ودفعتها إلى الرَّسُول، وكان صَبيًّا، فخرج فِي الحال، فاجتاز بباب العامَّة والرُّقعة بيده، والخطّ رطْب، فأخذ تُرابًا ينشّفه، فصادف ابن الحلوانيّ صاحب الخبر فقال: يا صبيّ ما هذه الرُّقْعة؟ قال: كَتَبَها ابن السَّقْطيّ إلى سديد الدّولة ابن الأنبَاريّ.
فكتب نُسختها وعرضها على الإمام المستظهر باللَّه، فَلَمّا كان من الغد إذا رُقْعة ظهير الدِّين صاحب المخزن جاءتني إلى داري، يذكر فيها: إن رأى التَّجشُّم إلى داره الّتي أَنَا ساكُنها لألقي إليه ما رُسِم فقل إن شاء اللَّه. فركبتُ إليه فِي الحال، فحين دخلت قام متمثّلا وقال للجماعة: الخلْوة. فانصرفوا، فقال: أمير المؤمنين يهدي إليك السّلام ويقول: قد رغِبْنا فِي كاتبٍ مُفْلس.
فقلت فِي الحال: التّصريح بطلب الرُّتّب ما لا يقتضيه الأدب. فقُلِّدت ولي يومئذٍ خمسٌ وثلاثون سنة.
وأنبأني أَحْمَد، عن ابن طارق: حَدَّثَني سديد الدّولة أنّ الحريريّ صاحب «المقامات» كتب إليه رُقْعة، فكتب إليه فِي كتابٍ بديها:
أهلا بمن أهدى إليَّ صحيفة ... صافَحْتُها بالرّوح لا بالرّاحِ
وتَبَلَّجَتْ فتأرَّجَتْ نَفَحَاتها ... كالمَسْك شِيبَ فسيحُهُ بالرّاح
فكتب إليَّ جواب هذه: لقد صَدَقَتْ رُواةُ الأخبار أنْ معدن الكتابة الأنبار [1] .
وقد ذكر وفاته ابن الأثير فِي «الكامل» فِي سنة خمسٍ وثلاثين، والنّسْخة سقيمة فلعلّه بدل «تُوُفّي» : «عُزِل» ، أو نحوه [2] .
__________
[ () ] ولهبة الله بن الفضل بن عبد العزيز المتّوثي قصيدة في مدح سديد الدولة ابن الأنباري، ستأتي في ترجمته القريبة برقم (296) .
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 351.
[2] لقد ذكر ابن الأثير وفاته في التاريخ الصحيح سنة 558 هـ. وقال إنه خدم من سنة ثلاثين وخمسمائة إلى الآن ديوان الخلافة، وعاش حتى قارب تسعين سنة. (الكامل 11/ 297) .(38/273)
292- مُحَمَّد بْن عليّ بْن خطّاب بْن أبي الفتح [1] .
أبو شجاع الدّيَنَوريّ، ثُمَّ البغداديّ، الخَيميّ، أَخو يحيى.
سمع: أبو الفضل أَحْمَد بْن خَيْرُون، وأبا غالب الباقِلانيّ، ومحمد بْن عَبْد السّلام.
روى عَنْهُ: أبو مُحَمَّد بْن الخشّاب، وعمر الْقُرَشِيّ، وابن أخيه عَبْد اللّطيف بْن يحيى، وابن الحصْريّ.
تُوُفّي فِي شوّال.
293- المبارك بْن أبي طاهر [2] .
أبو نصر بْن الملّاح. بغداديّ.
روى عَنْ: الْحُسَيْن بْن عليّ البُسْري، وغيره [3] .
294- مكّيّ بْن عليّ بْن المبارك بْن طُلَيْب.
الحربيّ، شيخ صالح.
سمع من: أبي الْحَسَن بْن الطُّيُوريّ، وغيره.
وروى عَنْهُ: عَبْد اللَّه بْن خجستوَيْه، وعبد العزيز بْن الأخضر.
وتُوُفيّ فِي رجب.
- حرف النون-
295- نَصْر اللَّه بْن أَحْمَد بْن أبي العزّ مُحَمَّد بْن الْمُخْتَارِ بْن المؤيِّد باللَّه.
أبو الْعَبَّاس بْن أبي تمّام الهاشميّ، الخريميّ [4] ، التّاجر، السّفّار.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن خطاب) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 115، 116 رقم 338، والمختصر المحتاج إليه لابن الدبيثي باختصار الذهبي 1/ 88.
[2] انظر عن (المبارك بن أبي طاهر) في: المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 3/ 180 رقم 1164.
[3] سمع منه عمر القرشي.
[4] الخريمي: بضم الخاء المعجمة وفتح الراء وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها الميم. هذه النسبة إلى خريم وهو اسم رجل (الأنساب 5/ 99) .(38/274)
كثير المال، من بيت العِلْم والشَّرَف.
حدُّث بمَرْو عن جَدّه.
ومات بِسَمَرْقَنْد.
وروى عَنْهُ: ابن السَّمْعانيّ، وابنه عَبْد الرحيم.
- حرف الهاء-
296- هبة اللَّه بْن الفضل بْن عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن الحسين بن علي [1] .
أبو القَاسِم بْن القطّان المَتُّوثيّ [2] ، الشّاعر.
سمع: أَبَاهُ الفضل، وأبا الفضل بْن خيْرُون، وأبا طاهر أَحْمَد بْن الْحُسَيْن الباقِلانيّ، وأبا عَبْد اللَّه النَّعَاليّ، وغيرهم.
وكان شاعرا محِسنًا، بليغ الهجاء [3] .
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: سألته عن مولده فقال: سنة ثمان وسبعين.
وتوفّي يوم عيد الفطر.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن الفضل) في: خريدة القصر (قسم العراق) 2/ 270، والمنتظم 10/ 207 رقم 300 (18/ 157، 158 رقم 4251) ، وأخبار الدولة السلجوقية 120، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء 380- 389، ووفيات الأعيان 6/ 53- 61، وسير أعلام النبلاء 20/ 339، 340 رقم 231، وصفحة 377، ومرآة الجنان 3/ 315، ولسان الميزان 6/ 189، وفوات الوفيات 2/ 314، ومفتاح السعادة 1/ 714، والأعلام 8/ 75.
[2] المتّوثي: بفتح الميم، وضم التاء المشدّدة، وفي آخرها الثاء المثلّثة، هذه النسبة إلى متّوث وهي بليدة بين قرقوب وكور الأهواز. (الأنساب 11/ 125، 126، اللباب 3/ 162) .
[3] في المنتظم: كان شاعرا مطبوعا لكنه كان كثير الهجاء متفسّحا.
وفي الخريدة، رأيته شيخا مسنّا، مطبوعا، حاضر النادرة.. له شعر كثير لم يدوّن، والغالب عليه الهجاء والمجون، وما خلا من ذلك لا يكون له طلاوة. هجا الأكابر ولم يغادر أحدا من أهل زمانه.
سمعته ينشد بيتا له في نفي الخيال الكرى، وهو:
ما زارني طيفها إلّا موافقة ... على الكرى، ثم ينفيه وينصرف
ورأيته كثيرا ينشد الوزير ابن هبيرة ويمدحه ويجتديه، وقال يوما: ارحم يتيما في سنّي.(38/275)
قلت: وكان يعرف الطِّبّ والكحالة، وديوانه مشهور.
وقد هجا الحَيْص بَيْص، وهو الَّذِي شهره بهذا اللَّقَب.
وله قصيدة طِنّانة فِي كاتب الإنشاء سديد الدّولة مُحَمَّد بْن الأنبَاريّ، أوّلها:
يا مَنْ هَجَرْتَ فلا [1] تُبالي ... هَلْ ترجعُ [دولة] [2] الوِصال
ما [3] أطمعُ يا حياة [4] قلبي ... أن يَنْعَمَ فِي هواكِ بالي
الطَّرْفُ من الصَّدود [5] باكِ ... الجسمُ، كَمَا تَرَيْنَ، بالي [6]
أهواك [7] وأنت حظُّ غيري ... يا قاتلتي، فما احتيالي [8]
واللّوّم [9] فيك يزجر [وني] [10] ... عن حُبّكِ ما لهم، وما لي [11] ؟
طلَّقْتُ تجلّدي ثلاثا ... والصّبوة بعد في خيالي [12]
__________
[1] في الخريدة: «ولا» ، ومثله في الكامل.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من المصادر.
[3] في البداية والنهاية: «هل» ، ومثله في الكامل 11/ 297.
[4] في الخريدة، والمنتظم، والكامل: «يا عذاب» .
[5] في الخريدة، والكامل: «الطرف كما عهدت» .
[6] هذا البيت ليس في المنتظم.
[7] في المصادر بيت قبله:
ما ضرّك أن تعلّليني ... في الوصل بموعد محال
[8] في المصادر بيت بعده:
أيام عناي فيك سود ... ما أشبههنّ بالليالي
[9] في المصادر: «العذّل» .
[10] في الأصل بياض، والمستدرك من: المنتظم.
وفي الخريدة: «العذل فيك قد نهبوني» .
وفي البداية والنهاية: «العذل فيك يعدلوني» .
[11] بعد هذا البيت ثلاثة أبيات في المصادر:
يا ملزمي السّلوّ عنها ... الصّبّ أنا، وأنت سالي
والقول بتركها صواب ... ما أحسنه لو استوى لي
في طاعتها بلا اختياري ... قد صحّ بعشقها اختلالي
[12] في المنتظم والخريدة: «حبالي» . والمثبت يتفق مع: البداية والنهاية.
وبعد هذا البيت بيت أخير:(38/276)
روى عَنْهُ: أبو الفتوح بْن الحصْريّ، وثابت بْن مشرّف، وابن الأخضر.
وكان عَسِرًا فِي الرّواية. كذا [1] .
- حرف الياء-
297- ياقوت المسترشديّ [2] .
عن: أبي غالب بْن البنّاء.
وعنه: أبو الفُتُوح بْن الحصْريّ [3] .
ورَّخه ابن الدَّبِيثي.
298- يحيى بْن سالم [4] بن سعد بْن يحيى.
الفقيه، أبو الخير بْن أبي الخير العِمْراني، الشّافعيّ.
مصنَّف كتاب «البيان» فِي المذهب. قيل إنّه كان يكرّر على المذهب لأبي إسحاق، فكان يقرأه فِي ليلةٍ واحدة.
وله مصنَّفات مفيدة منها: «غريب كتاب الوسيط» للغزاليّ.
نَشَر العِلْم باليمن، ورحل النّاس إليه، وتفقّهوا عليه [5] .
__________
[ () ]
ذا الحكم عليّ من قضاه ... من أرخصني لكلّ غال؟
[1] ذكر العماد كثيرا من شعره في الخريدة.
[2] انظر عن (ياقوت المسترشدي) في: المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 3/ 255 رقم 1379.
[3] وسمع منه: أبو بكر الباقداري.
[4] في الأصل: «يحيى بن سام» ، والتصحيح من: طبقات فقهاء اليمن 174، ومعجم البلدان 3/ 296، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 278، وسير أعلام النبلاء 20/ 378 (دون رقم) ، ومرآة الجنان 3/ 318، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 336- 338، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 212، 213، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 335، 336 رقم 302، وطبقات الشافعية لابن هداية الله 210، 11) ، وشذرات الذهب 4/ 185، وهدية العارفين 2/ 520.
[5] وقال ابن قاضي شهبة: ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة. تفقه على جماعات منهم زيد البقاعي. كان شيخ الشافعية في بلاد اليمن، وكان إماما! زاهدا، ورعا، عالما، خيّرا،(38/277)
وتُوُفيّ فِي هذه السَّنَة رحمه اللَّه تعالى.
299- يغمر بْن ألْب سارخ [1] .
الفقيه أبو النّدى [2] التركيّ، المقرئ.
كان أَبُوهُ جُنْديًّا [3] .
قال ابن عساكر: كان يعمل في القراءة، وتفقّه على شيخنا أبي الْحَسَن بْن مُسْلِم، وكان يحفظ قطعَةً صالحة من الأخبار والأشعار. وكان يحثّني على تبييض التّاريخ، وكان قد حصل عندي فتور عن تبييضه [4] ، فلمّا
__________
[ () ] مشهور الاسم، بعيد الصيت، عارفا بالفقه وأصوله والكلام والنحو، من أعرف أهل الأرض بتصانيف الشيخ أبي إسحاق الشيرازي في الفقه والأصول والخلاف، يحفظ المهذب عن ظهر قلب.
وقيل: إنه كان يقرأه في كل ليلة واحدة، وكان ورده في كل ليلة أكثر من مائة ركعة بسبع من القرآن العظيم. رحل إليه الطلبة من البلاد.
قال النووي في التنقيح: إنه يحكي طريقة العراقين، وفي بعض الأماكن ينقل الطريقتين.
ومن تصانيفه: «البيان» في نحو عشرات مجلّدات، واصطلاحه أن يعبّر ب «المسألة» عمّا في «المهذّب» وب «الفرع» عمّا زاد عليه. وكتاب «الزوائد» له جزءان، جمع فيه فروعا زائدة على «المهذّب» من كتب معدودة، وكتاب «السّؤال عمّا في المهذّب من الإشكال» وهو مختصر، و «الفتاوى» مختصر أيضا، و «غرائب الوسيط» ، و «مختصر الإحياء» . وله في علم الكلام كتاب «الانتصار» في الردّ على القدرية. وابتدأ تصنيف «الزوائد» في سنة سبع عشرة، فمكث فيها أربع سنين إلا قليلا. وكان ذلك منه بإشارة شيخه زيد البقاعي. وابتدأ تصنيف البيان سنة ثمان وعشرين، وفرغ منه في سنة ثلاث وثلاثين. نقل الرافعي عنه في أول النجاسات أنه حكى وجها أنّ النبيذ طاهر. ثم في الوضوء، ثم في الاستنجاء، ثم في نواقض الوضوء، ثم في الحيض، ثم كرّر النقل عنه» . (طبقات الشافعية) .
[1] في الأصل: «يعمر» (بالعين المهملة) بن ألب «سارج» (بالجيم) ، والتصحيح من: تاريخ دمشق، ومختصره لابن منظور 28/ 62، 63 رقم 47.
[2] في الأصل: «أبو البدر» .
[3] وزاد ابن عساكر: كان يختلف إلى الدرس بالمدرسة الأمينية، ويلقّن القرآن في المسجد الجامع، ويؤم بالناس في الصلوات الخمس في مسجد العقيبة، وكانت له مروءة مع ضعف ذلك، يضيف من نزل به في مسجده وكان حسن الاعتقاد، ذا صلابة في الدين.
[4] وفي التاريخ زيادة: حتى أنه عزم عند وجود فترة مني عنه، وانصراف همّتي عن تبييضه على(38/278)
مات فِي هذه السَّنَة وكنت فِي جنازته فكّرت وقلت: أَنَا والله أحقّ بالاهتمام بهذا التّاريخ فَصرفتُ همّتي إليه وشرعت فِي تبييضه [1] .
300- يُوسُف بْن مُحَمَّد بْن مقلّد بْن عِيسَى [2] .
أبو الحَجَّاج الدّمشقيّ، المعروف بابن الدّوانيقيّ [3] .
قال ابن عساكر: سمع معنا من: هبة اللَّه بْن الأكفانيّ، وطاهر بْن سهل بْن بِشْر، ورحل فسمع ببغداد: أبا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء.
وتفقّه على أبي مَنْصُور بْن الرّزّاز.
واستوطن بغداد، وتصوَّف وصحب أَبَا النّجيب السّهْرُوَرْدِيّ. ووعظ وناظَّرَ، وقدِم دمشقَ ومرض بالاستسقاء [فعُدْته فِي المنزل الَّذِي كان فِيهِ] [4] .
وقرأ لابني أبي الفتح ثلاثة أحاديث من حِفْظه، ومات فِي عاشر شهر صَفَر [5] .
وأنشدنا أبو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن حمزة أنشدنا يُوسُف بْن مُحَمَّد التُّنوخيّ لنفسه:
__________
[ () ] أن يكتب إلى الملك العادل نور الدين قصّة على لسان أصحاب الحديث يسأله أن يتقدّم إليّ بإنجازه، فنهاه بعض أصحابنا عن ذلك، إلى أن يسّر الله الشروع فيه بعد وفاته.. ويا ليت أنه كان بقي حتى يراه، ولو كان رآه لعلم أنه أكثر مما وقع في نفسه.
[1] وزاد: ويسّر الله تمامه بهمّة يغمر، فإنه كان صالحا، وكان يتأسّف على ترك الشروع فيه، وكان شديد الاهتمام به، يكاد يبكي إذا ذكره، ويقول: لو تمّ هذا الكتاب لا يكون في الإسلام كتاب مثله.
[2] انظر عن (يوسف بن محمد) في: تاريخ دمشق، ومختصره لابن منظور 28/ 91 رقم 74.
[3] في تاريخ دمشق «الدونقي» .
[4] في الأصل بياض، وما بين الحاصرتين مستدرك من تاريخ دمشق.
[5] وكان يناظر في مسائل الخلاف، ويعقد المجلس للتذكير، ويتردّد من بغداد إلى الموصل للوعظ، ثم رجع إلى دمشق في آخر عمره.
وقال في مرضه الّذي مات فيه: أنا أبرأ إلى الله من اعتقاد التشبيه.(38/279)
أنوم بعد ما هجع النّيام ... وظلم بعد ما انقشَع الظَّلامُ
[نور] [1] الصبح فِي الفوزينِ بادٍ ... يُنَادِي ما بقي إلّا مَنَامُ
فَبَادِرْ يا فتى قبل المَنَايا ... فَما لَكَ بعد ذا عُذرٌ يُقامُ
فعِند اللَّهِ موقِفُنَا جميعا ... وبين يديه ينفصل الخصام
__________
[1] في الأصل بياض.(38/280)
سنة تسع وخمسين وخمسمائة
- حرف الألف-
301- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هُذَيْل [1] .
أبو الْعَبَّاس الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ.
سمع: أَبَا الوليد بن الدّبّاغ، وابن النّعمة.
وتفقّه عند أبي مُحَمَّد بْن عاشر.
ورحل فلقي بقُرْطبة أَبَا عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وغيره.
ووُلّي قضاء بلده، فلم تُحمَد سِيرته. وكان عارفا بالأدب والكتابة [2] .
تُوُفّي كهْلًا.
302- أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن سَعْد بْن عَليّ.
أبو الرّضا بن النّاقد، الجصّاص [3] .
__________
[1] انظر عن (ابن هذيل) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 67، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 1 ق 2/ 525، 526 رقم 775.
[2] وقال المراكشي: وكان فقيها، حافظا للنوازل، بصيرا بعقد الشروط، مائلا إلى الأدب، ضاربا في نظم الشعر بسهم، حسن الخط، نحى فيه منحى شيخه أبي عبد الله بن أبي الخصال فقاربه. ولّي قضاء باغة، ثم ولّي قضاء استجه، فأقام على ذلك إلى أن قتل ابن الحاج فانصرف إلى بلده، فولّي قضاء لارده وشبرانه وغيرهما من بلاد الثغر الشرقي في الدولة اللمتونية، فلم تحمد سيرته.. ثم ولّي خطة الشورى ببلنسية لأبي العباس بن الحلال ولأخيه زيادة الله، ثم ولّي بأخرة خطّة المواريث وأحكامها ببلنسية في إمارة محمد بن سعد فامتحن وضرب وغرّب إلى جزيرة شقر، وهنالك توفي مضيّقا عليه في ذي القعدة سنة تسع وخمسين وخمسمائة، ودفن بقبليّ جامعها. ومولده سنة أربع وخمسمائة.
[3] الجصّاص: بفتح الجيم والصاد المشدّدة المهملة، وفي آخرها صاد أخرى. هذه النسبة إلى(38/281)
بغداديّ، ثقة جليل.
سمع: أَبَا غالب الباقِلانيّ، وأبا سَعْد بْن خُشَيْش، وأبا الْحَسَن العلّاف.
فروى عَنْهُ: أَحْمَد بْن طارق، وعبد العزيز بْن الأخضر، وابنه عبد العزيز بْن أَحْمَد.
وتُوُفيّ فِي ذي الحجَّة.
سقط من بناءٍ للدّولة فمات صائما.
303- أَحْمَد بْن موهوب بْن عليّ بْن حمزة [1] .
أبو إسحاق المقصّص السُّلَميّ، الدّمشقيّ.
سمع من: أبي الْحَسَن عليّ بْن الْحَسَن بْن الحزوّر، وإبراهيم بْن يونس المَقْدِسيّ، ونصر بْن أَحْمَد الهَمَذانِيّ المؤدِّب.
سمع من المؤدّب في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.
وكان شيخا مباركا من قرّاء السَّبْع الكبير.
سمع منه: الحافظ ابن عساكر، وابنه أبو المواهب، وأخوه أبو القَاسِم.
ودُفِن بمقبرة باب الصّغير.
- حرف السين-
304- سَعْد بْن إِسْمَاعِيل بْن حُسَيْن.
العميد، أبو الفتح النَّسَويّ، المستوفي.
ساكِن وَقُور متّصل بالدّولة.
سمع «التّرغيب» لحميد بْن زَنْجُوَيْه من أبي بَكْر بْن خُزَيْمة.
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم بْن السّمعانيّ.
وتوفّي في ذي الحجّة.
__________
[ () ] العمل بالجص وتبييض الجدران.
[1] انظر عن (أحمد بن موهوب) في: مشيخة ابن عساكر.(38/282)
305- سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن الفضل.
أبو القَاسِم الكنْدوج الأصبهانيّ.
تُوُفّي فِي الثّاني والعشرين من شَوَّال.
وَكَانَ عَدْلًا متميّزا.
سمع الرئيس بْن الثّقفيّ.
أخذ عَنْهُ: السَّمْعانيّ، وغيره.
306-[سَعْد اللَّه] بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن أَحْمَد بن حمدي [1] .
أبو البَرَكات البغداديّ، الدّقّاق، البزّاز.
روى عن: أبي عَبْد اللَّه بْن طَلْحَةَ النَّعَاليّ، ونصر بْن البَطِر، وأحمد بْن عليّ الطُّرَيثِيثيّ.
وكان من أهل الخير.
روى عَنْهُ: أبو سَعْد بْن السَّمْعانيّ، وعبد الخالق بْن أسد، وأبو الفَرَج ابن الْجَوْزِيّ. وجماعة.
تُوُفّي فِي شعبان.
- حرف الضاد-
307- الضّرْغام بْن عامر بْن سِوار [2] .
الملك المنصور، فارس المسلمين، أبو الأشبال اللَّخْميّ، المُنْذِريّ، الَّذِي استولى على الدّيار المصريّة، وهرب منه شاور إلى نور الدِّين يستنجد به عليه، فسيَّر معه أسد الدِّين شيركوه، فدخلوا مصر في رجب من هذا العام، فوجدوا الضّرْغام قد قُتِلَ فِي الثّامن والعشرين من جمادى الآخرة من السّنة.
__________
[1] مر ذكره في وفيات سنة 557، ص 223، رقم 241.
[2] انظر عن (الضرغام بن عامر) في: مرآة الجنان 3/ 341، والوافي بالوفيات 16/ 365، 366 رقم 398.(38/283)
قُتِلَ عند قبر السّتّ نفيسة، وطافوا برأسه، وبقيت جثّته حَتَّى أكَلَتْها الكلاب، ثُمَّ دُفِن وبُنيَ عليه قبَّة معروفة عند بركة الفيل [بها] [1] القَلَنْدَرِية.
وفي التّاريخ وهْم، لأنّ الضِّرْغام ما قُتِلَ إلّا بعد دخول أسد الدِّين [2] .
- حرف الطاء-
308-[طاهر] بْن معاوية بْن خُلَيْف.
أبو السّعادات الحربيّ، الخيّاط، الصّالح، ساكن من أهل القرآن والصّلاح.
سمع: أَبَا سَعْد بْن خُشَيْش، وأبا عليّ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المهتدي، وغيرهما.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبت عَنْهُ، وكان كخير الرجال.
وقال ابن مَشِّق: تُوُفّي فِي سابع جُمَادَى الآخرة.
وكان مولده سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
قلت: روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن سَلْمان السُّكّريّ.
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من: الوافي بالوفيات.
[2] وقال ابن قلاقس يرثيه:
أصابت سهام اليأس قلب المطامع ... وصابت بغيث اليأس سحب الفجائع
وما أرسل الناعي به يوم موته ... سوى صمم أصمى صميم المسامع
وقد خلّفت فينا أياديه روضة ... سقاها سحاب الوجد غيث المدامع
فكم لبيوت الشعر من دوحة بها ... وكم للقوافي من حمام سواجع
وكم جفن ضيف سائل الدمع ساهر ... وكم جفن سيف جامد الدّم هاجع
وكم منيّات الظّبى بيمينه ... فقد أمنت من جورها المتتابع
وأحسب أن الموت وافاه سائلا ... فبلّغه ما رامه غير مانع
وما كنت أخشى غيره وقد انقضى ... فكلّ مصاب بعده غير فاجع
وأقسم لو مات امرؤ قبل وقته ... لكنت على الأعقاب أول تابع
عجبت لقبر بات بين ضلوعه ... يقال له سقّيت غيث الهوامع
وهل تنفع الأنواء في سقي تربة ... تفيض بمتن اللّجّة المتدافع(38/284)
- حرف العين-
309- عَبْد الرَّحْمَن بْن هبة الرَّحْمَن بن عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القُشَيْريّ [1] .
أبو خَلَف. نَيْسَابُوريّ ورع، عالم، خيِّر، مليح الوعظ. وُلّي خطابة، نَيْسابور بعد والده. وكان ضريرا.
سمع: أعمام أَبِيهِ، وعليّ بْن عَبْد اللَّه بْن أبي صادق، وعبد الغفّار الشّيرازيّ، وإسماعيل بْن عَبْد الغافر الفارسيّ.
روى عنه: عبد الرحيم بن السّمعانيّ.
وتوفّي بنيسابور يوم عاشوراء.
310- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عليّ ابْن الإخوة.
أبو الفتح بْن أبي الغنائم البغداديّ، البيَّع، اللُّغَويّ، الأديب.
نزيل أصبهان.
روى عن أبي الْحَسَن بْن فتحان الشَهْرزُوريّ مجلسا من أمالي ابن بِشْران، سمعه منه ابن السَّمْعانيّ، وقال: شابّ، له معرفة تامَّة باللّغة والأدب. تُوُفّي فِي صَفَر.
311-[عَبْد الوهّاب] [2] بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه [3] .
أبو سَعْد الكِرْمَانيّ. [خاتمة أصحاب أبي بَكْر بْن خَلَف] [4] .
شيخ صالح من أهل نَيْسابور.
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن هبة الرحمن) في: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 249.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من المصادر.
[3] انظر عن (عبد الوهاب بن الحسن) في: العبر 4/ 168، والإعلام بوفيات الأعلام 230، والمعين في طبقات المحدّثين 167 رقم 1798، وسير أعلام النبلاء 20/ 339 رقم 230، والنجوم الزاهرة 5/ 366، وشذرات الذهب 4/ 187.
[4] ما بين الحاصرتين بياض في الأصل.(38/285)
سمع: أبا بكر بن خلف الشيرازي، وأبا المظفّر موسى بن عمران، وأبا سهل عَبْد الملك بْن عَبْد اللَّه الدَّشْتيّ، وغيرهم.
وولد في ربيع الأوّل سنة ثمانين وأربعمائة، وهو آخر من روى عن هؤلاء الثّلاثة فيما أعلم.
روى عَنْهُ: أبو سَعْد بْن السَّمْعانيّ، وابن عَبْد الرحيم، ومحمد بْن ناصر بْن سلمان الْأَنْصَارِيّ، وجماعة.
312- عليّ بْن حمزة بْن إِسْمَاعِيل بْن حمزة بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن السّيّد [1] .
أبو الْحَسَن العَلوَيّ المُوسّوِيّ، الهَرَويّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان سيّدا، عالما، زاهدا، عفيفا، مواظبا على الجماعات. سمع الكثير بِهَرَاة من أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَليّ العُمَيريّ، ونجيب بْن ميمون، ومحمود بْن القَاسِم الْأَزْدِيّ، والحافظ عَبْد اللَّه بْن يُوسُف الْجُرْجانيّ، وصاعد بْن سَيّار الكِنَانيّ، وجماعة وخرَّج له أبو النَّصْر عَبْد الرَّحْمَن الفاميّ جزءا ضخْمًا عن شيوخه.
وحدَّث بمَرْو، وهَرَاة، وحدَّث بكتاب «العوالي» لابن عَدِيّ، وهو مجلَّد.
ووُلِدَ سنة ثمان وستّين وأربعمائة.
قلت: وقد ذكره فِي كتاب «ذيل تاريخ الخطيب» ، فقال: عَلَوَيّ، حَسَن السّيرة، مَرْضِيّ، جميل الظّاهر والباطن، كثير العبادة والخير، يتفقَّد الفقراء ويراعيهم، محترم عند أهل بلده.
__________
[1] انظر عن (علي بن حمزة) في: التحبير 1/ 568، والعبر 4/ 168، وسير أعلام النبلاء 20/ 394، 395 رقم 268، والإعلام بوفيات الأعلام 230، والنجوم الزاهرة 5/ 366، وشذرات الذهب 4/ 187.(38/286)
قلت: روى عَنْهُ هُوَ وابنه وعبد اللَّه بْن عِيسَى بْن أبي حبيب الْأَنْصَارِيّ، وحفيده مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل المُوسَويّ، وحفيده عليّ بْن مُحَمَّد الموسويّ، ويحيى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللّطيف المَرْوَزِيّ، وأبو رَوْح عَبْد المعزّ الهَرَويّ، وآخرون.
وعاش إحدى [1] وتسعين سنة. وكان مُسْنِد هَرَاة فِي عصره.
سمع «الجامع» لأبي عِيسَى، من أبي عامر الْأَزْدِيّ.
313- عُمَر بن عليّ بْن نصر [2] .
أبو المعالي الصَّيْرَفيّ، البغداديّ، الخفّاف.
سمع: رزق الله التميمي، وغيره.
روى عنه: القاضي الصُّوفيّ القصّار، وآخرون.
وآخر من روى عنه بالإجازة: كريمة بْنت عَبْد الوهّاب.
تُوُفّي فِي شهر ربيع الأوّل.
وآخر من روى عَنْهُ بالسّماع: إِسْمَاعِيل بْن باتكين.
- حرف الميم-
314- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر [3] .
الأصبهانيّ، المقدّر [4] ، البنّاء، أبو الخير الباغبان [5] .
__________
[1] في الأصل: «أحد» .
[2] انظر عن (عمر بن علي) في: سير أعلام النبلاء 20/ 379 (دون ترجمة) ، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 3/ 101 رقم 943، والتاريخ المجدّد لمدينة السلام (مخطوطة باريس 2121) ورقة 115 أ.
[3] انظر عن (محمد بن أحمد بن محمد) في: التحبير 2/ 77 رقم 78، والأنساب 2/ 44، والتقييد لابن نقطة 56 رقم 34، والعبر 4/ 168، وسير أعلام النبلاء 20/ 378، 379 رقم 256، والمعين في طبقات المحدّثين 167 رقم 1799، والإعلام بوفيات الأعلام 230، ودول الإسلام 2/ 74، والوافي بالوفيات 2/ 111، والنجوم الزاهرة 5/ 366، وشذرات الذهب 4/ 187.
[4] المقدّر: يقال هذا لمن يعلم الفرائض والمقدّرات والحساب. (اللباب 3/ 246) .
[5] الباغبان: حافظ الباغ وهو البستان.(38/287)
شيخ مُسْنِد، عالي الإسناد، مشهور.
سمع: أَبَا عَمْرو بْن مَنْدَهْ، وأبا عِيسَى بْن زياد، والمطهّر البزّانيّ، وأبا بَكْر بْن ماجة، وحكيم بْن مُحَمَّد الإسْفَرَائينيّ، حدُّث عَنْهُ (بمُسِنَد الشّافعيّ) ، بسماعه من جدّه لأمّه عليّ بن محمد السّقّاء.
روى عَنْهُ: ابن السَّمْعانيّ، وجامع بْن خُمارْتَاش، وصالح بْن أَحْمَد، ومحمد بْن أَحْمَد بْن أبي الفتح النّجّار، ومحمد بْن مكّيّ الحنبليّ، وأحمد بْن صالح بْن أَحْمَد الهَرَويّ، وداود بْن مَعْمَر، وأحمد بْن عُبَيْد اللَّه المستملي الخانيّ، وعبد البرّ بْن أبي العلاء، ومحمود بْن أَحْمَد المعلَّم، ومعمر بْن مُحَمَّد بْن مبشّر، وأبو الوفاء محمود بْن مَنْدَهْ الأصبهانيّون.
وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة: كريمة ثُمَّ عجيبة الباقداريَّة.
قال أبو مَسْعُود الحاجّيّ: تُوُفّي فِي ثاني عَشْر شوّال.
وقال ابن نقطة [1] : كان ثقة، صحيح السَّماع، حدُّث بحضرة أبي العلاء الحافظ، وسمع منه «مُسْنَد الشّافعي» أشياخنا أبو مُسْلِم أَحْمَد بْن شِيرُوَيْه، وعليّ ومحمد ابنا عَبْد الرشيد بْن نبهان، وعبد السّلام بْن شُعَيب الوطيسيّ، وغيرهم بهَمَذان.
315- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عامر [2] .
أبو عامر البَلَويّ الطُّرْطُوشيُّ، السّالميّ. من مدينة سالم، سكن مُرْسِيَّة.
وكان عالما، أديبا، مؤرَّخًا، لُغَويًا، صنَّف فِي اللّغة كتابا مفيدا.
وله كتاب فِي الطّبّ سمّاه: «الشّفا» . وكتاب فِي التّشبيهات.
قال الأَبَّار: روى عنه: عَبْد المنعم بْن الفَرَس، وَأَبُو القاسم بْن البراق.
__________
[1] في التقييد 56.
[2] انظر عن (محمد بن أحمد بن عامر) في: بغية الملتمس للضبّي 43، وتكملة الصلة لابن الأبّار 213، والوافي بالوفيات 2/ 111، 112، وبغية الوعاة 1/ 12، وكشف الظنون 1055، 1404، ومعجم المؤلفين 8/ 272.(38/288)
316- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيِّ بْن محمود [1] .
أَبُو الفُتُوح الزَّوْزَنيَ، الصُّوفيّ، ابن أبي سَعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وسبعين، وحدَّث.
وتُوُفيّ فِي الخامس والعشرين من جُمَادَى الآخرة [2] .
317- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن يَعْقُوب [3] .
الحافظ، العلّامة، أبو عَبْد الله البنجديهيّ [4] ، الزّاغوليّ [5] ، الأ [رزيّ] [6] .
وزاغُول من عمل بنْجديه، وقيل من عمل مروالرّوذ، بها قبر المهلَّب بْن أبي صُفْرة الأمير.
ذكره أبو سَعْد بْن السَّمْعانيّ فقال: وُلِدَ سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن علي) في: الأنساب 6/ 322، 323.
[2] قال ابن السمعاني: كتبت عنه، وكان سماعه عن الشيوخ بقراءة والدي رحمه الله.
[3] انظر عن (محمد بن الحسين الزاغولي) في: الأنساب 6/ 221، واللباب 2/ 53، وسير أعلام النبلاء 20/ 492، 493 رقم 311، والوافي بالوفيات 2/ 53، وسير أعلام النبلاء 20/ 492، 493 رقم 311، والوافي بالوفيات 2/ 373، وطبقات الشافعية الكبرى 6/ 99، 100، وطبقات الشافعية الوسطى للسبكي (مخطوط) ورقة 74 أ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 115، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 329، 330 رقم 296، وكشف الظنون 1367، وشذرات الذهب 4/ 187، 188، وهدية العارفين 2/ 94، والأعلام 6/ 333.
[4] البنجديهي: بسكون النون. نسبة إلى بنج ديه: معناه بالفارسية الخمس قرى، وهي كذلك خمس قرى متقاربة من نواحي مروالروذ ثم من نواحي خراسان، عمّرت حتى اتصلت العمارة بالخمس قرى وصارت كالمحالّ بعد أن كانت كل واحدة مفردة. وقد تعرّب فيقال لها: فنج ديه، وينسبون إليها: فنجديهي. (معجم البلدان 1/ 498) .
[5] الزاغولي: بفتح الزاي بعدها الألف والغين المعجمة المضمومة بعدها الواو وفي آخرها اللام، هذه النسبة إلى قرية من قرى بنج ديه من مروالروذ، مدينة بخراسان. (الأنساب 6/ 221) .
[6] في الأصل بياض، والمستدرك من مصادر الترجمة.
و «الأرزّي» : بفتح الألف وبضم الراء وكسر الزاي وتشديدها. وبعضهم يقول: الرزّي.(38/289)
ببنجديه، وسكن مرو، وتفقّه على والدي وعلى: الموفَّق بْن عَبْد الكريم الهَرَويّ.
وسمع: أَبَا الفتح نصر بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الحَنَفِيّ، وعيسى بْن شُعَيب السِّجْزيّ، ومُحيي السُّنَّة أَبَا مُحَمَّد البَغَوَيّ.
وكان فقيها صالحا، حَسَن السّيرة، خشن العَيْش، تاركا للتكلُّف، قانعا باليسير، عارفا بالحديث وطُرُقه، اشتغل بطلبه وجمْعه طول عمره، وجمع كتابا مطوَّلًا أكثر من أربعمائة مجلَّدة، مشتملة على التّفسير، والحديث، والفِقّه، واللّغة، سمّاه «قَيْدُ [1] الأوابد» .
وسمع جماعة كثيرة. وسمعتُ بإفادته. ووفاته بقرية بوس كارنجان [2] فِي ثاني عَشْر جُمَادَى الآخرة.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ وابنه عَبْد الرحيم بْن أبي سَعْد.
318- مُحَمَّد بْن طاهر بْن عَبْد اللَّه أخي نظام الملك الْحُسَيْن ابني عليّ بْن إسحاق بْن الْعَبَّاس.
الرئيس أبو بَكْر الطُّوسيّ، الزّادكانيّ.
حمله أَبُوهُ أيّام عمّه النّظام إلى أصبهان، وسمَّعه من الكبار.
وكان مولده فِي سنة أربع وسبعين وأربعمائة.
حدّث عن: أبي بَكْر بْن مَاجة الأَبْهريّ، وأبي مَنْصُور مُحَمَّد بْن شكروَيْه، وسليمان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، وأبي الْحَسَن عليّ بْن أَحْمَد المؤدِّب.
قال عبد الرحيم بن السمعاني: سمعت منه «جزء لُوَيْن» .
وتُوُفيّ فِي بسردة من سواد نَيْسابور، فِي أحد الربيعين أو الْجُمادين.
وبخطّ الضّياء: مات سنة سبع كما مرّ.
__________
[1] تقرأ في الأصل: «مبيد» .
[2] لم أجدها.(38/290)
319- مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الأشعر [1] .
الأُمَويّ، الدّاني، المقرئ، نزيل سَبْتَة.
أخذ القراءات عن: أبي الْحَسَن بْن أبي الْحَسَن بْن شفيع، وأبي مُحَمَّد بْن إدريس.
قال الأَبَّار [2] : أقرأ القرآن، وكان عالي الرواية، فاضلا، مُجاب الدّعوة.
أخذ عَنْهُ أَبُو الصَّبْر أيّوب بْن عَبْد اللَّه، وقال: تُوُفّي رحمه اللَّه في جمادى الآخرة.
320- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [3] .
أبو الفتح الحَمْدَوي [4] ، المَرْوَزِيّ، البَنْجَدِيهيّ، الفقيه.
سمع «جامع» التِّرْمِذيّ من أبي سَعِيد الدّبّاس.
وقد سمعه منه السَّمْعانيّ.
وسمع من: هبة اللَّه الشّيرازيّ، والمظفَّر بْن مَنْصُور البرازيّ.
وُلِدَ سنة بضْع وستِّين.
ومات بمَرْو فِي جُمَادَى الآخرة فِي تاسعه سنة تسع [5] .
قاله أبو سَعْد.
321- مُحَمَّد بْن عليّ بْن أبي منصور [6] .
__________
[1] انظر عَنْ (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 494، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة للمراكشي 6/ 284، ومعرفة القراء الكبار 2/ 548 رقم 495، وغاية النهاية 2/ 180.
[2] في التكملة.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الرحمن) في: الأنساب 4/ 216، 217.
[4] الحمدوييّ: بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وضم الدال المهملة وفي آخرها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها. هذه النسبة إلى حمدويه، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه.
[5] وكانت ولادته بعد سنة 470 بمرست إحدى القرى الخمس.
[6] انظر عن (محمد بن علي بن أبي منصور) في: المنتظم 10/ 209، رقم 301 (18/ 161 رقم-(38/291)
الصّاحب جمال الدِّين أبو جَعْفَر الأصبهانيّ، الملقَّب بالجواد.
وزير صاحب المَوْصِل أتابَك زنْكي بْن آقْسُنْقر.
استعمله زنكيّ على ولاية نصيبين والرَّحْبة، وجعله مشرف مملكته، واعتمد عليه. وكان نبيلا رئيسا، دمث الأخلاق، حَسَن المحاضرة، محبوب الصّورة، سَمْحًا، كريما.
ومدحه مُحَمَّد بْن نصر القَيْسَرانيّ بقصيدته الّتي أوّلها:
سقى اللَّه بالزَّوْراء من جانب الغربي ... مَهًا وردت ماء [1] الحياة من القلب
قال القاضي ابن خِلِّكان [2] : وكان يحمل فِي السَّنَة إلى الحَرَمَيْن أموالا وكسوة تقوم بالفقراء سنتهم كلّها. وتنوّع فِي أفعال الخير، حَتَّى جاء فِي زمنه غلاءٌ عظيم، فواسى النّاس حَتَّى لم يبق له شيء وباع بقياره، وعُرِف بالجواد.
وأجرى الماء إلى عَرَفَات أيّام الموسم، وبنى سور مدينة النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبالغ فِي أنواع البِّر والقِرَب [3] ، ولمّا قتل أتابك زنكيّ على قلعة جعبر رتّبه سيف الدِّين غازي ابن زنْكيّ وزيره إلى أن مات. ثمّ وزر بعده لقطب الدّين مودود وأخيه.
ثُمَّ إنّه استكثر إقطاعه، وثقُل عليه، فقبض عليه سنة ثمانٍ وخمسين.
ومات محبوسا مُضَيَّقًا عليه فِي سنة تسعٍ. وكان يوم جنازته يوما مشهودا من
__________
[ (- 4252] ، والكامل في التاريخ 11/ 306- 310، والتاريخ الباهر 227- 130، وتاريخ دولة آل سلجوق 193- 195، وتاريخ إربل 1/ 61 والروضتين ج 1 ق 2/ 348- 356، ومرآة الزمان 8/ 248- 251، ووفيات الأعيان 5/ 143- 147 والمختصر في أخبار البشر 3/ 41، 42، والعبر 4/ 166، وسير أعلام النبلاء 20/ 349، 350 رقم 236، وتاريخ ابن الوردي 2/ 105، والوافي بالوفيات 4/ 159- 161، ومرآة الجنان 3/ 342، 343، والبداية والنهاية 12/ 248، 249، والعقد الثمين 2/ 212، والنجوم الزاهرة 5/ 365، وشذرات الذهب 4/ 185.
[1] في وفيات الأعيان 5/ 144: «وردت عين الحياة» .
[2] في وفيات الأعيان 5/ 144، 145.
[3] قال ابن الجوزي: إلا أن تلك الأموال، فيما يذكر، أكثرها من المكوس.(38/292)
ضجيج الضُّعَفاء والأيتام حول جنازته. ودُفِن بالموصل، ونُقِل بعد سنة إلى مكَّة فِي تابوت، فوقفوا به وطافوا بتابوته، ثُمَّ ردّوه فدفنوه بالمدينة النّبويَّة.
قلت: خالفوا السُّنَّة بما فعلوا.
ولمّا دخل تابوته الكوفَة ذكره الخطيب [1] وأثنى عليه وقال:
سرى نعْشُه فوق الرَّقاب وطالَمَا ... سرى برّه [2] فوق الركاب ونائلُهْ
فتى مرّ بالوادي فانثنت رماله [3] ... عليه وبالنّادي فحنّت [4] أرامله [5]
فضجَّ النّاس بالبكاء، وكانت ساعة عجيبة.
قال ابن خلّكان [6] : وكان ابنه جلال الدِّين عليّ من بُلغاء الأدباء، له ديوان رسائل أجاد فِيهِ. وكان الصَّدْر مجد الدِّين أبو السّعادات المبارك بْن الأثير فِي صِباه كاتبا بين يديه، فكان يُملي عليه الإنشاء. وتُوُفيّ سنة أربعٍ وسبعين. وقد وُلّي وزارة المَوْصِل، ومات بدُنَيْسِر [7] ، ودُفِن عند أبيه.
وقد حكى ابن الأثير [8] فِي ترجمة الجواد مآثر ومحاسن لم يسمع بمثلها فاللَّه يرحمه [9] .
__________
[1] في وفيات الأعيان 5/ 146: الشخص الّذي كان مرتبا معه.
[2] في الوفيات: سرى جوده.
[3] في الكامل، والوفيات: «يمرّ على الوادي فتثني رماله» .
[4] في الوفيات: «فتبكي» ، وفي الكامل «فتثني» .
[5] الكامل في التاريخ 11/ 307، التاريخ الباهر 1/ 127، وفيات الأعيان 5/ 146، مرآة الزمان 8/ 250، الروضتين ج 1 ق 2/ 349.
[6] في وفيات الأعيان 5/ 146.
[7] دنيسر: بضم الدال المهملة وفتح النون وسكون الياء المثنّاة من تحتها وفتح السين المهملة، وهي لفظ مركّب عجمي، وأصله دنيا سر. ومعناه: رأس الدنيا. وعادة العجم في الأسماء المضافة أن يؤخّروا المضاف عن المضاف إليه. وسر بالعجمي: رأس.
[8] في الكامل 11/ 307- 310.
[9] وقال سبط ابن الجوزي: وكان فصيحا، أديبا لبيبا، عارفا وشاعرا، ولما حبس قال:
أين اليمين وأين ما عاهدتني ... ما كان أسرع في الهوى ما خنتني
وتركتني حيران حيّا مدنفا ... أرعى النجوم وأنت ترقد هني
-(38/293)
322- مُحَمَّد بْن مهديّ بْن الْحُسَيْن بْن عُمَر.
أبو الْحُسَيْن الطَّبَريُّ الصُّوفيّ، نزيل بغداد. وبها نشأ.
ومولده سنة ستّ وثمانين وأربعمائة.
وأسمعه أَبُوهُ من مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، وثابت بن بُنْدَار.
323- مُحَمَّد بْن أبي زَيْدِ بْن جمكا.
الأصبهانيّ.
الرجل الصّالح، والد حفصة.
تُوُفّي فِي نصف شوّال بأصبهان.
- حرف النون-
324- نصر بْن خَلَف [1] .
السّلطان أبو الفضل، صاحب سِجِسْتان.
قال ابن الأثير [2] : عُمّر مائة سنة، وتملَّك ثمانين سنة.
قلت: لا أعلم فِي الإسلام بقي ملكا هذه المدّة سوى هذا، وبعده تملّك ابْنه شمس الدِّين أبو الفتح أَحْمَد بْن نصر.
قال: وكان أبو الفضل ملكا عاقلا، عفيفا عن رعيّته، وله آثار حسنة فِي نُصْرة السّلطان سَنْجَر فِي غير موقف.
تُوُفّي رحمه اللَّه فِي سنة تسع هذه.
__________
[ (-) ]
فلأرفعنّ إلى إلهي قصّتي ... بلسان مظلوم وأنت ظلمتني
ولأدعونّ عليك في غسق الدّجى ... فعساك تبلى بالذي أبليتني
(مرآة الزمان 8/ 251) .
وقد طوّل أبو شامة ترجمته في كتاب الروضتين.
[1] انظر عن (نصر بن خلف) في: الكامل في التاريخ 11/ 313، والعبر 4/ 169، ومرآة الجنان 3/ 342، وشذرات الذهب 4/ 188.
[2] في الكامل.(38/294)
- حرف الياء-
325- يحيى بْن عليّ بْن خطّاب.
أبو شجاع البغداديّ، المقرئ. وليس هذا بالخيميّ. ذاك يأتي سنة أربعٍ وستِّين.
وهذا ورّخه ابن مشّق في شعبان.(38/295)
سنة ستين وخمسمائة
- حرف الألف-
326- أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن هِشَام [1] .
أبو الْعَبَّاس بْن الخطيئة [2] اللَّخْميّ، الفاسيّ، المقرئ، النّاسخ، الشَّيْخ.
إمام صالح كبير القلب، مقرئ بارع مجوّد، من أعلام المقرءين. نسخ الكثير بالأجرة. وكان مليح الخطّ، جيّد الضّبط.
ولد سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بمدينة فاس، وحجّ ودخل الشَّام ولقي الكبار. ثُمَّ استوطن مصر بجامع راشدة خارج الفُسْطاط.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الله الحطيئة) في: إنباه الرواة 1/ 39، ووفيات الأعيان 1/ 170، 171، والعبر 4/ 169، وسير أعلام النبلاء 20/ 344- 348 رقم 234، ومعرفة القراء الكبار 2/ 526، 527، رقم 470، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1800، والإعلام بوفيات الأعلام 230، وتلخيص ابن مكتوم 11، والوافي بالوفيات 7/ 121، وغاية النهاية 1/ 71، والنجوم الزاهرة 5/ 370، وحسن المحاضرة 1/ 453، و 495، وسلّم الوصول 89، وشذرات الذهب 4/ 188.
[2] الحطيئة: بضم الحاء المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون الياء المثنّاة التحتية وبعد الهمزة هاء. (وفيات الأعيان 1/ 171) .
وقد ورد في الأصل: «الخطية» بالخاء المعجمة، ويرد في بعض المصادر «الحطيّة» بياء مشدّدة. (شذرات الذهب) .
وفي العبر 4/ 169 «الحطئة» . وقال محقّقه الدكتور صلاح الدين المنجد في الحاشية: «وفي النجوم» «الحطيئة» خطأ» . بل هو الصواب.(38/296)
وكان لأهل مصر فِيهِ اعتقاد كبير لا مَزِيد عليه.
قرأت بخطّ أبي الطّاهر بْن الأنْماطيّ: سَمِعت شيخنا أَبَا الْحَسَن شجاعا المدلجيّ، وكان من خيار عَبّاد اللَّه يقول: كان شيخنا ابن الحُطَيْئة شديدا فِي دين اللَّه، فظّا غليظا على أعداء اللَّه. لقد كان يحضر مجلسه داعي الدُّعاة مع عِظم سلطنته ونفوذ أمره، فلا يحتشمه ولا يُكرمه، ويقول: أحمق النّاس فِي مسألة كذا الرّوافض، خالفوا الكتاب والسُّنَّة وكفروا باللَّه.
وكنت عنده يَوْمًا فِي مسجده بشُرَف مصر، وقد حضر بعض وزراء المصريّين، أظنّ ابن عَبَّاس، فاستسقى فِي مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضَّة، فَلَمّا رآه ابن الحُطَيْئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخة ملأت المسجد وقال: وا حرّاها على كبِدي، أتَشربُ فِي مجلس يُقْرأ فِيه حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آنية الفضَّة؟ لا والله لا تفعل، وطرد الغلام، فخرج، ثُمَّ طلب كوزا، فجاء بكوز قد تثلَّم فشرب، واستحيا من الشَّيْخ، فرأيته والله كَمَا قال اللَّه تعالى: يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ 14: 17 [1] .
أتى رَجُل إلى شيخنا ابن الحُطيْئة بِمِئْزَر، وحَلَف بالطّلاق ثلاثا لا بدّ أن يقتله. فوبّخه على ذلك وقال: عَلِّقْه على ذاك الوَتَد. قال لنا شجاع وغيره:
فلم يزل على الوتد حَتَّى أكله العتَّ وتساقط.
وكان ينسخ بالأجرة، ولا يقبل لأحدٍ قَطّ هديّة. وكان له على الجزية فِي الشهر ثلاثة دنانير. ولقد عرض عليه غيرُ واحدٍ من الأمراء أن يزيد جامكِيَّته فما قَبِل.
وكان له من الموقع فِي قلوبهم، مع كَثرة ما يهينهم ما لم يكن لأحدٍ سواه، وعرضوا عليه القضاء بمصر فقال: لا والله لا أقضي لهم.
قال شيخنا شجاع: وكتب «صحيح مسلم» كلّه بقلم واحد.
__________
[1] سورة إبراهيم، الآية: 17.(38/297)
وسمعته يقول وقال له إنسان: فُلانٌ رُزق نعمة ومعدة، فقال: حسدتموه على التّردّد إلى الخلاء.
وسمعته يقول: إذا ذكر عُمَر بْن الخَطَّاب: طُويت سعادة المسلمين فِي أكفان عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قلت: وقرأ بالرّوايات على أبي القَاسِم بْن الفحّام بالإسكندريَّة، وعلَّم زوجته وابنته الكتابة، فكانا يكتبان مثل خطّه سواء. فإذا شرعوا فِي نسخ كتاب أخذ كلّ واحدٍ منهم جزءا من الكتاب ونسخوه، فلا يفرِّق بين خطوطهم إلّا الحاذق.
ووقع بمصر الغلاء، فأتاه جماعة وسألوه قبول شيء فامتنع، فخطب الفضل بْن يحيى الطّويل ابنتَه وتزوّجها. ثُمَّ سَأَلَ أباها أن تكون أمّها عندها لتؤنسها، ففعل. فما أحسن ما تلطّف هذا الرجل فِي بِرّ أبي الْعَبَّاس. وبقي أبو الْعَبَّاس وحده ينسخ ويقتنع.
قرأ عليه جماعةُ منهم: شجاع بْن مُحَمَّد بْن سيدهم المُدْلجّي، وأبو الطّاهر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن بُنَان الأنبَاريّ ثُمَّ الْمَصْرِيّ وجماعة سواهم.
وحدَّث عَنْهُ السِّلَفيّ، وهو أكبر منه، وقال: تُوُفّي فِي آخر المُحَرَّم بمصر، قال: وكان رأسا فِي القراءات. سمع الحديث من أبي عَبْد اللَّه الحضْرميّ، وأبي الْحَسَن بْن مشرِّف. وسمعته يقول: وُلِدتُ بفاس، ودخلت الشَّام.
قلت: وروى عَنْهُ صنيعة المُلْك هبة اللَّه بْن يحيى بْن حَيْدُورة، والأمير إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد اللَّمْطيّ [1] ، والنّفيس أسعد بْن قادوس. وهو آخر من حدُّث عَنْهُ. وقبره يُزار بالقرافة الصُّغْرى. وطُلِب لقضاء مصر فأبى.
__________
[1] اللّمطيّ: بفتح اللام ثم سكون الميم، وطاء مهملة. نسبة إلى لمطة: أرض لقبيلة من البربر بأقصى المغرب من البرّ الأعظم يقال للأرض وللقبيلة معا لمطة. (معجم البلدان 5/ 23) .(38/298)
قرأت بخطّ ابن الأنْماطيّ الحافظ: حكى لنا أبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم قال: كان الشَّيْخ أبو الْعَبَّاس قد أخذ نفسه بتقليل الأكل، بحيث بلغ فِي ذلك إلى الغاية. وكان يَعْجَب ممّن يأكل ثلاثين لُقمة ويقول:
لو أكل النّاس من الضارّ ما أُكل من النّافع ما اعتلّوا.
وحكى لي شجاع أنّ أَبَا الْعَبَّاس وُلِدت له ابنته هند وكبرت، وقرأت عليه بالسَّبع، وقرأت عليه الصّحيحين، وغير ذلك. وكَتَبَت الكثير، وتعلَّمت عليه كثيرا من علوم القرآن، والحديث، وغير ذلك. ولم ينظر إليها قَطّ.
فسألتُ شجاعا أكان ذلك عن قصْد؟ فقال: كان فِي أوّل العُمر اتّفاقا، لأنّه كان يشتغل بالإقراء إلى المغرب، ثُمَّ يدخل إلى بيته وهي فِي مَهْدها، وتمادى الحال إلى أنْ كبرت فصارت عادة. وزوّجها ودخلت بيتها والأمر على ذلك، ولم ينظر إليها قَطّ إلى أن تُوُفّي رحمه اللَّه تعالى [1] .
327- أَحْمَد بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان.
الحمّاميّ، الْبُخَارِيّ، أبو الْعَبَّاس، الأديب، من مشيخة أبي سَعْد السَّمْعانيّ.
قال: كان فقيها، زاهدا، عارفا باللُّغة، كثير الاجتهاد والتّعبُّد.
سمع: عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّبَيْريّ، والقاضي مُحَمَّد بْن الْحَسَن النَّسَفيَ، وجماعة.
مولده سنة تسعٍ وثمانين.
ومات فِي ربيع الأوّل سنة ستّين. وكان إمام النّاس في الجمعة.
__________
[1] وقال الذهبي- رحمه الله- في (معرفة القراء) : وبلغنا أن الناس بقوا بمصر بلا قاض ثلاثة أشهر في عام ثلاثة وثلاثين وخمسمائة، ثم وقع اختيار الدولة على أبي العباس ابن الحطيئة، فاشترط عليهم أن لا يقضي بمذهبهم، فلم يمكنوه من ذلك إلّا أن يحكم على مذهب الشيعة وولّوا غيره.(38/299)
328- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد.
أبو إسحاق المَوْصِليّ، الحنبليّ، الفقيه.
نزل دمشق، ودرَّس بالصّادريَّة، وناب فِي الحكم للقاضي الزّكيّ.
وتُوُفيّ فِي هذه السَّنَة.
329-[أمير ميران] [1] بْن أتابَك بْن زنْكي بْن آق سنقر.
التُّركيّ، أَخو السّلطان نور الدِّين.
كان شجاعا مِقْدامًا.
[مرض] [2] صاحب الشَّام نور الدِّين أخوه، فكاتب هُوَ الأمراء ليملِّكُوه، فَلَمّا عُوفي نور الدِّين سار إليه، وأخذ منه حرّان بعد الخمسين وطرده، فمضى إلى صاحب الروم، وجيَّش الجيوش في العام الماضي. وكان نور الدّين نازلا على رأس الماء، فالتقوا، فكسره نور الدّين. وقتل في الوقعة جماعة منهم ابن الدّاية الأمير، وردّ أمير ميران إلى صاحب حصن كيفا.
ثُمَّ اصطلح هُوَ وأخوه. وأصابه سَهْمٌ فِي عينه على بانياس فقتله. مات منه بدمشق.
- حرف الحاء-
330- حسّان بْن تميم بن نصر [3] .
أبو النّدى الزّيّات.
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من: ذيل تاريخ دمشق، ومرآة الزمان 8/ 252، والعبر 4/ 169، والوافي بالوفيات 9/ 384، 385 رقم 4311، والنجوم الزاهرة 5/ 367، وشذرات الذهب 4/ 188.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: مرآة الزمان.
[3] انظر عن (حسّان بن تميم) في: تاريخ دمشق، ومختصره 6/ 289 رقم 167، ومرآة الزمان 8/ 253، وزبدة التواريخ للحسيني 222، والعبر 4/ 170، والإعلام بوفيات الأعلام 230، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1801 وفيهما: «حسّان بن إبراهيم» ، وسير أعلام النبلاء 20/ 397 رقم 271، والنجوم الزاهرة 5/ 370، وشذرات الذهب 4/ 188، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 127.(38/300)
شيخ صالح، دمشقيّ. سمع مجالس من الفقيه نصر.
وروى عَنْهُ: ابن عساكر [1] ، وابنه، وأبو المواهب الثّعلبيّ، وعبد الخالق بْن أسد، ومُكْرم بْن أبي الصَّقْر، وكريمة الْقُرَشِيَّة، وآخرون.
تُوُفّي الحاجّ حسّان في تاسع عشر رجب، ودُفِن بباب الفراديس عن نيَّفٍ وثمانين سنة [2] .
331- الحسين بن محمد بن الحسين بن حما.
البغداديّ، سِبْط أبي سَعْد مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الأسَدِيُ.
سمع من: جَدّه أبي سَعْد.
وحدَّث فِي هذه السَّنَة.
روى عَنْهُ: أبو الفُتُوح بْن الحصْريّ، وغيره.
- حرف الخاء-
332- خُزِيفَة [3] بن سعد بن الحسن بن الهاطر [4] .
__________
[1] وهو قال: وكان قد ترك الصرف قبل أن يموت بمدّة، وحجّ وحسنت طريقته، ولازم صلاة الجماعة.
[2] وقال سبط ابن الجوزي: وكتب عنه الحافظ ابن عساكر لعبد الملك بن جهور القرطبي:
الموت يقبض ما أطلقت من أهلي ... لو صحّ عقلي طلبت الفوز في مهل
ما ينقضي أمل إلّا أتى أمل ... والدهر في ذا وذا لم ينقضي شغلي
من أين أرضيك إلّا أن توفقني ... هيهات هيهات بالتوفيق من قبلي
فارحم بعزّتك اللَّهمّ ملتهفا ... مما أتى واغتفر ما كان من زللي
(مرآة الزمان) .
[3] انظر عن (خزيفة بن سعد) في: الإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب حذيفة وخزيفة، والعبر 4/ 170 وفيه «حذيفة» ، وسير أعلام النبلاء 20/ 438، 439 رقم 285، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 144 رقم 774، وفيه: «الحسين» بدل «الحسن» ، ومرآة الجنان 3/ 344 وفيه «حذيفة» ، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 289، وتبصير المنتبه 1/ 431، وشذرات الذهب 4/ 159 وفيه: «حذيفة» .
و «خزيفة» بالخاء المعجمة والزاي.
[4] في (الإستدراك) و (تبصير المنتبه) ومختصر ابن الدبيثي: «الهاطرا» بزيادة ألف في آخره،(38/301)
أبو المُعَمَّر الأَزَجيّ، الورّاق.
وُلِدَ سنة ثمانين وأربعمائة.
شيخ صالح، مُسْنِد.
سمع: ابن البَطِر، وأبا الفضل بْن خَيْرُون، وأبا الْحَسَن بْن أيّوب البزّاز، وجماعة.
روى عَنْهُ: ابن السَّمْعانيّ، ومحمد بْن المبارك بدمشق، وشهاب الدِّين السُّهْرَوَرْديّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي العشرين من رجب. وقد روى عَنْهُ بالإجازة الرشيد أَحْمَد بْن مَسْلَمَة.
- حرف الراء-
333- رستم بْن عليّ بْن شَهْرَيَار بْن قارِن [1] .
ملك مازَنْدران.
كان ملكا شجاعا مَخُوفًا، استولى فِي العام الماضي على بِسْطام وقُومس، واتَّسعت ممالكه.
مات فِي ثامن ربيع الأوّل، فكتم ابنه علاء الدِّين الْحَسَن موته أيّاما حَتَّى تمكَّن وثبت ملكه. ثُمَّ خرج عليه صاحب جُرجان ونازَعَه فِي المُلْك فلم يبالِ به.
__________
[ () ] وكذا زادها المؤلّف الذهبي، رحمه الله، في (سير أعلام النبلاء 20/ 425) عند ما ذكره في وفيات سنة 560 هـ. وعند ما أفرد ترجمته برقم (285) حذف الألف من آخره. وسيعيده المؤلّف- رحمه الله- بعد قليل باسم «عبد الله» رقم (337) وفي المرّتين يقرأ: «المهاطر» .
وفي تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس) : «ابن الهاطور» .
[1] انظر عن (رستم بن علي) في: الكامل في التاريخ 11/ 315، والعبر 4/ 170، والوافي بالوفيات 14/ 120 رقم 152، وشذرات الذهب 4/ 189.(38/302)
- حرف السين-
334- سَعِيد بْن سهل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه [1] .
أبو المظفَّر النَّيْسَابُوريّ، ثُمَّ الخُوارَزْميّ، الوزير المعروف بالَفَلَكيّ [2] .
سمع: أَبَا الْحُسَيْن المؤدِّب، ونصر اللَّه بْن الحمد الخُشْناميّ [3] .
وسافر إلى خُوارَزْم، ووَزَرَ لصاحبها. وكان ذا رأي وشهامة وكفاية وحُسْن سيرة وسخاء ومكارم. ثُمَّ إنّه خاف من صاحب خُوارَزْم فحجَّ وتصدَّق بأموالٍ كثيرة، وتزهَّد، وتعبَّد.
وحدَّث ببغداد ودمشق، وسكن بخانقاه السُّمَيْساطِيّ [4] ، وجدَّد بها الصّفَّة الغربيَّة والبرْكة والقناة الّتي بها من ماله. وتولّى النَّظَر فِي وقف الخانقاه.
وكان ثقة، متواضعا، صالحا، حَسَن الاعتقاد. أثنى عليه ابن عساكر وغيره. ووقع لنا جزء الفلكيّ عن الشَّيخين المذكورين.
روى عَنْهُ: ابن عساكر، وأبو القَاسِم بْن صَصْرَى، وأخوه أبو المواهب، وأبو عَبْد اللَّه بْن المجاور، وزَين الأُمَناء، ومُكْرَم، ومحمد بْن غسّان.
ومات فِي شوّال، ودُفِن بمقابر الصُّوفيَّة.
__________
[1] انظر عن (سعيد بن سهل) في: تاريخ دمشق، ومختصره 9/ 303، 304 رقم 148، وتاريخ إربل 1/ 406، ومعجم الألقاب 3/ 495، 496، والعبر 4/ 170، وسير أعلام النبلاء 20/ 422، 423 رقم 280، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1802، والإعلام بوفيات الأعلام 231، والوافي بالوفيات 15/ 224، والنجوم الزاهرة 5/ 370، والدارس 2/ 120، وشذرات الذهب 4/ 188، وتهذيب تاريخ دمشق 6/ 131، 132.
[2] تحرّفت نسبته في شذرات الذهب إلى «العلكي» بالعين بدل الفاء.
[3] الخشنامي: بضم الخاء وسكون الشين المعجمتين وفتح النون وفي آخرها الميم. هذه النسبة إلى بعض أجداده وهو خشنام. (الأنساب 5/ 130) .
[4] تقع بالقرب من الباب الشمالي للجامع الأموي يفصل بينها وبين الجامع الحائط فقط. وهي نسبة إلى أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي الدمشقيّ السميساطي، من أكابر دمشق، توفي سنة 453 هـ. (انظر: مختصر تنبيه الطالب 144- 146، والدارس 2/ 118 وما بعدها، ومنادمة الأطلال 276- 278) .(38/303)
335-[ ... ] [1] بْن عبد المطّلب.
السّيّد أَبُو عليّ العَلوَيّ، الأصبهانيّ.
تُوُفّي فِي رجب.
- حرف الطاء-
336-[طُغْرُل] [2] شاه بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن.
الشَّيْخ أبو المعالي الكاشْغَريّ.
تُوُفّي بأصبهان فِي ثاني جُمَادَى الأولى [3] .
- حرف العين-
337-[عَبْد اللَّه] [4] بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن سبعون [5] .
أبو مُحَمَّد القَيْروانيّ الأصل، البغداديّ.
سمع: أَبَاهُ، وأبا الفضل بْن خَيْرُون.
وحدَّث فِي هذا العام [6] .
روى عَنْهُ: عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ، ونصر بْن الحصريّ [7] .
__________
[1] في الأصل بياض، ولم أعرفه.
[2] في الأصل بياض، والمثبت عن: الأنساب 10/ 326.
[3] قال ابن السمعاني: سمع معنا الحديث الكثير بنيسابور، عن أبي عبد الله الفراوي، وأبي القاسم الشجاعي، وأبي محمد عبد الجبار بن محمد الخواريّ، وطبقتهم. وكان واعظا حسن الوعظ، سكن هراة، ونفق سوقه عندهم، وصاهر بعض الأتراك، ولقيته بهراة في النوبة الثانية سنة ست وأربعين وخمسمائة، وسمع بقراءتي أجزاء، وسمّع أولاده، وسمع بنفسه «الصحيح» مع ولدي من أبي الوقت السجزيّ، بروايته عن الداوديّ، عن الحمّوئي، عن الفربري، عن البخاري. وكتب بخطّه أحاديث يسيرة، وسمعت منه ذلك.
[4] في الأصل بياض، والمستدرك من مصدر ترجمته.
[5] انظر عن (عبد الله بن أحمد القيرواني) في: المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 2/ 127 رقم 754.
[6] قال ابن الدبيثي: بقي إلى سنة ستين وخمسمائة.
[7] قال الدكتور مصطفى جواد في تحقيقه للمختصر بالحاشية رقم 295: «هذه الترجمة سقطت(38/304)
338-[عبد الله] [1] بن سعد بن الحسن [2] بن الهاطر.
الوزّان، لَقَبُه خُزَيْفَة. ذكرته فِي الخاء [3] .
339-[عَبْد اللَّه] [4] بْن عليّ بْن الْحُسَيْن.
أبو مُحَمَّد الكوفيّ، العَطَّار.
سمع بدمشق: أَبَا البركات بْن طاوس.
وحدَّث.
وتُوُفيّ بدمشق فِي ذي القعدة.
وكان كثير التّلاوة.
روى عَنْهُ: أبو القَاسِم بْن صَصْرَى.
340-[عَبْد القَاهِر] بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الطُّوسيّ.
أبو عليّ. نزيل الموصل.
أخو عبد الله خطيب الموصل، وعبد الرَّحْمَن، ومحمد، وعبد الوهّاب.
سمع من: جَعْفَر السّراج، وغيره.
وتُوُفيّ يوم عيد الأضحى.
341-[عَبْد المحسن] [5] بْن عَبْد المنعم بْن عليّ بْن مُنِيب.
الفقيه أبو مُحَمَّد الكَفَرْطابيّ [6] ، ثُمَّ الشّيزريّ [7] .
__________
[ () ] من نسخة باريس مع القسم الضائع منها» .
[1] في الأصل بياض. والمستدرك من ترجمته التي تقدّمت باسم «خزيفة» رقم (332) .
[2] هكذا هنا والترجمة المتقدّمة. وفي مختصر ابن الدبيثي «الحسين» .
[3] قال ابن الدبيثي: «عبد الله بن سعد بن الحسين بن الهاطرا أبو المعمّر الوزّان الأزجي. يعرف بخزيفة، وبه سمّاه ابن السمعاني في تاريخه» . (المختصر 2/ 144 رقم 774) .
[4] في الأصل بياض.
[5] في الأصل بياض. والمثبت من: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 261.
[6] الكفرطابي: بسكون الراء، وطاء مهملة، وبعد الألف باء موحّدة. نسبة إلى كفرطاب بلدة بين المعرة ومدينة حلب في برّيّة معطشة. (معجم البلدان 4/ 470) .
[7] في طبقات السبكي: «الشيرازي» وهو غلط. و «الشيزري» : بتقديم الزاي على الراء وفتح(38/305)
رحل، وسمع من: أبي القَاسِم بْن الحُصَيْن، وأبي العزّ بن كادش، وطبقتهما.
وتفقّه بالنّظاميَّة، وسكن دمشق.
روى عَنْهُ: أبو القَاسِم بْن صَصْرَى.
وكان ثقة، خيَّرًا.
342-[عَبْد الملك] [1] بْن أَحْمَد بْن أبي يدّاس [2] .
أبو مَرْوان الصّنْهاجيّ، الْجَيّانيّ.
قرأ القرآن والعربيَّة على أبي بَكْر بْن مَسْعُود.
وأخذ بالمرِّية عن: أبي الحَجَّاج القُضاعيّ، وغيره.
وأقرأ بشاطِبة القرآن والعربيَّة.
روى عَنْهُ: أبو عَبْد اللَّه بْن سعادة المُعَمَّر [3] .
343-[عَبْد الواحد] [4] بْن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد [5] .
أبو الفضل [6] بن القزّة [7] الدّمشقيّ.
__________
[ () ] أوله. نسبة إلى شيزر: قلعة تشتمل على كورة بالشام قرب المعرّة. (معجم البلدان 3/ 383) .
[1] في الأصل بياض، والمثبت من: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1719، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 5 ق 1/ 9، 10 رقم 2، وبغية الوعاة 2/ 108 رقم 1563.
[2] يدّاس: بتشديد الدال المهملة.
[3] قال ابن عبد الملك: كان شاعرا نحويا لغويا، أديبا ذاكرا للآداب، راوية للأخبار، ذا حظّ من قرض الشعر.. خرج من بلده بعد أربعين وخمسمائة، فنزل شاطبة، وتصدّر بها لإقراء القرآن وتدريس العربية، ثم تحوّل إلى شعوره وأقرأ بها وخطب يجامعها إلى أن مات.. ومولده بجيان سنة عشر وخمسمائة أو نحوها.
[4] في الأصل بياض. والمستدرك من المصادر.
[5] انظر عن (عبد الواحد بن إبراهيم) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 15/ 246 رقم 231، ومرآة الزمان 8/ 253، وسير أعلام النبلاء 20/ 397، (مذكور في آخر الترجمة رقم (271) ، والمشتبه في الرجال 2/ 527، وتبصير المنتبه 3/ 1128.
[6] في مرآة الزمان: «أبو الفضائل» .
[7] في المرآة: «قرة» .(38/306)
روى «صحيح الْبُخَارِيّ» عن الفقيه نصر عن عليّ بْن مُوسَى السِّمْسار، عن أبي زَيْدٍ المَرْوَزِيّ، عن الفِرَبْريّ.
وسمع مجلسا من نصر أيضا.
روى عَنْهُ: ابن عساكر، وقال: سَأَلْتُهُ عن مولده فقال: سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
ومات فِي ذي الحجَّة.
قال: وكان قد اختلط.
قلت: وروى عَنْهُ: عليّ بْن مُحَمَّد بْن جمال الإسلام، وأبو القَاسِم بْن صَصْرَى، وغيرهما.
وقد روى بالإجازة عن: عاصم بْن الْحُسَيْن العاصميّ [1] .
344-[عُبَيْد اللَّه] بْن خليفة.
أبو الْحُسَيْن البَطلُيوسيّ.
وُلّي قضاء إشبيلية فِي الدّولة اللّمْتُونيَّة بعد القاضي أبي بَكْر بْن العربيّ ثُمَّ عُزِل، وتُوُفيّ فِي شوّال.
345- عتيق بْن عبد العزيز.
أبو بَكْر السَّمَرْقَنْديّ، الدّرغميّ [2] ، ثُمَّ النَّيْسَابُوريّ، الأديب الأوحد.
له المحفوظات فِي اللّغة والشّعر الجيّد.
__________
[1] وقال ابن عساكر: أنشدني:
يا صاحب المعروف كن تاركا ... تردادي الحاجة في حاجته
فشرّ معروفك ممطوله ... وخيره ما كان من ساعته
لكلّ شيء آفة تتّقى ... وحبسك المعروف من آفته
[2] الدّرغميّ: بفتح الدال المهملة والغين المعجمة بينهما الراء الساكنة وفي آخرها الميم هذه النسبة إلى درغم وهي ناحية بسمرقند على فرسخين منها مشتملة على قرى عدة. (الأنساب 5/ 300) .(38/307)
سمع: عَبْد الغفّار بْن شيرُوَيْه، وغيره.
وُلِدَ سنة سبْعٍ وسبعين.
ومات فِي حدود السّتين.
346- عطاء بْن عَبْد المنعم.
أبو الغنائم الأصبهانيّ.
حجّ فِي هذا العام، فحدَّث ببغداد عن غانم البرجي.
روى عنه: أبو الفتوح بن الحصْريّ، وغيره.
347- علي بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أبي الْعَبَّاس [1] .
أبو الْحَسَن الأصبهانيّ، المعروف باللّبّاد.
سمع: رزق اللَّه بْن عَبْد الوهّاب التّميميّ، وأبا بكر محمد بن أَحْمَد بْن ماجة، والقاسم بْن الفضل الثّقفيّ، ورجاء بْن عَبْد الواحد بْن قولُوَيْه، وأبا نصر عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد السِّمْسار، وجماعة.
وأجاز له أبو بكر بن خلف الشيرازي.
وخرَّج له مُعَمَّر بْن الفاخر جزءا، وروى عنه جماعة.
وروى عنه بالإجازة، أبو المنجا ابن اللّتّي، وكريمة.
وتُوُفيّ فِي ثامن عَشْر شوّال.
348- عليّ بْن أَحْمَد بْن مقاتل بْن مَطْكُود [2] .
أبو الْحَسَن السُّوسيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الشّاغُوريّ، ويُعْرف بابن المعلّم.
سمع جزءا واحدا من أبي القَاسِم عليّ بْن مُحَمَّد المصِّيصيّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حدُّث عنه.
__________
[1] انظر عن (علي بن أحمد اللبّاد) في: العبر: 4/ 171، وسير أعلام النبلاء 20/ 351 رقم 239، والنجوم الزاهرة 5/ 370، وشذرات الذهب 4/ 189.
[2] انظر عن (علي بن أحمد بن مقاتل) في: تاريخ دمشق، ومختصره 17/ 190 رقم 75، وسير أعلام النبلاء 20/ 248، 249 رقم 164، وذكره دون ترجمة في الصفحة 20/ 425، والنجوم الزاهرة 5/ 370.(38/308)
قَالَ ابْنُ عساكر [1] : وكان قبل أن يحجّ يتولّى توظيف ما يوجد من مَزَارع الشّاغور. وتُوُفيّ فِي رمضان.
قلت: روى عَنْهُ: أبو القَاسِم بْن صَصْرَى، وزَين الأُمنَاء أبو البركات، ومُكْرَم، وجماعة.
وهو أخو نصر بْن أَحْمَد.
349- عليّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن علّان.
أبو الحسن البوّاب.
سمع: أبا الحسين بْن الطُّيُوريّ.
ووُلِدَ فِي سنة سبْعين. وكان يمكنه أن يسمع من أبي نصر الزَّيْنَبيّ، لكنّ السّماع قسميَّة.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
350- عُمَر [2] بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عِكْرَمة [3] .
أبو القَاسِم بْن البَزْريّ [4] ، الشّافعيّ، العلّامة، فقيه أهل الجزيرة.
__________
[1] في تاريخ دمشق.
[2] في الأصل: «علي» والتصحيح من المصادر.
[3] انظر عن (عمر بن محمد بن أحمد) في: معجم البلدان 2/ 138، والإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب: البزري والبرزي، والكامل في التاريخ 11/ 321، وفيه: «عمر بن عكرمة» ، ووفيات الأعيان 3/ 444، 445، والمختصر في أخبار البشر 3/ 42، 43، والعبر 4/ 171، وسير أعلام النبلاء 20/ 352 رقم 240، وصفحة 425، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106، ومرآة الجنان 3/ 344، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 251- 253، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 257، 258، وتوضيح المشتبه 1/ 433، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 327، 328 رقم 293، والنجوم الزاهرة 5/ 370، وكشف الظنون 2/ 1913، وشذرات الذهب 4/ 189، وهدية العارفين 1/ 784، ومعجم المؤلفين 7/ 306، والأعلام 5/ 222.
[4] البزري: بتقديم الزاي، ثم راء، وقد تحرّفت هذه النسبة في (الكامل 11/ 321) إلى:
البرزي، بتقديم الراء.(38/309)
رحل إلى بغداد، واشتغل على إلْكيا الهَراسيّ، وأبي حامد الغزاليّ، وجماعة.
وبرع فِي المذهب ودقائقه، وقصده الطَّلَبة من البلاد وتفقّهوا به.
وصنَّف كتابا كبيرا شرح فِيهِ إشكالات «المهذَّب» . وكان من الدِّين والعِلم بمحلٍّ رفيع.
قال القاضي ابن خِلِّكان [1] : كان أحفظ من بقي فِي الدّنيا على ما يقال لمذهب الشّافعيّ. وكان يُنْعَت بزَيّن الدِّين جمال الإسلام.
انتفع به خلْقٌ كثير، ولم يخلف بالجزيرة مثله [2] .
وكان قد قرأ أوّلا على أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن الفَرَج السُّلَميّ الطّارقيّ، قليلا من الفقه، فمات أبو الغنائم سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة.
تُوُفّي ابن البَزْرِيّ فِي أحد الربيعين، وله تسعُ وثمانون سنة. والبَزْريّ:
نسبة إلى عمل البُزْر وبَيْعه، والبزْر فِي تلك البلاد اسم للدّهن المستَخْرَج من حبّ الكُتّان وبه يستصبحون.
وكان مولده في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.
351-[عُمَر] [3] بْن بهليقا [4] .
الطّحّان، البغداديّ.
عمّر جامع العقيبة [5] بالجانب الغربيّ من بغداد.
__________
[1] في وفيات الأعيان 3/ 444.
[2] وقال ابن الأثير: وكان واحد عصره في الفقه تأتيه الفتاوى من العراق وخراسان وسائر البلاد.
(الكامل) .
[3] في الأصل بياض. والمستدرك من المصادر.
[4] انظر عن (عمر بن بهليقا) في: المنتظم 10/ 212 رقم 302 (18/ 164، 165 رقم 4253) ، ومرآة الزمان 8/ 253، 254، والبداية والنهاية 12/ 249.
[5] في المنتظم: عمّر جامع العقبة، وكان مسجدا لطيفا فاشترى ما حوله وأوسعه وسمعت همته حتى استأذن أن يجعله جامعا فأذن له إلّا أنّ أكثر المواضع التي اشتراها كانت تربا فيها(38/310)
وتوفي فِي ذي القعدة.
- حرف الميم-
352- مُحَمَّد بْن أبي سعد أحمد بن محمد بن البروديّ.
أبو الفُتُوح الصُّوفيّ.
سمع: الزَّيْنَبيّ، وابن البَطِر.
وعنه: ابن سُكَيْنَة، وابن الأخضر.
مات فِي جُمَادَى الآخرة سنة تسع.
353- مُحَمَّد بْن حمزة بْن الْحَسَن بْن المفرّج.
أبو عَبْد اللَّه بْن أبي يَعْلَى الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ، الشُّرُوطيّ.
سمع: أَبَاهُ، وعليّ بْن طاهر النَّحْويّ، وسُبَيْع ابن المقرئ.
مات فِي شعبان، وله إحدى وسبعون سنة.
354- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن المسلم بْن أبي سُرَاقة [1] .
أبو المجد الهَمَذانِيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ.
سمع: أبا الحسين بن المَوَازِينيّ، وعبد المنعم بْن الغَمْر الكِلابيّ، وحَيْدَرة بْن أَحْمَد.
سمع منه: أبو الفتح.
وتولّى عمالة الجامع [2] ، ثمّ عمالة الحشريّة.
__________
[ () ] موتى فأخرجوا وبيعت، وكان المسجد الأول مما يلي على الباب والمنارة. وتوفي يوم الإثنين ثامن عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن من على باب الجامع بعيدا من حائطه ثم نبش بعد أيام وأخرج فدفن ملاصقا لحائط الجامع ليشتهر ذكره بأنه باني الجامع، فتعجّب من هذا من له فطنة وقال: هذا رجل سعى في نبش خلق من الموتى وأخرجهم وجعل تربتهم مسجدا فقضي عليه بأن نبش بعد دفنه.
[1] أنظره عن (محمد بن عبد الله بن المسلم) في: تاريخ دمشق، ومختصره لابن منظور 22/ 330 رقم 388.
[2] في تاريخ دمشق: عمالة أوقاف الجامع، وتولّى عمالة المواريث الحشرية والجزية بدمشق.(38/311)
مات في شعبان أو رمضان.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب، وأبو القاسم ابنا صَصْرَى.
355- مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الحميد المُعَدَّل [1] .
أبو عَبْد اللَّه الحرَّانيّ، ثُمَّ البغداديّ [2] . أحد العُدُول الكبار.
كيَّس، متودّد.
سمع: هبة اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق الْأَنْصَارِيّ، ورِزق اللَّه التّميميّ، وطِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ، وأبا الفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحدّاد، وأبا سَعْد المطرِّز، ويحيى بْن مَنْدَهْ الحافظ، وغيرهم.
ورحل إلى أصبهان.
روى عَنْهُ: أبو سعد السمعاني، وَقَالَ: سَأَلْتُهُ عن مولده فَقَالَ: سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائة.
قلت: وروى عَنْهُ ابن الْجَوْزِيّ [3] وقال: كان لطيفا ظريفا، جمع كتابا سمّاه «روضة الأدباء» [4] ، وهو آخر من مات من شهود القاضي أبي الْحَسَن الدّامَغَانيّ [5] .
وروى عَنْهُ: ابنته خديجة، وعبد اللّطيف بْن مُحَمَّد القُبَّيْطي.
وله شِعرٌ حسن [6] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الله بن العباس) في: المنتظم 10/ 212، 213 رقم 303 (18/ 165 رقم 4254) ، والعبر 4/ 171، وسير أعلام النبلاء 20/ 352، 353 رقم 241، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1803، والوافي بالوفيات 3/ 330، 340، 341، والبداية والنهاية 12/ 249، 250، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 250 رقم 130، والنجوم الزاهرة 5/ 368، 369، وكشف الظنون 916، وشذرات الذهب 4/ 189، وهدية العارفين 2/ 94.
[2] زاد ابن رجب في نسبته: «الأزجي» .
[3] في المنتظم 10/ 212 (18/ 165) .
[4] وزاد: «فيه نتف حسنة» .
[5] شهد عند الدامغانيّ في سنة 504 هـ. (المنتظم) .
[6] قال ابن الجوزي: زكّاه أبو سعد المخرمي، وأبو الخطّاب الكلوذاني.. وسمعت منه أشياء، ولي منه إجازة. وزرته يوما فأطلت الجلوس عنده فقلت: قد ثقّلت. فأنشدني: -(38/312)
تُوُفّي فِي ثاني عَشْر جُمَادَى الأولى [1] .
وآخر من روى عنه بالإجازة: الرشيد أحمد بن سَلَمَةَ [2] .
356- مُحَمَّد بْن عَبْد الْجَبَّار بْن جُوريَّة.
الأصبهاني.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.
357- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف بْن العلّاف.
أبو طاهر بْن أبي الْحُسَيْن ابن حجاب الدّيوان ومن بيت العلم.
سمع: أَبَاهُ، وابن طَلْحَةَ النَّعَاليّ، وابن البَطِر.
روى عَنْهُ: ابن الأخضر، وغيره.
وتفرَّد بإجازته الرشيد بْن مَسْلَمَة.
وتُوُفيّ فِي ثاني عَشْر شعبان، ولم يكن مَرْضيًا.
358- مُحَمَّد بْن أبي خازم مُحَمَّد بْن القاضي أبي يَعْلَى مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الفَرّاء [3] .
القاضي أبو يَعْلَى الصّغير، شيخ الحنابلة.
تفقَّه على: أبيه، وعمّه القاضي أبي الحسين.
__________
[ () ]
لأن سمّيت إبراما وثقلا ... زيارات رفعت بهنّ قدري
فما أبرمت إلا حبل ودّي ... ولا ثقّلت إلّا ظهر شكري
[1] في المنتظم: «جمادى الآخرة» .
[2] وسمع منه ابن القطيعي وقال: كان ثقة مأمونا، عالما، لطيفا، صاحب نادرة، حسن المعاشرة، (الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 250) .
[3] انظر عن (محمد بن أبي خازم) في: المنتظم 10/ 213 رقم 304 (18/ 165، 166 رقم 4255) والعبر 4/ 171، 172، وسير أعلام النبلاء 20/ 353، 354، رقم 242، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 244- 250 رقم 129، ومرآة الجنان 3/ 344، والنجوم الزاهرة 5/ 370، والدرّ المنضّد في رجال أحمد ورقة 71 أ، وشذرات الذهب 4/ 190، وهدية العارفين 2/ 94، ومعجم المؤلفين.(38/313)
وكان من أنبل الفُقَهاء وأنظرهم وأفصحهم.
وفي سنة ثمانٍ وعشرين زُكّيَ، ثُمَّ بعد ذلك ولي قضاء واسط، فبقي بها مدَّة، ثُمَّ عزل عن القضاء والعدالة، ولزم العلم والمقام بمنزلة إلى أن تُوُفّي وقد أَسَنّ [1] .
سمع: الْحَسَن بْن مُحَمَّد التككيّ، وأبا الْحَسَن بْن العلّاف، وأبا الغنائم بْن النَّرْسيّ.
روى عَنْهُ: أبو الفتح المَنْدائيّ، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر، وغيرهما [2] .
وتُوُفيّ في ربيع الآخر ببغداد، وله ستّ وستّون سنة. والأصحّ أنّه تُوُفّي فِي خامس جُمَادَى الأولى، وقد درّس وأفتى وأفاد وتخرَّج به خلْق. وكانت جنازته مشهودة.
359- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن [قُرطف] [3] .
أبو الفتح النُّعمانيّ، الشّاعر المشهور، يعرف بابن الأديب.
__________
[1] قال ابن الجوزي: ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.. وأفتى ودرّس، وكان له ذكاء وفهم جيّد، وتولّى القضاء بباب الأزج وبواسط، ثم أشهد قاضي القضاة أبو الحسن ابن الدامغانيّ على نفسه ببغداد أنه قد عزله عن القضاء فذكر عنه أنه لم يلتفت إلى العزل، ثم خاف من حكمه بعد العزل فتشفّع بابن أبي الخير صاحب البطيحة إلى الخليفة حتى أمنه، فقدم بعد إحدى عشرة سنة وقد ذهب بصره، فلازم بيته، فلما مرض طلب أن يدفن في دكة أحمد بن حنبل. قال لي عبد المغيث: بعث بي إلى الوزير فقال: في الدكة جدّي لأمّي. فأنكر الوزير هذا وقال: كيف تنبش عظام الموتى؟
[2] وقال ابن القطيعي: قرأت عليه شيئا من المذهب، وحضرت درسه، ولم ير مثله في حسن عبارته، وعذوبة محاورته، وحسن سمته، ولطافة طبع، ولين معاشرة، ولطف تفهيم. عطر بالرياسة، خليق بالتصدر، جدّ واجتهد حتى صار انظر أهل زمانه، وأوحد أقرانه، ذو خاطر عاطر، وفطنة ناشئة. أعرف الناس باختلاف أقوال الفقهاء. ظهر علمه في الآفاق. ورأى من تلاميذه من ناظر ودرّس وأفتى في حياته. وصنّف القاضي أبو يعلى تصانيف كثيرة منها:
«التعليقة» في مسائل الخلاف، كبيرة، و «المفردات» ، وكتاب «شرح المذهب» وهو مما صنفه في شبيبته، وكتاب «النكت والإشارات في المسائل المفردات» (الذيل على طبقات الحنابلة) .
[3] انظر عن (محمد بن محمد بن عمر) في: الوافي بالوفيات 1/ 126 رقم 38، والمستدرك منه، وفي الأصل بياض. وقد جوّد الصفدي ضبطه فقال: قرطف بالقاف والراء والطاء المهملة والفاء على وزن قطرب.(38/314)
ولد سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ببغداد، ومات فِي الخامس والعشرين من جُمَادَى الآخرة.
وكان من ظُرَفاء البغداديّين وشُعرائهم. وله مع براعته فِي النَّظْم كتابةٌ فِي غاية الحُسْن.
روى عَنْهُ من شِعْره: أَبُو سَعْد السَّمْعانيّ، وأبو أَحْمَد بْن سُكَيْنَة، وأحمد بْن طارق الكَرْكيّ [1] .
أنبأنا جماعة، عن ابن سُكَيْنَة: أنشدنا أبو الفتح ابن الأديب لنفسه:
عاطل وهو بالمناقب خالي ... نَسَبُ المجدِ غيرُ عمَّ وخالِ
شبهُ قربِ الشّخوصِ وفي ... نقْد المعاني تبايُن الأشكالِ
ما استطال القنا بطُول الأنابيب ... ولكنْ بالصبر يوم النِّزال
رُبّ حُسْنٍ يعود قُبْحًا إذا لم ... تُرْوَ عَنْهُ مما حسُن الأفعال
يوجد التِّبْرُ فِي التُّراب كَمَا ... يُسْتَخْرَجُ المِسْكُ من [دم] [2] الغزال
وبالإسناد له:
طليقُ دمْعٍ أسير القلب عاينه ... كل بعينك فانظر ما يعانيهِ
تنام عن سهرٍ لا تلتقي قصّر ... أجفانه كلّما طَالِب بلياليهِ
تحيى على زَفَرات الشَّوق أَضْلُعُه ... وأنت فِي غفلةٍ عمّا يُلاقيهِ
منها:
سهمٌ على القلب قُبَيْل السَّمْع موقفُهُ ... قد أَتْبَعتْهُ بسهمٍ كفُّ راميهِ
وليلةُ الجزع لمّا بات يرشقني ... ثغرَ الزُّجاجة والصَّهْبَاءَ مَن فِيهِ
شربتُ كأسَ مُدامٍ من سُلافتِهِ ... فبُحتُ بكاس عِتابٍ من تجنّيه
__________
[1] تقرأ في الأصل: «التركي» ، وهو من الكرك بالبقاع من أصل جبل لبنان. وقد تقدّم التعريف بهذه النسبة.
[2] في الأصل بياض.(38/315)
وبه له:
لم يبق بعد المَفْرِق الأشْيبِ ... لدَيْك من مَلْهى ولا ملعبِ
أنذرت الخمسينُ أنيابَهَا ... بعد ذَهاب العُمر المذهبِ
أُنْسِيتَ ما فات كأنّ الَّذِي ... مضى من الأيّام لم يُحْسَبِ
هَلْ هُوَ إلّا أَمَدٌ مُنْتَهَى ... إلى بعيد الدّار لم يعقبِ
مسافةٌ قد تطمعُ فِي قَطْعها ... بغير زادٍ وبلا مركبِ
يا وَيْحَ من أنفق أيّامَهُ ... فِي طلب المَتْجَرِ والمَكْسَبِ
ما هُوَ آتٍ غيرُ مُسْتَبْعَدٍ ... قد آن وضْع الحامِل المقربِ
وكلّ عام يرتجي المنى ... وهنّ قد سوّفن الوعد بي
وليس لي همٌّ سوى وَقْفةٍ ... فِي حَرَم المدفون فِي يَثْرِبِ [1]
360- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن زَيْدٍ [2] .
الشّريف أَبُو طَالِب العَلوَيّ، الْحُسَيْنيّ، الْبَصْرِيّ، النّقيب، نقيب الطّالبيّين بالبصرة ثُمَّ عُزل من النّقابة.
قال ابن السَّمْعانيّ: قَدِمَ بغداد عدّة نُوَب، وانحدَرْتُ فِي صُحبته إلى البصرة واجتمعتُ به. وكان ظريفا مطبوعا.
__________
[1] وأورد له ابن النجار من قصيدة:
كلا السّوادين من قلبي ومن بصري ... فداء ما بيّض الفودين من شعري
صبغ على الرأس موقوف قضيت به ... ما شئت من لذة تلهى ومن وطر
مرّ الجديد به حينا فأخلقه ... وإنّما ذلك الأخلاق للعمر
ما ساعد تنقضي إلّا وقد أخذت ... شطرا من السمع أو شطرا من البصر
لو فكّر المرء في أطوار خلقته ... ما كان في غيرها يوما بمقبر
[2] انظر عن (محمد بن محمد بن محمد العلويّ) في: التقييد 107، 108 رقم 120، والعبر 4/ 172، وسير أعلام النبلاء 20/ 423- 425 رقم 281، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1804، والإعلام بوفيات الأعلام 231، ومرآة الجنان 3/ 344، والنجوم الزاهرة 5/ 370، وشذرات الذهب 4/ 190.(38/316)
وكان أصحابنا البصْرييّن يقولون إنّه يكذب كثيرا، فاحشا في أحاديث النّاس.
وروى ببغداد عن أبي علي البُسْريّ.
قال: وسمع منه، ومن: جَعْفَر العّبَّادانيّ، وأبي عُمَر الْحَسَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن غسّان النَّحْويّ، ومحمد بْن عليّ بْن العلّاف المؤدِّب.
قال ابن نقطة [1] : قدم بغداد سنة خمس وخمسين، وحدَّث بها على أَبِي عليّ بكتاب «السُّنَن» لأبي دَاوُد الجزء الأوّل بالسّماع المتّصل، والباقي إجازة، إن لم يكن سماعا.
ثنا عَنْهُ: أبو طَالِب عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السّميع، وسماعه من التُّسْتَريّ سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
وقال عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ فِي «معجمه» : أَنَا الشّريف أبو طَالِب مُحَمَّد بْن أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عليّ بْن ماعز [2] ابن الأمير عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن جَعْفَر بْن الْحُسَيْن بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ [3] بْنِ أَبِي طَالِبٍ الهاشميّ، العَلوَيّ، ويعرف بابن أبي زيد، وسألته عن مولده فقال: في ربيع الأول سنة إحدى وستّين وأربعمائة.
وتُوُفيّ فِي ربيع الأوّل سنة ستّين.
قلت: وقال ابن السَّمْعانيّ: وُلِدَ سنة تسعٍ وستِّين وأربعمائة.
وقال ابن النّجّار: سَأَلت النّقيب أَبَا جَعْفَر يحيى بن محمد بن محمد،
__________
[1] في التقييد 107.
[2] في الأصل: «ياعز» ، والتصحيح من: التقييد.
[3] هكذا في الأصل، وفي التقييد 107 «جعفر بن الحسن بن علي» ، وفي سير أعلام النبلاء 20/ 424 «جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي» .(38/317)
عن والده مَتَى وُلِدَ؟ قال: سنة تسعٍ وستِّين.
قلت: وروى أبو طَالِب ببغداد كتاب «السُّنَن» . استقدمه الوزير ابن هُبَيْرة وألزمه، وسمع منه الكتاب.
وقد حدُّث أبو الفتوح بْن الحصْريّ عَنْهُ بالسّماع المتّصل، وقال:
أُخبرت أنّ سماعه ظهر بعد ذلك [1] .
قال ابن نُقْطة [2] : وهذا القول عندي فِيهِ نَظَر، لأنّا لم نسمع أحدا قاله غير ابن الحصْريّ، والصّحيح عندي ما قيّده أبو المحاسن الْقُرَشِيّ، يعني الجزء الأول فقط، وآخره عند كراهة مسِّه الذَّكَر فِي الاستبراء.
قال ابن نُقْطة: وحدَّثني أبو مَسْعُود [3] مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الْبَصْرِيّ الفقيه قال:
قال لي عليّ بْن الْحَسَن ابن المعلَّمة: لمّا ورد [إلى بغداد] [4] وأقرأنا «السُّنَن» على أبي زَيْدٍ النّقيب، كتب لي أبو المحاسن الْقُرَشِيّ [5] يطلب منّا سماع الشّيخ في «سنن أبي داود» ، فطلبت [6] فلم أجد سماعه إلا فِي جزءٍ واحد [7] .
__________
[1] قال ابن نقطة: حدّث عنه بالسنن شيخنا أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج بن علي الحصري البغدادي المجاور بمكّة، ورأيت بمصر بعض طلبة الحديث قد كتب من مصر إلى مكة استجازة إلى ابن الحصري وسأله أن يبين عنه إسناده بالسنن: هل فيه إجازة أم لا؟ فكتب إليه: أنه بالسماع المتصل، وكذلك حدّث بها بمكة، وقال: أُخبرت أنّ سماعه ظهر بعد ذلك، (التقييد) .
[2] في التقييد 108 وهو تعقيب على ما تقدّم.
[3] في التقييد 108 «أبو السعود» .
[4] ما بين الحاصرتين إضافة يقتضيها السياق للتوضيح.
[5] في التقييد 108 «الدمشقيّ» .
[6] في التقييد: «فطفت» .
[7] زاد ابن نقطة: وسألت شيخنا أبا طَالِب عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السّميع الهاشمي الواسطي بها في الرحلة الثانية عن كتاب «السنن» وسماع ابن أبي زيد فيه، فقال لي: سمعت منه أشياء في أول الكتاب وسمعت الناس يتكلمون في روايته، فما أخرجت في مشيختي عنه(38/318)
قلت: عاش ستَّا وتسعين سنة، وقد رَوَاهُ المقداد بْن أبي القَاسِم القَيْسيّ بدمشق، أعني «السُّنَن» كلَّه، عن ابن الحصْريّ، بسماعه عن العَلوَيّ، عن التُّسْتَريّ لجميع الكتاب سَماعا، فاللَّه أعلم بحقيقة الأمر.
أنبئونا عن أَحْمَد بْن طارق: أنشدنا أبو طَالِب العَلوَيّ لنفسه:
لا تشكون دهرا [سَطَا] [1] ... شَكْوَاكُهُ عينُ الخَطَا
واصْبِر على حَدَثَانهِ ... إن جارَ يَوْمًا وامتطى [2]
الدَّهْرُ دهرٌ قُلَّبٌ ... يوماهُ بؤسٌ أو عَطَا [3]
361- مُحَمَّد بْن سعود بْن عَبْد الملك بْن خُنَيْس [4] .
أبو الكَرَم الغسّال، البزّار. بغداديٌّ، مطبوعٌ، صاحب نوادر، وحكايات، وأشعار، وله بضاعة يتّجر فيها إلى الحجاز والرّيّ.
سمع من: جَعْفَر السّرّاج، وأبي القَاسِم الزَّيْلعيّ، وجماعة.
قال ابن السمعاني: كتبت عنه، وقال لي: ولدت سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وقال ابن مَشِّق: تُوُفّي فِي سابع عَشْر ربيع الأوّل.
روى عَنْهُ: ابن الأخضر، وابن الحصريّ [5] .
__________
[ () ] شيئا خيفة أن يكون إسناده لا يصحّ، فقلت له: إنّ سماعه بالجزء الأول صحيح متصل، ثم قرأت عليه منه.
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من: سير أعلام النبلاء.
[2] في الأصل: «امتطا» .
[3] سير أعلام النبلاء 20/ 425.
[4] انظر عن (محمد بن سعود) في: الكامل في التاريخ 11/ 321 وفيه «محمد بن سعد» .
[5] قال ابن الأثير: وله شعر حسن، فمن قوله:
أفدي الّذي وكّلني حبّه ... بطول إعلال وإمراض
ولست أدري بعد ذا كلّه ... أساخط مولاي أم راض(38/319)
362-[مُرْجان] [1] الخادم [2] .
قال ابن الْجَوْزِيّ: كان يقرأ القرآن، ويعرف شيئا من مذهب الشّافعيّ، وتعصب على الحنابلة فوق الحدّ. [حتّى أنّ الحطيم الَّذِي كان برسْم الوزير ابن هُبَيْرة بمكة يصلّي فِيهِ ابن الطيّاخ الحنبلي مضى مرجان وأزاله من غير تقدّم بُغضًا للقوم، وناصبني] [3] دون الكُلّ، وبلغني أنّه كان يقول: مقصودي [قلْع هذا] [4] المذهب، ولمّا مات الوزير ابن هُبَيْرة سعى بي إلى الخليفة فقال: عنده كُتُبٌ مثل كتب الحريريّ [5] ، فقال الخليفة: هذا مُحال، فإنّ فلانا كان عنده أحد عشر دينار [ألأبي حكيم وكان حشريّا] [6] فما فعل لها شيئا حَتَّى [طالَعَنا] [7] . فدفع عنّي شرّه [8] .
ومات فِي ذي القعدة.
363-[ ... ] [9] بْن عَبْد اللَّه بْن عزيزة.
أبو الغنائم الأصبهانيّ.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] انظر عن (مرجان الخادم) في: المنتظم 10/ 213 رقم 305 (18/ 166 رقم 4256) ، ومرآة الزمان 8/ 255، والبداية والنهاية 12/ 250.
[3] ما بين الحاصرتين إضافة من المنتظم.
[4] في الأصل بياض. والمستدرك من المنتظم.
[5] في المنتظم: «عنده كتب من كتب الوزير» .
[6] إضافة من المنتظم.
[7] في الأصل بياض. والمستدرك من المنتظم.
[8] وزاد ابن الجوزي: ولقد حدّثني سعد الله البصري وكان رجلا صالحا، وكان مرجان حينئذ في عافية، قال: رأيت مرجان في المنام ومعه اثنان قد أخذا بيده، فقلت: إلى أين؟ قالا: إلى النار. قلت: لماذا؟ قالا: كان يبغض ابن الجوزي. ولما قويت عصبيّته لجأت إلى الله سبحانه ليكفيني شرّه فما مضت إلّا أيام حتى أخذه السّدّ فمات يوم الأربعاء حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن بالترب.
[9] في الأصل بياض، لم أتبيّنه.(38/320)
364-[محمود] [1] بْن عبد العزيز.
شهاب الدِّين الحامديّ، الهَرَويّ، وزير السّلطان رسلان، ووزير أتابكه إلْدكِزِ.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل من سنة ستّين. وكان من رجال الدّهر حزْمًا ورأيا.
365- المظفَّر بْن هبة اللَّه بْن المظفَّر.
أبو شجاع ابن المسلمة، البغداديّ.
سمع: أَبَا القَاسِم بْن بَيَان، وشُجاعًا الذُّهْليّ.
روى عَنْهُ: يُوسُف بْن الطُّفَيْل الدّمشقيّ.
وتُوُفيّ فِي رمضان.
- حرف النون-
366- نصر بْن إدريس [2] .
أبو عَمْرو الشَّقوريّ [3] .
الرجل الصّالح، قاضي شاطِبة.
روى عن: أبي الحريز العاص، ويونس بْن مغيث.
ورّخه أبو عَبْد اللَّه الأَبَّار.
- حرف الهاء-
367- هبة اللَّه بْن صاعد بن هبة الله بن إبراهيم [4] .
__________
[1] في الأصل بياض. والمستدرك من: الكامل في التاريخ 11/ 321.
[2] انظر عن (نصر بن إدريس) في: تكملة الصلة لابن الأبار.
[3] الشّقوري: بفتح أوله، وبعد الواو الساكنة راء، نسبة إلى شقورة: مدينة بالأندلس شمالي مرسية. (معجم البلدان 3/ 355) .
[4] انظر عن (هبة الله بن صاعد) في: معجم الأدباء 19/ 276- 282 وخريدة القصر (قسم العراق) 1/ 155 و 2/ 281، وتاريخ الحكماء 144، وتاريخ مختصر الدول 209، 210، وأخبار العلماء بأخبار الحكماء 222- 224، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء 1/ 349- 371، ووفيات الأعيان 6/ 69- 77، والمختصر في أخبار البشر 3/ 45، والعبر 4/ 172،(38/321)
أمين الدّولة، أبو الْحَسَن ابن التّلميذ النَّصْرانيّ، المسيحيّ، البغداديّ، شيخ الطّبّ. سُقْراط عصره، وجالينوس زمانه، شيخ النَّصارى لعنهم اللَّه وقِسِّيسهم.
ذكره العماد فِي «الخريدة» [1] وما بلغ فِي وصف هذا الخنزير، ومن ما قاله: هُوَ سلطان الحكماء، ومقصِد العالم فِي علم الطّبّ [2] .
وقال الموفَّق أَحْمَد بْن أَبِي أُصَيْبَعَة فِي تاريخه [3] : ابن التّلميذ، أوحد زمانه فِي صناعة الطِّبّ، ومباشرة أعمالها، ويدلّ على ذلك ما هُوَ مشهورٌ من تصانيفه وحواشيه على الكُتُب الطّبّيَّة، وكان [ساعور] [4] البيمارستان المعتضديّ ببغداد إلى حين وفاته.
__________
[ () ] وسير أعلام النبلاء 20/ 354 رقم 243، وصفحة 423 في آخر الترجمة رقم 280، والإعلام بوفيات الأعلام 231، ونزهة الأرواح (مخطوط) بالمجمع العلمي العراقي، ورقة 234، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106، 107، ومرآة الجنان 3/ 344، والوافي بالوفيات (مخطوط) 27/ 115- 118، والبداية والنهاية 12/ 250، وشذرات الذهب 4/ 190، 191، وهدية العارفين 2/ 505، وديوان الإسلام لابن الغزّي 2/ 45، 46 رقم 626، والأعلام 8/ 72، ومعجم المؤلفين 13/ 138.
[1] لم يترجم له في القسم العراقي، بل أورده عرضا في قول بعض الشعراء فيه.
[2] وزاد ابن خلكان: بقراط عصره وجالينوس زمانه. ختم به هذا العلم، ولم يكن في الماضين من بلغ مداه في الطب، عمّر طويلا، وعاش نبيلا جليلا، ورأيته وهو شيخ بهيّ المنظر، حسن الرواء، عذب المجتلى والمجتنى، لطيف الروح ظريف الشخص، بعيد الهمّ، وعالي الهمّة، ذكيّ الخاطر، مصيب الفكر، حازم الرأي. شيخ النصارى وقسّيسهم، ورأسهم ورئيسهم. وله في النظم كلمات رائقة، وحلاوة جنيّة، وغزارة بهيّة.
ومن شعره في الميزان لغزا:
ما واحد مختلف الأسماء ... يعدل في الأرض وفي السماء
يحكم بالقسط بلا رياء ... أعمى يري الإرشاد كلّ راء
أخرس لاعق علّة وداء ... يغني عن التصريح بالإيماء
يجيب إن ناداه ذو امتراء ... بالرفع والخفض عن النداء
يفصح إن علّق في الهواء
[3] في عيون الأنباء 1/ 349.
[4] في الأصل بياض، والمستدرك من: عيون الأنباء، ومعجم الأدباء. والساعور: مقدّم النصارى في علم الطب.(38/322)
سافر فِي صِباه إلى العجم، وبقي بها فِي الخدمة زمانا. وكان يكتب خطّا منسوبا، خبيرا باللّسان السُّرْيانيّ واللّسان الفارسيّ، واللّغة، وله نَظْمٌ حَسَن، ظريف. وكان والده أبو العلاء صاعد طبيبا مشهورا.
وكان أمين الدّولة، وأبو البركات أوحد الزّمان فِي خدمة المستضيء بأمر اللَّه، وكان أوحد الزّمان أفضل من أمين الدّولة فِي العلوم الفلسفيَّة، وله فيها تصانيف. وكان الآخر أبصر بالطّبّ، وكان بينهما عداوة، ولكن كان ابن التّلميذ أوفر عقلا، وأجود طباعا.
وقال ابن خِلِّكان [1] : كان أوحد الزّمان، واسمه هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَلْكَا [2] ، يهوديّا فأسلم فِي آخر أيّامه، وأصابه الجذام فعالَجَ روحه [بتسليط الأفاعي] [3] على جسده بعد أن تجرَّعَها، فبالَغَتْ فِي نهشه، فبرئ من الجذام وعَمى [4] ، فعمل ابن التلميذ:
لنا صديق يهوديّ حماقته ... إذا تكلّم تبدو فِيهِ مِن فِيهِ
يتِيهُ والكلبُ أعلى [5] منه مَنْزِلَةً ... كأنّه بعدُ لم يخرجْ من التِّيهِ [6]
وقال الموفّق عَبْد اللّطيف بْن يُوسُف: كان ابن التّلميذ كريم الأخلاق، عنده سخاء ومُرُوءة، وأعمال فِي الطَّبِّ مشهورة، وحُدُوس صائبة، منها أنّه أُدِخل إليه رجلٌ ينزف دما [فِي زمن الصّيف] [7] فسأل تلاميذه، وكانوا قدر
__________
[1] في وفيات الأعيان 6/ 74.
[2] في الوفيات: «هبة الله بن علي بن ملكان» ، والمثبت يتفق مع: معجم الأدباء، وأخبار العلماء 224، ومن ترجمته الآتية برقم (380) ، وجاء في وفيات الأعيان 6/ 76: «ملكان جدّ أوحد الزمان، وهو بفتح الميم والكاف وبينهما لام ساكنة، وبعد الألف نون» .
[3] في الأصل بياض. والمستدرك من وفيات الأعيان 6/ 74.
[4] ستأتي ترجمة أوحد الزمان برقم (380) .
[5] في الأصل: «أعلا» .
[6] معجم الأدباء 19/ 278، وفيات الأعيان 6/ 74، أخبار العلماء 225، تاريخ مختصر الدول 210.
[7] في الأصل بياض، والمستدرك من وفيات الأعيان 6/ 77.(38/323)
خمسين، فلم يعرفوا المرض، فأمره أن يأكل خُبْز شعير مع باذنْجان مَشْويّ، ففعل ذلك ثلاثة أيّام، فبرئ، فسأله أصحابه عن العلّة، فقال: إنّ دمه قد رقّ، ومَسَامَّهُ تفتَّحت، وهذا الغذاء من شأنه تغليظ الدّم وتكثيف المسامّ.
قال: ومن مُرُوءته أنّ ظهر دارهِ كان يلي [المدرسة ال] [1] نظاميّة، فإذا مرض فقيه نقله إليه، وقام فِي مرضه عليه، فإذا أبلّ وهْب له دينارين وصرفه [2] .
وقال الموفَّق بْن أبي أُصَيْبعة [3] : كان الخليفة قد فوَّض إليه رئاسة الطّبّ، فَلَمّا اجتمع الأطبّاء ليمتحنهم، كان فيه شيخٌ له هيئةٌ ووَقَارٌ، فأكرمه، وكان للشّيخ ذريَّة، وكان يعالج من غير عِلْم. فَلَمّا انتهى الأمر إليه قال له ابن التّلميذ: لِمَ لا [تلزم] [4] الجماعة فِي التَّخْت لتعلم ما عندهم فِي هذه الصَّنْعة؟
فقال: وهل تكلّموا بشيء إلّا وأنا أعلمه، وسبق لي فَهْمُ أضعافه.
قال: فَعَلَى مَن قرأتم؟
قال: يا سيّدنا إذا صار الْإِنْسَان فِي هذا السّنّ ما يليق به إلّا أن يُسأل:
كم لكم من التّلاميذ.
قال: فأخبِرْني ما قرأتَ من الكُتُب.
قال: سبحان اللَّه، صرنا إلى حدّ الصّبْيان. أتسألُ مثلي هذا؟ أَنَا يقال لي: ما صنفتم فِي الطّبّ، وكم عندكم من الكُتُب والمقالات. ولا بدّ أن أُعرِّفَك بنفسي.
ثُمَّ دنا من أُذُن أمين الدّولة وقال له سرّا: اعلم أنّني قد شخت وأنا
__________
[1] في الأصل: «كان يلي نظامية» ، والمستدرك من وفيات الأعيان.
[2] وفيات الأعيان 6/ 77.
[3] في عيون الأنباء.
[4] في الأصل بياض.(38/324)
[جاهل] [1] بالطبّ، وما عندي إلّا معرفة اصطلاحات مشهورة، وعُمري كلّه الكسْب بهذا الفنّ، ولي عائلة، فسألتُك باللَّه أنْ [تسترني] [2] ولا تفضحني بين الجماعة.
فقال: على شرط أنّك لا تهجم على مريضٍ بما لا تعلمه.... [3] فقال الشَّيْخ: هذا مذهبي مُذْ كنتُ وما تعدَّيت [وصف شراب] [4] اللّيمون والْجُلاب.
فقال ابن التّلميذ للجماعة جَهْرًا: يا شيخ ما كنّا نعرفك فاعذُرنا.
وقال ابن أبي أُصَيْبَعة: حَدَّثَني سَعْد الدِّين بْن أبي سهل البغداديّ: رَأَيْت ابنَ التّلميذ، وكان يحبّ صناعة الموسيقى، وله مَيْلٌ إلى أهلها.
وكان شيخا رُبْع القامة، عريض اللّحية، حُلْو الشّمائل، كثّير النّادرة.
ومن نَظْم ابن التّلميذ:
[لو كان] [5] يحسِن غُصْن [البان] [6] ... مشيَتُها تأوُّدًا لَحَكَاهَا غيرَ محتّشِمِ
فِي صدْرها كوكبا نورٍ أَقَلَّهُما ... ركْنان لم يقربا [7] من كفّ مستلِمِ
هتانَتْهُما فِي حريرٍ من غَلائِلها ... فنحن [8] فِي الحِلّ والرّكْنان فِي الحَرَمِ [9]
وله:
عانَقْتُها وظلامُ اللّيل مُنْسَدلٌ ... ثُمَّ انتبهتُ برد الحي في الغلس
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض.
[4] في الأصل بياض.
[5] في الأصل بياض. والمستدرك من (معجم الأدباء) .
[6] إضافة على الأصل من المعجم.
[7] في المعجم: «ركنان ما لمسا» .
[8] في المعجم: «فتلك» .
[9] الأبيات في: معجم الأدباء 19/ 281.(38/325)
فغرقت [ ... ] [1] خوفا أنْ أُنَبِّهَهَا ... وأتّقي أنْ يذوب العِقْد من نَفَسِي
وله:
[.........] [2] كتمنا ... مستقيم فنام نظيرك
[.........] [3] خصيتك ... فلا يقوم ببيض غيرك [4]
وله من الكُتُب [أقراباذين] [5] وهو مشهور يتداوله النّاس، وآخر اسمه «الموجز» صغير، واختصار كتاب «الحادي» للرّازيّ، واختصار «شرح جالينوس» لفصول أبِقْراط، «وشرح مسائل [حُنَين بْن إسحاق] [6] واختصر «الحواشي على القانون» لابن سينا، ومقابلة فِي الفَصْد، وتصانيف سوى ذلك [7] .
وتُوُفيّ فِي الثامن والعشرين من ربيع الأول، وله أربع وتسعون [8] سنة،
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض.
[4] ومن شعره:
كانت بلهنية الشبيبة سكرة ... فصحوت واستأنفت سيرة مجمل
وقعدت أرتقب الفناء كراكب ... عرف المحلّ فبات دون المنزل
(تاريخ مختصر الدول 209) .
[5] في الأصل بياض، والمستدرك من وفيات الأعيان.
[6] في الأصل بياض، والمستدرك من معجم الأدباء.
[7] وذكر ياقوت: «حاشية على المنهاج» لابن جزلة، و «حاشية على كتاب المائة» للمسيحي، و «شرح أحاديث نبوية تشتمل على مسائل طبّيّة» ، و «تتمّة جوامع الإسكندرانيّين لكتاب حيلة البرء» ، و «مختصر تفسير تقدمة المعرفة» لأبقراط، و «كتاب الأشربة» لمسكويه، و «مختار كتاب أبدال الأدوية لجالينوس» ، و «مختار كتاب المائة للمسيحي» ، و «الكنّاش في الطب» ، و «المقالة الأمينية في الأدوية البيمارستانية» ، و «الأقراباذين» الكبير، و «الأقراباذين» الصغير، و «ديوان رسائل» مجلّد ضخم، و «ديوان شعر» مجلّد صغير. (معجم الأدباء 19/ 278، 279) .
[8] في الأصل: «أربع وسبعون» ، والفصيح من معجم الأدباء 19/ 279، ووفيات الأعيان 6/ 76 وفيه أنه ناهز المائة من عمره.(38/326)
لا رحمه اللَّه، وخلّف أموالا جزيلة، وكُتُبًا فائقة. ورثه ابنه، ثُمَّ أسلم ابنه قُبَيْلَ موته، وعاش نحوا من الثّمانين [1] ، واختنق فِي داره، وأُخِذ ماله، ونُقِلَت كُتُبُه على عَشْر جمال.
وكان ابن التّلميذ قد قرأ الطّبّ على أبي الْحَسَن سَعِيد بْن هبة اللَّه [2] صاحب المصنّفات.
وذكر الموفّق بْن عَبْد اللّطيف أنّ ولدَ أمين الدّولة كان شيخه فِي الطّبّ، وأنّه انتفع به، وقال: لم أر من يستحقّ اسم الطّبّ غيره، وخُنِق فِي دِهْليزه [3] .
قلت: ومن قارب أمين الدّولة لأجل الحكمة:
368- مُعْتمد المُلْك أبو الفَرَج يحيى بْن صاعد بْن يحيى ابن التّلميذ [4] .
وكان بارعا فِي الطّبّ رأسه فِي الفلسفة، وله شِعْرٌ رائق، وله عدَّة تلاميذ. وقد مدحه الشّريف أبو يَعْلَى مُحَمَّد بْن سارية، وكان قد أتاه إلى أصبهان، فحصّل له من الأمراء والأعيان مالا كثيرا، فقال فِيهِ قصيدة منها:
نعْمَى أبي الفَرَج بْن صاعد الَّذِي ... ... فِي المكاسب نائبا
ثقة أخلاقه سيّد الحكماء ... معتمد الملوك الفيلسوف الكاتبا
- حرف الياء-
369- ياغي أرسلان بن دانشمند [5] .
صاحب ملطية جرى بينه وبين قلج أرسلان بْن مَسْعُود السلجوقي حروب لأنَّه كان جاره بقونية. وسببها أن قلج أرسلان تزوج بابنة الملك قتليق
__________
[1] وفيات الأعيان 6/ 77.
[2] في الوفيات 6/ 75: «هبة الله بن سعيد» ، والمثبت يتفق مع: عيون الأنباء.
[3] وفيات الأعيان 6/ 77.
[4] انظر عن (معتمد الملك يحيى بن صاعد) في: معجم الأدباء 20/ 20 رقم 7، وأخبار العلماء بأخبار الحكماء 28، 229.
[5] في الأصل: «الشمند» ، وفي العبر 4/ 172 «الداشمند» ، وفي سير أعلام النبلاء 20/ 425 «دانشمد» ، وفي شذرات الذهب 4/ 191 «الداشمند» .(38/327)
فجهِّزت إليه، فنزل ياغي أرسلان فأخذ العروس وجهازها ثُمَّ أراد أن يزوجها بابن أخيه ذي النون فقيل لَهُ لا يصلح هذا، فعلمه بعض فقهاء الرأي أن يأمرها بالردة عن الإسلام فارتدت لينفسخ النكاح، ثُمَّ أسلمت فزوجها لذي النون.
فسار قلج أرسلان لقتاله فعملا مصافا فانهزم قلج أرسلان. وهلك ياغي أرسلان عقب ذلك، وتملك بعده ابن أخيه إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن كشمند وأخوه ذو النون واتفقا مع قلج أرسلان.
370- يحيى بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرة بْن سَعِيد بْن الْحَسَن بْن جَهْم [1] .
أبو المظفَّر [يمين الخلافة] [2] الوزير عون الدّين.
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة بدُور [3] ، وهو موضع من سواد العراق، بقرية بني أوقر [4] ، ودخل بغداد فِي صِباه، وطلب العلم، وعاشر
__________
[1] انظر عن (يحيى بن محمد) في: الإنباء في تاريخ الخلفاء 225، 226، وخريدة القصر (قسم العراق) 1/ 96، والمنتظم 10/ 214- 217، والكامل في التاريخ 11/ 321، وزبدة التواريخ للحسيني 226، 239، 242، 245، 248، 250، 251، 259، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 231، 233، ومرآة الزمان 8/ 255- 261، وكتاب الروضتين 2/ 349، ووفيات الأعيان 6/ 230- 244، وتاريخ إربل 1/ 196 و 243، ومفرّج الكروب 1/ 147، والفخري 312- 315، وتلخيص معجم الألقاب ج 4 ق 2/ 988 رقم 1464، وآثار البلاد وأخبار العباد 367، 368، والتذكرة الفخرية 95، والمختصر في أخبار البشر 3/ 42، وخلاصة الذهب المسبوك 276- 278، وتراجم ابن عبد الهادي (مخطوط) 2/ 110، والعبر 4/ 172، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1805، والإعلام بوفيات الأعلام 231، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 3/ 248 رقم 1358، 173، وسير أعلام النبلاء 20/ 426- 432 رقم 282، ودول الإسلام 2/ 74، 75، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106، ومرآة الجنان 3/ 344- 346، والبداية والنهاية 12/ 251، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 251- 289، رقم 131، وتاريخ ابن خلدون 3/ 524، ومطالع البدور 2/ 114، والنجوم الزاهرة 5/ 369، 370، وتاريخ الخلفاء 444، والدرّ المنضّد في رجال أحمد للعليمي (مخطوط) ورقة 71 ب، و 72 أ، وكشف الظنون 33، 103، 1462، وشذرات الذهب 4/ 191- 197، وإيضاح المكنون 1/ 255 و 2/ 77، وهدية العارفين 8/ 159- 163.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من المصادر.
[3] في الأصل: «دوار» والتصحيح من: آثار البلاد.
[4] في الأصل: «ذخر» . والمثبت من (معجم البلدان 2/ 481) .(38/328)
الفُقهاء والأدباء وسمع الحديث، وقرأ القراءات، وشارك في فنون عديدة.
وكان خبيرا باللّغة، ويعرف النّحو والعروض. وكان مسدّدا في السّنّة واتّباع السّلف، ثمّ أمضّه الفقر فتعرّض للكتابة وأدّب، [وشارف] [1] الخزانة، ثمّ ولي ديوان الزّمام للمقتفي بأمر الله، ثمّ استوزره المقتفي سنة أربع وأربعين فدام وزيره، ثمّ وزر لولده المستنجد إلى أن مات.
وكان من خيار الوزراء أدبا، وصلاحا، ورأيا، وعقلا، وتواضعا لأهل العلم وَبَرًّا بهم.
سمع: أَبَا عثمان بْن ملَّة، وأبا القَاسِم بْن الحُصَيْن، ومن بعدهما.
وكان يحضر مجلسَه الأئمَّةُ والفقُهاء، ويُقرأ عنده الحديث على الرُّواة، ويُجْرى من البحوث والفوائد عجائب. دخل عليه الحَيْصُ بَيْصُ مرَّةً، فقال له ابن هُبَيْرة، قد نَظَمْتُ بيتين تقدر أن تعزِّزَهُما بثالثٍ؟. فقال: وما هما؟ قال:
زار الخيالُ نحيلا [2] مثلَ مُرْسِلِهِ ... فما شفاني منه الضَّمُّ والقُبِلُ
ما زارني قَطُّ [3] إلّا أنْ [4] يوافقني ... على الرُّقاد فينْفيهِ ويرتحلُ
فقال الحَيْصُ بَيْص من غير رَويَّةٍ:
وما دَرَى أنّ نومي حيلةٌ نُصِبَتْ ... لوصْلِهِ حين رَأَى [5] اليقْظَةَ الحيل [6]
__________
[1] في الأصل بياض. والمستدرك من (سير أعلام النبلاء) .
[2] في الأصل: «نجلاء» ، وفي التذكرة الفخرية: «نجيلا» .
[3] في سير أعلام النبلاء: «ما زارني الطيف» .
[4] في المصادر: «إلّا كي» .
[5] في المصادر: «حين أعيّا» .
[6] الأبيات في: وفيات الأعيان 6/ 57 (في ترجمة ابن القطان البغدادي) . وفيه إن ابن القطان هو الّذي أنشد البيتين الأولين أمام الوزير عليّ بن طراد الزينبي، وطلب من الحيص بيص أن يعزّزهما بثالث، فأنشده البيت الأخير، وهو في ديوانه 2/ 16. والأبيات الثلاثة في (التذكرة الفخرية) للإربلي ص 95 وفيه إنّ الحيص بيص دخل على الوزير ابن هبيرة وهو ينشد البيتين، ويقول: هذا والله تامّ وفوق التامّ، لا بل التامّ جزء منه. فقال الحيص بيص: يا مولانا له تمام، فقال: انظر ما تقول! قال: نعم بشرط أن يعيده الوزير، فأعاده. فقال البيت الأخير، فأجازه وأحسن صلته.(38/329)
وذكره أَبُو الفَرَج بْن الْجَوْزِيّ [1] فقال: كان يجتهد فِي اتّباع الصّواب، ويحذر الظُّلْم، ولا يَلْبَس الحرير. قال لي: لمّا رجعت من الحِلَّة دخلت على المقتفي، فقال لي: ادخل هذا البيتَ وغيّر ثيابك. فدخلت فإذا خادم وفرّاش [2] ومعهم [3] خلعة حرير، فقلت: واللهِ ما ألبَسُها. فخرج الخادم فأخبر المقتفي فسمعت صوته يقول: قد واللهِ قلتُ إنّه ما يلْبَس.
وكان المقتفي مُعْجَبًا به ولمّا استُخلِف المستنجد دخل عليه فقال له:
يكفي فِي إخلاصي أنّي ما حابَيْتُك فِي زمن أبيك. فقال: صَدَقْت.
قال: وقال مُرجانُ الخادم: سَمِعت المستنجد باللَّه ينشد لوزيره وقد مثُل بين يديه فِي أثناء مفاوضة ترجع إلى تقرير قواعد الدِّين وإصلاح أمور المسلمين، فأُعجِب المستنجد به، فأنشده لنفسه:
صَفَتْ نِعمتان خَصَّتَاكَ وَعَمَّتا ... فذِكْرُهُمَا حَتَّى القيامةِ يُذْكَرُ [4]
وجُودك والدَّنيا إليك فقيرةٌ ... وجُودُك والمعروفُ فِي النّاس يُنْكَرُ [5]
فلو رامَ يا يحيى مكانَك جَعْفَر ... ويحيى لكَفّا عَنْهُ يحيى وجعفرُ [6]
ولم أر من يَنْوِي لك السُّوء يا أَبَا المظفَّر ... إلا كنتَ أنت المظفّر [7]
__________
[1] في المنتظم 10/ 214 (18/ 166، 167) .
[2] في الأصل: «وأفرش» .
[3] في المنتظم: «ومعه» .
[4] هذا الشطر في ديوان ابن حيّوس: «حديثهما حتّى القيامة يؤثر» .
[5] في ديوان ابن حيّوس: «وجودك والمعروف في الخلق منكر» .
[6] المقصود هما الوزيران: يحيى بن خالد البرمكي، وابنه جعفر بن يحيى، وهما وزرا لها دون الرشيد.
[7] الأبيات في المنتظم 10/ 214 (18/ 167) ، وسير أعلام النبلاء 20/ 427، 428، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 260.
والبيتان الأوّلان ليسا لابن هبيرة بل هما لابن حيّوس الغنوي قالهما من قصيدة يمدح بها نصر بن محمود بن صالح بن مرداس أمير حلب، مطلعها:
هل العدل إلّا دون ما أنت مظهر ... أو الخير إلّا ما تذيع وتضمر
(انظر ديوان ابن حيّوس- بتحقيق خليل مردم بك 1/ 269 و 275) .(38/330)
قال ابن الْجَوْزِيّ [1] : وكان يبالغ فِي تحصيل التّعظيم للدّولة، قامعا للمخالفين بأنواع الْحِيَلِ. حسم أمور السّلاطين السّلْجُوقيَّة [2] ، وكان شِحْنةٌ، قد أذاه فِي صِباه [3] ، فَلَمّا وَزَرَ أحضره وأكرمه. وكان يتحدّث بِنَعم اللَّه، ويذكر فِي منصبه شدَّة فقره القديم.
ثمّ قال: نزلت يَوْمًا إلى دِجْلة وليس معي رغيف أعبر به، وكان يُكثر مجالسةَ العلماء والفُقراء، وكان يبذل لهم الأموال. وكانت السَّنَةُ تدور وعليه ديون، وقال: ما وَجَبتْ عليَّ زكاةٌ قَطّ [4] .
وكان إذا استفاد شيئا قال: أفادَنِيه فلان. أفَدْتُه معنى حديث [5] ، فكان يقول: أفادِنيه ابن الْجَوْزِيّ. فكنت أسْتحِي من الجماعة. وجعل لي مجلسا فِي داره كلّ جمعة، وأذن للعوامّ فِي الحضور. وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا، فأعجب وقال لزوجته: أريد أن أزوّجه بابنتي. فغضبت الأمّ من ذلك.
وكان يقرأ عنده الحديثَ كلّ يومٍ بعد العصر. فحضر فقيهٌ مالكيٌّ، فذُكِرَتْ مسألةٌ، فخالف فيها الجميع وأصرّ، فقال الوزير: أَحِمَارٌ أنت! أما ترى الكلَّ يُخالفونَك!؟ فَلَمّا كان فِي اليوم الثّاني قال للجماعة: إنّه جرى منّي بالأمس على هذا الرجل ما لا يليق، فليَقُلْ لي كَمَا قلتُ له، فما أَنَا إلّا كأحدكم.
فضجّ المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه وقال: أَنَا أَوْلَى بالاعتذار. وجعل يقول: القِصاص القِصاص، فلم يزل حَتَّى قال يُوسُف الدّمشقيّ: إذْ أبى [6] القِصاص فالفِداء، فقال الوزير: له حُكْمُهُ. فقال الفقيه: نِعَمُكَ عليَّ كثيرةٌ، فأيُّ حُكْمٍ بقي لي؟
قال: لا بدّ.
__________
[1] في المنتظم 10/ 214، 215 (18/ 167، 168) .
[2] ذكر ابن الجوزي بعدها حكاية.
[3] ذكر ابن الجوزي حكايته في المنتظم. وانظر: الفخري 312 و 313.
[4] وانظر: الفخري 312.
[5] «من فاته حزبه بالليل فصلّاه قبل الزوال كان كأنّه صلاه بالليل» . الحديث.
[6] في المنتظم 10/ 215 (18/ 169) «إذا أبى» .(38/331)
قال: عليَّ دَيْنٌ [1] مائة دينار.
فقال: أعطوه مائةَ دينارٍ لإبراء ذِمَته، ومائة لإبراء ذمّتي. فأُحضِرت فِي الحال.
وما أحسن قولَ الحَيْصَ بَيْص فِي قصيدته فِي الوزير:
يَهُزُّ حديثُ الْجُودِ ساكِنَ عِطْفِهِ ... كَمَا هزَّ شُربَ الْحَيِّ صَهْباءُ قَرْقَفُ
إذا قيل عَوْنَ الدّين يحيى تألّق ... الغمام وماسَ السَّمْهَريُّ المُثَقَّف [2]
قال [3] : وكان الوزير يتأسّف على ما مضى من زمانه، ويندم على ما دخل فِيهِ. ولقد قال لي: كان عندنا بالقرية مسجد فِيهِ نخلة تحمل ألف رطْل، فحدَّثْتُ نفسي أن أُقيم فِي ذلك المسجد، وقلت لأخي مُحِبّ الدِّين [4] : أقعُدُ أَنَا وأنت وحاصِلُها يكفينا. ثُمَّ انظر إلى ما صرْت. ثُمَّ صار يسأل اللَّه الشّهادة ويتعرَّض لأسبابها.
وفي ليلة ثالث عَشْر جُمَادَى الأولى استيقظ وقت السَّحَر فقاء، فحضر طبيبه ابن رشادة فسقاه شيئا، فيُقال إنّه سمّه، فمات وسقي الطّبيب بعده بنصف سنة سمّا، فكان يقول: سُقيتُ كَمَا سَقيْتُ، فمات.
ورأيت أَنَا وقت الفجر كأنّي فِي دار الوزير وهو جالسٌ، فدخل رجلٌ بيده حَرْبَة، فضربه بها، فخرج الدَّمُ كالفوّارة، فالتفتُّ فإذا خاتم ذهب، فأخذته وقلت: لمن أُعطيه؟ أنتظر خادما يخرج فأُسلّمه له. فانتبهتُ فأخبرتُ مَن كان معي، فما استْممتُ الحديثَ حَتَّى جاء رجلٌ فقال: مات الوزير. فقال واحدٌ: هذا مُحال أَنَا فارقته في عافية أمس العصر.
__________
[1] في المنتظم: «بقية دين» .
[2] البيتان في ديوان الحيص بيص، ووفيات الأعيان 6/ 235، وسير أعلام النبلاء 20/ 429.
وهما ليسا في رواية ابن الجوزي.
[3] أي ابن الجوزي في المنتظم 10/ 216 (18/ 169) .
[4] هكذا في الأصل والمنتظم. وفي سير أعلام النبلاء 20/ 429 «مجد الدين» .(38/332)
فنفَّذوا إليَّ، فقال لي ولده: لا بُدّ أن تغسّله. فغسّلته، ورفعت يده ليدخل الماء في مَغَابِنِه [1] ، فسقط الخاتم من يده حيث رَأَيْت ذلك الخاتم.
ورأيت آثارا بجسده ووجهه تدلّ على أنّه مسموم. وحملت جنازته إلى جامع القصر، وخرج معه جمْعٌ لم نره لمخلوق قَطّ، وكثُر البكاءُ عليه لِما كان يفعله من البِرّ والعدْل، ورثاه الشُّعراء [2] .
قلت: وقد روى عن المقتفي تلك الأحاديث المُقْتَفوِية. سمعتها من الأبَرْقُوهيّ [3] ، عن ابن الجواليقيّ، عَنْهُ.
وقد شرح صَحيحَيّ الْبُخَارِيّ ومسلم فِي عدَّة [4] مجلَّدات، وسمّاه كتاب «الإفصاح عن معاني الصَّحاح» [5] . وألّف كتاب «العبادات» [6] في مذهب أحمد، وأرجوزة في المقصور والممدود، وأخرى فِي عِلْم الخطّ، واختصر «إصلاح المنطق» لابن السّكّيت [7] .
__________
[1] المغابن: مطاوي البدن مثل الإبط وغيره. واحدها مغبن. بفتح الميم وكسر الباء الموحّدة وسكون الغين المعجمة.
[2] ومنهم «النميري» كما في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 286، وقد تحرّف في المنتظم بطبعتيه إلى «البحتري» ، فقال في مطلع قصيدة:
ألمم على جدث حوى تاج الملوك وقل: سلام واعقر سويد الضمير، فليس يقنعني السوام وقال بعضهم:
مات يحيى ولم نجد بعد يحيى ... ملكا ماجدا به يستعان
وإذا مات من زمان كريم ... مثل يحيى بن يموت الزمان
[3] الأبرقوهي: بفتح الألف والباء المنقوطة بواحدة وسكون الراء وضم القاف وفي آخرها الهاء هذه النسبة إلى أبرقوه وهي بليدة بنواحي أصبهان على عشرين فرسخا منها. (الأنساب 1/ 115) .
[4] في سير أعلام النبلاء 20/ 430: «في عشر مجلّدات» .
[5] قال العماد الكاتب إنه بذل على حفظه ونسخه أمواله حتى كان في زمانه لا يشتغل إلّا به.
(الخريدة 2/ 98) .
[6] في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 252 «العبادات الخمس» .
[7] وقال ابن رجب: وقد صنّف ابن الجوزي كتاب «المقتبس من الفوائد العونية» وذكر فيه الفوائد التي سمعها من الوزير عون الدين، وأشار فيه إلى مقاماته في العلوم. وانتقى من زبد كلامه في «الإفصاح» على الحديث كتابا سمّاه «محض المحض» . (ذيل طبقات الحنابلة 1/ 253) .(38/333)
وولي الوزارة بعده شرفُ الدِّين أبو جَعْفَر أَحْمَد بْن البَلَديّ، فأخذ فِي تَتَبُّع آل هُبَيْرة، فقبض على ولديه مُحَمَّد وظَفَر ثُمَّ قتلهما [1] .
وقال أبو المظفَّر [2] : اضطرّ وَرَثةُ ابن هُبَيْرة إلى بيع ثيابهم وأثاثهم، وبيعت كُتُب الوزير الموقوفة على مدرسته حَتَّى أُبيع كتاب «البستان» فِي الرقائق لأبي اللَّيْث السَّمَرْقَنْديّ بدانِقَيْن وحَبَّة، وكان يساوي عشرة دنانير، فقال واحد: ما أرخص هذا البستان. فقال جمال الدِّين بْن الحُصَيْن: لِثقَل ما عليه من الخراج. يشير إلى الوقْفية. فأُخِذ وضُرِب وحُبِس، فلا قوّة إلّا باللَّه [3] .
__________
[1] ترجم لهما العماد في الخريدة (قسم العراق) 2/ 100 و 101.
[2] في مرآة الزمان 8/ 262 وفيه تحرّف اسم «ظفر» إلى «مطر» .
[3] وقال القزويني: كان وزيرا ذا رأي وعلم ودين وثبات في الأمور. حكى الوزير وقال: تطاول علينا مسعود بن محمود السلجوقي، فعزم المقتفي أن يحاربه، فقلت: هذا ليس بصواب، ولا وجه لنا إلّا الالتجاء إلى الله، فاستصوب رأيي، فخرجت من عنده يوم الجمعة لأربع وعشرين من جمادى الأولى وقلت: إنّ النبي، عليه السلام، دعا شهرا فينبغي أن ندعو شهرا، ثم لازمت الدعاء كل ليلة إلى أن كان يوم الرابع والعشرين من جمادى الآخرة، فجاء الخبر بأن السلطان مات على سرير ملكه وتبدّد شمل أصحابه، وأورثنا الله أرضهم وديارهم.
حكي أنه قبل وزارته كان بينه وبين رجل بغداديّ ساكن بالجانب الغربي صداقة، فسلّم الرجل إلى يحيى ثلاثمائة دينار وقال له: إذا أنا متّ جهّزني منها، وادفنّي بمقبرة معروف الكرخي، وتصدّق بالباقي على الفقراء، فلما مات قام يحيى وجهّزه ودفنه كما وصّى، والذهب في كمّه عائدا إلى الجانب الشرقي، قال: فوقفت على الجسر فسقط الذهب من كمّي في الماء وهو مربوط في منديل، فضربت بيدي على الأخرى وحوقلت، فقال رجل: ما لك؟ فحكيت له فخلع ثيابه وغاص، وطلع والمنديل في فمه، فأخذت المنديل وأعطيته منها خمسة دنانير، ففرح بذلك ولعن أباه، فأنكرت عليه، فقال: إنه مات وأزواني! فسألته عن أبيه، فإذا هو ابن الرجل الميت، فقلت: من يشهد لك بذلك؟ فأتى بمن شهد له أنه ابن ذلك الميت، فسلّمت إليه المال.
وكان كثيرا ما ينشد لنفسه:
يا أيّها الناس، إني ناصح لكم ... فعوا كلامي فإنّي ذو تجاريب
لا تلهينّكم الدنيا بزخرفها ... فما يدوم على حسن ولا طيب
وحكى عبد الله بن زرّ قال: كنت بالجزيرة فرأيت في نومي فوجا من الملائكة يقولون: مات الليلة وليّ من أولياء الله! فتحدّثت بها وأرّختها، فلما رجعت إلى بغداد وسألت قالوا: مات في تلك الليلة الوزير ابن هبيرة، رحمة الله عليه! -(38/334)
371-[يحيى] [1] بْن مُحَمَّد بْن رزق.
أبو بَكْر الأندلسيّ.
قال ابن بشْكُوال: هُوَ من أهل المَرِيَّة. أخذ عن جماعة من شيوخنا وَصَحِبَنَا عند بعضهم. وكان محدثا حافظا، متيقّظا، عارفا بالحديث ورجاله، ثقة، ديّنا.
وقد أُخِذ عَنْهُ.
وتُوُفيّ بسَبْتَة فِي شعبان.
وكان مولده سنة ثلاث وخمسمائة.
__________
[ () ] وحكى عبد الله بن عبد الرحمن المقري قال: رأيت الوزير ابن هبيرة في النوم فسألته عن حاله فأجاب:
قد سئلنا عن حالنا فأجبنا ... بعد ما حال حالنا وحجبنا
فوجدنا مضاعفا ما كسبنا ... ووجدنا ممحّصا ما اكتسبنا
(آثار البلاد وأخبار العباد 367، 368) .
وقال ابن العمراني: وكان كافيا يملأ العين والقلب، وكان كاتبا بليغا، فصيحا، عالما بالنحو، واللغة، والفقه، والأحاديث، والقرآن العظيم المجيد وتفسيره، وصنف كتبا في ذلك كله. وكان حسن التدبير للأمور السياسية، محبّا لأهل العلم، كثير الميل إلى أرباب الصلاح والدين. ولو أخذت في ذكر مناقبه وحسن سيرته لجاءت مجلّدات عظيمة ولم أقدر أستقصي على بعضها، ولم يسمع بأن كان لبني العباس وزير مثله قبله ولا بعده.. رضي الله عنه وأرضاه.. (الإنباء في تاريخ الخلفاء 225) .
وقد طوّل ابن رجب في ترجمته، وكذا ابن خلّكان، وذكرا بعضا من شعره، وانظر شعره أيضا في الخريدة، والفخري، وغيره.
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من: الصلة لابن بشكوال 2/ 673، 674 رقم 1487.(38/335)
المتوفون تقريبا
- حرف الألف-
372- أحمد بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن علي.
القاضي أبو الخطاب الطَّبَريّ، الْبُخَارِيّ، العلّامة. أستاذ فِي علم الخلاف، قدوة فِي علم النَّظَر، تفقَّه على والده، والإمام البرهان.
وحدَّث عن: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عَبْد الواحد الدّقاق، وغيره.
وكان مولده في سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: أبو المظفَّر عبد الرحيم السّمعانيّ وقال: هُوَ أستاذي فِي علم الخلاف.
373- أَحْمَد بن الحسن بن سيّد [1] .
أبو العبّاس الجراويّ [2] ، المالقيّ [3] .
من كبار النُّحَاة والأُدباء بالأندلس.
حدُّث عن: أبي الحسن بن مغيث.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن الحسن) في: التكملة للصلة لابن الأبّار 1/ 69، والمقتضب من تحفة القادم 44، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 1 ق 1/ 92، 93 رقم 108، والوافي بالوفيات 6/ 307، 308 رقم 2811، وبغية الوعاة 1/ 302 رقم 555، ونفح الطيب 2/ 562.
[2] في الأصل «الجرداني» ، والمثبت من المصادر.
[3] وهو يلتبس بأبي العباس ابن علي بن سيد الإشبيلي اللّص، وهما اثنان. (التكملة، والذيل) .(38/336)
قال الأَبَّار [1] : تُوُفّي نحو السّتين [2] .
ومن شعره:
وبين ضُلُوعي للصَّبابة لَوَعةٌ ... بحُكْم الْهَوَى تقضي عليَّ ولا أقضي
جَنَى ناظري [3] منها على القلب ما جَنَى ... فيا من رأى بعضا يُعِينُ على بعضٍ [4]
374-[أَحْمَد] [5] بْن قسيّ.
صاحب خلْع النَّعْلَيْن. من أهل الأندلس.
قال عَبْد الواحد بْن عليّ التّميميّ المرّاكُشيّ: كان فِي أوّل أمره يدّعي
__________
[1] في تكملة الصلة 1/ 69.
[2] وقال المراكشيّ: وكان متحقّقا بالعربية، عارفا بالآداب، درّسهما كثيرا، شاعرا محسنا، كاتبا، بليغا. ونالته وحشة من قبل القاضي أبي محمد ابن أحمد الوحيدي لأمور تقوّلت عليه اضطرّته إلى التحوّل عن مالقة إلى قرطبة، فسكنها نحو أربعة أعوام، ثم استمال جانب الوحيدي حتى لان له وخاطبه بالعود إلى وطنه، فرجع مكرّما مبرورا إلى أن ولّي خطّة القضاء أبو الحكم بن حسّون فاختصّ به وبآله وحظي لديهم، ثم توجّه إلى مرّاكش عقب الطارئ على آل ابن حسّون فاستخلصه أبو محمد عبد المؤمن بن علي لتأديب بنيه، فسما قدره وعظم صيته، وارتقى محلّه، وأقام على ذلك إلى أن توفي بعد الستين وخمسمائة بيسير في مراكش.
[3] في تكملة الصلة: «ناظر» .
[4] التكملة 1/ 69، الذيل ج 1 ق 1/ 93، الوافي بالوفيات 6/ 307.
ومن نظمه حين اغترابه:
تفاجئني الحوادث كل يوم ... فتعجمني حصاة لا تهدّ
فيا للَّه ما أحيي فؤادي ... ولكنّي على الأيام جلد
وله:
لمّا رأيتك عين الزمان ... وأنّ إليك تحثّ الخطا
بكرت إليك بكور الغراب ... ورحت عليك رواح القطا
وله أيضا:
حسدتك نشّاب القسيّ لأن رأت ... عينيك أمضى في الإصابة مقصدا
فجنت عليك ويا لها ممّا جنت ... لهفي عليك فكم خشيت الحسّدا
[5] في الأصل بياض، والمستدرك مما تقدّم في ترجمة «عبد المؤمن بن علي» برقم (280) .(38/337)
الولاية، وكان ذا حيل وشعبذة ومعرفة بالبلاغة. ثُمَّ قام بحصن مارتلة، ودعا إلى بَيعته، ثم اختلف عليه أصحابه، ودسوا عليه من أخرجه من الحصن بحيلة حتى أسلموه إلى الموحدين، فأتوا به عبد المؤمن، فقال له: بَلَغَني أنّك دعيت إلى الهداية.
فكان من جوابه أن قال: أليس الفجر فجرين: كاذب وصادق؟ قال:
بلى.
قال: فأنا كنت الفجر الكاذب. فضحك عَبْد المؤمن ثُمَّ عفا عَنْهُ [1] .
ولم يزل بحضرة عَبْد المؤمن حَتَّى قُتل. قتله صاحب له.
قلت: كان سيّئ الاعتقاد، فلسفيّ التّصوّف، له فِي خلْع النَعلين أوابد ومصائب.
375- إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد [2] .
القاضي أبو إسحاق السُّلَميّ، الغَرْنَاطيّ، ويُعرف بابن صَدَقة.
روى ببلده عن: أبي بَكْر بْن غالب بْن عطيَّة، وغيره.
وحجّ فسمع من: أبي بَكْر الطُّرْطُوشيّ، وأبي الْحَسَن بْن الفرّاء.
روى عَنْهُ: أبو القَاسِم بْن سَمْحُون.
قال الأَبَّار: بقي إلى بعد الخمسين.
376- إِبْرَاهِيم بْن عطيَّة بْن عليّ بْن طَلْحَةَ [3] .
أبو إسحاق الْبَصْرِيّ، الضّرير، المقرئ، إمام الجامع.
شيخ صالح، طريف، كثير المحفوظ.
سمع من: قاضي البصرة أَبِي عمر مُحَمَّد بْن أَحْمَد النَّهاوَنْديّ. وأحسبه آخر من روى عنه.
__________
[1] تقدّمت هذه الحكاية عن ابن قسيّ في ترجمة «عبد المؤمن» .
[2] انظر عن (إبراهيم بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (إبراهيم بن عطية) في: المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي، ج 1.(38/338)
وسمع ببغداد من مالك البانياسيّ.
قال ابن الدَّبيثيّ: بقي إلى سنة إحدى وخمسين، وحدّثنا عَنْهُ سَعِيد بْن مخادش، وأحمد بْن مبشّر المقرئ، وغيرهما.
376- إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عقيل بْن الأشعث.
الحكيم أبو إسحاق السَّمَرْقَنْديّ، المعروف جدّه بالدّغوش.
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
قال عَبْد الرحيم السَّمْعانيّ: سَمِعت منه جزءا من حديث قُتَيْبَةَ، قال:
أنبأنا عليّ بْن أَحْمَد بْن حَسَن الصَّيْرَفيّ، أَنَا عُمَر بْن أَحْمَد بْن شاهين السَّمَرْقَنْديّ سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، أنا محمد بن جعفر بن محمد الدزّماريّ سنة اثنتين وسبعين، ثنا مُحَمَّد بْن الفضل البلْخيّ، عَنْهُ.
377-[أخمشاد] [1] بْن عَبْد السّلام بْن محمود.
العلّامة الواعظ، أبو المكارم الغزنويّ، الحَنَفِيّ.
أحد فُحُولِ الْفُضَلاءِ والعلماء، بحر يتموّج، وفجر يتبلّج، وهمام فتاك، وحسام بتّاك، وفقيه مُدْرَه، وفصيح مُفَوُّه، وواعظ مذكِّر. كان بأصبهان، ثُمَّ لَحِقَ بالعسكر، ووُلّي أرانية [2] وحيرة. ثُمَّ لمّا كان مُحَمَّد شاه محاصرا بغداد، ورد أبو المكارم هذا من جهة إلْدِكز، وعبر إلى الجانب الشّرقيّ، كأنّه يؤدّي رسالة واجتمع بالوزير ابن هُبَيْرة وعاد، فاتّهمه محمد شاه ونكبه. ثمّ عاد إلى حيرة، ومات بعد سنة اثنتين وخمسين وهو فِي الكهولة.
قال العماد فِي «الخريدة» : أنشدني لنفسه:
__________
[1] في الأصل بياض. والمثبت من مصادر ترجمته: الوافي بالوفيات 8/ 308 رقم 3725، وفيه:
«أحمشاذ» (بالحاء المهملة وذال معجمة) ، والجواهر المضية 1/ 359، 360 رقم 288، والطبقات السنية، رقم 441 وفيه مثل: الوافي بالوفيات.
[2] في الوافي: «أراينة» بتقديم الياء على النون، والمثبت عن: الجواهر المضيّة.(38/339)
أمالِكَ رِقيّ ما لَكَ اليومَ رقةٌ ... على صَبْوَتي والحَيْنُ [من تَبِعَاتها] [1]
سَأَلتَ حياتي إذ سألتُك قُبلةً ... ليَ الرِّبْحُ فيها خُذْ حياتي وهامشها [2]
379-[إِسْمَاعِيل] [3] بْن عليّ بْن بركات.
أبو الفضل الغسّانيّ، الدّمشقيّ، المقرئ، ويُعرف بابن النجاديّ [4] .
من ذرّية الْإِمَام يحيى بْن يحيى الغسّانيّ.
قرأ بالرّوايات على سُبيع بْن المسلم. وسمع من: الشَريف نسيب الدّولة، وأبي طاهر الحِنّائيّ.
وقدم بغداد سنة اثنتين وخمسين، فسمّع ولده من أبي الوقت السّجزيّ.
ثمّ مات.
قال ابن النّجّار: قرأ عليه شيخنا أَحْمَد بْن عَبْد الملك بن [باتانة] [5] ، وعبد الوهّاب بْن عِيسَى وأقرأ عَنْهُ.
وكان عالما بالقراءات ووجوهها، صَدُوقًا، موثَّقًا، رحمه اللَّه تعالى [6] .
380- أوحد الزّمان الطّبيب [7] .
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من مصادر ترجمته.
[2] البيتان في: الوافي 8/ 308، والجواهر 1/ 360، والطبقات السنية.
ومن شعره أيضا:
يا عاذلي أقصر وكن عاذري ... في حبّ ظبي أكحل الناظر
فأكحل الناظر ذاك الّذي ... قد قصد الأكحل من ناظري
حلا مذاقا وهو مستملح ... والملح في الحلو من النادر
[3] في الأصل بياض، والمثبت من: غاية النهاية 1/ 166 رقم 773.
[4] هكذا في الأصل. وضبّبها في (غاية النهاية) فأتت النسبة: «الحاوي» .
[5] في الأصل بياض. والمثبت من: غاية النهاية.
[6] وقال ابن الجزري: قال الذهبي كأنه توفي قبل الستين وخمسمائة.
[7] انظر عن (أوحد الزمان) في: تاريخ حكماء الإسلام 343- 346، وأخبار العلماء بأخبار الحكماء 224، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء 374- 376، وتاريخ مختصر الدول لابن العبري 210، والمختصر في أخبار البشر 3/ 43، وسير أعلام النبلاء 20/ 419 رقم 275، وتاريخ ابن الوردي 2/ 107، ونكت الهميان 304، والنجوم الزاهرة 5/ 364، ومطالع-(38/340)
واسمه هبة اللَّه بْن عليّ بْن مَلْكا [1] ، أبو البَرَكات البَلَديّ. ووُلِدَ ببَلَد وسكن بغداد. وكان يهوديّا فأسلم فِي أواخر عمره، وخدم المستنجد باللَّه.
قال الموفَّق أَحْمَد بْن أبي أُصَيبعة: تصانيفه فِي غاية الْجَوْدة، وكان له اهتمامٌ بالغ فِي العلوم وفطرة فائقة. وكان مبدأ تعلُّمه الطّبّ أنّ أَبَا الْحُسَيْن سَعِيد بْن هبة اللَّه كان له تصانيف وتلامذة، ولم يكن يقرئ يهوديّا، وكان أوحد الزّمان يشتهي الأخْذ عَنْهُ والتّعلُّم منه، ونقل عليه بكلّ طريق فما مكّنه، فكان يتخادم للبوّاب ويجلس فِي الدِّهْليز، بحيث يسمع جميع ما يُقرأ على أبي الْحُسَيْن. فَلَمّا كان بعد سنةٍ جرت مسألة وبحثوا فيها، فلم [يجدوا] [2] لهم عنها جوابا، وبقوا متطلّعين في حلّها، فلمّا تحقّق ذلك منهم أبو البركات، دخل وخدم الشَّيْخ، وقال: يا سيّدنا، بإذنك أتكلّم فِي هذه المسألة. فقال: قُلْ. فأجاب بشيءٍ من كلام جالينوس، فقال: يا سيّدنا، هذا جرى فِي اليوم الفُلانيّ، فِي ميعاد فلان، وحفِظْتُه. فبقي الشَّيْخ يتعجّب من ذكائه وحرصه، واستخبره عن المكان الَّذِي كان يجلس فِيهِ، فأعلمه به، فقال: من يكون عنده [ذكاؤك] [3] ما نمنعه. وقرّبه وصار من أجَلّ تلاميذه.
وكان ببغداد مريض بالمالِيخُولْيا، بقي يعتقد أنّ على رأسه دنّا، وأنّه لا يفارقه، وكان يتحايد السُّقُوف القصيرة، ويطأطئ رأسَه، فأحضره أبو البَرَكات عنده، وأمر غلامه أن يرمي دنّا بقرب رأسه، وأن يضربه بجسمه بكسرة، فزال ذَلِكَ الوهْم عن الرجل وعُوفي، واعتقد أنّهم كسروا الدّنّ الَّذِي على رأسه.
ومثل هذه المداواة بالأمور الوهميَّة مُعْتَبَر عند الأطبّاء.
وقد أضرّ أبو البَرَكات فِي عُمره، وكان يُملي على عليّ الحمّال بن
__________
[ () ] البدور 2/ 105، وكشف الظنون 1731، وشذرات الذهب 4/ 185، وهدية العارفين 2/ 505، 506، ومعجم المؤلفين 13/ 142، 143.
[1] انظر التعليق على اسمه في حواشي الترجمة رقم (367) .
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض.(38/341)
فَضْلان، وعلى ابن الدّهّان المنجّم، وعلى يُوسُف والد عَبْد اللّطيف، وعلى المهذَّب بْن النّقّاش كتاب «المعتبر» [1] .
وقيل: إنّ سبب إسلامه أنّه دخل يَوْمًا على الخليفة، فقام الحاضرون سوى قاضي القُضاة، فلم يقُم له لكَوْنه يهوديّا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكونه يراني على غير مِلَّته، فأنا أُسْلم بين يدي أمير المؤمنين، ولا أتركه ينقصني. وأسلم.
خلّف أوحد الزّمان أبو البركات ثلاث بنات، وعاش نحو ثمانين سنة.
وحدَّثني نجم الدِّين عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الكُرَيْديّ قال: كان أوحد الزّمان وأمين الدّولة ابن التّلميذ بينهما معاداة، وكان أوحد الزّمان لمّا أسلم ينتقل بين اليهود ويلعنهم، فحضر فِي مَجْمَعٍ فقال أوحد الزّمان: لعن اللَّه اليهود. فقال ابن التّلميذ: نعم وأبناء اليهود. فوجم أوحد الزّمان ولم يتكلّم.
وله كتاب «المعتبر» ، وهو فِي غاية الجودة فِي الحكمة الّتي فِي دين الفلاسفة، ومقالة فِي سبب ظهور الكواكب ليلا واختفائها نهارا، واختصار «التّشريح» ، وكتاب «أقرباذين» [2] ، ورسالة فِي العقل [وماهيّته] [3] وغير ذَلِكَ [4] .
من تلامذته: المهذّب بْن ميل.
__________
[1] قال ابن العبري: أخلاه من النوع الرياضي، وأتى فيه بالمنطق والطبيعي والإلهي، فجاءت عبارته فصيحة، ومقاصده في ذلك الطريق صحيحة. (تاريخ الدول 210) .
[2] في الأصل «قرباذين» .
[3] في الأصل بياض، والمستدرك من المصادر.
[4] أرّخ ابن تغري بردي وفاته في سنة 558 هـ. وقال: وله شعر جيد، من ذلك في الشيب:
نفرت هند من طلائع شيبي ... واعترتها سآمة من وجوم
هكذا عادة الشياطين ينفرن ... إذا ما بدت رجوم النجوم
(النجوم الزاهرة 5/ 364) .(38/342)
381-[....] [1] بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر.
شرف القُضاة أبو المعالي الكَرْخِيّ، الفقيه، الشّاهد.
خيِّر متعبّد، ولد سنة ثمانين وأربعمائة، وسمع: النَّعَاليّ، والحسين بْن البُسْريّ.
كتب عَنْهُ: أبو سَعْد بْن السَّمْعانيّ، والمسعوديّ.
382-[....] [2] بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن.
أبو المعالي الدّنانيّ، الأصبهانيّ، الفقيه.
سمع من: طِراد الزَّيْنَبيّ، والرئيس أبي عَبْد اللَّه الثّقفيّ، وغيرهما.
روى عَنْهُ: حفيده أبو الفتح مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أبي المعالي.
توفّي قريبا [3] من السّتين وخمسمائة.
وكان من أئمَّة الفُتْيا بأصبهان.
- حرف الدال-
383-[دُرّيّ] [4] .
الظّافريّ، الْمَصْرِيّ، الأمير.
وُلّي إمرة الإسكندريَّة، وإمرة دِمْياط [ثُمَّ تزهّد] [5] ، وأقبل على الاشتغال والتّحصيل، فبرع فِي علوم الرّافضة، وصنّف التّصانيف، من ذَلِكَ كتاب [معالم الدِّين] [6] على قواعد الرّافضة والمعتزلة، ينكر فيه الرؤية
__________
[1] في الأصل بياض لم أتحقّقه.
[2] في الأصل بياض لم أتحقّقه.
[3] في الأصل: «قريب» .
[4] في الأصل بياض، والمستدرك من: الوافي بالوفيات 14/ 8 رقم 8.
[5] في الأصل بياض.
[6] في الأصل بياض.(38/343)
والقَدَر. وله مصنَّفٌ فِي الفِقْه مشهور بينَ [الرافضة] [1] ، لا بارك اللَّه فيهم.
وكان له منزلة عظيمة فِي دولة الرّافضة ... [2] وكان الصّالح بْن رُزِيك يحترمه ويُكْرمه.
384-[....] [3] بْن أبي سهل بْن أبي سهل.
أبو مُحَمَّد القصّاب، اللّحّام، الهَرَويّ.
سمع من: أبي ... [4] الغميريّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: قيل: كان يشرب الخمر.... [5] .
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم بْن السَّمْعانيّ.
- حرف الراء-
385- رسلان [6] بْن يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه [7] .
الْجَعْبَرِي [8] الأصل، الدّمشقيّ النَّشْأة، الزّاهد القُدْوة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. قال شمس الدِّين الْجَزَريّ: رسلان معناه بالتُّرْكي أسد.
قال: وقال الشَّيْخ نجم الدِّين مُحَمَّد بْن إسرائيل الشّاعر: سَمِعت المشايخ الدّين أدركتهم من أصحابه يقولون إنّه من قلعة جعبر، من أولاد
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض، ولم ينقل الصفدي شيئا يزيد عمّا هو موجود هنا.
[3] في الأصل بياض.
[4] في الأصل بياض.
[5] في الأصل بياض.
[6] يرد: «رسلان» و «أرسلان» .
[7] انظر عن (رسلان بن يعقوب) في: المعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1806، والعبر 4/ 145، وسير أعلام النبلاء 20/ 379، 380 رقم 257، والوافي بالوفيات 8/ 345، 346، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 132، وكشف الظنون 1/ 867، وشذرات الذهب 4/ 160، وهدية العارفين 5/ 367، ومنتخبات التواريخ لدمشق 473، 474، والإعلام بفضائل الشام 128، وكتاب «الشيخ رسلان» لأحمد الحارون.
[8] الجعبريّ: بفتح الجيم، وسكون العين، وفتح الباء المنقوطة من تحتها بواحدة، وكسر الراء، نسبة إلى جعبر وهي قلعة على الفرات بين بالس والرّقة.(38/344)
الأجناد. صحِب شيْخه أَبَا عامر المؤدِّب، وهو مقبور فِي القُبة، الّتي بظاهر باب تُوما، وتُعرف بتُرْبة الشَّيْخ رسلان فِي القبر القِبْليّ، والشّيخ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي الأوسط، والشّيخ أبو المجد خادم الشَّيْخ رسلان فِي القبر الثّالث.
وصحِب أبو عامر الشَّيْخ ياسين، وهو صحِب مَسْلَمَة وهو صحِب الشَّيْخ عقيل، وهو صحِب الشَّيْخ عليّ بْن عليم، وهو صحِب الشَّيْخ أَبَا سَعِيد بْن أَحْمَد بْن عِيسَى الخزّاز، وهو صحِب السَّريّ السَّقَطيّ.
قال: وكان الشَّيْخ رسلان يعمل فِي صنعة النَّشْر فِي الخشب، فذكروا عَنْهُ أنّه بقي مدَّة عشرين سنة يأخذ ما يحصل له من أُجرته، ويعطيها لشيخه أبي عامر، وشيخه يُطْعمه، فتارة يجوع، وتارة يشبع.
وقيل عَنْهُ، وهو الأشهر، إنّه كان يقسم أجرته أثلاثا، ثُلث يُنْفقه، وثُلث يتصدَّق به، وثُلث يكتسي به ولمصالحه.
وكان أوّلا يتعبَّد بمسجدٍ صغير داخل باب تُوما، جوار بيته ودُكَان النَّشْر، ثُمَّ انتقل إلى مسجد درب الحجر، وقعد بالجانب الشّرقيّ منه، وكان ينام هناك. وكان الشَّيْخ أبو البَيَان فِي الجانب الغربيّ، وبقيا على ذَلِكَ زمانا يتعبّدان، وكلّ واحدٍ منهما بأصحابه فِي ناحيةٍ من المسجد.
ثُمَّ خرج إلى ظاهر باب تُوما، إلى مسجد خَالِد بْن الوليد، وهو مكان خيمة خَالِد لمّا حاصر دمشق، وعَبَد اللَّه فِيهِ إلى أن تُوُفّي بعد الأربعين وخمسمائة.
وحكى الشَّيْخ دَاوُد بْن يحيى بْن دَاوُد الحريريّ، وكان صدوقا، قال:
حكى لي جماعة أنّ الشَّيْخ رسلان لمّا شرع فِي بُنْيان المعبد، سيَّر إليه الشَّيْخ أبو البيان ذَهَبًا مع بعض أصحابه حَتَّى يصرفه فِي العمارة، فَلَمّا اجتمع به، وعرض عليه الصُّرَّة قال الشَّيْخ رسلان: ما يستحي شيخُك يبعث إليَّ هذا، وفي عَبّاد اللَّه من لو أشار إلى ما حوله لصار ذَهَبًا وفضَّة؟ وأشار بيده، فرأى الرَّسُول الطّين ذَهَبًا وفضَّة. وقال: عُدْ إليه. فقال: واللهِ ما بقيت أرجع، بل أكون فِي خدمتك إلى المَّوت. وانقطع عنده.(38/345)
وقال الشَّيْخ دَاوُد: كان الشَّيْخ أَحْمَد بْن الرفاعيّ قد ذكر النّخيل الّتي له، وعيّن على واحدةٍ، وقال لأصحابه: إذا استوت هذه أدَّيناها للشّيخ رسلان. فمرّ بها بعد مدَّة، فوجد أكثر ما عليها قد راح فسألهم، فقالوا: لم يطلع إليها أحدٌ، ولكن فِي كلّ يوم يجيء إليها بازٌ، أشهب يأكل منها، ولا يقرُب غيرَها، ثُمَّ يطير.
فقال لهم: الباز الَّذِي يجيء هُوَ الشَّيْخ رسلان، فلذلك يقال له: الباز الأشهب.
قال دَاوُد: ولمّا احتضر الشَّيْخ أبو عامر المؤدِّب سألوه أن يوصي إلى ولده عامر، فقال: عامر خراب، ورسلان عامر. فَلَمّا تُوُفّي قام الشَّيْخ رسلان مُقامه، ولم تَخْفَ من عامرٍ حالُه.
قال شمس الدِّين بْن الْجَزَريّ: صلّيتُ العصر فِي مسجدٍ كان فِيهِ الشَّيْخ رسلان، داخل باب توما، فقال لي يُوسُف المؤدِّب: يا سيّدي، هنا بئر حفره الشَّيْخ رسلان بيده، وأهل هذه النّاحية يشربون منه [للتداوي] [1] ، ومن [اشتكى] [2] جوفه، أو حصل له أَلَمٌ، يشرب منه، فيُعافى بإذن اللَّه، وقد جرّبه جماعة ثُمَّ أشار بإصبعه وقال: هذا بيت الشَّيْخ رسلان، وإلى جانبه الطّريق.
وكان..... [3] فكلّما كان يعمل بالمنشار..... [4] كلّمه المنشار مرّتين، وفي الثّالث كلّمه وانقطع [قطعة] [5] وقال: يا رسلان ما لهذا خُلِقت ولا بهذا أُمِرتْ. فترك العمل، وجلس فِي هذا المعبد، وهو مسجد صغير.
وعاد نور الدِّين الشهيد اشترى دارا مجاورة للمسجد [فوسّعه] [6] وبنى [7] له منارة، ووقف عليه.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض.
[4] في الأصل بياض.
[5] في الأصل بياض.
[6] في الأصل بياض.
[7] في الأصل: «وبنا» .(38/346)
قال: وحكى لي الشَّيْخ يُوسُف المؤدِّب، عن الشّريف نصر اللَّه أنّ نور الدِّين الشّهيد سيّر إلى الشَّيْخ رسلان ألف دينار مع مملوكٍ، وقال إنْ أخذها منك، فأنت حُرٌّ، لوجه اللَّه. فجاء بها إليه وهو يبني المعبد الَّذِي بظاهر دمشق، فقال له: ما يستحي محمود ويبعث هذه، وفي عَبّاد اللَّه من لو شاء لجعل ما حوله ذهبا وفضّة! فرأى المملوك البُنْيان والطّين ذَهَبًا وفضَّة، فتحيِّر وقال: يا سيّدي قد جعل عِتْقي قبولَك هذا الذّهب. فأخذها وصرفها فِي الحال على المساكين، والأرامل، والأيتام، ففُرِّقت بحضور المملوك.
وذكر أيضا أنّ الشَّيْخ رسلان أعطى نور الدِّين من المنشار الَّذِي كلّمه وتقطّع قطعة فأوصى نور الدِّين لأصحابه وأهله: إن مات أن يضعوه فِي كَفَنِه.
قلت: الشَّيْخ عليّ الحريريّ صحِب المُغَرْبِل صاحب الشَّيْخ. ويقال: إنَّ هذه القُبَّة بناها الشَّيْخ رسلان على شيخه أبي عامر لمّا أعطاه بعض التّجار مبلغا من المال، فاللَّه أعلم.
ومناقب الشَّيْخ رسلان كثيرة، اقتصرنا منها على هذا، فرحِمَه اللَّه ورضي عَنْهُ وكان عُرْيًا من العِلْم، بخلاف الشَّيْخ أبي البيان.
385- رَيْحان الحبشيّ [1] .
أبو مُحَمَّد، الزّاهد، الشّيعيّ [2] . كان بالدّيار المصريّة بعد الخمسين.
وكان من فُقهاء الإماميَّة الكِبار.
قال ابن أبي طيِّئ فِي «تاريخه» : كان مقيما بالقاهرة، وكان مَوْلَى الأمير سديد الدّولة ظَفَر الْمَصْرِيّ.
تفقّه على الشَّيْخ: الفقيه عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد العزيز بْن كامل الفقيه
__________
[1] انظر عن (ريحان الحبشي) في: الوافي بالوفيات 14/ 160 رقم 216، ولسان الميزان 2/ 469 رقم 1889، وطبقات أعلام الشيعة (الثقات العيون في سادس القرون) 108، وأمل الآمل 1/ 120 رقم 338، وأعيان الشيعة (الطبعة الجديدة) 7/ 39، 40.
[2] تحرّفت هذه النسبة في (لسان الميزان) إلى: «السبيعي» .(38/347)
الْمَصْرِيّ [1] ، وعليه تخرَّج، وقرأ عليه فِي سنة أربع وثلاثين وخمسمائة كتابا [2] . روى عن رَيْحان: سديد الدِّين شاذان بْن جبريل القُميّ.
وحكى لي أبي مذاكرة: كان الفقيه رَيْحان من أضبط النّاس، وكان يكرّر على «النهاية» [3] و «المقنعة» [4] و «الذّخيرة» [5] ، فقال: ما حفظت شيئا فنسيته.
وحدَّثني أبي عن القاضي الأسعد مُحَمَّد بْن عليّ الْمَصْرِيّ قال: كان الفقيه رَيْحان يصوم جميع الأيّام [المسنونة] [6] إلى صومها. وكان لا يأكل إلّا من طعام يعلم أصلَه. وكان إذا قُدّمت الغِلال التقط من الطُّرُقات حبّاتٍ من الشَعير والقمح، فيتقوَّت به وكان يزجر نفسه إذا احتاج. وكان لا يصلّي النّوافل مقابل أحدٍ، ويقول: الرّياء. وكان إذا علم أحدا يحبّ العِلْم قصده فِي بيته وعلّمه، ولا يأكل له شيئا. وإذا علم أنّ الطالب محتاجٌ، دخل له على الصّالح بن رزّيك، فيعلم ابن رزّيك [أنه] جاء في مثوبة فيقوم لذلك الرجل بجميع ما يحتاج إليه.
وكان لا يطأ له على بساط، ولا يزيده أكثر من السّلام في باب داره.
__________
[1] في طبقات أعلام الشيعة، يروي عن القاضي عبد العزيز بن أبي كامل الطرابلسي تلميذ الشيخ الطوسي في «إجازة صاحب المعالم- ص 104» .
وفي أعيان الشيعة: يروي عن عبد العزيز بن أبي كامل الكراجكي! هذا في بداية الترجمة، أما في وسطها فينقل عن العاملي في (أمل الأمل) قوله: يروي عن عبد العزيز بن أبي كامل، والكراجكي.
ويقول خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :
إن عبد العزيز بن أبي كامل يعرف بالطرابلسي، وهو تلميذ قاضي طرابلس عبد العزيز بن البراج، وتلميذ الطوسي، وسلّار، والكراجكي المتوفى سنة 449 هـ. بصور. انظر ترجمته ومصادرها في كتابنا: موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 2/ 212 رقم 547.
[2] في الأصل: «كتاب» ، ولم يذكر اسمه.
[3] للطوسي.
[4] للشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقّب بالمفيد.
[5] للسيد المرتضى.
[6] في الأصل بياض. والمثبت من: طبقات أعلام الشيعة.(38/348)
وكان ابن رزّيك [1] يبجّله ويعظّمه، ويقول: يقولون ما ساد من بني حام إلّا اثنان: لُقمان، وبلال، وأنا أقول: رَيْحان ثالثهم.
وقيل: إنّ رَيْحان هذا عبدٌ تفقَّه، ما نام إلّا جالسا، ولا جلس قَطّ إلّا على [رِجلَيه] [2] . وأنّه ما ذكر النّار. إلّا وأخذه دمعٌ منها. وكان سريع الدّمعة، كثير الحبّ لآل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خفيف الرَّفْض.
- حرف العين-
387-[عَبْد اللَّه] [3] بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن سَوْرة.
أبو مُحَمَّد التّميميّ، النَّيْسَابُوريّ، الدّلّال.
سمع: عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن الورّاق، ونصر اللَّه بْن مُحَمَّد الخُشْناميّ.
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم بن السّمعانيّ جزء الذّهليّ.
388-[عَبْد اللَّه] [4] بْن سَيّار بْن صاعد بْن سَيّار بْن يحيى.
الكتّانيّ القاضي أبو محفوظ الهَرَويّ. أخو القاضي أبي الفتح نصر بْن سَيّار كان يؤُثر الانفراد والعُزْلة.
سمع من جَدّه.
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم بْن السَّمْعانيّ.
389-[عبد الله] [5] بن طاهر بْن علي بْن مُحَمَّد بْن علي بْن فارس.
أبو المظفر بْن أبي المعالي البغداديّ، الخيّاط، التّاجر.
خرج عن بغداد قديما، ودخل خُرَاسَان، والهند، وسكن لوهور، ووُلِد له بها، ثُمَّ كان يتردّد إليها.
__________
[1] تحرّف في لسان الميزان إلى: «ابن دريك» .
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض.
[4] في الأصل بياض.
[5] في الأصل بياض.(38/349)
وحدَّث عن: ثابت بْن بُنْدَار، وجعفر السّرّاج، وحسين بن البسريّ، وأبي بكر الطّريثيثيّ، وأبي غالب الباقلّانيّ، وتمّام البرجيّ، وأبي عليّ الحدّاد، وأبي بكر الشّيروييّ.
قال ابن السّمعانيّ: هو شيخ، عالم، فاضل، حسن السّيرة، متواضع، له لسنة بالحديث، يحفظ الأجزاء والكتب التي سمعها، والطرق وأسماء شيوخه. وكان ثقة مكثرا، حدُّث بمرو، وبَلْخ.
روى عَنْهُ: ابن السَّمْعانيّ، وابنه عَبْد الرحيم.
ووُلِد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
390-[عَبْد اللَّه] [1] بْن مُحَمَّد بْن المظفَّر بْن المتولّي.
أبو مُحَمَّد البَغَوَيّ، البنّاء، الفقيه.
قال ابن السَّمْعانيّ: وُلِدَ ببَغْشُوار سنة تسعٍ وسبعين وأربعمائة وكان فقيها، مُفْتيًا، ذكيّا. تفقَّه على محيي السّنّة أبي محمد البغويّ، وولي قضاء بغشور مدَّة.
وسمع بنَيْسَابور: الْعَبَّاس بْن أَحْمَد الشّقانيّ، وأبا بَكْر الشِّيرُوييّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: أبو المظفَّر عَبْد الرحيم.
391-[عَبْد الرَّحْمَن] [2] بْن أبي نصر بْن مُحَمَّد بْن أبي نصر.
أبو أَحْمَد البَغَوَيّ، شيخ الصُّوفيَّة ببغداد.
شيخ صالح، جواد، وسخيّ، يخدم الفقراء.
سمع: عُمَر بْن أحمد بن محمد البغويّ.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض.(38/350)
روى عنه: عبد الرحيم بن السمعاني وقال: ولد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
391-[عَبْد الرشيد] [1] بْن أبي حنيفة النُّعمان بْن عَبْد الرّزّاق بْن عَبْد الملك.
الْإِمَام أبو الفتح الوَلْوَالِجِيّ [2] .
إمام فاضل، حَسَن السّيرة.
سمع ببلْخ: أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخليليّ، ومحمد بْن الْحُسَيْن السِّمِنْجانيّ [3] ، وببُخَارَى: أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن [4] النَّسَفيَ، وأحمد بْن أبي سهل [5] ، وأبا المعين المكحوليّ واسمه ميمون.
وبسَمَرْقَنْد. مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أيّوب التُّطْوانيّ [6] .
قال عَبْد الرحيم بْن السَّمْعانيّ: لقِيتُه بتُطْوان وسمعت منه. ومولده بولوالج سنة سبع وستّين وأربعمائة [7] .
393-[....] [8] بْن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن مَنْدُوَيْه.
أبو القَاسِم الأصبهانيّ، الضّرير.
__________
[1] في الأصل بياض، والمثبت عن: معجم البلدان 5/ 384.
[2] الولوالجيّ: بالفتح ثم السكون، وكسر اللام، والجيم. نسبة إلى ولوالج، بلد من أعمال بذخشان خلف بلخ وطخارستان.
[3] السّمنجاني: بكسر السين والميم، وسكون النون، وجيم نسبة إلى سمنجان: بليدة من طخارستان وراء بلخ، وهي بين بلخ وبغلان. (الأنساب 7/ 150) .
[4] في الأصل: «الحسين» والتحرير من (معجم البلدان) .
[5] في معجم البلدان: وأحمد بن سهل العتابي.
[6] لم أجد هذه النسبة.
[7] قال ياقوت: ولا أدري متى مات، إلّا أنّ السمعاني رحمه الله، روى عنه. وكان سكن كش مدّة ثم انتقل إلى سمرقند.
[8] في الأصل بياض.(38/351)
سمع: أَبَاهُ، وأبا بَكْر بْن ماجة، ورزق اللَّه.
وعنه: السَّمْعانيّ، وقال: كان حيّا فِي سنة خمسٍ وأربعين.
394-[....] [1] بْن عَبْد الْجَبَّار بْن ناصر.
أبو الفتح الهَرَويّ، القوّاس.
شيخ، صالح، مستور.
سمع: أَبَا عَبْد اللَّه العُمَيْريّ.
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم بْن السَّمْعانيّ، وغيره.
395-[....] [2] بْن عبد العزيز بْن مُحَمَّد بْن شداد.
أبو بَكْر المَعافِريّ الأندلسيّ، الشُّوذَرِيّ.
وشَوْذَر من عمل جَيّان.
أخذ عن: شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن أبي الخصال، وجماعة.
وكان أديبا، كاتبا، بليغا، مفوّها، شاعرا.
قال الأَبَّار: تُوُفّي فِي حدود الخمسين وخمسمائة.
396-[....] [3] بْن عليّ بْن الْحَسَن.
الرئيس أبو الفتح العَلوَيّ، النَّيْسَابُوريّ، شيخ، عالم، عابد، راغبٌ فِي الخير، عفيف.
سمع: إِسْمَاعِيل بْن زاهر النَّوْقَانيّ، وأبا عَدِيّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ الأَبِيوَرْدِيّ.
روى عنه: عبد الرحيم بن السّمعانيّ.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض.(38/352)
397-[....] [1] بْن أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد.
أبو القاسم الأصبهانيّ، الشّرابيّ، الخبّاز، النّشاستجيّ [2] .
سمع: رزقَ اللَّه التّميميّ، وغيره.
وأجاز لابن اللَّتّيّ فِي سنة تسعٍ وخمسين.
398-[....] [3] بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد.
أبو عليّ الهَرَويّ، البَنَاذَانيّ، وبناذان: من قُرى هَرَاة.
وهو أخو أَمَة اللَّه، وأمَة الرَّحْمَن.
شيخ مستور، سمع: نجيب بْن ميمون الواسطيّ.
روى عَنْهُ: عبد الرحيم.
399-[عَبْد الوهّاب] [4] بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَسْنُونَ النَّرْسِيّ.
أبو الفضل البغداديّ. تاجر متميّز، صاحب صَدَقات وديانة.
سمع: أخاه أَحْمَد، وأبا الْحَسَن العلّاف، وابن بدران الحلوانيّ.
وحدَّث بِسَمَرْقَنْد «بمقامات الحريريّ» بسماعه بقوله من مصنّفها [5] .
سمعها عَنْهُ عَبْد الرحيم [6] .
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] النّشاستجيّ: بفتح النون والشين المعجمة بعدها الألف ثم السين المهملة والتاء المفتوحة ثالث الحروف وفي آخرها الجيم. هذه النسبة إلى النّشاستج، وهو شيء يؤخذ من الحنطة ويقال له: النّشا. والنسبة إليه: نشائي ونشاستجي. (الأنساب 12/ 84) .
[3] في الأصل بياض.
[4] في الأصل بياض، والمثبت من: الأنساب 12/ 70، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/ 412- 414 رقم 245.
[5] وقال ابن السمعاني: شيخ سديد السيرة، لقيته ببلخ ثم بسمرقند، وسمعت منه كتاب «المقامات» لأبي محمد القاسم بن علي الحريري بروايته عن منشئها، ثم لقيته ببخارى وسألته عن النرس، فقال: سمعت أنها قرية بقارس.
[6] وقال ابن النجار: ولم يكن معه شيء من الحديث فيحدّث به.(38/353)
400-[....] [1] بْن عليّ بْن مَنْصُور.
الْإِمَام أبو بَكْر المَرْوَزِيّ، الغازي، المقرئ، فقيه فاضل، مقرئ، كامل، ورِع، قانع، مقلّ. له تصانيف فِي القراءات، والحساب، ومنازل القمر.
سمع: أَبَا المظفَّر مَنْصُور بْن السَّمْعانيّ، وأبا الفتح عُبَيْد اللَّه الخُشْناميّ، وغير واحد.
روى عَنْهُ: ابن السَّمْعانيّ، وولده عَبْد الرحيم.
401-[....] [2] بْن عطاء المُلْك بْن عَبْد الْجَبَّار بْن أبي طاهر.
أبو المعالي السَّمَرْقَنْديّ، الخطيب، النَّحْويّ.
سمع: أَبَاهُ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد البلديّ، وأبا القَاسِم عُبَيْد اللَّه الكُشَانيّ، وأبا الْحَسَن الخرّاط.
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم.
__________
[ () ] وأنشد عبد الوهاب بسمرقند مما أنشده الحريري:
إذا ما حويت جنى نخلة ... فلا تقربنّها إلى قابل
وإما سقطت على بيدر ... فحوصل من السنبل الحاصل
ولا تلبثن إذا ما لقطت ... فتنشب في كفة الحابل
ولا توغلن إذا ما سبحت ... فإنّ السلامة في الساحل
وخاطب بهات وجاوب بسوف ... وبع آجلا منك بالعاجل
ولا تكثرن على صاحب ... فما ملّ قطّ سوى الواصل
وقال ابن السمعاني: سألته عن مولده فقال: بباب المراتب في سابع عشر ربيع الأول سنة ست وتسعين وأربعمائة، وقال لي: أصلنا من فارس من نرس، قرية بفارس، سمع شيخنا أبو المظفر ابن السمعاني المقامات من ابن النرسي في سنة تسع وأربعين أو ست وخمسين وخمسمائة بسمرقند وأظنه توفي هناك. (ذيل تاريخ بغداد) .
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض.(38/354)
402-[عثمان] [1] بْن عليّ بْن عثمان.
أبو عَمْرو بْن الْإِمَام الأندلسيّ، الشِّلْبيّ [2] ، نزيل إشبيلية.
سمع مِن: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم العامريّ، وأبي عبد الله بن مكي، وأبي بكر بْن العربيّ، وجماعة.
وكان أديبا بارعا، بليغ القَلَم واللّسان، كاتبا، كامِلًا، وشاعِرًا محسِنًا.
له مصنَّف فِي شعراء عصره [3] .
تُوُفّي بعد الخمسين.
403- عليّ بْن طويل بْن أَحْمَد بْن طويل.
الشَّيْخ أبو الْحَسَن بْن بيضا القَيْسيّ الفاسيّ. من ذوي الهيئة والشّارة والصّيانة.
تفقَّه وبرع، وقرأ «الملخّص» سنة خمسٍ وسبعين على مُحَمَّد بْن عليّ الْأَزْدِيّ.
وسمع بالأندلس من عَبْد اللَّه بْن أبي جَعْفَر، وغيره.
حدُّث عَنْهُ: ولده أبو الْحُسَيْن يحيى، ومحمد بْن رساحة القرويّ.
قال ابن فَرْتُون: مات فِي عَشْر السّتّين وخمسمائة.
__________
[1] في الأصل بياض. والمثبت من: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 833 أ، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة للمراكشي ج 5 ق 1/ 135 رقم 372.
[2] الشّلبي: بكسر الشين المعجمة، وسكون اللام، وآخره باء موحّدة. قال ياقوت: هكذا سمعت جماعة من أهل الأندلس يتلفظون بها، وقد وجدت بخط بعض أدبائها: شلب: بفتح الشين، وهي مدينة بغربيّ الأندلس بينها وبين باجة ثلاثة أيام، وهي غربي قرطبة، وهي قاعدة ولاية أشكونية. (معجم البلدان 3/ 357) .
[3] قيل هو على منحى «المطمح» (أي مطمح الأنفس) ، و «قلائد العقيان» لابن خاقان. وسمّاه:
«سمط الجمان وسقط الأذهان» دلّ به على حسن إنشائه وجودة انتقائه.(38/355)
404- عليّ بْن مُحَمَّد بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن حمزة [1] .
أبو الْحَسَن الأصبهانيّ، الفِلَكيّ [2] ، الخطّاط.
شيخ صالح متميّز. سمع «الحلية» ، و «مسند أَحْمَد» ، من أبي عليّ الحدّاد.
قال عَبْد الرحيم بْن السَّمْعانيّ: سَمِعت منه جميع «الحلية» الأولى بسمرقند وولد في حدود تسعين وأربعمائة [3] .
405- عُمَر بْن أبي بَكْر بْن عثمان بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد.
أبو حفص البَزْدَوِيّ [4] ، الشيْخيّ [5] ، الصّابونيّ، أخو مُحَمَّد.
سكن بُخَارى، وسمع: أَبَا محمد عبد الواحد الزّبيريّ الوركيّ [6] ،
__________
[1] انظر عن (علي بن محمد الفلكي) في: الأنساب 9/ 330، 331، والتحبير 1/ 580، والإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب: الفلكي والفلكي، والمشتبه في الرجال 2/ 510، وتوضيح المشتبه 7/ 116، وتبصير المنتبه 3/ 1111، وتاج العروس 7/ 170.
[2] الفلكي: بكسر الفاء وفتح اللام وفي آخرها الكاف. هذه النسبة إلى الفلك وهي جمع فلكة وهي التي تعمل في المغازل.
[3] وقال أبو سعد: شيخ صالح سديد السيرة، حافظ القرآن، كثير التلاوة، حسن الخط، كثير الخير. قدم علينا سمرقند سنة خمسين وخمسمائة، وذكر لي أنه سمع كتاب «الحلية» لأبي نعيم الحافظ عن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد عنه، وقال: سمعت كتاب المعجم الصغير لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني بروايته عن أبي علي الحدّاد، عن أبي بكر بن ريدة، عن الطبراني، وقرأت أكثر الكتابين عليه وسمعت الباقي منه وإن لم يكن له أصل مثبت سماعه فيه ولكن محلّه الصدق، وقرأنا عليه بقوله. وكان سمع معي الحديث بمكة في سنة أربع وثلاثين من بلديّه أبي سعد البغدادي، وسمعت بعد ذلك أنه عاد من سمرقند على طريق خوارزم إلى وطنه أصبهان. (الأنساب) .
وفي (التحبير 1/ 581) : وكانت ولادته بأصبهان في حدود سنة تسع وثمانين وأربعمائة.
وقال ابن ناصر الدين الدمشقيّ: توفي بسمرقند سنة خمسين وخمسمائة عن ستين سنة.
(توضيح المشتبه) .
[4] البزدوي: بفتح الباء وسكون الزاي وفتح الدال المهملة. نسبة إلى بزدة، ويقال: بزدوة. قلعة حصينة على ستة فراسخ من نسف.
[5] في الأصل: «الشيحي» بالحاء المهملة، والأرجح كما أثبتناه بالخاء المعجمة.
[6] لم أجد هذه النسبة.(38/356)
وأبا صادق أَحْمَد بْن الْحُسَيْن، وأبا اليُسْر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد البَزْدَوِيّ.
ووُلِد سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائة.
روى عنه: ابن السمعاني، وابنه عبد الرحيم، وغيرهما.
406- عمر بن الفضل بْن أَحْمَد.
أبو ألوفا بْن مميَّز الأصبهانيّ.
شيخ صالح، سديد.
سمع بإفادة أخيه أَحْمَد من رزق اللَّه التّميميّ، وغيره.
وعُمّر حَتَّى حدُّث بالكثير.
روى عَنْهُ: أبو سَعْد السَّمْعانيّ، وغيره.
- حرف القاف-
407-[القَاسِم] [1] بْن مُحَمَّد بْن مبارك.
أبو مُحَمَّد بْن الحاجّ الأُمويّ، الزّقّاق [2] .
أخذ القراءات بالأندلس عن: شُرَيْح بْن مُحَمَّد، ومنصور بْن الخير.
وروى عَنْ: أبي عَبْد اللَّه الخَوْلانيّ، وجماعة.
ونزل مدينة فاس. وتصدَّر للإقراء، وأخذ النّاس عَنْهُ.
أخذ عَنْهُ: ابن خَرُوف، وَهُذَيْلُ بْن مُحَمَّد، وأبو الصَّبْر أيّوب بْن عَبْد اللَّه.
وتوفّي في سلا في حدود السّتّين وخمسمائة.
408-[....] [3] بْن سَعِيد بْن الفضل.
أبو الفضل الخِرَقيّ، المفتاحيّ، التّاجر.
__________
[1] في الأصل بياض. والمثبت من: غاية النهاية 2/ 24 رقم 2605.
[2] في الأصل: «الرقاق» بالراء. والتحرير من: غاية النهاية.
[3] في الأصل بياض.(38/357)
رَجُل خيّر من أهل نَيْسابور.
سمع: أَبَا الْحَسَن عليّ بْن أَحْمَد المَدِينيّ، وغيره.
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم السَّمْعانيّ.
409-[....] [1] بْن سَعِيد الأصبهانيّ المَغَازِليّ.
سمع: رزق اللَّه التّميميّ، وغيره.
روى عَنْهُ: شيوخ ابن الْبُخَارِيّ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أبي بَكْر، وعمر بْن أبي الحَنَش الفصّال، وأبو بَكْر شَيْبان بْن الْحُسَيْن الكيمختيّ [2] الأصبهانيّون، وغيرهم.
410- قُر [....] [3] بْن طُنْطَاش.
أبو صالح الظَّفَريّ، البغداديّ.
شيخ صُعْلُوك، وهو رأس طبقة البغداديّين فِي لعب الشّطرنج.
سمع: أَبَا الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ، وهبة اللَّه المَوْصِليّ، وابن بَيَان.
كتب عَنْهُ: أبو سَعْد السَّمْعانيّ، وقال له إنّه ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة.
411-[....] [4] بن علي بن محمد بن عمر.
أبو مطيع الباغْبَان [5] ، الخبّاز.
شيخ صالح.
سمع: أَبَا مطيع، وغيره.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] لم أجد هذه النسبة.
[3] في الأصل بياض.
[4] في الأصل بياض.
[5] الباغبان: بفتح الباء الموحّدة وسكون الغين المعجمة وباء أخرى في آخرها النون. هذه النسبة إلى حفظ الباغ وهو البستان. (الأنساب 2/ 44) .(38/358)
وأجاز من أصبهان لعبد الرحيم بْن السَّمْعانيّ.
- حرف الميم-
412-[مُحَمَّد] [1] بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن.
أبو عَبْد اللَّه بْن الصَّيْقَلِ الفِهْريّ، المُرسيّ، الملقّب: أَبَا هُرَيْرَةَ [....] [2] الآثار.
سمع: أَبَا مُحَمَّد بْن أبي جَعْفَر، وأبا الوليد بْن الدّبّاغ.
وأجاز له جماعة.
روى عَنْهُ: أبو بَكْر بْن سُفْيَان، وغيره.
413-[محمد] [3] بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن المنخّل.
أبو بَكْر المِهْريّ الأديب الشِّلْبيّ [4] .
أحد الشُّعراء المجوِّدين. كان يعرف عِلم الكلام.
روى عَنْهُ من ديوانه عَبْد الله بن أحمد الشّلبيّ. فمن شِعره:
مضت لي ستٌ بعد سبعين حَجَّةٍ ... ولي حَرَكَاتٌ بعدها وسُكُونُ
فيا لَيْتَ شِعْري أَيْنَ، أو كيف، أو مَتَى ... يكون الَّذِي لا بدّ أن سيكونُ؟
414-[مُحَمَّد] [5] بْن الْحَسَن بْن محمود.
أبو جَعْفَر المَرْوَزِيّ، البيّع، صاحب أموال كثيرة ذهبت فِي نهب مَرْو وفي المصادرة. وكان ديِّنًا خيّرا.
سمع ببغداد من: أبي القَاسِم بْن بيان.
__________
[1] في الأصل بياض، والمرجح ما أثبتناه.
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض، والمرجح ما أثبتناه.
[4] الشّلبي: بكسر الشين المعجمة وسكون اللام، نسبة إلى شلب. وقد تقدّم قبل قليل.
[5] في الأصل بياض. والمرجح ما أثبتناه انسجاما مع سياق التراجم.(38/359)
روى عنه: عبد الرحيم بن السمعاني وقال: قال: وزنت لابن بيان دينارا أحمر حَتَّى سمعت منه. يعني «جزء ابن عَرَفَة» .
وُلِدَ سنة أربع وثمانين.
415- مُحَمَّد بْن عَبْد الحق بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الحقّ [1] .
أبو عَبْد اللَّه الخَزْرَجي، القُرَيْشيّ.
سمع: أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الفَرَج مَوْلَى ابن الطّلّاع، وأكثر عَنْهُ.
وعُنِي بالفِقْه، وطال عُمره، وعلا سَنْدهُ. وسمع فِي الكُهُولَةِ من أبي محمد ابن عتّاب، وغيره.
روى عَنْهُ: ابنه القاضي أبو مُحَمَّد عَبْد الحقّ، وغيره.
وآخر من روى عَنْهُ: أبو القَاسِم أَحْمَد بْن بَقِيّ سمع منه «الموطّأ» ، وأجاز له.
وتُوُفيّ قريبا [2] من سنة ستّين وخمسمائة.
وقد أجاز لنا عبد الله بن هارون الطّائيّ سنة سبعمائة من المغرب. قال:
ثنا حمْد بْن بَقِيّ «بالموطّأ» ، نا مُحَمَّد بْن عَبْد الحقّ، أَنَا ابن الطّلّاع، وهذا أعلى [3] ما يوجد من الرّوايات بالمغرب.
416-[مُحَمَّد] [4] بْن عَبْد الحميد بْن الحسين.
العلّامة أبو الفتح الأسمنديّ [5] ، السمرقنديّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الحق) في: سير أعلام النبلاء 20/ 420، 421 رقم 278، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1807، والنجوم الزاهرة 5/ 561، وشذرات الذهب 4/ 198.
[2] في الأصل: «قريب» .
[3] في الأصل: «أعلا» .
[4] في الأصل بياض، والمثبت عن: الأنساب 1/ 255، 256، ومعجم البلدان 1/ 189.
[5] الأسمندي: بضم الألف وسكون السين المهملة وفتح الميم وسكون النون وفي آخرها الدال المهملة. هذه النسبة إلى أسمند، وهي قرية من قرى سمرقند.(38/360)
ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وسمع الحديث من: عليّ بْن عثمان [1] الخرّاط، وأُسمند من قرى سَمَرْقَنْد.
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم بْن السَّمْعانيّ وقال: كان إماما مناظِرًا، له الباع الطَوِيلُ فِي عِلْم الْجَدَل، وصنَّف التّصانيف فِي عِلم الخلاف، وشاعت تصانيفه فِي البلدان [2] .
417- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حمدان [3] .
أبو سَعِيد، وأبو عَبْد اللَّه الجاوانيّ، الحِلَّويّ [4] ، العراقيّ.
وجاوان: قبيلةٌ من الأكراد سكنوا الحِلَّة.
قَدِمَ بغدادَ فِي الصّبى، وتفقّه بها على: أبي حامد الغَزَاليّ، وإلْكِيا الهَرّاسيّ حتّى برع وتميَّز.
وسمع من: الحُمَيْديّ، وأبي سَعْد عَبْد الواحد بْن القُشَيْريّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن المظفَّر الشّاميّ القاضي، وجماعة.
وقرأ «المقامات» على الحريريّ. وكان إماما مناظرا. شرح كتاب
__________
[1] في الأنساب 1/ 256 «علي بن عمر» .
[2] وقال ابن السمعاني: كان فقيها فاضلا، ومناظرا فحلا، تفقّه على السيد الإمام أشرف العلويّ، وكانت له عبارة حسنة، وصنّف تصنيفا في الخلاف، سمع أبا الحسن علي بن عمر الخراط، لقيته بسمرقند غير مرة، وقال لي: وردت مرو قاصدا إلى الأرسابندي ولم يكن حاضرا فحضرت درس والدك، رحمه الله، وعلّقت عنه مسألة بيع اللحم بالشاة، وانصرفت من مرو، ولم أسمع منه شيئا من الحديث لأنه كان متظاهرا بشرب الخمر، وسمع ولدي أبو المظفّر منه أحاديث، ولما وافى مرو منصرفا من الحجاز والحج والزيادة سنة ثلاث وخمسين قرأت عليه أحاديث بقرية سيد على طرف البرّية.
[3] انظر عن (محمد بن عليّ بن عبد الله) في: الوافي بالوفيات 4/ 155 رقم 1688، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 88، وبغية الوعاة 182، 183 رقم 206، وكشف الظنون 342، 825، 927، 1187، 1255، 1256، 1667، 1941، وإيضاح المكنون 1/ 484 و 2/ 134 و 595، وهدية العارفين 2/ 95، والأعلام 7/ 166، ومعجم المؤلفين 11/ 23، وتكملة تاريخ الأدب العربيّ 1/ 493.
[4] الحلّويّ: بكسر الحاء وتشديد اللام وواو. ويقال: الحليّ. من غير واو نسبة إلى الحلّة.(38/361)
«المقامات» ، وله كتاب «عيون الشَّعْر» ، وكتاب «الفرق بين الرّاء والغَيْن» .
وحدَّث بإربل، والمَوْصِل، وسكن البَوَازِيج [1] .
وحدّث ببغداد قديما بكتاب: «إلجام العوام» للغزاليّ.
وحدّث عنه قاضي أسيوط أبو البركات محمد بن عليّ الأنصاريّ، وقال: أنبا شيخنا الْإِمَام رَضِيّ الدِّين الجاوانيّ بالمَوْصِل فِي رجب سنة تسع وخمسين وخمسمائة قال: أَنَا أبو سَعْد القُشَيْريّ قراءة عليه ببغداد.
وقال ابن النّجّار: أَخْبَرَنَا الشّهاب المزكّي، أَخْبَرَنَا أبو سَعْد بْن السَّمْعانيّ، أنشدني أبو الفوارس الحسن بن عبد الله بن شافع الدّمشقيّ بمَرْو:
أنشدني أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عليّ العراقيّ لنفسه بإربل:
دعَاني مَن مَلامِكُمَا دَعاني ... فداعي الحبِّ للبَلْوَى دعاني
أجاب له الفؤاد وَنَوْمُ عيني ... وسارا فِي الرّفَاق وودّعاني [2]
فَطَر فِي ساهِرٌ فِي طُولِ ليلي ... وقلبي في يد الأشواق عاني
فكيف يصيخ للعُذّال سمعي ... ولا عقلي لديَّ ولا جَنَاني؟ [3]
وقد قرأ عليه أبو سَعْد أَحْمَد بْن إبراهيم المؤدّب «مقامات الحريري»
__________
[1] البوازيج: بعد الزاي ياء ساكنة، وجيم. بلد قرب تكريت على فم الزأب الأسفل حيث يصبّ في دجلة، ويقال لها: بوازيج الملك، وهي من أعمال الموصل (معجم البلدان 1/ 503) .
[2] البيتان في: الوافي بالوفيات 4/ 55 أوبغية الوعاة 1/ 182.
[3] ومن شعره مما أورده العماد:
أفديك بالعين الصحيحة ... فالمريضة لا تساوي
إني أقيكم بالمحاسن ... لا أقيكم بالمساوي
(الوافي بالوفيات) .
وله:
عباد الله أقوام كرام ... بهم للخلق والدنيا نظام
أحبّوا الله ربّهم فكلّ ... له قلب كئيب مستهام
سقاهم ربّهم بكئوس أنس ... فلذّ لهم برؤيته المقام
(بغية الوعاة) .(38/362)
بإربل فِي سنة إحدى وخمسين، وبقي إلى قريب السّتّين، وعاش اثنتين وتسعين سنة [1] .
418- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العاص [2] .
النّفْزيّ [3] ، الأستاذ، أبو عَبْد اللَّه الشّاطبيّ، ويُعرف ببلده بابن اللايُه بتفْخيم اللّام وضمّ الياء، ثمّ هاء ساكنة، المقرئ الضّرير.
__________
[1] وقد أورده ابن المستوفي في (تاريخ إربل) في الجزء الّذي لم يصلنا، وفيه: إمام عالم بالنحو والفقه، له كتب مصنّفة، شرح المقامات، وكان أخذها عن مؤلّفها. وله «الذخيرة لأهل البصيرة» ، و «البيان لشرح الكلمات المنتظم في سلوك الأدوات» ، لم يذكر فيه من النحو طائلا، و «مسائل الامتحان» ذكر فيه العويص من النحو. وله فصول وعظ ورسائل.
أقام بإربل، ورحل إلى بلاد العجم، ومات في خفتيان، وحمل فدفن بالبوازيج. وكان سمع من محمد بن الحسين البرصي، وسمع منه أبو المظفّر بن طاهر الخزاعي. قال- أعني أبو المظفر-: وحدّثني في ذي الحجة سنة ست وخمسمائة أنه سمع تفسير الكلبي، عن ابن عباس، على أبي علي القطيعي. (بغية الوعاة) .
وجاء في المطبوع من (تاريخ إربل 1/ 86) في ترجمة عتيق بن علي بن علوي، رقم 24:
«وسمع عتيق بن علي بن علوي محمد بن علي الحلّي العراقي الواعظ، وجدت ذلك بخط الحلّي، وحكايته: قرأ عليّ الخطب المعروفة ببني نباتة- رحمهم الله- من هذا الكتاب وغيره، صاحبه القاضي، - وذكر ألقابا تركت ذكرها- أبو بكر عتيق بن علي ابن علوي الإربلي، وأذنت له أن يرويها عنّي مع ما شرحت له من غريب فيها سألني عنه، بروايتي عن الشيخ الإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن الحسن القيسي القطيعي، بروايته عن أبيه- وكانا من المعمّرين- برواية أبيه عن الإمام عبد الرحيم بن نباتة وابنه أبي طاهر- رحمهما الله- وكتب العبد المذنب محمد بن علي الحلّوي العراقي في سلخ جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وخمسمائة» .
وذكر ابن المستوفي اثنين ممن أخذوا عنه:
1- أبو محمد عبد الكريم بن أحمد بن محمد البوازيجي، المتوفى سنة 611 هـ. (تاريخ إربل 1/ 364 رقم 259) .
2- أبو مسعود سعد بن عبد العزيز الضرير المقرئ البوازيجي. (تاريخ إربل 1/ 374 رقم 279) وقد أرّخ بعضهم وفاته بسنة 561 هـ.
[2] في الأصل: «بن أبي القاضي» ، والمثبت من: غاية النهاية 1/ 124 رقم 577 و 2/ 204/ رقم 3663.
[3] النّفزي: بالكسر ثم السكون، وزاي، وبعد الألف واو مفتوحة. نسبة إلى نفزاوة: مدينة من أعمال إفريقية.
وقد تحرّفت إلى «النفري» بالراء في: غاية النهاية 1/ 124.(38/363)
أخذ القراءات عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن غلام الفَرَس الدّانيّ. وتصدَّر للإقراء مدَّة.
أخذ عَنْهُ القراءات: أبو القَاسِم الرُّعَيْنيّ، الشّاطبيّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عبد العزيز بْن سعادة، والقاضي أبو بَكْر بْن مُفَوَّز مع تقدُّمه.
وكان موصوفا بالإتقان والدّيانة.
قال شيخنا أبو حَيّان: كان حيّا فِي سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وهو والد المقرئ أبي جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد [1] ، وهو الَّذِي خَلَفَ أَبَاهُ أَبَا عَبْد اللَّه فِي الإقراء رحمة [2] اللَّه عليهم.
419- مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن عليّ.
الأديب، أبو الفضل الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الخالديّ، الإشتيخنيّ [3] السّغديّ [4] ، السَّمَرْقَنْديّ.
كان أديبا، نَحْويًا، بارعا، صالحا، خيّرا، سريع الدّمعة، كتب بنفسه أمالي أئمَّة سَمَرْقَنْد، واختصّ بالإمام مسعود بن الحسين الكشانيّ [5] ، وعليه تفقَّه. وسمع منه، ومن: عليّ بْن عثمان الخرّاط، ومحمود بْن مَسْعُود الشُّعَيْبيّ، [6] ، وجماعة كثيرة.
__________
[1] غاية النهاية 1/ 124 رقم 577.
[2] في الأصل: «رحمت» .
[3] الإشتيخنيّ: بكسر الألف وسكون الشين المعجمة وكسر التاء المنقوطة بنقطتين من فوقها بعدها ياء معجمة بنقطتين من تحتها ساكنة وفتح الخاء المنقوطة وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى إشتيخن وهي قرية من قرى السغد بسمرقند على سبعة فراسخ منها. (الأنساب 1/ 268) .
[4] السّغدي: بضم السين المهملة، وسكون الغين المعجمة، وفي آخرها الدال المهملة. نسبة إلى السّغد، ناحية من نواحي سمرقند. (الأنساب 7/ 86) .
[5] الكشاني: بضم الكاف والشين المعجمة وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى كشانية، وهي بلدة من بلاد السّغد بنواحي سمرقند.
[6] الشعيبي: بضم الشين المعجمة، وفتح العين المهملة، وسكون الياء بعدها الباء المنقوطة بواحدة. هذه النسبة إلى الجدّ، وهو «شعيب» .(38/364)
وكان مولده بإشتِيخن فِي سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة.
ومات الخرّاط فِي سنة عَشْر، ومات الشّعيبيّ سنة أربعِ عشرة.
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم بْن السَّمْعانيّ.
420- مُحَمَّد بْن أبي القَاسِم بْن محمد الأصبهانيّ.
روى «جزء لوين» عن: أبي عِيسَى بْن زياد، وعن أبي بَكْر بْن ماجة الأَبْهَريّ.
روى عَنْهُ: جامع بْن إِسْمَاعِيل، عُرف ببالَهْ، والأمير أبو المعالي، وابنه غانم بْن أبي المعالي بْن حيدر الْحُسَيْنيّ، ومحمد بْن أبي الفتوح السُّوذَرْجَانيّ [1] ، ومحمد بن أميرك بْن حَسَن الصَّيْرَفيّ، والوجيه مُحَمَّد بْن أبي رشيد بن عبد المطّلب الضرّاب، الْبَصْرِيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن أبي نصر البقّال، وسُفْيان بْن إِبْرَاهِيم بْن مَنْدَهْ، وآخرون.
وكان أديبا نبيلا. كنيته أبو بَكْر الصّالحانيّ [2] .
421- مُحَمَّد بْن الفضل بْن مُحَمَّد بْن مَنْصُور [3] .
العلّامة، أبو طاهر البُرْجيّ [4] ، الأصبهانيّ، العَرُوضيّ، إمام مُنَاظِر، فحل، صاحب فُنون.
سمع: أَبَا المطيع الْمَصْرِيّ، ومكّيّ بْن مَنْصُور الكرجيّ، وجماعة.
عظّمه السَّمْعانيّ، وأخذ عَنْهُ ببلْخ وببُخارَى فِي سنة إحدى وخمسين، ثُمَّ دخل بلاد التُّرْك.
__________
[1] السّوذرجاني: بضم السين المهملة، والذال المفتوحة المعجمة، وسكون الراء، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى سوذرجان، وهي من قرى أصبهان. (الأنساب 7/ 185) .
[2] الصّالحاني: بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفتح الحاء المهملة، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى «صالحان» وهي محلّة كبيرة بأصبهان. (الأنساب 8/ 12) .
[3] انظر عن (محمد بن الفضل) في: الأنساب 2/ 133.
[4] البرجي: بضم الباء المعجمة بنقطة وسكون الراء المهملة وفي آخرها الجيم. هذه النسبة إلى قرية برج وهي من قرى أصبهان.(38/365)
422- مُحَمَّد بْن المُجَلَّى بْن الصّانع [1] .
أبو المؤيَّد الْجَزَري، الطّبيب، المعروف بالعَنْتَريّ. عُرِف بذلك لأنّه كان فِي أوّل أمره يكتب سيرة عَنْتَرة العَبْسيّ.
قال ابن أبي أُصَيْبعة [2] : كان طبيبا مشهورا، وعالما مذكورا حَسَن المعالجة والتّدبير، فيلسوفا، متميّزا فِي عِلم الأدب، شاعرا.
روى السّديد محمود بن عمر بن رقيقة الطّبيب، عن الحكيم مؤيَّد الدِّين بْن العَنْتريّ، عن أبيه، له هذه الأبيات:
احفظ بُنيَّ وصِيّتي واعملْ بها ... فالطِّبُّ مجموعُ بعضِ كلامي
فدم على طِبِّ المريضِ عناية ... فِي حفْظِ قُوَّته مع الأيّام
بالشّبه تحفظ صحَّة موجودة ... والصّدفيَّة شفاءُ كلِّ سقامِ
أقْلِلْ نِكاحَكَ ما استطعتَ فإنّه ... ماء الحياةِ يُراقُ فِي الأرحامِ
واجعلْ طعامَكَ كلَّ يَوْمٍ مرَّةً ... وَاحْذَرْ طعاما قبل هضْم طعامِ
لا تحقر الْمَرَضَ اليسيرَ فإنّه ... كالنّار تُصبحُ وهي ذاتُ ضِرامَ
لا تَهْجُرَنّ القَيْء واهجُرْ كلّما ... كيموسه سبّب لي الأسقامَ
إنَّ الحمّى عَوْنُ الطّبيعة مسعد ... شافِ من الأمراضِ والآلامِ
لا تَشْرَبَنَّ بعقِبِ أَكْلٍ عاجِلًا ... أو تأكُلَنَّ بعقِب شُربِ مُدام
إيّاكَ تلْزَمْ أكْلَ شيءٍ واحدٍ ... فيقود طبعك للأذى بزِمامِ [3]
في أبيات أخر، وهي تنسب أيضا إلى الرئيس ابن سينا، وتنسب إلى المختار بن بطلان.
__________
[1] انظر عن (محمد بن المجلّى) في: الوافي بالوفيات 4/ 384- 386 رقم 1942، وعيون الأنباء 1/ 290- 297، وإيضاح المكنون 1/ 562 و 2/ 270، 286، 687، وهدية العارفين 20/ 100، ومعجم المؤلفين 11/ 173.
[2] في عيون الأنباء.
[3] عيون الأنباء، وفي الوافي بالوفيات 4/ 385 البيت الرابع فقط.(38/366)
قال ابن أبي أُصَيْبَعة [1] : والصّحيح أنّها للعنْتَري.
وله:
من لزم الصّمت اكتسى هيبة ... تخفى عن النّاس مساويه
لسان من يعقل فِي قلبه ... وقلب من يجهل في فيه [2]
وله:
جرّدته الحمّام من كلّ ثوبٍ ... وأَرَتْني منه الَّذِي كان قَصْدي
بَدَنًا كالصَّباح من تحت ليلٍ ... حالِكِ اللّون أسْوَدَ غيرِ جعدِ
سكَبَ الماءَ فوق جسمٍ حكى ... الفضَّةَ حَتَّى اكتسى غُلالةَ ورد [3]
__________
[1] في عيون الأنباء.
[2] عيون الأنباء، الوافي بالوفيات 4/ 386.
[3] ومن شعره:
أبلغ العالمين عنّي أنّي ... كلّ علمي تصوّر وقياس
قد كشفت الأشياء بالفعل حتى ... ظهرت لي وليس فيها التباس
وعرفت الرجال بالعلم لمّا ... عرف العلم بالرجال الناس
ومنه:
قالوا رضيت وأنت أعلم ذا الورى ... بحقائق الأشياء عن باريها
تجتاب أبواب الخمول فقلت عن ... كره ولست كجاهل راضيها
لي همّة مأسورة لو صادفت ... سعدا بغير عوائق تثنيها
ضاق الفضاء بها فلا تسطيعها ... لعلوّها الأفلاك أن تحويها
ما للمقاصد جمّة ومقاصدي ... ناط القضاء بها القضاء واليها
أطوي الليالي بالمنى وصروفها ... تنشرنني أضعاف ما أطويها
إنّي على نوب الزمان لصابر ... إمّا ستفني العمر أو يفنيها
أمّا الّذي يبقى فقد أحرزته ... والفانيات فما أفكر فيها
ومنه:
بنيّ كن حافظا للعلم مطّرحا ... جميع ما الناس فيه تكتسب نسبا
فقد يسود الفتى من غير سابقة ... للأصل بالعلم حتى يبلغ الشهبا
غذّ العلوم بتذكار تعش أبدا ... فالنار تخمد مهما لم تجد حطبا
إنّي أرى عدم الإنسان أصلح من ... عمر به لم ينل علما ولا نشبا
قضى الحياة فلما مات شيّعه ... جهل وفقر لقد قضاهما نصبا(38/367)
وله من المصنَّفات كتاب «الحماية» فِي الطّبيعي والإلهي، وكتاب «الأقراباذين» وهو كبير مفيد، وكتاب «رسالة الشّعرى اليَمَانية إلى الشّعْري الشّمالية» ، كتبها إلى عرفة النّحوي بدمشق، ورسالة يهنّي بها الوزير مروان الّذي وزر بعده أتابك زنكي بن آقسنقر، ورسالة الفرق ما بين الدّهر والزّمان والكُفر والإيمان، ورسالة العشْق الإلهي والطّبيعي، وكتاب النّور المُجْتَنى فِي المحاضرة [1] .
423- مُحَمَّد بْن الفضل بن إِسْمَاعِيل بْن الفضل.
أبو الفضل بْن كاهويَه التّميميّ، الأصبهانيّ، الكاتب.
وُلِدَ سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وسمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا عليّ بْن نَبْهان، وابن ملَّة، وخلْقًا كثيرا [2] بأصبهان، وبغداد، وخُراسان، وخرَّج لنفسه مُعْجَمًا.
وكان كاتبا بليغا، ناظما، ناثرا، مَرْضِيّ الأخلاق.
423-[مُحَمَّد] [3] بْن طَيْفُور [4] السّجاونديّ [5] .
أحد القُرّاء، هُوَ أبو عَبْد الله الغزنويّ، المقرئ، المفسّر النّحويّ، له
__________
[ () ] ومنه:
قد أقبلت غولة الصبايا ... تنظر عن معلم النقاب
فقلت من أعظم الرزايا ... قفل على منزل خراب
أحسن ما كنت في عباة ... ملفوفة الرأس في جراب
[1] ورّخ بعضهم وفاته بسنة 580 هـ.
[2] في الأصل: «وخلق كثير» .
[3] في الأصل بياض. والمثبت من المصادر.
[4] انظر عن (محمد بن طيفور) في: إنباه الرواة 3/ 153 رقم 657 والوافي بالوفيات 3/ 178، وغاية النهاية 2/ 157 رقم 3084، وطبقات المفسّرين للسيوطي 32، 33، وكشف الظنون 1182، ومعجم المؤلفين 10/ 112، ومفتاح السعادة 1/ 79، ومعجم طبقات الحفاظ المفسرين 277 رقم 500.
[5] لم أجد هذه النسبة.(38/368)
تفسير حَسَن للقرآن، وكتاب «عِلَل القراءات» فِي عدّة مجلّدات، وكتاب «الوقف والابتداء» فِي مجلَّدٍ كبير يدلّ على تبحُّره. ولم يبلُغْني على مَن قرأ، ولا من أخذ عَنْهُ.
وذكره القِفْطيّ مختصرا [1] وقال: كان فِي وسط المائة السّادسة رحمه الله [2] .
425-[محمد] [3] بن هبة الله بن عليّ.
أبو المعالي بن العقّاد، البغداديّ، المؤدّب.
سمع: أبا الحسن الأنباريّ الخطيب، وأبا عبد الله النّعاليّ.
وعنه! السّمعانيّ، والمسعوديّ، وغيرهما.
قال أبو سعد السّمعانيّ: كان صالحا، خيّرا من أولاد المحدّثين. ولد سنة ثمان وسبع وستّين وأربعمائة.
قلتُ: وبقي إلى سنة أربع وخمسين.
426-[محمود] [4] بْن أَحْمَد بْن الفَرَج بْن عبد العزيز.
أبو المَحَامد الشّاعر، أخي السّاغَرْجِيّ [5] ، السَّمَرْقَنْديّ، المعروف بشيخ الإسلام.
قال ابن السَّمْعانيّ: إمام، فاضل، بارع، مبرّز فِي أنواع الفضل، والتّفسير، والحديث، والأصول، والخلاف، والوعظ، ومع اجتماع هذه
__________
[1] في إنباه الرواة 3/ 153.
[2] أرّخ بعضهم وفاته بسنة 560 هـ.
[3] في الأصل بياض.
[4] في الأصل بياض. والمثبت عن: الأنساب 7/ 9، 10 و 12/ 151.
[5] السّاغرجي: بفتح السين المهملة والغين المعجمة وسكون الراء، وفي آخرها الجيم، وقد يقال بالصاد بدل السين، فيقال: ساغرج وصاغرج. وهي قرية من قرى السغد على خمسة فراسخ من سمرقند، وهي من نواحي إشتيخن. (الأنساب 7/ 9) .(38/369)
الفضائل هُوَ حَسَن السِّيرة، سليم الباطن، كثير الخير والعبادة، تاركٌ لما لا يعنيه وُلِدَ سنة ثمانين وأربعمائة، وقال لي: أوّل ما كتبت الحديثَ، عن شيخ والدي الْإِمَام يوسف بن صالح الخطيبيّ سنة إحدى وتسعين.
وسمع بسمرقند من: الحسن بن عطاء السّغديّ، وأبي إبراهيم إسحاق بن محمد النّوحيّ [1] .
وببخارى: أبا المعين ميمون المكحوليّ، وعليّ بن أحمد الكلاباذيّ، والبرهان عبد العزيز بن عمر أستاذه.
قرأت عليه «تنبيه الغافلين» لأبي اللّيث السّمرقندي، عن النُّوحيّ [2] ، عن سِبْط التِّرْمِذيّ، عَنْهُ، من أوّله إلى باب الوَرَع.
كتبت عنه بسمرقند، وحجّ سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
قلت: روى عَنْهُ عَبْد الرحيم بْن السَّمْعانيّ.
427-[....] [3] بْن عليّ بْن نصر بْن أبي يَعْمَر.
الأديب، أبو القَاسِم النَّسَفيَ، نزيل سَمَرْقَنْد.
نحْويٌّ لُغويّ، فاضل، كان يعلِّم أولاد الخاقان، وكان خيّرا، صالحا، صَدُوقًا.
سمع: أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد البَلَديّ [4] ، وعبد اللَّه بْن أبي جَعْفَر النَّسَفيَ، وعليّ بْن عثمان الخرّاط، وغيرهم.
قال عبد الرحيم بن السمعاني: سمعت منه «أخبار مكّة» للأزرقيّ، أنا
__________
[1] النّوحي: بضم النون وسكون الواو وفي آخرها الحاء. هذه النسبة إلى نوح، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه. (الأنساب 12/ 150) .
[2] تحرّفت في الأنساب 7/ 10 إلى «التنوخي» ، والمثبت هو الصحيح كما في (الأنساب 12/ 150) .
[3] في الأصل بياض.
[4] توفي سنة 505 هـ.(38/370)
البَلَديّ، أَنَا معتمد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد النَّسَفيَ، أَنَا هارون بْن أَحْمَد الأسْترَابَاذِيّ، عن إسحاق بْن أَحْمَد الخُزَاعيّ، عن أبي الوليد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الأزرقيّ.
وُلِدَ سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
وتُوُفيّ سنة نيِّفٍ وخمسين.
428-[....] [1] بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن.
أبو القَاسِم المَرْوَزِيّ، التّاجر، السّفّار.
سمع: أَبَا المظفَّر منصورا السَّمْعانيّ، وعبد الغفّار الشِّيرُوييّ.
قال عَبْد الرحيم بْن السَّمْعانيّ: سَمِعت منه بمرو، وسَمَرْقَنْد، ووُلِد سنة تسعٍ وتسْعين وأربعمائة.
429-[مَسْعُود] [2] بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود.
أبو الفتح المسعوديّ، المَرْوَزِيّ، الخطيب بجامع مَرْو القديم.
وُلِدَ فِي ثاني عَشْر ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ وثمانين.
وسمع: الإمام أبا المظفَّر السَّمْعانيّ، ومحمد [3] بْن الْحُسَيْن الخُزاعيّ، وأبا المظفَّر سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد الصَّيْدلانيّ.
وعنه: عَبْد الرحيم [4] .
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض، والمثبت من: الأنساب 11/ 309.
[3] في الأنساب: «أحمد» .
[4] وقال أبو سعد ابن السمعاني: فاضل، حسن السيرة، جميل الأمر، كثير المحفوظ، مليح الأخلاق، شديد التواضع. تفقّه على الإمام والدي، رحمه الله، ورأى جدّي الإمام أبا المظفّر السمعاني وسمع منه الحديث، ومن أبي جعفر أحمد بن الحسين الفقيه الخزاعي، وأبي المظفر سليمان بن محمد بن داود الصيدلاني، وغيرهم، وكانت له إجازة عن أبي بكر أحمد بن علي بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبي القَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بن أحمد الواحدي، وأبي-(38/371)
430-[....] [1] بن محمد بن أحمد بن القاسم.
أبو الفَرَج البغداديّ، الخشّاب.
سمع: أَبَا عَبْد اللَّه بْن البُسْريّ، وأبا القَاسِم الرَّبَعيّ.
روى عَنْهُ: عبد العزيز بْن الأخضر.
431-[ ... ] [2] بْن عليّ بْن عِيسَى بْن مختار.
أبو عُمَر الغافقيّ، الأندلسيّ، الشَّقُوريّ.
سمع: «جامع» التِّرْمِذيّ، من أبي علي بْن سُكَّرَة. وأجاز له من خُرَاسَان أبو عَبْد اللَّه الفُرَاويّ، وغيره.
ولي قضاء شَقُورَة.
روى عَنْهُ: ابن أخيه مُحَمَّد بْن عبد العزيز، وسِبْطه نصر بْن عَبْد اللَّه.
بقي سِبْطُه إلى بعد العشرين وستّمائة.
- حرف الهاء-
432-[هبة اللَّه] [3] .
هُوَ أوحد الزّمان الطّبيب.
قد تقدَّم ذكره.
433-[هبة اللَّه] [4] بْن مُوَفّق.
مَوْلَى ابن [....] [5] الْأَزْدِيّ، الْجَيانيّ، أبو الْحَسَن. من أهل وادي آش.
__________
[ () ] محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، وغيرهم، سمعت منه الكثير مثل تاريخ نسف لأبي العباس المستغفري، وكتاب الشعر والشعراء للمستغفري أيضا، بروايته عن السمرقندي، عنه، وكان كثير الميل إليّ، وكنت آنس به كثيرا، وأفرح بلقياه ومحاورته.
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض. والمثبت من ترجمته التي تقدّمت في وفيات سنة 560 هـ. برقم (380) .
[4] في الأصل بياض.
[5] في الأصل بياض.(38/372)
حجّ وسمع من: أبي عَبْد اللَّه الرّازيّ، وأبي بَكْر الطُّرْطُوشيّ.
وسمع «تجريد الصّحاح» من رزين العَبْدَريّ، وأدخله الأندلس.
روى عَنْهُ: أبو خَلَد البزدانيّ، وأبو عَبْد اللَّه المِكْنَاسيّ، وأبو خَلَد بْن رفاعة. وكان صالحا، ذا مشاركةٍ فِي الفِقْه والأُصول. ونيّف على الثّمانين.
أجاز لأبي مُحَمَّد بْن سُفْيَان فِي سنة 554 [1] .
- حرف الْيَاءِ-
434-[يَحْيَى] [2] بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّد بْن رافع.
أبو اليُمْن ابن تاج القُرّاء الطُّوسيّ، أخو أبي الْحَسَن عليّ.
سمع من: مالك البانياسيّ، ورِزْق اللَّه بْن عَبْد الوهّاب.
وكان مولده سنة سبْعٍ وسبعين.
435-[يحيى] [3] بْن عَبْد الملك بْن أَحْمَد بْن الخطيب.
أبو زكريّا السِّدْريّ [4] ، الكافُوريّ.
وُلِدَ بحلب سنة ستٍّ وسبعين وأربعمائة، ونشأ ببغداد وصحِب الشَّيخ حَمَّادًا الدّبّاس، وجمع كلامه بعد وفاته.
وسمع الحديث من: الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ، والحسن بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز التككيّ [5] .
قال ابن السَّمْعانيّ: شيخ، صالح، ديّن، مشتغل بما يعنيه، له سكون وحَياء ووقار كتبت عنه الحديث.
__________
[1] هكذا في الأصل.
[2] بياض في الأصل.
[3] في الأصل بياض، والمثبت من: الأنساب 7/ 57.
[4] السّدري: بكسر السين وسكون الدال وكسر الراء المهملات. هذه النسبة إلى السّدر، وهو ورق شجرة النبق، تغسّل به الشعور في الحمّامات، ويقال لمن يبيعه ويطحنه: السّدريّ.
[5] التككي: بكسر التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وفتح الكاف، وفي آخرها كاف أخرى هذه النسبة إلى تكك وهي جمع تكة. (الأنساب 3/ 68) .(38/373)
436- يُوسُف بْن آدم بْن مُحَمَّد بْن آدم [1] .
أبو يَعْقُوب المراغي ثُمَّ الدمشقيّ المحدّث.
شيخ سنّي خيّر، له معرفة قليلة.
رحل وَسَمِعَ من: أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن ناصر، وجماعة.
وحدَّث «بصحيح مُسْلِم» عن: أبي عَبْد اللَّه محمد بن الفضل الفراويّ.
وحدّث بدمشق، وبغداد، ونصيبين، ونسخ الكثير.
وكان مولده في سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
روى عنه: عبد الرّزّاق بن الشّيخ عبد القادر، والشّيخ أحمد والد الشّيخ الموفّق، وأبو الخير سلامة الحدّاد، والفقيه هلال بن محفوظ الرّسعينيّ [2] ، وغيرهم.
وفي سنة نيّف وخمسين ضرب السّيف البلخيّ الواعظ أنف يوسف بن آدم بدمشق فأدماه، فأخرج الملك نور الدّين يوسف منفيّا من دمشق، وانقطع خبره.
قال ابن النّجّار: حدُّث «بصحيح مُسْلِم» ، سمعه منه شيخنا عَبْد الرّزّاق الجيليّ، ومحمد بْن مشِّق. وكان كثير الشَّغَب، مُثِيرًا للفِتَن بين الطّوائف.
وقال أبو الْحُسَيْن القَطِيعيّ: كان إذا بَلَغَه أن قاضيا أشْعِريًا عقد نكاحا فسخ نكاحه، وأفتى أنّ الطّلاق لا يقع فِي ذَلِكَ النّكاح، فأثار بذلك فتنة، فأخرجه صاحب دمشق منها، فسكن حَرّان، ثُمَّ مَلَكَها نور الدِّين، فطلب منه أن يعود ليرى أمّه بدمشق، فأذِن له بشرط أن لا يدخل البلد، فجاء ونزل كهف آدم، فخرجت أمّه إليه. ثمّ دخل دمشق يوم جمعة، فخاف الوالي من فتنة، فأمره بالعود إلى حرّان، فعاد إليها. لقيته وسلّمت عليه بها، ومات في قرب ربيع الأوّل سنة تسع وستّين، والله أعلم.
آخر الطبقة السادسة والخمسين من تاريخ الإسلام، والحمد للَّه أولا وآخرا
__________
[1] انظر عن (يوسف بن آدم) في: سير أعلام النبلاء 20/ 590، 591 رقم 371.
[2] الرّسعيني: بفتح الراء المشدّدة، وسكون السين المهملة، وفتح العين المهملة، وسكون الياء المنقوطة من تحت باثنتين، ونون. نسبة إلى: رأس عين.(38/374)
(بعون الله تعالى وتوفيقه، أنجز خادم العلم وطالبه، الفقير إلى عفو ربّه الحاج «أبو غازي» «عمر عبد السلام تدمري» أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، ممثّل لبنان في الهيئة العربية العليا لإعادة كتابة تاريخ الأمة في اتحاد المؤرّخين العرب، الطرابلسي مولدا، وموطنا، الحنفيّ مذهبا- هذه الطبقة السادسة والخمسين من موسوعة «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» لمؤرّخ الإسلام الحافظ شمسُ الدين مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْن عثمان الذهبي الدمشقيّ مولدا ووفاة، وقام بضبط نصّها، وتوثيق مادّتها، والإحالة إلى مصادرها، وتخريج أحاديثها وأشعارها، بقدر الطاقة والإمكان، مع الاعتراف بالنقص والتقصير، وكان الفراغ منها بعد مغرب يوم الثلاثاء الواقع في 8 من شهر رجب الخير 1414 هـ. الموافق 21 من كانون الأول (ديسمبر) 1993 م. وذلك بمنزلة بساحة النجمة من مدينة طرابلس الفيحاء المحروسة حماها الله وجميع بلاد الإسلام. والحمد للَّه رب العالمين) .(38/375)
[المجلد التاسع والثلاثون (سنة 561- 570) ]
[الطبقة السابعة والخمسون]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سنة إحدى وستين وخمسمائة
[الرفض فِي عاشوراء]
ظهر فِي أيّام عاشوراء من الرَّفْض ببغداد أمرٌ عظيم حتّى سبّوا الصّحابة، وكانوا فِي الكَرْخ إذا رأوا مكحِّلًا ضربوه [1] .
[وقوع الرُّخْص]
ووقع الرّخْص حتّى أبيعت كارَّة الدّقيق بعشرة قراريط [2] .
قَالَ ابن الجوزيّ [3] : وقد اشتريتها فِي زمن المسترشد باثنتي عشر دينارا [4] .
[هياج الكرج عَلَى بلاد الشام]
وفيها هاجت الكُرْج عَلَى بلاد الْإِسْلَام، وقتلوا وسَبَوْا، وغنِموا ما لا يُحصى [5] .
[فتح المنيطرة]
وفيها افتتح نور الدّين حصن المنيطرة [6] .
__________
[1] المنتظم 10/ 217 (18/ 171) ، العبر 4/ 174، مرآة الجنان 3/ 346، البداية والنهاية 12/ 251.
[2] في المنتظم 10/ 218 (18/ 171) «باثني عشر قيراطا» .
[3] في المنتظم.
[4] في الأصل: «دينار» .
[5] الكامل في التاريخ 11/ 323، دول الإسلام 2/ 75، العبر 4/ 174.
[6] الكامل في التاريخ 11/ 322، التاريخ الباهر 131، كتاب الروضتين ج 2 ق 2/ 360 و 367(39/5)
__________
[ () ] و 368، زبدة الحلب 2/ 322، النوادر السلطانية 38، وفيات الأعيان 7/ 47، المغرب في حلى المغرب 139، الكواكب الدرّية 169، والإعلام بتاريخ أهل الإسلام لابن قاضي شهبة (مخطوط) 11/ 169، المختصر في أخبار البشر 3/ 43، والإعلام والتبيين للحريري 29، ودول الإسلام 2/ 75 وفيه «المنيظرة» ، والعبر 4/ 174، البداية والنهاية 12/ 251، والنجوم الزاهرة 5/ 350، تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا) 5141، تاريخ ابن سباط 1/ 17. و «المنيطرة» : بضم الميم وفتح النون وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وكسر الطاء المهملة، وفتح الراء، وفي الآخر هاء. حصن بجبل لبنان. قال ياقوت: قريب من طرابلس. (معجم البلدان) وأقول: هو بين بعلبكّ وجبيل في جبل المنيطرة المعروف باسمه. وقد ذكر الحريري في (الإعلام والتبيين) أنه حصن قريب من كسروان. فعلّق محقّقه الدكتور مهدي رزق الله أحمد (بالحاشية 220) فقال: لم أعثر عليها في كتب البلدان (أي كسروان) ، ولكن يفهم من كتاب (السلوك) أنها من مناطق الدروز، وأن جبل كسروان متصل بسلسلة جبال لبنان.
ويقول خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر بن عبد السلام تدمري» : إن المنيطرة في قلب جبل لبنان، وفي القسم الشمالي من كسروان، وهي ليست من مناطق الدروز. فليصحّح.(39/6)
سنة اثنتين وستين وخمسمائة
[إرسال العسكر لحرب شُمْلة]
وقع الإرجاف بمجيء شُمْلَة التُرْكُمانيّ إلى قلعة الماهكيّ، وبعث يطلب ويتنطّع [1] ، فامتنع الخليفة أن يعطيه ما طلب مِن البلاد، وبعث لحربه أكثر عسكر بغداد [2] .
[عودة ركْب الحاجّ]
وقدِم الرَّكْبُ، وأخبروا بالأمن والرّخْص والمياه، وأنّهم نقضوا القُبَّة الّتي بُنِيت بمكَّة للمصريّين [3] .
[مشاركة قُطْب الدين لعمّه نور الدين الغزو]
وفيها قدِم قُطْب الدّين من المَوْصِل للغزو مَعَ عمّه نور الدّين، فاجتمعا عَلَى حمص، وسارا بالجيوش، فأغاروا عَلَى بلاد حصن الأكراد، وحاصروا عِرْقَة، وحاصروا حَلْبَة، وأخذوا العَريمة، وصافيتا. ثمّ صاموا رمضان بحمص، وساروا إلى بانياس، فنازلوا حصن هُونِين وأحرقوه. وعزم نور الدّين عَلَى مُنازلة بيروت، فوقع خُلْفٌ فِي العسكر، فعاد قُطْب الدّين إلى المَوْصِل، وأعطاه أخوه بلد الرّقّة.
__________
[1] في المنتظم: «ويقتطع» .
[2] المنتظم 10/ 220 (18/ 174) ، مرآة الزمان 8/ 268.
[3] المنتظم 10/ 220 (18/ 174) .(39/7)
[حريق اللّبّادين]
وفيها، قال أبو المظفّر ابن الجوزيّ [1] : احترقت اللّبّادين، وباب السّاعات [2] بدمشق حريقا عظيما صار تاريخا، رقد طبّاخ هريسة عَلَى القِدْر ونام، فاحترقت دكّانه، ولعبت النّار فِي اللّبّادين، وتعدَّت إلى دُورٍ كثيرة، ونُهبت أموالٌ عظيمة، وأقامت النّار تلعب أيّاما.
[مسير شير كوه إلى مصر]
وفيها كَانَ مسير الأمير أسد الدّين شير كوه المسير الثّاني إلى مصر. جهّز السّلطان نور الدّين المعظَّم جيوشه، وقيل: بل جهَّز معه أَلْفَيْ فارس، فنزل بالجيزة محاصرا لمصر مدَّة نيِّفٍ وخمسين يوما، فاستنجد شاور بالفرنج، فدخلوا مصر من دِمياط لنجدته، فرحل أسد الدّين من بين أيديهم، وتقدّم عَنْ منزلته، ثمّ وقع بينه وبين المصريّين حربٌ عَلَى قِلَّة عسكره وكَثْرة عدوّه، فانتصر فيها أسد الدّين، وقتل من الفرنج ألوفا وأسر منهم سبعين فارسًا [3] .
قَالَ ابن الأثير [4] : كانت هذه الوقعة من أعجب ما يؤرَّخ أنّ ألَفْي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج السّاحليّة.
__________
[1] في مرآة الزمان 8/ 270، وانظر: دول الإسلام 2/ 75، 76.
[2] باب الساعات: هو الباب الغربي للجامع الأموي ويعرف بباب الزيادة، سمّي بباب الساعات لأنه كان هناك منكاب الساعات يعلم بها كل ساعة تمضي من النهار، عليها عصافير من نحاس، وحيّة من نحاس، وغراب، فإذا تمّت الساعة خرجت فصفرت العصافير، وصاح الغراب وسقطت حصاة. (الدارس في تاريخ المدارس 2/ 386، 387) .
أما اللبّادين فهي محلّة في شرق جامع دمشق مكان النوفرة اليوم وما حولها. (معجم الأماكن الطبوغرافية، للمنجد) وقد تصحّفت إلى «البلادين» في مرآة الجنان 3/ 370، والخبر في: النجوم الزاهرة 5/ 373.
[3] أخبار الدول المنقطعة 115، المختصر في أخبار البشر 2/ 43، مرآة الزمان 8/ 268، دول الإسلام 2/ 76، اتعاظ الحنفا 3/ 284.
[4] في الكامل في التاريخ 11/ 326، والتاريخ الباهر 133، والعبر 4/ 176، ومرآة الجنان 3/ 370.(39/8)
قلت: صدق واللَّهِ ابنُ الأثير، وهذه تُسمّى وقعة البابين، وهو موضع بالصَّعيد، أدْرَكَتْهُ فِيهِ الفرنجُ والمصريّون فِي جُمَادَى الآخرة من السّنة، فعمل مشورة، فأشاروا بالتَّعْدِية إلى الجانب الشّرقي والرجوع إلى الشّام، وقالوا: إنِ انهزمنا إلى أَيْنَ نلتجئ؟ فقال بُزْغُش النُّوريّ صاحب الشَّقِيف [1] : مَن خاف القتْل والأسْر فلا يخدم الملوك، والله لئِن عُدْنا إلى نور الدّين من غير غَلَبَةٍ ليأخذنّ إقطاعاتنا ويطردنا.
فقال أسد الدّين: هذا رأيي. وقال صلاح الدّين كذلك، فوافق الأمراء، ونصبوا للملتقى، وجعلوا الثِّقَل فِي القلب حِفْظًا لَهُ وتكثيرا للسّواد، وأقيم صلاح الدّين في القلب، وقال لَهُ عمّه أسد الدّين: إذا حملوا عَلَى القلب فلا تُصْدِقوهم القتال، وتقهقروا، فإنْ ردّوا عنكم فارجعوا عَلَى أعقابهم. ثمّ اختار هُوَ طائفة يثق بشجاعتهم، ووقف فِي الميمنة، فحملت الفرنج عَلَى القلب، فناوشوهم القتال، واندفعوا بين أيديهم عَلَى بقيّتهم، فتبِعَتْهم الفرنج، فحمل أسد الدّين عَلَى باقي الفرنج والمصريّين، فهزمهم، ووضع فيهم السَّيف. فلمّا عاد الفرنج من حملتهم عَلَى القلب رأوا عسكرهم مهزوما، فولّوا وانهزموا، ونزل النَّصر [2] .
ثمّ سار أسد الدّين إلى الصّعيد، فجبى خراجها، وأقام الفرنج بالقاهرة حتّى استراشوا، وقصدوا الإسكندرية وقد أخذها صلاح الدّين يوسف ابن أخي أسد الدّين، فحاصروها أربعة أشهر، وقاتل أهلُها مَعَ صلاح الدّين أشدّ قتال بجموعه، فترحّل الفرنج عن الإسكندريّة [3] .
__________
[1] الشقيف: هو شقيف تيرون، حصن بجبل عامل شرقيّ صور.
[2] الكامل في التاريخ 11/ 324- 326، التاريخ الباهر 132، 133، النوادر السلطانية 37، 38، زبدة الحلب 2/ 323، 324، كتاب الروضتين ج 1 ق 2/ 365، تاريخ الزمان 178 و 179، أخبار الدول المنقطعة 115، مفرّج الكروب 1/ 152، المختصر في أخبار البشر 3/ 43، 44، دول الإسلام 2/ 76، العبر 4/ 176، 177، تاريخ ابن الوردي 2/ 72، مرآة الجنان 3/ 370، البداية والنهاية 12/ 252، 253، الكواكب الدريّة 169- 171، اتعاظ الحنفا 3/ 282- 285، تاريخ ابن سباط 1/ 117، نهاية الأرب 28/ 335- 337، مرآة الزمان 8/ 268، 269.
[3] الكامل 11/ 326، التاريخ الباهر 133، 134 الروضتين ج 1 ق 2/ 365، 366 و 370،(39/9)
[المهادنة بين أسد الدين وشاور]
ثمّ وقعت مهادنة بين أسد الدّين وشاور عَلَى أن ينصرف أسد الدّين إلى الشّام، ويُعطى خمسين ألف دينار. فأخذها ورجع [1] .
واستقرّ بالقاهرة شِحْنةً للفرنج، وقطيعة مائة ألف دينار فِي السّنة [2] .
__________
[ () ] المغرب في حلى المغرب 94، نهاية الأرب 29/ 337، العبر 4/ 176، 177.
[1] الكامل 11/ 326، التاريخ الباهر 134، نهاية الأرب 28/ 337، مرآة الزمان 8/ 269.
العبر 4/ 177، مرآة الجنان 3/ 370، البداية والنهاية 12/ 253.
[2] الكامل 11/ 327، التاريخ الباهر 134، المختصر في أخبار البشر 3/ 44، نهاية الأرب 28/ 338، مرآة الزمان 8/ 269، العبر 4/ 177، مرآة الجنان 3/ 370، البداية والنهاية 12/ 253، اتعاظ الحنفا 3/ 287، النجوم الزاهرة 5/ 349.(39/10)
سنة ثلاث وستين وخمسمائة
[امتناع حجّ المصريّين]
لم يحجّ المصريّون لِما فِيهِ ملكهم من الوَيْل والاشتغال بحرب أسد الدّين [1] .
[رخص الورد ببغداد]
ورخص الورد ببغداد إلى أن أبيع كلّ ثمانين رِطْلًا بقيراط [2] .
[وزارة البلديّ]
وفيها وُلّي الوزير شرف الدّين أَبُو جعفر أحمد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن البَلَديّ وزارة المستنجد باللَّه. وكان ناظرا بواسط [3] .
[مصالحة البهلوان وصاحب مراغة]
وفيها كَانَ حرب ومحاصرة من البهلوان لصاحب مَرَاغة آقْسُنْقُر الأحمديليّ. ثمّ وقع الصُّلْح بعد مصافٍّ كبير [4] .
[مشيخة الشيوخ]
وفيها وُلّي مشيخة الشّيوخ والأوقاف بدمشق، وحمص، وحماه: أَبُو الفتح عمر بن عليّ بن حمّويه.
__________
[1] المنتظم 10/ 222 (18/ 176) .
[2] المنتظم 10/ 222 (18/ 176) وفيه: «بيع الورد مائة رطل بقيراط وحبّة» ، ومثله في: مرآة الزمان 8/ 271، والنجوم الزاهرة 5/ 376، وتاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 4/ 1.
[3] المنتظم 10/ 222 (18/ 176) ، الكامل 11/ 332، البداية والنهاية 12/ 254.
[4] الكامل 11/ 332.(39/11)
سنة أربع وستين وخمسمائة
[الإيقاع بالعيّارين]
فيها واقع غلمان الخليفة العيَّارين بالدُّجَيْل، وَقُتِلَ كثير منهم، وجاءوا برءوسهم، وأُخِذَ قائدهم، ثمّ صُلِب ببغداد وتسعة من اللُّصُوص [1] .
[مصادرة الأمير قيماز]
وفيها صُودِر الأمير قيْماز ببغداد، وأخذ منه ثلاثون ألف دينار، وانكسر بذلك [2] .
[مسير أسد الدين إلى مصر]
وفيها كَانَ مسير أسد الدّين إلى مصر المسير الثّالث، وذلك أنّ الفرنج قصدت الدّيار المصريَّة فِي جَمْعٍ عظيم، وكان السّلطان نور الدّين فِي جهة الشّمال ونواحي الفُرات، فطلعوا عَلَيْهِ من عسقلان، وأتوا بلْبِيس فحاصروها، وملكوها، واستباحوها، ثمّ نزلوا عَلَى القاهرة، فحاصروها، فأحرق شاور مصرَ خوفا من الفرنج، فلمّا ضايقوا القاهرة بعث إلى ملكهم يطلب الصُّلح عَلَى ألف ألف دينار، يعجِّل لَهُ بعضها. فأجابه بِهِ ملك الفرنج مُرّي [3] إلى ذَلِكَ، وحَلَف لَهُ، فحمل إِلَيْهِ شاور مائة ألف دينار وماطَلَه بالباقي [4] .
__________
[1] المنتظم 10/ 226 (18/ 182) ، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 17.
[2] المنتظم 10/ 227 (18/ 183) .
[3] يسمّى بالإنكليزية، AmalricI وبالفرنسية.Ammauri
[4] الكامل 11/ 335- 337، التاريخ الباهرة 137، 138، تاريخ ابن سباط 1/ 120، الروضتين ج 1 ق 2/ 391، تاريخ الزمان 181، أخبار الدول المنقطعة 116، سنا البرق(39/12)
وكاتبَ فِي غضون ذَلِكَ الملك العادل نور الدّين يستنجد بِهِ، وسوَّد كتابه، وجعل فِي طيِّه ذوائب النّساء، وواصل كُتُبَه يستحثّه، فكان بحلب، فساق أسد الدّين من حمص إلى حلب فِي ليلة [1] .
قَالَ القاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد [2] : قَالَ لي السّلطان صلاح الدّين: كنت أُكْرهُ النّاسَ فِي الخروج إلى مصر هذه المرَّة، وهذا معنى قوله:
فَعَسى [3] أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 4: 19 [4] .
[دعوة صلاح الدين لدخول مصر]
وقال ابن الأثير [5] : حُكي عَنْ صلاح الدّين قَالَ: لمّا وردت الكُتُب من مصر إلى نور الدّين أحضرني وأعلمني الحال، وقال: تمضي إلى عمّك أسد الدّين مَعَ رسولي تحثّوه عَلَى الحضور. ففعلت، فلمّا سرنا عَنْ حلب، ميلا لقِيناه قادما، فقال لَهُ نور الدّين: تجهَّز. فامتنع خوفا من غَدْرهم أوّلا، وعدم ما ينفقه فِي العسكر آخرا، فأعطاه نور الدّين الأموال والرجال، وقال: إنْ تأخّرتَ عَنْ مصر سِرْتُ أَنَا بنفسي، فإن ملكها الفرنجُ لا يبقى معهم بالشّام مقام.
__________
[ () ] الشامي 1/ 74، المغرب في حلى المغرب 95، 96، المختصر في أخبار البشر 3/ 47، تاريخ ابن الوردي 2/ 74، العبر 4/ 184، دول الإسلام 2/ 77، البداية والنهاية 12/ 255 وفيه: «وعجّل لهم من ذلك ثمانمائة ألف دينار» ، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 24، 25.
[1] الكامل 11/ 338، التاريخ الباهر 139، الروضتين ج 1 ق 2/ 391، 392، سنا البرق الشامي 1/ 75، زبدة الحلب 2/ 326.
[2] في النوادر السلطانية 39.
[3] في الأصل: «وعسى» وهو غلط.
[4] سورة النساء، الآية 19، والنص في (النوادر) : «كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة، وما خرجت مع عمّي باختياري، وهذا معنى قوله سبحانه وتعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ 2: 216» .
[5] في الكامل 11/ 342، 343، والتاريخ الباهر 141، وانظر: النوادر السلطانية 38، 39، والروضتين ج 1 ق 2/ 393، والمختصر في أخبار البشر 3/ 47.(39/13)
فالتفت إليَّ عمّي وقال: تجهَّز يا يوسف. [قَالَ] : فكأنّما ضرب قلبي بسِكّين! فقلت: والله لو أُعْطِيتُ مُلْكَ مصرَ ما سِرْتُ إليها. فلقد قاسيت بإلاسكندريّة من المَشَاقّ ما لا أنساه [1] .
فقال عمّي لنور الدّين: لا بدّ من مسيره معي. فتَرْسُمَ لَهُ. فأمرني نور الدّين وأنا أستقيله، وانقضى المجلس.
ثمّ قَالَ نور الدّين: لا بُدَّ من مسيرك مَعَ عمّك. فشكوْتُ الضّائقة، فأعطاني ما تجهَّزتُ بِهِ، وكأنّما أُساقُ إلى الموت.
وكان نور الدّين مَهِيبًا، مَخُوفًا، مَعَ ليِنه ورحمته، فسِرْتُ معه. فلمّا تُوفّي أعطاني اللَّه من المُلْك ما [لا] [2] كنت أتوقّعه [3] .
[وزارة أسد الدين]
رجعنا إلى ذكر مسير أسد الدّين، فجمع الجيوش، وسار إلى دمشق، وعرض الْجَيْش، ثمّ سار إلى مصر في جيش عرمرم، فقيل: كانوا سبعين ألف فارس وراجل. فتقهقر الفرنج لمجيئه، ودخل القاهرة فِي ربيع الآخر، وجلس فِي الدَّسْت، وخلع عَلَيْهِ العاضد خِلَع السَّلْطنة، وولّاه وزارته [4] ، وهذه نسخة العهد:
«من عَبْد اللَّه أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن يوسف العاضد [5] لدين اللَّه أمير المؤمنين، إلى السّيّد الأجلّ، الملك المنصور، سلطان الجيوش، وليّ الأئمَّة [6] ، أسد الدّين [7] ، هادي دُعاة المؤمنين، أَبِي الحارث شير كوه
__________
[1] تاريخ ابن سباط 1/ 122.
[2] ما بين الحاصرتين ساقطة من الأصل. أضفتها من: الروضتين ج 1 ق 2/ 394.
[3] العبارة في الكامل 11/ 343: «ثم توفّي فملّكني الله تعالى ما لم أكن أطمع في بعضه» .
[4] التاريخ الباهر 139.
[5] في الروضتين ج 1 ق 2/ 402: «من عبد الله ووليّه أبي محمد العاضد» .
[6] في الروضتين زيادة: «مجير الأمّة» .
[7] في الروضتين زيادة: «كامل قضاة المسلمين، و» .(39/14)
العاضديّ، عضّد اللَّه بِهِ الدّين، ومتّع [1] ببقائه أمير المؤمنين، وأدام أقدرته، وأعلى [2] كلمته، سلامٌ عليك، فإنّا نحمد اللَّه [3] الَّذِي لا إله إلّا هُوَ، ونسأله [4] أن يُصلّي عَلَى مُحَمَّدٍ [5] سيّد المرسلين، وعلى آله الطّاهرين، والأئمَّة المَهْدِيّين..» ثمّ أتْبع ذَلِكَ بخطبتين بليغتين، وأنّه ولّاه الوزارة، وفوَّض إِلَيْهِ تدبير الدّولة.
وكتب هُوَ فِي أعلى [6] المنشور بخطّه: «هذا عهدٌ لم يُعهَد [7] لوزير بِمِثْلِهِ، فتقلّد أمانة رآك أميرُ المؤمنين أهلا [8] لحملها [9] ، والحجَّة عليك عند اللَّه بما أوضحه لك من مراشد سُبُله، فخُذْ كتاب أمير المؤمنين بقوَّة، واسحبْ ذَيْل الفخار بأن اعْتَزَّتْ بك بنو النُّبوَّة [10] ، واتّخذ [11] للفوز سبيلا وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلًا 16: 91 [12] .
[قتل شاور]
وكان هذا قبل مقتل شاور، وهو أنّ أسد الدّين لمّا دخل القاهرة فأقام شاور بضيافته وضيافة عسكره، وتردَّد إلى خدمته، فطلب منه أسد الدّين مالا ينفقه عَلَى جيشه، فماطَلَه. فبعث إِلَيْهِ الفقيه ضياء الدّين عيسى بْن مُحَمَّد الهَكّاريّ يَقُولُ: إنّ الجيش طلبوا نفقاتهم، وقد مَطَلْتُهم بها، وتغيَّرتْ
__________
[1] في الروضتين ج 1 ق 2/ 403 «أمتع» .
[2] في الأصل: «أعلا» في الموضعين.
[3] في الروضتين: «فإنه يحمد إليك الله.
[4] في الروضتين: «ويسأله» .
[5] في الروضتين: «على محمد خاتم النبيّين، وسيّد..» .
[6] في الأصل: «أعلا» في الموضعين.
[7] في الروضتين: «هذا عهد لا عهد» ، والمثبت يتفق مع: مفرّج الكروب 1/ 164.
[8] في الأصل: «أهل» وهو غلط.
[9] في الروضتين ج 1 ق 2/ 402، ومفرّج الكروب: «لحملة» .
[10] في الروضتين، ومفرّج الكروب: «بأن اعتزّت خدمتك إلى بنوة النبوة» .
[11] في المصدرين: «واتّخذه» .
[12] سورة النحل، الآية 91.(39/15)
قلوبُهم، فإذا أَبَيْتَ فكُنْ عَلَى حَذَرٍ منهم. فلم يؤثّر هذا عند شاور، وركب عَلَى عادته، وأتى أسد الدّين مسترسلا، وقيل: إنّه تمارض، فجاء شاور يعوده [1] ، فاعترضه صلاح الدّين يوسف بْن أيّوب وجماعة من الأمراء النُّوريَّة، فقبضوا عَلَيْهِ، فجاءهم رسولٌ يطلب رأس شاور، فذبح وحمل رأسه إليه [2] .
[موت شير كوه]
ثمّ لم يلبث أسد الدّين أنْ حَضَرَتْه المَنِيَّة بعد خمسة وستّين يوما من ولايته [3] .
__________
[1] في الأصل: «يعوضه» .
[2] الكامل 11/ 340، التاريخ الباهر 140، تاريخ ابن سباط 1/ 121، النوادر السلطانية 39، 40، الروضتين ج 1 ق 2/ 397 و 398، تاريخ الزمان 182، تاريخ مختصر الدول 212، أخبار الدول المنقطعة 116، سنا البرق الشامي 1/ 78، مفرّج الكروب 1/ 160- 167، المغرب في حلى المغرب 96، المختصر في أخبار البشر 3/ 45، 46، نهاية الأرب 28/ 342، 343، زبدة الحلب 2/ 327، مرآة الزمان 8/ 277، 278، والدر المطلوب 35، ومرآة الجنان 3/ 374، البداية والنهاية 12/ 256، اتعاظ الحنفا 3/ 301، والنجوم الزاهرة 5/ 339 و 351، 352، تاريخ الخلفاء 444، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 232، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 29- 33، شفاء القلوب 26، 35.
[3] انظر (وفاة شيركوه) في: الكامل في التاريخ 11/ 341، والتاريخ الباهر 141، والنوادر السلطانية 40، 41، والروضتين ج 1 ق 2/ 405، وتاريخ مختصر الدول 212، وأخبار الدول المنقطعة 116، وسنا البرق الشامي 1/ 80، 81، والمغرب في حلى المغرب 96 وفيه: «فكانت مدّة وزارته ستين يوما» ، والمختصر في أخبار البشر 3/ 47، وتاريخ ابن الوردي 2/ 75، ونهاية الأرب 28/ 343، و 357، ومفرّج الكروب 1/ 165، واتعاظ الحنفا 3/ 304، وزبدة الحلب 3/ 4328، ومرآة الزمان 8/ 278، الدر المطلوب 35 وفيه: «فكانت مدّة وزارته ثمانية أشهر» ! و 26 و 40 وفيه: «لم يقم في الوزارة غير أربعة أشهر، وقيل ثمانية أشهر على اختلاف الرواة في ذلك» ، البداية والنهاية 12/ 256، النجوم الزاهرة 5/ 352، وتاريخ الخلفاء 444، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 232، وتاريخ ابن الفرات م 4/ ج 1/ 50- 55.(39/16)
[تقليد صلاح الدين أمور الخليفة]
وقلّد العاضِدُ الملكَ النّاصر صلاح الدّين يوسف الأمورَ، وهو لَقَّبَه الملك النّاصر، وكتب تقليدَه القاضي الفاضلُ. فقام بالسّلطنة أتمّ قيام [1] .
قَالَ العماد فِي «البرق الشّاميّ» [2] بعد أنْ ذكر استباحة الفرنج بلبيس:
فأناخوا عَلَى القاهرة معوّلين عَلَى المحاصرة فِي عاشر صَفَر، فخاف النّاس من نوبة بلبيس، فلو أنّ الفرنج لم يعمدوا بالسّوء فِي بلبيس لوثقت منهم القاهرة، ولم تَدُم المحاصرة. وأحرق شاور مصر، وخاف عليها منهم، فبقيت النّار تعمل فيها أربعة وخمسين يوما. وكان غرضه أن يأمن عليها من العدوّ الكافر.
ثمّ عرف العجْز، فشرع فِي الحِيَل، فأرسل إلى ملك الفرنج يبذل لَهُ المَوَدَّة، وأنّه يراه لدهره العُمدة، فأحسن لَهُ العدَّة، ووفّر لرجائه الجدَّة، وقال: أَمْهِلني حتّى أجمع لك الدّنانير، وأنفذ لك منها قناطير، وأطمعه [3] فِي ألف ألف دينار معجَّلة ومنجَّمَة، وتوثَّق منه بمواثيق مستحكَمَة، ثمّ قَالَ لَهُ: ترحل عنّا، وتوسع الخناق، وتترك الشّقاق. وعجَّلَ لَهُ مائة ألف دينار حيلة وخداعا، ووصَل بكُتُبه نورَ الدّين مستصرخا مستنفرا، وفي طيّها ذوائب مجزوزة وعصائب محزوزة، وبقي ينفّذ للفرنج فِي كلّ حين مالا، ويطلب منهم إمهالا، حتّى أتى الغوث، فسلب أسد الدّين القرار، وساق فِي ليلةٍ إلى حلب، وقال إنّ الفرنج قد استحكم فِي البلاد المصريَّة طمعُهم، وليس فِي الوجود غيرك من يُرغمهم، ومتى تجمع العسكر؟ وكيف تدفعهم؟ فقال لَهُ:
خزانتي لك، فخُذْ منها ما تريد، ويَصْحَبُك أجنادي. وعَجَّل له بمائتي ألف دينار، وأمر خازنه وليّ الدّين إِسْمَاعِيل بأن يُعطيه ما يطلب. فقال: أمضي إلى الرحبة لجمع التّركمان.
__________
[1] الروضتين ج 1 ق 2/ 406، أخبار الدول المنقطعة 116، نهاية الأرب 28/ 359، البداية والنهاية 12/ 256، النجوم الزاهرة 5/ 339، تاريخ الخلفاء 444، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 233.
[2] في الجزء الضائع من الكتاب، ويوجد نحوه في الروضتين ج 1 ج 2/ 391، 392.
[3] في الأصل: «أطعمه» .(39/17)
وذهب نور الدّين ليتسلم قلعة جَعْبَر، وحشد أسد الدّين وحشر، وأسرع نور الدّين بالعود إلى دمشق. وخرجنا إلى الفوّار، وأسد الدّين هناك فِي العسكر الجرّار، وأطلق لكلّ فارس عشرين دينارا، ورحلوا عَلَى قصد مصر.
وخيَّم نور الدّين بمن أقام معه عَلَى رأس الماء، [1] فجاء البشير برحيل الفرنج عَنِ القاهرة عند وصول خبر العسكر، [2] فدخلوا مصر فِي سابع [3] ربيع الآخر، وتودّد شاور إلى أسد الدّين وتردّد، وتجدّد بينهما من الودّ ما تأكّد [4] .
ثمّ ساق «العماد» نحوَ ما قدّمنا، وأنّه قُتِلَ فِي سابع عشر ربيع الآخر.
ثمّ قَالَ [5] : «ولمّا فرغ العسكر بمصر بعد ثلاثة أيّام من التّعزية بأسد الدّين اختلفت آراؤهم، واختلطت أهواؤهم، وكاد الشَّمْل لا ينتظم [6] ، فاجتمع الأمراء النّوريَّة عَلَى كلمةٍ واحدة، وأيدٍ متساعدة، وعقدوا لصلاح الدّين الرأي والراية، وأخلصوا لَهُ الولاء والولاية، وقالوا: هذا مقام [7] عمّه، ونحن بحكمه، وألزموا صاحب القصر بتوليته، ونادت السّعادة بتلبيته، وشرع فِي ترتيب الملك وتربيته [8] ، وسلّط الجود عَلَى الموجود، وبسط الوفور للوفود» .
قَالَ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد [9] : وكانت الوصيَّة إلى صلاح الدّين.
من عمِّه، ولمّا فُوِّض إِلَيْهِ تاب من الخمر، وأعرض عَنِ اللهو [10] . ولقد
__________
[1] رأس الماء: من أرض حوران وتقع على طريق الحج، شمال درعا وجنوب دمشق.
[2] الروضتين ج 1 ق 2/ 391- 393 و 464.
[3] في الروضتين ج 1 ق 2/ 398 «في الرابع» .
[4] الروضتين ج 1/ ق 2/ 398.
[5] قول العماد في الروضتين ج 1 ق 2/ 409، وفي سنا البرق الشامي 1/ 81.
[6] زاد في الروضتين: «والخلل لا يلتئم» ، ومثله في: سنا البرق الشامي 1/ 81.
[7] في الروضتين «هذا قائم مقامه» ، والمثبت يتفق مع سنا البرق 1/ 81.
[8] زاد في الروضتين: «ورفض ختوم الخزائن، وأبضّ رسوم المزاين» ، وانظر: سنا البرق 1/ 81.
[9] في النوادر السلطانية 40، 41.
[10] تاريخ ابن سباط 1/ 124.(39/18)
سَمِعْتُهُ يَقُولُ لمّا يسّر اللَّه ديارَ مصر: علمت أَنَّهُ أراد فتح السّاحل، لأنّه أوقع ذَلِكَ في نفسي.
وقال ابن واصل [1] : لمّا مات أسد الدّين كَانَ ثَمَّ جماعة، منهم عين الدّولة الياروقيّ، وقُطْب الدّين خسْرو الهَذَبَانيّ [2] ، وسيف الدّين عليّ المشطوب [3] ، وشهاب الدّين محمود الحارميّ خال صلاح الدّين، وكلٌّ منهم تطاول إلى الأمر، فطلب العاضد صلاح الدّين ليولّيه الأمر، حمله على ذلك ضعف صلاح الدّين، وأنّه لا يجسر أحدٌ عَلَى مخالفته، فامتنع وجَبُن، فأُلزِم وأُحضِر إلى القصر، وخُلِع عَلَيْهِ، ولُقِّب بالملك النّاصر صلاح الدّين، وعاد إلى دار الوزارة، فلم يلتفت إِلَيْهِ أولئك الأمراء ولا خدموه، فقام بأمره الفقيه ضِياء الدّين عيسى الهكّاريّ، وأمال إِلَيْهِ المشطوب، ثمّ قَالَ لشهاب الدّين:
هذا هُوَ ابن أختك، وملكه بك، ولم يزل بِهِ حتّى حلَّفه لَهُ [4] ، ثمّ أتى قُطْب الدّين وقال: إنّ صلاح الدّين قد أطاعه النّاس، ولم يَبْقَ غيرك وغير عين الدّولة، وعلى كلّ حال، فالجامع بينك وبين صلاح الدّين أنّ أصله من الأكراد، فلا يخرج الأمر عَنْهُ إلى الأتراك. ووعده بزيادة إقطاعه، فلانَ وحَلَف [5] . ثمّ ذهب ضياء الدّين واجتمع بعين الدّولة الياروقيّ، وكان أكبر الجماعة، وأكثرهم جَمْعًا، فلم تنفع رُقاه، وقال: لا أخدم يوسف أبدا. وعاد إلى نور الدّين ومعه غيره، فأنكر عليهم فِراقهم لَهُ.
قَالَ العماد [6] : وكان بالقصر أستاذ خصيّ يلقّب مؤتمن الخلافة [7] ،
__________
[1] في مفرّج الكروب 1/ 168.
[2] في مفرّج الكروب: «قطب الدين خسرو بن تليل، وهو ابن أخي أبي الهيجاء الهذباني الّذي كان صاحب إربل» .
[3] في المفرّج: «سيف الدين علي بن أحمد المشطوب» . وفي التاريخ الباهر 255، والروضتين ج 1 ق 2/ 406 «سيف الدين علي بن أحمد الهكاري» .
[4] في الأصل: «به» . والمثبت عن: التاريخ الباهر، والروضتين.
[5] هكذا في الأصل. وفي التاريخ الباهر والروضتين: «فأطاع صلاح الدين أيضا» .
[6] قول العماد في (الروضتين ج 1 ق 2/ 450) ، وسنا البرق الشامي 1/ 82.
[7] اسمه «جعفر» . كما في: مفرّج الكروب 1/ 174، والمواعظ والاعتبار 1/ 97.(39/19)
لأمره نفاذ، وبه فِي الشّدَّة عياذ، وله بتحيُّل الحِيل لِياذ، وعلى القصر استحواذ، فتشمَّر وتنمَّر، وقال: مَن كِسْرى، ومن كَيْقبَاذ [1] ؟. وتآمر هُوَ ومن شايَعَه وبايَعَه عَلَى مكاتبة الفرنج، فكاتبوهم خفْية، فاتّفق أنّ تُرْكُمانيًّا عَبَر بالبير البيضاء [2] ، فرأى نَعْلَين جديدِين مَعَ إنسانٍ، فأخذهما وجاء بهما إلى صلاح الدّين، فوجد فِي البطانة خِرَقًا مكتوبة، مكتومة، مختومة، بالشرِّ محتومة، وإذا هِيَ إلى الفرنج من القصر، يرجون بالفرنج النَّصْر، فقال:
دلّوني عَلَى كاتب هذا الخطّ. فدلوه عَلَى يهوديّ من الرَّهْط، فلمّا أحضروه لفظ بالشّهادتين، واعترف أَنَّهُ بأمر مُؤْتَمَن الخلافة كَتَبه، واستشعر الخصِيّ العصِيّ، وخشي أن تسبقه [3] عَلَى شقّ العصا العِصِيّ، فلزم القصر. وأعرض عَنْهُ صلاح الدّين، ثمّ خرج إلى قريةٍ لَهُ [4] ، فأنهض لَهُ السّلطانُ صلاحُ الدّين من أَخَذَ رأسه فِي ذي القعدة.
ولمّا قُتِلَ هذا الخادم سار [5] السّودان وثاروا، ومن استِعار السّعير استعاروا، وأقاموا ثاني يوم قتْله وجيَّشوا، وكانوا أكثر من خمسين ألفا، من كلّ أنبسٍ أغلس، أحمر أحمس [6] ، أجرى أجرس، ألْسعٍ ألْيَس، أسودٍ أسود، وأسحم حسامه يحسم، فحسِبُوا أنّ كلّ بيضاء شحمة، وكلّ سوداء فحمة [7] ، وحمراء لحمة، وأنّ كلّ ما أسدوه من العجاج مناله لحمة، فأقبلوا ونصرائهم
__________
[1] النص في سنا البرق الشامي مختلف: «وكان بالقصر أستاذ، له على حكم القصر استحواذ، وبدا من شرار شرّه دخان، ومن رشاش كيده رذاذ» .
[2] البير البيضاء: قريبة من بلبيس بينها وبين الخانكة، ومكانها اليوم عزبة أبي حبيب بناحية الزوامل في حوض يعرف الآن باسم حوض البيضاء. وفي معجم البلدان: البيضاء اسم لأربع قرى في مصر، الأولى من كورة الشرقية (وهي المقصودة هنا) ، والثانية: غربيّ النيل بين مصر والإسكندرية، والثالثة: من ضواحي الإسكندرية، والرابعة: قرب المحلّة.
(انظر: الروضتين ج 1 ق 2/ 450 حاشية 3) .
[3] في الأصل: «تشنقه» ، والتحرير من: الروضتين ج 1 ق 2/ 451.
[4] يقال لها: الخرقانية. وفي سنا البرق الشامي 1/ 83: «وكان له قصر يقال له الخرقانية» .
[5] هكذا في الأصل. وفي الروضتين ج 1 ق 2/ 451: «غار» ، ومثله في سنا البرق 1/ 83.
[6] في سنا البرق 1/ 83: «من كل أخضر ينظر من عينيه الموت الأحمر» .
[7] انظر: مجمع الأمثال للميداني 2/ 156.(39/20)
زحمة، وما فِي قلوبهم رحمة، فقال أصحابنا: إنْ فشلنا عَنْهُمْ سَلونا البقاء، وما فِي عادتهم العادية شيء من الإبقاء، فهاجوا إلى الهيجا، وكان المقدّم الأمير أَبُو الهيجا [1] ، واتّصلت الحرب بين القصرين، ودام الشّرّ يومين، وأُخرجوا عَنْ منازلهم العزيزة إلى الجيزة [2] ، وكانت لهم محلَّة تُسمّى المنصورة [3] ، فأخرِبت وحُرِثت.
ولمّا عرف نور الدّين النّصر، واستقرار مُلْك مصر، ارتاح سِرُّه، وانشرح صدرُه، وأمدَّ الصّلاح بأخيه شمس الدّولة توران شاه [4] .
ملْك إلْدِكْز الريّ
قلت: وأمّا مملكة الرّيّ فكانت بيد إينانج يؤدّي حملا إلى إلْدكْز صاحب أَذَرْبَيْجان، فمنعه سنتين، وطالبه، فاعتذر بكثرة الْجُنْد والحاشية، فقصده إلْدكْز، فالتقيا وعملا مُصَافًّا، فانهزم إينانج، وتحصَّن بقلعةٍ، فحصره إلْدِكْز فيها. ثمّ كاتب إينانج وأطمعهم، فقتلوه، وسلّموا البلد إلى إلْدكْز، فلم يَفِ لهم بما وعد، وطردهم، فظفر خُوارَزْم شاه بالّذي باشر قتل إينانج، فأخذه وصلبه. وأمّا إلْدكْز فعاد إلى هَمَذَان، وكان هذه المدَّة قد سكنها [5] .
[تملُّك شُملة بلاد فارس وردّه]
وفيها تملَّك الأمير شُمْلَة صاحب خُوزَسْتان بلاد فارس، ثمّ حشد صاحبها وجمع، وحارب شملَة ونصر عليه، فردّ شملة إلى بلاده [6] .
__________
[1] في مفرّج الكروب 1/ 176 «أبو الهيجاء السمين» ، ومثله في سنا البرق الشامي 1/ 84.
[2] في الروضتين ج 1 ق 2/ 451: «وأخرجوا إلى الجيزة، وأذلّوا بالنفي عن منازلهم العزيزة» .
[3] محلّة المنصورة على باب زويلة. ذكرها المقريزي في (المواعظ والاعتبار) وقال إنها كانت كبيرة متّسعة، وبها منازل عدّة للسودان، أمر صلاح الدين بتخريبها بعد وقعة سنة 564 التي نكّل فيها بالثائرين منهم. (الروضتين ج 1 ق 2/ 452 بالمتن والحاشية) .
[4] سنا البرق الشامي 1/ 84.
[5] الكامل 11/ 348، المختصر في أخبار البشر 3/ 48، تاريخ ابن الوردي 2/ 77، تاريخ ابن سباط 1/ 125.
[6] الكامل 11/ 347.(39/21)
[قتْل ابني شاور وعمّهما]
وفيها قَتَل العاضِدُ بالقصر: الكامل وأخاه ابني شاور وعمّهما فِي جُمَادَى الآخرة. وذلك أنّهم لاذوا بالقصر، ولو أنّهم جاءوا إلى أسد الدّين سِلموا، فإنّه ساءه قتْل شاور [1] .
[الزلزلة بصقلّية]
وفيها كانت الزّلزلة العُظْمى بصَقَلّية، وأهِلك خلْقٌ كثير، فلله الأمر من قبل ومن بعد [2] .
__________
[1] الكامل 11/ 340، الروضتين ج 1 ق 2/ 455، مفرّج الكروب 1/ 178، سنا البرق الشامي 1/ 85، البداية والنهاية 12/ 257، النجوم الزاهرة 5/ 352، البداية والنهاية 12/ 257، اتعاظ الحنفا 3/ 304.
[2] لم يذكر السيوطي هذه الزلزلة في كتابه «كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة» ، انظر:
ص 192.(39/22)
سنة خمس وستين وخمسمائة
[الزلازل فِي الشام]
وردت الأخبار بوقوع زلازل فِي الشام وقع فيها نصف حلب، ويقال هلك من أهلها ثمانون ألفا. ذكره ابن الجوزيّ [1] .
وقال العِماد الكاتب [2] : تواصلت الأخبار من جميع بلاد الشّام بما أحدثت الزلزلة بها من الانهداد والانهدام، وأنّ زلّات زلازلها حلّت وجلّت، ومعاقد معاقلها انحلّت واختلّت، وانبتّ ما فيها وتخلّت، وأنّ أسوارَها عَلَتْها الأسواء وعرّتها، وقرَّت بها النّواكب فنكبتها وما أقرَّتها، وانهارت بالأرجاف أجراف أنهارها، وأنّ سماءها انفطرتْ، وشموسَها كُوِّرت، وعُيُونَها غُوِّرت وعُورّت. وذكر فصلا طويلا فِي الزَّلزلة وتهويلها [3] .
وقال أَبُو المظفّر بْن الجوزيّ [4] بعد أن أطنب فِي شأن هذه الزّلزلة وأسهب: لم يَرَ النّاسُ زلزلة من أوّل الْإِسْلَام مثلَها، أفْنَت العالَم، وأخربت القلاع
__________
[1] المنتظم 10/ 230 (18/ 188) .
[2] في الروضتين ج 1 ق 1/ 467.
[3] وانظر عن الزلازل في:
الكامل 11/ 354، 355، والتاريخ الباهر 145، النوادر السلطانية 43، وكتاب الروضتين ج ق 1/ 467- 469، وزبدة الحلب 2/ 330، 331، وسنا البرق الشامي 1/ 91- 93، وتاريخ الزمان 183، ومرآة الزمان 8/ 279، 280، والمختصر في أخبار البشر 3/ 49، ودول الإسلام 2/ 78، والعبر 4/ 189، وتاريخ ابن الوردي 2/ 78، ومرآة الجنان 3/ 378، والبداية والنهاية 12/ 261، والكواكب الدرّية 189، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 94- 98، وتاريخ ابن خلدون 5/ 249، واتعاظ الحنفا 3/ 318، وكشف الصلصلة 192، 193، وتاريخ ابن سباط 1/ 127، وتاريخ الحروب الصليبية 2/ 638، وتاريخ طرابلس 1/ 516.
[4] في مرآة الزمان 8/ 280.(39/23)
والبلاد. وفرَّق نور الدّين فِي القلاع العساكر خوفا عليها، لأنّها بقيت بلا أسوار.
[نزول الفرنج عَلَى دمياط]
وفيها نزلت الفرنج عَلَى دِمياط فِي صفر، فحاصروها واحدا وخمسين يوما، ثمّ رحلوا خائبين، وذلك أنّ نور الدّين وصلاح الدّين أجْلَبا عليها برّا وبحرا، وأغارا عَلَى بلادهم.
قَالَ ابن الأثير [1] : بلغت غارات المسلمين إلى ما لم يكن تبلغه، لخُلُوّ البلاد من المانع، فلمّا بلغهم ذَلِكَ رجعوا، وكان موضع المثل: خرجت النّعامة تطلب قرنين، فعادت بلاد أُذُنَين.
وأخرج صلاح الدّين فِي هذه المرَّة أموالا لا تُحصى. حُكيَ لي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ما رَأَيْتُ أكرم من العاضد، أرسل إليَّ مدَّة مُقام الفرنج عَلَى دمياط ألف ألف دينار مصريَّة، سوى الثّياب وغيرها [2] .
[أخذ نور الدين سنجار]
وفيها توجّه نور الدّين إلى سِنْجار، فحاصرها حصارا شديدا، ثمّ أخذها بالأمان [3] ، ثمّ توجَّه إلى الموصل ورتَّب أمورها، وبنى بها جامعا، ووقفَ عَلَيْهِ الوقوف الجليلة [4] .
__________
[1] في الكامل 11/ 352، والتاريخ الباهر 144.
[2] وانظر الخبر أيضا في: سنا البرق الشامي 1/ 86، والروضتين ج 1 ق 2/ 456- 462، والنوادر السلطانية 41- 43، ومفرّج الكروب 1/ 179- 184، وتاريخ الزمان 181، والمختصر في أخبار البشر 3/ 48، 49، ومرآة الزمان ج 8/ 279، والعبر 4/ 189، ودول الإسلام 2/ 78، وتاريخ ابن الوردي 2/ 77، والبداية والنهاية 12/ 260، ومرآة الجنان 3/ 378، والكواكب الدرّية 185- 187، والنجوم الزاهرة 5/ 7، وتاريخ ابن سباط 1/ 126، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 231، وذكر الحريري خبر دمياط في حوادث سنة 561، انظر: الإعلام والتبيين 29، والصحيح في سنة 565 هـ. والدر المطلوب 41، واتعاظ الحنفا 3/ 315، 316، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 82- 87.
[3] الكامل 11/ 363 (حوادث سنة 566 هـ.) ، الدرّ المطلوب 45، العبر 4/ 190.
[4] الكامل 11/ 364 (حوادث سنة 566 هـ.) ، دول الإسلام 2/ 78، العبر 4/ 190، مرآة(39/24)
[دخول نجم الدين أيوب مصر]
وفيها دخل نجم الدّين أيّوب مصر، فخرج العاضد إلى لقائه بنفسه [1] ، وكان يوما مشهودا، وتأدَّب ابنه صلاح الدّين معه، وعَرَض عَلَيْهِ منصبه [2] .
[منازلة نور الدين الكرَك]
وفيها سار نور الدّين، فنازل الكَرَك، ونصب عليها منجنيقين، وقاتلهم أشدّ القتال، فبلغه وصول الفرنج إلى ماء عين، فعطف عليهم، فانهزموا [3] .
[أسْر أمير حصن عكار]
وفيها طَرَقَ الفرنجُ حصنَ عكّار من المسلمين، وأسروا أميرها، وهو خُطْلُخ السِّلَحْدار مملوك نور الدّين [4] .
__________
[ () ] الجنان 3/ 378، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 104.
[1] الكامل 11/ 353.
[2] الروضتين ج 1 ق 2/ 466، سنا البرق الشامي 1/ 89، مفرّج الكروب 1/ 185، زبدة الحلب 2/ 329، نهاية الأرب 28/ 362، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 87/ 9.
[3] الكامل 11/ 352، 353، التاريخ الباهر 144، سنا البرق الشامي 1/ 89، 90، النوادر السلطانية 45، زبدة الحلب 2/ 329، الروضتين ج 1 ق 2/ 464، 465، المختصر في أخبار البشر 3/ 49، العبر 4/ 190، دول الإسلام 2/ 78، البداية والنهاية 12/ 260، تاريخ ابن الوردي 2/ 78، الكواكب الدريّة 188، تاريخ ابن خلدون 5/ 249، تاريخ ابن سباط 1/ 127، وذكر الحريري خبر الكرك في حوادث سنة 561 هـ. (الإعلام والتبيين 30) والصحيح في هذه السنة 565 هـ.، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 93.
[4] النوادر السلطانية 42 وفيه: «عكا» وهو غلط، لأنّ عكّا في هذه السنة كانت بيد الفرنج، ولا حاجة لأن يطرقوها، والصواب «عكار» كما هو مثبت هنا، فهي بيد المسلمين.
ولم يتنبّه محقّق النوادر إلى هذا الوهم، فاقتضى التصحيح.
والخبر في: الكامل 11/ 327 و 328 (حوادث 564 هـ.) ، والروضتين ج 1 ق 2/ 374 و 375، وكتابنا: تاريخ طرابلس 1/ 515.(39/25)
سنة ست وستين وخمسمائة
[وفاة المستنجد باللَّه]
فيها وفاة المستنجد باللَّه، وما زالت الحُمرة الكثيرة تعرض فِي السّماء منذ مرِض، وكانت ترمي ضوءها عَلَى الحيطان [1] .
[خلافة المستضيء باللَّه]
وبُويع ابنه المستضيء أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن، وأمّه أرمينيَّة، بايعه النّاس، وصلّى ليومه عَلَى المستنجد، ونادى برفع المُكُوس، وردَّ مظالم كثيرة، وأظهر من العدل والكرم ما لم نره من الأعمار، قاله ابن الجوزيّ [2] .
__________
[1] انظر عن (وفاة المستنجد باللَّه) في: المنتظم 10/ 232 (18/ 190) ، و 10/ 236 رقم 336 (18/ 195 رقم 4289) ، والإنباء في تاريخ الخلفاء 226، والكامل في التاريخ 11/ 360- 362، والتاريخ الباهر 150- 152، والروضتين ج 1 ق 2/ 483- 485، وتاريخ الزمان 185، وتاريخ مختصر الدول 214، وسنا البرق الشامي 1/ 100، ومفرّج الكروب 1/ 193- 196، ومختصر التاريخ 233- 236، ومرآة الزمان 8/ 177، وزبدة التواريخ 282، وتاريخ إربل 1/ 196 و 243، وخلاصة الذهب المسبوك 276، والفخري 316، والمختصر في أخبار البشر 3/ 49، والعبر 4/ 194، ودول الإسلام 2/ 79، وسير أعلام النبلاء 20/ 412- 418 رقم 274، وتاريخ ابن الوردي 2/ 78، وفوات الوفيات 4/ 358- 360، ومرآة الجنان 3/ 379، والبداية والنهاية 12/ 262، وتاريخ ابن خلدون 3/ 525، والجوهر الثمين 210، 211، ونهاية الأرب 23/ 294- 300، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 118، وتاريخ الخميس 2/ 408، 409، والكواكب الدرية 192- 194، ومآثر الإنافة 2/ 44- 49، والنجوم الزاهرة 5/ 386، وحسن المحاضرة 2/ 91، 92، وتاريخ الخلفاء 442- 444، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 128، وشذرات الذهب 4/ 218، 219، وأخبار الدول 176، 177.
[2] في المنتظم 10/ 232، 233 (18/ 190، 191) ، العبر 4/ 192.(39/26)
ثمّ قَالَ: واحتجب المستضيء عَنْ أكثر النّاس، فلم يركب إلا مع الخدم، ولم يدخل عَلَيْهِ غير قَيْماز [1] .
[كتاب التهنئة برحيل الفرنج عَنْ دمياط]
وقال العِماد الكاتب [2] : أنشأتُ عَنْ نور الدّين كتابا إلى العاضد، يهنّئه برحيل الفرنج عَنْ دِمياط. وكان قد ورد كتاب العاضد بالاستقالة من الأتراك فِي مصر خوفا منهم، والاقتصار منهم عَلَى صلاح الدّين، فقلت: الخادم يهنّئ بما مضاه اللَّه من الظَّفَر الَّذِي أضحك سنّ الْإِيمَان. ثمّ ذكر أنّ الفرنج لا تؤمن غائلتهم، والرأي إبقاء التُّرك بديار مصر.
[وفاة قطب الدين]
ولمّا بلغ نورَ الدّين وفاةُ أخيه قُطْب الدّين بالموصل، توجّه ليدبّر أحوالها [3] .
[دخول نور الدين الموصل]
وكان الخادم فخر الدين عَبْد المسيح قد تعرَّض للحكم، وأقام سيف الدّين غازي مُقام أَبِيهِ، فقال نور الدّين: أَنَا أَوْلَى بتدبير البلاد. فسار مارّا عَلَى قلعة جَعْبَر، واستصحب معه العسكر [4] .
__________
[1] المنتظم 10/ 234 (18/ 192، 193) ، العبر 4/ 192، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 123.
[2] في: الروضتين.
[3] انظر عن (وفاة قطب الدين) في: التاريخ الباهر 146- 150، والروضتين ج 1 ق 2/ 472- 475، وتاريخ الزمان 183 (سنة 565 هـ.) ، تاريخ مختصر الدول 213 (سنة 565 هـ.) ، سنا البرق الشامي 1/ 93، مفرّج الكروب 1/ 188، نهاية الأرب 27/ 163 و 179، ومرآة الزمان 8/ 281، وتاريخ الخميس 2/ 408 وفيه وفاته سنة 559 هـ.، ومرآة الجنان 3/ 378، والنجوم الزاهرة 5/ 383.
[4] التاريخ الباهر 152، الروضتين ج 1 ق 2/ 475، تاريخ الزمان 183، 184، تاريخ مختصر الدول 213، سنا البرق اشامي 1/ 93، 94، نهاية الأرب 27/ 180، مرآة الزمان 8/ 282، النجوم الزاهرة 5/ 384، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 111- 113.(39/27)
ثمّ سيّر من الرّقَّة العماد الكاتب فِي الرّسْليَّة إلى الخليفة [1] .
ثمّ حاصر نور الدّين سِنْجار، وهدم سورها بالمجانيق، ثمّ تسلّمها، وسلّمها إلى ابن أخيه زنكي بْن مودود [2] .
وقصد الموصل، فنزل عليها، خاض إليها دِجلة من مخاضةٍ دلّه عليها تُرْكُمانيّ. ثمّ أنعم نور الدّين عَلَى أولاد أخيه، وأقرّ غازيا عليها، وألبسه التّشريف الَّذِي وصل إِلَيْهِ من الْإِمَام المستضيء. ثمّ دخل نور الدّين قلعة المَوْصِل، فأقام بها سبعة عشر يوما، وجدّد مناشير ذوي المناصب، فكتب منشورا لقاضيها حُجَّة الدّين ابن الشّهرزُوريّ، وتوقيعا لنقيب العلويّين، وكَتب منشورا بإسقاط المُكُوس [3] والضّرائب، فما أعيدت إلّا بعد وفاته [4] .
قَالَ العماد [5] : وكتبت لَهُ منشورا أيضا بإطلاق المكوس والضّرائب فِي جميع بلاده.
قَالَ [6] : وحضر مجاهد الدّين قايماز صاحب إربل فِي الخدمة النُّوريَّة، وزخرت المَوْصِل بأمواج هداياه. ثمّ ولّى نور الدّين سعَد الدَّين كُمُشْتِكِين بقلعة المَوْصِل عَنْهُ نائبا، وأمر فخر الدّين عَبْد المسيح بأن يكون له في خدمته
__________
[1] التاريخ الباهر 152، الروضتين ج 1 ق 2/ 476، تاريخ الزمان 184، سنا البرق الشامي 1/ 95، 96، المختصر في أخبار البشر 3/ 50.
[2] التاريخ الباهر 153، الروضتين ج 1 ق 2/ 476، تاريخ الزمان 184، سنا البرق الشامي 1/ 96، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 114.
[3] المكوس: مفردها مكس، الضريبة، وهي كل ما يحصّل من الأموال لديوان السلطان، أو لأصحاب الإقطاعات أو لموظفي الدولة خارجا عن الخراج الشرعي. (صبح الأعشى 3/ 468، المواعظ والاعتبار 1/ 103 و 2/ 121) .
[4] التاريخ الباهر 152- 154، الكامل 11/ 362- 365، سنا البرق الشامي 96، 97، الروضتين ج 1 ق 2/ 477- 480، زبدة الحلب 2/ 332، تاريخ مختصر الدول 214، تاريخ الزمان 184، 185، النوادر السلطانية 44، الأعلاق الخطيرة ج 2 ق 1/ 57، نهاية الأرب 27/ 163، المختصر في أخبار البشر 3/ 50، العبر 4/ 192، تاريخ ابن الوردي 2/ 78، البداية والنهاية 12/ 263، الكواكب الدرّية 190، 191، تاريخ ابن سباط 1/ 129.
[5] في الروضتين ج 1 ق 2/ 479، سنا البرق الشامي 1/ 97.
[6] في الروضتين ج/ 1 ق 2/ 480، وسنا البرق الشامي 1/ 99.(39/28)
بالشّام مُصاحِبًا. واقتطع عَنْ صاحب المَوْصِل: حَرّان، ونصيبين، والخابور [1] ، وعاد إلى سِنْجار، فأعاد إلى عمارة أسوارها، ودخل حلب فِي رجب [2] .
[أسر جماعة من الفرنج]
وكان ثلاثمائة فارس من الفرنج قد أغاروا، فصادفهم صاحب البِيرة [3] شهاب الدّين مُحَمَّد بْن إلياس بْن إيلغازي بْن أُرْتُق وهو يتصيَّد، فقَتَل وأسَرَ أكثرهم، وقدِم بالأسارى عَلَى نور الدّين، وكان بينهم سبعة عشر فارسا، فيهم مُقَدَّم الإسبِتار الأعور بحصن الأكراد [4] .
وللعماد الكاتب فِي شهاب الدّين قصيدة مَطْلَعُها:
يروق ملوكَ الأرض صيْدُ القَنَائصِ ... وصَيدُ شهابِ الدّين صَيْدُ القوامصِ
[بناء مدرسة للشافعية والمالكية بمصر]
وفيها عمل صلاح الدّين بمصر حبْس المعونة [5] مدرسة للشّافعيَّة، وبنى دار الغزل [6] مدرسة للمالكيّة [7] .
__________
[1] زاد في سنا البرق الشامي 99 «والمجدل» .
[2] النوادر السلطانية 44 وفيه: «فدخل حلب في شعبان من هذه السنة» . ومثله في: الروضتين ج 1 ق 2/ 481، سنا البرق الشامي 1/ 99.
[3] البيرة: قلعة في شرقي الفرات بين الرها وعين تاب. (معجم البلدان 1/ 526) .
[4] سنا البرق الشامي 1/ 106، مفرّج الكروب 1/ 188، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 123، 124.
[5] كان بمصر داران للمعونة، كلّ منهما تعرف باسم حبس المعونة، إحداهما بالفسطاط، والأخرى بالقاهرة، واسمها مأخوذ من ظروف إنشائها إذ أنها بنيت بمعونة المسلمين لينزلها ولاتهم، ثم جعلت دارا للشرطة، ثم حوّلت في عهد العزيز باللَّه الفاطمي إلى سجن عرف باسم حبس المعونة، ثم حوّلها صلاح الدين إلى مدرسة للشافعية. (انظر: مفرّج الكروب 1/ 197 بالحاشية 4) .
[6] في الكامل 11/ 366 ومرآة الزمان 8/ 283: «دار العدل» ، وهو تحريف، والمثبت يتفق مع: مفرّج الكروب 1/ 197، والروضتين ج 1 ق 2/ 486، وسنا البرق الشامي 1/ 107، والمختصر في أخبار البشر 3/ 50، ونهاية الأرب 28/ 363.
[7] كانت دار الغزل قبل ذلك قيسارية يباع فيها الغزل، وعرفت كذلك باسم المدرسة القمحية لأن القمح كان يوزّع على فقهائها من ضيعة بالفيّوم، أوقفها صلاح الدين عليها. (انظر:(39/29)
[تقليد قضاء مصر]
وقلَّد القضاء بديار مصر صدر الدّين عَبْد الملك بْن دِرْباس [1] .
[الغارة عَلَى الرملة، وعسقلان وغيرهما]
وخرج بجيوشه فأغار عَلَى الرملة وعسقلان، وأولي الكُفْر الخذلان، وهجم رَبَض غزَّة، ورجع إلى مصر [2] .
[فتح قلعة أيلة]
وافتتح قلعة أَيْلَة فِي السّنة، غزاها جُنْدُه فِي المراكب واستباحها قتْلًا وسبْيًا [3] .
[سماع صلاح الدين من السِّلفي]
وفيها سار إلى الإسكندريَّة ليشاهدها، ويرتّب قواعدها، وسمع بها حينئذٍ من السّلفيّ [4] .
__________
[ () ] مفرّج الكروب 1/ 98 حاشية 1) .
[1] الروضتين ج 1 ق 2/ 486، سنا البرق الشامي 1/ 107، نهاية الأرب 28/ 364، البداية والنهاية 12/ 263، اتعاظ الحنفا 3/ 319، النجوم الزاهرة 5/ 385، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 2330، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 125،
[2] الكامل 11/ 365، الروضتين ج 1 ق 2/ 486، مفرّج الكروب 1/ 197، 198، سنا البرق الشامي 108، الدرّ المطلوب 47، اتعاظ الحنفا 3/ 320، النجوم الزاهرة 5/ 385، تاريخ ابن الفرات م 4/ 1/ 125، 126.
[3] الكامل 11/ 365، سناء البرق الشامي 1/ 108، 109، مفرّج الكروب 1/ 198، 199، الروضتين ج 1 ق 2/ 486 و 490، 491، المختصر في أخبار البشر 3/ 50، تاريخ ابن الوردي 782، البداية والنهاية 12/ 263، الكواكب الدرّية 194، 195، اتعاظ الحنفا 3/ 320، تاريخ ابن سباط 1/ 130، النجوم الزاهرة 5/ 385، 386، شفاء القلوب 74، الدرّ المطلوب 47، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 126، 127.
[4] النوادر السلطانية 9 وفيه: «تردّد إلى الحافظ الأصفهاني بالإسكندرية- حرسها الله تعالى- وروى عنه أحاديث كثيرة» ، الروضتين ج 1 ق 2/ 486 دون خبر سماعه على السّلفي، وسنا البرق الشامي 1/ 109، ومفرّج الكروب 1/ 199، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 127.(39/30)
[تحويل منازل العزّ إلى مدرسة للشافعية]
وفيها اشترى تقيُّ الدِّين عُمَر بْن شاهنشاه بْن أيّوب منازل [العزّ] [1] بمصر، وصيَّرها مدرسة للشّافعيَّة.
[وفاة ابن الخلّال]
وفي جُمَادى الآخرة تُوُفّي بمصر القاضي ابن الخلّال صاحب ديوان الإنشاء بمصر [2] ، ولمّا كَبُر جلس فِي بيته. وكان القاضي الفاضل يوصل إِلَيْهِ كلّ ماله [3] .
[استيلاء الخَزَر عَلَى دَوِين]
وفيها ظهر ملك الخَزَر وفتح دَوِين، وهي بلْدةٌ قرب أَذَرْبَيْجان، وقتلوا من المسلمين بها ثلاثين ألفا [4] .
[ظهور مغربيّ دعيّ وقتله]
وفيها ظهر بدمشق مغربيّ فربط طائفة من الأغنياء، وأظهر التخاييل، ثم ادّعى الرّبوبيّة، فقتل، وللَّه الحمد [5] .
__________
[1] في الأصل بياض. والمثبت من: الكامل 11/ 366، والروضتين ج 1 ق 2/ 487. وسنا البرق الشامي 1/ 110، والمواعظ والاعتبار 2/ 376 و 4/ 194، 195، والمختصر في أخبار البشر 3/ 50 وفيه «الغز» وهو تحريف، ونهاية الأرب 28/ 363، ومرآة الزمان 8/ 283 وفيه تحرّفت إلى: «مبارك المعز» ، البداية والنهاية 12/ 263، اتعاظ الحنفا 3/ 320، والنجوم الزاهرة 5/ 386، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 128.
[2] الكامل 11/ 366.
[3] الروضتين ج 1 ق 2/ 487، خريدة القصر (قسم شعراء مصر) 1/ 235، سنا البرق الشامي 1/ 110، وفيات الأعيان 6/ 219- 224، وعيون التواريخ (مخطوط) 17/ 133 ب- 135- أ، عقد الجمان (مخطوط) 12/ 165 أ، ب، المختصر في أخبار البشر 3/ 50، مرآة الجنان 3/ 379 وفيه تحرّف إلى «ابن الجلال» ، البداية والنهاية 12/ 264، اتعاظ الحنفا 3/ 322.
[4] دول الإسلام 2/ 78، العبر 4/ 192 و «دوين» : مدينة في أرّان من آخر حدود أذربيجان بغرب تفليس.
[5] الخبر ذكره أبو شامة نقلا عن ابن أبي طيِّئ، وهو بتفصيل أكثر مما هنا: «وظهر في(39/31)
__________
[ () ] مشغرى، قرية من قرى دمشق، رجل ادّعى النّبوّة، وكان من أهل المغرب، وأظهر من التخاييل والتمويهات ما فتن به الناس، واتّبعه عالم عظيم من الفلّاحين وأهل السواد، وعصى على أهل دمشق، ثم هرب من مشغرى في الليل وصار إلى بلد حلب، وعاد إلى إفساد عقول الفلّاحين بما يريدهم من الشعبذة والتخاييل، وهوى امرأة وعلّمها ذلك، وادّعت أيضا النّبوّة» . (الروضتين ج 1 ق 2/ 643) وهو باختصار في: الدرّ المطلوب 56، ودول الإسلام 2/ 79 وفيه اسمه: «معزّ الدين المغربي» ، البداية والنهاية 12/ 291 (حوادث سنة 270 هـ.) .(39/32)
سنة سبع وستين وخمسمائة
[عزل ابن رئيس الرؤساء]
في هذه السّنة دخل نجاح الخادم عَلَى الوزير ابن رئيس الرؤساء ومعه خطّ الخليفة بعزله، وأمر بطَبْق [1] دَواته، وحلّ أزراره، وإقامته من مُسْنَدِه، وقبض عَلَى ولده أستاذ الدّار، ثمّ نُهِبت دارُه ودار ولده، واستنيب ابن جَعْفَر ناظر المخزن في الوزارة [2] .
[الحريق ببغداد]
وفيها وقع حريقٌ عظيم ببغداد [3] .
[هديَّة صاحب البحرين]
ووصلت رُسُل صاحب البحرين إلى الخليفة بهدايا [4] .
[تدريس ابن الجوزي «بالحلبة» ]
قَالَ ابن الجوزيّ [5] : وتكلّمت فِي رمضان بِالحلبة، فتاب نحو مائتي رَجُل، وقطعت شعور مائة وعشرين منهم.
__________
[1] في الأصل: «بطرق» .
[2] المنتظم 10/ 237، 238 (18/ 197) ، دول الإسلام 2/ 79، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 187.
[3] المنتظم 10/ 238 (18/ 197) ، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 187.
[4] المنتظم 10/ 238 (18/ 197) ، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 187.
[5] في المنتظم 10/ 237 (18/ 197) ، ونقل عنه ابن الفرات في تاريخه م 4 ج 1/ 187.(39/33)
[الخطبة للعباسيّين بمصر]
ووصل ابن عَصْرُون [1] رسولا، بأنّ أمير المؤمنين خُطِب لَهُ بمصر [2] ، وضُرِبت السّكَّة باسمه، فغلّقت أسواق بغداد، وعُمِلت القباب. وكانت قد قُطِعت من مصر خطبة بني الْعَبَّاس من أكثر من مائتي سنة [3] .
قَالَ العماد [4] رحمه اللَّه: استفتح السّلطان سنة سبْعٍ بجامع مصر كلّ طاعة وسمع، وهو إقامة الخُطَب فِي الجمعة الأولى بمصر لبني الْعَبَّاس، وعَفَت البدعة، وصَفت الشِّرْعَة، وأقيمت الخطبة العبّاسيَّة فِي الجمعة الثّانية بالقاهرة. وأعقب ذَلِكَ موتُ العاضِد فِي يوم عاشوراء بالقصر، وجلس السّلطان صلاح الدّين للعزاء، وأغرب فِي الحُزْن والبكاء، وتسلَّم القصر، بما فِيهِ من خزائنه ودفائنه [5] .
[تعيين قراقوش زماما لقصر الخلفاء]
ولمّا قُتِلَ مؤتَمَنُ الخلافةِ صُرِف مَن هُوَ زمام القصر، وصيّر زمامه بهاء
__________
[1] هو شهاب الدين أبو المعالي المطهّر بن أبي عصرون، وسيأتي في المتن قريبا.
[2] ذكر العماد في أخبار سنة 572 هـ. أنّ الّذي خطب بمصر لبني العباس أولا هو: أبو عبد الله محمد بن المحسن بن الحسين بن أبي المضاء البعلبكي. وذكر ذلك أيضا ابن الدبيثي في تاريخه. (الروضتين ج 1 ق 2/ 492) وانظر الاختلاف في: نهاية الأرب 28 (حوادث 567 هـ.) واتعاظ الحنفا 3/ 326، والنجوم الزاهرة 5/ 355، 356 والخطبة 343.
[3] المنتظم 10/ 237 (18/ 196) ، وانظر: الكامل في التاريخ 11/ 371، والروضتين ج 1 ق 2/ 493 و 502، تاريخ الزمان 187، المغرب في حلى المغرب 98، ودول الإسلام 2/ 80 وفيه: وكانت دولتهم من قبيل الثلاثمائة ... وكانت قد قطعت دعوة بني العباس من مصر من مائتين وعشر سنين، العبر 4/ 195 وفيه: «وكانت خطبة بني العباس قد قطعت من مصر من مائتي سنة وتسع سنين» ، ومثله في: مرآة الجنان 3/ 379، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 236 وفيه: «وقد أقامت دولتهم بمصر نحو مائتين وست سنين» .
[4] في الروضتين ج 1 ق 2/ 494 جزء يسير من قول العماد، وهو في: سنا البرق الشامي 1/ 111.
[5] المغرب في حلى المغرب 97، دول الإسلام 2/ 80.(39/34)
الدّين قراقوش [1] ، فما دخل القصْرَ شيءٌ ولا خرج إلّا بمرأى منه ومَسْمَع، ولا حصل أهلُ القصر بعد ذَلِكَ عَلَى صفْو مُشْرَع. فلمّا تُوُفّي العاضد أحيط عَلَى آل القصر فِي موضع جُعِل برسمهم عَلَى الانفراد، وقُرِّرت لهم الكُسْوات والأزْواد، فدامت زمانا، فجُمِعت رجالهم، واحتُرِز عليهم، ومنعوا من النّساء لئلّا يتناسلوا، وهم إلى الآن محصورون محسورون لم يظهروا. وقد نقص عددهُم، وقُلِّص مددُهُم. وفرَّق ما فِي القصر من الحرائر والإماء، وأخذ ما يصلح له ولأمرائه من أخاير الذّخائر، وزواهر الجواهر، ونفائس الملابس، ومحاسن العرائس، وقلائد الفرائد، والدُّرَّة اليتيمة، والياقوتة الغالية [2] القيمة.
ووصف العماد أشياء، عديدة [3] .
قَالَ [4] : واستمرّ البيع فيما بقي عشر سنين، ومن جُملتها الكُتُب، وكانت خزانة الكُتُب مشتملة عَلَى نحو مائةٍ وعشرين ألف مجلّدة [5] .
وانتقل إلى القصر الملك العادل سيف الدّين أَبُو بَكْر لمّا ناب عَنْ أخيه، واستمرَّت سُكْناه فِيهِ [6] .
وكان صلاح الدّين لا يخرج عَنْ أمر نور الدّين، ويعمل لَهُ عمل القويّ الأمين، ويرجع إلى رأيه المتين [7] .
__________
[1] هو بهاء الدين قراقوش بن عبد الله الأسدي المتوفى سنة 597 هـ. (وفيات الأعيان 3/ 364- 371) .
[2] في الروضتين ج 1 ق 2/ 495 «والياقوتة العالية الغالية» .
[3] الروضتين ج 1 ق 2/ 494، 495 و 506، سنا البرق الشامي 1/ 112.
[4] قوله في الروضتين ج 1 ق 2/ 495 و 507، وسنا البرق الشامي 1/ 112، والنجوم الزاهرة 5/ 335.
[5] الروضتين ج 1 ق 2/ 508، سنا البرق الشامي 1/ 111- 113، دول الإسلام 2/ 80 فيه:
«وكانت أزيد من مائة ألف مجلّد» .
[6] سنا البرق الشامي 1/ 113،
[7] الروضتين ج 1 ق 2/ 503.(39/35)
[كتاب البشارة بالخطبة لأمير المؤمنين]
وسيَّر نور الدّين إلى الدّيوان العزيز بهذه البشارة شهاب الدّين المطهّر بْن العَلامَة شَرَف الدِّين بْن أَبِي عصرون، وأمرني بإنشاء بشارة عامَّة تُقرأ فِي سائر بلاد الْإِسْلَام [1] :
«الحمد للَّه مُعلي الحقّ ومعلنة، ومُوهي الباطل ومُوهنه» . منها: «ولم يبق بتلك البلاد مِنبرٌ إلّا وقد أقيمت عَلَيْهِ الخطبة لمولانا الْإِمَام المستضيء بأمر اللَّه أمير المؤمنين، وتمهّدت جوامع الْجُمَع، وتهدَّمت صوامع البِدَع» .
إلى أن قَالَ: «وطالما سَرْت [2] عليها الحِقبُ الخوالي [3] ، وبقيت مائتين وثمان سنين [4] ممنوَّةً بدعوة المُبْطِلين، مملُوءةً بحزب الشّياطين [5] . فملَّكنا اللَّهُ تلك البلاد، ومكَّن لنا فِي الأرض، وأقدرنا عَلَى ما كُنَّا نؤمّله من [6] إزالة الإلحاد والرَّفْض.
وتقدّمْنا إلى كلّ من اسْتَنَبْنا أن يقيم الدّعوة العبّاسيَّة هنالك، ويورد الأدعياء ودُعاة الإلحاد بها المهالك» .
وقال من إنشائه فِي البشارة إلى الدّيوان العزيز.
«وصارت مصر سوقَ الفُسُوق، ودُوحة شعب الإلحاد، وموطن دعوة الدَّعِيّ، ومحَلّ المُحَال والمَحْلِ، وقحْط الضّلال والْجَهْل، وقد استولت بها
__________
[1] إلى هنا في: سنا البرق الشامي 1/ 115 ولم يذكر شيئا من نصّ البشارة.
[2] هكذا في الأصل. وفي الروضتين ج 1 ق 2/ 502 «مرّت» .
[3] بعدها زيادة: «وآبت دونها الأيام والليالي» .
[4] في الروضتين: «مائتين وثمانين سنة» . والمثبت أعلاه هو الصحيح إذ انقطعت الخطبة للعباسيين بمصر منذ دخلها الفاطميّون العبيديّون سنة 358 حتى أعيدت سنة 566 هـ.
وانظر: مرآة الزمان 8/ 285.
[5] انظر بعدها زيادة في: الروضتين ج 1 ق 2/ 502.
[6] في الروضتين: «في» .(39/36)
جنود الشّياطين، واستعلت بها دعوة المعطِّلين، وغلبت بها نجوى المُبْطِلين، وتبطّلت الجماعات والْجُمَع، واستفحلت الشّناعات والبِدَع، وأفرخ الشّيطان بها وباض، واشتهر الجور واستفاض، واستبدلت للعمائم السّواد بالبياض» .
وللعماد قصيدة منها:
قد خَطَبْنَا للمستضيء بمصر ... نائبِ المُصْطَفَى إمام العصْر
وخَذَلْنا نُصْرَة العَضُد [1] العاضدِ ... والقاصِرَ الَّذِي بالقَصْر
وَتَرَكْنَا الدّعِيَّ يدعو ثُبُورا ... وهو بالذّلّ تحت حَجْرٍ وحصْر [2]
[وصول الخِلَع من الخليفة إلى دمشق]
ووصل الأستاذ عماد الدّين صَنْدَل [3] الطُّوَاشيّ المقتفويّ إلى دمشق رسولا من دار الخلافة فِي جواب البشارة بالخِلَع والتّشريفات لنور الدّين وصلاح الدّين فِي السّنة، ومعه رسولان من الوزير، ومن الأمير قُطْب الدّين قايماز.
وكان صندل قد ولّي أستاذيّةالدار المستضيئة بعد الكمال ابن رئيس
__________
[1] قال أبو شامة: أراد بالعضد وزير عضد الدين بن رئيس الرؤساء. (الروضتين ج 1 ق 2/ 503) .
وهو: أبو الفرج عضد الدين محمد بن أبي الفتوح عبد الله بن رئيس الرؤساء الّذي كان من قبل أستاذ الدار أيام المستنجد. وبعد وفاة المستنجد استولى عضد الدين على الوزارة وأخرج المستضيء من حبسه وأخذ البيعة له، وقد عزله المستضيء وسجنه، ثم أعاده إلى الوزارة. وفي أواخر أيامه كان في طريق الحج، فتقدّم منه شخص، وصاح: مظلوم. ثم مدّ يده بشيء، فظنّ عضد الدين أنه يتقدّم بمظلمة، ولكنه لم يلبث أن تلقّى طعنة بسكّين كانت بيد هذا المتظلّم، وعاونه في هجومه آخران، وقيل: إنهم جميعا كانوا من الباطنية.
(انظر: الفخري، والنجوم الزاهرة 6/ 81، 82) .
[2] الروضتين ج 1 ق 2/ 503 من جملة أبيات كثيرة.
[3] في النجوم الزاهرة 6/ 64 و 76 «الحسن صندل» . وهو: عماد الدين صندل بن عبد الله الخادم.(39/37)
الرؤساء. ولبس نور الدّين الخِلَع، وهي فَرَجِيَّة [1] ، وجُبَّة، وقباء، وطَوْق ذهب ألف دينار، وحصان بسَرْجٍ خاصّ، وسيفان، ولواء، وحصان آخر بحليته يجنّب بين يديه. وقلِّد السّيفين إشارة إلى الجمْع لَهُ بين مصر والشّام.
وخرج فِي دَسْت السَّلْطَنة، واللّواءُ منشور، والذّهبُ [2] منثور إلى ظاهر دمشق، وانتهى إلى آخر الميدان، ثمّ عاد.
وسُيِّر إلى صلاح الدّين تشريف فائقٌ، لكنّه دون ما ذكرناه لنور الدّين بقليل، فكان أوّل، هبة [3] عبّاسيَّة دخلت الدّيار المصريَّة، وقضى أهلها منها العجب، وكان معها أعلام وبُنُود وأهب عبّاسيَّة للخُطَبَاء بمصر [4] .
وسيَّر إلى العماد الكاتب خلعة ومائة دينار من الدّيوان [5] .
قَالَ: فسيَّرت إلى الوزير هذه المدْحة، واستزدتُ المِنْحَة، وهي:
عسى أن تعودَ ليالي زُرُودِ [6]
وهي طويلة منها:
نُحُولي من ناحلاتِ الخُصُور ... ومَيْلي إلى مائلات القُدُودِ
وتطميني طاميات الوِشاحِ ... وتعلُّقني عَلَقات العقود
__________
[1] الفرجية: نوع من القباء المسترسل، ويصنع اليوم غالبا من الجوخ وله أكمام واسعة طويلة. (دوزي 327- 334) وهو اسم الثوب «الفوقاني» الخاص بطبقة العلماء، وكان النوع الّذي يمنحه السلطان أكثرها أناقة، فهو مبطّن، فراء السنجاب. (الملابس المملوكية 95) .
[2] في الروضتين ج 1 ق 2/ 505: «والنضار» .
[3] في الروضتين ج 1 ق 2/ 506: «أهبة» .
[4] الروضتين ج 1 ق 2/ 506، سنا البرق الشامي 1/ 117، مرآة الزمان 8/ 285، دول الإسلام 2/ 80، العبر 4/ 195.
[5] سنا البرق الشامي 1/ 118.
[6] بقيّة البيت في: سنا البرق 1/ 118:
وتقضى المنى بنجاز الوعود(39/38)
وما العَيْشُ إلّا مَبِيتُ المُحِبّ ... فوق التّرائب بين النُّهُودِ
وما كنت أعلم أنّ الظِّبا يوجره ... قانصُهُ للأُسُودِ
وخيلُ بِنْتِ النّجومِ الصّعادِ ... بين العجّاج بأرض الصَّعيدِ
سوابقُ قد ضُمِّرْنَ للطِّرادِ ... بكلّ عِتاقٍ من الجرْد قُودِ
تخفُقُ منها قلوبُ العِداةِ ... كما خَفَقَتْ عَذَباتُ البُنُودِ
أذاعت، بمصرَ لِداعي الهُداةِ ... وانتقمت من دَعِيّ الْيَهُودِ
يعني بدَعِيّ اليهود العاضد، لأنّ جدّهم عُبَيْد اللَّه قد جاء أَنَّهُ يهوديّ الأصل.
[رواية ابن الأثير فِي انقراض الدولة العُبيدية]
وقال ابن الأثير [1] :
فصل فِي انقراض الدّولة المصريَّة وإقامة الدّولة العبّاسيَّة بمصر وذلك فِي المحرَّم سنة سبْع، فقطِعت خطبة العاضد، وخطِب فيها للمستضيء بأمر اللَّه أمير المؤمنين. وسبب ذَلِكَ أنّ صلاح الدّين لما ثبّت قَدَمَه، وضعُفَ أمرُ العاضد، ولم يبق من العساكر المصريَّة أحدٌ، كتب إِلَيْهِ نور الدّين يأمره بذلك، فاعتذر بالخوف من وثوب المصريّين وامتناعهم، فلم يُصْغِ إلى قوله، وأرسل إِلَيْهِ يُلْزمه بذلك. واتّفق أنّ العاضد مرض، وكان صلاح الدّين قد عزم عَلَى قطْع الخطْبة، فاستشار أمراءه كيف الابتداء؟ فمنهم من أقدم عَلَى المساعدة، ومنهم من خاف. وكان قد دخل مصر أعجميٌّ يُعرف بالأمير العالم، قد رَأَيْته بالموصل، فلمّا رَأَى ما هُمْ فِيهِ من الإحجام قَالَ: أَنَا أبتدئ بها.
فلمّا كَانَ أوّل جمعة من المحرَّم صعِد المنبر قبل الخطيب، ودعا
__________
[1] في الكامل 11/ 368: «ذكر إقامة الخطبة العباسية بمصر وانقراض الدولة العلوية» ، والمثبت قريب من العنوان في: التاريخ الباهر 156 «ذكر انقراض الدولة العلوية بمصر وإقامة الخطبة العباسية بها» .(39/39)
للمستضيء بأمر اللَّه، فلم يُنْكر ذَلِكَ أحد. فلمّا كانت الجمعة التّالية أمر صلاح الدّين الخطباء بقطْع خطبة العاضد، ففُعِل ذَلِكَ، ولم ينتطح فيها عَنْزان [1] . والعاضد شديد المرض، فتُوُفّي يوم عاشوراء، واستولى صلاح الدّين عَلَى القصر وما حوى، وكان فِيهِ من الجواهر والأعلاق النّفيسة ما لم يكن عند ملك من الملوك، فمنه القضيب الزُّمُرُّد، طوله نحو قبْضةٍ ونصف، والجبل الياقوت، ومن الكُتُب الّتي بالخطوط المنسوبة نحو [مائة] ألف مجلّد [2] .
[بداية المنافرة بين صلاح الدين ونور الدين]
وذكر أشياء، ثمّ قَالَ [3] : وفي هذه السّنة حدث ما أوجب نَفْرةَ نور الدّين عَنْ صلاح الدّين. أرسل نور الدّين إِلَيْهِ يأمره بجمع الجيش، والمسير لمنازلة الكَرَك، ليجيء هُوَ بجيشه ويحاصرانها. فكتب إلى نور الدّين يعرِّفه أَنَّهُ قادم. فرحل عَلَى قصْد الكَرَك وأتاها، وانتظر وصوله، فأتاه كتابٌ يعتذر باختلاف البلاد، فلم يقبل عُذْره. وكان خواصّ صلاح الدّين خوَّفوه من الاجتماع، وهمَّ نور الدّين بالدّخول إلى مصر، وإخراج صلاح الدّين منها.
فبلغ صلاحَ الدّين ذَلِكَ، فجمع أهله، وأباه، وخاله الأمير شهاب الدّين الحارميّ، وسائر الأمراء، وأطلعهم عَلَى نيَّة نور الدّين، واستشارهم فسكتوا،
__________
[1] تاريخ ابن سباط 1/ 130، 131.
[2] الكامل 11/ 369، 370 وليس فيه عبارة: «نحو ألف مجلّد» ، والمستدرك من: التاريخ الباهر 157، وانظر الخبر في سنا البرق الشامي 1/ 111، وزبدة الحلب 2/ 333، والروضتين ج 1 ق 2/ 492، 494، وتاريخ الزمان 187، ومفرّج الكروب 1/ 200- 216، والنوادر السلطانية 35، والمغرب في حلى المغرب 141، والمختصر في أخبار البشر 3/ 50- 51، والعبر 2/ 194، 195، ودول الإسلام 2/ 80، وتاريخ ابن الوردي 2/ 79، والبداية والنهاية 12/ 264، ومرآة الجنان 3/ 379، ومآثر الإنافة 2/ 51، والسلوك ج 1 ق 1/ 44، واتعاظ الحنفا 3/ 325، 326، والنجوم الزاهرة 5/ 355- 357، وشفاء القلوب 75، 76، وتاريخ ابن سباط 1/ 130، 131، وبدائع الزهور ج 1/ ق 1/ 234، 235.
[3] في الكامل 11/ 371- 373، والتاريخ الباهر 158، 159.(39/40)
فقال ابن أخيه تقي الدّين عُمَر: إذا جاء قاتلناه. ووافقه غيره من أهله، فسبّهم نجم الدّين أيّوب واحتدّ، وكان ذا رأي ومكر، وقال لتقي الدّين: اسكت، وزَبَرَه، وقال لصلاح الدّين: أَنَا أبوك، وهذا خالك، أتظّن أنّ في هَؤُلَاءِ من يريد لك الخير مثلَنَا؟ فقال: لا. فقال: والله لو رَأَيْت أَنَا وهذا نور الدّين لم يمكننا إلّا أن ننزل ونقبّل الأرضَ، ولو أَمَرَنا بضرْب عُنقك لفَعَلْنا، فما ظنُّك بغيرنا؟! فكلّ من تراه من الأمراء لو رَأَى نور الدّين لَمَا وسِعَه إلّا التَّرَجُّل لَهُ.
وهذه البلاد لَهُ، وإنْ أراد عزْلك فأيّ حاجة له إلى المجيء؟ بل يطلبك بكتاب.
وتفرّقوا، وكتب أكثر الأمراء إلى نور الدّين بما تم. ولمّا خلا بولده قَالَ: أنت جاهل، تجمع هذا الجمع وتُطْلِعَهم عَلَى سِرِّك، ولو قصدك نور الدّين لم تر معك أحدا منهم.
ثمّ كتب إلى نور الدّين بإشارة والده نجم الدّين يتخضّع لَهُ، ففتر عَنْهُ [1] .
[اتخاذ الحمام للمراسلة]
قَالَ العماد [2] : وكان نور الدّين لا يقيم فِي البلاد [3] أيّام الربيع والصّيف محافظة عَلَى الثّغر، وصَونًا من الحَيْف، ليحمي البلاد بالسّيف [4] . وهو متشوّق إلى أخبار مصر وأحوالها، فرأى اتّخاذ الحمام المناسب، وتدريجها
__________
[1] الكامل 11/ 371- 373، التاريخ الباهر 158، 159، تاريخ الزمان 187، 188، زبدة الحلب 2/ 334، 335، الروضتين ج 1 ق 2/ 519، المختصر في أخبار البشر 3/ 52، دول الإسلام 2/ 80، العبر 4/ 195، 196، تاريخ ابن الوردي 2/ 780 البداية والنهاية 12/ 268، 269، تاريخ ابن خلدون 5/ 250، 251، السلوك ج 1 ق 1/ 48، 49، شفاء القلوب 81، 82، تاريخ ابن سباط 1/ 131، 132، النجوم الزاهرة 5/ 21- 23، تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 184- 186.
[2] في الروضتين ج 1 ق 2/ 520، 521، وسنا البرق الشامي 1/ 119.
[3] في الروضتين: «المدينة» .
[4] في الروضتين: «ليحمي البلاد من العدوّ بالسيف» .(39/41)
عَلَى الطّيران، لتحمل إِلَيْهِ الكُتُب بأخبار البلدان. وتقدَّم إليَّ بكتْب منشور لأربابها، وإعذار أصحابها، ونوديَ بالتّهديد لمن اصطاد منها شيئا [1] .
[تفويض العماد بالتدريس والنظارة]
قَالَ [2] : وفي رجب فوَّض إليَّ نور الدّين المدرسة الّتي عند حمّام القُصَيْر، وهي الّتي أَنَا منذ قدِمْتُ دمشقَ فيها ساكن. وكان فيها الشَّيْخ الكبير ابن عَبْد [3] وقد استفاد من علمه كلّ حرٍّ وعبد، فتُوُفّي، وخلّف ولدين، استمرّا فيها عَلَى رسم الوالد، ودرّسا بها، فخدعهما مغربيّ بالكيميا، فلزِماه، وافتقرا بِهِ وأغنياه، وغاظ نور الدّين ذَلِكَ، وأحضرهما ووبّخهما، ورتّبني فيها مدرّسا وناظرا.
[عبور الخطا نهر جيحون إلى خوارزم]
وفيها عبرت الخطَا [4] نهر جَيْحون يريدون خُوارَزْم، فجمع خوارزم شاه ابن أرسلان بْن أَتْسِز بْن مُحَمَّد جيوشه وقصدهم، فمرض، فجهّز الجيش للمقتفي، فالتقوا واشتدّ الحرب، ثمّ انهزم الخُوارَزْميّون، وأُسِر مقدَّمُهُم، ورجعت الخطَا [5] .
__________
[1] الكامل 11/ 375، التاريخ الباهر 159، الروضتين ج 1 ق 2/ 521، سنا البرق الشامي 1/ 119، عيون التواريخ (مخطوط) 17/ 137 أ، ب، البداية والنهاية 12/ 269، عقد الجمان (مخطوط) 12/ 172 أ، ب، المختصر في أخبار البشر 3/ 52، مرآة الزمان 8/ 285، 286، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 241.
[2] العماد في: سنا البرق الشامي 1/ 119، 120، وانظر: البداية والنهاية 12/ 253 وقال إن المدرسة داخل باب الفرج، فنسبت إليه لسكناه بها، فيقال لها العماديّة.
[3] هو أبو البركات خضر بن شبل بن عبد الحارث الدمشقيّ الواعظ المتوفى سنة 562 هـ.
وسيأتي في التراجم برقم (54) .
[4] الخطا: اسم يطلق على سكان الصين عامّة.
[5] الكامل 11/ 377- 379 (حوادث سنة 568 هـ.) ، تاريخ مختصر الدول 215.(39/42)
سنة ثمان وستين وخمسمائة
[تدريس ابن الجوزي بجامع المنصور]
قَالَ ابن الجوزيّ: جلست يوم عاشوراء بجامع المنصور، فحضر من الجمع ما حزر بمائة ألف [1] .
[التخوّف من عسكر همذان]
وفيها وقعت الأراجيف بمجيء العسكر من هَمَذَان، فأخذ الخليفة فِي التّجنيد، وعمارة السّور، وجَمَع الغلّات، وعَرَض العساكر [2] .
[حفل ختان إخوة الخليفة]
وعمل خِتان إخوته، إخوة الخليفة وأقاربه، فتفرّقت الخِلَع، وذُبح ألف رأس غنم، وثلاثة آلاف دجاجة، وعشرون ألف خُشْكُنَانكَة [3] ، وغير ذَلِكَ.
[حضور الخليفة مجلس ابن الجوزي]
وفي رجب تقدَّم إليَّ بالجلوس بباب بدر ليسمع الخليفة، فكنت أجلس أسبوعا، وأبو الخير القَزْوينيّ إلى آخر رمضان، وجَمْعي عظيم، وجمْعُه يسير.
ثمّ شاع أنّ أمير المؤمنين لا يحضر إلّا مجلسي، فكانت زيادة عظيمة ببغداد [4] .
__________
[1] المنتظم 10/ 239 (18/ 199) .
[2] المنتظم 10/ 240 (18/ 199) .
[3] في المنتظم 10/ 240 (18/ 200) : «وعملت إحدى وعشرون ألف خشكنانكة من ستين كارة سميذا» . وهذا يوضح أن «الخوشكنانكة» قطعة حلوى، مرآة الزمان 8/ 292، 293.
[4] المنتظم 10/ 240 (18/ 200) .(39/43)
[استيلاء قراقوش عَلَى طرابلس الغرب]
قَالَ ابن الأثير [1] : وفيها سار طائفة من التُّرك مَعَ قراقوش مملوك تقي الدّين عُمَر ابن أخي السّلطان صلاح الدّين إلى جبال نَفُّوسَه، فاجتمع بِهِ بعض المقدَّمين هناك، فاتّفقا وكثر جمعُهُما، ونزلا عَلَى طرابُلُسَ الغرب، فحاصراها مدَّةً، ثمّ فُتِحَت، فاستولى عليها قراقوش، وسكنها، وكثُرَتْ عساكره [2] .
[فتح برقة واليمن]
وفيها افتتح شمس الدّولة أخو صلاح الدّين بَرَقة عَلَى يد غلامٍ لَهُ تُركيّ.
ثمّ سار وافتتح اليمن بعد ذَلِكَ. وقبض عَلَى ابن مهديّ الخارج باليمن. وكان شابّا أسود، مُنْحَلّ الاعتقاد [3] .
[حصار صلاح الدين الكَرَك]
وفيها سار صلاح الدّين بعساكر مصر يريد الكَرَك، وإنّما بدأ بها لقُربها إِلَيْهِ، وكانت تمنع من يقصد الدّيار المصريَّة، وتقطع القوافل، فحاصرها، وقاتل الفرنج، ثمّ رجع ولم يفتحها [4] .
__________
[1] في الكامل 11/ 389.
[2] مرآة الزمان 8/ 294، 295، المختصر في أخبار البشر 3/ 53، دول الإسلام 2/ 81، العبر 4/ 201، تاريخ ابن الوردي 2/ 81، مرآة الجنان 3/ 384، البداية والنهاية 12/ 271، الكواكب الدرّية 220، شفاء القلوب 82، تاريخ ابن سباط 1/ 133.
[3] الكامل 11/ 396 وما بعدها. (حوادث سنة 569 هـ.) ، الدرّ المطلوب 42 و 57، العبر 4/ 201.
[4] الكامل 11/ 392، 393، النوادر السلطانية 45، 46، الروضتين ج 1 ق 2/ 526، 527 و 533- 542، سنا البرق الشامي 1/ 117، 118، زبدة الحلب 2/ 334، المغرب في حلى المغرب 142، المختصر في أخبار البشر 3/ 53، العبر 4/ 201، البداية والنهاية 12/ 270 و 271، 272، تاريخ ابن الوردي 2/ 81، مرآة الجنان 3/ 384، الكواكب الدرّية 220، تاريخ ابن سباط 1/ 134، الدرّ المطلوب 50، 51.(39/44)
[وفاة خوارزم شاه]
وفيها مات خُوارَزْم شاه أرسلان، ومَلَكَ بعده ابنُه الصّغير محمود [1] .
[الحرب بين أبناء خوارزم شاه عَلَى المُلْك]
وكان ابنه الكبير علاء الدّين تكش غائبا نائبا لأبيه عَلَى الْجُنْد، فاستنجد بالخطا، وأقبل بهم، فاستعان أخوه محمود بصاحب نَيْسابور المؤيّد، وعملوا المُصافّ، فأسِر المؤيّد وذبح صبْرًا، وهرب محمود، وأُسرت أمّه فيما بعد، وقُتِلت، وثبت قدم تِكِش فِي المُلْك، فجاءت رسُلُ صاحب الخطا بأمور مُشِقَّة، واقتراحات صَعْبة، فقتل كلّ من عنده مِن الخطا، ونبذ إلى ملك الخطا، فسار محمود إلى ملك الخطا، فجهَّز معه جيشا، فنازل خُوارَزْم وحصرها، فأمر تِكِش بإجراء ماء جَيْحون، فكانوا يغرقون، فرحلوا وندموا، فسَار محمود بهم، فأخذ مَرْو، فعادت الخطا إلى بلادها، وجعل محمود الغُزّ من دأبه، وحَاربهم وأَوْلاهم ذُلًّا، ثمّ افتتح مدينة سَرْخَس سنة ستٍّ وسبعين، ثمّ أخذ طُوس [2] .
وأمّا نَيْسابور مملكتها، فتولّاها طُغان شاه، بعد والده المؤيَّد، وكان لَعّابًا، مُسْرِفًا عَلَى نفسه، مَلَكَ أربع عشرة سنة ومات [3] .
[انهزام الروم أمام مليح الأرمني]
وفيها، فِي جُمَادَى الأولى هزم مليح بْن لاون [4] الأرمنيّ النّصرانيّ صاحب بلاد الدّرُوب وسِيس عسكَر الرّوم، لعنهم اللَّه تعالى. وذلك أنّ نور
__________
[1] انظر عن (وفاة خوارزم شاه) في: الكامل في التاريخ 11/ 337- 385، وتاريخ مختصر الدول 215، والمختصر في أخبار البشر 3/ 52، 53، والعبر 4/ 202، ودول الإسلام 2/ 81، وتاريخ ابن الوردي 2/ 81، وتاريخ ابن خلدون 5/ 83، وتاريخ ابن سباط 1/ 132 ونهاية الأرب 27/ 202، مآثر الإنافة 2/ 55.
[2] دول الإسلام 2/ 81.
[3] الكامل 11/ 377- 379، المختصر في أخبار البشر 3/ 853
[4] يرد في المصادر العربية: «لاون» و «ليو» و «ليون» و «لاو» .(39/45)
الدّين، رحمه اللَّه، كَانَ قد استخدم صاحب سِيس هذا، وأقطعه واستماله، وظهر لَهُ منه نُصْحه، وكان ملازِمًا لخدمة نور الدّين، مُعِينًا لَهُ عَلَى الفرنج، ولمّا قِيلَ لنور الدّين فِي معنى استخدامه وإعطائه بلادَ سِيس قَالَ: أَستعين بِهِ عَلَى قتال أهل مِلَّته، وأُريح طائفة من عسكري، وأجعله سدّا بيننا وبين صاحب القُسطنطينيَّة. فجهَّز إِلَيْهِ صاحب الروم جيشا كثيفا، فالتقاهم، ومعه طائفة من عسكر المسلمين، فهزمهم، وكثُر القتْل والأسرُ فِي الرّوم، وقَوِيَتْ شوكةُ مليح [1] .
[فتح نور الدين بَهَسْنَا ومَرْعَش]
وفيها سار نور الدّين إلى بلاد الشّرق، فصلّى فِي جامع المَوْصِل الَّذِي بناه، وتصدّق بمالٍ عظيم، ثمّ ردّ وقطع الفُرات، وقصد ناحية الروم، فافتتح بَهَسْنَا [2] ، وَمَرْعَش [3] .
[خضوع قلج أرسلان لشروط نور الدين]
وردّ إلى الشّام، ومعه ابن الدّانشمنْد، ووعده بخلاص بلاده، فبعث قلج أرسلان إلى نور الدّين يخضع لَهُ، وأن يردّ إلى ابن الدّانشمنْد قِلاعه، فشرط عليه نور الدّين:
__________
[1] الكامل 11/ 387، 388، وانظر: الروضتين ج 1 ق 2/ 547، وتاريخ الزمان 192، وسنا البرق الشامي 1/ 136، زبدة الحلب 2/ 337، دول الإسلام 2/ 81، 82، العبر 4/ 201.
[2] في الأصل: «بهنسا» ، وهو تحريف. قال أبو الفداء: بهسنا: بفتح الباء الموحّدة، والهاء وسكون السين المهملة ثم نون وألف. من حصون الشام الشمالية. (تقويم البلدان 264) ووصفه شيخ الربوة بأنه حصن مليح. (نخبة الدهر 206) وتكتب أيضا «بهسنى» بالألف المقصورة. وورد في مرآة الجنان 3/ 384 «بهنسة» .
[3] الكامل 11/ 391، التاريخ الباهر 160، 161، النوادر السلطانية 45، زبدة الحلب 2/ 337، 338، مفرّج الكروب 1/ 233، سنا البرق الشامي 1/ 133، الروضتين ج 1 ق 2/ 542- 545، مرآة الزمان 8/ 294، 295، المختصر في أخبار البشر 3/ 53، دول الإسلام 2/ 82، العبر 4/ 202، تاريخ ابن الوردي 2/ 81، الكواكب الدريّة 217، 218، تاريخ ابن سباط 1/ 133، 134، الدرّ المنتخب 171، الإعلام والتبيين 30، عيون التواريخ (مخطوط) 17/ 147 ب، 148 أ، عقد الجمان (مخطوط) 12/ 175 أ، ب.(39/46)
تجديدَ إسلامه، لأنّ قلج أرسلان اتّهمه بالزَّنْدَقة.
وأنّه مَتَى طلب منه عسكره يُنْجد بِهِ.
وأن يزوِّج بِنْت قلج أرسلان بابن أخيه سيف الدّين غازي صاحب الموصل.
ففعل. وبعث نور الدّين فِي خدمة ابن الدّانشمنْد عسكرا صُحبة الأمير فخر الدّين عَبْد المسيح إلى مَلَطْيَة وسِيواس.
فلمّا مات نور الدّين عادت البلاد إلى قلج أرسلان [1] .
[تدريس القطب النيسابوري بالغزالية]
وفيها قدم القطب النّسابوريّ من حلب إلى دمشق، فدرَّس بالغزاليَّة [2] .
[بناء المدرسة العادلية]
وشرع نور الدّين فِي بناء مدرسةٍ للشّافعيَّة، ووضع محرابها، فمات ولم يُتِمَّها [3] . وبقي أمرها عَلَى حاله، إلى أن أزال الملك العادل ذَلِكَ البناء، وعملها مدرسة عظيمة، فهي العادليّة [4] .
__________
[1] الروضتين ج 1 ق 2/ 543- 545، المختصر في أخبار البشر 3/ 53، زبدة الحلب 2/ 337، 338، مفرّج الكروب 1/ 233، مرآة الزمان 8/ 294.
[2] هكذا هنا. وفي الروضتين ج 1 ق 2/ 545 نقلا عن العماد: «مدرّس بزاوية الجامع الغربية، المعروفة بالشيخ نصر المقدسي رحمه الله، ونزل بمدرسة الحاروق» ، وانظر: سنا البرق الشامي 1/ 134، 135، وعيون التواريخ (مخطوط) 17/ 148 أ، والبداية والنهاية 12/ 270، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 225 ب، 226 أ، ومرآة الزمان 8/ 294.
[3] الكامل 11/ 395.
[4] الروضتين ج 1 ق 2/ 545، سنا البرق الشامي 1/ 135، مرآة الزمان 8/ 294.(39/47)
سنة تسع وستين وخمسمائة
[حريق الظفريَّة]
فِي المحرَّم وقع حريق بالظَّفَرِيَّة، فاحترقت مواضع كثيرة [1] .
[تدريس ابن الجوزي بجامع المنصور]
قَالَ ابن الجوزيّ [2] : وجلست يوم عاشوراء فِي جامع المنصور، فحُزِر الجميع بمائة ألف، كذا قَالَ.
[الازدحام عَلَى درس ابن الجوزي بالحربيَّة]
قَالَ [3] : وسألني فِي ربيع الأوّل أهل الحربيَّة أن أعمل عندهم مجلسا، فوعدتهم ليلة، فانقلبت بغدادُ، وعبر أهلُها، وتُلُقّيت بشموعٍ حُزِرَت ألف شمعة، وما رَأَيْت البرّيَّة إلّا مملوءة بالضّوء، وكان أمرا مُفْرِطًا، فلو قَالَ قائل:
إنّ الخلق كانوا ثلاثمائة ألفٍ لَمَا أَبْعَدَ.
[وصول التقادم من نور الدين إلى الخليفة بمصر]
وفي رجب وصل ابن الشّهْرُزُوريُّ [4] بتُحَفٍ وتقادُم للخليفة من نور الدّين، وفيها حمار مخَطَّط [كثوب] [5] عتابيّ، وخرج الخلق للفرجة عليه.
__________
[1] المنتظم 10/ 242 (18/ 202) .
[2] في المنتظم 10/ 242 (18/ 202) .
[3] في المنتظم 10/ 243 (18/ 203) .
[4] في المنتظم، بطبعتيه القديمة والحديثة: «ابن الهروي» ، والمثبت يتفق مع: الكامل 11/ 395.
[5] في الأصل بياض، والمثبت من المصادر. انظر: المنتظم 10/ 244 (18/ 204) ،(39/48)
وكان فيهم رَجُل عَتّابيّ كثير الدّعَاوَى، وهو بليد، ناقص الفضيلة فقال رَجُل:
إنْ كَانَ بُعِث إلينا حمارٌ عتّابيّ، فنحن عندنا عتّابيّ حمار [1] .
[التدريس بالنظاميّة]
وفيها وُلّي أَبُو الخير القَزْوينيّ تدريسَ النّظاميَّة ببغداد [2] .
[خروج ابن أخي شملة وقتله]
وخرج ابن أخي شُمْلة التُّرْكُمانيّ، ويُعرف ابن سنكة [3] ، وأخذت قلعة فِي نواحي باذرايا ليتّخذها عَوْنًا لَهُ عَلَى الإغارة، فسارت لقتاله العساكر، فالتقوا، فطحن المَيْمنة، ثمّ حميَ القتال، وظفروا بِهِ، وجيء برأسه إلى بغداد [4] .
[وقوع البَرَد]
وفيها وقع بَرَدٌ بالسّواد، هدم الدُّور، وقتل جماعة وكثيرا من المواشي.
وقال ابن الجوزيّ [5] : فحدّثني الثّقة أنّهم وَزَنُوا بَرَدَةً، فكانت سبعة أرطال.
قَالَ: وكان عامّتُه كالنّارَنْج [6] .
[زيادة دجلةٍ]
وفي رمضان زادت دجلة زيادة عظيمة عَلَى كلّ زيادةٍ تقدَّمْت منذ بُنِيت
__________
[ () ] والروضتين ج 1 ق 2/ 525، 526، والدرّ المطلوب 48، ويقصد بالحمار العتّابيّ حمار مخطّط من حمر الوحش التي تشبه في لونها القماش العتابي المخطط.Ar.) (Dozy -Supp.Dict.
[1] مرآة الزمان 8/ 293 وفيه: «يا قوم ليس بعجب أن يحمل الفتى حمار عتابي عندنا عتابي حمار» ، وانظر: تاريخ الخلفاء 447.
[2] المنتظم 10/ 244 (18/ 204) .
[3] في المنتظم 10/ 244 (18/ 204) «ابن سنكا» ، وفي الكامل في التاريخ 11/: «شنكا» .
[4] المنتظم 10/ 244 (18/ 204) .
[5] في المنتظم 10/ 244 (18/ 204) .
[6] الكامل 11/ 410، تاريخ الخميس 2/ 409، دول الإسلام 2/ 82، البداية والنهاية 12/ 273، تاريخ الخلفاء 447.(39/49)
بغداد بذراعٍ وكَسْر، وخرج النّاس إلى البحر، وأَيِسُوا من البلد، وضجّوا إلى اللَّه بالبكاء، وانهدمت دُورٌ كثيرة بمرَّة. وكان آية من الآيات. وهلكتْ قُرى ومزارع لا تُحْصَى. ونُصِب يوم الجمعة مِنْبرٌ خارج السّور، وصلّى الخطيب بالنّاس هناك.
وفي الجمعة الأخرى اجتمعوا بمسجد التّوبة. ودام الغَرَق أيّاما، وكُثر الابتهال إلى اللَّه. وبقي الخلْق والأمراء كلّما سدّوا ثُقْبًا وتعبوا عَلَيْهِ، غَلَبَهُم الماءُ وخرَّبه، أو انفتح آخَرُ عنده [1] .
[الأمطار بالموصل]
وجاءت أمطارٌ [2] هائلة بالمَوْصِل، ودامت أربعة أشهر، حتّى تهدَّم بها نحو ألفَيْ دار، وهلك خلْقٌ تحت الرَّدْم، وزادت الفُرات زيادة كبيرة، وفاضت حتّى أهلكت قُرى ومزارع.
ومن العَجَب أنّ هذا الماء عَلَى هذه الصّفة، ودُجَيْل قد هلكت مزارعة بالعَطَش [3] .
[تجدّد الخلاف بين السُّنَّة والرافضة]
وتُوُفّي السّلطان نور الدّين فتجدد بحلب بعد موته اختلاف بين السُّنَّة والرّافضة، فقتل من الطّائفتين خلْق، ونُهِب ظاهر البلد.
[البشارة بفتح اليمن وكسر الفرنج]
وكان ممّا قدِم بِهِ ابن الشّهرزُوريّ من البشارة: فتْحُ اليمن، وكسْر الفرنج مرَّةً ثانية، ومقدّمهم الدُّوقْش، وكان أسيرا عند نور الدّين. أسره نَوْبة حارِم، ففداه بخمسةٍ وخمسين ألف دينار، وخمسمائة ثوب أطلس.
__________
[1] المنتظم 10/ 244- 246 (18/ 204- 207) ، الكامل 11/ 394، دول الإسلام 2/ 82، البداية والنهاية 12/ 273، تاريخ الخلفاء 447.
[2] في المنتظم 10/ 247 (18/ 207) : «أكلاك» .
[3] المنتظم 10/ 247 (18/ 207) ، الكامل 11/ 409 وفيه أن الأمطار دامت أربعين يوما، دول الإسلام 2/ 82، البداية والنهاية 12/ 273، تاريخ الخلفاء 447.(39/50)
وفي كتابه يَقُولُ: «ولم ينج من عشرة آلاف غير عشرة حُمُرٍ مستنفرة، فَرَّت من قَسْوَرَة» .
[وصول الفتوحات إلى النوبة]
وذكر ابن الأثير [1] أنّ صلاح الدّين لمّا استولى عَلَى مصر، وأراد أن يستبدّ بالأمر، خاف من نور الدّين، وعرف أَنَّهُ ربّما يقصده، ويأخذ منه مصر، فشرع هُوَ وأهل بيته فِي تحصيل مملكة تكون لهم ملجأ إنْ حصرهم. فجهّز أخاه توران شاه إلى النُّوبَة، فافتتح منها.
[الفتوحات فِي اليمن]
فلمّا عاد تجهّز إلى اليمن بقصد عَبْد النَّبِيّ صاحب [زبيد] [2] ، وطرده عَنِ اليمن. وحسّن لهم ذَلِكَ عُمارة اليمنيّ. فَسَار فِي أكمل الهيبة والأهْبة، فلم يثبُت لَهُ أهلُ زَبِيد، وتفرّقوا، فعمد العسكر إلى سُور زَبِيد، ونصبوا السّلالم، وطلعوا، فأسروا عَبْد النَّبِيّ وزوجته الحُرَّة، وكانت صالحة، كثيرة الصَّدَقة، فعذّبوا عَبْد النَّبِيّ، واستخرجوا منه أموالا كثيرة، ثمّ سار توران شاه إلى عدن، وهي لياسر، فهزموه وأسروه. ثمّ سار فافتتح حصون اليمن، وهي قلعة تَعِز [3] ، وقلعة الْجَنَد [4] . واستناب بعدن عزّ الدّين عثمان بن الزَّنْجَبِيليّ، وبزَبِيد سيف الدّولة مبارك بْن منقذ [5] .
__________
[1] في الكامل 11/ 386، 387 و 396.
[2] إضافة على الأصل من: الكامل 11/ 396.
[3] في الكامل 11/ 398 «قلعة التعكر» .
[4] الجند: بتحريك الجيم والنون بالفتح.
[5] الكامل 11/ 396- 398، النوادر السلطانية 46، الروضتين ج 1 ق 2/ 551- 555، زبدة الحلب 2/ 339، 340، النكت العصرية 352- 355، مفرّج الكروب 1/ 238- 240، سنا البرق الشامي 1/ 140، تاريخ الزمان 189، المغرب في حلى المغرب 142، والمختصر في أخبار البشر 3/ 54، العبر 4/ 201 و 207، دول الإسلام 2/ 83، تاريخ ابن الوردي 2/ 82، مرآة الجنان 3/ 384، البداية والنهاية 12/ 273، 274، مآثر الإنافة(39/51)
وزاد أبو المظفّر السِّبْط فقال [1] : يقال إنّه افتتح [ثمانين] [2] حصنا ومدينة، وقتل عَبْد النَّبِيّ بْن مَهْديّ.
[إخراج المحفوظ فِي خزائن مصر]
وذكر ابن أبي طيِّئ قَالَ [3] : فِي هذه السّنة وصل المُوَفَّق بْن القَيْسَرانيّ إلى مصر رسولا من نور الدّين، فاجتمع بصلاح الدّين، وأنهى إِلَيْهِ رسالة، وطالبه بحساب جميع ما حصّله من ارتفاع البلاد، فصعُبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وأراد شقّ العصا، ثمّ ثاب، وأمر النُّوّاب بالحساب، ثمّ عرضه عَلَى ابن القَيْسرانيّ، وأراه جرائد [4] الأجناد بالإقطاع. ثمّ أرسل معه هديَّةً عَلَى يد الفقيه عيسى، وهي ختْمة بخطّ ابن البوّاب، وختمة بخطّ مُهَلْهَلٍ، وختمة بخطّ الحاكم البغداديّ، ورَبْعة مكتوبة بالذّهب بخطّ يانَس [5] ، ورَبْعة عشرة أجزاء بخطّ
__________
[2] / 54، الكواكب الدرّية 221- 223، السلوك ج 1 ق 1/ 52، تاريخ ابن سباط 1/ 134، الدرّة المطلوب 42 و 57.
[1] في مرآة الزمان 8/ 299.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: مرآة الزمان.
[3] قوله نقله أبو شامة في الروضتين ج 1 ق 2/ 558، 559.
[4] في الأصل: «جوائز» .
[5] في الروضتين ج 1 ق 2/ 668: «ختمة ثلاثون جزءا مغشّاة بأطلس أزرق، مضبّبة بصفائح ذهب، وعليها أقفال ذهب، مكتوبة بذهب، بخط يأنس» .
ويقول خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :
إنّ يأنس المذكور كان من الخطّاطين بدار العلم بطرابلس الشام في عهد أمرائها من بني عمّار، وعند ما سقطت طرابلس بيد الصليبيين سنة 502 هـ. / 1109 م، انتقل إلى شيزر وأقام عند أمرائها من بني منقذ عدّة سنوات، ونسخ لوالد أسامة بن منقذ ختمتين من المصحف الشريف، ووصفه أسامة بيانس الناسخ وقال إنه قريب الطبقة في الخط من طريقة ابن البوّاب. وقال إنه انتقل بعد ذلك إلى مصر في سنة 506 هـ. / 1113 م.
فاستخدم في خزانة الكتب الأفضلية فكان الأفضل ابن بدر الجمالي يؤدّي إليه عشرة دنانير في الشهر، وثلاث رزم كسوة في السنة، بالإضافة إلى الهبات والرسوم. (انظر: الاعتبار لأسامة بن منقذ 208، والوافي بالوفيات 17/ 687- في ترجمة العاضد صاحب مصر-، واتعاظ الحنفا 3/ 51، وكتابنا: الحياة الثقافية في طرابلس الشام- ص 49، وكتابنا: دار العلم بطرابلس في القرن الخامس الهجريّ- ص 41، وكتابنا: «لبنان» في العصر(39/52)
راشد، وثلاثة أحجار بَلَخْش [1] ، وستّ قَصَبات زُمُرّد، وقطعة ياقوت وزْن بسبعة مثاقيل، وحجر أزرق ستّة مثاقيل [2] ، ومائة عقد جوهر، وزنها ثمانمائة وسبعة وخمسون مثقالا، وخمسون قارورة دهْن بلْسان، وعشرون قطعة بِلَّوْر، وأربع عشرة [3] قطعة جزع، وإبريق يشم [4] وطشت [5] يشم، وصحون صينيّ، وزبادي أربعون، وكُرَتان عُود قماريّ [6] ، وزن إحداهما [7] ثلاثون رِطْلًا بالمصريّ، والأخرى أحد وعشرون، ومائة ثوب أطْلَس، وأربعة وعشرون بقيارا [8] مُذَهَّبَة، وخمسون ثوبا حرير [9] ، وحُلَّة فَلغلي [10] مذهّب، وحلَّة مرايش صفراء [11] وغير ذَلِكَ من القماش، وقيمتها مائتان وخمسة [12] وعشرون ألف دينار، وعدَّة من الخيل، والغلْمان، والْجَوَاري [13] ، والسّلاح، ولم تصل إلى نور الدّين، لأنّه مات. فمنها ما أُعيد، ومنها ما استهلك، لأنّ
__________
[ () ] الفاطمي- القسم الحضاريّ- ص 240) .
[1] بلخش: بفتح الباء واللام، وسكون الخاء المعجمة، وفي الآخر شين معجمة. معدن من الأحجار الكريمة، يؤخذ من نواحي بلخشان. والعجم تقول: بذخشان، بذال معجمة، وهي متاخمة لبلاد الترك.
[2] زاد في الروضتين ج 1 ق 2/ 558 «وسدس» .
[3] في الأصل: «وأربعة عشر» .
[4] اليشم أو اليشب: حجر ثمين قريب من الزبرجد منه الأبيض والأصفر والزيتي. (انظر:
مفرّج الكروب 1/ 224 حاشية 3) .
[5] في الأصل: «سشت» .
[6] «قماري» ليست في الروضتين ج 1 ق 2/ 559
[7] في الأصل: «أحديهما» .
[8] في الأصل: «بقيار» والمثبت عن الروضتين. وهي السّجادة السوداء من وبر الجمل، وهي أيضا نوع من العمائم الكبار للوزراء ورجال العلم. (انظر: السلوك ج 1 ق 1/ 55 الحاشية 4) .
[9] في الروضتين ج 1 ق 2/ 559: «أربعة وعشرون ثوبا حريري، أربعة وعشرون ثوبا من الوشي حريرية بيض» .
[10] في الأصل: «قلقلى» .
[11] زاد في الروضتين: «مذهّبه» .
[12] في الأصل: «وخمس» .
[13] في الأصل: «الجوار» .(39/53)
الفقيه عيسى وابن القَيْسرانيّ وضعا عليها من نهبها واستبدّا [1] بأكثرها.
وقيل رُدَّت كلّها إلى صلاح الدّين. وكان معها خمسة أحمال مال [2] .
[مهادنة الصالح إِسْمَاعِيل للفرنج]
وتحرّكت الفرنج بالسّواحل، وكان بدمشق الملك الصّالح إِسْمَاعِيل ابن السّلطان نور الدّين، صبيّ عمره عشر سنين أو أكثر، فاستنجد بصلاح الدّين صاحب مصر. وبلغ صلاحَ الدّين نزولُ الملاعين عَلَى بانياس، فصَالحهم الأمراء وأهل دمشق، وهادنوهم عَلَى مالٍ وأَسارَى يُطْلَقُون. فكتب إلى جماعة يوبّخهم، فكتب إلى الشَّيْخ شرف الدّين بْن أَبِي عصرون يخبره أَنَّهُ لمّا أتاه كتاب الملك الصّالح تجهّز للجهاد وخرج، وسار أربع مراحل، فجاءه الخبر بالهدنة المؤْذِنة بذُلّ الْإِسْلَام، من رفْع القطيعة، وإطلاق الأَسارَى، وسيّدنا المسيح أوّل من جرّد لسانه الَّذِي تُغمد لَهُ السّيوف وتُجَرّد. وكتب فِي ذي الحجَّة من السّنة [3] .
مصرع الّذين سَعَوْا فِي إعادة دولة بني عُبَيْد
كانت دولة العاضد وذُرّيّته لذيذة لأُناس، وهم يتقلَّبون فِي نعيمها، فأُخِّروا وأُبْعِدوا. فذكر جمال الدّين بْن واصل [4] ، وغيره، أنّ فِي سنة تسعٍ وستّين، أراد جماعةٌ من شيعة العُبَيْديّين ومُحِبّيهم إقامةَ الدّعوة، وردَّها إلى العاضد، فكان منهم عُمارةُ اليَمنيّ، وعبدُ الصَّمَد الكاتب، والقاضي هبة الله ابن كامل، وداعي الدّعاة ابن عَبْد القَوِيّ، وغيرهم من الْجُنْد والأَعيان والحاشية، ووافقهم عَلَى ذَلِكَ جماعةٌ من أمراء صلاح الدّين، وعيّنوا الخليفة والوزير، وتقاسموا الدُّور، واتّفق رأيُهم عَلَى استدعاء الفرنج من صَقَلِّية والشّام يقصدون مصر، ليَشْغَلوا صلاح الدّين بهم، ويحلو لهم الوقْت، ليتمّ أمرُهُم ومكرهم.
__________
[1] في الأصل: «وضعوا عليهم من نهبهم واستبدّوا» .
[2] في الروضتين ج 1 ق 2/ 559: «كان معها عشرة صناديق مالا لم يعلم مقداره» ، البداية والنهاية 12/ 274.
[3] الكامل 11/ 408.
[4] في مفرّج الكروب 1/ 229 و 2/ 16، 17.(39/54)
وقال لهم عُمارة اليمنيّ: أَنَا قد أبعدت أخاه توران شاه إلى اليمن خوفا من أن يسدّ مَسَدَّه، وقرّروا الأمور، وكاد أمرهم أن يتمّ، وأبى اللَّهُ إلّا أن يُتِمّ نورَه، فأدخلوا فِي الشُّورَى الواعظ زين الدّين عليّ بْن نجا، فأظهر لهم أَنَّهُ معهم، ثمّ جاء إلى صلاح الدّين، فأخبره، وطلب من صلاح الدّين ما لابن كامل من الحواصل والعقار، فبذل لَهُ، وأمره بمخالطتهم، وتعريف شأنهم، فصار يُعْلِمُه بكلّ مُتَجَدَّد. فجاء رسول ملك الفرنج بالسّاحل إلى صلاح الدّين بهديَّةٍ، ورسالة، وفي الباطن إليهم. وأتى الخبر إلى صلاح الدّين من أرض الفرنج بَجليَّة الحال، فوضع صلاح الدّين عَلَى الرَّسُول بعضَ من يثق إِلَيْهِ من النّصارى، فداخَل الرَّسُولَ، فأخبره بحقيقة الأمر.
وقيل إنّ عَبْد الصّمد الكاتب كَانَ يلقى القاضي الفاضل [1] بخضوعٍ زائد، فلقِيَه يوما، فلم يلتفت إِلَيْهِ، فقال القاضي الفاضل: ما هذا إلّا لسبب، فأحضر ابن نجا الواعظ، فأخبره الحال، وطلب منه كشف الأمر، فأخبره بأمرهم، فبعثه إلى صلاح الدّين، فأوضح لَهُ الأمر، فطلب صلاح الدّين الجماعة، وقرَّرهم فأقرّوا، وكان بين عُمارة وبين الفاضل عداوة، فلمّا أراد صلاح الدّين صلْبَه، تقدَّم الفاضل وشفع فِيهِ، فظنّ عُمارة أَنَّهُ يحثّه عَلَى هلاكه، فنادى: يا مولانا لا تسمع منه فِي حقّي. فغضب القاضي الفاضل وخرج. فقال صلاح الدّين: إنّما كَانَ يشفع فيك. فندِم، وأُخرج ليُصْلَب، فطلب أن يمرّوا بِهِ عَلَى مجلس القاضي الفاضل، فاجتازوا بِهِ عَلَيْهِ، فأغلق بابه، فقال عُمارة:
عَبْدُ الرّحيم قد احتجبْ ... إنّ الخلاصَ من [2] الْعَجَبْ
ثمّ صُلِبَ هُوَ والجماعة بين القصرين، وذلك فِي ثاني رمضان، وأفنى بعد ذَلِكَ من بقي منهم [3] .
__________
[1] هو القاضي محيي الدين عبد الرحيم بن علي بن حسن الفاضل البيساني ثم المصري.
[2] في الكامل 11/ 400، «هو» ، ومثله في الروضتين ج 1 ق 2/ 569.
[3] الكامل 11/ 398- 400، الروضتين ج 1 ق 2/ 560- 565، سنا البرق الشامي 1/ 147- 149، مسالك الأبصار (مخطوط) 27/ 31 أ، ب، المختصر في أخبار البشر 3/ 54، نهاية الأرب 28/ 367، 368، مرآة الزمان 8/ 299، 300، البداية والنهاية(39/55)
قَالَ العماد الكاتب [1] : وكان منهم داعي الدُّعاة ابن عَبْد القويّ [2] ، وكان عارِفًا بخبايا القصر وكنوزه، فباد ولم يسمح بإبدائها.
وأمّا الّذين نافقوا عَلَى صلاح الدّين من جُنْده فلم يعرِض لهم، ولا أعلمهم بأنّه علم بهم.
وكان ممّن صُلِب القاضي العوريس، فحكى القاضي تاج الدّين ابن بِنْت الأعزّ أنّ قاضي القُضاة العوريس [3] [قَالَ] : الصّلب حقّ، فقال لَهُ ابن مريم:
نعم. فعبّرها العابر وقال: صاحب هذه الرّواية يصل لأنّ المسيح معصوم، ولا يمكن أن يكون ذَلِكَ راجعا إِلَيْهِ، لأنّ اللَّه تعالى نصّ لنا أَنَّهُ لم يُصْلَب، فبقي أن يكون راجعا إلى الرّأي.
وجاء الكتاب إلى دمشق بقصة هَؤُلَاءِ يوم موت نور الدّين رحمه اللَّه، وكانوا أيضا قد كاتبوا إنسانا وأهلَ الحصون يستعينون بهم.
[منازلة الفرنج الإسكندرية]
فلمّا كَانَ السّادس والعشرون من ذي الحجّة وصل أصطول الفرنج من صَقَلّية، فنازلوا الإسكندريَّة بغتة، فجاءوا عَلَى بناء مراسلة الّذين صُلِبوا. وكان معهم ألف وخمسمائة فَرَس، وعُدّتُهم ثلاثون ألف مقاتل، من بين فارس وراجل، وكان معهم مائتا شِينيّ [4] ، وستّ سُفُن كبار، وأربعون مركبا. وبرز لحربهم أهل الثّغر، فحملوا عَلَى المسلمين حملةً أوصلتهم إلى السّور، ففقد
__________
[12] / 275، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 240 وفيه: «فشنقوا في عاشر رمضان» .
[1] قوله في الروضتين ج 1 ق 2/ 561، وسنا البرق الشامي 1/ 149.
[2] هو: إسماعيل بن عبد القوي. (النجوم الزاهرة 6/ 70) .
[3] في سنا البرق، والروضتين، ومفرّج الكروب: «العويرس» ، والمثبت يتفق مع الدرّ المطلوب 55.
[4] الشيني: جمعها شواني. وهي سفينة حربية كانت تعتبر عند المسلمين أكبر سفن الأسطول، وتقام عليها الأبراج والقلاع للدفاع، وكانت تنزلق على الماء بمساعدة مائة وأربعين مجدافا. (السلوك ج 1 ق 1/ 56 حاشية 7) .(39/56)
من المسلمين فوق المائتين، فلمّا أصبحوا زحفوا عَلَى الإسكندريَّة، ونصبوا ثلاث دبّابات [1] بكِباشها [2] ، وهي كالأبراج، وثلاثة مجانيق تضرب بحجارةٍ سُود، استصحبوها من صَقَلّية، فزحفوا إلى أن قاربوا السّور، فرأى الفرنج من شجاعة أهل الإسكندريَّة ما رَاعَهُم. وبُعثت بطاقة إلى الملك صلاح الدّين وهو نازل عَلَى فاقوس، فاستنهض الجيش وبادروا. واستمرّ القتال.
وفي اليوم الثّالث فتح المسلمون باب البلد، وكبسوا الفرنج عَلَى غفلةٍ، وحرّقوا الدّبّابات، وصدقوا اللّقاء، ودام القتال إلى العصر، ونزل من اللَّه النّصر، واستحرّ بالفرنج القتْل. وردّ المسلمون إلى البلد لأجل الصّلاة. ثمّ كبّروا عند المغرب، وهاجموا الفرنج فِي خيامهم، فتسلّموها بما حَوَت، وقتلوا من الرّجّالة ما لا يوصف. واقتحم المسلمون البحر، فغرّقوا المراكب وحرّقوها، وهربت باقي المراكب، وصار العدوّ بين أسير، وقتيل، وغريق.
واحتمى ثلاثمائة فارس فِي تلّ، فأُخذوا أسرى، وغنم المسلمون غنيمة عظيمة، فلله الحمد كثيرا [3] .
[هلاك مُرّي ملك الفرنج]
وفي آخر السّنة هلك مُرّي [4] ملك الفرنج، لا رحمه اللَّه. وهو الَّذِي حاصر القاهرة، وأشرف على أخذها [5] .
__________
[1] الدّبابات: جمع دبّابة، وهي برج متحرّك ذو أدوار قد تصل إلى أربعة، أولها من خشب، وثانيها من رصاص، وثالثها من حديد، ورابعها من النحاس الأصفر، وتتحرّك على عجلات وتستخدم في مهاجمة الحصون والأسوار بمساعدة الكباش.
[2] الأكباش: جمع كب 5، وهي آلة تتّصل بالدبّابة، لها رأس ضخم وقرنان، تدفع نحو الأسوار لهدمها. (السلوك ج 1 ق 1/ 56 حاشية 8) .
[3] الكامل 11/ 412- 414 (حوادث سنة 570 هـ.) ، النوادر السلطانية 48، 49، الروضتين ج 1 ق 2/ 598- 600، مفرّج الكروب 2/ 12- 14، سنا البرق الشامي 1/ 169- 175، عقد الجمان (مخطوط) 12/ 194 ب، 195 أ، الدرّ المطلوب 49، البداية والنهاية 12/ 287.
[4] وهو. «Amalric»
[5] الكامل 11/ 419 (حوادث سنة 570 هـ.) ، الروضتين ج 1 ق 2/ 612، تاريخ الزمان 190.(39/57)
[رسالة ابن المقدّم إلى صلاح الدين وردّه عليها]
ولمّا بلغ صلاح الدّين سوء تدبير الأُمراء فِي دولة ابن نور الدّين، كتب إليهم، ونهاهم عَنْ ذَلِكَ. فكتب إِلَيْهِ ابن المقدَّم يردعه عَنْ هذه العزيمة، ويقول لَهُ:
«لا يُقال عنك إنّك طمَعْتَ فِي بيت مَنْ غَرَسَك، وربّاك وأنْبَتَكَ [1] ، وصفّى [2] مَشْرَبَك، وأصْفَى [3] مَلْبَسَك، وفي دَسْت ملْك مصر أجْلَسَك، فما يليق بحالك غيرُ فضلك وإفضالِك» [4] .
فكتب إِلَيْهِ صلاح الدّين: إنّه لا يُؤْثِر للإسلام وأهله، إلّا ما جَمَعَ شَمْلَهم، وألَّف كلمتهم، وللبيت الأتابكيّ، أعلاه اللَّه تعالى، إلّا ما حفظ أصله وفَرْعَه [5] . فالوفاء إنّما يكون بعد الوفاة [6] ، ونحن فِي دارٍ، والظّانّون بنا ظَنَّ السَّوء فِي وادٍ [7] .
[وعْظ الطوسي بالتاجية وثورة الشيعة عَلَيْهِ]
وفيها وَعَظ الطُّوسيّ بالتّاجيَّة من بغداد، فقال: ابن مُلْجَم لم يكفر بقتْله عليّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فجاءه الآجُرّ من كلّ ناحية، وثارت عَلَيْهِ الشّيعة، ولولا الغلمان الّذين حوله لَقُتِلَ. ولمّا همّ الميعادُ الآخر بالجلوس، تجمّعوا ومعهم
__________
[1] في الروضتين ج 1 ق 2/ 597 «وربّاك وأسّسك» .
[2] في الروضتين: «وأصفى» .
[3] هكذا في الأصل بالصاد المهملة. وفي الروضتين: «أضفى» بالضاد المعجمة.
[4] في الروضتين: «وأجلى سكونك لملك مصر وفي دسته أجلسك، فما يليق بمالك، ومحاسن أخلاقك وخلالك، غير فضلك وإفضالك» ، ومثله في: سنا البرق الشامي 1/ 618، مفرّج الكروب 2/ 8.
[5] في الروضتين زيادة: «ورفع ضرّه وجلب نفعه» .
[6] في الروضتين زيادة: «والمحبّة إنما تظهر آثارها عند تكاثر أطماع العداة، وبالجملة إنّا في واد..» .
[7] الروضتين ج 1 ق 2/ 597، سنا البرق الشامي 1/ 169، مفرّج الكروب 2/ 18.(39/58)
قوارير النِّفْط ليحرّقوه، فلم يحضر. فأحرقوا مِنْبره. وأحضره نقيب النّقباء وسبّه، فقال: أنت نائب الدّيوان، وأنا نائب الرَّحْمَن.
فقال: بل أنت نائب الشّيطان. وأمر بِهِ فسُحِب ونُفي، فذهب إلى مصر، وعظُم بها. ولَقَبُه: الشّهاب الطُّوسيّ [1] .
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 298، 299، العبر 4/ 205.(39/59)
سنة سبعين وخمسمائة
[إعادة ابن الدامغانيّ إلى قضاء القضاة]
فيها أُعيد أَبُو الْحَسَن بْن الدّامَغَانيّ إلى قضاء القضاة ببغداد، بعد أن بقي معزولا خمسة عشر عاما [1] .
[موقف قايماز من توزير ابن المظفّر]
وفيها أراد المستضيء باللَّه إعادة ابن المظفّر إلى الوزارة، فغضب من ذَلِكَ قايماز، وأغلق باب النُّوبيّ، وبات العامَّة وهم بأمر سوء، وقال: لا أقيم ببغداد حتّى يخرج منها ابن المظفّر هُوَ وأولاده، فإنّه عدوّي، ومتى عاد إلى الوزارة قتلني. فقيل لابن المظفّر: تخرج من البلد؟ فقال: لا أفعل.
فلمّا شُدِّد عَلَيْهِ قَالَ: إنْ خرجت قُتِلت، فاقتلوني فِي بيتي.
فتلطّفوا بِهِ، فجاء فخر الدّولة بْن المطَّلِب، وشيخ الشّيوخ، وحلف لَهُ قايماز أن لا يؤذيه ولا يتبعه. وأصبح العسكر فِي السّلاح، والدّروب تُحْفَظ.
ثمّ خرج باللّيل الوزير ابن رئيس الرؤساء وأولاده، وسكن البلد.
ثمّ دخل قايماز إلى الخليفة فاعتذر، ثمّ خرج طيّب النّفس. ثمّ بقيت الرّسل تتردّد، واستقرّ الأمر أنّ ابن رئيس الرؤساء يعبر إلى الجانب الغربيّ [2] .
__________
[1] المنتظم 10/ 250 (18/ 212) .
[2] المنتظم 10/ 250، 251 (18/ 212، 213) .(39/60)
[تدريس ابن الجوزي تحت منظرة الخليفة]
وفي رجب تكلم ابن الجوزيّ، قَالَ [1] : تقدّم إليَّ بالجلوس تحت منظرة أمير المؤمنين، فتكلّمت بعد العصر، وحضر السّلطان، واكترى النّاس الدّكاكين، وكان موضع كلّ رَجُل بقيراط، حتّى إنّه اكتُرِيَت دُكّانٌ بثمانية عشر قيراطا. ثمّ جاء رَجُلٌ فأعطاهم ستَّة قراريط حتّى جلس معهم. ودرّست بالمدرسة الّتي وَقَفْتها أمّ الخليفة، وحضر قاضي القُضاة، وخُلِعَت عليَّ خِلْعة، وألقيت يومئذٍ دروسا كثيرة من الأُصول والفُروع. ووقف أهل باب النُّوبّي إلى باب هذه المدرسة كما يكون العيد وأكثر. وعلى باب المدرسة أُلُوف، وكان يوما مشهودا، لم يُرَ مثلُه. ودخل عَلَى قلوب أرباب المذاهب غمٌّ عظيم.
وتقدَّم ببناء دِكَّةٍ لنا في جامع القصر، فانزعجوا، وقالوا: ما جَرَت عادة الحنابلة بدِكَّة، فبُنيت وجلستُ فيها [2] .
[فتنة الأمير تتامش]
وكان الأمير تُتَامُش قد بعث إلى بلد الغرّاف [3] من نهبهم وآذاهم، ونجا منهم جماعة، فاستغاثوا، ومنعوا الخطيب أن يخطب، وفاتت الصّلاة أكثر النّاس، فأنكر أمير المؤمنين ما جرى، وأمر تُتَامُش وزوج أخته قايماز، فلم يَحْفِلا بالإنكار، وأصرّا عَلَى الخلاف، وجرت بينهما وبين ابن العطّار مُنَابَذَات، ثمّ أصلح بينهم. فلمّا كَانَ الغد، أظهروا الخلاف، وضربوا النَّار فِي دار ابن العطّار، وطلبوه فاختفى. فطلب الخليفة قايماز فأبى، وبارز بالعناد.
وكان قد حلّف الأمراء، وخرج هُوَ وتُتَامِش وجماعةٌ من الأمراء من بغداد، فَنَهَبت العوامُّ دُورَهم، وأخذوا أموالا زائدة عَنِ الحَدّ [4] .
__________
[1] في المنتظم 10/ 252، 253 (18/ 214، 215) .
[2] مرآة الزمان 8/ 326، البداية والنهاية 12/ 291.
[3] الغرّاف: بالتشديد، على وزن فعّال. وهو نهر كبير تحت واسط بينها وبين البصرة، وعلى هذا النهر كورة فيها قرى كثيرة وهي بطائح. (معجم البلدان 4/ 190) .
[4] المنتظم 10/ 253، 254 (18/ 215) .(39/61)
وقال ابن الأثير [1] : ودخل بعض الصّعاليك فأخذ أكياس دنانير، وفزع لا يؤخذ منه، فدخل إلى مطبخ الدّار، فأخذ قِدْرةً مملوءة طبيخا، فألقى فيها الأكياس، وحملها عَلَى رأسه، فضحك النّاس منه فقال: دعوني أُطْعم عيالي ثمّ استغنى بعد ذَلِكَ، ولم يبق من نعمة قُطْب الدّين فِي ساعةٍ واحدة لا قليل ولا كثير [2] .
وأمّا العامَّة فثاروا بأعوان قُطْب الدّين، وأحرقوا من دُورهم مواضعَ كثيرة، وبقي أهلها فِي جَزَع وحَيْرة، وقصدوا الحِلَّة، ثمّ طلبوا الشّام وقد تقلّل جَمْعُهُم، وبقي مَعَ قايماز عددٌ يسير.
[إعادة ابن رئيس الرؤساء إلى الوزارة]
ثمّ خُلع عَلَى الوزير ابن رئيس الرؤساء، وأعيد إلى الوزارة [3] .
[وفاة قايماز]
وكتب الفقهاء فتاويهم أنّ قايماز مارِق، وذلك فِي ذي القعدة.
ثمّ جاء الخبر فِي ذي الحجَّة أنّ قايماز تُوُفّي، وأنّ أكثر أصحابه مَرْضَى، فسبحان مُزِيل النِّعَم عَنِ المتمرّدين [4] .
[امتلاك صلاح الدين دمشق]
وفيها ملك صلاح الدّين دمشق بلا قتال، وكتب إلى مصر رَجُلٌ من بُصْرَى فِي الرابع والعشرين من ربيع الأوّل، وقد توجّه صاحبها فِي الخدمة:
ثمّ لقينا ناصر الدّين بْن المولى أسد الدّين والأمير سعد الدّين بْن أُنُر [5] ، ونزلنا فِي الثّامن والعشرين بجسر الخَشَب، والأجناد إلينا متوافية من دمشق.
__________
[1] في الكامل.
[2] في الأصل: «لا قليلا ولا كثيرا» .
[3] المنتظم 10/ 254 (18/ 215) .
[4] المنتظم 10/ 254 (18/ 215) ، البداية والنهاية 12/ 291.
[5] في الأصل: «أنز» بالزاي، والتحرير من: الروضتين ج 1 ق 2/ 603.(39/62)
وأصبحنا ركِبْنا عَلَى خيرة اللَّه، فعرض دون الدّخول عددٌ من الرجال، فَدَعَسَتْهم [1] عساكرنا المنصورة وصَدَمتهم، ودخلنا البلد، واستقرّت بنا دار ولدنا، وأَذَعْنا فِي أرجاء البلد النّداء بإطابة النّفوس وإزالة المُكُوس، وكانت الولاية فيهم قد ساءت وأسرفت وأجحفت، فشرعنا فِي امتثالنا أمَر الشَّرْع [2] .
[هدْم قلعة حمص]
ثمّ نازل صلاح الدّين بحمص، ونصبت المجانيق عَلَى قلعتها حتّى دكّتها [3] .
[أخْذ حماه]
وسار إلى حماه، فَمَلَكَها فِي جُمادى الآخرة [4] .
[محاصرة حلب واستغاثة صاحبها بالباطنية]
ثمّ سار إلى حلب، وحاصرها إلى آخر الشّهر، واشتدّ عَلَى الصّالح إِسْمَاعِيل بْن نور الدّين بها الحصار، وأساء صلاح الدّين العشرة في حقّه، واستغاث الصّالح بالباطنيَّة، ووعدهم بالأموال، فقتلوا الأمير ناصح الدّين خُمارتِكِين وجماعة، ثمّ قتلوا عن آخرهم [5] .
__________
[1] الدّعس: الطعن، كالتدعيس، والمدعس: الرمح يدعس به أي يطعن. (القاموس المحيط) .
[2] الكامل 11/ 415- 417، النوادر السلطانية 50، الروضتين ج 1 ق 2/ 603، 604، سنا البرق الشامي 1/ 176، 177، مرآة الزمان 8/ 326- 328، البداية والنهاية 12/ 288.
[3] الكامل 11/ 417، النوادر السلطانية 50، الروضتين ج 1 ق 2/ 607، تاريخ الزمان 190، سنا البرق الشامي 1/ 180، مفرّج الكروب 2/ 22، 23، زبدة الحلب 3/ 20، 21، مسالك الأبصار (مخطوط) 27/ 32 ب، عقد الجمان (مخطوط) 12/ 196 ب، المغرب في حلى المغرب 145، المختصر في أخبار البشر 3/ 56، العبر 4/ 210، البداية والنهاية 12/ 288، 289.
[4] الكامل 11/ 418، التاريخ الباهر 176، سنا البرق الشامي 1/ 176- 183، مفرّج الكروب 2/ 17- 20، زبدة الحلب 3/ 14- 22، النوادر السلطانية 50- 52، الروضتين ج 1 ق 2/ 602- 614، تاريخ مختصر الدول 216، تاريخ الزمان 190، المغرب في حلى المغرب 144- 146، المختصر في أخبار البشر 3/ 56، 57، العبر 4/ 210، دول الإسلام 2/ 84، تاريخ ابن الوردي 2/ 83، 84، البداية والنهاية 12/ 287- 290، مرآة الجنان 3/ 392، تاريخ ابن خلدون 5/ 255، 256، السلوك ج 1/ 58، 59، تاريخ ابن سباط 1/ 140، شفاء القلوب 84- 87.
[5] الكامل 11/ 418، 419، الروضتين ج 1 ق 2/ 613، 614، سنا البرق الشامي 1/ 181،(39/63)
[تسلُّم حمص]
ورجع النّاصر صلاح الدّين إلى حمص، فحاصرها بقيَّة رجب، وتسلّمها بالأمان فِي شعبان [1] .
[تسلُّم بعلبَكّ]
ثمّ عطف عَلَى بعلبكّ فتسلّمها [2] .
[كسرة عسكر حلب والموصل عند حماه]
ثمّ ردّ إلى حمص، وقد اجتمع عسكر حلب، وكتبوا إلى صاحب لموصل، فجهّز جيشه، وأمدّهم بأخيه عزّ الدّين مَسْعُود بْن مودود بْن زنكيّ، فأقبل الكلّ إلى حماه، فحاصروا البلد، فسار صلاح الدّين فالتقاهم عَلَى قُرون حماه [3] ، فانكسروا أقبح كسْرة. ثمّ سار إلى جهة حلب [4] .
__________
[ () ] مفرّج الكروب 2/ 24، المغرب في حلى المغرب 145، مرآة الزمان 8/ 328.
[1] الكامل 11/ 419، سنا البرق الشامي 1/ 181، 182، المختصر في أخبار البشر 3/ 57، نهاية الأرب 28/ 376، مرآة الجنان 3/ 392.
[2] الكامل 11/ 420، الروضتين ج 1 ق 2/ 631، سنا البرق الشامي 1/ 183، مفرّج الكروب 2/ 29، 30، زبدة الحلب 2/ 22، 23، المختصر في أخبار البشر 3/ 57، نهاية الأرب 28/ 376، العبر 4/ 210، مرآة الجنان 3/ 392.
[3] قرون حماه: قلّتان متقابلتان، جبل يشرف عليهما، ونهر العاصي، وبين كل واحد من حماه وحمص والمعرة وسلمية وبين صاحبه يوم، وبينها وبين شيزر نصف يوم. (معجم البلدان) .
[4] سنا البرق الشامي 1/ 186- 183، مفرّج الكروب 2/ 17- 20، زبدة الحلب 3/ 14- 22، النوادر السلطانية 50- 52، الروضتين ج 1 ق 2/ 602- 614 و 637، تاريخ مختصر الدول 216، تاريخ الزمان 190، المغرب 144- 146، المختصر في أخبار البشر 3/ 56، 57، العبر 4/ 210، دول الإسلام 2/ 84، تاريخ ابن الوردي 2/ 83، 84، مرآة الجنان 3/ 392، البداية والنهاية 12/ 287- 290، تاريخ ابن خلدون 5/ 255، 256، السلوك ج 1 ق 1/ 58، 59، تاريخ ابن سباط 1/ 139، 140، شفاء القلوب 84- 87، مسالك الأبصار (مخطوط) 27/ 33 أ، ب، عقد الجمان (مخطوط) 12/ 197 أ- 198 ب.(39/64)
[مصالحة صلاح الدين لصاحب حلب]
ثمّ وقع الصُّلح بينه وبين زنكيّ، عَلَى أن يكون لَهُ إلى آخر بلد حماه والمَعَرَّة، وأن يكون لابن نور الدّين حلب وجميع أنحائها. وتحالفوا وردّ إلى حماه. فجاءه رُسُلُ المستضيء بالهدايا والتّشريفات والتّهنئة بالمُلك [1]
[أخْذ حصن بارين]
ثمّ سار إلى حصن بارين، فحاصره ثمّ أخذه [2] .
[الإنعام بحمص والإنابة بقلعة دمشق]
وأنعم بحمص عَلَى ابن عمّه الملك ناصر الدّين مُحَمَّد بْن أسد الدّين شيركوه، واستناب بقلعة دمشق أخاه سيف الْإِسْلَام ظهير الدّين طُغْتِكِين [3] .
[أخْذ بعلبَكّ وعصيان ابن المقدّم بها]
ورجع من حمص، فنازل بعلبكّ وأخذها من الخادم يُمْن الرَّيْحانيّ ثمّ أعطاها للأمير شمس الدّين محمد ابن المقَّدم، فعصى عَلَيْهِ فِي سنة أربعٍ وسبعين، فسار إليه، ثمّ حاصره أشهرا [4] .
__________
[1] الكامل 11/ 422، الروضتين ج 1 ق 2/ 639، تاريخ الزمان 191، المختصر في أخبار البشر 3/ 57، زبدة الحلب 3/ 24، الدرّ المطلوب 43 و 58 و 59، دول الإسلام 2/ 84، 85، السلوك ج 1 ق 1/ 60.
[2] الكامل 11/ 422، 423، سنا البرق الشامي 1/ 192، مفرّج الكروب 2/ 34، الروضتين ج 1 ق 2/ 640، زبدة الحلب 3/ 24، نهاية الأرب 28/ 378، مرآة الزمان 8/ 329، المختصر في أخبار البشر 3/ 57، دول الإسلام 2/ 85، المغرب 146، تاريخ ابن الوردي 2/ 84، تاريخ ابن خلدون 56/ 256، السلوك ج 1 ق 1/ 60، تاريخ ابن سباط 1/ 141، شفاء القلوب 87 ويقال: بارين، وبعرين.
[3] الروضتين ج 1 ق 2/ 613، سنا البرق الشامي 1/ 193، مفرّج الكروب 2/ 35، دول الإسلام 2/ 85.
[4] الروضتين ج 1 ق 2/ 631، مفرّج الكروب 2/ 30، نهاية الأرب 28/ 376، زبدة الحلب(39/65)
[نصوص بعض الكتاب من إنشاء القاضي الفاضل]
ومن كتاب فاضليّ إلى العادل نائب مصر، عَنْ أخيه صلاح الدّين: «قد أعلمنا المجلس أنّ العدوّ المخذول، كَانَ الحلبيّون قد استنجدوا بصُلْبانهم، واستطالوا عَلَى الْإِسْلَام بعدوانهم، وأنّه خرج إلى حمص [1] ، فردْنا حماه، وترتّبنا للّقاء [2] ، فَسَار العدوّ إلى حصن الأكراد متعلّقا بحبله، مفتَضَحًا بحِيَله، وهذا فتحٌ تُفْتَح لَهُ القلوب [3] ، قد كفى اللَّه فِيهِ القتال المحسوب» [4] .
ومن كتاب فاضليّ إلى الدّيوان العزيز من السّلطان مضمونه تعداد ما للسّلطان من الفتوحات، ومن جهاد الفرنج مَعَ نور الدّين، ثمّ فتح مصر، واليمن، وأطراف المغرب، وإقامة الخطْبة العبّاسيَّة بها.
ويقول فِي كتابه: «ومنها قلعةٌ بثغر أَيْلَة، بناها العدوّ فِي البحر [5] ، ومنه المَسْلَك إلى الحرمين، فغزوا ساحل الحَرَم، وقتلوا وسبوا، وكادت القِبْلة أن يُستولَى عَلَى أصْلها، والمشاعر أن يسكنها غيرُ أهلها، ومضجع الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتطرّق إِلَيْهِ الكُفّار.
وكان باليمن ما عُلِم من الخارج ابن مهديّ الملْحد، الَّذِي سبى الشّرائف الصّالحات، وباعهنَّ بالثّمن البَخْس، واستباحهنّ، ودعا إلى قبر أَبِيهِ، وسمّاه كعبة، وأخذ الأموال، فأنهْضنا إِلَيْهِ أخانا بعسكرنا، فأخذه، والكلمة هناك- بمشيئة اللَّه- إلى الهند سامية.
ولنا فِي المغرب أثرٌ أغرب، وفي أعماله أعمال دون مطلبها مهالك، كالمَهلْكَ دون المطْلب، وذلك أنّ بني عَبْد المؤمن قد اشتهر أنّ أمرهم قد
__________
[3] / 22، مرآة الزمان 8/ 328، 329.
[1] في الروضتين: «إلى بلد حمص» .
[2] في الروضتين: «وأخذنا في ترتيب الأطلاب لطلبه ولقاه» .
[3] في الروضتين: «تفتح له أبواب القلوب» .
[4] الروضتين ج 1 ق 2/ 614.
[5] في الروضتين ج 1 ق 2/ 619 «قد بناها في بحر الهند» .(39/66)
أَمِر، وملكهم قد عُمِر، وجيوشهم لا تطاق، وأمرهم لا يُشاقّ، ونحن فتملّكنا ما يجاورنا منه بلادا تزيد مسافتها عَلَى شهر، وسيّرنا إِلَيْهِ عسكرا بعد عسكر، فرجع بنصر بعد نصر، ومن ذَلِكَ بَرَقة، قَفْصَة، قسطيلية، تَوْزَرَ، كلّ هذه تُقام فيها الخطبة لأمير المؤمنين، ولا عهْدَ لإقامتها من دهر [1] .
وفي هذه السّنة كَانَ عندنا وفدٌ، نحو سبعين [راكبا] [2] ، كلّهم يطلب السّلطان بلده تقليدا، ويرجو منَّا وعدا، ويخاف وعيدا. وسيّرنا الخِلَع والمناشير والأَلْوية. فأمّا الأعداء الّذين يقاتلوننا، فمنهم صاحب قُسطنطينية، وهو الطّاغية الأكبر، والجالوت الأكفر، جَرَت لنا معه غَزَوات بحريَّة، ولم نخرج من مصر إلى [3] أنْ وصَلَتْنا رسالةٌ فِي جُمعةٍ واحدةٍ نوبتين بكتابين، يُظْهر خفْضَ الْجَنَاح والانتقالَ من مُعاداةٍ إلى مهاداة، ومن مُفَاضَحَةٍ إلى مُنَاصَحَة، حتّى أندر بصاحب صَقَلّية وأساطيله، وهو من الأعداء، فكان حين علم بأنّ صاحب الشّام وصاحب قسطنطينيَّة قد اجتمعا فِي نَوْبة دِمياط فكُسِرا، أراد أن يظهر قوّته المستقلة، فعمّر أسطولا، استوعب فِيهِ ماله وزمانه، فله الآن خمسُ سنين يُكْثِر عُدّته، وينتخب عدّته، إلى أن وصل منها فِي السّنة الخالية إلى الإسكندريّة أمْرُ رائع، وخَطْب هائل، ما أثقل ظهْرَ البحر مثلُ حمْله، ولا ملأ صدرهُ مثلُ خيله ورَجُله، وما هُوَ إلّا إقليم نقله، وجيش ما احتفل ملك قطّ بنظيره، لولا أنّ اللَّه خذله [4] .
ثمّ عدَّد أشياء، إلى أن قَالَ: والمُراد الآن تقليدٌ جامعٌ بمصر، واليمن، والمغرب، والشّام، وكلّ ما تشتمل عَلَيْهِ الولاية النّوريَّة، وكلّ ما يفتحه اللَّه للدّولة العبّاسيَّة بسيوفنا، ولمن يقيم من أخٍ وولدٍ من بعدنا، تقليدا يضمن للنّعمة تخليدا، وللدعوة تجديدا، مَعَ ما تنعم عَلَيْهِ من السِّمات الّتي فيها المُلْك، والفرنج فهم يعرفون منّا خصما لا يملّ، حتّى يملّوا، وقَرْنًا لا يزال
__________
[1] الروضتين ج 1 ق 2/ 620 بتصرّف.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: الروضتين ج 1 ق 2/ 621.
[3] في الأصل: «إلا» .
[4] الروضتين ج 1 ق 2/ 620، 621.(39/67)
مُحرم [1] السّيفَ حتّى يُحِلِّوا، وإذا شدّ رأينا حُسْن الرأي ضربْنا بسيفٍ يقطع فِي غمده، وبلغنا المُنَى بمشيئة اللَّه. ويد كلٍّ مؤمن تحت برده. واستنفذنا أسيرا من المسجد الأقصى الَّذِي أسرى اللَّه إِلَيْهِ بعبده [2] .
[ملك البهلوان مدينة توريز]
وفيها ملك البهلوان بْن إلْدكز مدينة تُوريز بالأمان، واستعمل عليها أخاه قُرا رسلان. وتسلم مَرَاغَة [3] .
[رواية ابن الأثير عَنْ فتنة قايماز]
قَالَ ابن الأثير [4] فِي فتنة قطب الدّين قايماز: ولمّا أقام قايماز بالحِلَّة، امتنع النّاس من السَّفَر، فتأخّروا إلى أن رحل، فبادروا ورحلوا من الكوفة إلى عَرَفَات فِي ثمانية عشر يوما، وهذا ما لم يسمع بمثله، ومات كثير منهم [5] .
__________
[1] في الأصل: «يحرم» .
[2] الروضتين ج 1 ق 2/ 623.
[3] الكامل 11/ 423، المختصر في أخبار البشر 3/ 57، وانظر: دول الإسلام 2/ 85.
[4] في الكامل 11/ 426.
[5] المختصر في أخبار البشر 3/ 57، 58.(39/68)
بِسْمِ اللَّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً 2: 250
تراجم رجال هذه الطبقة
سنة إحدى وستين وخمسمائة
- حرف الألف-
1- أحمد بْن الْحُسَيْن بْن الْحُسَيْن بْن الْحُسَيْن بْن زينة.
أَبُو عاصم الأصبهانيّ، أخو أَبِي غانم مُحَمَّد.
عدْل، زاهد، فاضل، من أولاد المحدّثين.
سَمِعَ: أَبَا مطيع، وأبا الفتح الحدّاد، وأبا العبّاس أحمد بن الحسين بْن بحوكة، وأبا سعد المطرّز، وطائفة.
وعنه جماعة من الأصبهانيّين.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل وله تسعٌ وستّون سنة.
2- أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن عَبْد الباقي بْن عَبْد الواحد [1] .
أَبُو الفضائل [2] الزُّهْرِيّ البغداديّ الفقيه، ويُعرف بابن شُقْران [3] .
كَانَ إماما، واعظا، صوفيّا، متعبّدا، مُعِيدًا بالنّظاميَّة.
سَمِعَ: أَبَا الْحَسَن بْن العلّاف [4] ، وأبا الغنائم بْن المهتدي باللَّه.
روى عَنْهُ: إِبْرَاهِيم الشّعّار، وأحمد بن منصور الكازرونيّ [5] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن يحيى أبي الفضائل) في: الوافي بالوفيات 8/ 246 رقم 3680، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 57.
[2] في طبقات السبكي: «أبو الفضل» .
[3] في الوافي بالوفيات: «سعدان» .
[4] في طبقات السبكي: «العلّان» .
[5] الكازروني: بفتح الكاف وسكون الزاي وضمّ الراء وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى كازرون، وهي إحدى بلاد فارس. (الأنساب 10/ 318) وفي (اللباب) بفتح الزاي.(39/69)
وتُوُفّي فِي المحرَّم [1] .
وأخوه:
3- أحمد [2] أسنّ منه، ولا أعلم مَتَى تُوُفّي [3] .
سَمِعَ من: ثابت بْن بُنْدار.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ.
ولهما أخٌ أخر.
4- إِبْرَاهِيم بْن الْحَسَن بْن طاهر [4] .
الفقيه أَبُو طاهر بْن الحصنيّ، الحمويّ، الشّافعيّ، من فُقهاء دمشق.
روى عَنْ: أَبِي عليّ بْن نَبهان، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن المهديّ، وأبي طَالِب الزَّيْنبيّ، وأبي طَالِب اليوسفيّ، وأبي طاهر الحنّائيّ، وابن المَوَازِينيّ.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابن عساكر، وابنه القاسم، وأبو القاسم بن صصرى، وأبو نصر بْن الشّيرازيّ.
وتُوُفّي بدمشق في صفر. ووُلِد بحماه فِي سنة خمسٍ وثمانين [5] .
__________
[1] ورّخ السبكي وفاته في سنة 561 وقال: وكانت ولادته سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
[2] انظر عن (أحمد بن يحيى) في: الوافي بالوفيات 8/ 246 رقم 3679، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 75.
[3] كنيته في الوافي بالوفيات: «أبو المظفر» . وفي الترجمتين خلط بحيث تبدو ان ترجمة لواحد، ففي الوافي ترجمتان، وفي طبقات السبكي ترجمة واحدة.
فالأول: أبو الفضائل، ولد سنة 499 هـ.
والثاني: أبو المظفر، ولد سنة 483 هـ. حسب الصفدي في الوافي.
بينما جعل السبكي ولادة أبي الفضائل سنة 483 هـ. ووفاته في أول 561 هـ. والاثنان عند الصفدي حدّثا باليسير.
[4] انظر عن (إبراهيم بن الحسن) في: الإعلام بوفيات الأعلام 231، وسير أعلام النبلاء 20/ 450 (دون ترجمة) ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 199، 200، والوافي بالوفيات 5/ 344، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 439، والنجوم الزاهرة 5/ 372.
[5] اجتمع بالملك العادل نور الدين وحكى عن نفسه أنه كان عنده يوما بقلعة دمشق وأن نور الدين التفت إلى كاتبه وقال: اكتب إلى نائبنا بمعرّة النعمان ليقبض على جميع أملاك(39/70)
5- إسماعيل بْن سلطان بْن عَليّ بْن مُقَلّد بْن نَصْر بْن منقذ [1] .
شَرَفُ الدّولة أَبُو الفضل الكِنَانيّ الشّيزريّ، الأمير.
أديب فاضل، وشاعر كامل. كان أبوه صاحب شيزر وابن صاحبها، فلمّا مات أبوه وليها أخوه تاج الدّولة، وأقام هو تحت كنف أخيه إلى أن خرّبتها الزَّلْزَلَة، ومات أخوه وطائفة تحت الرَّدْم. وتوجّه نور الدّين فتسلّمها، وكان إِسْمَاعِيل غائبا عَنْهَا. فانتقل إلى دمشق وسكنها.
وكانت الزّلزلة فِي سنة اثنتين وخمسين. ولمّا سقطت القلعة عَلَى أخيه وأولاده وزوجة أخيه خاتون بِنْت بوري أخت شمس المُلُوك، سلِمَت خاتون وحدها، وأُخرِجت من تحت الرَّدْم. وجاء نور الدّين فطلب منها أن تُعْلِمَهُ بالمال، وهدّدها، فذكَرَتْ لَهُ أنّ الرَّدْم سقط عليها وعليهم، ولا تعلم شيئا [2] وإنْ كَانَ شيءٌ فهو تحت الرَّدْم.
فلما حضر إِسْمَاعِيل وشاهد ما جرى عمِل:
نزلت عَلَى رغم الزّمان ولو حَوَتْ ... عيناكَ قائمَ سَبْقها لم تنزل
__________
[ () ] أهلها، فقد صحّ عندي أن أهل المعرّة يتقارضون الشهادة، فيشهد بعضهم لصاحبه في ملك ليشهد له ذلك في ملك آخر، فجميع ما في أيديهم بهذا الطريق. قال: فقلت له: اتّق الله، فإنه لا يتصوّر أن يتمالأ أهل بلد على شهادة الزور. فقال: صحّ عندي ذلك. فكتب الكاتب الكتاب ودفعه إليه ليعلّم عليه، وإذا بصبيّ راكب بهيمة على نهر بردي وهو ينشد هذه الأبيات:
اعدلوا ما دام أمركم ... نافذا في النفع والضرر
واحفظوا أيام دولتكم ... إنكم منها على خطر
إنما الدنيا وزينتها ... حسن ما يبقى من الخبر
قال: فاستدار إلى القبلة وسجد واستغفر الله، ثم مزّق الكتاب وتلا قوله تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ من رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله 2: 275. (سورة البقرة، الآية 275) .
[1] انظر عن (إسماعيل بن سلطان) في: تاريخ دمشق، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 564- 566، ومعجم الأدباء 5/ 234- 237، ومرآة الزمان 8/ 218، وفوات الوفيات 1/ 26، والوافي بالوفيات 9/ 118، 119 رقم 4034، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 257- 262.
[2] في الأصل: «شيء» .(39/71)
فتبدَّلَتْ عَنْ كِبْرها بتَوَاضُعٍ ... وتَعَوَّضَتْ عَنْ عِزّها بتذِلُّلِ
ومن شعره:
ومُهَفْهَفٍ كَتَبَ الجمالُ بخدّه ... سطْرًا يُدَلِّه [1] ناظر المتأمِّل
بالغتُ فِي استخراجه فوجدتُهُ ... لا رأيَ إلّا رأيَ أهل الْمَوْصِلِ [2]
6- إِسْمَاعِيل بْن عليّ بْن زيد بْن عَلِيّ بْن شَهْريار [3] .
أَبُو المحاسن الأصبهانيّ.
سَمِعَ: رِزْق التّميميّ، وغيره.
وأجاز فِي هذا العام لأبي المنجّا ابن اللَّتّيّ.
محفوظ المعدَّل، وأبو النَّجْم زاهر بْن مُحَمَّد، وغيرهم.
- حرف الجيم-
7- جيّاش بْن عَبْد اللَّه الحبشيّ.
عَبْد ابن عفّان الواعظ.
روى عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن العلّاف.
وعنه: ابن سكينة، والحسن بن المبارك بن الزّبيديّ.
لعلّه مات أوّل العام، فإنّ ابن الحصريّ سمع منه في شوّال سنة ستّين.
- حرف الحاء-
8- الحسن بن سهل بن المؤمّل.
__________
[1] في المصادر: «يحيّر» .
[2] خريدة القصر 1/ 564، معجم الأدباء 5/ 234، فوات الوفيات 1/ 26.
وله قصيدة من مائة بيت جمع فيها محاسن دمشق التي ذكرها غيره من الشعراء، فأجملها هو وأتى بها مستقصاة وفصّلها فشرّفها بما قال فيها وجمّلها، وأولها:
يا زائرا يزجي القروم البزلا ... دع قصد بغداد وخلّ الموصلا
وهي في تاريخ دمشق.
[3] انظر عن (إسماعيل بن علي) في: سير أعلام النبلاء 20/ 450 (دون رقم) .(39/72)
أَبُو المظفَّر البغداديّ الكاتب.
سَمِعَ بواسط من: أَبِي نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماريّ.
وحدَّث ببغداد بمُسْنَد مُسَدّد.
سَمِعَ منه: إِبْرَاهِيم الشّعّار، وعلي بن أحمد الزيدي، وعمر بن علي، وأحمد بْن طارق فِي هذه السّنة.
ثمّ رجع ومات بعدها بيسير.
وكان مولده فِي شوّال سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
9- الْحَسَن بْن الْعَبَّاس بْن علي بْن الحَسَن بْن عَليّ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عليّ بْن رُسْتَم [1] .
العلّامة أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي الطّيّب الرُّسْتَميّ، الأصبهانيّ، الفقيه الشّافعيّ.
وُلِد فِي صَفَر سنة ثمانٍ وستّين وأربعمائة.
وسمع: أَبَا عَمْرو بْن مَنْدَهْ، ومحمود بْن جعفر الكَوْسَج، والمطهّر بْن عَبْد الواحد البُزَانيّ، وإبراهيم بْن مُحَمَّد القفّال الطّيّان، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد السِّمْسَار، والفضل بْن عَبْد الواحد بْن سهلان، وعبد الكريم بْن عَبْد الواحد الصّحّاف، وأبا عيسى عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن زياد، وسليمان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، وأبا منصور مُحَمَّد بْن أحمد بْن شكروَيْه، وأحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الذّكْوانيّ، وسهْل بْن عَبْد اللَّه الغازي، وأبا الخير مُحَمَّد بْن أحمد بْن رَرَا، والقاسم بْن الفضل الثّقفيّ، ورزق اللَّه التّميميّ، وطِراد الزَّيْنَبيّ، وطائفة سواهم.
__________
[1] انظر عن (الحسن بن العباس) في: الأنساب 6/ 115- 117، والمنتظم 10/ 219 رقم 307 (18/ 172، 172 رقم 4258) ، والكامل في التاريخ 11/ 323، واللباب 2/ 52، ومرآة الزمان 8/ 263، والعبر 4/ 174، والإعلام بوفيات الأعلام 231، ودول الإسلام 2/ 75، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1808، وسير أعلام النبلاء 20/ 432- 435 رقم 283، والوافي بالوفيات 12/ 61، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 64، 65، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 587، 588، ومرآة الجنان 3/ 347، والبداية والنهاية 12/ 251، والنجوم الزاهرة 5/ 372، وشذرات الذهب 4/ 198. وجزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين، لابن أبي الوفاء الأصبهاني 90 رقم 188.(39/73)
روى عَنْهُ: ابن السَّمْعانيّ، وابن عساكر، وشَرَف بْن أَبِي هاشم البغداديّ، وأحمد بْن سَعِيد الخِرَقيّ، وأبو مُوسَى المَدِينيّ وقال فِيهِ: أستاذي الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه، ثمّ ساق نسبه كما تقدَّم.
وروى عَنْهُ جماعة كبيرة منهم: الحافظ عَبْد القادر الرُّهاويّ وقال: كَانَ فقيها، زاهدا، ورِعًا، بكّاء عاش نيِّفًا وتسعين سنة، ومات سنة ستّين. كذا قَالَ.
قَالَ: وحضرته يوم موته، وخرج النّاس إلى قبره أفواجا. وأملى شيخنا الحافظ أَبُو مُوسَى عند قبره مجلسا فِي مناقبه. وكان عامَّة فُقَهاء أصبهان تلاميذه، حتّى شيخنا أَبُو مُوسَى عَلَيْهِ تفقّه.
وروى عَنْهُ أَبُو مُوسَى الحديث. وكان أهل أصبهان لا يثقون إلّا بفتواه.
وسألني شيخنا السِّلَفيّ عَنْ شيوخ أصبهان، فذكرته لَهُ فقال: أعرفه فقيها متنسِّكًا.
قَالَ أبو سعد السَّمعانيّ: إمام، متديِّن، ورِع، يُزْجِي أكَثَر أوقاته فِي نشْرِ العِلم وَالْفُتْيَا، وهو متواضعٌ عَلَى طريقة السَّلَف. وكان مفتي الشّافعيَّة.
قَالَ عَبْد القادر: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى شيخنا يَقُولُ: قرأ المذهب كذا كذا سنة، وكان من الشِّداد فِي السُّنَّة.
وسمعت بعض أصحابنا الأصبهانيّين يحكي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي كلّ جمعةٍ ينفرد فِي موضعٍ يبكي فِيهِ، فبكى حتّى ذهبت عيناه.
وكنّا نسمع عَلَيْهِ وهو فِي رثاثةٍ من الملبس والمفرش، لا يساوي طائلا، وكذلك الدّار الّتي كَانَ فيها.
وكانت الْفِرَقُ مجتمعة عَلَى محبّته.
قلت: وروى عَنْهُ: أَبُو الوفاء محمود بْن مَنْدَهْ، وبالإجازة أَبُو المُنَجّا بْن اللَّتّيّ، وكريمة وأختها صفيَّة، وعاشت إلى سنة ستٍّ وأربعين وستّمائة، وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة عجيبة بنت الباقداريّ.(39/74)
قال أبو موسى. توفّي مساء يوم الأربعاء ثاني صفر سنة إحدى وستّين.
وقال أَبُو مَسْعُود الحاجّيّ: تُوُفّي عشيَّة يوم الأربعاء غُرَّة صفر سنة إحدى وستّين.
وقال: أَبُو سعد السَّمعانيّ: إمام فاضل، مفتي الشّافعيَّة، وهو عَلَى طريقة السَّلَف، لَهُ زاوية بجامع أصبهان، أكثر أوقاته يلازمها. ورد بغداد حاجّا بعد العشرين، وحدَّث بها.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ فِي «المنتظم» [1] ، قَالَ: الشَّيْخ عَبْد اللَّه الْجُبّائيّ [2] ما رَأَيْت أكثر بكاء منه. قَالَ الْجُبّائيّ: وسمعت مُحَمَّد بْن سالار [3] وهو يتكلّم عَلَى النّاس، فلمّا كَانَ في اللّيل، رَأَيْت ربّ الْعِزَّةِ فِي المنام، وهو يَقُولُ لي:
يا حَسُن، وقفتَ عَلَى مبتدعٍ، ونظرتَ إِلَيْهِ، وسمعت كلامه، لأحرمنّك النَّظَر فِي الدّنيا. فاستيقظتُ كما ترى.
قَالَ الْجُبّائيّ: وكانت عيناه مفتوحتين وهو لا ينظر بهما [4] .
10- الْحَسَن بْن عليّ بْن الرّشيد أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بن الزّبير [5] .
__________
[1] ج 10/ 219 (18/ 173) .
[2] هو أبو محمد عَبْد الله بْن أَبِي الحَسَن بْن أَبِي الفرج الجبّائي الطرابلسي الشامي. أصله نصراني من جبّة بشريّ بجبل لبنان من معاملة طرابلس. توفي سنة 605 هـ. (انظر ترجمته مفصّلة مع مصادرها في كتابنا: موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 2/ 239- 249 رقم 586) .
[3] هنا عبارة ناقصة، والصحيح: «قال الجبّائي: سمعت محمد بن سالار، سمعت أبا عبد الله الرستمي يقول: وقفت على ابن ماشاذة وهو يتكلّم» .
[4] مرآة الزمان 8/ 263.
[5] انظر عن (الحسن بن علي بن الرشيد) في: النكت العصرية 35، وخريدة القصر (قسم شعراء مصر) 1/ 204- 225، ومعجم الأدباء 9/ 47- 70، وكتاب الروضتين ج 1 ق 1/ 147، ووفيات الأعيان 1/ 161، (في ترجمة أخيه رقم 65) ، وسير أعلام النبلاء 20/ 450 (دون ترجمة) و 490، 491 (في ترجمة أخيه أحمد رقم 308) ، والطالع السعيد للأدفوي 19- 203 رقم 127، والوافي بالوفيات 12/ 131- 138، وفوات الوفيات(39/75)
القاضي مهذّب الدّين، أَبُو مُحَمَّد الغسّانيّ الأُسْوانيّ، أخو القاضي الرشيد أَبِي الْحُسَيْن أحمد. وسيأتي فِي سنة ثلاث.
ولأبي مُحَمَّد ديوان شِعْر، وهو أشعر من أخيه.
تُوُفّي بالقاهرة فِي رجب. وأوّل شِعرٍ قاله فِي سنة ستٍّ وعشرين وخمسمائة [1] .
وله فِي العاضد خليفة مصر:
وإنّ أميرَ المؤمنين وذِكرَهُ ... قريبان للآي الْمُنَزَّلِ فِي الذِّكْرِ
لِقَوْلِ رَسُول اللَّهِ: تَلْقَوْنَ عِتْرَتي ... معا وكتابَ اللَّه فِي مَوْرد الحشرِ
إذا ما إمامُ العصْر لاح لِنَاظِرٍ ... فوا العصر إنّ الجاحدين لفي خسر
__________
[1] / 337- 342، وحسن المحاضرة 1/ 242، وتاريخ الدولتين الموحّدية والحفصيّة للزركشي 95، وطبقات المفسّرين للداوديّ 1/ 135، وشذرات الذهب 4/ 197، وأعيان الشيعة 22/ 181، والأعلام 2/ 220، ومعجم المؤلفين 3/ 247.
[1] وقال ياقوت: وكان كاتبا مليح الخط، فصيحا، جيّد العبارة.. اختصّ بالصالح بن رزّيك وزير المصريين، وقيل إنّ أكثر الشعر الّذي في ديوان الصالح إنما هو من عمل المهذّب بن الزبير، وحصل له من الصالح مال جمّ، ولم ينفق عنده أحد مثله، وكان القاضي عبد العزيز بن الحبّاب المعروف بالجليس هو الّذي قرّظه عند الصالح حتى قدّمه فلما مات الجليس شمت به ابن الزبير ولبس في جنازته ثيابا مذهّبة، فنقّص بهذا السبب واستقبحوا فعله، ولم يع 5 بعد الجليس إلا شهرا واحدا. وصنّف المهذّب كتاب «الأنساب» وهو كتاب كبير أكثر من عشرين مجلّدا، كل مجلّد عشرون كرّاسا، رأيت بعضه فوجدته مع تحقّقي هذا العلم وبحثي عن كتبه غاية في معناه لا مزيد عليه، يدلّ على جودة قريحة مؤلّفه، وكثرة اطّلاعه، إلّا أنه حذا فيه حذو أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، وأوجز في بعض أخباره عن البلاذري، إلّا أنه إذا ذكر رجلا ممن يقتضي الكتاب ذكره، لا يتركه حتى يعرّفه بجهده من إيراد شيء من شعره وخبره. وكان المهذّب قد مضى إلى بلاد اليمن في رسالة من بعض ملوك مصر، واجتهد هناك في تحصيل كتب النسب، وجمع منها ما لم يجتمع عند أحد، حتى صحّ له تأليف هذا الكتاب. (معجم الأدباء) .
وقال العماد: سألت قاضي القضاة ابن عين الدولة عنه وعن أخيه الرشيد أيّهما أفضل؟
فقال: المهذّب في الشعر والأدب، وذاك في فنون، قال: وقال ابن عين الدولة: وله تفسير في خمسين مجلّدة، وقفت منها على نيّف وثلاثين جزءا. قال: وله شعر كثير، ومحلّ في الفضل أثير. (خريدة القصر) .(39/76)
ويكفي الْوَرَى منه يتيمة تاجِهِ ... وما قد حَوَتْه من بهاءٍ ومن فَخْرِ
ولم تَرَ عيني قبْلًا قَطُّ كوكبا ... يلوح مَعَ الشَّمْس المنيرة فِي الظُّهْرِ
وما هُوَ إلّا البحر لَيْسَ بمُنْكر ... إذا ما تحلّى بالجواهر والدُّرر
عَلَى أَنَّهُ لا يقتنيها لحاجة ... وشمسُ الضُّحى تُغْني عَنِ الأنْجُمِ الزُّهْرِ
وقد قابَلَتْها للمِظَلَّة هالةٌ ... بِهِ أبدا تَسْمُو عَلَى هالة الْبَدْرِ
وما هِيَ إلّا بعضُ سُحُبِ يميِنهِ ... وما زال مُنْشئًا السُّحُبَ من لُجَّة البحرِ
ومن شعره:
لا تغررنّي بمرأى أو بمَسمْعِ ... فما أصدِّقُ لا سَمْعي ولا بَصَري
وكيف آمَنُ غيري عند نائبةٍ ... يوما إذا كنتُ من نفسي لأغررِ
وهو القائل:
وما لي إلى ماءٍ سوى النّيل غُلَّةٌ ... ولو أنّه، أستغفر اللَّه، زَمْزَمُ [1]
11- الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن محبوب.
أَبُو عَبْد اللَّه البغداديّ.
تُوُفّي فِي شعبان عَنْ ستٍّ وسبعين سنة.
أصله من غزَّة، من كبار الشّافعيَّة.
سَمِعَ من: أَبِي الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ، وأبي الْحُسَيْن بْن العلّاف، وأبي غالب الباقِلّانيّ.
وعنه: ابن الأخضر، وداود بْن معمّر، وابن الحُصْريّ، وآخرون.
12- الْحُسَيْن بْن علي بْن مُحَمَّد بْن علي.
أَبُو عليّ ابن قاضي القُضاة أَبِي عَبْد اللَّه الدّامغانيّ.
سَمِعَ: أُبيًّا النَّرْسيّ.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن عليّ القرشيّ.
وتوفّي في رجب.
__________
[1] وفيات الأعيان 1/ 161، الوافي بالوفيات 12/ 135، فوات الوفيات 1/ 339.(39/77)
- حرف الزاي-
13- زيد بْن عليّ بْن زيد بْن عَلي.
أَبُو الْحُسَيْن السُّلَميّ، الدّمشقيّ، الدّواجيّ، الفقيه.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا مُحَمَّد بْن الأكفانيّ، وجماعة.
وتفقّه عَلَى: جمال الْإِسْلَام.
ورحل إلى بغداد فلقي أَبَا الفضل الأرمويّ وطبقته.
ومات كَهْلًا فِي المحرَّم.
- حرف السين-
14- سعيدة بِنْت أبي غالب أحمد بن الحسن بن البنّاء.
امْرَأَة صالحة.
سَمِعْتُ: عَبْد الواحد بْن فهد العلّاف.
وعنها: السّمعانيّ، وابن الحُصْرِيّ.
ماتت فِي صَفَر.
- حرف الشين-
15- شعيب بْن أَبِي الْحَسَن عليّ بْن عَبْد الواحد.
الدِّينَوَريّ، ثمّ البغداديّ أَبُو الفُتُوح الخيّاط.
سَمِعَ من: أَبِيهِ.
روى عَنْهُ: عُمَر الْقُرَشِيّ.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
- حرف العين-
16- عَبْدِ اللَّه بْن جَابِر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ.
أَبُو إِسْمَاعِيل بْن أَبِي عطيَّة ابن شيخ الْإِسْلَام. الْأَنْصَارِيّ، الهَرَويّ.
انتهت إِلَيْهِ رئاسة الصُّوفيَّة بهَرَاة وتقدّمهم. وكان ذا قُعْدُدٍ في النَّسَب.(39/78)
قَالَ أَبُو سعد السّمعانيّ: كَانَ فِيهِ سلامة، وحجّ بعد الأربعين وخمسمائة، فسافر بها عَلَى سَمْت الصُّوفيَّة وأهل العِلم. كتبتُ عَنْهُ، وكان يعقد المجالس فِي الأشهر الثّلاثة.
سَمِعَ: أَبَا الفتح نصر بْن أحمد بْن مُحَمَّد الحنفيّ، وطبقته.
وكان يحضر مجلسَه عالَمٌ لا يُحْصَوْن اعتقادا فِي جدّه وتبرُّكًا بمكانه.
ولد سنة خمس وخمسمائة. وتُوُفّي فِي جُمادَى الآخرة بهَرَاة.
17- عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن رَوَاحَة بْن إبراهيم بن رَوَاحة [1] .
أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، الحمويّ.
وُلِد بحماه سنة ستّ وثمانين وأربعمائة. وكان شاعرا مُجوِّدًا.
قَالَ ابن عساكر [2] : لَهُ يدٌ فِي القراءات وتهجُّدٌ في الخَلْوات. دخل بغداد، ومدح المقتفي لأمر اللَّه مِرارًا، وخلع عَلَيْهِ ثياب الخطابة، وقلّده إيّاها بحماه. وقد أُسِر وَلَدُهُ فِي البحر، فمات قبل أن يراه. ووُلِد لابنه الْحُسَيْن بالبحر وَلَدُهُ أبا القاسم عَبْد اللَّه. ثمّ خلّصهُ اللَّه تعالى، وأتى بابنه إلى الإسكندريَّة وسمعا الكثير من السَّلَفّي.
وتُوُفّي هذا الخطيب فِي المحرَّم بحماه [3] .
وآخر ما قَالَ:
إلهي لَيْسَ لي مَوْلًى سِواكا ... فَهَبْ من فضل فَضْلك لي رضاكا [4]
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن الحسين بن رواحة) في: تاريخ دمشق (تراجم حرف العين- عبد الله بن جابر- عبد الله بن زيد) 185 رقم 248، ومعجم الأدباء 10/ 48- 55، ومرآة الزمان 8/ 263، وخريدة القصر (قسم الشام) 1/ 481، وميزان الاعتدال 2/ 409 رقم 4271، وسير أعلام النبلاء 20/ 450، 451 (دون ترجمة) والوافي بالوفيات 17/ 142- 144 رقم 127، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 370.
[2] في تاريخه 185.
[3] وكان يصلّي بالناس التراويح في شهر رمضان. (تاريخ دمشق) .
[4] في الأصل: «سواكا» ، وما أثبتناه عن المصادر.(39/79)
وإنْ لا [1] ترضَى عنّي فاعْفُ عنّي ... لَعَلّي أنْ أحوزَ بِهِ حِماكا
فَقد يَهَبُ الكريمُ وليس يرضى ... وأنتِ مُحَكّمٌ في ذا وذاكا [2]
18- عَبْد اللَّه بْن رِفاعة بْن غدير بْن عَلي بْن أَبِي عُمَر بْن الذّيّال بْن ثابت ابن نُعَيْم [3] .
أَبُو مُحَمَّد السَّعْديّ، الْمَصْرِيّ، الفقيه الشّافعيّ، الفَرَضِيّ.
كَانَ فقيها، ديّنا، بارِعًا فِي الفرائض والحساب. وُلّي القضاء بمصر بالجيزة مدَّةً، ثمّ استعفى فُأعفيَ، واشتغل بالعبادة.
وكان مولده فِي ذي القعدة سنة سبع وستّين وأربعمائة. ولزِم القاضي الخِلَعيّ، وسمع منه الكثير وقدّمه، وتفقّه عَلَيْهِ، وسمع منه «السُّنَن» لأبي دَاوُد، و «السّيرة» والأجزاء العشرين، وغير ذَلِكَ. وهو آخر من حدّث عنه.
__________
[1] هكذا في الأصل، وفي المصادر: «وإلّا» ، وفي مرآة الزمان 8/ 363 «وإن لم» .
[2] وله وقد كتب إلى ابنه الفقيه أبي علي الحسين بن عبد الله وهو يتفقّه بدمشق:
بنيّ تيقّظ واستمع ما أقوله ... ولا تك محتاجا إلى وعظ واعظ
فما أحد في الخلق أشفق من أب ... عليك ولا يرعاك مثل مواعظي
إذا كنت في شرح الشبيبة ناسيا ... فلست إذا عند المشيب بحافظ
وكتب إليه وهو غائب عنه بديار مصر أبياتا منها:
إنّما هذه الحياة أحاظ ... بيننا والممات قسمة عدل
فتوخّ الوحي ولا يك ريث ... فالليالي تمحو لما أنت تملي
قد توكّلت فيك يا بني على الله ... وحسبي به سبيلا لفضل
غير أني أخاف أن لا يراني ... فأجازيك حرّ ثكل بثكل
(تاريخ دمشق)
[3] انظر عن (عبد الله بن رفاعة) في: العبر 4/ 174، ودول الإسلام 2/ 75، والإعلام بوفيات الأعلام 231، وسير أعلام النبلاء 20/ 435- 438 رقم 284، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1809، والوافي بالوفيات 17/ 167 رقم 155، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 124 رقم 820، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 54، رقم 639، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 37 رقم 1118، والمقفّى الكبير للمقريزي 4/ 400، 401 رقم 1494، والنجوم الزاهرة 5/ 372، وحسن المحاضرة 1/ 406، وشذرات الذهب 4/ 198.(39/80)
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن المسعوديّ، وأبو الجود المقرئ، ومحمد بْن يحيى بْن الرّذّاذ [1] ، ويحيى بْن عَقِيل بْن شريف بن رفاعة، والقاضي عبد الله بن محمد بن مجلّي. والحسن بن عقيل بن شريف، وعبد القويّ بْن الْجَبّاب، وصنيعة المُلْك هبة اللَّه بْن حَيْدَرة، ومحمد بْن عماد، وابن صبّاح، وآخرون.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة.
وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَادٍ، أنا ابْنُ رِفَاعَةَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الْخِلَعِيُّ، أنا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أنبا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ الْغَزِّيُّ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثنا مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لا عن بين رجل وامرأته] [2] وانتقى مِنْ وَلَدِهَا، [فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا] [3] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وألحق الولد با [لمرأة] [4] . 19- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عليّ [5] .
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 20/ 436 «الرداد» بدالين مهملتين.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك بين الحاصرتين من: صحيح البخاري.
[3] في الأصل: «فقرن» ، والمثبت بين الحاصرتين من البخاري.
[4] في الأصل بياض. والمثبت من: صحيح البخاري- كتاب الطلاق 6/ 181 باب: يلحق الولد بالملاعنة، وفيه من طرق أخرى في: الفرائض، ومسلم في اللعان، وأبو داود في الطلاق، والترمذي في الطلاق، والنسائي في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق. وقال الترمذي: حسن صحيح.
[5] انظر عن (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) في: تاريخ دمشق (المطبوع) 38/ 137، 138، ومعجم البلدان 1/ 202، 203، ومعجم الأدباء 1/ 202، واللباب 1/ 768 والإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب: الأشيري والأشتري، وإنباه الرواة 2/ 2137- 141 رقم 355، ووفيات الأعيان 7/ 76، وسير أعلام النبلاء 20/ 450 و 466، 467 رقم 294، ودول الإسلام 2/ 75، والعبر 4/ 174، 175، والإعلام بوفيات الأعلام 231، والمشتبه في الرجال 1/ 28، وتلخيص ابن مكتوم (مخطوط) 98، 99، ومرآة الجنان 3/ 347، والوافي بالوفيات 17/ 536، 536 رقم 455، وطبقات ابن قاضي شبهة 2/ 48، 49، وتوضيح المشتبه 1/ 237، وتبصير المنتبه 1/ 46، 47، والنجوم الزاهرة 5/ 372، وشذرات الذهب 4/ 198، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 2/ 274 رقم 617.(39/81)
أَبُو مُحَمَّد الأَشِيريّ [1] ، المغربيّ، الفقيه، الحافظ.
رحل فِي كِبَرِه إلى العراق، وإلى الشّام، وحدَّث عَنْ: أَبِي الحَسَن عَلي بْن عَبْد اللَّه بْن مَوْهَب الْجُذَاميّ، والقاضي عِياض.
سَمِعَ منه: عُمَر بْن عَلي الْقُرَشِيّ، ومحمد بْن المبارك بْن مشّق، وأحمد بْن أحمد، وأبو الفُتُوح نصر بْن الحصْريّ، وأبو مُحَمَّد الأستاذ الحلبيّ، وآخرون.
وكان عالِمًا بالحديث، والإِسناد، واللّغة، والنَّسَب، والنَّحْو، مجموع الفضائل.
حضر أَجَلُه باللَّبْوَة [2] بين حمص وبَعْلَبَكّ قادما من حلب، ودُفِن بظاهر بَعْلَبَكّ. وزار قبره السّلطان نور الدّين، وَبَرَّ عياله، وأجرى عليهم رِزْقًا [3] .
وقال جمال الدّين عَلي القِفْطيّ فِي «أخبار النُّحَاة» [4] : إنّ الأَشِيريّ كَانَ يخدم فِي بعض الأمور بدولة عَبْد المؤمن، ولمّا حصل مَعَ القوم بالأندلس جرى لَهُ أمرٌ، فخشي عاقبته، فانهزم بأهله وكُتُبه، وقصد الشّام، فخرج من البحر إلى اللّاذقيَّة، وبها الفرنج، فسلّمه اللَّه تعالى حتّى قدِم حلبَ، فنزل عَلَى العلاء الغَزْنَويّ مدرّس الهلاويَّة، وأقام عنده مدَّة، وروى لهم عن: أَبِي بَكْر ابن العربيّ، والقاضي عِياض. وأقام إلى سنة تسعٍ وخمسين. واتّفق أنّ الوزير يحيى بْن هُبَيْرة صنَّف كتاب «الإفصاح» وجمع لَهُ علماء المذاهب، فطلب
__________
[1] الأشيري: بكسر ثانيه، وياء ساكنة، وراء. نسبة إلى أشير: مدينة في جبال البربر بالمغرب في طرف إفريقية الغربي مقابل بجاية في البرّ. (معجم البلدان 1/ 202) .
وقال المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في (المشتبه 1/ 28) : نسبة إلى أشيرة من عمل سرقسطة. وتابعه ابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه 1/ 236) بوجود الهاء في آخرها.
أما ابن تغري بردي فأبعد كثيرا حين قال: أشير بين حمص وبعلبكّ! (النجوم الزاهرة 5/ 372) .
[2] اللّبوة: قرية في الشمال من بعلبكّ قريبة منها.
[3] تاريخ دمشق 38/ 138.
[4] إنباه الرواة 2/ 148.(39/82)
فقيها مالكيّا، فذكروا لَهُ الأَشِيريّ، فطلبه من نور الدّين، فسيّره إليه، فأكرمه.
ثمّ حجَّ مِن بغداد بعياله سنة ستّين، فضاق بهم الحال، فأقام بالمدينة، ثمّ جاء بمفرده فِي وسط السّنة إلى الشّام، فاجتمع بنور الدّين بظاهر حمص، فوعده بخير، فاتّفق أَنَّهُ مرض ومات فِي رمضان باللَّبْوَة.
وله كتاب «تهذيب الاشتقاق» الَّذِي للمبرّد.
ثمّ إنّ نور الدّين أحضر عائلته مَعَ متولّي السّبيل، وقرّر لهم كفايتهم بحلب، وصار ابنه جُنْديًّا.
وقال الأبّار: عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الصَّنْهاجيّ الأَشِيريّ، سَمِعَ: أَبَا جَعْفَر بْن غزيون، وغيره. وكان شاعرا، كتب لصاحب المغرب. فلمّا تُوُفّي مخدومه استؤسر ونُهِبت كُتُبُه، فتوجّه إلى الشّام.
ذكره ابن عساكر وقال: سَمِعَ منّي وسمعت منه [1] . وتُوُفّي فِي شوّال.
وقال ابن نُقْطَة [2] : سَمِعَ من شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وابن العربيّ. وكان ثقة، صالحا، حافظا، تُوُفّي فِي رمضان.
قلت: أَشِير قلعة بالمغرب لبني حمّاد.
قَالَ ابن النّجّار: ثنا عَنْهُ ابن الحُصْريّ، وقال: كَانَ إماما فِي الحديث، ذا معرفةٍ بفِقْهه ومعانيه، ورجاله، ولغته.
__________
[1] وزاد ابن عساكر: وكتب عنّي كتابا ألّفته لأجله سمّيته «كتاب بعض ما انتهى إلينا من الأخبار في ذكر من وافقت كنيته كنية زوجته من الصحابة الأخيار» ، وغيره. وعلّقت عنه شيئا من أخبار أبي الوليد الباجي، ولم أسمع منه حديثا مسندا لنزول سنده.
وكان أديبا له شعر جيد. ثم توجّه إلى حلب. وذكره أبو اليُسر شاكر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سليمان التنوخي القاضي المنشئ للملك العادل- رحمه الله- الأمير أبو يعقوب يوسف بن علي الملثّم، وهما في صحبته في الزيارة بالبقاع، وأثنيا عليه خيرا كثيرا، ورغّباه في تربته بحلب المحروسة لتقوية السّنّة بها لحاجة أهلها إلى مثله، فنقله الملك العادل إلى ثغر حلب، وقرّر له كفايته، وأقام يروي حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنتي ثمان وتسع وخمسين وخمسمائة، وسفّره إلى حجّ بيت الله الحرام، فجاور.
[2] في الإستدراك، باب: الأشيري والأشتري.(39/83)
ثمّ حكى انزعاج ابن هُبَيْرة بقوله لَهُ: ما قلتَ لَيْسَ صحيحا [1] . فانقطعِ الأَشِيريّ، وطلبه الوزير ولاطَفَه، وما تركه حتّى قَالَ لَهُ مثل قوله لَهُ، ووَصَله بمال، رحمهما اللَّه تعالى [2] .
20- عَبْد الرَّحْمَن بْن الحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن طاهر بْن مُحَمَّد [3] .
أَبُو طَالِب بْن العجميّ، الحلبيّ.
من بيت حِشْمة، وتقدُّم، وفضيلة.
رحل إلى بغداد فتفقَّه عَلَى: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد الشّاشيّ، وأسعد المِيهَنيّ، وسمع من: أَبِي القاسم بْن بَيَان. وعاد إلى بلده، وتقدَّم بها. وقدِم رسولا من صاحب حلب إلى دمشق، وتولّى عمارة المسجد الَّذِي ببَعْلَبَكّ فِي أيّام أتابك زنكيّ بن آق سنقر، ثمّ حجّ وجاور، وتولّى عمارة المسجد الحرام من قِبل صاحب المَوْصِل. وبنى بحلب مدرسة مليحة، ووقف عليها. وكان فِيهِ عصبيَّة وهمَّة ومحبّة للعلماء [4] .
ولد سنة ثمانين وأربعمائة.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وعمر بن عليّ القرشيّ، وأبو محمد بن
__________
[1] قيل جرى بينه وبين الوزير ابن هبيرة كلام في دعائه عليه السلام يوم بدر: «إن تهلك هذه العصابة» ، وكان الصواب معه، وقد نازع الوزير بعنف، فأحرجه حتى قال له الوزير:
تهذي! ليس كلامك بصحيح. وانفضّ الناس، ثم اعتذر إليه الوزير بكل طريق. (إنباه الرواة 2/ 139) .
[2] وقال ابن ناصر الدين: وفي «ذكر من أجاز علما» جمع أبي جعفر محمد بن الحسين الكاتب: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن علي الأشيري، أبو محمد، توفي سنة ثلاث وستين وخمسمائة. انتهى.
وهو الّذي ذكره المصنّف، ولكن اختلفا في وفاته، والأول هو الأكثر. (توضيح المشتبه 1/ 237) .
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن الحسن) في: تاريخ دمشق (المطبوع) 20/ 262، 263، ومرآة الزمان 8/ 263، 264 وفيه: «عبد الرحمن بن الحسين» ، والعبر 4/ 175، والنجوم الزاهرة 5/ 372، وشذرات الذهب 4/ 198، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 2/ 171 رقم 491 وفيها: «عبد الرحمن بن الحسين» .
[4] وهو عمّر جامعا ببعلبكّ. (مرآة الزمان) .(39/84)
علْوان الأستاذ، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وآخرون [1] .
وتُوُفّي رحمه اللَّه تعالى فِي نصف شعبان.
21- عَبْد الصمد بْن الْحُسَيْن بْن أحمد بْن عَبْد الصّمد بْن مُحَمَّد بْن تميم [2] .
أَبُو المعالي التّميميّ، الدّمشقيّ، الخطيب، الشّاهد.
قرأ بروايات، وسمع كثيرا من: أَبِي القاسم النّسيب، وأبي طاهر الحِنّائيّ، وكان صَدُوقًا أمينا.
حدَّث بشيءٍ يسير، وتُوُفّي فِي رمضان وله ثمانٍ وستّون سنة.
22- عَبْد العزيز بْن الْحُسَيْن [3] .
القاضي الجليس، أَبُو المعالي بْن الجبّاب [4] ، التّميميّ، السَّعْديّ، الأغلبيّ، الْمَصْرِيّ.
كَانَ جليسا لخليفة مصر، من أجِلّاء الأدباء، وكبار الإلِبّاء [5] .
تُوُفّي عَنْ نيِّفٍ وسبعين سنة. وهو والد عَبْد القويّ راوي «السّيرة» .
__________
[1] وقال ابن عساكر: وكان متعصّبا لأهل السّنّة، محبّا لأهل العلم، متعاهدا لأحوال الفقهاء.
وحدّث بحلب.. وأجاز لنا جميع حديثه. (تاريخ دمشق) .
[2] انظر عن (عبد الصمد بن الحسين) في: سير أعلام النبلاء 20/ 451 (دون ترجمة) .
[3] انظر عن (عبد العزيز بن الحسين) في: النكت العصريّة 116 و 158 و 252، وخريدة القصر (قسم شعراء مصر) 1/ 189- 200، وكتاب الروضتين ج 1 ق 2/ 360- 363، ووفيات الأعيان 7/ 223، وأخبار مصر لابن ميسّر 152، والمغرب في حلى المغرب 254- 259، والوافي بالوفيات 18/ 473- 476 رقم 501، وفوات الوفيات 1/ 354- 356، والبداية والنهاية 12/ 251، واتعاظ الحنفا 3/ 281، والنجوم الزاهرة 5/ 371، وحسن المحاضرة 1/ 563، والكواكب السيارة لابن الزيات 178، وتوضيح المشتبه 3/ 43.
[4] الجبّاب: بالجيم والباء الموحّدة، عرف بذلك لجلوس جدّه في سوق الجباب. (توضيح المشتبه 3/ 42) .
[5] وتولّى ديوان الإنشاء للفائز مع الموفّق بن الخلّال. (الوافي بالوفيات 18/ 474) .(39/85)
ومن شِعره:
ومن عجب [1] أنّ السُّيُوف لديهمُ ... تَحِيض دَماءً [2] وَالسُّيُوفُ ذُكُورُ [3]
وأعجبُ من ذا أنّها في أَكُفّهْم ... تأجَّجُ نارا، والأَكُفُّ بُحورُ [4]
23- عَبْد القادر بْن أَبِي صالح عَبْد اللَّه بن جبليّ دوست [5] .
__________
[1] في الأصل: «عجبي» ، والمثبت عن المصادر.
[2] في الأصل: «دما» ، والمثبت عن المصادر.
[3] ورد البيت مختلفا في النجوم الزاهرة:
ومن عجب أن الصوارم في الوغى ... تحيض بأيدي القوم وهي ذكور
وفي فوات الوفيات 2/ 333:
ومن عجبي أن الصوارم والقنا ... تحيض بأيدي القوم وهي ذكور
[4] البيتان في: الروضتين ج 1 ق 2/ 360، والبداية والنهاية 12/ 251، والوافي بالوفيات 18/ 474، وفوات الوفيات 2/ 333، والنجوم الزاهرة 5/ 371.
ومن شعره:
حيّا بتفّاحة مخضّبة ... من شفّني حبّه وتيّمني
فقلت ما إن رأيت مشبهها ... فاحمرّ من خجلة فكذّبني
وكان الجليس ابن الجبّاب كبير الأنف، وكان الخطيب أبو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصيّاد مولعا بأنفه وهجائه، وذكر أنفه في أكثر من ألف مقطوعة، فانتصر له أبو الفتح بن قادوس الشاعر فقال:
يا من يعيب أنوفنا ... الشمّ التي ليست تعاب
الأنف خلقه ربّنا ... وقرونك الشّمّ اكتساب
[5] انظر عن (عبد القادر الجيلي) في: الأنساب 3/ 415، والمنتظم 10/ 219 رقم 308 (18/ 173 رقم 4259) ، والكامل في التاريخ 11/ 323، ومرآة الزمان 8/ 264- 266، وبهجة الأسرار في مناقب سيدي عبد القادر، للشطنوفي، والمختصر في أخبار البشر 3/ 43، والعبر 4/ 175، 176، والمعين في طبقات المحدّثين 169 رقم 1810، ودول الإسلام 2/ 75، والإعلام بوفيات الأعلام 231، وسير أعلام النبلاء 20/ 439- 451 رقم 286، وتاريخ ابن الوردي 2/ 107- 111، وفوات الوفيات 2/ 373، 374، ومرآة الجنان 3/ 347- 366، والبداية والنهاية 12/ 252، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 290- 310، وتاريخ الخميس للدياربكري 2/ 408، والنجوم الزاهرة 5/ 371، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 108، وشذرات الذهب 4/ 198- 202، والأعلام 4/ 47، وديوان الإسلام 3/ 285، 286 رقم 1438، وكشف الظنون 662، وإيضاح المكنون 1/ 257، وهدية العارفين 1/ 596، ومعجم المؤلفين 5/ 307.(39/86)
وزاد بعض النّاس فِي نَسَبه إلى أن وصله بالحسن بْن عَلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقال: ابن أَبِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن يحيى الزّاهد بْن مُحَمَّد بْن دَاوُد بْن مُوسَى بْن عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بْن عَبْد اللَّه المحض بْن حَسَن المثنّى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجِيليّ [1] ، الحنبليّ، الزّاهد، صاحب الكرامات والمقامات، وشيخ الحنابلة رحمة [2] اللَّه عَلَيْهِ. وُلِد بجيلان فِي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. وقدِم بغدادَ شابّا، فتفقّه عَلَى القاضي أَبِي سعد المُخَرّميّ [3] .
وسمع الحديث من: أَبِي بَكْر أحمد بْن المظفَّر بْن سَوْسَن التّمّار، وأبي غالب الباقِلّانيّ، وأبي القاسم بْن بَيَان الرّزّاز، وأبي مُحَمَّد جَعْفَر السّرّاج، وأبي سعد بْن خُشَيْش، وأبي طَالِب بْن يوسف، وجماعة.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وعمر بن علي الْقُرَشِيّ، وولداه عَبْد الرّزّاق وموسى ابنا عَبْد القادر، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق، ويحيى بْن سعد اللَّه التِّكْريتيّ، والشّيخ عَلي بْن إدريس اليعقوبيّ، وأحمد بْن مطيع الباجِسْرائيّ [4] ، وأبو هُرَيْرَةَ مُحَمَّد بْن لَيْث بْن الوَسَطانيّ، وأكمل بْن مَسْعُود الهَاشميّ، وطائفة آخرهم وفاة أَبُو طَالِب عَبْد اللّطيف بْن مُحَمَّد بْن القُبَّيْط [5] .
وآخر من روى عنه بالإجازة: الرشيد بن أحمد بْن مَسْلَمَة. وكان إمام زمانه، وقُطْب عصره، وشيخ شيوخ الوقت بلا مدافعة.
__________
[1] تحرّفت في (مرآة الزمان 8/ 264) إلى: «الحلبي» .
و «الجيلي» : نسبة إلى بلاد متفرّقة وراء طبرستان. ويقال لها: كيل وكيلان، والنسبة إليها جيلي وجيلاني وكيلاني. (الأنساب 3/ 414) .
[2] في الأصل: «رحمت» .
[3] تحرّفت هذه النسبة في (الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 290) إلى: «المخرامي» ، وفي (مرآة الجنان 3/ 351) إلى: «المخزومي» .
[4] الباجسرائي: بكسر الجيم، وسكون السين، وراء، نسبة إلى باجسرى. بليدة في شرقيّ بغداد، بينها وبين حلوان على عشرة فراسخ من بغداد. (معجم البلدان 1/ 313) .
[5] القبّيطي: بضم القاف، تليها موحّدة مشدّدة مفتوحة، ثم مثنّاة تحت ساكنة، ثم الطاء المهملة المكسورة.(39/87)
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ [1] بِبَعْلَبَكَّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُدَامَةَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّمَائَةٍ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْجِيلِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ التَّمَّارُ، أنا أَبُو عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ نَجِيحٍ، أنا يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ الْقَزْوِينِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْتَخْلَفُوا خَلِيفَةً عَلَيْهِمْ بَعْدَ مُوسَى، فَقَامَ يُصَلِّي فِي الْقَمَرِ، فَوْقَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَذَكَرَ أُمُورًا كَانَ صَنَعَهَا، فَخَرَجَ فَتَدَلَّى بِسَبَبٍ، فَأَصْبَحَ السَّبَبُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَهَبَ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قَوْمًا عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ، فَوَجَدَهُمْ يَصْنَعُونَ لَبِنًا فَسَأَلَهُمْ كَيْفَ يَأْخُذُونَ هَذَا اللَّبِنَ؟ قَالَ: فَأَخْبَرُوهُ، فَلَبَّنَ مَعَهُمْ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ، فَإِذَا كَانَ حِينُ الصَّلَاةِ تَطَهَّرَ فَصَلَّى. فَرَفَعَ ذَلِكَ الْعُمَّالُ إِلَى قَهْرَمَانِهِمْ، إِنَّ فِينَا رَجُلًا يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَهُ بِنَفْسِهِ يَسِيرُ عَلَى دَابَّتِهِ، فَلَمَّا رَآهُ فَرَّ وَاتَّبَعَهُ، فَسَبَقَهُ وَقَالَ: انْظُرْنِي أُكَلِّمْكَ.
قَالَ: فَقَامَ حَتَّى كَلَّمَهُ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ مَلِكًا، وَأَنَّهُ فَرَّ مِنْ رَهْبَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: لَأَظُنُّ [2] أَنِّي لاحِقٌ بِكَ. قَالَ: فَلَحِقَهُ فَعَبَدَا اللَّهَ حَتَّى مَاتَا بِرَمْلَةِ مِصْرَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لاهْتَدَيْتُ [3] إِلَى قَبْرَيْهِمَا مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الّتي وصف [4] .
__________
[1] توفي سنة 696 هـ. انظر: معجم شيوخ الذهبي 1/ 281، 282 رقم 390، والمعجم المختص بالمحدّثين 134 رقم 155، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 2/ 159- 161 رقم 473 وفيها مصادر ترجمته.
[2] في الأصل: «لا أظنّ» وهو غلط.
[3] في الأصل: «لاقتديت» .
[4] أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 10/ 216، 217 رقم 1370) وفيه: عن سماك بن حرب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عن أبيه.(39/88)
قَالَ ابن السَّمعانيّ: أَبُو مُحَمَّد عَبْد القادر فخر أهل جِيلان، إمام الحنابلة وشيخهم فِي عصره، فقيهٌ صالح ديّن، كثير الذِّكْر دائم الفِكر سريع الدّمعة. تفقَّه عَلَى المُخَرِّمي، وصحِبَ الشَّيْخ حمّاد الدّبّاس.
قَالَ: وكان يسكن باب الأزج في المدرسة الّتي بنو لَهُ. مضيت يوما لأودّع رفيقا لي، فلمّا انصرفنا قَالَ لي بعض من كَانَ معي: ترغب فِي زيارة عَبْد القادر والتَّبرُّك بِهِ؟ فمضينا ودخلت مدرسته، وكانت بكرة، فخرج وقعد بين أصحابه، وختموا القرآن، فلمّا فرغنا أردتُ أن أقوم، فأجلسني وقال:
حتّى نفرغ من الدَّرْس. فألقى درسا عَلَى أصحابه، ما فهمت منه شيئا.
وأعجب من هذا أنّ أصحابه قاموا وأعادوا ما درّس لهم، فلعلّهم فهموا لإلْفهم بكلامه وعبارته [1] .
وقال أَبُو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ [2] : وكان أَبُو سعد المُخَرَّميّ قد بنى [3] مدرسة لطيفة بباب الأَزَج، ففوِّضت إلى عَبْد القادر، فتكلّم عَلَى النّاس بلسان الوعظ، وظهر لَهُ صِيتٌ بالزُّهْد. وكان لَهُ سَمْتٌ وصَمْت، وضاقت المدرسة بالنّاس.
وكان يجلس عند سور بغداد، مستِندًا إلى الرباط، ويتوب عنده فِي المجلس خلقٌ كثير، فعُمِّرَت المدرسةُ ووُسِّعَت. وتعصّب فِي ذَلِكَ العوامّ.
وأقام بها يُدرّس ويعظ إلى أن تُوُفّي.
قلت: لم تَسَعْ مَرَارةُ ابن الجوزيّ بأن يترجمه بأكثر من هذا، لما فِي قلبه لَهُ من البُغْض، نعوذ باللَّه من الهوى [4] .
__________
[ () ] وفيه أيضا: «رميلة مصر» .
ورواه أيضا في (المعجم الأوسط برقم 494) .
وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 10/ 218، 219) ونسبه إلى البزّار أيضا 1/ 303 وقال:
إسناده حسن.
[1] الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 291.
[2] في المنتظم 10/ 219 (18/ 173) .
[3] في الأصل: «بنا» .
[4] ولقد انتقد اليافعيّ بدوره المؤلّف الذهبيّ- رحمه الله- فقال: «وقوله انتهى إليه التقدّم في(39/89)
أنبأنا أَبُو بَكْر بْن طَرْخان أنّ الشَّيْخ الموفَّق أخبرهم، وقد سُئل عَنِ الشَّيْخ عَبْد القادر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أدركناه فِي آخر عُمره، فأسكننا فِي مدرسته، وكان يُعنَى بنا، ورُبّما أرسل إلينا ابنه يحيى، فيُسْرِج لنا السِّراج، وربّما يرسل إلينا طعاما من منزله. وكان يُصلّي الفريضة بنا إماما، وكنت أقرأ عَلَيْهِ من حِفْظي من كتاب الخِرَقيّ غُدْوةً، ويقرأ عَلَيْهِ الحافظ عَبْد الغنيّ من كتاب «الهداية» . وما كَانَ أحد يقرأ عَلَيْهِ ذَلِكَ الوقت سوانا، فأقمنا عنده شهرا وتسعة أيّام، ثمّ مات، وصلَّينا عَلَيْهِ ليلا فِي مدرسته. ولم يسمع عَنْ أحدٍ يُحكى عَنْهُ من الكرامات أكثر مما يُحْكى عَنْهُ، ولا رَأَيْت أحدا يعظّمه النّاسُ من أجل الدّين أكثر منه. وسمعنا عَلَيْهِ أجزاء يسيرة [1] .
قرأت بخطّ السّيف ابن المجد الحافظ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن محمود المَرَاتِبيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّيْخ أَبَا بَكْر العماد رحمه اللَّه قَالَ: كنت قد قرأت فِي أُصول الدّين، فأوقع عندي شكّا، فقلت حتّى أمضي إلى مجلس الشَّيْخ عَبْد القادر، فقد ذكر أَنَّهُ يتكلّم عَلَى الخواطر. فمضيت إلى مجلسه وهو يتكلَّم فقال: اعتقادنا اعتقاد السَّلَف الصّالح والصّحابة. فقلت فِي نفسي:
هذا قاله اتّفاقا. فتكلّم ثمّ التفت إلى النّاحية الّتي أَنَا فيها، فأعاد القول، فقلت: الواعظ يلتفت مرّة هكذا، ومرّة هكذا. فالتفت إليَّ وقال: يا أَبَا بَكْر، وأعاد القول، قُمْ فقد جاء أَبوك، وكان غائبا. فقمت مبادرا إلى بيتنا، وإذا أَبِي فقد جاء [2] .
__________
[ () ] الوعظ والكلام على الخواطر فغضّ من منصبه العالي وقدح لا مدح فيما له من المفاخر والمعالي.
فمن مدح السادات أهل نهاية ... وسامي مقامات بأوصاف مبتدي
فقد ذمّهم فيما به ظنّ مدحهم ... وكم معتد فيها بزعمه مهتدي
(انظر: مرآة الجنان 3/ 349) .
وذكر اليافعيّ أيضا أخبار الجيلاني في كتابين له: «خلاصة المفاخر في أخبار مناقب الشيخ عبد القادر» و «نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ أولي المقامات العالية» . (مرآة الجنان 3/ 355) .
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 442.
[2] سير أعلام النبلاء 20/ 442.(39/90)
قلت: ونظير هذه الحكاية ما حَدَّثَنَا الفقيه أَبُو القاسم بْن مُحَمَّد بْن خَالِد قَالَ:
حدّثني شيخنا جمال الدّين يحيى بْن الصَّيرفيّ: سَمِعْتُ أَبَا البقاء النَّحْويّ قَالَ: حضرت مجلس الشَّيْخ عَبْد القادر، فقرءوا بين يديه بالألحان، فقلت في نفسي: تُرَى لأيّ شيءٍ لا يُنْكر الشَّيْخ هذا. فقال الشَّيْخ: يجيءُ واحدٌ قد قرأ أبوابا من الفِقْه يُنكر. فقلت فِي نفسي: لعلّ أَنَّهُ قصد غيري. فقال: إيّاك نعني بالقَول. فتبت فِي نفسي من اعتراضي عَلَى الشَّيْخ. فقال: قد قبل اللَّه توبتك [1] .
وسمعت شيخنا ابن تَيْميَة يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّيْخ عزّ الدّين أحمد الفاروثيّ [2] : سَمِعْتُ شيخنا شهاب الدّين السُّهْرَوَرْدِيّ يَقُولُ: عَزَمْتُ عَلَى الاشتغال بالكلام وأُصول الدّين، فقلت في نفسي: أستشير الشَّيْخ عَبْد القادر.
فأتيتُه فقال قبل أن أنطِق: يا عُمَر، ما هُوَ من عُدَّة القبر، يا عُمَر ما هُوَ من عُدَّة القبر.
قَالَ: فتركته [3] .
وقال أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن محمود المَرَاتِبيّ: قلت للشّيخ الموفَّق: هَلْ لسماع الحديث عند ابن شافع، فكلّ ما سمعناه لم ننتفع بِهِ.
قَالَ السّيف: يعني لنزول ذَلِكَ [4] . وذلك أنّهم سمعوا منه «المسند» و «البخاريّ» .
وقال شيخنا أبو الحسين اليُونينيّ [5] : سَمِعْتُ الشَّيْخ عزّ الدّين بْن عَبْد
__________
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 422، 443.
[2] الفاروثيّ: نسبة إلى فاروث من قرى واسط. وهي براء مضمومة بعد الألف، ثم واو ساكنة، ثم مثلّثة. (توضيح المشتبه 7/ 12) .
وقد تحرّفت في (الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 296) إلى «الفاروقي» بالقاف بدل الثاء.
[3] سير أعلام النبلاء 20/ 443، الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 296، 297.
[4] سير أعلام النبلاء 20/ 443.
[5] هو عليّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بن عيسى اليونيني البعلي، ولد ببعلبكّ سنة 621(39/91)
السّلام يَقُولُ: ما نُقِلت إلينا كرامات أحدٍ بالتّواتر إلّا الشَّيْخ عَبْد القادر، فقيل لَهُ هذا مَعَ اعتقاده، فكيف هذا؟ قَالَ: لازمُ المذهب لَيْسَ بمذْهب [1] .
وقال ابن النّجّار فِي ترجمة الشَّيْخ عَبْد القادر: دخل بغداد سنة ثمانٍ وثمانين، وله ثمان عشرة سنة، فقرأ الفقه عَلَى: أَبِي الوفاء بْن عَقِيل، وأبي الْخَطَّاب، وأبي سعد المبارك المُخَرِّميّ، وأبي الْحُسَيْن بْن الفرّاء، حتّى أحكم الأُصُولَ، والفُروع، والخِلاف.
وسمع الحديث، فذكر شيوخه.
قَالَ: وقرأ الأدب عَلَى أَبِي زكريّا التِّبْريزيّ، واشتغل بالوعْظ إلى أن برز فِيهِ. ثمّ لازَم الخُلْوة، والرّياضة، والسّياحة، والمجاهَدَة، والسَّهر، والمُقام فِي الخراب والصّحراء. وصحِب الشَّيْخ حمّادَ الدّبّاس، وأخذ عَنْهُ علم الطّريق. ثمّ إنّ اللَّه تعالى أظهره للخلْق، وأوقع لَهُ الْقَبُولَ العظيم، فعقد مجلس الوعْظ في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. وأظهر اللَّه الحكمةَ عَلَى لسانه.
ثمّ جلس فِي مدرسة شيخه أَبِي سعد للتّدريس والفتوى فِي سنة ثمانٍ وعشرين، وصار يُقصد بالزّيارة والنُّذُور. وصنِّف في الأصول والفُروع، وله كلامٌ عَلَى لسان أهل الطّريقة عالٍ.
روى لنا عَنْهُ ولدُه عَبْد الرّزّاق، وأحمد بْن البَنْدَنيجيّ [2] ، وابن القُبَّيْطيّ، وغيرهم.
كتب إليَّ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحَسَن الْجُبّائيّ [3] بخطّه قَالَ: قَالَ لي الشّيخ
__________
[ () ] وتوفي فيها سنة 701 هـ. (انظر ترجمته ومصادرها في كتابنا: موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 3/ 63- 66 رقم 761) .
و «اليونيني» نسبة إلى يونين، بلدة شمال بعلبكّ.
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 443.
[2] البندنيجي: بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر النون وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها الجيم. هذه النسبة إلى بندنيجين وهي بلدة قريبة من بغداد بينهما دون عشرين فرسخا. (الأنساب 2/ 313) .
[3] تحرّفت «الجبّائي» إلى «الجبالي» في (الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 297) .(39/92)
عَبْد القادر: طالَبَتْني نفسي يوما بشهوةٍ، فكنت أُضاجِرُها، وأدخل فِي دربٍ وأخرج إلى دربٍ أطلب الصّحراء، فبينما أَنَا أمشي، إذ رَأَيْت رُقْعةً مُلْقاةً، فإذا فيها: ما للأقوياء والشَّهَوات، إنّما خُلِقت الشَّهَوات للضُّعَفاء ليتقَوَّوا بها عَلَى طاعتي. فلمّا قرأتها خرجَتْ تلك الشَّهوة من قلبي.
قَالَ: وقال لي: كنت أقتات بخرنوب الشَّوك، وورق الخسّ من جانب النّهر [1] .
قرأت بخطّ أَبِي بَكْر عَبْد اللَّه بْن نصر بْن حمزة التَّيْميّ: سَمِعْتُ عَبْد القادر الْجِيليّ قَالَ: بلغت بي الضّائقة فِي غلاءٍ نزل ببغداد، إلى أنْ بقيت أيّاما لا آكل فيها طعاما بل أتتبَّع المنبوذات، فخرجت يوما إلى الشَّطّ لعلّي أجد ورق الخسّ والبقل، فما ذهبتُ إلى موضع إلّا وجدت غيري قد سبقني إِلَيْهِ، فرجعت أمشي فِي البلد، فلا أدرك موضعا قد كَانَ فِيهِ شيءٌ منبوذٌ إلّا وقد سُبِقْتُ إِلَيْهِ، فأجْهَدَني الضَّعْفُ، وعجزت عَنِ التّماسُك، فدخلت مسجدا، وقعدت، وكدتُ أصافح الموتَ، إذ دخل شابٌّ أعجميّ ومعه خُبزٌ وشِواء، وجلس يأكل، فكنت أكاد كلّما رفع يده بالُّلْقمة أن أفتح فمي من شدَّة الجوع، حتّى أنكرت ذَلِكَ عَلَى نفسي، إذ التفَتَ فرآني، فقال: بسم الله، فأبيت، فأقسم عليّ، فبادرت نفسي إلى إجابته، فأبيت مخالفا لها ولهواها، فأقسم عليّ، فأجبْتُهُ، وأكلت مقصِّرًا، وأخذ يسألني: ما شُغلُكَ، ومن أَيْنَ أنت؟
فقلت: أمّا شغْلي فمتفقّه، وأمّا من أَيْنَ، فمن جِيلان. فقال: وأنا والله من جِيلان، فهل تعرف لي شابّا جيلانيّا اسمه عَبْد القادر، يُعرف بسِبْط أَبِي عَبْد اللَّه الصَّوْمعيّ الزّاهد؟ قلت: أَنَا هُوَ. فاضطرب لذلك، وتغيَّر وجهه، وقال: واللهِ يا أخي، لقد وصلت إلى بغداد، ومعي بقيَّة نفقةٍ لي، فسألت عنك، فلم يُرشْدني أحدٌ، إلى أنْ نفدتْ نَفَقَتي، وبقيت بعدها ثلاثة أيّام لا أجد ثمن قُوتي إلّا من مالك معي، فلمّا كَانَ هذا اليوم الرابع قلت: قد تجاوزتْني ثلاثة أيّام لم آكل فيها طعاما، وقد أحلّت لي الميتة، فأخذت من
__________
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 443، 444، الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 298، فوات الوفيات 2/ 373، 374.(39/93)
وديعتك ثمن هذا الخُبز والشِّواء، فكُلْ طيّبا، فإنّما هُوَ لك، وأنا ضيفك الآن.
فقلت: وما ذاك؟
قَالَ: أمّك وجّهت معي ثمانية دنانير، والله ما خُنْتُكَ فيها إلى اليوم.
فسكّنته وطيّبت نفسه، ودفعت إِلَيْهِ شيئا منها [1] .
كتب إليَّ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحَسَن الْجُبّائيّ قَالَ: قَالَ لي الشَّيْخ عَبْد القادر: كنت فِي الصّحراء أكرّر الفقه وأنا فِي مشقَّةٍ من الفقر، فقال لي قائل لم أر شخصه: اقترضْ ما تستعين بِهِ عَلَى طلب الفِقْه. فقلت: كيف أقترض وأنا فقير، ولا وفاء لي؟
قَالَ: اقترض وعلينا الوفاء.
قَالَ: فجئت إلى بقّالٍ فقلت لَهُ: تعاملني بشرْط إذا سهّل اللَّه لي شيئا أعطيك، وإنْ متّ تجعلني فِي حِلّ، تعطيني كلَّ يومٍ رغيفا ورشادا.
قَالَ: فبكى وقال: يا سيّدي أَنَا بحُكْمك.
فأخذت منه مدَّةً، فضاق صدري. فأظنّ أَنَّهُ قَالَ: فقيل لي: امضِ إلى موضع كذا، فأيّ شيء رَأَيْت عَلَى الدّكَّة فخُذْه وادفعه إلى البَقَليّ. فلمّا جئت رَأَيْت عَلَى دكَّةٍ هناك قطعة ذهبٍ كبيرة، فأخذتُها وأعطيتها للبقليّ [2] .
قَالَ: ولحِقَني الجنون مرَّةً، وحُمِلت إلى المارِستان، وطرقتني الأحوال حتّى متّ، وجاءوا بالكَفَن، وجعلوني عَلَى المَغْسَل، ثمّ سُرِّيَ عنّي وقمت.
ثمّ وقع فِي نفسي أن أخرج من بغداد لكثْرة الفِتَن الّتي بها، فخرجت إلى باب الحلبة، فقال لي قائل: إلى أَيْنَ تمشي؟ ودفعني دفعة حتّى خَرَرْتُ منها، وقال: ارجع، فإنّ للنّاس فيك مَنْفَعة. قلت: أريد سلامة دِيني. قَالَ: لك ذَلِكَ. ولم أر شخصه.
__________
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 444، 445، الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 298، 299.
[2] سير أعلام النبلاء 20/ 445.(39/94)
ثمّ بعد ذَلِكَ طرقتني الأحوال، فكنت أتمنى من يكشفها لي، فاخترتُ بالظَّفَرّية، ففتح رَجُلٌ داره، وقال لي: يا عَبْد القادر، أيش طلبت البارحة؟
فنسيت وسكتّ، فاغتاظ منّي، ودفع الباب فِي وجهي دفعة عظيمة، فلمّا مَشيتُ ذكرت الَّذِي سَأَلت اللَّهَ، فرجعت أطلب الباب، فلم أعرفه. وكان حمّادا الدّبّاس. ثمّ عرفته بعد ذَلِكَ، وكتب لي جميع ذَلِكَ ممّا كنت يُشكِلُ عليّ. وكنت إذا غبْتُ عَنْهُ لطلب العِلم ورجعت إِلَيْهِ يَقُولُ: أيْش جاء بَك إلينا؟ أنت فقيه، مُرّ إلى الفُقهاء. وأنا أسكت.
فلمّا كَانَ يوم جمعة، خرجت مَعَ الجماعة معه إلى الصّلاة فِي شدَّة البرد، فلمّا وصلنا إلى قنطرة النّهر، دفعني النّاس فِي الماء. فقلت: غُسْل الجمعة، بسم الله.
وكان عليّ جُبَّة صوف، وفي كمّي أجزاء، فرفعت كُمّي لئلّا تهلك الأجزاء، وخلّوني ومشوا، فعصرت الْجُبَّة، وتبِعْتُهم، وتأذّيت من البرد كثيرا.
وكان الشَّيْخ يؤذيني ويضربني، وإذا غبت وجئت يَقُولُ: قد جاءنا اليوم الخُبْز الكثير والفالوذَج، وأكلنا وما خبّأنا لك وحشة عليك، فطمع فِيَّ أصحابه وقالوا: أنت فقيه، أيْش تعمل معنا؟ فلمّا رآهم الشَّيْخ يُؤْذوني غار لي، وقال لهم: يا كلاب، لِمَ تؤذونه؟ والله ما فيكم مثله، وإنّما أوذيه لأمتحنه، فأراه جبلا لا يتحرَّك.
ثمّ بعد مدَّةٍ قدِم رَجُلٌ من هَمَذَان يقال له يوسف الهَمَذَانيّ، وكان يقال لَهُ القُطْب، ونزل فِي رِباط، فلمّا سَمِعْتُ بِهِ مشيت إلى الرّباط، فلم أره، فسألت عَنْهُ، فقيل: هُوَ في السّرداب، فنزلت إليه، فلمّا آني قام وأجلسني وفَرَشَني، وذكر لي جميع أحوالي، وحلّ لي المُشْكِل عليّ، ثمّ قَالَ لي:
تتكلّم عَلَى النّاس. فقلت: يا سيّدي أَنَا رَجُل أعجميّ قحّ، أخرس، أيْش أتكلّم عَلَى فُصَحاء بغداد؟
فقال لي: أنت حفظتَ الفِقْه وأُصوله، والخلاف، والنَّحْو، واللّغة،(39/95)
وتفسير القرآن، لا يصلح لك أنْ تتكلّم؟ اصعد عَلَى الكُرْسيّ، وتكلَّم عَلَى النّاس، فإنّي أرى فيك عِذْقًا سيصير نخلة [1] .
قَالَ: وقال لي الشَّيْخ عَبْد القادر: كنت أؤمَر وَأُنْهَى فِي النّوم واليَقَظَة، وكان يغلب عليّ الكلام، ويزدحم عَلَى قلبي إنْ لم أتكلّم حتّى أكاد أختنق، ولا أقدر أن أسكت. وكان يجلس عندي رجلان وثلاثة يسمعون كلامي، ثمّ تَسَامَع النّاس بي، وازدحم عليّ الخلْق، حتّى صار يحضر المجلسَ نحوٌ من سبعين ألفا.
وقال لي: فتّشت الأعمال كلّها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطّعام، أودّ لو أنّ الدّنيا بيدي فأُطْعمها الجياع.
وقال لي: كفّي مثقوبة لا تضبط شيئا، لو جاءني ألفُ دينار لم أبيّتها.
وكان إذا جاءه أحدٌ بذَهَبٍ يَقُولُ لَهُ: ضَعْها تحت السّجّادة.
وقال لي: أتمنّى أن أكون فِي الصَّحَاري والبراري، لما كنت فِي أوّل الأمر، لا أرى الخلْق ولا يروني.
ثمّ قَالَ: أراد اللَّه منّي منفعة الخلْق، فإنّه قد أسلم على يدي أكثر من خمسمائة، وتاب عَلَى يدي من العَيّارين والمشّالحة أكثرُ من مائة ألف، وهذا خيرٌ كثير.
وقال لي: ترِدُ عليّ الأثقال الكثيرة، ولو وُضِعت عَلَى الجبال تفسَّخَتْ، فأضع جنْبي عَلَى الأرض، وأقرأ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً 94: 5- 6 [2] ثمّ أرفع رأسي وقد انفرجت عنّي.
وقال لي: إذا ولد لي ولدٌ أخذته عَلَى يدي، وأقول هذا ميّت. فأخرجه من قلبي، فإذا مات لم يؤثّر عندي موتُهُ شيئا [3] .
__________
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 445- 447.
[2] سورة الإنشراح، الآيتان 5 و 6.
[3] سير أعلام النبلاء 20/ 447.(39/96)
وقال ابن النّجّار: سَمِعْتُ عَبْد الرّزّاق بْن عَبْد القادر يَقُولُ: وُلِد لوالدي تسعٌ وأربعون ولدا، سبعةٌ وعشرون ذَكَرًا، والباقي إناث [1] .
وقال: كتب إليَّ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحَسَن الْجُبّائيّ قَالَ: كنت أسمع كتاب «الحلْية» عَلَى ابن ناصر، فَرَقَّ قلبي، وقلت فِي نفسي: اشتهيت أن أنقطع عَن الخلْق وأشتغل بالعبادة. ومضيت فصلَّيتُ خلْف الشَّيْخ عَبْد القادر، فلمّا صلّى جلسنا، فنظر إليَّ وقال إذا أردتَ الانقطاع، فلا تنقطعْ حتّى تتفقَّه، وتجالس الشّيوخ، وتتأدَّب، وإلّا تنقطع وأنت فُرَيْخ ما رَيَّشْتَ [2] .
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّاهِدُ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ ابْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الثَّنَاءِ بْنَ أَبِي الْبَرَكَاتِ النَّهْرَ مَلْكِيَّ يَقُولُ: قَالَ لِي صَدِيقٌ لِي: قَدْ سَمِعْتُ أَنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ لا يَقَعُ عَلَى ثِيَابِهِ الذُّبَابُ. فَقُلْتُ: مَا لِي عِلْمٌ بِهَذَا. ثُمَّ بَكَّرْنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَحَضَرْنَا مَجْلِسَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَإِلَيْهِ وَقَالَ: أَيْشَ يَعْمَلُ الذُّبَابُ عِنْدِي، لا دِبْسُ الدُّنْيَا، وَلا عَسَلُ الآخِرَةِ [3] .
قَالَ: وأنبأنا أَبُو البقاء عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن الحنبليّ: سَمِعْتُ يحيى بْن نجاح الأديب يَقُولُ: قلت فِي نفسي: أريد أُحصي كم يقصّ الشَّيْخ عَبْد القادر شَعْرًا من التُّوَّاب. فحضرت المجلسَ ومعي خَيْط، فكلّما قصّ شَعْرًا عقدت عُقْدةً تحت ثيابي، من الخيط، وأنا فِي آخر النّاس، وإذا بِهِ يَقُولُ: أَنَا أحلُّ، وأنت تعقد؟! [4] .
قَالَ: وسمعت شيخ الصُّوفيَّة عُمَر بْن محمد السّهرورديّ يقول: كنت
__________
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 447، فوات الوفيات 2/ 374.
[2] زاد ابن النجّار: «فإن أشكل عليك شيء من أمر دينك تخرج من زاويتك وتسأل الناس عن أمر دينك؟ ما يحسن صاحب الزاوية أن يخرج من زاويته ويسأل الناس عن أمر دينه! ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره» .
[3] سير أعلام النبلاء 20/ 448.
[4] سير أعلام النبلاء 20/ 448.(39/97)
أتفقّه فِي صباي، فخطر لي أن أقرأ شيئا من عِلْم الكلام، عزمت عَلَى ذَلِكَ من غير أن أتكلَّم بِهِ، فاتّفق أنّي صلّيتُ مَعَ عمّي الشَّيْخ أَبِي النّجيب، فحضر عنده الشَّيْخ عَبْد القادر مسلِّمًا، فسأله عمّي الدّعاء لي، وذكر لَهُ أنّي مشتغل بالفِقه.
وقمت فقبّلت يده، فأخذ يدي وقال لي: تُبْ ممّا عزمتَ عَلَى الاشتغال بِهِ، فإنّك تُفْلِح. ثمّ سكتَ وترك يدي، ولم يتغيَّر عزمي عَنِ الاشتغال بالكلام، حتّى شُوِّشَتْ عليّ جميعُ أحوالي، وتكدَّر وقتي عليّ، فعلمت أنّ ذَلِكَ بمخالفة الشَّيْخ [1] .
قَالَ: وسمعت أَبَا مُحَمَّد بْن الأخضر يَقُولُ: كنت أدخل عَلى الشَّيْخ عَبْد القادر فِي وسط الشّتاء وقوّة برْده، وعليه قميصٌ واحدٌ، وعلى رأسه طاقيَّة، وحوله من يُروّحه بالمِرْوحة، والعَرَق يخرج من جسده كما يكون فِي شدة الحرّ [2] .
قَالَ: وسمعت عَبْد العزيز بْن عَبْد الملك الشَّيْبانيّ: سَمِعْتُ الحافظ عَبْد الغنيّ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّد بْن الخشّاب النَّحْويّ يَقُولُ: كنت وأنا شابّ أقرأ النَّحْو، وأسمع النّاس يصفون حُسْن كلام الشَّيْخ عَبْد القادر، فكنت أريد أن أسمعه، ولا يتَّسع وقتي لذلك، فاتّفق أنْ حضرتُ يوما مجلسَه، فلمّا تكلَّم لم أَستحسن كلامه، ولم أفهمْهُ، فقلت فِي نفسي: ضاع اليوم منّي. فالتفَتَ إلى الجهة الّتي كنت فيها وقال: وَيْلَكَ تُفَضّل النَّحْو عَلَى مجالِس الذِّكْر، وتختار [ذَلِكَ] [3] ؟! اصْحَبْنا نُصَيِّرُكَ سِيبَوَيْه.
وقال: حكى شيخنا أحمد بْن ظَفَر بْن الوزير ابن هُبَيْرة قَالَ: سَأَلْتُ جدّي أنْ يأذن لي إلى الشَّيْخ عَبْد القادر، فأذِن لي، وأعطاني مبلغا من الذَّهب، وأمرني أنْ أدفعه إِلَيْهِ، وتقدم إليَّ بالسّلام عَلَيْهِ. فحضرت، فلمّا انقضى المجلس ونزل عَنِ المِنْبر، سلّمت عَلَيْهِ، وتحرَّجت من دفع الذّهب
__________
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 448، الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 297.
[2] سير أعلام النبلاء 20/ 449، الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 299.
[3] في الأصل بياض، والمضاف من: سير أعلام النبلاء 20/ 449.(39/98)
إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْجَمْع، فبادرني الشَّيْخ سابقا لفِكرتي وقال: هاتِ ما معك، ولا عليك من النّاس، وَسَلِّمْ عَلَى الوزير.
قَالَ: ففعلت وانصرفت مدهوشا [1] .
وقال أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن نصر الهاشميّ: حدَّثني أَبُو الْعَبَّاس أحمد بن المبارك المرقعاتيّ قَالَ: صحبْتُ الشَّيْخ عَبْدَ القادر [2] .
وقال صاحب «مرآة الزّمان» [3] : كَانَ سكوت الشَّيْخ عَبْد القادر أكثر من كلامه، وكان يتكلَّم عَلَى الخواطر، فظهر لَهُ صِيت عظيم، وَقَبُولٌ تامّ. وما كَانَ يخرج من مدرسته إلّا يوم الجمعة، أو إلى الرباط. وتاب عَلَى يده مُعظَم أهل بغداد، وأسلم معظم اليهود والنّصارى. وما كَانَ أحدٌ يراه إلّا فِي أوقات الصّلاة. وكان يصدع بالحقّ عَلَى المنبر، ويُنْكِر عَلَى من يولّي الظَّلَمَةَ عَلَى النّاس.
ولمّا ولّي المقتفي القاضي ابن المرخّم الظّالم، قَالَ عَلَى المنبر: ولّيت عَلَى المسلمين ظُلْمَ الظَّالمين، ما جوابك غدا عند ربّ العالمين؟
وكان لَهُ كرامات ظاهرة. لقد أدركت جماعة من مشايخنا يحكون منها جملة. حكى لي خالي لأمّي خاصّبَك قَالَ: كَانَ الشَّيْخ عَبْد القادر يجلس يوم الأحد، فبِتُّ مهتّما بحضور مجلسه، فاتّفق أنّني احتلمتُ، وكانت ليلة باردة، فقلت ما أُفَوِّت مجلسه، وإذا انقضى المجلس اغتسلتُ. وجئت إلى المدرسة والشّيخ عَلَى المِنْبر، فساعة وقعتْ عينهُ عليّ قَالَ: يا زُبَيْر، تحضر مجلسنا وأنت جُنُبٌ وتحتجّ بالبرْد! وحكى لي مظفَّر الحربيّ، رَجُلٌ صالح، قَالَ: كنت أنام فِي مدرسة الشّيخ عبد
__________
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 449.
[2] في الأصل ترك بياض مقدار نيّف وأربعة أسطر، وكتب بجانبه على الهامش «ث. بيّض المؤلّف هذا المقدار ويمكن أن يكتب من مناقبه» .
[3] ج 8/ 264، 265.(39/99)
القادر لأجل المجلس، فمضيت ليلة وصعدت عَلَى سُطُوح المدرسة، وكان الْحَرُّ شديدا، فاشتهيت الرُّطَبَ وقلت: يا إلهي وسيّدي، ولو أنّها خمس رُطَبَات.
وقال: كَانَ للشّيخ بابٌ صغيرٌ فِي السّطح، ففتح الباب وخرج، وبيده خمسُ رُطَبَات، وصاح: يا مظفَّر، وما يعرفني، تعال خُذْ ما طلبتَ.
قَالَ: ومن هذا شيءٌ كثير.
قَالَ: وكان ابن يونس وزير الْإِمَام النّاصر قد قصد أولاد الشَّيْخ عَبْد القادر، وبدّد شملهم، وفعل فِي حقّهم كلَّ قبيح، ونفاهم إلى واسط، فبدَّد اللَّه شمل ابن يونس ومزّقه، ومات أقبح موتة.
قلت: كَانَ الشَّيْخ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عديم النّظير، بعيد الصِّيت، رأسا فِي العِلْم والعمل. جمع الشَّيْخ نور الدّين الشَّطَنُوفيَّ المقرئ كتابا حافلا فِي سيرته وأخباره فِي ثلاث مجلّدات، أتى فِيهِ بالبَرَّة وأُذُن الْجَرَّةِ، وبالصّحيح والواهي والمكذوب، فإنّه كتب فِيهِ حكاياتٍ عَنْ قومٍ لا صِدْق لهم، كما حكوا أنّ الشَّيْخ مشى فِي الهواء من مِنْبره ثلاث عشرة خُطْوةً في المجلس، ومنها أنّ الشَّيْخ وعظ، فلم يتحرَّك أحدٌ فقال: أنتم لا تتحرَّكون ولا تَطْرُبون، يا قناديل اطربي.
قَالَ: فتحرَّكت القناديل، ورقصت الأطباق.
وفي الجملة فكراماته متواترة، ولم يخلف بعدَه مثله.
تُوُفّي فِي عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستّين وله تسعون سنة، وشيَّعه خلْق لا يُحْصَوْن.
قَالَ الْجُبّائيّ: كَانَ الشَّيْخ عَبْد القادر يَقُولُ: الخْلق حجابك عَنْ نفسك، ونفسك حجابك عَنْ ربّك [1] .
24- عَبْد العزيز بْن عَلي بن مُحَمَّد بن سلمة [2] .
__________
[1] سير أعلام النبلاء 20/ 450.
[2] انظر عن (عبد العزيز بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 628، معرفة القراء الكبار(39/100)
أَبُو الأَصْبَغ بْن الطّحّان الأندلسيّ، السُّمّانيّ، الإشبيليّ.
ويُكنى أَبَا حُمَيْد أيضا.
وُلِد سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة بإشبيليّة. وأخذ القراءات عن أبي العبّاس ابن عَيْشُون، وأبي الْحَسَن شُرَيْح وروى عَنْهُمَا.
وعن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق الكلبيّ، ويحيى بْن سعادة، وأحمد بْن بقا صاحب أَبِي عَلي بْن سُكَّرَة.
وروى مصنَّف النَّسَائيّ، عَنْ أَبِي مروان بْن مَسَرَّة، وروى أيضا عَنْ جَعْفَر بْن مكّيّ: وانتقل بأَخَرَة إلى مدينة فاس. ثمّ حجَّ ودخل إلى العراق، ثمّ إلى الشّام.
وقرأ بواسط القراءات أيضا، وأقرأها. وكان بارِعًا فِي معرفتها وتعليلها.
وله مصنَّف فِي الوقْف والابتداء.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه بْن الأَبّار [1] : حجّ، وسُمِع منه، وجلّ قدره، وصنَّف تصانيف، وكان أستاذا ماهرا فِي القراءات.
روى عَنْهُ: عَبْد الحقّ الإشبيليّ، وعليّ بْن يونس.
وأجاز لشيخنا أَبِي القاسم بْن بَقِيّ. وكانت رحلته سنة أربعٍ وخمسين.
وقال ابن الدَّبِيثيّ [2] : سَمِعْتُ غيرَ واحدٍ يَقُولُ: لَيْسَ بالمغرب أعلم بالقراءات من ابن الطَّحّان. قرأ عَلَيْهِ الأثير أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن أَبِي العلاء، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، ونعمة اللَّه بْن أحمد بْن أَبِي الهندباء، وغيرهم.
__________
[2] / 548، 549 رقم 496، وسير أعلام النبلاء 20/ 451 (دون ترجمة) ، والمختصر المحتاج إليه لابن الدبيثي 3/ 45، 46 رقم 821، والوافي بالوفيات 18/ 529، 530 رقم 533، وغاية النهاية 1/ 395، ونفح الطيب 2/ 634، وإيضاح المكنون 294، 656، ومعجم المؤلفين 5/ 254، 255.
وسيعاد في المتوفين تقريبا في هذه الطبقة، رقم (392) .
[1] في تكملة الصلة.
[2] في المختصر المحتاج إليه.(39/101)
وتُوُفّي بحلب بعد السّتّين [1] .
قلت: كتبته فِي هذه السّنة ظَنًّا لا يقينا [2] .
25- عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الفضل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد [3] .
الفقيهُ أَبُو الفضائل الْأَنْصَارِيّ، الحَرَسْتانيّ [4] ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ.
قَالَ الحافظ ابن عساكر: ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع:
جمال الْإِسْلَام السُّلَميّ، وأبا الْحَسَن بْن قُبَيْس [5] . ورحل فسمع ببغداد درْسَ أَبِي منصور ابن الرّزّاز، وبخُرَاسان درس مُحَمَّد بْن يحيى. وناب فِي التّدريس عَنِ ابن عصرون بالأمينيَّة. وتُوُفّي فِي رمضان [6] .
قلت: هُوَ أخو قاضي القُضاة جمال الدّين عَبْد الصّمد.
26- عَبْد الواحد بْن عَلي بْن عَبْد الوهّاب.
الدِّينَوَريّ، أخو شعيب.
تُوُفّي قبل شُعيب بأيّامٍ فِي صَفَر. وله أربعٌ وثمانون سنة.
روى عَنْ أَبِيهِ.
وروى عنه أيضا: عمر القرشيّ.
__________
[1] وقال أيضا: وقدم بغداد فسمع منه عمر القرشي، وصار إلى واسط، فقرأ عليه القراءات بها جماعة سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
[2] ومن شعره:
دع الدنيا لعاشقها ... سيصبح من رشائقها
وعاد النفس مصطبرا ... ونكّب عن خلائقها
هلاك المرء أن يضحي ... مجدّا في علائقها
وذو التقوى يذلّلها ... فيسلم من بوائقها
[3] انظر عن (عبد الكريم بن محمد) في: تاريخ دمشق لابن عساكر، ومرآة الزمان 8/ 366، 267.
[4] الحرستانيّ: بالتحريك وسكون السين، وتاء فوقها نقطتان. قرية كبيرة عامرة وسط بساتين دمشق على طريق حمص، بينها وبين دمشق أكثر من فرسخ. (معجم البلدان 2/ 241) .
[5] في مرآة الزمان 8/ 267 «قيس» .
[6] وصفه سبط ابن الجوزي بأنه كان صالحا ثقة.(39/102)
27- عَلي بْن أحمد بْن عَلي بْن أحمد بْن جَعْفَر [1] .
أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ الحَرَسْتانيّ، الدّمشقيّ.
سَمِعَ «جزء الرافقيّ» بحَرَسْتا من أَبِي عَبْد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد في سنة ثمانين وأربعمائة. وكان ذاكرا لسماعه. وهو الَّذِي عرَّف الطَّلَبَة بنفسه لمّا رآهم يسمعون بحَرَسْتا، وقال: ما أنسى ابنَ أَبِي الحديد وقد طلع إلى هنا، وسمعنا عَلَيْهِ، وطلعت إلى هذا الْجَوْز، وفرطْتُ لهم منه وأنا صبيّ. فدخل الطَّلَبَة ونبشوا سماعه وسمعوا منه.
روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر [2] ، وابنه القاسم، ومحمود بْن شُتَيّ [3] وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وسيف الدّولة مُحَمَّد بْن غسّان، ومُكْرَم، وكريمة.
ولم يخبرني أحدٌ أَنَّهُ رَأَى أصْلَ سماع كريمة منه.
تُوُفّي فِي شوّال.
وآخر من روى لنا الجزء المذكور سُنْقُر القُضاعيّ [4] بحلب، عَنْ مُكْرَم، عَنْهُ.
28- عَلي بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن الكَرْخيّ [5] .
أَبُو المظفَّر [6] .
روى عَنْ: الْحُسَيْن بْن عَلي بن البسريّ.
__________
[1] انظر عن (علي بن أحمد بن علي) في: تاريخ دمشق لابن عساكر، ومختصره لابن منظور 17/ 184 رقم 67، وسير أعلام النبلاء 20/ 421 رقم 279، وأعاد ذكره مرتين 450 و 451 على أنه راوي جزء الرافقي.
[2] وهو قال: لم يكن الحديث من شأنه.
[3] شتيّ: بضم الشين المعجمة، وفتح التاء المثنّاة من فوقها، وتشديد الياء.
[4] معجم شيوخ الذهبي 1/ 221 رقم 306 وفيه «القضائي» .
[5] انظر عن (علي بن أحمد بن محمد) في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 3/ 156- 158 رقم 639.
[6] قال ابن النجار: من أهل باب الأزج، وهو أخو القاضي أبي طاهر محمد، وأبي المعالي الحسن. كان شيخا حسنا نظيفا في صورته وملبسه وطهارته، وكان منزويا في منزله، مقبلا على شأنه، مشتغلا بالخير، قليل المخالطة للناس.(39/103)
وتُوُفّي فِي المحرَّم وله أربعٌ وثمانون سنة [1] .
29- عُمَر بْن ثابت بْن عَلي [2] .
أَبُو القاسم البغدادي، ويُعرف بابن الشَّمَحْل [3] .
سَمِعَ: أَبَا منصور الخيّاط، وأبا الْحُسَيْن بْن العلّاف.
وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة.
وعنه: عُمَر الْقُرَشِيّ، وأحمد بْن طارق الكَرْكيّ.
وعاش خمسا وسبعين سنة. وكان ديوانيّا متموّلا، فبنى مدرسة للحنابلة درَّس بها أَبُو حكيم النَّهْروانيّ، ثمّ ابن الجوزيّ. ثمّ قُبِض عَلَيْهِ وصودِرَ وبيعت المدرسة ولم تثبت وقفيّتها، وصارت دار الأمير [4] .
- حرف الميم-
30- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن مفرّج [5] .
أَبُو القاسم الأندلسيّ، الشِّلْبيّ [6] ، المعروف بالقَنْطَريّ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْر بْن غالب، وأبا الْحُسَيْن بْن صاعد، وجماعة.
وبإشبيليّة: أَبَا الحاكم بْن بَرَّجَان، وأبا بَكْر بْن العربيّ.
وبقُرْطُبة: ابن مُغِيث، وابن أَبِي الخصال، وطائفة.
قَالَ الأَبّار: كَانَ من أهل المعرفة الكاملة بصناعة الحديث، بعيد الصّيت
__________
[1] مولده في جمادى الآخرة سنة 477 هـ.
[2] انظر عن (عمر بن ثابت) في: الوافي بالوفيات 22/ 444، 445 رقم 318.
[3] في الأصل «السمحل» بالسين المهملة. وقد ضبطها الصفدي مجوّدا بالشين المعجمة وبعدها ميم وحاء مهملة ولام.
[4] وفيه يقول الرئيس أبو المكارم بن الآمدي يهجوه:
لست أهجوك يا خبيث بشيء ... غير قولي: هذا الفتى ابن الشمحل
اسم سوء فاحذف ثلث حروف ... منه أولى وقف على شرّ أصل
ورقيع من يرتجي منك خيرا ... يتندّى به وأنت ابن محل
[5] انظر عن (محمد بن عبد الله بن أحمد) في: سير أعلام النبلاء 20/ 455 رقم 291.
[6] الشّلبي: نسبة إلى شلب. بكسر الشين المعجمة وسكون اللام. مدينة من غرب الأندلس، هي اليوم في البرتغال.(39/104)
فِي الحفظ والإتقان، جَمَّاعة للكُتُب. وقد شُوِّور فِي الأحكام [1] .
روى عَنْهُ: يعيش بْن القديم الشِّلْبيّ، وغيره.
وتُوُفّي بمَرّاكُش فِي ذي الحجَّة.
31- مُحَمَّدِ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدِ بن فَرَج بْن سُلَيْمَان [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه القَيْسيَّ المِكْنَاسيّ، الشّاطبْي، المعروف بابن تريش المقرئ.
سَمِعَ من: أَبِي عَلي بْن سُكَّرَة، وأبي زيد بْن الورّاق، وأبي مُحَمَّد بْن أَبِي جعفر، وأبي عمران بْن أَبِي تليد، وطائفة.
وله «مُعْجَم شيوخه» .
وأخذ القراءات عَنْ: أَبِي بَكْر إِبْرَاهِيم بْن خَلَف، والشّيخ أَبِي عَبْد اللَّه بْن الفرّاء الزّاهد، وجماعة.
قَالَ الأَبّار [3] : تصدّر بشاطِبة للإقراء، سالكا طريقةَ جَدّه مُحَمَّد بْن فَرَج، فأخذ عَنْهُ النّاس. وكان قديم الطَّلَب، مشارِكًا فِي الحديث والأدب، يتحقّق فِي القراءات، مَعَ براعة الخطّ، وكتب عِلْمًا كثيرا.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو الحَجّاج بْن أيّوب، وأبو عُمَر بْن عيّاد، وأثنى عَلَيْهِ ووصفه بالتّقلُّل من الدّنيا، وقال: تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرَة ولَه سبْعٌ وستّون سنة.
وروى عَنْهُ: ابن سُفْيَان ووَصَفَه بالمشاركة فِي حفظ التّاريخ والبصر بالنَّحْو.
32- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن أبان الحاجب [4] .
__________
[1] وزاد: وله زيادة على ابن بشكوال في تاريخه.
[2] انظر عن (محمد بن عبد الرحمن) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 215، 216، ومعجم المؤلّفين 10/ 154.
[3] في التكملة.
[4] انظر عن (محمد بن علي بن محمد) في: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 2/ 117، 118 رقم 340، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 1/ 89.(39/105)
أَبُو الفضل ابن الوكيل البغداديّ.
سَمِعَ: أَبَا القاسم بْن بَيَان، وأبا مُحَمَّد الْحَسَن بْن رئيس الرؤساء وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.
كتب عَنْهُ أَبُو المحاسن عُمَر الْقُرَشِيّ.
33- مُحَمَّد بْن عَلي بْن الوزير أَبِي نصر أحمد بْن الوزير نظام المُلْك أَبِي عَلي الطُّوسيّ [1] .
صدْرٌ، إمام، معظّم، تفقّه عَلَى أسعد المَيْهَنيّ [2] ، ودرّس بمدرسة جدّهم ببغداد ستَّة أعوام، ثمّ صُرِفَ، ثمّ أُعِيدَ سنة سبْعٍ وأربعين، وَفُوِّضَ إِلَيْهِ نظر أوقافها.
كَانَ ذا جاهٍ عريضٍ، وَحُرْمَةٍ تامَّة. ثمّ عُزِل سنة سبْعٍ وخمسين، واعتُقِل مُدَيْدَة ثمّ أُطْلِق، فحجَّ سنة تسعٍ وخمسين. ثمّ سافر إلى الشّام، فأُكْرمَ موردُه، وولي تدريس الغزاليَّة إلى أن تُوُفّي.
وقد سَمِعَ من: أَبِي منصور بْن خَيْرُون، وأبي الوقت، ولم يَرْوِ لأنّه مات شابّا.
تُوُفّي فِي أوائل صَفَر، رحمه اللَّه تَعَالَى.
34- مُحَمَّد بْن عَلي بْن مُحَمَّد بن عمر [3] .
أبو رشيد الباغبان [4] الأصبهانيّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن الوزير) في: المنتظم 10/ 102 و 142 و 147 و 203، ومرآة الزمان 8/ 267، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 2/ 118 رقم 341، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 86، 87.
[2] الميهني: ضبطها ابن السمعاني بكسر الميم، وسكون الياء المنقوطة من تحتها بنقطتين وفتح الهاء وفي آخرها النون. وضبطها ياقوت بفتح الميم. وكذا ضبطت في الأصل وجوّدت. وهي نسبة إلى ميهنة إحدى قرى خابران ناحية بين سرخس وأبيورد. (الأنساب 11/ 580، معجم البلدان 5/ 247) .
[3] انظر عن (محمد بن علي الباغبان) في: سير أعلام النبلاء 20/ 450 (دون ترجمة) وجزء فيه وفيات جماعة من المحدثين 91 رقم 192.
[4] الباغبان: بفتح الباء الموحّدة وسكون الغين المعجمة وباء أخرى وفي آخرها النون. هذه(39/106)
تُوُفّي فِي أواخر ربيع الأوّل، وله ثمانون سنة أو نحوها.
35- مُحَمَّد بْن عَلي [1] .
الأديب أَبُو الفتح سِبْط النَّطَنْزيّ [2] .
تُوُفّي فِي المحرَّم [3] . وكان من الأُدباء البُلَغاء، لَهُ النَّظْم والنَّثْر.
سافر البلاد ولقي الأكابر.
وسمع من: أَبِي عَلي الحدّاد، وغانم البُرْجيّ.
وببغداد من: أَبِي القاسم بن بيان، وابن نبهان.
كتب عنه: أَبُو سعد السّمعانيّ، والمبارك بْن كامل.
وكان محتشما، نديما للملوك، يرجع إلى دِينٍ وخير.
ونَطَنْز: بُلَيْدة بنواحي أصبهان.
ومن شِعره:
يا طالبا للعلم كيْ تَحْظَى بِهِ ... دِينًا ودُنيا حظْوةً تُعليهِ
اسمَعْه ثمّ احفَظْهُ ثمّ اعْمَلْ به ... للَّه ثمّ انشره في أهليه [4]
__________
[ () ] النسبة إلى حفظ الباغ وهو البستان. (الأنساب 2/ 44) .
[1] انظر عن (محمد بن علي الأديب) في: الأنساب 12/ 111، ومعجم البلدان 5/ 292، واللباب 3/ 316، وجزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 90 رقم 187.
[2] النّطنزي: بفتح النون والطاء المهملة وسكون النون الأخرى، وفي آخرها الزاي.
[3] أرّخ ياقوت وفاته سنة 497 هـ. وتابعه ابن الأثير. (معجم البلدان واللباب) وهما يخلطان بين وفاة أبي الفتح هذا وبين: الحسين بن إبراهيم الملقّب بذي اللسانين فهو الّذي توفي سنة 497 هـ. (انظر ترجمته في: الأنساب 12/ 110، 111) .
[4] وقال ابن السمعاني: أفضل من بخراسان والعراق باللغة والأدب والقيام بصنعة الشعر، قدم علينا مرو سنة إحدى وعشرين، وقرأت عليه طرفا صالحا من الأدب، واستفدت منه، واغترفت من بحرة، ثم لقيته بهمذان، ثم قدم علينا بغداد غير مرّة في مدّة مقامي بها، وما لقيته إلّا وكتبت عنه، واقتبست منه.. سمعت منه أجزاء بمرو من الحديث. وكانت ولادته ( ... ) وثمانين وأربعمائة بأصبهان.
أنشدني أبو الفتح النطنزي لنفسه وكتب لي بخطّه:
إن تراني عريت بعد رياش ... فجمال السيوف حين تشام
واختصار الخصور في البيض تمّ ... وكذا صحّة الجفون السّقام
(الأنساب) .(39/107)
36- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أحمد.
أَبُو الأزهر بْن غزال، الواسطيّ، الكاتب.
وُلِد سنة خمسٍ وثمانين.
وسمع من: خميس الحَوْزيّ، وأبي نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماريّ.
وكان من كبار الكُتّاب المتصرّفين.
روى عَنْهُ: أحمد بْن طارق الكَرْكيّ.
وتُوُفّي فِي وسط السّنة.
37- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هِبة اللَّه.
أَبُو بَكْر الفارسيّ، البغداديّ، المغسّل.
روى عَنْ: أَبِي سعد بْن خُشَيْش.
روى عَنْهُ: أحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجيّ.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.
38- مُحَمَّد بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرة [1] .
الرئيس عزّ الدّين ابن الوزير عون الدّين.
ناب فِي الوزارة عَنْ أَبِيهِ مدَّة [2] ، فلمّا تُوُفّي أَبُوهُ حُبِس فهرب من الحبس، وواعد بدويّا حتّى يهرب بِهِ، فَنَمَّ بِهِ وذهب إلى أستاذ الدّار، فأخبره
__________
[1] انظر عن (محمد بن يحيى) في: المنتظم 10/ 218، ومرآة الزمان 8/ 267، والفخري 316، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي ج 4 ق 1/ 342، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 100، والوافي بالوفيات 5/ 198، 199 رقم 2256، والنجوم الزاهرة 5/ 372.
[2] عبارة ابن الطقطقي في (الفخري) : «ناب عن الوزارة بعد وفاة والده، وكان فاضلا رئيسا، عبقا بالسيادة، شاعرا رشيق المعاني، خبيرا بالأدب والحديث النبوي وحبس بعد موت أبيه، ولم يعلم خبره بعد الحبس، وروي عنه هذان البيتان أنهما له:
كم منحت الأحداث صبرا جميلا ... ولكم خلت صابها سلسبيلا
ولكن قلت للذي ظلّ يلحاني ... على الوجد والأسى: سل سبيلا
وقال العماد: كان كبير الشأن، رفيع المكان. ناب عن والده مدّة وزارته، وكان روض الدولة به في ريعان نضارته، وحبس عند موت أبيه إلى يوم ولاية المستضيء بأمر الله، فأخرج المحبوسين وما خرج، فعرف أنه درج. وله شعر كثير، وقلّما نظم شيئا إلّا وعرضه عليّ، أو سيّره إليّ، لكنّني فقدته، ولو وجدته أوردته. (الخريدة) .(39/108)
بِهِ، فأخذه وضربه ضربا مبرّحا وأُلقي في مطمورة، ثمّ خُنق رحمه اللَّه، وأُخرج من دار الخلافة ميتا.
ثمّ خُنِق أخوه شرف الدّين ظَفَر [1] فِي السّنة الآتية.
39- مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم بْن بابْجُوك [2] .
الأستاذ أبو الفضل الخُوَارَزْميّ، البقّال، النَّحْويّ، صاحب التّصانيف.
ويُعرف أيضا بالأَدَمِي، لِحفْظه فِي النَّحْو مقدمة الأَدَمِيّ تلميذ الزَّمَخْشَريّ، وجلس بعده فِي حلقته، واشتهر اسمه وبَعُد صِيتُه، وأقبل الطَّلَبَة عَلَى تصانيفه.
مات فِي سلْخ جُمادَى الآخرة، وقد نيّف عَلَى السّبعين.
40- مسعود بْن مُحَمَّد بْن أحمد [3] .
القاضي أَبُو الفضائل المَدِينيّ، الخطيب.
تُوُفّي فِي الخامس والعشرين مِن ذي الحجَّة رحمه اللَّه تعالى. قاله عَبْد الرحيم الطاجيّ.
41- مُشرف بْن أَبِي سعد مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الخبّاز.
والد ثابت.
شيخ بغداديّ، سَمِعَ بإفادة أخيه المفيد عَلي من: أَبِي الغنائم بْن المهتدي باللَّه، ومحمد بْن عَبْد الباقي الدَّوْرَقي، وجماعة.
روى عَنْهُ: ابنه، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ.
ومات فِي صفر.
42- معمّر بن عسكر بن قاسم.
__________
[1] كنيته أبو البدر، وهو في الخريدة (قسم العراق) 1/ 101- 102.
[2] سيأتي في وفيات السنة التالية 562 هـ. برقم (75) .
[3] انظر عن (مسعود بن محمد) في: جزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 92 رقم 195، والتحبير الكبير 2/ 300 رقم 983.(39/109)
أَبُو الْحَسَن المُخَرِّميّ المؤدّب.
سَمِعَ: أَبَا بَكْر أحمد بْن سَوْسَن التّمّار، وأبا القاسم بْن بيان، وأبا مُحَمَّد الحريريّ البصْريّ.
روى عَنْهُ: دَاوُد بْن معمر بْن الفاخر فِي مُعْجَمه.
وكان صالحا يؤدّب، وهو والد عَبْد اللّطيف الَّذِي روى عَنْهُ الأَبْرَقُوهيّ جزء أَبِي الْجَهْم.
تُوُفّي فِي رجب.
43- مكّيّ بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرَة [1] .
كَانَ أسنّ من أخيه الوزير عون الدّين.
كنيته أَبُو جعفر، وكان فاضلا، شاعرا، فقيها.
نظم الخِرَقيّ فِي الفِقْه وقُرِئ عَلَيْهِ مرارا، وولد قبل السّبعين.
وخاف عند ما سُقي أخوه، فنزح عَنْ بغداد، فأدركه الموت بنواحي المَوْصِل فِي ذي الحجَّة، وله نحوٌ من تسعين سنة أو أكثر.
ولم يسمع إلّا من المتأخّرين. ولو سَمِعَ عَلَى مقدار عُمره لسمع من أصحاب المخلّص.
- حرف الهاء-
44- هبة اللَّه بْن عَبْد العزيز بْن عَلي.
أَبُو القاسم الْجَزَريّ، المعدّل.
سَمِعَ: أَبَا عثمان بْن ملَّة.
روى عَنْهُ: نصر بْن الحُصْريّ بمكَّة.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة ببغداد فيما أرى.
- حرف الياء-
45- يوسف بْن فَتُّوح.
أَبُو الحجّاج الأندلسيّ، المريّيّ، العشّاب.
__________
[1] انظر عن (مكّي بن محمد) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 121، 122.(39/110)
سَمِعَ: أَبَا عَلي بْن سُكَّرَة، وخَلَف بْن الْإِمَام.
وكان ذكيّا فاضلا، ولّي الشُّورَى ببلده، ثمّ حجّ، ونزل بمدينة فاس.
وكان لَهُ حظّ من الفِقْه، والتّفسير، ومعرفة النّبات، كَانَ يجلبه ويتَّجر فِيهِ.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن النّقرات، وأبو عَبْد اللَّه بْن الغفّار، ويحيى بْن أحمد الْجُذَاميّ، ويوسف بْن أحمد.
تُوُفّي سنة إحدى أو اثنتين وستّين، قاله الأبّار.
وقد ذكره ابن فرحون فقال: أخذ بقُرْطُبَة عَنْ أَبِي عليّ الْجَيَّانيّ، وأبي القاسم خَلَف ابن الإمام الإشبيليّ، وتحمّل عنه «الموطّأ» وكان خبيرا بالنّبات.
وركب من المرّيّة إلى بجاية، فغرقت كتبه بموسى بجاية، فأتى فاس، وأخفى نفسه عَنِ الرّواية، ثمّ روى «الموطّأ» .
46- يوسف بْن المبارك.
أبو الفَرَج بْن البيتيّ الدّلّال.
سَمِعَ: أَبَا القاسم الرَّبَعيّ، وجعفر السّرّاج.
وعنه: ابن عساكر، وابن الأخضر، وابن الحُصْريّ.
مات فِي ذي القعدة.
47- يوسف بْن مُحَمَّد بْن سماحة.
أَبُو الحَجّاج الدّانيّ.
سمع من: أبي عليّ الصّدفيّ ابن سكرة.
وتفقه بأبي محمد بن أبي جعفر.
وناظر وبرع فِي الفقه، وكان مائلا إلى علم الكلام وأُصول الفِقْه، مشاركا فِي الحديث.
وُلّي قضاء دانية، ثمّ بَلَنْسِيَة، وتُوُفّي عَلَى قضائها يوم عيد الفِطْر، وله ثمان وتسعون سنة.(39/111)
الكنى
48- أَبُو عاصم بْن الْحُسَيْن بْن زينة [1] .
الأصبهاني المحدّث.
أجاز لكريمة، وغيرها. واسمه أحمد.
يروي عن: أحمد بْن أَبِي الفتح الخِرَقيّ، وغير واحد.
تُوُفّي فِي أوائل ربيع الأوّل.
49- أَبُو الفضائل بْن شُقران البغداديّ [2] .
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: كَانَ فِي مبدإ أمره يتتلمذ لأبي العزّ الواعظ، ثمّ صار فقيها، ثمّ صار مُعيدًا بالنّظاميَّة، ووعظ. وأخذ ينصر مذهب أَبِي الْحَسَن الأشْعريّ ويبالغ، فتقدّم الوزير ابن هُبَيْرة بخلْعة، فأُنزل عَنِ المنبر يوم جلوسه، ثمّ ترك الوعظ، وأقام برباط بهروز مدَّة.
وتُوُفّي فِي صفر، وهو أحمد المذكور فِي أوّل السّنة.
__________
[1] انظر عن (أبي عاصم بن الحسين) في: جزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 91 رقم 191، وتكملة الإكمال لابن نقطة 3/ 59 رقم 2789.
[2] انظر عن (أبي الفضائل بن شقران) في: المنتظم 10/ 219، 220 رقم 309 (18/ 173 رقم 4260) .(39/112)
سنة اثنتين وستين وخمسمائة
- حرف الألف-
50- أحمد بْن عَبْد المُلْك بْن مُحَمَّد.
أَبُو البَرَكات البَرْدَعانيّ، ثمّ البغداديّ.
سَمِعَ: أَبَا سَعْد بْن خُشَيْش، وأبا الحُسين بْن الطُّيُوريّ، وابن العلّاف.
سَمِعَ منه: أَبُو سعد السّمعانيّ.
وحدَّث عَنْهُ: ابن الأخضر، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجَيّ.
وُلِد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
ومات فِي شعبان.
51- أحمد بْن عَلي بْن الخليل [1] .
أَبُو الْعَبَّاس الْجَوْسقي [2] ، المقرئ، الخطيب، خطيب صَرْصَر [3] .
سَمِعَ: مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الدُّوريّ، وعبد القادر اليُوسُفيّ، وابن الحُصَيْن.
روى عَنْهُ: ابنه خليل، وابن الأخضر، وأحمد بْن البَنْدَنِيجَيّ، ووصفاه بالصّلاح.
مات فِي رمضان عَنْ أربعٍ وسبعين سنة.
__________
[1] ترجم ابن السمعاني لأخيه «الخليل بن علي بن الخليل» في: الأنساب 3/ 370.
[2] الجوسقي: بفتح الجيم وسكون الواو وفتح السين المهملة وفي آخرها القاف. هذه النسبة إلى جوسق وهي قرية من ناحية النهروان من أعمال بغداد.
[3] صرصر: بالفتح وتكرير الصاد والراء. قريتان من سواد بغداد، صرصر العليا وصرصر السفلى، وهما على ضفة نهر عيسى، وربّما قيل نهر صرصر فنسب النهر إليهما، وبين السفلى وبغداد نحو فرسخين. (معجم البلدان 3/ 401) .(39/113)
52- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الأصبهانيّ، المعدّل، المعروف بفلا.
قدِم بغداد، وحدَّث عَنْ: غانم البُرْجيّ، والحدّاد، وأبي منصور بْن مَنْدَوَيْه الشُّرُوطيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: ابن الأخضر، ونصر بْن الحُصْريّ.
تُوُفّي فِي سادس شوّال بأصبهان.
53- أحمد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد [2] .
أَبُو الْعَبَّاس الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ.
روى عَنْ: أَبِي بَكْر بْن غالب بْن عطيَّة، وأبي عَلي الصَّدَفيّ، وأبي الْحَسَن بْن الباذش، وأبي الوليد بْن رُشْد، وأبي مُحَمَّد بْن عتاب، وغيرهم.
وكان متقنا للقراءات، والتّفسير، والكلام، يغلب عَلَيْهِ علم اللّغة.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو ذَرّ الخُشَنيّ، وأبو الْخَطَّاب بْن واجب، وأبو عَبْد اللَّه الأندرشيّ.
ورّخه الأبّار [3] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني) في: جزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 94 رقم 201، وتكملة الإكمال لابن نقطة 4/ 265 و 675 رقم 4496 و 5024.
[2] انظر عن (أحمد بن محمد بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 70، وجذوة الاقتباس 57، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 1 ق 2/ 481- 483 رقم 740، وغاية النهاية 1/ 136، وبغية الوعاة 1/ 382 رقم 740.
[3] في التكملة 1/ 70.
وقال المراكشي: وكان مقرئا مجوّدا حسن القيام على تفسير القرآن، محدّثا، راوية، مكثرا، فقيها، عارفا بأصول الفقه وعلم الكلام، حسن المشاركة في كثير من فنون العلم، يغلب عليه حفظ اللغة والآداب، مقدّما في كلّ ما ينتحله، موفور الحظ من علم العربية، يقرض يسيرا من الشعر، كتب بخطّه النبيل كثيرا وجوّد ضبطه، واستقضي ببلده فيما قال أبو العباس بن يوسف بن فرتون ولم يقله غيره، والمعروف أنه ولي الصلاة والخطبة بجامعه. وكان مشكور الأحوال كلها. وتوفي ببلده في العشر الآخر من جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسمائة (!) ابن ثلاث وثمانين سنة. (الذيل والتكملة) .
أقول: هكذا وقع في المطبوع أن وفاته سنة 502، وهو غلط أو وهم أو سقط من(39/114)
54- أحمد بْن موهوب بْن أحمد.
النَّرْسيّ.
عَنْ: ابن بيان الرّزّاز، وابن العلّاف.
وعنه: عُمَر الْقُرَشِيّ، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْريّ.
تُوُفّي فِي شعبان.
- حرف الحاء-
55- الخَضِر بْن شِبْلِ بْن عَبْد [1] .
الفقيه، أَبُو البركات الحارثيّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، خطيب دمشق ومدرّس الغزاليَّة، والمُجاهديَّة.
كَانَ فقيها، إماما، كبير القدْر، بعيد الصِّيت. بنى نورُ الدّين مدرسته الّتي عند باب الفَرَج، وجعله مدرِّسَها.
وقد قرأ عَلَى أَبِي الوحش سُبَيْع، وسمع منه، ومن: ابن المَوَازِينيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: ابن عساكر، وابنه، وزين الإسناد أَبُو نصر بن الشّيرازيّ، وآخرون.
__________
[ () ] النسخة، فالسيوطي نقل عنه وفاته سنة اثنتين وستين وخمسمائة، عن ثلاثين سنة.
ولما ترجم له السيوطي ذكر أنه كان حيّا سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. (بغية الوعاة) .
[1] انظر عن (الخضر بن شبل) في: سنا البرق الشامي 1/ 119، وتاريخ دمشق لابن عساكر، والتحبير لابن السمعاني 1/ 265، ومرآة الزمان 8/ 270، 271، وبغية الطلب (مخطوط) 5/ 195 أ- 197 أ، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 8/ 72 رقم 26، والإعلام بوفيات الأعلام 231، وسير أعلام النبلاء 20/ 592 رقم 372، والعبر 4/ 177، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 218، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 182 ب، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 109 رقم 706، ومرآة الجنان 3/ 370، والوافي بالوفيات 13/ 340 رقم 420، وغاية النهاية 1/ 270 رقم 1223، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 340، 341 رقم 306، وتكملة غاية النهاية للمحمودي 255 رقم 239، والنجوم الزاهرة 5/ 375، والدارس 1/ 105، 183 وشذرات الذهب 4/ 205، ومختصر تنبيه الطالب 65 و 72، وتهذيب تاريخ دمشق 5/ 165.(39/115)
ذكر له ابن عساكر [1] ترجمة حسنة، فقال: سَمِعَ النّسيب أَبَا طاهر الحِنّائيّ، وأبا الْحَسَن بْن المَوَازِينيّ، وأبا الوحش المُلائيّ، وجماعة كثيرة.
وصحِب أبا الْحَسَن بْن قَيْس. وتفقّه عَلَى جَمال الْإِسْلَام، وأبي الفتح نصر اللَّه المصّيصيّ. وكتب كثيرا من الحديث والفِقْه، ودرّس سنة ثمان عشرة وخمسمائة.
وكان سديد الْفَتْوَى، واسع المحفوظ، ثَبْتًا فِي الرّواية [2] ، ذا مُرُوءة ظاهرة، لزِمتُ درسه مدَّةً، وعلّقت عَنْهُ من مسائِل الخلاف، وكان عالِمًا بالمذهب، يتكلَّم فِي الأصول والخلاف.
وُلِد فِي شعبان سنة ستّ وثمانين وأربعمائة.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة [3] ودُفن بمقبرة باب الفراديس.
وقد قَالَ السِّلَفيّ: سَمِعْتُ أَبَا البَرَكات الخَضِر بْن شِبْلٍ صاحبنا بدمشق يَقُولُ: سَمِعْتُ الشّريف النّسيب أبا القاسم يَقُولُ: أَبُو عليّ الأهوازيّ المقرئ، ثقة ثقة.
56- الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن علي بن المطلب.
أبو عليّ ناظر بعقوبا [4] .
سيّئ السّيرة.
سَمِعَ: ابن العلّاف، وابن نبهان.
وعنه: أحمد بْن طارق.
مات فِي ذي الحجَّة.
__________
[1] في تاريخ دمشق.
[2] زاد ابن عساكر: «نزه النفس» .
[3] أرّخ الصفدي وفاته بسنة 563 هـ.
[4] بعقوبا: بالفتح ثم السكون، وضمّ القاف، وسكون الواو، والباء الموحّدة، ويقال لها باعقوبا أيضا. قرية كبيرة كالمدينة، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ من أعمال طريق خراسان. (معجم البلدان 1/ 453) .(39/116)
- حرف العين-
57- عَبْد الجليل بْن أَبِي سعد منصور بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد بْن أَبِي بِشْر بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو مُحَمَّد الهَرَوِيّ، الفامِيّ [2] ، المعدَّل.
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: كَانَ من أهل الخير والصِّدْق.
سَمِعَ: أَبَا مَنْصُور عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد البُوشَنْجيّ كُلار، وأمّ الفضل بِيبي. وتفرَّد عَنْهُمَا، وأبا إِسْمَاعِيل شيخ الْإِسْلَام. وغيرهم.
قلت: روى عَنْهُ: هُوَ، وابنه عَبْد الرحيم.
وقال: وُلِد فِي سادس شعبان سنة سبعين، وروى عَنْهُ: عَبْد القادر الرُّهَاويّ وهو أعلى [3] شيخ لَهُ رواية، وعبد الباقي بْن الواسع الْأَزْدِيّ، وآخرون.
ولم يكن بقي فِي الدّنيا أعلى إسنادا منه، وبموته ختم حديث البَغَويّ.
بعُلُوّ رحمه اللَّه.
58- عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى بن عَبْد الباقي بن محمد [4] .
أبو مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، البغداديّ.
قَالَ ابن مَشَق: تُوُفّي فِي ثامن عشر ذي الحجَّة، ودُفن عند أخيه. ومولده في سنة سبع وسبعين وأربعمائة. ويعرف بابن شقران [5] ، وهم جماعة إخوة.
__________
[1] انظر عن (عبد الجليل بن أبي سعد) في: العبر 4/ 177، 178، ودول الإسلام 2/ 76، والإعلام بوفيات الأعلام 231، والمعين في طبقات المحدّثين 169 رقم 1812، وسير أعلام النبلاء 20/ 451 رقم 287، وشذرات الذهب 4/ 205.
[2] الفامي: بفتح الفاء وفي آخرها الميم. هذه النسبة إلى الحرفة وهي لمن يبيع الأشياء من الفواكه اليابسة ويقال له البقّال. (الأنساب 9/ 234) .
[3] في الأصل: «أعلا» .
[4] انظر عن (عبد الرحمن بن يحيى) في: المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 3/ 22 رقم 780.
[5] شقران: بضم الشين المعجمة وسكون القاف وفتح الراء.(39/117)
سَمِعَ هذا من: أَبِي الفضل أحمد بْن خَيْرُون، والحسين بْن مُحَمَّد السّرّاج، وهبة اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق الْأَنْصَارِيّ، وعبد المحسن الشّيحيّ.
سَمِعَ منه: أَبُو الْحَسَن الزَّيْديّ، وأبو المحاسن الْقُرَشِيّ، وأحمد بْن طارق الكَرْكيّ [1] ، وعبد العزيز بْن الأخضر، وغيرهم.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: ولأبي الفضْل بْن شافع فِيهِ كلامٌ يغمزه بِهِ.
قلت: آخر من روى عَنْهُ بالإجازة ابن مَسْلَمَة.
قَالَ ابن النجار: روى لنا عَنْهُ: ابن الأخضر، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ، وابن الحُصْريّ، وعليّ بْن مظفّر العُكْبَرِيّ [2] .
قَالَ عُمَر بْن عَلي: بانَ لنا تزويرُ هذا الشَّيْخ، وعلِمْنا منه أشياءَ تُبْطِلُ روايته.
وقال أحمد بْن شافع: كَانَ ذا هنةٍ، قد صحِب العُلماء لو لم يُفْسِد نفسَه بنفسه. ولم يكن من أهل هذا الشّأن.
59- عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن منصور بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجبّار بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جعفر [3] .
__________
[1] الكركي: بسكون الراء بين الكافين. نسبة إلى كرك نوح. بلدة بأصل جبل لبنان من ناحية البقاع، يقال إنها منسوبة إلى نوح عليه السلام، وهي غير الكرك بالتحريك، الحصن المعروف بالأردنّ.
[2] العكبريّ: بضم العين المهملة، وسكون الكاف، وفتح الباء الموحّدة، وراء. نسبة إلى عكبرا: بلدة على الدجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ من الجانب الشرقي.
ويقال: بضم الباء أيضا، والصحيح بفتحها. (الأنساب 9/ 27) .
[3] انظر عن (عبد الكريم بن محمد) في: تاريخ دمشق (مخطوطة الظاهرية) 10/ 177 ب، 118 أ، و (مخطوطة التيمورية) 24/ 111، والمنتظم 10/ 224، 225 رقم 317 (18/ 178، 179 رقم 4269) في وفيات 563 هـ.، والكامل في التاريخ 11/ 333، واللباب 1/ 13- 26، وطبقات فقهاء الشافعية لابن الصلاح (انظر فهرس الأعلام) 2/ 980، 981، والروضتين ج 1 ق 2/ 378، والتقييد لابن نقطة 367، 368 رقم 470، ووفيات الأعيان 3/ 209- 212، والمختصر في أخبار البشر 3/ 44، والعبر 4/ 178، ودول الإسلام 2/ 76، وسير أعلام النبلاء 20/ 456- 465 رقم 292، وتذكرة الحفاظ(39/118)
الحافظ الكبير أبو سعد، الملقّب بتاج الْإِسْلَام، ابن الْإِمَام الأوحد تاج الْإِسْلَام، مُعين الدّين أَبِي بَكْر بْن الْإِمَام المجتهد أَبِي المظفَّر التّميميّ، السَّمْعانيّ، المَرْوَزِيّ.
محدّث المشرق، وصاحب التّصانيف.
وُلِد فِي الحادي والعشرين من شعبان سنة ستّ وخمسمائة بمَرْو، وحمله والده أَبُو بَكْر إلى نَيْسابور سنة تسع، وأحضره السَّماع من عَبْد الغفّار الشِّيرُوِيّيّ [1] ، وأبي العلاء عُبَيْد بْن مُحَمَّد القُشَيْريّ، وجماعة.
__________
[4] / 1316- 1318، والمعين في طبقات المحدّثين 169 رقم 1812، والإعلام بوفيات الأعلام 231، والمختصر المحتاج إليه لابن الدبيثي 3/ 67 رقم 866، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 15/ 180، 181 رقم 175، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 172، 173، وتاريخ ابن الوردي 2/ 73، ومرآة الجنان 3/ 366، 367 و 371- 372، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7- 180- 185، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 55، والبداية والنهاية 12/ 175 (سنة 506 هـ.) و 12/ 54 (سنة 562 هـ.) والوافي بالوفيات (مخطوطة باريس) رقم 2066 ورقة 249، 250، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 344، 345 رقم 310، وتاريخ ابن الفرات 42 ج 1/ 11- 13، وتاريخ الخميس 2/ 408.
والنجوم الزاهرة 5/ 275 (562 هـ.) و 5/ 378 (563 هـ.) ، وطبقات الحفاظ 471، والأنس الجليل 268، ومفتاح السعادة 1/ 206، وتاريخ ابن سباط 1/ 118 (سنة 563 هـ.) ، وكشف الظنون 35 و 49 و 86 و 131 و 161 و 162 و 169 و 179 و 288 و 303 و 370 و 374 و 729 و 756 و 902 و 998 و 1108 و 1123 و 1735- 1737، وشذرات الذهب 4/ 205، 206، وروضات الجنات 446، وهدية العارفين 1/ 608، 609، وإيضاح المكنون 2/ 30، ومعجم المطبوعات 1048، 1049، والفهرس التمهيدي 361، وديوان الإسلام 3/ 39، 40 رقم 1150، وتاريخ الأدب العربيّ 6/ 63- 66، والأعلام 4/ 55، ومعجم المؤلفين 6/ 4، 5، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 3/ 232 رقم 578، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسّرين 114 رقم 1055، وعلم التأريخ عند المسلمين (انظر فهرس الأعلام) 819، وآداب اللغة العربية 3/ 68، وجزء فيه وفيات جماعة من المحدثين 92 رقم 193.
[1] الشّيرويّي: بكسر الشين المعجمة، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وضم الراء، وفي آخرها ياء أخرى. هذه النسبة إلى «شيرويه» وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه.
(الأنساب 7/ 466) وقد ضبطها محقّق (سير أعلام النبلاء 20/ 456) «الشّيروي» بفتح الراء، وياء واحدة.(39/119)
وأحضره بمرُو عَلَى: أَبِي منصور مُحَمَّد بْن عَلي الكُرَاعيّ [1] ، وغيره.
ومات أَبُوهُ سنة عشر فِي أوّلها، وتربّى أَبُو سعد بين أعمامه وأهله، فلمّا راهَقَ أقبل عَلَى القرآن والفقه والاشتغال، وكبر وأحبّ الحديث والسّماع، وعُنِي بهذا الشّأن، ورحل قبل الثّلاثين وبعدها إلى خُراسان، وأصبهان، والعراق، والحجاز، والشّام، وطَبَرِسْتان، وما وراء النّهر. فسمع بنفسه من:
الفُرَاوِيّ [2] ، وزاهر الشّحّاميّ، وهبة اللَّه السّيّديّ، وتميم الْجُرْجَانيّ، وعبد الْجَبّار الحواريّ، والحسين بْن عَبْد الملك الخلّال، وسعيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيرفي، وإِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن الفضل الحافظ، وإسماعيل بْن أَبِي القاسم العازليّ، وأبي سعد أحمد بْن الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن ثابت الخُجَنْدِيّ [3] ، وأبي نصر أحمد بْن عُمَر الغازي، وعبد المنعم بْن القُشَيْريّ، وعبد الواحد بْن مُحَمَّد الشَّرَابيّ، ومحمد بْن حمد الكِبْريتيّ، وفاطمة بِنْت زَعْبَل، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِيّ، وعليّ بْن عَلي الأمين، وعبد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الشَّيْبانيّ الفزار، وعمر بْن إِبْرَاهِيم العَلَويّ، الكوفيّ.
وسمع بمُدُنٍ كثيرة، وألّف «معجم البُلدان» الّتي سَمِعَ بها، وصنَّف كتاب «الأنساب» ، وكتاب «ذيل تاريخ بغداد» ، وكتاب «تاريخ مَرْو» . وعاد إلى وطنه سنة ثمانٍ وثلاثين، فتزوَّج ووُلِد لَهُ أبو المظفّر عبد الرحيم، فاعتنى
__________
[1] الكراعي: بضم الكاف وفتح الراء وفي آخرها العين المهملة. هذه النسبة إلى بيع الأكارع والرءوس. (الأنساب 10/ 373، 374) .
[2] الفراويّ: ضبطها ابن السمعاني بضم الفاء وفتح الراء وبعد الألف واو، وقال: هذه النسبة إلى فراوة وهي بليدة على الثغر مما يلي خوارزم يقال لها رباط فراوة بناها أمير خراسان عبد الله بن طاهر في خلافة المأمون. (الأنساب 9/ 256) وتابعه ابن الأثير في (اللباب 2/ 416) ووقع فيه: «فراو» .
أما ياقوت فقال بفتح الفاء. وهي بليدة من أعمال نسا بينها وبين دهستان وخوارزم.
(معجم البلدان 4/ 245) .
[3] الخجنديّ: بضم الخاء المعجمة، وفتح الجيم، وسكون النون، وفي آخرها الدال. هذه النسبة إلى خجند، وهي بلدة كبيرة كثيرة الخير على طرف سيحون من بلاد المشرق، ويقال لها بزيادة التاء خجندة أيضا. (الأنساب 5/ 52) .(39/120)
بِهِ، وأسمعه الكثير، ورحل بِهِ إلى نَيْسابور ونواحيها، وهَرَاة ونواحيها، وبلْخ، وسَمَرْقَنْد، وبُخَارى. وصنَّف لَهُ مُعْجَمًا. ثمّ عاد بِهِ إلى مَرْو، وألقى بها عصى الترحال، وأقبل عَلَى التّصنيف والإملاء والوعْظ والتّدريس.
درّس بالمدرسة العميديَّة، وكان عالي الهمَّة فِي الطَّلَب، سريع الكتابة جدّا، مجتهدا، مضبوط الأوقات. كتب عمّن دبّ ودَرَج، وجمع مُعْجَمه فِي عشر مجلّدات كبار.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه بْن النّجّار: سَمِعْتُ من يذكر أنّ عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيءٌ لم يبلغْه أحد. وكان مليح التّصانيف، كثير النّشْوار والأناشيد، لطيف المزاج، ظريفا، حافظا، واسع الرحلة، ثقة، صدوقا، ديّنا، جميل السّيرة.
سمع منه مشايخه وأقرانه، وثنا عَنْهُ جماعة من أهل خُراسان، وبغداد.
قلت: روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وابنه القاسم، وأبو أحمد بن سكينة، وعبد العزيز بن مَنِينَا، وأبو رَوْح عَبْد المعزّ الهَرَويّ، وأبو الضَّوء شهاب الشّذيانيّ، والإفتخار عَبْد المطّلب الهاشميّ، وابنه أبو المظفّر عَبْد الرحيم بْن السّمعاني، ويوسف بْن المبارك الخفّاف، وأبو الفتح مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر الصّائغ، وآخرون.
ذِكْر مصنّفاته في «تاريخ مرو» خمسمائة طاقة، «طراز الذّهب فِي أدب الطَّلَب» مائة وخمسون طاقة، «الإسفار عَنِ الأسفار» [1] خمسٌ وعشرون طاقة، «الإملاء والاستملاء» [2] خمس عشرة طاقة، «معجم البلدان» خمسون طاقة، «معجم الشّيوخ» ثمانون طاقة، «تحفة المسافر» مائة وخمسون طاقة، «التّحف
__________
[1] في الأصل بدون نقطة فوق الفاء في الموضعين، والتحرير من تاريخ الأدب العربيّ 6/ 65.
[2] نشره ماكس ويشويلر في ليدن سنة 1952 بعنوان «أدب الإملاء والاستملاء» .(39/121)
والهدايا» [1] خمسٌ وعشرون طاقة، «عزّ العُزْلة» سبعون طاقة، «الأدب فِي استعمال الحَسَب» [2] خمس طاقات، «المناسك» ستّون طاقة، «الدَّعَوات» أربعون طاقة، «الدَّعَوات النّبويَّة» خمس عشرة طاقة، «الحَثّ عَلَى غَسْلِ اليد» [3] خمس طاقات، «أفانين البساتين» [4] خمس عشرة طاقة، «دخول الحمّام» خمس عشرة طاقة، «فضل صلاة التّسبيح» [5] عشر طاقات، «التَّحَايا والهدايا» [6] ستّ طاقات، «تُحْفَة العيدَين» [7] ثلاثون طاقة، «فضل الدّيك» خمس طاقات، «الرسائل والوسائل» خمس عشرة طاقة، «صوم الأيّام البِيض» خمس عشرة طاقة، «سلْوة الأحباب ورحمة الأصحاب» [8] خمس طاقات، «التّحبير فِي المعجم الكبير» [9] ثلاثمائة طاقة، «فَرْط الغرام إلى ساكني الشّام» خمس عشرة طاقة، «مقام العلماء [10] بين يدي الأمراء» إحدى [11] عشر طاقة، «المساواة والمصافحة» ثلاث عشرة طاقة، «ذِكرى حبيبٍ رَحَل وبُشْرى مَشِيبٍ نَزَل» عشرون طاقة، «الأمالي الخمسمائة» [12] مائتا طاقة، «فوائد الموائد» مائة طاقة، «فضل الهِرّ» ثلاث طاقات، «الأخطار فِي ركوب البحار» [13] سبع طاقات، «الأنساب» [14] ثلاثمائة وخمسون طاقة، «الأمالي» ستّون طاقة،
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 20/ 461 «الهدية» .
[2] في سير أعلام النبلاء 20/ 461 «الأدب واستعمال الحسب» .
[3] لم يذكره في سير أعلام النبلاء.
[4] لم يذكره في السير.
[5] في السير «صلاة التسبيح» .
[6] في السير: «التحايا» فقط.
[7] لم يذكره في السير.
[8] لم يذكر في السير: «ورحمة الأصحاب» .
[9] نشرته رئاسة ديوان الأوقاف بالعراق 1395 هـ. / 1975 م. في جزءين بتحقيق منيرة ناجي سالم.
[10] في الأصل: «العلمانيين» .
[11] في الأصل: «أحد» .
[12] في السير: «الأمالي» له مائتا طاقة، خمسمائة مجلّد.
[13] في السير: «ركوب البحر» .
[14] نشره السيد محمد أمين دمج في بيروت 1396 هـ. / 1976 م. في اثني عشر مجلّدا، حقّق(39/122)
«بُخَار بُخُور الْبُخَارِيّ» عشرون طاقة، «تقديم الْجِفَان إلى الضِّيفان» سبعون طاقة، «صلاة الضُّحَى» عشر طاقات، «الصِّدْق فِي الصَّداقة» ، «الرّبح فِي التّجارة» ، «رفع الارتياب في كتابة الكتاب» أربع طاقات، «النُّزُوع إلى الأوطان» خمسٌ وثلاثون طاقة، «حثّ الْإِمَام عَلَى تخفيف الصّلاة» [1] فِي طاقتين «لَفْتَة المشتاق إلى ساكني العراق» أربع طاقات، «السَّنَد لِمَن اكتَنَى بأبي سعد» [2] ثلاثون طاقة، «فضائل [3] الشّام» فِي طاقتين، «فضل يس» فِي طاقتين [4] .
تُوُفّي، وأبو المظفّر ابنه هُوَ الَّذِي ورَّخه، فِي غرَّة ربيع الأوّل، وله ستٌّ وخمسون سنة [5] .
__________
[ () ] الستة الأولى منها العلّامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، رحمه الله، والجزءان 7 و 8 بتحقيق الأستاذ محمد عوامة، والجزء 9 اشترك في تحقيق قسم منه الأستاذ محمد عوامة، وقسم آخر الأستاذ رياض مراد، والجزء 10 بتحقيق د. عبد الفتاح محمد الحلو، والجزء 11 بتحقيق الأستاذين رياض مراد ومطيع الحافظ، والجزء 12 بتحقيق الأستاذ أكرم البوشي، وصدر 1404 هـ. / 1984 م.
وقد اختصره ابن الأثير في كتابه «اللباب» ، ثم السيوطي في كتابه «لب اللباب في تحرير الأنساب» ، والاثنان مطبوعان أيضا.
[1] في السير، من غير: «حث الإمام على» .
[2] في السير 20/ 462 «من كنيته أبو سعد» .
[3] في السير: «فضل» .
[4] زاد في السير 20/ 460- 462: «الذيل على تاريخ الخطيب» أربعمائة طاقة، «أدب الطلب» مائة وخمسون طاقة، «الهريسة» ثلاث طاقات، «وفيات المتأخّرين» . خمس عشرة طاقة.
قال المؤلّف الذهبي- رحمه الله-: حكى أبو سعد في «الذيل» أن شيخه قاضي المرستان رأى معه جزءا قد سمعه من شيخ الكوفة عمر بن إبراهيم الزيدي. قال: فأخذه ونسخه، وسمعه مني.
قلت: رأيت ذلك الجزء بخط القاضي أبي بكر.
والطاقة يخيّل إليّ أنها الطلحيّة. (سير أعلام النبلاء 20/ 462، 463) .
[5] ويقول محقّق هذا الكتاب خادم العلم «عمر عبد السلام تدمري» :
ذكر ابن السمعاني بعض الشيوخ المنسوبين إلى مدن ساحل الشام «لبنان» وسمع منهم، وهم: عبد السلام بن الحسن بن علي بن زرعة أبو أحمد الصوري المتوفى سنة 559 هـ.، وأبو طالب علي بن عبد الرحمن بن أبي عقيل الصوري المتوفى سنة 537 هـ.، وكان لقيه(39/123)
60- عَبْد الواحد بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الواحد [1] .
أَبُو مُحَمَّد البغداديّ، البزّاز، ويُعرف بابن البارِزِيّ.
سمع: أبا عبد الله النعالي، وابن البطر، ويحيى بْن ثابت.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، وأبو الْحَسَن بْن رشيد، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وآخرون.
وآخر من روى عنه بالإجازة: الرشيد أحمد بْن مَسْلَمَة.
وتُوُفّي فِي شوّال، وله اثنتان وثمانون سنة [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَافِظِ، أنا ابْنُ قُدَامَةَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ، أنا الحسين ابن طَلْحَةَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ، ثنا عُمَرُ بْنُ دِينَارٍ إِمْلَاءً، ثنا أَبُو يَزِيدَ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كَامِلٍ، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ مِكْتَلٍ، وَأَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَا: ثنا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا» [3] . قَالَ ابنُ النَّجَّار [4] : كَانَ عَبْد الواحد شيخا صالحا [5] عَلَى طريقة السَّلَف، رحمه اللَّه تعالى.
__________
[ () ] بدمشق وكتب عنه وقرأ عليه عدّة كتب في منزله. وأبو زكريا يحيى بْن عَبْد الملك بْن أَحْمَد بْن شعيب الكافوري الصوري وقد سمع منه أحاديث يسيرة.
وقرأ على أبي طاهر راشد بن محمد بن عبد الله المؤذّن المكبّر في جماعة من طلبة الحديث جزءا من حديث خيثمة الأطرابلسي. (التحبير 1/ 278، موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان ق 2 ج 2/ 233 رقم 578) .
[1] انظر عن (عبد الواحد بن الحسين) في: الاستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب: البارزي واليازدي والباوري، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/ 224- 226 رقم 123، وسير أعلام النبلاء 20/ 468، 469 رقم 296 وهو في حاشية الأنساب 2/ 29.
[2] قال ابن النجار: قرأت بخط القاضي أبي المحاسن عمر بن علي القرشي قال: سألته- يعني عبد الواحد البارزي- عن مولده، فقال ما يدلّ على أنه سنة ثمانين وأربعمائة وما قاربها.
[3] أخرجه مسلم في المساجد (288/ 671) باب فضل الجلوس في مصلّاه بعد الصبح وفضل المساجد، وأحمد في المسند 4/ 81.
[4] في ذيل تاريخ بغداد 1/ 225.
[5] زاد في الذيل: «متديّنا» .(39/124)
61- عَبْد الهادي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مأمون [1] .
أَبُو عَرُوبَة السِّجِسْتانيّ، الزّاهد، شيخ الصُّوفيَّة وإمام سِجِسْتان.
يُحَوَّل من الماضية إلى هنا [2] ، فإنّ فيها ورَّخه الحافظ يوسف بْن أحمد الشّيرازيّ، وقَالَ: كَانَ للمذهب رُكْنًا وثيقا، ولأهل الحديث حصنا منيعا.
وكان صلْبِ الدّين، خَلَف جدَّه وخالَه فِي الرّدِّ عَلَى المبتدعين. وكانت أوراده تستغرق ليله ونهاره. ومناقبه لا تنتهي حتّى يُنتهى عَنْهَا.
وقد سَمِعَ منه الحافظ [3] عَبْد القادر [الرُّهاوي] [4] فأكثر عَنْهُ وقال: سَمِعَ الحديث من جدّه عَبْد الله سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وحجّ. وسمع «المُسْنَد» من أَبِي الحُصَيْن. وبلغني أَنَّهُ لمّا حجّ قرأ عَلَيْهِ ابن ناصر مسلسلات أَبِي حاتم بْن حِبّان. وكان زاهدا، ورِعًا متواضعا، كثير النّوافل، سريع الدَّمْعَة، حَسَن الأخلاق. عاش تسعا وثمانين سنة ما عُرِفت لَهُ زلَّة. وكان منتشر الذِّكْر فِي البلاد القاصية بحُسْن السّيرة، وكان لَهُ رِباطٌ ينزل فِيهِ كلُّ من أراد من القادمين، ووقف عَلَيْهِ نصف قرية، فكان لا يتناول من ذَلِكَ شيئا، بل يجعله فِي نفقة الرباط، ويتعيَّش بغُلَيْلَةٍ لَهُ يسيرة، ومات وعليه دَيْن، هذا مَعَ سعة جاهه بسِجِسْتان، حتّى عند بعض مخالفيه.
بَلَغَنَا موتُه وأنا بِهَرَاة بعد مفارقتي لَهُ بقليل، فأُغلِقتْ أسوارُ هَرَاة، ومُنِع الوُعّاظ من الوعْظ، وجلس كُبراء هَرَاة من العلماء والرؤساء والعمّال فِي الجامع عليهم ثيابُ العَزَاء، وجلس واعظ وذكر مناقبه، وبكى النّاس عَلَيْهِ.
كنت يوما عنده، فجعل إنسانٌ يحدِّثنا بدخْل بغداد، فتعجّب وقال:
سبحان اللَّه، إنسانٌ يعيش حتّى يشيخ، ولا يرى فِي يد أحد عشرة دنانير.
__________
[1] انظر عن (عبد الهادي بن محمد) في: سير أعلام النبلاء 20/ 452 رقم 288، والإعلام بوفيات الأعلام 231، والنجوم الزاهرة 5/ 375.
[2] لم يذكره في الماضية حتى يحوّل إلى هنا.
[3] في الأصل: «الحفاظ» وهو وهم.
[4] إضافة على الأصل للتوضيح من: سير أعلام النبلاء.(39/125)
قلت: ولا رَأَيْت فِي يدك عشرة دنانير. قَالَ: ولا خمسة.
وكان يعظ فِي رباطه، فلمّا جئت إلى عنده قَالَ: لكن أريد أن أشتغل بالحديث. فلم يعِظْ مدَّة مُقامي. وكان قد وَلِيَ سِجِسْتان أميرٌ معتزِليّ، فقَصَد الشَّيْخ، فخرج من سِجِسْتان إلى هَرَاة، وتلقَّوْهُ مُلْتَقًى حَسَنًا، ونزل فِي رباط شيخ الْإِسْلَام.
وكان لَهُ ابنٌ يقال لَهُ عَبْد المعزّ، سَمِعَ مَعَ أَبِيهِ من أَبِي نصر هبة اللَّه بْن عَبْد الْجَبّار بْن فارخ. وكان أعلم من أَبِيهِ، وقريبا منه فِي السّيرة، والعقل، والوقار، والحُرْمة عند النّاس، فلم يعش بعد أَبِيهِ طائلا [1] .
سَمِعْتُ رجلا بسِجِسْتان يَقُولُ: خبرت أهل سِجِسْتان لَيْسَ فيهم أَدْيَن من عَبْد الهادي وأولاده. وكان لديانته قد فُوِّضَ إليه الوقت وإمامة الجامع، وكان لا يقدر أحدٌ من المخالفين يُصلّي فِي الصّفّ الأوّل من الجامع من غَلَبَة أصحابه مَعَ قِلَّتهم وكثرة المخالفين، ومساعدة السّلطان لمخالفيه.
قلت: تُوُفّي فِي هذه السّنة إن شاء اللَّه. فإنّ فيها كَانَ عَبْد القادر بهَرَاة، وقد شهد عزاءه، وأجاز لنا أبو زكريّا يحيى بن الصَّيْرفيّ الفقيه وغيره: أنا عَبْد القادر، أنا أبو عَرُوبة عَبْد الهادي.. فذكر أحاديث.
62- عُبَيْد اللَّه بْن سَعِيد بْن حسن بْن الجوزيّ.
أبو منصور، وكيل الوزير أَبِي المظفَّر بْن هُبَيْرة.
سَمِعَ: أَبَا سعد بن خُشَيْش، وأبا القاسم بْن بَيَان.
روى عَنْهُ: عَبْد العزيز بْن الأخضر.
وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة.
63- عَلي بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الكُرْجيّ.
أَبُو المظفّر الأزجيّ، أخو محمد، والحسن.
__________
[1] كذا في الأصل، والصحيح: «طويلا» .(39/126)
شيخ نظيف، منزو في منزله، مشتغل بالخير.
سَمِعَ: أَبَا الفضل بْن خَيْرُون، ومحمد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، وأبا بَكْر الطُّرَيْثيثيّ، ومحمد بْن أَبِي نصر الحُمَيْديّ.
وعنه: ابن الأخضر، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ، وغيرهما.
مولده فِي سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
ومات فِي المحرَّم سنة 562.
64- عَلي بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو القاسم بْن أَبِي الفضائل الكِلابيّ، الدّمشقيّ، الفقيه الشّافعيّ، الفَرَضيّ، النَّحْويّ، المعروف بجمال الآية ابن الماسح [2] . من علماء دمشق الكبار.
وُلِد سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمائة، وقرأ لابن عامر وغيره من القرّاء عَلَى أَبِي الوحش سُبَيْع بْن قيراط، وغيره.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وسُبَيْعًا، وأبا تُراب حَيْدَرَةَ، وعبد المنعم بْن الغُمْر، وغيرهم.
وتفقّه عَلَى: جمال الْإِسْلَام السُّلَميّ، ونصر اللَّه المَصِّيصيّ.
وكانت لَهُ حلقهٌ كبيرةٌ بالجامع يُقرِئ فيها القرآن والفِقْه والنَّحْو.
وكان مُعِيدًا لجمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن فِي [3] الأمينيَّة، ودرّس بالمجاهديَّة، وكان حريصا عَلَى الإفادة. وعليه كَانَ الاعتماد فِي الْفَتْوَى وقسمة الأَرَضِين.
__________
[1] انظر عن (علي بن الحسن) في: إنباه الرواة 2/ 241، 242، والإعلام بوفيات الأعلام 231، 232، ومعرفة القراء الكبار 2/ 524، 525 رقم 467، وسير أعلام النبلاء 20/ 467، 468 رقم 295، وتلخيص ابن مكتوم (مخطوط) ورقة 132، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 214، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 438، 439، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 161، 162، وغاية النهاية 1/ 530، والنجوم الزاهرة 5/ 375، وبغية الوعاة 2/ 155، والدارس 1/ 203.
[2] وقع في (الدارس) : شهرته ابن المانح.
[3] في الأصل: «بن» .(39/127)
قلت: روى عَنْهُ: أَبُو المواهب، وأبو القاسم ابنا صَصْرَى، وجماعة.
ومات فِي ذي الحجَّة.
وقد حدَّث بكتاب «الوجيز» للأهوازيّ فِي القراءات، عَنْ أَبِي الوحش، عَنْهُ.
65- عَلي بْن أَبِي سعد مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن سستان [1] .
أَبُو الْحَسَن الأَزَجيّ، الخبّاز.
وقيل: اسم أَبِيهِ ثابت.
كَانَ عَلي أحد طَلَبة الحديث ببغداد، وكان يُلَقَّب بالمفيد. وهو خال يحيى بْن بَوْش، فلذلك سمّعه الكثير.
سَمِعَ: أَبَا القاسم بْن بَيَان، وأبا عَلي بْن نبهان، وأبا الغنائم بْن المهتدي، والفقيه أَبَا الْخَطَّاب فمَن بَعدهم. وحدَّث بالكثير، وكان ثقة، فاضلا.
وُلِد سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: يحيى بْن بَوْش، والحافظ عَبْد الغنيّ، وابن الأخضر، والشّيخ الموفَّق، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، وعبد العزيز بْن باقا، وآخرون.
وتُوُفّي رحمه اللَّه في عاشر شعبان.
66- عَلي بْن مهديّ بْن مفرّج [2] .
أَبُو الْحَسَن الهلاليّ، الدّمشقيّ، الطّبيب.
سمع: أبا الفضل بْن الكُرْديّ، وأبا القاسم النّسيب، وأبا طاهر الحنّائيّ، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (علي بن أبي سعد) في: المنتظم 10/ 221 رقم 310 (18/ 175 رقم 4261) ، مرآة الزمان 8/ 271.
[2] انظر عن (علي بن مهدي) في: تاريخ دمشق لابن عساكر، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 18/ 183 رقم 118، وسير أعلام النبلاء 20/ 419 رقم 309، وتذكرة الحفاظ 3/ 1319، والوافي بالوفيات 22/ 244 رقم 178، والنجوم الزاهرة 5/ 375، 376.(39/128)
ورحل فِي الكهولة إلى بغداد، فسمع من: القاضي أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وَأَبِي منصور بْن خيرون.
ولد سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وكان يطبّ فِي المارِستَان، ونسخ الكثير.
روى عنه: الحافظ ابن عساكر، وأبو نصر بن الشّيرازيّ، وسُكَّرَة التّاجر، وكريمة، وآخرون.
ومات فِي ذي الحجَّة [1] .
67- عَلي بْن يوسف بْن خَلَف بْن غالب [2] .
أَبُو الْحَسَن العَبْدَري، الدّانيّ.
أخذ القراءات عَنْ عُمَر بْن أَبِي الفتح، وعتيق بْن مُحَمَّد.
وروى عَنْ: أَبِي بَكْر بْن الخيّاط، وأبي العبّاس بن عيسى، وأبي بكر بن زنجان، وتفقّه بهم.
وأخذ الآداب واللّغة عَنْ جماعة.
وكان فقيها، إماما، مُفْتِيًا، مُشَاورًا، كبير القدْر، مفوَّهًا، متضلِّعًا من العلوم [3] . عاش ثمانين سنة.
ويقال إنّه مات فِي سنة تسعٍ وخمسين [4] .
68- عُمَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه [5] بْن نصر، بالتّحريك.
__________
[1] في مختصر تاريخ دمشق 18/ 183: توفي أبو الحسن بن مهدي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة!
[2] انظر عن (علي بن يوسف) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1855، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 5 ق 1/ 423، 424 رقم 724.
[3] قال المراكشي: وكان فقيها حافظا للمسائل، صدرا في أهل الشورى، دربا بالفتيا، بصيرا بعقد الشروط، أديبا بارعا، متقدّما، نحويّا، محقّقا، لغويّا، ذاكرا، طيّب المحادثة، ذا حظّ من قرض الشعر، ولي الأحكام ببيران مدّة طويلة، وأفتى طول عمره.
[4] مولده سنة 482 وتوفي في آخر سنة ثنتين وأول سنة ثلاث وستين وخمسمائة.
[5] انظر عن (عمر بن محمد) في: الأنساب 2/ 214، وإنباه الرواة 2/ 102 (في ترجمة ابن(39/129)
العلّامة أَبُو شجاع البِسْطاميّ، ثمّ البلْخيّ، إمام مسجد راعوم [1] .
ذكره ابن السَّمْعانيّ فقال: مجموع حَسَن وجُمَلُه مليحة، مُفْتٍ، مُناظِر، محدِّث، مفسِّر، واعظ، أديب، شاعر، حاسب.
قَالَ: وكان مع هذه الفضائل حَسَن السّيرة، جميل الأمر، مليح الأخلاق، مأمون الصُّحبة، نظيف الظّاهر والباطن، لطيف العِشرة، فصيح العبارة، مليح الإشارة فِي وعْظه، كثير النُّكَت والفوائد، وكان عَلَى كِبَر السّنّ حريصا عَلَى طلب الحديث والعِلْم، مقتبسا من كلّ أحد.
قَالَ لي: وُلِدتُ فِي سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة.
سَمِعَ ببلْخ: أَبَاهُ، وأبا القاسم أحمد بْن مُحَمَّد الخليليّ، وإبراهيم بْن مُحَمَّد الأصبهانيّ، وأبا جَعْفَر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السِّمِنْجانيّ [2] وعليه تفقّه، وجماعة كبيرة.
كتبتُ عَنْهُ الكثير بمرْو، وهَرَاة، وبُخَارى، وبسَمَرْقَنْد، وكتب عنّي الكثير، وحصَّل نسخة هذا الكتاب، يعني «ذيل تاريخ الخطيب» . وكتب إليّ من بلخ أبياتا، وهي:
__________
[ () ] الخشاب) ، ومرآة الزمان 8/ 330، 331 (وفيات سنة 570 هـ.) ودول الإسلام 2/ 76، والعبر 4/ 178، 179، والإعلام بوفيات الأعلام 232، والمعين في طبقات المحدّثين 169 رقم 1813، وتذكرة الحفاظ 4/ 1318، وسير أعلام النبلاء 20/ 452- 454 رقم 289، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 248- 250، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 259، والنجوم الزاهرة 5/ 376، وطبقات المفسّرين 2/ 8، وشذرات الذهب 4/ 206، وهدية العارفين 1/ 784، وكشف الظنون 48، 1464، 1659، ومعجم المؤلفين 7/ 313.
وله ذكر في: طبقات فقهاء الشافعية لابن الصلاح 2/ 557 في ترجمة «عبد القاهر بن طاهر» رقم 208.
[1] هكذا في الأصل بالراء والعين المهملتين، ومثله في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، وطبقات الشافعية للإسنويّ، ولكن وقع فيه «راعوام» بزيادة ألف بعد الواو.
أما في سير أعلام النبلاء 20/ 452 فقيّده بالغين المعجمة «راغوم» .
[2] السّمنجاني: بكسر السين والميم، وسكون النون وجيم. نسبة إلى سمنجان: بليدة من طخارستان وراء بلخ وهي بين بلخ وبغلان. (الأنساب 7/ 150) .(39/130)
يا آلَ سَمْعانَ ما أنْسَى [1] فضائلكم ... قد صِرْنَ فِي صُحُفِ الأيّام عُنْوانا
معاهِدَ آلَفَها [2] النّازلون بها ... فما وَهَتْ بمُرُور الدَّهْر أركانا
حتّى أتاها أَبُو سعدٍ فشيّدَها ... وزادَها بعُلُوّ الشّأن بُنْيانا
كانوا مَلاذَ بني الآمالِ فانقرضوا ... مُخلِّفِين بِهِ مثْلَ الَّذِي كَانَا
كانوا رياضا فأَهْدوا من خلائقه ... إلى طائعنا رَوْحًا ورَيْحانا [3]
لولا مكانُ أَبِي سعدٍ لما وَجَدُوا ... عَلَى مَفَاخِرهم للنّاس بُرْهانا
كانت مآثرهم عينَ الزّمانِ وقد ... صارتْ مَنَاقبُه للعَيْن إنسانا
زان التّواريخَ بالتَّذْييل مخترعا ... أعْجِبْ بذَيْلٍ بِهِ أضْحَى جربانا [4]
وقاهُ ربّي من عينِ الكمال فما ... أبْقَتْ عُلاه لردّ الْعَيْنِ نُقصانا [5]
قلت: سَمِعَ من الخليليّ «مُسْنَد الهيثم بْن كُلَيْب» ، «وغريب الحديث» لابن قُتَيْبة، «والشّمائل» للتِّرْمِذيّ وصنَّف كتابا فِي أدب المريض والعائد.
وقال ابن السّمعانيّ فِي موضع آخر: لا يُعْرَف أجمع للفضائل منه مَعَ الوَرَع التّامّ. وسمع: الْإِمَام أبا حامد أحمد بْن مُحَمَّد الشُّجَاعيّ، وأبا نَصْر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الماهانيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد الرحيم القاضي، وجماعة كثيرة.
قلت: روى عَنْهُ: أَبُو سعد السَّمعانيّ، وابنه عَبْد الرحيم، وابن الْجَوْزيّ، والإفتخار عَبْد المطّلب الهاشميّ، والتّاج الكِنْدِيّ، وعبد الوهّاب بْن سُكَيْنَة، وأبو الفتح المَنْدائيّ [6] ، وأبو روح عبد المعزّ الهرويّ، وآخرون.
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 20/ 453: «أسنى» . والمثبت يتفق مع طبقات الشافعية الكبرى للسبكي.
[2] في السير: «معاهدا ألفتها» .
[3] هذا البيت غير مذكور في السير.
[4] هذا البيت والّذي قبله غير مذكورين في السير.
[5] هذا البيت لم يذكر في: طبقات الشافعية الكبرى، وطبقات المفسّرين للداوديّ.
[6] المندائي: بفتح الميم وسكون النون، وفتح الدال المهملة، وهمزة، ويقال: الماندائيّ، بزيادة ألف قبل النون. وأبو الفتح هو محمد بن أحمد المندائي مسند العراق. (توضيح(39/131)
وتُوُفّي رحمه اللَّه سنة اثنتين ببلْخ [1] .
- حرف القاف-
69- قُرا رسلان بْن دَاوُد بْن سُقْمان بْن أُرْتُق بْن أكسب [2] .
الأمير فخر الدّين صاحب حصن كَيْفا وأكثر ديار بَكْر.
لمّا احتضر بعث إلى الملك نور الدّين يَقُولُ: بيننا صُحْبة فِي الجهاد وأريد أن ترعى ولدي.
ولمّا تُوُفّي تملَّك بعده ولده نور الدّين مُحَمَّد، فحماه الملك نور الدّين وذبَّ عَنْهُ، ومنع أخاه قُطْبَ الدّين من قصْده. قاله ابن الأثير [3] .
70- قيس بْن مُحَمَّد بْن إسماعيل [4] .
أبو عاصم السّويقيّ [5] ، المؤدّب.
__________
[ () ] المشتبه 8/ 317، 318) .
[1] وقال سبط ابن الجوزي: ذكره العماد في الخريدة وقال: كان فصيحا. قال: كان ينشد في مجالس وعظه، ومن شعره:
لقد هبّت الريح من بلدتي ... فيا حبّ ساكن ذاك البلد
فقمت إليها وعانقتها ... وما عانق الريح قبلي أحد
قلت: ومن هاهنا أخذ القائل، ولعلّه أخذ من قول القائل:
هبّت شمال فقال: يا بلد ... هبّت به طاب ذلك البلد
وقبّل الريح من صبابته ... ما قبّل الريح قبله أحد
(مرآة الزمان 8/ 331) .
[2] انظر عن (قرا رسلان) في: الكامل في التاريخ 11/ 329، وتاريخ الزمان 179، والمختصر في أخبار البشر 3/ 44، وتاريخ ابن الوردي 2/ 62، وتاريخ ابن سباط 1/ 118.
[3] في الكامل.
[4] انظر عن (قيس بن محمد) في: العبر 4/ 179، والإعلام بوفيات الأعلام 232، وسير أعلام النبلاء 20/ 491، 492 رقم 310، والنجوم الزاهرة 5/ 376، وشذرات الذهب 4/ 206، وجزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 93 رقم 198 وفيه «المؤذن» .
[5] السّويقي: بفتح السين المهملة، وكسر الواو، وبعدها ياء ساكنة منقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها القاف. هذه النسبة إلى بيع السّويق، وهو دقيق الشعير. (الأنساب 7/ 194) .(39/132)
شيخ أصبهانيّ، فاضل، صُوفيّ، مؤدِّب بجامع أصبهان.
ذكره ابن السَّمعانيّ فقال: كَانَ حَسَن السّيرة، وكان رفيقا لأبي نصر اليُونَارْتيّ [1] إلى بغداد، فسمع بقراءته بها من أَبِي الْحُسَيْن بْن الطّيوريّ، وغيره.
قلت: وسمع من: أَبِي الْحَسَن بْن العلّاف، والحسن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز التِّكَكيّ [2] وأبي غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الباقِلّانيّ، وابن بَيَان، وابن نَبْهان، وعبد اللَّه بْن عَلي بْن الآبنُوسي [3] ، وغيرهم.
وانتقى لَهُ اليُونَارْتيّ جزءا. وسمع منه الفُضَلاء.
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: لحِقْتُه وما اتّفق لي السّماعُ منه، وحدَّثني عَنْهُ جماعة.
قَالَ الحافظ الضّياء، ومن خطّه نقلت: سَمِعْتُ أَبَا الضَّوء شهاب بْن محمود: سَمِعْتُ أَبَا سعد عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن أَبِي نصر بْن الْحَسَن الخُوِنْجَانيّ [4] بأصبهان يَقُولُ: سَمِعْتُ أبا عاصم قَيْس بْن مُحَمَّد الصُّوفيّ: سَمِعْتُ المبارك بْن عَبْد الْجَبّار بْن أحمد، سَمِعْتُ ابن الشَّعْشاع الْمَصْرِيّ يَقُولُ: رأيت أبا بكر بن النّابلسيّ بعد ما قُتِلَ فِي المنام وهو فِي أحسن هيئة، فقلت لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ فقال:
حباني مالِكِي بدوامِ عزّ ... وواعَدَني بقُربِ الانتصارِ
__________
[1] اليونارتي: بضم الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وسكون الواو وفتح النون وسكون الراء، وفي آخرها التاء المنقوطة باثنتين من فوقها. هذه النسبة إلى يونارت وهي قرية على باب أصبهان. (الأنساب 12/ 433، 434) .
وقد قيّدها ياقوت يفتح الراء. (معجم البلدان 5/ 453) .
[2] التّككي: بكسر التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وفتح الكاف وفي آخرها كاف أخرى، هذه النسبة إلى تكك، وهي جمع تكة. (الأنساب 3/ 68) .
[3] الآبنوسي: بمدّ الألف وفتح الباء الموحّدة أو سكونها وضم النون وفي آخرها السين المهملة بعد الواو. هذه النسبة إلى آبنوس، وهي نوع من الخشب البحري يعمل منه أشياء. (الأنساب 1/ 93) .
[4] الخونجانيّ: بضم الخاء المعجمة وكسر الواو وسكون النون وفتح الجيم وفي آخرها النون، نسبة إلى خونجان: قرية من قرى أصبهان. (الأنساب 5/ 211) .(39/133)
وقرَّبني وأَدْناني إِلَيْهِ ... وقال: انْعَمْ بعَيْشٍ فِي جِواري
قلت: أَنْبَأَنَا بذلك أحمد بْن سلامة بْن يحيى بْن بَوْش، عَنْ أحمد بْن عَبْد الْجَبّار، عَنِ الصُّوريّ [1] كتابة.
وقد روى عنه بالإجازة: أَبُو المُنجَّا بْن اللَّتّيّ، وكريمة القُرَشِيَّة.
وتُوُفّي فِي سابع عشر جُمَادَى الآخرة وهو في عشر التسعين.
- حرف الميم
71- محمد بْن إِبْرَاهِيم بْن ثابت [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه الْمَصْرِيّ، الكِيزَانيّ [3] ، الواعظ، المقرئ.
من شيوخ المصريّين الفضلاء.
توفّي في المحرّم، وله كلام فِي السُّنَّة، وشِعر جيّدَ كثير فِي الزّهد.
وكان زاهِدًا ورِعًا، لَهُ أصحاب ينتمون إِلَيْهِ.
وقيل: تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
قَالَ أَبُو المظفّر سِبْط [ابن] [4] الْجَوْزيّ [5] إنّه تُوُفّي في سنة ستّين، فيحرّر هذا.
__________
[1] هو الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي الصوري. ولد بصور سنة 376 هـ. وتوفي ببغداد سنة 441 هـ. وكان شيخا للخطيب البغدادي.
[2] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: خريدة القصر (قسم شعراء مصر) 2/ 18، واللباب 2/ 125، والمحمّدون من الشعراء للقفطي 153 رقم 77، ومرآة الزمان 8/ 254، 255 (سنة 560 هـ.) ، ووفيات الأعيان 4/ 461، 462، رقم 678، والإعلام بوفيات الأعلام 232، وسير أعلام النبلاء 20/ 454، 455 رقم 290، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 65، والوافي بالوفيات 1/ 347 رقم 236، والمقفّى الكبير 5/ 81، 82 رقم 1621، والنجوم الزاهرة 5/ 367، 368 و 376، والكواكب السيارة 303، والأعلام 6/ 186.
[3] الكيزاني: بكسر الكاف وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وزاي مفتوحة ونون بعد الألف، نسبة إلى عمل الكيزان وبيعها. وقال المقريزي: وكيزان: مدينة بأذربيجان.
وقد تحرّفت هذه النسبة إلى «الكتاني» في (مرآة الزمان 8/ 254) .
[4] ساقطة من الأصل.
[5] في مرآة الزمان 8/ 254.(39/134)
وقال: كَانَ يَقُولُ بأنّ أفعال العباد قديمة، وبينه وبين المصريّين خلاف.
وكان قد دُفِن عند الشّافعيّ، فتعصَّب عَلَيْهِ الخُبُوشانيّ [1] ونَبَشَه وقال:
هذا حَشَوِيّ لا يكون عند الشّافعيّ، ودُفن فِي مكانٍ آخر [2] .
من شِعْره:
يا من يَتِيه عَلَى الزَّمان بحُسْنِهِ ... أعْطِفْ عَلَى الصَّبِّ المَشُوق التَّائِه
أضْحَى يخاف عَلَى احتراق فؤاده ... أسفا لأنّك منه في سودائه [3]
__________
[1] الخبوشانيّ: بضم الخاء المعجمة والباء الموحّدة وفتح الشين المعجمة وفي آخرها النون.
هذه النسبة إلى خبوشان وهي اسم لبليدة بناحية نيسابور يقال لها خبوشان. (الأنساب 5/ 43) .
فلعلّ المذكور أعلاه منسوب إليها، والله أعلم. وقد تحرّفت هذه النسبة إلى: «الخرشاني» في (مرآة الزمان 8/ 254) .
[2] قال القاضي الفاضل في حوادث سنة إحدى وثمانين وخمسمائة: وفي ليلة الإثنين التاسع عشر من جمادى الآخرة نقل- يعني ابن الكيزاني- لما وصل التاج البيدقي إلى القاهرة وبلّغ السلطان رسالة يؤمر فيها بنشر ابن الكيزاني من قبره المجاور لقبر الشافعيّ، وإلقاء رمّته في بحر النيل، فنقل حيث قبره الآن من القرافة. (المقفّى الكبير 5/ 62) .
[3] البيتان في: مرآة الزمان 8/ 255، وسير أعلام النبلاء 20/ 455، والوافي بالوفيات 1/ 348، والنجوم الزاهرة 5/ 368.
وقال سبط ابن الجوزي: وكان زاهدا، عابدا، قنوعا من الدنيا باليسير، فصيحا، وله النظم والنثر، وديوانه بمصر مشهور وممدوح مشكور، ولقد وقفت عليه في مصر فرأيته مليح العبارة، صحيح الإشارة، فيه رقّة وحلاوة، وعليه طلاوة وغير ذلك. أنشدني منه أبو الفضل مرهف بن أسامة بن منقذ بمصر في سنة سبع وستمائة يقول:
اصرفوا عنّي طبيبي ... ودعوني وحبيبي
علّلوا قلبي بذكري ... فلقد زاد لهيبي
طاب هتكي في هواه ... بين واش ورقيب
لا أبالي بعوار ... النفس ما دام نصيبي
ليس من لام وقد ... أطنب فيه بمصيب
جسدي راض بسقمي ... وجفوني بنحيبي
وقال أيضا:
تخيّر لنفسك من ترتضيه ... ولا تدنينّ إليك اللّئاما
فليس الصديق صديق الرخاء ... ولكن إذا قعد الدهر قاما
ينام وهمّته في الّذي ... يهمّك لا يستلذّ المناما(39/135)
72- مُحَمَّد بْن أَبِي سعد الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلي بْن حمدون [1] .
أَبُو المعالي، الكاتب، المعدَّل، كافي الكُفاة، بهاء الدّين البغداديّ.
من بيت فضل ورئاسة هُوَ وأبوه. وكان ذا معرفة تامَّة بالأدب والكتابة.
وله أَخَوان: أَبُو نصر، وأبو المظفَّر.
سَمِعَ فِي سنة عشرٍ وخمسمائة من إِسْمَاعِيل بْن الفضل الْجُرْجانيّ.
روى عَنْهُ: ابنه أَبُو سعد الْحَسَن، وأحمد بْن طارق الكَرْكيّ، وأحمد بْن أَبِي البقاء العاقُوليّ.
وصنَّف كتاب «التّذكرة» فِي الآداب والنّوادر والتّواريخ، وهو كبير مشهور.
__________
[ () ]
وكم ضاحك لك أحشاؤه ... تمنّاك أن لو لقيت الحماما
(مرآة الزمان) ومن شعره:
إذا سمعت كثير المدح عن رجل ... فانظر بأيّ لسان ظلّ ممدوحا
فإن رأى ذاك أهل الفضل فارض لهم ... ما قيل فيه وخذ بالقول تصحيحا
أو لا، فما مدح أهل الجهل رافعه ... وربّما كان ذاك المدح تجريحا
وقال:
إن كنت لا بدّ المخالط للورى ... فاصبر فإنّ من الحجى أن تصبرا
وإذا لغوك بمنكر من فعلهم ... فتلقّ بالمعروف ذاك المنكرا
كالأرض تلقى فوقها أقذارها ... أبدا، وتنبت ما يروق المنظرا
(المقفّى الكبير) .
[1] انظر عن (محمد بن أبي سعد) في: المنتظم 10/ 221 رقم 311 (18/ 175 رقم 4262) ، والكامل في التاريخ 11/ 330 وفيه: «محمد بن الحسين» ، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 184، 185، ووفيات الأعيان 4/ 380- 382 رقم 654، ومرآة الجنان 3/ 370، 371، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 1/ 205، 206، والبداية والنهاية 12/ 253، والوافي بالوفيات 2/ 357، وفوات الوفيات 2/ 186، 187، والنجوم الزاهرة 5/ 374، 375، وشذرات الذهب 4/ 206، ومعجم المؤلفين 9/ 217، وكشف الظنون 383، ومفتاح السعادة 1/ 183، 184، والأعلام 6/ 316، وانظر مقدّمة كتابه «التذكرة الحمدونية» بتحقيق الدكتور إحسان عباس، من منشورات معهد الإنماء العربيّ، بيروت 1983، وديوان الإسلام 2/ 192، 193، رقم 18.(39/136)
وكان عارض الجيش المقتفويّ، ثمّ صار صاحب الزّمان المستنجديّ.
قَالَ العماد فِي «الخريدة» [1] : وقف الْإِمَام المستنجد عَلَى حكايات رواها ابن حمدون فِي «التّذكرة» توهّم غضاضة عَلَى الدّولة، فأُخِذ من دَسْت منصبه وحُبِس. ولم يزل فِي نَصبه إلى أن رُمِس [2] .
تُوُفّي فِي ذي القعْدة محبوسا وله سبْعٌ وستّون سنة [3] .
وتُوُفّي أخوه أَبُو نصر فِي سنة خمسٍ وأربعين [4] .
73- مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن بادار.
القَزْوينيّ، ثمّ الطُّوسيّ أَبُو جَعْفَر، زوج كبر بِنْت زاهر الشّحّاميّ.
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: سَمِعْتُ منها، ومات هو في المحرّم سنة اثنتين عَنْ أربعٍ وتسعين سنة.
سَمِعَ من شيخنا عَبْد الغفّار الشّيرُوِيّيّ.
74- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد [5] .
أَبُو الْمَعَالِي بْن الْجَبَّان [6] ، الحَريميّ [7] ، المعروف بابن اللّحّاس [8] ، العطّار.
__________
[1] قسم شعراء العراق 1/ 184.
[2] وأورد العماد لابن حمدون عدّة أبيات في الخريدة، نقلها كلّها ابن خلّكان في (وفيات الأعيان) .
[3] كانت ولادته في شهر رجب سنة 495 هـ. (وفيات الأعيان) .
[4] انظر وفيات الأعيان 4/ 382 رقم (189) .
[5] انظر عن (محمد بن محمد) في: الاستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب: الجنّان والجبّان، والإعلام بوفيات الأعلام 232، ودول الإسلام 2/ 76، والعبر 4/ 179، والمعين في طبقات المحدّثين 169 رقم 1814، وسير أعلام النبلاء 20/ 465، 466 رقم 293، والنجوم الزاهرة 5/ 376، وشذرات الذهب 4/ 206.
[6] الجبّان: بالجيم بعدها باء موحّدة مشدّدة. (الإستدراك) .
وقد تحرّفت هذه النسبة في (شذرات الذهب) إلى: «الحيان» .
[7] في الأصل: «الخريمي» بالخاء المعجمة، وهو تحريف.
[8] تحرّفت هذه النسبة في (دول الإسلام) إلى: «النحاس» .(39/137)
سَمِعَ من: جَدّه أَبِي الْحَسَن مُحَمَّد، وعبد اللَّه بْن عطاء الهَرَويّ الإبراهيميّ، وطِراد الزَّيْنَبيّ، والحسين بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السّرّاج، وغيرهم.
وأجاز لَهُ أَبُو القاسم بْن البُسْرِيّ.
وهو آخر من روى عَنْ هَؤُلَاءِ المُسَمّين.
وقد سَمِعَ من جَدّه سنة ثمانٍ وسبعين، من أحمد بْن عَلي البادي فِي حياة أَبِي نصر الزَّيْنَبيّ. وقد روى الكثير عَنِ ابن البُسْريّ بالإجازة. وكان يمكنه أيضا السّماع منه، فإنّه وُلد سنة ثمان وستّين وأربعمائة، وتوفي في تاسع عشر ربيع الآخر وله أربعٌ وتسعون سنة.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السَّمعانيّ، ويوسف بْن المبارك البيِّع، وعبد الرَّحْمَن بْن إِسْمَاعِيل بْن السِّمِّذِيّ [1] ، وعمر بْن عيسى البُزُوريّ، وعبد الغنيّ بْن عَبْد العزيز بْن البُنْدار، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن المبارك المستعمل، وأفضل بْن المبارك الشّنكانيّ [2] ، ومحمد بْن أَبِي البركات بْن معْنين، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن ابن البوّاب الأمين، وأبو المُنَجّا بْن اللَّتّيّ، والأنجب بْن أَبِي السّعادات الحمّاميّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن السّمّاك، وأحمد بْن يعقوب المارِستانيّ، وغيرهم.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: ثقة، صحيح السّماع.
وقال ابن النّجّار: كَانَ شيخا صالحا، عفيفا، صَدُوقًا، ظريفا، حَسَن الأخلاق، لطيفا حدّث بالكثير، رحمه الله تعالى.
__________
[1] السّمّذيّ: بكسر السين المهملة وكسر الميم المشدّدة، وقيل بفتحها، وفي آخرها الذال المعجمة. هذه النسبة إلى السّمّذ، وهو نوع من الخبز الأبيض الّذي تعمله الأكاسرة والملوك. (الأنساب 7/ 135) .
[2] لم أجد هذه النسبة.(39/138)
75- مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم [1] بْن بابجوك [2] .
زين المشايخ أَبُو الفضل الخُوارَزْميّ، البقّال [3] النَّحْويّ، الملقَّب بالأَدَمِيّ، لحفْظه كتاب الأدَميّ [4] فِي النَّحْو.
قَالَ لنا أَبُو العلاء الفَرَضيّ: ذكره الحافظ محمود بْن مُحَمَّد بْن أرسلان الخُوارَزْميّ [5] فِي «تاريخ خُوارَزْم» فقال: كَانَ إماما، حُجَّةً فِي العربيَّة، أخذ عَنِ الزَّمَخْشَرِيّ، وخَلَفه فِي حَلَقَته، وصنَّف كتاب «شرح الأسماء الحُسْنى» ، وكتاب «أسرار الأدب وافتخار العرب» ، وكتاب «مفتاح التّنزيل» ، وكتاب «التّرغيب فِي العِلم» ، وكتاب «كافي التّراجم بلسان الأعاجم» ، وكتاب «الأسمى [6] في سَرد الأسما» ، وكتاب «أذكار [7] الصّلاة» و «الهداية فِي المعاني والبيان» ، وكتاب «إعجاز القرآن» [8] ، وكتاب «مياه العرب» ، وكتاب «تفسير القرآن» ، وغير ذَلِكَ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أبي القاسم) في: معجم الأدباء 19/ 5، والمشتبه في الرجال 1/ 87، والوافي بالوفيات 4/ 340، والجواهر المضيّة 2/ 372، وتبصير المنتبه 1/ 166، وتوضيح المشتبه 1/ 576، 577، وبغية الوعاة 1/ 92، وطبقات المفسّرين للسيوطي 40، وكشف الظنون 51 و 84 و 91 و 120 و 132 و 400 و 469 و 470 و 488 و 489 و 595 و 1760 و 1829، و 2040، وهدية العارفين 2/ 98، ومعجم المؤلفين 11/ 137، وديوان الإسلام 1/ 315، 316 رقم 495 وقد تقدّم برقم (39) .
[2] ضبطه الصفدي فقال: بابجوك، بباءين موحّدتين بينهما ألف وبعدها جيم وبعد الواو كاف.
(الوافي بالوفيات 4/ 340) .
وقد تصحّفت الموحّدة الثانية إلى مثنّاة تحتية في: (معجم الأدباء 19/ 5، وبغية الوعاة 1/ 215، وديوان الإسلام 1/ 315) .
[3] هكذا في الأصل. وأثبتها في (المشتبه 1/ 87) : البقّالي، وقال: والعجم يزيدون الياء.
وتابعه ابن ناصر الدين فقال: هو بفتح أوله والقاف المشدّدة، وبعد الألف لام مكسورة، تليها ياء النسب التي ذكرها المصنّف. (توضيح المشتبه 1/ 576) .
[4] هو أحمد بن محمد بن علي الشيخ أبو طالب الأدمي البغدادي. انظر: إنباه الرواة 1/ 120.
[5] وقال ابن ناصر الدين: أسقط من نسبه رجلا، فهو أبو محمد محمود بن محمد بن عباس بن أرسلان. (توضيح المشتبه 1/ 577) .
[6] في الأصل: «الأسماء» .
[7] في الأصل: «أركان» ، والتصويب من: المشتبه، وتوضيح المشتبه.
[8] في المشتبه، والتوضيح: «التنبيه على إعجاز القرآن» .(39/139)
وقد سَمِعَ في الكهولة من عُمَر بْن مُحَمَّد بْن حَسَن الفَرْغُولي، وغيره.
تُوُفّي بجُرْجانية خُوارَزم فِي شهر جُمَادَى الآخرة سنة اثنتين وستّين [1] ، وله نيِّفٌ وسبعون سنة.
76- المبارك بْن عَلي بْن مُحَمَّد بْن عَلي بْن خُضَير [2] .
أَبُو طَالِب الصَّيْرفيّ، البغداديّ.
قَالَ أَبُو سعد فِي «الذَّيْلِ» : سَمِعَ الكثير بنفسه ونَسَخ. وله جِدٌّ فِي السّماع والطَّلب عَلَى كِبَر السّنّ. وهو جميل الأمرَ سديد السّيرة.
سَمِعَ: أَبَا سعد بْن خُشَيْش، وأبا الْحَسَن بْن العلّاف، وأبا الغنائم بْن النَّرْسِيّ، وأبا القاسم الرّزّاز، وأبا الْحَسَن بْن مرزوق، وأبا طَالِب اليُوسُفيّ، وخلْقًا يطول ذِكْرهم.
ورحل إلى دمشق وسمع بها: أَبَا الْحَسَن بْن المُسْلم، وهبة اللَّه بْن الأكفانيّ، وغيرهما.
وخرّج لَهُ أَبُو القاسم الدّمشقيّ جزءا عَنْ شيوخه.
[وقال] [3] سَمِعْتُ منه، وسمع منّي، وسألته عَنْ مولده فقال: سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة بالكرخ [4] .
__________
[1] أرّخ بعضهم وفاته في سنة 523 هـ. (معجم المؤلفين) .
وفي كشف الظنون وردت وفاته مختلفة في عدّة مواضع، ففي صفحة 132 وفاته سنة 576 هـ. وفي صفحة 95 وفاته 586 هـ. وفي بقية الصفحات كما هنا 562 هـ.
[2] انظر عن (المبارك بن علي) في: تاريخ دمشق لابن عساكر، ومختصره لابن منظور 24/ 82، 83 رقم 44، والعبر 4/ 179، وتذكرة الحفاظ 4/ 1319، وسير أعلام النبلاء 20/ 487- 489 رقم 306، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 3/ 171 رقم 1135، وفيه: «المبارك بن علي بن علي بن محمد خضير» ، وتبصير المنتبه 1/ 445، والنجوم الزاهرة 5/ 376، وشذرات الذهب 4/ 206.
[3] إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
[4] زاد ابن عساكر: قدم دمشق تاجرا في سنة تسع عشر وخمسمائة، وهو في حدّ الشباب، وسمع بها. وكان قد سمع ببغداد من جماعة. كتبت عنه حكاية، وعاد إلى بغداد، وعاش إلى أن علت سنّه، وحدّث وسمع منه جماعة.(39/140)
وقال ابن الدَّبِيثيّ [1] : حدَّث بالكثير، وثنا عَنْهُ: أبو الفرج بن الجوزي، وابن الأخضر، وأبو طَالِب الهاشميّ، وغيرهم. وكان ثقة.
قلت: روى عَنْهُ أيضا: الحافظ عَبْد الغنيّ، وابن قُدَامة، ومنصور بْن المُعوّج، وأحمد بْن أَبِي الفتح بْن المعزّ الحرّانيّ، وعدَّة.
وأجاز لابن مَسْلَمَة.
تُوُفّي في ثالث عشر ذي الحجَّة [2] رحمه اللَّه تعالى [3] .
77- المبارك بْن المبارك بْن صَدقة [4] .
أَبُو الفضل البغداديّ، السِّمْسار، الخبّاز.
سَمِعَ: أَبَا عَبْد اللَّه بْن طلْحة النِّعاليّ، وطِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن عَلي بْن أحمد الزَّيْديّ، وأحمد بْن أحمد البزّاز، وعمر بْن جَابِر، والحافظ عَبْد الغنيّ، وابن قُدَامة.
وأجاز للرشيد بْن مَسْلَمَة.
وتُوُفّي رحمه اللَّه تعالى فِي تاسع عشر ربيع الآخر، وله إحدى وتسعون سنة.
78- محمود بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرة.
الخطيب أَبُو غالب، أخو الوزير عون الله.
روى عن ابن الحسين.
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه 3/ 171.
[2] وقال ابن عساكر: بلغني أن أبا طالب بن خضر توفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وخمسمائة.
[3] وقال ابن النجار: كان من المكثرين سماعا وكتابة وتحصيلا إلى آخر عمره، وله في ذلك جدّ واجتهاد، وكانت له حال واسعة من الدنيا، فأنفقها في طلب الحديث وعلى أهله إلى أن افتقر، كتب الكثير، وحصّل الأصول الحسان، وكان عفيفا نزها صالحا متديّنا، يسرد الصوم، وكان يمشي كثيرا في الطلب، ويحدّث من لفظه، ويدور على المكاتب، ويحدّث الصبيان، وكان صدوقا مع قلّة معرفته بالعلم وسوء فهمه، وكان خطّه رديئا كثير السقم.
(سير أعلام النبلاء 20/ 488، 489) .
[4] انظر عن (المبارك بن المبارك) في: المعين في طبقات المحدّثين 169 رقم 1815، والنجوم الزاهرة 5/ 376.(39/141)
وكان زاهدا عابدا، يخطب بقريته.
تُوُفّي فِي شعبان. وقد حدَّث.
79- مَسْعُود بْن الْحَسَن بْن القاسم بْن الفضل بْن أحمد بْن أحمد بْن محمود بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم [1] .
الرئيس المعمَّر، أَبُو الفَرَج بْن أَبِي مُحَمَّد بن الرئيس المعتمد أَبِي عَبْد اللَّه الثّقفيّ، الأصبهانيّ. مُسْنِد الوقت، ورحلة الدّنيا. كَانَ شيخا حَسَنًا، رئيسا، جليلا، ولد سنة اثنتين وستّين وأربعمائة [2] ، وأجاز لَهُ الحافظ أَبُو بَكْر أحمد بْن عَلي الخطيب، وأبو الغنائم عَبْد الصّمد بْن المأمون، وأبو الْحُسَيْن بْن المهتدي باللَّه، وغيرهم فِي سنة ثلاثٍ وستّين من بغداد عَلَى ما نقله أبو الخير عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن مُوسَى. وَاتُّهِمَ أبو الخير، وكذَّبَهُ فِي ذَلِكَ الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِينيّ. نقله ابن النّجّار.
وسمع من: جَدّه، وأبي عَمْرو بْن مَنْدَهْ، وأبي عيسى بْن زياد، والمطهَّر بْن عَبْد الواحد البُزَانيّ، ومحمد بْن أحمد السِّمْسار، وإبراهيم بْن مُحَمَّد الطّيّان، وسهل بْن عَبْد اللَّه بْن عَلي العلويّ، وأبي نصر مُحَمَّد بْن عُمَر بْن تانه [3] ، وأبي الخير مُحَمَّد بْن أحمد بْن رَرَا، وسليمان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، وغانم بْن عَبْد الواحد، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن عَبْد الواحد، وطائفة سواهم.
وخرّجت لَهُ الفوائد فِي تسعة أجزاء. وطال عُمره حتّى ألحق الصِّغار بالكبار. وتفرّد فِي الدّنيا عَنْ كثير من شيوخه.
__________
[1] انظر عن (مسعود بن الحسن) في: التحبير 2/ 298، 299 رقم 981، والتقييد لابن نقطة 445 رقم 595، وسير أعلام النبلاء 20/ 469- 471 رقم 297، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 3/ 187 رقم 1188، والعبر 4/ 179، 180، ودول الإسلام 2/ 76، والمعين في طبقات المحدّثين 169 رقم 1816، ولسان الميزان 6/ 24، 25، وشذرات الذهب 4/ 206، 207، والنجوم الزاهرة 5/ 376، وجزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 93 رقم 199.
[2] التقييد 445.
[3] تانه: بالتاء المثنّاة بنقطتين، ونون بعد الألف، ثم هاء. انظر: الأنساب 3/ 13، 14، تبصير المنتبه 1/ 58 و 115، توضيح المشتبه 1/ 235، والمشتبه 1/ 45 بالحاشية 2.(39/142)
روى عَنْهُ خلْقٌ، منهم: مُحَمَّد بْن يوسف الآمُليّ، وعبد اللَّه بْن أَبِي الفَرَج الْجُبّائيّ، والحسين بْن مُحَمَّد الجرباذقانيّ [1] ، وعبد الأول بْن ثابت المَدِينيّ، وعبد القادر الرُّهاويّ، وعبد الملك بْن مُحَمَّد المَدِينيّ، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم الأصبهانيّ كليّن، ومحمد بْن عَلي الحنبليّ الحافظ، ومحمود بْن مُحَمَّد الحدّاد، وأبو ألوفا محمود بْن مَنْدَهْ.
وبالإجازة: أَبُو المُنَجّا بْن اللَّتّيّ، وكريمة وأختها صفيَّة.
ولو عاش أحدٌ من أصحابه من نسبة ما عاش هُوَ بعد شيوخه لبقي إلى بعد الخمسين وستّمائة.
تُوُفّي يوم الإثنين غُرَّة رجب، وله مائة سنة.
وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة: عجيبة بِنْت أَبِي بَكْر الباقداريّ.
قَالَ السَّمعانيّ: لم يتّفق أنْ أسمع منه شيئا لاشتغالي بغيره، وما كانوا يُحسِنون الثّناء عَلَيْهِ، والله يرحمه، وقد حدَّثني مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الفَيج [2] أَنَّهُ قرأ عَلَى الرئيس أَبِي الفَرَج جميع «تاريخ الخطيب» في سنة ستّين وخمسمائة. وكتب إليّ بالإجازة [3] .
__________
[1] الجرباذقاني: بفتح الجيم وسكون الراء والباء الموحّدة المفتوحة بعدها الألف وسكون الذال المعجمة والقاف المفتوحة وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى بلدتين إحداهما بين جرجان وأستراباذ، والثانية بين أصبهان والكرج. (الأنساب 3/ 218) .
[2] الفيج: اسم لمن يحمل الكتب بسرعة من بلد إلى بلد. (الأنساب 9/ 357) وجمعها:
فيوج.
[3] وقال المؤلّف الذهبي- رحمه الله-: ثم تبيّن وهن إجازة الخطيب له، وامتنع الرجل من الرواية بالإجازة عن البغداديّين بعد ذلك، وكان في كثرة سماعاته العالية شغل شاغل، وكان ذا حشمة وأموال، عاش مائة عام. (سير أعلام النبلاء 20/ 470، 471) .
وقال ابن نقطة: وكان سماعه صحيحا. (التقييد) .
وقال ابن السمعاني: كتب إليّ كتابا من بنج ديه بعد عوده من الرحلة أنه كان في سنة ستين وخمسمائة بأصبهان، وقرأ على الرئيس أبي الفرج الثقفي هذا جميع كتاب «تاريخ مدينة السلام بغداد» لأبي بكر الخطيب بروايته عنه إجازة، وقرأ عليه كتاب «التوحيد» ، وكتاب «الإيمان» و «الأمالي» ، و «الفوائد» لأبي عبد الله بن مندة الحافظ، وكتب إليّ الإجازة.
وكانت ولادته في حدود سنة ستين وأربعمائة فإنّ أبا بكر الخطيب توفي سنة ثلاث وستين، وله عنه إجازة، وكان باقيا في سنة ستين وخمسمائة. (التحبير) .(39/143)
- حرف الهاء-
80- هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن هلال [1] .
أَبُو القاسم الدّقّاق.
أسند من بقي ببغداد، وكان يسكن الظفَّرية.
سَمِعَ: عاصم بْن الْحَسَن العاصيّ البانياسيّ، والخطيب أَبَا الْحَسَن الأنباريّ، وغيرهما.
وُلِد سنة إحدى وسبعين، وقيل: سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: أبو سَعْد السمعاني، وقال: كَانَ شيخا لا بأس بِهِ، ظاهره الخير والصّلاح.
وروى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق وقال: هُوَ، فيما أظنّ، أقدم مشايخنا سماعا، ومحمد بْن عُمَر بْن الذَّهَبيّ، وإسماعيل بْن باتكين الجوهريّ، وعبد اللّطيف بْن مُحَمَّد القُبَّيْطيّ، وآخرون.
وآخر من روى عنه بالإجازة: الرشيد بْن مَسْلَمَة.
قَالَ ابن مَشَق: تُوُفّي في تاسع عشر المحرَّم.
- حرف الياء-
81- يزيد بْن عَبْد الْجَبّار بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن أَصْبَغ [2] .
أَبُو خَالِد الأُمَويّ، المَرْوانيّ، القُرْطُبيّ.
من أولاد أصحاب الأندلس.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن الحسن) في: العبر 4/ 180، وسير أعلام النبلاء 20/ 471، 472 رقم 298، ودول الإسلام 2/ 76، والنجوم الزاهرة 5/ 376، وشذرات الذهب 4/ 207.
[2] انظر عن (يزيد بن عبد الجبار) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 242، ومعجم المؤلفين 13/ 237.(39/144)
روى عن: أبيه، وأبي محمد بن عتاب، وعبد الجليل بْن عَبْد العزيز المقرئ، وابن مُغِيث، وطائفة.
وكان بصيرا بالقراءات والعربيَّة.
أخذ عَنْهُ: أَبُو جعفر بْن يحيى، وأبو القاسم بْن بَقِيّ.
وجلس للإقراء. وله مصنَّف فِي قراءة نافع رحمه اللَّه تعالى.(39/145)
سنة ثلاث وستين وخمسمائة
- حرف الألف-
82- أحمدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عيسى بْن إدريس [1] .
أَبُو الْعَبَّاس التُّجَيْبيّ، المُرْسيّ.
أجاز لَهُ أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بْن أَبِي القاسم.
وسمع من: والده، وأبي عَلي بْن سكرة.
وتفقه بأبي محمد بن أبي جعفر.
قَالَ الأَبَّار [2] : وكان فقيها حافظا، مدرِّسًا. ولي قضاء بلده، وثنا عَنْهُ أَبُو عُمَر بْن عَبّاد، وابنه مُحَمَّد، وأبو مُحَمَّد بْن سُفْيَان [3] .
وتُوُفّي رحمه اللَّه فِي حادي عشر ذي الحجَّة.
83- أحمد بْن عَبْد الغنيّ بْن مُحَمَّد بن حنيفة [4] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الرحمن) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 71، ومعجم أصحاب الصدفي 46، والديباج المذهب 47، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 1/ 207، 208 رقم 288.
[2] في تكملة الصلة 1/ 71.
[3] وقال المراكشي: وكان فقيها، حافظا للمسائل، مدرّسا، مشاركا في علوم القرآن والآثار، ذا حظ من الأدب قديم النجابة. قرأ على أبيه «الموطأ» رواية أبي مصعب من حفظه وهو لم يكمل ثلاث عشرة سنة، وولي الأحكام ببلده سنين عديدة، بعد أن ولي قضاء شاطبة، ثم صرف محمود السيرة معروف التواضع والنباهة. ثم قلّد القضاء ببلده، واستمرت ولايته مشكورة الطريقة مرضيّ الأحوال إلى أن توفي.
[4] انظر عن (أحمد بن عبد الغني) في: المنتظم 10/ 223 رقم 312 (18/ 177 رقم 4263، والتقييد لابن نقطة 148 رقم 171، والمختصر المحتاج إليه 1/ 191، والعبر 4/ 180،(39/146)
الباجِسْرائيّ [1] أَبُو المعالي التّاني [2] .
سكن بغداد.
وسمع من: نصر بْن البَطِر، والحسين بْن بُسْري، وجعفر بْن السّرّاج، وأبي منصور الخيّاط، وثابت بْن بُنْدار، وجماعة.
وحدَّث بالكثير.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغني، والشيخ الموفَّق، وأبو طَالِب عَلي بْن مُحَمَّد الحاجب، ومحمد بْن عماد الحرّانيّ، وعبد اللّطيف بْن القُبَّيْطيّ، وأبو إِسْحَاق الكاشْغَرِيّ، وآخرون.
روى عَنْهُ بالإجازة: الرشيد بْن مَسْلَمَة.
وقال ابن الجوزيّ [3] : كَانَ ثقة.
وقال ابن الدَّبيثي [4] : خرج إلى هَمَذَان لِدَيْنٍ عجِز عَنْ وفائه، فأقام بها يسيرا، ومات فِي رمضان. ولم يحدِّث بها.
84- أحمد بْن عَلي بْن الرشيد أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن الزُّبَيْر [5] .
__________
[ () ] وسير أعلام النبلاء 20/ 472، 473 رقم 299، والوافي بالوفيات 7/ 72 رقم 3012، ذيل التقييد لقاضي مكة 1/ رقم 665، والنجوم الزاهرة 5/ 379، وشذرات الذهب 4/ 207.
[1] الباجسرائي: بكسر الجيم وسكون السين المهملة، نسبة إلى باجسرى، وهي قرية كبيرة بنواحي بغداد على عشرة فراسخ منهل.
[2] التاني: بالتاء المثنّاة بنقطتين من فوق، نسبة إلى التناءة، وهي الدهقنة، فيقال لصاحب الضياع والعقار: التانئ. (الأنساب 3/ 13) وفي (القاموس المحيط) التانئ أو التاني بالياء المخفّفة لتسهيل الهمزة، من تنأ.
[3] في المنتظم. (
[4] في المختصر المحتاج إليه.
[5] انظر عن (أحمد بن علي بن الرشيد) في: خريدة القصر (شعراء مصر) 1/ 200، ومعجم الأدباء 4/ 51- 66، رقم 7، ومعجم البلدان 1/ 192، والنكت العصرية 86، وكتاب الروضتين ج 1 ق 2/ 375، 376، ومعجم السفر للسلفي 1/ 227، 228 رقم 110، والمغرب في حلى المغرب 256، ووفيات الأعيان 1/ 160- 14 رقم 64، والطالع السعيد للأدفوي 98- 102 رقم 52، وسير أعلام النبلاء 20/ 489، 490 رقم 308، ومرآة الجنان 4/ 367- 369، والوافي بالوفيات 7/ 220- 225 رقم 3178، وطبقات(39/147)
القاضي الرّشيد أَبُو الْحُسَيْن الغسّاني الأُسْوانيّ [1] ، الكاتب، الشّاعر.
من بيت رئاسة وتقدُّم فِي الدّيار المصريّة.
ذكره السّلفيّ [2] فقال: ولي النّظر بالإسكندريّة بغير اختياره [3] في سنة تسع وخمسين وخمسمائة، ثمّ قُتِلَ ظُلْمًا وعدوانا فِي المحرَّم سنة ثلاثٍ.
وأمّا العماد الكاتب فقال [4] فِيهِ: الْخِضَمُّ الزّاخر، والبحر العُباب، قتله شاور ظُلْمًا لميله إلى أسد الدّين شير كوه. كَانَ أسود الجلْدة، سيّد البلدة، أوحد عصره فِي عِلم الهندسة، والرّياضات، والعلوم الشّرعيَّة، والآداب، والشّعريّات. فمن شِعره:
جلَّت لديّ الرزايا [5] بل جَلَتْ هِمَمي ... وهل يضرُّ جلاء الصّارِم الذَّكَرِ
غيري يغيِّرُهُ عَنْ حُسن شِيمتِه ... صَرْفُ الزّمان وما يَلْقَى من الْغِيَرِ
لو كانت النّارُ للياقوت مُحرِقةً ... لكان يَشْتَبِهُ الياقوتُ بالحجر
لا تُغْرَرَنَّ بأطماري وقيمتها ... فإنّما هِيَ أصْدَافٌ عَلَى درر
__________
[ () ] الشافعية للإسنويّ 1/ 116- 118، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 7- 10، والنجوم الزاهرة 5/ 373، 374، وحسن المحاضرة 1/ 249، وبغية الوعاة 1/ 337، 338، وكشف الظنون 169، وشذرات الذهب 4/ 197 و 203، وروضات الجنات 76، وإيضاح المكنون 1/ 273، وهدية العارفين 1/ 86، ومعجم المطبوعات 447، وأعيان الشيعة 9/ 84- 89، وتاريخ الأدب العربيّ 5/ 155، والأعلام 1/ 168، ومعجم المؤلفين 1/ 315.
[1] الأسواني: بضم أوله، وسكون السين المهملة، تليها الواو، وبعد الألف نون. وفتح أوله ابن السمعاني، وتابعه ابن الأثير، وكسر أوله ابن حجر في (تبصير المنتبه 1/ 41) ، وصحّح المنذري الضمّ، وهو المعروف، نسبة إلى أسوان بلدة بصعيد مصر. (توضيح المشتبه 1/ 199) وانظر: وفيات الأعيان 1/ 163، 164.
[2] في معجم السفر 1/ 227.
[3] وزاد السلفي: وأرضى الناس وبالخصوص الفقهاء في جواريهم.. وكان يحضر عندي، وقرأ عليّ كثيرا، ويقول: قد هان عليّ ما أنا فيه من التشاغل بالمكوس في مقابلة ما آخذه عنك من الحديث بعد فراغك من الدروس. وله تأليف ونظم ونثر التحق فيها بالأوائل المجيدين الأفاضل.
[4] في خريدة القصر 1/ 200.
[5] في الأصل: «الرازيا» وهو غلط.(39/148)
وسافر رسولا من مصر إلى اليمن، فمدح جماعة من ملوكها، منهم عَلي بْن حاتم بقوله:
لئن أَجْدَبَتْ أرضُ الصّعيدِ وأقْحطُوا ... فلستُ أنال الْقَحْطَ فِي أرض قحطانِ
وقد كَفلَتْ لي مأرِبٌ بمآربي ... فلستُ عَلَى أُسْوانَ يوما بأُسْوانِ
وإنْ جهِلَتْ حقّي زعانفُ خِنْدِفٍ ... فقد عَرَفَتْ فضلي غَطارفُ [1] هَمْدَانِ [2]
فحسده الدّاعي لبني عُبَيْد فِي عَدَن عَلَى ذَلِكَ، فكتب بالأبيات إلى بني عُبَيْد، فكان سبب الغضب عَلَيْهِ. ثمّ أمسكه وقَيّده، وأنفذه إلى مصر، فقتله شاور [3] .
وهو أخو المهذَّب الشّاعر [4] المذكور فِي سنة إحدى [5] .
85- أَحْمَد بْن عُمَر بْن حسين بْن خَلَف [6] .
الْإِمَام، المفتي، الواعظ، أَبُو الْعَبَّاس القطيعيّ، قطيعة باب الأزج.
__________
[1] في الأصل: «عظارف» .
[2] وفيات الأعيان 1/ 163.
[3] ورّخ ياقوت وفاته في سنة 562 هـ. وقال: كان كاتبا شاعرا، فقيها، نحويّا، لغويّا، ناشئا، عروضيّا، مؤرّخا، منطقيّا، مهندسا، عارفا بالطب، والموسيقى، والنجوم، متفنّنا.
وله تصانيف معروفة لغير أهل مصر، منها: كتاب «منية الألمعيّ وبلغة المدّعي» تشتمل على علوم كثيرة، كتاب «المقامات» . كتاب «جنان الجنان وروضة الأذهان» في أربع مجلّدات، يشتمل على شعر شعراء مصر، ومن طرأ عليهم. كتاب «الهدايا والطرف» .
كتاب «شفاء الغلّة في سمت القبلة» . كتاب رسائله نحو خمسين ورقة، كتاب ديوان شعره، نحو مائة ورقة.
وله ترجمة حافلة في (معجم الأدباء) .
[4] اسمه: «الحسن» .
[5] أي في وفيات سنة 561 هـ. رقم (10) .
[6] انظر عن (أحمد بن عمر) في: المنتظم 10/ 223 رقم 313 (18/ 177 رقم 4264) ، ومعجم البلدان 4/ 142، والمختصر المحتاج إليه ج 2، والوافي بالوفيات 7/ 259 رقم 3221، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 301، وشذرات الذهب 4/ 207، ومعجم المؤلفين 2/ 29.(39/149)
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ [1] : هُوَ والد شيخَيْنا مُحَمَّد وعليّ. صحِب القاضي أَبَا يَعلَى مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن القاضي أَبِي يَعْلَى، وتفقّه عَلَيْهِ، وتكلَّم فِي الوعظ.
وسمع: أَبَا الفَرَج بْن يوسف، والفضل بْن سَهْل الإسْفَرَائينيّ، وابن الزّاغونيّ.
سَمِعَ منه: ابنه مُحَمَّد.
وتُوُفّي رحمه اللَّه فِي رمضان وله إحدى وخمسون سنة.
قَالَ ابن النّجّار: تكلَّم فِي مسائل الخلاف، وكان حَسَن المناظرة. لازَمَ أَبَا يَعْلَى الصّغير حتّى برع فِي الفقه.
وسمع: أَبَا منصور القزّاز.
86- أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بْن رُشْد [2] .
الْإِمَام أَبُو القاسم قاضي قُرْطُبة.
تفقّه عَلَى والده، ولازمه طويلا.
وسمع من: أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأجاز لَهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن الطّلّاعيّ، وأبو عَلي الغسّانيّ.
قَالَ ابن البَشْكُوال: كَانَ خيِّرًا، فاضلا، عاقلا، ظهر بنفسه وأبوته، محبّبا إلى النّاس، طالبا السّلامة منهم، بارّا بهم.
تُوُفّي فِي رابع عشر رمضان. وولد سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
87- أحمد بْن مُحَمَّد بْن عَلي بْن صالح [3] .
أبو المظفّر الكاغديّ، الورّاق.
بغداديّ مشهور.
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه.
[2] انظر عن (أحمد بن محمد بن أحمد) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 83 رقم 181.
[3] انظر عن (أحمد بن محمد بن علي) في: تاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 357، والمختصر المحتاج إليه 1/ 203، والعبر 5/ 165، والنجوم الزاهرة 5/ 379.
وذكره في: سير أعلام النبلاء 20/ 474 دون ترجمة. وأعاده في صفحة 479.(39/150)
سَمِعَ: أَبَا بَكْر الطُّرَيْثِيثيّ، وأبا القاسم بْن بَيَان، وأبا الْخَطَّاب بْن الجرّاح، وأبا الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ، وأحمد بْن قُرَيْش.
روى عَنْهُ: أحمد بن طارق، وعبد العزيز بن الأخضر، وإبراهيم بْن عثمان الكاشْغَريّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي رجب. وهو راوي مشيخة الفَسَويّ.
88- أحمد بْن المقرَّب بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن [1] .
أَبُو بَكْر بْن أَبِي منصور الكَرْخيّ، البغداديّ.
سَمِعَ: طِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ، ونصر بْن البَطِر، وأبا طاهر بْن سوار، وجعفر السّرّاج، وابن طَلْحة النِّعاليّ، وجماعة.
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: شيخ كيِّس متودِّد، سَمِعْتُ منه أحاديث. قَالَ لي: ولدت ليلة عرفة سنة تسع وسبعين وأربعمائة.
قلت: روى عَنْهُ: هُوَ، وابن الجوزيّ، والحافظ عَبْد الغنيّ، وموفّق الدّين المقدسيّ، وأبو عَلي أحمد بْن المعزّ الحرّانيّ، والحسين بْن عَلي ابن رئيس الرؤساء، وعبد اللّطيف ابن القُبَّيْطيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن الخازن، وطائفة سواهم.
تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.
وأجاز لغير واحد.
وأثنى عليه الحفّاظ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن المقرّب) في: المنتظم 10/ 24 رقم 314 (18/ 177 رقم 4265) ، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 163، 177، 192، 212، 214، والمختصر المحتاج إليه 1/ 219، والعبر 4/ 180، 181، وسير أعلام النبلاء 20/ 473 رقم 300، والإعلام بوفيات الأعلام 232، وتلخيص مجمع الألقاب 1/ 578، والوافي بالوفيات 8/ 186 رقم 3615، وذيل التقييد لقاضي مكة 1/ رقم 791، والنجوم الزاهرة 5/ 379، وشذرات الذهب 4/ 208.(39/151)
ووثّقه ابن الجوزيّ [1] .
قَالَ ابن النّجّار: سَمِعَ بنفسه من جعفر السّرّاج، وابن الطُّيُوريّ، وكتب بخطّه، وحصّل. وكان صَدُوقًا متواضعا. ربّما حدَّث من لفظه. وكانت لَهُ أُصُولٌ. ثنا عَنْهُ أَبُو أحمد بْن سُكَيْنَة، وابن الأخضر، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْريّ.
وقال غيره: قرأ القراءات، وتفقَّه عَلَى مذهب الشّافعيّ، وتصوَّف. تُوُفّي فِي الخامس والعشرين مِن ذي الحجَّة.
89- أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن عَبْد القادر بْن المنصوريّ [2] .
الهاشميّ، أَبُو الْعَبَّاس.
بغداديّ شريف.
روى عَنْ عَلي بْن عَبْد الواحد الدِّينَوَريّ [3] .
90- الْتُنْتَاش بْن كُمُشْتِكِين [4] .
أَبُو منصور المظفَّريّ الصُّوفيّ.
ذكر أَنَّهُ سَمِعَ من: جَعْفَر السّرّاج.
حدَّث عَنْ: أَبِي طاهر بْن يوسف.
وعنه: عَبْد اللَّه بْن أحمد الخبّاز.
__________
[1] في المنتظم.
[2] انظر عن (أحمد بن هبة الله) في: الوافي بالوفيات 8/ 225 رقم 3661.
[3] وسمع منه شيئا من الحديث، وحدّث باليسير. وكان يتولّى الخطابة بجامع المنصور.
قال ابن النجار: سمعت شيخنا أبا اليمن زيد بن الحسن الكندي بدمشق يقول: حضر الشيخ ابن المنصور الخطيب يوما عند شيخنا أبي منصور ابن الجواليقيّ وكان بعض الطلبة يقرأ عليه «ديوان أبي الطيّب المتنبّي» ، فبلغ قوله:
ووضع النّدى في موضع السيف بالعلى ... مضرّ كوضع السيف في موضع النّدى
فاستحسنه الخطيب جدا وقال: لقد أجاد المعنى لأن السيف إذا وضع في الموضع النديّ صدئ، فضحك الجماعة منه، وتوفي سنة ثمان وستين وخمسمائة.
أقول: هكذا ورّخه الصفدي نقلا عن ابن النجار. والله أعلم بالصواب.
[4] انظر عن (التنتاش بن كمشتكين) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.(39/152)
عاش ثمانين سنة.
91- الأغر بْن عَبْد السّيّد [1] .
أَبُو الفضل السُّلَميّ الحاجب.
سَمِعَ منه: عُمَر بْن عَلي الْقُرَشِيّ، وأحمد بْن طارق.
تُوُفّي فِي صفر ببغداد.
- حرف الباء-
92- بُنْدار بْن سعد [2] .
أَبُو النَّجْم بْن الأشقر الأَزَجيّ.
روى عَنْ: أَبِي عثمان بْن ملّة.
روى عَنْهُ: أَبُو الفُتُوح مُحَمَّد بْن عَلي الجلاجليّ، وغيره.
وعاش ثلاثا وثمانين سنة.
- حرف التاء-
93- تركناز بِنْت عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الدّامَغَانيّ [3] .
أخت جعفر.
من بيت قضاء ورئاسة ببغداد.
سمعت: أَبَا عَبْد اللَّه بْن طلْحة النّعاليّ.
روى عَنْهَا: ابن السَّمعانيّ، وعمر بْن عَلي الْقُرَشِيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي حرب النَّرْسيّ، وسعيد بْن مُحَمَّد بْن ياسين، وغيرهم.
تُوُفِّيت فِي ربيع الآخر.
94- تَمَنّي بِنْت عَلي بْن مُحَمَّد بْن عليّان البوّاب البغداديّ [4] .
__________
[1] انظر عن (الأغر بن عبد السيد) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] انظر عن (بندار بن سعد) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[3] انظر عن (تركناز بنت عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 258، 259 رقم 1390.
[4] انظر عن (تمنّي بنت علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 258 رقم 1389.(39/153)
تُدعى ستّ القُضاة.
روت عَنْ: أَبِي القاسم الرَّبَعيّ.
وعنها: عُمَر الْقُرَشِيّ، وعليّ الزَّيْديّ، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْريّ.
- حرف الجيم-
95- جعفر بْن أحمد بْن عَلي بْن المُجْليّ.
أَبُو الفضل بْن أَبِي السُّعود.
بغداديّ، من أولاد الشّيوخ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا القاسم بْن بيان.
روى عَنْهُ: ابن السَّمعانيّ فيما أحسب، وعبد العزيز بْن الأخضر.
وتُوُفّي رحمه اللَّه فِي ذي الحجَّة.
96- جعفر بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [1] .
الثّقفيّ، الكوفيّ الأصل، قاضي القُضاة أَبُو البركات ابن قاضي القَضاة أبي جعفر.
ولي أَبُوهُ قضاء العراق سنة خمسٍ وخمسين فاستناب ولده هذا، ثمّ تُوُفّي بعد أشهر، فوَلي مكان والده فِي صفر سنة ستّ. فلمّا مات الوزير عون الدّين سنة ستّين ناب أَبُو البركات فِي الوزارة مضافا إلى قضاء القُضاة، وهذا أمر فظيع كما ترى. فلمّا قدِم أَبُو جعفر أحمد بْن البلديّ من واسط فِي صفر سنة ثلاثٍ وستّين قلّد الوزارة.
سَمِعَ أَبُو البركات من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه بْن الطَّبر، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (جعفر بن عبد الواحد) في: المنتظم 10/ 224 رقم 315 (18/ 177، 178 رقم 4266) ، والكامل في التاريخ 11/ 333، والمختصر المحتاج إليه 1/ 271، والعبر 4/ 181، ومرآة الجنان 3/ 327، والوافي بالوفيات 11/ 111 رقم 188، والبداية والنهاية 12/ 254، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 10، 11، وشذرات الذهب 4/ 208 وذكره في:
سير أعلام النبلاء 20/ 474 دون ترجمة.(39/154)
سَمِعَ منه: أَبُو المحاسن الْقُرَشِيّ، وغيره.
وتُوُفّي في جمادى الآخرة، وله ست وأربعون سنة.
ذكره ابن الدَّبِيثيّ [1] ، وغيره.
وقال أَبُو الفَرَج بْن الجوزيّ [2] : كَانَ سبب موته أَنَّهُ طُولب بمالٍ أَخْرَجَهُ عَلَيْهِ رَجُل من أهل الكوفة، فضاق صدره وأشرف عَلَى بَيْع عقاره، وكلّمه الوزير ابن البلديّ بكلماتٍ خشِنة فَقَاءَ الدّمَ ومات.
وكان جَدّه أَبُو الْحُسَيْن قاضيا.
97- جوهر بْن لولو الإسكندريّ المقرئ.
قَالَ الحافظ ابن المفضّل: عنده الطّرطُوشيّ، وابن الْخَطَّاب.
سمعنا منه رحمه اللَّه تعالى.
- حرف الحاء-
98- الْحُسَيْن بْن عَلي بْن حمّاد [3] .
أَبُو القاسم الْجُبّائيّ. من كبار الحنابلة. وجُبّا [4] : من قرى السّواد.
وهو أخو المقرئ دَعْوان [5] .
روى عَنْ: أَبِي القاسم بْن بَيَان، وأُبيّ النَّرْسِيّ.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وغيره.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
__________
[1] في تاريخه.
[2] في المنتظم.
[3] انظر عن (الحسين بن علي بن حمّاد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 38 رقم 616.
[4] هكذا في الأصل. وفي (معجم البلدان 2/ 97) : «جبّى» : بالضم ثم التشديد، والقصر.
قرية من أعمال النهروان، ينسب إليها أبو محمد دعوان بن علي بن حمّاد الجبائي.
وجبّى في الأصل أعجميّ، وكان القياس أن ينسب إليها جبّويّ فنسبوا إليها جبّائي على غير قياس، مثل نسبتهم إلى الممدود، وليس في كلام العجم ممدود.
[5] انظر عن (دعوان) في: معجم البلدان 2/ 97، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 212، وغاية النهاية 1/ 280، 281 رقم 1260، وشذرات الذهب 4/ 131، وتصحّف اسمه إلى: «عوان» .(39/155)
قال ابن النّجّار: نا عَنْهُ ابن الحُصْريّ، وكان فقيها ورِعًا كثير العبادة، منقطعا، تفقَّه عَلَى أَبِي الْخَطَّاب.
99- الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن حسين بْن عَلي بْن عَرِيب [1] .
الْإِمَام أَبُو عليّ الْأَنْصَارِيّ، الطَّرْطُوشيّ، المقرئ.
أخذ القراءات بطَرطُوشة عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن مؤمن، وبسرقسطة عَنِ ابن الورّاق.
وتفقَّه بقاضي طرطُوشة أَبِي الْعَبَّاس بْن مَسْعَدَة. وتأدَّب عَلَى جماعة.
وأخذ القراءات أيضا عَلَى أَبِي عليّ بْن سُكَّرَة، وأبي الْحَسَن، وغير واحد.
وكان قد حمل القراءات عَنْ أَبِي طاهر بْن سوار، وغيره.
وسمع «أدب الكاتب» لابن قُتَيْبَة بطرطُوشة، من أَبِي العرب الصَّقَلّيّ الشّاعر، بقراءته عَلَيْهِ، ورواه بعُلُوّ عَنْ أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ.
وأجاز لَهُ أبو مُحَمَّد بن عتّاب، وغير واحد.
وتصدّر للإقراء ببلده، والخطابة. وأقرأ بجامع المريّة، فلمّا دخلها الفرنج استوطن مرسية وتصدّر بها للإقراء، وقدّم للخطابة.
قال ابن الأبّار [2] : انفرد في وقته بطريقة الإقراء، وأخذ النّاس عنه، وكانت له حلقة عظيمة، وكان مع فضائله متواضعا، ليّن الجانب. وكان رجلا صالحا. ثنا عَنْهُ: أَبُو الْخَطَّاب بْن واجب، وأبو مُحَمَّد بْن غَلْبُون.
وُلِد سنة سبْعٍ وسبعين وأربعمائة، وتُوُفّي بمُرْسِية فِي ذي القعدة.
قَالَ: وكانت جنازته مشهودة.
__________
[1] انظر عن (الحسين بن محمد الطرطوشي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 275، 276، وبغية الملتمس للضبي 266، والمعجم للصدفي 82، 83، ومعرفة القراء الكبار 2/ 554 رقم 505، وغاية النهاية 1/ 251، 252، رقم 1142، والوافي بالوفيات 13/ 46 رقم 47.
[2] في تكملة الصلة 1/ 275.(39/156)
100- حَيْدرة بْن أَبِي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن حمزة [1] .
أَبُو المناقب العَلَويّ، الحسينيّ، الزَّيْديّ، الكوفيّ.
سمّعه والده من: طراد الزَّيْنَبيّ، وغيره ببغداد، وأبي البقاء الحبّال، وغيره بالكوفة.
وقد ذكره أَبُو سعد السَّمْعانيّ فقال: كتبتُ عَنْهُ بالكوفة، وسمعت أَنَّهُ يعِظ بها، وكان النّاس يستبردون وعْظه. وكان يدّعي معرفة النَّحْو واللّغة.
قلت: وروى عَنْهُ: أَبُو نصر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الكاتب، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ موفَّق الدّين وآخرون.
تُوُفّي بالكوفة فِي ذي الحجَّة.
قَالَ الشَّيْخ الموفّق: قدِم علينا من بغداد وروى لنا عَنْ طِراد مجلسين من أماليه.
قلت: وآخر أصحابه بالإجازة الرشيد بْن مَسْلَمَة.
- حرف الخاء-
101- الخضِر بْن الفضل بْن عَبْد الواحد [2] .
أَبُو طاهر الأصبهانيّ الصّفّار، المعروف برُجُل [3] .
[ذكره] [4] ابن السَّمعاني فِي «الذّيل» [5] ، وقال: أجاز له أبو عمرو بن
__________
[1] انظر عن (حيدرة بن أبي البركات) في: الأنساب 6/ 342 (الزيدي) ، والمختصر المحتاج إليه 2/ 53، 54 رقم 639، والمعين في طبقات المحدثين 169 رقم 1819، والنجوم الزاهرة 5/ 379، وشذرات الذهب 4/ 122.
وذكره في: سير أعلام النبلاء 20/ 474 دون ترجمة، وأعاده في صفحة 479.
[2] ذكره في: سير أعلام النبلاء 20/ 474، 475 دون ترجمة، ومثله في: النجوم الزاهرة 5/ 379، 380، وجزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 94 رقم 203.
[3] هكذا في الأصل بضم الراء والجيم، أما في النجوم الزاهرة: زحل، بالزاي والحاء المهملة. ثم أعاده في: سير أعلام النبلاء 20/ 479 بترجمة قصيرة جدا.
[4] إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
[5] وهو «الذيل على تاريخ بغداد» .(39/157)
مَنْدَهْ، وإسماعيل بْن مَسْعَدَة الإسماعيليّ، وأبو إِسْحَاق الطّيّان. كتب إليَّ بالإجازة فِي سنة خمسٍ وأربعين.
قلت: روى عَنْهُ عَبْد القادر الرُّهاويّ، وجماعة.
وأجاز للحافظ عَبْد الغنيّ، ولابن قُدَامة، ولابن اللَّتّيّ، وحدَّثوا عَنْهُ بالإجازة. وهو آخر من حدَّث بالإجازة عَنِ المذكورين.
تُوُفّي فِي ثالث عشر جُمادى الأولى. قاله عَبْد الرحيم الحاجّيّ.
- حرف السين-
102- سَعْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن طاهر [1] .
أَبُو الْحَسَن البغداديّ، الدّقّاق، المقرئ.
قرأ القراءات عَلَى جماعة، وأقرأ مدَّة.
وروى عَنْ: أَبِي القاسم بْن بيان، وابن نَبْهان، وعبد المنعم بْن القُشَيْريّ، وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الواسطيّ.
ووُلِد سنة ستّ وثمانين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب بْن سُكَيْنَة، وعبد العزيز بن الأخضر، والشّيخ الموفّق، وجماعة [2] .
__________
[1] انظر عن (سعد الله بن محمد) في: المنتظم 10/ 224 رقم 316 (18/ 178 رقم 4268) وفيه: «سعد بن محمد» ، والمختصر المحتاج إليه 2/ 76 رقم 676، والوافي بالوفيات 15/ 184، 185 رقم 257، وغاية النهاية 1/ 302 رقم 1324.
[2] قال الصفدي: وحدّث بالكثير. وكان شيخا صالحا متديّنا كثير السماع صحيحه، حاذقا، حسن الطريق، مشتغلا بالإقراء.
ومن شعره:
وعسى أن يعود دهر تقضّى ... بوصال من بعد طول اجتناب
حركات من الليالي فما تسري ... كن إلّا بفرقة الأحباب
ومنه:
سلام مشوق كلّما هبّت الصّبا ... تنفّس عن وجد يشيب ضرامه
وحمّلها ما بلّغته ولم يكن ... إلى غير من بالغور يهدي سلامه(39/158)
قَالَ عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ: كَانَ جالسا فِي مسجده بدرب السِّلسلة يُقرِئ فمال ووقع ميتا، وذلك فِي ربيع الآخر [1] .
قلت: أجاز للرشيد بْن مَسْلَمَة، ولجماعة [2] .
103- سعد بْن أحمد بْن إِسْمَاعِيل [3] .
أَبُو الفتوح الإسْفَرَائينيّ، الصُّوفيّ.
قَالَ الدَّبِيثيّ: قدِم بغداد فِي صباه، وأقام برباط إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد.
وسمع من: أَبِي عَبْد اللَّه الحُمَيْديّ، وأبي الفوارس طِرَاد الزَّيْنَبيّ.
ثمّ صار إلى واسط، وسكن قرية عَبْد اللَّه، تحت واسط بفرسخين، يخدم الفقراء برباطٍ بها إلى أن مات.
حدَّث بواسط. وثنا عَنْهُ: موهوب بْن المبارك المقرئ، وأبو الفتح المَنْدَائيّ، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، وغيرهم.
وتُوُفّي فِي صفر وله تسعون سنة.
- حرف الشين-
104- شاكر بْن عليّ بْن أحمد بْن عليّ بْن مُحَمَّد [4] .
أَبُو الفضل الأَسْواريّ [5] ، الأصبهانيّ.
__________
[1] المنتظم.
[2] وجاء في (غاية النهاية) : سَعْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَليّ بن طاهر أبو الحسن المقري، يعرف بابن الدقاق، بغدادي، قرأ بالروايات على محمد بن إبراهيم الأبيوردي صاحب أبي معشر الطبري، قرأ عليه عمر بن يوسف الحناط، وأقرأ في حدود السبعين وخمسمائة.
[3] انظر عن (سعد بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 781 82 رقم 683.
[4] انظر عن (شاكر بن علي) في: التقييد لابن نقطة 295 رقم 358، والعبر 4/ 181، والنجوم الزاهرة 5/ 380، وشذرات الذهب 4/ 208، وذكره في: سير أعلام النبلاء 20/ 475 دون ترجمة، وكذا صفحة 479، وجزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 95 رقم 205، والتحبير 1/ 322 رقم 261.
[5] الأسواري: بفتح الألف وسكون السين المهملة وفتح الواو وبعدها الألف وفي آخرها الراء. هذه النسبة إلى أسوارى وهي قرية من قرى أصبهان. (الأنساب 1/ 257) وتابعه ابن الأثير في اللباب.(39/159)
سَمِعَ: أبا بَكْر مُحَمَّد بْن عزيزة، وأبا مطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، وأبا الفتح أحمد بْن عَبْد اللَّه السُّوذَرْجَانيّ [1] ، وأبا العلاء مُحَمَّد بْن عَبْد الْجَبّار الفِرْسانيّ [2] ، وفضلان بْن عثمان القَيْسيّ، وأبا بَكْر أحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن مردوَيْه، وجدّه أحمد بْن عليّ الأسواريّ، وجماعة.
وسمع «جامع» التِّرْمِذِيّ من أَبِي الفتح الحدّاد.
وروى عَنْهُ جماعة، وروى عَنْهُ بالإجازة ابن اللّتّيّ، وكريمة.
[تُوُفّي] فِي أواخر رمضان [3] .
- حرف الضاد-
105- الضّحّاك بْن سُلَيْمَان بْن سالم [4] .
أَبُو الأزهر الْأَنْصَارِيّ، الأديب الشّاعر.
قرأ القرآن عَلَى: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الخضر خطيب المحوّل.
وشعره جيّد مليح [5] .
__________
[ () ] أما ياقوت فجعلها «أسواريّة» وقال في ضبطها: « ... وراء مكسورة وياء مشدّدة وهاء» .
[1] السّوذرجاني: بضم السين المهملة، والذال المفتوحة المعجمة، وسكون الراء، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى سوذرجان، وهي من قرى أصبهان. (الأنساب 7/ 185) .
[2] الفرساني: بكسر الفاء وسكون الراء المهملة وبعدها السين المهملة وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى فرسان وهي قرية من قرى أصبهان. (الأنساب 10/ 270) .
[3] وقال حمد بن عثمان بن سالار: هو شيخ صالح.
[4] انظر عن (الضحاك بن سليمان) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) ، والمذيّل على تاريخ بغداد لابن السمعاني (مخطوطة باريس) ورقة 101، 102، والمختصر المحتاج إليه 2/ 118 رقم 738.
[5] وقال السمعاني في المذيّل على تاريخ بغداد: شيخ صالح له حظ من اللغة العربية، يعلّم الصبيان بالمحوّل، وله يد باسطة في الشعر. وله:
هبوا الطيف بالزوراء ليس يزور ... فما لنجوم الليل ليس تغور؟
نطاول بعد الظاعنين وطالما ... قضينا به الأوطار وهو قصير
فإن يمس طرفي ليس ترقا دموعه ... فيما ربّما أمسيت وهو قرير
ليالي يلهيني وألهيه أغيد ... أغنّ غضيض المقلتين غرير(39/160)
- حرف العين-
106- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
أَبُو مُحَمَّد الطّامَذِيّ [2] ، الأصفهانيّ، المقرئ.
وطَامَذ: مكان بأصبهان.
شيخ عالم، زاهد، مُعَمَّر، عالي الرواية.
رحل وسمع: أبا عبد الله النعالي، وابن البطر، وطراد بْن مُحَمَّد، وأبا الْحَسَن بْن أيّوب البزّاز، وجعفر بْن مُحَمَّد العَبَّادانيّ، وأبا الْعَبَّاس بْن أشْته، وأبا نصر عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد السِّمْسار، وجماعة.
وقرأ الحديث بنفسه عَلَى العَبّادانيّ، وخرَّج لَهُ الطَّلَبة.
حدَّث عَنْهُ: مُحَمَّد بْن مكّيّ الحنبليّ، وعبد القادر الرُّهَاويّ، ومحمد بْن أَبِي غالب شعرانة، ومحمد بْن محمود الرُّوَيْدشْتيّ [3] ، وغيرهم.
وبالإجازة: كريمة القُرَشيَّة.
وغلط أَبُو الفتح الأَبِيوَرْديّ فقرأ عَلَى إِسْمَاعِيل بإجازته من الطّامَذِيّ، ولم يُدْرِكْه.
تُوُفّي فِي العشرين من شعبان عَنْ سنٍّ عالية، رحمه اللَّه تعالى.
107- عَبْد الله بن موسى بن سليمان [4] .
__________
[1] انظر عن (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) في: جزء فيه وفيات جماعة من المحدثين 95 رقم 204، والمختصر المحتاج إليه 2/ 152 رقم 787، والعبر 4/ 181، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1820، وسير أعلام النبلاء 20/ 473، 474 رقم 301، ومرآة الجنان 3/ 372، والنجوم الزاهرة 5/ 280، وشذرات الذهب 4/ 208.
[2] الطامذي: بفتح الطاء المهملة، والميم، بينهما الألف، وفي آخرها الذال المعجمة. هذه النسبة إلى «طامذ» قرية من قرى أصبهان. (الأنساب 8/ 179) .
[3] الرّويدشتي: بضم الراء وبفتح الواو وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفتح الدال المهملة وسكون الشين المعجمة وفي آخرها التاء المنقوطة باثنتين من فوقها. هذه النسبة إلى رويدشت وهي من قرى أصبهان (الأنساب 6/ 161) .
[4] انظر عن (عبد الله بن موسى) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(39/161)
أَبُو مُحَمَّد بْن برطلة المُرْسيّ.
سَمِعَ سنة عشر وخمسمائة من صهره أَبِي عليّ بْن سُكَّرَة.
ورحل وسمع: أَبَا عَبْد اللَّه بْن الْخَطَّاب الرّازيّ، وأبا بَكْر الطّرطُوشيّ.
وولي إمامة جامع مُرْسِيَة. وكان فاضلا متواضعا.
أخذ عَنْهُ: أَبُو عُمَر بْن عيّاد، وهو من جِلَّة شيوخه.
وتُوُفّي وله اثنتان وثمانون سنة.
- عَبْد الخالق بْن أسد [1] .
قِيلَ: تُوُفّي آخر السّنة. وهو فِي العام [2] المقبل.
108- عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن عليّ بْن سُكَيْنَة [3] .
كَانَ أسنّ من أخيه عَبْد الوهّاب.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وجدّه لأمّه إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد، وابن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر.
وتُوُفّي بحلب كهْلًا.
109- عَبْد الرحيم بْن رستم [4] .
أَبُو الفضائل الزَّنْجانيّ الفقيه، الشّافعيّ.
تفقّه ببغداد عَلَى: أَبِي مَنْصُور سَعِيد بْن الرّزّاز، وقدِم دمشق، ودرّس بالمجاهديَّة ثمّ بالغزاليّة. وولي قضاء بَعْلَبَكّ، ولم يزل بها حتّى قُتِلَ شهيدا.
قَالَ ابن عساكر: كَانَ عالما بالمذهب والأُصول وعلوم القرآن، شديدا عَلَى المخالفين، يعني الحنابلة، وله شِعْر جيّد. قُتل ببَعْلَبَكّ فِي ربيع الآخر، وَحُمِلَ إلى دمشق فدفن بها.
__________
[1] سيأتي برقم (151) .
[2] في الأصل: «العامل» وهو سهو.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 205 رقم 860.
[4] انظر عن (عبد الرحيم بن رستم) في: مرآة الزمان 8/ 272، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (طبعة الحسينية) 4/ 249، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 8، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2 ج 2/ 197 رقم 526،(39/162)
110- عَبْد السّيّد بْن أَبِي القاسم عليّ بْن العلّامة أَبِي نصر بْن الصّبّاغ [1] بغداديّ.
من بيت العِلم والعدالة.
سَمِعَ: ابن بَيَان، وابن نَبْهان.
وحدَّث.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن عليّ الدّمشقيّ في «معجمه» [2] .
111- عَبْد القاهر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عمّويه [3] .
__________
[1] انظر عن (عبد السيد بن أبي القاسم) في: الوافي بالوفيات 18/ 441 رقم 459.
[2] وقال الصفدي: حدّث باليسير، وتوفي بنصيبين. ومن شعره:
ألا سقّني الراح بالدّسكرة ... بكفّ غزال شديد الجره
إذا طاف بالكاس بين الجلوس ... سكرت وهيهات أن تسكره
ومعتدل القدّ حلو الشباب ... يفتن بالدّلّ من أبصره
صبرت على طول هجرانه ... فقال العواذل: ما أصبره
فلله أيامنا والهوى ... جديد وعودي ما أنضره
وأيامنا وليال لنا ... خلون بأعمالنا المنكرة
مضين وخلّفن لي لوعتي ... بتذكارها جمرة مسعره
[3] انظر عن (عبد القاهر بن عبد الله) في: تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) 24/ 348- 350، والأنساب 7/ 197، والمنتظم 10/ 225 رقم 318 (18/ 180 رقم 4270، ومعجم البلدان 3/ 289، والكامل في التاريخ 11/ 333، والتاريخ الباهر 22، 53، واللباب 2/ 157، وتاريخ إربل 1/ 107- 112 رقم 39، و 2/ 143- 145، وتكملة إكمال الإكمال 75، وكتاب الروضتين ج 1 ق 1/ 11 و 192 و 2/ 219، 485، ووفيات الأعيان 3/ 204، 205، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 15/ 170، 171 رقم 163، والمختصر المحتاج إليه 3/ 92- 94 رقم 926، وسير أعلام النبلاء 20/ 475- 478 رقم 302، والإعلام بوفيات الأعلام 232، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1821، والعبر 4/ 181، 182، ومرآة الجنان 3/ 372، 373، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 173- 175، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 64، 65، والبداية والنهاية 12/ 254 وفيه «عبد القاهر بن محمد بن عبد الله» ، وتاريخ ابن الساعي 297، وبهجة الأسرار 233، والكواكب الدرية 2/ 87، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 343، 344 رقم 309، والنجوم الزاهرة 5/ 380، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 140، وشذرات الذهب 4/ 208، 209، وهدية العارفين 1/ 606، 607، وكشف الظنون 43، وديوان الإسلام 3/ 109 رقم 1191، والأعلام 4/ 49، ومعجم المؤلفين 5/ 311، وتاريخ الأدب العربيّ(39/163)
الشَّيْخ أَبُو النّجيب السُّهْرَوَرْدِيّ، الصُّوفيّ، الزّاهد، الواعظ، الفقيه.
الشّافعيّ.
سَمِعَ: أَبَا عليّ بْن نبهان [1] ، وزاهر بْن طاهر، والقاضي أبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وجماعة.
وكان يحضر المشايخ عنده، وسمع النّاس بإفادته. وتحصّل الأصول والنُّسَخ، ويَعِظ النّاس فِي مدرسته.
ذكره ابن النّجّار فقال: كَانَ مذهبه فِي الوعظ اطّراح الكلْفة وترْك التّسْجِيع. وبقي مدَّة سنتين يستقي بالقِرْبة عَلَى ظَهْره بالأُجْرة ويتقوَّت بذلك، ويُقَوِّت مَن عنده مِن الأصحاب.
وكان لَهُ خَرِبَة عَلَى دِجلة يأوي هُوَ وأصحابه إليها يحضر عنده الرجل والرجلان والجماعة إلى أن اشتهر اسمه وظهر، وصار لَهُ الْقَبُولُ عند الملوك، فكان السّلطان يزوره، والأمراء. فبنى تلك الخَرِبة رباطا، وبنى إلى جانبها مدرسة، فصار حِمًى لمن لجأ إِلَيْهِ من الخائفين يُجِير من الخليفة والسّلطان.
ثمّ ولي التّدريس بالنّظاميّة سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وعُزِل عَنْهَا بعد سنتين، وأملى مجالس، وصنَّف مصنَّفات.
وقال: حملني عمّي إلى الشَّيْخ أحمد الصّيّاد، وكان يأكل من الصَّيد، وكان مؤاخيا للشّيخ أحمد العُرَيبيّ. ثمّ قدِم أسعد المِيهنيّ [2] ووُلّي تدريس النّظاميَّة.
قَالَ ابن النّجّار: فصحِبَه الشَّيْخ أَبُو النّجيب واشتغل عَلَيْهِ اشتغالا جيّدا.
__________
[1] / 436، وفهرس مخطوطات الموصل 191.
واسم «عمّويه» : عبد الله. وقيّده ابن خلّكان بفتح العين المهملة وتشديد الميم المضمومة وسكون الواو وفتح الياء المثنّاة التحتية. (وفيات الأعيان 3/ 204) .
[1] وكان سماعه لأبي نبهان في سنة 508 هـ. (تاريخ إربل 1/ 109) .
[2] ضبطت النسبة في الأصل بفتح الميم. ويقال بكسرها.(39/164)
ثمّ صحِب الشَّيْخ أحمد الغزاليّ الواعظ، وسَلَّكه، وجَرَت لَهُ أحوال ومقامات [1] .
كتب عَنْهُ أَبُو سعد السّمعانيّ وأثنى عليه كثيرا، قَالَ فِي «الذَّيْلِ» : عَبْد القاهر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَمُّوَيْه- واسمه عَبْد اللَّه- بْن سعْد [2] بْن الحَسَن [3] بْن القاسم [4] بْن عَلْقَمَة بْن النَّضْر بْن مُعَاذ بْن عَبْدُ الرَّحْمَنِ [5] بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر الصِّدّيق، من أهل سُهْرَوَرْد [6] . سكن بغداد، وتفقَّه فِي النّظاميَّة زمانا، ثمّ هبَّ لَهُ نسيم الإقبال والتّوفيق فدلّه عَلَى الطّريق، وانقطع عَنِ النّاس مدَّةً مديدة، ثمّ رجع ودعا إلى اللَّه، ورجع جماعة كثيرة بسببه إلى اللَّه وتركوا الدّنيا، وبنى رباطا لأصحابه عَلَى الشّطّ، وسكنه جماعة من الصّالحين من أصحابه.
حضرت عنده يوما فَسمعت من كلامه ما انتفعت بِهِ. وكتبتُ عَنْهُ وسألته عن مولده فقال: تقديرا في سنة تسعين وأربعمائة بسُهْرَوَرْد [7] .
وقال عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ: أَبُو النّجيب إمام من أئمَّة الشّافعيَّة، عَلَمٌ من أعلام الصُّوفيَّة، ذكر لي أَنَّهُ دخل بغداد، سنة سبع وخمسمائة، وسمع من ابن نَبْهان «غريب الحديث» لأبي عُبَيْد، وتفقّه عَلَى أسعد المِيهنيّ، وعلّق التّعليق وقرأ المذهب وتأدَّب عَلَى الفَصِيحيّ. ثمّ آثر الانقطاع وسلوك الطّريق، فخرج عَلَى التّجريد حافيا إلى الحجّ فِي غير وقته، وجَرَت لَهُ قِصَص. وسلك طريقا وَعِرًا فِي المجاهدات. ودخل أصبهان، وانقطع إلى أحمد الغزاليّ، فأرشده إلى اللَّه تعالى بواسطة الذَّكْر، ففتح لَهُ الطّريق، وجال في الجبال.
__________
[1] وفيات الأعيان 3/ 204.
[2] في الأصل: «سعيد» ، والتصحيح من المصادر.
[3] في وفيات الأعيان، وطبقات السبكي: «الحسين» .
[4] لم يرد اسم «القاسم» في طبقات السبكي.
[5] في وفيات الأعيان: « ... بن القاسم بن النضر بن سعد بن النضر بن عبد الرحمن» .
[6] سهرورد: بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الراء والواو وسكون الراء الأخرى وفي آخرها الدال المهملة. وهي بلدة عند زنجان.
وقد تصحّفت النسبة إلى «الشهرزوريّ» في (الكامل في التاريخ 11/ 333) .
[7] الأنساب 7/ 197، المختصر المحتاج إليه 3/ 92، 93، تاريخ إربل 1/ 108، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 174، 175، طبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 64، 65.(39/165)
ودخل بغداد فصحِب الشَّيْخَ حمّادَ الدّبّاس، وشرع فِي دعاء الخلق إلى اللَّه تعالى، فأقبل عَلَيْهِ النّاس إقبالا كثيرا، وصار لَهُ قَبُولٌ عظيم. وتبعه جماعة، وصلَح بسببه أمَّة صاروا سُرُجًا فِي البلاد وأئمّة هدى. وبنى مدرسة ورباطَيْن، ودرّس وأفتى، ووُلّي تدريس النّظاميَّة وحدَّث. ولم أرَ لَهُ أصلا يُعتمد عَلَيْهِ بسماعه «غريب الحديث» [1] .
وقال ابن النّجّار: أَنْبَأَنَا يحيى بْن القاسم التّكْريتيّ: نا أَبُو النّجيب قَالَ:
كنت أدخل عَلَى الشَّيْخ حمّاد- ويكون قد اعتراني بعض الفُتُور عمّا كنت عَلَيْهِ من المجاهدة- فيقول: أراك قد دخلت عليّ وعليك ظُلْمة، فأعلم بسبب ذَلِكَ كرامة الشَّيْخ فِيهِ. وكنت أبقى اليومين والثّلاثة لا أستطعم بزاد، وكنت أنزل إلى دجلة فأتقلَّب فِي الماء ليسكن جُوعي، حتّى دعَتَني الحاجة إلى أن اتّخذت قِرْبةً وأستقي بها الماء لأقوامٍ، فمن أعطاني شيئا أخذته، ومن لم يُعْطني لم أطالبه. ولما تعذَّر ذَلِكَ فِي الشّتاء عليّ خرجت يوما إلى بعض الأسواق، فوجدتُ رجلا بين يديه طَبَرْزَد، وعنده جماعة يدقّون الأَرُزّ، فقلت: هَلْ لك أن تستأجرني؟ فقال: أرِني يديك. فأريته فقال: هذه يدٌ لا تصلح إلّا للقَلَم. ثمّ ناولني قرطاسا فِيهِ ذهب، فقلت: ما آخذ إلّا أجرَة عملي، فإنْ كَانَ عندك نُسَخًا تستأجرني فِي النَّسخ وإلّا انصرفت.
وكان رجلا يقِظًا، فقال: اصعَد. وقال لغلامه: ناولْه تلك المِدَقَّة.
فناولني، فدققت معهم وليس لي عادة، وصاحب الدّكّان يلحظني. فلمّا عملت ساعة قَالَ: تعال. فجئت إِلَيْهِ فناولني الذّهب وقال: هذا أُجرتك.
فأخذته وانصرفت. ثمّ أوقع اللَّه فِي قلبي الاشتغالَ بالعِلم، فاشتغلت حتّى أتقنت المذهب، وقرأت أُصول الدّين وَأُصُولَ الفقه، وحفظت كتاب «الوسيط» فِي التّفسير للواحديّ. وسمعت كُتُب الحديث المشهورة [2] .
وقال ابن عساكر فِي «تاريخه» [3] : ذكر أبو النّجيب لي أنّه سمع بأصبهان
__________
[1] وفيات الأعيان 3/ 204.
[2] طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 175.
[3] تاريخ دمشق 24/ 348.(39/166)
من أَبِي عليّ الحدّاد، واشتغل بالزُّهد والمجاهدة مدَّةً، واستقى الماء بالأجْرة ثمّ اشتغل بالتّذكير، وحصل لَهُ قبول، وولي تدريس النّظاميَّة وأملى الحديث.
وقدِم دمشقَ سنة ثمانٍ وخمسين عازما عَلَى زيارة بيت المقدس، فلم يتّفق لَهُ لانفساخ الهدنة بين المسلمين والفرنج، فحدَّث بدمشق ووعظ بها.
قلت: روى عَنْهُ: ابن عساكر، وابنه القاسم، وابن السَّمعانيّ، وأبو أحمد بْن سُكَيْنَة، وأبو طَالِب عَبْد السّميع، وابن أخيه الشَّيْخ شهاب الدّين عُمَر السُّهْرَوَرْدِيّ، وزَين الأُمَناء أَبُو البركات، وطائفة.
وقال ابن مَشَق فِي «الوَفَيَات» : فِي سنة ثلاثٍ هذه تُوُفّي أَبُو النّجيب عَبْد القاهر السُّهْرَوَرْدِيّ الكُرديّ الواعظ، ومولده سنة تسعين وأربعمائة.
وقال ابن الْجَوزيّ [1] : تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة، ودُفِن بمدرسته.
وقال الدَّبِيثيّ [2] : حَدَّثَنَا عَنْهُ جماعة، ووصفوه بما يطول شَرْحه من العِلم والحِلم والمداراة والسّماحة [3] .
__________
[1] في المنتظم.
[2] في المختصر المحتاج إليه.
[3] وقال أبو حامد محمد بن محمد الأصبهاني: إمام عالم مفت كبير البيان، منير البرهان.
أول شروعه في الزهد، بلغ في سلوكه غاية الجهد، وحمل قربة الماء على كتفه وسقى، ثم صعد وارتقى، وبلغ في الرياضة الغاية القصوى، وبنى مدرسة ورباطا وأسكنهما المتفقهة والصوفية. يدرّس العلم ويلبس الخرقة، وقد انتشرت في الآفاق تلامذته، وظهرت بالعراق كرامته، وله شعر. فمن ذلك قوله على طريقة أهل المعرفة والتصوّف:
أحبّكم ما دمت حيّا وميّتا ... وإن كنتم قد حلتم في بعاديا
وعذّبتم قلبي بشوقي إليكم ... فحسبي لقياكم وحبّي باديا
وقلّ خروجي من كناسي لأنني ... فقدت بقاعا كنت فيهنّ باديا
وإخوان صدق كنت آلف قربهم ... وكانوا يبادوني بكلّ مراديا
لقد طفئت ناري وقلّ مساعدي ... وزال أنيس كان يوري زناديا
فيا ليت إن لم يجمع الله بيننا ... سمعت بشيرا لي بموتي مناديا
وأنشدني عمر بن محمد بن عبد الله، قال: أنشدني عمّي لنفسه:
تدبّر بحكم الله فيما ترومه ... ولا تبتدع شيئا فإنك تندم
وسالم لأمر الله ثم لفعله ... فإنك في الدارين تعلو وتسلم
وقال ابن المستوفي: وكان يستقي بالقربة على كتفه، كان يخرج إلى الناس مرة بعمامة،(39/167)
112- عَبْد القاهر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يحيى بْن الوكيل [1] .
المُعَدَّل أَبُو الفُتُوح.
ولي الحسْبة بالجانب الغربيّ.
وسمع من: أَبِيهِ أَبِي البركات، وأبي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، وأبي بَكْر بْن سوسن.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن طَبَرْزَد، والحافظ عَبْد الغنيّ.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة وله اثنتان وثمانون سنة.
113- عليّ بن بكتكين بن محمد [2] .
__________
[ () ] ويوما بخرقة، ويوما بفرش الكرسي، وكان يجلس الناس في الخلوات على قاعدة الصوفية.
وقال أبو محمد عبد اللطيف بن عبد القاهر: أنشدنا والدي لنفسه:
شهر الصيام على الأنام كرامة ... فيه رضا الرحمن والغفران
سهل على من كان فيه عابدا ... البذل والطاعات والقرآن
فيه يفتّح باب جنّات الرضا ... ويصفّد الشيطان والنيران
طوبى لعبد كان فيه مخلصا ... فثوابه الإحسان والرضوان
ومن شعره من أماليه قوله:
سرّ النّبوة شيبة الشمس في الأفق ... فيه النّجاة لمن قد تاه في الطرق
هو الهدى لمن أستهدي وسار به ... وزحزح النفس بالتقوى عن الخرق
إشراق نور نبيّ الله مكرمة ... هو الدواء الّذي يشفي من الحمق
عهد الإله إلينا أن نتابعه ... وذلك العهد محمول على الحدق
وقال أبو محمد عبد اللطيف: أنشدنا والدي لنفسه:
سروري صيامي إن قبلت صيامي ... ولي فرحة في الحشر عند قيامي
فإن كنت يا مولاي تقبل طاعتي ... وتغفر زلّاتي يتمّ مرامي
وإن أنت يا مولاي لم تعف زلّتي ... وألبستني في العرض ثوب أثام
تهتّك أستاري وتبدو خطيئتي ... فيا حسرتى من لي ليوم حمامي
أخاف وأرجو تارة ثمّ تارة ... إلى أن ينادي ربّنا بسلام
(تاريخ إربل 1/ 109- 112) .
[1] انظر عن (عبد القاهر بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 94 رقم 972.
[2] انظر عن (علي بن بكتكين) في: الإعتبار 157، 177، 178، والكامل في التاريخ(39/168)
الأمير عليّ كَوْجَك التُّرْكُمانيّ، وهو زَين الدّين صاحب إربل.
أحد الأبطال الموصوفين، والفُرسان المذكورين. وكَوْجَك معناه:
لطيف القَدُّ، لُقِّب بذلك لأنّه كَانَ قصيرا.
وكان معروفا بالقوَّة المُفْرِطة والشّهامة. وكان ممّن حاصر المقتفي لأمر اللَّه وخرج عَنِ الطّاعة، ثمّ طلب العفو وحسنت طاعته. وحجّ هو وأسد الدّين شير كوه، وكان من أكابر الدّولة الأتابكيَّة.
عمل نيابة الموصل مدَّة، وطال عمره.
وقال ابن الأثير [1] : فارق زين الدّين عليّ خدمة صاحب الموصل قُطْب الدّين مودود، وسار إلى إِربل. وكان هُوَ الحاكم فِي الدّولة، وأكثر البلاد بيده، منها إربل، وفيها بيته وأولاده وخزائنه، ومنها شهْرُزُور وقِلاعها، وجميع بلد الهكاريَّة وقِلاعه كالعماديَّة، والحميديَّة، وتكْريت، وسِنْجار، وحرّان، وقلعة الموصل.
وكان قد أصابه طَرَش، وعَمِي أيضا. فلمّا عزم عَلَى مفارقة الموصل إلى إربل سلَّم جميع ما بيده من البلاد إلى مودود، سوى إربل.
وكان شجاعا، عادلا، حَسَن السّيرة، سليم القلب، ميمون النّقيبة، لم ينهزم فِي حربٍ قطّ، وكان جوادا، كثير العطاء للجُنْد وغيرهم [2] .
__________
[11] / 100، 102، 113، 114، 140، 279، 302، 303، 331، والتاريخ الباهر 135، والنوادر السلطانية 39، وتاريخ الزمان لابن العبري 180، وتاريخ مختصر الدول 212، وفيه «سبكتكين» وهو غلط، وتاريخ إربل 1/ 64، وكتاب الروضتين 2/ 384، 385، ومرآة الزمان 8/ 272، 273، ووفيات الأعيان 4/ 114، وانظر فهرس الأعلام 8/ 164، والمختصر في أخبار البشر 3/ 44، والدرّ المطلوب 38، والإعلام بوفيات الأعلام 232، والعبر 4/ 182، ودول الإسلام 2/ 76، 77، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 13- 15.
[1] في التاريخ الباهر 135، والكامل في التاريخ 11/ 331.
[2] وقال سبط ابن الجوزي: وكان بخيلا، ثم إنه جاد في آخر عمره بنى المدارس والربط والقناطر والجسور، وحكي أن بعض الجند جاءه بذنب فرس فقال: مات فرسي، فأعطاه فرسا، وأخذ ذلك الذنب آخر، وجاءه فقال: مات فرسي، فأعطاه فرسا، ولا زال يتداول(39/169)
مدحه الحَيْصُ بَيْص بقصيدة، فلمّا أراد أن ينشده قَالَ: أَنَا ما أعرف ما تَقُولُ، ولكنْ أعرف ما تريد. إنّه يريد شيئا. وأمر له بخمسمائة دينار وفَرَس وخِلْعة [1] .
ولم يزل بإربل إلى أن مات بها هذه السّنة. ولمّا فارق قلعة الموصل وليها الخادم فخر الدّين عَبْد المسيح مملوك أتابَك زنكيّ.
قَالَ ابن خَلِّكان [2] : تُوُفّي فِي ذي الحجَّة سنة ثلاثٍ وستّين.
قَالَ: ويُقال إنّه جاوز المائة، وهو والد مظفّر الدّين [3] .
114- عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن سلامة [4] .
المَنْبِجيّ، ثمّ البغداديّ. أخو أحمد ويحيى.
روى عَنْ: أَبِي القاسم بْن بيان.
وتُوُفّي فِي صَفَر.
115- عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد [5] .
__________
[ () ] ذلك اثنا عشر رجلا وهو يعلم أنه الأول ويعطيهم الخيل، فلما أضجروه أنشد:
ليس الغبيّ بسيد في قومه ... لكن سيّد قومه المتغابي
فعرفوا أنه علم، فلم يرجعوا إليه. (مرآة الزمان 8/ 273) .
[1] تاريخ مختصر الدول 212.
[2] في وفيات الأعيان 4/ 114.
[3] قال أبو المعالي صاعد بن علي الواعظ، لما بنى علي والي الموصل مسجده بظاهر الموصل كتب بعض المواصلة على بعض حيطانه البيتين:
بنى مسجدا للَّه من غير حلّه ... فكان بحمد الله غير موفّق
كمطعمة الرّمّان من كسب فرجها ... فديتك لا تزني ولا تتصدّقي
(تاريخ إربل 1/ 64) .
[4] انظر عن (علي بن الحسن بن سلامة) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 121 رقم 993.
[5] انظر عن (علي بن عبد الرحمن الطوسي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 127 رقم 1010، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1822، والإعلام بوفيات الأعلام 232، وسير أعلام النبلاء 20/ 478، 479 رقم 303، وصفحة 480، وفيها ورد اسمه بزيادة:
«أحمد بن رافع» في آخره، والعبر 4/ 182، والنجوم الزاهرة 5/ 380، وشذرات الذهب 4/ 209.(39/170)
أَبُو الْحَسَن ابن تاج القرّاء الطُّوسيّ، ثمّ البغداديّ.
سمع جزء البانياسيّ منه. وسمع من: يحيى بْن أحمد السِّيبيّ، وأبي بَكْر الطُّرَيْثيثيّ، وغيرهما.
وقال الشَّيْخ الموفّق: سمعنا منه جزءين يرويهما عَنِ البانياسيّ.
وقال ابن السَّمعانيّ: كَانَ صوفيّا خدم المشايخ وتخلّق بأخلاقهم. طلبته عدَّة نُوَب فما صَدَفْتُه. وهو أخو شيخنا يحيى.
قلت: روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق، وجماعة آخرهم موتا أَبُو إِسْحَاق الكاشْغَريّ.
وآخر من روى عنه بالإجازة الرشيد بن مَسْلَمَة.
وقال ابن مَشَق: تُوُفّي فِي صَفَر رحمه اللَّه تعالى.
116- عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مبادر [1] .
أَبُو الْحَسَن الأزجي، الفقيه الشّافعيّ.
قاضي واسط. كَانَ من كبار الشّافعيَّة.
ذكر ابن الدَّبِيثيّ [2] أَنَّهُ تُوُفّي فِي هذه السّنة، وهو أخو أحمد.
وقد ولي قضاء رَبْع الكَرْخ، ثمّ عُزِل وسُجِن إلى أن مات فِي ربيع الأوّل.
117- عُمَر بْن بُنَيْمان بْن عمر بن نصر [3] .
أبو المعالي البغداديّ.
__________
[1] انظر عن (علي بن عبد الرحمن بن مبادر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 127 رقم 1009، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 278 وفيه «ساور» بدل «مبادر» وهو تصحيف.
[2] في المختصر 3/ 127.
[3] انظر عن (عمر بن بنيمان) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 98 رقم 931، والعبر 3/ 356، والنجوم الزاهرة 5/ 95 وفيه: «عمرو بن سمان البغداديّ» ، وشذرات الذهب 3/ 412.
وذكره في: سير أعلام النبلاء 20/ 475 دون ترجمة، ثم أعاده بترجمة قصيرة في صفحة 479.(39/171)
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ [1] : شيخ ثقة، صدوق.
سَمِعَ: أَبَا عَبْد اللَّه بن البُسْريّ، وثابت بْن بُنْدار، وأبا غالب الباقِلّانيّ، وأبا عليّ البَردانيّ، وجماعة.
سَمِعَ منه: إِبْرَاهِيم بْن محمود الشعّار، وأبو الْحَسَن الرَّبَذيّ، وعمر بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وعبد العزيز بن الأخضر.
وتوفي في رجب.
قلت: روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق، وابن اللَّتّيّ، وجماعة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ صادقا، صالحا، متديّنا.
- حرف القاف-
118- القاسم بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عليّ [2] .
أقضى القضاة أَبُو نصر ابن قاضي القضاة أَبِي القاسم بْن نور الهدى الهاشميّ، الزَّيْنَبيّ، العبّاسيّ، البغداديّ، الفقيه الحنفيّ.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ [3] : تولّى هذا أقضى القضاة شرقا وغربا سنة ستٍّ وخمسين. وناب فِي الحكم عَنْهُ ببغداد أَبُو الخير مَسْعُود اليَزْديّ.
وتُوُفّي قبل أن يتكهَّل في المحرَّم.
قلت: وُلِد سنة تسعٍ وعشرين. وسمع من قاضي المَرسْتان ونحوه.
وكان من صُلّاح زمانه، وله أدبٌ، وشِعْر، وخطٌّ منسوب، ومعرفة بالمذهب، ويلقَّب بعلاء الدّين.
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه 3/ 98.
[2] انظر عن (القاسم بن علي) في: المنتظم 10/ 200، وتلخيص مجمع الألقاب ج 4 ق 1 ج 1068، والمختصر المحتاج إليه 3/ 160 رقم 1105، وديوان سبط ابن التعاويذي 358، والجواهر المضية 2/ 706 رقم 1114، وتاج التراجم لابن قطلوبغا 51، والطبقات السنية، رقم 1721.
[3] في المختصر المحتاج إليه 3/ 160.(39/172)
ذكره ابن النّجّار. عاش أربعا وثلاثين سنة.
- حرف الميم-
119- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن عليّ بْن حمدي [1] .
أَبُو الفَرَج أخو الشَّيْخ أَبِي المظفّر أحمد [2] .
شيخ صالح عابد، قانت، قرأ القراءات عَلَى: أَبِي منصور بْن خيرون وسبْط الخيّاط.
وسمع من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وابن البنّاء، وجماعة.
سَمِعَ منه: أحمد بْن صالح الْجِيليّ، وعليّ بْن أحمد الزَّيْديّ.
وكان يسرد الصَّوم رحمه اللَّه تعالى.
120- مُحَمَّد بْن أحمد بْن عِمران بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عِمران بْن نُمَارَة [3] .
أَبُو بَكْر الحَجَريّ [4] البَلَنْسيّ، من ولد حجْر التّميميّ، والد أَوْس الشّاعر.
انتقل أبو بَكْر من بَلَنْسِيَة مَعَ والده سنة سبْعٍ وثمانين وأربعمائة عند أخذ
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] تقدّم برقم (87) .
[3] انظر عن (محمد بن أحمد بن عمران) في: بغية الملتمس للضبيّ 54، وتكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 7501 ومعجم شيوخ الصدفي 180- 182، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 6/ 16، 17، ومعرفة القراء الكبار 2/ 528 رقم 471، وغاية النهاية 2/ 78، وتوضيح المشتبه 3/ 132، ومعجم المؤلفين 8/ 350.
وذكره في: سير أعلام النبلاء 20/ 475 دون ترجمة.
[4] في الأصل: «الخجنديّ» ، وهو وهم، وقد قيّده ابن الأبّار بفتح الحاء والجيم، وقيّده ابن الجزري بضم الحاء وسكون الجيم، وقال الذهبي في (المشتبه 1/ 218) في «حجر» :
وأوس ابن حجر، مختلف فيه.
وعلّق بن ناصر الدين على قول المؤلّف- رحمه الله-: «مختلف فيه» بأنه إطلاق ليس بجيّد، فإنّ أوس بن حجر اثنان: صحابيّ، وشاعر جاهلي. (توضيح المشتبه 3/ 125) وقد ذكر ترجمته باعتباره من ولد أوس بن حجر الشاعر وقيّده بفتح الحاء والجيم. (3/ 132) .(39/173)
الروم، لعنهم اللَّه، بَلَنْسِية. فنشأ بالمَرِيَّة.
ونقلتُ من خطّه عَلَى نسختي «التّيسير» : قرأ عليّ فلانٌ هذا الكتاب، وأخبرته بِهِ عَنِ الفقيه المشاوَر أَبِي بَكْر بْن البطّيّ، وأبي القاسم بْن العربيّ، كلاهما عَنْ مؤلّفه.
قلت: وقد قرأ عَلَى أَبِي الْحَسَن البُرْجيّ.
وسمع من: أَبِي عليّ الصّدَفيّ، وعَبّاد بْن سَرْحان، وعبد القادر بْن الخيّاط، وصحِب الشَّيْخ أبا الْعَبَّاس بْن العريف.
ورحل إلى قُرْطُبة سنة ستٍّ وخمسمائة، فأخذ القراءات عَنْ أَبِي القاسم بْن النّحّاس [1] ، وعليه اعتمد لعُلُوّ روايته الّتي ساوى بها فِي بعض الطُّرُق أَبَا عَمْرو الدّانيّ.
وسمع منه، ومن: أَبِي بحر بْن العاص، وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه الخَوْلانيّ.
وعاد إلى بلنسية لما تراجع أمرها، فأخذ علم العربيّة عَنْ أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيُوسيّ.
وتفقّه بأبي القاسم بْن الأشقر السَّرَقُسْطيّ.
وتصدَّر للإقراء مَعَ كثرة علومه ورئاسته. وصنّف شرحا لمقدّمة ابن بابشاذ.
قال الأبّار [2] : ثنا عَنْهُ غير واحد، وهو آخر من تلا بالرّوايات عَلَى ابن النّحّاس.
وتُوُفّي فِي شعبان، وصلّى عَلَيْهِ ابن النّعمة. وكانت جنازته مشهودة.
وعاش ثمانين سنة.
__________
[1] في الأصل: «النحاس» بالحاء المهملة.
[2] في تكملة الصلة 2/ 501.(39/174)
قلت: عاش بعده يحيى بْن سعدون القُرْطُبيّ نزيل الموصل، وهو ممّن قرأ بالروايات عَلَى أَبِي القاسم بْن النّخّاس.
121- مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن هلال بْن المحسِّن بْن إِبْرَاهِيم بْن هلال [1] .
أَبُو الحسن بن الصّابيء البغداديّ.
من بيت كتابة وفضيلة وأدب.
وُلِد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
وسمع: أَبَا عَبْد اللَّه النِّعاليّ، وأبا عَبْد اللَّه بْن البُسْريّ، وأبا غالب الذُّهْليّ.
قَالَ ابن الدَّبيثيّ [2] : كَانَ ثقة، صحيح السّماع.
سَمِعَ منه: أَبُو المحاسن الْقُرَشِيّ، وأبو بَكْر بْن مَشَق، وأحمد بْن أحمد الشّاهد، وغيرهم.
وأجاز للرشيد بْن مَسْلَمَة، وغيرهم.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
122- مُحَمَّد بْن عَبْد الرّزّاق بْن يوسف [3] .
أَبُو عَبْد اللَّه [الكلبيّ] [4] الإشبيليّ.
روى عَنْ: أَبِي القاسم الهَوْزَنيّ.
وصحِب أَبَا بَكْر بْن العربيّ مدّة طويلة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن إسحاق) في: تاريخ إربل 1/ 377، والمختصر المحتاج إليه 1/ 24، والعبر 4/ 182، والإعلام بوفيات الأعلام 4/ 232، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1823، وسير أعلام النبلاء 20/ 480 (دون ترجمة) ، والوافي بالوفيات 2/ 191، والنجوم الزاهرة 5/ 380، وشذرات الذهب 4/ 209.
[2] في المختصر المحتاج إليه 1/ 24.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الرزاق) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 593 رقم 1303.
[4] في الأصل بياض، والمستدرك من (الصلة) .(39/175)
ورحل قديما ولقي: أبا بكر الطّرطوشيّ، ومحمد بن أحمد الرّازيّ، وأبا الحسن بن مشرّف، والسّلفيّ.
قال ابن بشكوال: انفرد برواية «الكامل» لابن عديّ. وقد قرأت عَلَيْهِ بعضه، وناولنا جميعه. وكان فاضلا، ديِّنًا، يتيما، عالما بما يُحَدِّث.
استقضاه شيخنا أَبُو بَكْر عَلَى مدينة باجة، ثمّ استعفاه فأعفاه.
ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة.
وتُوُفّي فِي سادس عشر جُمادى الآخرة.
123- مُحَمَّد بْن عَبْد الرشيد بْن نَاصر [1] .
أَبُو الفضل الرّجائيّ [2] ، الأصبهانيّ، الواعظ، الزّاهد.
أصله من سرخس.
حدَّث ببغداد وأصبهان عَنْ: جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثّقفيّ، وإسماعيل بْن مُحَمَّد بْن الفضل الحافظ.
وكان إماما، زاهدا، ورِعًا، كبير القدر. لَهُ فِي بلده قبول زائد وأصحابٌ ومُرِيدون.
ذكره الحافظ عَبْد القادر فِي أعيان مشايخه فقال: تفقّه على الرستميّ، وكان زوج أمّه. وكان زاهدا ورِعًا، طويل الصّمت، ضحوك السّنّ في سكينة
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الرشيد) في: تكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 146، 147 رقم 109، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 82، 83 رقم 292، والوافي بالوفيات 3/ 253 رقم 1273، وتوضيح المشتبه 4/ 159، وجزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 95 رقم 206.
[2] الرجائي: قال ياقوت في مادّة «رجا» : مقصور، قرية من قرى سرخس، ينسب إليها عبد الرشيد بن ناصر الرجائي واعظ نزل أصبهان. قاله أبو موسى الأصبهاني. (معجم البلدان 3/ 27) ومثله قال المؤلّف- رحمه الله في (المشتبه 1/ 310) .
وقد أورده ابن الصابوني في مادّة «رجا» ، وهو اسم رجل، وذكر اسم صاحب الترجمة:
مُحَمَّد بن عبد الرشيد بن ناصِر بن علي بن أحمد بن رجا الرّجائي. وتابعه في ذلك ابن ناصر الدين، واعتبر ما ذكره المؤلّف في (المشتبه) وهما، وكذا ما ذكره ياقوت في معجمه، وقال: إنما هو منسوب إلى جدّه رجاء بالمدّ. (انظر: تكملة ابن الصابوني 146، وتوضيح المشتبه 4/ 158 و 159) .(39/176)
ووقار. مات كهلا فِي طريق مكَّة.
وقال غيره: ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة. ومات بالحُلَّة السَّيْفيَّة فِي ذي القعدة، ودُفِن بها رحمه اللَّه [1] .
124- مُحَمَّد بْن عَبْد المتكبّر بْن حَسَن بْن عَبْد الودود بْن المهتدي باللَّه [2] .
من بيت الخطابة والقضاء والرواية.
كَانَ خطيب جامع المنصور.
روى عَنْ: أَبِي السُّعُود أحمد بْن الْمُجْلِي.
وكنْيته: أَبُو عليّ. ولم يسمع على قدر سنّه، فإنّه ولد سنة 482.
تُوُفِّيَ فِي رمضان.
125- مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدً بن ياسر [3] .
أبو بكر الأنصاريّ، الجيّانيّ، الأندلسيّ.
__________
[1] وقال ابن النجار: حضر وليمة بأصبهان كان فيها الشيخ أبو مسعود كوتاه وجماعة من الأعيان، فلما حضر الطعام تناول منه أبو مسعود والجماعة، ولم يمدّ محمد بن عبد الرشيد يده ولم يأكل، فقيل له: إنّ الشيخ أبا مسعود قد أكل وأنت لم تأكل! فقال: إن البحر لا ينجّسه شيء، والنهر الصغير إذا كان دون القلّتين نجّسه أدنى النجاسات، وهو البحر ونحن دون القلّتين، ولم يأكل.
[2] انظر عن (محمد بن عبد المتكبّر) في: الوافي بالوفيات 4/ 25، 26 رقم 1478، والمختصر المحتاج إليه 1/ 81، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 86، 87، رقم 296 وفيه وفاته سنة 562 هـ.
[3] انظر عن (محمد بن علي بن عبد الله) في: الإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب: الجياني والحنائي، وتكملة الصلة لابن الأبّار 500، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 113، 160، 167، 369، ووفيات الأعيان 1/ 194، والعبر 4/ 183، والمشتبه 1/ 13، والإعلام بوفيات الأعلام 232، وسير أعلام النبلاء 20/ 509، 510 رقم 325، والوافي بالوفيات 4/ 163 رقم 1698، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 153، 2154، وذيل التقييد لقاضي مكة 1/ رقم 356، والنجوم الزاهرة 5/ 380، ونفح الطيب 2/ 157، وكشف الظنون 57، وشذرات الذهب 4/ 210، وتاريخ الأدب العربيّ 6/ 277، والأعلام 7/ 166، وفهرس دار الكتب المصرية 1/ 88، ومعجم المؤلفين 10/ 24.(39/177)
قال: ولدت بجبال جيّان في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وقدم دمشق وله نيّف وعشرون سنة، ففتح مكتبا عند قنطرة سنان.
وتفقّه على أبي الفتح نصر الله المصّيصيّ.
قال الحافظ ابن عساكر: ثمّ زاملني إلى بغداد، وسمع من: ابن الحُصَيْن.
وسمع بدمشق من جمال الْإِسْلَام. ودخل بعد العشرين إلى نيسابور، فسمع بها من أَبِي القاسم سهل بْن إِبْرَاهِيم المسجديّ، وأدرك بمَرْو أَبَا منصور مُحَمَّد بْن عليّ الكُرَاعيّ، وسمع منه.
وسمع ببلْخ من: عثمان بْن مُحَمَّد الشّريك. وسمع «صحيح مُسْلِم» من الفُرَاويّ.
روى عَنْهُ: أَبُو المظفَّر بْن السَّمْعانيّ، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْريّ، والقاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد، وأبو حفص عُمَر بْن قُشام، وأبو مُحَمَّد ابن الأستاذ.
وأقام مدَّةً بالموصل، ثمّ قدِم حلب وولي خزانة الكُتُب بها.
قَالَ ابن النّجّار: قرأت فِي كتاب أَبِي بَكْر الْجَيّانيّ: كنتُ مشتغلا بالْجَدَل والخلاف، مُجِدًّا فِي ذَلِكَ، فنمت فرأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنّه قد جاءني وقال لي:
قُم يا أَبَا بَكْر. فلمّا قمت تناول يدي فصافحني، ثمّ ولّى وقال لي: تعال خلفي. فتبِعْتُه نحوا من عشر خطوات وانتبهت.
قَالَ: فأتيت شيخنا أَبَا طَالِب إِبْرَاهِيم بْن هبة اللَّه الدّياريّ الزّاهد، فقصصت عَلَيْهِ، فقال لي: يريد منك رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تترك الخلاف وتشتغل بحديثه إذْ قد أمرك باتّباعه، فتركت الاشتغال بالخلاف، وكان أحبّ إليَّ من الحديث. وأقبلت عَلَى الحديث.
سُئل الحُصْري عَنِ الْجَيّانيّ فقال: شيخ حافظ، عالمُ بالحديث، وفيه فضل.(39/178)
وقال بعض الحلبيّين: مات فِي سابع ربيع الآخر بحلب، رحمه اللَّه تعالى.
126- المبارك بْن المبارك بْن زيد [1] .
أَبُو الكرم الكوفيّ المقرئ.
عُرِف بابن الطَّبَقيّ، نزيل بغداد.
سَمِعَ: ثابت بْن بُنْدار، وأبا الْحَسَن العلّاف.
وحدَّث.
- حرف النون-
127- ناصر بْن الْحَسَن بْن إِسْمَاعِيل [2] .
الشّريف الخطيب، أَبُو الفُتُوح الحُسَينيّ، الْمَصْرِيّ، المقرئ.
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الْحَسَن عليّ بْن أحمد الأَبْهَريّ صاحب الأهوازيّ، وعلى أَبِي الْحُسَيْن يحيى بْن الفَرَج الخشّاب، وتصدَّر للإقراء.
أخذ عَنْهُ جماعة منهم أَبُو الْجُود غِياث بْن فارس.
وحدَّث عَنْ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دَاوُد الفارسيّ، وأبي الْحُسَيْن الخشّاب، وابن القطّاع اللُّغَويّ، وغيرهم.
وكان مولده فِي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
وتُوُفّي رحمه اللَّه يوم عيد الفِطْر.
روى عَنْهُ بالإجازة: أَبُو الْحَسَن بْن المقدسيّ الحافظ، وعيسى بن عبد العزيز اللّخميّ، وغيرهما.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 176 رقم 1154.
[2] انظر عن (ناصر بن الحسن) في: دول الإسلام 2/ 77، والعبر 4/ 183، والإعلام بوفيات الأعلام 232، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1824، ومعرفة القراء الكبار 2/ 525، 526 رقم 469، وغاية النهاية 2/ 329، 330، والنجوم الزاهرة 5/ 380، وحسن المحاضرة 1/ 495، وشذرات الذهب 4/ 210 وفيه: «ناصر بن الحسين» .
وذكره في: سير أعلام النبلاء 20/ 475 دون ترجمة، وأعاده في صفحة 480.(39/179)
وسمع منه جماعة من المصريّين، وهو قليل الحديث. وكانت قراءته بالروايات فِي سنة اثنتين وخمسين وبعدها.
128- نعمة بْن زيادة اللَّه بْن خَلَف.
أَبُو عُبَيْد الغِفَاريّ.
تُوُفّي بالإسكندريَّة فِي هذا العام. وقد سَمِعَ «صحيح الْبُخَارِيّ» عَلَى الشَّيْخ أَبِي مكتوم عيسى بْن أَبِي ذَرّ الهَرَوِيّ بمكَّة، بقراءته وقراءة غيره، إلّا شيئا يسيرا من آخر «الصّحيح» ، فإنّه قرأه بالإجازة.
روى عَنْهُ: عليّ بْن المفضّل الحافظ، وقاضي الإسكندريّة أبو القاسم عبد الرحمن بْن سلامة القُضَاعيّ، وغيرهما.
129- نفيسة بِنْت مُحَمَّد بْن عليّ [1] .
أخت أَبِي الفَرَج بْن البزّاز الخفّاف البغداديّ.
وتسمّى أيضا فاطمة، والأوّل أشهر.
سَمِعْتُ من: طِراد الزَّيْنَبيّ، والحسين بْن طَلْحة النّعاليّ الحمّاميّ، وغيرهما.
سَمِعَ منها: أَبُو سعد السَّمْعانيّ، وعمر بْن عليّ الْقُرَشِيّ.
روى عَنْهَا: الحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق، وأبو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الكاشْغَريّ، وجماعة.
وتُوُفّيت فِي ذي الحجة.
قَالَ الموفّق: سَمِعْتُ الكثير عَنْ طِراد، وطبقته. وكانت نظيرةَ شُهْدَة فِي كَثْرَةِ السَّماع وعُلُوه.
__________
[1] انظر عن (نفيسة بنت محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 272، 273 رقم 1936، والإعلام بوفيات الأعلام 232، وسير أعلام النبلاء 20/ 480 (ترجمة مختصرة) و 20/ 489 رقم 307، والعبر 4/ 183، والنجوم الزاهرة 5/ 380، وشذرات الذهب 4/ 210، وأعلام النساء 5/ 190، 191.(39/180)
أنا ابْنُ الْفَرَّاءِ، وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّيْخَ الْمُوَفَّقَ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: قُرِئَ عَلَى نَفِيسَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، وَأَنَا أَسْمَعُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أنا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَمُوتُ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ حَسَنُ الظَّنِّ باللَّه» [1] . وَلابْنِ مَسْلَمَةَ إِجَازَةٌ مِنْهَا.
- حرف الهاء-
130- هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عساكر [2] .
الفقيه صائن الدّين أَبُو الْحَسَن [3] الدّمشقيّ، الشّافعيّ، أخو الحافظ أَبِي القاسم.
قَالَ أَبُو [4] القاسم: وُلِد أخي في رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقرأ بالروايات عَلَى: أَبِي الوحْش سُبَيْع بْن قيراط، وعلى أحمد بْن مُحَمَّد بْن خَلَف الأندلسيّ مصنَّف «المُقْنِع» فِي القراءات، وهو من أصحاب أَبِي الْحُسَيْن يحيى بْن الفَرَج الخشّاب.
__________
[1] أخرجه أبو داود في الجنائز (3113) باب: ما يستحب، من حسن الظن باللَّه عند الموت، وأحمد في المسند 3/ 293 و 325 و 330 و 345 و 390.
[2] انظر عن (هبة الله بن الحسن) في: تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) 3/ 93 و 38/ 529، وتهذيبه 2/ 67، والتقييد لابن نقطة 478، 479 رقم 649، ومرآة الزمان 8/ 273، 274، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 281، ووفيات الأعيان 3/ 311، والمختصر المحتاج إليه 3/ 220، 221 رقم 1283، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 27/ 66 رقم 25، والعبر 4/ 184، والإعلام بوفيات الأعلام 232، وسير أعلام النبلاء 20/ 495، 496 رقم 314، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1825، وفيه «هبة الله الحسين» ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 324، 325، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 215، 216، ومرآة الجنان 3/ 372، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن الدمياطيّ 244، 245 رقم 189، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 297 رقم 1665، والنجوم الزاهرة 5/ 380، والدارس في تاريخ المدارس 1/ 84، وشذرات الذهب 4/ 210، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2 ج 5/ 25، 26 رقم 1320.
[3] هكذا في الأصل، وطبقات الإسنوي، وفي سير أعلام النبلاء وغيره: «أبو الحسين» .
[4] في الأصل: ابن. وهو وهم.(39/181)
وسمع: أَبَا القاسم النّسيب، وأبا طاهر الحِنّائيّ، وأبا الْحَسَن بْن المَوَازِينيّ. ووُجِد لَهُ سماع من أبي الحسن بن أبي الجزو الراويّ، عَنْ أَبِي الْحُسَيْن بْن السِّمْسار، فلم يرده، وقال: لا أحقُّ هذا الشَّيْخ.
وتفقّه مدَّةً عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن المسلم، وعلى الفقيه نصر اللَّه بْن مُحَمَّد.
ورحل إلى بغداد سنة عشْر فسمع: أَبَا عليّ بْن نَبْهان، وأبا عليّ بْن المهديّ، وأبا الغنائم بْن المهتدي باللَّه، وأبا طَالِب الزَّيْنَبيّ، وأبا طَالِب بْن يوسف، وأصحاب البَرْمَكيّ، والتَّنُوخيّ.
وعلّق الخلاف عَنْ أسعد المَيْهنيّ. وقرأ علي أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي كدنة المتكلَّم شيئا من أصول الفقه. وحجّ سنة إحدى عشرة وخمسمائة. وأعاد [1] بالأمينيَّة لشيخه أَبِي الْحَسَن السُّلَميّ، ودرَّس بالزّاوية الغربيَّة، يعني الغزاليَّة، واقتنى وكتب الحديث الكثير. وكان مَعْنيًّا بعلوم القرآن، والنَّحْو، واللُّغَة.
وحدّث ب «طبقات ابن سعد» و «سنن الدّار الدّارقُطْنِي» . وعُرِضت عَلَيْهِ الخطابة وغيرهما. فامتنع.
وكان خاله أَبُو المعالي يجتهد أن ينوب عَنْهُ فِي القضاء فلم يفعل.
وكان ثقة، ثَبْتًا، متيقّظا. لَهُ شِعْر كثير.
تُوُفّي فِي شعبان.
قلت: روى عَنْهُ: هُوَ، وابنه القاسم، وأبو سعد السَّمعانيّ، وبنو أخيه زَيْن الأُمَناء الْحَسَن، وفخر الدّين عَبْد الرَّحْمَن شيخ الشّافعيَّة، وتاج الأُمَنَاء أحمد، وأبو نصر عَبْد الرحيم بنو مُحَمَّد بْن الْحَسَن، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وسيف الدّولة بن غسّان، ومكرم، وآخرون.
__________
[1] في الأصل: «وعاد» .(39/182)
وذكر ابن الدَّبِيثيّ [1] أنّ الصّائن وقع في الحَمّام ففُلِج أيّاما ثمّ مات، رحمه اللَّه تعالى.
131- هبةُ اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُمَر بْن أَبِي الأشعث [2] .
أَبُو المظفَّر بْن السَّمَرْقَنْدِيّ. شيخ بغداديّ من بيت الحديث والثّقة والرواية.
سَمِعَ: أَبَا عَبْد اللَّه النِّعَاليّ، وأبا مُحَمَّد السّرّاج، وأبا زكريّا التّبْرِيزيّ، وغيرهم.
ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
سَمِعَ منه: أَبُو سعد السَّمْعانيّ، وأبو المحاسن الْقُرَشِيّ.
أنا العماد بْن بدران، أنا ابن قُدَامة، أنا هبة اللَّه بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، أنا الْحُسَيْن بْن بُسْري، فذكر حديثا.
تُوُفّي فِي رابع ربيع الآخر.
132- هِبَةُ اللَّه بْن محفوظ بْن الْحَسَن بْن صَصْرَى [3] .
أَبُو الغنائم التّغْلبيّ، الدّمشقيّ الْمُعَدَّلُ.
قَالَ الحافظ ابن عساكر: وُلِد سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
وسمع من: الفقيه نصر اللَّه المصيصي، وهبة اللَّه بْن طاوس.
وتفقّه عَلَى: أَبِي الْحَسَن بْن المسلم السُّلَميّ، وغيره.
وحفظ القرآن وتأدَّب، وكتب الحديث، وكان كثير الصّلاة والتّلاوة
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه 3/ 221.
[2] انظر عن (هبة الله بن عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 224 رقم 1291، وسير أعلام النبلاء 20/ 420 رقم 277 وفيه قال محقّقه بالحاشية: «لم أعثر على مصدر ترجمته» ، وأعيد في الصفحة 480 بترجمة مختصرة جدا.
[3] انظر عن (هبة الله بن محفوظ) في: من حديث خيثمة الأطرابلسي (بتحقيقنا) 173، ومرآة الزمان 8/ 274، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 5/ 28 رقم 1324.(39/183)
والصَّدَقة. وأوصى بصدقات فِي عدَّة أشياء من وجوه البِرّ.
تُوُفّي في جُمَادى الآخرة، ودُفِن بمقبرة باب تُوما عند أَبِيهِ.
وروى الحديث.
قلت: هُوَ والد الحافظ أَبِي المواهب وأخيه.
133- هبة اللَّه بْن أَبِي المحاسن بْن أَبِي بَكْر [1] .
أَبُو الْحَسَن الْجِيليّ، اللّوتميّ، الزّاهد.
قدِم بغدادَ فِي صِباه وسكنها. وكان زاهدا، عابدا قانتا، ورِعًا، مدقّقا فِي الورع، صاحب رياضات ومجاهدات.
أثنى عَلَيْهِ عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وغيره. وعظَّمه ابن الدَّبِيثي ثمّ قَالَ:
وقال لي أَبُو العلاء بْن الرأس: لم أر فِي زمانه مثله.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة. وقد قَالَ إنّه سَمِعَ من ابن الحُصَيْن.
- حرف الياء-
134- يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [2] .
أَبُو زكريّا الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، اللرّيّ.
روى عَنْ: أَبِيهِ، وعمّه.
وسمع «صحيح البخاريّ» من أبي الوليد بن الدبّاغ. وأخذ النّحو عَنْ أَبِي بَكْر عتيق بْن الخصم وبحث عَلَيْهِ «كتاب» سِيبَوَيْه. وأقرأ العربيَّة بلريَّة وخطب بجامعها.
أخذ عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه بْن عبّاد وقال: تُوُفّي فِي ذي الحجَّة ولَهُ ستٌّ وخمسون سَنَة.
135- يوسف بْن عَبْد الله بن بندار [3] .
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن أبي المحاسن) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 229 رقم 1303.
[2] انظر عن (يحيى بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (يوسف بن عبد الله) في: المنتظم 10/ 226 رقم 321 (18/ 181 رقم 4273) ، ومعجم البلدان 2/ 598، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 2/ 94، والكامل في التاريخ(39/184)
الْإِمَام أَبُو المحاسن الدّمشقيّ، الشّافعيّ.
تفقّه عَلَى: أسعد المَيْهَنيّ ببغداد، وبرع في الفقه والأصول والخلاف، وصار انظر أهل عصره [1] .
ودرَّس بالنّظاميَّة، وحدَّث عَنْ: إِسْمَاعِيل بْن أَبِي صالح المؤذّن، وأبي البركات بْن الْبُخَارِيّ.
روى عَنْهُ: أَبُو الخير الْجِيلانيّ، وغيره.
ونفّذ رسولا إلى خُوزسْتان فتُوُفّي هناك فِي شوّال.
الكنى
136- أبو بَكْر بْن سُلَيْمَان [2] .
الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، القُرْطُبيّ، المقرِئ.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي القاسم بْن رضا، والعربيَّة عَنْ أَبِي الْحُسَيْن بْن الطّراوة. ولُقِّب تلميذ ابن الطّراوة.
وكان يُقرِئ القرآن والنَّحْو.
أخذ عَنْهُ أَبُو جَعْفَر بْن مضاء، وأثنى عَلَيْهِ بحُسْن التّعليم، وعبد الحقّ الخَزْرجيّ، وأبو القاسم أحمد بْن بَقِيّ.
تُوُفّي بقُرْطُبة فِي هذه السّنة [3] ، وقيل في الآتية.
__________
[11] / 333، ومرآة الزمان 8/ 274، وتاريخ إربل 1/ 368، وتكملة إكمال الإكمال 240، 132، 262، 370، ومعجم الألقاب 1/ 339 و 579، والمختصر المحتاج إليه 3/ 233 رقم 1316 وسير أعلام النبلاء 20/ 513، 514 رقم 328، وأعيد فيه ثانية في صفحة 480 دون ترجمة، وطبقات الشافعية للإسنويّ 540، 541، وطبقات الشافعية لابن شهبة 1/ 353، 354 رقم 320، والبداية والنهاية 12/ 255، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 61، والنجوم الزاهرة 5/ 380.
[1] وقال ابن الجوزي: وكان متعصّبا في مذهب الأشعري. (المنتظم) .
[2] انظر عن (أبي بكر بن سليمان) في: غاية النهاية 1/ 181 رقم 843.
[3] ووقع في غاية النهاية أنه مات سنة ثلاث أو أربع وخمسمائة. وهو وهم، والصحيح 563 هـ. أو 564 هـ.(39/185)
سنة أربع وستين وخمسمائة
- حرف الألف-
137- أحمدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مبادر [1] .
أَبُو بَكْر الأَزَجيّ، الدّقّاق.
سَمِعَ: أَبَا عَبْد اللَّه بْن البُسْريّ، وأبا القاسم بْن الرَّبَعيّ.
روى عَنْهُ: ابن الأخضر، وغيره.
وتُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.
وأنا عَبْد الحافظ بْن بدران، وأنا ابن قُدامة، ثنا مبادر، فذكر حديثا.
وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة ابن مَسْلَمَة.
138- إِبْرَاهِيم بْن محمود بْن نصر بْن نصر [2] .
أَبُو إِسْحَاق الشّاب، المحدِّث، ابن أَبِي المجد الحرّانيّ، ثمّ البغداديّ، الشّعّار.
أحد من عُنِيَ بطلب الحديث وكتابته إلى أن تُوُفّي، مَعَ صلاحٍ وخيرٍ ومعرفة وفهم.
وسمَّعه أَبُوهُ من: أَبِي منصور بْن خَيْرُون، وأبي عَبْد اللَّه السّلال، وجماعة.
ومولده سنة نيّفٍ وثلاثين وخمسمائة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الرحمن بن مبادر) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] انظر عن (إبراهيم بن محمود بن نصر) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.(39/186)
وقد سَمِعَ هُوَ بنفسه من نصر بْن نصر العُكْبَرِيّ، وابن المادح، وهبة اللَّه الشِّبْليّ، فمن بعدهم، حتى سمع من أصحاب قاضي المَرِسْتان.
سَمِعَ منه: عليّ بْن أحمد الزَّيْديّ.
وكان الحازميّ يُثني عَلَيْهِ ويصفه بالحِفْظ، ويقول: لو عاش ما كَانَ يماثله أحد.
تُوُفّي فِي حياة والده فِي شهر رمضان وقد جاوز الثّلاثين، وقيل: بل عاش سبعا وعشرين سنة.
قَالَ ابن النّجّار: أخبرتنا زُهْرة بِنْت حاصر الأنباريّ قَالَتْ: ثنا إِبْرَاهِيم بْن محمود الشّعّار لفظا سنة إحدى وستّين: أَنَا الأَرْمُويّ، فذكر حديثا.
139- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن خليفة [1] .
أبو إسحاق النّفزيّ [2] ، الدّاني، المقرئ.
أخذ القراءاتِ عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن الدّوش.
وأخذ قراءة وَرْش عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن شفيع.
وسمع من: ابن تليد، وابن الخيّاط [3] .
وتصدّر للإقراء، وحمل النّاس عنه.
قال الأبّار [4] : كان متحقّقا بالقراءات، معروفا بالضّبط والتّجويد، أديبا فصيحا، عمّر وأسنّ. وكان مولده سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
140- أبق [5] .
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن محمد بن خليفة) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 150، ومعرفة القراء الكبار 2/ 529 رقم 472، وغاية النهاية 1/ 23، 24.
[2] في غاية النهاية 1/ 23 «النفري» بالراء، وهو تحريف.
[3] في الأصل مهملة.
[4] في تكملة الصلة 1/ 150.
[5] انظر عن (أبق) في: ديوان ابن منير الطرابلس (بعنايتنا- طبعة دار الجيل 1986) 27، 32، 36، 38، 47، 62، 231، 260، 261، والتاريخ الباهر 59، 88، 106- 108، والكامل في التاريخ 11/ 197، 198، ومرآة الزمان 8/ 277، وذيل تاريخ دمشق(39/187)
الملك المظفّر، مجير الدّين، أبو سعيد، صاحب دمشق، ابن صاحبها جمال الدّين مُحَمَّد بْن تاج الملك بُوري بْن طُغْتِكِين التَّركيّ، الدّمشقيّ.
وُلِد ببَعْلَبَكّ فِي ولاية والده عَلَى بَعْلَبَكّ، وقدِم معه دمشقَ لمّا وثب عليها وأخذها. فلمّا مات أَبُوهُ فِي سنة أربعٍ وثلاثين أقيم مُجِير الدّين هذا فِي الأمر وهو دون البلوغ، وأتابَك زنكيّ إذ ذاك يحاصر دمشق، فلم يصل منها إلى مقصود، ورجع إلى حلب.
وكان المدبّر لدولة مُجِير الدّين الأمير مُعين الدّين أُنُر [1] عتيق جدّ أَبِيهِ، والوزير هُوَ الرئيس أَبُو الفوارس المُسَيَّب بْن عليّ الصّوفيّ. فلمّا مات أنر [1] انبسطت يد مُجِير الدّين قليلا، وابن الصُّوفيّ يدير الأمور. ثمّ بعد مدَّةٍ غضب عَلَيْهِ وأخرجه إلى صَرْخَد، واستوزر أخاه أَبَا البيان حَيْدرة بْن عليّ بْن الصُّوفيّ مدَّة. ثمّ أقدم عطاء بْن جُقْماط من بَعْلَبَكّ وقدّمه عَلَى العسكر، وقتل الوزير أَبَا البيان، ثمّ قتل عطاء بعد يسير. ثمّ قدِم الملك العادل نور الدّين محمود لمّا بَلَغَتْه الأمور، فحاصر دمشقَ مدَّةً قليلة، وتسلّمها بالأمان فِي صَفَر سنة تسعٍ وأربعين، ووفى لمجيد الدّين أَبَق بما قرَّر لَهُ، وسلَّم إِلَيْهِ حمص، فانتقل إليها، وأقام بها يسيرا، ثمّ انتقل منها إلى بالِس بأمر نور الدّين، ثمّ توجّه منها إلى بغداد، فقبِلَه أمير المؤمنين المقتفي لأمر اللَّه، وأقطعه، وقرَّر لَهُ ما كفاه.
وكان كريما جوادا.
ورَّخ ابن خَلِّكان [2] وفاته فِي هذه السّنة ببغداد، ترجمه مختصرا في
__________
[306- 328،) ] ووفيات الأعيان 5/ 188، 189، وزبدة الحلب 2/ 273، 274 و 304، 305، والعبر 4/ 185، 186، والإعلام بوفيات الأعلام 233، ودول الإسلام 2/ 77، 78، وسير أعلام النبلاء 20/ 365، 366 رقم 253، و 20/ 483، والوافي بالوفيات 6/ 188 رقم 2641، وأمراء دمشق في الإسلام 4، ومرآة الجنان 3/ 374، والنجوم الزاهرة 5/ 381، وشذرات الذهب 4/ 211، 212، وتهذيب تاريخ دمشق 2/ 230، ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة 46.
[1] في الأصل: «أنز» بالزاي.
[2] في وفيات الأعيان 5/ 189.(39/188)
سياق ترجمة نور الدّين. ولم يورّخ ابن عساكر موته.
141- أزهر بْن عَبْد الوهاب بْن أحمد بْن حمزة [1] .
أَبُو جعفر البغداديّ، السّبّاك [2] ، الأديب.
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وسمع الكثير، وعُني بالحديث.
وسمع: أبا طَالِب عَبْد القادر اليُوسُفي، وأبا القاسم بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه بْن الطَّبر.
ولازَم الحافظ عَبْد الوهّاب الأنماطيّ فأكثر عنه.
قال ابن الدّبيثيّ: ثنا عَنْهُ جماعة، وسمع منه: عُمَر بْن عليّ، ومحمد بْن مَشَق. وتُوُفّي فِي المحرَّم.
قلت: وثّقه ابن الْجَوْزيّ [3] .
- حرف الحاء-
142- الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن الْحُسَيْن بْن عبدان.
عفيف الدّين الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ.
من بيت حديث وعدالة.
تُوُفّي رحمه اللَّه في جُمادي الآخرة.
143- حَمْد بْن عثمان [4] بْن سالار [5] .
المحدِّث، المفيد، الأوحد، الجوَّال، أبو مُحَمَّد الأصبهانيّ، صاحب «المعجم الكبير» . سَمِعَ: أَبَا الوقت، ومحمد بْن أَبِي نصر هاجر، وأبا الخير
__________
[1] انظر عن (أزهر بن عبد الوهاب) في: المنتظم 10/ 227 رقم 322 (18/ 183 رقم 4274) ، والوافي بالوفيات 8/ 373 رقم 3809، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 75.
[2] وهكذا في الأصل ونسخة الأصل من المنتظم. وفي المطبوع منه «السّمّاك» .
[3] في المنتظم.
[4] انظر عن (حمد بن عثمان) في: تلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي 1/ 455، والوافي بالوفيات 12/ 159 رقم 176.
[5] في الأصل: «سالم» ، والمثبت عن المصدرين السابقين.(39/189)
الباغْبَان، وأبا العلاء الهَمَذَانيّ، وعبد العزيز بْن مُحَمَّد الشّيرازيّ، وابن البَطّيّ، وخلْقًا.
روى عَنْهُ: عَبْد العزيز بْن أحمد بْن النّاقد.
مات بالحُلَّة غريبا فِي ذي القعدة سنة أربعٍ، وله ستٌّ وثلاثون سنة.
- حرف الراء-
144- رضيَّة بِنْت الحافظ أَبِي عليّ البَرَدانيّ [1] .
ذكر ابن مَشَق أنّها تُوُفّيت فِي شوّال [2] .
- حرف السين-
145- سالم بْن إِبْرَاهِيم بْن خَلَف [3] .
أَبُو الغنائم الأُمويّ، الإسكندرانيّ، المقرئ.
روى عَنْ: أَبِي القاسم بْن الفحّام.
قَالَ أَبُو الْحَسَن المقدسيّ: شيخ صالح، ثقة.
توفّي في جمادى الآخرة، ومولده سنة 485.
146- سعد الله بن نصر بن سعيد بن عليّ [4] .
__________
[1] انظر عن (رضيّة بنت البرداني) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 261 رقم 1401.
[2] وكان مولدها سنة 471 هـ.
[3] انظر عن (سالم بن إبراهيم) في: غاية النهاية 1/ 300 رقم 1312.
[4] انظر عن (سعد الله بن نصر) في: تاريخ إربل 1/ 99، 100، والأنساب 4/ 333، 334، والمنتظم 10/ 228 رقم 323 (18/ 184 رقم 4275، والتقييد لابن نقطة 293 رقم 355، ومعرفة القراء الكبار 2/ 532، 533 رقم 477، والمشتبه في الرجال 1/ 239، والمختصر المحتاج إليه 2/ 77، 78، رقم 678، وتذكرة الحفاظ 4/ 1320، وسير أعلام النبلاء 20/ 483 (دون ترجمة) ، والوافي بالوفيات 15/ 186، وفوات الوفيات 1/ 341، والبداية والنهاية 12/ 258، 259، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 302- 305، وغاية النهاية 1/ 303، رقم 1325، وفيه: «سعد الله بن نصر بن سعد» ، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ج 1/ 75، 76، وعقد الجمان (مخطوط) 16/ ورقة 452، 453، وشذرات الذهب 4/ 212، وعقود الجمان للزركشي 121.(39/190)
أبو الحسن بن الدّجاجيّ، البغداديّ، الواعظ، المقرئ.
قرأ ببعض الرّوايات على الزّاهد أبي منصور الخيّاط، وأبي الخطّاب عليّ بن الجرّاح، وسمع منهما، ومن جماعة.
وأقرأ النّاس ووعظهم سِنين.
سَمِعَ منه: عُمَر بْن عليّ، ويوسف بْن أحمد الشّيرازيّ، وعبد العزيز بْن الأخضر.
وحدّث عَنْهُ: ابنه مُحَمَّد، ويعيش بْن مالك الأنباريّ، والشّيخ الموفّق، والأنجب الحمّاميّ، ومحمد بْن حماد، وآخرون.
ولد سنة ثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي فِي شعبان.
قَالَ ابن الجوزيّ [1] : وتفقّه وناظر ووعظ، وكان لطيف الكلام حُلْو الإيراد [2] ، وسئل في مجلس وعظه عَنْ أحاديث الصّفات، فنهى عَنِ التّعرُّض لها، وأمر بالتّسليم [3] .
__________
[1] في المنتظم 10/ 288 (18/ 183) .
[2] زاد في المنتظم: «ملازما للمطالعة إلى أن مات» .
[3] زاد ابن الجوزي: وأنشد:
أبى الغائب الغضبان يا نفس أن يرضى ... وأنت التي صيّرت طاعته فرضا
فلا تهجري من لا تطيقين هجره ... وإن همّ بالهجران خدّك والأرضا
وقال ابن الجوزي: أنبأنا سعد الله بن نصر قال: كنت خائفا من الخليفة لحادث نزل، فاختفيت فرأيت في المنام كأني في غرفة أكتب شيئا، فجاء رجل فوقف بإزائي وقال:
أكتب ما أملي عليك، وأنشد:
ادفع بصبرك حادث الأيّام ... وترجّ لطف الواحد العلّام
لا تأيسن وإن تضايق كربها ... ورماك ريب صروفها بسهام
فله تعالى بين ذلك فرجة ... تخفى على الأبصار والأوهام
كم من نجا من بين أطراف القنا ... وفريسة سلمت من الضرغام
وقال: ودفن إلى جانب رباط الزوزني في إرضاء الصوفية لأنه أقام عندهم مدة حياته فبقي على هذا خمسة أيام وما زال الحنابلة يلومون ولده على هذا ويقولون: مثل هذا الحنبلي أيّ شيء يصنع عند الصوفية؟ فنبشه بعد خمسة أيام بالليل وقال: كان قد أوصى أن يدفن عند والديه ودفنه عندهما.(39/191)
وقال عَبْد الخالق بْن أسد فِي «معجمه» : أنشدنا سعد اللَّه بْن الدّجاجيّ الواعظ لنفسه:
ملكتم مُهجتي بيعا ومقدرة ... فأنتم اليوم أعلالي وأغلالي
عَلَوْتُ فخرا ولكنّي ضنيت هوى ... فحبّكم هو أعلالي وأغلالي
- حرف الشين-
147- شاوَر بْن مجير بْن نزار بْن عشائر [1] .
السّعديّ، الهَوَازنيّ، أبو شجاع ملك الدّيار المصريَّة ووزيرها.
كَانَ الملك الصّالح طلائع بن رزّيك قد ولّاه إمرة الصَّعيد، ثمّ ندم عَلَى توليته حيث لا ينفع النَّدَم. ثمّ إن شاوَر تمكّن فِي الصّعيد، وكان شجاعا، فارسا شَهْمًا، وكان الصّالح لمّا احتضر قد وصّى لولده رُزّيك أن لا يتعرَّض لشاوَر ولا يهيجه. وجرت أمور، ثمّ إنّ شاوَر حشد وجمع وأقبل مِن الصّعيد عَلَى واحات، واخترق البرّيَّة إلى أن خرج من عند تَرُوجَة [2] بقرب إسكندريّة،
__________
[1] انظر عن (شاور) في: النوادر السلطانية 36- 40، وسنا البرق الشامي 1/ 78، وتاريخ مختصر الدول 212، والنكت العصرية 67- 70، 72، 77، 79، 811، 92، 131، 134، 136، 150، 181، 182، 215، 216، 274، 360، 367، ونزهة المقلتين 9، والكامل في التاريخ 11/ 335- 341، والتاريخ الباهر 120- 140، ومرآة الزمان 8/ 277، والروضتين ج 1 ق 1/ 156- 158، وأخبار الدول المنقطعة 112- 116، ومفرّج الكروب 1/ 158، ووفيات الأعيان 2/ 439- 448، والمختصر في أخبار البشر 3/ 45، 46، والدر المطلوب 18، 19، 25- 39، 142، والمغرب 96، 140، وزبدة الحلب 2/ 315- 317 و 323، 327، 328، والعبر 4/ 186، ودول الإسلام 2/ 77، والإعلام بوفيات الأعلام 233، وسير أعلام النبلاء 20/ 514- 517 رقم 329، وتاريخ ابن الوردي 2/ 115، و 116، ومرآة الجنان 3/ 374، والبداية والنهاية 12/ 259، والوافي بالوفيات 16/ 95- 97 رقم 110، وتاريخ ابن خلدون 5/ 246، واتعاظ الحنفا 3/ 288، 2/ 250، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 232 والكواكب الدرية 178، والسلوك ج 1 ق 1/ 43، وشفاء القلوب 25- 35، والنجوم الزاهرة 5/ 382، وحسن المحاضرة 2/ 215، 216، وتاريخ ابن سباط 1/ 120، 121، وشذرات الذهب 4/ 212، وأخبار الدول (طبعة عالم الكتب) .
[2] ضبطها ياقوت في معجمه: «تروجة» بفتح التاء وضمّ الراء. أما ابن خلّكان فضبطها بفتح(39/192)
وتوجّه إلى القاهرة ودخلها، فقتل العادل رُزّيك بْن الصّالح، ووَزَرَ للعاضد.
ثمّ إنّه توجَّه إلى الشّام، وقدِم دمشقَ فِي سنة ثمانٍ وخمسين مستنجدا بالسّلطان نور الدّين عَلَى عدوّه، فأنجده بالأمير أسد الدّين شير كوه بعد أربعة عشر شهرا، فسيّره معه، فمضى واستردّ لَهُ منصبه، فلمّا تمكَّن قَالَ لأسد الدّين: اذهب فقد رُفع عنك العناء، وأخلفه وعده. فأسِف أسد الدّين وأضمر السّوء لَهُ. وكان شاوَر قد استعان بالفرنج، وحارب بهم المسلمين، وقدِمُوا عَلَى حَمِيَّة، فخافهم أسد الدّين وتحصَّن منهم ببلبيس شهورا، وبقي بها محصورا حتّى ملّت الفرنج من حصاره، فبذلوا لَهُ قطيعة يأخذها وينفصل عَنْ بلبيس.
واغتنم نور الدّين تلك المدَّة خُلُوَّ الشّام من الفرنج، وضرب معهم المُصَافّ عَلَى حارِم، وأسر ملوكهم، وهي سنة تسعٍ وخمسين.
وَقُتِلَ شاوَر فِي ربيع الآخر سنة أربع. وكان المباشِر لقتله عزّ الدّين جرديك النّوريّ.
وقال الرّوحيّ إن السّلطان صلاح الدّين ابن أخي أسد الدّين هُوَ الَّذِي أوقع بشاوَر، وكان فِي صُحبة عمّه أسد الدّين.
وقيل: كَانَ قتله إيّاه فِي جُمادَى الأولى، وذلك أنّ أسد الدّين تمارضَ، فَعَاده شاوَر، وكان صلاح الدّين قد ضمن لَهُ فخرج عَلَيْهِ، ففتك بِهِ.
ولعُمارة اليَمنيّ فِيهِ:
ضجِر الحديدُ من الحديدِ وشاوَرٌ ... فِي نصْر آلِ مُحَمَّدٍ لم يَضْجَرِ
حَلَفَ الزّمانُ لَيَأْتِيَنَّ بِمِثْلِهِ ... حَنَثَتْ يمينُكَ يا زمان فكفّر [1]
__________
[ () ] التاء المثنّاة الفوقية والراء وبعد الواو الساكنة جيم ثم هاء ساكنة. وهي قريبة من الإسكندرية. (وفيات الأعيان 2/ 443) .
[1] البيتان من جملة أبيات في النكت العصرية 82.(39/193)
وله في شاور عند ما ظفر ببني رُزّيك وجلس فِي الدَّسْت:
زالت ليالي بني رُزّيَك وانصرمَتْ ... والحمدُ والذّمُّ فِيهَا غير مُنْصَرِمِ
كأنّ صالِحَهُم يوما وعادِلَهُم ... فِي صدر ذا الدّست لم يقعد ولم يَقُمِ
كُنَّا نظنّ وبعض الظّنّ مأثمةٌ ... بأنّ ذَلِكَ جمْعٌ غيرُ منهزِمِ
فَمُذْ وقعتْ وقوعَ النَّسْر خَانَهمُ ... مَن كَانَ مجتمعا من ذَلِكَ الرَّخَمِ
ولم يكونوا عدوّا ذَلَّ جانبُهُ ... وإنّما غَرقوا فِي سيلك الْعَرِمِ
وما قصدْتُ بتعظيمي عِداك [1] سوى ... تعظيم شأَنك فاعذرْني ولا تلُمِ
ولو شكرتُ لياليهم محافظة ... لعهدها لم يكن بالعهد من قِدَم
ولو فتحتُ فمي يوما بذمّهِمُ ... لم يَرض فضلك إلّا أن يسدّ فمي [2]
قَالَ الفقير عُمارة: فشكرني شاوَر وأمراؤه على الوفاء لهم.
148- شير كوه بن شاذي بن مروان بن يعقوب [3] .
__________
[1] في النكت: «سواك» .
[2] النكت العصرية 69، 70.
[3] انظر عن (شير كوه) في: الاعتبار 14، والنكت العصرية 78- 80، 370، ونزهة المقلتين 112، والكامل في التاريخ 11/ 341، 342، والتاريخ الباهر (انظر فهرس الأعلام) 218، وأخبار الدول المنقطعة 114- 116، ووفيات الأعيان 2/ 479- 481، والنوادر السلطانية 36- 40، وكتاب الروضتين ج 1 ق 2/ 405، 406 و 438، وسنا البرق الشامي 1/ 80، 81، وتاريخ مختصر الدول 212، 213، ومرآة الزمان 8/ 278، 279، وزبدة الحلب 2/ 321- 328، ومفرّج الكروب 1/ 148- 168، والمغرب في حلى المغرب 96، 140، والمختصر في أخبار البشر 2/ 45، 46، والإعلام بوفيات الأعلام 233، وسير أعلام النبلاء 20/ 587- 589 رقم 369، ودول الإسلام 2/ 77، والعبر 4/ 186، 187، وتاريخ ابن الوردي 3/ 115- 117، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 352- 354، والبداية والنهاية 1/ 252، 253 و 255 و 259، والوافي بالوفيات 16/ 214- 216 رقم 241، وأمراء دمشق في الإسلام 41، والدر المطلوب 232- 235، والسلوك للمقريزي ج 1 ق 1/ 43، والكواكب الدرّية 179، وتاريخ ابن خلدون 5/ 281- 283، والنجوم الزاهرة 5/ 381 و 387- 389، وحسن المحاضرة 2/ 3، 4، 216، وشفاء القلوب 43، 44، وشذرات الذهب 4/ 211، وترويح القلوب 38، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 232، وتهذيب تاريخ دمشق 6/ 360 و «شير كوه» بالعربي:
أسد الجبل، فشير، أسد، وكوه: جبل. (وفيات الأعيان 2/ 481) و «شاذي» : معناه(39/194)
الملك المنصور أسد الدّين، وزير العاضد العُبَيْديّ بمصر.
مولده بدُوِين [1] ، بلدة من طرف أَذَرْبَيْجان. ونشأ بتكريت، إذ كان أبوه متولّي قلعتها.
وقيل جدّ مروان هُوَ ابن مُحَمَّد بْن يعقوب.
قَالَ ابن الأثير المؤرّخ: أصلهم من الأكراد الرّواديَّة، وهو فخذ من الهذبانيَّة، وأنكر جماعة من بني أيّوب النّسبة إلى الأكراد وقالوا: إنّما نَحْنُ عرب نزلنا عند الأكراد، وتزوَّجنا منهم.
وأسد الدّين هذا كَانَ من كبار أمراء السّلطان نور الدّين، فسيّره إلى مصر عونا لشاور كما ذكرناه. ولم يفِ لَهُ شاور، فعاد إلى دمشق.
وسنة اثنتين وستّين عاد أسد الدّين إلى مصر طامعا فِي أخْذها، وسلك طريق وادي الغزلان، وخرج عند المفجّ، فكانت فِي تلك الوقعة، وقعة الأشمونيّين. وتوجه ابن أخيه صلاح الدّين إلى الإسكندريَّة فاحتمى بها، وحاصره شاور وعسكر مصر إلى أن رجع أسد الدّين من الصّعيد إلى بلبيس، وجرى الصُّلح بينه وبين المصريّين، وسيّروا لَهُ صلاح الدّين وعاد إلى الشّام.
ولمّا وصل الفرنج، لعنهم اللَّه إلى بلبيس وأخذوها وقتلوا أهلها، وسبوا الذّرّية فِي هذه السّنة، سنة أربعٍ، سيّر المصريّون إلى أسد الدّين وطلبوه وَمَنَّوْه، ودخلوا فِي مَرْضَاته ليُنْجدهم. فمضى إليهم، وطرد الفرنج عَنْهُمْ، وعزم شاوَر عَلَى قتله، وقتل الأمراء الكبار الّذين معه، فناجزوه وقتلوه، وولي أسد الدّين وزارةَ مصر فِي ربيع الآخر، وأقام بها شهرين وخمسة أيّام. ثمّ
__________
[ () ] بالعربي فرحان. (سير أعلام النبلاء 200/ 588) .
[1] دوين: ضبطها المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 20/ 588: بضم أوله، وكسر ثانيه، ويقال في النسبة إليها: دويني بفتح ثانيه.
وضبطه ياقوت بفتح أوله. (مهجم البلدان 2/ 491) .(39/195)
تُوُفّي فجأة فِي ثاني وعشرين جُمادى الآخرة بالقاهرة، فدُفن بها، ثمّ نقِل إلى مدينة الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوصيَّةٍ منه [1] .
وقام بالأمر بعده بمصر ابن أخيه الملك صلاح الدّين يوسف بْن أيّوب.
وكان أسد الدّين أحد الأبطال المذكورين، ومن يُضرب بشجاعته الْمَثَلُ، وكانت الفرنج تهابه وتخافه. وقد حاصروه ببلبيس مدَّة، ولم يجسروا أن يناجزوه، وما لبلبيس سورٌ يحميها، ولكن لفرط هيبته لم يقدموا عَلَيْهِ.
وكان موته بخانوقٍ عظيم قتله فِي ليلة. وكان كثيرا ما تعتريه التُّخَم والخوانيق لكثرة أكله اللّحوم الغليظة، فيقاسي شدَّةً شديدة، ثمّ يتعافى [2] .
ولم يخلف ولدا سوى ناصر الدّين الملك القاهر صاحب حمص.
- حرف العين-
149- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن زيدون [3] .
أَبُو جعفر المخزوميّ، القُرْطُبيّ، نزيل إشبيلية.
شيخ مُسْنِد، من كبار رُواة، الأندلس.
ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
وسمع سنة خمسٍ وتسعين من أَبِي عليّ الغسّانيّ كتاب «التّقصّي» .
وسمع من أَبِي القاسم الهَوْزَنيّ.
وكان فقيها عالما.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو مُوسَى بْن المالِقيّ، وأبو بَكْر بْن خَيْر.
وتُوُفّي رحمه اللَّه يوم التَّرْوية.
150- عَبْد الحاكم بْن ظَفَر بْن أحمد بْن أحمد بْن محمود الثّقفيّ [4] .
__________
[1] المختصر في أخبار البشر 3/ 46.
[2] كتاب الروضتين ج 1 ق 2/ 438، المغرب 140.
[3] انظر عن (عبد الله بن محمد بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[4] انظر عن (عبد الحاكم بن ظفر) في: جزء فيه وفيات جماعة من المحدّثين 96 رقم 207.(39/196)
أَبُو مُحَمَّد الأصبهانيّ.
سَمِعَ من: رِزْق اللَّه التّميميّ.
روى عَنْهُ: كريمة إجازة.
وروى عَنْهُ بالسّماع جماعة.
151- عَبْد الخالق بْن أسد بْن ثابت [1] .
الفقيه أَبُو مُحَمَّد الدّمشقيّ، الحنفيّ، المحدِّث، الأطْرابُلُسيّ الأصل.
تفقَّه شافعيّا، ثمّ تحوَّل إلى مذهب أَبِي حنيفة، وتفقّه عَلَى الفقيه البلْخيّ. ورحل فِي الحديث وجمع، وخرّج، ودرّس بالصّادريَّة والمُعِينيَّة، وعقد مجلس الوعْظ.
روى عَنْهُ: ابن غالب، ومحمد بْن غسّان، وإسماعيل بْن يداش السّلّار، وغيرهم.
وكان يُلقَّب تاج الدّين.
سَمِعَ: جمال الْإِسْلَام عليّ بْن المسلم، وعبد الكريم بْن حَمْزَة، وطاهر بْن سهل، وعليّ بْن قيس الغسّانيّ، ويحيى بْن بطْريق، ونصر اللَّه المصِّيصيّ، وابن طاوس بدمشق، وأحمد بْن مُحَمَّد الزّوزنيّ، وإسماعيل بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبا مُحَمَّد سبط الخيّاط وأخاه الحسين، وعبد الله البيضاويّ،
__________
[1] انظر عن (عبد الخالق بن أسد) في: خريدة القصر (شعراء الشام) 1/ 282، 283 (بالحاشية) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 54 رقم 835، والعبر 4/ 187، وتذكرة الحفاظ 4/ 1320 وفيه «أسعد» بدل «أسد» ، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1826، وفيه «عبد الحق» وهو غلط، وسير أعلام النبلاء 20/ 497، 498 رقم 315، والجواهر المضيّة 2/ 368- 370، والوافي بالوفيات 18/ 88، 89 رقم 91، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 76، 77، وتاج التراجم لابن قطلوبغا 37، والنجوم الزاهر 5/ 381، والدارس في تاريخ المدارس 1/ 538، والطبقات السنية، رقم 1153، ومختصر تنبيه الطالب 93 و 107، وكشف الظنون 172 و 1654، و 1735، وشذرات الذهب 4/ 212، وهدية العارفين 1/ 509، ومعجم المؤلفين 5/ 109، والحياة الثقافية في طرابلس الشام (تأليفنا) 251، 252، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 2/ 158، 159 رقم 472.(39/197)
وعبد الوهّاب الأنْماطيّ ببغداد، وعمر بْن إِبْرَاهِيم العلويّ بالكوفة، وهبة اللَّه ابن أخت الطّويل بهَمَذَان، وعتيق بْن أحمد الرُّوَيْدَشْتيّ، وفاطمة بِنْت مُحَمَّد البغداديّ، وإسماعيل الحمّاميّ، وطائفة بأصبهان.
وتُوُفّي بدمشق في المحرَّم فِي أوّل السّنة.
ولي بمعجمه نسخة مليحة [1] .
152- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن قُزْمان [2] .
أَبُو مروان القرطبيّ.
ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة.
وَسَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن فَرج، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي الْحَسَن العبْسيّ.
وتفقّه عند القاضي أَبِي الوليد بْن رُشْد.
قَالَ ابن بَشْكُوال [3] : كَانَ من كبار العلماء وجِلَّة الفقهاء، مقدَّمًا فِي الأدباء والنُّبَهاء. أخذ النّاس عَنْهُ.
وتُوُفّي فِي مستهلّ ذي القعدة.
قلت: روى عَنْهُ: أَبُو الْخَطَّاب أحمد بْن مُحَمَّد بْن واجب الحافظ البَلَنْسِيّ، وإبراهيم بْن عليّ الخَوْلانيّ شيخ عيسى الرُّعَيْنيّ، ومحمد بْن أحمد بْن اليتيم شيخ لابن مسدي.
153- عَبْد السّلام بن عتيق.
__________
[1] ومن شعره:
قلّ الحفاظ فذو العاهات محترم ... والشّهم ذو الفضل يؤذى مع سلامته
كالقوس يحفظ عمدا وهو ذو عوج ... وينبذ السّهم قصدا لاستقامته
(سير أعلام النبلاء، الجواهر المضية، الوافي بالوفيات) .
[2] انظر عَنْ (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الملك) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 353، والمشتبه في الرجال 2/ 524، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1827، وسير أعلام النبلاء 20/ 518 رقم 331، وتبصير المنتبه 3/ 1127.
[3] في الصلة 2/ 353.(39/198)
السّفاقُسِيّ ثمّ الإسكندريّ، الفقيه المالكيّ من علماء الثّغر المذكورين.
أخذ عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بْن الْمُفَضَّلِ، وقال: تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.
154- عَبْد العزيز بْن الْحَسَن بْن أَبِي البسّام.
الحُسَيْنيّ المَيُورقيّ.
وُلِد ببرقة وأخذ بها العربيَّة عَنْ أَبِي عُبَيْدة الزّاهد.
وولي خطَّة الكتابة. وكان عابدا، صالحا، مجتهدا.
أخذ عَنْهُ من شِعْره: أَبُو الْعَبَّاس بْن مضاء.
155- عُلَيْم بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد اللَّه [1] .
الحافظ أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيّ، العَدَويّ، العُمَريّ، الأندلسيّ.
أحد الأعلام، ويُكنّى بأبي الْحَسَن أيضا.
وُلِد بشاطبة سنة تسع وخمسمائة.
وسمع: أَبَا عَبْد اللَّه بْن مغاور، وأبا جعفر بْن جحدر.
وسمع بدانية من: أَبِي عَبْد اللَّه ابن غلام الفَرَس، وأبي إِسْحَاق بْن جماعة.
ورحل إلى المَرِيَّة فسمع بها من: أَبِي القاسم بْن ورد، وأبي القاسم الحَجّاج القُضَاعيّ، وجماعة.
قَالَ ابن الأَبّار [2] : كَانَ أحد العلماء الزّهّاد، وأقرأ القرآن، ودرّس الفقه. وكان صاحب فنون، كثير المحفوظات جدّا لا سيمّا الصّحيحين «والموطّأ» [3] .
__________
[1] انظر عن (عليم بن عبد العزيز) في: صلة الصلة لابن الزبير 162، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1953، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 429، 430 رقم 740، وله ذكر في ترجمة (طارق بن يعي 5) . انظر الذيل والتكملة 4/ 148- 159 رقم 221، وسير أعلام النبلاء 20/ 518، 519 رقم 332 وفيه قال محقّقوه بالحاشية: «لم نعثر على مصدر ترجمه» .
[2] في تكملة الصلة.
[3] زاد المراكشي في الذيل: «والمدوّنة» .(39/199)
وكان يَقُولُ: ما حفظت شيئا فنسيته.
وكان كثير الْمَيْلِ إلى السُّنَن والآثار، وعلوم القرآن، مَعَ حظٍّ من عِلم النّحو والشِّعْر، وَالْمَيْلِ إلى الزُّهْد، مَعَ الْوَرَعِ والتّواضع: وكان معظَّمًا فِي النّفوس، ليّن الجانب، كثير المحاسن [1] .
تُوُفّي فِي ذي القعدة ببَلَنْسِيَة.
156- عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن هُذَيْلٍ [2] .
أَبُو الْحَسَن البَلَنْسِيّ المقرئ، شيخ القرّاء بالأندلس.
وُلِد سنة سبعين أو إحدى وسبعين وأربعمائة، ونشأ فِي حجْر أَبِي دَاوُد سُلَيْمَان بْن نجاح [3] ، ولازمه بضعة عشر عاما بدانية وبَلَنْسِيَة، وكان زوج أمّه، وهو أثبت النّاس فِيهِ. حَمَلَ عَنْهُ الكثير من العُلوم، وصارت إِلَيْهِ أُصوله العتيقة.
أتقن عَلَيْهِ القراءات حتّى برع فيها. وسمع «صحيح الْبُخَارِيّ» ورواه عن
__________
[1] وقال المراكشي: وكان بارّا بأصحابه، حسن العشرة لهم، كثير الاعتناء بأحوالهم، سريع البدار إلى قضاء حوائجهم، يقطع اليوم والأيام في النظر في مصالحهم والسعي الجميل في التهمّم بمآربهم وأمورهم، محبّبا عند العامة والخاصة، محتسبا نفسه في تغيير المناكر، مواظبا على أوراده من أفعال الخير ووظائف البرّ ليلا ونهارا. وكان له بيت قد أعدّه لخلوته والتفرّغ فيه لعبادته وتهجّده وقراءة كتبه معتزلا فيه عن عياله، فقام فيه ليلة إلى تهجّده على جاري عادته، ثم إن أهله فقدوا صوته فالتمسوه فوجدوه ميتا.
[2] انظر عن (علي بن محمد بن هذيل) في: صلة الصلة 97، وفهرست ابن خير 428، وبغية الملتمس للضبيّ 414، رقم 1200، وتكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 63 (النسخة الأزهرية) ، والمطبوع، رقم 1858، ومعجم شيوخ الصدفي 284، رقم 267، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، السفر الخامس، ق 1/ 369- 372، رقم 638، وصلة الصلة 97، 98، والعبر 4/ 187، 188، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1828، والإعلام بوفيات الأعلام 233، وسير أعلام النبلاء 20/ 506، 507 رقم 323، ومعرفة القراء الكبار 2/ 517- 519 رقم 461. وتذكرة الحفاظ 4/ 1320، ودول الإسلام 2/ 78، ومرآة الجنان 3/ 374، وغاية النهاية 1/ 573، 574، والنجوم الزاهرة 5/ 382، وشذرات الذهب 4/ 213، وشجرة النور الزكية 1/ 147 رقم 440.
[3] في شجرة النور: «سليمان بن الحاج» وهو غلط.(39/200)
أَبِي مُحَمَّد الركليّ [1] . وسمع «صحيح مُسْلِم» من طارق بْن يعيش.
وسمع «مختصر الطُّلَيْطُليّ» فِي الفِقه، من أَبِي عَبْد اللَّه بْن عيسى [2] ، وسمع «سُنَن» أَبِي دَاوُد من طارق أيضا.
وأجاز لَهُ أَبُو الْحُسَيْن بْن البيّاز [3] ، وخازم بْن مُحَمَّد، وأبو عليّ بْن سُكَّرَة، وغيرهم.
قَالَ الأَبّار [4] : وكان منقطع القرين فِي الفضائل، والزُّهد، والورع، مَعَ العدالة والتّواضع والإعراض عَنِ الدّنيا، والتّقلُّل منها، صوّاما قوّاما، كثير الصَّدقة.
كانت لَهُ ضَيْعة فكان يخرج لتفقّدها فتَصْحَبه الطّلبة، فمن قارئٍ، ومن سامع، وهو منْشَرح، طويل الاحتمال عَلَى فَرْط مُلازمتهم لَهُ وانتيابهم إيّاه ليلا ونهارا. وأسنّ وعُمّر. وهو آخر من حدَّث عَنْ أَبِي دَاوُد.
وإليه انتهت الرئاسة في صناعة الإقراء عامَّة عُمره لُعُلوّ روايته، وإمامته فِي التّجويد والإتقان.
وحدَّث عَنْ [5] جِلَّة لا يُحْصَون، ورحلوا إِلَيْهِ، وأقرأ وحدَّث نحوا من ستّين سنة.
قَالَ لنا مُحَمَّد بْن أحمد بْن سَلْمُون: كَانَ رحمه اللَّه يتصدَّق عَلَى اليتامى والأرامل، فقالت زوجته: إنّك لتسعى بها فِي فقر أولادك.
فقال لها: لا والله، بل أَنَا شيخ طمّاع أسعى فِي غناهم.
قلت: قرأ عَلَيْهِ القراءات أَبُو محمد القاسم بن فيرّه الشّاطبيّ، وأبو
__________
[1] في شجرة النور: «الدكالي» ، وهو غلط. و «الركلي» نسبة إلى ركلة من عمل سرقسطة بالأندلس (معجم البلدان 3/ 64) .
[2] في شجرة النور: «من أبي عبد الله بن يعي 5» وهو غلط.
[3] في الأصل غير معجمة.
[4] في تكملة الصلة.
[5] في الأصل: «عن» .(39/201)
عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن نوح الغافِقيّ، وأبو جعفر أحمد بْن عليّ الحصّار، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سَعِيد المراديّ، وأبو عليّ الْحُسَيْن بْن يوسف بْن زلال، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن خَلَف بْن سبْع الزَّنَاتيّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سعادة الشّاطبيّ، وعمه المعمّر مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن سعادة، وولد ابن هُذَيْلٍ أَبُو عامر مُحَمَّد بْن عليّ، وعليّ بْن مُحَمَّد النّفزيّ المعروف بابن فتوح، وأبو الأَصْبَغ عَبْد العزيز بْن أحمد بْن الموصل الزّاهد، وغلْبُون بْن مُحَمَّد بْن غلْبُون الْأَنْصَارِيّ، وجعفر بْن عَبْد اللَّه بْن سيد بُوَيْه الخُزاعيّ العابد شيخ الصّوفيَّة، وطائفة سواهم.
وقرأ عَلَيْهِ رواية نافع: مُحَمَّد بْن أحمد بْن مَسْعُود الْأَزْدِيّ، والحسن بْن عَبْد العزيز التُّجَيْبيّ، وغيرهما.
وروى عَنْهُ الحديث خلْق منهم: مُحَمَّد بْن أحمد بْن سَلْمُون، وسِبْطَتُه زينب بِنْت مُحَمَّد بْن أحمد الزّهريّة وتوفّيت سنة خمس وثلاثين وستمائة، وكذا تُوُفّي عامئذ الْحَسَن التُّجَيْبيّ.
وروى عَنْهُ بالإجازة محيي الدّين ابن العربيّ نزيل دمشق.
قَالَ الأَبّار [1] : تُوُفّي ابن هُذَيلٍ فِي سابع عشر رجب يوم الخميس، ودُفن يوم الجمعة، وصلّى عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَن بْن النّعمة، وحضره السّلطان أَبُو الحَجّاج يوسف بْن سعد، وتزاحم النّاس عَلَى نعشه. ورثاه واجب بْن عُمَر بْن واجب بقصيدةٍ منها:
لم أنسَ يوم تهادى [2] نعشه أسفا ... أيدي الورى [3] وتراميها عَلَى الْكَفَنِ
كزهرةٍ تتهاداها الأكُفُّ فلا ... تقيم فِي راحةٍ إلّا عَلَى ظَعَنِ
قَالَ لنا ابن سَلْمُون: هذا صحيح، كَانَ النّاس يتعلّقون بالنُّطُق والسّقف
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] في التكملة، والذيل: «تهادت» .
[3] في الأصل: «الورا» .(39/202)
ليُدركوا النَّعْشَ بأيديهم، ثمّ يمسحون بها عَلَى وجوههم.
عاش أربعا وتسعين سنة.
157- عُلَيّ بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن عَلِيّ بْن عَبْد العزيز [1] .
القاضي زكيّ الدّين أَبُو الْحَسَن ابن القاضي المنتخب أَبُو المعالي الْقُرَشِيّ الدّمشقيّ قاضي دمشق هُوَ وأبوه وجدّه.
كَانَ فقيها، خيّرا، ديِّنًا، محمود السّيرة، استعفى من القضاء فأُعفي، وذهب إلى العراق فحجّ منها، ثمّ عاد إلى بغداد، فأقام بها سنة، وأدركه الموت.
قَالَ عليّ بْن أحمد الزَّيْديّ: كَانَ نزِهًا، عالما، ذا وقار وتديُّن.
وقال ابن الدَّبِيثيّ [2] : سَمِعَ من: عَبْد الكريم بْن حمزة، وجمال الْإِسْلَام عَلِيّ بْن المسلم، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي نُفَيْلٍ.
سَمِعَ منه: أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب مَعَ تقدُّمه،. وأبو بَكْر الباقداريّ، وعمر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ.
وأنا عَنْهُ أَبُو طَالِب بْن عَبْد السّميع الهاشميّ، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر.
وقال مُحَمَّد بْن حمزة بْن أَبِي الصَّقْر: وفيها ورد الخبر بوفاة القاضي أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الْقُرَشِيّ ببغداد يوم الجمعة ثامن وعشرين شوّال، ودُفِن بالقُرب من قبر أحمد بن حنبل.
__________
[1] انظر عن (علي بن محمد بن يحيى) في: الكامل في التاريخ 11/ 350، ووفيات الأعيان 4/ 236، (في ترجمة ابنه محمد) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 134 رقم 1029، والتاريخ المجدّد لمدينة السلام بغداد (مخطوطة باريس 2131) ورقة 21، وذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي 359، وسير أعلام النبلاء 20/ 519، والإعلام بوفيات الأعلام 233، والعبر 4/ 188، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 235، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 9، 10، والوافي بالوفيات 22/ 155، 156 رقم 100، ومرآة الجنان 3/ 374، والنجوم الزاهرة 5/ 382، وقضاة دمشق 46، وشذرات الذهب 4/ 213.
[2] في المختصر المحتاج إليه 3/ 134.(39/203)
قلت: وولد سنة سبع وخمسمائة.
158- عَلِيّ بْن أَبِي نصر [1] .
الشَّيْخ أَبُو الحن الهِيتَيّ [2] ، من سادة مشايخ العراق. صاحب أحوال وكرامات وأخلاق، وفَقْر.
صحِب الشَّيْخ عَبْد القادر، وغيره.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ يسكن بزَرِيران [3] بقرب المدائن، وله بها رباط يقيم بِهِ، وعنده جماعة من المنقطعين إلى اللَّه، وكان يتكلَّم عَلَى الخواطر، وله قَبُولٌ عظيم بين العوامّ، ويقال ناهز المائة.
مات رضي اللَّه عَنْهُ فِي جُمادى الأولى سنة أربعٍ وسِتين وخمسمائة.
159- عُمَر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حُجّاج [4] .
أَبُو الحَكَم الإشبيليّ اللَّخْميّ.
روى عَنْ: أَبِي مروان الباجيّ، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وعبّاد بْن سرحان، وجماعة.
وكان فاضلا ورِعًا. ولي خطابة إشبيلية وأخذ النّاس عَنْهُ.
وعاش بضعا وثمانين سنة.
160 [عُمَر] [5] بْن مُحَمَّد بْن عليّ.
أبو نصر الكلوذانيّ [6] .
__________
[1] انظر عن (علي بن أبي نصر) في: تاريخ إربل 1/ 53- 55 رقم 11، ومعجم البلدان 3/ 140، وسير أعلام النبلاء 20/ 484 (دون ترجمة) ، وتاريخ ابن الوردي 2/ 113.
[2] الهيتي: بكسر الهاء، نسبة إلى هيت، مدينة على الفرات فوق الأنبار.
[3] زريران: بفتح الزاي، وكسر الراء، وياء ساكنة، وراء أخرى، وآخره نون. قرية بينها وبين بغداد سبعة فراسخ على جادّة الحاجّ إذا أرادوا الكوفة من بغداد.
[4] انظر عن (عمر بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[5] في الأصل بياض.
[6] الكلوذاني، دون الألف الأولى بعد الواو، وفي الأنساب 10/ 460 بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الواو والذال المعجمة بين الألفين وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى كلواذان وهي قرية من قرى بغداد على خمسة فراسخ منها، فالنسبة إليها كلواذاني، وكلوذانيّ.(39/204)
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا عليّ بْن نبهان.
قَالَ ابن السّمعانيّ: حدَّث بعد خروجي من بغداد.
قلت: ولد سنة خمسمائة.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وابن قُدَامة.
تُوُفّي فِي صفر.
- حرف الميم-
161- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الفَرَج [1] .
الدّقّاق أَبُو المعالي البغداديّ، المعروف بابن العشبقيّ. ابن أخت الحافظ ابن ناصر. وهو أخو عُبَيْد اللَّه ويوسف وأبي منصور مُحَمَّد.
سَمِعَ: أَبَا الْحَسَن بْن العلّاف، وابن بيان، وأبا الغنائم النَّرْسيّ، وأبا طَالِب يوسف.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وابن قُدَامة، وابن الحُصْريّ، وجماعة.
وكان ثقة.
تُوُفّي فِي ذي القعدة، وكان شُرُوطيًّا، شاهدا.
162- مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن أحمد [2] بن سلمان [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن الفرج) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] انظر عن (محمد بن عبد الباقي) في: المنتظم 10/ 229 رقم 325 (18/ 185 رقم 4277) ، والتقييد لابن نقطة 83 رقم 77، وبغية الطلب (قسم تراجم السلاجقة) 24، وتلخيص مجمع الألقاب 3/ 334 رقم 2315 ورقم (1748) ، والمختصر المحتاج إليه 1/ 77، وذيل التاريخ المجدّد لمدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 71- 73 رقم 281، والمشتبه 1/ 49، ودول الإسلام 2/ 78، والإعلام بوفيات الأعلام 233، والمعين في طبقات المحدّثين 170 رقم 1829، وسير أعلام النبلاء 20/ 481- 483 رقم 304، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 219، 220، والبداية والنهاية 12/ 260 وفيه: «محمد بن عبد الله بن عبد الواحد» ، والوافي بالوفيات 3/ 209 رقم 1196، وتاريخ ابن الفرات م 4/ 1/ 77، وذيل التقييد لقاضي مكة 1/ رقم 237، وعقد الجمان (مخطوط) 16/ ورقة 453، والنجوم الزاهرة 5/ 382، وشذرات الذهب 4/ 213، 214.
[3] في العبر، وشذرات الذهب: «سليمان» .(39/205)
الحاجب أَبُو الفتح بْن البطّيّ، البغداديّ.
وُلِد سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
وأجاز لَهُ أَبُو نصر الزَّيْنَبيّ وهو آخر من روى عَنْهُ بالإجازة.
وكان أبَوَاه صالحين عادت عَلَيْهِ بَرَكَتُهما. وعُني بِهِ الحافظ أَبُو بكر ابن الخاضبة فسمّعه من: مالك بْن أحمد البانياسيّ، وعليّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الأنباريّ، وأبي الفضل عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن زكْري [1] الدّقّاق، وعاصم بْن الْحَسَن، ومحمد بْن أَبِي نصر الحُمَيْديّ، وعبد الواحد بْن فهد العلّاف، ورزْق اللَّه التّميميّ، وأبي الفضل أحمد بْن خَيْرُون، وطِراد، وابن الخاضبة، وطائفة سواهم.
ثمّ اتَّصل فِي شبيبته بالأمير يُمن أمير الجيوش، وغلب عَلَيْهِ وعلى جميع أموره. وكان النّاس يقصدونه ويتشفّعون بِهِ إلى مخدومه، وظهر منه خير ومروءة. وكان عفيفا نزِهًا، متفقِّدًا للفقراء.
قعد فِي بيته بعد موت أمير الجيوش، فكان شيخا صالحا، محِبًّا للرواية، حصّل أكثر مسموعاته، وطال عمره، واشتهر ذِكره وصار أسند شيخٍ ببغداد فِي زمانه.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السَّمعانيّ، وأبو الفَرَج بْن الجوزيّ، والحافظ عَبْد الغنيّ، وفخر الدين مُحَمَّد بْن تَيْمية، وموفّق الدّين بْن قُدَامة، وشهاب الدّين السُّهْرَوَرْدِيّ، وعليّ بْن أَبِي الفَرَج بْن كُبَّة، وتامر بْن مُطْلِق، وزُهْرة بِنْت مُحَمَّد بْن حاضر، وإسماعيل بْن عليّ بْن باتكين، وعليّ بْن أَبِي الفَرَج بْن الجوزيّ، وسعيد بْن مُحَمَّد بْن ياسين، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن السّبّاك، والأنجب بْن أَبِي السّعادات، ومحمد بْن عماد، والحسين بن عليّ ابن رئيس الرؤساء، وحنبل بْن أحمد الْجَوْسقيّ [2] ، وأحمد بْن يحيى البرّاج، والموفّق عَبْد اللّطيف بْن يوسف،
__________
[1] في الأصل، والمستفاد «ذكري» بالذال.
[2] الجوسقي: نسبة إلى جوسق، قرية من ناحية النهروان من أعمال بغداد. (الأنساب 3/ 370) .(39/206)
وعبد السّلام الزّاهريّ، وداود بْن معمر بْن الفاخر، وعبد اللّطيف بْن عَبْد الوهّاب الطَّبرَيّ، ومسمار بْن العُوَيس، والحسن بْن الجواليقيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي حرب النَّرْسيّ، وعليّ بْن أَبِي الفخّار الهاشميّ، وعبد اللّطيف بْن القُبَّيْطيّ، والمبارك بْن عَلِيّ بْن المطرِّز، وعبد اللَّه بْن عُمَر بْن اللَّتّيّ، ومحمد بْن مَسْعُود بن بهروز، وعبد اللَّه بْن المظفَّر ابن الوزير عَلِيّ بْن طِراد، ومحمد بْن ياقوت الجازرِيّ [1] الصُّوفيّ، وأحمد بْن محمود بْن المعزّ الحَرَّانيّ، وسعيد بْن عَلِيّ بْن بكري وبقي إلى قُبَيْلِ سنة تسعٍ وثلاثين، وجمال النّساء بِنْت أَبِي بَكْر العرّاف، وماتت سنة أربعين.
وآخر من روى عَنْهُ: إِبْرَاهِيم بْن عثمان الكاشْغَريّ.
وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة: عيسى بْن سلامة الحرّانيّ.
وتُوُفّيت نفيسة فِي أواخر سنة اثنتين وخمسين بعد الشَّيْخ المجد، وله مائة سنة وسنة وشهر.
قَالَ ابن نقطة [2] : حدّث ابن البطّيّ ب «حلية الأولياء» عَنْ حَمْد الحدّاد، عَنْ أَبِي نُعَيْم.
وسمع منه الأئمّة والحفّاظ، وهو ثقة صحيح السّماع.
وقال ابن مشّق [3] : توفّي يوم الخميس سابع عشر جمادى الأولى، ودفن يوم الجمعة بباب أبرز.
وقال الشّيخ الموفّق: ابن البطّيّ شيخنا، وشيخ أهل بغداد، في وقته، وأكثر سماعه على ابن خيرون. وما روى لنا عَنْ رزق اللَّه التّميميّ، ولا عَنِ الحُمَيْديّ، ولا عَنْ حَمْد الحدّاد، غيره.
قَالَ: وكان ثقة سهلا في السّماع.
__________
[1] الجازري: بفتح الجيم والزاي المكسورة بعد الألف وبعدها راء. هذه النسبة إلى جازرة وهي قرية من أعمال نهروان بالعراق. (الأنساب 3/ 162) .
[2] في التقييد 83.
[3] هو أبو بكر محمد بن المبارك بن محمد البغدادي البيّع. توفي سنة 605 هـ.(39/207)
وقال ابن النّجّار: كَانَ صالحا، مليح الأخلاق، حريصا عَلَى نشر العِلْم.
صدوقا، حصّل أكثر مسموعاته شراء، ونَسْخًا، وَفِقْهًا.
سَمِعَ منه: ابن ناصر، وسعد الخير، والكبار [1] .
163- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبادة [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، المقرئ.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي القاسم بْن النّحّاس، وشُرَيْح، ومنصور بْن الخيّر.
وسمع من: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وابن مغيث، وجماعة.
وتفقّه بأبي الوليد بْن رُشْد، وأبي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ.
وتصدَّر للإقراء بجيّان، وهي بلدة، ثمّ سكن شاطِبة، وأخذ النّاس عَنْهُ.
وكان من مَهَرَةِ القُرَّاء.
وُلِد سنة ثمانين وأربعمائة.
قَالَ الأَبّار [3] : أخذ عَنْهُ شيخنا أَبُو عَبْد اللَّه بْن سعادة.
164- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن عَبْد الحميد [4] .
أَبُو عَبْد اللَّه [5] الفارقيّ [6] ، الزّاهد، نزيل بغداد ذو العبارات الفصيحة،
__________
[1] وقال ابن الجوزي: وكان سماعه صحيحا، سمعنا منه الكثير. كان يحب أهل الخير ويشتهي أن يقرأ عليه الحديث. (المنتظم) .
[2] انظر عن (محمد بن عبد الرحمن بن عبادة) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 503، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 6/ 350، 351، ومعرفة القراء الكبار 2/ 532 رقم 476، وغاية النهاية 2/ 162.
[3] في تكملة الصلة.
[4] انظر عن (محمد بن عبد الملك) في: المنتظم 10/ 229 رقم 327 (18/ 186 رقم 4280) ، والكامل في التاريخ 11/ 350، والمختصر في أخبار البشر 3/ 48، والعبر 4/ 188، 189، وسير أعلام النبلاء 20/ 500، 501 رقم 318، وتاريخ ابن الوردي 2/ 118، والوافي بالوفيات 4/ 44 رقم 1500، والبداية والنهاية 12/ 260، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 77، وشذرات الذهب 4/ 214.
[5] في الكامل: «أبو محمد» .
[6] الفارقيّ: نسبة إلى ميّافارقين.(39/208)
والمعاني الصّحيحة، المُعرِض عَنْ زخارف الدُّنيا، المُقبِل عَلَى العِلم والتَّقوى، كذا قَالَ فِيهِ ابن النّجّار.
وقال: قدِم بغدادَ فِي صِباه فاستوطنها. وكان يتكلَّم عَلَى النّاس كلّ جمعة بعد الصّلاة بجامع القصر، يجلس عَلَى آجرّتين، ويقوم إذا حميَ الكلام.
وسُئل أن يُعمل لَهُ كُرسيّ، فأبى ذَلِكَ. وكان يحضر مجلسه العلماء والأعيان، ويتكلّم عَلَى لسان أهل الحقيقة بلسان عذْب، وكلامٍ لطيف، ومنطْق بليغ، فانتفع بِهِ خلْقٌ كثير.
وكان من أولياء اللَّه وأصفيائه، لَهُ المقامات، والرياضات، والمجاهدات.
دوَّن كلامه أَبُو المعالي الكُتُبيّ فِي كتاب مُفْرَد.
روى لي عَنْهُ: ابن سُكَيْنَة، وابن الحُصْريّ.
وكان شيخا مليح الصّورة، ذا تجمُّل فِي ملبوسه وبيته فَقْر.
وقال ابن الجوزيّ [1] : كَانَ مُحَمَّد الفارقيّ يتكلَّم عَلَى النّاس قاعدا، وربّما قام عَلَى قدميه فِي دار سيف الدّولة من الجامع. وكان يُقال إنّه يحفظ كتاب «نهج البلاغة» ويغيّر ألفاظه. وكانت لَهُ كلمات حِسان فِي الجملة.
وقال أَبُو المحاسن الْقُرَشِيّ: قدِم بغداد فِي صِباه، وسمع من: جعفر السّراج، وانقطع إلى الخلْوة والمجاهدة والعبادة إلى أن لاحت لَهُ إمارات القبول.
وكان العلماء والفُضَلاء يُقْصِدونه ويكتبون كلامه الَّذِي هُوَ فوق الدّرّ.
كَانَ متقلّلا، خشِن العِيش.
وقال ابن الدَّبِيثيّ: كَانَ يتكلَّم عَلَى النّاس كلّ جمعة من غير تكلُّف ولا رويَّة والنّاس يكتبون.
وقال أَبُو أحمد بْن سُكَيْنَة الأمير: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه الفارقيّ يَقُولُ:
المحبَّة نار، زِنادُها جمال المحبوب، وكِبِرْيتها الكَمَد، وخزّانها حرق القلوب، ووَقُودُها الفؤاد والكبد.
__________
[1] في المنتظم.(39/209)
قَالَ: وسمعته يَقُولُ: المُحِبّ لسطوة سلطان الجمال مغلوب، وبحُسام الحُسْن مضروب، مأخوذ عَنْهُ، مسلوب. نجْمُ رغبته غاربٌ عَنْ كلّ مرغوب، وطالع فِي فنّ العيوب. مصباح حُبَّة يتوهّج فِي زجاجة وجْده، نار الوَلَه بالمحبوب بشهاب شوقه وكمده فِي قلبه وكبده ساطع لا يهوب.
وقال يحيى بْن القاسم التِّكْريتي: سَمِعْتُ الشَّيْخ مُحَمَّد الفارقيّ يَقُولُ:
الدّنيّ الهِمَّة عند شَهْوته مستخدم فِي اصطبل طبْعه يخدم كَوْدَن كِبره، وأتانَ تِيهه، وحمار خرصه، جواد همّه مُقَيَّد بقيود ذنابه. قد وضع عَلَى قدميه شَبْحةً تتعبه من الجري فِي حلبة المكارم، وجعل عَلَى ظهره جبل الدّكّ منسوجا من الصّفات الذّمائم.
ثمّ قَالَ يحيى: حكى لي أَبُو الفتح مَسْعُود بْن مُحَمَّد البدريّ قَالَ: دخل يوسف بْن مُحَمَّد بْن مفيد الدّمشقيّ عَلَى الشَّيْخ مُحَمَّد الفارقيّ ومعه فقراء، فلمّا نظر الفقراء إلى الشَّيْخ لحِقَهم وَجْد، فصاحوا، فرفع رأسه وقال: لا تخبزوا فطيرا، فإنّ الفطير يوجع الفؤاد.
وقال ابن النّجّار: قرأت عَلَى يوسف بْن جبريل بالقاهرة، عَنِ القاضي أَبِي البركات مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ قَالَ: أنا الْإِمَام الزّاهد العارف أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الفارقيّ بقراءتي، ولم أر ببغداد من يُدانيه من فضله ويضاهيه، وهو المتكلّم بالعراق، قَالَ: ثنا شيخنا أَبُو البقاء المبارك بْن الخلّ، فذكر حديثا.
قلت: ابن الخلّ هُوَ والد الفقيه أَبِي الْحَسَن، صوفيّ زاهد، ذكرناه في سنة عشرين وخمسمائة.
وقال القاضي عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ: مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الفارقيّ العارِف، قدِم بغداد قديما، وسمع بها من جَعْفَر السّراج. كذا قَالَ القاضي.
قَالَ: وانقطع إلى الخلْوة والمجاهدة والعبادة، واستعمل الإخلاص فِي أعماله إلى أن تحقّق جريان حِكَمه من قلبه عَلَى لسانه.(39/210)
وكان الفُضَلاء يقصدونه ويكتبون كلامه الَّذِي يفوق الدُّرّ. وجرى عَلَى طريقةٍ واحدة من اختيار العِفَّة والتّقلُّل والتّخشُّن، وردّ ما يفتح عَلَيْهِ إلّا القليل من الإجار.
وُلِد سنة سبْعٍ وثمانين وأربعمائة.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: روى لنا عَنْهُ جماعة.
وتُوُفّي فِي رجب عَنْ سبْعٍ وسبعين سنة.
165- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن المسلّم بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الفتح [1] .
الواعظ أَبُو بَكْر ابن جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن السُّلَميّ الفقيه، الدّمشقيّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وعليّ بْن المَوازِينيّ، وهبة اللَّه بْن الأكْفانيّ، وجماعة.
وكتب وحصَّل ودرَّس، ووعظ، في حياة أبيه. وولي تدريس الأمينيَّة بعد أَبِيهِ وخطابة دمشق.
وناب فِي القضاء عَنِ القاضي كمال الدّين أَبِي الفضل الشّهرزوريّ.
وكان حَسَن الأخلاق، قليل التّصنُّع.
روى عَنْهُ: القاسم بْن عساكر، والحسين بْن صَصْرَى، وغيرهما.
وتُوُفّي فِي شوّال عَنِ اثنتين وستّين سنة.
166- مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن أميرك [2] .
أَبُو بكر الْأَنْصَارِيّ الخازميّ، بخاء منقوطة، الهَرَويّ، الفقيه الزّاهد.
سَمِعَ: أَبَا الفتح نصر بْن أحمد الحنفيّ، وعبد الرّزّاق بْن عَبْد الرَّحْمَن المالينيّ، وصاعد بن سيّار الدّهّان.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن المسلم) في: من حديث خيثمة الأطرابلسي 145، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 4/ 57 رقم 1107.
[2] انظر عن (محمد بن عمر بن أبي بكر) في: الإكمال لابن ماكولا (بالحاشية) 3/ 334، والاستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب: الحازمي والخازمي، وذيل التاريخ المجدد لمدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 96، 97 رقم 310، والمختصر المحتاج إليه 1/ 83، والمشتبه في الرجال 1/ 203، وتوضيح المشتبه 3/ 27.(39/211)
وبنَيْسابور: مُحَمَّد بْن أحمد بْن صاعد، وسهل بْن إِبْرَاهِيم المسجِديّ، والفراويّ.
وبسَرْخَس، وبلْخ، وبغداد، وغيرها.
وعنه: الحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ، ونصر اللَّه بْن سلامة الهِيتيّ، وعمر بْن أحمد بْن بكرون، وآخرون.
وُلِد سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة. وورَّخ وفاته حفيدُه أَبُو الفتح عُمَر بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الخازميّ.
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: كَانَ فقيها مُنَاظِرًا، وأديبا بارعا، عفيف النَّفس، حَسَن السّيرة. تفقّه بمَرْو، وبُخَارَى.
وقال يوسف بْن أحمد الشّيرازيّ: روى عَنْ عيسى بْن شُعَيب السِّجْزيّ.
سَمِعْتُ منه «غريب الحديث» للخطابيّ.
قَالَ الرهاويّ: سَمِعَ من: أَبِي نصر الشّاميّ، وأبي الفتح الحنفيّ، ورحل إلى نَيْسابور وغيرها. وسافر إلى مرو، وبرع بها فِي عِلم الخلاف. وكان عالما بالفقْه، والنّحْو واللّغة، زاهدا، متواضعا، لازما لبيته، وله مِلْك يعيش منه هُوَ وأولاده، وكان يعِظ فِي جامع هَرَاة، وينال من المتكلّمين. ولمّا رجعت إلى هَمَذَان سألني شيخنا الحافظ أَبُو العلاء: مَن المقدَّم بهَرَاة؟
قلت: أولاد شيخ الْإِسْلَام.
فقال: إنْ كَانَ لهم أمرٌ مُشكِل إلى مَن يرجعون؟ قلت: إلى الخازميّ! 167- المبارك بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن غُنَيْمَة [1] .
أَبُو السّعادات البغداديّ، الشُّرُوطي.
قرأ القراءات عَلَى أَبِي البركات مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الوكيل صاحب أَبِي العلاء الواسطيّ.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 171 رقم 1136.(39/212)
وسمع من: شُجاع الذُّهْليّ، وأبيّ النّرسيّ، وجماعة.
روى عنه: أبو بكر بن مشق، وأبو محمد بن الأخضر.
توفّي في ربيع الأوّل، وله خمس وسبعون سنة.
168- مسعود بن الحسن بن هبة الله [1] .
أبو المظفّر الحلّي، الضّرير، المقرئ.
قدم بغداد في صباه، وقد قرأ عَلَى أَبِي العزّ القَلانِسيّ، لكنّه خلط وضُبط، وادّعى أَنَّهُ قرأ عَلَى أَبِي طاهر بْن سوّار وظهر كذِبه، لأنّه قَالَ: قرأت عَلَيْهِ سنة ستّ وخمسمائة.
وقد حدَّث عَنْ: أَبِي القاسم بْن بيان، وابن ملَّة.
وتُوُفّي فِي رجب.
استوعبت خبره فِي «طبقات القُرَّاء» .
169- معمَّر بْن عَبْد الواحد [2] بْن رجاء [3] بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن الفاخر بْن أحمد.
الحافظ أَبُو أحمد الْقُرَشِيّ، العَبْشَميّ.
من وَلِدِ سَمُرَةَ بْن جُنْدُب، مِن أعيان عُدُول أصبهان وكبار محدّثيها وفُضَلاء وعّاظها.
__________
[1] انظر عن (مسعود بن الحسن) في: ميزان الاعتدال 4/ 99، ومعرفة القراء الكبار 2/ 537- 538 رقم 483، والمختصر المحتاج إليه 3/ 187، 188، رقم 1189 وفيه:
«مسعود بن الحسين» ، وغاية النهاية 2/ 294، 295، ولسان الميزان 6/ 25.
[2] انظر عن (معمر بن عبد الواحد) في: المنتظم 10/ 229 رقم 328 (18/ 186 رقم 4281) ، والكامل في التاريخ 11/ 429، والمختصر المحتاج إليه 3/ 201 رقم 1232، وتذكرة الحفاظ 4/ 1319- 1321، ودول الإسلام 2/ 78، والعبر 4/ 189، وسير أعلام النبلاء 20/ 485- 487 رقم 305، والمعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1830، والإعلام بوفيات الأعلام 233، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد للدمياطي 231، 232، والبداية والنهاية 12/ 260، ومرآة الجنان 3/ 377، والنجوم الزاهرة 5/ 382، وشذرات الذهب 4/ 214.
[3] في الكامل، والبداية والنهاية: «رجّار» . وهو غلط.(39/213)
ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وسمع من: أَبِي الفتح أحمد بْن مُحَمَّد الحدّاد، وغانم البُرْجيّ، وأبي المحاسن الرّويانيّ، وأبي عَلِيّ الحدّاد، ومحمد بْن أحمد بْن المطهّر، وفاطمة الجوزدانيَّة، وخلْق كثير.
ورحل سنة نيّف وعشرين وخمسمائة فسمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأحمد بْن رضوان، وأبا العزّ بْن كادش، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، ومَن بعدهم.
وعاد إلى أصبهان مشغولا بالسّماع وإفادة الغَرباء. وقدِم بغداد بعد ذَلِكَ سبْع مرّات يَسمع ويُسمِّع أولاده.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السَّمعانيّ، وابن الْجَوزيّ، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفَّق، والسُّهْرَوَرْدِيّ، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر، وعمر بْن جَابِر، وآخرون آخرهم أَبُو الْحَسَن بْن المقيّر بالسّماع، وابن مَسْلَمَة، وعيسى الخيّاط بالإجازة.
قَالَ ابن السَّمعانيّ: مُعَمَّر، شابّ، كيِّس، حَسَن العِشْرة والصُّحْبة، سخيّ النَّفْس، متودّد، يراعي حقوق الأصدقاء ويقضي حوائجهم. وأكثر ما سَمِعْتُ بأصبهان من الشّيوخ كَانَ بإفادته. كَانَ يدور من الصّباح إلى اللّيل عَلَى الشّيوخ شَكَر اللَّه سَعْيَه، ثمّ كَانَ ينفّذ إليَّ الأجزاء لأنسخها، ويكتب إليَّ وفاة الشّيوخ كتب لي جزءا عَنْ شيوخه، وحدَّثني بِهِ [1] .
وقال ابن الجوزيّ [2] : كَانَ من الحُفّاظ الوعّاظ، وله معرفة حَسَنة بالحديث، كَانَ يخرّج ويُمْلي. سَمِعْتُ منه بالمدينة فِي الروضة. وتُوُفّي بالبادية ذاهبا إلى الحجّ في ذي القعدة.
وقال ابن النّجّار: كَانَ سريع الكتابة موصوفا بالحِفْظ والمعرفة، والثّقة، والصّلاح، والمروءة، والورع. صنَّف كثيرا فِي الحديث، والتّواريخ، والمعاجم، وكان معظَّمًا بأصبهان، ذا قبول وجاه.
__________
[1] المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 232.
[2] في المنتظم.(39/214)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَافِظِ، وَابْنُ الْفَرَّاءِ قَالَا: أنا ابْنُ قُدَامَةَ سَنَةَ سِتَّ عَشَرَ وَسِتِّمَائَةٍ: أنا مُعَمَّرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو الْفَتْحِ بْنِ الْحَدَّادِ سَنَةَ خَمْسِمَائَةٍ، أنا ابْنُ عَبْدِ كُوَيْهِ، أَنَا الطَّبَرَانِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، ثنا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا» [1] . قَالَ ابن مَشِّقْ: تُوُفّي فِي ثالث عشر ذي القعدة بطريق الحجاز، ووُلِد لخمسٍ بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
- حرف الياء-
170-[ياروق] [2] بْن أرسلان.
التُرْكُمانيّ الأمير.
مقدَّم جليل القدر فِي قومه، إِلَيْهِ تُنْسَب التُرْكُمان اليَارُوقيَّة. وكان عظيم الخلْقة، هائل الشّكْل. سكن بظاهر حلب فِي قِبْليّ البلد، وبنى هُوَ وأتباعه هناك أبنية كبيرة، فبقيت كالقرية. وهي عَلَى قُوَيْق [3] نهر حلب.
تُوُفّي فِي المحرَّم من السّنة.
171- يحيى بْن عَلِيّ بْن خطّاب [4] .
أبو المظفّر الدّينوريّ، الخيميّ.
__________
[1] أخرجه مسلم في أول كتاب التوبة (2) ، والترمذي (3538) .
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: الروضتين ج 1 ق 2/ 456، ومعجم البلدان 5/ 425، ووفيات الأعيان 6/ 117، 118، والنوادر السلطانية 39.
و «ياروق» بفتح الياء المثنّاة من تحتها وبعد الألف راء مضمومة ثم واو ساكنة وفي الآخر قاف. (وفيات الأعيان) .
[3] قويق: بضم القاف وفتح الواو وسكون الياء المثنّاة من تحتها وبعدها قاف، وهو نهر صغير بظاهر حلب يجري في الشتاء والربيع وينقطع في الصيف، وقد ذكرته الشعراء في أشعارهم كثيرا خصوصا أبا عبادة البحتري فإنه كرّر ذكره في عدّة قصائد. (وفيات الأعيان) .
[4] انظر عن (يحيى بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 245 رقم 1350.(39/215)
شيخ بغداديّ.
سَمِعَ: أَبَا الفضل بْن عَبْد السّلام، وأبا غالب الباقِلّانيّ.
روى عَنْهُ: ابنه عَبْد اللّطيف، وابن الأخضر، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْريّ، والشّيخ الموفّق، وجماعة.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر. ساكن عَامِل رحمه اللَّه.
الكنى
172- أَبُو طَالِب بْن الْإِمَام المستظهر باللَّه [1] .
الهاشميّ، من مشايخ بني الْعَبَّاس المتقدّمين الّذين بدار الخلافة.
له برّ ومعروف.
توفّي في رمضان.
__________
[1] انظر عن (أبي طالب) في: المنتظم 10/ 288 رقم 324 (18/ 185 رقم 4276) .(39/216)
سنة خمس وستين وخمسمائة
- حرف الألف-
173- أحمد بْن صالحُ بْن شافع بْن صالح بْن حاتم [1] .
أَبُو الفضل بْن أَبِي المعالي الْجِيليّ، ثمّ البغداديّ، الحافظ.
أحد الشّهود والعلماء.
سَمِعَ: هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الشُروطيّ، وأبا غالب بْن البنّاء، وأبا القاسم بْن الطَّبر، وقاضي المارِسْتان، وبدر بْن عَبْد اللَّه، وابن الطّلّاية فَمَن بعدهم.
وقرأ الروايات عَلَى سِبْط الخيّاط، وعُنِي بالحديث بعد الأربعين. وكان يقتفي أثر ابن ناصر ويحذو حذوه، ولازمه مدَّةً، واستملى عَلَيْهِ.
وكان مشارا إليه بمعرفة الحديث، وهو الَّذِي كَانَ يقرأ الحديث بمجلس ابن هُبَيْرة. وكان مليح الخطّ، متقِنًا، محقّقا، ورِعًا، ديِّنًا عَلَى طريقة السَّلَف. لَهُ تاريخ عَلَى السّنين من وفاة أَبِي بَكْر الخطيب يذكر فِيهِ الحوادث والوَفَيَات، ولم يبيّضه.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن صالح) في: المنتظم 10/ 230، 231 رقم 329 (18/ 188 رقم 4282) ، والكامل في التاريخ 11/ 359، والمختصر المحتاج إليه 1/ 183، والعبر 4/ 190، وسير أعلام النبلاء 20/ 572، 573 رقم 355، والتقييد لابن نقطة 143 رقم 163، ومرآة الجنان 3/ 378، والوافي بالوفيات 6/ 421، 422 رقم 2939، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 105، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 311- 313، وشذرات الذهب 4/ 215، وكشف الظنون 279، وإيضاح المكنون 1/ 212، وهدية العارفين 1/ 86، ومعجم المؤلفين 1/ 251، 252.(39/217)
روى عَنْهُ: ابن الأخضر، والشّيخ الموفّق، والحافظ عَبْد الغنيّ، وآخرون.
وتُوُفّي فِي شعبان، وله خمسٌ وأربعون سنة.
وقال الشَّيْخ الموفّق: كَانَ ابن شافع إماما، حافظا، ثقة، إماما فِي السُّنَّة، يقرأ الحديث قراءة مليحة بصوتٍ رفيع.
قلت: وروى عَنْهُ بالإجازة ابن مَسْلَمَة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ حافظا، حُجَّة، ثَبْتًا، ورِعًا، سُنّيًا، صحيح النَّقْلِ.
وقال غيره: صلّى عَلَيْهِ خلائق لا يُحْصَوْن كثرة رحمه اللَّه، وكان عنده حلْم وسُؤدُد.
174- أَحْمَد بْن عَبْد الباقي بْن أحمد بْن سلمان [1] .
أَبُو بَكْر بْن البطّيّ، أخو أَبِي الفتح المذكور عام أوّل.
سَمِعَ: أَبَا عَبْد اللَّه النِّعَاليّ، وأبا مُحَمَّد السرّاج، وأبا القاسم الرَّبَعيّ.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وتميم البَنْدَنِيجيّ، وابن الأخضر، وآخرون.
وتُوُفّي فِي شعبان.
أجاز لابن مَسْلَمَة، وكان حريصا عَلَى المال مقسّطا عَلَى نفسه.
175- أحمد بْن عُمَر بْن لَبِيدَة [2] .
أَبُو الْعَبَّاس الأَزَجيّ، المقرئ.
قرأ عَلَى سِبط الخيّاط بالرّوايات، ولقي جماعة. وسمع الكثير، واعتنى بالحديث، وأفاد، ونسخ، وكان صدوقا.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الباقي) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 192، والوافي بالوفيات 7/ 13 رقم 2958، ولسان الميزان 1/ 210، وترجم له المؤلّف- رحمه الله- في (سير أعلام النبلاء 20/ 483) في آخر ترجمة أخيه «محمد بن عبد الباقي» برقم (304) .
[2] انظر عن (أحمد بن عمر) في: المنتظم 10/ 231 رقم 330 (18/ 188 رقم 4283) ، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 105 وفيه «لبيد» بدل «لبيدة» .(39/218)
روى عَنْ: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وجماعة.
وسمع كلّ ما قُرِئَ عَلَى ابن ناصر.
روى عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن المبارك.
وتُوُفّي بطريق الحجاز فِي ذي القعدة.
176- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن قُضَاعة [1] .
أَبُو الْعَبَّاس البغداديّ.
سَمِعَ: أَبَا القاسم الرَّبَعيّ، وأبا القاسم بْن بيان.
سَمِعَ [منه] [2] : أَبُو منصور بْن الطّيّان، وأبو المحاسن الْقُرَشِيّ.
وحدَّث عَنْهُ: ابن الأخضر، والموفّق، وآخرون.
وتُوُفّي يوم الأضحى.
177- أحمد بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن الشَّدَنْك [3] .
أَبُو مُحَمَّد الحَرِيميّ.
شيخ بغداديّ مُعَمّر. وُلِد سنة ستّ وستّين وأربعمائة. ولو سَمِعَ فِي صِغَره لَلَحِقَ أَبَا القاسم بْن البُسْريّ وطبقَتَه، ولكنّه سَمِعَ بنفسه من عاصم بْن الْحَسَن، ورِزق اللَّه التّميميّ، وطِراد الزَّيْنَبيّ، وغيرهم. قاله ابن الدَّبِيثيّ.
سَمِعَ منه: أحمد بْن صالح الْجِيلّي، وأبو بَكْر بْن مَشِّقْ.
وعُمِّر حتّى قارب المائة.
وما ذكر ابن النّجّار سماعه من عاصم وذَوِيه، بل قَالَ: وُجِد سماعُه من هبة اللَّه بن المُجْلي، وأبي عليّ البَرَدانيّ، وأبي غالب بْن البنّاء.
روى لنا عَنْهُ: مُحَمَّد بْن عَبْد الله بن جرير.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن علي) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
[3] انظر عن (أحمد بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه ج 1، وسير أعلام النبلاء 20/ 502 (دون ترجمة) .(39/219)
قَالَ: وذكر تميم بْن البَنْدَنِيجَيّ [أنهما] [1] وضعا طبقة سماعه عَلَى عاصم بْن الْحَسَن، وأرادا أن يسمعا فأنكر عليهما [2] ، وجرت قضيَّة فأخفيا التّسميع.
- حرف الجيم-
178-[جوهرة] [3] بِنْت أحمد بْن طاهر.
سمعت: أَبَا الْحُسَيْن بْن العلّاف.
سَمِعَ منها: أبو سعد السمعاني، وعمر بن علي.
وتُوُفّيت فِي ذي الحجَّة.
- حرف الحاء-
179-[حَبْشيّ] [4] بْن مُحَمَّد بْن شُعَيب.
أَبُو الغنائم الشَّيْبانيّ، الواسطيّ، الضّرير. شيخ العربيَّة ببغداد.
لازَم الشَّجَرِيّ، وبلغ الغاية فِي النَّحو.
وحدَّث عَنْ قاضي المرستان [5] .
مات في ذي القعدة.
__________
[1] إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
[2] في الأصل: «عليهم» .
[3] في الأصل بياض.
[4] في الأصل بياض والمستدرك من: بغية الوعاة 1/ 492، 493 رقم 1021، وإنباه الرواة 1/ 337، 338 رقم 229، وتلخيص ابن مكتوم 65، وطبقات النحويين لابن قاضي شهبة 1/ 291، 292، ومعجم الأدباء 7/ 214- 216، ونكت الهميان 133، 134، والوافي بالوفيات 11/ 286، والمشتبه في الرجال 1/ 210، وتوضيح المشتبه 3/ 70، وتبصير المنتبه 1/ 399 و «حبشيّ» : بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحّدة وكسر الشين المعجمة وياء.
[5] وقال السيوطي: وسمع شيئا من الحديث، وكثيرا من كتب الأدب ودواوين العرب من أبي الفضل بن ناصر وأبي بكر بن عبد الباقي، وحدّث باليسير، وتخرّج به جماعة، منهم مصدّق بن شبيب النحويّ، وكان كثير الثناء عليه. وكان متمكّنا من علم النحو، قيّما به وبغوامضه، مع حسن طريقة وديانة، ولم يكن يهتدي إلى الطريق بغير قائد كما يهتدي العميان حتى سرقت كتبه، سرقها الّذي يأتيه في كلّ ليلة وهو قريب من منزله. (بغية الوعاة) .(39/220)
180- الحَسَن بْنِ عليّ بْن مُحَمَّد بْن علي.
أَبُو نصر ابن قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن الدّامَغَانيّ.
كَانَ ينوب عَنْ أخيه قاضي القضاة أَبِي الْحُسَيْن أحمد فِي القضاء بالجانب الغربيّ.
وحدَّث عَنْ: أَبِي الغنائم النَّرْسيّ.
سَمِعَ منه: عُمَر الْقُرَشِيّ.
تُوُفّي فِي شوّال.
181- الْحَسَن بْن مكّيّ بْن جَعْفَر بْن إِبْرَاهِيم.
أَبُو عليّ المريديّ، الصُّوفيّ، الفقيه.
قَالَ الشَّيْخ موفَّق الدّين: كَانَ بدويرة السُّمَيْساطيّ، وكان من أهل السُّنَّة.
وكان يَتَوَسْوَس فِي تكبيرة الإحرام.
قلت: روى عَنِ الفتح الكروجيّ، وغيره.
روى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفّق، وغيره.
تُوُفّي فِي رمضان.
182- الْحَسَن بْن هلال بْن مُحَمَّد بْن هلال [1] .
أَبُو مُحَمَّد بن الصّابيء، البغداديّ، الكاتب، المعروف بالأشرف. من بيت حشمة وكتابة.
سَمِعَ: أَبَا غالب الباقِلّانيّ، وأبا الغنائم النَّرْسيّ.
روى عَنْهُ، ابن الأخضر، وغيره.
وُلِد سنة ستّ وثمانين وأربعمائة [2] .
__________
[1] انظر عن (الحسن بن هلال) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 29، 30 رقم 602، والوافي بالوفيات 12/ 295، رقم 267، ومعجم الشعراء والأدباء لعزّ الدين بن جماعة (مخطوطة باريس) ورقة 65.
[2] من شعره:
وقالوا: كريم، والأقاويل جمّة ... وأكثرها يا جاهلون سقيم(39/221)
183- الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد ابن رئيس الرؤساء أَبِي القاسم عَلِيّ ابن المسلمة [1] .
أَبُو الفضائل البغداديّ.
روى عَنْ: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن.
وعنه: عُمَر بْن عَلِيّ.
184- الْحُسَيْن بن محمد السِّيبيّ [2] .
عامل قُوسَان [3] ، أبو المظفّر.
سجن مدّة، ثمّ قطعت يده ورجله. وحمل إلى المرستان، فتوفّي.
وله شعر رائق [4] .
__________
[ () ]
كما قيل في أرض الهلاك مفازة ... وقيل لملدوغ الصلال سليم
[1] انظر عن (الحسين بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 39 رقم 617.
[2] انظر عن (الحسين بن محمد السيبي) في: المنتظم 10/ 231 رقم 331 (18/ 188، 189 رقم 4284) وفيه: «السبيبي عامل قوسان» وهو غلط، والكامل في التاريخ 11/ 349، والوافي بالوفيات 13/ 40، 41 رقم 39، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 105، 106، و «السّيبي» :
من بلد السيب، وهو على الفرات بقرب الحلّة، وهو بكسر المهملة وسكون المثنّاة تحت، تليها موحّدة.
[3] في الأصل: «قومستان» . وقومسان: بالضم ثم السكون، وسين مهملة، وآخره نون. كورة كبيرة ونهر عليه مدن وقرى بين النعمانية وواسط. (معجم البلدان 4/ 413) وانظر الوافي بالوفيات 13/ 40.
[4] قال ابن الجوزي: وكان أديبا لطيفا، له شعر حسن، ومما قال من الشعر يتشوّق أهله:
سلام على أهلي وصحبي وجلّاسي ... ومن فؤادي ذكرهم راسب راسي
أحبّة قلبي قلّ صبري عنكم ... وزاد بكم وجدي وحزني ووسواسي
أعالج فيكم كل هم ولا أرى ... لداء همومي غير رؤيتكم آسي
خذوا الواكف المدرار من فيض أدمعي ... وحرّ لهيب النّار من كرب أنفاسي
لقد أبدت الأيام لي كل شدّة ... تشيب لها الأكباد فضلا عن الرأس
أقول لقلبي والهموم تنوشه ... وقد حدّثته النفس بالصبر والياس
وكيف اصطباري عنكم وتجلّدي ... على فقدكم ويلي على قلبي القاسي
ومن لي بطيف منكم أن يزورني ... على الليلة الليلاء في جنح ديماس(39/222)
- حرف الخاء-
185- الخضر بن عليّ بن أبي هشام [1] .
الدّمشقيّ، السّمسار.
عمّر تسعين سنة، وسمع من: نصر المقدسيّ، وهو آخر من سَمِعَ منه، إلّا أَنَّهُ كَانَ رافضيّا.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو القاسم بْن عساكر فِي «تاريخه» ، وأبو القاسم بْن صَصْرَى فِي مشيخته.
وقد سَمِعَ سنة خمسٍ وثمانين من عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن البَعْلَبَكّيّ، ومن أَبِي البركات أحمد بْن طاوس.
186- خُطْلُخ الدّبّاس [2] .
مولى أَبِي الفتح بْن شاتيل.
سَمِعَ معه من: أَبِي القاسم الرَّبَعيّ.
سَمِعَ منه: عُمَر العَلِيميّ، وعمر الْقُرَشِيّ.
وتُوُفّي بالموصل فِي السّنة ظنّا.
187- خَلَف بْن يحيى بْن فَضْلان [3] .
أَبُو القاسم البغداديّ، المؤدّب، المشاهد.
سَمِعَ الكثير، وحدَّث عَنْ: ابن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء، وهبة اللَّه بْن الطّبر.
__________
[1] انظر عن (الخضر بن علي) في: تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) 12/ 506 وفيه «بن أبي هاشم» ، ولسان الميزان 2/ 399 رقم 1636، وتهذيب تاريخ دمشق 5/ 167، 168، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 2/ 81 رقم 388.
[2] انظر عن (خطلخ الدبّاس) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 58، 59 رقم 647.
و «خطلخ» : بالتركية الفصيحة «قتلق» و «قتلغ» . ومعناه: القحط أبو المجاعة.
[3] انظر عن (خلف بن يحيى) في: تلخيص معجم الألقاب ج 5 رقم 49، والمختصر المحتاج إليه 2/ 58 رقم 646.(39/223)
سَمِعَ منه: ابناه فضلان، وعبد القادر، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع.
مات فِي رجب.
قال ابن النّجّار: صالح متديّن، طلب بنفسه، ولا يعرف العِلم. وخطّه فِي غاية الرداءة، وأُصُوله مسَخَّمَة سقيمة، وفيه غفْلة وسلامة. وربّما ألحْق اسمه بخطّه فِي طباق السَّماع الّتي بخطّه. ثنا عَنْهُ أحمد بْن البَنْدَنِيجَيّ.
188- خليل بْن وجيه.
من شيوخ عَبْد الرحيم بْن السَّمعانيّ.
- حرف الطاء-
189- طاوس أمّ [1] أمير المؤمنين المستنجد باللَّه [2] .
ماتت فِي شهر ذي الحجَّة، وشيّعها الوزير والأمراء قياما فِي السُّفُن إلى تُرب الرّصافة.
- حرف العين-
190- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن النَّقُّور [3] .
أَبُو بَكْر بْن أَبِي منصور بْن أَبِي الْحُسَيْن البزّاز.
شيخ ثقة، مشهور، من أولاد المحدّثين.
سَمِعَ: أَبَاهُ، والمبارك بْن عَبْد الْجَبّار، وأبا الْحَسَن العلّاف، وأبا القاسم بن بيان، وجماعة.
__________
[1] في الأصل: «بن» ، وهو وهم.
[2] انظر عن (طاوس أم المستنجد باللَّه) في: المنتظم 10/ 231، 232 رقم 332 (18/ 189 رقم 4285، والكامل في التاريخ 11/ 360، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 233، والوافي بالوفيات 16/ 413 رقم 452، وتاريخ الخلفاء 474، وأعلام النساء 2/ 365، وحياة الحيوان 1/ 81، ومآثر الإنافة 2/ 45، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 109.
[3] انظر عن (عبد الله بن محمد النقور) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 156 رقم 793، والعبر 4/ 190، 191، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1831، وسير أعلام النبلاء 20/ 498، 499 رقم 316، والإعلام بوفيات الأعلام 233، ومرآة الجنان 3/ 378، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 50 رقم 1137، والنجوم الزاهرة 5/ 384، وشذرات الذهب 4/ 215.(39/224)
وروى الكثير.
سَمِعَ منه: أَبُو سعد السَّمْعانيّ، وعمر العُلَيميّ [1] ، وعمر الْقُرَشِيّ.
وحدَّث عَنْهُ: الحَافِظ عَبْد الغنيّ، وَالشَّيْخ المُوفّق، وعبد العزيز بْن باقا، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم الإرْبِليّ، ومحمد بْن عماد، وطائفة.
قَالَ عُمَر بْن عليّ: أَبُو بَكْر بْن النَّقُّور طلب بنفسه وقرأ وكتب، وكان من أهل الدّين والصّلاح والتَّحرّي على درجة رفيعة. قَلّ ما رَأَيْتُ فِي شيوخنا أكثر تَثبُّتًا [2] منه. سَأَلْتُهُ عَنْ مولده فقال: سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
وقال ابن مَشِّقْ: تُوُفّي فِي عاشر شعبان سنة 565.
191- عَبْد الباقي بْن وفاء [3] .
أَبُو الموفَّق الهَمَذَانيّ، الصُّوفيّ.
روى عَنْ: أَبِي القاسم بْن بيان.
وعنه: ابن الأخضر، وغيره.
وكان معروفا بين الصُّوفيَّة.
192- عَبْد المقسم بْن مُحَمَّد بْن طاهر بْن سَعِيد بْن فضل اللَّه بْن أَبِي الخير المِيهَنيّ.
أَبُو الفضائل بْن أَبِي البركات.
من بيت المشيخة والتّصوُّف.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا حامد الغزّاليّ، وأبا الفتح عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بن أزدشير بْن مُحَمَّد.
وقدِم بغداد وسكنها، وخدم الفقراء برباط البِسْطاميّ.
سَمِعَ منه: ابناه محمد، وأحمد، وجماعة.
__________
[1] في الأصل: «الحليمي» ، والتصحيح من: سير أعلام النبلاء 20/ 499.
[2] في الأصل: «ثبتا» .
[3] انظر عن (عبد الباقي بن وفاء) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 84 رقم 908.(39/225)
وتُوُفّي فِي المحرَّم، وله ثمانٍ وسبعون سنة.
193- عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن المسلَّم بْن الحَسَن بْن هلال [1] .
أَبُو المكارم الْأَزْدِيّ. المعدَّل، الدّمشقيّ.
أحضره والده أَبُو طاهر عند عَبْد الكريم الكَفَرْطَابيّ فِي ذي الحجَّة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، فروى لَهُ جزءا من حديث خَيْثَمَة [2] ، وكان مولده فِي جُمَادَى الأولى سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة.
ثمّ سَمِعَ من: الشّريف النّسيب، وأبي طاهر الحِنّائيّ، وأبي الْحَسَن بْن الموازينيّ.
وأجاز لَهُ الفقيه نصر المقدسيّ، وأبو الفَرَج الإسْفَرَائينيّ، وعبد اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق الكلاعيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر وقال: حدَّث بقصَّةٍ صالحة من مسموعاته، وحجّ غير مرَّة، وهو كثير الصّلاة والصّوم والتّلاوة والصَّدقة.
قلت: وكان من أعيان البلد.
روى عَنْهُ: البهاء بْن عساكر، والحافظ عَبْد الغنيّ، والموفّق المقدسيّ، وآخرون.
وتُوُفّي فِي عاشر جُمادى الآخرة، ودُفن بمقبرة باب الفراديس.
__________
[1] انظر عن (عبد الواحد بن محمد) في: من حديث خيثمة الأطرابلسي 80، وتاريخ دمشق، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 15/ 263 رقم 254، والعبر 4/ 191، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1832، والإعلام بوفيات الأعلام 233، وسير أعلام النبلاء 20/ 499، 500 رقم 317، ومرآة الجنان 3/ 378، والنجوم الزاهرة 5/ 384، وشذرات الذهب 4/ 251، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 2/ 286، 287 رقم 637.
[2] هو: خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي الأطرابلسي. ولد بطرابلس سنة 250 وتوفي فيها سنة 343 هـ. انظر كتابنا: من حديث خيثمة الأطرابلسي- طبعة دار الكتاب العربيّ، بيروت 1980.(39/226)
194- عثمان بْن مُحَمَّد بْن أحمد [1] بْن نقاقا [2] .
أَبُو عُمَر النجّار.
بغداديّ. روى عَنْ: الفقيه أَبِي الْخَطَّاب الكَلْوَذَانيّ، وأبي طَالِب بْن يوسف.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجيّ، وغيرهما.
وتُوُفّي فِي المحرَّم [3] .
195- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عثمان [4] .
أَبُو الْحَسَن ابن القابلة الكلبيّ، الأندلسيّ، نزيل مَرّاكُش.
روى عَنْ: شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي بَكْر بْن العربيّ.
قَالَ الأَبّار [5] : وكان عالما، متقنا، متقدّما فِي علم الأصول، شاعرا مُكثِرًا، رحمه الله تعالى [6] .
__________
[1] انظر عن (عثمان بن محمد) في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 2/ 225، 226 رقم 452.
[2] مضبّبة في الأصل، وكذا في الذيل لابن النجار.
[3] وقال ابن النجار: وحدّث باليسير، وأضرّ في آخر عمره.
[4] انظر عن (علي بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1859، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 175، 176 رقم 346.
[5] في تكملة الصلة.
[6] وقال ابن عبد الملك المراكشي: رحل وحج وأخذ عن أبي طاهر السلفي، وأبي عبد الله محمد بن حامد القرشي، ثم قفل إلى الأندلس وجلب فوائد منها «المصابيح» لأبي محمد بن مسعود، روايته عن ابن حامد المذكور، عن المصنّف، فنزل قرطبة سنة تسع وثلاثين، وصادف الفتنة التي آثارها أخوه كبيرة أبو بكر محمد الثائر بمارتلة على اللمتونيين، فخاف الحاج على نفسه واختفى أشهرا بقرطبة عند صديقه أبي بكر بن عتيق بن مؤمن لخلّة كانت قد تأكدت بينهما أسبابها، فأخذ عنه حينئذ أبو الحسن بن أبي بكر بن مؤمن، واشتد أسفه على أخيه وما نشب فيه، ثم تأتّى له الفصول عن قرطبة، فخرج متردّدا في بلاد الأندلس من مارتلة وشلطيش، ثم قصد مراكش فاستوطنها. وكان من أحسن الناس خلقا وخلقا، مشاركا في فنون من العلم كالحديث والفقه وأصوله وعلم الكلام والطب، شاعرا مجيدا، سريع الخاطر، مكثرا، نبيل المقاصد، كاتبا بليغا. ووصل إلى مراكش بعد قتل أخيه متسبّبا لصرف أملاكه عليه، فمرض بها وتوفي سنة خمس أو ست(39/227)
196- عليّ بْن ثروان بْن زيد بْن الْحَسَن [1] .
أبو الحسن الكنديّ البغداديّ، ابن عمّ تاج الدّين الكِنْديّ.
أديب شاعر، هُوَ الَّذِي أفاد تاج الدّين وأحضره مجالس الأدب، وحثّه من الصِّغَر عَلَى العِلم.
وأصله من بلد الخابور، قدِم بغداد وأخذ عَنْ أَبِي منصور بْن الجواليقيّ.
ذكره القفْطيّ فِي «تاريخ النُّحاة» [2] .
وقال الدَّبِيثيّ [3] : إنّه سَمِعَ من إِسْمَاعِيل بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وجماعة.
وسكن قبل موته مدينة دمشق، وحظي عند ملكها نور الدّين [4] .
__________
[ () ] وستين وخمسمائة.
[1] انظر عن (علي بن ثروان) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 120 رقم 991، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 310، ومعجم الأدباء 5/ 105، وإنباه الرواة 2/ 235، وتكملة إكمال الإكمال 64، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 195، والمطبوع 3/ 230- 234 رقم 712، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 313، وبغية الوعاة 2/ 152 رقم 1681، وشذرات الذهب 4/ 216، وروضات الجنات 485.
[2] ج 2/ 235.
[3] المختصر المحتاج إليه 3/ 120.
[4] وقال ابن النجار: وكتب بخطّه كثيرا، وضبط ضبطا صحيحا، وسمع شيئا من الحديث ...
وحدّث باليسير.
وقال أبو الفتح عثمان بن عيسى بن منصور البلطي النحويّ: أنشدني أبو الحسن علي بن ثروان الكندي لنفسه بدمشق، وكان قد قصد جمال الدولة جحا ابن عم الأمين مبين الدولة حاتم فلم يصادفه، فعمل بيتين وكتبهما على باب الدار حفرا بالسكين وأنشدنيهما:
حضر الكنديّ مغناكم فلم ... يركم من بعد كدّ وتعب
لو رآكم لتجلّى همّه ... وانثنى عنكم بحسن المنقلب
وأنشد أسامة بن مرشد الكناني لأبي الحسن علي بن ثروان الكندي:
درّت عليك غوادي المزن يا دار ... ولا عفت منك آيات وآثار
دعاء من لعبت أيدي الغرام به ... وباعدتها صبابات وأذكار
وأنشد ابن ثروان بدمشق أيضا:
خفّض الدمع ما استطعت فقد ... صار لمجراه في الخدود طريقا
كان درّا قبل الفراق، فلما ... رعته بالفراق صار عقيقا(39/228)
وتُوُفّي بعد سنة خمسٍ وستّين.
197- عليّ بْن مُحَمَّد بْن بركة [1] .
أَبُو الْحَسَن الواسطيّ، ثمّ البغداديّ الزّجّاج.
روى عَنْهُ: أُبَيّ النرسيّ.
روى عَنْهُ: تميم بْن أحمد، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وجماعة.
198- عليّ بْن خَلَف بْن غالب [2] .
الْأَنْصَارِيّ الشِّلْبيّ ابن غالب، الْإِمَام القُدْوة، العارف، أَبُو الْحَسَن، شيخ الصُّوفيَّة، ونزيل قصر قُرْطُبة.
سَمِعَ «الموطّأ» من أَبِي القاسم بْن مضاء.
وروى عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن مُعَمَّر.
وقرأ عَلَى وليد بْن موفَّق الْجَيّانّي «تجريد الصِّحاح» لرزِين العَبْدَرِيّ، عَنْ مؤلّفه، وكتب السّرّ مدَّةً لصاحب شَقُّورَة. وله تصانيف.
وكان ذا سُنَّة واتّباع وتمسُّك بالأثر.
أخذ عَنْهُ: أيّوب بْن عَبْد اللَّه الفِهْريّ، وعبد الجليل القصْريّ، وغيرهما.
وكان مبرّزا فِي التّصوُّف، خيِّرًا، رحيمًا، متعبّدا.
__________
[ () ] وقال العماد في الخريدة: كان أديبا، فاضلا، أريبا، كاملا، قد أتقن اللغة وقرأ الأدب على ابن الجواليقيّ وغيره من صدور العلم وبحوره، ولم يزل الأدب بمكانه في دمشق مشرقا بنوره في آفاق ظهوره.. رأيته بدمشق مشهودا لفضله بالوفور، مشهورا بالمعرفة بين الجمهور، موثوقا بقوله، معبوقا، موصوفا من نور الدين بطوله، وله شعر كثير، وفضل نظم ونثر، ولم يقع لي ما أشدّ يد الانقياد عليه، أو أصرف عنان الانتقاد إليه.
سألت شيخنا أبا اليمن الكندي بدمشق عن مولد ابن عمّه عليّ بن ثروان ووفاته، فقال:
مولده ببغداد في سنة خمسمائة أو قبلها.
[1] انظر عن (علي بن محمد بن بركة) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 134 رقم 1030.
[2] انظر عن (علي بن خلف) في: صلة الصلة لابن الزبير 99، والتكملة لابن الأبّار، رقم 1870، والتشوّف 211 رقم 81، وسلوة الأنفاس 2/ 24، وجذوة الاقتباس 297، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 208- 212 رقم 415.(39/229)
قَالَ ابن الزُّبَيْر: بقي إلى سنة 565 وبلغ الثّمانين [1] .
199- عليّ بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بن النّجّاريّ [2] .
__________
[1] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان في فتائه إذ رحل إلى قرطبة قد استكتبه الحاج بن بلكاس اللمتوني فحظي عنده كثيرا واستولى عليه، وبقي معه كذلك مدة، ثم رفض ذلك وتخلّى عنه زاهدا فيه، وتصدّق بما ملكته يمينه أجمع.
قال أبو العباس أحمد بن إبراهيم الأزدي: سمعت أبا الصبر أو عبد الجليل يقول: ورث أبو الحسن بن غالب عن أبيه نحو اثني عشر ألف دينار، فخرج عنها كلها تورّعا، فقال له أبو العباس بن العريف: يا أبا الحسن، هلّا طهّره الثلث؟ ثم إن أبا الحسن أثر الخمول والسياحة، وطاف البلاد في لقاء العلماء والزهّاد، وانقطع معهم وألزم نفسه من أنواع المجاهدات كثيرا. ثم لما كانت فتنة الأندلس دارت عليه دوائر كادت تنال منه، فخلّصه الله منها بجميل صنعه وما عوّد أولياءه من ألطافه، وفارق الأندلس بعد تردّده في كثير من بلادها حتى استوطن قصر كتامة وصار إمام الصوفية وقدوتهم، يقصدون إليه ويهتدون بآثاره ويقتبسون من أنواره.
وكان ممكّنا في علوم القرآن، وله في طريقة التصوّف مصنّفات لا نظير لها منها: «كتاب اليقين» ، وكان له حظ وافر من الأدب وقرض الشعر، خاطبه القاضي أبو حفص بن عمر في أمر واستدعى منه الجواب فكتب إليه:
وما عسى يصدر من باقل ... من كلم سحبان يعيا به
لو جاز أن يسكت ألفا ولا ... ينطق خلفا كان أولى به
فرض الجواب اضطرّه صاغرا ... أن يدّعي ما ليس من بابه
أردتم من فضلكم أن تروا ... معيديا في فضل أثوابه
فهاكم عنوانه معرب ... عن فهه بان بإعرابه
لو سكت المسكين يا ويحه ... أغرى بمن كان من أحبابه
وكان عالما، أديبا، شاعرا، ديّنا، فاضلا، زاهدا، متواضعا، إذا رأيته وعظك بحاله وهو صامت مما غلب عليه من الحضور والمراقبة للَّه تعالى، وقد جمع الله له محاسن جمّة من العلوم والمعارف والآداب، وخصوصا علم الحقائق والرياضات وعلوم المعاملات والمقامات والأحوال السنية والآداب السنية. وكان من المحدّثين، قيّد في الحديث روايات كثيرة، ولقي من المشايخ الجلّة جملة، غير أنه كان يغلب عليه المراقبة للَّه والتأهّب للقائه وحسن الرعاية والإقبال على الدار الآخرة، وكان قد بلغ الثمانين سنة، وهو في اجتهاده كما في بدايته، وكان شيخ وقته علما وحالا وورعا، أشفق خلق الله على الناس، وأحسنهم ظنّا بهم.
[2] انظر عن (علي بن هبة الله) في: مرآة الزمان 8/ 281، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 281 (في ترجمة ابنه- حوادث 593 هـ.) ، ومعجم الألقاب ج 4 ق 2/ 792، والمختصر المحتاج إليه 3/ 146، 147 رقم 1067، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس(39/230)
أَبُو الْحَسَن بْن أَبِي البركات البغداديّ، والد قاضي القضاة أَبِي طَالِب.
شيخ فقيه بارع، تفقَّه عَلَى أسعد المَيْهنيّ.
وسمع: أَبَا القاسم بْن بَيَان، وابن نَبْهان.
ودخل الروم، وولي قضاء قُونية، وبها تُوُفّي فِي هذا العام.
- حرف الميم-
200- مجد الدّين [1] .
أَبُو بَكْر ابن الدّاية، من أكبر الأمراء النُّوريَّة، وهو أخو نور الدّين من الرّضاع، وصاحب أمْره، وبيت سِرّه.
وكان بطلا شجاعا، ديِّنًا، عاقلا، لَهُ خانقاه معروفة بحلب. واتّفق موته وموت العماديّ، وهما نائب حلب وأعمالها وحاجبه، فتُوُفّي ابن الدّاية والعماديّ بدمشق، فحزن عليهما نور الدّين وبكى لفَقْدهما، وقال: قُصَّ جناحاي، وأعطى أولاد [2] العماديّ بَعْلَبَكّ، وقدَّم عَلَى عساكره بعد مجد الدّين أخاه سابق الدّين عثمان ابن الدّاية.
وللعماديّ تُرْبَةٌ مشهورة بقاسيون شماليّ تُربة بسركس، وهي أوّل تُربةٍ بُنِيت فِي الجبل، واسمه مكتوب عَلَى بَابها [3] .
201- مُحَمَّد بْن بركة بن خلف بن كرما [4] .
__________
[2131] ، ورقة 66، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 238، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 174، والوافي بالوفيات 22/ 283 رقم 211.
[1] انظر عن (مجد الدين) في: التاريخ الباهر، 91، 95، 126، 137، والكامل في التاريخ 11/ 359، ووفيات الأعيان 7/ 152، والنوادر السلطانية 43، والروضتين ج 1 ق 2/ 458، ومرآة الزمان 8/ 281، 282، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ج 1/ 106- 109 وفيه: «محمد بن أبي بكر» ، وزبدة الحلب 2/ 255، 302، 311، 312، 330.
[2] في الأصل: «أولادي» .
[3] في الأصل: «تابها» .
[4] انظر عن (محمد بن بركة) في: سير أعلام النبلاء 20/ 502، والوافي بالوفيات 2/ 248(39/231)
أَبُو بَكْر الصِّلْحيّ [1] ، الصُّوفيّ.
شيخ خيّر صالح، كريم، سخيّ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيّ بْن المهديّ، وأبا سعد بن الطيوري، وأبا طالب اليوسفي، وابن الحُصَيْن.
وحدَّث بالشّام.
روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر، وابن أخيه تاج الأُمناء أحمد، وأبو مُحَمَّد ابن الأستاذ، وأبو نصر بْن الشّيرازيّ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ بَرَكَةَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلَانَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رِبْحٍ قَالَا: أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ: سَمِعْتُ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» [2] .. الْحَدِيثَ.
مات الصِّلْحيّ بدمشق في المحرّم سنة 566 [3] .
__________
[ () ] رقم 652، (دون ترجمة) .
[1] لعلّه منسوب إلى الصّلح، وهي كورة فوق واسط. بالكسر ثم السكون، والحاء المهملة.
[2] حديث صحيح ومشهور، رواه البخاري (6689) ، ومسلم (1907) ، وأبو داود (2186) ، والترمذي (1698) ، والنسائي 1/ 58- 60 و 158، 159، وأحمد (168) و (300) ، وابن خزيمة (142) ، والدار الدّارقطنيّ 1/ 50، 51، ووكيع في الزهد 3/ 13/ 12، ومالك في موطّأ محمد (983) ، والبزّار 1/ 98، 99، وابن مندة في الإيمان 1/ 154، 155 رقم 17، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 14 و 14 (112 و 5/ 39، والبغوي في شرح السّنّة (1) ، والقضاعي في مسند الشهاب 2/ 195، 196 (رقم 1171 و 1172 و 1173) ، والسلفي في معجم السفر 1/ 113، 114، وابن المستوفي في تاريخ إربل 2/ 98، 99 و 212 و 270، 271 و 392.
والحديث بتمامه: «إنما الأعمال بالنّيّة، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» .
[3] لهذا كان ينبغي أن يحوّله المؤلّف- رحمه الله- من وفيات هذه السنة.(39/232)
202- مُحَمَّد بْن حمزة ابن الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن عليّ بْن الْحَسَن بْن المَوَازينيّ [1] .
أَبُو المعالي السُّلَميّ، الدّمشقيّ، المعدّل.
تفقّه عَلَى جمال الْإِسْلَام. وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بيان، وبدمشق من الأمين هبة اللَّه بْن الأكفانيّ.
قال الحافظ ابن عساكر: وكان متجمّلا، حَسَن الاعتقاد. باع أملاكه وأنفقها عَلَى نفسه.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وأبو البركات زين الأُمَناء.
ومات رحمه اللَّه فِي جُمادَى الآخرة.
203- مُحَمَّد بْن الخصيب بْن المؤمّل بْن مُحَمَّد [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي العلاء البغداديّ، أحد حجّاب الخليفة.
سَمِعَ: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الحماريّ الواسطيّ، وهبة اللَّه ابن رئيس الرؤساء المتوفّى سنة ستٍّ وعشرين.
روى عَنْهُ: عَبْد العزيز بْن الأخضر، وجماعة.
وتُوُفّي فِي صَفَر، وكان يلعب بالحمام.
204- مُحَمَّد بْن عَبْد الرحيم بْن سُلَيْمَان [3] .
أَبُو حامد وأبو عَبْد اللَّه القَيْسيّ [4] ، الغَرْناطيّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن حمزة) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 278، 279 رقم 71، وسير أعلام النبلاء 20/ 502 (دون ترجمة) .
[2] انظر عن (محمد بن الخصيب) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الرحيم) في: الوافي بالوفيات 3/ 245، 255 رقم 1261، ونفح الطيب 1/ 617، ولسان الميزان 5/ 257، 258 رقم 889، والأعلام 7/ 71، 72، ومعجم المؤلفين 10/ 158، 159، وفهرس المخطوطات المصورة 2/ 81 (لطفي عبد البديع) ، ودليل مؤرّخ المغرب لابن سودة 376.
[4] في لسان الميزان: «العنسيّ» ، وهو تصحيف.(39/233)
شيخ مسنّ، ولد سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بغرناطة، وقدم الإسكندريّة سنة ثمان وخمسمائة.
سمع: أبا عبد الله محمد بن أحمد الرّازيّ، ومرشد بْن يحيى المَدِينيّ، وهبة اللَّه بْن الْحُسَيْن، وطائفة.
ودخل خُراسان، ثمّ قدِم بعد مدَّةٍ إلى بغداد وحدَّث بها، ثمّ قدِم الشّامَ، وسكن بحلب.
قَالَ ابن عساكر فِي تاريخه: كَانَ كثير الدّعَاوى، لم يوثَّق بما يحكي من المستحيلات. سمعوا منه مجلس البطاقة، ومات فِي صَفَر.
قلت: روى عَنْهُ: الشَّيْخ عَلِيّ بْن إدريس الزّاهد، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، والحسن والحسين ابنا الزُّبَيْديّ، وأبو مُحَمَّد ابن الأستاذ [1] .
205- مُحَمَّد ابن المحدِّث أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُمَر بْن السَّمَرْقَنْديّ [2] .
أَبُو منصور.
بغداديّ من بيت الحديث والرواية.
روى عَنْ: أَبِي القاسم بْن بيان.
وعنه: عَبْد العزيز بْن الأخضر، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْريّ.
206- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن زهير بْن أَبِي جرادة [3] .
__________
[1] وقال السلفي: سمع عليّ وبقراءتي كثيرا، ثم سافر واتصل بي أنه يقيم بباب الأبواب، وقال الحافظ ابن حجر: وكان شيخا فاضلا، صنّف كتابا في العجائب التي شاهدها ببلاد العرب. ومن شعره:
يكتب العلم ويلقى في سفط ... ثم لا يحفظ لا يفلح قطّ
إنما يفلح من يحفظه ... بعد فهم وتوقّ من غلط
وقال القطب: رأيت كتابه سمّاه «تحفة الأحباب» . (لسان الميزان) .
[2] انظر عن (محمد بن عبد الله السمرقندي) في: ذيل التاريخ المجدد لمدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 7، 8 رقم 215، والمختصر المحتاج إليه 1/ 54.
[3] هو في الجزء الضائع من: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار كما يتّضح من سياق الترجمة.(39/234)
أَبُو المكارم العُقَيْليّ، الحلبيّ المعروف بابن العديم.
من بيت العِلم والقضاء والحشْمة. كَانَ كاتبا، شاعرا، فاضلا.
سَمِعَ من قرابته عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي جرادة.
ورحل فسمع من: أَبِي الفضل الأُرْمَويّ، وجماعة.
وبدمشق من: أَبِي الفتح نصر اللَّه المصِّيصيّ.
قَالَ ابن النّجّار فِي «تاريخه» : حدَّثني أَبُو القاسم عُمَر بْن هبة اللَّه، يعني ابن العديم، سَمِعْتُ الكِنْديّ قَالَ: كَانَ أَبُو المكارم ابن العديم يسمع معنا، فورَدَ دمشق ودعاه ابن القَلانسيّ وكنت حاضرا فجعل لا يسأله عَنْ شيءٍ فيخبره عَنْهُ إلّا وقال: بسعادتك. إنْ قَالَ: ما فعل فلان؟ قَالَ: مات بسعادتك. أو قَالَ: ما فعلت الدّار الفُلانيَّة؟ قَالَ: خربت بسعادتك. فلقّبناه:
القاضي بسعادتك.
تُوُفّي أَبُو المكارم سنة خمسٍ أو ستٍّ وستّين.
207- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن السَّكَن [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي سعد البغداديّ، ويُعرف بابن المِعْوَجّ.
من بيت حجابة وتميُّز.
روى عَنْ: نصر بْن البَطِر.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد بْن السَّمعانيّ، وذكره فِي كتابه.
وُلِد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
وحدّث عَنْهُ: مُحَمَّد بْن المبارك بْن أيّوب، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وعبد اللَّه بْن المظفّر بْن عَلِيّ الزَّيْنَبيّ، وأبو عَلِيّ أحمد بْن مُحَمَّد بْن المعزّ الحرّانيّ، وجماعة.
وأجاز لجماعة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن محمد) في: الوافي بالوفيات 1/ 171، 172 رقم 109، وسير أعلام النبلاء 20/ 502 (دون ترجمة) .(39/235)
وكان صالحا، كاتبا، مُنْشِئًا.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل، وله اثنتان وثمانون سنة.
208- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن المهتدي باللَّه.
الخطيب أَبُو الحارث ابن الشَّيْخ أَبِي الغنائم الهاشميّ، العبّاسيّ.
من بيت خطابة وعدالة.
وكان خطيب جامع القَطِيعة.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن المختار.
سَمِعَ منه: عُمَر بْن عليّ، وعبد السّلام بْن يوسف التَّنُوخيّ، ومحمد بْن سعد اللَّه الدّجاجيّ.
تُوُفّي رحمه اللَّه فِي ربيع الآخر.
209- مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد بْن ظَفَر [1] .
الشَّيْخ حُجَّة الدّين الصَّقّليّ، نزيل حماه. وبها تُوُفّي.
لَهُ مصنَّفات عديدة، وآداب وفضائل.
اختصر كتاب «الإحياء» ، وألَّف كتاب «خير البِشَر بخير البَشَر» [2] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن أبي محمد) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 3/ 49، ومعجم الأدباء 19/ 48، 49، ووفيات الأعيان 4/ 395- 397، والمختصر في أخبار البشر 3/ 49، وسير أعلام النبلاء 20/ 522، 523 رقم 336، والوافي بالوفيات 1/ 141، 142، والعقد الثمين 2/ 344- 348، وبغية الوعاة 1/ 142، 143، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 127، وكشف الظنون 741، وهدية العارفين 2/ 96، وتاريخ الأدب العربيّ 5/ 147 و 152.
[2] وله: «سلوان المطاع في عدوان الأتباع» صنّفه لبعض القوّاد بصقلّية سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وكتاب «الينبوع» في تفسير القرآن الكريم، وهو كبير. (جاء في: المكتبة الصقلية 666 «ينبوع الحياة» ثماني مجلّدات كبار) ، وكتاب «نجباء الأبناء» ، وكتاب «الحاشية على درّة الغوّاص» للحريري صاحب المقامات، و «شرح المقامات للحريري» وهما شرحان: كبير، وصغير، وغير ذلك من التواليف الظريفة المليحة.
قال ابن خلكان: ورأيت في أول الشرح الّذي له يذكر أنه أخبره بها الحافظ أبو الطاهر السلفي عن منشئها الحريري، والناس يقولون: إن الحافظ السّلفي رأى الحريري في جامع البصرة وحوله حلقة، وهم يأخذون عنه المقامات، فسأل عنه، فقيل له: إنّ هذا قد وضع شيئا من الأكاذيب وهو يمليه على الناس، فتنكّبه ولم يعرّج عليه، والله أعلم بالصواب.(39/236)
وكان مولده بصَقَلية، ومنشؤه بمكَّة.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد عَبْد العظيم بْن عَبْد الغفّار الْمَصْرِيّ، وغيره.
210- المبارك بْن عليّ بْن عَبْد الباقي [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه البغداديّ، الخيّاط.
سَمِعَ: أَبَا ياسر مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز الخيّاط، وأبا الْحَسَن بْن العلّاف.
سَمِعَ منه: أَبُو سعد السّمعانيّ وقال: هُوَ ابن أخت عَبْد الخالق بْن أحمد بْن يوسف وبإفادته سمعنا منه. وهو شيخ صالح، أمين، موثوق بِهِ، لقيته ببلْخ وسمعت منه، وسألته عَنْ مولده فقال: سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة.
قلت: وقال ابن عساكر: سَمِعَ بإفادته خاله أَبَا سعد الأَسَديّ، والعلّاف، وأبا الغنائم النّرسيّ، وأحمد بْن إِسْمَاعِيل الهَمَذَانيّ. سمعنا منه بدمشق ثمّ سكن ديار بكر [2] .
__________
[ () ] وحكي عن الشيخ تاج الدين الكندي أنه قال: أحلت على ديوان حماة برزق، فسرت إليها لأجل ذلك، فلما حللتها جمع الجماعة بيني وبين ابن ظفر المذكور، وجرت بيننا مناظرة في النحو واللغة، فأوردت عليه مسائل في النحو فلم يمش فيها، وكان حاله في اللغة قريبا، فلما كاد المجلس يتقوّض قال ابن ظفر: الشيخ تاج الدين أعلم مني بالنحو، وأنا أعلم منه باللغة، فقلت: الأول مسلم والثاني ممنوع، وتفرّقنا.
وكان ابن ظفر قصير القامة، ذميم الخلقة، غير صبيح الوجه. ويروى لابن ظفر المذكور شعر، فمن ذلك ما وجدته في بعض المجاميع منسوبا إليه وهو:
حملتك في قلبي فهل أنت عالم ... بأنك محمول وأنت مقيم
ألا إنّ شخصا في فؤادي محلّه ... وأشتاقه، شخص عليّ كريم
وأورد له العماد في «الخريدة» عدّة مقاطيع.
[1] انظر عن (المبارك بن علي) في: تاريخ دمشق، والمختصر المحتاج إليه 3/ 171 رقم 1137، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 24/ 82 رقم 43، وسير أعلام النبلاء 50220 (دون ترجمة) .
[2] وقال ابن عساكر: سمع ببغداد، وقدم دمشق، فسمعت منه بها، ثم خرج عنها، وسكن ديار بكر، وكان شيخا لا بأس به، ولم يكن عنده شيء من شيوخه، وإنما وجد سماعه في أجزاء قدم بها ابن خاله محمد بن عبد الخالق.(39/237)
قلت: روى عَنْهُ: ابن الأخضر، والقاسم بْن عساكر، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وزين الأُمناء، وغيرهم.
وتُوُفّي فِي شوّال.
211- محمود بْن عَبْد الكريم بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم [1] .
أَبُو القاسم الأصبهانيّ، التّاجر، المعروف بفُورَجَّة [2] .
سَمِعَ: أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد بْن ماجة الأبهري، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، والقاسم بن الفضل الثّقفيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب، وجدّه عَلِيّ بْن مُحَمَّد، وغيرهم.
وخُرِّجت لَهُ فوائد سُمِعت منه.
وحدَّث بأصبهان، وبغداد، وحُلْوان.
روى عَنْهُ: ابن السَّمعانيّ، ويوسف بْن أحمد الشّيرازيّ، ويوسف العاقوليّ، وعليّ بْن بُورَنْداز [3] ، وعبد القادر الرُّهَاويّ، ومحمد بْن ثابت الصّائغ، ومحمد بْن سَعِيد التّاجر، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن غانم الحافظ، ومحمد بْن محمود الرُّوَيْدَشْتيّ، ومحمود بْن مُحَمَّد اللّبّاد، ومعاوية بْن محمود الخبّاز الأصبهانيّون.
وتُوُفّي بأصبهان فِي صَفَر، وبه خُتِم حديث لُوَيْن.
وروى عَنْهُ بالإجازة: ابن اللّتّيّ، وكريمة، وصفيّة بِنْت عَبْد الوهّاب، وعَلَم الدّين عليّ بْن الصّابونيّ، وآخرون.
__________
[1] انظر عن (محمود بن عبد الكريم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 182، 183 رقم 1172، والعبر 4/ 191، ودول الإسلام 2/ 78، والإعلام بوفيات الأعلام 233، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1833، وسير أعلام النبلاء 20/ 501، 502 رقم 319، وتبصير المنتبه 1087، وشذرات الذهب 4/ 216.
[2] ضبطه الصفدي هكذا بضم الفاء وبعد الواو والراء جيم مشدّدة. (الوافي 3/ 24) .
[3] في الأصل «بورندار» بالراء في آخره، والتصحيح من: سير أعلام النبلاء 22/ 297 رقم 175 وهو «علي بن النَّفيس بن بُورنداز بن حُسام البغدادي» توفي سنة 623 هـ.(39/238)
212- مودود بن أتابك بن آق سنقر [1] .
الملك قُطْب الدّين، صاحب المَوْصِل، المعروف بالأعرج. أخو السّلطان نور الدّين. تملّك المَوْصِل بعد أخيه الأكبر سيف الدّين غازي.
قَالَ ابن خَلِّكَان [2] : وكان قُطْب الدّين حَسَن السّيرة، عادلا فِي رعيَّته وفي حلْمه، وفي أيّامه عظُم الوزير مُحَمَّد الأصبهانيّ المعروف بالجواد، وهو الَّذِي قبض عَلَيْهِ. وكان مدبّر دولته للأمير زين الدّين عَلِيّ والد الملك مظفَّر الدّين صاحب إِربِل.
تُوُفّي فِي شوّال بالمَوْصِل، وله نيِّفٌ وأربعون سنة، وخلّف عدَّة أولاد، منهم السّلطان عزّ الدّين مَسْعُود، والسّلطان سيف الدّين غازي صاحب المَوْصِل بعد أَبِيهِ.
قَالَ ابن الأثير [3] : كَانَ ملكه إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصف.
وكان فخر الدّين عَبْد المسيح الخَصِيّ هُوَ المدبّر للأمور والحاكم فِي الدّولة.
قَالَ: وكان قُطْب الدّين من أحسن الملوك سيرة، وأعفّهم عن أموال
__________
[1] انظر عن (مودود بن أتابك) في: التاريخ الباهر 146- 150، والكامل في التاريخ 11/ 355، 356، والروضتين ج 1 ق 2/ 472- 475، وسنا البرق الشامي 1/ 93، 94، وتاريخ مختصر الدول 213، وتاريخ الزمان 183، ومرآة الزمان 8/ 281، ووفيات الأعيان 5/ 302، 303، والنوادر السلطانية 43، وزبدة الحلب 2/ 297، 298 و 311 و 318 والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 55، 56، 71، 78، 79، 106، 134، 168- 173، 223، 224، 226 وق 2/ 437، والمختصر في أخبار البشر 3/ 49، والدرّ المطلوب 44، 45، والعبر 4/ 191، ودول الإسلام 2/ 78، والإعلام بوفيات الأعلام 233، وسير أعلام النبلاء 20/ 521، 522، رقم 335، وتاريخ ابن الوردي 2/ 120، والبداية والنهاية 12/ 261، ومرآة الجنان 3/ 378، والنجوم الزاهرة 5/ 383، وشذرات الذهب 4/ 216.
[2] في وفيات الأعيان 5/ 302.
[3] في الكامل 11/ 355، 356.(39/239)
رعيّته، محسِنًا إليهم، كثير الإنْعام عليهم، محبوبا إلى كبيرهم وصغيرهم، كريم الأخلاق، حَسَن الصُّحْبة لهم، جَمَّ المناقب، قليل المعايب.
- حرف الياء-
213- يحيى بْن الْحَسَن بْن سلامة بْن مساعد [1] .
أَبُو الرضا المَنْبِجِيّ، الحنفيّ، أخو أحمد، وعليّ.
سمع: أبا القاسم بن بيان، وشجاعا الذهلي، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن المختار.
ولي قضاء المحوَّل.
روى عَنْهُ: ابن الأخضر، وغيره.
وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة.
214- يوسف بْن مكّيّ بْن عليّ [2] .
أَبُو الحَجّاج الحارثيّ، الشّافعيّ، الدّمشقيّ.
إمام جامع دمشق.
قَالَ الحافظ ابن عساكر: كَانَ أَبُوهُ حائكا، فنشأ يوسف وقرأ بروايات، وتفقّه عند أَبِي الْحَسَن بْن المسلم.
ورحل فسمع من: أَبِي طَالِب نور الهدى، وأبي عليّ بْن المهديّ، وأبي سعد بن الطُّيُوريّ.
وكان يسمع مَعَ أخي، ثمّ حجّ وعاد مَعَ حجّاج الشّام ولزم الفقيه
__________
[1] انظر عن (يحيى بن الحسن) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 240 رقم 1339، والجواهر المضيئة 2/ 211.
[2] انظر عن (يوسف بن مكي) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 28/ 93، 94 رقم 77، وسير أعلام النبلاء 20/ 502 (دون ترجمة) .(39/240)
نصر اللَّه، وأعاد لَهُ، وقد أوصى بتدريس الزّاوية، فلم تصحّ لَهُ. وحدَّث، وكان ثقة ونُصّب لإمامة الجامع، وكتب كثيرا [1] .
تُوُفّي فِي صفر.
__________
[1] وقال ابن عساكر: علّقت عنه شيئا يسيرا، وكان ثقة مستورا. وكان قد نصب للإمامة في جامع دمشق بعد موت أبي محمد بن طاوس في المحرم سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
وكان قبل ذلك يؤمّ في مسجد العميد بن الجسطار بالباب الشرقي مدّة، ثم انتقل إلى إمامة الجامع. وكان قد كتب كتبا كثيرة من كتب العلم في الأصول والفروع. وكان إذا غاب خلفه أبو القاسم العمري الفارسيّ الصوفي. ولما عزم الناس على الحج سنة خمس وخمسين كان عندي في يوم عيد الفطر، فجرى ركب الحج، فقال: لو استفتيت لأفتيت إنّ الخروج إلى الحج في هذا العام معصية لقلة الماء في الطريق، فما مضت إلّا أيام حتى عزم على الحج، وقال: أمضي، فلعلّي أموت في الطريق، فكان كما توقّعه في نفسه.(39/241)
سنة ستّ وستّين وخمسمائة
- حرف الألف-
215- أحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن أحمد بْن مالك.
أَبُو بَكْر بْن أَبِي إِسْحَاق العاقوليّ [1] ، الأَزَجيّ، الوزّان.
سَمِعَ: الْحُسَيْن بْن عليّ بْن البُسْريّ.
وعنه: أَبُو سعد بْن السَّمعانيّ، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنيجيّ.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.
216- أحمد بْن بَنَيْمان بْن عُمَر بْن نصر [2] .
أَبُو الْعَبَّاس الهَمَدَانيّ، ثمّ البغداديّ، أخو عُمَر.
سَمِعَ من: أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام، وثابت بْن بُنْدار، والحسين بْن البُسْريّ، والمبارك بْن الطُّيُوريّ.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ [3] : وكان ثقة، صحيح السّماع.
سمعه منه: مُحَمَّد بْن مَشِّقْ، وجماعة. وأنا عَنْهُ ابن الأخضر.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة.
قلت: وروى عَنْهُ: عبد الله بن اللّتّيّ، والشّيخ الموفّق.
__________
[1] العاقولي: نسبة إلى دير العاقول. بليدة على خمسة عشر فرسخا من بغداد. وقد ينسب إليها ب «الدير عاقولي» أيضا. (الأنساب 8/ 317) .
[2] انظر عن (أحمد بن بنيمان) في: تاريخ إربل 1/ 187، والمختصر المحتاج إليه 1/ 177، والوافي بالوفيات 6/ 278 رقم 2770.
[3] المختصر المحتاج إليه 1/ 177.(39/242)
217- أحمد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن إِبْرَاهِيم [1] .
الوزير أَبُو جعفر بْن البلديّ، وزير المستنجد باللَّه، فلمّا تُوُفّي المستنجد وبويع المستضيء فِي هذه السّنة كَانَ المتولّي لعقد بيعته أبو الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابن رئيس الرؤساء. ثمّ إنّه استوزر أَبَا الفَرجَ، فانتقم من ابن البلديّ وقتله. وكان فِي وزارته قد قطع أنف امْرَأَة وَيَدَ رَجُلٍ لجنايةٍ جَرَت، فسُلِّم إلى أولئك، فقطعوا أنفه ثمّ يده، ثم ضرِبَ المسكين بالسّيوف، وأُلقي فِي دِجلة الآخر.
وكانت وزارته ستَّة أعوام.
قَالَ ابن الأثير [2] : أتى ابن البلديّ مَن يَستدعيه للجلوس لعزاء المستنجد ولأخذ البَيْعة، فلمّا دخل دار الخلافة صُرِف إلى موضع وَقُتِلَ، وقُطّع قِطَعًا، وأُلقي فِي دجلة، وأُخذ ما فِي داره، فوُجد فيها خطوط الخليفة يأمره بالقبض عَلَى ابن رئيس الرؤساء وقُطْب الدّين قايماز، وخطّ الوزير بالمراجعة فِي ذَلِكَ، وصرْفه عَنْ هذا الرأي. فندما حيث فرَّطا فِي قتله، وعلما براءته [3] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن سعيد) في: المنتظم 10/ 233، والوافي بالوفيات 7/ 401، 402 رقم 3400، والكامل في التاريخ 18/ 361، 362، ومرآة الزمان 8/ 178، والعبر 4/ 192، وسير أعلام النبلاء 20/ 587 رقم 368 وانظر 20/ 506، والفخري 317، 318، وفيه: «شرف الدين أبو جعفر محمد بن أبي الفتح بن البلدي» ، وخلاصة الذهب المسبوك 278، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 235- 237.
[2] في الكامل 11/ 361، 362.
[3] وقال ابن طباطبا: كان قبل الوزارة ناظرا بواسط، فأبان في مدّة ولايته عليها عن قوّة وجلادة، وارتفاعات نامية، وحلوم دارّة، فعظمت منزلته عن المستنجد وكوتب عن الخليفة إلى واسط بما يقضي أن يكون وزيره، وتأكد الحال في ذلك، فحكم حكم الوزراء وهو بواسط، ووقّع وكاتب ملوك الأطراف وهو بواسط، ثم أصعد إلى بغداد، فخرج الموكب لتلقّيه، وفيه جميع أعيان الدولة. وكان عضد الدين أبو الفرج محمد ابن رئيس الرؤساء أستاذ الدار، بينه وبين ابن البلدي كدر، فكره عضد الدين الخروج إلى تلقّيه، وقد كان الخليفة تقدّم إليه بالخروج، فبذل خمسة آلاف دينار على أن يعفى من الخروج إليه، فقال الخليفة: إن عجّلها نقدا أعفيته من الخروج، فوزنت في الحال وحملت. فلما صارت في الخزن تقدّم الخليفة إليه بالخروج لتلقّي الوزير، وقيل له: هذا المال جناية عن(39/243)
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ ابن البلديّ شَهْمًا مِقْدامًا، شديد الوطأة، عظيم الهَيبة، وله شِعْر يسير.
218- أحمد بْن أَبِي القاسم عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن عبد القادر بن يوسف [1] .
اليُوسُفيّ أَبُو جعفر.
عَنْ: عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جحشوَيْه، عَنِ القزْوينيّ.
وعنه: مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه السّقْلاطُونيّ.
- حرف الحاء-
219- الْحَسَن بْن علي بْن مُحَمَّد بْن عليّ [2] .
الكامل أَبُو مُحَمَّد بْن السّواديّ [3] ، الواسطيّ، الحاسب. من بيت كتابة وتقدُّم.
كَانَ بارِعًا فِي الحساب والمساحة، وفي الفرائض.
سَمِعَ: أَبَا نُعَيْم الحماريّ، ومحمد بْن عليّ بْن أَبِي الصَّقْر، وأبا الخير بن العسّال، وخميسا الحوزيّ.
__________
[ () ] كونك تكره ما نؤثر، وتراجع في التقدّمات الشريفة. فذهب المال منه، وخرج عابرا إلى الجانب الغربي صحبة الموكب. ومضى الناس كلهم إلى صرصر فتلقّوه هناك. فلما وقعت عين عضد الدّين أستاذ الدار على الوزير أراد عضد الدين أن يترجّل، فصاح به الوزير:
والله لئن ترجّلت ترجّلت أنا أيضا، فخدمه. ثم اعتنقا على ظهور الدوابّ. وسار بين يديه. ووصل الوزير إلى محاذاة التاج. وعبر في سفينة، وحضر بين يدي الخليفة فشافهه بالوزارة، وخلعت عليه خلع الوزارة، وأكّد عليه النهوض بالمهامّ الديوانية، فنهض بأعباء الوزارة، وما زال أمره على السداد إلى أن جرى للمستنجد ما جرى من تغلّب عضب الدين أستاذ الدار وأكابر الأمراء عليه..
[1] انظر عن (أحمد بن أبي القاسم) في: تاريخ إربل 1/ 214، والمختصر المحتاج إليه 1/ 187.
[2] انظر عن (الحسن بن علي السوادي) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) 4/ 369، والمختصر المحتاج إليه 1/ 283، والوافي بالوفيات 12/ 163، 164 رقم 137.
[3] السّوادي: نسبة إلى السواد، والأصل فيه: سواد العراق. (الأنساب 7/ 180) .(39/244)
وحدَّث ببغداد عَنْ عمّه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد في سنة سبع وعشرين وخمسمائة.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ [1] : ثنا عَنْهُ أَبُو الفتح المَنْدَائيّ، ومحمد بْن يحيى القاضي، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع.
تُوُفّي بواسط في رمضان، وله سبْعٌ وثمانون سنة.
- حرف السّين-
220- سُلَيْمَان بْن أحمد بْن عَبْد اللَّه [2] .
أَبُو أحمد بْن الْإِمَام (....) بي [3] ، نزيل مُرْسِيَة.
روى عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن برطلة، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعادة، وجماعة.
قَالَ الأَبّار: كَانَ محدِّثًا، ورِعًا، ديِّنًا، خيارا، واقفا عَلَى متون المصنَّفات، ظاهريّ المذهب. توجَّه إلى مكَّة سنة ستٍّ، فكان آخر العهد بِهِ.
ووُلِد سنة خمسٍ وتسعين رحمه اللَّه تعالى.
221- سُلَيْمَان بْن فيروز [4] .
أَبُو دَاوُد العبشريّ [5] ، الخيّاط [6] ، الزّاهد.
سَمِعَ: مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، وأبا الْحَسَن بْن الصّوّاف، وجماعة.
وأجاز لَهُ أَبُو المحاسن الرُّويانيّ [7] .
__________
[1] المختصر المحتاج إليه 2/ 283.
[2] انظر عن (سليمان بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] بياض في الأصل.
[4] ترجمته في الجزء الضائع من: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار، كما يستفاد من الترجمة.
[5] لم أجد هذه النسبة في كتب الأنساب.
[6] مهملة في الأصل.
[7] الروياني: بضم الراء وسكون الواو وفتح الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى رويان وهي بلدة بنواحي طبرستان. وأبو المحاسن هذا هو: عَبْد الواحد بْن إسماعيل بْن أحمد بْن محمد الروياني. توفي شهيدا سنة 502 هـ. (الأنساب(39/245)
وعنه: ابن الأخضر، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجَيّ [1] .
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ صالحا، ورِعًا، زاهدا، يأكل من كسْب يده، ولا يخرج من مسجده.
- حرف الطاء-
222- طارق بْن مُوسَى بْن طارق [2] .
أَبُو جعفر البَلَنْسِيّ المقرئ.
أخذ القراءات عن ابن هذيل بعد العشرين وخمسمائة، ورحل إلى شُرَيْح فأخذ عَنْهُ.
وروى عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن المرابط.
وكان بارِعًا فِي القراءات.
أخذ عَنْهُ: أَبُو بَكْر بْن لال، وغيره.
قتل في جمادى الأولى سحرا.
223- طاهر بن محمد بن طاهر بن عليّ [3] .
أبو زرعة المقدسيّ، ثمّ الهمذانيّ.
مولده بالرّيّ في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة في الرابع والعشرين من
__________
[6] / 189، 190) .
[1] البندنيجيّ: بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر النون وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها الجيم. هذه النسبة إلى بندنيجين وهي بلدة قريبة من بغداد بينهما دون عشرين فرسخا. (الأنساب 2/ 313) .
[2] انظر عن (طارق بن موسى) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 344، والذيل والتكملة (بقية السفر الرابع) 147، 148 رقم 270.
[3] انظر عن (طاهر بن محمد) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس) رقم 5921/ ورقة 87، 88 وقد اختلطت الترجمة بترجمة أخرى، والمختصر المحتاج إليه 2/ 119، 120 رقم 740، والعبر 4/ 192، 193، ودول الإسلام 2/ 79، والإعلام بوفيات الأعلام 234، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1834، وسير أعلام النبلاء 20/ 503، 504 رقم 320، والبداية والنهاية 12/ 264، ومرآة الجنان 3/ 378، والوافي بالوفيات 16/ 406 رقم 441، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 132، وشذرات الذهب 4/ 217.(39/246)
رمضان، بخطّ أبيه، وسمع بها من مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المُقَوِّميّ،. وغيره.
وبالدّون من: عَبْد الرَّحْمَن بْن حمْد.
وبهَمَذَان من: عَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْدُوس.
وبساوَة من: مُحَمَّد بْن أحمد الكامخيّ.
وبالكَرْخ من: مكّيّ بْن منصور السّلّار.
وببغداد من: أَبِي القاسم بْن بَيَان.
وحجّ غير مرَّة، وحدَّث بالكثير من مسموعاته.
روى «سنن النّسائيّ» و «سنن ابن ماجة» ، وسكن بِهِ أَبُوهُ هَمَذَان فاستوطنها.
روى عَنْهُ: أحمد بْن صالح الْجِيليّ، وأحمد بْن طارق، وأبو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ، وابن السَّمعانيّ، وعبد الغنيّ، وابن قُدَامَة، وابن الأخضر، وابن الزُّبَيْديّ، وعبد اللّطيف بْن يوسف، وأحمد بْن يحيى البرّاج، وعبد العزيز بْن باقا، والمهذَّب بْن فُنَيْدَة، وأبو القاسم عَلِيّ بْن الْجَوْزيّ، وأبو حفص عُمَر بْن مُحَمَّد السُّهْرَوَرْدِيّ، والأنجب بْن أَبِي السّعادات، وأبو بَكْر بْن بهروز الطّبيب، وأبو تمّام عَلِيّ بْن أَبِي الفخّار، وأبو طَالِب بْن القُبَّيْطيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن الخازن، وآخرون.
قَالَ عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ: بدأت بقراءة «سُنَن ابن ماجة» عَلَى أَبِي زرعة، قدِم علينا حاجّا فِي العشرين من شوّال، وقال لنا: الكتاب سماعي من أَبِي منصور المُقَوِّميّ. وكان سماعي فِي نسخة عندي بخطّ أَبِي، وفيها سماع إِسْمَاعِيل الكرْمانيّ، فطلبها منّي، قد بعثها من أكثر من ثلاثين سنة.
قَالَ الْقُرَشِيّ: وتحقّقنا أنّ لَهُ إجازة من المقوّمي، فقُرئَ عَلَيْهِ إجازة، إن لم يكن سماعا.
قلت: وقد سَمِعَ من المُقَوِّميّ فِي شعبان سنة أربعٍ وثمانين «فضائل القرآن» لأبي عُبَيْد، وعُمره ثلاث سنين.(39/247)
وقال الدَّبِيثيّ [1] : تُوُفّي فِي ربيع الآخر بهَمَذَان، وما كَانَ يعرف شيئا.
قلت: سمعنا من طريقه الكُتُب المُسَمّاة، «ومُسْنَد الشّافعيّ» ، واشتهر اسمه. وقد سمّاه ابن السَّمعانيّ فِي «الذّيل» : دَاوُد، فوهم. وقيل: اسمه الفضل.
قال: وولد سنة ثمانين رحمه اللَّه.
قَالَ ابن النّجّار: أَبُو زُرْعة طاهر، طوَّف بِهِ والده، وسمَّعه ببغداد من أَبِي الْحَسَن العلّاف، وابن بيان. وكان تاجرا لا يفهم شيئا من العلم.
وكان شيخا صالحا، حمل جميع كُتُب والده، وكانت كلّها بخطّه، إلى الحافظ ابن السّلّار، ووقفها وسلّمها إِلَيْهِ، فسمعت من يذكر أنّها كانت فِي ثلاثين غِرارةٍ، رَأَيْتُ أكثرها فِي خزانة أَبِي العلاء.
وقيل: حجّ عشرين حَجَّة.
- حرف العين-
224- عبد الله بن أحمد بن سَعِيد [2] .
أَبُو مُحَمَّد بْن موصول العَبْدَرَيّ، البَلَنْسِيّ.
روى عن: أبي علي بن سكرة، وأبي مُحَمَّد البَطَلْيُوسِيّ ولازَمه، وأبي الْحَسَن بْن واجب، وجماعة.
قَالَ الأَبّار: وكان حافظا للفقه بصيرا بِهِ مقدّما، مَعَ الصلاح والزهد.
وجمع كتابا حافلا في «شرح مسلم» ، ولم يتمّه، و «شرح رسالة ابن أَبِي زيد» [3] . وكان أَبُو بَكْر بْن الجدّ يغضّ منه.
أخذ عَنْهُ: يحيى بْن أحمد الْجُذَاميّ، وأحمد بْن أَبِي هارون، وأبو بكر بن خير.
__________
[1] المختصر المحتاج إليه 1/ 119، 120.
[2] انظر عن (عبد الله بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبار.
[3] لم يذكر كحّالة صاحب هذه الترجمة في معجمه ولا في الملحق، مع أنه من شرطه.(39/248)
وثنا عَنْهُ: أَبُو الْخَطَّاب بْن واجب، وأبو عَبْد اللَّه الدريثيّ، أجاز لهما فِي هذه السّنة وانقطع خبره.
225- عَبْد اللَّه بْن خَلَف الكَفَرْطَابيّ [1] .
النَّحْويّ.
درس النّحْو بحماه مدَّةً، وصنَّف فِيهِ. وكان يُلقَّب بسَطِيح.
ورّخه ابن عساكر [2] .
226- عَبْد الْجَبّار بْن مُحَمَّد بْن عليّ [3] .
أَبُو طَالِب المعَافَرِيّ، المغربيّ، اللُّغَويّ.
قدم البلاد، وأقرأ العربيَّة. بمصر، وببغداد، وانتفع بِهِ خلق.
وتُوُفّي وهو راجع إلى بلاده. وهو شيخ عَبْد الله بن برّيّ، النّحويّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن خلف) في: تاريخ دمشق (تراجم حرف العين: عبد الله بن جابر- عبد الله بن زيد) 236 رقم 268، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 381، 382، وفات «كحّالة» أن يذكره في «معجم المؤلفين» وهو من شرطه.
و «الكفرطابي» : نسبة إلى بلدة كفر طاب بين المعرّة ومدينة حلب. (معجم البلدان) .
[2] وهو قال: ذكر لي القاضي أبو القاسم الحسين بن جسر أنه ولد بشيزر وتوفي فيها، «قرأ على أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يُوسُف بْن عمر المعروف بابن منيرة، ثم سافر إلى دمشق سنة تسع وعشرين وخمسمائة، ثم أقام بمدينة حماة، يدرس النحو بجامعها مدّة ثنتي عشرة سنة، وسافر إلى حلب، فأقام فيها خمس عشرة سنة يدرّس النحو وينظر في البيمارستان، ثم رجع إلى حماة. وكان رخو الرجلين لا يقدر على المشي إلّا بقائد.
وألّف كتاب «التحف السنيّة في فضائل علم العربية» ، وكتاب «حبل الحاطب» ، وكتاب «مسار في الاسم والفعل والحرف» .
ومن شعره ما كتب به إلى أستاذه ابن منيرة وقد حال بينهما الوحل:
يا حجّتي حين ألقى الله منفردا ... تفديك نفسي بالأهلين والوطن
بيني وبينك سور الوحل ليس له ... باب فقلبي رهين الهمّ والحزن
ما هجر مثلك محمود عواقبه ... ولا التّصبّر عن رؤياك بالحسن»
[3] انظر عن (عبد الجبار بن محمد) في: مرآة الجنان 3/ 379، والوافي بالوفيات 18/ 40 رقم 39، وبغية الوعاة 2/ 74 رقم 1466.(39/249)
227- عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن خَلَف بْن أَبِي ليلى [1] .
أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، الغَرْناطيّ، ثمّ المُرْسِيّ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار [2] : هُوَ من وُلِد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي ليلى قارئ الكوفة.
سَمِعَ: أَبَاهُ أَبَا القاسم الْمُتَوَفَّى سنة أربع عشرة، وأبا عليّ الصَّدَفيّ، ولازمه كثيرا. وهو أثبت النّاس فِيهِ، كَانَ قارئه للنّاس.
وسمع: أَبَا مُحَمَّد بْن جعفر الفقيه، وأبا مُحَمَّد بْن عتّاب.
وحجّ فسمع: أَبَا المظفّر الشّاميّ، وأبا عَلِيّ بْن المرجّى.
وكان عدْلًا خيِّرًا، موصوفا بالإتقان، متقلِّلًا، منقبضا عَنِ النّاس.
بِضَاعتُه حمل الآثار مَعَ مشاركته فِي الأدب، وغيره.
وقد كتب للأمير أَبِي إِسْحَاق بْن تاشفين، وامتُحِن معه لما نُكِب، وأُخذت كُتُبُه.
وقد أراده أَبُو الْعَبَّاس بْن الخلّال عَلَى القضاء فامتنع، ولزِم باديته بخارج مُرْسية إلى أن رغب إِلَيْهِ بأَخَرَة، فقعد للإسماع، وتنافسوا فِي الرواية عَنْهُ.
وروى عَنْهُ جلَّةٌ من شيوخنا.
وتُوُفّي رحمه اللَّه تعالى بالذّبْحة، وله ستٌّ وسبعون سنة.
228- عَبْد الرحيم بْن أَبِي الوفاء عليّ بْن أَبِي طَالِب مُحَمَّد بْن عيسى بْن عَبْد الوهّاب بْن المرزبان [3] .
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبار، ومرآة الجنان 3/ 379، وسير أعلام النبلاء 20/ 506 (دون ترجمة) .
[2] في تكملة الصلة.
[3] انظر عن (عبد الرحيم بن أبي الوفاء) في: العبر 4/ 193، والإعلام بوفيات الأعلام 233، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1835، وفيه: «عبد الرحمن» ، وسير أعلام النبلاء 20/ 575، 576 رقم 357، وشذرات الذهب 4/ 217.(39/250)
أَبُو مَسْعُود الأصبهانيّ، الحاجّيّ، الحافظ المعدّل.
سبط غانم البُرجيّ.
سَمِعَ من: جَدّه غانم، وأبي عليّ الحدّاد، وجماعة.
ورحل إلى نَيْسابور فسمع من: أَبِي بَكْر عَبْد الغفّار الشِّيرُويّ.
وإلى بغداد فسمع من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي العزّ بْن كادش، وطائفة.
قَالَ ابن السَّمعانيّ فِي ترجمته: شابٌّ كيِّس، متودِّد، حَسَن السّيرة، لَهُ أَنَس بالحديث وهو أحد الشُّهُود المعدَّلين.
قلت: وسمع منه أَبُو القاسم بْن عساكر «المعجم الكبير» للطّبرانيّ، وله جزء وَفَيَات شيوخه ومَن بعدهم من الأصبهانيّين، سمعناه بإجازة كريمة منه.
وأجاز أيضا لابن اللّتّيّ.
وحدَّث عَنْهُ أيضا الحافظ عَبْد القادر الرُّهَاويّ، وغيره.
وتُوُفّي فِي الثّاني والعشرين من شوّال عَنْ بضْعٍ وسبعين سنة.
229- العزّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن.
أَبُو البقاء الْمَصْرِيّ المالكيّ الفقيه.
تُوُفّي بمصر فِي ربيع الأوّل.
قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل: وأجاز لنا.
- حرف اللام-
230- لبيب بْن شجاع بْن مَسْعُود.
أَبُو الفُتُوح الوسطانيّ.
تُوُفّي فِي رمضان ببغداد. وهو والد أَبِي هُرَيْرَةَ مُحَمَّد.
- حرف الميم-
231- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن جَابِر.
أَبُو بَكْر بْن أَبِي نصر الدِّينَوَريّ، الصُّوفيّ، المقرئ، ثمّ البغداديّ.(39/251)
قدم جدُّه من الدِّينَوَر فسكن بغداد.
وأبو بَكْر هذا هُوَ والد أَبِي نصر عُمَر بن محمد المقرئ.
ولد سنة ثلاث وخمسمائة، وسمع من: أَبِي الحُصَيْن، وهبة اللَّه بْن الطّبر.
وقرأ القراءات على أبي محمد سِبْط الخياط. وكان صالحا، ورِعًا، عالما.
صحِب أَبَا النّجيب السُّهْرَوَرْدِيّ مدَّةً.
روى عَنْهُ: ابنه عُمَر.
وتُوُفّي بدمشق.
232- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي العيش.
أَبُو عَبْد اللَّه اللَّخْميّ، الطّرطُوشيّ، المعروف بابن الأصيليّ.
رحل فِي طلب العلم، وأخذ القراءات عَنْ: منصور بْن الخير.
وسمع من: أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال، وأبي القاسم بْن ورد، وجماعة.
وجلس للنّاس للإقراء، ونفعهم.
سُمِع منه «الموطّأ» فِي سنة تسعٍ وخمسين أَبُو الْحُسَيْن بْن جُبَيْر الكِنانيّ.
وكتب عَنْهُ: ابن عيّاد، وغيره.
وُلِد سنة 492، وتُوُفّي فِي هذا العام، وقيل بعده.
233- مُحَمَّد بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْد العزيز بْن مازَة [1] .
أَبُو جعفر الْبُخَارِيّ، الفقيه الحنفيّ، شيخ بُخَارى ورئيسها وابن شيخها.
لَقَبُه: شمس الدّين.
روى عن: أبيه.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عمر) في: الجواهر المضيّة 2/ 101، والوافي بالوفيات 4/ 243 رقم 1773.(39/252)
وعنه: أَبُو البركات مُحَمَّد بْن عليّ الْأَنْصَارِيّ قاضي أسْيُوط فِي مشيخته، سَمِعَ منه ببغداد لمّا قدِمَها.
عاش خمسا وخمسين سنة.
234- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سعد بْن مُحَمَّد.
أَبُو الفضل بْن عساكر الأنباريّ، الكاتب.
روى «جزء ابن عَرَفَة» عَنِ ابن بيان.
وعنه: أَبُو الفتوح نصر بن الحصريّ.
ومن شعره: وكتب بِهِ إلى المستنجد:
خدمتُكَ فارسا حَدَثًا غنيا ... أؤمّل سبب كفّيك الغزيرا
أَيَجْمُلُ أنْ أفارقَ بعد حِينٍ ... جنابَكَ راجلا شيخا فقيرا؟
تُوُفّي رحمه اللَّه غريبا بقُونية فِي ربيع الأوّل.
235- مُحَمَّد بْن يوسف بْن سعادة [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه المُرْسِيّ. مولى سَعِيد بْن نصر. نزيل شاطبة.
أكثر عن: أبي عليّ بن سُكَّرَة، وصارت إِلَيْهِ عامَّة أُصُوله وكُتُبه لصهرٍ بينهما.
وتفقّه عَلَى: أَبِي مُحَمَّد بْن جعفر.
ورحل، فسمع: أَبَا مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبا بحر بْن العاص.
وحجّ فلقي بالإسكندريَّة أبا الحجّاج الميورقيّ فصحبه وأخذ عنه.
__________
[1] انظر عن (محمد بن يوسف) في: المعجم لابن الأبّار 183- 185، وتكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 505- 507، وبغية الملتمس للضبيّ 142، 143، والعبر 4/ 193، وسير أعلام النبلاء 20/ 508 رقم 324، ومرآة الجنان 3/ 379، والوافي بالوفيات 5/ 250 رقم 2325، والديباج المذهب 2/ 262، 263، وبغية الوعاة 1/ 277، ونفح الطيب 2/ 158- 160، وشذرات الذهب 4/ 218، وإيضاح المكنون 2/ 41، وهدية العارفين 2/ 96، والأعلام 8/ 23، ومعجم المؤلفين 12/ 126.(39/253)
وسمع بمكَّة من: رَزِين بْن معاوية، وأبي محمد بن غزّال صاحب كريمة.
ولقي بالمهديَّة: أَبَا عَبْد اللَّه المازريّ، فسمع منه كتاب «العلم» .
قَالَ ابن الأَبّار: كَانَ عارفا بالآثار، مشاركا فِي التّفسير، حافظا للفروع، بصيرا باللّغة، مائلا إلى التصوُّف. ذا حظٍّ فِي عِلم الكلام، أديبا، فصيحا مُفَوَّهًا، خطيبا، مَعَ الوقار، والحِلْم، والسَّمْت، والتّلاوة، والخشوع، والصّيام.
ولي خطَّة الشُّورَى بمُرْسِيَة والخطابة، ثمّ ولي قضاء شاطِبة فاستوطنها.
وحدَّث وأقرأ. سَمِعَ منه أَبُو الْحَسَن بْن هُذَيْل مَعَ تقدُّمهِ «جامع التِّرْمِذِيّ» ، وصنَّف كتاب «شجرة الوهْم المترقّية إلى ذِرْوة الفَهْم» لم يُسبق إلى مثله.
ثنا عَنْهُ أكابر شيوخنا، وكان موته يشاطبة مصروفا عَنِ القضاء.
ودُفن فِي أوّل يوم من سنة ستٍّ، وله سبعون سنة.
236- محمود بْن مُحَمَّد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْر [1] .
أَبُو البدائع المسعوديّ، الخَطِيبيّ، المَرْوَزِيّ، الكُشْمِيهَنيّ [2] .
روى هُوَ وأبوه عَنْ أَبِي منصور مُحَمَّد بْن عليّ الكُرَاعيّ [3] .
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وزين الأُمَناء.
تُوُفّي ببغداد كهلا.
__________
[1] انظر عن (محمود بن محمد بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 183 رقم 1176.
[2] الكشميهنيّ: بضم الكاف وسكون الشين المعجمة وكسر الميم، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفتح الهاء وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى قرية من قرى مرو، على خمسة فراسخ منها في الرمل. (الأنساب 10/ 436) .
[3] الكراعي: بضم الكاف وفتح الراء وفي آخرها العين المهملة. هذه النسبة إلى بيع الأكارع والرءوس. (الأنساب 10/ 373، 374) .(39/254)
- حرف الياء-
237- يحيى بْن ثابت بْن بُنْدار بْن إِبْرَاهِيم [1] .
أَبُو القاسم الوكيل ابن المقرئ أَبِي المعالي الدِّينَوَريّ، ثمّ البغداديّ، البقّال.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وطِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ، وأبا الْحَسَن بْن العلّاف، وأبا عَبْد اللَّه النِّعَاليّ، وجماعة.
وروى الكثير.
سَمِعَ منه: ابن السَّمعانيّ، وعمر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ.
روى عَنْهُ بالإجازة: الحافظ ابن عساكر، وصاحبه الرشيد أحمد بْن مَسْلَمَة وبالسّماع: أَبُو الفَرَج ابن الْجَوْزيّ، وابن الأخضر، وعبد الغنيّ، وابن قُدَامة المَقْدِسِيّان، وابن اللّتّيّ، والموفَّق عَبْد اللّطيف، والفخر الإِرْبِليّ، وشهاب الدّين السُّهْرَوَرْدِيّ، وعبد اللَّه بْن باقا، ومحمد بْن عماد الحَرّانيّ، وأبو الكرم مُحَمَّد بْن دُلَف بْن كرم، وعبد الوهَّاب بْن محمود الجوهريّ، وعليّ بْن مبارك بْن فائق، وعبد اللّطيف بْن مُحَمَّد القُبَّيْطيّ، وخلْق سواهم.
تُوُفّي فِي خامس ربيع الأوّل، وقد جاوز الثّمانين.
روى «صحيح الإسماعيليّ» ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ البَرْقانيّ، عَنْهُ.
238- يوسف المستنجد باللَّه [2] .
__________
[1] انظر عن (يحيى بن ثابت) في: الكامل في التاريخ 11/ 366، والمختصر المحتاج إليه 3/ 239 رقم 1337، وتلخيص مجمع الألقاب 1/ 448، والتقييد لابن نقطة 484، 485 رقم 657، وذيل التاريخ المجدّد لمدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 15/ 387، والعبر 4/ 194، ودول الإسلام 2/ 79، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1836، وسير أعلام النبلاء 20/ 505، 506 رقم 322، والإعلام بوفيات الأعلام 234، وتاريخ ابن الوردي 2/ 121، والبداية والنهاية 12/ 264، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 133، وحسن المحاضرة 2/ 233، وشذرات الذهب 4/ 218.
[2] انظر عن (المستنجد باللَّه) في: المنتظم 10/ 192- 194 و 236 رقم 336 (18/ 195 رقم(39/255)
أمير المؤمنين أَبُو المظفَّر بْن المقتفي لأمر اللَّه مُحَمَّد بْن المستظهر باللَّه أحمد بْن المقتدي باللَّه أَبِي القاسم عَبْد اللَّه الهاشميّ العبّاسيّ.
خطب لَهُ والده بولاية العهد فِي سنة سبْعٍ وأربعين، فلمّا احتضر أَبُوه كَانَ عنده حظيّته أمّ عليّ، فأرسلت إلى الأمراء أن يقوموا معها ليكون الأمر لابنها عليّ، وبذلت لهم الإقطاعات والأموال، فقالوا: كيف الحيلة مَعَ وجود وليّ العهد يوسف؟ فقالت: أَنَا أقبض عَلَيْهِ، فأجابوها، وعيَّنوا لوزارته أَبَا المعالي بْن إلْكِيا الهرّاسيّ، وهيَّأت هِيَ عدَّة من الجواري بسكاكين، وأمرتهنّ بالوثوب عَلَى وليّ العهد المستنجد، وكان لَهُ خُوَيْدِم، فرأى الجواري بأيديهنّ السّكاكين، وبيد عليّ وأُمّه سيفين، فعاد مذعورا إلى المستنجد وأخبره، وبعثت هِيَ إِلَيْهِ تَقُولُ: احضر، فأبوك يموت. فطلب أستاذ داره، وأخذه معه في جماعة من الفرّاشين، ولبس الدّرْع، وشَهَر سيفا، فلمّا دخل ضرب واحدة من تلك الجواري جرحها، فتهاربْنَ، وأخذ أخاه عليّا وأمّه فحبسها، فغرّق
__________
[4289] ، والإنباء في تاريخ الخلفاء 226، والتاريخ الباهر 150- 152، والكامل في التاريخ 11/ 360- 362، والروضتين ج 1 ق 2/ 483- 485، وتاريخ الزمان 15/ 1، وتاريخ مختصر الدول 214، وسنا البرق الشامي 1/ 100، وتاريخ إربل 1/ 196، 243، ومفرّج الكروب 1/ 193- 196، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 233- 236، ومرآة الزمان ج 8/ 284، وخلاصة الذهب المسبوك 276، والفخري في الآداب السلطانية 316، والمختصر في أخبار البشر 3/ 49، والمختصر المحتاج إليه 3/ 234، 235 رقم 1323، ومسالك الأبصار (مخطوط) 27/ 27 أ- 29 ب، والعبر 4/ 194، والإعلام بوفيات الأعلام 233، ودول الإسلام 2/ 79، وسير أعلام النبلاء 20/ 412- 418 رقم 274، وتاريخ ابن الوردي 2/ 78، وفوات الوفيات 4/ 358- 360، وعيون التواريخ (مخطوط) 17/ 130 أ- 133 ب، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 161 ب- 163 ب، ومرآة الجنان 3/ 379، والبداية والنهاية 12/ 262، وتاريخ ابن خلدون 3/ 525، وتاريخ الخميس 2/ 408، 409، والكواكب الدرية 192- 194، ومآثر الإنافة 2/ 44- 49، وزبدة التواريخ 282، والجوهر الثمين 1/ 210، 211، ونهاية الأرب 23/ 294- 300، والنجوم الزاهرة 5/ 386، وحسن المحاضرة 2/ 91، 92، وتاريخ الخلفاء 442- 444، وتاريخ ابن سباط 1/ 128، وشذرات الذهب 4/ 218، 219، وأخبار الدول 176، 177.(39/256)
بعضَ الجواري، وقتل بعضهنّ، واستُخْلِف يوم موت أَبِيهِ فِي ربيع الأوّل سنة خمسٍ وخمسين.
ووُلِد سنة ثمان عشرة. وأمّه طاوس كُرْجيَّة. أدركت خلافته [1] .
قال ابن الدّبيثيّ [2] : كان يقول الشّعر. قال: وكان نقش خاتمه: من أحبّ نفسه عمل لها.
قَالَ ابن النّجّار: حكى ابن صفيَّة أنّ المقتفي كَانَ قد نزل يوما فِي المخيّم بنهر عيسى، والدّنيا صَيْف، فدخل إِلَيْهِ المستنجد، وقد أثّر الحَرّ والعَطَش فِيهِ.
فقال: أيْشٍ بك؟
قَالَ: أَنَا عطشان.
قَالَ: ولِمَ تركت نفسك؟
قَالَ: يا مولانا، فإنّ الماء فِي الموكبيّات قد حمي.
فقال: أيْش فِي فمِك؟
قَالَ: خاتم يَزْدَن عَلَيْهِ مكتوب اثني عشر إمام، وهو يسكِّن من العطش.
فضحك وقال: وا لك يريد يُصَيِّرُكَ يَزْدَن رافضيّا، سيّد هَؤُلَاءِ الأئمَّة الْحُسَيْن، ومات عطشان.
وقال [سِبْط] [3] ابن الْجَوْزيّ فِي «المرآة» [4] : ومن شِعر المستنجد:
عيَّرتني بالشَّيْب وهو وقار ... ليتها عيَّرت بما هُوَ عارُ
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 256، 257.
[2] المختصر المحتاج إليه 3/ 324، 325.
[3] إضافة على الأصل.
[4] مرآة الزمان 8/ 284.(39/257)
إنْ تكُ [1] شابت الذّوائب منّي ... فاللّيالي تزينها [2] الأقمارُ [3]
وله فِي بخيل:
وباخل أشعل فِي بيته ... تكرُمةً منه لنا شمعه
فما جَرَت من عينها دمعةٌ ... حتّى جَرَت [4] من عينه دمعَهْ
وقال ابن الجوزيّ [5] : أوّل من بايعه عمه أبو طالب، ثم أخوه أبو جعفر وكان أسنّ من المستنجد، ثمّ الوزير عَوْن الدّين، ثمّ قاضي القضاة.
وحدّثني الوزير أَبُو المظفّر يحيى بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرة: حدَّثني أمير المؤمنين المستنجد باللَّه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام منذ خمس عشر سنة فقال لي: يبقى أبوك فِي الخلافة خمس عشرة سنة. فكان كما قَالَ.
ورأيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موت أَبِي بأربعة أشهر، فدخل بي من باب كبير، ثمّ ارتفعنا إلى رأس جبل، وصلّى بي ركعتين وألبسني قميصا، ثمّ قَالَ لي: قُل اللَّهمّ اهدني فيمن هديت. وذكر دُعاء القُنُوت.
وحدّثني الوزير ابن هُبَيْرة قَالَ: كَانَ المستنجد قد بعث إليَّ مكتوبا مَعَ خادم فِي حياة أَبِيهِ، وكأنّه أراد أن يُسِرّه عَنْ أَبِيهِ، فأخَذْتُه وقلَّبته، وقلت للخادم: قُلْ لَهُ: واللهِ ما يُمكنني أن أقرأه، ولا أن أجيب عَنْهُ.
قَالَ: فأخذ ذَلِكَ فِي نفسه عليَّ. فلمّا ولي دخلت عَلَيْهِ فقلت: يا أمير المؤمنين، أكبر دليل فِي نُصحي أنّي ما حابيتك نصحا لأمير المؤمنين.
__________
[1] في المنتظم: «تكن» ، وكذا في: سير أعلام النبلاء، وغيره.
[2] في فوات الوفيات: «تزينها» .
[3] البيتان في: مرآة الزمان 8/ 284، وسير أعلام النبلاء 20/ 413، وفوات الوفيات 4/ 360.
[4] في مرآة الزمان 8/ 284.
[5] في المنتظم 10/ 193 (18/ 139) .(39/258)
فقال: صَدَقْت، أنت الوزير.
فقلت: إلى متى؟
فقال: إلى الموت.
فقلت: أحتاج، والله، إلى اليد الشّريفة. فأحلفته عَلَى ما ضمن لي.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ [1] : وحكي أنّ الوزير بعد ذَلِكَ خدم بحمْل الكثير من خيل، وسلاح، وغِلْمان، وطِيب، ودنانير، فبعث أربعة عشر فَرَسًا عرابا، فيها فرس [2] يزيد ثمنه على أربعمائة دينار، وستّ بغلات [3] ، وعشرة غلمان ترك، وعشرة زرريّات [4] ، وخَوْذة [5] ، وعشرة تخوت من الثّياب، وسفْط فِيهِ عُود، وكافور، وعنبر، وسفْط فِيهِ دنانير، فقبِل [6] منه وطاب قلبه.
وأقرَّ المستنجد أصحاب الولايات، وأزال المُكُوس والضّرائب.
تُوُفّي رحمه اللَّه فِي ثامن ربيع الآخر. وكان موصوفا بالعدل والرفْق.
أطلق من المكوس شيئا كثيرا، بحيث لم يترك بالعراق مكْسًا فيما نقل صاحب «الروضَتَين» [7] وقال: كَانَ شديدا عَلَى المفسِدين والعوانية. سجن رجلا كَانَ يسعى بالنّاس مدَّةً، فحضر رَجُل وبذل فِيهِ عشرة آلاف دينار، فقال: أنا أعطيك عشرة آلاف دينار، ودُلَّني عَلَى آخر مثله لأحبسه وأكفّ شرّه [8] .
ومن أخبار المستنجد، قَالَ ابن الأثير [9] : كَانَ أسمر، تامّ القامة، طويل
__________
[1] في المنتظم.
[2] في الأصل: «فيها وفرس» . وزاد في المنتظم: «أبيض» .
[3] زاد في المنتظم: «مثمنة» .
[4] في الأصل: «وعشر زرديات» .
[5] في المنتظم: «وخوذ» .
[6] في المنتظم: «فقبلت» .
[7] ج 1 ق 2/ 484، الكامل في التاريخ 11/ 362.
[8] ج 1 ق 2/ 484، الكامل في التاريخ 11/ 362.
[9] في الكامل 11/ 360.(39/259)
اللّحية. اشتدّ مرضه، وكان قد خافه أستاذ الدّار عضُد الدّين أَبُو الفَرَج ابن رئيس الرؤساء، وقُطْب الدّين قايماز المقتفوِيّ أكبر الأمراء، فلمّا اشتدَّ مرض الخليفة اتّفقا وواضعا الطّبيبَ عَلَى أن يصف لَهُ ما يُؤْذيه، فوصف لَهُ الحمّام، فامتنع لضَعْفه، ثمّ أُدْخِلها، فأُغلق عَلَيْهِ باب الحمّام فمات. هكذا سَمِعْتُ غيرَ واحدٍ ممّن يعلم الحال.
قَالَ [1] : وقيل إنّ الخليفة كتب إلى وزيره مَعَ طبيبه ابن صفيَّة يأمره بالقبض عَلَى قايماز وابن رئيس الرؤساء وصلبهما. فاجتمع ابن صفيَّة بابن رئيس الرؤساء، وأعطاه خطّ الخليفة، فاجتمع بقايماز ويَزْدَن، وأراهما الخطّ، فاتّفقوا عَلَى قتل الخليفة، فدخل إِلَيْهِ يَزْدَن، وقايماز العميديّ، وحملاه، وهو يستغيث، إلى الحمّام وأغلقاه عَلَيْهِ فتَلِف.
قَالَ [2] : ولمّا مرض المستنجد أُرْجِف بموته، فركب الوزير بالأمراء والسّلاح، فأرسل إِلَيْهِ عضُد الدّين يَقُولُ: إنّ أمير المؤمنين قد خفّ، وأقبلت العافية. فعاد الوزير إلى داره. وعمد عضُد الدّين ابن رئيس الرؤساء وقايماز، فبايعا المستضيء باللَّه أبا مُحَمَّد الْحَسَن بْن المستنجد.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ المستنجد موصوفا بالفَهْم الثّاقب، والرأي الصّائب، والذّكاء الغالب، والفضل الباهر، لَهُ نثرٌ بليغ، ونظْمٌ بديع، ومعرفة بعمل آلات الفَلَك والأسْطِرْلاب، وغير ذلك رحمه الله تعالى [3] .
__________
[1] في الكامل 11/ 360، 361.
[2] في الكامل 11/ 361.
[3] وقال أَبُو المظفّر يحيى بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرة: أنشدني المستنجد باللَّه أمير المؤمنين وكان قد مرض وشفي، فقال: اسمع يا يحيى ما قلت في خيالي:
إذا مرضنا نوينا كلّ صالحة ... وإن شفينا ففينا الزّيغ والزّلل
نخشى الإله إذا خفنا ونسخطه ... أمنّا فلا يزكو لنا عمل
(تاريخ إربل 1/ 196) .
وأنشد الوزير ابن هبيرة عن المستنجد باللَّه:
بتقوى الإله نجا من نجا ... وفاز وأدرك ما قد رجا(39/260)
الكنى
239- ابن الخلّال الكاتب [1] .
ويُعرف بالقاضي، صاحب ديوان الإنشاء بالدّيار المصريَّة، واسمه أبو الحَجّاج يوسف بْن مُحَمَّد بْن حسين، الأديب موفَّق الدّين.
وكان قد شاخ وكبر، فلمّا مات أقام صلاح الدّين مكانه القاضي الفاضل.
مات فِي جُمَادَى الآخرة.
قَالَ العماد [2] : هُوَ ناظر مصر، وإنسان ناظره، وجامع مفاخره. وكان إِلَيْهِ الإنشاء. عُطل فِي آخر أيّام، وعُمّر وأضرَّ.
ثمّ قَالَ: أنشدني مُرْهَف بْن أسامة: أنشدني الموفَّق بْن الخلّال لنفسه:
عدت ليال بالعُذَيْب خوالي ... وخلت مواقف الوِصال خوالي
وَمَضْت لذاذات تَقَضَّى ذِكْرُها ... تُصْبي الخَلِيّ وتستهيم السّالي
فوجَلَتْ مُوَرَّدة الخدود فأَوثقتْ ... فِي الصَّبْوَة الخالي بحُسْن الخال
__________
[ () ]
ومن يتّق الله يجعل له- كما قال- من أمره مخرجا
(تاريخ إربل 1/ 243) .
[1] انظر عن (ابن الخلّال) في: النكت العصرية 298، 299، وخريدة القصر (قسم شعراء مصر) 1/ 235- 237، وسنا البرق الشامي 1/ 110، والكامل في التاريخ 11/ 366، والروضتين ج 1 ق 2/ 487، ووفيات الأعيان 6/ 219- 224، والمختصر في أخبار البشر 3/ 50، والعبر 4/ 194، وسير أعلام النبلاء 20/ 505 رقم 321، وتاريخ ابن الوردي 2/ 121، والبداية والنهاية 12/ 264، وعيون التواريخ (مخطوط) 17/ 133 ب- 135 أ، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 165 أ، ب، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 133، وحسن المحاضرة 2/ 233، وشذرات الذهب 4/ 219.
[2] في الخريدة 1/ 235.(39/261)
وله:
أمّا اللّسان فقد أخفى وقد كَتَما ... لو أمكن الجفْن كفّ الدَّمْعَ حين هَمَّا
أصبتُم بسهام اللّحْظ مُهْجَتَهُ ... فهل يُلامُ إذا أجرى الدُّموع دما
قد صار بالسّقم من تعذيبكم عَلَمًا ... ولم يَبُحْ بالّذي من جَوْركم علما
وله:
وله طَرْفٌ لواحظُهُ ... بصُرَتْ شَوْقي عَلَى جلدي
قذفت عيني سَوالِفَه ... فتدارت منه بالزّردي(39/262)
سنة سبع وستين وخمسمائة
- حرف الألِف-
240- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الرَّحبيّ [1] .
أَبُو عَلِيّ الحَرِيميّ، العطّار، البوّاب.
سَمِعَ: أَبَا عَبْد اللَّه النّعاليّ، وأبا الْحَسَن بْن الخلّ، وأبا سعد بْن خُشَيْش.
روى عَنْهُ: ابن الأخضر، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق، وأبو القاسم بْن مُحَمَّد بْن القر، وسعيد بْن عَلِيّ بْن بكري، وأحمد بْن يعقوب المارِسْتانيّ، وعبد اللّطيف بْن القُبَّيْطيّ، وواثلة بْن كراز الملّاح.
تُوُفّي فِي صفر، وله 85 سنة.
241- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [2] .
أبو عَبْد اللَّه الأصبهانيّ، يُعرف بعلاء المعدّل.
سَمِعَ: غانما البُرْجيّ، وأبا منصور بْن مَنْدوَيْه، وأبا عَلِيّ الحدّاد.
وحدَّث ببغداد، وكان حيّا فِي هذا العام.
- حرف الجيم-
242- جعفر بْن أحمد بْن خَلَف بْن حُمَيْد بْن مأمون [3] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد الرحبيّ) في: العبر 4/ 196، والإعلام بوفيات الأعلام 234، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1837، وسير أعلام النبلاء 20/ 511 رقم 326، والنجوم الزاهرة 6/ 66، وشذرات الذهب 4/ 220.
[2] انظر عن (أحمد بن محمد الأصبهاني) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[3] انظر عن (جعفر بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(39/263)
أَبُو أحمد البَلَنْسِيّ.
روى عَنْ: أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيُوسيّ، وأبي القاسم الأبرش.
قَالَ الأبّار: وكان ثقة خَيَارًا، وهو والد القاضي أَبِي عَبْد اللَّه بْن حُمَيْد.
عاش نيِّفًا وسبعين سنة.
- حرف الحاء-
243- الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن السّمّاك [1] .
الحَرِيميّ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيّ البردانيّ، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن المختار، وشجاعا الذّهليّ.
وسافر عَنْ بغداد سِنين كثيرة.
وسمع منه: ابنه واثق، وأبو بَكْر بْن مَشِّقْ، وأحمد بْن مُحَمَّد البَنْدَنِيجَيّ.
وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.
- حرف الخاء-
244- الخضر بن نصر بن عقيل [2] .
__________
[1] انظر عن (الحسن بن علي) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] انظر عن (الخضر بن نصر) في: تاريخ دمشق (مخطوطة الظاهرية) 5/ ورقة 328، وتهذيبه 5/ 165، 166، وتكملة إكمال الإكمال 29، بالحاشية (2) ، ووفيات الأعيان 2/ 10 رقم 203، وتاريخ إربل 1/ 366، 368، 370، 371 (في ترجمة: محمد بن علي بن جامع، رقم 273) ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 218، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 282 ب، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 118 رقم 106، ومرآة الجنان 4/ 64، والبداية والنهاية 12/ 287 (في وفيات 569 هـ.) ، والوافي بالوفيات 13/ 337، 338 رقم 416، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 341، 342 رقم 307، وطبقات المفسرين للسيوطي 13، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 163 رقم 160، وشذرات الذهب 5/ 86 (في وفيات 619 هـ.!) ، والأعلام 2/ 307، ومعجم المؤلفين 4/ 102.
وفي دار الكتب المصرية مخطوطة ناقصة من أولها فيها: أخبار خضر بن نصر بن عقيل،(39/264)
أَبُو الْعَبَّاس الإربليّ، الفقيه الشّافعيّ، أحد الأئمَّة.
اشتغل ببغداد عَلَى ألْكِيا الهَرّاسيّ، وأبي بَكْر الشّاشيّ.
قَالَ ابن خلِّكان [1] : وله تصانيف كثيرة فِي التّفسير والفِقْه، وغير ذَلِكَ.
وألَّف كتابا فِيهِ ستٌّ وعشرون خُطْبة نبويَّة كلّها مُسْنَدَةٌ، وانتفع عَلَيْهِ خلْق.
وكان رجلا صالحا.
تُوُفّي بإربِل، وولي التّدريس مكانه ابن أخيه عزّ الدّين أَبُو القاسم نصر بْن عقيل بْن نصر، ثمّ سخط عَلَيْهِ مظفّر الدّين، فأخرجه، فقدِم الْمَوْصِلَ بعد السّتّمائة وبها تُوُفّي سنة تسع عشرة [2] .
- حرف السين-
245- سُلَيْمَان بْن دَاوُد [3] .
التُّوَيْزيّ [4] الأندلسيّ، ويُعرف بابن حوط [5] اللَّه.
أخذ القراءات عَنِ ابن هُذَيل.
وسمع من: طارق بْن يَعِيش، وأبي الوليد بْن الدّبّاغ.
وكان حَسَن التّلاوة.
أخذ عَنْهُ: ابناه أَبُو مُحَمَّد وأبو سُلَيْمَان.
وتُوُفّي فِي عاشر ذي الحجَّة [6] .
__________
[ () ] مجهولة المؤلف. انظر فهرس المخطوطات 1/ 45.
[1] في وفيات الأعيان.
[2] وقال الخضر بن نصر بن عقيل: أول من تفقّه بإربل محمد بن علي بن جامع، فكنت أقرأ عليه شيئا من الفقه، فأوقع الله عندي حبّ العلم، وكان أبي فقيرا لا مال له، فمضيت إلى بغداد وجئت باب النظامية وعليّ بزّة رثّة، فمنعني البوّاب من الدخول لرثاثة حالي، وكان المدرّس بها الكيا الهرّاسي. (تاريخ إربل) .
[3] انظر عن (سليمان بن داود) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1984، والذيل والتكملة (بقية السفر الرابع) 68، 69 رقم 163.
[4] التّويزيّ: بضم التاء المعلوّ وفتح الواو وإسكان الياء المسفول وزاي منسوبا.
[5] في الأصل: «حفظ» . والمثبت عن المصدرين.
[6] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان كثير العناية بكتاب الله تعالى حسن التلاوة له،(39/265)
246- سُلَيْمَان بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن.
أَبُو تميم الفُراتيّ، الرّحبيّ، المقرئ، الخبّاز.
سَمِعَ: عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الحِنّائيّ.
وروى عَنْهُ: ابنا صَصْرَى، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر النّسّاخ، وآخرون.
مات رحمه اللَّه تعالى فِي ربيع الأوّل.
نقلت وفاته من خطّ أَبِي عَبْد اللَّه البرْزاليّ.
- حرف العين-
247- عاشر بْن مُحَمَّد بْن عاشر بْن خَلَف [1] .
أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، الشّاطِبيّ.
سَمِعَ من: أَبِي عَلِيّ بْن سُكَّرَة، وأبي جَعْفَر بْن جحدر، وأبي عامر بْن حبيب، وأبي عمران بْن أَبِي تُلَيْد، وأبي بحر الأَسَديّ.
وتفقَّه بأبي مُحَمَّد بْن أَبِي جعفر.
وأخذ القراءات بقُرطُبة عَنْ أَبِي الْعَبَّاس بْن ذرّوه.
وأخذ بعض الروايات عَنْ أبي القاسم بن النّحّاس، وتُوُفّي الشَّيْخ.
وسمع من: ابن عتّاب. وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه الخَوْلانيّ، وجماعة.
وعُنِي بالفقه، وشُهِر بالحِفْظ. وولي خطَّة الشُّورَى ببَلَنْسِيَة، ثمّ قضاء مُرْسِيَة، فحُمِدت سِيرته، ونال دنيا وحشْمة. ثمّ صُرِف عند زوال دولة الملثَّمين.
وانتهت إليه رئاسة الفتوى.
__________
[ () ] ملازما إقراءه وتعليمه، فاضلا متواضعا، والمسجد الّذي كان يؤمّ به في صلاة الفريضة ويقرأ فيه القرآن لم يزل يعرف بمسجد أبي الربيع إلى أن تغلّب الروم على أندة سنة أربعين وستمائة أو نحوها، مولده سنة ثمان وخمسمائة.
[1] انظر عن (عاشر بن محمد) في: الأعلام 4/ 10، 11، ومعجم المؤلفين 5/ 51.(39/266)
روى عَنْهُ: أَبُو الْخَطَّاب بْن واجب، وأبو عَبْد اللَّه بْن سعادة، وابن أخته أَبُو مُحَمَّد بْن غلْبُون، وأبو عَبْد اللَّه الأَنْدَرشيّ.
وله مصنَّفات نافعة.
مات فِي نصف شعبان بعد أن كُفّ بَصَرُه وله ثلاثٌ وخمسون سنة.
248- عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن أحمد بْن أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن نصر [1] .
العلّامة أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب، النَّحْويّ.
شيخ بغداد ونحْويّ البلاد، يقال إنّه بلغ فِي النَّحْو درجة أَبِي عَلِيّ الفارسيّ. وكانت لَهُ معرفة تامَّة بالحديث، واللّغة، والهندسة، والفلسفة، وغير ذَلِكَ.
أخذ عَنْ: أَبِي منصور بْن الجواليقيّ، وأبي بَكْر بْن جوامرد القطّان النّحويّ، وعليّ بن أبي زيد الفصيحيّ، وأبي السّعادات هبة الله بن الشّجريّ، والحسن بن عليّ المحوّليّ اللّغويّ، حتّى أحكم العربيّة.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن أحمد بن أحمد) في: المنتظم 10/ 238، 239 رقم 337 (18/ 198 رقم 4291) ، ومعجم الأدباء 12/ 47- 53 رقم 20، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 98، والكامل في التاريخ 11/ 375، 376، وإنباه الرواة 2/ 99- 103، رقم 314، ومرآة الزمان 8/ 288، 289، ووفيات الأعيان 3/ 102- 104، والمختصر في أخبار البشر 3/ 52، والمختصر المحتاج إليه 2/ 127- 129 رقم 755، والعبر 4/ 196، 197، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1838، والإعلام بوفيات الأعلام 234، وسير أعلام النبلاء 20/ 523- 528 رقم 337، وتلخيص ابن مكتوم 88، 89، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 134- 136، وتاريخ ابن الوردي 2/ 124، ومسالك الأبصار ج 4 مجلّد 2/ 311- 316، ومرآة الجنان 3/ 381، 382، وفوات الوفيات 2/ 156، والبداية والنهاية 12/ 269، والوافي بالوفيات 17/ 14- 16 رقم 11، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 316- 323 رقم 145، وتاريخ ابن الفرات 4/ 189- 206، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 17- 20، والنجوم الزاهرة 6/ 65، وتاريخ الخلفاء 448، وبغية الوعاة 2/ 29- 31 رقم 1353، وكشف الظنون 108، 602، 604، 741، 1536، 1563، 1791، 1795، 1804، 1894، 1973، وشذرات الذهب 4/ 220- 222، والفلاكة والمفلوكون 78، 79، وهدية العارفين 1/ 456، وروضات الجنات 451، 452، ومعجم المطبوعات 93، وتاريخ الأدب العربيّ 5/ 167- 169، وفهرست الخديوية 4/ 255، وفهرس المخطوطات المصورة 1/ 424، ومعجم المؤلفين 6/ 20.(39/267)
وكان مولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وسمع من: أبي القاسم الرّبعيّ، وأبي الغنائم النّرسيّ، وأبي زكريّا بن مَنْدَهْ، وغيرهم.
ثمّ طلب بنفسه، وقرأ الكثير.
وسمع من: أبي عبد الله البارع، وابن الحصين، وابن كادش، وأبي غالب بن البنّاء.
وقرأ العالي والنّازل إلى أن قرأ عَلَى أقرانه. وكان لَهُ كُتُب كثيرة إلى الغاية [1] . وروى الكثير، وتخرَّج بِهِ خلْقٌ فِي النَّحْو.
وحدَّث عَنْهُ: أَبُو سعد السَّمْعانيّ، وذكره فِي تاريخه فقال: شابّ كامل، فاضل، لَهُ معرفة تامَّة بالأدب، واللّغة، والنَّحْو، والحديث، يقرأ الحديث قراءة حسنة، صحيحة، سريعة، مفهومة.
سَمِعَ الكثير بنفسه، وجمع الأُصول الحِسان من أيّ وجهٍ، وكان يضنّ بها.
سَمِعْتُ بقراءته من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وابن السَّمَرْقَنْدِيّ، وسمعت لقراءته مجلّداتٍ من «طبقات» ابن سعد. وكان يُديم القراءة طول النّهار من غير فُتُور.
قلت: كَانَ عمره إذ ذاك أربعين سنة.
قَالَ: وسمعت أَبَا شجاع عُمَر البِسْطاميّ يقول: لمّا دخلت بغداد قرأ عليّ ابن الخشّاب «غريب الحديث» لأبي مُحَمَّد القُتَيْبِيّ قراءة ما سَمِعْتُ قبلَها مثلها فِي الصّحة والسُّرْعة. وحضر جماعةٌ من الفُضَلاء، وكانوا يريدون أن يأخذوا عَلَيْهِ فلْتَةَ لسانٍ فما قَدَرُوا.
__________
[1] قَالَ سبط ابن الجوزي: وكان مغرى بشراء الكتب، وحضر يوما سوق الكتبيين فنودي على كتاب بخمسمائة دينار ولم يكن عنده شيء فاشتراه وقال: أخّروني ثلاثة أيام، ومضى، فنادى، فبلغت خمسمائة دينار، فقبض صاحبها وباعه بخمسمائة دينار، فوفاه من ثمن الكتب وبقيت الدار له بعشرين دينار وقيل بغير شيء.(39/268)
قَالَ ابن السَّمعانيّ: كتبت عَنْهُ جزءا رَوَاهُ عَنِ الرَّبَعيّ، وسألته عَنْ مولده فقال: أظنّ أنّه في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وقال ابن النّجّار إنّه أخذ الحساب والهندسة عن: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِيّ. وأخذ الفرائض عَنْ أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ [1] . وكان ثقة.
ولم يكن فِي دينه بذاك.
قلت: روى عَنْهُ أيضا: أَبُو اليُمْن الكِنْديّ، والحافظ عَبْد الغنيّ، وعبد العزيز بْن الأخضر، وأبو أحمد بْن سُكَيْنَة، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، ومحمد بْن عماد الحَرّانيّ، وأبو البقاء العُكْبَرِيّ، وأبو الْحَسَن عَلِيّ بْن نصر الحِلّيّ، وهو شيخهما فِي النَّحْو وشيخ الفخر أَبِي عَبْد اللَّه بْن تَيْمية الخطيب.
وقرأت بخطّ أَبِي مُحَمَّد بْن قُدَامة: كَانَ ابن الخشّاب إمام أهل عصره فِي عِلم العربيَّة، وحضرت كثيرا من مجالسه، لكن لم أتمكّن من الإكثار عَنْهُ لكثرة الزّحام عَلَيْهِ، وكان حَسَن الكلام فِي السُّنَّة وشرحها.
قلت: وكان ظريفا مزّاحا عَلَى عادة الأدباء.
قَالَ ابن الأخضر: كنت عنده وعنده جماعة من الحنابلة، فسأله مكّيّ القرّاد [2] فقال: عندك كتاب الجبال [3] ؟ فقال: يا أَبْلَه ما تَراهم حولي [4] ؟
وقال ابن النّجّار: سَمِعْتُ بعضهم يَقُولُ: سَأَلَ ابنَ الخشّاب واحد من
__________
[1] المزرفي: بفتح الميم وسكون الزاي وفتح الراء وفي آخرها فاء، نسبة إلى المزرفة، وهي قرية كبيرة بالقرب من بغداد على خمسة فراسخ منها. (الأنساب 11/ 275، اللباب 3/ 203، الإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب المزرفي والمزرفن، المشتبه 2/ 587، توضيح المشتبه 8/ 140، تبصير المنتبه 4/ 1361) .
وقد تصحّفت في (بغية الوعاة) إلى «المزرقي» ، وتحرّفت في (معجم الأدباء 12/ 49) إلى «المرزوقي» .
[2] هكذا في الأصل، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 321، وقد ضبطه المؤلّف- رحمه الله- في (المشتبه 2/ 450) بالغين المعجمة والراء المشدّدة وبعد الألف دال.
[3] في طبقات الحنابلة: «الخيال» .
[4] معجم الأدباء 12/ 50، بغية الوعاة 2/ 30.(39/269)
تلامذته: القفا يُمَدّ أو يُقْصَر؟ فقال: يُمَدّ ثمّ يُقْصَر [1] .
قَالَ: وبلغني أنّ اثنين [2] [أتياه] [3] ليعرضا عَلَيْهِ شِعرًا قالاه، فسمع من أحدهما، فقال للآخر: هُوَ أردأ [4] شِعْرًا منك. فقال: وكيف ولم تسمع شِعري؟ قَالَ: لأنّ شِعره لا يمكن أن يكون أردأ منه.
وسأل بعض تلامذته: ما بك؟
فقال: فؤادي.
فقال: لو لم تهمزْهُ لم يُوجِعّك.
قَالَ: وبلغني أنّ بعض المعلّمين قرأ عَلَيْهِ قول العَجّاج:
أطربا وأنت قنّسريّ [5] ... وإنّما يأتي الصِّبّا [6] الصَّبِيُّ
فجعل الصَّبا بالياء، فقال لَهُ: هذا عندك فِي المكتب. فاستحى.
وله فِي الشّمعة:
صفراءُ لا من سَقَمٍ مَسَّها ... كيفَ وكانت أُمُّها الشّافِيَهْ
عُرْيانةٌ باطِنُها مُكْتَسٍ ... فأعْجَبُ لها كاسِيَةً عارِيَهْ [7]
قَالَ ابن النّجّار: وسمعت حمزة القُبَّيْطيّ يَقُولُ: كَانَ ابن الخشّاب يتعمم بالعمامة، وتبقى عَلَى حَالها مدَّةً حتّى يَسْوَدّ ما يلي رأسَه منها، وتتقطّع من الوسخ، وترمي عليها العصافيرُ ذَرْقَها، فيتركه عَلَى حاله.
قَالَ: وسمعت أَبَا مُحَمَّد بن الأخضر أنّ ابن الخشّاب ما تزوَّج قطّ ولا تَسَرَّى، وكان قذِرًا يستقي بجرَّةٍ مكسورا. ولمّا مرض أتيناه نعوده، فوجدناه
__________
[1] معجم الأدباء 12/ 51، طبقات الحنابلة 1/ 320، بغية الوعاة 2/ 30.
[2] في الأصل: «اثنان» .
[3] إضافة على الأصل.
[4] في الأصل: «أردى» .
[5] في الأصل: «تتسرّى» ، والتصحيح من (معجم الأدباء) . و «فنّسرى: كبير طاعن في السّنّ» .
[6] في الأصل: «الصبى» .
[7] معجم الأدباء 132/ 53.(39/270)
فِي أسوأ حالٍ من وَسَخِ الثّياب وقذر مكانه وعدم الغداء. فأشرنا عَلَى القاضي أَبِي القاسم بْن الفرّاء بأن ينقله إلى داره، فنقله وأسكنه فِي بيتٍ نظيف، وألبسه ثوبا نظيفا، وأحضر الأشربة والماء ورد، فوجد راحة وخفَّة، فأشهدنا بوقف كُتُبه، فاستولى عليها بيت العطّار، وباعوا أكثرها، وتفرّقت حتّى بقي عشْرها.
فتُرِك برباط المأمونيَّة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ رحمه اللَّه بخيلا، متبذّلا فِي ملبسه ومَطْعَمه، ويلبس قَذرًا، ويلعب بالشّطرنج عَلَى الطّريق، ويقف عَلَى المُشعبِذ وأصحاب القرود، يُكْثر المُزَاح.
وقد صنَّف الرّدّ عَلَى الحريريّ فِي موضعٍ من «المقامات» ، وشرح «اللُّمَع» لابن جنّيّ ولم يُتمّه، وشرح «مقدّمة» الوزير ابن هُبَيْرة فِي النّحْو، وصنَّف الرّدّ عَلَى أَبِي زكريّا التّبْريزيّ فِي تهذيبه لإصلاح المنطق [1] .
وقال جمال الدّين القفْطيّ [2] : كَانَ مُطَّرحًا للتكلُّف، وفيه بذاءة، ويقف عَلَى الحلَق، ويقعد للشّطرنج أَيْنَ وَجَدَه، وكلامه أجود من قلمه. وكان ضيّق العطن، ما صنَّف تصنيفا فكمَّله. شرح «الْجُمَل» للجُرْجانيّ، وترك أبوابا فِي وسط الكتاب وأقرّ هذا التّصنيف وهو عَلَى هذه الصّورة، ولم يعتذر عَنْهُ.
قَالَ ابن النّجّار: سَمِعْتُ أَبَا بَكْر المبارك بْن المبارك النَّحْويّ يَقُولُ: كَانَ أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب يحضر دائما سوق الكُتُب، فإذا نوديَ عَلَى الكتاب يريد أن يشتريه أخَذَه وطالَعه، واستغفل الحاضرين، وقطع ورقة، ثمّ يَقُولُ إنّه مقطوعٌ ليشتريه برُخْص، فإذا اشتراه أعاد الورقة فِي بيته.
قَالَ: وكان لَهُ إيوان كبير ملآن من الكُتُب والأجزاء، فكان إذا استعار شيئا وَطُلِبَ منه يَقُولُ: قد حصل بين الكُتُب فلا أقدر عَلَيْهِ.
قلت: إنْ صحّ هذا فلعلّه تاب والله يغفر له.
__________
[1] معجم الأدباء 12/ 51، 52.
[2] إنباه الرواة 2/ 100.(39/271)
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: دخلت عَلَيْهِ في مرْضه وقد يئس من نفسه، فقال لي:
عند اللَّه أحتسب نفسي.
وتُوُفّي يوم الجمعة ثالث رمضان. ودفن يوم السّبت.
وحدَّثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي الفَرَج الحِنّائيّ الرجل الصّالح قَالَ: رَأَيْته فِي النّوم بعد موته بأيّام، ووجهه مضيء، فَقُلْتُ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غُفِر لي وأدخلني الجنَّة، إلّا أَنَّهُ أعرضَ عنّي.
فقلت لَهُ: أعرض عنك؟ فقال: نعم، وعن جماعة من العلماء تركوا العمل [1] .
249- عَبْد اللَّه بْن طاهر بْن حَيْدرة بْن مفوّز [2] .
أَبُو مُحَمَّد المَعَافِريّ، الشّاطبيّ.
أخذ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن أَبِي العَيْش.
وسمع من: أَبِيهِ، وأبي إِسْحَاق بْن جماعة.
وتفقَّه بأبي عَبْد اللَّه بْن مُغَاوِر، وأجاز لَهُ آخرون.
قَالَ الأَبّار: كَانَ فقيها، إماما، خبيرا بالشّروط، وَقُورًا. ولي قضاء شاطِبة، فجرى عَلَى طريقة السَّلَف الصّالح، عدلا، وزكاة، وحلما، وأناة.
وتُوُفّي كهْلًا.
250- عَبْد اللَّه بْن منصور بْن هبة اللَّه بْن أحمد [3] .
أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي الفوارس بْن المَوْصِليّ، البغداديّ، المعدّل.
سَمِعَ من أَبِي البركات مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الوكيل «ديوان المتنبّي» وتفرّد به.
__________
[1] المنتظم.
[2] انظر عن (عبد الله بن طاهر) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (عبد الله بن منصور) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 170، 171 رقم 811، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1839، والنجوم الزاهرة 6/ 66، وشذرات الذهب 4/ 222، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 69 رقم 1167 وذكر في: سير أعلام النبلاء 20/ 529 (دون ترجمة) .(39/272)
وسمع من: أَبِي عَبْد اللَّه النّعاليّ، وأبي الْحَسَن بْن الطُّيُوريّ، وأبي الْحَسَن بْن العلّاف، وشجاع الذّهليّ، وغيرهم.
سمع منه: أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب، وأبو سعد بْن السَّمعانيّ، وغير واحد.
وحدَّث عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وابن قُدَامة، ومنصور بْن الزّكيّ، والغزّال، ومحمد بْن عماد الحرّانيّ، وأبو حفص السُّهْرَوَرْدِيّ فِي مشيخته، وآخرون.
وروى عَنْهُ بالإجازة الرشيد بْن مَسْلَمَة، وغيره.
قَالَ الدَّبِيثيّ [1] : فُقِد أياما ثمّ فُقِد فِي بيته ميّتا فِي ربيع الآخر، وله ثمانون سنة.
251- عَبْد الله العاضد لدين الله [2] .
__________
[1] المختصر المحتاج إليه.
[2] انظر عن (العاضد لدين الله) في: النوادر السلطانية 35، وسنا البرق الشامي 1/ 111، والتاريخ الباهر 156، 157، والكامل في التاريخ 11/ 368- 371، والمنتظم 10/ 237، وتاريخ الزمان 187، والروضتين ج 1 ق 2/ 492، 494، وزبدة الحلب 2/ 333، ومفرّج الكروب 1/ 200- 216، والمغرب في حلى المغرب 141، وأخبار الدول المنقطعة 111- 117، والنكت العصرية 53، 190، 196، 197، 198، 201، 214، 222، 232، 235، 281، 305، 309، 310، 341، 342، 346، 362، ونزهة المقلتين 112، والمختصر في أخبار البشر 3/ 50، 51، والدرّ المطلوب 48، والعبر 4/ 194، 195، ودول الإسلام 2/ 80، والإعلام بوفيات الأعلام 234، وتاريخ ابن الوردي 2/ 79، ومرآة الجنان 3/ 379 و 382، والبداية والنهاية 12/ 264- 267، والوافي بالوفيات 17/ 685- 694 رقم 584، ووفيات الأعيان 3/ 109- 112، وتاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 164، والجوهر الثمين 1/ 267- 269، والمؤنس 72، 73، والكواكب الدريّة 195- 197، والسلوك ج 1 ق 1/ 44، واتعاظ الحنفا 3/ 325، 326، والمواعظ والاعتبار 1/ 357- 359، والنجوم الزاهرة 5/ 355- 357، وحسن المحاضرة 1/ 609، وتاريخ الخلفاء 443، 446، 447 وتاريخ ابن خلدون 4/ 76- 82، وتاريخ ابن سباط 1/ 131، ومآثر الإنافة 2/ 51، وشذرات الذهب 4/ 222، 223، وشفاء القلوب 75، 76، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 234، 235، وأخبار الدول (الطبعة الجديدة) 2/ 249- 251.(39/273)
أَبُو مُحَمَّد بْن يوسف بْن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بْن الظّاهر بْن الحاكم العُبَيْديّ، الْمَصْرِيّ، الرّافضيّ، الَّذِي يزعم هُوَ وبيته أنّهم فاطميّون وهو آخر خلفاء مصر.
وُلِد سنة ستٍّ وأربعين وخمسمائة فِي أوّلها. ولمّا هلك الفائز ابن عمّه واستولى الملك طلائع بْن رُزّيك عَلَى الدّيار المصريَّة بايع العاضد وأقامه صورة، وكان كالمحجور عَلَيْهِ لا يتصرَّف فِي كلّ ما يريد. ومع هذا كَانَ رافضيّا، سَبّابًا، خبيثا.
قَالَ ابن خَلِّكان: كَانَ إذا رَأَى سُنّيًّا استحلّ دمه. وسار وزيره الملك الصّالح سيرة مذمومة، واحتكر الغلّات، فغلت الأسعار، وقتل أمراء الدّولة خِيفةً منهم، وأضعف أحوال دولتهم بقتل ذوي الرأي والبأس، وصادر ذوي الثّروة.
وفي أيّام العاضد ورد حَسَن بْن نزار بْن المستنصر العُبَيْديّ من الغرب، وقد جمع وحشد، فلمّا قارب مصر غَدَر بِهِ أصحابه، وقبضوا عَلَيْهِ، وأتوا بِهِ إلى العاضد، فذُبِح صبرا فِي سنة سبْعٍ وخمسين.
قلت: ثمّ قتل ابن رُزِّيك، ووَزَرَ لَهُ شاوَر، فكان سبب خراب دياره، ودخل أسد الدّين إلى ديار مصر كما ذكرنا، وَقُتِلَ شاوَر، ومات بعده أسد الدّين، وقام فِي الأمر ابن أخيه صلاح الدّين وتمكَّن فِي المملكة.
قَالَ القاضي جمال الدّين ابن واصل [1] : حكى لي الأمير حسام الدّين، فحكى أَنَّهُ لمّا وقعت هذه الوقعة، يعني وقعة السّودان، بالقاهرة الّتي زالت دولتهم فيها، ودولة آل عُبَيْد، قَالَ: شرع صلاح الدّين يطلب من العاضد أشياء من الخَيل والرقيق والأموال ليتقوّى بذلك.
قَالَ: فسيَّرني يوما إلى العاضد أطلب منه فَرَسًا، ولم يبق عنده إلّا فرسٌ واحد، فأتيته وهو راكب فِي بستانه المعروف بالكافوريّ الَّذِي يلي القصر،
__________
[1] في مفرّج الكروب 1/ 200.(39/274)
فقلت: صلاح الدّين يسلّم عليك، ويطلب منك فَرَسًا. فقال: ما عندي إلّا الفَرَس الَّذِي أَنَا راكبه، ونزل عَنْهُ وشقّ خُفَّيه ورمى بهما، وسلّم إليَّ الفَرَس، فأتيت بِهِ صلاحَ الدّين. ولِزم العاضد بيته.
قلت: واستقلّ صلاح الدّين بالأمر، وبقي العاضد معه صورة إلى أن خلعه، وخطب فِي حياته لأمير المؤمنين المستضيء بأمر اللَّه العبّاسيّ، وأزال اللَّه تلك الدّولة المخذولة. وكانوا أربعة عشر متخلّفا لا مستخلفا.
قَالَ الْإِمَام شهاب الدّين أَبُو شامة [1] : اجتمعت بالأمير أَبِي الفُتُوح ابن العاضد وهو مسجون مقيّد في سنة ثمان وعشرين وستّمائة، فحكى لي أنّ أَبَاهُ فِي مرضه استدعى صلاح الدّين فحضر، قَالَ: فأحضرونا، يعني أولاده، ونحن صغار، فأوصاه بنا، فالتزم إكرامنا واحترامنا.
قَالَ أَبُو شامة [2] : كَانَ منهم ثلاثة بإفريقية وهم الملقّبون بالمهديّ، والقائم، والمنصور، وأحد عشر بمصر، وهم: المُعِزّ، والعزيز، والحاكم، والظّاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر، والحافظ، والظّافر، والفائز، والعاضد، يدّعون الشَّرَف، ونسبتهم إلى مَجُوسيٍّ أو يهوديّ، حتّى اشتهر لهم ذَلِكَ بين العَوَامّ، فصاروا يقولون الدّولة الفاطميَّة والدّولة العلويَّة. إنّما هِيَ الدّولة اليهوديَّة، أو المجوسيَّة الملحدة الباطنيَّة.
قَالَ: وقد ذكر ذَلِكَ جماعة من العلماء الأكابر أنّهم لم يكونوا لذلك أهلا، ولا نَسَبهم صحيح، بل المعروف أنّهم بنو [3] عُبَيْد. وكان والد عُبَيْد هذا من نسْل القدّاح الملحد المجوسيّ.
قَالَ: وقيل كَانَ والد عُبَيْد هذا يهوديّا من أهل سَلَمِيَّة، وكان حدّادا.
وعُبَيْد كَانَ اسمه سَعِيد، فلمّا دخل المغرب تسمّى بعُبَيْد الله، وادّعى نسبا ليس
__________
[1] في الروضتين ج 1 ق 2/ 492.
[2] في الروضتين ج 2/ 510، 511.
[3] في الأصل: «بنوا» .(39/275)
بصحيح. وذكر ذَلِكَ جماعة من علماء الأنساب، ثمّ ترقَّت بِهِ الحال إلى أن ملك المغرب، وبنى المهديَّة، وتلقَّب بالمَهْديّ. وكان زِنْديقًا خبيثا، عدوّا للإسلام. قتل من الفُقَهاء، والمحدّثين، والصّالحين جماعة كبيرة، ونشأت ذُرّيته عَلَى ذَلِكَ. وبقي هذا البلاء عَلَى الْإِسْلَام من أوّل دولتهم إلى آخرها، وذلك فِي ذي الحجَّة سنة تسعٍ وتسعين ومائتين إلى سنة سبْعٍ وستّين وخمسمائة.
وقد بيَّن نَسَبَهم جماعةٌ مثل القاضي أَبِي بَكْر الباقِلّانيّ، فإنّه كشف فِي أوّل كتابه المسمّى «كشف أسرار الباطنيّة» عَنْ بُطْلان نَسَب هَؤُلَاءِ إلى عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكذلك القاضي عَبْد الْجَبّار بْن أحمد استقصى الكلام فِي أُصُولها، وبيّنها فِي أواخر كتاب «تثبيت النُّبُوَّة» ، وبيّن ما فعلوه من الكفريات والمنكرات.
قرأت فِي تاريخ صُنِّف عَلَى السِّنين فِي مجلَّدٍ صنّفه بعض الفُضَلاء سنة بضْعٍ وثلاثين وستَمائة، وقدّمه لصاحب مصر الملك الصّالح: فِي سنة سبْع وستّين: وفي [1] العاضد فِي يوم عاشوراء بعد إقامة الخطبة بمصر بيُوَيْمات فِي أوّل جمعة من المحرَّم لأمير المؤمنين المستضيء باللَّه، والعاضد آخر خلفاء مصر. فلمّا كانت الجمعة الثّانية خُطِب بالقاهرة أيضا للمستضيء، ورجعت الدّعوة العبّاسيَّة بعد أن كانت قد قُطِعَت بها أكثر من مائتي سنة. وتسلَّم الملك صلاح الدّين قصر الخلافة، واستولى عَلَى ما كَانَ بِهِ من الأموال والذّخائر، وكانت عظيمة الوصف. وقبض عَلَى أولاد العاضد وأهل بيته، وحبسهم فِي مكانٍ واحدٍ بالقصر، وأجرى عليهم ما يمولهم، وعفّى آثارهم، وقمع مواليهم وسائر أنسبائهم.
قَالَ: وكانت هذه الفِعْلة من أشرف أفعاله، فَلَنِعْمَ ما فعل، فإنّ هَؤُلَاءِ كانوا باطنيَّةً زنادقة، دَعَوْا إلى مذهب التّناسخ، واعتقاد حلول الجزء الإلهيّ فِي أشباحهم.
وقد ذكرنا أنّ الحاكم قَالَ لداعيه: كم فِي جريدتك؟
__________
[1] في الأصل: «وفا» .(39/276)
قَالَ: ستَّة عشر ألفا يعتقدون أنّك الإله.
قَالَ شاعرهم ... [1] فِي الحاكم:
ما شئت لا [2] ما شاءت الأقدار ... فاحكُمْ فأنت الواحدُ القَهّار [3]
فلعن اللَّه المادحَ والممدوحَ، فليس هذا فِي القُبْح إلّا كقول فرعون أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى 79: 24 [4] .
قَالَ بعض شُعرائهم [5] فِي المهديّ برَقّادة:
حَلّ برَقّادةَ المسيحُ ... حلّ بها آدمُ ونوحُ
حلّ بها اللَّهُ في عُلاهُ ... فما سِوى اللَّه فهو رِيحُ [6]
قَالَ: وهذا أعظم كُفرًا من النّصارى، لأنّ النّصارى يزعمون أنّ الجزء الإلهيّ حلّ بناسوت عيسى فقط، وهؤلاء يعتقدون حُلُوله فِي جسد آدم ونوح والأنبياء وجميع الأئمّة.
هذا اعتقادهم لعنهم اللَّه. فأمّا نَسَبهم فأئمَّة النّسَب مُجْمِعُون عَلَى أنّهم ليسوا من وُلِد عَلِيّ رضوان اللَّه عَلَيْهِ، بل ولا من قُريشٍ أصلا.
قلت: قد ذكرنا فيما مضى أنّ القادر باللَّه كتب محضرا يتضمَّن القدْح في نَسَبهم ومذهبهم، وأنّه شهد فِي ذَلِكَ المحضر خلْقٌ، منهم: الشّريفان الرّضيّ، والمرتَضَى، والشّيخ أَبُو حامد الإسْفَرَائينيّ، وأبو جَعْفَر القُدُوريّ، وفي
__________
[1] بياض في الأصل.
[2] في الأصل: «إلا» .
[3] تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 154.
[4] سورة النازعات، الآية 24.
[5] هو محمد البديل كاتب أبي قضاعة. (البيان المغرب 1/ 160) .
[6] ورد هذا البيت في (البيان المغرب) على هذا النحو:
حلّ بها الله ذو المعالي ... وكلّ شيء سواه ريح
وقبله بيت:
حلّ بها أحمد المصفّى ... حلّ بها الكبش والذّبيح
وقد تحرّفت كلمة «برقّادة» إلى «ترقادة» في: تاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 155.(39/277)
المحضر أنّ أصلهم من الدِّيصَانيَّة، وأنّهم خوارج أدعياء. وذلك في سنة اثنتين وأربعمائة [1] .
وقال العماد الكاتب [2] ، يصف ما جرى عَلَى ما خَلَّفه العاضد من ولدٍ وخَدَم وأمتعة، إلى أن قَالَ: وهم الآن محصورون محسورون، ولم يظهروا، وقد نقص عددهم، وقلص مددهم.
ثم عَرَض من بالقصر من الجواري والعبيد فوجد أكثرهنّ حرائر، فأطلقهنّ، وفرّق من بقي. وأخذ- يعني صلاح الدّين- كلّما صلح لَهُ ولأهله وأمرائه من أخاير الذّخائر، وزواهر الجواهر، ونفائس الملابس، ومحاسن العرائس، والدُّرَّة اليتيمة، والياقوتة الغالية القيمة، والمَصُوغات التِّبْرِيَّة، والمصنوعات العنبريَّة، والأواني الفضّيَّة، والصّواني الصِّينيَّة، والمنسوجات المغربيَّة، والممزوجات الذّهبيّة، والعقود والنُّقود، والمنظوم والمنضود، وما لا يُعَدّ الإحصاء.
وأطلق البيع بعد ذَلِكَ فِي كلّ جديدٍ وعتيق، وبالٍ وأسمال، واستمرّ البيع فيها مدَّة عشْر سِنِين، وانتقلت إلى البلاد بأيدي المسافرين.
وكتب السّلطان صلاح الدّين إلى وزير بغداد عَلَى يد شمس الدّين مُحَمَّد بْن المحسِّن بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي المضاء البَعْلَبَكّيّ الَّذِي خطب أوّل شيءٍ بمصر لبني الْعَبَّاس فِي أوّل السّنة بإنشاء الفاضل كتابا، فممّا فِيهِ:
«قد توالت الفُتُوح غربا وشرقا [3] ، ويَمَنًا وشآما، وصارت البلاد [4] والشّهر بل الدّهر حرما حراما، وأضحى الدّين واحدا [5] بعد ما كان أديانا.
__________
[1] انظر حوادث سنة 402 هـ. من هذا الكتاب في الجزء المتضمّن ل (حوادث ووفيات 401- 420 هـ.) ص 11 بعنوان «محضر الطعن في صحّة نسب الخلفاء بمصر» .
[2] انظر: سنا البرق الشامي 1/ 112، والروضتين ج 1 ق 2/ 494، 495 وقد تقدّم مثل هذا في الحوادث لسنة 4567 هـ.
[3] كلمة «شرقا» ليست في الروضتين ج 1 ق 2/ 496.
[4] في الروضتين: «وصارت البلاد بل الدنيا» .
[5] في الأصل: «واحد» .(39/278)
والخلافة إذا ذُكِّر بها أهلُ الخِلاف لم يخرّوا عليها [إلّا] [1] صُمًّا وعُمْيانا.
والبِدْعة خاشعة، والجمعة جامعة، والمذلَّة فِي شِيَع الضّلال شائعة. ذَلِكَ أنّهم اتّخذوا عباد اللَّه من دون أولياءَ، وسمّوا أعداءَ اللَّه أصفياء. وتقطّعوا فِي أمرهم شِيَعًا، وفرَّقوا أمر الأمَّة وكان مجتمِعا. وكذّبوا بالنّار، فعُجِّلَتْ لهم نار الحُتُوف، ونثرت أقلامُ الظُّباء حروفَ رُءوسهم نَثْر الأقلام للحروف. ومُزِّقوا كلّ ممزَّق، وأخذ منهم كلّ مخنق. وقطِع دابرهم، ووعظ آتِيهم [2] غابرهم.
ورَغمت أُنوفهم ومنابرهم، وحقَّت عليهمُ الكلمة تشريدا وقتْلا، وتَمَّتْ كَلِمَةُ [3] رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، وليس السّيف عمّن سواهم من الفرنج [4] بصائم، ولا اللّيل عَنِ السَّير إليهم بنائم. ولا خفاء عَنِ المجلس الصّاحبيّ أنّ من شدّ عقْد خلافة، وحلّ عقد خلاف، وقام بدولةٍ وقعد بأخرى قد عجز عَنْهَا الأخلاف والأسْلاف، فإنّه يفتقر [5] إلى أن يُشكر ما نصح، ويُقَلَّدَ ما فتح، ويبلَّغ ما اقترح، ويقام [6] حقّه ولا يطَّرَح، ويقرَّب مكانه وإن نَزَح، وتأتيه التّشريفات الشّريفة» .
إلى أن قَالَ: «وقد أُنهض لإيصال مُلَطَّفاته، وتُنَجز [7] تشريفاته، خطيب الخُطباء بمصر، وهو الَّذِي اختاره لصعود المنبر [8] ، وقام بالأمر قيام من بَرّ، واستفتح بلبس [9] السّواد الأعظم، الَّذِي جمع الله عليه السّواد الأعظم» [10] .
__________
[1] إضافة إلى الأصل.
[2] في الروضتين ج 1 ق 2/ 497 «آيبهم» .
[3] في الروضتين «كلمات» ، والمثبت يتفق مع الآية الكريمة رقم 115 من سورة الأنعام.
[4] في الروضتين: «من كفار الفرنج» .
[5] في الروضتين: «مفتقر» .
[6] في الروضتين «يقدّم» .
[7] في الروضتين: «تنجيز» .
[8] في الروضتين: «لصعود درجة المنبر» .
[9] في الروضتين: «بلباس» .
[10] انظر: الروضتين ج 1 ق 2/ 496، 497.(39/279)
وقال ابن أبي طيِّئ [1] : لمّا فرغ السّلطان من أَمْر الخطْبة أَمَر بالقبض عَلَى القصور بما فيها، فلم يوجد فيها من المال كبيرُ أمرٍ، لأنّ شاوَر كَانَ قد ضيَّعه فِي إعطائه الفِرَنْج، بل وجد فيها ذخائر جليلة.
ومن عجيب ما وجد فِيهِ قضيب زُمُرُّدٍ شِبْر وشيء فِي غِلَظ الإبهام، فأخذه السّلطان، وأحضر صائغا ليقطعه، فأبى الصّائغ واستعفى، فرماه السّلطان، فانقطع ثلاثَ قِطَع، وفرَّقه عَلَى نسائه. ووُجِد طبلُ القُولنْج [2] الَّذِي صُنِع للظّافر، وكان مَن ضَرَبه خرج منه الرّيح واستراح من القُولنْج، فوقع إلى بعض الأكراد، فلم يدرِ ما هُوَ، فكسره، لأنّه ضرب بِهِ فَحَبَق [3] . ووُجد فِي الذّخائر إبريقٌ عظيم من الحجر المائع، فكان من جملة ما أُرسل من التُّحَف إلى بغداد.
ثمّ وصل موفّق الدّين بْن القَيْسَرانيّ، واجتمع من مصر بصلاح الدّين، وأبلغه رسالة نور الدّين، وطالَبَه بحساب جميع ما حصَّله، فصعُب ذَلِكَ عَلَيْهِ، وهَمّ بشقّ العصا، ثمّ سكن، وأمر النُّوّاب بعمل الحساب، وعرضه عَلَى ابن القَيْسَرانيّ، وأراه جرائد الأجناد بأخبارهم، وقد ذُكِر فِي الحوادث جميع ذَلِكَ [4] .
وكان عُمارة اليمنيّ الشّاعر من العُبَيْدييّن ممّن يتولّاهم، فرثى العاضد بهذه:
رميتَ يا دهْرُ كفَّ المجد بالشَّلَلِ ... وجِيدَهُ بعد حُسْن الحلي بالعَطَلِ [5]
سعيتَ فِي منهج الرّأي العثور فإنْ ... قدرت من عثرات الدّهر فاستقلِ
خدعت مازنك الأعلى فأنْفُكَ لا ... يَنْفَكُّ ما بين أمر الشّين والخجل
__________
[1] قوله في الروضتين ج 1 ق 2/ 506.
[2] القولنج: مرض معوي يعسر معه خروج الثقل والريح. (القاموس المحيط) .
[3] الحبق والحباق: الضراط، والفعل: حبق يحبق حبقا وحبقا وحباقا. (القاموس المحيط) .
[4] انظر حوادث سنة 567 هـ. من هذا الكتاب.
[5] البيت في خريدة القصر، والأبيات ليست في كتابه «النكت العصرية» .(39/280)
لَهَفِي ولَهف بني الآمال قاطبة ... عَلَى فجيعتها فِي أَكرم الدُّوَلِ
قومٌ عرفتُ بهم نَسَب الألُوف ومن ... كمالها أنّها جاءت ولم أَسَلِ
يا عاذِلي فِي هوى ابن [1] فاطمةٍ ... لك الملامةُ إن قَصَّرْتَ فِي عذلي
باللَّه دُرْ ساحة القَصْريْنِ وَابْكِ معي ... عليهما لا عَلَى صِفِّين والْجَمَلِ
ماذا ترى كانت الإفرنْجُ فاعلة ... فِي نَسْل آل أمير المؤمنين علي
أَسَلْتُ من أسفٍ دمعي غداةَ خَلَتْ ... رِحابُكُم وغَدَتْ مهجورَة السُّبُلِ
واللهِ لا فازَ يومَ الحشْر مُبْغِضُكُم ... ولا نجا من عذاب النّار غيرُ ولي
وهي طويلة.
قِيلَ: كَانَ موت العاضد بذَرَب مُفْرِطٍ أتْلَفه.
وقيل: مات غمّا لمّا سَمِعَ بقطْع خطْبته؟
وقيل: بل كَانَ لَهُ خاتَمٌ مسموم فامتصّه، فمات لمّا سَمِعَ بزوال دولته، والأوّل أقرب وأشبه.
252- عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن الْحُسَيْن [2] .
الرئيس أَبُو مُحَمَّد الحِمْيَريّ [3] الأطرابُلُسيّ، الكاتب، ويُعرف بابن النّقّار.
وُلِد بطرابُلُس سنة تسعٍ وسبعين، وقرأ بها الأدب، فلمّا أخذتها الفرنج
__________
[1] في الأصل: «هو ابنا» .
[2] انظر عن (عبد الله بن أحمد بن الحسين) في: تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) 19/ 603، وانظر: 39/ 333، وتاريخ دمشق (تحقيق د. صلاح الدين المنجّد ج 2 ق 1/ 177 (دمشق 1954) ، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 257 و 7/ 279، ومعجم السفر للسلفي (مصوّر بدار الكتب المصرية) 1/ 138، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 314 و 2/ 111- 118، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 348 رقم 352، وإنباه الرواة للقفطي 1/ 35، وبغية الطلب (المخطوط) 2/ 75، ومرآة الزمان 8/ 289، والروض المعطار 241، 242، والوافي بالوفيات 17/ 49، 50 رقم 44، والنجوم الزاهرة 6/ 65، 66، والحياة الثقافية في طرابلس الشام (تأليفنا) 259- 262، ودار العلم بطرابلس 46 (تأليفنا) ، ولبنان في العصر الفاطمي- سلسلة دراسات في تاريخ الساحل الشامي- (تأليفنا) ق 2 (طبعة دار الإيمان بطرابلس) ، ومعجم الشعراء والأدباء (مخطوط) من جمعنا.
[3] في مرآة الزمان: «الحميدي» ، وهو تصحيف.(39/281)
تحوّل إلى دمشق. وكان شاعرا فاضلا، كتب لملوك دمشق، ثمّ كتب لنور الدّين رحمه اللَّه. وعُمِّر دهرا، وله قصيدة مشهورة يَقُولُ فيها:
مَن مُنْصفي مَن ظالمٍ متعتّب [1] ... يزداد ظُلْمًا كلّما حكَّمْتُهُ
ملّكتُهُ روحي ليحفَظَ ملْكَهُ ... فأضاعني وأضاع ما ملّكتُهُ
أحبابنا أنفقتُ عُمري عندكُم ... فمتى أُعوِّض بعضَ ما أنفقتُهُ؟
فلِمن أَلُوم عَلَى الهوى وأنا الَّذِي ... قُدْتُ الفؤاد إلى الغرام وسقته [2]
__________
[1] في مرآة الزمان: «متعنتا» .
[2] انظر أبياتا أخرى منها في: مرآة الزمان 8/ 289، وهي في: الوافي بالوفيات 17/ 49، 50، والنجوم الزاهرة 6/ 65.
والتقى به الحافظ السّلفي وقال إنه أنشده من شعر أبيه «أحمد بن الحسين» :
قد زارني طيف من أهوى على حذر ... من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا.
ثم قال: أبو محمد هذا من أعيان أهل الشام وأدبائهم، وذكر لي أنه ولد بطرابلس وبها تأدّب على أبيه وغيره، وقد علّقت عنه من شعر أبيه مقطّعات، وكذلك من شعره هو. وقد كاتبته نظما وكاتبني، وأصلهم من الكوفة. (معجم السفر 1/ 138) .
وقال العماد الكاتب: أدركت حياته بدمشق، وكان شيخا قد أناف على التسعين، وقيل على المائة، وكان مليح الخط حلوه، فصيح الكلام صفوه.
وقبل قوله القاضي أبو سعد الهروي وعدّله، ثم اختاره والي دمشق لكتابة الإنشاء في الديوان بعد الشاعر ابن الخياط. وكان جيّد الإنشاء، له يد في النظم والنثر، وقد تولّى كتابة الإنشاء لملوك دمشق إلى أن تملّكها نور الدين محمود بن زنكي، رحمه الله. وكتب له أيضا مدّة يسيرة، وله نظم، مقبول وشعر معسول. (خريدة القصر 1/ 314) .
ذكر ابن عساكر له قصيدتين، الأولى في تشوّقه إلى دمشق، ومطلعها:
سقى الله ما تحوي دمشق وحيّاها ... فما أطيب اللّذّات فيها وأهناها
والثانية في الوجدانيات، ومطلعها:
بادر إلى اللّذّات في أزمانها ... واركض خيول اللهو في ميدانها
(تاريخ دمشق 19/ 603، و 2 ق 1/ 177، وتهذيبه 1/ 257، الروض المعطار 241، 242) .
ويقول خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :
اختلف في وفاته، فقيل في هذه السنة 567 وقيل في السنة التالية 568 وقيل بعدها سنة 569 هـ. وهذا الأخير يتفق مع القول بأنه قد أناف على التسعين. وقيل أناف على المائة.
(الخريدة 1/ 314) ووقع في (تاريخ دمشق) أنه بلغ سبعين سنة!(39/282)
253- عَبْد الكريم بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد أحمد بْن مُحَمَّد [1] .
النَّيْسابوريّ، ثمّ البغداديّ، الصُّوفيّ.
سَمِعَ من: ابن الحُصَيْن، وزاهر الشّحّاميّ.
كتب عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وغيره.
254- عَبْد الملك بْن إلْكِيَا الهَرّاسيّ أَبِي الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد [2] .
الطَّبَريّ، ثمّ البغداديّ.
سَمِعَ من: ابن بيان الرّزّاز.
روى عَنْهُ: ابن الأخضر.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.
255- عَبْد [الملك] [3] بْن محمد بن باتانة.
أَبُو الْحَسَن المغربيّ، المجوّد.
ما ذكر ابن النّجّار عَلَى من تلا.
سَمِعَ: أَبَا العزّ بْن المختار.
ومات فِي ربيع الأوّل [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الكريم بن إسماعيل) في: تلخيص معجم الألقاب ج 4 ق 3/ 220، والمختصر المحتاج إليه 3/ 68 رقم 868.
[2] انظر عن (عبد الملك بن الكيا الهرّاسي) في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/ 120- 122 رقم 41 وفيه «عبد الملك بْن علي بْن مُحَمَّد بْن علي بْن إبراهيم، أبو المعالي. مدرّس المدرسة النظامية، ولد ببغداد ونشأ بها.. وحدّث باليسير.. ولم يكن له اشتغال بالعلم، ولا سلك طريقة والده، بل خالط أصحاب الديوان وخدم في أشغالهم، وعلت مرتبته، فرتّب حاجبا بالباب النوبي، وناظرا في المظالم في سنة خمسين وخمسمائة، فأقام نحوا من أربعين يوما ثم عزل.
وانظر عنه حكاية حبس من أجلها.
[3] في الأصل بياض، والمثبت عن:
ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/ 319، 140 رقم 57.
[4] وقال ابن النجار: قرأت في كتاب أبي بكر محمد بن علي بن عمر الليثي المقرئ بخطه قال: أبو الحسن عبد الملك بن محمد بن يوسف المقرئ سمعت منه عن عمر بن ظفر وكان من المتقنين والحفّاظ المجوّدين والأئمة المحقّقين، يعطي الحروف حقوقها في(39/283)
256- عثمان بْن يوسف بْن أيّوب [1] .
أَبُو عَمْرو الكاشْغُريّ، الخُجَنْديّ، ويُعرف أَبُوهُ بابن زُرَيق [2] .
من أهل كاشْغَر، سكن بغداد. وكان يوسف يخدم فِي إصطبل المستظهر باللَّه، فوُلِد لَهُ عثمان، وتفقّه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة، وسمع الحديث.
وسمَّع أولاده عليّا، وأبا بَكْر، وإبراهيم من: أَبِي الفَتْح بْن البَطِّيّ، وأَبِي بَكْر بْن النَّقُّور، وأبي المعالي بْن حنيفة، وأمثالهم.
وحصّل الأُصول، واستنسخ، ونُفِّذ من الدّيوان العزيز فِي مهمٍّ إلى الملك نور الدّين، فسمع منه الشَّيْخ أَبُو عَمْرو، وأخوه الشَّيْخ الموفَّق، والحافظ عَبْد الغنيّ فِي سنة خمسٍ وستّين.
قَالَ ابنه إِبْرَاهِيم: تُوُفّي فِي حدود سنة سبْعٍ وستّين.
257- عرقلة [3] .
الشّاعر المشهور.
هُوَ أَبُو النَّدَى حسّان بْن نُمَيْر الكلبيّ، الدّمشقيّ، شاعر مُجِيد، ونديم خليع، وأعور مطبوع، وهو القائل فِي دمشق.
فأمّا دمشقُ فجنّاتٌ مزَخْرَفَةٌ ... للطّالبين بها الوِلْدان والحورُ
ما صاح فيها عَلَى أوتاره قمرٌ ... إلّا وغنّاه قمْريّ وشُحْرورُ
يا حَبَّذا دروع الماء تنسُجُها ... أناملُ الرّيح لولا أنّها زُورُ [4]
وله وقد ولي صلاح الدين يوسف بن أيوب شحنكية دمشق لنور الدين
__________
[ () ] تلاوته وحسن طريقته، قرأت عليه القرآن.
[1] انظر عن (عثمان بن يوسف) في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 2/ 244، 245 رقم 472.
[2] في الأصل: «بأرتق» .
[3] انظر عن (عرقلة) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 178- 229، والروضتين ج 1 ق 2/ 399، و 448- 450، ومرآة الزمان 8/ 286- 288، والمختصر في أخبار البشر 3/ 46، والدرّ المطلوب 49.
[4] الأبيات في: مرآة الزمان 8/ 288.(39/284)
فِي سنة 560:
رُوَيْدَكم يا لصوصَ الشّامِ ... فإنّي لكم ناصحٌ فِي المقالِ
أتاكم سَمِيُّ النَّبِيّ الكريم ... يوسف ربّ الْحِجَى والْجَمالِ
فذلك يقطعُ أيدي النِّسا ... وهذا يُقطّع أيدي الرجالِ [1]
وكان صلاح الدّين وَعَده إنْ أخذ مصر أن يُعطيه ألف دينار، فلمّا مَلَكَها قَالَ فِيهِ:
قُلْ لصلاح الدّين مُعِيني عند افتقاري ... يا ألف مولاي أَيْنَ الألف دينار؟
أخشى من الأسر إنْ حاولتُ أرضَكُم ... وما تقى جنَّة الفردوس بالنّار
فجُدْ بها عاضديّات موفرة ... من بعد ما خلف الطّاغي أخو الغار [2]
حمرا كأسيافكم غُبْرًا [3] كخيلكم ... عُتْقًا ثِقالًا كأعدائي وأطمارِي [4]
فأعطاه ألف دينار وأخذ لَهُ من إخوته مثلَها، فجاءه الموت ولم ينتفع بفجأة الغِني.
ومن شِعره:
عندي لكم من الأشواق والبَرحَا ... ما صيّر الجسم من بعد الضّنّا شَبَحا
أحبابنا لا تظنّوني سَلَوْتُكُم ... الحال ما حال والتّبريح ما برحا
لو كَانَ يسبح صَبٌّ فِي مَدَامعه ... لكنتُ أوّل مَن فِي دمعه سَبَحا
أو كنتُ أعلم أنّ البَيْن يقتلني ... ما تبت عنكم ولكن فات ما ربحا [5]
وله:
ترى عند من أحببته لا عدِمْته ... من الشّوق ما عندي وما أَنَا صانعُ
__________
[1] الأبيات في: مرآة الزمان 8/ 288.
[2] في مرآة الزمان: «العار» .
[3] في المرآة: «غرا» .
[4] المرآة 8/ 286، 287.
[5] في مرآة الزمان 8/ 287: «ما حلت منكم ولكن فات ما ذبحا» .(39/285)
جنبي [1] إذا حدّثت عَنْ ذاك أعين ... وكلّي إذا نُوجيت عَنْهُ مسامعُ [2]
ولعرقلة ديوانٌ مشهور.
تُوُفّي بدمشق فِي حدود سنة سبْعٍ هذه.
258- عليّ بْن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يعيش [3] .
أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ، الزُّهْرِيّ، العَوْفيّ، الباجيّ، قاضي إشبيلية.
سَمِعَ: أَبَا القاسم الهَوْزَنيّ، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبا بَكْر بْن العربيّ.
وناظر فِي «المدوّنة» عند أَبِي مروان الباجيّ.
وأخذ العربيَّة عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن الأخضر.
وسمع بقُرْطُبة من: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وابن بَقِيّ، وأبي الوليد بْن طريف.
قَالَ الأَبّار [4] : وكان فقيها، مشاوَرًا، محدّثا، متقدّما بنفسه وبشرفه.
وله تصنيف فِي مناسك الحجّ.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو بَكْر بْن خَيْر، وأبو عُمَر بْن عبّاد، وأبو بَكْر بْن أَبِي زمنين، وأبو الْخَطَّاب بْن واجب.
وآخر من حدَّث عَنْهُ أَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن ابنه.
تُوُفّي فِي ربيع وله سبْعٌ وسبعون سنة. وكانت لَهُ جنازة مشهودة.
259- عليّ بن صالح بن أبي اللّيث [5] .
__________
[1] في مرآة الزمان: «جميعي» .
[2] مرآة الزمان 8/ 287.
[3] انظر عن (علي بن أحمد بن عبد الرحمن) في: صلة الصلة لابن الزبير 100، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1861، والذيل والتكملة 5 ق 1/ 162- 164 رقم 323، ونيل الابتهاج 199 للتنبكتي، ومعجم المؤلفين 7/ 19،.
[4] في تكملة الصلة.
[5] انظر عن (علي بن صالح) في: صلة الصلة لابن الزبير 96، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1860، والديباج المذهب 212، والذيل والتكملة 5 ق 1/ 218، 219 رقم 447،(39/286)
أَبُو الْحَسَن بْن عزّ النّاس العَبْدَريّ، الدّانيّ، الطّرْطُوشيّ.
سَمِعَ: أَبَا مُحَمَّد بْن الصَّيْقَلِ، وأبا بَكْر بْن العربيّ، وأبا القاسم بْن ورد.
قَالَ الأَبّار [1] : وكان فقيها متقِنًا، عالما بالأُصول والفروع، دقيق النّظر، جيّد الاستنباط، فصيحا لَسِنًا. وكان رأس الفتوى بدانية. وله مصنَّفات [2] .
أخذ عَنْهُ: أَبُو عَمْرو بْن عيّاد، وابنه مُحَمَّد، وأبو مُحَمَّد بْن سُفْيَان، وأسامة بْن سُلَيْمَان، وأبو القاسم بْن سمحون.
وَقُتِلَ مظلوما بدانية سنة ستٍّ وستّين.
وقال مُحَمَّد بْن عيّاد: قُتِلَ لسعايةٍ لحِقَتْه عند السّلطان مُحَمَّد بْن سعد سنة سبْعٍ وستّين، ووُلِد سنة ثمانٍ وخمسمائة بطرطُوشة.
260- عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن خَلَف بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الملك [3] .
الْإِمَام أَبُو الْحَسَن ابن النّعمة الأندلسيّ، المريّي، نزيل بلنسية.
__________
[ () ] ونيل الابتهاج 184، والإحاطة لأخبار غرناطة (مخطوطة الأسكوريال) 335.
[1] في التكملة.
[2] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان عالما بالفقه حافظا لمسائله، متقدّما في علم الأصول، ثاقب الذهن، ذكيّ الفؤاد، بارع الاستنباط، مسدّد النظر، متوقّد الخاطر، فصيح العبارة، ذا حظ من قرض الشعر، واستخلصه الأمير أبو زكريا بن غانية أيام إمارته ببلنسية لمشهور معرفته ونباهته، ثم صار صحبته إلى قرطبة سنة سبع وثلاثين، ولازمه إلى أن توفي أبو زكريا بغرناطة سنة ثلاث وأربعين، فانتقل إلى شرق الأندلس واستقرّ بدانية. وله مصنفات منها: «كتاب العزلة» ، ومنها «شرح معاني التحية» .
[3] انظر عن (علي بن عبد الله بن خلف) في: صلة الصلة لابن الزبير 104، وتكملة الصلة لابن الأبّار 669 رقم 1863، والمعجم، له 298، 299، ومعجم أصحاب الصدفي 286، وبغية الملتمس للضبيّ 411، رقم 1224، والعبر 4/ 198، وسير أعلام النبلاء 20/ 584، 585 رقم 336، والمعين في طبقات المحدّثين 171 رقم 1840، ومرآة الجنان 3/ 382، وغاية النهاية 1/ 553، والنجوم الزاهرة 6/ 66، وبغية الوعاة 2/ 171، ونيل الابتهاج 185، وشذرات الذهب 4/ 223، وطبقات المفسرين للسيوطي 23، 24، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 407، 408، وإيضاح المكنون 2/ 28، وهدية العارفين 1/ 700، وفهرس الفهارس للكتاني 2/ 91، ومعجم المؤلفين 7/ 134، 135، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 257 رقم 355.(39/287)
أخذ فِي صِغَره عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن شفيع.
وسمع من: عبّاد بْن سَرْحان.
وانتقل به أبوه إلى بلنسية سنة ستّ وخمسمائة فقرأ بها القرآن على موسى بن خميس الضّرير، وأبي عبد الله بن باسة.
وأخذ العربيّة عَنْ أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيُوسيّ واختصّ بِهِ.
وروى عَنْ: أَبِي بحر بْن العاص، وخُلَيْص بْن عَبْد اللَّه، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخير.
ورحل إلى قُرْطُبة سنة ثلاث عشرة فتفقَّه بأبي الوليد بْن رُشْد، وأبي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ.
وسمع من: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي القاسم بْن بَقِيّ، وأبي الحسن بن مغيث، وجماعة.
وسمع أيضا من: أبي علي بْن سُكَّرَة.
وأجاز له جماعة، وتصدَّر ببَلَنْسِيَة لإقراء القرآن، والفِقه، والنَّحْو، والرواية، ونشر العلوم.
قَالَ الأَبّار [1] : وكان عالما متقنا، حافظا للفقه والتّفاسير ومعاني الآثار، مقدَّمًا فِي عِلم اللّسان، فصيحا، مُفَوَّهًا، ورِعًا، فاضلا، معظّما عند الخاصَّة والعامَّة، دمث الأخلاق، ليّن الجانب. ولي خطَّة الشُّورى وخطابة بَلَنْسِيَة دَهْرًا، وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الإقراء والفَتْوى. وصنَّف كتاب «ريّ الظمآن فِي تفسير القرآن» ، وهو كبير [2] . وصنَّف كتاب «الإمعان فِي شرح مصنَّف النَّسائيّ
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] حكى عنه أبو الحسن بن لبّ أنه كان في حين اشتغاله بجمعه يبيت في بيت كتبه ويطفئ المصباح، فكلما تذكر شيئا قام وأوقده ونظر ثم يعود ويطفئه، فكان هذا دأبه كأنه يلتمس بذلك خلوّ الخاطر في الظلمة.
وقال ابن عبد الملك المراكشي: قد وقفت على بعض هذا الكتاب، وكان كاملا عند بعض الطلبة بدرعة في سبعة وخمسين مجلّدا متوسطة بعضها، وفيه أولها، أكثرها بخطّ تلميذه(39/288)
أَبِي عَبْد الرَّحْمَن [1] بلغ فِي الغاية فِي الاحتفال والإكثار، وانتفع بِهِ النّاس، وكثُر الراحلون إِلَيْهِ.
وَأَخْبَرَنَا عَنْهُ جماعة من شيوخنا، وهو خاتمة العلماء بشرف الأَنْدَلُس.
تُوُفّي فِي رمضان إلى رحمة [2] اللَّه تعالى، وهو فِي عَشْر الثّمانين.
قرأ عَلَيْهِ بالروايات: أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن فاتح [3] .
261- عليّ بْن عِمران بْن معروف [4] .
أَبُو الْحَسَن البكريّ الأصبهانيّ.
كَانَ سالار الحاج، حجّ مرّات.
روى عَنْ: أَبِي مطيع، وأبي الفتح الحدّاد.
وعنه: أَبُو المحاسن الْقُرَشِيّ، وابنه أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه.
وُلِد سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
__________
[ () ] الأخصّ به أبي جعفر بن عون الله، وأكثرها، ومنه آخرها بخط أبي عبد الله محمد بن أبي الحسن محمد بن عبد العزيز بن واجب، وتاريخ فراغه من نسخه من سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وستين وخمسمائة.
[1] قال المراكشي: وما أرى أن أحدا تقدّمه في شرح كتاب حديثي إلى مثله توسعا في فنون العلم وإكثارا من فوائده، وقد وقفت على أسفار منه مدمجة بخطه أكثرها ضخم، وكان تجزئة ثلاثة عشر.
[2] في الأصل: «رحمت» .
[3] ووصفه أبو بكر يحيى بن محمد الأركشي في مقامته التي سمّاها «قسطاس البيان في مراتب الأعيان» بما نصّه: فقيه عارف، وحامل أدوات ومعارف، وما هو إلا زبدة زمان تمخّض العصر عنها، وروضة علوم تضوّع القطر منها، تلتمس أشتاتها من عنده وتقتبس، ويفزع إليه في كل ما أشكل مها والتبس، ذهب في اقتنائها أهدى مذهب، وامتطى إلى حامليها صهوة الهجير الملهب، حتى انتهجت له شعابها، وانقادت إلى فهمه صعابها، وما زال متتبعا مساقط أثرها، حتى روي من سلسبيلها وكوثرها، فشيّد ما عني به تشييدا، وجوّده إتقانا وتقييدا، فطالبو العلم والأدب، ينسلون إليه من كل حدب، فيقتبسون عيونه من عنده، ويقتدحون فيه واري زنده، والله تعالى يبقيه معتنيا بالعلم وأهله، متلقّيا لهم برحبه وسهله، ولا زال موصوفا بالنبالة والذكاء، كما لم يزل مجبولا على الجلالة والزكاء، ولا برح الدهر بإقباله خاطبا، والسعد في حباله حاطبا. (الذيل والتكملة) .
[4] انظر عن (علي بن عمران) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 132 رقم 1024.(39/289)
ومات فِي ذي الحجَّة.
262- عليّ بْن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن فيد [1] .
أَبُو الْحَسَن الفارسيّ الأصل القُرْطُبيّ.
روى عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي الوليد بْن طريف، وأبي بحر الأَسَديّ.
وحجّ سنة ثلاثين، فسمع: أَبَا بَكْر بْن عشير الشّروانيّ، وأبا عليّ بْن العرجاء، وأبا المظفَّر الشَّيْبانيّ.
قَالَ الأَبّار [2] : ولقي أيضا: أَبَا سَعِيد حيدر بْن يحيى، وسلطان بن إبراهيم المقدسيّ، وأكثر عَنِ السِّلَفيّ [3] . وانصرف إلى قُرْطُبة بفوائد جمَّة، فسمعوا منه.
وكان من أهل العناية الكاملة بالرواية، ثَبْتًا، عارفا، موصوفا بالذّكاء والحِفْظ، متواضعا. خرج من قُرْطُبة فِي الفتنة بعد الأربعين وخمسمائة، فنزل كورة أَلْش، من أعمال مُرْسِيَّة، فولي خطابتها مدَّة. وكان النّاس يقصدونه.
حدَّث عَنْهُ ابن بَشْكوال [4] ، وأعجب من هذا أنّ رزين بْن معاوية العبْدَريّ حدَّث عَنْهُ بسيرة ابن إِسْحَاق، بروايته عَنِ السِّلَفيّ.
وحدَّث عَنْهُ من شيوخنا: أَبُو الْخَطَّاب بْن واجب، وأبو عَبْد اللَّه التُّجَيبيّ.
استشهد فِي خروجه من ألْش مَعَ عامَّة أهلها لمّا خافوا من الأمير سعد بْن مُحَمَّد، وكانوا قد خلعوا دعوته.
__________
[1] انظر عن (علي بن أبي عبد الله) في: صلة الصلة لابن الزبير 102، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1864، وبغية الملتمس للضبيّ، رقم 1202، والذيل والتكملة 5 ق 1/ 278، 279 رقم 557.
[2] في تكملة الصلة.
[3] وكان السلفي يقول: كتب عني ألف ورقة.
[4] وكان سمعه في سنة 534 هـ.(39/290)
قُتِلَ فِي هذه السّنة وقد قارب الثّمانين [1] .
263- عليّ بْن مُحَمَّد بْن خُلَيْد [2] .
أَبُو الْحَسَن بْن الإشبيليّ.
سكن المَرِيَّة، وأخذ عَنْ: أَبِي القاسم بْن ورد، ولازمه.
وبرع فِي علم الأصول والكلام. وكان خطيبا مفوَّهًا، وافر الحُرمة.
أخذ عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن الملجوم، وأبو عَمرو بْن عَبْد اللَّه.
تُوُفّي بمرّاكُش [3] .
- حرف القاف-
264- القاسم بْن الفضل بْن عَبْد الواحد بْن الفضل [4] .
أَبُو المطهَّر بْن أَبِي طاهر الأصبهانيّ، الصَّيْدَلانيّ.
سَمِعَ من: رزق اللَّه التّميميّ، ومكّيّ بْن منصور الكرْجيّ، وغيرهم.
حدَّث عَنْهُ بمُسْنَد الشّافعيّ: أحمد بْن مُحَمَّد الْجَنْزِيّ [5] ، ثمّ الأصبهانيّ، وروى عَنْهُ: أَبُو نزار ربيعة بْن الْحَسَن اليَمَنيّ، ومحمد بْن مَسْعُود بْن أَبِي الفتح
__________
[1] وكان مولده بقرطبة قبل 490 هـ.
[2] انظر عن (علي بن محمد بن خليد) في: صلة الصلة لابن الزبير 101، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1862، والذيل والتكملة 5/ 304 رقم 589.
[3] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان حافظا للفقه نافذا في أصوله، متحقّقا بعلم الكلام، خطيبا بليغا، وله مصنّف سمّاه «المعراج» قدم به على عبد المؤمن بن علي وهو محاصر أغمات وريكة في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، فحظي عنده وأكرم وفادته ورقّاه إلى رتب عليّة نال بسببها دنيا عريضة وجاها مديدا.
[4] انظر عن (القاسم بن الفضل) في: التقييد لابن نقطة 431 رقم 577، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 214، والعبر 4/ 199، والإعلام بوفيات الأعلام 234، والمعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1841، وفيه «عبد الأحد» ، وسير أعلام النبلاء 20/ 528، 529 رقم 338، والنجوم الزاهرة 6/ 66، وشذرات الذهب 4/ 223.
[5] الجنزيّ: بجيم مفتوحة ثم نون ساكنة بعدها زاي. نسبة إلى ثغر جنزة، وهي كنجة من بلاد أرّان. (توضيح المشتبه 2/ 481، تبصير المنتبه 1/ 362) .(39/291)
المَدِينيّ، والحافظ عَبْد القادر الرُّهَاويّ، ومحمد بْن أَبِي سَعِيد بْن طاهر الفقيه، ومعاوية بْن الفضل، وجماعة.
وروى عَنْهُ: بالإجازة: موفَّق الدّين بْن قُدَامة، وكريمة القُرَشيَّة، وكان من آخر مَن روى عَنْ رزق اللَّه أو آخرهم.
تُوُفّي فِي نصف جُمَادَى الأولى عَنْ نيِّفٍ وتسعين سنة.
ورّخه ابن نقطة [1] .
وروى عَنْهُ أَبُو سعد السَّمعانيّ وقال: كَانَ متميّزا، حريصا عَلَى طلب الحديث، مليح الخطّ، سَمِعَ وأكثرَ وبالَغ.
روى عَنْ: سُلَيْمَان الحافظ، وجدّه لأمّه أَبَا منصور مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الرّزّاق، وطائفة.
- حرف الميم-
265- مُحَمَّد بْن أحمد بْن الزُّبَيْر.
أَبُو عَبْد اللَّه القَيْسيّ الشّاطبيّ، عُرِف بالإغريثي، نسبة إلى بعض أعمال شاطِبة.
ولي خطابة شاطِبة، وكان موصوفا بالزُّهْد والخُشُوع وإلا ... [2] ، والبكاء، مشارا إِلَيْهِ بإجابة الدعوة.
266- مُحَمَّد بن أسعد بن محمد بن نصر [3] .
__________
[1] في التقييد 431.
[2] في الأصل بياض.
[3] انظر عن (محمد بن أسعد) في: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 1/ 176، والعبر 4/ 199، والمغني في الضعفاء 2/ 554 رقم 5287، وميزان الاعتدال 3/ 480 رقم 217 ب، ومرآة الجنان 3/ 382، والوافي بالوفيات 2/ 203 رقم 581، والجواهر المضيّة 2/ 32، وتوضيح المشتبه 3/ 287، ولسان الميزان 5/ 73، 74 رقم 245، وتاج التراجم لابن قطلوبغا 39، 40، وطبقات المفسرين للسيوطي 29، والنجوم الزاهرة 6/ 66، والدارس للنعيمي 1/ 538، 539، وكشف الظنون 437، 1067، 1632، 1788، وشذرات الذهب 4/ 218 (في وفيات 566 هـ.) ، ومعجم المؤلفين 9/ 50، 51، وقد ذكر في سير(39/292)
الفقيه أَبُو المظفّر بْن عَبْد الحليم [1] البغداديّ، العراقيّ، الحنفيّ، الواعظ، نزيل دمشق، وكان يعِظ بها.
ثمّ درّس بالطَّرخانيَّة وبالصّادريَّة، وبنى لَهُ الأمير معين الدين أُنُزَ مدرسة.
وظهر لَهُ الْقَبُولُ فِي الوعظ.
وسمع: أَبَا عليّ بْن نبهان، وأبا غالب مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد القزّاز، ونور الهدى الزَّيْنَبيّ، وغيرهم.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه شمس الدّين أبو القاسم، والقاضي أبو نصر بْن الشّيرازيّ، وغيرهم.
قَالَ الحافظ ابن عساكر فِي ترجمته، وذكر أَنَّهُ سَمِعَ «المقامات» من الحريريّ، وألَّف تفسيرا، وشرح «المقامات» : وأنشدني بماردين أبياتا، لقِيتُه بها.
قلت: أنبا بالمقامات الكاتبة أَمَة العزيز بِنْت يوسف بْن غُنَيْمَة بمنزلها، أَنَا أبو نصر بْن الشّيرازيّ، أنا أَبُو المظفَّر الحنفيّ، أنا الحريريّ المصنّف [2] .
__________
[ () ] أعلام النبلاء 20/ 529 دون ترجمة.
[1] في جميع المصادر السابقة: «بن الحكيم» بالكاف، وهو خطأ، أما في لسان الميزان 5/ 74 «ابن الحكم» ، والمثبت يتفق مع: اللباب 1/ 383 (الحليمي) ، والإستدراك لابن نقطة، باب: حكيم وحليم، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين 3/ 287، وتبصير المنتبه لابن حجر 1/ 448، وانظر حاشية المعلمي على (الإكمال 2/ 493 و 3/ 81) و (الأنساب 4/ 199) .
[2] ومن شعره:
ألا هل أصبّ بالديار متيّم ... بحبّكم بين الأنام بلاغ
له شغل بالحبّ عن كلّ شاغل ... وليس له عمّا عراه فراغ
تجرّع يوم البين كأس فرقكم ... فليس لكأس الصبر فيه مساغ
ومنه أيضا:
الدهر يوضع عامدا ... فيلا ويرفع قدر نمله
فإذا تنبّه للّيام ... وقام للنّوام نم له(39/293)
تُوُفّي عَنْ نيِّفٍ وثمانين سنة بدمشق.
وقد كتب عَنْهُ أَبُو سعد بْن السَّمعانيّ [1] ، رحمه اللَّه تعالى.
267- مُحَمَّد بْن سعد بْن مَرْدَنيش [2] .
الأمير أبو عَبْد اللَّه، صاحب الشّجاعة والإقدام بمرسية ونواحيها.
ولد سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وتنقّلت بِهِ الأحوال، وتملّك مُرْسِيَّة وبَلَنْسِيَة، واستعان بالفِرَنْج عَلَى حرب الموحّدين، واستفحل شأنه بعد موت عَبْد المؤمن، فسار إِلَيْهِ أَبُو يعقوب بْن عَبْد المؤمن، وعبر إلى الأَنْدَلُس فِي مائة ألف، ودخل إشبيلية، وجاء إِلَيْهِ أخوه عُمَر، وكان نائبة عَلَى الأَنْدَلُس، فاستشعر ابن مردنيش العجْزَ، والقَهْرَ، ومرض مرضا شديدا، واحتضر، فأمر بنيه أن يبادروا إلى أَبِي يعقوب، ويسلّموا إِلَيْهِ البلاد الّتي بيده.
ومات هُوَ فِي التّاسع والعشرين من رجب، فقيل إنّ أمّه سقته السّمّ لأنّه
__________
[ () ] (الوافي بالوفيات 2/ 203) .
[1] وهو سأله أبا الفضل بن ناصر عنه فقال: كذّاب، ما سمع شيئا ببغداد، ولا رأيناه مع أصحاب الحديث، ولا في مجالس الشيوخ، وهو قاصّ، يتسوّق بهذا عند العوامّ.
وقال أبو الفتح عمر بن الحاجب في «معجمه» : يكنّى أبا المظفّر، ويلقّب بالمهذّب، الشيعي، الغاسل للروافض، شيخ فصيح العبارة، حسن الإيراد، كثير المحفوظ، حلو الكلام، إلا أنه كان ثقيلا على الفؤاد، كثير الكلام فيما لا يعنيه، وقال: وكان يحفظ أشعارا مختلفة أكثرها في مثالب الصحابة، رضوان الله عليهم، والله أعلم.
كذّبه ابن ناصر، ومشّاه غيره.
وقال ابن عساكر: سكن دمشق مدّة، ودرّس بها ووعظ، وذكر أنه سمع «المقامات» من منشئها. سمعت شيئا من شعره إن صدق فيما قال. وكان خليعا، قليل المروّة، ساقطا، كذّابا.
وقال ابن السمعاني: رأيت جزءا فيه سماعه بخط من أثق به من ابن علي بن نبهان، فلعلّه سمعه اتفاقا لا قصدا. قال: وسمعت منه شيئا من شعره.
[2] انظر عن (محمد بن سعد) في: الكامل في التاريخ 11/ 374، والوافي بالوفيات 3/ 89 رقم 1011، وزاد المسافر 33، والمعجب 305، 306 و 360- 363، والمغرب 2/ 250، 251، وسير أعلام النبلاء 20/ 240- 242 رقم 156، والإحاطة في أخبار غرناطة 2/ 121- 127، وأعمال الأعلام 298، وتاريخ ابن خلدون 4/ 166، ونفح الطيب (انظر فهرس الأعلام) .(39/294)
كَانَ قد أساء إلى أهله وخواصّه، فكلّمتْه وأغلظت لَهُ، فتهدّدها حتّى خافت منه، فعملت عَلَيْهِ وسَقَتْه، وبادر إخوته فسلّموا شرق الأَنْدَلُس إلى أَبِي يعقوب، وهي مُرْسِيَّة، وبَلَنْسِيَة، وجَيّان، فأكرمهم وفرح بمحبتهم، وتزوَّج بأختهم، وصاروا من حزبه.
268- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن ميمون بْن إدريس [1] .
أَبُو بَكْر العَبْدريّ، القُرْطُبيّ الأديب.
روى عن: أبي محمد بن عتاب، وأبي الوليد بن رشد، وأبي بحر الأسديّ، وابن مُغِيث، وجماعة.
قَالَ الأَبّار: كَانَ متقدّما فِي عِلْم اللّسان، متصرّفا فِي غيره من الفنون، حافظا، حافلا، شاعر، مُجوِّدًا. نزل مَرّاكُش، وأقرأ بها العربيَّة، والآداب، وشرح «الْجُمَل» للزَّجّاجّي.
حدَّث عَنْهُ: يعيش بْن العديم.
وتوفّي بمرّاكش عَنْ إقلاع وإنابة.
269- مُحَمَّد بْن عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن الفَرَج بْن خَلَف [2] .
الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه ابن الفَرَس الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرَجيّ، الغَرْناطيّ.
سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا القاسم وأخذ عَنْهُ القراءات، وتفقّه عَلَيْهِ.
وسمع: أَبَا بَكْر بْن عطيَّة، وأبا الْحَسَن بْن الباذش.
ورحل إلى قُرْطُبة فسمع: أَبَا مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبا بحر، وابن رشد، وابن مغيث، وطائفة.
__________
[1] انظر عَنْ (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونَ) في: المطرب من أشعار أهل المغرب لابن دحية 198، 199، وتكملة الصلة لابن الأبّار 229، والمغرب في حلى المغرب 111، 112، والديباج المذهب لابن فرحون 302، وبغية الوعاة للسيوطي 1/ 62، وكشف الظنون 213، 604، 1686، 1788، وهدية العارفين 2/ 96، ومعجم المؤلفين 10/ 250، 251.
[2] انظر عن (محمد بن عبد الرحيم) في: تكملة الصلة لابن الأبار، والعبر 4/ 199، والوافي بالوفيات 3/ 245 رقم 1260، وشذرات الذهب 4/ 223.
وذكر في: سير أعلام النبلاء 20/ 529 دون ترجمة.(39/295)
وتفقّه ببعضهم، وأخذ القراءات بقُرطُبة. وعدد شيوخه خمسةٌ وثمانون.
قَالَ الأَبّار: كَانَ عالِمًا، حافِلًا، راوية، مُكثِرًا متحقّقا بالقراءات والفِقْه، وله مشاركة فِي الحديث والأصول مَعَ البَصَر بالفتوى.
نزل مُرْسِيَّة، ووُلّي خطَّة الشُّورى، ثمّ ولي قضاء بَلَنْسِيَة، ثمّ استعفى منه، وكان فِي وقته أحد حُفَّاظ الأَنْدَلُس فِي المسائل مَعَ المعرفة بالآداب.
وكانت أُصُوله أعلاما نفيسة لا نظير لها، جمع منها كثيرا وكتب بخطّه أكثرها.
قَالَ التُّجَيْبيّ: ذُكر لي من فضله ما أزعجني إِلَيْهِ، فلقيت عالِمًا كبيرا، ووجدت عنده [1] جماعة وافرة من شرق الأَنْدَلُس وغربها، يأخذون عَنْهُ الفِقْه، والحديث، والقراءات، إفرادا وجَمْعًا.
وحكى أَنَّهُ قرأ عَلَيْهِ بها وبرواية يعقوب، واستظهر عليه «التّيسير» و «ملخّص القابِسيّ» .
وكان يؤمّ بجامع مُرْسِيَة لحُسْن صوته.
قَالَ الأَبّار: ثنا عَنْهُ جماعة من جِلَّة شيوخنا.
وتُوُفّي فِي شوّال وله ستٌّ وستّون سنة.
270- مُحَمَّد بْن عليّ بْن جعفر القَيْسيّ القَلْعيّ [2] .
من قلعة حمّاد بالمغرب.
أَبُو عَبْد اللَّه بْن الرِّمامة، نزيل مدينة فاس.
تفقّه عَلَى: أَبِي الفضل بْن النَّحْويّ.
ودخل الأَنْدَلُس فسمع من: أبي محمد بن عتاب، وأبي بحر الأَسَديّ.
ووُلّي قضاء فاس فلم يُحمد. وكان عاكفا عَلَى تواليف الغزّاليّ لا سيّما «البسيط» .
__________
[1] في الأصل: «عنه» .
[2] انظر عن (محمد بن علي بن جعفر) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، وسير أعلام النبلاء 20/ 529 دون ترجمة.(39/296)
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وجماعة.
مات فِي رجب، وله تسعٌ وثمانون سنة، وله تصانيف.
271- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أحمد [1] .
الفقيه أَبُو حامد [2] الطُّوسيّ، البَرَويّ [3] ، الشّافعيّ.
سَمِعَ: مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الفارسيّ، وَعَبْد الوَهَّاب بْن شاه الشّاذياخي وتفقّه بأبي سعد مُحَمَّد بْن يحيى.
وقدِم دمشق سنة خمسٍ وستّين، ونزل بدُوَيْرة السُّمَيْساطيّ، وكان واعظا، فاضلا، مناظرا.
__________
[1] انظر عن (محمد بن محمد الطوسي) في: المنتظم 10/ 239 رقم 338 (18/ 198 رقم 4292، والكامل في التاريخ 11/ 376، ومرآة الزمان 8/ 182، 183، ووفيات الأعيان 4/ 225، 226، والمختصر المحتاج إليه 1/ 116، والعبر 4/ 200، وسير أعلام النبلاء 20/ 577 رقم 359، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 389- 391، ومرآة الجنان 3/ 382، 383، والوافي بالوفيات 1/ 279، 280، رقم 182، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 260- 263، وتاريخ ابن الفرات مجلّد 4 ج 1/ 206، والبداية والنهاية 12/ 269، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 350 رقم 316، وشذرات الذهب 4/ 224، والأعلام 7/ 251.
[2] في المنتظم: «أبو المظفر» .
[3] البروي: بفتح الباء الموحّدة والراء وبعدها واو. هكذا ضبطها ابن خلكان وقال: ولا أعلم هذه النسبة إلى أيّ شيء هي، ولا ذكرها السمعاني، وغالب ظني أنها من نواحي طوس.
(وفيات الأعيان 4/ 226) .
وضبطها ابن العماد بفتح الموحّدة وتشديد الراء المضمومة نسبة إلى برّويه: جد. (شذرات الذهب 4/ 224) .
وفي (الأنساب 2/ 177) : البرويي: بفتح الباء الموحّدة وضم الراء المشدّدة بعدهما الواو وفي آخرها الياء آخر الحروف. هذه النسبة إلى برويه وهو اسم الرجل اشتهر من أولاده جماعة. فلعلّ صاحب الترجمة منسوب إليه. علما أنه غير مترجم في الأنساب.
وقد تحرّفت النسبة إلى: «البوري» في: الكامل في التاريخ 11/ 376، وورد في نسخة خطية أخرى «اليروي» ، وإلى: «النووي» في: مرآة الجنان 3/ 382، وإلى «الدوي» في:
البداية والنهاية 12/ 269 وكنيته: «أبو المظفر» . وفي مرآة الزمان 8/ 292: «البغوي ويقال: البردي» .(39/297)
تُوُفّي ببغداد فِي رمضان وله خمسون سنة. كذا ذكره ابن عساكر.
وأمّا ابن الدَّبِيثيّ فأطنب في وصُفه، وسمّاه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّه البَرَويّ، وقال: أحد علماء عصره، والمُشَار إِلَيْهِ بالتّقدُّم في معرفة الفِقْه، والكلام، والنَّظَر، وحُسْن العبارة والبلاغة. قدِم من دمشق فرُزِق قبولا ببغداد، ودرَّس بها الأُصُول والْجَدَل بالمدرسة البهائيَّة، وكان يحضر درسَه خلْق. ووعظ بالنّظاميَّة ثمّ عاجله الموت.
وقد حدَّث بشيءٍ يسير.
وكنّاه ابن الجوزيّ فِي «منتظمه» [1] أَبَا المظفّر، وقال: قدِم علينا بغداد، وجلس للوعظ، وأظهر مذهب الأشعريّ، وناظَر عَلَيْهِ، وتعصّب عَلَى الحنابلة وبالَغ.
وقال ابن الأثير [2] : أصابه إسهال فمات، فقيل إنّ الحنابلة أهدوا له حلواء، فأكل منها فمات هُوَ، وكلّ من أكل منها.
وقال سِبْط ابن الْجَوْزيّ [3] : كَانَ شابّا، حَسَن الصّورة، فصيحا، مليح الإشارة والعبارة بالَغَ في ذَمّ الحنابلة، وقال: لو كَانَ لي أمرٌ لوضعت عليهم الجزْية. فيقال إنهم دسّوا عَلَيْهِ امْرَأَةً جاءته فِي اللّيل بصحن حلْوَى مسموم، وقالت: هذا يا سيّدي مِن منزلي. فأكله هُوَ وامرأته وولدٌ صغير، فأصبحوا مَوْتَى.
وقال ابن خَلِّكان [4] فِي اسمه: مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد سعد، أَبُو منصور البَرَويّ، صاحب التّعليقة المشهورة فِي الخلاف، وكان من أكبر أصحاب مُحَمَّد بْن يحيى، وله جَدَل مليح مشهور، أكثر اشتغال الفقهاء بِهِ، وشرحه تقي الدّين منصور بْن عَبْد اللَّه الْمَصْرِيّ المعروف بالمعثّر شرحا
__________
[1] ج 10/ 239 (18/ 198) .
[2] في الكامل 11/ 376.
[3] في مرآة الزمان 8/ 292.
[4] في وفيات الأعيان 4/ 225، 226.(39/298)
مُشْبِعًا. ودخل البَرَويّ بغدادَ فصادف قبولا وافرا، وتُوُفّي بعد أشهر رحمه اللَّه تعالى.
272- المبارك بْن مُحَمَّد بْن المُعَمَّر [1] .
أَبُو المكارم الباذَرَائيّ [2] ، الرجل الصّالح.
سَمِعَ من: نصر بْن البَطِر، وأحمد بْن عَلِيّ الطُّرَيْثيثيّ، ومحمد بْن عَبْد العزيز الخيّاط، وعليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن الجرّاح، وأبي الْحَسَن بْن العلّاف، وغيرهم.
قَالَ الشَّيْخ الموفَّق: شيخ صالح ضعيف، أكثر أوقاته مستلقي عَلَى قفاه، فسألنا عَنِ الصّلاة قاعدا لعجزه.
قلت: روى عَنْهُ: تميم البَنْدَنِيجَيّ، والحافظ عَبْد الغنيّ، وعبد القادر الرّهاويّ، والشَّيْخ الموفّق، وعليّ بْن ثابت الطّالبانيّ، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، والضّحّاك بْن أَبِي بَكْر القَطِيعيّ، وعليّ بْن الْحُسَيْن بْن بوش الباورّيّ، وآخرون.
وتُوُفّي رحمه اللَّه فِي العشرين من جمادى الآخرة [3] .
273- محمود بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن [4] .
الفقيه أَبُو المحامد الكُشْمِيهَنيّ المَرْوَزِيّ، الصُّوفيّ.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن محمد بن المعمّر) في: معجم البلدان 1/ 317 (بادرايا) ، والإستدراك لابن نقطة (باب البادرائي والبادراني والمادرائي) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 174 رقم 1145، والعبر 4/ 200، والإعلام بوفيات الأعلام 234، والمعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1842، وسير أعلام النبلاء 20/ 494 رقم 312، وتوضيح المشتبه 1/ 319، والنجوم الزاهرة 6/ 66، وشذرات الذهب 4/ 224.
[2] الباذرائي: ضبطت في الأصل بالذال المعجمة، وضبطها ابن نقطة بالدال المهملة المفتوحة، وهي نسبة إلى بادرايا من أعمال واسط.
وقد تحرّفت في «شذرات الذهب» إلى: الباورائي، بالواو بدل الدال.
[3] وقع في (معجم البلدان 1/ 317) أن وفاته سنة 552 هـ. وهو غلط.
[4] انظر عن (محمود بن محمد الكشميهني) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 183 رقم 176.(39/299)
روى عَنْ: أَبِي منصور مُحَمَّد بْن عليّ الكراعيّ.
حدّث بدمشق وبغداد.
روى عَنْهُ: عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد السّيّديّ، وأبو القاسم بْن صصريّ، وغير واحد.
تُوُفّي ببغداد.
- حرف النون-
274- نصر اللَّه [1] بْن عَبْد اللَّه بْن مخلوف بْن عليّ بْن قَلاقِس [2] .
القاضي الأغرّ أبو الفُتُوح اللّخْميّ، الأزهريّ، الإسكندريّ الأديب، الشّاعر.
له ديوان مشهور، وكان شاعرا محسِنًا، لَهُ فِي السِّلَفيّ مدائح وهي في ديوانه.
وكان كثير الأسفار. وله فِي كثرة أسفاره:
والنّاس كُثُرٌ ولكْن لا يُقَدَّر لي ... إلّا مرافقةُ الملّاح والحادي [3]
ثمّ دخل اليمن، ومدح وزيرها أَبَا الفرج ياسر بن بلال وزير الملك
__________
[1] في بدائع الزهور: «نصر الملك» ، وفي الخريدة: «أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن بن إسماعيل» ، وفي حسن المحاضرة: «نصير الدين عبد الله» .
[2] انظر عن (ابن قلاقس) في: خريدة القصر (قسم شعراء مصر) 1/ 145، ومعجم الأدباء 19/ 226- 228، والروضتين ج 1 ق 2/ 523، 524، ووفيات الأعيان 5/ 385- 389، والتذكرة الفخرية للإربلي 228، 229 و 411، والمختصر في أخبار البشر 3/ 52، وسير أعلام النبلاء 20/ 546 رقم 348، وتاريخ ابن الوردي 2/ 124، ومرآة الجنان 3/ 383، 384، وفيه «ابن قلانس» ، والبداية والنهاية 12/ 269، والنجوم الزاهرة 6/ 59، وشذرات الذهب 4/ 224، وفيه «ابن ملامس» بميمين، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 234، ومعجم المطبوعات 217، 218، وتاريخ الأدب العربيّ 5/ 64، وكشف الظنون 767، 768، 823، 958، وهدية العارفين 2/ 492، وفهرست الخديوية 4/ 235، وفهرس مخطوطات الموصل 151، والأعلام 8/ 344- 347، ومعجم المؤلفين 13/ 97، والبدر السافر للأدفوي (مخطوطة الفاتح رقم 4201) ورقة 211، وانظر ديوان ابن قلاقس بمراجعة خليل مطران- طبعة الجوائب بالقسطنطينية 1323 هـ.
[3] البيت في ديوانه 31، ووفيات الأعيان 5/ 386، والمختصر في أخبار البشر 3/ 52.(39/300)
مُحَمَّد بْن عمران بْن مُحَمَّد بْن الدّاعي سبإ بْن أَبِي السُّعُود اليامي صاحب اليمن.
ورجع من اليمن مُثْرِيًا من جوائزه، فغرق جميع ما معه بقرب دهلك، فردّ إِلَيْهِ وهو عُريان، وأنشده قصيدته الّتي أوّلها:
صَدَرْنا وقد نادى السَّماحُ بنا ردوا ... فَعُدْنا إلى مُغْنَاك وَالْعَوْدُ أحْمَدُ [1]
ثم أنشده قصيدة أخرى، هي:
سافر إذا حاولت [2] قدْرا ... سار الهلال فَصَار بَدْرَا
والماء يكسب ما جرى ... طيبا ويخبث ما استقرّا
وتنقّل [3] الدُّرر النّفيسةِ ... بُدِّلت بالبحر نَحْرا
يا راويا عَنْ ياسرٍ ... خبرا ولم يعرفه خُبْرا
اقرأ بغُرَّة وجهه ... صُحُف الْمُنَى إنْ كنتَ تَقْرا
والثُمْ بَنَانَ يمينه ... وَقُلِ السّلام عليك بحرا
وغلطت في تشبيهه ... بالبحر فالَّلهُمَّ غُفْرا
أَوَ لَيْسَ نلْتُ بذا غِنى ... جَمًّا ونلتُ بذاك فَقْرا
وعهدت هذا [4] لم يَزَلْ ... مدّا، وذاك يعود جَزْرا [5]
وله، رحمه اللَّه، فِي القاضي الفاضل [6] هذه:
ما ضرّ ذاك الرّيم أن لا يَريمْ ... لو كَانَ يرثي لسليم سليم
وما عَلَى مَن [7] وَصَله جَنَّة ... أنْ لا أرى من صدّه في جحيم
__________
[1] الديوان 30، وفيات الأعيان 5/ 386.
[2] في الأصل: «إذا ما حاولت» .
[3] في الديوان، ووفيات الأعيان: «وبنقلة» .
[4] في الأصل: «ولم» .
[5] الديوان 38، وفيات الأعيان 5/ 387، وفي مرآة الجنان 3/ 384 الأبيات الثلاثة الأولى فقط.
[6] وهو عبد الرحيم البيساني.
[7] في الأصل: «عليّ من» بتشديد الياء.(39/301)
رقيمُ خد نامَ عَنْ ساهرٍ ... ما أجدر النّومَ بأهل الرقيم [1]
وُلِد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وتُوُفّي فِي ثالث شوّال بعَيْذاب [2] .
- حرف الواو-
275- وجيه بْن هبة اللَّه بْن المبارك بْن مُوسَى [3] .
أَبُو العلاء بْن أَبِي البركات السَّقَطيّ، البغداديّ، الأَزَجيّ، من أولاد الشّيوخ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، والحسين بْن عليّ بْن البُسْريّ، وأبا سعد بْن خُشَيْش، وأبا القاسم بْن الرَّبَعيّ، والعلافّ، وغيرهم.
روى عَنْهُ: ابن الأخضر، وطاهر الأَزَجيّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وآخرون.
وقال ابن النّجّار: كَانَ من دُعاة المواكب الدّيوانيّة، وسكن فِي أواخر عمره أَوَانا.
وقال أَبُو سعد السَّمعانيّ: كتبت عَنْهُ أحاديث، وقال لي أَبُو القاسم الدّمشقيّ: هُوَ أدبر من أَبِيهِ.
قَالَ أَبُو سعد: وقال لي: وُلِدتُ سنة خمسٍ وتسعين، فإنْ صحّ قوله فسماعه من ابن البُسْريّ حضورا [4] .
قَالَ هبة اللَّه بْن وجيه: تُوُفّي أَبِي فِي ذي القعدة سنة سبْعٍ بصريفين.
__________
[1] الديوان 96، وفيات الأعيان 5/ 385، التذكرة الفخرية 228.
[2] عيذاب: بفتح العين المهملة وسكون الياء المثنّاة من تحتها وفتح الذال المعجمة وبعد الألف ياء موحّدة، وهي بليدة على شاطئ بحر جدّة، يعدّي منها الركب المصري المتوجّه إلى الحجاز، عن طريق قوص. (وفيات الأعيان 5/ 388) .
[3] انظر عن (وجيه بن هبة الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 218 رقم 1275، والنجوم الزاهرة 6/ 66 وقد ذكر في: سير أعلام النبلاء 20/ 529 دون ترجمة.
[4] في الأصل: «حضور» .(39/302)
- حرف الياء-
276- يحيى بْن سعدون بْن تمام بْن مُحَمَّد [1] .
الْإِمَام أَبُو بَكْر الْأَزْدِيّ القُرْطُبيّ، المقرئ، نزيل الموصل.
قرأ القراءات بالأندلس على أَبِي القاسم خَلَف بْن إِبْرَاهِيم النّحّاس الحصّار مقرئ الأَنْدَلُس، وعلى أَبِي الْحَسَن عون اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن نائبة الخطيب بقُرْطُبة، وتُوُفّي سنة عشر، وأحمد بْن عَبْد الحقّ الخَزْرَجيّ بالأندلس، وما هذان بمعروفين.
ورحل فقرأ بالإسكندريَّة عَلَى: أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن الفحّام.
وأتى بغدادَ فقرأ القراءات عَلَى: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد البارع، وأبي بَكْر المَزْرَفيّ، وسِبْط الخيّاط.
وسمع بقُرْطُبة من: أَبِي مُحَمَّد بن عتّاب، وبالثغر من: أَبِي عَبْد اللَّه الرّازيّ، وبمصر من: أَبِي صادق مرشد بْن يحيى، سَمِعَ منه سنة خمس عشرة «صحيح البخاريّ» .
__________
[1] انظر عن (يحيى بن سعدون) في: الأنساب 10/ 99، ومعجم الأدباء 7/ 278، 279، ومعجم البلدان 4/ 324، واللباب 3/ 26، والكامل في التاريخ 11/ 376، وإنباه الرواة 4/ 37، 38، وتكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 131، ووفيات الأعيان 6/ 171- 173، والمغرب في حلى المغرب 1/ 135، وصلة الصلة لابن الزبير 177، ومعجم الألقاب لابن الفوطي 1/ 485، وتاريخ إربل 1/ 57، 157، 253، 286، والروضتين ج 1 ق 2/ 523، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 27/ 262 رقم 130، والمختصر في أخبار البشر 3/ 152، والإعلام بوفيات الأعلام 234، والمعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1843، وسير أعلام النبلاء 20/ 546- 548 رقم 349، والعبر 4/ 200، 201، ومعرفة القراء الكبار 2/ 535، 536 رقم 482، والمختصر المحتاج إليه 3/ 243، 244، وتاريخ ابن الوردي 2/ 124، ومرآة الجنان 3/ 380، والبداية والنهاية 2/ 270، وغاية النهاية 2/ 372، والنجوم الزاهرة 6/ 66، وبغية الوعاة 2/ 334، ونفح الطيب 2/ 116- 118، وطبقات المفسرين للداوديّ 2/ 368، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 281، وتاريخ ابن الفرات م 4 ج 1/ 206- 208، وشذرات الذهب 4/ 225، وهدية العارفين 2/ 521، وإيضاح المكنون 1/ 476 وقد فات «كحّالة» أن يذكره في (معجم المؤلفين) .(39/303)
وببغداد من: البارع، وابن الحُصَيْن، وأبي العزّ بْن كادش.
ثمّ قدِم دمشقَ فسكنها مدَّة، وأقرأ بها القرآن والنَّحْو. وكان ماهرا بالعربيَّة، بصيرا بالقراءات، عالي الإسناد فيها، شديد العناية بها من صِغَره.
وكان متواضعا، حَسَن الأخلاق، ثقة، نبيلا.
وحدَّث ابن سعدون هذا عَنْ أَبِي القاسم الزَّمَخْشَريّ بكتاب أسماء الجبال والمياه.
وخرج عَنْ دمشق حين توجّه النّصرانيّ الكِنْديّ إليها، فدخل الموصل وذهب إلى أصبهان، ثمّ عاد إلى الموصل فسكنها.
وُلِد فِي ربيع الأوّل سنة ستّ وثمانين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: الحافظان ابن عساكر، والسَّمعانيّ، وأَبُو جعفر القُرْطُبيّ والد التّاج، وعبد اللَّه بْن الْحَسَن المَوْصِليّ، ومحمد بْن مُحَمَّد الحِلّيّ، والقاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أحمد القَطِيعيّ.
وقرأ عَلَيْهِ القراءات فخر الدّين مُحَمَّد بْن أَبِي المعالي المَوْصِليّ، وعزّ الدّين مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن حرميَّة البوازيجيّ [1] ، وابن شدّاد، والكمال عَبْد المجير بْن مُحَمَّد القُبَيْصيّ بحلب.
قَالَ ابن عساكر [2] : هُوَ ثقة، ثَبْت.
وقال ابن السَّمعانيّ: هذا أحد أئمّة اللّغة، وله يدٌ قويَّة فِي النَّحْو. قرأ القراءات بروايات عَلَى جماعةٍ بمصر والعراق، وهو فاضل ديِّن، ورع، حَسَن الإقراء والأخْذ. لَهُ وَقَار وسُكون، واشتغال بما يعنيه. سَمِعْتُ منه نسخة أَبِي عَبْد اللَّه الرّازيّ، وكان ثقة، ثَبْتًا، صدوقا، نبيلا، قليل الكلام، كثير الخير، مفيدا.
وقال ابن عساكر [3] : تُوُفّي يوم الجمعة يوم عيد الفطر.
__________
[1] البوازيجي: نسبة إلى البوازيج، بلدة قديمة على دجلة فوق بغداد. (الأنساب 2/ 321) .
[2] في تاريخ دمشق، ومختصره 27/ 262.
[3] في تاريخ دمشق، ومختصره 27/ 262.(39/304)
وقال ابن خَلِّكان [1] : لقبه: صائن الدّين [2] .
277- يحيى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن عقال [3] .
أَبُو زكريّا الفِهْريّ، البَلَنْسيّ.
سَمِعَ من: أَبِي الوليد بْن الدّبّاغ، وأبي بَكْر بْن برنْجال، وتفقّه عَلَى أَبِي مُحَمَّد بْن عاشر، وأبي بَكْر بْن أسد.
ولقي بقُرْطُبة أَبَا جعفر البَطْرُوجيّ، فتفقَّه بِهِ، وناظر عَلَيْهِ فِي «المدوّنة» .
وسمع من: أَبِي بَكْر ابن العربيّ.
وبغَرْناطَة من القاضي عِياض.
ووُلّي خطَّة الشُّورَى ببلده.
قَالَ الأَبّار: وكان فقيها، حافظا، مُفْتيا، قائما على «المدوّنة» و «الغنية» ، متين المعرفة، عاكفا عَلَى عقد الشُّروُط.
ووُلّي قضاء أنْدَة من كُوَر بَلَنْسِيَة، وقضاء ألش، فحُمِدَت سِيرته.
أخذ عَنْهُ شيخنا أَبُو عَبْد اللَّه بْن نوح وتفقّه عَلَيْهِ.
تُوُفّي فِي صفر وله ثلاثٌ وستّون سنة.
وتُوُفّي أخوه مُحَمَّد قُبَيْله فِي المحرَّم.
278- يحيى بْن مُحَمَّد بْن هانئ بْن ذي النُّون [4] .
أَبُو بَكْر بْن مانيه التّغْلبيّ، الغَرْناطيّ.
سَمِعَ من: غالب بْن عطيَّة، وأبي الوليد بْن بقول، وأبي بكر بن العربيّ.
__________
[1] في وفيات الأعيان 6/ 171.
[2] وقال ابن شدّاد: كنت أرى من يأتي الشيخ، فيعطيه شيئا ملفوفا ويذهب، ثم تقصّينا ذلك، فعلمنا أنها دجاجة مسموطة كانت برسمه كل يوم، يشتريها ذلك الرجل، ويسمطها، فإذا قام الشيخ تولّى طبخها. قال: ولازمته إحدى عشرة سنة. (إنباه الرواة 4/ 38، وفيات الأعيان 6/ 172، سير أعلام النبلاء 20/ 548، نفح الطيب 2/ 117) .
[3] انظر عن (يحيى بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[4] انظر عن (يحيى بن محمد بن هانئ) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(39/305)
وحجّ سنة ثلاثين.
وسمع من: أَبِي عليّ بن العرجاء.
وبمصر من: سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ.
وأكثر من السّماع، واستوطن أُوريُولَة، وولي خطابتها، وحدَّث بها.(39/306)
سنة ثمان وستين وخمسمائة
- حرف الألف-
279- أحمد بْن سَعِيد بْن حَسَن [1] .
أَبُو الحارث البغداديّ، الخيّاط، المقرئ، المعروف بالعسكريّ.
سَمِعَ: أَبَا عليّ بْن نَبْهان، وَأُبَيًّا النَّرْسِيّ.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وقال: كَانَ غير ثقة. بانَ لنا تزويره فِي غير شيء [2] .
280- أحمد بْن مُحَمَّد بْن شُنَيْف بْن مُحَمَّد [3] .
أَبُو الفضل الدّارقَزّيّ، المقرئ.
شيخ معمّر، عالي الطّبقة. قرأ بالروايات عَلَى: أَبِي طاهر بْن سِوَار، وأبي منصور مُحَمَّد بْن أحمد الخيّاط، وثابت بْن بُنْدار.
وسمع منهم الحديث. وأقرأ القرآن.
سَمِعَ منه: عُمَر الْقُرَشِيّ، وعليّ بن أحمد الزّيديّ، وصالح العطّار.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن سعيد) في: المختصر المحتاج إليه ج 1، وميزان الاعتدال 1/ 101 رقم 393، والمغني في الضعفاء 1/ 40 رقم 296، ولسان الميزان 1/ 178 رقم 568.
[2] وقال الحافظ ابن حجر: وكذّبه ابن نقطة، وابن الدبيثي، وابن الأخضر، وابن النجار.
وكان من القراء، قرأ عليه عبد العزيز بن دلف وغيره.
[3] انظر عن (أحمد بن محمد بن شنيف) في: العبر 4/ 202، والإعلام بوفيات الأعلام 234، والمعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1844، وتذكرة الحفاظ 4/ 1323 وفيه «سنيف» بالسين المهملة، ومعرفة القراء الكبار 2/ 525 رقم 468، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 1/ 204، والوافي بالوفيات 7/ 404، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 223، 224، وغاية النهاية 1/ 218 وشذرات الذهب 4/ 226.(39/307)
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ [1] : ثنا عَنْهُ غير واحد.
وتُوُفّي فِي المحرَّم وله ستٌّ وتسعون سنة.
قُلت: هذا أسْنَد من بقي فِي القراءات، فِي طبقة سِبْط الخيّاط، وأبي الكَرَم الشّهْرُزُوريّ، والعَجَب من البغداديّين كيف لم يزدحموا عَلَى هذا ويقرءوا عَلَيْهِ!؟
281- أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن عَبْد القادر بْن الْحُسَيْن [2] .
أَبُو الْعَبَّاس الهاشميّ، المنصوريّ الخطيب.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى ببغداد.
ورَّخه ابن مَشِّقْ.
282- إِبْرَاهِيم بْن سعود بْن عيّاش [3] .
أَبُو إِسْحَاق الوِقَايَاتيّ، البغداديّ، المقرئ.
قرأ القرآن عَلَى سِبْط الخيّاط، وغيره.
طلب الحديث وعُني بِهِ، وكتب كثيرا من الأجزاء عَنْ هبة اللَّه بْن الطَّبر، وأبي غالب بْن البنّاء، وقاضي المَرِسْتان.
وعنه: ابن الأخضر، ويوسف بْن كامل.
وكان صَدُوقًا خيِّرًا.
283- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد [4] .
أَبُو إِسْحَاق الشِّنْتَمَريّ، صاحب أَبِي إِسْحَاق بْن هُذَيْلٍ المقرئ وخليفته عَلَى التّعليم.
استُشْهِد فِي وقعة بظاهر بلنسية في رجب.
__________
[1] المختصر المحتاج إليه 1/ 204.
[2] انظر عن (أحمد بن هبة الله) في: الوافي بالوفيات 8/ 225 رقم 3661.
[3] انظر عن (إبراهيم بن سعود) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[4] انظر عن (إبراهيم بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار ج 1.(39/308)
284- أرسلان بن خوارزم [1] شاه [2] أتسز [3] بن محمد بْن أنوشْتِكِين [4] .
رجع من قتال أُمَّة الخطا مريضا فمات. وكان حاكما عَلَى خُوارزم وأعمالها، وتملَّك بعده ابنه سلطان شاه محمود.
وأمّا ابنه الآخر، وهو الأكبر، وهو علاء الدّين تكش [5] فكان مقيما بالْجُنْد، فلمّا بلغه موتُ أَبِيهِ وتملُّك أخيه الصغير غضب، وقصد ملك الخطا، واستمدّ منه، فبعث معه جيشا، فلمّا قاربوا خُوارزم، خرج سلطان شاه ووالدته إلى المؤيَّد صاحب نَيْسابور، وتملّك علاء الدّين خوارزم وبلادها بغير قتال.
وأمّا المؤيّد فسار مع محمود بجيوشه، وقارب خوارزم، فالتقوا وحمي الحرب، فانهزمت الخراسانيّة، وأسر المؤيّد، وقتل بين يدي علاء الدّين تكش صبرا، وهرب محمود وأمّه إلى دهستان، فحاصرهم تكش، وافتتح البلد، فهرب محمود، وأمسكت أمّه، فقتلها تكش.
قام بعد المؤيّد ابنه طغان شاه أبو بكر.
وسار محمود إلى عند غياث الدّين ملك الغور، فأكرمه وأجلّه، وثبت ملك أخيه تكش.
285- إلدكز [6] .
__________
[1] هكذا في الأصل. ويرد أيضا: «أرسلان خوارزم» بإسقاط «بن» بينهما.
[2] انظر عن (أرسلان بن خوارزم) في: الكامل في التاريخ 11/ 377، وتاريخ مختصر الدول 215، والمختصر في أخبار البشر 3/ 52، 53، ودول الإسلام 2/ 81، 82 وفيه:
«خوارزم شاه أرسلان بن أتسز» ، والعبر 4/ 202، وسير أعلام النبلاء 21/ 55، 56 رقم 12، وتاريخ ابن الوردي 2/ 81، والوافي بالوفيات 8/ 341، 342 رقم 3771، وتاريخ ابن خلدون 5/ 83، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 132، وشذرات الذهب 4/ 226.
[3] أتسز: أصله في التركية: «أدسز» ومعناه: غير مسمّى. وبالعامّيّة يقال: أقسز وأقسيس.
[4] يرد في المصادر: «أنوشتكين» و «نوشتكين» بالألف أو بغيرها.
[5] انظر عنه في: الوافي بالوفيات 13/ 428، 429.
[6] انظر عن (ألدكز) في: التاريخ الباهر 106، 153، والكامل في التاريخ 11/ 388، 389،(39/309)
الأتابك شمس الدّين صاحب أَذَرْبَيْجان، وهَمَذَان.
كَانَ مملوكا للكمال السّميرميّ وزير السّلطان محمود السَّلْجُوقيّ، فلمّا قُتِلَ السّمِيرَميّ صار إلْدِكْز إلى السّلطان وصار أميرا، فلمّا ولي مَسْعُود السّلطنة ولّاه أرانية. ثمّ غلب عَلَى أكثر أَذَرْبَيْجان وبلاد هَمَذَان وأصبهان، والرّيّ، وخطب بالسَّلطنة لابن امرأته أرسلان شاه بْن طُغْرل.
وكان عدد عسكر إلَدِكْز خمسين ألفا. وكان أرسلان شاه من تحت أمره.
وكان فِيهِ عقلٌ، وحُسْن سيرة، ونَظَر فِي مصالح الرّعيَّة. وكان ملكه من باب تَفْلِيس إلى مكْران.
وولي بعده ولده مُحَمَّد البهلوان.
286- أيّوب بْن شاذي بْن مروان بن يعقوب [1] .
__________
[ () ] وتاريخ دولة آل سلجوق 275، والمختصر في أخبار البشر 3/ 53، والدرّ المطلوب 61، وتاريخ ابن الوردي 2/ 81، والبداية والنهاية 12/ 271، والعبر 4/ 203، والوافي بالوفيات 9/ 358 رقم 4287، وتاريخ ابن خلدون 5/ 83، والسلاجقة 77، وتاريخ ابن سباط 1/ 133.
[1] انظر عن (أيوب بن شاذي) في: النكت العصرية 260، 269، والنوادر السلطانية 46، والتاريخ الباهر 44، 59، 119، 120، 126، 141، 158، 172، والكامل في التاريخ 11/ 259، ومرآة الزمان 8/ 295، والروضتين ج 1 ق 2/ 533- 542، وسنا البرق الشامي 1/ 129، ووفيات الأعيان 1/ 255- 261، والمختصر في أخبار البشر 3/ 53، 54، والدرّ المطلوب 50، ومسالك الأبصار (مخطوط) 27- 31 أ، والمغرب في حلى المغرب 142، والفوائد الجليّة في الفرائد الناصرية لداود الأيوبي 56، 57، 59، 60، 63، ومفرّج الكروب 1/ 230، والعبر 4/ 203، 204، وسير أعلام النبلاء 20/ 589، 590 رقم 370، والإعلام بوفيات الأعلام 234، وتاريخ ابن الوردي 2/ 125، ومرآة الجنان 3/ 384، 385، والبداية والنهاية 12/ 271، 272، والوافي بالوفيات 10/ 47- 51 رقم 4488، وعيون التواريخ (مخطوط) 17/ 148 أ- 149 أ، والكواكب الدرّية 220، والسلوك ج 1 ق 1/ 51، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 178 ب- 181 أ، وشفاء القلوب في مناقب بني أيوب للحنبلي 23، 24، 44- 47، واتعاظ الحنفا 3/ 304، 305، وشذرات الذهب 4/ 226، 227، وترويح القلوب 38، والدارس في تاريخ المدارس 2/ 174، وأخبار الدول (طبعة عالم الكتب) 2/ 254.(39/310)
الأمير نجم الدّين أَبُو الشُّكْر، الكُرْديّ، الدُّوِينيّ. والد الملوك.
كَانَ أَبُوهُ من أهل دُوِين [1] ومن أبناء أعيانها. وبها وُلِد أيّوب. ووُلّي أوّل شيءٍ قلعة تِكْريت، ثمّ انتقل إلى المَوْصِل وخدم أتابَك زنكيّ والد نور الدّين، وكان وجيها عنده.
ثمّ انتقل إلى الشّام، ووُلّي بها نيابة بَعْلَبَكّ، ووُلِّيها لنور الدّين أيضا قبل أن يستولي عَلَى دمشق، فوُلِد لَهُ بها الملك العادل أَبُو بَكْر.
مبدأ سعادة شاذي فيما بَلَغَنَا، أَنَّهُ كَانَ لشاذي صاحب، وهو جمال الدّولة بهروز، وكان ظريفا، لطيفا، خيِّرًا، وكان كثير الودّ لشاذي. فاتُّهِم بِهْرُوز بزوجة أمير بدُوِين، فأخذه الأمير وخصاه، فنزح عَنْ دُوِين، ثمّ اتَّصل بالطُّواشيّ الَّذِي هُوَ لالا أولاد السّلطان مَسْعُود بْن مُحَمَّد بن ملك شاه. فوجده لطيفا كافيا فِي جميع أموره، فنَفَقَ عَلَيْهِ، وجعله يركب مَعَ أولاد السّلطان. ثمّ توصَّل إلى السّلطان، وصار يلعب معه بالشّطَرَنْج وأحبّه. ومات اللّالا، فصيّره مكانه، وأرصده لمَهَمّاته، وشاع ذِكْره، فأرسل إلى صديقه شاذي بطلبه، فلمّا قدم عَلَيْهِ بالَغ فِي إكرامه.
ثمّ إنّ السّلطان جعل بِهْرُوز نائبة عَلَى بغداد، فاستصحب معه شاذي وأولاده، ثمّ أعطاه السّلطان قلعة تَكْرِيت، فلم يَثِقْ فِي أمرها بسوى شاذي، فأرسله إليها، فأقام بها مدَّةً إلى أن تُوُفّي بها، فولّي عليها ولده نجم الدّين أيّوب هذا، فقام فِي إمرة القلعة أحسن قيام، فشكره بِهْرُوز وأحسن إِلَيْهِ.
فاتّفق أنّ امْرَأَةً خرجت من القلعة، فَعَبَرت باكية على نجم الدّين وأخيه أسد الدّين شير كوه، فسألاها، فقالت: تعرّض إليّ الإسفهسلّار فقام شير كوه فأخذ حربة للإسْفهسِلّار فقتله بها، فأمسكه أخوه واعتقله، وكتب بذلك إلى بِهْرُوز، فردّ جوابه: لأبيكما عليَّ حقّ، وأشتهي أن تخرجا من بلدي.
فخرجا إلى المَوْصِل، فأحسن إليهما أتابك زنكيّ وأكرمهما، فلمّا ملك
__________
[1] دوين: بلدة من نواحي أرّان في آخر حدود أذربيجان. (معجم البلدان 2/ 491) .(39/311)
زنكيّ بَعْلَبَكّ استناب بها نَجْمَ الدّين، فعمّر بها خانقاه للصّوفيَّة [1] . وكان رجلا خيِّرًا، ديِّنًا، مبارَكًا، كثير الصَّدَقات، سَمْحًا، كريما، وافر العقل. ولمّا توجّه أخوه أسد الدّين إلى مصر وغلب عليها، كَانَ نجم الدّين فِي خدمة السّلطان نور الدّين بدمشق. فلمّا ولي الوزارة صلاح الدّين ابنه بمصر سيّره نور الدّين إلى عند ابنه صلاح الدّين، فدخل القاهرة فِي رجب سنة خمسٍ وستّين، وخرج العاضد للقائه، وترجّل ولده فِي ركابه، وكان يوما مشهودا.
وعرض عَلَيْهِ ولده الأمر كلَّه فأبى وقال: يا ولدي ما اختارك اللَّه لهذا الأمر إلّا وأنت لَهُ أهْل.
وبقي عنده، وأمْرُ صلاحِ الدّين- أيّده اللَّه- فِي ازديادٍ إلى أن ملك البلاد. فلمّا خرج لحصار الكَرَك خرج نجم الدّين من باب القصر بالقاهرة، فشبّ فرسه فرماه، فحُمِل إلى داره وبقي تسعة أيّام، ومات فِي السّابع والعشرين من ذي الحجَّة.
وكان يُلقَّب بالأجَلّ الأفضل. ومنهم من يَقُولُ بالملك الأفضل.
ودُفن إلى جانب أخيه أسد الدّين بالدّار، ثمّ نُقِلا إلى المدينة النّبويَّة فِي سنة تسعٍ وسبعين [2] .
وقد روى بالإجازة عَنِ الوزير أَبِي المظفّر بْن هُبَيْرة.
سَمِعَ منه: يوسف بْن الطُّفَيْل، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفَّقْ.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عُمَر: أنا نجم الدّين أيّوب، أنا ابن هُبَيْرة إجازة قَالَ:
كنت أُصلّي عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيناي مُطْبِقَتَان، فرأيت من وراء جفني كاتبا يكتب بِمِدادٍ أسود صلاتي عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا انظر مواقعَ الحروف فِي ذَلِكَ القرْطاس، ففتحتُ عينيّ لأنظره ببَصَرِي، فرأيته وقد توارى عنّي، حتّى رَأَيْت بياض ثوبه. وقد أشرتُ إلى هذا فِي كتابنا، يعني «الإفصاح» .
__________
[1] انظر وفيات الأعيان 1/ 257 و 261.
[2] وفيات الأعيان 1/ 255- 258 و 260، 261.(39/312)
وقال الصّاحب أبو القاسم بْن أَبِي جَرَادة: وذكر لي رَجُل [عارف] [1] بعِلم النَّسَب نَسَب أيّوب بْن شاذي إلى عدنان، ولا أعتمد عَلَى نقله [2] .
قَالَ: كَانَ المعزّ إِسْمَاعِيل بْن سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين بْن أيّوب صاحب اليمن ادّعى نَسَبًا فِي بنى أُميَّة، وادّعى الخلافة. وكان شيخنا قاضي القضاة ابن شدّاد يحكي عَنِ السّلطان صلاح الدّين إنكار ذَلِكَ.
وشاذي اسم أعجميّ معناه: فَرْحان.
ودُوين بضمّ الدّال وكسر الواو: بلدة بآخر أَذَرْبَيْجان تجاوز بلاد الكرج، والنّسبة إليها دوينيّ، ودوينيّ، بفتح الواو [3] .
ولأيّوب من الأولاد: السّلطان صلاح الدّين، والسّلطان العادل سيف الدّين، وشمس الدّولة توران شاه الَّذِي دخل اليمن أولا وتملّكها، وشاهنشاه والد صاحب بَعْلَبَكّ عزّ الدّين فَرُّوخ شاه، وصاحب حماه تقيّ الدّين عُمَر ابني شاهنشاه وسيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين صاحب اليمن، وتاج الملوك بُوري وهو أصغرهم، وستّ الشّام، وربيعة.
287- أي ايبه بْن عَبْد اللَّه السَّنْجَريّ [4] .
الملك، الملقَّب بالمؤيَّد.
استولى عَلَى نَيْسابور وكثير من خُراسان بعد الغُزّ، فَلَمَّ شَعثَها، ورتَّب قواعدها، وكان من أمراء السّلطان سَنْجَر.
قُتِلَ فِي مُصَافٍّ بينه وبين خُوارزم شاه علاء الدّين أوّل ما ملك علاء الدّين.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] راجع حول نسب بني أيوب كتاب «الفوائد الجليّة في الفرائد الناصرية» لداود بن عيسى الأيوبي.
[3] وفيات الأعيان 1/ 259.
[4] انظر عن (أي ايبه) في: الكامل في التاريخ 11/ 384، 385.(39/313)
- حرف الجيم-
288- جعفر بْن عَبْد اللَّه بْن قاضي القُضاة أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الدّامَغَانيّ [1] .
أَبُو منصور، شيخ بغداديّ رئيس.
سَمِعَ: أَبَا مُسْلِم بْن عَبْد الرَّحْمَن السِّمْنانيّ، وأبا الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ، وأبا طاهر ابن سِوار، وأبا زكريّا بْن مَنْدَهْ، وغيرهم.
ولد سنة تسعين وأربعمائة.
وحدَّث عَنْهُ: عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وابن الأخضر، والموفَّق بْن قُدَامة، وولده يحيى بْن جعفر الَّذِي يروي عَنْهُ شيخنا سُنْقُر الحلبيّ، وسعيد بْن مُحَمَّد بْن ياسين، وعبد السّيّد بْن أحمد خطيب بَعْقُوبا، وآخرون.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ نبيلا، جليلا، محمود السّيرة، سَمِعَ الكثير، وكان صَدُوقًا.
وقيل: كَانَ عَلَى إشراف دِيوان الأبنية.
- حرف الحاء-
289- الْحَسَن بْن صافي بْن عَبْد اللَّه [2] .
__________
[1] انظر عن (جعفر بن عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 272، والعبر 4/ 204، وسير أعلام النبلاء 20/ 494، 495 رقم 303، والجواهر المضيّة 1/ 179، والوافي بالوفيات 11/ 108 رقم 183، وشذرات الذهب 4/ 227.
[2] انظر عن (الحسن بن صافي) في: ديوان ابن منير الطرابلسي (بعنايتنا) ص 29- 31، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 88- 92، وإنباه الرواة 1/ 305، 310 رقم 193، وتاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) 9/ 461، 462، ومعجم الأدباء 8/ 122- 139، والروضتين ج 1 ق 2/ 524، ووفيات الأعيان 2/ 392، ومرآة الزمان 8/ 295- 297، والمختصر في أخبار البشر 3/ 54، والمختصر المحتاج إليه 1/ 281، وإشارة التعيين 14، 15، وتلخيص ابن مكتوم 56، 27، والحلل السندسية 102، 104، ومسالك الأبصار ج 4 م 2/ 316- 322، والإعلام بوفيات الأعلام 234، والعبر(39/314)
أَبُو نِزار، الملقّب بملك النُّحَاة البغداديّ، النَّحْوِيّ.
ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة.
وسمع الحديث من: نور الهدى أَبِي طَالِب الزَّيْنَبيّ.
وقرأ النَّحْو عَلَى: أَبِي الْحَسَن عليّ بْن أَبِي زيد الفَصِيحيّ.
وعلم الكلام عَلَى: مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر القَيْروانيّ.
والأصول عَلَى: أبي الفتح أحمد بن علي بن برهان.
والخلاف عَلَى: أسعد المِيهَنيّ.
وصار أنْحَى أهل طبقته. وكان فصيحا، ذكيّا، متقعّرا، مُعْجَبًا، فِيهِ تيه وبَأْو، لكنّه صحيح الاعتقاد.
ذكره ابن النّجّار وطوَّل، وقال: أَبُوهُ مولى لحسين الأُرْمَوِيّ التّاجر، لَهُ كتاب «الحاوي» فِي النَّحْو، مجلّدان [1] و «العمد» في النّحو، مجلّد، و «التّصريف» مجلّد، و «علل القراءات» مجلّدان، و «أصول الفقه» مجلّدان، و «أصول الدّين» مجلّد صغير، وله «التّذكرة السَّفَرِيَّة» عدَّة مجلّدات [2] .
قلت: سكن واسط مدَّة بعد العشرين وخمسمائة، وحملوا عَنْهُ أدبا كثيرا، ثمّ صار إلى شِيراز، وكرْمان، وتنقّلت بِهِ الأحوال إلى أن استقرّ بدمشق.
__________
[4] / 204، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 210، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) 165 أ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ رقم 1192، ومرآة الجنان 3/ 386، والوافي بالوفيات 12/ 56- 59 رقم 44، والبداية والنهاية 12/ 272، 273 وفيه «ضافي» ، واختلط اسمه باسم «يزدن» ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 339، 340 رقم 305، وطبقات النحاة واللغويين، له 1/ 302- 304، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 59، والنجوم الزاهرة 6/ 68، وبغية الوعاة 1/ 504، 505 رقم 1044، وتاريخ الخلفاء 448، وروضات الجنات 221، 222، وشذرات الذهب 4/ 227، وكشف الظنون 624، 628، 815، 1170، 1849، 1787، وإيضاح المكنون 475، وهدية العارفين 1/ 279، وديوان الإسلام 4/ 146 رقم 1860، وأعيان الشيعة 22/ 5- 19، والأعلام 2/ 207، ومعجم المؤلفين 3/ 230، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 166- 170.
[1] في إنباه الرواة 1/ 308 «مجلّدتان» .
[2] وانظر: إنباه الرواة 1/ 308، ومعجم الأدباء 8/ 123.(39/315)
وكان يقال لَهُ أيضا «حُجَّة العرب» . وكان أحد النُّحَاة المُبَرِّزين، والشّعراء المتجدّدين. وله عدَّة تصانيف.
ذكره العِماد الكاتب [1] فقال: أحد الفُضَلاء، بل واحدهم فضْلًا، وماجدهم نُبْلًا. وبالغَ فِي وصفه بالعِلم، والرئاسة، والكَرَم، والإفضال.
وقال ابن خَلِّكان [2] : لَهُ مصنَّفات فِي الفِقْه والأَصْلَيْن، والنَّحْو.
وله ديوان شِعر، فمِن شِعْره:
سَلَوْتُ بحمدِ اللَّهِ عَنْهَا فأصبحت ... دواعي الهوى من نحوها لا أجيبها
عَلَى أنّني لا شامت إنْ أصابها ... بلا ولا راضٍ بواشٍ يعيبها [3]
وروى عَنْهُ جماعة منهم القاضي شمس الدّين ابن الشّيرازيّ.
وتوفّي في تاسع شوّال.
ورئي فِي النّوم فقال: غفر لي ربّي بأبياتٍ قلتها، وهي:
يا ربِّ ها قد أتيتُ معترفا ... بما جَنَتْه يدايَ من زَلَلِ
ملآنَ كَفٍّ بكلّ مَأْثَمَةٍ ... صِفْرَ يدٍ من محاسنِ العَمَلِ
وكيف أخشى نارا مُسَعَّرةً ... وأنت يا ربُّ فِي القيامة لي [4]
قَالَ [ابن العديم] [5] فِي «تاريخ حلب» : ذكر لي شمس الدّين مُحَمَّد بْن يوسف بْن الخَضِر أنّ ملك النُّحاة خلع عَلَيْهِ نور الدّين خِلْعةً فلبسها، ومرَّ بطُرُقيّ قد علَّم تَيْسًا إخراج الخَبِيَّة بإشاراتٍ علَّمها التَّيْسَ، فوقف ملك النُّحاة عَلَى الحلقة وهو راكب، فقال الطُّرُقيّ: فِي حلقتي رِجْل رَجُلٍ عظيم القدْر، ملك فِي زِيّ عالِم، أعلم النّاس، وأكرم النّاس، فأرِني إيَّاه. فشقّ التّيس
__________
[1] في الخريدة 1/ 88.
[2] في وفيات الأعيان 2/ 392.
[3] مرآة الجنان 3/ 368.
[4] مرآة الزمان 8/ 297، معجم الآداب 8/ 138، 139.
[5] في الأصل بياض.(39/316)
الحَلَقة، وخرج حتّى وضع يده عَلَى ملك النُّحاة فما تمالك أن نزع الخِلْعة ووهبها للطُّرُقيّ. فبلغ ذَلِكَ نورَ الدّين، فعاتَبَه عَلَى فِعْله، فقال: يا مولانا عُذْري واضح، لأنّ فِي بلدك مائة ألف تَيْس، ما فيهم مَن عرف قدرْي غير ذَلِكَ التَّيس!.
فضحِك نور الدّين منه [1] .
290- الْحَسَن بْن علي بْن الْحَسَن بْن علي بْن عُمَر [2] .
أَبُو عليّ البطليوسيّ، الْأَنْصَارِيّ، المعروف فِي بلده بابن الفرّاء.
سَمِعَ بالإسكندريَّة من: أَبِي بَكْر الطّرْطُوشيّ، وغيره.
ودخل خراسان فسمع من: أَبِي نصر عَبْد الرحيم بْن القُشَيْريّ، وسهْل بْن إِبْرَاهِيم السُّبَيْعيّ، والأديب أحمد بْن مُحَمَّد المَيْدانيّ، وأبي عَبْد اللَّه الفراويّ.
ثمّ قدِم فِي أواخر عُمره بغدادَ فسمع منه: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وابنه عَبْد اللَّه بْن عُمَر.
ثمّ سافر إلى الشّام بعد أن حجّ، فسكن حلب. وكان قد قرأ عِلم الكلام عَلَى أَبِي نصر بْن القُشَيْريّ.
وكان صالحا، بكّاء، خائفا.
وهِمَ أَبُو سعد السَّمعانيّ فِي قوله: تُوُفّي سنة ثمانٍ أو تسعٍ وأربعين، فقد قَالَ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وهو أحد من أخذ عَنْهُ: تُوُفّي بحلب سنة ثمانٍ وستّين، وقد بلغ الثّمانين.
قلت: حدّث ب «صحيح مُسْلِم» ببغداد فِي سنة ستٍّ وستّين، فسمعه منه: الموفَّق عَبْد اللّطيف بْن يوسف، ومحمد بن إسماعيل بن أبي الضيف،
__________
[1] معجم الأدباء 8/ 131، 132.
[2] انظر عن (الحسن بن علي البطليوسي) في: اللباب 1/ 130، والمختصر المحتاج إليه 1/ 284، والوافي بالوفيات 12/ 145، 146 رقم 118، ونفح الطيب 2/ 509.(39/317)
وعبد اللَّه بْن عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، بقراءة أَبِيهِ.
وروى عَنْهُ بدمشق: الفخر الإربِليّ، وأبو نصر بْن الشّيرازيّ، وغيرهما.
- حرف السين-
291- سعد بْن عليّ بْن القاسم [1] .
أَبُو المعالي الحَظِيريّ، الكُتُبيّ، الورّاق. المعروف بدلّال الكُتُب ببغداد.
وكانت لَهُ فضائل، وله مجاميع مفيدة، منها كتاب «زينة الدّهر» [2] الَّذِي ذيّله عَلَى «دُمية القصر» للباخَرْزِيّ، وله كتاب «لُمَح المُلَح» [3] .
وشِعره مليح فمنه:
ومعذّر فِي خدّه ... وردٌ فِي فمه مُدَام
ما لان لي حتّى تغشَّى ... صُبْحَ سالِفِهِ [4] ظلام [5]
وله:
شكوتُ هَوَى من شفّ قلبيَ بُعْدُهُ ... توقّد نار لَيْسَ يطفى سَعِيرها
وقال: بِعادي عنكَ أكثر راحة ... ولولا بعاد الشّمس أطرق نورها [6]
__________
[1] انظر عن (سعد بن علي) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) 4/ ج 1/ 28، والمنتظم 10/ 241 رقم 341 (18/ 201 رقم 4295) ، ومعجم الأدباء 11/ 194- 197 رقم 59، ووفيات الأعيان 2/ 366- 368، والوافي بالوفيات 15/ 169- 176 رقم 237، ومرآة الزمان 8/ 297، 298، وبغية الطلب (تراجم السلاجقة) 63، وسير أعلام النبلاء 20/ 580، 581 رقم 362، والنجوم الزاهرة 6/ 68، ومفتاح السعادة 1/ 263، وكشف الظنون 121، 788، 972، 1080، 1103، 1560، 1817، 4049، وخزانة الأدب للبغدادي 3/ 118، وهدية العارفين 1/ 384، والفهرس التمهيدي 271، وتاريخ الأدب العربيّ 5/ 13، 14، وفهرست الخديوية 4/ 204، ومعجم المؤلفين 4/ 212.
[2] زينة الدهر وعصرة أهل العصر.
[3] قال عنه الصفدي: وهو كتاب جمع فيه ما وقع لغيره من الجناس نظما ونثرا.
[4] في معجم الأدباء «طلعته» .
[5] معجم الأدباء 11/ 195، وفيات الأعيان 2/ 366.
[6] وفيات الأعيان 2/ 368.(39/318)
تُوُفّي رحمه اللَّه فِي صفر ببغداد.
والحَظيرة: موضع فوق بغداد من عمل دُجَيْل.
- حرف الصاد-
292- صالح بْن إِسْمَاعِيل بْن سيّد.
العلّامة أَبُو طَالِب الإسكندرانيّ، المالكيّ، الفقيه، المعروف بابن بِنْت مُعَافَى. من أصحاب أَبِي بَكْر الطّرطُوشيّ.
تفقَّه عَلَيْهِ الحافظ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن الفضل، وغيره.
وسمع منه «الموطأ» : أَبُو القاسم الصَّفْراويّ.
- حرف العين-
293- عَبْد اللَّه بْن المبارك بْن عليّ بْن الْحُسَيْن [1] .
أَبُو الفتح بْن البَقَليّ، الحرِيميّ، القزّاز.
روى عَنْ: ثابت بْن بُنْدار.
سمعه: أَبُو بَكْر الباقداريّ، وعمر بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وغيرهما.
وتُوُفّي فِي صفر.
294- عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حدار بْن مُوسَى [2] .
أَبُو الخير الأصبهانيّ.
سَمِعَ: أَبَا القاسم غانما البُرْجيّ، وأبا عليّ الحدّاد، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثقفي، وفاطمة الْجَوْزدَانيَّة، وأبا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا العزّ بْن كادش.
وأملى بأصبهان مجالس. ثمّ حجَّ سنة اثنتين وستّين. وحدّث ببغداد.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 166 رقم 802.
[2] انظر عن (عبد الرحيم بن محمد) في: تاريخ إربل 1/ 98، والمختصر المحتاج إليه 3/ 23، 24 رقم 784، وتذكرة الحفاظ 4/ 1321، ولسان الميزان 4/ 7، وشذرات الذهب 4/ 228.(39/319)
روى عنه: أحمد بن طارق، وابن الأخضر، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، والحافظ عَبْد الغنيّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وآخرون.
وتُوُفّي فِي شوّال. وله تسعٌ وستّون سنة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ من حفّاظ الحديث، موصوفا بالفضل ومعرفة الحديث.
وقال ابن الأخضر: كانوا يفضّلونه بالحفظ عَلَى مُعَمّر بْن الفاخر.
ثمّ طوّل ابن النّجار ترجمته بأنّهم رَمَوْه بالوهْن، واتّهموه فِي نقل إجازة مسعود الثّقفيّ، من الخطيب، وابن المأمون، وهؤلاء.
295- عَبْد الملك بْن عيّاش [1] .
أَبُو الْحَسَن الْأَزْدِيّ القُرْطُبيّ.
أخذ عَنْ: أَبِيهِ عيّاش بْن فَرَج.
دخل فِي الدّنيا بعد الزّهد، وكتب للدولة، وحصّل ثروة [2] .
__________
[1] انظر عن (عبد الملك بن عياش) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1721، والذيل والتكملة 5/ 26- 30 رقم 64.
[2] قال ابن عبد الملك المراكشي: وكان أديبا، كاتبا، بليغا، شاعرا مجيدا، صدرا في محسني النظم والنثر، بارع الخط، جميل الوراقة، روى قطعة صالحة من الحديث وتفقّه، ولم يزل على خير حال واستقامة طريقة صدر عمره حتى كان يعرف بالزاهد لورعه وفضله، حتى استكتبه أبو جعفر أحمد بن محمد بن حمدين قاضي الجماعة بقرطبة آخر أيام اللمتونيين وحظي عنده واستخلصه لنفسه لما تقرر عنده من موجبات ذلك. ثم لما همّ أبو جعفر هذا بإثارة الفتنة التي أنشأها بعد فرّ أبو الحسن هذا عن قرطبة ولحق بإشبيليّة منقطعا إلى العبادة في بعض روابط قرى إشبيلية على خير متصل، لا يتقوّت إلا من مال صديقه أبي الأصبغ الباجي لعلمه بطيب مكسبه لوراثته إياه عن أسلافه، فقطع أبو الحسن هذا بحالته هذه مدة، ثم إن أبا إسحاق براز بن محمد المسوفي العامل بإشبيليّة لأبي محمد عبد المؤمن بن علي التمس كاتبا يكتب عنه فدلّ عليه فلم يرعه إلا رسوله عنه، فلما وصل إليه ألزمه الكتابة عنه فتقلّدها على كره وتقية على نفسه، ثم نشب في صحبة الملوك بالكتابة عنهم، وارتسم في جملة خدّامهم، وعدل عن طريقته الأولى المثلى، فكتب بعد أبي إسحاق هذا عن الأمير أبي حفص بن عبد المؤمن وتوجّه معه إلى تلمسان، ثم عن أبي محمد عبد المؤمن بعد مقتل أبي جعفر بن عطية، ثم عن أبي يعقوب بن عبد المؤمن وهو والي بإشبيليّة، ونال دنيا عريضة، وكانت له منهم منزلة جليلة، وكان ممدّحا، وأصهر إليه أبو عبد الله بن زرقون.(39/320)
وقال:
عصيت هوى نفسي صغيرا فعند ما ... رمتني الليالي بالمشيب وبالكِبَر
أطعتُ الهوى عكس القضيَّة ليتني ... خُلِقت كبيرا ثم عدتُ إلى الصّغَر [1]
فزاد ابنه أَبُو الْحَسَن عليّ:
[هنيئا] [2] لَهُ إن لم يكن كابنه الَّذِي ... أطاع الهوى فِي حالتيه وما اعتذر [3]
وكان عَبْد الملك بْن عياش مَعَ فنونه وفضائله من أبرع الناس خطّا.
296- عليّ بْن حمزة بْن فارس [4] .
أَبُو الْحَسَن بْن القُبَّيْطيّ، الحَرَّانيّ. والد حمزة ومحمد.
قدِم بغدادَ فاستوطنها، وقرأ القراءات على: أبي العز القلانسي.
وسمع من: أبي بكر المزرفيّ، وغيره.
سَمِعَ منه: ولداه، وأبو المحاسن الْقُرَشِيّ.
وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.
قَالَ ابن النّجّار: قرأ لأبي عَمْرو على القلانِسِيّ، تلا عَلَيْهِ ابنه حمزة.
صالحٌ، خيّر، لَهُ دنيا. عاش ثلاثا وثمانين سنة [5] .
297- عليّ بْن المبارك بْن الحسين بن عبد الوهّاب بن نغوبا [6] .
__________
[1] في الأصل: «الصّقر» بالقاف وهو خطأ.
[2] بياض في الأصل.
[3] في الذيل والتكملة: «في الحالتين وما ائتمر» .
[4] انظر عن (علي بن حمزة) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 124 رقم 1001، والوافي بالوفيات 21/ 75، 76 رقم 36.
[5] ومن شعره:
ناظر السّخط كذوب أبدا ... عنده تبر المعالي شبه
فاستعر لي مقلة أكحلها ... بالرضا كيما تزول الشّبه
ومنه:
أتمنّى والعمر أقصر من أن ... أتهنّى لو نلت ما أتمنّى
[6] انظر عن (علي بن المبارك) في: الأنساب 3/ 290 بالحاشية، والتقييد لابن نقطة 416، 417 رقم 556، والمختصر المحتاج إليه 3/ 139، 140 رقم 1047، وذيل تاريخ بغداد(39/321)
أَبُو الْحَسَن الواسطيّ، المعدّل.
من بيت حديث وميزة.
سَمِعَ: أَبَا نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماريّ، وأبا نُعَيْم بْن ربرب، وأبا الأزهر عليّ بن أحمد الكتّانيّ، وخميسا الحَوْزيّ.
وببغداد من: عَبْد الوهاب الأنْماطيّ، وجماعة.
وروى الكثير. سَمِعَ منه: صَدَقَة بْن الْحُسَيْن مَعَ تقدُّمه، وأحمد بْن طارق، وعبد العزيز بْن الأخضر، والشّيخ الموفَّق، وآخرون.
وغرق فِي دجلة منحدرا إلى واسط فِي ذي القعدة وله اثنتان وثمانون سنة.
وروى عَنْهُ أيضا سُلَيْمَان بْن دَاوُد الحربيّ النّسّاج. صدوق.
- حرف الميم-
298- مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن [1] .
أَبُو جَعْفَر الأصبهانيّ، الصَّيْدَلانيّ.
شيخ مُعَمَّر، عالي الإسناد، معدوم النّظير. لَهُ إجازة من الهرويّين في سنة أربع وسبعين وأربعمائة.
أجاز لَهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عفيف كُلار البُوشَنْجيّ، وبِيبي الهَرْثَميَّة وهو آخر من روى فِي الدُّنيا عَنْهُمَا، وأبو عامر محمود بْن القاسم الْأَزْدِيّ، وشيخ الْإِسْلَام أَبُو إِسْمَاعِيل، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، ومحمد بْن عليّ العُمَيْريّ، وجماعة.
وسمع سنة أربعٍ وثمانين ببلده من: سليمان بن إبراهيم الحافظ،
__________
[ () ] لابن الدبيثي 15/ 314.
[1] انظر عن (محمد بن الحسن) في: العبر 4/ 204، والمعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1845، وسير أعلام النبلاء 20/ 530، 531 رقم 339، والنجوم الزاهرة 6/ 69، وشذرات الذهب 4/ 228.(39/322)
ورزق اللَّه التّميميّ، والقاسم بْن الفضل الرئيس، وأبي نصر أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن سمير، ومحمد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن فضلوَيْه الأَبْهَريّ، ومحمد بْن عليّ بْن أحمد السُّكَّريّ، والثّلاثة يروون عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن جَعْفَر اليَزْدِيّ.
وسمع أيضا من: مكّيّ السّلّار، وعمر بْن أحمد بْن عُمَر السِّمْسار، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب المَدِينيّ، وجماعة.
خرَّج لَهُ الحافظ أحمد بْن عُمَر النّايَنيّ جزءا سمّاه «لآلئ القلائد» .
روى عَنْهُ: عَبْد العظيم بْن عَبْد اللّطيف الشّرابيّ، والحافظ عَبْد القادر بْن عَبْد اللَّه الرُّهاويّ، وعبد الكريم بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المؤدّب، والعِماد أحمد بْن أحمد بْن أميركا الأصبهانيّ، وبقي العماد إلى بعد الثّلاثين وستّمائة.
وأجاز أَبُو جَعْفَر لكريمة، ولعَلم الدّين عليّ بْن الصّابونيّ، وجماعة.
وتُوُفّي فِي السّادس والعشرين من ذي القعدة.
ورَّخه أحمد بْن الجوهريّ الحافظ.
299- مُحَمَّد بْن خُمارتِكِين [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه التِّبْريزيّ، البغداديّ، الفقيه.
سَمِعَ من: مولاه أَبِي زكريّا التّبريزيّ، وأبي الْخَطَّاب الكَلْوَذَانيّ، وأبي الخير المبارك بْن العسّال.
روى عَنْهُ: ابنه إِسْمَاعِيل، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجَيّ، والموفّق عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ يُوسُفَ، وَعَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ القَطِيعيّ.
وتُوُفّي فِي العشرين من ربيع الأوّل وله تسعون سنة. وكان فقيها بالنّظاميَّة.
300- مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق بْن أحمد [2] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن خمارتكين) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 79.
[2] انظر عن (محمد بن عبد الخالق) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 81، وذيل تاريخ مدينة(39/323)
اليُوسُفيّ، أخو عَبْد الحقّ، وعبد الرحيم. وهو أصغر الإخْوة وأدبرهم.
سَمِعَ بِيَزْد: إِسْمَاعِيل بْن أَبِي صالح المؤذّن.
وببغداد: قاضي المَرِسْتان، وأبا منصور الشَّيْبانيّ القزّاز.
واستوطن الموصل. وله ذِكر فِي تزوير السّماعات، أفسد بها أحوال شيوخ، واختلط إسماعهم بتزويره، فترك النّاس حديثهم.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ [1] : سَمِعْتُ تميم بْن البَنْدَنِيجَيّ يَقُولُ: أَبُو الفضل خطيب الموصل ثقة صحيح السّماع، أدخل عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق فِي حديثه أشياء لم يسمعها، وكان قد دخل عَلَيْهِ ولاطَفَه بأجزاء ذكر أَنَّهُ نقل سماعه فيها من مثل طِراد، والنّعاليّ، وابن البَطِر، وهؤلاء قد سَمِعَ منهم أَبُو الفضل، فقبِلَها منه، وحدَّث بها اعتمادا عَلَى نقْل مُحَمَّدٍ لَهُ، وإحسانِ الظّنّ بِهِ، فلمّا علم كذِبَ مُحَمَّدٍ طُلبت أُصُول الأجزاء الّتي حملها إِلَيْهِ، فلم توجد، واشتهر أمرُه، فلم يعبأ النّاس بنقله، وترك خطيب الموصل كلّما شكّ فِيهِ، وحذر من رواية ما شكّ فِيهِ.
قلت: وبعد ذَلِكَ جمع خطيب المَوْصل [مشيخته] [2] المشهورة وخرّجها من أصوله.
تُوُفّي مُحَمَّد فِي سنة ثمانٍ وستّين فِي جُمادى الآخرة، وله ستٌّ وأربعون سنة.
301- مُحَمَّد بْن عليّ بْن عُمَر بْن زيد [3] .
أَبُو بَكْر بْن اللّتّيّ، الحريميّ.
قرأ بالروايات عَلَى أَبِي منصور بن خيرون، وغيره.
__________
[ () ] السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 87، 88 رقم 298، وميزان الاعتدال 3/ 613 رقم 7824، والوافي بالوفيات 3/ 219، 220، ولسان الميزان 5/ 244.
[1] المختصر المحتاج إليه 1/ 81، ذيل تاريخ مدينة السلام 2/ 87.
[2] إضافة على الأصل من: ميزان الاعتدال 3/ 613.
[3] انظر عن (محمد بن علي بن عمر) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 20، رقم 344، والمختصر المحتاج إليه 1/ 90.(39/324)
وسمع من: القاضي أَبِي بَكْر، وأبي منصور القزّاز، وجماعة.
وكان لَهُ فَهْم وعناية، وبإفادته سَمِعَ ابن أخيه أَبُو المُنَجّا عَبْد اللَّه بْن عُمَر.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ صدوقا، سَمِعَ منه مُحَمَّد بْن مَشِّقْ.
وتُوُفّي فِي رمضان، وله تسعٌ وأربعون سنة.
302- المبارك بْن نصر اللَّه بْن سلمان [1] .
الْإِمَام أَبُو الفتح بْن الدُّبّيّ [2] ، الفقيه الحنفيّ.
أحد الكبار ببغداد. درّس المذهب، وتُوُفّي فِي آخر السّنة [3] .
وكان عامل ديوان المقاطعات، وكتب جميع ماله لامرأةٍ لَهُ يهوديَّة، وحرم ابنَ أخيه.
303- محمود بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس [4] .
الفقيه أَبُو مُحَمَّد الخُوَارَزْميّ، الشّافعيّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وجدّه عَبَّاس بْن رسلان، وإسماعيل بْن أحمد البَيْهَقيّ، ومحمد بْن عَبْد اللَّه الحَفْصَوِي سَمِعَ منه بمرْو، وأحمد بْن عَبْد الواحد الفارسيّ بسَمَرْقَنْد، ومحمد بْن عليّ بن المطهّريّ ببُخَارَى، وابن الطّلّاية ببغداد، ووعظ بها بالنّظاميَّة.
سَمِعَ منه: يوسف بْن مقلّد، وأحمد بْن طارق.
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: كَانَ فقيها، عارفا بالمتّفِق والمختلف، صُوفيًّا، حَسَن الظّاهر والباطن.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن نصر) في: الإستدراك 2/ 732، والمنتظم 10/ 242 رقم 342 (18/ 201 رقم 4296) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 179، 180 رقم 1161، والمشتبه في الرجال 1/ 307، وتاج العروس 2/ 397، وتوضيح المشتبه 4/ 132.
[2] في المنتظم: «أبو الزنى» ، والمثبت يتفق مع: المشتبه 1/ 307، والإستدراك، والتوضيح.
[3] ورّخ المؤلّف- رحمه الله- وفاته في (المشتبه) في سنة 528 هـ.، والصحيح سنة 568 هـ. كما ذكره ابن نقطة. (توضيح المشتبه 4/ 132) .
[4] انظر عن (محمود بن محمد) في: كتاب في التراجم لابن عبد الهادي (مخطوط بالظاهرية) 1/ 79 (رقم 4551 عام) ، وهدية العارفين 2/ 403، 404، ومعجم المؤلفين 12/ 196.(39/325)
سَمِعَ الكثير عَلَى كِبَر السّنّ، وعلّق المذهب عَنِ الْحَسَن بْن مَسْعُود البَغَويّ. وأفاد النّاس بخُوَارزم، وألَّف «تاريخ خوارزم» .
وُلِد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
قلت: تُوُفّي فِي رمضان سنة ثمانٍ رحمه اللَّه، وكان يُعرف بالعبّاسيّ، ولَهُ ترجمةٌ فِي «تاريخ ابن النجّار» .
وقال السَّمعانيّ: سَمِعْتُ منه بجُرْجانية خُوارزم.
قلت: طالعنا الأوّل من «تاريخ خوارزم» لَهُ.
304- مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مَسْعُود.
الْإِمَام أَبُو الفتح المسعوديّ، المَرْوَزِيّ. خطيب مَرْو.
كثير العبادة، ملازم للتِّلاوة، وكان ينظم الشِّعْر ويُنشئ الخُطَب.
وُلِد سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة.
وسمع من: والده، ومن أَبِي بَكْر بْن السَّمعانيّ، ووالده الْإِمَام أَبِي المظفّر منصور السَّمعانيّ، وأبي منصور البيَّع، وأبي عَبْد اللَّه الدّقّاق، وغيرهم.
وأجاز لَهُ أَبُو بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبو بَكْر بْن سَوْسن البغداديّ، وأبو بَكْر حفيد ابن مردويه.
وخرَّج لَهُ أَبُو سعد السَّمعانيّ مشيخة.
وسمع منه: أَبُو المظفّر عَبْد الرحيم بْن السَّمعانيّ، وأخوه أَبُو زيد، ورُقَيَّة بِنْت المَنِيعيّ، وغيرهم.
وطال عُمره وتفرَّد فِي وقته.
تُوُفّي سنة 568.
305- الموفَّق بْن أحمد بن محمد [1] .
__________
[1] انظر عن (الموفق بن أحمد) في: إنباه الرواة 3/ 332، والمختصر المحتاج إليه 3/ 202 رقم 1233، والمختصر في أخبار البشر 3/ 202 رقم 1233، والجواهر المضيّة 2/ 188، وبغية الوعاة 2/ 401، وكشف الظنون 13/ 815 و 1837، وهدية العارفين 2/ 482،(39/326)
أَبُو المؤيَّد الْمَكِّيّ، العلّامة، خطيب خُوارزم.
كَانَ أديبا، فصيحا، مفوَّهًا، خطب بخُوارزم دهرا، وأنشأ الخُطَب، وأقرأ النّاس، وتخرَّج بِهِ جماعة.
وهو الَّذِي يقال لَهُ: خطيب خُوارزم.
تُوُفّي بخُوارزم فِي صفر.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: أنبا ناصر بْن عَبْد السّيّد الأديب، أَنَا الموفّق، أَنَا أَبُو الغنائم النَّرْسيّ، الكوفيّ.. فذكر حديثا.
وله كتاب فِي فضائل عليّ، رَأَيْته وفيه واهيات كثيرة.
لخطيب [1] خُوارزم شِعْر جيّد، معجرف اللُّغة، كقوله:
لقد شقّ قلبي سهْمُ النَّوَى ... عَلَى أنّ موتي فِي خَدْشِهِ
أموتُ بتأفيف هجْر الحبيبِ ... فقِسْ كيفَ حالي لدى بطْشِهِ
إذا لم تَنَلْ لَظَى الصَّدْر من ... شآبيبِ وصْلٍ فمِنْ رَشِهِ
ألا فانعش ذا هَوًى قد هَوَى ... ففي بطْشة المنْعِ من نعشِهِ
306-[يَزْدَن] [2] التّركيّ.
__________
[ () ] والأعلام 8/ 289، ومعجم المؤلفين 13/ 52.
[1] في الأصل: «ولا خطب» .
[2] في الأصل بياض، والاستدراك من:
المنتظم 10/ 242 رقم 343 (18/ 201 رقم 4297) ، والبداية والنهاية 12/ 272، 273 وقد ذكر محقّقو (المنتظم) في طبعته الجديدة 18/ 201 بالحاشية (5) إن ترجمته في:
البداية والنهاية، وفيه «الحسن بن ضافي بن بزدن التركي» .
ويقول خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :
إنّ الموجود في (البداية والنهاية) هو فعلا كما ذكروا، ولكنهم لم يتنبّهوا إلى الخلط الواضح بين اسمين هما: «الحسن بن صافي» (بالصاد المهملة على الصحيح) وهو: «ملك الرافضة والنحو» كما يقول ابن كثير.
و «يزدن التركي» (بالياء المثنّاة بنقطتين على الصحيح) وهو: من أكابر أمراء بغداد كما يقول ابن كثير أيضا.
وكان يجدر بهم أن يفرّقوا بين الاسمين وينبّهوا إلى الخلط الواقع في (البداية والنهاية) .
وقد تقدّمت ترجمة «الحسن بن صافي» ملك النحاة، برقم (289) فلتراجع.(39/327)
من كبار أمراء الدّولة، وكان شيعيّا غاليا، متعصِّبًا. فانتشر بسببه الرَّفْض، وتأذّى أهل السُّنَّة إلى أن هلك في ذي الحجّة [1] .
__________
[1] وقال ابن كثير: وحين مات فرح أهل السّنّة بموته فرحا شديدا، وأظهروا الشكر للَّه، فلا تجد أحدا منهم إلا يحمد الله، فغضب الشيعة من ذلك، ونشأت بينهم فتنة بسبب ذلك.
وذكر ابن الساعي في تاريخه أنه كان في صغره شابا حسنا مليحا معشوقا للأكابر من الناس. قال: ولشيخنا أبي اليمن الكندي فيه، وقد رمدت عينه:
بكلّ صباح لي وكلّ عشيّة ... وقوف على أبوابكم وسلام
وقد قيل لي: يشكو سقاما بعينه ... فها نحن منها نشتكي ونضام(39/328)
سنة تسع وستين وخمسمائة
- حرف الألف-
307- أحمد بْن جَعْفَر بْن أحمد بْن إدريس [1] .
أَبُو القاسم الغافقيّ، المقرئ، الخطيب.
نزيل الإسكندريّة.
توفّي فيها، ومولده سنة خمسمائة.
أخذ عَنْهُ: الحافظ ابن المفضّل، وأبو القاسم الصّفْراويّ، وغيرهما [2] .
308- أحمد بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو طَالِب العَلَويّ، القصْريّ. من وُلِد مُحَمَّد بْن الحنفيَّة.
روى عَنْ: يوسف اللّخميّ بالمغرب.
309- أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الصَّقْر.
أَبُو الْعَبَّاس الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ. قاضي إشبيلية.
سَمِعَ من: أَبِي الْحَسَن بْن الباذش، وأبي القاسم بْن الأبرش، ودرس عليهما العربيَّة.
وكان بصيرا بالفِقْه، معروفا بالذّكاء، بارع الخطّ.
روى عَنْهُ: ابنه، وأبو خَالِد بْن رفاعة.
تُوُفّي بمَرّاكُش في جمادى الأولى، وقد قارب الثّمانين.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن جعفر) في: معرفة القراء الكبار 2/ 556 رقم 508، وغاية النهاية 1/ 43 رقم 178، وحسن المحاضرة 1/ 496.
[2] وقال ابن الجزري: رأيت له مفردة لابن عامر وعاصم.(39/329)
310- أحمد بْن عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس [1] .
البغداديّ، المؤدّب.
صحِب أَبَا الْخَطَّاب الكَلْوَذَانيّ الفقيه، وسمع منه.
روى عَنْهُ: عَبْد اللَّه بْن أحمد الخباز.
وكان يؤمّ بمسجد.
تُوُفّي فِي رمضان.
311- أحمد بْن علي بْن المعمّر بْن مُحَمَّد بْن المعمّر [2] .
النّقيب أَبُو عَبْد اللَّه العَلَويّ، الحُسَينيّ [3] .
شريف، نبيل، عريق فِي السّيادة، لَهُ شِعْر وترسُّل. تولّى نقابة العلويّين بعد والده سنة ثلاثين [4] .
وسمع: أَبَا الْحُسَيْن الطُّيُوريّ، وأبا الْحُسَيْن بْن العلّاف، وأُبيًّا النَّرْسِيّ، وغيرهم. ووُلِد في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: أحمد بْن طارق، والشّيخ الموفَّق، وأبو إِسْحَاق الكاشْغَرِيّ، ومحمد بْن عَبْد العزيز بن الخزّاز، وطائفة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبيد الله) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] انظر عن (أحمد بن علي بن المعمر) في: المنتظم 10/ 247 رقم 344 (18/ 208 رقم 4298) ، والكامل في التاريخ 11/ 411، ومعجم الأدباء 4/ 70- 72، ومختصر تاريخ ابن الدبيثي 1/ 194 والعبر 4/ 205، والإعلام بوفيات الأعلام 235، والوافي بالوفيات 7/ 211، 212، رقم 3160، والنجوم الزاهرة 6/ 72، وشذرات الذهب 4/ 231، ومعجم المؤلفين 2/ 24 وذكره المؤلّف- رحمه الله في: سير أعلام النبلاء 21/ 46 ولم يترجم له.
[3] وكان يلقب بالظاهر. (المنتظم) ، وفي (الكامل) : «الظاهر» وهو تصحيف.
[4] وقال ياقوت: أديب، فاضل، شاعر منشئ، له رسائل مدوّنة حسنة، مرغوب فيها، يتناولها الناس في مجلّدين، وكان من ذوي الهيئات والمنزلة الخطيرة التي لا يجحدها أحد، وكان فيه كيس ومحبّة لأهل العلم، وبينه وبين محمد بن الحسن بن حمدون مكاتبات كتبناها في ترجمته، وكان وقورا، عاقلا جدا، تولّى النقابة بعد أبيه في سنة ثلاثين وخمسمائة، ولم يزل على ذلك إلى أن مات في سنة تسع وستين وخمسمائة، تاسع عشر جمادى الآخرة، فيكون قد تولّى النقابة تسعا وثلاثين سنة. (معجم الأدباء 4/ 70، 71) .(39/330)
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ يحبّ الرواية ويكرم أهل الحديث. وله شِعر فائق، وحدَّث بالكثير.
تُوُفّي فِي جُمادى الأولى، وللرّشيد بْن مَسْلَمَة إجازة منه [1] .
312- إِبْرَاهِيم بْن يحيى.
أبو عَمْرو الشّاطبيّ، الأديب.
روى عَنْ: أَبِي عليّ بْن سُكَرة، وأبي عِمران بْن أَبِي تليد.
كتب عَنْهُ: أَبُو عُمَر بْن عات، وغيره.
وكان إخباريّا.
313- إِبْرَاهِيم بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الله بن باديس بن العابد [2] .
__________
[1] وقال ابن الجوزي: سمع الحديث الكثير وقرئ عليه، وكان حسن الأخلاق، جميل المعاشرة، يتبرّأ من الرافضة. (المنتظم) .
وأورد الصفدي من شعره:
دمع يحدّ ووجنة تتخدّد ... وجوّى يزيد وزفرة تتجدّد
وصبابة تنمي وصبر نافر ... وضنى يجول وجور وجد يلبّد
وهوى يشعّب فكرتي ويذيبني ... شوقا تقسّمه كواعب خرّد
وحنين قلب واشتجار وساوس ... ودوام تهيام وجفن يسهد
وأنين خلب محدق وغرام وجد ... مقلق وجوارح تتبلّد
ونحول جسم واضح وسقام ... حبّ فاضح وجياد عقل تشرد
وغريم تذكار مقيم ساخط ... أبدا عليّ رسوله يتمرّد
وتلفّت نحو الديار وأنّه ... يحيا بها دمعي الّذي لا يجمد
وتطلّع نحو الغوير ولوعة ... تسيارها شغفا يخبّ ويزبد
(الوافي بالوفيات) .
وقال ياقوت: وله كتاب ذيّله على «منثور المنظوم لابن خلف النّيرماني» ، وكتاب آخر مثله في إنشائه وكانت حرمته في الأيام المقتفوية، وأمره لم ير أحد من النقباء مثلهما مقدرة وبسطة. ثم مرض مرضة شارف فيها التلف، فولي ولده الأسنّ النّقابة موضعه، ثم أفاق من مرضه، واستمر ولده على النقابة، حتى عزل عنها، ومات ولده في سنة ثلاث وخمسين، ولم تعد منزلته إلى ما كانت عليه في أيام المستنجد لأسباب جرت من العلويين. (معجم الأدباء 4/ 71، 72) .
[2] انظر عن (إبراهيم بن يوسف) في: التكملة لكتاب الصلة، لابن الأبّار 151، ووفيات(39/331)
أَبُو إِسْحَاق بْن قُرْقُول [1] الوَهْرانيّ، الحَمْزِيّ. وحَمْزَة: موضع من عمل بجّاية [2] .
وُلِد بالمَرِيَّة.
وسمع من: جَدّه لأمّه أَبِي القاسم بْن وَرد، وأبي الْحَسَن بْن نافع.
وروى عَنْ خلْقٍ منهم: أَبُو عَبْد اللَّه بْن زُغْبَة، وأبو الْحَسَن بْن معْدان ابن اللّوان، وأبو عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وأبو الْعَبَّاس بْن العريف.
وأخذ عَنْ أَبِي إِسْحَاق الخَفَاجيّ ديوانه.
قال الأبّار [3] : وكان رحّالا في العلم فقيها نظّارا، أديبا، حافظا، يبصر الحديث ورجاله.
صنّف وكتب الخطّ الأنيق، وأخذ النّاس عنه. وانتقل من مالقة إلى سبتة، ثمّ إلى سلا [4] ، ثمّ إلى فاس، وبها توفّي في شعبان.
وكان مولده في سنة خمس وخمسمائة.
وكان رفيقا للسّهيليّ، فلمّا تحوّل إلى سلا نظم فيه السّهيليّ:
سلا عَنْ سَلا إنّ المعارف والنُّهَى ... بها ودَّعا أمّ الَّرباب ومَأْسلا
بكيتُ أسى أيّامَ كان بسبتة ... فكيف التأسي حين منزله سلا
وقال أناس: إن في البعد سلوة ... وقد طال هذا البعد والقلب ما سلا
__________
[ () ] الأعيان 1/ 62، 63، والعبر 4/ 205، 206، وسير أعلام النبلاء 20/ 520، 521 رقم 334، والمعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1848، ومرآة الجنان 3/ 171، والبداية والنهاية 12/ 277، والوافي بالوفيات 6/ 171 رقم 2626، وكشف الظنون 1687 و 1715، وشذرات الذهب 4/ 231، وهدية العارفين 1/ 9، ومعجم المصنفين للتونكي 4/ 486، 487، وتاريخ الأدب العرب 6/ 277، 278، وذيله 1/ 633، ومعجم المؤلفين 1/ 129، 130.
[1] قرقول: ضبطه الصفدي بقافين مضمومتين بينهما راء ساكنة وبعد الواو لام على وزن زرزور. (الوافي بالوفيات) وقد تحرّف اسمه في (البداية والنهاية) إلى: «قسرول» .
[2] انظر: الأنساب 4/ 220، ومعجم البلدان 3/ 302، ووفيات الأعيان 1/ 63.
[3] في التكملة 185.
[4] سلا: مدينة بأقصى المغرب. (معجم البلدان 3/ 231) .(39/332)
فليت أبا إسحاق إذ شطت النوى ... تحيته الحُسْنَى من الرّيح أرسلا
فعادت دَبُورُ الرّيح عندي كالصِّبَا ... بذي غُمَرٍ إذْ أمرُ زيدٍ تبسَّلا
فقد كَانَ يُهْديني الحديثَ مُوَصَّلًا ... فأصبحَ موصولُ الحديث [1] مُرْسلا
وقد كَانَ يُحْيى العِلْمَ والذِّكّرْ عندنا ... أَوانَ دنا، فالآنَ بالنَّأْي كسّلا
فلله أمٌّ بالمَريَّةِ أنجبَتْ ... بِهِ وأبٌ ماذا من الخير أنْسَلا [2]
314- أسعد بْن عَبْد الكريم بْن أحمد [3] .
أَبُو المنيع الهَمَذَانيّ، المزكّي.
أنفق مالا صالحا عَلَى العلماء.
وروى الكثير بالإجازة عَنْ: أَبِي الفتح عَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْدوس.
وورد دمشق مرَّة.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى.
تُوُفّي فِي جُمَادى الأولى.
- حرف الجيم-
315- جامع السّمك بْن مُحَمَّد بْن جامع.
الحربيّ، الصّيّاد.
سَمِعَ: ابن الحُصَيْن.
وحدَّث عَنْهُ: أحمد بْن أحمد بْن البَنْدَنِيجيّ.
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 20/ 521 «الأحاديث» .
[2] في الأصل: «نسلا» ، والتصحيح من: السير.
[3] وقال الصفدي: صاحب كتاب «مطالع البدور» الّذي وضعه على كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عياض، كان فاضلا وصحب جماعة من العلماء بالأندلس.
ولما حضرته الوفاة تلا سورة الإخلاص وجعل يكرّرها بسرعة، ثم إنه تشهّد ثلاث مرات وسقط على وجهه ساجدا.(39/333)
- حرف الحاء-
316- الْحَسَن بْن أحمد بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سهل [1] .
الحافظ، أَبُو العلاء الهَمَذَانيّ، العطّار، المقرئ، المحدِّث، شيخ مدينة هَمَدان.
رحل إلى أصبهان، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي عَلِيّ الحدّاد، وسمع منه الكثير.
وقرأ القراءات على أَبِي العزّ القلانِسيّ بواسط.
وعلى: أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وأبي بَكْر المزرفيّ، وجماعة ببغداد.
__________
[1] انظر عن (الحسن بن أحمد) في: مناقب أحمد 532، والمنتظم 10/ 248 رقم 345 (18/ 208، 209 رقم 4299) ، والكامل في التاريخ 11/ 411، ومعجم الأدباء 8/ 5- 52 رقم 2، ومعجم البلدان 4/ 601، والتقييد لابن نقطة 239- 241 رقم 284، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 2، ومرآة الزمان 8/ 300، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفواطي 4/ ق 4/ 626، 627، ودول الإسلام 2/ 84، والإعلام بوفيات الأعلام 235، والعبر 4/ 206، 207، والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 1/ 276، 277، ومعرفة القراء الكبار 2/ 542- 544 رقم 489، وسير أعلام النبلاء 21/ 40- 46 رقم 2، وتذكرة الحفاظ 4/ 1324، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد للدمياطي 96، 97 رقم 63، والبداية والنهاية 12/ 286 وفيه: «الحسن بن الحسن بن أحمد بن محمد العطار» ، والوافي بالوفيات 11/ 384، 385 رقم 552، ومرآة الجنان 3/ 389، 390، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 324- 329 رقم 148، وذيل التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد لقاضي مكة 1/ 499 رقم 973، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 157، والفلاكة والمفلوكين للدلجي 130، 131، وغاية النهاية 1/ 204- 206 رقم 945، وعقد الجمان (مخطوط) 16/ ورقة 552، وطبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 124، ونهاية الغاية (مخطوط) ورقة 38، 39، والنجوم الزاهرة 6/ 72، وطبقات المفسّرين للسيوطي 473، 474، وبغية الوعاة 1/ 494، 495 رقم 1027، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 128/ 131 رقم 127، وشذرات الذهب 4/ 231، 232، والتاج المكلّل للقنوجي 206، وديوان الإسلام 3/ 302، 303 رقم 1460، وروضات الجنان 3/ 790 91، وكشف الظنون 114، 1106، 1189، 1387، 1773، 2026، وإيضاح المكنون 1/ 206 و 2/ 715، وأعيان الشيعة 20/ 468- 470، والأعلام 2/ 181، ومعجم المؤلفين 3/ 197، 198، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 75 رقم 1058.(39/334)
وسمع بها من: أَبِي القاسم بْن بيان، وأبي عَلِيّ بْن المهديّ، وخلْق.
ومِن: أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاويّ، وطبقته بخُراسان.
ثمّ رحل ثانية سنة نيّف وعشرين وخمسمائة إلى بغداد، فقرأ بها لولده الكثير، ثمّ قدِمَها بعد الثّلاثين. ثمّ قدِمَها بعد الأربعين، فقرأ بها لولده أحمد الكثير عَلَى: أَبِي الفضل الأرمويّ، وابن ناصر، وابن الزّاغونيّ، وحدَّث إذ ذاك بها. وقرأ عَلَيْهِ القراءات: أَبُو أحمد بْن سُكَيْنَة.
وروى عَنْهُ: هُوَ، والمبارك بْن الأزهر، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، وعبد القادر بْن عَبْد اللَّه الرُّهاويّ، ويوسف بْن أحمد الشّيرازيّ، ومحمد بْن محمود بْن إِبْرَاهِيم الحمّاميّ، وأولاده أحمد، وعبد البَرّ، وفاطمة، وعتيق بْن بَدَل الْمَكِّيّ بمكَّة، وسِبْط مُحَمَّد بْن عَبْد الرشيدِ بْن عَلِيّ بْن بُنَيْمان، وأخو هذا القاضي عليّ بن عَبْد الرشيد وماتا فِي شهر ( ... ) [1] سنة إحدى وعشرين، وأخوهما القاضي عَبْد الحميد، وبقي إلى سنة سبْعٍ وثلاثين، وسماعه فِي الرابعة.
وروى عَنْهُ بالإجازة: أَبُو الْحَسَن بْن المُقَيِّر، وهو آخر من روى عَنْهُ فيما أعلم.
ذكره أَبُو سعد السَّمعانيّ فقال: حافظ، متقِن، ومقرئ فاضل، حَسَن السّيرة، جميل الأمر، مَرْضِيّ الطّريقة، عزيز النّفس، سخيّ بما يملكه، مُكرِمًا للغرباء، يعرف الحديث والقراءات والأدب معرفة حَسَنَة. سَمِعْتُ منه بهَمَذَان.
وقال الحافظ عَبْد القادر الرُّهاويّ: شيخنا الْإِمَام أَبُو العلاء أشهر من أن يُعَرَّف، بل تعذَّر وجُود مثله فِي أعصارٍ كثيرةٍ، عَلَى ما بَلَغَنَا من سيرة العلماء والمشايخ. رَبَى عَلَى أهل زمانه فِي كثْرة السّماعات، مَعَ تحصيل أُصول ما يسمع، وجودة النَّسْخ، وإتقان ما كتبه بخطّه. فإنّه ما كان يكتب شيئا إلّا
__________
[1] في الأصل بياض.(39/335)
منقوطا مُعْرَبًا. وأوّل سماعه من عَبْد الرَّحْمَن بْن حمد الدُّونيّ فِي سنة خمسٍ وتسعين وأربعمائة. وبرع عَلَى حُفّاظ عصره فِي حِفْظ ما يتعلَّق بالحديث فِي الأنساب، والتّاريخ، والأسماء، والكنَى، والقَصَص، والسِّيَر.
ولقد كَانَ يوما فِي مجلسه، وجاءته فتوى فِي أمر عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فأخذها وكتب فيها من حِفْظه، ونحن جلوس، دَرْجًا طويلا، ذكر فِيهِ نَسَبَه، ومولده، ووفاته، وأولاده، وما قِيلَ فِيهِ، إلى غير ذَلِكَ.
وله التَّصانيف فِي الحديث، والزُّهد والرقائق، وصنَّفَ «زاد المسافر» فِي نحو خمسين مجلَّدًا. وكان إماما فِي القرآن وعلومه، وحصّل من القراءات المُسْنَدَة، [إنّه] [1] صنّف العشرة والمفردات، وصنّف فِي الوقف والابتداء، والتّجويد، والماءات، والعدد ومعرفة القرّاء وهُوَ نحوٌ من عشرين مجلَّدًا.
واستُحْسنت تصانيفه في القرآن، وكُتبت، ونُقِلَت إلى خُوارزم والشّام.
وبرع عليه جماعةٌ كثيرة في علوم القرآن.
وكان إذا جرى ذِكر القُرّاء يقول: فلانٌ مات فِي سَنَة كذا، وفلانٌ مات في سَنَةِ كذا، وفلانٌ يعلو إسناده على فلانٍ بكذا.
وكان إماما في النَّحْو واللّغة، سَمِعْتُ أنّ من جملة ما حفظ في اللّغة كتاب «الجمهرة» ، وخرَّج لَهُ تلامذة في العربيّة أئمّة يقرءون بهَمَذَان. وفي بعض من رأيت من أصحابه من جملة محفوظاته كتاب «الغريبين» للهَرَويّ.
وكان عتيقا من حبّ المال، مُهينًا لَهُ، باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التّجّار، وأخرجه في طلب العِلْم، حَتّى سافر إلى بغداد، وأصبهان مرات كثيرة ماشيا، وكان يحمل كُتُبه على ظَهْره. وسمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد، وآكل خبز الدّخن [2] .
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من: سير أعلام النبلاء 21/ 42.
[2] في الأصل ومعرفة القراء الكبار «الدخل» باللام، والمثبت عن سير أعلام النبلاء 21/ 42 وهو الصحيح، ومثله في: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 326.(39/336)
وسمعت شيخنا أَبَا الفضل بْن بُنَيْمان الأديب بهَمَذَان يَقُولُ: رَأَيْت الحافظ أَبَا العلاء فِي مسجدٍ من مساجد بغداد يكتب وهُوَ قائم عَلَى رِجْلَيه، لأنّ السِّراج كَانَ عاليا. ثُمَّ نشر اللَّه ذِكْره فِي الآفاق، وعظُم شأنه فِي قلوب الملوك وأرباب المناصب والعوامّ، حَتَّى إنّه كَانَ يمرّ فِي هَمَذَان فلا يبقى أحد رآه إِلَّا قام ودعا لَهُ، حَتَّى الصّبيان واليهود. حَتَّى إنّه كَانَ فِي بعض الأحايين يمضي إلى مُشْكان، بلدةٍ فِي ناحية هَمَذَان، ليصلّي بها الجمعة، فكان يتلقّاه أهلُها خارج البلد، المسلمون عَلَى حِدَة، واليهود عَلَى حِدَة، يدعون لَهُ إلى أن يدخل البلد.
وكان يفتح عَلَيْهِ من الدُّنيا جُمَلٌ، فلم يدِّخِرْها، بل كَانَ ينفقها عَلَى تلامذته، حَتَّى إنّه ما كَانَ يكون عنده متعلِّم إِلَّا رتَّب لَهُ دفقا يصل إِلَيْهِ، وإذا قصده أحدٌ يطلب بِرّه وصله بما يجد إِلَيْهِ من السّبيل من مالِه وجاهه، ويتديّن لَهُ.
وكانت عَلَيْهِ رسومٌ لأقوام فِي كلّ سنة يبعثها إلى مَكَّة، وبغداد، وغيرهما. وما كَانَ يبرح عَلَيْهِ ألف دينار هَمَذانيَّة أو أكثر من الدَّيْن، مَعَ كثرة ما كَانَ يُفْتَح عَلَيْهِ.
وكان يطلب لأصحابه من النَّاس، ويعزّ أصحابَه ومن يلوذ بِهِ، ولا يحضر دعوة حَتَّى تحضر جماعة أصحابه.
وكان لا يأكل من أموال الظَّلَمة، ولا قبل منهم مدرسة [1] قطّ ولا رباطا، وإنّما كَانَ يُقرئ فِي داره، ونحن فِي مسجده، فكان يقرئ نصف نهاره الحديث، ونصفه القرآن والعِلْم. وكان لا يغشى السّلاطين، ولا تأخذه فِي اللَّه لومةُ لائم، ولا يمكّن أحدا أن يعمل فِي محلّته مُنْكَرًا ولا سماعا.
وكان ينزل كلّ إنسان منزلته، حَتَّى تألّفت القلوب عَلَى محبّته وحُسْن الذِّكْر لَهُ فِي الآفاق البعيدة. حَتَّى أهل خُوارزم، الّذين هُمْ من أشدّ النَّاس في الاعتزال
__________
[1] في الأصل: «مدسة» .(39/337)
كتبوا تصانيفه، وصار لَهُ عندهم من الصِّيت لعلّ قريبا من هَمَذَان، مَعَ مُبَاينتهم لَهُ فِي الاعتقاد، ومعرفتهم شدّته فِي الحنبليَّة.
وكان حَسَن الصّلاة، لم أر أحدا من مشايخنا أحسن صلاة منه.
وكان متشدّدا فِي أمر الطّهارات، حَتَّى إنّه ما كَانَ يثق بكلّ أحد. وكان لا يدع أحدا يمسُّ مَدَاسَه. وقد حضرتُهُ يوما وأخذ منطرا وجُبَّة بُرْدٍ قد أهديا له، وكانا جديدين بطراوتهما، فجاء بهما إلى بركةٍ فيها ماء وطين وورق الشّجر، فغمسهما فِي الماء وسمعته يَقُولُ: قليلا قليلا ثقة باللَّه. فغسّلهما، وانطفأت نضارتهما. وكان لا يبالي ما لبس. ولا يلبس الكتّان بل القُطْن، ثياب قِصار، وأكمام قصار، وعمامة نحو سبعة أذرُع.
وكان لا يتشهّى المواكيل، ولا يكاد يأمر بصنعة طعام.
وكانت السُّنَّة شعاره ودِثاره اعتقادا وفِعْلًا. كَانَ لا يكاد يبدأ فِي أمرٍ إِلَّا ابتدأ فِيهِ بسنّة إمّا دعاء وإمّا غير ذَلِكَ.
وكان معظِّما للسُّنَّة بحيث أَنَّهُ كَانَ إذا دخل مجلسه أحد، فقدّم لَهُ رِجْله اليُسرى كُلِّف أن يرجع فيُقدِّم اليُمنى.
وكان لا يمسّ أحاديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وهُوَ عَلَى وضوء، ولا يدع شيئا قطّ إِلَّا مُستقبِل القِبلةَ تعظيما لها.
ورآني يوما وعلى رأسي قَلَنْسُوَة سوداء مكشوفة فقال: لا تلبسها مكشوفة، فإنّ أوّل من أظهر لُبْسَ هذه القَلانِس أَبُو مُسْلِم الخُراسانيّ.
ثُمَّ شرع فِي ذِكر أَبِي مُسْلِم، فذكر أحواله من أوّلها إلى آخرها.
قَالَ: وسمعت من أثق بِهِ يحكي أنّ السِّلَفيّ رَأَى طبقة بخطّ أبي العلاء فقال: هذا خطّ أهل الإتقان.
وسمعته يحكي عَنْهُ أَنَّهُ ذُكِر لَهُ فقال: قدّمه دينه.
وسمعت من أثق بِهِ يحكي عَنْ أَبِي الْحَسَن عَبْد الغافر بْن إِسْمَاعِيل(39/338)
الفارسيّ أَنَّهُ قَالَ للحافظ أَبِي العلاء لَمّا دخل نَيْسابور [ما دخل نَيْسابورَ] [1] مثلُك.
وسمعت الحافظ أَبَا القاسم عَلِيّ بْن الْحَسَن يَقُولُ، وذكر رجلا من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلْق الحافظ أَبَا العلاء ضاعت سَفْرتُه.
قَالَ: وقد روى عَنْهُ الحافظ أَبُو القاسم.
وقال الحافظ مُحَمَّد بْن محمود الحِمّانيّ الهَمَذَانيّ: وُلِدَ شيخنا أَبُو العلاء فِي ذي الحِجَّة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
قَالَ: وتُوُفّي فِي تاسع عشر جُمَادَى الأولى.
وذكره ابن النّجّار فقال: إمام فِي علوم القراءات، والحديث، والأدب، والزُّهْد، والتَّمَسُّك بالسُّنَن، رحمه اللَّه [2] .
317-[الْحَسَن] [3] بْن عَبْد اللَّه بْن حُسَيْن [4] .
__________
[1] ما بين الحاصرتين إضافة من: سير أعلام النبلاء 21/ 44، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 327.
[2] وقال الصفدي: وصنّف في القراءات كتبا حسنة وفي علوم القرآن والحديث. وسمع ببلده من جماعة وبأصبهان وببغداد وبخراسان، وحصّل الأصول الكثيرة والكتب الكبار الحسان بالخطوط المعتبرة، وحدّث بأكثر مسموعاته وسمع منه الكبار والحفّاظ ورووا عنه، وتردّد إلى بغداد مرات ثم عاد إلى همذان وعمل دارا للكتب وخزانة وأوقف جميع كتبه فيها، وانقطع لإقراء القرآن ورواية الحديث إلى آخر عمره.
وقال: حفظت كتاب «الجمل» للجرجاني في النحو في يوم واحد من الغداة إلى العصر.
وقال: حفظت يوما ثلاثين ورقة من القراءة، وكان يقول: لو أن أحدا يأتي إليّ بحديث واحد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغني لملأت فمه ذهبا. وحفظ كتاب «الجمهرة» لابن دريد، وكتاب «المجمل، لابن فارس، وكتاب «النسب» للزبير بن بكار، وصنّف «العشرة» ، و «المفردات في القراءات» ، و «الوقف والابتداء» في التجويد، و «المئات» ، و «العدد» و «معرفة القراء» وهو نحو العشرين مجلّدا. وله «زاد المسافر» نحو خمسين مجلّدا. وجمع بعضهم كتابا في أخباره وأحواله وكراماته وما مدح به من الشعر وما كان عليه. (الوافي بالوفيات) .
وقد طوّل ياقوت الحموي ترجمته وأخباره في (معجم الأدباء) .
[3] في الأصل بياض.
[4] انظر عن (الحسن بن عبد الله) في: التكملة لكتاب الصلة لابن الأبّار 1/ 25، 26، ومعجم(39/339)
أَبُو الْحَسَن بْن الأَشِيريّ، الكاتب، نزيل تِلمِسَان.
قَالَ الأَبّار: كَانَ عالما بالقراءات، واللّغة، والشِّعر. صَنَّف فِي غريب «الموطّأ» ، وغير ذَلِكَ.
318-[الْحُسَيْن] [1] بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن حَما [2] .
الشَّيْخ أَبُو عَبْد اللَّه البَغْداديُّ، من وكلاء القُضاة.
سَمِعَ من: جَدّه لأمّه أَبِي سَعْد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الأَسَديّ، وأبي سَعْد بْن خُشَيْش.
قَالَ ابن النجّار: ثنا عَنْهُ ابن الأخضر.
ولد سنة تسعين وأربعمائة، ومات فِي شوَّال سَنَة تسعٍ.
- حرف الدال-
319-[دُلَف] [3] بْن كَرَم [4] .
أَبُو الفَرَج العُكْبَرِيّ المقري، الخبّاز. أحد طلبة الحديث ببغداد.
سَمِعَ: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا القاسم بْن السَّمَرْقَنْديّ فمن بَعدها.
سَمِعَ منه: عَلِيّ بْن أَحْمَد الزَّيْديّ، ومكّيّ الفرّاء.
وتُوُفّي فِي عَشْر السّبعين.
320-[دَهْبَل] [5] بْن عَلِيّ بْن منصور بْن إِبْرَاهِيم [6] .
المعروف بابن كارِه، أَبُو الْحَسَن الحريميّ، والد عَبْد الله.
كان فقيها حنبليّا.
__________
[ () ] المؤلفين 3/ 238.
[1] في الأصل بياض.
[2] انظر عن (الحسين بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 43 رقم 625.
[3] في الأصل بياض.
[4] انظر عن (دلف بن كرم) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 65 رقم 659.
[5] في الأصل بياض.
[6] انظر عن (دهبل بن علي) في: سير أعلام النبلاء 21/ 46 دون ترجمة، والمختصر المحتاج إليه 2/ 66 رقم 661، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 329، وشذرات الذهب 4/ 232.(39/340)
سمع: الحسين [1] بن علي بن البُسْريّ، وأبا القاسم بْن بيان، وابن نبهان.
وكان زاهدا، ثقة.
سَمِعَ منه: أَبُو سَعْد بْن السّمعانيّ، وعليّ بْن أَحْمَد الزَّيْديّ، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر، وابن قُدَامة، وأبو المُنَجّا بْن اللّتّيّ، ولُبابة بِنْت الثّلاجيّ، وآخرون.
وتُوُفّي فِي ثاني المحرَّم [2] ، وكان قد أضرّ.
- حرف السين-
321- سَعْد اللَّه بْن مُصْعَب بْن مُحَمَّد [3] .
أَبُو القاسم البَغْداديُّ، المقرئ، المعروف بابن ساقي الماء.
قَالَ الدُّبَيْثيّ: بقي أكثر من سبعين سَنَة مقيما بمسجد بالجانب الغربيّ [4] .
قرأ القراءات على: أبي عبد الله البارع.
وسمع من: أَبِي القاسم بْن بيان.
كتب عَنْهُ: عُمَر الْقُرَشِيّ، وتُوُفّي فِي المحرَّم [5] .
322- سَعِيد بْن المبارك بن عليّ [6] .
__________
[1] في الأصل: «الحسن» ، والتصحيح من: المختصر المحتاج إليه.
[2] وكان مولده سنة 495 هـ. (ابن رجب) .
[3] انظر عن (سعد الله بن مصعب) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 78 رقم 679، والوافي بالوفيات 15/ 185 رقم 258.
[4] في المختصر «بالجانب الشرقي» .
[5] ومولده سنة 482 هـ. تقريبا.
[6] انظر عن (سعيد بن المبارك) في: معجم الأدباء 11/ 219- 223 رقم 68، والكامل في التاريخ 11/ 411، والروضتين ج 1 ق 2/ 615، وإنباه الرواة 2/ 47- 51 رقم 274، ووفيات الأعيان 2/ 382 385 رقم 265، وخريدة القصر 1/ 82، 83، وإشارة التعيين 20، والمختصر المحتاج إليه 2/ 85، 86 رقم 689، والعبر 4/ 207، والإعلام بوفيات الأعلام 235، وسير أعلام النبلاء 20/ 581- 582 رقم 363، وتلخيص ابن مكتوم 77،(39/341)
أَبُو مُحَمَّد بْن الدّهّان البَغْداديُّ [1] ، النَّحْويّ، صاحب المصنَّفات.
سَمِعَ: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء، وغيرهما.
كتب عَنْهُ أَبُو سَعْد السّمعانيّ وقال: قال لي: ولدت سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وهُوَ شابٌ فاضل لَهُ معرفة بالنَّحْو ويدٌ باسطة فِي الشِّعْر. شرح «الإيضاح» لأبي عَلِيّ الفارسيّ فِي ثلاثٍ وأربعين مجلَّدًا، وشرح «اللُّمَع» لابن جنّي فِي ثلاثٍ مجلَّدات.
وقال ابن الدُّبَيْثيّ [2] : سكن فِي أواخر عُمره بالمَوْصِل، وأخذ عَنْهُ أهلها.
وقال جمال الدِّين القفْطيّ [3] : رحل إلى أصبهان، وسَمِعَ بها، واستفاد من خزائن وقوفها، وكتب الكثير من الأدب بخطّه. وأخذ النَّاس عَنْهُ.
وخرج عَنْ بغداد قاصدا إلى دمشق، فاجتاز بالمَوْصِل وبها وزيرها جمال الدِّين مُحَمَّد الأصبهانيّ الْجَواد [الماضي ذكره] [4] فأكرمه وصدَره بالمَوْصِل للإفادة. وغرقت كُتُبُه ببغداد فِي غَيبته، ثُمَّ حُمِلت إِلَيْهِ، فشرع فِي تبخيرها باللّاذن ليقطع الرائحة الرَّدِيَّة، إلى أن بخّرها بنحوٍ من ثلاثين رطلا لاذنا [5] ، فطلع ذَلِكَ إلى رأسه وعينه، فأحدث له العمى.
__________
[ () ] ومسالك الأبصار (مخطوط) ج 4 مجلّد 2/ 255، والوافي بالوفيات 15/ 250- 254 رقم 355، ونكت الهميان 158، 159، ومرآة الجنان 3/ 390، وطبقات النحويين واللغويّين لابن قاضي شهبة 1/ 352- 354، والنجوم الزاهرة 6/ 72، وبغية الوعاة 1/ 587، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 183، 184، وكشف الظنون 72، 116، 212، 438.
752، 872، 960، 1156، 212، 1265، 1438، 1563، 1630، 1977، وشذرات الذهب 4/ 223، والفلاكة والمفلوكين للدلجي 126، 127، وروضات الجنات 314، 315، وهدية العارفين 1/ 391، وتاريخ الأدب العربيّ 5/ 169، 170، وفهرس المخطوطات المصوّرة بدار الكتب 1/ 389، ومعجم المؤلفين 4/ 229، 230.
[1] طوّل ابن خلّكان في نسبه في (وفيات الأعيان) .
[2] المختصر المحتاج إليه 2/ 86.
[3] في إنباه الرواة 2/ 47، 48.
[4] في الأصل بياض. والوزير المذكور تقدّم في وفيات سنة 536 هـ.
[5] في الأصل: «ثلاثين رطل لادن» .(39/342)
ومن شِعره:
بادِرْ إلى العَيْش والأيّام راقدةٌ ... ولا تكُنْ لصُرُوف الدَّهْرِ منتظرُ [1]
فالعمر كالكأس [2] يبدو فِي أوائله ... صفْوٌ وآخره فِي قعره الكَدَرُ [3]
وقال الحافظ ابن عساكر: سَمِعْتُ سَعِيد بْن الدّهّان ببغداد يَقُولُ: رَأَيْت فِي النّوم منشدا يُنشد محبوبه.
أيُّها الماطِلُ دَيْني ... أَمَلِيٌّ وتماطلْ؟
عَلِّلِ القلبَ فإنّي ... قانعٌ منك بباطِلْ [4]
ولَهُ: «سرقات المتنبّي» فِي مجلَّد، وكتاب «التّذكرة» سبْع مجلَّدات.
قَالَ أَبُو العماد الكاتب [5] : هُوَ سِيبَوَيْه عصره، ووحيد دهره. لقيته ببغداد، وكان يقال حينئذٍ: النَّحْويّون فِي بغداد أربعة: ابن الجواليقيّ، وابن الشّجَريّ، وابن الخشّاب، وابن الدّهّان [6] .
وقال ابن خَلِّكان [7] : لَقَبُه: ناصح الدِّين، رحمه اللَّه تعالى.
323- سلمان بْن عَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن [8] .
أَبُو تميم الرَّحبيّ، الدمشقيّ، الخبّاز.
سَمِعَ جزءا من عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن الحِنّائيّ، وهو آخر من حدَّث عَنْهُ.
روى عَنْهُ: الحافظان أَبُو المواهب، وعبد الغنيّ، والشّيخ المُوفَّق، وأبو
__________
[1] في وفيات الأعيان: «تنتظر» .
[2] في الأصل: «بالكاس» .
[3] وفيات الأعيان 2/ 384.
[4] وفيات الأعيان 2/ 384، 385.
[5] في الخريدة 1/ 82.
[6] المختصر المحتاج إليه 2/ 86.
[7] قوله غير موجود في ترجمته لابن الدّهان.
[8] انظر عن (سليمان بن علي) في: سير أعلام النبلاء 21/ 46 دون ترجمة.(39/343)
القاسم بْن صَصْرى، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر النّسّاج، والقاضي عُمَر بْن المُنَجّا.
قَالَ أَبُو المواهب: تُوُفّي فِي ربيع الآخر، وكان مُقْرِئًا صالحا. ما حَدَّثَنَا عَنِ ابن الحِنّائيّ سواه.
- حرف العين-
324- عبد الله بن أحمد بن الْحُسَيْن [1] .
أَبُو مُحَمَّد بْن النّقّار الطّرابُلُسيّ، الشّاميّ، الحِمْيَريّ، الكاتب، المُعَدَّل [2] .
وُلِدَ بأطْرابُلُس سَنَة تسعٍ وسبعين وأربعمائة، وعاش تسعين سَنَة [3] . قَدِمَ دمشقَ شابّا عند استيلاء العدوِّ عَلَى أَطْرابُلُس، وتقدَّم فِي كتابة الإنشاء، وكتب لصاحب الشّام.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن أحمد) في: تاريخ دمشق (مخطوط) 19/ 603 و 39/ 333، والمطبوع بتحقيق د. صلاح الدين المنجد ج 2 ق 1/ 177، وتهذيبه 1/ 257 و 4/ 357 و 7/ 279، وخريدة القصر (قسم الشام) 2/ 111- 118 و (1/ 314) ، ومعجم السفر للسلفي (المصوّر) 1/ 138، وتكملة إكمال الإكمال للصابوني 348 رقم 352، وبغية الطلب (مصوّرة معهد المخطوطات) 2/ 75، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 289، والروض المعطار للحميري 241، 242، وإنباه الرواة 1/ 35، والوافي بالوفيات 17/ 49، 50 رقم 44، والنجوم الزاهرة 6/ 65، 66، والحياة الثقافية في طرابلس الشام (تأليفنا) 259- 262.
[2] التقى به الحافظ السلفي فقال: أنشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحسين.. قال:
أنشدني أبي لنفسه بطرابلس:
قد زارني طيف من أهوى على حذر ... من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا..
أبو محمد هذا من أعيان أهل الشام وأدبائهم، وذكر لي أنه ولد بطرابلس وبها تأدّب على أبيه وغيره، وقد علّقت عنه من شعر أبيه مقطّعات، وكذلك من شعره هو. وقد كاتبته نظما وكاتبني. وأصلهم من الكوفة. (معجم السفر 1/ 138) .
وقال العماد: أدركت حياته بدمشق. وكان شيخا قد أناف على التسعين، وقيل على المائة، وكان مليح الخطّ، حلوه، فصيح الكلام صفوه. وقبل قوله القاضي أبو سعد الهروي وعدّله، ثم اختاره والي دمشق لكتابة الإنشاء في الديوان بعد الشاعر ابن الخياط، وكان جيّد الإنشاء له يد في النظم والنثر. وقد تولّى كتابة الإنشاء لملوك دمشق إلى أن تملّكها نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله. وكتب له أيضا مدّة يسيرة. وله نظم مقبول، وشعر معسول. (الخريدة 1/ 314) .
[3] اختلف في وفاته فقيل في سنة 567 وقيل 568 وقيل 569 هـ.(39/344)
وكان جيّد النَّظْم والنَّثْر، كبير القدْر.
روى عَنْهُ ابن عساكر فِي «تاريخه» قصيدتين [1] .
325- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن هِبَة اللَّه بْن محمد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حَسْنُونَ [2] .
أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي نصر بْن أَبِي طاهر بْن أَبِي الْحُسَيْن النَّرْسِيّ، البَغْداديُّ.
من بيت العدالة والرِّواية.
سَمِعَ: أَبَا الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام، وأبا غالب الباقِلّانيَ، وأبا بَكْر الطُّرَيْثِيثيّ، وأبا الْحُسَيْن بْن الطُّيوريّ، وابن العلّاف.
سَمِعَ منه: عليّ بْن أَحْمَد الزَّيْديّ، وأبو بَكْر الباقداريّ.
وحدَّث عَنْهُ جماعة وأثنوا عَلَيْهِ منهم: الحافظ عَبْد الغنيّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وعبد العزيز بْن الأخضر، وحفيداه أَحْمَد وإسماعيل ابنا إِسْمَاعِيل بْن النّرسيّ.
__________
[1] له قصيدة في وصف متنزّهات دمشق، أولها:
سقى الله ما تحوي دمشق وحيّاها ... فما أطيب اللّذّات فيها وأهناها
نزلنا بها فاستوقفتنا محاسن ... يحنّ إليها كلّ قلب ويهواها..
ومن شعره قصيدة أولها:
بادر إلى اللّذّات في أزمانها ... واركض خيول اللهو في ميدانها
واستقبل الدنيا بصدر واسع ... ما أوسعت لك في رحيب مكانها..
وله أيضا:
الله يعلم أنّني ما خلته ... يصبو إلى الهجرات حين وصلته
من منصفي من ظالم متعنّت ... يزداد ظُلْمًا كلّما حكَّمْتُهُ
ملّكتُهُ روحي ليحفَظَ ملكه ... فأضاعني وأضاع ما ملّكته..
هذا. وقد جمعت شعره في كتابي المخطوط (معجم الأدباء والشعراء في تاريخ لبنان الإسلامي) .
[2] انظر عن (عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن هبة اللَّه) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 129، 130 رقم 756، والمشتبه في الرجال 2/ 523، والمعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1849، وتذكرة الحفّاظ 4/ 1327 وفيه «عبد الله بن محمد بن هبة الله» ، وسير أعلام النبلاء 21/ 46 (دون ترجمة) .(39/345)
وكان يُلَقَّب بالحمامة.
تُوُفّي رحمه اللَّه فِي رمضان ولَهُ ثلاثٌ وثمانون سَنَة.
326- عَبْد الواحد بْن عَبْد الماجد بْن عَبْد الواحد بْن الأستاذ أَبِي القاسم القُشَيْريّ [1] .
أَبُو مُحَمَّد النَّيْسَابوريّ، الصُّوفيّ.
حدَّث بدمشق وبغداد [2] عَنْ أَبِيهِ، وعبد الغفّار الشّيْروييّ [3] ، ومحمد بن أحمد بن صاعد.
روى عنه: الحافظ ابن عساكر، وأبو القاسم بن صصريّ، والجماعة.
وتوفّي رحمه الله في المحرّم بأصبهان [4] .
327-[عبد الواحد] [5] بن عبد الملك بن محمد بن أبي سعد [6] .
أبو نصر الفضلوسيّ [7] الكرجيّ، الصّوفيّ، الزّاهد.
له عبادة ومجاهدات، وسافر الكثير ولقي المشايخ. وحجّ مرات.
وربّما حجّ منفردا متوكّلا. وسَمِعَ بأصبهان، وبغداد، ومصر.
وَسَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد الرّازيّ، وأبي القاسم بن الحصين.
وكان أبو الفرج بن النّقّور قد كتب عنه عجائب، وأنّه قد رأى الخضر ورأى الجن.
__________
[1] انظر عن (عبد الواحد بن عبد الواحد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 74 رقم 881، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/ 252، 253 رقم 139.
[2] كان تحديثه ببغداد سنة 555 هـ.
[3] في الأصل: «الشيروي» ، والتصحيح من: المختصر.
[4] وكان مولده سنة 501 هـ.
[5] في الأصل بياض.
[6] انظر عن (عبد الواحد بن عبد الملك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 73، 74 رقم 879، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/ 253- 256 رقم 140.
[7] في الأصل: «البطليوسي» والتصحيح من: المختصر، والذيل.(39/346)
ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وروى عنه جماعة منهم أبو سعد السّمعانيّ [1] .
وقال ابن الدّبيثيّ [2] إنّه توفّي بالكرخ في سنة تسع هذه [3] .
328- عبد النَّبِيّ بْن المهديّ [4] .
اليمنيّ الخارجيّ، المُلَقَّب بالمهديّ.
كَانَ أَبُوهُ المهديّ قد استولى عَلَى اليمن، وظلم وعَسَف، وشقّ بطن الْحَبَالَى، وذبح الأطفال، وتمرَّد عَلَى اللَّه. وكان يرى رأي القرامطة.
وولي الأمر بعده عَبْد النَّبِيّ هذا، ففعل أنحس من فعل الوالد، وسبى النّساء، وبنى عَلَى قبر أَبِيهِ قُبَّةً عظيمة لم يُعمل فِي الْإِسْلَام مثلها، فإنّه صفَّح حيطانها بالذَّهب والجواهر، ظاهرا وباطنا، وعمل لها سُتُور الحرير، والقناديل الذَّهب، فيقال إنّه أمر النَّاس بالحجّ إلى قبر أَبِيهِ، كما لحجّ الكعبة، وأن يحمل كلّ واحدٍ إليها مالا، ومن لم يحمل مالا قتله، ومنعهم من الحج، فكانوا يقصدونها من السَّحَر، واجتمع فيها أموالٌ لا تُحْصَى، وانهمك فِي اللّذّات والفواحش إلى أن قصمه اللَّه واستأصله على يد شمس الدّولة ابن
__________
[1] وهو قال: كتبت عنه جزءا انتخبته، وسمع بقراءتي ببغداد، وكنت آنس به كثيرا، قطع البراري على التجريد بلا زاد ولا رفيق ولا راحلة، وكان يطوي الأيام والليالي لا يأكل فيها ويديم السير.
[2] في المختصر المحتاج إليه.
[3] وَقَالَ ابن النَّجَّار: كَانَ من أعيان الصُّوفِيَّة ومن عباد الله الصالحين، طوّف البلاد في السياحة وحجّ مرارا على التجريد، وركب المشاقّ، وكانت له آيات وكرامات.
أنشده أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري لبعضهم:
فلقد سئمت مآربي ... فوجدت أكثرها خبيث
إلّا الحديث فإنه ... مثل اسمه أبدا حديث
[4] انظر عن (عبد النبي بن المهدي) في: الكامل في التاريخ 11/ 396، ومفرّج الكروب 1/ 238- 243، ومرآة الزمان 8/ 300، 301، والمختصر في أخبار البشر 2/ 54، والعبر 4/ 207، وسير أعلام النبلاء 20/ 582، 583، رقم 364، وتاريخ ابن الوردي 2/ 126 ومرآة الجنان 3/ 390، والبداية والنهاية 12/ 273، 274، والكواكب الدرّية 222، والنجوم الزاهرة 6/ 69 و 72، وشذرات الذهب 4/ 234، وبلوغ المرام 18 وذكره المؤلّف- رحمه الله- في: سير أعلام النبلاء 21/ 46 دون ترجمة.(39/347)
أيّوب، واستولى عَلَى جميع خزائنه وعذّبَه، ثُمَّ قتله، وهدم القُبَّة، وأحرق ما فيها.
هذا معنى ما قاله صاحب «مرآة الزّمان» [1] .
329- عليّ بْن أَحْمَد بْن أَبِي بَكْر [2] .
أَبُو الْحَسَن الكِنَانيّ [3] أَبِي الْحُسَيْن القُرْطُبيّ، نزيل مدينة فاس. مَعَ «الموطّأ» بقراءة أَبِيهِ من: أَبِي عبد اللَّه مُحَمَّد بْن الفَرَج مولى الطَّلّاع. وسَمِعَ من: أَبِي الْحَسَن القَيْسيّ، وأخذ عَنْهُ القراءات، وخازم بْن مُحَمَّد، وأبي القاسم بْن مُدِير، وأبي الوليد بْن خشرم.
وأخذ عَنْهُ الكبار.
وأخذ أيضا عَنْ: الْحَسَن بْن شفيع، وأبي عُمَر الألْبِيرِيّ.
وقرأ بجيّان عَلَى: أَبِي عامر محمد بن حبيب.
ثمّ حجّ سنة خمسمائة، ولقي أَبَا حامد الغزاليّ وصحِبَه.
كذا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار [4] : وفي هذا نظر، إِلَّا أن يكون دخل خُراسان، وهُوَ محتَمَل عَلَى بُعْد.
قَالَ: وأقام ببيت المقدس يعلِّم القرآن تسعة أشهر، ثُمَّ انصرف واستوطن مدينة فاس سنة ثلاث وخمسمائة، وتصدَّر للإقراء، وطال عُمره.
وروى عَنْهُ من شيوخنا: أبو القاسم بن بقيّ، وأبو زكريّا النّادليّ.
__________
[1] سبط ابن الجوزي 8/ 300، 301.
[2] انظر عن (علي بن أحمد) في: التكملة لكتاب الصلة لابن الأبّار (مخطوط) م/ ورقة 66، والمطبوع، رقم 1885، وصلة الصلة لابن الزبير 102، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5/ ق 1/ 150- 153 رقم 310، وتذكرة الحفاظ 4/ 1327، والمعين في طبقات المحدّثين 173 رقم 1850، والعبر 4/ 208، ومعرفة القراء الكبار 2/ 545، 546 رقم 491، ودول الإسلام 2/ 84، وسير أعلام النبلاء 21/ 46 (دون ترجمة) ، وغاية النهاية 1/ 518 رقم 2143، وشذرات الذهب 4/ 234.
[3] تصحّفت في (غاية النهاية) و (شذرات الذهب) إلى: «الكتّاني» ، وكذا في (دول الإسلام) .
[4] في تكملة الصلة، رقم 1885.(39/348)
وقرأتُ عَلَى النّادليّ كتاب «الشّهاب» للقُضَاعيّ، بسماعه منه، عَن القَيْسيّ، عَنْ مؤلّفه.
وكان مَوْلِدُه سنة ستّ وسبعين وأربعمائة.
قلت: عاش ثلاثا وتسعين سَنَة. وكان من أسْنَد أهل وقته.
وقد روى عَنْهُ بالإجازة أَبُو الْحَسَن بْن المُفَضَّل، وبالسّماع عَبْد العزيز بْن عَلِيّ بْن زيدان النَّحْويّ السِّمْنانيّ، نزيل فاس [1] .
330- عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن المسلّم.
أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، الزّاهد، المعروف بابن بِنْت أَبِي سعد.
توفّي بمصر في رجب.
وقد حدَّث قبل موته بيسير. وكان محدِّثًا، عارِفًا بشيوخ المصريّين.
أخذ عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ، والمصريّون.
__________
[1] وقال ابن عبد الملك المراكشي: روى عن أبي منصور منتان بن خرّزاد الهمذاني مصنّف «قصة يوسف» قال: وكنت أكتب إليه وقت تأليفه إياه بإملائه أو أمسك عليه المسودّة ويكتب، وصحب بها الإمام أبا حامد الغزالي، وسمع منه أكثر «الموطأ» رواية ابن بكير، وجملة من فوائده، ودعا له أن يمتّعه الله فأجيبت دعوته، وجال في بلاد العراق والحجاز والشام ومصر، وشاهد غرائب كثيرة، ولقي في تجواله أعلاما كبراء لم يعن بالأخذ عنهم إذ لم يكن له كبير اهتبال بشأن الرواية. وأقام يسير فاذ شريعة بيت المقدس تسعة أشهر يعلّم فيها القرآن، ثم قفل إلى المغرب فلقي بتلمسان أبا بحر الأسدي وروى عنه، ثم ورد مدينة فاس في غرّة رمضان ثلاث وخمسمائة ابن ثمان وعشرين سنة، ولقي بها أبا القاسم خلف بن يوسف بن الأبرش، واشترى فيها دارا وبنى مسجدا وتزوّج، وذلك كله عام قدومه فاس.
وكان مقرئا للقرآن العظيم، كثير الاعتناء برواياته، مجوّدا متقنا، فاضلا صالحا، مشهورا بإجابة الدعوة، كريم المجالسة، وأسنّ فكان من آخر الرواة عن بعض هؤلاء الشيوخ، والتزم الإمامة بمسجده والإقراء فيه ستا وستين سنة إلى أن توفي.
وأنشد أبو الحسن بن حنين في كتب الإمام أبي حامد الغزالي:
حبّر العلم إمام ... أحسن الله خلاصه
ببسيط ووسيط ... ووجيز وخلاصه(39/349)
331- عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي الأسود [1] .
أَبُو الْحُسَيْن بْن البَلّى [2] البَغْداديُّ، عمّ هِبَة اللَّه بْن البَلّ.
روى عَنْ: أَبِي القاسم الرَّبَعيّ، وابن بيان الرّزّاز.
سمع منه: عليّ بن أحمد الزّيديّ، وغير واحد.
وروى عنه: عليّ بن محمد العلويّ، وابن الأخضر، وموفّق الدّين المقدسيّ، وآخرون.
توفّي في ذي الحجّة [3] .
332- عليّ بن الحَسَن بن عَليّ [4] .
أَبُو الحَسَن بن الرّميليّ [5] ، الفقيه الشّافعيّ.
كان من أئمّة الشّافعيّة، ورشّح ببغداد لتدريس النّظاميّة.
وروى القليل عَنْ: الأُرْمَويّ، وأبي الوقت.
ولَهُ تعليقة فِي الخلاف.
وكتب عَلَى طريقة ابن البوّاب، وأعاد بالنّظاميّة [6] .
__________
[1] انظر عن (علي بن الحسن بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 121 رقم 995، والمشتبه في الرجال 1/ 115، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 3/ 308، 309 رقم 766، وتوضيح المشتبه 2/ 55.
[2] البلّ: بفتح الباء الموحّدة. وقد تحرّفت إلى: «النيل» في: ذيل تاريخ بغداد.
[3] ومولده في أحد الربيعين من سنة 488 هـ.
[4] انظر عن (علي بن الحسن الرميلي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 121 رقم 994، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 3/ 307، 308 رقم 765، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 272، 273، وتوضيح المشتبه 4/ 226، ومعجم المؤلّفين 7/ 64.
[5] في: ذيل تاريخ بغداد، ومعجم المؤلفين: «الزميلي» بالزاي المنقوطة بدل الراء. والمثبت عن الأصل يتفق مع: المختصر، وطبقات السبكي، وتوضيح المشتبه.
[6] وقال ابن النجار: من ساكني رحبة جامع القصر، كان فقيها فاضلا، حافظا لمذهب الشافعيّ، حسن المعرفة، ويعرف الأصول معرفة تامة، وله تعليقة في الخلاف، ويعرف الأصول ويحفظ اللغة والنحو، ويكتب خطا مليحا على طريقة ابن البوّاب، وكان حسن الأخلاق متواضعا سخيّا محبوبا إلى الناس.. ورتّب معيدا بالمدرسة النظامية ومتولّيا لأوقافها، وكان مرشحا للتدريس بها ولقضاء القضاة إلّا أنّ أجله حال بينه وبين ذلك،(39/350)
333- عُمَارة بْن عَلِيّ بْن زَيْدَان [1] .
الفقيه أَبُو مُحَمَّد الحَكَميّ، المَذْحِجيّ، اليَمَنيّ، نجم الدِّين الشّافعيّ، الفَرَضيّ.
الشَّاعر المشهور.
تَفَقَّه بزَبِيد مُدَّة أربع سِنين فِي المدرسة. وحجَّ سَنَة تسعٍ وأربعين وخمسمائة. ومولده سنة خمس عشرة.
__________
[ () ] وكانت فيه بلاغة، وله نظم ونثر حسن، حدّث باليسير:
ومن شعره:
وليس عجيبا أن تدانت منيّة ... لحيّ ولكنّ العجيب بقاءه
ومن جمع أضداد نظام وجوده ... فأوجب شيء في الزمان فناءه
فسبحان من لا يعتريه تغيّر ... ومن بيديه نقضه وبناءه
وكتب إلى الأمير سليمان بن جاووش لما مرض وارتعشت يداه وتغيّر خطّه، وكان يكتب خطّا مليحا:
طول سقمي والّذي يعتادني ... صيّرا الرائق من حظّي كذا
كلّ شيء هان ما سلمت من ... ك لي نفس ووقيت الأذى
[1] انظر عن (عمارة بن علي) في النكت العصرية، له، ففيه أخباره، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 3/ 101، والكامل في التاريخ 11/ 396، 397 و 400، 401، ومرآة الزمان 8/ 302- 305، والروضتين ج 2 وق 2/ 560- 577، ووفيات الأعيان 3/ 431- 436، ومفرّج الكروب 1/ 212- 216 و 243- 246 و 251- 257، والتذكرة الفخرية للإربلي 76، والمختصر في أخبار البشر 3/ 54، 55، والعبر 4/ 208، ودول الإسلام 2/ 84، وسير أعلام النبلاء 20/ 592- 596 رقم 373، والإعلام بوفيات الأعلام 235، وتاريخ ابن الوردي 2/ 782 وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 565- 568، ومرآة الجنان 3/ 390- 392، والبداية والنهاية 12/ 274، والوافي بالوفيات 22/ 384- 396 رقم 273، وتاريخ ابن خلدون 4/ 169، والكواكب الدريّة لابن قاضي شهبة 224- 226، وصبح الأعشى 3/ 566، والسلوك للمقريزي 1/ ق 1/ 53، وثمرات الأوراق لابن حجّة 26، واتعاظ الحنفا (انظر فهرس الأعلام 2 ج 3) ، والنجوم الزاهرة 6/ 70، 71 و 73، وبغية الوعاة 2/ 214، وحسن المحاضرة 1/ 406، وتاريخ ثغر عدن لبامخرمة 1/ 165، وكشف الظنون 310، 1103، 1777، 1977، وشذرات الذهب 4/ 234، 235، ومعجم المطبوعات العربية والمعرّبة لسركيس 1377- 1379، وتاريخ الأدب العربيّ 6/ 80- 82، وإيضاح المكنون 2/ 53، والحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية 163- 170، ومعجم المؤلفين 7/ 268، 269.
وانظر كتاب «عمارة اليمني» للدكتور ذي النون المصري، طبعة مصر 1966.(39/351)
وسيّره صاحب مَكَّة قاسم بْن هاشم بْن فُلَيْتَة رسولا إلى الفائز خليفة مصر، فامتدحه بقصيدته الميميَّة [1] ، وهي:
الحمدُ للعيسِ [2] بعدَ العَزْمِ والهِمَمِ ... حَمْدًا يقومُ بما أَوْلَتْ [3] من النِّعَمِ
لا أجحد الحقّ [4] ، عندي للركابِ يدٌ ... تمنَّت اللُّجَمُ فيها رقبَة [5] الخطمِ
قَرَّبْنَ بُعد مزار العزّ من نَظَري [6] ... حَتَّى رَأَيْتُ إمام العَصر من أُمَمِ
ورُحْنَ [7] من كعبةِ البطحاء والحَرَم ... وَفْدًا إلى [8] كعبة المعروف والكَرَمِ
فهل دري البيت أَنّي بعد فُرْقته [9] ... ما سِرْتُ من حَرَمٍ إِلَّا إلى حَرَمِ
حيث الخلافةُ مضروبٌ سُرَادِقُها ... بين النّقيضَيْنِ من عفْوٍ ومن نَقَمِ
وللإمامةِ أنوارٌ مُقَدَّسَةٌ ... تجلو البغيضين مِن ظُلْمِ ومِن ظُلَمِ
وللنُّبُوَّةِ آياتٌ تُنَصّ [10] لنا ... عَلَى الخفيّين مِن حُكْمٍ ومِن حِكَمِ
وللمكارِمِ أعلامٌ تَعلِّمُنَا ... مدحَ الجزيلين من بأسٍ ومن كَرَمِ
وللعُلا ألْسُنٌ تُثْنِي محاوِرُها ... عَلَى الحميدين من فِعْلٍ ومن شِيَمِ
أقسمتُ بالفائز المعصوم معتقدا ... فوزَ النَّجَاةِ وأجَر البِرِّ فِي القَسَمِ
لقد حمى الدِّينَ والدّنيا وأهْلَهما [11] ... وزيرُه الصّالح الفرّاجُ للغم
__________
[1] وذلك في سنة 550 هـ.
[2] قال أبو شامة تعليقا على هذا الاستهلال: «وعندي من قوله «الحمد للعيس» ، وإن كانت القصيدة فائقة، فقرة عظيمة، فإنه أقام ذلك مقام قولنا «الحمد للَّه» ، ولا ينبغي أن يفعل ذلك مع غير الله تعالى عزّ وجلّ، فله الحمد وله الشكر، فهذا اللفظ كالمتعيّن لجهة الربوبية المقدّسة، وعلى ذلك اطّرد استعمال السلف والخلف رضي الله عنهم» . (الروضتين ج 1 ق 2/ 577) .
[3] في مرآة الزمان: «أولته» . وفي مرآة الجنان: «أوليت» .
[4] في الأصل: «الخلف» ، والمثبت عن (النكت العصرية) وغيره.
[5] في مرآة الجنان: «تمنيت اللحم فيها رتية» .
[6] في مرآة الجنان: «قرير بعد مرار العي 5 من نظري» .
[7] في مرآة الجنان: «وأجر» .
[8] في مرآة الجان «السامي إلى» .
[9] في الروضتين: «زورته» .
[10] في الروضتين: «تضيء» .
[11] في مرآة الجنان: «وأهلهم» .(39/352)
اللّابسُ الفخْرَ لم تَنْسج غلائلَه ... إِلَّا يدُ الصّنعتين [1] السّيف والقَلَمِ
ليت الكواكب تدنو لي فأَنْظمها ... عقودَ مَدْحٍ فما أرضى لكم كَلِمِي [2]
فوصلوه. ثُمَّ ردّ إلى مَكَّة، وعاد إلى زَبِيد. ثُمَّ حجَّ، فأعاده صاحب مَكَّة فِي الرسْليَّة، فاستوطن مصر.
قَالَ ابن خَلِّكَان [3] : وكان شافعيّا شديد التّعصُّب للسُّنَّة، أديبا، ماهرا، ولم يزل ماشى الحال في دولة المصريّين إلى أن ملك صلاح الدِّين، فمدحه ومَدَح جماعة.
ثُمَّ إنّه شرع فِي أمور، وأخذ فِي اتّفاقٍ مَعَ رؤساء البلد فِي التّعصُّب للعُبَيْديّين وإعادة أمرهم، فَنُقِل أمرهم، وكانوا ثمانية مِن الأعيان، فأمر صلاح الدِّين بشنْقهم فِي رمضان بالقاهرة، وكفى اللَّه شرَّهم.
ولعُمَارة كتاب «أخبار اليمن» ، ولَهُ شيءٌ فِي أخبار خلفاء مصر ووزرائها.
وكان هَؤُلَاءِ المخذولون قد همّوا بإقامة وُلِدَ العاضد. وقيل إنّهم كاتبوا الفِرَنج لينجدوهم، فَنَمَّ عليهم رَجُل جنديّ.
وقد نُسِب إلى عمارة بيت شِعْر، وهُوَ:
قد كَانَ مبدأ هذا الأمر من رَجُل [4] ... سعى إلى أن دعوه سيّد الأمم
فأفتى الفقهاء بقتله.
__________
[1] في الأصل والنكت العصرية: «الصنعين» . والمثبت عن (الروضتين) .
[2] النكت العصرية 32، 33، الروضتين ج 1 ق 2/ 574، 575، مرآة الجنان 3/ 391، ووفيات الأعيان 3/ 432، 433، وبعضها في: سير أعلام النبلاء 20/ 593، 594، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 566، 567.
[3] وفيات الأعيان 3/ 433.
[4] في الروضتين: «قد كان أول هذا الدين من رجل» . (ج 1 ق 2/ 562) .
وفي مرآة الزمان: «وكان أول هذا الدين من رجل» . (8/ 303) .
وفي البداية والنهاية: «قد كان أول هذا الدين من رجل» . (12/ 276) .(39/353)
ولَهُ ديوان مشهور. وللفقيه عمارة مجلَّد فِيهِ «النُّكَت العصريَّة فِي الدَّولة المصريَّة» [1] ترجم نفسه فِي أوّله فقال [2] : والحديثُ كما قِيلَ شُجُون، والجدُّ قد يُخلط بالمُجُون، وعسى أن يَقُولُ من وقع في يده هذا المجموع: خبّرتنا عَنْ غيرك، فَمَن تكون؟ وإلى أيّ عشٍّ ترجع من الوكون؟ وأنا أقتصر وأختصر:
فأمّا جُرْثُومة النَّسَب فقَحْطانُ، ثُمَّ الحَكَم بعد سَعْد [3] العشيرة المَذْحِجيّ.
وأمّا الوطن فمن تِهامة باليمن مدينة يقال لها مُرْطان من وادي وَسَارع [4] ، بعدها من مَكَّة [5] أحد عشر يوما، وبها المولد والمَرْبَى، وأهلها بقيَّة العرب في تِهامة، لأنّهم لا يُساكنهم حَضَريّ ولا يناكحونه، ولا يُجيزون شهادتَه، ولا يرضَوْن بقتله قَوَدًا بأحدٍ منهم. ولذلك سلمت لغتهم من الفساد.
وكانت رياستهم [6] تنتمي [7] إلى المُثيب بْن سُلَيْمَان، وهُوَ جدّي من جهة الأمّ، وإلى زَيْدان، وهُوَ جدّي لأبي، وهما أبناء عمّ. وكان زيدان يَقُولُ: أَنَا أعدّ من أسلافي أحد عشر جِدًّا، ما منهم إِلَّا عالم مُصَنَّف فِي عِدَّة علوم.
ولقد أدركتُ عمّي عَلِيّ بْن زَيْدان وخالي مُحَمَّد بْن المُثيب، ورياسة حَكَم بْن سَعْد [8] تقف عليهما [9] . وما أعرق فيمن رأيته أحدا يشبه عمّي
__________
[1] نشره «هرتويغ درنبرغ» بعنوان: «النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية» ، وطبع في مدينة شالون سنة 1897.
[2] في النكت العصرية ص 6، 7.
[3] في النكت 7 «الحكم بن سعد» .
[4] في الأصل: «وسارع» .
[5] في النكت بعدها: «في مهبّ الجنوب» .
[6] زاد في النكت: «وسياستهم» .
[7] في النكت: «تنتهي» .
[8] في النكت: «حكم بن سعد العشيرة» .
[9] زاد في النكت: «وتنتهي إليهما» .(39/354)
عليّا [1] فِي السُّؤدُد [2] .
وحدَّثني أخي يحيى بْن أَبِي الْحَسَن، وكان عالما بأيّام النَّاس [3] ، قَالَ:
لو كَانَ عمّك عَلِيّ بْن زَيْدان فِي زمن نبيٍّ لكان حواريّا [لَهُ] [4] أو صِدّيقًا لفرط سُؤْدُده.
وحدَّثني الفقيه مُحَمَّد بْن حُسَيْن الأَوْقَص، وكان صالحا، قَالَ: واللهِ لو كَانَ عَلِيّ بْن زَيْدان قُرَشِيًّا ودعانا إلى بَيْعتِه لمُتْنا تحت رايته لاجتماع شروط الخلافة فِيهِ [5] .
قَالَ لي أخي يحيى [6] : كَانَ عَلِيّ لا يغضب، ولا يَقْذَع فِي القول، ولا يَجْبُن، ولا يَبْخَل، ولا يضرب مملوكا أبدا، ولا يردّ سائلا، ولا عصى اللَّه تعالى بقولٍ ولا فِعْل، وهذه هِمَّة الملوك، وأخلاق الصِّدّيقين. وحسبُكَ أَنَّهُ حجَّ أربعين حَجَّة، وزار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر مرّات [7] ، ورآه فِي النّوم خمس مرّات، وأخبره بأمورٍ لم يُخْرَم منها شيء.
فقلت لأخي: مَن القائل؟ [8] :
إذا طَرَقَتْك أحداقُ اللّيالي ... ولم يوجَد لعلّتها طبيبُ
وأَعْوَزَ من مُجيرك [9] من سُطاها ... فزَيْدانُ هُجيرك [9] والمثيبُ
هما ردّا عليَّ شَتِيت مُلكي ... ووجه الدّهر من رغم قطوب
__________
[1] في النكت: «يشبه عليّ بن زيدان» .
[2] في النكت زيادة: «وهذه اللفظة وهي السؤدد يدخل تحتها كل ما يوصف به سادات أشراف العرب من كل فضيلة» .
[3] في النكت زيادة جملة.
[4] إضافة من النكت 8.
[5] في النكت زيادة جملة.
[6] قوله في النكت- ص 9.
[7] في النكت: «زيارات» .
[8] في النكت زيادة: «في جدّيك المثيب بن سليمان وزيدان بن أحمد» .
[9] في النكت: «يجيرك» .(39/355)
وقاما عند خذْلاني بنَصْري ... قياما تستكين لَهُ الخُطُوبُ
فقال: هُوَ السُّلطان عَلِيّ بْن حَبابة [1] . وكان قومه قد أخرجوه من مُلكه، وأحقروه [2] من مِلكه وولّوا عليهم أخاه سَلامة، فنزل بهما، فسارا معه فِي جُمُوعٍ من قومهما حَتَّى عزلا سلامة وردّوا [3] عليّا وأصلحا لَهُ قومه. وكان الَّذِي وصل إِلَيْهِ من برّهما وأنفقاه عَلَى الجيش فِي نُصْرته ما ينيف عَلَى خمسين ألفا [4] .
حدَّثني أَبِي قَالَ: مرض عَلِيّ بْن زيدان مرضا أشرف منه [5] على الموت ثُمَّ أَبَلَّ منه، فأنشدتُه لرجلٍ من بني الحارث يُدعى سالم [6] بْن شافع، وكان وفد عَلَيْهِ يستعينه فِي دِيَة قتيل لزِمَتْه، فلمّا اشتغلنا بمرضه رجع [7] الحارثيّ إلى قومه [8] :
إذا أَوْدَى ابنُ زيَدانٍ عليّ ... فلا طلعتْ نجومُك يا سماءُ
ولا اشتَمل النّساء عَلَى حَنين ... ولا روّى الثَّرَى للسحب ماء
عَلَى الدُّنيا وساكِنها جميعا ... إذا أَوْدَى أَبُو الْحَسَن العَفاءُ
قَالَ: فبكى عمّي وأمرني بإحضار الحارثيّ، ودفع إِلَيْهِ ألف دينار. وبعد ستة أشهر ساق عَنْهُ الدِّيَة.
وحدَّثني خالي مُحَمَّد بْن المثيب قَالَ: أجدب النَّاسُ سَنَةً، ففرَّق عَلِيّ بن زيدان على المقلّين أربعمائة بقرة لبون، ومائتي ناقة لبون [9] .
__________
[1] زاد في النكت 10 «الفروديّ» .
[2] في النكت: «وأفقروه» .
[3] في النكت: «وولّيا» .
[4] في النكت 10: «وأنفقاه على الجيش في نصرته وحملا إليه من خيل ومن إبل ما ينيف على خمسين ألفا من الذهب» .
[5] في النكت: «فيه» .
[6] في النكت 11 «سلم» .
[7] في النكت: «فلما شغلنا بمرض صاحبنا ارتحل» .
[8] زاد في النكت: «وأرسل إليّ بقصيدة منها» .
[9] انظر النكت 11، 12.(39/356)
وأذكر وأنا طفل [1] أنّ معلّمي عطيَّة بْن مُحَمَّد [2] بعثني إلى عمّي بكتابةٍ كتبها فِي لوحي. فضمّني إِلَيْهِ وأجلسني فِي حُجْره وقال: كم يعطى الأديب؟
قلت: بقرة لبونا [3] . فضحك، ثُمَّ أمر لَهُ بمائة بقرةٍ لبونٍ معها أولادها، ووهب لَهُ غلّة أرضٍ حصل لَهُ منها ألفا إرْدَبّ من السِّمْسمِ خاصَّة.
وأمَّا سعة أمواله، فلم تكُنْ تدخل [تحت] [4] حصر، بل كَانَ الفارس يمشي من صلاة الصُّبح إلى آخر السّاعة [5] فِي فرقانات من الإِبِل [6] والبقر والغَنَم كلّها لَهُ.
وكان يسكن فِي مدينةٍ منفرِدةٍ عَنِ البلد الكبير.
وأمّا حماسته وشدَّة بأسه فيُضْرَب بها المثل، وهُوَ شيءٌ يزيد عَلَى العادة بنوع من التّأييد، فلم يكن أحدٌ يقدر أن يجرّ قوسه. وكان سهمه ينفذ من الدَّرَقَة ومن الْإِنْسَان الَّذِي تحتها [7] .
وكان النَّاس يسرّحون أموالهم إلى وادٍ مُعْشِبٍ مُخْصِبٍ فسيحٍ [8] بعيدٍ من البلد [9] ، وفيه عبيدٌ متغلّبة [10] نحوٌ من ثلاثة آلاف راجل، قد حموا ذَلِكَ الوادي بالسّيف، يقطعون الطّريق، ويعتصمون بشعفات الجبال وصياصيها.
وكان العدد الَّذِي يسرح مع المال [11] في كلّ يوم خمسمائة قوس ومائة فَارس. فشكى النَّاس إلى عَلِيّ بْن زيدان أنّ فيهم من قد طال شعره، وانقطع
__________
[1] زاد في النكت: «عمري ثماني سنين» .
[2] زاد في النكت: «بن حرام» .
[3] في الأصل: «لبون» .
[4] إضافة من النكت 12.
[5] في النكت: «الساعة الثانية» .
[6] في النكت: «في فرقانات من الأنعام الثلاثة الإبل..» .
[7] انظر: النكت العصرية 13.
[8] في النكت 16 «مسبع» .
[9] في النكت: «يقال له: صبياء» .
[10] في النكت: «وفيه من عبيد الحكميّين طوائف متغلّبة» .
[11] في النكت: «الّذي يحرس المال ويسرّح معه» .(39/357)
حذاؤه ووتره، وسألوه أن ينظر لهم [فِي] [1] من ينوب عَنْهُمْ يوما ليُصلحوا أحوالهم.
فنادى مناديه [2] باللّيل: من أراد أن يقعد فلْيقعد، فقد كُفي.
ثُمَّ أمر الرِّعاء فرحلوا [3] ، وركب وحده فرسا لَهُ نجديّا من أكرم [4] الخيل سَبْقًا وأدبا وجنّب حِجْرة. فما هُوَ إِلَّا أنْ وردت الأنعام ذَلِكَ الوادي حَتَّى خرجت عليها العبيد، فاستاقوها وقتلوا من الرِّعاء تسعة. فركب ابن زيدان فأدرك العبيد، وهم سبعمائة رَجُل [5] أبطال [6] ، فقال لهم: رُدُّوا المال، وإلّا فأنا عَلِيّ بْن زيدان. فتسرّعوا إِلَيْهِ فكان لا يضع سهما إِلَّا بقتيلٍ [7] ، حَتَّى إذا ضايقوه اندفع عَنْهُمْ غير بعيدٍ، فإذا ولّوا كرّ عليهم [8] ، ولم يزل ذَلِكَ دأبه ودأبهم حَتَّى قتل منهم خمسة وتسعين رجلا، فطلب الباقون أمانه ففعل، وأمرهم أن يدير بعضُهم بكتاف بعضٍ، ففعلوا، وأخذ جميع أسلحتهم [9] فحمّلها بعمائمهم عَلَى ظهور الإبِل، وعاد والعبيد بين يديه أسارى.
وقد كَانَ بعض الرِّعاء هرب فنعاه إلى النَّاس، فخرج النَّاس أرسالا حَتَّى لقوة العصر خارجا من الوادي، والمواشي سالمة، والعبيد أسارى [10] .
قَالَ لي أَبِي: أذكر أنّا لم نصل تِلْكَ اللّيلة صحبته [11] إلى المدينة حتّى
__________
[1] إضافة من النكت.
[2] في الأصل: «من ناديه» .
[3] في النكت 17 «فسرّحوا على عادتهم» .
[4] في النكت: «من كرام» .
[5] في النكت: «راجل» .
[6] في الأصل: «أبطالا» .
[7] زاد في النكت: «منهم» .
[8] زاد في النكت: «فنال منهم ما يريد» .
[9] في النكت: «جميع أسلحة الأحياء والقتلاء» .
[10] النكت العصرية 17، 18.
[11] في النكت 18 «صحبة عمّك» .(39/358)
كسرت العربُ عَلَى باب داري ألف سيف، حَتَّى قِيلَ إنّ عليّا قُتل وامتدّ الخبر إلى بني الحارث، وكانوا خَلْفا [1] ، فأصبح فِي منازلهم سبعون فرسا معقورة مكسورة حزنا عَلَيْهِ.
ثُمَّ اصطنع العبيد وأعتقهم، وردّ عليهم أسلحتهم، فتكفّلوا لَهُ أمان البلاد من عشائرهم.
وكان السُّفهاء والشّباب منّا [2] لا يزال يجني بعضهم عَلَى بعض، ويكثر الجراح والقتْل، فأذكر عشيَّة أنّ القوم هزمونا حَتَّى أدخلونا البيوت، فقيل لهم: هذا عَلِيّ أقبل. فانهزموا حَتَّى مات تحت أرجل القوم ثلاثة رجال. ثُمَّ أصلح بين النَّاس [3] .
تُوُفّي عَلِيّ بْن زيدان سنة ستّ وعشرين وخمسمائة، وتبِعَه خالي مُحَمَّد بْن المثيب سَنَة ثمانٍ، فكان أَبِي يتمثَّل بعدهما بقول الشَّاعر:
ومن الشّقاء تفرُّدي بالسُّؤْدُدِ [4]
وتماسكت أحوال النَّاس لوالدي سَنَة تسعٍ وعشرين، وفيها أدركت الحُلْم.
ثُمَّ مُنِعْنا الغَيْثَ سَنَةً وبعض أخرى، حَتَّى هلك الحَرْث [5] ، ومات النَّاس فِي بيوتهم، فلم يجدوا من يدفنهم.
وفي سَنَة إحدى وثلاثين دَفَعَتْ لي والدتي مَصُوغًا لها بألف مِثْقال [6] ، ودفع لي أبي أربعمائة دينار وسبعين، وقالا لي: تمضي إلى زَبِيد إلى الوزير مُسْلِم بْن سَخْت، وتُنْفِق هذا المال عليك وتنفقه، ولا ترجع حَتَّى تُفْلِح، وزبيد عنّا تسعة أيام.
__________
[1] في الأصل: «حلفاء» .
[2] زاد في النكت 18 «ومن أخوالي» .
[3] انظر النكت 18، 19.
[4] النكت العصرية 20.
[5] زاد في النكت 21 «والنسل» .
[6] في النكت: «بألف دينار» .(39/359)
فأنزلني الوزير فِي داره مَعَ أولاده، ولازمتُ الطَّلَب، فأقمتُ أربع سِنين لا أخرج من المدرسة إِلَّا لصلاة الجمعة. ثُمَّ زرت أبويّ فِي السّنة الخامسة ورددت ذَلِكَ المصاغ، ولم أحْتَجْ إِلَيْهِ [1] .
وتفقّهت، وقرأ عليَّ جماعة فِي مذهب الشّافعيّ والفرائض. ولي فيها مُصَنَّف يُقرأ باليمن [2] .
وقد زارني والدي بزَبِيد سَنَة تسعٍ وثلاثين، فأنشدته من شِعري، فاستحسنه واستحلفني أن لا أهجوَ مسلما. فحلفت لَهُ، ولطف اللَّه بي، فلم أهْجُ أحدا، سوى إنسانٍ هجاني ببيتين بحضرة الملك الصّالح، يعني ابنُ رُزّيك، فأقسم عليَّ أن أُجيبه [3] .
وحججت مَعَ الحُرَّة أمّ فاتك ملك [4] زَبِيد، ورُبّما حجَّ معها أهل اليمن فِي أربعة آلاف بعير. ويسافر الرحل منهم بحريمه وأولاده [5] .
إلى أن قَالَ: فأذكر ليلةَ، وقد سئمت ركوبَ المحمل، أنّي ركبت نجيبا [6] ، وحين تهوّر اللّيل آنَسْتُ حسّا، فوجدت هودجا مُفْرَدًا، والبعير يَرتعي [7] ، فناديت مِرارًا: يا أهل الجمل [8] . فلم يكلّمني أحد، فدنوت فإذا امرأتان نائمتان فِي الهودج، أرجُلُهما خارجةُ [9] ولكلّ واحدَّةٍ زوج خلخال من الذَّهَب. فسلبت الزّوجين من أرجلهما وهما لا تعقلان [10] ، وأخذت بخطام
__________
[1] في الأصل: «أحتج إليها» ، والمثبت عن: النكت العصرية 22.
[2] النكت العصرية 23.
[3] النكت العصرية 23.
[4] في الأصل: «أم» .
[5] النكت العصرية 24.
[6] في النكت 25: «ركبت جملا نجيبا» .
[7] في الأصل: «ترتعي» .
[8] في الأصل: «الحمل» .
[9] في النكت: «خارجة منه» .
[10] في النكت: «يعقلان» .(39/360)
الجمل [1] حَتَّى أبركته فِي المَحَجَّة العُظْمَى وعَقَلْتُه، وبعدتُ عَنْهُ بحيث أشاهده، حَتَّى مرّت قافلةٌ، فأقاموا البعير وساقوه. فلمّا أصبح النَّاس إذا صائح يَنْشُد الضّالَّة، ويبذل لمن ردّها مائة دينار. وإذا هما امرأتان لبعض أكابر أهل زَبِيد.
وكانت عادة الحُرَّة أن تمشي فِي السّاقة، فمن نام أَيْقَظَتْه، وكان لها مائة بعير برسم حمل المنقطعين.
وحين تنصّفت اللّيلة الثّانية تأخّرت حَتَّى مرّ بي محملها، فبادر الغلمان إليَّ وقالوا: لك حاجة؟ فقلت: الحديث مَعَ الحُرَّة. ففعلوا ذَلِكَ، فأخرجَتْ رأسَها من سَجَف الهودج.
قَالَ: فناولتُها الزَّوْجَين، وبلغني أنّ وزنهما ألف مِثْقال، فَقالَتْ: ما اسمُك؟ ومن تكون؟ فقد وجب حقّك.
فأعلمتُها، وحصل لي منها جانب قويّ وصورة وتقدُّم، وتسهّل الوصول إليها فِي كلّ وقت. وبذلك حصلت معرفة بالوزير القائد أَبِي مُحَمَّد سرور الفاتكيّ. وكسبت بمعرفتها مالا جزيلا [2] . وتجرت لها بألوفٍ من المال، وتردّدت إلى عدن، وحصلت لي صُحْبة أهل عدن. وقضى ذَلِكَ باتِّساع الحال وذهاب الصّيت، حَتَّى كَانَ القاضي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي عقامة الحفائليّ [3] رأس أهل العِلْم والأدب بزَبِيد يَقُولُ لي: أنت خارجيّ هذا الوقت وسعيده، لأنّك أصحبت تُعدّ من جملة أكابر التّجّار وأهل الثّروة، ومن أعيان الفقهاء الّذين أفتوا، ومن أفضل أهل الأدب. فأمّا الوجاهة عند أهل الدّول، ونعمة خدّك بالطّيب واللّباس وكثرة السّراري، فو الله ما أعرف من يَعشرك فِيهِ، فهنيئا لك.
__________
[1] في الأصل: «الحمل» .
[2] النكت العصرية 26.
[3] في الأصل: «قتامة المنائلي» ، والتصحيح من النكت 28.(39/361)
فكأنّه واللهِ بهذا القول نعى إليَّ حالي وذَهاب مالي. وذلك أنّ كتاب الدّاعي مُحَمَّد بْن سبإ صاحب عدن [جاءني] [1] من ذي الحِجَّة يستدعي وصولي إِلَيْهِ، فاستأذنت أهل زَبِيد، فأذِنُوا لي على غشّ. وكانت للدّاعي بيدي خمسة آلاف دينار سيَّرها معي أتباعٌ لَهُ، بها أمتعة من مَكَّة وزَبِيد، فلمّا قدِمْت إلى ذي جَبْلة وجدُتُه قد دخل عروسا عَلَى ابْنَة السُّلطان عَبْد اللَّه [2] . وكان جماعة من أكابر التّجّار والأعيان، مثل بركات ابن المقرئ، وحسن ابن الحمّار [3] ، ومُرَجّى [4] الحَرّانيّ، وعليّ بْن مُحَمَّد النّيليّ، والفقيه أَبِي الْحَسَن بْن مهديّ القائم الَّذِي قام باليمن، وأزال دولة أهل زَبِيد، وكانوا قد سبقوني ولم يصلوا إلى الدّاعي. فلمّا وصلت إلى ذي جَبْلة كتبت إِلَيْهِ قول أَبِي الطّيب:
كُنْ حيثُ شئتَ تصل إليك رِكابُنا ... فالأرضُ واحدةٌ وأنت الأوحدُ [5]
ثُمَّ أتْبَعْتُ ذَلِكَ برُقْعةٍ أطلب الإِذْن بالاجتماع بِهِ، فكتب بخطّه عَلَى ظهرها:
مرحبا مرحبا قدومُك بالسّعد ... فقد أشرقت بك الآفاقُ
لو فرشنا الأحداقَ حَتَّى تطأهنّ ... لقلّتُ فِي حقّك الأحداقُ
وكان هذان البيتان ممّا حفظه عَنْ جاريةٍ مغنيَّةٍ كنت أهديتها إِلَيْهِ، واتّفق أنّ الرُّقْعة وصلت مفتوحة بيد غلامٍ جاهل، فلم تقع فِي يدي حَتَّى وقف عليها الجماعة كلّهم، وركبت إِلَيْهِ فأقمت عنده فِي المستنْزَه أربعة أيّام، فما مِن الجماعة إِلَّا مَن كتب إلى [6] أهل زَبِيد بما يوجب سفك دمي، ولا علم لي،
__________
[1] إضافة من النكت العصرية 28.
[2] في النكت 29 «عبد الله بن أسعد بن وائل» .
[3] في الأصل: «الخمار» .
[4] في الأصل: «مرجّا» .
[5] النكت 29.
[6] في الأصل: «إليّ» .(39/362)
حَسَدًا منهم وبَغْيًا. وكان ممّا تمّموا بِهِ المكيدةَ عليّ ونسبوه إليَّ، أنّ عَلِيّ بْن مهديّ صاحب الدَّولة اليوم باليمن التمس من الدّاعي مُحَمَّد بْن سبإ أن ينصره عَلَى أهل زَبِيد، فسألني الدّاعي أن أعتذر عَنْهُ إلى عَلِيّ بْن مهديّ لِما كَانَ بيني وبين ابن مهديّ من أكيد الصُّحبة فِي مبادي أمره، لأنّي لم أفارقْه إِلَّا بعد أن استفحل أمره، وكشف القناع فِي عداوة أهل زَبِيد، فتركته خوفا عَلَى مالي وأولادي لأنّي مقيمٌ بينهم. وحين رجعت إلى زَبِيد من تِلْكَ السُّفْرة وجدتُ القوم قد كتبوا إلى أهل زَبِيد فِي حقّي كُتُبًا مضمونها: إنّ فُلانًا كَانَ الواسطة بين الدّاعي وبين ابن مهديّ عَلَى حَرْبكم وزوال ملككم فاقتلوه. فحدّثني الشَّيْخ جيّاش [1] قَالَ: أجْمَعَ رأيُهم عَلَى قتْلك فِي ربيع الآخر سَنَة ثمانٍ وأربعين. فجاءهم باللّيل خبر مُحَمَّد بْن الأغرّ [2] ونفاقه وزَحْفه عَلَى تِهامة، فانزعجوا واشتغلوا، وخرجتُ حاجّا بل هاجّا إلى مَكَّة سَنَة تسعٍ. فمات أمير مَكَّة هاشم بْن فُلَيْتَه، ووُلّي الحرمين ابنُه قاسم، فألزمني السّفارة عَنْهُ إلى الدَّولة المصريَّة، فقدِمْتُها فِي ربيع الأوّل سَنَة خمسين، والخليفة بها الفائز، والوزير الملك الصّالح طلائع بْن رُزِّيك. فلمّا أحضِرتُ للسّلام عليهما فِي قاعة الذَّهب أنشدتُهما:
الحمدُ للعيسِ بعدَ العَزْمِ والهِمَمِ ... حَمْدًا يقومُ بما أَوْلَتْ من النِّعَمِ
إلى آخرها [3] .
وعهدي بالصّالح يستعيدها فِي حال النّشيد، والأُستاذون وأعيان الأمراء والكبراء يذهبون فِي الاستحسان كلّ مذهب، ثُمَّ أُفيضت عليَّ خِلَعٌ من ثياب الخلافة مذهّبة، ودفع لي الصّالح خمسمائة دينار، وإذا ببعض الأُستاذِين خرج لي من عند السّيدة بنت الإمام الحافظ بخمسمائة دينارٍ أخرى. وأُطْلِقَتْ لي رسومٌ لم تُطلَقْ لأحدٍ قبلي. وتهادتني أمراءُ الدَّولة إلى منازلهم، واستحضرني
__________
[1] في النكت 31 «جيّاش بن إسماعيل» .
[2] في الأصل: «الأعز» ، والمثبت عن: النكت.
[3] تقدّمت الأبيات في أول الترجمة.(39/363)
الصّالح للمجالسة، وانثالت عليَّ صلاته، ووجدت بحضرته أعيان أهل الأدب الجليس أَبَا المعالي بْن الحَبَاب، والمُوفَّق بْن الخلّال صاحب ديوان الإنشاء، وأبا الفتح محمود بْن قادوس، والمهذَّب حَسَن بْن الزُّبَيْر. وما من هذه الْجِلَّة أحدٌ إلّا ويضرب في الفضائل النّفسانيّة والرّئاسة الإنسانية بأوفر نصيب.
وأمّا جُلَساؤه من أهل السّيوف فولده مجد الْإِسْلَام، وصهره سيف الدِّين حُسَيْن، وأخوه فارس الْإِسْلَام بدر، وعزّ الدِّين حُسام، وعليّ بْن الزُّبْد [1] ، ويحيى بْن الخيّاط، ورضوان [2] ، وعلي هَوْشات، ومُحَمَّد بْن شمس الخلافة [3] .
قلت: وعمل عمارة فِي الصّالح عِدَّة قصائد، وتوجَّه إلى مَكَّة مَعَ الحُجّاج، ثُمَّ ذكر أَنَّهُ قَدِمَ فِي الرّسْليَّة أيضا من أمير مَكَّة [4] . وذكر أَنَّهُ حضر مجلس الصّالح طلائع، قال [5] : فكانت تجري بحضرته مسائل ومذاكرات ويأمرني بالخوض فيها، وأنا منعزلٌ عَنْ ذَلِكَ لا أنطق، حَتَّى جرى من بعض الأمراء ذِكْر بعض السَّلَف، فاعتمدت قوله تعالى: فَلا تَقْعُدُوا [6] مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ 4: 140 [7] ونهضْتُ، فأدركني الغلمان، فقلت: حَصَاةٌ يَعْتادُني وَجَعُها. وانقطعتُ ثلاثة أيّامٍ، ورسوله فِي كلّ يومٍ والطّبيب معه.
ثُمَّ ركبت بالنّهار، فوجدته فِي بستانٍ وقلت: إنّي لم يكن بي وَجَعٌ، وإنّما كرهت ما جرى فِي حقّ السَّلَف، فإنْ أمر السُّلطان بقطْع ذَلِكَ حضرت، وإلّا فلا، وكان [لي] [8] فِي الأرض سعة، وفي الملوك كثرة، فتعجّب من هذا
__________
[1] في الأصل: «الرند» ، والمثبت عن النكت 35.
[2] هو: رضوان بن جلب راغب، كما في النكت.
[3] النكت 35.
[4] النكت العصرية 41، 42.
[5] في النكت العصرية 43، 44.
[6] في الأصل: «تفقد» .
[7] سورة النساء، الآية 139.
[8] من النكت 44.(39/364)
وقال: سألتك ما الَّذِي تعتقد فِي أَبِي بَكْر وعُمَر؟ قلت: أعتقد أَنَّهُ لولاهما لم يبق الْإِسْلَام علينا ولا عليكم، وأنّ محبَّتَهما واجبة.
فضحك، وكان مرتاضا حصيفا قد لقي فِي ولايته فُقهاء السُّنَّة وسَمِعَ كلامهم، وقد جاءتني منه مرَّةً أبياتٌ معها ثلاثة أكياس ذَهَب، وهي قوله:
قُلْ للفقيه عُمارةِ يا خَيْرَ من ... أضْحَى يؤلّف خُطْبةً وخِطابا
اقْبَلْ نصيحةَ من دعاك إلى الهُدَى ... قُلْ حِطَّةٌ وادخلْ إلينا البابا
تَلْق الأئمَّة شافعين ولا تجدْ ... إِلَّا لدينا سُنَّةً وكتابا
وعليّ إنْ يَعْلُو محلُّكَ فِي الوَرَى ... وإذا شفعتَ إليَّ كنتَ مُجابا
وتعجّل الآلاف ديني [1] ثلاثةٌ ... صِلة وحقِّك لا تُعَدُّ ثَوابا [2]
فأجبته مَعَ رسوله:
حاشاك من هذا الْخَطَّاب خطابا ... يا خيرَ أملاك الزّمان نِصابا
فاشدُدْ يديكَ عَلَى صفاء محبّتي ... وامنُنْ عليَّ وسُدَّ هذا البابا [3]
ومن مليح قول عُمارة اليمنيّ من قصيدة:
لو لم يكن يدري [4] بما جهِل الوَرَى ... من الفضل لم تبق [5] عليه الفضائِلُ
لئن كَانَ منّا قابَ قَوْسٍ فبيننا ... فراسخُ من إجلاله ومراحلُ [6]
ولَهُ يرثي الصّالح بْن رُزّيك لَمّا قُتِلَ:
أَفي أهلِ ذا النّادي عليمٌ أُسائَلُهُ ... فإنّي لِما بي ذاهب اللُّبّ ذاهِلُهْ
سَمِعْتُ حَديثًا أحسدُ الصُمَّ عنده ... ويَذْهل واعيه ويخرس قائلُهْ
وقد رابني من شاهد الحال أنّني ... أرى الدّست منصوبا وما فيه كافله
__________
[1] في النكت: «وحي» .
[2] النكت 45.
[3] النكت 45، 46 وفيه بيتان آخران.
[4] في النكت: «أدرى» .
[5] في النكت: «لم تنفق» .
[6] النكت 47.(39/365)
وإنّي أرى فوق الوجوه كآبة ... تدلّ عَلَى أنّ الوجوه تواكلُهْ
دعوني فما هذا بوقت بكائه ... سيأتيكم ظلُّ البكاء وذابلُهْ [1]
ولَهُ من قصيدة:
أفاعِيلُهُم فِي الجودِ أفعالُ سُنَّةٍ ... وإنْ خالفوني فِي اعتقاد التَّشَيُّعِ [2]
ومن شِعره الفائق:
لي فِي هوى [3] الرشأ العُذْريّ إعذارُ [4] ... لم يبقَ مُذْ أقرّ [5] الدَّمْعُ إنكارُ
لي في القُدُود وفي لثْم الخُدُود [6] وفي ... ضَمِّ النُّهُودِ [7] لُباناتٌ وأوطارُ
لُمْني جزافا وسامحني مصارفة ... فالنّاسُ فِي درجات الحبّ أطوارُ
وغُرَّ غيري ففي أسْري [8] ودائرتي ... في المها درَّة قلبي لها دارُ [9]
ومن كتاب فاضليّ إلى نور الدِّين عَنْ صلاح الدِّين فِي أمر المُصَلَّبين، وفي جملتهم عُمارة اليمنيّ: «قصر هذه الخدمة عَلَى متجدّدٍ سارّ فِي الْإِسْلَام [10] ، والمملوك لم يزل يتوسَّم من جُنْد مصر وأهل القصر [11] أنّهم أعداء وإن قعدت [12] بهم الأيّام [13] ، ولم تزل عيونه بمقاصدهم موكلة،
__________
[1] في الأصل: «ذايله» ، والمثبت من: النكت العصرية 50.
[2] النكت العصرية 288 والقصيدة من 64 بيتا، وقد كتب بها إلى الملك الناصر (صلاح الدين) ولم ينشدها وترجمها بشكاية المتظلّم ونكاية المتألّم.
[3] في النكت: «ما عن هوى» .
[4] في البداية والنهاية: «اعدار» .
[5] في البداية: «لم يبق لي مداقسر» .
[6] في النكت: «وفي ضمّ النهود» .
[7] في النكت: «لثم الخدود» .
[8] في الأصل: «سري» . وفي الروضتين: «وخلّ عذلي ففي داري» . (572) وفي الصفحة التالية 573 ورد البيت كما هو أعلاه.
[9] الأبيات من قصيدة في النكت العصرية 265، والكامل لابن الأثير 11/ 264، والروضتين ج 1 ق 2/ 572، ومنها بيتان في: سنا البرق الشامي 1/ 149.
[10] في الروضتين: «سار للإسلام وأهله» ، وبعد فقرة حذفها المؤلّف- رحمه الله-.
[11] في الروضتين زيادة بعدها.
[12] في الروضتين: «تعدّت» .
[13] في الروضتين زيادة.(39/366)
وخطراته فِي التَّحرُّز منهم مستعملة، لا يخلو شهر من مَكْرٍ [1] يجتمعون عَلَيْهِ، وحيلة يُبرمونها. وكان أكثر ما يَستروحون [2] إِلَيْهِ المكاتبات إلى الفِرَنج، فسيَّر ملك الفِرَنج كاتبه، «جُرْج» رسولا إلينا ظاهرا، وإليهم باطنا [3] .
والمولى عالِمٌ أنّ عادة أوليائه المستفادة من أدبه أن لا يبسطوا عقابا مؤلما، وإذا طال لهم الاعتقاد خلَّى سبيلهم. ولا يزيدهم العفوُ إِلَّا ضراوة، ولا الرّقَّةُ عليهم إِلَّا قساوة. وعند وصول «جُرْج» ورد إلينا كتابٌ ممّن لا نرتاب بِهِ من قومه يذكرون أَنَّهُ رسول مخاتلة لا رسول مجاملة، [و] حامل بليَّة، لا حامل هديَّة. فأوهمناه الإغفالَ، فتوصّل مرَّةً بالخروج إلى الكنيسة إلى الاجتماع بحاشية القصر وأعوانهم، فتنقّلت إلينا أحوالهم فأمسكنا جماعة متمرّدة قد اشتملت عَلَى الاعتقادات المارقة، وكُلًّا أخذ اللَّه بذنْبه، فمنهم من أقرَّ طائعا، ومنهم أقرَّ بعد الضَّرْب، وانكشفت المكتومات، وعيّنوا خليفة ووزيرا [4] .
وكانوا فأما تقدَّم، والمملوك بالعسكر عَلَى الكَرَك والشَوْبك، قد كاتبوهم، وقالوا إنّه بعيد، والفُرصة قد أمكنت [5] .
وكاتبوا «سِنانًا» صاحب الحشيشيَّة بأن الدّعوة واحدة، والكلمة جامعة، واستدعوا منه مَن يغتال المملوك. وكان الرَّسُول خال ابن فرجلة، فقتل اللَّه تعالى بسيف الشّرع والفتاوى جماعة من الغُواة الدُّعاة إلى النّار، وشُنِقوا عَلَى أبواب قصورهم، وصُلِبوا عَلَى الجذوع المواجهة لدُورهم، ووقع التَّتَبُّع لأتباعهم، وشُرِّدت الإسماعيليَّة، ونودي بأنْ يرحل كافَّة الأجناد وحاشية القصر إلى أقصى الصّعيد، وثغر الإسكندريّة، فظهر بِهِ داعيةٌ يُسمَّى «قديد
__________
[1] في الروضتين: «لا تخلو سنة تمرّ، ولا شهر يكرّ، من مكر يجتمعون عليه» .
[2] في الروضتين: «يستريحون» .
[3] يختصر المؤلّف- رحمه الله- بعض الجمل من النص. انظر: الروضتين ج 1 ق 2/ 563، ومفرّج الكروب 1/ 248.
[4] انظر الروضتين ففيه زيادة.
[5] انظر الروضتين ففيه زيادة.(39/367)
القفاص» ، ومع خموله بمصر، قد فشت بالشّام دعوته، وطبّقَتْ مصرَ فتنتُه، وإنّ أرباب المعايش يحملون إِلَيْهِ جُزءًا من كسْبهم. ووجدتْ فِي منزله بالإسكندريَّة عند القبض عَلَيْهِ كُتُبٌ فيها خلُع العِذار، وصرح الكُفْر الَّذِي ما عَنْهُ اعتذار. وكان يدّعى النَّسَب إلى أهل القصر، وأنّه خرج منه صغيرا، ونشأ عَلَى الضّلالة كبيرا، فقد صرعة كُفْره، وحاق بِهِ مكرُه. والحمد للَّه وحده» [1] .
- حرف الفاء-
334-[فوارس] [2] بْن موهوب بْن عبد اللَّه [3] .
ابن الشّباكيَّة الخفّاف أَبُو الهيجا.
روى عَنْ: إِسْمَاعِيل بْن مَلَّة.
روى عَنْهُ: مكّيّ الفرّا، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامَة، وجماعة [4] .
- حرف الميم-
335- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محرز بْن عَبْد اللَّه [5] .
أَبُو بَكْر البَطَلْيُوسيّ، عُرِف بالمَنْتَانْجِشِيّ، نزيل إشبيلية.
سَمِعَ من: أَبِيهِ، ومن أَبِي الوليد العُتْبيّ، وأبي مُحَمَّد بن عتّاب، وأبي القاسم بن النَّخّاس [6] .
وأخذ عَنِ ابن النّخّاس القراءات، وعن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن مزاحم، وابن طريف.
__________
[1] انظر: الروضتين ج 1 ق 2/ 563- 566، ومفرّج الكروب 1/ 248.
[2] في الأصل بياض.
[3] انظر عن (فوارس بن موهوب) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 159 رقم 1103.
[4] مولده سنة 487 تقريبا.
[5] انظر عن (محمد بن أحمد بن محرز) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 512، 513، والذيل والتكملة لكتاب الموصول والصلة للمراكشي 5/ 677 و 6/ 65، ومعرفة القراء الكبار 2/ 549 رقم 497، وغاية النهاية 2/ 80 رقم 2778.
[6] في الأصل وغاية النهاية: «النحاس» بالحاء المهملة. والمثبت عن معرفة القراء الكبار.(39/368)
وأخذ العربيَّة والأدب عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي العافية.
قَالَ الأَبّار [1] : كَانَ فقيها، مشاوَرًا، حافظا، أديبا، حافلا، كاتبا.
روى عَنْهُ: أبو بكر بن خير، وأبو عمر بن عيّاد، وأبو الْخَطَّاب بْن واجب شيخنا، وغيرهم.
تُوُفّي فِي آخر السّنة.
قَالَ: وفي هذه السّنة كان غزوة السّبطاط وفتح قنطرة السّيف عَنْوةً.
336- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن عُمَر [2] .
أَبُو شجاع المادَرَائيّ [3] ، أحد الحُجّاب الأعيان بالدّيوان العزيز.
سَمِعَ من: طراد الزينبي، وأبي عبد الله بن طلحة النِّعَاليّ، وغيرهما.
سَمِعَ منه: المبارك بْن كامل مَعَ تقدُّمه، وعُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ.
وحدَّث عَنْهُ: أَحْمَد بْن أَحْمَد الأَزَجيّ، وعبد اللّطيف بْن القُبَّيْطيّ، وموفَّق الدِّين بْن قُدَامة، وغيرهم.
وكان مولده في سنة ثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي فِي صَفَر.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَافِظِ بِنَابُلُسَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَادَرَائِيُّ بِقِرَاءَتِي: أنا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ بْن حَسْنُونَ النَّرْسِيُّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ، ثنا بَكْرُ بْنُ عُمَرَ، ثنا شُعْبَةُ: أنا سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشّعر حكما، وإنّ من البيان سحرا» [4] .
__________
[1] في تكملة الصلة 2/ 512.
[2] انظر عن (محمد بن الحسين) في: سير أعلام النبلاء 21/ 46 (دون ترجمة) .
[3] المادرائي: بفتح الميم والدال المهملة بعد الألف، وبعدها الراء. نسبة إلى مادرايا من أعمال البصرة. (الأنساب 11/ 64) .
[4] الحديث صحيح، رواه أكثر من صحابيّ، أخرجه البخاري في الأدب 10/ 448 باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: أيام الجاهلية، وفي الرقاق، باب: الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، ومسلم في الشعر (2256) ، وروى أبو داود في الأدب (5011) باب: ما جاء في الشعر قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فجعل يتكلم بكلام، فقال: «إن من البيان سحرا، وإن من الشعر حكما» ،(39/369)
337- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن مَسْعُود [1] .
أَبُو بَكْر الدّينَوَرِيّ، أحد العدُول ببغداد.
كَانَ متساهلا فِي الشّهادة فعُزِل. وكان غير محمود الطّريقة. ثُمَّ أُعيد إلى العدالة فِي أواخر أيّامه.
سمع من: أبي سعد بن الطُّيوريّ، وعبد القادر بْن يوسف.
روى عَنْهُ: أَبُو سَعْد السّمعانيّ، ومات قبله.
تُوُفّي سَنَة تسعٍ فِي شعبان.
338- محمود بْن أَبِي سَعِيد زنكي بن آق سنقر التّركيّ [2] .
__________
[ () ] وأخرجه الترمذي في الأدب (2848) باب: ما جاء إن من الشعر حكمة.
ومن طريق هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها في: الجليس الصالح للجريري 1/ 217، ومعجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) 294 رقم 255، ومسند الشهاب للقضاعي 2/ 99 رقم 964 و 965.
[1] انظر عن (محمد بن عبد الملك) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 51 رقم 258، والمختصر المحتاج إليه 1/ 70.
[2] انظر عن (محمود بن زنكي) في: المنتظم 10/ 248، 249 رقم 348 (18/ 209، 210 رقم 4302) ، والكامل في التاريخ 11/ 402- 405، وسنا البرق الشامي 1/ 153- 155، والتاريخ الباهر 161- 175، والنوادر السلطانية 47، والإشارات إلى معرفة الزيارات للهروي 16، وبغية الطلب (تراجم السلاجقة) انظر فهرس الأعلام 405، وزبدة الحلب 2/ 340، 341 و 3/ 9، 10، ومفرّج الكروب 1/ 263، والروضتين ج 1 ق 1/ 577- 588، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 24/ 121- 128 رقم 97، وآثار الأول في ترتيب الدول للعباسي 128 و 185، وأخبار الدول المنقطعة 114، وتاريخ مختصر الدول 215، 216، وتاريخ الزمان 189، ومنتخبات من كتاب التاريخ لشاهنشاه 2685، وذيل تاريخ دمشق (انظر فهرس الأعلام) ، وكتابنا: ديوان ابن منير الطرابلسي (انظر فهرس الأعلام) 331، ووفيات الأعيان 5/ 184- 189، ومرآة الزمان 8/ 187 و 305- 345، والمختصر في أخبار البشر 3/ 55، والنجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة 143، ونهاية الأرب 27/ 163- 168، والعبر 4/ 208، 209، وسير أعلام النبلاء 20/ 531- 539 رقم 340، ودول الإسلام 2/ 83، والإعلام بوفيات الأعلام 235، وتاريخ ابن الوردي 2/ 83، ومرآة الجنان 3/ 386- 389، والبداية والنهاية 12/ 277، 278، والإعتبار لأسامة بن منقذ (انظر فهرس الأعلام) 239، والجوهر الثمين 2/ 14، والكواكب الدريّة 228، وتاريخ ابن خلدون 5/ 253، ومآثر الإنافة للقلقشندي 2/ 34(39/370)
الملك العادل نور الدِّين، ناصر أمير المؤمنين أبو القاسم.
قال ابن عساكر: كان آق سنقر قد وُلّي ناية حلب للسّلطان ملك شاه بْن ألب رسلان، ووُلّي غيرها من بلاد الشّام.
ونشأ قسيم الدَّولة زنكي بالعراق، وندبه السّلطان محمود بن محمد بن ملك شاه بْن ألْب رسلان برأي الخليفة المسترشد باللَّه لولاية المَوْصِل، وديار بَكْر، والبلاد الشّاميَّة، بعد قتل آق سنقر البُرْسُقيّ، وموت ابنه مَسْعُود. فظهرت كفاية زنكي، وعُرِفت شهامته وثَبَاته عند ظهور ملك الروم، ونزوله عَلَى شَيْزَر، حَتَّى رجع إلى بلاده خائبا: وقد حاصر ابن قسيم الدَّولة زنكي دمشقَ مرّتين، فلم يفتحها، وافتتح الرُّهَا، والمَعَرَّة، وكَفَرْطاب وغيرها من أيدي الكُفّار. وتُوُفّي، وقام مقامه فِي ولاية الشّام ابنه الملك نور الدِّين.
وُلِدَ فِي شوَّال سَنَة إحدى عشرة وخمسمائة، ودخل قلعة حلب بعد قتل والده عَلَى جَعْبَر فِي ربيع الأوّل سَنَة إحدى وأربعين، فخلع عَلَى الأمراء.
قلت: تملَّك ولَهُ ثلاثون سَنَة. وكان أعدل ملوك زمانه بالإجماع، وأكثرهم جهادا، وأحرصهم عَلَى الخير، وأَدْيَنَهم وأَتْقَاهم للَّه.
قَالَ ابن عساكر [1] : ظهر منه بذل الاجتهاد فِي قيام الجهاد، وخرج من حلب غازيا فِي أعمال تلّ باشِر، فافتتح حصونا كثيرة، وقلعة أفامية، وحصن
__________
[ () ] و 40 و 46 و 47 و 51 و 168، وتاريخ الخميس للدياربكري 2/ 406، والجواهر المضيّة 2/ 158، وشفاء الغرام لقاضي مكة (بتحقيقنا) 2/ 365- 367، والنجوم الزاهرة 6/ 71، وتحفة الأحباب للسخاوي 57، 68، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 135- 138، والدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 1/ 99 و 331، والسلوك للمقريزي ج 1 ق 1/ 55، وثمرات الأوراق لابن حجّة الحموي 82، وشذرات الذهب 4/ 228- 231، وبدائع الزهور ج 1 ق 2/ 240، 241، وأخبار الدول 279، 280، ومنادمة الأطلال 214- 222، والإشارات إلى أماكن الزيارات لابن الحوراني- 27- 29 وقد نشر المعهد العلمي الفرنسي بدمشق ترجمة «محمود بن زنكي» من تاريخ دمشق لابن عساكر، بتحقيق نيكيتا إيليسيف.
[1] في تاريخ دمشق، والمختصر.(39/371)
البارة، وقلعة الرّاوندان، وقلعة تلّ خالد، وحصن كفرلاثا [1] ، وحصن بَسَرْفُوث [2] بجبل بني عُلَيْم، وقلعة عزاز، وتلّ باشِر، ودُلُوك، ومَرْعَش، وقلعة عين تَاب، ونهر الجوز. وغزا حصن إنَّب [3] ، فقصده الإبْرِنْس صاحب أنطاكية، فواقعه، فكسره نور الدِّين وقتله، وقتل ثلاثة آلاف إفْرنجي، وبقي لَهُ ولدٌ صغيرٌ مَعَ أمّه بأنطاكيّة، فتزوّجت بإبْرِنْسٍ آخر، فخرج نور الدِّين فِي بعض غزواته فأسر الإبْرِنْس الآخر، فتملّك أنطاكية ابنُه، وباعه نور الدِّين نفسَه بمالٍ عظيم.
قَالَ: وأظهر السُّنَّة بحلب، وغيَّر البدعة الّتي كانت لَهُ فِي [التّأذين] [4] ، وقمع الرّافضة، وبنى بها المدارس، وأقام العدل.
وحاصر دمشق مرَّتين، ثُمَّ قصدها الثّالثة.
وقد كَانَ صَالَح مَعِين الدِّين أنز [5] نائب صاحبها، وصاهَره، واجتمعت كلمتُهما عَلَى الغزْو، فسلَّم أهل دمشق إِلَيْهِ البلد لغلاء الأسعار، وللخوف من العدوّ، فتملّكها وسكنها، وحصّن سورها، وبنى بها المدارس والمساجد، ووسّع أسواقها، ورفع عَنِ النَّاس الأَثقال، ومنع مِنْ أخذ ما كَانَ يؤخذ منهم من المغارم بدار بِطّيخ وسوق الغَنَم. وضمان النّهر والكَيّالة، وأبطل الخمر.
وأخذ من الفِرَنج ثغر بانياس، والمُنَيْطِرة [6] .
وكان فِي الحرب رابط الجأش، ثابت القَدَم، حَسَن الرَّمْي. وكان
__________
[1] كفرلاثا: بالثاء المثلّثة، والقصر. بلدة ذات جامع ومنبر في سفح جبل عاملة من نواحي حلب بينهما يوم واحد.. وأهلها إسماعيلية (معجم البلدان 4/ 470) .
[2] بسرفوث: حصن من أعمال حلب في جبال بني عليم، وقد خرب، وهو الآن قرية.
(معجم البلدان 1/ 420) .
[3] إنّب: حصن من أعمال عزاز من نواحي حلب. (معجم البلدان 1/ 258) .
[4] في الأصل بياض. والمثبت من تاريخ دمشق، والمختصر 24/ 123.
[5] هكذا بالزاي في الأصل، وهو «أنر» بالراء.
[6] المنيطرة: حصن في جبال لبنان بين جبيل وبعلبكّ. وصفه ياقوت بأنه حصن بالشام قريب من طرابلس. (معجم البلدان 5/ 27) .(39/372)
يتعرَّض بنفسه للشّهادة، فلقد حكى عَنْهُ كاتبه أبو اليُسْر شاكر بْن عَبْد اللَّه أَنَّهُ سمعه يسأل اللَّه أن يحشره من بطون السّباع وحواصل الطَّيْر، والله يقي مهجته من الأَسْوأ. فلقد أحسن إلى العلماء وأكرمهم، وبنى دُور العدل، وحضرها بنفسه أكثر الأوقات، ووقف عَلَى المرضى، وأَدَرَّ عَلَى الضُّعفاء والأيتام وعلى المجاورين، وأمر بإكمال سور مدينة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخراج العين الّتي بأُحُد، وكانت قد دفنتها السيول.
وفتح سُبُل الحجّ من الشّام، وعمّر الرُّبَط، والخوانق، والبيمارستانات فِي بلاده، وبنى الجسور والطُّرُق والخانات، ونصَّبَ مؤدّبين للأيتام. وكذلك صنع لَمّا ملك بسِنْجار، وحَرَّان والرّقّة، والرّها، ومنبج، وشيزر، وحماه، وحمص، وصَرْخَد، وبَعْلَبَكّ، وتَدمُر. ووقف كُتُبًا كثيرة عَلَى أهل العِلْم.
وكسر الفِرَنج والأرمن عَلَى حارِم هُوَ وأخوه قطب الدِّين فِي عسكر المَوْصِل، وكان العدوّ ثلاثين ألف، فلم يفلت منهم إِلَّا القليل. وقبلها كسر الفِرَنج عَلَى بانياس.
قَالَ سِبْط الْجَوْزيّ [1] : سبب أخْذ نور الدِّين دمشقَ ما ظهر من صاحبها مُجير الدِّين من الظُّلْم ومصادرات أهلها، وقبْضة عَلَى جماعةٍ من الأعيان، واستدعى زين الدَّولة [2] بْن الصُّوفيّ الَّذِي ولّاه رياسة دمشق لَمّا أخرج أخاه وجيه الدَّولة منها، فقتله فِي القلعة، ونهب داره، وأحرق دُور بني الصُّوفيّ، ونهب أموالهم. وتواترت مكاتباته للفرنج يستنجد بهم ويُطْمعهم فِي البلاد، وأعطاهم بانياس، فكانوا يشنُّون الغارات إلى باب دمشق، فيقتلون ويأسرون.
وجعل للفِرَنج عَلَى أهل دمشق قطيعة، فكاتب أهل دولته نور الدِّين، فأخذ نور الدِّين معه فِي الملاطفة والودّ، وخاف إنْ شدَّ عَلَيْهِ أن يستعين بالفِرَنج.
ولم يزل إلى أن تسلّم دمشق.
__________
[1] في مرآة الزمان 8/ 220، 221.
[2] في مرآة الزمان 8/ 221 «سيف الدولة» ، وفي الحاشية (1) هو مؤيّد الدين.(39/373)
قَالَ ابن عساكر [1] : وقد كَانَ شاور السَّعْديّ أمير الجيوش بمصر وصل إلى جنابه مستجيرا لَهُ لَمّا عاين الدّهر، فأكرمه وأكرم مورده واحترمه، وبعث معه جيشا لردّه إلى درجته، فوصلوا معه، وقتلوا خصمه، ولم يقع منه الوفاء بما ورد من جهته، فأصرّ عَلَى المشاققة وكابر، واستنجد بالعدوّ المخذول، فأنجدوه، وضمِن لهم الأموالَ العظيمة، فرجع عسكر نور الدِّين، فحدَّث صاحب الفرنج نفسَه بأخْذ مصر، فتوجَّه إليها بعد سِنين لينتهز الفرصة، فأخذ بَلبيس، وخيَّم بعَرَصَة مصر، فلمّا بلغ نورَ الدِّين ذَلِكَ، بذل جهده فِي توجيه الجيش إليها، فلمّا سَمِعَ العدوّ بمجيء الجيش رجعوا، وأمِن أهلُ مصر بقدوم الجيش وانتعشوا، واطُّلِع من شاور عَلَى المخامرة، وأنّه أنفذ يراسل العدوّ ليردَّهم إلى مصر، ويدفع بهم الجيش، فلمّا عرف غدْره تمارض أسد الدِّين، فجاء شاور يعوده، فوثب جورديك وبُزْغُش النُّوريّان فقتلاه، وأراح اللَّه منه، وصفى الأمر لأسد الدِّين، وتملّك وحُمِدت سيرته، وظهرت السُّنَّة بمصر.
وكان حَسَن الخطّ، حريصا عَلَى تحصيل الكُتُب الصِّحاح والسُّنَن، كثير المطالعة للفِقه، والحديث، مواظبا عَلَى الصَّلَوات فِي جماعةٍ، كثير التِّلاوة، والصِّيَام، والتّسبيح، عفيفا، متحرّيا فِي المطعم والمشرب، عُرْيًا عَن التَّكَبُّر.
وكان ذا عقل متين ورأي رهين، مقْتديًا بسيرة السَّلَف، مُتَشَبِّهًا بالعلماء والصُّلحاء. روى الحديث وأسمعه بالإجازة. وكان من رآه شاهَدَ من جلال السّلطنة وهَيْبة المُلك ما يُبْهِره، فإذا فاوضه رَأَى من لطافته وتواضعه ما يُحيِّره.
ولقد حكى عَنْهُ مَن صَحِبَه فِي حَضَره وسَفَره أَنَّهُ لم يسمع منه كلمةَ فُحْش في رضاه ولا في ضَجَره، وإنَّ أشهى ما إِلَيْهِ كلمةُ حقٍّ يسمعها، وإرشادٌ إلى سُنَّة يتَّبِعُها، يؤاخي الصّالحين ويزورهم، وإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوَّج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم. ومتى تكرَّرت الشِّكاية من وُلاته عزلهم. وأكثر ما
__________
[1] في تاريخ دمشق، ومختصره 24/ 125.(39/374)
أخذه من البلدان تسلّمه بالأمان. وكان كُلَّما فتح اللَّه عَلَيْهِ فتحا، وزاده ولايةَ، أسقط عَنْ رعيّته قسْطًا، حَتَّى ارتفعت عَنْهُمُ الظُّلامات والمُكُوس، واتَّضعت فِي جميع ولايته الغرامات والنُّحُوس.
وقال أَبُو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ [1] : نور الدِّين وليَ الشّامَ سِنين، وجاهد الثّغور، وانتزع من أيدي الكُفَّار نيِّفًا وخمسين مدينة وحصْنًا، وبنى مارستانا [2] فِي الشّام، فأنفق عَلَيْهِ مالا، وبنى بالمَوْصِل جامعا غرِم عَلَيْهِ سبعين [3] ألف دينار، ثُمَّ أثنى عَلَيْهِ.
وقال: كَانَ يتديَّن بطاعة الخلفاء، وترْك المُكُوس قبل موته، وبعث جُنودًا فتحوا مصر. وكان يميل إلى التَّواضُع، ومحبَّة العلماء والصُّلَحاء، وكاتَبَني مِرارًا. وأحْلَفَ الأمراءَ عَلَى طاعة ولده بعدَه، وعاهد ملوك الفِرَنج، وصاحبَ طَرَابُلُسَ، وقد كَانَ فِي قبضته أسيرا، عَلَى أن يطلقه بثلاثمائة دينار، وخمسمائة حصان، وخمسمائة زرديّة، ومثلها تراس إفرنجيّة، ومثلها قنطوريّات، وخمسمائة أسيرٍ مسلمين، وبأنّه لا يُغير عَلَى بلاد المسلمين سبْع سِنين وسبعة أشهر وسبعة أيّام. وأخذ منه فِي قبضته عَلَى الوفاء بذلك مائة من أولاد الفِرَنج وبَطَارقيّهم، فإن نكث أراق دماءهم. وعزم عَلَى فتح بيت المقدس، فتُوُفّي فِي شوَّال. وكانت ولايته ثمانيا وعشرين سَنَة.
وقال المُوفَّق عَبْد اللّطيف: كَانَ نور الدِّين لم ينشف لَهُ لبدٌ من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارة، ويعمل أعلافا تارة، ويلبس الصوف، ويلازم السَّجّادةَ والمُصْحَف، وعمّر المدارس، وعمّر المارستان بدمشق للمهذّب ابن النّقّاش تلميذ أوحد الزّمان.
وكان حنفيّا، ويُراعي مذهب الشّافعيّ، ومالك. وكان ولده الصّالح أحسن أهل زمانه صورة.
__________
[1] في المنتظم 10/ 248، 249.
[2] في الأصل: «وبنى مارستان» .
[3] في المنتظم: «ستين» .(39/375)
ونزل نور الدِّين عَلَى حارِم، فكبستهم الفِرَنج، وهرب جيشه عَلَى الخيل عُرْيًا، وقام هُوَ حافيا، فركب فَرَس النَّوْبة، وأخذت الفِرَنج الخِيَم بما حَوَت، فلمّا دخل حلبَ غرِم لجميع الْجُنْد ما ذهب، حَتَّى المِخْلَاة والمِقْوَد، وخرج بعد شهرٍ بأتمّ عُدَّة، وكسرهم كسرة مُبِيدة.
ونقل الْحَسَن بْن مُحَمَّد القليوبيّ فِي «تاريخه» قَالَ: لَمّا جاءت الزّلزلة بنى نور الدِّين فِي القلعة بيتا من خشب كَانَ يبيت فِيهِ، فدُفِن فِي ذَلِكَ البيت، ورثاه جماعة من الشُّعراء، وأخرجت الأمراء ولده مشقوق الثّياب، مجزوز الشَّعْر، وأجلسوه على التَّخْت الباقي من عهد تُتُش، والنّاس حوله يبكون، ثُمَّ حلف لَهُ الأمراء.
وقال القاضي ابن خَلِّكان [1] : وسيَّر نور الدّين الأمير أسد الدّين شير كوه إلى مصر ثلاثٍ دفعات، ثُمَّ ملكها صلاح الدِّين نيابة لَهُ، وضرب باسمه السِّكَّة والخُطْبة.
قَالَ: وكان زاهدا، عابدا، متمسّكا بالشّريعة، مجاهدا، كثير البِرّ والأوقاف. وبنى بالمَوْصِل الجامع النّوريّ. ولَهُ من المناقب ما يستغرق الوصف.
تُوُفّي فِي حادي عشر شوَّال بقلعة دمشق بالخوانيق، وأشاروا عَلَيْهِ بالفَصْد فامتنع، وكان مَهِيبًا، قلّما روجع، وكان أسمر طويلا، حَسَن الصّورة، لَيْسَ بوجهه شَعْر سوى حَنَكه. وعُهِد بالمُلك إلى ولده الملك الصّالح إِسْمَاعِيل، وهُوَ ابن إحدى عشرة سَنَة.
وقال ابن الأثير [2] : حكى لي الطّبيب قَالَ: استدعاني نور الدِّين مَعَ غيري، فدخلنا عَلَيْهِ، وقد تمكّنت الخوانيق منه، وقارب الهلاك، ولا يكاد يُسمع صوتُه، فقلت: ينبغي أن ينتقل إلى موضعٍ فسيحٍ مضيء، فله أثر في
__________
[1] في وفيات الأعيان 5/ 185.
[2] في الكامل 11/ 402.(39/376)
هذا المرض. وأشرنا بالفَصْد، فقال: ابن ستّين سَنَة لا يفتصِد. وامتنع منه، فعالجناه بغيره، فلم ينجع.
قَالَ ابن الأثير [1] : كَانَ أسمر طويلا، لَيْسَ لَهُ لحية إِلَّا في حَنَكه. وكان واسع الجبهة، حَسَن الصّورة، حُلْو العينين، قد طالعت السِّيَر، فلم أر فيها بعد الخلفاء الرّاشدين وعُمَر بْن عَبْد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحرّيا منه للعدل.
وكان لا يأكل، ولا يلبس، ولا يتصرّف فِي الَّذِي يخصّه إِلَّا من مُلْكٍ كَانَ لَهُ قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، ومن الأموال المُرْصَدَة لمصالح المسلمين. ولقد طلبَتْ منه زوجته فأعطاها ثلاثة دكاكين بحمص كراها نحو عشرين دينارا في السّنة، فاستقلَّتها فقال: لَيْسَ لي إِلَّا هذا، وجميع ما بيدي أَنَا فِيهِ خازن للمسلمين. وكان رحمه اللَّه يصلّي كثيرا باللّيل. وكان عارِفًا بالفقه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة، ولم يترك فِي بلاده عَلَى سَعتِها مُكْسًا.
إلى أن قَالَ فِي أوقافه عَلَى أنواع البِرّ: سَمِعْتُ أنّ حاصل وقْفه فِي الشّهر تسعة آلاف دينار صوريّ.
قَالَ لَهُ القُطْب النَّيْسَابوريّ مرَّةً: لا تُخَاطِرْ بنفسك، فإنْ أُصِبتَ فِي معركةٍ لا يبقى للمسلمين أحدٌ إِلَّا أخذه السّيف. فقال: مَن محمود حَتَّى يقال له هذا؟ مَن حفظ البلاد قبلي؟ ذَلِكَ اللَّه الَّذِي لا إله إِلَّا هُوَ.
وقال يحيى بْن مُحَمَّد الوهْرانيّ، وذكر نور الدِّين: هُوَ سهم للدّولة سديد، ورُكنٌ للخلافة شديد، وأميرٌ زاهد، وملك مجاهد، تساعده الأفلاك، وتعضدُه الجيوشُ والأملاك، غير أَنَّهُ عرف بالمرعى الوكيل لابن السّبيل، وبالمحلّ الجديب للشاعر الأريب، فما يُرزّى ولا يُعزّى، ولا لشاعرٍ عنده نعمةٌ تجزى.
وإيّاه عنى [2] أُسامة بن منقذ بقوله:
__________
[1] في الكامل 11/ 403.
[2] في الأصل: «عنا» .(39/377)
سلطانُنا زاهدٌ والنّاس قد زَهِدُوا ... لَهُ فكلٌّ عَن [1] الخيراتِ مُنْكمِش
أيَّامُه مثلُ شهر الصَّوم طاهرةٌ ... من المعاصي وفيها الجوعُ والعَطَشُ [2]
قلت: وفي كتاب «البرق الشّاميّ» وغيره من مصنَّفات العماد الكاتب كثيرٌ من سِيرة نور الدِّين وأخباره. وقد عُنيَ الْإِمَام أَبُو شامة [3] فِي كتاب «الروضتين» له بأخبار الدّولتين النّوريّة والصّلاحيّة.
ودُفِن نور الدِّين بتُربته عَلَى باب الخوّاصين رحمه اللَّه، وعاش ابنه عشرين سَنَة، ومات بالقولنْج فِي حلب.
قَالَ مجد الدِّين ابن الأثير الْجَزَريّ، فِي «تاريخ المَوْصِل» عَلَى ما حكاه أَبُو المُظَفَّر بْن الْجَوْزيّ عَنْهُ قَالَ [4] : لم يلبس حريرا قطّ، ولا ذَهَبًا ولا فضّة، ومنع من بيع الخمر فِي بلاده.
قلت: قد لبس خلْعة الخليفة وهي من حرير وطَوْق ذهب، فلعلّه أراد أَنَّهُ لا بُدّ من لبْس ذَلِكَ.
قَالَ: وكان كثير الصّيام، ولَهُ أوراد فِي اللّيل والنّهار، كثير اللَّعِب بالكُرة، فكتب إِلَيْهِ بعض الصّالحين يُنْكِر عَلَيْهِ ويقول: تُتْعِب الخيلَ فِي غير فائدة.
فكتب إِلَيْهِ بخطّه: واللهِ ما أقصد اللَّعِبَ، وإنّما نَحْنُ فِي ثغرٍ، فرُبَّما وقع الصُّوت، فتكون الخيلُ قد أدمنت عَلَى سُرعة الانعطاف بالكَرّ والفَرّ [5] .
وأُهْدَيَت لَهُ عمامة مذهَّبة من مصر، فوهبها لشيخ الصُّوفية ابن حَمُّوَيْه، فبعث بها إلى العجم، فأبيعت بألف دينار [6] .
__________
[1] في الروضتين: «على» .
[2] ديوان أسامة 158، الروضتين ج 1 ق 2/ 584.
[3] في الأصل: «أبو سامة» بالسين المهملة.
[4] في مرآة الزمان 8/ 307.
[5] مرآة الزمان 8/ 307، 308.
[6] مرآة الزمان 8/ 308.(39/378)
قَالَ: وكان عارفا بمذهب أَبِي حنيفة، وليس عنده تعصُّب [1] ، والمذاهب عنده سواء.
قَالَ: وكان يلعب يوما في ديوان دمشق، وجاءه رَجُلٌ فطلبه إلى الشَّرْع، فجاء معه إلى مجلس القاضي كمال الدّين بن الشَّهْرُزُوريّ، وتقدَّمه الحاجب يَقُولُ للقاضي: لا تنزعِجْ، واسلْك معه ما تسلك مَعَ آحاد النَّاس. فلمّا حضر سوّى بينه وبين خصْمه وتحاكما، فلم يثبت للرّجل عَلَيْهِ حقّ، وكان يدّعي مُلْكًا فِي يد نور الدِّين، فقال نور الدِّين: هَلْ ثبت لَهُ حقّ؟ قَالُوا: لا. قَالَ:
فاشهدوا أنّي قد وهبت لَهُ المِلْك، وإنّما حضرت معه لئلّا يُقال عنّي أنّي دُعيت إلى مجلس الشَّرع فأَبَيْت [2] .
قَالَ: ودخل يوما فرأى مالا كثيرا، فقالوا: بعث بهذا القاضي كمال الدِّين من قابض الأوقاف. فقال: رُدُّوه، وقولوا لَهُ: أَنَا رقبتي دقيقة، لا أقدر عَلَى حمله غدا، وأنت رقبتك غليظة تقدر عَلَى حمله [3] .
ولَمّا قَدِمَ أمراؤه دمشقَ أفنوا الأملاك، واستطالوا عَلَى النَّاس، خصوصا أسد الدّين شير كوه، ولم يقدر القاضي على الانتصاف من شير كوه، فأمر نور الدِّين ببناء دار العدل، فقال شير كوه: إنّ نور الدِّين ما بنى هذه الدّار إِلَّا بسببي، وإلا فمن يمتنع عَلَى كمال الدِّين؟. وقال لديوانه: واللهِ لئن أُحضِرتُ إلى دار العدل بسببٍ واحد منكم لأصلبنَّه. فإنّ كَانَ بينكم وبين أحدٍ منازعةٌ فارضوه مهما أمكن، ولو أتى على جميع مالي [4] .
وكان نور الدِّين يقعد فِي دار العدل فِي الأسبوع أربع مرّات، ويحضر عنده الفقهاء والعلماء، ويأمر بإزالة الحاجب والبوّابين [5] .
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 308.
[2] مرآة الزمان 8/ 308.
[3] مرآة الزمان 8/ 308.
[4] مرآة الزمان 8/ 309.
[5] مرآة الزمان 8/ 309.(39/379)
قَالَ: وكان إذا حضرت الحربُ حمل قوسين وتركشَيْن [1] ، وكان لا يتّكل الْجُنْد عَلَى الأمراء، بل يتولّاهم بنفسه، ويُباشر خيولهم وسلاحهم.
قَالَ: وأنفق على عمارة جامع الموصل ستّين [2] ألف دينار، وفوّض عمارته إلى الشَّيْخ عُمَر المُلّا الزّاهد.
قَالَ: ويُقال: أنفق عَلَيْهِ ثلاثمائة ألف دينار، فتمّ فِي ثلاثٍ سِنين. وبنى جامع حماه عَلَى العاصي [3] .
قَالَ: ووقع فِي أسْره ملك إفرنجيّ، فأشار الأمراء ببقائه فِي أسره خوفا من شرِّه، وبذل هُوَ فِي نفسه مالا. فبعث إِلَيْهِ نور الدِّين سرّا يقول: أحضر المال. فأحضر ثلاثمائة ألف دينار، فأطلقه. فعند وصوله إلى مأمنه مات.
فطلب الأمراء سهمهم من المال، فقال: ما تستحقّون منه شيئا لأنّكم نهيتم، وقد جمع اللَّه لي الحُسْنَيَيْن: الفداء، وموت اللّعين، وخلاص المسلمين منه.
فبنى بذلك المال المارستان، والمدرسة بدمشق، ودار الحديث [4] .
قَالَ: وما كَانَ أحدٌ من الأمراء يتجاسر أن يجلس عنده من هَيْبته، فإذا دخل عَلَيْهِ فقيرٌ أو عالِمٌ أو ربُّ حِرْفةٍ قام ومشى إِلَيْهِ وأجلسه إلى جانبه، ويُعطيهم الأموال، وإذا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ يَقُولُ: هَؤُلَاءِ لهم حقٌّ فِي بيت المال، فإذا قنعوا منّا ببعضه فلهم المِنَّة علينا [5] .
وقال العماد الكاتب فِي «البرق الشّاميّ» : أكَثَر نور الدِّين فِي السَّنة الّتي تُوُفّي فيها من الصَّدقات، والأوقاف، وعمارة المساجد، وأسقط كلّما فيه
__________
[1] في المرآة: «تركاشين» . والتركاش: كلمة فارسية معناها: الجعبة. (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة لأدي شير 36) .
[2] تقدّم أنه غرم عليه «سبعين» ألف دينار. والمثبت يتفق مع: المنتظم 10/ 248، ومرآة الزمان 8/ 310.
[3] مرآة الزمان 8/ 310 و 311.
[4] مرآة الزمان 8/ 311.
[5] مرآة الزمان 8/ 311، 312.(39/380)
حرام، فما أبقى سوى الجزْية والخراج، وما يحصل من قسمة الغَلَّات عَلَى قويم المنهاج، وأمرني بكتابة مناشير لجميع أهل البلاد، فكتبت أكثر من ألف منشور، وحَسَبْنا ما تصدَّق بِهِ فِي تِلْكَ الشّهور، فكان ثلاثين ألف دينار [1] .
وكان لَهُ برسم نفقته الخاصَّة فِي كلّ شهرٍ من الجزية ما يبلغ ألفي قِرْطاس، يصرفها فِي كسْوَته ومأكوله، وأُجرة الخياطة، وجامكيَّة طبّاخة، ويستفضل منها ما يتصدَّق بِهِ فِي آخر الشّهر.
وقيل إنّ قيمة كلّ ستّين قرطاسا بدينار [2] .
وذكر العماد جملة من فضائله.
وقال فِي ترجمته القاضي ابنُ واصل [3] : حكى مَعِين الدِّين مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَالِد بْن مُحَمَّد بْن القَيْسرانيّ قَالَ: انكسر عَلَى ضامن الزّكاة مالٌ، وهُوَ ابن شمّام، فباع أملاكه بثمانية آلاف دينار صوريَّة وحملها، فحُبِس عَلَى ما بقي عَلَيْهِ، وكان جدّي خَالِد هُوَ الوزير والمشير، فقال لنور الدِّين: رَأَيْت البارحة كأنّ المولى قد نزع ثيابه ودفعها إليَّ وقال: اغسِلْها. فأخذتُها وغسّلتها.
فأطرق وسكت، فندِمت وخفْت أن يكون تطيَّر منِّي، فخرجت وأنا ضيّق الصَّدر، فبقيت ثمانية أيّام لم يطلبني، فساء ظنّي، فدخل عَلَى نور الدِّين الشَّيْخ إِسْمَاعِيل المكبس، وكان يحبّه، فقال: يا مولانا قد حضر مَن زاد فِي دار الزّكاة خمسة آلاف دينار فِي السّنة، فانتهره وقال: قد أصبحت عَلَى سجّادتي بعد أداء فريضتي أذكر اللَّه، واستفتحتَ أنت تبشّرني بمُكْسٍ. فوجم الشَّيْخ إِسْمَاعِيل، ثُمَّ قَالَ: اطلبوا خالدا.
قَالَ: فحضرت، فتبسَّم وقال: قد تفسَّر منامك. فقلت: بخير إن شاء
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 312.
[2] مرآة الزمان 8/ 312.
[3] في مفرّج الكروب 1/ 263.(39/381)
اللَّه. فقال: لا تظنّ أنّ تَرْكي لك لِوَجْدَةٍ، بل كنت مفكّرا فِي المنام حَتَّى فتح اللَّه بتأويله. اعلم أنّ غسْل الثّياب غسْل أوساخِ الذُّنوب، ولا ذَنب أوسَخَ مِن تناول أموال المُكُوس. فلا تترك من يومنا هذا فِي بلدٍ من بلادي مُكْسًا، ولا دِرْهمًا حراما، واكتب بذلك تواقيع تكون مخلَّدَةً فِي البلاد.
والتفت إِلَيْهِ إِسْمَاعِيل فقال: مُرْ أطلق ابن شمّام [1] ، ورُدَّ عَلَيْهِ ما أُخِذ منه. فلمّا عرف ابن شَمّام بذلك، اقترح بأن يجعل الذَّهَب فِي أطباق، وتُزَفّ بالطُّبول والبُوقات فِي الأسواق. فأمر نور الدِّين بإجابته، وأن يُخلَع عَلَيْهِ.
وكتب جدّي خَالِد بذلك تواقيع ونسختُها كلَّها: الحمد للَّه فاتح أَبُواب الخيرات، بعد إغلاقها، وناهج سُبُل النّجاة لطُلّابها وطُرّاقها، وفارج الكُرُبات بعد إرتاجها وإطْباقها، الَّذِي منح أولياءه التّوفيق، وأوضح لهم دليله، ونصر أهل الحقّ، وأعان قبيله، نحمده عَلَى جزيل مواهبه، وجليل رغائبه، ونسأله أن يُصلّي عَلَى مُحَمَّد الَّذِي أوضح الطّريق والمَحجَّة، وأوجب الحُجَّة، وعلى آله..
إلى أن قَالَ: وبعد، فقد اتّضح عَلَى الأَفْهام، ووضح عند الخاصّ والعامّ، ما نغاديه ونراوحه، ونُماسيه ونُصابحه، ونشتغل بِهِ عامَّة أوقاتنا، ونُعمِل فِيهِ [عقولنا] [2] وأفكارنا من الاجتهاد فِي إحياء سنَّةٍ حَسَنة، وإماتة سُنَّة سيّئة، وإزالة مَظْلِمة، ومحو سِيرةٍ مؤلمة..
إلى أن قَالَ: وقد علمتم معاشرَ الرعايا وفَّقكم اللَّه، ما كَانَ مُرَتَّبًا من المظالم المجحِفَة بأحوالكم، والمُكُوس المستولية عَلَى شطْر أموالكم، والرُّسوم المضيّقة عليكم فِي أرزاقكم، فأمرْنا بإزالة ذَلِكَ عنكم أوّلا فأوّلا، ولا نتبع فِي إقراره عَلَى وجوهه شُبْهة ولا تأوُّلًا. وقد كَانَ بقي من رسم الظُّلم ومعالم الجور فِي سائر ولايتنا ما أمرنا بإزالته رأفة بكم ولطفا،
__________
[1] في الأصل: «شمامة» ، وقد تقدم قبل قليل كما أثبتناه.
[2] في الأصل بياض.(39/382)
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً 8: 66 [1] . وسنذكر ما أزلناه من المظالم والمُكوس أوّلا وآخرا من سائر أعمال ولايتنا عمّرها الدَّهْر فِي هذا السِّجِلّ من الدّيوان.
قَالَ: ثُمَّ كتب بخطٍّ دقيقٍ ما صورته: ذِكْر ما أُطْلِق مِنَ الرُّسوم والضّرائب فِي هذا التّاريخ، ورسْم إطلاق ذَلِكَ وتَعْفِيَة آثاره، وإخماد ناره، ومبلغ ما تحصَّل مِن ذَلِكَ فِي كلّ سنة خمسمائة ألف وستّة وثمانون ألفا وأربعمائة وسبعون دينارا. فمن ذَلِكَ دمشق بتواريخ متقدّمة مائتا ألف وعشرون ألفا وخمسمائة وثلاثة وثمانون دينارا. دمشق فِي تاريخ هذا الكتاب خمسون ألفا وسبعمائة وثلاثون دينارا، تدمر خمسمائة دينار، صرخد سبعمائة دينار، القريتين والسّخنة. خمسمائة دينار، بانياس ألف ومائتا دينار، بَعْلَبَكّ وأعمالها ستّة آلاف وتسعمائة وعشرون دينارا، حمص وأعمالها ستَّة وعشرون ألف دينار ونيِّفًا، حماه وأعمالها ستَّة وعشرون ألف دينار ونيّف، حلب ستَّةٌ وتسعون ألف دينار ونيّف، سيرين ألفان وثلاثمائة وستّون دينارا، المعرّة سبعة آلاف دينار، كفر طاب ألف دينار، عزاز ستّة آلاف وخمسمائة دينار، تلّ باشر ألف وخمسمائة دينار، عين تاب تسعة وثمانون دينارا، بالِس أربعة آلاف دينار، مَنْبِج وأعمالها ثمانية عشر ألفا وخمسمائة وستَّة وستّون دينارا، الباب وبزاعة ثلاثة آلاف دينار، قلعة نجم ثلاثمائة دينار، قلعة نجم ثلاثمائة دينار، قلعة جَعْبَر سبعة آلاف وستّمائة دينار ونيِّف، الرَّقَّة ستَّة وعشرون ألفا وستّمائة ونيِّف دينارا، سِنْجار سبعة آلاف دينار، المَوْصِل ثمانية وثلاثون ألف دينار نصيبين عشرة آلاف وأربعمائة دينار، مرابان خمسة آلاف وسبعمائة دينار، بطايان من أعمال الخابور مائتان وخمسون دينارا، الأرسل سبعمائة وخمسون دينارا، السّمسمانيَّة ألف دينار، قرقيسيا ألف دينار، الشّلين مائتا دينار، ماكسين خمسة آلاف دينار، المَجْدَل ثلاثة آلاف دينار، الحُصَيْن ستّمائة دينار ونيِّف، الْجُحَيْشة هِيَ وما قبلها من الخابور مائتا دينار، المحولية مائةٌ وثلاثةٌ وستّون دينارا، الرّحبة ستّة عشر ألفا وسبعمائة وأربعون دينارا.
__________
[1] سورة الأنفال، الآية 66.(39/383)
ثُمَّ كتب بعد ذَلِكَ بالقلم الجافي: تحقيقا للحقّ، وتمحيقا للباطل، ونشرا للعدل، وتقديما للصّلاح الشّامل، وإيثارا للثّواب الآجل عَلَى الحُطام العاجل..
إلى أن قَالَ: فأيقنوا أنّ ذَلِكَ إنعامٌ مستمرّ عَلَى الدّهور، باق إلى يوم النُّشُور، ف كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ 34: 15 [1] .
وسبيل كلّ واقفٍ عَلَى هذا المِثال من الوُلاة والعمّال حذْف ذَلِكَ كلّه، وتَعْفية رسومه، ومحو آثاره، وإقراره وإطلاقه عَلَى الإطلاق، فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ 2: 181 [2] . والتّوقيع الأعلى [3] حجَّة لمضمونه ومقتضاه.
وكتب [بيده] [4] الكريمة شرّفها اللَّه، فِي مُسْتَهَلّ رجب سَنَة سبع وستّين وخمسمائة.
ومن شجاعته، نقل ابن واصل [5] وغيره أَنَّهُ كَانَ مِن أقوى النَّاس بَدَنًا وقلبا، وأنّه لم يُرَ عَلَى ظهر فَرَسٍ أشدّ منه، كأنّما خُلِق عَلَيْهِ ولا يتحرَّك.
وكان من أحسن النَّاس لعبا بالكُرَة، تجري الفَرَس ويتناولها من الهواء بيده، ويرميها إلى آخر الميدان. وكان يمسك الجوكان بكم قبائه استهانة باللّعب.
وكان إذا حضر الحرب أخذ قوسين وتركاشَيْن، وباشر القتال بنفسه.
وكان يَقُولُ: طالما تعرّضتُ للشّهادة فلم أُدْرِكْها.
قلت: قد أدركْتَها عَلَى فراشك، وبقي ذَلِكَ فِي أفواه المسلمين تراهم يقولون: نور الدِّين الشّهيد. وما شهادته إِلَّا بالخوانيق رحمه الله.
__________
[1] سورة سبإ، الآية 15.
[2] سورة البقرة، الآية 181.
[3] في الأصل: «الأعلى» .
[4] بياض في الأصل.
[5] في مفرّج الكروب.(39/384)
ومن فضائله، قَالَ سِبْط ابن الْجَوْزيّ [1] إنّه كَانَ لَهُ عجائز بدمشق وحلب، فكان يخيط الكوافي [2] ويعمل الكساكير [3] ويبيعها لَهُ العجائز سرّا، فكان يوما [4] يصوم ويُفطر عَلَى أثمانها.
حكى لي شرف الدِّين يعقوب بْن المعتمد أنّ فِي دارهم سُكْرة عَلَى حرستان [5] من عمل نور الدِّين يتبرّكون بها، وهي باقية إلى سَنَة خمسين وستّمائة.
ومنها ما حكى لي الشَّيْخ أَبُو عُمَر قَالَ: كَانَ نور الدِّين يزور والدي في المدرسة الصّغيرة المجاورة للدَّير، ونور الدِّين بنى هذه المدرسة، والمصنع، والفُرن، فجاء لزيارة والدي، وكان فِي سقف المسجد خشبةٌ مكسورة، فقال لَهُ بعض الجماعة: لو جدّدت السَّقْف. فنظر إلى الخشبة وسكت. فلمّا كَانَ من الغد جاء مِعْمارُه ومعه خشبة، فزرقها موضِعَ المكسورة ومضى. فقال لَهُ بعض الحاضرين: ذاكَرْتَنا فِي كشْف سقْف. فقال: لا واللهِ، وإنّما هذا الشَّيْخ أَحْمَد رجلٌ صالحٌ، وإنّما أزوره لأنتفع بِهِ، وما أردت أن أُزخرف لَهُ المسجد [6] .
ومنها ما حكى لي نجم الدِّين الْحُسَيْن بْن سلام قَالَ: لَمّا ملك الأشرف دمشقَ، وعمّر فِي القلعة مسجد أَبِي الدّرداء، قَالَ لي: يا نَجْمَ الدّين، كيف
__________
[1] في مرآة الزمان 8/ 313.
[2] في المرآة: «اللوافر» . وقال مصحّحه في الحاشية (1) ولعلّ الصواب الكوافر جمع الكافر وهو ثوب يلبس فوق الدروع.
[3] في الأصل «السكاكر» ، والمثبت عن مرآة الزمان 8/ 313 وفيه: «ويعمل الكساكير للأبواب» .
وجاء على هامش الأصل: «السكارة: الضّبّة» .
[4] في الأصل: «فكان يوم» .
[5] هكذا في الأصل. وفي مرآة الزمان 8/ 314 «في دارهم سكرة من عمل نور الدين بخوزستان» .
[6] مرآة الزمان 8/ 314.(39/385)
ترى هذا المسجد؟ قد عمّرتُه وأفردتُه عَن الدُّور، وما صلّى فِيهِ أحدٌ من زمان أَبِي الدّرداء. فقلت. اللَّه اللَّه يا مولانا، ما زال نور الدِّين منذ ملك دمشقَ يصلّي فِيهِ الصَّلَوات الخمس [1] .
حدَّثني والدي، وكان من أكابر عُدُول دمشق، أنّ الفِرَنج لَمّا نزلت عَلَى دِمْياط بعد موت أسد الدِّين، وضايقوها، أشرفت عَلَى الأَخْذ، فأقام نور الدِّين عشرين يوما صائما، لا يُفطر إِلَّا عَلَى الماء، فضعُف وكاد يتلف، وكان مَهِيبًا لا يتجاسر أحدٌ أن يُخاطبه فِي ذَلِكَ، وكان لَهُ إمامٌ ضريرٌ اسمه يحيى، وكان يقرأ عَلَيْهِ القرآن، فاجتمع إِلَيْهِ خواصُّ نور الدِّين، وكلّموه فِي ذَلِكَ. فلمّا كَانَ تِلْكَ اللّيلة رَأَى الشَّيْخ يحيى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لَهُ: يا يحيى بِشِّر نورَ الدِّين برحيل الفِرَنْج عَنْ دِمياط. فقلت: يا رسول [2] اللَّه، ربّما لا يصدِّقني! فقال: قُلْ لَهُ بعلامة يوم حارِم.
قَالَ: وانتبه يحيى، فلمّا صلّى نور الدِّين خلْفَه الفجْرَ، وشرع يدعو، هابه أن يكلّمه، فقال لَهُ نور الدِّين: يا يحيى. قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ: تحدِّثْني أو أحدّثْك؟ فارتعد يحيى وخرِس، فقال: أَنَا أحدّثك، رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هذه اللّيلة، وقال لك: كذا وكذا. قَالَ: نعم، فباللَّه يا مولانا، ما معنى قوله:
بعلامة يوم حارِم؟ قَالَ: لَمّا التقينا خفتُ عَلَى الْإِسْلَام، فانفردت ونزلت، ومرَّغْتِ وجهي عَلَى التّراب، وقلت: يا سيّدي، مَن محمود فِي البَيْن [3] ، الدِّين دِينُك، والْجُنْد جُنْدُك، وهذا اليوم هُوَ، فافعلْ ما يليق بكَرَمِك.
قَالَ: فنصرنا اللَّه عليهم [4] .
وحكى لي شيخنا تاج الدِّين الكِنْديّ قَالَ: ما تبسَّم نور الدِّين إِلَّا نادرا.
حكى لي جماعة من المحدّثين أنّهم قرءوا عنده حديث التّبسّم، وكان يرويه،
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 316، 317.
[2] في الأصل: «يرسول» .
[3] هكذا في الأصل. وفي مرآة الزمان 8/ 318 «في الفئتين» .
[4] مرآة الزمان 8/ 317، 318.(39/386)
فقالوا له: تبسّم. فقال: لا وللَّه لا أتبسَّم من غير عجْب [1] .
وللعماد الكاتب فِيهِ يرثيه:
يا ملكا [2] أيّامه لم تَزَلْ ... مفضّلة [3] فاضلة فاخِرَة
ملكتَ دنياك وخلّفتها ... وسِرْتَ حَتَّى تملك الآخِرَة [4]
رحمه اللَّه.
339- مظَفَّر بْن القاسم [5] .
أَبُو القاسم الصَّيْدلانيّ، المقرئ، المجوِّد.
قرأ القراءات على أبي العز القلانسي.
وسمع من: أبي القاسم بن الحُصَيْن.
وأقرأ ببغداد فِي آخر أيّامه.
- حرف الهاء-
340- هِبَة اللَّه بْن كامل [6] .
أَبُو القاسم الْمَصْرِيّ، قاضي القُضاة وداعي الدُّعاة.
كَانَ عالِمًا، فاضلا، أديبا، شاعرا، متفنّنا، مِن كبار علماء الدَّولة المصريَّة. وكان عندهم فِي الرُّتبة العليا. وكان أحد الجماعة الّذين سعوا فِي إعادة دولة بني عُبَيْد، فظفر بهم السُّلطان صلاح الدِّين، فأوَّل ما صَلَب داعي
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 320.
[2] في مرآة الزمان: «يا ملك» .
[3] في مرآة الزمان: «لفضله» .
[4] مرآة الزمان 8/ 322 وفيه: «وصرت تملك بها الآخرة» .
[5] انظر عن (مظفّر بن القاسم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 193 رقم 1209.
[6] انظر عن (هبة الله بن كامل) في: الروضتين ج 1 ق 2/ 561 باسم «المفضّل بن كامل القاضي» و 571، وخريدة القصر (قسم شعراء مصر) 1/ 186، 187، وسنا البرق الشامي 1/ 148، ومرآة الزمان 8/ 299، 300، (داعي الدعاة) ، والبداية والنهاية 12/ 275، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 192 ب- 193 أ، والوافي بالوفيات (مخطوط) 27/ ورقة 130 أ، وشذرات الذهب 4/ 235.(39/387)
الدُّعاة هذا، وعُمارة اليمنيّ نسأل اللَّه السّلامة.
وصُلِبَ فِي رمضان وهُوَ صائم [1] .
341- الهيثم بْن هلال بْن الهيثم بْن مُحَمَّد [2] .
أخو جَعْفَر بْن أَبِي سَعْد البَغْداديُّ، من أبناء الرؤساء.
سَمِعَ من: أَبِي القاسم الرَّبَعيّ، والحَسَن بْن مُحَمَّد التِّكَكيّ، وأبي الْحَسَن بْن العلّاف.
روى عنه: أحمد بن طارق، وعبد العزيز بن الأخضر، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وآخرون.
وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.
- حرف الْيَاءِ-
342- يَحْيَى بْن سَعْد اللَّه بْن عَبْد الباقي [3] .
أَبُو منصور البَجَليّ، الكوفيّ.
قَدِمَ بغدادَ وحدَّث بها عَنْ: عمه مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن مجالد، وأبي الغنائم النَّرْسِيّ.
روى عَنْهُ: ابن أخيه سَعْد اللَّه، وابن الأخضر.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر عَنْ أربعٍ وسبعين سنة [4] .
__________
[1] وقال العماد: سمعت الملك الناصر صلاح الدين يذكره، وقد ذكروه عنده بالفضل والأدب، ونسبوا إليه هذين البيتين في غلام رفاء، وأنشدهما الملك الناصر، وذكر أنه كان ينكرهما:
يا رافيا خرق كلّ ثوب ... ويا رشا حبّه اعتقادي
عسى بكفّ الوصال ترفو ... ما مزّق الهجر من فؤادي
(الخريدة 1/ 187، الروضتين ج 1 2/ 571) .
[2] انظر عن (الهيثم بن هلال) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 229 رقم 1305.
[3] انظر عن (يحيى بن سعد الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 241 رقم 1342.
[4] وكان مولده سنة 495 هـ.(39/388)
343- يحيى بْن نجاح [1] .
البَغْداديُّ، المؤدِّب.
محدِّث، نَحْويّ، لُغَويّ، شاعر. كَانَ يؤدِّب.
344- يوسف بْن آدم [2] .
تُوُفّي سَنَة تسع بحَرّان.
وقد مرَّ مُجْمَلًا [3] .
__________
[1] انظر عن (يحيى بن نجاح) في: المنتظم 10/ 249 رقم 349 (18/ 210 رقم 4303) ، وشذرات الذهب 4/ 236.
[2] انظر عن (يوسف بن آدم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 232 رقم 1312 وفيه: «يوسف بن آدم بن محمد بن آدم الشافعيّ المراغي ثم الدمشقيّ أبو يعقوب» .
[3] وقال ابن الدبيثي: قدم بغداد وسمع ابن ناصر وطبقته، وحدّث بصحيح مسلم عن أبي عبد الله الفراوي، سمع منه عبد الرزاق الجيلي وغيره قلت: سمع منه جماعة بدمشق.
وقال عبد القادر الرهاوي: مولده في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وروى عنه الفقيه هلال بن محفوظ الرسعني بها في سنة ثمان وستمائة، والفقيه أحمد والد الشيخ الموفق، وأبو الخير سلامة الحداد.(39/389)
سنة سبعين وخمسمائة
- حرف الألِف-
345- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن البُسْريّ [1] .
أَبُو الفَرَج البَغْداديُّ، سِبْط أَبِي منصور بْن النَّقُّور.
شيخ بزّاز، سَمِعَ من: جَدّه.
أخذ عَنْهُ: عُمَر الْقُرَشِيّ، وعليّ الزَّيْديّ.
وسَمِعَ أيضا من: أَبِي الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ، وغيره.
346- أَحْمَد بْن المبارك بْن سَعْد [2] .
أَبُو الْعَبَّاس البَغْداديُّ، المقرئ، المعروف بالمرقّعاتيّ.
روى عَنْ: ثابت بْن بُنْدار، وهُوَ جَدّه لأمّه.
روى عَنْهُ: ابنه عَبْد الرَّحْمَن، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر، وابن قُدَامة، ونصر بْن عَبْد الرّزّاق الْجِيليّ، وجماعة.
وسئل الشَّيْخ المُوفَّق عَنْهُ فقال: أظنّه نُسِب إلى المُرَقَّعاتيّ لكونه يبسط المُرَقَّعةَ للشّيخ عَبْد القادر عَلَى الكُرسيّ.
وقال الدُّبَيْثيّ: كَانَ عَسِرًا فِي الرواية. تُوُفّي فِي صفر.
قلت: وأجاز للرشيد بْن مَسْلَمَة، وغيره. وكان ملازما لخدمة عبد القادر رضي الله عنه.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد البغدادي) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] انظر عن (أحمد بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه ج 1، ومرآة الجنان 3/ 392.(39/390)
347- أَحْمَد بْن موهوب بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد [1] .
الشّريك أَبُو شجاع. كَانَ أمين القُضاة بالحريم الطّاهريّ.
سَمِعَ: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا عَلِيّ بْن نبهان.
وكان ثقة.
روى عَنْهُ: ابن مَشّقْ، وابن الأخضر، وابن قُدَامة، وآخرون.
تُوُفّي فِي ذي القِعْدَة.
348-[ ... ] [2] بْن أَبِي عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الرَازيّ.
ثُمَّ الإسكندرانيّ.
سَمِعَ من: أَبِيهِ، وأبي صادق المَدِينيّ، و [ ... ] [3] الفارقيّ.
قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن المُفَضَّل: تُوُفّي فِي صفر ولم يكن أهلا أن يُروَى عَنْهُ.
349-[أرسلان] [4] شاه السَّلْجُوقيّ [5] .
صاحب همدان.
قَالَ سِبْط الْجَوْزيّ: تُوُفّي سَنَة سبعين.
قلت: سيأتي فِي سَنَة 73.
350- أسعد بْن هِبَة اللَّه [6] .
أَبُو المُظَفَّر الرَّبَعيّ، المؤدِّب، المعروف باب الخيزرانيّ، البَغْداديُّ.
تَفَقَّه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة، وتأدّب عَلَى ابن الْجَوَاليقيّ.
وسَمِعَ: ابن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن موهوب) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] في الأصل بياض. ولم أتبيّن اسم صاحب الترجمة.
[3] في الأصل بياض.
[4] في الأصل بياض.
[5] انظر عن (أرسلان شاه) في: مرآة الزمان 8/ 330.
[6] انظر عن (أسعد بن هبة الله) في: الوافي بالوفيات 9/ 18، 19 رقم 3934، وبغية الوعاة 1/ رقم 903.(39/391)
روى عَنْهُ: عَلِيّ بْن أَحْمَد الزَّيْديّ، وأحمد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ.
- حرف الحاء-
351- حامد بْن مُحَمَّد بْن حامد [1] .
أَبُو الفضل الحنبليّ.
قَدِمَ بغداد، وتَفَقَّه.
وسَمِعَ من: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وعاد إلى حَرَّان، ودَرَّس، وأفتى.
وكان ورِعًا بِهِ وسواس فِي الطّهارة.
ذكره ابن الْجَوْزيّ في «المنتظم» ، ويقال لَهُ: حامد بْن أَبِي الحجر.
قرأتُ بخطّ ابن الحاجب قَالَ: ذكر لي شيخنا عُمَر بْن مُنَجّا أَنَّهُ قَدِمَ دمشق فِي دولة نور الدِّين، فأخذ والدي إلى حَرَّان.
قَالَ ابن الحاجب: وذكر لي عدْل حرّانيّ أنّ ابن حامد هذا كَانَ من أعيان البلد، ووجد من الجاه فِي أيّام نور الدِّين ما لا يجده غيره، واستنابه فِي جميع أمور البلد، وأمرهم أن يكتبوا لَهُ توقيعا بذلك. فلمّا حضر عند الدّيوان ورأوا بِزَّته وسَمْتَه قَالَ بعضهم لبعض: ماذا يوم معاش ذا يوم صخرة.
ففهم وتلا: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ 2: 74 [2] وتبسَّم، فاستحيوا.
- حرف الخاء-
352-[خديجة] [3] بِنْت أَحْمَد بن الحسن بن عبد الكريم [4] .
__________
[1] انظر عن (حامد بن محمد) في: المنتظم 10/ 254، 255 رقم 350 (18/ 261 رقم 4304) ، وشذرات الذهب 4/ 237 وفيه «حامد بن محمود» .
[2] سورة البقرة، الآية 74.
[3] في الأصل بياض.
[4] انظر عن (خديجة بنت أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 260، 261 رقم 1397، والإعلام بوفيات الأعلام 235، والمعين في طبقات المحدّثين 173 رقم 1851، والعبر 4/ 120، وسير أعلام النبلاء 20/ 551 رقم 352، والمشتبه في الرجال 2/ 475، والمنهل(39/392)
فخر النّساء بنت النّهْروانيّ، البغداديَّة، ويُعرف أبوها بابن الغُبيريّ.
امْرَأَة صالحة مُسْنِدَة.
روت عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه النِّعَاليّ.
روى عَنْهَا ابن أخيها عَلِيّ بْن رَوْح، والمُوفَّق المَقْدِسيُّ، ونصر بْن عَبْد الرّزّاق، والشّيخ العماد المَقْدِسيُّ، وأظنّ ابن راجح.
تُوُفّيت فِي رمضان.
352-[رَوْح] [1] بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح [2] .
قاضي القضاة أَبُو طَالِب الحديثيّ [3] ، ثُمَّ البَغْداديُّ.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيل بْن الفضل الْجُرْجَانيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي البَجَليّ، وابن الحُصَيْن.
سَمِعَ منه: صدقة بْن الحُصَيْن، وعُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ.
وحدَّث عَنْهُ: إسفنديار بْن المُوفَّق.
ولم يزل عَلَى قضاء القُضاة إلى حين وفاته.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ متديّنا، حَسَن الطّريقة، عفيفا، نزها. ولّاه المستضيء سنة ستّ وستّين وخمسمائة بعد امتناعٍ منه شديد.
تُوُفّي فِي المحرَّم، ولَهُ ثمانٍ وستّون سَنَة.
وآخر من روى عنه بالإجازة الرشيد بن مسلمة.
__________
[ () ] الصافي 139، والوافي بالوفيات 13/ 297، 298 رقم 363، وشذرات الذهب 4/ 237، وأعلام النساء 1/ 320 وفيه «خديجة بنت أحمد بن الحسين» .
[1] في الأصل بياض.
[2] انظر عن (روح بن أحمد) في: المنتظم 10/ 255 رقم 351 (18/ 216 رقم 4305) ، والمختصر المحتاج إليه 2/ 69 رقم 665، والبداية والنهاية 12/ 291.
[3] تحرّفت هذه النسبة في البداية والنهاية: «الحدثني» .(39/393)
- حرف السين-
354- سَعِيد بْن صافي [1] .
أَبُو شجاع البَغْداديُّ، الحاجب، الجماليّ. مولى أَبِي عَبْد اللَّه بْن جردة.
قرأ القرآن عَلَى جماعة، وسَمِعَ حضورا من أَبِي الخميس العلّاف، ثُمَّ من ابن بيان، وابن مَلَّة.
وكتب الكثير بخطّه.
روى عنه: ابن الأخضر، وأبو محمد بن قُدَامة.
وتُوُفّي فِي رجب [2] .
355- سُلَيْمَان بْن عَبْد الواحد [3] .
أَبُو الربيع الهَمَذَانيّ، الغَرْناطيّ، قاضي غَرْناطة.
لَهُ مُصَنَّف فِي الفقه.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو القاسم الملّاحيّ.
وأجاز فِي هذه السّنة لأبي عَبْد اللَّه الأنْدرشيّ، شيخ الأَبّار.
- حرف الشين-
356- شَمْلَةُ التُّرْكُمانيّ [4] .
كَانَ قد تغلّب عَلَى بلاد فارس، واستحدث قلاعا، ونهب الأكراد
__________
[1] انظر عن (سعيد بن صافي) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 86، 87 رقم 690.
[2] ومولده سنة 502 هـ.
[3] انظر عن (سليمان بن عبد الواحد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1985، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 4/ 75 رقم 183.
[4] انظر عن (شملة التركماني) في: المنتظم 10/ 255 رقم 352 (18/ 216 رقم 4306) ، والكامل في التاريخ 11/ 423، 424، ومرآة الزمان 8/ 330، والمختصر في أخبار البشر 3/ 57، والعبر 4/ 211، ودول الإسلام 2/ 85، وسير أعلام النبلاء 21/ 64، 65 رقم 20، والبداية والنهاية 12/ 291، وعيون التواريخ 12/ 462 و 487 و 506، والوافي بالوفيات 16/ 186 رقم 217، وشذرات الذهب 4/ 237 وفيه: «سملة» بالسين المهملة.(39/394)
والتُّركمان، وبدَّع. وقوي عَلَى السَّلْجُوقيَّة، وكان يُظهِر طاعة الْإِمَام مكْرًا منه.
وتمَّ لَهُ الأمر أكثر من عشرين سَنَة إلى أن نهض عَلَى قتال بعض التُّركُمان، فتهيَّئوا لَهُ، واستعانوا بالبهلوان ابن إلْدكْز، فساعدهم بجيشه، وعملوا مُصافًّا، فأصاب شَمْلَةَ سهمٌ، وانكسر جيشه وأُخِذ أسيرا هُوَ وولده وابن أخيه. ومات بعد يومين، لا رحمه اللَّه، فما كَانَ أظْلمه وأغشمه.
- حرف العين-
357- عَبْد اللَّه بْن عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الرّزّاق [1] .
أَبُو مُحَمَّد السُّلَميّ، البَغْداديُّ.
ذكر أَنَّهُ من وُلِدَ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ قارئ الكوفة.
سَمِعَ: أَبَا القاسم الرَّبَعيّ، وأبا الغنائم النَّرْسيّ، وابن بيان، وجماعة.
روى عَنْهُ: ابن الأخضر، والمُوفَّق بْن قُدَامة، وابنه الشّمس أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه السُّلَميّ العطّار، ونصر بْن عَبْد الرّزّاق الْجِيليّ، والخليل بْن أَحْمَد الجواسقيّ، وعثمان بْن أَبِي نصر ابن الوتّار، وجماعة.
وتُوُفّي فِي المحرَّم.
358- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الباقيّ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الباقي.
أَبُو طَالِب التَّميميّ، الدّمشقيّ.
سمّعه أَبُوهُ من هِبَة اللَّه بْن الأكفانيّ، وطبقته. ثُمَّ سَمِعَ هُوَ بنفسه واشتغل وحصَّل، وشهد عند القضاة.
وتُوُفّي فِي شوَّال.
كتب عَنْهُ أَبُو المواهب بن صصريّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن عبد الصمد) في: المنتظم 10/ 255 رقم 353 (18/ 216 رقم 4307) ، والمختصر المحتاج إليه 2/ 148، 149 رقم 782.(39/395)
359- عَبْد الصَّمَد بْن مُحَمَّد بْن عليْ بْن أَبِي الغنائم عَبْد الصَّمَد بْن عَلِيّ بْن المأمون [1] .
أَبُو الغنائم الهاشميّ، العبّاسيّ.
شيخ صالح عابد، من بيت الحديث والشرف [2] .
روى عَنْ: أَبِي عَلِيّ بْن نبهان، وأُبَيّ النَّرْسيّ.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ، وغيره.
360- عَبْد الملك ابن قاضي القضاة أَبِي طَالِب رَوْح بْن أَحْمَد الحديثيّ [3] .
استنابه أَبُوهُ فِي القضاء بدار الخلافة، وعُيِّن بعد موت والده للقضاء.
بَغَتَهُ الموت وهُوَ شابّ.
سَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه السّلّال، والأُرْمَوِيّ.
روى عَنْهُ: عَبْد الملك بْن أَبِي مُحَمَّد البَرَدانيّ.
وكان ديِّنًا حسن الطّريقة، يكنّى أبا المعالي.
قال ابن النّجّار [4] : سَمِعْتُ جارنا أَبَا الْحَسَن بْن ملاعب يَقُولُ: كَانَ القاضي عَبْد الملك يخرج من دار والده بالطَّيْلسان والوُكلاء والركابيَّة بين يديه وهُوَ راكب، فإذا نزل ودخل ذهب الجماعة. ثُمَّ خرج هُوَ فِي ثيابٍ قصيرة وعِمامة لطيفة، والسَّجّاد عَلَى كتِفه، فيأتي مسجده بالسّوق، فيؤذّن ويقيم.
__________
[1] انظر عن (عبد الصمد بن محمد) في: تلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 2/ 801 رقم 3080، والمختصر المحتاج إليه 3/ 78، 79 رقم 893.
[2] وقال ابن الفوطي: أقام مدّة طويلة يتقدّم على جميع الهاشميّين في موكب الخليفة، ثم ترك التردّد إلى دار الخلافة، وانقطع في رباط له بباب قطفتا واهتمّ بالعبادة والخلوة. (تلخيص المجمع) .
وقال ابن الدّبيثي: كان كثير التعقيد، صحيح السماع. (المختصر) .
[3] انظر عن (عبد الملك بن روح) في: معجم البلدان 2/ 231، والمختصر المحتاج إليه 3/ 31 رقم 794، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/ 41- 47 رقم 19.
[4] في ذيل تاريخ بغداد 1/ 46، 47.(39/396)
وكان يسحّر فِي رمضان، ولَهُ معرفة بالوقت، رحمه اللَّه تعالى.
361- عَبْد الوهّاب بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عبد القاهر [1] .
الطوسي، أخو خطيب المَوْصِل.
روى عَنْ: جَعْفَر السّرّاج.
وتُوُفّي فِي شوَّال.
كتب عَنْهُ أَبُو سَعْد السّمعانيّ مَعَ تقدُّمه.
وروى عَنْهُ: عَبْد الكريم السِّنْديّ، ومُحَمَّد بْن ياقوت.
362- عثمان بْن فَرَج بْن خَلَف [2] .
أَبُو عَمْرو العَبْدَرِيّ، السَّرَقُسْطيّ.
حجَّ فسمع من: أَبِي عَبْد اللَّه الرَازيّ، وعبد اللَّه بْن طلْحة النّابريّ، وسكن القاهرة.
روى عَنْهُ: عَوَض بْن محمود، وأبو عَبْد اللَّه الأَنْدَرْشيّ، وغيرهما [3] .
حدَّث فِي هذا العام ولا أعلم وفاته بعد [4] .
363- عَلِيّ بْن خَلَف بْن عُمَر بن خلال [5] .
أبو الحسن الغرناطيّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الوهاب بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 57 رقم 842، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/ 321، 322 رقم 193.
[2] انظر عن (عثمان بن فرج) في: صلة الصلة لابن الزبير 75، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1834، والذيل والتكملة على كتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 136 رقم 277.
[3] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان محدّثا راوية متقنا عدلا، متّسع الرواية، رحل فحجّ، وعكف على نشر العلم وإفادته عمره الطويل.
[4] وجاء في هامش نسخة خطية من (الذيل والتكملة) : توفي فيما ذكر ابن المفضّل سنة ست وسبعين.
[5] انظر عن (علي بن خلف) في: تكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 67، والمطبوع، رقم 1866، وصلة الصلة لابن الزبير 97، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 207، 208 رقم 414، ومعرفة القراء الكبار 2/ 550 رقم 498، وغاية النهاية 1/ 541.(39/397)
روى عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن الباذَش، وأبي بكر بن الخلوف، وأبي القاسم ابن النّحّاس، ومنصور بْن الخير [1] .
روى القراءات.
سكن مَيُورقَة وغيرها، وأقرأ القراءات، وكان عارفا بها، سخيّا، جوادا.
روى عَنْهُ: أَبُو عُمَر بْن عيّاش، وأجاز لأبي الْخَطَّاب بْن واجب، وأبي بَكْر عتيق [2] .
وكُفّ بَصَرُه بأَخَرَة.
قَالَ الأَبّار [3] : وتُوُفّي بمَيُورقَة فِي نحو سَنَة سبعين [4] .
- حرف الفاء-
364- فاطمة بِنْت عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه الوقاياتيّ [5] .
أمّ عَلِيّ البغداديَّة.
سَمِعْتُ: أَبَا عَبْد اللَّه بْن البُسْريّ، وأبا القاسم الرّزّاز.
روى عَنْهَا: ابن الأخضر، وموفَّق الدِّين بْن قُدَامة، وجماعة.
وماتت رحمها اللَّه تعالى فِي آخر السّنة.
365- فاطمة بِنْت المحدّث أَبِي غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الماوَرْديّ.
أمّ الخير.
سمّعها أبوها من: أبي عبد الله البسريّ، وأبيّ النّرسيّ.
__________
[1] في الأصل: «الخضر» .
[2] في الأصل: «وأبي بكر ابن عتيق» ، والتحرير من: الذيل والتكملة 5/ 207.
[3] في تكملة الصلة، رقم 1866.
[4] وقال ابن عبد الملك: وكان ذا معرفة بالقراءات وطرقها، مجوّدا، ضابطا، سمحا، سخيّا، خرج من بلده في الفتنة فاستوطن دانية وخطب بجامعها حينا، ثم تحوّل إلى ميورقة وأقرأ بها القرآن، وأسمع الحديث، وكان من أهل العناية به، متّسع الرواية، عدلا، وكفّ بصره بآخرة من عمره.
[5] انظر عن (فاطمة بنت علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 268 رقم 1424.(39/398)
وعنها: أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ.
ماتت فِي ربيع الآخر.
- حرف القاف-
366- قايماز [1] .
قُطْب الدِّين مملوك المستنجد باللَّه.
ارتفع أمره وعلا قدره فِي أيّام مولاه، فلمّا استخلف المستضيء باللَّه عظم وصار مقدَّمًا عَلَى الكُلّ. ولم يكن عَلَى يده يد.
وقد أراد المستضيء تولية وزير فمنعه قايماز من ذَلِكَ، وأغلق باب النُّوبيّ، وهمّ بأمر سوء، ثُمَّ خرج من بغداد فِي جيشٍ، فمات بناحية المَوْصِل فِي ذي الحِجَّة، وكفى اللَّه شرّه.
وكان كريما طلْق الوجه، قليل الظُّلْم.
- حرف الميم-
367- مُحَمَّد بْن حُسَيْنِ بْن عَبْد اللَّه بْن حيُّوس [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه الفاسيّ، شاعر مُفْلِق، بديع النَّظْم، سائر القول مَعَ الأمراء.
ولَهُ ديوان.
روى عَنْهُ: عَبْد العزيز بْن بدران، وغيره.
وعاش سبعين سَنَة.
368- مُحَمَّد بْن حمزة بْن عَلِيّ بْن طلحة الرّازيّ.
ثُمَّ البَغْداديُّ، من أبناء المحتشمين.
__________
[1] انظر عن (قايماز) في: المنتظم 10/ 255، 256 رقم 354 (18/ 217 قم 308) ، والكامل في التاريخ 11/ 424- 426، والمختصر في أخبار البشر 3/ 57، 58، وتاريخ ابن الوردي 2/ 85، والبداية والنهاية 12/ 291، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 141، وشذرات الذهب 4/ 238.
[2] انظر عن (محمد بن حسين) في: تكملة الصلة لابن الأبار 371، والوافي بالوفيات 3/ 16، 17، ومعجم المؤلفين 9/ 244.(39/399)
سَمِعَ: هِبَة اللَّه بْن الحُصَيْن.
وتُوُفّي فِي رمضان.
كتب عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ، وغيره.
369- مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خليل [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه القَيْسيّ، اللّبليّ.
صَحِبَ مالك بْن وَهْب ولازَمَه مُدَّة، وسَمِعَ «صحيح مُسْلِم» من أَبِي عَلِيّ الغسّانيّ.
وروى عَنْهُ، وعن: ابن الطَّلّاع، وخازم بْن مُحَمَّد، وأبي الْحُسَيْن بْن سِراج، وأبي عَلِيّ الصَّدَفيّ، وجماعة.
وذكر ابن الزُّبَيْر أنّ روايته «للموطّأ» عَنِ ابن الطَّلّاع إجازة إنْ لم يكن سماعا.
قَالَ الأَبّار: كَانَ من أهل الرّواية والدّراية. نزل فارس، ثُمَّ مَرّاكُش. أخذ عَنْهُ:
شيخنا أَبُو عَبْد اللَّه الأَنْدَرْشيّ، وأبو عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحقِّ، قاضي تِلِمْسان.
370- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم.
أَبُو بَكْر الطُّوسيّ المُلَقَّب ناصح المسلمين.
فقيهٌ، إمامٌ، مُسْنِد.
حدَّث فِي رجب من السّنة عَنْ: عَلِيّ بْن أَحْمَد المَدِينيّ، ونصر اللَّه بْن أَحْمَد الخُشْنَاميّ، والفضل بْن عَبْد الواحد التّاجر أصحاب الحيريّ، ونحوهم.
روى عَنْهُ: زينب الشّعريَّة، وولداها المؤيَّد وبيبى وَلَديْ نجيب الدِّين مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عُمَر الطُّوسيّ، وعثمان بْن أَبِي بَكْر الخبُوشانيّ، ومُحَمَّد بْن أَبِي طاهر العُطَارِديّ، وأبو حامد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أبي سكر السّمنانيّ، ثمّ الجوينيّ، وجماعة.
__________
[1] انظر عَنْ (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ) في: معجم ابن الأبار 188، 189، وفيه «محمد بن عبيد الله» ، والعبر 4/ 211، والإعلام بوفيات الأعلام 235، والمعين في طبقات المحدّثين 173 رقم 1852، وسير أعلام النبلاء 20/ 517 رقم 330، والنجوم الزاهرة 6/ 75، وشذرات الذهب 4/ 238.(39/400)
وكان أسند من بقي بنَيْسابور فِي هذا الوقت. ولَهُ أربعون سمعناها، خرَّجها لَهُ عَلِيّ بْن عُمَر الطُّوسيّ.
وممّن روى عَنْهُ: الْحَسَن بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَن القُشَيْريّ.
371- مُحَمَّد بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن جَابِر.
أَبُو نصر البَغْداديُّ.
روى عَنْ: أَبِي عَلِيّ بْن نبهان، ونور الهدى الزَّيْنَبيّ.
روى عَنْهُ: تميم بْن أَحْمَد، ونصر بْن عَبْد الرّزّاق، وغيرهما.
وتُوُفّي فِي أواخر السّنة وقد أضرّ.
وعاش نيِّفًا وسبعين سَنَة.
372- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن فارس.
أَبُو بَكْر بْن الشّاروق، الحريميّ، المقرئ.
أحد القرّاء الموصوفين بجودة الأداء وملاحة الصَّوت.
سَمِعَ: الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن مَشِّقْ، وابن الأخضر.
تُوُفّي فِي رجب.
373- معالي بْن أَبِي بَكْر بْن معالي.
البَغْداديُّ الكيّال.
سَمِعَ: أَبَا الغنائم النَّرْسيّ.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والشّهاب بْن راجح، والعماد إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد.
- حرف الهاء-
374- هِبَة اللَّه بْن أبي بكر بن طاهر [1] .
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن أبي بكر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 220 رقم 1282 وفيه:(39/401)
الفَزَاريّ، البَغْداديُّ، القَزّاز.
روى عَنْ: جَدّه أَبِي ياسر أَحْمَد بْن بُنْدار البقّال.
وعنه: ابن الأخضر.
تُوُفّي فِي صَفَر.
375- هِبَة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن منصور.
الأنطاكيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ.
أَبُو القاسم الخطيب.
روى عَنْ: عَبْد الكريم بْن حمزة.
وعنه: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
- حرف الواو-
376- وَرَع [1] بِنْت أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن الحَسَن بْن مُحَمَّد الخلّال [2] .
بَدْر التّمام.
رَوَتْ عَنْ أبيها عَنْ جَدّه الحافظ أَبِي مُحَمَّد.
وعنها: أَبُو الفُتُوح بْن الحُصْرِيّ، وغيره.
- حرف الياء-
377- يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن المُعَمَّر بْن جَعْفَر [3] .
الثَّقَفيّ، أَبُو الفضل، صاحب فخر بْن المقتفي، والمستنجد.
ناب فِي الوزارة للمستضيء، وبقي فِي المناصب ثمانيا وعشرين سنة.
__________
[ () ] «هبة الله بن بكر» .
[1] في الأصل: «ردع» بالدال.
[2] انظر عن (ورع بنت أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 273 رقم 1439.
[3] انظر عن (يحيى بن عبد الله) في: المنتظم 10/ 256 رقم 355 (18/ 217 رقم 4309) وفيه: «يحيى بن جعفر» ، والكامل في التاريخ 11/ 426، ومرآة الزمان 8/ 331 وفيه:
«يحيى بن جعفر» ، وشذرات الذهب 4/ 238.(39/402)
وكان حافظا لكتاب اللَّه [1] .
وحجَّ مرّات كثيرة. وخَلَف ولدين ماتا شابَّيْن.
378- يوسف بْن المبارك بْن أَبِي شَيْبَة [2] .
أَبُو القاسم الخيّاط، المقرئ.
صار فِي آخر أيّامه وكيلا بباب القاضي.
وقد قرأ بالرّوايات عَلَى: أَبِي العزّ القلانِسيّ، وجماعة.
وسَمِعَ: ابن مَلَّة.
وادّعى أَنَّهُ قرأ عَلَى أَبِي طاهر بْن سور، وبانَ كذِبه فِي ذَلِكَ.
قرأ عَلَيْهِ جماعة.
وروى عَنْهُ ابن الأخضر حديثا.
تُوُفّي فِي رجب.
وفيها وُلِدَ: سِبْط السِّلَفيّ.
والشّرف المُرْسيّ.
والبدر عُمَر بن محمد الكرمانيّ الواعظ.
__________
[1] وقال سبط ابن الجوزي: وكان حافظا للحديث الكثير، وكان فاضلا، عادلا، منصفا، محبّا للعلماء والصالحين، وكانت داره مأوى لهم، وكان يحبّ جدّي رحمه الله، وكان يأذن للقوّام لحضور المجلس، ولجدّي فيه مدائح كثيرة وله على جدّي فضل كثير. وكانت وفاته في ربيع الأول، وصلّي عليه بجامع الخليفة وكان يوما مشهودا ولم يتخلّف عن جنازته إلّا الخليفة، وحمل إلى محلّة الحربية فدفن بزاوية أبيه. (مرآة الزمان) .
[2] انظر عن (يوسف بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي 3/ 235 رقم 1326، وميزان الاعتدال 4/ 472 رقم 9882، ومعرفة القراء الكبار 2/ 530، 531 رقم 474، وغاية النهاية 2/ 402، 403، ولسان الميزان 6/ 328.(39/403)
المتوفّون فِي هذه الحدود ما بين الستين والسبعين
- حرف الألف-
379- أَحْمَد بْن زُهَير بْن مُحَمَّد بْن الفضل.
أَبُو الْعَبَّاس المعروف بمَلَّة الأصبهانيّ.
سَمِعَ: أَبَا نَهْشَل عَبْد الصَّمَد العنبريّ، ومُحَمَّد بْن طاهر المَقْدِسيُّ.
وعنه: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة.
حدَّث ببغداد سَنَة أربعٍ وستّين.
380- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العاصي [1] .
أَبُو جَعْفَر النّقزيّ، الشّاطبيّ، المعروف بابن اللَّاية المقرئ.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِيهِ الأستاذ أَبِي عَبْد اللَّه.
ورحل إلى دانية فأخذ عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سَعِيد.
وخَلَف أَبَاهُ فِي الإقراء.
أخذ عَنْهُ جماعة، منهم: ابن قيرة الشّاطبيّ.
قَالَ الأَبّار: كَانَ معروفا بالضَّبْط والتّجويد، كأبيه.
قلت: ذكر قبله مَن تُوُفّي سَنَة ثلاثٍ وستّين، وبعده مَن تُوُفّي سنة تسع وستّين وخمسمائة.
- حرف الراء-
381- رجاء بْن حامد بْن رجاء بن عمر.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبار ج 1.(39/404)
أَبُو القاسم المعدانيّ الأصبهانيّ.
سَمِعَ: رزق اللَّه التَّميميّ، وسُلَيْمان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، ومكّيّ بْن منصور بْن علّان الكَرْجيّ، وهذه الطّبقة.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد القادر الرُّهاويّ، وأبو نزار ربيعة اليمنيّ، وسُلَيْمان بْن دَاوُد بْن ماشاذَة، وسِبْط مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَبِي الفضائل، ومحمود بْن مُحَمَّد الوركانيّ.
وبالإجازة كريمة، وغيرها.
أنا سُلَيْمَان بْن قُدَامة، أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي المَعَاليّ الوَثابيّ، نا رجاء بْن حامد قراءة، فذكر حديثا.
- حرف العين-
382- عَبْد اللَّه بْن أسد بْن عمّار.
الدَّقَّاق أَبُو مُحَمَّد بْن السُّوَيْديّ، شيخ مُعَمَّر، روى بالإجازة المُطْلَقَة.
روى عَنْ: عَبْد العزيز الكتّانيّ.
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى فِي معجمه، وقال: تُوُفّي بعد السّتّين.
383- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الْعَبَّاس.
أَبُو بَكْر النُّوقَانيّ.
قَدِمَ دمشقَ فِي سَنَة سبْعٍ وستّين، وحدَّث بها بحضرة الحافظ ابن عساكر. ونزل بقبّة الطّواويس.
وروى عَنْ: أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وغيره.
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وعبد الكريم خطيب زملكا، وآخرون.
مَوْلِدُه فِي سَنَة إحدى عشرة وخمسمائة.(39/405)
384- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سهل العَبْدَرِيّ.
إمام جامع مَيُورقَة.
سَمِعَ بشاطِبة من أَبِي عِمران بْن أَبِي تليد.
وأقرأ بإشبيليّة القراءات على شريح.
مات بعد السّتّين وخمسمائة.
385- عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن سليخ.
أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ.
حدَّث بمِرْبَد البصرة. كَانَ منزله بها.
سَمِعَ من: جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن الفضل العَبَّادانيّ، ولعلّه آخر من روى عَنْهُ.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، ويوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ، وأبو السُّعود مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الْبَصْرِيّ، وغيرهم.
وحدَّث فِي سَنَة ثمانٍ وستّين.
وآخر من روى عَنْهُ أَبُو السّعود عَبْد اللَّه بْن عَبْد الودود الْبَصْرِيّ الدّبّاس.
386- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
أَبُو الفُتُوح الجوهريّ، الأصبهانيّ.
سَمِعَ: أَبَا نصر عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد السِّمْسار، وأبا بكر أحمد بن محمد بن أحمد بْن مَرْدَوَيْه، وإسماعيل بْن أَبِي عثمان الصّابونيّ، وأحمد بْن أَبِي الفتح الخرقيّ أجاز لابن اللّتِّيّ، ولكريمة.
387- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر.
أَبُو مُحَمَّد الطُّوسيّ، الخطيب.
كَانَ بالمَوْصِل مَعَ إخوته.
وُلِدَ ببغداد في سنة ثمانين وأربعمائة.(39/406)
وسَمِعَ من: طِراد، وابن طلْحة النِّعَاليّ.
وسَمِعَ كتاب «شريعة المقاري» لأبي بَكْر بْن أَبِي دَاوُد، عَلَى أَبِي الْحُسَيْن ابن الطُّيُوريّ فِي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
سَمِعَ منه: أَبُو المحاسن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وأبو الحسن الزّيديّ، وأبو محمد ابن الأخضر، وابن أخيه عَبْد المحسن ابن خطيب المَوْصِل.
وأجاز لأبي منصور بْن عفجة، ولكريمة.
وبقي إلى بعد السّتّين.
388- عَبْد الرَّحْمَن بْن محمود بْن مَسْعُود بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو حامد المسعوديّ، البَنْجَدِيهيّ، الخَمْقَريّ [2] ، المَرْوَزِيّ.
ذكره أَبُو سَعْد السّمعانيّ فِي «التّحبير» فقال: من أهل بَنْجَدِيه، شيخ صالح، عفيف، معمّر، تفرّد برواية «الجامع» للتِّرمِذيّ، عَنِ القاضي أَبِي سَعِيد مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الدّبّاس.
سَمِعْتُ منه بعض الكتاب، ونشأ لَهُ وُلِدَ اسمه مُحَمَّد، فهم الحديث، وبالغ فِي طلبه، ورحل إلى العراق، والشّام، ومصر، والإسكندريَّة.
قلت: هُوَ تاج الدِّين مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن المسعوديّ الْمُتَوَفَّى بعد الثّمانين وخمسمائة.
وأمّا أَبُوهُ عَبْد الرَّحْمَن صاحب التّرجمة فروى عَنْهُ «جامع» التِّرْمِذِيّ بالإجازة القاضي أَبُو نصر بْن الشّيرازيّ.
389- عَبْد الرحيم بْن عَبْد الجبّار بن يوسف.
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن محمود) في: التحبير 1/ 411 رقم 365، ومعجم شيوخ السمعاني (مخطوط) ورقة 144 أ، وفيهما: «عبد الرحمن بن محمد» .
[2] الخمقري: بفتح الخاء المعجمة وسكون الميم وفتح القاف وفي آخرها الراء. هذه النسبة إلى خمس قرى، ويقال لها بنج ديه، وهي خمس من القرى مجتمعة، وهي أيفان، ومرست، ومدو، وكريكان، وبهونة، فقيل لها: خمس قرى. (الأنساب 5/ 178) .(39/407)
أَبُو مُحَمَّد التُّجَيْبيّ، الأندلسيّ، السَّمَنْتيّ، وسَمَنْت حصن.
أخذ القراءات بالمَرِية عَنْ أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن رضا.
وتصدّر للإقراء بمُرْسِية.
وتُوُفّي فِي حدود السّبعين.
مَوْلِدُه سَنَة ثمان وتسعين وأربعمائة.
390- عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العيش.
أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
روى عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بن عتّاب، وأبي عَلِيّ الصَّدَفيّ، وأبي عِمران بْن أَبِي تليد، وجماعة.
وسكن مرّاكش وحدَّث بها.
وتُوُفّي فِي رأس السّبعين تقريبا.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي الحسن الزّهريّ، والقاضي أَبُو الْحَسَن الزُّهْرِيّ.
391- عَبْد الصَّمَد بْن ظَفَر بْن سَعِيد بْن ملاعب.
أَبُو نضْر الربيعيّ، الحلبيّ، المعروف بالقبّاني.
سَمِعَ من: طاهر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن العجميّ جزءا من رواية عَلِيّ بْن عُمَر الحَرْبيّ السُّكَّريّ.
روى عَنْهُ: أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم. لقياه بحلب في حدود السّتّين وخمسمائة.
392- عبد العزيز بن علي بن مُحَمَّد بن سَلَمَةَ [1] .
أَبُو الأَصْبَغ ويقال: أَبُو حُمَيْد السّماتيّ، الإشبيليّ، الطّحّان.
ويعرف بابن الحاجّ أيضا.
__________
[1] تقدّمت ترجمته في المتوفين سنة 561 هـ. برقم (24) .(39/408)
من جلّة المقرءين. قرأ عَلِيّ أَبِي الْحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي الْعَبَّاس ابن عَيْشون.
وقد مرّ فِي سَنَة إحدى وستّين عَلَى التّقريب.
393- عَبْد الكريم بْن عُمَر بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد.
أَبُو إِبْرَاهِيم الأصبهانيّ، العطّار، المعروف بالْجُنَيْد.
سَمِعَ: القاسم بْن الفضْل الثَّقَفيّ.
وأجاز لكريمة.
394- عَلِيّ بْن أَبِي منصور بْن عَبْد الصَّمَد بْن أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحافظ أبي بكر أحمد ابن مُوسَى بْن مَرْدَوَيْه بْن فُورَك.
أَبُو المحاسن الأصبهانيّ.
من بيت الحديث والعِلْم.
سَمِعَ: القاسم بْن الفضل، ومكّيّ بْن منصور السّلّار، وغيرهما.
روى عنه: عبد القادر الرّهاويّ.
وبالإجازة: ابن اللّتّيّ، وكريمة.
395- عمر بْنِ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْنِ عَلِيِّ بْنِ عديس [1] .
أبو حفص القضاعيّ، البلنسيّ، اللّغويّ، صاحب أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيُوسيّ.
حمل عنه الكثير، ورحل إلى باجة، فأخذ عَنْ: أَبِي الْعَبَّاس بْن حاطب، وقرأ عَلَيْهِ «الكامل» للمبرّد، وغيره فِي سَنَة ستٍّ وعشرين.
وصَنَّف كتابا حافلا فِي المثلَّث فِي عشرة أجزاء ضخام، دلَّ عَلَى تبحّره وسعة اطّلاعه وحفظه للّغة. وشرح «الفصيح» شرحا مفيدا.
__________
[1] انظر عن (عمر بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 656، وبغية الوعاة 2/ 223 رقم 1849، وكشف الظنون 1273 و 1587، وإيضاح المكنون 2/ 427، وروضات الجنات 501، ومعجم المؤلفين 7/ 307.(39/409)
وسكن تونس، وبها تُوُفّي فِي حدود السّبعين. قاله الأَبّار.
- حرف الميم-
396- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عساكر.
الْأَزْدِيّ، المُرْسيّ.
سَمِعَ «الشّهاب» من أَبِي القاسم بْن الفحّام.
وحدَّث بِهِ قبل السّبعين.
وسَمِعَ منه: عَبْد الكبير بْن بَقِيّ، وغيره.
397- مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن هِبَة اللَّه.
أَبُو عَبْد اللَّه بْن عساكر الدّمشقيّ، أخو الحافظ أبو القاسم، والصّائن.
ولد بعد الخمسمائة بقليل.
قَالَ القاسم بْن عساكر: هُوَ عمّ الأوسط.
سَمِعَ الكثير من: عَبْد الكريم بْن حمزة، وأبي الْحَسَن بْن قيس المالكيّ.
وتَفَقَّه عَلَى: أَبِي الفتح نصر اللَّه المِصِّيصيّ.
وسمعت بقراءته كثيرا. وما أظنّه حدَّث. وكان شيخا كريما، حَسَن الأخلاق، كثير التّلاوة.
قلت: هُوَ والد العَلَّامة فخر الدِّين، وزين الأمناء، وتاج الأُمناء أَبِي نصر عَبْد الرحيم.
تُوُفّي رحمه اللَّه سَنَة بضْعٍ وستّين.
398- مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن أَحْمَد بْن مدرك [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه وأبو بَكْر الغسّانيّ المالقيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي جعفر بن عبد العزيز، وأبي بكر بن العربيّ، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن سعيد) في: تكملة الصلة لابن الأبار.(39/410)
قَالَ الأَبّار: وكان مؤرّخا، نسّابة، فصيحا، جمع ما لا يوصف من الكتب، وحدَّث عَنْهُ: أَبُو الحَجّاج بْن الشَّيْخ، وأبو عَلِيّ الرنْديّ، وأبو مُحَمَّد بْن غلبون شيخنا.
399- مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي عَلِيّ الحَسَن بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن.
الأصبهانيّ، الحدّاد.
روى عَنْ: جَدّه، وأبي العبّاس أحمد بن أبي الفتح الخرقيّ، وغيرهما.
وأجاز لكريمة وحدَّث.
وكان خطيبا نبيلا، حريصا عَلَى الرواية، لَهُ فهم ومعرفة.
وقد سَمِعَ أيضا من: أَبِي مُطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الْمَصْرِيّ، وأبي سَعِيد المطرّز.
ووُلِدَ بنَيْسابور إذ أَبُوهُ بها، وحضر عند أَبِي سَعْد بْن أَبِي صادق، وغيره.
400- مُحَمَّد بْن أَبِي الحَكَم عُبَيْد اللَّه بْن مظفَّر [1] .
الباهليّ، ثُمَّ الأندلسيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، أَبُو المجد الطّبيب.
رئيس الأطبّاء بدمشق، ويُلقّب بأفضل الدَّولة.
كَانَ مَعَ براعته فِي الطّبّ بصيرا بالهندسة، لعّابا بالعود، مجوِّدًا للموسيقى، ولَهُ يدٌ فِي عمل الآلات. قد صنع أرغنا، وبالغ فِي تحزيزه.
اشتغل عَلَى والده أَبِي الحَكَم المُتَوَفّي سَنَة تسعٍ وأربعين. وكان السُّلطان نور الدِّين يُقدّمه ويرى لَهُ، وردّ إِلَيْهِ أمر الطّبّ بمارستانه الَّذِي أنشأه، فكان يدور عَلَى المرضى، ثُمَّ يجلس فِي الإيوان يُشغل الطَّلَبة، ويبحثون نحو ثلاث ساعات. وكان حيّا فِي هذا الوقت.
ولم يذكر ابن أَبِي أُصَيْبَعَة وفاته.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أبي الحكم) في: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة 2/ 155، والوافي بالوفيات 4/ 24 رقم 1474.(39/411)
401- مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الله.
أبو بَكْر البتماريّ، الحريميّ، المعروف بابن العُجَيْل.
وبتماري من قرى النّهروان.
سَمِعَ: أَحْمَد بْن المُظَفَّر بْن سوسن، وأبا سَعْد بْن خُشَيْش.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن طارق الكَرْكيّ.
قَالَ ابن النّجّار: بلغني أَنَّهُ تُوُفّي بعد السّبعين.
402- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن حمدان بْن الْحُسَيْن [1] .
أَبُو الغنائم الجصّانيّ [2] ، الهَيْثيّ، الأديب، اللُّغَويّ. نزيل الأَنبار.
ويُنْسَب إلى جُصَّيْن، أحد ملوك الفُرْس الّذين [3] كَانَ صاحب قلعة عند الأنبار فِي الزّمن القديم.
سَمِعَ أَبُو الغنائم من: يحيى بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الأخضر الأنباريّ، وقرأ القراءات ببغداد عَلَى: أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ، وسِبْط الخيّاط.
وسَمِعَ من: ابن الحُصَيْن، وجماعة.
وحدَّث بهيت والأنبار سَنَة اثنتين وستّين. وصَنَّف كتاب «روضة الآداب» فِي اللّغة، «والمثلّث الحمدانيّ» ، و «الحماسة» ، وغير ذَلِكَ.
ووُلِدَ بهيت فِي سَنَة أربعٍ وثمانين وأربعمائة، ولم تُضبط وفاته.
سَمِعَ منه: أَبُو أَحْمَد بْن سُكَيْنَة، ويوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ.
403- مُحَمَّد بْن غريب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن غريب.
أبو الوليد العبسيّ، السّرقسطيّ. نزيل شاطبة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن محمد) في: الوافي بالوفيات 4/ 163 رقم 1699، ومعجم المؤلفين 11/ 42.
[2] ضبطه الصفدي: بالجيم والصاد المهملة مشدّدة.
[3] هكذا في الأصل.(39/412)
روى عَنْ: أَبِي عَلِيّ الصَّدَفيّ، وابن عتّاب.
وتصدّر للإقراء بشاطِبة. وولي خطابتها.
أخذ عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن سعادة حرف نافع.
404- مُحَمَّد بْن محمود بْن عَلِيّ بْن أَبِي عليّ الحسن بن يوسف بن حجر بن عَمْرو.
العَلَّامة أَبُو الرّضا الأَسَديّ، الطّرازيّ، الْبُخَارِيّ.
قَالَ عَبْد الرحيم بْن السّمعانيّ: كَانَ إماما فاضلا، مبرِّزًا، ورِعًا، تقيّا، كثير الذِّكْر والتهجُّد والتّلاوة. تَفَقَّه عَلَى الْإِمَام الْحُسَيْن بْن مَسْعُود بن الفرّاء بمروالرّوذ، وعلى الْإِمَام عَبْد العزيز بْن عُمَر ببُخَارَى.
وسَمِعَ: أَبَا الفضل بَكْر بْن مُحَمَّد الزَّرَنْجَرِيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدَّقَّاق، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حفص وهُوَ أوّل أستاذ لي في الفقه.
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة ببُخَارَى.
405- مُحَمَّد بْن أَبِي الرجاء أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد.
أَبُو عَبْد اللَّه الأصبهانيّ المعروف بالكسائيّ.
سَمِعَ: أَبَا مُطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الْمَصْرِيّ، وغيره.
روى عَنْهُ بالإجازة: ابن اللّتّي، وكريمة.
تُوُفّي بعد السّتّين.
406- مُحَمَّد بن المرجّى الحسين بن محمد بن الفضل بن علي.
أَبُو جَعْفَر التَّيْميّ، الأصبهانيّ.
سَمِعَ: أَبَا الْعَبَّاس أَحْمَد بْن أَبِي الفتح الخرقيّ، وأبا مُطيع الْمَصْرِيّ.
وعنه بالإجازة: ابن اللّتّي، وكريمة.
407- محمود بْن إِسْمَاعِيل بْن عُمَر بْن عَلِيّ.
الْإِمَام العَلَّامة أَبُو القاسم الطُّرَيْثِيثيّ، النَّيْسَابوريّ، الفقيه.
تخرَّج بأبي بَكْر مُحَمَّد بْن منصور السّمعانيّ فِي الفقه. وبرع فِي الأصول(39/413)
والنَّظَر والمذهب. وكان حَسَن السّيرة متواضعا مطَّرِحًا للتّكلُّف.
سَمِعَ: عَبْد الغفار الشِّيُرويّي، وصاعد بْن سَيّار.
سَمِعَ منه عَبْد الرحيم بْن السّمعانيّ، وغيره.
408- مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بن أبي يعلى [1] .
أبو علي الشيرازي، ثم البَغْداديُّ.
سَمِعَ: أَبَا الْحُسَيْن المبارك بْن الطُّيُوريّ، وأبا سعد بن خشيش.
روى عنه: محمد بْن أَحْمَد الصُّوفيّ، وعبد السّلام الدّاهريّ الخفّاف.
- حرف الياء-
409- يوسف بن إسماعيل [2] .
409- يوسف بْن إِسْمَاعِيل [2] .
أَبُو الحَجّاج المخزوميّ، القُرْطُبيّ، المعروف بالمراديّ اللُّغويّ.
أخذ عَنْ: أبي الحسين بن سراج فأكثر.
وعن: أبي عبيدة جرّاح بن موسى، وأبي جعفر بن عبد العزيز.
وجلس لإقراء العربيّة واللّغة.
وكان حافظا للغريب، معتنيا باللّغات، لازمه أبو جعفر ابن يحيى مدّة وأكثر عنه.
__________
[1] انظر عن (مسعود بن عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 188 رقم 1191.
[2] انظر عن (يوسف بن إسماعيل) في: بغية الوعاة 2/ 354 رقم 2172.(39/414)
يتلوه الطبقة الثامنة والخمسون أعانني الله على إكماله بمنّه وإفضاله «بعون الله وتوفيقه، انتهى تحقيق هذه الطبقة من «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» للحافظ مؤرّخ الإسلام شمسُ الدين مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْن عثمان بن قايماز المعروف بالذهبي، المتوفى 748 هـ.، وضبط نصّها، وتخريج أحاديثها وأشعارها، وتوثيق مادّتها، والإحالة إلى مصادرها، وشرحها والتعليق عليها، وصنع فهارسها، على يد خادم العلم وطالبه، الفقير إليه تعالى، الحاج الأستاذ الدكتور عمر عبد السلام تدمري، (أبو غازي) أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، وممثّل لبنان في الهيئة العربية العليا لإعادة كتابة تاريخ الأمة في اتحاد المؤرّخين العرب، وكان الفراغ منها قبيل أذان المغرب من يوم الثلاثاء الواقع في الثاني عشر من شهر رمضان المبارك 1414 هـ. / الموافق للثاني والعشرين من شهر شباط (فبراير) 1994 م.، وذلك بمنزله بساحة النجمة من مدينة طرابلس الشام المحروسة ودار العلم، حفظها الله وجعلها بلدا سخاء ورخاء وسائر بلاد المسلمين، راجيا أن يكون هذا العمل في صحيفة حسناته، والله يجزي المحسنين» .(39/415)
[المجلد الأربعون (سنة 571- 580) ]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الطبقة الثامنة والخمسون
سنة إحدى وسبعين وخمسمائة
[جلوس ابْن الجوزي تحت المنظرة]
قال ابْن الجوزيّ [1] : تُقُدَّمَ إليّ بالجلوس تحت المنظرة، فتكلَّمت فِي ثالِث المُحَرَّم والخليفة حاضر، وكان يوما مشهودا. ثُمَّ تُقَدَّمَ إليَّ بالجلوس يوم عاشوراء فكان الزّحام شديدا زائدا على الحدّ، وحضر أمير المؤمنين [2] .
[القبض على أستاذ الدار صندل]
وفي صَفَر قبض على أستاذ الدّار صندل الّذي جاء فِي الرّسليّة إلى نور الدّين، وعلى خادمين أرجف النّاس أنَهم تحالفوا على سوء. وولّي أبو الفضل ابن الصّاحب أستاذيّةالدار، وولّي مكانه في الحجابة ابْن النَّاقد [3] .
[زواج بنت ابْن الجوزيّ]
قال ابْن الجوزيّ [4] : وكانت ابنتي «رابعة» قد خُطِبَت، فَسَأل الزّوج أن يكون العقُد بباب الحُجْرة، فحضرنا يوم الجمعة، وحضر قاضي القضاة، ونقيب النُقباء، فزوَّجتها بأبي الفَرَج بْن الرشيد الطبريّ، وتزوَّج حينئذٍ ولدي أَبُو القاسم بابنة الوزير عون الدّين بْن هبيرة [5] .
__________
[1] في المنتظم 10/ 256 (18/ 218) .
[2] انظر: تاريخ الخميس 2/ 409.
[3] المنتظم 10/ 256 (18/ 218) ، الكامل في التاريخ 11/ 434، مرآة الزمان 8/ 331، النجوم الزاهرة 6/ 76.
[4] في المنتظم 10/ 257 (18/ 219) .
[5] مرآة الزمان 8/ 331، 332.(40/5)
قلت: «رابعة» هِيَ والدة الواعظ شمس الدّين بْن الجوزيّ، لم يَطُل عُمَر ابْن رشيد معها، ثمّ تزوَّجها أَبُو شمس الدّين.
وأمّا ابنه أَبُو القاسم فإنّه تحارب وصار ينسخ بالأجرة، وهو ممَّن أجاز للقاضي تقيّ الدّين الحنبليّ.
[كلام ابْن الجوزيّ تحت المنظرة]
قال [1] : وتكلّمت فِي رجب تحت المنظرة وازدحم الخَلْق، وحضر أمير المؤمنين. وكنت إذا تكلَّمت أصعد المِنْبر، ثمّ أضع الطّرحة إلى جانبي، فإذا فرغتُ أَعدتُها.
وكان المستضيء باللَّه كثيرا ما يحضر مجلس ابْن الجوزيّ فِي مكان من وراء السَّتْر، وقال مَرَّةٌ: ما على كلام ابْن الجوزيّ مَزِيد. يعني فِي الحُسْن [2] .
[كثرة الرفض]
قال [3] : وكان الرَّفْض قد كَثُر، فكتب صاحب المخزن إلى أمير المؤمنين إنُ لَمْ تُقَو يد ابْن الجوزيّ لم يُطق رفْع البِدَع. فكتب بتقوية يدي، فأخبرت النّاس بذلك على المِنْبر، فقلت: إنْ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عَلَيْهِ قد بلغه كَثْرة الرَّفْض، وقد خرج توقيعه بتقوية يدي فِي إزالة البِدَع، فَمَن سمعتموه يسبّ فأخبروني حتّى أخرّب داره وأسجنه. فانكفّ النّاس.
وأمر بمنع الوُعَّاظ إلَّا ثلاثة أَنَا، وأبو الخير القزوينيّ مِنَ الشّافعيّة، وصهر العَبادي مِنَ الحنفيّة. ثمّ سُئلَ فِي ابن الشّيخ عبد القادر، فأطلق [4] .
__________
[1] في المنتظم 10/ 257 (18/ 220) .
[2] المنتظم 10/ 258 (18/ 221) .
[3] ابن الجوزي في المنتظم 10/ 259 (18/ 222) .
[4] المنتظم 10/ 259 (18/ 222) .(40/6)
[خروج المستضيء إلى كشكه]
وفي ذي القعدة خرج المستضيء إلى الكشك الَّذِي جدّده راكبا، والدّولة مُشَاة، ورآه النّاس، ودعوا لَهُ [1] .
[ولاية المخزن]
وفِيهَا خُلِع على الظَّهير بْن العطّار بولاية المخزن [2] .
[وليمة الوزير ابْن رئيس الرؤساء]
وفِيهَا عمل الوزير ابْن رئيس الرؤساء دعوة جمع فِيهَا أرباب المناصب، وخَلَع عليَّ، ونُصَب لي مِنْبر فِي الدّار، وحضر الخليفة الدّعوة، فلمّا أكلوا تكلَّمت، وحضر السّلطان والدّولة، وجميع علماء بغداد ووُعَّاظها إلَّا
النّادر [3] .
[الفتنة بِمَكَّةَ]
وفِيهَا أرسِل إلى صاحب المدينة تقليد بِمَكَّةَ، فجرت فتنة لذلك بِمَكَّةَ، وقُتل جماعة. ثمّ صعِد أميرُ مَكَّة المعزول، وهو مكثر بْن عيسى بْن فُليتَة، إلى القلعة الّتي على أَبِي قُبَيْس، ثمّ نزل وخرج عَن مَكَّة. ووقع النَّهب بمكّة، وأحرقت دور كثيرة [4] .
وحكى القليوبيّ في «تاريخه» أنّ الرَّكْب خرجوا عَن عَرَفَات، ولم يبيتوا بمُزْدَلِفَة، ومرّوا بها، ولم يقدروا على رَمْي الْجِمار، وخرجوا إلى الأبَطح، فبكّروا يوم العيد، وقد خرج إليهم من يحاربهم من مكّة، فتطاردوا وقتل
__________
[1] المنتظم 10/ 259 (18/ 222) .
[2] المنتظم 10/ 259 (18/ 222) .
[3] المنتظم 10/ 259، 260 (18/ 223) .
[4] المنتظم 10/ 260 (18/ 224) ، الكامل في التاريخ 11/ 432، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 2/ 367.(40/7)
جماعة بين الفريقين. ثمّ آل الأمرُ إلى أن أصيح فِي النّاس: الغَزَاة إلى مَكَّة [1] .
قال ابْن الجوزيّ [2] : فحدّثني بعض الحاجّ أنْ زرَّاقا ضرب بالنّفط دارا فاشتعلت، وَلَا حَوْلَ وَلَا قوَّة إلَّا باللَّه، وكانت تلك الدّار لأيتام، ثمّ سَوَّى قارورة نفُط ليضرب بها، فجاء حجرٌ فكسرها، فعادت إليه وأحرقته. وبقي ثلاثة أيّام فتفسّخ الْجَسَد، ورأى بنفسه العجائب، ثُمّ مات.
قال [3] : ثمّ ذلك الأمير الجديد قَالَ: لَا أجْسُر أن أُقيم بعد الحاجّ بِمَكَّةَ. فأمّروا غيره.
[وقعة تلّ السلطان]
وفِيهَا كانت وقعة تلّ السّلطان، وحديث ذلك أنَّ عسكر المَوْصِل نكَثوا وحَنَثوا ووافوا تلَّ السّلطان بنواحي حلب فِي جُمُوع كثيرة، وعلى الكُلّ السّلطان سيف الدّين غازي بْن مودود بْن زنكي، فالتقاهُم السّلطان صلاح الدّين فِي جَمْعٍ قليل، فهزمهم وأسَرَهم، ونهب، وحَقَنَ دِماءهم. ثمّ أحضر الأمراء الّذين أسرهم فأطْلقهم ومَنَّ عليهم [4] .
قال ابْن الأثير [5] : لم يُقتل من الفريقين- على كثرتهم- إلّا رجل
__________
[1] المنتظم 10/ 260 (18/ 224) .
[2] في المنتظم 10/ 260 (18/ 224) .
[3] في المنتظم 10/ 260 (18/ 224) .
[4] النوادر السلطانية 51، 52، سنا البرق الشامي 1/ 201، 204، الكامل في التاريخ 11/ 427- 429، زبدة الحلب 3/ 26، مفرّج الكروب 2/ 39، الروضتين ج 1 ق 2/ 649- 655، تاريخ الزمان 192، المغرب في حلى المغرب 146، 147، مرآة الزمان 8/ 333، نهاية الأرب 28/ 378، المختصر في أخبار البشر 3/ 58، العبر 4/ 212، دول الإسلام 2/ 85، تاريخ ابن الوردي 2/ 86، البداية والنهاية 12/ 293، تاريخ ابن خلدون 5/ 256، 257، السلوك ج 1 ق 1/ 61، شفاء القلوب 88- 91، تاريخ ابن سباط 1/ 146، تاريخ الأزمنة للدويهي 176.
[5] في الكامل 11/ 428 و 429.(40/8)
واحد. ووقفتُ على جريدة العَرْض، فكان عسكر سيف الدّين غازي فِي هذه الوقعة يزيدون على ستّة آلاف فارس، والرّجّالة، أقلّ من خمسمائة.
[فتوحات صلاح الدين]
قلت: سار صلاح الدّين إلى مَنْبِج فأخذها، ثمّ سار إلى عزاز، فنازل القلعة ثمانية وثلاثين يوما، وورد عَلَيْهِ وهو محاصرها قومٌ مِنَ الفداويّة، وجُرِح فِي فخذه، وأخِذوا وقُتِلوا. ثمّ افتتح عزاز [1] .
[كتاب فاضليّ إلى الخليفة]
ومن كِتَاب فاضليّ عَن صلاح الدين إلى الخليفة «يطالع أنّ الحلبيّين والمَوْصِليين، لمّا وضعوا السّلاح، وخفضوا الجناح، اقتصرنا بعد أن كانت البلاد فِي أيدينا على استخدام عسكر الحلبيّين فِي البيكارات [2] إلى الكُفْر، وعرضنا عليهم الأمانة فحملوها، والأيْمان فبذلوها. وسار رسولنا، وحَلَّف صاحب الموصل يمينا، جعلَ اللَّه فِيهَا حَكَمًا. وعاد رسوله ليسمع منّا اليمين، فلمّا حَضَر وأحضر نسختها أومأ بيده ليخرجها، فأخرج نسخة يمينٍ كانت بين المَوْصِليين والحلبيّين على حرْبنا، والتَّسَاعُد على حَزْبِنا. وقد حَلَفَ بها كمُشْتِكِين الخادم بحلب، وجماعة معه يمينا نقضت الأوَّل، فردَدْنا اليمين إلى يمين الرَّسُول، وقلنا: هذه يمين عَن الأيمان خارجة، وأردت عمرا وأراد اللَّه خارجة. وانصرف الرَّسُول. وعِلمنا أنّ النّاقد بصير، والمواقف الشّريفة
__________
[1] النوادر السلطانية 52، سنا البرق الشامي 1/ 209- 216، الكامل في التاريخ 11/ 430، 431، زبدة الحلب 3/ 28- 30، مفرّج الكروب 2/ 45، الروضتين ج 1 ق 2/ 662، تاريخ مختصر الدول 216، تاريخ الزمان 192، المغرب في حلى المغرب 147، الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 117 (572 هـ.) ، نهاية الأرب 28/ 380، المختصر في أخبار البشر 3/ 58، العبر 4/ 212، دول الإسلام 3/ 85، تاريخ ابن الوردي 2/ 86، مرآة الجنان 3/ 393، البداية والنهاية 12/ 293، تاريخ ابن خلدون 5/ 257، السلوك ج 1 ق 1/ 61، 62، شفاء القلوب 92، تاريخ ابن سباط 1/ 146، 147، شذرات الذهب 4/ 238.
[2] البيكارات: جمع البيكار، وهي كلمة فارسية بمعنى الحرب.(40/9)
مستخرجة الأوامر إلى المَوْصِليّ إمّا بكتابٍ مؤكَّد بأن لا ينقض العهد، وإمّا الفُسْحَة لنا فِي حربه» [1] .
[استعراض صلاح الدين ذخائر ابْن حسّان]
وقال ابْن أَبِي طيِّئ: لمّا ملك صلاح الدّين مَنْبِج فِي شوّال صعِد الحصنَ، وجلس يستعرض أموال ابْن حسّان وذخائره، فكانت ثلاثمائة ألف دينار، فرأى على بعض الأكياس والآنية مكتوبا «يوسف» . فسأل عَن هذا الاسم، فقيل: لَهُ ولدٌ يحبُه اسمه يوسف، كان يدّخر هذه الأموال لَهُ. فقال السّلطان: أَنَا يوسف، وقد أخذتُ ما جَبَى لي [2] .
[جرح السلطان من الحشيشية]
ومن كِتَاب السّلطان إلى أخيه العادل يقول: ولم يَنَلْني مِن الحشيشيّ الملعون إلَّا خَدْش قَطَرتْ منه قَطَرَات دمٍ خفيفة، انقطعت لوقتها، واندملت لساعتها [3] .
[منازلة حلب]
وأما صلاح الدّين فسار من عزاز فنازل حلب فِي نصف ذي الحجّة، وقامت العامّة فِي حِفْظها بكُل ممكن. وصابَرَها صلاح الدّين شهرا، ثمّ تردَّدَت الرُسُل فِي الصُّلْح، فترحَّلَ عَنْهُمْ، وأطلق لابنة نور الدّين قلعة عزاز [4] .
__________
[1] قارن النص بكتاب الروضتين ج 1 ق 2/ 648.
[2] الروضتين ج 1 ق 2/ 656 وفيه: «ما خبيء لي» ، وانظر: السلوك ج 1 ق 1/ 61.
[3] سنا البرق الشامي 1/ 216، الروضتين ج 1 ق 2/ 659، مرآة الزمان 8/ 335، الدرّ المطلوب 60، العبر 4/ 212، البداية والنهاية 12/ 293، السلوك ج 1 ق 1/ 61، النجوم الزاهرة 6/ 76، شذرات الذهب 4/ 238، 239.
[4] النوادر السلطانية 52، سنا البرق الشامي 1/ 209- 216، الكامل في التاريخ 11/ 430، 431، مفرّج الكروب 2/ 45، زبدة الحلب 3/ 28- 30، الروضتين ج 1 ق 2/ 662، تاريخ مختصر الدول 216، تاريخ الزمان 193، نهاية الأرب 28/ 381، المختصر في-(40/10)
[كسوف الشمس]
قال ابْن الأثير [1] : وفي رَمَضَان انكسفت الشمس ضَحْوة نهار، وظهرت الكواكب، حتّى بقي الوقت كأنّه ليلٌ مظلم، وكنت صبيّا حينئذ.
__________
[ (-) ] أخبار البشر 3/ 58، المغرب في حلى المغرب 147، الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 117 (572 هـ.) ، نهاية الأرب 28/ 381، الدر المطلوب 60، العبر 4/ 212، دول الإسلام 2/ 85، تاريخ ابن الوردي 2/ 786 مرآة الجنان 3/ 393، البداية والنهاية 12/ 293، تاريخ ابن خلدون 5/ 257، السلوك ج 1 ق 1/ 61، 62، شفاء القلوب 92، تاريخ ابن سباط 1/ 146، 147.
[1] في الكامل 11/ 433.(40/11)
سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
[وعظ ابْن الجوزيّ]
فِي المحرَّم وعَظَ ابْن الجوزيّ، وحضر الخليفة فِي المنظرة، وازدحمت الأمَم [1] .
[عرس ابْنَة ابْن الجوزيّ]
قال [2] : وكان عُرس ابنتي رابعة، وحضرت الجهة المعظَّمة، وجهَّزَتْها مِن عندها بمالٍ كثير.
[نقص دجلة]
وفي صَفَر نقصت دِجْلة واخترقت حتّى ظهرت جزائر كثيرة، وكانوا يجرّون السُفُن فِي أماكن [3] .
[البَرَد فِي بغداد]
جاء فِي آب بردٌ شديد ببغداد، فنزلوا عَن الأسطحة، ثمّ عاد الْحَرُّ [4] .
[وعظ ابْن الجوزي بجامع القصر]
وفي جُمَادَى الآخرة وَعَظْتُ بجامع القصر، واجتمع خلائق، فحزَروًا الجمْعَ بمائة ألف، وكان يوما مشهودا [5] .
__________
[1] المنتظم 10/ 262 (18/ 226) .
[2] ابن الجوزي في: المنتظم 10/ 262 (18/ 226) .
[3] المنتظم 10/ 262 (18/ 227) .
[4] المنتظم 10/ 262 (18/ 227) .
[5] المنتظم 10/ 263 (18/ 228) .(40/12)
[وقعة السلجوقي الطامع بالسلطنة]
وفيها قارب بغدادَ بعض السّلجوقيّة ممّن يروم السّلطنة، وجاء رسوله ليُؤذن لَهُ فِي المجيء، فلم يلتفت إليه، فجمع جَمْعًا، ونهب قُرى، فخرج إليه عسكر فَتَواقعُوا. وخرج جماعة. وعاد العسكر فعاد هُوَ إلى النَّهْب، فردّ إليه العسكر وعليهم شُكر الخادم، فترحَّل إلى ناحية خُراسان [1] .
[الزلزلة بالريّ وقزوين]
وفِيهَا كانت بالرّيّ وقَزْوين زلزلةٌ عظيمة.
[معاقبة الطحّان]
وفِيهَا قَالَ رجلٌ لطحّان: أعطني كارة دقيق. فقال: لَا. فقال: وَاللَّه ما أبرح حتّى آخُذ. فقال الطّحّان: وحقّ عليّ الَّذِي هُوَ خير من اللَّه ما أُعطيك.
فشهد عَلَيْهِ جماعة، فَسُجِن أيّاما. ثمّ ضُرِب مائة سَوط، وسُود وجهُهُ وصُفِعَ والنّاس يرجمونه، وأعيدَ إلى الحبس [2] .
[جلوس ابْن الجوزيّ]
وجلس ابْن الجوزيّ فِي السّنة غير مرّة، يحضر فِيهَا الخليفة [3] .
[وقعة الكنز]
وفِيهَا كانت وقعة الكنز مقدَّم السّودان بالصّعيد، جَمَعَ خَلْقًا عظيما، وسار إلى القاهرة فِي مائة ألف ليُعيد دولة العُبيديين، فخرج إليه العادل سيف الدّين، وأبو الهيجا الهكّاريّ، وعزّ الدّين موسك، فالتقوا، فقتل الكنز، وما
__________
[1] المنتظم 10/ 264 (18/ 229، 230) .
[2] المنتظم 10/ 267 (18/ 232) .
[3] انظر المنتظم 10/ 265 و 267 (18/ 231 و 232) .(40/13)
انتطح عَنْزٌ مع عَنْز، وقُتل خلْقٌ عظيم من جموعه، حتّى قِيل إنّه قُتِلَ منهم ثمانون ألفا. كذا قَالَ أَبُو المظفّر بْن قزغليّ [1] ، فاللَّه أعلم بذلك.
[أخذ صلاح الدين منبج]
وفِيهَا أخذ صلاح الدّين مَنْبِج من صاحبها قُطْب الدّين ينال بْن حسّان المَنْبِجي، وكان قد ولّاه إيّاها الملكُ نورُ الدّين لمّا انتزعها نور الدّين من أخيه غازي بْن حسّان [2] .
[مصالحة صلاح الدين حلب]
وفِيهَا حاصر صلاح الدّين حلب مدّة،. ثم وَقَعَ الصُلْح، وأبقَى حلب على الملك الصّالح ابْن نور الدّين وردّ عَلَيْهِ عزاز [3] .
[تخريب مصياف]
وعاد إلى مَصْياف، بلد الباطنيّة، فنصب عليها المجانيق، وأباح قتْلهم، وخرّب بلادهم، فضرعوا إلى شهاب الدّين صاحب حماه، خال السّلطان، فَسَأل فيهم، فترحّل [4] عنهم.
__________
[1] في مرآة الزمان 8/ 338، وانظر: مرآة الجنان 3/ 397، والنجوم الزاهرة 6/ 78، وشذرات الذهب 4/ 241.
[2] مرآة الجنان 3/ 393، زبدة الحلب 3/ 28.
[3] الدرّ المطلوب 61.
[4] سنا البرق الشامي 1/ 217، الكامل في التاريخ 11/ 436، زبدة الحلب 3/ 30، 31، مفرّج الكروب 2/ 48، تاريخ الزمان 193، الروضتين ج 1 ق 2/ 668، نهاية الأرب 28/ 381، المختصر في أخبار البشر 3/ 59، العبر 4/ 212، دول الإسلام 2/ 85، 86، ووقع فيه «ميصاف» ، وهو غلط، البداية والنهاية 12/ 294، 295، تاريخ ابن الوردي 2/ 7، تاريخ ابن خلدون 5/ 257، تاريخ ابن سباط 1/ 147، شفاء القلوب 92، تاريخ الأزمنة 176، 177.(40/14)
[بناء سور مِصْر]
وتوجّه إلى مِصْر وأمَرَ ببناء السّور الأعظم المحيط بمصر والقاهرة، وجعل على بنائه الأمير قراقوش [1] .
قال ابْن الأثير [2] : دوره تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالقاسميّ [3] ، ولم يزل العمل فِيهِ إلى أن مات صلاح الدّين.
وقال أَبُو المظفر ابْن الجوزيّ [4] : ضيَّع فِيهِ أموالا عظيمة، ولم ينتفع به أحد وأمَرَ بإنشاء قلعة بجبل المقطَّم وهي الّتي صارت دار السّلطنة.
قال ابْن واصل [5] : شرع بهاء الدّين قراقوش الأسَدي فيها، وقطع الخندق وتعميقه، وحَفَر واديه، وهناك مسجد سعد الدّولة، فدخل فِي القلعة، وحفر فِيهَا بئرا كبيرا فِي الصَّخْر. ولم يتأتَّ هذا بتمامه إلَّا بعد موت السّلطان بمدّة. وبعد ذلك كمل السّلطان الملك الكامل ابْن أخي صلاح الدّين العمارات بالقلعة وسكنها. وهو أوّل من سكنها. وإنّما كان سُكْناه وسُكْنى من قبِله بدار الوزارة بالقاهرة [6] .
__________
[1] سنا البرق الشامي 1/ 239، الكامل في التاريخ 11/ 437، الروضتين ج 1 ق 2/ 687، مفرّج الكروب 2/ 52، المختصر في أخبار البشر 3/ 59، العبر 4/ 213، مرآة الجنان 3/ 397، السلوك ج 1 ق 1/ 63، المواعظ والاعتبار 2/ 204- 209، تاريخ ابن سباط 1/ 148، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 242، النجوم الزاهرة 6/ 78، تاريخ الخلفاء 447، شفاء القلوب 93، تاريخ الأزمنة 177، شذرات الذهب 4/ 241، مآثر الإنافة 2/ 53.
[2] في الكامل 11/ 437.
[3] في طبعة صادر من الكامل 11/ 437 «الهاشمي» وكذا في: المختصر لأبي الفداء 3/ 59، أما في: السلوك ج 1 ق 1/ 63، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 242 «بذراع العمل» ، أخبار الدول 2/ 182، 183، سنا البرق الشامي 1/ 239، 240.
[4] في مرآة الزمان 8/ 338.
[5] في مفرّج الكروب 2/ 51.
[6] أخبار الدول 2/ 183، تاريخ الأزمنة 177، شذرات الذهب 4/ 241.(40/15)
[سماع السلطان من السلَفيّ]
ثمَّ سافر إلى الإسكندريّة، وسمع فِيهَا من السّلفيّ، وتردَّد إليه مرَّات عديدة، وأسمع منه ولديه الملك العزيز، والملك الأفضل [1] .
[بناء تربة الشافعيّ]
ثم عاد إلى مِصْر وبنى تربة الشافعيّ رضي اللَّه عنه [2] .
__________
[1] الروضتين ج 1 ق 2/ 689، العبر 4/ 214، البداية والنهاية 12/ 296، السلوك ج 1 ق 1/ 63.
[2] سنا البرق الشامي 1/ 241، مرآة الزمان 8/ 339، المختصر في أخبار البشر 3/ 59، البداية والنهاية 2/ 296، السلوك ج 1 ق 1/ 63، النجوم الزاهرة 6/ 79، تاريخ الخلفاء 448، شفاء القلوب 93، أخبار الدول 2/ 183.(40/16)
سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
[العفو عن تتامش]
في أوَّلها دخل بغداد تتامِش الأمير الَّذِي خرج مع قَيماز، ونزل تحت التّاج، وقَبلَ الأرض مرارا، فعُفي عَنْهُ، وأعطي إمريّة [1] .
[وعظ ابْن الجوزيّ]
وحضر ابْن الجوزيّ مرّتين فوعظ، وأمير المؤمنين يسمع، واجتمع خَلْق لَا يُحْصَوْن [2] .
وجَرَت ببغداد هَمْرَجة، وقُبِض على صاحب الحجاب وعلى جماعة [3] .
[فتوى لابن الجوزيّ]
قال ابْن الجوزيّ [4] : وجاءتني فتوى [5] فِي عَبْدٍ وأَمَةٍ، أعتقهما مولاهما، وزوَّج أحدهما بالآخر، فبقيت معه عشرين سنة، وجاءت منه بأربعة أولاد، ثمّ بانَ الآن أنها أخته لأبَوَيْه، وقد وقعا فِي البكاء والنّحيب. فعجِبْتُ من وقوع هذا، وأعلمتهما أنّه لَا إثم عليهما، وبوجوب العُدة، وأنْه يجوز لَهُ النَّظر إليها نَظَره إلى أخته، إلَّا أنّه يخاف على نفسه.
__________
[1] المنتظم 10/ 269 (18/ 235) ، مرآة الزمان 8/ 342.
[2] المنتظم 10/ 269 (18/ 235) ، دول الإسلام 2/ 86.
[3] المنتظم 10/ 269 (18/ 235) .
[4] في المنتظم 10/ 271 (18/ 237، 238) .
[5] في الأصل: «فتوة» .(40/17)
[تكلُم ابْن الجوزيّ]
وفي ليلة رجب تكلَّمت تحت المنظرة الشّريفة، والخليفة حاضر، ومِن الغد حضرنا دعوة الخليفة الّتي يعملها كلَّ رجب، وحضر الدّولة، والعُلماء، والصُّوفية، وختمت ختْمة، وخلع على جماعةٍ كثيرة، وأنصرفَ مَن عادته الانصراف، وبات الباقون على عادتهم لسماع الأبيات، وفرّق عليهم المال [1] .
[بناء مسجد عظيم ببغداد]
وفِيهَا عمل الخليفة مسجدا عظيما ببغداد، وجعل إمامه حنبليّا، وزَخْرفه. وتقدّم إليّ فصلّيت فِيهِ التّراويح [2] .
وتكلَّمت فِي رَمَضَان فِي دار صاحب المخزن وازدحموا، وكان الخليفة حاضرا [3] .
[هبوب الريح ببغداد]
وفي شوّال هبّت ريحٌ عظيمة ببغداد، فزلزلت الدُّنيا بتُرابٍ عظيم، حتّى خيف أن يكون القيامة [4] .
[وقوع البَرَد]
وجاء بَرَدٌ ودام ساعة، ووقعت مواضع على أقوام، ومات بعضهم [5] .
[اغتيال الوزير ابْن رئيس الرؤساء]
وتهيّأ الوزير ابن رئيس الرؤساء للحجّ، فقيل إنّه اشترى ستّمائة جمل،
__________
[1] المنتظم 10/ 271 (18/ 238) .
[2] المنتظم 10/ 272 (18/ 239) .
[3] المنتظم 10/ 272 (18/ 239) .
[4] المنتظم 10/ 272 (18/ 239) ، الكامل في التاريخ 11/ 446.
[5] المنتظم 10/ 272 (18/ 239) .(40/18)
منها مائة للمنقطعين، ورحل فِي رابع ذي القعدة، فلمّا وصل فِي الموكب إلى باب قطفتا [1] قَالَ رَجُل: يا مولانا أَنَا مظلوم. وتقرّب، فزجره الغلمان، فقال: دعوه. فتقدَّم إليه، فضربه بسكّين فِي خاصرته، فصاح الوزير: قتلني.
ووَقَعَ وانكشف رأسه، فغطّى رأسه بكمّه على الطّريق، وضُرِب ذلك الباطنيّ بسيف. فعاد وضرب الوزير، فَهَبرُوه بالسّيوف. وقيل: كانوا اثنين، وخرج منهم شابُ بيده سكّين فَقُتِلَ، ولم يعمل شيئا، وأحْرِقَ الثّلاثة. وحُمِل الوزير إلى داره، وجُرِح الحاجب.
وكان الوزير قد رَأَى أنّه مُعَانِق عثمان رضي اللَّه عنه، وحكى عَنْهُ ابنه أنّه اغتسل قبل خروجه، وقال: هذا غُسل الْإِسْلَام فإنّي مقتولٌ بلا شكّ. ثمّ مات بعد الظُهْر، ومات حاجبه باللّيل.
وعُمِل عزاء الوزير، فلم يحضره إلّا عددٌ يسير، فتُعُجب من هذه الحال فإنّه قد يكون عزاء تاجر أحسن من ذلك. وكان انقطاع الدّولة إرضاء لصاحب المخزن.
ولما كان فِي اليوم الثّاني لم يقعد أولاده، فلمّا علم السّلطان بالحال أمَرَ أرباب الدّولة بالحضور فحضروا. وتكلَّمتُ على كُرسي [2] .
[حجابة ابْن طلحة الباب]
ثمّ وُلي ابْن طلحة حجابة الباب، وبعث صاحب المخزن بعلامة بعد ثلاثٍ إلى الأمير تتامش فحضر، فوكّل به فِي حُجرةٍ من داره، ونفّذ إلى بيته، فأخذت الطّبل والكوسات، وكلّ ما فِي الدار. واختلفت الأراجيف فِي دينه، وقيل إنه اتُهم بالوزير، وخيف أن تكون نيّته رزيّة للخليفة، فقيل إنّه كاتب أمراء خراسان، وما صحّ ذلك.
__________
[1] قطفتا: اسم قرية صارت الآن من محلّات بغداد، وكانت مجاورة لمقبرة الشيخ معروف الكرخي.
[2] المنتظم 10/ 273، 274 (18/ 240، 241) ، الكامل في التاريخ 11/ 446، 447، الروضتين ج 1 ق 2/ 714، 715، مرآة الزمان 8/ 346- 349، دول الإسلام 2/ 786 مختصر التاريخ لابن الكازروني 241، خلاصة الذهب المسبوك 279.(40/19)
وناب صاحب المخزن فِي الوزارة [1] .
[فتنة اليهود]
وجاء أهل المدائن فشكوا من يهود المدائن، فإنّهم قَالُوا لهم: قد آذيتمونا بكثرة الأذان. فقال المؤذّن: لَا نبالي تأذّيتم أو لَا. فتناوشوا وجَرَت بينهم خصومة استظهر فِيهَا اليهود، فجاء المسلمون مستصرخين إلى صاحب المخزن، فأمر بحبْس بعضهم، ثمّ أطلقهم فاستغاثوا يوم الجمعة بجامع الخليفة، فخفّف الخطيب. فلمّا فرغت الصّلاة استغاثوا، فخرج إليهم الْجُند فضربوهم ومنعوهم، فانهزموا. فغضب العوامّ نُصْرة للإسلام، فضجّوا وشتموا، وقلعوا طوابيق الجامع، وضربوا بها الْجُنْد وبالآجُر، وخرجوا فنهبوا المخلّطين [2] ، لأنّ أكثرهم يهود. فوقف صاحب الباب بيده السّيف مجذوبا، وحمل على النّاس ثانية فرجموه، وانقلب البلد، ونهبوا الكنيسة، وقلعوا شبابيكها، وقطّعوا [التوراة] [3] ، واختفى اليهود. فتقدَّم الخليفة بإخراب كنيسة المدائن، وأن تُجعل مسجدا [4] .
[خروج لصوص من الحبس]
وبعد أيّام خرج من الحبس لصوص قطعوا الطّريق، فَصُلِبوا بالرّحبة، وكان منهم شابٌ هاشميّ [5] .
[وقعة الرملة]
وفِيهَا وقعة الرملة، فسار السّلطان صلاح الدّين من القاهرة إلى عسقلان
__________
[1] المنتظم 10/ 274، 275 (18/ 241، 242) .
[2] في المنتظم (طبعة حيدرآباد) 10/ 275 «المخلطيين» ، وفي (طبعة دار الكتب العلمية) 18/ 242، والمثبت يتفق مع: الكامل في التاريخ 11/ 448.
[3] في الأصل بياض، والمستدرك من: المنتظم، والكامل.
[4] المنتظم 10/ 275 (18/ 242) ، الكامل في التاريخ 11/ 447، 448، البداية والنهاية 12/ 298.
[5] المنتظم 10/ 275 (18/ 242) ، الكامل في التاريخ 11/ 448.(40/20)
فسَبى وغنم، وسار إلى الرملة، فخرج عَلَيْهِ الفِرَنج مطلبين وعليهم البرنْس أرناط صاحب الكَرَك، وحملوا على المسلمين، فانهزموا، وثبت السّلطان وابنُ أخيه المظفّر تقيّ الدّين عُمَر، ودخل اللّيل، واحْتَوَت الملاعين على أثقال المسلمين، فلم يبق لهم قدرةٌ على ماءٍ وَلَا زاد، وتعسّفوا تلك الرّمال راجعين إلى مِصْر، وتمزَّقوا وهلكت خيلهم.
ومن خبر هذه الوقعة أنّ الفقيه عيسى أُسِر، فافتداه السّلطان بستّين ألف دينار، وكان موصوفا بالشّجاعة والفضيلة، أسِر هُوَ وأخوه ظهير الدّين، وكانا قد ضلّا عَن الطّريق بعد الوقعة. ووصل صلاح الدّين إلى القاهرة فِي نصف جُمَادى الآخرة.
قال ابْن الأثير [1] : رَأَيْت كتابا بخطّ يده كتبه إلى شمس الدّولة توران شاه، وهو بدمشق، يذكر الوقعة، وفي أوّله:
فذكرتك والخطّيّ يخطر بينَنَا ... وقد نَهَلَتْ منّا المَثقَّفةُ السمْرُ
[2] ويقول فِيهِ: لقد أشرفنا على الهلاك غير مرّة، وما نجّانا اللَّه إلَّا لأمرٍ يريده.
وما ثبتت إلَّا وفي نفسها أمرُ وقال غيره: انهزم السّلطان، والنّاس لم يكن لهم بلدٌ يلجئون إليه إلَّا مِصْر، فسلكوا البرّية، ولقوا مشاقا [3] ، وقلّ عليهم القوت والماء، وهلكت خيلهم، وفُقد منهم خلْقٌ.
ودخل السلطانُ القاهرةَ بعد ثلاثة عشر يوما، وتواصل العسكر، وأسَرَ الفِرَنج فيهم. واستشهد جماعة منهم: أَحْمَد ولد تقيّ الدّين عُمَر المذكور، وكان شابّا حَسَنًا لَهُ عشرون سنة.
__________
[1] في الكامل 11/ 442، 443.
[2] البيت لأبي عطاء السندي. (انظر كتاب: «الزهرة» لأبي بكر محمد بن سليمان الأصفهانيّ 278) .
[3] في الأصل: «مشاق» .(40/21)
وكان أشدّ النّاس قتالا يومئذ الفقيه عيسى الهكّاريّ. وحملت الفِرَنج على صلاح الدّين، وتكاثروا عَلَيْهِ، فانهزم يسيرا قليلا قليلا. وكانت نَوْبة صَعْبة [1] .
[نزول الفرنج على حماه]
وفِيهَا نزلت الفرنج على حماه، وهي لشهاب الدّين محمود بْن تِكِش خال السّلطان، وكان مريضا، وكان الأمير سيف الدّين المشطوب قريبا من حماه، فدخلها وجمع الرجال، فزحفت الفِرَنج على البلد، وقاتلهم المسلمون قتالا شديدا مدةَ أربعة أشهر، ثمّ ترحّلوا عَنْهَا.
وأمّا السّلطان فإنّه أقام أيّاما بمن سَلِم معه، ثمّ خرج من مِصْر، وعيّد بالبركة، ثمّ كمل عدّة جيشه، فَبَلَغهُ أمرُ حماه، فأسرع إليها، فلمّا دخل دمشق تحقّق رحيل الفِرَنج عَن حماه [2] .
[عصيان ابْن المقدّم ببعلبكّ]
وعصى الأمير شمس الدّين محمد بن المقدّم ببَعْلَبَك، فكاتَبَه السّلطان وترفّق به، فلم يجب، ودام إلى سنة أربع [3] .
__________
[1] النوادر السلطانية 52، 53، سنا البرق الشامي 1/ 252- 264، البرق الشامي 3/ 31- 50، الكامل في التاريخ 11/ 442، 443، مفرّج الكروب 2/ 58- 63، الروضتين ج 1 ق 2/ 699- 704، تاريخ الزمان 193، 194، المغرب في حلى المغرب 418، مرآة الزمان 8/ 342، 343، نهاية الأرب 28/ 393، 394، المختصر في أخبار البشر 3/ 59، 60، العبر 4/ 216، 217، دول الإسلام 86، 87، مرآة الجنان 3/ 398، البداية والنهاية 12/ 297، تاريخ ابن الوردي 2/ 87، الدرّ المطلوب 63، تاريخ ابن خلدون 5/ 292، السلوك ج 1 ق 1/ 64، شفاء القلوب 93، 94، تاريخ ابن سباط 1/ 149، 150، تاريخ الأزمنة 177، شذرات الذهب 4/ 244.
[2] البرق الشامي 3/ 52- 55، سنا البرق الشامي 1/ 266- 268، النوادر السلطانية 53، الكامل في التاريخ 11/ 444، مفرّج الكروب 2/ 64، زبدة الحلب 3/ 34- 36، الروضتين ج 1 ق 2/ 705- 708، مرآة الزمان 8/ 343، المختصر في أخبار البشر 3/ 60، العبر 4/ 217، دول الإسلام 2/ 87، تاريخ ابن الوردي 2/ 88، البداية والنهاية 12/ 298، مرآة الجنان 3/ 398، تاريخ ابن خلدون 5/ 292، 293، السلوك ج 1 ق 1/ 65، شفاء القلوب 94، 95، الإعلام والتبيين للحريري 31، تاريخ الأزمنة 177، 178.
[3] البرق الشامي 3/ 92، 93، سنا البرق الشامي 1/ 293، 294، الكامل في التاريخ-(40/22)
[كتاب ابْن المشطوب بقتلى الفرنج]
وجاء كِتَاب ابْن المشطوب أنّ الَّذِي قُتِلَ من الفِرنج على حماه أكثر من ألف نَفْس.
[مطالعة القاضي الفاضل بقتل الوزير]
ووردت مطالعة القاضي الفاضل إلى صلاح الدّين تتضمّن التّوقيع لقتل الوزير عضُد الدّين ابْن رئيس الرؤساء، وفِيهَا: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 41: 46 [1] فقد كان- عفا اللَّه عَنْهُ- قتل وَلَدي الوزير ابْن هُبيرة، وأزهق أنفُسَهما وجماعة لَا تُحصَى، وهذا البيت، بيت ابْن المسلمة، عريق فِي القتْل. وجدُهُ هُوَ المقتول بيد البساسِيري.
ثمّ قَالَ: وقد ختمت لَهُ السّعادة بما حتّمت به له الشّهادة، لا سيّما وهو خارج من بيته إلى بيت اللَّه، ووقع أجره على اللَّه [2] .
إنّ الْمَسَاءَةَ قَدْ تَسُرُّ وَرُبَّمَا ... كَانَ السُّرُورُ بِمَا كرهتَ جديرا
إنّ الوزيرَ وزيرَ آل مُحَمَّد ... أوْدَى فمن يَشْنَاكَ كان وزيرا
[3] وهما فِي أَبِي سَلمة الخلّال وزير بني العبّاس قبل أن يستخلفوا.
__________
[ (- 11] / 450، 451، تاريخ الزمان 194، الأعلاق الخطيرة ج 2/ 48، مرآة الزمان 8/ 342، المختصر في أخبار البشر 3/ 61، دول الإسلام 2/ 87، تاريخ ابن الوردي 2/ 88، البداية والنهاية 12/ 299، تاريخ ابن خلدون 5/ 293، السلوك ج 1 ق 1/ 65، تاريخ ابن سباط 1/ 152.
[1] سورة فصّلت، الآية 46.
[2] الكامل في التاريخ 11/ 446، 447، المنتظم 10/ 273، 274 (18/ 240، 241) ، تاريخ مختصر الدول 216، الروضتين ج 1 ق 2/ 714، المختصر في أخبار البشر 3/ 61، تاريخ ابن الوردي 2/ 88، البداية والنهاية 12/ 298، مرآة الجنان 3/ 398، تاريخ ابن سباط 1/ 151.
[3] البيتان في: وفيات الأعيان 2/ 196، وتاريخ الإسلام (121- 140 هـ.) ص 401، والروضتين ق 2/ 715، والبرق الشامي 3/ 90، وسنا البرق الشامي 1/ 289، وقائلهما هو: سليمان بن المهاجر البجلي (تاريخ الطبري) .(40/23)
سنة أربع وسبعين وخمسمائة
[جلوس ابْن الجوزي فِي عاشوراء]
قال ابْن الجوزيّ [1] : تكلّمت فِي أوّل السنَة وفي عاشوراء تحت المنظرة، وحضر الخليفة، وقلت: لو أنّي مثُلت بين يَدَيِ السُدَّة الشّريفة لقلت: يا أمير المؤمنين، كُنْ للَّه سبحانه مع حاجتك إليه، كان لك مع غناه عنك. إنّه لم يجعل أحدا فوقك، فلا تَرضَ أن يكون أحدٌ أشكر لَهُ منك.
فتصدّق أمير المؤمنين يومئذٍ بصَدقَات، وأطلَقَ محبوسين.
[كسوف القمر والشمس]
وأنكسفَ القمر فِي ربيع الأوّل، وكُسِفَتَ الشّمس فِي التّاسع والعشرين منه أَيْضًا [2] .
[ولادة ثلاثة توائم]
ووُلِدت امرأةٌ من جيراننا ابنا وبنتين فِي بطن، فعاشوا بضع يوم [3] .
[تجديد قبر أَحْمَد بْن حنبل]
وفِيهَا جدّد المستضيء قبَر أَحْمَد بْن حنبل رَحِمَهُ اللَّهُ، وعمِل لَهُ لوحٌ فِيهِ: «هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا الْإِمَام المستضيء بأمر اللَّه أمير المؤمنين» . هذا فِي رأس اللّوح. وفي وسطه: «هذا قبر تاج السّنّة، ووحيد الأمّة، العالي الهمّة، العالم، العابد، الفقيه، الزّاهد، الْإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه
__________
[1] في المنتظم 10/ 283 (18/ 248) .
[2] المنتظم 10/ 283 (18/ 248) ، الكامل في التاريخ 11/ 453.
[3] المنتظم 10/ 283 (18/ 248) .(40/24)
أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حنبل الشّيبانيّ رَحِمَهُ اللَّهُ، تُوفي فِي تاريخ كذا» . وكُتِب حول ذلك آية الكرسيّ [1] .
[تكلّم ابْن الجوزي فِي جامع المنصور]
وتكلّمت فِي جامع المنصور، فاجتمع خلائق، وحُزِر الجمع بمائة ألف وتاب خلق، وقُطعت شعورهم.
ثمّ نزلتُ فمضيتُ إلى قبر أَحْمَد، فتبعني من حُزِر بخمسة آلاف [2] .
[إطلاق تتامش]
وفيه أطِلِق الأمير تتامش إلى داره [3] .
[عمل الدكَّة بجامع القصر]
وتقدَّم المستضيء بعمل دكّة بجامع القصر للشّيخ أبي الفتح بْن المُنَى الحنبليّ، وجلس فِيهَا، فتأثّر أهل المذاهب من عمل مواضع للحنابلة [4] .
[حديث ابْن الجوزي عَن نفسه]
وكان الوزير عضُد الدّين ابْن رئيس الرؤساء يقول: ما دخلت قطّ على الخليفة إلَّا جرى ذِكْر فلان، يعنيني، وصارَ لي اليوم خمسُ مدارس، ومائة وخمسون [5] مصنَّفًا فِي كلّ فنّ. وتاب على يدي أكثر من مائة ألف، وقطعت أكثر من عشرة آلاف [6] طايلة، ولم يُرَ واعظٌ مثل جمْعي، فقد حضر مجلسي الخليفة، والوزير، وصاحب المخزن، وكبار العلماء، والحمد للَّه [7] .
__________
[1] المنتظم 10/ 283، 284 (18/ 248، 249) .
[2] المنتظم 10/ 284 (18/ 249) ، دول الإسلام 2/ 87، تاريخ الخميس 2/ 409.
[3] المنتظم 10/ 284 (18/ 249) .
[4] المنتظم 10/ 284 (18/ 249) .
[5] في المنتظم: «مائة وثلاثون» .
[6] في المنتظم: «أكثر من عشرين ألف» .
[7] المنتظم 10/ 284 (18/ 249، 250) .(40/25)
[حكاية ابْن الجوزيّ عَن الرشيد]
وفي رجب عمل المستضيء الدّعوة، ووعظت وبالغُت فِي وعظ أمير المؤمنين، فممّا حكيت لَهُ أنّ الرَّشيد قَالَ لشَيبان: عِظْني. قَالَ: لأن تصحب مَن يخوّفك حتّى يدركك الأمنُ خيرٌ لك من أن تَصْحَب من يؤمّنك حتّى يُدركك الخوف.
قال: فسَّر لي هذا.
قال: من يقول لك أنت مسئول عَن الرعيّة فاتّق اللَّه، أنصَح لك ممّن يقول: أنتم أهلُ بيتٍ مغفورٌ لكم، وأنتم قرابة نبيّكم.
فبكى الرشيد حتّى رحمه مَن حوله.
وقال لَهُ فِي كلامه: يا أمير المؤمنين إنْ تكلّمتُ خفت منك، وأن سكتّ خفتُ عليك، وأنا أقَدم خوفي عليك على خوفي منك [1] .
[ظهور مشعبذ]
وفي رمضان جاء مُشَعبِذ فذكر أنّه يُضرب بالسّيف والسكْين فلا تعمل فِيهِ، لكن بسيفه وسِكينه خاصّة [2] .
قَتل ابْن قرايا الرافضيّ]
وفيه أخِذَ ابْن قرايا الَّذِي ينشد على الدّكاكين من شعْر الرّافضة، فوجدوا فِي بيته كتبا فِي سبّ الصَّحابة، فقُطِع لسانه ويده، وذُهب به إلى المارستان، فَرَجَمَتْه العوامّ بالآجُر، فهرب وسبح وهم يضربونه حتّى مات. ثمّ أخرجوه وأحرقوه، وعملت فِيهِ العامة كان وكان. ثمّ تَتبع جماعة من الرّوافض، وأحرِقت كُتُبٌ عندهم، وقد خمدت جمْرتهم بمرّة، وصاروا أذَل من اليهود [3] .
__________
[1] المنتظم 10/ 285 (18/ 250) .
[2] المنتظم 10/ 285 (18/ 251) .
[3] المنتظم 10/ 285، 286 (18/ 251) ، دول الإسلام 2/ 87، العبر 4/ 218، مرآة الجنان-(40/26)
[امتناع الركب العراقيّ]
ولم يخرج الرّكْب العراقيّ لعدم الماء والعشب، وكانت سنة مُقْحِطة.
وحجَّ مَن حجّ على خَطَر. ورجع طائفة فنزلت عليهم عرب، فأخذوا أكثر الأموال، وقتِل جماعة [1] .
[هبوب ريح وظهور نار ببغداد]
وفي ذي القعدة هبّت ببغداد ريح شديدة نصف اللّيل، وظهرت أعمدة مثل النّار فِي أطراف السّماء كأنّها تتصاعد من الأرض، واستغاث النّاس استغاثة شديدة. وبقي الأمر على ذلك إلى السَّحَر [2] .
[جلوس ابْن الجوزي يوم عَرَفَة]
وجلستُ يوم عَرَفَة بباب بدر، وأمير المؤمنين يسمع [3] .
[اجتماع الفرنج عند حصن الأكراد]
وفيها اجتمعت الفِرَنج عند حصن الأكراد، وسار السّلطان الملك الناصر صلاح الدّين فنزل على حمص فِي مقابلة العدوّ [4] .
[تسلّم صلاح الدين بعلبكّ]
فلمّا أمن من غاراتهم سار إلى بَعْلَبِك، فنزل على رأس العين، وأقام هناك أشهرا يراود شمسَ الدّين ابْن المقدّم على طاعته، وهو يَأبى. ولم يزل الأمرُ كذلك إلى أن دخل رَمَضَان، فأجاب شمس الدّين إلى تسليم بَعَلَبك على عِوَضٍ طَلَبَه. فتسلّمها السّلطان، وأنعم بها على أخيه المعظّم شمس الدّولة
__________
[ (- 3] / 398، 399، شذرات الذهب 4/ 246.
[1] المنتظم 10/ 286 (18/ 252) .
[2] المنتظم 10/ 287 (18/ 252) ، تاريخ الخلفاء 448، أخبار الدول 2/ 182.
[3] المنتظم 10/ 287 (18/ 253) .
[4] البرق الشامي 3/ 94، نسا البرق الشامي 1/ 294.(40/27)
توران شاه بْن أيّوب. وسار إلى دمشق فِي شوّال. ثمّ أقطع أخاه شمس الدّولة توران شاه بمصر، واستردّ منه بَعلَبك [1] .
[قتْل هنفري الفرنجي]
قال ابْن الأثير [2] : فِي ذي القعدة أغارت الفِرَنْج على بلاد الْإِسْلَام وعلى أعمال دمشق، فسار لحربهم فرّخ شاه ابْن أخي السّلطان فِي ألف فارس، فالتقاهم وألقى نفسه عليهم، وقتل مِن مقدّميهم جماعة، منهم هنفري [3] ، وما أدراك ما هنفري! كان يُضْرَب المَثَلُ فِي الشّجاعة [4] .
[غارة البرنس على شيزر]
وفِيهَا أغار البِرنْس صاحب أنطاكية على ناحية شَيْزر [5] .
[غارة صاحب طرابلس]
وأغار صاحب طرابلس على التّركمان [6] .
__________
[1] البرق الشامي 3/ 93- 95 و 132 و 134- 145، سنا البرق 1/ 293، 294، الكامل في التاريخ 11/ 450، 451، تاريخ الزمان 194، الأعلاق الخطيرة 2/ 48، المختصر في أخبار البشر 3/ 61، دول الإسلام 2/ 87، تاريخ ابن الوردي 2/ 88، البداية والنهاية 12/ 299، تاريخ ابن خلدون 5/ 293، السلوك ج 1 ق 1/ 65، تاريخ ابن سباط 1/ 152.
[2] في الكامل 11/ 452، 453.
[3] هو في المراجع الأجنبية HonFroi: أو HumphreyofToron وهو صاحب حصن بانياس.
[4] البرق الشامي 3/ 149، سنا البرق الشامي 1/ 317، مفرّج الكروب 2/ 72، 73، كتاب الروضتين 2/ 6، مرآة الزمان 8/ 351، العبر 4/ 219، مرآة الجنان 3/ 399، البداية والنهاية 12/ 300، السلوك ج 1 ق 1/ 67، شذرات الذهب 4/ 264، عقد الجمان (مخطوط) 12/ 213 أ، ب.
[5] البرق الشامي 3/ 155، سنا البرق الشامي 1/ 322، الروضتين 2/ 8، الكامل في التاريخ 11/ 453، السلوك ج 1 ق 1/ 67، البداية والنهاية 12/ 300، عقد الجمان 12/ 213 ب.
[6] البرق الشامي 3/ 155، سنا البرق الشامي 1/ 322، الكامل في التاريخ 11/ 453، السلوك ج 1 ق 1/ 67، تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا) 1/ 525.(40/28)
[إنعام السلطان على الملك المظفّر]
وفِيهَا أنعم السّلطان على ابْن أخيه الملك المظفَّر تقيُّ الدِّين عُمَر بْن شاهنشاه بْن أيّوب بحماه، والمَعَرَة، وفامية، ومَنْبج، وقلعة نجم، فتسلّمها وبعث نوّابه إليها، وذلك عند وفاة صاحب حماه شهاب الدين محمود خال السّلطان [1] .
ثمّ تَوجَّه إليها الملك المظفّر تقيّ الدّين، ورتّب فِي خدمته أميران كبيران شمس الدّين ابْن المقدّم، وسيف الدّين عليّ بْن المشطوب، فكانوا فِي مقابلة صاحب أنطاكية. ورتّب بحمص ابْن شيركوه فِي مقابلة القومص [2] .
[إنشاء سور القاهرة]
وجاء من إنشاء الفاضل: وأمّا ما أمر به المولى من إنشاء سور القاهرة، فقد ظهر العمل، وطلع البناء، وسلكت به الطّريق المؤدّية إلى السّاحل بالمقسم. وَاللَّه يُعَمّر المولى إلى أن يراه نطاقا على البلدين [3] ، وسِوارًا أو سورا يكون الْإِسْلَام به مُحَلى اليدين [4] ، والأمير بهاء الدّين قراقوش ملازم للاستحثاث [5] بنفسه ورجاله [6] .
__________
[1] دول الإسلام 2/ 87، العبر 4/ 219، مرآة الجنان 3/ 399.
[2] البرق الشامي 3/ 155، 156، سنا البرق الشامي 1/ 323.
[3] في سنا البرق: «نطاقا مستديرا على البلدين» .
[4] في المصادر: «محلّى اليدين، محلأ الضّدّين» .
[5] في مفرج الكروب: «الاستحتاث» .
[6] سنا البرق الشامي 1/ 296، 297، الروضتين 2/ 2، مفرّج الكروب 2/ 67، الدرّ المطلوب 65، البداية والنهاية 12/ 297 (573 هـ.) ، أخبار الدول 2/ 182.(40/29)
[ختام كِتَاب المنتظم]
قلت: وهذه السّنة هِيَ آخر «المنتظم» [1] .
__________
[1] آخره ترجمة «عمّار بن سلامة» رقم 375، طبع منه في حيدرآباد خمسة أجزاء من 5 إلى 10 سنة 1358 هـ. ثم أصدرته دار الكتب العلمية في بيروت كاملا في 18 جزءا بتحقيق:
محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، وراجعه نعيم زرزور 1412 هـ.
/ 1992 م.
وقال سبط ابن الجوزي: انتهى تاريخ جدّي المسمّى «بالمنتظم» في هذه السنة، وله تاريخ صغير سمّاه «درّة الإكليل» ذيّل من هذه السنة إلى أن حمل إلى واسط في سنة تسعين وخمسمائة، غير أنه لم يستقص فيه الحوادث، ويقال إن منه دخل عليه الحادث، والله أعلم. (مرآة الزمان 8/ 353) .(40/30)
سنة خمس وسبعين وخمسمائة
[الظفر بذيل كِتَاب المنتظم]
أجاز لنا شيخنا أَبُو بَكْر محفوظ بْن معتوق [1] بْن أَبِي بَكْر بْن عُمَر البغداديّ أنّ البُزُوري التّاجر قد ذيّل «المنتظم» فِي عدّة مجلّدات ذهبت فِي أيّام التّتار الغازانية سنة تسع وتسعين وستّمائة من خزانة كُتُبه الموقوفة بتُربته بسفْح قاسيون، ثمّ ظفرنا ببعضها. فذكر فِي حوادث هذه السّنة، سنة 575، أنّ أَبَا الْحَسَن عليّ بْن حمزة بْن طلحة حاجب باب النّوبيّ عُزِل بعميد الدّين أَبِي طَالِب يحيى بْن زيادة.
[وصول البشارة إلى بغداد بكسر الفرنج]
وفي صفر وصل إلى بغداد ثلاثة عشر نجّابا، نفّذهم صلاح الدّين يبشّرون بكسرة الفِرَنج، فضُرِبت الطّبول على باب النّوبيّ، وخُلِع عليهم.
وأخبروا أنّ صلاح الدّين حارب الفِرنج ونُصِر عليهم، وأسَرَ أعيانهم، وأسَرَ صاحب الرّملة، وصاحب طبريّة.
[وقعة مرج العيون]
قلت: وهي وقعة مرج العيون [2] .
ومن حديثها أنّ صلاح الدّين كان نازلا بتلّ بانياس، بين سراياه، فلمّا استَهلَّ المحرّم ركب فرأى راعيا، فسأله عن الفِرَنج، فأخبر بقربهم، فعادَ إلى مخيَّمه، وأمر الجيش بالركوب، فركبوا، وسار بهم حتّى أشرف على الفرنج
__________
[1] توفي سنة 694 هـ. انظر معجم شيوخ الذهبي 447 رقم 649.
[2] مرج العيون، أو مرجعيون: إقليم ومدينة في جنوب «لبنان» شرقيّ مدينة صور.(40/31)
وهم فِي ألف قنطاريّة، وعشرة آلاف مقاتل مِن فارس وراجل، فحملوا على المسلمين، فثبتوا لهم، وحملَ المسلمون عليهم فولّوا الأدْبار، فَقُتِلَ أكثرهم، وأسِرَ منهم مائتان وسبعون أسيرا، منهم: بادين [1] مقدّم الدّاوية، وأوذ [2] ابْن القومصة، وأخو صاحب جبيل، وابن صاحب مَرقية، وصاحب طبريّة.
فأمّا بادين بن بارزان فاستفكّ نفسه بمبلغ [3] وبألف أسير من المسلمين.
واستفكّ الآخر نفسه بجملة. ومات أوذ في حبس قلعة دمشق. وانهزم من الوقعة ملكهم مجروحا. وأبلى في هذه الوقعة عزّ الدّين فرّخ شاه بلاء حسنا [4] .
[الظّفر ببطستين للفرنج]
واتّفق أنْ فِي يوم الوقعة ظفر أسطول مِصْر بَبُطْسَتَين [5] ، وأسروا ألف نفس، فلله الحمدُ على نصره [6] .
[انهزام سلطان الروم أمام المظفّر تقيّ الدين]
وكان قَلِيج أرسلان سلطان الروم طلب رَعْبَان [7] ، وزعم أنّه من
__________
[1] هو بلدوين الإبليني Baldwinofibelin صاحب الرملة.
[2] هكذا بالذال المعجمة. وفي السلوك ج 1 ق 1/ 68، وتاريخ ابن سباط 1/ 155 «أود» بالدال المهملة.
[3] المبلغ هو مائة وخمسون ألف دينار.
[4] البرق الشامي 3/ 162- 169، سنا البرق الشامي 1/ 326- 328، الكامل في التاريخ 11/ 455- 456، نهاية الأرب 28/ 394، 395، والبداية والنهاية 12/ 302، مضمار الحقائق 16- 18 و 20، مفرّج الكروب 2/ 75، 76، شفاء القلوب 120، النجوم الزاهرة 7/ 152، تاريخ ابن سباط 1/ 155، 156، الإعلام والتبيين 32، دول الإسلام 2/ 88، السلوك ج 1 ق 1/ 68، شذرات الذهب 4/ 249، عقد الجمان 12/ 213 ب، 214 أ.
[5] البطسة: بضم أوله وسكون الطاء المهملة. مركب للحرب أو التجارة بلغة إسبانيا. (محيط المحيط) .
[6] البرق الشامي 3/ 169، سنا البرق الشامي 1/ 330، نهاية الأرب 28/ 395، مفرّج الكروب 2/ 77، عقد الجمان 12/ 214 أ (574 هـ.) .
[7] رعبان: قلعة بين حلب وسميساط غربي الفرات. (مراصد الاطلاع 2/ 621) .(40/32)
بلادهم، وإنّما أخذه منه نور الدّين على خلاف مُراده، وأنّ ولده الصّالح إِسْمَاعِيل قد أنعم به عَلَيْهِ. فلم يفعل السّلطان، فأرسل قِليج عشرين ألفا لحصار الحصن، فالتقاهم تقيّ الدين عُمَر صاحب حماة ومعه سيف الدّين علي المشطوب فِي ألف فارس، فهزمهم لأنّه حَمَل عليهم بغتة وهم على غير تعبئة، وضُرِبت كوساته [1] ، وعمل عسكره كراديس. فلمّا سمعت الروم الضّجّة ظنّوا أنّهم قد دهمهم جيش عظيم، فركبوا خيولهم عُرْيًا، وطلبوا النَّجاة وتركوا الخيام بما فِيهَا. فأسر منهم عددا، ثمّ مَنَّ عليهم بأموالهم وسرَّحهم.
ولم يزل تقيّ الدّين يدلّ بهذه النُصْرة، وَلَا ريب أنّها عظيمة [2] .
[وصول بعض أسرى الروم والغنائم إلى بغداد]
وورد بغداد رسولُ صلاح الدّين، وهو مبارز الدّين كشطغايّ، وجلس لَهُ ظهير الدّين أَبُو بَكْر بْن العطّار، وبين يديه أرباب الدّولة، فجاءوا بين يديه اثنا عشر أسيرا عليهم الخوذ والزرَديات، ومع كلّ واحدٍ قنطاريّة، وعلى كتِفِه طارقة منها طارقة ملك الفِرَنج، وعلى القنْطاريات سُعَف الفِرنج. وبين يديه أَيْضًا من التُحَف والنّفائس، من ذلك صَنَم طوله ذراعين حجر، فِيهِ صناعة عجيبة، قد جعل سبّابته على شفته كالمتبسّم عجبا. ومن ذلك صينيّة ملأى جواهر، وضلْعُ آدميّ نحو سبعة أشبار، فِي عرض أربع أصابع، وضلْع سمكة، طوله عشرة أذرع، في عرض ذراعين.
__________
[1] الكوسات: صنوجات من نحاس تشبه الترس الصغير يدقّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص ومعها طبول وشبابة يدقّ بها مرتين في القلعة كل ليلة، وإذا كان السلطان في السفر تدور حول خيامه. (صبح الأعشى 4/ 9) .
[2] سنا البرق الشامي 1/ 331، مضمار الحقائق 18- 24، الكامل في التاريخ 11/، الروضتين ج 2/ 9، المختصر في أخبار البشر 3/ 61، تاريخ الوردي 2/ 89، البداية والنهاية 12/ 303، العبر 4/ 222، مرآة الجنان 3/ 401، السلوك ج 1 ق 1/ 68، 69، تاريخ الزمان 195، شفاء القلوب 96، 97، عقد الجمان 12/ 214 أ (574 هـ.) .(40/33)
[حجوبيّة ابْن الدارع]
وفِيهَا رتّب حاجب الحُجاب أَبُو الفتح مُحَمَّد بْن الدّارع، وكان من حُجاب المناطق.
[وصول ابْن الشهرزوريّ رسولا إلى بغداد]
وفِيهَا قدِم رسولُ صلاح الدّين، وهو القاضي أَبُو الفضائل بْن الشّهرزوريّ، وبين يديه عشرة من أسرى الفِرَنج، وقدّم جواهر مثمنَة.
[عزل ابن الزّوال عن النقابة بالزينبيّ]
وفيها عُزل عَن نقابة النّقباء أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن الزّوال بأبي الهيجا نصر بْن عدنَان الزّينبيّ.
[الإرجاف بموت الخليفة]
وفي شوّال مرض الخليفة وأرجف بموته، وهاش الغَوْغَاء ببغداد، ووقع نهبٌ، وركب العسكر لتسكيتهم، فتفاقم الضّرّ، وأتسَع الخَرْق، وركبت الأمراء بالسّلاح، وصُلِب جماعةٌ من المؤذّنين على الدّكاكين.
وكانت العامّة قد تسوّروا على دار الخلافة، ورموا بالنّشّاب فوقعت نشابةٌ فِي فرس النّائب ومعه جماعة، فتأخّروا من مكانهم.
[التوقيع بولاية العهد]
وفيه وُقعَ للأمير أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بولاية العهد.
وقال الوزير لمن حَضَرَ من الدّولة: اليوم الجمعة، وَلَا بُد من إقامة الدّعوة والجهة بنقشا [1] ، يعني امْرَأَة الخليفة قد بالغت فِي كتم مرض أمير المؤمنين، وَلَا سبيل إلى ذلك إلَّا بتيقُن الأمر، فإنْ كان حيّا جرت الخطبة على العادة، وإنْ كان قد تُوفيَ خَطَبنا لولده حيث وقّع له بولاية العهد.
__________
[1] في الأصل: «بنتشا» ، والمثبت من «مرآة الزمان» .(40/34)
ثمّ عيّن الشَّيْخ أَبُو الفضل مَسْعُود بْن النّادر ليحضر بين يدي الخليفة، فدخل صُحبة سعد الشّيرازيّ، فقال المملوك: الوكيل، يشير بقوله إلى ظهير الدّين بْن العطّار، يُنهي أنّه وقّع بالخُطْبة للأمير أَحْمَد بولاية العهد، وما وسع المملوك إمضاء ذلك بدون مشافهة.
فقال المستضيء: يمضي ما كُنَّا وقّعنا به. فقبلَ الأرض، وعاد فأخبر الوزير ظهير الدّين، فسجدوا شكرا للَّه تعالى على عافيته، وخطب لولاية العهد لأبي الْعَبَّاس، ونُثِرت الدّنانير فِي الجوامع عند ذِكره [1] .
[امتلاك الكردي قلعة الماهكي]
وفي شوّال ملك عَبْد الوهّاب بْن أَحْمَد الكرديّ قلعة الماهكي، وعمل [2] سلاليم موصولة، ونصبها عليها فِي ليلةٍ ذات مطر ورعود، فشعر الحارس، فذهب وعرّف المقدّم كمشتِكِين، فقام بيده طَبَر [3] ، وبين يديه المِشْعَل، فوثبوا عَلَيْهِ فقتلوه، وقتلوا الحارس، ونادوا بشعار عَبْد الوهّاب.
[وفاة الخليفة المستضيء]
وفي سلخ شوّال مات الخليفة [4] .
__________
[1] الخبر باختصار في: مرآة الزمان 8/ 355.
[2] في الأصل: «وعلم» .
[3] الطبر: بالتحريك. البلطة: ذات رأس شبه دائري تثبّت في قائم من المعدن أو من الخشب يحملها أفراد فرقة الطبر دارية.
[4] المنتظم 10/ 236 (18/ 190 وما بعدها) ، الكامل في التاريخ 11/ 459، (الملابس المملوكية 85) التاريخ الباهر 179، سنا البرق الشامي 1/ 342، تاريخ دول آل سلجوق 277، زبدة التواريخ 286، تاريخ الزمان 195، تاريخ مختصر الدول 216، مختصر التاريخ لابن الكازروني 237- 241، تاريخ إربل 1/ 210 و 214، الفخري 319- 321، خلاصة الذهب المسبوك 278- 280، تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة دار الكتب الوطنية بباريس، رقم 5922) ورقة 22، مرآة الزمان 8/ 356، المختصر في أخبار البشر 3/ 62، مضمار الحقائق 4، العبر 4/ 223، سير أعلام النبلاء 21/ 68- 72 رقم 24، دول الإسلام 2/ 88، تاريخ ابن الوردي 2/ 89، البداية والنهاية 12/ 304، مرآة الجنان-(40/35)
[خلافة الناصر لدين اللَّه]
وبويع ابنه أَحْمَد، ولقّبوه النّاصر لدين اللَّه، فجلس للمبايعة فِي القُبة، فبدأ أخوه وبنو عمّه وأقاربه، ثمّ دخل الأعيان، فبايعه الأستاذ دار مجد الدّين هبة اللَّه ابْن الصّاحب، ثمّ شَيْخ الشّيوخ، ثمّ فخر الدّولة أَبُو المظفَّر بْن المطّلب، ثمّ قاضي القُضاة عليّ ابْن الدّامغانيّ، وصاحب ديوان الإنشاء أَبُو الفَرَج مُحَمَّد ابن الأنباريّ، والحاجب أَبُو طَالِب يحيى بْن زيادة.
ثمّ طلب الوزير ظهير الدّين بْن العطّار، وكان مريضا، فأركب على فرس، ثمّ تعضده جماعة، وأدْخِل فَصَعد وبايَعَ، ووقف عَن يمين الشُباك الَّذِي فِيهِ الخليفة، فعجز عَن القيام، فأدخل إلى التّاج، ثمّ راح إلى داره.
وبايع مِنَ الغَد من بقي من العلماء والأكابر.
وقدَّم بعزْل النّقيب أَبِي الهيجا، وبإعادة ابْن الزّوال- وتَوَجَّهت الرُسُل إلى النّواحي بإقامة الدّعوة النّاصريّة [1] .
[القبض على ابْن العطار]
وفي اليوم الخامس مِن البَيعة تقدّم إلى عماد الدّين صَنْدل المُقْتَفَوي، وسعد الدّولة نَظَر المستنجديّ الحَبَشي بالمُضِي إلى دار ابْن العطّار فِي عدةٍ من المماليك للقبض عَلَيْهِ، فجاءوا ودخلوا عَلَيْهِ من غير إذْن، وقبضوا عَلَيْهِ بين الحريم، وترسّم بداره أستاذ دار، فنهبت العامة فِيهَا، وعجز الأستاذ دار [2] .
__________
[ (- 3] / 401، العسجد المسبوك 2/ 173، مآثر الإنافة 2/ 50- 55، تاريخ الخميس 2/ 409، تاريخ ابن خلدون 3/ 528، الجوهر الثمين 1/ 212، 213، فوات الوفيات 269- 271 رقم 19، نهاية الأرب 23/ 300- 308، السلوك ج 1 ق 1/ 70، تاريخ ابن سباط 1/ 153، 154، شذرات الذهب 4/ 250، 251، أخبار الدول 177، تحفة الناظرين للشرقاوي (على هام 5 فتوح الشام للواقدي) 1/ 133، النجوم الزاهرة 6/ 85، وانظر كتاب: المصباح المضيء في خلافة المستضيء لابن الجوزي.
[1] انظر المصادر السابقة.
[2] الكامل في التاريخ 11/ 459، 460، تاريخ الزمان 195، 196، تاريخ مختصر الدول-(40/36)
[الخلعة بإمرة الحاجّ]
وفي سادس ذي القعدة خُلِع على طاشتِكِين خِلْعة إمرة الحاجّ، وتوجّه إلى الحجّ وتقدّمه خروج الرَكْب.
[هتك ابْن العطار بَعد وفاته]
وقُيد ابْن العطّار، وسُحِب وسُجِن فِي مطبّق، فهلك بعد ثلاثٍ، وحُمِل إلى دار أخته، فغُسَّل وكُفّن، وأخرج بسَحَر فِي تابوت، ومعه عدةٌ يحفظونه، فعرفت العامّة به عند سوق الثّلاثاء، فسبّوه وهمّوا برجمه، فدافعهم الأعْوان، فكثُرت الغَوغَاء، وأجمعوا على رجْمه، وشرعوا، فخاف الحمّالون من الرجْم، فوضعوه عَن رءوسهم وهربوا، فأخرج من التّابوت وسُحِب، فتعرّى من أكفانه، وبدت عَوْرته، وجعلوا يصيحون بين يديه: بسم اللَّه، كما يفعل الحُجاب، وطافوا به المحالّ والأسواق مسلوبا مهتوكا، نَسأل اللَّه السَّتْر والعافية.
قال ابْن البُزُوري: وحكى التّميميّ قَالَ: كنت بحضرته وقد ورد عَلَيْهِ شَيْخ يلوح عَلَيْهِ الخير، فجعل يَعظُه بكلام لطيف، ونهاه عَن محرَّمات، فقال:
أخْرِجوه الكلْب سَحْبًا. وكرَّر القول مِرارًا.
وقال الموفّق عَبْد اللّطيف: صحَّ عندي بعد سِنين كثيرة أنّ ابْن العطّار هُوَ الَّذِي دسّ الحشيشيّة على الوزير عضُد الدّين حتّى قتلوه.
وُليَ المخزن وسكن فِي دار قُطْب الدّين تيمار الَّذِي هلك بنواحي الرّحبة، وأخذ يبكّت على الوزير، وانتصب لعداوته.
__________
[ (- 217، 218،) ] المختصر في أخبار البشر 3/ 62، الفخري 259- 261، مضمار الحقائق 4، 5، مرآة الزمان 8/ 355، تاريخ ابن الوردي 2/ 89، 90، البداية والنهاية 12/ 305، العسجد المسبوك 174، 175، مآثر الإنافة 2/ 57، النجوم الزاهرة 6/ 85، تاريخ ابن سباط 1/ 154، 155.(40/37)
قال ابْن البُزُوري: ثمّ فِي آخر النّهار خلَّص مماليك الحاجب ابْن العطّار من باب الأزَج بعد تغيُر حاله وتجرُد لحمه عَن عظْمه، فحُمِل على نَعْشٍ مكشوف، فوارَتهُ امرأةٌ بإزار خليع. ثمّ دُفِن [1] .
[الوَباء والغلاء ببغداد]
وكان الوباء والغلاء والمرض شديدا ببغداد، وكَر القمح بمائة وعشرين دينارا [2] .
[إرسال الخِلَع إلى ملوك الأطراف]
وفي سلْخ الشّهر خُلِع على جميع الدّولة، وأرسِلت الخِلَع إلى ملوك الأطراف، وركبوا بالخِلَع فِي مُستَهَل ذي الحجّة، وجلس النّاصر لدين اللَّه للهنا، فدخل إلى بين يدي سُدته أستاذ الدّار مجد الدّين ابْن الصّاحب، وتلاه نائب الوزارة شرف الدّين سُلَيْمَان شادوست، فقبّلا الأرض. ثمّ خرج نائب الوزارة فركب، وخُلِع على ابْن الصّاحب قميصٌ أطْلَس أسود، وفرجيّة نسيج، وعِمامة كُحِلية بعراقيّ، وقُلد سيفا مُحَلى بالذهَب، وركب فرسا بمركب ذهب، وكنْبُوش إبريسم، وسيف ركاب، وضُرِبت الطُبُول على بابه.
[الزلزلة ببلاد الجبل]
وجاءت ببلاد الجبل زلزلة عظيمة سقطت قِلاع كثيرة، وهلك خلق [3] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 459، 460، تاريخ الزمان 195، 196، تاريخ مختصر الدول 217، 218، المختصر في أخبار البشر 3/ 62، الفخري 323، مضمار الحقائق 11، 12، تاريخ ابن الوردي 2/ 89، 90، العسجد المسبوك 174، 175، البداية والنهاية 12/ 305، مآثر الإنافة 2/ 57، النجوم الزاهرة 6/ 85، تاريخ ابن سباط 1/ 154، 155.
[2] انظر: الكامل في التاريخ 11/ 451 452 (574 هـ.) ، والتاريخ الباهر 178، 179 (574 هـ.) ، ومضمار الحقائق 3، والبداية والنهاية 12/ 304.
[3] شذرات الذهب 4/ 249، كشف الصلصلة 194، البداية والنهاية 12/ 304.(40/38)
سنة ست وسبعين وخمسمائة
[عزل وتولية في نيابة الوزارة]
فِي أوّلها عزل شرف الدّين بْن شادوش عَن نيابة الوزارة لأجل عُلُو سِنه وثَقل سَمْعه، ووليها جلال الدّين هبة اللَّه بْن عليّ بْن الْبُخَارِيّ.
[صلاة الناصر بجامع الرصافة]
وفي المحرّم ركب النّاصر لدين اللَّه إلى الكشك، وصلّى الجمعة بجامع الرَّصافة.
[قدوم رسول الملك طغرل]
وفيه قدم رسول الملك طُغْرُل السَلْجُوقي.
[القبض على ابْن الوزير]
وفيه تقدّم إلى أستاذ الدّار بالقبض على كمال الدّين عُبيد اللَّه ابْن الوزير عضُد الدّين مُحَمَّد ابْن رئيس الرؤساء، فنفّذ للقبض عَلَيْهِ عزّ الدّولة مَسْعُود الشّرابيّ فِي جماعة من المماليك، فحمل مسحوبا إلى بين يديه، فأمرهم أن يرفقوا به، وقيدَ وسُجِنَ.
[وصول أمير الحاجّ]
وفي صَفَر وصل أمير الحاجّ وفي صُحبته صاحب المدينة عزّ الدّين أَبُو سالم القاسم بْن مهَني للمبايعة.
[خروج صلاح الدين لمحاربة الأرمن]
وفِيهَا توجَّهَ السّلطان صلاح الدّين قاصدا بلاد الأرمن وبلادَ الروم(40/39)
ليحارب قَلِيج رسلان بْن مَسْعُود بْن قَلِيج رسلان. والمُوجب لذلك أنّ قَليِج زوّج بنته لمحمد بْن قرا رسلان بْن دَاوُد صاحب حصن كيفا، ومكثت عنده حينا، وأنّه أحبَّ مُغنيةً وشغف بها، فتزوّجها، وصارت تحكم فِي بلاده، فلمّا سمع بذلك حُمُوُه قصد بلاده عازما على أخْذ ابنته منه، فأرسل مُحَمَّد إلى صلاح الدّين يستنجد به، وكرَّرَ إليه الرُسُل. ثمّ استقرّ الحال أن يصبروا عَلَيْهِ سنة، ويُفارق المُغنية.
ونزل صلاح الدّين على حصنٍ من بلاد الأرمن فأخذه وهدمه [1] .
[وصول الخِلَع إلى صلاح الدين]
ثم رجع إلى حمص فأتاه التّقليد والخِلَع من الخليفة النّاصر، فركب بها بحمص، وكان يوما مشهودا [2] .
[من كِتَاب صلاح الدين إلى الخليفة الناصر]
ومن كِتَاب السّلطان صلاح الدّين إلى الخليفة: «والخادم- وللَّه الحمد- جَدَّد [3] سوابقَ فِي الْإِسْلَام والدّولة العبّاسيّة لَا تعدها [4] أوليّة أَبِي مُسْلِم، لأنّه وَالى ثمّ دَارى [5] ، وَلَا آخريّة طُغْرلبك لأنّه نَصَر ثمّ حَجَر. والخادم خَلَعَ مَن كان ينازع الخلافة رواءها، وأساغ الغصّة الّتي [أذخر] [6] الله للإساغة في سيفه
__________
[1] النوادر السلطانية 54، سنا البرق الشامي 1/ 344، الروضتين 2/ 16، الكامل في التاريخ 11/ 464- 467، تاريخ الزمان 196، مفرّج الكروب 2/ 98، 99، نهاية الأرب 28/ 396، مرآة الزمان 8/ 360، المختصر في أخبار البشر 3/ 62، مضمار الحقائق 18، 19، العبر 4/ 227، دول الإسلام 2/ 89، تاريخ ابن الوردي 2/ 90، مرآة الجنان 3/ 402، البداية والنهاية 12/ 305، شفاء القلوب 97، السلوك ج 1 ق 1/ 70، 71، تاريخ ابن سباط 1/ 157، شذرات الذهب 4/ 254، عقد الجمان 12/ 217 ب، 218 أ.
[2] مرآة الزمان 8/ 360.
[3] في تاريخ الخلفاء: «يعدّد» .
[4] في تاريخ الخلفاء: «لا يعمرها» .
[5] في تاريخ الخلفاء: «وارى» .
[6] في الأصل بياض، والمثبت من تاريخ الخلفاء.(40/40)
ماءها، فرجَّل الأسماء الكاذبة الراكبة على المنابر، وأعِزّ بتأييدٍ إبراهيميّ، فكسّر الأصنام الباطنيّة بسيفه الطّاهر» [1] .
[سماع صلاح الدين «الموطّأ» فِي الإسكندرية]
وقال العماد الكاتب: توجّه السّلطان إلى الإسكندريّة، وشاهد الأسوار الّتي جدَّدها، وقال: نغتنم حياة الْإِمَام أَبِي طاهر بْن عون. فحضرنا عنده وسمعنا عَلَيْهِ «الموطّأ» .
وكتب إليه القاضي الفاضل يُهنيه ويقول: أدام اللَّه دولة الملك النّاصر سلطان الْإِسْلَام والمسلمين، مُحيي دولة أمير المؤمنين، وسعْده برحلته للعِلْم، والإثابة عليها. ( ... ) [2] وفي اللَّه رحلته، وفي سبيل اللَّه يوماه: يوم سَفَك دم المحابر تحت قلمه، ويوم سَفَك دَم كافرٍ تحت عَلَمِه. ففي الأوّل يطلب حديث المصطفى، فيجعل أثره عينا لَا تُسْتر، وفي الثّاني يحفل لنُصرة شريعة هداه على الضّلال فيجعل عينه أثرا لَا يظهر.
إلى أن قَالَ: وما يحسب المملوك أنّ كاتب اليمين كتب لملك رحلة قطّ فِي طلب العِلْم إلَّا للرشيد، فرحل بولديه الأمين والمأمون لسماع هذا «الموطّأ» الَّذِي اتّفقت الهمّتان الرشيديّة والنّاصريّة على الرغبة فِي سماعه، والرحلة لانتجاعه.
وكان أصل «الموطّأ» بسماع الرشيد على مالك فِي خزانة المصريّين، فإنْ كان قد حصل، وإلا فَلْيُلْتَمس.
[تقليد الخليفة البلادَ لصلاح الدين]
وفِيهَا أرسِل شَيْخ الشّيوخ صدْر الدّين عَبْد الرَّحِيمَ، وبشير المستنجديّ الخادم إلى السّلطان صلاح الدّين بتقليد ما بيده من البلاد، وهو من إنشاء قِوام
__________
[1] تاريخ الخلفاء 452.
[2] في الأصل بياض.(40/41)
الدّين بْن زبال، فمنه: «ما كان يملك الأجلّ السّيّد صلاح الدّين، ناصر الْإِسْلَام، عماد الدّولة، جمال المِلَّة، فخر الملّة، صفيّ الخلافة، تابع الملوك والسّلاطين، قامع الكَفَرة والمتمرّدين، قاهر الخوارج والمشركين، فخر المجاهدين، ألْب غازي بك أَبُو يعقوب يوسف بْن أيّوب، أدام اللَّه عُلُوَّه على هذه السّجايا مقبلا» .
وذكر التّقليد، وفيه: «آمرُه بتقوى اللَّه، وآمرُه باتّخاذ القرآن دليلا، وآمره بمحافظة الصّلاة، وحضور الجماعة وبلزوم نزاهة الحُرُمات، وآمرُه بالإحسان بإظهار العدل، وأن يأمر بالمعروف، وأن يحتاط فِي الثّغور، وأنْ يجنب إلى الأمان. وآمرُه بكذا، وأمرُه بكذا. وكُتِب فِي صفر سنة ستُ وسبعين [1] .
[وصول رسول ابْن عبّاد]
وفِيهَا وصل الفقيه هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عبّاد صاحب جزيرة قيس رسولا. وقدِم ... [2] .
[ركوب الخليفة الدَسْت]
وفي جُمادى الأولى يوم الجمعة ركب الخليفة فِي الدَّسْت بظلّة الشّمسيّة.. [3] ، وعلى رأسه الطرْحَة، والكُل مُشاة، وخرج إلى ظاهر السّور، ثمّ ردّ إلى جامع المنصور وصلّى، وأقام بكشك الملكيّة أسبوعا. وركب الجمعة الأخرى فِي موكبه، وصلّى بجامع الرَّصَافة، وركب فِي الشَّبارة الطّويلة، تُظِلُه القُبة السَّوداء، وأرباب الدّولة قيام فِي السّفن والخلق يدعون له.
__________
[1] سنا البرق الشامي 1/ 352، 353، الروضتين 2/ 19، مفرّج الكروب 2/ 95، الدرّ المطلوب 68، 69، البداية والنهاية 12/ 37، عقد الجمان 12/ 218 أ.
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض.(40/42)
[إقطاع طغرل البصرة]
وَفِيهَا أُقُطِع طُغْرُل النّاصريّ الخاصّ البصْرةَ بعد موت متولّيها قسيم الدولة بها.
[خروج الخليفة للصيد]
وفي جُمادى الآخرة ركب النّاصر لدين اللَّه فِي موكبه، وخرج إلى الصَّيد، وطاف البلاد والأعمال، وغاب أسبوعا.
[نيابة فرّخ شاه دمشق]
وَفِيهَا وُلي نيابةَ دمشق عزّ الدّين فرّخ شاه ابْن أخي السّلطان، وكان حازما، عاقلا، شجاعا، مقداما، كثير الحرمة [1] .
__________
[1] أمراء دمشق في الإسلام 65 رقم 207، البداية والنهاية 12/ 311.(40/43)
سنة سبع وسبعين وخمسمائة
[تخريب بلاد الكَرَك]
فِيهَا قصد عزّ الدّين فرّخ شاه بْن شاهنشاه بلاد الكَرَك بالعساكر وخرّبها، وعاد [1] .
وكان ملك الفرنج برنْس- لعنه اللَّه- قد سوّلت لَهُ نفسه قَصْد المدينة النّبويّة ليتملّكها، فسار فرّوخ شاه إلى بلد المذكور ونَهبَه، فَآلَ الْبِرِنْسُ بالخيبة [2] .
[ركوب الخليفة فِي موكب]
وفي رجب ركب الخليفة فِي موكبه إلى الكشك، فنزل به، وقدم إلى بغداد بزرافة من صاحب جزيرة قيس.
[معاتبة صلاح الدين على تسمّيه بالناصر]
وَفِيهَا أرسل من الدّيوان إلى السّلطان صلاح الدّين يأخذ عَلَيْهِ فِي أشياء، منها تَسَميه بالملك النّاصر، مع عِلْمه أنّ الْإِمَام اختار هذه السّمة لنفسه [3] .
__________
[1] دول الإسلام 2/ 89.
[2] الكامل في التاريخ 11/ 470، الأعلاق الخطيرة 2/ 70، 71، المختصر في أخبار البشر 3/ 63، دول الإسلام 2/ 88، تاريخ ابن الوردي 2/ 90، البداية والنهاية 12/ 309، السلوك ج 1 ق 1/ 72، تاريخ ابن سباط 1/ 158، 159.
[3] تاريخ الخلفاء 452.(40/44)
[أخْذ عزّ الدين حلب]
وفي شعبان ساق عزّ الدّين مَسْعُود وأخذ حلب، وكان الصّالح إِسْمَاعِيل بْن نور الدّين قد أوصى لَهُ بها [1] .
[مقايضة سنجار بحلب]
وفي شوّال تزوَّج بأمّ الصّالح، ثمّ قايض أخاه عماد الدّين بسنجار، وقدم عماد الدّين فتسلّم حلب [2] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 472، 473.
[2] الكامل في التاريخ 11/ 473 و 474، 475، مرآة الزمان 8/ 367، المختصر في أخبار البشر 3/ 63، المغرب في حلى المغرب 148 و 149، السلوك ج 1 ق 1/ 77، زبدة الحلب 3/ 56، 57.(40/45)
سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
[رخاء الأسعار بالعراق]
فِيهَا تراخت الأسعار بالعراق.
[الوثوب على صاحب قلعة الماهكيّ]
وَفِيهَا وثب على عَبْد الوهّاب الكرديّ صاحب قلعة الماهكيّ ابن عمّه جوبان، فأخرجه منها، ونادى بشعار الدّولة العبّاسيّة، فأرسلت إليه الخِلْعة والتّقليد بولايتها [1] .
[الكتابة إلى صلاح الدين بالرحيل عَن الموصل]
وَفِيهَا وصل قاضي الموصل ووزيرها ابْن الشّهرزوريّ إلى الدّيوان العزيز يطلب أن يتقدّم إلى السّلطان صلاح الدّين بالارتحال عَن الموصل، فإنّه نزل محاصرا، ذاكرا أنّ الخليفة أقطعه إيّاها. فأجيب سؤاله، وكتب إلى السّلطان بالارتحال عَنْهَا. وسار إليه فِي الرسلية شَيْخ الشّيوخ صدر الدّين عَبْد الرحيم [2] .
[فتح بلد كبير بالروم]
وفِيهَا افتتح ملك الروم قلِيج رسلان بْن مَسْعُود بلدا كبيرا بالروم كان للنَّصاري، وكُتِب إلى الدّيوان بالبِشارة.
__________
[1] مضمار الحقائق 90، 91.
[2] البرق الشامي 5/ 35، 36، الروضتين 2/ 30، مضمار الحقائق 107- 110، المغرب في حلى المغرب 149، الدرّ المطلوب 73، دول الإسلام 2/ 89، تاريخ الزمان 198، 199.(40/46)
[فتح حرّان وسروج وسنجار وغيرها]
وافتتح فِيهَا صلاح الدّين حرّان، وسَرُوج، وسِنْجار، ونصيبين، والرّقّة، والبيرة، ونازلَ المَوْصِل وحاصرها، فبهره ما رَأَى من حصانتها، فرحل عَنْهَا، وقصده شاه أرمن [1] بعساكر جمّة، واجتمع فِي ماردين بصاحبها، وفتح آمِد [2] .
[ملْك صلاح الدين حلب]
ثمّ رجع إلى حلب فملكها، وعوّض صاحبها سنجار [3] .
[الخِلْعة بشرف الفتوّة]
وَفِيهَا تفتّى النّاصر لدين اللَّه إلى الشَّيْخ عَبْد الجبّار، ولُقَّب بشرف الفُتُوة عَبْد الجبّار، وخلع عَلَيْهِ. وكان النّقيب لهم أبو المكارم أحمد بن محمد بن داذي النّيليّ. وفتّى النّاصر لدين اللَّه فِي ذلك الوقت ولد رفيقه عليّ بْن عَبْد الجبّار، وخلع عَلَيْهِ وعلى النّقيب.
وكان عَبْد الجبّار هذا فِي بدء أمره شجاعا مشهورا، تهابه الفتيان، وتخافه الرجال، ثمّ ترك ذلك ولزِم العبادة، وبنى [4] لنفسه موضعا، فأمر الخليفة بإحضاره حين تضوّع عبير أخباره، وتفتّى إليه، وجعل المعوّل في شرعها عليه [5] .
__________
[1] في الأصل: «شاه رمن» ، والتصحيح من: مضمار الحقائق 113.
[2] البرق الشامي 5/ 27 و 40، الكامل في التاريخ 11/ 496، مفرّج الكروب 2/ 141، نهاية الأرب 28/ 384، 385، مضمار الحقائق 110- 114 و 136- 141، المغرب في حلى المغرب 149، الدرّ المطلوب 73، دول الإسلام 2/ 90، العبر 4/ 232، مرآة الجنان 3/ 409، تاريخ الزمان 198، شذرات الذهب 4/ 259.
[3] المصادر نفسها.
[4] في الأصل: «بنا» .
[5] انظر: مضمار الحقائق 177، والعبر 4/ 232، ومرآة الجنان 3/ 409.(40/47)
[الخروج الأخير لصلاح الدين من مِصْر]
وَفِيهَا خرج صلاح الدّين من مِصْر غازيا، وما تهيَّا لَهُ العَوْدُ إليها، وقد عاش بعد ذلك اثنتي عشر سنة [1] .
[دخول سيف الْإِسْلَام اليمن]
وَفِيهَا بعث صلاح الدّين أخاه سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين على مملكة اليمن، وإخراج نواب أخيه توران شاه منها، فدخل إليها، وقبض على متولّى زَبِيد حطّان بْن مُنقذ الكِناني. فيقال إنّه قتله سِرًّا وأخذ منه أموالا لَا تُحصى.
وهرب منه عزّ الدّين عثمان ابن الزّنجيليّ [2] . وتمكّن سيف الْإِسْلَام من اليمن [3] .
[وفاة فرّوخ شاه]
وفيها مات عزّ الدّين فرّوخ شاه ابْن شاهنشاه بْن أيّوب، فبعث عمّه على نيابة دمشق شمس الدّين مُحَمَّد بْن المقدَّم [4] .
__________
[1] النوادر السلطانية 54، التاريخ الباهر 183، الكامل في التاريخ 11/ 478. 479، تاريخ الزمان 198، زبدة الحلب 3/ 55، 56، مضمار الحقائق 30 و 93- 96، مرآة الزمان 8/ 369، الدرّ المطلوب 71، المختصر في أخبار البشر 3/ 63، 64، تاريخ ابن الوردي 2/ 91، العسجد المسبوك 186، البداية والنهاية 12/ 310، السلوك ج 1 ق 1/ 77، شفاء القلوب 98، 99، تاريخ ابن سباط 1/ 160.
[2] في مضمار الحقائق «الزنجاري» وفي مفرّج الكروب 2/ 104، والدر المطلوب 70 «ابن الزنجبيلي» .
[3] الكامل في التاريخ 11/ 480، 481، مضمار الحقائق 66، العسجد المسبوك 2/ 186، تاريخ مختصر الدول 218، مرآة الزمان 8/ 368، المختصر في أخبار البشر 3/ 64، مفرّج الكروب 2/ 104، 105، الدرّ المطلوب 70 (577 هـ.) و 73 (578 هـ.) ، العبر 4/ 232، 233، مرآة الجنان 3/ 409، النجوم الزاهرة 6/ 91.
[4] انظر عن (فرّخ شاه) في: النوادر السلطانية 56، والكامل في التاريخ 11/ 491، ومفرّج الكروب 2/ 124، وزبدة الحلب 3/ 27، ووفيات الأعيان 7/ 167، والأعلاق الخطيرة 1/ 49، ومرآة الزمان 8/ 372، والمختصر في أخبار البشر 3/ 65، ومضمار الحقائق 104، والعبر 4/ 233، 235، ودول الإسلام 2/ 90، والبداية والنهاية 12/ 311، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، والعسجد المسبوك 187، والسلوك ج 1 ق 1/ 79، تاريخ ابن سباط 1/ 163، وشذرات الذهب 4/ 259.(40/48)
سنة تسع وسبعين وخمسمائة
[قدوم رسول ملك مازندران إلى الخليفة]
فِي المحرَّم قدِم رسول ملك مازَنْدران [1] ، فتُلقي وأكرِم، ولم يكن لمرسله عادةٌ بمراسلة الدّيوان، بلِ اللَّه هداه من غيّ هواه، وقدّمه هديّة.
[قتل مُستفتٍ سَبّ الشافعيّ]
وَفِيهَا جاء رَجُل إلى النّظاميّة يستفتي، فأفتي بخلاف غرضه، فسبَّ الشّافعيّ، فقام إليه فقيهان، لَكَمَهُ أحدُهما، وضربه الآخر بنعله، فمات ليومه، فحُبِس الفقيهان أيّاما، وأطلِقا عملا بمذهب أَبِي حنيفة.
[القبض على مجاهد الدين قايماز وإعادته]
وفي جَمادى الأولى قبض عزّ الدّين مَسْعُود صاحب الموصل على نائبة وأتابِكه مجاهد الدّين قايماز، وكان هُوَ سلطان تلك البلاد فِي المعنى، وعزّ الدّين معه صورة. ولكنْ تخرَّم عَلَيْهِ بإمساكه ( ... ) [2] . ثمّ إنّه أَخْرَجَهُ وأعاده إلى رُتبته.
[مجيء الرُسلية إلى صلاح الدين]
وفي رَمَضَان جاء إلى صلاح الدّين بالرسلية شَيْخ الشّيوخ، وبشير الخادم [3] .
__________
[1] مازندان: بعد الزاي نون ساكنة، ودال مهملة، وراء، وآخره نون. اسم لولاية بطبرستان.
(معجم البلدان 5/ 41) .
[2] في الأصل بياض.
[3] مرآة الزمان 8/ 378، زبدة الحلب 3/ 76، 77 و 79، مفرّج الكروب 2/ 162.(40/49)
[الفراغ من رباط المأمونيّة]
وفي شوّال فُرِغ من رباط المأمونيّة وفتح إنشاءاته والدة النّاصر لدين اللَّه، ومُدَّ به سماط، وحضره أرباب الدّولة، والقُضاة، والأئمّة، والأعيان، ورتّب شهاب الدّين السُهْروردي شيخا به، ووُقِفَتْ عَلَيْهِ الوقوفُ النّفيسة [1] .
[قدوم الخُجَنْدي للحجّ]
وقدِم رئيس أصبهان صدر الدّين عَبْد اللّطيف الخُجَنْدي للحجّ، فتلقّى موكب الدّيوان، وأقيمت لَهُ الإقامات. وزعيم الحاج فِي هذه السّنين مُجِير الدّين طاشتكين.
[كتاب فاضليّ إلى الديوان بتشتيت الفرنج]
ومن كِتَاب فاضليّ إلى الدّيوان: «كان الفِرَنج قد ركبوا من الأمر نكْرا، وافتضّوا [2] من البحر بِكرا، وعمّروا مراكب حربيّة شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والأزواد [3] ، وضربوا بها سواحل اليمن والحجاز [4] ، وأثخنوا [5] وأوغلوا فِي البلاد (واشتدّت مخافة أهل تلك الجوانب، بل أهل القِبلة، لما أرمض إليهم من خلل الطّواف) [6] وما [ظنّ] [7] المسلمون إلَّا أنّها السّاعة، وقد نُشِر مطويّ أشراطها، و [طوي منشور بساطها. فثار] [8] غضب اللَّه لفناء بيته المحرَّم (ومقام خليله الأكرم) [9] ، وضريح نبيّه الأعظم [10] صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ورجوا أن يشحذ
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 503.
[2] في شفاء القلوب 103 «اقتضوا» بالقاف، وهو غلط.
[3] في شفاء القلوب 103: «والأزراد» بالزاي ثم الراء.
[4] في شفاء القلوب 103: «وضربوا بها سواحل تهامة» .
[5] «وأثخنوا» ليست في: شفاء القلوب.
[6] ما بين القوسين ليس في: شفاء القلوب.
[7] في الأصل بياض، والمثبت من: شفاء القلوب.
[8] في الأصل بياض، وما بين الحاصرتين من شفاء القلوب.
[9] في شفاء القلوب: «ومقام أنبيائه المعظم» .
[10] في شفاء القلوب: «المفخّم» .(40/50)
البصائر بنكاية هذا البيت) [1] ، إذ قصده أصحاب الفيل، ووكّلوا إلى اللَّه الأمر، فكان حَسْبُهُم ونِعْم الوكيل» [2] .
وكان للفرنج مقصدان: أحدهما قلعة أيْلَة [3] ، والآخر الخوض فِي هذا البحر الَّذِي تجاوره بلادهم من ساحله، وانقسموا فريقين. أمّا الّذين قصدوا أيلة، فإنّهم قدروا أن يمنعوا أهلها من مورد الماء، وأمّا الفريق القاصد سواحلَ الحجاز واليمن، فقدّروا أن يمنعوا طريق الحاجّ عَن حَجه، ويحول بينه وبين فَجه [4] ، ويأخذ تجّار اليمن، وكارم، وعدن، ويلمّ بسواحل الحجاز فيستبيح، والعياذ باللَّه، المحارم. وكان الأخ سيف الدّين [5] بمصر قد عُمَر مراكب، وفرّقها على الفريقين [6] ، وأمرهم [7] بأن تُطْوَى وراءهم الشُقَّتَين فأمّا السّائرة إلى قلعة أيلة، فإنّها انقضّت على مُرابطي الماء [8] انقضاضَ الجوارح على بنات الماء، وقذفتها قذف شُهُب السّماء، [9] فأخذت مراكب العدوّ برمّتها، قتلت أكثر مقاتلتها، [إلَّا من تعلّق [بسعف] [10] وما كاد، أو دخل فِي شعب وما عاد، فإنّ العربان اقتصّوا آثارهم، والتزموا إحضارهم.
وأمّا السّائرة إلى بحر الحجاز، فتمادت فِي السّاحل الحجازيّ، فأخذت تُجارًا، وأخافت رفاقا، ودلّها على عورات البلاد من هو أشدّ كفرا ونفاقا.
__________
[1] ما بين القوسين ليس في: شفاء القلوب.
[2] العبارة في (شفاء القلوب 103) : «وحرس من فضل الله، كما حرس إذ قصده أصحاب الفيل، ووكّل أهله الأمور إلى الله، فكان حسبهم ونعم الوكيل. ولم يبق من العدوّ مخبرا ولا أثرا» .
[3] انظر زيادة في البرق الشامي 2/ 73.
[4] في مفرّج الكروب 2/ 130 «تحه» .
[5] هو الملك العادل أخو صلاح الدين.
[6] في البرق 74 «الفرقتين» .
[7] في الروضتين 2/ 37، ومفرّج الكروب 2/ 130 «وأمرها» . والمثبت عن الأصل، وكذا في أصل البرق الشامي.
[8] في مفرّج الكروب 2/ 130 «على مرابطي منع الماء» .
[9] في البرق وغيره زيادة: «مسترقي سمع الظلماء» .
[10] في الأصل بياض.(40/51)
وهناك وقع عليها أصحابُنا، وأُخذت المراكب بأسرها، وفرّ فِرَنْجُها) [1] ، فسلكوا فِي الجبال مهاوي المهالك، ومواطن [2] المعاطب، وركب أصحابنا وراءهم خيل العرب، يقتلون ويأسرون، حتّى لم يتركوا مُخْبِرًا، ولم يُبقُوا لهم أثرا [3] ، وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً 39: 71 [4] ، فَقيد منهم إلى مِصْر مائة وسبعون أسيرا [5] .
[تسلُم صلاح الدين حلبا]
وفي المحرَّم نزل صلاح الدّين على حلب، ثمّ تسلّمها صُلْحًا [6] .
[أخْذ الغوري ملك الهند غَزْنَة]
وَفِيهَا سار شهاب الدّين الغوريّ بعد ما ملك جبال الهند، وعَظُم سلطانه إلى مدينة هاوور فِي جيش عظيم وبها السّلطان خسروشاه بن بهرام شاه السُبكتِكِيني الَّذِي كان صاحب غَزنة من ثلاثين سنة، فحاصره مدّة، ثمّ نزل بالأمان فأكرمه ووفى لَهُ. فورد رسول السّلطان غياث الدّين إلى أخيه يأمره بإرسال خُسرُوشاه إليه، فقال لَهُ: أَنَا لي يمين فِي عُنقك. فطيّب قلبه ومَنَّاه، وأرسله هُوَ وولده، فلم يجتمع بهما غياث الدّين بل بعثهما إلى بعض القلاع، فكان آخر العهد بهما. وهذا آخر ملوك بني سبكِتِكين. وكان ابتداء دولتهم من سنة ستّ وستّين وثلاثمائة، فتبارك الله الّذي لا يزول ملكه [7] .
__________
[1] ما بين القوسين لم يرد في البرق الشامي.
[2] في البرق 5/ 74 «معاطن» .
[3] في شفاء القلوب 103: «ولم يبق من العدوّ مخبرا ولا أثرا» .
[4] سورة الزمر، الآية 73.
[5] البرق الشامي 5/ 73- 75، الروضتين 2/ 37، سنا البرق الشامي 2/ 54، الكامل في التاريخ 11/ 490، 491، مفرّج الكروب 2/ 127- 132، نهاية الأرب 28/ 397، 398، مضمار الحقائق 144 و 146- 151، الدرّ المطلوب 71، 72، دول الإسلام 2/ 90.
[6] سيعاد هذا الخبر مفصّلا بعد قليل.
[7] العسجد المسبوك 2/ 188، 189، الدرّ المطلوب 71، دول الإسلام 2/ 90.(40/52)
[عودة الرسليّة بالتقدمة إلى بغداد]
وَفِيهَا عاد شَيْخ الشّيوخ، وبشير من الرسْلية، ومعهم رسول صلاح الدّين بتقدُمه كان منها شمسيّة، يعني جزءا، وهي مصنوعة من ريش الطّواويس، لم يُرَ فِي حُسْنها، وعليها اسم المستنصر باللَّه مَعَد العُبيدي.
[وفاة نائب الوزارة وولاية ابْن صدقة]
وتُوفي الخلّال أَبُو المظفّر بْن البخاريّ نائب الوزارة، فولّي مكانه حاجب باب النّوبيّ عزّ الدّين أَبُو الفتوح بْن صَدَقة.
[ولاية الحجابة]
وولي الحجابة أَحْمَد بْن هُبَيرة.
[وفاة شَيْخ الشيوخ وبشير]
وعاد إلى الشّام شَيْخ الشّيوخ، وبشير على الفَور، فمرِضا، وطلبا الرجعة إلى العراق، فقال صلاح الدّين: أقيما. فلم يفعلا، وسارا فِي الحرّ، فماتا بالرحبة.
[منازلة صلاح الدين حلبا وتسلّمها]
ونازل السّلطان حلب، وحاصرها أشدّ حصار، ثمّ وقع الصُلْح بين صاحبها عماد الدّين وبين السّلطان، على أن يعوّضه عَنْهَا سِنْجار، ونصيبين، والرّقّة، وسَرُوج، والخابور. وتسلّم حلب فِي ثاني عشر صفر. وفيه يقول القاضي محيي الدّين ابْن القاضي زكيّ الدّين ابْن المنتخب يمدحه بأبياتٍ جاد منها قوله:
وفَتْحكُمُ حَلَبًا بالسّيف فِي صَفَر ... مبشِّرٌ بفتوح القدس في رجب
[1]
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 496- 502، النوادر السلطانية 59، 60، زبدة الحلب 3/ 63- 72، مفرّج الكروب 2/ 141- 147، تاريخ مختصر الدول 219، تاريخ الزمان 200، -(40/53)
[البشارة بفتح القدس]
وقد ذكر صاحب «الرَوْضَتَين» [1] أنّ الفقيه مجد الدّين بْن جميل الحلبيّ الشّافعيّ وقع إليه «تفسير القرآن» لأبي الحكم بْن بُرجان، فوجد فِيهِ عنَد قوله تعالى: الم. غُلِبَتِ الرُّومُ 30: 1- 2 [2] أنّ الرُوم يُغلبون فِي رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ويفتَح البيت المقدس، ويصير دارا للإسلام إلى آخر الأبد.
واستدلّ بأشياء فِي كتابه. فلمّا فُتحت حلب على يد السّلطان صلاح الدّين، كتب إليه المجد بْن جميل ورقة يبشّره بفتح القدس على يديه، ويعيّن فِيهَا الزّمان، وأعطاها للفقيه عيسى، فلم يتجاسر أن يعرضها على السّلطان، وحدّث بما فِيهَا لمحيي الدّين، وكان واثقا بعقل المجد وأنّه لَا يقول هذا حتّى تحققه، فعمل القصيدة الّتي فِيهَا هذا البيت، فلمّا سمعه السّلطان بُهِت وتعجّب. فلمّا اتّفق لَهُ فتْحُ القُدس فِي رجب، سار المجد مهنّئا، وذكر لَهُ حديث الورقة، فتعجّب وقال: قد سبق إلى ذلك محيي الدّين، غير أنّي أجعل لك حظّا. ثمّ جمع لَهُ مَن فِي العسكر من الفُقَهاء والصُلحاء، ثمّ أدخله بيت المقدس والفِرَنج بعدُ فِيهِ لم يُنظف منهم، وأمره أن يذكر درسا على الصَّخْرة.
فدخل ودرّس هناك، وحظي بذلك.
ثمّ قَالَ أَبُو شامة: وقفت أَنَا على ما فسّره ابْن برُجان من أنّ البيت المقدس استولت عَلَيْهِ الروم عام سبعةٍ وثمانين وأربعمائة، وأشار إلى أنّه يبقى بأيديهم إلى تمام خمسمائة وثلاث وثمانين سنة.
__________
[ (- 201،) ] الأعلاق الخطيرة 2/ 71 و 203 وج 3 ق 1/ 134 و 180، 181، نهاية الأرب 28/ 384، 385، مضمار الحقائق 144 و 146- 151، مرآة الزمان 8/ 376، المختصر في أخبار البشر 3/ 66، الدرّ المطلوب 75، 76، العبر 4/ 237، تاريخ ابن الوردي 2/ 93، البداية والنهاية 12/ 313، 314، تاريخ ابن خلدون 5/ 301، 302، شفاء القلوب 105- 108، تاريخ ابن سباط 1/ 165، 166، النجوم الزاهرة 6/ 95.
[1] هو أبو شامة المقدسي.
[2] أول سورة الروم.(40/54)
قال أَبُو شامة: وهذا الَّذِي ذكره أَبُو الحَكم من عجائب ما اتّفق. وقد تكلّم عَلَيْهِ شيخنا السخَاوي فقال: وقع فِي «تفسير» أَبِي الحَكَم أخبار عَن بيت المقدس، وأنّه يُفْتَح فِي سنة ثلاثٍ وثمانين. قال: فقال لي بعض الفُقهاء: إنّه استخرج ذلك من فاتحة السُورة. فأخذتُ السُورةَ، وكشفتُ عَن ذلك، فلم أره أخَذَ ذلك من الحروف، وإنّما أخذه فيما زَعَم من غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بِضْعِ سِنِينَ 30: 2- 4 [1] فبنى الأمر على التاريخ كما يفعل المنجّمون، ثمّ ذكر أنّهم يغلبون فِي سنة كذا، وفي سنة كذا، على ما تقضيه ووافر التّقدير. وهذه نجامة وافقت إصابة إنْ صحّ أنّه قَالَ ذلك قبل وقوعه، وليس ذلك من الحروف، وَلَا هُوَ من قبيل الكرامات. فإنّ الكرامات لَا تُكْتَسَب، وَلَا تفتقر إلى تاريخ، ولذلك لم يوافق الصّواب لمّا أراد الحساب على القراءة الأخرى الشّاذّة وهي (غَلَبَتْ) بالفتْح، ولو صحّ ذلك، لأنّه قَالَ فِي سورة القَدْر: لو عُلِم الوقتُ الَّذِي نزل فِيهِ القرآنُ لعُلِم الوقتُ الَّذِي يُرفع فِيهِ. فهذا ما ذكره.
[كتاب فاضلي بإبطال المكس بالرَّقة]
ومن كِتَاب إلى الدّيوان: أشقى الأمراء من سمّن كيسه وأهزل الخلْق، وأبعدهم مِن الحقّ من أخذ المكْس وسمّاه الحقّ. ولمّا فتحنا الرِّقة أشرفنا على سُحْتٍ يؤكل، وظُلْمٍ ممّا أمَرَ اللَّه أن يُقْطَع، وأمر الظّالمون أن يوصل، فأوحَينا إلى كافّة الولاة من قِبَلنا أن يضعوا هذه الرسوم بأسرها، ويكفوا الرعايا من سائر أيّام مِلكتِه بأسرها، ونعتق الرّقّة من ربّها، وتُسَد هذه الأبواب وتُعطل، وتُنْسَخ هَذه الأمور وتُبْطَل، [وتبقى] [2] ماهيّة الأحكام، وأئمّة الخلود، خالدة الدّوام، تامّة البلاغ، يانعة التّمام، ملعون من يطمح إليها ناظره.
__________
[1] سورة الروم، الآيتان (2 و 3) .
[2] في الأصل بياض.(40/55)
ومنه: وإذا ولّاه أمير المؤمنين ثغرا لم يَبتْ فِي وسطه، ولم يقم فِي ظلّ غُرَفِه، بل يبيت السيفُ لَهُ ضجيعا، ويصبح ومُعْتَدَلُ القتال لَهُ ربيعا، لَا كالّذين يطلبون أبواب الخلافة [كالعباد] [1] وَلَا يؤامروها فِي تصرُفاتها مؤامرة الاستعباد، وكأنّ الدّنيا لهم إقطاع لَا إيداع، وكأنّ الإمارة لهم تخليدٌ لَا تقليد.
وكأنّ السّلاح عندهم زينة كليله ولابسه، وكأنّ مال اللَّه عندهم وديعة، لَا يَدِرُّ مانعة وَلَا كابسة، وكأنّهم فِي البيوت الدُمَى فِي لُزُوم خِدْرها، لَا فِي مُستحسنات صُوَرِها، راجين من الدّين بالعروة [الدّنيّة] [2] ، ومن إعلاء كلمته بما يسمعونه على الدرَجَات الخشبيّة، ومن جهاد الخوارج باستحسان الأخبار المُهَلبية [3] ، ومن قتال الكفّار بأنّه فرض كفاية، تقوم به طائفةٌ فيسقط عَن البقيّة.
[محاصرة السلطان الكَرَك]
وَفِيهَا سارَ السّلطان بجيوشه إلى الكَرَك فحاصرها، ونصب عليها المجانيق، ثمّ جاءته الأخبار باجتماع الفِرَنج، فترك الكَرَك، وسار إليهم بعد أن كان قد أشرف على أخْذِها، فخالفوه فِي الطّريق إلى الكَرَك، وأتوا إليها بجموعهم، فسار إلى نابلس، ثمّ إلى دمشق [4] .
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض.
[3] يقصد أخبار بني المهلّب بن أبي صفرة.
[4] النوادر السلطانية 63 و 66، 67، مضمار الحقائق 153، 154، الكامل في التاريخ 11/ 506، 507، مفرّج الكروب 2/ 157، 158، تاريخ الزمان 202، زبدة الحلب 2/ 74 و 78، 79، الأعلاق الخطيرة 2/ 71، 72، المغرب في حلى المغرب 151، الدرّ المطلوب 78، المختصر في أخبار البشر 3/ 68، مضمار الحقائق 188- 190، العبر 4/ 239، دول الإسلام 2/ 91، تاريخ ابن الوردي 2/ 94، مرآة الجنان 3/ 417، البداية والنهاية 12/ 315، العسجد المسبوك 190، تاريخ ابن خلدون 5/ 302، السلوك ج 1 ق 1/ 83، 84، شفاء القلوب 114، تاريخ ابن سباط 1/ 167، 168 (580 هـ) ، الإعلام والتبيين 32، 33.(40/56)
وأعطى [1] أخاه نائب مِصْر الملكَ العادل سيفَ الدّين حلب وأعمالها، فإنّه ألحّ عليه فِي طلبها. فَسَارَ إليها، وانتقل منها الملك الظّاهر غازي، وقدِم على والده [2] .
[نيابة الملك المظفّر بمصر]
وبعث السّلطان ابْن عمّه الملك المظفّر تقيّ الدّين عُمَر صاحب حماه على نيابة الدّيار المصريّة موضع الملك العادل [3] .
__________
[1] في الأصل: «وأعطا» .
[2] مضمار الحقائق 154، البرق الشامي 5/ 153، سنا البرق الشامي 2/ 151.
[3] مضمار الحقائق 154، البرق الشامي 5/ 155، سنا البرق الشامي 2/ 154.(40/57)
سنة ثمانين وخمسمائة
[جَعْلُ مشهد الكاظم أمنا]
فِيهَا جعل الخليفة النّاصر مشهد موسى الكاظم أمنا لمن لاذ به، فالتجأ إليه خلْق، وحصل بذلك مفاسد [1] .
[موت رَجُل راهن على دفنه نصف يوم]
وفي صَفَر راهن رجلٌ ببغداد على خمسة دنانير أن يندفن من غدوة إلى الظّهر، فدفن وأهيل عليه التُراب، ثمّ كُشِف عَنْهُ وقت الظُهْر، فوُجِد ميتا وقد عصفر سواعده من هَوْل ما رَأَى [2] .
[كِتَابُ السُّلْطَانِ بِمَحَاسِنِ دِمَشْقَ]
وَفِيهَا كتب زين الدّين بن نَجِية [3] الواعظ كتابا إلى صلاح الدّين يشوّقه إلى مِصْر ويصف محاسنها، ومواطن أنسها. فكتب إليه السّلطان، بإنشاء العماد فيما أظنّ: «ورد كِتَاب الفقيه زين الدّين: لَا ريب [4] أنّ الشّام أفضل، وأنْ أجر ساكنه أجزل، وأنّ القلوب إليه أميَل، وأنّ زُلالة البارد أعلَّ [5] وأنْهَل، وأنّ الهواء فِي صيفه وشتائه أعْدَل، وأنّ الجمال فِيهِ أجمل
__________
[1] تاريخ الخلفاء 452.
[2] دول الإسلام 2/ 91، تاريخ ابن سباط 1/ 168، دول الإسلام 2/ 91.
[3] في شفاء القلوب 112 «ابن نجا» .
[4] في الأصل: «الأريب» .
[5] في مرآة الزمان: «احلى» ، وفي شفاء القلوب: «أغلى» .(40/58)
وأكمل [1] ، وأنّ القلب به أرْوَح، وأنّ الروح به أقبَل. فدمشق عاشقها مُسْتَهَام، وما على مُحِبها مَلام. وما فِي رَبْوتها ريبة، ولكلّ نَوْرٍ فِيهَا شيبة [2] ، وساجعاتها على منابر الورق خُطَبًا قُطْرب، وهزاراتها وبلابلها تُعْجم وتُعْرب، وكم فيها من جواري ساقيات، وسواقي جاريات، وأثمار بلا أثمان [3] ، وفاكهة ورُمان، وخَيرات حِسان، وكونه تعالى أقَسم به فقال: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ 95: 1 [4] يدلُ على فضله المكنون. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّامُ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ، يَسُوقُ إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ» [5] . وعامّة الصّحابة اختاروا به المُقام. وفتْح دمشق بكْر الْإِسْلَام. وما يُنكَر أنّ اللَّه تعالى ذكر مِصْر [6] ، لكنّ ذلك خرج العَيْب [7] لَهُ والذّمّ. ألا ترى أنْ يوسف عَلَيْهِ السَّلَامُ نقل منها إلى الشّام. ثمّ المُقام بالشّام أقرب إلى الرباط، وأوجب للنّشاط. وأين قطرب [8] المقطّم [9] من [سنا سنين] [10] ؟ وأين دار آصف [11] لمن ذِرْوة الشّرف المنير [12] ؟، وأين لُبانة [لبنان] [13] من الهَرَمَين؟ وهل هما إلَّا مثل السلْعتَين؟ وهل للنّيل مع طول نَيله وطول ذَيله يرد بَرَدَى فِي نقع العليل [14] ؟ وما لذلك الكثير طلاوة هذا القليل.
__________
[1] في مرآة الزمان: «وأنّ الجبال فيه أجمل والجمال به أكمل» . وانظر: شفاء القلوب 113.
[2] في الأصل وشفاء القلوب: «شبيبه» ، وفي مرآة الزمان: «سيبه» .
[3] بعدها في مرآة الزمان: «وروح وريحان» ، ومثله في: شفاء القلوب 113.
[4] أول سورة التين.
[5] في مرآة الزمان «خير أمة من خلقه» ، وفي الروضتين 2/ 59 «فيها خير الله من عباده» .
[6] زاد في مرآة الزمان: «ولكن على لسان فرعون يقول: «أليس لي ملك مصر» ، وكذا في شفاء القلوب.
[7] في مرآة الزمان: «العتب» .
[8] في شفاء القلوب: «قطوم» والمثبت يتفق مع: الروضتين 2/ 59، ومرآة الزمان.
[9] في الأصل: «المقطب» ، والمثبت من المصادر.
[10] في الأصل بياض. والمستدرك من: شفاء القلوب 113، وفي مرآة الزمان: «وأين قطوم المقطم من سياسين» !.
[11] في مرآة الزمان «دار منيف» ، وفي شفاء القلوب «دار ابن منيف» .
[12] في المرآة: «المبين» ، وكذا في شفاء القلوب.
[13] في الأصل بياض، والمستدرك من المرآة، والشفاء والروضتين.
[14] في المرآة: «برد بردا في نفع العليل» ، وفي شفاء القلوب: «بر بردي في نقع الغليل» .(40/59)
(وإن فاخرنا بالجامع وفيه النّسر [1] ، ظهر بذلك [2] قصَر القَصْر) [3] ، ولو كان لهم مثل بانياس، لما احتاجوا إلى قياس المقياس، ونحن لَا نحقِر الوطنَ كما حَقَرتَه [4] ، وحب الوطن من الْإِيمَان، ونحن لَا ننكر فضل مِصْر، وأنّه إقليم عظيم [5] ، ولكن نقول كما قَالَ المجلس الفاضليّ: إنّ دمشق تصلُح أن تكون (بستانا لمصر) [6] . والسّلام» [7] .
[مهاجمة السلطان نابلس]
وفيها هجم السّلطان نابلس، وكان قد وصل لنجدته عسكر ديار بَكْر، وعسكر آمِد، والحصن، والعادل من حلب، وتقيّ الدّين من حماه، ومظفّر الدّين صاحب إربل. هكذا ذكر أَبُو المظفّر فِي «مرآته» [8] . قَالَ: نازل الكَرَك ونصب عليها المجانيق، فجاءتها نجدات الفِرَنْج من كلّ فَج، وأجْلَبوا وطلبوا. واغتنم السّلطان خُلُوَّ السّاحل منهم، ورأى أنْ حصارها يطول، فسار ونزل الغَوْر وهجم نابلس، فقتل وسبى، وطلع على عَقَبة [فيق] [9] ، ودخل دمشق [10] .
__________
[1] في المرآة: «البشر» .
[2] في الأصل: «بيتك» ، والمثبت من: مرآة الزمان.
[3] ما بين القوسين ليس في شفاء القلوب.
[4] في المرآة: «ونحن لا نجفو الوطن كما جفاه،. ولا نأبى فضله كما أباه» ، ومثله في شفاء القلوب 113.
[5] في المرآة: «ونحن لا ننكر أن إقليم مصر إقليم عظيم الشأن» ، ومثله في شفاء القلوب 114.
[6] ما بين القوسين ليس في مرآة الزمان.
[7] مرآة الزمان 8/ 381، 382، الروضتين 2/ 59، شفاء القلوب 112- 114.
[8] ج 5/ 382.
[9] في الأصل بياض، وما أثبتناه من مرآة الزمان 8/ 383.
[10] الكامل في التاريخ 11/ 506، 507، النوادر السلطانية 66، 67، زبدة الحلب 2/ 78، 79، مفرّج الكروب 2/ 157، 158، تاريخ الزمان 202، الأعلاق الخطيرة 2/ 71، 72، المختصر في أخبار البشر 3/ 68، المغرب في حلى المغرب 151، مضمار الحقائق 190، نهاية الأرب 28/ 398، مرآة الزمان 8/ 382، 383، الدرّ المطلوب 78، العبر-(40/60)
[منازلة الكَرَك]
وأمّا ابن الأثير فقال [1] : نازل الكَرَك، ونَصَب المنجنيقات على رَبضه ومَلَكه، وبقي الحصن وهو والرّبض على سطح واحدٍ، إلَّا أنْ بينهما خندقا عظيما، عمقه نحو ستّين ذراعا، فأمر السّلطان بإلقاء الأحجار والتُراب فِيهِ ليطمّه، فلم يقدروا على الدُنُو منه لكثرة النّشّاب وأحجار المجانيق، فأمر أن يُبنَى من الأخشاب واللبِن ما يمكن للرجال يمشون تحت السّقائف، فيلقون فِي الخندق ما يُطمه، ومجانيق المسلمين مع ذلك ترمي الحصن ليلا ونهارا، فاجتمعت الفرنج عَن آخرها، وساروا عَجِلِين، فوصل صلاح الدّين إلى طريقهم يتلقّاهم، فقرُب منهم، ولم يمكن الدُنُو منهم لخشونة الأرض وصعوبة المسلك، فأقام ينتظر خروجهم إليه، فلم يبرحوا منه، فتأخّر عَنْهُمْ، فساروا إلى الكَرَك، فعلم صلاح الدّين أنّه لَا يتمكّن منهم حينئذٍ، وَلَا يبلغ غَرَضَه، فسار إلى نابلس، ونهب كلّ ما على طريقه من قرى الفرنج، وأحرق نابلس وأسر وسبى، واستنقذ الأسرى. وبثَّ السّرايا يمينا وشمالا.
[خروج ابْن غانية الملثّم بالمغرب]
قال [2] : وفي شعبان خرج ابْن غانية الملثّم وهو عليّ بْن إِسْحَاق، من كبار الملثَّمين الّذين كانوا ملوك المغرب، وهو حينئذٍ صاحب مَيُورقَة، إلى بِجاية فَمَلَكَها بقتال يسير. وذلك إثر موت يوسف بْن عَبْد المؤمن، فقويت نفس ابْن غانية وكثُر جموعه، ثمّ التقاه متولّي بِجاية، وكان غائبا عَنْهَا. وكَسَرَ عليّ متولّي بِجاية، وانهزم إلى مَراكُش، واستولى ابن غانية على أعمال بجّاية
__________
[ (- 4] / 239، دول الإسلام 2/ 91، تاريخ ابن الوردي 2/ 94، البداية والنهاية 12/ 315، مرآة الجنان 3/ 417، العسجد المسبوك 190، تاريخ ابن خلدون 5/ 302، شفاء القلوب 114، السلوك ج 1 ق 1/ 83، 84، تاريخ ابن سباط 1/ 167، 168، تاريخ الأزمنة 185.
[1] في الكامل 11/ 506.
[2] ابن الأثير في الكامل 11/ 507، 508.(40/61)
سوى قَسَنْطينة [1] الهوى، فحصرها إلى أن جاء جيش الموحّدين فِي صَفَر سنة إحدى وثمانين فِي البرّ والبحر إلى بِجاية، فهرب منها أخَوَا ابْن غانية فلِحقا به، فترحّل عَن قسنطينة، وسار إلى إفريقية، فحشد وجمع، والتفّ عليه سليم، ورياح، والتّرك الّذين كانوا قد دخلوا من مصر مع قراقوش، وبعدها، وصاروا في جيش عظيم، فتملّك بهم ابْن غانية جميعَ بلاد إفريقية، سوى تونس، والمَهْدية [2] ، حفظتهما عساكر الموحّدين على شدةٍ وضيقٍ نالهم، وانضاف إلى ابْن غانية كلُ مُفْسِدٍ وكلّ حراميّ، وأهلكوا البلاد والعباد، ونزل على جزيرة باشرا وهي بقرب تونس، تشمل على قُرى كثيرة، فطلب أهلها الأمان فأمّنهم، فلمّا دخل عسكره نهبوها وسلبوا النّاس، وامتدَّت أيديهم إلى الحريم والصّبيان، وَاللَّه المستعان.
[إقامة الخطبة العباسية بإفريقية]
وأقام ابْن غانية بإفريقية الخطْبة العبّاسيّة، وأرسل إلى النّاصر لدين اللَّه يطلب منه تقليدا بالسَّلْطَنة. ونازل قفصة فِي سنة اثنتين وثمانين، فتسلّمها من نُواب ابْن عَبْد المؤمن بالأمان وحصّنها. فجهّز يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن جيوشه، وسار فِي سنة ثلاثٍ لحربه، فوصَلَ إلى تونس، وبعث ابْن أخيه فِي ستّة آلاف فارس، فالتقوا، فانهزم الموحّدون لأنّهم كانوا معهم جماعة من التّرك، فخامروا عليهم حال المصافّ، وَقُتِلَ جماعةٌ من كبار الموحّدين، وكانت الوقعة فِي ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ. فسار يعقوب بنفسه، فالتقوا فِي رجب بالقُرب من مدينة قابس فانهزم ابْن غانية، واستَمَر القتْل بأصحابه فتمزّقوا، ورجع يعقوب إلى قابس فافتتحها، وأخذ منها أهل قراقوش، فبعثهم إلى مَراكُش. ونازل قفصة فحاصرها ثلاثة أشهر، وبها التّرك، فسلّموها بالأمان. وبعث بالأتراك ففرّقهم فِي الثّغور لِما رَأَى من شجاعتهم. وقتل طائفة من الملثّمين، وهدم أسوار قَفْصة، وقطّع أشجارها.
__________
[1] في الأصل: «قسطنطينية» وهو غلط.
[2] نهاية الأرب 28/ 371، 372.(40/62)
واستقامت له إفريقية بعد ما كادت تخرج عَن بيت عَبْد المؤمن [1] .
وامتدّت أيّام ابْن غانية إلى حدود عام ثلاثين وستّمائة.
[منازلة السلطان الكَرَك]
وفي جُمادى الأولى جمع السّلطان الجيوش، وسار إلى الكَرَك فنازلها، ونزل بواديها، ونصب عليها تسعة مجانيق قُدام الباب، فهدّمت السّور، ولم يبق مانع إلَّا الخندق العميق، ولم يكن حيلة إلَّا ردمه، فضرب اللّبن، وجُمِعت الأخشاب، وعملوا مثل درب مسقوف يمرّون فِيهِ، ويرمون التُراب فِي الخندق، إلى أن امتلأ، بحيث أنّ أسيرا رمى بنفسه من السُور إليه ونجا.
وكانت فِرَنج الكَرَك وسائر ملوكهم وفرسانهم يستمدّون بهم، فأقبلوا من كلّ فجّ في حدّهم وحديدهم، فنزلوا بمضائق الوالة، فرحل السّلطان، ونزل على البلقاء، وأقام ينتظر الملتَقَى، فما تغيّروا، فتقهقر على حسبان فراسخ.
فوصلوا إلى الكَرَك، فقصد السّلطان السّاحل لخُلُوه، ونهب كلّ ما فِي طريقه، وأسر وسبى، فأكثر وبدّع بسَبَسْطِية [2] ، وجينين، ثمّ قدِم دمشق [3] .
[حصار الكَرَك فِي كِتَاب للعماد]
ومن كِتَاب عماديّ فِي حصار الكَرَك يقول: لولا الخندق الَّذِي هُوَ وادٍ لسهل مشرع، فعملنا دبّابات قدّمناها، وبنينا إلى سفيرة ثلاثة أسراب باللِبن وسقفناها، وشرعنا فِي الطّمّ، وتسارع النّاس، ولم يبق إلَّا من يستبشر بالعمل، وتجاسروا حتّى ازدحموا نهارا، كازدحامهم يوم العيد ليلا، كاجتماعهم فِي جامع دمشق ليلة النّصف السّعيد، وهم من الجراح سالمون، وبنصر اللَّه موقنون، وإنْ أبطأ العدوّ عَن النّجدة. والنصر قريب سريع،
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 519، 520 (581 هـ.) ، نهاية الأرب 28/ 372.
[2] سبسطية: بفتح أولها وثانيها. بلدة من نواحي فلسطين، من أعمال نابلس. (معجم البلدان 3/ 184) .
[3] تقدّم هذا الخبر ومصادره في آخر حوادث سنة 579 هـ. وتقدم بعضه قبل قليل في هذه السنة أيضا.(40/63)
والحصن بمن فِيهِ صريع، قد خرقت الحجارة حجابه، وقُطِعت بهم أسبابه، وناولته من الأجَل كتابه، وحَسَرَت لِثامَ سُوره وخلعت نِقابَه، فَألوف الأبراج مجدوعة، وثنايا الشُرفات مقلوعة ورءوس الأبدان مخروزة، وخروق العوامل مهموزة، وبطون السُقُوف مبقورة، وعصا الأساقف معقورة، ووجوه [الْجُدُر] [1] مسلوخة، وجلود البواشير مبشورة، والنّصر أشهر من نارٍ على عَلَم، والحرب قَدم من ساقٍ على قَدَم.
[وفاة رسولي الخليفة بالشام]
وقدِم السّلطان وبدمشق الرسولان شيخ الشّيوخ صدر الدّين والطّواشيّ بشير، فمرضا، ومات جماعة من أصحابهما. وكان الشَّيْخ نازلا بالمنبع، فكان السّلطان يعوده فِي كلّ يوم. وكان قدومهما فِي الصُلح بين السّلطان وبين عزّ الدّين صاحب المَوْصِل، فلم ينبرم أمرٌ، فطلبا العَوْد إلى بغداد، وعادا، فمات بشير بالسّخنة، وشيخ الشّيوخ بالرحَبة [2] .
[الإذْن للجيوش بالعودة إلى أوطانها]
وأذِن السّلطان للجيوش بالرجوع إلى أوطانهم.
[خِلْعة السلطان على صاحب حصن كيفا]
وخلع على نور الدّين بْن قُرا رسلان صاحب حصن كيفا الخِلْعة الّتي جاءته هذه المرّة من الخليفة بعد أن لبسها السّلطان.
[كتابة منشور لصاحب إربل]
ثمّ كتب لزين الدّين يوسف بْن زين الدّين عليّ صاحب إربل منشورا بإربل وأعمالها لمّا اغتدى إليه، وفارق صاحب المَوْصل.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] مضمار الحقائق 162 و 200، المختصر في أخبار البشر 3/ 68.(40/64)
[خروج السلطان بقصْد الموصل]
ثمّ وصلت رُسُل زَين الدّين يوسف إلى السّلطان بأنّ عسكر الموصل وعسكر قزل صاحب العجم نازلوا إربل مع مجاهد الدّين قايماز. وأنّهم نهبوا وأحرقوا، وأنّه نُصِر عليهم وكسرهم، فكان هذا ممّا حرَك عزْمَ السّلطان على قصد الموصول هذه المرَّة. فسار السّلطان على طريق البقاع وَبَعْلَبَكَّ، ثمّ حمص وحماه، فأقام بحماه إلى انسلاخ السّنة [1] .
[وفاة صاحب ماردين]
وَفِيهَا مات صاحب ماردِين قُطْب الدّين إيلغازي بْن نجم الدّين الأرتقيّ، رحمه الله تعالى [2] .
انتهت هذه الطبقة وللَّه الحمد
__________
[1] الدرّ المطلوب 78.
[2] انظر عن (إيلغازي) في: الكامل في التاريخ 11/ 508، تاريخ مختصر الدول 219، تاريخ الزمان 202، وفيات الأعيان 1/ 191 و 2/ 265 و 451، والمختصر في أخبار البشر 3/ 68، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 4/ 620، والدرّ المطلوب 78، والعبر 4/ 239، وتاريخ ابن الوردي 2/ 94، والعسجد المسبوك 191، والسلوك ج 1 ق 1/ 86، والنجوم الزاهرة 6/ 97، وتاريخ ابن سباط 1/ 168، وشذرات الذهب 4/ 268، ومرآة الزمان 8/ 383، والوافي بالوفيات 10/ 26، 27 رقم 4469.(40/65)
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صبرا
المتوفّون في هذه الطبقة
سنة إحدى وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
1- أَحْمَد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس [1] .
الشّريف أَبُو جَعْفَر بْن المقشوط، الهاشميّ، البغداديّ.
تُوفي فِي ربيع الآخر.
- حرف الحاء-
2- الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد.
أَبُو مُحَمَّد القيسيّ الدّمشقيّ الواعظ.
سمع: ابْن الأكفانيّ، وغيره.
وعنه: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
3- الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن نَمِير [2] .
أَبُو الْحَسَن الإشبيليّ، الضّرير، الفقيه الظّاهريّ.
قال الأبّار: كان يُجتَمع إليه ويناظر عليه.
أخذ عنه: مفرّج بْن حسين الضّرير، وغيره.
- حرف الطاء-
4-[طُغدي] [3] بن خمارتكين.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: المختصر المحتاج إليه- ج 1.
[2] انظر عن (الحسين بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] في الأصل بياض، والمثبت من: المختصر المحتاج إليه 2/ 121، 122، والمشتبه في الرجال 1/ 284.(40/66)
أَبُو مُحَمَّد التُركي، من شَيْوخ بغداد.
سمع: أَبَا القاسم الرَّبعي، وابن بدران الحلوانيّ.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، ومنصور بْن السَّكَن، وغيره.
تُوفي فِي ذي الحِجّة.
- حرف العين-
5- عَبْد اللَّه بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن سماوة.
أَبُو الفَرَج الكرْماني، ثمّ الجيرُفْتي [1] ، ثمّ الدّمشقيّ.
تفقّه على جمال الْإِسْلَام السُلمي، وولي خطابة دُومَة [2] زمانا.
وروى عَن جمال الْإِسْلَام.
روى عنه: أبو المواهب بن صصرى، وقال: كان ثقة صالحا.
تُوفي فِي ربيع الآخر وهو فِي عَشْر الثّمانين.
وروى عَنْهُ أَيْضًا أَبُو القاسم بن صصرى.
6- عبد الله بن محمد بْن سهل [3] .
أَبُو مُحَمَّد الغَرْناطي الضّرير، المقرئ. ويُعرف بوجه نافخ.
أخذ القراءات عَن أَبِي مُحَمَّد بْن دُري ولازمَه.
وعن عَبْد الرحيم بْن الفَرَس.
وسمع منهما، ومن: غالب بْن عطيّة، وجماعة.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكَّرة، وغيره.
قال الأبّار: كان بارعا فِي العربيّة.
حدّث عَنْهُ: ابنه أَبُو عَبْد اللَّه، وابن عيّاد.
__________
[1] الجيرفتيّ: بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم الراء وسكون الفاء وفي آخرها التاء ثالث الحروف. هذه النسبة إلى جيرفت، وهي إحدى بلاد كرمان. (الأنساب 3/ 408، 409) .
[2] دومة: بالضم، من قرى غوطة دمشق. (معجم البلدان 2/ 486) .
[3] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(40/67)
وتُوفي فِي ذي القعدة.
7- عَبْد الحقّ بْن سُلَيْمَان [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه القيسيّ، التّلمسانيّ، قاضي تلْمِسان.
سمع: القاضي أَبَا بَكْر بْن العربيّ، وغيره.
قال الأبّار: كان جليل القدر، عظيم الوجاهة، يستظهر «مقامات الحريريّ» ، ثمّ تزهَّد ورفض الدُنيا، وحجّ وجاور، وأجهد نفسه صلاة وصوما وَطَوَافًا.
تُوفي بالمدينة النّبويّة كهلا.
- عَبْد الرَّحْمَن بْن خَلَفِ اللَّه بْن عطية.
فِي المتوفّين تقريبا.
8- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد [2] .
أَبُو مُحَمَّد السُلمي، المِكْناسي، الكاتب، الأديب.
قال الأبار: خُتِمت به البلاغة بالأندلس، ورأسَ فِي الكتابة. وديوان رسائله بأيدي النّاس يتنافسون فِيهِ.
وكتب لأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سعد، وغيره من الأمراء.
وتُوفي كهْلًا [3] رَحِمَهُ اللَّهُ.
9- عثمان بْن عَبْد الملك [4] .
اللخمي، الصفار، الواعظ.
__________
[1] انظر عن (عبد الحقّ بن سليمان) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 567، والوافي بالوفيات 18/ 258 رقم 309، وبغية الوعاة 2/ 89، 90.
[3] وقع في بغية الوعاة أنه توفي سنة 591 هـ.
[4] انظر عن (عثمان بن عبد الملك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 112 رقم 970، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار (مصوّرة المجمع العلمي العراقي عن نسخة الظاهرية) ورقة 125، 126، و (المطبوع) 2/ 211، 212 رقم 439.(40/68)
سمع: أَبَا الْحَسَن بْن العلّاف، وابن فتحان الشّهرزوريّ، وابن بيان.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وغيره.
10- عليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن عيسى بْن سعد الخير [1] .
أبو الحسن البلسيّ الْأَنْصَارِيّ، النّحويّ.
قال الأبّار [2] : سمع من أَبِي مُحَمَّد النّيليّ، وأبي الوليد بْن الدّبّاغ.
ولازم أَبَا الْحَسَن بْن النّعمة وتأدّب به، وكان عالما بالعربيّة واللّغة، إماما فِي ذلك. أقرأها حياته كلّها.
وكان بارع الخطّ، كاتبا بليغا، شاعرا مُجِيدًا، مولّدا. وكانت فِيهِ غَفْلة معروفة، وَلَهُ مُصَنف على كِتَاب «الكامل» للمبرّد، وغير ذلك [3] .
__________
[1] انظر عن (علي بن إبراهيم) في: صلة الصلة لابن الزبير 91، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1867، وتحفة القادم 51، ورايات المبرّزين 78، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، السفر 5 ق 1/ 187- 191 رقم 372، والمغرب 2/ 317، وزاد المسافر، رقم 55، ونفح الطيب 4/ 305 و 5/ 137، 139، وفوات الوفيات 2/ 38، 39، وكشف الظنون 581 و 603، ومعجم المؤلفين 7/ 8.
[2] في تكملة الصلة.
[3] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان إماما متقدّما بارعا في علوم اللسان نحوا ولغة وأدبا، وأقرأ ذلك عمره كله، كاتبا بليغا، شاعرا مجيدا، بديع التشبيه، عجيب الاختراع والتوليد، أنيق الخط- كتب الكثير وأتقن ضبطه وجوّده، وعني بالعلم طويلا. وكانت فيه غفلة شديدة عرف بها وشهرت عنه.. وله مصنّفات منها: «اختصاره العقد» ، ومنها جمع طرر أبي الوليد الوتشي وأبي محمد ابن السيد على «الكامل» إلى زيادات من قبله عليهما وسمّاه ب «القرط» ، ومنها: «إكمال شرح أبي محمد بن السيد على الجمل من حيث انتهى إليه وتوفي عنه وذلك مما بعد باب الندبة إلى آخر الكتاب» . ومنها كتاب «مشاهير الموشحين بالأندلس» وهم عشرون رجلا ذكرهم بحلاهم ومحاسنهم على طريقة الفتح في «المطمح» و «القلائد» ، وابن بسام في «الذخيرة» ، وابن الإمام في «سمط الجمان» إلى غير ذلك من تقاييده وإملاءاته النبيلة المفيدة، ومن شعره ما أنشدناه:
يا لاحظا تمثال نعل نبيّه ... قبّل مثال النعل لا متكبرا
والثم به فلطالما عكفت به ... قدم النبيّ مروّحا ومبكرا
أوما ترى أنّ الشجيّ مقبّل ... طللا وإن لم يلف فيه مخبرا
وله مقطّعات أخرى. انظر: الذيل والتكملة 5 ق 1/ 188، 189.(40/69)
تُوفي بإشبيليّة فِي ربيع الأوّل. وقيل: تُوفي سنة سبعين.
11- علي بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّهِ بْن الحُسَيْن [1] .
الحافظ الكبير أَبُو القاسم، ثقة الدّين ابْن عساكر الدّمشقيّ، الشّافعيّ، صاحب «تاريخ دمشق» .
أحد الأعلام في الحديث.
__________
[1] انظر عن (ابن عساكر) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 274- 280، والمنتظم 10/ 261 رقم 356 (18/ 224، 225 رقم 4310) ، ومعجم الأدباء 13/ 73- 88، ومعجم البلدان 1/ 454، والتقييد لابن نقطة 405، 406 رقم 538، وذيل تاريخ دمشق (انظر فهرس الأعلام) 377، والروضتين ج 1/ 2/ 667، وجامع المسانيد للخوارزمي 2/ 539، ومرآة الزمان 336، 337، ووفيات الأعيان 3/ 309- 311، والمختصر في أخبار البشر 3/ 59، ودول الإسلام 2/ 85، والعبر 4/ 212، 213، وسير أعلام النبلاء 20/ 554- 571 رقم 354، وتذكرة الحفاظ 4/ 1328- 1334، والإعلام بوفيات الأعلام 235، والمختصر المحتاج إليه 3/ 121، 122، وبدائع البدائه 17، 892، 98، 125، 128، 168، والمعين في طبقات المحدّثين 173 رقم 1856، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 186- 189 رقم 141، وتاريخ ابن الوردي 2/ 87، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 215- 223، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 216، 217 رقم 838، ومرآة الجنان 3/ 393- 396، والبداية والنهاية 12/ 294، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) 135 ب- 137 أ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 345، 346 رقم 311، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 188 رقم 1407. وتاريخ الخميس 2/ 409، والنجوم الزاهرة 6/ 77، وطبقات الحفاظ 474، 475، وتاريخ الخلفاء 448، والدارس في تاريخ المدارس 1/ 100، 101، ومفتاح السعادة 1/ 266، 267 و 2/ 267 و 2/ 352، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 142 (570 هـ.) ، وكشف الظنون 54، 57، 103، 162، 294، 340، 342، 526، 574، 974، 1736، 1747، 1836، وشذرات الذهب 4/ 229، 240، وهدية العارفين 1/ 701، 702، وإيضاح المكنون 1/ 224، وديوان الإسلام 3/ 334- 336 رقم 1511، ومنتخبات التواريخ لدمشق 478، 479، ومعجم المطبوعات العربية 181، 182، وكنوز الأجداد 306- 313، وتاريخ الأدب العربيّ 6/ 69- 73، ومعجم المؤلفين 7/ 69، 70، والأعلام 4/ 273، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2/ ج 3/ 34- 36 رقم 718، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسّرين 130 رقم 1059، وانظر كتاب: ابن عساكر، الّذي أصدرته وزارة التعليم العالي بالجمهورية العربية السورية بمناسبة مرور 900 سنة على ولادته، فهو يضم مصادر ترجمته وأبحاثا كبيرة عنه، وعن تاريخ دمشق، منها بحث لنا.(40/70)
ولد في مستهلّ سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
وسمّعه أخوه الصائِن هبة اللَّه سنة خمسٍ وخمسمائة وبعدها من:
الشّريف أَبِي القاسم النّسيب، وأبي القاسم قوام بْن زيد، وأبي الوحش سُبَيع بْن قيراط، وأبي طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنائي، وأبي الْحَسَن بْن الموازينيّ، وأبي الفضائل الماسح، ومحمد بْن عليّ المصّيصيّ.
ثمّ سمِع بنفسه من: أَبِي مُحَمَّد بْن الأكفانيّ، وأبي الْحَسَن بْن قُبيْس المالكي، وعبد الكريم بْن حَمْزَة، وطاهر بْن سهل، ومَن بعدهم.
ودخل إلى بغداد سنة عشرين، فأقام بها خمس سِنين.
وحجَّ فِي سنة إحدى وعشرين، فسمع بِمَكَّةَ من: عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الغَزال [1] الْمَصْرِيّ صاحب كريمة المَرْوَزِية.
وسمع ببغداد من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي الْحَسَن الدينَوري، وأبي العزّ بْن كادش، وقُرَاتكين بْن أسعد، وأبي غالب بن البنّاء، والبارع أَبِي عَبْد اللَّه الدّبّاس، وهبة اللَّه الشُروطي، وخلق كثير.
وعلّق «مسائل الخلاف» على أَبِي سعد إِسْمَاعِيل بْن أَبِي صالح المؤذّن.
ولازَم الدرْس والتّفقّه بالنّظاميّة، ورجع بِعلْمٍ جَمٍّ وسماعات كثيرة.
وسمع بالكوفة من: عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العلويّ.
ثمّ رحل سنة تسع وعشرين على أذَرْبيجان إلى جُرْجان، وجالَ فِي بلادها، ودخل إلى أصبهان، وبقي فِي هذه الرحلة نحو أربع سنين، فسمع:
أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الفضل الْفُرَاوِيّ [2] ، وعبد المنعم بْن القشَيري، وهبة اللَّه السّيّديّ [3] ، وتميم بْن أَبِي سعيد الجرجانيّ الهرويّ، ويوسف بن أيّوب
__________
[1] الغزال: بتخفيف الزاي. (المشتبه في الرجال 2/ 484) .
[2] الفراوي: بضم الفاء وفتح الراء بعدهما الألف وفي آخرها الواو. هذه النسبة إلى فراوة وهي بليدة على الثغر مما يلي خوارزم يقال لها: رباط فراوة. (الأنساب 9/ 256) .
[3] بفتح السين المهملة وتشديد الياء المكسورة المنقوطة من تحتها باثنتين، وفي آخرها الدال المهملة. هذه النسبة إلى السيّد. (الأنساب 7/ 217) .(40/71)
الزّاهد، وزاهر بْن طاهر الشّحّاميّ، والحسين بْن عَبْد الملك الأديب، وسعيد ابْن أَبِي الرجاء، وغانم بْن خَالِد، وإسماعيل بْن مُحَمَّد الحافظ، والموجودين فِي هذا العصر.
وخرَّج أربعين حديثا فِي أربعين بلدا كالسّلفيّ. وعدّة شيوخه ألف وثلاثمائة شَيْخ وثمانون امْرَأَة ونيّف. وحدّث بخُراسان، وأصبهان، وبغداد.
وسمع منه الكبار: كالحافظ أَبِي العلاء الهَمَذَاني، والحافظ أبي سعد السَّمعاني.
وصنّف التّصانيف المفيدة، ولم يكن فِي زمانه أحفظ وَلَا أعرف بالرجال منه. ومن تصفَّح تاريخه علم قدْر الرحلة.
وأجاز لَهُ من الكبار: أَبُو الْحَسَن بْن العلاف، وأبو القاسم بْن بيان، وأبو عليّ بْن نبهان، وأبو الفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحدّاد، وغانم البرجيّ، وأبو بَكْر عَبْد الغفّار الشيرُوِي، وأبو عليّ الحدّاد، وأبو صادق مرشد بْن يحيى، وأبو عَبْد اللَّه الرازي، وطائفة.
روى عَنْهُ: ابنه القاسم، وبنو أخيه فخر الدّين أَبُو منصور، وتاج الأمَناء، وزين الأمَناء عَبْد الرحيم، وعزّ الدّين النّسّابة ابْن تاج الأمناء، والحافظ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أَبُو القاسم الْحُسَيْن، والقاضي أبو القاسم بن الحرستانيّ، وأبو جعفر القرطبيّ، والحافظ عبد القادر، وأبو الوحش عَبْد الرَّحْمَن بْن نسيم، والحسن بْن عليّ الصّيقليّ، وصالح بْن فلاح الزّاهد، وظهير الدِّين عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحمن بْن سلطان القُرشي، وأبو العزّ مظفّر بْن عقيل الشّيبانيّ العقّار والد النّجيب، والصّائن نصر اللَّه بْن عَبْد الكريم بْن الحَرَستاني، والبدر بْن يونس بْن مُحَمَّد الفارقيّ الخطيب، والقاضي أَبُو نصر بْن الشّيرازيّ، ومحمد ابْن أخي الشَّيْخ أبي البيان، وعبد القادر بن الحسين البغداديّ، ونصر اللَّه بْن فتيان، وإبراهيم وعبد العزيز ابنا الخُشُوعي، ويونس بْن منصور السّقبانيّ، وإدريس بْن الخَضِر الشيبانيّ، ومحمد بْن رومي الحردانيّ، وحاطب بْن عَبْد الكريم المِزي، وذاكر بْن عَبْد الوهّاب السّتيانيّ،(40/72)
وذاكر اللَّه بْن أَبِي بَكْر الشّعيريّ، ومحمد بْن غسّان، ومحمد بْن عَبْد الكريم بْن الهادي، والمسلم بْن أَحْمَد المازنيّ، وعبد العزيز بْن مُحَمَّد بْن الدّجاجيّة، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد المؤمن زُرَيق العطّار، وشعبان بْن إِبْرَاهِيم، ومحمد بْن أَحْمَد بْن زُهَير، ومحمود بْن خطير الدّارانيّون، وعبد الرَّحْمَن بْن راشد البيت سَوَائي [1] ، ونجم الأمْناء عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ الْأَزْدِيّ، وعمر بْن عَبْد الوهّاب بْن البرادعيّ، وعتيق السّلمانيّ، وبهاء الدّين عليّ بْن الجمّيزيّ، وعبد المنعم بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي المضاء نزيل حماه، ومات فِي آخر سنة أربع وأربعين، والرشيد أَحْمَد بْن مَسْلَمَة، وعبد الواحد بْن هلال، وخلْق آخرهم وفاة أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن المسلم بْن علّان.
وقد رَوَى عَنْهُ الكثير أَبُو سعد السّمعانيّ، ومات قبل ابْن علّان بتسعين سنة. فمن تصانيفه: «التّاريخ» [2] ثمانمائة جزء
__________
[1] البيت سوائيّ: بالفتح والقصر. (معجم البلدان 1/ 521) وهي من بلدان الشام.
[2] وهو: «تاريخ مدينة دمشق حماها الله وذكر فضلها وتسمية من حلّها من الأماثل، أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها» .
وهو من أعظم كتب التراجم وأضخمها، بل هو أوعى كتاب في تاريخ المدن على الإطلاق، من ثمانين مجلّدا، على نسق «تاريخ بغداد» للخطيب ولكنّه أعمّ وأشمل. وقد اتخذ ابن عساكر من دمشق عنوانا للكتاب لأنها عاصمة بلاد الشام وقاعدتها، ولكنه أحاط بتراجم كلّ من أخرجته المدن والبلدان والقرى الشامية على اتساع رقعتها والتي كانت تشتمل في عصره على: سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وكل من دخلها من علماء العالم الإسلامي، وخصّص المجلّد الأخير من الكتاب لتراجم النساء، ورتّب التراجم على الحروف مع مراعاة الاسم الثاني والثالث، وابتدأ بمن اسمه «أحمد» تيمّنا باسم النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ولم تقتصر تراجمه على الأعلام في العصر الإسلامي، بل عرض لعدّة أعلام من السابقين للإسلام بزمان طويل.
ويتبنى «مجمع اللغة العربية بدمشق» مشروع طبع هذا السفر العظيم، وهو قمين بهذه المهمّة الجليلة التي تتطلّب حشد الطّاقات العلمية والتفرّغ لإخراج هذا الكتاب الموسوعيّ الضخم في أقرب وقت ليعمّ نفعه ويفيد من معينة الباحثون، حيث لم ينشر منه حتى الآن ونحن في سنة 1415 هـ. / 1995 م. سوى أقل من ربع أجزائه.
فقد صدر المجلّد الأول سنة 1951، والقسم الأول من المجلّد الثاني سنة 1954 بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد، وصدر المجلّد العاشر سنة 1963 بتحقيق الشيخ محمد-(40/73)
__________
[ (-) ] أحمد دهمان، ويتضمّن تراجم حرف الباء والتاء وأول الثاء (بسر بن أبي أرطاة- ثابت بن أقرم) . وصدر في أواخر 1976 مجلّد بتحقيق المرحوم الدكتور شكري فيصل، ويتضمّن تراجم حرف العين المتلوة بالألف (عاصم بن بهدلة- عائذ بن محمد) ، وصدر سنة 1981 مجلّد بتحقيق الأستاذين: مطاع الطرابيشي وسكينة الشهابي، وفيه من ترجمة (عبد الله بن جابر) حتى (عبد الله بن زيد) . ثم صدر المجلّد الأخير من الكتاب المتضمّن لتراجم النساء، في سنة 1982 بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي. وفي سنة 1982 صدر مجلّد آخر بتحقيق الدكتور شكري فيصل والأستاذين رياض مراد وروحية النحاس، وفيه تراجم (عبادة بن أوفى- عبد الله بن ثوّب) .
وفي سنة 1984 صدر بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي المجلّد الخاصّ بترجمة الخليفة (عثمان بن عفان) رضي الله عنه، والقسم الأول من السيرة النبويّة بتحقيق عبد الغني الدقر ومراجعة مطاع الطرابيشي، ويبدأ بترجمة (أحمد بن عتبة) وينتهي بترجمة (أحمد بن محمد بن المؤمّل) .
وفي سنة 1986 صدر المجلّد (34) بتعليق مطاع الطرابيشي، ويبدأ من ترجمة (عبد الله بن سالم) وينتهي بترجمة (عبد الله بن أبي عائشة) وصدر المجلّد (38) بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي، ويبدأ بترجمة (عبد الله بن قيس) وينتهي بترجمة (عبد الله بن مسعدة) ، وصدر المجلّد (39) بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي، يبدأ بترجمة (عبد الله بن مسعود) وينتهي بترجمة (عبد الحميد بن بكار) .
وكان المجمع أصدر في سنة 1978 مجلّدا مصوّرا دون تحقيق عن نسخة مكتبة ليننغراد بموسكو، وفيها تراجم بعض العبادلة، يبدأ بترجمة (عبد الله بن عمران) وينتهي بترجمة (عبد الله بن قيس) .
وصدر في بيروت سنة 1975 عن دار التعارف للمطبوعات مجلّدان يتناولان ترجمة (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه، بتحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي.
وفي سنة 1982 نشرت مؤسسة الرسالة في بيروت جزءا خاصّا بترجمة «الزّهري» ، بتحقيق شكر الله بن نعمة الله قوجاني.
ثمّ نشرت مؤسسة الرسالة أيضا المجلّد الخاص بترجمة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي.
وقد قام المرحوم الشيخ عبد القادر بدران باختصار التاريخ وتهذيبه، فصدر منه سبعة أجزاء بعنوان (تهذيب تاريخ دمشق الكبير) .
وبين سنتي 1984- 1988 صدر من دار الفكر بدمشق (مختصر تاريخ دمشق) لابن منظور، في (29) مجلّدا، وهو بتحقيق عدّة أساتذة.
ثم قامت مؤسسة الرسالة ببيروت بتصوير التاريخ الكبير عن أصله المخطوط ونشرته دون تحقيق. -(40/74)
و «الموافقات» [1] اثنا وسبعون و «الأطراف الّتي للسّنن» [2] ثمانية وأربعون جزءا، و «عوالي مالك» أحد وثلاثون جزءا، و «التّالي لحديث مالك العالي» تسعة عشر جزءا، و «غرائب مالك» [3] عشرة أجزاء، «ومعجم [4] القرى والأمصار» جزء، و «معجم شيوخه» اثنا عشر جزءا، و «مناقب الشّبّان» خمسة عشر جزءا، و «فضل أصحاب الحديث» أحد عشر جزءا، و «السّباعيّات» سبعة أجزاء، وكتاب «تبيين كذِب المفتري فيما نُسِب إلى الأشعريّ» [5] مجلّد، و «السّلسلات» له مجلّد [6] ، وكتاب «فضل الجمعة» مجلّد، و «الأربعون الطّوال» ثلاثة أجزاء، و «عوالي شعبة» مجلّد، و «كتاب الزّهادة في ترك الشّهادة» [7] مجلّد، و «عوالي الثّوريّ» مجيلد، و «الأربعون الجهاديّة» ، و «الأربعون البلديّة» ، و «الأربعون الأبدال» ، و «مسند أهل داريّا» مجلّد لطيف، و «حديث أهل صنعاء الشّام» مجلّد صغير، و «حديث أهل قرية البلاط» مجلّد صغير، و «فضائل عاشوراء» ثلاثة أجزاء و «كتاب الزّلازل» ثلاثة أجزاء، و «ثواب المصاب بالولد» جزءان، و «طرق قبض العلم» جزء، و «كتاب فضل مكّة» ، و «كتاب فضل المدينة» ، و «كتاب فضل القدس» ، وجزء «فضائل عسقلان» ، وجزء «فيمن نزل بالمزّة» ، وجزء
__________
[ (-) ] وقد قيّض الله لي أنا طالب العلم وخادمه «عمر عبد السلام تدمري» أن أقرأ هذا السّفر الضخم مرّتين بدار الكتب المصرية، ونسختها هناك برقم 1041 تاريخ تيمور، من (48) مجلّدا. وأفدت منها كثيرا في تأليف كتابي «موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي» وخاصة في أجزائها الخمسة الأولى التي صدرت سنة 1984.
كما قيّض لي أن أشارك في المؤتمر العالمي الّذي أقامته وزارة التعليم العالي سنة 1979 بدمشق، بمناسبة مرور (900) سنة على ولادة «ابن عساكر» بنصوص عن طرابلس الشام من خلال «تاريخ دمشق» .
[1] في معجم الأدباء 13/ 77 «الموافقات على شيوخ الأئمّة الثقات» .
[2] في معجم الأدباء 13/ 77 «الإشراف على معرفة الأطراف» .
[3] في معجم الأدباء 13/ 77 «مجموع الرغائب مما وقع من أحاديث مالك الغرائب» .
[4] في الأصل: «معظم» وهو وهم.
[5] طبع في دمشق سنة 1347 هـ.
[6] في معجم الأدباء 13/ 77 «عشرة أجزاء» .
[7] في سير أعلام النبلاء 20/ 560 «الزهادة في الشهادة» .(40/75)
في «فضائل الرّبوة والنّيرب» ، وجزء فِي «مقام إِبْرَاهِيم وبَرزَة» ، وجزء فِي قرية الحِمْيَريين [1] ، وجزء أهل كَفَرسُوسَة [2] ، وجزء أهل كَفَرْبطْنا، وجزء بيت قُوفَا، وبيت راسين [3] ، وجزء سعد بْن عُبَادة، والمنيحة، وجزء أهل حَرَسْتا، وجزء أهل زملكا، وجزء بيت لهيا، وجزء جوبر، وجزء أهل حُردان [4] ، وجزء أهل جَدَيَا [5] ، وجزء أهل بَرْزَة، وجزء أهل مَنِين، وجزء أهل بيت سوا [6] ، وجزء أهل بَعْلَبَك، وجزء «المبسوط لمنكر حديث الهبوط» ، و «الجواهر واللآلئ» [7] ثلاثة أجزاء، وغير ذلك.
وأملى أربعمائة مجلس وثمانية مجالس فِي فنون شتّى، وخرّج لشيخه أبي غالب ابن البنّاء مشيخة، ولشيخه جمال الْإِسْلَام مشيخه، وأربعين حديثا مصافحات لرفيقه أَبِي سعد السّمعانيّ، وأربعين حديثا مساواة لشيخه الفُرَاوي.
وخرَّج فِي آخر عُمره لنفسه «كِتَاب الأبدال» ولم يُتمُه، ولو تمّ لجاء فِي نحو مائتي جزء.
ذكره ابْن السّمعانيّ فِي تاريخه فقال: كبير العلم، غزير الفضل، حافظ، ثقة، متقِن، ديّن، خيّر حَسَن السَّمْت، جمع بين معرفة المُتُون والأسانيد، صحيح القراءة، متثبّت، محتاط. رحل وتِعب، وبالَغَ فِي الطّلب إلى أن جمع ما لم يجمع غيره، وأربى على أقرانه. ودخل نَيْسابور قبلي بشهر أو نحوه فِي سنة تسعٍ وعشرين، فسمع بقراءتي وسمعت بقراءته مدّة مُقامنا بها، إلى أن اتّفق خروجه فِي سنة ثلاثٍ وثلاثين.
__________
[1] في معجم الأدباء 13/ 80 «الحمريين» ، وكذا في: سير أعلام النبلاء 20/ 561.
[2] في معجم الأدباء 13/ 80، وسير أعلام النبلاء 20/ 560 «كفرسوسية» .
[3] في معجم الأدباء 13/ 80 «بيت أرانس» .
[4] حردان: بضم الحاء المهملة وسكون الراء والدال المهملة. من قرى دمشق. (معجم البلدان 2/ 40) .
[5] في الأصل: «حدايا» . والمثبت من: معجم الأدباء 13/ 81، وسير أعلام النبلاء 20/ 561.
[6] في معجم الأدباء 13/ 81 «بيت سواي» .
[7] في الأبدال والعوالي. (معجم الأدباء 13/ 79) .(40/76)
وسمعت منه كِتَاب «المجالسة» بدمشق، «ومُعْجم شيوخه» . وكان قد شرع فِي «التّاريخ الكبير» لمدينة دمشق، وصنّف التّصانيف، وخرّج التّخاريج.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْنُ الأُمَنَاءِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْقَزْوِينِيِّ، عَنْ وَالِدِهِ مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ، يَعْنِي أَبَا الْخَيْرِ، قَالَ: حَكَى لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيُّ قَالَ: قَدِمَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فَقَرَأَ عَلَيَّ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَأَكْثَرَ وَأَضْجَرَنِي، وَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أُغْلِقَ الْغَدَّ بَابِي وَأَمْتَنِعَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَدِمَ عَلَيَّ شَخْصٌ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكَ. قُلْتُ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي: امْضِ إِلَى الْفُرَاوِيِّ وَقُلْ لَهُ: قَدِمَ بَلَدَكَمُ رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ أَسْمَرُ اللَّوْنِ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ، فَلا يَأْخُذْكَ مِنْهُ ضَجَرٌ ولا ملل.
قال القزوينيّ: فو الله ما كان الفُراوي يقوم من المجلس حتّى يقوم الحافظ ابتداء منه.
وقال ابنه القاسم أَبُو مُحَمَّد الحافظ: كان رَحِمَهُ اللَّهُ مواظبا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن. يختم فِي كلّ جمعة، ويختم فِي رَمَضَان كلّ يوم، ويعتكف فِي المنارة الشّرقيّة، وكان كثير النّوافل والأذكار. وكان يُحيى ليلة النّصف والعيدَين بالصّلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب فِي غير طاعة.
وقال لي: لمّا حَمَلَتْ بي أمّي رأت فِي منامها قائلا يقول لها: تَلدين غلاما يكون لَهُ شأن.
وحدّثني أنّ أَبَاهُ رَأَى رؤيا معناها: يولدُ لك ولد يُحيى اللَّه به السُنة.
حدّثني أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: كنت أقرأ على أَبِي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدّث مع الجماعة فقال: قدم علينا أبو عليّ بن الوزير، فقلنا:
ما رأينا مثله. ثمّ قدِم علينا أَبُو سعد بْن السّمعانيّ فقلنا: ما رأينا مثله. حتّى قدِم علينا هذا، فلم نر مثله [1] .
__________
[1] معجم الأدباء 13/ 83، 84.(40/77)
وحكى لي أَبُو الْحَسَن عليّ بْن إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ الحنبليّ عَن أَبِي الْحَسَن سعد الخير قَالَ: ما رأينا فِي سِنّ الحافظ أَبِي القاسم مثله.
وحدّثنا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن المسعوديّ: سمعت أَبَا العلاء الهَمَذَاني يقول لرجل، وقد استأذنه أن يرحل، فقال: إنْ عرفتَ أستاذا أعرف منّي أو فِي الفضل مثلي فحينئذ آذَنُ لكَ أن تسافر إليه، إلَّا أن تسافر إلى الحافظ ابْن عساكر، فإنّه حافظ كما يجب. فقلت: مَن هذا؟ فقال: حافظ الشّام أَبُو القاسم ويسكن دمشق. وأثنى عَلَيْهِ.
وكان يجري ذِكره عند خطيب الموصل أَبِي الفضل فيقول: ما نعلم مَن يستحقّ هذا اللّقب اليوم، أعني الحافظ، ويكون به حقيقًا سواه. كذا حدّثني أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: لمّا دخلت هَمَذَان أثنى عَلَيْهِ الحافظ أَبُو العلاء وقال: أَنَا أعلم أنّه لَا يُساجل الحافظ أَبَا القاسم فِي شأنه أحد، فلو خالق النّاس ومازَحَهم كما أصنع، إذا لَاجتمع عَلَيْهِ الموافِق والمخالِف.
وقال لي يوما: أيّ شيء فُتِح لَهُ، وكيف ترى الناسَ لَهُ؟
قُلْت: هُوَ بعيد من هذا كلّه، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلَّا بالجمْع والتّصنيف والتّسميع فِي نُزَهِهِ وخَلَوَاته. فقال: الحمد للَّه، هذا ثمرة العِلم. ألا إنّا قد حصل لنا هذا المسجد والدّار والكُتُب، هذا يدلّ على قلّة حظوظ أهل العلم فِي بلادكم.
ثمّ قَالَ لي: ما كان يُسمى أَبُو القاسم ببغداد إلَّا شُعلة نارٍ من تَوَقُده وذكائه وحُسْن إدراكه [1] .
وقال أَبُو المواهب: أمّا أَنَا فكنت أذاكره فِي خَلَوَاتِه عَن الحُفاظ الّذين لقِيَهُم. فقال: أمّا ببغداد فأبو عامر العَبدَرِي، وأمّا بأصبهان فأبو نصر اليُونَارتي، لكنّ إِسْمَاعِيل الحافظ كان أشهر منه.
__________
[1] معجم الأدباء 13/ 84، 85.(40/78)
فقلت لَهُ: فَعَلَى هذا ما رَأَى سيّدنا مثله. فقال: لَا تَقُلْ هذا، قَالَ اللَّه تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ 53: 32 [1] . قُلْت: وقد قَالَ تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 93: 11 [2] . فقال: نعم، لو قَالَ قائل: إنّ عيني لم تَرَ مثلي لَصَدَق.
قال أَبُو المواهب: وأنا أقول لم أر مثله، وَلَا مَن اجتمع فِيهِ ما اجتمع فِيهِ من لُزُوم طريقةٍ واحدةٍ مدَّة أربعين سنة، من لزوم الصّلوات فِي الصّفّ الأوّل إلَّا من عُذْر، والاعتكاف فِي رَمَضَان وعَشر ذي الحجّة، وعدم التطلُع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدّور. وقد أسقط ذلك عَن نفسه، وأعرض عَن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عُرِضَت عَلَيْهِ، وقلّة التفاته إلى الأمراء، وأخُذِ نفسه بالأمر بالمعروف والنهْي عَن المنكر، لَا تأخذه فِي اللَّه لومةُ لائم.
قال لي: لمّا عزمت على التّحديث، وَاللَّه المطَّلعُ أنّه ما حملني على ذلك حبّ الرئاسة والتّقدّم، بل قُلْت: مَتَى أروي كلَّ ما سمعت وأيّ فائدةٍ فِي كوني أخلّفه بعدي صحائف؟ فاسْتَخَرْتُ اللَّه تعالى واستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد، وطُفْتُ عليهم، فكلُّ قَالَ: ومن أحقّ بهذا منك. فشرعت فِي ذلك فِي سنة ثلاثٍ وثلاثين.
وقال عُمَر بْن الحاجب: حكى لي زين الأمناء أنّ الحافظ لمّا عزم على الرحلة اشترى جَمَلًا، وتركه بالخان، فلمّا رحل القفْل تجهّز. وخرج فوجد الجمل قد مات. فقال لَهُ الجماعة الّذين خرجوا لوداعه: ارجِعْ فما هذا فألٌ مبارك، وفنّدوا عَزْمَه، فقال: وَاللَّه لو مشيت راجلا لَا أثْنيت عزمي. وحمل خرْجَه وقماشه، وتبع المركب، واكترى منهم في القصير. وكانت طريقه مباركة.
وقال أَبُو مُحَمَّد القاسم: قَالَ لي والدي لمّا قدِمت فِي سفري: قال لي
__________
[1] سورة النجم، الآية 32.
[2] سورة الضحى، الآية 11.(40/79)
جدّي القاضي أَبُو المفضّل يحيى بْن علي: اجلس إلى ساريةٍ من هذه السّواري حتّى نجلس إليك. فلمّا عزمت على الجلوس اتّفق أنّه مرض ولم يقدر بعد ذلك خروج إلى المسجد. وكان أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ قد سمع بَنسَا لم يحصّل منها نُسَخًا اعتمادا على نُسَخ رفيقه الحافظ أَبِي عليّ بْن الوزير. وكان ما حصّله أَبِي لَا يحصّله ابْن الوزير، فسمعته يقول: رحلت وما كأنّي رحلت. كنت أحسب أنّ ابْن الوزير يقدم بالكُتُب مثل الصّحيحين، وكُتُب البَيهَقي والأجزاء، فاتّفق سُكْناه بمَرْو، وكنت أؤمّل وصولَ رفيق آخر يوسف بْن فارّو الجيّانيّ، ووصول رفيقنا المُرادي، وما أرى أحدا منهم قدِم، فلا بُد من الرحلة ثالثا وتحصيل الكُتُب والمَهَمات. فلم يمض إلَّا أيّام يسيرة حتّى قدِم أَبُو الْحَسَن المراديّ، فأنزله أَبِي عندنا، فقدِم بأربعة أسفاط كُتُب مسموعة، ففرح أَبِي بذلك، وكفاه اللَّه مئونة السَّفَر. وأقبل على النَّسْخ والاستنساخ، وقابل، وبقي من مسموعاته نحو ثلاثمائة جزء، فأعانه عليها ابْن السّمعانيّ، ونقل إليه منها جملة حتّى لم يبق عَلَيْهِ أكثر من عشرين جزءا. وكان كلّما حصل لَهُ جزء منها كأنّه قد حصل على ملْك الدّنيا.
قلت: وَلَهُ شِعْر جيّد يُملي منه عقيب مجالسه، فمنه:
أيا نفسُ ويْحكِ جاء المشيب ... فماذا التّصابي وماذا الغزل
تولّى شبابي كأن لم يكُنْ ... وجاء مَشيبي كأنْ لم يَزَلْ [1]
فيا لَيْتَ شِعْري ممّن [2] أكون ... وما قدَّرَ اللَّه لي من الأزل
[3]
__________
[1] زاد بعده في سير أعلام النبلاء 20/ 570 بيتا:
كأنّي بنفسي على غرّة ... وخطب المنون بها قد نزل
[2] في معجم الأدباء: «فيمن» .
[3] الأبيات في: معجم الأدباء 13/ 86، ووفيات الأعيان 3/ 310، ومرآة الزمان 8/ 336، ومرآة الجنان 3/ 394، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 217، والبداية والنهاية 12/ 294، وخريدة القصر 1/ 274، وسير أعلام النبلاء 20/ 569، 570، والنجوم الزاهرة 6/ 77.(40/80)
سمعت أَبَا الْحُسَيْن اليُونيني [1] : سمعت أَبَا مُحَمَّد المُنْذري الحافظ يقول: سَأَلت شيخنا أَبَا الْحَسَن عليّ بْن المفضّل الحافظ عَن أربعةٍ تعاصروا أيُّهم أحفظ؟.
فقال: من؟
قلت: الحافظ ابْن ناصر، وابن عساكر.
فقال: ابْن عساكر.
فقلت: الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِيني، وابن عساكر.
قال: ابْن عساكر.
فقلت: الحافظ أَبُو طاهر السَّلَفي، وابن عساكر.
فقال: السَّلَفيّ شيخُنا السَّلَفي شيخنا.
قلت: يعني أنّه ما أحبّ أن يصرّح بأنّ ابْن عساكر أفضل من السِّلَفيّ، ولوَّح بأنّه شيخه. ويكفي هذا في الإشارة.
قلت: والرجل ورع ثبت. وما أطلق أنّه ما رأى مثل نفسه في جواب الحافظ أبي المواهب إلّا وهو بارّ صدوق.
وكذلك رَأَيْت شيخنا أَبَا الحَجّاج المِزّي يميل إلى هذا. وأنا جازِمٌ بذلك أنّه ما رَأَى مثل نفسه. هُوَ أحفظ من جميع الحُفاظ الّذين رآهم من شيوخه وأقرانه.
وقال الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد القادر الرُهاوي: رَأَيْت الحافظ السَّلَفي، والحافظ أَبَا العلاء، والحافظ أَبَا مُوسَى، ما رَأَيْت فيهم مثل ابْن عساكر [2] .
وقرأت بخطّ عُمَر بْن الحاجب: قَالَ: حكى لي مَن أثق به أنّ الحافظ عَبْد الغنيّ قَالَ: الحافظ ابْن عساكر برجال الشّام أعرف من الْبُخَارِيّ لهم، وندِم على ترك السّماع منه ندامة كلّيّة.
__________
[1] اليونيني: نسبة إلى يونين، بلدة قريبة من بعلبكّ.
[2] التقييد لابن نقطة 406.(40/81)
وذكره ابْن النّجّار فِي «تاريخه» فقال: إمام المحدّثين فِي وقته، ومن انتهت إليه الرئاسة فِي الإتقان والحفْظ والمعرفة التّامّة والثّقة، وبه خُتم هذا الشّأن.
روى عَنْهُ جماعةٌ وهو فِي الحياة، وحدَّثوا عَنْهُ بالإجازة فِي حياته.
قال: وقرأت بخطّ الحافظ مَعْمَر بْن الفاخر فِي «معجمه» : أخبرني أَبُو القاسم عليّ بْن الْحَسَن الدّمشقيّ الحافظ من لفْظه [بمِنَى] [1] إملاء يوم النفْر الأوّل، وكان أحفظ مَن رَأَيْت مِن طَلَبة الحديث والشُّبان، وكان شيخنا الْإِمَام إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد يفضّله على جميع مَن لقيناهم من أهل أصبهان وغيرها.
قدِم إصبهانَ، وسمع ونزل فِي داري، وما رَأَيْت شابّا أورع وَلَا أتْقن وَلَا أحفظ منه. وكان مع ذلك فقيها أديبا [سنيّا] [2] ، جزاه اللَّه خيرا، وكثَّر فِي الْإِسْلَام مثله، أفادني فِي الرحلة الأولى والثّانية ببغداد كثيرا، وسألته عَن تأخّره فِي الرحلة الأولى عَن المجيء إلى أصبهان فقال: لم تأذن لي أمّي.
قلت: وهو مع جلالته وحِفْظه يروي الأحاديث الواهية والموضوعة وَلَا يتبيّنها، وكذا كان عامّة الحُفّاظ الّذين بعد القرون الأولى، إلَّا من شاء ربكَ فَلَيْسألَنَّهم اللَّه تعالى عَن ذلك. وأيّ فائدةٍ بمعرفة الرجال ومصنفات التّاريخ والجرح والتّعديل إلَّا كشف الحديث المكذوب وهتكه؟
قال ابنه أَبُو مُحَمَّد: تُوُفي أَبِي فِي حادي عشر رجب، وحضر الصّلاة عَلَيْهِ السّلطان صلاح الدّين، وصلّيت عَلَيْهِ فِي الجامع، والشّيخ قُطْب الدّين فِي المَيْدان الَّذِي يُقابل المُصلى. ورأى لَهُ جماعة من الصّالحين منامات حَسنَةً، ورُثِيَ بقصائد، ودُفن بمقبرة باب الصغير.
قلت: قبره مشهور يزار رحمه الله [3] .
__________
[1] ساقطة من الأصل، استدركتها من: سير أعلام النبلاء 20/ 567.
[2] ساقطة من الأصل، استدركتها من: سير أعلام النبلاء 20/ 567.
[3] أقول: أفاد ابن عساكر من شيوخ ساحل دمشق حيث نزل بعلبكّ مرتين على الأقلّ، فأخذ-(40/82)
12- عليّ بْن حُمَيْد بْن عمّار [1] .
أَبُو الْحَسَن الأنصاري، الأطرابلسي، ثم المكي، النحوي، المقرئ.
حدث فِي هذا العام ب «صحيح الْبُخَارِيّ» عَن أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي سَمَاعًا، وهو آخر من سمع من أَبِي مكتوم.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن التجيبي الأندلسي، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَرَميّ فُتُوح بْن بَنِين المكي العطار، وناصر بن عَبْد اللَّه الْمَصْرِيّ العطّار نزيل مَكَّة ستّين عاما، وأبو الربيع سليمان بن أحمد السعدي المغربل الشّارعيّ، وآخرون.
ولا أعلم متى توفّي [2] .
__________
[ (-) ] إجازة من أبي المضاء مُحَمَّد بْن عَليّ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أبي المضاء البعلبكي المتوفى سنة 509 هـ. (تاريخ دمشق- مخطوطة التيمورية) 38/ 529، معجم البلدان 1/ 454) ولقي: الحسين بن جعفر البعلبكي المعروف بابن بريك المتوفى سنة 552 هـ. وسمع منه شعرا (تاريخ دمشق 9/ 389، تهذيبه 4/ 156) وكتب عن: شُكْرُ بِنْت سهل بْن بِشْر بْن أَحْمَد بن سعيد الأسفرائيني الصايغ المولودة بصور والمتوفاة بدمشق سنة 551 هـ. (أعلام النساء 2/ 302) وسمع مِن أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن علي البعلبكي المتوفى سنة 535 هـ. (طبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 246) وكتب يسيرا وهو ببغداد عن أحمد بن عقيل بن محمد الفارسيّ المعروف بابن أبي الحوافر البعلبكي المتوفى سنة 531 هـ.
(تاريخ دمشق 3/ 18، تهذيبه 1/ 396) وروى عن أبي الحزم مكّي بن الحسن الجبيليّ، من جبيل بساحل دمشق. (تاريخ دمشق 21/ 493 و 43/ 365) وسمع أبا الفرج غيث بن علي الأرمنازي الصوري خطيب صور الّذي أقام بدمشق قبل وفاته، وكان وضع تاريخا لصور، فنقل ابن عساكر كثيرا منه وأفرغه في تاريخ دمشق وحفظ بذلك قسما كبيرا منه.
(الأنساب 27 أ، أدب الإملاء 154) .
[1] انظر عن (علي بن حميد) في: المعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1857، وسير أعلام النبلاء 20/ 541، رقم 343، والعقد الثمين 6/ 156، 157، والنجوم الزاهرة 6/ 77، وشذرات الذهب 4/ 240.
[2] وقال المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء، أثناء ترجمته: «بقي إلى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة» ، ثم قال في آخرها: «وقيل إنه عاش إلى سنة خمس وسبعين، وحدّث فيها» .
وفي (العقد الثمين) وفاته سنة ست وسبعين. وسيعاد برقم (164) .(40/83)
13- عليّ بْن المبارك بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بَكْري [1] .
أَبُو الحَسَن البغداديّ.
سمع: أَبَا عليّ بْن المهديّ، وأبا الغنائم بْن المهتدي باللَّه، وابن الحُصَيْن.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ القُرَشي، وعمر العُلَيْمي الدّمشقيّان.
تُوُفي فِي جمادى الأولى [2] .
__________
[1] انظر عن (علي بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 140 رقم 1048، وخريدة القصر (قسم العراق) 2/ 349- 357، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوط) 3/ ورقة 162، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 345 رقم 150، والوافي بالوفيات 21/ 396، 397 رقم 274.
[2] قال العماد الكاتب: والده مستعمل السقلاطون لدار الخلافة. وكان هو كاتبا في ديوان المجلس سنين، ثم صرفه الوزير. فيه فضل وأدب. وهو من طبقة الشطرنجيّين ببغداد.
أنشدني لنفسه ببغداد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة بيتين له في سوداء، وهما:
يا من فؤادي فيه ... متيّم، ما يزال
إن كان للّيل بدر ... فأنت للصبح خال
وأنشدني لنفسه يستعير كتابا ممّن ألزم نفسه ألّا يعير أحدا كتابا:
يا من أناب وتاب ... ألّا يعير كتابا
قد رمت ذاك، ولكن ... محبّة الشكر تأبى
وله في تفّاحة أهديت له:
حيّا بتفّاحة، فأحياني ... مواصل بعد طول هجران
كأنّما ريحها تنفّسه ... ولونها وردّ خدّه القاني
وقوله في الشطرنج:
أحبّ دعابات الرجال إلى قلبي ... دعابة شطرنج أغادي بها صحبي
أسالم فيها، ثم أغدو محاربا، ... فسلم بلا سلم، وحرب بلا حرب
وقوله في الشطرنج أيضا:
إنّما لعبك بالشط ... رنج للنّفس رياضه
فاهجر الهجر لديه ... لا ترد يوما حياضه
وتجنّب صاحب الجهل ... ، ومن فيه غضاضه
لا تجالس غير ندب ... زانه العقل وراضه(40/84)
14- عليّ بْن المظفّر بْن عليّ بْن حسين الظَّهِيري [1] .
أَبُو القاسم والد الأعزّ.
سمع: هبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوْصِلي، وأبا الغنائم النَّرْسي.
روى عَنْهُ: تميم بْن أَحْمَد البَنْدنيجي، وعبد العزيز بن الأخضر، وأبو الفتوح بن الحصري، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامَة، وغيرهم.
تُوُفي فِي جمادى الآخرة فِي الطّريق فجأة [2] ، وَلَهُ ستٌ وسبعون سنة.
وكان مَهِيبًا، وَقورًا، صَمُوتًا.
15- عُمَر [3] بْن هديّة بْن سلامة.
أَبُو حفص البغداديّ، الصّوّاف، السِّمْسار.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا الخطّاب الكَلْوَذاني.
روى عَنْهُ: أَبُو الفَرَج بْن الجوزيّ ووثّقه.
عاش تِسعًا وثمانين سنة.
- حرف الميم-
16- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن سُلَيْمَان [4] .
أَبُو عَبْد اللَّه الغافقيّ، المعروف بالقُبَاعي. من أهل الجزيرة الخضراء.
روى ببلده عَن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحقّ، وأبي عَبْد الله بن أبي صوفة، وغيرهما.
__________
[1] انظر عن (علي بن المظفّر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 143، 144 رقم 1059، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس 1231) ورقة 41.
[2] وقال ابن النّجار: «ونقل عن بعض الشيوخ أنه كان شيخا وقورا، دائم الصمت، مليح الهيئة، وكان يخرج إلى الجامع من بعد صلاة الصبح، فخرج يوما من بيته بباب المراتب كان صحيحا، فلما وصل إلى البستان قعد ليستريح وأسند ظهره ... فمات فجأة» .
[3] في الأصل: «علي» ، والمثبت من:
المنتظم (طبعة دار الكتب العلمية) 18/ 225 رقم 4311 ولم ترد ترجمته في (طبعة حيدرآباد) - انظر 10/ 261.
[4] انظر عن (محمد بن أحمد بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(40/85)
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكرة الصَّدفي. ووُلي خطابة بلده.
قال الأبّار: وكان فقيها مشاوَرًا، ذا دُعابة مع خشْية وخشوع.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن الحَسَن، وأبو نصر السَّبْتي، ويعيش بْن النّديم، وأبو الخطّاب عُمَر بْن الجميّل.
وأجاز فِي رجب من السَّنَة. ولم تُؤرخ وفاته.
17- مُحَمَّد بْن أسعد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [1] .
الْإِمَام مجد الدّين، أَبُو منصور الطُوسي، العطّاريّ [2] ، المعروف بحَفَدَة [3] .
الفقيه الشّافعيّ. كان فقيها واعظا أصوليا فاضلا، تفقَّه بمَرْو على أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن منصور السمْعاني، ثمّ انتقل إلى مروالرّوذ، وتفقّه على القاضي أَبِي مُحَمَّد الْحُسَيْن بْن مَسْعُود الفرّاء البَغَوِي، وسمع منه كتابيه: «شرح السّنّة» و «معالم التّنزيل» ، وغير ذلك.
ثمّ انتقل إلى بُخَارَى واشتغل بها على البرهان عَبْد العزيز بْن عُمَر بْن مازة الحنفيّ. ثمّ عاد إلى مَرْو، وقدِم أذَرْبَيْجَان، والجزيرة، واجتمع النّاس عَلَيْهِ بسبب الوعظ. وكان مجلسه فِي الوعظ من أحسن المجالس، وَلَا ندري لِمَ لُقِّب حَفَدَة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أسعد) في: التحبير 2/ 89، 90 رقم 695، والمنتظم 10/ 279 (18/ 246 رقم 4323) ، في وفيات سنة 573 هـ.، ووفيات الأعيان 4/ 238، 239، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 2/ 890، 891، والعبر 4/ 213، ودول الإسلام 2/ 85، والإعلام بوفيات الأعلام 235، وسير أعلام النبلاء 20/ 539، 540 رقم 341، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1858، وتذكرة الحفاظ 4/ 1333، 1334، والمختصر المحتاج إليه 1/ 26، والوافي بالوفيات 2/ 202، 203، رقم 580، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 92، 93، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 441، 442، والبداية والنهاية 12/ 299 في وفيات سنة 573 هـ.، وذيل التقييد 1/ 104 رقم 128، والنجوم الزاهرة 6/ 77، وشذرات الذهب 4/ 240 وسيعاد برقم (87) .
[2] في شذرات الذهب: «العطاردي» ، وهو غلط.
[3] ضبطها ابن خلّكان بفتح الحاء والفاء والدال. وقال: لا أعلم لم سمّي بهذا الاسم مع كثرة كشفي عنه. (وفيات الأعيان) .(40/86)
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأبو أَحْمَد بْن سُكَيْنَة، وعبد العزيز بن الأخضر، وأبو المجد مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القزْويني، والقاضي أَبُو المحاسن يوسف بْن رافع بْن شدّاد، وآخرون.
قال السَّمْعاني [1] : كتبت عَنْهُ بمَرْو، ونَيسابور. وكان فقيها، واعِظًا، شاطرا، جَلْدا، فصيحا [2] .
سمع من: عَبْد الغفّار الشّيرويّ، وأبي الفِتْيان الرّوّاسيّ، وناصر بْن أَحْمَد العِياضي.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَنَا يُوسُفُ بْنُ رَافِعٍ الْأَسَدِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا مِصْرَ:
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ، نَا مُحْيِي السُّنَّةَ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ (ح) ، وَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَنَا الْبَطِّيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَنْبَارِيُّ قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي الْجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ- أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حصائد ألسنتهم» [3] .
__________
[1] في التحبير 2/ 89.
[2] زاد في التحبير: «أصوليا» .
[3] حديث صحيح، رواه الترمذي في الإيمان (2749) باب ما جاء في حرمة الصلاة، من حديث طويل عن معاذ بن جبل قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله، أخبرني يعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال:
لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسّره الله: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلّك على أبواب الخير: الصوم جنّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ 32: 16- حتى بلغ- يَعْمَلُونَ 32: 17، ثم قال: ألا أخبركم برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه، قلت: بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه، قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: كفّ عليك-(40/87)
قال ابْنُ خَلكان [1] : تُوُفي فِي ربيع الآخر سنة إحدى بتبريز.
وقال: قيل أَيْضًا إنّه تُوُفي فِي رجب سنة ثلاثٍ وسبعين، فاللَّه أعلم.
والثّاني أصحّ.
وكان مولده سنة ستٌ وثمانين وأربعمائة.
18- مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عليّ بْن هلال بْن همصا بْن نافع.
العِجلي. أخو هبة اللَّه الدَّقاق، البغداديّ.
روى عَن: عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ الأنباريّ، الحنبليّ، وسعد اللَّه بْن أيّوب، وأبي الخطّاب الكَلْوَاذاني.
وتفقّه على أسعد المَيْهَني.
وأخذ الأدب عَن: أَبِي منصور بْن الجواليقيّ.
وكان مولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
ولد أخٌ آخر باسمه. كتب ذاك أَبُو المعالي.
19- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن المعلّم.
القاضي أَبُو منصور الحنفيّ.
ناب فِي القضاء عَن قاضي القُضاة أَبِي الْقَاسِم الزّينبيّ، ودرّس.
وسكن هَمَذان مدّة، ثمّ قدِم بغداد رسولا.
روى عَن: أَبِي القاسم بْن بيان، وعليّ بْن الموحّد.
سمع منه: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وغيره بهَمَذَان.
وعاش ثمانين سنة.
__________
[ (-) ] هذا. فقلت: يا نبيّ الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال: ثكلتك أمّك يا معاذ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. قال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح.
[1] في وفيات الأعيان 4/ 239.(40/88)
20- مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه بْن علي [1] .
أَبُو حنيفة بْن أَبِي القاسم الأصبهانيّ، الخطيبيّ.
من بيت عِلْمٍ وشُهْرة. قدِم بغداد حاجّا سنة نيّف وستّين.
وحدّث عَن: جَدّه لأمّه حَمْد بْن صَدَقَة، وأبي مطيع المصريّ، وأبي بكر بن مردويه، وأبي الفتح الحدّاد، وعبد الواحد بْن حَمْد الدُّوني. وأملى عدَّة مجالس. وكان حنفيّ المذهب.
روى عنه: أبو طالب بن عبد السميع، وموفّق الدّين بْن قُدَامَة، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، لقِيه بِمَكَّةَ، وسمع منه بقراءة أَبِيهِ.
تُوُفي أَبُو حنيفة بأصبهان وَلَهُ ثلاثٌ وثمانون سنة [2] .
وروى عَنْهُ: ابْن الأخضر.
21- مُحَمَّد ابْن الوزير عليّ بْن طراد الزَّيْنَبي [3] .
أَبُو الْعَبَّاس المعروف بالأمير التّركيّ، لأنّه ابْن تركيّة.
كان مُقْبِلًا على العِلم. قرأ الفرائض والأدب. وقرأ الحديث على:
هبة الله الشّبليّ، وابن البطّيّ.
ولم يلحق أن يسمع من أَبِيهِ.
وتُوُفي شابّا.
22- محمد بن محمد بن حمّود [4] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبيد الله) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 34 رقم 243، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1853، والجواهر المضيّة 2/ 88، والوافي بالوفيات 4/ 11 رقم 1469، وتبصير المنتبه 597، وشذرات الذهب 4/ 241.
[2] مولده سنة 488 هـ.
[3] انظر عن (محمد بن عليّ بن طراد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 120، 121 رقم 345، والمختصر المحتاج إليه 1/ 90.
[4] انظر عن (محمد بن محمود) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) ورقة 105، والمختصر المحتاج إليه 1/ 117، ومعرفة القراء الكبار 2/ 539، 540، رقم 486، وغاية النهاية 2/ 239، 240 رقم 3408.(40/89)
أَبُو الأزهر الواسطيّ، المقرئ، الصّوفيّ.
قرأ بالروايات على أبي العز القلانسي.
وسمع من: أبي نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماريّ.
وببغداد من أَبِي غالب بْن البنّاء.
وأقرأ الناسَ مدّة.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن يوسف خَتَن ابْن الشّعار، وعمر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الديَنورِي، ومحمد بْن أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل القزوينيّ.
ذكره ابْن النّجار فأطنب فِي وصفه وقال: كان شيخا صالحا، ورِعًا، تقيّا، زاهدا، قانعا، منقطعا عَن النّاس، يرجع إلى فضل وعلم بالقراءات.
وتوفّي رحمه الله ببغداد فِي رجب.
23- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَلَف بْن إِبْرَاهِيم بْن لبيب.
الْإِمَام أَبُو القاسم بْن الحاجّ التُجَيبي، القُرْطُبي.
سمع من: والده الشّهيد أَبِي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وأبي مُحَمَّد بْن عَتاب، وأبي عليّ بْن سُكرة، وأبي الوليد بْن رُشْد، وابن يحيى بْن العاص.
وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه الخَوْلاني. وكان بصيرا بمذهب مالك، عارفا بالمسائل، ذاكرا للخلاف. وجلس للمناظرة مكان أَبِيهِ. ولم يكن يعرف الحديث.
وكان وَقُورًا مَهيبًا، لَا يتكلَّم إلَّا فِي النّادر. ولي قضاء الجماعة بقُرْطُبة وقتا، ثمّ خرج عَنْهُ فِي الفتنة، وتجوّل فِي الأندلس، واستقرّ بمُرْسِية مرتسما فِي ديوان الْجُنْد عند الأمير مُحَمَّد بْن سعد. ثمّ سافر إلى مَيُورقَة بعد موت ابْن سعد، فحدَّث بها.
روى عَنْهُ: فقيل بن ( ... ) [1] ، وابن سفيان، وغيرهما.
__________
[1] في الأصل بياض.(40/90)
ثمّ وفد إلى إشبيلية فمات بها.
24- مبارك بْن الحَسِن [1] .
أَبُو النَّجْم، ابْن القابلة الفَرَضي.
بغداديّ، عارف بالفرائض والمواقيت.
سمع: أَبَا الْحُسَيْن بْن القاضي أَبِي يَعْلَى [2] .
25- محفوظ بْن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم [3] .
أَبُو جَعْفَر بْن الورّاق البغداديّ، الوكيل بباب القاضي.
سمع: أَبَا الْحُسَيْن بْن الطُيُوري، وأَبَا سعد الأسَدِي.
روى عَنْهُ: حفيده مُحَمَّد بْن يوسف، وعبد العزيز بْن الأخضر، وجماعة.
وتُوُفي فِي جُمادَى الآخرة، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
26- مَسْعُود [4] بْن الْحُسَيْن بْن سعد [5] .
القاضي، أَبُو الْحُسَيْن [6] اليَزْدي، الحَنَفي.
أفتى، ودرَّس، وناب فِي القضاء ببغداد، ثمّ خرج إلى الموصل ودرّس بها [7] .
__________
[1] انظر عن (مبارك بن الحسن) في: المنتظم 10/ 261 رقم 357 (18/ 225 رقم 4312) ، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 334، 335 رقم 154، وشذرات الذهب 4/ 2400.
[2] ولد سنة 505 تقريبا، وسمع من طلحة العاقولي سنة عشر، وهو أقدم سماع وجد له، وذكره ابن القطيعي وقال: كتبت عنه، وكان ثقة. قال: وكان أعلم أهل زمانه بالفرائض والحساب والدور، حسن العلم بالجبر والمقابلة، وغامض الوصايا والمناسخات، حنبليّ المذهب، أمّارا بالمعروف، شديدا على أهل البدع، عارفا بمواقيت الشمس والقمر.
[3] انظر عن (محفوظ بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 197 رقم 1221.
[4] في الأصل: «منصور» وهو غلط.
[5] انظر عن (مسعود بن الحسن) في: المنتظم 10/ 261 رقم 358 (18/ 225 رقم 4313) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 188 رقم 1190، وتلخيص مجمع الآداب ج 5 رقم 542، والجواهر المضيّة 2/ 168.
[6] في الأصل: «أبو الحسن» ، والتصحيح من المنتظم. وفي المختصر المحتاج إليه: «أبو الخير» .
[7] وذكره القاضي تاج الدين يحيى بن القاسم التكريتي وقال: كان شيخا لطيفا فيه دعابة، وكان يدرس بالمدرسة الغياثية، وبعث رسولا من الديوان في أيام المستنجد باللَّه» . -(40/91)
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ بضعٌ وستّون سنة.
- حرف الهاء-
27- هبَةُ اللَّه بْن يَحْيَى بْن الْحَسَن [1] .
أَبُو جَعْفَر بْن البُوقي [2] الواسطيّ، العطّار، الفقيه الشّافعيّ.
كان عارفا بالمذهب والخلاف والفرائض [3] .
تفقّه على أَبِي عليّ الفارقيّ.
وسمع: أَبَا نُعَيْم الجماريّ، وأبا نُعَيْم بْن زبزب، وخميسا الحَوْزِي.
وببغداد: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وغيره.
وبرع فِي المذهب، وناظر الفُقهاء. ثمّ استقدمه الوزير عون الدّين فحدّث ببغداد [4] .
وروى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وأبو إِسْحَاق الكاشْغَري، وجماعة.
وتُوُفي فِي ذي القعدة بواسط، وَلَهُ 83 سنة [5] .
- حرف الياء-
28- يَحْيَى بْن سَعِيد بْن أَبِي الأسود.
__________
[ (-) ] (تلخيص مجمع الآداب) .
[1] انظر عن (هبة الله بن يحيى) في: التاريخ المظفري لابن أبي الدم الحموي (مخطوطة مكتبة البلدية بإسكندرية، رقم 1292 ب) ورقة 207، وتلخيص مجمع الآداب- ج 5/ رقم 565، والمختصر المحتاج إليه 3/ 228، 229 رقم 1301، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 322، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 264، 265 رقم 243.
[2] في الأصل: «العوقي» ، والتصحيح من المصادر، وهي نسبة إلى قرية من أعمال أنطاكية.
وفي (اللباب) : وهو أيضا نسبة إلى عمل البوق.
[3] زاد الإسنوي: بارعا، مناظرا، غزير الفضل، حسن الأخلاق.
وكان له ولد يقال له: أبو علي الحسن، ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وتفقّه على أبيه، وبرع في المذهب وصارت الفتوى إليه ببلده، وسمع وحدّث.
قال ابن النجار: بلغني أنه توفي في سادس شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
[4] قال ابن الدبيثي: وحدّثنا عنه جماعة، وكان صحيح السماع، ثقة، ديّنا.
[5] وكان مولده سنة 488 هـ.(40/92)
أَبُو عليّ الثّقفيّ، الأصبهانيّ.
حدّث ببغداد عَن: أَبِي عليّ الحدّاد، وطائفة.
وعنه: مُحَمَّد بْن مَشق، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع.
مات في رجب.(40/93)
سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
29- أَحْمَد بْن عَبْد العزيز بْن الفضل بْن الخليع [1] .
الْأَنْصَارِيّ، النّاسخ، الأندلسيّ، الشُرِيُوني.
أخذ عَن: أَبِي مُحَمَّد البطليُوسي.
وأحكم العربيّة. وكان أديبا شاعرا، بديع الكتابة. نسخ الكثير، وقتل صبرا بإشبيليّة في حدود هذا العام [2] .
30- أحمد بن محمد بن هبة الله.
أبو منصور بن سركيل البغداديّ.
سمع: أبا الحسن بن العلّاف.
روى عنه: عبد العزيز بن الأخضر.
وتوفّي في جمادى الآخرة.
31- إبراهيم بن خلف بن الحبيب.
الفهريّ، الأندلسيّ. من ولد أمير الأندلس، عياض بن يوسف.
أخذ الصّحيحين عَن: ميمون بْن ياسين. وغلب عَلَيْهِ عِلم الأدب والفرائض.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد العزيز) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 109 رقم 207، والوافي بالوفيات 7/ 68 رقم 3009.
[2] وقال ابن الأبّار: وتجوّل في بلاد الأندلس والعدوة، وكان أديبا شاعرا، أنيق الوراقة بديعها، معروفا بالإتقان والضبط، يتنافس فيما وجد بخطه من الدواوين، وكان مضعّفا ... مولده بشريّون قبل الخمسمائة. أكثر خبره عن محمد بن عياد.(40/94)
روى عَنْهُ: أَبُو الخطّاب بْن واجب.
وعاش أربعا وثمانين سنة.
ذكره أَحْمَد بْن فَرْتُوت فِي «تاريخه» فقال: سمع «المُوَطأ» عام سبعةٍ وخمسمائة من القاضي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حمدين. وكان من أهل الإتقان، مشارا إليه فِي العِلم والذّكاء.
32- إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يحيى بْن إِسْمَاعِيل [1] .
العثمانيّ الدّيباجيّ أَبُو الطاهر، أخو المحدّث أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه.
سمع بإفادة أخيه من جماعة.
أخذ عَنْهُ: الحافظ أَبُو الْحَسَن بْن الفضل وقال: مات فِي ذي القعدة بعد أخيه بتسعة عشر يوما بالإسكندرية.
- حرف الباء-
33- بشير الهنديّ.
مولى عَبْد الحقّ اليوسُفي.
سمع من: أَبِي سعد بْن خُشَيْش، وأبي القاسم بْن بيان.
وكان رجلا صالحا.
- حرف الحاء-
34- الحَجاج بْن يوسف الهواريّ.
قاضي الجماعة بمَراكُش، وخطيبها. يُكني أَبَا يوسف.
وهو من أهل أعمال بِجاية.
قال ابْن الأبّار: كان فصيحا مفوّها، بليغا، مدركا. نال دنيا عريضة.
ولمّا تُوُفي حضر دفُنه السّلطان.
35- الْحَسَن بْن سَعِيد بْن أحمد بن الحسن بن البنّاء.
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن عبد الرحمن) في: المقفّى الكبير 2/ 118 رقم 769.(40/95)
أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم البغداديّ، الحربيّ، والد غياث.
سمع الكثير من: جَعْفَر السّرّاج، وأبي غالب الباقِلاني، وأبي سعد بْن خُشَيْش، وغيرهم.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وابن الحُصري، وغيره.
وهو من بيت الرواية.
تُوفي فِي رجب.
36- الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه ابْن المسلمة.
تاج الدّين أخو الوزير أَبِي الفَرَج.
سمع: أَبَا منصور بْن خيرون.
37- الْحَسَن بْن عَبْد الجبّار.
أَبُو مُحَمَّد بْن البردغوُلي.
روى عَن: أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن قُريش.
38- الحَسَن بْن عليّ بْن نصر بْن مُحَمَّد بْن خميس.
القاضي أَبُو عليّ الكعبيّ، المَوُصلي، قاضي العسكر.
تُوُفي فِي أوّل سنة اثنتين وسبعين عَن ستٌ وستّين سنة.
كتب عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى.
- حرف الصاد-
39- صالح بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد [1] .
__________
[1] انظر عن (صالح بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 104 رقم 722، والعبر 4/ 214، والمشتبه في الرجال 1/ 219، وسير أعلام النبلاء 20/ 540، 541 رقم 342، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1860، والقاموس المحيط (مادة: رخل) ، وتبصير المنتبه 2/ 597، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وشذرات الذهب 4/ 241.(40/96)
أبو محمد بن الدّخلة [1] البغداديّ، المقرئ، القزّاز، الكَرْخِي.
سمّعه أَبُوهُ من: أَبِي عَبْد اللَّه بْن طَلْحَةَ النِّعاليّ، وأبي الْحُسَيْن بْن الطُيُوري.
روى عَنْهُ: تميم بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي، ومحمد بْن مَشقْ، وأبو مُحَمَّد، وأبو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد المقدسيّ.
وتُوُفي فِي صفر.
- حرف الظاء-
40- ظَفَر بْن عُمَر [2] .
أَبُو أَحْمَد الخبّاز.
سمع من: شجاع الذُهلي، ومحمد بْن عبد الواحد القزّاز.
وحدّث.
وتوفّي فِي صَفَر أَيْضًا.
روى عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن محفوظ، والأعزّ بْن فضائل.
- حرف العين-
41- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن سعادة [3] .
أَبُو مُحَمَّد الإصْبَحي، الدّانيّ.
سمع: أَبَا بَكْر بْن نمارة، وأبا الْحَسَن بْن سعد الخير.
ثم رَحَل فأكثر عَن السّلفيّ، وأبي الطّاهر بْن عون، وكتب عَنْهُ الكثير.
وسمع منه: جَعْفَر بْن أَبِي عَوْن الشّاطبيّ، وعبد اللَّه بْن مُحَمَّد.
وحدّث عَنْهُ: أَبُو القاسم عيسى بْن الوجيه عَبْد العزيز عيسى الشُريشي،
__________
[1] ضبطها الذهبي بكسر الراء وسكون الخاء المعجمة (المشتبه 1/ 219) .
[2] انظر عن (ظفر بن عمر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 123 رقم 746.
[3] انظر عن (عبد الله بن محمد بن خلف) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 85، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة للمراكشي 4/ 227، 228 رقم 390.(40/97)
وحَمَّلَهُ الرواية عَن قومٍ لم يَرَهمْ وَلَا أدركهم، وبعضهم لَا يُعرف. قاله أَبُو عَبْد اللَّه الأبّار فِي «تاريخه» [1] ، ثمّ قَالَ: وذلك من أوهام عيسى هذا واضطرابه فِي روايته.
قال: وقال أَبُو عَبْد اللَّه التُجيبي: كان ابْن سَعادة مُقْرِئًا، محدّثا، ورِعًا، فاضلا. أخبِرتُ أنّه غرق فِي البحر عند صدره.
قلت: تُوُفي فِي بغداد هذه السّنة فيما أرى، أو في الّتي قبلها، كهلا.
42- عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يحيى بْن إِسْمَاعِيل [2] .
القاضي أَبُو مُحَمَّد العثمانيّ، الأمَوي، الدّيباجيّ، الإسكندرانيّ، المحدّث.
روى عَن: أَبِيهِ، وأبي القاسم بْن الفحّام الصّقلّيّ المقرئ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن الوليد الطُرْطُوشي [3] ، وأبي [4] عَبْد اللَّه الرّازيّ، وأبي الفضل جمعة بْن إِسْمَاعِيل بْن خَلَف المقرئ، وعبد اللَّه بْن يحيى بْن حمّود، وطائفة.
وله فوائد فِي ثمانية أجزاء [5] رواها جَعْفَر الهَمَذَاني عَنْهُ.
وروى عنه: الحافظ أبو محمد عبد الغني، والحافظ عَبْد القادر الرُهَاوي، والحافظ عليّ بْن المفضل، وابن راجح، وآخرون.
__________
[1] تكملة الصلة.
[2] انظر عن (عبد الله بن عبد الرحمن) في: الروضتين ج 1 ق 2/ 695، والعبر 4/ 214، 215، وسير أعلام النبلاء 20/ 596- 598 رقم 374، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1861، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 335، ومرآة الجنان 3/ 397، 398 وفيه: «عبد اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يحيى» ، ولسان الميزان 3/ 309، والمقفّى الكبير 4/ 417 رقم 1499، وتبصير المنتبه 1275، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وحسن المحاضرة 1/ 375، وشذرات الذهب 5/ 241، 242، والمنتخب من مخطوطات الحديث (فهرس الظاهرية) للألباني 278.
[3] تحرّفت هذه النسبة في: لسان الميزان، وحسن المحاضرة إلى الطرسوسي.
[4] في الأصل: «أبو» .
[5] انظر المنتخب من مخطوطات الحديث 278.(40/98)
وكان يُعرف بابن أَبِي اليابس [1] .
قال ابْن المفضّل: كان عنده فنون عِدة.
تُوُفي فِي شوّال، ومولده في سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
قال حمّاد الحَراني: رَمَى السلَفي العثمانيّ بالكذب.
وقال حمّاد: ذكر لي جماعة من أعيان الإسكندريّة أنّ العثمانيّ كان صحيح السّماعات، وكان ثقة ثَبتا، صالحا، متعفّفا. وكان يُقرِئ النّحو واللُغة والحديث.
وسمعتُ جماعة يقولون إنّه كان يقول: كلّ من بيني وبينه شيء فهو فِي حلّ ما عدا السلَفي فبيني وبينه وقفةٌ بين يدي اللَّه تعالى.
أنشدنا أَبُو عليّ بْن الخَلال أنشدنا جَعْفَر، أنشدنا أَبُو مُحَمَّد العثمانيّ، أنشدني أَبُو الْحَسَن عليّ بْن محمد البغداديّ لنفسه:
ما أجهل الإنسان فِي فِعْله ... من جمع آثام وأوزار
يبخل بالمال على نفسه ... وهو بها يسخو على النارِ
[2] 43- عَبْد اللَّه بْن عطاف [3] .
__________
[1] في لسان الميزان «ابن أبي الياس» ، ومثله في: الروضتين.
[2] وقال الأبّار: أكثر أبو عبد الله التجيبي عن أبي الحجّاج الثغري، وقال: لم أر أفضل منه، ولم أر بالبلاد المشرقية أفضل من أَبِي مُحَمَّد العثماني وَلَا أزهد وَلَا أورع منه.
وقال المؤلّف- رحمه الله-: خرّج تلك الفوائد في سنة أربع عشرة وخمسمائة وحدّث بها في ذلك الوقت وهلمّ جرّا، وكان أبوه من علماء الثغر.
وقال أبو شامة: توفي بالإسكندرية القاضي الشريف أبو محمد عبد الله العثماني الديباجي من ولد الديباج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان بْن عفان رضي الله عنهم، ويعرف بابن أبي إلياس، من بيت القضاء والعلم. وكان واسع الباع في علم الحديث، كثير الرواية، قيّما بالأدب، متصرّفا في النظم والنثر، إلّا أنه مقلّ من النظم، أوحد عصره في علم الشروط، وقوله المقبول على كل العدول. ذكر ذلك العماد رحمه الله في الخريدة.
(الروضتين) .
[3] انظر عن (عبد الله بن عطاف) في: المقفّى الكبير 4/ 594 رقم 1543.(40/99)
الأزديّ، الإسكندرانيّ.
ورّخه الحافظ ابْن المفضّل وَرَوَى عَنْهُ، وقال: تُوُفي فِي صفر. وكان ثقة متحرّيا.
سمع: أبا عبد الله الرازي، وأبا بكر الطرطوشي.
وكان لَا بأس به فِي الفقه.
44- عَبْد الصّمد بْن سعد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
أَبُو مُحَمَّد النسوِي، ثمّ الدّمشقيّ، المعروف بالقاضي.
ولد سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
وتُوفي فِي صَفَر بدمشق.
وسمع من: قِوام الدّين بْن زيد فِي سنة خمسٍ وتسعين.
روى عنه: الحافظ أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم، وعبد الحقّ بْن خَلَف، والعزّ مُحَمَّد بْن أَحْمَد النّسّابة، وغيرهم.
45-[عليّ] [1] بْن عساكر بْن المُرَحَّب بْن العوَّام [2] .
أَبُو الْحَسَن البطَائحي، الضّرير، المقرئ، الأستاذ.
والبطائح: بين واسط والبصرة.
قدِم بغدادَ وحفظ بها القراءات، وقرأه بالروايات الكثيرة المشهورة
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من المنتظم.
[2] انظر عن (علي بن عساكر) في: المنتظم 10/ 267 رقم 359 (18/ 233 رقم 4314) ، والكامل في التاريخ 11/ 435 (571 هـ.) ، ومعجم الأدباء 14/ 61، 62، وإنباه الرواة 2/ 298، والمختصر المحتاج إليه 3/ 132، والعبر 4/ 215، ودول الإسلام 2/ 86، ومعرفة القراء الكبار 2/ 541 رقم 488، وسير أعلام النبلاء 20/ 548- 550 رقم 350، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1862، والمشتبه في الرجال 2/ 582، وتلخيص ابن مكتوم 146، ونكت الهميان 214، 215، والبداية والنهاية 12/ 296، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 335- 337، رقم 156، وغاية النهاية 1/ 556، والطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 169، وتبصير المنتبه 4/ 1275، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وبغية الوعاة 2/ 179 رقم 1739، وشذرات الذهب 4/ 242، والتاج المكلّل للقنوجي 208، ومعجم المؤلفين 6/ 150.(40/100)
والشّاذّة على أَبِي العزّ القلانِسِي، وأبي عَبْد الله البارع، وأبي بكر المزرفيّ [1] ، وسِبْط الخيّاط.
وقرأ بالكوفة على: الشّريف عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العَلَوي.
وسمع من: أَبِي طَالِب يوسف، وابن الحُصَيْن، وطائفة.
وروى الكثير وتصدّر للإقراء. وقرأ القراءات مدّة طويلة. وكان بارِعًا فِيهَا، جيّد المعرفة بالعربيّة، ثقة صحيح السّماع، أثنى عَلَيْهِ غير واحد.
وُلد سنة تسعين وأربعمائة أو قُبَيلها.
وروى عَنْهُ القراءات خلق كثير، آخِرهم وفاة عَبْد العزيز بْن دُلف.
وسمع منه الكبار.
وحدّث عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدامة، والحافظ عَبْد القادر، والزّاهد أَبُو عُمَر المقدسيّ، والشّهاب بْن راجح، وأبو صالح الجيليّ، وعبد العزيز بْن يَاقا.
وآخر من رَوَى عَنْهُ وقرأ عَلَيْهِ القراءات العشر الإمام بها الدّين عليّ بن الجمّيزيّ [2] .
وتوفّي في الثّامن والعشرين من شعبان [3] .
__________
[1] تصحفت في معجم الأدباء 14/ 62 إلى «المرزقي» بالراء ثم زاي ثم قاف، وفي إنباه الرواة، وغاية النهاية إلى «المزرقي» بالقاف.
[2] في الأصل، «الحميري» ، والمثبت من معرفة القراء 2/ 541، وسير أعلام النبلاء 20/ 542 و 549 وتحرّفت في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 336 إلى «الجمري» .
[3] وقال المؤلّف- رحمه الله-: وممّن قرأ عليه الوزير عون الدين بن هبيرة، وأكرمه ونوّه باسمه.
وقال ابن النجار: كان إماما كبيرا في معرفة القراءات، ووجوهها وعللها وطرقها وضبطها وتجويدها، وحسن الأداء والإتقان والصدق والثقة. وكانت له معرفة تامة بالنحو. وكان متديّنا، جميل السيرة، مرضيّ الطريقة.
وقال الشيخ موفّق الدين المقدسي عنه: كان مقرئ بغداد في وقته، وكان عالما بالعربية، إماما في السّنّة. -(40/101)
46- ( ... ) [1] بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه.
أَبُو مُحَمَّد البغداديّ، المعروف بابن المطّلب.
سمع: أَبَا الْحَسَن العلّاف، وأبا طَالِب اليُوسُفي.
سمع منه بِمَكَّةَ. الفرّاء، وغيرُه.
- حرف الميم-
47- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الفَرَج بْن ماشاذة [2] .
أَبُو بَكْر الأصبهانيّ، السُكَّري، المقرئ.
مقرئ، مجوّد، عالِم بُطرُق القُراء، طويل العُمْر.
سمع: الحافظ سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم وتفرَّد عَنْهُ، والقاسم بْن الفضل الرئيس، ومكّيّ بن منصور السّلّار، وغيره.
__________
[ (-) ] وروى عنه بالإجازة: الخليفة الناصر العباسي، وقرأ عليه القرآن أيضا: الوزير ابن هبيرة وأكرمه ونوّه باسمه. وكان الوزير قد قرأ بالروايات على رجل يقال له: مسعود بن الحسين الحنبلي، وادّعى أنّه قرأ على ابن سوار، وأسند الوزير القراءات عنه عن ابن سوار في كتاب «الإفصاح» فحضر البطائحي دار الوزير وابن شافع يقرأ عليه. فلما انتهى إلى قوله:
وأما رواية عاصم فإنك قرأت بها على مسعود بن الحسين، قال: قرأت بها على ابن سوار. وكان البطائحي قاعدا في غمار الناس، لأنه لم يكن حينئذ معروفا، ولا له ما يتجمّل به، فقام وقال: هذا كذب. ورفع صوته، ثم خرج وبلغ الوزير الخبر، فطلبه وطلب مسعودا وحاققوه، فتبيّن كذبه. وأنه لم يدخل بغداد إلّا بعد موت ابن سوار بكثير، وأحضر البطائحي نسخة من المستنير بخط ابن سوار، فقوبل بخطها الخط الّذي مع مسعود، ويدّعي أنه خط ابن سوار، فبان الفرق بينهما.
وقال البطائحي: هو خط مزوّر بخط أبي رويح الكاتب. وكان خطّه شبيها بخط ابن سوار.
فأهان الوزير مسعودا ومنعه من الصلاة بالناس، وقال له: لولا أنك شيخ لنكّلت بك. ثم قرأ الوزير على البطائحي، وأسند عنه القراءات، وعلا قدره.
وذكر مضمون هذه الحكاية ابن النجار عن أحمد بن البندنيجي، وكان شاهدا للقصة، وصار للبطائحي بعد ذلك اتصال بالدولة، ويدخل بواطن دار الخلافة، وكان ضريرا يحفي شاربه.
[1] بياض في الأصل.
[2] انظر عن (محمد بن أحمد بن أبي الفرج) في: العبر 4/ 215، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1863، وسير أعلام النبلاء 20/ 543، 544 رقم 345، والنجوم الزاهرة 6/ 79، وشذرات الذهب 4/ 243.(40/102)
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن مكّيّ الحنبليّ، والحافظ عَبْد القادر، وعبد الأعلى بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الرُسْتَمي، وإسحاق بْن المطهّر اليزديّ القاضي، وأحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن سُفيان بْن مَنْدَهْ، وجامع بْن أَحْمَد الخبّاز الأصبهانيّون، وآخرون.
وبالإجازة كريمة القُرِشِية.
وتُوُفي فِي هذا العام وَلَهُ نيفٌ وتسعون سنة [1] .
48- مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر [2] .
أَبُو سَعِيد [3] بْن الْإِمَام أَبِي منصور الرّزّاز، البغداديّ، المعدَّل.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وابن نَبْهان، وزاهر بْن طاهر، وابن الحُصَيْن.
وتفقّه على والده، وَلَهُ شِعْر حَسَن. وَلي نظر الحشريّة مدّة، فلم تُحمد سِيرتُه. قاله ابْن النّجّار.
روى عَنْهُ: أَبُو نصر عُمَر بْن مُحَمَّد الدينَوَرِي.
وتُوُفي فِي ذي الحجّة وله إحدى وسبعون سنة [4] .
__________
[1] وقال المؤلّف- رحمه الله- في: سير أعلام النبلاء: «وما علمت على من تلا» .
[2] انظر عن (محمد بن سعيد) في: المنتظم 10/ 268 رقم 360 (18/ 233 رقم 4315) ، والكامل في التاريخ 11/ 435 (571 هـ.) ، والوافي بالوفيات 3/ 10 رقم 1037.
[3] هكذا في الأصل والوافي بالوفيات. وفي: المنتظم، والكامل: «أبو سعد» .
[4] وقال ابن الجوزي: وكان ينظر في التركات ويقول شعرا مطبوعا، كتب إليه بعض الناس مكاتبة تتضمّن شعرا، فكتب في جوابها:
يا من أياديه يعيا من يعدّدها ... وليس يحصي مداها من لها يصف
عجزت عن شكر ما أدليت من كرم ... وصرت عبدا ولي في ذلك الشرف
أهديت منظوم شعر كلّه درر ... فكلّ ناظم عقد دونه يقف
إذا أتيت ببيت منه كان لنا ... قصرا ودرّ المعالي فوقه شرف
وإن أتيت أنا بيتا نناقضه ... أتيت لكن ببيت سقفه يكف
لا كنت منه ولا من أهله أبدا ... وإنّما حين أدنو منه أقتطف(40/103)
49- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم بن المظفر بن علي [1] .
قاضي القضاة، كمال الدّين، أَبُو الفضل بْن أَبِي مُحَمَّد بْن الشهرُزُوري [2] ، ثمّ المَوْصِلي، الفقيه الشّافعيّ، ويُعرفون قديما ببني الخُراساني.
وُلِد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة [3] ، وتفقّه ببغداد على أسعد المَيْهَني.
وسمع الحديث من نور الهدى بْن أَبِي طَالِب الزّينبيّ.
وبالموصل من: أَبِي البركات بْن خميس، وجدّه لأمّه عليّ بْن أَحْمَد بْن طَوق.
ووُلي قضاء بلده.
وكان يتردّد إلى بغداد وخُراسان رسولا من أتابك زنكي. ثمّ قدِم الشامَ وافدا على نور الدّين، فبالغ فِي إكرامه، ونفّذه رسولا من حلب الدّيوان العزيز. وقد بنى بالمَوْصِل مدرسة، وبنى بمدينة النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم رباطا. ثمّ ولّاه
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الله بن القاسم) في: المنتظم 10/ 268 رقم 361 (18/ 233، 234 رقم 4316) ، والكامل في التاريخ 11/ 441، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 11، 12 رقم 219، والمختصر المحتاج إليه 1/ 55، وتاريخ إربل 1/ 206، ومرآة الزمان 8/ 340- 342، وسنا البرق الشامي 1/ 222، والروضتين ج 1 ق 2/ 671- 673، وخريدة القصر (قسم الشام) 2/ 323- 327، ووفيات الأعيان 4/ 241، والعبر 4/ 215، 216، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وسير أعلام النبلاء 21/ 57- 60 رقم 14، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1864، وتاريخ ابن الوردي 2/ 87، والوافي بالوفيات 3/ 331، 332، رقم 1391، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 337، ومرآة الجنان 3/ 398، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 74، والبداية والنهاية 12/ 296، 297، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 347، 348 رقم 313، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 209- 210 أ، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وشذرات الذهب 4/ 242، وقضاة دمشق 47، 48، والأعلام 7/ 107.
[2] تحرّفت النسبة في مرآة الجنان إلى: «السهروردي» .
[3] في مرآة الزمان: 492 هـ.(40/104)
السّلطان [1] نور الدّين قضاء دمشق، ونظر الأوقاف، ونظر أموال السّلطان، وغير ذلك. فاستناب ابنه القاضي أَبَا حامد بحلب، وابن أخيه أَبَا القاسم بحماه، وابن أخيه الآخر فِي قضاء حمص. وحدَّث بالشّام وبغداد.
قال القاسم بْن عساكر: ولّي قضاءَ دمشق سنة خمسٍ وخمسين، وكان يتكلّم فِي الأصول كلاما حَسَنًا. وكان أديبا، شاعرا، ظريفا، [فِكهَ المجلس] [2] ، وقف وُقُوفًا كثيرة، وكان خبيرا بالسّياسة وتدبير المُلْك. وقد أنبا بحضرة أَبِي قَالَ: أنبا ابْن خميس فذكر حديثا.
وقال ابْن خَلكان [3] : ولّي قضاء دمشق، وترقّى إلى درجة الوزارة، وحكم فِي البلاد الشّاميّة، واستناب ولده محيي الدّين فِي الحكم بحلب. وتمكّن فِي الأيّام النّوريّة تمكُنا بالغا. فلمّا تملّك صلاح الدّين أقرّه على ما كان عليه.
وله أوقاف كثيرة بالموصل، ونصيبين، ودمشق. عَظُمَت رئاسته، ونال ما لم ينله أحدُ من التقدُم.
وقال سبط ابْن الجوزيّ [4] : قدِم صلاح الدّين سنة سبعين فأخذ دمشق.
قال: وكان عسكر دمشق لمّا رَأوْا فِعْل العوامّ والتقاءهم لَهُ، ونثْره عليهم الدُراهم والذّهب، فدخلها ولم يُغْلَق فِي وجهه باب، وانكفأ العسكر إلى القلعة، ونزل هُوَ بدار العقيقيّ، وكانت لأبيه. وتمنّعت عَلَيْهِ القلعة أيّاما.
ومشى صلاح الدّين إلى دار القاضي كمال الدّين، فانزعج وخرج لتلقّيه، فدخل وجلس وباسَطَه وقال: طِبْ نفْسًا، وقُر عينا، فالأمر أمرك، والبلد بلدك.
فكان مَشْي صلاح الدّين إليه من أحسن ما وُرّخَ، وهو دليلٌ على تواضعه، وعلى جلالة كمال الدّين.
__________
[1] في الأصل: «للسلطان» .
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من سير أعلام النبلاء 21/ 59.
[3] في وفيات الأعيان 4/ 241.
[4] في مرآة الزمان 8/ 341.(40/105)
وقال أَبُو الفَرَج ابْن الجوزيّ [1] : كان أَبُو الفضل رئيس أهل بيته، بنى مدرسة بالموصل، ومدرسة بنصيبين. وولّاه نور الدّين القضاء، ثمّ استوزره، ورد بغداد رسولا، فذكر أنّه كتب قصّة إلى المقتفي، وكتب على رأسها مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الرَّسُول، فكتب المقتفي: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال سِبْط ابْن الجوزيّ [2] : لمّا جاء الشَّيْخ أَحْمَد بْن قُدَامة والد الشَّيْخ أَبِي عُمَر إلى دمشق خرج إليه أَبُو الفَرَج ومعه ألف دينار، فعرضها فلم يقبلها، فاشترى بها قرية الهامة [3] ، ووقفها على المَقَادِسة.
ولمّا تُوُفي رثاه بحلب ابنه محيي الدّين بقصيدته الّتي أوّلها:
ألِمُوا بسَفْحَيْ قاسِيُونَ وسلّموا ... على جدَث بادي السَّنَا وترحَّموا
وأدّوا إليه عَن لبيبٍ [4] تحيّة ... يكَلفكُم [5] إهداءَها القلبُ والفَمُ
تُوُفي فِي المحرّم يوم الخميس السّادس منه.
وقد رَوَى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصرى، وأخوه أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وموفّق اللَّه بْن قُدَامَة، وبهاء الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وشمس الدين عُمَر بْن المُنَجا، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر، وآخرون.
ومن شعره:
وجاءوا عِشاءً يهرعون وقد بدا ... بجسمي من داء الصَّبَابة ألْوانُ
فقالوا وكلّ معظم بعض ما رَأَى ... أصابَتْكَ عين. قلت: إنّ وأجفان
[6]
__________
[1] في المنتظم.
[2] في مرآة الزمان 8/ 341.
[3] الهامة: قرية مشهورة بغوطة دمشق.
[4] في سير أعلام النبلاء 21/ 60 «كئيب» .
[5] في سير أعلام النبلاء «مكلفّكم» .
[6] ومن شعره:
ولقد أتيتك والنجوم رواصد ... والفجر وهم في ضمير المشرق
وركبت للأهوال كلّ عظيمة ... شوقا إليك لعلّنا أن نلتقي-(40/106)
50- محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن عليّ بْن النّرسيّ [1] .
أَبُو الفتح الأزجيّ، الضّرير.
من بيت حديث وعدالة.
سمع: أَبَاهُ، وأبا القاسم بْن بيان، وغيرهما.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وجماعة.
وتُوُفي فِي ربيع الأوّل. ورّخه الدّبيثيّ.
وقال ابْن مَشق: تُوُفي فِي ذي الحجّة، والأوّل أصحّ وهو الَّذِي نقله ابْن النّجّار.
51- مُحَمَّد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن مهنَّد [2] .
أبو عبد الله بن السّقّاء، الحريميّ، المقرئ.
شيخ صالح ملقّن، لقّن خلْقًا. وكان يستقي الماء إلى بيوت النّاس ويتعفّف به.
روى عَن: أَبِي القاسم بْن بيان، وغيره.
تُوفي فِي صَفَر.
روى عَنْهُ: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخباز، وغيره.
52- مُحَمَّد بْن غالب [3] .
__________
[ (-) ] وله:
يا ربّ لا تحييني إلى زمن ... أكون فيه كلّا على أحد
خذ بيدي قبل أن أقول لمن ... ألقاه عند القيام خذ بيدي
(الوافي بالوفيات) وفيه أبيات أخرى.
[1] انظر عن (محمد بن عبد الباقي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 73، 74 رقم 282، والمختصر المحتاج إليه 1/ 78، والمشتبه في الرجال 2/ 636- 638.
[2] انظر عن (محمد بن علي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 121، 122 رقم 346، والمختصر المحتاج إليه 1/ 91.
[3] انظر عن (محمد بن غالب) في: بغية الملتمس للضبيّ 119- 121 رقم 251، وتكملة الصلة لابن الأبّار ج 1، ووفيات الأعيان 2/ 10، والوافي بالوفيات 4/ 309- 312 رقم 1852.(40/107)
أَبُو عَبْد اللَّه الأندلسيّ، الرّصافيّ، رصافة بَلَنْسِية، الرّفّاء. نزيل مالقة.
كان يعيش من صناعة الرّفو بيده.
قال الأبّار [1] : كان شاعر زمانه. سكن غَرْناطَة مدّة، وامتدح أميرها.
وشِعْره مدوّن يتنافس فِيهِ النّاس. كان ينظم البديع، ويُبدع المنظوم. ولم يتزوّج وكان متعفّفا.
روى عَنْهُ من نَظْمه: أَبُو عليّ بْن كسرى المالقيّ، وأبو الْحُسَيْن بْن جُبَيْر.
تُوفي فِي رَمَضَان بمالقة [2] .
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] وأنشد أبو عبد الله محمد بن باز قال: أنشدني أبو عبد الله الرصافيّ لنفسه من قطعة يصف فيها حائكا وسيما:
غزيّل لم تزل في الغزل جائلة ... بنانه جولان الفكر في الغزل
جذلان تلعب بالمحوك أنمله ... على السّدى لعب الأيام بالأمل
ما إن يني تعب الأطراف مشتغلا ... أفديه من تعب الأطراف مشتغل
جذبا بكفّيه، أو فحصا بأخمصه ... تخبّط الظّبي في أشراك مختبل
وله في وسيم صغير:
أميلد، ميّاس إذا قاده الصبا ... إلى ملح الإدلال أيده السّحر
بيّل مآقي زهريته بريقه ويحكي ... البكا عمدا كما ابتسم الزهر
أيوهم أنّ الدمع بلّ جفونه ... وهل عصرت يوما من النرجس الخمر
وله في جميل نائم قد تحبّب العرق على خدّه:
ومهفهف كالغصن إلّا أنه ... سلب التثنّي النوم عن إثنائه
أضحى ينام وقد تحبّب خدّه ... عرقا فقلت: الورد رشّ بمائه
وله من قصيدة طويلة أولها:
أيّها الآمل خيمات النقا ... خف على قلبك تلك الحدقا
إنّ سربا حشى الخيم به ... ربّما غرّك حتى ترمقا
لا تثرها فتنة من ربرب ... ترعد الأسد لديهم برقا
وأنج منها لحظة سهميّة ... طال ما قلت رداي علقا
وإذا قيل: نجا الركب، فقل ... كيف ما سالم تلك الطرقا
يا رماة الحيّ موهوب لكم ... ما سفكتم من دمي يوم النقا
ما تعمّدتم ولكن سبب ... قرب الحين وأمر سبقا-(40/108)
53- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبدِكان [1] .
أَبُو المحاسن البغداديّ، المقرئ.
قرأ القرآن على: أَبِي الخير المبارك الغسّال، وأبي سعد مُحَمَّد بْن عبد الجبّار الحريميّ.
قرأ عَلَيْهِ: عَبْد الوهّاب بْن برغش.
وله مصنّف فِي الأصول سمّاه «نور المحجّة» [2] على طريقة الأشعريّ.
ويُعْرَف بابن الضجَة [3] .
54- مُحَمَّد بْن محمود بْن مُحَمَّد.
أَبُو طَالِب بْن الشّيرازيّ، البغداديّ، المعروف بابن العلويّة.
سمع: أَبَا غالب مُحَمَّد بْن الحَسَن الباقِلاني.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، والحافظ عَبْد القادر، وجماعة.
وولي قضاء بعض البلاد، وأقام بواسط مدّة، وبها تُوفي فِي ذي الحجّة.
55- مُحَمَّد بْن المحسّن بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي المضاء [4] .
الخطيب شمس الدّين أَبُو عَبْد اللَّه البَعْلَبَكي، ثمّ المصريّ.
نشأ بمصر وقرأ بها الأدب.
__________
[ (-) ] وانظر أبياتا أخرى في: الوافي بالوفيات.
[1] انظر عن (محمد بن محمد بن عبدكان) في: الوافي بالوفيات 1/ 166، 167 رقم 99، وهدية العارفين 2/ 98، والأعلام 7/ 251، ومعجم المؤلفين 11/ 242.
[2] في الوافي: «نور الحجّة وإيضاح المحجّة» .
[3] قال ابن النجار: سألت عنه ابن أبي الفنون النحويّ فأثنى عليه ووصفه بالعلم والفضل.
[4] انظر عن (محمد بن المحسّن) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 142، وسنا البرق الشامي 1/ 225، 226، والروضتين ج 1 ق 2/ 492 و 616، و 662 و 675، 676، والوافي بالوفيات 4/ 389، 390، رقم 1946، والبداية والنهاية 12/ 297، واتعاظ الحنفا 3/ 327، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 209 ب، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 4/ 126، 127 رقم 1134.
ويرد: «محمد بن الحسين» .(40/109)
وسمع بدمشق من: الحافظ ابن عساكر، وغيره.
ورحل إلى بغداد وسمع بها وقرأ الفقه. وعاد إلى مصر، واتّصل بالسّلطان صلاح الدّين.
وهو أوّل من خطب بمصر لبني العبّاس. ثمّ نفّذه السّلطان رسولا إلى الدّيوان.
وسمع ببغداد من: أبي زرعة، وابن البطّيّ.
ومات بدمشق ولم يكمل أربعين سنة.
56- المبارك بن عبد الجبّار بن محمد [1] .
أبو عبد الله البردغوليّ.
روى عَن: أَحْمَد بْن عليّ بْن قريش.
روى عَنْهُ: ابنه عَبْد السّلام، وغيره.
وتُوفي فِي جُمادَى الأولى [2] .
57- المبارك بْن مُحَمَّد بْن المبارك.
أَبُو جَعْفَر البصْري، المواقيتيّ، الكتّانيّ الشّافعيّ، المعدّل.
ولد سنة تسعين وأربعمائة.
وسمع من: أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم العَبْدي، والغَطريف بْن عَبْد اللَّه السّعيدانيّ، وجابر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر، وعدّة.
وحدَّث ببغداد.
وروى عَنْهُ: عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر الصّوفيّ، ومحمد بْن أَبِي غالب الباقدرائيّ، وطائفة.
وسمع من السّلفيّ بالبصرة.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن عبد الجبار) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 170، 171 رقم 1133.
[2] وكانت ولادته سنة نيّف وتسعين وأربعمائة.(40/110)
قال ابْن النّجّار: مات بالبصرة بعد السّبعين وخمسمائة.
58- محمود بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن ماشاذة.
الأصبهانيّ الصُوفي، نزيل بغداد، وشيخ رباط الأقفاصيّين.
زاهد عابد عارف.
سمع من: زاهر الشّحّاميّ، وأبي غالب بْن البنّاء، وأبي بَكْر المَزْرَفي.
وله مصنّفات فِي الحقائق.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ القُرَشي، ومحمد بْن بنا الضّرير.
تُوُفي فِي ربيع الآخر، كذا ترجمه ابْن النّجّار.
59- مسعود بْن عَبْد اللَّه بْن عُبَيد اللَّه.
أَبُو عَبْد اللَّه البغداديّ الواعظ.
روى بدمشق عَن: أَبِي الوقت.
وعنه: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
مات فِي رَمَضَان.
60- مُسْلِم بْن ثابت بْن زَيْدِ بْن القاسم [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه بْن النّخّاس، الوكيل، البغداديّ.
ويُعرف بابن جُوالِق والد عَبْد اللَّه. فقيه إمام حنبليّ.
تفقّه على: أَبِي بَكْر الدينَوَرِي.
وتوكّل لبعض الأمراء، وعَلَت سِنه.
وحدَّث بالكثير عَن: أَبِي بَكْر بْن سَوْسَن، وأبي القاسم بْن بيان، وابن نَبهان، وأبيّ النرْسي، وجماعة.
ووُلِد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
__________
[1] انظر عن (مسلم بن ثابت) في: المنتظم 10/ 268، 269 رقم 363 (18/ 234 رقم 4318) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 202 رقم 1234، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 237 رقم 157، وشذرات الذهب 4/ 243.(40/111)
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن قُدَامة، ونصر بن عبد الرّزّاق الجيليّ، وأبو البقاء إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن يحيى الهَمَذَاني، والحسين بْن مَسْعُود البيّع، وعثمان بْن أبي نصر بن الوتّار، وآخرون.
توفّي في ذي الحجّة.
وقد سمع منه أَبُو المحاسن عُمَر بْن عليّ القُرَشي، والقُدَماء [1] .
- حرف النون-
61- نصر بْن سيّار بْن صاعد بْن سيّار [2] .
شرف الدّين، أَبُو الفتح الكِناني، الهَرَوِي، القاضي الحنفيّ، الفقيه.
من بيت القضاء والحشْمة والرواية. وكان خبيرا بالمذهب، عالي الإسناد، معمّرا.
سمع الكثير من: جَدّه القاضي أَبِي العلاء صاعد بْن سَيَّار بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن إدريس، والقاضي أَبِي عامر محمود بْن القاسم الْأَزْدِيّ، وأبي عطاء عَبْد الأعلى بْن أَبِي عُمَر المَلِيحي، والزّاهد محمد بن علي العُمَيْريّ، ونجيب بن ميمون الواسطيّ، وأبي نصر أَحْمَد بْن أَبِي المعروف بأميرْجَة سك، وغيرهم.
وأجاز لَهُ شَيْخ الْإِسْلَام أَبُو إِسْمَاعِيل الْأَنْصَارِيّ، وأبو القاسم أَحْمَد بْن محمد الخليليّ.
__________
[1] ذكره ابن القطيعي وقال: سمع منه جماعة من الطلبة، وكتبت عنه. وكان صحيح السماع.
[2] انظر عن (نصر بن سيّار) في: التحبير 2/ 343- 345 رقم 1056، ومعجم شيوخ ابن السمعاني (مخطوط) ورقة 274 ب، 275 أ، والتقييد لابن نقطة 465، 466 رقم 626، وتاريخ إربل 1/ 132، ودول الإسلام 2/ 86، والعبر 4/ 216، وسير أعلام النبلاء 20/ 545، 546 رقم 347، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1866، والجواهر المضيّة 2/ 195، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وشذرات الذهب 4/ 242.(40/112)
قال ابن السّمعانيّ [1] : كان فقيها، مناظرا، فاضلا، متديّنا، حَسَن السّيرة، مطبوع الحركات، تاركا للتكلّف، سليم الجانب.
ولِد فِي شوّال سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة.
قلت: رَوَى عَنْهُ هُوَ، وابنه أَبُو المظفّر عَبْد الرحيم، وأبو القاسم زنكي بْن أبي الوفاء، ومودود بْن محمود الشّقّانيّ، والحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ، والمفتي ضياء الدّين أَبُو بَكْر بْن عليّ المامنجيّ، الْمَصْرِيّ، وآخرون.
وبالإجازة القاضي شمس الدّين ابْن الشّيرازيّ.
قال السّمعانيّ فِي «تحبيره» [2] : سمعت منه «جامع التِّرْمِذِي» ، وسمعت منه كِتَاب «الزُهد» لسعيد بْن منصور، بروايته عَن جَدّه.
وقال ابْن نُقْطة [3] إنّه حدّث بكتاب «الجامع» للتّرمذيّ، عَن أبي عامر الْأَزْدِيّ. وسمع «صحيح الإسماعيليّ» ، من جَدّه. وكان سماعه صحيحا.
وبلغني أنّه تُوفي يوم الثّلاثاء عاشر المحرّم.
قلت: عاش سبْعًا وتسعين سنة. وكان رَحِمَهُ اللَّهُ أسندَ من بقي بخُراسان.
- حرف الهاء-
62- هبة اللَّه بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن زَنْبَقَة.
أَبُو القاسم الصَّفَّار.
شيخ بغداديّ.
سمع: شجاعا الذُهلي، وأبا عليّ بْن المهديّ.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب بن أزهر.
__________
[1] في التحبير 2/ 344.
[2] ج 2/ 344.
[3] في التقييد 466.(40/113)
قَالَ ابْن القَطِيعي: مات فِي شوّال.
63- هبة اللَّه بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه [1] .
أَبُو مُحَمَّد البغداديّ، الوكيل بباب القُضاة.
سمع: أَبَا الْحَسَن العَلاف.
روى عَنْهُ: أَبُو الفتوح بن الحصري.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
- حرف الياء-
64- يَحْيَى بْن أَحْمَد [2] .
أَبُو شجاع بْن البرّاج، الوكيل بباب القُضاة. ثمّ زكّي، وشَهِد وتقدّم.
روى عَن: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وغيره.
كتب عنه: عمر القرشيّ، وغيره.
65- يحيى بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم.
أَبُو زكريّا بْن الخطّاب الرّازيّ، ثمّ الإسكندرانيّ.
سمع من والده وتوفّي في هذه السّنة.
وحَدَّث.
ضعّفه ابْن المفضّل وقال: لَا أروي عَنْهُ.
وفِيهَا وُلِد الشَّيْخ الفقيه حونين فِي رجب، والصَّفِي إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن الدرجيّ بدمشق، والكمال عليّ بْن شجاع الضّرير بمصر في شعبان، والشّيخ أوحد الدّين عمر الدّوينيّ.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن يحيى) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 229 رقم 1302.
[2] انظر عن (يحيى بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 237 رقم 1332.(40/114)
سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
66- أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عَبْد العزيز بْن أَبِي يَعْلى [1] .
أَبُو جَعْفر ابْن القاصّ الشّيرازيّ، ثمّ البَغدادِي، القَطُفْطي [2] المُقْرِئ، الزاهِد. صَاحب رِياضَة وتعبُّد ونُسُك وعِرْفان وتَصَوف.
قَرَأ القراءات على أَحْمَد بْن عليّ بْن بدران [3] الحلْواني، وأبي الخير المبارك الغسّال، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن بركات بْن سلامة الدّارميّ الآمديّ.
وسمع: أَبَا مُحَمَّد بْن الأبُنوسي، وأبا القاسم بْن بيان، وجماعة.
وحدَّث وأقرأ النّاس.
أخذ عَنْهُ جماعة وأثنوا عَلَيْهِ.
وتوفّي في صَفَر وله سبع وسبعون سنة [4] .
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأبو بَكْر بْن مَشقْ، وآخرون، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وأحمد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي.
وقرأ عَلَيْهِ بالرّوايات عَبْد العزيز بن دلف، وجماعة [5] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 170، 171، ومعرفة القراء الكبار 2/ 550 رقم 499، وغاية النهاية 1/ 38، والوافي بالوفيات 6/ 226 رقم 2695.
[2] في الأصل: «القطفي» والمثبت من (معرفة القراء الكبار) .
[3] تصحّف «بدران» في (الوافي بالوفيات) إلى «بردان» .
[4] وكان مولده سنة 496 هـ.
[5] وقال ابن النجار: كان أحد عباد الله الصالحين منقطعا إلى الطاعة، مشتغلا بالزهد والعبادة، لازما لمسجده لا يخرج منه إلّا إلى صلاة الجمعة منقطعا أو جنازة، وكان-(40/115)
67- أَحْمَد بْن حامد بْن الفُرات بْن أَحْمَد بْن مَهْدِي.
أَبُو الْعَبَّاس الربعِي، الضمرِي، البزّاز.
سمع ابْن الخطّاب الرّازيّ بثغر الإسكندريّة.
روى عَنْهُ: ابْن صَصْرَى فِي مشيخته، وفِيهَا أنّه ولد بقرية ضمير سنة ستّ وثمانين أربعمائة.
وله شِعْرٌ حَسَن.
مات فِي جُمادى الآخرة سنة ثلاثٍ هذه.
68- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المبارك بْن أَحْمَد بْن بكْرُوس [1] .
أَبُو الْعَبَّاس البغداديّ، الحنبليّ، الفقيه، الزّاهد.
وُلِد سنة إحدى وخمسمائة.
وسمع من: أَبِي سعد بْن الطُيُوري، وأبي طَالِب الزّينبيّ.
وتفقّه على: أَبِي بَكْر الدّينَوري، وأبي خازم بْن القاضي أَبِي يَعْلَى.
وأنشأ لَهُ نَصْر بْن العطّار التّاجر مدرسة ودرَّس بها.
وأقرأ الفقه وتخرَّج به جماعة.
وكان زاهدا عابدا، خيّرا، متنبّلا، كبير القَدْر.
قرأ أَيْضًا القراءات على أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وأبي بكر المزرفيّ [2] .
__________
[ (-) ] معتكفا على إقراء الناس القرآن والفقه والحديث، وكان غزير الدمعة عند الذكر، ظاهر الخشوع، وله قدم في التصوّف ومعرفة بأحوال أهل الطريقة، وله مصنّفات في ذلك. وكان يحضر السماع ويقول به على طريقة المتصوّفة والناس يقصدون زيارته ويطلبون بركته.
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن المبارك) في: المنتظم 10/ 276 رقم 364 (18/ 243 رقم 4319) ، والمختصر المحتاج إليه 1/ 206، ومرآة الزمان 8/ 344، وتاريخ إربل 1/ 98، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 338، رقم 158، والوافي بالوفيات 8/ 113، 114 رقم 3528، وشذرات الذهب 4/ 244، 245.
[2] في الأصل، وأصل الوافي بالوفيات: «المرزفي» بتقديم الراء. والتحرير من: المنتظم، والمختصر، والذيل.
و «المزرفي» : بفتح الميم وسكون الزاي وفتح الراء، وفي آخرها الفاء، هذه النسبة إلى-(40/116)
روى عَنْهُ: موفّق الدّين المقدسيّ وقال: كان من أصحاب أَحْمَد، وَلَهُ مسجد ومدرسة. يتكلّم فِي مسائل الخلاف ويدرس. وكان يتزهَّد وما علمت منه إلَّا الخير.
قال ابْن مَشقْ: تُوُفي فِي خامس صَفَر.
وروى عَنْهُ أَيْضًا عَبْد العزيز بْن باقا، ومحمد بْن أَحْمَد بْن شافع [1] .
69- أرسلان [2] بْن طُغْرل [3] بْن مُحَمَّد بن ملك شاه.
السَّلْجُوقي السّلطان.
تُوُفي فِي هذا العام.
وكان القائم بدولته زوج أمّه شمس الدّين إلدكز، وابنه البهلوان.
وكان أرسلان سلطانا مستضْعَفًا، لَهُ السّكّة والخطْبة. ولمّا مات خُطِب
__________
[ (-) ] المزرفة، وهي قرية كبيرة بغربي بغداد على خمسة فراسخ منها. (الأنساب 11/ 275) .
[1] وقال سبط ابن الجوزي: زوّجه جدّي ستّ العلماء أكبر بناته.
ومن نظمه:
أحبابنا لا سلمت من الردى ... يمين من يخون في اليمين
بكيت دمعا ودما لبينهم ... وقرحت من أدمعي جفوني
مذ رحلوا أحباب قلبي سحرا ... فالشوق والتذكار أودعوني
فيا غراب بينهم لا سترت ... فراخك الأوراق في الغصون
فكيف أشكو والوفاء مذهبي ... أم كيف أنسى والوداد ديني
قالوا وقد ودّعتهم وأدمعي ... تجري وخوف البين يعتريني
الصبر أحرى فاصطبر إن لعبت ... أيدي النوى بقلبك المحزون
وقال ابن رجب: وقرأت بخط ناصح الدين بن الحنبلي: كان فقيها زاهدا، عابدا مفتيا.
وسمعته يتكلّم في حلقة شيخنا ابن المنّي، وعليه من نور العبادة وهدي الصالحين ما يشهد له.
[2] انظر عن (أرسلان بن طغرل) في: الكامل في التاريخ 11/ 358، والدرّ المطلوب 61 (في وفيات سنة 572 هـ.) ، والعبر 4/ 217، ودول الإسلام 2/ 87، وتاريخ ابن الوردي 2/ 88، والبداية والنهاية 12/ 398، والنجوم الزاهرة 6/ 74 (في وفيات سنة 570 هـ.) ، والوافي بالوفيات 8/ 324 رقم 3776، وشذرات الذهب 4/ 244.
[3] في (العبر) : «طغربل» .(40/117)
بعده لولده طَغْرل الَّذِي قتله خُوارَزْم شاه، كما يأتي إن شاء اللَّه تعالى.
- حرف الحاء-
70- الحسن بن أحمد بن محمد بن أَحْمَد.
أَبُو عليّ بْن الخُوَيْري، العبّاسيّ.
سمع: إسماعيل بْن السَّمَرْقَنْدِي، وطائفة.
وقرأ بالرّوايات على الشهْرزُوري، وأقرأ القراءات والعربيّة بواسط.
وكان يعلم الموسيقى، فِيهِ دِين وتعبُّد.
أرّخه ابْن النّجّار.
- حرف الدال-
71-[دَاوُد] [1] بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن خَالِد [2] .
القاضي أَبُو سليمان الخالديّ، الإربليّ، ثمّ الحَصْكفي، الفقيه الشّافعيّ.
وُلِد سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة بالموصل. وتفقّه ببغداد.
وسمع: أَبَا القاسم بْن بيان ببغداد، وأبا منصور مُحَمَّد بْن عليّ بْن محمود الكُراعي بمرْو.
وقدِم دمشقَ رسولا فحدَّث بها، ثمّ سكن الموصل وحدَّث بها بأشياء منها «صحيح الْبُخَارِيّ» ، لكنّه أسقط من إسناده إلى الْبُخَارِيّ رجلا، واستمرّ الوهم عليهم وعليه.
__________
[1] في الأصل بياض، والمثبت من: تاريخ إربل 1/ 265- 267 رقم 162، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 119، وانظر الوافي بالوفيات 13/ 494 رقم 589.
[2] يقال: ابن أبي خالد الإربلي. قال ابن المستوفي: كذا وجدت نسبه بخطّه- رحمه الله- سوى الإربلي فإنّي وجدته باستجازة لأبي الفتوح عبد الله بن شيخنا أبي المظفر المبارك بن طاهر. وذكر صورتها وفيها سماعه في مجالس عدّة آخرها شهر ربيع الأول من سنة 523 هـ.، وأسماء الكتب التي سمعها: صحيح مسلم، في سنة 518 هـ.، وبمرو سنة 519 هـ.، وموطّأ مالك في سنة 520 هـ. بمصر، وكتاب الشهاب ببغداد سنة 509 هـ.، وكتاب المقامات للحريري ببغداد سنة 509 هـ.، وطريق آخر البخاري سنة 572 هـ.(40/118)
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، والقاضي أَبُو نَصْر بْن الشّيرازيّ.
وأجاز البَهَاء عَبْد الرَّحْمَن.
وتُوُفي بالموصل يوم النحْر، وقد ولي قضاء كيفا مُدَّة.
72-[دَاوُد] [1] بْن يزيد.
أَبُو سُلَيْمَان السّعديّ، الغَرْناطي.
بقيّة النَّحْويين بالأندلس.
أخذ عَن: أَبِي الْحَسَن بْن الباذش، وكان من أكبر تلامذته.
وسمع من: أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر بْن العاص، وابن مغيث، وغيرهم.
وكان لَهُ مشاركة فِي عِلم الحديث. أخذ القراءات عَنْهُ، ومن رواته: أَبُو بَكْر بْن أَبِي زَمَنين، وأبو الْحَسَن بْن خروف، وأبو القاسم الملاحي [2] .
وتوفّي عَن خمسٍ وثمانين سنة.
- حرف الصاد-
73- صَدَقَة بن الحسين بن الحسن بن بختيار [3] .
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من: بغية الوعاة 1/ 563، 564 رقم 1180، والوافي بالوفيات 13/ 499 رقم 598.
[2] وكان يقرئ العربية والأدب واللغة، ويستفتح مجلسه بأمّ القرآن تبرّكا، ويسمع الحديث في رمضان بدلا من كتب الأشعار، وكان غزير الدمعة، كثير الخشية عند قراءة القرآن والحديث، وكان يأكل الشعير، ولم يأكل لحما من الفتنة الأولى لأجل المغانم والمكاسب. انتقل من غرناطة إلى باغة من أجل السلطان دعاه لإقراء بنيه، فقال: والله لا أهنت العلم، ولا مشيت به إلى الديار، ثم انتقل إلى قرطبة، وكان يسأل الله تعالى الموت بها. فمات بها سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، ومولده بعد الثمانين وأربعمائة بيسير.
[3] انظر عن (صدقة بن الحسين) في: المنتظم 10/ 276- 278 رقم 365، (18/ 243، 244 رقم 4320) ، والكامل في التاريخ 11/ 449، ومرآة الزمان 8/ 344، والمختصر في أخبار البشر 3/ 61، ووفيات الأعيان 6/ 253، وسير أعلام النبلاء 21/ 66، 67 رقم 23، وميزان الاعتدال 2/ 310، والمغني في الضعفاء 1/ 307، والمختصر المحتاج إليه 2/ 109، وذيل الروضتين 12، والوافي بالوفيات 16/ 292- 294 رقم 323، والإعلام-(40/119)
أَبُو الفَرَج بْن الحدّاد البغداديّ، الفقيه، الحنبليّ، النّاسخ.
تفقّه على: أَبِي الوفاء بْن عَقِيل، وأبي الْحَسَن بْن الزّاغونيّ، وسمع منهما.
ومن: أَبِي عثمان بْن مَلَّة، وأبي طَالِب اليُوسُفي.
وكان قيّما بالفرائض والحساب، ويفهم الكلام. وأقرأ النّاس، وتخرَّج به جماعة.
وكان مليح الخطّ، نسخ الكثير، وكان ذلك معاشه. وكان يؤمّ بمسجدٍ وهو يقيم فِيهِ [1] .
قال أَبُو الفَرَج بْن الجوزيّ [2] : ناظَرَ وأفْتى إلَّا أنّه كان يظهر فِي فَلَتَات لسانه ما يدلّ على سوء عقيدته. وكان لَا ينضبط، فكلّ من يجالسه يعثر منه على ذلك [3] . وكان تارة يميل إلى مذهب الفلاسفة، وتارة يعترض على القَدَر.
دخلتُ عَلَيْهِ يوما وعليه جرب فقال: ينبغي أن يكون هذا على جَمَل لَا عليّ.
__________
[ (-) ] بوفيات الأعلام 236، وتاريخ ابن الوردي 2/ 88 وفيه: «الذيل ذيّل تاريخ ابن الزعفرانيّ» ، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 339- 343 رقم 159، والبداية والنهاية 12/ 298، 299، ولسان الميزان 3/ 184، وتاريخ ابن سباط 1/ 151، وشذرات الذهب 4/ 245، وكشف الظنون 290، ومعجم المؤلفين 5/ 18، وصيد الخاطر 239.
[1] وقال ابن رجب: وبرع في الفقه، فروعه وأصوله، وقرأ علم الجدل والكلام، والمنطق والفلسفة والحساب، ومتعلقاته من الفرائض وغيرها. وكتب خطا صحيحا. وقال الشعر المليح، وأفتى وناظر، وانقطع بمسجده بالبدرية شرقي بغداد، يؤمّ الناس فيه: وينسخ ويفتي، ويتردّد إليه الطلبة يقرءون عليه فنون العلم، وبقي على ذلك نحوا من سبعين سنة حتى توفي.
قال ابن النجار: وله مصنّفات حسنة في أصول الدين. وقد جمع تاريخا على السنين، بدأ فيه من وقت وفاة شيخه ابن الزاغوني سنة سبع وعشرين وخمسمائة، مذيّلا به على تاريخ شيخه، ولم يزل يكتب فيه إلى قريب من وقت وفاته، يذكر فيه الحوادث والوفيات، وقد نسخ بخطه كثيرا للناس من سائر الفنون. وكان قوته من أجرة نسخه، ولم يطلب من أحد شيئا ولا سكن مدرسة، ولم يزل قليل الحظ، منكسر الأغراض، متنغّص العيش، مقتّرا عليه أكثر عمره.
[2] في المنتظم.
[3] في المنتظم زيادة: «وكان يخبط الاعتقاد وتارة يرمز إلى إنكار بعث الأجسام» .(40/120)
وقال لي يوما: أَنَا لَا أخاصم إلَّا من فوق الفَلَك.
وقال لي القاضي أَبُو يَعْلَى: مُذْ كتب صَدَقَةُ «الشّفاء» لابن سينا تغيّر.
وحدّثني عليّ بْن الْحَسَن [1] المقرئ فقال: دخلت عَلَيْهِ فقال: وَاللَّه ما أدري من أَيْنَ جاءوا بنا، وَلَا إلى أيّ مُطْبَق [2] يريدون أن يحملونا.
وحدّثني الظّهير [ابْن] [3] الحنفيّ قَالَ: دخلت عَلَيْهِ فقال: إنّي لأفرح بتعثيري. قُلْت: ولِمَ؟ قَالَ: لأنّ الصّانع يقصدني.
وكان طول عُمره ينسخ بالأجرة، وفي آخر عمره تفقّده بكيس، فقيل لَهُ، قَالَ: أَنَا كنت أنسخ طول عُمري فلا أقدر على دجاجة. فانظر كيف بعث لي الحلواء والدّجاج فِي وقتٍ لَا أقدر أن آكله.
وهو كقول ابْن الراونْدي: وكنت أتأمّل عَلَيْهِ إذا قام للصّلاة، وأكون إلى جانبه، فلا أرى شَفَتَيه تتحرّك أصلا.
ومن شعره:
لا توطّنها فليست بمُقامِ ... واجْتَنِبْها فهي دارُ الانتقام
أتُراها صَنْعة من صانع ... أمْ تُرَاها رَمْيةً من غير رامِ [4]
فلمّا كثُر عُثُوري على هذا منه هَجَرْتُه، ولم أصَل عَلَيْهِ حين مات.
وكان يُعرف منه فواحش. وكان يطلب من غير حاجة. وخلّف ثلاثمائة دينار [5] .
وحكي عنه أنّه رئي له منامات نحسة، نسأل الله العفو.
__________
[1] المنتظم: «علي بن عساكر» .
[2] في المنتظم: «أي مضيق» .
[3] إضافة من المنتظم.
[4] المنتظم، الوافي 16/ 294.
[5] وقال ابن القطيعي: كان بينه وبين ابن الجوزي مباينة شديدة، وكل واحد يقول في صاحبه مقالة الله أعلم بها، (ذيل طبقات الحنابلة 1/ 340) .(40/121)
تُوُفي فِي ربيع الآخر فِي عَشْر الثّمانين [1] .
- حرف العين-
74- عَبْد الباقي بْن أَبِي العزّ بْن عَبْد الباقي ابْن الكوّار [2] .
البغداديّ الصُّوفي، ويعرف بابن القوّالة.
روى عَن: أَبِي الْحُسَيْن بْن الطُيُوري.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن بكْرُون، وابن الأخضر.
__________
[1] وقال ابن النجار: كان الوزير ابن رئيس الرؤساء سأل عن مسألة في الحكمة فقيل له: إنّ صدقة الناسخ له في ذاك يد، فأنفذها إليه، فكتب فيها جوابا شافيا استحسنه الوزير، وسأل عن حاله فأخبر بفقره، فأجرى له ما يقوته. وعلمت الجهة بنفشا بحاله، فصارت تتفقّده في بعض الأوقات بما يكون بين يديها من الأطعمة الفاخرة والحلوى، فيعجز عن أكله، فيعطيه لمن يبيعه له، وكان ربّما شكا حاله لمن يأنس به، فيشفّع عليه من له فيه غرض ويقول: هو يعترض على الأقدار، وينسبه إلى أشياء الله عالم بحقيقتها.
ومن شعره:
لو قنع الإنسان من حظّه ... بمثل ما يقنع من عقله
لزال جلّ الغمّ عن نفسه ... وكلّ ما يهتمّ من أجله
لكنّه يرضى بغير الرضى ... من علمه والخلق من جهله
ويستقلّ الحظّ مع وفره ... ويحمد المذموم من فعله
وفي انعكاس الأمر لو رامه ... راحته والفوز في مثله
ومن شعره:
وا حسرتا من وجود ما تقدّمنا ... فيه اختيار ولا علم فيقتبس
ونحن في ظلمات ما بها قمر ... يضيء فيها ولا شمس ولا قبس
مدلّهين حيارى قد تكنّفنا ... جهل تجهّمنا في وجهه عبس
فالفعل فيه بلا ريب ولا عمل ... والقول فيه كلام كلّه هوس
ومنه:
نظرت بعين القلب ما صنع الدهر ... فألفيته غرّا وليس له خبر
فنحن سدى فيه بغير سياسة ... نروح ونغدو قد تكنّفنا الشرّ
فلا من يحلّ الزيج وهو منجّم ... ولا من عليه ينزل الوحي والذكر
يحلّ لنا ما نحن فيه فنهتدي ... وهل يهتدي قوم أضلّهم السّكر
عمى في عمى في ظلمة فوق ظلمة ... تراكمها من دونه يعجز الصبر
[2] انظر عن (عبد الباقي بن أبي العزّ) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 85 رقم 911، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 1/ 979- 985.(40/122)
وتُوُفي فِي ربيع الآخر.
75- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مَخْلَد بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
[روى عَن] [2] : أَبِي القاسم بْن النّحّاس، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب، وغيرهم.
قال الأبّار: وكان فقيها مشاوَرًا. ولي القضاء، وكان عريقا فِي العلم والنّباهة.
سمع منه: ابنه أَبُو الوليد يزيد، وحفيده شيخنا أبو القاسم أحمد بن يزيد. وتوفّي عَن ثمانٍ وسبعين سنة.
76- عَبْد العزيز بْن أَحْمَد بْن غالب [3] .
أَبُو الأصْبَغ بْن مؤمّل البلنسيّ، الزّاهد، المقرئ.
قال الأبّار: أخذ القراءات عَن ابْن هُذَيْل، وكان مقدَّمًا فِيهَا، عارفا بالتّعليل، مجوّدا، فَرْدًا فِي الاجتهاد، صَوامًا قَوامًا، صاحب ليل. ولم يتزوّج قطّ.
تُوُفي فِي حدود سنة ثلاث.
77- عَبْد الكريم بْن عسكر.
أَبُو مُحَمَّد المخزوميّ، الخالديّ، الهَمَذَاني الأصل.
ولِد بمصر، وسكن الإسكندريّة. وكان يُعرف بالنّجّار.
سمع من: أَبِي صادق مرشد، وأبي عَبْد اللَّه الرّازيّ.
قال الحافظ ابن المفضّل: سألته عَنْ مولده فقال: فِي رجب سنة سبع وتسعين.
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن أبي القاسم) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] ما بين الحاصرتين إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
[3] انظر عن (عبد العزيز بن أحمد) في: في تكملة الصلة لابن الأبّار.(40/123)
سمعنا منه كِتَاب «الأثمان» لابن أَبِي شيبة، والحادي والعشرين من حديث الذُهلي. وكان شيخا صالحا. قَالَ لي: نَسَبي عندي بخطّ أَبِي إلى خَالِد بْن الوليد رضي اللَّه عنه.
وتُوُفي فِي تاسع عشر ذي الحجّة.
قلت: رَوَى عَنْهُ. جَعْفَر الهَمَذَاني، وعبد الوهّاب بْن روّاج، وجماعة.
78- ( ... ) [1] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُود بْن عَيشون.
أَبُو مروان المَعَافِري، البَلَنْسِي.
روى عن: أَبِي الوليد بْن الدّبّاغ.
وحجّ فلقي: أبا عليّ بن العوجا، وأبا عَبْد اللَّه المازريّ، وأبا طاهر بْن سِلَفَة.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن نوح الغافقيّ.
قال الأبّار: وكان نهاية فِي الصَّلاح والبِر والخير، متواضعا. لم يتزوّج، وكان ذا ثروة، واقتنى كثيرا من الكتب.
وتُوُفي سنة ثلاثٍ أو 74.
79- عتيق بْن عَبْد العزيز [2] بْن عليّ بْن صيلا [3] .
أَبُو بَكْر الحربيّ، الخبّاز، والد عَبْد الرَّحْمَن، وعبد العزيز.
سمع: عَبْد الواحد بْن علوان الشَّيْبَانيّ، وأحمد بْن عَبْد القادر بْن يوسف، وغيرهما.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وعبد الرّزّاق الْجِيلي، وأحمد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والأنجب بْن مُحَمَّد بْن صيلا الحمّاميّ، وأبو القاسم بن أبي الحسين المالحانيّ، وآخرون.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] انظر عن (عتيق بن عبد العزيز) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 153 رقم 1086، والتاريخ المجدّد لمدينة السلام لابن النجار، (مصوّرة المجمع العلمي العراقي عن نسخة الظاهرية) ورقة 120، وذيل تاريخ بغداد، له 2/ 187، 188 رقم 408.
[3] هكذا في الأصل. وفي المختصر المحتاج إليه «أصيلا» .(40/124)
ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. ومات فِي ربيع الآخر وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة [1] .
80- عليّ بْن الْحُسَيْن بْن عليّ [2] .
أَبُو الْحَسَن اللُوَاتي الفاسيّ.
روى عَن: أَبِي جَعْفَر بْن باقي، وأبي الْحُسَيْن بْن الأخضر الإشبيليّ أخذ عنه النّحو واللّغة.
وسمع: أبا عبد الله بن شبرين.
وأجاز له أبو عبد الله الخولانيّ، وأبو عليّ الصّدفيّ.
وحدّث «بالموطأ» عن الخولانيّ، لقيه سنة إحدى وخمسمائة، وأجاز له وروى عن جماعة آخرين.
قال الأبّار: كان فقيها، مشاوَرًا، فاضلا، متقِنًا. أخذ عنه يعيش بْن النّديم، وأبو عَبْد اللَّه بْن الحقّ التّلمسانيّ، وأبو الخطّاب بن الجميّل، يعني ابْن دِحْية.
ووُلِد سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة.
81- عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن حمُّود [3] .
أَبُو الْحَسَن المِكناسي، الفاسي، وأصله من مِكْناسة الزّيتون، حجّ سنة اثنتي عشرة.
وأخذ عَن أَبِي بكر الطّرطوشيّ «سنن أبي داود» ، و «صحيح مسلم» ، أخذ عن طرخان، و «جامع» أبي عيسى، عن ابن المبارك.
__________
[1] وقال ابن الدبيثي: ذكره أبو سعد ابن السمعاني في موضعين من كتابه فيمن اسمه «محمد» ، وفيمن اسمه «المبارك» فوهم فيهما، بل اسمه عتيق، هكذا ذكره الذين سمعوا عنه.
[2] انظر عن (علي بن الحسين) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (علي بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(40/125)
ودخل الأندلس مرابِطًا. ثمّ حجّ ثانيا وجاور، وأقام بالحَرَم.
قال ابْن الأبّار: وكان زاهدا، ورعا، محسنا إلى الغرباء.
تُوُفي بِمَكَّةَ عن سبْعٍ وسبعين سنة.
- حرف الفاء-
82- فاطمة بِنْت نصر بْن العطّار البغداديّة [1] .
أخت صاحب المخزن. امْرَأَة محتشمة، زاهدة، عابدة، كبيرة القدر.
سمعها أرباب الدّولة لأجل أخيها، وخلْق كثير.
وقال أخوها إنّها ما خرجت من البيت فِي عُمرها إلَّا ثلاث مرّات رضي اللَّه عَنْهَا.
83- (....) [2] بْن حَيْدَرة.
أَبُو المجد البَجلي، الكاتب.
تُوُفي بدمشق فِي جُمادى الأولى.
يروي عَن: الْحَسَن بْن صَصْرَى.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو المواهب وقال: وُلِد سنة خمس وثمانين وأربعمائة. ويُعرف بابن الرُّمَيْلي.
وروى عَنْهُ أَيْضًا أَبُو القاسم بن صصريّ.
- حرف الكاف-
84- كمشتكين [3] .
__________
[1] انظر عن (فاطمة بنت نصر) في: المنتظم 10/ 279 رقم 366 (18/ 245 رقم 4321) ، والبداية والنهاية 12/ 299.
[2] في الأصل بياض.
[3] انظر عن (كمشتكين) في: سنا البرق الشامي 1/ 264- 266، والنوادر السلطانية 43، والكامل في التاريخ 11/ 415- 419، والروضتين ج 1 ق 2/ 661- 663 و 705، ومفرّج الكروب 2/ 63، والتاريخ الباهر 178، ومرآة الزمان 8/ 343، والتاريخ المظفّري لابن(40/126)
نائب حلب للملك الصّالح إِسْمَاعِيل بْن نور الدّين، ولَقَبُه: سعد الدّين.
وهو مدبّر دولة الصّالح.
وكان الرئيس أَبُو صالح ابْن العجميّ كالوزير فِي دولة إِسْمَاعِيل فقُتل، فاتّهموا به سعد الدّين، وحسَّنوا للصّالح القبض عَلَيْهِ، فقبض عَلَيْهِ وَقُتِلَ تحت العذاب فِي هذه السّنة. لأنْ رفقاءه الخدّام حَسدوا مرتبته، ومالوا إلى أَبِي صالح، فصارت الأمور كلّها إلى أَبِي صالح، فجهَّز كُمُشْتِكِين عَلَيْهِ جماعة من الباطنيّة، فقتلوه يوم جمعة.
- حرف الميم-
85- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الجبّار [1] .
الفقيه، أَبُو المظفّر الحنفيّ، المعروف بالمُشَطب السمَنَاني [2] .
تفقّه بمَرْو على أَبِي الفضل الكرْماني، وأفتى، وناظرَ، ودرّس.
وكان مولده في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وجال فِي بلاد المشرق، ثمّ استوطن بغداد، ودرّس المذهب بمدرسة زيرك.
وحدّث عَن: أَبِي المعالي جَعْفَر بْن حيدر، والحسين بْن مُحَمَّد بْن فَرُخَان.
وعنه: عُمَر القُرَشي.
وتُوُفي فِي حادي عشر جُمادى الأولى، وشيَّعه قاضي القُضاة، والنّاس.
86- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن هِبة اللَّه بْن محمد.
__________
[ (-) ] أبي الدم (مخطوط) ورقة 88 ب، وتاريخ ابن الوردي 2/ 89، والوافي بالوفيات (مخطوط) 24/ 172 ب، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ ورقة 211 أ، ب.
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبد الجبّار) في: المنتظم 10/ 279 رقم 367 (18/ 246 رقم 4322) ، والكامل في التاريخ 11/ 449، والجواهر المضيّة 2/ 14، والوافي بالوفيات 2/ 106، 107 رقم 430.
[2] السّمناني: بكسر السين المهملة، وفتح الميم والنون. نسبة إلى بلدة من بلاد قومس بين الدامغان وخوار الري يقال لها: سمنان. (الأنساب 7/ 148) .(40/127)
أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي منصور الدِّيناري.
ذكر أنّه من ولد ذي الرّئاستين.
روى عن: أبي القاسم بن بيان، وأبي النرْسي.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ القُرَشي، وعمر بْن مُحَمَّد العُلَيمي، وعبد العزيز بْن الأخضر. وتُوُفي فِي آخر العام، وقيل: تُوُفي فِي شوّال سنة 75.
87- مُحَمَّد بن أسعد حَفَدة العطّاريّ [1] .
درّس، وأفتى، وناظر، وأخذ عَن: الغزاليّ.
وقد ذُكِر فِي سنة إحدى وسبعين.
وذكره فِي سنة ثلاثٍ أَبُو الفَرَج بْن الجوزيّ، وابن الدّبيثيّ وقال: رَوَى عَن أَبِي الفتْيان عُمَر الدهِسْتاني. ثنا عَنْهُ: عَبْد الوهّاب بْن سكينة، وابن الأخضر.
وطوّل فيه ابْن النّجّار.
88- مُحَمَّد بْن بدر بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو الرّضا الشّيحيّ.
كان أَبُوهُ يروي عَن أَبِي بَكْر الخطيب.
سمع: أَبَاهُ، وأبا الحسن بن العلاف، وأبا القاسم بن بيان.
روى عنه: أحمد بن أحمد البندنيجيّ، وابن الأخضر.
وآخر من روى عنه يحيى بن القميرة.
توفّي في ربيع الأوّل.
89- محمد بن بنيمان بن يوسف [2] .
الهمذانيّ.
توفّي في آخر السّنة عن تسعين سنة.
__________
[1] تقدّم في وفيات 571 هـ. برقم (17) .
[2] انظر عن (محمد بن بنيمان) في: التحبير 2/ 101، 102 رقم 712، ومعجم شيوخ ابن السمعاني (مخطوط) ورقة 207 أ، وسير أعلام النبلاء 20/ 598، 599 رقم 375.(40/128)
وكان مُسْنِد همذان فِي وقته.
يحوّل إلى هنا. نعم.
هُوَ أَبُو الفضل المؤدّب الأديب.
سمع: مُحَمَّد بْن جامع القطّان الجوهريّ، شَيْخ هَمَذَانيّ.
وقد رَوَى عَن ابنه جامع بْن محمد، والرّيحانيّ.
وتوفّي سنة إحدى وسبعين.
وسمع من: مكّيّ بْن منصور السّلّار الكُرْجي، ومن: سعد بْن عليّ العِجْلي مفتي همذان، ومن: عَبْد الرَّحْمَن بْن حمد الدّونيّ، وغيرهم.
روى: «سنن» النّسائيّ، و «عمل يوم وليلة» لابن السُني، عَن الدّونيّ.
قال السَّمْعاني [1] : هُوَ أَبُو الفضل المؤدّب المؤذّن الأشْناني [2] . وهو سِبْط أَحْمَد بْن نصر الحافظ الأعمش. شَيْخ أديب فاضل، جميل الطّريقة، لَهُ سَمْتٌ، ووقار، وصلاح، وتودُد، مكثر من الحديث.
سمع من: جَدّه، وعَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه بن عبدوس، والحسن بْن ياسين، وجماعة كبيرة بإفادة جدّه.
وقرأ الأدب على أَبِي المظفّر الأبِيورَدي.
سمعت من لفظه كِتَاب «سُنَن التَحدْيث» لصالح بْن أَحْمَد الهَمَذَانيّ، وجزء الذُهلي.
قلت: حدَّث عَنْهُ: يوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ فِي «الأربعين البُلْدانية» لَهُ، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، ومحمد بْن مُحَمَّد الكرابيسيّ الهَمَذَانيّ، وصالح بْن المعزّم، وأحمد بْن آدم الكرابيسيّ، وآخرون.
وكان أسند من بقي ببلده. وكان شيخا صالحا، أديبا، فاضلا، انفرد بالرواية عن جماعة.
__________
[1] في التحبير 2/ 101.
[2] الأشناني: نسبة إلى الأشنان الّذي تغسّل به الثياب، وإلى بيعة وشرائه. (الأنساب 1/ 272) .(40/129)
قال أَبُو المواهب: سَأَلْتُهُ عَن مولده فقال: سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
وتُوُفي فِي آخر سنة ثلاثٍ وسبعين بهَمَذَان.
90- محمود [1] بن تكش [2] .
الأمير شهاب الدين الحارمي، خال صلاح الدّين.
أعطاه السّلطان حماه عند ما تملّكها، فبقي بها هذه المدّة، ومرض فحاصرته الفرنج حصارا شديدا، ولولا لُطْف اللَّه لأخذت الفرنج حماه.
ولمّا ترحّلوا تُوُفي شهاب الدّين.
تُوُفي قبله بثلاثة أيّام ولدُهُ، وكان شابّا مليحا، من أحسن أهل زمانه.
91- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه بْن المظفّر ابْن رئيس الرؤساء أَبِي القاسم عليّ ابْن المسلمة [3] .
أَبُو الفَرَج، وزير العراق [4] .
__________
[1] في الأصل: «محمد» والتصويب من: البرق الشامي 3/ 53، وسنا البرق الشامي 1/ 268، 269، والروضتين ج 1 ق 2/ 707، ومفرّج الكروب 2/ 70، ومرآة الزمان 8/ 343، والبداية والنهاية 12/ 298 و 299، والسلوك ج 1 ق 1/ 66، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 211 أ.
وسيعاد برقم (183) في وفيات 575 هـ.
[2] تصحفت في البداية والنهاية 12/ 299 إلى: «تتش» .
[3] انظر عن (مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه) في: المنتظم 10/ 280 رقم 369 (18/ 246، 247 رقم 4324) ، والكامل في التاريخ 11/ 446، 447، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 12- 18 رقم 220، وتاريخ إربل 1/ 212، والروضتين ج 1 ق 2/ 714، 715، وتلخيص مجمع الآداب ج 4/ رقم 644، ومرآة الزمان 8/ 346- 349، والبرق الشامي 3/ 89، 90، وسنا البرق الشامي 1/ 284- 286، والفخري 319- 321، والمختصر في أخبار البشر 3/ 61، والعبر 4/ 217، والإعلام بوفيات الأعلام 236، ومرآة الجنان 3/ 398، والبداية والنهاية 12/ 298، والوافي بالوفيات 3/ 235، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ ورقة 23 أ، ب، والنجوم الزاهرة 6/ 81، وشذرات الذهب 4/ 245.
[4] قال ابن الطقطقي بعد أن ذكر لقبه «عضد الدين» : كان عضد الدين من أفاضل الناس وأعيانهم وكان أستاذ الدار في أيام المستنجد، فلما جرى للمستنجد ما جرى استولى عضد الدين ونهض في إخراج المستضيء من الحبس ومبايعته وإحلافه، فاستوزره المستضيء، -(40/130)
__________
[ (-) ] ونهض عضد الدين بأعباء الوزارة نهوضا مرضيا، وفرّق في يوم جلوسه في دست الوزارة ذهبا كثيرا وحنطة على المقيمين بالمشاهد والجوامع والمدارس والرّبط، وتلطّف بالأمور تلطّفا لم يكن في حساب الناس. وبيته مشهور بالرياسة يعرفون قديما ببيت الرفيل، وكان ابن التعاويذي الشاعر البغدادي شاعرهم ومنقطعا إليهم وأنفق جلّ عمره معهم، ولهم يخاطب بقوله:
قضيت شطر العمر في مدحكم ... ظنا بكم أنكم أهله
وعدت أفنيه هجاء لكم ... فضاع فيكم عمري كلّه
وله فيهم مدائح كثيرة، فمن جملتها:
وما زلت في آل الرّفيل بمعزل ... عن الجور مبذولا لي الأمن والخصب
فإن أقترف ذنبا بمدح سواهم ... فإنّ خماص الطير يقنصها الحبّ
وإن عاد لي عطف الوزير محمد ... فقد أكثب النائي ولان لي الصّعب
وزير إذا اعتلّ الزمان فرأيه ... هناء به تطلى خلائقه الجرب
وما زال أمر عضد الدين يجري على السداد حتى عزله المستضيء وقبض عليه.
وصورة عزله: كان يوما جالسا في الدست فهجم عليه خادم من خدم الخليفة فقال له: قد استغني عنك! ثم أطبق دواته ودخل الأتراك والجند إلى دوره فنهبوا ما بها، ودخل العوامّ أيضا وكسرت الصناديق الآبنوس والعاج بالدبابيس وأخذ جميع ما كان بها. فخرج عضد الدين وهو يتشاهد ويقول للأتراك: أما تستحيون مني! أما دخلتم داري! أما أكلتم زادي! فلم ينفعه ذلك. فلم يمض إلّا ساعة واحدة حتى صارت داره بلاقع، ثم حمل إلى الحريم ووكل به هناك مدة، ثم أعاده المستضيء إلى الوزارة وحكّمه وبسطه، فصفت له الدنيا وعظم شأنه وكثرت خيراته وهباته وأحبّه الناس. وكان سخيّا وهوبا شريف النفس. قيل:
إنه ما اشترى لداره قطّ سكّرا بأقلّ من ألف دينار.
حدّث عنه بعض مماليكه قال: احتاج مرة إلى ألف دينار فأنفت نفسه أن يقترضها من أولاده أو من غيرهم، وكان يأنس بي، فقال لي: يا ولدي قد احتجت إلى ألف دينار أعيدها عليك بعد أيام. فقلت: السمع والطاعة يا مولاي. ثم مضيت وأحضرت له خمسة آلاف دينار. وقلت: يا مولاي، هذه والله، اكتسبتها منك، فخذ منها ما شئت. فأطرق ساعة، ثم قال: والله لا أخذت منها حبّة واحدة، خذها وانصرف، ثم أنشد:
والصاحب المتبوع يقبح أن يرى ... متتبّعا ما في يدي أتباعه
ولم يزل أمره في الوزارة الثانية جاريا على السداد حتى كان آخر مدّته، فطلب من الخليفة الإذن له في الحج، فأذن له، فتجهّز تجهّزا لم ير مثله. ثم عبر إلى الجانب الغربي من مدينة السلام ليتوجّه إلى الحلّة والكوفة ومنها إلى مكة، وبين يديه جميع أرباب الدولة، فلقيه رجل عند محلّة هناك تعرف بقطفتا، فقال: يا مولانا مظلوم مظلوم وناوله قصّة، فتناولها الوزير منه، فوثب عليه وثبة عالية وضربه بسكّين في ترقوته، ووثب عليه آخر من-(40/131)
سمع من: ابْن الحُصَين، وعُبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن البَيْهَقي، وزاهِر الشّحّاميّ.
روى عَنْهُ: حافده دَاوُد بْن عليّ.
وكان أوّلا أستاذ دار المقتفي، والمستنجد، ووَزَرَ للمستضيء. وكان فِيهِ مروءة وإكرام للعُلَماء.
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة، وكان يُلَقب عَضُدَ الدّين.
وكان سَرِيًا، مَهيبًا، جوادا.
قال الموفّق عَبْد اللّطيف: كان إذا وزن الذّهب يرمي تحت الحُصْر قُرَاضة كثيرة قدْر خمسة دنانير، فأخذتُ منها يوما، فَنَهَرني أَبِي وقال: هذه يرميها الوزير برسم الفرّاشين.
وكان يسير فِي داره، فلا يرى واحدا منّا معشر الصّبيان إلَّا وضع فِي يده دينارا، وكذا كان يفعل ولداه كمال الدّين، وعماد الدّين، إلَّا أنّ دينارهما أخفّ. وكان والدي ملازِمه على قراءة القرآن والحديث.
استوزره الْإِمَام المستضيء أوّل ما ولي، واستفحل أمره. وكان المستضيء كريما رءوفا، واسع المعروف، هيّنا، ليّنا. وكانت زوجته بنفسه كثيرة الصّدقات والمروءة.
وكان الوزير ذا انصباب إلى أهل العِلم والصُوفية، يُسبغ عليهم النّعمة، ويشتغل هُوَ وأولاده بالحديث والفقه والأدب. وكان النّاس معهم فِي بلهنيّة،
__________
[ (-) ] الجانب الآخر فضربه في خاصرته، ووثب آخر وبيده سكّين مسلولة فلم يصل إليه، وتكاثر الناس على الثلاثة فقتلوهم، ثمّ مات الوزير وصلّي عليه ودفن في تربتهم.
وقيل: إنّ الثلاثة الذين قتلوه كانوا من الباطنية من جبل السّمّاق.
وحكى بعض أهل قطفتا قال: دخلت قبل قتل الوزير بساعتين إلى مسجد هناك فرأيت به ثلاثة رجال، وقد قدّموا واحدا منهم إلى المحراب وأقاموه، ثم صلّى الرجلان الآخران عليه صلاة الميت، ثم قام ونام آخر وصلّى الآخران عليه، حتى صلّى كل واحد منهم على الآخر، وأنا أراهم وهم لا يروني. فعجبت مما فعلوا. ثم لما قتل الوزير وقتل الثلاثة تأمّلت وجوههم فإذا هم هم. (الفخري) .(40/132)
ثمّ وقعت كُدُورات، منها الإحنة الّتي وقعت بينه وبين قُطْب الدّين قايماز.
قلت: ذكرتُها فِي مكانها.
وعُزِلَ ثمّ أعيدَ إلى الوزارة.
وخَرج من بيته حاجّا فِي رابع ذي القعدة، فضربه واحد من الباطنيّة أربع ضربات على باب قطْفتا، فَحُمِل إلى دارٍ هُنَاك، فلم يتكلّم، إلَّا أنّه كان يقول: اللَّه، اللَّه. وقال: ادفنوني عند أَبِي. ثمّ مات بعد الظُهْر، رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
92- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسين بْن السَّكَن [1] .
أَبُو سعد بْن المعوجّ.
ولّي حجابة الباب النّوبيّ فِي سنة إحدى وسبعين، وجرِح مع الوزير أَبِي الفَرَج المذكور جراحاتٍ مُنْكَرَة، ومات ليْلَتِئذ.
93- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن أَحْمَد بْن منصور [2] .
أَبُو الثّناء الزيتُوني، الواعظ، المجهر، سبط ابْن الواثق.
ولد سنة اثنتين وخمسمائة.
وسمع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وبنَيْسابور من: مُحَمَّد بْن الفضل الفراويّ، وعبد الجبّار الخُواري، وأبي [3] سَعِيد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صاعد، وزاهر بْن طاهر، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل.
وبهراة: تميم بْن أَبِي سَعِيد الْجُرْجاني.
ولِزم مسجدا فِي آخر عمره يعظ فيه، ويروي الحديث.
__________
[1] انظر عن (مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن) في: المنتظم 10/ 282 رقم 371 (18/ 247 رقم 4326) ، ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 18، 19 رقم 221، ومرآة الزمان 8/ 347.
[2] انظر عن (محمد بن محمد بن هبة الله) في: المنتظم 10/ 281 رقم 370 (18/ 247 رقم 4325) .
[3] في الأصل: «وأبا» .(40/133)
وسمع منه خلْق، وحدّث بكتاب «أسباب النّزول» للواحديّ.
روى عَنْهُ: أَبُو طَالِب بْن عَبْد السّميع، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وطائفة.
قال ابْن قُدَامة: كان شَيْخ جماعة، لَهُ أصحاب. حدّثني الشّهاب الهَمَذَانيّ أنّه رَجُل صالح لَهُ كرامات.
وقال ابْن النّجّار: لزِم مسجده معتكفا على الإقراء والتّحديث والوعظ ونفْع النّاس. وكان مشهورا بالصّلاح والزهْد والعبادة والتُقى، كان النّاس يتبرّكون به ويستشفون بدُعائه. وكان لَهُ صِيت عظيم عند الخاصّ والعامّ.
كان السّلطان مَسْعُود يأتي إلى زيارته، ويقال إنّه وُجِد فِي ترِكته عدّة رقاع قد كتبها إليه السّلطان يخاطبه فِيهَا بخادمه.
وكان مليح الخلْقة، ظريف الشكْل، بزِي الصُوفية، وَلَهُ تلاميذ ومريدون.
وقال ابْن الدّبيثيّ: تُوُفي فِي نصف رَمَضَان رَحِمَهُ اللَّهُ.
94- مُحَمَّد بْن ميدمان [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الكلبيّ، القُرْطبي.
سمع: «جامع التّرمذيّ» سنة عشرين وخمسمائة من عبّاد بْن سرحان.
وكان أديبا متصرّفا فاضلا.
ذكره الأبّار.
95-[مَنَوية] [2] .
أمَة الواحد بِنْت عبد الله بْن أحمد بْن عبد القادر بْن يوسف، ابنة عمّ أَبِي الْحُسَيْن بْن عبد الحقّ وزوجته.
__________
[1] انظر عن (محمد بن ميدمان) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] في الأصل بياض. والمثبت من: المختصر المحتاج إليه 3/ 272 رقم 1436.(40/134)
سمعت من: أَبِي الْحَسَن بْن العلّاف.
وصفها أَبُو سعد بْن السمْعاني، وَرَوَى عَنْهَا هُوَ، وموفّق الدّين بْن قُدَامَة، وآخرون.
وتُوُفيت فِي المحرَّم فِي عَشْر الثّمانين، رحمها اللَّه.
- حرف الهاء-
96- هارون بْن الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المأمون [1] .
أَبُو مُحَمَّد الهاشميّ، العبّاسيّ، المأمونيّ، البغداديّ، الأديب.
سمع: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا منصور بْن زُريق الشَّيْبَانيّ، وغيرهما.
وصنّف شرحا «لمقامات الحريريّ» مختصرا. وجمع تاريخا على السّنين فِيهِ أخبار الأوائل والحوادث والدّول فِي مجلّدين.
تُوُفي فِي ذي الحجّة.
97- هِبَةُ اللَّه بْن محفوظ بْن الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرَى [2] .
القاضي الجليل أَبُو الغنائم الرّبعيّ، التّغلبيّ. الدّمشقيّ.
روى عَن: يحيى بْن بطريق، وابن المسلم، وهبة اللَّه بن طاوس، وجماعة.
وتفقّه وقرأ القرآن، وحصّل وشهد على القضاة، وحدَّث بدمشق والحرمين.
روى عَنْهُ: ولداه أَبُو المواهب، وأبو القاسم.
وكان كثير البِر والتعبُّد والتّلاوة. يختم فِي شهر رَمَضَان ثلاثين ختمة.
__________
[1] انظر عن (هارون بن العباس) في: العبر 4/ 217، 218، ومرآة الجنان 3/ 398، وكشف الظنون 302، 417، وإيضاح المكنون 1/ 295 و 2/ 535، ومعجم المؤلفين 13/ 128.
[2] انظر عن (هبة الله بن محفوظ) في: حديث خيثمة الأطرابلسي 173، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2/ ج 5/ 28 رقم 1324.(40/135)
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة سنة ثلاثٍ، وَلَهُ اثنتان وستّون سنة.
- حرف لام ألِف-
98-[لاحقُ] [1] بْن عليّ بْن منصور بْن كَارَة [2] .
أَبُو مُحَمَّد أخو دَهْبَل.
روى عَن: أَبِي القاسم بن بيان، وابن نبهان.
كتب عنه أبو سعد السمْعاني، وذكره فِي «تاريخه» .
وحدّث عَنْهُ: ابْن الأخضر، والشّيخ الموفّق، والبهاء، وآخرون.
تُوُفي ليلة نصف شعبان، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
وعنه: ابْن المقيّر، وعبد العزيز بْن خَلَف.
- حرف الياء-
99- يحيى بْن موهوب بْن المبارك بْن السدنْك [3] .
أَبُو نصر المستعمل، أخو أَحْمَد.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن المختار، وغيرهما.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وعبد العزيز بْن الزّبيديّ، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن عَبْد الواحد بْن سُفيان، وجماعة.
وتُوُفي فِي شوّال، وَلَهُ أربعٌ وسبعون سنة [4] .
100- يحيى بن يوسف بن أحمد [5] .
__________
[1] في الأصل بياض، والمثبت من: العبر 4/ 218، والمختصر المحتاج إليه 2/ 36، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 309، وشذرات الذهب 4/ 426.
[2] كارة: بالكاف وفتح الراء.
[3] انظر عن (يحيى بن موهوب) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 251 رقم 1367.
[4] وكان مولده سنة 499 هـ.
[5] انظر عن (يحيى بن يوسف) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 252 رقم 1370، والعبر 4/ 218 وفيه «يحيى بن يوسف بن بالان الخبّاز» ، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1868، والنجوم الزاهرة 6/ 82.(40/136)
أَبُو شاكر السِّقْلاطُوني [1] ، عُرِف بصاحب ابْن بالان.
شيخ مُسْنِد، مُعَمَّر.
روى عَن: ثابت بْن بُنْدار، والحسين بْن عليّ بْن البُسْري، وابن الطُيُوري، وأبي سعد بْن حُشَيْش، وأحمد بْن سَوْسن، وغيرهم.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وابن قُدَامة، والبهاء، والمبارك بْن عليّ المطرّز، وأبو الحسن علي بن هبة الله بن الجميزي، وآخرون.
وكان خبّازا.
تُوُفي فِي شعبان.
101- يوسف بْن مُحَمَّد.
أَبُو الحَجاج الإسكندريّ، المؤدّب.
سمع: أَبَا بَكْر الطُرْطُوشيّ.
قال ابْن المفضّل: ثنا، وكان فَرَضِيًّا، لَهُ شِعْر.
وَفِيهَا وُلِد الشّريف أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ الحُسَيْني، الحلبيّ، ثمّ الْمَصْرِيّ فِي رَمَضَان.
ومحمد بْن سُلَيْمَان بْن أَبِي الفضل الأنصاريّ ليلة الفطر.
__________
[1] السّقلاطوني: نسبة إلى السقلاطون وهي ضرب من الثياب الروميّة الملوّنة بالألوان القرمزية، وغيرها.(40/137)
سنة أربع وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
102- أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عليّ.
أَبُو منصور النّهروانيّ، المؤدّب، المعروف بابن بَهْدل.
سمع: أَبَا سعد أَحْمَد بْن الطّيوريّ، وغيره.
سمع منه: عُمَر الْقُرَشِيّ، وأبو القاسم بْن البندنيجيّ.
وتوفّي في رمضان عَن ثمانين سنة.
روى عَنْهُ: ابْن الطّيوريّ.
103- أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن المهتدي باللَّه.
أَبُو تمّام بْن أَبِي الْحَسَن بْن أَبِي تمّام الهاشميّ ابْن الغريق. خطيب الحربيّة.
روى عَن: ابْن الحُصَيْن، وغيره.
كتب عَنْهُ: مُحَمَّد بْن المبارك بْن مَشق.
104- أَحْمَد بْن عليّ بْن الْحُسَيْن بْن النّاعم [1] .
أَبُو بَكْر الوكيل بباب القاضي.
سمع: هبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوُصلي، وأبا القاسم بْن بيان، وابن بدران الحلوانيّ، والقاسم بن عليّ الحريريّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عليّ بن الحسين) في: سير أعلام النبلاء 21/ 543 دون ترجمة.(40/138)
روى عنه: ابن الأخضر، وأبو محمد بن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
تُوُفي فِي ربيع الأوّل.
105- أَحْمَد بْن نصر بْن تميم [1] .
الفقيه أَبُو زيد الحمويّ، الأشعريّ، المتكلّم.
كان متعصّبا فِي علم الكلام.
ولّي حسْبه دمشق وحسبة مِصْر.
106- إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد.
والد البهاء عَبْد الرَّحْمَن المقدسيّ.
تُوُفي فِي رجب.
قرأت ترجمته بخطّ الضّياء، وقال: ولد فِي حدود سنة خمس وعشرين وخمسمائة. وسألت عَنْهُ خالي الموفّق، فقال: كان رجلا كاملا حَسَن الخَلْق.
كان يمازحني وأنا صغير، وكنت أحبّه لحسن خلقه.
سمعت أنّ عمّي إِبْرَاهِيم سافر إلى مِصْر فِي تجارة، ومضى إلى إسكندريّة فسمع من السّلفيّ.
وكان مقدّم الفرنج قد حبسه وأراد صلبه لأنّهم وجدوه ومعه متاع من آلة الكنيسة قد اشتراه من سارق، فهرب هُوَ وغيره من الحبس باللّيل.
107- أسعد بْن بلدرك بْن أَبِي اللّقاء [2] .
أَبُو أَحْمَد الجبريليّ، البوّاب بدار الخلافة.
شيخ بغداديّ، معمّر.
قال: عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ: سَأَلْتُهُ عَن مولده فقال: فِي ربيع الأوّل سنة سبعين وأربعمائة.
__________
[1] سيعاد باسم: «زيد بن نصر بن تميم» برقم (110) .
[2] انظر عن (أسعد بن بلدرك) في: العبر 4/ 219، وسير أعلام النبلاء 20/ 578 رقم 360، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والبداية والنهاية 12/ 301، وشذرات الذهب 4/ 246.(40/139)
قلت: كان يمكن أن يُجيز لَهُ أَبُو الْحُسَيْن بْن النّقّور، وأن يسمع من أَبِي نصر الزّينبيّ فيبقى مُسْند الدُنيا.
قال ابْن الدّبيثيّ [1] : كان أَبُوهُ صاحبا للرئيس أَبِي الخطّاب بْن الجرّاح، فأسمعه منه، ومن: أَبِي الْحَسَن بْن العلّاف.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، والشّيخ الموفّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن أَبِي البدر مقبل بْن فتيان بْن المنّى، وطائفة سواهم.
تُوُفي في سلْخ ربيع الأوّل.
108- ( ... ) [2] بْن أَبِي الفوارس بْن أَبِي بَكْر.
أَبُو بَكْر الأصبهاني، السنباك.
سمع: أَبَا مطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد.
وحدّث فِي رجب من السّنة.
ولا أعلم وفاته.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ.
- حرف الحاء-
109- الْحَسَن بْن علي بْن مُحَمَّد بْن فَرَج [3] .
الكلبيّ، المعروف بابن الجميّل الدّانيّ. والد عُمَر وعثمان المحدّثين النازلين بديار مِصْر.
نزل أَبُو عليّ سبْتة، وبها تُوفي عَن ثمانين سنة.
قال الأبّار: لَا أعلم له رواية.
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] في الأصل بياض.
[3] انظر عن (الحسن بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.(40/140)
- حرف الزاي-
110- زيد بن نصر بن تميم [1] .
الحمويّ، الفقيه الشّافعيّ.
كذا سمّاه أَبُو المواهب بن صَصْرَى، وهذا هُوَ أَبُو زيد أَحْمَد بْن نصر المذكور آنفا.
وقال: تُوُفي فِي شعبان بدمشق وقد جاوز السّبعين، وكان ذا فنون وذا خبرة بمقالة الأشعريّ.
روى عَن: عَبْد الكريم بْن حمزة، وجمال الْإِسْلَام وتفقّه عَلَيْهِ مدّة.
قال البهاء ابْن عساكر: كان شديد التّعصّب فِي مذهب الحقّ، وهو زيد أَبُو القاسم الحمويّ، ثمّ تسمّى بأحمد، وتكنّى بأبي زيد.
قلت: رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
- حرف السين-
111- سعد بْن مُحَمَّد بْن سعد بن صيفيّ [2] .
__________
[1] تقدّم باسم: «أحمد بن نصر بن تميم» برقم (105) .
[2] انظر عن (سعد- الحيص بيص) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 202- 316، والمنتظم 10/ 288 رقم 373 (18/ 253 رقم 4328) ، والكامل في التاريخ 11/ 454، ومعجم الأدباء 11/ 199، والتذكرة الفخرية للإربلي 16 و 95 و 194 و 364 و 434، وتاريخ إربل 1/ 77، 178، 179، وعيون الأنباء 1/ 283، ووفيات الأعيان 2/ 362- 365 رقم 358، والروض المعطار 134، والمختصر في أخبار البشر 3/ 61، والعبر 4/ 219، وسير أعلام النبلاء 21/ 61، 62 رقم 16، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وتاريخ ابن الوردي 2/ 88، 89، ومرآة الجنان 3/ 399، 400، والبداية والنهاية 12/ 301، 302، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 221، وتاريخ إربل 1/ 77 و 178، ومرآة الزمان 8/ 352، والوافي بالوفيات 15/ 165- 169 رقم 236، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 443، 444 رقم 399، والمختصر المحتاج إليه 2/ 82، 83 رقم 684، والسلك الناظم 112- 132، وتكملة إكمال الإكمال 271- 273 (بالهامش) ، -(40/141)
شهاب الدّين، أَبُو الفوارس التّميميّ، الشّاعر المشهور، الملقّب بالحَيْص بَيص، ومعناهما: الشّدّة والاختلاط.
قيل إنّه رَأَى النّاس فِي شدةٍ وحركة، فقال: ما للنّاس فِي حَيْصَ بَيْص؟
فلزمه ذلك. وكان من فُضَلاء العالم.
تفقّه فِي مذهب الشّافعيّ بالرّيّ على القاضي مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم الوزّان، وتكلّم فِي مسائل الخلاف.
وذكره ابْن السّمعانيّ فِي «ذيله» [1] فقال: كان فصيحا، حسن الشّعر.
وذكره ابن أبي طيِّئ فِي «تاريخ الشّيعة» [2] فقال: شاعر فاضل، بليغ، وافر الأدب، عظيم المنزلة فِي الدّولتين العبّاسيّة والسّلجوقيّة. وكان ذا معرفة تامّة بالأدب، و [باع] [3] فِي اللّغة، وحفْظ كثير للشعْر. وكان إماما فِي الرأي، حَسَن العقيدة.
حدّثني عَبْد الباقي بْن زُرَيق الحلبيّ الزّاهد قَالَ: رَأَيْته واجتمعت به فكان صدْرًا فِي كلّ عِلم، عظيم النّفس، حَسَن الشارة، يركب الخيل العربيّة الأصيلة ويتقلّد بسيفين، ويحمل حلقة الرمح، ويأخذ نفسه بمآخذ الأمراء، ويتبادى فِي لفْظه، ويعقد القاف. وكان أفصح مَن رَأَيْت.
وكان يناظر على رأي الجمهور.
وقال الزَّيْنَبي: سمع من: أَبِي طَالِب الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبي.
وبواسط من: أبي المجد محمد بن جهور.
__________
[ (-) ] ولسان الميزان 3/ 19، والنجوم الزاهرة 6/ 84، وتاريخ ابن سباط 1/ 152، وكشف الظنون 786، وشذرات الذهب 4/ 246، وهدية العارفين 1/ 385، وروضات الجنات 308، وديوان الإسلام 2/ 139، 140 رقم 752، وأعيان الشيعة 34/ 199، والأعلام 3/ 87، ومعجم المؤلفين 4/ 212.
[1] في حكم المفقود.
[2] في حكم المفقود.
[3] في الأصل بياض، والمستدرك من: سير أعلام النبلاء 21/ 62.(40/142)
وله دِيوان شِعر مشهور وترسُل. وكان برِعًا فِي الشّعر، مُحِسنًا، بديع المعاني، مليح الرسائل ذا خبرة تامّة باللّغة.
ومن شِعره:
فما أنصفت بغداد نائبها [1] الذيِ ... كثُر الثّناء به على بغداد
سَل ذا [2] إذا مدّ الجدال رِواقَهُ ... بصوارم غير السّيوف حدادِ
وجرت بأنواع العلوم مقالتي ... كالسّيل مَدَّ إلى قرار الوادي
وذعرت ألباب الخصوم بخاطرٍ ... يُقظان فِي الإصدار والإيراد
فتصدّعوا متفرّقين كأنّهم ... مالٌ تفرّقه يد ابْن طِراد
[3] وله يستعفي من حضور سِماط ابْن هُبَيرة، ويسمّون السّماط: الطَّبَق، لِما كان يناله من تألّمه بقعود بعض الأعيان فوقه، فقال:
يا باذلَ المال فِي عَدمٍ [4] وفي سَعَة ... ومُطْعمَ الزّاد فِي صُبْحِ وفيِ غَسَقِ
فِي كلّ بيت خِوانٌ من فَوَاضله [5] ... يَمِيرُهُم وَهْوَ يدعوهم إلى الطبَقِ
فاض النّوال، فلولا خوفُ مفعمة ... من بأس عدلك نادى الناسُ بالغرقِ
وكلّ أرضٍ بها صَوْبٌ وساكبةٌ ... حين [6] الوَغَى من نجيع الخيل والعَرَقِ
صُنْ مَنكِبي عند زِحامٍ إنْ غضبتُ لَهُ ... تمكَّنَ الطَّعْنُ من عقلي ومن خُلُقي
وإنّ رضيتُ به فالذُلُ منقصةٌ ... وكم تكلفتُهُ خجلا [7] فلم أطقِ
وإنْ تَوَهَّم قومٌ أنّه حُمُقُ ... فربّما [8] [اشتبه] [9] التّوقير بالحمق
__________
[1] في الخريدة 1/ 225 «ناشئها» ، وفي المنتظم: «ناشئيها» .
[2] في المنتظم «شاني» ، وفي الخريدة «سل بي» .
[3] المنتظم 10/ 288 (18/ 253) ، الخريدة 1/ 225.
[4] في الخريدة: «عدل» .
[5] في الخريدة: «مكارمه» .
[6] في الخريدة: «حتى» .
[7] في الخريدة: «حملا» .
[8] في الخريدة: «فطالما» .
[9] في الأصل بياض، والمستدرك من الخريدة 1/ 285.(40/143)
وقد مدح الخلفاء والوزراءَ، واكتسب بالشُعْر. وكان لَا يخاطب أحدا إلَّا بالكلام العربيّ [1] ، ويلبس زيّ العرب، ويتقلّد سيفا. فعمل فِيهِ أَبُو القاسم بْن الفضل:
كم تَبَادَى وكم تُطَولُ طَرْطُورَكَ ... ؟ ما فيك شَعْرهٌ من تميم
فَكُلِ الضَّبَّ وأقْرطِ [2] الحنَظْلَ ... اليابس [3] واشربْ ما شئت من بَوْل الظّليم
ليس ذا وجه من يضيف وَلَا يَقْري ... وَلَا يدفع الأذى عَن حريم
[4] فعمل أَبُو الفوارس لمّا بلغته الأبيات:
لا تَضَع من عظيم قَدْر وإنْ كنت ... مُشارًا إليه بالتّعظيم
فالشّريف العظيم [5] يصغر [6] قدْرًا ... بالتّعدّي [7] على الشّريف العظيم [8]
وَلَعُ الخمر بالعُقُول رَمى الخمرَ ... بتنجيسها وبالتّحريم
[9] رواها عَنْهُ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد سماعا.
وقد رَوَى عنه: محمد بن أبي البدر بْن المَني، وغيره.
وتُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي سادس شعبان [10] .
112- سعد اللَّه بْن نجا بْن محمد بن فهد [11] .
__________
[1] في معجم الأدباء 11/ 201 «إلا بكلام مغرب» .
[2] في الوافي: «واقرض» .
[3] في الوافي: «الأخضر» .
[4] وفيات الأعيان 2/ 364.
[5] في الخريدة، ووفيات الأعيان: «الكريم» ، وكذا في الوافي بالوفيات.
[6] في الخريدة: «ينقض» ، وفي وفيات الأعيان: «ينقص» ، وكذا في الوافي.
[7] في الوافي: «بالتجدّي» .
[8] في الخريدة: ووفيات الأعيان «العظيم» ، وكذا في الوافي.
[9] خريدة القصر 1/ 320، وفيات الأعيان 2/ 364، الوافي بالوفيات 15/ 167.
[10] وقال ابن خلّكان: وكان إذا سئل عن عمره يقول: أنا أعيش في الدنيا مجازفة، لأنه كان لا يحفظ مولده، وكان يزعم أنه من ولد أكثم بن صيفي التميمي حكيم العرب. ولم يترك أبو الفوارس عقبا. (وفيات الأعيان 2/ 365) .
[11] انظر عن (سعد الله بن نجا) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 79 رقم 681، وسير أعلام النبلاء 20/ 543 (دون ترجمة) ، والوافي بالوفيات 15/ 185 رقم 259.(40/144)
أَبُو صالح بْن الوادي الدّلّال فِي الدُّور.
سمع الكثير من: زاهر [1] ، وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الشُرُوطي، وأبي غالب بْن البنّاء، وهبة اللَّه بْن الطّبر، وطبقتهم.
وبورك لَهُ فِي مسموعاته.
وروى الكثير، وسمع منه خلْق.
قال ابْن الدّبيثيّ [2] : كان ثقة، مضى على الصّحة، وأجاز لي مَرْوِياته.
قلت: رَوَى عَنْهُ ابْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة من البغداديّين.
وتُوُفي فِي ذي الحِجة [3] .
- حرف الشين-
113- شُهْدَة بنتُ أَبِي نصر [4] أَحْمَد بْن الفَرَج بن عمر الدّينوريّ، ثمّ البغداديّ، الإبريّ [5] .
__________
[1] هو زاهر الشحّامي.
[2] في المختصر المحتاج إليه.
[3] عن 84 سنة.
وقال الصفدي: سمع الكثير، وقرأ وكتب بخطّه وجدّ في السماع والتحصيل، ورزقه الله الرواية مع تأخّر إسناده، وحدّث بأكثر مسموعاته. وكان صدوقا ديّنا، حافظا لكتاب الله تعالى، حسن التلاوة إلّا أنه كان خاليا من العلم.
[4] انظر عن (شهدة بنت أبي نصر) في: الأنساب 1/ 118، والمنتظم 10/ 288 رقم 374 (18/ 254 رقم 4329) . والكامل في التاريخ 11/ 454، والتقييد لابن نقطة 501 رقم 689، وتاريخ إربل 1/ 98، 132، 155، 174، 184، 187، 213، 225، والمختصر المحتاج إليه 2/ 263- 265 رقم 1409، والمختصر في أخبار البشر 3/ 61، ووفيات الأعيان 2/ 477، 478، ومرآة الزمان 8/ 352، والعبر 4/ 220، ودول الإسلام 2/ 87، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1869، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وسير أعلام النبلاء 20/ 542، 543 رقم 344، وتاريخ ابن الوردي 2/ 89، ومرآة الجنان 3/ 400، والوافي بالوفيات 16/ 190، 920، رقم 224، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 378، 379 رقم 1847، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 402، والنجوم الزاهرة 6/ 84، ونزهة الجلساء في أشعار النساء للسيوطي 61، وشذرات الذهب 4/ 248، والدرّ المنثور 256، 257، وأعلام النساء 2/ 309- 312.
[5] الإبري: بكسر الهمزة وفتح الباء الموحدة وفي آخرها الراء المهملة، نسبة إلى بيع الإبر وعملها.(40/145)
الكاتبة، فخر النّساء، مُسْنِدة العراق.
قال ابْن الدّبيثيّ [1] : امْرَأَة جليلة صالحة، ذات دِين، وورع، وعبادة.
سمعَت الكثير وعُمرت، وصارت أسند أهل زمانها، وعُني بها أبوها.
وسمعت من: طِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبي، وابن طلحة النّعاليّ، وأبي الْحَسَن بْن أيّوب، وأبي الخطّاب بْن البطِر، وأحمد بْن عَبْد القادر بْن يوسف، والحسن بْن أَحْمَد بْن سلمان الدّقّاق، وثابت بْن بُنْدار، وأخيه أَبِي ياسر أَحْمَد، وعبد الواحد بْن علوان الشَّيْبَانيّ، وجعفر السّرّاج، وأبي منصور مُحَمَّد بْن هريسة، ومنصور بْن حِيد النيْسابوري، وأبي البركات حمد بْن عَبْد اللَّه الوكيل، وأبي غالب الباقِلاني، وجماعة.
روى عَنْهَا: الحفّاظ الكبار أَبُو القاسم بْن عساكر، وأبو سعد السّمعانيّ، وأبو مُحَمَّد عَبْد الغنيّ، وعبد القادر الرَّهاوي، وعبد العزيز بْن الأخضر، وأبو الفَرَج بْن الْجَوْزي، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والعماد إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والشّهاب بْن راجح، والقاضي أَبُو صالح الْجِيلي، والنّاصح ابْن الحنبليّ، والفخر الإربليّ، وعبد الرّزّاق بْن سُكَيْنَة، وشيخ الشّيوخ أَبُو مُحَمَّد بْن حَمُوَيْه، والأعزّ ابْن العُليق [2] ، وإبراهيم بْن الخيّر، وأبو الْحَسَن بْن الْجُمَّيْزي، وأبو القاسم بْن قميرة، ومحمد بْن مُقْبل بْن المَني، وخلق كثير.
وكانت تكتب خطّا مليحا.
قال أَبُو الفَرَج بْن الْجَوْزي [3] : قرأت عليها كثيرا من حديثها. وكان لها خطٌ حَسَن. وتزوَّجت ببعض وُكَلاء الخليفة، وعاشت مخالِطة للدّار ولأهل العلم. وكان لها بِر وخير. وقرِئ عليها الحديث سنين، وعمّرت حتّى قاربت المائة.
__________
[1] في تاريخه 15/ 402.
[2] ضبطه ابن حجر في (تبصير المنتبه 3/ 965) بضم العين وتشديد اللام الممالة.
[3] في المنتظم.(40/146)
وتُوفيت ليلة الإثنين رابع عشر المحرّم، وصُلِّيَ عليها بجامع القصر، وأزِيل شبّاك المقصورة لأجْلها، وحَضَرها خلْقٌ كثير وعامّة العُلماء.
وقال الشَّيْخ المُوَفق، وقد سُئل عَنْهَا: انتهى إليها [1] إسناد بغداد، وعُمرتْ حتّى ألحقت الصّغار بالكِبار. وكان لها دار واسعة، وقلّ ما كانت تَردُّ أحدا يريد السّماع. وكانت تكتب خطّا جيّدا، لكنّه تغيّر لكِبَرِها.
وقال أَبُو سعد السّمعانيّ فِي «الذّيل» وذكرها، فقال: امْرَأَة من أولاد المحدّثين، متميّزة فصيحة، حَسَنَة الحظّ، تكتب على طريقة الكاتبة بِنْت الأقرع. وما كان ببغداد فِي زمانها من يكتب مثل خطّها. وكانت مختصّة بأمير [2] المؤمنين المقتفي.
سَمَّعها أبوها الكثير، وعُمرت حتّى حدّثت. قرأتُ عليها جزء الحفّار [3] .
__________
[1] في الأصل: «إلينا» ، والتصحيح من سير أعلام النبلاء 20/ 543.
[2] في الأصل: «بأمور» .
[3] وقال الصفدي: رأيت بخط بعض الأفاضل يقول: نقلت من مجموع بخط الصاحب كمال الدين ابن العديم لشهدة بنت الإبري الكاتبة:
مل بي إلى مجرى النسيم الواني ... واجعل مقيلك دوحتي نعمان
وإذا العيون شنّ غارة سحرها ... ورمين عن خضر المتون حوان
فاحفظ فؤادك أن يصاب بنظرة ... عرضا فآفة قلبك العينان
من كلّ جائلة الوشاح يهزّها ... مرح الشباب اللّدن هزّ البان
بيض غنين بحسنهنّ عن الحلي ... ولذاك أسماء النساء غواني
سكنوا العقيق وحرّكوا بغرامهم ... قلبا يكاد يطير بالخفقان
حمّلته ثقل السلوّ فلم يطق ... فأطعته في طرحه وعصاني
سلبته يوم الدوحتين طليقة ... نزلت بهذا الحيّ من غطفان
حتّام تفرط في الصبابة أضلعي ... وتلجّ في عبراتها أجفاني
وإذا تبسّم ثغر برق منجد ... أغرى دموع العين بالهملان
يا حاوي البكرات هل لك روحة ... بالغمر عند مروّح الرعيان
فتذكر الناسّين عهدي بالحمى ... فجديده أبلاه من أبلاني
وذكرت ميدان الوداع فأرسلت ... عيني إلى أمد البكاء عناني-(40/147)
- حرف الصاد-
114- صالح بْن عَبْد الملك بْن سَعِيد [1] .
أَبُو الْحَسَن الأوسيّ، المالِقي.
أخذ القراءات عَن: أَبِيهِ، وأبي المطرّف بْن زيد الورّاق، ومنصور بن الخير.
وروى عَن: أَبِي يحمر الأسديّ، وأبي القاسم بْن رشد، وغالب بْن عطيّة، وشُرَيْح، وخلْق سواهم.
وكان من أهل العِلم والزُّهد. وكان يشارك فِي الأصول.
قال الأبّار [2] : لم يكن بالضّابط. أخذ عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن أَبِي زَمَنِين، وأبو الصّبر السّبتيّ، وابن عَيْشُون وأجاز لَهُ فِي صَفَر من هذه السّنة [3] .
ولا نعلم وفاته [4] .
__________
[ () ]
- لم أخش من ظمأ الحوادث إذ عرت ... ومعي نظير الجدول الريّان
إن مسّني سغب قراني غربة ... أو قلّني ظمأ فرى فسقاني
وإذا السيوف تحدّثت بجفونها ... فحديثها منه بأحمر قاني
قال الصفدي: أنا أستبعد أن يكون هذا الشعر لشهدة، على أني رأيته أيضا في مجموع قديم بخط فاضل، وقد نسبه إليها. (الوافي بالوفيات 16/ 191، 192) .
[1] انظر عن (صالح بن عبد الملك) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 762، وبغية الملتمس 319، رقم 851، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة للمراكشي 4/ 133، 134 رقم 252.
[2] في تكملة الصلة.
[3] وقال ابن عبد الملك المراكشي: له مقالة في الإيمان والإسلام. وقد استقضي في حدود الثلاثين وخمسمائة.
[4] وقال المراكشي: توفي في أوائل رمضان سنة ست وثمانين وخمسمائة، ومولده سنة خمسمائة.
وقال الضبيّ: محدّث مالقيّ يروي عن الحافظ أبي بكر بن العربيّ، كتب كثيرا، ثم فقد يده اليمنى، فصار يكتب باليسرى، وكتب بها كثيرا. نقلت من خطّ يده اليسرى كتاب أبي عيسى الترمذي في أربعة أسفار. (بغية الملتمس) .(40/148)
115- ( ... ) [1] بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن السّدنك.
أَبُو الفتح الحريميّ.
سمع: أبا الحسن العلّاف، وأبا عليّ بْن نبهان، وغيرهما.
سمع منه: أَبُو سعد السّمعانيّ، وذكره فِي «الذّيل» .
وروى عَنْهُ: أحمد بن منصور الكازرونيّ، وغيره، وابن الأخضر، وأبو المعالي بْن شافع.
وتُوُفي فِي رَمَضَان.
- حرف العين-
116- عَبْد اللَّه بْن الخَضِر بْن الْحُسَيْن [2] .
الفقيه أَبُو البركات بْن الشّيرجيّ، المَوْصِلي، الشّافعيّ، أحد الأئمّة.
انتفع به جماعة. وحصَّلَ المذهب وناظر.
وسمع: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا منصور الشَّيْبَانيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: غير واحدٍ بالمَوْصِل، منهم: مُحَمَّد بْن علوان الفقيه، والقاضي بهاء الدّين بْن شدّاد.
وكان زاهدا إماما، متقشّفا.
117- عَبْد اللَّه بْن عَمْر بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْر [3] .
أَبُو رشيد الأصبهانيّ.
سمع: الرئيس: أَبَا عَبْد اللَّه الثّقفيّ، وأحمد بْن عَبْد الغفّار بْن أشتة،
__________
[1] بياض في الأصل.
[2] انظر عن (عبد الله بن الخضر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 143 رقم 772، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 234، ووفيات الأعيان 7/ 85، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 110، 111 رقم 708، والوافي بالوفيات 17/ 159 رقم 14.
[3] انظر عن (عبد الله بن عمر) في: العبر 4/ 220، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وسير أعلام النبلاء 20/ 576 رقم 358، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1870، وشذرات الذهب 4/ 248.(40/149)
وهو آخر من رَوَى عَنْهُمَا بأصبهان.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر عَن نيفٍ وتسعين سنة.
روى عَنْهُ: طائفة بأصبهان [1] . وبالإجازة: ابْن اللّتّي، وكريمة.
118- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ خلف [2] .
أبو محمد الشّاطبيّ.
أخَذَ القراءات عَن أَبِيهِ.
وسَمِعَ من: أَبِي الوليد بْن الدّبّاغ، وأبي إِسْحَاق بْن جماعة، وأبي بَكْر بْن أسد وتفقهَ به.
وأخذ الأدب عَن جماعة. وعاش ستّين سنة.
ذكره الأبَّار.
119- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عيسى.
أَبُو مُحَمَّد بْن المالقيّ، الْأَنْصَارِيّ.
نزيل مَراكُش.
أخذ عن: أَبِي الحكم بْن برجان، واختلَف إليه. وبَرَعَ فِي عِلمه.
وكان فقيها، نظّارا، خطيبا، مفوّها متيقّظا. وكان ذا دنيا وسعةٍ وجاه.
120- عَبْد الرحيم بْن عَبْد الخالق بْن أَحْمَد بْن عَبْد القادر بْن مُحَمَّد بْن يوسف [3] .
أَبُو نَصْر بْن الحافظ أَبِي الفَرَج، أخو أَبِي الحسين عبد الحقّ البغداديّ.
__________
[1] قال المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء: «وسمع منه أحاديث: ابن نظيف محمد بن محمود الواعظ الهمذاني، ومحمد بن أبي سعيد الأديب الأصبهاني، ومحمد بن محمد بن محمد بن المقرئ، وأخوه أحمد، ومحمد بن أبي الحسن القصار، والحسين بن الحسن الكوسج، الأصبهانيون» .
[2] انظر عن (عبد الله بن محمد بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (عبد الرحيم بن عبد الخالق) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 24، 24 رقم 785، والعبر 4/ 220، وشذرات الذهب 4/ 248.(40/150)
من بيت حديثٍ وصلاح.
حدّث عَن: أَبِي القاسم بْن بيان، وابن نبهان، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن مرزوق، وأبي طَالِب بْن يوسف.
قال أبو المحاسن عمر بن عليّ القرشيّ: كتبت عَنْهُ، وكان خيّاطا، خيّرا، ذا مروءة تامّة.
ولد سنة خمس وخمسمائة، وتوفّي بمكّة.
قلت: حدّث ببغداد ودمشق.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، والشّيخ موفّق الدّين، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعبد الحقّ الضّياليّ، والشّمس أَحْمَد بْن عَبْد الواحد، وكتائب بْن مهديّ، وآخرون، آخرهم عَبْد الحقّ بْن خَلَف.
121- عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن خَلَف بْن عيّاش.
أَبُو مروان الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبي، نزيل مالقة.
سمع: «الموطّأ» من: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وكان رجلا صالحا.
حدّث عَنْهُ أَبُو الْعَبَّاس بْن الجنان المالقيّ.
122- عليّ بْن عيسى بْن هبة اللَّه [1] .
الشَّيْخ مهذّب الدّين بْن النّقّاش البغداديّ، الطّبيب، الأديب، صاحب أمين الدّولة ابْن التّلميذ.
سمع من: ابْن الحُصَيْن [2] ، وحدّث.
وكان بزّازا. وكان أبوه أديبا.
__________
[1] انظر عن (علي بن عيسى) في: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة 2/ 162، ومنامات الوهراني 142، والوافي بالوفيات 21/ 377، 378 رقم 248، والأعلام 4/ 318.
[2] سمعه حضورا سنة 521 هـ.(40/151)
تُوُفي سنة أربع وأربعين.
وهو من شيوخ ابْن السّمعانيّ.
قدِم المهذّب دمشق وطبّ بها، ورأس واشتغل وأشغَلَ، واشتهر ذِكره.
وخدم نور الدّين بالطّبّ والإنشاء، وخدم فِي زمانه فِي مارستانه. ثمّ طَب صلاح الدّين.
وتُوُفي فِي المحرّم بدمشق [1] .
123- عليّ بْن مُحَمَّد بْن عيسى [2] .
الأصبهانيّ، الوزير، جلال الدّين ابْن الوزير جمال الدّين الجواد، وزير صاحب المَوْصِل.
وَزَرَ هذا للملك سيف الدّين غازي بْن مودود فِي سنة إحدى وسبعين
__________
[1] قيل عنه: قرأ الطبيعيات واشتغل بها، واشتهر عنه التهاون بأمور الشرع ومداومة شرب الخمر، ونقل عنه إلى الصاحب الوزير ابن هبيرة أنه تكلّم في القرآن بما لا يجوز فأهدر دمه، فخرج من بغداد وسكن دمشق إلى أن توفي بها.
واتصل بنور الدين الشهيد وقدم رسولا إلى بغداد سنة سبع وستين وخمسمائة، وحدّث بها عن أبيه وابن الحصين، كذا قال محب الدين ابن النجار.
وقال الصفدي: وأظنّه مهذّب الدين ابن النقاش الطبيب الأديب صاحب أمين الدولة ابن التلميذ. طبّ بدمشق ورأس بها واشتهر ذكره. وخدم نور الدين بالطب والإنشاء، وباشر في مارستانه. ثم خدم صلاح الدين، وأوقعه الله في لسان الوهراني، وفيه وضع المنام المشهور عنه.
ومن شعره:
رزقت يسارا فوافيت من ... قدرت به حين لم يرزق
وأتلفت من بعده فاعتذرت ... إليه اعتذار أخ مملق
وإن كان يشكر فيما مضى ... بذا فسيعذر فيما بقي
ومن شعره:
كيف السّلوّ وقد تملّك ... مهجتي من غير أمري
قمر تراه إذا استمرّ ... كمثل أربعة وعشر
يرنو بنجلاوين يسقم ... من سقامها ويبري
وإذا تبسّم في دجى ... ليل شهدت له بفجر
[2] انظر عن (علي بن محمد) في: مرآة الزمان 8/ 352، 353.(40/152)
وخمسمائة، فظهرت منه فضيلة وخبرة الدّيوان، وَلَهُ خمسٌ وعشرون سنة.
ثمّ قُبض عَلَيْهِ بعد سنين فشفع فِيهِ حُمْوُه كمال الدّين وزير صاحب آمِد، فأطلِق لَهُ، فسار إلى آمِد مريضا، وتعلّل ثمّ مات بدنيسر سنة أربعٍ وسبعين، ثمّ حُمِل إلى المدينة النّبويّة، فدُفِن عند والده رحمهما اللَّه تعالى.
124- عليّ بْن مَهْدي بْن عليّ بْن قلينا.
أَبُو القاسم اللخْمي، الفقيه الإسكندريّ. وبنو قلينا من أقدم بيت فِي الْإِسْلَام. يقال إنْ أسلافهم حضروا فتح الإسكندريّة.
وذكر هذا الحافظ ابْن المفضَّل، وقال: كان ثقة، وَلَهُ أدبٌ وشِعر.
حَدَّثَنَا عَن أبي عبد الله الرازي، وأبي بكر الطُّرْطُوشيّ، وأبي الْحَسَن التُونسي.
قلت: وإليه يُنْسَب جزء ابْن قلينا الَّذِي للسَّلَفي.
125- عليّ بْن خَلَف بن العريف.
أبو القاسم الإسكندرانيّ.
قال ابْن المفضّل: تُوُفي فِي صَفَر، ونبا عَن: أَبِي عَبْد اللَّه الرّازيّ.
126- عُمَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه بْن الخَضِر بْن مسافر [1] .
أَبُو الخطّاب العُلَيْمي، ثمّ الدّمشقيّ، التّاجر، ويُعرف بابن حوائج كاش.
سافر للتّجارة إلى مِصْر، والعراقيْن، وخُراسان، وما وراء النّهر. وكان يطلب الحديث ويسمع ويكتب حتّى أكْثَرَ من ذلك.
سمع: نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصُيصي، ونصر بْن أَحْمَد بْن مقاتل، وناصر بْن عَبْد الرَّحْمَن النّجّار، وأبا القاسم بْن البنّ بدمشق.
والشّريف ناصر بن إسماعيل الحسنبيّ الخطيب، وعبد الله بن رفاعة
__________
[1] انظر عن (عمر بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 104، 105 رقم 950، والعبر 4/ 220، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وسير أعلام النبلاء 21/ 49.(40/153)
بمصر، والسلَفي بالثغْر، والحسين بْن خميس بالموصل، ونصر بْن المظفّر الشّخص بهَمَذَان، وأبا سعد هبة الرَّحْمَن بْن القُشَيري، وأبا البركات عَبْد اللَّه بْن الفُرَاويّ، وعُمَر بْن أَحْمَد الصّفّار، وعبد الخالق بْن زاهر بَنيْسابور، وهبة اللَّه الدقّاق، ومحمد بْن عَبْد اللَّه الحرّانيّ، وابن البطّيّ ببغداد.
وبالَغَ حتّى سمع مِن أقرانه ومَن دونهم.
وكان يفهم ويدري.
قال ابْن النّجّار: كان صدوقا محمود السّيرة.
روى اليسير ببغداد، ودمشق. ثنا عَنْهُ ابْن الأخضر وأثنى عَلَيْهِ. وسمع منه: شيخه أَبُو سعد السّمعانيّ.
وروى عَنْهُ زين الأمَناء وقال: سمعته يقول: مولدي سنة عشرين وخمسمائة.
قال: وتُوُفي بدمشق فِي شوّال. وكان فاضلا، حَسَن الأخلاق، طيّب المعاشرة.
- حرف الفاء-
127- فتح بْن مُحَمَّد بْن فتح.
أَبُو نصر الإشبيليّ، الْأَنْصَارِيّ.
أخذ القراءات عَن: منصور بْن الخيّر، وأبي الْعَبَّاس بْن القصبيّ، وابن الأصبَغ عيسى بْن حزْم، وغيرهم.
وتصدَّر بقُرْطُبة مدّة، ثمّ أقرأ بشِلْب، ثمّ تحوّل إلى فاس، فأخذ عَنْهُ أَبُو القاسم بْن الملجوم، ومفرّج الضّرير، وعبد الجليل بْن مُوسَى، وعقيل بْن عطيّة.
تُوُفي فِي شهر رجب.
- حرف الكاف-
128- كرم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن قُتَيبة [1] .
الدّارقزّيّ.
__________
[1] انظر عن (كرم بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 162 رقم 1111.(40/154)
سمع الكثير بنفسه من: أَبِي غالب ابْن البنّاء، وأبي المواهب بْن مُلوك، والقاضي أَبِي بَكْر، وطائفة.
وروى عَنْهُ: صفيّة بِنْت عَبْد الجبّار.
وأضرّ بأخَرَة.
- حرف الميم-
129- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
الْأَنْصَارِيّ، الإشبيليّ أَبُو عَبْد اللَّه ابْن المجاهد الزّاهد. وقيل لأبيه المجاهد لأنّه كان كثير الغزو.
ولد أَبُو عَبْد اللَّه فِي سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة، وقد سمع من: أَبِي مروان الباجيّ، ولازمَ أَبَا بَكْر بْن العربيّ.
وأخذ النّحو عَن: أَبِي الْحُسَيْن بن الأخضر.
قال الأبّار [2] : كان المشار إليه فِي وقته بالصّلاح والورع والعبادة وإجابة الدّعاء. كان أحد أولياء اللَّه الذين تُذكر بهم رؤيتهم. آثاره مشهودة وكراماته معروفة رضي اللَّه عنه، مع الحظّ الوافر من الفِقه والقراءات.
وعُمر وأسَنْ.
وأخذ عَنْهُ: أَبُو بَكْر بْن خير، وأبو عمران المرتّل وهو الَّذِي سلك طريقته من بعده، وأبو عَبْد اللَّه بْن قسّوم الفهميّ، وأبو الخطّاب بْن الجميّل.
وتُوُفي فِي شوّال.
وكان قد انقطع من مجلس أَبِي بَكْر بْن العربيّ، فقيل لَهُ فِي ذلك، فقال: كان يدرّس وبغلته عند الباب ينتظر الركوب إلى السّلطان.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبيد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبار، والعبر 4/ 220، 221 وفيه «محمد بن أحمد بن عبد الله» ، وسير أعلام النبلاء 20/ 543، والعبر 4/ 220، 221، ومرآة الجنان 3/ 400، وشذرات الذهب 4/ 249.
[2] في تكملة الصلة.(40/155)
130- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد.
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن القيْسي، المُرْسي، الفقيه.
أخذ بقُرطُبة عَن: أَبِي مروان بْن سَمُرة، وطبقته.
ثمّ أقبل على مطالعة كُتُب الأوائل، فصار إماما فِيهَا، وَاللَّه أعلم بما يعتقده منها.
تُوُفي بمراكُش.
131- مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن واصل [1] .
أَبُو المظفّر ابْن الموازينيّ، الْمَصْرِيّ، ثمّ البغداديّ سِبْط ابْن الإخوة.
روى عَن: ابْن بيان الرّزّاز.
وعنه: ابْن الأخضر، وابن الحُصْري.
132- مُحَمَّد بْن نسيم بْن عَبْد اللَّه [2] .
العَيْشوني [3] ، أَبُو عَبْد اللَّه.
كان نسيم مولى أَبِي الفضل بْن عَيْشُون.
سمع مُحَمَّد من: أَبِي الْحَسَن بْن العلّاف، وأبي القاسم بْن بيان.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والمأمون بْن أَحْمَد الرشيديّ، وعبد القادر الرّهاوي، والحسين بْن باز الموصليّ، وأبو الْحَسَن عليّ بن الجمّيزيّ، وآخرون.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن أحمد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 122 رقم 347، والمختصر المحتاج إليه 1/ 91، والعبر 4/ 221، وسير أعلام النبلاء 20/ 543 دون ترجمة، والبداية والنهاية 12/ 302، وشذرات الذهب 4/ 242، 243.
[2] انظر عن (محمد بن نسيم) في: العبر 4/ 251، والمختصر المحتاج إليه 1/ 153، والوافي بالوفيات 1105 رقم 2125، والبداية والنهاية 12/ 302، والنجوم الزاهرة 6/ 84، وشذرات الذهب 4/ 249.
[3] العيشوني: بالشين المعجمة. وقد وقع في (البداية والنهاية) : «العبسوني» . انظر: اللباب 2/ 368.(40/156)
ومات شهيدا، فإنّه وقع من سُلم بيته فمات لوقته فِي جُمادى الآخرة.
133- مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن عَبْد اللَّه [1] .
السدِيد، السلَمَاسي، الفقيه الشّافعيّ.
قال ابْن خَلكان [2] : هُوَ الَّذِي شهر طريقة الشّريف بالعراق. وقصده النّاس واشتغلوا عَلَيْهِ. وخرج من تلامذته علماء ومدرّسون منهم العماد مُحَمَّد والكمال مُوسَى ابنا يونس، والشّرف مُحَمَّد بْن علوان بْن مهاجر.
وكان مسدّدا فِي الفتوى. أعاد ببغداد بالنّظاميّة، وأتقن عدّة فنون.
وتُوُفي فِي شعبان.
134- المبارك بْن مُحَمَّد [3] بْن مكارم [4] بْن سكينة [5] .
أَبُو المظفّر.
بغداديّ محتشم.
روى عَن: أَبِي القاسم بْن بيان.
وعنه: ابْن الأخضر.
تُوُفي فِي رجب [6] بأرض السّواد.
__________
[1] انظر عن (محمد بن هبة الله) في: وفيات الأعيان 3/ 372، والمختصر المحتاج إليه 1/ 155، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 195، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) 128 أ، ومرآة الجنان 3/ 400، 401، والوافي بالوفيات 5/ 156 رقم 2185، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 350، 351 رقم 317.
[2] في وفيات الأعيان.
1/ 155، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 195، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) 128 أ، ومرآة الجنان 3/ 400، 401، والوافي بالوفيات 5/ 156 رقم 2185، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 350، 351 رقم 317.
[3] انظر عن (المبارك بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 175 رقم 1146، والمشتبه في الرجال 1/ 268، 269.
[4] في الأصل: «كامل» وهو سهو. والمثبت من المصدرين.
[5] سكّينة: بتشديد الكاف، بمعنى المدية.
[6] وله ثلاث وسبعون سنة.(40/157)
ذمّه ابْن النّجّار، كان يأكل الرّبا.
135- المشرّف بن عليّ بن مشرّف بن المسلم.
أبو الفضل الأنماطيّ.
توفّي بالإسكندريّة. ومولده سنة ستّ وخمسمائة.
قاله ابن المفضّل الحافظ.
- المهذّب بن النّقّاش [1] .
الطّبيب.
هو عليّ بن عيسى البغداديّ، مرّ.
- حرف النون-
136- نفيس بن دينار.
الرّزّاز.
روى عَن: ابْن الحُصَيْن.
وعنه: تميم البَنْدَنِيجي.
- حرف الياء-
137- ياقوت النّقّاش.
عن ابْن الحُصَيْن.
وعنه: ابْن الأخضر، وجماعة.
وَفِيهَا وُلِد: الصّدر البكريّ، وإبراهيم بْن نجيب بْن بشارة بالقاهرة، والحسن بْن عليّ بْن منتصر الكببيّ، وأحمد بن حامد بن أحمد الأرياحيّ.
__________
[1] تقدّم برقم (122) .(40/158)
سنة خمس وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
138- أحمدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن [1] .
أَبُو بَكْر الفارسيّ.
شيخ رباط الزَّوْزَني ببغداد.
قال ابْن الدّبيثيّ: كان كثير العبادة دائم الصّوم والصّلاة والتّلاوة، وهو أصغر من أخيه الْحَسَن.
وقد سمع: هبة اللَّه بْن الطبر، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وابن رزيق الشَّيْبَانيّ، وغيرهم.
سمع منه: مُحَمَّد بْن سعد اللَّه الدجاجيّ، ومحمد بْن علي بْن الرأس.
تُوُفي كهلا فِي ذي القعدة.
139- أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سلمان بْن حمزة بْن الخضِر.
السُّلَميّ، الدّمشقيّ، أَبُو الْحُسَيْن.
سمع: عمّ أبيه عَبْد الكريم بْن حمزة.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب، وأبو القاسم ابنا صَصْرَى.
وتُوُفي فِي ذي القعدة وقد جاوز السّبعين رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
140- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابن الدّينوريّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الرحمن بن الحسن) في: الكامل في التاريخ 11/ 461، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد (مصورة مكتبة الدراسات العليا بجامعة بغداد رقم 446) ورقة 23 ب، والعسجد المسبوك 2/ 176، والمختصر المحتاج إليه 1/ 189 رقم 366، والوافي بالوفيات 7/ 45 رقم 2975.(40/159)
أَبُو الْعَبَّاس البغداديّ. شَيْخ مُقِلّ.
سمع: أَبَا عليّ بْن المهديّ، وابن الحُصَيْن.
وعنه: أَبُو المحاسن القُرَشي، وابنه عَبْد اللَّه بْن عُمَر.
تُوُفّي فِي رَمَضَان.
141- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
أَبُو الْعَبَّاس اليافعيّ، السّبتيّ [2] .
روى عَن: شُرَيْح، والقاضي عِياض.
وعنه: أَبُو الخطّاب بْن دحية، وغيره [3] .
142- أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن عَبْد الواحد بْن مطر.
أَبُو الْعَبَّاس الهاشميّ، البغداديّ.
سمع: أَبَا الغنائم النّرسيّ، وأبا الْحَسَن مُحَمَّد بْن مرزوق.
سمع منه: ابناه، وعمر بْن عليّ، وغير واحد.
وروى عَنْهُ: الشَّيْخ موفّق الدّين، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وآخرون.
تُوُفي فِي شعبان وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
143- أَحْمَد بْن أَبِي الوفاء بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الصمَد [4] .
أَبُو الفتح البغداديّ، الحنبليّ، ابْن الصّائغ. ويُعرف بغلام أَبِي الخطّاب لخدمته لَهُ.
روى عن: أبي القاسم بن بيان.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن عبد الرحمن) في: تكملة الصلة لابن الأبار 166 رقم 320.
[2] ويعرف بابن المعذور.
[3] وقال ابن الأبّار: وتجوّل في بلاد الأندلس، وبلغ بلنسية، فسمع بها من أبي الحسن بن هذيل، وهناك لقيه ابن عياد، وأجاز له روايته. ومنها: كتاب «الإلماع» لعياض، حدّث به عنه ... ومولده حول الخمسمائة.
[4] انظر عن (أحمد بن أبي الوفاء) في: تاريخ إربل 1/ 98، 292، والعبر 4/ 222، والمختصر المحتاج إليه 1/ 228، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 347، 348 رقم 165، والوافي بالوفيات 8/ 230 رقم 3668، وشذرات الذهب 4/ 249 وسيعاد مختصرا برقم (195) .(40/160)
وحدّث بحلب، وحرّان.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغنيّ، والحافظ يوسف بن أحمد الشّيرازيّ، وأبو القاسم بن صصريّ، وإبراهيم بن أبي الحسن الزّيّات، وأخواه محمد وبركات، وعليّ بن سلامة الخيّاط، وعماد بن عبد المنعم بن منيع، وعبد الحقّ بن خلف، وسليمان بن أحمد المقدسيّ الفقيه، وابنه عبد الرزّاق بن أحمد.
وتوفّي بحرّان.
قال ابن النّجّار: درّس بحرّان وأفتى.
مولده سنة سبعين [1] وأربعمائة، وتوفّي سنة ستّ. كذا قَالَ فِي موته [2] .
144- إِبْرَاهِيم السّلميّ بْن عليّ [3] .
أَبُو إِسْحَاق السّلميّ، الأمِدي، ظهير الدّين ابْن الفرّاء.
قرأ ببعض الروايات على أَبِي عَبْد اللَّه البارع.
وسمع من: ابْن الحُصَيْن، والفراويّ.
وتفقّه على أسعد الميهَني.
وعلقَ الخلاف بنَيْسابور عَن الْإِمَام مُحَمَّد بْن يحيى.
وحدّث «بصحيح مسلم» .
ومولده سنة إحدى وخمسمائة.
وكان فقيها، مَهِيبًا، عارفا بمذهب الشّافعيّ.
ومن شِعره:
تَحَامَتْهُ غزْلان الحِمَى ومها النَّقا ... كما تَتَحَامى العَيْنُ سهْمًا مُفَوقا
وبات يُرَجى من مزار مزوّر ... وِصالًا مُحالًا واعتِذارًا منمّقا
وكم جمعت بين الشّتيتين غفوةٌ ... فما التَقَتِ الأجفانُ حتّى تفرّقا
__________
[1] في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 347 ولد ببغداد سنة تسعين وأربعمائة. قاله ابن القطيعي عنه.
وقال أبو المحاسن القرشي عنه: سنة سبعين.
[2] ذكر ابن القطيعي وفاته في سنة 576 هـ.
[3] انظر عن (إبراهيم بن علي الآمدي) في: البداية والنهاية 12/ 304، 305.(40/161)
145- إِبْرَاهِيم بْن عليّ بْن مواهب [1] .
أَبُو إِسْحَاق ابْن الزّرّاد الأزجيّ.
سمع: أَبَا الغنائم مُحَمَّد بْن عليّ النّرسيّ، وابن الحُصَيْن.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السّمعانيّ وهو أقدم منه، وأبو الْحَسَن القطيعيّ فِي تاريخه.
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تاسِع رجب.
146- إِسْحَاق بْن مَوْهُوب بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الخَضِر [2] .
أَبُو طاهر بْن أَبِي منصور بْن الجواليقيّ.
سمع: زاهر بْن طاهر، وابن الحُصَيْن، وجماعة.
ووُلِد سنة سبْع عشرة.
147- إِسْمَاعِيل بْن موهوب بْن الجواليقيّ [3] .
أَبُو مُحَمَّد.
تُوُفي فِي شوّال بعد أخيه إِسْحَاق بشهرين.
وكان إِسْمَاعِيل أديبا لغَويًا. قرأ على والده.
وسمع من: ابْن الحُصَيْن، وأبي العزّ بْن كادش.
وأقرأ النّاس العربيّة بعد أَبِيهِ.
وروى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وغيره.
ووُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة [4] .
قال ابْن النّجّار: كان من أعيان العلماء بالأدب صحيح النّقل، كثير
__________
[1] سيعيده برقم (196) .
[2] انظر عن (إسحاق بن موهوب) في: معجم الأدباء 6/ 88، وإنباه الرواة 1/ 230، ومرآة الزمان 8/ 355، والوافي بالوفيات 8/ 427 رقم 3901.
[3] انظر عن (إسماعيل بن موهوب) في: معجم الأدباء 2/ 358، وإنباه الرواة 1/ 210، ومرآة الزمان 8/ 355، 356، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 250 أ، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 346، 347 رقم 164، والبداية والنهاية 12/ 305، والوافي بالوفيات 9/ 230 رقم 4135، وبغية الوعاة 1/ 457، وشذرات الذهب 4/ 249.
[4] في مرآة الزمان 8/ 355 ولد سنة 511 هـ.(40/162)
المحفوظ، ثقة، نبيلا، مليح الخطّ. تأدبَ على أَبِيهِ، وَلَهُ حَلْقة بجامع القصر. وقد كتّب أولاد الخلفاء كأبيه، مع التّزهّد والدّيانة والرّزانة.
قال ابْن الْجَوزي: ما رأينا ولدا أشبه أَبَاهُ مثل إِسْمَاعِيل بْن الجواليقيّ [1] .
148- إِسْمَاعِيل بْن أَبِي القاسم نصر بْن نصر.
العُكْبَري، أَبُو مُحَمَّد الواعظ.
سمع: أَبَا طَالِب بْن يوسف، وأبا سعد أَحْمَد بْن الطّيوريّ.
وتُوُفي فِي شوّال.
وولد سنة خمسمائة.
قال ابْن النّجّار: كان فقيها شافعيا، حَسَن الوعظ.
149- إلْيَسَعُ بْن عيسى بْن حزْم بْن عَبْد اللَّه بْن إلْيسَعُ [2] .
أَبُو يحيى الغافقيّ، الجيّانيّ، المقرئ.
سكن أَبُوهُ المَرِية.
أخذ القراءات عَن: أَبِيهِ، وأبي الْعَبَّاس القصير، وأبي القاسم بْن أَبِي رجاء، وأبي الْحَسَن شُرَيْح.
وسمع منهم، ومن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن زُغَيْبة، وابن موهب الجذاميّ، وأبي
__________
[1] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 347.
وقال المنذري: هو أحد الفضلاء النّسّاك، سمع من غير واحد، وحدّث.
وقال ابن الدبيثي: شيخ فاضل له معرفة بالأدب، وقور، حسن الطريقة، واختصّ بخدمة الخلفاء في أيام المستضيء.
وقال ابن النجار: روى لنا عَنْهُ ابن الأخضر، وأثنى عليه ثناء كثيرا.
[2] انظر عن (اليسع بن عيسى) في: تكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 140، والمطبوع 744، 745، ومعجم الشيوخ لابن الأبّار 334- 336، والمغرب 2/ 88، والعبر 4/ 222، 223، ومعرفة القراء الكبار 2/ 544، 545 رقم 490، وميزان الاعتدال 4/ 446، والمغني في الضعفاء 2/ 756، وسير أعلام النبلاء 20/ 553 دون ترجمة، ومرآة الجنان 3/ 402، وغاية النهاية 2/ 385، 386، ولسان الميزان 6/ 269، 270، وحسن المحاضرة 1/ 496، وشذرات الذهب 4/ 250، ونفح الطيب 2/ 379، وكشف الظنون 306، وهدية العارفين 2/ 536.(40/163)