدَّث عَنْ: أَبِي سعد أَحْمَد بْن محمد، البغدادي. ودرّس مدّة.
__________
[1] في النوادر السلطانية 239، 240.
[2] انظر عن (علي بن مرتضى) في: الكامل في التاريخ 12/ 94، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس 1231) ورقة 37، وتلخيص مجمع الآداب ج 1/ 266، والمختصر المحتاج إليه 3/ 144 رقم 1061، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 195، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 172، 173 رقم 169، والوافي بالوفيات 22/ 190، 191 رقم 139، والطبقات السنية، 2/ رقم الورقة 867، 868.(41/303)
وكان من سراة النّاس وأعيانهم.
رَوَى عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وغيره [1] .
307- عَوْن بْن عَبْد الواحد بْن شُنَيْف [2] .
الْبَغْدَادِيّ، الرجل الصّالح.
رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وغيره.
وكان عارفا بالفرائض رحِمَه اللَّه تَعَالَى،
- حرف الفاء-
308- فارس بْن أَبِي القاسم بْن فارس بْن أَبِي سعد [3] .
أَبُو مُحَمَّد الحربي الحفّار، الشَّيْخ الصّالح.
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وسَمِع: عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْلَى الكوفيّ، وأَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن قريش، ومحمد بْن محمد المهْديّ، وهبة الله بْن الحُصَيْن [4] ، وجماعة.
__________
[1] قرأ الفقه لأبي حنيفة وبرع فيه وفي الخلاف، وقرأ الأدب، وحصّل منه طرفا، وسمع الحديث، وولي التدريس، بجامع السلطان، وانتهت إليه رئاسة الحنفية، وكان متديّنا، زاهدا في الولايات، كريم النفس، داره مجمع الفضلاء. وكان يكتب خطا مليحا، وله كتب كثيرة أصول بخطوط المشايخ. حدّث باليسير.
ومن شعره:
صن حاضر الوقت عن تضييعه ثقة ... أن لا بقاء لمخلوق على الدوام
وهبك أنك باق بعده أبدا ... فلن يعود إلينا عين ذا اليوم
ومنه:
لا تحزننّ لذاهب ... أبدا ولا تجزع لآت
واغنم لنفسك حظّها ... في البين من قبل الفوات
[2] انظر عن (عون بن عبد الأحد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 173 رقم 170.
[3] انظر عن (فارس بن أبي القاسم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 159 رقم 1102، والتقييد لابن نقطة 426 رقم 572، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 175، 176 رقم 176.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 ولم يترجم له.
[4] وقال ابن نقطة: سمع مسند الإمام أحمد من أبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين(41/304)
وهو آخر من سَمِع مِن ابن قُريش.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وغيره.
وتُوُفّي فِي شوّال.
- حرف القاف-
309- قاسم بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو إِبْرَاهِيم المقدسيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، الشّافعيّ. الشَّيْخ الصّالح.
وُلِد فِي حدود سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
وسَمِع من: عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن صولة، وعبد الغنيّ بْن طاهر الزَّعْفَرانيّ، وابن رفاعة الفَرَضيّ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بْن المفضّل الحافظ، وأَبُو نزار ربيعة اليمنيّ، ومحمد بْن عبد اللَّه بْن مزيبل، وأَبُو محمد عَبْد المحسن بْن عَبْد الْعَزِيز المخزوميّ ابْن الصَّيْرفيّ، وعثمان بْن مكّيّ الشّارعيّ، وعبد الغنيّ بْن نبين، وآخرون.
تُوُفّي فِي ثالث عشر المحرَّم.
310- قُراجا [2] .
الأمير أبو مَنْصُور الصّلاحيّ، أمير الإسكندريّة.
دُفِن بداره بالإسكندريّة فِي جُمادى الأولى.
وسَمِع من: أبي طاهر السّلفيّ.
__________
[ () ] الشيبانيّ، وحدّث به في سنة سبع وثمانين وخمسمائة، سمعه منه جماعة منهم الشيخ أحمد بن سليمان الحربي المعروف بالسّكّر، وسماعه صحيح. (التقييد) .
[1] انظر عن (قاسم بن إبراهيم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 168 رقم 162، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 أ، والعقد المذهب لابن الملقن (مخطوط) ورقة 159.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 دون ترجمة.
[2] انظر عن (قراجا) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 170 رقم 167.(41/305)
311- قِلج أرسلان بْن مَسْعُود بْن قِلج أرسلان بْن سُلَيْمَان بْن قُتُلْمِش بْن إسرائيل بْن سَلْجُوق بْن دُقاق [1] .
التُّرْكمانيّ، السّلطان عزّ الدّين.
وقيل والد قُتُلْمِش هُوَ رسلان بْن بيغو بْن سَلْجُوق، وقيل: قُتُلْمِش بْن أرسلان بيغو بْن سَلْجُوق بْن دُقاق. فبيغو بالعربيّ هُوَ إِسْرَائِيل.
السّلجوقيّ ملك الروم.
كَانَ فِيهِ عدل وحُسْن سياسة، وسداد رأي.
طالت أيّامه. وَهُوَ والد الجهة السّلجوقيَّة زَوْجَة النّاصر لدين اللَّه.
وتسلطن بعده ولده السّلطان غياث الدّين كيخسرُو.
وقيل إنَّه قُتِلَ. وَهُوَ منَ السّلاطين السَّلْجوقيَّة، وكان قَدْ قوي عليه أولاده، حَتَّى لَمْ يبق لَهُ معهم إلّا مجرّد الاسم، لكونه شاخ.
تُوُفّي بقونية فِي منتصف شعبان.
ورّخه ابن الأثير [2] ، وقَالَ: كَانَ لَهُ منَ البلاد قونية، وأقصرا، وسِيواس، ومَلَطْية. وكانت مدّة ملكه تسعا وعشرين سنة. وكان ذا سياسة، وعدْل، وهيبةٍ عظيمة وغزوات كثيرة فِي الرّوم. ولمّا كبر فرَّق بلاده عَلَى أولاده، فحجر عليه ابنه قُطْب الدّين، فهرب إلى ابنه الآخر، فتبرَّم بِهِ. ثُمَّ أكرمه ولده كيخسْرُو وسار فِي خدمته. وندم هُوَ عَلَى تفريق بلاده عَلَى أولاده.
وكان ملكه بضْعًا وثلاثين سنة.
__________
[1] انظر عن (قلج أرسلان) في: الكامل في التاريخ 12/ 87، 88، والروضتين 2/ 209، وتاريخ مختصر الدول 223، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 420، والمختصر في أخبار البشر 3/ 84، والفتح القسّي 211، 560، 623، 625، والعبر 4/ 267، والإعلام بوفيات الأعلام 242، ودول الإسلام 2/ 100، وسير أعلام النبلاء 21/ 211، 212 رقم 103، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 74، والدرّ المطلوب 111، والبداية والنهاية 12/ 352، والعسجد المسبوك 2/ 218- 220، والسلوك ج 1 ق 1/ 112، والنجوم الزاهرة 6/ 117. وشذرات الذهب 4/ 295.
[2] في الكامل 12/ 87.(41/306)
- حرف الميم-
312- مُحَمَّد بْن أسعد بْن عَلِيّ بْن معمّر بْن عُمَر بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد الْجَوَّانيّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن حُسَيْن بْن زين العابدين بْن الْحُسَيْن [1] .
الشّريف أَبُو عَلِيّ ابْن الشّريف الأجلّ أَبِي البركات العَلَويّ، الحُسَينيّ، العُبَيْدليّ، الجوّانيّ، المصريّ.
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وقرأ عَلَى والده، وعلى: الفقيه عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن الجبّاب، وعبد المنعم بْن مَوْهوب الواعظ، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم الكيزانيّ.
وحدَّث عَنْ: عَبْد اللَّه بْن رفاعة، والسِّلَفيّ.
قَالَ الحافظ عبد العظيم [2] : ثنا عَنْهُ غير واحد. وولّي نقابة الأشراف مدةٌ بمصر، وذُكِر أَنَّهُ صنّف كتاب «طبقات الطّالبيّين» [3] ، وكتاب «تاج [4] الأنساب ومنهاج الصّواب» ، وغير ذَلِكَ.
وكان علّامة النَّسَب فِي عصره. أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ ثقة الدّولة أَبِي الْحُسَيْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن حيدرة الحسيني الأرقطيّ.
ومُحَمَّد هَذَا منسوب إلى الْجَوَّانيَّة [5] ، وهي من عمل المدينة من جهة الفرع.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أسعد) في: خريدة القصر (قسم شعراء مصر) 1/ 117، ومعجم البلدان 2/ 137، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 177، 178 رقم 180، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 100- 104، والوافي بالوفيات 2/ 202، والعسجد المسبوك 2/ 220، ولسان الميزان 5/ 74- 76، والنجوم الزاهرة 6/ 119، وتاج العروس 9/ 169، وكشف الظنون 268، 1104، 1862، وإيضاح المكنون 2/ 517، 542، 544، ومصفّى المقال لآقا بزرك 393، والأعلام 6/ 256، ومعجم المؤلفين 9/ 49.
وقد ذكره المؤلف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 ولم يترجم له.
[2] في التكملة 1/ 178.
[3] في التكملة 1/ 178 «طبقات النسابين الطالبين» .
[4] في التكملة 1/ 178: «تاريخ» .
[5] الجوّانية: بفتح الجيم وتشديد الواو وفتحها وبعد الألف نون وياء آخر الحروف مشدّدة.(41/307)
ذكر أنّ السّلطان صلاح الدّين وقَّع لأبي عليّ بربعها وأنّه وكّل عليها من يستغلها لَهُ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ يُونُس بْن مُحَمَّد الفارقيّ هَذِهِ القصيدة الّتي مَدَح بها القاضي أَبَا سعد بْن عَصْرُون، وهي:
هَتَفَتْ فمادت بالفروع غصونُ ... وبَكَتْ فجادتْ بالدّموعِ عيونُ
مرحت بها قضب الأراكة فانْثَنَى ... غصْنٌ يَمِيسُ بها وماد غَصونُ
ما لي وما للهاتفات ترنُّمًا ... يصبو لهنَّ فؤادي المحزون
وهي قصيدة طويلة.
313- مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْد اللَّه بْن ودَعة [1] .
الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه بْن البقّال، الْبَغْدَادِيّ، الشّافعيّ، مُعيد النظاميَّة.
كَانَ بارعا فِي المذهب والخلاف. واخترمته المنيّة شابّا [2] .
__________
[ () ] وقيّدها بعضهم بالتخفيف.
[1] انظر عن (محمد بن إسماعيل) في: تلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 1/ رقم 399 وج 5/ رقم 247، والمختصر المحتاج إليه (بالملحق) 2/ 250، 251 رقم 39، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 174 رقم 172، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 25، و (مخطوطة شهيد علي) ورقة 23، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 66 (6/ 94، 95) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 269، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 أ، والوافي بالوفيات 2/ 217، والعقد المذهب (مخطوط) ورقة 159، 160، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 32، وإيضاح المكنون 2/ 325، ومعجم المؤلفين 9/ 58.
[2] وقال ابن الدبيثي: من أهل الظّفريّة، فقيه متميّز من أصحاب الشافعيّ. تفقّه في مدّة قريبة، وحصّل طرفا حسنا من المذهب والخلاف وكان حسن الكلام في المسائل، له يد جيّدة في الجدال، أعاد بالمدرسة النظامية والمدرّس بها أبو الحسن علي بن علي الفارقيّ، وخرج عن بغداد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة متوجّها إلى الشام وناظر الفقهاء في طريقه وظهر كلامه واستحسن إيراده، ودخل دمشق مريضا فبقي بها أياما وتوفي في النصف من شعبان منها بدمشق، وكان شابا (المختصر المحتاج إليه) .
وقال ابن الفوطي: كان فقيها أديبا فاضلا مقيدا بالنظاميّة. وصنّف كتاب «المقترح في المصطلح» في علم البندق وطرائقه ومعرفة أصوله ومذاهبه، صنّفه للإمام الناصر لدين الله. (تلخيص مجمع الآداب) .(41/308)
314- مُحَمَّد بْن الْإِمَام أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن هُذَيل [1] .
الشَّيْخ أبو عَبْد اللَّه البَلَنْسيّ.
سَمِع من: أَبِيهِ، وأبي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد، وأبي الْوَلِيد بْن الدّبّاغ.
وحجّ سنة تسعٍ وثلاثين فسمع منَ: السِّلَفيّ.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو عُمَر بْن عُبَاد، وابناه مُحَمَّد وأَحْمَد، وأبو الرَّبِيع بْن سالم الكَلاعيّ، وأَبُو بَكْر بْن مُحْرِز، وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الأَبّار [2] : وكان فِي غاية الصّلاح والورع، وَلَهُ حظٌّ من علم التّعبير.
عاش تسعا وستّين سنة [3] .
315- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن شَهْراشُوب بْن أَبِي نصر [4] .
أَبُو جَعْفَر السّروريّ، المازندرانيّ، رشيد الدّين الشّيعيّ. أحد شيوخ الشّيعة، لا بارك الله فيهم.
قال ابن أبي طيِّئ فِي «تاريخه» [5] : نشأ فِي العِلم والدّراسة وحفظ القرآن وَلَهُ ثمان سِنين. واشتغل بالحديث، ولقي الرجال، ثُمَّ تفقّه وبلغ النّهاية فِي فقه أَهْل البيت، ونبغ فِي علم الأصول حَتَّى صار رَحْلةً. ثُمَّ تقدَّم فِي علم القرآن، القراءات، والغريب، والتّفسير، والنّحو، وركب المِنْبر للوعظ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أبي الحسن) في: تكملة الصلة لابن الأبار، وغاية النهاية 2/ 208 رقم 3276، والمقفّى الكبير 6/ 340 رقم 2819، وشجرة النور الزكية 147 رقم 441.
[2] في تكملة الصلة.
[3] وقع في غاية النهاية أنه توفى سنة 614 هـ.
[4] انظر عن (ابن شهرآشوب) في: روضات الجنات 602، وتنقيح المقال للمامقاني 3/ 156، 157، وبغية الوعاة 1/ 77، والوافي بالوفيات 4/ 164، ولسان الميزان 5/ 310، والفوائد الرضوية لعباس القمّي 568- 571، وكشف الظنون 27، 1269، 1584، وإيضاح المكنون 1/ 69، 103 و 2/ 228، 421، 427، 452، 560، وهدية العارفين 2/ 102، ومصفّى المقال 414، 415، وطبقات أعلام الشيعة (الثقات العيون في سادس القرون) 273، 274، وأعيان الشيعة 46/ 136.
[5] مفقود حتى الآن.(41/309)
ونَفَقَتْ سُوقُه عِنْد الخاصّة والعامّة. وكان مقبول الصّورة، مستعْذَب الألفاظ، مليح الغَوْص عَلَى المعاني.
حَدَّثَنِي قَالَ: صار لي سوقٌ بمازندران حَتَّى خافني صاحبها، فأنفذ يأمرني بالخروج عَنْ بلاده، فصرتُ إلى بغداد فِي أيّام المقتفي، ووعظت، فعظُمَتْ منزِلتي واستُدْعيت، وخلع عليّ، وناظَرْت، واستظهرت عَلَى خصومي، فَلُقِّبْتُ برشيد الدّين، وكنتُ أُلقَّبُ بعزّ الدّين. ثُمَّ خرجت إلى المَوْصِل، ثُمَّ أتيت حلب.
قَالَ: وكان نزوله عَلَى والدي فأكرمه، وزوَّجه ببنت أخته، فرُبّيتُ فِي حجْره، وغذّاني من عِلمه، وبصّرني فِي ديني.
وكان إمامَ عصره، وواحد دهره. وكان الغالب عليه علم القرآن والحديث، كشف وشرح، وميّز الرجال، وحقّق طريق طالبي الإسناد، وأبانَ مراسيل الأحاديث منَ الآحاد، وأوضح المفترق منَ المتفِق، والمؤتِلف منَ المختلِف، والسّابق منَ اللّاحق، والفصل منَ الوصل، وفرَّق بَيْنَ رجال الخاصّة ورجال العامّة.
قُلْتُ: يعني بالخاصّة الشّيعة، وبالعامّة السُّنَّة.
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ما زال أصحابنا بحلب لا يعرفون الفرق بَيْنَ ابن بُطَّة الشّيعيّ منَ ابنَ بَطَّة الحنبليّ، حَتَّى قدِم الرشيد فَقَالَ: ابنُ بَطة الحنبليّ بالفتح، والشّيعي بضمّها.
وكان عِنْد أصحابنا بمنزلة «الخطيب» للعامّة، وكيحيى بْن مَعيِن فِي معرفة الرجال.
وَقَدْ عارض كُلّ عِلم من علوم العامّة بِمِثْلِهِ، وبرز عليهم بأشياء حسنة لَمْ يصلوا إليها. وكان بَهيّ المنظر، حَسَن الوجه والشّيْبَة، صدوق اللهجة، مليح المحاورة، واسع العلم، كثير الفنون، كثير الخشوع والعبادة والتّهجُّد، لا يجلس إلّا عَلَى وضوء.
تُوُفّي ليلة سادس عشر شعبان سنة ثمانٍ وثمانين، ودُفِن بجبل جَوْشن عِنْد مشهد الْحُسَيْن.(41/310)
316- محمود بْن مُحَمَّد بْن كرم.
أَبُو المجد الْبَغْدَادِيّ، الضّرير، الْمُقْرِئ.
رَوَى عَنْ: أَبِي غالب بن البناء.
روى عنه: عبد الله بن أَحْمَد الخباز.
تُوُفّي فِي شهر رجب.
- حرف النون-
317- نَصْر بْن مَنْصُور [1] بْن الْحَسَن بْن جوشن [2] بْن مَنْصُور بْن حُمَيد.
الأمير أَبُو المُرْهَف النُّمَيْرِيّ، الشّاعر المشهور. من أولاد أمراء العرب.
وأُمّه بنَّة بِنْت سالم بْن مالك بْن بدران بْن مقلّد بْن مُسيَّب العُقَيْليّ.
ولد بالرّافقة سنة إحدى وخمسمائة، ونشأ بالشّام، وخالط أهل الأدب، وقال الشّعر الفائق وَهُوَ مراهق. وأصابَه جُدّريّ وَلَهُ أربع عشرة سنة، فضعف بصره، فكان لا يُبصر إلّا شيئا قريبا منه. ثُمَّ وقع الاختلاف بَيْنَ عشيرته بعد موت والده، واختلّ أمرهم. فسار إلى بغداد طامعا فِي مداواة عينيه، فأيأسته الأطبّاء من ذَلِكَ، فاشتغل بالقرآن فحفظه، وتفقّه عَلَى مذهب أَحْمَد، وقرأ العربيّة عَلَى أَبِي مَنْصُور بْن الجواليقيّ.
وسَمِع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي بكر الْأَنْصَارِيّ، ويَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقيّ، وعَبْد الرحمن الأنماطيّ.
__________
[1] انظر عن (نصر بن منصور) في: معجم الأدباء 7/ 208، وذيل الروضتين 2/ 211، وتلخيص مجمع الآداب 21/ رقم 476، وتاريخ إربل 1/ 177، ومرآة الزمان 8/ 421 وفيه: «نصر بن مسعود» ، ووفيات الأعيان 5/ 383، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 170 رقم 166، والمختصر المحتاج إليه 3/ 213، وسير أعلام النبلاء 21/ 213، 214 رقم 104، ومرآة الجنان 3/ 438، والبداية والنهاية 12/ 352، ونكت الهميان 300، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 374، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 99- 101، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 158، والنجوم الزاهرة 6/ 7118 وشذرات الذهب 4/ 297، وكشف الظنون 817، وهدية العارفين 2/ 491، وديوان الإسلام 4/ 325 رقم 2107، والأعلام 8/ 29، ومعجم المؤلفين 13/ 92.
[2] تصحّف في تاريخ ابن الفرات إلى «جوش» .(41/311)
وقوّض ما تبقّى من بصره من ألمٍ أصابه، وصحِب الصّالحين والأخيار، ومدح الخلفاء والوزراء.
وكان فصيح القول، حسن المعاني، وفيه دِين وتسنُّن.
رَوَى عَنْهُ: عُثْمَان بْن مقبل، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ويوسف بْن خليل، ومُحَمَّد بْن سَعِيد الدُّبِيثيّ، وعليّ بْن يوسف الحمّاميّ، وآخرون.
قَالَ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أحمد القَطِيعيّ: منع الوزير ابن هُبَيْرة الشّعراء من إنشاد الشّعر بمجلسه، فكتب النُّمَيْرِيّ إِلَيْهِ قصيدة، فكتب الوزير عليها:
هَذَا لو كَانَ الشّعراء كلّهم مثله فِي دِينه وقوله لَمْ يُمنعوا، وإنّما يقولون ما لا يحلّ الإقرار عليه، وَهُوَ فالصَّديق، وما يذكره يوقف عليه، ورسومه تزار.
قُلْتُ: وَفِي ديوانه عدّة قصائد مدح بها المقتفي لأمر اللَّه، فَمنْ ذَلِكَ:
جوّى بَيْنَ أثناء الحشاء ما يزايلُه ... ودمعٌ إذا كفكفته لجَّ هاملُهْ
يضيق لبُعْد النّازلين عَلَى الشَّرى ... بمرفضّ دمع العين منّي مُسائلُهْ
وهل أنسين الحيَّ من آل جَنْدَلِ ... تجاوَب ليلا بُزْله وصواهلُهْ
تُبوِّئهُ الثَّغرَ المَخُوفَ محلّه طوالُ ... ردينياته ومناصلُهْ
وتقتنص الأعداءَ جهْرًا رجالُه ... كَمَا اقتنصت حر باز شهب أجادلُهْ
وكنت أرى أنّي صبورٌ عَلَى النَّوى ... فَلَمَّا افترقنا غالَ صبري غوائلُهْ
أَفُرسانَ قيسٍ من نُمَيْرٍ إذا القنا ... تولّج لبّاه الكُماة عواملُهْ
هَلِ السَّفْح من نجم المعاقل بالشّرى ... عَلَى العهدِ منكم أمْ تعفَّت منازلُه؟
وهل ما يُقضَى من زمان اجتماعِنا ... بمردودٍ أسحارُهُ وأصائلُهْ
بكم يأمنَ الجاني جريرةَ ماضي ... ويَرْوي منَ الخُطى فِي الحرب ناهلُهْ
وأوهن طولُ البُعد عنكم تجلُّدي ... وغادر ليلي سَرْمَدًا متطاولُهْ
ولم أتّخِذْ إلْفًا منَ النّاس بعدكم ... وهل يألف الْإِنْسَان مَنْ لا يُشاكله
وَلَهُ فِيهِ:
لولا القنا والصّوارم الخدمُ ... ما أقلعتْ عَنْ عنادها العجمُ
توهَّموا المُلْك بالعراق وما ... شارفه مُسْلَمَ الحمَى لهم(41/312)
وما دروا أنَّ دون حَوْزِتهِ ... مِنَ المنايا لأمرِهِ خَدَمُ
تتابعوا فِي عجاجتي لَجَبٌ ... تضيق عَنْهُ البِطاحُ والأكمُ
لا يحسبون الإمامَ من مُضَرٍ ... مرصده للعِدى بِهِ النَّقَمُ
حَتَّى إذا أبصروا كتائبَه ... حاروا فَمَا أقدموا ولا انهزموا
وقد تلقّاهم بمرهفة ... ما برحت من غمودها القممُ
فناشدوهُ الأمانَ والتزموا ... لأمره الطاعَة الّتي التزموا
وردَّ عَنْهُمْ عقابَه ملكٌ ... شِيمتُه العفْو حين يحتكمُ
للَّه دَرّ النّفوس هادية ... إذا أناسٌ عَنِ الرشاد عَمُوا
هُوَ الدّواء الَّذِي تزول بِهِ ... عَنِ القلوب الشّكوك والتُّهَمُ
ما ابتسمت والخطوب مظلمة ... إلّا انْجلَتْ بابتسامها الظُّلَمُ
يسمع إنشادها إذا ارْتَحَلَتْ ... غرائبُ الموت مَنْ بِهِ صَمَمُ
وَلَهُ:
يزهّدني فِي جُمَيْع الأنام ... قِلَّةُ إنصافِ مَن يُصحَبُ
وهل عرف النّاس ذو نُهْيَةٍ [1] ... فأمسى لهم فيهمُ مأرَب [2]
هم النّاس ما لم تجرّ بهم ... وطلس الذّئاب [3] إذا جرّبوا
ولَيْتَكَ تَسْلَمُ عِنْد [4] البِعادِ ... منهم فكيف إذا قُرِّبُوا
[5] ؟
أنْشَدنا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الواسطيّ: أنشدنا عَبْد الرَّحْمَن بْن إِبْرَاهِيم، أنشدنا نصر بْن مَنْصُور لنفسه:
أُحِبُّ عليّا والبَتُولَ ووُلْدَها ... ولا أجحد الشَّيخيْن حقَّ التَّقدُّمِ
وأبْرأُ مِمَّنْ نال عُثْمَانَ بالأَذَى ... كَمَا أتبرّأ من ولاء ابن ملجم
__________
[1] في الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 376 «نهبة» .
[2] في الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 376 «مرغب» .
[3] في الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 376 «الذباب» .
[4] في سير أعلام النبلاء 21/ 214 «رحال» ، والمثبت يتفق مع ذيل طبقات الحنابلة.
[5] في الذيل على طبقات الحنابلة: «يقربوا» .(41/313)
ويُعجبني أهلُ الحديثِ لصِدْقِهم ... مَدَى الدَّهر فِي أفعالهم والتَّكَلُّمِ
[1] تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ربيع الآخر وَلَهُ ثمانٌ وثمانون سنة.
318- نَصْر بْن أَبِي مَنْصُور [2] .
المؤدّب المعروف بالحَكَم الشّاعر.
تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة أيضا.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ من شِعره ابن الدُّبِيثيّ هذين البيتين:
ولمّا رَأَى ورْدًا بخدّيه يُجْتَنَى ... ويُقطَفُ أحيانا بغير اختياره
أقام عليه حارسا من جُفُونِهِ ... وسَلَّ عليه مُرْهفًا من عِذارِه
قُلْتُ: لو قَالَ «وسيّجه صونا بآسِ عِذاره» لكان أحسَن.
- حرف الياء-
319- يَحْيَى بْن عَبْد الجليل [3] بْن مُجْبَر [4] .
أَبُو بَكْر الفِهْريّ، المُرْسِيّ، ثُمَّ الإشبيليّ، شاعر الأندلس فِي زمانه بلا مُدافعة.
أَخَذَ الأدب عَنْ شيوخ مُرْسِيَة، ومدح الملوك والأمراء، وشهد لَهُ بقوّة عارضته، وسلامة طبْعه قصائدُهُ البديعة الّتي سارت أمثالا، وبَعُدت عَلَى قُربها منالا.
__________
[1] الأبيات في الذيل على طبقات الحنابلة باختلاف ألفاظ.
[2] انظر عن (نصر بن أبي منصور) في: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي ج 15.
[3] انظر عن (يحيى بن عبد الجليل) في: بغية الملتمس 503، 504 رقم 1480، وتكملة الصلة لابن الأبّار 3/ 132، ووفيات الأعيان 7/ 13، 14، (في ترجمة يعقوب بن عبد المؤمن سلطان المغرب) ، وزاد المسافر للتجيبي 9، والروض المعطار 201، 202، 342، 343، 415، 479، 568، والعبر 4/ 267، وسير أعلام النبلاء 21/ 215، 216 رقم 105، وفوات الوفيات 4/ 275- 277 رقم 570، ونفح الطيب للمقّري 3/ 237، وكشف الظنون 768، وهدية العارفين 2/ 521، والأعلام 9/ 187، 188، ومعجم المؤلفين 13/ 204.
[4] تحرّف في معجم المؤلفين إلى: «مجير» .(41/314)
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن حسّان، وغيره.
تُوُفّي بمَرّاكُش ليلة عيد النَّحْر فِي الكهولة.
وقيل: تُوُفّي سنة سبْع [1] الماضية.
وَلَهُ:
لا تغبط المُجْدِبَ فِي عِلْمِهِ ... وإنْ رأيتَ الخِصْبَ فِي حالِهِ
إنّ الَّذِي ضيَّع من نفسِهِ ... فوقَ الَّذِي ثَمَّرَ من مالِهِ
وَلَهُ أيضا:
إن الشدائدَ قَدْ تَغشى الكريمَ ... لأنْ تبين فضلَ سجاياه وتوضحُه
كمِبْرَدِ القين إذْ يَعْلُو الحديدَ بِهِ ... وليس يأكُلُهُ إلّا ليُصْلحُه
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي «تكملة الصّلة» [2] وبالغ فِي وصفه.
ولابن مُجْبَر ديوان أكثر ما فِيهِ منَ المدائح فِي السّلطان يعقوب صاحب المغرب. فَمنْ ذَلِكَ هَذِهِ القصيدة البديعة:
أتُراه يتركَ الغَزَلا [3] ... وعليه شبَّ واكْتَهَلا
كلِفٌ بالغِيد ما عِلقَت [4] ... نفسْهُ السلوانَ مُذْ عَقَلا
غير راضٍ عَنْ سجيَّةِ مَنْ ... ذاقَ طعَمَ الحُبّ ثُمّ سلا
أيُّها اللُّوّامُ ويْحَكُمُ ... إنّ لي عَنْ لَوْمكُم شُغُلا
نَظَرَتْ عيني لشِقْوَتِها ... نظراتٍ وافقَتْ أَجَلا
غادة لمّا مَثَلْتُ لها ... تركتني في الهوى مثلا
__________
[1] بها ورّخه ابن خلّكان 7/ 14.
[2] ج 3/ 132.
[3] في هامش الأصل كتب بالخط نفسر: «العذلا» ، وكذا في سير أعلام النبلاء. و P المثبت يتفق مع: وفيات الأعيان، وفوات الوفيات.
[4] في وفيات الأعيان 7/ 13 «عقلت» ، والمثبت من الأصل، وسير أعلام النبلاء، وفوات الوفيات.(41/315)
خشيت [1] أنّي سأحرقها [2] ... إذ رأيت رأسي قَدِ اشتعلا
يا سراةَ الحيّ مثلُكُم ... يتَلافَى الحادثَ الْجَلَلا
قَدْ نزلنا فِي جواركُم ... فشَكَرْنا ذَلِكَ النُّزُلا
ثُمّ واجهْنا ظِباءكُم ... فلقِينا الهَوْلَ والوَهَلا
أَضَمِنْتُم أمْنَ جِيرتكمْ ... ثُمّ ما أمّنْتُمُ [3] السُّبُلا
ليتنا نلقى [4] السيوفَ ولم ... نلقَ تِلْكَ الأعينَ النُّجُلا
أشرعوا الأعطاف مايسة [5] ... حين أشرعنا القنا الذُّبُلا
واستفزَّتنا عيونُهُم ... فخلعنا البَيْضَ والأَسَلا
نُصروا بالحُسْن فانْتَهَبُوا ... كُلّ قلبٍ بالهوى خُذِلا [6]
عطَّلَتْني الغِيدُ مِن جَلَدي ... وأنا حلَّيْتُها الغَزَلا
حملت نفسي عَلَى فَنَنٍ [7] ... سُمْتها صبْرًا فَمَا احتملا
ثُمّ قَالَت [8] سوف نتركها ... سَلَبًا للحبّ أو نقلا
قلتُ: أمّا وَهْيَ قَدْ علِقَتْ [9] ... بأميرِ المؤمنين، فلا
ما عدا تأميلها ملْكًا ... مَنْ رآه أدْرَكَ الأَمَلا
فإذا ما الجودُ حركَّه ... فاض في كفّيه [10] فانهملا
__________
[1] هكذا في الأصل، وسير أعلام النبلاء 21/ 216، وفي وفيات الأعيان، وفوات الوفيات:
«حسبت» .
[2] في فوات الوفيات: «سأحزنها» .
[3] في وفيات الأعيان 7/ 14: «آمنتم» ، والمثبت يتفق مع: فوات الوفيات 4/ 276.
[4] في وفيات الأعيان 7/ 14: «خضنا» ، ومثله في: فوات الوفيات.
[5] في وفيات الأعيان 7/ 14: «ناعمة» ، ومثله في: فوات الوفيات، وسير أعلام النبلاء.
[6] في وفيات الأعيان 7/ 14: «جذلا» ، والمثبت يتفق مع: سير أعلام النبلاء، وفوات الوفيات.
[7] في وفيات الأعيان: «فتن» .
[8] في سير أعلام النبلاء: «قالوا» ، والمثبت يتفق مع: وفيات الأعيان، وفوات الوفيات.
[9] في سير أعلام النبلاء: «قلت أو ما وهي عالقة» ، والمثبت يتفق مع: وفيات الأعيان، وفوات الوفيات.
[10] في وفيات الأعيان: «فاض من يمناه» .(41/316)
وهي مائة وتسعة [1] أبيات.
وَلَهُ يمدح يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن أيضا.
دعا الشوقُ قلبي والرّكائب والرّكبا ... فلبَّوا جميعا وَهُوَ أوّل من لبَّى [2]
وظَلْنا نَشَاوَى للّذي بقلوبنا ... نخال الهوى كأسا وتحَسبُنا شرْبا
أرق نفوسا عند ما نصف الهوى ... وأقسى قلوبا عند ما نشهدُ [3] الحربا
ويؤلمنا لَمْعُ البُرُوقِ إذا بدا ... ويَصْرَعُنا نَفْحُ النسيمِ إذا هبّا
يقولون: داوِ القلب تسل [4] عن الهوى ... فقلت: لَنِعْمَ الرأيُ لو أنّ لي قلْبا
[5] 320- يزيد بْن مُحَمَّد بْن يزيد بْن رفاعة [6] .
أَبُو خَالِد اللَّخْميّ، الغَرْناطيّ، المحدّث.
قَدْ مرَّ فِي سنة خمسٍ وثمانين.
وقَالَ ابن الزّبير: كان من جلّة الشّيوخ، وثقات الرّواة، عارفا بالأسانيد، يعط ويُقرِئ. وكان مُكثرًا. أكثرَ عَنْ أَبِي مُحَمَّد الرشاطيّ. وسمّى جماعة.
ثُمّ افتقر واحتاج بدخول النَّصارى المَرِيَّة، فجلس يؤدّب.
مات من عَطْسةٍ في المحرّم سنة ثمان وثمانين.
__________
[1] في وفيات الأعيان: 7/ 14 «مائة وسبعة أبيات» .
[2] في الأصل: «لبّا» .
[3] في الأصل: «نسهد» .
[4] في سير أعلام النبلاء «يسل» .
[5] في سير أعلام النبلاء 21/ 216 البيتان الأول والأخير فقط، وفي الروض المعطار 343 الأول والثاني، وذكر بيتا ثالثا ليس هنا:
إذا القضب هزّتها الرياح تذكّروا ... قدود الحسان البيض فاعتنقوا القضبا
[6] تقدّمت ترجمته برقم (199) .(41/317)
[مواليد السنة] وفيها وُلِد:
إِسْمَاعِيل بْن عَبْد القويّ بْن عزون، وتاج الدّين عَلِيّ بْن أحمد بن القسطلانيّ، والصّاحب كمال الدّين عُمَر بْن العديم، والضّياء زُهير بْن عُمَر الزُّرَعيّ، والكمال إِسْحَاق بْن خليل الشَّيْبَانِيّ قاضي زُرَع، وعمر بْن أَبِي الفتح بْن عوة الْجَزَريّ التّاجر، ويحيى بْن شجاع بن ضرغام صاحب ابن المفضّل المَقْدسيّ.(41/318)
سنة تسع وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
321- أَحْمَد بْن أسعد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد.
أَبُو المعالي الأصبهانيّ، المَدِينيّ.
سَمِع: أَبَا الطّاهر إِسْحَاق بْن أَحْمَد الراشتينانيّ [1] .
وأجاز لَهُ غانم البُرْجيّ، وأَبُو عليّ الحدّاد.
وتُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.
322- أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حُسَيْن بْن السَّكَن [2] .
أَبُو الفتح بْن أَبِي غالب بْن المعوّج.
سَمِع: أَبَاه، وأبا القاسم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبا الْحَسَن بْن عَبْد السّلام، وجماعة كثيرة.
وطلب، ونسخ، وحصّل.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، ويوسف بْن خليل.
وكان صحيح السّماع، صالحا.
323- إبراهيم بن إسماعيل بن سعيد [3] .
__________
[1] الراشتيناني: الشين معجمة ثم التاء المثنّاة من فوقها، وياء آخر الحروف ساكنة، ونون، وآخره نون. نسبة إلى راشتينان: من قرى أصبهان. (معجم البلدان 3/ 15) .
[2] انظر عن (ابن السكن) في: مشيخة النعال 115، 116، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 193، 194 رقم 215، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 221، والمختصر المحتاج إليه 1/ 208.
[3] تقدّمت ترجمته في السنة الماضية برقم (289) .(41/319)
الفقيه أَبُو إِسْحَاق الْقُرَشِيّ، الهاشميّ، الْمَصْرِيّ، المالكيّ.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وحدَّث عَنْ: أَبِي القاسم بْن عساكر، وعبد المولى بْن مُحَمَّد المالكيّ.
وكان إمام مسجد الزبير بن العوّام بمصر، وبه يعرف.
توفّي في ربيع الآخر، وله مجاميع في الرّقائق وغيرها. رحمه الله تعالى.
324- إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد بْن يحيى بْن مُحَمَّد بن الخشّاب [1] .
القاضي الرئيس أبو طاهر الحلبيّ، من أعيان الحلبيّين وكبرائهم.
كان فاضلا، أديبا، شاعرا، منشئا، له نظر في العلوم، إلّا أنّه كَانَ من أجلّاء الشّيعة المعروفين. وكان دمِث الأخلاق، ظريفا، مطبوعا. وَهُوَ والد المولى الصّدر بهاء الدّين الحَسَن بْن الخشّاب.
تُوُفّي فِي ذِي القعدة، وَلَهُ ثمانٌ وخمسون سنة.
325- أسعد بْن نَصر بْن أسعد [2] .
أَبُو مَنْصُور بْن العَبَرْتيّ، الأديب.
أَخَذَ النَّحْو عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن الخَشَّاب، والكمال عَبْد الرَّحْمَن الأنباريّ.
وعلَّم النّاسَ العربيّة. وكان لَهُ شِعْر حَسَن وتواليف، ومآخذ عَلَى النّحاة.
توفّي رحمه الله في رمضان [3] .
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن سعيد) في: طبقات أعلام الشيعة (الثقات العيون في سادس القرون) ص 2، وأعيان الشيعة (الطبعة الجديدة) 2/ 140.
[2] انظر عن (أسعد بن نصر) في: معجم البلدان 3/ 604، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 191، 192 رقم 210، وتاريخ ابن الدّبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 254، وإنباه الرواة 1/ 235، والتلخيص لابن مكتوم (مخطوط) ورقة 42، 43، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 108، وبغية الوعاة 1/ 441، 442. وقد تقدّم برقم (248) .
[3] وقع في معجم البلدان 3/ 604 أنه توفي في حدود سنة 570، ولعلّه أراد سنة 590 هـ.
فتصحّفت.(41/320)
- حرف الباء-
326- بُزْغُش [1] .
أَبُو عليّ عتيق أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْأَنْصَارِيّ، الدّبّاس.
سَمِع: أبا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء، وأبا الْحُسَيْن بْن الفرّاء.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة.
327- بُكْتمر [2] .
سيف الدّين صاحب خِلاط. مملوك صاحبها.
تُوُفّي فِي أوّل جُمادى الأولى.
وكان قَدْ أسرف فِي إظهار الشّماتة بموت صلاح الدّين، وفرح، وعمل تخْتًا جلس عليه. ولقَّب نفسه بالسّلطان المعظَّم صلاح الدّين، وسمّى نفسه عَبْد الْعَزِيز. وظهر منه رُعُونة. وتجهَّز لقصد ميّافارقين.
وكان مملوكٌ لشاه أرمن قَدْ تزوّج بابنة بُكْتمر، وطمع فِي المُلْك، فجهّز عَلَى بُكْتمر مَن قتله، وتمَّلك بعده.
قَالَ ابن الأثير [3] : وكان بُكْتمر خيِّرًا، صالحا، كثير الصَّدَقة، مُحِبًّا للصّوفيّة، حسن السّيرة في الرعيّة.
__________
[1] في الأصل (بزعش) بالعين المهملة، والتصحيح من: تاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 283، 284، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 194، 195 رقم 217، والمختصر المحتاج إليه 1/ 264.
[2] انظر عن (بكتمر) في: الكامل في التاريخ 12/ 102، 103، والفتح القسّي 334. 567، 637، 640، وتاريخ مختصر الدول 224، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 46، والدرّ المطلوب 126، 127 (سنة 591 هـ.) ، ومفرّج الكروب 3/ 19، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 58، 80، 108 و 2/ 459، 540، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 423 والمختصر في أخبار البشر 3/ 88، وزبدة الحلب 3/ 121، ودول الإسلام 2/ 100، والعبر 4/ 268، وسير أعلام النبلاء 21/ 277، 278 رقم 150، وتاريخ ابن الوردي 2/ 109، والبداية والنهاية 2، 13/ 7، والعسجد المسبوك 2/ 223، وشفاء القلوب 202، والنجوم الزاهرة 6/ 132، وشذرات الذهب 4/ 297، ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة 341.
[3] في الكامل 12/ 103.(41/321)
- حرف الحاء-
328- حاتم بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُفَرِّج بْن حاتم [1] .
الفقيه أَبُو المحاسن المقدسيّ، الأصل، الإسكندرانيّ. ابن عمّ الحافظ عَلِيّ بْن المفضل.
تُوُفّي فِي الكهولة. ولا أعلمه رَوَى شيئا.
329- حَرَميّ بْن مَغْفر [2] .
أَبُو مُحَمَّد الشّاهد البزّاز، الْمَصْرِيّ.
سَمِع: مُنْجِبًا المرشديّ.
330- الْحَسَن بْن أَبِي سعْد المظفَّر بْن الْحَسَن بْن المظفّر ابن السِّبْط الهَمَذَانيّ [3] .
أَبُو مُحَمَّد، ويُقَالُ اسمه ثَابِت. وَهُوَ بكنيته أشهر.
شيخ بغداديّ، رَوَى عَنْ جَدّه، عَنْ أَبِي عليّ.
سَمِع منه: أَحْمَد بْن طارق، وَجَعْفَر بن أحمد العبّاسيّ.
وتوفّي في رجب.
331- الحسن بن أبي نصر بن أبي حنيفة [4] بن القارض [5] .
أخو الحسين. وسمّاه بعضهم: المبارك [6] .
__________
[1] انظر عن (حاتم بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 186 رقم 197.
[2] انظر عن (حرميّ بن مغفر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 186 رقم 196.
[3] انظر عن (الحسن بن المظفّر) في: تاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 289، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 188 رقم 202، وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 125، والمختصر المحتاج إليه 1/ 268.
[4] انظر عن (الحسن بن أبي نصر) في: تاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 22، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 189 رقم 205، والمشتبه 2/ 493، والطبقات السنيّة (مخطوط) 1/ ورقة 880 وسيعاد باسم «المبارك» برقم (362) .
[5] في الأصل: «الفارض» ، والتصحيح من المصادر.
[6] المنذري في التكملة 1/ 189.(41/322)
روى عَنْ: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وغيره.
332- الْحُسَيْن بْن عبد الرحمن بن الحسين بن علي بن الخَضِر بْن عَبْدان.
الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ، أَبُو عَبْد اللَّه المحدّث.
لَهُ سماعات كثيرة وإجازات.
وتُوُفّي فِي رابع رمضان.
- حرف الدال-
333- دَاوُد بْن عِيسَى بْن فُلَيْتَة بْن قاسم بْن مُحَمَّد بن أبي هاشم [1] .
العلوي، الحسني [2] ، صاحب مكة.
تُوُفّي فِي رجب.
قَالَ ابن الأثير [3] : وما زالت إمرة مكّة تكون لَهُ تارة ولأخيه مُكْثِر [4] تارة إلى أن مات.
- حرف الراء-
334- أَبُو رجال بْن غلبون.
المُرْسِيّ الكاتب.
رَوَى عَنْ: أَبِي جَعْفَر بْن وضّاح، وحَمَل عَنِ ابن خفاجة «ديوانه» .
__________
[1] انظر عن (داود بن عيسى) في: الكامل في التاريخ 12/ 104، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 3/ 11 وفيه وفاته سنة 585 هـ.، وعمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، لابن عتبة (توفي 828 هـ.) ، بتصحيح الطالقانيّ، طبعة النجف 1380 هـ. / 1916 م.
ص 138، 139، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 156، والمختصر في أخبار البشر 3/ 89، والروضتين 2/ 195، والعبر 4/ 268، وتاريخ ابن الوردي 2/ 109، ومرآة الجنان 3/ 438، والوافي بالوفيات 13/ 587، والعسجد المسبوك 2/ 226، ومآثر الإنافة 2/ 66، و 2/ 314، 367، وشذرات الذهب 4/ 297، والأعلام 2/ 334،
[2] في مرآة الجنان 3/ 438 «الحسيني» .
[3] في الكامل 12/ 104.
[4] تصحّف في مآثر الإنافة 2/ 66 إلى «شكر» .(41/323)
وكان أديبا، بليغا، فصيحا.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو الرَّبِيع بْن سالم. وأجاز لأبي عَبْد اللَّه الأَبّار «ديوان» أَبِي إِسْحَاق بْن خَفَاجة.
توفّي فِي ذِي الحجَّة.
335- رجب بْن مذكور بْن أرنب [1] .
أَبُو الحُرُم [2] ، ويُقَالُ أَبُو عُثْمَان الأَزَجّي الأكّاف [3] .
شيخٌ أُمّيّ، صحيح السَّماع، عالي الرّواية.
سَمِع هُوَ، وأخوه ثعلب من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأَحْمَد بْن الْحَسَن البنّاء، وأبي العزّ أَحْمَد بْن كادش، وعَلِيّ بْن أَحْمَد بْن المُوّحِّد، وقُراتِكِين بْن الأسعد، وجماعة.
سَمِع منه: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، ومات قبله بأربع عشرة سنة.
وروى عَنْ رجب: يوسف بْن خليل، وسالم بْن صَصْرى، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وابن الدُّبِيثيّ [4] .
قَالَ ابن النّجّار: شيخ لا بأس بِهِ.
تُوُفّي فِي ثالث عشر رمضان.
- حرف الزاي-
336- زبيدة [5] .
__________
[1] انظر عن (رجب بن مذكور) في: مشيخة النعال 113، 114، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 190، 191 رقم 209، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ، ورقة 52، 53، والمختصر المحتاج إليه 2/ 69، 70 رقم 666، والإعلام بوفيات الأعلام 242، والمعين في طبقات المحدّثين 181 رقم 1921، والمشتبه 1/ 114، وسير أعلام النبلاء 21/ 229، 230 رقم 115.
[2] أبو الحرم: بضم الحاء والراء المهملتين.
[3] الأكّاف: بفتح الألف وتشديد الكاف. هذه اللفظة لمن يعمل أكاف البهائم. (الأنساب، اللباب) .
[4] وهو قال: وكان أمّيّا لا يعرف شيئا.
[5] انظر عن (زبيدة) في: الوافي بالوفيات 15/ 178 رقم 243.(41/324)
ابنة المقتضي لأمر اللَّه الّتي تزوّج بها السّلطان مَسْعُود السَّلْجُوقيّ عَلَى مَهْر مائة ألف دينار، ولم يدخل بها.
عاشت إلى هَذَا العام.
- حرف السين-
337- سالم بْن سلامة [1] .
أَبُو مُحَمَّد السُّوسيّ، المغربيّ، نزيل سجلْماسة.
سَمِع بفاس «صحيح الْبُخَارِيّ» من أَبِي عَبْد اللَّه بْن الرّمّامة. وكان حافظا لمذهب مالك، زاهدا، خيّرا، يورد الفقه بالَبْربريّ.
قَالَ الأَبّار: وَقَدْ نيّف عَلَى المائة سنة.
- سلطان شاه الخُوارَزْميّ.
اسمه محمود. يأتي فِي موضعه [2] .
338- سِنان [3] بْن سَلْمان [4] بْن مُحَمَّد.
أَبُو الْحَسَن الْبَصْرِيّ، كبير الإسماعيليّة وصاحب الدّعوة النّزاريّة.
وكان أديبا، فاضلا، عارفا بالفلسفة وشيء من الكلام والشّعر والأخبار.
__________
[1] انظر عن (سالم بن سلامة) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر رقم (365) .
[3] انظر عن (سنان بن سلمان) في: الكامل في التاريخ 11/ 419، 436 و 12/ 78، ورحلة ابن جبير 229، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 419، والمختصر في أخبار البشر 3/ 85، والدرّ المطلوب 120، 121، والتذكرة لابن العديم (مخطوط بدار الكتب المصرية) ورقة 244، 306، وزبدة الحلب، له 3/ 22، 31- 33، 38، والعبر 4/ 269، ودول الإسلام 2/ 100، والإعلام بوفيات الأعلام 242، وسير أعلام النبلاء 21/ 182- 190 رقم 93، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106 ومرآة الجنان 3/ 438، والوافي بالوفيات 15/ 463- 470 رقم 632، والعسجد المسبوك 2/ 226، 227، والنجوم الزاهرة 5/ 117، وشذرات الذهب 4/ 294، والأعلام 3/ 206.
[4] في مرآة الجنان 3/ 438 «سليمان» ، وهو تصحيف.(41/325)
تفسير الدَّعوة النِّزاريَّة وكانت فِي حدود الثّمانين وأربعمائة فيما أحسب. وهي نسبةٌ إلى نزار بْن المستنصر باللَّه معد بن الظاهر علي بن الحاكم العُبَيْديّ.
وكان نزار قَدْ بايع لَهُ أَبُوهُ، وبثَّ لَهُ الدُّعاة فِي البلاد بِذَلِك، منهم صبّاح صاحب الدّعوة. وكان صبّاح ذا سَمْتٍ، وذلْقٍ [1] ، وإظهارِ نُسْكٍ، وَلَهُ أتباعٌ من جنسِه، فدخل الشّام والسّواحل، فلم يتمّ لَهُ مراد، فتوجّه إلى بلاد العجم، وتكَّلم مَعَ أَهْل الجبال والغُتْمَ [2] الْجَهَلة من تِلْكَ الأراضي، فقصد قلعة المَوْت [3] ، وهي قلعة حصينة، أهلُها ضِعاف العقول، فُقَراء، وفيهم قوّة وشجاعة.
فَقَالَ لهم: نَحْنُ قوم زُهَّاد نعبُدُ اللَّه فِي هَذَا الجبل، ونشتري منكم نصف القلعة بسبعة آلاف دينار. فباعوه إيّاها، وأقام بها. فَلَمَّا قوي استولى عَلَى الجميع. وبلغت عدّة أصحابه ثلاثمائة ونيِّفًا.
واتّصل بملك تِلْكَ النّاحية: إنّ هاهنا قوما يفسدون عقائد النّاس، وهم فِي تزيُّد، ونخافُ من غائلتهم. فَنَهَدَ إليهم، ونزل عليهم، وأقبلَ عَلَى سُكْرِه ولّذَّاته. فَقَالَ رَجُلٌ من قوم صبّاح اسمه عليّ البَعْقوبيّ [4] : أَيِّ شيء يكون لي عندكم إنْ أنا كَفَيْتُكم مئونة هَذَا العدوّ؟ قَالُوا: يكون لك عندنا ذُكْران. أَيِّ نذكرك فِي تسابيحنا.
قَالَ: رَضِيتُ. فأمرهم بالنّزول منَ القلعة ليلا، وقسَّمهم أرباعا فِي نواحي العسكر، ورتّب معهم طُبُولًا وقَالَ: إذا سمعتم الصّياح فاضْربوا الطُّبول، ثُمّ انتهز عليّ البَعْقوبيّ الفرصة من غِرَّة الملك، وهجم عليه فقتله، وصاحَ أصحابه، فقتلَ الخواصّ عليّا، وضرب أولئك بالطّبول، فأرجفوا
__________
[1] في الأصل: «دلق» بالدال المهملة، والصحيح ما أثبتناه.
[2] الغتم: بضم الغين المعجمة والتاء المثنّاة الساكنة، الذين لا يفصحون شيئا.
[3] انظر عن (الموت) في: آثار البلاد وأخبار العباد، للقزويني 301، 302.
[4] هكذا «البعقوبي» بالباء الموحّدة في الموضعين. وفي سير أعلام النبلاء 21/ 184.
«اليعقوبي» بالياء المثنّاة، والله أعلم.(41/326)
الجيش، فهجّوا عَلَى وجوههم، وتركوا الخيام بما فيها، فنُقِل الجميع إلى القلعة، وصار لهم أموال وأعتاد، واستفحل أمرهم.
وأمّا نزار، فَإِن عَمَّتَه خافت منه، فعاهدت أعيان الدّولة عَلَى أن توَلّي أخاه الآمر، وَلَهُ ستّ سِنين، وخاف نزار فهرب إلى الإسكندريّة، وجَرَت لَهُ أمور، ثُمّ قُتِلَ بالإسكندريّة. وصار أَهْل الألَموت يدعون إلى نزار، فأخذوا قلعة أخرى، وتسرّع أهل الجبل منَ الأعاجم إلى الدّخول فِي دعوتهم، وبايَنوا المصريّين لكونهم قتلوا نزارا. وبنوا قلعة، واتَّسَع بلاؤهم وبلادُهم، وأظهروا شُغُلَ الهجوم بالسّكّين الّتي سنّها لهم عليّ البعقوبيّ، فارتاع منهم الملوك، وصانعوهم بالتُّحَف والأموال.
ثُمّ بعثوا داعيا من دعاتهم في حدود الخمسمائة أَوْ بعدها إلى الشّام، يُعرف بأبي مُحَمَّد، فجرت لَهُ أمور، إلى أن ملك قِلاعًا من بلد جبل السُّمّاق [1] ، كَانَتْ فِي يد النُّصّيْريَّة. وقام بعده سِنان هَذَا، وكان شَهْمًا، مهِيبًا، وَلَهُ فُحُوليَّة، وذكار، وغَور. وكَانَ لا يُرى إلّا ناسكا، أَوْ ذاكرا، أَوْ واعظا، كَانَ يجلس عَلَى حَجَر، ويتكلّم كأَنَّه حجر، لا يتحرَّك منه إلّا لسانه، حَتَّى اعتقد جُهَّالهم فِيهِ الإلهيَّة. وحصَّل كُتُبًا كثيرة.
وأمّا صبّاح فَإنَّهُ قرَّر عِنْد أصحابه أنّ الْإِمَام هُوَ نِزار. فَلَمَّا طال انتظارهم لَهُ، وتقاضيهم بِهِ قَالَ: إنَّه بَيْنَ أعداء، والبلاد شاسِعة، ولا يمكنه السّلوك، وَقَدْ عزم أن يختفي فِي بطنِ حاملٍ، ويجيء سالما، ويستأنف الولادة. فرضوا بِذَلِك. اللَّهمّ ثبِّت علينا عقولنا وإيماننا.
ثُمّ إنَّه أحضر جارية مصريّة قَدْ أَحْبَلها وقَالَ: إنَّه قَدِ اختفى فِي بطن هَذِهِ فأخذوا يعظّمونها، ويتخشّعون لرؤيتها، ويرتقبون الْإِمَام المنتظَر أن يَخْرُج منها، فولدت ولدا، فسمّاه حَسَنًا.
فَلَمَّا تسلطن خُوارزم شاه مُحَمَّد بْن تكش، واتّسع ملكه، وفخم أمره،
__________
[1] بنواحي حلب.(41/327)
قصد بلاد هَؤُلَاءِ الملاحدة، وهي قلاع حصينة، منيعة، كبيرة، يُقَالُ إنّها ممتدَّة إلى أطراف الهند. وَقَدْ حكم عَلَى الملاحدة بعد صبّاح ابنه مُحَمَّد، ثُمّ بعده الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن صبّاح المذكور، فرأى الْحَسَن منَ الحزم أن يتظاهر بالإسلام، وذَلِكَ فِي سنة سبْع وستّمائة، فادّعى، أَنَّهُ رَأَى عليّا عَلَيْهِ السَّلامَ فِي النّوم يأمره أن يُعيد شعارَ الْإِسْلَام منَ الصلاة، والصيام، والأذان، وتحريم الخمر. ثُمّ قصَّ المنام عَلَى أصحابه وقَالَ: أليس الدّينُ لي؟
قَالُوا: بلى.
قَالَ: فتارة أرفع التكاليف، وتارة أضعها.
قَالُوا: سمعا وطاعة.
فكتب بِذَلِك إلى بغداد والنّواحي، واجتمع بمن جاوره مِنَ الملوك، وأدخل بلادَه القرّاء، والفُقهاء، والمؤذّنين، واستخدم فِي ركابه أَهْل قَزْوين.
وذلك منَ العجائب.
وجاء رسوله ونائبة فِي صُحبة رسول الخليفة إلى الملك الظّاهر إلى حلب، بأنْ يقتل النّائب الأوّل ويقيم هَذَا النّائب لَهُ عَلَى قِلاعهم الّتي بالشّام.
فأنفق عليهم الظّاهر وأكرمهم، وخلّصوا بإظهار الْإِسْلَام من يد خُوارزم شاه.
رجعنا إِلَى أخبار سنان. كَانَ أعرج لحَجَرٍ وقع عليه منَ الزّلزلة الكائنة فِي دولة نور الدّين. فاجتمع إِلَيْهِ مُحُّبوه، عَلَى ما ذكر الموفّق عَبْد اللّطيف، لكي يقتلوه. فَقَالَ لهم: ولِمَ تقتلوني؟.
قَالُوا: لترجع إلينا صحيحا، فإنّا نكره أن يكون فينا أعرج.
فشكرهم ودعا لهم، وقَالَ: اصبروا عليَّ، فَلَيْس هَذَا وقته. ولاطَفَهم.
ولمّا أراد أن يُحِلّهم منَ الْإِسْلَام، ويُسقط عَنْهُمُ التّكاليف لأمرٍ جاءه منَ(41/328)
الأَلَمُوت عَلَى عهد إلْكِيّا [1] مُحَمَّد، نزل إِلَى مَقْثَأَةٍ [2] فِي شهر رمضان، فأكل منها، فأكلوا معه، واستمرّ أمرهم عَلَى ذَلِكَ.
وأوّل قدوم سِنان كَانَ إِلَى حلب، فذكر سعْد الدّين عبد الكريم، رسول الإسماعيليّة، قَالَ: حكى سِنان صاحب الدّعوة قَالَ: لمّا وردتُ الشّام اجتزتُ بحلب، فصلّيت العصر بمشهد عليّ بظاهر باب الْجِنان، وثَمَّ شيخ مُسِنّ، فسألته: من أَيْنَ يكون الشَّيْخ؟ قَالَ: من صبيان حلب.
وقَالَ الصّاحب كمال الدّين فِي «تاريخ حلب» [3] : أخبرني شيخ أدرك سِنانًا أنّ سِنانًا كَانَ من أَهْل البصْرة، وكان يعلّم الصّبيان، وأَنَّهُ مرّ وَهُوَ طالع إِلَى الحصون عَلَى حمارٍ حين ولّاه إيّاها صاحب الأَلَمُوت، فمرّ بإقمِيناس [4] ، فأراد أهلها أَخْذَ حماره، فبعد جَهْد تركوه، وبلغ من أمره ما بلغ. وكان يُظْهِر لهم التَّنَسُّك حَتَّى انقادوا لَهُ، فأحضرهم يوما وأوصاهم، وقَالَ: عليكم بالصّفاء بعضكم لبعض، ولا يمنعنّ أحدُكم أخاه شيئا هُوَ لَهُ. فنزلوا إِلَى جبل السُّمّاق وقالوا: قَدْ أمرنا بالصّفاء، وأن لا يمنع أحدُنا صاحبَه شيئا هُوَ لَهُ.
فأخذ هَذَا زوجَة هَذَا، وهذا بِنْت هَذَا سِفاحًا، وسمّوا أنفُسهم «الصُّفاة» .
فاستدعاهم سِنان إِلَى الحصون، وَقُتِلَ منهم مقتلة عظيمة.
قَالَ الصاحب كمال الدّين: وتمكّن فِي الحصون، وانقادوا لَهُ ما لَمْ ينقادوا لغيره، وتمكّن. وأخبرني عَلِيّ بْن الهوّاريّ أنّ الملك صلاح الدّين سيَّر إِلَيْهِ رسولا، وَفِي رسالته تهديد، فَقَالَ للرسول: سأريك الرجال الَّذِين ألقاه بهم. وأشار إِلَى جماعةٍ من أصحابه بأن يُلقوا أنفسهم من أعلى [5] الحصن، فألقوا أنفسهم وهلكوا.
قَالَ: وبلغني أَنَّهُ أحلّ لهم وطء أمّهاتهم، وأخواتهم، وبناتهم، وأسقط
__________
[1] الكيا: الرئيس.
[2] مقثأة: الموضع الّذي يزرع فيه القثّاء.
[3] في الجزء الضائع من «بغية الطلب في تاريخ حلب» .
[4] في الأصل: «اقمناس» ، والتصحيح من (معجم البلدان) وقال: هي قرية كبيرة من أعمال حلب في جبل السّمّاق، أهلها إسماعيلية.
[5] في الأصل: «أعلا» .(41/329)
عَنْهُمْ صوم رمضان.
قَالَ: وقرأت بخطّ أَبِي غالب بْن الحُصَيْن فِي «تاريخه» : وفيه، يعني محرّم سنة تسع وثمانين، هلك سِنان صاحب دار الدّعوة النِّزاريَّة بالشّام بحصن الكهف [1] . وكان رَجُلًا عظيما، خَفِيّ الكّيْد، بعيد الهمّة، عظيم المخاريق، ذا قُدرة عَلَى الإغواء، وخديعة القلوب، وكتْمان السّرّ، واستخدام الطَّغَام والغَفَلَة فِي أغراضه الفاسدة. وأصلُه من قريةٍ من قرى البصرة، وتُعرف بعُقْر السّدف. خَدَم رؤساء الإسماعيليّة بالأَلَمَوت، وراضَ نفسه بعلوم الفلسفة. وقرأ كثيرا من كُتُب الجدل والمغالطة، و «رسائل» إخوان الصّفا وما شاكلها منَ الفلسفة الإقناعيّة المشوّقة غير المبرهنة.
بني بالشّام حصونا لهذه الطّائفة، بعضها مُسْتَجَدَّة، وبعضها كَانَتْ قديمة، فاحتال فِي تحصيلها وتحصينها، وتوعير مسالكها.
وسالَمَتْهُ الأيّام، وخافته الملوك من أجل هجوم أصحابه عليهم. ودام لَهُ الأمر بالشّام نيِّفًا وثلاثين سنة. وسيَّر إِلَيْهِ داعي دُعاتهم من أَلَمُوت جماعة فِي عدّة مِرار ليقتلوه، خوفا منَ استبداده عليه بالرئاسة، فكان سِنان يقتلهم، وبعضهم يخدعه سِنان، ويُثنيه عمّا سُيِّر لأجله.
قَالَ كمال الدّين: وقرأتُ بخطّ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الفضل الرَّازيّ فِي «تاريخه» قَالَ: حَدَّثَنِي الحاجب معين الدّين مودود أَنَّهُ حضَرَ عِنْد الإسماعيلية سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وأَنَّهُ خلا بسِنان، وسأله عَنْ سبب كونه فِي هَذَا المكان، فَقَالَ: إنّني نشأت بالبصرة، وكان والدي من مقدّميها. فوقع هَذَا الْحَدِيث فِي قلبي، فجرى لي مَعَ إخوتي أمرٌ أحوجني إِلَى الانصراف عَنْهُمْ، فخرجتُ بغير زاد ولا ركوب، فتوصَّلتُ حَتَّى بلغت الأَلَمُوت، فدخلتها وبها إلْكِيّا مُحَمَّد متحكِّم، وكان لَهُ ابنان سمّاهما: الْحَسَن، والحسين، فأقعدني معهما فِي المكتب، وكان يَبُرُّني بِرَّهُما، ويساويني بهما. وبقيت حَتَّى مات، وولي بعده ابنُه الْحَسَن، فأنفذني إِلَى الشّام.
__________
[1] ويقال: حصن «الكف» بغير هاء. قلعة بالقرب من القدموس على نحو ساعة. تقوم على نشز عال فوق جبل مرتفع يرى على بعد. (صبح الأعشى 4/ 147) بجبال العلويّين.(41/330)
قَالَ: فخرجت مثل خروجي منَ البصرة، فلم أقارب بلدا إلّا فِي القليل. وكان قَدْ أمرني بأوامر، وحمّلني رسائل. فدخلت المَوْصِل، ونزلت مَسْجِد التّمّارين، وسرتُ من هناك إِلَى الرَّقَّة، وكان معي رسالة إِلَى بعض الرّفاق بها، فأدّيت الرسالة، فزوّدني، واكترى لي بهيمة إِلَى حلب. ولقيت آخر أوصلتُ إِلَيْهِ رسالة، فاكترى لي بهيمة، وأنفذني إِلَى الكهْف. وكان الأمر أنْ أقيم بهذا الحصْن. فأقمت حَتَّى تُوُفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي الجبل، وكان صاحب الأمر، فتولّي بعده الخواجة [1] عَلِيّ بْن مَسْعُود بغير نصٍّ، إلّا باتّفاق بعض الجماعة. ثُمّ اتّفق الرئيس أَبُو مَنْصُور بْن أَحْمَد بْن الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد، والرئيس فهْد، فأنفذوا مَنْ قتله، وبقي الأمر شورى، فجاء الأمر منَ الأَلَمُوت بقتْل قاتله، وإطلاق فهْد، ومعه وصيَّة، وأُمِر أن يقرأها عَلَى الجماعة، وهذه نسخة المكتوب: «هَذَا عهّدٌ عهِدْناه إِلَى الرئيس ناصر الدّين سِنان، وأمرناه بقراءته عَلَى سائر الرّفاق والإخوان، أعاذكم اللَّه جميعَ الإخوان منَ اختلاف الآراء، واتّباع الأهواء، إذ ذاك فتنةُ الأوّلين، وبلاء الآخرين، وفيه عبرة للمُعْتَبِرين، مَنْ تبرَّأ من أعداء اللَّه، وأعداء ولّيه ودينه، عليه مُوالاة أولياء اللَّه، والاتّحاد بالوحْدة سُنَّة جوامع الكِلم، كلمة اللَّه والتّوحيد والإخلاص، لا إله إلّا اللَّه، عُروة اللَّه الوُثقى، وحبْله المتين، ألا فتمسّكوا بِهِ، واعتصموا، عبادَ اللَّه الصّالحين فبِهِ صلاح الأوَّلين، وفَلاح الآخرين. أجمعوا آراءكم لتعليم شخصٍ معيّن بنصٍّ منَ اللَّه ووليّه، فتلقّوا ما يُلْقيه إليكم من أوامره ونواهيه بِقَبُولٍ، فلا وربِّ العالَمين لا تؤمنون حَتَّى تحكّموه فيما شَجَرَ بينكم، ثُمّ لا تجدوا فِي أنفسكم حَرَجًا ممّا قضى، وتسلّموا تسليما [2] . فذلك الاتّحاد به بالواحدة الّتي هِيَ آية الحقّ، المُنْجية منَ المهالك، المؤدّية إلى السّعادة السّرمديّة، إذ الكثرة علامة الباطل، المؤديَّة إِلَى الشّقاوة المخزية، والعياذ
__________
[1] في الأصل: «الأخواجة» .
[2] اقتباس من سورة النساء، الآية 65: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً 4: 65.(41/331)
باللَّه من زواله، وبالوحدة من آلِهةٍ شتَّى، وبالوحدة منَ الكَثْرة، وبالنّصّ والتّعليم منَ الأدواء والأهواء المختلفة، وبالحقّ منَ الباطل، وبالآخرة الباقية منَ الدُّنْيَا الملعونة، الملعون ما فيها، إلّا ما أُريد بِهِ وجه اللَّه، ليكون عِلمكم وعلمكم خالصا لوجهه الكريم. يا قوم إنّما دنياكم ملْعبةٌ لأهلها، فتزوّدوا منها للآخرة، وخير الزّاد التَّقْوى» .
إِلَى أن قَالَ: «أطيعوا أميركم ولو كَانَ عبدا حبشيّا، ولا تزكُّوا أنفُسَكم» .
قَالَ كمال الدّين: وكتب سِنان إِلَى سابق الدّين صاحب شَيْزَر يُعزّيه عَنْ أَخِيهِ شمس الدّين صاحب قلعة جَعْبَر:
إنّ المنايا لا يطأن [1] بمنسمِ ... إلّا عَلَى أكتاف أَهْل السُّؤْدُدِ
فَلَئِنْ صَبَرْتَ فأنتَ سيّد مَعْشرٍ ... صُبُرٍ [2] وإنْ تَجْزَعْ فغيرُ مُفَنَّدِ
هَذَا التّناصُرُ باللّسان ولو أتى ... غيرُ الحِمام أتاكَ نصري باليدِ
وهي لأبي تمّام.
وقَالَ: ذُكِر أنّ سِنان كتب إِلَى نور الدّين محمود بْن زنكي، والصحيح أَنَّهُ إلى صلاح الدّين:
يا ذا الَّذِي بقراع السّيف هدَّدنا ... لا قام مصرعُ جنْبي حين تصرعُه
قام الحَمَام إِلَى البازيّ يُهدِّدُهُ ... واستيقظَتْ لأُسُود البَرّ أضبعُه
أضحى يسدّ فم الأفعى بإصبعه ... يكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه
[3] «وَقَفْنَا عَلَى تفصيله وجُمَله، وعلمنا ما هدَّدنا بِهِ من قوله وعمله، وباللَّه العَجَب من ذُبابة تطِنّ فِي أُذُنِ فيل، وبعوضة تُعدّ فِي التّماثيل، ولقد قَالَها قومٌ من قبلك آخرون، فدمّرنا عليهم ما كَانَ لهم ناصرون، أَلِلْحَقّ تدحضون، وللباطل تنصرون، سيعلم الَّذِين ظلموا أيَّ مُنْقَلبٍ ينقلبون. ولَئْن صدر قولك فِي قطْع رأسي، وقلْعك لقلاعي منَ الجبال الرّواسي، فتلك أمانيّ كاذبة،
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 188 «لا تطا» .
[2] في سير أعلام النبلاء 21/ 188 «صبروا» .
[3] ستأتي هذه الأبيات بصيغة مختلفة بعد قليل.(41/332)
وخيالات غير صائبة، فإنّ الجواهر لا تزول بالأعراض، كَمَا أنّ الأرواح لا تضمحلّ بالأمراض. وإن عُدنا إِلَى الظّواهر، وعدلنا عَنِ البواطن، فلنا فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوة حَسَنَة: ما أُوذي نبيُّ ما أُوذِيتُ. وَقَدْ علِمتم ما جرى عَلَى عتُرته وشِيعته، والحال ما حال، والأمرُ ما زال، وللَّه الأمرُ فِي الآخرة والأولى. وَقَدْ علِمتم ظاهر حالنا، وكيفيَّة رجالنا، وما يتمنَّونَه منَ الفَوْت، ويتقرّبون بِهِ إلى حِياض الموت، وَفِي المّثَل: «أَوَ لِلْبَطّ تهدّد بالشّطّ» ؟ فهيّئ للبلايا أسبابا، وتدرّع للرّزايا جِلْبابا، فلأَظْهَرَنّ عليك منك، وتكون كالباحث عَنْ حتْفه بظلفِه، وما ذَلِكَ عَلَى اللَّه بعزيز، فإذا وقفت عَلَى كتابنا هَذَا، فكُن لأمرنا بالمرصاد، ومن حالك عَلَى اقتصاد، وأقرأ «النَّحل» [1] وآخر، «ص» [2] .
وقَالَ كمال الدّين: حَدَّثَنِي النَّجم مُحَمَّد بْن إِسْرَائِيل قَالَ: أخبرني المُنْتَجبُ بْن دفتر خوان قَالَ: أرسلني صلاح الدّين إلى سِنان زعيم الإسماعيليّة حين وثبوا عَلَى صلاح الدّين للمرَّة الثّالثة بدمشق، ونعى القُطْب النَّيْسابوريّ، وأرسل معي تهديدا وتخويفا، فلم يُجِبْه، بل كتب عَلَى طُرَّة كتاب صلاح الدّين، وقَالَ لنا: هَذَا جوابكم.
جاء الغرابُ إِلَى البازيّ يهدّدهُ ... ونبهت لصراع الأُسْد أضبعُه
يا مَنْ يهدّدني بالسِّيف خُذْهُ وقُمْ ... لا قام مِصْرعُ جنْبي حين تصرعُه
يا مَنْ يسدّ فم الأَفْعَى بإصبعه ... يكفيه ما لَقِيَتْ من ذاك أصبعُه
[3] ثُمّ قَالَ: إنّ صاحبكم يحكم عَلَى ظواهر جُنْده، وأنا أحكم عَلَى بواطن جُنْدي، ودليله ما تشاهد الآن. ثُمّ دعا عشرة من صبيان القاعة، وكان عَلَى حصنه المُنِيف، فاستخرج سكّينا وألقاها إِلَى الخندق، وقَالَ: مَنْ أراد هَذِهِ فلْيُلْقِ نفسَه خلفها. فتبادَروا جميعا وثْبًا خلفها، فتقطّعوا. فعُدنا إِلَى السّلطان صلاح الدّين وعرّفناه، فصالحه.
__________
[1] أول سورة النحل: «أتى أمر الله فلا تستعجلوه ... » .
[2] آخر سورة ص: «ولتعلمنّ نبأه بعد حين» .
[3] تقدّمت هذه الأبيات بصيغة مختلفة قبل قليل.(41/333)
وذكر الشَّيْخ قُطْب الدّين فِي «تاريخه» أنّ سنانا سيَّر إِلَى صلاح الدّين- رحِمَه اللَّه- رسولا، وأمره أن لا يؤدّي رسالته إلّا خَلْوةً، ففتَّشه صلاح الدّين، فلم يجد معه ما يخافه، فأخلى لَهُ المجلس، إلّا نفر يسير، فامتنع من أداء الرسالة حَتَّى يخرجوا، فأخرجهم كلَّهم، سوى مملوكين، فَقَالَ: هاتِ رسالتك. فَقَالَ: أُمِرْت أن لا أقولها إلّا فِي خَلْوة. فَقَالَ: هذان ما يخرجان، فإنْ أردتَ تذكر رسالتَك، وإلّا فقُمْ. قَالَ: فلِمَ لا يَخْرُج هذان [1] ؟ قَالَ:
لأنهما مثل أولادي.
فالتفت الرَّسُول إليهما، وقَالَ لهما: إذا أمرتكما عَنْ مخدومي بقتل هَذَا السّلطان تقتلانه؟ قَالا: نعم. وجَذَبا سيفيهما. فبُهت السّلطان، وخرج الرَّسُول وأخذهما معه. وجَنَحَ صلاح الدّين إِلَى الصُّلح والدّخول فِي مَرَاضيه.
قُلْتُ: هَذِهِ حكاية مرسَلَة، واللَّه أعلم بصحّتها.
وقَالَ كمال الدّين: أنشدني الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن الخشّاب قَالَ: أنشدني شيخ الإسماعيليّة قَالَ: أنشدني سِنان لنفسه:
ما أكثرَ النّاسَ وما أَقَلَّهُمْ ... وما أقلَّ فِي القليل النُّجَبَا
ليتَهُمْ إذْ لَمْ يكونوا خُلِقُوا ... مُهذَّبين صَحِبُوا مُهَذَّبَا
قَالَ: وقرأتُ عَلَى ظهر كتابٍ لسِنان صاحب الدّعوة:
أَلْجَأَني الدّهرُ إِلَى مَعْشَرٍ ... ما فيهم للخير مستَمتَعُ
إنْ حدَّثوا لَمْ يُفهِموا سامِعًا ... أَوْ حُدِّثوا مَجُّوا ولم يَسْمَعُوا [2]
تقدُّمي أخَّرني فيهُمُ ... مَنْ ذَنْبُه الإحسانُ ما يصنع؟
[3]
__________
[1] في الأصل: «هاذان» .
[2] البيتان فقط في التذكرة لابن العديم، ورقة 244.
[3] ومن شعر سنان:
لو كنت تعلم كلّ ما علم الورى ... طرّا لكنت صديق كلّ العالم
لكن جهلت فصرت تحسب أنّ من ... يهوى خلاف هواك ليس بعالم(41/334)
- حرف الشين-
339- شمس النّهار بِنْت كامل [1] .
البغداديَّة.
رَوَت عَنْ: أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْلَى الفرّاء.
تُوُفّيت فِي تاسع ربيع الآخر.
- حرف الطاء-
340- طُغْدي بْن خُتْلُغ بْن عَبْد اللَّه [2] .
أَبُو مُحَمَّد الأميريّ، الْبَغْدَادِيّ، الفَرَضيّ، ويُسمّى عَبْد المحسن، وَهُوَ بطُغْدي أشهر.
وُلِد سنة 534، وقرأ القراءات عَلَى: عَلِيّ بْن عساكر البَطَائحيّ زوج أُمّه، وَهُوَ الَّذِي ربّاه. وسَمِع بإفادته مِنْ: أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن باجة، وهبة اللَّه بْن أَبِي شُرَيك، وأبي الوقت.
وكان أستاذا فِي الفرائض، قدِم الشّامَ واستوطنها وحدَّث بها [3] .
وتُوُفّي فِي المحرَّم.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، والضّياء مُحَمَّد.
__________
[ () ]
فاستح إنّ الحق أصبح ظاهرا ... عمّا تقول وأنت شبه النائم
(التذكرة، ورقة 306) .
وقد ورّخ ابن تغري بردي وفاته في سنة 588 هـ. ثم عاد وذكره في سنة 589 هـ.
[1] انظر عن (شمس النهار) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 185 رقم 192.
[2] انظر عن (طغدي بن ختلغ) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 122، 123 رقم 744 وفيه «ختلج» ، والوافي بالوفيات 16/ 453، 454 رقم 488، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 181، 182 رقم 186.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 230 ولم يترجم له.
[3] وقال ابن الدبيثي: حدّث ببغداد وحدّث بحرّان في طريقه إلى دمشق، وسكن دمشق وحدّث بها.(41/335)
- حرف الظاء-
341- ظَفَر بْن أَحْمَد بْن ثَابِت بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو الغنائم ابن الحافظ أَبِي الْعَبَّاس الطَرْقيّ، ثُمّ اليَزْديّ.
سَمِع من: أَبِيهِ، وأبي عليّ الحدّاد، وجماعة.
وقدم بغدادَ حاجّا فحدَّث بها.
وطَرْق [2] : بُلَيْدة من نواحي أصبهان.
- حرف العين-
342- عَبْد اللَّه بْن الحُسين بْن الخَضِر بْن عَبْدان.
الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ.
رَوَى شيئا يسيرا عَنْ: أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن أشْليها، وأبي يَعْلَى بْن الحُبُوبيّ.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
343- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هبة اللَّه بْن عَبْد السّلام [3] .
أَبُو مَنْصُور بْن أَبِي الفتح الْبَغْدَادِيّ، الكاتب.
من بيت حديث وكتابه. وُلِد فِي جُمادى الأولى أَوْ في ربيع الآخر سنة ستّ وخمسمائة.
وسَمِع من: أَبِي القاسم هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وقبله من: أَبِي القاسم بْن بيان، وسماعه منه حضورا.
__________
[1] انظر عن (ظفر بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 124 رقم 878، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 196، 197 رقم 222.
[2] طرق: بفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وآخرها قاف.
[3] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 184، 185 رقم 190، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 102، والمختصر المحتاج إليه 2/ 160، 161 رقم 796، وسير أعلام النبلاء 21/ 235، 236 رقم 121، والمعين في طبقات المحدّثين 181 رقم 1922، والإعلام بوفيات الأعلام 242، 243، والعبر 4/ 269، والنجوم الزاهرة 6/ 133.(41/336)
ومن: أَبِي عَلِيّ بْن نَبْهان، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الدُّوري، وعبد القادر بْن يوسف، وجَعْفَر بْن المحسن السَّلَمَاسيّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَهُوَ والد الفتح مُسْنِد بغداد فِي زمانه.
تُوُفّي فِي تاسع ربيع الأوّل.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، والشّيخ الموفّق، والجلال عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن قاضي دِمياط، وعَلِيّ بْن عَبْد اللّطيف بْن الخَيْميّ، ومُحَمَّد بْن نفيس الزّعيميّ، وأَحْمَد بْن شُكْر الكِنْديّ، وآخرون.
قَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن الأخضر: سمعتُ منه، ومن أَبِيهِ وجَدّه [1] .
344- عبد الله بن المبارك بن أبي نصر المبارك بن زوما [2] .
أبو بكر الأزجيّ، البزّاز.
روى عَنْ: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وزاهر الشّحّاميّ.
روى عنه: تميم بن أحمد، ويوسف بن خليل، وغيرهما.
وتوفّي بعد الّذي قبله بيومين.
345- عبد الخالق بن أبي هاشم محمد بن المبارك [3] .
الشّريف أبو جعفر الهاشميّ، الكفويّ، القصريّ، قصر الكوفة.
روى عَنْ: هبة الله بْن الحُصَيْن.
346- عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مَيْلا.
الحربي، الخَبَّاز.
روى عن: سعيد بن البنّاء.
__________
[1] المختصر المحتاج إليه 2/ 161.
[2] انظر عن (عبد الله بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 166 رقم 803، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 185 رقم 191، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 106.
[3] انظر عن (عبد الخالق بن أبى هاشم) في: معجم البلدان 4/ 121، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 187، 188 رقم 201.(41/337)
وتُوُفّي فِي سابع شعبان.
رَوَى عَنْهُ: ابن خليل.
347- عَتِيق بْن هِبَة الله بْن ميمون بْن عتيق بْن ورْدان [1] .
أَبُو الفضل. من ذرّيّة عِيسَى بْن ورْدان التّابعيّ، الْمَصْرِيّ.
حدَّث عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبائه بنسخةٍ مُنكَرَةٍ بعيدة عَنِ الصّحَّة.
رَوَى عَنْهُ: ولده المحدّث أَبُو الميمون عَبْد الوهَّاب، وغيره.
تُوُفّي فِي العشرين من شعبان.
348- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن كوثر [2] .
أَبُو الْحَسَن المحارِبيّ، الغَرْناطيّ.
سَمِع من: أَبِيهِ أَبِي الْعَبَّاس.
وحجّا معا، فسمِعا بمكّة من أَبِي الفتح الكَرُوخيّ سنة سبْعٍ وأربعين «جامع» أَبِي عِيسَى.
وأخذ القراءات بمكّة عَنْ: أَبِي عَلِيّ بْن العرجاء القَيْروانيّ، وأبي الْحَسَن بْن رضا البَلَنْسيّ الضّرير، وسَمِع منهما.
ومن: أَبِي الفضل الشَّيْبَانِيّ، وأبي بَكْر بْن أَبِي الْحَسَن الطُّوسيّ.
وقرأ بمصر عَلَى أَحْمَد بْن الحُطَيْئة سنة ثلاثٍ وخمسين، وعَلَى الشّريف أَبِي الفُتُوح الخطيب.
وأخذ العربية عَنِ ابن برّيّ.
__________
[1] انظر عن (عتيق بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 189 رقم 204، ولسان الميزان 4/ 129 رقم 295.
[2] انظر عن (علي بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 69، (والمطبوع) 673، 674، والذيل والتكملة للمراكشي 5/ 173، 174، وصلة الصلة لابن الزبير 111، 112، ومعرفة القراء الكبار 2/ 563، 564 رقم 518، وغاية النهاية 1/ 524، ومعجم المؤلفين 7/ 28.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 230 دون أن يترجم له.(41/338)
وحمل عَنِ السِّلَفيّ كثيرا، وتصدَّر بغَرْناطة للإقراء والرّواية. وصنّف فِي القراءات، وأخذ النّاس عَنْهُ.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر رحِمَه اللَّه.
349- عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن قَنَان بْن أَبِي بَكْر بْن خطّاب [1] .
أَبُو الْحَسَن الأنباريّ ثُمّ الْبَغْدَادِيّ السّمسار الرّبّي [2] .
ولد سنة خمسمائة.
سَمِع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر، وهبة اللَّه بن الطّبر، وهبة اللَّه الشُّرُوطيّ، ويَحْيَى وأَحْمَد ابني البنّاء، وجماعة كثيرة.
وحجّ نحوا من أربعين حَجَّة.
350- عَلِيّ بْن أَبِي شجاع بْن هبة اللَّه بْن رَوْح.
الأمينيّ أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، الشّاعر.
تُوُفّي فِي هَذَا العام.
وَلَهُ:
لكُمْ عَلَى الدّنف العليل ... حكم العزيز على الذّليل
ما لي إذا ما جُرْتُمُ ... يوما سِوَى الصَّبْرِ الجميلِ
مَنْ لَحْظه سِحْرُ العُيُونِ ... ولفْظهِ شِرْكُ العقولِ
كيف السَّبيلُ إِلَى لِماهُ ... ورشْف ذاك السَّلْسَبيلِ
ما لي عُدُولٌ عَنْ هواهُ ... فَدَعْ مَلامَكَ يا عَذُولي
351- عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم.
أبو الحسن الفهريّ، البلنسيّ المقرئ.
__________
[1] انظر عن (علي بن الحسين) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 123 رقم 999، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 196 رقم 221.
[2] بضم الراء المشدّدة. (المشتبه 1/ 215) .(41/339)
أَخَذَ القراءاتِ عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن هُذَيْل.
وروى الْحَدِيث عَنْ: أَبِي الْوَلِيد بْن الدّبّاغ، وجماعة.
وكان صالحا، منعزلا عَنِ النّاس.
رَوَى عنه: أبو الربيع بن سالم وقال: توفي في حدود التّسعين وخمسمائة.
352- عِيسَى بْن الصّالح عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن الفضل [1] .
الورّاق أَبُو شجاع العتّابيّ [2] ، الْبَغْدَادِيّ.
سَمِع من: جَدّه لأمّه أَبِي السُّعْود أَحْمَد بْن عَلِيّ المُجَليّ، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأَحْمَد بْن ملوك الورّاق.
وحدَّث. رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل.
وأجاز لابن الدُّبِيثيّ.
- حرف الميم-
353- مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الْحَسَن بْن الفضل بْن الْحَسَن [3] .
الأَدَميّ، أَبُو الفضل الأصبهانيّ.
سَمِع من: أَبِي عليّ الحدّاد، وأجاز لَهُ.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة.
354- مُحَمَّد بْن الفقيه أَبِي عليّ الْحُسَيْن بْن مفرّج بْن حاتم [4] .
المقدسيّ. ثُمّ الإسكندرانيّ رشيد الدّين الواعظ.
وُلِد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
__________
[1] انظر عن (عيسى بن عبد الرحمن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 195 رقم 219، والمختصر المحتاج إليه (باريس) ورقة 103.
[2] العتّابيّ: بتشديد التاء. نسبة إلى العتّابين المحلّة المشهورة بغربيّ بغداد. (المنذري 1/ 195) .
[3] انظر عن (محمد بن أبي علي الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 193 رقم 214.
[4] انظر عن (محمد بن الحسين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 192 رقم 211.(41/340)
وسَمِع من أَبِيهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابن عمّه الحافظ أَبُو الْحَسَن.
وتُوُفّي في رمضان.
355- مُحَمَّد بْن ساكن بْن عِيسَى بْن مخلوف [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الحِمْيَريّ، الْمَصْرِيّ.
شيخ جليل عالم. جمع لنفسه مشيخة ذكر أَنَّهُ قرأ فيها القرآن عَلَى أَبِي الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد الرَّوْحانيّ، والشّريف أَبِي الفُتُوح ناصر بْن الْحَسَن، وأبي الْعَبَّاس بْن الحُطَيْئة، ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الكِيزانيّ.
وأَنَّهُ سَمِع من: عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن الْحباب، والفقيه عُمَر بْن مُحَمَّد البَلَويّ الذّهبيّ، وعبد اللَّه بْن رفاعة، والسِّلَفيّ، وطائفة.
وحدَّث وألَّف مجاميع، وتصدَّر بجامع مصر، وخطب بجيزة الفُسْطاط مدَّة.
تُوُفّي فِي أوائل شوّال.
356- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الفقيه مُجَلّي بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الْحَارِث [2] .
الرمليّ الأصل، الْمَصْرِيّ، الفقيه الشّافعيّ، القاضي أَبُو عَبْد الله.
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
ناب فِي القضاء بمصر نحْوًا من عشرين سنة.
وسَمِع من: أَبِي الفتح سلطان بْن إِبْرَاهِيم الفقيه، وأبي صادق مرشد بْن يَحْيَى، وابن رفاعة.
وحدَّث. وكان يُقَالُ لَهُ حسّون.
__________
[1] انظر عن (محمد بن ساكن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 192، 193 رقم 212.
[2] انظر عن (محمد بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 182، 183 رقم 188، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 ب.، والعقد المذهب (مخطوط) ورقة 160.(41/341)
وَهُوَ والد القاضي أَبِي مُحَمَّد عبد اللَّه.
وكان جَدّه الفقيه مُجَلي قَدْ سَمِع منَ القاضي الخلَعيّ. وولّي عقد الأَنْكِحَة بالرملة.
357- مُحَمَّدِ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن الفَضْلُ بْن مَنْصُور بْن أحمد بن يونس بن عبد الرحمن بن اللّيث بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن المغيث بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن العلاء بْن الْحَضْرَمِيّ [1] .
الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه ابن الشَّيْخ أَبِي القاسم بْن أَبِي عَبْد اللَّه الْحَضْرَمِيّ، العلائيّ، الصَّقَلّيّ، ثُمّ الإسكندرانيّ، المالكيّ.
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة بالإسكندريّة.
وسَمِع من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرَّازيّ.
وتفقّه عَلَى مذهب مالك. وكان فِي القضاء بالثّغر مدّة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل، وابن رواح، وعبد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى بْن علاس القصديريّ، وعَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل بْن سُكَيْن، وعَلِيّ بْن عُمَر بْن ركّاب الإسكندرانيّون [2] .
358- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد [3] .
أَبُو بَكْر السَّرْخَسِيّ، ثُمّ الْبَغْدَادِيّ، الخيّاط المعروف بالخاتونيّ.
سَمِع من: أَبِي القاسم سَعِيد بن البَنّاء، وَأَبِي بَكْر بْن الزَّاغُونيّ، وجماعة.
وحدَّث.
359- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الحميد بْن الْحَارِث.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الرحمن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 189، 190 رقم 206، والعبر 4/ 269، وحسن المحاضرة 1/ 214، وشذرات الذهب 4/ 297.
[2] وقال المنذري: وهو من بيت الحديث، حدّث هو، وأبوه، وجدّه، وأخوه أبو الفضل أحمد.
[3] انظر عن (محمد بن علي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 134 رقم 365، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 196 رقم 220.(41/342)
أَبُو عبد اللَّه وأَبُو بَكْر اليعمُريّ، الأندلسيّ، الأديب، الشّاعر.
رَوَى عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن الصّفّار، وغير واحد.
360- الْمُبَارَك بْن كامل بْن مُقَلَّد بْن عَلِيّ بْن نصر بْن منقذ [1] .
الأمير سيف الدّولة أَبُو الميمون الكِنانيّ، الشَّيزَرِيّ.
وُلِد بشَيْزَر سنة ستّ وعشرين وخمسمائة، وسمع بمكّة قليلا من أَبِي حَفْص الميانِشِيّ.
رَوَى عَنْهُ ولده الأمير إِسْمَاعِيل.
وَقَدْ وُلّي سيف الدّولة أمر الدّواوين بمصر مدّة، وَلَهُ شعر يسير [2] .
وكان مع شمس الدّولة توران شاه أَخِي السّلطان لمّا ملك اليمن، فناب فِي مدينة زَبِيد عَنْهُ. ثُمّ رجع معه، واستناب أخاه حطّان، فَلَمَّا مات شمس الدّولة حبسه السّلطان، لأنّه بلغه عَنْهُ أَنَّهُ قتل باليمن جماعة، وأخذ أموالهم، فصادره، وضيّق عليه، وأخذ منه مائة ألف دينار، وذلك فِي سنة سبْعٍ وسبعين.
ولمّا توجّه سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين إِلَى اليمن، تحصّن الأمير حطّان فِي قلعةٍ وعصى، فخدعه سيف الْإِسْلَام حَتَّى نزل إِلَيْهِ، فاستصفى أمواله وسجنه، ثمّ أعدمه.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن كامل) في: الروضتين 2/ 25، وتاريخ إربل 1/ 416، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 190 رقم 208، ووفيات الأعيان 3/ 291، وتلخيص مجمع الآداب 1/ 237 (في الملقّبين: مجد الدين) ، والسلوك ج 1 ق 1/ 105.
[2] قال أَبُو القَاسِم عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن رواحة الصقلّي المتوفى سنة 646 هـ. أنشدنا أبو الميمون المبارك بن كامل بن علي بن منقذ، وكان أميرا كبيرا فصيحا، جميلا:
لما نزلت الدّبر قلت لصاحبي: ... قم فاخطب الصّهباء من شمّاسه
فأتى وفي يمناه كأس خلتها ... مقبوسة في الليل من أنفاسه
وكأنّ ما في كأسه من خدّه ... وكأنّ ما في خدّه من كاسه
(تاريخ إربل 1/ 416) .(41/343)
وقيل إنَّه أَخَذَ منه سبعين غلاف زَرَدِيَّة مملوءا ذَهَبًا.
تُوُفّي سيف الدّولة فِي رمضان بالقاهرة.
361- الْمُبَارَك بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي العزّ [1] .
أَبُو الفتح الْبَغْدَادِيّ، الْمُقْرِئ المعروف بابن غلام الدّيك، وابن الدّيك [2] .
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة [3] .
وسمع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي القاسم بْن الطّبر، وأبي السُّعْود أَحْمَد بْن المُجَليّ، وأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن الفرّاء، وجماعة.
وكان واعظا فاضلا.
سَمِع منه: مُحَمَّد بْن مشّق، وتميم البَنْدَنِيجيّ، وجماعة.
واسم أبيه أَحْمَد.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
362- الْمُبَارَك بْن أَبِي نصر بْن أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي ظاهر بْن أَبِي حنيفة [4] أَبُو مُحَمَّد بْن الفارض الْبَغْدَادِيّ، الحريميّ.
ويُقَالُ اسمه الْحَسَن.
سَمِع من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وجماعة.
وتُوُفّي فِي شعبان.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن أبي بكر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 167 رقم 1119، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 181 رقم 185، وغاية النهاية 2/ 37.
[2] في غاية النهاية: «صاحب الديك» .
[3] في غاية النهاية: «ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة» .
[4] تقدّمت ترجمة (المبارك بن أبي نصر) ومصادرها باسم «الحسن بن أبي نصر» برقم (331) .(41/344)
363- مبشّر بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [1] .
أَبُو الرّشيد الرَّازيّ، ثُمّ الْبَغْدَادِيّ، الفَرَضيّ، الحاسب.
لَهُ مصنّفات مفيدة.
رَوَى عَنْ: أَبِي الوقت.
وتُوُفّي برأس عين فِي ذِي القعدة.
وانتفع عليه جماعة.
ولقد بالغ ابن النّجّار في تقريظه وقَالَ: كَانَ إماما فِي الجبر، والمقابلة، والمساحة، وخواصّ الأعداد، واستخراج الضّمير، وحساب الوقف، وقسمة الفرائض، والمنطق، والفلسفة، والهيئة.
صنّف فِي جُمَيْع ذَلِكَ، وكان شديد الذّكاء، شُدّت إِلَيْهِ الرحال.
إِلَى أن قَالَ: وكان يُرمى بفساد العقيدة وإنكار البعيث، ويتهاون بالفرائض.
نُفَّذ منَ الدّيوان رسولا إِلَى الشّام، فمات برأس العين [2] .
364- محاسن بْن أَبِي بَكْر بْن سَلْمان بْن أَبِي شَريك [3] .
أَبُو البدر الحربيّ.
رَوَى عَنْ: عَبْد اللَّه بْن أحمد اليُوسُفيّ.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى [4] .
__________
[1] انظر عن (مبشر بن أحمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 195 رقم 218، وأخبار الحكماء للقفطي 269، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 298- 300 (7/ 376) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 591، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 261، ولسان الميزان 5/ 12، وكشف الظنون 1245، وهدية العارفين 2/ 4، ومعجم المؤلفين 8/ 175.
[2] رأس العين: مدينة كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حرّان ونصيبين ودنيسر. (معجم البلدان) .
[3] انظر عن (محاسن بن أبي بكر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 200 رقم 1227، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 186 رقم 195.
[4] وقال ابن الدبيثي: والد عبد الله. سمع ابن الطلّاية. كتب عنه ابن أخته أحمد بن سلمان واستجازه لنا في سنة سبع وثمانين وخمسمائة.(41/345)
365- محمود بْن خُوارزم شاه أرسلان بْن خُوارزم شاه أتْسِز بْن مُحَمَّد بْن أنوشْتِكِين [1] .
السّلطان الخُوارزميّ، ولَقَبُه: سلطان شاه. وَهُوَ أخو علاء الدّين خُوارزم شاه تكش.
تملَّك بعد والده فِي سنة ثمانٍ وستّين، وجَرَت لَهُ أمورٌ يطول شَرحُها.
وكان أخوه قَدْ سلَّم إِلَيْهِ أَبُوهُ بعضَ المدائن، فحشد وجمع وقصد أخاه، فترك خُوارزم وهرب. وذلك مذكورٌ فِي الحوادث.
ثُمّ إنَّه استولى عَلَى مملكة مَرْو. وكان نظيرا لأخيه فِي الحزْم والعزْم والرأي والشّجاعة. وحضر غير مصافّ. واستعان بجيش الخَطَا. وافتتح جماعة مدائن. وكان السّيف بينه وبَيْنَ أَخِيهِ، لأنّه أَخَذَ منه خُوارزم، والتقاه فهزمه، وأسرَ أُمّه أمّ محمود فقتلها، واستولى عَلَى أكثر حواصل أبيها، أعني علاء الدّين.
ونقل ابن الأثير فِي «كامله» فصلا طويلا فِي أخبارها استطرادا. وحكى فِيهِ عَنْ بعض المؤرّخين أنّ سلطان شاه أَخَذَ مَرْو، ودفع الغُزّ عَنْهَا، ثُمّ تجمّعوا لَهُ وأخرجوه، وانتهبوا خزائنه، وقتلوا أكثر رجاله، فاستنجد بالخَطَا، وجاء بعسكرٍ عظيم، وأخرج الغُز عَنْ مَرْو، وسَرْخَس، ونَسَا، وأَبِيوَرْد، وتملّكها، ورجعت الخطا إلى بلادها بالأموال.
ثمّ كاتب غياث الدّين الغوريّ ليسلّم إليه هراة، وبعث إليه غياث الدّين أيضا، فأمره أن يخطب لَهُ ببلاده، فسار وشنّ الغارات، ونهب بلاد الغوريّ، وظلم وعَسَف، فجهّز الغُوريّ لحربه ابن أَخِيهِ بهاء الدّين وصاحب سِجِسْتَان، فتقهقر سلطان شاه إِلَى مَرْو بعد أن عمل كُلّ قبيح بالقُرى، فتحزّب لقصده
__________
[1] انظر عن (محمود بن خوارزم) في: الكامل في التاريخ 12/ 104، والمختصر في أخبار البشر 3/ 89، ودول الإسلام 2/ 100، والعبر 4/ 268، 269، وسير أعلام النبلاء 21/ 218، 219 رقم 108، ومرآة الجنان 3/ 438، والعسجد المسبوك 2/ 424، وتاريخ ابن الوردي 2/ 109، وشذرات الذهب 4/ 297، وأخبار الدول وآثار الأول 2/ 464.(41/346)
غِياث الدّين وأخوه شهاب الدّين صاحب الهند. وجمع سلطان شاه العساكر، واستخدم الغُزَّ وأُولي الطّمع، وعسكر بمروالرّوذ، وعسكر الغُوريُّون بالطّالقان.
وبقوا كذلك شهرين، وتردّدت الرُسُل فِي معنى الصُّلْح، فلم ينتظم أمر. ثُمّ التقى الْجَمْعان، وصبر الفريقان، ثُمّ انهزم جيش سلطان شاه، ودخل هُوَ مَرْو فِي عشرين فارسا، فانتهز أخوه تكش الفرصة، وسار فِي عسكر، وبعث عسكرا إِلَى حافّة جَيْحُون يمنعون أخاه منَ الدّخول إِلَى الخَطَا إنْ أرادهم، فَلَمَّا ضاقت السُّبُل عَلَى سلطان شاه، خاطر وسار إِلَى غياث الدّين، فبالغ فِي إكرامه واحترامه، وأنزله معه. فبعث علاء الدّين تكش إِلَى غياث الدّين يأمره بالقبض عليه، فلم يفعل. فبعث علاء الدّين يتهدّده بقصد بلاده، فتجهَّز غياث الدّين وجمع العساكر، فلم ينشب سلطان شاه أن تُوُفّي فِي سلْخ رمضان فِي سنة تسعٍ هَذِهِ، فاستخدم غياث الدّين أكثر أجناده، وأنعم عليهم، وجرى بعده لعلاء الدّين تكش ولغياث الدّين اختلاف وائتلاف طمعت بسبب ذَلِكَ الغُزّ، وعادوا إِلَى النَّهْب والتّخريب، فتجهَّز علاء الدّين تكش، وسار ودخل مَرْو، وسَرْخَس، ونَسَا، وتطرّق إِلَى طُوس.
قُلْتُ: وساق ابن الأثير رحِمَه اللَّه قولا آخر مخالِفًا لهذا فِي أماكن، واعتَذَرَ عَنْهُ ببُعْد الدّيار، واختلاف النَّقَلَة منَ السُّفّار.
366- مَسْعُود بْن الملك مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر [1] .
السّلطان عزّ الدّين أَبُو المظفَّر صاحب المَوْصِل.
وصل إِلَى حلب قبل السّلطان مُنْجِدًا لابن عمّه الصّالح إسماعيل بن نور
__________
[1] انظر عن (مسعود بن مودود) في: الكامل في التاريخ 12/ 101، 102، ومفرّج الكروب 3/ 19- 22، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 54، 57، 80، 107، 121، 134، 174، 176- 179، 228 و 2/ 437، وتاريخ إربل 1/ 67، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 423، 424، والمختصر في أخبار البشر 3/ 88، ووفيات الأعيان 5/ 203- 209، والدرّ المطلوب 125، ودول الإسلام 2/ 101، وسير أعلام النبلاء 21/ 237- 239 رقم 122، والإعلام بوفيات الأعلام 243، والعبر 4/ 269، وتاريخ ابن الوردي 2/ 108، 109، ومرآة الجنان 3/ 438، 439، والعسجد المسبوك 212، 213 و 22، 223، والبداية والنهاية 13/ 7، وشذرات الذهب 4/ 297، ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة 2/ 341، وأخبار الدول وآثار الأول 2/ 477.(41/347)
الدّين عَلَى السّلطان صلاح الدّين، وليُرهب صلاح الدّين، لئلّا يطمع ويقصد المَوْصِل، فانضمّ إِلَيْهِ عسكر حلب، وسار فِي جَمْعٍ كثير، فوقع المصافّ عَلَى قُرُون حماه، فكسره صلاح الدّين، وأسَر جماعة من أمرائه فِي سنة سبعين، كَمَا ذكرناه فِي الحوادث.
وعاد صلاح الدّين فنازل المَوْصِل ثالثا، فمرض فِي الحَرّ مرضا أشفى منه عَلَى الموت، فترحّل إِلَى حَرَّان، فسيّر صاحب المَوْصِل عزّ الدّين رسولا، وَهُوَ القاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد إِلَى صلاح الدّين فِي الصُّلْح. فأجاب وحلف لَهُ وَقَدْ تماثل من مرضهِ. ووفى لَهُ إِلَى أن مات. فلم تطُلْ مدّة عزّ الدّين بعد صلاح الدّين، وعاش أشهرا.
وتُوُفّي فِي شعبان فِي التّاسع والعشرين منه.
قَالَ ابن الأثير [1] : وكان قَدْ بَقِيّ ما يزيد عَلَى عشرة أيّام لا يتكلّم إلّا بالشّهادتين وتلاوة القرآن، وَإِذَا تكلَّم بغيرها استغفر اللَّه، ثُمّ عاد إِلَى التّلاوة، فرُزق خاتمة سعيدة.
وكان خيّر الطَّبْع، كثير الخير والإحسان، يزور الصّالحين ويقرّبهم ويشفّعهم. وكان حليما حيِّيًّا، لَمْ يكلّم جليسه إلّا وَهُوَ مُطْرِق. وكان قَدْ حجّ، ولبس بمكّة خِرْقَةَ التَّصَوُّف. فكان يلبس تِلْكَ الخِرْقة كُلّ ليلة، ويخرج إِلَى مَسْجِد داره، فيصلّي فِيهِ إلى نحو ثلث اللّيل. وكان رقيق القلب، شَفوقًا عَلَى الرّعيّة.
قُلْتُ: ودُفِنَ فِي مدرسته بالموصل، وهي مدرسة كبيرة عَلَى الشّافعيّة والحنفيّة، وتسلطن بعده ولده نور الدّين إِلَى أن مات عَنْ ولدين وهما: القاهر عزّ الدين مَسْعُود، والمَنْصُور عماد الدّين زنكي.
وقسّم البلاد بينهما، فأعطى القاهر المَوْصِل، وأعطى المنصور قلاعا.
وقد توفّي القاهر صاحب المَوْصِل فجأة فِي سنة خمس عشرة وستّمائة، ودفن بمدرسته.
__________
[1] في الكامل 12/ 101، 102.(41/348)
وأمّا زنكي فانتقل إِلَى إربل، وتزوَّج بابنة صاحبها مظفَّر الدّين. وكان من أحسن النّاس صورة، ثُمّ قبض عليه مظفَّر الدّين لأمور جَرَت، وسيَّره إِلَى الملك الأشرف مُوسَى، ثُمّ أطلقه وعاد. وأُعطي بلده شَهْرَزُور وأعمالها.
وتُوُفّي في حدود سنة ثلاثين وستّمائة، وقام بعده ولده قليلا، ومات.
367- المكرَّم بْن هبة اللَّه بْن المكرَّم [1] .
أَبُو مُحَمَّد الصُّوفيّ، أخو أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد.
شيخ معروف سَمِع: أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وعَلِيّ بْن عَلِيّ بْن سُكَيْنَة، وأبا سَعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزَّوْزَنيّ، وشيخ الشّيوخ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سَعْد، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والضّياء مُحَمَّد، والزَّيْن بْن عَبْد الدّائم.
وحدَّث بدمشق، وبغداد.
وتوفّي فِي رجب.
368- مَنْصُور بْن الْمُبَارَك بْن الفضل بْن أَبِي نُعَيم [2] .
أَبُو المظفَّر الواسطيّ، الواعظ، الملقّب بجرادة.
سَمِع من: أَبِي الوقت السَّجْزيّ، وذُكِر أَنَّهُ سَمِع «المقامات» من أَبِي مُحَمَّد الحريريّ، وَلَهُ فصول وعظيّة.
وكان شيخا مُسِنًّا، يُقَالُ إنَّه جاوز المائة، والصّحيح أَنَّهُ عاش سبْعًا وثمانين سنة.
__________
[1] انظر عن (المكرّم بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 188، 189 رقم 203، والمشتبه 2/ 611، وتوضيح المشتبه 8/ 253، 254.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 230 ولم يترجم له.
[2] انظر عن (منصور بن المبارك) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 424، 425، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 197 رقم 223، وعقد الجمان للعيني (مخطوط) 17/ ورقة 184، 185، وشذرات الذهب 2/ 300.(41/349)
وَلَهُ نظم ونثْر ودُعابة. وكان يعِظ فِي الأعزية ببغداد.
ذكره ابن النّجّار [1] .
369- مُوسَى بْن حَجاج [2] .
أَبُو عِمْرَانَ الأَشِيريّ.
دخل الأندلس فِي سنة بضع وثلاثين وخمسمائة.
وسمع بقرطبة من: أبي عبد الله محمد بْن أصْبَغ الفقيه، وأبي مَرْوَان بْن مَسَرَّة.
وسَمِع بإشبيليّة مِنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح.
وبالمَرِيَّة من: عَبْد الحقّ بْن عطيّة.
وعُني بالرّواية.
قال الأبّار: إلّا أَنَّهُ عديم الضَّبْط، نزل الجزائر وأمَّ بها. وحدَّث بها.
وتُوُفّي فِي صَفَر.
- حرف الهاء-
370- هبة اللَّه بْن عَبْد المحسن بْن عَلِيّ [3] .
__________
[1] وقال سبط ابن الجوزي: وكان يعظ في المساجد وعظا مطبوعا، وكان كيسا ظريفا، وله واقعات عجيبة. جلس يوما بباب أبرز وذكر حديث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ حية كان له قيراطان من الأجر، ومن قتل عقربا كان له قيراط» فقام واحد وقال: يا سيّدنا، ومن يقتل جرادة؟ قال: يصلب على باب المسجد. وسأله رجل يوما في المجلس فقال: أين يقف جبريل من العرش؟ وأين يقف ميكائيل وإسرافيل وعزرائيل؟ فكاسر ساعة، ووقع في المحلّة خباط، فقال لبعض الناس: قم واخرج واكشف لنا ما هذا. فخرج الرجل وعاد فقال: إنسان قد ضرب زوجته. فقوي الصراخ، فقال لآخر: قم أنت واكشف لنا ما هذا. فقام وخرج وعاد فقال: رجل قد مات والورثة يتضاربون على التركة. فقال: يا فعلة يا صنعة، بينكم وبين باب المسجد خطوات وما فيكم من يخبر بما فيه على الحقيقة، من أين أعرف أنا أين يقف جبريل وأين يقف ميكائيل والملائكة؟ فضحك الناس.
[2] انظر عن (موسى بن حجّاج) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (هبة الله بن عبد المحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 194 رقم 216، وتوضيح المشتبه 2/ 43، وهو مما استدركه على كتاب المؤلّف الذهبي- رحمه الله- «المشتبه في الرجال» .(41/350)
الفقيه أَبُو البركات الْأَنْصَارِيّ، المالكيّ، الْمَصْرِيّ.
مدرّس المدرسة المجاورة لجامع مصر العتيق.
تفقَّه عليه جماعة. وكان مشهورا بالصّلاح والعِلم.
تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ذِي القعدة.
- حرف الياء-
371- يَحْيَى بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
أَبُو زكريّا القَيْسيّ، الْمَصْرِيّ، المالكيّ.
سَمِع من: عَبْد اللَّه بْن رفاعة.
وتصدَّر بالجامع العتيق بمصر.
372- يوسف السّلطان الملك النّاصر صلاح الدّين [2] .
__________
[1] انظر عن (يحيى بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 186 رقم 194.
[2] انظر عن (السلطان صلاح الدين) في: الفتح القسّي 627، 628، والنوادر السلطانية 241، والتاريخ الباهر 185- 189، والكامل في التاريخ 12/ 95- 97، والأعلاق الخطيرة ج 2/ انظر فهرس الأعلام، ص 329 وج 3 ق 1/ 57، 80، 96، 107، 108، 117، 121، 134، 177، 180، 227 وق 2/ 448- 451، 453، 459، 473، 513- 518، 527، 533، 540، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 425- 434، والمختصر في أخبار البشر 3/ 85- 87، ونهاية الأرب 28/ 437- 440، وزبدة الحلب 3/ 124، 125، وديوان ابن الدهان 25، وغيرها، وآثار البلاد وأخبار العباد للقزويني 155، 222- 224، 259، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 183، 184 رقم 189، ومفرّج الكروب 1/ 168 وما بعدها حتى نهاية الجزء الثاني، ووفيات الأعيان 7/ 139- 212، والزيارات للهروي 16، 93، ورحلة ابن جبير 14، 16، 23، 25، 33، 38، 45، 54، 73، 80، 124، 149، 207، 216، 222، 257، 260، 270، 272، 282، والمغرب في حلى المغرب 194، والدرّ المطلوب 113- 115، ونهاية الأرب 28/ 437- 440، وتاريخ الزمان لابن العبري 225، 7226 والروضتين 2/ 212، وتاريخ مختصر الدول 223، والعبر 4/ 270، ودول الإسلام 2/ 106، والإعلام بوفيات الأعلام 243 ووقع فيه: «السلطان بن صلاح الدين» ، وسير أعلام النبلاء 21/ 278- 291 رقم 151، والإعلام والتبيين 42- 44، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106، 107، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 325- 341، وأمراء دمشق في الإسلام 102 رقم 300، ومرآة الجنان 3/ 439- 466، والاجتهاد في طلب الجهاد لابن كثير 91، والبداية والنهاية 13/ 2- 6، والجوهر الثمين لابن دقماق 2/ 13- 19، والعسجد المسبوك 2/ 220، 221، وتاريخ(41/351)
أَبُو المظفَّر بْن الأمير نجم الدين أيوب بْن شاذي بْن مَرْوَان بْن يعقوب الدُّوِينيّ الأصل، التّكريتيّ المولد. ودُوِين بطرف أَذَرْبَيْجان من جهة أرّان والكَرَج، أهلها أكراد رَوَاديَّة. والرَوَاديَّة بطن منَ الهَذَبّانيَّة.
وُلِد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة إذْ أَبُوهُ والي تكريت.
وسَمِع من: أَبِي طاهر السِّلَفيّ، والإمام أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن المسلّم ابْن بِنْت أَبِي سَعْد، وأبي الطاهر بْن عَوْف، وعبد اللَّه بْن برّيّ النَّحْويّ، والقُطْب مَسْعُود النَّيْسابوريّ، وجماعة.
وروى الْحَدِيث، وملك البلاد، ودانت لَهُ العباد، وافتتح الفتوحات، وكسر الفِرَنج مرّات، وجاهد فِي سبيل اللَّه بنفسه ومالِهِ. وكان خليقا للمُلك.
وأقام فِي السّلطنة أربعا وعشرين سنة.
رَوَى عَنْهُ: يُونُس بْن مُحَمَّد الفارقيّ، والعماد الكاتب، وغيرهما.
وتُوُفّي بقلعة دمشق بعد الصُّبْح من يوم الأربعاء السّابع والعشرين من صَفَر. وحَضَر وفاته القاضي الفاضل.
__________
[ () ] ابن خلدون 5/ 330، ومشارع الأشواق 2/ 934- 949، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 145 أ- 146 ب، ومآثر الإنافة 2/ 61- 66، وشفاء الغرام (بتحقيقنا) 2/ 314 315، 336، 368، 369، 421، وشرح رقم الحلل لابن الخطيب 130، 143، 144، والفوائد الجليّة في الفرائد الناصرية 57، والسلوك ج 1 ق 1/ 112- 114، وثمرات الأوراق لابن حجّة 225، وتحفة الأحباب للسخاوي 41، 42، وشفاء القلوب 179- 196، والنجوم الزاهرة 6/ 20- 61، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 206- 209، والدارس في تاريخ المدارس 2/ 432، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 247- 250، والأنس الجليل 1/ 395، والعقد المذهب لابن الملقن (مخطوط) ورقة 161، وعقد الجمان للعيني (مخطوط) 17/ ورقة 161- 182، وشذرات الذهب 4/ 298- 300، وترويح القلوب للزبيدي 42 رقم 25، وأخبار الدول للقرماني (طبعة حيدرآباد) 194، 195، وتاريخ الأزمنة للدويهي 196، وغيره.
وأخباه ومآثره مبثوثة في المصادر التاريخية التي تتحدّث عن عصره، رحمه الله، والأمّة تفتقده، وندعو الله تعالى أن يقيّض لها ناصرا لدينها، ينتهج نهجه، ويوحّد بين أقطار الأمّة، ويحرّر بيت المقدس مجدّدا من أيدي الصهيونية العالمية، وليس ذلك على الله بعزيز.(41/352)
وذُكِر أَبُو جَعْفَر القُرْطُبيّ إمام الكلّاسة أَنَّهُ لمّا انتهى فِي القراءة إِلَى قوله تَعَالَى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ 59: 22 [1] سمعه وَهُوَ يَقُولُ: صحيح. وكان ذهنه غائبا قبل ذَلِكَ. ثُمّ تُوُفّي. وهذه يقظة عِنْد الحاجة.
وغسّله الدَّوْلِعيّ، وأُخرج فِي تابوت، وصلّى عليه القاضي محيي الدّين بْن الزَّكيّ، وأُعيد إِلَى الدّار الّتي فِي البستان الّتي كَانَ متمرّضا فيها.
ودُفِن بالضّفّة الغربيّة منها. وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعظُم الضّجيج، حَتَّى إنّ العاقل يتخيّل أنّ الدُّنْيَا كلّها تصيح صوتا واحدا.
وغَشِيَ النّاس منَ البكاء والعويل ما شغلهم عَنِ الصَّلاة، وصلّى عليه النّاس أَرسالًا، وتأسَّف النّاسُ عليه، حَتَّى الفِرَنج، لِما كَانَ عليه من صِدْق وفائه إذا عاهد. ثُمّ بنى ولده الملك الأفضل صاحب دمشق قبّة شماليّة إِلَى الجامع، وهي الّتي شبّاكها القِبْلي إِلَى الكلّاسة، ونقله إليها يوم عاشوراء من سنة اثنتين وتسعين، ومشى بَيْنَ يدي تابوته. وأراد العلماء حمله عَلَى أعناقهم، فَقَالَ الأفضل: يكفيه أدْعِيتكم الصّالحة. وحمله مماليكه، وأُخرِج إِلَى باب البريد، فصُلّي عليه قُدّام النَّسْر. وتقدّم في الإمامة القاضي محيي الدّين بإذْن ولده. ودخل الأفضل لَحْدَه، وأودعه وخرج، وسدّ الباب. وجلس هناك للعزاء ثلاثة أيّام، وذلك خلاف العادة، وخلاف السُّنَّة.
كَانَ رحِمَه اللَّه كريما، جوادا، بطلا، شجاعا، كامل العقل والقُوَى، شديد الهيبة، افتتح بسيفه وبأقاربه منَ اليمن إِلَى المَوْصِل، إِلَى أوائل الغرب، إِلَى أسوان.
وَفِي «الروضتين» [2] لأبي شامة إنّ السّلطان رحِمَه اللَّه لَمْ يخلّف فِي خزائنه منَ الذَّهَب والفضّة إلّا سبعة وأربعين درهما، ودينارا واحدا صوريّا.
ولم يخلّف ملكا ولا عقارا، وخلّف سبعةَ عشر ولدا ذكرا، وابنة صغيرة.
__________
[1] سورة الحشر، الآية 22.
[2] ج 2/ 262.(41/353)
ومن إنشاء العماد الكاتب إِلَى الخليفة عَلَى لسان الأفضل: «أصدر العبدُ هَذِهِ الخدمة وصدرهُ مشروح بالولاءِ، وقلبه مغمور بالضياءِ، ويده مرفوعة إِلَى السّماء، ولسانه ناطق بالشّكر والدُّعاء، وجَنَانه ثَابِت منَ المهابة والمحبَّة عَلَى الخوف والرجاء، وطرفه مغمض منَ الحياء. وَهُوَ للأرض يقبِّل، وللفرض متقبّل، يمتُّ بما قدّمه منَ الخدمات، وذخَره ذخر الأقوات لهذه الأوقات.
وَقَدْ أحاطت العلوم الشّريفة بأنّ الوالد السّعيد الشّهيد الشّديد السّديد المبيد للشّرك المبيد، لَمْ يزل مستقيما عَلَى جدد الجدّ، ومصر بل الأمصار باجتهاده فِي الجهاد شاهده، والأنجاد والأغوار فِي نظر عزمه واحده، والبيتُ المُقَدَّسُ من فتوحاته والمُلك العقيم من نتائج عزماته، وَهُوَ الَّذِي ملك ملوك الشّرق، وغلَّ أعناقها، وأسرَ طواغيت الكُفر، وشدّ خناقها، وقَمَعَ عَبَدَةَ الصُّلْبان، وقطع أصلابها، وجمع كلمة الْإِيمَان وَعَصَم جنابها، وقُبِضَ وعدلُه مبسوط، ووِزْره محطوط، وعمله بالصّلاح منوط، وخرج منَ الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الطّاعة الإماميّة داخلْ» .
قَالَ العماد الكاتب: لمّا تُوُفّي وملكت أولاده كَانَ العزيز عُثْمَان بمصر يقرِّب أصحاب أَبِيهِ ويكُرمهم، والأفضل بدمشق يفعل بضدّ ذَلِكَ. وأشار عليه جماعة كالوزير الْجَزَريّ الَّذِي استوزره، يعني الضّياء ابن الأثير.
وفيه يَقُولُ فتيان الشّاغوريّ:
مَتَى أرَى وزيرَكم ... وما لَهُ من وَزَرِ
يقلعه اللَّه فذا ... أوانُ قلْع الْجَزَرِ
ومن كتاب فاضليّ: «أمّا هَذَا البيت، فَإِن الآباء منه اتفقوا فملكوا، وأنّ الأبناء منه اختلفوا فهلكوا» .
قُلْتُ: خلَّف منَ الأولاد صاحب مصر السّلطان الملك الْعَزِيز، والملك الأفضل عليّ صاحب دمشق، والملك الظّافر مظفَّر الدّين خضر، والملك الزّاهر مجير الدّين دَاوُد، والملك المفضّل قُطْب الدّين مُوسَى، والملك الأشرف عزيز الدّين مُحَمَّد، والملك المحسن ظهير الدّين أَحْمَد، والملك المعظّم فخر الدّين(41/354)
توران شاه، والجواد ركن الدّين أيّوب، والغالب نصير الدّين ملك شاه، وعماد الدّين شاذي. ونُصْرة الدّين مَرْوَان، والمَنْصُور أَبُو بَكْر، ومؤنسة زَوْجَة الكامل.
هَؤُلَاءِ كلّهم عاشوا بعده، وكان أكثرهم بحلب عند الظّاهر، وآخرهم موتا توران شاه، تُوُفّي بعد أخْذ حلب، وكان بقلعتها.
قَالَ الموفّق عَبْد اللّطيف: أتيت الشّام، والملك صلاح الدّين بالقدس، فأتيته فرأيته ملكا عظيما، يملأ العيون روعَةً، والقلوب محبّة، قريبا، بعيدا، سَهْلًا، مُجيبًا، وأصحابه يتشبّهون بِهِ، يتسابقون إِلَى المعروف كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ من غِلٍّ 15: 47 [1] . وأوّل ليلةٍ حَضَرْتُهُ وجدتُ مجلسا حفِلًا بأهل العلم يتذاكرون فِي أصناف العلوم، وَهُوَ يُحْسن الاستماع والمشاركة ويأخذ فِي كيفيّة بناء الأسوار، وحفْر الخنادق، ويتفقّه فِي ذَلِكَ، ويأتي بكلّ معنى بديع.
وكان مهتمّا فِي بناء سور القدس، وحفْر خندقه، يتولّى ذَلِكَ بنفسه، وينقل الحجارة عَلَى عاتقه، ويتأسّى بِهِ جُمَيْع النّاس، الأغنياء، والفقراء، والأقوياء، والضّعفاء، حَتَّى العماد الكاتب والقاضي الفاضل. ويركب لذلك قبل طلوع الشّمس إِلَى وقت الظُّهْر، ويأتي دارَه فيمدّ السِّماط، ثُمّ يستريح، ويركب العصر، ويرجع فِي ضوء المشاعل، ويُصرّف أكثر اللّيل فِي تدبير ما يعمل نهارا.
وقَالَ لَهُ بعض الصُّنّاع: هَذِهِ الحجارة الّتي تُقطع من أسفل الخندق، ويُبنى بها السّور رخْوة. قَالَ: نعم، هَذِهِ تكون الحجارة الّتي تلي القرار والنّداوة، فإذا ضربتها الشّمس صَلُبَت.
وكان رحِمَه اللَّه يحفظ «الحماسة» ، ويظنّ أنّ كُلّ فقيه يحفظها، فكان ينشد القطعة، فإذا توقّف فِي موضعٍ أستطعم فلم يُطعَم. وجرى لَهُ ذَلِكَ مَعَ القاضي الفاضل، ولم يكن يحفظها، فخرج من عنده، فلم يزل حَتَّى حفظها.
وكتب لي صلاح الدّين بثلاثين دينارا فِي الشّهر عَلَى ديوان الجامع
__________
[1] سورة الحجر، الآية 47.(41/355)
بدمشق، وأطلق لي أولاده رواتب، حَتَّى تقرَّر لي فِي كُلّ شهر مائة دينار.
ورَجَعْتُ إلى دمشق، وأكبّت عَلَى الاشتغال وإقراء النّاس بالجامع.
قَالَ: وكان عمّه أسد الدّين شِيركُوه من أمراء دولة نور الدّين، وكان أَبُوهُ أيّوب معروفا بالصّلاح. وكان شيركوه معروفا بالشّجاعة، وكان لأيّوب بنون وبنات، ولم يكن صلاح الدّين أكبرهم. وكان شِحْنَة دمشق، ويشرب الخمر، فمُذْ باشَر المُلْك طلّق الخمر واللّذّات. وكان محبَّبًا، خفيفا إِلَى نور الدّين، يلاعبه بالكُرَة. وملك مصر.
وكانت وقعته مَعَ السّودان سنة بضْع وستّين، وكانوا نحو مائتي ألف، ونُصِر عليهم، وَقُتِلَ أكثرهم، وهرب الباقون، وابتنى سورَ القاهرة ومصر عَلَى يد الأمير قَراقُوش.
وَفِي هَذِهِ الأيّام ظهر ملك الخَزَر، ومَلَكَ دُوِين وَقُتِلَ منَ المسلمين ثلاثين ألفا.
ثُمّ فِي سنة سبْعٍ قطع صلاح الدّين خطبة العاضد بمصر، وخطب للمستضيء. ومات العاضد، واستولى صلاح الدّين عَلَى القصر وذخائره، وقبض عَلَى الفاطميّين.
وَفِي سنة ثمانٍ وستّين فتح أخوه شمس الدّولة بَرْقة ونَفُوسَا.
وَفِي سنة تسعٍ مات أَبُوهُ، ونور الدّين، وافتتح أخوه شمس الدّولة اليمن، وقبض عَلَى المتغلّب عليها عَبْد النَّبِيّ بْن مهْديّ المهديّ، وكان شابا أسود.
وَفِي سنة سبعين سار من مصر، وملك دمشق.
وَفِي سنة إحدى وسبعين حاصَرَ عَزَاز. قَالَ ابن واصل [1] : حاصر عَزَاز ثمانية وثلاثين يوما بالمجانيق، وَقُتِلَ عليها كثير من عسكره. وكانت لجاولي الأمير خيمة، كَانَ السّلطان يحضر فيها، ويحضّ الرجال عَلَى الحرب، فحضرها والباطنيّة، الَّذِين هُمُ الإسماعيليّة، فِي زي الأجناد، وقوفٌ، إذ قفَزَ عليه واحد
__________
[1] في مفرّج الكروب.(41/356)
منهم، فضرب رأسه بسِكين، فلولا المِغْفَر الزَّرَد، وكان تحت القَلَنْسُوَة، لقتله. فأمسك السّلطان يد الباطنيّ بيديه، فبقي يضرب فِي عُنقه ضرْبًا ضعيفا، والزّرَدُ يمنع، فأدرك السّلطان مملوكُه يازكوج الأمير، فأمسك السِّكين فجرحته، وما سيّبها الباطنيّ حَتَّى بضّعوه. ووثب آخر، فوثب عليه الأمير دَاوُد بْن منكلان، فجرحه الباطنيّ الآخر فِي جنْبه فمات وَقُتِلَ الباطنيّ، ثُمّ جاء باطنيٌّ ثالث، فماسَكَه الأمير عَلِيّ بْن أَبِي الفوارس، فضمّه تحت إبطه، وبقيت يد الباطنيّ من ورائه [1] لا يقدر عَلَى الضَّرْب بالسِّكين، ونادى: اقتلوني معه، فقد قتلني وأذهب قوّتي. فطعنه ناصر الدّين مُحَمَّد بْن شِيركُوه فقتله، وانهزم آخر فقطّعوه، وركب السّلطان إِلَى مخيّمه ودمه سائل عَلَى خدّه، واحتجب فِي بيت خشب، وعرض الْجُنْد، فَمنْ أنكره أبعده. ثُمّ تسلَّم القلعة بالأمان.
وَفِي سنة ثلاثٍ كسرته الفِرَنج على الرملة، وفرّ عند ما بَقِيّ فِي نفرٍ يسير.
وَفِي سنة خمسٍ وسبعين كسرهم، وأسَرَ ملوكهم وأبطالهم.
وَفِي سنة ستّ أمَرَ ببناء قلعة القاهرة عَلَى جبل المقطّم.
وَفِي سنة ثمانٍ عَبَر الفرات، وفتح حرَان، وسَرُوج، والرّها، والرَّقَّة، والبيرة، وسنجار، ونصيبين، وآمِد، وحاصر المَوْصِل، وملك حلب، وعوّض عَنْهَا سِنْجار لصاحبها عماد الدّين زنكي الَّذِي بنى العماديّة بالمَوْصِل.
ثُمّ إنّ صلاح الدّين حاصر المَوْصِل ثانيا وثالثا، ثُمّ هادنه صاحبها عزّ الدّين مَسْعُود، ودخل فِي طاعته. ثُمّ تسلّم صلاح الدّين البوازيج، وشَهْرَزُور، وأنزل أخاه الملك العادل عَنْ قلعة حلب، وسلّمها لولده الملك الظّاهر، وعمره إحدى عشر سنة. وسيّر العادل إِلَى ديار مصر نائبا عَنْهُ، وكان بها ابن أَخِيهِ تقيّ الدّين عُمَر بْن شاهنشاه، فغضب حيث عزله، وأراد أن يتوجّه إِلَى المغرب، وكان شهْمًا شجاعا، فخاف صلاح الدّين من مَغَبَّة أمره، فلاطَفَه بكلّ وجهٍ حَتَّى رجع مُغضبًا وقَالَ: أَنَا أفتح بسيفي ما أستغني بِهِ عمّا فِي أيديكم. وتوجّه إِلَى خلاط،
__________
[1] في الأصل: «من وراءه» .(41/357)
وفيها بُكْتمر، فالتقى هُوَ وبُكْتمر، فانكسر بُكْتمر شرّ كسره، وسيّر تقيّ الدّين عَلَمَه وفَرَسَه إِلَى دمشق وأنا بها، وكان يوما مشهودا.
وَفِي سنة ثلاثٍ وثمانين فتح صلاح الدّين طبريَّة، ونازل عسقلان، وكانت وقعة حِطِّين، واجتمع الفِرَنج، وكانوا أربعين ألفا، عَلَى تلّ حِطّين، وسبقَ المسلمون إِلَى الماء، وعطش الفِرَنج، وأسلموا أنفسهم وأخذوا عن بكرة أبيهم، وأُسِرت ملوكهم.
ثُمّ سار فأخذ عكّا، وبيروت، وقلعة كَوْكَب، والسّواحل. وسار فأخذ القدس بالأمان بعد قتالٍ لَيْسَ بالشّديد.
ثُمّ إنّ قَراقُوش التّركيّ مملوك تقيّ الدّين عُمَر المذكور توجّه إِلَى المغرب لمّا رجع عَنْهَا مولاه، فاستولى عَلَى أطراف المغرب، وكسر عسكر تونس، وخطب لبني الْعَبَّاس. وإنّ ابن عَبْد المؤمن قصد قَراقُوش، ففرَّ منه ودخل البرّيّة. ثُمّ دخل إليه مملوك آخر يسمّى بُوزبَّةُ، واتّفقا، ثُمّ اختلفا، ولو اتّفقا مَعَ المايرقيّ لأخذوا المغرب بأسره. ووصلت خيل المايرقيّ إِلَى قريب مَرّاكُش، وتهيّأ الموحّدون للهرب، لكنْ أرسلوا رَجُلًا يُعرف بعبد الواحد لَهُ رأي ودهاء، فقاوم المايرقيّ بأنْ أفسد أكثر أصحابه والعرب الَّذِين حوله بالأموال، وكسره مرّات، وجَرَت أمورٌ لَيْسَ هَذَا موضعها.
ثُمّ إنّ الفِرَنج نازلوا عكّا مدّة طويلة، وكانوا أُممًا لا يُحْصَوْن، وتعب المسلمون، واشتدّ الأمر.
قَالَ: ومدّة أيّامه لَمْ يختلف عليه أحدٌ من أصحابه، وفُجع النّاس بموته. وكان النّاس فِي زمانه يأمنون ظُلمه، ويرجون رِفْده. وأكثر ما كَانَ عطاؤه يصل إِلَى الشّجعان، وإلى أَهْل العلم، وأهل البيوتات. ولم يكن لمُبْطِلٍ، ولا لصاحب هزْلٍ عنده نصيب.
ووُجد فِي خزائنه بعد موته دينارٌ صوريّ، وثلاثون درهما.
وكان حسن الوفاء بالعهود، حسن المقدرة إذا قدر، كثير الصّفح. وإذا(41/358)
نازل بلدا، وأشرف عَلَى أخْذِه، ثُمّ طلبوا منه الأمان أمَّنهم، فيتألَّم جيشه لذلك لفوات حظّهم. وقد عاقد الفرنج وهادنهم عند ما ضرس عسكره الحرب وملّوا.
قَالَ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد: قَالَ لي السّلطان فِي بعض محاوراته فِي الصُّلح: أخاف أنْ أصالح، وما أدري أَيّ شيءٍ يكون منّي، فيقوى هَذَا العدوّ، وَقَدْ بقيت لهم بلادٌ فيخرجون لاستعادة ما فِي أيدي المسلمين، وترى كُلّ واحدٍ من هَؤُلَاءِ، يعني أخاه وأولاده وأولاد أَخِيهِ، قَدْ قعد فِي رأس تلةٍ، يعني قلعته، وقَالَ لا أنزل. ويهلك المسلمون.
قَالَ ابن شدّاد: فكان واللَّه كَمَا قَالَ. تُوُفّي عَنْ قريبٍ، واشتغل كُلّ واحدٍ من أَهْل بيته بناحية، ووقع الخُلْف بينهم.
وبعد، فكان الصُّلح مصلحة، فلو قُدِّر موتُه والحربُ قائمةٌ لكان الْإِسْلَام عَلَى خَطَر.
ومات رحِمَه اللَّه قبل الرابع عشر، ووَجِدَ النّاس عليه شبيها بما يجدونَه عَلَى الأنبياء. وما رَأَيْت ملكا حزن النّاس لموته سواه، لأنّه كَانَ محبَّبًا، يحبّه البَرّ والفاجر، والمسلم والكافر.
ثُمّ تفرّق أولاده وأصحابه أيادي سبإ، ومُزقوا فِي البلاد.
قُلْتُ: ولقد أجاد فِي مدحه العماد رحِمَه اللَّه حيث يَقُولُ:
وللنّاس بالمالك النّاصر ... الصّلاح صلاح ونصر كبير
هُوَ الشّمس أفلاكه فِي البلاد ... ومطلعه وسرْجُه والسريرُ
إذا ما سطا أَوْ حبا واحتبى ... فَمَا الليثُ مَنْ حاتم ما ثبير
وقد طوّل القاضي شمس الدّين ترجمته [1] فعملها في تسع وثلاثين ورقة بالقطع الكبير، فممّا فيها بالمعنى أنّ صلاح الدّين قدم به أبوه وهو رضيع، فناب أبوه ببعلبكّ لمّا أخذها الأتابك زنكي في سنة ثلاث وثلاثين [2] .
__________
[1] في وفيات الأعيان.
[2] انظر: ذيل تاريخ دمشق 269، 270، ووفيات الأعيان 7/ 144.(41/359)
وقيل إنّهم خرجوا من تَكْريت فِي اللّيلة الّتي وُلِد فيها صلاح الدّين، فتطيّروا بِهِ، ثُمّ قَالَ بعضُهم: لعلّ فِيه الخِيَرَة وأنتم لا تعلمون.
ثُمّ خدم نجم الدّين أيّوب وولَدَه صلاح الدّين السلطانُ نورُ الدّين، وصيرهُما أميرين، وكان أسد الدّين شيركوه أخو نجم الدّين أرفع منهما منزلة عنده، فَإنَّهُ كَانَ مقدّم جيوشه.
وولّي صلاح الدّين وزارة مصر، وهي كالسّلطنة فِي ذَلِكَ الوقت، بعد موت عمّه أسد الدّين سنة أربعٍ وستّين. فَلَمَّا هلك العاضد فِي أول سنة سبْعٍ، اشتغل بالأمر، مَعَ مُداراة نور الدّين ومراوغته، فَإِن نور الدّين عزم عَلَى قصد مصر ليُقيم غيره فِي نيابته، ثُمّ فَتَر. ولما مات نور الدين سار صلاح الدّين إِلَى دمشق مظهرا أَنَّهُ يقيم نفسَه أتابكا لولد نور الدّين لكونه صبيّا، فدخلها بلا كلْفة، واستولى عَلَى الأمور فِي سلْخ ربيع الأوّل سنة سبعين. ونزل بالبلد بدار أَبِيهِ المعروفة بالشّريف العقيقيّ الّتي هِيَ اليوم الظّاهريّة.
ثُمّ تسلّم القلعة، وصعِد إليها، وشال الصبيَّ منَ الوسط. ثُمّ سار فأخذ حمص، ولم يشتغل بأخذ قلعتها، فِي جُمادى الأولى.
ثُمّ نازل حلب في سلخ الشّهر، وهي الوقعة الأولى، فجهَّز السّلطان غازي بْن مودود أخاه عزّ الدّين مَسْعُود فِي جيشٍ كبيرٍ لحرْبه، فترحّل عَنْ حلب، ونزل عَلَى قلعة حمص فأخذها. وجاء عزّ الدّين مَسْعُود، فأخذ معه عسكر حلب، وساق إِلَى قرون حماه، فراسلهم وراسلوه، وحرص عَلَى الصُّلْح، فأبوا، ورأوا أنّ المصافّ معه ينالون بِهِ غرضهم لكثرتهم، فالتقوا، فكانت الهزيمة عليهم، وأسَر جماعة. وذلك فِي تاسع عشر رمضان.
ثُمّ ساق وراءهم، ونزل عَلَى حلب ثانيا، فصالحوه وأعطوه المَعَرَّة، وكَفَرْطاب، وبارين.
وجاء صاحب المَوْصِل غازي فحاصر أخاه عماد الدّين زنكي بسنْجار، لكونه انتمى إِلَى صلاح الدّين، ثُمّ صالحه لمّا بلغ غازي كسرةُ أَخِيهِ مَسْعُود،(41/360)
ونزل بنصيبين، وجمع العساكر، وأنفق الأموال، وعبر الفُرات. وقدِم حلب، فخرج إلى تلقّيه ابن عمّه الصّالح بْن نور الدّين. وأقام عَلَى حلب مدّة، ثُمّ كَانَتْ وقعة تلّ السّلطان، وهي منزلة بَيْنَ حلب وحماه، جرت بَيْنَ صلاح الدّين وبَيْنَ غازي صاحب المَوْصِل فِي سنة إحدى وسبعين، فنُصِر صلاح الدّين، ورجع غازي فعدّى [1] الفُرات، وأعطى صلاح الدّين لابن أخيه عزّ الدّين فرّخ شاه بْن شاهنشاه صاحب بِعْلَبَكّ خيمة السّلطان غازي. ثُمّ سار فتسلَّم مَنْبِج وحاصر قلعة عزاز، ثُمّ نازل حلب ثالثا فِي آخر السّنة، فأقام عليها مدّة، فأخرجوا ابنة صغيرة لنور الدّين إِلَى صلاح الدّين، فسأَلَتْه عَزاز، فوهبها لها.
ثُمّ دخل الدّيار المصريّة واستعمل عَلَى دمشق شمس الدّولة توران شاه، وكان قَدْ جاء مِنَ اليمن.
وخرج سنة ثلاثٍ من مصر، فالتقى الفرنج عَلَى الرملة، فانكسر المسلمون يومئذٍ، وثبت صلاح الدّين، وتحيّز بمن معه، ثُمّ دخل مصر ولمَّ شعث العسكر.
وتقدّم أكثر هَذَا القول مفرَّقًا.
ونازل حلب فِي أوّل سنة تسعٍ، فطلب منه عماد الدّين زنكي بْن مودود أن يأخذ ما أراد منَ القلعة، ويعطيه سِنْجار، ونصيبين، وسروج، وغير ذَلِكَ.
فحلف لَهُ صلاح الدّين عَلَى ذَلِكَ. وكان صلاح الدّين قَدْ أَخَذَ سنْجار مِنْ أربعة أشَهر، وأعطاها لابن أَخِيهِ تقيّ الدّين عُمَر، ثُمّ عوّضه عَنْهَا. ودخل حلب، ورتَّب بها ولده الملك الظّاهر، وَجَعَل أتابكه يازكوج الأَسَديّ.
ثُمّ توجّه لمحاصرة الكَرَك. وجاء أخوه العادل من مصر، فحشدت الفِرَنج، وجاءوا إِلَى الكَرَك نجدة، فسيَّر صلاح الدّين تقيّ الدّين عُمَر يحفظ لَهُ مصر. ثُمّ رحل عَنِ الكَرَك فِي نصف شعبان. وأعطى أخاه العادل حلب، فدخلها فِي أواخر رمضان، وقدم الظّاهر وأتابكه، فدخلا دمشق فِي شوّال.
وقيل أعطاه عوض حلب ثلاثمائة ألف دينار.
__________
[1] في الأصل: «فعدّا» .(41/361)
ثُمّ إنّ صلاح الدّين رَأَى أنّ عَوْد العادل إِلَى مصر، وعَوْد الظّاهر إِلَى حلب أصلح. وعوّض بعدُ العادل بحرّان، والرُّها، وميّافارقين.
وَفِي شعبان سنة إحدى وثمانين نزل صلاح الدّين عَلَى المَوْصِل، وتردّدت الرُّسُل بينه وبَيْنَ صاحبها عزّ الدّين.
ثُمّ مرض صلاح الدّين، فرجع إِلَى حَرّان، واشتدّ مرضه حَتَّى أَيِسوا منه، وحلفوا لأولاده بأمره، وَجَعَل وصيَّه عليهم أخاه العادل وكان عنده. ثُمّ عوفي ومرَّ بحمص وَقَدْ مات بها ابن عمّه ناصر الدّين مُحَمَّد بْن شيركوه، فأقطعها لولده شيركوه. ثُمّ استعرض الترِكة فأخذ أكثرها.
قَالَ عزّ الدّين ابن الأثير: وكان عُمَر شيركوه اثنتي عشرة سنة.
ثُمّ إنَّه حضر بعد سنة عِنْد صلاح الدّين، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ بلغت فِي القرآن؟ قَالَ: إلى قوله تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ ناراً 4: 10 [1] فعجب الحاضرون من ذكائه.
وَفِي سنة اثنتين وثمانين عاد الظّاهر فدخل حلب، وزوّجه أَبُوهُ بغازية بِنْت أَخِيهِ الملك العادل، فدخل بها بحلب فِي السّنة.
وَفِي سنة ثلاثٍ افتتح صلاح الدّين بلاد الفِرَنج، وقهرهم وأباد خضراءهم، وأسَرَ ملوكهم، وكسرهم عَلَى حِطّين. وافتتح القدس، وعكّا، وطبريّة، وغير ذَلِكَ.
وكان قَدْ نذر أن يقتل البرنس أَرْناط صاحب الكَرَك، فكان مِمَّنْ وقع فِي أسرهْ يومئذٍ، وكان قَدْ جاز بِهِ قومٌ من مصر فِي حال الهدنة، فغدر بهم، فناشدوه الصّلح الّذي بينه وبَيْنَ المسلمين، فَقَالَ ما فِيهِ استخفاف بالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلهم، فاستحضرهم صلاح الدّين، ثُمّ ناول الملك جفري شربة من جُلاب وثلج، فشرب، وكان فِي غاية العَطَش، ثُمّ ناولها البرنْس أرناط، فشرب. فَقَالَ السّلطان للتَّرجُمان: قُلّ للملك جفْري، أَنْت الَّذِي سقيته، وإلّا أنا فما سقيته.
__________
[1] سورة التوبة، الآية 34.(41/362)
ثُمّ استحضر البرنس فِي مجلسٍ آخر وقَالَ: أَنَا انتصر لمحمد منك. ثُمّ عَرَضَ عليه الْإِسْلَام، فامتنع فسَلَّ النّيمجاه [1] ، وحلّ بها كتِفَه، وتمّمه بعض الخاصّة.
وافتتح فِي هَذَا العام مِنَ الفتوحات ما لَمْ يفتحه ملك قبله، وطار صيتُه فِي الدُّنْيَا، وهابته الملوك.
ثُمّ وقع المأتم والنَّوح فِي جزائر الفِرَنج، وإلى رومية العُظْمَى، ونودي بالنّفير إِلَى نُصرة الصّليب، فأُتي السلطانَ من عساكر الفِرَنج ما لا قِبَل لَهُ بِهِ، وأحاطوا بعكّا يحاصرونها، فسار السّلطان إليها ليكشف عَنْهَا، فعِيلَ صبرُه، وبذل فوق طاقته، وجرت لَهُ أمورٌ وحروبٌ قَدْ ذكرتُها فِي الحوادث. وبقي مرابطا عليه نحوا من سنتين، فاللَّه يُثيبه الْجَنَّة برحمته.
وكتب القاضي الفاضل بطاقة إِلَى ولده الملك الظّاهر صاحب حلب: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ 33: 21 [2] ، إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ 22: 1 [3] .
كتبتُ إِلَى مولانا السّلطان الملك الظّاهر أحسن اللَّه عزاءه، وجَبَرَ مُصابه، وَجَعَل فِيهِ الخَلَفَ فِي السّاعة المذكورة، وَقَدْ زُلزِل المسلمون زلزالا شديدا، وَقَدْ حفرت الدموعُ المحاجر، وبلغت القلوبُ الحناجر. وَقَدْ ودَّعت أباكَ ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده، وقبّلت وجهه عنّي وعنك، وأسلمته إِلَى اللَّه تَعَالَى، مغلوبَ الحيلة، ضعيف القوّة، راضيا عَنِ اللَّه، ولا قوَّة إلّا باللَّه، وبالباب مِنَ الجنود المجنَّدة، والأسلحة المعمّدة [4] ، ما لَمْ يدفع البلاء ولا ما [5] يردّ القضاء، تدمع العين، ويخشع الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرضِي الرَّبَّ، وإنّا بك [6] يا يوسف لمحزونون [7] . وأمّا الوصايا
__________
[1] هكذا بالياء.
[2] سورة الأحزاب، آية 21.
[3] سورة الحج، الآية 1.
[4] في وفيات الأعيان 7/ 205 «المعدّة» .
[5] في وفيات الأعيان 7/ 205 «ولا ملك» .
[6] في وفيات الأعيان 7/ 205 «وإنّا عليك» .
[7] في وفيات الأعيان 7/ 205 «لمحزونون يا يوسف» .(41/363)
فَمَا تحتاج إليها، والآراء فقد شغلني المُصاب عَنْهَا، وأمّا لائح الأمر فإنّه إن وقع اتفاقٌ فَمَا عدِمتم إلّا شخصَه الكريم، وإنْ كَانَ غيره فالمصائب المستقبلة أهونها موته، وَهُوَ الهولُ العظيم» .
وَقَدْ كتب إِلَى صلاح الدّين ابن التّعاويذيّ يمتدحه:
إنْ كَانَ دينك فِي الصَّبابة ديني ... فقِفِ المطيَّ برملَتيْ يبرينِ [1]
وألثم ثَري لو شارفتْ بي هَضْبَةُ ... أيدي المطيّ لثمته بجفوني
وأنشد فؤادي فِي الظّباء معرّضا ... فبغير غزْلان الصّريم جنوني
ونشيدتي بَيْنَ الخيام، وإنّما ... غالطتُ عَنْهَا بالظباءِ العينِ
للَّه ما اشتملتْ عليهِ قبابُهمْ ... يوم النَّوَى من لؤلؤٍ مكنونِ
مِنْ كُلّ تائهةٍ عَلَى أترابها ... فِي الحُسْن غانية عَنِ التّحسين
خَوْدٍ تَرى قمرَ السّماء إذا بدت ... ما بَيْنَ سالفةٍ لها وجبين
يا سَلْمَ إنْ ضاعت عهودي عندكم ... فأنا الَّذِي استودعتُ غيرَ أمين
هيهات ما للبِيض فِي ودّ امرِئٍ [2] ... أَرَبٌ وَقَدْ أربى عَلَى الخمسين
ليت الضّنين عَلَى المحبّ بوصلهِ ... لقن السّماحة من صلاح الدّين
[3] ولعلَم الدّين حَسَن الشّاتانيّ فِيهِ قصيدةٌ مطلعها:
أرى النّصْرَ مقرونا برايتك الصَّفْرا ... فسِرْ واملكِ الدُّنْيَا فأنْت بها أحرى
وللمهذّب عمر بن محمد ابن الشِّحْنة الْمَوْصِلِيّ قصيدة فِيهِ مطلعها:
سلامُ مَشُوقٍ قَدْ براه التَّشَوُّقُ ... عَلَى جيرة الحيّ الَّذِين تفرّقوا
منها:
وإنّي امرؤٌ أحببتكم لمكارم ... سمعتُ بها والأذْن كالعينِ تعشقُ
وقالت لي الآمال: إنْ كنتَ لاحقا ... بأبناء أيّوب فأنت الموفّقُ
[4]
__________
[1] في الأصل: «يبريني» .
[2] في الأصل: «امرء» .
[3] ديوان ابن التعاويذي 420- 424.
[4] وفيات الأعيان 7/ 211.(41/364)
وللقاضي السّعيد هبة اللَّه بْن سنا الملك فِيهِ:
لستُ أدري بأيّ فتح تُهَنّا ... يا منيل الإسلام ما قد تمنّى [1]
أنهنّيك إذ تملكت شاما ... أم نهنيك إذ تبوّأت عدنا
قَدْ ملكت الجنان قصرا فقصرا ... إذْ فتحت الشامَ حصْنًا فحصْنا
لَمْ تَقِفْ قطُّ فِي المعارك إلّا ... كُنْت يا يوسف كيوسف حُسْنا
قصدَتْ نحوك الأعادي، فردّ ... اللَّه ما أمّلوه عنك وعنّا
حملوا كالجبال عُظما ولكنْ ... جَعَلَتْها حملاتُ خَيْلك عِهْنا
كُلّ من يجعل الحديدَ لَهُ ثوبا ... وتاجا وطيلسانا ورُدْنا
خانهم ذَلِكَ السّلاح فلا الرُّمْحُ ... تَثَنَّى، ولا المهنّد طنّا
وتولّت تِلْكَ الخيولُ وكم يُثنَى ... عليها بأنّها لَيْسَ تُثنَى [2]
وتصيّدتهم لحلقة صيدٍ ... تجمع اللَّيْثَ والغزال الأَغَنّا
وجَرَت منهم الدّماء بِحارًا ... فَجَرَت فوقها الجزائرُ سُفنا
صُنعت فيهم وليمة وحشٍ ... رقص المشرفيّ فيها وغنّى [3]
وحوى الأسرُ كُلّ ملك يظنّ ... الدَّهْر يَفْنَى وملكه لَيْسَ يفنى [4]
والملكُ العظيمُ فيهم أسير ... يتثنّى فِي أَدْهَمٍ يتثنّى [5]
كم تمنّى اللّقاء حَتَّى رآهُ ... فتمنّى لَهُ أَنَّهُ ما تمنّى [6]
رقّ من رحمةٍ لَهُ القّيْدُ والغلّ ... عليه فكُلّما أنّ أنّا
واللّعين البرنس أرناط مذبوح ... بيُمْنَى مَنْ بات للدِّين يُمنى [7]
أَنْت ذكَّيْته فوفيت نذرا ... كنت قدّمته فجوزيت حسنا
__________
[1] في الأصل: «تمنّا» .
[2] في الأصل: «تثنا» .
[3] في الأصل: «غنّا» .
[4] في الأصل: «يفنا» .
[5] في الأصل: «يتثنّا» .
[6] في الأصل: «تمنّا» .
[7] في الأصل: «يمنا» .(41/365)
قَدْ ملكت البلادَ شرقا وغربا ... وحَوَيت الآفاقَ سهْلًا وحَزْنا
واغْتَدَى الوصْفُ فِي عُلاك حسِيرًا ... أَيُّ لفظٍ يُقَالُ أَوْ أَيُّ مَعْنى
فَمنْ فتوحاته: افتتح أوّلا الإسكندريّة سنة أربعٍ وستّين، وقاتل معه أهلها لمّا حاصرتهم الفِرَنج أربعة أشهر، ثُمّ كشف عنه عمّه أسد الدّين شيركوه، وفارقاها وقدِما الشّام.
ثُمّ تملّك وزارة العاضد بعد عمّه شيركوه سنة أربع وستّين، وَقُتِلَ شاور، وحارب السّودان، واستتبّ لَهُ أمرُ ديار مصر، فأعاد بها الخطبة العبّاسيّة، وأباد بني عُبَيْد، وَعَبيدهم.
ثُمّ تملَّك دمشق بعد نور الدّين، ثُمّ حمص، وحماه، ثُمّ حلب، وآمِد، وميافارِقين، وعدّة بلاد بالجزيرة، وديار بَكْر.
وأرسل أخاه فافتتح لَهُ اليمن. وسار بعض عسكره فافتتح لَهُ بعض بلاد إفريقية.
ثُمّ لَمْ يزل أمره فِي ارتقاء، وملكه فِي ارتفاع، إلى أن كَسَرَ الفِرَنج نوبة حِطّين، وأسرَ ملوكهم.
ثمّ افتتح طبريَّة، وعكّا، وبيروت، وصيدا، ونابلس، والنّاصرة، وقَيْساريَّة، وصَفُّوريَّة، والشَّقِيف، والطّور، وحيفا، ومَعْليا، والفولة، وغيرها منَ البلاد المجاورة لعكّا، وسبَسْطية الّتي يُقَالُ لها قبر زكريّا، وتبْنين، وجُبَيل، وعسقلان، وغزّة، وبيت المَقْدِس.
ثُمّ نازل صور مدّة أشهُر، فلم يقدر عليها وترحّل عَنْهَا، وافتتح هونين، وكوكب، وأنْطَرَسُوس، وجَبَلَة، وبكسرائيل، واللّاذقيَّة، وصهيون، وقلعة العيذو، وقلعة الجماهريّة، وبَلاطُنُس، والشَّغْر، وبَكّاس، وسرمانية، وبَرْزَيَة، ودربْساك، وبغراس، وكانا كالجناحين لأنطاكيّة.
ثُمّ عقد هدنة مَعَ إبرنس أنطاكية، ثُمّ افتتح الكَرَك، والشَّوْبك، وصَفَد، والشَّقِيف المنسوب إلى أرنون.(41/366)
وحضر مصافاتٍ عدّة ذكرتُ سائرها فِي الحوادث، رحِمَه اللَّه تَعَالَى وأسكنه جنّتَه بفضلِه.
[مواليد السنة] وَفِي سنة تسعٍ وُلِد: تقيّ الدّين إِسْمَاعِيل بْن أَبِي اليُسْر، والكمال عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد، والتّاج مظفَّر بْن عَبْد الكريم الحنبليّ، والشّهاب مُحَمَّد بْن يعقوب بْن أَبِي الدّنية، والزّين أحمد بْن أَبِي الخير سلامة، والنّجيب محاسن بْن الْحَسَن السُّلَميّ، والزّكيّ إِسْرَائِيل بْن شُقَيْر، والعلّامة عزّ الدِّين عَبْد الرّزّاق بْن رزق اللَّه الرّسْعَنيّ، وسعد اللَّه بْن أَبِي الفضل التّنُوخيّ البزّاز، والشّيخ زين الدّين الزّواويّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن ناصر بْن طُغان الطّريفيّ، والجمال مُحَمَّد بْن عَبْد الحقّ بْن خَلَف، وإمام الدّين مُحَمَّد بْن عُمَر بْن الْحَسَن الفارسيّ، وقاضي القُضاة صدر الدّين أَحْمَد بْن سنيّ الدّولة.(41/367)
سنة تسعين وخمسمائة
- حرف الألف-
373- أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل بْن يوسف [1] .
أَبُو الخير الطّالقانيّ القزْوينيّ، الفقيه الشّافعيّ، الواعظ، رضيّ الدّين، أحد الأعلام.
وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بقزوين.
وتفقّه عَلَى الفقيه أَبِي بَكْر بْن مَلَكداذ بْن عَلِيّ العَمْركيّ، ثُمّ ارتحل إِلَى نيسابور.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن إسماعيل) في: الأنساب 8/ 178، 179، واللباب 2/ 269، ورحلة ابن جبير 197، 198، والتقييد لابن نقطة 131 رقم 147، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 163، 164، ومشيخة النعال 116- 118، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 443، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 200- 202 رقم 224، وذيل الروضتين 6، والتدوين في أخبار قزوين 2/ 144- 148، وتاريخ إربل 1/ 123، ووفيات الأعيان 4/ 396، 401، وآثار البلاد وأخبار العباد 402، والمختصر المحتاج إليه 1/ 174- 176، وتذكرة الحفاظ 4/ 1356، والعبر 4/ 271، 272، والإعلام بوفيات الأعلام 243، وسير أعلام النبلاء 21/ 190- 193 رقم 94، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 7- 13، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 24 أ، ومرآة الجنان 3/ 466، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 139 ب، والبداية والنهاية 13/ 9، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 322، 323، والعقد المذهب لابن الملقن (مخطوط) ورقة 69، والوافي بالوفيات 6/ 253، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 46- 48 رقم 33، والعسجد المسبوك 2/ 225، 226، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 357، 358، رقم 323، وغاية النهاية 1/ 39، وذيل التقييد للفاسي 1/ 297 رقم 592، وعقد الجمان للعيني (مخطوط) 17/ ورقة 186، 195، والنجوم الزاهرة 6/ 134 و 136، وطبقات المفسّرين للسيوطي 11، وطبقات المفسّرين للداوديّ 1/ 32، وشذرات الذهب 4/ 300، وسلّم الوصول لحاجي خليفة (مخطوط) ورقة 72، وهدية العارفين 1/ 88، والرسالة المستطرفة 160، والأعلام 1/ 93، ومعجم المؤلفين 1/ 168، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسّرين 211 رقم 29.(41/368)
وتفقّه عَلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى الفقيه حَتَّى برع فِي المذهب.
وسَمِع الكثير من: أَبِيهِ، ومن: أَبِي الْحَسَن بْن عَلِيّ الشّافعيّ القَزْوينيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الفضل الفُرَاوِيّ، وزاهر الشّحّاميّ، وعبد المنعم بْن القُشَيْريّ، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل الفارسيّ، وعبد الجبّار الخواريّ، وهبة اللَّه بْن سهل السّيّديّ، وأبي نصر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الأَرْغِيانيّ، ووجيه بْن طاهر.
وسَمِع بالطَّابَرَان من: مُحَمَّد بْن المنتصر المَتُّوثيّ [1] : وببغداد من: أَبِي الفتح بْن البَطّيّ. ودرّس ببلده مدّة، ثُمّ درّس ببغداد فِي سنة بضعٍ وخمسين ووعظ، وخُلِع عليه، وعاد إِلَى بلده، ثُمّ قدمها قبل السّبعين وخمسمائة. ودرّس بالنّظاميّة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ رئيس أصحاب الشّافعيّ، وكان إماما فِي المذهب، والخلاف، والأصول، والتّفسير، والوعظ.
حدّث بالكتب الكبار ك «صحيح مسلم» ، و «مسند إسحاق» ، و «تاريخ نيسابور» للحاكم، و «السّنن الكبير» [2] للبيهقيّ، و «دلائل النّبوّة» و «البعث والنُّشُور» لَهُ [3] أيضا. وأملى عدّة مجالس، ووعظ، ونَفَقَ كلامه عَلَى النّاس، وأقبلوا عليه لحسن سَمْته، وحلاوة منطقه، وكثْرة محفوظاته.
ثُمّ قدِم ثانيا، وعقد مجلس الوعظ، وصارت وجوه الدّولة ملتفتة إِلَيْهِ، وكثُر التَّعصُب لَهُ منَ الأمراء والخواصّ، وأحبّه العوامّ. وكان يجلس بالنّظاميّة، ويجامع القصر، ويحضر مجلسه أممٌ. ثُمّ وُلّي تدريس النّظاميّة سنة تسعٍ وستّين، وبقي مدرّسها إِلَى سنة ثمانين وخمسمائة، ثمّ عاد إلى بلده [4] .
__________
[1] المتّوثي: بفتح الميم، وضم التاء المثلّثة المشدّدة ثالث الحروف، وفي آخرها الثاء المثلّثة. هذه النسبة إلى متّوث، وهي بليدة بين قرقوب وكور الأهواز. (الأنساب 11/ 125، 126) .
[2] مطبوع باسم «السنن الكبرى» .
[3] أي للبيهقي، وقد نشره مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، بيروت 1406 هـ. / 1986 م.
بتحقيق الشيخ عامر أحمد حيدر.
[4] المستفاد 47.(41/369)
وكان كثير العبادة والصَّلاة، دائم الذّكر، قليل المأكل. وكان مجلسه كثير الخير، مشتملا عَلَى التّفسير، والحديث، والفقه، وحكايات الصّالحين من غير سَجَع، ولا تزويقِ عبارةٍ ولا شِعْر. وَهُوَ ثقة فِي روايته.
وقيل إنَّه كَانَ لَهُ في كلّ يومٍ ختْمةٌ مَعَ دوام الصّوم. وقيل إنَّه يُفْطِر عَلَى قُرْصٍ واحد [1] .
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ [2] : أملى عدّة مجالس، وكان مقبِلًا عَلَى الخير، كثير الصَّلاة، لَهُ يدٌ باسطةٌ فِي النّظر، واطّلاع عَلَى العلوم، ومعرفة بالحديث.
وكان جمّاعة للفنون، رحِمَه اللَّه.
رجع إِلَى بلده سنة ثمانين، فأقام بها مشتغلا بالعبادة إِلَى أن تُوُفّي فِي محرَّم سنة تسعين.
وقَالَ الحافظ عَبْد العظيم [3] : حكى عَنْهُ غيرُ واحدٍ أَنَّهُ كَانَ لا يزال لسانه رطبا من ذكر اللَّه [4] .
تُوُفّي فِي الثّالث والعشرين منَ المحرَّم.
وأنبأني ابن البُزُوريّ أَنَّهُ أوّل من تكلّم بالوعظ بباب بدر الشّريف.
__________
[1] وقال ابن الدمياطيّ نقلا عن ابن النجار: وكان كثير العبادة، دائم الذكر، كثير الصلاة والصيام والتهجّد والتقلّل من الطعام، حتى ظهر ذلك على وجهه وغيّر لونه. وكان لا يفتر لسانه من التسبيح في جميع حركاته وسائر أحواله. (المستفاد 47) .
[2] في تاريخه، ورقة 163، والمختصر 1/ 175.
[3] في التكملة 1/ 201.
[4] قاله أيضا ابن نقطة في التقييد 131.
وقال الرافعي القزويني: إمام كثير الخير والبركة، نشأ في طاعة الله، وحفظ القرآن وهو ابن سبع على ما بلغني، وحصّل بالطلب الحثيث العلوم الشرعية، حتى برع فيها رواية ودراية، وتعليما وتذكيرا وتصنيفا، وعظمت بركته وفائدته بين المسلمين، وكان مديما للذكر وتلاوة القرآن في مجيئه وذهابه، وقيامه وقعوده، وعامّة أحواله.
سمعت غير واحد ممن حضر عنده، بعد ما قضى نحبه، ولقيه على المغتسل، قبل أن ينقل إليه أن شفتيه كانت تتحرّكان كما كان يحرّكهما طول عمره، بذكر الله تعالى، وكان يقرأ عليه العلم وهو يصلّي، ويقرأ القرآن ويصغي مع ذلك إلى القراءة، وقد ينبّه القارئ على زلّته.
(التدوين) .(41/370)
قُلْتُ: هُوَ مكان كَانَ يحضر فِيهِ وعظه الْإِمَام المستضيء من وراء حجاب، وتحضر الخلائق، فكان يعظ فِيهِ القَزْوينيّ مرّة، وابن الجوزيّ مرةً.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ «مُسْنَد إِسْحَاق بْن راهَوَيْه» [1] أَبُو البقاء إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد المؤدّب البغداديّ.
وروى عَنْهُ: ابن الدُّبِيثيّ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي سهل الواسطيّ، والموفّق عَبْد اللّطيف بْن يوسف، وبالغ فِي الثّناء عليه وقَالَ: كَانَ يعمل فِي اليوم واللّيلة، ما يعجز المجتهد عَنْ عملهِ فِي شهر، ولمّا ظهر التَّشَيُّع فِي زمان ابن الصّاحب التمس العامّة منه يوم عاشوراء عَلَى المِنْبر أن يلعن يزيد فامتنع، ووثبوا عليه بالقتل مرّات، فلم يُرَعْ، ولا زَلَّ لَهُ لسانٌ ولا قَدَم، وخلص سليما. وسافر إِلَى قزوين.
قَالَ: وَفِي أيّام مجد الدّين ابن الصّاحب صارت بغداد بالكَرْخ، وجماعةُ منَ الحنابلة تشيّعوا، حَتَّى إنّ ابن الجوزيّ صار يسجع ويُلْغِز، إلّا رَضِيَ الدّين القَزْوينيّ، فَإنَّهُ تصلّب فِي دِينه وتشدّد [2] .
__________
[1] هو تحت الطبع حاليا في دار الكتاب العربيّ، بيروت، بتحقيق السيد «محمد المفتي» .
[2] وقال الإمام زكريا القزويني في آثار البلاد وأخبار العباد- ص 402) : حكي (عن أبي الخير) أنه كان في بدء أمره يتفقّه، فأستاذه يلقّنه الدرس ويكرّر عليه مرارا حتى يحفظه، فما حفظ، حتى ضجر الأستاذ وتركه لبلادته، فانكسر هو من ذلك ونام الأستاذ، فرأى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ له: لم آذيت أحمد؟ قال: فانتبهت، وقلت: تعال يا رضيّ الدين حتى ألقنك! فقال: بشفاعة النبيّ تلقّنني! ففتح الله تعالى عليه باب الذكاء حتى صار أوحد زمانه علما وورعا، ودرس بالمدرسة النظامية ببغداد مدّة، وأراد الرجوع إلى قزوين فما مكّنوه، فاستأذن للحجّ وعاد إلى قزوين بطريق الشام. وكان له بقزوين قبول ما كان لأحد قبله ولا بعده. يوم وعظه يأتي الناس بالوضوء حتى يحصّلوا المكان. ويشتري الغنيّ المكان من الفقير الّذي جاء قبله. وما سمعوا منه يروونه عنه كما كانت الصحابة تروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وحكي أن الشيخ كثيرا ما كان يتعرّض للشيعة، وكان على باب داره شجرة عظيمة ملتفّة الأغصان، فإذا في بعض الأيام رأوا رجلا على ذلك الشجر، فإذا هو من محلّة الشيعة، قالوا: إن هذا جاء لتعرّض الشيخ! فهرب الرجل، وقال الشيخ: لست أقيم في قزوين بعد هذا!.
وخرج من المدينة، فخرج بخروجه كل أهل المدينة والملك أيضا. فقال: لست أعود إلّا بشرط أن تأخذ مكواة عليها اسم أبي بكر وعمر، وتكوي بها جباه جمع من أعيان الشيعة الذين أعيّن عليهم. فقبل منه ذلك وفعل، فكان أولئك يأتون والعمائم إلى أعينهم حتى لا يرى الناس الكيّ.(41/371)
قُلْتُ: ورّخه فِي هَذِهِ السّنة ابن الدُّبِيثيّ [1] ، والزّكيّ المُنْذريّ [2] .
وورَّخه ابن النّجّار سنة تسعٍ وثمانين فِي المحرّم [3] ، ورواه عَنْ ولده أَبِي المناقب مُحَمَّد بْن أَحْمَد، رحِمَه اللَّه [4] .
374- أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه [5] .
أَبُو الْعَبَّاس الشّافعيّ، الواعظ، فخر الدّين بْن فُويرة [6] .
قدِم دمشق ووعظ بها، وبمصر. وحصل لَهُ قبول تامّ. وكان حُلْوَ الإيراد.
تُوُفّي فِي شوال [7] .
375- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [8] .
أَبُو بكر الأصبهانيّ، الْجُورْتانيّ [9] ، الحنبليّ الحمّاميّ.
سَمِع من: سَعِيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيْرفيّ، وغيره.
وتُوُفّي قبل والده بأيّام أو بأشهر.
__________
[1] في تاريخه، ورقة 164.
[2] في التكملة 1/ 201.
[3] انظر المستفاد لابن الدمياطيّ 48.
[4] ذكره ابن السمعاني في (الأنساب) فقال: كان شابا صالحا، سديد السيرة، سمع معنا الحديث بنيسابور عن أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاوِيّ، وأبي القاسم الشّحّاميّ، وسمع معنا الكتب الكبار، ورحل إلى طوس معي لسماع «التفسير» للثعالبي، وحمدت سيرته وصحبته، وشرع في الوعظ، وقبله الناس، وخرج إلى بلاده، ونفق سوقه بها، وقد بلغني عنه الخبر في سنة نيّف وأربعين وخمسمائة أنه نعي بقزوين. والله أعلم!.
[5] انظر عن (أحمد بن عبد الله) في: طبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 139 ب، 140 أ، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 102. والتكملة لوفيات النقلة 1/ 211 رقم 245،
[6] هكذا في الأصل. وفي طبقات ابن كثير: «ابن النويرة» .
[7] ومولده سنة 522 هـ.
[8] انظر عن (أحمد بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 213 رقم 251، وفيه أضاف صديقنا الدكتور بشار عوّاد معروف (معجم البلدان) إلى مصادره، فوهم بذلك لأن المذكور في المعجم هو «المصلح محمد» والد صاحب هذه الترجمة، وسيأتي برقم 403 وهو المولود سنة 405 هـ. ولم يذكر ياقوت «أحمد» هذا.
[9] الجورتاني: قال ياقوت: بعد الراء تاء مثنّاة، وألف، ونون، من قرى أصبهان.(41/372)
376- أَحْمَد بْن يوسف بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [1] .
أَبُو الْعَبَّاس بْن المأمون الهاشميَ الْعَبَّاسيّ، المأمونيّ.
نقيب العبّاسيّين. ببغداد، ويُعرف بابن الزّوال.
تُوُفّي ببغداد فِي صَفَر، وَلَهُ سماعٌ نازِلٌ من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن ذاكر الأصبهانيّ.
377- إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن يعقوب بْن أَحْمَد [2] .
أَبُو إِسْحَاق الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ، المحدّث، نزيل الإسكندريّة، يُعرف بابن الجمش.
رحل وحجّ واستوطن الإسكندريّة، فأكثر الكتابة عَنِ: السِّلَفيّ، وبدر الحبشيّ، وأبي طاهر بن عوف.
وخطّه كيّس مغربيّ، رفيع. نسخ شيئا كثيرا، وزهد فيما بعد وتنسّك، وأقبل على شأنه.
وكان ينفق في الشّهر أقلّ من درهمين يتقنّع بها. وكان حافظا، فهما، متيقّظا.
توفّي في آخر السّنة في ذي الحجّة، وقيل في السّابع والعشرين من ذي القعدة.
378- إبراهيم بن مسعود بن حسّان [3] .
أبو إسحاق الضّرير، الرّصافيّ، النّحويّ المعروف بالوجيه الذّكيّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن يوسف) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 203 رقم 227، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 237.
[2] انظر عن (إبراهيم بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 211، 212 رقم 247.
[3] انظر عن (إبراهيم بن مسعود) في: معجم الأدباء 1/ 321، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 267، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 206 رقم 234، وإنباه الرواة 1/ 189، والمختصر المحتاج إليه 1/ 237، والتلخيص لابن مكتوم (مخطوط) ورقة 34، ونكت الهميان 91، والوافي بالوفيات 6/ 146 رقم 2589، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 77، وبغية الوعاة 1/ 432.(41/373)
أخذ العربيّة عَنْ مُصدق بْن شبيب النَّحْويّ.
وتُوُفّي شابّا [1] فِي جُمادى الأولى.
وكان قَدْ برع فِي الأدب.
- حرف التاء-
379- تميم بْن سَلْمان بْن معالي [2] .
أَبُو كامل العُبَاديّ [3] ، الرَّبَعيّ، ربيعة الفَرَس، الأَزَجّي.
حدَّث عَنْ: أَبِي الكرم الشّهْرَزُوريّ.
رَوَى عَنْهُ: تميم البَنْدَنِيجيّ، وابن خليل.
- حرف الجيم-
380- جاكير الزَّاهد [4] .
أحد شيوخ العراق. كَانَ كبير القدر، صاحب أحوال، وكرامات، واتّباع، وسُنَّة، وعبادة، وَلَهُ أصحاب مشهورون فيهم دِين وتعبُّد.
بلغني أَنَّهُ صحِب الشَّيْخ عليّ الهيْتيّ.
وتُوُفّي فِي هَذَا العام أَوْ بعده بسنة رحِمَه اللَّه.
وذكر لي الشَّيْخ شُعيب التُّرْكمانيّ أحد منَ اختصي وخدم بيت الشَّيْخ فِي صباه، أنّ اسم الشَّيْخ جاكير مُحَمَّد بْن دَشَم الكُرديّ الحنبليّ، وأنّه لَمْ يتزوَّج.
ثُمّ ذكر لي عَنْهُ كرامات، وأنّ زاويته وضريحه بقرية راذان، وهي عَلَى بريدٍ من سامرّا. وأنّ أخاه الشَّيْخ قعد فِي المسجد بعده، ثمّ بعده ابنه الغرس.
__________
[1] يقال إنه توفي وهو ابن سبع وعشرين سنة وثلاثة أشهر. (المنذري) .
[2] انظر عن (تميم بن سلمان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 207 رقم 235، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 286، 287، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 44، والمختصر المحتاج إليه 1/ 267.
[3] العبادي: بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحّدة.
[4] انظر عن (جاكير الزاهد) في: العبر 4/ 275، ومرآة الجنان 3/ 471، 472 وقد قيّده بالحروف فقال: جاكير، بالجيم والمثنّاة من تحت بين الكاف والراء.، وشذرات الذهب 4/ 305.(41/374)
ثُمّ وُلّي المشيخة بعد الغَرْس ولدُه مُحَمَّد، ثُمّ ولدُه الآخر أَحْمَد. ثُمّ جلس فِي المسجد بعد أَحْمَد ابنه عَلِيّ بْن أَحْمَد، وَهُوَ حيٌّ، وفيه مخالطة للتّتار، مُخَلِّطٌ عَلَى نفسه، كثير الخباط، وَقَدِ ابْيَض رأسُه ولحيتُه وَهُوَ فِي آخر الكُهولة.
- حرف الحاء-
381- حَازم بْن عَلِيّ بْن هبة اللَّه [1] .
أَبُو القاسم ابن الكنانيّ، الواسطيّ، المعروف بابن أَبِي الدّبس.
سَمِع: أبا عليّ الفارقيّ، وابن شيراز.
وببغداد من: إِسْمَاعِيل بْن السَّمَرْقَنْدِيّ.
وقرأ عَلَى سِبْط الخيّاط.
سَمِع منه: ابن الدُّبِيثيّ، وقَالَ: مات بواسط فِي ربيع الأوّل سنة تسعين.
- حرف الزاي-
382- زكريّا بْن عُمَر بْن أَحْمَد.
أَبُو الْوَلِيد الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرجيّ، القُرْطُبيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن مَوْهَب، وأبي القاسم بْن ورد، وأبي بكر بن العربيّ، وَغَيْرُهُمْ بالإجازة.
- حرف السين-
383- سلامة بْن عَبْد الباقي بْن سلامة [2] .
العلّامة أَبُو الخير الأنباريّ النَّحْويّ الْمُقْرِئ الضّرير، نزيل مصر، والمتصدّر بجامع عمرو.
__________
[1] انظر عن (حازم بن علي) في: المختصر المحتاج إليه، ج 1.
[2] انظر عن (سلامة بن عبد الباقي) في: معجم الأدباء 11/ 232 رقم 72، والوافي بالوفيات 15/ 329 رقم 466، وبغية الوعاة 1/ 259، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 212، 213 رقم 249، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 153، وكشف الظنون 1789، ومعجم المؤلفين 4/ 236:(41/375)
لَهُ تصانيف «شرح المقامات» .
وروى عَنْ: أَبِي الكَرَم السَّرَويّ، وسعد الخير.
وعنه: عَبْد الوهَّاب بن وردان.
ولد سنة ثلاث وخمسمائة. ومات رحِمَه اللَّه فِي ذِي الحجَّة عَنْ ثمانٍ وثمانين سنة.
384- سَلْمان بْن يوسف بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن [1] .
أَبُو نصر وأَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، الطحّان، النُّعَيْميّ، البزّاز، المعروف جدّهم بابن صاحب الذّهبية.
ولد سنة ثلاث وخمسمائة، وسمع من: هبة الله بن الحصين، وأبي السُّعْود أَحْمَد بْن المُجَليّ، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
أَخَذَ عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، ومُحَمَّد بْن مشّق، ويوسف بْن خليل، وآخرون.
وَقَدْ حدَّث هُوَ وأَبُوه، وجَدّه، وجدُّ أبيه.
وكان يسكن بسكّة النُّعَيْميَّة، محلّة ببغداد.
وتُوُفّي فِي الثّاني والعشرين من ربيع الآخر.
- حرف الطاء-
385- طُغْريل شاه بْن أرسلان شاه بْن طُغْريل بن محمد بن ملك شاه [2] .
__________
[1] انظر عن (سلمان بن يوسف) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 98 رقم 708، وإكمال الإكمال لابن نقطة (مخطوط) ورقة 54، 55، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 71، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 205 رقم 231.
[2] انظر عن (طغريل شاه) في: الكامل في التاريخ 12/ 106- 108 وفيه: «طغرل» ، وذيل الروضتين 6، وإنسان العيون، لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 52، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 444، 445، والمختصر في أخبار البشر 3/ 89، 90، وذيل الروضتين 6، وسير أعلام النبلاء 21/ 267، 268 رقم 140، والإعلام بوفيات الأعلام 243، والعبر 4/ 272، وتاريخ ابن الوردي 2/ 109، 110، والوافي بالوفيات 16/ 456، 457 رقم(41/376)
السّلطان، آخر الملوك السَّلْجُوقيَّة سوى صاحب الرّوم.
وطُغْريل هَذَا هُوَ الَّذِي خرج عَلَى الخليفة النّاصر لدين اللَّه، وخافه أَهْل بغداد، فسار وزير الخليفة ابن يُونُس فِي جيش بغداد فالتقاه بأرض هَمَذَان، فانهزم جيش الخليفة، وأُسِر الوزير، كَمَا ذكرنا فِي الحوادث.
ثُمّ إنّ خُوارزم شاه كاتب الخليفة وطلب منه أن يُسَلْطِنه ويقلّده، ففعل.
وسار خوارزم شاه بعساكره، وقصد طغريل، فكان المصافّ بينهما على الرّيّ، فقتل طغريل، وقطع رأسه، وبعث به إلى بغداد، فدخلوا به على رمح، وكوساته مشقّقة، وسنجقه منكّس.
وكان من أحسن النّاس صورة، فيه إقدام وشجاعة زائدة.
وكان عدد الملوك السّلجوقيّة نيّفا وعشرين ملكا، أوّلهم طغرلبك الّذي أعاد القائم إلى بغداد، وقطع دعوة بني عبيد بعد أن خطب لهم مدّة أشهر، وآخرهم هَذَا. ومدّة دولتهم مائة وستّون سنة.
ويُقَالُ طُغْرل بحذف الياء، واللَّه أعلم.
ومن أخباره أَنَّهُ أُقيم فِي السّلطنة بعد موت والده، وكان أتابكه البهْلوان هُوَ الكلّ، فمات، وكبر طُغْريل، فالتفت عليه الأمراء، وطلب السّلطنة منَ الخليفة، وأن يأتي إِلَى بغداد كآبائه، ويأمر وينهى. ثُمّ آل أمره إِلَى أنْ ظفر بِهِ قُزُل أخو البلهوان وسجنه، ثُمّ خلّص، وعاث في البلاد، وتملّك هَمَذَان، وغيرها.
وكان خُوارزم شاه قَدْ سار إِلَى الرّيّ، واستولى عليها ورجع إِلَى بلاده، فقصدها طُغْريل فِي أوّل هَذِهِ السّنة وأغار عليها، فجمع خُوارزم شاه جيوشه، وسار إِلَيْهِ، وانضمّ إِلَيْهِ قتلغ إينانج ولد البلهوان ابن ألْدِكِز، فَلَمَّا سَمِع طُغْريل بقدومهما كَانَتْ لَهُ عساكر متفرّقة، فلم يقف لجمْعها، فَقِيل لَهُ: هَذَا ما هُوَ مصلحة، والأَوْلَى أن تجمع العساكر. فما التفت لفرط شجاعته، والتقاهم
__________
[ () ] 492، والعسجد المسبوك 2/ 228، ومآثر الإنافة 2/ 58، والسلوك ج 1 ق 1/ 114 (توفي 589 هـ.) ، والنجوم الزاهرة 6/ 134، وشذرات الذهب 4/ 301.(41/377)
وحمل بنفسه، وشقّ العساكر، فأحاطوا بِهِ، ورَمَوه عَنْ جواده، وَقُتِلَ فِي الرابع والعشرين من ربيع الأوّل.
وملك الخُوارَزْميّ تِلْكَ البلاد، واستناب عليها قُتُلغ، وأقطع كثيرا منها لمماليكه.
- حرف العين-
386- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن سُفْيَان [1] .
التُّجَيْبيّ الشّاطبيّ، التّونكيّ.
سَمِع: أبا الْوَلِيد بْن الدّبّاغ، وابن هُذَيْل، وابن النّعمة، وخلْقًا سواهم.
وأتقن الفقه والعربيّة. وكان فصيحا، بليغا، مفوَّهًا، لَهُ النَّظْم والنَّثْر.
وُلّي قضاء لُورقة.
وحدَّث عَنْهُ: أَبُو عِيسَى بْن أَبِي السّداد، وأبو الرَّبِيع بْن سالم الكَلاعيّ.
قال الأبّار: توفّي في حدود التّسعين وخمسمائة.
387- عَبْد اللَّه بْن أَبِي المعالي الْمُبَارَك بْن هبة اللَّه بْن سَلْمان [2] .
أَبُو جَعْفَر بْن الصّبّاغ، الْبَغْدَادِيّ، الشّمعيّ، المعروف أَبُوهُ بابن سُكَّرَة.
سمّعه أَبُوهُ منَ القاضي: أَبِي بَكْر، ويحيى بْن الطراح، وأبي مَنْصُور مُحَمَّد بْن خيرون، وأبي عَبْد اللَّه السّلّال، وجماعة كثيرة.
ولأبيه رواية عَنْ أَبِي طَالِب بْن يوسف.
رَوَى عَنْ عَبْد اللَّه: تميم البَنْدَنِيجيّ، ويوسف بْن خليل.
388- عَبْد الحميد بْن أَبِي المكارم عَبْد المجيد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الرجاء الكوسج [3] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، وسيعاد في المتوفّين ظنّا، برقم (426) .
[2] انظر عن (عبد الله بن أبي المعالي) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 166، 167 رقم 804، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 202 رقم 225، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 860.
[3] انظر عن (عبد الحميد بن أبي المكارم) في: الوافي بالوفيات 18/ 76 رقم 79.(41/378)
أَبُو بَكْر التَّمِيمِيّ، الأصبهانيّ [1] .
وُلِد سنة أربع وخمسمائة.
وسَمِع إِسْمَاعِيل السّرّاج.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ الحدّاد، وأبو طَالِب بْن يوسف.
وتوفّي فِي شوّال. قاله المهذّب بْن زينة [2] .
389- عَبْد الخالق بْن فيروز بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد المَلِك بْن داود [3] .
أبو المظفّر الجوهريّ، الواعظ، الهَمَذَانيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ.
قَالَ ابن النّجّار: كذا رأيت نسبه بخطّه.
سَمِع بخُراسان، وأصبهان، وبغداد. ودخل الشّام. وسكن مصر، وحدَّث بها ووعظ.
وذَكَرَ أَنَّهُ سَمِع من: أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاوِيّ، وأبي القاسم الشّحّاميّ، وإسماعيل القارئ، وأبي بكر الأنصاريّ، ويحيى بن البنّاء، والأُرْمَوِيّ، وابن ناصر.
وبأصبهان من: أَبِي الخير الباغْبَان، وجماعة.
وخرّج لنفسه عَنْهُمْ جزءا سمعه منه الحافظ بن المفضّل.
__________
[1] ولقبه: مختصّ الدين.
[2] وقال الصفدي: كان من أئمة أصبهان الشافعية، قال العماد الكاتب: فارقته بها حيّا ولم أسمع بعد ذلك سوى خبر سلامته شيئا. وأورد له:
ألا يا ليت دهري صار شخصا ... ويدرك فهمه رتب الكلام
لا عرف منه في سرّ لماذا ... أصرّ على معاداة الكرام
وأورد له أيضا:
إمام العصر في أحصي ثناء ... عليك فأنت أكرم من ثنائي
وإني فيك معترف بعجزي ... ولكن لا أقلّ من الدعاء
[3] انظر عن (عبد الخالق بن فيروز) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 54، 55 رقم 836، والعبر 4/ 272، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 153، 154 رقم 108، ولسان الميزان 3/ 491، وشذرات الذهب 4/ 291.(41/379)
قَالَ: ولم يكن موثوقا بِهِ. ولإخوته سماع من بعض هَؤُلَاءِ، فلعلّه وثب عَلَى سماعهم [1] .
ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن السَّخَاويّ، ومُحَمَّد بْن جبريل الصُّوفيّ، وأحمد بْن مُحَمَّد الأَبَرْقُوهيّ الهَمَذَانيّ، والضّياء مُحَمَّد، وابن عَبْد الدّائم، وإِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّود الضّرير، وآخرون.
وتُوُفّي بعد المحرَّم، فَإنَّهُ أجاز فِيهِ لبعضهم.
وقرأ عليه فِي هَذِهِ السّنة جزء الْأَنْصَارِيّ الحافظ عَبْد الغنيّ.
وقَالَ الضّياء: تكلّموا فِي سماعه لجزء الْأَنْصَارِيّ.
390- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن المُسلْم بْن الحَسَن بْن هلال [2] .
أَبُو عليّ الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ، المعدَّل.
شيخ جليل من رؤساء دمشق.
سَمِع من: أَبِيهِ أَبِي المكارم.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة عَنْ ثمانٍ وستّين سنة.
وروى أيضا عَنْ أَبِي الدّرّ ياقوت.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وغيره.
391- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي طالب عبد القادر بن محمد [3] .
__________
[1] وقال ابن الدبيثي: بلغنا أنه خلط في شيء من مسموعاته، وادّعى سماع ما لم يسمعه وتكلّموا فيه، ولم يحدّث ببغداد. روى عنه السخاوي، وابن عبد الدائم، وجماعة، وقرأ عليه الحافظ عبد الغني سنة تسعين وخمسمائة وهو آخر العهد به جزء الأنصاري فسمعه الضياء بن عبد الواحد، والشمس محمد بن سعد، وابن عبد الدائم، وقال الضياء: تكلّم الناس في سماعه لجزء الأنصاري هل يصحّ؟ (المختصر المحتاج إليه) .
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن عبد الواحد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 211 رقم 246.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: مشيخة النعال 118- 120، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 125، والمختصر المحتاج إليه 2/ 211، 212، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 206(41/380)
أَبُو الفَرَج اليُوسُفيّ، الْبَغْدَادِيّ.
أجاز لَهُ جَدّه، وسَمِع من: هبة [1] اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن الطّبر، وقاضي المَرِسْتان.
وَهُوَ من بيت الْحَدِيث والإسناد.
وُلِد سنة ستّ عشرة.
وتُوُفّي فِي مُسْتَهَل جُمادى الأولى.
رَوَى عَنْهُ: ابن خليل.
392- عَبْد الرّزّاق بْن النّفيس بْن الْحُسَيْن [2] .
الفقيه أَبُو شجاع الواسطيّ، الخَرَزيّ [3] . المعروف بابن الخيميّ.
تُوُفّي فِي شوّال بواسط.
سَمِع من: أَبِي الوقت، وغيره [4] .
393- عَبْد السّلام بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [5] .
أَبُو أَحْمَد الْبَصْرِيّ، الكَوَّاز [6] .
حدَّث بواسط عن: أبي عبد الله محمد بن أحمد ابْن أَخِي طَلْحَةَ الشّاهد الْبَصْرِيّ.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.
394- عَبْد الملك بْن نصر اللَّه بن جهبل [7] .
__________
[ () ] رقم 233.
[1] في الأصل: «هبتي» .
[2] انظر عن (عبد الرزاق بن النفيس) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 211 رقم 244، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 158.
[3] هكذا ضبطه في الأصل.
[4] وقال المنذري: حدّث بأناشيد.
[5] انظر عن (عبد السلام بن أحمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 205 رقم 232.
[6] الكوّاز: بفتح الكاف وتشديد الواو وفتحها وبعد الألف زاي.
[7] انظر عن (عبد الملك بن نصر) في: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 188، 189،(41/381)
الفقيه أَبُو الْحُسَيْن الحلبيّ الشّافعيّ، الزَّاهد العابد.
مدرّس الزّجّاجيّة بحلب.
حدَّث بغداد لمّا حجّ عَنِ ابن ياسر الْجَيّانيّ.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.
395- عَبْد الوهَّاب بْن عَليّ بْن الخَضِر بْن عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ [1] .
العدل أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيّ، الأَسَديّ، الزُّبَيْريّ، الدّمشقيّ، الشُّرُوطيّ، ويُعرف بالحَبَقْبَق [2] .
أخو القاضي أَبِي المحاسن عُمَر بْن عَلِيّ الحافظ. نزيل بغداد ووالد كريمة، وصفيّة.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وسَمِع: أَبَا الْحَسَن بْن المسلّم السُّلَميّ، وأبا الفتح نصر اللَّه المَصِّيصيّ، وأبا الدرّ ياقوت التّاجر، وأبا يَعْلَى بْن الحُبُوبيّ، وخلْقًا سواهم.
رَوَى عَنْهُ: أخوه أَبُو المحاسن، وولداه عليّ وكريمة، وأَبُو المواهب بْن صَصْرى، ويوسف بْن خليل، وآخرون.
وتُوُفّي فِي ثالث صَفَر، رحِمَه اللَّه.
396- عَبْد الْوَاحِدِ بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن.
أَبُو أَحْمَد المقدسيّ، الْجَمَاعيليّ، والد الشّمس أَحْمَد، المعروف بالبخاريّ، والضّياء مُحَمَّد الحافظ.
وُلِد سنة ثلاثين، أو إحدى وثلاثين وخمسمائة.
__________
[ () ] وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 371.
[1] انظر عن (عبد الوهاب بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 202 رقم 226، والعبر 4/ 272، 273، وسير أعلام النبلاء 21/ 230، 231 رقم 116، وشذرات الذهب 4/ 301.
[2] في تكملة المنذري 1/ 202 «المعروف بابن الحبقبق» .(41/382)
وسَمِع ببغداد من: سَعْد اللَّه بْن نجا بْن الفُرَاوِيّ، وأبي الْحُسَيْن عَبْد الحقّ.
وحدَّث.
ولم يرو عَنْهُ ابنه.
رَوَى عَنْهُ: عَبْد الرحمن بْن سلامة المقدسيّ، ومُحَمَّد بْن طرخان.
وروى ابنه عَنْهُمَا عَنْهُ.
وقَالَ ابنه الضّياء: قُتِلَ مظلوما فِي تاسع شعبان، رحِمَه اللَّه تَعَالَى.
397- عَلِيّ بْن بختيار.
أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، الكاتب.
تنقّل فِي الخِدَم إِلَى أن وُلّي أستاذ داريّة الخلافة مُدّيْدَة، ثُمّ عُزِل فلزِم بيته.
وتُوُفّي فِي خامس وعشرين شوّال. ودُفِن إِلَى جانب رباطه.
398- عَلِيّ بْن يَحْيَى بْن إِسْمَاعِيل [1] .
أَبُو المكارم الْبَغْدَادِيّ الكاتب.
لَهُ إجازات عالية.
رَوَى بالإجازة عَنْ: أَبِي سَعْد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المطرّز، وَهُوَ آخر من حدَّث عَنْهُ، وغانم بْن أَبِي نصر البُرْجيّ، وأبي عليّ الحدّاد، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وغيره [2] .
ومولده بعد الخمسمائة.
وتُوُفّي فِي ذِي الحجَّة.
- حرف القاف-
399- القاسم بْن فيرّه بن خلف بن أحمد [3] .
__________
[1] انظر عن (علي بن يحيى) في: التاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس 2131) ورقة 73، والمختصر المحتاج إليه 3/ 147، 148 رقم 1070، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 212 رقم 248.
[2] وقال ابن الدبيثي: سمع منه جماعة وجدوا له إجازة من أبي سعد المطرّز، وغانم البرجي، وأبي علي الحدّاد، ولم يكن له سماع.
[3] انظر عن (القاسم بن فيّرة) في: معجم الأدباء 16/ 293، وذيل الروضتين 7، وتكملة(41/383)
أَبُو مُحَمَّد وأَبُو القاسم الرُّعَيْنيّ، الأندلسيّ، الشّاطبيّ، الضّرير، الْمُقْرِئ.
أحد الأعلام، مَنْ جعل كنيته أَبَا القاسم لَمْ يجعل لَهُ اسما سواها.
وكذلك فعل أبو الحسن السّخاويّ. والأصحّ أنّ اسمه القاسم وكنيته أَبُو مُحَمَّد. كذا سمّاه جماعة كثيرة.
وذكره ابن الصّلاح فِي «طبقات الشّافعيّة» [1] .
وُلِد فِي آخر سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات بشاطبة عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي العاص المقرئ النّفريّ المعروف بابن اللَّايُهْ.
وارتحل إِلَى بَلَنْسِية فقرأ القرآن، وعرض التّفسير حفظا عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن هُذَيْل.
وسَمِع منه، ومن: أَبِي الْحَسَن بْن النّعمة، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعادة، وأبي مُحَمَّد بْن عاشر، وأبي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم، وأبي مُحَمَّد عليم بْن عَبْد الْعَزِيز، وأبي عَبْد اللَّه بْن حميد.
وارتحل ليحجّ، فسمع من: أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وغيره.
وكان إماما علّامة، نبيلا، محقِّقًا، ذكيّا، واسع المحفوظ، كثير الفنون، بارِعًا فِي القراءات وعِلَلها، حافظا للحديث، كثير العناية بِهِ، أستاذا في
__________
[ () ] الصلة لابن الأبّار (مخطوطة الأزهر) 3/ ورقة 101، ووفيات الأعيان 3/ 234- 236، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 207 رقم 237، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 2/ 665، 666 رقم 256، ودول الإسلام 2/ 102، ومعرفة القراء الكبار 2/ 573- 575 رقم 531، والعبر 4/ 273، 274، وسير أعلام النبلاء 21/ 261- 264 رقم 136، والإعلام بوفيات الأعلام 243، والوفيات لابن قنفذ 296 رقم 589، (وفيه وفاته سنة 589 هـ.) ، ونكت الهميان 228، 229، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 297 (7/ 270) ، والبداية والنهاية 13/ 10، ومرآة الجنان 3/ 467، 468، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 368، 369 رقم 336، وغاية النهاية 2/ 20- 23، ومفتاح السعادة 1/ 387، والنجوم الزاهرة 6/ 136، ونفح الطيب 1/ 339، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 159، وعقد الجمان للعيني (مخطوط) 17/ ورقة 195، وحسن المحاضرة 1/ 236، وبغية الوعاة 2/ 260، وكشف الظنون 646، 647، وشذرات الذهب 4/ 301- 303، وتاريخ الخميس 2/ 409، وتاريخ الخلفاء 457، وديوان الإسلام 3/ 156 رقم 1258، وهدية العارفين 1/ 828، والأعلام 5/ 180 (6/ 14) ، ومعجم المؤلفين 8/ 110.
[1] ج 2/ 665، 666.(41/384)
العربيّة. وقصيدتاه فِي القراءات والرسم ممّا يدلّ عَلَى تبحّره. وَقَدْ سار بهما الركبان، وخضع لهما فحولُ الشّعراء، وحُذَّاق القرّاء، وأعيان البُلغاء. ولقد سهّل بهما الصَّعْب من تحصيل الفنّ، وحفظهما خلْق كثير.
وَقَدْ قرأتهما عَلَى أصحاب أصحابه.
وكان إماما قُدْوة، زاهدا، عابدا، قانتا، منقبضا، مَهِيبًا، كبير الشّأن.
استوطن القاهرة، وتصدَّر للإقراء بالمدرسة الفاضليَّة، وانتفع بِهِ الخلْق.
وكان يتوقّد ذكاء.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن خيرة ووصفه من قوّة الحِفْظ بأمرٍ معجب.
وروى عَنْهُ أيضا: أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَحْيَى الجنجاليّ، وأَبُو بَكْر بْن وضّاح، وأبو الحسن علي بن هبة الله بن الْجُمَّيْزيّ، وأبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عَبْد الوارث المعروف بابن فار اللّبن، وَهُوَ آخر من رَوَى عَنْهُ.
وقرأ عليه القراءات: أَبُو موسى عيسى بْن يوسف بْن إِسْمَاعِيل المقدِسي، وأَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد الشّافعيّ، وأَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد السَّخَاويّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عُمَر القُرْطُبيّ، والزّين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد الْمُقْرِئ الكرديّ، والسّديد أَبُو القاسم عِيسَى بْن مكّيّ العامريّ، والكمال عَلِيّ بْن شجاع الْعَبَّاسيّ، الضّرير، وآخرون.
فحكى الْإِمَام أَبُو شامة [1] أنّ أَبَا الْحَسَن السَّخَاويّ أخبره أنّ سبب انتقال الشّاطبيّ من شاطبة إِلَى مصر، أَنَّهُ أُريد عَلَى أن يولّى الخطابة بشاطبة، فاحتجّ بأنّه قَدْ وجب عليه الحجّ، وأنّه عازمٌ عليه، وتركها ولم يعدُ إليها تورّعا، لما كانوا يُلزمون بِهِ الخُطباء من ذِكرهم عَلَى المنابر بأوصافٍ لَمْ يرها سائغة شرْعًا، وصَبَر عَلَى فَقْرٍ شديد.
وسَمِع بالثّغر [2] منَ السِّلَفيّ، ثُمّ قدِم القاهرة، فطلبه القاضي الفاضل
__________
[1] في ذيل الروضتين 7.
[2] أي بالإسكندرية.(41/385)
للإقراء بمدرسته، فأجاب بعد شروطٍ اشترطها.
وَقَدْ زار البيت المقدس قبل موته بثلاثة أعوام، وصام بِهِ شهر رمضان.
قَالَ السَّخَاويّ: أقطعُ بأنّه كَانَ مكاشَفًا، وأنّه سَأَلَ اللَّه تَعَالَى كفاف حاله، ما كَانَ أحدٌ يعلم أَيّ شيءٍ هُوَ.
قَالَ الأَبّار فِي «تاريخه» [1] : تصدّر للإقراء بمصر، فعظُم شأنه، وبَعُدَ صِيته، وانتهت إِلَيْهِ الرئاسة فِي الإقراء. ثُمّ قَالَ: وقفتُ عَلَى نسخةٍ من إجازته، حدَّث فيها بالقراءات عَنِ ابن اللَّايُهْ، عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد. ولم يحدِّث عَنِ ابن هُذَيْل.
قَالَ: وتُوُفّي بمصر فِي الثّامن والعشرين من جُمادى الآخرة [2] .
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ الْيُونَيْنِيِّ [3] ببعلبكّ: أخبرك أبو الحسن بن الجمّيزيّ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ الرُّعَيْنِيُّ، أَنَا ابْنَ هُذَيْلٍ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ نَجَاحٍ، أَنَا أَبُو عمر ابن عَبْدِ الْبَرِّ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ: ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، ثنا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أهله، وأن نقول بالحقّ حيث ما كنّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
ومن شِعره:
قلْ للأميرِ نصيحة ... لا تركننّ إلى فقيه
__________
[1] تكملة الصلة 3/ ورقة 101.
[2] وقال ابن قنفذ: صاحب «حرز الأماني» وغيره. وكان يحفظ وقر بعير من الكتب، وكان إذا سئل عن مسألة في غير علم القراءة يقول: ليس للعميان إلا حفظ القرآن. (الوفيات 296) .
[3] اليونيني: بضم الياء وسكون الواو، ونون مكسورة. نسبة إلى يونين: بلدة قريبة من مدينة بعلبكّ.
[4] في الفتن 8/ 88، والأحكام 8/ 122، ومسلم في الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (41) والنسائي 7/ 139 باب البيعة على القول بالحق، وأحمد في المسند 2/ 381 و 3/ 441 و 5/ 314 و 316 و 319 و 321 و 6/ 403.(41/386)
إنّ الفقيه إذا أتى ... أبوابَكُم لا خيرَ فيهِ
400- قيترمش المستنجديّ.
أبو سَعِيد. أحد الأمراء الكبار.
وُلّي شِحنكيَّة بغداد فهذَّبها وقمع المفسدين. ثمّ أعطي دقوقا، فمرض بها، فجيء بِهِ إِلَى بغداد، فمات بظاهرها. فكتم أصحابه موتَه وأدخلوه، ثُمّ أشاعوا موته، وحضره الأمراء وأربابُ الدّولة.
وولّي شِحنكيَّة بغداد خمس عشرة سنة.
- حرف الميم-
401- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه بْن عروس الغَرْناطيّ، السُّلَميّ.
سمع من: أبي الحسن بن الباذش، وأبي عَبْد اللَّه الموالِشِيّ، وأبي بَكْر بْن الخلوف وقرأ عليه القراءات.
وسَمِع من: أَبِي بَكْر بْن العربيّ أيضا.
وتصدّر للإقراء ببلده، وإسماع الْحَدِيث. وولّي الخطابة.
وكان من أَهْل التّجويد، والثّقة، والضّبط، والصّلاح.
أَخَذَ النّاس عَنْهُ كثيرا.
وتُوُفّي فِي منتصف رجب.
وكان مولده فِي سنة تسع [2] وخمسمائة أَوْ فِي حدودها.
402- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حامد.
أَبُو البركات ابْن الصّائغ الحربيّ العامل.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، وغاية النهاية 2/ 81 رقم 2781.
[2] في غاية النهاية: ذكره الأبّار وأثنى عليه وقال: ولد سنة سبع وخمسمائة، وقيل سنة اثنتي عشرة.(41/387)
سَمِع بإفادة مؤدّبه أَبِي البقاء مُحَمَّد بْن طَبَرْزَد من: عَلِيّ بْن طِراد، وأبي مَنْصُور بْن خيرون، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن طَلْحة، وغيرها.
ومات فِي شوّال.
403- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو عَبْد الله الأصبهانيّ، الجورتانيّ، الحمّاميّ، الأديب، المعروف بالمُصْلح.
وُلِد فِي سنة خمسمائة.
وسَمِع من: أَبِي عليّ الحدّاد، وأبي نَهْشَل عَبْد الصَّمد بْن أَحْمَد العَنْبريّ، وسعيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيْرفيّ، وَغَيْرُهُمْ.
وحجّ سنة تسعٍ وستّين، فحدّث ببغداد، وأخذ عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، والكبار، وعاد إِلَى أصبهان، وبقي إِلَى هَذَا الوقت.
تُوُفّي فِي حادي عشر ربيع الآخر.
وكان فقيها حنْبليًا، أديبا، ذا زُهْد وعبادة، يختم كُلّ يومٍ ختمة.
404- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن خَلَف [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه بْن الفخّار الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، المالقيّ، الحافظ.
سَمِع: أبا بكر بن المَعَافِرِي، ولزِمه واختصّ بِهِ، وأبا جَعْفَر البطْرُوجيّ،
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن علي) في: معجم البلدان 2/ 180، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 204، رقم 230، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 13، 14، والمختصر المحتاج إليه 1/ 14، وتذكرة الحفاظ 4/ 1356، والوافي بالوفيات 2/ 108، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 380، 381، وذيل التقييد للفاسي 1/ 58 رقم 48، وشذرات الذهب 4/ 304.
وقد تقدّمت ترجمة ابنه «أحمد» برقم (375) .
[2] انظر عن (محمد بن إبراهيم بن خلف) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 547، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 209، 210 رقم 242، والعبر 4/ 274، وتذكرة الحفاظ 4/ 1355، 1356، ومرآة الجنان 3/ 469، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 2، وشذرات الذهب 4/ 303.(41/388)
وأبا عَبْد اللَّه بْن الأحمر، وأبا الْحَسَن شريحا، وأبا مَرْوَان بْن مَسَرَّة، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْقُرَشِيّ، وجماعة.
قَالَ أَبُو عبد اللَّه الأَبّار [1] : كَانَ صدرا فِي الحِفْظ، مقدَّمًا، معروفا، يسردُ المُتُون والأسانيد، مَعَ معرفةٍ بالرجال، وذِكْرٍ للغريب. سَمِع منه جِلة. وحدَّث عَنْهُ أئمّة.
وسَمِعْتُ أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه يَقُولُ عَنْهُ: إنَّه حفظ فِي شبيبته «سُنن» أَبِي دَاوُد السّجِسْتانيّ. وأمّا فِي مدّة لقائي إيّاه، فكان يذكر «صحيح مُسْلِم» ، أَوْ أكثره.
قَالَ الأَبّار: وذُكِر أَبُو جَعْفَر بْن عُمَيْرة أَنَّهُ كَانَ يحفظ «صحيح مُسْلِم» ، وكان موصوفا بالوَرَع والفضل، مسلَّمًا لَهُ فِي جلالة القدْر، ومتانة العدالة، استُدْعي إِلَى حضرة السّلطان بمَرّاكُش، ليسمع عليه بها، فتوفّي هناك فِي شعبان.
قُلْتُ: وولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
405- مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن زُرْقان [2] .
الفقيه أبو عَبْد اللَّه الشّافعيّ. تلميذ أَبِي الْحَسَن بْن الخَلّ.
وَقَدْ أعاد لأبي طَالِب الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك الكَرْخيّ. وشهد عِنْد قاضي القضاء أبي طالب عليّ بن البخاريّ، وناب عنه في القضاء.
وسَمِع من: أَبِي الوقت، وغيره.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه بنواحي خلاط فِي هَذِهِ السّنة تقريبا.
406- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن عبد الرحيم [3] .
__________
[1] في تكملة الصلة 2/ 547.
[2] انظر عن (محمد بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 215 رقم 256، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 31، 32، والمختصر المحتاج إليه 1/ 35، 36، والمشتبه في الرجال 1/ 108، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 ب، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 160، وتوضيح المشتبه 4/ 290.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الله المراغي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 215 رقم 255، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 54، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد، له(41/389)
صدر الدّين أَبُو بَكْر المَرَاغيّ قاضي مَرَاغة.
كَانَ من أعيان أَهْل بلده فضلا وتقدُّمًا.
قدِم بغداد، وسَمِع بِهَا من: أَبِي البركات إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سَعْد النَّيْسابوريّ، وغيره.
ثُمّ قدِم بغداد سنة سبعٍ وسبعين حاجّا. وكان كثير المال والجاه والحشمة. وَلَهُ آثار حَسَنة منَ البرّ، لكنّه كَانَ يلبس الحرير والذَّهب، اللَّه يسامحه المسكين.
تُوُفّي بمَرَاغَة، ونقِل إِلَى مدينة الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدفِن برباطٍ أنشأه بها.
407- مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زاهر.
أَبُو عَبْد اللَّه البَلَنْسيّ، الخطيب.
قرأ القراءات عَلَى ابن هُذَيْل، وسَمِع منه، ومنَ ابن النّعمة.
وكان من أَهْل الصّلاح الكامل، والورع التّام.
أقرأ القرآن طولَ عمره. وسَمِع منه: ابنه أَبُو حامد مُحَمَّد، وغيره.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل عَنْ ثلاثٍ وستّين سنة.
408- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسين بْن عَلِيّ بْن نصر بْن أحمد بْن محمد بْن جعفر [1] .
أبو الفتح، وأبو عَبْد اللَّه البرمكيّ، الهَرَويّ، الحنبليّ.
ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.
وسَمِع بَهَمَذَان من: أَبِي الوقت عَبْد الأوّل، وأبي الفضل أَحْمَد بْن سَعْد، وأبي المحاسن هبة الله بن أحمد بن السّمّاك.
__________
[ () ] 2/ 19 رقم 223، والمختصر المحتاج إليه 1/ 58، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 103.
[1] انظر عن (مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن) في: معجم البلدان 1/ 282، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 213، 214 رقم 253، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 55، والمختصر المحتاج إليه 1/ 60، 61، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 381، 382، والعقد الثمين للفاسي 2/ 52، وشذرات الذهب 4/ 304، 305.(41/390)
وببغداد من: أبي المعالي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن اللّحّاس، وابن البَطّيّ، وخلق.
وبالثَّغْر منَ السِّلَفيّ.
وأَمَّ بالحنابلة بالحَرَم مدّة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الثّناء حامد بْن أَحْمَد الأرتاحيّ، وغيره.
وتُوُفّي بمكّة فِي حدود سنة تسعين.
409- مُحَمَّد بن عبد الملك [1] بن بونه [2] بن سعيد.
أَبُو عَبْد اللَّه العَبْدَريّ، المالقيّ، نزيل غرناطة. ويعرف بابن البيطار.
ولد سنة ستّ وخمسمائة.
وسَمِع: أَبَاه، وأبا مُحَمَّد بْن عتّاب، وغالب بْن عطيّة، وأبا بحر بْن العاص، وأبا الْوَلِيد بْن طريف.
وَهُوَ آخر من رَوَى بالإجازة عَنْ أَبِي عَلِيّ بْن سُكَّرَة الصَّدَفيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم الملّاحيّ، وآخرون.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى، ذكره الأَبّار. وكان أسند مَنْ بَقِيّ.
410- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن شعيب [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الملك) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، والعبر 4/ 274، وتوضيح المشتبه 1/ 670، والعسجد المسبوك 2/ 230 وفيه قال محقّقه بالحاشية رقم (40) : «لم يترجم له ابن الأثير، ولم نعثر على ترجمة لهذا الاسم فيما تيسّر لنا من مصادر» !.
[2] بونه: بضم النون. كما قال المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في المشتبه 1/ 104 حيث ذكر أباه «عبد الملك بن بونه» ، لكنه قال: يروي عنه ابن دحية.
أقول: تابعه ابن ناصر الدين في ضمّ «بونه» ، وقال: الهاء من بونه ساكنة.
وعلّق على قول المؤلّف «يروي عنه ابن دحية» فقال: إنما شيخ ابن دحية أبو محمد عَبْد الحقّ بْن عَبْد الملك بْن بُونُهْ القرشي العبدري، قرأ عليه صحيح مسلم، بسماعه من أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتّاب، وقرأ عليه أيضا «صحيح» أبي جعفر العقيلي. إلخ. (توضيح المشتبه 1/ 670) .
[3] انظر عن (محمد بن علي بن شعيب) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 214، 215 رقم 254، وإنباه الرواة 3/ 193، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 2386، ووفيات الأعيان، رقم 655، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 134، 135 رقم 366، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 51 و 233، والعبر 4/ 274، 275، والتلخيص لابن مكتوم(41/391)
فخر الدّين أَبُو شجاع بْن الدّهّان الْبَغْدَادِيّ، الفرضيّ، الأديب، الحاسب.
خرج من بغداد، وجال فِي الجزيرة، والشّام، ومصر، وسكن دمشق مدّة.
وهو أوّل من وضع الفرائض عَلَى شكل المِنْبر، وجمع تاريخا جيّدا، وصنّف «غريب الْحَدِيث» فِي عدّة مجلّدات.
وكانت لَهُ يدٌ طُولى فِي النّجوم، وحلّ الزَّيْج، نسأل اللَّه العافية.
وَلَهُ أبيات فِي التّاج الكِنْديّ.
تُوُفّي فجأة بالحِلة السَّيْفيَّة فِي صَفَر.
روى عنه أبو الفتوح محمد بن علي الْجَلاجليّ شيئا من شِعره. وَقَدْ مدح ملوكا وأمراء. وكان من أذكياء بني آدم.
411- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سَعْد اللَّه بْن القلّاس [1] .
الْبَغْدَادِيّ، الكَرْخيّ، الشّاعر المعروف بابن مَلاوي، ويُلقّب قَوْس النّدف.
مدح الخلفاء والوزراء، وعاش دهرا وَلَهُ مدائح فِي المستنجد باللَّه، وَفِي ابن هُبَيْرة. وكان مستثقل الجملة.
ذكره صاحب «خريدة القصر» ، وابن النّجّار، وأوردا من شِعره.
412- مُحَمَّد بْن الفقيه أَبِي جَعْفَر هبة اللَّه بْن يحيى بن البوقيّ [2] .
__________
[ () ] (مخطوط) ورقة 225، 226، ومرآة الجنان 3/ 468، والوافي بالوفيات 3/ 164، 165، وفوات الوفيات 2/ 483، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 168، 169، والعسجد المسبوك 2/ 230، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 44، 45، والنجوم الزاهرة 6/ 136- 139، وبغية الوعاة 1/ 180، 181، وكشف الظنون 378، وشذرات الذهب 4/ 304، وهدية العارفين 2/ 121، 122، ومعجم المؤلفين 11/ 29.
[1] انظر عن (محمد بن محمد) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) ج 3، والوافي بالوفيات 1/ 151 رقم 66.
[2] انظر عن (محمد بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 210 رقم 243، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 157، والمختصر المحتاج إليه 1/ 156، والوافي بالوفيات 5/ 155 رقم 782، وتوضيح المشتبه 1/ 465.
و «البوقي» : بضم الباء الموحّدة وسكون الواو وبعدها قاف نسبة إلى بوقة وهي بالقرب من أنطاكية.(41/392)
الفقيه أَبُو العلا الواسطيّ، المعدَّل، كاتب الإنشاءات فِي ديوان المجلس، عَنِ الوزير أَبِي جَعْفَر بْن البلدي. ثُمّ عاد إِلَى واسط بعد هلال أَبِي جَعْفَر [1] .
تُوُفّي فِي ثاني عشر رمضان.
413- الْمُبَارَك بْن أَبِي سَعْد عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو القاسم الكتّانيّ، الواسطيّ.
وُلِد سنة سبع وخمسمائة. وقرأ القرآن عَلَى عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن شيران وسَمِع منه، ومن: أَبِي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ، وَأَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السّلام، والجلّابيّ.
وسَمِع ببغداد من: أَبِي القاسم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وغيره.
وحدَّث بواسط.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن الدُّبِيثيّ، وغيره.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ربيع الأوّل [3] .
414- محمود بْن أَبِي نصر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن [4] .
الأديب، أَبُو الفتح الفَرُوخيّ، الأَوَانيّ، الكاتب.
وُلِد سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة.
لَهُ النَّظْم والنَّثْر.
حدَّث بشيءٍ من شِعره.
وأَوَانا عَلَى يومٍ من بغداد، وهي قرية كبليدة.
__________
[1] وكان والده إماما في الفقه والزهد، وأبو العلاء هذا كانت له معرفة تامة بالفقه والخلاف والفرائض والحساب، وله فيه مصنّفات، قدم بغداد وسكنها مدّة، وتكلّم مع الفقهاء في مسائل الخلاف، وناب فِي ديوان المجلس عَنِ الوزير أَبِي جَعْفَر ابن البلدي في أيام المستنجد، وسمع الحديث بواسط.
[2] انظر عن (المبارك بن أبي سعد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 173 رقم 1141، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 203 رقم 228.
[3] وله ثلاث وثمانون سنة.
[4] انظر عن (محمود بن أبي نصر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 208، 209 رقم 239.(41/393)
415- مُفَوَّز بْن طاهر بْن حَيدرة بْن مُفَوَّز.
القاضي أَبُو بَكْر الشّاطبيّ، قاضي شاطبة.
سَمِع: أباه، وأبا الوليد بن الدّبّاغ، وأبا عامر بْن حبيب.
وأخذ القراءات عَنْ: أَبِي الحسن بن أبي العيش، وابن أبي العاص النَّفريّ.
وتفقّه بأبي مُحَمَّد بْن عاشر، وغيره.
وأجاز لَهُ السِّلَفيّ.
وكان فصيحا، فاضلا، حَسَن السَّمْت.
مات فِي شعبان عَنْ ثلاثٍ وسبعين سنة.
416- مكيّ بْن الْإِمَام أَبِي الطّاهر إِسْمَاعِيل بْن عَوْف [1] .
الزُّهْرِيّ، الفقيه، الزَّاهد، أَبُو الحَرَم، ابن شيخ المالكيّة بالإسكندريّة.
وُلِد سنة تسع عشرة وخمسمائة.
وروى بالإجازة عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاوِيّ، وأبي الْحَسَن عَبْد الغافر الفارسيّ، وذُكِر أنّ أَبَا بَكْر الطُّرْطُوشيّ أجاز لَهُ.
تُوُفّي فِي شعبان.
- حرف النون-
417- نصر بْن يَحْيَى [2] بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن حُمَيْلَة [3] .
أَبُو السُّعْود الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ، المعروف بابن الشنّاء.
وُلِد سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وسمع من: هبة الله بن الحصين، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن القاضي أَبِي يَعْلَى، وأبي بكر القاضي، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (مكي بن إسماعيل) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 209 رقم 240.
[2] انظر عن (نصر بن يحيى) في: التقييد 466 رقم 627، والمختصر المحتاج إليه 3/ 214 رقم 1260، والمشتبه في الرجال 1/ 7117 والتكملة لوفيات النقلة 2081 رقم 238، وذيل تاريخ بغداد للدبيثي 15/ 376، وتوضيح المشتبه 2/ 449.
[3] حميلة: بالحاء المهملة المضمومة، وفتح الميم، وسكون الياء. وقد تحرّفت في المختصر إلى «خميلة» بالخاء المعجمة.(41/394)
وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وأحمد بْن أَبِي شريك.
وتوفّي فِي رجب.
وسَمِع منه: مبارك بْن مَسْعُود الرصافيّ «مُسْند» أحمد بْن حنبل.
- حرف الواو-
418- الْوَلِيد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن جَهْوَر [1] .
أَبُو مُحَمَّد القُرْطُبيّ.
كبير الشّهود المعدّلين بقُرْطُبة. كَانَ فاضلا متواضعا عَلَى منهاج السّلف.
سَمِع من: أَبِي مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وَأَبِي بَكْر بْن سمجون.
وعاش قريبا من ثمانين سنة، رحِمَه اللَّه.
- حرف الياء-
419- يَحْيَى بْن عَبْد الجبّار بْن يَحْيَى بْن يوسف [2] .
أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، المالقيّ، المعروف بالأبّار.
قاضي مالقة.
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي «تاريخه» فَقَالَ: كَانَ جزلا فِي أحكامه، مَهِيبًا، ورِعًا، فقيها، بصيرا بالشُّروط.
سَمِع: أبا عَبْد اللَّه بْن الأصبغ، وأبا جَعْفَر بْن عَبْد الْعَزِيز، وأبا عَبْد اللَّه بْن نجاح الذّهبيّ بقُرْطُبة.
ورحل إِلَى إشبيلية فسمع «صحيح» الْبُخَارِيّ من أَبِي الْحَسَن شُرَيْح.
وسَمِع من: أَبِي بَكْر بْن العربيّ.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو سليمان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو يَحْيَى بن هانئ، وغيرهما.
__________
[1] انظر عن (الوليد بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 254.
[2] انظر عن (يحيى بن عبد الجبار) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 456.(41/395)
وتوفّي سنة تسعين فِي ذِي الحجَّة، وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة.
420- يَحْيَى بْن مَنْصُور بْن أَبِي القاسم [1] .
أَبُو زكريّا البَجَّائيّ، المالكيّ، الزَّاهد.
حكى عَنْهُ الزَّاهد أَبُو النُّور عَبْد النّور بْن عَلِيّ التَّمِيمِيّ.
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: السّيف يحيى بن النّاصح ابن الحنبليّ، والشّرف سُلَيْمَان بْن بيمان الإربليّ الشّاعر.
والشّرف مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن البكريّ، ومُحَمَّد بْن مرتضى بْن أَبِي الجود، والصّفيّ خليل المراغيّ، والجمال ابن شعيب التَّمِيمِيّ، وقاضي نابلس نجم الدّين مُحَمَّد بن سالم الْقُرَشِيّ، وعبد الْعَزِيز بْن إِسْمَاعِيل بْن مَسْلَمَةَ الدّمشقيّ.
__________
[1] انظر عن (يحيى بن منصور) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 216 رقم 258.(41/396)
وممن كَانَ فِي هَذَا الوقت ولم تتصل بِي وفاته
- حرف الألف-
421- أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أحمد [1] .
الأنصاريّ، أبو العبّاس ابن الفقيه السَّرَقُسْطيّ. نزيل الإسكندريّة.
سَمِع: الكَرُوخيّ، وابن ناصر، وجماعة.
وحدَّث باليسير عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدَّانيّ ابن الفرس.
وَلَهُ شعر جيّد.
حدّث عنه: أبو الحجّاج ابن الشَّيْخ، وعَلِيّ بْن الفضل الحافظ، وأَبُو بَكْر بْن عَلِيّ الإشبيليّ.
وكأَنَّه تُوُفّي بعد الثّمانين.
422- إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن هلال بْن المحسّن [2] .
أَبُو نصر بْن الصّابيء، الكاتب الْبَغْدَادِيّ.
من بيت كتابة، وبلاغة، وترسُّل.
كَانَ شيخا حَسَنًا.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: تُوُفّي بعد الثّمانين.
- حرف الحاء-
423- الْحَسَن بْن مَنْصُور بن محمود [3] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 125، والذيل والتكملة لابن عبد الملك 1/ 293، 294 رقم 377.
[2] انظر عن (إسحاق بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[3] انظر عن (الحسن بن منصور) في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 22، ومفتاح السعادة(41/397)
الْبُخَارِيّ، الحنفيّ، العلّامة، شيخ الحنفيّة، قاضي خان الأُوزْجَنْدِيّ [1] ، صاحب التّصانيف.
رَأَيْت مجلّدا من أماليه فِي سنة سبْعٍ، وسنة ثمانٍ، وسنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة.
وسَمِع كثيرا منَ الْإِمَام ظهير الدّين حسن بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز، وإبراهيم بْن إِسْمَاعِيل الصّفّاريّ.
رَوَى عَنْهُ: العلّامة جمال الدّين محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد السّيّد الحصيريّ تلميذه [2] .
- حرف الشين-
424- شعيب بن الحسين [3] .
__________
[ () ] 2/ 278، والجواهر المضيّة 2/ 93، 94 رقم 485، وكتائب أعلام الأخيار، رقم 381، والطبقات السنية رقم 735، وكشف الظنون 1/ 47، 165، 562، 569، 962 و 2/ 1227، 1456، 1999، وشذرات الذهب 4/ 308، والفوائد البهية 64، 65، وديوان الإسلام 4/ 8، 9 رقم 1667، وهدية العارفين 1/ 280، ومعجم المؤلفين 3/ 297.
[1] الأوزجندي: الأوزكندي، بالضم، والواو والزي ساكنان، نسبة إلى أوزكند أوزجند بلد بما وراء النهر من نواحي فرغانة. و «كند» بلغة أهل تلك البلاد معناه القرية، كما يقول أهل الشام: «الكفر» . وهي آخر مدن فرغانة. (معجم البلدان 1/ 280) .
[2] وهو قال عنه: سيّدنا القاضي الإمام، والأستاذ فخر الملّة، ركن الإسلام، بقيّة السلف، مفتي الشرق.
وقال ابن أبي ألوفا القرشي: توفي ليلة الإثنين خامس عشر رمضان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، ودفن عند القضاة السبعة.
«أقول» : على هذا يقتضي أن تتحوّل هذه الترجمة إلى الطبقة التالية.
ثم قال ابن أبي الوفاء: وله «الفتاوى» أربعة أسفار كبار، و «شرح الجامع الصغير» في مجلّدين كبار. (الجواهر المضية 2/ 94) .
[3] انظر عن (شعيب بن الحسين) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 2015، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 4/ 127، وجذوة الاقتباس للمكناسي 530، والبستان لابن مريم 108، وعنوان الدراية للغبريني 55، وسلوة الأنفاس للكتّاني 1/ 346، والتشوّف إلى رجال التصوّف للتادلي 316، والعبر 4/ 475، ومرآة الجنان 3/ 469- 471، وفيه: «شعيب بن الحسن وقيل: ابن الحسين» ، والوافي بالوفيات 16/ 163 رقم(41/398)
أَبُو مَدْيَن الأندلسيّ، الزَّاهد، شيخ أَهْل المغرب رحِمَه [1] اللَّه عليه.
أصله من أعمال إشبيلية من حصن مَنتوجَبْ. جال وساح وسكن بجاية مدّة، ثُمّ سكن تلمسان. وكان كبير الصّوفيّة والعارفين فِي عصره.
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار، ولم يؤرّخ لَهُ موتا وقَالَ: كَانَ من أهل العمل والاجتهاد، منقطع القرين فِي العبادة والنُّسك.
قَالَ: وتُوُفّي بتلمسان فِي نحو التّسعين وخمسمائة. وكان آخر كلامه:
اللَّه الحيّ. ثُمّ فاضت نفسه.
- حرف العين-
425- عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن خَلَف.
المحاربيّ، الغَرْناطيّ، أَبُو مُحَمَّد.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ، وشُرَيْح، وابن العربيّ.
وعنه: سُلَيْمَان بْن حَوْط.
وتُوُفّي سنة بضْعٍ وثمانين.
426- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن سُفْيَان [2] .
التُّجَيْبيّ، الشّاطبي، الفقيه، النَّحْويّ، قاضي لُورقَة.
سمع: أبا الوليد بن الدباغ، وابن هذيل، وطبقتهما.
وكان بليغا مفوَّهًا، لَهُ النَّظْم والنَّثْر.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عِيسَى بْن أَبِي السّداد، وأبو الربيع بن سالم.
__________
[ () ] 190، وشذرات الذهب 4/ 303، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 170، ونفح الطيب 7/ 136، وتعريف الخلف للحفناوي 2/ 172، وشجرة النور الزكية 1/ 164.
وقد وضع ابن قنفذ كتابا خاصّا بشعيب بن الحسين وأصحابه سمّاه: «أنس الفقير وعزّ الحقير» . طبعة الرباط 1965.
[1] في الأصل: «رحمت» .
[2] تقدّم في وفيات سنة 590 هـ. برقم (386) .(41/399)
بقي إلى حدود التّسعين وخمسمائة.
427- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ وهب [1] .
القضاعيّ، المؤدّب، أَبُو مُحَمَّد الإشبيليّ، نزيل سبتة.
أخذ عن: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وعَمْرو بْن بطّال.
وكان عارفا بالقراءات والنَّحْو، جيّد التفهُّم.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو الْعَبَّاس العزفيّ والد صاحب سَبْتَه.
428- عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى بْن الْحُسَيْن [2] .
أَبُو القاسم الأُمَويّ، الإشبيليّ، الزَّاهد.
رَوَى عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي القاسم الهَوْزنيّ، وشُرَيْح، وجماعة.
ونزل بجاية منَ المغرب، وألّف «الجمع بَيْنَ الصّحيحين» وأتى فِيهِ بالأسانيد.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو ذرّ الخشنيّ، وغيره.
وبالإجازة أَبُو عليّ الشّلوبينيّ.
قَالَ الأَبّار: كَانَ مقرئا، محدّثا، زاهدا، ورِعًا.
توفّي بعد الثّمانين وخمسمائة.
429- عَلِيّ بْن مسافر [3] .
الحلّيّ، الشّيعيّ. عالم الشّيعة وفقيههم بالحلَّة.
رحلت إِلَيْهِ الرّوافض منَ النّواحي للأخذ عنه.
وروى عن: العماد أبي جعفر الطّبريّ، وغيره.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن محمد بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن يحيى) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، ولم يذكره «كحّالة» في معجم المؤلفين، مع أنه من شرطه.
[3] لم يذكره محسن الأمين في (أعيان الشيعة) ، ولا آغا بزرك الطهراني في (طبقات أعلام الشيعة) ، وأرجّح أن المؤلّف- رحمه الله- نقل الترجمة عن كتاب (رجال الشيعة) لابن أبي طيِّئ وهو مفقود.(41/400)
وهلك بعد الثّمانين.
430- عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم [1] .
الفِهْريّ، أَبُو الْحَسَن البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءات عَنِ ابن هُذَيْل.
وروى عَنْ: أَبِي الْوَلِيد بْن الدّبّاغ، وطبقته.
وكان صالحا متقطعا عَنِ النّاس.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الربيع بن سالم، وقال: توفي في حدود التّسعين وخمسمائة.
431- عَلِيّ بْن عَبْد الكريم بْن أَبِي العلاء [2] .
أَبُو الكَرَم العَطَّار، الْعَبَّاسيّ، الهَمَذَانيّ، مُسْنِد هَمَذَان فِي وقته.
كَانَ بها فِي سنة خمسٍ وثمانين وخمسمائة فِي قيد الحياة، فحدّث عَنْ:
فنْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الشَّعْرانيّ، وأبي غالب أَحْمَد بْن مُحَمَّد العدل صاحب ابن شبابة، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ عَلِيّ بْن إسْفَهْسِلار الرَّازيّ، والشّمس أَحْمَد بْن عَبْد الواحد الْبُخَارِيّ، والحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ، وغيرهم.
وسماعاته بعد الخمسمائة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُنَادِي، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بِقِرَاءَتِي، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدْلُ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِمَائَةٍ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبَابَةَ: ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا أَبُو الْيَمَانِ، ثنا عُفَيْرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ [3] بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ» . عُفَيْرٌ هُوَ ابْنُ معدان، كنيته: أبو عائذ، ضعيف [4] .
__________
[1] انظر عن (علي بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار. وقد تقدم برقم (351)
[2] انظر عن (علي بن عبد الكريم) في: العبر 4/ 275.
[3] في ميزان الاعتدال 3/ 83 «سليم» .
[4] وقال المؤلّف- رحمه الله- في الميزان: وقال أبو حاتم: يكثر عن سليم، عن أبي أمامة بما لا(41/401)
432- عَلِيّ بْن المظفَّر بْن عَبَّاس.
أَبُو الْحَسَن الواسطيّ، الْمُقْرِئ، خطيب شافيا.
قرأ بالرّوايات العَشْر عَلَى أَبِي العزّ القَلانِسِيّ.
وتصدّر للإقراء.
قرأ عليه القراءات: أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن باسُوَيْه، والموفّق عَلِيّ بْن خطّاب بْن مقلّد الضّرير.
- حرف الميم-
433- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن حزب اللَّه [1] .
الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه بْن النّقّار الفاسيّ.
أَخَذَ عَنْ: أَبِي عَبْد الله بْن الرّمّامة المُتَوَفّي سنة سبْعٍ وستّين.
وعن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن خليل، وجماعة.
وكان فقيها، محدّثا، زاهدا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن القطّان الحافظ، وتفقّه بِهِ، وأجاز بِهِ، وأجاز له في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
- حرف الياء-
434- يزيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [2] .
أَبُو الْوَلِيد المَخْلَدِيّ، البَقَويّ، القُرْطُبيّ، والد أَبِي القاسم أَحْمَد بْن بَقِيّ.
رَوَى عَنْ: جَدّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد، وأبيه، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي القاسم بْن رضا، وجماعة سواهم.
حدَّث عَنْهُ: ابنه أَبُو القاسم، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأبو زَيْدٍ القازارنيّ.
__________
[ () ] أصل له.
[1] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر عن (يزيد بن عبد الرحمن) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 603.(41/402)
وولّي القضاء ببَسْكرة، بُلَيْدة من بلاد الزّاب.
قال الأبّار: توفّي بعد الثّمانين وخمسمائة.
435- يوسف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جزء [1] .
أَبُو الحَكَم الكلبيّ، الغَرْناطيّ.
رَوَى عَنْ: أبيه أبي بكر، وعمّ أبيه أبي الوليد بن جزء، وأبي الحسن بن الباذش، والقاضي أبي بكر بن العربيّ، والقاضي عياض، وجماعة.
حدّث عنه: ابنه أبو العبّاس.
وتوفّي في حدود التّسعين.
آخر الطبقة التاسعة والخمسين من تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام للحافظ شمس الدين الذّهبي، ومن خطّه نقلت وقدّمت من الأسماء وأخّرت على شرطه ما يجب، والحمد للَّه وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
[1] انظر عن (يوسف بن عبد الرحمن) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 613.(41/403)
(بفضل الله وعونه، تمّ تحقيق هذه الطبقة من «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» لمؤرّخ الإسلام الحافظ شمسُ الدين مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْن عثمان بن قايماز المعروف بالذهبي- رحمه الله-، وقد ضبط النص، وحرّره، وصحّحه، وخرّج أحاديثه، وأشعاره، ووثّق مادّته، وأحال إلى المصادر، وصنع الفهارس، بقدر ما يسّره الله وفتحه عليه، طالب العلم وخادمه، أفقر العباد، الحاج أبو غازي، الأستاذ الدكتور «عمر بن عبد السلام بن عبد الله تدمري» ، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، عضو الهيئة العربية العليا لإعادة كتابة تاريخ الأمّة في اتحاد المؤرّخين العرب، الطرابلسي مولدا وموطنا، الحنفيّ مذهبا. وكان الفراغ من كتابة هذه النبذة في مساء الثلاثاء السابع والعشرين من شهر صفر الخير 1416 هـ. / الموافق للخامس والعشرين من شهر تموز (يوليو) 1995 م. وذلك في منزله بساحة النجمة من ثغر طرابلس الشام المحروسة، جعلها الله وديار الإسلام بلدا آمنا مطمئنا بحفظه وحرزه. والحمد للَّه رب العالمين) .(41/404)
[المجلد الثاني والأربعون (سنة 591- 600) ]
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم
[الطبقة الستّون]
سنة إحدى وتسعين وخمسمائة
[استيلاء مؤيّد الدين على همذان]
أنبأنا ابن البُزُوريّ قال: في المحرَّم وصل الخبر على جناح طائرٍ باستيلاء الوزير مؤيَّد الدّين محمد بن القصّاب على هَمَذَان، وضُرِبت الطُّبُول [1] .
[عناية الناصر بالحمام]
قلت: واعتنى الناصر لدين الله هذه المدَّة بالحَمَام اعتناء عظيما.
[انتهاب الريّ]
قال: وولّى مؤيَّد الدّين كلَّ بلدٍ أميرا، واجتمع بختلغ إنج [2] فخلع عليه، واتّفقا على الخُوارزْمية وقتالهم، فقصد الوزير دامَغَان وقصد خلتغ إنج الريّ فدخلها وتحصّن بها، وخالف فيها الوزير فحصره، ففارقها ختلغ إنج، ودخلها الوزير وأنهبها عسكر بغداد. ثمّ ولّاها فَلَك الدّين سنْقُر النّاصريّ [3] .
[دخول خوارزم شاه هَمَذَان]
ثمّ سار فحارب ختلغ إنج، فانكسر ختلغ إنج ونجا بنفسه، ورجع الوزير فدخل هَمَذان. فنفّذ خُوارزم شاه يعتب على الوزير، ويتهدّده لِما فعل
__________
[1] الكامل في التاريخ 12/ 111، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 445.
[2] في الكامل: «قتلغ إينانج» .
[3] البداية والنهاية 13/ 11.(42/5)
في أطراف بلاده، فاستعدّ الوزير للمُلْتَقى، فتُوُفيّ دون ذلك، وجَيَّشَ خُوارزم شاه، وقَصَدَ هَمَذَان، وحارب العسكر فهزمهم، ونبش الوزير ليشيع الخبر أنّه قُتِلَ في المعركة. ثمّ عاد إلى خُراسان [1] .
[تأمير كوكج على البهلوانية]
ثمّ إنّ المماليك البهلوانيّة أمّروا عليهم كوكج [2] ، وملكوا الريّ، وأخرجوا فَلَك الدّين سنْقُر [3] .
[خروج العزيز لأخْذ دمشق]
وفيها سار الملك العزيز من مصر ليأخذ دمشق، فبادر الملك الأفضل منها وساق إلى عمّه العادل، وهو بقلعة جَعْبَر، وطلب نجدته، ثمّ عَطَفَ إلى أخيه الظّاهر يستنجده. فساق العادل وسبق الأفضل إلى دمشق، وقام معهما كبار الأمراء، فردّ العزيز منهزما، وسار وراءه العادل والأفضل فيمن معهما من الأسَديَّة والأكراد، فلمّا رأى العادل انضمام العساكر إلى الأفضل وقيامهم معه، خاف أن يملك مصر، ولا يسلّم إليه دمشق، فبعث في السّرّ إلى العزيز يأمره بالثَّبات، وأن يجعل على بِلْبِيس مَن يحفظها، وتكفّل بأنّه يمنع الأفضل، فجهّز العزيز النّاصريّة مع فخر الدّين جركس، فنزلوا ببلبيس، وجاء الأفضل والعادل فنازلوهم، فأراد الأفضل مناجزتهم ودخول مصر، فمنعه العادل من الأمرين وقال: هذه عساكر الإسلام، فإذا قُتِلوا في الحرب فَمَن يردّ العدوّ، والبلاد بتحكّمك. وأخذ يراوغه.
وجاء القاضي الفاضل في الصُّلح، ووقعت المطاولة، واستقرّ العادل بمصر عند العزيز، ورجع الأفضل.
__________
[1] الكامل 12/ 111، 112.
[2] يرد: «كوكج» و «كوكجه» .
[3] الكامل 12/ 117، 118.(42/6)
هذا ملخّص ما قاله «ابن الأثير» [1] .
[تجديد الهدنة]
وفي هذه المدَّة جدّد العزيز الهدنة مع ملك الفِرِنج كنْدهري، وزاد في المدَّة.
ثم لم يلبث كنْدهري أن سقط من مكان بعكّا فمات، واختلفت أحوال الفرنج قليلا.
[سوء تدبير الوزير ضياء الدين]
قال ابن واصل [2] وغيره: لمّا عزم العزيز على قَصْد الشّام ثانيا، أشار العُقلاء على الملك الأفضل بملاطفة أخيه العزيز، ولو فعل لَصَلُح حاله، وأرضى منه العزيز بإقامة السّكَّة والخطبة له بدمشق، لكنْ قبل ما أشار به وزيره الضّياء بن الأثير، من اعتصامه بعمّه العادل والالتجاء إليه، وكان ذلك من فاسد الرأي، حتّى استولى عمه على الأمر، وغلب على السَّلطنة.
[إقبال الأفضل على الزهد]
ولمّا رجع الأفضل من بلبيس أقبل أيضا على الزُّهد والعبادة وفوّض الأمور إلى ابن الأثير، فاختلّت به غاية الاختلال [3] .
[قدوم ابن شملة بغداد]
وفيها قدِم بغدادَ شمس الدّين عليّ بن سوسيان بن شملة، ومعه نساء أبيه وجواريه، فتُلُقّيّ بالموكب الشّريف. وكان صبيّا بديع الجمال، تضرب بحسنة الأمثال [4] .
__________
[1] في الكامل في التاريخ 12/ 118- 120، وانظر: مفرّج الكروب 3/ 50- 54، وزبدة الحلب 3/ 133- 135، والمختصر 3/ 91، والدرّ المطلوب 127، وتاريخ ابن الوردي 2/ 111، والعسجد المسبوك 234، 235، ومرآة الجنان 3/ 473، والبداية والنهاية 13/ 11، وتاريخ ابن خلدون 5/ 331، 332، وتاريخ ابن سباط 1/ 217، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 103- 106.
[2] في مفرّج الكروب 3/ 41.
[3] مفرّج الكروب 3/ 55، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 130، البداية والنهاية 13/ 11.
[4] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 445.(42/7)
وقال أبو شامة [1] : فيها قدِم العزيز إلى الشّام أيضا ونزل على الغوار، ثمّ رحل إلى مصر لمّا سمع بقدوم العساكر مع عمّه العادل وأخيه الأفضل، فتبِعاه إلى مصر، وخرج القاضي الفاضل فأصلح الحال، فدخل العادل مصر مع العزيز وأقام عنده، وردّ الملك الأفضل إلى دمشق.
[وقعة الزّلّاقة بالمغرب]
وفيها كانت بالمغرب وقعة الزّلّاقة، وكانت ملحمة عظيمة بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، وبين الفُنْش [2] ملك طُلَيْطُلَة لعنه الله تعالى.
كان الفُنْش قد استولى على عامَّة جزيرة الأندلس، وقَهَرَ وُلاتها، وكان يعقوب بِبَرّ العدوة مشغولا عن نُصرة أهل الأندلس بالخوارج الخارجين عليه، وبين الأندلس وبين سَبْتَة كان أدقّ ما يكون من عرُض البحر، وعرضه ثلاثة فراسخ، ويُسمى العُدْوة، وزُقاق سَبْتَة، وغير ذلك. ومنه دخل المسلمون في المراكب لمّا افتتحوا الأندلس في دولة الوليد بن عبد الملك. واستصرى الفونش واستفحل أمره، واتّسع ملكه، وكتب إلى يعقوب ينخّيه في الدّخول إليه، فأخذته حميَّة الإسلام، وسار فنزل على زقاق سَبْتَة، وجمع المراكب، وعَرَض جيوشه، فكانوا مائة ألف مرتزقة، ومائة ألف مُطَّوّعة، وعدّوا كلُّهم، ووصل إلى موضع يقال له «الزّلّاقة» ، وجاءه الفُنْش في مائتي ألف وأربعين ألفا، فالتقوا، فنَصَر الله دينه، ونجا الفونش في عددٍ يسير إلى طُلَيْطُلَة، وغنم المسلمون غنيمة لا تحُصَى.
قال أبو شامة [3] : كان عدّة من قُتِلَ من الفرنج مائة ألف وستَّة وأربعين ألفا، وأُسِر ثلاثون ألفا، وأُخذ من الخيام مائة ألف خيمة وخمسون ألفا، ومن
__________
[1] في ذيل الروضتين 7.
[2] وهو ألفونس الثامن.
[3] في ذيل الروضتين 7، 8.(42/8)
الخيل ثمانون ألف رأس، ومن البغال مائة ألف، ومن الحمير أربعمائة ألف حمار، تحمل أثقالهم، لأنّهم لا جِمال عندهم، ومن الأموال والجواهر والقماش ما لا يُحصى.
قال: وبِيع الأسير بدِرهم، والسّيف بنصف، والحصان بخمسة دراهم، والحمار بدرهم. وقسّم يعقوب الملقّب بأمير المؤمنين الغنائمَ على مقتضى الشّريعة فاستغنوا للأبد.
وأمّا الفنْش فوصل بلدَه على أسوأ حال، فحلق رأسه ونكّس صليبه، وآلى أن لا ينام على فراشه ولا يَقْرَب النّساء، ولا يركب حتّى يأخذ بالثّأر.
وأقام يجمع من الجزائر والبلاد ويستعدّ.
قال: وقيل إنّما كانت هذه الوقعة في سنة تسعين، وهذا وهْم، إنّما كانت في سنة إحدى وتسعين في تاسع شعبان [1] .
__________
[1] انظر عن (وقعة الزلّاقة) في: الكامل في التاريخ 12/ 113- 116، وتاريخ مختصر الدول 224، وذيل الروضتين 7، 8، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 446- 448، و 449، والمختصر 3/ 91، والدرّ المطلوب 127، ودول الإسلام 2/ 102، 103، ومرآة الجنان 3/ 472، والبداية والنهاية 13/ 10، 11، وتاريخ ابن الوردي 2/ 111، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 127- 130، والنجوم الزاهرة 6/ 137، 138، وتاريخ ابن سباط 1/ 216، وشذرات الذهب 4/ 306.(42/9)
سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة
[نيابة ابن البخاري بالوزارة]
فيها استُنِيب في الوزارة قاضي القضاة أبو طالب علي بن عليّ البخاريّ [1] .
[ولاية طاشتكين خوزستان]
وفيها أُفرج عن الأمير مُجير الدّين طاشْتِكين الحاجّ، ووُلّي مملكة بلاد خُوزسْتان، ووْسم بالملك، وأُنعِم عليه بكوسات [2] وأعلام.
[دخول العزيز وعمّه دمشق]
وقال أبو شامة [3] : وفيها قدِم الملك العزيز ثالثا إلى الشّام ومعه عمّه الملك العادل.
قلت: فحاصرا دمشق مدَّةً يسيرة، ووقعت المخامرَة من عسكر دمشق ففتحوا الأبواب، ودخل العزيز والعادل في رجب.
قال ابن الأثير [4] : كان أبلغ الأسباب في ذلك وثُوق الأفضل بعمّه، وقد بلغ من وثوقه أنّه أدخله بلده وهو غائب عنه. وقد كان أرسل إليه أخوه
__________
[1] خلاصة الذهب المسبوك 283، مختصر التاريخ لابن الكازروني 250.
[2] الكوسات: صنوجات من نحاس تشبه الترس الصغير قال القلقشندي: والّذي يضرب بالصنوج النحاس بعضها على بعض الكوسيّ. (صبح الأعشى 4/ 9 و 13) .
[3] في ذيل الروضتين 9.
[4] في الكامل 12/ 122، 123.(42/10)
الظّاهر يقول: أخرج عمّنا من بيننا، فإنّه لا يجيء علينا منه خير، وأنا أَعْرَف به منك، وأنا زوج ابنته.
فردّ عليه الأفضل: أنت سيّئ الظّنّ، وأيّ مصلحةٍ لعمّنا في أن يؤذينا؟
ولمّا تقرّر العادل بمصر استمال الملك العزيز، وقرّر معه أن يخرج إلى دمشق، ويملك دمشق ويسلّمها إليه، فسار معه وقصدوها، واستمالوا أميرا فسلّم إليهم باب شرقيّ، وفتحه ودخل منه العادل ووقف العزيز بالميدان [1] .
فلمّا رأى الأفضل أنّ البلد قد مُلِك، خرج إلى أخيه ودخل به البلد، واجتمعا بالعادل وقد نزلا في دار أسد الدّين شيركوه، فبقيا أياما كذلك، ثمّ أرسلا إلى الأفضل ليتحوّل من القلعة، فخرج وسلَّم القلعة إلى أخيه [2] .
قلت: رجع العزيز إلى مصر، وأقام العادل بدمشق، فتغلّب عليها، وأخرج أولاد أخيه صلاح الدّين عنها، وأنزل الأفضل في صَرْخَد.
وقال أبو شامة [3] : انفصل الحال على أن خرج الأفضل إلى صَرْخَد، وتسلَّم البلد الملك العزيز، وسلّمها إلى عمه، وأسقط ما فيها من المُكُوس، وبقيت بها الخطْبة والسّكَّة باسم الملك العزيز.
وقال في «الروضتين» [4] : فيها نزل العزيز بقلعة دمشق، ودخل هو وأخوه الأفضل متصاحبَيْن إلى الضّريح النّاصريّ، وصلّى الجمعة عند ضريح والده. ودخل دار الأمير سامة في جوار التُّربة، وأمر القاضي محيي الدّين أن يبنيها مدرسة للتربة، فهي المدرسة العزيزيَّة. ووقف عليها قرية محجَّة.
__________
[1] هو الميدان الأخضر، كما في الكامل 12/ 122.
[2] الكامل 12/ 121- 123، مفرّج الكروب 3/ 62- 70، المختصر 3/ 92، الدرّ المطلوب 128، العسجد المسبوك 237، تاريخ ابن الوردي 2/ 111، دول الإسلام 2/ 103، مرآة الجنان 3/ 473، البداية والنهاية 13/ 12، تاريخ ابن خلدون 5/ 232، السلوك ج 1 ق 1/ 129، تاريخ ابن سباط 1/ 217، 218.
[3] في الذيل على الروضتين 10.
[4] ص 10.(42/11)
قلت: ما أحسن قول ملك البلاغة القاضي الفاضل رحمه الله ورضي عنه: أمّا هذا البيت فإنّ الآباء منه اتفقوا فملكوا، وأن الأبناء منه اختلفوا فهلكوا، إذا غَرَب نجْمٌ فما في الحيلة تشريقهُ، وإذا خُرِق ثوبٌ فما يليه إلّا تمزيقهُ، وإذا كان الله مع خصْمٍ فمن يُطَيقُه؟
قال أبو شامة [1] : وأخذت قلعة بصرى من الملك الظّافر خضر ابن صلاح الدّين، أخذها أخوه.
[هبوب ريح سوداء]
قال: وفيها بعد خروج النّاس من مكّة هبّت ريح سوداء عمت الدنيا، ووقع على الناس رملٌ أحمر، ووقع من الركن اليَمَانيّ قطعة، وتجرّد البيت مرارا [2] .
[طلب خوارزم شاه السلطنة ببغداد]
ومن خبر خُوارزم شاه أنّه كان قد قطع نهر جيحون في خمسين ألفا، ثمّ وصل همذان وشحن على البلاد إلى باب بغداد، وبعث إلى الخليفة يطلب السَّلْطَنة، وإعادة دار السّلطنة إلى ما كانت، وأن يجيء إلى بغداد، وأن يكون الخليفة من تحت يده كما كانت الملوك السَّلجوقيَّة. فانزعج الخليفة وأهل بغداد، وغَلَت الأسعار.
[حصار طليطلة]
قال [3] : وفيها كانت وقعة أخرى ليعقوب بن يوسف مع الفُنْش. وكان الفنْش قد حشد وجمع جمعا أكثر من الأوّل، ووقع المصاف، فكسره
__________
[1] في ذيل الروضتين 10.
[2] الكامل 12/ 123، ذيل الروضتين 10، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 448، 449، البداية والنهاية 13/ 12.
[3] القائل أبو شامة في ذيل الروضتين 8.(42/12)
يعقوب، وساق خلفه إلى طُلَيْطُلة ونازلها، وضربها بالمنجنيق، وضيّق عليها، ولم يبق إلّا أخْذها، فخرج إليه والدة الفنْش وبناته وحريمه، وبَكَيْنَ بين يديه، وسألْنَه إبقاءَ البلد عليهنّ، فرقّ لهنّ ومَنّ عليهنّ بالبلد. ولو فتح طُلَيْطُلَة لفتح إلى مدينة النّحاس.
وعاد إلى قُرْطُبة وقسّم الغنائم، وصالح الفنش مدَّة [1] .
وقيل: إنّ هذه الوقعة كانت في سنة إحدى وتسعين.
وفيها وفي الّتي قبلها عاث ابن غانية الملثَّم، وخَلَت له إفريقية، وكان بالبرّيّة مع العرب، فعاود إفريقية، وخرّبت عساكره البلاد. فلهذا صالح يعقوب الفِرنج ورجع إلى المغرب لحرب الملثّم.
__________
[1] الكامل 12/ 113- 116، ذيل الروضتين 7، 8، المختصر 3/ 91، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 449، الدرّ المطلوب 127، دول الإسلام 2/ 102، 103، تاريخ ابن الوردي 2/ 111، مرآة الجنان 3/ 472، تاريخ مختصر الدول 224، البداية والنهاية 13/ 10، 11، النجوم الزاهرة 6/ 137، 138، تاريخ ابن سباط 1/ 217، شذرات الذهب 4/ 306.(42/13)
سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة
[إكرام أبي الهيجاء السمين ببغداد]
فيها وصل الأمير أبو الهيجا الكرديّ، المعروف بالسّمين. كان مُفْرِط السُّمْن، ومن أعيان أمراء الشّام. ترك خدمة الملك العزيز عثمان بن صلاح الدّين وقدِم بغداد، فتُلُقّي وأُكرِم، وبالغوا في احترامه [1] .
[اعتقال أبي الهيجاء]
ثمّ جرت من أجناده ناقصة لمّا جرّدوا وحاربوا عسكر الدّيوان، فكان هو ببغداد فاعتُقل [2] .
[سلطنة العزيز بمصر والشام]
وفيها خُطِب وضُرِبت السّكَّة للملك العزيز، كما خُطِب له عامَ أوّلٍ بدمشق، وتمّت له سلطنة مصر والشّام، مع كون عمّه العادل صاحب دمشق، وأخيه صاحب حلب [3] .
[قطع بركة المسافة من واسط إلى بغداد]
وفي جُمادى الآخرة جَرَى بركة السّاعي من واسط إلى بغداد في يومٍ وليلة، وهذا لم يُسْبق إلى مثله، وخُلِع عليه خِلَع سَنِيَّة، وحصل له مال [4] .
__________
[1] الكامل 12/ 125، مفرّج الكروب 3/ 70، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 452.
[2] لم يذكر ابن الأثير أن أبا الهيجاء اعتقل. انظر الكامل 12/ 125، ومفرّج الكروب 3/ 70.
[3] مفرّج الكروب 3/ 69.
[4] تقدّم خبر عنه في سنة 587 هـ.(42/14)
[وفاة أبي الهيجاء]
ثُم خُلِع على أبي الهيجاء السّمين، وأُمِر أن ينزل بَهَمَذَان، وتُوُفّي بعد شهر [1] .
[توجّه الرسول إلى غزنة]
وفيها توجّه مُجِير الدّين الحَسَن بن الربيع رسولا إلى شهاب الدّين الغُوريّ صاحب غَزْنة.
[انقضاض كوكب]
أنبأنا ابن البُزُوريّ قال: وانقضّ في شوّال كوكبٌ عظيم سُمِع لانقضاضه صوتٌ هائل، واهتزّت الدُّور والأماكن، فاستغاث الناس، وأعلنوا بالدّعاء، وظنّوا ذلك من أمارات القيامة [2] .
[مقتل ملك اليمن]
قال: وفيها ملَك إسماعيلُ بنُ سيف الإسلام طُغْتِكِين بلد اليمن بعد أبيه، وأساء في ولايته، وادّعى أنّه قُرَشيّ، وخطب لنفسه، وتسمّى بالهادي، ثمّ قُتل [3] .
[فتح يافا]
قال أبو شامة [4] : وفي شوّالها فتح العادل يافا عنوة وأخربها، وكان قد
__________
[1] الكامل 12/ 125، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 458، 459 (في المتوفين سنة 594 هـ.) ، البداية والنهاية 13/ 15.
[2] انظر البداية والنهاية 13/ 13، 14.
[3] الكامل 12/ 129، 130، مفرّج الكروب 3/ 72 و 73.
[4] في ذيل الروضتين 10.(42/15)
أتاها أربعون فارسا نجدة، فلمّا عاينوا الغَلَبَة دخلوا الكنيسة وأغلقوا بابها، ثمّ قتل بعضُهم بعضا، فكسر المسلمون الباب فوجدوهم صَرْعَى، وهذا ثالثُ فتحٍ لها، لأنّها فُتحت أيّام بيت المقدس، ثمّ استرجعها الإنكتير، ثمّ أخذها ثاني مرّة صلاح الدّين، ثمّ افتتحها في هذا الوقت الملك العادل، ثمّ ملكتها الفِرنج، ثمّ افتتحها السّلطان الملك النّاصر رابعا، ثمّ خُرِّبت [1] .
[كتاب الفاضل يصف البرق والريح]
كتب الفاضل إلى محيي الدّين بن الزّكيّ يقول: «وممّا جرى من المُعْضِلات بأسٌ من الله طَرَق ونحن نيام، وظنّ النّاس أنّه اليوم الموعود، ولا يحسب المجلس أنّي أرسلت القلم محرِّفًا، والقول مجزّفا، فالأمر أعظم، ولكنّ الله سلَّم. إنّ الله تعالى أتى بساعةٍ كالسّاعة، كادت تكون للدّنيا السّاعة، في الثّلث الأوّل من ليلة الجمعة تاسع عشر [2] جُمادى الآخرة، أتى عارض فيه ظُلُمات متكاثفة وبُرُوق خاطفة، ورياح عاصفة، قوي الهواء [3] بها، واشتدّ هُبُوبها [4] ، وارتفعت لها صَعقات [5] ، فرجفت الجدران، واصطفقت، وتلاقت على بُعْدها، واعتنقت، وثار عَجَاج [6] ، فقيل: لعلّ هذه قد انطبقت [7] .
وتوالت البُرُوق على نظام، فلا يُحسَب إلّا أنّ جهنّم قد سال منها واد، وزاد
__________
[1] الكامل في التاريخ 12/ 126، مفرّج الكروب 3/ 75، الأعلاق الخطيرة 2/ 256، ذيل الروضتين 10، 11، الدرّ المطلوب 130، دول الإسلام 2/ 103، مرآة الجنان 3/ 475، السلوك ج 1 ق 1/ 104، تاريخ ابن سباط 1/ 218 و 221، المختصر 3/ 93، تاريخ ابن الوردي 2/ 112، تاريخ ابن خلدون 5/ 333، شفاء القلوب 204، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 134 (حوادث سنة 594 هـ.) .
[2] في البداية والنهاية 13/ 13 «في ليلة الجمعة التاسع من جمادى الآخرة» .
[3] في البداية والنهاية 13/ 13 «قوي الجو» .
[4] في البداية والنهاية 13/ 13 بعدها: «قد أثبت لها أعنّة مطلقات» .
[5] في البداية والنهاية 13/ 13 «صفقات» .
[6] في البداية والنهاية 13/ 13 «وثار السماء والأرض عجاجا» .
[7] في البداية والنهاية 13/ 13 «حتى قيل إن هذه على هذه قد انطبقت» .(42/16)
عصْف الريح إلى أن تغطّت النُّجوم [1] ، وكانت تسكن وتعود عُودًا عنيفا، ففرّ النّاس والنّساء والأطفال، وخرجوا من دُورهم لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلا، بل يستغيثون ربّهم، ويذكرون دِينهم. ولا يستغربون العذاب، لأنّهم على مُوجباته مُصِرّون وفي وقت وقوع واقعاته باستحقاقه مُقِرّون، معتصمين بالمساجد الجامعة، وملتقين الآية النّازلة من السّماء بالأعناق الخاضعة، بوجوهٍ عانية، ونفوسٍ عن الأموال والأهل سالية. قد انقطعت من الحياة عُلَقهم، وعميَت عن النّجاة طُرُقُهم، فدامت إلى الثّلث الأخير، وأصبح كلٌّ يسلِّم [2] على رفيقه، ويهنّيه بسلامة طريقه، ويرى أنّه بُعث بعد النّفخة، وأفاق بعد الصَّرْخة [3] . وتكسَّر عدّة مراكب في البحار، وتقلّعت الأشجار الكبار، ومن كان نائما في الطُّرُق من المسافرين دفنته الرّيح حيّا، وركِب فما أغنى الفِرار شيئا، والخَطْبُ أشقّ، وما قضيت بعض الحقّ. فما مِن عباد الله مَن رأى القيامة عيانا إلّا أهل بلدنا، فما اقتصّ الأوّلون مثلَها في المَثُلات، والحمد للَّه الّذي جعلنا نخبر عنها ولا تخبر عنّا» . في كلامٍ طويل [4] .
[أخْذُ الفرنج بيروت]
وفيها أخذت الفرنج بيروت، وكان أميرها الأمير عزّ الدّين سامة لمّا سمع بوصول العدوّ إلى صيدا هرب، فملكها الفِرنج ثاني يوم. وفيه صُنِّف:
سلِّم الحِصْنَ ما عليكَ مَلامَهْ ... ما يُلام الّذي يرومُ السلامهْ
فَعَطاءُ الحصونِ من غير حربٍ [5] ... سنّة سنّها ببيروت سامه [6]
__________
[1] في البداية والنهاية 13/ 13 «إلى أن أطفأ سرج النجوم» .
[2] في البداية والنهاية 13/ 14 «مسلم» .
[3] في البداية والنهاية 13/ 14 «بعد الصيحة والصرخة» .
[4] النص في البداية والنهاية 13/ 13، 14 باختلاف وزيادة.
[5] وفي رواية:
إنّ أخذ الحصون لا عن قتال
[6] البيتان لأحد الدماشقة وقد زاد بيتا ثالثا:(42/17)
__________
[ () ]
أبعد الله تاجرا سنّ ذا البيع ... وأخزى بخزيه من أسامه
والأبيات والخبر في:
الكامل في التاريخ 12/ 127، والروضتين 2/ 233، والذيل 11، ومفرّج الكروب 3/ 74، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 453، والأعلاق الخطيرة 2/ 103 2/ 103، وزبدة الحلب 3/ 141، وتاريخ مختصر الدول 225، والعسجد المسبوك 240، والمختصر في أخبار البشر 3/ 93، ودول الإسلام 2/ 103، وتاريخ ابن الوردي 2/ 82، ومرآة الجنان 3/ 475، والبداية والنهاية 13/ 15، وتاريخ ابن خلدون 5/ 333، والسلوك ج 1 ق 1/ 140، وتاريخ بيروت لصالح بن يحيى 21، وشفاء القلوب 203، 204، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 219، 220، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 133 وفيه اختلاف في لفظ الأبيات.(42/18)
سنة أربع وتسعين وخمسمائة
[نزول الفرنج على تِبْنين]
فيها نزلت الفرنج على تِبْنين، وقدِم منهم جَمْعٌ كبير في البحر، فانتشروا بالسّاحل، وكثُرُوا، وخاف النّاس، فنفّذ الملك العادل صاحب دمشق القاضي محيي الدّين إلى صاحب مصر الملك العزيز مستصرخا، فجاء العزيز، فترحّل الفِرنج بعد أنْ قُرِّرت معهم الهدنة خمس سنين وثمانية أشهر [1] .
[الحجّ من الشام]
وحجّ بالنّاس من الشّام قراجا [2] .
[مُلْك خوارزم شاه بخارى]
وفيها ملك علاء الدّين خُوارزم شاه، واسمه تكش بن ايل رسلان بخارى، وكان لصاحب الخطَا، وجرى له معهم حروبٌ وخُطُوب، وانتصر عليهم، وقتل خلقا منهم، وساق وراءهم، ثمّ حاصرهم مدَّة، وافتتحها عَنْوة، وعفى عن الرعيَّة، وكان يقع في مدَّة الحصار بين الفريقين سبّ. وتقول الخُوارزميَّة: يا أجناد الكفّار أنتم تُعينون الخطَا علينا، أنتم مرتدَّة.
__________
[1] مفرّج الكروب 3/ 75، 76، ذيل الروضتين 13، الدرّ المطلوب 133، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 455، 456، المختصر في أخبار البشر 3/ 93، 94، دول الإسلام 2/ 104، تاريخ ابن الوردي 2/ 112، 113، البداية والنهاية 13/ 16، تاريخ ابن خلدون 5/ 333، السلوك ج 1 ق 1/ 141، شفاء القلوب 204، تاريخ ابن سباط 1/ 222، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 134، 135.
[2] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 456.(42/19)
وكان خُوارزم شاه أعور، فعمد أهل بخارى إلى كلب أعور، وألبسوه قباء، ورموه في المنجنيق عليهم، وقالوا: هذا سلطانكم تكش [1] .
[موت أمير القدس]
وفيها مات سُنْقُر الكبير أمير القدس. ووُلّي بعده صارم الدّين خطلوا الفَرُّخْشاهي [2] .
[ملك أرسلان شاه الموصل]
وفيها سار ملك الموصل نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود فنازل نَصِيبِّين، وأخذها من ابن عمّه قُطب الدّين، فسار إلى الملك العادل واستجار به، فسار معه بعسكره، وقصدا نَصِيِّبين، فتركها أرسلان شاه، وسار إلى بلده ودخلها، وعاد قُطْب الدّين فدخل نَصِيبِّين شاكرا للعادل. وأراد الرجوع في خدمته إلى دمشق فردّه.
[منازلة ماردين]
ونازل العادل ماردين، وحاصرها أشهرا، وملك ربضها، ثمّ رحل عنها [3] .
__________
[1] الكامل 12/ 135- 138، البداية والنهاية 13/ 16، 17.
[2] في مفرّج الكروب 3/ 76 «ختلج مملوك عزّ الدين فرخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب» ، تاريخ ابن الفرات ج 8 ق 2/ 138.
[3] الكامل 12/ 138، مفرّج الكروب 3/ 80، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 459.(42/20)
سنة خمس وتسعين وخمسمائة
[عصيان نائب الريّ]
في ربيع الأوّل قصد علاء الدّين خُوارزم شاه الريّ، وكان قد عصى عليه نائبة بها، فحاصره وظفر به، وهمَّ بقتله، ثمّ حبسه [1] .
[لبْس خوارزم شاه خلعة الخليفة]
وفيه نفّذ الخليفة إلى علاء الدّين خُوارزم شاه تشريفا وتقليدا بما في يده من الممالك، فقبّل الأرض ولبس الخِلْعة [2] .
[مقتل الوزير نظام الملك]
ثمّ سار وفتح قلعة من قلاع الإسماعيليّة على باب قزوين، وحصر أَلَمُوت، ثمّ عاد، فوثبت الباطنيّة على وزيره نظام الملك مسعود بن عليّ فقتلوه [3] .
[مقتل رئيس الشافعية]
وقتلت الإسماعيليّة في حصار الأَلَمُوت رئيس الشافعيَّة صدر الدّين محمد بن الوزّان [4] .
__________
[1] الكامل 12/ 152، 153، والمختار من تاريخ ابن الجزري 61، وتاريخ ابن خلدون ج 5 ق 1/ 205.
[2] الكامل 12/ 152، 153.
[3] الكامل 12/ 153.
[4] الكامل 12/ 153.(42/21)
[عمارة سور ثان ببغداد]
وفيها تُقُدّم بعمارة سورٍ ثان على بغداد، وجدّوا في بنائه إلى أن فرغ [1] .
[سلطنة محمد بن يعقوب المغرب والأندلس]
وفيها ولي سلطنة المغرب والأندلس محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بعد موت والده [2] .
[الإفراج عن سبط ابن الجوزي]
وفي وسط السّنة أُخرج أبو الفَرَج بن الجوزيّ من سجن واسط مُكرَّمًا، وتلقّاه الأعيان، وخُلِع عليه، وأُذِن له في الجلوس، فجلس وكان يوما مشهودا [3] .
[فتنة الفخر الرازيّ بخراسان]
وفيها كانت بخُراسان الفتنة الهائلة للفخر الرّازيّ صاحب التّصانيف.
أنبأني ابن البُزُوريّ قال: سببها أنّه فارق بهاء الدّين صاحب باميان [4] ، وقصد غياث الدّين الغُوريّ خال بهاء الدّين، فالتقاه وبجّله وأنزله، وبنى له مدرسة، وقصده الفقهاء من النّواحي، فعظُم ذلك على الكَرّاميَّة، وهم خَلْق بهَراة. وكان أشدّ النّاس عليه ابن عمّ غياث الدّين وزوج بنته، وهو الملك ضياء الدّين، فاتّفق حضور الفقهاء الكرّاميَّة [5] ، والحنفيّة، والشّافعيّة، وفيهم
__________
[1] المختار من تاريخ ابن الجزري 62، والبداية والنهاية 13/ 19.
[2] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 467.
[3] ذيل الروضتين 15، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 468، البداية والنهاية 13/ 20.
[4] باميان: بلدة وكورة في الجبال بين بلخ وهراة وغزنة. (معجم البلدان 1/ 330) .
[5] انظر عن (الكرّاميّة) في: الفرق بين الفرق للبغدادي 130- 138، والتبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين 99- 104.(42/22)
فخر الدّين الرّازيّ، والقاضي مجد الدّين بن عبد المجيد بن عمر بن القُدوة، وكان محتَرَمًا، إماما، زاهدا، فتكلّم الفَخْر، فاعترضه ابن القُدْوة، واتّسع الجدال والبحث وطال، فنهض السّلطان غياث الدّين، واستطال الفخر على ابن القُدْوة بحيث أنّه شتمه وبالغ في إهانته، وانقضى المجلس، فشكا الملك ضياء الدّين إلى ابن عمّه ما جرى من الفخر بعد انقضاء المجلس، وذمّ الفَخْر، ونسبه إلى الزَّنْدَقة والفلسفة، فلم يحتفل السّلطان بقوله، فلمّا كان من الغد جلس ابن عمّ المجد بن القُدْوة في الجامع للوعظ فقال: لا إله إلّا الله ربّنا آمنّا بما أنزلت واتَّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشّاهدين. أيّها النّاس إنّا لا نقول إلّا ما صحّ عندنا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمّا قول أرسطاطاليس، وكفْريّات ابن سينا، وفلسفة الفارابيّ، فلا نعلمها، فلأيّ شيءٍ يُشتم بالأمس شيخٌ من شيوخ الْإِسْلَام يذبّ عن دِين اللَّه؟ وبكى، فضجّ النّاس، وبكى الكرّاميَّة، واستغاثوا، وثار النّاس من كلّ جانب واسْتَعَرت الفتنة، وكادوا يقتتلون ويجري ما يهلك به خلق كثير، فبلغ ذلك السّلطانَ، فأرسل الأجناد وسكّنهم، ووعدهم بإخراج الفخر، وأحضره وأمره بالخروج [1] .
[الفتنة بدمشق]
وفيها كَانَتْ بدمشق فتنة الحافظ عَبْد الغنيّ بينه وبين الأشعريَّة، وهمّوا بقتله. ثمّ أُخرج من دمشق.
وتفصيل ذلك فِي ترجمته إن شاء اللَّه تعالى.
[موت الملك الْعَزِيز]
وَفِي أوّلها مات الملك الْعَزِيز [2] .
__________
[1] المختار من تاريخ ابن الجزري 62- 64، اللمعات البرقية في النكات التاريخية لابن طولون 22، 23.
[2] انظر عن (الملك العزيز) في: التاريخ الباهر 194، والكامل في التاريخ 12/ 140، والتاريخ المنصوري 7، وذيل الروضتين 16 (في وفيات سنة 596 هـ.) ، وتاريخ الزمان(42/23)
[النزاع بين الأمراء الأيوبيّين]
وكان سيف الدّين أركش [1] ، الأَسَديّ بالصّعيد، فقدِم القاهرة فوجد الملك المنصور سلطانا، وقد استولى فخر الدّين شركس [2] على الأمور، فحلّف أركش الأمراء على أن يُسلطِنوا الأفضل، وأرسلوا النُّجُب بالكُتُب إليه.
وانعزل عَنْهُمْ شركس، وزين الدّين قُرَاجا، وقُراسُنْقُر، ثمّ لمّا قَرْب من مصر هربوا إِلَى القدس. فسار الأفضل من صَرْخد ودخل مصر، فأخذ ابن الْعَزِيز وصار أتابكه، وسار بالجيوش فحاصر دمشق وبها العادل قد ساق على البريد من ماردين، وترك عليها الجيش مع ولده الكامل، ودخل دمشق قبل أن يصل الأفضل بيومين. وأحرق جميع ما كان خارج باب الجابية من الفنادق والحوانيت، وأحرق النَّيْرب وأَبواب الطّواحين، وقُطعت الأنهار، واشتدّ الأمر، وأُحرقت بيادر غلَّة حَرَسْتَا.
ودخل الأفضل من باب السّلامة، وضجّت العَوامّ بشعاره، وكان محبوبا إِلَى النّاس، وبلغ الخبر العادلَ، فكاد يستسلم فتماسك، ووصل الّذين دخلوا
__________
[ () ] 231، وتاريخ مختصر الدول 225، ومفرّج الكروب 3/ 82، 83، وزبدة الحلب 3/ 142، ومرآة الزمان ج 8 2/ 460، والجامع المختصر لابن الساعي 9/ 6، 7، ووفيات الأعيان 3/ 251- 253، رقم 414، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 2/ 773، 774، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 320 رقم 467، والمختصر في أخبار البشر 3/ 95، والدرّ المطلوب 136، والعبر 4/ 286، ودول الإسلام 2/ 104، وسير أعلام النبلاء 21/ 291- 294 رقم 152، والعسجد المسبوك 247، 248، وتاريخ ابن الوردي 2/ 113، والبداية والنهاية 13/ 18، ومرآة الجنان 3/ 479، وتاريخ ابن خلدون 5/ 335، ومآثر الإنافة 2/ 61، والسلوك ج 1 ق 1/ 143، 144، والمواعظ والاعتبار 1/ 248، وشفاء القلوب 205، وتاريخ ابن سباط 1/ 222، 223، وشذرات الذهب 4/ 319، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 252، وأخبار الدول 195، والجوهر الثمين 2/ 20- 22، والمغرب 195، ومورد اللطافة (مخطوط) ورقة 90 ب، ومستفاد الرحلة والاغتراب للسبتي 145، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 143- 148.
[1] في مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 461 «يازكش» .
[2] في مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 461 «سركش» .(42/24)
إِلَى باب البريد، وكانوا قليلين، فوثب عليهم أصحاب العادل وأخرجوهم. ثمّ قدِم صاحب حلب، وصاحب حمص، وهمّوا بالزَّحْف. ثُمَّ قويَ العادل بمجيء الأمراء الّذين كانوا بالقدس، وضعُف الأفضل. ثمّ وقعت كَبْسة على عسكره المصريّين. وبقي الحصار إِلَى سنة ستٍّ وتسعين [1] .
[ظهور الدّعيّ بدمشق]
وفيها ظهر بدمشق الدّاعي العجميّ المدّعي أنّه عِيسَى بْن مريم، وأفسد طائفة، وأضلّهم، فأفتى العلماء بقتله، فصلبه الصّارم برغش العادليّ [2] .
[قيام العامَّة على الرافضة بدمشق]
وفيها قامت العامَّة على الرّافضة، وأخرجوهم إِلَى باب الصّغير من دمشق، ونبشوا وثّابا المرحّل من قبره، وعلّقوا رأسه مع كلبين ميّتين [3] .
[ولاية ابن الشهرزوريّ القضاء]
وفيها وُلّي قضاء القضاة بالعراق ضياء الدّين أبو القاسم بن الشّهرزوريّ [4] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 12/ 143- 145، زبدة الحلب 3/ 143، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 461- 463، مفرّج الكروب 3/ 93- 101، التاريخ المنصوري 9، 10، تاريخ الزمان 231، المختصر في أخبار البشر 3/ 95- 96، الدرّ المطلوب 138، 139، دول الإسلام 2/ 104، 105، تاريخ ابن الوردي 2/ 113، 114، البداية والنهاية 13/ 18، 19، العسجد المسبوك 248، 249، تاريخ ابن خلدون 5/ 335، 336، السلوك ج 1 ق 1/ 149، النجوم الزاهرة 6/ 147- 149، شفاء القلوب 205- 207، تاريخ ابن سباط 1/ 224، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 149- 157.
[2] ذيل الروضتين 16 (حوادث سنة 596 هـ.) .
[3] ذيل الروضتين 16 (حوادث سنة 596 هـ.) .
[4] خلاصة الذهب المسبوك للإربلي 283، 284 وفيه: «أبو الفضائل القاسم» ، مختصر التاريخ لابن الكازروني 251، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 460، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 165، البداية والنهاية 143/ 20.(42/25)
سنة ست وتسعين وخمسمائة
[وفاة السلطان خوارزم شاه]
فيها مات السّلطان علاء الدّين خوارزم شاه تكش، وقام بعده ابنه مُحَمَّد [1] .
[حصار دمشق]
وفيها كان الملك الأفضل والملك الظّاهر على حصار دمشق، والعساكر جاثمة بمنزلتهم، قد حفروا عليها خندقا من أرض اللّوان إِلَى يلدا احترازا من مهاجمة الدّمشقيّين لهم. وعظُم الغلاء بدمشق، وزاد البلاء، وكادت أن تُعدم الأقوات بالكُلّيَّة، ونفذت أموال الملك العادل على الأمراء والْجُنْد، وأكثر الاستدانة من التّجّار والأكابر.
وكان يدبّر الأمور بعقلٍ ومكر ودهاء، حتّى تماسك أمره. ثمّ فارقه جماعة أمراء، فكتب إِلَى ابنه الكامل: أنْ أسرعْ إليَّ بالعساكر، وخذ من قلعة جعبر ما تنفقه في العساكر. فسار الكامل ودخل جعبر، وأخذ منها أربعمائة ألف دينار، وسار إِلَى دمشق، وتَوَانى الأخَوَان عن معارضته، فدخل البلد
__________
[1] انظر عن (خوارزم شاه) في: الكامل في التاريخ 12/ 156- 158، وتاريخ مختصر الدول 225، وتاريخ الزمان 232، وذيل الروضتين 17، ونهاية الأرب 27/ 205، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 471، والمختصر في أخبار البشر 3/ 98، 99، وإنسان العيون (مخطوط) ورقة 103، والجامع المختصر لابن الساعي 9/ 24، 25، والعسجد المسبوك 255، 256، ودول الإسلام 2/ 105، والمختار من تاريخ ابن الجزري 73، وتاريخ ابن الوردي 2/ 116، ومرآة الجنان 3/ 484، والبداية والنهاية 12/ 22، 23، والعبر 4/ 292، والنجوم الزاهرة 6/ 155، وتاريخ ابن سباط 1/ 230، 231، وأخبار الدول 276.(42/26)
وقوي به أَبُوهُ، وضعُف أمر الظّاهر والأفضل، ووقع بينهما على مملوك للظّاهر كان مليحا أخذه الأفضل وأخفاه.
ثمّ رحل الأفضل والظّاهر إلى رأس الماء وافترقا. وهجم الشّناء، وردّ الأفضل إِلَى مصر، والظّاهر إِلَى حلب. فخرج العادل يتبع الأفضل، فأدركه عند الغرابيّ من رمْل مصر، ودخل العادل القاهرة، فرجع الأفضل إِلَى صَرْخَد منحوسا [1] .
[إكرام ابن أخي خوارزم شاه]
وكان فِي أوّل السّنة قد وَصَلَ ابن أخي السّلطان خُوارزم شاه مستغفرا عن عمّه ممّا أقدم عليه من مواجهة الدّيوان بطلب الخطبة، فأُكرم مورده.
[رفع الحصار عن دمشق]
قال القاضي جمال الدّين بْن واصل [2] : ثمّ سار الأفضل والظّاهر إِلَى رأس الماء، وعزما على المُقام به إِلَى أن ينسلخ الشّتاء، فتواترت الأمطار، وغلت الأسعار، فاتّفقا على الرحيل وتأخير الحصار إِلَى الرَّبِيع.
[الحرب بين الأفضل والعادل]
ودخل الأفضل مصر، وتفرّق عسكره لرعي دوابّهم، بعد أن خامَرَ منهم طائفة كبيرة إلى العادل. ورحل العادل فدخل الرمل، فرام الأفضل جَمْعَ العساكر، فتعذّر عليه، فخرج فِي عسكرٍ قليل، ونزل السّائح، وعمل المصافّ
__________
[1] الكامل في التاريخ 12/ 155، 156، ذيل الروضتين 16، مفرّج الكروب 3/ 108، 109، زبدة الحلب 3/ 146، 147، التاريخ المنصوري 11، تاريخ الزمان 232، المختصر في أخبار البشر 3/ 97، 98، الدرّ المطلوب 140، 141، تاريخ مختصر الدول 225، العسجد المسبوك 254، دول الإسلام 2/ 105، تاريخ ابن الوردي 2/ 115، مرآة الجنان 3/ 484، البداية والنهاية 13/ 21، 22، تاريخ ابن خلدون 5/ 337، السلوك ج 1 ق 1/ 150، 151، النجوم الزاهرة 6/ 149- 151، شفاء القلوب 207- 210، تاريخ ابن سباط 1/ 227، 228.
[2] في مفرّج الكروب 3/ 107.(42/27)
مع عمّه، فانكسر وولّى، والمصريّون منهزمين، وكان بعضهم مخامرين وتخاذلوا عَنْهُ. فاضطرّ إِلَى أن ترك مصر، وتعوَّض بمَيَّافارقين، وحاني [1] ، وسُمَيْساط. ودخل العادل القاهرة فِي الحادي والعشرين من ربيع الآخر.
واجتمع به الأفضل، ثمّ سافر إِلَى صَرْخَد [2] .
[ملك العادل الديار المصرية]
ثُمَّ طلب العادل ابنه الكامل، وملك الدّيار المصريَّة، وجعل ابنه الكامل نائبا عَنْهُ، فناب عَنْهُ قريبا من عشرين سنة، ثمّ استقلّ بالملك بعده عشرين سنة وأشهُرًا [3] .
وأنبأنا ابن البُزُوريّ قال: فِي ربيع الآخر التقى عسكر العادل وعسكر الأفضل، فانهزم عسكر الأفضل وهو إِلَى القاهرة، فساق العادل ونزل محاصِرًا القاهرة، فأرسل الأفضل إِلَى عمّه يقنع منه ببعض بلاده، فقال للعادل: أريد دمشق، فلم يُجِبْه. ثُمَّ آل الأمر إِلَى أن رَضِيَ بميّافارقين وخرج من مصر، ودخلها العادل فعمل أتابكيّة الملك المنصور عليّ بْن الْعَزِيز، ثُمَّ لم يبرح يتلطّف ويتألّف الأمراء إِلَى أن ملك الدّيار الْمِصْرِيَّة، وخطب لنفسه وقال: هَذَا صبيّ يحتاج إِلَى المكتب. ثمّ قطع خطبة الصّبيّ [4] .
__________
[1] حاني: مدينة معروفة بديار بكر، فيها معدن الحديد (معجم البلدان 2/ 188) .
[2] الكامل في التاريخ 12/ 155، 156، مفرّج الكروب 3/ 108، 109، زبدة الحلب 3/ 146، 147، التاريخ المنصوري 11، تاريخ الزمان 232، تاريخ مختصر الدول 225، الدرّ المطلوب 140، 141، العسجد المسبوك 254، دول الإسلام 2/ 205، مرآة الجنان 3/ 484، البداية والنهاية 13/ 21، 22، تاريخ ابن خلدون 5/ 337، المختصر 3/ 97، 97، تاريخ ابن الوردي 2/ 115، السلوك ج 1 ق 1/ 150، 151، النجوم الزاهرة 6/ 149- 151، شفاء القلوب 207- 210، تاريخ ابن سباط 1/ 227، 228، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 172- 174.
[3] الكامل في التاريخ 12/ 155، مفرّج الكروب 3/ 114، المختصر 3/ 98، التاريخ المنصوري 13، تاريخ ابن سباط 1/ 229.
[4] تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 176، 177.(42/28)
[وصول رسول الملثّمين إِلَى بغداد]
وفيها قدِم بغدادَ من المغرب رسول الملثّمة من مخدومه إسحاق بن يحيى بن إسحاق بن غانية الملثَّم المايرقيّ الخارج على بني عَبْد المؤمن، فتلقّى بالموكب الشّريف، وأخبر أنّ مرسلة أقام الدّعوة للخليفة ببلاده بلاد المغرب [1] .
أنبأني ابن البُزُوريّ قال: أُخبِرت أنّ الرَّسُول المذكور كان ملثّما لا يظهر منه سوى عينيه. وأقام ببغداد أيّاما، وأُعطي لواء أسود وخِلَعًا، وأُعيد إِلَى مرسلة.
[الحجّ العراقي]
وحجّ من العراق بالنّاس سُنْقُر النّاصريّ، ويُعرف بوجه السَّبُع.
[حضور الملك الكامل إِلَى مصر]
ولمّا تمكّن السّلطان الملك العادل سيف الدّين أبو بَكْر من مملكة مصر سيَّر الأميرين عَلَم الدّين كرجيّ الأَسَديّ، وأسد الدّين سراسُنْقُر ليُحضِرا ولده الملك الكامل، فدخل الكامل إِلَى القاهرة فِي أواخر رمضان من السنَّة [2] .
وخرج العادل بأمراء الدّولة المصريَّة بأن يبرزوا معه ليسيروا إِلَى خلاط، وحثّهم على ذلك.
[سلطنة الكامل على مصر]
فلمّا كان سابع عشر شوّال ركب بالسّناجق والسّيوف المجذَّبة فِي الدَّسْت، فلم يجسر أحدٌ من الأمراء أن ينطق. وأمر الخطباء فخطبوا باسمه كما ذكرنا. ثُمَّ لم يلبث إلّا أيّاما يسيرة حَتَّى سلطن ولده الملك الكامل على الدّيار المصريّة [3] .
__________
[1] المختار من تاريخ ابن الجزري 73، البداية والنهاية 13/ 23، العسجد المسبوك 2/ 254.
[2] تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 178، 179.
[3] انظر: مفرّج الكروب 3/ 112، 113، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 471.(42/29)
وقدِم عليه أخوه لأمّه صاحب المدرسة الفَلَكيَّة بدمشق فلك الدّين سُلَيْمَان بْن سروة بْن جَلْدَك.
[نقص النيل واشتداد البلاء بمصر]
وفيها كان نقص النّيل، والغلاء والوباء المُفْرِط، وخربت ديار مصر، وجَلا أهلها عَنْهَا، واشتدّ البلاء فِي سنة سبْعٍ، وأكلوا الْجِيَف، ثُمَّ أكلوا الآدميّين. ومات بديار مصر أممٌ لا يُحصيهم إلّا اللَّه. وكسر النّيل من ثلاثة عشر ذراعا إلّا ثلاثة أصابع. وقيل لم يكمل أربعة عشر ذراعا [1] .
__________
[1] ذيل الروضتين 19، مفرّج الكروب 3/ 115، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 471، المختصر 3/ 98، الدرّ المطلوب 140، دول الإسلام 2/ 105، تاريخ ابن الوردي 2/ 118، العسجد المسبوك 256، مرآة الجنان 3/ 484، النجوم الزاهرة 6/ 159، تاريخ ابن سباط 1/ 230، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 254، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 182.(42/30)
سنة سبع وتسعين وخمسمائة
[أخبار الغلاء الفاحش فِي مصر وأكل الناس بعضهم بعضا]
قال الموفّق عَبْد اللّطيف [1] : دخلت سنة سبْعٍ مفترسة لأسباب الحياة، ويئسوا من زيادة النّيل، وارتفعت الأسعار، وأقحطت البلاد، وضَوَى أَهْل السّواد والريف إِلَى أمّهات البلاد، وجلى كثير إِلَى البلاد النّائية، ومُزِّقوا كلَّ ممزَّق. ودخل منهم خلْقٌ إِلَى القاهرة، واشتدّ بهم الجوع، ووقع فيهم الموت عند نزول الشّمس الحمل. ووبيء الهواء، وأكلوا الميتات والبَعر. ثمّ تعدّوا إِلَى أكْل الصِّغار، وكثيرا ما يُعثر عليهم ومعهم صِغار مشويّون أو مطبوخون، فيأمر السّلطان بإحراق الفاعل.
رأيتُ صغيرا مشْوِيًّا مع رجلٍ وامرأة أُحضرا فقالا: نَحْنُ أبواه. فأمر بإحراقهما.
ووُجِد بمصر رَجُل قد جُرّدت عظامُه وبقي قَفَصًا. وفشا أكْلُ بني آدم واشتهر. ووُجِد كثيرا.
وحكى لي عدَّة نساء أنّه يُتوثَّب عليهنّ لاقتناص أولادهنّ ويُحامين عليهنّ بجَهْدهنّ. ولقد أُحرِق من النّساء بمصر فِي أيّامٍ يسيرة ثلاثون امْرَأَة، كلٌّ منهنّ تُقِرّ أنّها أكلت جماعة.
ورأيت امْرَأَةً أُحضِرت إِلَى الوالي وَفِي عنقها طفْلٌ مَشْوِيّ، فضُرِبت أكثر من مائتي سَوط، على أن تقرّ، فلا تخبر جوابا، بل تجدها قد انخلعت عن الطِّباع البشريَّة، ثمّ سُجِنت فماتت.
__________
[1] في كتاب: الإفادة والإعتبار 223 وما بعدها.(42/31)
وحكى لنا رجل أنّه كان له صديق، فدعاه ليأكل، فوجد عنده فقراء قدّامهم طبيخ كثير اللّحم، وليس معه خبز، فرابه ذلك، وطلب المِرْحاض، فصادف عنده خزانة مشحونة برُمم الآدميّين وباللّحْم الطَّرِيّ، فارتاع وخرج هاربا.
وقد جرى لثلاثةٍ من الأطبّاء ممّن ينتابني، أمّا أحدهم فإنّ أَبَاهُ خرج فلم يرجع. والآخر فأعطته امْرَأَة درهمين ومضى معها، فلمّا توغّلت به مضايق الطُّرق استراب وامتنع، وشنّع عليها، فتركت دراهمها وانسلّت. وأمّا الثّالث فإنّ رجلا استصحبه إِلَى مريضةٍ إِلَى الشّارع، وجعل فِي أثناء الطّريق يتصدَّق بالكِسَر ويقول: هَذَا وقت اغتنام الأجر. ثمّ أكثر حَتَّى ارتاب منه الطّبيب، ودخل معه دارا خَرِبة، فتوقّف فِي الدَّرَج، وفتح الرجل فخرج إليه رفيقه يقول: هَلْ حصل صيد ينفع؟ فجزع الطّبيب، وألقى نفسه إِلَى إصطبل، فقام إليه صاحب الإصطبل يسأله، فأخفى قصّته خوفا منه أيضا فقال: قد علمت حالك، فإنّ أَهْل هَذَا المنزل يذبحون النّاس بِالْحيَل.
ووجدنا طفيحا [1] عند عطّار عدَّة خوابي مملوءة بلحم الآدميّين فِي الملح، فسألوه فقال: خفت دوام الْجَدْب فيهزل النّاس.
وكان جماعة قد أَوَوْا إِلَى الجزيرة، فعُثِر عليهم، وطلبوا ليقتلوا فهربوا، فأخبرني الثّقة أنّ الّذي وجد في بيوتهم أربعمائة جمجمة.
ثمّ ساق غير حكاية، وقال: وجميع ما شاهدناه لم نتقصّده ولا تتبّعنا مظانّه، وإنّما هُوَ شيء صادفناه اتّفاقا.
وحكى لي من أثق به أنّه اجتاز على امرأةٍ وبين يديها ميّت قد انتفخ وانفجر، وهي تأكل من أفخاذه، فأنُكِر عليها، فزعمت أنّه زوجها.
ثُمَّ قال: وأشباه هذا كثير جدّا.
__________
[1] في الأصل: «صفيح» .(42/32)
وممّا شاع أيضا نبْش القبور، وأكل الموتى، فأخبرني تاجر مأمون حين ورد من الإسكندريّة بكثرة ما عاين لها من ذلك، يعني من أكل بْني آدم، وأنّه عاينَ خمس أرؤس صغار مطبوخة فِي قدْر. وهذا المقدار كافٍ، واعتقد أنّي قد قصّرت.
وأمّا موت الفقراء جوعا فشيءٌ لا يعلمه إلّا اللَّه تعالى، فالّذي شاهدنا بالقاهرة ومصر وهو أنّ الماشي لا يزال يقع قدمه أو بصره على ميّت، أو مَن هُوَ فِي السّياق، وكان يُرفع من القاهرة كلّ يوم من المَيْضَأة ما بين مائة إلى خمسمائة.
وأمّا مصر فليس لموتاها عدد، يُرْمَون ولا يُوارَون، ثمّ عجزوا عن رميهم، فبقوا فِي الأسواق والدّكاكين.
وأمّا الضّواحي والقرى، فهلك أهلها قاطبة إلّا من شاء اللَّه. والمسافر يمرّ بالقرية فلا يرى فيها نافخ نار، وتجد البيوت مفتَّحَة وأهلها موتى. حدَّثني بِذَلِك غير واحد.
وقال لي بعضهم إنّه مرّ ببلدٍ ذكرنا أنّ فيها أربعمائة نَوْل للحياكة، فوجدناها خرابا، وأنّ الحائك فِي جورة حياكته ميّت، وأهله موتى حوله، فحضرني قوله تعالى: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ 36: 29 [1] قال: ثمّ انتقلنا إِلَى بلدٍ آخر، فوجدناه ليس به أنيس، واحتجنا إِلَى الإقامة به لأجل الزّراعة، فاستأجرنا من ينقل الموتى ممّا حولنا إِلَى النَّيل، كلّ عشرة بدرهم. وخُبِّرت عن صيادٍ بفُوهة تِنِّيس أَنَّهُ مرّ به في بعض يوم اربعمائة آدميّ يقذف بهم النّيل إِلَى البحر. وأمّا أَنَا فمررت على النّيل، فمرّ بي فِي ساعة نحو عشرة موتى.
وأمّا طريق الشّام فصارت منزرعة ببني آدم، وعادت مأدبة بلحومهم للطّير والسِّباع. وكثيرا ما كَانَت المرأة تتخلّص من صبيتها في الزّحام،
__________
[1] سورة يس، الآية 29.(42/33)
فينتظرون حتّى يموتوا، وأمّا بيع الأحرار فشاع وذاع، وعرض عليّ جاريتان مراهقتان بدينار واحد. وسألتني امْرَأَة أن أشتري ابنتها وقالت: جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم. فعرّفتها أنّ هذا حرام فقالت: خذها هديَّة. وقد أُبيع خلْقٌ، وجُلِبوا إِلَى العراق، وخُراسان. هَذَا، وهم عاكفون على شهواتهم، منغمسون فِي بحر ضلالاتهم، كأنَّهم مُسْتَثْنَوْن. وكانوا يزْنون بالنّساء حتّى إنّ منهم مَن يقول إنّه قنص خمسين بِكْرًا، ومنهم من يقول سبعين. كلّ ذلك بالكسْر.
وأمّا مصر فخلا مُعْظمها، وأمّا بيوت الخليج وزقاق البركة والمقْس وما تاخم ذلك، فلم يبق فيها بيتٌ مسكون، ولم يبق وقود النّاس عِوْض الأحطاب إِلَى الخشب من السّقوف والبيوت الخالية. وقد استغنى طائفة كبيرة من النّاس فِي هَذِهِ النَّوبة.
وأمّا النّيل فإنّه اخترق فِي برهوده اختراقا كبيرا، وصار المقياس فِي أرض جرز، وانحسر الماء عَنْهُ نحو الجزيرة، وظهر فِي وسطه جزيرة عظيمة ومقطَّعات أبنية، وتغيّر رِيحه وطعمه، ثمّ تزايد التّغيُّر، ثُمَّ انكشف أمره عن خُضْرة طحلبيَّة، كلما تطاولت الأيّام ظهرت وكثُرت كالّتي ظهرت فِي البيت من السّنة الخالية.
ولم تزل الخضرة تتزايد إِلَى أواخر شعبان، ثمّ ذهبت، وبقي فِي الماء أجزاء نباتيّة منبتة، وطاب طعمه وريحه، ثمّ أَخَذَ يُنْمَى ويقوى جرْيه إِلَى نصف رمضان، فقاس ابن أبي الردار قاع البركة فكان ذراعين، وزاد زيادة ضعيفة إِلَى ثامن ذي الحجَّة، ثمّ وقف ثلاثة أيّام، فأيقن النّاس بالبلاء، واستسلموا للهلاك، ثُمَّ إنّه أَخَذَ فِي زيادات قويَّة، فبلغ فِي ثالث ذي الحجَّة خمسة عشر ذراعا، وستة عشر إصبعا، ثُمَّ انحطَّ من يومه، ومسّ بعض البلاد تحلة القسم، وأَرْوَى الغربيَّة ونحوها، غير أنّ القرى خالية كما قال تعالى:
فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ 46: 25 [1] . وزرع الأمراء بعض البلاد. ونهاية سعر الإرْدبّ خمسة دنانير. وأمّا بقُوص، والإسكندريَّة فبلغ ستَّة دنانير.
__________
[1] سورة الأحقاف، الآية 25.(42/34)
ودخلت سنة ثمانٍ وتسعين والأحوال على حالها أو فِي تَزَيُّد إِلَى زُهاء نصف السّنة. وتناقص موت الفقراء لقلّتهم، لا لارتفاع السّبب الموجب، وتناقص أكْل الآدميّين ثُمَّ عُدِم، وقَلَّ خطْفُ الأطعمة من الأسواق لفناء الصّعاليك، ثُمَّ انحطّ الإردبّ إِلَى ثلاثة دنانير لقلَّة النّاس، وخفّت القاهرة.
وحُكي لي أنّه كان بمصر سبعمائة مَنْسَج للحُصْر، فلم يبْق إلّا خمسة عشر منسجا، فقِسْ على هَذَا أمر باقي الصُّنّاع من سائر الأصناف.
وأمّا الدّجاج فعُدِم رأسا، لولا أنّه جُلِب من الشّام. وحُكي لي أنّ رجلا جلب من الشّام دجاجا بستّين دينارا، باعها بنحو ثمانمائة دينار، فلمّا وجد البيض بيع بيضة بدرهم، ثمّ كثُر.
وأمّا الفراريج فاشتُرِيّ الفَرُّوج بمائة درهم، ثمّ أبيع بدينارٍ مُدَيدة.
وقال فِي أمر الخراب: فأمّا الهلاليّة، ومُعظم الخليج، وحارة السّاسة، والمقْس، وما تاخم ذلك، فلم يبق فيها أنيس، وإنّما ترى مساكنهم خاوية على عروشها.
قال: والّذي تحت قلم ديوان الحشريّة فِي الموتى وضمّته المَيْضأة فِي مدَّة اثنتين وعشرين شهرا مائة ألف وأحد عشر ألفا إلّا شيئا يسيرا.
قلت: هَذَا فِي القاهرة.
قال: وهذا مع كثرته نَزْرٌ فِي جَنْب ما هلك بمصر والحواضر، وكلّه نَزْرٌ في جنب ما هلك بالإقليم.
وسمعنا من الثِّقات عن الإسكندريّة أنّ الْإِمَام صلّى يوم الجمعة على سبعمائة جنازة، وأنّ ترِكةً انتقلت فِي مدَّة شهر إِلَى أربعة عشر وارثا. وأنّ طائفة يزيدون على عشرين ألفا انتقلوا إِلَى بَرْقة وأعمالها، فعمروها وقطنوا بها، وكانت مملكة عظيمة خربت فِي زمان خلفاء مصر على يد الوزير اليازوريّ، ونزح عَنْهَا أهلها.
ومن عجيبٍ لشيخٍ من أطبّاء اليهود ممّن ينتابني أنّه استدعاه رجل ذو(42/35)
شارة وشُهرة، فلمّا صار فِي المنزل أغلق الباب ووثب عليه فجعل فِي عنقه وَهَقًا، ومرت المريض خصيتيه، ولم يكن لهما معرفة بالقتل، فطالت المناوشة، وعلا ضجيجه، فتسامع النّاس، ودخلوا فخلّصوا الشَّيْخ. وبه رَمق، وقد وجبت خِصَاه، وكُسِرَت ثَنِيَّتاه، وحُمِل إِلَى منزله، وأُحضِر ذاك إِلَى الوالي فقال: ما حملك على هذا؟ قال: الجوع. فضربه ونفاه [1] .
خَبَرُ الزَّلْزَلَة
فِي سَحَر يوم الإثنين السّادس والعشرين من شعبان ارتاع النّاس، وهبّوا من مضاجعهم مدهوشين، وضجّوا إِلَى اللَّه تعالى، ولبثت مدَّة. وكانت حركتها كالغَرْبلة، أو كخفْق جناح الطّائر. وانقضت على ثلاث زحفات قويّة، مادت الأبنية، واصطفقت الأبواب، وتداعى من الأبنية الواهي والعالي. ثُمَّ تواترت الأخبار بحدوثها فِي هَذِهِ السّاعة فِي البلاد النّائية، فصحّ عندي أنّها تحرَّكت من قُوص إِلَى دِمياط والإسكندريّة، ثُمَّ بلاد السّاحل بأسرها، والشّام طولا وعرضا، وتعفّت بلادٌ كثيرة، وهلك من النّاس خلْق عظيم وأُمم لا تُحصى، ولا أعرف فِي الشّام أحسن سلامة منها من القدس. وأنكت فِي بلاد الفرنج أكثر. وسمعت أنّها وصلت إِلَى خلاط وإلى فارس. وأنّ البحر ارتطم وتشوّهت مناظرة، وصار قَرْنًا كالأطواد، وعادت المراكب على الأرض. ثُمَّ تراجعت المياه، وطفا سمكٌ كثير على سواحله.
ووردت كتب من الشّام بأمر الزّلزلة، واتّصل بي [2] كتابان أوردتُهما
__________
[1] وانظر (خبر الغلاء بمصر) في: الكامل في التاريخ 12/ 170، وذيل الروضتين 19، وتاريخ الزمان 234، ومفرّج الكروب 3/ 127، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 477، 478، والتاريخ المنصوري 14، والمختصر 3/ 101، والدرّ المطلوب 149، والجامع المختصر 9/ 47، والعسجد المسبوك 265، ودول الإسلام 2/ 106، وتاريخ ابن الوردي 2/ 118، والبداية والنهاية 13/ 22، و 26، وتاريخ ابن الفرات 4 ق 2/ 207- 209، والمختار من تاريخ ابن الجزري 74، 75، والسلوك ج 1 ق 1/ 157، 158، والنجوم الزاهرة 6/ 173، وتاريخ ابن سباط 1/ 234، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 254.
[2] الضمير هنا يعود إلى الموفّق عبد اللطيف البغدادي، وهو يروي هذا الخبر في كتابه: الإفادة(42/36)
بلفظهما، يقول فِي أحدهما: زلزلةٌ كادت لها الأرض تسير سيرا، والجبال تَمُور مَوْرًا، وما ظنّ أحدٌ من الخلق إلّا أنّها زلزلة السّاعة، وأتت فِي الوقت على دفعتين، فأمّا الدّفعة الأولى فاستمرّت مقدار ساعةٍ أو تزيد عليها، وأمّا الثّانية فكانت دونها، ولكنْ أشدّ منها. وتأثّر منها بعض القلاع، فأوّلها قلعة حماه.
وَفِي الكتاب الآخر إنّها دامت بمقدار ما قرأ سورة «الكهف» ، وأنّ بانياس سقط بعضها، وصَفَد لم يَسْلَمْ بها إلّا ولد صاحبها لا غير، ونابلس لم يبق بها جدارٌ قائمٌ سوى حارة السّمرة، وكذلك أكثر حَوْران، غارت ولم يُعرف لدارٍ بها موضعٌ يُقَالُ فِيهِ هَذِهِ القرية الفلانية.
قلت: هَذَا كذِب وفُجُور من كاتب هَذِهِ المكاتبة أَمَا استحى من اللَّه تعالى! ثُمَّ قال فِيهِ: ويقال إنّ عِرْقة خُسِف بها، وكذلك صافيتا.
قال الموفّق [1] : وأخبرونا أنّ بالمقْس تلّا عظيما عليه رِمَمٌ كثيرة فأتيناه ورأيناه وحدسناه بعشرة آلاف فصاعدا، وهم على طبقاتٍ فِي قُرْب العهد وبعده، فرأينا من شكل العظام ومفاصلها وكيفيَّة اتّصالها وتناسُبها وأوضاعها ما أفادنا عِلمًا لا نستفيده من الكُتُب. ثُمَّ إنّنا دخلنا مصر، فرأينا فيها دروبا وأسواقا عظيمة كَانَتْ [2] مغتصَّة بالزّحام، والجميع خالٍ ليس فِيهِ إلّا عابر سبيل.
وخرجنا إِلَى سِكرِجَة فِرْعَون، فرأينا الأقطار كلّها مغتصَّة بالْجُثَث والرِّمَم، وقد غلبت على الآكام بحيث جلّلتها. ورأينا في هذه الأسكرجة، وهي عظيمة، الجماجم بيضاء وسوداء ودَكناء. وقد أخفى كثرتها وتراكمها
__________
[ () ] والاعتبار، ونشر باسم «مختصر أخبار مصر» وقد نشره غاستون فييت، لندن، سنة 1800 م، وكتب المؤلّف كتابه في سنة 600 هـ.
[1] هو عبد اللطيف البغدادي في كتابه: الإفادة والاعتبار.
[2] في الأصل: «كان» .(42/37)
سائرٌ العظام، حَتَّى كأنّها رءوس لم يكن معها أبدان، أو كَأنها بيدر بِطِّيخ.
قال أبو شامة [1] : وجاءت فِي شعبان سنة سبْعٍ زلزلة هائلة عمّت الدّنيا فِي ساعةٍ واحدةٍ، هدمت بنيان مصر، فمات تحت الهدْم خلْقٌ كثير، ثمّ امتدّت إِلَى الشّام، فهدمت مدينة نابلس، فلم يبق فيها جدار قائم إلّا حارة السّامرة. ومات تحت الهدم ثلاثون ألفا. وهُدِمت عكّا وصور، وجميع قلاع السّاحل.
قلت: هَذَا نقله الْإِمَام أبو شامة من «مرآة الزّمان» [2] ومصنّفه شمس الدّين يوسف رحمه اللَّه كثير الحشْف والمجازفة، وإلّا مَن عنده ورع لم يُطْلق هَذِهِ العبارات على جميع الممالك. وقوله: فلم يبق منهما جدار قائم، مجازفة أيضا. وقوله: هُدِمت جميع قلاع السّاحل، فِيهِ بعض ما فِيهِ كما ترى، فلا تعتمد على تهويله.
قال أبو شامة [3] : ورّمَت بعضَ المنارة الشّرقيَّة بجامع دمشق، وأكثر الكلّاسة، والمارستان النُّوريّ، وعامَّة دُور دمشق إلّا القليل. وهرب النّاس إِلَى الميادين، وسقط من الجامع ستّ عشرة شُرْفة، وتشقَّقت قبَّة النَّسْر، وتهدّمت بانياس، وهونين، وتِبْنين. وخرج قومٌ من بَعْلَبَكّ يجمعون الرّيباس من جبل لُبنان، فالتقى عليهم الجبلان فماتوا، وتهدّمت قلعة بَعْلَبَكّ مع عِظَم حجارتها، وانفرق البحر، فصار أطوادا. وقذف بالمراكب إِلَى السّاحل فتكسّرت.
وأحصي من هلك فِي هَذِهِ السّنة فكان ألف ألف ومائة ألف إنسان.
ثمّ قال: نقلت ذلك من «تاريخ» أَبِي المظفّر سِبْط ابن الجوزيّ [4] .
__________
[1] في ذيل الروضتين 20.
[2] ج 8 ق 2/ 477.
[3] في ذيل الروضتين 20.
[4] انظر (خبر الزلزلة) في: الإفادة والاعتبار للبغدادي 270، وذيل الروضتين 20، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 477، والكامل في التاريخ 12/ 170، 171، والتاريخ المنصوري (طبعة(42/38)
[منازلة الأفضل والظاهر دمشق]
وقال ابن الأثير [1] : لمّا ملك العادل مصر وقطع خطبة المنصور ولد الْعَزِيز لم يرض الأمراء بِذَلِك، وراسلوا الظّاهر صاحب حلب، والأفضل بصَرْخَد، وتكرّرت المكاتبات يدعونهما إِلَى قصد دمشق ليخرج العادل، فإذا خرج إليهم أسلموه وتحوّلوا إليهما. وفشا الخبر وعرف العادل، فكتب إِلَى ابنه بدمشق يأمره أن يحاصر صرْخَد، فعلم الأفضل، فسار إِلَى حلب، فخرج معه الظّاهر ونازلا دمشق، واتّفقا على أن يكون دمشق للأفضل، ثمّ يسيرون إِلَى مصر، فإذا تملّكاها صارت مصر للأفضل، وصارت الشّام كلّها للظّاهر.
رجعنا إِلَى قول أَبِي شامة، قال [2] : وَفِي ذي القعدة حوصرت دمشق، جاء الأفضل والظّاهر، ونَجَدَهما من بانياس حسام الدّين بشارة، وقاتلوا أهلَ دمشق أيّاما، وكان بها المعظّم عِيسَى. وبلغ أَبَاهُ فقدِم من مصر، ونزل نابلس، وبعث إِلَى الأمراء مكاتبات، فصرفهم إليه. ثمّ زحف أبناء صلاح الدّين المذكوران على دمشق، فوصلوا إِلَى باب الفراديس، وأحرقوا فندق تقيّ الدّين، وحاربهم الملك المعظّم، وحفظ البلد، وبقوا نحو شهرين، ثمّ بعث العادل، فأوقع الخُلْف بين الأخوين فرحلوا. ثمّ قدِم العادل، وجهّز المعظّم مع شركس، وقراجا، فحاصروا حسام الدّين بشارة ببانياس، فقاتلهم وَقُتِلَ ولده، وأخرجوه عن البلد، وتسلّمها شركس، وتسلّم قراجا صَرْخَد.
__________
[ () ] موسكو) 234، (طبعة دمشق) 25، والجامع المختصر 9/ 53، والدرّ المطلوب 149، والمختصر في أخبار البشر 3/ 101، والعسجد المسبوك 267، والمختار من تاريخ ابن الجزري 75، ودول الإسلام 2/ 106، وتاريخ ابن الوردي 2/ 118، ومرآة الجنان 3/ 488، 489، والبداية والنهاية 13/ 27، 28، وتاريخ ابن سباط 1/ 234، والسلوك ج 1 ق 1/ 135، وكشف الصلصلة 194.
[1] في الكامل 12/ 160.
[2] في ذيل الروضتين 19.(42/39)
قلت: ذكر المؤيّد [1] أنّ الملك الأفضل سلّم صَرْخَد إِلَى زين الدّين قراجا، ونقل أمّه وأهله منها إِلَى حمص.
واشتدّ حصار الأخوين لدمشق، وتعلّق النّقّابون بسورها، فلمّا شاهد الظّاهر ذلك قال لأخيه: دمشق لي. فقال: حُرَمي على الأرض ليس لنا موضع، فهب البلد لك فأحفظْه له حتّى تملك مصر. فامتنع الظّاهر فقال الأفضل: يا أمراء اتركوا القتال ونُصالح عمّي. فتفرّقت الكلمة، ورحل الظّاهر.
ثمّ ذهب الأفضل وقنع بُسَميْساط [2] .
[الاستيلاء على مرو]
وأنبأنا ابن البُزُوريّ قال: وفيها سار غياث الدّين وشهاب الدّين ملكا الغَوْر من غَزْنَة فِي جنودهما إِلَى خُراسان، وبها الأمير جقر، فأكرماه واستوليا على مَرْو، وسيّرا جقر إِلَى هَرَاة مكرّما، لأنّهما وعداه بالجميل. ثمّ سلّما مرو إلى هندوخان بن ملك شاه بْن علاء الدّين خُوارزم شاه، وكان قد هرب من عمّه مُحَمَّد إِلَى غياث الدّين [3] .
[انتهاب نيسابور]
ثمّ سار غياث الدّين فملك سَرْخَس صلحا، وسلّمها إِلَى الأمير زنكي بْن مَسْعُود أحد أولاد عمّه، ثُمَّ سار إِلَى طوس، فتسلّمها بعد أيّام، ثمّ قصد
__________
[1] هو أبو الفداء صاحب كتاب «المختصر في أخبار البشر» 3/ 99.
[2] الكامل في التاريخ 12/ 160- 163، مفرّج الكروب 3/ 120- 129، تاريخ مختصر الدول 226، تاريخ الزمان 232، 233، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 479، 480، المختصر 3/ 99، 100، العسجد المسبوك 260، دول الإسلام 2/ 106، البداية والنهاية 13/ 27، تاريخ ابن الوردي 2/ 117، السلوك ج 1 ق 1/ 155، 156، شفاء القلوب 210- 212، تاريخ ابن سباط 1/ 232، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 203- 207.
[3] انظر: الكامل في التاريخ 12/ 157.(42/40)
نيسابور وبها عليّ شاه ابن السّلطان خُوارزم شاه، وقد استنابه عليها أخوه قُطْب الدّين مُحَمَّد، فراسله فِي تسليمها، فامتنع وأظهر القوَّة، فقال غياث الدّين لجيوشه: إن دخلتموها فسَحت لكم فِي نهبها. فزحفوا وجدّوا حتّى أخذوا البلد، ووقعوا فِي النّهْب. ثمّ أمر غياث الدّين بكفّ النَّهْب، وأن يرد كلّ شخص ما نهب، فردّوه جميعا [1] .
أخبرت عن بعض التّجّار قال: كنت بها، فنُهب لي شيءٌ فِي جملته قليل سُكّر وبساط، فحين نودي فِي العسكر بردّ ما نهبوه ردّوه عدا بساطي والسُّكّر، وكنت رَأَيْت ما أُخِذ منّي فِي أيدي جماعة، فطلبته فقالوا: السُّكَّر شرِبناه، ونسْألك أن لا تُشيع ذلك، وإنْ أردت الثّمن أعطيناك، فجعلتهم منه فِي حِلٍّ.
ثمّ خرجت إِلَى ظاهر البلد، فرأيت البساط مُلْقًى على باب الجسر، لا يجسر أحد أن يأخذه، فأخذتُه [2] .
[أسر عليّ شاه]
وانهزمت الخُوارزميَّة، وأُسِر عليّ شاه المذكور، وأُحضر بين يدي السّلطان غياث الدّين راجلا، فصَعُب عليه، وأنكر على من أسره، وأركبه فرسا. فلمّا استقرّ به المجلس أحضره، فقال له عليّ شاه: هكذا تفعل بأولاد الملوك؟ فقال: لا، بل هكذا. وأخذه بيده وأجلسه على سريره، وطيّب قلبه، وسيَّر من كان صُحبته من الأمراء إِلَى هَرَاة. واستناب بها ضياء الدّين مُحَمَّد بْن عليّ بْن عُمَر، وولّاه حرب خراسان، ولقّبه الملك علاء الدّين، وأضاف إليه الأمراء. ثُمَّ سلَّم عليّ شاه إِلَى أَخِيهِ شهاب الدّين الغوريّ [3] .
__________
[1] الكامل 12/ 165، 166، الجامع المختصر لابن الساعي 9/ 51، 52، المختصر في أخبار البشر 3/ 100، المختار من تاريخ ابن الجزري 75، 76، تاريخ ابن الوردي 2/ 168، العسجد المسبوك 261، 262.
[2] الكامل 12/ 166.
[3] الكامل 12/ 166.(42/41)
[فتوحات الغورية فِي بلاد الهند]
ثُمَّ رحل السّلطان غياث الدّين نحو هَرَاة، وسار أخوه شهاب الدّين نحو قهسْتان، وملك بلاد الإسماعيليَّة وطردهم عَنْهَا، وأظهر بها دين الْإِسْلَام، وأقام بها، فسأل صاحبها السّلطانَ غياث الدّين أن يرحِّل أخاه عَنْهَا، ففعل ذلك، وأمر أخاه، فأبى عليه، فعاوده فرحل عَنْها إِلَى بلاد الهند مغاضِبًا لأخيه، وأرسل مملوكه قُطْب الدّين أَيْبَك فحارب عسكر الهند فهزمهم، وانضمّ إليه عالمٌ كثير. وملك شهاب الدّين مدينة عظيمة من مدن الهند بعد أن هرب ملكها عَنْهَا، فعلم أنّه لا يمكن حفْظها إلّا بمُقامه بها، وذلك لا يمكنه، فصالح صاحبها على مالٍ، ورحل عَنْهَا [1] .
[خبر الزلزلة بالبلاد الشامية]
قال ابن البُزُوريّ: وزُلزِلت الأرض بالجزيرة، والشّام، ومصر، فأخربت الزّلزلة أماكن كثيرة جدّا بدمشق، وحمص، وحماه، واستولى الخراب على صور، وعكّا، ونابلس، وطرابُلُس، وانخسفت قرية من أعمال بُصْرَى، وخربت عدَّة قلاع [2] .
[تغلّب ابن سيف الْإِسْلَام على اليمن]
وفيها اهتمّ عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمْزَة [3] العلويّ المتغلّب على بلاد اليمن بجمْع العساكر، فجمع اثني عشر ألف فارس، ونحوها رجّالة، فخاف منه الملك المعزّ إِسْمَاعِيل ابن سيف الْإِسْلَام صاحب اليمن. ثمّ إنّ أمراء ابن
__________
[1] الكامل في التاريخ 12/ 164- 167، المختصر في أخبار البشر 3/ 100، تاريخ ابن الوردي 2/ 117، العسجد المسبوك 261- 264، البداية والنهاية 13/ 27، تاريخ ابن سباط 1/ 233.
[2] تقدّم خبر الزلزلة ومصادره قبل قليل.
[3] في مفرّج الكروب 3/ 136 «عبد الله بن عبد الله الحسني» ، ومثله في: تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 229، والمختار من تاريخ ابن الجزري 76، 77 وفي الكامل 12/ 171 «عبد الله بن حمزة» .(42/42)
حَمْزَة اجتمعوا للمشورة، فوقعت عليهم صاعقة، فبلغ ذلك إِسْمَاعِيل، فسار لوقته وحارب عسكر ابن حَمْزَة فهزمهم، وقتل منهم ستَّة آلاف، وتمكّن من اليمن، وقهر الرعيَّة، وادّعى الخلافة وأنّه أُمَويّ [1] .
[عودة القاضي مجد الدين من الرسلية]
وَفِي ذي القعدة عاد القاضي مجد الدّين يحيى بْن الرَّبِيع مدرّس النّظاميَّة، وكان قد نُفّذ رسولا إِلَى شهاب الدّين الغُوريّ.
[خروج طاشتكين لمحاربة ابن سيف الْإِسْلَام]
وفيها قدِم الأمير مجد الدّين طاشتكين بعسكره من خُوزسْتان. ثُمَّ توجّه فِي خامس ذي القعدة حاجّا [2] ومحاربا للمعز إِسْمَاعِيل ابن سيف الْإِسْلَام.
وخرج نائب الوزارة نصير الدّين ناصر بْن مهديّ فتوجّه إِلَى الحِلَّة لاستعراض العساكر الّتي تحجّ مع طاشْتِكين. فاستعرضهم، وتوجّهوا. فلمّا وصل طاشْتِكين أرسل إِلَى إِسْمَاعِيل يحذّره عواقب فِعْله ويُنكر عليه، فلم يردعه العتب، فراسل طاشْتِكين أمراء اليمن يحثّهم على محاربته ويأمرهم بالجهاد. وكانوا كارهين ما ادّعاه إِسْمَاعِيل من ادّعاء الإمامة، فأجاب أكثرهم إِلَى ذلك.
وكان إِسْمَاعِيل يركب فِي أُبَّهَة المُلْك، ويحترز كثيرا على نفسه، فتحالف الغرابليّ [3] فضربه حلّ كتفه، وضربه السّابق بدر أمعاه، وناديا بشِعار الدّولة العبّاسيَّة [4] ، فلبّى دعوتهما جمْعٌ من الأمراء. ونزلا من خوفهما مركبا، وهبّت لهم الريح، فسارا فِي خمسة أيّام فوصلا جدّة، ثمّ أتيا مكّة، فخلع
__________
[1] الكامل في التاريخ 12/ 171، 172، مفرّج الكروب 3/ 136 (في حوادث سنة 599 هـ.) ، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 229، 230، ووفيات الأعيان 2/ 524.
[2] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 280.
[3] في تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 234 «الفرابلي» بالفاء.
[4] مفرّج الكروب 3/ 137.(42/43)
عليهما طاشتِكين، ونفّذ بهما إِلَى بغداد، فاختارا أن يكونا فِي خدمة طاشْتِكين بخُوزِسْتان [1] .
[الخلعة لطُغرل المستنجدي]
وفيها خُلِع على الأمير طُغْرُل المستنجديّ زعيم البلاد الجبليَّة.
[الغلاء ببلاد الشّراة]
وفيها وقع الغلاء المفرط ببلاد الشّراة [2] .
__________
[1] المختار من تاريخ ابن الجزري 77.
[2] الكامل 12/ 172، وهي بين الحجاز واليمن.(42/44)
سنة ثمان وتسعين وخمسمائة
[تقليد قضاء القضاة ببغداد]
فِي المحرّم خُلِع ببغداد على أَبِي الْحَسَن عليّ بْن سلمان الحلّي [1] وقُلّد قضاء القضاة.
[طلب ابن قَتَادَة إمارة مكة]
وَفِي رابع عشر صَفَر وصل الأمير طاشْتِكين من مكَّة وَفِي صحبته أبو أيّوب حنظلة بْن قَتَادَة بْن إدريس العَلَويّ المتغلّب أَبُوهُ على مكَّة يسأل أن يُقرّ والده على الإمارة.
[أخْذُ برغش للقَفَل وقتله]
وفيها خرج قَفَلٌ كبير من بغداد إِلَى الشّام، فأخذهم برغش مملوك بْن مهارش، وَقُتِلَ من القَفَل نفرٌ يسير، فرجع التّجّار فقراء، فتقدّم الخليفة إِلَى علاء الدّين تتامش بالخروج فِي عسكره، فقصد برغش وأصحابه، فظفر بهم وقتلهم، وجيء برءوسهم فأُلقيت بباب النّوبيّ، ورُدّت الأموال إِلَى أربابها، وتأرّج عَرْفُ هَذِهِ المنقبة فِي أقاصي البلاد.
[إقامة الحجّ]
وقدم طاشتكين ليقيم للنّاس الحجّ [2] .
__________
[1] في الأصل: «الخلي» بالخاء المعجمة، وفي خلاصة الذهب المسبوك للإربلي لابن الكازروني 252 «علي بن عبد الله بن سليمان الحلي» ، وفي البداية والنهاية 13/ 32 «الجيلي» بالجيم والياء المثنّاة بنقطتين من تحتها.
[2] في تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 240 «وحج بالناس في هذه السنة، أمير الحاج العراقي،(42/45)
[الترسّل إِلَى صاحب غزْنة]
وفيها سار فِي الرسليّة مدرّس النظاميَّة يحيى بْن الرَّبِيع إِلَى شهاب الدّين صاحب غَزْنة.
[تناقص الغلاء وزيادة النيل]
وَفِي وسط السّنة تناقص الغلاء والوباء عَنْ إقليم مصر، وخفّ الإقليم من النّاس. ثُمَّ زاد النّيل كما قدّمنا فِي السّنة الماضية.
[لقاء العادل بالأفضل]
وفيها خرج العادل من دمشق طالبا حلب، وكان الملك الأفضل بحمص عند صاحبها، وهو زوج أخته، فالتقى عمّه العادل إِلَى ثَنِيَّة العقاب، فأكرمه وعوّضه عن مَيّافارِقين سُمَيْساط، وسَرُوج، وقلعة نجم [1] .
[مصالحة الظاهرة للعادل]
ثُمَّ نزل العادل على حماه، فصالحه الملك الظّاهر، فرجع العادل [2] .
[الزلزلة فِي الشام وقبرس]
وجاءت فِي شعبان زلزلة عظيمة شقَّقت قلعة حمص، وأخربت حصن الأكراد، وتَعَدَّت إِلَى قبرس، وأخربت [3] بنابلس ما بقي.
قال العزّ النّسّابة: هذه هي الزّلزلة العُظّمى الّتي هدمت بلاد السّاحل، صور، وطرابُلُس، وعِرقَة، ورَمَتْ بدمشق رءوس المؤذّن، وقتلت مغربيّا بالكلّاسة ومملوكا [4] .
__________
[ () ] الخليفي العباسي» ، المختار من تاريخ ابن الجزري 78، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 510.
ذيل الروضتين 29.
[1] مفرّج الكروب 3/ 132، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 510.
[2] مفرّج الكروب 3/ 132، تاريخ ابن الفرات ج 8 ق 2/ 226.
[3] في الأصل: «وأخبرت» .
[4] انظر الكامل 12/ 198 (حوادث سنة 600 هـ) . ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 510.(42/46)
[بناء الجامع المظفّري]
وقال سِبط ابن الجوزيّ [1] : فيها شرع الشَّيْخ أبو عُمَر فِي بناء جامع الجبل وكان بقاسيون [رجلٌ فاميّ] [2] اسمه محاسن، فأنفق فِي أساسه ما كان يمتلكه، فبلغ مظفّر الدّين صاحب إربل، فبعث مالا لبنائه.
قلت: ومن ثمّ قيل له الجامع المظفّري، ونُسبِ إِلَى مظفَّر الدّين [3] .
[تملُّك الناصر باليمن]
وفيها كَانَتْ قتلة المعزّ ابن سيف الإسلام صاحب اليمن، كما ذكرنا فِي ترجمته، وأقيم في المُلْك بعده أخوه الملك النّاصر.
قال ابن واصل [4] : كان له سَرِيَّةٌ، فعصت فِي قلعةٍ منيعة، وعندها أموال لا تُحصى، ونُقِل عَنْهَا أنّها ما تسلّم الحصن إلّا إِلَى رجلٍ من بيت السّلطان.
وكان لسعد الدّين شاهنشاه ابن الملك المظفّر عُمَر ولد يُقال له سُلَيْمَان، قد افتقر وحمل الركوة، وحجّ بين الفقراء.
ثُمَّ إنّه كاتَبَ والدَة الملك النّاصر بْن سيف الْإِسْلَام، وكانت قد تغلّبت على زَبِيد، وهي تنتظر وصول أحدٍ من آل أيّوب تتزوّجه وتملّكه، وبعثت إِلَى مكَّة تكشف أخبار الملوك، فكتب إليها علامة، وعرّفها بسليمان هَذا، فاستحضرته وخلعت عليه، وتزوّجته، ومَلكته اليمن، فملأها ظُلْمًا وجورا، واطّرح المملكة، وأعرض عَنْهَا. وكتب إِلَى السّلطان الملك العادل كتابا أوله: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 27: 30 [5] . فاستقلّ العادل عقله، وفكّر فيمن يبعث ليملك اليمن [6] .
__________
[1] في مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 510.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من المرآة.
[3] البداية والنهاية 13/ 32.
[4] في مفرّج الكروب 3/ 138، 139.
[5] سورة النمل، الآية 30.
[6] تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 232، 233.(42/47)
سنة تسع وتسعين وخمسمائة
[تموّج النجوم وتطايرها]
أنبأنا ابن البُزُوريّ قال: فِي سلْخ المحرَّم ماجت النُّجوم، وتطايرت كتطاير الجراد، ودام ذلك إِلَى الفجر، وانزعج الخلْق، وخافوا وضجّوا بالدُّعاء إِلَى اللَّه تعالى. ولم يُعهد ذلك إلّا عند ظهور رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم [1] .
[منازلة ماردين]
قال: وفيها جمع الملك العادل عسكرا عديدا، وفرَّق عليهم العُدّد والأموال، وقدّم عليهم ولده الأشرف مُوسَى، وأمره أن يحاصر ماردين. فقطع صاحب ماردين المِيرة على عسكر العادل، وأمر أَهْل القلاع أن يقطعوا السُّبُل والميرة، والتقى طائفة من هؤلاء، فاقتتلوا وانهزم عسكر ماردين بعد أن قطعوا الطُّرُق وتعذّر سلوكها.
وسار جماعة من عسكر العادل إِلَى راس عين، وبقي الملك الأشرف فلم ينل غرضه.
ودخل الملك الظّاهر صاحب حلب فِي الصُّلح، فأجاب العادل على أن يحمل إليه صاحب ماردين مائة وخمسين ألف دينار، وأن يخطب له فِي بلاده، وأن يضرب السّكَّة باسمه، ويكون عسكر ماردين فِي خدمته، فأجاب صاحب ماردين إِلَى ذلك [2] .
__________
[1] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 513، البداية والنهاية 13/ 34.
[2] مفرّج الكروب 3/ 139، الكامل في التاريخ 12/ 179، 180، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 248، 249، تاريخ مختصر الدول 226، الجامع المختصر 9/ 99، 100، المختار من تاريخ ابن الجزري 80. تاريخ ابن الوردي 2/ 171، العسجد المسبوك 2/ 275.(42/48)
[رواية ابن الجوزي عن النجوم]
وذكر عَنْهُ ابن الجوزيّ [1] مثل ما قدّمنا من موج النّجوم وتطايرها.
وقال العزّ النّسّابة: رئي في السّماء نجوم متكاثفة متطايرة، شديدة الاضطراب إِلَى غاية.
[عمارة أسوار قلعة دمشق]
وفيها شرع العادل فِي عمارة أسوار قلعة دمشق [2] .
[موت غياث الدين الغوري]
وفيها مات السّلطان غياث الدّين الغُوريّ، وقبض أخوه السّلطان شهاب الدّين ألْب غازي على جماعةٍ من خواصّ أَخِيهِ وأتباعه وصادرهم، وبالغ فِي التّنكيل بامرأة أَخِيهِ، وأخذ أموالها، وسيّرها إِلَى الهند على أسوأ حال، وهدم تربتها، ونبش أبويها، ورمى بعظامهم [3] .
[إلزام المنصور علي بالإقامة فِي الرها]
وفيها سيّر الملك العادل المنصور عليّ بْن الملك الْعَزِيز، وقيل اسمه مُحَمَّد [4] ، إِلَى مدينة الرُّها، وألزمه المُقام بها. وكان بدمشق هُوَ وأمّه وإخوته، فخاف العادل من ميل الرّعيَّة إليه، وأن يتملّك دمشق فأبعده [5] .
__________
[1] في مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 513.
[2] مفرّج الكروب 3/ 141، البداية والنهاية 13/ 34.
[3] انظر عن (غياث الدين الغوري) في: الكامل في التاريخ 12/ 180- 182، والبداية والنهاية 13/ 34، وستأتي مصادر ترجمته في الترجمة في الوفيات.
[4] هكذا في الكامل.
[5] الكامل 12/ 184، الجامع المختصر 9/ 101، مفرّج الكروب 3/ 140، 141، العبر 4/ 306، المختار من تاريخ ابن الجزري 81، المختصر في أخبار البشر 3/ 103، تاريخ ابن الوردي 2/ 172.(42/49)
[إرسال الخليفة الخِلَع للملك العادل]
وفيها بعث الخليفة الناصر لدين اللَّه إِلَى الملك العادل وأولاده بسراويلات الفُتُوَّة ومعها الخِلَع [1] .
[تملُّك الأشرف حرّان والرُها]
وكان الأشرف بحرّان، ملّكه أَبُوهُ بها مع الرُّها وغيرها فِي عامِ أوّل.
[محاربة صاحب سيس لصاحب أنطاكية]
وفيها خرج ابن لاون صاحب سِيس لحرب البرنس صاحب أنطاكيَّة، وعاث وأفسد.
[قدوم الفرنج إِلَى عكا]
وقدِم عكّا خلْق من الفِرنج وتحرّكوا، فاهتمّ لهم العادل، ثمّ ترحّلوا لأجل الغلاء والقحط بعكّا، وخافوا لا يقطع العادل عن عكا الميرة [2] .
[انتصار صاحب حماه على الفِرنج]
وفيها سار صاحب حماه الملك المنصور ونزل ببَعْرِين، فقصده الفِرنج من حصن الأكراد وطرابُلُس وغيرها، فالتقوا فهزمهم وقتل وأسر، وذلك فِي رمضان.
ثمّ لم ينشب أن خرج جمع منهم في أربعمائة فارس وألف ومائتي راجل، فالتقاهم صاحب حماه فكسرهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأسر جماعة، وذلك فِي رمضان. ومدحه الشّعراء رحمه الله تعالى [3] .
__________
[1] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 513، البداية والنهاية 13/ 34.
[2] مفرّج الكروب 3/ 135 و 140، تاريخ ابن الفرات: 44 ق 2/ 245.
[3] مفرّج الكروب 3/ 141- 150، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 249، 250.(42/50)
سنة ستمائة
[كسرة صاحب الموصل]
قال سِبْط ابن الجوزيّ [1] : فيها سار نور الدّين صاحب الموصل إِلَى تلْعفر [2] ، فأخذها وكانت لابن عمّه قُطْب الدّين بْن عماد الدّين صاحب سِنْجار، فاستنجد القُطْب بالملك الأشرف جاره فجمع جَمْعًا كثيرا وساق، فعمل مُصَافًا مع صاحب الموصل فكسره الأشرف، وأسر جماعة من أمرائه، منهم مبارز الدّين سُنْقُر الحلبيّ، وابنه غازي [3] .
[زواج الأشرف]
ثُمَّ اصطلحا فِي آخر السّنة. وتزوَّج الأشرف بأخت نور الدّين، وهي السّتّ الأتابّكيَّة صاحبة التّربة بقاسيون [4] .
[احتراق خزانة السلاح بدمشق]
وفيها احترقت خزانة السّلاح بدمشق، وذهب جميع ما كان فيها.
__________
[1] في مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 518.
[2] في مفرّج الكروب 3/ 156 «تليعفر» .
وفي تقويم البلدان 284 «تلّ أعفر» من إقليم الجزيرة. قال: التلّ معروف. وأعفر بفتح الألف وسكون العين المهملة وفتح الفاء ثم راء مهملة. وهكذا وردت في مرآة الزمان.
وقال ابن الأثير في اللباب 1/ 219 في نسبة التّلعفري: بفتح التاء المنقوطة باثنتين من فوقها واللام والعين المهملة وفتح الفاء وفي آخرها الراء. موضع بنواحي الموصل.
[3] الكامل في التاريخ 12/ 192، مفرّج الكروب 3/ 155- 157، مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 518، تاريخ الزمان 242، الدر المطلوب 157، المختصر في أخبار البشر 3/ 75، تاريخ ابن الوردي 2/ 121، 122، تاريخ ابن خلدون 5/ 239، 240، تاريخ ابن سباط 1/ 235.
[4] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 518.(42/51)
[أَخَذَ العملة من مخزن الأيتام]
وفيها أُخِذت العملة المشهورة من مخزن الأيتام بقَيْسارية الفرش لأيتام الأمير سيف الدّين بن السّلّار، ومبلغها ستَّة عشر ألف دينار. وبقيت سِنين، ثمّ ظهرت على ابن الدُّخَيْنَة، وقد حُبِس بسببها جماعة.
[انتهاب أسطول الفرنج فُوَّه بمصر]
وَفِي رمضان توجّه أسطول الفِرنج- لعنهم اللَّه- من عكّا في البحر عشرون قطعة، ودخلوا يوم العيد من فم رشيد فِي النّيل إِلَى بُليدة فُوَّه [1] ، فنهبوها واستباحوها ورجعوا، ولم يتجاسروا على هَذَا منذ فُتِحت ديار مصر [2] .
وقد دخلوا من عند دِمياط فِي النّيل أيضا فِي سنة سبْعٍ وستّمائة إِلَى قرية نورة، ففعلوا نحو ذلك.
[محاصرة صاحب سيس لأنطاكية]
وفيها نزل صاحب سيس على أنطاكية وجدّ في حصارها، فخرج صاحب حلب وخيَّم على حارم، فخاف صاحب سيس على بلاده، وترحَّل. ثُمَّ بعد أيّام هجم أنطاكية بمواطأةٍ من أهلها، فقابله البرنْس ساعة، ثُمَّ التجأ إِلَى القلعة، ونادى بشعار الملك الظّاهر، وسرّح بِطاقةً إِلَى حلب، فَنَجَده صاحب حلب، فبلغ ذلك صاحبَ سيس، ففرّ إلى بلاده.
__________
[1] فوّه: بالضم ثم التشديد. (معجم البلدان 4/ 280) .
[2] مفرّج الكروب 3/ 161، الكامل في التاريخ 12/ 198، تاريخ الزمان 243، ذيل الروضتين 50، المختصر في أخبار البشر 3/ 106، العسجد المسبوك 287، دول الإسلام 3/ 107، المختار من تاريخ ابن الجزري 88، العبر 5/ 311، الدرّ المطلوب 155، تاريخ ابن الوردي 2/ 122، مرآة الجنان 3/ 498 وفيه «قوّة» بالقاف، وهو تحريف، السلوك ج 1 ق 1/ 163، تاريخ ابن سباط 1/ 236.(42/52)
[تجمّع الفرنج بعكا بقصد القدس]
وفيها أقبلت الفرنج من كلّ فجّ عميق لعكّا قاصدين على قصد بيت المقدس، فخرج العادل ونزل على الطُّور، وجاءته النَّجدة من الأطراف، وأقبلت الفرنج تُغِير على بلاد الْإِسْلَام وتأسر وتسبي. واستمرّ الحال على ذلك شُهورًا [1] .
[أَخَذَ الفرنج القسطنطينية من الروم]
وأمّا القسطنطينيّة فلم تزل بيد الروم من قبْل الْإِسْلَام، فلمّا كان فِي هَذَا الأوان أقبلت الفرنج فِي جمْعٍ عظيم ونازلوها إِلَى أن ملكوها [2] .
[استعادة الروم قسطنطينية]
قال ابن واصل [3] : ثُمَّ لم تزل فِي أيدي الفرنج إِلَى سنة ستّين وستّمائة، فقصدتها الروم وأخذوها من أيدي الفِرنج [4] ، فهي بأيديهم إِلَى الآن، يعني سنة بضْعٍ وسبعين وستّمائة [5] .
[الظفر برءوس الباطنية بواسط]
وفيها ظفر متولّي واسط برءوس الباطنيَّة مُحَمَّد بِن طَالِب بْن عُصَيَّة ومعه طائفة، فقُتِلوا بواسط وللَّه الحمد. وكانوا أربعين نفسا [6] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 12/ 194، مفرّج الكروب 3/ 159، المختصر في أخبار البشر 3/ 105، دول الإسلام 2/ 107، 108، العسجد المسبوك 285، تاريخ ابن الوردي 2/ 122، تاريخ ابن خلدون 5/ 340، السلوك ج 1 ق 1/ 163، تاريخ ابن سباط 1/ 236، البداية والنهاية 13/ 36.
[2] الكامل 12/ 190- 192، مفرّج الكروب 3/ 160، تاريخ الزمان 241، تاريخ مختصر الدول 7227 228، المختصر 3/ 105، العسجد المسبوك 284، دول الإسلام 2/ 108، تاريخ ابن الوردي 2/ 122، البداية والنهاية 13/ 36، 37، السلوك ج 1 ق 1/ 163، تاريخ ابن سباط 1/ 236.
[3] في مفرّج الكروب 3/ 160.
[4] المصادر السابقة.
[5] هذا قول المؤلّف «الذهبي» - رحمه الله- وهو يؤلّف كتابه هذا في السنة المذكورة.
[6] الكامل 12/ 197.(42/53)
بسم الله الرحمن الرّحيم
[تراجم رجال هذه الطبقة]
سنة إحدى وتسعين وخمسمائة
- حرف الألف-
1- أَحْمَد بْن أَبِي المجد إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن محمد بْن حسان بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن منيع بْن خَالِد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابن سيف اللَّه خَالِد بْن الْوَلِيد بْن المغيرة [1] .
الحافظ رشيد الدّين أبو بَكْر المخزوميّ، المَنِيعيّ، الشَّبَذيّ، بالإعجام والحَرَكَة، وشَبَذ: من أعمال أَبِيوَرْد.
كان شيخا من أَهْل العِلم. ذكره أبو العلاء الفَرَضيّ فقال: سمع: أَبَا المعالي الفارسيّ، وعبد الجبّار الحواريّ، ووجيها الشّحّاميّ، وعبد الوهّاب بْن شاه الشَّاذْياخيّ [2] ، وغيرهم.
وأجاز لجميع المسلمين فِي المحرَّم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.
وابنه رشيد الدّين مُحَمَّد، سمع من أَبِيهِ، وغيره. وخرَّج لنفسه.
2- أَحْمَد بْن بدر بْن الفرج [3] .
__________
[1] لم أجد مصدرا لترجمته، وهو ليس من المتوفين في هذه السنة بالتأكيد إذ لم يذكر المؤلّف- رحمه الله- تاريخا لذلك، وإنما تاريخ إجازته للمسلمين.
[2] الشاذياخي: بفتح الشين المعجمة، والذال المعجمة الساكنة، والياء المفتوحة المنقوطة باثنتين من تحتها بين الألفين. وفي آخرها الخاء المعجمة. نسبة إلى شاذياخ وهو باب نيسابور. (الأنساب 7/ 241) .
[3] انظر عن (أحمد بن بدر) في: الوافي بالوفيات 6/ 263 رقم 2751.(42/54)
أبو بكر القطّان، الكاتب البغداديّ [1] .
حدّث عَنْ: أَبِي سعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وأحمد بْن عليّ الأشقر.
3- أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن أَبِي عليّ بْن مهديّ [2] .
أبو العبّاس الكرديّ الإربليّ، الرجل الصّالح.
روى عن: أَبِي الكَرَم الشَّهْرَزُورِيّ، وأحمد بْن طاهر المِيهَنيّ، وأبي الوقت [3] .
__________
[1] كان أحد كتّاب الديوان.. وحدّث باليسير. قال ابن النجار: توفي قبل طلبي الحديث سنة إحدى وتسعين وخمس مائة.
[2] انظر عن (أحمد بن عثمان) في: تاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 38- 41 رقم 2، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 228 رقم 284.
[3] وقال ابن المستوفي بعد أن وصفه بالإمام الكردي الزرزاري: «ورد في الحاشية تعليق نصّه: لمحرّره محمد بن علي بن محمد راضي النجفي من رستاق من رساتيق إربل- رحمه الله-: كان إماما عالما، ورعا، زاهدا، سلك في خشانة الدين مسلك التابعين، ورحل الرحلة الواسعة في طلب الحديث، وسمع الكثير وكتب الكثير ... وكان إماما في علم القرآن. صنّف في القراءات كتابين يدخل كلّ منهما في جلد، سمّى أحدهما «المؤنس» والآخر «المنتخب» .
كان على غاية ما يكون عليه زاهد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقف الملوك ببابه ولا يصلون إليه، وإن أذن لهم جلسوا بين يديه، لم يدع أحدا منهم إلا باسمه، ولم يعامله إلا بما ينافي قاعدة رسمه. سمع عليه الحديث بالموصل وإربل وغيرهما، إلا أنه كان بإربل أقلّ سماعا. حضرت في بعض قدماته وسألته السماع عليه، فقال: أفعل- إن شاء الله- فإنّي قد وصلت وأنا في تعب الطريق.
فسألته الإجازة، فتلفّظ لي بها. ثم منعت على لقائه موانع. فسافر من إربل وغاب عنها غيبة طويلة، ثم عاد فمنع أحد أن يدخل عليه البتّة، فدخلت عليه مرة فرأيت رجلا قد نهكته العبادة، كان يأكل في كل شهر نصف مكّوك حنطة يحمله فتوتا وينقعه في كل ليلة عند إفطاره ويأكله في زبدية خضراء مخروشة فانكسرت منها قطعة كبيرة، فقلت للقيّم بأمره: ولم لا يشتري الشيخ عوضها؟ فقال: قد استأذنته في ذلك، فقال: هذه تكفيني إلى أن أموت، فمات ولم يأكل في غيرها. وكان مأكوله من غلّة ملك له، وكان يأكل معه يسيرا من الزبيب الأسود.
وأقام بإربل إلى أن مات- رحمه الله- ولم ينم صيفا أو شتاء إلّا داخل الدار التي كان فيها، لم يخرج إلى سطح ولا إلى ساحة، ولا أوقد عنده سراج قط. كان- فيما بلغني-(42/55)
4- أَحْمَد بْن عُمَر [1] .
الفقيه أبو العبّاس الكرديّ الشّافعيّ.
مُعيد النّظاميَّة.
تُوُفّي ببغداد فِي ذي الحجّة. وكان من كبار الفقهاء.
5- أَحْمَد بْن مدرك بْن الْحُسَيْن بْن حَمْزَة بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد [2] .
أبو الرضا البهرانيّ، القُضَاعيّ، الحمويّ، قاضي حماه وخطيبها.
وُلّي القضاء بها فِي سنة إحدى وسبعين.
وقد تفقّه بحلب على: أَبِي سعد ابن عصرون.
وبدمشق على القُطْب النّيسابوريّ.
__________
[ () ] يكتب الكتاب الكريم بيده من حفظه، وكان تحته بارية صغيرة وعليها توفي. فحضرته وقد مرض في شهر رمضان في أول مرضه وسئل الدعاء لي، فدعا لي- رحمه الله- وكان صائما فلم يفطر حتى غلب عليه المرض، وكان يعطى الثلج وهو لا يعلم. وكان تحت رأسه لبنة فسئل تغيير هذه الحالة فأبى، فلما لم يعلم بحاله جعل تحته كيس خام محشوّة.
فلم يزل على هذه الحال إلى أن توفي ليلة الجمعة التي صبيحتها عاشر شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، ودفن ضاحي نهاره بالمقبرة العامة ظاهر إربل من شرقيها، وكان يوم دفنه مشهودا. نزل إلى قبره وألحده الفقير إلى الله تعالى أبو سعيد كوكبوري..
اجتمع الشيخ أحمد والشيخ أبو حامد محمد بن رمضان التبريزي بإربل، وكان ذكر لأبي حامد فظاظة أخلاقه على الإربليين، فاستأذنه في زيارته فامتنع منها، فما أحسّوا إلّا وقد زار أبا حامد، فقام إليه أبو حامد وتبرّك به، هاب الناس الشيخ أحمد لذلك، وتحدّثا إلى أن مضى أكثر الليل. وفي الليلة الثانية زاره أبو حامد وصار بينهما مودّة. وقال الشيخ أحمد: سمعت أبا العلاء الحافظ بهمذان يثني على هذا الشيخ، ويأمر أهل همذان بزيارته ويستحسنوا ما أنكره الإربليون من فظاظته على الولاة، ولطفه بالفقراء» .
[1] انظر عن (أحمد بن عمر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 236، 237 رقم 302، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 198، وتلخيص مجمع الآداب 4 ج 1/ 13 و 43، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 31، 32، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 274، وطبقات الشافعية لابن كثير، ورقة 146، ب، والوافي بالوفيات 7/ 259 رقم 3220، والعقد المذهب لابن الملقن، ورقة 161.
[2] انظر عن (أحمد بن مدرك) في: طبقات الشافعية لابن كثير، ورقة 146 ب، 147 أ.(42/56)
وكان رئيسا جليلا فاضلا. تردّد إِلَى دمشق وسمع بها من الفقيه نصر اللَّه بْن مُحَمَّد.
وقيل: بل تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة سنة تسعين.
6- أَحْمَد بْن المظفّر بْن الْحَسين [1] .
الفقيه أبو الْعَبَّاس، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، المعروف بابن زين التُّجّار، مدرّس المدرسة النّاصريَّة الصلاحيَّة المجاورة للجامع العتيق بمصر. وبه تُعرف إِلَى اليوم لأنّه درّس بها مدَّة.
وكان مِن أعيان الشّافعيَّة.
تُوُفّي فِي ذي القعدة.
7- أَحْمَد بْن أَبِي مَنْصُور مُحَمَّد بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمن بْن الزّبرقان [2] .
أبو العبّاس الأصبهانيّ: وُلِد سنة خمسمائة فِي رجب.
وسمع من: جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثّقفيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، وإسماعيل بْن الفضل الإخشيد.
وأجاز له أبو سعْد مُحَمَّد بْن عليّ السّرفرتج، وغانم البُرجيّ، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن مَنْدويْه الشُّرُوطيّ، والحسن بْن أَحْمَد الحدّاد، والحافظ شيروَيْه بْن شَهْردار الدَّيْلَميّ، وآخرون.
وحدَّث.
وهو من كبار شيوخ أصبهان الّذين أدركهم ابن خليل.
تُوُفّي في ذي القعدة في عشر المائة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن المظفّر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 232 قم 294، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 64، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 312، والمقفى الكبير للمقريزي 1/ 664 رقم 636، وحسن المحاضرة 1/ 189.
[2] انظر عن (أحمد بن أبي منصور) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 232، 233 رقم 295، وسير أعلام النبلاء 21/ 251 دون ترجمة.(42/57)
8- أَحْمَد بْن أَبِي نصر بْن أَبِي الرجاء.
أبو نُعَيْم الأصبهانيّ، الشّرابيّ.
له إجازة من أَبِي عليّ الحدّاد.
9- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه.
أبو إِسْحَاق الأُمويّ، الطّريانيّ، الإشبيليّ.
سمع من: أَبِي بَكْر بْن العربيّ، وأحمد بْن ثعبان.
وأخذ عن شُرَيْح قراءة نافع.
أَخَذَ عَنْهُ: أبو الرَّبِيع بْن سالم.
تُوُفّي فِي هَذَا العام أو بُعَيْده.
10- إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد [1] .
أبو الحسن الأصبهانيّ البنّاء.
تُوُفّي فِي صفر.
وقد حدَّث عن فاطمة بِنْت الْبَغْدَادِيّ أو فاطمة الْجُوزدانية.
حدَّث ببغداد.
- حرف الحاء-
11- الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عليّ [2] .
أبو عليّ بْن المكشوط الهاشميّ، الحريميّ.
وُلِد سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
وسمع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي غالب بن البنّاء.
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن أبي سعد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 219 رقم 263، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 251، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 383، وشذرات الذهب 4/ 306.
[2] انظر عن (الحسن بن هبة الله) في: تاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 20، والمختصر المحتاج إليه 2/ 28، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 227، 228 رقم 283.(42/58)
وتُوُفّي فِي شعبان.
روى عَنْهُ: يوسف بْن خليل.
12- الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن [1] بْن سعْد [2] .
الْإِمَام أبو الفضل الهَمَذّانيّ، اليَزْديّ [3] ، الحنفيّ.
حدَّث بِجُدَّة عن الشّريف شُمَيْلة بْن مُحَمَّد الحُسَيْنيّ.
وتُوُفّي بقوص قاصدا مصر، وحُمِل إِلَى مصر فدُفِن بالقرافة.
سمع منه: أبو الجود نَدَى بْن عَبْد الغنيّ.
وقيل إنّه كان تحت يده إحدى عشرة مدرسة [4] .
مات فِي ربيع الأوّل.
13- الْحُسَيْن بْن أَبِي خازم مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عليّ [5] .
أبو عَبْد اللَّه العَبْديّ، الواسطيّ.
حدَّث عن: أَبِي الْحَسَن بْن عَبْد السّلام.
وتُوُفّي فِي رجب.
سمع منه: ابن الدّبيثيّ.
- حرف الدال-
14- داود [6] .
__________
[1] انظر عن (الحسين بن أحمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 219 رقم 264، والجواهر المضية 1/ 207، والوافي بالوفيات 12/ 338 رقم 314، وحسن المحاضرة 1/ 197، والطبقات السنية للتميمي ج 1/ ورقة 824.
[2] في حسن المحاضرة «سعيد» .
[3] اليزدي: بفتح أوله وسكون ثانيه ودال مهملة. نسبة إلى يزد مدينة متوسطة بين نيسابور وشيراز وأصبهان، معدودة في أعمال فارس ثم من كورة إصطخر وهو اسم للناحية.
(معجم البلدان) .
[4] أو اثنتا عشرة مدرسة، وفيها من الطلبة ألف ومائة طالب. (التكملة) .
[5] انظر عن (الحسين بن أبي خازم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 226 رقم 279.
[6] انظر عن (داود) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 223 رقم 276، وعيون الأنباء في طبقات(42/59)
ويقال عَبْد اللَّه، الحكيم الفاضل، الشَّيْخ، السّديد أبو مَنْصُور ابن الشّيخ السّديد عليّ بْن دَاوُد بْن الْمُبَارَك. الطّبيب.
قرأ الطّب على: والده، وأبي نَصْر عدلان بْن عَيْن زربيّ.
وسمع بالإسكندريّة من: أَبِي الطّاهر إِسْمَاعِيل بْن عَوْف.
وانتهت إليه رئاسة الأطبّاء بالدّيار المصريّة، وخدم ملوكها، وحصّل دُنيا واسعة جدّا. وتخرَّج به جماعة.
تُوُفّي فِي منتصف جُمادى الآخرة.
وقيل: تُوُفّي فِي العام الآتي، فيُضمّ ما هنا إِلَى ما هناك.
- حرف الذال-
15- ذاكر بْن كامل بْن أَبِي غالب مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد [1] .
أبو القاسم بْن أَبِي عَمْرو الخفّاف، الحذّاء. أخو الْمُبَارَك.
بغداديّ مشهور. سمع بإفادة أَخِيهِ من: الْحَسَن بْن مُحَمَّد بن إسحاق الباقرحيّ، والمعمّر بْن مُحَمَّد بْن جامع البيّع، وأبي علي محمد بن محمد بن المهدي، وأبي سعْد أَحْمَد بْن الطُّيُوريّ، وأبي الغنائم بْن المهتدي باللَّه، وأبي طَالِب اليُوُسفيّ، وعبد اللَّه بْن السَّمَرْقَنْدي، ومحمد بْن عَبْد الباقي الدُّوريّ، وأبي العزّ القلانسيّ، وجماعة.
__________
[ () ] الأطباء لابن أبي أصيبعة 572- 576 وفيه اسمه: «القاضي الأجلّ السديد أبو المنصور عبد الله» ، وورّخ وفاته سنة 592 هـ.، والعبر 4/ 279 وفيه اسمه «عبد الله» ، والوافي بالوفيات 13/ 477 رقم 580، وحسن المحاضرة 1/ 540، وفيه اسمه «عبد الله» ووفاته سنة 592 هـ.، وشذرات الذهب 4/ 309 وفيه اسمه «عبد الله» ووفاته 592 هـ.
[1] انظر عن (ذاكر بن كامل) في: التقييد لابن نقطة 268 رقم 331، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 49، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 224، 225، رقم 278، والمختصر المحتاج إليه 2/ 66، 67 رقم 662، والعبر 4/ 276، والإعلام بوفيات الأعلام 243، وسير أعلام النبلاء 21/ 250، 251 رقم 130، والإشارة إلى وفيات الأعيان المنتقى من تاريخ الإسلام 307، والمعين في طبقات المحدّثين 181 رقم 1925، والوافي بالوفيات 14/ 36، 37 رقم 32، وشذرات الذهب 4/ 306.(42/60)
وأجاز له أُبَيٌّ النَّرْسِيّ، وأبو القاسم بْن بيان، وعبد الغفّار الشّيروييّ، وأبي عليّ الحدّاد، ومحمد بْن طاهر الحافظ، وأبو طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنّائيّ الدَّمشقيّ، وأبو الْحَسَن بْن الموازينيّ، وخلْق سواهم.
وحدَّث بالكثير. وكان صالحا خيّرا، قليل الكلام.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله بْن الدُّبَيْثِيّ، وسالم بْن صَصْرى، ويوسف بْن خليل، ومحمد بْن عَبْد الجليل الْبَغْدَادِيّ، وعليّ بْن معالي.
ذكره الحافظ زكيّ الدّين فِي «الوَفَيَات» [1] فقال: كان ذاكرا كاسمه، صبورا على قراءة الحديث. يقال إنّه أقام أربعين سنة ما رئي آكلا بنهارٍ.
تُوُفّي سادس رجب.
قلت: وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة مُحَمَّد بْن يعقوب ابن الدَّينَة.
وقد سمع منه: مَعْمَر بْن الفاخر، وأبو سعد السّمعانيّ.
قال ابن النّجّار: كان صالحا متدينا كثير الصّمت، يأكل من عمله. وكان أُميًّا لا يكتب. سمعتُ منه سنة تسعين.
ومولده سنة ستّ وخمسمائة.
- حرف الشين-
16- شجاع بْن مُحَمَّد بْن سيّدهم بْن عَمْرو بْن حديد بْن عسكر [2] .
الْإِمَام أبو الْحَسَن المُدْلجيّ، المصريّ، المالكيّ، المقرئ.
وُلِد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.
وقرأ القراءات على: أَبِي العبّاس أَحْمَد بْن الحطيئة. وسمع منه.
__________
[1] التكملة لوفيات النقلة 1/ 225.
[2] انظر عن (شجاع بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 220، 221 رقم 269، وتذكرة الحفاظ 4/ 1372، وسير أعلام النبلاء 21/ 251 دون ترجمة، والعبر 4/ 276، 277، ومعرفة القراء الكبار 2/ 575، 576، رقم 532، والوافي بالوفيات 16/ 188 رقم 130، وغاية النهاية 1/ 324، وطبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة، ورقة 153، 154، وحسن المحاضرة 1/ 497، 498، وشذرات الذهب 4/ 306، 307.(42/61)
ومن: عبد اللَّه بْن رِفاعة، وعبد المنعم بْن موهوب الواعظ، وأبي طاهر السِّلَفيّ.
ولقي من الفقهاء: أَبَا القاسم عَبْد الرَّحْمَن من الْحُسَيْن الْجَبّاب، وأبا حَفْص عُمَر بْن مُحَمَّد الذّهَبيّ.
وقرأ العربيّة على: أَبِي بَكْر بْن السّرّاج. وصَحب أَبَا مُحَمَّد بْن برّي.
وتصدَّر بجامع مصر، وأقرأ وحدَّث وانتفع به جماعة.
وآخر من قرأ عليه وفاة: أبو الْحَسَن عليّ بْن شجاع الضرير.
تُوُفّي فِي سابع عشر ربيع الآخر.
- حرف العين-
17- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر [1] .
أبو جَعْفَر الواسطيّ، المقرئ، الضّرير.
ولد بواسط سنة ثلاث وخمسمائة، وقرأ القرآن على: أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وغيره.
وسمع من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي غالب الماوَرْدِيّ، وأبي الْحَسَن عليّ بْن الزاغونيّ، وجماعة.
وأقرأ وحدَّث. وكان يسكن بباب الأَزَج من بغداد.
روى عَنْهُ: الدُّبيثيّ، ويوسف بْن خليل.
وتُوُفّي يوم عرفة [2] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن أحمد) في: مشيخة النعّال 121، 122، والمختصر المحتاج إليه 2/ 132، 133، رقم 860، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 437- 439 رقم 297، وسير أعلام النبلاء 21/ 251 دون ترجمة، وتذكرة الحفاظ 4/ 1372، ومعرفة القراء الكبار 2/ 563 رقم 519، ونكت الهميان 178، والوافي بالوفيات 17/ 17، 18 رقم 13، وغاية النهاية 1/ 406 رقم 1723.
[2] ورّخ ابن النجار وفاته في سنة 593 هـ. وقال: وقد جاوز التسعين. وكذا ورّخه الصفدي في: نكت الهميان، وابن الجزري في: غاية النهاية، ولكنه غلط فنسبه إلى الدبيثي.(42/62)
18- عَبْد اللَّه بْن صالح بْن سالم بْن خميس [1] .
أبو مُحَمَّد الأنباريّ، ثمّ الْبَغْدَادِيّ، الأَزَجيّ، الخبّاز.
سمع من: القاضي أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وإسماعيل بْن السَّمَرْقَنْديّ.
وتُوُفّي فِي ثاني جُمَادَى الآخرة.
19- عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن جواد [2] .
الْبَغْدَادِيّ الأزَجي.
سمع: أَبَا الفضل الأُرْمَويّ، وابن ناصر.
وحدَّث.
وتُوُفّي رحمه اللَّه فِي جُمَادَى الأولى.
20- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد المجيد بْن إِسْمَاعِيل [3] .
أبو القاسم المصريّ الأصل، ثُمَّ البغداديّ، الصّوفيّ.
ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
وسمع من: جدّه لأمّه عَبْد الرَّحمن بْن الْحَسَن الفارسيّ، وأبي الوقت، وأبي القاسم بْن البنّاء.
ووُليّ مشيخة رباط الزَّوزَنيّ.
وكان صالحا عابدا، سَرَدَ الصَّومَ مدَّة. وكان أَبُوهُ قدم بغداد وصار من أطبّاء المارستان العضديّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن صالح) في: تاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 93، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 223 رقم 274، والمختصر المحتاج إليه 2/ 145.
[2] انظر عن (عبد الله بن عمر) في: تاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 95، وإكمال الإكمال لابن نقطة (الظاهرية) ورقة 86، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 222 رقم 272.
[3] انظر عن (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) في: تاريخ ابن الدبيثي) باريس 5922) ورقة 103، ومرآة الزمان 8/ 448، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 230 رقم 290، والمختصر المحتاج إليه 2/ 162.
وسيعاد ثانية بعد قليل برقم (22) .(42/63)
وتُوُفّي أبو القاسم رحمه اللَّه فِي شوّال.
21- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد اللَّه [1] بْن سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن ذي النّون.
الحَجْريّ [2] ، حَجْر ذي رُعين، الأندلسيّ، المَرِيّيّ، الفقيه، الحافظ، الثَّبْت، أبو محمد بن عبيد الله الزّاهد.
أحد أئمّة الأندلس. وُلد فِي نصف ذي الحجّة سنة خمس وخمسمائة، وسمع «صحيح مسلم» من أبي عبد الله بْن زُغَيْبة.
وسمع من: أَبِي القاسم بْن وَرد، وأبي الْحَسَن بْن اللّوان، وأبي الْحَسَن ابن موهوب [3] الْجُذَاميّ.
ورحل إِلَى قرْطُبة فلقي بها: أَبَا القاسم بْن بَقِيّ، وأبا الْحَسَن بْن مغيث، وأبا عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبا جَعْفَر البِطْروْحيّ، وأبا بَكْر بْن العربيّ.
ولقي بإشبيليّة أَبَا الْحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبا عُمَر أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن صالح المقرئ الأزديّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن محمد بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 404، 405 رقم 261، والتكملة لكتاب الصلة 2/ 865- 871 رقم 2080، وملء العيبة 2/ 102، 105، 222، 227، 229، 363، 364، وتذكرة الحفاظ 4/ 1370، والإعلام بوفيات الأعلام 243، والمعين في طبقات المحدّثين 181 رقم 1926، وسير أعلام النبلاء 21/ 251- 255 رقم 131، والعبر 4/ 277، والإشارة إلى وفيات الأعيان 307، ومرآة الجنان 3/ 472، والوافي بالوفيات 17/ 575 رقم 480، والوفيات لابن قنفذ 297 رقم 591، وذيل التقييد 2/ 60، 61 رقم 1155 وفيه: «عبد الله بن عبد الله» ، وغاية النهاية 1/ 453، رقم 1895، وطبقات الحفاظ 487، وشذرات الذهب 4/ 289 و 307، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 120 رقم 1076.
وقد ذكر أيضا في من مات في السنة 591 هـ. في سير أعلام النبلاء 21/ 251 من غير ترجمة ولكن ورد باسم أبي محمد عبيد الله الحجري، ولم يتنبّه محقّق الكتاب إلى هذا الغلط.
[2] الحجري: بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم.
[3] في سير أعلام النبلاء 21/ 252 «موهب» .(42/64)
وقرأ «صحيح الْبُخَارِيّ» على شُرَيْح فِي سنة أربع وثلاثين.
وحضر سماعه نحو من ثلاثمائة نفس من أعيان طلبة البلاد فقرأه فِي إحدى وعشرين دولة بسماعه من: أَبِيهِ، وأبي عَبْد اللَّه بْن منظور عن أَبِي ذَرّ الهَرَويّ.
وكان النّاس يرحلون إِلَى شُرَيْح بسببه لكونه قد عيَّن تسميعه فِي كلّ رمضان.
وأجاز له القاضي عياض، وأبو بَكْر بْن فَنْدَلة، وجماعة.
وسمع أيضا مِن: مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز الكِلابيّ، وجعفر بْن مُحَمَّد البُرجيّ، وأبي بَكْر يحيى بْن خَلَف بْن النّفيس، وإبراهيم بْن مروان، ويوسف بْن عليّ القُضاعي القفّال.
وعُني بهذا الشّأن. وكان غاية فِي الوَرَع والصّلاح والعَدَالة. قاله الأَبّار [1] .
وقال: ولي الصّلاة والخطابة بجامع المَرِيَّة. وكان يعرف القراءات.
ودعي إِلَى القضاء فأبى. وخرج بعد تغلُّب العدوّ إِلَى مُرْسيَّة. وضاقت حاله بها، فقصد مالقة، وأجاز البحر إِلَى مدينة فاس. ثُمَّ استوطن سَبْتَة يُقرِئ ويُسمع، فبَعْد صِيتُه، وعلا ذِكرُه، ورحل النّاس إليه لعُلُوّ سَنَده، وجلالة قدرِه.
وكان له بَصَرٌ بصناعة الحديث، موصوفا بجَوْدة الفَهْم. استُدعي إِلَى حضرة السّلطان بمَرّاكُش لِيَسمع منه، فقدِمَها وبقي بها حينا، ثُمَّ رجع إِلَى سَبْتَة.
حدَّثنا عَنْه عالم من الْجِلَّة.
مولده سنة خمسٍ، وقيل: سنة ثلاث وخمسمائة.
وتُوُفّي بسَبْتَة فِي المحرَّم، وقيل فِي مُسْتَهل صفر. وكانت جنازته مشهودة.
__________
[1] في التكملة لكتاب الصلة.(42/65)
سمعتُ أَبَا الرَّبِيع بْن سالم يقول: صادَفَ وقتُ وفاته قحطا، أَضَرّ بالنّاس، فَلَمَّا وُضِعت جنازته على شفير قبره توسّلوا به إِلَى اللَّه فِي إغاثتهم فسُقط مِن تلك اللّيلة مَطَرًا وابلا. وما اختلف النّاس إِلَى قبره مدّة الأسبوع إلّا فِي الوحل والطّين.
قلت: قرأ بالسَّبع على شُرَيْح، وعلى يحيى بْن الخُلُوف، وعلى أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن أَبِي الحش بْن الباذش بكتاب «الإقناع» له.
وأقرأ القراءات لأبي الْحَسَن الشّاري، وغيره.
قال ابن فرتون: ظهرت له كرامات. ثنا شيخنا الراوية مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن غازي [1] ، عن بِنْت عمّه، وكانت صالحة، وكانت استحيضت مدَّةً، قَالَتْ: حُدّثت بموت ابن عُبَيْد اللَّه، فشقَّ عليَّ أن لا أشهده فقلت: اللَّهمّ إنْ كان وليّا من أوليائك فأمسِك عنّي الدّمَ حتّى أصلّي عليه. فانقطع عنّي لوقته، ثُمَّ لم أره بعد.
روى عَنْهُ: أبو عَمْرو مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَيْشون البكيّ، ومحمد بْن أَحْمَد بْن اليتيم الأندرشيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد اليحصُبيّ، ومحمد بْن عَبْد اللَّه القُرطُبيّ ابن الصّفّار، والشَّرَف مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه المُرسيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحْرِز الزُّهْريّ، وعبد الرَّحْمَن بْن القاسم السّرّاج، وأبو الخطّاب عُمَر بْن دِحْيَة الكلبيّ، وأخوه أبو عَمْرو عُثْمَان، وأبو الْحَسَن عليّ بْن الفخّار الشَّرِيشيّ، وأبو الْحَسَن عليّ بْن عَبْد اللَّه بن قطرال، وأبو الحَجّاج يوسف بْن مُحَمَّد الأزْديّ، وخلْق يطول ذِكرهم من آخرهم: أبو الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد الغافِقيّ، الشّاري، وإبراهيم بْن عامر الطَّوْسِيّ [2] ، ومحمد بْن الْجِرْج [3] نزيل الإسكندريّة، ومحمد بْن عَبْد اللَّه الأزْدي وبه خُتِم حديثه.
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 253 «غاز» ، والمثبت عن الأصل هو الصحيح كما في تكملة الصلة.
[2] الطّوسي: بفتح الطاء المهملة وسكون الواو. (المشتبه 2/ 421) .
[3] الجرج: بكسر الجيم، وسكون الراء، وجيم أخرى. (المشتبه 1/ 146، توضيح المشتبه 2/ 249) .(42/66)
مات الأزديّ سنة ستّين وستّمائة.
أخبرنا عَبْد المؤمن بْن خَلَف الحافظ، أَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ قراءة، أَنَا الحافظ أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الحَجْريّ، أَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن بَقِيّ، وأبو جَعْفَر أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن البطروحيّ قَالا: ثنا مُحَمَّد بْن الفَرَج الفقيه، ثنا يُونُس بْن عَبْد اللَّه القاضي، أَنَا أبو عِيسَى يحيى بْن عَبْد اللَّه: أنبا عمّ أَبِي عُبَيْد اللَّه بْن يحيى بْن يحيى، أَنَا أَبِي: نا مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الّذي تفوتُهُ صلاة العصر كأنّما وُتِر أهلَه ومالَه» [1] . متَّفقٌ عليه.
22- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد المجيد بن إسماعيل [2] .
أبو القاسم المصريّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ.
سمع من: جده لأمه عبد الرحمن بن الحسن الفارسي، وأبي الوقت، وسعيد بْن البنّاء، وهبة اللَّه بْن الشِّبليّ.
وولي مشيخة الرباط الزَّوْزنيّ. وكان أبوه أحد الأطبّاء ببغداد. وقدِمها وسكنها. وسمع الكثير.
وُلِد أبو القاسم بْن مُحَمَّد فِي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وتُوُفّي رحمه اللَّه كهلا فِي سابع شوّال.
23- عَبْد اللَّه بْن فُلَيْح.
أبو مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ، من قصر عَبْد الكريم.
روى عن: ابن العربيّ، وعَبّاد بْن سرحان، والقاضي عِياض وعليه اعتماده في الرواية.
__________
[1] رواه مالك في الموطّأ 1/ 11، 12 في وقوت الصلاة، باب جامع الوقوت، والبخاري 2/ 24 في المواقيت، باب: إثم من فاتته العصر، ومسلم في المساجد (626) باب:
التغليظ في تفويت صلاة العصر.
[2] تقدّم قبل قليل برقم (20) ويبدو أن المؤلّف- رحمه الله- قد سها، ولهذا ذكره مرتين.(42/67)
حدَّث، وولي القضاء بموضعه.
قال الأَبّار: ثنا عَنْهُ أبو مُحَمَّد النّاميسيّ، وأبو بَكْر بْن محرز.
وقال لي أبو الرَّبِيع بْن سالم: بقي إِلَى سنة إحدى وتسعين.
24- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه [1] .
الفقيه أبو المظفَّر الدَّمشقيّ، الشّافعيّ ابن عساكر. أخو زين الأُمَناء وإخوته.
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وتفقَّه على أَبِي الفتح بنجير بْن عليّ الأشتريّ، والقُطْب أَبِي المعالي مَسْعُود بْن مُحَمَّد النَّيْسابوريّ.
وسمع من: عمّيْه الصّائن هبة اللَّه، والثَّقة أَبِي القاسم.
وقرأ الأدب على محمود بْن نعمة بْن رسلان الشَّيْزريّ، النَّحْويّ.
وخرَّج أربعين حديثا، وحدَّث بمصر، ودمشق، والقدس، وحماه، وشَيْزَر، والإسكندريّة. ودرّس بدمشق بالتَّقَوية. وكان مجموع الفضائل.
قُتِلَ غيلة بظاهر القاهرة فِي ثامن ربيع الأول.
25- عَبْدِ اللَّه بْن مُحَمَّد بْن حمْد [2] .
أبو مُحَمَّد الأصبهانيّ، الخبّاز.
روى عن: إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الحافظ التَّيْميّ.
وعنه: يوسف بْن خليل.
تُوُفّي فِي ذي القعدة.
26- عَبْد الحق بْن هبة اللَّه بْن ظافر بْن حَمْزَة [3] .
الرئيس أبو صادق القُضاعي، الشّافعيّ، الْمَصْرِيّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 219، 220 رقم 265، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 128، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 217، 218، وطبقات الشافعية لابن كثير، ورقة 147 أ، ب، والعقد المذهب، ورقة 162.
[2] انظر عن (عبد الله بن محمد بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 233 رقم 296.
[3] انظر عن (عبد الحق بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 221، 222 رقم 271.(42/68)
سمع: عَبْد اللَّه بْن رفاعة، والسَّلَفيّ، وجماعة فأكثر.
روى عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ المغيريّ.
وتُوُفّي رحمه اللَّه فِي ربيع الأوّل.
27- عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن مَنْصُور [1] .
أبو مُحَمَّد الدّلّال البغداديّ، المعروف بالشاطر.
سَمِعَ: هِبَة اللَّه بْن الحُصَيْن.
وتُوُفّي فِي رجب.
28- عَبْد المؤمن بْن عَبْد الغالب بْن مُحَمَّد بْن طاهر بْن خليفة [2] .
أبو مُحَمَّد الشَّيْبانيّ الْبَغْدَادِيّ، الفقيه الحنبليّ، الورّاق.
وُلِد سنة بضع عشرة وخمسمائة.
وسمع: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا القاسم بْن السمرقندي ببغداد، وأبا الخير البَاغْبَان بهَمَذان.
وحدَّث.
روى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وجماعة.
وتُوُفّي رحمه اللَّه يوم عَرَفة.
29- عليّ بْن حسّان بْن مسافر [3] .
أبو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، الكاتب، الشّاعر، له شِعر جيّد خدم به الدّيوان الْعَزِيز فمنه قوله:
عَذِيري من الغضبان لا يعرف الرضا ... إذا لم يجد عتبا عليّ تعتّبا
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن المبارك) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 226 رقم 281، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 127.
[2] انظر عن (عبد المؤمن بن عبد الغالب) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 234 رقم 298، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 144، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 383، وشذرات الذهب 4/ 307.
[3] انظر عن (علي بن حسان) في: البداية والنهاية 13/ 11، 12 وفيه «سافر» .(42/69)
وما لي من دهري سوى أن خلعة ... خلِعت على أيّامها خلعَة الصِّبا
فللَّه ما أحلى الهوى وأَمَره ... وأَبْعد وصْل الغانيات وأقربا [1]
30- عليّ بْن هلال بْن خميس [2] .
أبو الْحَسَن الواسطيّ، الفاخرانيّ، الفقيه، الضّرير، الحنبليّ.
تفقّه ببغداد على أئمّتها.
وسمع: أَبَا الْحُسَيْن عَبْد الحقّ، وخديجة بِنْت النّهروانيّ.
والفاخَرا [3] قرية من سواد واسط.
31- عُمَر بْن أَبِي السّعادات بْن مُحَمَّد بن مكابر [4] .
__________
[1] ومن شعره:
نفى رقادي ومضى ... برق بسلع ومضا
كأنّه الأشهب في ... النقع إذا ما ركضا
فتحسب الريح أبدا ... نظرا وغمضا
آه له من بارق ... ضاء على ذات الأضا
فقال لي قلبي: أ ... توصي حاجة وأعرضا
يا غرض القلب لقد ... غادرت قلبي غرضا
فبتّ لا أرتاب في ... أنّ رقادي قد قضى
وأقبل الصبح لأطراف ... الدّجا مبيّضا
لاح كما سلّت يد ... الأسود عضبا أبيضا
يبدو كما تختلف الريح ... على جمر الغضا
أو شعلة النار علا ... لهيبها وانخفضا
أذكرني عهدا مضى ... على الغوير وانقضى
يطلب من أمرضه ... فديت ذاك الممرضا
لأسهم كأنما ... يرسلها صرف القضا
حتى قفا الليل وكان ... الليل أن ينقرضا
وسلّ في الشرق على الغرب ... ضياء وانقضى
[2] انظر عن (علي بن هلال) في: تاريخ ابن النجار (باريس) ورقة 69، 70، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 235، 236 رقم 300، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 284، وشذرات الذهب 4/ 307.
[3] في شذرات الذهب 4/ 307 «الفخرانيّة» وهي تصحيف.
[4] انظر عن (عمر بن أبي مكابر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 228، 229 رقم 286،(42/70)
أبو حَفْص الوكيل السَّقْلاطونيّ.
سمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا بَكْر القاضي.
وعنه: ابن خليل، وجماعة [1] .
32- عُمَر بْن الْمُبَارَك بْن أَبِي الفضل [2] .
العاقوليّ، ثُمَّ الأَزَجيّ، يُعرف بابن طرّويه.
سمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا الْحُسَن بْن الزّاغونيّ، وأبا البركات بْن حُبَيْش الفارقيّ.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ القُرَشيّ، وتميم البَنْدنيجيّ، ويوسف بْن خليل، وجماعة.
تُوُفّي فِي ذي الحجَّة عن ثمانين سنة.
- حرف الفاء-
33- فاطمة بِنْت أَبِي الغنائم عَبْد الواحد بْن أَبِي السّعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي عِيسَى مُحَمَّد بْن المتوكّل على اللَّه [3] .
الشّريفة أمّ عَبْد اللَّه الهاشميَّة العبّاسيَّة المتوكّليَّة البغداديّة.
رَوَت عن: الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك السّرّاج.
وتُوُفّيت فِي رمضان.
- حرف الميم-
34- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَلَف بْن عُبَيْد بن فحلون.
__________
[ () ] وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 205.
[1] وقال المنذري: وحدّث، وذكر ما يدلّ على أنه ولد في سنة ست عشرة وخمسمائة.
سمع منه الحافظ أبو المحاسن ومات قبله.
[2] انظر عن (عمر بن المبارك) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 236 رقم 301، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 203، والمختصر المحتاج إليه 3/ 110 رقم 962.
[3] انظر عن (فاطمة بنت أبي الغنائم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 228 رقم 285.(42/71)
أبو بَكْر السَّكْسَكيّ. نزيل شَرِيش.
روى عن: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي مروان بْن قرمان، وطائفة.
وحدَّث.
مات فِي شعبان بعد وَقْعة الأرْك الّتي كَانَت على الروم لَعَنَهم اللَّه بأيّام.
35- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، الحَظيريّ، السِّمسار، المعروف بالجِنّانيّ [2] .
كان يسكن محلَّة الشّمعيَّة.
سمع: أَبَا العزّ أَحْمَد بْن كادش، وأبا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء، وجماعة.
وكان صحيح السَّماع، عَسيرًا فِي التَّحْديث.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وغيره.
وتُوُفّي فِي رمضان.
والحظيرة: قرية كبيرة على يومَيْن من بغداد ممّا يلي الموصل.
وقال ابن النّجّار: مات فِي شوّال.
36- مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن [3] .
أبو المحاسن الأصبهانيّ التّاجر، المعروف بالأصفهبذ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد السمسار) في: تاريخ ابن الدبيثي (شهيد علي 1870) ورقة 14، وذيل تاريخ بغداد، له 1/ 132، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 229 رقم 287، والمختصر المحتاج إليه 1/ 15، والمشتبه 1/ 128، والقاموس المحيط 2/ 11، وتوضيح المشتبه 2/ 148، وتاج العروس 3/ 150.
[2] الجناني: بكسر الجيم وفتح النون. وقد تحرّفت النسبة في (القاموس المحيط) إلى:
«الجبائي» . وقال ابن ناصر الدين الدمشقيّ: كان مشهورا بالصلاح والزهد، فلذلك قيل له: الجناني.
[3] انظر عن (محمد بن الحسن الأصفهبذ) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 231، 232 رقم 293، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (شهيد علي 1870) ورقة 37، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 1/ 516، والمختصر المحتاج إليه 1/ 35، والإعلام بوفيات الأعلام 243، وسير أعلام النبلاء 21/ 251 دون ترجمة، والعسجد المسبوك 2/ 236.(42/72)
ولد سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وسمع: إِسْمَاعِيل بْن الإخشيذ، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وابن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ، وعثمان اللّبيليّ النَّيْسابوري الراويّ عن عُمَر بْن مسرور.
وحضَر أَبَا طاهر الدّشْتج [1] . وأجاز له أبو عليّ الحدّاد.
وهو ابن أخت الحافظ أَبِي العلاء أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْفَضْلُ الإصبهانيّ.
وقد حجّ سنة سبعين، وحدَّث ببغداد.
وعاش إِلَى هَذَا الوقت.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن أسود المقرئ، والحافظ مُحَمَّد بْن مُوسَى الحازميّ، ويوسف بْن خليل.
تُوُفّي فِي ثامن ذي القعدة. وكان صالحا، عفيفا، مُقرِئًا، تاجرا، رحمه اللَّه.
37- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن يحيى بْن المُعَوَّج [2] .
أبو بَكْر البغداديّ، الحريميّ، القزّاز.
سمع: أَبَا مَنْصُور بْن زُرَيق القزّاز، والبدر الكرْخيّ، وجماعة.
وحدَّث.
38- مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب [3] بْن عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن سُكَيْنة [4] .
أبو مَنْصُور.
__________
[1] ويقال: «الدشتي» ، وهو آخر من حدّث عن الحافظ أبي نعيم الأصبهاني، وكانت وفاته سنة 518 هـ.
[2] انظر عن (محمد بن الحسين بن يحيى) في: تاريخ ابن الدبيثي (شهيد علي 1870) ورقة 37، والمختصر المحتاج إليه 1/ 39، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 217 رقم 259.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الوهاب) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 60 رقم 269، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 222، 223 قم 273.
[4] سكينة: بضم السين المهملة وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وبعدها تاء تأنيث. قال المنذري: وهي أم جدّه أبي منصور علي بن علي.(42/73)
سمّعه أبوه الكثير من: نصر بن نصر العكبري، وأبي الوقت، وطبقتهما.
وحدَّث. وهو من بيت الحديث والتّصوّف.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة فِي أيّام أَبِيهِ [1] . وكان من كبار الفقهاء [2] .
39- مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَحْمَد بْن جامع [3] .
أبو عَبْد اللَّه بن البنّاء الشّافعيّ، المقرئ الصّالح.
كان منقطعا فِي مسجد القاهرة دهرا.
وقد سمع من: قاضي القضاة أَبِي المعالي مُجَلّي بْن جامع الأرسُوفيّ، وعمر بْن مُحَمَّد المقدّسي، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم الكيزانيّ.
وأقرأ. وحدّث، وانتفع به جماعة.
قال المنذريّ [4] : ثنا عَنْهُ أبو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عَبْد اللَّه الشّعبانيّ [5] .
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.
40- مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد رسلان بْن عَبْد اللَّه بْن شعبان [6] .
الفقيه أبو عَبْد اللَّه الشّارعيّ، الشّافعيّ، المقرئ بالشّارع.
وُلِدَ سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة.
وسمع من: أَبِيهِ رسلان، ومُجَلّي بْن جُمَيْع القاضي، وعثمان بن إسماعيل الشّارعيّ، وجماعة.
__________
[1] ومولده سنة 548 هـ.
[2] وقال المنذري: حدّث هو، وأبوه، وجدّه، وغير واحد من إخوته، وابنه محمد بن محمد بن عبد الوهاب.
[3] انظر عن (محمد بن عمر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 221 رقم 270، والمقفى الكبير 6/ 404 رقم 2884، وتحفة الأحباب للسخاوي 101.
[4] في التكملة.
[5] وزاد المنذري: وانقطع في المسجد الّذي بين البابين بالقاهرة مدة طويلة حتى عرف المسجد به فصار يقال: مسجد ابن البناء.
[6] انظر عن (محمد بن رسلان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 218 رقم 262، والكواكب الدرّية للمناوي 2/ 101.(42/74)
روى عَنْهُ: ابنه عَبْد الرَّحمن.
41- مُحَمَّد بْن الْمُبَارَك بْن أَحْمَد ابْن البُنّيّ [1] ، بالنّون.
أبو الفضل الواسطيّ.
حدَّث عن: أَبِي الكرم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد، وأبي السّعادات الْمُبَارَك بْن نَغُوبا.
تُوُفّي فِي المحرَّم، قاله الدُّبيثيّ.
- حرف النون-
42- ناشب بْن هلال بْن نَصِير [2] .
أبو مَنْصُور الحرَّانيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، ثمّ المُضَرِيّ، البَدِيهيّ.
ولد سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وسمع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي العزّ بْن كادش.
روى عَنْهُ: ابن خليل، وغيره.
وكان يتكلَّم فِي الأَعْزِية [3] ، ويقول الشِّعر على البديه [4] ، ولذا قيل له البديهيّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن المبارك) في: إكمال الإكمال لابن نقطة (الظاهرية) ورقة 60، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 217 رقم 260، والمشتبه 1/ 46، وتوضيح المشتبه 1/ 343.
[2] انظر عن (ناشب بن هلال) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 229، 230 رقم 288، والمختصر المحتاج إليه 3/ 217 رقم 1270، والتقييد لابن نقطة 470 رقم 635، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 370، ولسان الميزان 6/ 144 رقم 502. وديوان الإسلام 1/ 329 رقم 513، ودائرة معارف الأعلمي 29/ 31.
[3] وقع في (لسان الميزان) : «يعظ في المغازي» ، بالغين المعجمة، وهو تحريف.
[4] ومن شعره:
يحسدني كل من رآني ... إن كنت في موكب الأمير
والناس لا يعلمون أني ... يبيت خيلي بلا شعير
وقال ابن النجار: وسمعت رفيقنا أبا القاسم ابن الحمّامي يقول: ادّعى ناشب الحرّاني أنه سمع كتاب «الجليس والأنيس» من ابن كاوس فطولب بأصل سماعه، فأخرج طبقة بخط مجهول ظاهره الكذب، كلّها مصنوعة.
وقال ابن نقطة: حدّثني أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي قال: أخرج إليّ عبد المغيث ابن زهير رقعة فيها أسماء جماعة ممن كمل له سماع «المسند» من ابن الحصين، منهم:
ناشب بن هلال بن نصر الحراني.(42/75)
تُوُفّي فِي رمضان.
43- نَجَبَة بْن يحيى بْن خَلَف بْن نَجَبَة بْن يوسف بْن نَجَبَة [1] .
الْإِمَام أبو الْحَسَن الرُّعَيْنيّ، الإشبيليّ، المقرئ، المجوِّد، النَّحْويّ.
وُلِد بعد العشرين، وأخذ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي مُحَمَّد بْن شُعَيب اليابُرِيّ، وأبي جعفر بن عيشون.
وسمع منهم، ومن صهره أبي مروان عبد الملك بن الباجي، وأبي بكر بن العربيّ، وأبي بكر محمد بن عبد الغنيّ بن فندلة، ومحمد بن أحمد بن طاهر القيسيّ، وأبي الحسن بن لبّ.
وأجاز له عتيق بن محمد.
وتصدّر بإشبيليّة للإقراء والنّحو.
روى عنه: أبو الربيع بن سالم الكلاعيّ، وجماعة.
وذكره الأبّار فأثنى عليه وقال: كان إماما مقدَّمًا فِي الصَّلاح والتّواضع.
واستوطنَ مَرّاكُش مدَّةً، وأقرأ بها وبإفريقية.
وكان مقرئا محقِّقًا، ونَحْويًا حافظا.
حدَّث عَنْهُ جماعة من جِلَّة شيوخنا.
وتُوُفّي فِي جمادى الآخرة بشريش [2] وله سبعون سنة.
__________
[1] انظر عن (نجبة بن يحيى) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 224 رقم 277، وتكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 758، 759، ووقع في المطبوع «نجبة» بضم النون، وهو خطأ، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 337، ومعرفة القراء الكبار 2/ 564، رقم 520، وتذكرة الحفاظ 4/ 1371، والإشارة إلى وفيات الأعيان 307، وغاية النهاية 2/ 334، وتوضيح المشتبه 2/ 36، 37، وطبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة، ورقة 256، 257، وبغية الوعاة 2/ 312 رقم 2056، وهو في سير أعلام النبلاء 21/ 251 من دون ترجمة.
وقد قيّد ابن الصابوني «نجبة» بالنون المفتوحة والجيم والباء الموحّدة.
[2] شريش: بفتح أوله وكسر ثانيه ثم ياء مثنّاة من تحت. مدينة كبيرة من كورة شذونة، وهي قاعدة هذه الكورة، واليوم يسمّونها: شرش. (معجم البلدان 3/ 285) .(42/76)
44- نصر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مَنْصُور بْن أَحْمَد [1] .
أبو الفتح القُرَيْشيّ، الدَّمشقيّ، والد مُحَمَّد.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.
وهو ابن أخي الشّيخ أَبِي البَيَان.
- حرف الهاء-
45- هبة اللَّه بْن صَدَقَة بْن هبة اللَّه بْن ثابت بْن عُصْفور [2] .
أبو البقاء الأَزَجيّ، الصّائغ.
ولد سنة خمسمائة. وسمع في كبره من: أبي الْحَسَن بْن عَبْد السَّلام، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وأبي البدر الكرْخيّ، وطبقتهم.
وحدَّث. وخرَّج مجاميع، وصنَّف فِي الردّ على الرافضة وَفِي الردّ على أَبِي الوفاء على بْن عقيل فِي نُصْرة الحلّاج.
روى عَنْهُ: إلياس بْن جامع، ويوسف بْن خليل.
تُوُفّي فِي شوّال.
- حرف الياء-
46- يحيى بْن الخَضِر بْن يحيى بْن مُحَمَّد [3] .
أبو زكريّا الأُرْمَويّ.
شيخ صالح دمشقيّ.
سمع من: جمال الْإِسْلَام عليّ بن المسلم.
__________
[1] انظر عن (نصر بن عبد الرحمن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 223 رقم 275.
[2] انظر عن (هبة الله بن صدقة) في: مشيخة النعّال 120، 121، والمختصر المحتاج إليه 3/ 223، 224 رقم 1290، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار (الظاهرية) ورقة 119 في ترجمة «عبد الملك بن غنيمة بن عبد الملك الطحان» ، والأعلام 9/ 60، ومعجم المؤلفين 13/ 139.
[3] انظر عن (يحيى بن الخضر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 231 رقم 291.(42/77)
وحدَّث.
وتُوُفّي فِي عاشر شوّال.
47- يحيى بْن عليّ بن أحمد بن عليّ [1] .
الخرّاز، أبو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ، الحريميّ.
وُلِد سنة سبْعٍ وخمسمائة.
وسمع من: أَبِي عليّ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المهديّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن المهتدي باللَّه، وهبة اللَّه بْن الحُصْين، وأحمد بْن البنّاء، وغيرهم.
والخرّاز: براء ثُمَّ زاي، وهو من بيت حديث. روى هُوَ، وأبوه، وابنه عَبْد اللَّه.
روى عنه: الدُّبيثيّ، وابن خليل.
وتُوُفّي فِي ثاني عشر ذي الحجَّة.
48- يَمَان بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن خميس [2] .
الفقيه أبو الخير الرُّصافيّ، الواسطيّ، الشّافعيّ.
دُفِن برُصافة واسط.
وقد تفقّه ببغداد على: أَبِي المحاسن يوسف بْن بُنْدار.
وسمع من: أَحْمَد بْن الْمُبَارَك المُرَقَّعاتيّ.
واشتغل ببلده وأفتى.
وهذه الرُّصافة تحت واسط بستَّة فراسخ، وهي قرية كبيرة. والرُّصافة بالشّام بلد بناه هشام بْن عَبْد الملك. وبهذا الاسم محلَّة ببغداد، وأخرى بالكوفة، وبُلَيْدَة بقرب البصرة، وموضع بالأنبار، وموضع بقُرطبة، وأخرى
__________
[1] انظر عن (يحيى بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 235 رقم 299، والمختصر المحتاج إليه 3/ 245 رقم 1351، والمشتبه 1/ 161، وسير أعلام النبلاء 21/ 251.
[2] انظر عن (يمان بن أحمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 237 رقم 304، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 592، وطبقات الشافعية لابن كثير، ورقة 159 أ، والعقد المذهب لابن الملقّن، ورقة 165، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، ورقة 113.(42/78)
ببلَنْسِية، وأخرى بنَيْسابور، وأخرى بقرب إفريقية. ذكر العشرة الحافظ زكيّ الدّين فِي وفاة يَمان، وأنّها تقريبا فِي سنة إحدى وتسعين.
وفيها وُلد: إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل المقدسيّ أخو أَبي شامة.
والنَّجْم مُحَمَّد بْن عليّ بْن المظفَّر النشبيّ، والتّاج عَبْد الوهّاب ابن زين الأُمَناء، والسّيف يحيى بْن الحنبليّ، وعبد الواحد بْن عليّ الهَكّاريّ، والجمال مُحَمَّد بْن عَبْد الجليل ابن الموقاتيّ بالقدس.(42/79)
سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة
- حرف الألف-
49- أَحْمَد بْن طارق بْن سِنان [1] .
أبو الرضا الكَرْكيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ المَوْلد، التّاجر، المحدّث [2] .
ولد سنة سبع وعشرين [3] وخمسمائة فِي ربيع الأوّل.
وسمع من: أَبِي مَنْصُور موهوب بن الجواليقيّ، وأبي الفضل بن الأرمويّ، وابن ناصر، وأحمد بْن طاهر المَيْهنيّ، ونصرْ بْن نصْر، وسعيد بْن البنّاء، وهبة اللَّه الحاسب، ومحمد بْن طِراد النّقيب، وأبي بَكْر بن
__________
[1] انظر عن (أحمد بن طارق) في: المشترك وضعا 371، 372، ومعجم البلدان 4/ 361، وإكمال الإكمال لابن نقطة (مخطوطة الظاهرية) (الكركي) ، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 270، 271 رقم 367، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 189، وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 1890، والإشارة إلى وفيات الأعيان 307، والمختصر المحتاج إليه 1/ 186، والمعين في طبقات المحدّثين 181 رقم 1927، والإعلام بوفيات الأعلام 244، وميزان الاعتدال 1/ 105، رقم 412، والمغني في الضعفاء 1/ 42 رقم 313، وسير أعلام النبلاء 21/ 270- 272 رقم 144، والعبر 4/ 278، والمشتبه 1/ 55، والوافي بالوفيات 6/ 426، 427 رقم 2945/ 3، والفلاكة والمفلوكين للدلجي 89، وتوضيح المشتبه 7/ 321، ولسان الميزان 1/ 188 رقم 597، والنجوم الزاهرة 6/ 140، والمنهل الصافي 1/ 304، 305 رقم 304، وشذرات الذهب 4/ 308، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) القسم الثاني ج 1/ 303- 305 رقم 143.
[2] في هامش الأصل: ث. هذه الكرك الّتي ينسب إليها أحمد بن طارق ذكرها ياقوت وضبطها بفتح الكاف والراء في كتابه «المشترك» وقال: هي قلعة مشهورة في طرف البلقاء من أرض الشام من ناحية أيلة ثم قال: الثاني كرك أيضا بالتحريك قرية كبيرة من نواحي بعلبكّ فيها قبر طويل يزعم أهل تلك النواحي أنه قبر نوح عليه السلام» .
[3] في معجم البلدان: سنة 529 هـ. وفي المشترك وغيره 527 هـ.(42/80)
الزّاغونيّ [1] ، وسعد الخير البَلَنْسيّ، ومحمد بْن عَبْيد اللَّه الرُّطَبيّ، والمبارك بْن الشَّهْرُزُوريّ، وعبد الملك الكَرُّوخيّ.
وبالكوفة من: أَبِي الْحَسَن مُحَمَّد بْن غبرة.
وبمكَّة من عَبْد الرحيم ابن شيخ الشّيوخ، وبدمشق من: أبي القاسم الحسين بن البنّاء، وناصر بْن عَبْد الرَّحمن النّجّار، وحمزة بْن كرّوس، وجماعة.
وبمصر من: عَبْد اللَّه بْن رفاعة، وأحمد بْن الحُطَيْئة، وعليّ بْن هبة اللَّه الكامليّ، وبالثّغر من: أَبِي طاهر بْن سِلفَةَ.
وحدَّث بهذه البلاد.
قال ابن الدُّبيثيّ [2] : كان حريصا على السّماع، وتحصيل المسموعات، مع قلَّة معرفة بالنّسبة إِلَى طَلَبه. وكان ثقة.
وقال المنذريّ [3] : هُوَ من الكَرْكِ، قرية بجبل لبنان، بسكون الراء. وأمّا البلد المشهور فبالتّحريك.
قلتُ: أراد كرْك نوح، وهي بُلَيْدَة بالبقاع. ولم أسمع أحدا قيّده بالسُّكون سوى المنذريّ، بلى وابن نقطة [4] .
__________
[1] في المنهل الصافي 1/ 304 «الزعفرانيّ» ، وهو غلط. وصحّحها المحقّق بالحاشية.
[2] في ذيل تاريخ بغداد، ورقة 189.
[3] في التكملة لوفيات النقلة 1/ 271.
[4] يقول خادم العلم محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :
أخطأ ياقوت الحموي في كتابه «المشترك وضعا» ص 371، 372- حين نسبه إلى قلعة الكرك التي في طرف البلقاء، إذ قال في باب الكرك:
«موضعان بفتح الكاف والراء وكاف. الكرك قلعة مشهورة حصينة في طرف البلقاء من أرض الشام من ناحية جبل الشراة، ينسب إليها أحمد بن طارق بن سنان بن محمد بن طارق القرشي أبو الرضا التاجر من طلّاب الحديث المكثرين..» .
ثم قال: والكرك أيضا قرية كبيرة من نواحي بعلبكّ.(42/81)
روى عن ابن طارق: أبو الْحَسَن عليّ بْن المفضّل، وأبو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، ويوسف بْن خليل.
وذكره الحافظ الضّياء فِي شيوخ الإجازة، وقال: كان شيعيّا غاليا.
قال ابن النّجّار: لم يزل يطلب إِلَى أن مات، وكان يُوادُّني. وكان صدوقا ثبتا، طيّب المعاشرة، إلّا أنّه كان غاليا فِي التّشيُّع، شحيحا، مقنطا على نفسه، يشتري من لُقَم المُكِدِّين، ويتبع المحدّثين ليأكل معهم، ولا يُشِعل فِي بيته ضوءا وخلّف تجارة تساوي ثلاثة آلاف دينار.
مات وحده ولم يعلم به أحد.
قال عَبْد الرّزّاق الجيليّ: كان ثقة ثَبْتًا مع فساد دِينه.
وقال ابن نقطة [1] : كان متقنا، خبيث الاعتقاد، رافضيّا.
مات فِي سادس عشر ذي الحجَّة. وبقي فِي بيته أيّاما لا يُدرَى به، وأكلت الفأرة أُذُنَيْه وأنْفَه كما قيل.
قلت: كان جدّه سِنان قاضي كَرْك البقاع [2] .
50- أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن حُرَيْث بْن مضاء بْن مهنَّد بْن عُمَيْر [3] .
أبو الْعَبَّاس، وأبو جَعْفَر اللَّخْميّ، القرطبي، قاضي الجماعة.
__________
[1] في إكمال الإكمال، نسخة الظاهرية.
[2] وقال ابن تغري بردي في (المنهل الصافي 1/ 304) : «وكان أبوه قاضيا بها» .
[3] انظر عن (أحمد بن عبد الرحمن) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 79، وبغية الملتمس للضبيّ 193، وجذوة الاقتباس 71، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 1/ 212- 223 رقم 291، والروض المعطار 578، 579، والديباج المذهب 47، وغاية النهاية 1/ 66، والإعلام بمن حلّ مراكش وأغمات من الأعلام 1/ 233، وبغية الوعاة 1/ 139، وكشف الظنون 494، 495، 839، 1693، وروضات الجنات 83، ومعجم المؤلفين 1/ 268.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في: سير أعلام النبلاء 21/ 272 دون أن يترجم له.(42/82)
عرض «الموطّأ» على أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَصْبَغ.
وسمع من: أَبِي جَعْفَر البِطْروحيّ، وأبي جَعْفَر بْن عَبْد الْعَزِيز.
وكان قد أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي القاسم بْن رضا.
ورحل إِلَى إشبيلية فأخذ عن شُرَيْح بْن مُحَمَّد قراءة نافع، وقراءة ابن كثير.
وسمع من: أَبِي بَكْر بْن العربيّ، وطائفة.
لكنه امتُحِن بضياع أسْمِعَته. وكان بارعا فِي عِلم العربيَّة. وُليّ قضاء فاس، ثُمَّ نُقل إِلَى قضاء الجماعة بمراكش عند وفاة القاضي أَبِي مُوسَى عِيسَى بْن عِمران سنة ثمانٍ وسبعين.
وكان جميل السّيرة، إماما، مُتْقِنًا، روى عَنْهُ جماعة.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى وقد شارف الثّمانين.
وله «المُشْرِق فِي إصلاح المنِطق» ، وكتاب «تَنْزيه القرآن عمّا لا يليق بالبيان» .
ورّخه الأَبّار [1] .
وقال أبو الخطّاب بْن دحية: سمعتُ منه «صحيح مُسْلِم» ، بسماعه من ابن جابر الأسديّ [2] .
__________
[1] في تكملة الصلة 1/ 79.
[2] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان مقرئا مجوّدا محدّثا مكثرا، قديم السماع، واسع الرواية، عاليها، ضابطا لما يحدّث به، ثقة فيما يأثره. نشأ منقطعا إلى طلب العلم، وعني أشدّ العناية بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم، فكان أحد من ختمت به المائة السادسة من أفراد العلماء وأكابرهم، ذاكرا لمسائل الفقه، عارفا بأصوله، متقدّما في علم الكلام، ماهرا في كثير من علوم الأوائل كالطب والحساب والهندسة، ثاقب الذهن، متوقّد الذكاء، وغير ذلك متين الدين، طاهر الغرض، حافظا للغات، بصيرا بالنحو، مختارا فيه، مجتهدا في أحكام العربية، منفردا فيها بآراء ومذاهب شذّ بها عن مألوف أهلها، وصنّف فيما كان يعتقده فيها كتاب «المشرق» المذكور، و «تنزيه القرآن عن ما لا يليق بالبيان» ، وقد ناقضه في هذا التأليف أبو الحسن بن محمد بن خروف وردّ عليه بكتاب سمّاه «تنزيه أئمّة النحو عن ما نسب إليهم من الخطأ والسهو» ، وكان بارعا في فنّ التصريف من العربية، كاتبا بليغا شاعرا مجيدا متحقّقا في معقول ومنقول، غير أنه أصيب بفقد أصول أسمعته عند(42/83)
51- أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن حُرَيث بْن عاصم.
أبو جَعْفَر اللَّخْميّ الشَّريشيّ. أبو جعفر، وأبو القاسم.
روى عن: مُحَمَّد بْن أَصْبَغ، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وعِياض، والبِطْروحيّ، وطائفة.
وُلّي قضاء فاس، ثُمَّ قضاء الجماعة بمرّاكُش.
وحدَّث عَنْهُ جماعة.
مات فِي جُمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين عن ثمانين سنة إلّا سنة.
قلت: النّسخة المنقول منها سقيمة، كأنّه اثنتين وسبعين.
52- أَحْمَد بْن عليّ بْن يحيى بْن بَذّال [1] .
أبو الْعَبَّاس الحريميّ، المعروف بابن النّفيس المُسْتَعْمَل.
وُلِد سنة تسعٍ وخمسمائة.
وسَمِع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء، وأبا المواهب أَحْمَد بْن ملوك، وجماعة.
سمع منه: أَبُو المحاسن عُمَر بْن عليّ ومات قبله بزمانٍ [2] ، ويوسف بْن خليل، وغير واحد.
__________
[ () ] استيلاء الروم دمّرهم الله على المرية. وكان طيّب النفس، كريم الأخلاق، حسن اللقاء، جميل العشرة، لم ينظر قطّ على إحنة لمسلم، عفيف اللسان، صادق اللهجة، نزيه الهمّة، كامل المروءة.
وقد طوّل المراكشي في ترجمته وأخباره، وأورد له بيتين قالهما وقد اشتاق إلى قرطبة:
يا ليت شعري، وليت غير نافعة ... من الصبابة هل في العمر تنفيس
متى أرى ناظرا في جفن قرطبة ... وقد تغيّب عن عيني نفيس
(الذيل والتكملة) وانظر البيتين في (الروض المعطار 579) وقد وقع فيه خطان في البيت الثاني.
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: إكمال الإكمال لابن نقطة (الظاهرية) ورقة 31 وفيه: «أبو الفضل محمد بن يحيى بن بذال» وهو وهم، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 204، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 239 رقم 305، والمختصر المحتاج إليه 1/ 197.
و «بذّال» : بفتح الباء الموحّدة وتشديد الذال المعجمة وبعد الألف لام.
[2] مات قبله بسبع عشرة سنة.(42/84)
تُوُفّي فِي المحرَّم.
53- أَحْمَد بْن عليّ بْن طَلْحَةَ [1] .
أبو الْعَبَّاس الواسطيّ، الشّاهد.
وُلِد سنة تسع عشرة وخمسمائة.
وسمع: أَبَا الكَرَم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَخْلَد، وسعْد بْن عَبْد الكريم الغُنْدُجانيّ، وعلي بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام.
وحدَّث. ووُلّي نيابة الحُكْم بواسط، وبها تُوُفّي فِي صَفَر.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، وغيره.
54- أحمد بن عمر بن بركة [2] .
الأَزَجيّ، البزّاز، المعروف بابن الكزليّ [3] .
حدَّث عن: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي الْحَسَن بْن الزّاغونيّ، وأبي بَكْر الأنصاريّ.
وعنه: ابن خليل.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
55- أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن الْحسن [4] .
أبو الرّضا الباذَبِينِيّ [5] ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ التّاجر ابن الزّقطرّ [6] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي بن طلحة) في: تاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 204، 205، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 246 رقم 318، والمختصر المحتاج إليه 1/ 197.
[2] انظر عن (أحمد بن عمر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 247 رقم 321،
[3] في التكملة: «الكرلي» بالراء.
[4] انظر عن (أحمد بن مسعود) في: معجم البلدان 1/ 461، وإكمال الإكمال لابن نقطة (الظاهرية) ورقة 47، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 229، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 247، 248 رقم 323، والمختصر المحتاج إليه 1/ 217.
[5] الباذبيني: قيّدها ابن نقطة بفتح الذال المعجمة وكسر الباء المعجمة بواحدة، وسكون الياء المعجمة من تحتها باثنتين، وكسر النون.
وقال ياقوت: باذبين: قرية كبيرة كالبلدة تحت واسط على ضفة دجلة.
[6] في الأصل: «الزقطز» بزايين. وقد قيّده ياقوت بالحروف فقال: بالزاي والقاف والطاء المهملة والراء مشدّدة.(42/85)
سمع من: أَبِي البركات يحيى بْن حُبَيْش، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وحدَّث.
وتُوُفّي فِي رابع ربيع الآخر. ومولده سنة سبع وخمسمائة.
56- أَحْمَد بْن هبة اللَّه [1] بْن أسعِد [2] .
أبو العبّاس بْن الثّخين [3] الْبَغْدَادِيّ، الحنفيّ.
سمع: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبا الوقت روى عَنْهُ: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز.
ورّخه ابن النّجّار فِي رجب.
57- إِبْرَاهِيم بْن الشَّيْخ عَبْد القادر بْن أَبِي صالح [4] .
الجيليّ [5] . سمع من: أَبِي الوقت، وسعيد بْن البنّاء.
وتُوُفّي بواسط.
قَال الدّبيثيّ [6] : ما أظنّه حدّث لاشتغاله بالمعاش.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 258، 259 رقم 343، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 236، والجواهر المضية 1/ 345 رقم 272، والطبقات السنية، رقم 408.
[2] في التكملة «سعد» ، والمثبت يتفق مع بقية المصادر.
[3] في الجواهر: «المعروف بابن النخعي» ، وفي الطبقات السنية «البختي» .
[4] انظر عن (إبراهيم بن عبد القادر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 272، 273، رقم 371، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 261، والمختصر المحتاج إليه 1/ 231، وقلائد الجواهر للتادفي 44.
[5] الجيلي: بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها لام. بلاد متفرقة وراء طبرستان.
ويقال لها أيضا: جيلان، وكيلان.
[6] في تاريخه، ورقة 261.(42/86)
58- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد [1] بْن أَحْمَد بْن حَمَدِيَّةَ [2] .
أبو طاهر العُكْبَرِيّ، البيّع. أخو عَبْد اللَّه.
سمَّعه أَبُوهُ الكثير، وسمع بنفسه، وكتب بخطّه. وروى الكثير عن:
هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب الماوَرْديّ، وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الشُّرُوطيّ، وزاهر الشّحّاميّ.
وكان صحيح السَّماع.
روى عَنْهُ: الدُّبيثيّ، وابن خليل، وجماعة.
وكان مولده سنة عشر أو اثنتي عشرة وخمسمائة.
وتوفّي فِي صَفَر بعد أَخِيهِ عَبْد اللَّه بعشرين يوما.
59- إِسْمَاعِيل بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الْعَزِيز [3] .
أبو مُحَمَّد الحريميّ، السِّمِّذيّ [4] ، الخبّاز.
سمع عمّه: الْمُبَارَك بْن عليّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، ويحيى بْن الطراح، وأبي مَنْصُور مُحَمَّد بْن خيرون، وجماعة.
روى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وجماعة.
وتُوُفّي في صفر.
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن محمد) في: مشيخة النعّال 126- 128، والتقييد لابن نقطة 193 رقم 222، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 134، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 245 رقم 316، وتلخيص مجمع الآداب 5/ 206، والمختصر المحتاج إليه 1/ 234، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 449، 450، والمشتبه 1/ 249، وسير أعلام النبلاء 21/ 272 دون ترجمة، وتوضيح المشتبه 3/ 319، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 208، 209.
[2] في الأصل: «حمديّة» بسكون الميم. والمثبت عن: مشيخة النعّال، حيث ضبطه في ترجمة أخيه «عبد الله» الآتي برقم (74) ، وانظر: المشتبه، وتوضيح المشتبه.
[3] انظر عن (إسماعيل بن أبي بكر) في: مشيخة النعّال 125، 126، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 248، والمختصر المحتاج إليه 1/ 245.
[4] السّمّذي: بكسر السين المهملة وتشديد الميم المكسورة، وقيل بفتحها، نسبة إلى سمذ وهو نوع من الخبز الأبيض الّذي يعمل لخواص الناس.(42/87)
60- أشرف بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم [1] .
أَبُو الفضل الهاشميّ.
روى عن: جدّه لأمّه أَبِي الفضل الأُرْمَويّ.
وكان يمكنه أن يسمع من ابن كادش، ونحْوه، لأنّه وُلِد فِي حدود سنة خمس عشرة وخمسمائة.
- حرف الباء-
61- بَلْقيس بِنْت سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن الوزير نظام المُلْك الحَسَن بْن عليّ بْن إِسْحَاق الطُّوسيّ [2] .
المَدْعُوَّة خاتون.
وُلِدت بأصبهان سنة سبع عشرة وخمسمائة، ونشأت بها.
وسمعت من: فاطمة الْجَوْزدانيَّة [3] ، وسعيد بن أبي الرجاء، والحسين بن عبد الملك الخلّال.
سمع منها جماعة.
وحدّث عَنْهَا: يوسف بْن خليل، وغيره.
تُوُفِّيت فِي ثامن رجب.
- حرف التاء-
62- تميم بْن أَبِي الفتوح بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم [4] .
أبو رشيد الأصبهانيّ، المقرئ، الخلّال.
__________
[1] انظر عن (أشرف بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 264، 265 رقم 357، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 257.
[2] انظر عن (بلقيس بنت سليمان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 259، 260 رقم 345، والمختصر المحتاج إليه 3/ 258 رقم 1388، والوافي بالوفيات 10/ 287 رقم 4795، وذكرها المؤلّف- رحمه الله- في: سير أعلام النبلاء 21/ 272 ولم يترجم لها.
[3] في الوافي: «الجوذرانية» .
[4] انظر عن (تميم بن أبي الفتوح) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 264 رقم 356.(42/88)
سمع: مُحَمَّد بْن علي بْن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ.
وعنه: ابن خليل.
تُوُفّي فِي رمضان.
- حرف الحاء-
63- الْحَسَن بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْد اللَّه [1] .
القاضي الأَجَلّ أبو المكارم التَّميميّ، السَّعْديّ، الأغلبيّ، ابن الجبّاب [2] .
ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.
وحدَّث عن: السِّلَفيّ.
وقد وُلّي قضاء الإسكندريّة سنة أربعٍ وستّين. وإلى أن تُوُفّي.
وكان يُراجع الفقيه أَبَا الطّاهر بْن عوف فيما يشكلَ عليه من الأحكام.
وهو من بيت حشمة وجلالة.
64- الْحَسَن بْن عليّ، ويقال الْمُبَارَك، بْن عليّ بْن الْمُبَارَك [3] .
أبو عليّ المؤدّب البغداديّ، ويُعرف بابن الحلاويّ.
سمع من: ابْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء.
وعنه: ابن خليل، وغيره.
وتُوُفّي فِي صَفَر.
65- الحسين بن عبد الرحمن بن الحسين [4] .
__________
[1] انظر عن (الحسن بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 253، 254 رقم 336، والسلوك للمقريزي ج 1 ق 1/ 139.
[2] في السلوك «الحباب» بالحاء المهملة.
[3] انظر عن (الحسن بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 243، 244 رقم 313، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 11، وتلخيص مجمع الآداب ج 4/ رقم 1444، والمختصر المحتاج إليه 1/ 286.
[4] انظر عن (الحسين بن عبد الرحمن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 251 رقم 330.(42/89)
أبو عَبْد اللَّه الواسطيّ.
روى عن: نصر اللَّه بْن الْجَلَخْت، ومحمد بْن عليّ الْجُلّابيّ.
وتوفّي فِي جُمادى الأولى.
- حرف السين-
66- السّديد شيخ الأطِبّاء بمصر [1] .
هُوَ أبو مَنْصُور عَبْد اللَّه بن عليّ. ولقبه أيضا شرف الدّين، وإنّما غلب عليه لقب أبيه السّديد أبي الحسن.
أخذ الصّناعة عن الموفّق عدنان بن العين زربيّ. وبرع في الفنّ، وخدم العاضد العبيديّ وجماعة قبله. وحصّل أموالا عظيمة، ونال الحرمة والجاه العريض، وعمّر دهرا. وكان أبوه طبيبا للدّولة أيضا.
وممّن أخذ عن أبي منصور: نفيس الدّين ابن الزُّبيْر شيخ الأطبّاء.
فحكى عَنْهُ أنّه دخل مع أَبِيهِ على الآمر بأحكام اللَّه.
قال ابن أَبِي أُصْيَبْعَة [2] : وحدَّثني أسعد الدّين عَبْد الْعَزِيز بْن الْحَسَن أنّ الشّيخ السّديد حصل له فِي يومٍ واحد من الدّولة ثلاثون ألف دينار.
وقال لي نفيس الدّين ابن الزُّبَيْر عَنْهُ إنّه طهَّرَ ابني الحافظ لدين اللَّه، فحصل له من الذَّهب نحو خمسين ألف دينار. وما زال شيخ الأطبّاء إِلَى أن مات. وكان صلاح الدّين يحترمه ويعتمد عليه فِي الطّبّ.
67- سعْد بْن عُثْمَان بْن مرزوق بْن حُمَيْد [3] .
القُرَشيّ، الزّاهد أبو الخير ابن الفقيه أَبِي عَمْرو المصريّ، الحنبليّ.
__________
[1] انظر عن (السديد) في: عيون الأنباء 2/ 209، والعبر 4/ 279، وسير أعلام النبلاء 21/ 389، 390 رقم 196، وشذرات الذهب 4/ 309.
[2] في عيون الأنباء.
[3] انظر عن (سعد بن عثمان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 248 رقم 324، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 61. والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 484- 387.(42/90)
خرج من مصر قديما، وسكن بغداد، وتفقّه بها على مذهب أَحْمَد.
وسمع من: أَبِي مُحَمَّد بْن الخشّاب وجالسه، وحصَلَ له ببغداد قبولٌ تامّ منِ الخاصَّة والعامَّة.
وكان يُحمل إليه من مصر ما يقتات به من شيء له. وكان زاهدا، ورِعًا، ناسكا، قانتا. ولمّا احتُضرِ شيخه أبو الفتح بْن المُنَى أوْصى أن يتقدَّم فِي الصّلاة عليه سعْد رحمه اللَّه.
تُوُفّي فِي سادس عشر ربيع الآخر. وشيّعه الخَلْق.
قال ابن النّجّار: قدِم بغدادَ واستوطنها برباط الشَّيْخ عَبْد القادر. وكان عبدا صالحا، مشهورا بالعبادة، والمجاهدة، والتّقشُّف، والوَرَع، خشِن العَيْش، كثير الانقطاع.
حدَّث باليسير عن ابن الخشّاب، وكان على غايةٍ من الوسواس فِي الطّهارة.
مات فِي صلاة الظُّهر، وكان قد تلا فيها فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ 56: 88- 89 [1] .
- حرف الشين-
68- شعيب بْن الْحُسَن بْن مُحَمَّد بْن شعيب [2] .
أبو نصْر السَّمَرْقَنْديّ، ثُمَّ الأصبهانيّ.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة بأصبهان.
وسمع من: عليّ بْن هاشم بْن طَباطَبا العلويّ، وفاطمة الْجُوزدانيَّة.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل.
وتُوُفّي فِي شوّال.
__________
[1] سورة الواقعة، الآية 89.
[2] انظر عن (شعيب بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 265 رقم 358.(42/91)
- حرف الصاد-
69- صاعد بْن رجاء بْن حامد بْن رجاء [1] .
المَعْدانيّ، أبو الخطّاب الأصبهانيّ، الشّافعيّ.
روى عن: زاهر الشّحّاميّ.
وعنه: ابن خليل.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.
70- صَدَقة بْن أَبِي المظفَّر مُحَمَّد بْن الْمُبَارَك [2] .
أبو الفُتُوح البَرْدَغُوليّ، الحريميّ، الظّاهريّ.
سمع: ابن الحُصَيْن.
وعنه: ابن خليل، وأبو عبد اللَّه الدُّبيثيّ.
تُوُفّي فِي شوّال.
- حرف العين-
71- عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن يوسف [3] .
الأنصاريّ، أبو مُحَمَّد البَلَنْسِيّ، الصُّوفيّ الصّالح.
سمع: أَبَا طاهر السِّلَفيّ، وأبا مُحَمَّد الدّيباجيّ، وعبد اللَّه بْن برّيّ، وخلقا كثيرا بعدهم بالقاهرة.
وكتب الكثير.
روى عَنْهُ: أبو نزار ربيعة، وغيْره.
__________
[1] انظر عن (صاعد بن رجاء) في: التكملة لوفيات النقلة 2/ 258 رقم 342.
[2] انظر عن (صدقة بن أبي المظفّر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 265 رقم 359، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 82، والمختصر المحتاج إليه 2/ 110، 111.
[3] انظر عن (عبد الله بن إبراهيم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 250، 251 رقم 328.(42/92)
ويقال إنّه نَسَخ أكثر من مائة ألف [1] وخمسمائة جزء سوى المجلّدات.
وخطّه معروف.
تُوُفّي فِي تاسع عشر جمادى الأولى.
وكان قد سيّر قلعة صَدَر، قلعة مشهَورة بين أَيْلَة ومصر.
72- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن جُمْهور بْن سَعِيد [2] .
أبو مُحَمَّد الْقَيسيّ الإشبيليّ.
سمع: أَبَا الْحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبا بَكْر بْن العربيّ، وأبا بَكْر بْن موجوال وتفقّه به، وأبا مروان بْن مَسَرَّة.
وأخذ القراءات عن أَبِي الحَكَم بْن بطّال. ووُلّي إمامة إشبيلية.
قال الأبّار: كان رجلا صالحا، فاضلا، بصيرا باللُّغة والشُّروط.
حدَّث عَنْهُ جماعة من شيوخنا.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر، وله نحوٌ من ثمانين سنة.
73- عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن عُثْمَان بْن يوسُف [3] .
القاضي أبو مُحَمَّد القُرَشيّ، المخزوميّ، المصريّ، الفقيه الشّافعيّ، المعدّل، الأديب.
وُلِد سنة تسعٍ وأربعين. وقرأ الكثير على أَبِي مُحَمَّد بْن برّيّ. وله شِعْر حَسَن.
وكان كثير المعروف والإيثار.
وقد حدَّث والده وطائفة من إخوته وأهل بيته، وهم بيت كتابة وتقدّم.
__________
[1] في التكملة: «كتب ما يزيد على ألف وخمسمائة جزء» .
[2] انظر عن (عبد الله بن أحمد بن جمهور) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 871، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (بقية السفر الرابع) 174- 176 رقم 315.
[3] انظر عن (عبد الله بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 249 رقم 327، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 147 أ، والسلوك 1/ ق 1/ 139، والمقفى الكبير 4/ 614، 15 د رقم 1547 وفيه: «عبيد الله» .(42/93)
74- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد [1] بْن أَحْمَد بْن حَمَدِيَّة [2] .
أبو مَنْصُور العُكْبَرِيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، أخو إِبْرَاهِيم المذكور آنفا.
سمع: أَبَا العِزّ بْن كادش، وأبا عليّ الحسن بن السّبط، وأبا بكر محمد بن الحسين المزرفيّ، وأبا سهل محمد بْن إِبْرَاهِيم بْن سَعْدَوَيْه، وزاهر بْن طاهر، وأبا عَبْد اللَّه الْحُسَيْن البارع، وعبيد اللَّه بن مُحَمَّد بْن البَيْهَقيّ، وخلْقًا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، ويوسف بْن خليل، وجماعة.
وسمع منه: عُمَر بْن عليّ القُرَشيّ، والقُدماء.
وتُوُفّي فِي ثالث صفر. وكان مولده سنة ثمان وخمسمائة.
75- عَبْد اللَّه ابْن الأجلّ أَبِي شجاع المظفَّر بْن أَبِي الفَرَج هبة اللَّه بْن المظفَّر ابْن الوزير رئيس الرؤساء أَبِي القاسم عليّ ابْن المُسلمة [3] .
ويُعرف بالأثير أَبِي جَعْفَر.
وُلِد سنة تسع عشرة وخمسمائة.
وسمع بنفسه من: أَبِي مَنْصُور ابن خيرون، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن توبة، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ.
روى عَنْهُ: إلياس بْن جامع، ويوسف بْن خليل.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: مشيخة النعّال 123، 124، والتقييد لابن نقطة 328، 329 رقم 396، والإستدراك، له 2/ 286، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 242 رقم 310، وذيل تاريخ ابن الدبيثي 15/ 211، والمختصر المحتاج إليه 2/ 163 رقم 799، والمشتبه 1/ 249، وسير أعلام النبلاء 21/ 273 رقم 145، وتوضيح المشتبه 3/ 320، وتاج العروس 2/ 340 (حمد) .
[2] في الأصل ضبطه بسكون الميم. والمثبت من: (مشيخة النعّال) وفيه جوّد ضبطه فقال:
حمديه: بفتح الحاء المهملة والميم، وكسر الدال المهملة وتشديد الياء المثنّاة من تحتها.
[3] انظر عن (عبد الله بن المظفر) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 150- 162، والذيل على الروضتين 8 وفيه: «عبيد الله» ، وتكملة إكمال الإكمال 8- 10 رقم 4، والمختصر المحتاج إليه 2/ 169، 170 رقم 808، والتكملة لوفيات النقلة 2/ 13، 14 رقم 315، والوافي بالوفيات 17/ 626، 627 رقم 529.(42/94)
وتُوُفّي فِي تاسع عشر صفر. وهو من بيتٍ كبير [1] .
76- عَبْد اللَّه بْن أبي المحاسن بْن أَبِي مَنْصُور.
العتّابيّ، الحنّاط.
روى عن: إِسْمَاعِيل بْن السَّمَرْقَنْديّ، وغيره.
ويُعرف بابن السِّنَّوْر.
77- عَبْد الخالق بْن أَبِي الفتح عَبْد الوهّاب بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [2] .
أبو مُحَمَّد المالكيّ [3] الأصل، الْبَغْدَادِيّ، المولد، الصّابونيّ، الخفّاف، الحنبليّ، الضّرير.
ولد سنة سبع أو عشر وخمسمائة.
__________
[1] من شعره:
إن حاول الدهر إخفائي فإن لي ... في حبسي الآن سرّا سوف يبديه
أعدّني للعلا ذخرا ومن ذخرت ... يداه في الدهر شيئا فهو يخفيه
(ذيل الروضتين) .
ومن شعره:
قلت: شعرا. قالوا: بغير عروض ... ناقص والعروض كالميزان
قلت: إني لصّ القوافي قد يداني ... من شعر كلّ ذي ديوان
أسرق الشعر لا بوزن وما يسرق ... إلّا جزف بلا ميزان
ومنه:
خير ما جالس اللبيب كتاب ... لا قرينا فيه ريا ونفاق
هو مثل الرياض حقّا كما ... أوراقها بينها لها أوراق
[2] انظر عن (عبد الخالق بن أبي الفتح) في: مشيخة النعال 128- 130، ومعجم البلدان 4/ 397، والتقييد لابن نقطة 379، 380 رقم 489. وإكمال الإكمال، له (مخطوطة الظاهرية) ورقة 48، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 268، 269 رقم 366، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 450، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 260، وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 206، والمختصر المحتاج إليه 1/ 234، والعبر 4/ 279، والمشتبه 2/ 566، وسير أعلام النبلاء 1/ 274، 275 رقم 147، والإشارة إلى وفيات الأعيان 307، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 208، 209، وشذرات الذهب 4/ 309.
[3] المالكي: نسبة إلى المالكية قرية على الفرات مشهورة. والمالكية أيضا: قرية على باب بغداد مقابل باب الظفرية. (المنذري) .(42/95)
وسمع بإفادة أَبِيهِ من: الْحَسَن بْن مُحَمَّد البَاقَرْحيّ، وأبي المعالي أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن البخاريّ، وأبي نَصْر أَحْمَد بْن رضوان، وعليّ بن عبد الواحد الدينوري، وأحمد بن كادش، وزاهر بْن طاهر، وإسماعيل ابن المؤذّن، وقُراتِكِين بْن الأسعد، وطائفة.
وسمع «صحيح الْبُخَارِيّ» من: الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلّال، «ومُسْنَد أَحْمَد» من ابن الحُصَيْن.
روى عَنْهُ: أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وصَدَقَة بْن مُحَمَّد الوكيل، ويوسف بْن خليل.
تُوُفّي فِي الخامس والعشرين مِن ذي الحجَّة [1] .
78- عَبْد الرَّحْمَن بْن سعود بْن سرور بْن الْحُسَيْن [2] .
أبو مُحَمَّد القصْريّ، الملّاح.
سمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا بَكْر الأنصاريّ، وجماعة.
وعنه: الدُّبيثيّ، وابن خليل.
وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة وله ستٌّ وسبعون سنة.
ويقال له ابن ملّاح الشّطّ كما يُقَالُ لعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي الكَرَم الآتي سنة سبْعٍ وتسعين.
79- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الفضائل نصر اللَّه [3] بْن مُوسَى بْن نصر بْن شبزق [4] .
__________
[1] ومن شعره وقد أنشد لابن الجوائز الواسطي:
دع الناس طرّا واصرف الودّ عنهم ... إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح
ولا تبغ من دهر تكاثف رنقه ... صفاء بنيه والطباع جوانح
فشيئان معدومان في الأرض: درهم ... حلال، وخلّ في الحقيقة ناصح
وقال ابن النجار: كان شيخا صدوقا لا بأس به، عسرا في الرواية.
وقال ابن نقطة: وكان صحيح السماع من بيت الحديث، سمع من الحفّاظ.
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن سعود) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 198، 199 رقم 850.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن أبي الفضائل) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 239، 240 رقم 306، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 128.
[4] شبزق: بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحّدة وكسر الزاي، وآخره قاف.(42/96)
أبو القاسم المَوْصليّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، البيّع، الرّفّاء، الأعرج. ويُعرف بابن فضائل.
وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وسمع من: أَبِي العزّ بْن كادَش، وأبي القاسم بْن الحُصَيْن، وعليّ بْن عَبْد الواحد الدّينوَريّ، وأبا بَكْر المَزْرَفيّ.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ القُرَشيّ، ويوسف بْن خليل، وجماعة.
وتُوُفّي فِي الرابع والعشرين من المحرَّم. وشِبْزِق بكسرتين.
80- عَبْد الرحيم بْن أَحْمَد بْن حَجُّون بْن مُحَمَّد بْن حَمْزَة بْن جَعْفَر بْن إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الصادق بْن مُحَمَّد الباقر [1] .
كذا فِي نسَب حفيده شيخنا ضياء الدّين بْن عَبْد الرَّحيم الشّافعيّ، فاللَّه أعلم بصحَّة ذلك، فكأنّه قد سقط منه جماعة.
أبو مُحَمَّد المغربيّ الزّاهد.
تُوُفّي فِي أحد الرَّبيعين بالصّعيد ببلد قِنَا. وكان أحد الزُّهّاد فِي عصره.
ظهرت بركاته على جماعةٍ من أصحابه، وله تلامذة من كبار الصُّلَحاء نفعَ اللَّه ببركتهم [2] .
__________
[1] انظر عن (عبد الرحيم بن أحمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 249 رقم 362، والطالع السعيد للأدفوي 297- 303، رقم 230، والوافي بالوفيات 18/ 320، 321 رقم 372، والعقد الثمين 5/ 420، 421، وحسن المحاضرة 1/ 515، 516، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 182، والكواكب الدرّية للمناوي، ورقة 196 أ، وجامع كرامات الأولياء للنبهاني 2/ 67، والخطط التوفيقية 14/ 122، والأعلام 4/ 118.
[2] وقال الأدفوي: وهو شيخ مشايخ الإسلام، وإمام العارفين الأعلام، وصل من المغرب وأقام بمكة سبع سنين، على ما حكاه بعضهم، ثم قدم قنا من عمل قوص، فأقام بها سنين كثيرة إلى حين وفاته، وتزوج بها، وولد له بها أولاد.
وهو من أصحاب الشيخ أبي يغرى، وكانت إقامته- رحمه الله- بالصعيد رحمة لأهله، اغترفوا من بحر علمه وفضله، وانتفعوا ببركاته، وأشرقت أنوار قلوبهم لمّا أدخلوا في خلواته.
اتفق أهل زمانه على أنه القطب المشار إليه، والمعوّل في الطريق عليه، لم يختلف فيه اثنان، ولا جرى فيه قولان، ولو لم يكن من أصحابه إلا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن(42/97)
81- عَبْد الْعَزِيز بْن فارس بْن عَبْد الْعَزِيز بْن ميمون [1] .
الحكيم أبو مُحَمَّد الشَّيْبَانيّ، الرَّبَعِيّ، الإسكندرانيّ.
كان من أعيان الأطبّاء فِي زمانه.
حدَّث عن: عَبْد المُعْطي بْن مسافر القمّوديّ.
وعاش اثنتين وثمانين سنة، فإنّه وُلِد سنة عشر وخمسمائة.
وتُوُفّي فِي الثّامن والعشرين من صَفَر.
82- عَبْد القويّ بْن عَبْد اللَّه بْن سلامة بْن سعْد [2] .
أبو مُحَمَّد المنذريّ، الشّاميّ الأصل، المصريّ. والِد الحافظ زكيّ الدّين عَبْد العظيم.
وُلِد سنة أربع وخمسين وخمسمائة تقريبا.
وسمع بمكَّة من: مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الهَرَوِيّ، وبمصر من: أَبِي عَبْد اللَّه الأرتاحيّ.
قال ابنه: علّقتُ عَنْهُ فوائد. وكان رحمه اللَّه يحرّضني على الحديث.
تُوُفّي فِي ثالث رمضان.
83- عُثْمَان بْن أَبِي بَكْر بْن إِبْرَاهِيم بن جلدك [3] .
__________
[ () ] حميد بن الصبّاغ لكفاه من سائر الأمم، ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من حمر النّعم، فإنّ سرّ الشيخ رحمه الله ظهر فيه، حتى نطق في المعارف بملء فيه، وأبدى من سرّه ما كان يخفيه.
وللشيخ عبد الرحيم مقالات في التوحيد منقولة عنه، ومسائل في علوم القوم تلقّيت منه، وكلمات لا تستفاد من كلمات الأعراب، وأحوال هي في نهاية الإغراب. وكان مالكيّ المذهب، كتابه «المعونة» .
وقد طوّل الأدفوي في ترجمته.
[1] انظر عن (عبد العزيز بن فارس) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 246 رقم 319.
[2] انظر عن (عبد القوي بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 263، 264 رقم 354.
[3] انظر عن (عثمان بن أبي بكر) في: التكملة لوفيات النقلة 2/ 272 رقم 370، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة كمبرج) ورقة 7121 وتاريخ إربل 1/ 182، 183 رقم 86، وتكملة إكمال الإكمال 266، والعقد المذهب (مخطوط) ورقة 163، وطبقات الشافعية لابن كثير(42/98)
أبو عَمْرو [1] القلانِسيّ، المَوْصليّ، الشّافعيّ.
سمع من: خطيب الموصل، ويحيى الثَّقفيّ.
وارتحل إِلَى بغداد، فتفقَّه بها على أَبِي القاسم يحيى بْن فضلان.
وسمع من: ذاكر بْن كامل، وابن بوش، وجماعة.
__________
[ () ] (مخطوط) ورقة 163.
[1] وقال ابن المستوفي: هو أبو عمرو عثمان بن أبي بكر إبراهيم بن جلدك القلانسي، من أهل الموصل، ووجدت أن اسم أبي بكر إبراهيم. ولم أر في طبقات سماعه وغيرها يكتب إلّا «أبا بكر» .
أحد من جدّ في جمع الحديث وكتبه، ولقي رواته، ورحل فيه الرحلة الواسعة ... قال الحافظ أبو محمد بدل بن أبي المعمّر التبريزي: ورد إلى دمشق وأقام عند ابن عساكر وعلّق من تاريخ والده جملة تتعلّق من غرضه من تاريخ الموصل. وكان في أخلاقه نفار، وعنده خفّة، رأيته بالموصل ولم أسمع منه، علّق التعاليق الكثيرة المقيدة، وضبط الأسماء المشكلة. رأيت من تقييداته بخطه ما يدلّ على إتقانه وحذقه. وله شعر حسن.
ومن شعره:
يا سائلي عن خير ما أنفقت ... عليه ذوو العقول
إنّي امرؤ لك ناصح ... فخذ النصيحة بالقبول
طفت البلاد وجبتها ... في جمع آثار الرسول
ولقيت كلّ مهذّب ... في العلم والرأي النبيل
ونظرت في كتب الثقات ... من الأئمّة والعدول
فوجدت مضمون العلو ... م جميعها ترك الفضول
والزهد في الدنيا وأن ... ترض وتقنع بالقليل
فاقنع وخلّ الحرص والدّنيا ... تنادي بالرحيل
وأنشد لنفسه:
ما العزم أن تشتهي شيئا وتتركه ... حقيقة العزم منك الجدّ والطلب
كم سوّفت خدع الآمال ذا أرب ... حتى قضى قبل أن يقضى له أرب
نلهو ونلعب والأقدار جارية ... فينا ونأمل والأعمار تقتضب
وما تقلّب دنيانا بنا عجب ... لكنّ آمالنا فيها هي العجب
وله أيضا:
قد فرغ الله من الرزق ... فاقنع ولا تضرع إلى الخلق
وابغ رضى الله بسخط الورى ... وانطق- وإن عادوك- بالحق
والله ما ينجو امرؤ كاذب ... وإنما ينجو أخو الصدق(42/99)
ورحل إِلَى أصبهان فسمع من: الحافظ أَبِي موسى، وأبي رشيد حبيب بن إبراهيم، وطائفة.
وبدمشق من العلّامة أَبِي سعْد بْن أَبِي عَصْرون، والخُشُوعيّ.
وحدَّث ببغداد ومصر. وله شِعرٌ حَسَن.
تُوُفّي فِي أواخر العام رحمه اللَّه.
84- عليّ بْن أَبِي القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن العبّاس [1] .
أبو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، العطّار، المعروف بابن الدّيناريّ.
سمع من: القاضي أَبِي بَكْر، وغيره.
روى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وابن الدبيثي في «تاريخه» وقال: توفي في جمادى الآخرة.
85- عليّ بْن سَعِيد بْن الْحَسَن [2] .
المأمونيّ، الشّافعيّ، الفقيه أبو الْحَسَن.
روى عن: أَبِي الفتح الكَرُّوخيّ، وأبي الوقت.
وهو من محلَّة المأمونيَّة ببغداد.
قال ابن النّجّار: كان ينتحل مذهب الإماميَّة، شيعيّا غاليا.
86- عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن الْإِمَام أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن سبعون بْن يحيى [3] .
أبو حفْص القَيْسي، السُّلَميّ، القَيْروانيّ، ثُمَّ البغداديّ.
ولد سنة ستّ عشرة وخمسمائة.
__________
[1] انظر عن (علي بن أبي القاسم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 253 رقم 335، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 273، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار (الظاهرية) ورقة 181.
[2] انظر عن (علي بن سعيد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 254 رقم 337، والبداية والنهاية 13/ 13، وعقد الجمان ج 17/ ورقة 208، 209.
[3] انظر عن (عمر بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 260، 261 رقم 347، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 194.(42/100)
وسمع من: يحيى الطّرّاح، وأبي البدر إِبْرَاهِيم الكَرْخيّ، وأبي بَكْر بْن الزَّاغوني.
وحدَّث.
تُوُفّي فِي ثالث شعبان ببغداد.
وأخوه أبو بَكْر يُسمَّى اللَّيْث، يروي عن أَبِي البدر الكرْخيّ.
ووالدهما أبو مُحَمَّد يروي عن ابن خيرون، كتب عَنْهُ ابن الحُصْريّ.
وجدُّهما أبو بَكْر يروي عن أَبِي الطّيّب الطَّبَريّ، مات سنة إحدى وخمسمائة.
- حرف الغين-
87- غُنَيْمة بْن المفضّل [1] .
أبو الغنائم الصُّوفّي الخطيبيّ.
سمع بواسط من: هبة اللَّه بن نصر الله بْن الْجَلَخْت.
وكان من مشاهير الصُّوفيَّة والفُقَهاء.
مات فِي رجب.
- حرف الفاء-
88- فضلان بْن خَلَف بْن فضلان [2] .
أبو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، الأزجيّ، القصّار.
توفّي في ذي الحجّة.
روى عن: إِسْمَاعِيل بْن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الملك الكَرُّوخيّ.
روى عنه: ابن خليل، والدّبيثيّ، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (غنيمة بن المفضّل) في: التكملة لوفيات النقل 1/ 260 رقم 346، والمشتبه 1/ 242.
[2] انظر عن (فضلان بن خلف) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 268 رقم 365، والمختصر المحتاج إليه 3/ 159 رقم 71104 وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 696.(42/101)
- حرف الكاف-
89- كرَم بْن حَيْدر [1] .
الرَّبعيّ الحرْبيّ.
سمع مِن: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن إِبْرَاهِيم القصْريّ.
روى عَنْهُ: يوسف بْن خليل.
- حرف اللام-
90- ليث بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [2] .
أبو البركات الحربيّ، البيّع، المعروف بابن الدُخْنِيّ [3] .
سمع من: أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْلَى الفرّاء، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف.
وعنه: يوسف بْن خليل.
تُوُفّي سابع عشر صفر.
- حرف الميم-
91- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُوسَى بْن هُذيل.
أبو عَبْد اللَّه العَبْدري، الأندلسيّ.
حجَّ، وسمع من: عليّ بْن حُمَيْد بْن عمّار بمكَّة، ومن: السِّلَفي، وغيره بالثّغر.
تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة أو فِي الّتي بعدها.
92- محمد بن أحمد بن محمد [4] .
__________
[1] انظر عن (كرم بن حيدر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 240 رقم 308.
[2] انظر عن (ليث بن أحمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 244 رقم 314.
[3] قيّدها المنذري بالحروف: بضم الدال المهملة وسكون الخاء المعجمة وبعدها نون. قال:
وظنّي أنها نسبة إلى الدّخن: الحبّة المعروفة.
[4] انظر عن (محمد بن أحمد المؤذّن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 271 رقم 368، وسير أعلام النبلاء 21/ 272 دون ترجمة.(42/102)