فَأَجِدُ سَفِينَةً قَدْ شُحِنَتْ تُدْفَعُ [1] . فَرَكِبْتُ مَعَهُمْ، وَدَفَعُوهَا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الشُّعَيْبَةِ [2] . وَخَرَجْتُ مِنَ الشّعيبةِ [3] وَمَعِي نَفَقَةٌ، فَابْتَعْتُ بَعِيرًا، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ، حَتَّى خَرَجْتُ عَلَى مَرَّ الظَّهْرَانِ. ثُمَّ مضيت حتى إذا كنت بالهدة، فَإِذَا رَجُلانِ قَدْ سَبَقَانِي بِغَيْرِ كَثِيرٍ، يُرِيدَانِ مَنْزِلا، وَأَحَدُهُمَا دَاخِلٌ فِي خَيْمَةٍ، وَالآخَرُ قَائِمٌ يُمْسِكُ الرَّاحِلَتَيْنِ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. فَقُلْتُ:
أَبَا سُلَيْمَانَ؟ قَال: نَعَمْ. أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدًا، دَخَلَ النَّاسُ فِي الإِسْلامِ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ بِهِ طَمَعٌ [4] ، وَاللَّهِ لَوْ أَقَمْتَ لأَخَذَ بِرِقَابِنَا كَمَا يُؤْخَذُ بِرَقَبَةِ الضَّبُعِ فِي مَغَارَتِهَا. قُلْتُ: وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ أَرَدْتُ مُحَمَّدًا وَأَرَدْتُ الإِسْلامِ.
فَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَرَحَّبَ بِي، فَنَزَلْنَا جَمِيعًا ثُمَّ تَرَافَقْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَا أَنْسَى قَوْلَ رَجُلٍ لقِيَنَا بِبِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ [5] يَصِيحُ: يَا رَبَاحُ، يَا رَبَاحُ. فَتَفَاءَلْنَا بِقَوْلِهِ، وَسِرْنَا ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْنَا، فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: قد أعطت مكة المقادة بعد هذين. [80 ب] فظننت أنّه [يعنيني وخالد بن الوليد. ثم ولّى مدبرا إلى المسجد سريعا فَظَنَنْتُ أَنَّهُ] [6] بَشَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومِنَا، فَكَانَ كَمَا ظَنَنْتُ.
وَأَنَخْنَا بِالْحَرَّةِ فَلَبِسْنَا مِنْ صَالِحِ ثِيَابِنَا، وَنُودِيَ بِالْعَصْرِ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، وَإِنَّ لِوَجْهِهِ تَهَلُّلا، وَالْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ قَدْ سُرُّوا بِإِسْلامِنَا. وَتَقَدَّمَ خَالِدٌ فَبَايَعَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَبَايَعَ، ثُمَّ تقدّمت فو الله ما هو إلّا أن جلست
__________
[1] في الأصل: قد سحبت بدفع. وما أثبتناه من ع، وهو لفظ البداية والنهاية (4/ 237) . وفي المغازي للواقدي (2/ 744) : قد شحنت برقع. (الرقع جمع رقعة، كهمزة، شجرة عظيمة) .
[2] الشّعيبة: مرفأ السفن من ساحل بحر الحجاز، وكان مرفأ ومرسى سفنها قبل جدّة. وقيل قرية على شاطئ البحر على طريق اليمن (معجم البلدان 3/ 351) .
[3] هكذا في الأصل، ع والواقدي، وهي في البداية والنهاية وابن الملا: السفينة.
[4] في الأصل، ع وابن كثير: طعم. وأثبتنا لفظ الواقدي (2/ 744) .
[5] في الأصل، بدير أبي عينه. وكذا في ع بغير إعجام. والتصحيح من الواقدي. وبئر أبي عنبة، بلفظ واحدة العنب، بئر بينها وبين المدينة مقدار ميل. (معجم البلدان 1/ 301) .
[6] سقطت من الأصل، ع، وزدناها من الواقدي (2/ 744) .(2/472)
بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَرْفَعَ طَرْفِي إِلَيْهِ حَيَاءً مِنْهُ، فَبَايَعْتُهُ عَلَى أَنْ يَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَمْ يَحْضُرْنِي مَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ: «إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَالْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا» . فو الله مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخَالِدٍ أَحَدًا فِي أَمْرٍ حَزَبَهِ مُنْذُ أَسْلَمْنَا. وَلَقَدْ كُنَّا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ.
وَلَقْد كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بِتِلْكَ الْحَالِ، وَكَانَ عُمَرُ عَلَى خَالِدٍ كَالْعَاتِبِ.
قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَاشِدٌ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرٍو، نَحْوَ ذَلِكَ. فَقُلْتُ لِيَزِيدَ: أَلَمْ يتوقّت لَكَ مَتَى قَدِمَ عَمْرٌو وَخَالِدٌ؟
قَالَ: لا، إِلا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ الْفَتْحِ. قُلْتُ: فَإِنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي أَنَّ عَمْرًا وَخَالِدًا وَعُثْمَان قَدِمُوا الْمَدِينَةَ لِهِلالِ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ [1] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، (عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ) [2] ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الْخَنْدَقِ، جَمَعْتُ رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو عُلُوًّا مُنْكَرًا، وَاللَّهِ مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا مَا أَدْرِي كَيْفَ رَأْيُكُمْ فِيهِ؟ قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، لَكِنْ فِيهِ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ أَنْفَ نَفْسِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ. وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ مُخْتَصَرٌ [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [4] : حَدَّثَنِي يَحْيَى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن
__________
[1] المغازي للواقدي 2/ 742- 744، البداية والنهاية 4/ 236- 238.
[2] سقطت من الأصل، وهي زيادة واجبة في السند، استدركناها من ابن هشام (2/ 276) والطبري 3/ 29 وغيره وترد في اسمه الروايتان: حبيب بن أوس، وحبيب بن أبي أوس (انظر تهذيب التهذيب 2/ 177) .
[3] سيرة ابن هشام 3/ 296، تاريخ الطبري 3/ 29- 31، عيون الأثر 2/ 81- 83.
[4] المغازي 2/ 745.(2/473)
الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ بِي مَا أَرَادَ مِنَ الْخَيْرِ قَذَفَ فِي قَلْبِي الإِسْلامَ، وَحَضَرَنِي رُشْدِي، وَقُلْتُ:
قَدْ شَهِدْتُ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ كُلَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَيْسَ مَوْطِنٌ أَشْهَدُهُ إِلا أَنْصَرِفُ وَأَنَا أَرَى فِي نَفْسِي أَنِّي مُوضَعٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا سَيَظْهَرُ. فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ، خَرَجْتُ فِي خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ بِعُسْفَانَ، فَأَقَمْتُ بِإِزَائِهِ وَتَعَرَّضْتُ لَهُ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ أَمَامَنَا، فَهَمَمْنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِ. ثُمَّ لَمْ يَعْزِمْ لَنَا، وَكَانَتْ فِيهِ خِيَرَةٌ، فَاطَّلَعَ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِنَا مِنَ الْهُمُومِ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الْعَصْرِ صَلاةَ الْخَوْفِ. فَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَّا مَوْقِعًا، وَقُلْتُ: الرَّجُلُ مَمْنُوعٌ. فَافْتَرَقْنَا، وَعَدَلَ عَنْ سَنَنِ خَيْلِنَا، وَأَخَذْتُ ذَاتَ الْيَمِينِ.
فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا قُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ؟ أَيْنَ الْمَذْهَبُ؟ إِلَى النَّجَاشِيِّ؟ فَقَدِ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ آمِنُونَ. فَأَخْرُجُ إِلَى هِرَقْلَ؟
فَأَخْرُجُ مِنْ دِينِي إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ [81 أ] فأقيم مَعَ عَجَمٍ تَابِعًا مَعَ عَنَتِ ذَلِكَ [1] ؟ أَوْ أُقِيمُ فِي دَارِي فِيمَنْ بَقِيَ؟ فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، فَتَغَيَّبْتُ.
وَكَانَ أَخِي الْوَلِيدُ (بْنُ الْوَلِيدِ) [2] قَدْ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ. فَطَلَبَنِي فَلَمْ يَجِدْنِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ كِتَابًا فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْد، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَعْجَبَ مِنْ ذَهَابِ رَأْيِكَ عَنِ الإِسْلامِ. وَعَقْلُكَ عَقْلُكَ، وَمَثَلُ الإِسْلامِ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ؟ قَدْ سَأَلَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ خَالِدٌ؟ فَقُلْتُ: يَأْتِي اللَّهُ بِهِ.
فَقَالَ: مَا مَثَلُهُ جَهِلَ الإِسْلامَ، وَلَوْ كَانَ جَعَلَ نكايته وجدّه مع المسلمين على
__________
[1] في الأصل: فأقيم مع عجم تابع من عنت ذلك. ولعلّه تحريف عمّا أثبتناه ورواية الواقدي:
فأقيم مع عجم تابعا.
[2] زيادة من ع.(2/474)
الْمُشْرِكِينَ كَانَ خَيْرًا لَهُ وَلَقَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ. فَاسْتَدْرِكْ يَا أَخِي مَا قَدْ فَاتَكَ.
فَلَمَّا جَاءَنِي كِتَابُهُ، نَشِطْتُ لِلْخُرُوجِ، وَزَادَنِي رَغْبَةً فِي الإِسْلامِ. وَأَرَى فِي النَّوْمِ كَأَنِّي فِي بِلادٍ ضَيِّقَةٍ جَدْبَةٍ، فَخَرَجْتُ إِلَى بِلادٍ خَضْرَاءَ وَاسِعَةٍ قُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قُلْتُ: لأَذْكُرَنَّهَا لأَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرْتُهَا، فَقَالَ: هُوَ مَخْرَجُكَ الَّذِي هَدَاكَ اللَّهُ لِلإِسْلامِ، وَالضَّيِّقُ هُوَ الشِّرْكُ. قَالَ: فَلَمَّا أَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالضَّيِّقُ هُوَ الشِّرْكُ. قَالَ: فَلَمَّا أَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: من أصحاب إلى محمد؟ فلقيت صفوان ابن أُمَيَّةَ، فَقُلْتُ يَا أَبَا وَهْبٍ. أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، إِنَّمَا كُنَّا كَأَضْرَاسٍ [1] ، وَقَدْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَلَوْ قَدِمْنَا عَلَى مُحَمَّدٍ فَاتَّبَعْنَاهُ فَإِنَّ شَرَفَهُ لَنَا شَرَفٌ. فَأَبَى أَشَدَّ الإِبَاءِ وَقَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ غَيْرِي مَا اتَّبَعْتُهُ أَبَدًا. فَافْتَرَقْنَا وَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ قُتِلَ أَخُوهُ بِبَدْرٍ. فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ مَا قُلْتُ لِصَفْوَانَ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ صَفْوَانُ. قُلْتُ: فَاكْتُمْ ذِكْرَ مَا قُلْتُ لَكَ. وَخَرَجْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَأَمَرْتُ بِرَاحِلَتِي أَنْ تَخْرُجَ إِلَيَّ، [فَخَرَجْتُ بِهَا إِلَى] [2] أَنْ أَلْقَى عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ. فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لِي صَدِيقٌ، فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، إِنِّي عَمَدْتُ الْيَوْمَ، وإنّي أريد أن أغدو، وهذه راحلتي بفخّ [3] منَاخَةَ، قَالَ: فَاتَّعَدْتُ أَنَا وَهُوَ بِيَأْجَجَ، وَأَدْلَجْنَا سَحَرًا، فَلَمْ يَطْلَعِ الْفَجْرُ حَتَّى الْتَقَيْنَا بِيَأْجَجَ، فَغَدَوْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْهَدَّةِ [4] . فَنَجِدُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بِهَا، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ. فَقُلْنَا: وبك.
__________
[1] في الواقدي (2/ 747) : «إنّما نحن أكلة رأس» أي هم قلّة يشبعهم رأس واحد. ورواية ابن كثير عن الواقدي كما في الأصل.
[2] زيادة من الواقدي يقتضيها السياق.
[3] فخّ: هو بفتح أوله وتشديد ثانيه واد بمكة، هو فيما قيل وادي الزاهر.
[4] الهدّة: بالفتح ثم التشديد موضع بين مكة والطّائف. وقد خفف بعضهم دالة. (معجم البلدان 5/ 395) .(2/475)
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ: كَانَ قُدُومُنَا فِي صَفَرٍ سنة ثمان. فو الله مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمْتُ يَعْدِلُ بِي أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا حَزَبَهُ [1] .
سَرِيَّةُ شجاع بْن وهْب الأسديّ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ [2] : حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلا، إِلَى جَمْعٍ مِنْ هَوَازِنَ [3] . وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ. فَخَرَجَ يَسِيرُ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُ النَّهَارَ، حَتَّى صَبَّحَهُمْ غَارِّينَ، فَأَصَابُوا نَعَمًا وَشَاءً، فَاسْتَاقُوا ذَلِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ.
وَعَدَلُوا الْبَعِيرَ بِعَشَرَةٍ [4] مِنَ الغنم. وغابت السرية [81 ب] خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً [5] .
قَالَ ابن أَبِي سَبْرة: فحدّثت بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان، فقال: كذبوا. قد أصابوا فِي ذَلِكَ الحاضر نسوةً فاستاقوهنّ، فكانت فيهنّ جارية وضِيئة، فقدموا بِهَا المدينة، ثُمَّ قدِم وفْدُهم مسلمين، فكلّموا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السبْي. فكلّم النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلّم شجاعا وأصحابه في
__________
[1] المغازي للواقدي 2/ 745- 748، الطبقات الكبرى لابن سعد 4/ 252، البداية والنهاية 4/ 238.
[2] انظر: المغازي للواقدي (2- 753) .
[3] زاد في الطبقات الكبرى أنّ هذا الجمع من هوازن كان بالسّيّ ناحية ركية من وراء المعدن، وهي من المدينة على خمس ليال. (2/ 127) .
[4] في الأصل، ع: بعشرين من الغنم. وأثبتنا رواية الواقدي (2- 754) ، وعند ابن سعد (2- 127) «بعشر» .
[5] حتى هنا ينتهي الخبر عند ابن سعد في الطبقات 2/ 127 وورد مختصرا في تاريخ الطبري 3/ 29 وانظر عيون الأثر 2/ 152، وعيون التواريخ 1/ 277 والبداية والنهاية 4/ 240 ونهاية الأرب 17/ 276.(2/476)
ردّهنّ. فردّهنّ. قَالَ ابن أَبِي سَبْرة: فأخبرت شيخا من الأنصار بذلك، فقال: أما الجارية الوضيئة فأخذها بثمنٍ فأصابها. فلما قدِم الوفد، خيَّرها فاختارت شجاعًا. فَقُتِلَ يوم اليَمامة وهي عنده.
سَرِيَّةُ نَجْدٍ
قَالَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَل نَجْدٍ وَأَنَا فِيهِمْ. فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً. فَبَلَغَتْ سُهْمَانُهُمْ لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، ثُمَّ نُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَلَمْ يغير رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
سرية كعب بْن عُمَيْر
قَالَ الْوَاقِدِيُّ [2] : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبَ بْنَ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيَّ، فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى ذَاتِ أَطْلاحٍ [3] مِنَ الشَّامِ. فَوَجَدُوا جَمْعًا مِنْ جَمْعِهِمْ كَثِيرًا، فَدَعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ، وَرَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ قَاتَلُوهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ، حَتَّى قُتِلُوا، فَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ جريح في القتلى، فلما برد عَلَيْهِ اللَّيْلُ، تَحَامَلَ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَمَّ بِالْبَعْثِ [4] إِلَيْهِمْ، فَبَلَغَهُ [5] أنّهم ساروا إلى موضع آخر، فتركهم [6] .
__________
[1] صحيح البخاري: كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أنّ الخمس لنوائب المسلمين.
وصحيح مسلم (1749) كتاب الجهاد والسير، باب الأنفال.
[2] المغازي للواقدي 2/ 752.
[3] في الأصل، ع: ذات أطالع. والتصحيح من الواقدي (2/ 752) وابن سعد (2/ 127) .
(وذات أطلاح موضع من وراء وادي القرى إلى المدينة. (معجم البلدان 1/ 218) .
[4] في الأصل، ع: بالبعثة. وأثبتنا لفظ الواقدي وابن سعد.
[5] في طبعة القدسي 443 «فبلغتم» والتصحيح من المصادر المعتمدة.
[6] انظر: المغازي للواقدي 2/ 752، والبداية والنهاية 4/ 241.(2/477)
غزوة مؤته
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] : أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرٍ الأَزْدِيَّ إِلَى مَلِكِ بُصْرَى [2] بِكِتَابِهِ. فَلَمَّا نزل مؤتة [3] عرض للحارث شرحبيل ابن عَمْرٍو الْغَسَّانِيُّ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الشَّامَ. قَالَ: لَعَلَّكَ مِنْ رُسُلِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولٌ غَيْرُهُ.
وبلغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر، فاشتدّ عَلَيْهِ، وَنَدَبَ النَّاسَ فَأَسْرَعُوا. وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ خُرُوجِهِمْ إِلَى غَزْوَةِ مُؤْتَةَ [4] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [5] ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جعفر بن
__________
[1] الطبقات الكبرى 2/ 128.
[2] بصرى: من أعمال دمشق بالشام، وهي قصبة كورة حوران. (معجم البلدان 1/ 441) .
[3] مؤتة: قرية من قرى البلقاء في حدود الشام، والبلقاء كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى. (معجم البلدان 5/ 219، 220) .
[4] ابن سعد، نهاية الأرب للنويري 17/ 277.
[5] سيرة ابن هشام 4/ 70.(2/479)
الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى بَعَثَ إِلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، وأمّر على النّاس زيد بن حارثة. وَقَالَ: إِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فعبد الله ابن رَوَاحَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ رَجُلا. فَتَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، وَوَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبَكَى ابْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ:
أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي حُبٌّ لِلدُّنْيَا، وَلا صَبَابَةٌ إِلَيْهَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ الله يقول وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها 19: 71 [1] ، فلست أدري [82 أ] كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الْوُرُودِ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ وَرَدَّكُمْ إِلَيْنَا صَالِحِينَ وَدَفَعَ عَنْكُمْ. فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ [2] :
لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا [3]
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا
حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... يَا أَرْشَدَ اللَّهِ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا [4]
ثُمَّ إِنَّهُ وَدَّعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ [5] :
فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى، وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي ثَابِتُ الْبَصَرِ
أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمُ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ منه فقد أزرى به القدر [6]
__________
[1] سورة مريم: من الآية 71.
[2] ديوانه: ص 88، باختلاف يسير في البيت الثالث.
[3] ذات فرغ: ذات سعة، وفي رواية: ذات فرع. والزبد هنا: رغوة الدم.
[4] في سيرة ابن هشام 4/ 70 «أرشده الله» وفي تاريخ الطبري 3/ 37 «أرشدك الله» وانظر عيون الأثر 2/ 153، والبداية والنهاية 4/ 242، وعيون التواريخ 1/ 279، 280 وفيه كما هنا، والمغازي لعروة 204، 205.
[5] الديوان: ص 94، باختلاف في ترتيب الأبيات وفي بعض الألفاظ.
[6] انظر الأبيات باختلاف أيضا في: سيرة ابن هشام 4/ 71، مغازي عروة 205، البداية والنهاية 4/ 242.(2/480)
ثُمَّ خَرَجَ الْقَوْمُ حَتَّى نَزَلُوا مَعَانَ [1] ، فَبَلَغَهُمْ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ [2] فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَمِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُسْتَعْرِبَةِ، فَأَقَامُوا بِمَعَانَ يَوْمَيْنِ، وَقَالُوا: نَبْعَثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِهِ. فَشَجَّعَ النَّاسُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ، وَاللَّهِ إِنَّ الَّتِي تَكْرَهُونَ لَلَّتِي خَرَجْتُمْ لَهَا تَطْلُبُونَ، الشَّهَادَةَ.
وَلا نُقَاتِلُ النَّاسَ [3] بِعَدَدٍ وَلا كَثْرَةٍ، وَإِنَّمَا نُقَاتِلُهُمْ بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَإِنْ يُظْهِرْنَا اللَّهُ بِهِ فَرُبَّمَا فَعَلَ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَهِيَ الشَّهَادَةُ، وَلَيْسَتْ بِشَرِّ الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَقَالَ النَّاسُ: وَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَ فَانْشَمَرَ النَّاسُ، وَهُمْ ثَلاثَةُ آلافٍ، حَتَّى لَقُوا جُمُوعَ الرُّومِ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ [4] ، ثُمَّ انْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مُؤْتَةَ، قَرْيَةٍ فَوْقَ الْحِسَاءِ [5] . وَكَانُوا ثَلاثَةَ آلافٍ.
وقال الواقدي [6] : حدثني ربيعة بن عثمان عن الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ شَهِدْتُ مُؤْتَةَ، فَلَمَّا رَأَيْنَا الْمُشْرِكِينَ [7] رَأَيْنَا مَا لا قِبَلَ لأَحَدٍ بِهِ مِنَ الْعُدَّةِ [8] وَالسِّلاحِ وَالْكَرَاعِ وَالدِّيبَاجِ وَالذَّهَبِ. فَبَرِقَ بَصَرِي، فَقَالَ لِي ثَابِتُ بْنُ
__________
[1] معان: مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء. (معجم البلدان 5/ 153) .
[2] في الأصل، ع: بمأرب. والتصحيح من ابن هشام 4/ 71 وابن سعد 2/ 129 والواقدي 2/ 760 ومآب مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء. (معجم البلدان 5/ 31) .
[3] في الأصل (الله) وهو سهو واضح. والتصحيح من ع، ومن السيرة وغيره.
[4] (في الأصل، ع: شراف. والتصحيح من ابن هشام (4/ 72) وتاريخ الطبري (3- 29) ومعجم البلدان في (المشارف) و (مؤتة) . (5/ 131 و 220)
[5] الحساء ومثلها الأحساء: جمع حسي وهو الماء الّذي تنشّفه الأرض من الرمل، فإذا صار إلى صلابة أمسكته، فتحفر العرب عنه الرمل فتستخرجه. (معجم البلدان 1/ 111) وفي ع:
أحساء وانظر الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 70- 72، مغازي عروة 204، 205 تاريخ الطبري 3/ 39، نهاية الأرب 17/ 279، عيون الأثر 2/ 154، البداية والنهاية 4/ 242، 243 عيون التواريخ 1/ 281.
[6] انظر: المغازي للواقدي (2/ 760) .
[7] في الأصل، ع: فلما رآنا المشركون. والتصحيح من الواقدي (2/ 760) .
[8] في مغازي الواقدي «العدد» .(2/481)
أقرم [1] : مالك يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كَأَنَّكَ تَرَى جُمُوعًا كَثِيرَةً؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:
لَمْ تَشْهَدْ مَعَنَا بَدْرًا، إِنَّا لَمْ نُنْصَرْ بِالْكَثْرَةِ.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتُ مَعَهُمْ، فَفَتَّشْنَاهُ يَعْنِي ابْنَ رَوَاحَةَ، فَوَجَدْنَا فِيمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ بِضْعًا وَسَبْعِينَ، بَيْنَ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ، عن مغيرة: بِضْعًا وَتِسْعِينَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [3] : حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ النُّعْمَانُ بْنُ فنحص [4] الْيَهُودِيُّ، فَوَقَفَ مَعَ النَّاسِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَمِيرُ النَّاسِ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، إن قتل عبد الله فليرتض المسلمون. [82 ب] رجلا فليجعلوه عَلَيْهِمْ» . فَقَالَ النُّعْمَانُ: أَبَا الْقَاسِمِ، إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا، فَسَمَّيْتَ مَنْ سَمَّيْتَ قَلِيلا أَوْ كَثِيرًا أُصِيبُوا جَمِيعًا. إِنَّ الأَنْبِيَاءَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا اسْتَعْمَلُوا الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالُوا: إِنْ أُصِيبَ فُلانٌ فَفُلانٌ، فَلَوْ سَمَّوْا مِائَةً أُصِيبُوا جَمِيعًا. ثُمَّ جَعَلَ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ لِزَيْدٍ: اعْهَدْ، فَلا تَرْجِعْ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا. قال زيد: أشهد أنّه نبي بار صادق.
__________
[1] في الواقدي ونهاية الأرب 17/ 281 وتاريخ الطبري 3/ 40، أنه ثابت بن أرقم، وانظر ترجمته في أسد الغابة (1/- 265) والإصابة (1/ 190) والإستيعاب على هامشها (1/ 191) .
[2] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام. (5/ 87) .
[3] انظر المغازي للواقدي (2/ 756) .
[4] في الأصل، ع. مهض وكتبها ابن الملا: نهيض. وأثبتنا رواية ابن كثير عن الواقديّ.
(4/ 241) .(2/482)
وَقَالَ يُونُسُ، [عَنِ] ابْنِ إِسْحَاقَ [1] : كَانَ عَلَى ميمنة المسلمين قطبة ابن قَتَادَةَ الْعُذْرِيُّ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عَبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ الأنصاريّ، والتقى النّاس.
فحدّثني يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزّبير، عن أبيه، حدّثني أَبِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَكَانَ أَحَدُ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ مُؤْتَةَ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ فَعَقَرَهَا ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عُقِرَ فِي الْإِسْلَامِ [2] . وَقَالَ:
يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرابُها ... طَيِّبَةً وَبَارِدَةً [3] شَرابُها
وَالرُّومُ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ... عَلِيَّ إِنْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا [4]
فَلَمَّا قُتِلَ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ.
حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُرْوة قَالَ: أخذها عَبْد الله بْن رَواحة فالتقوى بِهَا بعضَ الالتواءِ، ثُمَّ تقدّم عَلَى فرسه فجعل يستنزل نفسَه [5] ويتردّد [6] .
حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر، أَنَّ ابن رَوَاحة قَالَ عند ذَلِكَ [7] ،
أقسمْتُ يا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ ... طائعةً أو لتكرهنّه
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 72 تاريخ الطبري 3/ 39.
[2] رجاله ثقات، وإسناده قويّ، أخرجه أبو داود في الجهاد (2573) باب في الدابة تعرقب في الحرب وذكره ابن حجر في فتح الباري 7/ 511، وابن سعد في الطبقات 4/ 27، وأبو نعيم في الحلية 1/ 118، وابن الأثير في أسد الغابة 3/ 343، والزرقاني في شرح المواهب اللدنية 2/ 271، 272، ورواه الطبراني كما قال عروة في المغازي 206، والهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 157.
[3] في الأصل، ع: باردة، وأثبتنا رواية ابن هشام 4/ 72، ونهاية الأرب 17/ 280.
[4] انظر سيرة ابن هشام 4/ 72 ونهاية الأرب 17/ 280 ففيهما اختلاف في البيت الثاني.
[5] أي يطلب نزولها عمّا أرادت وهمّت به.
[6] سيرة ابن هشام 4/ 72، تاريخ الطبري 3/ 39، نهاية الأرب 17/ 280.
[7] ديوانه: ص 108.(2/483)
إن أجلب النّاس وشدّوا الرّنّة [1] ... ما لي أراك تَكْرَهين الجَنَّة
قد طالما [قد] [2] كنتِ مطمئنّه ... هل أنت إلّا نطفة فِي شَنَّهْ [3]
ثُمَّ نزل فقاتل حتى قُتِل.
قَالَ ابن إِسْحَاق: وقال أيضًا [4] :
يا نفس إنْ لا تُقتلي تموتي ... هذا حِمامُ الموتِ قد صُلِيت
وما تمنَّيتِ فقد أُعْطيِتِ ... إنْ تفعلي فعلهما هُديتِ
وإنْ تأخَّرتِ فقد شَقِيتِ [5]
فلما نزل أتى ابن عمّ لَهُ بعَرق لحم فقال: أَقِمْ بِهَا صُلْبَك، فنهش منها نهشةً [6] ، ثُمَّ سمح الحَطْمة [7] فِي ناحيةٍ فقال: وأنت فِي الدنيا؟ فألقاه من يده. ثُمَّ قاتل حتى قُتِل.
فحدّثني مُحَمَّد بْن جَعْفَر، عَنْ عُرْوة قَالَ: ثُمَّ أخذ الراية ثابت بْن أقرم، فقال: اصطلحوا يا معشر المسلمين عَلَى رَجُل. قَالُوا: أنت لَهَا.
فقال: لا. فاصطلحوا [8] ، على خَالِد بْن الوليد. فجاش بالنّاس، فدافع وانحاز وتُحُيِّزَ عنه [9] ، ثم انصرف بالنّاس.
__________
[1] الرّنّة: صوت فيه ترجيع شبه البكاء.
[2] سقطت من الأصل، ع، وزدناها من ابن هشام 4/ 72 والديوان.
[3] راجع الأبيات باختلاف في سيرة ابن هشام 4/ 72 وتاريخ الطبري 3/ 39، 40، ونهاية الأرب 17/ 280، 281، و «الشنّة» الوعاء البالي، انظر: الروض الأنف 4/ 80.
[4] ديوانه: ص 87.
[5] انظر سيرة ابن هشام 4/ 73، ونهاية الأرب 17/ 281، وتاريخ الطبري 3/ 40 باختلاف في الألفاظ.
[6] في السيرة: انتهس منه نهسة.
[7] الحطمة: رحمة الناس ودفع بعضهم بعضا.
[8] في الأصل: فأصلحوا. والتصحيح من ع. ومن السيرة والطبري.
[9] في الأصل: وأخبر عنه. والتصحيح من تاريخ الطبري (3/ 40) ، وفي السيرة «نحيز عنه» .(2/484)
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرًا وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَابْنَ رَوَاحَةَ، نَعَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] ، وَزَادَ فِيهِ: فَنَعَاهُمْ، وَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ. ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُمْ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ: فَجَعَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الله [83 أ] بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ، فَغَشِيَهُ النَّاسُ، فَغَشِيتُهُ فِيمَنْ غَشِيَهُ مِنَ النَّاسِ. فَقَالَ: اثنا أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ الْأُمَرَاءِ، وَقَالَ: «عَلَيْكُمْ زيد ابن حَارِثَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» ، فَوَثَبَ جَعْفَرٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنْتُ أَذْهَبُ [2] أَنْ تَسْتَعْمِلَ زَيْدًا عَلِيَّ.
قَالَ: فَامْضِ. فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ خَيْرٌ. فَانْطَلَقُوا، فَلَبِثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ.
فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرِ، وَأَمَرَ فَنُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا: إِنَّهُمْ انْطَلَقُوا فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَقُتِلَ زَيْدٌ شَهِيدًا» ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. ثُمَّ قَالَ: «أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرٌ فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، شَهِدَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. «ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ «ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَهُوَ أَمَّرَ نَفْسَهُ» ، ثُمَّ قَالَ:
«اللَّهمّ إِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِكَ، فَأَنْتَ تَنْصُرُهُ» . فَمِنْ يَوْمِئِذٍ سمّي خالد «سيف الله» [3]
__________
[1] صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة. (5/ 87) .
[2] في الأصل، ع: أرهب. والتصحيح من تاريخ الطبري (3/ 41) .
[3] الخبر بسنده ونصّه في تاريخ الطبري 3/ 40، 41 والبداية والنهاية 4/ 246.(2/485)
وقال البكّائي، عَنِ ابن إِسْحَاق: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أخذ الرايةَ زيدُ فقاتل بِهَا حتى قُتِل شهيدًا، ثُمَّ أخذها جَعْفَر فقاتل حتى قُتل شهيدًا» ، ثُمَّ صمت، حتى تغيَّرت وجوهُ الأنصار، وظنّوا قد كانت فِي عَبْد الله بعضُ ما يكرهون. فقال: «ثُمَّ أخذها عَبْد الله بْن رَوَاحة فقاتل بِهَا حتى قُتِل شهيدًا، ثُمَّ قَالَ: «لقد رُفِعوا إلى الجنة فيما يرى النّائم عَلَى سُرُرٍ من ذهب. فرأيت فِي سرير عَبْد الله ازورارًا عَنْ سريرَيْ صاحبَيْه. فقلت:
عمَّ هذا؟ فقيل لي: مَضَيا وتردّد عَبْد الله بعضَ التردّد ثُمَّ مضى [1] » . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [2] : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» [3] . قَالَ: فحدّثني العَطَّاف بْن خَالِد قَالَ: لما قُتِل ابن رَوَاحة مساءً، بات خَالِد، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدّمته ساقةً، وساقَتَه مقدِّمة، وميمَنَتَه مَيْسَرَةً، ومَيْسَرَتَهُ مَيْمَنَةً. فأنكروا ما كانوا يعرِفون من راياتهم وهيئتهم، وقالوا: قد جاءهم مدد، فرُعِبُوا فانكشفوا منهزمين، فقُتِلوا مَقْتَلةً لم يُقْتَلْها قومٌ.
وَقَالَ إسماعيل بْن أبي خالد، عَنْ قيس، سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْدَقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيةٌ. أَخْرَجَهُ البخاري [4] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 73، وانظر الطبقات لابن سعد 2/ 130.
[2] انظر المغازي للواقدي (2/ 764) والطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 129.
[3] حمي الوطيس: أي حمي الضرب وجدّت الحرب واشتدت.
[4] صحيح البخاري: كتاب المغازي، غزوة مؤتة. (5/ 87) .(2/486)
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [1] : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ، عن عاصم بن عمر ابن قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا قُتِلَ زَيْدٌ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ وَمَنَّاهُ الدُّنْيَا، فَقَالَ: الآنَ حِينَ اسْتَحْكَمَ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، تُمَنِّينِي الدُّنْيَا؟ ثُمَّ مَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ» ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا له، وقال [83 ب] : «اسْتَغْفِرُوا لَهُ، فَإِنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْجَنَّةِ» . وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا بن ذِي الْجَنَاحَيْنِ. رَوَاهُ خ [2] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخَبَرَتْنِي عَمْرَةُ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَمَّا جَاءَ قَتْلُ جَعْفَرٍ وَابْنِ حَارِثَةَ وَابْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ، وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شِقِّ الْبَابِ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ نساء جعفر، وذكر بكاءهنّ، فأمره أَنْ يَنْهَاهُنَّ. فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: قد نهيتهنّ. وذكر أنّهن لم يطعنه.
فأمره الثَّانِيَةَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: وَاللَّهِ قَدْ غَلَبْنَنَا. فَزَعَمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ» . فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَنَاءِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ محمد بن المثنّى عنه [3] .
__________
[1] انظر: المغازي للواقدي (2- 761- 762) .
[2] كتب الحرف في الأصل بالحمرة ولم يظهر في المصوّرة وأثبتناه عن ح. والحديث رواه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة. (5/ 87) .
[3] صحيح البخاري: كتاب الجنائز، باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن. وصحيح مسلم (1935) كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة. وانظر سيرة ابن هشام 4/ 73 برواية عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، عن أبيه، عن عائشة.(2/487)
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أُمِّ عِيسَى الْجَزَّارِ [الْخُزَاعِيَّةِ] [2] ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ [3] عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ عَجَنْتُ عَجِينِي وَغَسَلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتُهُمْ وَنَظَّفْتُهُمْ. فَقَالَ: «ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ» . فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ، فَشَمَّهُمْ، فَدَمَعَتْ [4] عَينَاهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا يُبْكِيكَ؟ أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ [شَيْءٌ] [5] ؟ فَقَالَ:
«نَعَمْ. أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ» . فَقُمْتُ أَصِيحُ، وَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: «لا تَغْفَلُوا آلَ جَعْفَرٍ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا، فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ» . قَالَ ابن إِسْحَاق: فسمعت عَبْد الله بْن أَبِي بَكْر يَقْولُ: لقد أدركت النّاسَ بالمدينة إذا مات مَيِّتٌ، تكلّف جيرانُهم يومَهم ذَلِكَ طعامَهم، فَلَكَأَنّي أنظر إليهم قد خبزوا خُبزًا صِغارًا، وصنعوا لحمًا، فُيجعل فِي جَفْنَةٍ، ثُمَّ يأتون بِهِ أهلَ الميّت، وهم يبكون على ميّتهم مشتغلين فيأكلونه. ثُمَّ إنّ النّاس تركوا ذَلِكَ.
[فَائِدَةٌ] [6] : أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ [7] ، مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، فَرَافَقَنِي مدديّ من أهل اليمن، ليس
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 73.
[2] زيادة ليست في الأصل. وهي أمّ عيسى الخزاعية، ويقال: أم عيسى الجزّار (انظر ترجمتها في تهذيب التهذيب: 12/ 475) . وانظر سيرة ابن هشام 4/ 73.
[3] هي أمّ عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمية، ويقال لها أمّ جعفر (تهذيب التهذيب: 12- 474) وانظر سيرة ابن هشام 4/ 73.
[4] في السيرة: «فتشمّمهم وذرفت عيناه» .
[5] إضافة من السيرة.
[6] هذه الفائدة تفرّدت بها «ح» ، وأثبتناها عنها.
[7] صحيح مسلم (1753) كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل.(2/488)
مَعَهُ غَيْرُ سَيْفِهِ. فَنَحَرَ رَجُلٌ جَزُورًا فَسَأَلَهُ الْمَدَدِيُّ [1] طَائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ، فَأَعْطَاهُ فَاتَّخَذَهُ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ. وَمَضَيْنَا فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ وَعَلَيْهِ سَرْجٌ مُذَهَّبٌ وَسِلَاحٌ مُذهَّبٌ، فَجَعَلَ يُغْرِي بِالْمُسْلِمِينَ. وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ، فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ، فَخَرَّ وَعَلَاهُ فَقَتَلَهُ وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ. فَأَخَذَهُ مِنْهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلْبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ. قُلْتُ:
لَتَرُدَّنَّهُ أَوْ لَأُعِرْفَنَّكُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا، فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ» ؟ قَالَ:
اسْتَكْثَرْتُهُ. قَالَ: «رُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ» . فَقُلْتُ: دُونَكَ يَا خَالِدٌ، أَلَمْ أَقُلْ لَكَ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَا ذَلِكَ» ؟ فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: فَغَضِبَ وَقَالَ: «يا خَالِدُ لَا تَرُدَّهُ عَلَيْهِ. هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي أُمَرَائِي، لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [2] : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَنَا أَحْفَظُ حِينَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَلَى أُمِّي، فَنَعَى لَهَا أَبِي، فَأَنْظُرُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِي وَرَأْسِ أَخِي، وَعَيْنَاهُ تُهْرِقَانِ الدُّمُوعَ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ إِنَّ جَعْفَرًا قَدْ قَدِمَ إِلَيْكَ إِلَى أَحْسَنِ ثَوَابٍ [3] ، فَاخْلُفْهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ بِأَحْسَنَ مَا خَلَفْتَ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ فِي ذُرِّيَّتِهِ» . ثُمَّ قَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، أَلا أُبَشِّرُكِ» ؟ قَالَتْ: بَلَى، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا في الجنّة» . قالت: فأعلم النّاس ذلك. وذكر الحديث.
__________
[1] المددي: الرجل من المدد الذين جاءوا يمدّونهم بمؤتة ويساعدونهم.
[2] انظر: المغازي للواقدي (2/ 766- 767) .
[3] في الأصل، ع: إليك أحسن ثوابه. والتصحيح من (ح) وفي الواقدي (2/ 767) : إلى أحسن ثواب.(2/489)
وقال الواقديّ [1] : حدّثني سليمان بن بلال [84 أ] حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَ أَمْتِعَةِ الْمُشْرِكِينَ. فَكَانَ مِمَّا غَنَمُوا خَاتَمٌ جَاءَ بِهِ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَتَلْتُ صَاحِبَهُ يَوْمَئِذٍ، فَنَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ.
وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ: لَقِينَاهُمْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قُضَاعَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ، فَصَافُّوا، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ يَشْتَدُّ [2] عَلَى الْمُسْلِمِينَ. فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي: مَنْ لِهَذَا؟ وَقَدْ رَافَقَنِي رَجُلٌ مِنْ أَمْدَادِ حِمْيَرٍ [3] ، لَيْسَ مَعَهُ إِلا السَّيْفُ، إِذْ نَحَرَ رَجُلٌ جَزُورًا فَسَأَلَهُ الْمَدَدِيُّ طَائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ، فَوَهَبَهُ مِنْهُ، فَجَعَلَهُ فِي الشَّمْسِ وَأَوْتَدَ عَلَى أَطْرَافِهِ أَوْتَادًا، فَلَمَّا جَفَّ اتَّخَذَ مِنْهُ مِقْبَضًا وَجَعَلَهُ دَرَقَةً. قَالَ: فَلَمَّا رَأَى [ذَلِكَ] [4] الْمَدَدِيُّ فِعْلَ الرُّومِيِّ، كَمَنَ لَهُ خَلْفَ صَخْرَةٍ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِ خرج عليه فعرقب فرسه، فقعد الفرس على رجليه وخرّ عنه العلج [5] ، فشدّ عَلَيْهِ فَعَلاهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ [6] بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَضَرْتُ مُؤْتَةَ فَبَارَزَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَأَصَبْتُهُ وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ لَهُ فِيهَا يَاقُوتَةٌ، فَأَخَذْتُهَا، فَلَمَّا انْكَشَفْنَا فَانْهَزَمْنَا رَجَعْتُ إِلَى المدينة، فأتيت بها
__________
[1] انظر: المغازي للواقدي (2/ 768) وفي سنده: حدّثني عبد الله بن محمد، عن ابن عقيل.
وهو خطأ صوابه ما ورد في الأصل، وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (6/ 13) .
[2] في المغازي للواقدي «يسلّ» .
[3] الأمداد: جمع مدد، وهم الأعوان الذين كانوا يمدّون المسلمين في الجهاد.
[4] سقطت من الأصل وزدناها من ع، «ح» .
[5] العلج: قال في الصحاح 330 هو الرجل من كفّار العجم.
[6] في الأصل، وفي طبعة القدسي 454 «خزيمة» والتصويب من المغازي للواقدي 2/ 369 ومن ترجمته في تهذيب التهذيب 7/ 422 حيث جاء فيه: غزية: بفتح المعجمة وكسر الزاي بعدها تحتانية ثقيلة.(2/490)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَلَنِيهَا، فَبِعْتُهَا زَمَنَ عُثْمَانَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَاشْتَرَيْتُ بِهَا حَدِيقَةَ نَخْلٍ [1] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [2] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ تَلَقَّاهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مَعَهُ.
فَجَعَلُوا يَحْثُونَ عَلَيْهِمُ التُّرَابَ وَيَقُولُونَ: يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسُوا بِالفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمُ الْكُرَّارُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ لامْرَأَةِ سلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: مَا لِي لا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصَّلاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: وَاللَّهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ، كُلَّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النَّاسُ: يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَكَانَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ [3] .
وقال [أَبُو عَبْد الله] [4] عَنْ زَيْدِ بْن أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ يَتِيمًا لعبد الله بْن رَوَاحة فِي حِجْره، فخرج بي فِي سَفَره ذَلِكَ، مردفي على حقيبة رحله، فو الله إنّه لَيَسِير إذ سَمِعْتُهُ ينشد أبياته هذه [5] :
إذا أدْنَيْتَني وحملتِ رَحلي ... مَسيرةَ أربعٍ بعد الحِساءِ
فشأنُكِ أنعم وخَلاكِ ذم ... ولا أَرْجعْ إلى أهلي وَرَائي
وآبَ المسلمون وغادرُوني ... بأرضِ الشامِ مُشتهر الثَّواء [6]
وردَّكَ كلّ ذي نَسَبٍ قريب ... إلى الرحمن منقطع الإخاء
__________
[1] أضاف الواقدي 2/ 769 «بيني خطمة» .
[2] سيرة ابن هشام 4/ 74، نهاية الأرب 17/ 282.
[3] السيرة 4/ 74.
[4] بياض في النسخ الثلاث بمقدار كلمتين، وقد استدركناه من الواقدي (2/ 759) .
[5] ديوانه: ص 79- 80 باختلاف في بعض الألفاظ. وقد أنقص الواقدي منها بيتا وانظر البداية والنهاية 4/ 243 ففيه اختلاف في الألفاظ أيضا.
[6] ثوى بالمكان ثواء، إذا أطال الإقامة به أو نزل فيه. (القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/ 310) .(2/491)
لك لا أُباليَ طلع بعل ... ولا نخل، أَسَافِلُها رواء [1]
[84 ب] فلما سمعتهنّ بكيت، فَخَفَقَني بالدِّرَّة وقال: ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شُعْبَتَيْ الرحل! وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ [2] : حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ جَعْفَرًا أَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقُطِعَتْ، فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ، فَاحْتَضَنَهُ بِعَضُدَيْهِ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. فَأَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ جناحين في الجنّة يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ. وَرَوَى أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ بِالرِّمَاحِ.
قُلْتُ: وَكَانَ جَعْفَرٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ. قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» [3] . وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، [إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ] [4] مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلا رَكِبَ الْمَطَايَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكُنَّا نُسَمِّيهِ أَبَا الْمَسَاكِينِ.
وَقَالَ مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: مَا سَأَلْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا بِحَقِّ جَعْفَرٍ إِلا أَعْطَانِيهِ.
وعن ابن عُمَر قَالَ: وجدت فِي مقدَّم جَسَد جَعْفَر يوم مُؤْتة بِضعًا وأربعين ضَرْبةً. ولما قدِم جعفرُ من الحَبَشَة عند فتح خيبر، روى أنّ النّبيّ
__________
[1] البعل: كلّ نخل وشجر وزرع لا يسقى، أو ما سقته السماء.
[2] سيرة ابن هشام 4/ 72.
[3] رواه البخاري 2698 في الصلح، باب كيف يكون.. و 4251 في المغازي، باب عمرة القضاء، والترمذي (3769) في المناقب. باب مناقب جعفر. وأحمد 1/ 98 و 115 وأبو داود 2280 في الطلاق، باب من أحقّ، بالولد من حديث عليّ وأخرجه أحمد 1/ 108 من طريق إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هانئ، عن عليّ.
[4] زيادة من ع.(2/492)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتنقه وقال: «ما أدري أَنَا أُسَرّ بقدُومُ جَعْفَر أو بفتح خيبر» ؟ [1] . وَقَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: لَمَّا نَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرًا أَتَانَا فَقَالَ: أَخْرِجُوا إِلَيَّ بَنِي أَخِي. فَأَخْرَجَتْنَا أُمُّنَا أُغَيْلِمَةً ثَلاثَةً كَأَنَّهُمْ أَفْرَاخٌ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَوْنٌ، وَمُحَمَّدٌ. وَأَمَّا أبو أسامة زيد بن حارثه [2] بن شراحيل الْكَلْبِيُّ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ الْمَوَالِي، فَإِنَّهُ مِنْ كِبَارِ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ وَكَانَ مِنَ الرُّمَاةِ الْمَذْكُورِينَ. آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَاشَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً 33: 37 يعني من زينب بنت جحش: زَوَّجْناكَها 33: 37 [3] . وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَدْعُونَهُ زَيْدَ بْنَ النَّبِيِّ حَتَّى نَزَلَتْ: مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ 33: 40 [4] . وقال تعالى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ 33: 4 [5] . وَقَالَ:
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ 33: 5 [6] .
رَوَى عَنْ زَيْدٍ ابْنُهُ أُسَامَةُ وَأَخُوهُ جَبَلَةَ.
وَاخْتُلِفَ فِي سَنَةٍ. فَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ زَيْدِ بْنِ حارثة عشر
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 35، وانظر: أسد الغابة 1/ 342 وسير أعلام النبلاء 1/ 213، والإصابة 2/ 86، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 211.
[2] انظر سير أعلام النبلاء 1/ 220 ففي حاشيته مصادر ترجمته.
[3] سورة الأحزاب: من الآية 37.
[4] سورة الأحزاب: من الآية 40.
[5] سورة الأحزاب: من الآية 4.
[6] سورة الأحزاب: من الآية 5.(2/493)
سِنِينَ، رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَكْبَرُ مِنْهُ، وَكَانَ قَصِيرًا شَدِيدَ الأُدْمَةِ [1] أفْطَسَ [2] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَذَا صِفَتُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَجَاءَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ أَبْيَضَ وَكَانَ ابْنُهُ أَسْوَدَ. وَلِذَلِكَ أُعْجِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ مُجزِّزٍ المدلجي القائف: «إنّ هذه الأقدام [85 أ] بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» [3] .
قُلْتُ: وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ عُمْرُهُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السّبيْعيُّ إِنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَغَارَتْ عَلَيْهِ خَيْلٌ مِنْ تِهَامَةَ، فَوَقَعَ إِلَى خَدِيجَةَ فَاشْتَرَتْهُ، ثُمَّ وَهَبَتْهُ لِلنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُرْوَى أنَّهَا اشْتَرَتْهُ بِسِبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا عَلِمْنَا أَحَدًا أَسْلَمَ قَبْلَهُ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: ثنا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدًا إِلا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ. فنزلت: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ 33: 5 [4] .
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ حارثة تسع غزوات، كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُؤَمِّرُهُ عَلَيْنَا. كَذَا رَوَاهُ الْفَسَوِيُّ [5] عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ زَيْدٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يقول: إنّ
__________
[1] الأدمة: السمرة الشديدة.
[2] الطبقات الكبرى 3/ 30.
[3] أخرجه أحمد 6/ 82 و 226، والبخاري 2555 في المناقب، باب صفة النبيّ، و 3731 في فضائل الصحابة، باب مناقب زيد بن حارثة، و 6770 و 6771 في الفرائض، باب القائف من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة.
[4] سورة الأحزاب: من الآية 5.
[5] المعرفة والتاريخ 1/ 299، وأخرجه البخاري في المغازي (4272) باب بعث النبيّ أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة، ورواه ابن سعد في الطبقات 3/ 31.(2/494)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّرَ أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ. فَقَالَ، «إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلِيَّ وَإِنَّ ابْنَهُ هَذَا لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ» [1] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي: «يَا زَيْدُ أَنْتَ مَوْلاي وَمِنِّي وَإِلَيَّ وَأَحبُّ الْقَوْمِ إِلَيَّ» [2] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ [3] : ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: «لَوْ أَنَّ زَيْدًا كَانَ حَيًّا لَاسْتَخْلَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [4] .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: ثَنَا وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الْبَهِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي جَيْشٍ قَطُّ إِلَّا أَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ لاستخلفه [5] .
__________
[1] أخرجه أحمد في مسندة 2/ 20 و 98 و 106 و 110 من عدّة طرق، والبخاري (6627) في الأيمان والنذور، باب قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: وايم الله، و (3730) في فضائل الصحابة، باب مناقب زيد ابن حارثة، و (4250) في المغازي، باب غزوة زيد بن حارثة، و (7187) في الأحكام، باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا، ومسلم (2426) في فضائل الصحابة، باب فضائل زيد بن حارثة، والترمذي (3818) في المناقب، باب مناقب زيد بن حارثة.
[2] أخرجه أحمد في مسندة مطوّلا 5/ 204، وابن سعد في طبقاته 3/ 29، 30 ورجاله ثقات.
وصحّحه الحاكم في المستدرك 3/ 217، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وسير أعلام النبلاء 1/ 226، وحسّنه ابن حجر في الإصابة 4/ 50.
[3] في الأصل: عبيد الله. وفي هامش تهذيب التهذيب (9/ 327) عن التقريب أنه بغير إضافة.
وكذلك ورد في السند التالي.
[4] سير أعلام النبلاء 1/ 228.
[5] أخرجه أحمد 6/ 226 و 227 و 254 و 218، وابن سعد 3/ 31، وابن الأثير في أسد الغابة 2/ 283 من طريق محمد بن عبيد الطنافسي، عن وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ عَنِ الْبَهِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ. وهذا سند حسن. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 215 من طريق سهل بن عمّار العتكيّ، عن محمد بن عبيد، به. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 228 «أخرجه النسائي» .(2/495)
وقال حسين بن واقد، عن عبيد اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَاسْتَقْبلَتْنِي جَارِيَةٌ [شَابَّةٌ] [1] ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ [2] .
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، رَوَاهُ الرُّويَانِيُّ [3] فِي مُسْنَدِهِ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، يَرْفَعُهُ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ: أُصِيبَ زَيْدٌ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلَهُ، فَجَهَشَتْ بِنْتُ زَيْدٍ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى حَتَّى انْتَحَبَ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟ قَالَ، «شَوْقُ الْحَبِيبِ إِلَى حَبِيبِهِ» [4] . وأما عَبْد الله بْن رَوَاحة [5] بْن ثعلبة الخَزْرَجي الأنصاريّ أَبُو عَمْرو أحد النُّقباء ليلة العَقَبة شهِد بدْرًا والمشاهدَ، وكان شاعر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخا أَبِي الدَّرْداء لأمّه.
روى عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وابنُ أخته النُّعمان بْن بشير، وزيد بْن أرقم، وأَنَس، قوله. وأرسل عَنْهُ جماعة من التّابعين. وقال الواقديّ: كنْيَتُه أَبُو مُحَمَّد. وقيل: أَبُو رَوَاحة.
وَرَوَتْ أَمُّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنَّا [85 ب] مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلم
__________
[1] زيادة من (ح) .
[2] كنز العمّال (33299) و (33302) .
[3] الروياني: نسبة إلى رويان مدينة بنواحي طبرستان. وهو أبو بكر محمد بن هارون، توفي سنة 307 هـ. قال ابن حجر عن مسندة: إنّه ليس دون السنن في الرتبة (الرسالة المستطرفة للكتّاني: 61) .
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 32 وفيه «خالد بن شمير» وهو تصحيف.
[5] انظر مصادر ترجمته في سير أعلام النبلاء 1/ 230.(2/496)
في السفر في يوم شديد الحرّ، ومنا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ رَوَاحَةَ [1] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ لَهَا: هَلْ تَدْرِينَ لِمَ تَزَوَّجْتُكِ؟ قَالَتْ: لا.
قَالَ: لِتُخْبِرِينِي عَنْ صَنِيعِ عَبْدِ اللَّهِ فِي بَيْتِهِ. فَذَكَرَتْ لَهُ شَيْئًا لا أَحْفُظُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لا يَدَعُ ذَلِكَ أَبَدًا [2] .
وقال هشام بْن عُرْوة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لما نزلت: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ 26: 224 [3] ، قَالَ ابن رَوَاحة: قد علم الله أنّي منهم. فأُنزلت: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ 26: 227 [4] الآية.
وقيل هذا البيت لعبد الله بْن رَوَاحة يخاطب زيد بْن أرقم:
يا زيد زيد اليَعمُلات الذُّبل ... تطاول اللّيل هُدِيتَ فانزِلِ [5]
يعني: انزل فسق بالقوم.
وعن مُصْعَب بْن شَيْبة قَالَ: لما نزل ابن رَواحة للقتال طُعِنَ فاستقبل الدَّم بيده، فدلك بِهِ وجهه. ثُمَّ صُرع بين الصَّفَّيْن يَقْولُ: يا معشر المسلمين
__________
[1] أخرجه البخاري (1945) في الصوم. باب 35 عن أبي الدرداء، بلفظ مختلف، ومسلم (1122) في الصيام، باب التخيير في الصوم والفطرة بالسفر. وأبو داود (2409) في الصوم، باب من اختار الصيام، وابن ماجة (1663) في الصيام، باب ما جاء في الصوم في السفر.
[2] رجاله ثقات، ونسبه ابن حجر في الإصابة 6/ 78، 79 إلى ابن المبارك في الزهد وصحّح سنده.
[3] سورة الشعراء: من الآية 224.
[4] سورة الشعراء: من الآية 227 وانظر طبقات ابن سعد 3/ 81 والإصابة 6/ 79.
[5] ديوانه: 99- 100، واليعملات: جمع يعملة وهي الناقة السريعة. القوية على العمل.
الذبل: الضامرة من طول السفر.(2/497)
ذبّوا عَنْ لحم أخيكم. فكانوا يحملون حتى يجوزونه. فلم يزالوا كذلك حتى مات مكانه.
وقال ابن وهْب: حَدَّثَنِي أسامة بْن زيد اللَّيْثي، حَدَّثَنِي نافع، قَالَ:
كانت لابن رَوَاحة امْرَأَة وكان يتّقيها. وكانت لَهُ جارية فوقع عليها، فقالت لَهُ وفرقتْ أن يكون قد فعل فقال: سبحان الله. قَالَتْ: اقرأ عليّ إذًا، فإنّك جُنُب. فقال [1] :
شهدتُ بإذنِ الله أنّ محمدا ... رسول الّذي فوق السموات من عَل
وإنّ أَبَا يحيى ويحيى كِلاهُما ... له عمل من ربّه متقبّل
وقد رويا لحسّان [2] .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَأَتْهُ عَلَى جَارِيَةٍ لَهُ فَجَحَدَهَا. فَقَالَتْ لَهُ: فَاقْرَأْ.
فَقَالَ [3] :
شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا
وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا
وَتَحْمِلُهُ مَلائِكَةٌ كِرَامٌ ... مَلائِكَةُ الإِلَهِ مُقَرَّبِينَا
فَقَالَتْ: آمَنْتُ باللَّه وَكَذَّبْتُ الْبَصَرَ. فَحَدَّثَ ابْنُ رَوَاحَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَحِكَ [4] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، عَنِ
__________
[1] ديوانه 97، باختلاف يسير في بعض الألفاظ.
[2] انظر ديوان حسان: 319 ورجاله ثقات لكنّه مرسل. انظر الاستيعاب 6/ 187، 189.
[3] ديوانه: ص 106، باختلاف يسير في البيت الأخير.
[4] تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 7/ 395.(2/498)
الثِّقَةِ أَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ اتَّهَمَتْهُ امْرَأَتُهُ. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمْ يُعَقِّبْ ابْنُ رَوَاحَةَ.
واستشهد بمؤْتة:
عبّاد بْن قيس الخَزْرَجي، أحدُ من شهد بدْرًا. والحارث بْن النُّعمان بْن أساف النّجّاري، ومسعود بْن سُوَيْد [1] بْن حارثة الأنصاريّ. ووهب بن سعد ابن أبي سرح العامريّ. وزيد بن [86 أ] عبيد بن المعلّى الخزرجيّ، الّذي قتل أبوه يوم أحد. وعبد الله بن سعيد بن العاص بْن أمية الأموي، وقيل: قُتِل هذا يوم اليَمامة. وأبو كلاب [2] ، وجابر ابنا أَبِي صعصعة الخزرجيّ [3] .
__________
[1] عند ابن هشام 4/ 76 والهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 161 وابن كثير في البداية والنهاية 4/ 259 «مسعود بن الأسود» وكذا في المغازي للواقدي 2/ 769.
[2] في سيرة ابن هشام 4/ 76 والبداية والنهاية 4/ 259 «أبو كليب» .
[3] انظر في أسماء شهداء مؤتة: سيرة ابن هشام 4/ 76، المغازي لعروة 206، مجمع الزوائد للهيثمي 6/ 161، والبداية والنهاية 4/ 259، والمغازي للواقدي 2/ 769.(2/499)
ذِكْرُ رُسُلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِي هَذِهِ السنة كتب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملوك النَّواحي يدعوهم إلى الله تعالى.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ: إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، يَعْنِي الَّذِي مَلَكَ الْحَبَشَةِ بَعْدَ النَّجَاشِيِّ الْمُسْلِمِ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ الثَّانِي يَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. بَلْ ذَلِكَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ النَّجَاشِيِّ الأَوَّلِ الْمُسْلِمِ. وَمَوْتُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي سَنَةِ تِسْعٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عن ابن شهاب، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَبَعَثَ بكتابه إليه مع دحية الكلبيّ [2] ، وأمره
__________
[1] صحيح مسلم (1774) كتاب الجهاد والسير، باب كتب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملوك الكفّار إلخ.
[2] سيرة ابن هشام 4/ 232.(2/501)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قيصر. فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر، [وكان قَيْصَرَ] [1] لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ، مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ [2] شُكْرًا لِمَا أَبْلاهُ اللَّهُ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَاهُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا لِلتِّجَارَةِ، فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كُفَّارِ قُرَيْشٍ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولَ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ، فَانْطَلَقَ بِنَا حَتَّى قَدِمْنَا إيليا عليه، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُم أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا [3] الرَّجُل الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا. قَالَ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ قُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي. وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافَ غَيْرِي، قَالَ: أَدْنُوهُ. ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجَعَلَهُمْ خَلَفَ ظَهْرِي، عِنْدَ كَتِفِي، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لِأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلُهُ عَنْ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْثُرَ عَنِّي أَصْحَابِي الْكَذِبَ لَكَذَّبْتُهُ [4] عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلُ فِيكُمْ؟
قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ: قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ:
لَا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ
__________
[1] سقطت من الأصل، ع وأثبتناها من ح.
[2] إيلياء: اسم مدينة بيت المقدس، وقيل معناه بيت الله.
[3] في الأصل: بهذا. وأثبتنا لفظ البخاري ومسلم.
[4] في البداية والنهاية 4/ 264 «لكذبت» .(2/502)
ضعفاؤهم؟ قلت بل ضعفاؤهم. قال: [86 ب] فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟
قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدَّ أَحَدٌ سُخَطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، قُلْتُ: لَا قَالَ: فَهَلْ يَغْدُرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي مَدَّةٍ- يُشِيرُ إِلَى الْمُدَّةِ الَّتِي قَاضَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَآخِرُهَا يَوْمُ الْفَتْحِ- وَنَحْنُ نَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَغْدُرَ، وَلَمْ يُمَكِّنِّي كَلِمَةً أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهَا، لَا أَخَافُ أَنْ تُؤْثِرَ عَنِّي غَيْرَهَا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ قَلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:
فَكَيْفَ حَرْبُكُمْ وَحَرْبُهُ؟ قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا، يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَيُدَالُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى قَالَ: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ؟ قُلْتُ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَانَا عَمَّا كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ.
قَالَ: فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتُ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ: رَجُلٌ يَأَتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فزعمت أن لا، فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَزَعَمْتُ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَوْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.
وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سُخْطَةً [1] لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لا يسخطه
__________
[1] سخطة لدينه: كراهة له وعدم الرضا به.(2/503)
أَحَدٌ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدُرُ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا يَغْدُرُونَ.
وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ يَكُونُ دُوَلًا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ. وَسَأَلْتُكَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ.
وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ، قَدْ كُنْتُ أَعْلَمَ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَإِنْ يَكُنْ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقْيَهُ [1] ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ [2] :
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عظيم الروم:
سلام عَلَى من اتَّبع الْهُدَى. أما بعدُ، [87 أ] فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ. وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إثم الأريسيّين [3] . [و] يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ 3: 64
__________
[1] لقيه: (بالضم والكسر) لقاءه. وهي في البدآية والنهاية 4/ 265 «لقاءه» .
[2] في مراجع هذا الكتاب الشريف واختلاف روآياته انظر: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة للدكتور محمد حميد الله (ص 80- 82) وانظر أيضا في إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين (ص 10 وما بعدها) .
[3] الأريسيون: الأكارون، ويراد بهم فلاحو السواد، وهي لغة شامية، مفردة أريس وإريس (كجليس وسكيت) . وقد ذكرت فيهم أقوال شتى، فقيل هم قوم من المجوس لا يعبدون النار ويزعمون أنهم على دين إبراهيم عليه السلام. وقيل إنه كان في رهط هرقل تعرف بالأورسية نسبوا إليها. وقيل أنهم أتباع عبد الله بن أريس رجل كان في الزمن الأول قتلوا نبيا بعثه الله إليهم. وقيل غير ذلك. (انظر لسان العرب ج 7/ 300 مصورة بولاق) .(2/504)
اللَّهِ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 3: 64 [1] . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطهُمْ، فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا. فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ: لَقَدْ أَمَرَ ابْنُ أبي كبشة [2] ، هذا ملك بني الأصغر يَخَافُهُ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ ذليلا، مستيقنا بأنّ أمره سيظهره حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الْإِسْلَامَ وَأَنَا كَارِهٌ. أَخْرَجَاهُ [3] مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ.
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، [عَنِ] [4] ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ حَدَّثَهُ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ. فَذَكَرَ كَحَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ [5] .
وَرَوَاهُ يُونُسُ بن بكير، عن ابن إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ. وَفِيهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا كَانَتْ هُدْنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتُ تَاجِرًا إلى الشام. فو الله مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلا رَجُلا إِلا قَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً. فَقَدِمْتُ غَزَّةَ، وَذَلِكَ حِينَ ظَهَرَ قَيْصَرُ عَلَى مَنْ كَانَ بِبِلادِهِ مِنَ الفرس، فأخرجهم
__________
[1] سورة آل عمران- الآية 64.
[2] أمر أمره: عظم شأنه وكبر. وابن أبي كبشة أراد به النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكر النوويّ أنّ أبا كبشة رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان فعبد الشّعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة في دينهم.
[3] صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسّير، باب دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الإسلام والنّبوّة إلخ 4/ 2- 5 وصحيح مسلم (1773) كتاب الجهاد والسير، باب كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هرقل يدعوه إلى الإسلام.
[4] في الأصل: عن عبد الله بن عبّاس. والتصحيح من ح وصحيح البخاري. (4/ 2) .
[5] صحيح البخاري: كتاب التفسير، سورة آل عمران باب قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء 5/ 167 وصحيح مسلم (1773) كتاب الجهاد والسير، باب كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هرقل يدعوه إلى الإسلام.(2/505)
مِنْهَا. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَلِيبَهُ الأَعْظَمَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِحِمْصَ فَخَرَجَ مِنْهَا مُتَنَكِّرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، تُبْسَطُ لَهُ الْبُسُطُ وَيُطْرَحُ لَهُ عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ. حَتَّى انْتَهَى إِلَى إِيلِيَاءَ، فَصَلَّى بِهَا. فَأَصْبَحَ ذات غداة مهموما يقلّب طرفه إلى السماء، فقالت له بطارقته: أيّها الملك، لقد أصبحت مَهْمُومًا. فَقَالَ: أَجَلْ.
قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُرِيتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلَكَ الْخِتَانِ ظَاهِرٌ. فَقَالُوا:
وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تَخْتَتِنُ إِلا يَهُودَ، وَهُمْ تَحْتَ يَدِكِ وَفِي سُلْطَانِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ هَذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُمْ، فَابْعَثْ فِي مَمْلَكَتِكَ كُلِّهَا فَلا يَبْقَى يَهُودِيٌّ إِلا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَتَسْتَرِيحُ مِنْ هَذَا الْهَمِّ.
فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُمْ رَسُولُ صَاحِبِ بُصْرَى بِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ وَقَعَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الشَّاءِ وَالإِبِلِ، يُحَدِّثُكَ عَنْ حَدَثٍ كَانَ بِبِلادِهِ، فَسَلْهُ عَنْهُ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ مَا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ فِي بِلادِهِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ تَبِعَهُ أَقْوَامٌ وَخَالَفَهُ آخَرُونَ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلاحِمُ فَقَالَ: جَرِّدُوهُ. فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي أُرِيتُ، لا مَا تَقُولُونَ. ثُمَّ دَعَا صَاحِبَ شُرْطَتِهِ فَقَالَ لَهُ: قَلِّبْ لِي الشَّامَ ظَهْرًا وَبَطْنًا حَتَّى تَأْتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَذَا أَسْأَلُهُ عن شأنه. فو الله أنّي وأصحابي [87 ب] لَبِغَزَّةَ [1] إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا فَسَأَلَنَا: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ فأخبرناه. فساقنا إليه جميعا.
فلما انتهى إليه- قال أبو سفيان: فو الله مَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ [قَطُّ] [2] أَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ الأَغْلَفِ [3]- يَعْنِي هِرَقْلَ- فلما انتهينا إلى قَالَ: أَيُّكُمْ أَمَسُّ بِهِ رَحِمًا؟ فَقُلْتُ: أَنَا. قَالَ: أَدْنُوهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ
__________
[1] غزّة: المدينة المعروفة على ساحل فلسطين.
[2] زيادة من (ح) ، والبداية والنهاية 4/ 363.
[3] الأغلف: الّذي لم يختن، ومثله الأقلف.(2/506)
كِتَابًا. وَفِيهِ كَمَا تَرَى أَشْيَاءَ عَجِيبَةً تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ إِسْحَاقَ دُونَ مَعْمَرٍ وَصَالِحٍ.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أُسْقُفٌّ مِنَ النَّصَارَى قَدْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ دِحيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ عَلَى هِرقْلَ بِالْكِتَابِ، وَفِيهِ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الروم: سلام عَلَى من اتَّبع الْهُدَى. أما بعدُ، فأسلم تسلم، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الأَكَّارِينَ [1] عَلَيْكَ» . فَلَمَّا قَرَأَهُ وَضَعَهُ بَيْنَ فَخْذِهِ وَخَاصِرَتِهِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ رُومِيَّةَ [2] ، كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْعَبْرَانِيَّةِ مَا يَقْرَأُ، يُخْبِرُهُ عَمَّا جَاءَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي يُنْتَظَرُ لا شَكَّ فِيهِ فَاتَّبَعَهُ. فَأَمَرَ بِعُظَمَاءِ الرُّومِ فَجُمِعُوا لَهُ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فأُشْرِجَتْ [3] عَلَيْهِمْ، وَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ عِلِّيَّةٍ لَهُ، وَهُوَ مِنْهُمْ خَائِفٌ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُ أَحْمَدَ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِنَا، نَعْرِفُهُ بِعَلامَاتِهِ وَزَمَانِهِ.
فَأَسْلِمُوا وَاتَّبِعُوهُ تَسْلَمْ لَكُمْ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتُكُمْ. فَنَخَرُوا نَخْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَابْتَدَرُوا أَبْوَابَ الدَّسْكَرَةِ، فَوَجَدُوهَا مُغْلَقَةً عَلَيْهِمْ. فَخَافَهُمْ، فَقَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ. فَكَرُّوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَغْمِزُكُمْ بِهَا لأَنْظُرَ كَيْفَ صَلابَتُكُمْ فِي دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْت مِنْكُمْ مَا سَرَّنِي. فوقعوا له سجّدا، ثم
__________
[1] الأكارون: جمع أكار، وهو الريفي الّذي يحرث الأرض ويزرعها. وفي رواية اليعقوبي: فإنّ عليك إثم الريفيين (انظر الوثائق السياسية 82) .
[2] رومية: بتخفيف الياء: مدينة رياسة الروم وعلمهم، واسمها بالرومية رومانس وتقع شمال وغربي القسطنطينية بينهما مسيرة خمسين يوما أو أكثر. (معجم البلدان 2/ 100) وهي مدينة روما المعروفة.
[3] في هامش ح: أغلقت.(2/507)
فُتِحَتْ لَهُمُ الأَبْوَابُ فَخَرَجُوا [1] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: ثنا أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ [2] قَالَ: خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ تَاجِرًا وَبَلَغَ هِرَقْلَ شَأْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ أبو سُفْيَانُ فِي ثَلاثِينَ رَجُلا، وَهُوَ فِي كَنِيسَةِ إِيلِيَاءَ. فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: سَاحِرٌ كَذَّابٌ. فَقَالَ:
أَخْبِرُونِي بأعلمكم بِهِ وَأَقْرَبِكُمْ مِنْهُ. قَالُوا: هَذَا ابْنُ عَمِّهِ. وَذَكَرَ شَبِيهًا بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ خ [3] : ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ لِيَدْفَعَهُ إِلَى كِسْرَى. فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ. فَحَسِبْتُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كلَّ مُمَزَّقٍ [4] .
وَقَالَ الذُّهْلِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عبد القاري، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ، ثم قال: «أما بعد، فإنّي [88 أ] أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْضُكُمْ إِلَى مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عِيسَى» . فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: وَاللَّهِ لَا نَخْتَلِفُ عَلَيْكَ فِي شَيْءٍ، فَمُرْنَا وَابْعَثْنَا. فَبَعَثَ شُجَاعَ
__________
[1] حديث هرقل مع أبي سفيان أخرجه البخاري في صحيحه، بدء الوحي 6 من طريق عبد الله بن عباس عن أبي سفيان بن حرب مطوّلا. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 259 ومسند أحمد 3/ 441، 442، و 4/ 74.
[2] المغازي لعروة 196، 197، فتح الباري لابن حجر 1/ 36.
[3] صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب دعوة اليهوديّ والنّصرانيّ ... وما كتب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى كسرى وقيصر. (3/ 235) .
[4] انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 260، وقد أخرجه أحمد في مسندة 1/ 243 وفيه: «قال ابن شهاب: فحسبت ابن المسيّب قال....» وانظر 1/ 305.(2/508)
ابن وَهْبٍ إِلَى كِسْرَى. فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى كِسْرَى، وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ. فَأَمَرَ كِسْرَى بِإِيوَانِهِ أَنْ يُزَيَّنَ، ثُمَّ أَذِنَ لِعُظَمَاءِ فَارِسَ، ثُمَّ أَذِنَ لِشُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَمَرَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَضَ مِنْهُ.
قَالَ شُجَاعٌ: لَا، حَتَّى أَدْفَعَهُ أَنَا كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كِسْرَى:
ادْنُهُ، فَدَنَا فَنَاوَلَهُ الْكِتَابَ ثُمَّ دَعَا كَاتِبًا لَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ:
«مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ» .
فَأَغْضَبَهُ حِينَ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، وَصَاحَ وَغَضِبَ وَمَزَّقَ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهِ، وأمر بشجاع فأخرج، فركب رَاحِلَتَهُ وَذَهَبَ، فَلَمَّا سَكَنَ غَضَبُ كِسْرَى، طَلَبَ شُجَاعًا فَلَمْ يَجِدْهُ. وَأَتَى شُجَاعٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «اللَّهمّ مَزِّقْ مُلْكَهُ» [1] . وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كُنُوزَ كِسْرَى الَّتِي فِي الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . رَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرٍ فَزَادَ قَالَ: فَكُنْتُ [3] أَنَا وَأَبِي فِيهِمْ، فَأَصَابَنَا مِنْ ذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ: ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبِّي قد قتل ربّك، يعني كسرى.
__________
[1] انظر مسند أحمد 3/ 442.
[2] صحيح مسلم (2919) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء. وفيه: « ... من المسلمين أو من المؤمنين كنز آل كسرى ... » .
[3] في الأصل: كنت. وأثبتنا عبارة ع، ح.(2/509)
قَالَ: وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ قَدِ اسْتَخْلَفَ بِنْتَهُ فَقَالَ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ [1] امْرَأَةٌ» [2] . وَيُرْوَى أَنَّ كِسْرَى كَتَبَ إِلَى بَاذَامَ عَامِلِهِ بِالْيَمَنِ يَتَوَعَّدُهُ وَيَقُولُ: أَلَا تَكْفِينِي رَجُلًا خَرَجَ بِأَرْضِكَ يَدْعُونِي إِلَى دينه؟ لتكفينه أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ. فَبَعَثَ الْعَامِلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُسُلًا وَكِتَابًا، فَتَرَكَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَقُولُوا: إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكَ اللَّيْلَةَ» [3] . وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكَ- أَوْ قَالَ: قُتِلَ- كِسْرَى. فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ كِسْرَى، أَوَّلُ النَّاسِ هَلاكًا فَارِسٌ ثُمَّ الْعَرَبُ» [4] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ. وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، كِلاهُمَا يَقُولُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَاللَّفْظُ لِصَالِحٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ كِسْرَى بَيْنَمَا هُوَ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ، بُعِثَ لَهُ- أَوْ قُيِّضَ لَهُ- أو قيّض له- عارض فعرض عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَلَمْ يَفْجَأْ كِسْرَى إِلا الرَّجُلُ يَمْشِي وَفِي يَدِهِ عَصًا فَقَالَ: يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الإِسْلامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ كِسْرَى: نَعَمْ؟ فَلا تَكْسِرْهَا. فولّى الرجل. فلما ذهب [88 ب] أُرْسِلَ كِسْرَى إِلَى حُجَّابِهِ فَقَالَ: مَنْ أَذِنَ لِهَذَا؟ قَالُوا: مَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ. قَالَ: كَذَبْتُمْ. وَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَعَنَّفَهُمْ، ثُمَّ تَرَكَهُمْ. فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ الْحَوْلِ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِالْعَصَا فَقَالَ كَمَقَالَتِهِ.
فَدَعَا كِسْرَى الْحُجَّابَ وَعَنَّفَهُمْ. فَلَمَّا كان الحول المستقبل، أتاه ومعه العصا
__________
[1] في طبعة القدسي أثبتها «تملكتهم» ... وما أثبتناه عن مسند أحمد.
[2] أخرجه أحمد في مسندة 5/ 43.
[3] أخرجه أحمد في مسندة 5/ 43 وهو في الحديث الّذي قبله، وانظر طبقات ابن سعد 1/ 260 و.
[4] أخرجه أحمد في مسندة 2/ 513 من طريق عبد الله عن أبيه عن الأسود بن عامر عن أبي بكر بن عياش، عن داود، عن أبيه، عن أبي هريرة، وفيه قدّم هلاك العرب على الفرس.(2/510)
فَقَالَ: هَلْ لَكَ يَا كِسْرَى فِي الإِسْلامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ الْعَصَا؟ قَالَ: لا تَكْسِرْهَا.
فَكَسَرَهَا فَأَهْلَكَ اللَّهُ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ. وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ. فَأَمَّا قَيْصَرُ فَوَضَعَهُ، وَأَمَّا كِسْرَى فَمَزَّقَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَمَّا هَؤُلاءِ فَيُمَزَّقُونَ، وَأَمَّا هَؤُلاءِ فسيكون لهم بَقِيَّةٌ» . وَقَالَ الرَّبِيعِ: أنا الشَّافِعِيُّ قَالَ: حَفِظْنَا أَنَّ قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَضَعَهُ فِي مَسْكٍ [2] . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُبِّتَ مُلْكُهُ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَطَعَ اللَّهُ الأَكَاسِرَةَ عَنِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ، وَقَطَعَ قَيْصَرُ وَمَنْ قَامَ بِالأَمْرِ بَعْدَهُ عَنِ الشَّامِ. وَقَالَ فِي كِسْرَى، «مُزِّقَ مُلْكُهُ» ، فَلَمْ يَبْقَ لِلأَكَاسِرَةِ مُلْكٌ، وَقَالَ فِي قَيْصَرَ «ثُبِّتَ مُلْكُهُ» فَثُبِّتَ لَهُ مُلْكُ بِلادِ الرُّومِ إِلَى الْيَوْمِ.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ثنا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ (الْقَارِيِّ) [3] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صاحب الإسكندرية، فمضى بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَ الْكِتَابَ وَأَكْرَمَ حَاطِبًا وَأَحْسَنَ نُزُلَهُ، وَأَهْدَى مَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلة وكسوة وجاريتين، إحداهما أمّ
__________
[1] صحيح مسلم (2918) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل إلخ. وأوّله: «قد مات كسرى..» .
[2] مسك: بفتح الميم. أي جلد.
[3] سقطت من النسخ الثلاث. وأثبتناه من السند نفسه في موضع سابق.(2/511)
إِبْرَاهِيمَ، وَالأُخْرَى وَهَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَهْمِ بْنِ قُثَمَ [1] الْعَبْدِيِّ، فَهِيَ أُمُّ زكريا ابن جَهْمٍ، خَلِيفَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ [2] .
وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ الدَّوْلابِيُّ: ثنا أَبُو الْحَارِثِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْفِهْرِيُّ، ثنا هَارُونُ بْنُ يَحْيَى الْحَاطِبِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَجِئْتُهُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَنِي فِي مَنْزِلِهِ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ. ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ وَقَدْ جَمَعَ بَطَارِقَتَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَأُكَلِّمُكَ بِكَلامٍ وَأُحِبُّ أَنْ تَفْهَمَهُ مِنِّي. قُلْتُ: نَعَمْ، هَلُمَّ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِكَ، أَلَيْسَ هُوَ نَبِيٌّ؟ قُلْتُ: بَلَى، هُوَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَا لَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لَمْ يَدْعُ عَلَى قَوْمِهِ حَيْثُ أَخْرَجُوهُ. قُلْتُ: عِيسَى، أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَمَا لَهُ حَيْثُ أَخَذَهُ قَوْمُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يَصْلِبُوهُ أَنَّ لا يَكُونَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ حَتَّى رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ (الدُّنْيَا) [3] قَالَ: أنت [89 أ] حَكِيمٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ. هَذِهِ هَدَايَا أَبْعَثُ مَعَكَ إِلَيْهِ. فَأَهْدَى ثَلاثَ جَوَارٍ، مِنْهُنَّ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ [4] ، وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ. وَأَرْسَلَ بطرف من طرفهم.
__________
[1] في طبعة القدسي 474 «قيس» والتصحيح من الإصابة. أما جهم بن قيس فهو ابن عبد شرحبيل بن هشام.. العبدري أبو خزيمة. وقد ذكره ابن حجر في الإصابة أيضا. وابن قثم ذكره ابن عبد البر في الإستيعاب 1/ 245 مختصرا، وقد تحرّف في البداية والنهاية 4/ 272 إلى محمد بن قيس.
[2] رواه ابن حجر في الإصابة 1/ 254 في ترجمة «جهم بن قثم العبديّ» رقم 1247، وانظر طبقات ابن سعد 1/ 260.
[3] زيادة من ح.
[4] ترجمته في الإصابة 4/ 35 رقم 207 وليس فيها هذا الخبر، ولا في أسد الغابة 5/ 162، 163 وقد سبق في الخبر الّذي قبله أن الّذي وهبه الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو: الجهم بن قثم العبديّ. كما لم يذكر الحافظ الذهبي الخبر في ترجمة أبي الجهم بن حذيفة في سير أعلام النبلاء 1/ 556.(2/512)
غزوة ذات السلاسل
قِيلَ إنه ماء بأَرض جُذام [1] .
قَالَ ابن لَهِيعة: نا أَبُو الأسود، عن عروة [2] . ورواه موسى بن عقبة، واللفظ لَهُ، قالا: غزوة ذات السلاسل من مشارف الشام فِي بَليّ [3] وسعد اللَّه ومن يليهم من قُضاعة [4] .
وفي رواية عُرْوة [5] : بَعَثَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن العاص فِي بليّ، وهم أخوال العاص بْن وائل، وبعثه فيمن يليهم من قُضَاعة وأمّره عَلَيْهِمْ.
قَالَ ابن عقْبة: فخاف عَمْرو من جانبه الَّذِي هو بِهِ، فبعث إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمدّه، فندب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المهاجرين، فانتدب فيهم أبو بكر وعمر
__________
[1] جذام: حيّ أو قبيلة من اليمن كانت تنزل بجبال حسمى وراء وادي القرى ومساكنها بين مدين إلى تبوك فإلى أذرح، ومنها فخذ مما يلي طبرية من أرض الأردن إلى عكا. وجذام أول من سكن مصر من العرب حين جاءوا في الفتح مع عمرو بن العاص (معجم قبائل العرب 1/ 174) .
[2] المغازي 207.
[3] بليّ: بفتح الباء وكسر اللام وتشديد الياء.
[4] قضاعة: قبيلة من حمير من القحطانية، وحمير من بني سبإ. وبليّ بطن من قضاعة، وسعد الله بطن من بليّ (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) .
[5] المغازي لعروة 207.(2/513)
وجماعة، أمّر عليهم أَبَا عبيدة. فأَمدَّ بهم عَمْرًا. فلمّا قدِموا عَلَيْهِ قَالَ: أنا أميركم، وأنا أرسلت إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستمدّه بكم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عُبَيْدة أمير المهاجرين. قَالَ: إنّما أنتم مَدَد أُمْدِدْتُهُ. فلمّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدة،. وكان رجلًا حَسَن الخُلُق ليّن الشيمة، سعى لأمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعهده، قَالَ: تعلم يا عَمْرو أنّ آخر مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ قَالَ: إذا قدِمتَ عَلَى صاحبك فتطاوعا، وإنّك إن عصيتني لأطيعنّك. فسلّم أبو عبيدة الإمارة لعَمْرو [1] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [2] ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] [3] بْن الحصين التميمي، عن غزوة ذَاتِ السَّلَاسِلِ مِنْ أَرْضِ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ [4] ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لِيَسْتَنْفِرَ الْعَرَبَ إِلَى الْإِسْلامِ. وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ كَانَتْ مِنْ بَلِيٍّ، فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِكَ. حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَرْضِ جُذَامٍ، عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ السَّلاسِلُ، خَافَ فَبَعَثَ يَسْتَمِدُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ: أَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانُ النَّهْدِيِّ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَيْشِ ذِي السَّلَاسِلِ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. فَحَدَّثْتُ نَفْسِي أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْنِي عَلَيْهَا إِلَّا لِمَنْزِلَةٍ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ» قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَسْأَلْكَ عَنْ أَهْلِكَ. قَالَ:
«فَأَبُوهَا» قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «عُمَرُ» قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ حَتَّى عَدَّ رهطا،
__________
[1] المغازي لعروة 207 وانظر سيرة ابن هشام 4/ 239.
[2] سيرة ابن هشام 4/ 239.
[3] زيادة من ح، ولم أقف على ترجمته.
[4] عذرة بطن من قضاعة، وهم المعروفون بالحبّ العذريّ.(2/514)
قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي لَا أَعُودُ أَسْأَلُ عَنْ هَذَا.
رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ خَالِدٍ؟ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُخْتَصَرًا [1] . (وَكِيعٌ، وَغَيْرُهُ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمْرُو أُشْدُدْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ وَائْتِنِي» .
فَفَعَلْتُ، فَجِئْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ الْبَصَرَ وَصَوَّبَهُ وَقَالَ: «يَا عَمْرُو إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ وَجْهًا فَيُسَلِّمُكَ اللَّهُ وَيُغْنِمُكَ، وَأَرْغَبُ لَكَ رَغْبَةً فِي الْمَالِ صَالِحَةً» . قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أُسْلِمْ رَغْبَةً فِي الْمَالِ إِنَّمَا أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْجِهَادِ وَالْكَيْنُونَةِ مَعَكَ. قَالَ: «يا عمرو نعمّا بالمال الصالح للمرء الصالح» [2] . أنبأ ابن عون وَغَيْرُهُ، عَنْ مُحَمَّدٍ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرًا عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِنَحْوِهِ [3] .
وَكِيع، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا وَلاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي عَمْرًا عَلَيْنَا لِعِلِمْهِ بِالْحَرْبِ [4] .
قُلْتُ: وَلِهَذَا اسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ عَمْرًا على غزو الشام) [5] .
__________
[1] صحيح البخاري: كتاب فضائل أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، باب قول النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا 4/ 192، وكتاب المغازي، غزوة ذات السلاسل 5/ 113 وصحيح مسلم (2384) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصّديق رضي الله عنه.
[2] أخرجه أحمد في مسندة 4/ 197 و 202، والبخاري في الأدب المفرد (299) من طرق عن موسى ابن علي، عن أبيه، عن عمرو بن العاص، وهذا سند صحيح. وصحّحه ابن حبّان (1089) والحاكم في المستدرك 2/ 2 ووافقه الذهبي في تلخيصه.
[3] أخرجه البخاري 7/ 18، 19 في الفضائل و 8/ 59، 60 في المغازي، ومسلم (2384) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصّديق.
[4] رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (مخطوط الظاهرية) 13/ 254 ب.
[5] ما بين الحاصرتين لم يرد في الأصل ع، وهو في نسخة ح.(2/515)
وقال الواقدي [1] : حدثني ربيعة بن عثمان، عن يزيد بْنِ رُومَانَ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمَّا أَتَى عَمْرًا صَارُوا خَمْسَمِائَةٍ، وَسَارَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ حَتَّى وطئ بلاد بليّ ودوّخها، وكلّما [80 ب] انْتَهَى إِلَى مَوْضِعٍ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ جَمْعٌ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ تَفَرَّقُوا حَتَّى انتهى إِلَى أَقْصَى بِلادِ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَبَلْقَيْنَ [2] . وَلَقِي فِي آخِرِ ذَلِكَ جَمْعًا، فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ. وَرُمِيَ يَوْمَئِذٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَأُصِيبَ ذراعه. وحمل المسلمون عليهم فهربوا وأعجزوها هَرَبًا فِي الْبِلادِ. وَدَوَّخ عَمْرٌو مَا هُنَاكَ. وَأَقَامَ أَيَّامًا يُغِيرُ أَصْحَابُهُ عَلَى الْمَوَاشِي.
(وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاسِلِ، فَأَصَابَهُمْ بَرْدٌ فَقَالَ لَهُمْ عَمْرٌو: لا يُوقِدَنَّ أَحَدٌ نَارًا. فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَانَ فِي أَصْحَابِي قِلَّةٌ فَخَشِيتُ أَنْ يَرَى الْعَدُوُّ قِلَّتَهُمْ، وَنَهَيْتُهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا الْعَدُوَّ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَمِينٌ. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [3] .
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِيَ الصُّبْحَ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ» . فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً 4: 29
__________
[1] المغازي 2/ 769، 770.
[2] بلقين: وهي في البخاري برسم «بني القين» ، قبيلة من العرب المستعربة.
[3] لم يرد هذا الخبر في الأصل، ع، وتفرّدت به ح وأثبتناه عنها. وقد رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 13/ 254 ب.(2/516)
[1] ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا [2] . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. وَغَيْرُهُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرَانَ ابن أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ عَمْرًا كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ: فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ [3] ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ. لَمْ يَذْكُرِ التَّيَمُّمَ. أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ [4] .
غزوة سيف البحر [5]
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عن عمرو بن جَابِرٍ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ. فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ، حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ [6] فَسُمِّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ.
قَالَ: وَنَحَرَ رَجُلٌ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ. قَالَ: فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا مِنْهُ، حَتَّى ثَابَتْ مِنْهُ أَجْسَامُنَا وَصَلُحَتْ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ وَأَطْوَلَ جَمَلٍ
__________
[1] سورة النساء: من الآية 29.
[2] إسناده صحيح. أخرجه أبو داود (335) في الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد تيمّم، والبيهقي 1/ 226 من طريق ابن وهب، عن ابن لهيعة، وعمرو بن الحارث بهذا الإسناد، وصحّحه ابن حبّان (202) ، ورواه ابن عساكر 13/ 255 ب، وصحّحه الحاكم 1/ 177، ووافقه الذهبي في التلخيص، وحسّنه المنذري.
[3] المغابن: الأرفاغ، وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب جمع مغبن من غبن الثوب: إذا ثناه وعطفه.
[4] سنن أبي داود: كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمّم؟ (334 و 335) ، وانظر مصادر تخريج الحديث الّذي قبله، وزاد المعاد 3/ 388، وتاريخ اليعقوبي 2/ 75.
[5] وتعرف بسريّة الخبط. (انظر طبقات ابن سعد 2/ 132 والمغازي للواقدي 2/ 774) .
[6] الخبط: ورق العضاة من الطلح والسلم ونحوه يخبط بالعصا فيتساقط، وكانت تعلفه الإبل.
يقال: عضه البعير، كفرح إذا اشتكى من أكل العضاة ورعيه.(2/517)
فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ وَمَرَّ تَحْتَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
[2] (زاد البخاري [3] في حديث عمرو بن جَابِر: قَالَ جَابِر: وكان رَجُل فِي القوم نحر ثلاث جزائر، ثم ثلاثا، ثمّ ثلاثًا. ثمّ إنّ أَبَا عُبَيْدة نهاه.
قَالَ: وكان عَمْرو يَقُولُ: نا أَبُو صالح أنّ قيس بْن سعد قَالَ لأبيه: كنت فِي الجيش فجاعوا قَالَ أَبُوهُ: انْحَرْ. قَالَ: نحرت، قال: ثم جاعوا. قال:
انحر قال: نحرت، قال: ثم جاعوا. قال: انحر. قال: نُهِيت) .
وقال مالك، عَنْ وهْب بْن كَيْسان، عَنْ جَابِر قَالَ: بَعَثَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثًا قِبَل الساحل، وأمرّ عليهم أبا عبيدة وهم ثلاثمائة وأنا فيهم. حتّى إذا كنّا ببعض الطريق فني الزّاد. فأمر أَبُو عُبَيْدة بأزواد ذَلِكَ الجيش، فجُمِع ذَلِكَ كلّه. فكان مِزْوَدَيْ تمر، فكان يقوتنا كلّ يوم قليلا قليلا، حتى فني. ولم يكن يصيبنا إلّا تمرة تمرة. قَالَ فقلت: وما تُغني تمرة؟ قَالَ: لقد وجدنا فَقْدَنا حين فنِيَتْ. ثمّ انتهينا إلى البحر، فإذا حُوت مثل الظَّرِب [4] ، فأكل منه ذَلِكَ الجيش ثماني عشرة ليلة. ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثمّ أمر براحلةٍ فرُحِلَت، ثمّ مُرَّت تحتهما [5] فلم تُصِبْهما.
أخرجاه [6] .
وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عن أبي الزّبير، عن جابر [90 أ] قَالَ: بَعَثَنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَزُوِّدْنَا جِرَابًا مِنْ تمر. فكان أبو عبيدة
__________
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة سيف البحر 5/ 113 وصحيح مسلم (1935) كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة ميتة البحر.
[2] هذا الخبر مما تفردت به ح وأثبتناه عنها.
[3] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة سيف البحر. (5/ 114) .
[4] الجبل الصغير. (النهاية في غريب الحديث 3/ 54) .
[5] في طبعة القدسي 481 «مرّ» وما أثبتناه عن صحيح البخاري.
[6] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة سيف البحر 5/ 114 وصحيح مسلم (1935) كتاب الصيد والذبائح. باب إباحة ميتة البحر وانظر، المغازي للواقدي 2/ 777.(2/518)
يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً. وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ. فَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَرَفَعَ لَنَا كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرُ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ: لا، بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا. فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا.
وَلَقَدْ كُنَّا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ [1] عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ [2] كَالثَّوْرِ.
وَلَقَدْ أَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقْعَدَهُمْ فِي عَيْنِهِ، وَأَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمُ بَعِيرٍ مِنْهَا فَمَرَّ تَحْتَهَا. وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ [3] فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ تُطْعِمُونَنَا؟» قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَأَكَلَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] . قلت: زعم بعض النّاس أنّ هذه السرّية كانت فِي رجب سنة ثمانٍ
سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَة إلى خَضِرَة [5]
قَالَ الواقديّ فِي مَغَازيه [6] : قَالُوا بَعَثَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا قَتَادَة بْن رِبْعيّ الأنصاريّ إلى غَطَفان فِي خمسة عشر رجلا. وأمره. أن يشنّ عليهم الغارة.
__________
[1] الوقب: كلّ نقر في الجسد كنقر العين والكتف. ووقب العين نقرتها التي تستقرّ فيها. (انظر الصحاح 234) .
[2] الفدرة: القطعة من كلّ شيء. أو القطعة من اللّحم المطبوخ البارد.
[3] الوشائق: جمع وشقية ووشيق. وهو اللّحم يقدّد حتى ييبس أو يغلي إغلاءة ثم يقدّد.
[4] صحيح مسلم (1935) كتاب الصيد والذبائح. باب إباحة ميتة البحر. وانظر: تاريخ الطبري 3/ 33، وسيرة ابن هشام 4/ 243، والمغازي للواقدي 2/ 777، ونهاية الأرب 17/ 284، 285، وعيون الأثر 2/ 160، والبداية والنهاية 4/ 276، وعيون التواريخ 1/ 286، 287، والسيرة الحلبية 2/ 315.
[5] انظر عنها: الطبقات الكبرى 2/ 132، ونهاية الأرب 17/ 285، 286، وعيون الأثر 2/ 161، وإمتاع الأسماع 1/ 356، وعيون التواريخ 1/ 287، 288.
[6] انظر المغازي للواقدي، 2/ 887- 780.(2/519)
فسار وهجم عَلَى حاضر منهم عظيم فأَحاط به. فصرخ رجل منهم: يا خضرة [1] وقاتل منهم رجال فقتلوا من أشرف [2] لهم. واستاقوا النَّعَم، فكانت مائتي بعيرٍ وألفَيّ [3] شاةٍ. وسبوا سبيًا كثيرًا. وغابوا خمس عشرة ليلة. وذلك فِي شعبان من السّنة.
ثمّ كانت سريَّتُه إلى إضَم [4] عَلَى أثر ذَلِكَ فِي رمضان [5] .
وَفَاةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَانَتْ أَكْبَرَ بَنَاتِهِ. تُوُفِّيَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ [6] وَغَسَّلَتْهَا أُمُّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةُ وَغَيْرُهَا. وَأَعْطَاهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقْوَهُ [7] فَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» [8] . وبِنْتُها أُمامة بِنْت أَبِي العاص [9] ، هي التي كَانَ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلّم يحملها في الصّلاة.
__________
[1] خضرة: أرض لمحارب بنجد. وقيل هي بتهامة من أعمال المدينة. (معجم البلدان 2/ 377) .
[2] في الأصل، ع: أشراف. والتصحيح من ح والواقدي 2/ 779 وطبقات ابن سعد 2/ 132.
[3] في المغازي للواقدي 2/ 780 «ألف» والتصويب من المصادر الأخرى للسريّة.
[4] إضم: بالكسر ثم الفتح، ماء يطؤه الطريق بين مكة واليمامة عند السمينة. ويقال هو واد بجبال تهامة، وهو الوادي الّذي فيه المدينة. ويسمّى من عند المدينة القناة، ومن أعلى منها عند السّدّ يسمّى الشظاة، ومن عند الشظاة إلى أسفل يسمّى إضما إلى البحر. (معجم البلدان 1/ 214، 215) .
[5] انظر عنها: سيرة ابن هشام 4/ 240، الطبقات الكبرى 2/ 133، تاريخ الطبري 3/ 35، 36، نهاية الأرب 17/ 286، عيون الأثر 2/ 161، 162 إمتاع الأسماع 1/ 356.
[6] تاريخ خليفة 92، تاريخ الطبري 3/ 27.
[7] الحقو: الكشح، ويطلق مجازا على الإزار. يقال رمى فلان بحقوه إذا رمى بإزاره.
[8] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 8/ 35 من طريق معن بن عيسى، عن مالك بن أنس، عن أيوب، عن محمد بن سيرين.
[9] انظر عنها (الإصابة 4/ 23 رقم 70) .(2/520)
فتح مكة [1] «زادها اللَّه شرفًا» [2]
قَالَ البكّائي، عَنِ ابن إِسْحَاق [3] : ثمّ إنّ بني بَكْر بْن عَبْد مَنَاة بْن كِنانة عدت عَلَى خُزَاعَة [4] ، وهم عَلَى ماءٍ بأَسفل مكة يقال لَهُ الوَتير [5] . وكان الَّذِي هاج ما بين بَكْر وخُزَاعة رجلًا من بني الحَضْرَميّ [6] خرج تاجرًا، فلمّا توسّط أرضَ خُزاعة عَدَوا عَلَيْهِ فقتلوه وأخذوا ماله. فَعَدَت بنو بكرٍ عَلَى رجلٍ من خُزاعةَ فقتلوه، فَعَدَتْ خُزَاعة قُبَيْل الإسلام على سلمى وكلثوم وذؤيب
__________
[1] انظر عن الفتح: سيرة ابن هشام 4/ 84، طبقات ابن سعد 2/ 134، تاريخ اليعقوبي 2/ 58، تاريخ خليفة 87، المغازي لعروة 208، المغازي للواقدي 2/ 780، فتوح البلدان 1/ 41، تاريخ الطبري 3/ 42، الروض الأنف 4/ 95، عيون الأثر 2/ 163، البداية والنهاية 4/ 278، نهاية الأرب 17/ 287، عيون التواريخ 1/ 288، الدرر في المغازي والسير لابن عبد البرّ 224، جوامع السيرة لابن حزم 223، السنن الكبرى للبيهقي 9/ 120، فتح الباري لابن حجر 8/ 4، صحيح البخاري 5/ 89، صحيح مسلم 3/ 1405 (1780) جامع الأصول لابن الأثير 8/ 358.
[2] هذا الدعاء من زيادات الأصل ولم يرد في ع، ح.
[3] سيرة ابن هشام 4/ 84.
[4] بنو بكر: بطن من كنانة بن خزيمة من العدنانية. وخزاعة: قبيلة من الأزد من القحطانية، اختلف في نسبهم بين المعديّة واليمانيّة.
[5] الوتير ماء لخزاعة بأسفل مكة، قيل إنه ما بين عرفة إلى أدام.
[6] هو فيما يرويه ابن هشام: مالك بن عبّاد الحضرميّ، وكذا عند الطبري 3/ 43.(2/521)
بني الأسود بْن رَزْن الدّيليّ، وهم مَنْخَر [1] بني كنانة وأشرافهم، فقتلوهم بعرفة.
فبينا [90 ب] بنو بَكْر وخُزاعة عَلَى ذَلِكَ حَجَز بينهم الْإِسْلَام، وتشاغل النّاس بِهِ. فلمّا كَانَ صُلح الحُدَيْبية بين رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قريش، كَانَ فيما شرطوا لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَطَ لهم أنّه مَن أحبَّ أنَّ يدخل فِي عقد رسول الله وعهده فليدخل فيه [2] ومن أحبَّ أنَّ يدخل فِي عقد قريش وعهدهم فلْيدْخل فِيهِ. فدخلت بنو بَكْر فِي عقد قريش، ودخلت خُزاعة فِي عقد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنُها وكافرُها.
فلمّا كانت الهدنةُ اغتنمها بنو الدّيْل، أحد بني بَكْر من خُزاعة، وأرادوا أنَّ يصيبوا منهم ثأرًا بأولئك الإِخوة. فخرج نوفل بْن معاوية الدِّيليّ فِي قومه حتّى بيت خُزاعة عَلَى الوَتِير، فاقتتلوا. ورَدَفَتْ قريشٌ بني الديل بالسلاح، وقومٌ من قريش أعانت خُزاعة بأنفسهم، مُسْتَخفين بذلك، حتّى حازوا [3] خُزاعة إلى الحَرَم. فقال قومُ نوفل، اتقِ إلهك ولا تَسْتَحِلّ الحَرَم. فقال: لا إله لي اليوم، والله يا بني كِنانة إنّكم لَتَسْرِقون فِي الحَرَم، أفلا تصيبون فِيهِ ثأركم؟ فقتلوا رجلًا من خُزاعة. ولجأت خُزاعة إلى دار بُدَيْل بْن وَرقاء الخُزَاعي، ودار رافع مولى خُزاعة.
فلمّا تظاهر [4] بنو بَكْر وقريش عَلَى خُزاعة، كَانَ ذَلِكَ نقْضًا للهُدنة التي بينهم وبين رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وخرج عَمْرو بْن سالم الخزاعيّ فقدم على النّبيّ
__________
[1] في طبعة القدسي 485 «مفخر» والتصحيح من سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري. والمنخر هم المتقدّمون، لأن الأنف هو المقدّم من الوجه.
[2] في النسخ الثلاث (معه) وما أثبتناه عن السيرة، وتاريخ الطبري.
[3] في الأصل: جازوا. وحازوهم: ساقوهم.
[4] في السيرة 4/ 86 وتاريخ الطبري 3/ 44 «تظاهرت» .(2/522)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طائفةٍ مستغيثين بِهِ، فوقف عَمْرو عَلَيْهِ، وهو جالس فِي المسجد بين ظَهْرَيِ [1] النّاس فقال:
يا ربّ إنّي ناشدٌ محمَّدا ... حلف أبينا وأبيه الأْتلَدا
قد كنتُمُ ولدًا وكنّا والدا ... ثمت أَسْلَمنا فلم ننزعْ يَدَا
فانصُرْ هَدَاك اللَّه نَصْرًا أعْتَدَا ... وادع عبادَ اللَّه يأتُوا مَدَدا
فيهم رَسُول اللَّهِ قد تجرَّدا ... إنْ سِيمَ خسفًا وجهه تَرَبّدَا
فِي فيلق كالبحر يجري مُزْبدا ... إنّ قُريشًا أَخْلفوك المَوْعِدا
ونقضوا ميثاقَكَ المُؤَكَّدا ... وجعلوا لي فِي كَدَاءَ رَصَدا
وزعموا أنْ لستُ أدعو أحدَا ... وهم أذَلُّ وأقَلُّ عَدَدا
هم بَيَّتُونا بالوَتِير هُجَّدا ... وقتلونا رُكَّعًا وسجدا
فانصُرْ، هداكَ اللَّه، نصرًا أيّدا [2]
فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتَ يا عَمْرو بْن سالم» .
ثمّ عُرِضَ لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنان [3] من السّماء، فقال: إنّ هذه السحابة لتستهلّ [4] بنصر بني كعب، يعني خُزاعة. ثمّ قدم بُدَيل بْن وَرْقاء فِي نفرٍ من خُزاعة عَلَى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه. وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كأنّكم بأبي سُفْيَان قد جاءكم ليشدّ العقْد ويزيد فِي الْمُدَّةِ. ومضى بُدَيْل وأصحابه فلقوا أَبَا سُفْيَان ابن حرب بعُسْفان، قد جاء ليشدّ العقد ويزيد في المدّة، وقد رهبوا الّذي
__________
[1] يقال هو بين ظهريهم وظهرانيهم أي وسطهم وفي معظمهم.
[2] انظر الأبيات في السيرة، والمغازي للواقدي 2/ 789، تاريخ الطبري 3/ 45، نهاية الأرب 17/ 287، 288، عيون التواريخ 1/ 288، عيون الأثر 2/ 164 البداية والنهاية 4/ 278، وشفاء الغرام بتحقيقنا 2/ 175.
[3] العنان: السحاب، واحدته عنانة.
[4] استهلّ المطر، واستهلّ السّحاب بالمطر: اشتدّ انصبابه وارتفع صوت وقعه.(2/523)
صنعوا. فلمّا لقى بُدَيْل بْن وَرْقَاء قَالَ: من أَيْنَ أقبلت يا بُدَيْل؟ وظنّ إِنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: سرتُ فِي خُزاعة على الساحل. قَالَ: أَوَ ما جئتَ محمّدًا؟ قَالَ: لا. فلمّا راح بُدَيْل إلى مكة قَالَ أَبُو سُفْيَان: لئن كَانَ جاء إلى المدينة لقد علف بها النَّوى. فأتى مَبْرَكَ راحلته ففتَّه فرأى فِيهِ النَّوى فقال: أحلِفُ باللَّه لقد أتى محمَّدًا.
ثمّ قدِم أبو سُفْيَان المدينةَ فدخل عَلَى ابنته أمّ حبيبة أمّ المؤمنين. فلمّا ذهب ليجلس عَلَى فراش رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طوَتْه عَنْهُ، فقال: ما أدري أَرَغِبْتِ بي عَنْ هذا الفراش أم رغبت بِهِ عنّي؟ قالت: بل هو فراش رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ رجلٌ مُشْرِكٌ، نجس. قَالَ: والله لقد أصابك يا بُنَيَّةُ بعدي شَرٌّ.
ثمّ خرج حتّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يردّ عَلَيْهِ شيئًا. فذهب إلى أَبِي بَكْر فكلّمه أنَّ يكلّم لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ما أنا بفاعل. ثمّ أتى إلى عُمَر فكلّمه فقال: أنا أشفع لكم إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فو الله لو لم أجد إلّا الذر لجالَدْتُكُم عَلَيْهِ. ثمّ خرج حتّى أتى عليًّا وعنده فاطمة وابنها الحَسَن وهو غلام يَدبّ، فقال: يا عليّ إنّك أَمَسُّ القوم بي رَحِمًا، وإنّي قد جئت فِي حاجةٍ فلا أرجعنّ كما جئت خائبا، فاشفع لي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ويْحَك يا أَبَا سُفْيَان، لقد عزم رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أمرٍ ما نستطيع أنَّ نكلّمه فِيهِ.
فالتفت إلى فاطمة فقال: يا ابْنَة مُحَمَّد، هَلْ لك أنَّ تأمري بُنَيَّكِ هذا فيجير بين النّاس فيكون سيّد العرب إلى آخر الدَّهر؟ قالت: والله ما بلغ بُنيَّ ذَلِكَ، وما يجير أحدٌ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: يا أَبَا حَسَن، إنّي أرى الأمور قد اشتدّت عليّ فانصحني. قَالَ:
والله ما أعلم شيئًا يغني عنك، ولكنك سيّد بني كِنانة، فقُم فأَجِرْ بين النّاس ثمّ الحقْ بأرضك. قَالَ: أو ترى ذَلِكَ مُغْنِيًا عنّي؟ قَالَ: لا والله ما أظنّه،(2/524)
ولكنْ لا أجد لك غيرَ [ذَلِكَ] [1] . فقام أَبُو سُفْيَان فِي المسجد فقال: أيّها النّاس إنّي قد أجَرتْ بين النّاس. ثمّ ركب بعيره وانطلق. فلمّا قدِم عَلَى قريش، قالوا: ما وراءك؟ فقصّ شأنَه، وأنّه أجار بين النّاس. قالوا: فهل أجاز ذَلِكَ مُحَمَّد؟ قَالَ: لا. قالوا: والله إنْ زاد الرجلُ عَلَى أنْ لَعِبَ بك.
ثمّ أَمْرُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجهاز، وأمر أهله أن يجهّزوه. ثم أعلى النّاس بأنّه يريد مكة، وقال: اللَّهمّ خُذْ العيونَ والأخبارَ عَنْ قريش حتّى نَبْغَتَهُم فِي بلادهم. فعن عُرْوة وغيره قالوا: لما أجمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْرَ إلى مكة، كتب حاطب بْن أَبِي بلتعة إلى قريش بذلك مَعَ امْرَأَة، فجعلته فِي رأسها ثم فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونها ثم خرجت بِهِ. وأتى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحيُ بفعْله. فأرسل فِي طلبها عليًّا والزُّبير. وذكر الحديث [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَرَمِ القرشيّ [91 ب] وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسن الشافعي، أنا عبد الرحمن بن عمر بْنِ النَّحَّاسِ، أَنْبَأَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَعْبَانَ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ- وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ- قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ [3] ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا.
__________
[1] سقطت من الأصل وأثبتناها من ع، ح، ومن السيرة لابن هشام 4/ 87، وتاريخ الطبري 3/ 47.
[2] انظر سيرة ابن هشام 4/ 84- 88، تاريخ الطبري 3/ 42- 49، المغازي للواقدي 2/ 780- 798، نهاية الأرب 17/ 287- 291، عيون الأثر 2/ 163- 167، البداية والنهاية 4/ 278- 283، عيون التواريخ 1/ 288- 291، شفاء الغرام 2/ 176- 178.
[3] روضة خاخ: موضع بين الحرمين بقرب حمراء الأسد من المدينة. ذكرها ياقوت ولم يعرّف بموقعها (معجم البلدان 2/ 88) .(2/525)
فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ. قُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، قُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنَقْلَعَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا [1] فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ الله لا تعجل، إنّي كنت امرأ مُلْصَقًا [2] فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَعَكَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِي قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا- إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ- يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ» . فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْني أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ [3] وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ [4] وَأبَوُ دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ [5] كلّهم عن سفيان [6] .
__________
[1] العقاص: جمع عقيصة، وهي ضفيرة الشعير.
[2] عند السهيليّ في الروض الأنف 4/ 98 «كنت عريرا» ثم فسّر العرير وقال: هو الغريب.
[3] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الفتح. (5/ 89) وهو عن قتيبة عن سفيان بالسند المذكور. وباب فضل من شهد بدرا، وفي كتاب الجهاد، باب الجاسوس، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمّة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهنّ، وفي تفسير سورة الممتحنة في فاتحتها، وفي الاستئذان، باب من نظر في كتاب من يحذر من المسلمين ليستبين أمره، وفي استتابة المرتدّين، باب ما جاء في المتأولين. (جامع الأصول 8/ 360، 361) .
[4] صحيح مسلم (2494) كتاب فضائل الصحابة. باب من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة.
[5] سنن أبي داود: كتاب الجهاد. باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلما (2/ 44) .
[6] وأخرجه الترمذي رقم (3302) في تفسير القرآن، باب ومن سورة الممتحنة. وانظر سيرة ابن هشام 4/ 88.(2/526)
أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ [1] : ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قال عمر: كَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِكِتَابٍ فَجِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا حَاطِبُ مَا دَعَاكَ إِلَى هَذَا؟ قَالَ: كَانَ أَهْلِي فِيهِمْ وَخَشِيتُ أَنْ يَصْرِمُوا عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ أَكْتُبُ كِتَابًا لا يَضُرُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
فَاخْتَرَطْتُ [2] السَّيْفَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَدْ كَفَرَ. فَقَالَ:
«وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهُ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [3] .
وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَحْوَهُ [4] ، وَزَادَ: فَنَزَلَتْ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ 60: 1 [5] . وعن ابن إِسْحَاق [6] ، قَالَ: عَنِ ابن عبّاس قَالَ: ثمّ مضى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسَفَره، واستعمل عَلَى المدينة أَبَا رُهْم الغِفَاريّ. وخرج لعشْرٍ مضين من رمضان. فصام وصام النّاس معه، حتّى إذا كَانَ بالكُدَيْد، بين عُسْفان وأمَج أفطر. اسم أبي رُهْم: كُلْثوم بْن حُصَيْن.
وقال سَعِيد بْن بشير، عَنْ قَتَادَة: إنّ خُزاعة أسلمت فِي دارهم، فقبل رسولا اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إسلامَها، وجعل إسلامها فِي دارها.
وقال سَعِيد بْن عَبْد العزيز، وَغَيْرُهُ: إِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدخل فِي عهده يوم الحُدّيبية خزاعة.
__________
[1] في الأصل: الزيدي. والتصحيح من ع، ح ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (10/ 370) .
[2] في الأصل: فاختطفت. وأثبتنا عبارة ع، ح.
[3] قال ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 284: أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من حديث سفيان ابن عيينة، وقال الترمذي: حسن صحيح. وانظر الطبري 3/ 49.
[4] سيرة ابن هشام 4/ 88.
[5] سورة الممتحنة: من الآية الأولى.
[6] سيرة ابن هشام 4/ 88، تاريخ الطبري 3/ 50، شفاء الغرام 2/ 180.(2/527)
وقال [92 أ] الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ خُزَاعَةُ حِلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنُفَاثَةُ [1] حِلْفَ أَبِي سُفْيَانَ. فَعَدَتْ نُفَاثَةُ على خزاعة، فأمدّتها قريش. فلم يغز رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا حَتَّى بَعَثَ إِلَيْهِمْ ضَمْرَةَ، فَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ إِحْدَى ثَلاثٍ: أَنْ يَدُوا قَتْلَى خُزَاعَةَ، وَبَيْنَ أَنْ يَبْرَءُوا مِنْ حِلْفِ نُفَاثَةَ، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ على سواء. قالوا:
ننبذ عَلَى سَوَاءٍ. فَلَمَّا سَارَ نَدَمَتْ قُرَيْشٌ، وَأَرْسَلَتْ أَبَا سُفْيَانَ يَسْأَلُ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ.
وَقَالَ: ابْنُ لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال [2] : كَانَتْ بَيْنَ نُفَاثَةَ مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَبَيْنَ بَنِي كَعْبٍ، حَرْبٌ. فَأَعَانَتْ قُرَيْشٌ وَبَنُو كِنَانَةَ بَنِي نُفَاثَةَ عَلَى بَنِي كَعْبٍ. فَنَكَثُوا الْعَهْدَ إِلَّا بَنُو مُدْلِجٍ، فَإِنَّهُمْ وَفَوْا بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَشِعْرَ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نُصِرْتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِي كَعْبٍ مِمَّا أَنْصُرُ مِنْهُ نَفْسِي» . فَأَنْشَأَتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ تَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ، أَبْصِرُوا أَبَا سُفْيَانَ فَإِنَّهُ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ يَلْتَمِسُ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ وَالزِّيَادَةَ فِي الْمُدَّةِ» [3] .
فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ جدّد العهد وَزِدْنَا فِي الْمُدَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ لِذَلِكَ قَدِمْتَ؟ هَلْ كان من حَدَثَ قَبْلَكُمْ؟» قَالَ:
مَعَاذَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ عَلَى عَهْدِنَا وَصُلْحِنَا» . ثُمَّ ذَكَرَ ذَهَابَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ أَكْبَرُ قُرَيْشٍ فَأَجِرْ بَيْنَهَا.
قَالَ: صَدَقْتَ إِنِّي كَذَلِكَ فَصَاحَ: أَلا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بين النّاس، وما أظنّ أن يردّ جِوَارِي وَلا يَحْقِرَ بِي. قَالَ: أَنْتَ تَقُولُ ذاك يا أبا حنظلة؟ ثم خرج.
__________
[1] نفاثة: بطن من كنانة من بني الدئل بن بكر بن عبد مناة.
[2] المغازي لعروة 208.
[3] انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 134 والمغازي للواقدي 2/ 791.(2/528)
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَدْبَرَ: «اللَّهمّ سُدَّ عَلَى أَبْصَارِهِمْ وَأَسْمَاعِهِمْ فَلا يَرَوْنِي إِلا بَغْتَةً» . فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَحَدَّثَ قَوْمَهُ، فَقَالُوا: أَرَضِيتَ بِالْبَاطِلِ وَجِئْتَنَا بِمَا لا يُغْنِي عَنَّا شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَعِبَ بِكَ عَلَيَّ.
وَأَغْبَرَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَازِ، مُخْفِيًا لِذَلِكَ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ، فَرَأَى شَيْئًا مِنْ جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فأنكر وقال: أين يريد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: تَجَهَّزَ [2] ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَازٍ قَوْمَكَ، قَدْ غَضِبَ لِبَنِي كعب. فدخل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشْفَقَتْ عَائِشَةُ أَنْ يَسْقُطَ أَبُوهَا بِمَا أَخْبَرَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فأشارت إلى أبيها بعينها، فسكت. فمكث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً يَتَحَدَّثُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَجَهَّزْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ؟ قَالَ: لِمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِغَزْوِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ، وَإِنَّا غَازُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .
وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْغَزْوِ، فَكَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى قُرَيْشٍ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ. وَقَالَ:
ثُمَّ [3] خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثني عشر ألفا من المهاجرين، [92 ب] وَالأَنْصَارِ، وَأَسْلَمَ، وَغِفَارٍ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَبَنِي سُلَيْمٍ. وَقَادُوا الْخُيُولَ حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِهِمْ قُرَيْشٌ. قَالَ، فَبَعَثُوا حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَأَبَا سُفْيَانَ وَقَالُوا: خُذُوا لَنَا جِوَارًا أَوِ آذِنُوا [4] بِالْحَرْبِ. فَخَرَجَا فَلَقِيَا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَاسْتَصْحَبَاهُ، فَخَرَجَ مَعَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالأَرَاكِ [5] بِمَكَّةَ، وَذَلِكَ عِشَاءً، رَأَوُا الْفَسَاطِيطَ وَالْعَسْكَرَ، وسمعوا صهيل الخيل ففزعوا. فقال:
__________
[1] أغبر في الأمر: جدّ في طلبه.
[2] في الأصل: نجهزه والتصحيح من ح.
[3] من هنا يبدأ الحديث في المطبوع من المغازي لعروة 209.
[4] في مغازي عروة «آذنوه» .
[5] الأراك: فرع من دون ثافل (جبل) قرب مكة، وقيل موضع من نمرة في موضع من عرفة.
(معجم البلدان 1/ 135) .(2/529)
هَؤُلاءِ بَنُو كَعْبٍ جَاشَتْ بِهِمُ الْحَرْبُ. قَالَ بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب، ما بلغ تأليبها هَذَا [1] .
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَيْلا [2] لا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَمْضِي. فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَتْهُمُ الْخَيلُ تَحْتَ اللَّيْلِ وَأَتَوْا بِهِمْ. فَقَامَ عُمَرُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ فَوَجَأَ عُنُقَهُ، وَالْتَزَمَهُ الْقَوْمُ وَخَرَجُوا بِهِ لِيَدْخُلُوا عَلَى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم به، فحسبه الْحَرَسُ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَافَ الْقَتْلَ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَالِصَةً لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلا تَأْمُرُ بِي [3] عَبَّاسُ؟ فَأَتَاهُ فَدَفَعَ عَنْهُ، وَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ. فَرَكِبَ بِهِ تَحْتَ اللَّيْلِ، فَسَارَ بِهِ فِي عَسْكَرِ الْقَوْمِ حَتَّى أَبْصَرَهُ [4] أَجْمَعَ.
وَكَانَ عُمَرُ قَالَ لَهُ حِينَ وَجَأَهُ: لا تَدْنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمُوتَ.
فَاسْتَغَاثَ بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ: إِنِّي مَقْتُولٌ. فَمَنَعَهُ مِنَ النَّاسِ. فَلَمَّا رَأَى كَثْرَةَ الْجَيْشِ قَالَ: لَمْ أَرَ كَاللَّيْلَةِ جَمْعًا لِقَوْمٍ. فَخَلَّصَهُ [5] عَبَّاسٌ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: إِنَّكَ مَقْتُولٌ إِنْ لَمْ تُسْلِمْ وَتَشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يقول الّذي يأمره عبّاس، ولا ينطلق بِهِ لِسَانُهُ وَبَاتَ مَعَهُ.
وَأَمَّا حَكِيمٌ وَبُدَيْلٌ فَدَخَلا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَا. وَجَعَلَ يَسْتَخْبِرُهُمَا عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
فَلَمَّا نُودِيَ بِالْفَجْرِ تَجَسَّسَ الْقَوْمُ، فَفَزِعَ أَبُو سفيان وقال: [يا] [6]
__________
[1] في المغازي لعروة زيادة بعدها: «أفتنتجع هوازن أرضنا؟ والله ما نعرف هذا أيضا إن هذا لمثل حاج النّاس» .
[2] في المغازي لعروة 209 «بين يديه خيلا تقبض العيون وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي» . وانظر فتح الباري لابن حجر 8/ 7.
[3] في المغازي لعروة 209 «لي» .
[4] في المغازي لعروة 209 «أبصروه» .
[5] في الأصل: فجعله. والتصحيح من ح. ومغازي عروة 210.
[6] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ح. ومن مغازي عروة.(2/530)
عَبَّاسُ، مَا يُرِيدُونَ؟ قَالَ: سَمِعُوا النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ فَتَبَشَّرُوا [1] بِحُضُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ يَمُرُّونَ إِلَى الصَّلاةِ، وَأَبْصَرَهُمْ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا عَبَّاسُ، مَا يَأْمُرُهُمْ بِشَيْءٍ إِلا فَعَلُوهُ؟! فَقَالَ:
لَوْ نَهَاهُمْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لأَطَاعُوهُ، فَقَالَ، يَا عَبَّاسُ، فَكَلِّمْهُ فِي قَوْمِكَ، هَلْ عِنْدَهُ مِنْ عَفْوٍ عَنْهُمْ؟ فَانْطَلَقَ عَبَّاسٌ بِأَبِي سُفْيَانَ حَتَّى أَدْخَلَهُ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مُحَمَّدُ قَدِ اسْتَنْصَرْتَ بِإِلَهِي واستنصرت بإلهك، فو الله مَا لَقِيتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلا ظَهَرْتَ عَلَيَّ، فَلَوْ كَانَ إِلَهِي مُحِقًّا وَإِلَهُكَ بَاطِلا ظَهَرْتُ عَلَيْكَ، فَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي إلى قومك فأنذرهم مَا نَزَلَ بِهِمْ، وَأَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَأَذِنَ لَهُ. قَالَ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: «من قال لا إله إلّا الله [93 أ] وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَكَفَّ يَدَهُ، فَهُوَ آمِنٌ. وَمَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَوَضَعَ سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ. وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ عَمِّنَا، فَأُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ مَعِي، وَقَدْ خَصَصْتَهُ [2] بِمَعْرُوفٍ. فَقَالَ:
مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ. فَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَسْتَفْهِمُهُ [3] . وَدَارَ أَبِي سُفْيَانَ بِأَعْلَى مَكَّةَ. وَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارَكَ يَا حَكِيمُ فَهُوَ آمِنٌ. وَدَارُ حَكِيمٍ فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ.
وَحَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ الَّتِي أَهْدَاهَا إِلَيْهِ دِحْيةُ الْكَلْبِيُّ، فَانْطَلَقَ الْعَبَّاسُ وَأَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَرْدَفَهُ. ثُمَّ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِثْرِهِ، فَقَالَ: أَدْرِكُوا الْعَبَّاسَ فَرُدُّوهُ عَلَيَّ. وَحَدَّثَهُمْ بِالَّذِي خَافَ عَلَيْهِ. فَأَدْرَكَهُ
__________
[1] في المغازي لعروة «يتيّسرون لحضور» .
[2] في المغازي لعروة: 21 «فلو اختصصته بمعروف» .
[3] في المغازي لعروة «يستفقهه» .(2/531)
الرَّسُولُ، فَكَرِهَ عَبَّاسٌ الرُّجُوعَ، وَقَالَ: أَتَرْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَرْجِعَ أَبُو سُفْيَانَ رَاغِبًا فِي قِلَّةِ النَّاسِ فَيَكْفُرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ؟ فَقَالَ: احْبِسْهُ فَحَبَسَهُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: غَدْرًا يَا بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقَالَ عَبَّاسٌ: إِنَّا لَسْنَا نَغْدِرُ، وَلَكِنْ بِي إِلَيْكَ بَعْضُ الْحَاجَةِ. فَقَالَ: وَمَا هِيَ، فَأَقْضِيهَا لَكَ؟ قَالَ: إِنَّمَا نَفَاذُهَا حِينَ يَقْدَمُ عَلَيْكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ. فَوَقَفَ عَبَّاسٌ بِالْمَضِيقِ دُونَ الأَرَاكِ، وَقَدْ وَعَى مِنْهُ أَبُو سُفْيَانَ حَدِيثَهُ.
ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلَ بَعْضَهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ، وَقَسَمَ الْخَيْلَ شَطْرَيْنِ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ فِي خَيْلٍ عَظِيمَةٍ. فَلَمَّا مَرُّوا بأبي سفيان قال للعبّاس:
مَنْ هَذَا؟ قَالَ: الزُّبَيْرُ. وَرِدْفُهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالْجَيْشِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ وَقُضَاعَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا يَا عَبَّاسُ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنْ هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي كَتِيبَةِ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: الْيَوْمَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ. ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي كَتِيبَةِ الإِيمَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ.
فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ وُجُوهًا كَثِيرَةً لا يَعْرِفُهَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اخْتَرْتَ هَذِهِ الْوُجُوهَ عَلَى قَوْمِكَ؟ قَالَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ وَقَوْمُكَ. إِنَّ هَؤُلاءِ صَدَّقُونِي إِذْ كَذَّبْتُمُونِي، وَنَصَرُونِي إِذْ أَخَّرْتُمُونِي، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ هؤلاء يا عبّاس؟ قال: هذه كتيبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومع هذه الموت الأحمر، هَؤُلاءِ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، قَالَ: امْضِ يَا عَبَّاسُ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ جُنُودًا قَطُّ وَلا جَمَاعَةً، وَسَارَ الزُّبَيْرُ بِالنَّاسِ حَتَّى إِذَا وَقَفَ بِالْحَجُونِ [1] ، وَانْدَفَعَ خَالِدٌ حَتَّى دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ. فلقيته بنو بكر فقاتلهم
__________
[1] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها. وهو بالفتح ثم الضم. (معجم البلدان 2/ 225) .(2/532)
فَهَزَمَهُمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ، وَمِنْ هذيل ثلاثة [93 ب] أَوْ أَرْبَعَةً، وَهُزِمُوا وَقُتِلُوا بِالْحَزْوَرَةَ [1] ، حَتَّى دَخَلُوا الدُّورَ، وَارْتَفَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُ عَلَى الْجَبَلِ عَلَى الْخَنْدَمَةِ، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِالسُّيُوفِ.
وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، وَنَادَى مُنَادٍ: مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُو آمِنٌ [2] . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَازِلا بِذِي طُوًى، فَقَالَ: «كَيْفَ قَالَ حَسَّانٌ» ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: قَالَ:
عدمت بنيّتي [3] إن لم تروها ... تثير النّفع مِنْ كَتِفَيْ كُدَاءِ [4]
فَأَمَرَهُمْ فَأَدْخَلُوا الَخْيَل مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانٌ. فَأُدْخِلَتْ مِنْ ذِي طُوًى مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ. وَاسْتَحَرَّ الْقَتلُ بِبَنِي بَكْرٍ. فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مَكَّةَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ 90: 1- 2 [5] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أُحِلَّتِ الْحُرْمَةُ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلا بَعْدِي، وَلا أُحِلَّتْ لِي إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
وَنَادَى أَبُو سُفْيَانَ بِمَكَّةَ: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا [6] . وَكَفَّهُمُ اللَّهُ عَنْ عَبَّاسٍ.
فَأَقْبَلَتْ هِنْدٌ فَأَخَذَتْ بِلِحْيَةِ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ نَادَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ اقْتُلُوا الشَّيْخَ الأَحْمَقَ. قَالَ: أَرْسِلِي لِحْيَتِي، فأقسم لئن أنت لم تسلمي ليضربنّ
__________
[1] الحزورة: بالفتح ثم السكون وفتح الواو والراء. وهو في اللغة: الرابية الصغيرة وجمعها حزاور. سوق مكة وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه. (معجم البلدان 2/ 255) .
[2] حتى هنا رواية عروة في المغازي 211.
[3] وفي رواية «ثنيّتي» ، والبيت من جملة أبيات ستأتي بعد قليل.
[4] كداء: (بالفتح والمد) بأعلى مكة عند المحصب، دار النبي صلّى الله عليه وسلّم، من ذي طوى إليها. وقيل هي العقبة الصغرى التي بأعلى مكة وهي التي تهبط منها إلى الأبطح والمقبرة منها عن يسارك، وأما العقبة الوسطى التي بأسفل مكة فهي كدي (بالضمّ والقصر) . وقد اختلف في ذلك، (انظر معجم البلدان 4/ 439- 441) .
[5] سورة البلد. الآيتان 1، 2.
[6] في الأصل: أسلموا أسلموا. وأثبتنا عبارة ع، ح. ومغازي عروة 211.(2/533)
عُنُقُكِ، وَيْلَكِ، جَاءَنَا بِالْحَقِّ ادْخُلِي بَيْتَكِ وَاسْكُنِي.
وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ [1] .
وَفَرَّ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ عَامِدًا لِلْبَحْرِ، وَفَرَّ عِكْرِمَةُ عَامِدًا لِلْيَمَنِ. وَأَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَمِّنْ صَفْوَانَ فَقَدْ هَرَبَ، وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ تَهْلِكَ نَفْسُهُ فَأَرْسِلْنِي إِلَيْهِ بِأَمَانٍ قَدْ أمّنت الأحمر والأسود، وفقال:
أَدْرِكْهُ فَهُوَ آمِنٌ. فَطَلَبَهُ عُمَيْرٌ فَأَدْرَكَهُ وَدَعَاهُ فَقَالَ: قَدْ أمَّنَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللَّهِ لا أُوقِنُ لَكَ حَتَّى أَرَى عَلامَةً بِأَمَانِي أَعْرِفُهَا. فَرَجَعَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَ حَبْرَةٍ كَانَ مُعْتَجِرًا بِهِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ، فَأَقْبَلَ عُمَيْرٌ، فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَنِي مَا يَقُولُ هَذَا مِنَ الأَمَانِ؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: اجْعَلْ لِي شَهْرًا قَالَ: لَكَ شَهْرَانِ، لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكِ [2] . وَاسْتَأْذَنَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمَةٌ، وَهِيَ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ. فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِ زَوْجِهَا، فَأَذِنَ لَهَا وَأَمَّنَهُ، فَخَرَجَتْ بِعَبْدٍ لَهَا رُومِيٍّ فَأَرَادَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تُمَنِّيهِ وَتُقَرِّبُ لَهُ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى نَاسٍ مِنْ عَكٍّ [3] فَاسْتَغَاثَتْهُمْ عَلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ، فَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا بِبَعْضِ تِهَامَةَ وَقَدْ رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ فِيهَا نَادَى بِاللاتِ وَالْعُزَّى.
فَقَالَ أَصْحَابُ السفينة: لا يجوز هاهنا مِنْ دُعَاءٍ بِشَيْءٍ إِلا اللَّهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا، فقال عكرمة: والله لئن كان في الْبَحْرُ، إِنَّهُ لَفِي الْبَرِّ وَحْدَهُ [4] ، أُقْسِمُ باللَّه،
__________
[1] المغازي لعروة 211 وقال: رواه الطبراني مرسلا وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف.
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 170- 173.
[2] وفي سيرة هشام 4/ 105 «قال: أنت بالخيار فيه أربعة أشهر» .
[3] عك قبيلة من قبائل اليمن.
[4] في ح: لئن كان في البحر إنه لفي البر وحده. وما أثبتناه عن الأصل وع، وعن المغازي لعروة 212.(2/534)
لأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ مَعَ امْرَأَتِهِ، فدخل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعه، وقبل منه.
ودخل [94 أ] رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَلامَتْهُ وَعَيَّرَتْهُ بِالْفِرَارِ، فَقَالَ:
وَأَنْتِ لَوْ رَأَيْتِنَا بِالْخَنْدَمَهْ ... إِذْ فَرَّ صَفْوَانُ وَفَرَّ عِكْرِمَهْ
قَدْ لَحِقَتْهُمُ السُّيُوفُ الْمُسلِمَهْ ... يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ
لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ [1]
وَكَانَ دُخُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ. وَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَفْوَانَ فِيمَا زَعَمُوا مِائَةَ دِرْعٍ وَأَدَاتِهَا، وَكَانَ أَكْثَرَ شَيْءٍ سِلاحًا.
وَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : مَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلافٍ. فَسَبَّعَتْ سُلَيْمٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَلَّفَتْ سُلَيْمٌ، وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ [3] . وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ.
وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ. قَالَ عبد الملك ابن هشام: لقيه بالجحفة [4] مهاجرا بعياله.
__________
[1] الخبر والشعر في المغازي لعروة 212 وانظر سيرة ابن هشام 4/ 92، وتاريخ الطبري 3/ 58، ونهاية الأرب 17/ 306، وعيون الأثر 2/ 173، وعيون التواريخ 1/ 300 والبداية والنهاية 4/ 297 وقال عروة: رواه الطبراني، وهو مرسل، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 174، 175، والحاكم في المستدرك 3/ 241، 242، والقاضي المكيّ الفاسي في شفاء الغرام 2/ 222.
[2] سيرة ابن هشام 4/ 106.
[3] سبّعت سليم، يعني كانوا سبعمائة، وألّفت: كانوا ألفا.
[4] الجحفة: قرية على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وهي أحد المواقيت وكانت تسمّى مهيعة، فاجتحفها السيل في بعض الأعوام فسمّيت الجحفة. (معجم البلدان 2/ 111) .(2/535)
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن أبي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَبْقِ الْعُقَابِ [2]- فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ- فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ. قَالَ: لا حاجة لي بهما، أمّا ابن عمّي فهتك عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ. فَلَمَّا بَلَغَهُمَا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَتَأْذَنَنَّ لِي أَوْ لآخُذَنَّ بِيَدِ بُنَيَّ هَذَا ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَا، وَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلا وَأَسْلَمَا وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَكَالْمُدْلِجِ [3] الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ ... فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدِي وَأَهْتَدِي
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي ... إِلَى اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ [4] كُلَّ مُطَرَّدِ
أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ ... وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِن مُحَمَّدِ [5]
فَذَكَرُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ ضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وقال: أنت طردتني كلّ مطرد [6] . وقال سعيد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا لِغَزْوَةِ فَتْحِ مَكَّةَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُوَّامًا.
فَلَمَّا كُنَّا بِالْكَدِيدِ، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفطر.
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 88، 89.
[2] نبق العقاب: موضع بين مكة والمدينة قرب الجحفة. (معجم ما استعجم 595) .
[3] المدلج: الّذي يسير ليلا.
[4] في طبعة القدسي 500 «طرده» والتصحيح من السيرة وغيرها.
[5] الأبيات في سيرة ابن هشام 4/ 89، ونهاية الأرب 17/ 307، والبداية والنهاية 4/ 287، وعيون التواريخ 1/ 292 مع اختلاف بعض الألفاظ في بعضها.
[6] سيرة ابن هشام 4/ 89.(2/536)
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ فِي مَخْرَجِهِ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النَّاسُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمرّ الظّهران، وهو يتغدّى فَقَالَ: «الْغَدَاءُ» فَقَالَا: إِنَّا صَائِمَانِ، فَقَالَ: «اعْمَلُوا لصاحبيكم، ارحلوا لصاحبيكم، كلا، كلا» . مرسل [94 ب] وَقَوْلُهُ: هَذَا مُقَدَّرٌ بِالْقَوْلِ يَعْنِي يُقَالُ هَذَا لِكَوْنِكُمَا صَائِمَيْنِ [2] . وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةِ، فَسَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ، يَصُومُ وَيَصُومُونَ. حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، فَأَفْطَرَ، وَأَفْطَرَ النَّاسُ. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ. وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بالآخر فالآخر مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خلت من رمضان. أخرجه (خ) و (م) دُونَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ [3] . وَكَذَا وَرَّخَهُ يُونُسُ عَنِ الزّهريّ [4] .
__________
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان (5/ 90) .
[2] أخرجه النسائي في كتاب الصيام، ما يكره من الصيام في السفر، باب ذكر اسم الرجل (4/ 177) .
[3] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان 5/ 90 وفي الصوم، باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر، وفي الجهاد، باب الخروج في رمضان، وصحيح مسلم (113) كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إلخ.
[4] صحيح مسلم 2/ 785.(2/537)
وقال عَبْد اللَّه بْن إدريس، عَنِ ابن إسحاق، عن ابن شهاب، ومحمد ابن عليّ بن الحسين، وعمرو بْن شُعَيْب، وعاصم بْن عُمَر وغيرهم قَالُوا:
كان فتح مكة في شعر بقين من رمضان.
وقال الواقديّ [1] : خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأربعاء لعشر خَلَوْن من رمضان بعد العصر. فما حلّ عقْده حتى انتهى إلى الصُلْصُل [2] . وخرج المسلمون وقادوا الخيلَ وامتَطُوا الإِبل، وكانوا عشرة آلاف [3] .
وذكر عُرْوَةُ وموسى بْن عُقْبة أنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج فِي اثني عشر ألفًا [4] .
وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ بِأَبِي سُفْيَانَ فَأَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الْفَخْرَ، فَلَوْ جَعَلْتَ لَهُ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ [5] .
زَادَ فِيهِ الثِّقَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَمَا تَسَعُ دَارِي؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ: وَمَا تَسَعُ الْكَعْبَةُ؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ. قَالَ: وَمَا يَسَعُ الْمَسْجِدُ؟ قَالَ: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ. فَقَالَ: هَذِهِ وَاسِعَةٌ [6] . وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ
__________
[1] انظر: المغازي للواقدي (2/ 801) .
[2] الصلصل: موضع بنواحي المدينة على سبعة أميال منها. (معجم البلدان 3/ 421) .
[3] وهذا الرقم يؤيّده ابن هشام في السيرة 4/ 106.
[4] هذا الخبر ليس موجودا في المطبوع من المغازي لعروة. وانظر: شفاء الغرام 2/ 248.
[5] سيرة ابن هشام 4/ 90.
[6] سيرة ابن هشام 4/ 91.(2/538)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ وَقَدْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ: يَا صَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ لَئِنْ بَغَتَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَنْوَةً، إِنَّهُ لَهَلاكُ قُرَيْشٍ آخِرَ الدَّهْرِ. فَجَلَسَ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ، وَقَالَ أَخْرُجُ إِلَى الأَرَاكِ لَعَلِّي أَرَى حُطَّابًا أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ، أَوْ دَاخِلا يَدْخُلُ مَكَّةَ. فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأتوه فيستأمنوه، فخرجت فو الله إِنِّي لأَطُوفُ بِالأَرَاكِ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَقَدْ خَرَجُوا يَتَجَسَّسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ نِيرَانًا، فَقَالَ بُدَيْلٌ: هَذِهِ نِيرَانُ خُزَاعَةَ حَمَشَتْهَا [1] الحرب، فقال [95 أ] أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَلأَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَذَلُّ. فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: لَبَّيْكَ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَا وَرَاءَكَ؟ قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ فِي النَّاسِ قَدْ دَلَفَ إِلَيْكُمْ بِمَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فِي عَشَرَةِ آلافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: فَكَيْفَ الْحِيلَةُ؟ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي.
فَقُلْتُ: تَرْكَبُ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ، فَأَسْتَأْمِنُ لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. فَرَدَفَنِي فَخَرَجْتُ أَرْكُضُ بِهِ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ نَظَرُوا إِلَيَّ وَقَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ فَقَالَ لأَبِي سُفْيَانَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلا عَقْدٍ. ثُمَّ اشْتَدَّ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَكَضَتِ الْبَغْلَةُ حَتَّى اقْتَحَمَتْ بَابَ الْقُبَّةِ وَسَبَقَتْ عُمَرَ بِمَا تَسْبِقُ بِهِ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ [2] .
وَدَخَلَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللَّهِ، قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلا عَقْدٍ، فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنّي قد
__________
[1] حمشتها الحرب: أي جمعتها وأثارتها.
[2] انظر سيرة ابن هشام 4/ 89، 90.(2/539)
أمَّنْتُهُ. ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا يُنَاجِيهِ اللَّيْلَةَ أَحَدٌ دُونِي. فَلَمَّا أَكْثَرَ فيه عمر، قلت: مهلا يا عمر، فو الله مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلا لأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَلَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا. فَقَالَ: مهلا يا عبّاس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليّ من إسلام الخطّاب لو أسلم. وما ذاك إلّا لأنّي قد عرفت أنّ إسلامك كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِسْلامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ بِهِ فَقَدْ آمَنَّاهُ، حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَيَّ الْغَدَاةَ، فَرَجَعَ بِهِ الْعَبَّاسُ إِلَى مَنْزِلِهِ [1] .
فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟ فَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَكْرَمَكَ، وَاللَّهِ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا بَعْدُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ أَوَ لَمْ يَأْنِ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَكْرَمَكَ، أَمَّا هَذِهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا شَيْئًا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ فَقُلْتُ:
وَيْلَكَ تَشَهَّدْ شَهَادَةَ الْحَقِّ قَبْلَ، وَاللَّهِ، أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ. فَتَشَهَّدَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَشَهَّدَ: «انْصَرِفْ بِهِ يَا عَبَّاسُ فَاحْبِسْهُ عِنْدَ حَطْمِ الْجَبَلِ [2] بِمَضِيقِ الْوَادِي، حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْهِ جُنُودُ اللَّهِ» .
فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا يَكُونُ لَهُ فِي قَوْمِكَ فَقَالَ: «نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» . فَخَرَجْتُ بِهِ حَتَّى حبسته عند حطم الْجَبَلِ بِمَضِيقِ الْوَادِي. فَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْقَبَائِلُ، فَيَقُولُ: من
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 90.
[2] حطم الجبل: الموضع الّذي حطم منه أي ثلم فبقي منقطعا، أو هو مضيق الجبل حيث يزحم بعضه بعضا. وفي رواية: خطم الجبل أي أنفه البادر منه. وفي البخاري: حطم الخيل، رواية أخرى. (انظر صحيح البخاري- المغازي، باب أين ركّز النّبي صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح- 5/ 91) .(2/540)
هَؤُلاءِ يَا عَبَّاسُ؟ فَأَقُولُ: سُلَيْمٌ. فَيَقُولُ: مَا لي ولسليم. وتمرّ به [95 ب] القبيلة فيقول: من هذه؟ فأقول: أَسْلَمُ. فَيَقُولُ مَا لِي وَلأَسْلَمَ. وَتَمُرُّ جُهَيْنَةُ. حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فِي الْحَدِيدِ، لا يُرَى مِنْهُمْ إِلا الْحَدَقُ. فَقَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ، مَنْ هَؤُلاءِ؟
فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ. فَقَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا. فَقُلْتُ: وَيْحَكَ، إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ:
فَنَعَمْ إِذَنْ. قُلْتُ: الْحَقِ الآنَ بِقَوْمِكَ فَحَذِّرْهُمْ. فَخَرَجَ سَرِيعًا حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ، فَصَرَخَ فِي الْمَسْجِدِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ. فَقَالُوا: فَمَهْ؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ. فَقَالُوا: وَمَا دَارُكَ، وَمَا تُغْنِي عَنَّا؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ دَارَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ آمِنٌ.
هَكَذَا رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولا، وَأَمَّا أَبُو أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيُّ فَأَرْسَلَهُ. وقد رواه ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ: يَا أبا عبد الله، هاهنا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرَكِّزَ الرَّايَةَ.
قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ. وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدًى، فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلانِ: حُبَيْشُ بْنُ الأشعر، وكرز بن جابر الفهريّ [2] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 89، 90 تاريخ الطبري 3/ 52- 54، الأغاني 6/ 352- 354، نهاية الأرب 17/ 299- 302.
[2] أخرجه البخاري في المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح (5/ 91، 92) .(2/541)
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَخْفَى اللَّهُ تَعَالَى مَسِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، حَتَّى نَزَلَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ.
وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: «لِمَ قَاتَلْتَ، وَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنِ الْقِتَالِ» ؟ قَالَ: هُمْ بَدَءُونَا بِالْقِتَالِ وَوَضَعُوا فِينَا السِّلَاحَ وَأَشْعَرُونَا بِالنَّبْلِ، وَقَدْ كَفَفْتُ يَدَيْ مَا اسْتَطَعْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ» [1] . ويقال: قَالَ أَبُو بَكْر يومئذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أراني فِي المنام وأراك دَنَوْنا من مكة، فخرجتْ إلينا كلْبةٌ تهرّ [2] . فلمّا دنونا منها استلْقَتْ عَلَى ظهرها، فإذا هِيَ تشخبُ لَبَنًا [3] . فقال: ذهبَ كلْبُهم وأقبل درُّهُم، وهم سائلوكم بأرحامكم وإنّكم لاقون بعضَهم، فإنْ لقيتم أَبَا سُفْيَان فلا تقتلوه» . فلقوا أَبَا سُفْيَان وحكيمًا بمرّ [الظَّهْران] [4] . وقال حسّان: [5]
عدِمْتُ بُنَيَّتي إنْ لم تروها ... تُثِير النقع موعِدُها كداء
ينازعن الأعنّة مصحبات ... يلطمهنّ بالخُمُرِ النّساءُ
فإنْ أعرضْتُم عنّا اعْتَمْرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء
__________
[1] المغازي لعروة 121 وأورده البيهقي في السنن الكبرى 9/ 121 بإسناده عن ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، وعن طريق موسى بن عقبة واللفظ له.
[2] هرّ الكلب إليه يهرّ، بالكسر، هريرا وهرّة، أي هرير الكلب، صوته. وهو دون نباحه من قلّة صبره على البرد. (تاج العروس 14/ 420) .
[3] شخبت اللّبن: حلبته.
[4] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع.
[5] ديوانه: ص 4- 10 باختلاف كبير في الألفاظ وانظر: عيون الأثر 2/ 181، 182، شفاء الغرام 2/ 221، سيرة ابن هشام 4/ 106، 107 البداية والنهاية 4/ 310 عيون التواريخ 1/ 310، 312.(2/542)
وإلّا فاصْبِروا لجلاد يومٍ ... يُعِزّ اللَّه فِيهِ مَن يشاءُ
وجبريلُ رَسُول اللَّهِ فينا ... وَرُوحُ القدُسِ ليس لَهُ كفاءُ
هجوتَ محمَّدًا فأجبتُ عنهُ ... وعندَ الله في ذاك الجزاء
[96 أ] فمن يهجو رَسُول اللَّهِ منكم ... ويمدحهُ وينصرُهُ سَوَاءُ
لساني صارمٌ لا عيبَ فِيهِ ... وبحري ما تُكَدِّرُهُ الدِّلاءُ
فذكروا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبسّم إلى أَبِي بَكْر حين رَأَى النّساء يلطمن الخيل بالخُمُر، أي ينفضن الغُبار عَنِ الخيل.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اهجو قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ» . وأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجم» . فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب ابن مَالِكٍ، ثُمَّ أُرْسِلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ [1] . ثُمَّ أَدْلَعَ [2] لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ فَرْيَ الْأَدِيمِ [3] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا تَعْجَلْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا، حَتَّى يُخَلِّصَ [4] لِي نَسَبِي» . فَأَتَاهُ حَسَّانُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قد أخلص [4] لي نسبك، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ [5] الشَّعْرةُ من العجين.
__________
[1] الضارب بذنبه: المراد بذنبه: لسانه.
[2] أدلع لسانه: أخرجه عن الشفتين.
[3] أي لأمزّقنّ أعراضهم تمزيق الجلد.
[4] في صحيح مسلم «يلخّص» و «لخّص» .
[5] في الأصل: لأنسلنّك منهم نسل الشعرة، والتصحيح من ح وصحيح مسلم.(2/543)
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ لِحَسَّانَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لا يزال يؤيّدك ما نافحت عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» . وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى [1] . وَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ، وَزَادَ فِيهَا [2] :
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا [3] ... رَسُولَ اللَّهِ شِيمتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَه وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
فإنْ أَعْرَضْتُمُ عَنَّا اعْتَمَرْنا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وانْكَشَفَ الغِطاءُ
وَقَالَ اللَّهُ: قَدِ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَال اللَّهُ: قَدْ سَيَّرْتُ [4] جُنْدًا ... هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا [5] اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] .
وَقَالَ سليمان بن المغيرة وغيره: ناثابت الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ قَالَ: وَفَدْنا إِلَى مُعَاوِيَةَ وَمَعَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَكَانَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضٍ الطَّعَامَ.
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّنْ يَصْنَعُ لَنَا فَيُكْثِرُ، فَيَدْعُو إِلَى رَحْلِهِ. قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتُ بِطَعَامٍ فَصُنِعَ وَدَعَوْتُهُمْ إِلَى رَحْلِي، فَفَعَلْتُ. وَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالْعَشِيِّ فَقُلْتُ:
الدَّعْوَةُ عِنْدِي اللَّيْلَةَ. فَقَالَ: سَبَقْتَنِي يَا أَخَا الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَإِنَّهُمْ لَعِنْدِي إِذْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ يَا معشر الأنصار؟ فذكر فتح
__________
[1] في الأصل: وأشفى. وأثبتنا عبارة مسلم.
[2] ديوانه: ص 5- 8 باختلاف في بعض الألفاظ وفي ترتيب الأبيات.
[3] وفي صحيح مسلم «تقيّا» .
[4] في صحيح مسلم «يسّرت» .
[5] في طبعة القدسي 508 «عرصتها» ، والتصحيح من صحيح مسلم.
[6] صحيح مسلم (2490) كتاب فضائل الصحابة. باب فضائل حسّان بن ثابت رضي الله عنه.(2/544)
مَكَّةَ. وَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ [1] ، وَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أبا عبيدة على الحسر. ثم رآني [96 ب] فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:
اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ وَلَا تَأْتِنِي إِلَّا بِأَنْصَارِيٍّ. قَالَ: فَفَعَلْتُهُ. ثُمَّ قَالَ: انْظُرُوا قُرَيْشًا وَأَوْبَاشَهُمْ فَاحْصُدُوهْم حَصْدًا.
فَانْطَلَقْنَا فما أحد منهم يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ يُرِيدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا أَخَذَهُ. وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُبِيدَتْ [2] خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ [3] لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» فَأَلْقَوْا سِلَاحَهُمْ.
وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ جَاءَ وَمَعَهُ الْقَوْسُ [وَهُوَ] [4] آخِذٌ بِسِيَتِهَا [5] ، فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِهَا فِي عَيْنِ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 17: 81 [6] . ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الصَّفَا [7] ، فَعَلَا مِنْهُ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ، وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُوهُ، وَالْأَنْصَارُ عِنْدَهُ يَقُولُونَ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ. وَجَاءَ الْوَحْيُ، وَكَانَ الْوَحْيُ إِذَا جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا. فَلَمَّا أَنْ رَفَعَ الْوَحْيُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، كَلَّا فَمَا اسْمِي إِذًا؟ كَلَّا، إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ
__________
[1] المجنبتين: هما الميمنة والمسيرة، والقلب بينهما.
[2] وفي رواية «أبيحت» .
[3] خضراء قريش: أي جماعتهم.
[4] زيادة من صحيح مسلم تقتضيها صحة العبارة.
[5] سيتها: أي بطرفها، وهي خفيفة الياء.
[6] سورة الإسراء: من الآية 81.
[7] الصّفا: مكان مرتفع من جبل أبي قبيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي ومنه يبدأ السعي بين الصّفا والمروة من مناسك الحجّ. (معجم البلدان 3/ 411) .(2/545)
وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ. فَأَقْبَلُوا يَبْكُونَ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ باللَّه وَبِرَسُولِهِ. فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيُعْذِرَانِكُمْ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَعِنْدَهُ: كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِذْنِ بِالْقَتْلِ قَبْلَ عَقْدِ الْأَمَانِ.
وَقَالَ سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ: حَدَّثَنِي ثَابِتُ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا قُتِلَ يَوْمَ الْفَتْحِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ. ثُمَّ دَخَلَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ السَّيْفَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ. ثُمَّ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَةَ فَأَخَذَ بِعُضَادَتَيِ الْبَابِ فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ وَمَا تَصْنَعُونَ» ؟ قَالُوا:
نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ. فَقَالَ: «أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفَ: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ 12: 92 [2] » . قَالَ: فَخَرَجُوا كَمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ. فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وقال عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يوم الفتح من كَداء من أعلى مكَّة [3] .
وقال عَبْد اللَّه بْن عُمَر [4] ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر قَالَ: لما دَخَلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفتح رَأَى النّساء يَلْطُمْنَ وجوهَ الخيل بالخُمُر، فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر وقال: «كيف قال حسّان» ؟ فأنشده أبو بكر:
__________
[1] صحيح مسلم (1780) كتاب الجهاد والسير: باب فتح مكة. وفي رواية له: «ألا فما اسمي إذا! «ثلاث مرات» أنا محمد عبد الله ورسوله» . وانظر: سيرة ابن هشام 4/ 95، ورواه أبو داود، رقم (3024) في الخراج والإمارة، باب ما جاء في خبر مكة.
[2] سورة يوسف: من الآية 92.
[3] صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب دخول النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مكة 5/ 93 طبقات ابن سعد 2/ 140، شفاء الغرام 2/ 222.
[4] هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، كما في (تهذيب التهذيب 5/ 326) .(2/546)
عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفي كداء
ينازعني الأعنَّةَ مُسْرجات ... يَلْطمُهُنّ بالخُمُر النّساء
فقال: «ادخلوها من حيث قَالَ حسّان» [1] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم [97 أ] عَامَ الْفَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا وَضَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا ابْنُ خَطَلَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وكأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أهدر دم ابن خَطَلَ وثلاثة غيره [3] .
وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ. قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ يَوْمَ أَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتَ الْأَسْتَارِ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ بَيْنَ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ. ثُمَّ قَالَ: «لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَهَا صَبْرًا» . وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَفِي مُسْنَدِ الطيَّالِسيِّ [5] حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
__________
[1] رواه الفاكهي في تاريخ مكة، شفاء الغرام 2/ 221.
[2] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح 5/ 92، وصحيح مسلم (1375) كتاب الحجّ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، والموطّإ 1/ 423 في الحج، باب جامع الحج، وأبو داود (2685) في الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، والترمذي (1693) في الجهاد، باب ما جاء في المغفر، والنسائي 5/ 210، في الحج، باب دخول مكة بغير إحرام، مسند الحميدي 2/ 509 رقم 1212، طبقات ابن سعد 2/ 139، الفوائد العوالي تخريج الصوري 9 أ، مخطوطة الظاهرية (الجزء الخامس) شفاء الغرام 2/ 215. معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) ص 72.
[3] انظر شفاء الغرام (بتحقيقنا) ج 2/ 224.
[4] صحيح مسلم (1358) كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام.
[5] منحة المعبود: كتاب اللباس والزينة، ما جاء في العمامة إلخ (1/ 351) . ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 140 من طريق الفضل بن دكين، عن شريك، عن عمّار الدهني عن أبي(2/547)
جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وَقَالَ مُسَاوِرٌ الْوَرَّاقُ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ خُرْقَانِيَّةٌ [1] ، قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَبْيَضَ، وَرَايَتُهُ سَوْدَاءَ، قِطْعَةٌ مِنْ مِرْطٍ لِي مُرَجَّلٌ، وَكَانَتِ الرَّايَةُ تُسَمَّى الْعُقَابُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: لَمَّا نَزَلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي طَوَى وَرَأَى مَا أكرمه اللَّه بِهِ من الفتح جعل يتواضع للَّه حتّى إنّك لتَقُول قد كاد عُثْنُونُه أنَّ يُصيب واسطةَ الرَّحْلِ.
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَذَقْنُهُ عَلَى رَحْلِهِ مُتَخَشِّعًا. حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ سُورَةَ الْفَتْحِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ، فَرَجَّعَ فِيهَا. ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم. متّفق عليه، ولفظه للبخاريّ [3] .
__________
[ () ] الزبير، عن جابر. ورواه عن عفان بن مسلم وكثير بن هشام، عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابر، به.
[1] خرقانية: أي مكوّرة كعمامة أهل الرساتيق. ويروى: حرقانية أي التي على لون ما أحرقته النّار.
[2] صحيح مسلم (1359) كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام.
[3] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح 5/ 92. وصحيح مسلم (794) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ذكر قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم سورة الفتح يوم فتح مكّة.(2/548)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ 34: 49 [1] . جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 17: 81 [2] . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَى الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَنَمٍ، فَأَخَذَ قَضِيبَهُ [4] فَجَعَلَ يَهْوِي بِهِ إِلَى صَنَمٍ صَنَمٍ، وَهُوَ يَهْوِي حَتَّى مَرَّ عَلَيْهَا كُلِّهَا. حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ- وهو ضعيف [5]- عن عبد الله بن
__________
[1] سورة سبإ: الآية 49.
[2] سورة الإسراء: من الآية 81.
[3] صحيح البخاري: كتاب المظالم والغصب، باب هل تكسر الدّنان التي فيها الخمر إلخ.
3/ 108 وفي كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح، وفي تفسير سورة بني إسرائيل، باب وقل جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 17: 81. وصحيح مسلم (1781) كتاب الجهاد والسير، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة، والترمذي (3137) في التفسير، باب ومن سورة بني إسرائيل.
[4] في الأصل: قصبة، وأثبتنا لفظ ع، ح.
[5] قال أحمد: ليس بشيء كان يكذب، ويضع الحديث، وقال يحيى بن مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ مَرَّةً: كَذَّابٌ. وَقَالَ أبو حاتم والنسائي: متروك، وقال الدار الدّارقطنيّ: ضعيف. وقال البخاري: سكتوا عنه.
انظر عنه في: التاريخ لابن معين 2/ 481 رقم 686، التاريخ الصغير للبخاريّ 181، الضعفاء الصغير له 273 رقم 302، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 472- 474 رقم 1529، التاريخ الكبير للبخاريّ 4/ 173، المجروحين لابن حبّان 2/ 212، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/ 111، 112، رقم 643، أحوال الرجال للجوزجانيّ 133 رقم 224، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ 143 رقم 439، الكامل في الضعفاء لابن عديّ 6/ 2058، 2059، المغني في الضعفاء للذهبي 2/ 519 رقم 4992. ميزان الاعتدال له 3/ 371، 372 رقم 6812، الكاشف له: 2/ 336 رقم 4585، الكشف الحثيث لبرهان الدين الحلبي 337 رقم 592، تهذيب التهذيب لابن حجر 8/ 320، تقريب التهذيب له 2/ 118.(2/549)
دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَجَدَ بها ثلاثمائة [97 ب] وَسِتِّينَ صَنَمًا. فَأَشَارَ إِلَى كُلِّ صَنَمٍ بِعَصًا مِنْ غَيْرَ أَنْ يَمَسَّهَا. وَقَالَ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 17: 81 [1] ، فَكَانَ لَا يُشِيرُ إِلَى صَنَمٍ إِلَّا سَقَطَ [2] . وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ.
فَأَخْرَجَ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ: «قاتَلَهُمُ اللَّهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ علِموا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقسِما بِهَا قَطُّ» . وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْهُ حَتَّى أُمِرَ بِهَا فَمُحِيَتْ. وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِأَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا اسْتَقْسَما بها قطّ» .
صحيح [4] . وقال أبو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ حَتَّى محيت الصّور. صحيح.
__________
[1] سورة الإسراء، الآية 81.
[2] الحديث على ضعفه لضعف القاسم بن عبد الله العمري، يقوّيه الحديث الّذي أخرجه البخاري، في كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح (5/ 92) من طريق مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ 17: 81 جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ 34: 49. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة (1781) ، وابن سعد في الطبقات 2/ 136.
[3] في كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح (5/ 93) وانظر السيرة لابن هشام 4/ 94 و 104.
[4] رواه أحمد في المسند 1/ 365، والبخاري في كتاب المغازي، باب أين ركّز النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح (5/ 93) ، وأخرجه في كتاب الحج، باب من كبّر في نواحي الكعبة (2/ 160) ، وانظر السيرة لابن هشام 4/ 94.(2/550)
[وَقَالَ هَوْذَةُ: ثنا عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، قال: دعار رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ فَأَعْطَاهُ الْمِفْتَاحَ، وَقَالَ لَهُ: دُونَكَ هَذَا، فَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ عَلَى بَيْتِهِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا غَلَطٌ، إِنَّمَا أَعْطَى الْمِفْتَاحَ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ، ابْنَ عَمِّ شَيْبَةَ، يَوْمَ الْفَتْحِ، وَشَيْبَةُ يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ. وَلَمْ يَزَلْ عُثْمَانُ عَلَى الْبَيْتِ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ وُلِّيَ شيبة.
قلت: قول الواقديّ لمن يَزَلْ عُثْمَانُ عَلَى الْبَيْتِ حَتَّى مَاتَ، فِيهِ نَظَرٌ.
فَإِنْ أَرَادَ لَمْ يَزَلْ مُنْفَرِدًا بِالْحِجَابَةِ، فَلا نُسَلِّمُ. وَإِنْ أَرَادَ مُشَارِكًا لِشَيْبَةَ، فَقَرِيبٌ.
فَإِنَّ شَيْبَةَ كَانَ حَاجِبًا فِي خِلافَةِ عُمَرَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَّى الْحِجَابَةِ لِشَيْبَةَ لَمَّا أَسْلَمَ. وَكَانَ إِسْلامُهُ عَامَ الْفَتْحِ، لا يَوْمَ الْفَتْحِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ، أنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُسَافِعِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ فَصلَّى، فَإِذَا فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَالَ: يَا شَيْبَةُ، اكْفِنِي هَذِهِ. فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: طَيِّنْهَا ثُمَّ الْطَخْهَا بِزَعْفَرَانَ. فَفَعَلَ [1] .
تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ مُقَارِبٌ لِلأَمْرِ] [2] . وَقَالَ يُونُسُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ، وَمَعَهُ بِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، مِنَ الْحَجَبَةِ، حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ. فَأَمَرَ عُثْمَانَ أَنْ يَأْتِي بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُسَامَةَ وَبِلَالٍ وَعُثْمَانَ. فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا. ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ الْبَابِ، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَشَارَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ.
__________
[1] رواه ابن قانع في معجمه، وانظر «شفاء الغرام» بتحقيقنا 1/ 230.
[2] ما بين الحاصرتين انفردت به النسخة (ح) .(2/551)
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟. صَحِيحٌ. عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مُحْتَجًّا بِهِ [1] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: لَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ، يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِالْمِحْجَنِ [2] . ثُمَّ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً [مِنْ] عِيدَانٍ [3] فَاكْتَسَرَهَا، ثُمَّ قام بها على الباب الْكَعْبَةِ- وَأَنَا أَنْظُرُ- فَرَمَى بِهَا.
وَذَكَرَ أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، إِلا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ:
اقْتُلُوهُمْ، وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ [4] ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. فَأَمَّا ابْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالأَسْتَارِ، فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا، فَقَتَلَهُ. وَأَمَّا مِقْيَسٌ فَقَتَلُوهُ فِي السُّوقِ. وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ، وَذَكَرَ قِصَّتَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ. وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَاخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، جَاءَ بِهِ عُثْمَانُ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ. فرفع [98 أ] رأسه فنظر إليه
__________
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب دخول النبي صلّى الله عليه وسلّم من أعلى مكة (5/ 93) ، وانظر:
المسند لأحمد 6/ 15، وشرح معاني الآثار للطحاوي 1/ 391، وشفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 228.
[2] في الأصل (ح) «يستلم المحجن» ، والتصحيح من (ع) .
[3] في الأصل «جماعة عيدان» ، وفي نسختي: ع، ح: «جماعة عيدان» ، والمثبت يتفق مع رواية ابن هشام في السيرة 4/ 93.
[4] ورد «مقيس بن حبابة» بالحاء بدل الصاد، في سيرة ابن هشام 2/ 93 وأضاف إلى الأربعة:
«الحويرث بن نقيد بن وهب بن عبد قصيّ» ، وقينتي عبد الله بن خطل: «فرتنى وصاحبتها» وهي سارة مولاة لبعض بني عبد المطّلب. وانظر: شفاء الغرام (بتحقيقنا 1/ 56) .(2/552)
ثَلاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا، حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ، فَيَقْتُلُهُ؟» .
قَالُوا: مَا يُدْرِينَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا فِي نَفْسِكَ، هَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟
قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبغي أَنْ يَكُونَ لنَبِيٍ خَائِنَة الأَعْيُن» [1] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاق: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر، قال: قدِم مِقْيس بْن صُبابة عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وقد أظهر الإِسلامَ، يطلُب بِدَمِ أخيه هِشام. [وكان قتله رجلٌ من المسلمين يَوْم بني المُصْطَلِق ولا يحسبه إلّا مُشْرِكًا] [2] . فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّما قُتِل أخوك خطأ. وأمرَ لَهُ بديَته، فأخذها، فمَكَث مَعَ المسلمين شيئًا، ثمّ عَدَا عَلَى قاتل أخيه فقتله، ولحِق بمكة كافرًا. فأمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامَ الفتح- بقَتْله، فقتله رجلٌ من قومه يقال لَهُ نُمَيْلَة بْن عَبْد اللَّه، بين الصَّفَا والمَرْوَة [3] . وحدّثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر، وأبو عُبَيْدة بْن مُحَمَّد بْن عمّار: أَنّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّما أمر بقتل ابن أَبِي سَرْح لأنه كَانَ قد أسلم، وكتب لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَحْيَ. فرجع مُشْرِكًا ولَحِق بمكة [4] .
قَالَ ابن إِسْحَاق: وإنّما أمر بقتل عَبْد اللَّه بْن خَطَلَ، أحد بني تَيْم بْن غَالب، لأنه كَانَ مسلمًا، فبعثه، رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم مصدّقا [5] ، وبعث معه رجلا من
__________
[1] قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث 2/ 6) : أي يفسّر في نفسه غير ما يظهر، فإذا كفّ لسانه وأومأ بعينه فقد خان، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين سمّيت خائنة الأعين. وانظر: المغازي للواقدي 2/ 856، وسيرة ابن هشام 4/ 92، وعيون الأثر لابن سيّد الناس 2/ 175، وشفاء الغرام 2/ 187.
[2] ما بين الحاصرتين من نسخة (ح) .
[3] انظر سيرة ابن هشام 4/ 93، وعيون الأثر 2/ 176، والمغازي للواقدي 2/ 860، 861، شفاء الغرام 2/ 228.
[4] انظر: السيرة لابن هشام 4/ 92، والمغازي للواقدي 2/ 855، وعيون الأثر 2/ 175، وشفاء الغرام 2/ 225.
[5] مصدّقا: أي جابيا للصدقات.(2/553)
الأنصار، وكان معه مَوْلًى يخدمه وكان مسلمًا. فنزل منزلًا، فأمر الموْلى أنَّ يذبح تَيْسًا ويصنع لَهُ طعامًا، ونام فاستيقظ ولم يصنع لَهُ شيئًا فقتله وَارْتَدَّ.
وكان لَهُ قَيْنَة وصاحبتُها تغنّيان بهجاء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر بقتلهما معه. وكان ممّن يؤذي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] .
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، جَاءَتْ عَجُوزٌ حَبَشِيَّةٌ شَمْطَاءُ تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَتَدْعُو بِالْوَيْلِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنا كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: «تِلْكَ نَائِلَةُ [2] أَيِست أَنْ تُعبد بِبَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا» . كَأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ [3] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، هُوَ ابْنُ بَرْصَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ يَقُولُ: «لَا تُغْزَى مَكَّةَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [4] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةٍ، وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى.
فَأَتَاهَا خَالِدٌ وَكَانَتْ عَلَى ثَلاثِ سَمُرَاتٍ. فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: «ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا» .
فَرَجَعَ خَالِدٌ. فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ السَّدَنَةُ، وَهُمْ حُجَّابُهَا، أمعنوا في الجبل وهم
__________
[1] السيرة لابن هشام 4/ 92، 93، والمغازي للواقدي 2/ 859، 860، وعيون الأثر 2/ 176، والسيرة لابن كثير 3/ 564، وشفاء الغرام 2/ 226 و 227.
[2] هي نائلة بنت زيد، من جرهم، دخلت مع إساف بن يعلى الكعبة، فوجدا غفلة من الناس، ففجر بها. فمسخا حجرين، فعبدتهما خزاعة وقريش. (الأصنام لابن الكلبي ص 9 و 29) .
[3] روى مثله الأزرقي في (أخبار مكة 1/ 122) عن جدّه، عن محمد بن إدريس، عن الواقدي، عن أشياخه. وانظر، شفاء الغرام 2/ 447.
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 137 وقال أيضا: «لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة» ، ومثله في المغازي للواقدي 2/ 862 من طريق: يزيد بن فراس، عن عراك بن مالك، عن الحارث بن البرصاء. وفي آخره: «يعني على الكفر» .(2/554)
يَقُولُونَ: يَا عُزَّى خَبِّلِيهِ، يَا عُزَّى عَوِّرِيهِ [1] ، وإلّا فموتي برغم. فأتاها [98 ب] خَالِدٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا تَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا.
فَعَمَّمَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: «تِلْكَ الْعُزَّى» [2] . أَبُو الطُّفَيْلِ لَهُ رُؤْيَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ، أَمَرَ بِلالا فَعَلا عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَأَذَّنَ عَلَيْهَا. فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ سَعِيدًا إِذْ قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذَا الأَسْوَدَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِلالا] [3] يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَذَّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ [4] .
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ [5] : أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَتْهُ، لَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ فَرَّ إِلَيْهَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَأَجَارَتْهُمَا. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَقْتُلُهُمَا. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا رَآنِي رَحَّبَ فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكِ يَا أُمِّ هَانِئٍ؟ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كُنْتُ قَدْ أَمَّنْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي فَأَرَادَ عليّ قتلهما. فقال: «قد أجرنا من أجزت» . ثم قام إلى غسله،
__________
[1] خبّليه: دعاء عليه بالخيل، وهو الفالج أو قطع اليد أو المنع أو الحبس أو الجنون. وكلّها من معانيه. وعوّريه: ردّيه. يقال: عورته عن حاجته رددته عنها.
[2] سيرة ابن هشام 4/ 113، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 145، 146، المغازي للواقدي 3/ 873، 874، تاريخ الرسل والملوك للطبري 3/ 65، عيون الأثر لابن سيّد الناس 2/ 184، السيرة النبويّة لابن كثير 3/ 597، 598، نهاية الأرب للنويري 17/ 314، 315، عيون التواريخ 1/ 319، 320.
[3] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح.
[4] الحديث مرسل. وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 167 من طريق: عارم بن الفضل، عن حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة وغيره. ورجاله ثقات، لكنه مرسل أيضا.
[5] في الأصل «سعيد بن أبي بلال» وصحّحه في هامش (ح) : سعيد بن أبي هلال. والتصويب من صحيح مسلم 1/ 182، وتهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 93.(2/555)
فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ. ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبًا فَالْتَحَفَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، سُبْحَةَ الضُّحَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبْعَث الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ، أُحَدِّثُ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ؟ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، [أَنَّهُ] [2] حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، وَلَا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدُ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ. فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» . فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَاكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ [3] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ: «الحمد للَّه الذي صدق وعده، ونصر عبده، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ. أَلا إِنَّ قَتِيلَ الْعَمْدِ الْخَطَإِ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأَثُرةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَدَمٍ وَمَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا مَا كَانَ من سدانة البيت
__________
[1] صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب تستّر المغتسل بثوب ونحوه (1/ 182- 183) ، وكتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى وأنّ أقلّها ركعتان وأكملها ثمان ركعات (2/ 157- 158) .
[2] زيادة من النسختين: ع، ح. وصحيح مسلم.
[3] الخربة: البلية.
[4] أخرجه البخاري في كتاب العلم (6/ 176 و 177) باب: ليبلّغ الشاهد الغائب، وفي الحج، باب: لا يعضد شجر الحرم، وفي المغازي (5/ 98) ، باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، ومسلم (1354) في الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ... ، وانظر: شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 107.(2/556)
وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ، فَقَدْ أَمْضَيْتُهَا لِأَهْلِهَا» [1] . ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ.
وقال ابن إسحاق [99 أ] حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا شِدَّةً. وَالْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، يَرُدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعِيدَتِهِمْ. لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافرٍ. دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ. وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ» [2] . وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْزِلُنَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا فَتَحَ اللَّهُ، الْخَيْفُ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . وَقَالَ أَبُو الأَزْهَرِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الأَنْبارِيُّ، أنا ابن جريج، وأخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ الأَسْوَدَ حَضَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ الناس يوم الفتح، وجلس عند قرن
__________
[1] أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 11 من طريق: سفيان، عن ابن جدعان، عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر، و 3/ 410 من طريق هشام، عن خالد، عن القاسم بن ربيعة بن جوشن، عن عقبة بن أوس، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
[2] أخرج أوّله الإمام مسلم في فضائل الصحابة (204/ 2529) و (206/ 2530) ، باب مؤاخاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه رضي الله عنهم، من طريق: عبد الله بن نمير، وأبي أسامة، عن زكريا، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعم. وأخرج أبو داود أوّله أيضا في الفرائض (2925 و 2926) ، وأحمد في المسند 1/ 190 و 317 و 329، ورواه أحمد كاملا في مسندة 2/ 180، وانظر 2/ 205 و 207 و 213 و 215، و 3/ 162 و 281، و 4/ 83 و 5/ 61.
[3] في كتاب المغازي (5/ 92) باب أين ركّز النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح، وأخرجه أبو داود في الفرائض (2910) باب هل يرث المسلم الكافر؟ وفيه إن الخيف هو خيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر، يعني المحصّب، وذاك أنّ بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم: أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم، ولا يؤوهم. قال الزهري: والخيف الوادي. وانظر معجم مع استعجم 2/ 526.(2/557)
مَسْقَلَةَ [1] ، فَجَاءَهُ الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلامِ وَالشَّهَادَةِ [2] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ وَنَزَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا طُوًى، قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لابْنَةٍ لَهُ كَانَتْ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ: أَشْرِفِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ. فَأَشَرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ:
أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا، وَأَرَى رَجُلا يَشْتَدُّ بَيْنَ ذَلِكَ السَّوَادِ مُقْبِلا وَمُدْبِرًا. فَقَالَ:
تِلْكَ الْخَيْلُ يَا بُنَيَّةُ، وَذَلِكَ الرَّجُلُ الْوَازِعُ [3] . ثُمَّ قَالَ: مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى السَّوَادَ انْتَشَرَ. فَقَالَ: فَقَدْ وَاللَّهِ إِذَنْ دُفِعَتِ الْخَيْلُ، فَأَسْرِعِي بِي إِلَى بَيْتِي.
فَخَرَجَتْ سَرِيعًا، حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ بِهِ الأَبْطَحَ، لَقِيَتْهَا الْخَيْلُ، وَفِي عُنُقِهَا طَوْقٌ لَهَا مِنْ وَرِقٍ، فَاقْتَطَعَهُ إِنْسَانٌ مِنْ عُنُقِهَا. فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم المسجد، خرج أبو بكر حتى جاء بأبيه يقوده. فلما رآه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَلا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَجِيئَهُ» ؟ فَقَالَ: يَمْشِي هُوَ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقَّ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَيْهِ. فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ وَقَالَ: «أَسْلِمْ تَسْلَمْ» . فَأَسْلَمَ.
ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ فَقَالَ: أَنْشُدُ باللَّه وَالإِسْلامِ طوق أختي. فو الله مَا أَجَابَهُ أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَمَا أَجَابَهُ أَحَدٌ. فَقَالَ: يَا أُخَيَّةُ، احْتَسِبِي طَوْقَكِ،
__________
[1] قرن مسقلة: قال الأزرقي: هو قرن قد بقيت منه بقية بأعلى مكة في دبر دار سمرة عند موقف الغنم بين شعب ابن عامر وحرف دار رابغة في أصله، ومسقلة: رجل كان يسكنه في الجاهلية. (أخبار مكة 2/ 270)
[2] يبايعونه بأعلى مكة عند سوق الغنم، قال محقّق كتاب «أخبار مكة» السيد رشدي الصالح ملحس: يقع سوق الغنم قديما في الوادي الواقع شرقي جبل الرقمتين، ويسمّى هذا السوق اليوم (سوق الجودرية) ويوجد ثمة مسجد صغير يسمّى (مسجد الغنم) ولا يبعد أن يكون هذا المسجد هو الّذي أشار إليه الأزرقي في بحث المساجد. (أخبار مكة 2/ 271) حاشية رقم (1) .
[3] في الأصل (ح) : الوادع. والتصحيح من النسخة (ع) . والوازع في الحرب من يدير أمور الجيش والموكل بالصفوف يردّ من شدّ منهم ويزع من تقدّم أو تأخّر بغير أمره.(2/558)
فو الله إِنَّ الأَمَانَةَ الْيَوْمَ فِي النَّاسِ لَقَلِيلٌ [1] . وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي قُحَافَةَ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ وَلَا تُقَرِّبُوهُ سَوَادًا» [2] . وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنَّأَ أَبَا بَكْرٍ بِإِسْلامِ أَبِيهِ.
مُرْسَلٌ.
وقال مالك، عَنِ ابن شهاب: أَنَّهُ بلغه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عَلَى عهده نساء يُسْلِمْن بأَرْضِهنّ، منهنّ ابْنَة الوليد بْن المُغِيرة، وكانت تحت صَفْوان بْن أميّة، فأسلمت يوم الفتح [99 ب] وهرب صفوان. فبعث إِلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عمّه عُمَيْر بْن وهب برداء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمانًا لصفوان، ودعاه إلى الإسلام، وأن يَقْدَم عَلَيْهِ، فإنْ رَضِي أمرًا قَبِله، وإلا سيّره شهرين.
فقدم فنادى على رءوس النّاس: يا مُحَمَّد، هذا عُمير بن وهب جاءني بردائك وزعم أنّك دعوتني إلى [3] القدوم عليك، فإنّ رضيتُ أمرًا قبلته، وإلّا سيَّرتَني شهرين. فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انزِلْ أَبَا وهب. فقال: لا والله، لا أنزل حتّى تبيّن لي. فقال: بل لك تَسْيِير أربعة أشهر. فَخَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَل هَوازِن، فأرسل إلى صفوان يستعيره أداةً وسلاحًا. فقال صفوان: أَطَوْعًا أو كَرْهًا؟
فقال: بلْ طوعًا. فأعاره الأداة والسلاح. وخرج مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو كافر، فشهد حنينا والطائف، وهو كافر وامرأته مسلمة. فلم يفرّق رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينهما حتّى أسلم، واستقرّت عنده بذلك النِّكاح. وكان بين إسلامهما نحو من شهر [4] .
__________
[1] السيرة النبويّة لابن هشام 4/ 91.
[2] أخرجه أحمد في المسند 3/ 338.
[3] في الأصل «على» والتصحيح من (ع) و (ح) .
[4] أخرجه الإمام مالك (الموطّأ 2/ 75، 76) في النكاح، باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله، وهو من بلاغات مالك التي لا يعلم اتصاله من وجه صحيح. قال ابن عبد البرّ: وهو(2/559)
وكانت أمّ حكيم بِنْت الحارث بْن هشام تحت عِكْرِمة بْن أَبِي جهل، فأسلمت يوم الفتح، وهرب عكرمة حتى قدم اليمن. فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم، وقدِم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمّا رآه وثب فرحًا بِهِ، ورمى عَلَيْهِ رداءه حتّى بايعه. فثبتا عَلَى نكاحهما ذَلِكَ [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن يزيد الهُذَليّ، عَنْ أَبِي حُصَيْن الهُذليّ قَالَ: اسْتَقْرَض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صفوان بْن أمية خمسين ألف درهم، ومن عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة أربعين ألفًا، ومن حُوَيْطِب بْن عَبْد العُزَّى أربعين ألفًا، فقسمها بين أصحابه من أهُل الضَّعْف. ومن ذلك المال بعث إلى جذيمة [2] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ [أَهْلُ] [3] أَخْباءٍ، أَوْ خباء [4] أحبّ إليّ أن يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَيْضًا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ- أَوْ قَالَتْ: مِسِّيكٌ- فَهَلْ عَلِيَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ؟ قَالَ: «لَا، بِالْمَعْروُفِ» . أخرجه البخاري [5] .
__________
[ () ] حديث مشهور معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهل السير، وكذلك الشعبي. انظر:
سير أعلام النبلاء 2/ 565، والسيرة النبويّة لابن هشام 4/ 105.
[1] أخرجه مالك في الموطّأ، كتاب النكاح 46، وابن عساكر في تاريخ دمشق (تراجم النساء) بتحقيق سكينة الشهابي 502.
[2] المغازي (2/ 863) .
[3] سقطت من الأصل وبقية النسخ، وأثبتناها من صحيح البخاري.
[4] أخباء: جمع خباء وهو بيت صغير من وبر أو صوف.
[5] صحيح البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة رضي الله عنها(2/560)
وَأَخْرَجَاهُ [1] ، مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَعِنْدَهُ:
فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالُنَا. قَالَ: لَا عَلَيْكَ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: ثنا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأَى أَبُو سُفْيَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وَالنَّاسُ يَطَئُونَ عَقِبَهُ. فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَوْ عَاوَدت هَذَا الرَّجُل القتالَ. فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ضَرَبَ بِيَدِهِ في صدره، فقال: إذا [100 أ] يُخْزِيكَ اللَّهُ. قَالَ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
وَرَوَى نَحْوَهُ، مُرْسلا، أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ دَخَلَ النَّاسُ مَكَّةَ، لَمْ يَزَالُوا فِي تَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَصْبَحُوا. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِهِنْدٍ: أَتَرِي هَذَا مِنَ اللَّهِ؟ ثُمَّ أَصْبَحَ فَغَدا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ له: «قلت لهند أترين هَذَا مِنَ اللَّهِ، نَعَمْ، هَذَا مِنَ اللَّهِ» . فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ، مَا سَمِعَ قَوْلِي هَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلا اللَّهُ وَهِنْدٌ. وقال ابن المبارك، أخبرنا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
__________
[ () ] (4/ 232) وكتاب المظالم (3/ 101، 102) باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، وكتاب النفقات (6/ 192) باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد، وكتاب الأحكام (8/ 109) باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة، ومسلم (ص 1339) كتاب الأقضية (1714/ 9) باب قضيّة هند.
[1] انظر ما قبله.(2/561)
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ: سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعَةً، فَإِنَّا سَفْرٌ [3] . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [4] . عَلَيٌّ ضَعِيفٌ [5] .
وَقَالَ ابن إسحاق، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ [6] .
ثُمَّ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جَمَاعَةٍ، مِثْلَ هَذَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الأَصَحُّ رِوَايَةً ابن المبارك التي اعتمدها البخاري.
__________
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب مقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة زمن الفتح (5/ 95) وأحمد في المسند 1/ 223.
[2] أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة (1232) باب: متى يتمّ المسافر. وأحمد في المسند 1/ 303 و 315.
[3] السفر: بسكون الفاء. المسافرون.
[4] في كتاب الصلاة (1229) باب: متى يتمّ المسافر؟
[5] انظر عنه: أحوال الرجال للجوزجانيّ 114 رقم 185، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 186 رقم 1021، التاريخ الكبير للبخاريّ 6/ 275 رقم 2389، التاريخ لابن معين 2/ 417 رقم 352، تهذيب التهذيب لابن حجر 8/ 322 رقم 544، تقريب التهذيب له 2/ 37، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 5/ 1840- 1845، المجروحين لابن حبّان 2/ 103، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 229- 231 رقم 1231، ترتيب الثقات للعجلي 346 رقم 1186، تهذيب الكمال للمزّي 2/ 967، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 127 رقم 5844، المغني في الضعفاء له 2/ 447 رقم 4265، الكاشف له 2/ 248 رقم 3975.
[6] أخرجه النسائي في كتاب تقصير الصلاة في السفر 3/ 121 باب المقام الّذي يقصر بمثله الصلاة، وانظر السيرة لابن هشام 4/ 113، والمغازي للواقدي 2/ 871.(2/562)
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [1] : وَفِي رَمَضَانَ بُعِثَ [2] خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى، فَهَدَمَهَا [3] . وَبُعِثَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى سُوَاعٍ [4] فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ صَنَمُ هُذَيْلٍ، فَهَدَمَهُ. وَقَالَ قُلْتُ لِلسَّادِن: كَيْفَ رَأَيْتَ؟ قَالَ: أَسْلَمْتُ للَّه [5] .
[قَالَ] [6] : وَفِي رَمَضَانَ بُعِثَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِيُّ إِلَى مَنَاةَ، وَكَانَتْ بِالْمُشَلَّلِ، لِلأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَغَسَّانَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الأَشْهَلِيَّ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهَا. وَتَخْرُجُ إِلَى سَعْدٍ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عُرْيَانَةٌ ثَائِرَةُ الرَّأْسِ تَدْعُو بِالْوَيْلِ، فَقَالَ لَهَا السَّادِنُ: مَناةُ، دُونَكِ بَعْضَ غَضَبَاتِكَ. وَسَعْدٌ يَضْرِبُهَا، فَقَتَلَهَا. وَأَقْبَلَ إِلَى الصَّنَمِ، فَهَدَمُوهُ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ [7] .
وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، [عَنْ طَاوُسٍ] [8] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِنِ اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» .
قَالَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [9] .
__________
[1] في المغازي 2/ 870.
[2] في الأصل «بعثة» ، والتصحيح من نسخة (ح) .
[3] سيرة ابن هشام 4/ 113، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 145، تاريخ الرسل والملوك للطبري 3/ 65، عيون الأثر لابن سيد الناس 2/ 184، نهاية الأرب 17/ 314، 315.
[4] انظر عنه كتاب الأصنام للكلبي 9 و 10.
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 146، تاريخ الطبري 3/ 66، نهاية الأرب 17/ 315، عيون الأثر 2/ 185، عيون التواريخ 1/ 321، المغازي للواقدي 2/ 870.
[6] ليست في الأصل. وأثبتناها من نسختي: ع، ح.
[7] المغازي للواقدي 2/ 870، الطبقات لابن سعد 2/ 146، 147، تاريخ الطبري 3/ 66، عيون التواريخ 1/ 321، عيون الأثر 2/ 185.
قال الكلبي إنّ مناة أقدم الأصنام كلها، وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلّل بقديد، بين المدينة ومكة. (الأصنام 13) .
[8] الاستدراك على الأصل من صحيحي البخاري ومسلم.
[9] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (3/ 200) باب فضل الجهاد والسير، ومسلم في كتاب الإمارة (1353/ 85) باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد، والخير، وأبو داود في كتاب الجهاد (2480) باب في الهجرة هل انقطعت، والترمذي في كتاب السير(2/563)
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ 110: 1 [1] قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ:
«إِنِّي وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ، وَالنَّاسُ حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» . فَحَدَّثْتُ بِهِ مَرْوَانَ ابن الْحَكَمِ- وَكَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ- فَقَالَ: كَذَبَتْ. وَعِنْدَهُ زيد بن ثابت، ورافع ابن خديج، وكانا [100 ب] مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ. فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا لَحَدَّثَاكَ، وَلَكِنَّ هَذَا، يَعْنِي زَيْدًا، يَخَافُ أَنْ تَنْزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَالْآخَرُ يَخَافُ أَنْ تَنْزِعَهُ عَنْ عَرَافَةِ قَوْمِهِ. قَالَ: فَشَدَّ عَلَيْهِ بِالدِّرَّةِ، فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ قَالَا:
صَدَقَ [2] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَيٌّ، أَلا تَلْقَاهُ فَتَسْمَعُ مِنْهُ؟ فَلَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِالْحَدِيثِ، قَالَ: كُنَّا بِمَمَرِّ النَّاسِ، فَتَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا هَذَا الأَمْرُ؟ وَمَا لِلنَّاسِ؟
فَيَقُولُونَ: نَبِيٌّ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَرْسَلَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ كَذَا وَكَذَا. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ [3] بِإِسْلامِهَا الْفَتْحَ، وَيَقُولُونَ: أَنْظِرُوهُ، فَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ نَبِيٌّ فَصَدِّقُوهُ.
فَلَمَّا كَانَ وَقْعَةُ الْفَتْحِ، بَادَرَ [4] كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلامِهِمْ. فَانْطَلَقَ أَبِي بِإِسْلامِ حِوَائِنَا [5] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ جَاءَنَا فَتَلَقَّيْنَاهُ، فَقَالَ:
جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ حَقًّا، وَإِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِكَذَا، وَصَلاةِ كَذَا وَكَذَا. وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فليؤذّن أَحَدُكُمْ، وَلَيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا. فَنَظَرُوا فِي أَهْلِ حوائنا فلم يجدوا أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي فَقَدَّمُونِي، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سنين، أو ستّ سنين.
__________
[ () ] (1638) باب ما جاء في الهجرة، وأحمد في المسند 1/ 226 و 316 و 355، و 3/ 22 و 401، و 5/ 187، و 6/ 466.
[1] أول سورة النصر.
[2] رواه أحمد في المسند 3/ 22 و 5/ 187.
[3] تلوّم: أصلها تتلوّم. وتلوّم في الأمر تمكّث وانتظر.
[4] في الأصل: بادى. والتصحيح من ح وصحيح البخاري.
[5] الحواء: جماعة البيوت المتدانية.(2/564)
فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ، فَإِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ بُرْدَةٌ عَلَيَّ. تَقُولُ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ:
غَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ هَذَا. قَالَ: فَكُسِيتُ معقدةً مِنْ معقدِ [1] الْبَحْرَيْنِ بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ سَبْعَةٍ، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ كَفَرَحِي بِذَلِكَ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] ، عَنْ سليمان بن حرب، عنه.
__________
[1] المعقد: ضرب من برود هجر.
[2] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب: وقال الليث، بعد باب مقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة زمن الفتح (5/ 95، 96) ، والنسائي في كتاب الأذان (2/ 9، 10) باب اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر، وأحمد في المسند 3/ 475 و 5/ 30 و 71.(2/565)
غزوة بني حُذيَمة [1]
قَالَ ابن إِسْحَاق: وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السرايا فيما حول مكة يدعون إلى اللَّه تعالى، ولم يأمرهم بقتالٍ. فكان ممّن بعث، خَالِد بْن الوليد، وأمره أنَّ يسير بأسفل تِهامة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا. فوطئ بني جَذِيمة بن عامر بْن عَبْد مَنَاة بْن كِنَانة، فأصاب منهم.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى- أَحْسَبُهُ قَالَ- بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلامِ. فَلَمْ يُحْسِنُوا [أنْ] [2] يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا. وَجَعَل خَالِدٌ [يَأْمُرُ] [3] بِهِمْ قَتْلا وَأَسْرًا، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرًا. حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ يَوْمًا أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ وَاللَّهِ لا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ. قَالَ: فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] انظر: المغازي للواقدي 3/ 875، تاريخ الطبري 3/ 66، تاريخ خليفة 87، 88، عيون التواريخ 1/ 313، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 147، عيون الأثر 2/ 185، نهاية الأرب 17/ 316، السيرة لابن كثيرة 3/ 593.
[2] ليست في الأصل، وأثبتناها من صحيح البخاري (5/ 107) .
[3] في الأصل «وجعل خالد بهم قتلا وأسرا» . وما زدناه على الأصل يقتضيه السياق، ففي لفظ البخاري: «فجعل خالد يقتل منهم ويأسر» .(2/567)
فَذُكِرَ لَهُ صَنِيعُ خَالِدٍ. فَقَالَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» . مَرَّتَيْنِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خالد بن الوليد، فخرج حتى [101 أ) نَزَلَ بِبَنِي جَذِيمَةَ، وَهُمْ عَلَى مَائِهِمْ، وَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَمَّهُ الْفَاكِهَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَوَالِدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَأَمَرَ خَالِدٌ بِرِجَالٍ مِنْهُمْ فَأُسِرُوا وَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللَّهمّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا عَمِلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» .
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَقَالَ: «اخْرُجْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَأَدِّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْكَ» . فَخَرَجَ عَلِيٌّ، وَقَدْ أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالًا، فَوَدَى لَهُمْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُعْطِيهُمْ ثَمَنَ مِيلَغَةِ [2] الْكَلْبِ. فَبَقِيَ مَعَ عَلِيٍّ بَقِيَّةٌ مِنْ مَالٍ، فَقَالَ: أَعْطِيكُمْ هَذَا احْتِياطًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا لَا يَعْلَمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيمَا لَا تَعْلَمُونَ. فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ. ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره الخبر فَقَالَ: أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ [3] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْخَيْلِ الَّتِي أَصَابَ فِيهَا خَالِدٌ بَنِي جَذِيمَةَ، إِذَا فتى منهم مجموعة يده إلى عنقه
__________
[1] في كتاب المغازي (5/ 107) باب بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلى بني جذيمة. وانظر:
تاريخ الطبري 3/ 67، والمغازي للواقدي 3/ 881، وطبقات ابن سعد 2/ 248. ومسند أحمد 2/ 151.
[2] الميلغة والميلغ (بالكسر) : الإناء بلغ فيه الكلب. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/ 230) .
[3] السيرة لابن هشام 4/ 111، المغازي للواقدي 3/ 882، الطبقات لابن سعد 2/ 148، عيون الأثر 2/ 186، تاريخ الطبري 3/ 67، نهاية الأرب 17/ 316 و 319 و 321 و 322، السيرة لابن كثير 3/ 592، عيون التواريخ 1/ 314، 315.(2/568)
بِرُمَّةٍ- يَقُولُ: بِحَبْلٍ- فَقَالَ: يَا فَتَى، هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرُّمَّة فَمُقَدِّمِي إِلَى هَذِهِ النِّسْوَةِ، حَتَّى أَقْضِيَ إِلَيْهِنَّ حَاجَةً، ثُمَّ تَصْنَعُونَ [بِي] [1] مَا بَدَا لَكُمْ؟
فَقُلْتُ: لَيَسِيرٌ مَا سَأَلْتَ. ثُمَّ أَخَذْتُ بِرُمَّتِهِ فَقَدَّمْتُهُ إِلَيْهِنَّ، فَقَالَ: اسْلَمِي [2] حُبَيْشٌ، عَلَى نَفَدِ الْعَيْشِ. ثُمَّ قَالَ:
أَرَيْتَكِ [3] إِنْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بِحَلْيَةَ أَوْ أَدْرَكْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ
أَلَمْ يَكُ حَقًّا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلَّفَ إِدْلاجَ السُّرَى وَالْوَدَائِقِ [4]
فَلا ذَنْبَ لِي، قَدْ قُلْتُ، إِذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي [5] بِوُدٍّ قَبْلَ إِحْدَى الصَّفَائِقِ [6]
أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ [7] النَّوَى ... وَيَنْأَى الأَمِيرُ [8] بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ
فَإِنِّيَ لا سِرًّا لَدَيَّ أَضَعْتُهُ ... وَلا رَاقَ عَيْنِي بَعْدَ وَجْهِكِ رَائِقُ
عَلَى أَنَّ مَا بِي لِلْعَشِيرَةِ شَاغِلٌ ... عَنِ اللَّهْوِ إِلا أَنْ تَكُونَ بَوائِقُ [9]
فَقَالَتْ: وَأَنْتَ حُيِّيتَ عَشْرًا، وَسَبْعًا وِتْرًا، وثمانيا تترى. ثم قدّمناه فضربنا عنقه.
__________
[1] زيادة من النسخة (ع) .
[2] في الأصل وبقية النسخ: «أسلم» . والتصويب من سيرة ابن هشام 4/ 111 وغيره. قال السهيليّ: ذكر قول الرجل للمرأة: أسلمي حبيش على نفد العيش. النفد: مصدر نفد إذا فني، وهو النفاد. وحبيش مرخّم من حبيشة. (الروض الأنف 4/ 121) وحبيشة هي معشوقة قائل الأبيات المذكورة.
[3] في الأصل، ح: «أرأيت» . وفي (ع) : «أرأيتك» ، وما أثبتناه عن سيرة ابن هشام وغيره.
[4] الودائق: جمع وديقة، وهي شدّة الحرّ في الظهيرة. والإدلاج: السير ليلا.
[5] في الأصل: أبيني: والتصحيح من ع، ح. وأثيبي: أفضلي بالثواب.
[6] الصفائق: كالصوافق: الحوادث وصوارف الخطوب. الواحدة: صفيقة.
[7] تشحط: تبعد.
[8] في الأصل (ع) : الأمين، والمثبت من (ح) .
[9] البوائق: جمع بائقة، وهي الداهية والبليّة تنزل بالقوم.
انظر الأبيات باختلاف في الألفاظ في: سيرة ابن هشام 4/ 112، طبقات ابن سعد 2/ 149، المغازي للواقدي 3/ 879، تاريخ الطبري 3/ 69، عيون الأثر 2/ 187، نهاية الأرب 17/ 322، 323، عيون التواريخ 1/ 317، السيرة لابن كثير 3/ 595، الأغاني 7/ 279 وفيه بيتان.(2/569)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنَا أَبُو فِرَاسٍ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَدْ شَهِدُوا هَذَا مع خالد، قالوا: فلما قُتِلَ قَامَتْ إِلَيْهِ، فَمَا زَالَتْ تَرْشُفُهُ حَتَّى ماتت عليه [1] .
__________
[1] في هامش (ح) : «هذه القصة رواها النسائي: من حديث ابن عباس. ولها طريق أخرى» .(2/570)
غزوَة حُنَين [1]
قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ حَدِيثِ حُنَيْنٍ [2] ، حِينَ سَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَارُوا إِلَيْهِ. فَبَعْضُهُمْ يُحَدِّثُ بِمَا لا يُحَدِّثُ [101 ب] بِهِ بَعْضٌ. وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ، جَمَعَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ النّصريّ بني نصر وبني جشم وبني سعد بن بكر، وأوزاعا [3] من بني هلال، وهم قليل، وناسا من بني عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَعَوْفِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَوْعَبَتْ مَعَهُ ثَقِيفُ [4] الأَحْلافِ، وَبَنُو مَالِكٍ.
ثُمَّ سَارَ بهم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وساق معه الأموال والنساء والأبناء.
__________
[1] انظر عنها: المغازي لعروة 214، سيرة ابن هشام 4/ 121، الروض الأنف 4/ 138، المغازي للواقدي 3/ 885، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 149، تاريخ الطبري 3/ 70، تاريخ خليفة 88، نهاية الأرب 17/ 323، عيون الأثر 2/ 187، السيرة النبويّة لابن كثير 3/ 610، عيون التواريخ 1/ 321.
[2] حنين: واد قريب من مكة، وقيل هو واد قبل الطائف، وقيل: واد بجنب ذي المجاز. قال الواقدي بينه وبين مكة ثلاث ليال. وهو يذكّر ويؤنّث. (معجم البلدان 2/ 313) .
[3] الأوزاع: الجماعات المتفرقة.
[4] في الأصل: «نصف الأحلاف» ، والتصحيح من نسختي: ع، ح.(2/571)
فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيَّ، فَقَالَ:
«اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ، حَتَّى تَعْلَمَ لَنَا مِنْ عِلْمِهِمْ» . فَدَخَلَ فِيهِمْ، فَمَكَثَ فِيهِمْ يَوْمًا أَوِ اثْنَيْنِ. ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره خَبَرَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: «أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ» ؟ فَقَالَ عُمَرُ: كَذِبَ.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ: وَاللَّهِ لَئِنْ كَذَّبْتَنِي يَا عُمَرُ لَرُبَّمَا كَذَّبْتَ بِالْحَقِّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَلا تَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ؟ فَقَالَ: «قَدْ كُنْتَ يَا عُمَرُ ضَالا فَهَدَاكَ اللَّهُ» .
ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَسَأَلَهُ أَدْرَاعًا عِنْدَهُ، مِائَةَ دِرْعٍ، وَمَا يُصْلِحُهَا مِنْ عُدَّتِهَا. فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ. ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِرًا [1] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثنا الزُّهْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ فِي أَلْفَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَعَشَرَةِ آلافٍ كَانُوا مَعَهُ، فَسَارَ بِهِمْ [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى مَكَّةَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ ابْنِ أُمَيَّةَ [3] .
وَبِالإِسْنَادِ الأَوَّلِ: أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ أَقْبَلَ فِيمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ جَمَعَ مِنْ قَبَائِلِ قَيْسٍ وَثَقِيفٍ، وَمَعَهُ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ [4] ، شَيْخٌ كَبِيرٌ فِي شِجَارٍ [5] لَهُ يُقَادُ بِهِ، حَتَّى
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 122، 123.
[2] ، (3) سيرة ابن هشام 4/ 123.
[4] دريد بن الصمّة: هو أبو قرّة الهوازني، واسم الصمّة: معاوية. من شعراء العرب وشجعانهم وذوي أسنانهم. عاش نحوا من مائتي سنة حتى سقط حاجباه على عينيه. وخرجت به هوازن يوم حنين تتيمّن برأيه فقتل كافرا.
انظر عنه في: المحبّر لابن حبيب 298، الشعر والشعراء 2/ 635 رقم 178، المؤتلف والمختلف للآمدي 114، الأغاني 10/ 3، المغازي للواقدي 3/ 889، السمط الثمين 39، المعمّرين 20، أسماء المغتالين 223، تهذيب تاريخ دمشق 5/ 226، الوافي بالوفيات 14/ 11 رقم 11، التذكرة السعدية 102، معجم الشعراء في لسان العرب 150 رقم 344، خزانة الأدب للبغدادي 4/ 422، شعراء النصرانية 1/ 752، الأعلام 3/ 16.
[5] الشجار: الهودج الصغير الّذي يكفي شخصا واحدا فقط، أو مركب دون الهودج مكشوف الرأس.(2/572)
نَزَلَ النَّاسُ بِأَوْطَاسٍ [1] . فَقَالَ دُرَيْدٌ حِينَ نُزُلوِهَا فَسَمِعَ رُغَاءَ الْبَعِيرِ وَنَهِيقَ الْحَمِيرِ وَيُعَارَ [2] الشَّاءِ وَبُكَاءَ الصَّغِيرَةِ: بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: بِأَوْطَاسٍ. فَقَالَ: نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ، لا حَزْنٌ ضَرِسٌ، ولا سهل دهس [3] . ما لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ وَيُعَارَ الشَّاءِ؟ قَالُوا: سَاقَ مَالِكٌ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ فَدُعِيَ مَالِكٌ. فَقَالَ: يَا مَالِكُ، إِنَّكَ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِكَ، وَإِنَّ هذا يوم كائن له ما بَعْدَهُ مِنَ الأَيَّامِ، فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ تَسُوقَ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَمَالَهُ لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ. فَأَنْقَضَ بِهِ [4] دُرَيْدٌ وَقَالَ: رَاعِي ضَأْنٍ [5] وَاللَّهِ، وَهَلْ يَرُدُّ وَجْهَ الْمُنْهَزِمِ شَيْءٌ؟ إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إِلا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ. فَارْفَعِ الأَمْوَالَ وَالنِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ إِلَى عُلْيَا قَوْمِهِمْ وَمُمْتَنِعِ بِلادِهِمْ. ثُمَّ قَالَ دُرَيْدٌ: وَمَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلابٌ؟ فَقَالُوا: لَمْ يَحْضُرْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَقَالَ: غَابَ الْحَدُّ والجدّ، فمن حضرها؟ قالوا: عمرو ابن [102 أ] عَامِرٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ فَقَالَ: ذَانِكَ الْجَذَعَانِ [6] لا يَضُرَّانِ وَلا يَنْفَعَانِ.
فَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدٍ فِيهَا رَأْيٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ وَكبِرَ عِلْمُكَ، وَاللَّهِ لَتُطِيعَنَّنِي [7] يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ، أَوْ لأَتْكِئَنَّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ [8] حَتَّى
__________
[1] أوطاس: واد في ديار هوازن.
[2] اليعار: صوت الغنم أو المعزى، أو الشديد من أصوات الشاء.
[3] الحزن: بفتح الحاء المهملة، ما غلظ من الأرض. والضرس: الأرض الخشنة. والدّهس:
المكان السهل اللين ليس برمل ولا تراب، أو هو الّذي تغيب فيه القوائم.
[4] أنقض به: نقر بلسانه في فيه ثم صوّت في حافّتيه،. كما يزجر الدّابّة، وكل ما نقرت به فقد أنقضت به. وفي تهذيب ابن عساكر: «أنغص» .
[5] في أوصل (ح) : «يا راعي ضأن والله» . والمثبت هو لفظ (ع) .
[6] في الأصل، ح: ذلك الجذعان. وأثبتنا لفظ ع وهو أصح. والجذعان: مثنى جذع، وهو الشاب الحدث.
[7] في الأصل، ح: لتطيعن. وأثبتنا لفظ ع، وبه يرد في كل المصادر التي روت هذا الخبر.
[8] في الأصل: على سيفي هذا. وأثبتنا عبارة ع، ح. وهي كذلك في جميع مصادر الخبر.(2/573)
يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي. فَقَالُوا: أَطَعْنَاكَ. ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ لِلنَّاسِ: إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونُ سُيُوفِكُمْ [1] ، ثُمَّ شُدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ [2] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [3] : سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ، فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا نُغْلَبُ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ. فَانْتَهَوْا إِلَى حُنَيْنٍ، لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ. وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِالتَّعْبِئَةِ وَوَضَعَ الأَلْوِيَةَ وَالرَّايَاتِ فِي أَهْلِهَا. وَرَكِبَ بَغْلَتَهُ وَلَبِسَ دِرْعَيْنِ وَالْمِغْفَرَ وَالْبَيْضَةَ. فَاسْتَقْبَلَهُمْ مِنْ هَوَازِنَ شَيْءٌ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ مِنَ السَّوَادِ وَالْكَثْرَةِ، وَذَلِكَ فِي غَبَشِ الصُّبْحِ. وَخَرَجَتِ الْكَتَائِبُ مِنْ مَضِيقِ الْوَادِي وشعبه. فحملوا حملة واحدة، فانكشفت خيل بني سليم مولّية، وتبعهم أهل مكة، وَتَبِعَهُمُ النَّاسُ.
فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا أَنْصَارَ اللَّهِ، وَأَنْصَارَ رَسُولِهِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» . وَثَبَتَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ: عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، وَابْنُهُ الْفَضْلُ، وَعَلِيُّ بْنُ أبي طالب، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَخُوهُ رَبِيعَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ [4] .
وقال يونس، عَنِ ابن إِسْحَاق: حدّثني أُمَيّة بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عُثْمَانَ، أَنَّهُ حُدِّث أنّ مالك بْن عَوْفُ بعث عُيونًا، فأتوه وقد تقطّعت أَوْصالهم.
فقال: ويلكم، ما شأنكم؟ فقالوا: أتانا رجالٌ بيض على خيل بلق، فو الله ما تماسَكْنا أنَّ أَصابنا ما ترى. فما ردَّه ذَلِكَ عَنْ وجهه أَن مضى عَلَى ما يريد [5] .
منقطع.
__________
[1] جفن السيف: غمده.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 229، 230، تاريخ الطبري 3/ 71، 72، الأغاني 10/ 10، 31، سيرة ابن هشام 4/ 122، نهاية الأرب 17/ 324، 325، معجم البلدان 1/ 281.
[3] المغازي (3/ 889 وما بعدها) .
[4] انظر سيرة ابن هشام 4/ 124، الطبري 3/ 74، المغازي لعروة 215، طبقات ابن سعد 2/ 150، 151 نهاية الأرب 17/ 328.
[5] المغازي للواقدي 3/ 892، تاريخ الطبري 3/ 82، سيرة ابن هشام 4/ 122.(2/574)
وعن الربيع بْن أَنَس، أنّ رجلًا قَالَ: لن نُغَلب من قلّة. فشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزلت وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ 9: 25 [1] .
وقال معاوية بن سلام، عن زيد بن سَلامٍ، سَمِعَ أَبَا سَلامٍ [2] يَقُولُ:
حَدَّثَنِي السَّلُولِيُّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ سَهْلُ بْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ، أَنَّهُمْ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَأَطْنَبُوا السَّيْرَ حَتَّى كَانَ عَشِيَّةً، فَحَضَرْتُ صَلاةَ الظُّهْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ فَارِسٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي انْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ حَتَّى طَلَعْتُ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا، فَإِذْ أَنَا بِهَوَازِنَ عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهِمْ، بِظُعُنِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَشَائِهِمْ، اجْتَمَعُوا إِلَى حُنَيْنٍ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «تِلْكَ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ: أنا يا رسول الله. قال: فاركب. فركب فَرَسًا لَهُ، وَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «اسْتقبِلْ هَذَا الشّعب حتى تكون في أعلاه، ولا تغرّنّ [3] مِنْ قِبَلِكَ اللَّيْلَةَ» .
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُصَلاهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:
أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ؟ قَالُوا: يا رسول الله، لا. فثوّب بالصلاة [102 ب] فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَيَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ، حَتَّى إِذَا قَضَى صَلاتَهُ وَسَلَّمَ قَالَ:
«أَبْشِرْوا، فَقَدْ جَاءَ فَارِسُكُمْ» . فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إِلَى خِلالِ الشَّجَرِ فِي الشِّعْبِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إِنِّي كُنْتُ انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى هَذَا الشِّعْبِ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اطَّلَعْتُ الشِّعْبَيْنِ، فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَلْ نَزَلْتَ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: لا، إِلا مُصَلِّيًا أَوْ قَاضِيَ حَاجَةٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد
__________
[1] سورة التوبة- الآية 25.
[2] في الأصل «سمع سلام أبا سلام» ، والتصحيح من ع، ح، وسنن أبي داود.
[3] لا تغرّنّ: لا تؤخذ على غرّة.(2/575)
أَوْجَبْتَ [1] ، فَلا عَلَيْكَ أَنْ لا تَعْمَلَ بَعْدَهَا» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [2] . وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى حُنَيْنٍ، فَسَبَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، فَأَعَدُّوا وَتَهَيَّئُوا فِي مَضَايِقِ الْوَادِي وَأَحْنَائِهِ. وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَانْحَطَّ بِهِمْ فِي الوادي في عماية الصبح. فلما انحطّ النَّاسُ ثَارَتْ فِي وُجُوهِهِمُ الْخَيْلُ فَشَدَّت عَلَيْهِمْ، وَانْكَفَأَ النَّاسُ مُنْهَزِمِينَ لا يُقْبِلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. وَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا، إِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله» . فلا ينثني [3] أَحَدٌ. وَرَكِبَتِ الإِبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر النَّاسِ، وَمَعُه رَهْطٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَرَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِحَكَمَةِ [4] بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَثَبَت مَعَهُ عَلِيٌّ، وَأَبُو سُفْيَانَ، وَرَبِيعَةُ، ابْنَا الْحَارِثِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأُسَامَةُ، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ: وَرَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أحمر بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ أَمَامَ هَوَازِنَ، إِذَا أَدْرَكَ النَّاسَ طَعَنَ بِرُمْحِهِ، وَإِذَا فَاتَهُ النَّاسُ رَفَعَ رُمْحَهُ لِمَنْ وَرَاءَهُ فَيَتْبَعُوهُ. فَلَمَّا انْهَزَمَ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جفاة أهل مكة، تكلّم رجال منهم بما في أنفسهم من الضّعن. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: لا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبُحُورِ. وَإِنَّ الأَزْلامَ لَمَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ [5] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَارَ أَبُو سُفْيَانَ إلى حنين، وإنّه ليظهر الإسلام، وإنّ الأزلام التي يستقسم بها في كنانته [6] .
__________
[1] أوجبت: أي عملت عملا يوجب لك الجنة.
[2] سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب في فضل الحرس في سبيل الله تعالى (2501) .
[3] في الأصل: «يثني» . وفي ع: «يلبي» . وأثبتنا لفظ ح.
[4] الحكمة: ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه.
[5] سيرة ابن هشام 4/ 124، المغازي للواقدي 3/ 898، تاريخ الطبري 3/ 74.
[6] المغازي للواقدي 3/ 896.(2/576)
قَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَبْدَرِيُّ: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي- وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ- الْيَوْمَ أَقْتُلُ مُحَمَّدًا. قَالَ: فَأَدَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ لأَقْتُلَهُ، فَأقْبَلَ شَيْءٌ حَتَّى تَغَشَّى فُؤَادِي، فَلَمْ أُطِقْ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ [1] .
وَحَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى مِنَ النَّاسِ مَا رَأَى قَالَ: «يَا عَبَّاسُ، اصْرُخْ: يَا مَعْشرَ الأَنْصَارِ، يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ» : فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَذْهَبُ لِيَعْطِفَ بَعِيرَهُ، فَلا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَقْذِفُ [2] دِرْعَهُ مِنْ عنقه، ويؤمّ [103 أ] الصَّوْتَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مِائَةٌ. فَاسْتَعْرَضُوا النَّاسَ، فَاقْتَتَلُوا. وَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَتْ لِلأَنْصَارِ، ثُمَّ جُعِلَتْ آخِرًا بِالْخَزْرَجِ، وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ، وَأَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكَائِبِهِ، فَنَظَرَ إِلَى مُجْتَلَدِ الْقَوْمِ فقال:
«الآن حمي الوطيس» . قال: فو الله مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ إِلا وَالأُسَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقتل اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، وَانْهَزَمَ مَنِ انْهَزَمَ مِنْهُمْ، وَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ [3] .
وَقَالَ ابْنُ لَهْيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ [4] . وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ، فَخَرَجَ مَعَهُ أَهْلُ مَكَّةَ، لَمْ يَتَغَادَرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، رُكْبَانًا وَمُشَاةً، حَتَّى خَرَجَ النِّسَاءُ مُشَاةً [5] ، يَنْظُرُونَ وَيَرْجُونَ الْغَنَائِمَ، وَلَا يَكْرَهُونَ الصَّدْمَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: جَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ كُلَّمَا سَقَطَ تُرْسٌ أَوْ سَيْفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ،
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 124.
[2] في الأصل: «فنفذت» . والتصحيح من ع، ح.
[3] سيرة ابن هشام 4/ 125، المغازي للواقدي 3/ 899، 900، طبقات ابن سعد 2/ 151، تاريخ الطبري 3/ 76.
[4] في المغازي 214.
[5] في المغازي لعروة زيادة «على غير دين» .(2/577)
نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَعْطُونِيهِ أَحْمِلْهُ، حَتَّى أَوْقَرَ جَمَلَهُ.
قَالا: فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ، اعْتَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ، وَابْنُهُ مُعَاوِيَةُ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَرَاءَ تَلٍّ، يَنْظُرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ [1] . وَركِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الصُّفُوفَ، فَأَمَرَهُمْ، وَحَضَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ حَمْلَةَ [2] رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَوَلُّوا مُدْبِرِينَ. فَقَالَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ: لَقَدْ حَزَرْتُ مَنْ بَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَدْبَرَ النَّاسُ فَقُلْتُ مِائَةُ رَجُلٍ: وَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى صفوان فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فو الله لا يَجْتَبْرُونَهَا [3] أَبَدًا. فَقَالَ: أَتُبَشِّرُنِي بِظُهُورِ الأَعْرَابِ؟ فو الله لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَبًّ مِنَ الأَعْرَابِ. ثُمَّ بَعَثَ غُلامًا لَهُ فَقَالَ: اسْمَعْ لِمَنِ الشِّعَارُ؟ فَجَاءَهُ الْغُلامُ فَقَالَ: سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، [يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ] [4] ، يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ. فَقَالَ: ظَهَرَ مُحَمَّدٌ. وَكَانَ ذَلِكَ شِعَارَهُمْ فِي الْحَرْبِ. وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَشِيَهُ الْقِتَالُ قَامَ فِي الرِّكَابَيْنِ، وَيَقُولُونَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَدْعُوهُ، يَقُولُ: «اللَّهمّ إِنِّي أَنْشُدُكَ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهمّ لا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْنَا» . وَنَادَى أَصْحَابَهُ: «يَا أَصْحَابَ الْبَيْعَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، اللَّهَ اللَّهَ، الْكَرَّةَ عَلَى نَبِيِّكُمْ» . وَيُقَالُ قَالَ: «يَا أَنْصَارَ اللَّهِ وَأَنْصَارَ رَسُولِهِ، يَا بَنِي الْخَزْرَجِ» [5] . وَأَمَرَ مَنْ يُنَادِيهِمْ بِذَلِكَ. وَقَبَضَ قَبْضَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ فَحَصَبَ بِهَا وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ، وَنَواصِيَهُمْ كُلَّهَا. وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» . وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ سِرَاعًا، وَهَزَمَ الله المشركين. وفرّ مالك بن عوف
__________
[1] في المغازي لعروة «الدائرة» .
[2] في الأصل «حمل» ، والمثبت من نسختي: ع، ح.
[3] في الأصل، ح: «يحتبرونها» ، وفي ع: «يختبرونها» . ولعل الوجه ما أثبتناه، أخذا عن لفظ المقريزي في الإمتاع: والله لا يجتبرها محمد وأصحابه أبدا. من جبر الكسر والمصيبة وغيرهما، واجتبر الشيء أصلح أمره وأقامه.
[4] سقطت من الأصل، وزدناها من ع، ح. ومغازي عروة.
[5] في مغازي عروة زيادة «يا أصحاب سورة البقرة» .(2/578)
حَتَّى دَخَلَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي نَاسٍ مِنْ قومه.
وأسلم حينئذ ناس كثير مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، حِينَ رَأَوْا نَصْرَ اللَّهِ رسوله.
مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُقْبَةَ [1] . وَلَيْسَ عِنْدَ عُرْوَةَ قِيَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّكابَيْنِ [2] ، وَلا قَوْلُهُ: يَا أَنْصَارَ اللَّهِ.
وقال شعبة: عن أبي إسحاق، سمع البراء، وقال له رجل: يا أبا عمارة، [103 ب] أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَفِرَّ. إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا رُماةً، فَلَمَّا لَقَيْنَاهُمْ وَحَمَلْنَا عَلَيْهِمْ انْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتُقْبِلُوا بِالسِّهَامِ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ. فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
أَنَا النّبيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] وَمُسْلِمٌ [5] . مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَفِيهِ: وَلَكِنْ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ كثير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم. وزاد فيه مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: اللَّهمّ نَزِّلْ نَصْرَكَ. قَالَ: وكنا إذا
__________
[1] انظر النص في المغازي لعروة 214، 215، ورواه البيهقي.
[2] يقول خادم العلم عمر بن عبد السلام تدمري إن قِيَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الركابين، موجود في المغازي لعروة، خلافا لقول المؤلّف رحمه الله. (انظر المغازي 215) .
[3] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ 9: 25 (5/ 98) . وصحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين (78/ 1776) ، والترمذي في كتاب الجهاد (1738) باب ما جاء في الثبات عند القتال، وأحمد في المسند 4/ 280 و 281 و 289 و 304.
[4] في كتاب الجهاد والسير (3/ 233) باب من صفّ أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابّته واستنصر.
[5] في كتاب الجهاد والسير (80/ 1776) باب في غزوة حنين.(2/579)
حَمِيَ [1] الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَخْبَرَنِي سِيَابَةُ بْنُ عَاصِمٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ» [2] . وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ: «أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ» . وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُهُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، أَهْدَاهَا لَهُ فروة ابن نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ. فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ.
فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِهَا، أُكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ عَبَّاسُ، نَادِ أَصْحَابَ السّمرة [3] . فقال عباس- وكان رجلا صيّتا- فقلت بأعلى صوتي:
أيّ [4] أصحاب السّمرة. قال: فو الله، لَكَأَنَّمَا عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي، عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلادِهَا، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَاهُ، يَا لَبَّيْكَاهُ [5] . فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَالْكُفَّارُ، وَالدَّعْوَةُ فِي الأَنْصَارِ يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَقَالُوا: يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ، كالمتطاول
__________
[1] في صحيح مسلم «إذا احمرّ» ، والمثبت عن الأصل وبقية النسخ.
[2] العواتك: جمع عاتكة اسم علم للأنثى منقول من الصفات. والعاتكة المرأة المحمّرة من الطيب أو هي المصفّرة من الزعفران.
[3] السمرة: هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان.
[4] كذا في النسخ الثلاث، ولفظ مسلم: «أين» .
[5] عند مسلم: «يا لبّيك يا لبّيك» .(2/580)
عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ: «هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» ، ثُمَّ أَخَذَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ. ثُمَّ قَالَ: «انْهَزِمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ» . فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أرى، فو الله مَا هُوَ إِلا أَنْ رَمَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَصَيَاتِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلا وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ كَثِيرٍ، نَحْوَهُ، لَكِنْ قَالَ: فَرْوَةُ بْنُ نُعَامَةَ الْجُذَامِيُّ، وَقَالَ: «انهزموا وربّ الكعبة» [2] . وقال [104 أ] عكرمة بن عمار: حدثني إياس بن سلمة، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا، فَلَمَّا وَاجَهْنَا العدوّ، تقدّمت فأعلو ثَنِيَّةً فَأَسْتَقْبِلُ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ فَأَرْمِيهِ بِسَهْمٍ، وَتَوَارَى عَنِّي، فَمَا دَريْتُ مَا صَنَعَ. ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ، فَإِذَا هُمْ قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخْرَى، [فَالْتَقَوْا] [3] هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ، فَأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا، وَعَلَيَّ بُرْدَتَانِ مُؤْتَزِرًا بِإِحْدَاهُمَا، مُرْتَدِيًا [4] بِالْأُخْرَى. وَمَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْهَزِمًا وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَى ابْنُ الَأَكْوَعِ فَزَعًا. فَلَمَّا غَشَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَنِ [5] الْبَغْلَةِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، فَقَالَ:
«شَاهَتِ الْوُجُوهُ» . فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَةِ. فَوَلُّوا مُدْبِرِينَ. وَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي مُسْنَدِهِ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ
__________
[1] صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين (76/ 1775) .
[2] صحيح مسلم (77/ 1775) .
[3] سقطت من الأصل، واستدركناها من نسختي: ع، ح، وصحيح مسلم.
[4] في الأصل «مرتد بالآخر» ، وفي نسختي: ع، ح «مرتد بالأخرى» . والمثبت من صحيح مسلم.
[5] في النسخ الثلاث «من» ، والتصحيح من صحيح مسلم.
[6] صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير،. باب في غزوة حنين (81/ 1777) .(2/581)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُنَيْنٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَحَدَّثَنِي مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي أَنَّهُ أَخَذَ حَفْنةً مِنْ تُرَابٍ، فَحَثَا بِهَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» . قال يعلى ابن عَطَاءٍ: فَأَخْبَرَنا أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا امْتَلأَتْ عَيْنَاهُ وَفَمُهُ مِنَ التُّرَابِ. وَسَمِعْنَا صَلْصَلَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَرِّ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حُنَيْنٍ، فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ، وَبَقِيتُ مَعَهُ فِي ثَمَانِينَ رَجُلا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ. قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ يَمْضِي قدما، فحادت الْبَغْلَةَ فَمَالَ عَنِ السَّرْجِ، فَشَدَّهُ نَحْوَهُ، فَقُلْتُ: ارْتَفِعْ، رَفَعَكَ اللَّهُ. قَالَ: «نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ تُرَابٍ» . فَنَاوَلْتُهُ، فَضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، فَامْتَلأَتْ أَعْيُنُهُمْ ترابا. قال: «أين المهاجرون والأنصار» ؟ قلت: هم هاهنا. قَالَ:
«اهْتِفْ بِهِمْ» . فَهَتَفْتُ بِهِمْ، فَجَاءُوا وَسُيُوفُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ كَأَنَّهُمُ الشُّهُبُ وَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ أَدْبَارَهُمْ [2] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ [3] : ثنا أَبُو عَاصِمٍ، ثنا عبد الله بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى هَوَازِنَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِثْلُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَرَمَى بِهِ وُجُوهَنَا، فانهزمنا.
__________
[1] منحة المعبود: كتاب السيرة النبويّة، باب غزوة هوازن يوم حنين (2/ 107) ، وأخرجه أحمد في المسند 2/ 222، وابن سعد في الطبقات 2/ 156.
[2] رواه أحمد في المسند 1/ 453، 454.
[3] التاريخ الكبير 4/ 19.(2/582)
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: ثنا عَوْفٌ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ، عَمَّنْ شَهِدَ حُنَيْنًا كَافِرًا، قَالَ: لَمَّا الْتَقَيْنَا وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يَقُومُوا لَنَا حَلْبَ شَاةٍ [1] ، فَجِئْنَا نَهُشُّ سُيُوفَنَا بين [104 ب] يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا غَشِينَاهُ إِذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ رِجَالٌ حِسَانُ الْوُجُوهِ، فَقَالُوا: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، فَارْجِعُوا. فَهُزِمْنَا مِنْ ذَلِكَ الْكَلامِ. [إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ] [2] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَغَيْرُهُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَدْ عَرِيَ [3] ، ذَكَرْتُ أَبِي وَعَمِّي وَقَتْلَ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ إِيَّاهُمَا. فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي مِنْ مُحَمَّدٍ. فَذَهَبْتُ لأَجِيئَهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِذَا أَنَا بِالْعَبَّاسِ قَائِمٌ، عَلَيْهِ دِرْعٌ بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ يَكْشِفُ عَنْهَا الْعَجَاجُ، فَقُلْتُ عَمُّهُ وَلَنْ يَخْذُلَهُ. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ عَنْ يَسَارِهِ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ، فَقُلْتُ ابْنُ عَمِّهِ وَلَنْ يَخْذُلَهُ.
قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ خَلْفِهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلا أَنْ أُسَوِّرَهُ سَوْرَةً بِالسَّيْفِ، إِذْ رُفِعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَأَنَّهُ بَرْقٌ، فَخِفْتُ يَمْحَشُنِي [4] ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَصَرِي وَمَشَيْتُ الْقَهْقَرَى. وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «يا شيب [5] » يَا شَيْبُ، ادْنُ مِنِّي، اللَّهمّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشَّيْطَانَ» . فَرَجَّعْتُ إِلَيْهِ بَصَرِي، فَلَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي. وَقَالَ: «يَا شَيْبُ، قَاتِلِ الْكُفَّارَ» . غَرِيبٌ جِدًّا [6] . وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصْعَبِ [7] بْنِ شيبة، عن
__________
[1] لم يقوموا لنا حلب شاة: أي لم يصمدوا للقتال مقدار ما يستغرقه حلب الشاة من الوقت.
[2] زيادة من ح. وانظر: المغازي للواقدي 3/ 906.
[3] في الأصل: «غزي» . والتصحيح من ع، ح. وعري: انكشف.
[4] محشه وأمحشه: يحرقه.
[5] في الأصل: «يا شبيب» . والمثبت من ح. وشيب: مرخّم شيبة.
[6] أخرجه ابن عساكر، انظر: تهذيب تاريخ دمشق 6/ 350، والمغازي للواقدي 3/ 909، 910.
[7] في الأصل، ع: «منصور بن شيبة» . والتصحيح من (ح) ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (10/ 162) .(2/583)
أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ مَا أَخْرَجَنِي إِسْلامٌ، وَلَكِنْ أَنِفْتُ أَنْ تَظْهَرَ هَوَازِنُ عَلَى قُرَيْشٍ. فَقُلْتُ وَأَنَا وَاقِفٌ مَعَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَى خَيْلا بُلْقًا. قَالَ: «يَا شَيْبَةُ، إِنَّهُ لا يَرَاهَا إِلا كَافِرٌ» . فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ اهْدِ شَيْبَةَ» ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثًا، حَتَّى مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وقال ابن إِسْحَاق: وقال مالك بْن عَوْفُ، يذكر مَسيرهم بعد إسلامه:
اذْكُرْ مَسِيرَهُمُ للنَّاس إِذْ جَمَعُوا ... ومَالِكٌ فَوْقَهُ الرَّايَاتُ تَخْتَفقُ
ومالك مالِكٌ ما فَوْقَه أحدٌ ... يَوْمَيْ حُنَيْنٍ عَلَيْه التَّاجُ يأْتَلِق
حَتَّى لَقُوا النَّاسَ خَيْرَ النَّاسِ يَقْدُمُهُمْ ... عَلَيْهِمُ البَيْضُ والأَبْدَانُ والدَّرَق
فضَارَبُوا النَّاسَ حتّى لَمْ يَرَوْا أَحَدًا ... حَوْلَ النَّبِيِّ وَحَتَّى جَنَّهُ الغَسَق
حَتَّى تَنَزَّل جِبْريلٌ بِنَصْرِهمُ ... فَالْقَوْمُ مُنْهَزِمٌ مِنْهُمْ وَمُعْتَنَق
مِنَّا وَلَوْ غَيْرُ جبريل يقاتلنا ... لمنعتنا إذا أسيافنا الغلق
وقد وفى عمر الْفَارُوقُ إِذْ هُزِمُوا ... بِطَعْنَةٍ بَلَّ مِنْها سرجه العلق [1]
وقال مالك، في الموطّأ [2] ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَة، عَنْ أَبِي قَتَادَة، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ. قَالَ: فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا [105 أ] رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ فَضَرَبْتُه بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عاتِقِهِ [3] ، فَأَقْبَلَ عَلِيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ. ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي. فَأَدْرَكْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ.
ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا. وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ
__________
[1] في الأصل: «بل منه بسرجه» . والتصحيح من ح. وفي هامش ح: «العلق الدم الغليظ» .
وانظر الأبيات في سيرة ابن هشام (4/ 137) باختلاف يسير في بعض الألفاظ.
[2] كتاب الجهاد، ما جاء في السلب في النفل- ص 301 رقم 981.
[3] ما بين العنق والكتف.(2/584)
فَلَهُ سَلَبُه» . فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ قتيلا له عليه بينة فله سلبه» . فقمت ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي. ثُمَّ الثَّالِثَةَ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: «مَالَكَ يَا أَبَا قَتَادَة؟» فَاقْتصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَاهَا اللَّهِ ذَا [1] ، يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صدق، فأعطه إيّاه» .
فأعطانيه. فبعث الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا [2] فِي بَنِي سَلَمَةَ. فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأثَّلْتُهُ [3] فِي الْإِسْلَامِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنِ الْقَعْنَبيِّ [5] ، وَمُسْلِمٌ [6] . وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَلَهُ سَلَبُهُ» . فَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ أَبُو طَلْحَةَ عِشْرِينَ رَجُلا وَأَخَذَ أَسْلابَهُمْ. صَحِيحٌ [7] . وَبِهِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَقِيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ دَنَا مِنِّي بَعْضُهُمْ أَنْ أَبْعَجَ بِهِ بَطْنَهُ. فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ مسلم [8] .
__________
[1] في الموطأ (302) : «لا هاء الله إذا، لا يعمد ... » .
[2] المخرف: البستان من النخل، وقيل نخلة أو نخلات يسيرة إلى عشرة، وما فوق ذلك فهو بستان.
[3] تأثل الرجل المال: اكتسبه وجمعه واتخذه لنفسه.
[4] صحيح البخاري: كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمّس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه (4/ 112- 113) وكتاب المغازي، باب قول الله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ 9: 25 (5/ 196) ، وأحمد في المسند 5/ 12 و 295 و 306.
[5] سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل (2/ 70 رقم 2717) .
[6] صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل (41/ 1751) .
[7] أخرجه ابن أبي داود في الجهاد (2718) باب في السلب يعطى القاتل، والدارميّ في السير (43) .
[8] في كتاب الجهاد والسير (134/ 1809) باب غزوة النساء مع الرجال، وأبو داود في الجهاد (2718) باب في السلب يعطى القاتل. وأحمد في المسند 3/ 109 و 190 و 279 و 286.(2/585)
غزوَة أوطَاس [1]
وقال شيخنا الدِّمْيَاطي [2] فِي «السِّيرة» لَهُ: كَانَ سِيمَا الملائكة يوم حُنَين عمائم حُمْرًا قد أَرْخَوها بين أكتافهم [3] .
وقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قتل قتيلا عَلَيْهِ بيِّنة فله سلَبه» [4] . وأمر بطلب العدوّ. فانتهى بعضهم إلى الطّائف، وبعضهم نحو نَخلة [5] ، وَوَجَّه قوم منهم إلى أَوْطاس. فعقد النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي عامر الأَشْعَري لواءً ووجّهه فِي طلبهم، وكان معه سَلَمَةُ بْن الأَكْوَع، فانتهى إلى عَسْكرهم، فإذا هُمْ ممتنعون. فقتل أَبُو عامر منهم تسعةً مُبارزةً. ثمّ برز لَهُ العاشر مُعْلَمًا بعمامة صفراء، فضرب أَبَا عامر فقتله. واسْتَخْلَف أَبُو عامر أبا موسى الأشعريّ،
__________
[1] أوطاس: واد في ديار هوازن. (معجم البلدان 1/ 281) .
[2] هو العلامة الحافظ الحجة شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف التوني الدمياطيّ الشافعيّ، مولده في آخر سنة 613 ووفاته سنة سنة 705 هـ. ترجمته في تذكرة الحفاظ (4/ 1477) والدرر الكامنة (3/ 30) وفوات الوفيات (2/ 7) وشذرات الذهب (6/ 12) وغيرها. وقد أشار في كشف الظنون (2/ 1013) إلى مصنفه في مختصر السيرة النبويّة، وقال في الشذرات إنه في مجلد. و (التوني) نسبة إلى تونة وهي جزيرة قرب تنيس بمصر.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 151.
[4] مرّ تخريج هذا الحديث قبل قليل.
[5] نخلة: واد من الحجاز بينه وبين مكّة مسيرة ليلتين. (معجم البلدان 5/ 278) .(2/587)
فقاتلهم. حتّى فتح اللَّه عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ [1] ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ، بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ ابن الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ، وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ، وَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمَ، فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنَّ ذَاكَ قَاتِلِي تَرَاهُ. فَقَصَدْتُ لَهُ، فَاعْتَمَدْتُهُ، فَلَحِقْتُهُ. فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى عَنِّي ذَاهِبًا، فَاتَّبَعْتُهُ، وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلا تَسْتَحِي؟ أَلَسْتَ عَرَبِيًّا؟
ألا تثبت؟ [105 ب] فكفّ، فالتقينا، فاختلفنا ضَرْبَتَيْنِ، أَنَا وَهُوَ، فَقَتَلْتُهُ. ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ فَقُلْتُ: قَدْ قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ. قال: فانتزع هذا السهم.
فنزعته، فنزا منه الماء. فقال: يا بن أخي، انْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقره منّي السلام، ثم قل له يستغفر لي. قال: واستخلفني أبو عامر على النّاس.
فمكث يَسِيرًا وَمَاتَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وقال ابن إِسْحَاق [3] : وقُتل يوم حنين من ثقيف سبعون رجلًا تحت رايتهم. وانهزم المشركون، فأتوا الطائف ومعهم مالك بْن عَوْفُ. وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم نحو نَخْلَة. وتَبِعت خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القوم، فأدرك ربيعة بْن رُفَيْع، ويقال ابن الدُّغُنَّة [4] ، دُرَيْد بْن الصِّمَّة، فأخذ بخِطام جمله، وهو يظنّ أنّه امْرَأَة، فإذا شيخ كبير ولم يعرفه الغلام. فقال له
__________
[1] في الأصل «ع» : «عن بريد بن أبي بردة» ، والتصحيح من (ح) وصحيحي البخاري ومسلم.
[2] صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزاة أوطاس (5/ 101، 102) ، وصحيح مسلم:
كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما (164/ 2497) .
[3] سيرة ابن هشام 4/ 136.
[4] في النسخ الثلاث: «ابن لدغة» . ورواية ابن إسحاق أنه ابن الدّغنّة، وهي أمه غلبت على اسمه، ويقال اسمها لدغة: وانظر ترجمته في أسد الغابة (2/ 211) والإصابة (1/ 507) وتجريد أسماء الصحابة (1/ 179) .(2/588)
دُرَيد: ماذا تريد بي؟ قَالَ: أقتلك. قَالَ: ومن أنت؟ قَالَ: ربيعة بْن رُفيع السُّلَميّ. ثمّ ضربه بسيفه فلم يُغْن شيئًا. فقال: بِئْسَ مَا سَلَّحَتْك أُمُّك. خُذْ سيفي هذا من مُؤَخَّر الرَّحْل، ثمّ اضرب بِهِ، وارفع عَنِ العِظام [1] ، واخْفِض عَنِ الدِّمَاغ، فإنّي كذلك كنتُ أضرب الرجال. ثمّ إذا أتبعت أمّك فأَخْبِرْها أنّك قتلتَ دُريد بْن الصّمة، فرُبَّ يومٍ والله قد مَنَعْتُ فِيهِ نِساءَك. فقتله.
فقيل: لما ضربه ووقع تَكَشَّف، فإذا عِجَانه وبُطُون فَخِذَيْه أبيض كالقِرْطاس من ركوب الخيل أَعْراء [2] . فلمّا رجع إلى أمّه أخبرها بقتله، فقالت: أَمَا والله لقد أَعْتق أُمَّهاتٍ لك [3] .
وبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثار من توجّه إلى أوطاس، أبا عامر الأشعريّ فرُمي بسهمٍ فقُتل. فأخذ الراية أَبُو مُوسَى فهزمهم. وزعموا أن سَلَمَةَ بْن دُرَيْد هُوَ الَّذِي رَمَى أَبَا عامرٍ بسهمٍ [4] .
واستُشهد يوم حُنَين [5] : أَيْمَن بْن عُبَيْد، وَلَد أمّ أيمن، مَوْلى بني هاشم.
ويَزيد بْن زَمَعَة بْن الأسْوَد الأَسَدِيّ القُرَشِيّ. وسُرَاقَة بْن حُباب [6] بْن عَدِيّ العَجْلَانّي الأَنْصاريّ. وأبو عامرٍ عُبَيْد الأَشْعَرِيّ.
ثمّ جُمعت الغنائم، فكان عليها مَسْعَود بْن عَمْرو [7] . وإنّما تقَسّم بعد الطَّائف.
__________
[1] في الأصل: «الطعام» . والتصويب من السيرة لابن هشام 4/ 128.
[2] أعراء: جمع عرى وهو الفرس لا سرج له.
[3] ، (4) سيرة ابن هشام 4/ 128 و 129.
[5] انظر الأسماء في المغازي لعروة 219 وفيها نقص، ومجمع الزوائد للهيثمي 6/ 198- 190، وسيرة ابن هشام 4/ 130، وطبقات ابن سعد 2/ 152، وتاريخ خليفة 88، 89، والمغازي للواقدي 3/ 922.
[6] ويقال: سراقة بن الحارث، وهي رواية ابن هشام في السيرة 4/ 130، عن ابن إسحاق، وابن سعد في الطبقات 2/ 152.
[7] سيرة ابن هشام 4/ 131.(2/589)
غزوة الطائف [1]
فَسَارَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حُنين يريد الطائف فِي شوال. وقدَّم خَالِد بْن الوليد عَلَى مقدّمته. وقد كانت ثقيف رَمُّوا حِصنهم وأدخلوا فِيهِ ما يكفيهم سَنةً. فلمّا انهزموا من أَوْطاس دخلوا الحصن وتهيّئوا للقتال [2] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثم سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بلغ الطائف [106 أ] فَحَاصَرَهُمْ، وَنَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنْ عَبِيدِهِمْ فَهُوَ حُرٌّ.
فَاقْتَحَمَ إِلَيْهِ مِنْ حِصْنِهِمْ نفر، منهم أبو بكرة ابن مَسْرُوحٍ أَخُو زِيَادٍ مِنْ أَبِيهِ، فَأَعْتَقَهُمْ. وَدَفَعَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَحْمِلَهُ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَلَى الْجِعْرَانَةِ [3] . فَقَالَ: «إِنِّي معتمر» .
__________
[1] انظر عنها في: المغازي لعروة 216، سيرة ابن هشام 4/ 148، المغازي للواقدي 3/ 922، تاريخ خليفة 89، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 158، تاريخ الطبري 3/ 82، نهاية الأرب للنويري 17/ 335، عيون الأثر لابن سيد الناس 2/ 200، صحيح البخاري 5/ 102، صحيح مسلم 3/ 1402، السيرة لابن كثير 3/ 652، عيون التواريخ للكتبي 1/ 333، معجم البلدان 4/ 11، 12، جوامع السيرة لابن حزم 242، الدرر في المغازي والسير 243.
[2] عن الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 158.
[3] الجعرانة: بكسر أوله إجماعا، وأصحاب الحديث يكسرون عينه ويشدّدون راءه، وأهل الأدب(2/591)
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وقال إسماعيل بن إبراهيم ابن عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى، قَالا: ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ، وَتَرَكَ السَّبْيَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَمُلِئَتْ عُرُشُ [1] مَكَّةَ مِنْهُمْ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَكَمَةِ عِنْدَ حِصْنِ الطَّائِفِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، يُقَاتِلُهُمْ. وَثَقِيفٌ تَرْمِي بِالنَّبْلِ، وَكَثُرَتِ الْجِرَاحُ، وَقَطَعُوا طَائِفَةً مِنْ أَعْنَابِهِمْ لِيَغِيظُوهُمْ بِهَا [2] . فَقَالَتْ ثَقِيفٌ: لا تُفْسِدُوا الأَمْوَالَ فَإِنَّهَا لَنَا أَوْ لَكُمْ. وَاسْتَأْذَنَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي مُنَاهَضَةِ الْحِصْنِ فَقَالَ: مَا أَرَى أَنْ نَفْتَحَهُ، وَمَا أُذِنَ لَنَا فِيهِ. وَزَادَ عُرْوَةُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْطَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَمْسَ نَخْلاتٍ أَوْ حَبَلاتٍ مِنْ كُرُومِهِمْ. فَأَتَاهُ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا عَفَاءُ لَمْ تُؤْكَلْ ثِمَارُهَا. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا مَا أُكِلَتْ ثَمَرَتُهُ، الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ [3] . وَبَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: مَنْ خَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمْ يَشْهَدْ حُنَيْنًا وَلا حِصَارَ الطَّائِفِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَلا غَيْلانُ بْنُ سَلَمَةَ، كَانَا بِجُرَشَ [4] يَتَعَلَّمَانِ صَنْعَةَ الدَّبَّابَاتِ وَالْمَجَانِيقِ [5] .
ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَلَى نَخْلَةٍ] [6] إِلَى الطَّائِفِ، وَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا وَصَلَّى فِيهِ. وَقُتِلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنَّبْلِ. وَلَمْ يَقْدِرِ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَدْخُلُوا حَائِطَهُمْ، أَغْلَقُوهُ دُونَهُمْ. وَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ومعه
__________
[ () ] يخطّئونهم ويسكّنون العين ويخفّفون الراء. وهي ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب. (معجم البلدان 2/ 142) .
[1] العرش: جمع عرش، وهو ركن الشيء، أو الخيمة، أو البيت الّذي يستظلّ به كالعريش. يريد بيوتها وأركانها.
[2] حتى هنا أورده البيهقي في السنن الكبرى 9/ 84، وعروة في المغازي 216.
[3] حتى هنا رواية عروة في المغازي 217، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 84. وانظر مغازي الواقدي 3/ 929.
[4] جرش: مخلاف من مخاليف اليمن من جهة مكة.
[5] انظر تاريخ الطبري 3/ 84، سيرة ابن هشام 4/ 148.
[6] زياد من ح.(2/592)
امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِ، إِحْدَاهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ. فَلَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ بَنَى عَلَى مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ مَسْجِدًا. وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ سَارِيَةٌ لا تَطْلُعُ عَلَيْهَا الشَّمْسُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فِيمَا يَذْكُرُونَ، إِلا سُمِعَ لَهَا نَقِيضٌ. وَالنَّقِيضُ صَوْتُ الْمَحَامِلِ [1] .
وقال يونس بن بكير، عن هشام بن سَنْبَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: حَاصَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْرَ الطَّائِفِ. فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ» . فَبَلَغْتُ يَوَمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا. وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ [لَهُ] [2] عِدْلُ مُحَرَّرٍ» [3] . وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا، قَالَتْ: كَانَ عِنْدِي مُخَنَّثٌ، فَقَالَ لأخي عبد [106 ب] اللَّهِ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بَأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ فَقَالَ: «لَا يَدْخُلَنَّ هذا عليكم» [4] . متّفق عليه بمعناه [5] .
__________
[1] المحامل: الرحال. والنقيض كذلك مطلق الصوت. وانظر الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 149، والمغازي للواقدي 3/ 927.
[2] سقطت من الأصل، وأضفتها من سنن الترمذي 3/ 96.
[3] أخرجه الترمذي في الجهاد (1689) باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، وقال: «هذا حديث حسن صحيح، وأبو نجيح هو عمرو بن عبسة السّلمي» . والنسائي في كتاب الجهاد 6/ 27 باب ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عزّ وجلّ. وأحمد في المسند 4/ 113 و 384.
[4] في صحيح البخاري 5/ 102: عليكنّ» .
[5] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الطائف (5/ 102) وصحيح مسلم: كتاب السلام، باب منع المخنّث من الدخول على النساء الأجانب (32/ 2180) ، والموطّأ لمالك في كتاب الأقضية (ص 544، 545) رقم 1453 باب ما جاء في المؤنّث من الرجال ومن أحق بالولد.(2/593)
وقال الواقديّ [1] عَنْ شيوخه، أنّ سَلْمان [الفارسي] [2] قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى أنَّ تَنْصِب المَنْجِنيق عَلَى حِصْنهم- يعني الطائف- فإنّا كُنَّا بأرض فارس نَنْصِبه عَلَى الحصون، فإنْ لم يكن مَنْجنيق طَالَ الثَّواء. فأمره رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعمل منجنيقًا بيده، فنصبه عَلَى حصن الطائف. ويقال: قدِم بالمنجنيق يَزيد بْن زَمعة، ودبَّابَتْين. ويقال: الطُّفَيْلُ بْن عَمْرو قَدِم بذلك.
قَالَ: فأرسلت [3] عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنّار، فحرقت الدبّابة.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أَعْنابهم وتَحْرِيقها. فنادى سُفْيَان بْن عَبْد اللَّه الثّقفيّ: لم تقطع أموالنا؟ فإنّما هِيَ لنا أو لكم. فتركها.
وَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ: أَقْبَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ [حِصْنٍ] [4] حَتَّى جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ايذن لِي أَنْ أُكَلِّمَهُمْ، لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ. فَأَذِنَ لَهُ. فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْحِصْنَ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتُمْ، تَمَسَّكُوا بِمَكَانِكُمْ، وَاللَّهِ لَنَحْنُ أَذَلُّ مِنَ الْعَبِيدِ، وَأُقْسِمُ باللَّه لَئِنْ حَدَثَ بِهِ حدث ليملكنّ الْعَرَبَ عِزًّا وَمَنَعةً، فَتَمَسَّكُوا بِحِصْنِكُمْ. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَاذَا [قُلْتَ] ؟» [5] قَالَ: دَعَوْتُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَحَذَّرْتُهُمُ النَّارَ وَفَعَلْتُ.
فَقَالَ: «كَذَبْتَ، بَلْ قُلْتَ كَذَا وَكَذَا» . قَالَ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إلي الله وإليك [6] . أخبرنا محمد بن عبد الْعَزِيزِ الْمُقْرِئُ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَزْمِ [7] ، وَحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بن أبي الفتح الشيبانيّ،
__________
[1] في المغازي: (3/ 927) .
[2] زيادة للتوضيح عن الواقدي.
[3] في الأصل: «فأرسل» . والمثبت من ح والواقدي.
[4] في الأصل «عيينة بن بدر» ، والتصحيح من المغازي لعروة وغيره، مثل طبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري.
[5] سقطت من الأصل (ح) . واستدركناها من النسخة (ع) .
[6] المغازي لعروة 217.
[7] في ح: «ابن أبي الحرم» . وفي ع: «ابن أبي حرم» .(2/594)
وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعُقَيْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الذَّهَبِيُّ [1] . وَآخَرُونَ، قَالُوا: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّخَاوِيُّ.
(ح) وَأَنَا عَبْدُ الْمُعْطِي بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بِالْإِسْكَنْدَرِيَةِ، أَنَا عَبْدُ الرحمن ابن مَكِّيٍّ.
(ح) وَأَنَا لُؤْلُؤٌ الْمحسني، بِمِصْرَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، الْحَنْبَلِيَّانِ، وَآخَرُونَ، قَالُوا: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةَ اللَّهِ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِلْفَةَ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَرَجِيُّ.
وَقَرَأْتُ عَلَى سُنْقُرِ الْقَضَائِيُّ [2] بِحَلَبَ، أَخْبَركَ عَبْدُ اللَّطِيفُ بْنُ يوسف.
وسمعته، سنة أ [ثنتين] [3] وَتِسْعِينَ، عَلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عِيسَى بْنِ الْمُوَفَّقِ، أَنَا جَدِّي أَبُو مُحَمَّدٍ قُدَامَةُ، وَسَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ حُضُورًا، قَالَا: أَنَا أَبُو زُرَعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ السَّاوِيُّ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، قَالَا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا زكريا بن يحيى المروزي ببغداد، ثنا [107 أ] سفيان ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ:
حَاصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا. قَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: أَنَرْجِعُ وَلَمْ نَفْتَحْهُ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ غَدًا» . فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم.
__________
[1] في الأصل: (ع) : «الدهني» . والتصحيح من (ح) والمشتبه في النسبة (1/ 290) .
[2] رسمت في النسخ الثلاث: «الفصاي» . والتصحيح من المشتبه (1/ 274) .
[3] في الأصل. حرف الألف ثم بياض كلمة. والمثبت من (ح) .(2/595)
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ هَكَذَا. وَعِنْدَهُ:
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِمُسْلِمٍ [2] .
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، فَقَالَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، نا عَمْرٌو، سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الأَعْمَى يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر بْنِ الْخَطَّابِ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَذَكَرَهُ وَقَالَ فِيهِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو. ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَسَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُ بِهِ، مَرَّةً أُخْرَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ الْغَلابِيُّ، أَظُنُّهُ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الشَّاعِرُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، فِي فَتْحِ الطَّائِفِ: الصَّحِيحُ ابْنُ عُمَرَ.
قَالَ: وَاسْمُ أَبِي الْعَبَّاسِ: السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ مَوْلَى بَنِي كِنَانَةَ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ [4] : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَحَلَ عَنِ الطَّائِفِ بِأَصْحَابِهِ وَدَعَا حِينَ رَكِبَ قَائِلا: «اللَّهمّ اهْدِهِمْ وَاكْفِنَا مُؤْنَتَهُمْ» . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْر، وعبد اللَّه بْن المكدم، عمّن أدركوا، قَالُوا: حاصر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهُل الطائف ثلاثينَ لَيْلةً أو قريبا
__________
[1] صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الطائف (82/ 1778) .
[2] راجع تعليق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في حاشية صحيح مسلم ج 3/ 1402 رقم (4) .
[3] في كتاب المغازي (5/ 102) باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان.
[4] هذا الحديث ليس في مغازي عروة المطبوع. وانظر نحوه في سيرة ابن هشام 4/ 152 والمغازي للواقدي 3/ 937، وطبقات ابن سعد 2/ 159.(2/596)
من ذَلِكَ. ثمّ انصرف عَنْهُمْ، فقدِم المدينة، فجاءه وفدهم فِي رمضان فأسلموا [1] .
وقال ابن إِسْحَاق [2] : واستُشهد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطائف: سَعِيد بْن سَعِيد بْن العاص بْن أُمَيّة.
وعُرْفُطَة بْن حُبَاب.
وعبد اللَّه بْن أَبِي بَكْر الصدّيق، رُمي بسهمٍ فمات بالمدينة فِي خلافة أَبِيهِ.
وعبد اللَّه بْن أَبِي أُمَيّة بْن المُغِيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مَخْزوم المَخْزُوميّ، أخو أمّ سَلَمَةَ. وأمُّه عاتِكَة بِنْت عَبْد المطّلب. وكان يقال لأبي أُمَيّة، واسمه حُذَيفة: زَاد الرَّاكب. وكان عَبْد اللَّه شديدًا عَلَى المسلمين، قِيلَ هُوَ الَّذِي قَالَ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا من الْأَرْضِ يَنْبُوعاً 17: 90 [3] وما بعدها. ثمّ أسلم قبل فتح مكة بيسيرٍ، وحَسُن إسلامه. وهو الَّذِي قَالَ [لَهُ] [4] هِيتُ المُخَنَّث: يا عَبْد اللَّه، إنْ فتح اللَّه عليكم الطائف، فإنّي أدلّك عَلَى ابْنَة غَيْلان، الحديث [5] .
وعبد اللَّه بْن عامر بْن رَبِيعة. والسَّائِب بْن الحارث. وأخوه: عَبْد اللَّه.
وجليحة [6] بن عبد الله.
__________
[1] الطبري 3/ 97.
[2] انظر أسماء الشهداء في الطائف في: المغازي للواقدي 3/ 938، وسيرة ابن هشام 4/ 151، وتاريخ خليفة 90.
[3] سورة الإسراء، آية 90.
[4] سقطت من الأصل، واستدركناها من ع، ح.
[5] أخرجه البخاري في المغازي 5/ 102) باب غزوة الطائف، ومسلم في كتاب السلام (32/ 2180) باب منع المخنّث من الدخول على النساء الأجانب، ومالك في الموطّأ، كتاب الأقضية (رقم 1453) باب ما جاء في المؤنّث من الرجال ومن أحقّ بالولد.
[6] في النسخ الثلاث: «طليحة» ، والتصويب من: تاريخ خليفة 91، وسيرة ابن هشام 4/ 151، وأسد الغابة 1/ 348، وتجريد أسماء الصحابة 1/ 87، والإصابة 1/ 242.(2/597)
ومن الأنصار: ثابت بن الجَذَع. والحارث بْن سهل بن أبي صعصعة.
والمنذر [107 ب] بْن عَبْد اللَّه. ورُقَيم بْن ثابت.
فذلك اثنا عشر رجلًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
ويُروى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استشار نَوفْل بْن معاوية الديلي فِي أهُل الطائف فقال: ثعلب فِي جُحْرٍ، إنْ أقمت عَلَيْهِ أخذته، وإن تركته لم يضرّك [1] .
__________
[1] المغازي للواقدي 3/ 936، 937.(2/598)
قِسْمُ غنَائِمِ حُنَيْنٍ وَغَيْر ذَلِك
قَالَ ابن إِسْحَاق:
ثمّ خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى رُحَيْلٍ، حتّى نزل بالناس بالجِعْرَانة.
وكان معه من سَبْيِ هَوازن ستة آلاف من الذرّية، ومن الإبل والشَّاء ما لَا يُدْرى عدّته [1] .
وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، ثَنَا السِّمْطُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: افْتَتَحْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا، فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ. قَالَ: فَصُفَّ الْخَيْلُ، ثُمَّ صُفَّتِ الْمُقَاتِلَةُ، ثُمَّ صُفَّ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، ثُمَّ صُفَّ الْغَنَمُ ثُمَّ صُفَّ النَّعَمُ. قَالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ، أَظُنُّهُ يُرِيدُ الْأَنْصَارَ.
قَالَ: وَعَلَى مُجَنِّبَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلُوذُ خَلْفَ ظُهُورِنَا.
فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ. فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا للمهاجرين يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، يَا لَلْأَنْصَارِ يَا لَلْأَنْصَارِ» . قَالَ أنس: هذا حديث عمّيّة [2] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 152.
[2] العمّيّة: الكبر أو الضلال. وجاء في شرح النووي: قوله هذا حديث عمية، وهي رواية عامة مشايخنا وفسّر بالشدّة، وروي بفتح العين وكسر الميم المشدّدة وتخفيف الياء وبعدها هاء(2/599)
قُلْنَا: لَبَّيْكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَتَقَدَّمَ، فَايْمُ اللَّهِ مَا أَتَيْنَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ. قَالَ: فَقَبَضْنا ذَلِكَ الْمَالَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ. قَالَ: فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ وَنَزَلْنَا. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ، وَيُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ. فَتَحَدَّثَتِ الْأَنْصَارُ بَيْنَهُمْ: أَمَّا مَنْ قَاتَلَهُ فَيُعْطِيهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُ فَلَا يُعْطِيهِ. قَالَ: ثُمَّ أَمَر بِسَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ- لَمَّا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ- أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ. فَدَخَلْنَا الْقُبَّةَ حَتَّى مَلَأْنَاهَا. فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، أَوْ كَمَا قَالَ- مَا حَدِيثٌ أَتَانِي؟» قَالُوا: مَا أَتَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَمَا تَرْضَوْن أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَذْهَبُوا بِرَسُولِ اللَّهِ حَتَّى تُدْخِلُوهُ بُيُوتَكُمْ؟» قَالُوا: رَضِينَا. فَقَالَ: «لَوْ أَخَذَ النَّاسُ شِعْبًا وَأَخَذَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا أَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ» . قَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:
«فَارْضَوْا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا. فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتِ الشِّدَّةُ فَنَحْنُ نُدْعَى، وَيُعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا. قَالَ: فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ وَقَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُوا بِرَسُولِ اللَّهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَضِينَا. فَقَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأنصار شعبا، لأخذت شعب الأنصار» . [108 أ] متّفق عليه [2] .
__________
[ () ] لسكت، أي حدّثني به عمي، والعم: الجماعة. وروي بتشديد الياء، وفسّر بعمومتي أي حدّثني به أعمامي.
[1] في كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم على الإسلام وتصبّر من قوي إيمانه (132/ 1059) ، وأخرجه أحمد في المسند 3/ 157، 158، وابن كثير في السيرة النبويّة 3/ 673.
[2] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الطائف (5/ 105) . وصحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه (135/ 1059) .(2/600)
وَقَالَ شُعَيْبٌ، وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَهُ، فَطَفِقَ يُعْطِي رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ، يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَدَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ فَقَالَ لَهُ فُقَهَاؤُهُمْ: أَمَّا ذَوُو رَأيِنَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا. فَقَالَ: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ. أَفَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فو الله مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» . قَالُوا: قَدْ رَضِينَا. فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرةً [1] شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا [2] حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ، وَرَسُولَهُ عَلَى الْحَوْضِ» . قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَأَلَّفِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَفِي سَائِرِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الأَنْصَارِ [مِنْهَا] [4] قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ، وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ. وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَنَسٍ [5] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ [6] رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ
__________
[1] الأثرة: الاستئثار والانفراد بالشيء. والمقصود هنا استئثار أمراء الجور بالفيء.
[2] في الأصل: «فاصطبروا» . والمثبت عن ع، ح.
[3] صحيح البخاري: كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يعطي المؤلّفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه (4/ 114- 115) . وصحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم على الإسلام إلخ (132/ 1059) .
[4] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح.
[5] سيرة ابن هشام 4/ 156، المغازي للواقدي 3/ 956، تاريخ الطبري 3/ 93.
[6] في النسخ الثلاث: «أن» وفي صحيح مسلم: عن، دون جملة «عن جده» . والمثبت موافق لما في المغازي لعروة 218.(2/601)
قُلُوبُهُمْ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ مِائَةً، وَأَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً. وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِائَةً، وَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً، وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ مائة، وأعطى مالك ابن عَوْفٍ النَّصْرِيَّ مِائَةً، وَأَعْطَى الْعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ الْمِائَةِ.
فَأَنْشَأَ الْعَبَّاسُ يَقُولُ:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْدِ ... [1] بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ
وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ
وَقَدْ كُنْتُ فِي الْحَرْبِ ذَا تُدْرَإٍ [2] ... فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ أُمْنَعِ
وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا ... وَمَنْ تَضَعِ الْيَوْمَ لا يُرْفَعِ
فَأَتَمَّ لَهُ مِائَةً. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] ، دُونَ ذِكْرِ مالك بن عوف، وعلقمة، [و] [4] دون الْبَيْتِ الثَّالِثِ [5] .
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ: أَبَا سُفْيَانَ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيَّ، وَصَفْوَانَ بْنَ أميّة الجمحيّ، وحويطب ابن عَبْدِ الْعُزَّى الْعَامِرِيَّ، أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِائَةَ نَاقَةٍ. وَأَعْطَى قَيْسَ بْنَ عَدِيٍّ السَّهْمِيَّ خَمْسِينَ نَاقَةً، وَأَعْطَى سَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعٍ خَمْسِينَ. فَهَؤُلاءِ من أعطى من قريش.
__________
[1] العبيد: اسم فرس العباس بن مرداس.
[2] ذو تدرأ: ذو منعة وقوة على دفع أعدائه عن نفسه.
[3] في كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام إلخ (137/ 1060) .
[4] سقطت من الأصل، ع. وأثبتناها من ح.
[5] انظر: سيرة ابن هشام 4/ 154، والمغازي للواقدي 3/ 946، 947، وتاريخ الطبري 3/ 90، 91، ونهاية الأرب، 17/ 339، 340 والمغازي لعروة وغيره، ففيها أبيات أكثر، مع اختلاف في الألفاظ.(2/602)
وأعطى العلاء [108 ب] بْنَ حَارِثَةَ مِائَةَ نَاقَةٍ، وَأَعْطَى مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ مِائَةَ نَاقَةٍ، وَرَدَّ إِلَيْهِ أَهْلَهُ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ الْفَزَارِيَّ مِائَةَ نَاقَةٍ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ كِسْوَةً.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ لِلأَنْصَارِ: قَدْ كُنْتُ أُخْبِرُكُمْ أَنَّكُمْ سَتَلُونَ حَرَّهَا وَيَلِيَ بَرْدَهَا غَيْرُكُمْ. فَتَكَلَّمَتِ الأَنْصَارُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَمَّ هَذِهِ الأَثَرَةِ؟ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ مُفْتَرِقِينَ فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ، وَضُلالا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ، وَمَخْذُولِينَ فَنَصَرَكُمُ اللَّهُ» . ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ [1] تَشَاءُونَ لَقُلْتُمْ ثُمَّ لَصَدَقْتُمْ وَلَصُدِّقْتُمْ: أَلَمْ نَجِدْكَ مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَمُحْتَاجًا فَوَاسَيْنَاكَ» . قَالُوا: لا نَقُولُ ذَلِكَ، إِنَّمَا الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنَّصْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَلَكِنَّا أَحْبَبْنَا أَنْ نَعْلَمَ فِيمَ هَذِهِ الأَثَرَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَوْمٌ حَدِيثُو عَهْدٍ بِعِزٍّ وَمُلْكٍ، فَأَصَابَتْهُمْ نَكْبَةٌ فَضَعْضَعَتْهُمْ وَلَمْ يَفْقَهُوا كَيْفَ الإِيمَانُ، فَأَتَأَلَّفُهُمْ. حَتَّى إِذَا عَلِمُوا كَيْفَ الإِيمَانُ وَفَقِهُوا فِيهِ عَلَّمْتُهُمْ [2] كَيْفَ الْقَسْمُ وَأَيْنَ مَوْضِعُهُ» . وَسَاقَ بَاقِي الْحَدِيثِ [3] . وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى صَارَ كَالصِّرْفِ [4] ، وَقَالَ: «فمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟» ثم قال:
__________
[1] في الأصل «لقد» والتصحيح من نسختي (ع) و (ح) .
[2] في ع، ح: علمتم.
[3] انظر سيرة ابن هشام 4/ 156، 157، والمغازي للواقدي 3/ 957، 958، وتاريخ الطبري 3/ 93، 94، والمغازي لعروة 219، وفتح الباري 8/ 51.
[4] الصرف: صبغ أحمر يشبه به الدم فيقال دم صرف.(2/603)
«يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» . فَقُلْتُ: لَا جَرَمَ لَا أَرْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَ هَذَا حَدِيثًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ بِالْجِعْرَانَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ غَنَائِمَ مُنْصَرِفَةً مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالِ فِضَةٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِي النَّاسَ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اعدل.
فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكْن أَعْدِلُ» . فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ. قَالَ: «مَعاذَ اللَّهِ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، إِذْ أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ. فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» . فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي فِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ. قَالَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ [109 أ] أحدكم [3] صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] . وَقَالَ عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ عُرْوَةُ: أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ
__________
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الطائف (5/ 106) . وصحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم على الإسلام (140/ 1062) واللفظ له.
[2] صحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم. (142/ 1063) وأخرجه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي وابن ماجة، والدارميّ، ومالك، والإمام أحمد، في مواضع كثيرة. (انظر: المعجم المفهرس لألفاظ الحديث 6/ 204) .
[3] في الأصل: «أحدهم» . والتصحيح من ع، ح.
[4] صحيح البخاري: كتاب استتابة المرتدّين والمعاندين وقتالهم، باب من ترك قتال الخوارج للتأليف (9/ 21- 22) ، وانظر سيرة ابن هشام 4/ 156، والمغازي للواقدي 3/ 948.(2/604)
مَخْرَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ [1] أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. فَقَالَ: «مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ. فَاخْتَارُوا إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ» . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَظَرَهُمْ تِسْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ. فَلَمَّا تَبَيَّن لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: إِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ. فَمَنْ أَحَبَّ [مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ] [2] مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ» . فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ. فَقَالَ: «إِنَّا لا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» . فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ [3] عُرَفَاؤُهُمْ. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ بِأَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. أَخْرَجَهُ خ [4] . وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الطَّائِفِ إِلَى الْجِعْرَانَةِ، وَبِهَا السَّبْيُ، وَقَدِمَتْ عَلَيْهِ وُفُودُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فِيهِمْ تِسْعَةٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَأسْلَمُوا وَبَايَعُوا. ثُمَّ كَلَّمُوهُ فِيمَنْ أُصِيبَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ. إِنَّ فِيمَنْ أَصَبْتُمُ الأُمَّهَاتِ وَالأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالاتِ، وَهُنَّ مَخَازِي [5] الأَقْوَامِ. وَنَرْغَبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رحيما جوادا كريما. فقال:
__________
[1] في الأصل: «يسألوه» . والتصحيح من صحيح البخاري.
[2] سقطت هذه الجملة من الأصل، ع وأثبتناها من (ح) .
[3] في الأصل: «وكلمهم» . والمثبت عن (ح) وصحيح البخاري.
[4] في كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أنّ الخمس لنوائب المسلمين إلخ.
(4/ 108- 109) . وكتاب المغازي، باب قول الله تعالى وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ 9: 25 (5/ 195- 196) . وأبو داود في كتاب الجهاد (2693) باب في فداء الأسير بالمال، وأحمد في المسند 4/ 327.
[5] في الأصل: «مجاري» . والمثبت من (ح) . وفي (ع) : «محارم» . وهي جيّدة.(2/605)
سَأَطْلُبُ لَكُمْ ذَلِكَ. قَالَ: فِي الْقِصَّةِ [1] . وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ: أَنَّ سَبْيَ هَوَازِنَ كَانُوا سِتَّةَ آلافٍ [2] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حدثني عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ، فَلَمَّا أَصَابَ مِنْ هَوَازِنَ مَا أَصَابَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَسَبَايَاهُمْ، أَدْرَكَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بِالْجِعْرَانَةِ وَقَدْ أَسْلَمُوا. فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا [3] أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ، وَقَدْ أَصَابَنَا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا، مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. وَقَامَ خَطِيبُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّما فِي الْحَظَائِرِ مِنَ السَّبَايَا خَالَاتُكَ وَعَمَّاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ اللاتِي كُنَّ يَكْفُلْنَكَ، فَلَوْ أَنَّا مَلَحْنَا [4] [لِلْحَارِثِ] [5] بْنِ أَبِي شَمْرٍ، أَوِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، ثُمَّ أَصَابَنَا مِنْهُمَا مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنَا مِنْكَ، رَجَوْنا عائدتهما [6] وعطفهما، وأنت خير المكفولين. ثم [109 ب] أَنْشَدَهُ أَبْيَاتًا قَالَهَا:
امْنُنْ عَلَيْنا رَسُولَ اللَّهِ في كرم ... فإنّك المرء نرجوه وندّخر
امنن على بيضة إعتاقها حَزَنٌ [7] ... مُمَزِّقٌ شَمْلَها فِي دَهْرِها غِيَرُ
أَبْقَتْ لَهَا الْحَرْبُ هُتَّافًا عَلَى حَزَنٍ ... عَلَى قُلُوبِهِمُ الغمّاء والغمر
__________
[1] القصة في المغازي للواقدي 3/ 950، 951.
[2] الحديث في الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 155.
[3] في النسخ الثلاث «لنا» وأثبتنا لفظ ابن هشام 4/ 152.
[4] في الأصل «ملنحا» ، وهو تحريف، تصحيحه من (ع) و (ح) وفي النسخة الأخيرة فسّرها في الهامش بقوله: «أي أرضعنا» . والملح: الرضاع: (النهاية في غريب الحديث 4/ 105) .
وانظر السيرة لابن هشام 4/ 152 وفيه أيضا: «ويروى: ولو أنّا مالحنا» .
[5] سقطت من النسخ الثلاث، والاستدراك من سيرة ابن هشام.
[6] في الأصل: «عائدهما» . والمثبت من ع، ح، والمغازي للواقدي 4/ 950 والعائدة:
المعروف والصلة والفضل. (شرح أبي ذر- ص 411) .
[7] في الأصل، ع: حزز. والمثبت عن النسخة (ح) . وفي المغازي للواقدي 3/ 950 «
امنن على نسوة قد عاقها قدر
» وفي الروض الأنف 4/ 166 «
امنن على بيضة قد عاقها قدر
» .(2/606)
إِنْ لَمْ تَدَارَكْهُمُ [1] نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا ... يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا [2] حِينَ يُخْتَبَرُ
امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... إِذْ فُوكَ يَمْلَؤهُ مِنْ مَحْضِهَا دِرَرُ [3]
امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... وَإِذْ يُزيِنُكَ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ
لَا تَجْعَلَنَّا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ [4] ... وَاسْتَبْقِ مِنَّا، فَإِنَّا مَعْشَرٌ زُهُرُ
إِنَّا لَنَشْكُرُ آلَاءً وَإِنْ كُفِرَتْ [5] ... وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّخرُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالَكُمْ؟» فَقَالُوا: خَيَّرتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَأَمْوَالِنَا، أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا. فَقَالَ: «أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِذَا أَنَا صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ فَقُومُوا وَقُولُوا: إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فِي أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا، سَأُعِينُكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَسْأَلُ لَكُمْ» . فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، قَامُوا فَقَالُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، فَقَالَ: «أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ» . فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ. قَالَتِ الْأَنْصَارُ كَذَلِكَ.
فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا. فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: بَلْ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ [6] : أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ أَمْسَكَ مِنْكُمْ بِحَقِّهِ فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ سِتُّ فرائض [7] من أوّل فيء نصيبه» .
__________
[1] في المغازي للواقدي «ألا تداركها» . والمثبت يتفق مع الروض الأنف.
[2] في المغازي «حتى» ، والمثبت يتفق مع الروض الأنف.
[3] أي الدفعات الكثيرة من اللبن. (السيرة الحلبية 2/ 250) ، وانظر اختلافا يسيرا في البيت عند الواقدي والسهيليّ عما هنا.
[4] شالت نعامته: أي تفرّقت كلمتهم. أو ذهب عزّهم. (القاموس المحيط 3/ 404)
[5] في المغازي «وإن قدمت» .
[6] في المغازي للواقدي 3/ 951 «عيينة بن حصن» .
[7] الفرائض: جمع فريضة، وهو البعير المأخوذ في الزكاة، سمى فريضة لأنه فرض واجب على رب المال.(2/607)
فَردُّوا إِلَى النَّاسِ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ [1] .
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْسِم عَلَيْنَا فَيْئَنَا، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى شَجَرَةٍ فَانْتَزَعَتْ عَنْهُ رداءه فقال:
«ردّوا عليّ ردائي، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ لَكُمْ عَدَدُ شَجَرِ تِهَامَةَ [نَعَمًا] [2] لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ مَا لَقِيتُمُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا» . ثُمَّ قَامَ إِلَى جَنْبِ بَعِيرٍ وَأَخَذَ مِنْ سَنَامَه وَبَرَةً فَجَعَلَهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، وَاللَّهِ ما لي مِنْ فَيْئِكُمْ وَلَا هَذِهِ الْوَبَرَةِ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ.
فَأَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ [3] ، فَإِنَّ الْغُلُولَ [4] عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِكُبَّةٍ [5] مِنْ خيوط شعر فقال: أخذت [110 أ] هَذِهِ لِأَخِيطَ بِهَا بَرْذَعَةَ بَعِيرٍ لِي دَبِرٍ [6] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا حَقِّي مِنْهَا فَلَكَ» . فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا إِذَا بَلَغَ الْأَمْرُ هَذَا فَلا حَاجَةَ لِي بِهَا. فَرَمَى بِهَا [7] . وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ. فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِليَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ: «اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ» . وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أَعْطَاهُ جَارِيَةً مِنَ الْخُمْسِ. فَلَمَّا أَنْ أَعْتَقَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبايا النَّاسِ، قَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْجَارِيَةِ فَخَلِّ سَبِيلَهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [8] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 152 وانظر المغازي للواقدي 3/ 951، 952، وطبقات ابن سعد 2/ 153، 154، وتاريخ الطبري 3/ 87.
[2] زيادة من (ح) وابن هشام.
[3] الخياط: الخيط، والمخيط: الإبرة.
[4] الغلول: الخيانة في المغنم والسرقة وكل من خان في شيء خفية فقد غلّ.
[5] الكبّة: من الغزل أو الشعر ما جمع على شكل كرة أو أسطوانة.
[6] الدبر: قروح تصيب ظهر البعير أو خفه، فهو دبر وأدبر.
[7] سيرة ابن هشام 4/ 153، 154، تاريخ الطبري 3/ 89، 90.
[8] صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم (28/ 1656) .(2/608)
وقال ابن إِسْحَاق [1] : حدّثني أَبُو وَجْزَة السعديّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى من سَبْيِ هوازن عليَّ بْن أَبِي طَالِب جاريةً، وأعطى عثمان وعمر، فوهبها عُمَر لابنه.
قَالَ ابن إِسْحَاق [2] : فحدّثني نافع، عَنِ ابن عُمَر، قَالَ: بعثت بجاريتي إلى أخوالي من بني جُمَحٍ ليُصْلِحوا لي منها حتّى أطوف بالبيت ثمّ آتيهم.
فخرجت من المسجد فإذا النّاس يشتدّون، فقلت: ما شأَنكم؟ فقالوا: رَدَّ عَلَيْنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءنا وأبناءنا. فقلت: دُونَكم صاحبتكم فهي فِي بني جُمح فانْطلَقوا فأخذوها.
قَالَ ابن إِسْحَاق [3] : وحدّثني أَبُو وَجْزة يزيد بْن عُبَيْد: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لوفد هوازن: «ما فَعَل مالك بْن عَوْفُ؟» قَالُوا: هُوَ بالطائف. فقال:
«أخْبِروه أنّه إِنْ أَتَاني مُسْلِمًا رَدَدْتُ إِلَيْهِ أهلَه ومالَه، وأعطيته مائةً من الإبل» . فأُتِيَ مالِك بذلك، فخرج إِلَيْهِ من الطائف. وقد كَانَ مالك خاف من ثقيف عَلَى نفسه من قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأمر براحلةٍ فهُيِّئت، وأمر بفرسٍ لَهُ فأُتِيَ بِهِ، فخرج ليلًا ولحِق برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأدركه بالجِعرانة أو بمكة، فردّ عَلَيْهِ أهله وماله وأعطاه مائةً من الإبل. فقال:
ما إِنْ رأيتُ ولا سَمِعتُ بمثلِهِ ... وفي النَّاسِ كلِّهم بمثْلِ مُحَمَّد
أَوْفَى وَأَعْطَى للجزيل إذا اجتدي [4] ... وإذا تشاء يُخْبِرْك عمّا فِي غَد
وإذَا الكَتِيبَةُ عَرَّدَتُ أَنْيَابُها ... أَمَّ الْعِدَى فيها بكُلِّ مُهَنَّد [5]
فكَأَنَّه لَيْثٌ لَدى أَشْبَالِهِ ... وَسْطَ المَبَاءَةِ خَادِرٌ [6] فِي مرصد
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 152، 153.
[2] سيرة ابن هشام 4/ 153.
[3] سيرة ابن هشام 4/ 153.
[4] اجتدى: سئل الجدا أو الجدوى، وهي العطية.
[5] عردت أنيابها: غلظت واشتدت. المهند: السيد المصنوع من حديد الهند.
[6] المباءة (وقد وردت في النسخ الثلاث) : المنزل وكناس الثور الوحشي. ولعلّها استعملت هنا(2/609)
فاستعمله النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى من أسلم من قومه، وتلك القبائل من ثُمَالة وَسَلَمَةَ وفَهْم [1] ، كَانَ يقاتل بهم ثقيفًا، لَا يخرج لهم سَرْحٌ إلّا أغار عَلَيْهِ حتّى يصيبه [2] .
قَالَ ابن عَسَاكِر: شهد مالك بْن عَوْفُ فَتْح دِمَشق. وله بها دار [3] .
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ ثَوْبَانَ، أَخْبَرَنِي عَمِّي عُمَارَةُ بْنُ ثَوْبَانَ، أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ قَالَ: كُنْتُ غُلامًا أَحْمِلُ عُضْوَ الْبَعِيرِ، وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لَحْمًا بِالْجِعْرَانَةِ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ.
وَرَوَى الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ هَوَازِنَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ [110 ب] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَنَا أُخْتُكَ شَيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ. قَالَ: «إِنْ تَكُونِي صَادِقَةً فَإِنَّ بِكِ مِنِّي أَثَرًا لَنْ يَبْلَى» . قَالَ: فَكَشَفَتْ عَنْ عَضُدِهَا. ثُمَّ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَمَلْتُكَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ فَعَضَضْتَنِي هَذِهِ الْعَضَّةَ. فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: «سَلِي تُعْطَيْ، وَاشْفَعِي تُشَفَّعِي» [4] .
الحَكَم ضعّفه ابن معين [5] .
__________
[ () ] بمعنى العرين. ورواية ابن هشام والواقدي: الهباءة، وهي الغبارة يثور عند اشتداد الحرب.
خادر: مقيم في عرينه.
[1] ثمالة وسلمة وفهم: بطون من الأزد من القحطانية.
[2] سيرة ابن هشام 4/ 153، والمغازي للواقدي 3/ 955، 956، وتاريخ الطبري 3/ 89.
[3] في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (2/ 135) : الدار التي على شارع دار البطيخ الكبير التي فيها البناء القديم تعرف بدار بني نصر، كانت كنيسة للنصارى فنزلها مالك بن عوف النصري أول ما فتحت دمشق فعرفت به.
[4] ينظر عن شيماء: الاستيعاب 4/ 344، وأسد الغابة 5/ 489، والإصابة 4/ 344 رقم (633) .
[5] قال فيه: ليس بشيء. (التاريخ 2/ 125 رقم 1332) .(2/610)
عمرة الجعرانة
قَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي الْقَعْدَةِ، إِلا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةٌ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ- أَوْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ، أَظُنُّهُ قَالَ [1] ، الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَعُمْرَةٌ مِنَ الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين في ذي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وقال مُوسَى بْن عُقْبة، وهو فِي «مغازي عُرْوَةُ» [3] : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بالعُمْرة من الجِعِرّانة فِي ذي القَعدة، فقدِم مكة فقضى عُمْرته. وكان حين خرج إلى حُنين استخلف مُعاذًا عَلَى مكة، وأمره أنَّ يعلّمهم القرآن ويفقّههم فِي الدين. ثمّ صدر إلى المدينة وخلَّف مُعاذًا عَلَى أهُل مكة [4] .
__________
[1] في الأصل، «قال أظنه» . وهو سبق قلم تصحيحه من ع، ح والصحيحين.
[2] صحيح البخاري: كتاب الحج، أبواب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلّى الله عليه وسلم (3/ 3) . وصحيح مسلم: كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلم وزمانهن (217/ 1253) . وأبو داود في الحج (1994) باب العمر. والترمذي في الحج (814) باب ما جاءكم اعتمر النبيّ صلّى الله عليه وسلم. وابن ماجة في المناسك (3003) باب كم اعتمر النبيّ صلّى الله عليه وسلم. وأحمد في المسند 1/ 246 و 321 و 2/ 139 و 3/ 134 و 256 و 4/ 297.
[3] في الأصل «غزوة» والتصحيح من (ع) ، و (ح) .
[4] أول الحديث غير موجود في المطبوع من مغازي عروة، انظر ص 213، وأخرجه الحاكم في(2/611)
وقال ابن إِسْحَاق [1] : ثمّ سَارَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الجعرانة معتمرًا. وأمر ببقايا الْفَيْءِ فحُبِس بمَجَنَّة [2] . فلمّا فرغ من عُمرته انصرف إلى المدينة، واستخلف عتّاب بْن أَسِيد عَلَى مكة، وخلَّف معه مُعاذًا يفقّه النّاس.
قلتُ: ولم يزل عتّاب عَلَى مكة إلى أنْ مات بها يوم وفاة أَبِي بَكْر. وهو عَتّاب بْن أَسِيد بْن أَبِي العِيص بْن أُمَيّة الأمَويّ. فبلغنا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له: يا عتّاب، تدرى عَلَى من اسْتَعْمَلْتُك؟ استعملتك عَلَى أهُل اللَّه، ولو أعلم لهم خيرًا منك استعملتُه عليهم. وكان عمره إذ ذاك نَيِّفًا وعشرين سنة، وكان رجلًا صالحًا. رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أصبتُ فِي عملي هذا بُرْدَيْن مُعَقَّدَيْن كَسَوْتُهما غُلامِي، فلا يقولنّ أَحَدُكُمْ أخَذ مِنّي عتّاب كذا، فقد رزقني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلَّ يومٍ دِرْهَميْن، فلا أَشْبَعَ اللَّه بَطْنًا لَا يُشبعه كلّ يوم درهمان [3] .
__________
[ () ] المستدرك على الصحيحين 3/ 270.
[1] سيرة ابن هشام 4/ 157، تاريخ الطبري 3/ 94.
[2] مجنّة: بالفتح وتشديد النون. بمرّ الظهران أسفل مكة. (معجم البلدان 5/ 58) .
[3] انظر عن عتّاب بن أسيد: طبقات ابن سعد 5/ 446، طبقات خليفة 11 و 277، تاريخ خليفة 87 و 88 و 92 و 97 و 117 و 123. المحبّر لابن حبيب 11 و 12 و 126 و 127 و 258، فتوح البلدان للبلاذري 46 و 63 و 66، أنساب الأشراف له 1/ 303، 303 و 364، 365، 368، 529، نسب قريش لمصعب 187 و 312 و 418، أخبار مكة للأزرقي 1/ 285 و 2/ 151 و 153، التاريخ الكبير 7/ 54 رقم 244، المعارف لابن قتيبة 73 و 91 و 163 و 283، الأخبار الموفقيّات للزبير بن بكار 333، تاريخ الطبري 3/ 73 و 94 و 318 و 319 و 322 و 342 و 419 و 427 و 479 و 497 و 597 و 623 و 4/ 39 و 94 و 160، المستدرك 3/ 594، 595، جمهرة أنساب العرب 113 و 145 و 166، المعجم الكبير للطبراني 17/ 161، 162، العقد الفريد لابن عبد ربّه 6/ 158، ربيع الأبرار 4/ 338، عيون الأخبار 1/ 330 و 2/ 55، الخراج وصناعة الكتابة 266، الاستيعاب لابن عبد البر 3/ 153، 154، ثمار القلوب للثعالبي 12 و 519، الجرح والتعديل 7/ 11 رقم 46، مشاهير علماء الأمصار 30 رقم 155، الزيارات للهروي 94، تهذيب الأسماء واللغات للنووي ق 1 ج 1/ 318، 319 رقم 386، الكاشف 2/ 212، 213 رقم 3706، تلخيص المستدرك 3/ 594، 595، البداية والنهاية 7/ 34، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 90 و 125 و 138 و 2/ 243 و 244 و 245 و 246 و 237 و 251 و 252 و 253 و 254 و 257، تهذيب التهذيب 7/ 89، 90 رقم 191، تقريب التهذيب 2/ 3 رقم 1، الإصابة 2/ 451 رقم 5391، البدء والتاريخ للمقدسي 5/ 107، الوفيات لابن قنفذ(2/612)
وحجّ النّاس فِي تِلْكَ السنة عَلَى ما كانت العرب تحجّ عليه [1] .
__________
[41،) ] خلاصة تذهب التهذيب 257 وستأتي ترجمته في الجزء الخاص بالخلفاء الراشدين من هذا الكتاب، في تراجم المتوفين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[1] تاريخ الطبري 3/ 95، تاريخ خليفة 92.(2/613)
قصة كعب بْن زُهَيْر
ولما قدِم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مُنْصَرفه، كتب بُجَيْر بْن زُهَيْر، يعني إلى أخيه كَعْب بْن زُهَيْر، يخبره أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل رجالًا بمكة ممّن كَانَ يَهْجُوه ويُؤذيه، وأنّ من بَقِيَ من شعراء قريش، ابن الزِّبَعْرَى [1] ، وهُبَيْرة بْن أبي وَهْب [2] ، قد هربوا [3] فِي كلّ وَجْهٍ. فإن كانت لك في نفسك حاجة فطِرْ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنّه لَا يقتل أحدًا جاءه تائبًا، وإنْ أنت لم تفعلْ فانجُ إلى نجائك من الأرض.
وكان كعب [111 أ] قد قَالَ [4] :
أَلا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... فَهَلْ لَكَ [5] فِيمَا قُلْت وَيْحَكَ هَلْ لَكَا
__________
[1] هو عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عديّ القرشيّ السهمي الشاعر، كان من أشعر قريش في الجاهلية، وأسلم بعد الفتح وحسن إسلامه. انظر ترجمته في الإصابة (2/ 308) وأسد الغابة (3/ 239) وطبقات فحول الشعراء (1/ 235- 244) .
[2] في سيرة ابن هشام 4/ 157 «هبيرة بن وهب» والمثبت يتفق مع المصادر الأخرى.
[3] في الأصل، ع: «فذهبوا» . والتصحيح من (ح) .
[4] شرح ديوانه (صنعة السكري) : ص 3- 4 باختلاف في الألفاظ وترتيب الأبيات، ولم يرد البيت الرابع في شرح الديوان.
[5] في الأصل، ع: «فهل كان» . والمثبت من ح. وسيرة ابن هشام 4/ 158.(2/615)
فَبَيِّنْ لَنَا إِنْ كُنْتَ لَسْتَ بِفاعِلٍ ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ دَلَّكَا
عَلَى خُلُقٍ لَمْ ألْفِ أُمًّا وَلا أَبًا [1] ... عَلَيْهِ وَمَا تُلْفي عَلَيْهِ أَخًا [2] لَكا
فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بآسِفٍ ... وَلا قَائِلٍ إِمَّا عَثَرْتَ: لَعًا لَكا
سَقَاكَ بِهَا المَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً ... فأنهلك المَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكا
فلمّا أتيت بُجَيْرًا كَرِه أنَّ يَكْتُمَها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنشده إيّاها. فقال لما سَمِعَ « [سقاك] [3] بها المأمون» : «صَدَق وإنّه لكّذُوب» . ولما سَمِعَ: «عَلَى خُلُقٍ لم تلف أُمًّا ولا أبًا عَلَيْهِ» . قَالَ: «أجل لم يلف عَلَيْهِ أَبَاهُ ولا أمّه» . ثمّ قَالَ بُجير لكعب:
مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهلْ لَكَ فِي التّي ... تَلُومُ عَلَيْها بَاطِلًا وَهْيَ أَحْزَمُ
إِلى اللَّه- العُزَّى ولا اللات- وَحْده ... فَتَنْجُو إذَا كَانَ النَّجَاءُ وتَسْلَم
لَدى يَوْمِ لَا يَنْجُو وَلَسْتَ بمُفْلِتٍ ... مِنَ النّاسِ إلّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِم
فَديِن زُهَيْر وَهْوَ لَا شَيْءَ دِينُه ... وَدِينُ أَبي سُلْمَى عَليَّ مُحَرَّم
فلمّا بلغ كَعْبًا الكتابُ ضاقت عَلَيْهِ الأرض بما رَحُبت، وأشفق عَلَى نفسه، وأَرْجَف بِهِ من كَانَ فِي حاضِره من عَدوّه فقالوا: هُوَ مَقْتُولٌ. فلمّا لم يجد من شيءٍ بُدًّا قَالَ قصيدته، وقدم المَدِينَةِ [4] .
وقال إِبْرَاهِيم بْن دِيزِيلَ، وغيره، ثنا إِبْرَاهِيم بْن المنذر الحزامي، ثنا الحجّاج بْن ذي الرُقَيْبَة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بن زهير بن أبي سلمى
__________
[1] في الأصل، ح وسيرة ابن هشام: «
على خلق لم ألف يوما أبا له
» . وفي ع: «
عَلَى خُلُقٍ لَمْ ألْفِ أُمًّا وَلا أَبًا له
» . والحرف الأخير زيادة لا يستقيم معها وزن الشعر، وهو على التحقيق من أوهام النسخ. وقد أثبتنا رواية (ع) بعد حذف هذه الزيادة لاتفاقها مع ما يرد بعد ذلك في سياق الخبر، ولأنها، بعد، رواية الديوان.
[2] في النسخ الثلاث والسيرة لابن هشام: «أبا» ، والوجه ما أثبتناه من رواية الديوان.
[3] سقطت من الأصل، ع، وأثبتناها من ح.
[4] الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 157، 158، والشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 80، والأغاني 17/ 86، وإمتاع الأسماع للمقريزي 494 وانظر ديوان كعب بن زهير.(2/616)
المُزَنيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدّه قَالَ: خرج كَعْب وبُجير ابنا زُهَيْر حتّى أَتَيَا أَبْرَق الْعَزَّافِ [1] فقال بُجَير لكعب: اثبت هنا حتّى أتي هذا الرجل فأسمع ما يَقُولُ.
قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فأسلم، فبلغ ذَلِكَ كعبًا فقال:
ألا أبلغَا عنّي بُجَيْرًا رسالةً ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
سقاك بها المأمون كأسًا رَوِيَّةً ... وَأَنْهَلَكَ المأمونُ منها وعَلَّكا
ويُروَى
سقاك أَبُو بَكْر بكأس رَويةٍ
فَفَارَقْتَ أَسْبَابَ الْهُدَى وَتَبِعْتَهُ ... عَلَى أيِّ شَيْءٍ وَيْبَ [2] غَيْركَ دلَّكا
عَلَى مَذْهَبٍ لم تلفِ أمًّا ولا أبًا ... عَلَيْهِ، ولم تعرفْ عَلَيْهِ أخًا لكا [3]
فاتّصل الشِعْر بالنّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأهْدَر دمه. فكتب بُجَير إِلَيْهِ بذلك، ويقول لَهُ:
النَّجاءَ، وما أراك تُفْلِت [4] . ثمّ كتب إِلَيْهِ: اعَلْم أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يأتيه أحد يشهد أنَّ لَا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ إلّا قَبِلَ ذَلِكَ منه، وأسقط ما كَانَ قبل ذَلِكَ. فأسلم كَعْب، وقال القصيدة التي يمدح فيها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أقبل حتّى أناخ راحلته بباب مسجد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم دخل [111 ب] المسجد ورَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أصحابه مكانَ المائدة من القوم، والقوم متحلِّقون معه حَلْقةً دون حَلْقة، يلتفت إلى هَؤُلَاءِ مرّة فيحدّثهم، وإلى هَؤُلَاءِ مرّة فيحدّثهم.
قَالَ كَعْب: فأنخْتُ رَاحِلتي، ودخلت، فعرفتُ رَسُول الله صلّى الله عليه وسلم بالصّفة،
__________
[1] في الأصل، ح «أبرق العراق» ، والتصحيح من (ع) .
وأبرق العزّاف: ماء لبني أسد بن خزيمة بن مدركة، وهو في طريق القاصد إلى المدينة من البصرة يجاء من حومانة الدراج إليه، ومنه إلى بطن نخل ثم الطرف ثم المدينة. وإنما سمّي العزّاف لأنهم يسمعون فيه عزيف الجنّ. (معجم البلدان 1/ 68) ، والأبرق والبرقاء: جمعها أبراق: حجارة ورمل مختلطة. (معجم البلدان 1/ 65) .
[2] ويب: مثل ويح ووي.
[3] راجع الديوان- ص 3، والأغاني 17/ 86، والشعر والشعراء 1/ 80.
[4] في الأصل، ح: «تنفلت» . وفي ع: «فقلب» . وفي الأغاني 17/ 87 «بمفلت» .(2/617)
فتخطّيت حتّى جلست إِلَيْهِ فقلتُ: أشهد أنَّ لَا إله إلّا اللَّه، وأنّك رَسُول اللَّهِ.
الأَمانَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ، «وَمَنْ أنتَ؟» قلتُ: أَنَا كَعْب بْن زُهَيْر. قَالَ:
«الَّذِي يَقُولُ» ثمّ التفتَ إلى أَبِي بَكْر فقال: «كيف [قَالَ] [1] يا أَبَا بَكْر؟» فأنشده:
سقاك أَبُو بَكْر بكأس رويّة ... وأنهلك المأمُور [2] منها وعلّكا
قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ما قلتُ هكذا. قَالَ: «فكيف قلت؟» قلتُ، إنّما قلتُ:
وأنهلك المأمونُ منها وعلّكا
فقال: «مأمونٌ، والله» . [قَالَ] [3] : ثمّ أنشده [4] :
بانَتْ سُعاد فقلبي اليوم مَتْبولُ ... مُتَيَّمٌ إِثْرَها لم يُلْفَ مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلّا أَغنُّ غَضِيض الطَّرْف مَكْحول
تجلو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذا ابتسمتْ ... كأنّه مُنْهلٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ
شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ من ماءِ مَحْنِيَةٍ ... صادٍ بأبطحَ أَضْحَى وهو مَشْمول [5]
تَنْفي الرياحُ الْقَذَى عَنْهُ وأفْرَطَهُ ... من صَوْب ساريةٍ بيضٌ يَعالِيل [6]
أَكْرِمْ بها خُلَّةً لو أنّها صَدَقتْ ... مَوْعُودَها، أَوْ لَوْ أن النصح مقبول
لكنها خلة قَدْ سيط من دمها ... فجع وولع وإخلاف وتبديل [7]
__________
[1] سقطت من الأصل، ح، وأثبتناها من ع.
[2] في الأصل، ع والأغاني: «المأمون» . والمثبت من (ح) وهو الوجه.
[3] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح.
[4] شرح ديوانه: 6- 25، وانظر أيضا: شرح قصيدة كعب بن زهير للخطيب التبريزي (تحقيق سالم الكرنكوي) ، وسيرة ابن هشام 4/ 159، 160.
[5] شجت: مزجت، يعني الراح. وذي شبم: الماء البارد. والمحنية: ما انعطف من الوادي.
ومشمول: أصابته ريح الشمال.
[6] أفرطه: أي ملأه. سارية: سحابة تسري. بيض يعاليل: أي سحائب بيض رواء.
[7] سيط: خلط.(2/618)
فما تدومُ عَلَى حالٍ تكونُ بها ... كما تَلَوَّنُ فِي أثوابها الْغُولُ [1]
ولا تَمَسَّكُ [2] بالعَهْد الَّذِي زَعَمت ... إلّا كما يُمْسِكُ الماءَ الغرابيل
فلا يَغُرَّنْكَ ما مَنَّت وما وعدتْ ... إنّ الأمانيَّ والأحلامَ تضليل
كانت مواعيدُ عُرْقوبٍ لها مَثَلًا ... وما مواعيدُها إلّا الأباطيل
أرجو وآمُل أنَّ تدنو مودَّتُها ... وما إِخالُ لَدَيْنا منكِ تَنْويل
أمستْ سعاد بأرض لَا يُبَلّغها ... إلّا الْعِتَاقُ النَّجِيبات المَراسيل
ولن يبلّغها إلّا عُذَافِرَةٌ ... فيها عَلَى الأَيْنِ إِرْقال وتَبْغيل [3]
من كلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرى إذا عَرِقتْ ... عرضتها طامِسُ الأعلامِ مجهول [4]
ترى الْغُيُوبَ بعينَيْ مُفْردٍ لَهَقٍ ... إذا توقّدتِ الحِزَّانُ وَالْمِيلُ [5]
ضخْمٌ مُقَلَّدُها، فَعْمٌ [6] مُقَيَّدُها ... فِي خَلْقها عَنْ بناتِ الْفَحْلِ تَفْضيل
غَلبْاءُ وَجْناءُ عُلْكومٌ مُذَكَّرةٌ ... فِي دَفِّها سَعَةٌ قُدَّامُها مِيلُ [7]
وجِلدُها من أَطُومٍ ما يُؤْيسُه ... طِلْحٌ بِضَاحِيَةِ المَتْنَيْن مَهْزول [8]
حَرْفٌ أبُوها أخُوها مِن مُهَجَّنَةٍ ... وعمُّها خالُها قَوْداءُ شِمْليل [9]
يسعَى الوُشاةُ بدفيها [10] وقِيلُهُم ... إنَّكَ يا بْنَ أبي سُلْمَى لمقتول
__________
[1] الغول: الداهية (ح) ومن معانيها كذلك: السّعلاة، وهو المقصود هنا.
[2] في الأصل: «ولا تمسكت» . وأثبتنا لفظ ع، ح.
[3] عذافرة: ناقة صلبة. والأين: الإعياء. والإرقال والتبغيل: ضربان من السير.
[4] الذفرى: ما تحت الأذن. وعرضتها: من قولهم بعير عرضة السفر أي قوي عليه.
[5] المفرد: بقر الوحش، شبه الناقة به. واللهق: الأبيض. والحزان: الحزن وهو الغليظ من الأرض.
[6] الفعم: الممتلئ.
[7] الغلباء: الغليظة الرقبة، والوجناء: العظيمة الوجنتين. وقدامها ميل: أي طويلة العنق.
[8] الأطوم: الزرافة، يصف جلدها بالنعومة. والطلح: القراد، أي لملاسة جلدها لا يثبت عليه قراد.
[9] الحرف: الناقة الضامر. ومهجنة: أي حمل عليها في صغرها. وقوداء: طويلة، وشمليل:
سريعة.
[10] كذا في الأصل، ح. وحرفت في ع إلى «فيها» . وبها يختل الوزن.(2/619)
[112 أ] وقال كلُّ صديقٍ كنتُ آمُلُه ... لَا أُلْهِيَنَّك [1] ، إنّي عنكَ مشغول
خَلُّوا طريقَ يَدَيْها [2] لَا أَبَا لَكُمُ ... فكلُّ ما قدّر الرَّحْمَن مفعول
كلُّ ابْنِ أنثى وإن طالتْ سلامتُهُ ... يومًا عَلَى آلةٍ حَدْباءَ محمول
أُنْبِئْتُ أنَّ رَسُول اللَّهِ أَوْعَدني ... والعفوُ عند رَسُول اللَّهِ مَأْمول
مَهْلًا رسولَ الَّذِي أعطاك نَافِلَةَ ... الْقُرْآنِ، فِيهِ مَوَاعِيظٌ وتَفْصيل
لا تأخُذَنِّي بأقوالِ الوُشاةِ ولَمْ ... أُذْنِبْ، ولو كثُرت عنّي الأقاويل
لقد أَقومُ مَقامًا لو يقوم بِهِ ... أَرَى وأَسمعُ ما لَوْ يسمعُ الفيل [3]
لَظَلَّ يَرْعَد إلّا أنَّ يكون لَهُ ... من الرَّسُول بإِذْن اللَّه تَنْويل
حتّى وضعتُ يَميِني لَا أُنَازِعُه ... فِي كَفِّ [ذي] [4] نَقِماتٍ قيِلُه الْقِيلُ
لَذَاكَ أَخْوَفُ عِندي إذْ أكلّمه ... وَقِيلَ إنّكَ مَنْسوبٌ ومَسْئول
مِن ضَيْغَمٍ من لُيُوث الُأسْد مَسْكَنُهُ ... من بَطْنِ عَثَّر غيِلٌ دونَهُ غِيلُ
إنّ الرَّسُول لَنُورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ ... مُهَنَّدٌ من سُيوف اللَّه مَسْلولُ
فِي فِتْيةٍ من قُرَيشٍ قَالَ قَائِلُهُم ... ببَطْنِ مكةَ لمّا أَسْلَمُوا: زُولُوا [5]
زَالُوا، فما زَال أَنْكاسٌ ولا كُشُفٌ [6] ... عند اللّقاءِ، ولا مِيلٌ معازيل [7]
شمّ العرانين أَبْطالٌ لَبُوسُهمُ ... من نَسْجِ دَاوُد فِي الْهَيْجَا سَرَابِيِلُ
يَمْشُون مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهم ... ضَرْبٌ إذا عَرَّد السُّود التَّنَابِيلُ
لا يَفْرَحُون إذا نالتْ سُيُوفهمُ ... قومًا، ولَيْسوا مَجَازِيعًا إذا نِيلُوا
__________
[1] ألهينك: خ ألفينك.
[2] كذا في الأصل، ح. وفي ع: «فقلت خلوا سبيلي» . وهي الرواية.
[3] فاعل يقوم الفيل. (ح) .
[4] سقطت من الأصل، ع. وأثبتناها من ح.
[5] أراد الهجرة. (ح) .
[6] أنكاس: جمع نكس وهو الرجل الضعيف. وكشف: جمع أكشف وهو الّذي لا ترس معه.
[7] في ح: ولا خيل معازيل. وقال في الهامش: الخيل الفرسان. ويروى: ميل، جمع مائل وهو الّذي لا يحسن الفروسية. ومعازيل من أعزل الّذي لا رمح معه في الحرب. أي زالوا من بطن مكة وما فيهم من هذه صفاته.(2/620)
لا يقع [1] الطّعن إلّا في نحورهم ... وما لهم عَنْ حِياض المَوْت تَهْلِيلُ
[وفي سنة ثمان:
تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْبَرُ بَنَاتِهِ [2] . وَهِيَ الَّتِي غَسَّلَتْهَا أُمُّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةُ، وَأَعْطَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقْوَهُ [3] ، وَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» [4] . فَجَعَلَتْهُ شِعَارَهَا تَحْتَ كَفَنِهَا. وقد وَلَدت زينبُ من أَبِي العاص بْن الرَّبيع بْن عَبْد شمس، رَضِيَ اللَّهُ عنه، [ابنتها] [5] أُمَامَة التي كَانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة] [6] .
وفيها: عُمل منبر النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخطب عَلَيْهِ، وحَنَّ إِلَيْهِ الجِذْع الَّذِي كَانَ يخطب عَلَيْهِ.
وفيها: وُلِدَ إِبْرَاهِيم ابن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [7] .
وفيها: وهبت سَوْدة أمّ المؤمنين يومها لعائشة.
وفيها: تُوُفِّيَ مُغَفَّلُ بْن عَبْد نُهْم بْن عفيف المُزَنيّ، والد عبد الله، وله صحبة [8] .
__________
[1] كذا في الأصل وبقية النسخ، وفي هامش ح: صوابه لا يقطع.
[2] تاريخ خليفة 92، تاريخ الطبري 3/ 27.
[3] الحقو: الإزار.
[4] أخرجه البخاري في الجنائز (2/ 73) باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، وباب ما يستحب أن يغسل وترا، وباب هل تكفّن المرأة في إزار الرجل، (2/ 74) وباب يجعل الكافور في آخره، ومسلم في الجنائز (36/ 939) باب في غسل الميت، وأبو داود في الجنائز (3142) باب كيف غسل الميت، وأحمد في المسند 5/ 84، 85 و 6/ 407 و 408.
[5] إضافة على الأصل للتوضيح.
[6] ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، والمثبت من نسختي (ع) و (ح) . وقد تقدّم خبر وفاة زينب رضي الله عنها، قبل فتح مكة مباشرة، فليراجع هناك.
[7] تاريخ خليفة 92، تاريخ الطبري 3/ 95.
[8] انظر عنه: الاستيعاب 3/ 507، الإصابة 3/ 451 رقم 8167.(2/621)
وفيها: مات مَلِك العرب بالشام، الحارث بْن أَبِي شَمِر الغَسَّانيّ، كافرًا. وولي بعده جَبَلة بْن الأَيْهَم.
فَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ الْجَحْشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ وَهُوَ بِالْغُوطَةِ [1] ، فَسَارَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ. وَقَالَ: فَأَتَيْتُهُ [2] فَوَجَدْتُهُ يُهَيِّئُ الإِنْزَالَ لِقَيْصَرَ، وَهُوَ جَاءٍ مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ، إِذْ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ، شُكْرًا للَّه. فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ رَمَى بِهِ، وَقَالَ: وَمَنْ يَنْزِعُ مِنِّي مُلْكِي؟ أَنَا سَائِرٌ إِلَيْهِ بِالنَّاسِ. ثُمَّ عَرَضَ إِلَى اللَّيْلَ، وَأَمَرَ بِالْخَيْلِ تُنْعَلُ، وَقَالَ: أَخْبِرْ صاحبك بما ترى. فصادف قيصر [112 ب] بِإِيلِيَاءَ وَعِنْدَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَتَبَ قَيْصَرُ إِلَيْهِ: أَنْ لا تَسِيرَ إِلَيْهِ، وَالْهَ عَنْهُ، وَوَافِ [3] إِيلِيَاءَ.
قَالَ شُجَاعٌ: فَقَدِمْتُ، وَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «بَادَ مُلْكُهُ» [4] . [ويُقَال: حَجَّ بالناس عَتَّاب بْن أَسِيد أميرُ مكة [5] .
وقيل: حجَّ النّاس أَوْزَاعًا [6] .
حكاهما الواقديّ [7] . والله أعلم] [8] .
__________
[1] الغوطة: الكورة التي منها مدينة دمشق، وإليها تنسب، فيقال غوطة دمشق. والغوطة لغة من الغائط وهو المطمئن من الأرض.
[2] في الأصل، ح «فأتيت» . وأثبتنا عبارة ع.
[3] في الأصل: «ووات» . وأثبتنا عبارة ع، ح.
[4] تاريخ الطبري 2/ 652.
[5] تاريخ الطبري 3/ 95.
[6] مروج الذهب 4/ 396 والأوزاع: أي متفرّقين.
[7] في المغازي 3/ 959، 960.
[8] ما بين الحاصرتين لم يرد في الأصل. وأثبتناه من نسختي (ع) و (ح) .(2/622)
السنة التاسعة
[سريّة الضَّحَّاك بْن سُفْيَان الكِلابيّ إلى القُرَطَاء] [1]
قِيلَ: فِي ربيع الأول بَعَث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشا إلى القرَطَاء [2] ، عليهم الضحَّاك بْن سُفْيَان الكِلابيّ، ومعه الأَصْيَد بْن سَلَمَةَ بْن قُرْط. فلقوهم بالزُّجِّ، زجّ َلاوة [3] . فدعوْهم إلى الْإِسْلَام، فَأبَوْا. فقاتلوهم فهزموهم. فَلحِق الأصْيَد أَبَاهُ سَلَمَةَ، فدعاه إلى الْإِسْلَام وأَعطاه الأمان، فسبَّه وسبَّ دينه. فعَرْقَب الأصْيَد عُرْقوبَيْ فَرَسه. ثمّ جاء رَجُل من المسلمين فقتل سَلَمَةَ. ولم يقتله ابنُه [4] .
[سَرِيّة عَلْقَمَة بْن مُجَزِّز المُدْلِجِيّ] [5]
وفي ربيع الآخر، قِيلَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغه أَنّ ناسًا من الحَبَشَة
__________
[1] العنوان بين الحاصرتين ليس في الأصل وأثبتناه للتوضيح.
[2] في هامش الأصل: الفرطاء خ، أي في نسخة. والقرطاء: هم قرط وقريطة وقريط بنو عبد بن أبي بكر بن كلاب، بطن من بني بكر. (انظر شرح المواهب اللدنية 3/ 57) .
[3] في النسخ الثلاث: «بالرخ رخ لاوة» ، والتصحيح من الواقدي. وزجّ لاوة: موضع بناحية ضرية من نجد على طريق البصرة انظر معجم البلدان 3/ 133.
[4] المغازي (3/ 982) وابن سعد 2/ 162.
[5] العنوان ليس في الأصل. وهو من طبقات ابن سعد 2/ 163.(2/623)
تراءاهم [1] أهُل جُدَّة. فبعث النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم علقمة بن مجزّز المدلجيّ في ثلاثمائة، فانتهى إلى جزيرةٍ فِي البحر، فهربوا مِنْهُ [2] .
[سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس] [3]
وفي ربيع الآخر سريّة عليَّ بْن أَبِي طالب إلى الفلس [4] ، صنم طيِّئ، ليهدمه. فِي خمسين ومائة رَجُل من الأنصار، عَلَى مائة بعير وخمسين فرسًا، ومعه راية سوداء، ولواء أبيض. فَشنّوا الغارة عَلَى مَحِلَّة آل حاتِم [5] مَعَ الفجر، فهدموا الفُلْس وخرّبوه، وملئوا أيديهم من السَّبْي والنَّعَم والشَّاء. وفي السّبْي أخت عَدِيّ بْن حاتم. وهرب عديّ إلى الشَّأْم [6] .
[سريّة عُكَّاشة بْن مِحْصَن إلى أَرْضِ عُذْرَة] [7] .
وفي هذه الأيام كانت سريّة عُكّاشة بْن مِحْصَن إلى أرض عُذْرَة [8] .
ذكر هذه السَّرايا شيخُنا الدِّمْياطيّ فِي «مختصر السيرة» . وأظنّه أَخَذه من كلام الواقديّ [9] .
وَفِي رَجَبٍ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ مسيره إلى تبوك على أصحمة
__________
[1] تراءاهم: نظروهم ورأوهم. (شرح المواهب اللدنية 3/ 58) .
[2] المغازي للواقدي 3/ 983 وفيه «أهل شعيبة» بدل «أهل جدّة» .
[3] العنوان ليس في الأصل، وهو من طبقات ابن سعد 2/ 164.
[4] الفلس: صنم لطيّئ، وكان أنفا أحمر في وسط جبلهم الّذي يقال له أجأ، أسود كأنه تمثال إنسان (الأصنام لابن الكلبي: 59) .
[5] هم آل حاتم الطائي الّذي ضرب المثل بجوده، وكانت محلّتهم في نجد.
[6] الواقدي: المغازي (3/ 984- 989) ، وابن سعد في الطبقات 2/ 164.
[7] العنوان ليس في الأصل، وهو من طبقات ابن سعد 2/ 164.
[8] في طبقات ابن سعد: «ثم سريّة عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب، أرض عذرة وبليّ، في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (2/ 164) .
[9] سَرِيَّةً عكاشة ليست في مغازي الواقدي، ونرجّح أنّه أخذها من طبقات ابن سعد.(2/624)
النَّجَاشِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، صَاحِبِ الْحَبَشَةِ. وَأَصْحَمَةُ بِالْعَرَبِيِّ: عَطِيَّةٌ. وَكَانَ قَدْ آمَنَ باللَّه وَرَسُولِهِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ مَاتَ أَخٌ لَكُمْ بِالْحَبَشَةِ» . فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، وَصَفَّهُمْ، وَصَلَّى عَلَيْهِ [1] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ كَانَ يُتَحَدَّثُ أَنَّهُ لا يَزَالَ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ.
«وَيُكْتَبُ هُنَا الْخَبَرُ الَّذِي فِي السِّيرَةِ قَبْلَ [2] إسلام عمر» [3] .
__________
[1] في الأصل: «وصفّهم صلّى الله عليه وسلم» . والتصحيح من (ع) و (ح) .
والحديث أخرجه مسلم في الجنائز (66/ 951) باب في التكبير على الجنازة، من طريق أيوب، عن أبي الزبير، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أن أخا لكم قد مات. فقوموا فصلّوا عليه» ، قال: فقمنا فصفّنا صفّين. وانظر (67/ 951) .
[2] في الأصل: «وقبل» ، والمثبت من نسختي: (ع) و (ح) .
[3] في هامش (ح) : كذا بخط الذهبي رحمه الله تعالى» .
والصحيح أنّ الخبر عن النجاشي يأتي بعد الحديث عن إسلام عمر، لا قبله. انظر الجزء الخاص بالسيرة النبويّة من تحقيقنا.(2/625)
غزوة تبوك [1]
قَالَ ابن إِسْحَاق، عَنْ عاصم بن عمر، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلّما كَانَ يخرج فِي غزوة إلّا أظهر أَنَّهُ يريد غيرها، إلّا غزوة تَبُوك فإنه قَالَ: أيها النّاس، إنّي أريد الرُّوم. فأَعْلَمَهُمْ. وذلك فِي شدّة الحرّ وَجَدْبٍ [من] [2] البلاد. وحين طابت الثِّمار، والناس يحبّون المقام فِي ثمارهم.
فبينا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يوم فِي جَهازه، إذْ قَالَ للجَدِّ بْن قَيْس: «يا جَدّ، هَلْ لَكَ فِي بنات بني الأَصْفَر؟ [3] فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لقد علم قومي أنّه ليس أحدٌ أشدّ عُجْبًا بالنِّساء منّي. وإنّي أخاف إنْ رأَيتُ نساء بني الأصْفَر أَن يَفْتِنَّنِي، فائذنْ لي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فأعرض عنه [113 أ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «قد أَذنْتُ لك» . فنزلت وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا في 9: 49
__________
[1] انظر عنها: المغازي لعروة 220، المغازي للواقدي 3/ 989، تاريخ خليفة 92، سيرة ابن هشام 4/ 173، طبقات ابن سعد 2/ 165، تاريخ الطبري 3/ 100، الدرر في المغازي والسير لابن عبد البر 253، جوامع السيرة لابن حزم 249، نهاية الأرب للنويري 17/ 352، عيون التواريخ للكتبي 1/ 344، عيون الأثر لابن سيّد الناس 2/ 215 وغيره.
[2] سقطت من الأصل، وأثبتناها من نسختي (ع) و (ح) .
[3] بنو الأصفر: هم الروم.(2/627)
الْفِتْنَةِ سَقَطُوا 9: 49 [1] قَالَ: وقال رَجُل من المنافقين: لا تَنْفِرُوا في الْحَرِّ 9: 81، فنزلت: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا 9: 81 [2] .
ولم يُنْفِق أحدٌ أَعْظَمَ من نَفَقة عثمان، وحَمَل عَلَى مائة [3] بعير [4] .
[رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عطاء الخراساني، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَنْفَقُوا احْتِسَابًا، وَأَنْفَقَ رِجَالٌ غَيْرَ مُحْتَسِبِينَ. وَحَمَلَ رجال من فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَقِيَ أُنَاسٌ. وَأَفْضَلُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، تَصَدَّقَ بِمِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ، وَتَصَدَّقَ عُمَرُ بِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ، وَتَصَدَّقَ عَاصِمٌ [5] الأَنْصَارِيُّ بِتِسْعِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ [6] : «هَلْ تَرَكْتَ لأَهْلِكَ شَيْئًا؟» قَالَ: نَعَمْ، أكثر مما أنفقت وأطيب. قال: كم؟ قَالَ: مَا وَدَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الرِّزْقِ والخير] [7] . قال عمرو بن مرزوق، ثَنَا السَّكَنُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ فَرْقَدٍ أَبِي طَلْحَةَ [8] ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَثَّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ، قَالَ: فَقَامَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا [9] فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فقال: ثم حثّ
__________
[1] سورة التوبة، الآية 49.
[2] سورة التوبة، الآية 81.
[3] في نسختي (ع) و (ح) : «على مائتي بعير» .
[4] الخبر عن تاريخ الطبري (3/ 110- 102) باختصار.
[5] في ع: «عامر» . والتصحيح من ح. وهو عاصم بن عدي بن الجدّ العجلاني حليف الأنصار.
وانظر ترجمته في أسد الغابة (3/ 114) والإصابة (2/ 246) .
[6] في ع، ح: وسأل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ. ولعل الوجه ما أثبتناه.
[7] لم يرد هذا الخبر في الأصل، وأثبتناه من ع، ح. وانظر المغازي للواقدي 3/ 991.
[8] في الأصل: «فرقد بن طلحة» . والتصحيح من ع، ح، ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (8/ 264) .
[9] الأحلاس: جمع حلس وهو كل ما ولى ظهر الدابة تحت الرحل والقتب والسرج. والأقتاب:
جمع قتب وهو الإكاف أو الرحل الصغير على قدر سنام البعير.(2/628)
ثَانِيَةً، فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ حَضَّ، أَوْ قَالَ: حَثَّ، الثَّالِثَةَ، فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
أَنَا شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» . أَوْ قَالَ: «بَعْدَهَا» [1] . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [2] وَغَيْرُهُ، عَنِ السَّكَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَقَالَ ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ مَوْلَاهُ، قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَفَرَّغَهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُقَلِّبُهَا وَيَقُولُ:
«مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» [3] . قَالَهَا مِرَارًا. وَقَالَ بُرَيْدٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلَهُ لَهُمُ الْحُمْلَانَ [4] ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ، وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [6] : ثُمَّ إِنَّ رِجَالا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم البكّاءون،
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 4/ 75 وابن عساكر في تاريخ دمشق 52 وما بعدها.
[2] منحة المعبود. كتاب الخلافة والإمارة، أبواب خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، باب ما جاء في البيعة له وذكر شيء من مناقبه (2/ 175) . وانظر تاريخ دمشق 52 وما بعدها (ترجمة عثمان) .
[3] رواه أحمد في المسند 5/ 63، وابن عساكر في تاريخ دمشق 57 و 58 وسيذكره المؤلّف مرّة أخرى في ترجمة عثمان بن عفّان، في الجزء الخاص بالخلفاء الراشدين، وهو من تحقيقنا- ص 462.
[4] الحملان: ما يحمل عليه من الدّوابّ.
[5] أخرجه البخاري في المغازي 5/ 128 باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة، ومسلم في كتاب الأيمان (8/ 1649) باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الّذي هو خير ويكفّر عن يمينه.
[6] في سيرة ابن هشام 4/ 174 وتاريخ الطبري 3/ 102، وطبقات ابن سعد 2/ 165.(2/629)
وَهُمْ سَبْعَةٌ [1] مِنَ الأَنْصَارِ: سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو لَيْلَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ، وَهَرِمُ [بْنُ] [2] عَبْدِ الله، والعرباض ابن سَارِيَةَ الْفَزَارِيُّ. فَاسْتَحْمَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا أهُلَ حَاجَةٍ، فَقَالَ:
لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ 9: 92 [3] . فَبَلَغَنِي أَنَّ يَامِينَ بْنَ عَمْرٍو، لَقِيَ أَبَا لَيْلَى وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ وَهُمَا يَبْكِيَانِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمَا؟ فَقَالا: جِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْمِلَنَا، فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْخُرُوجِ. فَأَعْطَاهُمَا نَاضِحًا لَهُ فَارْتَحَلاهُ وَزَوَّدَهُمَا شَيْئًا مِنْ لَبَنٍ [4] .
وَأَمَّا عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ فَخَرَجَ مِنَ اللَّيْلَ فَصَلَّى مِنْ لَيْلَتِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ:
اللَّهمّ إِنَّكَ قَدْ أَمَرْتَ بِالْجِهَادِ وَرَغَّبْتَ فِيهِ، ثُمَّ لَمْ تَجْعَلْ عِنْدِي مَا أَتَقَوَّى بِهِ، وَلَمْ [113 ب] تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِكَ مَا يَحْمِلُنِي عَلَيْهِ، وَإِنِّي أَتَصَدَّقُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بِكُلِّ مَظْلِمَةٍ أَصَابَنِي بِهَا فِي مَالٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ عِرْضٍ [5] . ثُمَّ أَصْبَحَ مَعَ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ» ؟ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ «الْمُتَصَدِّقُ؟ فَلْيَقُمْ» . فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَبْشِرْ، فو الّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ كُتِبَتْ فِي الزَّكَاةِ المتقبّلة» [6] .
__________
[1] في الأصل، ح: «وهم سبعة منهم من الأنصار» ، والمثبت من (ع) .
[2] سقطت من الأصل، وأثبتناها من (ع) و (ح) . ويقال له) هرم أو هرميّ، أخو بني واقف.
[3] سورة التوبة، الآية 92.
[4] في السيرة لابن هشام 4/ 174 وتاريخ الطبري 3/ 102 «شيئا من تمر» بدل «لبن» .
[5] العرض: بسكون الراء المتاع. (النهاية في غريب الحديث 3/ 84) .
[6] أخرجه ابن حجر في الإصابة 2/ 500 وقال ورد مسندا موصولا من حديث مجمع بن حارثة، ومن حديث عمرو بن عوف وأبي عبس بن حبر، ومن حديث علبة بن زيد وقتيبة ...(2/630)
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ من الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ 9: 90 [1] [2] فاعْتَذَرُوا فَلَمْ يَعْذِرْهُمُ اللَّهُ. فَذَكَرَ أَنَّهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْطَأَتْ بِهِمُ النِّيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَخَلَّفُوا عَنْ غَيْرِ شَكِّ وَلا ارْتِيَابٍ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو بَنِي وَاقِفٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ. وَكَانُوا رَهْطَ صِدْقٍ [3] .
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ محمد ابن مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيَّ. فَلَمَّا خَرَجَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَمَعَهُ زِيَادَةٌ عَلَى ثَلاثِينَ أَلْفًا مِنَ النَّاسِ. وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ عَسْكَرَهُ عَلَى ذِي حِدَّةٍ [4] أَسْفَلَ مِنْهُ، وَمَا كَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرَيْنِ [5] .
فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَخَلَّفَ عَنْهُ ابْنُ سَلُولٍ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيْبِ. وَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَرَهُ بِالإِقَامَةِ فِيهِمْ، فَأَرْجَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا: مَا خَلَّفَهُ إِلا اسْتِثْقَالا له وتخفّفا مِنْهُ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ، أَخَذَ عَلِيٌّ سِلاحَهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجُرْفِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ الْمُنَافِقُونَ أَنَّكَ إِنَّمَا خَلَّفْتَنِي تَسْتَثْقِلُنِي وَتَخَفَّفُ مِنِّي. قَالَ: «كَذَبُوا، وَلَكِنْ خَلَّفْتُكَ لِمَا تَرَكْتُ وَرَائِي، فَارْجِعْ فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي وَأَهْلِكَ، أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لا نبيّ بعدي» . فرجع إلى المدينة [6] .
__________
[1] المعذّرون: الذين يعتذرون وهم غير محقّين في العذر.
[2] سورة التوبة، الآية 90.
[3] سيرة ابن هشام 4/ 175، المحبّر لابن حبيب 284، 285.
[4] في الأصل «عسكره على حدة عسكره أسفل منه» والمثبت من (ع) و (ح) . وهو «ذو حدة» في وفاء ألوفا (2/ 309) .
[5] سيرة ابن هشام 4/ 175.
[6] سيرة ابن هشام 4/ 175.(2/631)
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ قَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . وَرَوَاهُ عَامِرٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، ابْنَا سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِمَا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ، جَعَلَ لَا يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَلَّفَ فُلانٌ. فَيَقُولُ:
«دَعُوهُ، إِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللَّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ» . حَتَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذرّ [114 أ] وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيرُهُ، فَقَالَ: «دَعُوهُ، إِنْ يَكُ فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ» . فَتَلوَّمَ أَبُو ذَرٍّ بَعِيرَهُ فَلَمَّا بَطَّأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاشِيًا. [ونزل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ، وَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْ أَبَا ذَرٍّ» . فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ قَالُوا: هُوَ وَاللَّهِ أَبُو ذَرٍّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ» . فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ [3] ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلامَهُ: إِذَا مِتُّ فَاغْسِلانِي وكفّناني وضعاني
__________
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي (5/ 129) باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة. ومسلم في فضائل الصحابة (33/ 2404) باب من فضائل عليّ بن أبي طالب، والترمذي في المناقب (3808) ، وابن سعد في الطبقات 3/ 24، 25، والكلابي في المسند وهو ملحق بكتاب مناقب أمير المؤمنين علي» لابن المغازلي- ص 276 رقم 29، 30، وابن الأثير في جامع الأصول 8/ 649، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ- ص 240، 241 رقم 196 (بتحقيقنا) - الحاشية رقم (5) .
[2] سقطت من الأصل والمثبت من: ع، ح، وسيرة ابن هشام 4/ 177.
[3] الزبدة: بالتحريك، قرية من قرى المدينة على ثلاثة أيام. (معجم البلدان 3/ 24) .(2/632)
عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّونَ بِكُمْ فَقُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُمْ تَوَطَّأُ سَرِيرَهُ، فَإِذَا ابْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ. فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي، فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ. فَنَزَلَ، فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَجَنَّهُ [1] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر، أنّ أبا خيثمة، أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، رَجَعَ- بَعْدَ مَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا- إِلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي حَائِطٍ قَدْ رَشَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا [3] ، وَبَرَّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً، وَهَيَّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا. فَلَمَّا دَخَلَ قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشَيْنِ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ فِي الضِّحِّ [4] وَالرِّيحِ والحرّ، وأنا في ظلّ بارد وماء بارد وَطَعَامٍ مُهَيَّإٍ وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ، فِي مَالٍ مُقِيمٍ؟ مَا هَذَا بِالنَّصَفِ. ثُمَّ قَالَ: لا، وَاللَّهِ، لا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتَّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَيِّئَا لِي زَادًا. فَفَعَلَتَا. ثُمَّ قَدَّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ. ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَدْرَكَهُ بِتَبُوكَ حِينَ نَزَلَهَا. وَقَدْ كَانَ أَدْرَكَهُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ فِي الطَّرِيقِ فَتَرَافَقَا، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْ تبوك، قال أبو خيثمة لِعُمَيْرٍ: إِنَّ لِي ذَنْبًا، تَخَلَّفْ عَنِّي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ. فَفَعَلَ. فَسَارَ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «كُنْ أبا خيثمة» . فقالوا: هو والله أبا خيثمة، فَأَقْبَلَ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «أَوْلَى لَكَ أَبَا خيثمة» . ثُمَّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر، فقال له خيرا.
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 177، تاريخ الطبري 3/ 107.
[2] سيرة ابن هشام 4/ 175، تاريخ الطبري 3/ 104، المغازي للواقدي 3/ 998.
[3] في الأصل «عرشها» ، والمثبت من (ع) و (ح) .
[4] الضّح: الشمس. وفي نسختي: (ع) و (ح) : «في الضح والشمس.(2/633)
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة [1] . [و] قاله مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وقال مَعْمَر، عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل، قَالَ: فِي قوله تعالى:
اتَّبَعُوهُ في ساعَةِ الْعُسْرَةِ 9: 117 [2] ، قَالَ: خرجوا فِي غزوة تبوك، الرَّجُلان والثَّلاثة [114 ب] عَلَى بعيرٍ، وخرجوا فِي حرِّ شديدٍ، فأصابهم يوما عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا أَكْرَاشها ويشربوا مَاءها [3] .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، حَتَّى هَمَّ أَحَدُهُمْ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ. الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، شَكَّ الْأَعْمَشُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَذِنَتْ لَنَا فَنَنْحَرُ نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا. فَقَالَ: «أَفْعَلُ» . فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنْ ادْعُ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، وَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَدَعَا بنِطَعٍ فبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِكَفِّ ذُرَةٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكِسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ. فَأَخَذُوا حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ، وَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضِلَتْ فَضْلةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يلقى الله بها عبد غير شاكّ،
__________
[1] في المغازي- ص 220.
[2] سورة التوبة، الآية 117.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 167.
[4] في كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاكّ فيه دخل الجنة وحرّم على النّار.(2/634)
فَيُحْجَبُ عَنِ الْجَنَّةِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَدِّثْنَا مِنْ شَأْنِ الْعُسْرَةِ. فَقَالَ: خَرَجْنَا إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلا أَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى أَنْ كَانَ الرَّجُلُ [2] لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ فَيَعْصِرُ فَرْثَهُ فَيَشْرَبُهُ وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. قَالَ: «أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟» قَالَ:
نَعَمْ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قَالَتِ السَّمَاءُ فَأَطَلَّتْ ثُمَّ سَكَبَتْ، فَمَلَئُوا مَا مَعَهُمْ. ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنَظْرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ. حَدِيثٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ [3] .
وَقَالَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لَا يُصِيبُكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ» [4] ، يَعْنِي أَصْحَابَ الْحِجْرِ [5] . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، [عَنِ ابْنِ عُمَرَ] [6] ، قَالَ:
لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجْرَ، أَمَرَهُمْ أَنْ لا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا، وَلا يَسْتَقُوا مِنْهَا. فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا. فَأَمَرَهُمْ [115 أ] أن يطرحوا ذلك
__________
[1] المصدر نفسه.
[2] في الأصل: «حتى أن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته سَتَنْقَطِعُ حَتَّى أَنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ إلخ» ، وأظنه من أوهام النسخ، وأثبتنا نص ع، ح.
[3] انظر تاريخ الطبري 3/ 105 وقال ابن كثير: إسناده جيد ولم يخرجوه من هذا الوجه (السيرة النبويّة 4/ 16) .
[4] سيأتي تخريجه.
[5] أصحاب الحجر: هم ثمود الذين كذّبوا النبيّ صالحا عليه السلام. وكانت دارهم تسمّى «الحجر» وهي بوادي القرى بين المدينة والشام. (معجم البلدان 2/ 221) .
[6] سقطت من الأصل، والمثبت من (ع) و (ح) .(2/635)
الْعَجِينَ وَيُرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ. أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ [1] . وَلِمُسْلِمٍ مِثْلُ الأَوَّلِ مِنْهُمَا [2] .
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ عبد الله: أن النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجْرَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُهَرِيقُوا الْمَاءَ، وَيَعْلِفُوا الإِبلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرُهْم أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتِ النَّاقَةُ تَرُدُّهَا [3] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ [ثُمَّ خَرَجَ] [5] فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءِ جَمِيعًا. ثُمَّ قَالَ: أَنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى [6] يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ. قَالَ:
فجِئناها وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ [7] بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ.
فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟» قَالَا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا، وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ. ثُمَّ غَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا، حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَنٍّ [8] ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وجهه، ثم أعاده فيها. فجرت العين
__________
[1] انظر للبخاريّ كتاب الصلاة (1/ 112) باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، وكتاب المغازي (5/ 135) باب نزول النّبيّ صلّى الله عليه وسلم الحجر، وكتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً 7: 73.
[2] في كتاب الزهد، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلّا أن تكونوا باكين. وأخرج الإمام أحمد مثله في المسند 2/ 9 و 58 و 66 و 72 و 74 و 91 و 96 و 113 و 137.
[3] في النسخ الثلاث: ترده. والوجه ما أثبتناه. وعبارة مسلم: «التي كانت تردها الناقة» .
[4] في كتاب الزهد، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلخ (8/ 221) .
[5] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح ومسلم.
[6] في الأصل: حين. والتصحيح من ع، ح ومسلم.
[7] تبضّ: بض الماء يبضّ بضيضا: سال قليلا قليلا. (الصحاح 1066) .
[8] الشنّ: القربة الخلقة: (انظر شرح المواهب اللدنية 3/ 89) .(2/636)
بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ يَا مُعَاذُ، إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى ما [ها] [1] هنا قد مليء جِنَانًا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ فَأَتَيْنَا وَادِي الْقُرَى، عَلَى حَدِيقَةٍ لِامْرَأَةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْرُصُوهَا. فَخَرَصْنَاهَا وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ. وَقَالَ: أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ» . فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بجبلي طيِّئ. وَجَاءَ ابْنُ الْعَلْمَاءِ صَاحِبُ أَيْلَةَ [3] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا. ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا، فَقَالَ: بَلَغَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ.
فَقَالَ: «إِنِّي مُسْرِعٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ» . فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ: «هَذِهِ طَابَةٌ، وَهَذَا أُحُدٌ، وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] ، أَطْوَلَ مِنْهُ، وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ [5] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [115 ب] حين مرّ بالحجر استقوا من بئرها. فلما
__________
[1] سقطت من الأصل، والمثبت من (ع) و (ح) ، وصحيح مسلم.
[2] في كتاب الفضائل، باب في معجزات النبيّ صلّى الله عليه وسلم. وأخرجه أحمد في المسند 2/ 308 و 323 و 5/ 238، والواقدي في المغازي 3/ 1012، 1013.
[3] أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، قيل سميت باسم أيلة بنت مدين بن إبراهيم عليه السلام. (معجم البلدان 1/ 292) .
[4] في كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي صلّى الله عليه وسلم (7/ 61) .
[5] صحيح البخاري: كتاب الزكاة. باب خرص التمر (2/ 155) . وأحمد في المسند 5/ 424 و 425.(2/637)
رَاحُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا، وَلا تَوَضَّئُوا مِنْهُ، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ مِنْهُ فَاعْلِفُوهُ الإِبِلَ، وَلا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ إِلا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ» . فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ، إِلا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ وَالآخَرُ لِطَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ. فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاحْتَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى طَرَحَتْهُ بِجَبَلِ طيِّئ. فأخبر بذلك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ؟ ثُمَّ دَعَا لِلَّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ.
وَأَمَّا الآخَرُ فَإِنَّهُ وَصَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ تَبُوكَ. وَهَذَا مُرْسَلٌ مُنْكَرٌ [1] . وَقَالَ ابْن وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ نَزَلَ بِتَبُوكَ وَهُوَ حَاجٌّ، فَإِذَا رَجُلٌ مُقْعَدٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكَ حَدِيثًا فَلَا تُحدِّثْ بِهِ مَا سَمِعْتَ أَنِّي حَيٌّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بِتَبُوكَ إِلَى نَخْلةٍ، فَقَالَ: «هَذِهِ قِبْلَتُنَا» . ثُمَّ صَلَّى إِلَيْهَا. فَأَقْبَلْتُ، وَأَنَا غُلَامٌ، أَسْعَى حَتَّى مَرَرْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَقَالَ: «قَطَعَ صَلَاتَنَا، قَطَعَ اللَّهُ أَثَرَهُ» . قَالَ: فَمَا قُمْتُ عَلَيْهَا إِلَى يَوْمِي هَذَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَوْلًى لِيَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ مُقْعَدًا بِتَبُوكَ. فَقَالَ: مَرَرْتُ بَيْنَ يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالَ: «اللَّهمّ اقْطَعْ أَثَرَهُ» . فَمَا مَشَيْتُ عَلَيْهِمَا بَعْدُ [2] .
أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ [3] . وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا الْعَلاءُ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ، فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ بِضِيَاءٍ وشعاع
__________
[1] رواه ابن هشام في السيرة 4/ 176.
[2] في الأصل: «فما مشيت بعدها» . والمثبت من ع، ح. وفي سنن أبي داود 1/ 188 ز عليها لإ.
[3] في كتاب الصلاة، باب ما يقطع الصلاة (705 و 707) .(2/638)
وَنُورٍ لَمْ أَرَهَا طَلَعَتْ فِيمَا مَضَى. فَأَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، مَا لِي أَرَى الشَّمْسَ الْيَوْمَ بِضِيَاءٍ وَنُورٍ وَشُعَاعٍ لَمْ أَرَهَا طَلَعَتْ فِيمَا مَضَى؟» فَقَالَ: ذَاكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيَّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الْيَوْمَ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفِ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. قَالَ: «وَفِيمَ ذَاكَ؟» قَالَ: كَانَ يُكْثِرُ قِرَاءَةَ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 [1] ، بالليل وَالنَّهَارَ، وَفِي مَمْشَاهُ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ، فَهَلْ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَقْبِضَ لَكَ الأَرْضَ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ:
فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثم رجع. العلاء منكر الحديث واه [2] . [و] [3] رواه الْحَسَنُ الزَّعْفَرَانِيُّ، عَنْ يَزِيدَ. [وَقَالَ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا صَدَقَةُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بن مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيَّ تُوُفِّيَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي جِنَازَةِ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ:
هَكَذَا، فَفَرَّجَ لَهُ الْجِبَالَ وَالآكَامَ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَمَعَهُ جِبْرِيلُ فِي سَبْعِينَ أَلْفِ مَلَكٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، بِمَ بَلَغَ؟ فَقَالَ: بِكَثْرَةِ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1، كَانَ يَقْرَؤُهَا قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِبًا وَمَاشِيًا.
مُرْسَلٌ [4] . وَقَالَ ابْنُ جَوْصَا، وَعَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، وَأَبُو الدَّحْدَاحِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- ثنا نُوحُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُوَيٍّ السَّكْسَكِيُّ، ثنا بقيّة، ثنا محمد
__________
[1] أول سورة الإخلاص.
[2] هو: العلاء بن زيدل الثقفي البصري. ذكره المؤلّف الذهبي في ميزان الاعتدال 3/ 99 وقال:
تالف.
قال ابن حبّان: روى عن أنس نسخة موضوعة، منها الصلاة بتبوك صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي. قال: وهذا منكر، ولا أحفظ في أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا، والحديث قد سرقه شيخ شامي فرواه عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
[3] سقطت من الأصل، والمثبت من: (ع) و (ح) .
[4] رواه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 429 رقم (1041) ، ورواه البيهقي كما قال ابن كثير (السيرة 4/ 26) .(2/639)
ابن زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِتَبُوكَ فَقَالَ: احْضُرْ جِنَازَةَ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيِّ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَبَطَ جِبْرِيلُ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَوَضَعَ جَنَاحَهُ عَلَى الْجِبَالِ فَتَوَاضَعَتْ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِبْرِيلُ وَالْمَلائِكَةُ. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، بِمَ أَدْرَكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟» قَالَ: بِقِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 قَائِمًا وَقَاعِدًا وراكبا وماشيا. قلت: ما علمت فِي نُوحٍ [1] جَرْحًا، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ مُنْكَرٌ جِدًّا، ما أعلم أحدا تَابَعَهُ عَلَيْهِ أَصْلا عَنْ بَقِيَّةَ. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ حِبَّانَ حَدِيثَ الْعَلاءِ وَقَالَ:
حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَلا أَحْفَظُ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُقَالُ لَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. وَقَدْ سَرَقَ هَذَا الْحَدِيثَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَرَوَاهُ عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ] [2] .
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْمُؤَذِّنُ، ثنا مَحْبُوبُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَاتَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيُّ، أَفَتُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَجَرَةٍ وَلا أَكَمَةٍ إِلا تَضَعْضَعَتْ لَهُ. فصلّى عليه وخلفه صفّان من الملائكة، في كل صفّ سبعون ألف ملك. قلت: «يا جبريل، بم نال [3] هذا؟» قال:
بِحُبِّهِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 يَقْرَؤُهَا قَائِمًا وقاعدا وذاهبا [116 أ] وَجَائِيًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ [4] . مَحْبُوبٌ مَجْهُولٌ، لا يتابع على هذا [5] .
__________
[1] انظر: ميزان الاعتدال للمؤلّف 4/ 278 رقم (9139) ، ولسان الميزان لابن حجر 6/ 173، 174.
[2] ما بين الحاصرتين لم يرد في الأصل، والمثبت من: (ع) و (ح) .
[3] في الأصل: «ما بال» . والتصحيح من ع، ح.
[4] رواه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 428، 429 رقم (1040) .
[5] انظر: ميزان الاعتدال للمؤلّف 3/ 442 رقم (7085) ، ولسان الميزان 5/ 17 رقم 64.(2/640)
قَالَ الْبَكَّائِيُّ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ، يَعْنِي مِنْ يَوْمِ الْحِجْرِ، وَلا مَاءَ مَعَهُمْ، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ سَحَابَةً، فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ [1] .
فَحَدَّثَنِي عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: هَلْ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ النِّفَاقَ فِيهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحِجْرِ مَا كَانَ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَا فَأَرْسَلَ اللَّهُ السَّحَابَةَ، فَأَمْطَرَتْ. قَالُوا: أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ نقول: ويحك، له بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ؟ قَالَ: سَحَابَةٌ سَائِرَةٌ [2] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ، فَضَلَّتْ نَاقَتُهُ، فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهَا. وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا. وَكَانَ فِي رَحْلِهِ زَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ [3] الْقَيْنُقَاعِيِّ وُكُانُ مِنُافِقًا. فَقَالَ زَيْدٌ، وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ: أَلَيْسَ يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَهُوَ لا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُمَارَةُ عِنْدَهُ:
«إِنَّ رَجُلا قَالَ كَذَا وَكَذَا. وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ إِلا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ. وَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي هَذَا الْوَادِي فِي شِعْبِ كَذَا، وَقَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا» . فَذَهَبُوا فَجَاءُوا بِهَا. فَذَهَبَ عُمَارَةُ إِلَى رَحْلِهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ عَجَبٌ مِنْ شَيْءٍ حَدَّثَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنِفًا، عَنْ مَقَالَةِ قَائِلٍ أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ، وَلَمْ يَحْضُرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَيْدٌ، وَاللَّهِ، قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ. فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدٍ يَجَأُ فِي [4] عُنُقِهِ، وَيَقُولُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ فِي رَحْلِي لَدَاهِيَةً وَمَا أَشْعُرُ. اخْرُجْ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ رَحْلِي.
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 176.
[2] السيرة 4/ 176.
[3] في الأصل «زيد بن الصليت» ، وهو تحريف، والتصحيح من نسختي: (ع) و (ح) .
[4] في السيرة لابن هشام 4/ 177 والمثبت يتّفق مع تاريخ الطبري 3/ 106.(2/641)
فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ زَيْدًا تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ، مِنْهُمْ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمخشنُ [1] بْنُ حُمَيِّرٍ، يُشِيرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتَحْسَبُونَ جِلادَ بَنِي الأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ وَاللَّهِ لَكَأَنَّا بِكُمْ غَدًا مُقَرَّنِينَ فِي الْحِبَالِ، إِرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ مخشنُ بْنُ حُمَيِّرٍ:
وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاضَى عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلٌّ مِنَّا مِائَةَ جَلْدَةً، وَأَنَّا نَنْفَلِتُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ لِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ.
وَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بَلَغَنِي، لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَدْرِكِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدِ اخْتَرَقُوا [2] ، فَسَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ: بَلَى، قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا. فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمْ عَمَّارٌ، فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَذِرُونَ. فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. فَنَزَلَتْ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ 9: 65 [3] . فَقَالَ مخشنُ بْنُ حُمَيِّرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَعَدَ بِي اسْمِي وَاسْمُ أَبِي. فَكَانَ الَّذِي عفي عنه في هذه [116 ب] الآيَةِ مخشنٌ، يَعْنِي إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ 9: 66 [4] . فَتسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَهُ شَهِيدًا لا يُعْلَمُ بِمَكَانِهِ. فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ولم يوجد له أثر [5] .
__________
[1] قال ابن هشام: ويقال مخشى، وهو ما ورد في النسخة (ع) .
وجاء في هامش نسخة (ح) : «وضبطه الأمير: مخشي بن حميّر الأشجعي» . والأمير هو ابن ماكولا في كتابه الإكمال 7/ 228.
[2] في الأصل، وسيرة ابن هشام 4/ 177 «احترقوا» بالحاء المهملة، وفي تحقيق محمود محمد شاكر لإمتاع الأسماع للمقريزي 1/ 453 أثبتها بالخاء المعجمة، لأنها أجود وأبين. وقال:
الاختراق والاختلاق والافتراء والكذب، وذلك من قوله تعالى: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ 6: 100 (الأنعام- 100) أي اختلقوا كذبا وكفرا.
[3] سورة التوبة، الآية 65.
[4] سورة التوبة، الآية 65.
[5] سيرة ابن هشام 4/ 177، 178، تاريخ الطبري 3/ 108.(2/642)
وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ، أَتَاهُ يُحَنَّةُ بْنُ رُؤْبَةَ صَاحِبُ أَيْلَةَ، فَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعطَاهُ الْجِزْيَةَ. وَأَتَاهُ أَهْلُ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ [1] فَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ. وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ [2] .
[فائدة]
قَالَ ابن إِسْحَاق: أعطى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهُل أَيْلة بُرْدَةً مَعَ كتابه، فاشتراها منهم أَبُو الْعَبَّاس عَبْد اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ- يَعْنِي السَّفَّاحَ- بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ [3] .
وقال مُوسَى بْن عُقْبة، قَالَ ابن شهاب: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزوته تِلْكَ تبوكًا ولم يتجاوزها. وأَقام بضع عشرة ليلة، يعني بتبوك [4] .
وقال يحيى بْن أَبِي كثير، عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن ثَوْبان، عَنْ جَابِر، قَالَ: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يومًا يَقْصُرُ الصّلاة. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد [5] . وإسناده صحيح.
__________
[1] جرباء: موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشأم. وأذرح من أعمال الشراة في أطراف الشأم ثم من نواحي البلقاء. وبين أذرح والجرباء ميل واحد وأقل (معجم البلدان) 2/ 118) .
[2] سيرة ابن هشام 4/ 178، تاريخ الطبري 3/ 108.
[3] ما بين الحاصرتين، من «فائدة» حتى هنا ليس في الأصل، والمثبت من نسختي: (ع) و (ح) .
[4] تاريخ الطبري 3/ 109.
[5] في كتاب الصلاة (1235) باب إذا أقام بأرض العدوّ يقصر.(2/643)
بَعث خَالِد بْن الوليد إلى أكيدر دُومَة [1]
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، رَجُلٍ مِنْ كِنْدَةَ، وَكَانَ مَلِكًا عَلَى دُومَةَ [2] وَكَانَ نَصْرَانِيًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدٍ: إِنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ. فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ مَنْظَرُ الْعَيْنِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ صَافِيَةٍ، وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، [فَأَتَتِ الْبَقَرَ تَحُكُّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْقَصْرِ. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ] [3] : هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذَا قَطُّ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ. قَالَتْ: فَمَنْ يَتْرُكُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لا أَحَدُ. فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ فَأُسْرِجَ، وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فِيهِمْ أَخُوهُ حَسَّانٌ. فَتَلَقَّتْهُمْ [4] خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْهُ وَقَتَلُوا أَخَاهُ. وَقَدِمُوا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَقَنَ دَمَهُ وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَأَطْلَقَهُ [5] .
__________
[1] العنوان ليس في الأصل.
[2] دومة: هي دومة الجندل، وقد سبق التعريف بها.
[3] سقطت هذه الجملة من الأصل، وأثبتناها من ع، ح. وسيرة ابن هشام 4/ 178.
[4] في الأصل: «فلقيتهم» ، والمثبت من ع، ح. والسيرة لابن هشام.
[5] سيرة ابن هشام 4/ 178، وانظر المغازي للواقدي 3/ 1025، 1026، وطبقات ابن سعد 2/ 166، وتاريخ الطبري 3/ 109.(2/645)
[فائدة]
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ السَّكُونِيِّ قَالَ: خَرَجَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ بِهَا أُكَيْدِرٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
بَلَغَنَا أَنَّ خَيْلَكَ انْطَلَقَتْ فَخِفْتُ [1] عَلَى أَرْضِي، فَاكْتُبْ لِي كِتَابًا فَإِنِّي مُقِرٌّ بِالَّذِي عَلَيَّ. فَكَتَبَ لَهُ. فَأَخْرَجَ قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ مِمَّا كَانَ كِسْرَى يَكْسُوهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اقْبَلْ عَنِّي هَذَا هَدِيَّةً. قَالَ: «ارْجِعْ بِقَبَائِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَلْبَسُ هَذَا أَحَدٌ إِلا حُرِمَهُ فِي الآخِرَةِ» . فَشَقَّ عَلَيْهِ أَنْ رَدَّهُ. قَالَ: «فَادْفَعْهُ إِلَى عُمَرَ» . فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِيَّ أَمْرٌ؟ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ، أَوْ ثَوْبَهُ، عَلَى فِيهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهُ، وَلَكِنْ تَبِيعُهُ وَتَسْتَعِينُ بِثَمَنِهِ] [2] . وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ [3] : وَلَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلا إِلَى الْمَدِينَةِ، بَعَثَ خَالِدًا فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا إِلَى أُكَيْدِرِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، فَلَمَّا عَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدَهُ، قَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ وَفِيهَا أُكَيْدِرٌ، وَإِنَّمَا نَأْتِيهَا فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: «لَعَلَّ اللَّهَ يَكْفِيكَهُ» . فَسَارَ خَالِدٌ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ دُومَةَ نَزَلَ فِي أَدْبَارِهَا. فَبَيْنَمَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي مَنْزِلِهِمْ لَيْلا، إِذْ أَقْبَلَتِ الْبَقَرُ حَتَّى جَعَلَتْ تَحْتَكُّ بِبَابِ الْحِصْنِ، وَأُكَيْدَرٌ يَشْرَبُ وَيَتَغنَّى بَيْنَ امْرَأَتَيْهِ. فَاطَّلَعَتْ إِحْدَاهُمَا فَرَأَتِ الْبَقَرَ فَقَالَتْ: لَمْ أَرَ كَاللَّيْلَةِ فِي اللَّحْمِ. فَثَارَ وَرَكِبَ فَرَسَهُ، وَرَكِبَ غِلْمَتُهُ وَأَهْلُهُ، فَطَلَبَهَا. حَتَّى مَرَّ بِخَالِدٍ وَأَصْحَابِهِ فَأَخَذُوهُ وَمَنْ مَعَهُ فَأَوْثَقُوهُمْ. ثُمَّ قَالَ خَالِدٌ لأُكَيْدِرِ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَجَرْتُكَ تَفْتَحْ لِي دُومَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ حَتَّى دَنَا مِنْهَا، فَثَارَ أَهْلُهَا وَأَرَادُوا أَنْ يَفْتَحُوا لَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَخُوهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قال لخالد: أيّها الرجل،
__________
[1] في النسخة (ح) : «فخفت» ، والمثبت عن نسخة (ع) .
[2] لم ترد هذه الفائدة في الأصل، وأثبتناها من ع، ح.
[3] الحديث ليس في المطبوع من مغازيه.(2/646)
حلّني [1] ، (117 أ] فَلَكَ اللَّهُ لأَفْتَحَنَّهَا لَكَ، إِنَّ أَخِي لا يَفْتَحُهَا مَا عَلِمَ أَنِّي فِي وَثَاقِكَ. فَأَطْلَقَهُ خَالِدٌ. فَلَمَّا دَخَلَ أَوْثَقَ أَخَاهُ وَفَتَحَهَا لِخَالِدٍ، ثم قال: اصنع ما شئت. فدخل خالد وأصحابه. ثم قال: يا خالد، إن شئت حكّمتك، وإن شِئْتَ حَكَّمْتَنِي. فَقَالَ خَالِدٌ: بَلْ نَقْبَلُ مِنْكَ مَا أَعْطَيْتَ. فَأَعْطَاهُمْ ثَمَانِمِائَةٍ مِنَ السَّبْيِ وَأَلْفَ بَعِيرٍ وَأَرْبَعَمِائَةِ دِرْعٍ وَأَرْبَعَمِائَةِ رُمْحٍ [2] .
وَأَقْبَلَ خَالِدٌ بِأُكَيْدِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ مَعَهُ يُحَنَّةُ بْنُ رُؤْبَةَ عَظِيمُ أَيْلَةَ. فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَشْفَقَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ كَمَا بعث إلى أكيدر.
فاجتمعا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَاضَاهُمَا عَلَى قَضِيَّتِهِ، عَلَى دُومَةَ وَعَلَى تَبُوكَ وَعَلَى أَيْلَةَ وَعَلَى تَيْمَاءَ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا. وَرَجَعَ قَافِلا إِلَى الْمَدِينَةِ [3] .
ثُمَّ ذَكَرَ عُرْوَةُ قِصَّةً فِي شَأْنِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ [4] هَمُّوا بِأَذِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى كَيْدِهِمْ. وَذَكَرَ بِنَاءَ مَسْجِدِ الضِّرَارِ [5] .
وقال ابن إِسْحَاق، عَنْ ثقةٍ من بني عَمْرو بْن عَوْفُ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل من تبوك حين نزل بذِي أَوَان [6] ، بينه وبين المدينة ساعةٌ من نهار. وكان أصحاب مسجد الضِّرار قد أَتَوْهُ، وهو يتجهّز إلى تبوك، فقالوا: قد بَنَيْنا مسجدًا لذي العِلّة والحاجة واللَّيْلة المَطِيرَة، وإنّا نحبّ أنَّ تَأتِيَ فتُصَلِّيَ لنا فِيهِ. فقال: إنّي عَلَى جناح سَفَرٍ، فلَوْ رجعنا إنْ شاء اللَّه أَتَيْنَاكُم. فلمّا نزل
__________
[1] في ع: «خلّني» .
[2] انظر السيرة النبويّة لابن كثير 4/ 31 فهو مختصر عما هنا. وراجع المغازي للواقدي 3/ 1027 ففيه: «فصالحه على ألفي بعير» ، وكذا في طبقات ابن سعد 2/ 166.
[3] انظر المغازي للواقدي 3/ 1031 وسيرة ابن هشام 4/ 178.
[4] في نسختي: (ع) و (ح) : «جماعة منافقين» .
[5] المغازي لعروة 221 وليس في المطبوع عن بناء مسجد الضرار، وانظر السنن الكبرى للبيهقي 9/ 33.
[6] ذو أوان ويقال: ذات أوان. موضع بطريق الشام، (معجم البلدان 1/ 275) على ساعة من المدينة. (وفاء ألوفا 2/ 250) .(2/647)
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي أوان، أتاه خبرُ السّماء، فدعا مَالِكَ بْن الدّخشم ومعن ابن عَدِيّ فقال: انطلِقا إلى هذا المسجد الظَّالِمِ أَهْلُه فاهْدِمَاهُ وأَحْرِقَاه.
فخرجا سريعَيْن حتّى دخلاه وفيه أهله فحرّقاه وهدماه وتفرّقوا عَنْهُ. ونزل فِيهِ من القرآن ما نزل [1] . وَقَالَ أَبُو الْأَصْبَغِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ [2] : ثَنَا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقُودُ بِهِ، وَعَمَّارٌ يَسُوقُهُ، أَوْ قَالَ عَمَّارٌ يَقُودُهُ وَأَنَا أَسُوقُهُ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَقَبَةِ، فَإِذَا أَنَا بِاثْنَيْ عَشَرَ رَاكِبًا قَدِ اعْتَرَضُوهُ فِيهَا، فَأنْبَهْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَرَخَ بِهِمْ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [هل] [3] عَرَفْتُمُ الْقَوْمَ؟ قُلْنَا: لَا، قَدْ كَانُوا مُلَثَّمِينَ. قَالَ:
هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَرَادُوا أَنْ يَزْحَمُونِي فِي الْعَقَبَةِ لِأَقَعَ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلَا تَبْعَثُ إِلَى عَشَائِرِهِمْ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْكَ كُلُّ قَوْمٍ بِرَأْسِ صَاحِبِهِمْ؟ قَالَ: لَا، أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ الْعَرَبُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَاتَلَ بِقَوْمٍ حَتَّى إِذَا أَظْهَرَهُ [اللَّهُ] [4] بِهِمْ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ ارْمِهِمْ بِالدُّبَيْلَةِ» .
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الدُّبَيْلَةُ؟ قَالَ: «شِهَابٌ مِنْ نَارٍ يَقَعُ عَلَى نِيَاطِ قَلْبِ أَحَدِهِمْ فَيَهْلِكُ» [5] . وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ عَنْ
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 180، المغازي للواقدي 3/ 1045، 1046، الطبري 3/ 110.
[2] في الأصل «الخزاعي» ، وهو تصحيف، والتصويب من نسختي (ع) و (ح) ، ومن ترجمته في تهذيب التهذيب 6/ 362.
[3] ليست في أوصل، أضفتها من نسختي: (ع) و (ح) .
[4] ليست في الأصل، أضفتها من نسختي: (ع) و (ح) .
[5] أخرج مسلم نحوه في صفات المنافقين وأحكامهم (10/ 2779) قال غندر: أراه قال: «في أمّتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها، حتى يلج الجمل في سمّ الخياط. ثمانية منهم تكفيكهم الدّبيلة. سراج من النار يظهر في أكتافهم. حتى ينجم من صدورهم» .(2/648)
عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، أَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَهُ، عَنِ النّبيّ [117 ب] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فِي أَصْحَابِيَ اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا، فَمِنْهُمْ [1] ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ [الْمِصْرِيُّ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ] [3] ، عَنْ عليّ ابن أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً 9: 107 [4] ، قَالَ:
أُنَاسٌ بَنَوْا مَسْجِدًا فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَامِرٍ: ابْنُوا مَسْجِدَكُمْ وَاسْتَمِدُّوا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ سِلاحٍ، فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى قَيْصَرَ فَآتٍ بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ، فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ. فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْجِدِهِمْ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: نُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ فيه. فنزلت لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً 9: 108. الآيَاتِ [5] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: أَذْكُرُ أَنَّا، حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، خَرَجْنَا مَعَ الصِّبْيَانِ نَتَلَقَّاهُ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [6] .
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَدَنا مِنَ الْمَدَينَةِ قَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ، إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟
قال: «نعم، حبسهم العذر» . أخرجه البخاري [7] .
__________
[1] في الأصل «منهم» وما أثبتناه عن مسلم.
[2] في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (9/ 2779) وفيه زيادة، وأحمد 4/ 320.
[3] ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، والمثبت من نسختي (ع) و (ح) .
[4] سورة التوبة، الآية 107.
[5] سورة التوبة، الآية 108.
[6] في كتاب المغازي (5/ 136) باب كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسرى وقيصر.
[7] صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو (3/ 213) . وكتاب المغازي، باب حدثنا يحيى بن بكير، بعد باب نزول النبي صلّى الله عليه وسلم الحجر (5/ 136) ، وأحمد في المسند 3/ 182.(2/649)
أمرُ الذين خلفوا [1]
قَالَ شُعَيب بْن أبي حمزة، عَنِ الزُّهْرِيّ، أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ: أَنَّ بني قُرَيظة كانوا حُلَفاءَ، لأبي لُبَابة. فاطّلعوا إِلَيْهِ، وهو يدعوهم إلى حُكْم النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أَبَا لُبابة، أتأمرنا أنَّ نَنْزِلَ؟ فأشار بيده إلى حَلْقِه أَنَّهُ الذَّبْح.
فأخبر عَنْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك فقال لَهُ: لم ترعبني؟ فقال لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أحسبت أنّ اللَّه غفل عَنْ يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك؟» فلبث حينا ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاتبٌ عَلَيْهِ. ثمّ غزا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبوكًا، فتخلّف عَنْهُ أَبُو لبابة فيمن تخلّف. فلمّا قفل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه أَبُو لُبابة يسلّم عَلَيْهِ، فأعرض عَنْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ففزع أَبُو لُبابة، فارْتَبَط بِسَارِية التَّوبة، التي عند باب أمّ سَلَمَةَ، سبعًا بين يومٍ وَلَيْلَةٍ، فِي حرٍّ شديدٍ، لَا يأكل فيهنّ ولا يشرب قَطْرةً. وقال: لَا يزال هذا مكاني حتّى أفارق الدنيا أو يتوب اللَّه عليَّ. فلم يزل كذلك حتّى ما يسمع الصَّوْتَ من الجهد. ورَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إِلَيْهِ بُكْرةً وعَشِيَّةً. ثمّ تاب اللَّه عَلَيْهِ فنُودي: إنّ اللَّه قد تاب عليك. فأرسل إِلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُطْلِق عَنْهُ رِبَاطه، فأبى أنَّ يطلقه عَنْهُ أحدٌ إِلا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فجاءه فأطلق عنه بيده. فقال أبو
__________
[1] انظر سيرة ابن هشام 4/ 180.(2/651)
لُبابة حين أفاق: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنّي أهجر دار قومي التي أَصَبْتُ فيها الذَّنْبَ، وأنتقل إليك فأُسَاكِنك، وإنّي أَنْخَلِع من مالي صَدَقةً إلى اللَّه ورسوله. فقال:
«يُجْزِئُ عنك [118 أ] الثُّلُث» . فهجر دار قومه وتصدّق بثُلث ماله، ثمّ تاب فلم يُرَ منه بعد ذَلِكَ فِي الْإِسْلَام إلّا خَيْر، حتّى فارق الدنيا. مُرْسَل. وقال ورقاء، عَنِ ابن أَبِي نَجِيح، عن مجاهد، في قوله: اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ 9: 102 قَالَ: هُوَ أَبُو لبابة، إذ قَالَ لقريظة مَا قَالَ، وأشار إلى حلقه بأن محمدا يذبحكم إنَّ نزلتم عَلَى حكمه. وزعم مُحَمَّد بْن إِسْحَاق أن ارتباطه كَانَ حينئذ. ولعله ارتبط مرتين.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ 9: 102 قال: كَانُوا عَشَرَةَ رَهْطٍ تَخَلَّوْا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَلَمَّا حَضَرَ رُجُوعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَمَرُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى تُطْلِقَهُمْ وَتَعْذِرَهُمْ. قَالَ: «وَأَنَا أُقْسِمُ باللَّه لا أُطْلِقُهُمْ وَلا أَعْذِرُهُمْ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُمْ، رَغِبُوا عَنِّي وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ» .
فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا: وَنَحْنُ لا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنَا.
فَأُنْزِلَتْ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ 9: 102 [1] «عَسَى» مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ [2] . فَلَمَّا نَزَلَتْ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ. وَنَزَلَتْ، إِذْ بَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ:
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها 9: 103 [3] . وَرَوَى نَحْوَهُ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [4] .
__________
[1] سورة التوبة، الآية 102.
[2] واجب منه تعالى، لا عليه سبحانه.
[3] سورة التوبة، الآية 103.
[4] السيرة لابن كثير 4/ 48، 49.(2/652)
وَقَالَ عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بن مَالِكٍ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ.
قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ، إلّا في غزوة تبوك. غير أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبِ اللَّهُ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يُرِيدُ] [1] عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ: يَعْنِي أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا.
كَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ. وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهَا رَاحِلَتَانِ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا تِلْكَ الْغَزْوَةَ. وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد غَزْوَةً إِلا وَرَّى بِغَيْرِهَا. حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا: فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرُهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ [2] ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي كَانَ يريد. والمسلمون مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير لا يجمعهم كتاب حافظ، يريد الديوان. [118 ب] قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلا ظَنَّ أَنَّهُ سَيَخْفَى [لَهُ] [3] مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ. وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلالُ، فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ [4] .
[فَتَجَهَّزَ] [5] وَالْمُسْلِمُونَ معه.
__________
[1] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح. وسيرة ابن هشام 4/ 181.
[2] في الأصل «عدوهم» والتصحيح من صحيح مسلم.
[3] سقطت من الأصل. وأثبتناها من ع، ح، وهي في صحيح مسلم، وسيرة ابن هشام.
[4] أصعر: أميل. وجملة فأنا إليها أصعر تفرد بها الأصل، ولم ترد في ع، ح وهي في صحيح مسلم. وفي السيرة: «فالناس إليها أصعر» .
[5] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح. وصحيح مسلم، والسيرة.(2/653)
وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا. وَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُهُ. فَلَمْ يَزَلْ يَتَمادَى بِي الأَمْرُ حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ.
فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا. فَقُلْتُ:
أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ. فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ فَرَجَعُتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ وَهَمَمتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ [1] ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ. فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ أَحْزَنَنِي أَنِّي لا أَرَى رَجُلا مَغْمُوصًا [2] مِنَ النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ. فَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، [قَالَ] [3] وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ: «مَا فَعَل كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ. فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلا خَيْرًا. فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلا مِنْ تَبُوكَ، حَضَرَنِي هَمِّي فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي. فَلَمَّا قِيلَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ [4] قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلَ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لا أَخْرُجُ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كذب، فأجمعت صِدْقَهُ. وَأَصْبَحَ قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بَضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا. فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلانِيَتهُمْ، وَبَايَعَهُمْ، وَاسْتَغْفَرَ [لَهُمْ] [5] ، وَوَكَلَ سَرائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ. فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عليه
__________
[1] في الأصل: «وأدركهم» . والمثبت من ع، ح. وصحيح مسلم، والسيرة.
[2] مغموصا: أي متّهما.
[3] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح.
[4] في هامش ح: بمهملة: «أشرف» ، ومعجمة: دنا، ومنه أظلكم شهر كذا.
[5] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح. وصحيح مسلم.(2/654)
تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ. فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقَالَ: مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلا. وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثًا كَاذِبًا تَرْضَى بِهِ [عَنِّي] [1] لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَسْخَطَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو عَفْوَ اللَّهِ. والله ما كان لي من عذر، وو الله مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، قُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ. فَقُمْتُ، وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالُوا: لا وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، أَعَجَزْتَ أَنْ لا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ لِذَنْبِكَ اسْتِغْفَارُ رسول الله (119 أ] صلّى الله عليه وسلم لك.
فو الله مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي. ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلانِ قَالا مِثْلَ مَا قُلْتَ.، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ. فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ فَقَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ [2] الْعَمْرِيُّ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِمَا أُسْوَةٌ. فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي.
وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ.
وَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ. فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بَيْتِهِمَا. وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ، فَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ. وأتى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
__________
[1] سقطت من الأصل، وأثبتناها من (ع) و (ح) وصحيح مسلم.
[2] في الأصل: «الرفيع» . والتصحيح من ع، ح وصحيح البخاري. وهو في مسلم: مرارة بن الربيعة العامري.(2/655)
فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلامِ عَلَيَّ أَمْ لا؟ ثُمَّ أُصَلِّي فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، فَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي. حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ الناي إليّ، فسلّمت عليه، فو الله مَا رَدَّ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ [قَالَ] [1] فسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَسَكَتَ، فَنَاشَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ. وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ.
قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ. حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَع إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، وَكُنْتُ كَاتِبًا، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ. وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيَعَةٍ. فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَقُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاءِ. فَتَيَمَّمْتُ بِهِ التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهِ. حَتَّى إِذَا مَضَى لَنَا أَرْبَعُونَ لَيْلةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ بِهَا؟ فَقَالَ: لا، بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلا تَقْرَبَنَّهَا. وَأَرْسِلْ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ. فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الْحِقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ.
قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلالٍ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ هِلالا شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ فَقَالَ: لا، وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ. قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِي هَذَا. فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ فِي امْرَأَتِكَ؟ فَقُلْتُ:
لا وَاللَّهِ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن استأذنته فيها، وأنا
__________
[1] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح. وصحيح مسلم.(2/656)
[119 ب] رجل شابّ. فلبثت بعد ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمُلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً. فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْتُ صَلاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ.
وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، حِينَ صَلَّى صَلاةَ الْفَجْرِ. فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصّوت أسرع إِلَيَّ مِنَ الْفُرْسِ. فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صوته يبشّرني، نزعت ثوبيّ وكسوتهما إِيَّاهُ بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ. وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ:
لِيَهْنِكَ تَوْبةُ اللَّهِ عَلَيْكَ. حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ بِالسُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» . قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟
قَالَ: «لا، بَلْ مِن عِنْدِ اللَّهِ» .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بشّر ببشارة يَبْرُقُ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ. قَالَ: أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت.
فو الله مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ابْتَلاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ أَحْسَنَ مِمَّا ابْتَلانِي، مَا تَعمَّدْتُ مُذْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذِبًا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى 9: 117(2/657)
النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ 9: 117 إِلَى قَوْلِهِ: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ 9: 119 [1] .
فو الله مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ، بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلامِ، أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، أَنْ لا أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلَّذِينَ كَذَّبُوهُ، حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ، شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ فَقَالَ: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ 9: 95- 96 [2] .
قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا خُلِّفْنَا- أَيُّهَا الثَّلاثَةُ- عَنْ أمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَلَفُوا لَهُ، وأرجأ أمرنا [120 أ] حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ.
فَبِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا 9: 118 [3] ، وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَخَلُّفَنَا عَنِ الْغَزْوِ، وإنّما هو تخليفه إيّانا [و] [4] إرجاؤه أَمْرَنَا عَمَّنْ تَخَلَّفَ وَاعْتَذَرَ، فَقَبِلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] .
__________
[1] سورة التوبة، الآيات 117- 119.
[2] سورة التوبة، الآيتان 95، 96.
[3] سورة التوبة، الآية 118.
[4] سقطت من النسخ الثلاث، وأثبتناها من الصحيحين.
[5] أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، وقول الله عز وجل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا 9: 118 (5/ 130) وصحيح مسلم: كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه (3/ 2769) ، وابن هشام في السيرة 4/ 180- 182، وأحمد في المسند 3/ 454 و 456- 460 و 6/ 387- 390، والطبراني في المعجم الكبير 19/ 42 وما بعدها رقم 90 و 91 و 95، وعبد الرزاق في المصنف (9744) .(2/658)
مَوت عَبْد اللَّه بْن أَبِيّ
قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزهري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَلَمَّا عَرَفَ فِيهِ الْمَوْتَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [أَمَا] [1] وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَنْهَاكَ عَنْ حُبِّ يَهُودَ» . فَقَالَ: قَدْ أبْغَضَهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، فَمَهْ؟
وقال الواقديّ: مرض عَبْد اللَّه بْن أَبِي بْن سلول فِي أواخر شوّال، ومات في ذي القعدة. وكان مرضه عشرين ليلة [2] . فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعوده فيها. فلما كان اليومُ الَّذِي مات فِيهِ. دخل عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجُود بنَفْسه فقال: «قد نَهَيْتُك عَنْ حبّ يَهُود» . فقال: قد أَبغضهم أسعدُ فما نَفَعه؟ ثمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ليس هذا بِحينِ عتاب. هو الموتُ، فإنْ متّ فاحضرْ غُسْلي، وأعْطِني قَمِيصَك أكفّن فيه، وصلّ عليّ واستغفر لي [3] .
__________
[1] ليست في الأصل، وأثبتناها من ع، ح.
[2] تاريخ الطبري 3/ 120.
[3] قال ابن كثير في السيرة 4/ 65: «وروى البيهقي من حديث سالم بن عجلان، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نحوا مما ذكره الواقدي، فاللَّه أعلم» . وانظر الخبر في المغازي للواقدي 3/ 1057.(2/659)
هذا حديث مُعْضل واهٍ، لو أسنده الواقديّ لَمَا نَفَع، فكيف وهو بلا إِسناد؟
وقال ابن عُيَيْنة، عَنْ عَمْرو، عَنْ جَابِر قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر عبد الله بن أبيّ بعد ما أُدْخِل حُفْرته [فأَمَرَ بِهِ] [1] فأُخْرِج، فوُضِع عَلَى رُكْبَتَيْه، أو فَخِذيه، فَنفَث عَلَيْهِ من رِيقِه وأَلبْسَه قميصه. والله أعلم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر، قال: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، أَتَى ابنه عبد الله بن عَبْدُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَهُ فِيهِ، فَأَعْطَاهُ. ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عليه، فقام عمر فأخذ ثوبه فقال: يا رسول الله، أتصلّي عليه وقد نهاك الله عنه؟ قَالَ: إِنَّ رَبِّي خَيَّرَنِي، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ 9: 80 [3] ، وَسَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ. فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنزَلَ اللَّهُ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 9: 84 [4] . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] . وفيها: قُتل عُرْوَةُ بْن مَسْعُود الثّقفيّ، وكان سيّدا شريفا من عقلاء
__________
[1] سقطت من الأصل، وأثبتناها من نسختي (ع) و (ح) .
[2] أخرجه البخاري في الجنائز (2/ 76) باب الكفن في القميص الّذي يكفّ أو لا يكفّ، و (2/ 95) باب هل يخرج الميّت من القبر واللحد لعلّة؟ و (7/ 36) في اللباس، باب ليس القميص وقول الله تعالى حكاية عن يوسف ... ، ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (2773) ، والنسائي (4/ 37، 38) في كتاب الجنائز، باب القميص في الكفن، وأحمد في المسند 3/ 281، والواقدي في المغازي 3/ 1057.
[3] سورة التوبة، الآية 80.
[4] سورة التوبة، الآية 84.
[5] صحيح البخاري: كتاب الجنائز، باب الكفن في القميص الّذي يكف أو لا يكف (2/ 76) .
وصحيح مسلم: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (2774) ، وابن هشام في السيرة 4/ 191. وتفسير الطبري 18/ 86- 87، وأسباب النزول للواحدي 330- 336، والواقدي 3/ 1058.(2/660)
العرب ودُهاتهم، دعا قومه إلى الْإِسْلَام فقتلوه. فيُرْوى أَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُه مَثَلُ صاحِب ياسين، دعا قومَه إلى اللَّه فقتلوه» [1] . وفيها: تُوُفِّيت السيدة أمّ كلثوم بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زَوْجَة عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [2] .
وفيها: تُوُفِّيَ عَبْد اللَّه ذُو البِجَادَيْن [3] رَضِيَ اللَّهُ عنه، ودُفن بتَبُوك، وصلّى عَلَيْهِ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأثنى عَلَيْهِ ونزل فِي حفرته، وأسنده في لحده. وقال:
«اللَّهمّ [120 ب] إنّي أمسيتُ عَنْهُ راضيًا، فَارْضَ عَنْهُ» [4] . وقال مُحَمَّد بْن إِسْحَاق: حدّثني مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم التَّيْميّ، قَالَ: كَانَ عَبْد اللَّه ذو البِجادَيْن [5] من مُزَيْنَة. وكان يتيمًا فِي حِجْر عمّه، وكان يُحْسن إِلَيْهِ. فلمّا بلغه أَنَّهُ قد أَسْلَم قَالَ: لَئِنْ فعلتَ لأَنْزِعَنَّ منك جميع ما أعطيتك.
قَالَ: فإنّي مُسلم. فنزع كلَّ شيء أعطاه، حتّى جَرَّده ثوبَه. فأتى أُمَّه، فقطعتْ بِجادًا [6] لها باثْنَيْن، فائْتَزَر نِصْفًا وارْتَدى نِصفًا. ولَزِمَ بابَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ يرفع صوته بالقرآن والذِّكْر. وتوفّي فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفيها: قدِم وَفْدٌ ثَقِيف من الطَّائِف، فأسلموا بعد تَبوك، وكتب لهم رَسُول اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم كتابا [7] .
__________
[1] انظر المحبّر لابن حبيب 105، 106، وتاريخ الطبري 3/ 97.
[2] تاريخ الطبري 3/ 124.
[3] في الأصل، ع: «ذو النجادين» ، والتصحيح من (ح) ، وهو عبد الله بن عبد نهم المزني.
(الاستيعاب 2/ 292) .
[4] الاستيعاب 2/ 293.
[5] في الأصل، ع: «ذو النجادين» . والتصحيح من ح. والاستيعاب لابن عبد البر 2/ 292. وقال ابن هشام في السيرة 4/ 179: وأنّما سمّي ذو البجادين لأنه كان ينازع إلى الإسلام، فيمنعه قومه من ذلك ويضيّقون عليه حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره. والبجاد: الكساء الغليظ الجافي.
[6] في الأصل، ع: «نجادا» .
[7] انظر تاريخ الطبري 3/ 97 و 99.(2/661)
وفيها: مَرجعَ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك، مات سُهَيْل بْن بَيْضاء، أخو سهل بن بيضاء، وهي أمّهما، واسمها دَعْد بِنْت جَحْدَم. وأما أَبُوهُ فوَهْب بْن رَبِيعَة الفِهْرِيّ. ولسهيل صُحْبةٌ وروايةٌ حديثٍ، وَهُوَ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْمِصْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [1] . وَلِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، نَحْوَهُ. وَأَمَّا الدَّرَاوَرْدِيُّ فَقَالَ: عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن سعيد ابن الصَّلْتِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ. وَهَذَا مُتَّصُلٌ عَنْ سُهَيْلٍ. إِذْ سَعِيدُ بْنُ الصَّلْتِ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ سُهَيْلٍ. وَلَوْ [2] سَمِعَ مِنْهُ لَسَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم، ولكان صحابيا. لكنّ الْمُرْسَلَ أَشْهَرُ. وَكَانَ سُهَيْلُ [3] بْنُ بَيْضَاءَ مِنَ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ، شَهِدَ بَدْرًا وَغَيْرَهَا. وَكَذَلِكَ أَخُوهُ سَهْلٌ، وَقَدْ تُوُفِّيَ أَيْضًا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَنْبَأَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ، وَأَنَا أَسْقِيهِمْ، حَتَّى كَادَ الشَّرَابُ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ بِطُولِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدٌ: أَدْخِلُوهُ الْمَسْجِدَ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَسَهْلٍ [5] .
__________
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 6/ 257 و 258 رقم (6033) و (6034) .
[2] في الأصل «ولم» والتصحيح من (ع) و (ح) .
[3] في الأصل «سهل» وهو خطأ، والتصحيح من (ع) و (ح) .
[4] الاستيعاب 2/ 92، الإصابة 2/ 85 رقم: 352.
[5] الاستيعاب 2/ 93.(2/662)
وَقَالَ فِيهِ غَيْرُ الضَّحَّاكِ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوا، لَقَدْ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ.
وفيها: تُوُفِّيَ زيد بْن سَعْنَة، بالياء [وبالنون] [1] ، وبالنّون أشهر، وهو أحد الأحْبار [2] الذين أسلموا. وكان كثير العلم والمال. وخبرُ إسلامه رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ هَدْيَ زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ، قَالَ: مَا مِنْ عَلامَاتِ النُّبُوَّةِ شيء إلّا وقد عرفتها في (121 أ] وَجْهِ مُحَمَّدٍ حِينَ نَظَرْت إِلَيْهِ، إِلا شَيْئَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ وَلا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ إِلا حِلْمًا.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. وَهُوَ فِي الطَّوَالاتِ لِلطَّبَرَانِيِّ [3] . وَآخِرُهُ [4] : فَقَالَ زَيْدٌ:
أَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَآمَنَ بِهِ وَتَابَعَهُ، وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ. وَتُوُفِّيَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مُقْبِلا غَيْرَ مُدْبِرٍ. وَالْحَدِيثُ غَرِيبٌ، مِنَ الأَفْرَادِ [5] .
قَالَ أَبُو عُبَيْدة مَعْمَر بْن المثنّى: وفيها قَتلت فارسُ مَلِكَهم شَهْرا برز [6] بْن شيرويه، ومَلَّكوا عليهم بُوران بِنْت كِسْرى [7] . وبلغ ذَلِكَ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
«لن يُفْلِحَ قومٌ وَلَّوْا أَمْرَهم امرأة» [8] .
__________
[1] سقطت من الأصل، والمثبت من: (ع) و (ح) .
[2] في الأصل «الأجناد» ، والتصحيح من (ع) و (ح) ، والاستيعاب 1/ 563، والإصابة 1/ 566 رقم 2904.
[3] في المعجم الكبير 5/ 253- 255 رقم 489.
[4] في الأصل «وأخبره» ، والتصحيح من (ع) و (ح) .
[5] في هامش ح: «هو في صحيح ابن حبان» . انظر: صحيح ابن حبان، رقم (2105) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/ 604، 605 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وهو من غرر الحديث. وقد تعقّبه الذهبي بقوله في تلخيص المستدرك 3/ 605. «وما أنكره وأركّه لا سيما قوله: مقبلا غير مدبر، فإنه لم يكن في غزوة تبوك قتال» .
[6] هكذا في جميع النسخ. وفي تاريخ خليفة «شهربراز» .
[7] تاريخ خليفة 93.
[8] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (5/ 136) باب كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسرى وقيصر. وفي(2/663)
وفيها: تُوُفِّيَ عَبْد اللَّه بْن سعد بْن سُفْيَان الأنصاريّ، من بني سالم بْن عَوْفُ. كنيته أبو سعد [1] . شهد أُحُدًا والمشاهد. وتُوُفِّيَ منصرف النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك. فيقال: إنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفنه فِي قميصه [2] .
وفيها: فِي هَذِهِ المدة: توفي زَيْد بْن مُهَلْهَلِ بْن زَيْد [3] أَبُو مُكْنِف الطَّائيّ، فارس طيِّئ. وهو أحد المؤلفة قلَوْبهم. أعطاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائةً من الإبل، وكتب لَهُ بإقْطاعِ. وكان يُدعى زيد الْخَيْلِ، فسمَّاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد الخير. ثمّ إنه رجع إلى قومه فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَنْجُ زيدٌ من حُمَّى المدينة» . فلمّا انتهى [4] إلى نَجْد أَصابته الْحُمَّى ومات [5] .
وفيها: حجَّ بالناس أَبُو بَكْر الصدِّيق، بعثه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الموسم فِي أواخر ذي القعدة ليقيم للمسلمين حجّهم. فنزلت بَرَاءةٌ [6] إثر خروجه [7] .
وفي أَوَّلها نُقض ما بين النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين المشركين من العهد الَّذِي كانوا عَلَيْهِ.
قَالَ ابن إِسْحَاق: فخرج عليّ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، عَلَى نَاقَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، العَضْباء، حتّى أدرك أَبَا بَكْر بالطريق. فلمّا رآه أَبُو بَكْر قَالَ: أميرٌ أو مأمور؟ قَالَ: لَا، بَلْ مأمورٌ. ثمّ مَضَيا. فأقام أَبُو بَكْر للناس حجّهم، حتّى إذا كَانَ يوم النَّحْر، قام عليَّ عند الجَمْرة فأَذَّن فِي النّاس بالذي أَمَره رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أيها النّاس، إنه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة، ولا يحجّ بعد
__________
[ () ] الفتن (8/ 97) باب: حدّثنا عثمان بن الهيثم، وأحمد في المسند 5/ 43 و 51 و 6/ 38 و 47.
[1] في الأصل «أبو سعيد» ، والتصحيح من (ع) و (ح) ، ومن ترجمته في: أسد الغابة 3/ 261.
[2] الإصابة 2/ 318 رقم 4712.
[3] في جميع النسخ «يزيد» ، والتصحيح من: أسد الغابة 2/ 301، وتجريد أسماء الصحابة 1/ 202، والإصابة 1/ 572 رقم 2941.
[4] في الأصل «وصل» ، والمثبت من (ع) و (ح) .
[5] الإصابة 1/ 573.
[6] أول سورة التوبة.
[7] تاريخ الطبري 3/ 122، طبقات ابن سعد 2/ 168، سيرة ابن هشام 4/ 186.(2/664)
العام مُشْرِكٌ، ولا يَطُوف بالبَيْت عُرْيان. ومَن كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو لَهُ إلى مُدَّتِه. وأَجَّلَ الناسَ أربعة أشهرٍ من يوم أَذَّن فيهم، ليرجع كلُّ قومٍ إلى مَآمِنهِم من بلادهم. ثمّ لَا عَهْد لمُشْرِك [1] . وَقَالَ عَقِيلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحِجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذَّنُونَ بِمِنًى أَنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ.
قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ. قَالَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النّحر ببراءة، أن لا يحجّ بعد [121 ب] الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ [3] . وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَأَتْبَعَهُ عَلِيًّا. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: فَكَانَ عَلِيٌّ نَادَى بِهَا، فَإِذَا بُحَّ قَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَنَادَى بِهَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ [4] ، قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي ذِي الْحِجَّةِ؟ قَالَ: بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 188، وانظر المغازي للواقدي 3/ 168، 169.
[2] في كتاب الصلاة (1/ 97) باب ما يستر من العورة، وكتاب تفسير القرآن، سورة براءة (5/ 202) باب قوله فَسِيحُوا في الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله 9: 2..، وباب قوله وَأَذانٌ من الله وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ الله بَرِيءٌ من الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ 9: 3..
[3] البخاري في كتاب الحج (2/ 164) باب لا يطوف بالبيت عريان ولا يحجّ مشرك، ومسلم في كتاب الحج (1347) باب لا يحجّ البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحجّ الأكبر. وأبو داود في المناسك (1946) باب يوم الحج الأكبر. والترمذي في الحج (872) باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا، من طريق سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أثيع قال: «سألت عليّا..» . وأحمد في المسند 1/ 3 و 79 و 2/ 299 من طريق الشعبي، عن محرر بن أبي هريرة أبيه، عن أبي هريرة، قال: كنت مع عليّ ... ، وخليفة في تاريخه 93.
[4] يثيع أو أثيع: رجل من همدان.(2/665)
إِلا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ، وَلا يَجْتَمِعُ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ عَامِهِ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فأجله أربعة أشهر [1] .
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 1/ 79 و 2/ 299.(2/666)
ذكر قدُوم وُفوُدِ العرب
[قُدُومُ عُرْوَةُ بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ]
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: فَلَمَّا صَدَرَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَأَقَامَا لِلنَّاسِ الْحَجَّ، قَدِمَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا. وَكَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ أَنَّ قُدُومَ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ فِي إِثْرِ رَحِيلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِ الطَّائِفِ وَعَنْ مَكَّةَ، وَأَنَّهُ لَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَسْلَمَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ بِالإِسْلامِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنهم قاتلوك» [1] .
ثم بعد أشهرٍ، قَدِم:
وَفْدُ ثَقِيف [2]
وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كنّا في
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 96، سيرة ابن هشام 4/ 184.
[2] ثقيف: هم ثقيف بن منبه، بطن متسع من هوازن من العدنانية، اشتهروا باسم أبيهم. وكان موطنهم بالطائف (معجم قبائل العرب 1/ 148) .(2/667)
الْوَفْدِ الَّذِينَ وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَضَرَبَ لَنَا قُبَّتَيْنِ عند دار المغيرة ابن شُعْبَةَ. قَالَ: وَكَانَ بِلالٌ يَأْتِينَا بِفِطْرِنَا فَنَقُولُ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ:
نَعَمْ، مَا جِئْتُكُمْ حَتَّى أَفْطَرَ، فَيَضَعُ يَدَهُ فَيَأْكُلُ وَنَأْكُلُ [1] . وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ، لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ. وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ حِينَ أَسْلَمُوا أَنْ لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا يُجَبُّوا [2] .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوعٌ، وَلَكُمْ أَنْ لَا تُحْشَرُوا وَلَا تُعْشَرُوا» [3] . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي «السُّنَنِ» [4] : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ شَأْنِ ثَقِيفٍ إِذْ بَايَعَتْ قَالَ: اشْتَرَطَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلا جِهَادَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: «سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا» . وقال مُوسَى بْن عُقْبة، وعن عُرْوَةُ بمعناه، قَالَ: فأسلم عُرْوَةُ بْن مَسْعُود، واستأذن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليرجع إلى قومه. فقال: إنّي أخاف [122 أ] أَن يقتلوك قَالَ: لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني. فأذن لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فرجع إلى الطائف، وقدِم الطائف عَشِيًّا فجاءته ثقيف فحيّوه، ودعاهم إلى الْإِسْلَام
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 185.
[2] أن لا يحشروا: من الحشر، وهو الخروج مع النفير، أي لا يندبون إلى المغازي ولا تضرب عليهم البعوث. وقيل: لا يحشرون إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالهم، بل يأخذها في أماكنهم. ولا يعشروا: من التعشير، وهو أخذ عشر المال. ولا يجبّوا: من التجبية، وهي وضع اليدين على الركبتين أو على الأرض، وهي هنا كناية عن الركوع والسجود في الصلاة.
[3] أخرجه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء (3026) باب ما جاء في خبر الطائف.
وأحمد في المسند 4/ 218.
[4] في كتاب الخراج والإمارة والفيء (3025) باب ما جاء في خبر الطائف.(2/668)
ونصح لهم، فاتَّهموه وعَصَوْه، وأَسْمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عَلَيْهِ.
فخرجوا من عنده، حتّى إذا أسحر وطلع الفجر، قام عَلَى غرفةٍ [لَهُ] [1] فِي داره فأذّن بالصلاة وتشهدّ، فرماه رَجُل من ثقيف بسهمٍ فقتله.
فزعموا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حين بلغه قَتْله: «مَثَلُ عُرْوَةُ مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه» [2] . وأقبل- بعد قتله- من وفد ثقيف بضعةُ عشر رجلًا هُمْ أشراف ثقيف، فيهم كِنَانة بْن عَبْد يالَيِل وهو رأسهم يومئذٍ، وفيهم عثمان بْن أَبِي العاص بْن بِشْر، وهو أصغرهم. حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة يريدون الصُّلْح، حين رأوا أنَّ قد فُتحت مكة وأَسلمت عامّة العرب.
فقال المُغيرة بْن شُعْبَة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْزِلُ عَلَى قومي فأُكرِمهم، فإنّي حديث الجُرْم [3] فيهم. فقال: لَا أمنعك أنَّ تكرم قومك، ولكن منزلك حيث يسمعون القرآن. وكان من جُرم [3] المُغِيرة فِي قومه أَنه كَانَ أَجيرًا لثقيف، وأنهم أقبلوا من مصر، حتّى إذا كانوا ببُصَاق [4] ، عدا عليهم وهم نِيَام فقتلهم، ثمّ أقبل بأموالهم حتّى أَتَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رسول الله، خمِّس مالي هذا. فقال: «وما نبأه» ؟ فأخبره، فقال: «إنّا لسنا نَغْدِر» . وأبى أنَّ يخمّسه. وأَنزلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفدَ ثقيف فِي المسجد، وبنى لهم خِيَامًا لكي يسمعوا القرآن ويروا النّاس إذا صلّوا. وكأن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خطب لم يَذْكُر نَفْسَه. فلمّا سمعه وفد ثقيف قَالُوا: يأمرنا أنَّ نشهد أَنَّهُ رَسُول اللَّهِ، ولا يشهد بِهِ فِي خُطبته. فلمّا بَلَغه ذَلِكَ قَالَ: فإني أول من شهد أنّي رسول الله.
__________
[1] سقطت من الأصل، والمثبت من نسختي (ع) و (ح) .
[2] انظر: سيرة ابن هشام 4/ 184، المحبّر 105- 106، تاريخ الطبري 3/ 97.
[3] في الأصل: «الحزم» ، حزم في الموضعين. والتصحيح من ع، ح.
[4] بصاق: موضع قرب مكة، ويقال بساق (بالسين) . وقيل: جبل قرب أيلة فيه نقب. (معجم البلدان 1/ 429) .(2/669)
وكانوا يَغْدون عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلَّ يومٍ، ويُخَلِّفون عثمان بْن أَبِي العاص عَلَى رِحالهم. فكان عثمان، كلّما رجعوا وقالُوا بالهاجرة، عمد إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عَنِ الدِّين واستقرأه القرآن، حتّى فَقِه فِي الدّين وعَلِم.
وكان إذا وجد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائمًا عمد إلى أَبِي بَكْر. وكان يكتم ذَلِكَ من أصحابه. فأَعْجَب ذَلِكَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعَجِب منه وأحبّه.
فمكث الوفد يختلفون إِلَى رَسُول اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وهو يدعوهم إلى الْإِسْلَام، فأسلموا. فقال كِنانة بْن عَبْد يا ليل: هَلْ أنت مُقاضِينا حتّى نرجع إلى قومنا؟
فقال: «نعم، إنْ أنتم أقررتم بالإسلام قاضَيْتُكم، وإلا فلا قَضِيّة ولا صُلْح بيني وبينكم» . قَالُوا: أفرأيت الزِّنا، فإنّا قوم نغترب لَا بُدّ لنا منه؟ قَالَ: «هُوَ عليكم حَرامٌ» . قالوا: فالرّبا؟ قال: «لكم رءوس أموالكم» . قَالُوا: فالخمر؟
قَالَ: «حرام» . وتلا عليهم [122 ب] الآيات فِي تحريم هذه الأشياء. فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض، فقالوا: وَيْحكم، إنّا نخاف- إنْ خالفناه- يومًا كيوم مكة. انْطَلقوا نُكَاتِبه عَلَى ما سأَلَنا. فأَتَوْه فقالوا: نعم، لَكَ ما سَأَلت.
أرأيت الرَّبَّة [1] ماذا نصنع فيها؟ قَالَ: «اهدموها» . قَالُوا: هيهات، لو تعلم الربّة أنّك تريد هدمها قَتَلَتْ أهلها. فقال عُمَر: ويحك يا بن عَبْد يَالِيل، ما أحمقك، إنّما الربّة حَجَر. قالوا: إنّا لم نأتك يا بن الخطّاب. وقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَوَلَّ أنت هدمها، فأما نَحْنُ فإنّا لن نهدمها أبدًا. قَالَ: «فسأبعث إليكم من يهدمها» . فكاتَبُوه وقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أمِّرْ علينا رجلًا يَؤُمّنا. فأمّر عليهم عثمان لِما رَأَى من حِرْصه عَلَى الْإِسْلَام. وكان قد تعلَّم سُوَرًا من القرآن. وقال ابن عبد يا ليل: أَنَا أَعلم النّاس بثقيف. فاكْتُمُوهم الْإِسْلَام وخَوِّفُوهم الحربَ، وأَخْبِرُوا أنّ محمدًا سَأَلَنا أمورًا أَبَيْناها.
__________
[1] الربّة: بيت اللات التي كانت تعبدها ثقيف، أو هي اللات ذاتها.(2/670)
قَالَ: فخرجت ثقيف يتلقَّوْن الوفدَ. فلمّا رأوهم قد ساروا العَنَق [1] ، وقَطَروا الإبل، وَتَغشَّوا ثيابهم، كهيئة القوم قد حَزِنُوا وكُرِبُوا ولم يرجعوا بخير.
فلمّا رأت ثقيف ما فِي وجوههم قَالُوا: ما وفدُكم بخيرٍ ولا رجعوا بِهِ. فدخل الوفد فعَمدوا [2] اللات فنزلوا عندها. والّلات بيت بين ظهرَيْ الطائف يُسْتَر ويُهْدَى لَهُ الْهَدْيَ، كما يُهدى للكعبة.
فقال ناس من ثقيف حين نزل الوفد إليها: إنه لَا عَهْد لهم برؤيتها. ثمّ رجع كل واحد إلى أهله، وجاء كل رَجُل منهم خاصَّتَه فسأَلوهم فقالوا: أَتَيْنا رجلًا فَظًّا غليظًا يأخذ من أمره ما يشاء، قد ظهر بالسيف وأَدَاخ العرب ودانت لَهُ النّاس. فعرض علينا أمورًا شِدادًا: هَدْم الّلات، وتَرْك الأموال فِي الرِّبا إلّا فِي رءوس أموالكم، وحَرَّم الخَمْر والزِّنا، فقالت ثقيف: والله لَا نقبل هذا أبدًا. فقال الوفد: أَصْلحوا السلام وتهيّئوا للقتال ورمّوا حصنكم. فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال. ثمّ ألقى اللَّه فِي قلوبهم الرُّعب، فقالوا: والله ما لنا بِهِ طاقة، وقد أداخ العرب كلّها، فارجعوا إِلَيْهِ فأَعْطُوه ما سَأَلَ. فلمّا رَأَى ذَلِكَ الوفد أنهم قد رَعَبوا قَالُوا: فإنّا قد قاضَيْناه وفعلنا ووجدناه أتقى النّاس وأرحمهم وأصدقهم. قَالُوا: لِم كَتَمْتُمُونا وغَمَمْتُمونا أشدّ الغمّ؟
قَالُوا: أردنا أنَّ ينزع اللَّه من قلوبكم نَخْوَة الشَّيطان. فأسلموا مكانَهم.
ثمّ قدِم عليهم رسُلُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد أمَّر عليهم خَالِد بْن الوليد، وفيهم المُغِيرة. فلمّا قدِموا عمدوا للات ليهدموها، واسْتَكَفَّت ثقيف كلها، حتّى خرج العَواتق [3] ، لَا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة. فقام المُغِيرة فأخذ الكَرْزِينَ [4] وقال لأصحابه: والله لأُضْحِكَّنكم منهم. فضرب بالكرزين، ثمّ
__________
[1] العنق: ضرب من السير فسيح سريع، للإبل والخيل.
[2] عمد الشيء يعمده، كعمد له وإليه: قصده.
[3] العواتق: جمع عاتق وهي الجارية أول ما أدركت أو التي لم تتزوج.
[4] الكرزين: فأس كبيرة لها حدّ ورأس واحد، أو نحو المطرقة.(2/671)
[123 أ] سقط يَرْكُض. فارتَجّ أهُل الطائف بصيحةٍ واحدةٍ، وقَالُوا: أَبْعَدَ اللَّه المُغِيرة، قد قتلته الرَّبَّة. وفرحوا، وقَالُوا: من شاء منكم فليقتربْ وليجتهدْ على هدمها، فو الله لَا يُستطاع أبدًا. فوثب المُغِيرة بْن شُعْبَة فقال: قبّحكم اللَّه، إنما هِيَ لكاع حجارة ومَدر، فاقْبَلوا عافِيَة اللَّه واعبدوه. ثمّ ضرب الباب فكسره، ثمّ عَلا عَلَى سورها، وعلا الرجالُ معه، فهدموها. وجعل صاحب المَفْتَح [1] يَقُولُ: ليَغْضَبَنَّ الأساسُ، فليخسفَنَّ بهم. فقال المُغِيرة لخالد:
دعني أحفر أساسها. فحفره حتّى أخرجوا ترابها، وانتزعوا حِلْيَتَها، وأخذوا ثيابها. فبهتت ثقيف، فقالت عجوزٌ منهم: أسلمها الرُّضَّاع وتركوا المِصَاع [2] .
وأقبل الوفد حتّى أتوا النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحليتها وكسوتها، فَقَسَمه.
وقال ابن إِسْحَاق: أقامت ثقيف، بعد قتل عُرْوَةُ بْن مَسْعُود، أشهرًا.
ثمّ ذكر قدومَهم عَلَى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإسلامَهم. وذكر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أَبَا سُفْيَان بْن حرب والمغيرة يهدمان الطَّاغية [3] .
وقال سَعِيد بْن السَّائب، عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن عياض، عن عثمان ابن أَبِي العاص، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أنَّ يجعل مسجد الطائف حيثُ كانت طاغيتهم.
رَوَاهُ أَبُو همّام مُحَمَّد بْن محبّب الدلّال، عن سعيد [4] .
__________
[1] المفتح: الخزانة أو المخزن حيث يوجد كنز الربة وحليتها وثيابها. ويجوز أن يكون المفتح (بالكسر) أي المفتاح.
[2] الرضاع: كالرضّع، جمع راضع، وهو اللئيم الّذي رضع اللؤم من ثدي أمه، يريد أنه ولد في اللؤم. والمصاع: الجلاد والضراب بالسيوف. وفي هامش ح.: الرضاع الذين يرضعون إبلهم لئلا يسمع الفقراء صوت حلبهم، وقيل يرضعون الناس أي يسألونهم. والمصاع الجلاد والضراب أي تركوا القتال.
[3] سيرة ابن هشام 4/ 185، تاريخ الطبري 99- 100.
[4] رواه الطبراني في المعجم الكبير 9/ 39 رقم (8355) ، والحاكم في المستدرك 3/ 618.(2/672)
ولما فرغ ابن إِسْحَاق من شأن ثقيف، ذكر بَعْدَ ذلك حجّة أَبِي بَكْر الصدّيق بالناس [1] .
__________
[1] انظر سيرة ابن هشام 4/ 186.(2/673)
السنة العاشرة
ثمّ قَالَ ابن إِسْحَاق [1] :
ولمّا فتح اللَّه عَلَى نبيّه مكّة، وفَرَغ من تبوك، وأسلمتْ ثقيف، ضَرَبتْ إِلَيْهِ وُفودُ العرب من كلّ وَجْهٍ. وإنما كانت العرب تَرَبَّصُ بالإسلام أَمْرَ هذا الحيّ من قريش، وأَمْرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذلك أنّ قريشًا كانوا إِمامَ النّاس.
[وفد بني تَمِيم]
قَالَ: فقدم عُطَارِد بْن حَاجِب فِي وفدٍ عظيمٍ من بني تميم [2] ، منهم الأَقْرَع بْن حَابِس، والزِّبْرِقَان بْن بَدْر، ومعهم عُيَيْنة بْن حِصْن. فلمّا دخلوا المسجد. نادوا رَسُول اللَّهِ من وراء حُجُراته: اخرجْ إلينا يا مُحَمَّد، جئناك نفاخرك، فائذنْ لشاعرنا وخطيبنا. قَالَ: قد أَذِنْتُ لخطيبكم، فلْيَقُمْ. فقام عُطارد، فقال:
الحمد للَّه الَّذِي لَهُ علينا الفضلُ وَالْمَنُّ، وهو أهله، الّذي جعلنا ملوكا،
__________
[1] في سيرة ابن هشام 4/ 194.
[2] بنو تميم بن مر: قبيلة عظيمة من العدنانية تنتسب إلى تميم بن مرّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَر بن نِزار بن مَعَدّ بن عدنان. كانت منازلهم بأرض نجد. (معجم قبائل العرب 1/ 126) .(2/675)
ووهب [لنا] [1] أموالا عظاما نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزَّ أهُل المَشْرق، وأكثرَهُ عَدَدًا، وأَيْسره عُدّةً. فَمنْ مثْلُنا فِي الناس؟ ألسنا برءوس النّاس وَأُولِي فضلهم؟ فمن فاخَرَنا فَلْيَعْدُدْ مثل ما عَدَدْنا، وإنّا لو نَشَأْ لأَكْثَرْنا الكلام، ولكنْ نَسْتَحي من الإِكْثار. أقول هذا لأَنْ تَأتوا بمثل قولنا، وأمرٍ أفضل من أمرنا.
ثم جلس. فقال رسول [123 ب] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثَابِت بْن قَيْس بْن الشَّمَّاس الخَزْرَجِيّ: قُمْ فأَجِبْهُ. فقام، فقال:
الحمد للَّه الَّذِي السماواتُ والأرضُ خَلْقُه، قضى فيهنَّ أَمْره، ووَسع كُرْسِيُّه عِلْمه، ولم يكن شيء قطّ إلّا من فضله. ثمّ كَانَ من فضله أنَّ جعلنا ملوكًا، واصْطَفى من خير خلقه رسولًا، أَكْرَمه نسبًا، وأصدقه حديثًا، وأفضله حَسَبًا، فأنزل عَلَيْهِ كتابه، وائْتَمَنه عَلَى خَلْقه، فكان خِيَرَةَ اللَّه من العالمين، ثمّ دعا النّاس إلى الْإِيمَان فآمن بِهِ المهاجرون من قومه وَذَوِي رَحِمه، أكرم النّاس أَحْسابًا، وأحسن النّاس وجوهًا، وخير النّاس فَعالًا، ثمّ كَانَ أول الخلق استجابةً إذْ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحن فنحنُ الأنصار، أنصارُ اللَّه ووزراءُ رسوله، نقاتل النّاس حتّى يؤمنوا باللَّه ورسوله. فمَنْ آمَنَ مَنَع مالَهُ ودَمَهُ، ومن كفر جاهدناهُ فِي اللَّه أبدًا، وكان قَتْلُه علينا يسيرًا. أقول قَوْلِي هذا وأستغفر اللَّه للمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم.
فقام الزِّبْرِقانُ بْن بدر، فقال:
نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيٌّ يُعَادِلُنا ... مِنّا الْمُلُوكُ وفينا تُنْصَب البيَعُ
وكَمْ قَسَرْنا من الأحياءِ كُلِّهُم ... عِنْدَ النِّهابِ، وفَضْلُ الْعِزِّ يُتَّبَع
ونَحْنُ نُطْعِم عند القحط مطعمنا ... من الشِّواء إذا لم يُؤْنَسِ القَزَع
بما تَرَى النَّاسَ تَأْتِيَنا سَرَاتُهمُ ... من كلّ أرضٍ هويّا ثم نصطنع
__________
[1] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح.(2/676)
فِي أبياتٍ [1] .
فقال النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يا حَسَّانُ، فأَجِبْهُ. فقال حسّان [2] :
إنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وإِخْوَتهمْ ... قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ [3] تُتَّبَعُ
يَرْضَى بها كلُّ مَنْ كانتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الإلهِ وكلَّ الخير يصطنِع
قَوْمٌ إذا حَارَبوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ ... أوْ حَاوَلُوا فِي أشْيَاعِهم نَفَعوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُم غَيْرُ مُحْدَثَةٍ ... إنّ الخلائقَ، فاعْلَمْ، شرُّها البِدَع
فِي أبيات [4] .
فقال الأقرع بْن حابس: وَأَبي، إنّ هذا الرجل لَمُؤَتًّى لَهُ إِنَّ خطيبه أفْصَحُ من خطيبنا، ولَشاعره أَشْعَرُ من شاعرنا.
قَالَ: فلما فرغ القوم أسلموا، وأحسن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوائزهم. وفيهم نزلت: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ 49: 4 [5] [6] . وَقَالَ سُلَيْمَان بْن حَرْب، ثنا حَمَّادُ بْن زيد، عَنْ مُحَمَّد بْن الزُّبير الحَنْظَليّ، قَالَ:
قدِم عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الزِّبْرِقان بْن بدر، وقَيْس بْن عاصم، وعَمْرو بْن الأهْتَم. فقال لعمرو بْن الأهتم: أخبرني عَنْ هذا الزِّبْرقَان، فأمّا هَذَا فلستُ أسألك عَنْهُ. قَالَ: وأُراه قَالَ قد عرف قَيْسًا. فقال: مطاع في أدنيه [7] ، شديد
__________
[1] انظر بقيتها في سيرة ابن هشام 4/ 204، وتاريخ الطبري 3/ 117.
[2] ديوانه: ص 248 البرقوقي، 238 د. حنفي.
[3] في الأصل «سنة الله» . والتصويب من ع، ح.
[4] انظر بقيّتها في سيرة ابن هشام 4/ 205 وتاريخ الطبري 3/ 118.
[5] سورة الحجرات، الآية 4.
[6] حتى هنا تنتهي رواية ابن إسحاق التي ينقلها المؤلّف من سيرة ابن هشام 4/ 203- 206، وتاريخ الطبري 3/ 116- 119، وانظر: طبقات ابن سعد 1/ 294.
[7] رسمت في النسخ الثلاث بغير إعجام. وهي في ابن الملا: «مطاع في قومه» وأثبتنا عبارة الروض الأنف (4/ 223) .(2/677)
العارضة، مانع لما وراء ظهره. فقال الزِّبْرقان: قد قَالَ ما قَالَ وهو يعلم أنّي أفضل مما قَالَ. فقال عمرو: ما علمتك [1] إلّا زمر المروءة [2] ضيّق العطن، أحمق الأرب، لئيم الخال.
ثم [124 أ] قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قد صَدَقْتُ فيهما جميعًا، أرضاني فقلتُ بأحسن ما أعلم، وأسخطني فقلت بأسْوَأ ما فِيهِ.
فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ من البيان سِحْرًا» [3] .
وقد روى نَحوه عليُّ بْن حرب الطائيّ، عَنْ أَبِي سعيدٍ الهيثم بْن محفوظ، عَنْ أَبِي المُقَوّم الْأَنْصَارِيّ يَحْيَى بْن زيد، عَنِ الحَكَم بْن عُيَيْنة، عَنْ مِقْسم، عَنِ ابن عَبَّاس، متّصلًا.
وفد بني عامر]
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثُمَامَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الرّابسيّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قال: وفد أبي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ [4] إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَذُو الطَّوْلِ عَلَيْنَا. فَقَالَ: «مَهْ مَهْ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلا يَسْتَجْرِئَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، السَّيِّدُ اللَّهُ، السَّيِّدُ اللَّهُ» [5] . وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُؤَمَّلَةَ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ جَدِّهَا مُؤَمَّلَةَ بْنِ جَمِيلٍ، قَالَ: أَتَى عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا عامر، أسلم. قال: أسلم
__________
[1] في الأصل: «وما عليك» . والتصحيح من ع، ح.
[2] زمر المروءة: قليلها.
[3] انظر الروض الأنف 4/ 223- 224.
[4] بنو عامر بن صعصعة: بطن من هوازن، من قيس بن عيلان، من العدنانية، كانت منازلهم بنجد، ثم نزلوا ناحية من الطائف (معجم قبائل العرب 2/ 708) .
[5] أخرج الإمام أحمد نحوه في المسند من طرق مختلفة. انظر ج 4/ 254.(2/678)
عَلَى أَنَّ الْوَبَرَ لِي وَالْمَدَرَ لَكَ [1] . قَالَ: يا عامر أسلم. فأعاد قوله. قال: لا.
فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلا جُرْدًا وَرِجَالا مُرْدًا، وَلأَرْبِطَنَّ بِكُلِّ نَخْلَةٍ فَرَسًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ اكْفِنِي عَامِرًا واهْدِ قَوْمَه» . فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ صَادَفَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا سَلُولِيَّةُ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَنَامَ فِي بَيْتِهَا، فَأَخَذَتْهُ غُدَّةٌ فِي حَلْقِهِ، فَوَثَبَ عَلَى فَرَسِهِ، وَأَخَذَ رُمْحَهُ، وَأَقْبَلَ يَجُولُ، وَيَقُولُ: غُدَّةُ كغدّة الْبَكْرِ، وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةَ. فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ حَالَهُ حَتَّى سَقَطَ مَيِّتًا [2] .
وقال ابن إِسْحَاق [3] :
قدِم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفدُ بني عامر، فيهم: عامر بْن الطُّفَيْلِ. وأَرْبَد ابن قيس، وخالد بْن جَعْفَر، وحيّان بْن سَلَم، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم.
فقدِم عامرُ عدوّ اللَّه عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ أنَّ يَغْدِر بِهِ. فقال لَهُ قومه:
إنّ النّاس قد أسلموا. فقال: قد كنت آليْتُ أنَّ لَا أَنْتَهي حتّى تَتْبَع العربُ عَقِبي، فأنا أتبعُ عَقِبَ هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لأربد: إذ قدِمنا عَلَيْهِ فإنّي شاغلٌ عنك وَجْهه، فإذا فعلتُ ذَلِكَ فاعْلُهُ بالسيف.
فلمّا قدِموا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عامر: يا مُحَمَّد، خَالِّني [4] . فقال:
لَا والله، حتّى تؤمن باللَّه وحده، فقال: والله لأملأنّها عليك خَيْلًا، ورِجَالًا.
فلمّا ولّى قَالَ: «اللَّهمّ اكْفِني عامرًا» . ثمّ قَالَ لأَربَد: أَيْنَ ما أمرتُكَ بِهِ؟ قَالَ:
لَا أَبَا لَكَ، والله ما هممتُ بالذي أمرتني بِهِ من مرّةٍ إلّا دخلت بيني وبينه،
__________
[1] الوبر: وبر الإبل كنى به عن البوادي لأن بيوتهم يتخذونها منه. والمدر: قطع الطين اليابس، ويعني به المدن أو الحضر.
[2] انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 252 ومجمع الأمثال للميداني 2/ 3، وفصل المقال للمامقاني 298، وإمتاع الأسماع للمقريزي 507، وعيون الأثر لابن سيد الناس 2/ 232، وسيرة ابن هشام 4/ 207.
[3] الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 206- 207.
[4] خالّه وخالله: اتخذه خليلا.(2/679)
أَفَأَضْرِبُكَ بالسَّيف؟ فبعث اللَّه ببعض الطريق عَلَى عامر الطَّاعُون فِي عُنُقه، فقتله اللَّه فِي بيت امرأةٍ من سلول. وأما الآخر فأرسل اللَّه تعالى عَلَيْهِ وعلى جَمَله صاعقةً أَحْرَقَتْهما.
وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، قَالَ: كَانَ رئيس المشركين عامر بن الطفيل، وكان أتى رسول الله صلى الله [124 ب] عليه وسلم فقال: أخيرك بين ثلاث خصال، فَيَكُونَ لَكَ أَهْلُ السَّهْلَ وَيَكُونَ لِي أَهْلُ الْمَدَرِ، أَوْ أَكُونَ خَلِيفَتَكَ مِنْ بَعْدِكَ، أَوْ أَغْزُوَكَ بِغَطَفَانَ بِأَلْفِ أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ.
قَالَ: فَطُعِنَ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ. فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلانٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي. فَرَكِبَ فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
[وَافِدُ بني سَعْدٍ]
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ [3] ، ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ جَلْدًا أشعر غدا غَدِيرَتَيْنِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى [4] وَقَفَ فَقَالَ: أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ: أَنَا. فَقَالَ: أَنْتَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ وَمُغَلِّظٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ. أَنْشُدُكَ الله إلهك وإله من
__________
[1] في كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل، والقارة إلخ.
(5/ 40) .
[2] الخبر في سيرة هشام 4/ 209، وتاريخ الطبري 3/ 124- 125 وانظر طبقات ابن سعد 1/ 299.
[3] بنو سعد بن بكر: بطن من هوازن، من قيس بن عيلان، من العدنانية، وهم حضنة النبي صلى الله عليه وسلم (معجم قبائل العرب 2/ 513) ، وإليهم تنسب السيدة حليمة السعدية.
[4] في الأصل: «حين» . والتصحيح من ع، ح.(2/680)
قَبْلِكَ وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الأَنْدَادَ؟ قَالَ: «اللَّهمّ نَعَمْ» . قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ قَبْلِكَ وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . ثُمَّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الإِسْلامِ يَنْشُدُهُ عَنْ كُلِّ فَرِيضَةٍ.
ثُمَّ قَالَ: فإني أشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ، ثُمَّ لا أَزِيدُ وَلا أَنْقُصُ.
ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ صَدَق ذُو العَقِيصَتَيْن دَخَلَ الجنةَ. فَقَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَكَانَ أَوَّل مَا تكلّم به أن قال: بئست اللاتِ وَالْعُزَّى. قَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ، اتَّقِ الْبَرَصَ، اتَّقِ الْجُنُونَ. قَالَ: وَيْلَكُمْ، إِنَّهُمَا وَاللَّهِ لا يضرّان ولا ينفعان. إنّ الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإنّي أشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسول، وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وما نهاكم عنه.
قال: فو الله مَا أَمْسَى ذَلِكَ الْيَوْمَ وَفِي حَاضِرِهِ [1] رَجُلٌ وَلا امْرَأَةٌ إِلا مُسْلِمًا.
قَالَ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامٍ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ الْمَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَيْرٍ، ثنا أَبِي، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِرَبِّ مَنْ قَبْلِكَ وَرَبِّ مَنْ بَعْدِكَ، اللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَإِنِّي قَدْ آمَنْتُ وَصَدَّقْتُ، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقِهَ الرَّجُلُ» . قال: فكان
__________
[1] الحاضر: الحيّ العظيم.(2/681)
عُمَرُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ مَسْأَلَةً ولا أوجز من ضمام من ثَعْلَبَةَ. الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ ضَعِيفٌ [1] . وقصّة ضمام فِي الصَّحيحيْن من حديث أَنَس [2] .
[الجَارُود بْن عَمْرو]
قَالَ ابن إِسْحَاق [3] :
وفد عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجارود [125 أ] بْن [عَمْرو] [4] أخو بني عَبْد القَيْس [5] .
قَالَ عَبْد الملك بْن هشام [6] : وكان نَصْرانِيًّا، فدعاه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَام. فقال: يا مُحَمَّد، تَضْمن لي ديني؟ قَالَ: «نعم، قد هداك اللَّه إلى ما هُوَ خيرٌ منه» . قَالَ: فأسلم، وأسلم أصحابه.
[وفدُ بَني حَنِيفَة]
قَالَ ابن إِسْحَاق [7] : وقدِم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد بني حنيفة [8] ، فيهم مُسَيْلمَة بْن حُبَيْب
__________
[1] انظر عنه: التاريخ الصغير 147، التاريخ لابن معين 2/ 94، المجروحين لابن حبّان 1/ 223، المغني في الضعفاء 1/ 421- 143 رقم 1245، الكاشف 1/ 139 رقم 877، ميزان الاعتدال 1/ 440 رقم 1638، تهذيب التهذيب 2/ 153 رقم 261.
[2] أخرجه البخاري في كتاب العلم (1/ 23) باب القراءة والعرض على المحدّث، ومسلم في كتاب الإيمان (23/ 17) باب الأمر بالإيمان باللَّه تعالى ورسوله وشرائع الدين.
[3] الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 210، وتاريخ الطبري 3/ 36.
[4] سقطت من الأصل، والمثبت من: (ع) و (ح) وسيرة ابن هشام.
[5] بنو عبد القيس بن أفصى، وهم قبيلة عظيمة من العدنانية كانت مواطنهم تهامة. (معجم القبائل 2/ 726) .
[6] السيرة 4/ 410.
[7] الخبر في السيرة ابن هشام 4/ 210 وتاريخ الطبري 3/ 137، وانظر طبقات ابن سعد 1/ 316.
[8] بنو حنيفة بن لجيم، من بكر بن وائل من العدنانية، كانت تقطن اليمامة (معجم قبائل العرب 1/ 312) .(2/682)
الكَذَّاب، فكان مَنْزَلهم [1] فِي دار بِنْت الحارث الأنصارية. فحدّثني بعض علمائنا أنّ بني حَنِيفَة أَتَتْ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتُرُه بالثّياب، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسٌ مَعَ أصحابه معه عَسِيبُ نخلٍ فِي رأسه خُوصاتٌ. فلمّا كَلَّم النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لو سألتني هذا العَسيبَ ما أعطيتُكَهُ» . قَالَ ابن إِسْحَاق [2] : وحدّثني شيخٌ من أهُل اليمامة أنّ حديثه كَانَ عَلَى غيرَ هذا، زَعَم أنّ وفد بني حنيفة أَتَوْا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلَّفوا مُسَيْلِمَة فِي رحَالِهم، فلمّا أسلموا ذكروا لَهُ مكانه فأمر لَهُ رَسُول الله صلى اللَّهِ بمثل ما أمر بِهِ لهم، وقال: «أمَا إنه ليس بأشرِّكم مكانًا، يعني حِفْظَهُ ضيعة [3] أصحابه. ثم انصرفوا وجاءوه بالذي أعطاه. فلمّا قدِموا اليمامة ارْتَدَّ عَدُوُّ اللَّه وتَنَبَّأَ، وقال: إنّي أُشْرِكتُ فِي الأمر مَعَ مُحَمَّد، ألم يقل لكم حين ذكرتموني لَهُ أما إنه ليس بأشرِّكم مكَانًا؟ وما ذَلِكَ إلّا لِما يعلم أنّي قد أُشركت معه. ثمّ جعل يَسْجَع السَّجعات فيقول لهم فيما يَقُولُ مُضاهاةً للقرآن: لقد أنعم اللَّه عَلَى الْحُبُلِىِّ، أخرج منها نَسَمةً تَسْعَى، من بين صِفاقٍ [4] وحَشى. ووضع عَنْهُمْ الصلاة وأحلّ لهم الزِّنا والخمر. وهو مَعَ ذَلِكَ يشهد لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نبيّ. فأَصْفَقَتْ [5] معه بنو حَنِيفة عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، ثنا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يقول:
__________
[1] في النسخ الثلاث: منزلتهم. وأثبتنا نص ابن هشام. والمنزل: النزول.
[2] السيرة 4/ 210، تاريخ الطبري 3/ 137- 138.
[3] في الأصل: «صنعة» ، والتصحيح من ع، ح.
[4] الصفاق: الجلد الأسفل تحت الجلد الّذي عليه الشعر، أو ما بين الجلد والمصران، أو جلد البطن كله.
[5] أصفقت: أجمعت.(2/683)
إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدُ اتَّبَعْتُهُ. وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ. فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ النّبيّ قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلَمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «إِنْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أعطيتكها.
ولن تعدو أمر الله فيك [1] ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ. وَإِنِّي أُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ يُجِيبُكَ عَنِّي» . ثُمَّ انْصَرَفَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ» ، فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بينا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتَ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مَنْ بَعْدِي» . قَالَ: فَهَذَا أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ صَاحِبُ [125 ب] صَنْعَاءَ، وَالْآخَرُ مُسْيَلِمَةُ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، أَخْرَجَاهُ [2] . وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ [3] مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أُنْفُخَهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَذَهَبَ، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا، صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] . وقال (خ) : ثنا الصّلت بْن مُحَمَّد، نا مهديّ بْن ميمون، سمع أبا رجاء،
__________
[1] في الأصل، تقرأ قبل أو قتل. والتصحيح من ع، ح.
[2] أخرجه البخاري في كتاب المناقب (4/ 182) باب علامات النبوّة في الإسلام، وفي كتاب المغازي (5/ 119) باب قصّة الأسود العنسيّ، وفي كتاب التوحيد (8/ 189) باب قول الله تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. 16: 40 ومسلم في كتاب الرؤيا (21/ 2273) باب رؤيا النّبي صلى الله عليه وسلم.
[3] في الأصل «سوارين» ، والتصحيح من (ع) و (ح) .
[4] أخرجه البخاري في المناقب (4/ 182) باب علامات النبوّة في الإسلام، وفي المغازي (5/ 120) باب قصة الأسود العنسيّ، وفي التعبير (8/ 81- 82) باب النفخ في المنام، ومسلم في الرؤيا (2273 و 2274) باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم. والترمذي في كتاب الرؤيا (2394) باب ما جاء في رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم في الميزان والدّلو. وأحمد في المسند 2/ 319.(2/684)
هُوَ العُطَارِدِيّ، يَقُولُ: لَمَّا بُعث النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعنا بِهِ، لحِقنا بمسيلمة الكذّاب، لحقنا بالنار، وكنّا نعبد الحجَر فِي الجاهلية. وإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من ترابٍ ثمّ حَلَبْنا عليها [كُثْبَة] [1] اللَّبَن، ثمّ نطوف بِهِ.
وَقَالَ إسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد، عَنْ قيس بْن أَبِي حازم، قَالَ:
جَاءَ رجلٌ إِلَى ابْن مَسْعُود فَقَالَ: إنّي مررت ببعض مساجد بني حنيفة وهم يقرءون قراءةً ما أنزلها اللَّه: الطَّاحِنات طَحْنًا، والعاجنات عَجْنًا، والخابزات خَبْزًا، والثَّاردات ثَرْدًا، واللاقمات لَقْمًا. فأرسل إليهم عَبْد اللَّه فأتى بهم، وهم سبعون رجلًا ورَأسُهم عَبْد اللَّه بْن النَّوَّاحَة. قَالَ: فأمَر بِهِ عَبْد اللَّه فقُتل. ثمّ قَالَ: ما كنّا بمُحْرِزِين [2] الشَّيْطان من هَؤُلَاءِ، ولكنّا نَحْدُرهم إلى الشّأْم لعلّ اللَّه أنَّ يَكْفِيَنَاهُمْ.
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ رَسُولَيْنِ لِمُسَيْلَمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» فَقَالَ: نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلَمَةَ رَسُولُ الله. فقال: «آمنت باللَّه ورسوله، وَلَوْ كُنْتُ قَاتِلا رَسُولا لَقَتَلْتُكُمَا» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقتَلُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا ابْنُ أُثَالٍ فَقَدْ كَفَانَا اللَّهُ، وَأَمَّا ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَلَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي حَتَّى أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ. وَلَهُ شَاهِدٌ [3] .
قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [4] حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
__________
[1] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح. والكثبة، القليل المجتمع من الماء أو اللبن.
[2] في الأصل: «بمحرور» . والتصحيح من ع، ح.
[3] منحة المعبود: كتاب الجهاد، باب جواز الخداع في الحرب والنهي عن المثلة إلخ (1/ 238) ورواه الدارميّ في التفسير (59) .
[4] الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 220- 221، وتاريخ الطبري 3/ 146.(2/685)
نعيم بن معسود، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَهُ رَسُولَا مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابِ بِكِتَابِهِ [1] يَقُولُ لَهُمَا: وَأَنْتُمَا تَقُولَانِ بِمِثْلِ مَا يَقُولُ؟ قَالَا: نَعَمْ. فَقَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَربْتُ أَعْنَاقَكُمَا» . وقال ابن إِسْحَاق [2] : وقد كَانَ مسيلمة كتب إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخر سنة عَشْرٍ:
من مسيلمة رَسُول اللَّهِ إلى مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ. سلام عليك، أما بعد، فإنّي قد أُشركت فِي الأمر معك، وإنّ لنا نِصْفَ الأرض، ولكنّ قريشًا قوم يعتدون.
فكتب إِلَيْهِ: «من مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ إلى مسيلمة الكذّاب. سلام عَلَى من اتَّبع الْهُدَى، أما بعدُ، فإنّ الأرض للَّه يُورثها من يشاء من عباده، والعاقبة [126 أ] للمتّقين» .
[وفد طيِّئ]
ثم قدم وفد طيِّئ [3] ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيهم زَيْد الخيل سيّدهم.
فأسلموا، وسمّاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد الخَيْر، وقطع لَهُ فَيْد [4] وأَرَضِين، وخرج راجعًا إلى قومه.
فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَنْجُ زيدٌ من حُمَّى المدينة» . فإنّه يقال قد
__________
[1] في الأصل: «الكتابة» . والتصحيح من ع، ح.
[2] الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 220- 221، وتاريخ الطبري 4/ 146.
[3] طيِّئ بن أدد وهم قبيلة عظيمة من كهلان من القحطانية، كانت منازلهم باليمن فخرجوا منه على أثر خروج الأزد منه ونزلوا سميراء وفيد في جوار بني أسد ثم غلبوهم على أجأ وسلمى (معجم قبائل العرب 2/ 689) .
[4] في الأصل: «فند» ، والتصحيح من ع، ح. وفيه ناحية بشرقي سلمى أحد جبلي طيِّئ.(2/686)
سمّاها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسمٍ غيرَ الحمّى، فلم نُثْبِتْه. فلمّا انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه، يقال لَهُ فَرْدَة، أصابته الحمّى فمات بها. قَالَ: فعمدت امرأته إلى ما معه من كتب فحرّقَتها [1] .
[قدوم عديّ بْن حاتم]
قَالَ شُعْبَةُ [2] : ثنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ حُبَيْشٍ، يُحَدِّثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِعَقْرَبٍ [3] ، فَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا. فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَابَ الْوَافِدُ، وَانْقَطَعَ الْوَالِدُ، وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: «مَنْ وَافِدُكِ؟» قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: «الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَتْ: فَمُنَّ عَلَيَّ. وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ تَرَاهُ عَلِيًّا، فَقَالَ: سَلِيهِ حُمْلَانًا. فَسَأَلَتْهُ. فَأَمَرَ لَهَا بِهِ.
قَالَ [عَدِيٌّ] [4] : فَأَتَتْنِي، فَقَالَتْ: لَقَدْ فَعَلْتَ فَعْلةً ما كان أبوك يفعلها.
ايته رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا. فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ.
قَالَ عَدِيٌّ: فَأتَيْتُهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصَبِيَّانِ، أَوْ صَبِيٌّ، فَذَكَرَ قُرْبَهُمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَعَرَفْتُ. أَنَّهُ لَيْسَ مُلْكَ كِسْرَى وَلَا قَيْصَرَ، فَأَسْلَمْتُ. فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ قَدِ اسْتَبْشَرَ [5] ، وَقَالَ: «إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ الْيَهُودُ، وَالضَّالِّينَ النَّصَارَى» . وذكر باقي الحديث [6] .
__________
[1] الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 211، وتاريخ الطبري 3/ 145، وطبقات ابن سعد 1/ 321.
[2] في الأصل «سعيه» . والتصحيح من ع، ح.
[3] عقرب: أطم بالمدينة، وهو الأطم الأسود الصغير الّذي في شامي الرحابة في الحرّة، كان لآل عاصم بن عامر بن عطية (المغانم المطابة 266) .
[4] ليست في الأصل، وزدناها من ع، ح.
[5] حتى هنا الخبر في تاريخ الطبري 3/ 112 وانظر سيرة ابن هشام 4/ 212.
[6] بقيّته في مسند الإمام أحمد (4/ 378- 379) .(2/687)
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ حُذَيْفَةَ، قَالَ رَجُلٌ: كُنْتُ أَسْأَلُ عَنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي لا أَسْأَلُهُ.
فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهْتُهُ أَشَدَّ مَا كَرِهْتُ شَيْئًا قَطُّ. فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْصَى أَرْضِ الْعَرَبِ مِمَّا يَلِي الرُّومَ. ثُمَّ كَرِهْتُ مَكَانِي فَقُلْتُ: لَوْ أَتَيْتُهُ وَسَمِعْتُ مِنْهُ. فَأَتَيْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاسْتَبْشَرُوا، أَيِ النَّاسَ، وَقَالُوا: جَاءَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، جَاءَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. فَقَالَ: يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ. فَقُلْتُ:
إِنِّي عَلَى دِينٍ. قَالَ: «أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ، أَلَسْتَ رَكُوسِيًّا؟» [1] قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: «أَلَسْتَ تَرْأَسُ قَوْمَكَ؟» قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «أَلَسْتَ تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ؟» [2] قُلْتُ: بَلَى. قَالَ، «فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَحِلُّ فِي دِينِك» . قَالَ: فَوَجَدْتُ بِهَا عَلَيَّ غَضَاضَةً. ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَمْنَعَكَ أَنْ تُسْلِمَ أَنْ تَرَى بِمَنْ عِنْدَنَا خَصَاصَةً، وَتَرَى النَّاسَ عَلَيْنَا إِلْبًا وَاحِدًا. «هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟» [3] قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ عَلِمْتُ مَكَانَهَا. قَالَ: «فَإِنَّ الظَّعِينَةَ سَتَرْحَلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِغَيْرِ جِوَارٍ، وَلَتُفْتَحَنَّ عَلَيْنَا كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ» . قُلْتُ: كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟
قَالَ: «نَعَمْ، وَلَيَفِيضَنَّ الْمَالُ حَتَّى يُهِمَّ الرَّجُلُ مَنْ يَقْبَلُ مَالَهُ منه صدقة» . قال:
[126 ب] فَلَقَدْ رَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْحَلُ مِنَ الْحِيرَةِ بِغَيْرِ جِوَارٍ، وَكُنْتُ فِي أَوَّلِ خَيْلٍ أَغَارَتْ عَلَى الْمَدَائِنِ. وَاللَّهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةَ، إِنَّهُ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] . وَرَوَى نَحْوَهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عن أبي عبيدة.
__________
[1] الرّكوسية: قوم لهم دين بين النصارى والصابئين.
[2] المرباع: هو أن يأخذ ربع الغنيمة لنفسه، وذلك فعل الرئيس المطاع.
[3] الحيرة: مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النجف، زعموا أن بحر فارس كان يتصل به، وبها كان الخورنق بقرب منها مما يلي الشرق، والسّدير في وسط البرية التي بينها وبين الشأم (ياقوت) .
[4] أخرجه ابن حجر في الإصابة 2/ 468 رقم 5475، وأخرج البخاري نحوه في المناقب 4/ 175- 176، باب علامات النبوة في الإسلام، من طريق النضر، عن إسرائيل، عن سعد الطائي، عن محلّ بن خليفة، عن عديّ بن حاتم.(2/688)
[قدوم فَرْوَةَ بْن مُسَيْك المُرَادِيّ]
وقال ابن إِسْحَاق [1] :
قدِم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْوَةُ بْن مُسَيْك المُرادِيّ، مُفارِقًا لملوك كِنْدَة.
فاستعمله النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُرَادٍ وزُبَيْد ومَذْحِج كلها [2] . وبعث معه عَلَى الصدقة خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص، فكان معه حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[وفد كِنْدة]
قَالَ [3] : وقدِم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد كِنْدَة [4] ، ثمانون راكبًا فيهم الأَشْعَث بْن قَيْس. فلمّا دخلوا عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ألم تُسلموا؟ قَالُوا:
بلى. قَالَ: فما بَالُ هذا الحرير فِي أعناقكم؟ قَالَ: فشقُّوه وألقَوْه.
[وفد الأَزْد]
قَالَ [5] : وقدِم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرَد بْن عَبْد اللَّه الأَزْدِيّ، فأسلم، في وفد من الأزد [6] . فأمّره عَلَى من أسلم من قومه، ليجاهد من يليه.
__________
[1] الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 212، وتاريخ الطبري 3/ 134، والطبقات 1/ 327.
[2] مذحج بن أدر: بطن من كهلان من القحطانية، كانوا يسكنون اليمن، ونزلوا الحيرة. ومراد بن مذحج، وزبيد بن صعب، بطنان من مذحج.
[3] الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 214، وتاريخ الطبري 3/ 138، وابن سعد 1/ 318.
[4] كندة: قبيلة عظيمة تنتسب إلى كندة واسمه ثور بن عفير، وسمي كندة لأنه كند أباه أي كفر بنعمته. وكانت بلادهم بجبال اليمن مما يلي حضرموت، وكان لهم ملك باليمن والحجاز (معجم قبائل العرب 3/ 998) .
[5] سيرة ابن هشام 4/ 215، تاريخ الطبري 3/ 130 وابن سعد 1/ 337.
[6] الأزد: من أعظم قبائل العرب وأشهرها، تنتسب إلى أزد بن نبت بن مالك بن كهلان من القحطانية.(2/689)
[كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَر]
قَالَ [1] : وقدِم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [كتابُ] [2] ملوكِ حِمْير، مَقْدَمَهُ [3] من تَبُوك، ورسولهم إِلَيْهِ بإسلامهم، الحارث بْن عَبْد كُلَالٍ، ونُعَيْم بْن عَبْد كُلالٍ، والنُّعْمان قِيلَ ذِي رُعَيْن، ومَعَافِر، وهمْدان [4] . وبعث إِلَيْهِ ذُو يَزَن، مالِكَ بْن مُرَّة الرّهاويّ بإسلامهم. فكتب إليهم النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابًا يذكر فِيهِ فريضة الصدقة.
وأرسل إليهم مُعَاذ بْن جَبَل فِي جماعةٍ، وقال لهم: وإنّي قد أرسلتُ إليكم من صالِحي أهلي. وَأُولِي دينهم وأولي علمهم، وآمركم بهم خيرًا، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
[بعث خَالِد ثمّ عليَّ إلى اليمن]
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْبَرَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَام. قَالَ الْبَرَاءُ: فَكُنْتُ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ خَالِدٍ، فَأَقَمْنَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْفِلَ خَالِدٌ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَمَّمَ مَعَ خَالِدٍ أَحَبَّ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَ عَلِيَّ فَلْيُعَقِّبْ مَعَهُ. فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَ عَلِيٍّ. فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْقَوْمِ خَرَجُوا إِلَيْنَا، فَصَلَّى بِنَا عَلِيٌّ، ثُمَّ صَفَّنَا صَفًّا وَاحِدًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ جَمِيعًا. فَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَرَأَ الكتاب
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 215- 216، تاريخ الطبري 3/ 120.
[2] لم ترد في الأصل، وأثبتناها من ع، ح. وسيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري.
[3] في الأصل «مقدمهم» . والتصحيح من ع. ح.
[4] فحوى العبارة أن هؤلاء هم ملوك حمير الذين قدم كتابهم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا أنهم قدموا بأشخاصهم، وإنما كان رسولهم مالك بن مرة الرهاوي الّذي قال عنه النبي صلّى الله عليه وسلم في كتابه إليهم «إن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وآمركم به خيرا» . انظر مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، الوثيقة رقم 109 (ص 180- 182) .(2/690)
خَرَّ سَاجِدًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ، السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ» . هَذَا حَدِيثٌ صحيح أخرج الْبُخَارِيُّ بَعْضُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ [1] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أبي [127 أ] الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَبْعَثُنِي وَأنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ. فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «اللَّهمّ اهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ» . فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ. أَخْرَجَهُ [د] [2] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ من حديث عطاء [3] .
[بعث أَبِي مُوسَى ومُعاذ إلى اليمن]
وَقَالَ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَمُعَاذَ بْنَ جبل إلى اليمن، فقال: «يسّرا ولا
__________
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد رضي الله عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع (5/ 110) .
[2] لم يظهر الرمز في الأصل، وفي ع، ح، «البخاري» . وهو خطأ. والحديث في سنن أبي داود: كتاب الأقضية: باب كيف القضاء 2/ 270، وفي مسند الطيالسي (منحة المعبود) :
كتاب مناقب الصحابة، أبواب خلافة عليّ رضي الله عنه، باب بعثه إلى اليمن قاضيا وتوفيقه في القضاء ودعاه النبي صلّى الله عليه وسلم له بذلك (2/ 180) ، وفي المسند للإمام أحمد 1/ 88 و 136.
وفي طبقات ابن سعد 2/ 337، وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 135) وقال:
صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، في نهاية الأرب للنويري 20/ 5، وسيأتي الحديث ثانية في ترجمة الإمام عليّ رضي الله عنه في الجزء الخاص بالخلفاء الراشدين.
[3] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع (5/ 110) .
وصحيح مسلم: كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقرآن وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحلّ القارن من نسكه (1211) .(2/691)
تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] ، وَمِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا.
وَفِي «الصَّحِيحِ» لِلْبُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ قَوْمِي. قَالَ: فَجِئْتُهُ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْأَبْطَحِ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: «أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ؟» قُلْتُ:
نَعَمْ. قَالَ: «كَيْفَ؟» قُلْتُ: لَبَّيْكَ إِهْلَالًا كَإِهْلَالِكَ. فَقَالَ: «أَسُقْتَ هَدْيًا؟» قُلْتُ: لَمْ أَسُقْ هَدْيًا. قَالَ: «فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَاسْعَ ثُمَّ حِلَّ» . فَفَعَلْتُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [2] . أما مُعاذ فالأَشْبَه أَنَّهُ لم يرجع من اليمن حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] :
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا، الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ يُفَقِّهُ أَهْلَهَا وَيُعَلِّمُهُمُ السُّنَّةَ وَيَأْخُذُ صَدَقَاتِهِمْ، فَكَتَبَ له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره:
__________
[1] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (4/ 26) باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه، وفي المغازي (5/ 107- 108) ، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجّة الوداع، وفي كتاب الأحكام (8/ 114) باب أمر الوالي إذا وجّه أميرين إلى موضع أن يتطاوعا ولا يتعاصيا. ومسلم في كتاب الجهاد والسير (1733) باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير.
[2] أخرجه البخاري في المغازي (5/ 109) باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجّة الوداع، وبقيّته: «حتى مشطت لي امرأة من نساء بني قيس، ومكثنا بذلك حتى استخلف عمر» .
[3] الخبر في سيرة ابن هشام 4/ 218- 219، وبعضه في تاريخ الطبري 3/ 121.(2/692)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ [1] مِنَ الله ورسوله. يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. عَهْدًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حَيْثُ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ.
أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ في أمره كلّه. فإنّ الله مع الّذي اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.
وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقِّ كَمَا أَمَرَهُ [2] ، وَأَنْ يُبَشِّرَ النَّاسَ بِالْخَيْرِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرآنَ، وَيُفَقِّهَهُمْ فِيهِ [3] ، وَلا يَمَسَّ الْقُرْآنَ أَحَدٌ [4] إِلا وَهُوَ طَاهِرٌ، وَيُخْبِرَ النَّاسَ بِالَّذِي لَهُمْ، وَالَّذِي عَلَيْهِمْ، وَيَلِينَ لَهُمْ [5] فِي الْحَقِّ، وَيَشْتَدَّ [6] عَلَيْهِمْ فِي الظُّلْمِ، فَإِنَّ اللَّهَ كَرَّهَ الظُّلْمَ وَنَهَى عَنْهُ، وَقَالَ: أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ 11: 18.
وَيُبَشِّرَ النَّاسَ بِالْجَنَّةِ وَبِعَمَلِهَا، وَيُنْذِرَ النَّاسَ مِنَ النَّارِ وَعَمَلِهَا، وَيَسْتَأْلِفَ النَّاسَ حَتَّى يَفْقَهُوا فِي الدِّينِ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ مَعَالِمَ الْحَجِّ وَسُنَنَهِ وَفَرَائِضِهِ وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالْحَجَّ الأَكْبَرَ وَالْحَجَّ الأَصْغَرَ، فَالْحَجُّ الأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ. وَيَنْهَى النَّاسَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ الصَّغِيرِ إِلا أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا فَيُخَالِفَ [7] بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَيَنْهَى [أَنْ] [8] يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُفْضِيَ إِلَى السَّمَاءِ بِفَرْجِهِ. وَلا يَعْقِدَ [9] شعر [127 ب] رَأْسِهِ إِذَا عُفِيَ فِي قَفَاهُ. وَيَنْهَى النَّاسَ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ هَيْجٌ أَنْ يَدْعُوا إِلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وَلْيَكُنْ دُعَاؤُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ. فَمَنْ لَمْ يَدْعُ إِلَى اللَّهِ، وَدَعَا إِلَى الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ فَلْيُقْطَفُوا بِالسَّيْفِ حَتَّى يَكُونَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ. وَيَأْمُرَ النَّاسَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ، وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ، وَأَرْجُلَهُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَأَنْ
__________
[1] في السيرة 4/ 218 «بيان» .
[2] في السيرة «كما أمره الله» .
[3] في السيرة «ويفقههم فيه، وينهى الناس فلا يمسّ» .
[4] في السيرة «إنسان» .
[5] في السيرة «للناس» بدل «لهم» .
[6] في السيرة «يشدّ» .
[7] في السيرة «إلا أن يكون ثوبا يثني طرفيه» .
[8] سقطت من الأصل، وأثبتناها من (ع) و (ح) . وفي السيرة «وينهى الناس أن» .
[9] في السيرة «يعقص أحد» .(2/693)
يَمْسَحُوا رُءُوسَهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، وَأُمِرُوا بِالصَّلاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالْخُشُوعِ [1] ، وَأَنْ يُغَلِّسَ بِالصُّبْحِ، وَيُهَجِّرَ بِالْهَاجِرَةِ حِينَ تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَصلاةُ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ فِي الأَرْضِ مُدْبِرَةٌ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ يَقْبَلُ اللَّيْلُ، لا تُؤَخَّرُ حَتَّى تَبْدُوَ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ، وَالْعِشَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ. وَأَمَرَهُ بِالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِذَا نُودِيَ بِهَا، وَالْغُسْلِ عِنْدَ الرَّوَاحِ إِلَيْهَا. وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَاَ كَتَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْعَقَارِ فِيمَا سَقَى الْغَيْلُ [2] وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرَ وَفِيمَا سَقَتِ الْغَرْبُ [3] فَنِصْفَ الْعُشْرِ.
ثُمَّ ذَكَرَ زَكَاةَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ، مُخْتَصَرًا. قَالَ: وَعَلَى كُلِّ حَالِمٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِوَضُهُ [4] مِنَ الثِّيَابِ.
فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ [5] .
وَقَدْ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، نحو هذا الحديث موصولا، بزيادات كَثِيرَةٍ فِي الزَّكَاةِ، وَنَقْصٍ عَمَّا ذَكَرْنَا فِي السُّنَنِ [6] . وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ ابن حُمَيْدٍ السَّكُونِيِّ: أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَخَرَجَ النبيّ صلّى الله عليه وسلم
__________
[1] في السيرة 4/ 219 «الركوع والسجود والخشوع» .
[2] في هامش ح: «هو الماء الجاري» . وفي السيرة 4/ 219 «سقت العين» .
[3] الغرب: الرواية والدلو العظيمة
[4] في النسخ الثلاث: «عرضه» . وأثبتنا لفظ ابن هشام 4/ 219.
[5] انظر مجموعة الوثائق السياسية، الوثيقة رقم 105 (ص 173- 175) والسيرة، وتاريخ الطبري 3/ 121.
[6] أخرج البخاري مختصرا في كتاب الزكاة (2/ 133) باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري.(2/694)
يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي وَقَبْرِي» . فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعًا [1] لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَا تَبْكِ يَا مُعَاذُ، الْبُكَاءُ مِنَ الشَّيْطَانِ» [2] .
[وفد نَجْران]
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْن الزُّبير قَالَ: لما قدِم وفد نَجْران عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دخلوا عَلَيْهِ مسجده بعد العصر فحانت صلاتُهم، فقاموا يصلّون فِي مسجده، فأراد النّاس مَنْعَهم. فقال النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهم» . فاستقبلوا الْمَشْرِقَ فصلّوا صلاتهم [3] . وقال ابْنُ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ ابن البَيْلَمانيّ، عَنْ كُرْز بْن علْقمة، قَالَ:
قدِم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد نصارى نَجران، ستّون راكبًا، منهم أربعة وعشرون من أشرافهم، منهم: الْعَاقِبُ أمير القوم وذو رأيهم [و] [4] صاحب [128 أ] مشورتهم، والذي لَا يصدرون إلّا عَنْ رأيه وأمره، واسمه عَبْد المسيح [5] . والسيّد ثمِالُهم [6] وصاحب رحلهم ومجتمعهم، واسمه الأيهم. وأبو
__________
[1] في النسخ الثلاث «خشعا» ، والتصويب من: سير أعلام النبلاء 1/ 448.
[2] رجاله ثقات. رواه أحمد في المسند 5/ 235.
[3] انظر طبقات ابن سعد 1/ 357.
[4] سقطت من النسخ الثلاث. وزدناها لتمام العبارة.
[5] قال ابن سعد إنه رجل من كندة.
[6] الثمال: الغياث الّذي يقوم بأمر قومه.(2/695)
حارثة [1] بْن علْقمة، أحد بَكْر بْن وائل، أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم [2] .
وكان أَبُو حارثة قد شرُف فيهم ودرس كتبهم حتّى حسُن علمه فِي دينهم. وكانت ملوك الرُّوم من أهُل النصرانية قد شرّفوه وموّلوه وبنوا لَهُ الكنائس. فلمّا توجّهوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نجران، جلس أبو حارثة على بلغة لَهُ موجّهًا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى جنبه أخٌ لَهُ، يقال لَهُ: كُرْز بْن عَلْقَمَة، يُسايِرُه [3] ، إذْ عَثَرت بغلة أَبِي حارثة، فقال لَهُ كُرز: تَعِس الأَبْعدُ، يريد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو حارثة: بَلْ أنت تَعِسْتَ. فقال لَهُ: لِمَ يا أخي؟
فقال: والله إنه لَلنَّبيُّ الَّذِي كنّا ننتظره. قَالَ لَهُ كُرز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قَالَ: ما صنع بنا هَؤُلَاءِ القوم شرّفونا وموّلونا، وقد أَبَوْا إِلّا خِلَافَهُ، ولو فعلتُ نَزَعوا منّا كل ما ترى.
فأَضْمَر عليها أخوه كُرز بْن علْقمة حتّى أسلم بعد ذَلِكَ [4] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ وَأَحْبَارُ يَهُودَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَازَعُوا، فَقَالَتِ الْأَحْبَارُ: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: مَا كَانَ إِلا نَصْرَانِيًّا. فأنزل الله فيهم: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ 3: 65
__________
[1] في الطبقات لابن سعد 1/ 357 «الحارث» .
[2] الأسقف: عند النصارى رئيس لهم في الدين فوق القسّيس ودون المطران. والحبر: بفتح الحاء المهملة: العالم ذمّيا كان أو مسلما بعد أن يكون من أهل الكتاب. والمدراس: بيعة اليهود. وفي طبقات ابن سعد «مدارسهم» .
[3] يسايره: يسير معه. وفي (ع) : «على يساره» ، وهو وهم.
[4] الإصابة لابن حجر 3/ 292 رقم 7398.(2/696)
فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا من بَعْدِهِ 3: 65 الآيات [1] .
فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيُّ: أَتُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ أَنْ نَعْبُدَكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ الرُّبَيْسُ [2] : وَذَلِكَ تُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ وَإِلَيْهِ تَدْعُو؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ» .
فَنَزَلَتْ مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ 3: 79 الآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ مِنَ الشَّاهِدِينَ 3: 81 [3] . وَقَالَ إِسْرَائِيلُ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ [4] ، عَنْ صِلَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَقَالَا حُذَيْفَةُ بَدَلَ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ السَّيِّدَ وَالْعَاقِبَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ أَنْ يُلَاعِنَهُمَا [5] فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه، فو الله لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنْتَهُ لَا نُفْلِحُ نَحْنُ ولا عقبنا.
قالوا له: نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلا أمينا. ولا تبعث معنا إلّا أمينا.
فقال: «لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» . فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابَهُ. فَقَالَ: «قُمْ، يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ» . فَلَمَّا قَامَ قَالَ: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» . أَخْرَجَهُ (خ) مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ [6] . وَقَالَ إِدْرِيسُ الْأَوْدِيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ علقمة بن وائل،
__________
[1] سورة آل عمران، الآية 65.
[2] في النسخ الثلاث: الرئيس (الرييس) . وأحسبها مصحفة عما أثبتناه. والربيس كبير السّامرة وهم قوم من اليهود يخالفونهم في بعض أحكامهم، كإنكارهم نبوة من جاء بعد موسى عليه السلام.
[3] سورة آل عمران، الآيات 79- 81.
[4] في الأصل: «ابن إسحاق» . والتصحيح من ع، ح والبخاري.
[5] كذا في النسخ الثلاث. ولفظ البخاري: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريدان أن يلاعناه. وتلا عن القوم: أي تداعوا باللعن على الظالم منهم.
[6] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب قصة أهل نجران (5/ 120) .(2/697)
(128 ب] عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَجْرَانَ. فَقَالُوا فِيمَا قَالُوا: أَرَأَيْتَ مَا تَقْرَءُونَ: يَا أُخْتَ هارُونَ 19: 28 [1] وَقَدْ كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُوسَى مَا قَدْ عَلِمْتُمْ؟. قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «أَفَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِأَسْمَاءِ أَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] :
بَعَثَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخَرِ، أَوْ جُمَادَى الأُولَى، سَنَةَ عَشْرٍ، إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، ثَلاثًا. فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ الرُّكْبَانَ يَضْرِبُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ وَيَدْعُونَ إِلَى الإِسْلامِ وَيَقُولُونَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا. فأسلم الناس، فأقام خالد يعلّمهم الإسلام، وكتب إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك. ثم قدم وفدهم مع خَالِدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ أَعْيَانِهِمْ:
قَيْسُ بْنُ الْحُصَيْنِ ذُو الْغُصَّةِ [4] ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ، وَيَزِيدُ بْنُ الْمُحَجَّلِ قَالَ: فَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَيْسًا.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، بَعْدَ أَنْ وَلَّى وَفْدَهُمْ، عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ لِيُفَقِّهَهُمْ وَيُعَلِّمَهُمْ السُّنَّةَ، يَأْخُذُ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ [5] .
وفي عاشر ربيعٍ الأول: تُوُفِّيَ إبراهيم ابن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [6] ، وهو ابن سنةٍ ونصفٍ. وغسّله الفضل بن
__________
[1] سورة مريم، الآية 28.
[2] صحيح مسلم: كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء (2135) .
[3] الخبر في السيرة ابن هشام 4/ 217، وتاريخ الطبري 3/ 126.
[4] في الأصل، ح: «ذو العصبية» . وفي ع: «ذو العضبة» . والتصحيح من ترجمته في أسد الغابة (4/ 418) . وسمّي بذلك لغصّة كانت في حلقه. وانظر: السيرة وتاريخ الطبري.
[5] سيرة ابن هشام 4/ 218، تاريخ خليفة 94، تاريخ الطبري 3/ 128.
[6] تاريخ خليفة 94.(2/698)
الْعَبَّاس. ونزل قبره الْفَضْلُ وأسامة بْن زيد فيما قِيلَ. وكان أبيض مسمَّنًا، كثير الشَّبَه بوالده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِأَبي إِبْرَاهِيمَ» . ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ، يَعْنِي امْرَأَةَ قَيْنٍ [1] بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ أبو يوسف. قَالَ أَنَسٌ: فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنِهِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ فَدَعَا بِالصَّبِيِّ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَكيِدُ بِنَفْسِهِ [2] ، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرضِي الرَّبَّ. وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] وَالْبُخَارِيُّ [4] تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ. وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعَةً تُتِمُّ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ» . أَخْرَجَهُ خ [5] . وقال جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصادق، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى عَلَى ابنه إِبْرَاهِيم حين مات.
__________
[1] قين: حدّاد.
[2] يكيد بنفسه: يجود بها وهو في النزع.
[3] في كتاب الفضائل (2315) باب رحمته صلّى الله عليه وسلّم الصبيان والعيال، وتواضعه، وفضل ذلك.
[4] في كتاب الجنائز (2/ 84- 85) باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّا بك لمحزونون. وأخرجه أبو داود في الجنائز (3126) باب في البكاء على الميت. وابن ماجة في الجنائز (1589) باب ما جاء في البكاء على الميت. وأحمد في المسند 4/ 328.
[5] في كتاب الجنائز (2/ 104) ما جاء في عذاب القبر، باب ما قيل في أولاد المسلمين، وفي كتاب بدء الخلق (4/ 88) باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، وفي كتاب الأدب (7/ 118) باب من سمّي بأسماء الأنبياء.(2/699)
وفيها: مات أَبُو عامر الراهب، الَّذِي كَانَ عند هرقل عظيم الرُّوم [1] وفيها: ماتت بُوران بِنْت كسرى ملكة الفرس، وملّكوا بعدها أختها آزرمن [2] . قاله أَبُو عُبَيْدة [3] .
وفي أواخر ذي القعدة: وُلد مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الصدّيق، [129 أ] ولدته أسماء بِنْت عُمَيْس، بذي الحُلَيْفة، وهي مَعَ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] .
قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟
فَقَالَ: «اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِري بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي» [5] . وفيها: وُلد مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حزم، بنَجْران وأبوه [بها] [6] .
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 140.
[2] في تاريخ الطبري 2/ 229 و 3/ 447 «آزرميدخت» . وقال الطبري إن ملك بوران دام سنة وأربعة أشهر، أما أختها فملّكت ستة أشهر (2/ 232 و 233) .
[3] تاريخ خليفة 94 وفيه «أزرما» .
[4] انظر: المسند للشافعي 2/ 4، وصحيح مسلم (1218) في الحج. باب حجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وسير أعلام النبلاء للمؤلف 3/ 482، والطبقات الكبرى لابن سعد 8/ 283.
[5] أخرجه مسلم في حديث طويل، في كتاب الحج (1218) باب حجّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. والنسائي في كتاب الطهارة (1/ 154) باب ما تفعل النفساء عند الإحرام. وفي كتاب الحيض (1/ 182) باب المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر، وفي كتاب الغسل (1/ 208) باب اغتسال النفساء عند الإحرام، وفي كتاب الحج (5/ 126) باب الغسل للإهلال. وابن ماجة في المناسك (3074) باب حجّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والدارميّ في المناسك (34) .
[6] سقطت من الأصل، وأثبتناها من: (ع) و (ح) . وانظر تاريخ الطبري 3/ 130.(2/700)
حجَّةُ الودَاع [1]
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ بالحجّ، فاجتمع فِي الْمَدِينَةِ بَشَرٌ كَثِيرٌ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، أَوْ لِأَرْبَعٍ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: «اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ» [2] . وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَكِبَ الْقَصْوَاءَ [3] حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، فَنَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي، بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلُ ذَلِكَ. فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ [4] ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ.
وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ. وَلَسْنَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، لسنا نعرف العمرة، حتى
__________
[1] المغازي لعروة 222، المغازي للواقدي 3/ 1088، سيرة ابن هشام 4/ 230، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 172، تاريخ الطبري 3/ 148، تاريخ خليفة 94، نهاية الأرب 17/ 371، عيون الأثر 2/ 272، عيون التواريخ للكتبي 1/ 394.
[2] مرّ تخريج هذا الحديث قبل قليل وانظر: طبقات ابن سعد 8/ 283.
[3] القصواء: هي نَاقَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أبو عبيدة: القصواء المقطوعة الأذن عرضا.
[4] في صحيح مسلم: «لبّيك اللَّهمّ، لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك.
والملك لا شريك لك» . (ج 2/ 887) .(2/701)
[إِذَا] [1] أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ [2] ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ [3] إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى 2: 125 [4] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.
قَالَ جَعْفَرٌ: فَكَانَ أَبِي يَقُولُ- لا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 [5] وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ 109: 1 [6] ثم رجع إلى الْبَيْتَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ 2: 158 [7] ، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» . ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَعَلا عَلَيْهَا وَفَعَلَ كَمَا فَعَل عَلَى الصَّفَا. [فَلَمَّا كَانَ] [8] آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ: «إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» .
فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إِلا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ.
فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله [129 ب] ألعامنا
__________
[1] عن صحيح مسلم.
[2] الرمل: هو إسراع المشي مع تقارب الخطا، وهو الخبب.
[3] في صحيح مسلم «نفذ» .
[4] سورة البقرة، الآية 125.
[5] أول سورة الإخلاص.
[6] أول سورة الكافرون.
[7] سورة البقرة، الآية 158.
[8] سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح.(2/702)
هذا أم لِلأَبَدِ؟ قَالَ فَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ وَقَالَ: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ مَعَ الْحَجِّ هَكَذَا، مَرَّتَيْنِ، لا، بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ» . وَقَدِمَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ الْيَمِن بِبُدْنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا. فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا بِالَّذِي صَنَعْتُهُ، مُسْتَفْتِيًا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ. مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟» قَالَ، قُلْتُ: اللَّهمّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ:
«فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلا تَحْلِلْ» . قَالَ: فَكَانَ الْهَدْيُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ، وَالْهَدْيُ الَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةٍ. ثُمَّ حَلَّ النَّاسُ وَقَصَّرُوا، إِلا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَّهُوا إِلَى مِنًى، أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ. ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ [1] ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ [2] ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ [قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ] [3] فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ [4] لَهُ، فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ.
«إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كحرمة يومكم هذا، في شهركم
__________
[1] نمرة: ناحة بعرفة. ونقل ياقوت أن الحرم من طريق الطائف على طرف عرفة من نمرة على أحد عشر ميلا. وقيل: نمرة الجبل الّذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف (معجم البلدان 5/ 304) .
[2] في ع، ح: «حتى أتى نمرة» . والمثبت يتفق مع صحيح مسلم.
[3] زيادة من صحيح مسلم للتوضيح.
[4] رحلت: أي وضع عليها الرحل.(2/703)
هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. أَلا وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ، وَدِمَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ. وَأَوَّلَ دَمٍ أَضَعُهُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ. وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ [وَأَوَّلَ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ] [1] كُلُّهُ. وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنْ [2] قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَكُبُّهَا [3] إِلَى النَّاسِ: اللَّهمّ اشْهَدْ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ أَذَّن بِلالٌ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ جَبَلَ الْمُشَاةِ [4] بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلا حين غاب القرص، [130 أ] وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ خَلْفَهُ فَدَفَعَ وَقَدْ شَنَقَ [5] لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى جَبَلا مِنَ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تَصْعَدَ. حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ. ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى المشعر الحرام
__________
[1] سقطت في النسخ الثلاث وزدناها من صحيح مسلم.
[2] في صحيح مسلم «إنك» .
[3] هكذا في الأصل، ح. وفي ع: «وبكيها» ، محرفة. ولفظ مسلم: «ينكتها» ، وفي رواية أخرى: ينكبها، أي يقلبها ويردّدها إلى الناس مشيرا إليهم. ومثلها يكبها.
[4] جبل المشاة: طريقهم. وفي رواية: حبل المشاة أي مجتمعهم.
[5] شنق: ضمّ وضيّق للقصواء.(2/704)
فَرَقِيَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ. فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلا حَسَنَ الشَّعْرِ وَسِيمًا [1] . فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظُّعُنُ [2] يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ. حَتَّى إِذَا أَتَى مُحَسِّرًا [3] حَرَّكَ قَلِيلا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُكَ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْمَسْجِدِ، فَرَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصْيِ الْخَذْف [4] رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً [5] ، وَأَعْطَى عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ [6] وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ. ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ [7] فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، وَطُبِخَتْ، فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا.
ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى عَلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ مِنْ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَقَالَ: «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ تَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ» . فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [8] ، ودون قوله: يحيي ويميت.
__________
[1] في صحيح مسلم «حسن الشعر أبيض وسيما» .
[2] الظعن: مفردها ظعينة، وهي البعير الّذي عليه امرأة. وتسمّى به المرأة مجازا لملابستها البعير.
[3] محسر، ويقال بطن محسر: واد قرب المزدلفة بين عرفات ومنى. وفي كتب المناسك أنه وادي النار، قيل إن رجلا اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته. وقيل إن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيى وكلّ.
[4] في الأصل: «الحدف» . والتحرير من ع، ح. وحصي الخذف أي حصي صغار بحيث يمكن أن يرمى بإصبعين. والحذف في الأصل: الرمي.
[5] في صحيح مسلم «بيده» بدل «بدنة» .
[6] ما غير ما بقي منها.
[7] البضعة: القطعة من اللحم.
[8] في كتاب الحج، (1218) باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم.(2/705)
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ أَشْعَرَ بُدْنَةً مِنْ جَانِبِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، ثُمَّ سَلَتَ عَنْهَا الدَّمَ، وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ صَهْبَاءَ، لَا ضَرْبَ وَلَا طَرْدَ وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ [2] . حَدِيثٌ حسن [3] .
وقال ثور بن يزيد، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [لُحَيٍّ] [4] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ، يَسْتَقِرُّ فِيهِ النَّاسُ، وَهُوَ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ» . قُدِّمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٌ، خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ، فَطَفِقْنَ [5] يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ، فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [6] قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً خَفِيَّةً [7] لَمْ أَفْهَمْهَا،
__________
[1] صحيح مسلم: كتاب الحج، (1243) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام. وأبو داود في كتاب المناسك (1752) باب في الإشعار.
[2] إليك إليك: تقال للتنبيه أو الزجر. والمراد أنه صلّى الله عليه وسلّم كان لا يدفع ناقته ولا يندفع بها في مزدحم الناس، ولا يحتاج إلى زجرها عن ذلك.
[3] رواه الترمذي في كتاب الحج (905) باب ما جاء في كراهية طرد الناس عند رمي الجمار.
قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الله بن حنظلة. قال أبو عيسى: حديث قدامة بن عبد الله حديث حسن صحيح، وإنما يعرف هذا الحديث من هذا الوجه، وهو حديث حسن صحيح.
وأيمن بن نابل هو ثقة عند أهل الحديث. ورواه النسائي في مناسك الحج (5/ 270) باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم. وابن ماجة في المناسك (3035) باب رمي الجمار راكبا.
[4] في الأصل بياض مقدار كلمة، والمثبت من نسخة (ح) وسنن أبي داود 2/ 148، وفي (ع) سقط بمقدار سطرين هنا.
[5] في الأصل «وطفقن» ، والمثبت من (ع) و (ح) وسنن أبي داود 2/ 149.
[6] وجبت جنوبها: أي سقطت إلى الأرض ميّتة بعد ذبحها.
[7] في الأصل «خفيفة» ، والمثبت من: (ع) و (ح) وسنن أبي داود.(2/706)
فَقُلْتُ لِلَّذِي إِلَى جَنْبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: قَالَ: «مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . حَدِيثٌ حَسَنٌ [1] . وَقَالَ هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رسول الله [130 ب] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رجع إلى منزله بمنى، فذبح، ثم دعا بالحلّاق فأخذ بشقّ رأسه الأيمن فحلقه، فجعل يقسمه الشّعرة والشّعرتين، ثم أخذ بشقّ رأسه الآخر [2] فحلقه، ثم قال: ها هنا أَبُو طَلْحَةَ؟ فَدَفَعَهُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ أَبَانٌ الْعَطَّارُ، ثنا يَحْيَى حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ابن زَيْدٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَاهُ شَهِدَ الْمَنْحَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَلَمْ يُصِبْهُ وَلا رَفِيقَهُ. قَالَ: فَحَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسُهُ فِي ثَوْبِهِ فَأَعْطَاهُ، فَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رِجَالٍ، وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ فَأَعْطَى صَاحِبَهُ. فَإِنَّهُ لَمَخْضُوبٌ عِنْدَنَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ [4] .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ، حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَقَطِيفَةً تُسَاوِي، أَوْ لَا تُسَاوِي، أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ. وَقَالَ: «اللَّهمّ حِجَّةً لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سمعة» [5] . يزيد ضعيف [6] .
__________
[1] أخرجه أبو داود في المناسك (الحج) (1765) باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ. وأحمد في المسند 4/ 250.
[2] في ع، ح: «الأيسر» .
[3] في كتاب الحج (325 و 326/ 1305) ، باب بيان أن السّنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق والابتداء في الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق.
[4] أخرجه أحمد في المسند 4/ 42.
[5] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 177.
[6] انظر عنه في: التاريخ الصغير 139، التاريخ الكبير ق 2 ج 4/ 320، الجرح والتعديل ج 4 ق 2/ 251، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ 179 رقم 593، الضعفاء والمتروكين للنسائي 307 رقم 642، التاريخ لابن معين 2/ 667 رقم 4486، المجروحين لابن حبّان 3/ 98،(2/707)
وَقَالَ أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا.
[قَالَ] [1] : أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً 5: 3 [2] فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ: نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ، فَقَرَأَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 5: 3 الآيَةَ. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: لَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيْنَا لاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدٍ، يَوْمَ جُمُعَةٍ، يَوْمَ عَرَفَةَ. صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ م [4] .
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: «خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [5] . وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثور بن يزيد، عن
__________
[ () ] الضعفاء الكبير للعقيليّ 4/ 373 رقم 1983، الكاشف 3/ 240 رقم 6389، ميزان الاعتدال 4/ 418 رقم 9669، المغني في الضعفاء 2/ 747 رقم 7082، تهذيب التهذيب 11/ 309 رقم 597، الكامل في الضعفاء الرجال لابن عديّ 7/ 2712.
[1] سقطت من الأصل. وأثبتناها من (ع) و (ح) .
[2] سورة المائدة، الآية 3.
[3] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان (1/ 16) باب زيادة الإيمان ونقصانه وقول الله تعالى وَزِدْناهُمْ هُدىً 18: 13 ... ، ومسلم في كتاب التفسير (5/ 3017) أوله: وحدّثني عبد بن حميد.
[4] رواه الطبراني في المعجم الكبير 12/ 184- 185 رقم 12835، والترمذي (5035) ، والطيالسي 1947، والطبري في التفسير 11097 وحسّنه الترمذي.
[5] في كتاب الحج (1297) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وبيان قوله صلّى الله عليه وسلّم:
لتأخذوا مناسككم. وابن سعد في الطبقات 2/ 181.(2/708)
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ:
«إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَاقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ. أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ. إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخُو الْمُسْلِمِ، الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ، [وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ] [1] ، وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» [2] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ هُوَ الَّذِي يَصْرُخُ يَوْمَ عَرْفَةَ تَحْتَ لُبَّةِ نَاقَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ لَهُ: «اصْرُخْ: أيها الناس» - وكان صيّتا [3]- «هل [131 أ] تَدْرُونَ أَيَّ شَهْرٍ هَذَا؟» فَصَرَخَ، فَقَالُوا:
نَعَمْ، الشَّهْرُ الْحَرَامُ. قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [4] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْهُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ مِنْ منى قال: «إنّا نازلون غدا إن
__________
[1] ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، والمثبت من (ع) و (ح) .
[2] أخرجه البخاري في كتاب الفتن (8/ 91) باب قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفّارا، ومسلم في كتاب الإيمان (66) باب بيان معنى قول النبي: لا ترجعوا بعدي كفارا، وأبو داود في السّنّة (686) باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، والنسائي في تحريم الدم (7/ 136) باب تحريم القتل. والطبراني في المعجم الكبير 8/ 161 رقم 7619، والمعجم الصغير 1/ 153، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (بتحقيقنا) 242 رقم (198) ، والمؤلّف الذهبي في سير أعلام النبلاء 9/ 498.
[3] صيّتا: أي شديد الصوت.
[4] انظر بقيته في سيرة ابن هشام 4/ 231، وابن سعد في الطبقات 2/ 184.(2/709)
شَاءَ اللَّهُ بِالْمُحَصَّبِ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» [1] . وذلك أنّ قريشًا تقاسموا عَلَى بني هاشم وبني المطّلب أنَّ لَا يناكحوهم ولا يخالطوهم حتّى يسلّموا إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اتّفقا عَلَيْهِ [2] .
وقال أَفْلَح بْن حُمَيْد، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خرجنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليالي الحج. قَالَتْ: فلمّا تفرّقنا من مِنًى نزلنا المحصَّبَ. وذكر الحديث. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أرقم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وحجّ بعد ما هَاجَرَ حِجَّةَ الْوَدَاعِ، وَلَمْ يَحِجَّ بَعْدَهَا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق من قِبَلِهِ: وواحدة بمكة. اتّفقا عَلَيْهِ [4] .
ويُروى عَنِ ابن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يكره أنَّ يقال: حجّة الوداع، ويقول:
حجّة الْإِسْلَام [5] .
وقال زيد بْن الحُباب، ثنا سُفْيَان، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجّ ثلاث حجج قبل أنَّ يهاجر، وحجّة بعد ما هاجر معها عُمرة، وساق ستًّا وثلاثين بُدنة، وجاء عليٌّ بتمامها من اليمن، فيها جملٌ لأبي
__________
[1] حيث تقاسموا على الكفر: يعني حيث تعاهد كفار قريش على إخراج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى شعب أبي طالب، وهو خيف بني كنانة، وكتبوا بينهم بذلك الصحيفة المشهورة.
[2] صحيح البخاري: كتاب الحج، باب نزول النبي صلّى الله عليه وسلم مكة (2/ 181- 182) . وصحيح مسلم: كتاب الحج، باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة به (4/ 86) .
[3] صحيح البخاري: كتاب الحج، باب قول الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ 2: 197 (2/ 173) ، وأبواب العمرة، باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة إلخ (3/ 6) . وصحيح مسلم: كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام إلخ (4/ 31) .
[4] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب حجة الوداع (5/ 223- 224) . وصحيح مسلم:
كتاب الجهاد والسير، باب عدد غزوات النبي صلّى الله عليه وسلم (5/ 199) .
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 188.(2/710)
جهلٍ فِي أنفه بُرَةٌ من فِضَّةٍ، فنحرها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تَفَرَّد بِهِ زيد. وقيل إنه خطأ، وإنما يُروى عَنْ سُفْيَان، عَنْ أَبِي إِسْحَاق، عَنْ مجاهد، مرسلًا.
قَالَ أَبُو بَكْر البيهقيّ: قوله «وحجَّةٌ معها عمرةٌ» فإنما يَقُولُ ذَلِكَ أنسٌ، ومن ذهب من الصّحابة إلى أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَن، فأما من ذهب إلى أَنَّهُ أَفْرد، فإنه لَا يكاد يصحّ عنده هذه اللفظة لِما فِي إسناده من الاختلاف وغيره.
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ حِجَجٍ، حَجَّتَيْنِ وَهُوَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَحَجَّةَ الْوَدَاعِ [1] .
وفي آخر السنة: كَانَ ظهور الأَسْوَد العنسي، وسيأتي [2] .
__________
[1] الطبقات 2/ 189.
[2] في الجزء الثاني، في خلافة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه (ص 14) .(2/711)
سنة احدى عشر
سَرِيّة أُسَامَةَ
فِي يوم الإثنين، لأربعٍ بَقِينَ من صَفَر. ذكر الواقديّ [1] أنهم قَالُوا:
أمر النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتَّهيُّؤ لغزْو الرّوم. ودعا أُسَامة بْن زيْد، فقال: سِرْ إلى موضع مقتل أبيك، فأَوْطِئْهم الْخَيْلَ، فقد وَلَّيْتُك هذا الجيش. فأَغِرْ صباحًا عَلَى أهُل أُبنى [2] ، وأسرع السَّيْر، تسبق الأخبار. فإن ظفرتَ فأقْلِلْ اللَّبْث فيهم، وقَدِّم العيون والطلائع أمامك. فلما كان يوم الأربعاء، بدئ بِرَسُولِ [3] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ. فحُمَّ وصُدِّع.
فلمّا أصبح يوم الخميس، عَقَد لأسامة لواء بيده، فخرج بلوائه معقودا، [131 ب] يعني أسامة. فدفعهُ إلى بُرَيْدة بْن الحُصَيْب الأسلميّ،
__________
[1] في المغازي (3/ 117- 119) .
[2] أبنى: موضع بفلسطين بين عسقلان والرملة، وقيل قرية بمؤتة. قال ياقوت: بالضم ثم السكون وفتح النون والقصر، بوزن حيلى، موضع بالشام من جهة البلقاء. (معجم البلدان 1/ 79) .
[3] في الأصل، ع: «بدئ رسول الله» . والمثبت عن ح.(2/713)
وعَسْكر بالجُرْف [1] . فلم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلّا انْتَدَب فِي تِلْكَ الغزوة، فيهم أَبُو بَكْر، وعمر، وأبو عُبَيْدة.
فتكلّم قوم وقَالُوا: يستعمل هذا الغلام عَلَى هَؤُلَاءِ؟
فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ. وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ. وَإِنَّ ابْنَهُ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ [2] .
قَالَ شَيبان، عَنْ قَتَادَة:
جميع غزوات النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسراياه: ثلاثٌ وأربعون [3] .
ثمّ دخل شهر ربيع الأول.
وبدخوله تَكَمَّلت عشر سنين من التاريخ للهجرة النبوية. والحمد للَّه وحده.
__________
[1] الجرف: موضع قرب المدينة على ثلاثة أميال منها. (معجم البلدان 2/ 128) .
[2] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم (4/ 213) ، باب ذكر أسامة بن زيد، وفي المغازي (5/ 84) باب غزوة زيد بن حارثة، و (5/ 145) ، باب بعث النبي صلّى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنهما في مرضه الّذي توفي فيه، وفي كتاب الأيمان (7/ 217) باب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: وايم الله، وفي الأحكام (8/ 117) باب من لم يكترث بطعن من يعلم في الأمراء حديثا.
ومسلم في فضائل الصحابة (63 و 64/ 2426) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضي الله عنهما. والترمذي في المناقب (3904) باب مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه.
وأحمد في المسند 2/ 20 و 89 و 106 و 110. وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 190.
[3] انظر حول الغزوات والسرايا والبعوث: سيرة ابن هشام 4/ 233، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 5، وتاريخ الطبري 3/ 152.(2/714)
بعون الله وتوفيقه، فقد تمّ الجزء الخاص بمغازي الرسول صلّى الله عليه وسلم من كتاب «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» تأليف المؤرّخ الحافظ الذهبي، بتحقيق طالب العلم العبد الفقير إلى الله تعالى «عمر عبد السلام تدمري» الأستاذ الدكتور، الطرابلسيّ مولدا وموطنا، بمنزله بساحة النجمة بطرابلس الشام- حرسها الله-. وكان الفراغ من تحقيقه وتصحيحه في الثالث عشر من شهر ربيع الثاني 1607، الموافق للثامن عشر من كانون الأول 1986، من صباح يوم الخميس. والحمد للَّه وحده.
(يليه الجزء الثاني الخاص بالسيرة النبويّة)(2/715)
[المجلد الثالث (عهد الخلفاء الراشدين) ]
سنة احدى عشرة
خِلَافَةُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ وَأَرْضَاهُ
قَالَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنُحِ [1] ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثنُهُ اللَّهُ فَيَقْطَعُ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 39: 30 [2] . وَقَالَ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ 3: 144 [3] . الْآيَةَ، فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ [4] ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ
__________
[1] السّنح: بضمّ أوّله وثانيه: منازل بني الحارث بن الخزرج بالمدينة، بينها وبين مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميل. وضبطه في التاج بسكون النون وضمّها أيضا. (معجم ما استعجم 3/ 76) .
[2] سورة الزمر، الآية 30.
[3] سورة آل عمران، الآية 144.
[4] هي بالقرب من دار سعد بن عبادة زعيم الأنصار.(3/5)
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَسَكَّتَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يُبْلِغَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَتَكَلَّمَ فَأَبْلَغَ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ [1] ، فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ أَبَدًا، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا، وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، قُرَيْشٌ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعَزُّهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ، أَنْتَ خَيْرُنَا وَسَيِّدُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ. فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ. رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْهُ، وَهُوَ صَحِيحُ السَّنَدِ [2] .
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: «لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا» فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ، وَتَخَلَّفَ عَلِّيٌّ وَالزُّبَيْرُ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَخَلَّفَ الْأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ، فَلَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَأْتُوهُمْ وَأَبْرِمُوا أَمْرَكُمْ، فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَأَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فإذا هم مجتمعون على رجل
__________
[1] من هنا إلى قوله (الوزراء) ساقط من نسخة دار الكتب.
[2] الحديث أخرجه البخاري في المغازي 5/ 143 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، وانظر: طبقات ابن سعد 2/ 268- 269، وتاريخ الطبري 3/ 202، 203، وسيرة ابن هشام 4/ 260، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 581، 582، والبدء والتاريخ لمطهر المقدسي 5/ 63، 64، ونهاية الأرب للنويري 18/ 385.
[3] سقطت هنا أسطر من نسخة (ع) .(3/6)
مُزَّمِّلٍ [1] بِالثِّيَابِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ مَرِيضٌ، فَجَلَسْنَا، وَقَامَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ الْأَنْصَارُ وَكَتِيبَةُ الْإِيمَانِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ إِلَيْكُمْ دَافَّةٌ [2] يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا [3] مِنْ أَصْلِنَا وَيَحْضُنُونَا [4] مِنَ الْأَمْرِ.
قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِمَقَالَةٍ قَدْ كَانَتْ أَعْجَبَتْنِي بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، وَكُنْتُ أَعْرِفُ مِنْهُ الْجِدَّ [5] ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، وَهُوَ كَانَ خَيْرًا مِنِّي وَأَوْفَقَ وَأَوْقَرَ، ثم تكلّم فو الله مَا تَرَكَ كَلِمَةً أَعْجَبَتْنِي إِلَّا قَدْ قَالَهَا وَأَفْضَلَ مِنْهَا حَتَى سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَهُوَ فِيكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ وَأَفْضَلَ مِنْهُ، وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، وَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: فَمَا كَرِهْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَهُ غَيْرَهَا. كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ إِلَّا أَنْ تَتَغَيَّرَ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ [6] : أَنَا جُذَيْلُهَا المحكك [7] وعذيقها المرجب [8] ، منا أمير ومنكم أمير معشر
__________
[1] مزّمّل: ملتفّ في كساء أو غيره.
[2] الدّافّة: القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد.
[3] أي يقتطعونا. وفي البدء والتاريخ 5/ 65 «يحتازونا» ، وكذلك في سيرة ابن هشام 4/ 261.
[4] كذا في الأصل، بمعنى يخرجونا. وفي حاشية الأصل، والنسخة (ح) : «يمنعونا» وكذلك في النسخة (ع) ، وفي المنتقى لابن الملا «يمحصونا» وهو تصحيف. وفي تاريخ الطبري 3/ 205 «يغصبونا» .
[5] كذا في الأصل، وفي سيرة ابن هشام 4/ 261، وتاريخ الطبري 3/ 205 «الحدّ» بالحاء المهملة، أي الحدّة.
[6] هو الحباب بن المنذر الأنصاريّ.
[7] الجذيل: تصغير جذل. وهو عود يكون في وسط مبرك الإبل تحتكّ به وتستريح إليه، فيضرب به المثل في الرجل يشتفى برأيه.
[8] العذيق: تصغير عذق، وهو النخلة نفسها. والمرجّب: الّذي تبنى إلى جانبه دعامة. ترفده(3/7)
المُهَاجِرِينَ، قَالَ: وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ حَتَى خَشِيتُ الْاخْتِلَافَ، فَقُلْنَا: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَبَايَعَهُ الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْا [1] عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا. فَقُلْتُ:
قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا، قال عمر: فو الله مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا أَمْرًا أَوْفَقَ مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ نَحْنُ فَارَقْنَا الْقَومَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةً أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بيعة، فإمّا بايعناهم على ما لا نرضى، وإمّا خالفناهم فيكون فساد. رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِطُولِهِ، فَزَادَ فِيهِ: قَالَ عُمَرُ: «فَلَا يَعْتَزِلِ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً [3] أَنْ يُقْتَلَا» . مُتَّفَقٌ على صحّته [4] .
__________
[ () ] لكثرة حمله ولعزّه على أهله، فضرب به المثل في الرجل الشريف الّذي يعظّمه قومه.
[1] نزوا: وثبوا عليه ووطئوه.
[2] في نسخة دار الكتب (زيد) وهو وهم، على ما في الأصل و (ع) و (التاريخ الكبير للبخاريّ 2/ 4/ 406) .
[3] حقّ البيعة أن تكون صادرة عن المشورة والاتّفاق، فإذا استبدّ رجلان دون الجماعة فبايع أحدهما الآخر، فذلك تظاهر منهما بشقّ العصا واطّراح الجماعة، فإن عقد لأحد بيعة فلا يكون المعقود له واحدا منهما، وليكونا معزولين من الطائفة التي تتّفق على تمييز الإمام منها، لأنّه إن عقد لواحد منهما وقد ارتكبا تلك الفعلة الشنيعة التي أحفظت الجماعة من التّهاون بهم والاستغناء عن رأيهم لم يؤمن أن يقتلا. كما في (النهاية لابن الأثير) وغيرها. وفي بعض النسخ: (يبايع) بدل (يتابع) .
[4] أخرجه البخاري بشرح السندي 2/ 290، 291 ولكن من غير طريق الزهري، وأحمد في المسند 1/ 55، 56 وكذلك ابن هشام في السيرة 4/ 261، 262، برواية ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكير، عن ابن شهاب الزُّهْرِيِّ، عَن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُتْبَة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف، ورواه الطبري في تاريخه 3/ 205، 206 عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 583 و 584، واليعقوبي في تاريخه 2/ 123، والمطهّر المقدسي في البدء والتاريخ 5/ 64- 66، والنويري في نهاية الأرب 19/ 29- 33، وابن كثير في البداية والنهاية 5/ 245، 246، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 67، 68، وابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ 1/ 485- 487، ومناقب عمر لابن الجوزي 51، 52.(3/8)
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ [1] ، عَنْ زِرٍّ [2] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَأَتَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ قُلْتُ: يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ- فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَعُوذُ باللَّه أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ. رَوَاهُ النَّاسُ [3] عَنْ زَائِدَةَ عَنْهُ [4] .
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْميِّ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عُمَرُ أَبَا عُبَيْدَةَ فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ لِأُبَايِعَكَ، فَإِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى لسان رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ: مَا رَأَيْتُ لَكَ فَهَّةً [5] قَبْلَهَا مُنْذُ أَسْلَمْتَ، أَتُبَايِعُنِي وَفِيكُمُ الصِّدِّيقُ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ [6] ؟.
وَرَوَى نَحْوَهُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ أبي البختري.
وقال ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْ لَكَ، فَقَالَ عُمَرُ [7] : أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي، قَالَ: إنَّ قُوَّتِي لَكَ مَعَ فَضْلِكَ [8] .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ اجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ، فَقَامَ الْحُبَابُ بْنُ
__________
[1] في نسخة (ح) بالنون «نهدلة» وهو تصحيف.
[2] هو: زرّ بن حبيش.
[3] في نسخة دار الكتب «الياس» وهو تصحيف.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 178، 179 عن الحسين بن عليّ الجعفيّ، عن زائدة، به، والحاكم في المستدرك 3/ 67، وتابعه الذهبي في التلخيص، ومناقب عمر لابن الجوزي 50.
[5] الفهّة: السّقطة والجهلة. وفي حاشية الأصل: الفهة مخفّفة: ضعف الرأي.
[6] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 181.
[7] في نسخة (ح) : «فقال له عمر» .
[8] في تاريخ الطبري 3/ 203 «إن لك قوّتي مع قوّتك» .(3/9)
المُنْذِرِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا فَقَالَ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ [1] .
وَقَالَ وُهَيْبٌ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هند، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ [2] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَّا، فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ رَجُلَانِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، قَالَ: وَتَتَابَعَتْ [3] خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِمَامُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ، كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ حَيٍّ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَار وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ، أَمَ [4] وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَّا صَالَحْنَاكُمْ، ثُمَّ أَخَذَ زَيْدٌ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقوَمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ وَخَتَنُهُ أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعَهُ [5] ، ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ، فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَحَوَارِيُّهُ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِميْنَ! فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَبَايَعَهُ.
رَوَى مِنْهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [6] إِلَى قَوْلِهِ (لمّا صالحناكم) عن
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 182.
[2] في نسخة (ح) : «نصرة» وهو تصحيف.
[3] في نسخة (ح) : «وتبايعت» وهو تصحيف.
[4] بفتح الميم بدون ألف، كما في الأصل وبقيّة النسخ، وفي المنتقى لابن الملّا «أما» ، وكلاهما صحيح.
[5] وهذا من الأدلّة على أنّ بيعته لم تتأخّر، أو يقال بأنّ هذه هي البيعة الأولى، على ما قاله الحافظ، ابن كثير في (البداية والنهاية 5/ 301) .
[6] البداية والنهاية ج 5/ 185، 186.(3/10)
عَفَّانَ [1] عَنْ وُهَيْبٍ [2] ، وَرَوَاهُ بِتَمَامِهِ ثِقَةٌ، عَنْ عَفَّانَ [3] .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ عُمَرُ فِي خُطْبَتِهِ: وَإِنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا عَنَّا، وَتَخَلَّفَتِ الْأَنْصَارُ عَنَّا بِأَسْرِهَا، فَاجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَجُلٌ يُنَادِي مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ: اخْرُجْ يَا بْنَ الْخَطَّابِ، فَخَرَجْتُ فَقَالَ: إِنَّ الْأَنْصَارَ قَدِ اجْتَمَعُوا فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِيهِ حَرْبٌ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: وَتَابَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَنَزَوْنَا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سَعْدًا، قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ وَأَنَا مُغْضَبٌ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا فَإِنَّهُ صَاحِبُ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ [4] .
وَهَذَا مِنْ حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَى مِثْلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ [5] عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَابْنِ
__________
[1] هو عفّان بن مسلم الصّفّار البصريّ، الثّقة الثّبت، من رواة الإمام البخاري في الصحيح، كما في (تهذيب التهذيب 7/ 230 رقم 423) وغيره.
[2] هو وهيب بن خالد بن عجلان، الثقة الثّبت، روى له الإمام البخاريّ في صحيحه، على ما في (التهذيب لابن حجر 11/ 169 رقم 299) .
[3] رواه الحاكم في المستدرك 3/ 76 عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن جعفر بن محمد بن شاكر، عن عفان بن مسلم.. به، وتابعه الذهبي في تلخيصه.
[4] قال الأستاذ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه (نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم ص 30) :
وأمّا تخلّف سعد بن عبادة رضي الله عنه عن بيعة أبي بكر فهو الصحابيّ الوحيد الّذي لم يبايع لأبي بكر، فلا بدّ من تأوّل فعله بما يليق بصحابيّ جليل: لعلّه لمّا رأى الأنصار قد أعدّته للخلافة يوم السقيفة، ثم رأى إجماع الصحابة على أبي بكر وانصرافهم عن بيعة سعد استوحش نفسه بين النّاس، وكان سعد رجلا عزيز النّفس، فخرج من المدينة ولم يرجع إليها حتّى مات ... ولم ينقل عنه طعن في بيعة الصّدّيق ولا نواء بخروج، فتخلّفه عن البيعة لا يقتضي رفضه لها ولا مخالفته فيها.
[5] في طبعة القدسي 3/ 7 «الهزلي» بالزاي، وهو تصحيف.(3/11)
الْكَوَّاءِ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَ مَسِيرَه وَبَيْعَةَ الْمُهَاجِرِينَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَمُتْ فَجْأَةً، مَرِضَ لَيَالِي، يَأْتِيهِ بِلَالٌ فَيُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَيَقُولُ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ» ، فَأَرَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ أَنْ تَصْرِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ فَغَضِبَ وَقَالَ: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْنَا وَاخْتَارَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْمُسْلِمُونَ لِدُنْيَاهُمْ مَنِ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِهِمْ، وَكَانَتِ الصَّلَاةُ عِظَمَ الْأَمْرِ وَقِوَامَ الدِّينِ [1] . وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مسْلمٍ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، نا الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْآخِرَةَ قَالَ: حِينَ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدًا مَنْ مُتَوَفَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشَهَّدَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَمْسِ مَقَالَةً، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ، وَمَا وَجَدْتُ الْمَقَالَةَ [2] الَّتِي قُلْتُ لَكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم، وَلَكِنْ رَجَوْتُ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يُدَبِّرَنَا- يَقُولُ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم آخِرَنَا- فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، فَإِنْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ كِتَابَهُ الَّذِي هَدَى بِهِ مُحَمَّدًا، فَاعْتَصِمُوا بِهِ تَهْتَدُوا بِمَا هُدِيَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ وَأَنَّه أَحَقُّ النَّاسِ بِأَمْرِهِمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ.
صَحِيحٌ غَرِيبٌ [3] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ، وأنّ محمد بن مسلمة كسر سيف
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد 3/ 183.
[2] في نسخة (ح) «في المقالة» ، وهو وهم.
[3] انظر طبقات ابن سعد 2/ 271، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 301، وسيرة ابن هشام 262، ونهاية الأرب للنويري 19/ 42.(3/12)
الزّبير، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى النَّاسَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَةً وَلَا سَأَلْتُهَا اللَّهَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ، فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مَقَالَتَهُ. وَقَالَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ: مَا غَضِبْنَا [1] إِلَّا لِأَنَّا أُخِّرْنَا عَنِ الْمُشَاوَرَةِ، وَإِنَّا نَرَى أَبَا بَكْرٍ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ، وَإِنَّا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ [2] . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمَادَى عَنِ الْمُبَايَعَةِ مُدَّةً: فَقَالَ يُونُسُ ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ أَبِيهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ اجْتَمَعَ إِلَى عَلِيٍّ أَهْلُ بَيْتِهِ، فَبَعَثُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ: ائْتِنَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللَّهِ لَا تَأْتِيهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُمْ، وَمَا تَخَافُ عَلَيَّ مِنْهُمْ! فَجَاءَهُمْ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ رَأْيَكُمْ، قَدْ وَجَدْتُمْ عَلَيَّ فِي أَنْفُسِكِمْ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي ولّيت عليكم، وو الله مَا صَنَعْتُ ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُرِيدُ أَنْ أَكِلَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَرَى أثَرَهُ فِيهِ وَعَمَلَهُ إِلَى غَيْرِي حَتَّى أَسْلُكَ به سبيله وأنفذه فيما جعله الله، وو الله لَأَنْ أَصِلَكُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصِلَ أَهْلَ قَرَابَتِي لِقَرَابَتِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِعَظِيمِ حَقِّهِ. ثُمَّ تَشَهَّدَ عَلِيٌّ وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ وَاللَّهِ مَا نَفَسْنَا عَلَيْكَ خَيْرًا جَعَلَهُ اللَّهُ لَكَ أَنْ لَا تَكُونَ أَهْلًا لِمَا أُسْنِدَ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّا كُنَّا مِنَ الْأَمْرِ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ فَتَفُوتَ بِهِ عَلَيْنَا، فَوَجِدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُبَايِعَ وَأَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، وَإِذَا كَانَتِ الْعَشِيَّةُ [3] فَصَلِّ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، وَاجْلِسْ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى آتِيَكَ فَأُبَايِعَكَ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَكِبَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، وذكر الّذي كان من
__________
[1] في بعض النسخ (عصينا) وهو تصحيف.
[2] البداية والنهاية 6/ 302.
[3] ما بعد الزوال إلى المغرب عشيّ، وقيل العشيّ من زوال الشمس إلى الصباح، على ما في (النهاية لابن الأثير) .(3/13)
أَمْرِ عَلِيٍّ، وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الجماعة والبيعة، وها هو ذا فَاسْمَعُوا مِنْهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَفَضْلَهُ وسِنَّهُ، وَأنَّهُ أَهْلٌ لِمَا سَاقَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] مِنْ حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيهِ: «وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ، حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ. [2] .
قِصَّةُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ [3] .
قَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ: ثَنَا الْمُسْتَنِيرُ بْنُ يَزِيدَ النّخعي، عن عروة ابن غَزِيَّةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أبيه قال: أوّل ردّة كانت في
__________
[1] في المغازي 5/ 82، 83 باب غزوة خيبر، ومسلم في الجهاد والسير (1759) باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة.
[2] قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية 5/ 286) فهذه البيعة التي وقعت من عليّ لأبي بكر، بعد وفاة فاطمة، بيعة مؤكّدة للصلح الّذي وقع بينهما، وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أوّلا يوم السّقيفة، كما رواه ابن خزيمة، وصحّحه مسلم، ولم يكن عليّ مجانبا لأبي بكر هذه الستّة الأشهر، بل كان يصلّي وراءه، ويحضر عنده للمشورة، وركب معه إلى ذي القصّة. وانظر:
نهاية الأرب للنويري 19/ 39 حيث يقول: وروى أبو عمر بن عبد البرّ بسنده: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنّ عليّا والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها فقال: يا بنت رسول الله، ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما أحد أحبّ إلينا بعده منك، وقد بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ، ثم خرج وجاءوها، فقالت لهم: إنّ عمر قد جاءني وحلف إن عدتم ليفعلنّ، وايم الله ليفينّ بها، فانظروا في أمركم، ولا تنظروا إليّ، فانصرفوا ولم يرجعوا حتى بايعوا لأبي بكر. رضي الله عنهم أجمعين. وهذا الحديث يردّ قول من زعم أنّ عليّ بن أبي طالب لم يبايع إلّا بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها.
[3] بفتح العين وسكون النون، نسبة إلى عنس بن مالك بن أدد. انظر عنه: فتوح البلدان للبلاذريّ 1/ 125- 127، وتاريخ الطبري 3/ 185، وتاريخ خليفة 116، 117، وثمار القلوب للثعالبي 148، والمعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 262، والبدء والتاريخ لمطهّر المقدسي(3/14)
الإسلام عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَدِ عَبْهَلَةَ [1] بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ فِي عَامَّةِ مَذْحِجٍ: خَرَجَ بَعْدَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ شِعْبَاذًا [2] يُرِيهُمُ الْأَعَاجِيبَ، وَيَسْبِي قُلُوبَ مَنْ يَسْتَمِعُ [3] مَنْطِقَهُ، فَوَثَبَ هُوَ وَمَذْحِجٌ بِنَجْرَانَ إِلَى أَنْ صَارَ إِلَى صَنْعَاءَ فَأَخَذَهَا، وَلَحِقَ بِفَرْوَةَ [4] مَنْ تَمَّ عَلَى إِسْلَامِهِ، لَمْ يُكَاتِبِ الْأَسْوَدُ رَسْولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يُشَاغِبُهُ، وَصَفا لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ.
فَرَوَى سَيْفٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ صَخْرٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ بَالْجَنَدِ [5] قَدْ أَقَمْنَاهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَكَتَبْنَا بَيْنَنَا [6] وَبَيْنَهُمُ الكتب، إذ جَاءَنَا كِتَابٌ مِنَ الْأَسْوَدِ أَنْ أَمْسِكُوا عَلَيْنَا مَا أَخَذْتُمْ مِنْ أَرْضِنَا، وَوَفِّرُوا مَا جَمَعْتُمْ فَنَحْنُ أَوْلَى بِهِ، وَأَنْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عليه، فبينا نَحْنُ نَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا إِذْ قِيلَ هَذَا الْأَسْوَدُ بِشَعُوبَ [7] ، وَقَدْ خَرَجَ إِلَيْهِ شَهْرُ بْنُ باذام، ثم
__________
[5] / 153، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم 405، والمعارف لابن قتيبة 105 و 170، والكامل في التاريخ لابن الأثير 2/ 336، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي ق 1 ج 2/ 52، ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 66، 67 في ترجمة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، و 6/ 36 في ترجمة وهب بن منبه، ونهاية الأرب للنويري 19/ 49- 60، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 307- 311، والإصابة لابن حجر 1/ 467.
[1] هكذا في الأصول، وتاريخ الطبري 3/ 185، ونهاية الأرب 19/ 49، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 307، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم 405، وقد قيّده الدكتور صلاح الدين المنجّد في تحقيقه لفتوح البلدان للبلاذري 1/ 125 «عيهلة» بالياء المثنّاة بدل الباء الموحّدة، وكذلك محقّق الكامل في التاريخ لابن الأثير 2/ 336.
[2] شعباذا: بكسر الشين، مشعبذا، والشعبذة والشعوذة: أخذ كالسحر يري الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين.
[3] في نسخة (ح) «سمع» .
[4] هو: فروة بن مسيك، وهو على مراد. (تاريخ الطبري 3/ 185) .
[5] الجند: بفتح الجيم والنون. بلد في اليمن بين تعز وعدن، وهو أحد مخاليفها المشهورة نزلها معاذ بن جبل رضي الله عنه. (تاج العروس 7/ 24) وانظر معجم ما استعجم 2/ 397.
[6] كلمة «بيننا» ساقطة من نسخة (ح) .
[7] في نسخة دار الكتب «يشعوذ» ، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه، فهو اسم مكان أو قصر باليمن. (تاج العروس 3/ 141) .(3/15)
أَتَانَا الْخَبَرُ أَنَّهُ قُتِلَ شَهْرًا وَهَزَمَ الْأَبْنَاءَ، وَغَلَبَ عَلَى صَنْعَاءَ بَعْدَ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَخَرَجَ مُعَاذٌ هَارِبًا حَتَّى مَرَّ بِأَبِي مُوسَى الأشعري بمأرب، فاقتحما حضر موت.
وَغَلَبَ الْأَسْوَدُ عَلَى مَا بَيْنَ أَعْمَالِ الطَّائِفِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ يَسْتَطِيرُ [1] اسْتِطَارَةَ الْحَرِيقِ، وَكَانَ مَعَهُ سَبْعُمِائَةِ فَارِسٍ يَومَ لَقِيَ شَهْرًا، وَكَانَ قُوَّادُهُ: قَيْسُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَيَزِيدُ بْنُ مَخْزُومٍ، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَاسْتَغْلَظَ أَمْرُهُ وَغَلَبَ عَلَى أَكْثَرِ الْيَمَنِ، وَارْتَدَّ مَعَهُ خَلْقٌ، وَعَامَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِالتَّقِيَّةِ، وَكَانَ خَلِيفَتَهُ فِي مَذْحِجٍ عمرو بن معديكرب، وَأَسْنَدَ [2] أَمْرَ جُنْدِهِ إِلَى قَيْسِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَأَمَرَ الْأَبْنَاءَ [3] إِلَى فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، وَدَاذُوَيْهِ [4] ، فَلَمَّا أَثْخَنَ فِي الْأَرْضِ اسْتَخَفَّ بِهَؤُلَاءِ، وَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ شَهْرٍ، وَهِيَ بِنْتُ عَمِّ فَيْرُوزَ، قَالَ: فبينا نحن كذلك بحضر موت وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا الْأَسْوَدُ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مُعَاذٌ فِي السَّكُونِ [5] ، إِذْ جَاءَتْنَا كُتُبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا فِيهَا أَنْ نَبْعَثَ الرِّجَالَ لِمُجَاوَلَتِهِ وَمُصَاوَلَتِهِ، فَقَامَ مُعَاذٌ فِي ذَلِكَ، فَعَرَّفَنَا القُوَّةَ وَوَثَّقَنَا بِالنَّصْرِ.
وَقَالَ سَيْفٌ: فَحَدَّثَنَا الْمُسْتَنِيرُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بن فيروز، عن جشنس [6] ابن الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا وَبَرُ بْنُ يُحَنَّسَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] فِي نسخة دار الكتب «وجعل أمره يستطير» ، وهو مغاير لما في الأصل وتاريخ الطبري 3/ 230 و (ع) والمنتقى لابن الملّا.
[2] في نسخة دار الكتب (وأسلم) .
[3] أي أبناء أهل فارس في اليمن. (فتوح البلدان 3/ 125، 126) .
[4] في الأصل وفي (ع) والمنتقى لابن الملّا (ذادويه) ، والتحقيق من تاريخ خليفة بن خياط- ص 117 وتاريخ الطبري 3/ 230، وفتوح البلدان للبلاذري 1/ 126 والمعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 262.
[5] السّكون: بطن من كندة. وهو السكن بن أشرس بن ثور. (اللباب 2/ 125) .
[6] في الأصل «جشنسن» ، وفي نسخة (ع) و (ح) «خشنس» وعند الطبري 3/ 231: «جشيش» و «جشنس» ، وعند ابن ماكولا في الإكمال 3/ 152 «جشيش» وقال: في نسب الفرس:
جشنس جماعة. (3/ 156) ، وورد في المشتبه للذهبي 1/ 265 «جشيش» .(3/16)
فَأَمَرَنَا فِيهِ بِالنُّهُوضِ فِي أَمْرِ الْأَسْوَدِ فَرَأَيْنَا أَمْرًا كَثِيفًا، وَرَأَيْنَا الْأَسْوَدَ قَدْ تَغَيَّرَ لِقَيْسِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَأَخْبَرْنَا قَيْسًا وَأَبْلَغْنَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَأَنَّمَا وَقَعْنَا عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ [1] فَأَجَابَنَا، وَجَاءَ وَبَرٌ وَكَاتَبْنَا النَّاسَ وَدَعَوْنَاهُمْ، فَأَخْبَرَ الْأَسْوَدَ شَيْطَانُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى قَيْسٍ فَقَالَ: مَا يَقُولُ الْمَلَكُ؟ يَقُولُ: عَمَدْتُ إِلَى قَيْسٍ فَأَكْرَمْتُهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ مِنْكَ كُلَّ مَدْخَلٍ مَالَ مَيْلَ عَدُوِّكَ، فَحَلَفَ لَهُ وَتَنَصَّلَ، فَقَالَ: أَتُكَذِّبُ الْمَلَكَ؟ قَدْ صَدَقَ وَعَرَفْتُ أَنَّكَ تَائِبٌ، قَالَ: فَأَتَانَا قَيْسٌ وَأَخْبَرَنَا فَقُلْنَا: كَمَنْ [2] عَلَى حَذَرٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا الْأَسْوَدُ: أَلَمْ أُشَرِّفْكُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ، أَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمْ؟ فَقُلْنَا: أَقِلْنَا مَرَّتَنَا هَذِهِ، فَقَالَ: فَلَا يَبْلُغْنِي عَنْكُمْ فَأَقْتُلَكُمْ، فَنَجَوْنَا وَلَمْ نَكِدْ، وَهُوَ فِي ارْتِيَابٍ [3] مِنْ أَمْرِنَا، قَالَ: فَكَاتَبَنَا عَامِرُ بْنُ شَهْرٍ، وَذُو الْكَلَاعِ، وَذُو ظُلَيْمٍ، فَأَمَرْنَاهُمْ أَنْ لَا يَتَحَرَّكُوا بِشَيْءٍ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى امْرَأَتِهِ آذَادَ [4] فقلت: يا بنت عمّ قَدْ عَرَفْتُ بَلاءَ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَتَلَ زَوْجَكِ وَقَوْمَكِ وَفَضَحَ النِّسَاءَ، فَهَلْ مِنْ مُمَالأَةٍ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ:
مَا خَلَقَ اللَّهُ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، مَا يَقُومُ عَلَى حَقٍّ وَلَا يَنْتَهِي عَنْ حُرْمَةٍ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا فَيْرُوزُ وَدَاذَوَيْهِ يَنْتَظِرَانِي [5] ، وَجَاءَ قَيْسٌ وَنحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُنَاهِضَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ قَبِلَ أَنْ يَجْلِسَ: الْمَلِكُ يَدْعُوكَ، فَدَخَلَ فِي عَشَرَةٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ، وَقَالَ يَا عَبْهَلَةُ أَمِنِّي [6] تَتَحَصَّنُ بالرِّجَالِ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ الحقّ وتخبرني الكذب، تريد قتلي! فقال: كَيْفَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَمُرْنِي بِمَا أَحْبَبْتَ، فَأَمَّا الْخَوفُ وَالْفَزَعُ فَأَنَا فِيهِمَا فَاقْتُلْنِي وَارْحَمْنِي، فرقّ له وأخرجه، فخرج علينا وقال:
__________
[1] «من السماء» ساقطة من الأصل، ومن نسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا، والاستدراك من تاريخ الطبري 3/ 231، ونهاية الأرب للنويري 19/ 53.
[2] عند الطبري 3/ 232 «نحن» بدل «كمن» .
[3] في الأصل (في ارتياد) ، والتصحيح من المنتقى لابن الملّا، وتاريخ الطبري (3/ 232) .
[4] في طبعة القدسي 3/ 12 «آزادي» بالزاي، والتصويب من تاريخ الطبري.
[5] في طبعة القدسي 3/ 12 «ينتظر أبي» وهو وهم، والتصويب من تاريخ الطبري.
[6] في طبعة القدسي 3/ 12 «أنا عبهلة أمتي» وهو وهم، والتصويب من تاريخ الطبري 3/ 233.(3/17)
اعْمَلُوا عَمَلَكُمْ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا الْأَسْوَدُ فِي جَمْعٍ، فَقُمْنَا لَهُ، وَبِالْبَابِ مِائَةُ بَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ فَنَحَرَهَا [1] ، ثُمَّ قَالَ: أَحَقُّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ يَا فَيْرُوزُ؟ لَقَدْ هَمَمْتُ بِقَتْلِكَ، فَقَالَ: اخْتَرْتَنَا لِصِهْرِكَ وَفَضَّلْتَنَا عَلَى الْأَبْنَاءِ، وَقَدْ جَمَعَ لَنَا [2] أَمْرَ آخِرَةٍ وَدُنْيَا، فَلَا تَقْبَلَنَّ [3] عَلَيْنَا أَمْثَالَ مَا يَبْلُغُكَ. فَقَالَ: اقْسِمْ هَذِهِ، فَجَعَلْتُ آمُرُ لِلِرَّهْطِ بِالْجَزُورِ [4] ، ثُمَّ اجْتَمَعَ بِالْمَرْأَةِ فَقَالَتْ: هُوَ مُتَحَرِّزٌ، وَالْحَرَسُ مُحِيطُونَ بِالْقَصْرِ سِوَى هَذَا الْبَابِ فَانْقُبُوا عَلَيْهِ، وَهَيَّأَتْ لَنَا سِرَاجًا، وَخَرَجَتْ، فَتَلَقَّانِي الْأَسْوَدُ خَارِجًا مِنَ الْقَصْرِ فَقَالَ: مَا أَدْخَلَكَ؟ وَوَجَأَ رَأْسِي فَسَقَطْتُ، فَصَاحَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ: ابْنُ عَمِّي زَارَنِي، فَقَالَ: اسْكُتِي لَا أَبًا لَكِ فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكِ، فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي وَقُلْتُ: النَّجَاءُ، وَأَخْبَرْتُهُمُ الخبر، فأنا على ذلك إذ جَاءَنِي رَسُولُهَا: لَا تَدَعَنَّ مَا فَارَقْتُكَ عَلَيْهِ. فَقُلْنَا لِفَيْرُوزَ: ائْتِهَا وَأَتْقِنْ أَمْرَنَا، وَجِئْنَا بِاللَّيْلِ وَدَخَلْنَا، فَإِذَا سِرَاجٌ تَحْتَ جَفْنَةٍ، فَاتَّقَيَا بِفَيْرُوزَ، وَكَانَ أَنْجَدَنَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْبَيْتِ سَمِعَ غَطِيطًا شَدِيدًا، وَإِذَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ.
فَلَمَّا قَامَ فَيْرُوزُ عَلَى الْبَابِ أَجْلَسَ الْأَسْوَدَ شَيْطَانُهُ وَكَلَّمَهُ فَقَالَ أَيْضًا: فَمَا لِي وَلَكَ يَا فَيْرُوزُ، فَخَشِيَ إِنْ رَجَعَ أَنْ يَهْلِكَ هُوَ وَالْمَرْأَةُ، فَعَاجَلَهُ وَخَالَطَهُ وَهُوَ مِثْلُ الْجَمَلِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَدَقَّ عُنُقَهُ وَقَتَلَهُ، ثُمَّ قَامَ لِيَخْرُجَ فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ بِثَوْبِهِ تُنَاشِدُهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْ أَصْحَابِي بِقَتْلِهِ، فأتانا فقمنا معه، فأردنا حزّ رَأْسِهِ فَحَرَّكَهُ [5] الشَّيْطَانُ وَاضْطَرَبَ، فَلَمْ يُضْبِطْهُ فَقَالَ: اجْلِسُوا عَلَى صَدْرِهِ، فَجَلَسَ اثْنَانِ وَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ بشعره، وسمعنا بربرة [6] فألجمته بملاءة [7] ،
__________
[1] في نسخة (ح) «فنحرناها» .
[2] في تاريخ الطبري «اجتمع لنابك» .
[3] في طبعة القدسي 3/ 12 «نقبلن» بالنون في أولها، والتصحيح من تاريخ الطبري.
[4] زاد في تاريخ الطبري 3/ 233: «ولأهل البيت بالبقرة» .
[5] في ح (فحرله) وهو تصحيف.
[6] أي صياحا.
[7] هكذا في الأصل، وعند الطبري 3/ 235 «مئلاة» . وهي الخرقة التي تمسكها المرأة عند النوح تشير بها.(3/18)
وَأَمَرَّ الشَّفْرَةَ عَلَى حَلْقِهِ، فَخَارَ كَأَشَدِّ خُوَارِ ثَوْرٍ، فَابْتَدَرَ الْحَرَسُ الْبَابَ: مَا هَذَا مَا هَذَا؟ قَالَتْ: النَّبِيُّ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: وَسَمَرْنَا لَيْلَتَنَا كَيْفَ نُخْبِرُ أَشْيَاعَنَا، فَأَجْمَعْنَا عَلَى النِّدَاءِ بِشِعَارِنَا ثُمَّ بِالْأَذَانِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى دَاذَوَيْهِ بِالشِّعَارِ، فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ وَالْكَافِرُونَ، وَاجْتَمَعَ الْحَرَسُ فَأَحَاطُوا بِنَا، ثُمَّ نَادَيْتُ بِالْأَذَانِ، وَتَوَافَتْ خُيُولُهُمْ إِلَى الْحَرَسِ، فَنَادَيْتُهُمْ: أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ عَبْهَلَةَ كَذَّابٌ، وَأَلْقَيْنَا إِلَيْهِمُ الرَّأْسَ، وَأَقَامَ وَبَرُ الصَّلَاةَ، وَشَنَّهَا الْقَوْمُ غَارَةً، وَنَادَيْنَا: يَا أَهْلَ صَنْعَاءَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فتَعَلَّقَوا بِهِ، فَكَثُرَ النَّهْبُ وَالسَّبْيُ، وَخَلُصَتْ صَنْعَاءُ وَالْجُنْدُ، وَأَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَتَنَافَسْنَا الْإِمَارَةَ، وَتَرَاجَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاصْطَلَحْنَا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِنَا، وَكَتَبْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ فَقَدِمَتْ رُسُلُنَا، وَقَدْ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيحَتَئِذٍ فَأَجَابَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ.
وَرَوَى الْوَاقِديُّ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ [1] إِلَى الْيَمَنِ، فَقَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ، هُوَ وَفَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ. وَلِقَيْسٍ هَذَا أَخْبَارٌ، وَقَدِ ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ فَعَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ.
جَيْشُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «أَنْفِذُوا جيشَ أُسَامَةَ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ الْجُرْفَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنتُ قَيْسٍ تَقُولُ: لَا تَعْجَلْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ثَقِيلٌ [2] ، فَلَمَّا يَبْرَحْ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُبِضَ رَجَعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي وَأَنَا عَلَى غَيْرِ حَالِكُمْ هَذِهِ، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكْفُرَ الْعَرَبُ، وَإِنْ كَفَرَتْ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ يُقَاتِلُ، وَإِنْ لَمْ تَكْفُرْ مَضَيْتُ، فَإِنَّ مَعِيَ سَرَوَاتِ النّاس
__________
[1] هو قيس بن هبيرة المكشوح المرادي. سمّي بالمكشوح لأنه كوي على كشحة من داء كان به.
(فتوح البلدان 1/ 126) .
[2] هكذا في الأصل، ونسخة (ح) ، وطبقات ابن سعد 4/ 67، وفي نسخة دار الكتب «يعتل» .(3/19)
وَخِيَارَهُمْ، قَالَ: فَخَطَبَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ تَخَطَّفَنِي الطَّيْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبْدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَبَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَاسْتَأْذَنَ لِعُمَرَ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ، وَأَمَرَ أَنْ لَا [1] يَجْزِرَ فِي الْقَوْمِ، أَنْ يَقْطَعَ الْأَيْدِي، وَالْأَرْجُلَ وَالْأَوسَاطَ فِي الْقِتَالِ، قَالَ: فَمَضَى حَتَّى أَغَارَ، ثُمَّ رَجَعُوا وَقَدْ غَنِمُوا وَسَلِمُوا.
فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا كُنْتُ لِأُحَيَّيَ [2] أَحَدًا بِالْإِمَارَةِ غَيْرَ أُسَامَةَ، لَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ أَمِيرٌ، قَالَ: فَسَارَ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الشَّامِ أَصَابَتْهُمْ ضَبَابَةٌ شَدِيدَةٌ فَسَتَرَتْهُمْ، حَتَّى أَغَارُوا وَأَصَابُوا حَاجَتَهُمْ، قَالَ: فَقُدِمَ بِنَعْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هِرَقْلَ وَإِغَارَةِ أُسَامَةَ فِي نَاحِيَةِ أَرْضِهِ خَبَرًا وَاحِدًا، فَقَالَتِ الرُّومُ:
مَا بَالُ هَؤُلَاءِ يَمُوتُ صَاحِبُهَا ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى أَرْضِنَا [3] .
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَارَ أُسَامَةُ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ حَتَّى بَلَغَ أَرْضَ الشَّامَ وَانْصَرَفَ، فَكَانَ مَسِيرُهُ ذَاهِبًا وَقَافِلًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا [4] .
وَقِيلَ كَان ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً [5] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْبَيعَةِ، وَاطْمَأَنَّ النَّاسُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: امْضِ لِوَجْهِكَ. فَكَلَّمَهُ رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا: أَمْسِكْ أُسَامَةَ وَبَعْثَهُ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ تَمِيلَ علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَنَا أَحْبِسُ جَيْشًا بَعَثَهُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! لَقَدِ اجْتَرَأْتَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ تَمِيلَ عَلَيَّ الْعَرَبُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْبِسَ جَيْشًا بَعَثَهُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امض يا
__________
[1] «لا» في الأصل وغيره، وساقطة من نسخة (ح) ، وليست في طبقات ابن سعد 40/ 67.
[2] في طبقات ابن سعد «لأجيء» وهو تصحيف.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 67، 68 وفيه: «ما بالي هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا» ، وانظر تهذيب تاريخ دمشق 2/ 397، وسير أعلام النبلاء 2/ 503، وتاريخ خليفة- ص 100.
[4] تاريخ خليفة بن خيّاط 101، وتاريخ الطبري 3/ 227.
[5] وقيل: ابن ثماني عشرة سنة. (طبقات ابن سعد 4/ 66) .(3/20)
أُسَامَةُ فِي جَيْشِكَ لِلْوَجْهِ الَّذِي أُمِرْتَ بِهِ، ثُمَّ اغْزُ حَيْثُ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَاحِيَةِ فِلِسْطِينَ، وَعَلَى أَهْلِ مُؤْتَة، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِي مَا تَرَكْتَ، وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَأْذَنَ لِعُمَرَ فَأَسْتَشِيرُهُ وَأَسْتَعِينَ بِهِ فَافْعَلْ، فَفَعَلَ أُسَامَةُ. وَرَجَعَ عَامَّةُ الْعَرَبِ عَنْ دِينِهِمْ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَغَطَفَانُ وأسد وعامّة أشجع، وتمسّكت طيِّئ بِالْإِسْلَامِ.
شَأْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنْ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» فَغَضِبَتْ وَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ حَتَى تُوُفِّيَتْ [1] . وَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا رَدَدْتُهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ: أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ أَلَمْ تَسْمَعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ في هذا المال» [2] .
__________
[1] أخرجه البخاري في الفرائض 8/ 3 باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة، وفي الوصايا 3/ 197 باب نفقة القيّم للوقف، وفي فضائل الصحابة 4/ 209، 210، باب مناقب قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنقبة فاطمة عليها السلام، وفي المغازي 5/ 23 باب حديث بني النضير، ومسلم في الجهاد والسير (1758) باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة، ورقم (1759) و (1761) ، وأبو داود في الخراج والإمارة (2975) باب في صفايا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الأموال، والترمذي في السير 3/ 81 (1658) باب ما جاء في تركة النبيّ صلى الله عليه وسلّم، والنسائي في الفيء 7/ 132 في كتاب قسم الفيء، ومالك في الموطأ 702 رقم 1723، باب ما جاء في تركة النبيّ، وأحمد في المسند 1/ 4 و 6 و 9 و 10 و 25 و 47 و 48 و 49 و 60 و 164 و 179 و 191 و 6/ 145 و 262، وابن سعد في الطبقات 2/ 315، وابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) ص 374 رقم 365.
[2] انظر تخريج الحديث قبله.(3/21)
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي [1] فَهُوَ صَدَقَةٌ [2] » . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ- وَهُوَ مَتْرُوكٌ-[3] عن أبي صالح مولى أمّ
__________
[1] في الأصل (عمالي) ، وفي الحاشية (عيالي، خ) رمزا لنسخة فيها ذلك وهو الموافق لما في (ع) وبعض المراجع، وفي (ح) (عاملي) ، وفي الحاشية (عيالي) . وما أثبتناه هو الموافق لما في الصّحاح.
[2] أخرجه البخاري في الوصايا 3/ 197 باب نفقة القيّم للوقف، ومسلم في الجهاد والسير (1759) باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة، وأبو داود في الخراج والإمارة (2974) باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الأموال، ومالك في الموطّأ 702 رقم 1723، باب ما جاء في تركة النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وأحمد في المسند 2/ 242 و 376 و 464.
[3] هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي، العلّامة الأخباريّ المفسّر. كان رأسا في الأنساب إلّا أنه شيعيّ. توفي سنة 146 هـ-. قال معتمر بن سليمان عن أبيه: كان بالكوفة كذّابان أحدهما الكلبي، وقال الدوري عن يحيى بن معين. ليس بشيء، وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه هو ذاهب الحديث لا يشتغل به، وقال النسائيّ: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال ابن عديّ: له غير ما ذكرت أحاديث صالحة وخاصّة عن أبي صالح، وهو معروف بالتفسير وليس لأحد أطول من تفسيره، وحدّث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير، وأما في الحديث ففيه مناكير، ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه، وقال عليّ بن الجنيد، والحاكم أبو أحمد، والدار الدّارقطنيّ: متروك، وقال الجوزجاني: ساقط، وقال ابن حبّان:
وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، وقال الساجي: متروك الحديث، وكان ضعيفا جدا لفرطه في التشيّع، وقد اتّفق ثقات أهل النقل على ذمّة وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع.
انظر عنه:
طبقات ابن سعد 6/ 249، تاريخ خليفة 423، طبقات خليفة 167، المعارف لابن قتيبة 533، التاريخ الكبير للبخاريّ 1/ 101 رقم 283، التاريخ الصغير له 2/ 51، أحوال الرجال للجوزجانيّ 54 رقم 37، الضعفاء الصغير للبخاريّ 322، الضعفاء والمتروكين للنسائي 414، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/ 270، 271 رقم 1478، الضعفاء الكبير للعقيليّ 4/ 76 رقم 1632، كتاب المجروحين لابن حبّان 2/ 253، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ 151 رقم 468، الفهرست لابن النديم 95، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 6/ 2127- 2132، اللباب لابن الأثير 3/ 105، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 309- 311، تهذيب الكمال للمزّي 3/ 1199، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 556- 559 رقم(3/22)
هَانِئٍ إِنَّ فَاطِمَةَ دَخَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَرَأَيْتَ لَوْ مُتَّ الْيَومَ مَنْ كَانَ يَرِثُكَ؟ قَالَ: أَهْلِي وَوَلَدِي، فَقَالَتْ: مَالَكَ تَرِثُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُونِ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ! فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَتْ: بَلَى قَدْ عَمَدْتَ إِلَى فَدَكَ [1] وَكَانَتْ صَافِيةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتَهَا، وَعَمَدْتَ إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتَهُ مِنَّا، فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ، حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ النَّبِيَّ الطَّعْمَةَ مَا كَانَ حَيًّا فَإِذَا قَبَضَهُ رَفَعَهَا، فَقَالَتْ: أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ، مَا أَنَا بِسَائِلَتِكَ بَعْدَ مَجْلِسِي هَذَا [2] .
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أَنْتَ وَرِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ أَهْلُهُ؟
فَقَالَ: لَا بَلْ أَهْلُهُ، قَالَتْ: فَأَيْنَ سَهْمُهُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طَعْمَةً [3] ثُمَّ قَبَضَهُ جَعَلَهَا لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ» ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى المُسْلِمينَ، قَالَتْ: أَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ» [4] ، وَهُوَ مُنْكَرٌ، وَأَنْكَرُ مَا فِيهِ قَوْلُهُ: «لَا، بل أهله» .
__________
[7574،) ] الكاشف 3/ 40، 41 رقم 4941، المغني في الضعفاء 2/ 584 رقم 5542، سير أعلام النبلاء 6/ 248- 249 رقم 111، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 83 رقم 1001، الكشف الحثيث لبرهان الدين الحلبي 373 رقم 667، الموضوعات لابن الجوزي 1/ 47، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 178- 181 رقم 266، تقريب التهذيب له 2/ 163 رقم 240، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 337، طبقات المفسّرين 2/ 144، شذرات الذهب 1/ 217.
[1] فدك، قرية على مسافة يومين من المدينة المنوّرة، وسمّيت بفدك بن حام لأنّه أوّل من نزلها.
(وفاء ألوفا للسمهودي 2/ 355) .
[2] الحديث ضعيف لضعف محمد بن السائب، ولكن يقوّيه الحديث الآتي بعده.
[3] يريد بالطعمة، ما كان له من الفيء وغيره. (النهاية لابن الأثير) .
[4] ج 1/ 4، وأخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء (2973) باب في صفايا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الأموال.(3/23)
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مسْلمٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: ثَنَا صَدَقَةُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِيقِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَتْ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي خَلَّفْنَا عَنْهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ أَهْلَ الْبَيْتِ. ثُمّ قَرَأَتْ عَلَيْهِ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ 8: 41 [1] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ لَهَا: بِأَبي وَأُمِّي أَنْتِ وَوَالِدُكِ وَوَلَدُكِ، وَعَلَيَّ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ كِتَابُ اللَّهِ وَحقُّ رَسُولِهِ وَحَقُّ قَرَابَتِهِ، وَأَنَا أَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِثْلَ الَّذِي تَقْرَئِينَ، وَلَا يَبْلُغُ عِلْمِي فِيهِ أَنْ أَرَى لِقَرَابَةِ [2] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا السَّهْمَ كُلَّهُ مِنَ الْخُمُسِ يَجْرِي بِجَمَاعَتِهِ عَلَيْهِمِ، قَالَتْ:
أَفَلَكَ هُوَ وَلِقَرابَتِكَ؟ قَالَ: لَا، وَأَنْتِ عِنْدِي أَمِينَةٌ مُصَدَّقةٌ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْكِ فِي ذَلِكَ عَهْدًا وَوَعَدَكِ مَوْعِدًا أوْجَبَهُ لَكِ حَقًّا وَسَلَّمْتُهُ إِلَيْكِ، قَالَتْ: لَا، أَلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ: أَبْشِرُوا آلَ مُحَمَّدٍ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْغِنَى. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتِ فَلَكِ الْغِنَى، وَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمِي فِيهِ وَلَا بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُسَلَّمَ هَذَا السَّهْمُ كُلُّهُ كَامِلًا، وَلَكِنْ لَكُمُ الْغِنَى الَّذِي يُغْنِيكُمْ، وَيَفْضُلُ عَنْكُمْ، فَانْظُرِي هَلْ يُوَافِقُكِ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَانْصَرَفَتْ إِلَى عُمَرَ فَذَكَرَتْ لَهُ كَمَا ذَكَرَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهَا مِثْلُ الَّذِي رَاجَعَهَا بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبَتْ وَظَنَّتْ أَنَّهُمَا قَدْ تَذَاكَرَا ذَلِكَ وَاجْتَمَعَا عَلَيْهِ.
وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- مِنْ دُونِ ذِكْرِ الْوَلِيدِ بْنِ مسْلمٍ- قَالَ:
حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ عَرَضَ عَلَيْنَا أَنْ يُعْطِينَا مِنَ الْفَيْءِ بِحَقِّ مَا يَرَى أَنَّهُ لَنَا مِنَ الْحَقِّ، فَرَغِبْنَا عن ذلك
__________
[1] سورة الأنفال- الآية 41.
[2] في نسخة (ح) «أن لذي قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .(3/24)
وَقُلْنَا: لَنَا مَا سَمَّى اللَّهُ مِنْ حَقِّ ذِي الْقُرْبَى، وَهُوَ خُمْسُ [1] الْخُمُسِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ لَكُمْ مَا تَدَّعُونَ أَنَّهُ لَكُمْ حَقٌّ، إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْخُمُسَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُم، فَأَسْعَدُهُمْ فِيهِ حَظًّا أَشَدُّهُمْ فَاقَةً وَأَكْثَرُهُمْ عِيَالًا، قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ يُعْطِي مَنْ قَبِلَ مِنَّا مِنَ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ نَحْوَ مَا يَرَى أَنَّهُ لَنَا، فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنَّا نَاسٌ وَتَرَكَهُ نَاسٌ.
وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ [2] قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ لِي: يَا مَالِكُ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أيُّهَا الْمَرْءُ، قَالَ: وَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ [3] فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَخَلُوا وَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأُ قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا دَخَلَا سَلَّمَا فَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الظَّالِمِ الْفَاجِرِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ، فَاسْتَبَّا، فَقَالَ عُثْمَانُ وَغيَرُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخِرِ، فَقَالَ: أنْشُدُكُمَا باللَّه هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «: لا نورث ما تركنا صدقة» ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ: فَإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى من يَشاءُ 59: 6 [4] ، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا [5] دُونَكُمْ ولا استأثر
__________
[1] (خمس) ساقطة من أكثر النسخ.
[2] في (ح) والمنتقى لابن الملّا (النضري) وهو تصحيف.
[3] «يرفا» غير مهموز، هكذا ذكره الجمهور، ومنهم من همزة، يرفأ، وهو حاجب عمر بن الخطّاب.
[4] سورة الحشر، الآية 6.
[5] في طبعة القدسي 3/ 19 «اختارها» وهو تصحيف، والتصويب من صحيح البخاري.(3/25)
بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدِ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، أَنْشُدُكُمْ باللَّه هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَبَضَهَا وَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ به رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، وأنتما تزعمان أنّ أبا بكر فيها كَاذِبٌ فَاجِرٌ غَادِرٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّه فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ، ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ فَقُلْتُ [1] : أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، أَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِهِ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَشْهَدُونَ [2] ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ [3] يَزْعُمُونَ أَنِّي فِيهَا فَاجِرٌ كَاذِبٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بارّ راشد تابع للحق، ثم جئتماني وكلمتكما وَاحدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، فَجِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَنْ نَصِيبِكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ نَصِيبِ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقةٌ» ، فَلَمَّا بَدَا لِيَ أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْكُمَا قُلْتُ:
إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَإِلَّا فَلَا تُكَلِّمَانِي، فَقُلْتُمَا:
ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا [4] أَنْشُدُكُمْ باللَّه هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟
قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا باللَّه هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ أفتلتمسان منّي قضاء غير ذلك! فو الّذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عنها فادفعاها إليّ أكفيكماها [5] .
__________
[1] في صحيح الإمام البخاري (فكنت) بدل (فقلت) التي في الأصل وغيره.
[2] «تشهدون» ساقطة من (ح) والمنتقى نسخة أحمد الثالث، وليست في صحيح البخاري.
[3] لعلّ في الأصل وغيره هنا كلمات مقحمة لا تفسد المعنى. فانظر صحيح الإمام البخاري حيث يختلف النصّ عمّا هنا.
[4] في (صحيح الامام البخاري) : ادفعها إلينا. فبذلك دفعتها إليكما.
[5] رواه البخاري في الخمس 4/ 43، 44 باب فرض الخمس، ومسلم في الجهاد والسير(3/26)
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي الْأَعْرَجُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي شَيْئًا مِمَّا تَرَكْتُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» [1] فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَبَّاسُ، وَكَانَتْ فِيهَا خُصُومَتُهُمَا، فَأَبَى عُمَرُ أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها عبّاس فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلِيٌّ، ثُمَّ كَانَتْ عَلَى يَدَيِ الْحَسَنِ [2] ، ثُمَّ كَانَتْ بِيَدِ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ بِيَدِ عليّ ابن الْحُسَيْنِ وَالْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، كِلَاهُمَا يَتَدَاوَلَانِهَا، ثُمَّ بيد زيد، وهي صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا.
خَبَرُ الرِّدَّةِ
لَمَّا اشْتُهِرَتْ وَفَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّوَاحِي، ارْتَدَّتْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ عَنِ الْإسْلَامِ وَمَنَعُوا الزَّكَاةَ، فَنَهَضَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِقِتَالِهِمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَغَيْرُهُ أَنْ يَفْتِرَ عَنْ قِتَالِهِمْ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا أَوْ عِنَاقًا [3] كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، فَقَالَ عُمَرُ:
كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَمَنْ قَالَهَا عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَدَمَهُ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَقَدْ قَالَ: إِلَّا بحقها فقال عمر: فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ [4] ، فعن
__________
[ () ] (1757/ 49) باب حكم الفيء.
[1] رواه مسلم في الجهاد والسير (1760) باب قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا نورث ما تركنا صدقة» .
[2] في المنتقى لابن الملا «بيد الحسن» وهو الأصوب.
[3] بالفتح، وهي الأنثى من ولد المعز. (مختار الصحاح) .
[4] أخرجه البخاري في الاعتصام 8/ 140، 141 باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومسلم في الإيمان (20) باب الأمر بقتال النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ محمد رسول الله، وأبو داود في الزكاة (1556) أول الباب، والترمذي في الإيمان (2733) أول الباب، والنسائي في الزكاة 5/ 14، 15 باب جامع الزكاة. والمطهّر المقدسي في البدء والتاريخ 5/ 153، والبلاذري في فتوح البلدان 1/ 113.(3/27)
عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حَتَّى بَلَغَ نَقْعًا حِذَاءَ نَجْدَ، وَهَرَبَتِ الْأَعْرَابُ بِذَرَارِيهِمْ، فَكَلَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَقَالُوا: ارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ وَأَمِّرْ رَجُلًا عَلَى الْجَيْشِ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى رَجَعَ وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَقَالَ لَهُ: إِذَا أَسْلَمُوا وَأَعْطَوُا الصَّدَقَةَ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَسِيرُهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فَبَلَغَ ذَا الْقَصَّةِ [1] ، وَهِيَ عَلَى بَرِيدَيْنِ وَأَمْيَالٍ مِنْ نَاحِيةِ طَرِيقِ الْعِرَاقِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِنَانًا الضَّمْرِيَّ، وَعَلَى حِفْظِ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ [2] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ خَالِدًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ عَلَى خَمْسٍ، مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَاتَلَهُ كَمَا يُقَاتِلُ مَنْ تَرَكَ الْخَمْسَ جَمِيعًا. عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ.
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ: لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ مَا نَزَلَ بِأَبِي لَهَاضَهَا [3] ، اشرأب النّفاق بالمدينة وارتدّت العرب، فو الله ما اختلفوا في نقطة إلّا طار أبي بِحَظِّهَا مِنَ الْإِسْلَامِ [4] .
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لَهُ: إِنَّكَ لَا تَصْنَعُ بِالْمَسِيرِ بِنَفْسِكَ شَيْئًا، وَلَا تَدْرِي لِمَنْ تَقْصِدُ، فَأَمُرْ مَنْ تَثِقُ بِهِ وَارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فإنّك
__________
[1] ذو القصّة: بالفتح وتشديد الصاد. على بريد من المدينة تلقاء نجد. (معجم البلدان 4/ 366) .
[2] تاريخ خليفة بن خيّاط- ص 101.
[3] هاضها: كسرها.
[4] تاريخ خليفة- ص 102 وفيه: «إلّا طار أبي إلى أعظمها في الإسلام» .(3/28)
تَرَكْتَ بِهَا النِّفَاقَ يَغْلِي، فَعَقَدَ لِخَالِدٍ عَلَى النَّاسِ، وَأَمَّرَ عَلَى الْأَنْصَارِ خَاصَّةً ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَمَرَ خَالِدًا أَنْ يَصْمُدَ لِطُلَيْحَةَ الْأَسْدِيِّ [1] .
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ ذِي الْقَصَّةِ فِي أَلْفَيْنِ وَسَبْعِمِائَةٍ إِلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، يُرِيدُ طُلَيْحَةَ، وَوَجَّهَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ حَلِيفَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [2] فَانْتَهَوْا إِلَى قَطَنٍ [3] فَصَادَفُوا فِيهَا حِبَالًا مُتَوَجِّهًا إِلَى طُلَيْحَة بِثُقْلِهِ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَا مَعَهُ، فَسَارَ وَرَاءَهُمْ طُلَيْحَةُ وَأَخُوهُ سَلَمَةُ فَقَتَلَا عُكَّاشَةَ وَثَابِتًا [4] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ الْمُوَقَّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: فَسَارَ خَالِدٌ لِقِتَالِ طُلَيْحَةَ الْكَذَّابَ فَهَزَمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ قَدْ بَايَعَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، فَلَمَّا رَأَى طُلَيْحَةُ كَثْرَةَ انْهِزَامِ أَصْحَابِهِ قَالَ: مَا يَهْزِمُكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أُحَدِّثُكَ، لَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إلَّا وَهُوَ يُحِبُ أَنْ يَمُوتَ صَاحِبُهُ قَبْلَهُ، وَإِنَّا نَلْقَى قَوْمًا كُلَّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَكَانَ طُلَيْحَةُ رَجُلًا شَدِيدَ الْبَأْسِ فِي الْقِتَالِ، فَقَتَلَ طُلَيْحَةُ يَوْمَئِذٍ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ، وَقَالَ طُلَيْحَةُ:
عَشِيَّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا ... وَعُكَّاشَةُ الْغَنْمِيُّ تَحْتَ [5] مَجَالِي
أَقَمْتُ [6] لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إِنَّهَا ... مُعَاوَدَةٌ [7] قَبْلَ الْكُمَاةِ نِزَالِي
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَةً ... وَيَوْمًا تَرَاهَا فِي ظِلَالٍ عوال [8]
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 102.
[2] انظر عنهما طبقات ابن سعد 3/ 467 في ترجمة ثابت بن أقرم.
[3] قطن: بالتحريك. جبل لبني عبس كثير النخل والمياه بين الرمّة وبين أرض بني أسد. (معجم البلدان 4/ 375) .
[4] تاريخ خليفة- ص 102- 103.
[5] في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 103 «عند» بدل «تحت» .
[6] في التهذيب «نصبت» .
[7] في التهذيب، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 317 «معودة» .
[8] انظر تهذيب تاريخ دمشق فقد ورد هذا الشطر عجزا لصدر بيت آخر.(3/29)
فَمَا ظَنُّكُمْ بِالْقَوْمِ إِذْ تَقْتُلُونَهُمْ ... أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ يَسْلَمُوا بِرِجَالِ
فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ [1] أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَمْ تَرْهَبُوا فَرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ [2]
فَلَمَّا غَلَبَ الْحَقُّ طُلَيْحَةَ تَرَجَّلَ. ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَرَكِبَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ آمِنًا، حَتَّى مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مَكَّةَ فَقَضَى عُمْرَتَهُ، ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ [3] .
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ خَالِدًا لَقِيَ طُلَيْحَةَ بِبُزَاخَةَ [4] ، وَمَعَ طُلَيْحَةَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَقُرَّةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْقُشَيْرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ هَرَبَ طُلَيْحَةُ وَأُسِرَ عُيَيْنَةُ وَقُرَّةُ، وَبُعِثَ بِهِمَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَحَقَنَ دِمَاءَهُمَا [5] .
وَذُكِرَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَحَدَ مَنْ قَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ ارْتَدَّ. وَتَابَعَهُ [6] جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَسْوَدِ، وَخَافَهُ أَهْلُ صَنْعَاءَ، وَأَتَى قَيْسٌ إِلَى فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ وَدَاذَوَيْهَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي شَأْنِ أَصْحَابِ الْأَسْوَدِ خَدِيعَةً مِنْهُ، فَاطْمَأَنَّا إِلَيْهِ، وَصَنَعَ لَهُمَا مِنَ الْغَدِ طَعَامًا، فَأَتَاهُ دَاذَوَيْهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ أَتَاهُ فَيْرُوزُ فَفَطِنَ بِالْأَمْرِ فَهَرَبَ، وَلَقِيَهُ جُشَيْشُ بْنُ شَهْرٍ وَمَضَى مَعَهُ إِلَى جِبَالِ خَوْلَانَ، وَمَلَكَ
__________
[1] في نسخة (ح) والأصل، والمنتقى: «ذاود» ، والتصحيح من نسخة دار الكتب، ولسان العرب، وتهذيب تاريخ دمشق. وفي البداية والنهاية «وإن يك أولاد» وهو تصحيف.
والأذواد: الإبل.
[2] حبال: بكسر الحاء وفتح الباء، وهو أخو طليحة.
وراجع الأبيات في تاريخ دمشق- الجزء العاشر- تحقيق محمد أحمد دهمان- ص 506، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 103، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 317.
[3] وردت العبارة التالية في حاشية النسخة (ح) : «مررت على هذه الكرّاسة وحرّرتها وقابلتها على نسخة بخط البدر البشتكي. صحّت وللَّه الحمد. قاله سبط ابن حجر العسقلاني» .
[4] قال الطبري في تاريخه 3/ 254 بزاخة: ماء من مياه بني أسد. وفي معجم البلدان لياقوت: ماء لطيّئ بأرض نجد.
[5] تاريخ الطبري 3/ 260، وتاريخ خليفة- ص 103.
[6] في المنتقى لابن الملّا، نسخة أحمد الثالث: «بايعه» .(3/30)
قَيْسٌ صَنْعَاءَ، فَكَتَبَ فَيْرُوزُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْتَمِدُّهُ، فَأَمَدَّهُ، فَلَقَوْا قَيْسًا فَهَزَمُوهُ ثُمَّ أَسَرُوهُ وَحَمَلُوهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَوَبَّخَهُ: فَأَنْكَرَ الرِّدَّةَ: فَعَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ [1] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَسَارَ خَالِدٌ- وَكَانَ سَيْفًا مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ تَعَالَى- فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى نَزَلَ بِبُزَاخَةَ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ طيِّئ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْدَمَ عَلَيْنَا فَإِنَّا سَامِعُونَ مُطِيعُونَ، وَإِنْ شِئْتَ، نَسِيرُ إِلَيْكَ؟ قَالَ خَالِدٌ: بَلْ أَنَا ظَاعِنٌ إِلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِبُزَاخَةَ، وَجَمَعَ لَهُ هُنَاكَ الْعَدُوُّ بَنُو أَسَدٍ وَغَطَفَانُ فَاقْتَتَلُوا، حَتَّى قُتِلَ مِنَ الْعَدُوِّ خَلْقٌ وَأُسِرَ مِنْهُمْ أُسَارَى، فَأَمَرَ خَالِدٌ بِالْحُظُرِ [2] أَنْ تُبْنَى ثُمَّ أَوْقَدَ فِيهَا النِّيرَانَ وَأَلْقَى الْأُسَارَى فِيهَا، ثُمَّ ظَعَنَ يُرِيدُ طيِّئا، فَأَقْبَلَتْ بَنُو عَامِرٍ وَغَطَفَانُ وَالنَّاسُ مُسْلِمِينَ مُقِرِّينَ بِأَدَاءِ الْحَقِّ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ خَالِدٌ.
وقُتِلَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ التَّمِيمِيُّ فِي رِجَالٍ مَعَهُ مِنْ تَمِيمٍ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَحْنُ رَاجِعُونَ، قَدْ أَقَرَّتِ الْعَرَبُ بِالَّذِي كَانَ عَلَيْهَا، فَقَالَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: قد لعمري آذن لكم، وقد أجمع أَمِيرُكُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ بْنِ ثُمَامَةَ الْكَذَّابِ، وَلَا نَرَى أَنْ تَفَرَّقُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ حَسَنٍ، وَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ فَارَقَ أَمِيرَهُ وَهُوَ أَشَدُّ مَا كَانَ إِلَيْهِ حَاجَةً، فَأَبَتِ الْأَنْصَارُ إِلَّا الرُّجُوعَ، وَعَزَمَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ، وَتَخَلَّفَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَنَدِمُوا وَقَالُوا: ما لكم وَاللَّهِ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إِنْ أُصِيبَ هَذَا الطَّرَفُ وَقَدْ خَذَلْنَاهُمْ، فَأَسْرَعُوا نَحْوَ خَالِدٍ وَلَحِقُوا بِهِ، فَسَارَ إِلَى الْيَمَامةِ [3] ، وَكَانَ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ [4] سَيِّدُ بَنِي حَنِيفَةَ خَرَجَ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا يَطْلُبُ دِمَاءً فِي بَنِي عَامِرٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فقتل
__________
[1] راجع تاريخ الطبري 3/ 330.
[2] في تاريخ خليفة- ص 103 وسير أعلام النبلاء 1/ 372 «حظائر» .
[3] في نجد.
[4] في المنتقى لابن الملّا «فزارة» وهو وهم.(3/31)
أَصْحَابَ مُجَّاعَةَ وَأَوْثَقَهُ [1] .
وَقَالَ الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ بَعْضِ آلِ عَدِيٍّ، عَنْ وَحْشِيٍّ قَالَ: خَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا طُلَيْحَةَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: لَا أَرْجِعُ حَتَّى آتِيَ مُسَيْلِمَةَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: إِنَّمَا بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى الله مؤنتهم، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَسَارَ، ثُمَّ تَبِعَهُ ثَابِتٌ بَعْدَ يَوْمٍ فِي الْأَنْصَارِ.
[وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بُزَاخَةَ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، خَيَّرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ حَرْبٍ مُجَلِّيَةٍ أَوْ حِطَّةٍ مُخْزِيَةٍ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَمَّا الْحَرْبُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْحِطَّةُ الْمُخْزِيَةُ؟ قَالَ: تُؤْخَذُ مِنْكُمُ الْحَلْقَةُ وَالْكُرَاعُ [2] وَتُتْرَكُونَ أَقْوَامًا تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ، وَتُؤَدُّونَ مَا أَصَبْتُمْ مِنَّا وَلَا نُؤَدِّي مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وتَشْهَدُونَ أَنَّ قتلانا في الجنّة وأن قتلاكم فِي النَّارِ، وَتَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا قَوْلُكَ «تَدُونَ قَتْلَانَا» فَإِنَّ قَتْلَانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا دِيَاتَ لَهُمْ. فَاتُّبِعَ عُمَرُ، وَقَالَ عُمَرُ فِي الْبَاقِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ] [3] .
مَقْتَلُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ التَّمِيمِيِّ الْحَنْظَلِيِّ الْيَرْبُوعِيِّ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : أُتِيَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ فِي رهط من
__________
[1] انظر: تاريخ خليفة- ص 107، وتاريخ الطبري 3/ 286- 289.
[2] الكراع: بضم الكاف، اسم لجميع الخيل. (النهاية لابن الأثير) .
[3] ما بين الحاصرتين في حاشية الأصل، ونسخة (ح) .
[4] الخبر في تاريخ خليفة- ص 105، وتاريخ الطبري 3/ 280، والأغاني لأبي الفرج 15/ 303، 304.(3/32)
قَوْمِهِ بَنِي حَنْظَلَةَ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَسَارَ فِي أَرْضِ تَمِيمٍ، فَلَمَّا غَشَوْا قَوْمًا مِنْهُمْ أَخَذُوا السِّلَاحَ وَقَالُوا: نَحْنُ مُسْلِمُونَ، فَقِيلَ لَهُمْ: ضَعُوا السِّلَاحَ، فَوَضَعُوهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمُسْلِمُونَ وَصَلَّوْا.
فَرَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَأَصْحَابِهِ، فَجَزِعَ لِذَلِكَ، ثُمَّ وَدَى مَالِكًا وَرَدَّ السَّبْيَ وَالْمَالَ [1] .
وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا كَانَ فَارِسًا شُجَاعًا مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ وَفِيهِ خُيَلَاءُ، كَانَ يُقَالُ لَهُ الْجَفُولُ [2] ، قدِم عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَ فَوَلَّاهُ صَدَقَةَ قَوْمِهِ، ثُمَّ ارْتَدَّ، فَلَمَّا نَازَلَهُ خَالِدٌ قَالَ: أَنَا آتِي بِالصَّلَاةِ دُونَ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مَعًا؟ لَا تُقْبَلُ واحدة دون الأخرى! فَقَالَ: قَدْ كَانَ صَاحِبُكَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ خَالِدٌ: وَمَا تَرَاهُ لَكَ صَاحِبًا! وَاللَّهِ لَقَدْ هممت أن أضرب
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 105، الأغاني 14/ 64، سير أعلام النبلاء 1/ 376، 377، الكامل في التاريخ 2/ 359.
[2] قال المرزباني في «معجم الشعراء» - ص 432: كان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى صدقات قومه، فلما بلغه وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلّم أمسك الصدقة وفرّقها في قومه، وجفّل إبل الصدقة فسمّي الجفول.
وانظر عنه:
الشعر والشعراء 1/ 254، الأغاني 15/ 298 وما بعدها، المؤتلف والمختلف 297، معجم الشعراء 432، جمهرة أنساب العرب 224، شرح شواهد المغني 2/ 568، الاستيعاب 3/ 1362، سمط اللآلئ 1/ 87، خزانة الأدب 1/ 236، طبقات فحول الشعراء 170، الكامل في الأدب 3/ 1242- 1244، سمط النجوم 2/ 351، سرح العيون 86، النقائض 2/ 782، الخيل لأبي عبيدة 11/ 12، شرح نهج البلاغة 2/ 58، حلية الفرسان 162، البيان والتبيين 3/ 24، المعمّرون 15، العقد الفريد 2/ 114، فصل المقال 171، مجمع الأمثال 2/ 24، عيون الأخيار 4/ 31، 32، الأشباه والنظائر 2/ 345، ثمار القلوب 24، والمحبّر 126، المعارف 267، الأخبار الموفّقيّات 629 رقم 421 و 630 رقم 423، تاريخ اليعقوبي 2/ 148، أسماء المغتالين 244، حور العين 131، ومالك ومتمّم ابنا نويرة اليربوعي- تأليف د. ابتسام مرهون الصفار- طبعة بغداد 1968، فوات الوفيات 3/ 233، 236، معجم الشعراء في لسان العرب 366، البدء والتاريخ للمطهر المقدسي 5/ 159.(3/33)
عُنُقَكَ، ثُمَّ تَحَاوَرَا طَوِيلًا [1] فَصَمَّمَ عَلَى قَتْلِهِ: فَكَلَّمَهُ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ عُمَرَ، فَكَرِهَ كَلَامَهُمَا، وَقَالَ لِضِرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، فَالْتَفَتَ مَالِكٌ إِلَى زَوْجَتِهِ وَقَالَ: هَذِهِ الَّتِي قَتَلَتْنِي، وَكَانَتْ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ، قَالَ خَالِدٌ: بَلِ اللَّهُ قَتَلَكَ بِرُجُوعِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: أَنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَجَعَلَ رَأْسَهُ أَحَدَ أَثَافِي قِدْرِ طَبْخٍ فِيهَا طَعَامٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ خَالِدٌ بِالْمَرْأَةِ، فَقَالَ أَبُو زُهَيْرٍ السَّعْدِيُّ مِنْ أَبْيَاتٍ:
قَضَى خَالِدٌ بَغْيًا عَلَيْهِ لِعُرْسِهِ ... وَكَانَ لَهُ فِيهَا هَوًى قبل ذلكا [2]
__________
[1] كذا في الأصل، ونسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا. وفي نسخة دار الكتب «قليلا» .
[2] قال الأستاذ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في كتابه (نقد علميّ لكتاب الإسلام وأصول الحكم ص 33) .
أما محاورة مالك بن نويرة لخالد بن الوليد فهي نفس ما قام به الفريق الثاني من أهل حروب الرّدّة، وكان مالك بن نويرة من زعمائهم، ولعلّ ذلك سبب قتل خالد بن الوليد له، لأنّه رآه مثوّرا للعامّة ومغريا لهم- كما هو الشأن في حمل التّبعات على القادة والرؤساء- إذ العامّة أتباع كلّ ناعق، ومجرّد النّطق بالشهادتين مانع من القتل لأجل الكفر، وبقي القتل لأجل حقوق الإسلام، وقد ثبت القتل على الصلاة، وثبتت مقارنة الزّكاة للصلاة في آيات القرآن ... وكلمة الشهادة قد يسهل النّطق بها على من لم يعتقد الإسلام، فجعلت الصلاة والزكاة دليلا على صدق المسلم فيما نطق به ...
وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله:
كان مالك بن نويرة قدم المدينة وأسلم، فاستعمله النّبيّ صلى الله عليه وسلّم على جباية زكاة قومه، ولذلك ذكره من ذكره في عداد الصّحابة، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلّم خان العهد والتحقق بسجاح المتنبّئة، وأبي دفع الزكاة مرارا وتكرارا عند مناقشته في ذلك، واجترأ أن يقول: صاحبكم يقول كذا، فمثل خالد رضوان الله عليه في صرامته وحزمه ضدّ أهل الرّدّة- وهو شاهد يرى ما لا يراه الغائب- إذا قسا على مثل مالك هذا، لا يعدّ أنه اقترف ذنبا، والقتل والسبي من أحكام الرّدّة.
وأمّا ما يحاك حول زواج خالد بامرأة مالك من الخيالات الشائنة فليس إلّا صنع يد الكذّابين، ولم يذكر منه شيء بسند متّصل فضلا عن أن يكون مرويا برجال ثقات. وتزوّج خالد المسبيّة بعد انقضاء عدّتها هو الواقع في الروايات عند ابن جرير وابن كثير وغيرهما، ولا غبار على ذلك، لأنّ مالكا إن قتل خطأ فقد انقضت عدّة امرأته ثمّ تزوّجت، وإن قتل عمدا على الرّدّة فقد انقضت عدّة امرأته أيضا فتزوّجت، فماذا في هذا؟!! ولو صحّت رواية قتله لمسلم بغير حقّ ونزوه على امرأته بدون نكاح لاستحال أن يبقيه أبو بكر رضوان الله عليه في قيادة الجيش لبعده رضي الله عنه عن الاعتضاد بفاجر سفّاك، ولسان سيرته يقول في كلّ موقف: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً 18: 51 ولما يعود من ذلك على الإسلام من سوء القالة في أخطر الأيام- أيام حرب الرّدّة- وقد(3/34)
__________
[ () ] لقّب الوحي خالدا بلقب «سيف الله» تشريفا له، أفلا يكون من المحال أن يصف الوحي بهذا اللّقب سفّاكا فاجرا؟! وأمّا أداء الصّدّيق ديته من بيت المال فاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلّم فيما فعله في وقعة بني جذيمة تهدئة للخواطر وتسكينا للنفوس في أثناء ثورانها، مراعاة للأبعد في باب السياسة، وإنّما عابه على النّكاح في أثناء الحرب على خلاف تقاليد العرب. وأمّا ما يعزى إلى عمر رضي الله عنه من الكلمات القاسية في خالد، فيكفي في إثبات عدم صحّتها قول عمر عند عزله خالدا: (ما عزلتك عن ريبة) بل لو صحّ ذلك عنه لرماه بالجنادل وقتله رجما بالحجارة، لأنّ الإسلام لا يعرف المحاباة ...
ولا شكّ أنّ خالدا من أعاظم المجتهدين في علم تعبئة الجيوش وتدبير الحروب فلو تنزّلنا غاية التنزّل وقلنا إنّه أخطأ في قتله- وهو شاهد- وأصاب من استنكر عمله- وهو غائب- وجب الاعتراف بأنّ الإثم مرفوع عنه، وإليه يشير ما يروى عن أبي بكر أنّه قال: هبه يا عمر تأوّل فأخطأ فارفع لسانك عن خالد. على أنّ خالدا أخذ في عمله بالظاهر الراجح فيكون غير متأوّل في الحقيقة، وليس في استطاعة أحد أن يسوق سندا واحدا صحيحا يصم خالدا بمخالفة الشرع في هذه المسألة، مع أنّ خبر الآحاد لا يفيد علما في مثل هذا الموضوع، وهذا المطلب علميّ يحتاج إلى دليل يفيد العلم.
وأمّا أسطورة التأثيف فغير ثابتة لأنّها من مقطوعات ابن شهاب الزّهريّ، ومراسيله شبه الريح عند يحيى بن سعيد القطّان وغيره، وسماع ابن عقبة منه ينفيه الحافظ الإسماعيل كما في (أحكام المراسيل) و (تهذيب التهذيب) . ويقول ابن معين في محمد بن فليح الراويّ عن ابن عقبة:
ليس بثقة، والزّبير بن بكّار الراويّ عنه كثير المناكير.
وخالد بطل عظيم من أبطال الإسلام، وقائد عبقريّ له مواقف عظيمة في سبيل الإسلام في مؤتة وبلاد اليمن والشام والعراق، وبه زال أهل الرّدّة من الوجود، فتصوير مثله بصورة رجل شهوانيّ سفّاح ممّا ينادى على مصوّرة بالويل والثبور.
ولا يخفى على القارئ الكريم مبلغ سعي أعداء الإسلام في كل دور، ووجوه تجدّد مكرهم في كلّ طبقة، فمن ألوان مكرهم في عهد تدوين الروايات اندساس أناس منهم بين نقلة الأخبار متلفعين بغير أزيائهم لترويج أكاذيب بينهم لتشويه سمعة الإسلام وسمعة القائمين بالدعوة إلى الإسلام، فراجت تلك الأخبار على نقلة لم يؤتوا بصيرة نافذة فخلّدوها في الكتب، لكنّ الله سبحانه أقام ببالغ فضله جهابذة تضع الموازين القسط لتعرف الأنباء الصّافية العيار من بهرج الأخبار، فأصبحت شئون الإسلام وأنباء الإسلام في حرز أمين من دسّ الدّساسين عند من يحذق وزنها بتلك الموازين.
ومن رجال كتب السّير محمد بن إسحاق، وقد كذّبه كثير من أهل النقد، ومن قوّاه اشترط في رواياته شروطا لا تتوفّر في مواضع الريبة من مروياته، وروايته زياد البكائي مختلف فيه، ضعّفه النّسائيّ، وتركه ابن المديني، وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به، ومنهم هشام بن محمد الكلبيّ وأبوه، وهما معروفان بالكذب. ومنهم محمد بن عمر الواقديّ وقد كذّبه أناس، والذين وثّقوه لا ينكرون أنّ في رواياته كثيرا من الأخبار الكاذبة، لأنّه كان يروي عمّن هبّ ودبّ، والخبر لا يسلم ما لم يسلم سنده. ومنهم سيف بن عمر التميميّ، يقول عنه أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقديّ، وقال الحاكم: اتهم بالزّندقة وهو في الرواية ساقط، وقال ابن(3/35)
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي (كَامِلِهِ) [1] وَفِي (مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ) [2] قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَظَهَرَتْ سَجَاحُ وَادَّعَتِ النُّبُوَّةَ صَالَحَهَا مَالِكٌ، وَلَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِدَّةٌ، وَأَقَامَ بِالْبِطَاحِ، فَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ سَارَ إِلَى مَالِكٍ وَبَثَّ سَرَايَاهُ فَأَتَى بِمَالِكٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ قَتَلْتَ امْرَأً مُسْلِمًا ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَى امْرَأَتِهِ، لَأَرْجُمَنَّكَ، وَفِيهِ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ شَهِدَ أَنَّهُمْ أَذَّنُوا وَصَلُّوا.
وَقَالَ الْمُوَقَّرِيُّ [3] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَبَعَثَ خَالِدٌ إلى مالك بن نويرة
__________
[ () ] حبّان: قالوا إنّه كان يضع الحديث ويروي الموضوعات عن الأثبات. ومنهم موسى بن عقبة، وقد أثنوا عليه خيرا إلّا أنّ رواياته هي عن ابن شهاب الزهريّ، ويدّعي الحافظ الإسماعيلي أنّه لم يسمع منه شيئا، وابن شهاب الزهري تغلب عليه المراسيل في المغازي والسير، ومراسيله شبه الريح عند أهل النقد كما سبق. ومنهم محمد بن عائذ الدمشقيّ، يقول عنه أبو داود: هو كما شاء الله. وهذه نماذج من حملة الروايات في السير والمغازي، والتهم الموجّهة إلى بعضهم في باب الرواية تدعو الحريص على العلم الصحيح إلى إمعان النّظر فيما يكتب في السير. أهـ-.
وقال الدكتور عزّت علي عطيّة في مؤلّفه: (البدعة- تحديدها وموقف الإسلام منها- ص 67) :
من المعلوم أنّ الأخبار التاريخية يتسامح فيها بما لا يتسامح فيه فيما يتّصل بنقل السّنّة. انتهى-.
لذلك نرى الذهبيّ وغيره من المؤرّخين ينقلون في كتبهم التاريخية نصوصا غير محقّقة اعتمادا على ذكر السّند.
وقد أثبت أكثر هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردوها ليكون الباحث على بصيرة من كلّ خبر بالبحث عن حال رواية. وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنّها هي تاريخنا، بل على أنّها مادّة غزيرة للدرس والبحث، يستخرج منها تاريخنا، وهذا ممكن وميسور إذ تولّاه من يلاحظ مواطن القوّة والضّعف في هذه المراجع، وله من الا لمعيّة ما يستخلص به حقيقة ما وقع، ويجرّدها عمّا لم يقع مكتفيا بأصول الأخبار الصحيحة، مجرّدة عن الزّيادات الطارئة عليها، وقد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب. من حواشي الأستاذ محبّ الدين الخطيب على (العواصم من القواصم) .
وفي «لسان الميزان للحافظ ابن حجر» وغيره تفصيل سبب إيراد بعضهم كلّ ما ورد في الموضوع الّذي يدوّنونه، وذلك أنّهم يوردون السّند فيتركون للمطّلع معرفة الصّحيح من الملفّق للدخيل (انظر مقالات الكوثري ص 312 الطبعة الأولى) .
وانظر حول هذا الموضوع أيضا كتاب «أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ» ، للدكتور إبراهيم شعوط، وكتاب «مالك ومتمّم بن نويرة اليربوعي» للدكتورة ابتسام مرهون الصفّار.
[1] الكامل في التاريخ 2/ 358.
[2] أسد الغابة في معرفة الصحابة 4/ 295.
[3] في (تهذيب التهذيب 11/ 148) : يروي عن الزّهريّ عدّة أحاديث ليس لها أصول، روى عن الزهري أشياء موضوعة لم يروها الزهريّ قطّ. ونسب كلّ جرح إلى مصدره.(3/36)
سَرِيَّةً فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، فَسَارُوا يَوْمَهُمْ سِرَاعًا حَتَّى انْتَهُوا إِلَى مَحَلَّةِ الْحَيِّ، فَخَرَجَ مَالِكٌ فِي رَهْطِهِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، فَزَعَمَ أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْمُسْلِمُ، قَالَ: فَضَعِ السِّلَاحَ، فَوَضَعَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَلَمَّا وَضَعُوا السِّلَاحَ رَبَطَهُمْ أَمِيرُ تِلْكَ السَّرِيَّةِ وَانْطَلَقَ بِهِمْ أُسَارَى، وَسَارَ مَعَهُمُ السَّبْيُ حَتَّى أَتَوْا بِهِمْ خَالِدًا، فَحَدَّثَ أَبُو قَتَادَةَ خَالِدًا أَنَّ لَهُمْ أَمَانًا وَأَنَّهُمْ قَدِ ادَّعَوْا إِسْلَامًا، وَخَالَفَ أَبَا قَتَادَةَ جَمَاعَةُ السَّرِيَّةِ فَأَخْبَرُوا خَالِدًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمَانٌ، وَإِنَّمَا أُسِرُوا قَسْرًا [1] ، فَأَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ فَقُتِلُوا وَقَبَضَ سَبْيَهُمْ، فَرَكِبَ أَبُو قَتَادَةَ فَرَسَهُ وَسَارَ قِبَلَ أَبِي بَكْرٍ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ عَهْدٌ وَأَنَّهُ ادَّعَى إِسْلَامًا، وَإِنِّي نَهَيْتُ خَالِدًا فَتَرَكَ قَوْلِي وَأَخَذَ بِشَهَادَاتِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْغَنَائِمَ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا، وَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ حَقًّا فَإِنَّ حَقًّا عَلَيْكَ أَنْ تُقَيِّدَهُ، فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ [2] .
وَمَضَى خَالِدٌ قِبَلَ الْيَمَامَةِ، وَقَدِمَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ فَأَنْشَدَ أَبَا بَكْرٍ مَنْدَبَةً نَدَبَ بِهَا أَخَاهُ، وَنَاشَدَهُ فِي دَمِ أَخِيهِ وَفِي سَبْيِهِمْ، فَرَدَّ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ السَّبْيَ، وَقَالَ لِعُمَرَ وَهُوَ يُنَاشِدُ فِي الْقَوَدِ: لَيْسَ عَلَى خَالِدٍ مَا تَقُولُ، هَبْهُ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ.
قُلْتُ وَمِنَ الْمَنْدَبَةِ:
وَكُنَّا كندماني جذيمنة [3] حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ [4] لَمْ نبت ليلة معا [5]
__________
[1] في (ع) (قهرا) بدل (قسرا) وكذلك في (ح) .
[2] انظر: تاريخ خليفة- ص 104، وتاريخ الطبري 3/ 278، والأغاني 15/ 301، والكامل في التاريخ 2/ 358، وسير أعلام النبلاء 1/ 377.
[3] ندمانا جذيمة: هما مالك وعقيل ابنا فارح بن كعب، نادما جذيمة، وكانا قد ردّا على ابن أخته عمرو بن عديّ فسألهما حاجتهما فسألاه منادمته، فكانا نديميه ثم قتلهما. (انظر حاشية رقم (4) من تاريخ خليفة- ص 105) .
[4] هكذا في الأصل والمصادر المختلفة، وفي المنتقى لابن الملّا «افتراق» وهو وهم.
[5] البيتان من جملة أبيات في: الطبقات الكبرى ج 3 ق 2/ 275، الكامل للمبرّد 3/ 242،(3/37)
قِتَالُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: سَارَ بِنَا خَالِدٌ إِلَى الْيَمَامَةِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ بِمَجْمُوعَةٍ فَنَزَلُوا بِعَقْرَبَاءَ [1] فَحَلَّ بِهَا خَالِدٌ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ طَرَفُ الْيَمَامَةِ، وَجَعَلُوا الْأَمْوَالَ خَلْفَهَا كُلَّهَا وَرِيفَ الْيَمَامَةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.
وَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسَيْلِمَةَ [2] : يَا بَنِي حُنَيْفَةَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْغَيْرَةِ، الْيَوْمُ إِنْ هُزِمْتُمْ سَتُرْدَفُ الْنِّسَاءُ سَبِيَّاتٍ وَيُنْكَحْنَ غَيْرَ حَظِيَّاتٍ [3] ، فَقَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ، فَاقْتَتَلُوا بِعَقْرَبَاءَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً، وَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ فُسْطَاطَ خَالِدٍ وَفِيهِ مُجَّاعَةُ أَسِيرٌ، وَأُمُّ تَمِيمٍ امْرَأَةُ خَالِدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهَا فَقَالَ مُجَّاعَةُ: أَنَا لَهَا جَارٌ، وَدَفَعَ عَنْهَا، وَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ حِينَ رَأَى الْمُسْلِمِينَ مُدْبِرِينَ: أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْمَلُونَ، وَكَرَّ الْمُسْلِمُونَ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، وَدَخَلَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فُسْطَاطَ خَالِدٍ فَأَرَادُوا قَتْلَ مُجَّاعَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ تَمِيمٍ: وَاللَّهِ لَا يُقْتَلُ وَأَجَارَتْهُ. وَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا عِنْدَ حَدِيقَةِ الْمَوْتِ اقْتَتَلُوا عِنْدَهَا، أَشَدَّ الْقِتَالِ. وَقَالَ مُحَكَّمُ بْنُ الطّفيل: يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة [4]
__________
[ () ] الشعر والشعراء 255، طبقات فحول الشعراء 173، أمالي اليزيدي 25، تاريخ خليفة 105، 106، الأغاني 15/ 308، حور العين للحميري 132، الكامل في التاريخ 2/ 360، البداية والنهاية 6/ 322.
وورد في حاشية الأصل، وفي متن النسخة (ح) بعد البيتين: «ومن الروايات ما يزعم أن مالك بن نويرة قاتل المسلمين برجاله، فقتل» .
[1] في النسخ كلها والمنتقى لابن الملا (بعفرا) فصححتها من تاريخ الطبري 3/ 297 ومعجم البلدان 4/ 135.
[2] في طبعة القدسي 3/ 32 «سلمة» ، والتصحيح من تاريخ الطبري 3/ 288 و 299، والكامل لابن الأثير 2/ 362.
[3] في تاريخ الطبري: «قبل أن تستردف النساء غير رضيّات، وينكحن غير خطيبات» (3/ 299) وانظر (3/ 288) والكامل لابن الأثير 2/ 362.
[4] محرّفة في الأصل. والتصحيح من جميع النسخ الأخرى، وتاريخ خليفة- ص 109.
والحديقة هي الحائط (الطبري 3/ 300) أو البستان المسوّر بالجدران. والبساتين كثيرة في قرى اليمامة.(3/38)
فَإِنِّي سَأَمْنَعُ أَدْبَارَكُمْ، فَقَاتَلَ دُونَهُمْ سَاعَةً وَقُتِلَ، وَقَالَ مُسَيْلِمَةُ: يَا قَوْمُ قَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى قُتِلَ مُسَيْلِمَةُ.
وَحَدَّثَنِي مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ [1] .
وَقَالَ الْمُوَقِّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَاتَلَ خَالِدٌ مُسَيْلِمَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرُ الْعَرَبِ عَدَدًا وَأَشَدُّهُ شَوْكَةً، فَاسْتُشْهِدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي حُنَيْفَةَ، وَقُتِلَ مُسَيْلِمَةُ، قَتَلَهُ وَحْشِيٌّ بَحَرْبَةٍ [2] .
وَكَانَ يُقَالُ: قَتَلَ وَحْشِيٌّ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَّ أَهْلِ الْأَرْضِ [3] .
وَعَنْ وَحْشِيٌّ قَالَ: لَمْ أَرَ قَطُّ أَصْبَرَ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ أَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ دَخَلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَتَحَنَّطَ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الصَّفَّ وَالنَّاسُ مُنْهَزِمُونَ فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ وُجُوهِنَا، فَضَارَبَ الْقَوْمَ ثُمَّ قَالَ: بِئْسَمَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ، مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُشْهِدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [4] .
وَقَالَ الْمُوَقِّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ثُمَّ تَحَصَّنَ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ سَتَّةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ فِي حِصْنِهِمْ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ خَالِدٍ فَاسْتَحْيَاهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: وَعَمَدَتْ بَنُو حُنَيْفَةَ حِينَ انْهَزَمُوا إِلَى الْحُصُونِ فَدَخَلُوهَا، فَأَرَادَ خَالِدٌ أَنْ يُنْهِدَ إِلَيْهِمُ الْكَتَائِبَ، فلم
__________
[1] تاريخ خليفة 109، وتاريخ الطبري 3/ 288 و 299، والكامل لابن الأثير 2/ 362.
[2] عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رجلا يومئذ يصرح يقول: قتله العبد الأسود. (تاريخ خليفة 109، تاريخ الطبري 3/ 291) .
[3] كان وحشيّ يقول: «قتلت خير الناس في الجاهلية وشرّ الناس في الإسلام» . (أسد الغابة لابن الأثير 5/ 83) .
[4] في الحديث أنه كان مع سالم مولى أبي حذيفة فقالا: مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها، فقاتلا حتى قتلا. (مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 322) .(3/39)
يَزَلْ مُجَّاعَةُ حَتَّى صَالَحَهُ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ وَالْكُرَاعِ، وَعَلَى نِصْفِ الرَّقِيقِ، وَعَلَى حَائِطٍ مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ، فَتَقَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ [1] .
وَقَالَ سَلَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ قَاتِلُوا وَلَا تُقَاضُوا خَالِدًا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّ الْحِصْنَ حَصِينٌ، وَالطَّعَامُ كَثِيرٌ، وَقَدْ حَضَرَ النِّسَاءُ، فقال مجّاعة: لا تطيعوه فإنّه مشئوم. فَأَطَاعُوا مُجَّاعَةَ. ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْبَرَاءَةِ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ سَائِرُهُمْ [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، إِنَّ خَالِدًا قَالَ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ وَمِنْكُمْ نَبِيٌّ، فَعَرَضَهُمْ عَلَى السَّيْفِ، يَعْنِي الْعِشْرِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ مُجَّاعَةَ بْنِ مُرَارَةَ، وَأَوْثَقَهُ هُوَ فِي الْحَدِيدِ، ثُمَّ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ كَشَفَ النَّاسُ: لَا نَجَوْتُ بَعْدَ الرِّجَالِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [3] .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ أَبَا مريم الحنفي [4] قتل زيدا.
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: رَمَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ مُحَكَّمَ الْيَمَامَةِ بْنَ طُفَيْلٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ [5] .
قُلْتُ: وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ مَتَى كَانَتْ: فَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ [6] ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ [7] : كَانَتْ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ.
قَالَ عَبْد الباقي بن قانع: كانت في آخر سنة إحدى عشرة.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 298.
[2] تاريخ الطبري 3/ 299.
[3] تاريخ الطبري 3/ 290.
[4] هو القاضي. انظر الطبري 4/ 95، وتاريخ خليفة- ص 108.
[5] تاريخ الطبري 3/ 288، تاريخ خليفة- ص 109.
[6] لم يقل خليفة ما ذكره الذهبي، وإنّما ذكر حوادث الوقعة في السنة الحادية عشرة. (تاريخ خليفة 107 وما بعدها) .
[7] انظر تاريخه- ج 3/ 281 وما بعدها.(3/40)
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: كَانَتِ الْيَمَامَةُ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. فَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُمِائَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، ومعن ابن عِيسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ وَغَيْرُهُمْ.
قُلْتُ: وَلَعَلَّ مَبْدَأَ وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ كَانَ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ كَمَا قَالَ ابْنُ قَانِعٍ، وَمُنْتَهَاهَا فِي أَوَائِلِ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فَإِنَّهَا بَقِيَتْ أَيَّامًا لِمَكَانِ الْحِصَارِ. وَسَأُعِيدُ ذِكْرَهَا وَالشُّهَدَاءِ بِهَا فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ إن شاء الله.
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 111.(3/41)
الْمُتَوَفَّوْنَ هَذِهِ السَّنَةَ
وَفَاةُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
كُنْيَتُهَا فِيمَا بَلَغَنَا أُمُّ أَبِيهَا [1] ، دَخَلَ بِهَا عَلِيٌّ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَقَدِ اسْتَكْمَلَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ.
رَوَى عَنْهَا: ابْنُهَا الْحُسَيْنُ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَأَنَسٌ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيْهَا فِي مَرَضِهِ.
وَقَالَتْ لِأَنَسٍ: كَيْفَ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تُحْثُوَا التُّرَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. وَلَهَا مَنَاقِبُ مَشْهُورَةٌ وَلَقَدْ جَمَعَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ [2] . وَكَانَتْ أَصْغَرَ مِنْ زَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ، وَانْقَطَعَ نَسَبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْهَا، لأنّ أمامة
__________
[1] مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لابن المغازلي- ص 213 رقم 392 من طريق كثير بن يزيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وذيل المذيّل للطبري 499.
[2] في المستدرك على الصحيحين 3/ 151 وما بعدها.(3/43)
بِنْتَ بِنْتِهِ زَيْنَبَ تَزَوَّجَتْ بِعَلِيٍّ، ثُمَّ بَعْدَهُ بِالْمُغِيرَةِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَجَاءَهَا مِنْهُمَا أَوْلَادٌ.
قَالَ الزُّبَيْر بْنُ بَكَّارٍ [1] : انْقَرَضَ عَقِبُ زَيْنَبَ.
وَصَحَّ عَنِ الْمِسْوَرِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» [2] . وَفِي فَاطِمَةَ وَزَوْجِهَا وَبَنِيهَا نَزَلَتْ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 33: 33 [3] فَجَلَّلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِسَاءٍ وَقَالَ:
«اللَّهمّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» [4] . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ [5] ، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قِيلَ لَهَا: أي الناس كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فَاطِمَةُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَمِنَ الرِّجَالِ زَوْجُهَا، وَإِنْ كَانَ ما علمت قوّاما.
__________
[1] نسب قريش- ص 22.
[2] أخرجه البخاري في النكاح 6/ 158 باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغير والإنصاف، وأبو داود في النكاح 2/ 226 رقم 2071 باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، والترمذي في المناقب 5/ 359 رقم 3959 باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، وأحمد في المسند 4/ 328، وانظر مناقب علي لابن المغازلي 235 و 236 رقم 428 و 429.
[3] سورة الأحزاب- الآية 33.
[4] رواه الترمذي في المناقب 5/ 361 رقم 3963 باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، من طريق سفيان، عن زبيد، عن شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلّل على الحسن والحسين وعليّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بيتي وحامتي، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله! قال: «إنّك على خير» . وهو حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.
[5] في المناقب 5/ 362 رقم (3965) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، رواه عن حسين بن يزيد الكوفي، عن عبد السلام بن حرب، عن أبي الجحّاف، عن جميع بن عمير التيميّ قال: دخلت مع عمّتي على عائشة فسئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟
قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، قالت: زوجها، إن كان ما علمت صوّاما قوّاما» .
هذا حديث حسن غريب.(3/44)
وَفِي التِّرْمِذِيِّ [1] ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا: «أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ» . وَقَدْ أَخْبَرَهَا أَبُوهَا أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي مَرَضِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَخَلَّفَتْ مِنَ الْأَوْلَادِ: الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ، وَزَيْنَبَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ. فَأَمَّا زَيْنَبُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهَ وَوَلَدَتْ لَهُ عَوْنًا وَعَلِيًّا. وَأَمَّا أُمُّ كُلْثُومٍ فَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ قَتْلِ عُمَرَ عَوْنُ بْنُ جَعْفَرٍ فَمَاتَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا أَخُوهُ [2] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَمَاتَتْ عِنْدَهُ. قَالَهُ الزُّهْرِيُّ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أبي البختري قال: قَالَ عَلِيٌّ لِأُمِّهِ: اكْفِي فَاطِمَةَ الْخِدْمَةَ خَارِجًا، وَتَكْفِيكِ الْعَمَلَ فِي الْبَيْتِ: الْعَجْنَ وَالْخَبْزَ وَالطَّحْنَ. أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ، عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ فَاطِمَةَ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَقَالَ لَهَا: «كَيْفَ تَجِدِينَكِ» ؟ قَالَتْ: إِنِّي وَجِعَةٌ وإنّه ليزيدني أنّي ما لي طَعَامٌ آكُلُهُ، قَالَ: «يَا بُنَيَّةَ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ الْعَالَمِينَ» ، قَالَتْ: فَأَيْنَ مَرْيَمُ؟ قَالَ: «تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِكِ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ [3] ، وَأَيْضًا فقد سقط بين كثير وعمران رجل.
__________
[1] في المناقب 5/ 360 رقم (3962) ولفظه: «أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم» وقال:
هذا حديث غريب إنّما نعرفه من هذا الوجه.
[2] في (ع) ومنتقى أحمد الثالث: أخوهما.
[3] الحديث ضعيف كما قال الحافظ، ولكن يقوّيه ما في صحيح البخاري 4/ 183 في المناقب، من حديث السيدة عائشة، قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنة. ونساء المؤمنين ... » .(3/45)
وَقَالَ عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ، وَآسِيَةُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [1] . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ [2] عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: (خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعٌ) [3] وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: (حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعٌ [4] ) وَذَكَرَهُنَّ. وَيُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ مَيْسَرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ كَلَامًا وَحَدِيثًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ، وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا كَمَا كَانَتْ هِيَ تَصْنَعُ بِهِ، وَقَدْ شَبَّهَتْ عَائِشَةُ مِشْيَتَهَا بِمِشْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5] . وَقَدْ كَانَتْ وَجَدَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حِينَ طَلَبَتْ سَهْمَهَا مِنْ فَدَكٍ، فَقَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ما تركنا صدقة» [6] .
__________
[1] ورواه الحاكم في المستدرك 3/ 160 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 376.
[2] هكذا في النسخ، وفي نسخة دار الكتب «البخاري» .
[3] رواه الحاكم في المستدرك 3/ 154 وقال: تفرّد مسلم بإخراج حديث أبي موسى، وابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 377.
[4] رواه الحاكم في المستدرك 3/ 158 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، فإنّ قوله صلى الله عليه وسلّم: «حسبك من نساء العالمين يسوي بين نساء الدنيا» .
[5] رواه أبو داود في الأدب 4/ 355 رقم (5217) باب ما جاء في القيام، والترمذي في المناقب 5/ 361، 362 رقم (3964) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، والحاكم في المستدرك 3/ 154 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه أيضا في ج 3/ 160، وابن سعد في الطبقات 8/ 26، 27.
[6] مرّ تخريج هذا الحديث في الصفحة 21، وانظر طبقات ابن سعد 8/ 28.(3/46)
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنِ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا فَاطِمَةُ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ، فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَتْ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ إِلَّا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَرْضَاتِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، إِنَّ فَاطِمَةَ عَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَدُفِنَتْ لَيْلًا [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [2] : هَذَا أَثْبَتُ الْأَقَاوِيلِ عِنْدَنَا. وَقَالَ: وَصَلَّى عَلَيْهَا الْعَبَّاسُ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا هُوَ وَعَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ [3] .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ: مَاتَتْ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً [4] أَوْ نَحْوِهَا، وَدُفِنَتْ لَيْلًا.
وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الْحَارِثِ قَالَ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ تُذَوِّبُ [5] .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: مَاتَتْ بَعْدَ أَبِيهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ [6] . وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيُّ أَنَّهَا توفيت بعده بثلاثة أشهر [7] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 28 و 29.
[2] ابن سعد 8/ 28، والحاكم في المستدرك 3/ 162، والطبري في الذيل 498.
[3] ابن سعد 8/ 29.
[4] وقيل: وهي ابنة تسع وعشرين. (المستدرك 3/ 162) وابن سعد 8/ 28، وذيل المذيّل للطبري 498.
[5] من الحزن.
[6] الحاكم في المستدرك 3/ 162.
[7] ابن سعد في الطبقات 8/ 28، وذيل المذيّل للطبري 498.(3/47)
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبِيهَا شَهْرَانِ. وَهَذَا غَرِيبٌ [1] .
قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ سِنَّهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِنْتَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، كَانَ مَوْلِدُهَا وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ، وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ. قَالَ قُتَيْبَةُ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ، وَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ، أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: إِنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ: يُطْرَحُ على المرأة الثّوب فيصفها، فقالت: يا بنت رَسُولِ اللَّهِ أَلَا أُرِيَكِ شَيْئًا رَأَيْتُهُ بِالْحَبَشَةِ؟ فَدَعَتْ بُجَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَحَنَّتْهَا ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْبًا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ، إِذَا مِتُّ فَغَسِّلِينِي أَنْتِ وَعَلِيٌّ، وَلَا يَدْخُلَنَّ عَلَيَّ أَحَدٌ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ جَاءَتْ عَائِشَةُ [2] تَدْخُلُ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لَا تَدْخُلِي، فَشَكَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى الْبَابِ فَكَلَّمَ أَسْمَاءَ فَقَالَتْ: هِيَ أَمَرَتْنِي، قَالَ: فَاصْنَعِي مَا أَمَرَتْكِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ [3] : فَهِيَ أَوَّلُ مَنْ غَطَّى نَعْشَهَا فِي الْإِسْلَامِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ.
وَفَاةُ أُمِّ أَيْمَنَ
مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاضِنَتِهِ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، وَاسْمُهَا بَرَكَةُ، مِنْ كِبَارِ الْمُهَاجِرَاتِ، وَقَدْ زَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَتْ، فَقَالَ لَهَا أبو بكر: أتبكين! ما عند الله
__________
[1] رواه الحاكم في المستدرك 3/ 163.
[2] «عائشة» ساقطة من منتقى أحمد الثالث.
[3] في الاستيعاب 4/ 378، 379.(3/48)
خَيْرٌ لِرَسُولِهِ. فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي لِذَلِكَ، وَلَكِنْ أَبْكِي لِأَنَّ الْوَحْيَ انْقَطَعَ عَنَّا مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُمَا، عَلَى الْبُكَاءِ [1] .
تُوُفِّيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ [2] . وَهِيَ أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
وَمِنْ مَنَاقِبِ أُمِّ أَيْمَنَ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَمَّا هَاجَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ أَمْسَتْ بِدُونِ الرَّوْحَاءِ [3] فَعَطِشَتْ وَلَيْسَ مَعَهَا مَاءٌ، فَدُلِّيَ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ دَلْوٌ فَشَرِبَتْ، فَكَانَتْ تَقُولُ: ما عطشت بعدها، عطشت وَلَقَدْ تَعَرَّضْتُ لِلْعَطَشِ فَأَصُومُ فِي الْهَوَاجِرِ فَمَا عَطِشْتُ [4] .
وَعَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ قَالَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «سَبَّتَ» اللَّهُ أَقْدَامَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْكُتِي يَا أُمَّ أَيْمَنَ فَإِنَّكِ عَثْرَاءُ اللِّسَانِ» [5] . وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا بَقِيَتْ إِلَى أَوَّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ [6] .
(وَفَاةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) قِيلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَدِيمًا، لَكِنْ لَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِمَشْهَدٍ، جُرِحَ يَوْمَ الطَّائِفِ، رَمَاهُ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ أَبُو مِحْجَنٍ الثَّقَفِيُّ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَأَلَّمُ مِنْهُ، ثمّ اندمل الجرح، ثمّ إنّه انتقض عَلَيْهِ. وَتُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عُمَرُ، وَطَلْحَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَخُوهُ. ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جرير وغيره [7] . وقيل هو
__________
[1] رواه مسلم في فضائل الصحابة (2454) باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنهما، وابن ماجة في الجنائز 1/ 524 رقم 1635، وابن سعد في الطبقات 8/ 226، وابن الأثير في أسد الغابة 5/ 567، وأبو نعيم في الحلية 2/ 68.
[2] أسد الغابة 5/ 568.
[3] الرّوحاء: بين المدينة ومكة، من عمل الفرع. (معجم البلدان 3/ 76) .
[4] حلية الأولياء 2/ 67.
[5] طبقات ابن سعد 8/ 225 وفيه «عسراء اللّسان» .
[6] طبقات ابن سعد 8/ 229 وكذا قال مصعب بن عبد الله. انظر المستدرك للحاكم 4/ 64.
[7] تاريخ الرسل والملوك 3/ 241، وتاريخ خليفة- ص 117 وانظر عنه: نسب قريش- ص 277، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 261، وثمار القلوب للثعالبي 88 و 294، والمعرفة(3/49)
الَّذِي كَانَ يَأْتِي بِالطَّعَامِ وَبِأَخْبَارِ قُرَيْشٍ إِلَى الْغَارِ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ.
عُكَّاشَةُ [1] بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ
أَبُو مِحْصَنٍ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ فِي حَدِيثِ «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» وَهُوَ أَيْضًا بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ، اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَرِيَّةِ الْغَمْرِ [2] فَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا.
وَيُرْوَى عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُكَّاشَةُ ابْنُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ بِبُزَاخَةَ [3] فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ الرِّجَالِ.
__________
[ () ] والتاريخ للفسوي 2/ 117، والمعارف لابن قتيبة 172، 173، والاستيعاب لابن عبد البرّ 3/ 874، 875 رقم 1484، والتاريخ الكبير للبخاريّ 5/ 2 رقم 2، وأسد الغابة لابن الأثير 3/ 199، وتهذيب الأسماء للنووي ق 1 ج 1/ 262 رقم 289، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 338، والوافي بالوفيات للصفدي 17/ 85 رقم 72، والإصابة لابن حجر 2/ 283، 284 رقم 4528، وعيون التواريخ للكتبي 1/ 497.
[1] عكّاشة: بضمّ العين وتخفيف الكاف، وقيل بتشديدها. انظر عنه: طبقات ابن سعد 3/ 92، وطبقات خليفة 35، وتاريخ خليفة 102، 103، والتاريخ الكبير 7/ 86، والتاريخ الصغير 1/ 34، والمعارف 273، 274، والمحبّر 86 و 87 و 122، وأنساب الأشراف 1/ 301 و 308 و 372 و 376، والجرح والتعديل 7/ 39، رقم 210 ومشاهير علماء الأمصار 16 رقم 50، وربيع الأبرار 4/ 202، وفتوح البلدان 1/ 114، 115، وحلية الأولياء 2/ 12، 13 رقم 102، والاستيعاب 8/ 112، وأسد الغابة 4/ 67، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 338، والعبر 1/ 13، وسير أعلام النبلاء 1/ 307، 308 رقم 60، ومجمع الزوائد 9/ 304، والعقد الثمين 6/ 116، 117، والإصابة 7/ 32، وشذرات الذهب 1/ 36، والبدء والتاريخ 5/ 104.
[2] كذا في الأصل، وسير أعلام النبلاء 1/ 307 وفي أنساب الأشراف 1/ 376 «غمر مرزوق:
على ليلتين من فيد» . وفي معجم البلدان 4/ 212 «الغمرة» ، وكذا في سيرة ابن هشام 2/ 612 قال ياقوت: وهو منهل من مناهل طريق مكة، ومنزل من منازلها. وهو فصل ما بين تهامة ونجد. وقال ابن الفقيه: غمرة من أعمال المدينة، على طريق نجد، أغزاها النبيّ صلى الله عليه وسلّم، عكاشة بن محصن، في أربعين رجلا فذهبوا إلى الغمر، فعلم القوم بمجيئه فهربوا، ونزل على مياههم وأرسل عيونه، فعرفوا مكان ماشيتهم فغزاها، فوجد مائتي بعير، فساقها إلى المدينة.
[3] قال الحاكم في المستدرك 3/ 228: وبزاخة: ماء لبني أسد كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبي بكر الصّدّيق مع طليحة بن خويلد الأسدي.(3/50)
كَذَا رُوِيَ أَنَّ بُزَاخَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا سَنَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ. قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ الَأسَدِيُّ [1] . وَقَدْ أَبْلَى عُكَّاشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ بَلَاءً حَسَنًا، وَانْكَسَرَ فِي يَدِهِ سَيْفٌ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْجُونًا أَوْ عُودًا فَعَادَ سَيْفًا، فَقَاتَلَ بِهِ، ثُمَّ شَهِدَ بِهِ الْمَشَاهِدِ [2] .
رَوَى عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ [3] وَابْنُ عَبَّاسٍ.
ثَابِتُ [4] بْنُ أَقْرَمَ [5]
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَجْلَانَ، وَبَنُو الْعَجْلَانِ حُلَفَاءُ بَنِي زَيْدِ [6] بْنِ مَالِكِ [7] بْنِ عَوْفٍ. شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، سَيَّرَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ عُكَّاشَةَ طَلِيعَةً عَلَى فَرَسَيْنِ، فَقَتَلَهُمَا طُلَيْحَةُ وأخوه. وذكر
__________
[1] في طبقات ابن سعد 3/ 92، 93 عن الواقدي: «وأقبل خالد بن الوليد ومعه المسلمون فلم يرعهم إلا ثابت بن أقرم قتيلا تطؤه المطيّ، فعظم ذلك على المسلمين، ثم لم يسيروا إلّا يسيرا حتى وطئوا عكاشة قتيلا، فثقل القوم على المطيّ، كما وصف واصفهم، حتى ما تكاد المطيّ ترفع أخفافها» . «فوقفنا عليهما حتى طلع خالد يسيرا فأمرنا فحفرنا لهما ودفنّاهما بدمائهما وثيابهما، ولقد وجدنا بعكاشة جراحات منكرة» .
[2] رواه ابن هشام في السيرة 1/ 637، بدون سند. وابن كثير في السيرة 2/ 447 وقال: روى البيهقي، عن الحاكم، من طريق محمد بن عمر الواقدي، حدّثني عمر بن عثمان الخشنيّ، عن أبيه، عن عمّته، قال عكاشة: «انْقَطَعَ سَيْفِي يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عُودًا فَإِذَا هُوَ سيف أبيض طويل، فقاتلت به حتى هزم الله المشركين، ولم يزل عنده حتى هلك» .
والخبر ضعيف لضعف الواقدي.
[3] في المنتقى، نسخة أحمد الثالث «الزهري» بدل «أبو هريرة» وهو وهم.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 466، 467، والجرح والتعديل 2/ 448 رقم 1803، والمعرفة والتاريخ 3/ 257، وتهذيب تاريخ دمشق 3/ 365- 367، وفتوح البلدان 1/ 114، 115، وتاريخ خليفة 102، 103، وتهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 139، وعيون التواريخ 1/ 495، وجمهرة أنساب العرب 443، وتاريخ الطبري 2/ 640 و 3/ 40 و 254، والاستيعاب 1/ 74، وأسد الغابة 1/ 220، والوافي بالوفيات 10/ 453 رقم 4940، والإصابة 1/ 190 رقم 872.
[5] في المنتقى لابن الملّا، والسيرة الحلبية، وتهذيب الأسماء 1/ 139 رقم 91 «أرقم بدل «أقرم» وهو تحريف.
[6] في نسخة دار الكتب «يزيد» وهو وهم.
[7] كذا في الأصل. وفي الأنساب، وعجالة المبتدي، ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب:
«زيد بن غنم بن سالم بن عوف» .(3/51)
الْوَاقِدِيُّ أَنَّ قَتْلَهُمَا كَانَ يَوْمَ بُزَاخَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، كَذَا قَالَ [1] . وَكَانَ ثَابِتٌ مِنْ سَادَةِ الْأَنْصَارِ.
الْوَلِيدُ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ [2] بن المغيرة المخزوميّ
أخو أبي عُبَيْدَةَ، قُتِلَا بِالْبُطَاحِ [3] مَعَ عَمِّهِمَا خَالِدٍ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَأَبُوهُمَا هُوَ الَّذِي سَارَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَقِصَّتُهُ مشهورة. تأخّرت وفاته [4] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 467.
[2] الاستيعاب 3/ 637، وأسد الغابة 5/ 92، والإصابة 3/ 638، 639 رقم 9148، نسب قريش. 33.
[3] البطاح: بضم الباء. ماء في ديار بني أسد.
[4] كتب في حاشية الأصل هنا: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسح الله في مدّته، في الميعاد الثالث عشر، وللَّه الحمد» .(3/52)
سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
فِي أَوَائِلِهَا- عَلَى الْأَشْهَرِ- وَقْعَةُ الْيَمَامَةِ، وَأَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَرَأْسُ الْكُفْرِ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ. وَاسْتُشْهِدَ خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.
أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ
[1] بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافَ بْنِ قُصَيٍّ. قِيلَ اسْمُهُ مَهْشَم [2] ، أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ، وشهد بدرا وما بعدها، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ إِلَى الْحَبَشَةِ [3] ، فَوُلِدَ لَهُ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ- الَّذِي حَرَّضَ الْمِصْرِيِّينَ عَلَى قِتَالِ عُثْمَانَ- مِنْ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو.
وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: دَعَا أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ أَبَاهُ إِلَى الْبِرَازِ، فَقَالَتْ أُخْتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، وهي والدة معاوية:
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 84، 85، تاريخ خليفة 111، المعارف 272، الاستيعاب 4/ 39، 40، أسد الغابة 6/ 70- 72، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 212، العبر 1/ 14، سير أعلام النبلاء 1/ 164- 167 رقم 13، العقد الثمين 3/ 295، الإصابة 4/ 42، 43 رقم 264.
[2] وقيل: هشيم، وقيل: هاشم، وقيل: قيس.
[3] في سير أعلام النبلاء 1/ 165 «هاجر إلى الحبشة مرتين» .(3/53)
الْأَحْوَلُ الْأَثْعَلُ الْمَلْعُونُ [1] طَائِرُهُ ... أَبُو حُذَيْفَةَ شَرُّ النَّاسِ فِي الدِّينِ
أَمَا شَكَرْتَ أَبًا رَبَّاكَ مِنْ [2] صِغَرٍ ... حَتَّى شَبَبْتَ شَبَابًا غَيْرَ مَحْجُونِ [3]
قال: وكان أبو حذيفة طويلا، حسن الوجه، مرادف الأسنان- وهو «الأثعل» - وكان أحول، وقتل يوم اليمامة وله ثلاث وخمسون سنة، رضي الله عنه [4] .
سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ [5] ابْنِ عُتْبةَ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: هُوَ سَالِمُ بْنُ مَعْقِلٍ، أَصْلُهُ مِنْ إِصْطَخْرَ، وَالَى أَبَا حُذَيْفَةَ. وَإِنَّمَا أَعْتَقَتْهُ ثُبَيْتَةُ [6] بِنْتُ يَعَارَ [7] الْأَنْصَارِيَّةُ زَوْجَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَتَبَنَّاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ فقالت: سالم معي، وقد أدرك ما
__________
[1] في طبقات ابن سعد 3/ 85، وأسد الغابة 6/ 71 «المشئوم» وفي سير أعلام النبلاء 1/ 166 «المذموم» .
[2] في المنتقى نسخة أحمد الثالث، ونسخة دار الكتب «في» .
[3] المحجون: من حجن يحجنه حجنا. عطفه. والمحجن: العصا المعوجّة.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 85.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 85- 88، والتاريخ الكبير 4/ 107 رقم 2131، والتاريخ الصغير 1/ 38، 40، والمعارف 273، ومشاهير علماء الأمصار 23 رقم 101، وجمهرة أنساب العرب 77، والمحبّر 71، 72 و 288 و 418، وأنساب الأشراف 1/ 224 و 239 و 258 و 264 و 270 و 297 و 469، والمعرفة والتاريخ 2/ 538 و 3/ 367، والاستبصار 294- 296، وحلية الأولياء 1/ 176- 178 رقم 29، والاستيعاب 4/ 101- 104، وأسد الغابة 2/ 307- 309، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 206، 207 رقم 195، وعيون التواريخ 1/ 496، والوافي بالوفيات 15/ 91 رقم 122، الإصابة 2/ 6- 8 رقم 3052.
[6] ويقال بثينة. (الإصابة 2/ 6) وكذا في النسخ الخطّيّة لعيون التواريخ 1/ 496 حاشية رقم 2.
[7] قيل «يعار» ، وقيل «تعار» . (أسد الغابة) .(3/54)
يُدْرِكُ الرِّجَالُ، فَقَالَ: «أَرْضِعِيهِ فَإِذَا أَرْضَعْتِيهِ [1] فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْكِ مَا يَحْرُمُ مِنْ ذِي الْمَحْرَمِ» ، فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: أَبَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ عَلَيْهِنَّ بِهَذَا الرَّضَاعِ، وَقُلْنَ: إِنَّمَا هَذَا رُخْصَةٌ من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً [2] .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمْ [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَثَّنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ:
كَانَ سَالِمُ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ بِقُبَاءٍ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] .
وَقَالَ حنظلة بن أبي سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَبْطَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: مَا حَبَسَكِ؟ قُلْتُ: إِنَّ فِي الْمَسْجِدِ لَأَحْسَنَ مَنْ سَمِعْتُ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَخَرَجَ يَسْمَعُهُ، فَإِذَا هُوَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذيْفَةَ فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَكَ [5] » . إِسْنَادُهُ قويّ.
__________
[1] كذا في الأصل بإثبات الياء، والأصح بحذفها.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 87 ورجاله ثقات، لكنه مرسل، ورواه أحمد في المسند 6/ 201 بسند متّصل، ومسلم (1453/ 28) في الرضاع، باب رضاعة الكبير، والنسائي في النكاح 6/ 105 باب رضاع الكبير، من طريق ابن جريج، أخبرنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عن عائشة، وأخرجه مسلم (1453) والنسائي 6/ 104، وابن ماجة (1943) من طريق سفيان بن عيينة، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة، وأخرجه أحمد 6/ 228، وأبو داود (2061) في النكاح، باب من حرم به، وعبد الرزّاق في «المصنّف» رقم 13886 و 13887 من طريق ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة. وأخرجه مالك في الموطّأ- ص 375 في الرضاع، من طريق الزهري، عن عروة، عن أبي حذيفة.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 87.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 87 والواقديّ متروك.
[5] رجاله ثقات، وإسناده صحيح. أخرجه أحمد في المسند 6/ 165، وأبو نعيم في الحلية(3/55)
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ نَزَلُوا بِالْعُصْبَةِ إِلَى جَنْبِ قُبَاءٍ، فَأَمَّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، فِيهِمْ عُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ [1] .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ [2] .
فِي «مُسْنَدِ أَحْمَدَ» : نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَفَاتِي مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِ اللَّهِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ [3] : أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَشَرْتَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَائْتَمَنَكَ النَّاسُ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَائْتَمَنَهُ النَّاسُ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصًا سَيِّئًا [4] ، وَإِنِّي جَاعِلٌ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ السّنّة، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَدْرَكَنِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ ثُمَّ جَعَلْتُ إِلَيْهِ الْأَمْرَ فَوَثِقْتُ [5] بِهِ: سَالِمٌ مَوْلَى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجرّاح [6] .
__________
[1] / 371، والحاكم في المستدرك 3/ 226 وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيصه. ورواه ابن الأثير في أسد الغابة 2/ 308، وابن حجر في الإصابة 2/ 7 من طريق ابن المبارك.
[1] أخرجه البخاري في الأذان، رقم (692) باب إمامة العبد والمولى، و (7175) في الأحكام، باب استقصاء الموالي واستعمالهم، وأبو نعيم في الحلية 1/ 177، وابن سعد في الطبقات 3/ 87، 88.
وقد استشكل ذكر أبي بكر في الرواية الثانية للبخاريّ، وأجاب البيهقي باستمرار إمامته حتى قدم أبو بكر فأمّهم أيضا.
[2] ذكره الحافظ في سير أعلام النبلاء 1/ 169 وقال: «هذا منقطع» .
[3] «زيد» ساقطة من نسخة (ح) .
[4] هكذا في الأصل، وسير أعلام النبلاء 1/ 170، وفي نسخة دار الكتب «شديدا» .
[5] هكذا في الأصل، وفي نسخة (ح) ، ونسخة دار الكتب، والمنتقى نسخة أحمد الثالث، وسير أعلام النبلاء 1/ 170 «لوثقت» .
[6] مسند أحمد 1/ 20 وإسناده ضعيف لضعف عليّ بن زيد بن جدعان. إذ قال الذهبي في السير: «علي بن زيد ليّن، فإن صحّ هذا، فهو دالّ على جلالة هذين في نفس عمر، وذلك على أنه لا يجوّز الإمامة في غير القرشيّ، والله أعلم» .(3/56)
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «استقرءوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» [1] . وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ: لَمَّا انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ قَالَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ: مَا هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحفر لِنَفْسِهِ حُفْرَةً، فَقَامَ فِيهَا وَمَعَهُ رَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ [2] .
وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [3] بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ: إِنَّ سَالِمًا بَاعَ عُمَرَ مِيرَاثَهُ [4] ، فَبَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَأَعْطَاهَا أُمَّهُ فَقَالَ: كُلِيهَا [5] .
وَقَالَ غَيْرُهُ: وُجِدَ سَالِمٌ وَمَوْلَاهُ رَأْسُ أَحَدِهِمَا عِنْدَ رِجْلَيِ الْآخَرِ صَرِيعَيْنِ [6] .
وَقَدْ شَهِدَ سَالِمٌ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ.
شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ
[7] بْنِ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيُّ أَبُو وهب، مهاجريّ بدريّ.
__________
[1] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم 4/ 218 مناقب سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، وباب مناقب عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفي مناقب الأنصار 4/ 228 باب مناقب معاذ بن جبل رضي الله عنه، ومسلم، 4/ 1914 رقم 118 في فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمّه، رضي الله تعالى عنهما، وأحمد في المسند 2/ 189 و 195.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 88 والواقديّ متروك.
[3] في نسخة (ح) «عبيد الله» وهو خطأ، والتصحيح من الأصل، وطبقات ابن سعد.
[4] في نسخة دار الكتب «ميزانه» وهو تصحيف.
[5] رواه ابن سعد 3/ 88.
[6] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 225، وابن سعد في الطبقات 3/ 88 وفيه الواقديّ.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 94، 95، تاريخ خليفة 79 و 98 و 111، أنساب الاشراف 1/ 200، الجرح والتعديل 4/ 378، أسد الغابة 3/ 386، المحبّر 72 و 76، الوافي بالوفيات 16/ 116، 117 رقم 127، العقد الثمين 5/ 5، الإصابة 2/ 138 رقم 3841.(3/57)
كَانَ رَجُلًا طِوَالًا نَحِيفًا أَجْنًى [1] ، وَقَدْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ، يُقَالُ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْسِ بْنِ خَوْلِيٍّ [2] .
وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَرِيَّةٍ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا، فَأَصَابُوا نَعَمًا وَشَاءً [3] .
وَكَانَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شَمِرٍ الْغَسَّانِيِّ، بِدِمَشْقٍ بِالْغُوطَةِ، فَلَمْ يُسْلِمْ، وَأَسْلَمَ حَاجِبُهُ مُرَيٌّ [4] .
وَشَهِدَ شُجَاعٌ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ عَنْ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً [5] .
وَكَانَ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ.
زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ [6] م د
ابْنُ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيُّ [7] الْقُرَشِيُّ أَبُو عَبْدِ الرحمن. كان أسنّ من عمر،
__________
[1] هكذا في الأصل، ولغة في المهموز «أجنأ» كما في طبقات ابن سعد، أي في ظهره أو عنقه ميل. (النهاية لابن الأثير، والقاموس المحيط للفيروزآبادي) .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 94 عن الواقدي.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 94.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 94.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 95.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 376- 378، نسب قريش 347، 348، طبقات خليفة 22، تاريخ خليفة 108 و 112، التاريخ الصغير 1/ 34، تاريخ الطبري 3/ 290، الجرح والتعديل 3/ 562 رقم 2539، جمهرة أنساب العرب 151 و 311، الأخبار الموفقيات 600، مشاهير علماء الأمصار 11 رقم 27، أنساب الأشراف 1/ 57 و 308، المحبّر 73 و 403، حلية الأولياء 1/ 367، 368 رقم 73، الاستيعاب 2/ 550 رقم 846، أسد الغابة 2/ 285، 286، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 203، 204، تهذيب الكمال 1/ 456، العبر 1/ 14، الكاشف 1/ 266 رقم 1752، سير أعلام النبلاء 1/ 297- 299 رقم 57، العقد الثمين 4/ 473- 476، الوافي بالوفيات 15/ 39، 40 رقم 40، تهذيب التهذيب 3/ 411، الإصابة 4/ 52، خلاصة تذهيب الكمال 128، عيون التواريخ 1/ 495.
[7] ما بين الحاصرتين زيادة من المنتقى. نسخة أحمد الثالث.(3/58)
وَأَسْلَمَ قَبْلَهُ. وَكَانَ طَوِيلًا بِمِرَّةٍ [1] ، أَسْمَرَ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ.
قَالَ لَهُ عُمَرُ يَوْمَ أُحُدٍ [2] . خُذْ دِرْعِي، قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ مِنَ الشَّهَادَةِ كَمَا تُرِيدُ، فَتَرَكَاهَا [3] .
وَكَانَ لَهُ مِنْ لُبَابَةَ بِنْتِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَلَدٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ [4] .
وَقِيلَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ زَيْدٍ وَمَعْنِ بْنِ عَدِيٍّ الْعَجْلَانِيِّ، وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ [5] .
وَقَدْ رَوَى عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ» . الْحَدِيثَ [6] .
وَجَاءَ أَنَّ رَايَةَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ كَانَتْ مَعَ زَيْدٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَقَدَّمُ بِهَا فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَأَخَذَهَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. وَكَانَ زَيْدٌ يَقُولُ وَيَصِيحُ: اللَّهمّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ فِرَارِ أَصْحَابِي وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ به مسيلمة ومحكّم بن الطّفيل [7] .
__________
[1] في طبقات ابن سعد 3/ 377 «طويلا بائن الطول» ، وفي سير أعلام النبلاء 1/ 298 «أسمر طويلا جدا» .
[2] هكذا في الأصل، وطبقات ابن سعد 3/ 378، والمنتقى نسخة أحمد الثالث، وفي نسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا، وسير أعلام النبلاء 1/ 298 «يوم بدر» ، وكذا في متن النسخة (ح) «بدر» وفي الحاشية «أحد» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 378، وسير أعلام النبلاء 1/ 298.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 377.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 377، سير أعلام النبلاء 1/ 298.
[6] رواه أحمد في المسند 4/ 36 وفيه «يزيد» بدل «زيد» وهو وهم، والحديث: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في حجّة الوداع: «أرقّاءكم أرقّاءكم أطعموهم ممّا تأكلون واكسوهم ممّا تلبسون، فإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذّبوهم» . ورواه ابن سعد في الطبقات 3/ 377.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 377.(3/59)
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عن ابن أبي عَوْنٍ قَالَ:
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونَ قَالَا: قَالَ عُمَرُ لِمُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ: مَا أَشَدَّ مَا لَقِيتَ عَلَى أَخِيكَ مِنَ الْحُزْنِ؟ فَقَالَ: كَانَتْ عَيْنِي هَذِهِ قَدْ ذَهَبَتْ، فَبَكَيْتُ بِالصَّحِيحَةِ حَتَّى أَسْعَدَتْهَا الذَّاهِبَةُ وَجَرَتْ بِالدَّمْعِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحُزْنٌ شَدِيدٌ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُ اللَّهُ زَيْدَ بْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي لَأَحْسَبُ أَنِّي لَوْ كُنْتُ أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَقُولَ الشِّعْرَ لَبَكَيْتُهُ كَمَا بَكَيْتَ أَخَاكَ، فَقَالَ: لَوْ قُتِلَ أَخِي يَوْمَ الْيَمَامَةِ كَمَا قُتِلَ زَيْدٌ ما بكيته أبدا، فأبصر [1] عمرو وَتَعَزَّى عَنْ أَخِيهِ، وَكَانَ قَدْ حَزِنَ عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ الصَّبَا لَتَهُبُّ فَتَأْتِينِي بِرِيحِ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَوْنٍ: مَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ مِنَ الشِّعْرِ وَلَا بَيْتًا وَاحِدًا [2] .
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَسْلَمَ قَبْلِي وَاسْتُشْهِدَ قَبْلِي [3] .
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ، وَابْنُ عُمَرَ، لَهُ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ [4] .
حَزْنُ بْنُ أَبِي وَهْبِ
[5] بن عمرو [6]
__________
[1] كذا في النسخة (ح) ، والأصل، وطبقات ابن سعد 3/ 378، والمنتقى نسخة أحمد الثالث وفي نسخة دار الكتب «فصبر» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 378.
[3] سير أعلام النبلاء 1/ 298.
[4] أخرجه أحمد في المسند 3/ 452، والبخاري في بدء الخلق، باب قوله تعالى: وَبَثَّ فِيها من كُلِّ دَابَّةٍ 2: 164، ومسلم في السلام (2233) باب قتل الحيّات وغيرها، وأبو داود في الأدب (5252) باب في قتل الحيّات، والترمذي في الأحكام (1483) باب ما جاء في قتل الحيّات، وكلّهم من طريق الزهري، عن سالم عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «اقتلوا الحيّات وذا الطّفيتين والأبتر، فإنّهما يستسقطان الحبل، ويلتمسان البصر» قال: فكان ابن عمر يقتل كلّ حيّة فقال:
إنه قد نهي عن ذوات البيوت. والأبتر: صنف من الحيّات أزرق مقطوع الذنب. ويلتمسان البصر: أي يخطفان البصر ويطمسانه. والعوامر: حيّات البيوت. والنّصّ لمسلم.
[5] تاريخ خليفة 1/ 93، تاريخ الطبري 2/ 643، الجرح والتعديل 3/ 294، الاستيعاب 1/ 401، الإكمال 2/ 453، أسد الغابة 2/ 3، الوافي بالوفيات 11/ 348 رقم 513، الإصابة 1/ 325، تهذيب التهذيب 2/ 243، تقريب التهذيب 1/ 84، مشاهير علماء الأمصار 23 رقم 97، نسب قريش 345، الأخبار الموفقيات 581، الكاشف 1/ 156 رقم 1002.
[6] هكذا في الأصل، ونسخة (ح) ، ونسخة دار الكتب. وفي المنتقى نسخة أحمد الثالث «عمر» .(3/60)
بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ، لَهُ هِجْرَةٌ، وَقِيلَ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُوَ جَدُّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَيِّرَ اسْمَهُ وَقَالَ: (أَنْتَ سَهْلٌ) ، فَقَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمِي [1] . قُتِلَ يوم اليمامة، وقتل يَوْمَ بُزَاخَةٍ.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلٍ
[2] بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ أَبُو سُهَيْلٍ. اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ وَلَهُ ثَمَانٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. وَكَانَ أَقْبَلَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ قُرَيْشٍ فَانْحَازَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَشَهِدَ بَدْرًا [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا حَجَّ أَبُو بَكْرٍ لَقِيَ أَبَاهُ بِمَكَّةَ فَعَزَّاهُ بِهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ:
بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَشْفَعُ الشَّهِيدُ لِسَبْعِينَ مِنْ أَهْلِهِ» [4] ، فَأَرْجُو أَنْ يَبْدَأَ بِي.
وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى [5] .
__________
[1] أخرجه أبو داود من طريق مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له: «ما اسمك؟» قال: حزن، قال: «أنت سهل» قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن. قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة. انظر ج 4/ 289 رقم (4956) في كتاب الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح. وانظر: الأخبار الموفّقيّات 581، 582، والإصابة 1/ 425.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 406، الجرح والتعديل 5/ 67 رقم 318، تاريخ خليفة 113، تاريخ الطبري 2/ 636، الاستيعاب 6/ 236، أسد الغابة 3/ 271، سير أعلام النبلاء 1/ 193، 194 رقم 24، الإصابة 7/ 304، عيون التواريخ 1/ 497.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 406.
[4] أخرجه أبو داود في الجهاد (2522) باب الشهيد يشفع، من طريق يحيى بن حسّان، عن الوليد بن رباح الذماري، عن نمران بن عتبة الذماري، قال: دخلنا على أمّ الدرداء ونحن أيتام فقالت: أبشروا فإنّي سمعت أبا الدرداء يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يشفع الشهيد ... » وهذا سند حسن. رجاله ثقات غير نمران بن عتبة الذماري، فإنّه لم يوثّقه غير ابن حبّان. وقد روى عنه اثنان، ومثله حسن الحديث. وقد صحّح ابن حبّان حديثه هذا (1612) ، ورواه ابن سعد في الطبقات 3/ 406.
[5] هكذا في الأصل، وسير أعلام النبلاء 1/ 193، وفي طبقات ابن سعد 3/ 406 هاجر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية.(3/61)
مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو
[1] حَلِيفُ بَنِي غَنْمٍ. مُهَاجِرِيٌّ بَدْرِيٌّ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ.
الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ [2] الْأَزْدِيُّ
[3] . كَانَ يُسَمَّى ذَا الْقُطْنَتَيْنِ [4] ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَغَزَا الْيَمَامَةَ فَاسْتُشْهِدَ هو وابنه. وكان شريفا شاعرا لبيبا.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 97، الاستيعاب 3/ 370، أسد الغابة 4/ 286، الإصابة 3/ 351 رقم 7668.
[2] في نسخة دار الكتب «السدوسي» وهو سهو.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 52 و 4/ 237- 240، طبقات خليفة 13 و 114، تاريخ خليفة 111، الجرح والتعديل 4/ 489 رقم 2149، الاستيعاب 2/ 230- 235، جمهرة أنساب العرب 382، كتاب الزيارات 34، أسد الغابة 3/ 54، تاريخ الطبري 3/ 402، أنساب الأشراف 1/ 382، العبر 1/ 14، سير أعلام النبلاء 1/ 344- 347 رقم 75، الوافي بالوفيات 16/ 460، 461 رقم 500، الإصابة 2/ 225 رقم 4254، المستدرك 3/ 259، 260، تلخيص المستدرك 3/ 259.
[4] في نسخة القدسي 3/ 45 «الطفيتين» ولا معنى لها. والّذي أثبتناه عن طبقات ابن سعد 4/ 238 حيث ذكر أن رجالا من قريش مشوا إلى الطفيل يخاصمونه بكلام ذكره.. إلى أن قال: «قال الطفيل: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلّمه، فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذنيّ كرسفا، يعني قطنا، فرقا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القطنتين ... » .
وهو الّذي لقّب بذي النّور. قال ابن سعد إن الطفيل قال للنبيّ صلى الله عليه وسلّم حين أسلم: «يا نبيّ الله إنّي امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: «اللَّهمّ اجعل له آية» . قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنيّة تطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح فقلت: اللَّهمّ في غير وجهي فإنّي أخشى أن يظنّوا أنّها مثلة وقعت في وجهي لفراق دينهم. فتحوّل النور فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلّق» (4/ 238) .
وقال المؤلّف في «سير أعلام النبلاء 1/ 344» : «سمّي الطفيل بن عمرو بن طريف ذا النّور، لأنّه قال: يا رسول الله إنّ دوسا قد غلب عليهم الزنى فادع الله عليهم، قال: اللَّهمّ اهد دوسا. ثم قال: يا رسول الله ابعث بي إليهم، واجعل لي آية، فقال: «اللَّهمّ نوّر له» وذكر الحديث. (انظر حاشية المصدر رقم (2)) .
ويقول خادم العلم الشريف «عمر بن عبد السلام تدمري الطرابلسيّ» محقّق هذا الكتاب، إنّ «المبرد» أخطأ في كتابه «الكامل في الأدب 2/ 374) فجعل ذا النور «عبد الله بن الطفيل» ،(3/62)
طَوَّلَ «ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ» [1] تَرْجَمَةَ الطُّفَيْلِ، وَسَاقَ قِصَّةَ إِسْلَامِهِ بِمَكَّةَ، وَفِي آخِرِ الْخَبَرِ قَالَ: فَلَمَّا بَعَثَ الصِّدِّيقُ بَعْثَهُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ قَالَ: خَرَجْتُ وَمَعِيَ ابْنِي عَمْرٌو فَرَأَيْتُ كَأَنَّ رَأْسِي حُلِقَ وَخَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَكَأَنَّ امْرَأَةً أدْخَلَتْنِي فَرْجَهَا، فَأَوَّلْتُهَا حَلْقَ رَأْسِي قَطْعَهُ، وَأَمَّا الطَّائِرُ فَرُوحِي، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْأَرْضُ أُدْفَنُ فِيهَا. فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ.
يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشِ [2] بْنِ رِبَابٍ [3] الْأَسَدِيُّ
شَهِدَ بَدْرًا. وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ.
[أَسْمَاءُ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِنَ الشُّهَدَاءِ]
وَمِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ: الْحَكَمُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأُمَوِيُّ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ- وَهُوَ شَابٌّ- أَصَابَهُ سَهْمٌ، وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَمَخْرَمَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَجُبَيْرُ بْنُ مَالِكٍ، وَأُمُّهُ بحينة وهو أخو عبد الله بن
__________
[ () ] وهذا هو حفيد الطفيل، وستأتي ترجمته في المتوفّين سنة 13 هـ. واسمه «عبد الله بن عمرو بن الطفيل الدّوسي» ، وشكّ الثعالبي في صاحب اللّقب، فقال في «ثمار القلوب- ص 289 رقم 435» : «ذو النّور» : هو عبد الله بن الطفيل الأزدي أو الدّوسيّ. ويقال: بل طفيل بن عمرو بن طفيل ... » ، وأخطأ ابن الأثير أيضا في صاحب اللقب، فقال في كتابه «المرصّع- ص 334» : هو عبد الله بن الطفيل الدّوسي، ونقل ابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 493» في ترجمة «ذو اليدين» كلام المبرّد في أنّ ذا النور هو عبد الله بن الطفيل ... ، وأفرده في تراجم العبادلة 2/ 350 فقال: «عبد الله بن عمرو بن الطفيل ذو النّور الأزدي ثم الدّوسي ... » ، وقد نبّه «الصفدي» في «الوافي بالوفيات- ج 16/ 461 و 17/ 225 إلى ذلك في ترجمة «الطفيل» و «عبد الله» ، وذكر للطفيل شعرا أورده المرزباني. والله أعلم.
[1] الاستيعاب 2/ 235 من أخبار كثيرة بدأها بقوله: قال أبو عمر- رحمه الله-: للطفيل بن عمرو الدوسيّ في معنى ما ذكره ابن الكلبي خبر عجيب في المغازي ذكره الأموي في مغازيه عن ابن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن الطفيل ... وذكره ابن إسحاق، عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان، عنه..
[2] طبقات ابن سعد 3/ 91، المحبّر 408، أنساب الأشراف 1/ 200 و 300، أسد الغابة 5/ 108، الاستيعاب 3/ 648، الإصابة 3/ 655 رقم 9258.
[3] هكذا في الأصل وفي مصادر ترجمته، وفي طبقات ابن سعد 3/ 91 «رئاب» .(3/63)
مالك من الْأَزْدِ، وَهُمْ حُلَفَاءُ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مناف، والسّائب بن العوّام ابن خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيُّ أَخُو الزُّبَيْرِ، وَوَهْبُ بْنُ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ عَمُّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَخُوهُ حَكِيمٌ، وَأَخُوهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَزْنٍ، وَأَبُوهُمْ وَقَدْ ذُكِرَ، وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ بَنِي عبد شمس، وأبو أميّة صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرٍو، وَأَخُوهُ مَالِكٌ الْمُتَقَدِّمُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَوْسٍ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدّار، وحييّ- وقيل معلّى [1]- بن جارية [2] الثَّقَفِيُّ، وَحَبِيبُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ بَجْرَةَ الْعَدَوِيُّ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ السَّهْمِيُّ أَخُوهُ، وَهُمَا مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ [3] بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى
بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرٍ الْعَامِرِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَعَاشَ إِحْدًى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَوْفَلُ [4] بْنُ مُسَاحِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ.
وَعَمْرُو بْنُ أُوَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيُّ، وَسَلِيطُ بْنُ سَلِيطِ بْنِ عَمْرِو الْعَامِرِيُّ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي خَرَشَةَ الْعَامِرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رَحْضَةَ من بني عامر.
__________
[1] في تاريخ خليفة 112 «يعلى» .
[2] وقيل «حارثة» .
[3] تاريخ خليفة 113، أنساب الأشراف 1/ 221، المحبّر 74 و 278، الاستيعاب 2/ 315، 316، الإصابة 2/ 365 رقم 4939.
[4] في نسخة (ح) ونسخة دار الكتب المصرية، والمنتقى نسخة أحمد الثالث «أبو نوفل» ، والصواب ما في الأصل. وانظر: تهذيب التهذيب 10/ 491.(3/64)
وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ
[1] بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، وَأُمُّهُ خولة بِنْتُ حَكَيمٍ السُّلَمِيَّةُ بِنْتُ ضَعِيفَةَ بِنْتِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. هَاجَرَ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ إِلَى الْحَبَشَةِ [2] .
قِيلَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَاسْتُشْهِدَ حَارِثَةُ بِبَدْرٍ، وَكَانَ السَّائِبُ مِنَ الرُّمَاةِ الْمَذْكُورِينَ، شَهِدَ بَدْرًا عَلَى الصَّحِيحِ، أَصَابَهُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَهْمٌ فَمَاتَ مِنْهُ [3] .
وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْأَنْصَارِ:
عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ [4]
ابْنُ وَقْشِ بْنِ زُغْبَةَ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْأَوْسِيُّ الْبَدْرِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، عَاشَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي أَضَاءَتْ عَصَاهُ لَيْلَةَ حِينَ انْقَلَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَكَانَ قَدْ سَمُرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [5] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 401، 402، نسب قريش 393، طبقات خليفة 25، الاستيعاب 2/ 99،: 100، أسد الغابة 3/ 394، 395، أنساب الأشراف 1/ 212، 213 و 323، المحبّر 24، الوافي بالوفيات 15/ 101 رقم 140، الإصابة 2/ 11 رقم 3068، العقد الثمين 5/ 289.
[2] ابن سعد 3/ 401.
[3] ابن سعد 3/ 402.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 440، 441، طبقات خليفة 78، تاريخ خليفة 113، التاريخ الصغير 36، الجرح والتعديل 6/ 77، مشاهير علماء الأمصار 25 رقم 113، المحبّر 72 و 282 417، أنساب الأشراف 1/ 271 و 530، عيون التواريخ 1/ 497، الاستبصار 220- 222، الاستيعاب 5/ 310، أسد الغابة 3/ 150، العبر 1/ 15، سير أعلام النبلاء 1/ 337- 340، الوافي بالوفيات 16/ 610- 612 رقم 660، الإصابة 2/ 263 رقم 4455، تهذيب التهذيب 5/ 90.
[5] أخرجه البخاري (3805) في مناقب الأنصار، من طريق حبّان بن هلال، عن همام، عن قتادة، عن أنس، أن رجلين ... ثم قال: وقال حمّاد: أخبرنا ثابت عن أنس: كان أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم ... وقد وصله أحمد في «المسند» 3/ 138 و 190 و 272، وابن الأثير في «أسد الغابة» 3/ 151، كلاهما من طريق: بهز بن أسد، عن حمّاد بن سلمة(3/65)
أَسْلَمَ عَبَّادٌ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ فِيمَنْ قَتَلَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ [1] .
وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَدَقَاتِ مُزَيْنَةَ وَبَنِي سُلَيْمٍ، وَعَلَى حَرَسِهِ بِتَبُوكَ. وَأَبْلَى يَوْمَ الْيَمَامَةِ بَلَاءً حَسَنًا، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعْتَدِ عَلَيْهِمْ فَضْلًا، كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ [2] . رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ.
رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَهَجَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ هَذَا صَوْتُ عَبَّادٍ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهمّ اغْفِرْ لَهُ» [3] . قُلْتُ: رَوَى حَدِيثًا لِعَبَّادٍ: حَمَّادُ [4] بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الخطميّ، عن عبد الرحمن [5] بن
__________
[ () ] عن ثابت، عن أنس أنّ أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر كانا عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم، في ليلة مظلمة فخرجا من عنده، فأضاءت عصا أحدهما، فكانا يمشيان بضوئها، فلما افترقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا» ، وهو في المستدرك للحاكم 3/ 288، وانظر سير أعلام النبلاء 1/ 299 و 337.
[1] أخرجه البخاري في المغازي (4037) ، باب قتل كعب بن الأشرف، وانظر: فتح الباري لابن حجر حيث شرح هذا الحديث. وقال ابن إسحاق وغيره عن الأشرف: كان عربيا من بني نبهان، وهم بطن من طيِّئ، وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية، فأتى المدينة وحالف بني النضير فشرف بهم، وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا. (سيرة ابن هشام 2/ 51- 58) .
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 229 وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه، وذكره ابن حجر في الإصابة 1/ 76 عن ابن إسحاق وصرّح فيه بالتحديث.
[3] أخرجه البخاري (2655) معلّقا بقوله: وزاد عبّاد.. وقال ابن حجر في فتح الباري 5/ 265: وصله أبو يعلى من طريق محمد بن إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير، عن أبيه، عن عائشة.
[4] في المنتقى نسخة أحمد الثالث: «روي حديث لعباد قاله حمّاد بن سلمة» .
[5] في النسخة (ح) «عبد الله» ، والصواب ما في الأصل، وسير أعلام النبلاء 1/ 338.(3/66)
ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا: (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْتُمُ الشِّعَارُ وَالنَّاسُ الدِّثَارُ [1] . وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا أَحْفَظُ لِعَبَّادٍ غَيْرَهُ.
مَعْنُ بْنُ عَدِيِّ
[2] بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ الْأَنْصَارِيُّ أَحَدُ حُلَفَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا، وَكَانَ يَكْتُبُ الْعَرَبِيَّةَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَلَهُ عَقِبُ الْيَوْمِ. قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ [3] .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لَقِيَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُمَا يُرِيدَانِ سَقِيفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ وَاقْضُوا أَمْرَكُمْ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّاسَ بَكَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: لَيْتَنَا مِتْنَا قَبْلَهُ، نَخْشَى أَنْ نُفْتَتَنَ بَعْدَهُ، فَقَالَ مَعْنٌ: لَكِنِّي وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهُ حَتَّى أُصَدِّقَهُ مَيْتًا كَمَا أُصَدِّقَهُ حَيًّا [4] . فقتل يوم مسيلمة [5] .
__________
[1] رجاله ثقات. أخرجه ابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 316 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 31 ونسبه إلى الطبراني، وتحرّف عنده «بشر» إلى «بشير» ، وأخرجه البخاري في المغازي (4330) باب غزوة الطائف، ومسلم في الزكاة (1061) باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم، وأحمد في المسند 4/ 42 من طريق عمرو بن يحيى، عن عبّاد بن تميم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وعندهم جميعا «الأنصار شعار والناس دثار» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 465، طبقات خليفة 87، تاريخ خليفة 114، التاريخ الصغير 1/ 34، الجرح والتعديل 8/ 276، مشاهير علماء الأمصار 27 رقم 131، الاستيعاب 10/ 177، أسد الغابة 5/ 238، العبر 1/ 53، سير أعلام النبلاء 1/ 320، 321، الإصابة 9/ 264، أنساب الأشراف 1/ 241 و 300، جمهرة أنساب العرب 443، المعارف 326، المحبّر 73.
[3] في الطبقات 3/ 465.
[4] أخرجه البخاري في الحدود (6830) باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت. مطوّلا. وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 465 وهو مرسل عن عروة لقوله: «بلغنا» . وقال ابن حجر في الإصابة 9/ 264: وهذا هو المحفوظ، عن الزهري، عن عروة مرسلا. وقد وصله سعيد بن هاشم المخزومي، عن مالك، عن الزهري، فقال: عن سالم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ.
أخرجه ابن أبي خيثمة عنه. وسعيد ضعيف. والمحفوظ هو مرسل عروة.
[5] يعني باليمامة.(3/67)
عبد الله بن عبد الله بن أبي [1]
ابْنُ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمٍ- الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْحُبْلَى لِعِظَمِ بَطْنِهِ- بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ سَلُولٍ، وَهِيَ أُمُّ أُبَيِّ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ خُزَاعِيَّةً، وَأَبُوهُ الْمُنَافِقُ المشهور.
كان عبد الله بن فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ اسْمُهُ الْحُبَابُ، وَبِهِ كَانَ يُكْنَى أَبُوهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ. شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا.
وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَه أَنَّ أَنْفَهُ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ [2] .
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَدَرْتُ ثَنِيَّتَيْ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَّخِذَ ثَنُيَّةً مِنْ ذَهَبٍ [3] . وَهَذَا أَثْبَتُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مندة. استشهد
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 540- 542، تاريخ خليفة 114، التاريخ الصغير 1/ 35، الجرح والتعديل 5/ 89، 90، مشاهير علماء الأمصار 24 رقم 103، المحبّر 279 و 403، أنساب الأشراف 1/ 428، الاستيعاب 6/ 273، أسد الغابة 3/ 296، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 276، مجمع الزوائد 9/ 317، 318، سير أعلام النبلاء 1/ 233 رقم 74، البداية والنهاية 6/ 338، الوافي بالوفيات 17/ 196، 297 رقم 250، الإصابة 2/ 335، 336 رقم 4784.
[2] قال ابن الأثير في «أسد الغابة» 3/ 296 وابن حجر في «الإصابة» 6/ 143: هذا وهم من ابن مندة، والصحيح أنّ الّذي أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يتّخذ أنفا من ذهب هو عرفجة التيمي، السعدي، وكان من الفرسان في الجاهلية، وشهد الكلاب، فأصيب أنفه، ثم أسلم فأذن لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يتّخذ أنفا من ذهب.
أخرج الحديث أبو داود في الخاتم (4232) باب في ربط الأسنان بالذهب، والترمذي في اللباس (1770) باب ما جاء في شدّ الأسنان بالذهب، والنسائي في الزينة 8/ 163 باب من أصيب أنفه هل يتّخذ أنفا من ذهب، وأحمد في «المسند» 5/ 23، وحسّنه الترمذي، وصحّحه ابن حبّان (1466) .
[3] رواه ابن قانع في «معجم الصحابة» قال: حدثنا محمد بن الفضل بن جابر، حدثنا إسماعيل بن زرارة، حدّثنا عاصم بن عمارة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول قال: «اندقّت ثنيتي يوم أحد، فأمرني النبيّ صلى الله عليه وسلّم أن أتخذ ثنيّة من(3/68)
يَوْمَ الْيَمَامَةِ [1] .
خ د [2]
(ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيُّ)
[3] مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الخزرج، لم يشهد بدرا، وكان أمير الأنصاري فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: بِئْسَمَا عَوَّدْتُمْ أَنْفُسَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [4] .
وَزَحَفَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى أَلْجَئُوهُمْ إِلَى الحديثة وَفِيهَا مُسَيْلِمَةُ عَدُوُّ اللَّهِ، فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَلْقُونِي عَلَيْهِمْ، فَاحْتَمَلَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْجِدَارِ اقْتَحَمَ إِلَيْهِمْ فقاتلهم حتّى فتح الحديقة للمسلمين [5] .
__________
[ () ] ذهب» (نصب الراية للزيلعي 4/ 237) ، وانظر: «أسد الغابة» 3/ 296، و «الإصابة» 6/ 143 وندرت: سقطت.
[1] في حاشية الأصل كتب: «بلغت قراءة على مؤلّفه، في الثامن عشر» .
[2] الرمز ساقط من النسخ سوى نسخة أحمد الثالث من المنتقى، وهو موافق لما في تقريب التهذيب، وخلاصة تذهيب التهذيب.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 206، طبقات خليفة 94، تاريخ خليفة 107، 108 و 114، التاريخ الكبير 2/ 167، التاريخ الصغير 1/ 35 و 38، الجرح والتعديل 2/ 456، مشاهير علماء الأمصار 14 رقم 41، جمهرة أنساب العرب 364، المحبّر 74 و 89 و 306 و 403، أنساب الأشراف 1/ 441، المعرفة والتاريخ 1/ 322 و 384 و 3/ 78 و 217، الاستبصار 117، الاستيعاب 2/ 72، أسد الغابة 1/ 275، تهذيب الأسماء واللّغات 1/ 139، 140، تهذيب الكمال 1/ 175، العبر 1/ 14 سير أعلام النبلاء 1/ 308- 314 رقم 61، مجمع الزوائد 9/ 321- 323، الأخبار الموفقيّات 487 و 585، تهذيب التهذيب 2/ 12، الإصابة 2/ 14، خلاصة تهذيب التهذيب 57، المنتخب من ذيل المذيّل 574.
[4] أخرجه البخاري في الجهاد (2845) باب التحنّط عند القتال. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 234 وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
[5] أخرجه خليفة بن خياط في «التاريخ» 109 عن بكر بن سليمان، عن ابن إسحاق، وذكره ابن حجر في «الإصابة» 1/ 236، وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» 122/ 287 من طريق بقيّ بن مخلد، عن خليفة، والنويري في نهاية الأرب 19/ 97.(3/69)
أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ [1]
ابْنُ لَوْذَانَ [2] بْنِ عَبْدِ وَدِّ بْنِ زَيْدٍ السَّاعِدِيُّ.
كَانَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ عِصَابَةٌ حَمْرَاءُ، قِيلَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وبين عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَثَبَتَ أَبُو دُجَانَةَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَهُوَ مِمَّنْ شرك فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ [3] .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ [4] : لِأَبِي دُجَانَةَ عَقِبٌ بِالْمَدِينَةِ وَبَغْدَادَ إِلَى الْيَوْمِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: دَخَلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ- وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ- فَقِيلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلِي [5] شَيْءٌ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثْنَتَيْنِ: كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، وَالْأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيمًا [6] .
وَقَالَ عَنْ أَنَسٍ: إنّ أبا دجانة رمى بنفسه إلى داخل الحديقة فانكسرت
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 556، تاريخ خليفة 111 و 114، المعارف 271، الجرح والتعديل 4/ 279، الكنى والأسماء 1/ 69، التاريخ لابن معين 2/ 239، المحبّر 72، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 242) ، مشاهير علماء الأمصار 21 رقم 85، الاستبصار 101- 103، الاستيعاب 4/ 253، أسد الغابة 2/ 451، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 227، 228، عيون التواريخ 1/ 496، 497، الوافي بالوفيات 15/ 449 رقم 604، سير أعلام النبلاء 1/ 243- 245 رقم 39، العبر 1/ 14، الإصابة 4/ 252 و 11/ 112، كنز العمال 13/ 260، الكامل للمبرّد 2/ 374، ثمار القلوب 85 و 87 و 289، المرصّع لابن الأثير 321.
[2] في طبعة القدسي 3/ 49 «لوزان» بالزاي، وهو تحريف.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 556، والحاكم في المستدرك 3/ 229.
[4] في الطبقات 3/ 557.
[5] هكذا في الأصل، وطبقات ابن سعد 3/ 557، وفي سير أعلام النبلاء 1/ 243 «عمل» .
[6] رواه ابن سعد من طريق: معن بن عيسى، عَنْ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.(3/70)
رِجْلُهُ، فَقَاتَلَ وَهُوَ مَكْسُورُ الرِّجْلِ حَتَّى قُتِلَ [1] .
(عمارة بن حزم)
[2] بن زيد بن لوذان مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ أَخُو عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
شَهِدَ عُمَارَةُ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا، وَكَانَتْ مَعَهُ رَايَةَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَلَمْ يُعَقِّبْ [3] .
(عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ)
[4] بْنُ نَابِئِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ [5] السُّلَمِيُّ.
شَهِدَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى، وَيُجْعَلُ فِي النَّفَرِ السِّتَّةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ أَوَّلَ الْأَنْصَارِ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ [6] .
(ثَابِتُ بْنُ هَزَّالٍ)
[7] من بني سالم بن عوف.
__________
[1] رواه ابن الأثير في أسد الغابة 2/ 452 وقال الثعالبي في ثمار القلوب 87، 88 عن مشية أبي دجانة: كانت له مشية عجيبة في الخيلاء، ونظر صلى الله عليه وسلّم في المعركة وهو يتبختر بين الصّفّين فقال:
«إن هذه مشية يبغضها الله إلّا في هذا المكان» . وكان يقال له: ذو المشهّرة، لأنه كانت له مشهّرة إذا لبسها في الحرب لا يبقى ولا يذر. وانظر تاريخ خليفة 111.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 486، سيرة ابن هشام 1/ 702، تاريخ خليفة 82، المحبّر 72، التاريخ الكبير 6/ 494 رقم 3091، أنساب الأشراف 1/ 242، تاريخ الطبري 3/ 106، الجرح والتعديل 3/ 364، مشاهير علماء الأمصار 28 رقم 132، الاستيعاب 1141، أسد الغابة 4/ 48، الكامل في التاريخ 2/ 248، الوافي بالوفيات 22/ 404 رقم 279، الإصابة 2/ 513.
وقد سقطت «حزم» من نسخة (ح) .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 486.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 568، أنساب الأشراف 1/ 239، تاريخ الطبري 2/ 355، 356، الاستيعاب 3/ 106.
[5] في المنتقى نسخة أحمد الثالث «حزام» وهو تحريف.
[6] ابن سعد 3/ 568.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 551، تاريخ خليفة 114، الاستيعاب 1/ 191، أسد الغابة 1/ 233، الإصابة 1/ 196 رقم 912.(3/71)
شَهِدَ بَدْرًا فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ [1] .
(أَبُو عُقَيْلِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ)
[2] بْنِ ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي جَحْجَبَا. اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَكَانَ مِنْ سَادَةِ الْأَنْصَارِ، أَصَابَهُ سَهْمٌ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَنَزَعَهُ، وَتَحَزَّمَ وَأَخَذَ السَّيْفَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَوَجَدَ بِهِ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ [3] .
وَمِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَرَافِعُ بْنُ سَهْلٍ، وَحَاجِبُ بْنُ يَزِيدَ الْأَشْهَلِيُّ، وَسَهْلُ بْنُ عَدِيٍّ، وَمَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ أَوْسٍ أَخُوهُ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُتْبَةَ مِنْ بَنِي جَحْجَبَا، وَرَبَاحٌ مَوْلَى الْحَارِثِ [4] ، وَمَعْنُ [5] بْنُ عَدِيٍّ الْعَجْلَانِيُّ بِخُلْفٍ.
وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ: جَرْوُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي جَحْجَبَا، وَقِيلَ جُزْءٌ بِالزَّايِ، وَوَدَقَةُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَجَرْوَلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَعَامِرُ بْنُ ثَابِتٍ، وَبِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَزْرَجِيُّ، وَكُلَيْبُ بْنُ تَمِيمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتْبَانَ، وَإِيَاسُ بْنُ وَدَقَةَ [6] ،
__________
[1] ابن سعد 3/ 551، ابن الأثير في «أسد الغابة» 1/ 233.
[2] تاريخ خليفة 112، طبقات ابن سعد 3/ 473- 475، أسد الغابة 5/ 257، الاستيعاب 4/ 129، الإصابة 4/ 136 رقم 778، جمهرة أنساب العرب 442.
[3] ابن سعد 3/ 475.
[4] زاد خليفة «بن مالك» - ص 113.
[5] في نسخة (ح) وأحمد الثالث «معبد» بدل «معن» والتصويب من تاريخ خليفة 114، وقد سبقت ترجمته.
[6] هكذا في الأصل، وصوّبه ابن حجر في الإصابة. وفي تاريخ خليفة: «ودفة» بالفاء- (114) .(3/72)
وَأُسَيْدُ [1] بْنُ يَرْبُوعٍ، وَسَعْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَسَهْلُ بْنُ حِمَّانَ، وَمُخَاشِنٌ [2] مِنْ حِمْيَرٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَقِيلَ مَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ، وَضَمْرَةُ بْنُ عِيَاضٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنِيسٍ، وَأَبُو حَبَّةَ بْنُ غَزِّيَّةَ الْمَازِنِيُّ، وَحَبِيبُ [3] بْنُ زَيْدٍ، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ، وَثَابِتُ بْنُ خَالِدٍ، وَفَرْوَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَعَائِذُ بْنُ مَاعِصٍ.
قَالَ خَلِيفَةُ [4] : فَجَمِيعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، يَعْنِي يَوْمَ الْيَمَامَةِ.
وَقِيلَ: إِنَّ مُسَيْلِمَةَ قُتِلَ عَنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ قَدِ ادَّعَى النُّبَوَّةَ، وَتَسَمَّى بِرَحْمَانِ الْيَمَامَةِ فِيمَا قِيلَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُرْآنُ مُسَيْلِمَةَ ضُحْكَةٌ لِلسَّامِعِينَ.
وَقْعَةُ جُوَاثَا [5]
بَعَثَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيَّ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَكَانُوا قَدِ ارْتَدُّوا- إِلَّا نَفَرًا ثَبَتُوا مع الجارود- فالتقوا بجواثاء فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ [6] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَاصَرَهُمُ الْعَلَاءُ بجواثاء حتّى كاد المسلمون يهلكون
__________
[1] في نسخة (ح) «أسد» وهو خطأ.
[2] هكذا في الأصل، والإصابة، وفي تاريخ خليفة 114 «مخاش» .
[3] في حاشية الأصل «حباب» ، وكذلك في نسخة (ح) ، والتصويب عمّا في الأصل، ونسخة (ح) ، والمنتقى لأحمد الثالث.
[4] التاريخ- ص 115.
[5] جواثى: بالضم. يمدّ ويقصر. حصن لعبد القيس بالبحرين. وقال ابن الأعرابيّ: جواثا مدينة الخط، والمشقّر مدينة هجر. ورواه بعضهم: جؤاثا، بالهمزة، فيكون أصله من جئث الرجل إذا فزع. (معجم البلدان 2/ 174) .
[6] تاريخ خليفة- ص 116 وانظر تاريخ الطبري 3/ 304 وما بعدها.(3/73)
مِنَ الْجَهْدِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَكِرُوا لَيْلَةً فِي حِصْنِهِمْ، فَبَيَّتَهُم الْعَلَاءُ [1] ، فَقِيلَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ جُوَاثَا لَا يَوْمَ الْيَمَامَةِ، شَهِدَ بَدْرًا [2] .
وَفِيهَا بَعَثَ الصِّدِّيقُ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ إِلَى عُمَانَ وَكَانُوا ارْتَدُّوا.
وَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّ إِلَى أَهْلِ النُّجَيْرِ [3] ، وَكَانُوا ارْتَدُّوا، وَبَعَثَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمُرْتَدَّةِ.
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ زِيَادًا بَيَّتَهُمْ فَقَتَلَ مُلُوكًا أَرْبَعَةً: حَمَدًا [4] ، وَمِخْوَصًا، وَمِشْرَحًا، وَأَبْضَعَةَ [5] .
وَفِيهَا أَقَامَ الْحَجَّ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ [6] .
أَبُو الْعَاصِ [7] بْنُ الرَّبِيعِ [8]
ابْنُ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَبْشَمِيُّ، زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ خَالَتِهَا هَالَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، فَوَلَدَتْ مِنْ أَبِي الْعَاصِ عَلِيًّا ومات صغيرا، وأمامة
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 116، تاريخ الطبري 3/ 308، 309.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 542.
[3] النجير: بالتصغير. حصن باليمن قرب حضر موت منيع لجأ إليه أهل الرّدّة مع الأشعث بن قيس. (معجم البلدان 5/ 272) .
[4] في طبعة القدسي 3/ 51 «حمرا» وهو وهم، والتصويب عن تاريخ خليفة 116 والطبري 3/ 334.
[5] تاريخ خليفة- ص 116، تاريخ الطبري 3/ 334.
[6] تاريخ خليفة 117.
[7] جاء في حاشية الأصل: «اسم أبي العاص: لقيط بْن الرَّبِيعِ بْن عَبْد العُزَّى بْن عَبْد شمس، وقيل: ابن الربيع بن ربيعة بدل عَبْد العُزَّى بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف» . وورد هذا القول في متن النسخة (ح) .
[8] نسب قريش 230، 231، تاريخ خليفة 119، المعارف 141، 142، المنتخب من ذيل المذيّل 499، 500، جمهرة أنساب العرب 16 و 20 و 75 و 77، 78، أنساب الأشراف 1/ 269 و 302 و 377 و 397 و 398 و 399 و 400، المحبر 53 و 78 و 99، المعرفة والتاريخ 3/ 270، مشاهير علماء الأمصار 31 رقم 156، الاستيعاب 4/ 125- 129، أسد الغابة 5/ 236- 238، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 248، 249، العبر 1/ 15، سير أعلام النبلاء(3/74)
وَهِيَ الَّتِي حَمَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ [1] .
وَقَدْ تَزَوَّجَ عَلِيٌّ أُمَامَةَ بَعْدَ مَوْتِ خَالَتِهَا فَاطِمَةَ. وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ يُسَمَّى جَرْوَ الْبَطْحَاءِ.
أَسْلَمَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ.
وَقَالَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى أَبِي الْعَاصِ فِي مُصَاهَرَتِهِ وَقَالَ: (حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي) [2] .
__________
[1] / 330- 334 رقم 69، مجمع الزوائد 9/ 379، العقد الثمين 7/ 110 و 8/ 61، الإصابة 4/ 121- 123 رقم 692، عيون التواريخ 1/ 507، 508، نهاية الأرب 190/ 127.
[1] أخرجه البخاري في سترة المصلّي 1/ 487 باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه، وفي الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله، ومسلم في المساجد (543) باب جواز حمل الصبيان، ومالك في الموطأ 1/ 70 في قصر الصلاة، باب جامع الصلاة، وأبو داود في الصلاة (917- 918، 919، 920) باب العمل في الصلاة، والنسائي في المساجد 2/ 45، وفي السهو 3/ 10.
والنّصّ عند مسلم من طريق «يحيى بن يحيى قال: قلت لمالك: حدّثك عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقيّ، عن أبي قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولأبي العاص بن الربيع، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها؟ قال يحيى: قال مالك: نعم» .
[2] أخرجه البخاري في الشروط، باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، و (3729) في فضائل الصحابة، باب ذكر أصهار النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وفي النكاح (5230) باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة، ومسلم في فضائل الصحابة (2449/ 95) باب فضائل فاطمة، وأبو داود في النكاح (2069) باب ما يكره أن يجمع بينهم من النساء، وابن ماجة (1999) في النكاح، باب الغيرة.
والنّصّ عند مسلم: «حدثني أحمد بن حنبل، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبي الوليد بن كثير، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، أنّ ابن شهاب حدّثه، أن عليّ بن الحسين حدّثه، أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية، مقتل الحسين بن علي، رضي الله عنه، لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟ قال: فقلت له: لا، قال له:
هل أنت معطيّ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي. إن عليّ بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب الناس في ذلك، على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: «إن فاطمة مني وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها» قال: ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فاثنى عليه في مصاهرته إيّاه فأحسن قال: حدّثني فصدقني، ووعدني فأوفى لي. وإني لست(3/75)
قُلْتُ: كَانَ وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ زَيْنَبَ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَتَهُ [1] ، فَوَفَى بِذَلِكَ وَفَارَقَهَا مَعَ حُبِّهِ لَهَا.
وَكَانَ مِنْ تُجَّارِ قُرَيْشٍ وَأُمَنَائِهِمْ، [وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ شَأْنِهِ بَعْدَ بَدْرٍ] [2] تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَأَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ.
(الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ)
[3] اللَّيْثِيُّ الْحِجَازِيُّ، وَكَانَ ينزل ودان، وهو الّذي أهدى للنبيّ حمار وحش [4] .
__________
[ () ] أحرّم حلالا، ولا أحلّ حراما، ولكن، والله! لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله مكانا واحدا أبدا» .
وفي طبعة القدسي 3/ 52 «فوفاني» والتصويب من مسلم وغيره، وسير أعلام النبلاء 1/ 331.
[1] أي من مكة إلى المدينة.
[2] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
[3] طبقات خليفة 29، المعرفة والتاريخ 1/ 325 و 3/ 309، أنساب الأشراف 1/ 386، جمهرة أنساب العرب 181، الاستيعاب 2/ 198، مشاهير علماء الأمصار 57 رقم 398، التاريخ الكبير 4/ 322، الجرح والتعديل 4/ 450، المعجم الكبير للطبراني 8/ 93، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 226، أسد الغابة 3/ 19، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 249، الوافي بالوفيات 16/ 310، 311 رقم 339، تهذيب التهذيب 4/ 421، الإصابة 2/ 184 رقم 4065، الكامل في التاريخ 2/ 449.
[4] أخرجه البخاري في الحج 4/ 26 و 27 و 28 باب إذا أهدي للمحرم حمارا وحشيّا حيّا لم يقبل، وفي الهبة، باب قبول هدية الصيد، وباب من لم يقبل الهديّة لعلّة، ومسلم في الحج (1193) باب تحريم الصيد للمحرم، ومالك في الموطّأ 1/ 353 في الحج، باب ما لا يحلّ للمحرم أكله من الصيد، والترمذيّ في الحج (849) باب ما جاء في كراهية لحم الصيد للمحرم، والنسائي في الحج 5/ 183 و 184 و 185 باب ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 8/ 94 عن الصعب بن جثّامة بن قيس الليثي. قال ابن عبّاس، عن الصعب بن جثّامة قال: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا بالأبواء، فأهديت له حمار وحش، فردّه عليّ، فلما رأى الكراهية في وجهي قال: «إنه ليس بنا ردّ عليك، ولكنّا حرم» . وانظر: 8/ 98 رقم 7429 وبألفاظ أخرى، الأرقام: 7430 و 7432 و 7433 و 7434 و 7436 و 7437 و 7438 و 7439 و 7440 و 7441 و 7442 و 7443 و 7444 و 11/ 404 رقم 12143 و 12 رقم 12342 و 12343 و 12366 و 12355 و 12367 و 12706، وأخرجه ابن جميع الصيداوي في معجم(3/76)
رَوَى عَنْهُ حَدِيثَهُ [1] ابْنُ عَبَّاسٍ.
تُوُفِّيَ فِي إِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ.
م د ت ن
(أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ)
[2] اسْمُهُ كَنَّازُ بْنُ الْحُصَيْنِ، حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، وَابْنُهُ مَرْثَدٌ بَدْرِيٌّ أَيْضًا. وَلِابْنِ ابْنِهِ أَنِيسِ بْنِ مَرْثَدٍ صُحْبَةٌ.
رَوَى عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ: وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ حَدِيثَ (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا) [3] . وَفِيهَا: بَعْدَ فَرَاغِ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَرْضِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَتْ تُسَمَّى أَرْضَ الْهِنْدِ، فَسَارَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى أَرْضِ الْبَصْرَةِ، فَغَزَا الأبلّة [4] فافتتحها، ودخل ميسان [5] فغنم
__________
[ () ] شيوخه (بتحقيقنا) - ص 271 رقم 230 ولفظه: «أهدى الصعب بن جثامة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عجز حمار يقطر دما، فردّه وقال: «إنّا حرم» . ولم يطعمه. وانظر: من حديث خيثمة بن سليمان الأطرابلسي ص 207 بتحقيقنا أيضا.
[1] في نسخة دار الكتب «حذيفة» بدل «حديثه» وهو خطأ.
[2] المحبّر 71 و 117، 118، مشاهير علماء الأمصار 18 رقم 67، جمهرة أنساب العرب 247، الاستيعاب 4/ 171، 172، طبقات خليفة 8 و 47، المعارف 327، أسد الغابة 5/ 294، الإصابة 4/ 177 رقم 1032، الكامل في التاريخ 2/ 401، المنتخب من ذيل المذيّل 552، نهاية الأرب 19/ 127.
[3] أخرجه مسلم في الجنائز (972) 97 و 98 باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، وأبو داود في الجنائز (3229) باب في كراهية القعود على القبر، والترمذي في الجنائز (1055) باب ما جاء في تسوية القبور، والنسائي في القبلة 2/ 67 باب النهي عن الصلاة على القبر، وأحمد في المسند 4/ 135.
[4] الأبلّة: بضمّ الهمزة والباء، وفتح اللّام المشدّدة. بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج. (معجم البلدان 1/ 76 و 77) .
[5] ميسان: بالفتح ثم السكون، اسم كورة واسعة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط قصبتها ميسان. (معجم البلدان 5/ 242) .(3/77)
وَسَبَى مِنَ الْقُرَى، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ السَّوَادِ، فَأَخَذَ عَلَى أَرْضِ كَسْكَرٍ [1] وَزَنْدَوَرْدٍ [2] بَعْدَ أَنِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْبَصْرَةِ قُطْبَةَ بْنَ قَتَادَةَ السَّدُوسِيَّ، وَصَالَحَ خَالِدٌ أَهْلَ أُلَّيْسَ [3] عَلَى أَلْفِ دِينَارِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ، ثُمَّ افْتَتَحَ نَهْرَ الْمَلِكِ [4] ، وَصَالَحَهُ ابْنُ بُقَيْلَةَ صَاحِبُ الْحِيرَةِ عَلَى تِسْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ أَهْلِ الْأَنْبَارِ فَصَالَحُوهُ [5] .
ثُمَّ حَاصَرَ عَيْنَ التَّمْرِ [6] وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَتَلَ وَسَبَى.
وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِعَيْنِ التَّمْرِ:
(بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ)
[7] أَبُو النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأنصار، شهد بدرا والعقبة [8] .
__________
[1] كسكر: بالفتح ثم السكون. كورة واسعة قصبتها واسط بين الكوفة والبصرة. (معجم البلدان 4/ 461) .
[2] زندورد: بفتح أوّله، وسكون ثانيه. مدينة كانت قرب واسط مما يلي البصرة خربت بعمارة واسط. (معجم البلدان 3/ 154) .
[3] في الأصل وغيره «الليس» ، والتصويب عن نسخة دار الكتب، ومعجم البلدان 1/ 248 حيث قال: ألّيس: مصغّر بوزن فلّيس، الموضع الّذي كانت فيه الوقعة بين المسلمين والفرس في أول أرض العراق من ناحية البادية.
[4] نهر الملك: كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى. (معجم البلدان 5/ 324) .
[5] تاريخ خليفة- ص 118.
[6] عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربيّ الكوفة. (معجم البلدان 4/ 176) .
[7] طبقات الخليفة 94 و 190، تاريخ خليفة 78، 79، طبقات ابن سعد 3/ 531، 532، تاريخ الطبري 3/ 22، 23 و 26 و 155 و 221، 222، المحبّر 120 و 233، جمهرة أنساب العرب، 364، مشاهير علماء الأمصار 14 رقم 38، المعرفة والتاريخ 1/ 381 و 3/ 256، 257، الأخبار الموفقيّات 577، 578، أنساب الأشراف 1/ 244 و 379 و 580 و 582 و 584، الاستيعاب 1/ 149، 150، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 261، تاريخ دمشق (تحقيق دهمان) 10/ 148، أسد الغابة 1/ 195، الوافي بالوفيات 10/ 162، 163 رقم 4635، الإصابة 1/ 158 رقم 694، الكامل في التاريخ 2/ 395.
[8] طبقات خليفة 94، وطبقات ابن سعد 3/ 531، فتوح الشام للأزدي- ص 70.(3/78)
وَقِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ [1] .
وَفِيهَا لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ بِكِتَابَةِ الْقُرْآنَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَأَخَذَ يَتَتَبَّعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللَّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ [2] ، حَتَّى جَمَعَهُ زَيْدٌ فِي صُحُفٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ [3] : وَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ فُتُوحِ مَدَائِنِ كِسْرَى الَّتِي بِالْعِرَاقِ صُلْحًا وَحَرْبًا خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مُتَكَتِّمًا بِحَجَّتِهِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ تَعْتَسِفُ [4] الْبِلَادَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَتَأَتَّى لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَأَتَّ لِدَلِيلٍ، فَسَارَ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْحِيرَةِ [5] لَمْ يُرَ قَطُّ أَعْجَبُ مِنْهُ وَلَا أَصْعَبُ، فَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَنِ الْجُنْدِ يَسِيرَةً، فَلَمْ يَعْلَمْ بِحَجِّهِ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ أَفْضَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجِّهِ عَتَبَهُ وَعَنَّفَهُ وَعَاقَبَهُ بِأَنْ صَرَفَهُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا وَافَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ حَجِّهِ بِالْحِيرَةِ يَأْمُرُهُ بِانْصِرَافِهِ إِلَى الشَّامِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ بِهَا مِنْ جُمُوعِ الْمُسْلِمِينَ بِالْيَرْمُوكِ، وَيَقُولُ لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ لِمِثْلِهَا [6] .
__________
[1] الإصابة 1/ 158.
[2] أخرجه البخاري في فضائل القرآن 9/ 8، 11 باب جمع القرآن، وأحمد في المسند 5/ 188، و 189، والفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 485، والطبراني في المعجم الكبير (4901) ، وابن أبي داود في المصاحف 6 و 9 والعسب: جمع عسيب. وهو جريد النخل إذا نحّي عنه خوصه.
وكانوا يكتبون في تلك الأشياء لقلّة القراطيس عندهم في ذلك الوقت.
[3] في تاريخ الرسل والملوك 3/ 384.
[4] اعتسف الطريق: إذا قطعه دون صوب توخّاه فأصابه.
[5] عند الطبري «طرق أهل الجزيرة» .
[6] الطبري 3/ 384، 385، الكامل لابن الأثير 2/ 400.(3/79)
قُلْتُ: وَإِنَّمَا جَاءَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَسِيرَ إِلَى الشَّامِ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ.
[1] [قُلْتُ: سَارَ خَالِدٌ بِجَيْشِهِ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَادُوا يَهْلِكُونَ عَطَشًا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ اكْتُبْ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَسِيرُ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَدَدًا لَهُ، فَلَمَّا أَتَى كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ خَالِدًا قَالَ: هَذَا مِنْ عُمَرَ حَسَدَنِي عَلَى فَتْحِ الْعِرَاقِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِي، فَأُحِبُّ أَنْ يَجْعَلَنِي مَدَدًا لِعَمْرٍو، فَإِنْ كان فتح كان ذكره له دوني] [2] .
__________
[1] ما بين الحاصرتين من هنا حتى نهاية الصفحة غير موجود في الأصل والمنتقى نسخة أحمد الثالث.
وهو في النسختين (ع) و (ح) .
[2] وفي فتوح الشام للأزدي- ص 68 أنّ خالدا غضب وشقّ ذلك عليه وقال: «هذا عمل عمر، نفس عليّ أن يفتح الله على يدي العراق» . وانظر تاريخ الطبري 3/ 415، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 131.(3/80)
سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا قَفَلَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ الْحَجِّ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قِبَلَ فِلَسْطِينَ، وَيَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْلُكُوا عَلَى الْبَلْقَاءِ [1] .
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ [2] قَالَ: قَالُوا لَمَّا وَجَّهَ أَبُو بَكْرٍ الْجُنُودَ إِلَى الشَّامِ أَوَّلَ سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، فَأَوَّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ لِوَاءُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، ثُمَّ عَزَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ خَالِدٌ، وَقِيلَ: بَلْ عَزَلَهُ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ مَسِيرِهِ، وَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ فَسَارَ إِلَى الشَّامِ، فَأَغَارَ عَلَى غَسَّانَ بِمَرْجِ رَاهِطٍ [3] ، ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ عَلَى قَنَاةِ بُصْرَى، وَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَصَاحِبَاهُ فَصَالَحُوا أَهْلَ بُصْرَى، فَكَانَتْ أَوَّلَ مَا فُتِحَ مِنْ مَدَائِنِ الشَّامِ [4] ، وَصَالَحَ خَالِدٌ في وجهه ذلك أهل تدمر [5] .
__________
[1] تاريخ خليفة 119 وانظر الطبري 3/ 387، وابن الأثير 2/ 402.
[2] في تاريخ الرسل والملوك 3/ 387.
[3] مرج راهط: بنواحي دمشق. (معجم البلدان 5/ 101) .
[4] تاريخ خليفة 119، والمعرفة والتاريخ 3/ 293، وتاريخ دمشق 1/ 460، والكامل في التاريخ 2/ 409، ونهاية الأرب 19/ 119، وفتوح الشام للأزدي 82، وتاريخ الطبري 3/ 417.
[5] تاريخ خليفة 119، وانظر فتوح الشام للأزدي 77.(3/81)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ سَارُوا جَمِيعًا قِبَلَ فِلَسْطِينَ، فَالْتَقَوْا بِأَجْنَادَيْنَ [1] بَيْنَ الرَّمْلَةِ، وَبَيْتِ جِبْرِينَ [2] ، وَالْأُمَرَاءُ كُلٌّ عَلَى جُنْدِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ عَمْرًا كَانَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَعَلَى الرُّومِ الْقُبُقْلَارِ [3] فَقُتِلَ، وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ [4] .
فَاسْتُشْهِدَ نُعَيْمُ بْنُ عبد الله بن النّحّام، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ [5] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا أَنَّ أَجْنَادَيْنَ كَانَتْ فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَبُشِّرَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ [6] .
وَقَالَ ابْنُ لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ عَمْرٌو، وَأَبَانٌ، وَخَالِدُ بَنُو سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّانِ، وَضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي
__________
[1] أجنادين: بالفتح ثم السكون، ونون وألف، وتفتح الدال فتكسر معها النون، فيصير بلفظ التثنية، وتكسر الدال وتفتح الدال بلفظ الجمع. وأكثر أصحاب الحديث يقولون إنه بلفظ التثنية. وهي بين الرملة وبيت جبرين من أرض فلسطين. (الكامل لابن الأثير 2/ 417) .
[2] في نسخة دار الكتب «جرش» بدل «جبرين» وهو تحريف. وبيت جبرين بليد بين بيت المقدس وغزّة. (معجم البلدان 1/ 519) .
[3] في الأصل وغيره «القيقلان» ، والتصويب من تاريخ خليفة 119، وتاريخ الطبري 3/ 417، والكامل لابن الأثير 2/ 417.
و «القبقلار» رتبة عسكرية عند الروم. ويسمّيه الأزدي في «فتوح الشام» - ص 89 «وردان» .
[4] تاريخ خليفة 119، فتوح الشام للأزدي 93، تاريخ الطبري 3/ 419، الكامل في التاريخ 2/ 417، وانظر: المعرفة والتاريخ 3/ 295 و 296.
[5] تاريخ خليفة 120، وتاريخ الطبري 3/ 418، وفتوح الشام للأزدي 91.
[6] وقال الأزدي في فتوح الشام- ص 93 كانت وقعة أجنادين «قبل وفاة أبي بكر رضي الله عنه بأربع وعشرين ليلة» . وانظر تهذيب تاريخ دمشق 1/ 145 حيث ينقل الذهبي عن ابن عساكر.(3/82)
جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَمُّ عِكْرِمَةَ، وَهَبَّارُ بْنُ سُفْيَانَ الْمَخْزُومِيُّ، وَنُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ، وَصَخْرُ بْنُ نَصْرٍ الْعَدَوِيَّانِ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ السَّهْمِيُّ، وَتَمِيمٌ، وَسَعِيدٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] : قُتِلَ يَوْمَئِذٍ طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُمُّهُ أَرْوَى هِيَ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: بَرَزَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ بَطْرِيقٌ [2] فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزّبير بن عبد المطّلب بن هاشم، فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، ثُمَّ بَرَزَ بَطْرِيقٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ مُحَارَبَةٍ طَوِيلَةٍ، فَعَزَمَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنْ لَا يُبَارِزَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي أَصْبِرُ، فَلَمَّا اخْتَلَطَتِ السُّيُوفُ وُجِدَ مَقْتُولًا [3] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: عَاشَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَلَا نَعْلَمُهُ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ [4] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ: الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ [5] ،
__________
[1] الطبقات 3/ 124 وانظر تاريخ الطبري 3/ 402.
[2] بطريق: بفتح أوله وسكون ثانيه. الصيغة المعرّبة للكلمة اللّاتينية: باتريكيوس Patricius وقد أنشأ هذه الرتبة الإمبراطور قسطنطين (306- 337 م.) . وهي رتبة لا تتّصل بأيّ وظيفة، وكانت تمنح لمن يؤدّي للدولة خدمات جليلة. وقد جرى الاصطلاح على أنها تدلّ على القائد عند البيزنطيّين كالمصطلحات الأخرى: «دمستق «Domesticus و «دوقس) «Dux دائرة المعارف الإسلامية 7/ 313) .
[3] قال الحافظ في سير أعلام النبلاء 3/ 382: «فلما اختلطت السيوف وجد في ربضة من الروم عشرة مقتولا، وهم حوله، وقائم السيف في يده قد غري، وإنّ في وجهه لثلاثين ضربة» .
وغري بمعنى: لزق.
[4] انظر عنه: الاستيعاب 3/ 904، 905، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 396، أسد الغابة 3/ 241، سير أعلام النبلاء 3/ 381- 383 رقم 55، البداية والنهاية 8/ 238، 239 و 332، الوافي بالوفيات 17/ 172 رقم 158، العقد الثمين 5/ 140، الإصابة 2/ 308.
[5] ذكر وفاته في أجنادين ابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 287.(3/83)
وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ [1] بن أَبِي طلحة الْعَبْدَرِيُّ [2] . كَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ [3] .
وَقْعَةُ مَرْجِ الصُّفَّرِ [4]
قَالَ خَلِيفَةُ [5] : كَانَتْ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، وَالْأَمِيرُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ [6] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ قَلْقَطٌّ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَانْهَزَمُوا [7] .
وَرَوَى خَلِيفَةُ [8] ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتُشْهِدَ يَوْمَ مَرْجِ الصُّفَّرِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَيُقَالُ أَخُوهُ عَمْرٌو قُتِلَ أَيْضًا، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ [9] ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وأبان بن سعيد يومئذ بخلف.
__________
[1] ذكره ابن جرير في المنتخب من ذيل المذيّل- ص 556 وقال إنّه هاجر إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هدنة الحديبيّة في صفر سنة ثمان. وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 1/ 92، 93 وقال انه مات في أول خلافة معاوية سنة ثنتين وأربعين، وقيل إنه قتل يوم أجنادين.
[2] هنا في نسخة أحمد الثالث من المنتقى أسماء مقحمة، موضعها في النّصّ التالي.
[3] لم أجد هذا القول في تاريخ ابن جرير الطبري ولا في المنتخب من الذيل. ولا أدري لماذا كرّر الحافظ ذكر ابن جرير في أوّل النصّ وآخره. ويراجع فهرس الأعلام في التاريخ، فبالنسبة للحارث بن أوس العتكيّ غير موجود في الفهرس، أمّا عثمان بن أبي طلحة فهو مذكور في الجزء 3/ 29 و 31.
[4] مرج الصّفّر: بالضم وتشديد الفاء. قرب دمشق. (معجم البلدان 5/ 101) .
[5] في تاريخه- ص 120.
[6] في الأصل، وطبعة القدسي 3/ 56 «الوليد» ، والتصويب من تاريخ خليفة ومعجم البلدان.
ومما سيأتي بعد قليل.
[7] تاريخ خليفة 120.
[8] في تاريخه- ص 120.
[9] قال ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 34 الفضل بن العباس قيل إنه توفي في هذه السنة، والصحيح أنه تأخّر إلى سنة ثماني عشرة. وسيأتي في هذا الجزء ما يؤيّد ذلك.(3/84)
وَقَالَ غَيْرُهُ: قُتِلَ يَوْمَئِذٍ نُمَيْلَةُ بْنُ عُثْمَانَ اللَّيْثِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ سَلَامَةَ الْأَشْهَلِيُّ، وَسَالِمُ بْنُ أَسْلَمَ الْأَشْهَلِيُّ.
وَقِيلَ: إِنَّ وَقْعَةَ مَرْجِ الصُّفَّرِ كَانَتْ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ [1] ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْتَقَوْا عَلَى النَّهْرِ عِنْدَ الطَّاحُونَةِ، فَقُتِلَتِ الرُّومُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَرَى النَّهْرُ وَطُحِنَتْ طَاحُونَتُهَا بِدِمَائِهِمْ فَأُنْزِلَ النَّصْرُ. وَقَتَلَتْ يَوْمَئِذٍ أُمُّ حَكِيمٍ سَبْعَةً مِنَ الرُّومِ بِعَمُودِ فُسْطَاطِهَا [2] ، وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ [3] ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ: فَلَمْ تُقِمْ مَعَهُ إِلَّا سَبْعَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ قَنْطَرَةِ أُمِّ حَكِيمٍ بِالصُّفَّرِ [4] ، وَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِيمَا قِيلَ عَمْرٌو.
وَقْعَةُ فِحْلٍ [5]
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوةَ قَالَ: كَانَتْ وَقْعَةُ فِحْلٍ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ [6] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ [7] : شَهِدْنَا أَجْنَادَيْنَ ونحن يومئذ عشرون
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 145.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 145، طبقات ابن سعد 4/ 98، 99.
[3] قتل عنها بأجنادين. (الاستيعاب 4/ 444) .
[4] طبقات ابن سعد 4/ 99، الاستيعاب 4/ 444.
[5] فحل: بكسر أوّله وسكون ثانيه. اسم موضع بالشام. (معجم البلدان 4/ 237) من الأردن. (تهذيب تاريخ دمشق 1/ 145) .
[6] تاريخ خليفة- ص 120، المعرفة والتاريخ 3/ 293 و 295.
[7] في تاريخ دمشق أن القائل هو عمرو بن العاص. (التهذيب 1/ 145) .(3/85)
أَلْفًا، وَعَلَيْنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَفَاءَتْ فِئَةٌ إِلَى فِحْلٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ عَمْرٌو فِي الْجَيْشِ فَنَفَاهُمْ عَنْ فحل.(3/86)
خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَفِيهَا تُوُفِّيَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِثَمانٍ بَقَيْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ [1] ، وَعَهِدَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ إِلَى عُمَرَ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا.
فَأَوَّلُ مَا فَعَلَ عُمَرُ عَزَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَنْ إِمْرَةِ أُمَرَاءِ الشَّامِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ [2] ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِعَهْدِهِ [3] ، ثُمَّ بَعَثَ جَيْشًا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْعِرَاقِ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدِ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ وَالِدَ الْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ [4] ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، فالتقى مع أهل العراق كما سيأتي [5] .
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 121، نهاية الأرب 19/ 128.
[2] المعرفة والتاريخ 3/ 296، تاريخ خليفة 122.
[3] فتوح الشام للأزدي 98.
[4] تاريخ خليفة 124.
[5] في حاشية النسخة (ح) : «بلغ مطالعة» .(3/87)
الْمُتَوَفَّوْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الْحُرُوفِ
(أَبَانُ بن سعيد بن العاص)
[1] بن أمية الأموي أَبُو الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي أُحَيْحَةَ، لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَانَ يَتَّجِرُ إِلَى الشَّامِ، وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ، وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ عُثْمَانَ يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مَكَّةَ، فَتَلَقَّاهُ أَبَانٌ هَذَا وَهُوَ يَقُولُ:
أَقْبِلْ وَأَسْهِلْ وَلَا تَخَفْ أَحَدًا ... بَنُو سَعِيدٍ أَعِزَّةُ الْبَلَدِ [2]
فَلَمَّا قَدِمَ أَخَوَاهُ مِنْ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ، خالد وعمرو، أرسلا إليه إلى مَكَّةَ يَدْعُوَانِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَجَابَهُمَا، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ مسلما، ثمّ خرج الإخوة الثلاثة
__________
[1] نسب قريش 174، 175، طبقات خليفة 298، تاريخ خليفة 120 و 131، التاريخ الكبير 1/ 450 رقم 1439، التاريخ الصغير 1/ 35 و 52، الجرح والتعديل 2/ 295 رقم 1083، تاريخ الطبري 3/ 572، الأخبار الموفقيات 333، المعجم الكبير للطبراني 1/ 231 رقم 38، أنساب الأشراف 1/ 142 و 368 و 529 و 532، المحبّر 126 و 235، جمهرة أنساب العرب 81، 82، مشاهير علماء الأمصار 19 رقم 70، الاستيعاب 1/ 119، أسد الغابة 1/ 46- 48، تهذيب تاريخ دمشق 2/ 127- 133، سير أعلام النبلاء 1/ 261 رقم 49، الوافي بالوفيات 5/ 299 رقم 2357، معجم بني أميّة 4 و 81، الإصابة 1/ 16، الكامل في التاريخ 2/ 414.
[2] في الاستيعاب «أقبل وأدبر» ، وفي الإصابة «أسبل وأقبل» ، وفيهما «الحرم» بدل «البلد» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «أقبل وأسبل» ، وفي سير أعلام النبلاء «أقبل وأنسل» .(3/89)
مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ. وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ عَلَى الْأَصَحِّ.
(أَنَسَةُ [1] مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
مِنْ مُوَلَّدِي السَّرَاةِ.
رَوَى الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ [2] وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: رَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يُثْبِتُونَ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ بِبَدْرٍ، وَأَنَّهُ قَدْ شَهِدَ أُحُدًا وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا [3] .
وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: مَاتَ أَنَسَةُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ [4] ، وَكَانَ يُكْنَى أَبَا مِسْرَحٍ.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَنَسَةَ كَانَ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ عَلَى النَّبِيِّ [5] .
(الْحَارِثُ بْنُ [6] أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ)
[7] قُتِلَ بِأَجْنَادَيْنَ. وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.
(تَمِيمُ [8] بْنُ الْحَارِثِ بن قيس [9] ، وأخوه سعيد)
[10] قتلا بأجنادين،
__________
[1] تاريخ خليفة 99، المحبّر 128 و 258 و 288، المعجم الكبير للطبراني 1/ 269 رقم 52، الاستيعاب 1/ 113، 114، أسد الغابة 1/ 132، الوافي بالوفيات 9/ 424 رقم 4359، الإصابة 1/ 75 رقم 287، وفي العقد الفريد 2/ 195 «أبو أنسة» ، أنساب الأشراف 1/ 289 و 296 و 478، طبقات ابن سعد 3/ 48، 49.
[2] ابن سعد 3/ 48.
[3] الاستيعاب 1/ 114، أنساب الأشراف 1/ 296 و 478، ابن سعد 3/ 48.
[4] الاستيعاب 1/ 114، الوافي بالوفيات 9/ 424، أنساب الأشراف 1/ 478.
[5] المعجم الكبير للطبراني 1/ 269 رقم 779، المحبّر 258، أنساب الأشراف 1/ 478، ابن سعد 3/ 49.
[6] هذه الترجمة مؤخّرة في النسخة (ح) عن التي بعدها، وهو الصواب.
[7] الاستيعاب 1/ 287، أنساب الأشراف 1/ 329، أسد الغابة 1/ 316، 317.
[8] قيل اسمه «نمير» وقيل «بشر» . (انظر تاريخ دمشق بتحقيق دهمان 10/ 485) .
[9] الاستيعاب 1/ 183، فتوح البلدان 1/ 135، أنساب الأشراف 1/ 215، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 361، أسد الغابة 1/ 216، الإصابة 1/ 184 رقم 840.
[10] أنساب الأشراف 1/ 215، فتوح البلدان 1/ 135، الاستيعاب 2/ 8، الإصابة 2/ 44، 45(3/90)
وَهُمَا مِنْ بَنِي سَهْمٍ، لَهُمَا صُحْبَةٌ، وَلِلْحَارِثِ الَّذِي قَبْلَهُمَا، وَهُمْ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ.
خَالِدُ بن سعد بن العاص [1]
ابن أُمَيَّةَ، أَبُو سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ.
فَعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِهِ قَالَتْ: «كَانَ أَبِي خامسا في الإسلام، وهاجر إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَقَامَ بِهَا بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَوَلَدْتُ أَنَا بِهَا» [2] .
وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْهَا قَالَتْ: أَبِي أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ (بسم الله الرحمن الرحيم) .
__________
[ () ] رقم 3251، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 125، أسد الغابة 2/ 304، تاريخ الطبري 3/ 572، تاريخ خليفة 131، الكامل في التاريخ 2/ 414 وفيه تحرّفت «الحرث» إلى «الحرب» .
[1] طبقات ابن سعد 4/ 94- 100، نسب قريش 174، 175، طبقات خليفة 11 و 298، تاريخ خليفة 97 و 120 و 201، التاريخ الكبير 3/ 152 رقم 522، أخبار مكة للأزرقي 1/ 127، التاريخ الصغير 1/ 2، 4، 34، 35، المعارف 296، الجرح والتعديل 3/ 334 رقم 1500، فتوح البلدان 1/ 82 و 122 و 125 و 128 و 129 و 141 و 142، أنساب الأشراف 1/ 199، 220، و 366 و 439 و 529 و 532 و 588، جمهرة أنساب العرب 81، المحبّر 89 و 126 و 409، الأخبار الموفقيّات 333 و 594، مشاهير علماء الأمصار 33 رقم 172، الاستيعاب 1/ 399- 403، العقد الفريد 4/ 158 و 161 و 168، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 115 رقم 410، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 235) ، الخراج وصناعة الكتابة 275 و 284، 285، ثمار القلوب 622، تهذيب تاريخ دمشق 5/ 48- 55، أسد الغابة 2/ 97، الزيارات 12، التذكرة الحمدونية 2/ 468، سير أعلام النبلاء 1/ 259، 260 رقم 48، البداية والنهاية 7/ 377، العقد الثمين 4/ 265، الوافي بالوفيات 13/ 252- 253 رقم 309، الوزراء والكتّاب 12، المستدرك 3/ 248- 251، تاريخ ثغر عدن 2/ 67 رقم 93، البدء والتاريخ 5/ 95، رسائل ابن حزم 3/ 199، المغازي النبويّة للزهري 96 و 151.
المستطرف 1/ 125، الوفيات لابن قنفذ 45، الإصابة 1/ 406- 407 رقم 2167، كنز العمّال 13/ 377، شذرات الذهب 1/ 30، تتمّة طبقات المالكية لابن مخلوف 81، خلاصة تذهيب التهذيب 1/ 278 رقم 1765، تاريخ الخميس 2/ 21، البدء والتاريخ 5/ 95، 96.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 94.(3/91)
وَجَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى صَنْعَاءَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَّرَهُ عَلَى بَعْضِ الْجَيْشِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ.
فَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَخْبَرَنَا أَشْيَاخُنَا أَنَّهُ قَتَلَ مُشْرِكًا ثُمَّ لَبَسَ سَلْبَهُ دِيبَاجًا أَوْ حَرِيرًا، فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَ عَمْرٍو فَقَالَ: مَا تَنْظُرُونَ! مَن شَاءَ فَلْيَعْمَلْ مِثْلَ عَمَلِ خَالِدٍ، ثُمَّ يَلْبَسُ لِبَاسَهُ [1] .
وَيُرْوَى أَنَّ الَّذِي قَتَلَ خَالِدًا أَسْلَمَ وَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ لَهُ نُورًا سَاطِعًا إِلَى السَّمَاءِ.
وقيل: كان خالد وَسِيمًا جَمِيلًا، قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ.
(سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ)
[2] سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، تُوُفِّيَ فِيهَا فِي قَوْلٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرَهُمَا: إِنَّ سَعْدًا قَسَّمَ مَالَهُ وخرج إلى
__________
[1] ابن سعد 4/ 99.
[2] مسند أحمد 5/ 284 و 6/ 7، طبقات ابن سعد 3/ 613- 617، نسب قريش 200، طبقات خليفة 97، تاريخ خليفة 117 و 135، التاريخ الكبير 4/ 44 رقم 1911، التاريخ الصغير 1/ 39، المعارف 259، الجرح والتعديل 4/ 88 رقم 382، المستدرك 3/ 252- 254، فتوح البلدان 3/ 583، أنساب الأشراف 1/ 177 و 250 و 252 و 254 و 255 و 267 و 287 و 288 و 314 و 317 و 346 و 463 و 469 و 473 و 487 و 512 و 521 و 523 و 580 و 581 و 582 و 583 و 589، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 263) ، جمهرة أنساب العرب 365، العقد الفريد 2/ 34 و 4/ 257، و 259، 260، الاستيعاب 2/ 35- 41، المعرفة والتاريخ 1/ 294، مشاهير علماء الأمصار 10 رقم 20، المحبّر 233 و 269 و 271 و 273 و 277 و 423، الأخبار الموفقيات 579 و 591، المعجم الكبير للطبراني 6/ 17- 29 رقم 527، البدء والتاريخ 5/ 115، التذكرة الحمدونية 2/ 102 رقم 205، الاستبصار 93- 97، أسد الغابة 2/ 356، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 212، 213 رقم 204، تهذيب الكمال 1/ 474، دول الإسلام 1/ 15، الكاشف 1/ 278 رقم 1851، المعين في طبقات المحدّثين 21 رقم 46، تلخيص المستدرك 3/ 252- 254، العبر 1/ 19، سير أعلام النبلاء 1/ 270- 279 رقم 55، الزيارات 12، مرآة الجنان 1/ 71، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 86- 93، الوافي بالوفيات 15/ 150- 152 رقم 203، تهذيب التهذيب 3/ 475، 476 رقم 883، تقريب التهذيب 1/ 288 رقم 90، الإصابة 2/ 30 رقم 3173، البداية والنهاية 7/ 33، خلاصة تذهيب التهذيب 134، كنز العمال 13/ 404، شذرات الذهب 1/ 28، البدء والتاريخ 5/ 115.(3/92)
الشَّامِ فَمَاتَ، وَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى ابْنِهِ قَيْسٍ فَقَالَا:
إِنَّ سَعْدًا يَرْحَمُهُ اللَّهُ تُوُفِّيَ وَأَنَّا نَرَى أَنْ تَرُدُّوا عَلَى هَذَا الْوَلَدِ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ شَيْئًا صَنَعَهُ سَعْدٌ وَلَكِنَّ نَصِيبِي لَهُ [1] .
(سَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ)
[2] أَبُو هَاشِمٍ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو أَبِي جَهْلٍ.
كَانَ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَدْعُو لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ [3] ، وَكَانَ قَدْ رَجَعَ مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ فَحَبَسَهُ أَبُو جَهْلٍ وَأَجَاعَهُ ثُمَّ انْسَلَّ فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ [4] .
اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ [5] .
(السَّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ)
[6] بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ.
مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ هُوَ وَإِخْوَتُهُ. قُتِلَ يَوْمَ فِحْلٍ [7] .
(ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ الْأَسَدِيُّ)
[8] ، لَهُ صُحْبَةٌ.
كَانَ من أبطال الأعراب وفرسانهم.
__________
[1] انظر التذكرة الحمدونية 2/ 102.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 130، 131، الجرح والتعديل 4/ 176 رقم 765، فتوح البلدان 1/ 135، تاريخ أبي زرعة 1/ 217، المستدرك 3/ 251، 252، المحبّر 97، أنساب الأشراف 1/ 197 و 208 و 210 و 460، تاريخ الطبري 3/ 42 و 169 و 402 و 418، مشاهير علماء الأمصار 35 رقم 197، الاستيعاب 2/ 85، 86، أسد الغابة 2/ 341، تلخيص المستدرك 3/ 251، البداية والنهاية 7/ 33، 34، الوافي بالوفيات 15/ 317 رقم 442، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 234، الإصابة 2/ 68، 69 رقم 3403.
[3] انظر في ذلك طبقات ابن سعد 4/ 130.
[4] ابن سعد 4/ 130.
[5] هذه الترجمة أثبتها المؤلّف في الحاشية، وأثبتها ابن الملّا في متن المنتقى.
[6] طبقات ابن سعد 4/ 195، تاريخ خليفة 91، الاستيعاب 2/ 102، الجرح والتعديل 4/ 242 رقم 1035، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 61، الوافي بالوفيات 15/ 101، 102 رقم 142، الإصابة 2/ 8، 9 رقم 3058.
[7] طبقات ابن سعد 4/ 195، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 61.
[8] طبقات خليفة 35 و 128، جمهرة أنساب العرب 193، الخراج وصناعة الكتابة 36، المحبّر(3/93)
مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْلِبُ فَقَالَ: «دَعْ دَاعِي اللَّبَنِ» [1] . قَالَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْهُ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ، وَكَانَ عَلَى مَيْسَرَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَوْمَ بُصْرَى، وَشَهِدَ حُرُوبًا وَفُتُوحًا كَثِيرَةً، وَنَزَلَ الْجَزِيرَةَ وَمَاتَ بِهَا.
وَأَمَّا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُرْوَةُ فَذَكَرَا أَنَّهُ قُتِلَ بِأَجْنَادَيْنَ.
(طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ)
[2] بْنِ وهب بن كثير [3] بن عبد بن قصيّ القرشيّ العبديّ.
__________
[87، 88،) ] المعرفة والتاريخ 2/ 654، الجرح والتعديل 4/ 464، 465 رقم 2043، التاريخ الكبير 4/ 338، 339 رقم 3050، فتوح البلدان 1/ 117 و 300 و 317، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 164 رقم 958، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 293) ، المستدرك 3/ 237، 238 و 620، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 33، 34، تجريد أسماء الصحابة 1/ 271، تلخيص المستدرك 3/ 237 و 620، الاستيعاب 2/ 211، 212، البداية والنهاية 7/ 34، الوافي بالوفيات 16/ 362، 363 رقم 394، طبقات ابن سعد 6/ 25، نسب قريش 321، المعجم الكبير للطبراني 8/ 353، أسد الغابة 3/ 39، الإصابة 2/ 208 رقم 4172، خزانة الأدب 2/ 8، فتوح الشام للأزدي 81، تعجيل المنفعة 195، 196 رقم 484.
[1] أخرجه الدارميّ في الأضاحي، باب 35، وأحمد في المسند 4/ 76، والحاكم في المستدرك 3/ 237، 620 ومن طريق ابن المبارك، عن الأعمش عن يعقوب بن بحير، عن ضرار بن الأزور رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم بلقوح من أهلي، فقال لي: «أحلبها» ، فذهبت لأجهدها، فقال: «لا تجهدها دع داعي اللبن» . صحيح الإسناد ولا يحفظ لضرار عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم غير هذا. ورواه من طريق سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن سنان، عن ضرار بن الأزور رضي الله عنه قال: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا أحلب فقال: «دع داعي اللبن» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 123، 124، المحبّر 72 و 173 و 406، أنساب الأشراف 1/ 88 و 177 و 147 و 202، فتوح البلدان 1/ 135، جمهرة أنساب العرب 128، الجرح والتعديل 4/ 499، 500 رقم 2200، تاريخ الطبري 3/ 402، الاستيعاب 2/ 227، 228، المستدرك 3/ 239، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 92، 93، الكامل في التاريخ 2/ 414 و 418، تلخيص المستدرك 3/ 239، البداية والنهاية 7/ 34، الوافي بالوفيات 16/ 493، 494 رقم 540، حذف من نسب قريش 59، أسد الغابة 3/ 65، العقد الثمين 5/ 73، الإصابة 2/ 233 رقم 4288.
[3] في طبعة القدسي 3/ 60 «كبير» والتصويب من: طبقات ابن سعد 3/ 3/ 123، والجرح(3/94)
وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ [1] ، يُقَالُ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالْوَاقِدِيُّ، وَالزُّبَيْرُ.
وَقَدْ هَاجَرَ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ إِلَى الْحَبَشَةِ [2] .
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: هُوَ أَوَّلُ مُنْ دَمَّى مُشْرِكًا فَقِيلَ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ طُلَيْبٌ لِحَى جَمَلٍ فَشَجَّ أَبَا جَهْلٍ بِهِ [3] .
اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ وَقَدْ شَاخَ [4] .
وَقَدِ انْقَرَضَ وَلَدُ عَبْدِ بْنِ قُصَيِّ [5] بْنُ كِلَابٍ، وَآخِرُ من بقي منهم لم يكن له مَنْ يَرِثُهُ مِنْ بَنِي عَبْدٍ، فورثه عبد الصّمد بن عليّ العبّاسيّ،
__________
[ () ] والتعديل 4/ 499، والمستدرك 3/ 239، والبداية والنهاية 7/ 34، وفي الاستيعاب 2/ 227، والإصابة 2/ 233 «ابن أبي كثير» .
[1] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 92.
[2] قال ابن سعد: قالوا: وكان طليب بن عمير من مهاجرة الحبشة في الهجرة الثانية، ذكروه جميعا: موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر، ومحمد بن عمر، وأجمعوا على ذلك» . (3/ 123) .. «وشهد طليب بدرا في رواية محمد بن عمر وثبّت ذلك ولم يذكره موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر ممّن شهد بدرا» . (3/ 123، 124) .
[3] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 93 وقد نقل ابن عساكر الرواية عن ابن سعد، وهي ليست في المطبوع من ترجمة طليب. وانظر جمهرة أنساب العرب 128، ويقال إن طليب أول من أهراق دما في سبيل الله، وقيل: بل سعد بن أبي وقّاص. (الاستيعاب 2/ 228) وقيل إنّ طليب دمّى «عوف بن صبرة السّهميّ» ، وليس أبا جهل. (الوافي بالوفيات 16/ 493، والإصابة 2/ 233) .
[4] أكثر الروايات تؤكّد أنّه استشهد وله خمسة وثلاثون عاما. (ابن سعد 3/ 124، الحاكم في المستدرك 3/ 239، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 93، الوافي بالوفيات 16/ 494) وهذا ينقض قول المؤلّف، وقول الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 34 أنه استشهد وقد شاخ.
[5] في المنتقى نسخة أحمد الثالث «عبد قصيّ» ، وهو وهم، والتصويب من الأصل وجمهرة أنساب العرب 128 وغيره من مصادر ترجمته.(3/95)
وعبيد الله بْن عروة بْن الزُّبَيْر بالقعدد [1] إلى قصي، وهما سواء [2] .
(عبد الله بْن الزُّبَيْر)
[3] بْن عبد المطلب بْن هاشم الهاشمي.
قتل يوم أَجنادين، ووجدوا حوله عُصْبة من الروم قتلهم، ثُمَّ أثخنته الجراح فمات. وكان أحد الأبطال.
فعن الواقِديّ قَالَ: أول من قُتِل من الروم يوم أَجْنَادِينَ بطريق بَرَز وهو مُعَلَّم، فبرز إليه عبد الله بْن الزُّبَيْر فقتله، ولم يعرض لسلبه، ثُمَّ برز آخر فبرز إليه عبد الله فاقتتلا بالرمحين، ثُمَّ بالسيفين، فحمل عليه عبد الله بالسيف فضربه على عاتقه، وذكر الحديث. فلما فرغوا وجد عبد الله وحوله عشرة من الروم قتلى وهو مقتول بينهم. وعاش نحو ثلاثين سنة [4] .
(عبد الله بن عمرو الدّوسيّ)
[5] استشهد بأجنادين. مجهول، وذكره
__________
[1] بالقعدد: بضم القاف وسكون العين وضمّ الدال المهملة، أي بقربهم إلى الجدّ الأعلى قصيّ.
يقال رجل قعدد: قريب الآباء من الجدّ الأكبر. ويقال: هو أقعدهم أي أقربهم إلى الجدّ الأكبر. (تاج العروس- ج 6/ 49، 50) ويقال: ورث المال بالقعدى، كبشرى، أي بالقعدد. (6/ 61) .
[2] جمهرة أنساب العرب لابن حزم 128.
[3] هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. انظر عنه: المعارف 120، وفتوح البلدان 1/ 135، والاستيعاب 2/ 299، 300، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 396، والكامل في التاريخ 2/ 418، وأسد الغابة 3/ 241، وسير أعلام النبلاء 3/ 381- 383 رقم 55، والبداية والنهاية 7/ 34، والوافي بالوفيات 17/ 172 رقم 158، والعقد الثمين 5/ 140، والإصابة 2/ 308 رقم 4681.
وقد وهم محقّق سير أعلام النبلاء فأشار إلى موضع ترجمة عبد الله بن الزبير بن العوّام بدلا منه.
(انظر السير 3/ 382 بالحاشية) .
[4] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 399، الاستيعاب 2/ 300، الكامل في التاريخ 2/ 418.
[5] هو حفيد الطفيل بن عمرو الملقّب بذي النّور، وقد مرّ في المتوفّين سنة 12 هـ. انظر عنه: فتوح الشام للأزدي 92، والاستيعاب 2/ 359، والكامل في التاريخ 2/ 418 وفيه «عبد الله بن الطفيل» بإسقاط «عمرو» ، والبداية والنهاية 7/ 34، وقال: «وليس هذا الرجل معروفا» ، والوافي بالوفيات 17/ 225 رقم 209 وفيه أيضا «عبد الله بن الطفيل» ، وفيه خلط بينه وبين جدّه الطفيل في تلقيبه بذي النور، والإصابة 2/ 351 رقم 4876 وفيه: «عبد الله بن عمرو بن(3/96)
ابن سعد [1] .
(عثمان بْن طلحة الحجبي)
[2] وهم من قَالَ: إنه قُتِل بأجنادين، بقي إلى بعد الأربعين.
(عَتّاب بْن أسِيد)
[3] بْن أبي العيص بْن أُمَيَّة الأموي أَبُو عبد الرحمن.
أمير مكة.
__________
[ () ] الطفيل الأزدي ثم الأوسي ... » وهو وهم، والصحيح: «الدّوسي» .
[1] لم أجده في المطبوع من طبقات ابن سعد.
[2] الحجبي: بفتح الحاء والجيم وكسر الباء. نسبة إلى حجابة بيت الله المحرّم، وهم جماعة من عبد الدار، وإليهم حجابة الكعبة ومفتاحها. (اللباب 1/ 342) .
انظر عنه:
طبقات ابن سعد 5/ 448، نسب قريش 251 و 409، أخبار مكة للأزرقي 1/ 111 و 114 و 169 و 223 و 265 و 272 و 315، طبقات خليفة 14 و 277، تاريخ خليفة 205، أنساب الأشراف 1/ 54، فتوح البلدان 1/ 93، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 105 رقم 292، مسند أحمد 3/ 410، المعارف 70 و 267 و 575، التاريخ الكبير 6/ 229، 230 رقم 2253، الاستيعاب 3/ 92، 93، الجرح والتعديل 6/ 155 رقم 851، تاريخ الطبري 3/ 2 و 31، المنتخب من ذيل المذيّل 556، مشاهير علماء الأمصار 27 رقم 130، جمهرة أنساب العرب 127، المعرفة والتاريخ 1/ 272، المعجم الكبير للطبراني 9/ 53- 55 رقم 769، المستدرك 3/ 428، 429، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 352، أسد الغابة 3/ 372، الكامل في التاريخ 3/ 169، تهذيب الأسماء واللغات ق 1/ ج 1/ 320، 392، تهذيب الكمال 2/ 912، سير أعلام النبلاء 3/ 10- 12 رقم 2، الكاشف 2/ 219 رقم 3760، تلخيص المستدرك 3/ 428، 429، البداية والنهاية 8/ 23، العقد الثمين 6/ 21، شفاء الغرام للقاضي المكّي.
(بتحقيقنا) ج 1/ 209 و 225 و 226 و 227 و 229 و 233 و 234 و 239 و 240 و 248 و 249 و 252 و 254 و 254 و 398 وج 2/ 140 و 143 و 189 190 و 236 و 237 و 238 و 239 و 240 و 241 و 242 و 246، الإصابة 2/ 460 رقم 5440، تهذيب التهذيب 7/ 124 رقم 267، تقريب التهذيب 2/ 10 رقم 75، خلاصة تذهيب التهذيب 220.
[3] أسيد: بفتح أوله. انظر عنه:
طبقات ابن سعد 5/ 446، طبقات خليفة 11 و 277، تاريخ خليفة 87 و 88 و 92 و 97 و 117 و 123، المحبّر 11 و 12 و 126 و 127 و 258، فتوح البلدان 1/ 46 و 63 و 66، أنساب الأشراف 1/ 303 و 304 و 364 و 365 و 368 و 529، نسب قريش 187 و 312 و 418، أخبار مكة للأزرقي 1/ 285 و 2/ 151 و 153، التاريخ الكبير 7/ 54 رقم 244، المعارف 73 و 91 و 163 و 283، الأخبار الموفقيّات 333، تاريخ الطبري 3/ 73 و 94 و 318 و 319 و 322(3/97)
أسلم يوم الفتح فاستعمله النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مكة [1] .
أرسل عنه سعيد بْن المسيب حديثًا خرجوه في السنن [2] .
وأقره أَبُو بكر على مكة فَتُوُفِّيَ بها فيما قيل يوم وفاة أبي بكر الصِّدِّيق، ومات شابّا.
عكرمة بن أبي جهل [3]
أبو عثمان القرشيّ المخزوميّ.
__________
[ () ] و 342 و 419 و 427 و 479 و 597 و 623 و 4/ 39 و 94 و 160، المستدرك 3/ 594، 595، جمهرة أنساب العرب 113 و 145 و 166، المعجم الكبير 17/ 161، 162، العقد الفريد 6/ 158، ربيع الأبرار 4/ 338، عيون الأخبار 1/ 230 و 2/ 55، الخراج وصناعة الكتابة 266، الاستيعاب 3/ 153، 154، ثمار القلوب 12 و 519، الجرح والتعديل 7/ 11 رقم 46، مشاهير علماء الأمصار 30 رقم 155، الزيارات 94، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 318، 319، رقم 386، الكاشف 2/ 212، 213 رقم 3706، تلخيص المستدرك 3/ 594، 595، البداية والنهاية 7/ 34، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 90 و 125 و 138 و 2/ 243 و 244 و 245 و 246 و 247 و 251 و 252 و 253 و 254 و 257، تهذيب التهذيب 7/ 89، 90 رقم 191، تقريب التهذيب 2/ 3 رقم 1، الإصابة 2/ 451 رقم 5391، خلاصة تهذيب التهذيب 257، الوفيات لابن قنفذ 41، البدء والتاريخ 5/ 107.
[1] نسب قريش 187، المحبّر 126 و 127.
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 595 من طريق خالد بن نزار الأيلي، عن محمد بن صالح التمّار، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن عتّاب بن أسيد رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال في زكاة الكروم أنّها تخرص كما تخرص النخل ثم تؤدّى زكاته زبيبا كما تؤدّى زكاة النخل تمرا.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 444، 445، الأخبار الموفقيّات 583، 584، أخبار مكة للأزرقي 1/ 52 و 123 و 134، فتوح البلدان 1/ 92، 93، 121، 135، 141، أنساب الأشراف 1/ 296 و 303 و 312 و 316 و 318 و 319 و 329 و 330 و 333 و 354 و 356 و 456، المعارف 334 و 399، الخراج وصناعة الكتابة 276، 277، ثمار القلوب 21 و 76، تاريخ خليفة 60 و 61 و 92 و 116 و 120 و 123 و 131، الجرح والتعديل 7/ 6، 7 رقم 31، فتوح الشام للأزدي 46، 47، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 339) ، المنتخب من ذيل المذيّل 501، 502، التاريخ الكبير 7/ 48 رقم 217، مشاهير علماء الأمصار 33 رقم 174،(3/98)
أبي الحكم عمرو بْن هشام بْن المُغِيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر [1] بْن مخزوم كان من رءوس الجاهلية كأبيه، ثُمَّ أسلم وحسن أسلامه.
قَالَ ابن أبي مُلَيْكَةَ: كَانَ عِكْرِمَةُ إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْيَمِينِ قَالَ: لَا وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ [2] .
أَسْلَمَ بعد الْفَتْحِ [3] ، وَقَدِمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ» [4] . وَاسْتَعْمَلَهُ الصِّدِّيقُ عَلَى عُمَانَ حِينَ ارْتَدُّوا، فَقَاتَلَهُمْ، فَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ [5] ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِدًا، فَكَانَ أميرا على بعض الكراديس.
__________
[ () ] مقدمة مسند بقيّ بن مخلد 150 رقم 784، عيون الأخبار 1/ 339، 340، العقد الفريد 1/ 148 و 2/ 393، المعجم الكبير للطبراني 17/ 371- 374، الاستيعاب 3/ 148- 151، المستدرك 3/ 241- 243، التاريخ الصغير 1/ 35 و 39 و 49، الزيارات 34، تهذيب الكمال 2/ 950، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 338- 340 رقم 419، تجريد أسماء الصحابة 1/ 387، المعين في طبقات المحدّثين 24 رقم 93، الكاشف 2/ 240 رقم 3919، تلخيص المستدرك 3/ 241- 243، العبر 1/ 18، سير أعلام النبلاء 1/ 323، 324 رقم 66، أسد الغابة 4/ 70، العقد الثمين 6/ 119- 123، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 55 و 57 و 70 و 79 و 270 و 324 و 2/ 179 و 185 و 186 و 188 و 222 و 229 و 447، مجمع الزوائد 9/ 385، البداية والنهاية 7/ 34، الإصابة 2/ 496، 497 رقم 5638، تهذيب التهذيب 7/ 257، 258 رقم 469، تقريب التهذيب 2/ 29 رقم 271، خلاصة تذهيب التهذيب 270، كنز العمال 13/ 540، شذرات الذهب 1/ 27، 28، الوفيات لابن قنفذ 43.
[1] أثبتته القدسي في طبعته 3/ 61 «عمرو» واستند إلى الاستيعاب والإصابة. وأقول: الصحيح ما أثبتناه كما هو في الأصل وغيره، ونسب قريش- ص 318 وطبقات ابن سعد 5/ 444، وتهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 339 وغيره.
[2] رواه الطبراني عن أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، عن خالد بن خداش، عن حمّاد بن زيد، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة قال: كان عكرمة بن أبي جهل إذا اجتهد في اليمين قال:
والّذي نجّاني يوم بدر، وكان يأخذ المصحف ويضعه على وجهه ويقول: كلام ربّي، كلام ربّي.
(ج 17/ 371 رقم 1018) قال الهيثمي في المجمع 9/ 385 رواه الطبراني مرسلا ورجاله رجال الصحيح. ورواه الحاكم في المستدرك 3/ 243، وقال الذهبي في تلخيصه: مرسل.
[3] هكذا في الأصل وغيره وهو الصواب، وفي النسخة (ع) : «أسلم يوم الفتح» وهو وهم.
[4] سيأتي الحديث ثانية.
[5] فتوح البلدان 1/ 92، 93، وتاريخ خليفة 123، والخراج وصناعة الكتابة 277.(3/99)
أَرْسَلَ عَنْهُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ حَدِيثًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ: «مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ» فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَدَعُ نَفَقَةً أَنْفَقْتُهَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْفَقْتُ مِثْلَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَالْحَدِيثُ ضَعِيفُ السَّنَدِ [1] .
ولم يُعْقِب عكرمة.
قَالَ الشافعي: كان عكرمة محمود البلاء في الإسلام.
قَالَ عروة وغيره: اسْتُشْهِدَ بأجنادين.
وَقَالَ ابن سعد [2] وخليفة [3] : بها، وقيل: باليرموك.
وَقَالَ أَبُو إسحاق السبيعي: نزل عكرمة يوم اليرموك فقاتل قتالًا شديدًا وقُتِل، فوجدوا به بضعًا وسبعين مَا بين ضربةٍ ورميةٍ وطعنة [4] .
(عَمْرِو بْن سَعِيدِ [5] بْن الْعَاصِ)
[6] بْن أُمَيَّةَ الأموي. أخو أبان، وخالد أولاد أبي أحيحة.
__________
[1] أخرجه الترمذيّ في الاستئذان (3736) باب ما جاء في مرحبا. وقال: ليس إسناده بصحيح. وموسى بن مسعود ضعيف. ورواه الطبراني في معجمه الكبير 17/ 373، 374 رقم 1022 عن علي بن عبد العزيز، وأبي مسلم الكشّي، عن أبي حذيفة، عن سفيان الثوري، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عن عكرمة بن أبي جهل قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يوم جئته: «مرحبا بالراكب المهاجر، مرحبا بالراكب المهاجر» .. الحديث. قال الهيثمي في المجمع 9/ 385: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، إلّا أن مصعب بن سعد لم يسمع من عكرمة. وصحّحه الحاكم في المستدرك 3/ 242، وتعقّبه الذهبي في التلخيص بقوله: لكنه منقطع.
[2] في الطبقات 5/ 445.
[3] في التاريخ 131.
[4] الاستيعاب 3/ 151.
[5] في النسخة (ح) «سعد» وهو خطأ، والمثبت كما في الأصل وغيره.
[6] تاريخ خليفة 97 و 120 و 130 و 229 و 231 و 233 و 235 و 254 و 256 و 266، طبقات خليفة 11 و 298، نسب قريش 178، طبقات ابن سعد 4/ 100، 101، المعارف 145 و 296 و 615، ثمار القلوب 75 و 130 و 164، الجرح والتعديل 6/ 236 رقم 1308، المحبّر 21(3/100)
أسلم عمرو ولحق بأخيه خالد بالحبشة، وقدم معه أيام خَيْبَر، وشهد فتح مكة، وَاسْتُشْهِدَ يوم أَجْنَادِينَ.
(الفضل بْن العباس)
الأصح مَوْتُهُ سنة ثماني عشرة.
(نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّامُ)
[1] أَحَدُ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ الْقُرَشِيِّ. مِنَ الْمُهَاجِرِينَ.
أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ [2] ، وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ هِجْرَةٌ إِلَى زَمَنِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقِيلَ: لَهُ رِوَايَةٌ.
اسْتُشْهِدَ يوم أجنادين، وقيل يوم اليرموك [3] .
ويروى أَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ النَّحَّامَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ نحمة من نعيم» [4] .
__________
[ () ] و 67 و 126 و 409 و 460، عيون الأخبار 1/ 95 و 235، نسب قريش 174، 175، مشاهير علماء الأمصار 20 رقم 81، الاستيعاب 2/ 493- 495، فتوح الشام 137، 138، أسد الغابة 4/ 230، تهذيب الكمال 2/ 1035، دول الإسلام 1/ 52، 53، العبر 1/ 77، 78، سير أعلام النبلاء 1/ 261، 262 رقم 50، العقد الثمين 6/ 389- 394، تهذيب التهذيب 8/ 37، الإصابة 2/ 539 رقم 5846، خلاصة تذهيب التهذيب 289.
[1] نسب قريش 380، 381، تاريخ الطبري 3/ 418، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 126 رقم 535، مشاهير علماء الأمصار 25 رقم 116، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 130، 131 رقم 197، المستدرك 3/ 259، الاستيعاب 3/ 555- 557، طبقات ابن سعد 4/ 138، 139، الجرح والتعديل 8/ 459 رقم 2102، طبقات خليفة 24، تاريخ خليفة 120، مجمع الزوائد 9/ 370، ربيع الأبرار 4/ 304، التاريخ الكبير 8/ 92، 93 رقم 2307، فتوح البلدان 1/ 135، الكامل في التاريخ 2/ 414، تعجيل المنفعة 424 رقم 1114، الإصابة 3/ 567، 568 رقم 8776، البداية والنهاية 7/ 34، أسد الغابة 5/ 32، 33.
[2] في طبقات ابن سعد 4/ 138 أسلم بعد عشرة، وروى الحاكم أنه أسلم قبل الهجرة (3/ 259) .
[3] فتوح البلدان 1/ 135.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 138 من طريق الواقدي، عن يعقوب بن عمر، عن نافع العدوي، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم العدوي. والواقدي متروك. وأخرجه الحاكم في(3/101)
وَالنَّحْمَةُ: السَّعْلَةُ، وَقِيلَ النَّحْنَحَةُ الْمَمْدُودُ آخِرَهَا.
وَكَانَ يُنْفِقَ عَلَى أَرَامِلِ بَنِي عَدِيٍّ وَأَيْتَامِهِمْ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: أَقِمْ عِنْدَنَا عَلَى أَيّ دينٍ شئت، فو الله لَا يتعرض إليك أحدٌ إلا ذهبت أنفسنا دونك [1] .
ويقال: لما هاجر إلى المدينة كان معه أربعون من أهل بيته [2] .
أرسل عنه نافع، ومحمد بْن إبراهيم التَّيْميّ.
(هَبّار بْن الأسود)
[3] بْن المطلب بْن أسد، أَبُو الأسود القُرَشيّ الأسدي، له صحبة ورواية.
روى عنه عروة بْن الزُّبَيْر، وسليمان بْن يسار مرسلًا- إن كان اسْتُشْهِدَ بأجنادين- وابناه عبد الملك، وأبو عبد الله.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: إِنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ تناول زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعْنَةِ رُمْحٍ فَأُسْقِطَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَقَالَ:
«إِنْ وَجَدْتُمُوهُ فَاجْعَلُوهُ بَيْنَ حِزْمَتَيْ حَطَبٍ ثُمَّ احْرِقُوهُ» ، ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يعذّب بعذاب الله» [4] .
__________
[ () ] المستدرك 3/ 259 من طريق ابن بالويه، عن الحسن بن علي بن شبيب المعمري، عن مصعب بن عبد الله الزبيري. ورواه المصعب في نسب قريش 380 مرسلا، ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 370 عن الطبراني، ولم أجده في معجمه الكبير.
[1] نسب قريش 380، طبقات ابن سعد 4/ 139.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 138.
[3] نسب قريش 218، 219، 346، تاريخ الطبري 3/ 418، أنساب الأشراف 1/ 357، 358، 397، 398، جمهرة أنساب العرب 118، 119، 178، البداية والنهاية 7/ 34، 35، المعجم الكبير للطبراني 22/ 200، 201، الاستيعاب 3/ 609، 610، أسد الغابة 5/ 51، 52، الإصابة 3/ 597، 598 رقم 7929، جمهرة نسب قريش وأخبارها 514، سيرة ابن هشام 2/ 312.
[4] الحديث في نسب قريش وهو مرسل- ص 219، وأخرج البخاري في الجهاد 4/ 21 باب لا يعذّب بعذاب الله، من طريق قتيبة بن سعيد عن الليث، عن بكير، عن سليمان بن يسار،(3/102)
ثُمَّ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ، فَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ يُسَبُّ وَلَا يَسُبُّ مَنْ سَبَّهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَن سَبَّكَ سُبَّهُ [1] » .
(هَبَّار بْن سُفْيَان)
[2] بْن عبد الأسد [3] الأزدي المَخْزُومِيّ.
قديم الإسلام من مهاجرة الحبشة. اسْتُشْهِدَ يوم أَجْنَادِينَ على الأصح، ويقال يوم مؤتة قبل ذلك [4] ، وهو ابن أخي أبي سلمة.
هشام بْن العاص [5]
ابن وائل أَبُو مطيع القرشي أخو عمرو، وكان هشام الأصغر. شهد
__________
[ () ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعث فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ثم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أردنا الخروج: إنّي أمرتكم أن تحرّقوا فلانا وفلانا وإنّ النار لا يعذّب بها إلّا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما. وأخرج أحمد في مسندة 1/ 423 من طريق الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عبد الله، عن عبد الله قال: كنّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلّم فمررنا بقرية نمل فأحرقت فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا ينبغي لبشر أن يعذّب بعذاب الله عزّ وجلّ» .
[1] نسب قريش 219، جمهرة نسب قريش 514.
[2] فتوح الشام للأزدي 92، فتوح البلدان 1/ 135، أنساب الأشراف 1/ 207، تاريخ الطبري 3/ 402، الاستيعاب 3/ 609، الإكمال 7/ 403، أسد الغابة 5/ 54، البداية والنهاية 7/ 35، الإصابة 3/ 599 رقم 8930.
[3] في نسخة دار الكتب «بن عبد الله» ، والتصويب من الأصل ومصادر ترجمته.
[4] فتوح البلدان 1/ 135، أنساب الأشراف 1/ 207.
[5] طبقات ابن سعد 4/ 191- 194، تاريخ خليفة 120، طبقات خليفة 26 و 299، فتوح الشام للأزدي 92، المحبّر 433، المعارف 285، فتوح البلدان 1/ 116 و 135، أنساب الأشراف 1/ 197 و 215 و 220، تاريخ الطبري 3/ 402 و 418، المعجم الكبير 22/ 177، 178، الجرح والتعديل 9/ 63 رقم 247، جمهرة أنساب العرب 163، الاستيعاب 3/ 593، 595، المستدرك 3/ 240، 241، مشاهير علماء الأمصار 32 رقم 168، الكامل في التاريخ 2/ 414 و 417، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 137 رقم 210، التذكرة الحمدونية 2/ 128، أسد الغابة 5/ 64، سير أعلام النبلاء 3/ 77- 79 رقم 16، تلخيص المستدرك 3/ 240، 241، البداية والنهاية 7/ 35، العقد الثمين 7/ 374، الإصابة 3/ 604، 605 رقم 8966.(3/103)
لهما النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإيمان فَقَالَ: «ابنا العاص مؤْمِنان» [1] . وله عَنِ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث رواه عنه ابن أخيه عبد الله.
وقد أرسله الصِّدِّيق رسولًا إلى ملك الروم، وأسلم قبل عمرو، وهاجر إلى الحبشة، فلما بلغه هجرة النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم مكة فحبسه أبوه، ثُمَّ هاجر بعد الخندق. وجاء أنه كان يتمنى الشهادة فرزقها يوم أَجْنَادِينَ على الصحيح، وقيل يوم اليرموك، وكان فارسًا شجاعًا مذكورًا. ولم يُعْقِب [2] .
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ هِشَامٌ وَعَمْرٌو» [3] . جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [4] بْنِ عبيد بن عمير قال: قال عمرو ابن الْعَاصِ: شَهِدْتُ أَنَا وَأَخِي هِشَامٌ الْيَرْمُوكَ فَبَاتَ وَبِتُّ نَدْعُو اللَّهَ يَرْزُقنَا الشَّهَادَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا رُزِقَهَا وَحُرِمْتُهَا.
وقيل إنّ هشام بْن العاص كان يحمل فيهم فيقتل النَّفَر منهم حتى قتل
__________
[1] سيأتي الحديث كاملا.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 191، المعارف 285، أنساب الأشراف 1/ 215، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 137.
[3] أخرجه احمد في المسند 2/ 304 و 327 و 353، وابن سعد في الطبقات 4/ 191، والحاكم في المستدرك 3/ 240، والطبراني في المعجم الكبير 22/ 177 رقم 461 قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرّجاه. وذكره الحافظ الذهبي في تلخيصه دون تعقيب. وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: وهذا سند حسن، وسكت عليه الحاكم والذهبي ومن عادتهما أن يصحّحا هذا الإسناد على شرط مسلم. وله شاهد خرّجه ابن عساكر من طريق ابن سعد 4/ 192 من حديث عمرو بن حزم، ورجاله ثقات غير عمرو بن حكّام، وهو ضعيف إلّا أنّه مع ضعفه يكتب حديثه كما قال ابن عديّ. (الكامل في الضعفاء 5/ 1788) فهو صالح للاستشهاد.
قال في مجمع الزوائد 9/ 352: رواه الطبراني في الأوسط (مجمع البحرين 363) والكبير، وأحمد. ورجال الكبير، وأحمد رجال الصحيح غير محمد بن عمرو وهو حسن الحديث.
[4] في الأصل «عنبسة» وهو وهم. والتصحيح من بقيّة النسخ.(3/104)
ووطئته الخيل. حتى جمع أخوه لحمه في نطعٍ فواراه [1] .
وعن زيد بْن أسلم قَالَ: لما بلغ عُمَر قتْلُهُ قَالَ: رحمه الله فنعم العون كان للإسلام [2] .
أَبُو بَكْر الصِّدِّيق
خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اسمه عبد الله- ويقال عتيق- بن أبي قُحافة عُثْمَانَ بْن عَامِرِ بْن عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ [3] بْن كعب بْن لؤي القرشي التَّيْميّ رضي الله عنه.
روى عنه خلْق من الصحابة وقدماء التابعين. من آخرهم أَنْس بْن مالك، وَطَارِقِ بْن شِهَابٍ، وَقَيْسِ بْن أَبِي حَازِمٍ، ومُرَّة الطيب.
قَالَ ابن أبي مُلَيْكَة وغيره: إنّما كان عتيق لقبًا له [4] .
وعن عائشة قالت: اسمه الَّذِي سمّاه أهلُهُ به (عبد الله) ولكن غَلَب عليه (عَتِيق) [5] .
وَقَالَ ابن معين: لَقَبه عتيق لأنّ وجهه كان جميلًا، وكذا قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد [6] .
وَقَالَ غيره: كان أعلم قريش بأنسابها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 193 و 194.
[2] ابن سعد 4/ 194.
[3] هنا يلتقي نسبه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (انظر: المعارف 167) .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 170.
[5] طبقات ابن سعد 4/ 170، الحاكم في المستدرك 3/ 62 من طريق صالح بن موسى الطلحي، عن معاوية بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة، عنها، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 41 روى بعضه الترمذي.
[6] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 52 رقم (4) عن أحمد بن المعلّى الدمشقيّ، عن هشام بن خالد، عن ضمرة بن ربيعة، عن الليث بن سعد، ورجاله ثقات. وانظر: مجمع الزوائد 9/ 41، والمعارف 167.(3/105)
وقيل: كان أبيض نحيفًا خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم [1] .
وكان أول من آمن من الرجال [2] .
وَقَالَ ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة:
عَتيق.
وعن عائشة قالت: مَا أسلم أَبُو أحدٍ من المهاجرين إلا أَبُو بكر.
وعن الزُّهْرِيّ قَالَ: كان أَبُو بكر أبيض أصفر لطيفًا جعدًا مسترق [3] الوركين، لَا يثبت إزاره على وركيه [4] .
وَجَاءَ أَنَّهُ اتَّجَرَ إِلَى بُصْرَى غَيْرَ مَرَّةٍ، وأنّه أنفق أمواله عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا نَفَعَنِي مَالٌ مَا نَفَعَنِي مال أبي بكر» [5] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 188 وانظر حديث الزهري بعد قليل.
[2] ابن سعد 3/ 171.
[3] كذا في الأصل، والنسخة (ح) . وفي غيرهما «مستدقّ» .
[4] أخرج الطبراني في معناه حديثا من طريق الواقديّ، عن شعيب بن طلْحة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها رأت رجلا مارّا وهي في هودجها فقالت: ما رأيت رجلا أشبه بأبي بكر من هذا، فقيل لها: صفي لنا أبا بكر، فقالت: كان رجلا أبيض نحيفا خفيف العارضين أحنى لا تستمسك أزرته تسترخي عن حقويه معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع، هذه صفته. (المعجم الكبير 1/ 56، 57 رقم 21) وهو ضعيف لضعف الواقدي. والأشاجع: مفاصل الأصابع.
[5] أخرجه الترمذي في المناقب 5/ 271 رقم (3741) باب (52) في مناقب أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه من طريق عليّ بن الحسن الكوفي، عن محبوب بن محرز القواريري، عن داود بن يزيد الأوديّ، عن أبيه، عن أبي هريرة: في حديث أطول من هذا، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه ابن ماجة في المقدّمة 1/ 36 رقم 94 باب (11) في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعليّ بن محمد قالا: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما نفعني مال(3/106)
وقال عروة بن الزّبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار [1] .
وَقَالَ عمرو بْن العاص: يَا رَسُولَ اللَّهِ أي الرجال أحب إليك؟ قَالَ «أَبُو بكر [2] » . وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يبغض أبا بكر وعمر مؤمنٌ ولا يحبُّهما منافق» . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلَيَّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى أَبِي بكر وعمر فقال: «هذان سيدا كهول أهل الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، لَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ [3] » . وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وجوه مقاربة عن زرّ ابن حُبَيْشٍ، وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَهَرِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مثله.
__________
[ () ] قط، ما نفعني مال أبي بكر» قال: فبكى أبو بكر وقال: يا رسول الله! هل أنا ومالي إلّا لك، يا رسول الله. وكذا رواه أحمد في المسند بسنده 2/ 253، وبلفظ آخر من الطريق نفسه 2/ 366، وإسناده إلى أبي هريرة فيه مقال، لأنّ الأعمش يدلّس، وكذا أبو معاوية، إلّا أنه صرّح بالتحديث، فزال التدليس. وباقي رجاله ثقات.
وقال الهيثمي: وعن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما نفعنا مال أحد ما نفعنا مال أبي بكر» . رواه أبو يعلى. ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن إسرائيل وهو ثقة مأمون. (مجمع الزوائد 9/ 51) .
[1] طبقات ابن سعد 3/ 172.
[2] ابن سعد 3/ 176 من طريق حمّاد بن سلمة، عن الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عمرو بن العاص قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إليك؟ قال: «عائشة» ، قلت:
إنّما أعني من الرجال، قال: «أبوها» .
[3] أخرجه الترمذي في المناقب 5/ 273 رقم (3747) بلفظ: «أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، ما خلا النبيّين والمرسلين. لا تخبرهما يا عليّ» ، وأخرجه ابن ماجة في المقدّمة 1/ 36 رقم (95) باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بلفظ «إلّا» بدل «ما خلا» ، وزيادة «ما داما حيّين» في آخره.(3/107)
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ [1] ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُوَقَّرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يصحّ [2] .
وقال ابن مسعود: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» [3] . رَوَى مِثْلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَزَادَ: «وَلَكِنْ أخي وصاحبي في اللَّهِ، سُدُّوا كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ [4] أَبِي بَكْرٍ [5] » . هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أبو بكر سيّدنا وخيرنا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ [6] .
وصح من حديث الجريري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لعائشة: أيّ أصحاب النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: أَبُو بكر، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ، قُلْتُ: ثُمَّ من؟ قالت: أَبُو عبيدة، قلت: ثمّ من؟ فسكتت [7] .
__________
[1] في المناقب 5/ 272، 273 رقم (3746) باب (53) .
[2] لأن الوليد بن محمد الموقريّ يضعّف في الحديث. وفي الباب عن أنس، وابن عبّاس.
(الترمذي) 5/ 272 رقم 3745) ، وأخرجه أحمد في المسند 1/ 80 من طريق الحسن بن زيد بن حسن، عن أبيه، عن أبيه، عن عليّ، وأخرجه ابن ماجة أيضا في المقدّمة 1/ 38 رقم (100) عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
[3] رواه مسلم في فضائل الصحابة (2383) باب مناقب أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وأخرجه الترمذي برواية أبي سعيد الخدريّ، في المناقب 5/ 270 رقم (3740) وقال حديث حسن صحيح. وانظر: جامع الأصول 8/ 590.
[4] الخوخة: نافذة كبيرة بين دارين، عليها باب يخترق بينهما. (مشارق الأنوار، النهاية) .
[5] أخرجه البخاري في الصلاة 1/ 120 باب الخوخة والممرّ في المسجد.
[6] في المناقب (3736) وقال: صحيح غريب.
[7] رواه الترمذي في المناقب (3737) وقال: حديث حسن صحيح.(3/108)
مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» [1] عَنْ أَبِي النَّصْرِ، عَنْ عُبَيْدِ [2] بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَدَيْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَعَجِبْنَا، فَقَالَ النَّاسُ:
انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ يُخْبِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ [3] .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ مِنْ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ [4] ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ [5] .
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ [6] ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَأْنَاهُ مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بها يوم القيامة، وما نفعني
__________
[1] هذا الحديث عند القعنبي في الزّيادات، وليس في شيء من الموطّآت، وقد رواه في غير الموطّأ جماعة عن مالك، والله أعلم. على ما في (التقصّي لحديث الموطّأ وشيوخ الإمام مالك لابن عبد البرّ- ص 275) .
[2] في (ع) (عبيد الله) وهو وهم على ما في (الخلاصة) .
[3] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم 4/ 190 باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر، ومسلم في فضائل الصحابة (2382) ، والترمذي في المناقب 5/ 270 رقم (3740) .
[4] في الأصل «أبو بكر» وكذا عند الترمذي. وفي المنتقى «أبا بكر» ، وكذا في: اللؤلؤ والمرجان فيما اتّفق عليه الشيخان- محمد فؤاد عبد الباقي 3/ 123.
[5] أخرجه الترمذي مع الحديث الّذي قبله في المناقب (3740) وقال: حديث حسن صحيح.
[6] أخرجه الترمذي في المناقب 5/ 269 رقم (3739) .(3/109)
مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ [1] : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَكَذَا قَالَ فِي حَدِيثِ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ» [2] . وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ» [3] . تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ [4] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ [5] قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ [6] .
__________
[1] في المناقب 5/ 270، 271 رقم (3741) باب مناقب أبي بكر الصّدّيق.
[2] رواه الترمذي في المناقب 5/ 275 رقم (3752) باب مناقب أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وفي سنده كثير بن إسماعيل النّواء وهو ضعيف.
[3] رواه الترمذيّ في المناقب 5/ 276 رقم (3755) وقال: هذا حديث غريب.
[4] انظر عنه: الكامل في الضعفاء لابن عديّ 5/ 1881- 1883، والتاريخ الكبير 6/ 401 رقم 2780، والتاريخ الصغير 180، والضعفاء الصغير 371 رقم 266، والضعفاء والمتروكين للنسائي 299 رقم 325، والتاريخ لابن معين 2/ 465، والضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ 136 رقم 413، والجرح والتعديل 6/ 287 رقم 1595، والضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 387، 388 رقم 1427، والمغني في الضعفاء 2/ 501، 502 رقم 4834، وميزان الاعتدال 3/ 325، 326 رقم 6617.
[5] قال جبير بن مطعم: كأنّها تعني الموت.
[6] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم 4/ 191، ومسلم في فضائل الصحابة (2386) باب من فضائل أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، والترمذي في المناقب 5/ 277 رقم (3758) وقال: هذا حديث صحيح، وابن سعد في الطبقات 3/ 178.(3/110)
وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن عليّ قَالَ: لقد أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر أن يصليّ بالنّاس، وإني لشاهدٌ وما بي مرض، فرضينا لدنيانا من رضي الله عنه به النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لديننا [1] .
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: «ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ نَافِعُ بْنُ عُمَرَ: ثنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ: «ادْعُوا لِي أَبَا بَكْرٍ وَابْنَهُ فَلْيَكْتُبْ لِكَيْلا يَطْمَعَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ طَامِعٌ وَلَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ» [3] . تَابَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، ولفظه: «معاذ الله أن يختلف المؤمنون فِي أَبِي بَكْرٍ» [4] . وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [5] ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عُمَرُ فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَأَمَّ النَّاسَ، فَأيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: نَعُوذُ باللَّه أَنْ نتقدّم أبا بكر [6] .
__________
[1] صفة الصفوة 1/ 257.
[2] رواه مسلم في فضائل الصحابة (2387) باب من فضائل أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وأحمد في المسند 6/ 106 و 144، وابن سعد في الطبقات 3/ 180.
[3] رواه أحمد في المسند 6/ 106.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 180.
[5] ابن مسعود.
[6] أخرجه النسائيّ في الإمامة 2/ 74 و 75 باب ذكر الإمامة والجماعة، وإسناده حسن. ورواه الحاكم في المستدرك 3/ 67 وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، ورواه ابن سعد في الطبقات 3/ 179.(3/111)
وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخُولانِيّ قَالَ: سمعت أبا الدَّرْدَاء يَقُولُ: كان بين أبي بكر وعمر محاورةٌ فأغضب أَبُو بكر عُمَر، فانصرف عنه عُمَر مُغْضَبًا فاتبعه أَبُو بَكْر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أَبُو بكر إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء:
ونحن عنده، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما صاحبكم هذا فقد غَامَرَ» ، قَالَ:
وندم عُمَر على مَا كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقصّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: وغِضبَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل أَبُو بكر يَقُولُ: والله يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنَا كنتُ أظْلَمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هل أنتم تاركون [1] لي صاحبي؟ إنّي قلت يا أيها النَّاس إني رسول الله إليكم جميعًا، فَقُلْتُم: كذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بكر: صَدَقْتَ [2] » . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالانِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو خَالِدٍ مَوْلَى جَعْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَرَانِي الْبَابَ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي» [3] . أَبُو خَالِدٍ مَوْلَى جَعْدَةَ لَا يُعْرَفُ إِلا بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سُمَيْعٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ [4] ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أبايعك، فإنّي سمعت رسول
__________
[1] في الأصل وبقيّة النّسخ «تاركو لي» ، والتصويب من صحيح البخاري.
[2] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم 4/ 192 باب قول النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا، وفي تفسير سورة الأعراف، باب: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً 7: 158.
[3] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 73 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
[4] قيّدت في (ع) بضمّ الباء، والصواب ضبطها بالفتح على ما في (نزهة الألباب في الألقاب للحافظ ابن حجر) .(3/112)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنْتَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يؤمنّا، حَتَّى مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ لأَنَّ فِي الْقُرآنِ فِي المهاجرين: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ 49: 15 [2] ، فَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ صَادِقًا لَمْ يَكْذِبْ، هُمْ سَمَّوْهُ وَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ:
لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ وَعَلَى سَاعِدِهِ أبْرَاد، فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا؟ قَالَ يَعْنِي لِي عِيَالٌ، قَالَ: انْطَلِقْ يَفْرِضْ لَكَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَانْطَلَقَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ:
أَفْرِضُ لَكَ قُوتَ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَكِسْوَتَهُ، وَلَكَ ظَهْرُكَ [3] إِلَى الْبَيْتِ [4] .
وقالت عائشة: لمّا استُخْلِفَ أَبُو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال وَقَالَ: قد كنتُ أتَّجِرُ فيه وألْتَمِسُ به، فلمّا وُلِّيتُهُم شغلوني [5] وَقَالَ عطاء بْن السائب: لمّا استُخْلِف أَبُو بكر أصبح وعلى رقبته أثواب
__________
[1] رواه أحمد في المسند 1/ 35، وابن سعد في الطبقات 3/ 181 من طريق العوّام، عن إبراهيم التيمي.
[2] سورة الحجرات، الآية 49، وسورة الحشر، الآية 59.
[3] يعبّر عن المركوب بالظهر. (بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي) .
[4] أخرج ابن سعد نحوه في الطبقات 3/ 184، 185 من طريق عفّان بن مسلم، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه، قالوا: نعم، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، قال أبو بكر: رضيت. وانظر: صفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 258.
[5] أخرج ابن سعد 3/ 185 نحوه من طريق الزُّهْرِيِّ. عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ولي أبو بكر قال: قد علم قومي أنّ حرفتي لم تكن لتعجز عن مئونة أهلي وقد شغلت بأمر المسلمين وسأحترف للمسلمين في مالهم وسيأكل آل أبي بكر من هذا المال.(3/113)
يتجر فيها، فلقيه عُمَر وأبو عبيدة فكلَّماه فَقَالَ: فمن أين أطْعِم عيالي؟
قالا: أنْطِلقْ حتى نفرض لك، قَالَ: ففرضوا له كل يومٍ شطر شاة، وماكسوه في الرأس والبطن، وَقَالَ عُمَر: إليَّ القضاء، وَقَالَ أَبُو عبيدة: إليَّ الفيء، فَقَالَ عُمَر: لقد كان يأتي عليّ الشهرُ مَا يختصم إليّ فيه اثنان [1] .
وعن ميمون بْن مِهران قَالَ: جعلوا له ألفين وخمسمائة [2] .
وَقَالَ محمد بْن سيرين: كان أَبُو بكر أعْبَرَ هذه الأمة لِرُؤْيَا بعد النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار عن بعض أشياخه قَالَ: خُطَباء الصحابة: أَبُو بكر، وعليّ.
وَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ، وَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ شِعْرًا فِي جَاهِلِيَّةِ وَلا فِي إِسْلامٍ، وَلَقَدْ تَرَكَ هُوَ وَعُثْمَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقَالَ كثير النَّواء، عَنْ أبي جعفر الباقر: إنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي: وَنَزَعْنا مَا في صُدُورِهِمْ من غِلٍّ إِخْواناً 15: 47 [3] الآية. وَقَالَ حُصَيْن، عَنْ عبد الرحمن بْن أبي ليلى أن عُمَر صعِد المنْبَرَ ثُمَّ قَالَ: ألا إنّ أفضل هذه الأمة بعد نبيها أَبُو بكر، فمن قَالَ غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مُفْتَرٍ، عليه مَا على الْمُفْتَرِي.
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةٌ: ثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابن
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 184، وروى بعضه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 257.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 185.
[3] سورة الحجر، الآية 47.(3/114)
عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ اسْتَوَى النَّاسُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ ... وَقَالَ عليّ: «خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْر، وعمر» . هذا والله العظيم قاله عليّ وهو متواتِرٌ عنه، لأنه قاله على منبر الكوفة، فقاتل الله الرّافضة مَا أجهلهم.
وقال السّدّيّ، عن عبد خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الْمَصَاحِفِ أَبُو بَكْرٍ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ [1] . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ عقيل، عَنِ الزُّهْرِيّ أنّ أبا بكر والحارث بْن كِلْدَةَ كانا يأكلان خزيرةً [2] أُهْدِيَت لأبي بكر، فَقَالَ الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إنّ فيها لَسمّ سنةٍ، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحد، قَالَ: فلم يزالا عليلَيْن حتى ماتا في يومٍ [واحد] [3] عند انقضاء السنة [4] .
وعن عائشة قالت: أوّل ما بدئ مَرَضُ أبي بكر أنّه اغْتَسَلَ، وكان يومًا باردًا فحُمّ خمسة عشر يومًا لَا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصّلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألْزمهُم له في مرضه. وتُوُفِّيَ مساءَ ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة. وكانت خلافته سنتين ومائة يوم [5] .
وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلَّا أربع ليالٍ، عَنْ ثلاث وستين سنة [6] .
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 193.
[2] لحم يقطّع ويصبّ عليه الماء، فإذا نضج ذرّ عليه الدّقيق، على ما في (النهاية) .
[3] ساقطة من نسخة القدسي 3/ 71 (انظر طبقات ابن سعد، والمستدرك) .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 198، والمستدرك للحاكم 3/ 64.
[5] ابن سعد 3/ 202 وفيه «ثلاثة أشهر وعشر ليال» .
[6] ابن سعد 3/ 202، تاريخ الطبري 3/ 420.(3/115)
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا بُرْدَانُ بْنُ أَبِي النَّضْرِ [1] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، وَأَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ [2] ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا ثَقُلَ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا تَسْأَلُنِي عَنْ أَمْرٍ إِلا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، قَالَ: وَإِنْ، فَقَالَ: هُوَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ رَأْيِكَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَان فَسَأَلَهُ عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: عِلْمِي فِيهِ أَنَّ سَرِيرَتَهُ خَيْرٌ مِنْ عَلانِيَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا مِثْلُهُ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَاللَّهِ لَوْ تَرَكْتُهُ مَا عَدَوْتُكَ، وَشَاوَرَ مَعَهُمَا سَعِيد بْن زَيْدٍ، وَأُسَيْد بْن الْحُضَيْرِ وَغَيْرهمَا [3] ، فَقَالَ قَائِلٌ: مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا سَأَلَكَ عَنِ اسْتِخْلافِكَ عُمَرَ وَقَدْ تَرَى غِلْظَتَهُ؟ فَقَالَ: أَجْلِسُونِي، أباللَّه تُخَوِّفُونِي [4] ! أَقُولُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ [5] .
ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ: اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا، وَعِنْدَ أَوَّلِ عَهْدِهِ بِالآخِرَةِ دَاخِلا فِيهَا، حَيْثُ يُؤْمِنُ الْكَافِرُ، وَيُوقِنُ الْفَاجِرُ، وَيَصْدُقُ الْكَاذِبُ، إني استخلفت عليكم بَعْدِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، وإنّي لم
__________
[1] في نسخة دار الكتب «عن أبي النضر» وهو خطأ، والتصويب من الأصل وطبقات ابن سعد، وتهذيب التهذيب 3/ 431 واسمه إبراهيم.
[2] في نسخة القدسي 3/ 71 «النخعي» والتصحيح من طبقات ابن سعد.
[3] في طبقات ابن سعد زيادة: «من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللَّهمّ أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى ويسخط للسّخط، الّذي يسر خير من الّذي يعلن، ولم يل هذا الأمر أحد أقوى عليه منه، وسمع بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكر ... » .
[4] في طبقات ابن سعد زيادة: «خاب من تزوّد من أمركم بظلم» .
[5] زاد في الطبقات: «أبلغ عنّي ما قلت لك من وراءك» ، وانظر: تاريخ الطبري 3/ 428، وابن الأثير 2/ 425، ومناقب عمر لابن الجوزي 53.(3/116)
آل [1] الله ورسوله وديته وَنَفْسِي وَإِيَّاكُمْ خَيْرًا، فَإنْ عَدَلَ فَذَلِكَ ظَنِّي بِهِ وَعِلْمِي فِيهِ، وَإِنْ بَدَّلَ فَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ [2] ، وَالْخَيْرَ أَرَدْتُ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ 26: 227 [3] .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ: لَمَّا أَنْ كَتَبَ عُثْمَانُ الْكِتَابَ أُغْمِيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ مِنْ عِنْدِهِ اسْمَ عُمَرَ، فَلَمَّا أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: اقْرَأْ مَا كَتَبْتَ، فَقَرَأَ، فَلَمَّا ذَكَرَ (عُمَرَ) كَبَّر أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: أَرَاكَ خِفْتَ إِنْ افْتَلَتَتْ نَفْسِي الاخْتِلافَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الإِسْلامِ خَيْرًا، وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ لَهَا أَهْلا [4] .
وَقَالَ عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَجَلِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ صَالِحِ ابن كَيْسَانَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، وقد رواه اللّيث ابن سَعْدٍ، عَنْ عُلْوَانَ، عَنْ صَالِحٍ نَفْسِهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، أَمَّا إِنِّي عَلَى مَا تَرَى وَجِعٌ، وَجَعَلْتُمْ لِي شُغُلا مَعَ وَجَعِي، جَعَلْتُ لَكُمْ عَهْدًا بَعْدِي، وَاخْتَرْتُ لَكُمْ خَيْرَكُمْ فِي نَفْسِي فَكُلُّكُمْ وَرِمَ لِذَلِكَ أَنْفُهُ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ لَهُ [5] .
ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنِّي لا آسَى عَلَى شَيْء إِلا عَلَى ثَلاثٍ فَعَلْتُهُنَّ [6] ، وَثَلاثٍ لَمْ أَفْعَلْهُنَّ [6] ، وَثَلاثٍ وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهنّ: وددت أنّي لم
__________
[1] في حاشية الأصل: (لم أقصر) .
[2] زاد في الطبقات: «من الإثم» .
[3] سورة الشعراء، الآية 227.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 199، 200، مناقب عمر لابن الجوزي 54، تاريخ الطبري 4/ 52.
[5] أضاف الطبراني: «ورأيت الدنيا قد أقبلت ولمّا تقبل وهي جائية وستنجدون بيوتكم بسور الحرير ونضائد الديباج، وتألمون ضجائع الصوف الأذري، كأنّ أحدكم على حسك السعدان، والله لأن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في غير حدّ له من أن يسيح في غمرة الدنيا» .
[6] زاد الطبرانيّ: «وددت أني لم أفعلهنّ» .(3/117)
أَكُنْ كَشَفْتُ بَيْتَ فَاطِمَةَ وَتَرَكْتُهُ وَأَنْ أُغْلِقَ عليّ الحرب، ووددت أَنِّي يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ كُنْتُ قَذَفْتُ الأَمْرَ فِي عُنُقِ عُمَرَ أَوْ أَبِي عُبَيْدَةَ [1] ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ وَجَّهْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ وَأَقَمْتُ بِذِي الْقِصَّةِ، فَإِنْ ظفر المسلمون وإلّا كنت لهم مددا ورداء، وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أُتِيتُ بِالأَشْعَثِ أَسِيرًا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُ لا يَكُونُ شَرٌّ إِلا طَارَ إِلَيْهِ، وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أُتِيتُ بِالْفُجَاءَةِ السُّلَمِيِّ لَمْ أَكُنْ حَرَّقْتُهُ وَقَتَلْتُهُ أَوْ أَطْلَقْتُهُ [نَجِيحًا] [2] ، وَوَدِدْتُ أَنِّي حَيْثُ وَجَّهْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الشَّامِ وَجَّهْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَأَكُونُ قَدْ بَسَطْتُ يَمِينِي وَشِمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَوَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْ هَذَا الأَمْرُ وَلا يُنَازِعُهُ أَهْلَهُ، وَأَنِّي سَأَلْتُهُ هَلْ لِلأَنْصَارِ فِي هَذَا الأَمْرِ شَيْءٌ؟ وَأَنِّي سَأَلْتُهُ عَنِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الأَخِ، فَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهَا حَاجَةً، رَوَاهُ هَكَذَا وَأَطْوَلَ مِنْ هَذَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَائِذٍ [3] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَضَرْتُ أَبِي وَهُوَ يَمُوتُ فَأَخَذَتْهُ غشْيَةٌ فتمثَّلْتُ:
مَنْ لا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا ... فَإِنَّهُ لا بُدَّ مَرَّةً مَدْفُوقُ [4]
فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ لَيْسَ كَذَلِكَ، ولكن كما قال الله تعالى:
__________
[1] زاد الطبراني: «فكان أمير المؤمنين وكنت وزيرا» ، وفي تاريخ الطبري: «فكان أحدهما أميرا، وكنت وزيرا» .
[2] أضفناها من المعجم الكبير للطبراني، وتاريخ الطبري.
[3] انظر الحديث بطوله في المعجم الكبير للطبراني 1/ 62، 63 رقم 43، وتاريخ الطبري 3/ 429- 431 بتقديم وتأخير. وانظر قسما منه في الكامل للمبرّد 1/ 5.
[4] هكذا في الأصل، وطبقات ابن سعد. وفي النهاية لابن الأثير:
من لا يزال دمعه مقنّعا ... لا بد يوما أنه يهراق
والمقنّع: المحبوس في جوفه.(3/118)
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ 50: 19 [1] .
وَقَالَ موسى الجُهنيُّ عَنْ أبي بكر بْن حفص بْن عُمَر: إنّ عائشة تمثَّلَت لمّا احتضر أَبُو بكر:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْني الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصَّدْرُ
فَقَالَ: ليس كذلك ولكن: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ 50: 19، إنّي نَحَلْتُكِ حائطًا وإنّ في نفسي منه شيئا فردّيه على الميراث، قالت: نعم، قَالَ: أما إنّا مُنْذُ وُلِّينا أمر المُسْلِمين لم نأكل لهم دينارًا ولا درهمًا ولكنّا أكلنا من جريش [2] طعامهم في بطوننا، ولبِسْنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المُسْلِمين شيءٌ إِلَّا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة [3] ، فإذا مت فابعثي بهنّ إلى عُمَر، ففعلت [4] .
وَقَالَ القاسم، عَنْ عائشة: أن أبا بكر حين حَضَرهُ الموت قَالَ: إنّي لَا أعلم عند آل أبي بكر غير هذه اللّقْحَة وغيرَ هذا الغلام الصَّيْقل، كان يعمل سيوف المُسْلِمين ويخدُمُنا، فإذا مِتُّ فادْفَعِيهِ إلى عُمَر، فلمّا دفعته إلى عُمَر قَالَ عُمَر: رحم الله أبا بكرٍ لقد أتعب من بعده [5] .
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: أوصى أَبُو بكر أن تُغَسِّله امرأتُه أسماء بنت عميس، فإن
__________
[1] سورة ق، الآية 19، وانظر الحديث في طبقات ابن سعد 3/ 197 من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة، و 3/ 198 من طريق عفّان بن مسلم، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن سميّة، عن عائشة.
[2] أبي خشن طعامهم.
[3] أي التي انجرد حملها وخلقت.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 196، الكامل لابن الأثير 2/ 422، 423، مناقب عمر لابن الجوزي 56.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 192.(3/119)
لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن [1] .
وَقَالَ عبد الواحد بْن أيمن وغيره، عَنْ أبي جعفر الباقر قَالَ: دخل عليٌّ على أبي بكر بعد مَا سُجِّيَ فَقَالَ: مَا أحد ألقى الله بصحيفته أحبّ إليّ من هذا الْمُسَجَّى [2] . وَقَالَ القاسم: أوصى أَبُو بكر أنْ يُدْفَن إلى جنب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُفِرَ له، وَجُعِلَ رأسُه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [3] .
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قَالَ: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأس عُمَر عند حقوي أبي بكر [4] .
وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودُفِن قبل أن يُصْبح [5] .
وعن مجاهد قَالَ: كُلِّم أَبُو قحافة في ميراثه من ابنه فَقَالَ: قد رددت ذلك على ولده، ثمّ لم يعيش بعده إِلَّا ستة أشهرٍ وأيامًا [6] .
وجاء أنه ورثه أبوه وزوجتاه أسماء بنتُ عُمَيْس، وحبيبة بنتُ خارجة والدة أمِّ كلْثُوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم [7] .
ويقال: إنّ اليهود سمَّتْهُ في أَرُزَّةٍ فمات بعد سنة، وله ثلاث وستّون سنة [8] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 203 من طريق الواقدي، عن ابن جريج، عن عطاء. وانظر: تاريخ الطبري 3/ 421.
[2] ورد مثل هذا القول عند ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 292 بحقّ الخليفة عمر بن الخطاب.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 209، تاريخ الطبري 3/ 422.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 209، تاريخ الطبري 3/ 422.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 207.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 210 و 211.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 210 من طريق شعيب بن طلْحة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي بكر، عن أبيه.
[8] تاريخ الطبري 3/ 419.(3/120)
ذِكْر عُمّال أبي بكر
قَالَ موسى بْن أَنس بْن مالك: إنّ أبا بكر استعمل أباه أَنَسًا على البحرين [1] .
وَقَالَ خليفة [2] : وجّه أَبُو بكر زياد بْن لبيد [3] على اليمن أو [4] المهاجر بْن أبي أمية، واستعمل الآخر على كذا [5] ، وأقر على الطائف عثمان بْن أبي العاص.
ولما حج استخلف [6] على المدينة قتادة بْن النُّعْمَان.
وكان كاتبه عثمان بْن عفان، وحاجبه سُديد [7] مولاه، ويقال كتب له زيد بْن ثابت، وكان وزيره عُمَر بْن الخطاب وكان أيضًا على [8] قضائه، وكان مؤذنه سعد القرظ مولى عمار بْن ياسر.
(أَبُو كَبْشَة) [9]
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسمه سُلَيْم من مولَّدي أرضِ دوْسٍ.
__________
[1] تاريخ خليفة 123.
[2] في التاريخ 123.
[3] في نسخة دار الكتب «أسد» بدل «لبيد» ، والتصويب من الأصل وتاريخ خليفة والطبري وابن الأثير.
[4] هكذا في الأصل، وليس في تاريخ خليفة ما يفيد الشكّ في الرواية، وإن كان قدّم المهاجر على زيادة.
[5] هذه العبارة ليست في تاريخ خليفة، ويبدو أنّها مقحمة على الأصل لا معنى لها. وفي تاريخ الطبري 3/ 427 استعمل المهاجرين أبي أميّة على صنعاء، وعلى حضرموت زياد بن لبيد. وكذا عند ابن الأثير 2/ 421.
[6] تاريخ خليفة 123.
[7] هكذا في الأصل وعلى السين علامة الإهمال وضمّه، وكذا في النسخة (ع) . أما في تاريخ خليفة ونسخة دار الكتب «شديد» بالشين المعجمة، وكذا في الإصابة، ومناقب عمر لابن الجوزي- ص 55.
[8] تكرّرت «على» في النسخة (ع) .
[9] طبقات ابن سعد 3/ 49، طبقات خليفة 8، تاريخ خليفة 156، المحبّر 128 و 288،(3/121)
شهِدَ بدرًا والمشاهد كلها، ولما هاجر إلى المدينة نزل على سعد بْن خَيْثَمَة فيما قيل، وتُوُفِّيَ يوم الثُلاثاء صبيحة وفاةِ أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه [1] .
__________
[ () ] المعارف 148، تاريخ الطبري 3/ 171، الاستيعاب 4/ 164- 166، الكامل في التاريخ 2/ 449، أسد الغابة 5/ 282، الإصابة 4/ 165 رقم 959.
[1] كتب في حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسح الله في مدّته، في الميعاد الرابع عشر» .(3/122)
سَنَة أربَع عَشرَة
فيها فُتِحت دمشق، وحمص، وبعلبك، والبصرة، والأُبُلَّة، ووقعة جسر أبي عُبَيْد بأرض نجران، ووقعة فِحْلٍ بالشام، في قول ابن الكلبي.
فأمّا دمشق فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ خَالِدٌ عَلَى النَّاسِ فَصَالَحَ أَهْلَ دِمَشْقَ، فَلَمْ يَفْرُغْ مِنَ الصُّلْحِ حَتَّى عُزِلَ وَوُلِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَأَمْضَى صُلْحَ خَالِدٍ وَلَمْ يُغَيِّرَ الْكِتَابَ. وَهَذَا غَلَطٌ لأَنَّ عُمَرَ عَزَلَ خَالِدًا حِينَ وُلِّيَ. قَالَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ [1] . وَقَالَ: ثنا عبد الله بْن المُغِيرَة، عَنْ أبيه قَالَ: صالحهم أَبُو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رءوسهم، وأن لا يمنعوا من أعيادهم [2] .
وَقَالَ ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد للنّصف من رجب سنة أربع عشرة.
وَقَالَ ابن إسحاق: صالحهم أَبُو عبيدة في رجب [3] .
__________
[1] في التاريخ- ص 126 وانظر تهذيب تاريخ دمشق 1/ 147.
[2] في تاريخ خليفة زيادة: «ولا يهدم شيء من كنائسهم» - ص 126.
[3] تاريخ خليفة 126، تاريخ الطبري 3/ 435، المعرفة والتاريخ 3/ 297، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 147.(3/123)
وَقَالَ ابن جرير [1] : سار أَبُو عبيدة إلى دمشق، وخالد على مقدمة النَّاس، وقد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان [2] بدمشق، وكان عُمَر عزل خالدًا واستعمل أبا عبيدة على الجميع، والتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثُمَّ هزم الله الروم، ودخلوا دمشق وغلَّقوا أبوابها، ونازلها المسلمون حتى فُتِحت، وأعطُوا الجزْية، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالدٍ، فاستحيا أَبُو عبيدة أن يقرئ خالدًا الكتاب حتى فتحت دمشق وجرى الصلح على يدي خالد، وكُتِب الكتابُ باسمه، فلمّا صالحتْ دمشقُ لحِق باهان صاحب الروم بِهرقْل [3] .
وقيل: كان حصار دمشق أربعة أشهر [4] .
وَقَالَ محمد بْن إسحاق: إن عُمَر كان واجدًا على خالد بْن الوليد لقتْله ابن نُوَيْرة، فكتب إلى أبي عبيدة أن أنزع عمامته وقاسمه ماله، فلما أخبره قَالَ: مَا أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين، فاصنع مَا بدا لك، فقاسمه حتى أخذ نعله الواحدة [5] .
وَقَالَ ابن جرير [6] : كان أوّلّ محصورٍ بالشام أهل فِحْلٍ ثُمَّ أهل دمشق، وبعث أَبُو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص ردءًا، وحصروا دمشق، فكان أَبُو عبيدة على ناحيةٍ، ويزيد بْن أبي سُفْيَان على ناحية، وعمرو بْن العاص على ناحية، وهرقل يومئذ على حمص [7] ،
__________
[1] في تاريخ الرسل والملوك 3/ 434، 435.
[2] في المنتقى لابن الملا «ماهان» وكذا في تهذيب ابن عساكر 1/ 160.
[3] هكذا في تاريخ الطبري 3/ 435، وفي الأصل «لحق باهان بصاحب الروم هرقل» .
[4] فتوح البلدان 1/ 154.
[5] تاريخ الطبري 3/ 436، 437.
[6] في التاريخ 3/ 438، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 154.
[7] في تاريخ الطبري: (وهرقل يومئذ بحمص) .(3/124)
فحاصروا أهلَ دمشق نحوًا من سبعين ليلةً حصارًا شديدًا بالمجانيق [1] ، وجاءت جنود [2] هِرَقْلَ نجدةً لدمشق، فشغلتها الجنود التي مع ذي الكلاع، فلمّا أيقن أهل دمشق أنّ الأمداد لَا تصل إليهم فشِلُوا ووَهِنُوا.
وكان صاحب دمشق قد جاءه مولودٌ فصنع طعامًا واشتغل يومئذ [3] ، وخالد بْن الوليد الَّذِي لَا ينام ولا يُنِيم قد هيّأ حبالا كهيئة السّلام، فلما أمسى هيّأ أصحابه وتقدم هو وَالْقَعْقَاعُ بنُ عمرو، ومذعور [4] بْن عدي وأمثالهم وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السُّور فارقوا إلينا وانْهَدُوا [5] الباب. قَالَ: فلمّا انتهى خالد ورُفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُّرف، وعلى ظهورهم القرب التي سبحوا بها في الخندق، وتسلق القعقاع ومذعور فلم يدعا أُحْبُولةً حتى أثبتاها في الشُّرَف، وكان ذلك المكان أحصن مكانٍ بدمشق، فاستوى على السُّور خلقٌ من أصحابه ثم كبّروا، وانحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل البلد إلى مواقفهم لَا يدرون مَا الشأن، فتشاغل أهلُ كل جهةٍ بما يليهم، وفتح خالد الباب ودخل أصحابه عَنوةً، وقد كان المسلمون دَعَوْهم إلى الصلح والمشاطرة فأبّوْا، فلمّا رأوا البلاء بذلوا الصلح، فأجابهم من يليهم، وقبلوا فقالوا: ادخلوا وامْنعونا من أهلِ ذاك الباب، فدخل أهل كل بابٍ بصلح مما يليهم، فالتقى خالد والأمراء في وسط البلد، هذا استعراضًا ونَهْبًا، وهؤلاء صُلْحًا، فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة. وكتب إلى عُمَر بالفتح [6] .
__________
[1] في تاريخ الطبري: (بالزحوف والترامي والمجانيق) .
[2] في تاريخ الطبري «خيول» .
[3] في تاريخ الطبري زيادة: (وغفلوا عن مواقفهم) . وكذا في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 155.
[4] في نسخة دار الكتب وتهذيب ابن عساكر 1/ 155 مهملة من النقط، والتصحيح من الأصل وتاريخ الطبري وغيرهما.
[5] نهد الرجل: نهض ومضى على كل حال، بخلاف النهوض فإنه يكون عن قعود.
[6] تاريخ الطبري 3/ 438- 440 والمؤلّف ينقل عنه بتصرّف واختصار. وانظر تهذيب ابن عساكر 1/ 155، 156.(3/125)
وكتب عُمَر إلى أبي عبيدة أن يجهز جيشًا إلى العراق نجدةً لسعد بْن أبي وقاص، فجهز له عشرة آلافٍ عليهم هاشم بْن عُتْبَة، وبقي بدمشق يزيد بْن أبي سُفْيَان في طائفة من أمداد اليمن، فبعث يزيد دِحْيَةَ بْن خليفة الكلبيّ في خيلٍ إلى تدمر، وأبا الأزهر إلى البَثْنِيَّةِ وحَوْرَان فصالحهم، وسار طائفةٌ إلى بيْسان فصالحوا [1] .
وفيها كان سعد بْن أبي وقاص فيما ورد إلينا على صدقات هوازن، فكتب إليه عُمَر بانتخاب ذي الرأي والنجدة ممن له سلاح أو فرس، فجاءه كتاب سعد: إنّي قد انتخبت لك ألفَ فارس، ثُمَّ قدِم به عليه فأمّره على حرب العراق، وجهزه في أربعة آلاف مقاتل، فأبى عليه بعضُهم إلا المسيرَ إلى الشام، فجهزهم عُمَر إلى الشام [2] .
ثُمَّ إن عُمَر أمدّ سعدًا بعد مسيره بألفيّ نجدي وألفي يماني، فشتا سعد بزَرُود [3] ، وكان الْمُثَنَّى بْن حارثة على المُسْلِمين بما فتح الله من العراق، فمات من جراحته التي جرحها يوم جسر أبي عُبَيْد، فاستخلف المثني على النَّاس بشير بْن الخصاصيّة، وسعد يَوْمَئِذٍ بزرود، ومع بشير وفود أهل العراق. ثُمَّ سار سعد إلى العراق، وقدم عليه الأشعث بْن قيس في ألفٍ وسبعمائة من اليمانيين [4] .
وقعة الجسر
كان عُمَر قد بعث في سنة ثلاث عشرة جيشًا، عليهم أبو عبيد الثّقفيّ،
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 440، 441.
[2] تاريخ الطبري 3/ 483، 484.
[3] زرود: رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة. (معجم البلدان 3/ 139) وفي نسخة دار الكتب «زندورد» وهو تحريف.
[4] تاريخ الطبري 3/ 485- 487.(3/126)
فلقي جابان في سنة ثلاث عشرة- وقيل في أول سنة أربع عشرة- بين الحيرة والقادسية. فهزم الله المجوس، وأُسِر جابان، وقُتِل مردان شاه، ثُمَّ إن جابان فدى نفسه بغلامين وهو لَا يعرف أنه المقدَّم، ثُمَّ سار أَبُو عُبَيْد إلى كَسْكَر [1] فالتقى هو ونَرْسِيّ فهزمه، ثُمَّ لقي جالينوس فهزمه.
ثُمَّ إن كسرى بعث ذا الحاجب، وعقد له على اثني عشر ألفًا، ودفع إليه سلاحًا عظيمًا، والفيل الأبيض، فبلغ أبا عُبَيْد مسيرهم، فعبر الفرات إليهم وقطع الجسر، فنزل ذو الحاجب قَسّ النَّاطِف، وبينه وبين أبي عُبَيْد الفرات، فأرسل إلى أبي عُبَيْد: إمّا أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك. فَقَالَ أَبُو عُبَيْد: نَعْبُرُ إليكم، فعقد له ابن صَلُوبا [2] الجسر، وعبر فالتقوا في مضيق في شوّال. وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل. فاقتتلوا أشدّ قتالٍ وضرب أَبُو عُبَيْد مِشْفَرَ الفيل، وضرب أَبُو مِحْجَن عرقُوبة [3] .
ويقال إنّ أبا عُبَيْد لما رأى الفيل قَالَ:
يا لك من ذي أربعٍ مَا أكبرك ... لأضربنّ بالحسام مِشْفرَكْ
وَقَالَ: إنْ قُتِلْتُ فعليكم ابني جَبْر. فإن قُتِل فعليكم حبيب بْن ربيعة أخو أبي مِحْجَن، فإن قتل فعليكم أخي عبد الله. فقُتِل جميع الأمراء، واستحر القتل في المُسْلِمين فطلبوا الجسر. وأخذ الراية المثني بْن حارثة فحماهم في جماعةٍ ثبتوا معه. وسبقهم إلى الجسر عبد الله بْن يزيد فقطعه، وَقَالَ: قاتِلوا عَنْ دينكم، فاقتحم النَّاس الفرات، فغرق ناسٌ كثير، ثُمَّ عقد المثنى الجسر وعبره النّاس.
__________
[1] سبق التعريف بها.
[2] هكذا في الأصل وتاريخ الطبري 33- 34 و 456.
[3] عرقوب الدابّة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها- والخبر في تاريخ خليفة- ص 124، وتاريخ الطبري 3/ 450 وما بعدها.(3/127)
واستشهد يومئذ فيما قال خليفة [1] ألف وثمانمائة، وَقَالَ سيف: أربعة آلاف مَا بين قتيل وغريق.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: قُتِل أَبُو عُبَيْد في ثمانمائة من المُسْلِمين.
وَقَالَ غيره: بقي المثنى بْن حارثة الشيباني على النَّاس وهو جريح إلى أن توفي، واستخلف على النَّاس ابن الخصاصية كما ذكرنا.
حمص
وَقَالَ أَبُو مُسْهِر: حدثني عبد الله بْن سالم قَالَ: سار أَبُو عبيدة إلى حمص في اثني عشر ألفًا، منهم من السكون ستة آلاف فافتتحها.
وعن أبي عثمان الصَّنْعاني قَالَ: لما فتحنا دمشق خرجنا مع أبي الدَّرْدَاء في مَسْلَحة [2] بَرْزَة [3] ، ثُمَّ تقدَّمنا مع أبي عبيدة ففتح الله بنا حمص [4] .
وورد أن حمص وبعلبك فتحتا صلحًا في أواخر سنة أربع عشرة [5] ، وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى قسطنطنية [6] .
وقيل إنّ حمص فُتحت سنة خمس عشرة [7] .
__________
[1] في التاريخ- ص 125.
[2] المسلحة: القوم الذين يحفظون الثغور من العدوّ وسمّوا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح أو لأنّهم يسكنون المسلحة، وهي كالثغر والمرقب فيه أقوام يرقبون العدوّ لئلّا يطرقهم على غفلة.
[3] برزة: قرية من غوطة دمشق. (معجم البلدان 1/ 382) .
[4] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 148، وفي المعرفة والتاريخ 3/ 298 «وكانت للمسلمين مسلحتان:
مسلحة ببرزة عليها أبو الدرداء و ... والأخرى بعين ميسنون ... » .
[5] تاريخ خليفة 127.
[6] تاريخ الطبري 3/ 602.
[7] تاريخ خليفة 127.(3/128)
البصرة
وَقَالَ عليّ المدائني عَنْ أشياخه: بعث عُمَر في سنة أربع عشرة شُرَيْح [1] بْن عامر أحد بني سعد بْن بكر إلى البصرة، وكان ردءًا للمسلمين، فسار إلى الأهواز فقُتِل بدارس، فبعث عُمَر عُتْبَةَ بنَ غَزْوان المازنيّ في السنة، فمكث أشهرا لَا يغزو [2] .
وَقَالَ خالد بْن عُمَيْر العدوي: غزونا مع عُتْبَة الأُبُلَّة فافتتحناها ثُمَّ عبرنا إلى الفرات، ثُمَّ مر عُتْبَة بموضع المِرْبَد، فوجد الكَذَّان [3] الغليظ فَقَالَ:
هذه البصرة انزلوها باسم الله [4] .
وَقَالَ الحسن: افتتح عُتْبَةُ الأُبُلَّةَ فقُتِل من المُسْلِمين سبعون رجلًا في موضع مسجد الأُبُلَّة، ثُمَّ عبر إلى الفرات فأخذها عَنْوةً [5] .
وَقَالَ شُعْبة، عَنْ عقيل بْن طلحة، عن قبيصة قال: كنّا مع عتبة بالخريبة [6] .
وفيها أمر عُتْبَة بْن غزوان محجن بْن الأدرع [7] فخطَّ مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب، ثُمَّ خرج عُتْبَة حاجًا وَخَلَّفَ مُجَاشع بْن مسعود وأمره بالغزو، وأمر المُغِيرَة بْن شُعْبَة أن يصلي بالنّاس حتى يقدم مُجَاشِع، فمات عُتْبَة في الطريق. وأمّر [8] عمرُ المُغِيرَة على البصرة.
__________
[1] في المنتقى «سريح» وهو تصحيف.
[2] تاريخ خليفة 127.
[3] الكذّان: حجارة رخوة كالمدر.
[4] تاريخ خليفة 128 وانظر تاريخ الطبري 3/ 591، وعيون الأخبار 1/ 217.
[5] تاريخ خليفة 128.
[6] موضع بالقرب من البصرة تاريخ خليفة 128، وانظر تاريخ الطبري 3/ 591.
[7] في الأصل «محجن بن قحط» ، والتصويب من تاريخ خليفة- ص 129.
[8] هكذا في الأصل وبقية النسخ، وفي تاريخ خليفة- ص 129 «فأقرّ» .(3/129)
وفيها وُلِدَ عبد الرحمن بْن أبي بكرة [1] ، وهو أوّل من وُلِد بالبصرة، وبُعِث جريرُ بْن عبد الله على السّواد، فلقي جرير مِهْران، فقُتِل مهران، ثُمَّ بعث عُمَر سعدًا فأمر جريرا أن يطيعه [2] .
__________
[1] في نسخة دار الكتب «بن أبي بكر» وهو وهم، والتصويب من الأصل وتاريخ خليفة، وابن الأثير 2/ 488.
[2] تاريخ خليفة 129 بتقديم وتأخير لهذه الأخبار.(3/130)
المُتَوَفّونَ في هذه السّنَةِ
وفيها استُشْهِد جماعة عظيمة، ومات طائفة.
أوس بْن أوس بْن عَتِيك اسْتُشْهِدَ يوم جسر أبي عُبَيْد، على يومين من الكوفة بينها وبين نجران.
بشير بْن عَنْبس بْن يزيد الظَّفَرِيّ شهِدَ أُحُدًا، وهو ابن عم قتادة بْن النُّعْمَان، وكان يعرف بفارس الحوّاء وهو اسم فرسه، قُتِل يَوْمَئِذٍ.
ثابت بْن عَتِيك من بني عَمْرو بْن مبذول. أنصاريّ له صُحْبة، قتل يَوْمَئِذٍ.
ثعلبة بْن عمرو بْن مُحْصن، قُتِل يوم الجسر، وهو أحد بني مالك بْن النجار، وكان بدْريًا.
الحارث بْن عتيك بْن النعام أَبُو أخزم، قُتِل يَوْمَئِذٍ، وهو من بني النجار، شهِدَ أُحُدًا، وهو أخو سَهْل الَّذِي شهِدَ بدرًا.
الحارث بْن مسعود بْن عَبْدَة [1] .
الحارث بْن عديّ بْن مالك، قُتِل يَوْمَئِذٍ وقد شهِدَ أُحُدًا، وكلاهما من الأنصار.
__________
[1] (عبدة) ساقط من نسخة دار الكتب ومثبت في الأصل وفي البداية والنهاية لابن كثير 7/ 50 وفي النسخة (ح) .(3/131)
خالد بْن سعيد بْن العاص الأمويّ، قيل استُشْهِد يوم مَرْج الصُّفَّر، وأن يوم مَرْج الصُّفَّر كان في المُحَرَّم سنة أربع عشرة وقد ذُكِر.
خُزَيْمة بْن أوس بْن خُزيمة الأشهليّ يوم الجسر.
ربيعة بْن الحارث بْن عبد المطلب، ورخه ابن قانع.
زيد بْن سُراقة يوم الجسر.
سعد [1] بْن سلامة بْن وقش الأشهليّ.
سعد بْن عُبادة الأنصاري، يقال مات فيها.
سَلَمَةُ بْن أسلم بْن حُرَيش، يوم الجسر.
سَلَمة بْن هشام، يوم مرج الصُّفًّر، وقد تقدم.
سُلَيْط بْن قيس بْن عمرو الأنصاري، يوم الجسر.
ضَمْرَةُ بْن غَزِيّة، يوم الجسر.
عبد الله، وعبد الرحمن، وعبّاد بنو مربع بْن قيظي بْن عَمْرو [2] ، قُتِلوا يَوْمَئِذٍ.
م ت ق- عُتْبَة بْن غَزْوان [3]
ابن جابر بْن وَهْب بْن غَزْوان المازنّي حليف بني عبد شمس، من السابقين الأولين.
__________
[1] سقط من هذا الاسم من (ح) وأثبتناه من الأصل، والبداية والنهاية 7/ 50.
[2] (الأنصاري) كما في (ح) . وهو موافق لما في (الإصابة للحافظ ابن حجر) .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 98، 99، طبقات خليفة 10 و 52 و 182، تاريخ خليفة 61 و 127 و 128 و 129 و 154، المحبّر 72 و 288، المعارف 85 و 115 و 275 و 288، عيون الأخبار 1/ 217 و 252، التاريخ الكبير 6/ 520، 521 رقم 3184، فتوح البلدان 1/ 99 و 314 و 2/ 419 و 420 و 421 و 422 و 424 و 425 و 426 و 429 و 430 و 464 و 474، أنساب الأشراف 1/ 201 و 302 و 323 و 490، المعرفة والتاريخ 1/ 339، 340 و 3/ 305، تاريخ الطبري(3/132)
أسلم سابع سبعةٍ في الإسلام. وهاجر إلى الحبشة وشِهد بدرًا وغيرها، وكان من الرُّماة المذكورين، وقيل: هو حليف لبني نَوْفل بْن عبد منَاف، أمَّره عمرُ على جيشٍ ليقاتل من الأُبُلَّة من فارس، فسار وافتتح الأُبُلَّة.
وكان طويلًا جميلًا.
خطب بالبصرة فَقَالَ: إنّ الدنيا قد ولتّ حذَّاء [1] ولم يبق منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء، وَقَالَ في خطبة: لقد رأيتني سابع سبعةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لنا طعام إلّا ورق الشجر حتّى قرحت أشداقنا [2] .
__________
[ () ] (راجع فهرس الأعلام 10/ 331) ، المنتخب من ذيل المذيّل 554، الجرح والتعديل 6/ 373 رقم 2060، المستدرك 3/ 260- 262، مشاهير علماء الأمصار 37 رقم 217، جمهرة أنساب العرب 168 و 213 و 229، و 260، الاستيعاب 3/ 113- 116، ربيع الأبرار 4/ 220، العقد الفريد 3/ 5151 و 4/ 131، تاريخ بغداد 1/ 155- 157 رقم 8، المعجم الكبير 17/ 112، 113، صفة الصفوة 1/ 387- 399 رقم 16، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 319 رقم 388، حلية الأولياء 1/ 171، 172 رقم 27، أسد الغابة 3/ 565، تهذيب الكمال 2/ 905، دول الإسلام 1/ 15، العبر 1/ 17 و 21، سير أعلام النبلاء 1/ 304- 306 رقم 59، المعين في طبقات المحدّثين 24 رقم 86، الكاشف 2/ 215 رقم 3722، تلخيص المستدرك 3/ 260- 262، مجمع الزوائد 9/ 307، العقد الثمين 6/ 11، 12، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 108 رقم 327، البداية والنهاية 7/ 49، تهذيب التهذيب 7/ 100 رقم 214، تقريب التهذيب 2/ 5 رقم 22، الإصابة 2/ 455 رقم 5411، خلاصة تذهيب التهذيب 258، كنز العمال 13/ 570، شذرات الذهب 1/ 27، مرآة الجنان 1/ 70.
[1] أي مسرعة خفيفة. وفي المنتقى والنسخة (ح) «جدا» وهو تصحيف.
[2] أخرجه مسلم في الزهد، رقم (2967) في بداية الباب، من طريق: حميد بن هلال، عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد، فإنّ الدنيا قد آذنت بصرم وولّت حذّاء، ولم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء يتصابّها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها. فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنّه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا. وو الله لتملأن.
أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة. وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ من الزحام. ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ما لنا طعام إلّا ورق الشجر. حتى قرحت أشداقنا. فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتّزرت بنصفها، واتّزر سعد بنصفها. فما أصبح اليوم منّا أحد إلّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار.(3/133)
روى عنه خالد بْن عُمَيْر، وقُبَيصَة، والحَسَن البصري، وهارون بن رئاب، ولم يُدْرِكاه.
وغُنَيْم بْن قيس المازنّي. وهو الَّذِي اختطَّ البصرةَ، وقيل: كنيته أَبُو عبد الله، عاش سبعًا وخمسين سنة وقيل: تُوُّفي سنة خمس عشرة مَا بين الحجاز والبصرة، وقيل: تُوُّفي سنة سبع عشرة.
عُقبة، وعبد الله ابنا قيظي بْن قيس، حضرا مع أبيهما يوم جسر أبي عُبَيْد وقُتِلا يَوْمَئِذٍ.
العلاء بْن الحضْرمّي، يقال فيها، وسيأتي.
عُمَر بْن أبي اليُسْر، يوم الجسر.
قيس بْن السَّكَن [1]
ابن قيس بْن زعوراء بْن حَرَامِ بْن جُنْدُب بْن عَامِرِ بْن غَنْم بْن عديّ بْن النجار أَبُو زيد الأنصاري النجاري، مشهور بكنيته.
__________
[ () ] وإنّي أعوذ باللَّه أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا، وإنّها لم تكن نبوة قط إلّا تناسخت، حتى يكون آخر عاقبتها ملكا. فستخبرون وتجرّبون الأمراء بعدنا» .
وانظر الخطبة في: العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي 4/ 131، والمستدرك للحاكم 3/ 261 وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وذكرها الذهبي في تلخيصه ولم يعلّق، وحلية الأولياء لأبي نعيم 1/ 171، والمعجم الكبير للطبراني 17/ 113، 114 رقم 278، ومسند أحمد 4/ 174 و 5/ 61، والاستيعاب لابن عبد البرّ 3/ 116، وأسد الغابة لابن الأثير 3/ 566، 567، ولسان العرب لابن منظور (مادّة: نسخ) ، وصفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 387- 389 وقال: انفرد بإخراجه مسلم، وليس لعتبة في الصحيح غيره، وتاريخ بغداد 1/ 155، والبيان والتبيين للجاحظ 2/ 69، وقسما منها في المنتخب من ذيل المذيّل 554 مع اختلاف في بعض الألفاظ.
[1] طبقات ابن سعد 3/ 513، طبقات خليفة 92 و 140، التاريخ الكبير 7/ 145، 146 رقم 649، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 160 رقم 902، الجرح والتعديل 7/ 98 رقم 556، الاستيعاب 3/ 223، 224، فتوح البلدان 1/ 92، 93، مشاهير علماء الأمصار 103 رقم 767، جمهرة أنساب العرب 351، أسد الغابة 4/ 216، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 62 رقم 77، الكنى والأسماء 1/ 31، الكاشف 2/ 348 رقم 4674، البداية والنهاية(3/134)
شهِدَ بدرًا، واستُشْهِد يوم جسر أبي عُبَيْد فيما ذكر موسى بْن عقبة [1] .
قَالَ الواقِديّ وابن الكلبي: هو أحد من جمع القرآن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] ودليلُهُ قول أَنْس لأنه قَالَ: أحد عمومتي، وكلاهما يجتمعان في حرام [3] .
وكذا ساق ابن الكلبي نَسَبَ أبي زيد، ولكنه جعل عِوَض زعوراء زيدًا، ولا عبرة بقول من قَالَ: إن الَّذِي جمع القرآن أَبُو زيد سعد بْن عُبَيْد الأوسي، فإن قول أَنْس بْن مالك: أحد عمومتي، ينفي قول من قال: هو سعد بن عبيد، لكونه أوْسيًا، ويؤيده أيضًا مَا روى قتادة عَنْ أَنْس قَالَ:
افتخر الحيّان الأوس والخزرج فَقَالَتِ الأوس: منّا غسيل الملائكة حنظلة بْن أبي عامر [4] ، ومنّا الَّذِي حَمتْه الدَّبَر [5] : عاصم بْن ثابت [6] ، ومنّا الّذي اهتزّ
__________
[7] / 49، الإصابة 3/ 250 رقم 7181، خلاصة تذهيب التهذيب 317، تجريد أسماء الصحابة 2/ 20.
[1] طبقات ابن سعد 3/ 513، جمهرة أنساب العرب 351.
[2] الجرح والتعديل 7/ 98، جمهرة أنساب العرب 351.
[3] قال ابن الأثير في أسد الغابة 4/ 216: «وقد اختلف في اسمه فقيل: سعد بن عمير، وقيل:
ثابت، وقيل: قيس بن السكن، ولا عقب له. قال أنس بن مالك: إن أحد عمومته ممّن جمع القرآن على عهد رسول الله» .
[4] قال ابن هشام في السيرة 3/ 154: «التقى حنظلة بن عامر الغسيل وأبو سفيان، فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شدّاد بن الأسود، وهو ابن شعوب، قد علا أبا سفيان فضربه شدّاد فقتله، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ صاحبكم، يعني حنظلة لتغسّله الملائكة» ، فسألوا أهله:
ما شأنه؟ فسئلت صاحبته عنه. فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة» . قال ابن هشام: ويقال: الهائعة. وجاء في الحديث: «خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه، كلما سمع هيعة طار إليها» . قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لذلك غسّلته الملائكة» . وانظر الروض الأنف 3/ 163، 164.
[5] الدبر: بفتح الدال، واحدتها دبرة. والدبر ها هنا: الزنانير، وأمّا الدبر فصغار الجراد.
(الروض الأنف 3/ 234) .
[6] قتل يوم الرجيع بعد غزوة أحد، وكان يكنى: أبا سفيان. قال ابن هشام في السيرة 3/ 225:(3/135)
لموته العرش سَعْد بن معاذ [1] ، ومنا من أُجيزت شهادتُهُ بشهادة رجُلين:
خزيمة بْن ثابت. فَقَالَتِ الخزرج: منّا أربعة جمعوا القرآن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أُبَيّ، ومعاذ بْن جَبَل، وزيد بْن ثابت، وأبو زيد [2] .
المثني بْن حارثة الشَّيْباني الَّذِي أخذ الراية وتحيَّز بالمسلمين يوم الجسر.
نافع بْن غيلان، يَوْمَئِذٍ.
نوفل بْن الحارث، يقال تُوُفّي فيها، وكان أسنَّ من عمّه العبّاس.
واقد بن عبد الله، يوم [3] ؟.
__________
[ () ] «فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه، ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِينَ أَصَابَ ابْنَيْهَا يَوْمَ أحد، لئن قدرت على رأس عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ فِي قِحْفِهِ الْخَمْرَ، فَمَنَعَتْهُ الدَّبْرُ، فلما حالت بينه وبينهم الدبر قالوا: دعوه يمسي فتذهب عنه، فنأخذه، فبعث الله الوادي، فاحتمل عاصما، فذهب به، وقد كان عاصم قد أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ، ولا يمسّ مشركا أبدا تنجّسا، فكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته، يحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر أن لا يمسّه مشرك، ولا يمسّ مشركا أبدا في حياته، فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته» .
أقول: لقد نسب القدسي رحمه الله في نسخته 3/ 84 هذه الرواية للسهيلي في الروض الأنف، وهذا غير صحيح.
[1] من شهداء بدر. روى حديث اهتزاز العرش لموته البخاري في صحيحه 4/ 227 في مناقب الأنصار، باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه، عن محمد بن المثنّى، عن فضل بن مساور ختن أبي عوانة، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه:
سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ» . وأخرجه عن طريق الأعمش عن أبي صالح، عن جابر، بلفظ «عرش الرحمن» ، وأخرجه أحمد في المسند 4/ 352، والحاكم في المستدرك 3/ 207 وصحّحه من طريق محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جدّه، عن عائشة.
[2] قال ابن الأثير في أسد الغابة 4/ 216: «وقد جمع القرآن من المهاجرين جماعة منهم: عليّ، وعثمان، وابن مسعود، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسالم مولى أبي حذيفة» .
[3] كذا في جميع النسخ، ومثله في البداية والنهاية 7/ 51 نقلا عن الذهبي في تاريخه هذا.
وقال ابن حجر في الإصابة 3/ 628: «مات واقد هذا في أول خلافة عمر» .(3/136)
هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أم معاوية بْن أبي سُفْيَان، تُوُفِّيَت في أوّل العام.
يزيد بْن قيس بْن الخطيم [1]- بفتح الخاء المعجمة- الأنصاري الظَّفَرِيّ، صحابيٌّ شهِدَ أحُدًا والمشاهد وجُرح يوم أحُدٍ عدّة جراحات، وأبوه من الشعراء الكبار، قُتِلَ يزيد يوم الجسر.
(أَبُو عُبَيْد بْن مسعود بْن عمرو الثقفي)
[2] والد المختار وصفية زَوْجَة ابن عُمَر.
أسلم فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعمله عُمَر وسيره على جيشٍ كثيفٍ إلى العراق، وإليه يُنْسَب جسر أبي عُبَيْد، وكانت الوقعة عند هذا الجسر كما ذكرنا، وقُتل يَوْمَئِذٍ أَبُو عُبَيْد، والجسر بين القادسية والحيرة [ولم يذكره أحد في الصحابة إلا ابن عبد البر [3] ، ولا يَبْعُدُ أن له رؤية وإسلام] [4] .
(أَبُو قُحَافَةَ)
[5] عُثْمَانُ بْنُ عَامِرٍ التَّيْمِيُّ، فِي الْمُحَرَّمِ عَنْ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَتَى بِهِ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَقُودُهُ لِكِبَرِهِ وضرره
__________
[1] في نسخة دار الكتب ومنتقى أحمد الثالث «بن أبي الخطيم» ، والتصويب من الأصل.
[2] المعارف 400، 401، فتوح البلدان 1/ 307- 310، تاريخ الطبري 3/ 414 و 441 و 444- 458 و 481 و 543 و 581، جمهرة أنساب العرب 268، الاستيعاب 4/ 124، 125 وفيه «أبو عبيدة» بزيادة التاء المربوطة وهو وهم، أسد الغابة 5/ 248، 249، البداية والنهاية 7/ 49، 50، الإصابة 4/ 130، 131 رقم 738.
[3] يقول محقّق هذا الكتاب «عمر بن عبد السلام تدمري الأطرابلسيّ» : لقد جازف المؤلف- رحمه الله- بهذا القول، بدليل أن ابن الأثير ذكر صاحب الترجمة في «أسد الغابة» .
[4] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
[5] تاريخ خليفة 100 و 122 و 129، المحبّر 80 و 296، المعرفة والتاريخ 1/ 238، المعارف 167 و 587 و 591، تاريخ الطبري 3/ 424 و 427، الاستيعاب 3/ 93، 94 و 4/ 162، مشاهير علماء الأمصار 31 رقم 161، جمهرة أنساب العرب 136 و 150، أسد الغابة 5/ 275، الكامل في التاريخ 2/ 489، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 321 رقم 394، البداية والنهاية 7/ 50، الإصابة 2/ 460، 461 رقم 5442.(3/137)
وَرَأْسُهُ كَالثُّغَامَةِ [1] فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ حَتَّى نَأْتِيَهُ» ، إِكْرَامًا لِأَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: «غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» [2] .
(عبد الله بْن صَعْصَعَة)
[3] بْن وهب الأنصاري، أحد بني عدِيّ بْن النجار، شهِدَ أحُدًا وما بعدها وقُتِل يوم جسر أبي عبيد. قاله ابن الأثير [4] .
__________
[1] الثغامة: بنت أبيض الزهر والثمر. (النهاية لابن الأثير) .
[2] أخرجه أحمد في المسند 6/ 349، 350 من طريق يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير، عن أبيه، عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لمّا وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي طوى قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنيّة اظهري بي على أبي قبيس. قالت- وقد كفّ بصره- قالت:
فأشرفت به عليه، فقال: يا بنيّة ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادا مجتمعا. قال: تلك الخيل.
قالت: وأرى رجلا يسعى بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا. قال: يا بنيّة ذلك الوازع، يعني الّذي يأمر الخيل ويتقدّم إليها. ثم قالت: قد والله انتشر السواد. فقال: قد والله إذا دفعت الخيل فأسرعي بي إلى بيتي، فانحطّت به، وتلقّاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته، وفي عنق الجارية طوق لها من ورق، فتلقّاها رجل فاقتلعه من عنقها. قالت: فلمّا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يعوده، فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟» . قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحقّ أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه. قال: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره ثم قال له: «أسلم» فأسلم، ودخل به أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورأسه كأنه ثغامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «غيّروا هذا من شعره» ، ثم قال أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشد باللَّه وبالإسلام طوق أختي، فلم يجبه أحد، فقال: يا أخيّة احتسبي طوقك» .
[3] أسد الغابة 3/ 128 البداية والنهاية 7/ 50، الإصابة 2/ 326 رقم 4759.
[4] في أسد الغابة.(3/138)
سَنَة خَمْس عَشْرَة
في أولها افْتَتَحَ شُرَحْبِيل بْن حَسَنة الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنهم صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيدة [1] .
يوم اليَرْمُوك
كانت وقعةً مشهورةً، نزلت الروم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة [2] ، - وقيل سنة ثلاث عشرة وأراه وهما-[3] فكانوا في أكثر من مائة ألف، وكان المسلمون ثلاثين ألفا [4] ، وأمراء الإسلام أَبُو عبيدة، ومعه أمراء الأجناد، وكانت الروم قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لئلَّا يفرُّوا، فلمّا هزمهم الله جعل الواحد يقع في وادي اليَرْمُوك فيجذب من معه
__________
[1] تاريخ خليفة 131.
[2] حدّد ابن الكلبي تاريخها بيوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة. (تاريخ خليفة 130) .
[3] أكّد ابن عساكر تاريخ الوقعة في سنة 15 هـ-. وقال: هذه الأقوال هي المحفوظة في تاريخ اليرموك، وقد ذكر سيف بن عمر أنها كانت سنة ثلاث عشرة قبل فتح دمشق. ولم يتابعه أحد على ما قاله. (تهذيب تاريخ دمشق 1/ 160) .
[4] اختلف المؤرّخون في تحديد عدد الجند عند الفريقين. انظر في ذلك: فتوح الشام للأزدي 217، وتاريخ خليفة 130، وفتوح البلدان 1/ 160، وتاريخ الطبري 3/ 394، 395، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 160، والكامل في التاريخ 2/ 410.(3/139)
في السلسلة حتى ردموا الوادي، واستووا فيما قيل بحافَّتَيْه، فداستهم الخيل، وهلك خلقٌ لَا يحصون.
وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ جماعة من أمراء المُسْلِمين.
وَقَالَ محمد بْن إسحاق: نزلت الروم اليرموك وهم مائة ألف، عليهم السقلاب [1] خصيٌّ لِهرَقْل [2] .
وقال ابن الكلبيّ: كانت الروم ثلاثمائة ألف، عليهم باهان، رجلٌ من أبناء فارس تنصَّر ولحق بالروم، قَالَ: وضمّ أَبُو عبيدة إِلَيْهِ أطرافه، وأمدَّه عُمَر بسعيد بْن عامر بْن حُذَيْم، فهزم الله المشركين بعد قتالٍ شديد في خامس رجب سنة خمس عشرة [3] .
وَقَالَ سعيد بْن عبد العزيز: إنّ المُسْلِمين- يعني يوم اليّرْموك- كانوا أربعةً وعشرين ألفًا، وعليهم أَبُو عبيدة، والروم عشرون ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب [4] .
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَمَدَتِ الأَصْوَاتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، وَالْمُسْلِمُونَ يُقَاتِلُونَ الرُّومَ إِلا صَوْتَ رَجْلٍ يَقُولُ: «يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ، يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ» ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ [5] .
الْوَاقِدِيُّ: نا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن ابن المسيّب، عن
__________
[1] هكذا في الأصل. وفي تاريخ خليفة 130 «السفلار» ، وفي المعرفة والتاريخ 3/ 300 «الصقلار» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق 1/ 160 «سقلان» .
[2] تاريخ خليفة 130.
[3] تاريخ خليفة 130.
[4] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 160 وفيه «ماهان وسقلان» .
[5] المعرفة والتاريخ 3/ 300، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 170.(3/140)
جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: حَضَرْتُ الْيَرْمُوكَ فَلا أَسْمَعُ إِلَّا نَقْفَ الْحَدِيدِ إِلا أَنِّي سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ أَبْلَوْا للَّه فِيهِ بَلاءً حَسَنًا، فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ [1] .
قَالَ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ قَالَ: لَمَّا هَزَمْنَا الْعَدُوَّ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَصَبْنَا يَلامِقِ دِيبَاجٍ فَلَبِسْنَاهَا فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، فَاسْتَقْبَلْنَاهُ وَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَشَتَمَنَا وَرَجَمَنَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى سَبَقْنَاهُ نَعْدُو، فَقَالَ بَعْضُنَا: لَقَدْ بَلَغَهُ عَنْكُمْ شَرٌّ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَعَلَّهُ فِي زِيِّكُمْ هَذَا، فَضَعُوهُ، فَوَضَعْنَا تِلْكَ الثِّيَابَ وسلّمنا عليه، فرحّب وساءلنا وَقَالَ: إِنَّكُمْ جِئْتُمْ فِي زِيِّ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَإِنَّكُمْ الآنَ فِي زِيِّ أَهْلِ الإِيمَانِ، وَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ مِنَ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ إِلا هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعِهِ.
وعن مالك بْن عبد الله قَالَ: مَا رأيت أشرف من رجلٍ رأيته يوم اليرموك إنه خرج إليه علجٌ فقتله، ثُمَّ آخر فقتله، ثُمَّ آخر فقتله، ثُمَّ انهزموا وتبِعَهُمْ وتبِعْتُهُ، ثُمَّ انصرف إلى خباءٍ عظيم له فنزل، فدعا بالجفان ودعا من حوله، قلت: من هذا؟ قالوا: عَمرو بن معديكرب.
__________
[1] ذكر الأزدي في فتوح الشام- ص 220 إنّ أبا سفيان تجهّز في أحسن الجهاز وأحسن الهيئة ثم خرج، وصحبه أناس من المسلمين كثير، كانوا خرجوا متطوّعين، فأحسن أبو سفيان صحبتهم حتى قدموا على جماعة المسلمين. فلما كان يوم خرج المسلمون إلى عدوّهم باليرموك كان أبو سفيان يومئذ يسير في الناس، ويقف على أهل كل راية، وعلى كلّ جماعة، فيحرّض الناس ويحضّهم، ويعظهم، ويقول: إنكم يا معشر المسلمين أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الإبل، نائين عن أمير المؤمنين وأمداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بإزاء عدوّ، كثير عددهم، شديد عليكم حنقهم، وقد وترتموهم في أنفسهم ونسائهم، وأولادهم، وأموالهم، وبلادهم.
فلا والله لا ينجيكم منهم اليوم وتبلغون رضوان الله إلّا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، فامتنعوا بسيوفكم، وتقرّبوا بها إلى خالقكم، ولتكن هي الحصون التي تلجون إليها، وبها تمنعون. وقاتل أبو سفيان يومئذ قتالا شديدا، وأبلى بلاء حسنا» .(3/141)
وعن عُرْوَة: قُتِل يَوْمَئِذٍ النَّضْر بْن الحارث بْن علْقمة العبدري، وعبد الله بْن سُفْيَان بْن عبد الأسد المخزوميّ.
وَقَالَ ابن سعد [1] : قُتِل يَوْمَئِذٍ نعيم بْن عبد الله النحام العدوي.
قلت: وقد ذُكِرَ.
وقيل: كان على مجنبة أبي عبيدة يومئذ قباث [2] بْن أشيم الكنانّي اللَّيْثي [3] .
ويقال: قُتِل يَوْمَئِذٍ عكرمة بْن أبي جهل، وعبد الرحمن بْن العوام، وعياش بْن أبي ربيعة، وعامر بْن أبي وقاص الزُّهْرِيّ [4] .
وَقْعة القادسية
كانت وقعة القادسية بالعراق في آخر السنة فيما بَلَغَنَا، وكان على النَّاس سعد بْن أبي وقاص، وعلى المشركين رُسْتُم ومعه الجالينوس، وذو الحاجب [5] .
قَالَ أَبُو وائل: كان المسلمون مَا بين السبعة إلى الثمانية آلافًا. ورستم في ستين ألفًا، وقيل: كانوا أربعين ألفًا، وكان معهم سبعون فيلا [6] .
__________
[1] في الطبقات 4/ 139.
[2] في نسخة دار الكتب «قباب» ، والتصويب من الأصل، وأسد الغابة 4/ 189 وقيّده: بضمّ القاف وبالباء الموحّدة وآخره تاء مثلّثة نقلا عن الإكمال لابن ماكولا 7/ 93 والصواب فتح القاف.
وهو في خط محمد بن علي الصوري في مواضع «قباث» بفتح القاف (مجمل اللغة لابن فارس) .
[3] فتوح الشام للأزدي 189، الكامل في التاريخ 2/ 412.
[4] في حاشية الأصل: «بلغت قراءة في التاسع عشر على مؤلّفه» .
[5] تاريخ خليفة 131.
[6] تاريخ خليفة 131.(3/142)
وذكر المدائني أنهم اقتتلوا قتالًا شديدًا ثلاثة أيام في آخر شوال، وقيل في رمضان، فقُتِل رُسْتُم وانهزموا، وقيل إنّ رُستم مات عطشا، وتبعهم المسلمون فقتل جالينوس وذو الحاجب، وقتلوهم مَا بين الخرَّارة [1] إلى السَّيْلحين [2] إلى النّجف، حتى ألجئوهم إلى المدائن، فحصروهم بها حتى أكلوا الكلاب، ثُمَّ خرجوا على حامية بعيالهم فساروا حتى نزلوا جلولاء [3] .
قَالَ أَبُو وائل: اتّبعناهم إلى الفرات فهزمهم الله، واتّبعناهم إلى الصَّراة [4] فهزمهم الله، فألجأناهم إلى المدائن [5] .
وعن أبي وائل قَالَ: رأيتُني أعبر الخندق مَشْيًا على الرجال، قتل بعضهم بعضًا [6] .
وعن حبيب بْن صهبان قَالَ: أصبْنا يَوْمَئِذٍ من آنية الذهب حتى جعل الرجل يَقُولُ: صفراء ببيضاء، يعني ذهبًا بفضة [7] .
وَقَالَ المدائني: ثُمَّ سار سعد من القادسية يتبعهم. فأتاه أهل الحيرة فقالوا: نحن على عهدنا. وأتاه بسطام فصالحه. وقطع سعدُ الفرات، فلقي جمعًا عليهم بَصْبَهرا، فقتله زُهرة بْن حويَّة، ثُمَّ لقوا جمعًا بكُوثا [8] عليهم
__________
[1] في طبعة القدسي 3/ 88 «الخرار» ، والتصويب من معجم البلدان 2/ 350 موضع قرب السّيلحون من نواحي الكوفة.
[2] هكذا في الأصل وتاريخ خليفة 132، وفي معجم البلدان 3/ 298: سيلحون: بفتح أوّله وسكون ثانيه، وفتح لامه ثم حاء مهملة، وواو ساكنة ونون. وهي قرب الحيرة ضاربة في البرّ قرب القادسيّة بينها وبين الكوفة.
[3] تاريخ خليفة 132، 133.
[4] الصّراة: بالفتح. نهر ببغداد يأخذ من نهر عيسى من عند بلدة يقال لها المحوّل بينها وبين بغداد فرسخ ويسقي ضياع بادوريا. (معجم البلدان 3/ 399) .
[5] تاريخ خليفة 132.
[6] تاريخ خليفة 132.
[7] تاريخ خليفة 133.
[8] هكذا في الأصل، وفي معجم البلدان 4/ 487 كوثى: بالضمّ ثم السكون، والثاء مثلّثة،(3/143)
الفيرزان [1] فهزموهم، ثم لقوا جميعا كثيرًا بدير كعب عليهم الفَرُّخان فهزموهم، ثُمَّ سار سعد بالنّاس حتى نزل المدائن فافتتحها [2] .
وأما محمد بْن جرير [3] فإنه ذكر القادسية في سنة أربع عشرة، وذكر أن في سنة خمس عشرة مَصَّر سعد الكوفة، وأنّ فيها فرض عمر الفروض وَدَوَّنَ الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة. [4] قَالَ: ولمّا فتح الله على المُسْلِمين غنائم رستم، وقدمت على عُمَر الفتوح من الشام والعراق جمع المُسْلِمين فَقَالَ: مَا يحلّ لِلْوَالِي من هذا المال؟ قالوا: أما لخاصَّته فقوتُهُ وَقُوتُ عياله لَا وَكْسَ ولا شَطَطَ، وكسوته وكسوتهم، ودابتان لجهاده وحوائجه، وحمّالته [5] إلى حجه وعمرته، والقسم بالسوية أن يعطى أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرمَّ أمور المُسْلِمين ويتعاهدهم [6] .
وفي القوم عليّ رضي الله عنه ساكت، فَقَالَ: مَا تقول يا أبا الحسن؟
فَقَالَ: مَا أصْلَحَكَ وأصلَحَ عِيالك بالمعروف [7] . وقيل إنّ عُمَر قعد على رزق أبي بكر حتى أشتدّت حاجتُهُ، فأرادوا أن يزيدوه فأبى عليهم [8] .
وكان عمّاله في هذه السنة: عَتّاب بْن أسيد، كذا قال ابن جرير [9] ،
__________
[ () ] وألف مقصورة تكتب بالياء لأنها رابعة الاسم. موضع بسواد العراق في أرض بابل.
[1] هكذا في الأصل وتاريخ الطبري 3/ 455 ويقال «البيرزان» 3/ 504 حيث تقلب الفاء إلى باء بالفارسية.
[2] تاريخ خليفة 133.
[3] في التاريخ 3/ 480.
[4] تاريخ الطبري 3/ 613.
[5] في تاريخ الطبري «حملانه» .
[6، 7، 8] تاريخ الطبري 3/ 616.
[9] ج 3/ 623.(3/144)
وقد قدمنا موت عتاب، قَالَ: وعلى الطائف يَعْلَى بْن مُنية [1] ، وعلى الكوفة سعد، وعلى قضائها أَبُو قُرَّةَ. وعلى البصرة المُغِيرَة بْن شُعْبَة. وعلى اليمامة والبحرين عثمان بْن أبي العاص. وعلى عمان حذيفة بن محصن. وعلى ثغور الشّام أبو عبيدة بن الجرّاح.
__________
[1] وهي أمّه، واسم أبيه (أميّة) ، كما في تبصير المنتبه.(3/145)
المُتَوَفّونَ فيهَا
(الحارث بْن هشام)
يقال تُوُفِّيَ فيها. وسيأتي في طاعون عمواس [1] .
ع سعد بن عبادة [2]
ابن دُليم بْن حارثة بْن أبي حزيمة بْن ثعلبة بن طريف بْن الخزرج [بْن ساعدة بْن كعب بْن الخزرج. الأنصاريّ السّاعديّ. سيّد الخزرج] أبو
__________
[1] رواه الزمخشريّ بكسر أوله وسكون ثانيه، ورواه غيره بفتح اوله وثانيه، وضبطه بعضهم بفتح العين وسكون الميم. وهي قرية بين الرملة وبيت المقدس، ومنها بدأ الطاعون.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 613- 617، طبقات خليفة 97 و 303، تاريخ خليفة 72 و 117 و 135، الأخبار الموفقيّات 579 و 591، فتوح البلدان 3/ 583، أنساب الأشراف (انظر فهرس الأعلام 645) ، المعارف 110 و 259، التاريخ الكبير 4/ 44 رقم 1911، التاريخ الصغير 1/ 39، المعرفة والتاريخ 1/ 294، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 263) ، العقد الفريد 2/ 34 و 4/ 257 و 259 و 260، المحبّر 233 و 269 و 271 و 273 و 277 و 423، نسب قريش 200، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 90 رقم 121، مسند أحمد 5/ 284 و 6/ 7، جمهرة أنساب العرب 365، الجرح والتعديل 88 رقم 382، مشاهير علماء الأمصار 10 رقم 20، الكنى والأسماء 1/ 65، الاستيعاب 2/ 35- 41، المستدرك 3/ 252- 254، الاستبصار 93- 97، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 86- 93، أسد الغابة 2/ 356، الكامل في التاريخ 2/ 489، صفة الصفوة 1/ 503، 504 رقم 53، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 212، 213 رقم 204، التذكرة الحمدونية 2/ 102 رقم 205، تهذيب الكمال 1/ 474، العبر 1/ 19، تلخيص المستدرك 3/ 252- 254، المعين في طبقات المحدّثين 21 رقم 46، دول الإسلام، 1/ 15، الكاشف 1/ 278 رقم 1851، سير أعلام النبلاء 1/ 270- 279 رقم(3/146)
ثابت، ويقال أَبُو قيس [1] .
أحد النقباء ليلة العقبة. وقد اجتمعت عليه الأنصار يوم السقيفة وأرادوا أن يبايعوه بالخلافة.
لم يذكر أهل المغازي أنه شهِدَ بدْرًا. وذكر البخاري [2] وأبو حاتم [3] أنه شهدها، وروي ذلك عَنْ عروة.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعْدٌ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو لَمَّا أَسْلَمُوا يَكْسِرُونَ أَصْنَامَ بَنِي سَاعِدَةَ. وَكَانَ سَيِّدًا جَوَادًا. لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. وَكَانَ يَتَهَيَّأُ لِلْخُرُوجِ، فَنُهِشَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَقَامَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ كَانَ سَعْدٌ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لَقَدْ كَانَ عَلَيْهَا حَرِيصًا» . هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي «الطَّبَقَاتِ» [4] بِلَا سَنَدٍ. وَقَدْ شَهِدَ أُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ.
قَالَ: وكان يبعث كل يوم بجفنة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة، وَقَالَ عروة: كان ينادي على أُطُم [5] سعد: من أحب شحمًا ولحمًا فليأت سعد بْن عبادة. وقد أدركت ابنه يفعل ذلك [6] .
وَقَالَ ابن عباس: إن أم سعد توفّيت فتصدّق عنها بحائطه المخراف [7] .
__________
[55،) ] مرآة الجنان 1/ 71، البداية والنهاية 7/ 49 و 61 الوافي بالوفيات 15/ 150- 152 رقم 203، شفاء الغرام 1/ 252 و 2/ 184 و 213 و 216 و 217 و 218 و 219 و 220 تهذيب التهذيب 475، 476 رقم 883، تقريب التهذيب 1/ 288 رقم 90، الإصابة 2/ 30 رقم 3173، خلاصة تذهيب التهذيب 134، شذرات الذهب 1/ 28، كنز العمال 13/ 404، المعجم الكبير 6/ 17- 29، البدء والتاريخ 5/ 115.
[1] وهو الأصحّ كما في أسد الغابة.
[2] في التاريخ الكبير 4/ 44.
[3] في الجرح والتعديل 4/ 88، وكذلك يذكر الطبراني في المعجم الكبير 6/ 17 رقم 5352.
[4] ج 3/ 614، والمستدرك للحاكم 3/ 252 كلاهما من طريق الواقدي وهو ضعيف.
[5] أطم وآطام: القصر، أو الحصن المبنيّ بالحجارة.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 613.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 615.(3/147)
ولسعد ذكر في حديث الإفك.
وقد حدث عنه بنُوه: قيس، وسعيد، وإسحاق، وابن عباس، وأبو أمامة بْن سهل، وسعيد بْن المسيب، ولم يدركه.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ [1] : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنْ أَقْبِلْ فَبَايِعْ فَقَدْ بَايَعَ النَّاسُ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أُبَايِعُ حَتَّى أُرَامِيَكُمْ بما في كنانتي وأقاتلكم بمن معي. وقال: فَقَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ أَبَى وَلَجَّ وَلَيْسَ بِمُبَايِعِكُمْ أَو يُقْتَلُ، وَلَنْ يُقْتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مَعَهُ وَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ، وَلَنْ يُقْتَلُوا حَتَّى تُقْتَلَ الْخَزْرَجُ، فَلا تُحَرِّكُوهُ فَقَدِ اسْتَقَامَ لَكُمُ الأَمْرُ وَلَيْسَ بِضَارِّكُمْ، إِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مَا تَرَكَ. فَقَبِلَ أَبُو بَكْرٍ نَصِيحَةَ بَشِيرٍ.
قَالَ: فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ لَقِيَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُ: إِيهٍ يَا سَعْدُ. فَقَالَ: إِيهٍ يَا عُمَرُ.
فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ صَاحِبٌ مَا أَنْتَ صَاحِبُهُ. قَالَ: نَعَمْ وَقَدْ أَفْضَى إِلَيْكَ هَذَا الأَمْرُ. وَكَانَ وَاللَّهِ صَاحِبُكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْكَ، وَقَدْ وَاللَّهِ أَصْبَحْتُ كَارِهًا لِجِوَارِكَ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ كَرِهَ جِوَارَ جَارِهِ تَحَوَّلَ عَنْهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَمَا إِنِّي غَيْرُ مُسْتَسِرٍّ [2] بِذَلِكَ. وَأَنَا مُتَحَوِّلٌ إِلَى جِوَارِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى الشَّامِ. فَمَاتَ بِحَوْرَانَ [3] .
قَالَ محمد بْن عُمَر: ثنا يحيى بْن عبد العزيز بْن سعد بْن عبادة، عَنْ أبيه قَالَ: تُوُفّي سعد بحُوران لِسَنَتين ونصف من خلافة عُمَر. قَالَ محمد بْن عُمَر: كأنه مات سنة خمس عشرة. قَالَ عبد العزيز: فما عُلِم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان في بئر منبه أو بئر سكن- وهم يقتحمون نصف النهار- قائلًا من البئر:
__________
[1] الطبقات 3/ 616 والخبر ضعيف لضعف الواقدي، وفيه الزبير بن المنذر وهو لا يكاد يعرف.
كما قال الذهبي في ميزان الاعتدال، ومحمد بن صالح صدوق يخطئ.
[2] في طبقات ابن سعد «مستنسئ» (3/ 617) .
[3] المعجم الكبير 6/ 18 رقم 5357 و 5358.(3/148)
نحن قتلْنا سيَّد ... الخزرجِ سعدَ بنَ عُبادهْ
فَرَمَيْناهُ بسَهْمَيْنِ ... فلم نُخْطِ فُؤادَهْ
فذُعر الغلمان، فحُفِظَ ذلك اليوم فوجدوه الْيَوْمَ الَّذِي مات فيه سعد، وإنّما جلس يبول في نَفَقٍ فاقتُتِل فمات من ساعته، وجدوه قد اخْضَرَّ جلدُهُ [1] .
وَقَالَ ابن أبي عَرُوبة: سمعت محمد بْن سيرين يحدث أنه بال قائمًا، فلما رجع قَالَ لأصحابه: إني لأجد دبيبًا، فمات فسمعوا الجنَّ تقول: نحن قتلنا سيد الخزرجِ- البيتين [2] .
وَقَالَ سعيد بْن عبد العزيز: أول مدينةٍ فتحت بالشام بصرى، وفيها مات سعد بْن عبادة.
(سعد بْن عُبَيْد)
[3] بْن النُّعْمَان أَبُو زيد الأنصاري الأوسي.
اسْتُشْهِدَ بوقعة القادسية، وقيل إنه والد عمير بْن سعد الزاهد أمير حمص لعمر، شهِدَ سَعْد بدرًا وغيرها، وكان يقال له سعد القاري [4] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 617.
[2] الطبقات 3/ 617، المعجم الكبير 6/ 19 رقم 5359 و 5360.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 458، المحبّر 277 و 286، تاريخ خليفة 133، التاريخ الكبير 4/ 47 رقم 1919، تاريخ الطبري 3/ 444- 446 و 566 و 583، فتوح البلدان 2/ 321، المعرفة والتاريخ 1/ 487، الاستيعاب 2/ 41، مشاهير علماء الأمصار 10، 11 رقم 23، جمهرة أنساب العرب 334، الجرح والتعديل 4/ 89 رقم 386، المعجم الكبير 6/ 65، 66 رقم 554، أسد الغابة 2/ 285، 286، البداية والنهاية 7/ 49، و 61، 62، الوافي بالوفيات 15/ 155 رقم 208، الإصابة 2/ 31 رقم 3176.
[4] قال ابن مندة: «القاري من بني قارة الأنصاري» . وقال ابن الأثير: وقول ابن مندة أنه من قارة أنصاريّ وهم منه كيف يكون من القارة وهم ولد الديس بن محلم بن غالب.. بن الهون بن خزيمة والهون أخو أسد بن خزيمة وهذا أنصاريّ فكيف يجتمعان، وإنما هو القارئ مهموزا من القراءة، وقد ذكر أنه أوّل من جمع القرآن من الأنصار ولم يجمع القرآن من الأوس غيره قاله أبو أحمد العسكري، وأمّا أنا فأستبعد أن يكون هذا ممن جمع القرآن من الأنصار ولم يجمع القرآن لأنّ الحديث يرويه أنس بن مالك، وذكرهم وقال: أحد عمومتي أبو زيد وأنس من بني عديّ بن(3/149)
وذكر محمد بْن سعد [1] أنّ القادسية سنة ست عشرة. وأنه قُتِل بها وله أربعٌ وستون سنة.
وَقَالَ قيس بْن مسلم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ سعد بْن عُبَيْد أنه خطبهم فَقَالَ: إنّا لاقوا العدو غدًا وإنا مستشهدون غدًا، فلا تغسلوا عنا دمًا ولا نُكَفَّن إلا في ثوبٍ كان علينا [2] .
(سعيد بْن الحارث)
[3] بْن قيس بْن عدي القرشي السهمي، هو وإخوته الحجاج، ومعبد، وتميم، وأبو قيس، وعبد الله، والسائب، كلهم من مهاجرة الحبشة، ذكرهم ابن سعد.
اسْتُشْهِدَ أكثرهم يوم اليرموك ويوم أَجْنَادِينَ.
سهيل بْن عمرو بْن عبد شمس [4]
ابْن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن [5] حسن بن عامر بن لؤيّ أبو يزيد
__________
[ () ] النجار خزرجيّ، فكيف يكون هذا وهو أوسيّ عما لأنس هذا بعيد جدّا. (أسد الغابة 2/ 286) .
[1] الطبقات 3/ 458، المعجم الكبير 6/ 65 رقم 5490.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 458.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 196، أنساب الأشراف 1/ 215، فتوح البلدان 1/ 135، تاريخ خليفة 131، تاريخ الطبري 3/ 572، المعجم الكبير 6/ 82، 83 رقم 572، الاستيعاب 2/ 8 تهذيب تاريخ دمشق 6/ 125، أسد الغابة 2/ 304، سير أعلام النبلاء 2/ 202 رقم 202، رقم 31، الوافي بالوفيات 15/ 208 رقم 289، الإصابة 2/ 44، 45 رقم 3251.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 404، 405، تاريخ خليفة 82 و 90، طبقات خليفة 26 و 300، المحبّر 79 و 162 و 170 و 288 و 473، نسب قريش 417- 419، تاريخ الطبري (راجع فهرس الأعلام 10/ 178) ، فتوح البلدان 103 و 109 و 166، أنساب الأشراف 1/ 40 و 102 و 203 و 219 و 220 و 221 و 228 و 237 و 292 و 303 و 304 و 349 و 350 و 354 و 357 و 362 و 363 و 407، عيون الأخبار 1/ 85، فتوح الشام للأزدي 46، 47، الأخبار الموفقيّات 583، 585، المعرفة والتاريخ 1/ 524، المعارف 69 و 154 و 284 و 342،
[5] ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، والاستدراك من مصادر ترجمته.(3/150)
العامري، أحد خطباء قريش وأشرافهم.
أسلم يوم الفتح وحَسُن إسلامه، وكان قد أُسر يوم بدر، وكان قد قام بمكة وحض على النفير فَقَالَ: يا آل غالب أتاركون أنتم محمدا والصُّباة [1] يأخذون عِيركم؟ من أراد مالًا فهذا مال، ومن أراد قوةً فهذه قوة. وكان سمحًا جوادًا فصيحًا، قام خطيبًا بمكة أيضًا عند وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ خطبة أبي بكر فسكَّنهم، وهو الَّذِي مشى في صلح الحديبية.
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار، كان سُهيل بعدُ كثير الصلاة والصوم والصدقة، وخرج بجماعته إلى الشام مجاهدًا، وقيل إنه صام وقام حتى شحب لونه وتغير، وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن.
قَالَ المدائني وغيره: إنه استُشْهِدَ يوم اليرموك.
وَقَالَ الشافعي والواقِديّ: إنه تُوُفِّيَ بطاعون عمواس.
روى عنه يزيد بْن عميرة الزبيدي وغيره عَنِ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل كان أميرا على كردوس [2] يوم اليرموك.
__________
[ () ] الاستيعاب 2/ 108- 112، المستدرك 3/ 281- 282، المعجم الكبير 6/ 259 رقم 596، جمهرة أنساب العرب 166، الجرح والتعديل 4/ 249 رقم 1072، التاريخ الكبير 4/ 103، 104 رقم 2117، ثمار القلوب 519، مشاهير علماء الأمصار 33 رقم 180، العقد الفريد 1/ 148 و 2/ 389 و 4/ 162 و 6/ 87 و 89، أسد الغابة 2/ 371- 373، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 239، 240 رقم 240، التذكرة الحمدونية 1/ 123 و 2/ 37، تلخيص المستدرك 3/ 281، 282، سير أعلام النبلاء 1/ 194، 195 رقم 25، العقد الثمين 4/ 624- 630، البداية والنهاية 7/ 62، الوافي بالوفيات 16/ 27- 29 رقم 35، صفة الصفوة 1/ 307، تهذيب التهذيب 4/ 264، 265 (بدون رقم) ، الإصابة 2/ 93، 94 رقم 3573، كنز العمال 13/ 430، شذرات الذهب 1/ 30، مجموعة الوثائق السياسية 58 رقم (11) ، 267 رقم (221) .
[1] الصباة: جمع صابئ. وهو الّذي يترك دينه ويتحوّل إلى دين آخر. ولهذا كان المشركون يقولون عن المسلم بأنّه صبأ. أي تحوّل عن الشرك إلى الإسلام.
[2] الكردوس: القطعة العظيمة من الخيل.(3/151)
(عامر بْن مالك بْن أهيب الزُّهْرِيّ)
[1] أخو سعد بْن أبي وقاص، من مهاجرة الحبشة.
قدم دمشق بكتاب عُمَر على أبي عبيدة بإمرته على الشام وعزل خالد، اسْتُشْهِدَ يوم اليرموك على الصحيح [2] .
(عبد الله بْن سُفْيَان)
[3] هذا ابن أخي أبي سلمة بْن عبد الأسد المَخْزُومِيّ.
له صُحبة وهجرة إلى الحبشة ورواية.
روى عنه عمرو بْن دينار منقطعًا، وَاسْتُشْهِدَ باليرموك.
(عبد الرحمن أخو الزُّبَيْر بْن العَوَّام لأبيه [4] )
حضر بدْرًا هو وأخوه عُبَيْد الله الأعرج مشركين، فهربا فأدرك عُبَيْد الله فقُتِلَ، ثُمَّ أسلم فيما بعد هذا، وصحب النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلّم، واستشهد باليرموك.
عُتْبَة بْن غزوان رضي الله عنه، يقال مات فيها، وقد تقدم.
عكرمة بْن أبي جهل المَخْزُومِيّ، يقال اسْتُشْهِدَ يوم اليرموك، وقد تقدم.
د ن ق (عمرو بْن أم مكتوم)
[5] الضّرير.
__________
[1] المحبّر 459، فتوح البلدان 137 و 161، التاريخ الكبير 6/ 452 رقم 2965، الجرح والتعديل 6/ 327، 328 رقم 1824، الاستيعاب 3/ 4، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 198 البداية والنهاية 7/ 62.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 198.
[3] تاريخ خليفة 131، فتوح البلدان 1/ 62، الاستيعاب 2/ 385، الكاشف 2/ 83 رقم 2786، البداية والنهاية 7/ 62، الإصابة 2/ 319 رقم 4721.
[4] المعارف 220، جمهرة أنساب العرب 121 و 125، الاستيعاب 2/ 399، البداية والنهاية 7/ 62، الإصابة 2/ 415، 416 رقم 1578.
[5] مختلف في اسمه، فأهل المدينة يقولون: عبد الله بن قيس بن زائدة بن الأصمّ بن رواحة القرشي العامري. وأمّا أهل العراق فسمّوه عمرا. ويقال: عمرو بن زائدة، وغيره، انظر: طبقات(3/152)
مؤذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلفه على المدينة في غير غزوة، قيل كان اللواء معه يوم القادسية، واستُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ.
وَقَالَ ابن سعد [1] : رجع إلى المدينة بعد القادسية، ولم نسمع له بذكر بعد عُمَر.
قلت: روى عنه عبد الرحمن بْن أبي ليلى، وأبو رزين الأسدي، وله ترجمة طويلة في كتاب ابن سعد.
عمرو بْن الطُّفيل بْن [2] عَمْرو بْن طَريف قُتِل باليَرْموك.
(عياش بن أبي ربيعة)
[3] عمرو بن المغيرة بن عياش المَخْزُومِيّ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي سماه في القنوت ودعا له بالنّجاة [4] .
__________
[ () ] ابن سعد 4/ 205- 212، نسب قريش 343، المحبّر 254، المعارف 290، أنساب الأشراف 1/ 311 و 526، تاريخ الطبري 2/ 483 و 536 و 555، المنتخب من ذيل المذيّل 564، البرصان والعميان 362، جمهرة أنساب العرب 171، مشاهير علماء الأمصار 16 رقم 53 (وفيه اسمه: عبد الله) ، حلية الأولياء 2/ 4 رقم 88 (وفيه: عبد الله) ، الاستيعاب 2/ 501، 502، المستدرك 3/ 634، 635، أسد الغابة 4/ 127، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 295، 296 رقم 556، صفة الصفوة 1/ 582- 584 رقم 63، الكاشف 2/ 284 رقم 4223، تلخيص المستدرك 3/ 634، 635، العبر 1/ 19، البداية والنهاية 7/ 62، تهذيب التهذيب 8/ 34 رقم 52 (وفيه: عمرو بن زائدة) ، ومثله: تقريب التهذيب 2/ 70 رقم 582، الإصابة 2/ 523، 524 رقم 5764، خلاصة تذهيب التهذيب 289، شذرات الذهب 1/ 28.
[1] في الطبقات 4/ 212.
[2] فتوح البلدان 1/ 135.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 129، طبقات خليفة 21، التاريخ الكبير 7/ 46 رقم 204، عيون الأخبار 1/ 307 و 339 و 340، أنساب الأشراف 1/ 197 و 208 و 209 و 210 و 220، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 124 رقم 516، العقد الفريد 2/ 50، مشاهير علماء الأمصار 36 رقم 211، جمهرة أنساب العرب 230، الاستيعاب 3/ 122، 123، أسد الغابة 4/ 161، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 42 رقم 41، الكاشف 2/ 312 رقم 4419، الإصابة 3/ 47 رقم 6123، تلقيح فهوم الأثر 377، تهذيب التهذيب 8/ 197 رقم 360، تقريب التهذيب 2/ 95 رقم 848، خلاصة تذهيب التهذيب 300، شذرات الذهب 1/ 28.
[4] الاستيعاب 3/ 123.(3/153)
رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْهُ ابنه عبد الله وغيره، وهو أخو أبي جهل لأمه، كنيته أَبُو عبد الله، استُشْهِدَ يوم اليرموك.
فرِاس بْن النَّضْر بْن الحارث [1] ، يقال استُشْهِدَ باليرموك.
قيس بْن عَدِيّ بْن سعد [2] بْن سهم، من مهاجرة الحبشة، قتِل باليرموك.
(قيس بْن أبي صعصعة)
[3] عمرو بْن زيد بْن عوف الأنصاري المازني.
شِهدَ العقبة وبدرًا، وَوَرَدَ لَهُ حَدِيثٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ حِبَّانَ بْنِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ، قُلْتُ: فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «فِي خَمْسَ عَشْرَةَ» ، قُلْتُ: أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ [4] . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ.
وكان أحد أمراء الكراديس يوم اليرموك.
(نُصير بْن الحارث)
[5] بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كِلْدَةَ بْنِ عبد مناف بن عبد الدّار
__________
[1] أنساب الأشراف 1/ 203، الاستيعاب 3/ 211، أسد الغابة 4/ 177، الإصابة 3/ 202 رقم 6968.
[2] المحبّر 133 و 177 و 178 و 474، تاريخ خليفة 188، أنساب الأشراف 1/ 132، الإصابة 3/ 284 رقم 7359، البداية والنهاية 7/ 62.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 517، تاريخ الطبري 2/ 433، أنساب الأشراف 1/ 244، الاستيعاب 223، أسد الغابة 4/ 218، البداية والنهاية 7/ 62، الإصابة 3/ 283، 284 رقم 7355.
[4] أخرجه أبو داود في الصلاة (1388) باب في كم يقرأ القرآن؟، والترمذي في القراءات (4016) باب رقم (4) ، وأحمد في المسند 2/ 165 و 189 و 216 من عدّة طرق كلّها من حديث عبد الله بن عمر.
[5] نسب قريش 255، أنساب الأشراف 1/ 203، تاريخ الطبري 3/ 90، جمهرة أنساب العرب 126، الاستيعاب 3/ 565- 567، أسد الغابة 5/ 20، 21، البداية والنهاية 7/ 62 وفيه «نصير» بالصاد المهملة، وهو تصحيف، الإصابة 3/ 557، 558 رقم 8720.(3/154)
ابن قصي العبدي القرشي.
من مسْلَمَة الفتح ومن حلماء قريش، وقيل إن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه مائة من الإبل من غنائم حُنين، تَألَّفهُ بذلك. فتوقف في أخذها وَقَالَ: لَا أرتشي على الإسلام، ثُمَّ قَالَ: واللهِ مَا طلبتها ولا سألتها وهي عطية من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذها، وحسن إسلامه، واستُشْهِدَ يوم اليرموك، وأخوه النّضر قُتِل كافرًا في نوبة بدر.
(نَوْفَلِ بْن الْحَارِثِ)
[1] بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هاشم، أَبُو الحارث ابْن عم النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهو أسنّ من أسلم من بني هاشم، وقد أُسِر يوم بدرٍ ففداه العباس، فلما فداه أسلم [2] .
وقيل إنه هاجر أيام الخندق، وآخى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وبين العباس، وكانا شريكين في الجاهلية متحابين، شهِدَ نَوْفَلُ الحديبية والفتح، وأعان
__________
[1] طبقات خليفة 6، تاريخ خليفة 134، المعارف 126، 127 و 155، أنساب الأشراف 1/ 301، تاريخ الطبري 2/ 426 و 465، المنتخب من ذيل المذيّل 502، 503، جمهرة أنساب العرب 70، الجرح والتعديل 8/ 487 رقم 2230، مشاهير علماء الأمصار 32 رقم 166، الاستيعاب 3/ 537، 538، أسد الغابة 5/ 46، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 134 رقم 201، العقد الثمين 7/ 351- 353، سير أعلام النبلاء 1/ 199 رقم 27، الوفيات لابن قنفذ 45، 46، البداية والنهاية 7/ 62، المستدرك 3/ 245- 247، تلخيص المستدرك 3/ 245- 247، الإصابة 3/ 577 رقم 8826، شذرات الذهب 1/ 32.
[2] روى الحاكم في المستدرك من طريق هشام بن يحيى، عن محمد بن سعد، عن عليّ بن عيسى النوفليّ قال: لما أسر نوفل بن الحارث ببدر قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أفد نفسك يا نوفل» قال:
ما لي شيء أفدي به يا رسول الله. قال: «أفد نفسك برماحك التي بجدّة» . قال: والله ما علم أحد أنّ لي بجدّة رماحا بعد الله غيري. أشهد أنّك رسول الله، ففدى نفسه بها، وكانت ألف رمح. قال: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين نوفل والعباس بن عبد المطلب، وكانا قبل ذلك شريكين في الجاهلية متفاوضين في المالين متحابّين. وشهد نوفل مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتح مكة وحنينا والطائف، وثبت يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله: «كأنّي انظر إلى رماحك تقصف في أصلاب المشركين» .(3/155)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حنين بثلاثة آلاف رمح، وثبت معه يَوْمَئِذٍ [1] .
تُوُفِّيَ سنة خمس عشرة بخُلفٍ [2] وقيل سنة عشرين.
(هشام بْن العاص)
السهمي. عند ابن سعد [3] أنّه قتل يوم اليرموك.
__________
[1] انظر الحاشية السابقة.
[2] في الأصل «بحلب» وهو خطأ.
[3] الطبقات 4/ 192.(3/156)
سنة ستّ عشرة
قيل: كانت وقعة القادسية في أوّلها. وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ مائتان، وقيل:
عشرون ومائة رجل.
قَالَ خليفة [1] : فيها فُتِحت الأهواز ثُمَّ كفروا [2] ، فحدّثني الوليد بْن هشام، عَنْ أبيه، عَنْ جدّه قَالَ: سار المُغِيرَة بْن شُعْبَة إلى الأهواز فصالحه الفّيْرُزان [3] على ألفي ألف درهم وثمانمائة ألف دِرهم، ثُمَّ غزاهم الأشعري بعده.
وَقَالَ الطبريُّ [4] : فيها دخل المسلمون مدينة بَهُرَسِير [5] وافتتحوا المدائن [6] ، فهرب منها يزدجرد بن شهريار.
__________
[1] تاريخ خليفة 134.
[2] أي نقضوا العهد.
[3] في تاريخ خليفة «البيرزان» ، وقد سبق الإشارة إلى هذا اللفظ في بعض المصادر وأنّ الفاء تقلب باء بالفارسيّة، فيقال: أصفهان، وأصبهان، مثلا.
[4] في التاريخ 4/ 5.
[5] في (ع) والأصل (بهرشير) وفي (ح) : (نهر شير) . والتصحيح من معجم البلدان 1/ 515 حيث ضبطها بالفتح ثم الضم، وفتح الراء وكسر السين المهملة. وهي من نواحي سواد بغداد قرب المدائن.
[6] قال ياقوت: الّذي عندي فيه أنّ هذا الموضع كان مسكن الملوك من الأكاسرة الساسانيّة وغيرهم(3/157)
فلما نزل سعد بْن أبي وقاص بُهرَسِير- وهي المدينة التي فيها منزل كِسْرَى- طلب السُّفُنَ ليعبر بالنّاس إلى المدينة الْقُصْوَى، فلم يقدر على شيءٍ منها، وجدهم قد ضمُّوا السفن، فبقي أيّامًا حتى أتاه أعلاجٌ فدُّلوه على مخاضة [1] ، فأبى، ثُمَّ إنه عزم له أن يقتحم دِجلة، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزَّبَد [2] ، ففجِئ [3] أهل فارس أمرٌ لم يكن لهم في حساب، فقاتلوا ساعةً ثمّ انهزموا وتركوا جُمهور أموالهم، واستولى المسلمون على ذلك كلّه، ثُمَّ أتوا إلى القصر الأبيض، وبه قوم قد تحصّنوا ثُمَّ صالحوا.
وقيل إنّ الفرس لمّا رأوا اقتحام المُسْلِمين الماء تحيَّروا وقالوا: واللِه مَا نقاتل الإنس ولا نقاتل إلّا الجن، فانهزموا [4] .
ونزل سعد القصر الأبيض، واتّخذ الإيوان مُصَلَّى، وإنّ فيه لتماثيل جَصٍّ فما حرَّكها [5] .
ولما انتهى إلى مكان كِسْرى أخذ يقرأ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ 44: 25- 26 [6] الآية.
__________
[ () ] فكان كل واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه مدينة إلى جنب التي قبلها وسمّاها باسم، فأوّلها المدينة العتيقة التي لزاب، ثم مدينة الإسكندر، ثم طيسفون من مدائنها، ثم اسفانير، ثم مدينة يقال لها رومية، فسمّيت المدائن بذلك.. قال حمزة: اسم المدائن بالفارسيّة توسفون وعرّبوه على الطيسفون والطيسفونج وإنّما سمّتها العرب المدائن لأنّها سبع مدائن بين كل مدينة إلى الأخرى مسافة قريبة أو بعيدة. (معجم البلدان 5/ 74، 75) .
[1] في النسخة (ح) «مخاصمة» وهو تحريف.
[2] العبارة في تاريخ الطبري 4/ 10 «وتلاحق عظم الجند، فركبوا اللّجّة، وإنّ دجلة لترمي بالزّبد، وإنّها لمسودّة، وإنّ الناس ليتحدّثون في عومهم وقد اقتربوا ما يكترثون» .
[3] في تاريخ الطبري «ففجئوا» .
[4] تاريخ الطبري 4/ 14.
[5] تاريخ الطبري 4/ 14، 15.
[6] سورة الدخان، الآية 25.(3/158)
قالوا: وأتمّ سعد الصلاة يومَ دخلها، وذلك أنَّه أراد المقام بها، وكانت أول جُمعة جُمِعت بالعراق، وذلك في صفر سنة ست عشرة [1] .
قَالَ الطبري: قسَّم سعدٌ الفيء بعد مَا خمسه، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفًا، وكلّ الجيش كانوا فرسانًا [2] .
وقسّم سعدٌ دور المدائن بين النَّاس وأُوطِنوها، وجمع سعدٌ الْخُمْسَ وأدخل فيه كل شيءٍ من ثياب كِسْرى وحُلِيِّه وسيفه. وَقَالَ للمُسْلِمين: هل لكم أن تطيب أنفُسُكم عَنْ أربعة أخماس هذا القِطْف فنبعثَ به إلى عُمَر، فيضعه حيث يرى ويقع من أهل المدينة موقعًا؟ قالوا: نعم، فبعثه على هيئته. وكان ستين ذراعًا في ستين ذراعا بساطًا واحدًا مقدار جَرِيب [3] . فيه طُرُق كالصُّورَ. وفصوص كالأنهار، وخلال ذلك كالدّرّ [4] ، وفي حافاته كالأرض المزروعة، والأرضُ كالمُبْقِلَة بالنبات في الربيع من الحرير على قصبات [5] الذهب. ونوّاره بالذهب والفضة ونحوه. فقطّعه عُمَر وقسّمه بين النَّاس. فأصاب عليًّا قطعةٌ منه فباعها بعشرين ألفًا [6] .
واستولى المسلمون في ثلاثة أعوامٍ على كرسيّ مملكة كِسْرى، وعلى كرسي مملكة قيصر، وعلي أُمَّيْ بلادهما. وغنم المسلمون غنائم لم يُسمع بمثلها قطّ من الذهب والجوهر والحرير والرقيق والمدائن والقصور. فسبحان الله العظيم الفتّاح.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 16.
[2] تاريخ الطبري 4/ 20.
[3] الجريب: ثلاثة آلاف وستمائة ذراع. (تاج العروس) .
[4] في تاريخ الطبري 4/ 21 «كالدير» .
[5] في تاريخ الطبري 4/ 21 «قضبان» .
[6] تاريخ الطبري 4/ 21، 22.(3/159)
وكان لكِسْرى وقيْصر ومن قبلهما من الملوك في دولتهم دهرٌ طويل، فأمّا الأكاسرة والفرس وهم المجوس فملكوا العراق والعجم نحوًا من خمسمائة سنة، [فأوّل ملوكهم دارا، وطال عُمرُهُ فيقال إنّه بقي في المُلْك مائتي سنة] [1] ، وعدّة ملوكهم خمسة وعشرون نفسًا، منهم امرأتان، وكان آخر القوم يزْدَجِرْد الَّذِي هلك في زمان عثمان، وممّن ملك منهم ذو الأكتاف سابور [2] ، عقِد له بالأمر وهو في بطن أمّه، لأنّ أباه مات وهذا حمْل، فَقَالَ الكهان: هذا يملك الأرض، فوُضِع التّاجُ على بطن الأمّ، وكُتِب منه [3] إلى الآفاق وهو بعد جنين، وهذا شيءٌ لم يُسْمع بمثله قطّ، وإنّما لُقِّب بذي الأكتاف لأنه كان ينزع أكتافَ مَن غضب عليه، وهو الَّذِي بنى الإيوان الأعظم وَبَنَى نَيْسَابُور وبنى سجستان [4] .
ومن متأخّري ملوكهم أنوشروان، وكان حازمًا عاقلًا، كان له اثنا عشر ألف امرأةٍ وسريَّة، وخمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحدًا، ووُلد نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم في زمانه [5] ، ثمّ مات أنوشروان وقت مَوْت عبد المطلب، ولما استولى الصحابة على الإيوان أحرقوا ستره، فطلع منه ألف ألف مثقال ذهبًا.
وقعة جَلُولاء [6]
في هذه السنة قَالَ ابن جرير الطبري [7] : فقتل الله من الفرس مائة
__________
[1] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
[2] في نسخة دار الكتب «شابور» وكلاهما صحيح.
[3] في نسخة دار الكتب (وكتب به) .
[4] انظر عنه: تاريخ سنّي ملوك الأرض والأنبياء لحمزة بن الحسن الأصفهاني ص 47- طبعة دار مكتبة الحياة ببيروت- الطبعة الثالثة.
[5] المصدر نفسه- ص 53.
[6] جلولاء: بالمدّ، طسوج من طساسيج السواد في طريق خراسان، بينها وبين خانقين سبعة فراسخ، وهو نهر عظيم يمتدّ إلى بعقوبا. (معجم البلدان 2/ 156) .
[7] تاريخ الطبري 4/ 26.(3/160)
ألف، جَلَّلَت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسُمِّيت جَلُولاء. وَقَالَ غيره: كانت في سنة سبع عشرة. وعن أبي وائل قَالَ: سمِّيت جلُولاء لِمَا تجلّلها من الشّرّ.
وَقَالَ سيف: كانت سنة سبع عشرة.
وَقَالَ خليفة بْن خيّاط [1] : هربَ يزّدَجِرْد بْن كِسْرى من المدائن إلى حُلْوان، فكتب إلى الجبال، فجمع العساكر ووجههم إلى جَلُولاء، فاجتمع له جَمْعٌ عظيمٌ، عليهم خُرَّزاذ بْن خرهرمز [2] ، فكتب سعد إلى عُمَر يخبره، فكتب إليه: أَقِمْ مكانَك ووجِّه إليهم جيشًا، فإنّ الله ناصِرُك ومُتَمِّمٌ وعدّه، فعقد لابن أخيه هاشم بْن عُتْبة بْن أبي وقاص، فالتقوا، فجال المسلمون جولةً، ثُمَّ هزم الله المشركين، وقُتِل منهم مقتلةٌ عظيمةٌ، وحوى المسلمون عسكرهم وأصابوا أموالًا عظيمةً وسبايا، فبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف.
وجاء عَنِ الشَّعْبِيّ أن فَيْء جَلُولاء قُسِّم على ثلاثين ألف ألف [3] .
وَقَالَ أَبُو وائل: سُمِّيت جَلُولاء «فتح الفتوح» [4] .
وَقَالَ ابن جرير [5] : أقام هاشم بْن عُتْبة بجَلُولاء، وخرج القعقاع بْن عمرو في آثار القوم إلى خانقين، فقتل من أدرك منهم، وقُتِل مهران، وأفلت الفَيْرُزان [6] ، فلّما بلغ ذلك يَزْدَجرْدَ تقهقر إلى الرّيّ.
__________
[1] في التاريخ- ص 136.
[2] في الأصل «خرزاد بن جرمهر» ، والتصويب من تاريخ خليفة 136 وتاريخ الطبري 4/ 27.
[3] تاريخ خليفة 137.
[4] تاريخ خليفة 137.
[5] في التاريخ 4/ 34.
[6] في نسخة دار الكتب (القيروان) وهو خطأ.(3/161)
وفيها جهز سعد جُنْدًا فافتتحوا تِكْريت واقتسموها، وخمَّسوا الغنائم، فأصاب الفارس منها ثلاثةُ آلاف دِرْهم [1] .
وفيها سار عُمَر إلى الشام وافتتح بيت المقدس، وقدم إلى الجابية- وهي قَصَبة حَوْران- فخطب بها خطبةً مشهورةً متواتِرة عنه [2] .
قال زهير بن محمد المروزي: حدّثني عبد الله بْن مسلم بْن هُرْمُز أنّه سمع أبا الغادية المُزَني قَالَ: قدِم علينا عمر الجابية، وهو على جملٍ أوْرَقَ [3] ، تَلُوحُ صَلْعَتُهُ للشمس، ليس عليه عمامة ولا قلنسوة، بين عودين، ووطاؤه فَرْوُ كَبْشٍ نَجْدِيّ، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته شَمْلَة أو نَمِرَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِيفًا وهي وسادَتُهُ، عليه قميص قد انخرق بعضه ودسم جَيْبُه.
رواه أَبُو إسماعيل المؤدب، عَنِ ابن هرمز فَقَالَ: عَنْ أبي العالية الشامي.
قِنَّسْرِين
وفيها بعث أَبُو عبيدة عمرو بْن العاص- بعد فراغه من اليرموك- إلى قنّسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية على الجزية، وفتح سائر بلاد قنّسرين عنوة [4] .
وفيها افتتحت سروج والرّها على يدي عياض بن غنم [5] .
وفيها قَالَ ابن الكلبي: سار أَبُو عبيدة وعلى مقدَّمته خالد بْن الوليد، فحاصر أهل إيلياء [6] ، فسألوه الصُّلْح على أن يكون عُمَر هو الّذي يعطيهم
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 35، 36.
[2] انظر الخطبة في تاريخ الطبري 3/ 609، وفتوح الشام للأزدي 251.
[3] أي أسمر.
[4] تاريخ خليفة 135.
[5] فتوح البلدان 1/ 208.
[6] بكسر أوله وكسر اللام: اسم مدينة بيت المقدس.(3/162)
ذلك ويكتب لهم أمانًا، فكتب أَبُو عبيدة إلى عُمَر، فقدِم عُمَر إلى الأرض المقدسة فصالحهم وأقام أيّامًا ثُمَّ شخص إلى المدينة [1] .
وفيها كانت وقعة قَرْقِيسْياء [2] ، وحاصرها الحارث بْن يزيد العامري، وفُتِحت صُلْحًا [3] .
وفيها كُتِب التاريخ في شهر ربيع الأول، فعن ابن المسيب قَالَ: أوّل من كتب التاريخ عُمَر بْن الخطاب لسنتين ونصف من خلافته، فُكِتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي رضي الله عنهما [4] .
وفيها نُدِب لحرب أهل المَوْصِل رِبْعيّ بْن الأفكل.
(من تُوُفِّيَ فيها) :
مارية أمّ إبراهيم القبطية
[5] ، وكانت أهداها المُقَوْقِس إلى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة ثمانٍ، وعاش ابنها إبراهيم عليه السلام عشرين شهرًا، وصلى عليها عمر، ودفنت بالبقيع في المحرّم.
__________
[1] تاريخ خليفة 135.
[2] قرقيسياء: بالفتح ثم السكون. بلد على نهر الخابور قرب رحبة مالك بن طوق على ستة فراسخ وعندها مصبّ الخابور في الفرات. (معجم البلدان 4/ 328) .
[3] تاريخ الطبري 4/ 38.
[4] الطبري 4/ 38.
[5] طبقات ابن سعد 8/ 212- 216، الاستيعاب 4/ 410- 413، أسد الغابة 5/ 543،(3/163)
ويقال تُوُفِّيَ فيها سعد بْن عُبَادة [1] . وأبو زيد سعد بن عبيد القارئ [2] .
__________
[544،) ] الإصابة 4/ 404، 405 رقم 984، تاريخ خليفة 135، تسمية أزواج النبيّ وأولاده لأبي عبيدة 75، المعرفة والتاريخ 3/ 305.
[1] تاريخ خليفة 135.
[2] في حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسح الله في مدّته، في الميعاد الخامس عشر، وسمعه المولى أمين الدين محمد بن الأنفي المالكي، والمولى الإمام المحدّث شمس الدين بن أبي بكر ابن الشيخ محبّ الدين» .(3/164)
سنة سبع عشرة
يقال كانت فيها وقعة جَلُولاء المذكورة.
وفيها خرج عُمَر إلى سَرغ [1] ، واستخلف على المدينة زيد بْن ثابت، فوجد الطاعون بالشام، فرجع لمّا حدّثه عبد الرحمن بْن عوف عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أمر الطاعون [2] .
وفيها زاد عُمَر فِي مسجد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمله كما كان في زمان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] .
وفيها كَانَ القحط بالحجاز، وسمي عام الرَّمَادة [4] ، واستسقى عُمَر للناس بالعباس عم النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5] .
__________
[1] سرغ: بفتح أوّله وسكون ثانيه. أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك من منازل حاجّ الشام. قال أنس بن مالك: هي قرية بوادي تبوك. (معجم البلدان 3/ 211، 212) .
[2] تاريخ خليفة 135.
[3] تاريخ الطبري 4/ 68، ابن الأثير 2/ 537.
[4] الرماد: الهلكة، وسمّي عام الرّمادة لأنّه هلكت فيه النّاس والأموال. (تاج العروس) . وفي طبقات ابن سعد 3/ 310 أنّ الأرض كلها صارت سوداء فشبّهت بالرماد.
[5] تاريخ خليفة 138 (حوادث سنة 18 هـ-.) وكذلك في تاريخ الطبري 4/ 96، الكامل لابن الأثير 2/ 555، ابن سعد 3/ 321.(3/165)
وفيها كتب عُمَر إلى أبي موسى الأشعري بإمرة البّصْرة. وبأن يسير إلى كُوَر الأهواز، فسار واستخلف على البصرة عمران بْن حُصَيْن، فافتتح أَبُو موسى الأهوازَ صلحًا وَعْنوةً، فوظَّف عمر عليها عشرة آلاف ألف درهم وأربعمائة ألف، وجهد زياد في إمرته أن يخلص العَنْوة من الصُّلح فما قدِر [1] .
قَالَ خليفة [2] : وفيها شهِدَ أَبُو بكرة، ونافع ابنا الحارث، وشبل بْن مَعَبد، وزياد على المُغيرة بالِّزنَى ثُمَّ نكل بعضهم، فعزله عُمَر عَنِ البصرة ووّلاها أبا موسى الأشعري [3] .
وَقَالَ خليفة [4] : ثنا رَيْحان بْن عصمة، ثنا عُمَر بْن مرزوق، عَنْ أبي فَرْقَد قَالَ: كنّا مع أبي موسى الأشعري بالأهواز وعلى خيله تجافيف [5] الدّيباج.
وفيها تزوج عُمَر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، وأصدقها أربعين ألف درهم فيما قيل [6] .
__________
[1] تاريخ خليفة 135، 136، الطبري 4/ 69، ابن الأثير 2/ 540.
[2] في التاريخ 135.
[3] «الأشعريّ» ساقطة من الأصل، والاستدراك من تاريخ خليفة 135.
[4] في التاريخ 136.
[5] التجفاف: بالكسر، آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان كالدرع.
[6] الإصابة 4/ 492 رقم 1481، السير والمغازي لابن إسحاق 248.(3/166)
الوفيَّات
وفيها تُوُفِّيَ جماعة، الأصحّ أنّهم تُوُفُّوا قبل هذه السنة وبعدها، فَتُوُفِّيَ عُتْبَة بْن غزوان في قول سعيد بن عفير ورواية الواقِديّ. وتُوُفِّيَ فيها الحارث بْن هشام، وإسماعيل بْن عمرو في قول ابن عفير. وفي قوله أيضًا شُرحبيل بْن حسنة. ويزيد بْن أبي سُفيان بْن حرب، وفي قول هشام بْن الكلبيّ وابن عُفَير تُوُفِّيَ أَبُو عبيدة بْن الجراح.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِر: قرأت في كتاب يزيد بْن عبيدة: تُوُفى أَبُو عبيدة، ومعاذ بْن جبل سَنَة سبع عشرة.(3/167)
سنة ثَماني عَشرة
فيها قَالَ ابن إسحاق: استسقى عمر للنّاس وخرج ومعه العباس فَقَالَ:
«اللَّهمّ إنّا نستسقيك بعم نبيِّك» [1] .
وفيها افتتح أَبُو موسى جُنْدِيسَابُورَ والسُّوس [2] صُلْحًا، ثُمَّ رجع إلى الأهواز [3] .
وفيها وجه سعد بْن أبي وقاص جرير بْن عبد الله البجلي إلى حلوان بعد جلولاء، فافتتحها عنوةً [4] .
ويقال بل وجَّه هاشم بْن عُتْبَة، ثُمَّ انتقضوا حتى ساروا إلى نهاوند، ثُمَّ سار هاشم إلى ماه [5] فأجلاهم إلى أَذْرَبِيجَان، ثُمَّ صالحوا [6] .
ويقال فيها افتتح أَبُو موسى رامَهُرْمُز [7] ، ثمّ سار إلى تستر [8]
__________
[1] تاريخ خليفة 138 وفي طبقات ابن سعد 3/ 321 «إنّا نتشفّع إليك» .
[2] السّوس: بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبيّ. (معجم البلدان 3/ 280) .
[3] تاريخ خليفة 140.
[4] تاريخ خليفة 139.
[5] في تاريخ خليفة 140 «ماه دينار» . وهي مدينة نهاوند. (معجم البلدان 5/ 49) .
[6] تاريخ خليفة 140.
[7] مدينة مشهورة بنواحي خوزستان. (معجم البلدان 3/ 17) .
[8] تستر، بالضمّ ثم السكون، وفتح التاء الأخرى. أعظم مدينة بخوزستان. (معجم البلدان 2/ 29) .(3/169)
فنازلها [1] .
وَقَالَ أَبُو عبيدة بْن المثني: فيها حاضر هرِم بْن حيَّان أهل دَسْتَ هرّ [2] ، فرأى ملكُهُم امرأةً تأكل ولَدَها من الجوع فَقَالَ: الآن أُصالح العرب، فصالح هرِمًا على أن يُخْلِيَ لهم المدينة [3] .
وفيها نزل النَّاس الكوفة [4] ، وبناها سعد باللبن، وكانوا بنوها بالقصب فوقع بها حريق هائل.
وفيها كان طاعون عمواس [5] بناحية الأردن، فاسْتُشْهِدَ فيه خلقٌ من المُسْلِمين. ويقال: إنّه لم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون.
__________
[1] تاريخ خليفة 140.
[2] هكذا في الأصل، وفي تاريخ خليفة «ريشهر» ، وفي معجم البلدان 3/ 112 هي ناحية من كورة أرّجان.
[3] تاريخ خليفة 141.
[4] تاريخ خليفة 141.
[5] انظر: تاريخ خليفة 138، تاريخ الطبري 4/ 96 وما بعدها، والمعرفة والتاريخ 3/ 306، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 176، الكامل لابن الأثير 2/ 555.(3/170)
ذِكْر مَن تُوُفيّ بهذا الطاعون بخ [1] أَبُو عُبَيْدَةَ [2]
عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الجراح بْن هلال بْن أُهيب [3] بْن ضبة بْن الحارث بْن فهر القُرَشِيّ الفِهري، أمين هذه الأمة وأحد العشرة وأحد الرجلين اللذين عينهما أبو بكر للخلافة يوم السّقيفة.
__________
[1] في ح: (ع) بدل (بخ) والتحقيق من (خلاصة الخزرجي) .
[2] مسند أحمد 1/ 195، 196، الزهد له 230، طبقات ابن سعد 3/ 409- 415، نسب قريش 445، طبقات خليفة 27 و 300، تاريخ خليفة 138، التاريخ الكبير 6/ 444، 445 رقم 2942، التاريخ الصغير 1/ 48، المعارف 247، 248، عيون الأخبار 1/ 142 و 3/ 23، تاريخ أبي زرعة 1/ 177، المحبّر 71 و 75 و 118 و 120، 121، 122 و 170 و 474، التاريخ لابن معين 2/ 715، التاريخ الطبري 3/ 202، الكنى والأسماء 1/ 12، الجرح والتعديل 6/ 325 رقم 1807، مشاهير علماء الأمصار 8، 9 رقم 13، البدء والتاريخ 5/ 87، فتوح البلدان 1/ 204، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 93 رقم 151، فتوح الشام للأزدي 267، 268، المعجم الكبير للطبراني 1/ 154- 157 رقم 10، المستدرك 3/ 262- 268، حلية الأولياء 1/ 100- 102 رقم 10، ثمار القلوب 112، المعرفة والتاريخ 3/ 306، الاستيعاب 3/ 2- 4، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 160- 168، صفة الصفوة 1/ 365- 369 رقم 11، جامع الأصول 9/ 5- 18، أسد الغابة 3/ 128- 130، الكامل في التاريخ 2/ 325- 332، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 259 رقم 386، الرياض النضرة 2/ 307، تهذيب الكمال 2/ 645، دول الإسلام 1/ 15، العبر 1/ 15، و 24، سير أعلام النبلاء 1/ 5- 23 رقم 1، الكاشف 2/ 50 رقم 2562، تلخيص المستدرك 3/ 262- 268، الوفيات لابن قنفذ 30 رقم 18، جمهرة أنساب العرب 177، مرآة الجنان 1/ 215، البداية والنهاية 7/ 94، الوافي بالوفيات 16/ 575، 576 رقم 614، العقد الثمين 5/ 84، شفاء الغرام 1/ 58، 59، الإصابة 2/ 252- 254 رقم 4400، تهذيب التهذيب 5/ 73 رقم 116، تقريب التهذيب 1/ 388 رقم 52، تلقيح فهوم الأثر 368، طبقات الشعراني 1/ 23، تاريخ الخميس 2/ 244، كنز العمال 13/ 214- 219، شذرات الذهب 1/ 29، أمراء دمشق في الإسلام 47، القاموس الإسلامي 5/ 245- 247، أشهر مشاهير الإسلام 504، السّير والمغازي لابن إسحاق 226، مروج الذهب 2/ 315، نهاية الأرب 19/ 354، 355.
[3] وقيل: «وهيب» . انظر: المعجم الكبير للطبراني 1/ 154، وتهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 259.(3/171)
روى عنه جابر، وأبو أمامة، وأسلم مولى عُمَر، وجماعة.
ولي إمرة أُمراء الأجناد بالشام، وكان من السابقين الأولين، شهِدَ بدرًا ونزع الحلقتين اللتين دخلتا من المِغْفَر في وَجِنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحد بأسنانه رِفْقًا بالنّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانتُزعت ثَنِيَّتاه، فحسَّن ذهابهما فاه، حتى قيل: ما رئي أحسن من هَتْم أبي عبيدة [1] .
وقد انقرض عَقِبَه [2] .
وقيل: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وبين محمد بْن مسْلَمَة.
وعن مالك بْن يُخَامر [3] أنه وصف أبا عبيدة فَقَالَ: كان نحيفًا معروق الوجه خفيف اللحية طوالًا أجْنى أثرم [4] الثنيتين [5] .
وَقَالَ موسى بْن عقبة في غزوة ذات السلاسل: إن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمدّ عمرو ابن العاص بجيشٍ فيهم أَبُو بكر وعمر، وأمر عليهم أبا عبيدة [6] .
وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ [7] وَغَيْرُهُ إِنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَأَبُو عُبَيْدَةَ حَيٌّ اسْتَخْلَفْتُهُ، فَإِنْ سَأَلَنِي اللَّهُ لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ نَبِيَّكَ يَقُولُ:
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 410، الاستيعاب 3/ 3، المستدرك 3/ 266، سيرة ابن هشام 1/ 252، الإصابة 2/ 252، السيرة لابن كثير 3/ 58، 59.
[2] السير والمغازي 226، طبقات ابن سعد 3/ 409 وغيرهما.
[3] في النسخة (ع) «يخابر» ، وفي نسخة دار الكتب «يحامر» ، وكلاهما غلط. والتصويب من الأصل وابن سعد.
[4] هكذا في الأصل، وفي طبقات ابن سعد 3/ 144 «أجنأ» ، وفي سير أعلام النبلاء 1/ 7 «أحنى» بمعنى انعطاف الكاهل نحو الصدر مع انحناء من الكبر. وانظر: المستدرك 3/ 264.
[5] الأثرم: مكسور الأسنان.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 414، المستدرك 3/ 264.
[7] انظر: المغازي لعروة 207، وسيرة ابن هشام 3/ 239، والمغازي للواقدي 2/ 769، وتاريخ الطبري 3/ 21- 32، والكامل في التاريخ 2/ 232، وعيون الأثر 2/ 157، والإصابة 2/ 253.(3/172)
«إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ [1] » . وَقَالَ عبد الله بن شقيق: سألت عائشة: أي أصحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أحبّ إليه؟ فَقَالَتْ: أَبُو بكر، ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ أَبُو عبيدة [2] .
وَقَالَ عروة بْن الزُّبَيْر: قدم عُمَر الشام فتلقّوه، فَقَالَ: أين أخي أَبُو عبيدة؟ قالوا: يأتيك الآن، فجاء على ناقة مخطوطة بحبْل، فسلم عليه ثُمَّ قَالَ للناس: انصرفوا عنا، فسار معه حتى أتى منزله فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه وتُرْسَه ورحْلَه، فَقَالَ له عُمَر: لو اتخذت متاعًا- أو قَالَ شيئًا- قَالَ: يا أمير المؤمنين إنّ هذا سيبلِّغُنا الْمَقِيلَ [3] .
ومناقب أبي عبيدة كثيرة ذكرها الحافظ أَبُو القاسم في «تاريخ
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 1/ 18 من طريق صفوان عن شريح بن عبيدة وراشد بن سعد وغيرهما قالوا: لما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سرغ حدّث أنّ بالشام وباء شديدا قال: بلغني أنّ شدّة الوباء في الشام، فقلت: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة بن الجراح حَيٌّ اسْتَخْلَفْتُهُ فَإِنْ سَأَلَنِي اللَّهُ لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قلت إني سمعت رسولك صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ لكل نبيّ أمينا وأميني أبو عبيدة بن الجراح» فأنكر القوم ذلك وقالوا: ما بال عليا قريش يعنون بني فهر ثم قال: فإن أدركني أجلي، وقد توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل فإن سألني ربّي عزّ وجلّ لم استخلفته؟ قلت: سمعت رسولك صلى الله عليه وسلّم يقول: إنّه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة. وشريح بن عبيدة، وراشد بن سعد لم يدركا عمر، وأخرجه ابن سعد مختصرا في الطبقات 3/ 412 من طريق شعبة ووهيب بن خالد، عن خالد الحذّاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 268 بنحوه مختصرا من طريق: كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجّاج، قال: بلغني أنّ عمر بن الخطاب قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجرّاح لاستخلفته وما شاورت فإن سئلت عنه قلت: استخلفت أمين الله وأمين رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
[2] أخرجه الترمذي في المناقب (3657) ، وابن ماجة في المقدّمة (102) باب فضل عمر.
ورجاله ثقات. وانظر الإصابة 2/ 253.
[3] رجاله ثقات، لكنه منقطع، وأخرجه عبد الرزاق في المصنّف، رقم (20628) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 101، 102، وأحمد بن حنبل في الزهد 184 باب أخبار أبي عبيدة بن الجراح، وابن حجر في الإصابة 2/ 253، 254.(3/173)
دمشق» [1] .
وَقَالَ أَبُو الموجه المروزي: زعموا أن أبا عبيدة كان في ستةٍ وثلاثين ألفًا من الجُنْد: فلم يبق من الطاعون، يعني إلا ستة آلاف [2] .
وَقَالَ عروة: إن وجع عمواس كان مُعافًى منه أَبُو عبيدة وأهله فَقَالَ:
«اللَّهمّ نصيبك في آل أبي عبيدة» فخرجت به بثرة: فجعل ينظر إليها فقيل:
إنها ليست بشيء، فَقَالَ: إني لأرجو أن يبارك الله فيها.
وعن عُرْوَة بْن رُوَيْم أن أبا عبيدة أدركه أجله بفِحْلٍ فتوفي بها، وهي بقرب بيسان.
قال الفلَّاس وجماعة: إنه توفِّي سنة ثماني عشرة [3] زاد الفلاس: وله ثمانٌ وخمسون سنة [4] .
وكان يخضب بالحناء والكتم [5] ، وله عقيصتان [6] ، رضي الله عنه.
__________
[1] مخطوطة الظاهرية 7/ 157.
[2] وقيل مات في طاعون عمواس خمسة وعشرون ألفا (تاريخ الطبري 4/ 101 والاستيعاب 3/ 4) .
[3] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 264، وانظر الإصابة 2/ 254.
[4] أخرج الطبراني في المعجم الكبير 1/ 155 رقم 363 عن أبي الزنباع روح بن الفرج، عن يحيى بن بكير قال: مات أبو عبيدة رضي الله عنه في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وشهد بدرا وهو ابن إحدى وأربعين سنة، ويقال: صلّى عليه معاذ بن جبل. وأخرج الحاكم في المستدرك 3/ 264 من طريق أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر، عن يحيى بْن حمزة، عَنْ عُرْوَة بْن رُوَيْم بنحوه مختصرا. ومن طريق آخر عن محمد بن حريث، عن عمرو بن علي، عن يحيى بن سعيد (265) ، وانظر طبقات ابن سعد 3/ 414، 415.
[5] ابن سعد 3/ 415.
[6] العقيصة: الشعر المعقوص.(3/174)
ع مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ [1]
ابْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِيٍّ مِنْ بَنِي سلمة [2] الأنصاري الخزرجيّ أبو عبد الرحمن.
__________
[1] مسند أحمد 5/ 227- 248، طبقات ابن سعد 3/ 583- 590، الأخبار الموفقيّات 579، طبقات خليفة 103 و 303، تاريخ خليفة 97 و 138 و 155، التاريخ الكبير 7/ 359، 360 رقم 1554، التاريخ الصغير 1/ 41 و 47 و 49 و 52 و 53 والتاريخ لابن معين 2/ 571، فتوح البلدان 1/ 83 و 86 و 88 و 165 و 179 و 186 و 179 و 278، أنساب الأشراف 1/ 247 و 264 و 271 و 365 و 529 و 530، المعارف 254، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 418) ، فتوح الشام للأزدي 267- 274، البرصان والعرجان 7 و 213، 214، الخراج وصناعة الكتابة 206، 207 و 225 و 275 و 300، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 82 رقم 26، عيون الأخبار 1/ 60 و 230 و 2/ 309 و 3/ 14 و 4/ 113، المحبّر 72 و 26 و 286 و 304، تاريخ أبي زرعة 1/ 177، الكنى والأسماء 1/ 80 الجرح والتعديل 8/ 244، 245 رقم 1110، جمهرة أنساب العرب 342 و 358، مشاهير علماء الأمصار 50 رقم 321، المعجم الكبير للطبراني 20/ 28- 175، ربيع الأبرار 4/ 45 و 317، العقد الفريد 2/ 215 و 3/ 213 و 3/ 229 و 6/ 103، الاستبصار 136- 141، المعرفة والتاريخ (انظر فهرس الأعلام) 3/ 778، حلية الأولياء 1/ 228- 244 رقم 36، الاستيعاب 3/ 355- 361، ثمار القلوب 68 و 547، المستدرك 3/ 268- 274، طبقات الفقهاء للشيرازي 45، الكامل في التاريخ 2/ 558، أسد الغابة 5/ 194، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 98- 100 رقم 143، التذكرة الحمدونية 1/ 42، 43 و 128 و 140 و 2/ 225، صفة الصفوة 1/ 489- 502 رقم 51، تهذيب الكمال 3/ 1337، دول الإسلام 1/ 15، العبر 1/ 22، تلخيص المستدرك 3/ 268- 273، المعين في طبقات المحدّثين 26 رقم 120، سير أعلام النبلاء 1/ 443- 461 رقم 86، تذكرة الحفّاظ 1/ 19- 22 رقم 8 الكاشف 3/ 135 رقم 5595، مجمع الزوائد 9/ 311، البداية والنهاية 7/ 94، 95 مرآة الجنان 1/ 73، 74 نهاية الأرب 19/ 355- 358، الوفيات لابن قنفذ 46 رقم 18، مسالك الأبصار 1/ 217، غاية النهاية 2/ 301 رقم 3620، شفاء الغرام 1/ 251 و 253، تهذيب التهذيب 10/ 186- 188 رقم 347، تقريب التهذيب 2/ 255 رقم 1191، الإصابة 3/ 426، 427 رقم 8037، طبقات الحفّاظ 6، خلاصة تذهيب التهذيب 379، كنز العمّال 13/ 583، شذرات الذهب 1/ 29، البدء والتاريخ 117، 118.
[2] في هذا خلاف. انظر أسد الغابة 5/ 194، وأثبتها الطبراني في معجمه 20/ 28.(3/175)
شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا [1] ، وَكَانَ إِمَامًا رَبَّانِيًا.
قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّكَ» [2] . وَعَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَأْتِي معاذ أمام العلماء برتوة [3] » .
__________
[1] الطبراني 2/ 28، 29 رقم 37.
[2] أخرجه أحمد في المسند 5/ 244، 245، 247، وأبو داود في الصلاة (1522) باب الاستغفار، والنسائي في السهو 3/ 53، باب نوع آخر من الدعاء، وابن خزيمة في صحيحه 1/ 369 رقم (751) باب الأمر بمسألة الربّ عزّ وجلّ في دبر الصلوات، وابن حبّان في صحيحه رقم 2345 و 2511، والطبراني في المعجم الكبير 20/ 60 رقم 110 باب الصنابحي عن معاذ، والحاكم في المستدرك 3/ 273 وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وكلّهم من طريق: حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن الصّنابحيّ، عن معاذ بن جبل قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخذ بيدي يوما ثم قال:
«يا معاذ والله إنّي لأحبّك» فقال له معاذ: بأبي وأمّي يا رسول الله وأنا والله أحبّك. فقال:
«أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة أن تقول: اللَّهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» .
[3] روى أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 228 من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن شهر بن حوشب، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لو استخلفت معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فسألني عنه ربّي عزّ وجلّ: ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيّك صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ العلماء إذا حضروا ربّهم عزّ وجلّ كان معاذ بين أيديهم رتوة بحجر» ، وروى من طريق عبد العزيز بن محمد، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «معاذ ابن جبل أمام العلماء برتوة» ، وروى نحوه من طريق: عمارة بن غزية، عن محمد بن عبد الله ابن أزهر، عن محمد بن كعب القرظي. (1/ 229) وأخرج الحاكم في المستدرك 3/ 268 نحوه من طريق يعقوب بن سفيان، عن ابن بكير، عن مالك بن أنس، وأخرج ابن سعد في الطبقات 3/ 590 من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن شهر بن حوشب، بلفظ «إن العلماء إذا اجتمعوا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم قذفة حجر» وأخرجه احمد في المسند 1/ 18 من طريق: صفوان، عن شريح بن عبيدة وراشد بن سعد وغيرهما، والطبراني في المعجم الكبير 20/ 29 رقم (40) من طريق روح بن الفرج، عن يحيى بن بكير، عن مالك بن أنس، ولفظه: «معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة يوم القيامة» ، قال ابن بكير: والرتوة المنزلة. وأخرجه من طريق عمارة بن غزية، عن محمد بن عبد الله بن أزهر الأنصاري، عن محمد بن كعب القرظي (41) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 311: رواه الطبراني مرسلا، وفيه محمد بن عبد الله بن أزهر الأنصاري، ولم أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح. وانظر: صفة الصفوة 1/ 494.(3/176)
وَقَالَ ابن مسعود: كنا نشبه معاذًا بإبراهيم الخليل. كان أُمّةً قانتًا للَّه حنيفًا وما كان من المشركين [1] .
وَقَالَ محمد بْن سعد [2] : كان معاذ رجلا طوالا أبيض، حسن الثَّغْر [3] ، عظيم العينين، مجموع الحاجبين، جعدًا قططًا.
وقيل إنه أسلم وله ثماني عشرة سنة، وعاش بِضْعًا وثلاثين سنة وقبره بالغوْر.
وروى عنه أَنْس، وأبو الطُّفيل، وأبو مسلم عبد الله بْن ثُوب [4] الخولاني، وأسلم مولى عُمَر، والأسود بْن يزيد، ومسروق، وقيس بْن أبي حازم، وخلق سواهم.
وَاسْتُشْهِدَ هو وابنه في طاعون عمواس، وأصيب بابنه عبد الرحمن قبله [5] .
وَقَالَ بشير بْن يسار [6] : لما بُعث معاذ إلى اليمن معلمًا، وكان رجلًا أعرج، فصلّى بالنّاس فبسط رجله فبسطوا أرجُلهم، فلما فرغ قَالَ: أحسنتم ولا تعودوا، واعتذر عَنْ رِجْله. [7] وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ: «أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ
__________
[1] انظر: حلية الأولياء 1/ 430.
[2] الطبقات 3/ 590.
[3] في النسخة (ح) «الشعر» ، وهو وهم.
[4] ثوب: بضمّ المثلثة وفتح الواو.
[5] أفظر: فتوح الشام للأزدي 268، 269.
[6] في نسخة دار الكتب «بسير بن بشار» وهو وهم، والتصويب من الأصل.
[7] انظر: البرصان والعرجان 214، وطبقات ابن سعد 3/ 585.(3/177)
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» [1] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنِهِمْ خُلُقًا، وَأَسْمَحِهِمْ كَفًّا، فَادَّانَ دَيْنًا كَثِيرًا فَلَزِمَهُ غُرَمَاؤُهُ حَتَّى تَغَيَّبَ، ثُمَّ طَلَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ غُرَمَاؤُهُ فَقَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ» فَأَبْرَأَهُ نَاسٌ وَقَالَ آخَرُونَ: خُذْ لَنَا حَقَّنَا مِنْهُ، فَخَلَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِهِ وَدَفَعَهُ إِلَى الْغُرَمَاءِ، فَاقْتَسَمُوهُ وَبَقِيَ لَهُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ وَقَالَ:
«لَعَلَّ اللَّهَ يَجْبُرُكَ» فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ [2] .
وَقَالَ شهر بْن حَوْشَب، عَنِ الحارث بْن عميرة الزُّبَيْدِيِّ قَالَ: إنّي
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 3/ 184 و 281، والترمذي في المناقب (3793) باب مناقب أهل البيت، و (3794) ، وابن ماجة في المقدّمة (154) باب فضائل خبّاب، وابن سعد في الطبقات 3/ 586، وأبو نعيم في الحلية 1/ 228.
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 274 من طريق محمد بن عمر، عن عيسى بن النعمان، عن معاذ بن رفاعة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان معاذ بن جبل مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنِهِمْ خُلُقًا وَأَسْمَحِهِمْ كفّا، دان دينا كثيرا فلزمه غرماؤه حتى تغيّب عنهم أياما في بيته حتى استعدى رسول الله صلى الله عليه وسلّم غرماؤه فقالوا: يا رسول الله خذ لنا حقّنا منه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ الله من تصدّق عليه» ، فتصدّق عليه ناس وأبى آخرون، وقالوا: يا رسول الله خذ لنا بحقّنا منه. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصبر لهم يا معاذ» قال: فخلعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله فدفعه الى غرمائه فاقتسموه بينهم فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم قالوا: يا رسول الله بعه لنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «خلّوا عليه فليس لكم عليه سبيل» ، فانصرف معاذ إلى بني سلمة، فقال له قائل: يا أبا عبد الرحمن لو سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقد أصبحت اليوم معدما، فقال: ما كنت لأسأله، قال: فمكث أياما ثم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فبعثه إلى اليمن وقال: «لعلّ الله أن يجبرك ويؤدّي عنك دينك» قال: فخرج معاذ إلى اليمن، فلم يزل بها حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فوافى السنة التي حجّ فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكة، فاستعمله أبو بكر رضي الله عنه على الحج، فالتقيا يوم التروية بها، فاعتنقا وعزّى كل واحد منهما صاحبه برسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم أخلدا إلى الأرض يتحدّثان فرأى عمر عند معاذ غلمانا فقال:
ما هؤلاء؟ ثم ذكر الأحرف التي ذكرتها فيما تقدّم» . وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 20/ 30- 32 رقم 44 من طريق الزهري، عن ابن كعب بن مالك، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 8/ 268، 269 رقم (15177) والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 48، وابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 358، 359، وأبو نعيم في الحلية 1/ 231، 232، وابن سعد في الطبقات 3/ 587، 588، والهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 143 و 144 وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه(3/178)
لجالس عند معاذ وهو يموت، فأفاق وَقَالَ: «أخنق عليّ خنقك فو عزّتك إنّي لأحِبَك» [1] .
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ معاذًا تُوُفيّ في سنة ثماني عشرة وله ثمان وثلاثون سنة [2] .
(ق) يزيد بْن أبي سُفْيَان [3] .
ابن حرب بْن أمية الأموي، ويقال له يزيد الخير، أمه زينب بنت نوفل الكنانيّة.
__________
[ () ] ابن لهيعة، وفيه كلام وحديثه حسن وبقيّة رجاله رجال الصحيح إلّا أن ابن شهاب قال عن ابن كعب بن مالك عن أبيه ولم يسمّه، وفي الصحيح غير حديث كذلك، ولا يعلم في أولاد كعب ضعيف، والله أعلم.
[1] طبقات ابن سعد 3/ 589.
[2] ابن سعد 3/ 590.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 405، 406، نسب قريش 125، 126 طبقات خليفة 10، تاريخ خليفة 119 و 138، التاريخ الكبير 8/ 317، 318 رقم 3156، التاريخ الصغير 1/ 41 و 44 و 45 و 52، العقد الفريد 1/ 128 و 129 و 4/ 147 و 158، فتوح الشام للأزدي (انظر فهرس الأعلام 295) ، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 456) ، المعارف 345، الخراج وصناعة الكتابة 288 و 290 و 291 و 295 و 297 و 299- 301 و 336 و 414، جمهرة أنساب العرب 111، مشاهير علماء الأمصار 15، 16 رقم 48، الاستيعاب 3/ 649، 650، ربيع الأبرار 4/ 400، المعرفة والتاريخ 1/ 691 و 2/ 303 و 315 و 3/ 291- 293 و 298 و 300، تاريخ أبي زرعة 1/ 172 173، المعجم الكبير للطبراني 22/ 231، 232، أسد الغابة 5/ 112، 113، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 162، 163 رقم 257، تهذيب الكمال 3/ 1533، نهاية الأرب 19/ 358، دول الإسلام 1/ 16، العبر 1/ 15 و 22، 23، المعين في طبقات المحدّثين 27 رقم 139، الكاشف 3/ 244 رقم 6421، العقد الثمين 7/ 462، 463، مرآة الجنان 1/ 74، 75، الأخبار الموفقيّات 600، فتوح البلدان (انظر فهرس الأعلام 673) ، المحبّر 67 و 126 و 474، عيون الأخبار (انظر فهرس الأعلام 4/ 223) ، الكامل في التاريخ 2/ 558، البداية والنهاية 7/ 95، سير أعلام النبلاء 1/ 328- 330 رقم 68، تهذيب التهذيب 11/ 332، 333 رقم 634، تقريب التهذيب 2/ 365 رقم 259، الإصابة 3/ 656، 657 رقم 9265، خلاصة تذهيب التهذيب 432، شذرات الذهب 1/ 24.(3/179)
أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وشهد حُنَيْنًا، وأعطاه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغنائم فيما قيل مائة بعيرٍ وأربعين أوقية، وكان جليل القدر شريفًا سيّدًا فاضلًا، وهو أحد أمراء الأجناد الأربعة الذين عقد لهم أَبُو بكر الصِّدِّيق وسيرهم لغزو الشام، فلما فُتِحت دمشق أمَّره عُمَر على دمشق، ثُمَّ ولي بعد موته أخاه معاوية [1] .
لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الوضوء [2] ، وعن أبي بكر.
روى عنه أَبُو عبد الله الأشعري، وجُنَادة بْن أبي أُمية.
تُوُفيّ في الطاعون.
وَقَالَ الوليد بْن مسلم: إنه تُوُفيّ في سنة تسع عشرة بعد أن افتتح قيسارية التي بساحل الشام.
[3] [عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ: ثنا مُهَاجِرٌ أَبُو مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ قَالَ:
غَزَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بِالنَّاسِ، فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ نَفِيسَةٌ فِي سَهْمِ رَجُلٍ، فَاغْتَصَبَهَا يَزِيدُ، فَأَتَاهُ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ: رُدَّ عَلَى الرَّجُلِ جَارِيَتَهُ، فَتَلَكَّأَ فَقَالَ: لَئِنْ فَعَلْت ذَلِكَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ» ، فَقَالَ: نَشَدْتُكَ باللَّه أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَ: لا، فَرَدَّ عَلَى الرجل جاريته. أخرجه الرّوياني في مسندة] [4] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 406، التاريخ الكبير 8/ 317، فتوح البلدان 1/ 204، الخراج وصناعة الكتابة 301، الإستيعاب 3/ 649، أسد الغابة 5/ 112، المعجم الكبير 22/ 231.
[2] أخرجه ابن ماجة في الطهارة (455) باب غسل العراقيب، من طريق الوليد بن مسلم، عن شيبة بن الأحنف، عن أبي سلام الأسود، عن أبي صالح الأشعري، عن أبي عبد الله الأشعري، عن خالد بن الوليد، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وعمرو بن العاص، كل هؤلاء سمعوا من رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتمّوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار» . قال البوصيري: إسناده حسن، ما علمت في رجاله ضعفا. وهو كما قال.
[3] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
[4] الحديث مرسل، ومهاجر أبو مخلد ليّنه أبو حاتم وقال: ليس بذاك. ولذا قال عنه ابن حجر في التقريب: مقبول، أي حيث يتابع، وإلّا فليّن. (سير أعلام النبلاء 1/ 330 حاشية رقم 1) .(3/180)
ق
(شُرَحْبيل بْن حسنة)
[1] وهي أمّه، واسم أبيه عبد الله بْن المُطاع، حليف بني زهرة، أَبُو عبد الله من كِنْدة.
هاجر هو وأمه إلى الحبشة [2] .
وله رواية حديثين [3] .
روى عنه عبد الرحمن بْن غنم، وأبو عبد الله الأشعري.
وكان أحد الأمراء الأربعة الذين أمّرهم أبو بكر الصّدّيق.
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 393، 394، تاريخ خليفة 119 و 129 و 138 و 155، التاريخ الكبير 4/ 247، 248 رقم 2690، المحبّر 410، المعارف 325، فتوح البلدان 1/ 128، 129، و 137- 139 و 144 و 147 و 156 و 166 و 172 أنساب الأشراف 1/ 214 و 532، الخراج وصناعة الكتابة، 284، 285 و 290 و 300، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 282) ، المنتخب من ذيل المذيّل 559، فتوح الشام للأزدي (انظر فهرس الأعلام 290) ، العقد الفريد 4/ 168، مشاهير علماء الأمصار 19، 20 رقم 75، جمهرة أنساب العرب 162، الإستيعاب 2/ 139- 141، الكنى والأسماء 1/ 77، المعرفة والتاريخ (انظر فهرس الأعلام 3/ 580) ، الجرح والتعديل 4/ 337 رقم 1481 المستدرك 3/ 275- 277، المعجم الكبير للطبراني 7/ 364- 366 رقم 691، ربيع الأبرار 4/ 339، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 301- 304، أسد الغابة 2/ 390، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 242، 243 رقم 248، الكامل في التاريخ 2/ 562، تهذيب الكمال 2/ 576، 577، المعين في طبقات المحدّثين 22 رقم 56، العبر 1/ 15، الكاشف 2/ 7 رقم 2282، دول الإسلام 1/ 16، تلخيص المستدرك 3/ 275- 277، العقد الثمين 5/ 6، البداية والنهاية 7/ 93، 94، الوافي بالوفيات 16/ 128 رقم 146 مرآة الجنان 1/ 75، تهذيب التهذيب 4/ 324، 325 رقم 558، تقريب التهذيب 1/ 349 رقم 45، الإصابة 2/ 143 رقم 3869، حسن المحاضرة 1/ 99، شذرات الذهب 1/ 24 و 30 خلاصة تذهيب التهذيب 164، 165.
[2] المستدرك 3/ 276.
[3] انظر الحديثين في المعجم الكبير للطبراني 7/ 365، 366 رقم 3209 و 7210 مكرر، و 7211.(3/181)
(الفضل بْن الْعَبَّاسِ)
[1] بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هَاشِمٍ، وكان جميلًا مليحًا وسيمًا.
تُوُفيّ شابًا لأنه يوم حجة الوداع كان أمرد، وكان يَوْمَئِذٍ رديف النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] .
له صُحبة ورواية.
روى عنه أخوه عبد الله، وأبو هُرَيْرَةَ، وربيعة بْن الحارث.
تُوُفيّ بطاعون عمواس في قول ابن سعد [3] والزُّبَيْر بْن بكار، وأبي حاتم [4] ، وابن البرقي، وهو الصحيح، ويقال: قُتِل يوم مرج الصُّفَّر، ويقال: يوم أجْنادين، ويقال: يوم اليرموك، ويقال: سنة ثمان وعشرين [5] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 54 و 7/ 399، تاريخ خليفة 120، طبقات خليفة 4 و 297، تاريخ أبي زرعة 1/ 157، التاريخ لابن معين 2/ 474، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 89 رقم 110، المحبّر 107 و 409 و 455، المعارف 121، 122، 164 و 166 و 267، أنساب الأشراف 1/ 216، 414 و 447 و 451 و 544 و 569- 571 و 576 و 577، فتوح البلدان 1/ 165، تاريخ الطبري 2/ 466 و 3/ 74 و 189 و 211 و 213 و 241، جمهرة أنساب العرب 18 و 412، عيون الأخبار 1/ 334، التاريخ الكبير 7/ 114 رقم 502، التاريخ الصغير 1/ 36، الجرح والتعديل 7/ 63 رقم 363، نسب قريش 28 و 89 و 90، الاستيعاب 3/ 208- 210 المعرفة والتاريخ 1/ 456 و 518 و 2/ 146 و 730، مشاهير علماء الأمصار 9 رقم 18، ربيع الأبرار 4/ 16 و 202، المستدرك 3/ 274، المعجم الكبير للطبراني 18/ 267- 298، الجمع بين رجال الصحيحين 2/ 411، أسد الغابة 4/ 366، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 50، 51 رقم 54، تهذيب الكمال 2/ 1100، سير أعلام النبلاء 3/ 444 رقم 86، المستدرك 3/ 274، 275، الكاشف 2/ 328، 329، رقم 4537، المعين في طبقات المحدّثين 25 رقم 105 العقد الثمين 7/ 10، تهذيب التهذيب 8/ 280 رقم 512، تقريب التهذيب 2/ 110 رقم 42، الإصابة 3/ 208 209 رقم 7003، البداية والنهاية 7/ 94، خلاصة تذهيب التهذيب 263.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 54، المعجم الكبير 18/ 268 رقم 673، المستدرك 3/ 275.
[3] الطبقات 4/ 55 و 7/ 399.
[4] الجرح والتعديل 7/ 63.
[5] انظر المعجم الكبير للطبراني 18/ 268 رقم 671.(3/182)
(الحارث بْن هشام)
[1] بْن المُغِيرَة المَخْزُومِيّ أَبُو عبد الرحمن أخو أبي جهل.
أسلم يوم الفتح، وكان سيدًا شريفًا، تألفه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحَسبه بمائةٍ من الأبل من غنائم حنين، ثُمَّ حسن أسلامه [2] .
ولما خرج من مكة إلى الجهاد بالشام جزع لذلك أهل مكة وخرجوا
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 444 7/ 404، طبقات خليفة 299، تاريخ خليفة 90 و 131 و 138، المحبّر 139 و 176 و 453 و 501 و 502، تاريخ أبي زرعة 1/ 445، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 125 رقم 530، أنساب الأشراف 1/ 208 و 209 و 284 و 304 و 312 و 313 و 356 و 363 وق 4 ج 1/ 8 ج 5/ 203، فتوح البلدان 1/ 135 و 166، المغازي للواقدي 42 و 58 و 71 و 96 و 199 و 203 و 594 و 784 و 785 و 829 و 846 و 895 و 946، السير والمغازي لابن إسحاق 146 و 176 و 253، أخبار مكة للأزرقي 1/ 275 و 2/ 162، العقد الفريد 1/ 141 و 144، البرصان والعرجان للجاحظ 11، 12، التاريخ الكبير 2/ 258 رقم 2385 (دون ترجمة) المعارف 281 و 342 عيون الأخبار 1/ 169 و 339، 340، نسب قريش 301 و 302، فتوح الشام للأزدي 46، تاريخ الطبري 2/ 365 و 501 و 524 و 3/ 42 و 90 و 400 و 401 و 437 و 443 و 613 و 4/ 60 و 65، الجرح والتعديل 3/ 92، 93 رقم 429، ثمار القلوب 298، جمهرة أنساب العرب 145، الأغاني 18/ 124، المعجم الكبير للطبراني 3/ 292- 295 رقم 277، المستدرك 3/ 277- 279، ربيع الأبرار 4/ 483، الإستيعاب 1/ 301، تلقيح فهوم أهل الأثر 178، تهذيب تاريخ دمشق 4/ 8- 13، الزيارات 34، معجم البلدان 1/ 137 و 3/ 729، أسد الغابة 1/ 351، 352، الكامل في التاريخ 2/ 101 و 255 و 270 و 413 و 427 و 502 و 558 و 562، وفيات الأعيان 1/ 282 (في ترجمة حفيدة أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث رقم 117) ، التذكرة الحمدونية 2/ 442 و 466، تهذيب الكمال 5/ 294- 304 رقم 1050، سير أعلام النبلاء 4/ 419- 421 رقم 167، العبر 1/ 22، الكاشف 1/ 198، تلخيص المستدرك 3/ 277- 279، تجريد أسماء الصحابة، رقم 1042 مرآة الجنان 1/ 75، البداية والنهاية 7/ 93، الوافي بالوفيات 11/ 249- 251 رقم 366، العقد الثمين 4/ 32، شفاء الغرام 1/ 63 و 2/ 234 و 246، تهذيب التهذيب 2/ 161، 162 رقم 281، تقريب التهذيب 1/ 145 رقم 73، الإصابة 1/ 293، 294 رقم 1504، خلاصة تذهيب التهذيب 69، شذرات الذهب 1/ 30 الأعلام 2/ 161، القاموس الإسلامي 2/ 10، نهاية الأرب 19/ 358، سيرة ابن هشام 3/ 148 و 4/ 94، تهذيب سيرة ابن هشام 157 و 258.
[2] تهذيب الكمال 5/ 299، تهذيب تاريخ دمشق 4/ 10 طبقات ابن سعد 7/ 404.(3/183)
يشيعونه ويبكون لفراقه [1] .
وتزوج عُمَر بعده بامرأته فاطمة.
وَقَالَ ابن سعد: تزوج عُمَر بابنته أم حكيم.
مات الحارث في الطاعون.
(سُهيل بْن عمرو العامري)
خطيب قريش.
في الطاعون بخلفٍ، وقد مر سنة خمس عشرة.
(أَبُو جندل بْن سُهَيْل)
[2] بْن عمرو، اسمه العاص.
من خيار الصحابة، وهو الَّذِي جاء يوم صلح الحديبيّة يرسف في قيوده، وكان أبوه قيده لما أسلم، فَقَالَ أبوه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا أول مَا أقاضيك عليه أن ترده، فرده [3] .
له صحبة وجهاد.
تُوُفيّ بطاعون عمواس، وقُتِل أخوه عبد الله يوم اليمامة، وكان بدريا.
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق 4/ 11، تهذيب الكمال 5/ 299، 300.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 405، المغازي للواقدي 607- 609 و 630، طبقات خليفة 26 و 300، سيرة ابن هشام 4/ 29، تهذيب السيرة 227، 228، الروض الالف 4/ 39، تاريخ الطبري 2/ 635 و 636 و 639 و 3/ 403 و 4/ 96، 97، التاريخ الصغير 1/ 50، تاريخ خليفة 113، الإستيعاب 4/ 33- 35، جمهرة أنساب العرب 171، المستدرك 3/ 277، الكامل في التاريخ 2/ 204 و 555 و 3/ 78، أسد الغابة 5/ 160- 162، صفة الصفوة 1/ 667 و 668، رقم 84، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 205، 206 رقم 312، العبر 1/ 22، سير أعلام النبلاء 1/ 192، 193 رقم 23، تلخيص المستدرك 3/ 277، مرآة الجنان 1/ 74، البداية والنهاية 7/ 96، العقد الثمين 8/ 33، 34، الإصابة 4/ 34 رقم 203، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 134- 137، شذرات الذهب 1/ 30.
[3] أخرج البخاري في الصلح، باب الصلح مع المشركين حديثا فيه: «صالح النبيّ صلى الله عليه وسلّم المشركين يوم الحديبيّة على ثلاثة أشياء: على أنّ من أتاه من المشركين ردّه إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردّوه، وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلها إلا بجلبّان السلاح: السيف والقوس ونحوه، فجاء أبو جندل يحجل في قيوده فردّه إليهم» .
وروى الحديث بطوله ابن كثير في السيرة النبويّة 3/ 312- 337.(3/184)
م [1] د س ق
(أَبُو مالك الأشعري)
[2] قدم مع أصحاب السفينتين أيام خيبر، ونزل الشام.
اسمه كعب بْن عاصم [3] ، وقيل عمرو، وقيل عامر بْن الحارث، روى عنه عبد الرحمن [4] بن غنم، وأم الدرداء، وربيعة الجرشي [5] ، وأبو سلام الأسود.
وأرسل عنه عطاء بْن يسار، وشَهْر بْن حوشب.
وَقَالَ شَهْر بْن حوشب عَنِ ابن غَنْم: طُعِن معاذ وأبو عبيدة وأبو مالك في يومٍ واحد.
وَقَالَ ابن سعد [6] وغيره: تُوُفيّ في خلافة عُمَر.
وقد أعدت ذكر أبي مالك في طبقة ابن عباس.
وفيها افتتح أَبُو موسى الرُّها وسميساط عنوة [7] .
__________
[1] سقط الرمز «م» من النسخة (ح) .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 358، 359 7/ 400، طبقات خليفة 68 و 304، المنتخب من ذيل المذيّل 583، مشاهير علماء الأمصار 52 رقم 347 (ذكره بدون ترجمة) المعجم الكبير للطبراني 19/ 171- 176، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 52، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 115 رقم 411، الاستيعاب 4/ 175، أسد الغابة 5/ 288، الكاشف 3/ 7 رقم 4726، تجريد أسماء الصحابة 2/ 31، البداية والنهاية 7/ 96، الإصابة 3/ 297 رقم 7416، تهذيب التهذيب 12/ 218، 219 رقم 1002، تقريب التهذيب 2/ 134 رقم 46، خلاصة تذهيب التهذيب 321.
[3] في النسخة (ح) «غانم» وهو وهم، والتصويب عن الأصل وغيره.
[4] في النسختين (ع) و (ح) والمنتقى لابن الملّا: «عبد الرحيم» وهو وهم، والتصويب من الأصل وغيره.
[5] الجرشي: بضم الجيم وفتح الراء وكسر الشين. نسبة إلى بني جرش بطن من حمير. (الإكمال 3/ 74، الأنساب 3/ 228) .
[6] ليس في طبقات ابن سعد هذه المعلومة في الترجمتين اللتين عقدهما لأبي مالك الأشعري. (انظر ج 4/ 358، 359 و 7/ 400) .
[7] تاريخ خليفة 139.(3/185)
[بقية حوادث سنة ثماني عشرة]
وفي أوائلها وجه أَبُو عبيدة بْن الجراح عياض بْن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد قدم من البصرة، فمضيا فافتتحا حَرَّان ونصيبين وطائفة من الجزيرة عَنْوةً، وقيل صُلْحًا [1] .
وفيها سار عياض بْن غنم إلى الموصل فافتتحها ونواحيها عَنْوةً [2] .
وفيها بنى سعد جامع الكوفة [3] .
__________
[1] تاريخ خليفة 139.
[2] تاريخ خليفة 139.
[3] تاريخ خليفة 141.(3/186)
سَنَة تِسْع عَشِرة
قَالَ خليفة: فيها فُتِحت قيسارية [1] ، وأمير العسكر معاوية بْن أبي سُفْيَان وسعد بْن عامر بْن حذيم، كلٌّ أميرٌ على جُنده، فهزم الله المشركين وقُتِل منهم مقتلة عظيمة، ورَّخَها ابن الكلبي.
وأما ابن إسحاق فَقَالَ: سنة عشرين [2] .
وفيها كانت وقعة صُهاب [3]- بأرض فارس- في ذي الحجة. وعلى المُسْلِمين الحَكَم بْن أبي العاص، فقُتِل شَهْرَك مُقَدَّم المشركين.
قَالَ خليفة [4] : وفيها أسرت الروم عبد الله بْن حُذافة السَّهْميّ.
وقيل: فيها فُتِحَت تكريت [5] .
ويقال: فيها كانت جلولاء وهي وقعة أخرى كانت بالعجم أو بفارس [6] .
__________
[1] بساحل فلسطين.
[2] تاريخ خليفة 141 وانظر تاريخ الطبري 4/ 102.
[3] صهاب: بضم الصاد المهملة قرية بفارس. (مراصد الاطلاع) .
[4] في التاريخ 142 وانظر: المستدرك للحاكم 3/ 630.
[5] تاريخ خليفة 141.
[6] تاريخ الطبري 4/ 102.(3/187)
وفيها وجه عُمَر عثمان بْن أبي العاص إلى أرمينية الرابعة [1] ، فكان عندها شيء من قتال [2] ، أصيب فيه:
(صفوان بْن المعطّل)
[3] بْن رخصة [4] السّلمي الذّكواني [5] ، صاحب
__________
[1] يقال هما أرمينيتان: الكبرى والصغرى، وقيل هي ثلاث أرمينيات، وقيل أربع.. فمن الرابعة: شمشاط، وقاليقلا، وأرجيش، وباجنيس. وأرمينية الرابعة بها قبر صفوان بن المعطّل. (معجم البلدان 1/ 160) .
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 53 (حوادث سنة 17 هـ-) .
[3] مسند أحمد 5/ 312، طبقات خليفة 51 و 181 و 318، تاريخ خليفة 226، المحبّر 109، 110، التاريخ الكبير 4/ 305 رقم 2922، المعارف 328، أنساب الأشراف 1/ 342، و 452، المغازي للواقدي 428 و 436 و 438 و 571 و 1093، فتوح الشام للأزدي 105 و 113 و 145، سيرة ابن هشام 4/ 10 تهذيب السيرة 215، الخراج وصناعة الكتابة 313 و 316، فتوح البلدان 1/ 205 و 207 و 219، المعرفة والتاريخ 1/ 309 تاريخ الطبري 2/ 612 و 618 و 619 و 3/ 172 و 4/ 53، الجرح والتعديل 4/ 420 رقم 1844، الإستيعاب 2/ 187، 188، جمهرة أنساب العرب 264، مشاهير علماء الأمصار 32، 33 رقم 171، المعجم الكبير 8/ 61- 63 رقم 722 المستدرك 3/ 518، 519، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 440- 445، الكامل في التاريخ 2/ 195، 199 و 533 و 534 و 4/ 45، أسد الغابة 3/ 26، سير أعلام النبلاء 2/ 545- 550 رقم 115، العبر 1/ 23، تلخيص المستدرك 3/ 518، 519، مجمع الزوائد 9/ 363، البداية والنهاية 7/ 96، الإصابة 2/ 190، 191 رقم 4089، تعجيل المنفعة 188- 191 رقم 474، كنز العمال 13/ 436، الوافي بالوفيات 16/ 320 رقم 353، اللباب 1/ 531، الروض الأنف 4/ 20.
[4] اختلف في اسم جدة هذا، فقيل: «رخصة» كما هو في الأصل، وتهذيب تاريخ دمشق 6/ 440، وجمهرة أنساب العرب 264، والبداية والنهاية 7/ 96 وقال محقّق الجمهرة في الحاشية (4) : المعروف في أسمائهم: رحضة. وجاء في المستدرك 3/ 518 واللباب لابن الأثير 1/ 531، وسير أعلام النبلاء 1/ 545: «رحضة» ، وفي تعجيل المنفعة 188، والإصابة 2/ 190 «ربيعة» ، وتصحّف في تعجيل المنفعة نقلا عن الاستيعاب إلى «ربعيّة» وضبطه:
بمهملة ثم معجمة وفتحات، وجاء في الاستيعاب لابن عبد البر 2/ 187، والروض الأنف للسهيلي «ربيضة» حيث قلبت العين إلى ضاد. وفي مشاهير علماء الأمصار 32 «رحيضة» ، وكذلك في طبقات خليفة 51.
والله أعلم بالصواب.
[5] الذّكواني: نسبة إلى ذكوان: بطن كبير من سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. (اللباب لابن الأثير 1/ 531) .(3/188)
النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي له ذكر في حديث الإفك [1] ، وَقَالَ فيه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا علمتُ عليه إلا خيرًا» . وَقَالَ هو: مَا كَشفْتُ كَنَفَ أنثَى قطّ [2] .
له حديثان [3] .
روى عنه سعيد بْن المسيب، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، وسعيد المقبري، وروايتهم عنه مرسلة إن كان تُوُفيّ في هذه الغزوة، وإن كان تُوُفيّ كما قَالَ الواقِديّ سنة ستين بسُمَيْساط [4] فقد سمعوا منه.
وَقَالَ خليفة [5] : مات بالجزيرة.
وكان على ساقة [6] النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، وكان شاعرا.
__________
[1] حديث الإفك من الأحاديث الطوال، أخرجه بطوله: البخاري في الشهادات، باب تعديل النساء بعضهنّ بعضا، وفي المغازي، باب حديث الإفك، وفي تفسير سورة النور، باب:
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ 24: 12، وأخرجه أحمد في المسند 6/ 194- 196، ومسلم في التوبة (2770) باب حديث الإفك، والترمذي برقم (3179) وعبد الرزاق في المصنّف رقم (9748) وانظر: المغازي للواقدي 2/ 426 وما بعدها، والمغازي لعروة. 19، 191، وسيرة ابن هشام 4/ 9- 14، الروض الأنف 4/ 20- 24، وعيون الأثر 2/ 96- 103، والبداية والنهاية 3/ 160- 164، والتفسير لابن كثير 3/ 268- 272، ونهاية الأرب للنويري 16/ 405- 417، وعيون التواريخ 1/ 230- 237.
[2] راجع صحيح البخاري في الأبواب المذكورة في الحاشية السابقة، ومسلم (2770/ 57) ، والإصابة لابن حجر 2/ 190.
[3] أخرج له أحمد في المسند 5/ 312: ثلاثة أحاديث، والطبراني في المعجم الكبير 8/ 61- 63:
أربعة أحاديث 7343 و 7344 و 7345 و 7346، والحاكم في المستدرك 3/ 518، 519: ثلاثة أحاديث. وروى الذهبيّ نفسه في تلخيص المستدرك ثلاثة أحاديث مسندة إلى صفوان بن المعطّل. ولهذا فإنّ قوله هنا: «له حديثان» فيه نظر.
[4] سميساط: بضمّ أوّله وفتح ثانيه ثم ياء مثنّاة من تحت ساكنة. مدينة على شاطئ الفرات في طرف بلاد الروم على غربي الفرات. (معجم البلدان 3/ 258) .
[5] في الطبقات 51 و 318 وفي التاريخ ذكر وفاته في حوادث سنة 59 هـ-. في آخر ولاية معاوية.
(226) .
[6] الساقة: هم الذين يسوقون الجيش ويكونون من ورائه يحفظونه..(3/189)
وَقَالَ ابن إسحاق [1] : قتل في غزوة أرمينية هذه، وكان أحد الأمراء يَوْمَئِذٍ [2] .
وفيما تُوُفيّ يزيد بْن أبي سُفْيَان في قولٍ، وقد تقدّم.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 53.
[2] قال المؤلف في سير أعلام النبلاء 1/ 550: «فهذا تباين كثير في تاريخ موته، فالظاهر أنهما اثنان» . وقال ابن حجر في: «تعجيل المنفعة» - ص 189: «رأيت في سنة قتله خلافا وأنّه عاش إلى خلافة معاوية فاستشهد بالروم سنة ثمان وخمسين أو سنة ستّين: فعلى هذا فسماع جميع من تقدّم ذكره عنه ممكن، لكن يعكّر عليه قول عائشة إنه قتل شهيدا، فإنّ ذلك يقتضي تقدّم موته عليها وهي لم تبق الى العصر المذكور» .(3/190)
الوَفيَّات
(ع) أُبَيّ بْن كعب [1]
ابن قيس بْن عُبَيْد بْن زيد بْن معاوية بْن عمرو بن مالك بن النّجّار، أبو
__________
[1] مسند أحمد 5/ 113- 144، طبقات ابن سعد 3/ 498- 502، المغازي للواقدي 9 و 13 و 24 و 138 و 139 و 163 و 204 و 292 و 405 و 434 و 492 و 624 و 721 و 782 و 966، طبقات خليفة 88، التاريخ الكبير 2/ 39، 40 رقم 1615، تاريخ خليفة 167، العقد الفريد 4/ 161، و 258 و 259، المعارف 261 و 442، المحبّر 73 و 286، مسند بقيّ بن مخلد 82 رقم 24، تاريخ أبي زرعة 1/ 650، التاريخ لابن معين 2/ 19، الأخبار الموفقيّات 579، سيرة ابن هشام 2/ 243، تهذيب السيرة 127، فتوح البلدان 3/ و 48 و 106، أنساب الأشراف 1/ 205 و 264 و 267 و 271 و 314 و 344 و 371 و 531 وق 4 ج 1/ 487، و 5/ 5، تاريخ الطبري 1/ 73، و 160 و 366 و 369 و 373 و 375 و 3/ 173 و 6/ 179، المعرفة والتاريخ 1/ 315، الجرح والتعديل 2/ 290 رقم 1057، الإستبصار 48، الكنى والأسماء 1/ 56، حلية الأولياء 1/ 250- 256 رقم 39، مشاهير علماء الأمصار 12 رقم 31، الثقات لابن حبّان 3/ 5، تاريخ اليعقوبي 2/ 138، الزهد لابن المبارك 69 و 170 و 331 و 562، طبقات الفقهاء للشيرازي 44، 45، المعجم الكبير للطبراني 1/ 197- 202 رقم 15، الاستيعاب 1/ 19، 20، الإرشاد للخليلي 1/ 16 (رسالة ماجستير لآسيا كليبان علي- مطبوعة على الستنسل) ، المستدرك 3/ 302- 312، الكامل في التاريخ 1/ 52، و 161 و 2/ 313 و 489 و 562 و 3/ 159، أسد الغابة 1/ 49- 51، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 108- 110 رقم 44، الزيارات للهروي 13 و 94، تهذيب الكمال 2/ 262- 272 رقم 279، تحفة الأشراف 1/ 11- 40 برقم 4، صفة الصفوة 1/ 474- 477، مجمع الزوائد 9/ 311، 312، نهاية الأرب 19/ 363، سير أعلام النبلاء 1/ 389- 402 رقم 82، معرفة(3/191)
المنذر [1] الأنصاري، وقيل: يُكنى أيضًا أبا الطُّفيل، سيد القراء.
شهِدَ العقبة وبدرًا.
روى عنه بنوه: محمد، والطُّفيل، وعبد الله، وابن عباس، وأنس، وسُوَيْد بْن غفلة، وأبو عثمان النَّهْدِيّ، وزر بْن حبيش، وخلق سواهم.
عَنْ عيسى بْن طلحة بْن عُبَيْد الله قَالَ: كان أبي دحداحًا [2] ليس بالقصير ولا بالطويل.
وعن عباس بْن سهل قَالَ: كان أبيض الرأس واللحية.
وَقَالَ أَنَسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أقرأ عليك لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا 98: 1 [3] » وقال: سمّاني لك؟ قال: «نعم» ، فبكى [4] ،.
__________
[ () ] القراء الكبار 31 رقم 3 (بتحقيق د. بشّار عوّاد) ، المعين في طبقات المحدّثين 19 رقم 11، الكاشف 1/ 52 رقم 230، دول الإسلام 1/ 16، العبر 1/ 23، تذكرة الحفاظ 1/ 16 و 17 تلخيص المستدرك 3/ 302- 312، الوفيات لابن قنفذ 47 رقم 19، سمط اللآلي 494، المؤتلف والمختلف 24، مرآة الجنان 1/ 75، البداية والنهاية 7/ 97، الوافي بالوفيات 6/ 190، 191 رقم 2644، تهذيب تاريخ دمشق 2/ 325- 334، غاية النهاية 1/ 31 رقم 131، تهذيب التهذيب 1/ 187، 188 رقم 350، تقريب التهذيب 1/ 48 رقم 321، الإصابة 1/ 19، 20 رقم 32، النكت الظراف 1/ 11- 40، التحفة اللطيفة للسخاوي 1/ 141، 142، طبقات الحفّاظ للسيوطي 5، خلاصة تذهيب التهذيب 24، طبقات الشعراني 1/ 23، المغني في ضبط أسماء الرجال 16، شذرات الذهب 1/ 32، 33، كنز العمّال 13/ 261- 268، القاموس الإسلامي 1/ 17 الجامع لبامطرف 1/ 69، 70، البدء والتاريخ 5/ 116.
[1] في نسخة دار الكتب: «ابن المنذر» وهو وهم.
[2] أي قصيرا سمينا.
[3] سورة البينة، الآية 1.
[4] أخرجه أحمد في المسند 3/ 130 و 137 و 185 و 218 و 233 و 273 و 284، والبخاري في المناقب باب مناقب أبيّ (4/ 228) واللفظ بدون «لك» وفي التفسير، باب سورة: لم يكن، ومسلم في صلاة المسافرين (799) و (245) و (246) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل، وفي فضائل الصحابة، (799) و (121 و 122) باب فضائل أبيّ، والترمذيّ في المناقب (3795) ، وعبد الرزاق في المصنّف (20411) وابن سعد في الطبقات 3/ 499، 500، وانظر: جامع الأصول 9/ 71.(3/192)
وقال أنس: جمع القرآن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي [1] .
وَقَالَ ابن عباس: قَالَ أُبيّ لعمر: إنيّ تلقَّيْتُ القرآن ممّن تلقاه من جبريل وهو رطب [2] .
وَقَالَ ابن عباس: قَالَ عُمَر: أقْرؤُنا أُبَيّ، وأقضانا عليّ، وإنا لندع من قول [3] أُبَيّ، وهو يَقُولُ: لَا أدع شَيْئًا سمعتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قَالَ الله: ما نَنْسَخْ من آيَةٍ أَوْ نُنْسِها 2: 106 [4] .
وقال أَنَسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أقْرأ أمَّتي أُبيّ بْن كعب [5] » . وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُبَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ- وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- قَالَ أُبَيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا جَزَاءُ الْحُمَّى، قال: «تجري الحسنات
__________
[1] أخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب القرّاء مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6/ 102) ومسلم في فضائل الصحابة (2465) ، باب فضل أبيّ، والترمذي في المناقب (3796) باب مناقب معاذ وزيد وأبيّ.
[2] رواه أحمد في المسند 5/ 117.
[3] في سير أعلام النبلاء 1/ 391 «من قراءة» .
[4] أخرجه أحمد في المسند 5/ 113، والبخاري في التفسير (4481) باب قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها، وفي فضائل القرآن، باب القراء مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والحاكم في المستدرك 3/ 305، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 481.
والآية من سورة البقرة، الآية 106، قرأ بها ابن كثير، وأبو عمرو.
[5] أخرجه الترمذي في المناقب (3793) باب مناقب أهل البيت، وابن ماجة في المقدّمة (154) باب (11) ، وابن سعد في الطبقات 3/ 499 وكلّهم من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن خالد الحذّاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أرحم أمّتي بأمّتي: أبو بكر، وأشدّهم في أمر الله: عمر، وأصدقهم حياء: عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبيّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإنّ لكلّ أمّة أمينا، وإن أمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجرّاح» ، وقال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح.
وقد روى ابن سعد الحديث كما هو في متن المؤلّف مختصرا.(3/193)
عَلَى صَاحِبِهَا» ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُمًّى لَا تَمْنَعُنِي خُرُوجًا فِي سَبِيلِكَ، فَلَمْ يُمْسِ أُبَيٌّ قَطُّ إِلَّا وَبِهِ حُمَّى [1] . قُلْتُ: وَلِهَذَا يَقُولُ زِرٌّ: كَانَ أُبَيٌّ فِيهِ شَرَاسَةٌ [2] .
وَقَالَ أَبُو نَضْرة العَبْدي: قَالَ رجلٌ منا يقال له جابر أو جُوَيْبر: طلبت حاجةً إلى عمرو إلى جنبه رجلٌ أبيض الثياب والشعر، فَقَالَ: إنَّ الدنيا فيها بلاغنا وزادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة، فَقُلْتُ:
من هذا يا أمير المؤمنين؟ قَالَ: هذا سيد المُسْلِمين أُبيّ بْن كعب [3] .
وَقَالَ مَعْمَر: عامة علم ابن عباس من ثلاثة: عُمَر، وعليّ، وأُبَيّ.
قَالَ الهَيْثم بْن عدي: تُوُفيّ أبيّ سنة تسع عشرة.
وَقَالَ ابن معين: تُوُفيّ سنة عشرين أو تسع عشرة.
وَقَالَ أَبُو عُمَر الضرير، وأبو عُبَيْد، ومحمد بْن عبد الله بْن نمير [4]
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 3/ 23، من طريق يحيى، عن سعد بن إسحاق، عن زينب ابنة كعب بن عجرة، عن أبي سعيد الخدريّ، وصحّحه ابن حبّان (692) ، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، 1/ 201 رقم 540 من طريق معاذ بْن محمد بْن معاذ بْن أَبِي بن كعب، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا جَزَاءُ الْحُمَّى؟
قَالَ: «تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق» . قال أبيّ:
اللَّهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُمًّى لَا تَمْنَعُنِي خُرُوجًا في سبيلك ولا خروجا إلى بيتك ولا مسجد نبيّك.
قال: فَلَمْ يُمْسِ أُبَيٌّ قَطُّ إِلَّا وَبِهِ حُمَّى. وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 255 من الطريق نفسها. وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 2/ 305، وفتح الباري لابن حجر 10/ 103- 110.
[2] رواه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 197 رقم 527، والحاكم في المستدرك 3/ 303 من طريق محمد بن الحسن بن إشكاب، عن محمد بن كثير الكوفي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زرّ بن حبيش.
يقول محقّق هذا الكتاب الفقير إلى الله تعالى: «عمر بن عبد السلام تدمري الأطرابلسي» عفا الله عنه: لقد وقع تحريف في السند عند الطبراني لم ينبه إليه المحقّق الفاضل «حمدي عبد المجيد السلفي» ، فقيّد «الحسين» بدل «الحسن» و «إشكيب» بدل «إشكاب» و «كناسة» بدل «كثير» فجاء عنده «محمد بن كناسة» بدلا من «محمد بن كثير الكوفي» . وهذا وهم.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 499.
[4] أخرج الطبراني في المعجم الكبير 1/ 198 رقم 530 من طريق محمد بن عبد الله بن نمير قال:(3/194)
ورواه الواقِديّ عَنْ غير واحدٍ أنه تُوُفيّ سنة اثنتين وعشرين. وَقَالَ خليفة [1] والفلَّاس: في خلافة عثمان.
وَقَالَ ابن سعد [2] : قد سمعت من يَقُولُ: مات في خلافة عثمان سنه ثلاثين، قَالَ: وهو أثبت الأقاويل عندنا [3] .
وفيها مات بالمدينة:
(خباب مولى عُتْبَة بْن غزوان [4] ) .
له صحبة وسابقة، صلى عليه عُمَر.
لم يذكره ابن أبي حاتم، وذكره الواقِديّ فيمن شهِدَ بدرًا، وكناه، أبا يحيى.
وَقَالَ أَبُو أحمد الحاكم: شهِد بدْرًا ومات سنة تسع عشرة، وله خمسون سنة.
__________
[ () ] مات أبيّ بن كعب رضي الله عنه في خلافة عمر سنة اثنتين وعشرين. قال ابن نمير: ويقول بعضهم في خلافة عثمان رضي الله عنهم، وانظر المستدرك للحاكم 3/ 302.
[1] انظر تاريخه ص 167 (حوادث سنة 32 هـ-) فقد جاء: «ويقال: مات فيها أبيّ بن كعب أيضا. ويقال: بل مات أبيّ في خلافة عمر بن الخطّاب» .
[2] في الطبقات 3/ 502.
[3] زاد ابن سعد: «وذلك أنّ عثمان بن عفّان أمره أن يجمع القرآن» ، وقد أيّده الحاكم في المستدرك 3/ 302.
غير أنّ المؤلّف الحافظ الذهبي رحمه الله- قال في «سير أعلام النبلاء 1/ 400» . «ما أحسب أنّ عثمان ندب للمصحف أبيّا، ولو كان كذلك، لاشتهر، ولكان الذكر لأبيّ لا لزيد، والظاهرة وفاة أبيّ في زمن عمر حتى إنّ الهيثم بن عديّ وغيره ذكرا موته سنة تسع عشرة» .
[4] تاريخ الطبري 4/ 82، أنساب الأشراف 1/ 201، المحبر 288، الاستيعاب 1/ 424، أسد الغابة 2/ 101، الإصابة 1/ 417 رقم 2215.(3/195)
سَنَة عِشريْن
فيها فتحت مصر.
روى خليفة [1]- عَنْ غير واحد- وغيره أنّ فيها كتب عُمَر إلى عمرو بْن العاص أن يسير إلى مصر، فسار وبعث عُمَر الزُّبَيْر بْن العَوَّام مددًا [2] له، ومعه بسر [3] بْن أرطأة، وعُمَير بْن وهب الجمحي، وخارجة بْن حذافة العدوي، حتى أتى باب أليون [4] فتحصنوا، [5] فافتتحها عَنْوةً وصالحه أهل الحصن، وكان الزُّبَيْر أول من ارتقى سور المدينة ثُمَّ تبعه النَّاس، فكلم الزُّبَيْر عمرًا أن يقسمها بين من افتتحها، فكتب عمرو إلى عُمَر، فكتب عُمَر: أكلة، وأكلات خير من أكلة، أقرّوها [6] .
__________
[1] في التاريخ ص 142، 143.
[2] في نسخة دار الكتب «حروفا» ، وما أثبتناه عن الأصل، وتاريخ خليفة،.
[3] في النسخة (ع) والمنتقى لابن الملّا «بشر» وهو تصحيف.
[4] حصن بقرب الفسطاط. بمصر القديمة.
[5] في تاريخ خليفة «فامتنعوا» .
[6] هكذا في الأصل والنسختين (ع) و (ح) وفي تاريخ خليفة «أكلته وأكلات خير من إفرازها» ، وفي النجوم الزاهرة 1/ 25 «أقرّها حتى يغزو منها حبل الحبلة» وقال ابن تغري بردي: تفرّد به أحمد وفي إسناده ضعف من جهة ابن لهيعة لكنّه عليم بأمور مصر. وفي معجم البلدان 4/ 264 (مادّة: فسطاط) «فلمّا فتحت مصر التمس أكثر المسلمين الذين شهدوا الفتح أن تقسم بينهم، فقال عمرو: لا أقدر على قسمتها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب إليه يعلمه بفتحها.(3/197)
وعن عمرو بْن العاص أنه قَالَ على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحدٍ من قبط مصر عليّ عهدٌ ولا عقدٌ، إن شئت قتلت، وإن شئت بعت، وإن شئت خمَّسْت إلا أهل انطابلس [1] فإن لهم عهدًا نفي به [2] .
وعن علي بْن رباح قَالَ: المغرب كله عَنْوةً [3] .
وعن ابن عُمَر قَالَ: افتُتحت مصرُ بغير عهدٍ [4] . وكذا قال جماعة.
وَقَالَ يزيد بْن أبي حبيب: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية [5] .
غزوة تُسْتَر
قَالَ الوليد بْن هشام القَحْذَميّ [6] ، عَنْ أبيه وعمه أن أبا موسى لما فرغ من الأهواز [7] ، ونهر تِيرَى، وَجُنْدِيسَابُورَ، ورامَهُرْمُز، تَوَجَّه إلى تُسْتَر، فنزل باب الشرقي، وكتب يستمد عُمَر، فكتب إلى عمار بْن ياسر أن أَمِدَّه، فكتب إلى جرير وهو بحُلوان أن سرْ إلى أبي موسى، فسار في ألفٍ فأقاموا أشهرًا، ثُمَّ كتب أَبُو موسى إلى عُمَر: إنّهم لم يُغُنوا شيئًا. فكتب عُمَر إلى عمار أن سر بنفسك، وأمدّه عمر من المدينة [8] .
__________
[ () ] وشأنها ويعلمه أنّ المسلمين طلبوا قسمتها، فكتب إليه عمر: لا تقسمها وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين وقوّة لهم على جهاد عدوهم، فأمرّها عمرو وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج» . وفي نسخة دار الكتب تحريفات في النص.
[1] في (معجم البلدان) برقة: صقع كبير، واسم مدينتها (أنطابلس) .
[2] في تاريخ خليفة 143 «يوفى به» .
[3] تاريخ خليفة 143.
[4] تاريخ خليفة 143.
[5] تاريخ خليفة 144.
[6] في طبعة القدسي 3/ 113 «القحزمي» بالزاي بدل الذال، وهو تحريف، والتصويب عن اللباب 3/ 16 حيث قيّدها بفتح القاف وسكون الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة. نسبة إلى جدّ الراويّ.
[7] زاد في تاريخ خليفة بعدها «ومناذر» (ص 144) .
[8] تاريخ خليفة 144 و 145.(3/198)
وعن عبد الرحمن بْن أبي بكرة قَالَ: أقاموا سنة أو نحوها، فجاء رجل من تُسْتَر وَقَالَ لأبي موسى: أسألك أن تحقن دمي وأهل بيتي ومالي، على أن أدُلَّكَ على المدخل، فأعطاه، قَالَ: فابْغِني إنسانًا سابحًا ذا عقلٍ يأتيك بأمر بيِّنٍ [1] ، فأرسل معه مجزأة بن ثور السّدوسيّ، فأدخل من مدخل الماء ينبطح على بطنه أحيانًا ويحبو حتى دخل المدينة وعرف طرقها، وأراه الْعِلْجُ الهُرْمُزَان صاحبها، فهمَّ بقتْله ثُمَّ ذكر قول أبي موسى: «لَا تسبقني بأمر» ورجع إلى أبي موسى، ثُمَّ إنه دخل بخمسةٍ وثلاثين رجلًا كأنهم البط يسبحون، وطلعوا إلى السُّور وكبروا، واقتتلوا هم ومن عندهم على السُّور، فقُتِلَ مجْزَأة [2] وفتح أولئك البلد، فتحصن الهُرْمُزان في بُرْج.
وَقَالَ قتادة، عَنْ أَنْس: لم نُصَلِّ يَوْمَئِذٍ الغداة حتى انتصف النهارُ فما يسُرُّني بتلك الصلاة الدنيا كلها [3] .
وَقَالَ ابن سيرين: قُتِلَ يَوْمَئِذٍ البراء بْن مالك [4] .
وقيل: أول من دخل تُسْتَر عبد الله بْن مغفل [5] المازني.
وعن الحسن قَالَ: حُوصرت تُسْتَر سنتين [6] .
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: حاصرهم أَبُو موسى ثمانية عشر شهرا، ثمّ نزل
__________
[1] هذه الكلمة وردت مصحّفة في نسخة دار الكتب.
[2] جاء في تاريخ خليفة الّذي ينقل عنه المؤلّف: «فمضى بطائفة منهم إلى الباب فوضعهم عليه» ، ومضى بطائفة إلى السّور، ومضى بمن بقي معه حتى صعد السّور فانحدر عليه علج معه نيزك، فطعنه مجزأة فأثبته، وكبّر المسلمون على السّور وعلى الباب، وفتحوا الباب، وأقبل المسلمون حتى دخلوا المدينة، وتحصّن الهرمزان في قصبة له» . (ص 145) .
[3] تاريخ خليفة 146.
[4] تاريخ خليفة 146.
[5] في طبقة القدسي 3/ 114 «معقل» والتصويب من تاريخ خليفة 146.
[6] تاريخ خليفة 146.(3/199)
الهُرْمُزان على حُكم عُمَر، فَقَالَ حُمَيْد، عَنْ أَنْس: نزل الهُرْمُزان على حُكم عُمَر.
فلما انتهينا إليه- يعني إلى عُمَر بالهُرْمُزان- قَالَ: تكلّم، قَالَ: كلام حيّ أو كلام ميِّت؟ قَالَ: تكلم فلا بأس، قَالَ: إنا وإياكم معشر العرب مَا خلّى الله بيننا وبينكم، كنّا نغصبكم [1] ونقتلكم ونفعل، فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان، قَالَ: يا أَنْس مَا تقول؟ قلت: يا أمير المؤمنين تركت بعدي عددًا كثيرًا وشوكة شديدة، فإن تقتُلْهُ ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم، قَالَ: فأنا أستحيي قاتل البراء ومجزأة بْن ثور! فلمّا أحسست بقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل، قد قلت له: تكلم بلا بأس، قَالَ: لَتَأْتينّي بمن يشهد به غيرك، فلقيت الزُّبَيْر فشهد معي، فأمسك عنه عُمَر، وأسلم الهُرْمزان، وفرض له عُمَر، وأقام بالمدينة [2] .
وفيها هلك هرقل عظيم الروم، وهو الَّذِي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وقام بعده ابنُه يُسْطَنْطِين.
وفيها قسَّم عُمَر خيبر وأجلى عنها اليهود، وقسّم وادي القُرى، وأجلى يهود نجران إلى الكوفة. قاله محمد بن جرير الطّبريّ [3] .
__________
[1] في فتوح البلدان 469 «نقصيكم» بدل «نغصبكم» .
[2] تاريخ خليفة 146، 147، فتوح البلدان 468، 469.
[3] في تاريخ الرسل والملوك 4/ 112.(3/200)
الوَفيَّاتْ
(ع) بلال بْن رباح الحَبَشيّ [1]
مولى أبي بكر الصِّدِّيق، وأمُّه حَمَامة.
كان من السّابقين الأوّلين الذين عذّبوا في الله.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 232- 239، نسب قريش 208، تاريخ خليفة 56 و 99 و 149 423، طبقات خليفة 19 و 298، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 86 رقم 73، المغازي للواقدي (انظر فهرس الأعلام 3/ 1145) ، أخبار مكة للأزرقي 1/ 266 و 268 و 274 و 2/ 154 و 157، المحبّر 71 و 73 و 91 و 183 و 288، المعارف 176 و 177 و 186 و 264 و 290، سيرة ابن هشام 2/ 67، 68 و 243 و 253 و 4/ 45، تهذيب السيرة 127 و 129 و 185 و 234، 235 و 258، تاريخ أبي زرعة 1/ 594، أنساب الأشراف 1/ 138 و 156 و 158 و 160 و 178 و 184 و 193 و 195 و 259 و 270 و 273 و 298 و 300 و 302 و 443 و 455 و 482 و 488 و 524 و 528، 530 و 557 و 558، العقد الفريد 3/ 407 و 4/ 256 و 5/ 282 و 6/ 91، الخراج وصناعة الكتابة 206، السير والمغازي 130 و 190 و 264 و 287 و 298، و 299، فتوح الشام للأزدي 6 و 36 و 37، عيون الأخبار 4/ 73، البرصان والعرجان 156، تاريخ الطبري 2/ 279 و 315 و 452 و 453 و 599 و 3/ 14 و 17 و 437، 600 و 4/ 66 و 67 و 112، جمهرة أنساب العرب 264، مشاهير علماء الأمصار 50 رقم 323، مسند أحمد 6/ 12- 15، التاريخ الكبير 2/ 106 رقم 1851، التاريخ الصغير 1/ 53، الجرح والتعديل 2/ 395، رقم 1543، الأغاني 3/ 120، 121 حلية الأولياء 1/ 147- 151 رقم 24، المعرفة والتاريخ 1/ 243 و 260 و 281 و 446 و 448 و 452 و 453 و 455 و 691 و 2/ 222 و 303 و 363 و 496 و 625 و 628 و 3/ 30، تاريخ واسط لبحشل 48 و 57 و 66 و 77 و 223 و 236 و 237 و 251(3/201)
شَهِد بدْرًا، وكان مؤذن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَى عَنْهُ ابن عُمَر، وأبو عثمان النَّهْدي، والأسود بْن يزيد، وعبد الرحمن بْن أبي ليلى، وجماعة.
كُنْيَتُه أَبُو عبد الكريم، وقيل أَبُو عبد الله، ويقال أَبُو عمرو [1] .
قَالَ ابن مسعود في حديث المعذبين في الله قَالَ: فأمّا بلال فهانت عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فأعطوه الولدان يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ «أحد أحد» [2] .
__________
[ () ] و 274، الثقات لابن حبّان 3/ 28، المعجم الكبير للطبراني 1/ 336- 372 رقم 97، الاستيعاب 1/ 141- 144، المستدرك 3/ 282- 285، تاريخ دمشق 10/ 353، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 304- 318، صفة الصفوة 1/ 434- 440 رقم 24، الكامل في التاريخ 2/ 59 و 66 و 69 و 72 و 127 و 128 و 191 و 220 و 254 و 322 و 421 و 536 و 562 و 569 و 10/ 630، أسد الغابة 1/ 206- 209، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 أ 1/ 136، 137 رقم 88 تحفة الأشراف 2/ 104- 114 رقم 45، تهذيب الكمال 4/ 288- 291 رقم 782، التذكرة الحمدونية 1/ 139، الجمع بين رجال الصحيحن 1/ 60، الكاشف 1/ 111 رقم 664 المعين في طبقات المحدّثين 19 رقم 17 سير أعلام النبلاء 1/ 347- 360 رقم 76، العبر 1/ 24، تلخيص المستدرك 3/ 282- 285، دول الإسلام 1/ 16، مجمع الزوائد 9/ 299، 300، العقد الثمين 3/ 378- 380، شفاء الغرام 1/ 136 و 207 و 212 و 225 و 226 و 227 و 228 و 229 230 و 232 و 233 و 235 و 236 و 237 و 238 و 239 و 240 و 241 و 243 و 244 و 246 و 247 و 248 و 249 و 250 و 252 و 261 و 602 و 2/ 235 و 236 و 237 و 238 و 239 و 243 و 244 و 245 و 246 والوفيات لابن قنفذ 48، رقم 20، مرآة الجنان 1/ 75، 76، البداية والنهاية 7/ 102، 103، تهذيب التهذيب 1/ 502 و 503 رقم 931 تقريب التهذيب 1/ 110 رقم 157 الإصابة 1/ 165 رقم 736، النكت الظراف 2/ 107- 114، خلاصة تذهيب التهذيب 53، تاريخ الخميس 2/ 245، كنز العمال 13/ 305- 308، شذرات الذهب 1/ 31، البدء والتاريخ 5/ 101.
[1] في الأصل «أبو عمر» والتصحيح من الإستيعاب، وتاريخ دمشق، وتهذيب الكمال.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 233 وابن عبد البرّ في الإستيعاب 1/ 141 من طريق جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن مجاهد، وهذا سند صحيح لكنّه مرسل، صحّحه الحاكم في المستدرك 3/ 284 ووافقه الذهبيّ. وأخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 149 من طريق عثمان بن أبي شيبة، وأبي بكر بن أبي شيبة، عن ابن أبي بكير، عن زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله ... ، وانظر: صفة الصفوة 1/ 434، 435، والإصابة 1/ 65، وأنساب الأشراف(3/202)
وقال هشام بن عروة، عن أبيه قال: مرَ ورقة بْن نوفل ببلالٍ وهو يُعَذَّب على الإسلام، يُلْصِق ظهره برمْضاء البطْحاء وهو يَقُولُ: «أحد أحد» فَقَالَ ورقة: «أحد أحد، يا بلال صبْرًا» ، والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانًا [1] .
ورواه بعضهم عَنْ هشام، عَنْ أبيه، عَنْ أسماء. وهذا مُشْكِلٌ، لم يثبت أن ورقة أدرك المبعث ولا عدَّ صحابيًا.
وَقَالَ غيره: فلمّا رأى أَبُو بكر بلالًا يعذبه قومهُ اشتراه منهم بسبع أواقيَّ وأعتقه [2] .
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَنَسٍ يَرْفَعَانِهِ قَالَ: «بِلَالٌ سَابِقُ الْحَبَشَةِ» [3] . وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لِبِلَالٍ: «حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فإنّي
__________
[1] / 185، وسيرة ابن هشام 2/ 67، والأوائل لابن أبي عاصم 56 رقم 99.
[1] ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة 3/ 634 في ترجمة «ورقة بن نوفل» نقلا عن الزبير بن بكار قال: حدّثنا عثمان، عن الضّحّاك بن عثمان، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عروة بن الزبير قال: كان بلال لجارية من بني جمح، وكانوا يعذّبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك، فيقول: «أحد أحد» فيمرّ به ورقة وهو على تلك الحال فيقول: أحد أحد يا بلال، والله لئن قتلتموه لأتّخذنّه حنانا» . قال ابن حجر: وهذا مرسل جيّد يدلّ على أنّ ورقة عاش إلى أن دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإسلام حتى أسلم بلال.
وانظر: نسب قريش 208 ففيه أبيات لورقة بن نوفل قالها حين رأى بلالا، والخبر والأبيات أيضا في الأغاني 3/ 120، 121، وانظر: سيرة ابن هشام 2/ 67، وحلية الأولياء 1/ 148، وأسد الغابة 1/ 206، 207، وصفة الصفوة 1/ 436 وقوله: لأتّخذنّ قبره حنانا» بفتح الحاء المهملة، يريد به: لأجعلنّ قبره موضع حنان أي مظنّة من رحمة الله. (النهاية لابن الأثير 1/ 266) .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 232، أنساب الأشراف 1/ 186، صفة الصفوة 1/ 436.
[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 232، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 186 رقم 478 من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن يونس، عن الحسن. وأخرجه ابو نعيم في حلية الأولياء 1/ 149 و 185 من طريق عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس، وكذلك الحاكم في المستدرك 3/ 285 وقال: تفرّد به عمارة بن زاذان. وأقرّه الذهبي. والسند ضعيف لسوء حفظ عمارة.(3/203)
سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَةَ نَعْلَيْكَ [1] فِي الْجَنَّةِ» . قَالَ: مَا تَطَهَّرْتُ إِلَّا صَلَّيْتُ مَا كُتِبَ لِي [2] . وَيُرْوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «نعم الْمَرْءُ بِلَالٌ سَيِّدُ الْمُؤَذِّنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [3] » . وَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا عَامَ الْفَتْحِ فَأَذَّنَ فَوْقَ الْكَعْبَةِ [4] .
وَقَالَ عليّ بْن زيد، وغيره، عَنْ سعيد بْن المسيب: إن أبا بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة قَالَ له بلال: أعتقتني للَّه أو لنفسك؟ قَالَ: للَّه، قَالَ: فأْذَنْ لي حتى أغزو في سبيل الله، فأَذن له، فذهب إلى الشام، فمات هناك [5] .
وَقَالَ زيد بْن أسلم، عَنْ أبيه قَالَ، قدمنا الشام مع عُمَر فأذن بلال، فذكر النَّاس النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم أر باكيًا أكثر من يَوْمَئِذٍ.
وروى سليمان [بن بلال بن أبي الدّرداء، عن أمّ الدَّرْدَاء، عَنْ أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: لما دخل عُمَر الشام سأل بلالُ عُمَر] [6] أن يُقِرَّه بالشام ففعل، قَالَ: وأخي أَبُو رُوَيْحة الَّذِي آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وبيني، قَالَ:
فنزلا داريّا في خَوْلان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان، فقالا: إنّا قد
__________
[1] الخشفة: الحركة وزنا ومعنى. قال أبو عبيد هي الصوت ليس بالشديد.
[2] أخرجه البخاري في التهجّد 2/ 48 باب فضل الطهور بالليل والنهار، بلفظ «دفّ» بدل «خشفة» ومسلم في الفضائل (2428) باب فضائل بلال.
[3] رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء 1/ 147» من طريق حسام بن مصك، عن قتادة، عن قاسم بن ربيعة، عن زيد بن أرقم، وصحّحه الحاكم في «المستدرك 3/ 285» وقال: تفرّد به حسام، ونسبه صاحب «كنز العمّال 33164» إلى ابن عديّ، والطبراني.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 234 من طريق حمّاد بن زيد، عن أيّوب عن ابن أبي مليكة.
[5] أخرجه ابن سعد 3/ 237 وسنده منقطع، وعلي بن زيد ضعيف وانظر: حلية الأولياء 1/ 150 151.
[6] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.(3/204)
أتيناكم خاطبين، وقد كنّا كافرين فهدانا الله ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله، فإن تُزَوِّجونا فالحمد للَّه، وإنْ تردّونا فلا حول ولا قوة إلا باللَّه، فزوَّجوهما.
ثُمَّ رأى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ له: «مَا هذه الجفوة أما آن لك أن تزورني» ؟ فانتبه وركب راحلته حتى أتى المدينة، فذُكِرَ أنه أذَّن بها فارتجت المدينة، فما رُئي يَوْمٌ أكثر باكيًا بالمدينة من ذلك اليوم [1] .
وَقَالَ ابن المنكدر، عن جابر: كان عُمَر يَقُولُ: أَبُو بكر سيدنا، واعتق سيدنا، يعني بلالًا [2] .
وَقَالَ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: بلغ بلالًا أن ناسًا يفضلونه على أبي بكر، فَقَالَ: كيف وإنما أنا حسنةٌ من حسناته!.
وَقَالَ مكحول: حدثني من رأى بلالًا رجلًا [3] آدمَ شديد الأدمة، نحيفًا، طوالًا، أجنى [4] له شعر كثير، خفيف العارضين به شمطٌ [5] كثير [6] .
قَالَ يحيى بْن بكير: تُوُفيّ بلال بدمشق في الطاعون سنة ثماني عشرة.
وَقَالَ محمد بْن إبراهيم التَّيْمِيُّ، وابن إسحاق، وأبو عُمَر الضرير، وجماعة: تُوُفيّ سنة عشرين بدمشق.
وَقَالَ الواقِديّ: دُفِنَ بباب الصغير وله بضع وستون سنة.
__________
[1] الحديث بطوله في «أسد الغابة» لابن الأثير 1/ 208 بدون سند.
[2] أخرجه البخاري في المناقب 4/ 217 باب مناقب بلال بن رباح، وابن سعد 3/ 233، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 147، والطبراني في المعجم الكبير 1/ 338 رقم 1015، وصحّحه الحاكم في المستدرك 3/ 284 ووافقه الذهبي في تلخيصه.
[3] في الأصل والمنتقى «رجل» والتصحيح من بقية النّسخ وسير أعلام النبلاء 1/ 359.
[4] أجنى وأجنأ من الجنأ وهو ميل في الظهر، وقيل في العنق. (النهاية لابن الأثير) .
[5] الشمط: بياض في الرأس يخالط سواده. (القاموس المحيط) .
[6] ابن سعد 3/ 238، 239.(3/205)
وَقَالَ عليّ بْن عبد الله التميمي: دفن بباب كيسان [1] وَقَالَ ابن زبر [2] : تُوُفيّ بداريَّا، ودُفِن بباب كيسان، وَقَالَ غيره: دُفِنَ بداريّا، وروي أنه مات بحلب. رواه عثمان بْن خرزاذ عَنْ شيخ له.
(ع) أُسَيد بْن الحُضَيْر [3]
ابن سماك الأوسي الأشهلي الأنصاري، أَبُو يحيى، وقيل أَبُو عَتِيك، وقيل غير ذلك.
__________
[1] منسوب إلى «كيسان بن معاوية» ، وهو بالقرب من الباب الشرقي. (انظر: تاريخ دمشق 1/ 185) .
[2] مهمل في نسخة دار الكتب، والتصويب من الخلاصة.
[3] مسند أحمد 4/ 226 و 351، 352، طبقات ابن سعد 3/ 603- 607، طبقات خليفة 77، تاريخ خليفة 149، المحبّر 71 و 268، المغازي للواقدي (انظر فهرس الأعلام 3/ 1137، 1138) مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 92 رقم 136، تهذيب سيرة ابن هشام 170 و 211 و 217 و 343، تاريخ أبي زرعة 1/ 443 و 575، فتوح البلدان 1/ 18، الزهد لابن المبارك 280، الأخبار الموفقيّات 578، التاريخ الكبير 2/ 47 رقم 1640، التاريخ الصغير 1/ 46، مشاهير علماء الأمصار 13، رقم 36، الاستيعاب 1/ 53- 55، الإستبصار 213- 216، المعرفة والتاريخ 3/ 74، أنساب الأشراف 1/ 240 و 252 و 254 و 270 و 288 و 314 و 315 و 317 و 318 و 322 و 339 و 472 و 582 و 583، المستدرك 3/ 287- 289، تاريخ الطبري 2/ 357- 359 و 532 و 551 و 606 و 614 و 3/ 221 و 4/ 113، الجرح والتعديل 2/ 310 رقم 1163، جمهرة أنساب العرب 339 و 346، المعجم الكبير للطبراني 1/ 203- 209 رقم 18، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 53- 61، أسد الغابة 1/ 92، 93، الكامل في التاريخ 1/ 662 و 675 و 681 و 2/ 97 و 137 و 151 و 193 و 197 و 331 و 569، صفة الصفوة 1/ 502، 503 رقم 52، تهذيب الكمال (تحقيق د. بشّار) 3/ 246- 254 رقم- 517، تحفة الأشراف 1/ 70- 74 رقم 15، العبر 1/ 24، الكاشف 1/ 82 رقم 437، سير أعلام النبلاء 1/ 340- 343 رقم 74، تلخيص المستدرك 3/ 287- 289، مرآة الجنان 1/ 76، البداية والنهاية 7/ 101، 102، الوافي بالوفيات 9/ 258، 259 رقم 4174، الوفيات لابن قنفذ 48 رقم 20، مجمع الزوائد 9/ 310، تهذيب التهذيب 1/ 347، 348 رقم 633، تقريب التهذيب 1/ 78 رقم 587، الإصابة 1/ 49 رقم 185، النكت الظراف 1/ 71- 73، خلاصة تذهيب التهذيب 38، كنز العمال 13/ 277- 280، شذرات الذهب 1/ 31، الجامع 1/ 188.(3/206)
أحد النقباء ليلة العقبة، وكان أبوه رئيس الأوس يوم بُعاث، فقتل يَوْمَئِذٍ، وذلك قبل الهجرة بست سنين، وكان يُدْعى حُضَيْر الكتائب [1] وكان أُسَيْد بعد أبيه شريفًا في قومه وفي الإسلام، يُعَدّ من عُقلائهم وذوي رأيهم.
قال ابن سعد [2] : وآخى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زيد بْن حارثة، ولم يشهد بدرًا.
رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدة أحاديث.
روى عنه كعب بْن مالك، وعائشة، وأنس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى [3] .
وذكر الواقِديّ أنه قدم الجابية مع عُمَر، وأنه جعله على ربع الأنصار، وروى الواقِديّ وغيره أنه أسلم على يد مصعب بن عمير هو وسعد بْن معاذ في يوم.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ» وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ [4] .
وَوَرَدَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ.
وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ثَلاثَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعْتَدُّ عَلَيْهِمْ فَضْلًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ [5] .
__________
[1] في نسخة دار الكتب «حضيرا الكاتب» وهو وهم، والمثبت عن الأصل وسير أعلام النبلاء 1/ 341 وغيره.
[2] في الطبقات 3/ 605.
[3] هنا سقط سطر من النسخة (ع) وزاد في «سير أعلام النبلاء 1/ 341» : «ولم يلحقه» .
[4] في المناقب (3797) باب مناقب معاذ وزيد، وصحّحه الحاكم في المستدرك 3/ 289 ووافقه الذهبيّ في التلخيص، وانظر طبقات ابن سعد 3/ 605، والإصابة 1/ 49.
[5] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 229 ووافقه الذهبي في التلخيص، وذكره ابن حجر في «الإصابة 1/ 49» .(3/207)
وَقَالَ يحيى بْن بكير: إنه مات سنة عشرين، وحمله عمر بن عمودي السرير، حتى وضعه بالبقيع ثُمَّ صلى عليه [1] ، وكذا ورّخ موته الواقِديّ، وأبو عُبَيْد [2] ، وجماعة.
(أُنَيْسُ بْنُ مَرْثَدِ)
[3] بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ أَبُو يَزِيدَ.
كَانَ عَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ [4] ، وَهُوَ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ صَحَابِيُّونَ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ عِشْرِينَ [5] ، وَقِيلَ: إِنَّ اسْمُهُ أَنَسَ [6] ، وَقِيلَ: إِنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الرَّجْمِ [7] فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السلام: «أغد يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فارجمها» [8] .
__________
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 203 رقم 548 من طريق أبي الزنباع، روح بن الفرج المصري، عن يحيى بن بكير، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 606 وفي سنده الواقدي وهو متروك، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد 9/ 330» ، وانظر أسد الغابة 1/ 111.
[2] في النسخة (ح) : أبو عبيدة، وهو وهم.
[3] المغازي للواقدي 894 مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 151 رقم 800، التاريخ الكبير 2/ 30 رقم 1584 (واسمه: أنس) مشاهير علماء الأمصار 17 رقم 59، الجرح والتعديل 2/ 287، رقم 1043 (واسمه أنس) ، الاستيعاب 1/ 61، 62، المستدرك 3/ 287، المعجم الكبير للطبراني 1/ 265 (واسمه: أنس) ، أسد الغابة 1/ 135، 136، الكامل في التاريخ 2/ 569، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 128، 129، رقم 73، البداية والنهاية 7/ 102 الوافي بالوفيات 9/ 434، 435 رقم 4370، الإصابة 1/ 73.
[4] الاستيعاب 1/ 61.
[5] الاستيعاب 1/ 62.
[6] هكذا في التاريخ الكبير للبخاريّ، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والمعجم الكبير للطبراني.
[7] الصحيح غيره، وذاك هو: أنيس بن الضّحّاك السلمي. ورجّع صحّة هذا ابن الأثير في «أسد الغابة 1/ 136» فقال: وقيل إنّ الّذي أمره النبيّ صلى الله عليه وسلّم برجم الامرأة الأسلمية أنيس بن الضّحّاك الأسلميّ وما أشبه ذلك بالصّحّة لكثرة الناقلين له، ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقصد إلّا يأمر في قبيلة بأمر إلّا لرجل منها لنفور طباع العرب من أن يحكم في القبيلة أحد من غيرها فكان يتألّفهم بذلك» .
[8] أخرجه البخاري في المحاربين، باب الاعتراف بالزنا، وباب البكران يجلدان وينفيان، وباب(3/208)
رَوَى عَنْهُ الْحَكَمُ [1] بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثًا فِي الْفِتْنَةِ.
البراء بْن مالك [2]
أخو أَنْس بْن مالك الأنصاري النّجّاري.
كان أحد الأبطال الأفراد الذين يضرب بهم المثل في الفروسية والشدة، وكان من فضلاء الأنصار وأحد السادة الأبرار، قتل من المشركين مائة مبارزة.
__________
[ () ] من أمر غير الإمام بإقامة الحدّ غائبا عنه، وباب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنى عند الحاكم، وباب هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحدّ غائبا عنه، وفي الوكالة، باب الوكالة في الحدود، وفي الشهادات، باب شهادة القاذف والسارق والزاني، وفي الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، وفي الشروط، باب التي لا تحلّ في الحدود، وفي الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلّم، وفي الأحكام، باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور، وفي خبر الواحد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، وفي الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومسلم في الحدود (1697 و 1698) باب من اعترف على نفسه بالزنى، ومالك في الموطأ 2/ 822 في الحدود، باب ما جاء في الرجم، والترمذي في الحدود (1433) باب ما جاء في الرجم على الثيب، وأبو داود في الحدود (4445) ، باب المرأة التي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلّم برجمها من جهينة، والنسائي 8/ 240، 241 في القضاة، باب صون النساء عن مجلس الحكم، وأخرجه ابن ماجة في الحدود (2549) باب حدّ الزّنا، والدارميّ في الحدود 2/ 177 باب الاعتراف بالزّنا. وانظر: جامع الأصول لابن الأثير 3/ 536- 538 رقم 1847، والفتح الباري للحافظ ابن حجر 12/ 124.
[1] في نسخة دار الكتب «الحاكم» وهو خطأ، والمثبت عن الأصل، والإصابة لابن حجر.
[2] الطبقات الكبرى 7/ 16، 17، تاريخ خليفة 108 و 109 و 125 و 146 و 147، التاريخ الكبير 2/ 117 رقم 1887، المعارف 308 فتوح البلدان 1/ 104 و 423، أنساب الأشراف 1/ 491، تاريخ الطبري 3/ 290 و 294 و 4/ 84- 86، 88، جمهرة أنساب العرب 351 و 443، الجرح والتعديل 2/ 399 رقم 1567، الخراج وصناعة الكتابة 280، حلية الأولياء 1/ 350 351 رقم 50، التاريخ الصغير 1/ 55، المعجم الكبير 2/ 26- 28 رقم 101، مشاهير علماء الأمصار 13 رقم 37، الإستبصار 34- 36، الاستيعاب 1/ 137، 138 العقد الفريد 6/ 8، المستدرك 3/ 291، 292، أسد الغابة 1/ 172، 173، الكامل في التاريخ 2/ 364 و 546- 549، الزيارات 69، سير أعلام النبلاء 1/ 195- 198، تلخيص المستدرك 3/ 291، 292، الوافي بالوفيات 10/ 105 رقم 4561، مجمع الزوائد 9/ 324، الإصابة 1/ 635 رقم 620، كنز العمال 13/ 294، الجامع 221، 222.(3/209)
روى ابن سيرين، عَنْ أَنْس قَالَ: دخلت على البراء وهو يتغنّى بالشّعر فقلت: يا أخي تتغنى بالشعر وقد أبدلك الله به القرآن! فَقَالَ: أتخاف عليَّ أن أموت على فراشي وقد تفردت بقتل مائة سوى من شاركت في قتله، إني لأرجو أن لَا يفعل الله ذلك [1] بي. وقد روى مثله ثُمامة بْن أَنْس، عَنِ أبيه.
شهِدَ البراء أحُدًا وما بعدها [2] .
وعن ابن سيرين قَالَ: كتب عُمَر أن لَا تستعملوا البراء بْن مالك على جيش، فإنه مَهْلَكةٌ من المهالك تقدم بهم [3] .
قَالَ ابن عبد البر [4] : اسْتُشْهِدَ البراء بتُسْتَر.
السَّريّ بْن يحيى، عَنِ ابن سيرين، أن المُسْلِمين انتهوا إلى حائط فيه رجال من المشركين، فقعد البراء على ترسٍ وَقَالَ: ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم، فألقوه وراء الحائط، قَالَ: فأدركوه وقد قتل منهم عشرة [5] .
ابن عون، عَنِ ابن سيرين قَالَ: بارز البراء مرزبان الزّارة [6] فطعنه
__________
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 2/ 26 و 27 رقم 1178 و 1179، والحاكم في المستدرك 3/ 291 من طريق عبد الله بن عوف، عن ثمامة بن أنس، عن أنس، وصحّحه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص، وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 350 من طريق عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وابن سعد في الطبقات 7/ 17 من طريق عفّان بن مسلم، عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وانظر الاستيعاب 1/ 137، والإصابة 1/ 143 عن البغوي وقال: بإسناد صحيح.
[2] انظر ابن سعد 7/ 16.
[3] انظر طبقات ابن سعد 7/ 16، والمستدرك للحاكم 3/ 291، وتلخيصه للذهبي، وكذلك في سير أعلام النبلاء 1/ 196، وأسد الغابة 1/ 172، والاستيعاب 1/ 38 وكلهم بلفظ «يقدم» .
[4] في الإستيعاب 1/ 139 نقلا عن تاريخ خليفة 146.
[5] كان هذا يوم حرب مسيلمة الكذّاب. انظر: تاريخ خليفة 109 عن بكر بن سليمان، عن ابن إسحاق، والاستيعاب لابن عبد البرّ 1/ 138، و 139، والإصابة لابن حجر 1/ 143 وقد تحرّف فيهما «ابن إسحاق» إلى «أبي إسحاق» وانظر: سير أعلام النبلاء 1/ 196.
[6] الزّرارة: قال ياقوت: بلفظ المرة من الزار، وعين الزارة بالبحرين معروفة، والزارة: قرية كبيرة(3/210)
فصرعه وأخذ سلبه فباعه بنيفٍ وثلاثين ألفًا [1] .
(ع) زينب بنت جحش [2]
ابن رئاب الأسدي أسد خُزَيْمَة، أم المؤمنين أخت أبي أحمد
__________
[ () ] بها، ومنها مرزبان الزارة، وله ذكر في الفتوح، وقد فتحت سنة 12 هـ. وصولح أهلها.
(معجم البلدان 3/ 126) .
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 2/ 27 رقم 1180 من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب عن ابن سيرين قال: «بارز البراء بن مالك أخو أنس بن مالك مرزبان الزارة فقتله، ثم أخذ سلبه فبلغ سلبه ثلاثين ألفا، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، فقال لأبي طلحة: إنّا كنّا لا نخمّس السّلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا كثيرا فما أرانا إلّا خامسيه» قال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 331 ورجاله رجال الصحيح.
أقول: محمد بن سيرين لم يدرك البراء بن مالك. وقد رواه أيضا عبد الرزاق في المصنّف (9468) ، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 310 و 311، والطحاوي في مشكل الآثار 2/ 132 و 133.
[2] مسند أحمد 6/ 324، طبقات ابن سعد 8/ 101- 115، تسمية أزواج النبيّ لأبي عبيدة 61، طبقات خليفة، 332 و 336، تاريخ خليفة 149، المغازي للواقدي. 430 و 554 و 696 و 698 و 699 و 926 و 1115، المحبّر 85 و 86 و 88 و 92 و 98 و 101 و 103 و 408 المعارف 215 و 457 و 555، المعرفة والتاريخ 2/ 722 و 3/ 233، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 96 رقم 181، الأخبار الموفّقيّات 321، جمهرة أنساب العرب 191، أنساب الأشراف 1/ 88 و 199 و 414 و 415 و 417 و 424- 427 و 433- 437 و 444 و 448 و 465 و 467 و 469 و 546، فتوح البلدان 3/ 555، تاريخ الطبري 2/ 562 و 563 و 614 و 3/ 83 و 165 و 187 و 4/ 113 و 196، المنتخب من ذيل المذيّل 604- 608، السير والمغازي 262، 263 و 269 و 270، تاريخ أبي زرعة 1/ 492- 495، تهذيب سيرة ابن هشام 217 و 331 و 332 و 334 و 335، الاستيعاب 4/ 313- 317، المستدرك 4/ 23- 25، المعجم الكبير 24/ 37- 57، أسد الغابة 5/ 463- 465، الكامل في التاريخ 2/ 177 و 197 و 309 و 317 و 569، الزيارات 14، تهذيب الكمال 3/ 1683، تحفة الأشراف 11/ 321- 324 رقم 885، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 344- 346 رقم 739، دول الإسلام 1/ 16، العبر 1/ 5 و 24، سير أعلام النبلاء 2/ 211- 218 رقم 21، الكاشف 3/ 426 رقم 59 تلخيص المستدرك 4/ 23- 25، البداية والنهاية 7/ 104، حلية الأولياء 2/ 51، صفة الصفوة 2/ 24، الوفيات لابن قنفذ 33 رقم 20، مرآة الجنان 1/ 76، السمط الثمين 105، الوافي بالوفيات 15/ 61، 62 رقم 72، تهذيب التهذيب 12/ 420، 421 رقم 2801، تقريب التهذيب 2/ 600 رقم 1، النكت الظراف 11/ 323، الإصابة 4/ 313، 314، خلاصة تهذيب التهذيب 491، كنز العمال 13/ 700، شذرات الذهب 1/ 10 و 31.(3/211)
وحمنة [1] ، وأمها أميمة بنت عبد المطلب بْن هاشم، تزوجها النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة ثلاث، وقيل: سنة خمس، وقيل: سنة أربعٍ وهو أصح، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، قال الله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها 33: 37 [2] ، فكانت زينب تفخر عَلَى نساء النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقول زوَّجكُنّ أهليكن وزوجني الله من فوق عرشه [3] .
وكانت دَيِّنةً ورعةً كثيرة البر والصدقة، وكانت أول نسائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحوقًا به، فصلّى عليها عُمَر.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يَوْمًا لِنِسَائِهِ: «أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» . قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَوَّلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، فَكَانَتْ زَيْنَبُ أَطْوَلَنَا يَدًا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ وَتَتَصَدَّقُ [4] .
__________
[1] في نسخة دار الكتب «حبه» والتصويب من الأصل وغيره.
[2] سورة الأحزاب، الآية 37.
[3] أخرجه البخاري في التوحيد 8/ 175 باب: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ 11: 7، من طريق: أنس، قال: جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «اتّق الله وأمسك عليك زوجك» . قالت عائشة: لو كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاتما شيئا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: زوّجكن أهاليكنّ وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات. ومسلم في كتاب النكاح، باب زواج النبيّ صلى الله عليه وسلّم بزينب بنت جحش، وأخرجه أبو عبيدة في تسمية أزواج النبيّ 62، والطبراني في المعجم الكبير 24/ 39 رقم 107 من طريق أبي قتيبة، عن عيسى بن طهمان، عن أنس بن مالك، وابن سعد في الطبقات 8/ 103 من طريق: عارم بن الفضل، عن حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قال: نزلت في زينب بنت جحش: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها 33: 37. قال: فكانت تفخر على نساء النبيّ صلى الله عليه وسلّم تقول: زوّجكن أهلكنّ وزوّجني الله من فوق سبع سماوات. وانظر: المستدرك 4/ 25.
[4] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2453) باب من فضائل زينب أمّ المؤمنين، من طريق عائشة بنت طلحة، عن عائشة أمّ المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أسرعكنّ لحاقا بي أطولكنّ يدا» قالت: فكنّ يتطاولن أيّتهنّ أطول يدا. فكانت أطول يدا زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتصدّق. وأخرج البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنّ بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلّم قلن للنبيّ صلى الله عليه وسلّم أيّنا أسرع بك لحوقا؟ قال: «أطولكن يدا» ، فأخذوا قصبة يذرعونها،(3/212)
[ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ [1] قَالَ: رَوَيْنَا مِنْ وُجُوهٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ تُسَامِينِي فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا رَأَيْتُ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ وَأَتْقَى للَّه، وَأَصْدَقَ، حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.] [2] لَهَا أَحَادِيثُ. رَوَى عَنْهَا أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنُ أَخِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَأَرْسَلَ عَنْهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ.
تُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ قَسَمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي السَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إِلَّا جُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ فَقَسَمَ لهما ستّة آلاف، لكلّ واحدة، لكونهما سبيتا. قَالَهُ الزُّهْرِيُّ.
وَقَالَ الواقِديّ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ لِهِلَالِ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ [3] وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً [4] ، قَالَ: وَكَانَتِ امْرَأَةً صالحة صوّامة قوّامة صنعا [5]
__________
[ () ] فكانت سودة أطولهنّ يدا، فعلمنا بعد إنّما كانت طول يدها الصّدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحبّ الصدقة.
قال ابن الجوزي: هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبّه عليه، ولا أصحاب التعاليق، ولا علم بفساد ذلك الخطابيّ، فإنّه فسّره، وقال: لحوق سودة به من أعلام النّبوّة. وكل ذلك وهم، وإنّما هي زينب، فإنّها كانت أطولهنّ يدا بالعطاء كما رواه مسلم من طريق عائشة، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 108 من طريق الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ سالم، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يوما وهو جالس مع نسائه: اطولكنّ باعا أسرعكنّ لحوقا بي. فكنّ يتطاولن إلى الشيء، وإنّما عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الصدقة. وكانت زينب امرأة صنعا فكانت تتصدّق به فكانت أسرع نسائه لحوقا به. وانظر الاستيعاب 4/ 315، والمستدرك 4/ 25.
[1] في الاستيعاب 4/ 316.
[2] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
[3] طبقات ابن سعد 8/ 114.
[4] ابن سعد 8/ 114.
[5] هكذا في الأصل ونسختي (ع) و (ح) وابن سعد وغيره. وفي نسخة دار الكتب «صناعا» .(3/213)
تَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ [1] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ زَيْنَبَ لَقَدْ نَالَتْ شَرَفَ الدُّنْيَا الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ شَرَفٌ، إِنَّ اللَّهَ زَوَّجَهَا نَبِيَّهُ وَنَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا وَنَحْنُ حَوْلَهُ: «أَطْوَلُكُنَّ يَدًا أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي» فَبَشَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُرْعَةِ لُحُوقِهَا بِهِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ [2] .
وَقَالَ خليفة [3] وحده: تُوُفيّت سنة إحدى وعشرين.
سعيد بْن عامر بْن حِذيَم الجُمَحِيّ [4]
من أشراف بني جُمَح، له صحبة ورواية.
روى عنه عبد الرحمن بْن سابط، وشهر بْن حَوْشبْ وحسان بْن عطية مرسلًا.
ذكر ابن سعد [5] أنّه شهد خيبر.
__________
[1] ابن سعد 8/ 103.
[2] فيه الواقديّ، وهو متروك.
[3] في التاريخ 149.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 269، تاريخ خليفة 130 و 141 و 155 و 156، طبقات خليفة 25 و 299، المغازي للواقدي 359، فتوح الشام للأزدي 33 و 35 و 158 و 184- 187، تهذيب سيرة ابن هشام 186، نسب قريش 399، تاريخ أبي زرعة 1/ 507، الزهد لابن المبارك 77 رقم 226، المعرفة والتاريخ 1/ 293، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 164 رقم 951، مشاهير علماء الأمصار 27 رقم 128، العقد الفريد 2/ 380، فتوح البلدان 205 و 211، الخراج وصناعة الكتابة 314، جمهرة أنساب العرب 163، حلية الأولياء 244- 247 رقم 37، الجرح والتعديل 4/ 48 رقم 205، الإستيعاب 2/ 12، 13، المعجم الكبير 6/ 70- 73 رقم 563، المستدرك 3/ 286، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 147- 149، الكامل في التاريخ 2/ 534، 535 و 569، صفة الصفوة 1/ 660- 667 رقم 83، التذكرة الحمدونية 1/ 132 رقم 282، مرآة الجنان 1/ 76، الوافي بالوفيات 15/ 230 رقم 320، البداية والنهاية 7/ 103، تهذيب التهذيب 4/ 51 رقم 80، الإصابة 2/ 48، 49 رقم 3270.
[5] في الطبقات 4/ 269.(3/214)
وَقَالَ حسان بْن عطية: بلغ عُمَر أن سعيد بْن عامر- وكان قد استعمله على بعض الشام يعني حمص- أصابته حاجةٌ فأرسل إليه ألف دينار، فَقَالَ لزوجته: ألا نُعطي هذا المال لمن يتجّر لنا فيه؟ قالت: نعم، فخرج فتصدّق به، وذكر الحديث [1] .
وروى يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن سابط قَالَ: أرسل عُمَر إلى سعيد بْن عامر: إنّا مستعملوك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم، فَقَالَ: يا عُمَر لَا تَفْتِنّي. قَالَ: والله لَا أَدَعُكُم، جعلتموها في عُنُقي ثُمَّ تخليتم عني، إنّما أبعثك على قوم لست بأفضلهم [2] .
__________
[1] أخرجه أبو نعيم بطوله في حلية الأولياء 1/ 244، 245 عن محمد بن معمر، عن أبي شعيب الحرّاني، عن يحيى بن عبد الله الحرّاني، عن الأوزاعي، عن حسّان بن عطيّة قال: لما عزل عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه معاوية عن الشام، بعث سعيد بن عامر بن حذيم الجمحيّ قال: فخرج معه بجارية من قريش نضيرة الوجه، فما لبث يسيرا حتى أصابته حاجة شديدة، قال: فبلغ ذلك عمر، فبعث إليه بألف دينار، قال: فدخل بها على امرأته فقال: إنّ عمر بعث إلينا بما ترين. فقالت: لو أنك اشتريت لنا أدما وطعاما وادّخرت سائرها. فقال لها: أو لا أدلّك على أفضل من ذلك، نعطي هذا المال من يتّجر لنا فيه فنأكل من ربحها وضمانها عليه؟
قالت: فنعم! إذا، فاشتري أدما وطعاما واشتري بعيرين وغلامين يمتاران عليهما حوائجهم وفرّقها في المساكين وأهل الحاجة، قال: فما لبث إلّا يسيرا حتى قالت له امرأته إنّه نفذ كذا وكذا فلو أتيت ذلك الرجل فأخذت لنا من الربح فاشتريت لنا مكانه، قال: فسكت عنها، قال: ثم عاودته، قال: فسكت عنها حتى آذته ولم يكن يدخل بيته إلّا من ليل إلى ليل، قال: وكان رجل من أهل بيته ممن يدخل بدخول، فقال لها: ما تصنعين إنّك قد آذيتيه وإنّه قد تصدّق بذلك المال، قال: فبكت أسفا على ذلك المال، ثم إنّه دخل عليها يوما فقال: على رسلك، إنّه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ما أحبّ أنّي صددت عنهم وأنّ لي الدنيا وما فيها، ولو أنّ خيرة من خيرات الحسان اطّلعت من السماء لأضاءت لأهل الأرض ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر ولنصيف تكسى خير من الدنيا وما فيها. فلأنت أحرى في نفسي أن أدعك لهنّ من أن أدعهنّ لك، قال: فسمحت ورضيت. وانظر: صفة الصفوة 1/ 662، 663 والنصيف الخمار.
وانظر: تهذيب تاريخ دمشق 1/ 147.
[2] حلية الأولياء 1/ 247، صفة الصفوة 1/ 660، 661، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 147، الإصابة 2/ 49.(3/215)
وَقَالَ خليفة [1] : فُتِحَتْ قَيْسارية وأميرها سعيد بْن عامر بْن حذيم، ومعاوية بْن أبي سُفْيَان، كل واحد أميرٌ على جنده، فهزم الله المشركين وقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، وَوُلِّيَ سعيد بْن عامر حمص.
وذكر ابن سعد [2] أنه شهِدَ خيبر. وكان سعيد من سادة الصحابة.
(عياض بْن غَنْم الفِهْريّ)
[3] أَبُو سعد.
من المهاجرين الأولين، شهد بدرا وغيرها، واستخلفه أَبُو عبيدة عند وفاته على الشام [4] ، وكان رجلًا صالحًا زاهدًا سمحًا جوادًا، فأقرّه عُمَر على الشام، وهو الّذي افتتح الجزيرة صُلْحًا، وعاش ستين سنة [5] .
وهو عِياض بْن غنم بْن زهير [6] بْن أبي شداد بْن ربيعة.
__________
[1] في التاريخ 141.
[2] نقل ذلك المؤلّف قبل الآن في أول الترجمة.
[3] المغازي للواقدي 633، طبقات خليفة 28 و 300، تاريخ خليفة 147، المحبّر 10 و 432، التاريخ الكبير 7/ 18، 19 رقم 84، أنساب الأشراف 1/ 39 و 226 و 441، فتوح البلدان 165 و 166 و 174 و 176 و 177 و 204 و 205 و 206 و 207 و 208 و 209 و 210 و 221 و 225 236 و 409، الخراج وصناعة الكتابة 300 و 304 و 305 و 312 و 313 و 317 و 320 و 326 و 383 جمهرة أنساب العرب 177، مشاهير علماء الأمصار 51 رقم 333، تاريخ الطبري 3/ 346، 347 و 372 و 373 و 377 و 378 و 380 و 396 و 427 و 438 و 442 و 572 و 577 و 578 و 602 و 4/ 51 و 53- 55 و 66 و 67 و 101 و 163 و 207 و 288 و 289، المعرفة والتاريخ 3/ 307، المستدرك 3/ 289، 290، الاستبصار 3/ 289- 291، الاستيعاب 3/ 128، 129، الزيارات 8، صفة الصفوة 1/ 668- 670 رقم 85، أسد الغابة 4/ 327، العبر 1/ 24، سير أعلام النبلاء 2/ 254، 255 رقم 69، تلخيص المستدرك 3/ 289، 290، مرآة الجنان 1/ 76، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2 43 رقم 44، البداية والنهاية 7/ 103، مجمع الزوائد 9/ 404، الإصابة 2/ 50 رقم 6141، شذرات الذهب 1/ 31.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 398، المستدرك للحاكم 3/ 290، مجمع الزوائد 9/ 404، سير أعلام النبلاء 2/ 354.
[5] طبقات ابن سعد 7/ 398، المستدرك 3/ 290، سير أعلام النبلاء 2/ 354.
[6] في نسخة دار الكتب «إبراهيم» بدل «زهير» وهو وهم.(3/216)
وأما ابن سعد [1] فَقَالَ: شهِدَ الحديبية وما بعدها، وكان أحدَ الأمراء الخمسة يوم اليرموك.
يروى عنه عِياض بْن عمرو الأشعري.
أَبُو سفيان بن الحارث [2]
ابن عبد المطلب ابن عم النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسمه المُغِيرَة، وهو الَّذِي كان آخذًا يوم حنين بلجام بغلة النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثبت يَوْمَئِذٍ معه، وهو أخو نوفل بْن الحارث، وربيعة بْن الحارث.
وَقَالَ أَبُو إسحاق السبيعي: لمّا حضر أبا سُفْيَان بْن الحارث بْن عبد المطلب الموت قَالَ: «لَا تبكوا عليّ فإني لم أنتطف [3] بخطيئة منذ أسلمت [4] » .
وقد روى عنه ابنه عبد الملك قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا بني هاشم إيّاكم والصَّدَقَة» .
__________
[1] في الطبقات 7/ 398.
[2] المغازي للواقدي 301، تهذيب سيرة ابن هشام 250 و 267، طبقات ابن سعد 4/ 49- 54، طبقات خليفة 6، تاريخ خليفة 70 و 84، التاريخ لابن معين 2/ 707، المحبّر 46 و 64 و 177 و 439 و 473، المعارف 126 و 164 587، تاريخ أبي زرعة 1/ 645، فتوح البلدان 20، المعرفة والتاريخ 1/ 327 و 2/ 629 و 3/ 261، تاريخ الطبري 2/ 462 و 3/ 50 و 74 و 75 و 7/ 622، مشاهير علماء الأمصار 22 رقم 91، الاستيعاب 4/ 83- 85، المستدرك 3/ 254- 257، الزيارات 94، أسد الغابة 5/ 215، صفة الصفوة 1/ 519- 521 رقم 57، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 239 رقم 357، العبر 1/ 24، سير أعلام النبلاء 1/ 202- 205 رقم 32، تلخيص المستدرك 3/ 254- 256، مرآة الجنان 1/ 76، البداية والنهاية 7/ 103، 104، مجمع الزوائد 9/ 274، العقد الثمين 7/ 253، الإصابة 4/ 90، 91 رقم 538.
[3] هكذا في الأصل وغيره، وفي سير أعلام النبلاء 1/ 204 «أتنطّف» يقال نطف ينطف إذا قطر قليلا ومنه النطفة. انظر: ذخائر العقبي 243 والتنطّف: التلطّخ. وانظر طبقات ابن سعد، وصفة الصفوة.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 53، الاستيعاب 4/ 84، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 239، صفة الصفوة 1/ 520 وفيه «لم أتنطّق بخطيئة» . وقد قال المحقّق في الحاشية: انتطق الرجل:
شدّ النطاق على وسطه. وهو هنا مجاز، أي لم يرتكب فاحشة.(3/217)
وقيل: إن نوفلًا أخاه تُوُفيّ في هذه السنة، وقد مرّ.
وكان أَبُو سُفْيَان أخا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرضاعة، أرضعتهما حليمة السَّعْدِيَّة، سماه «المُغِيرَة» ابن الكلبي [1] والزُّبَيْر، وَقَالَ آخرون: اسمه كنيته وأخوه المُغِيرَة. وَبَلَغَنَا أنّ الذين كانوا يُشْبِهُون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جعفر بْن أبي طالب، والحسن بْن عليّ، وقثم بْن العباس، وأبو سُفْيَان بْن الحارث.
وكان أَبُو سُفْيَان من شعراء بني هاشم، أسلم يوم الفتح، وكان قد وقع منه كلام في النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإيّاه عنى حسّان بقوله:
ألا أبلِغْ أبا سُفيان عنّي ... مُغَلْغَلَةً فقد بَرحَ الخفاءُ
هجوتَ محمَّدًا فأجبتُ عَنْهُ ... وعندَ اللَّه فِي ذاك الجزَاءُ [2]
ثُمَّ أسلم وحسُن إسلامه، وحضر فتح مكة مسلمًا، وأبلى يوم حُنَيْن بلاءً حسنًا [3] .
فَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: وَتَرَاجَعَ النَّاسُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، [وَثَبَتَ أَبُو سُفْيَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَنْ ثَبَتَ] [4] ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ أَبَا سُفْيَانَ وَشَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَلَفًا من حمزة» [5] .
__________
[1] في نسخة دار الكتب «بن الكلدي» والتصحيح من الأصل و «أسد الغابة» وفيه أنّ ممّن سمّاه كذلك: إبراهيم بن المنذر.
[2] البيتان من قصيدة طويلة لحسّان قالها يوم فتح مكة، أوّلها:
عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء وهي في: ديوان حسّان بن ثابت 11- 14 طبعة دار احياء التراث العربيّ، وسيرة ابن هشام 4/ 106، 107، والبيتان أيضا في الاستيعاب 4/ 84، وفي الإصابة 4/ 90 البيت الثاني فقط.
[3] المستدرك 3/ 254، الاستيعاب 4/ 84.
[4] ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل والنسخة (ع) ، والاستدراك من: ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى للمحبّ الطبري 242.
[5] ابن سعد 4/ 50، الاستيعاب 4/ 84، المستدرك 3/ 255 وليس في هذه المصادر شيء عن «حمزة» كما ورد هنا.(3/218)
قَالَ ابن إسحاق: وَقَالَ يبكي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أرِقْتُ فباتَ لَيْلِي لَا يزولُ ... وَلَيْلُ أخي المُصِيبة فيه طُولُ
وأسعدني البكاءُ وذاك فيما ... أصِيبَ المسلمون به قليلُ
فقد عظُمَتْ مُصيبتنا وَجَلَّتْ ... عَشِيَّة قيل قد قُبِضَ الرسول [1]
فَقَدْنا الوحي والتنزيل فينا ... يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحقُّ مَا سالت عليه ... نفوس النَّاس [2] أو كادت تسيلُ
نبيّ كان يجلو الشك عنا ... بما يوحى إليه وما يَقُولُ
ويهدينا فلا نخشى ضلالًا ... علينا والرسول لنا دليل
فلم نر مثله في النَّاس حيًّا ... وليس له من الموتى عديلُ [3]
أفاطِمُ إِنْ جزِعْتِ فذاك عُذْرٌ ... وإنْ لم تجزعي فهو [4] السَّبيلُ
فعوذي بالعَزَاء فإنّ فيه ... ثواب [5] الله والفضل الجزيلُ
وقولي في أبيك ولا تَمَلّي ... وهل يجْزي بفعل [6] أبيك قيلُ [7]
فقبر أبيك سيّدُ كلّ قَبرٍ ... وفيه سيّدُ النّاسِ الرسولُ
قيل: إنّ أبا سُفْيَان حجّ فحلق رأسه، فقطع الحلَّاق ثؤلولا كان في
__________
[1] زاد ابن عبد البرّ بعده بيتا في الاستيعاب 4/ 85:
وأضحت أرضنا ممّا عراها ... تكاد بنا جوانبها تميل
وقال القدسي في طبعته لهذا الكتاب- 3/ 123 في الحاشية رقم (3) : في أسد الغابة زيادة هذا البيت.. وأقول: ليس في أسد الغابة أيّ بيت من الأبيات من شعر أبي سفيان بن الحارث.
(راجع ترجمته في الجزء الرابع منه- ص 406 والجزء الخامس- ص 215) .
[2] في السير «الخلق» .
[3] هذا البيت ليس في الإستيعاب.
[4] في الاستيعاب «ذاك» بدل «فهو» .
[5] بالرفع، بناء «على أنّ اسم «إنّ» محذوف، والتقدير «فإنّه ثواب الله والفضل الجزيل» .
[6] هكذا في الأصل. وفي النسخة (ح) وسير أعلام النبلاء 1/ 205: «بفضل» .
[7] هكذا البيت والّذي قبله لم يردا في الإستيعاب.(3/219)
رأسه، فمرض منه ومات بعد مَقْدَمه من الحجّ بالمدينة، وصلّى عليه عُمَر [1] .
تُوُفيّ بعد أخيه نَوْفَلٍ بأربعة أشهر، في قَوْل [2] .
(صفّية عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
[3] وشقيقة حمزة، وحجل، والمُقَوّم، وأُمُّهم زُهْرية [4] تزوجها الحارث بْن حرب بْن أمية فتوفي عنها، وتزوّجها العوّام بن خويلد [5] فولدت له الزّبير حواريّ رسول الله، [والسائب] [6] وعبد الكعبة.
والصحيح أنه لم يُسْلِم من عمّات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سواها.
ووجدت على أخيها حمزة وجدا شديدا، وصبرت واحتسبت.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 53، المستدرك 3/ 255، الاستيعاب 4/ 85.
[2] المستدرك 3/ 254، 255، طبقات ابن سعد 4/ 53، الاستيعاب 4/ 85.
[3] المغازي للواقدي 288، 289، 290، 462، 504، 522، 657، 685، 694، 698، 917، تهذيب سيرة ابن هشام 168، 169، السير والمغازي لابن إسحاق 67 و 147 و 156 و 335، طبقات ابن سعد 8/ 41، 42، نسب قريش 20 و 230 و 236، طبقات خليفة 331، تاريخ خليفة 147، المعارف 128 و 219 و 220، أخبار مكة 2/ 296، المحبّر 63 و 172 و 173 و 406، أنساب الأشراف 1/ 90 و 119 و 202 و 324 و 559 والقسم 3/ 40 و 41 و 284 و 285 و 287 و 288 و 291 و 293 و 313، والقسم 4 ج 1/ 72 و 78 و 361 و 382 و 488، فتوح البلدان 1/ 57، تاريخ الطبري 2/ 528 و 529 و 577 و 3/ 11 و 124 و 6/ 190، المنتخب من ذيل المذيّل 599، العقد الفريد 3/ 225 و 4/ 16 و 17 و 47، المعجم الكبير 24/ 319- 322، المستدرك 4/ 50، 51، ثمار القلوب 301، جمهرة أنساب العرب 15 و 111، الإستيعاب 4/ 345، الزيارات 92، 93، أسد الغابة 5/ 492، 493، الكامل في التاريخ 2/ 161 و 182 و 291 و 569 و 4/ 354 التذكرة الحمدونية 2/ 441 رقم 1138، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 349 رقم 750، سير أعلام النبلاء 2/ 269- 271 رقم 41، تلخيص المستدرك 4/ 50، 51، الوافي بالوفيات 16/ 326، 327 رقم 357، البداية والنهاية 7/ 104، 105 مجمع الزوائد 9/ 266، الإصابة 4/ 348، 349 رقم 654، كنز العمال 13/ 631.
[4] هي: هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. (المنتخب من ذيل المذيّل 599) .
[5] هو أخو خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلى الله عليه وسلّم.
[6] «السائب» ليس في الأصل، أضفناه من: المنتخب من ذيل المذيّل 599.(3/220)
وكانت يوم الخندق في حصن حسان بْن ثابت، قالت: وهو معنا في الحصن مع الذُّرِّية، فمر بالحصن يهودي فجعل يُطيفُ بالحصن والمسلمون في نُحُور عدوِّهم، فذكرت الحديث وأنّها نزلت وقتلت اليهودي بعمودٍ كما تقدم في غزوة الخندق [1] .
تُوُفيّت صفية سنة عشرين، ودُفنت بالبقيع عَنْ بضعٍ وسبعين سنة [2] .
(أَبُو الهيثم بْن التَّيِّهان)
[3] البَلَوِيّ، حليف بني عبد الأشهل، وكان أحد نُقباء الأنصار.
شهِدَ بدرًا والمشاهد كلها، وكان من خيار الصحابة، وهو الَّذِي أضاف النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث المشهور [4] .
__________
[1] انظر: سيرة ابن هشام 3/ 264، والمعجم الكبير 24/ 319 رقم 804، وطبقات ابن سعد 8/ 41، والمستدرك 4/ 50، 51، والتذكرة الحمدونية 2/ 441 رقم 1138، وأسد الغابة 5/ 493.
[2] المستدرك 4/ 50 من طريق سعيد بن كثير بن عفير قال: توفّيت صفيّة بنت عبد المطّلب أمّ الزبير بن العوّام سنة عشرين وهي يوم توفّيت بنت ثلاث وسبعين، وصلّى عليها عمر بن الخطاب ودفنها بالبقيع.
[3] المغازي للواقدي 158 و 691 و 707 و 718 و 720، تهذيب سيرة ابن هشام 103، تاريخ خليفة 149، طبقات خليفة 78 و 190، طبقات ابن سعد 3/ 447- 449، مقدمة مسند بقيّ بن مخلد 155 رقم 848، المحبّر 74 و 268 و 272، المعارف 270، أنساب الأشراف 1/ 240، فتوح البلدان 1/ 33، جمهرة أنساب العرب 340، تاريخ الطبري 2/ 356 و 363 و 364 و 4/ 447، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 61، الاستيعاب 4/ 200، 201، المعجم الكبير للطبراني 19/ 249- 259، مشاهير علماء الأمصار 12 رقم 32، تاريخ أبي زرعة 1/ 575، المستدرك 3/ 285، 286، الزيارات 62 و 94، أسد الغابة 4/ 274، 275 و 5/ 318، صفة الصفوة 1/ 462، 463 رقم 34، تجريد أسماء الصحابة 2/ 42، تلخيص المستدرك 3/ 285- 287، مرآة الجنان 1/ 76، البداية والنهاية 7/ 104، الإصابة 4/ 212، 213 رقم 1199.
[4] هو في صحيح مسلم (2038) في كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك.. رواه من طريق خلف بن خليفة، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة» ؟ قالا: الجوع، يا رسول الله! فأتى رجلا من الأنصار، فإذا(3/221)
واسمه مالك بْن التَّيْهان [1] بْن مالك بْن عُبَيْد البلوي القُضاعي حليف بني عبد الأشهل.
وقيل: هو أنصاريّ من أنفسهم، شهِدَ العقَبتين [2] .
وقيل بل تُوُفيّ سنة إحدى وعشرين، وأخطأ من قَالَ قُتِلَ بِصفِّين مع عليّ [3] ، بل ذاك أخوه عُبَيْد.
والتّيهان بالتخفيف كذا يقوله أهل الحجاز، وشدّده ابن الكلبيّ.
__________
[ () ] هو ليس في بيته. فلمّا رأته المرأة قالت: مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين فلان» ؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذا جاء الأنصاري فنظر إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبه، ثم قال: الحمد للَّه، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني. قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب. فقال: كلوا من هذه. وأخذ المدية. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إيّاك والحلوب» ، فذبح لهم. فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلمّا أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر: «والّذي نفسي بيده! لتسألنّ عن هذا النعيم يوم القيامة. أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم» . وأخرجه الترمذي في الزهد (2474) باب ما جاء في معيشة أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم، من طريق آدم بن أبي إياس، عن شيبان أبي معاوية، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. والطبراني في المعجم الكبير 19/ 257، 258 رقم 571، من الطريق التي عند مسلم، وابن جرير الطبري في التفسير 30/ 287، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 275.
[1] في اسمه اختلاف. انظر طبقات ابن سعد 3/ 447.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 448، المستدرك 3/ 285، المعجم الكبير 19/ 250، أسد الغابة 4/ 274.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 449، تاريخ خليفة 149.(3/222)
سَنَة إحدَى وَعشرْين
فيها فتح عَمْرو بْن العاص الإسكندرية. وقد مرّت.
وفيها شكا أهلُ الكوفة سعدَ بْنَ أبي وقّاص وتعنَّتُوه، فصرفه عُمَر ووّلَى عمار بْن ياسر على الصلاة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بْن حُنَيف على مساحة أرض السّواد [1] .
وفيها سار عثمان بْن أبي العاص فنزل تَوَّج [2] ومَصَّرَها [3] .
وبعث سوار بْن المثني [4] العبدي إلى سابور، فاسْتُشْهِدَ، فأغار عثمان بْن أبي العاص على سيف البحر والسّواحل، وبعث الجارود بْن المعلي فقُتِل الجارود أيضًا [5] .
[عَنِ [6] الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقُتْبَانِيِّ، وَعَنْ غَيْرِ
__________
[1] تاريخ خليفة 149، وانظر تاريخ الطبري 4/ 144.
[2] توّج: بفتح أوّله وتشديد ثانيه وفتحه أيضا. وهي توّز بالزاي. مدينة بفارس قريبة من كازرون. (معجم البلدان 2/ 56) .
[3] تاريخ خليفة 149.
[4] في تاريخ خليفة «هبّار» بدل «المثنّى» .
[5] تاريخ خليفة 149.
[6] ما بين الحاصرتين من هنا حتى آخر الفقرة ساقط من نسخة دار الكتب.(3/223)
وَاحِدٍ أَنَّ عَمْرًا سَارَ مِنْ فِلَسْطِينَ بِالْجَيْشِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ عُمَرَ إِلَى مِصْرَ فَافْتَتَحَهَا، فَعَتَبَ عُمَرُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يُعْلِمْهُ، فَكَتَبَ يَسْتَأْذِنُ عُمَرَ بِمُنَاهَضَةِ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَسَارَ عَمْرٌو فِي سَنَةِ إِحْدًى وَعِشْرِينَ، وَخَلَّفَ عَلَى الْفُسْطَاطِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ الْعَدَوِيَّ، فَالْتَقَى الْقِبْطَ فَهَزَمَهُمْ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ، ثُمَّ الْتَقَاهُمْ عِنْدَ الْكِرْيَوْن [1] فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْتَهَى إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ يَطْلُبُ الصُّلْحَ وَالْهُدْنَةَ مِنْهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ، ثُمَّ جَدَّ فِي الْقِتَالِ حَتَّى دَخَلَهَا بِالسَّيْفِ، وَغَنِمَ مَا فِيهَا مِنَ الرُّومِ، وجعل فيها عسكرا عليهم عبد الله ابن حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِالْفَتْحِ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ قُسْطَنْطِينَ بْنَ هِرَقْلَ فَبَعَثَ خصيًّا لَهُ يُقَالُ لَهُ منْوِيل فِي ثَلاثِمِائَةِ مَرْكَبٍ حَتَّى دخلوا الإسكندرية، فقتلوا بها الْمُسْلِمِينَ وَنَجَا مَنْ هَرَبَ، وَنَقَضَ أَهْلُهَا، فَزَحَفَ إِلَيْهَا عَمْرٌو فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَنَصَبَ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، وَجَدَّ فِي الْقِتَالِ حَتَّى فَتَحَهَا عنوة، وخرّب جدرها، رئي عَمْرٌو يُخَرِّبُ بِيَدِهِ. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ] [2] .
نهَاوَنْد
وَقَالَ النَّهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ [3] ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشّيبانيّ، عن السّائب ابن الأَقْرَعِ [4] قَالَ: زَحْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ زَحْفٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ قَطُّ، رَجَفَ [5] لَهُ أَهْلُ مَاه وَأَهْلُ أَصْبَهَانَ وَأَهْلُ هَمَذَانَ وَالرَّيِّ وَقَوْمَس وَنَهَاوَنْد [6] وَأَذَرْبِيجَان، قال فبلغ
__________
[1] كريون: بكسر أوّله، وسكون ثانيه، وفتح الياء المثنّاة من تحتها، وواو ساكنة ثم نون. اسم موضع قرب الإسكندرية. (معجم البلدان 4/ 458) .
[2] انظر: فتوح البلدان 1/ 259، 260، والخراج وصناعة الكتابة 336 وما بعدها.
[3] في طبعة القدسي 3/ 126 «فهم» بالفاء الموحّدة، وهو خطأ، والتصويب من الأصل، وتاريخ خليفة.
[4] هكذا في الأصل، وفي تاريخ خليفة: «عن القاسم بن عوف، عن أبيه، عن رجل، عن السائب بن الأقرع» .
[5] في تاريخ خليفة «زحف» .
[6] بفتح النون، وتكسر. (معجم البلدان 5/ 313) .(3/224)
ذَلِكَ عُمَرَ فَشَاوَرَ الْمُسْلِمِينَ [1] ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنْتَ أَفْضَلُنَا رَأْيًا وَأَعْلَمُنَا بِأَهْلِكَ. فَقَالَ: لأَسْتَعْمِلَنَّ عَلَى النَّاسِ رَجُلًا يَكُونُ لأَوَّلِ أَسِنَّةٍ يَلْقَاهَا، يَا سَائِبُ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، فَلْيَسِرْ بِثُلُثَيْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلْيَبْعَثْ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَأَنْتَ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنْ غَنِيمَةٍ [2] ، فَإِنْ قُتِلَ النُّعْمَانُ فَحُذَيْفَةُ الأَمِيرُ، فَإِنْ قُتِلَ حُذَيْفَةُ فَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنْ قُتِلَ ذَلِكَ الْجَيْشُ فَلا أَرَاكَ [3] .
وروى علقمة بْن عبد الله المُزَنيّ، عَنْ معقِل بْن يسار أن عُمَر شاور الهُرْمُزان في أصبهان وفارس وأذربيجان بأيَّتِهنّ يبدأ، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين أصبهان الرأس، وفارس وأَذْرَبِيجَان الجناحان، فإنْ قُطِع أحدُ الجَنَاحَيْن مال الرأسُ بالجناح الآخر، وإنْ قطعت الرأس وقع الجناحان، فدخل عُمَر المسجد فوجد النُّعْمَان بْن مُقَرِّن يصلّي فسَرَّحه وسرَّح معه الزُّبَيْر بْن العَوَّام، وحُذَيْفَة بْن اليمان، والمُغِيرَة بْن شُعْبَة، وعمرو بن معديكرب، والأشعث بْن قيس، وعبد الله بْن عُمَر، فسار حتى أتى نَهَاوَنْد، فذكر الحديث إلى أن قَالَ النُّعْمَان لمّا التقى الجمعان: إنْ قُتِلْتُ فلا يُلْوِي عليّ أحدٌ، وإني داعٍ بدعوةٍ فأَمِّنُوا. ثُمَّ دعا: اللَّهمّ ارزقني الشهادة بنصر المُسْلِمين والفتح عليهم، فأمَّن القوم وحملوا فكان النُّعْمَان أول صريع [4] .
وروى خليفة [5] بإسنادٍ قَالَ: التقوا بنَهاوَنْد يوم الأربعاء فانكشفت مجنبة
__________
[1] عند خليفة: «فشاور المسلمين فاختلفوا، ثم قال عليّ: يا أمير المؤمنين ابعث إلى أهل الكوفة فليسر ثلثاهم وتدع ثلثهم في حفظ ذراريهم، وتبعث إلى أهل البصرة. فقال: أشيروا عليّ من أستعمل فيهم فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت أفضلنا رأيا ... » .
[2] في تاريخ خليفة زيادة: «ولا ترفع إليّ باطلا، ولا تحبس عن أحد حظّا هو له» .
[3] تاريخ خليفة 147، 148، فتوح البلدان 2/ 373.
[4] تاريخ خليفة 148 149، وانظر: فتوح البلدان 2/ 372.
[5] في التاريخ 148.(3/225)
المُسْلِمين الْيُمْنَى شيئًا، ثُمَّ التقوا يوم الخميس فثبتت الَمْيمنة وانكشف أهلُ المَيْسَرة، ثُمَّ التقوا يوم الجمعة فأقبل النُّعْمَان يخطُبُهم ويحُضُّهم على الحملة ففتح الله عليهم.
وَقَالَ زياد الأعجم: قدِم علينا أَبُو موسى بكتاب عُمَر إلى عثمان بْن أبي العاص: أمّا بعدُ، فإنّي قد أمْدَدْتُك بأبي موسى، وأنت الأمير فتطاوَعَا والسّلام. فلمّا طال حصار إصْطَخْر بعث عثمان بْن أبي العاص عدّة أمراء فأغاروا على الرَّساتيق [1] .
وَقَالَ ابن جرير [2] في وقعة نَهَاوَنْد: لمّا انتهى النُّعْمَان إلى نهاوند في جيشه طرحوا له حَسَك الحديد، فبعث عيونًا فساروا لَا يعلمون بالحَسَكَ [3] ، فزجر بعضُهم فَرَسَه وقد دخل في حافره حَسَكةٌ، فلم يبرح، فنزل فإذا الحَسَك، فأقبل بها، وأخبر النُّعْمَان، فَقَالَ النُّعْمَان: مَا ترون؟ فقالوا:
تقهقر حتى يروا أنك هارب فيخرجوا في طلبك، فتأخر النُّعْمَان، وكَنَسَت الأعاجم الحسك وخرجوا في طلبه [4] فعطف عليهم النُّعْمَان وعبّأ كتائبه وخطب النَّاس وَقَالَ: إنْ أُصِبْتُ فعليكم حُذيفة، فإن أصيب فعليكم جرير البجلي، وإن أصيب فعليكم قيس بْن مكشوح، فوجد المُغِيرَة في نفسه إذ لم يستخلفه، قَالَ: وخرجت الأعاجم وقد شدُّوا أنفُسَهم في السلاسل لئلَّا يفرُّوا، وحمل عليهم المسلمون، فرُمي النُّعْمَان بسهمٍ فقُتِل، ولفَّه أخوه سويد بْن مقرن في ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله تعالى عليهم، ودفع الراية إلى حذيفة.
__________
[1] تاريخ خليفة 150.
[2] في تاريخ الرسل والملوك 4/ 115.
[3] لم ترد كلمة «الحسك» في الأصل ولا في نسخة دار الكتب، ولا النسخة (ح) ، والإستدراك من المنتقى لابن الملّا، وتاريخ الطبري.
[4] «في طلبه» لم ترد في الأصل ولا في نسخة دار الكتب، وأثبتناها من المنتقى لابن الملّا، وتاريخ الطبري.(3/226)
وَقَتَل اللَّهُ ذا الحاجب [1] يعني مقدِّمَهم، وافتُتِحت نهاوند، ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة [2] .
وبعث عُمَر السَّائب بْن الأقرع مولى ثقيف- وكان كاتبًا حاسبًا-، فَقَالَ:
إنْ فتح اللَّهَ على النَّاس فاقْسِم عليهم فَيْئَهم واعْزِلِ الْخُمْسَ. قَالَ السائب:
فإني لأقْسِم بين النَّاس إذ جاءني أعجميٌ فَقَالَ: أتُؤَمِّنَني على نفسي وأهلي على أن أدلك على كنز يزْدَجِرد يكون لك ولصاحبك؟ قلت: نعم، وبعثت معه رجلًا، فأتى بسَفَطَيْن عظيمين ليس فيهما إلا الدُّر والزَّبرجد واليواقيت، قَالَ: فاحتملتُهما معي، وقدِمْتُ على عُمَر بهما، فَقَالَ: أَدْخِلْهُما بيت المال، ففعلت ورجعت إلى الكوفة سريعًا، فما أدركني رسولُ عُمَر إلَّا بالكوفة، أناخ بعيره على عُرْقُوبَيْ بَعِيري فَقَالَ: الْحَقْ بأمير المؤمنين، فرجعت حتى أتيته، فقال ما لي ولابن أمّ السائب، وما لابن أمّ السائب وما لي، قلت: وما ذاك؟ قال: والله ما هو إلا أن نمت، فباتتْ ملائكةٌ تسحبني إلى ذينك السّفطين يشتعلان نارا يقولون: «لَنَكْوِيَنَّك بهما» ، فأقول: «إني سأقسِمُهما بين المُسْلِمين» ، فخذهما عنّي لا أبا لك فالْحَقْ بهما فبِعْهُما في أُعْطية المُسْلِمين وأرزاقهم، قَالَ: فخرجتُ بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة، وغَشِيني التُّجَّار، فابتاعهما منّي عمرو بْن حُريث بألفي ألف درهم، ثُمَّ خرج بهما إلى أرض العجم فباعهما بأربعة آلاف ألف، فما زال أكثر أهل الكوفة مالا [3] .
__________
[1] هو: مردان شاه الملقّب ببهمن. وسمّي ذا الحاجب لأنه كان يعضب حاجبيه ليرفعهما عن عينيه كبرا. ويقال إنّ اسمه رستم. (فتوح البلدان 308) .
[2] في حاشية الأصل هنا: «بلغ في العرض على المصنّف» .
[3] تاريخ الطبري 4/ 116، 117 وانظر: فتوح البلدان 373، 374.(3/227)
وفيها سار عمرو بْن العاص إلى برقة فافتتحها، وصالحهم على ثلاثة عشر ألف دينار [1] .
وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وقلقيّة [2] ، وغير ذلك.
__________
[1] الطبري 4/ 144.
[2] في الأصل «ملقية» ، وفي طبعة القدسي 3/ 129 «ملطية» وقال: لعلّه من تصحيف السمع وما أثبتناه عن تاريخ الطبري 4/ 145.(3/228)
الوَفيَّات
ت ن ق
(وأبو هاشم)
[1] من مسْلَمَة الفتح حسُن إسْلامُه، وله حديث في سنن النسائي وغيرها.
روى عنه أَبُو هُريرة، وسمرة بْن سهم.
وهو خال معاوية. شهِد فتوح الشام.
وفيها تُوُفيّ
(طُلَيْحَة بْن خُوَيْلِد)
[2] بن نوفل الأسديّ.
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 407، 408، طبقات خليفة 12 و 126، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 116 رقم 423، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 357، تاريخ الطبري 4/ 145، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 60، جمهرة أنساب العرب 77، الاستيعاب 4/ 210، 211، الكامل في التاريخ 3/ 21 و 4/ 191 أسد الغابة 5/ 314، الكاشف 3/ 341 رقم 429، تجريد أسماء الصحابة 2/ 209، تهذيب التهذيب 12/ 261 رقم 1206، الإصابة 4/ 200، 201 رقم 1180 الجرح والتعديل 9/ 453 رقم 2308.
وقيل اسمه: شيبة، وقيل هشيم، وقيل مهشم.
[2] تاريخ خليفة 102 و 103 و 104، المغازي للواقدي 341 و 470، عيون الأخبار 3/ 9، فتوح البلدان 1/ 114 و 115 و 116 و 317 و 320 و 324 و 395، والخراج وصناعة الكتابة 360 و 377، تاريخ الطبري 3/ 147 و 185- 187 و 242 و 260 و 261 و 266 و 511- 515 و 533 و 4/ 127 و 134 و 318 و 442، الاستيعاب 2/ 237، 238، ثمار القلوب 23 و 316، جمهرة أنساب العرب 196 و 443، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 93- 106، الكامل في التاريخ(3/229)
أسلم سنة تسعٍ، ثُمَّ ارتد وتنبأ بنجْدٍ وحارب المُسْلِمين، ثم انهزم ولحق بنواحي دمشق عند آل جَفْنة، فلمّا تُوُفيّ الصِّدِّيق ثاب وخرج مُحْرِمًا بالحج، فلمّا رآه عُمَر قَالَ: يا طُلَيْحَة لَا أحبك بعد قتل عكاشة بْن محِصن، وثابت بْن أقرم [1] . فَقَالَ: يا أمير المؤمنين رجُلَيْن أكرمهما الله بيدي ولم يُهِنّي بأيديهما.
ثمّ حسُن إسلامُه وشِهد القادسية، وكتب عُمَر إلى سعد أنْ شاوِرْ طُلَيْحَةَ في أمر الحرب ولا تُوَلِّه شيئًا.
وَقَالَ ابن سعد: كان طليحة يعد بألف فارسٍ لشجاعته وشدّته.
وَقَالَ غيره: اسْتُشْهِدَ طُلَيْحَة بنهاوند
(سوى ت) خالد بْن الوليد [2]
ابن المغيرة بن عبد
__________
[2] / 300 و 317 و 342- 348 و 351 و 460 و 470 و 471 و 479 و 480 و 517 و 3/ 9- 11 و 138 و 202، أسد الغابة 3/ 95، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 254، 255، الزيارات 69 و 98، دول الإسلام 1/ 17، سير أعلام النبلاء 1/ 316، 317 رقم 62، العبر 1/ 26، البداية والنهاية 7/ 118، 119، الوافي بالوفيات 16/ 495، 496 رقم 544، الاشتقاق 551، مرآة الجنان 1/ 77، الإصابة 2/ 234 رقم 4290، شذرات الذهب 1/ 32.
[1] في نسخة دار الكتب «أرقم» وهو تحريف، والتصويب عن الأصل وغيره.
[2] مسند أحمد 4/ 88، 89، السير والمغازي لابن إسحاق 193 و 327، المغازي للواقدي (راجع فهرس الأعلام 1162) سيرة ابن هشام 2/ 276- 279 و 592- 594، تهذيب سيرة ابن هشام 159 و 221 و 241 و 242 و 269 و 292 و 293 و 320 و 321، فتوح الشام للأزدي (راجع فهرس الأعلام 289) ، فتوح الشام المنسوب للواقدي 13 و 46 و 54 و 65 و 114 وغيرها، طبقات ابن سعد 4/ 252، 253 و 7/ 394- 398، نسب قريش للمصعب 42 و 251 و 320- و 322 و 324 و 330 و 357 و 409 و 412، المحبّر لابن حبيب 108 و 123 و 124 و 125 و 190 و 315 و 361 و 409 و 479، الأخبار الموفّقيّات للزبير 581 و 629 و 630، طبقات خليفة 19/ 20 و 299، تاريخ خليفة 86 و 88 و 92 و 150، التاريخ الصغير للبخاريّ 1/ 23 و 40، التاريخ الكبير له 3/ 136 رقم 461، البرصان والعرجان للجاحظ 305(3/230)
الله بن عمر [1] بن مخزوم القرشي المخزومي أبو
__________
[ () ] و 344، التاريخ لابن معين 2/ 146، أخبار مكة للأزرقي 126 و 131 و 267، المعارف 66 و 163 و 165 و 182 و 210 و 267 و 282 و 286 و 303 و 333 و 435 و 491 و 569، وتاريخ أبي زرعة 1/ 171- 173، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 92 رقم 133، فتوح البلدان للبلاذري (راجع فهرس الأعلام 616) ، أنساب الأشراف 1/ 210 و 244 و 302 و 316 و 318 و 319 و 323 و 334 و 354 و 355 و 361 و 380 و 381 و 382 و 384 و 447 وق 4 ج 1/ 109، المعرفة والتاريخ للفسوي (راجع فهرس الأعلام 3/ 517) ، العقد الفريد 1/ 21 و 63 و 100 و 129 و 139 و 148 و 2/ 47 و 66 و 3/ 235، 4/ 268 و 6/ 133، عيون الأخبار 1/ 125، 126 و 142 و 143 و 165 و 2/ 16، تاريخ الطبري (راجع فهرس الأعلام 10/ 237) ، المنتخب من ذيل المذيّل 559، الخراج وصناعة الكتابة لقدامة 224، 225 و 264 و 270 و 272 و 282- 288 و 291- 293 و 296 و 303 و 309 و 353- 357 و 364، 365، الجراح والتعديل 3/ 356 رقم 1607 طبقات ابن سلام 48- 50، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 71، مشاهير علماء الأمصار 31 رقم 157، ثمار القلوب 21 و 24 و 140، ربيع الأبرار للزمخشري 4/ 465، جمهرة أنساب العرب لابن حزم 147، الاستيعاب لابن عبد البرّ 1/ 405- 410، المستدرك للحاكم 3/ 296- 300، أمالي المرتضى 1/ 260، 261، تاريخ ثغر عدن لأبي مخرمة 2/ 68 رقم 94، رجال الطوسي 18، تهذيب تاريخ دمشق 5/ 95- 117، أسد الغابة 2/ 93- 96، الكامل في التاريخ (راجع فهرس الأعلام 13/ 113) ، صفة الصفوة 1/ 650- 655 رقم 81، التذكرة الحمدونية لابن حمدون 1/ 139 و 2/ 476، 477، الأغاني للأصفهاني 16/ 194، الزيارات للهروي 8، 9 و 92، تهذيب الأسماء واللغات للنووي ق 1 ج 1/ 172- 174 رقم 142، تهذيب الكمال للمزّي 1/ 366، الجمع بين رجال الصحيحين للقيسراني 1/ 118 رقم 463، دول الإسلام للذهبي 1/ 16، العبر 1/ 25، سير أعلام النبلاء 1/ 366- 384 رقم 78، تلخيص المستدرك 3/ 296- 300، الكاشف 1/ 209 رقم 1370، المعين في طبقات المحدّثين 20 رقم 33، نهاية الأرب للنويري 19/ 369، تحفة الأشراف للمزّي 3/ 111- 113 رقم 123، البداية والنهاية لابن كثير 7/ 113- 118، مرآة الجنان لليافعي 1/ 76، 77، الوافي بالوفيات 13/ 264 رقم 325، الوفيات لابن قنفذ 49 رقم 21، مآثر الإنافة للقلقشندي 1/ 27 و 56 و 85 و 90 مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 348- 350، العقد الثمين للفاسي 4/ 289- 297، شفاء الغرام له (بتحقيقنا) 1/ 54- 59 و 67 و 2/ 184، 185 و 211 و 214 و 218 و 221- 223 و 239 و 449، تهذيب التهذيب لابن حجر 3/ 142، تقريب التهذيب 1/ 219 رقم 86، الإصابة 1/ 413- 415 رقم 2201 و 4/ 385 رقم 943، خلاصة تذهيب التهذيب للخزرجي 103 كنز العمال 13/ 366- 375، شذرات الذهب 1/ 232، تاريخ الخميس للدياربكري 2/ 247، طبقات المالكية لابن مخلوف 80 وغيره.
[1] هكذا في الأصل وغيره، وفي مصادر أخرى «عمرو» ، وفي طبقات ابن سعد 7/ 394 «عمير» . وأثبته القدسي في طبعته 3/ 130 خلافا للأصل.(3/231)
سليمان المكّيّ، سيفُ الله، كذا لقبه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأُمُّه لُبابة أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين.
شهِدَ غزوة مؤتة وما بعدها.
وله أحاديث، روى عنه: ابن عبّاس، وقيس بن أبي حازم، وجُبير بْن نُفَير، وأبو وائل، وجماعة.
وكان بطلًا شجاعًا ميمون النقيبة، باشر حروبًا كثيرة، ومات على فراشه وهو ابن ستين سنة، ولم يكن في جسده نحُو شِبْرٍ إلَّا وعليه طابع الشُّهَداء.
وَقَالَ جويرية بن أسماء: كَانَ خَالِد من أمد النَّاس بصرا [1] .
وَقَالَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر: لما استُخْلِف عُمَر كتب إلى أبي عبيدة: إني قد ولَّيْتُك وعزلت خالدا [2] .
قَالَ خليفة [3] : فولى أَبُو عبيدة لما افتتح الشام خالدًا على دمشق.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد، وإبراهيم بْن المنذر، وجماعة: إنه تُوُفيّ سنة إحدى وعشرين بحمص [4] .
وَقَالَ دُحَيْم وحده: مات بالمدينة.
مناقب خالد كثيرة ساقها ابن عساكر، من أصحّها مَا رواه ابن أبي
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 5/ 109 وفيه «أحد» بدل «أمدّ» .
[2] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 109 وانظر تاريخ خليفة 122.
[3] هذا القول لم يرد في تاريخ خليفة، والّذي ورد هو في حوادث سنة 14 هـ: «فيها فتحت دمشق، سار أبو عبيدة بن الجرّاح ومعه خالد بن الوليد فحاصرهم، فصالحوه، وفتحوا له باب الجابية، وفتح خالد أحد الأبواب عنوة وأتمّ لهم أبو عبيدة الصلح» و «كان خالد على الناس فصالحهم، فَلَمْ يَفْرُغْ مِنَ الصُّلْحِ حَتَّى عُزِلَ وَوُلِّيَ أبو عبيدة فأمضى أبو عبيدة صلح خالد ولم يغيّر الكتاب..» . ص 125، 126.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 397، تهذيب تاريخ دمشق 5/ 116، المستدرك 3/ 296 و 300.(3/232)
خَالِد، عَنْ قيس بْن أَبِي حازم قَالَ: رأيت خالد بْن الوليد أُتِيَ بسُمٍّ فَقَالَ: مَا هذا؟ قالوا: سُمّ، فَقَالَ: «باسم الله» وشَرِبَه.
وروى يونس بْن أبي إسحاق، عَنْ أبي السِّفر [1] قَالَ: قالوا لخالد:
احْذر الأعاجم لَا يسقونك السُّمَّ، فَقَالَ: ائتوني به، فأُتي به، فاقتحمه وَقَالَ: «باسم الله» فلم يضرّه شيئًا [2] .
وَقَالَ الأعمش، عَنْ خَيْثَمَة قَالَ: أتى خالدا رجل معه زقّ خمر، قال: اللَّهمّ أجعله خلًا، فصار خلًا [3] .
[جَعْفَرُ بْنُ أبي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَعَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمَّارٍ كَلامٌ، فَقَالَ عَمَّارٌ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا خالد مالك وَلِعَمَّارٍ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. وَقَالَ: يَا عَمَّارُ إِنَّ خَالِدًا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ عَلَى الْكُفَّارِ. قَالَ خَالِدٌ: فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ عَمَّارًا مِنْ يَوْمِئِذٍ [4] .
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: بَلَغَ عُمَرُ أَنَّ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي الْمُغِيرَةِ قَدِ اجْتَمَعْنَ فِي دَارٍ يَبْكِينَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يَبْكِينَ أَبَا سُلَيْمَانَ ما لم يكن نقع أو لقلقة [5] .
__________
[1] في نسخة دار الكتب (أبي الشعر) والتصحيح من الأصل، والقاموس المحيط.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 106، وقد ذكره ابن حجر في «المطالب العالية 4043» ونسبه إلى أبي يعلى. وذكره الهيثمي في «معجم الزوائد 9/ 350» وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، وهو مرسل. ورجالهما ثقات إلّا أنّ أبا السفر لم يسمع من خالد، والله أعلم.
[3] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 106. وفي رواية «عسلا» بدل «خلّا» . انظر: سير أعلام النبلاء 1/ 376، والإصابة لابن حجر 1/ 414.
[4] الاستيعاب 1/ 409.
[5] أخرجه ابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 409، 410 من طريق يحيى بن سعيد القطّان، عن سفيان بن حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، وابن حجر في الإصابة 1/ 415 ونسبه إلى ابن(3/233)
وحشي بن حرب بن وحشي، عن أبيه، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَقَدَ لِخَالِدٍ وَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ. رَوَاهُ أحمد في مسندة] [1] .
__________
[ () ] المبارك في كتاب «الجهاد» من طريق: حمّاد بن زيد، عن عبد الله بن المختار، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل.. ويضيف ابن حجر: فهذا يدلّ على أنه مات بالمدينة.. ولكنّ الأكثر على أنه مات بحمص. وورد «نقعا» بدل «نقع» في المصدرين، وفي سير أعلام النبلاء 1/ 381 والنقع: رفع الصوت. وقيل: أراد به شقّ الجيوب، وقيل: أراد به وضع التراب على الرءوس، من النقع: الغبار، وهو أولى لأنّه قرن به اللّقلقة، وهي الصياح والجلبة عند الموت، وكأنها حكاية الأصوات الكثيرة (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير) .
[1] 1/ 8، والحاكم في المستدرك 3/ 298، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 348 وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجالهما ثقات. كذا قال. مع أنّ حرب بن وحشيّ لم يوثّقه إلّا ابن حبّان.
فقد قال البزّار: مجهول، ووالده لم يوثّقه أيضا إلّا العجليّ في «الترتيب» ، وابن حبّان في «الثقات» . وقال صالح بن محمد: لا يشتغل به ولا بأبيه. لكنّ متن الحديث صحيح، له طرق يصحّ بها.
وما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.(3/234)
(ع) العلاء بْن الحضرمي [1]
- واسم الحضرمي عبد الله- بْن عباد [2] بْن أكبر بْن ربيعة بْن مقنع [3] بْن حضرموت، حليف بني أمية، وإلى أخيه تنسب بئر ميمون التي بأعلى مكة، احتفرها في الجاهلية ميمون بْن الحضرمي، ولهما أخوان: عمرو، وعامر.
__________
[1] المغازي للواقدي 782، تهذيب سيرة ابن هشام 324، مسند أحمد 4/ 339 و 5/ 52، طبقات ابن سعد 4/ 359- 363، تاريخ خليفة 97 و 116 و 122 و 125 و 127 و 154، طبقات خليفة 12 و 72، المحبّر 77 و 126، التاريخ الكبير 6/ 506 رقم 3130، المعارف 283، 284، المعرفة والتاريخ 1/ 324 و 503، أنساب الأشراف 1/ 10 و 532، فتوح البلدان 95- 97 و 101- 104 و 108، العقد الفريد 4/ 158 و 168، عيون الأخبار 2/ 18 و 288، تاريخ الطبري 3/ 305- 312، الجرح والتعديل 6/ 357 رقم 1973، الخراج وصناعة الكتابة 278- 280 و 286، مشاهير علماء الأمصار 58 رقم 400، جمهرة أنساب العرب 221 و 224 و 226 و 461، المستدرك 3/ 296، الاستيعاب 3/ 146- 148، البدء والتاريخ 5/ 102، أسد الغابة 4/ 7، 8 الكامل في التاريخ 2/ 368- 371، صفة الصفوة 1/ 694- 697 رقم 98، الزيارات 82، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 341 رقم 422، تهذيب الكمال 2/ 1070، نهاية الأرب 19/ 370، دول الإسلام 1/ 17، العبر 1/ 25، سير أعلام النبلاء 1/ 262- 266 رقم 51، الوفيات لابن قنفذ 44 رقم 14، مرآة الجنان 1/ 77، معجم البلدان 1/ 348، البداية والنهاية 7/ 120، مجمع الزوائد 9/ 376، العقد الثمين 6/ 447- 449، تهذيب التهذيب 8/ 178، الإصابة 2/ 497، 498 رقم 5643، خلاصة تذهيب التهذيب 299، شذرات الذهب 1/ 32.
[2] في طبعة القدسي 3/ 132 «عياد» بالياء، وهو تحريف. وما أثبتناه عن الأصل وفتح الباري 7/ 267 حيث أثبت الناسخ «عباد» بالباء. وقيل فيه «عمار» بالراء، وقيل «عماد» بالدال، وقيل «ضمار» بالراء، وقيل «ضماد» بالدال، وقيل «عبيدة» وقيل عميرة» .
[3] قال ابن سعد في الطبقات 4/ 359: «واسم الحضرميّ عبد الله بن ضماد بن سلمى بن أكبر» . وقال ابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 146: «ويقال: عبد الله بن عمار. ويقال:
عبد الله بن عميرة أو عبيدة بن مالك، ونسبه بعضهم فقال: هو العلاء بن عبد الله بن عمار بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن عويف بن مالك بن الخزرج بن أياد بن الصدف. وقد قيل:
الحضرميّ والد العلاء هو عبد الله بن عمار بن سليمان بن أكبر. وقيل: عماد بن مالك بن أكبر، قال الدار الدّارقطنيّ: وزعم الأملوكي أنه عبد الله بن عبّاد فصحّف، ولا يختلفون أنه من حضرموت» . وقال ابن الأثير في أسد الغابة 4/ 7: «عبد الله بن عبّاد بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن عويف بن مالك بن الخزرج بن أبيّ بن الصدف. وقيل: عبد الله بن عمّار، وقيل: عبد الله بن ضمار، وقيل عبد الله بن عبيدة بن ضمار بن مالك» .(3/235)
وَكَانَ الْعَلَاءُ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، وَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: إِنَّ عُمَرَ وَلَّاهُ الْبَصْرَةَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا، وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ بَعْدَ الْعَلَاءِ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ.
لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُكْثُ الْمُهَاجِرِ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا» [1] . روى عنه السائب بْن يزيد، وحيان الأعرج، وزياد بْن حُدَيْرٍ.
وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ [2] ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ [عَنِ ابْنِ الْعَلاءِ] [3] إِنَّ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ [4] .
وَقَالَ محمد بْن إسحاق: كان الحضرمي حليف حرب بْن أمية. وقيل له الحضرمي لأنه جاء من بلاد حضرموت.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 5/ 52، والبخاري، في مناقب الأنصار 4/ 266، 267 باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه، ومسلم في الحج (1352) باب الإقامة بمكة للمهاجر منها بعد فراغ الحج والعمرة، وأبو داود في المناسك (2022) باب الإقامة بمكة، والترمذي في الحج (949) باب ما جاء في أن يمكث المهاجر بمكة بعد الصّدر ثلاثا، والنسائي في تقصير الصلاة في السفر 3/ 122 باب المقام الّذي يقصر بمثله الصلاة، وابن ماجة في الإقامة (1073) باب كم يقصر الصلاة المسافر، والدارميّ في الصلاة 1/ 355 باب فيمن أراد أن يقيم ببلده كم يقيم حتى يقصر الصلاة، حدّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدّثنا سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حميد، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد يقول: هل سمعت في الإقامة بمكة شيئا؟ فقال السائب: سمعت العلاء بن الحضرميّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصّدر بمكة» كأنّه يقول: لا يزيد عليها. والنصّ لمسلم. وانظر:
طبقات ابن سعد 4/ 361.
والمعنى: أنّ الذين هاجروا من مكة قبل الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، حرم عليهم استيطان مكة والإقامة بها. ثم أبيح لهم، إذا وصلوها بحجّ أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا بعد فراغهم، ثلاثة أيام ولا يزيدوا على الثلاثة.
[2] في الأصل، والمنتقى (نسخة أحمد الثالث) «زادان» .
[3] ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، والإضافة من سنن أبي داود.
[4] أخرجه أبو داود في الأدب (5135) باب فيمن يبدأ بنفسه في الكتابة، والحاكم في المستدرك 3/ 636 وابن العلاء مجهول. وباقي رجاله ثقات.(3/236)
الصِّدِّيقُ الْعَلاءَ فِي جَيْشٍ قِبَلَ الْبَحْرَيْنِ، وَكَانُوا قَدِ ارْتَدُّوا، فَسَارَ إِلَيْهِمْ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَرْضُ الْبَحْرِ [1] حَتَّى مَشَوْا فِيهِ بِأَرْجُلِهِمْ، وَقَطَعُوا كَذَلِكَ فِي مَكَانٍ [2] كَانَتْ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَهِيَ الْيَوْمَ تَجْرِي فِيهِ، فَقَاتَلَهُمْ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمُوا مَا مَنَعُوا مِنَ الزَّكَاةِ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ، أنا مَحْمُودٌ، أنا ابْنُ فَاذشاه، ثنا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِسْطَامَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبُ الْهَرَوِيُّ، ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي كَعْبٍ [3] صَاحِبِ الْحَرِيرِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ [4] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا بُعث النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَحْرَيْنِ تَبِعْتُهُ فَرَأَيْتُ مِنْهُ ثَلاثَ خِصَالٍ لَا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ أَعْجَبُ: انْتَهَيْنَا إِلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَقَالَ:
«سَمُّوا وَاقْتَحِمُوا» ، فَسَمَّيْنَا وَاقْتَحَمْنَا، فَعَبَرْنَا فَمَا بَلَّ الْمَاءُ إِلا أَسْفَلِ خِفَافِ إِبِلِنَا، فَلَمَّا قَفَلْنَا صِرْنَا بَعْد [5] بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ [6] ، ثُمَّ دَعَا فَإِذَا سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، ثُمَّ أَرْخَتْ عَزَالِيَهَا [7] فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا. وَمَاتَ بعد ما بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْبَحْرَيْنِ لَمَّا ارْتَدَّتْ رَبِيعَةُ، فَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَأَعْطَوْا مَا مَنَعُوا مِنَ الزَّكَاةِ [وَمَاتَ فَدَفَنَّاهُ فِي الرَّمْلِ، فَلَمَّا سِرْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ قُلْنَا يَجِيءُ سَبْعٌ فَيَأْكُلُهُ، فرجعنا فلم نره [8] . روى نحوه
__________
[1] زاد في سير أعلام النبلاء هنا 1/ 264: «يعني الرقراق» .
[2] في سير أعلام النبلاء «فقطعوا كذلك مكانا» .
[3] هو: عبد ربّه، وقيل اسمه عبد الله، (تقريب التهذيب 2/ 466 رقم 18)
[4] هو: ضريب بن نفير. (تقريب التهذيب 2/ 431 رقم 75) .
[5] هكذا في الأصل، وفي «مجمع الزوائد» 9/ 376 «صرنا معه» .
[6] في «المجمع» : «فقال: صلّوا ركعتين» .
[7] العزالي: أفواه القرب.
[8] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 376 باختلاف يسير في بعض الألفاظ. وقال: رواه الطبراني في الثلاثة.(3/237)
مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا بِأَطْوَلَ مِنْهُ [1] .
مجالد، عَنِ الشَّعْبِيّ أن عُمَر كتب إلى العلاء بْن الحضرمي- وهو بالبحرين- أن سر إلى عُتْبَة بْن غَزْوان فقد وليتك عمله، إني ظننت أنك أغنى عَنِ المُسْلِمين منه، فمات العلاء قبل أن يصل إلى البصرة [2] .
كذا هذا عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى البحرين مع العلاء بْن الحضرمي، وكنت أؤذّن له [3] .
وعن المسور بْن مخرمة أن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث العلاء بْن الحضرمي إلى البحرين، ثُمَّ عزله بأبان بْن سعيد [4] .
وذكر ابن سعد [5] أن أبا بكر استعمل العلاء على سَرِيّةٍ فسبى وغَنِم] [6] .
(الجارود العبديّ)
[7] سيّد عبد القيس. هو أَبُو عَتَّاب، وقيل: أَبُو
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد 4/ 363.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 362.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 360.
[4] ابن سعد 4/ 360.
[5] انظر الطبقات 4/ 361، 362.
[6] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
[7] طبقات ابن سعد 5/ 559- 561، و 7/ 86، 87، تهذيب سيرة ابن هشام 307، 308، طبقات خليفة 61 و 185، تاريخ خليفة 13 و 16 و 149، التاريخ الكبير 2/ 236 رقم 2306، البرصان والعرجان للجاحظ 78، 79، المعارف 338، 339، مسند بقيّ بن مخلد 110 رقم 356، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 470، تاريخ الطبري 3/ 136، 137، و 301 و 303 و 308 و 4/ 80 و 177 و 6/ 154، الجرح والتعديل 2/ 525 رقم 2181، مشاهير علماء الأمصار 40، 41، رقم 246، جمهرة أنساب العرب 296، الاستيعاب 1/ 247، 248، الأنساب 38 ب، الكامل في التاريخ 2/ 368، و 3/ 21، أسد الغابة 1/ 260، اللباب 2/ 114، الكاشف 1/ 123 رقم 752، تاريخ ابن خلدون 2/ 104 و 291، تهذيب التهذيب 2/ 53، 54 رقم 86، تقريب التهذيب 1/ 124 رقم 22، الإصابة 1/ 216، 217 رقم(3/238)
غِيَاث، وقيل: أَبُو المنذر، الجارود بْن المعُلى، وقيل: اسمه بشر بْن حنش [1] . ولُقِّب جارودًا لكونه أغار على بكر بْن وائل فأصابهم وجردهم [2] .
وَفَد في عبد القيس سنة عشرٍ من الهجرة- وكانوا نصارى- فأسلم الجارود، وفرح النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامه وأكرمه.
رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث.
روى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، ومُطرف بْن عبد الله بْن الشخير، وزيد بْن عليّ القموصي [3] ، وأبو مسلم الجذمي [4] ، وغيرهم.
اختطّ بالبصرة. وقتل شهيدا ببلاد فارس سنة إحدى وعشرين، وقيل:
قُتِل مع النُّعْمَان بْن مُقَرِّن [5] .
ع (النُّعْمَان بْن مقرن المزني)
[6] أَبُو عمرو، ويقال: أَبُو حُكَيْم.
__________
[1042،) ] تهذيب الكمال 4/ 478، 479 رقم 884، التاريخ الصغير 28، الثقات لابن حبّان 3/ 59، المعجم الكبير للطبراني 2/ 295، خلاصة تذهيب التهذيب 60، الوافي بالوفيات 11/ 35، 36 رقم 65.
[1] وقيل: بشر بن المعلّى بن حنش، وقيل: بشر بن عمر بن حنش بن المعلّى، وقيل: ابن حنش بن النعمان. (تهذيب الكمال 4/ 478) .
[2] في طبقات ابن سعد 5/ 559: «وإنّما سمّي الجارود لأنّ بلاد عبد القيس أسافت حتى بقيت للجارود شليّة، والشليّة هي البقيّة، فبادر بها إلى أخواله من بني هند من بني شيبان فأقام فيهم وإبله جريّة فأعدت إبلهم فهلكت، فقال الناس: جرّدهم بشر، فسمي الجارود، فقال الشاعر:
جرّدناهم بالسيف من كل جانب ... كما جرد الجارود بكر بن وائل
[3] في النسخة (ع) «القموحي» وهو خطأ. وهو أبو القموص.
[4] في نسخة دار الكتب «الجذامي» وهو تحريف، والتصويب، من الأصل وتهذيب الكمال 4/ 479.
[5] انظر خلاف ذلك في طبقات ابن سعد 5/ 561 و 7/ 87.
[6] المغازي للواقدي 800 و 820 و 896، الطبقات لخليفة 38 و 128 و 177 و 190، تاريخ خليفة 148، 149، التاريخ لابن معين 2/ 608، 609، المعارف 75 و 183 و 295 و 299، عيون(3/239)
من سادة الصحابة، كان معه لواء مُزَيْنَةَ يوم الفتح.
روى عنه ابنه معاوية، ومَعْقِلُ بْن يسار، ومسلم بْن الهيصم، وجُبير بْن حية الثقفيّ.
وكان أمير الجيش يوم فتح نهاوند فاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ، ونعاه عُمَر على المنبر وبكى [1] .
__________
[ () ] الأخبار 1/ 122، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 103 رقم 268، العقد الفريد 1/ 98 و 120 و 3/ 235، فتوح البلدان 371- 374 و 377 و 378، المعرفة والتاريخ 2/ 230، الخراج وصناعة الكتابة 371، 372، تاريخ الطبري 2/ 568 و 3/ 346، 496 و 4/ 23 و 84- 86 و 92 و 114- 116 و 118- 120 و 126- 132 و 134 و 136 و 139 و 141- 143 و 146 و 161، مشاهير علماء الأمصار 43 رقم 268، مسند أحمد 5/ 444، التاريخ الكبير 8/ 75، التاريخ الصغير 1/ 47، 56 و 216، الجرح والتعديل 8/ 444، الاستيعاب 3/ 545- 548، جمهرة أنساب العرب 202، المستدرك 3/ 292- 295، الكامل في التاريخ 2/ 179 و 345 و 456 و 457 و 519 و 546- 548 و 550 و 3/ 9- 17 و 19، أسد الغابة 5/ 30، 31، الزيارات 98، تهذيب الكمال 3/ 418، المعين في طبقات المحدّثين 27 رقم 130، دول الإسلام 1/ 17، العبر 1/ 25، الكاشف 3/ 182 رقم 5956، سير أعلام النبلاء 1/ 403- 405 رقم 83، مرآة الجنان 1/ 77، تلخيص المستدرك 3/ 292- 296، البداية والنهاية 7/ 120، تهذيب التهذيب 10/ 456 رقم 826، تقريب التهذيب 2/ 304 رقم 121، الإصابة 3/ 565 رقم 8759، خلاصة تذهيب التهذيب 403.
[1] في حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أيبك في الميعاد السادس عشر على مؤلّفه فسح الله في مدّته» .(3/240)
سَنَة اثنتَيْن وَعِشرْين
فيها فتحت أَذْرَبِيجَان على يد المُغِيرَة بْن شُعْبَة. قاله ابن إسحاق، فيقال إنّه صالحهم على ثمانمائة ألف درهم [1] .
وَقَالَ أَبُو عبيدة: افتتحها حبيب بْن مسْلَمَة [2] الفهرِي بأهل الشام عَنْوةً ومعه أهل الكوفة، وفيهم حُذَيْفَة، فافتتحها بعد قتال شديد [3] . فاللَّه تعالى أعلم.
وفيها غزا حُذَيْفَة مدينة الدِّينور عَنْوةً، وقد كانت فُتِحت لسعد ثم انتقضت [4] .
ثم غزا حذيفة ماسبذان [5] فافتتحها عَنْوةً، على خُلْف في ماه، وقيل: افتتحها سعد فانتقضوا.
__________
[1] تاريخ خليفة 151، تاريخ الطبري 4/ 146.
[2] في النسخة (ح) «سلمة» وهو خطأ.
[3] تاريخ خليفة 151.
[4] تاريخ خليفة 150.
[5] في طبعة القدسي 3/ 135 «ماه سندان» والتصويب من (معجم البلدان 5/ 41) ، وانظر تاريخ خليفة 150.(3/241)
وَقَالَ طارق بْن شهاب: غزا أهلُ البصرة ماه فأمدهم أهلُ الكوفة، عليهم عمار بْن ياسر، فأرادوا أن يُشْرَكوا في الغنائم، فأبى أهل البصرة، ثُمَّ كتب إليهم عُمَر: الغنيمة لمن شهِد الوقعة [1] .
وَقَالَ أَبُو عبيدة: ثُمَّ غزا حُذَيْفَة همذان، فافتتحها عَنْوةً ولم تكن فُتِحَت. وإليها انتهى فتوح حُذَيْفَة. وكل هذا في سنة اثنتين وعشرين.
قَالَ: ويقال همذان افتتحها المُغِيرَة بْن شُعْبَة سنة أربعٍ وعشرين، ويقال: افتتحها جرير بْن عبد الله بأمر المُغِيرَة [2] .
وَقَالَ خليفة بْن خياط [3] : فيها افتتح عمرو بْن العاص أطرابُلُسَ المغرب، ويقال في السنة التي بعدها.
وفيها عُزل عمار عَنِ الكوفة [4] .
وفيها افتُتِحت جُرْجان.
وفيها فتح سويد بْن مقرن الرّيّ، ثُمَّ عسكر وسار إلى قُومِس فافتتحها [5] .
[الوَفَيات]
وفيها تُوُفيّ: أبي بْن كعب، في قول الواقِديّ، ومحمد بْن عبد الله بْن نُمَيْر، ومحمد بْن يحيى الذُّهلي، والتّرمذيّ، وقد مرّ سنة تسع عشرة.
__________
[1] تاريخ خليفة 151.
[2] تاريخ خليفة 151.
[3] في التاريخ 152.
[4] انظر تاريخ الطبري 4/ 163.
[5] الطبري 4/ 152 و 153.(3/242)
(معضد بْن يزيد الشيباني) [1]
اسْتُشْهِدَ بأذربيجان، ولا صحبة له.
[بقية حوادث السنة]
ووُلِد فيها يزيد بْن معاوية [2] .
وَقَالَ محمد بْن جرير [3] : إن عُمَر أقر على (فرج الباب) عبد الرحمن بْن ربيعة الباهلي وأمره بغزو التُّرْك، فسار بالنّاس حتى قطع الباب، فَقَالَ له شهريران [4] : مَا تريد أن تصنع؟ قَالَ: أُناجزهم في ديارهم، وباللَّه إن معي لأقوامًا لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لَبَلَغْت بهم السّدّ.
ولما دخل عبد الرحمن على التُّرك حال الله بينهم وبين الخروج عليه وقالوا: مَا اجترأ على هذا الأمر إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت، ثُمَّ هربوا وتحصنوا، فرجع بالظفر والغنيمة، ثُمَّ إنه غزاهم مرتين في خلافة عثمان فيَسْلَم ويَغْنَم، ثُمَّ قاتلهم فاستُشْهد- أعني عبد الرحمن بْن ربيعة- فأخذ أخوه سلمان [5] بْن ربيعة الراية، وتحيز بالنّاس، قَالَ: فَهُم- يعني التُّرْك- يستسقون بجسد عبد الرحمن حتى الآن.
خبر السَّدّ
الْوَلِيدُ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنِي رَجُلانِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنّي قد رأيت السّدّ، قال: كيف
__________
[1] تاريخ خليفة 165، تاريخ الطبري 4/ 304- 306، الكامل في التاريخ 3/ 132- 134.
[2] تاريخ الطبري 4/ 160.
[3] في تاريخه 4/ 155.
[4] في تاريخ ابن جرير (شهربراز) وفي المواضع التالية من النّصّ كذلك.
[5] في نسخة دار الكتب (سليمان) وهو خطأ، على ما في الأصل وتاريخ الطبري 4/ 159، وأسد الغابة 2/ 327.(3/243)
رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ [1] . رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا، وَزَادَ: طَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتَهُ. قُلْتُ: يُرِيدُ حُمْرَةَ النُّحَاسِ وَسَوَادَ الْحَدِيدِ.
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْوِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفِرُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا أَنْ يَرَوْا شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا، فَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَأَشَدِّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ [2] حَفَرُوا، حَتَّى إِذَا كَادُوا أَنْ يَرَوُا الشَّمْسَ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ، فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ [3] ، وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدِّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ نَغَفًا [4] فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا [5] . وذكر ابن جرير في تاريخه من حديث عمرو بن معديكرب عَنْ مطر بْن ثلج [6] التميمي قَالَ [7] : دخلت على عبد الرحمن بْن ربيعة بالباب وشهريران [8] عنده، فأقبل رجل عليه شَحَوبة حتى دخل على عبد الرحمن
__________
[1] ذكره الإمام البخاري تعليقا، كما في (البداية والنهاية لابن كثير 7/ 124) . وقال ابن كثير في تفسيره: (هذا حديث مرسل) ، وبسط القول في أحاديث السّدّ في سورة الكهف.
[2] زاد في «سنن ابن ماجة» : «وأراد الله أن يبعثهم على الناس» .
[3] زاد في «سنن ابن ماجة» : «فينسفون الماء» .
[4] النّغف: بالتحريك: دود. (النهاية لابن الأثير) .
[5] رواه ابن ماجة في الفتن (4080) باب طلوع الشمس من مغربها، وأحمد في المسند 2/ 510، 511، وابن عساكر في تاريخ دمشق 2/ 2.
[6] في النسخة (ع) : «بلج» وهو تصحيف. والصواب في الأصل وتاريخ الطبري.
[7] تاريخ الطبري 4/ 159.
[8] في تاريخ الطبري «شهربراز» .(3/244)
فجلس إلى شهريران، وكان على مطر قباء برد يمنّي أرضه حمراء ووشْيُه أسود. فتساءلا، ثم إنّ شهريران قَالَ: أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل؟ هذا رجل بعثُته نحو السّدّ منذ سنتين [1] ينظر مَا حاله ومن دونه، وزوَّدْتُه مالًا عظيمًا، وكتبت له إلى مَن يليني وأهديت له، وسألته أن يكتب له إلى من وراءه، وزوَّدْتُه لكل مَلِك هدية، ففعل ذلك بكل ملكٍ بينه وبينه، حتى انتهى إلى الملك الَّذِي السّدّ في ظهره [2] ، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه، فبعث معه بازياره ومعه عُقابه وأعطاه حريرة، قَالَ: فلمّا انتهينا إذا جبلان، بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين، وإن دون السُّدّ خندقًا أشدّ سوادًا من الليل لبعده، فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه، ثُمَّ ذهبت لأنصرف، فَقَالَ لي البازيار [3] على رِسلك أُكافِئك [4] إنه لَا يلي ملِك بعد ملِكٍ إلا تقرب إلى الله بأفضل مَا عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب، قَالَ: فشرّح بضعة لحمٍ معه وألقاها في ذلك الهواء، وانقضّت عليها العقاب، وقال: إنْ أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، فخرج عليه العُقاب باللحم في مخاليبه، فإذا قد لصق فيه ياقوتَةٌ فأعطانيها وها هي ذِه، فتناولها شهريران فرآها حمراء، فتناولها عبد الرحمن ثُمَّ ردّها، فَقَالَ شهريران. إنّ هذه لخيرٌ من هذا- يعني الباب- وأيْمُ اللَّهِ لأنتم أحبّ إلي ملكةً من آل كِسْرى، ولو كنت في سلطانهم ثُمَّ بلغهم خبرها لانتزعوها منيّ، وَايْمُ اللَّهِ لَا يقوم لكم شيءٌ مَا وفيتم أو وَفى مَلِكُكُم الأكبر.
__________
[1] في تاريخ الطبري «سنين» .
[2] هكذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري «حتى انتهى إليه، فانتهى إلى الملك الّذي السّدّ في ظهر أرضه» .
[3] البازيار: حافظ الباز وصاحبه. تاج (العروس) . والباز أشرف الطيور. وبه سمي (علم البزدرة) كما في تذكرة داود الأنطاكي.
[4] في تاريخ الطبري (أكافك) وكلاهما صحيح. ومثله في النسخة (ح) .(3/245)
فأقبل عبد الرحمن على الرسول وَقَالَ: مَا حال السّدّ [1] وما شبهه؟
فَقَالَ: مثل هذا الثوب الَّذِي على مطر، فَقَالَ مطر: صَدَقَ واللِه الرجلُ لقد بَعَّد [2] ورأى ووصف صفة الحديد والصُّفْر.
فَقَالَ عبد الرحمن لشهريران: كم كانت قيمة هاتيك [3] ؟ قَالَ: مائة ألف في بلادي هذه، وثلاثة آلاف ألف في تلك البلدان.
وحدّث سلام الترجمان قَالَ: لمّا رأى الواثق باللَّه كأنّ السّدّ الّذي بناه ذو القَرْنَيْن قد فُتِح وجَّهني وَقَالَ لي: عاينْه وجئني بخبره، وضمّ إليَّ خمسين رجلًا، وزوّدنا، وأعطانا مائتي بغلٍ تحمل الزاد، فشخصنا من سامرّاء بكتابه إلى إسحاق [4] وهو بتفْلِيس [5] ، فكتب لنا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك الّلان، وكتب لنا ملك اللّان إلى فيلان شاه [6] ، وكتب لنا إلى ملك الخَزَر، فوجَّه معنا خمسة أدلَّاء، فسرنا من عنده ستةً وعشرين يومًا، ثُمَّ صرنا إلى أرض سوداء منتنة، فكنّا نشتمّ الخل [7] ، فسرنا فيها عشرة أيام، ثُمَّ صرنا إلى مدائن خرابٍ ليس فيها أحد، فسرنا فيها سبعةً وعشرين يومًا، فسألْنا الأدِلّاء عَنْ تلك المدن فقالوا: هي التي كان يأجوج ومأجوج يطرقونها فأخربوها. ثُمَّ صرنا إلى حصونٍ عند السّدّ
__________
[1] في تاريخ الطبري 4/ 160 «الردم» .
[2] في تاريخ الطبري (نفذ) بدل (بعد) .
[3] هكذا في ح والأصل ومنتقى أحمد الثالث. وفي نسخة دار الكتب وتاريخ الطبري (هديتك) .
[4] في «المسالك والممالك» لابن خرداذبه- ص 163 «إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينية» .
[5] تفليس: بفتح أوّله ويكسر: بلد بأرمينية الأولى، وبعض يقول بأرّان، وهي قصبة ناحية جرزان قرب باب الأبواب. (معجم البلدان 2/ 35) .
[6] في نسخة دار الكتب: «قبلان شاه» ، والتصحيح من الأصل، والمسالك والممالك، ونهاية الأرب للنويري.
[7] في «المسالك والممالك» : «وكنّا قد تزوّدنا قبل دخولها خلّا نشمّه من الرائحة المنكرة» . وانظر نهاية الأرب 1/ 375.(3/246)
بها قوم يتكلمون بالعربية [والفارسية، مسلمون [1] يقرءون القرآن، لهم مساجد وكتاتيب، فسألونا، فَقَالَ] : نحن رُسُل أمير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين! فنقول: نعم، فقالوا: شيخٌ هو أم شاب؟ قلنا: شاب، فقالوا: أين يكون؟ فقلنا: بالعراق بمدينة يقال لها سُرَّ مَن رأى، فقالوا: مَا سمعنا بهذا قط [2] .
ثُمَّ صرنا إلى جبلٍ أملس ليس عليه خضراء، وإذا جبل مقطوع بوادٍ عرضه مائة [3] ذراع، فرأينا عضادَتَيْن مبنيَّتَيْن ممّا يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعًا، الظاهر من تحتها عشرة أذرُع خارج الباب، وكلّه بناء بلبن من حديث مُغَيَّب في نُحاس [4] في سَمْك خمسين ذراعًا، قد ركب على العضادتين على كل واحدة بمقدار عشرة أذرُع في عرض خمسة، وفوق الدروَنْد بناء بذلك اللَّبن الحديد إلى رأس الجبل، وارتفاعه مدُّ البصر، وفوق ذلك شُرَف حديدٍ لها قرنان يَلِجُ كلُّ واحدٍ منهما إلى صاحبه، وإذا باب حديدٍ له مِصْراعان مغلقان عرضهما مائة ذراع في طول مائة ذراع في ثخانة خمسة أذرع. وعليه قُفْلٌ طوله سبعة أذْرُع في غِلَظ باع، وفوقه بنحو قامتين غلْقٌ طوله أكثر من طول القُفْلِ، وقفيزاه كلّ واحدٍ منهما ذراعان، وعلى الغلْق مفتاح معلَّق طوله ذراع ونصف، في سلسلةٍ طولها ثمانية أذرُع، وهي في حلقة كحلقة المنجنيق.
__________
[1] في نهاية الأرب «وأهلها مسلمون» .
[2] في نهاية الأرب زيادة: «فسألناهم عن إسلامهم من أين وصلهم ومن علّمه لهم؟ فقالوا: وصل إلينا منذ أعوام كثيرة رجل راكب على دابّة طويلة العنق طويلة اليدين والرجلين، لها في موضع صلبها حدبة، (فعلمنا أنّهم يصفون الجمل) قالوا: فنزل بنا وكلّمنا بكلام فهمناه، ثم علّمنا شرائع الإسلام فقبلناها، وعلّمنا أيضا القرآن ومعانيه فتعلّمناه وحفظناه» .
[3] في نهاية الأرب «عرضه مائة وخمسون ذراعا» .
[4] في «المسالك والممالك ص 165» زيادة: «تكون اللّبنة ذراعا ونصفا في ذراع ونصف في سمك أربع أصابع، ودروند حديد طرفاه على العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعا» .(3/247)
ورئيس تلك الحصون يركب في كلّ جمعة في عشرة فوارس، مع كلّ فارس مِرْزبَّةٌ من حديد فيضربون الْقُفْلَ بتلك المرَازِب ثلاث ضربات، يسمع من وراء الباب الضرب فيعلمون أنّ هناك حفظة، ويعلم هؤلاء أنّ أولئك لم يُحْدِثُوا في الباب حدثا، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يتسمّعون، فيسمعون دويّا كالرّعد.
وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير، ومع الباب حصنان يكون مقدار كل واحدٍ منهما مائتي ذراع، في مائتي ذراع، وعلى باب كلّ حصن شجرة، وبين الحصنين عين عذبة، وفي أحد الحصنين آله بناء السّدّ من قُدُور ومَغارف وفضْلة الّلبن قد التصق بعضُه ببعضٍ من الصَّدأ، وطول الَّلبنة ذراع ونصف في مثله في سمْك شِبْر. فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحدًا من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنّهم رأوا مرَّةً أعدادًا منهم فوق الشُرَف، فهبّت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم، وكان مقدار الرجل منهم شبْرًا ونصفًا [1] ، فلمّا انصرفنا أخذ بنا الأدِلَّاء، إلى ناحية خُراسان، فسِرنا إليها حتى خرجنا خلف سَمَرْقَنْد بتسعة فراسخ، وكان أصحاب الحصون زوَّدونا مَا كفانا.
ثُمَّ صرنا إلى عبد الله بْن طاهر. قَالَ سلام التِّرْجُمان: فأخبرتُهُ خَبَرَنا، فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل كلّ رجل معي بخمسمائة درهم، ووصلنا إلى سُرَّ من رأى بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهرًا. قَالَ مصنّف كتاب «المسالك والممالك» [2] : هكذا أملى عليَّ سلام التّرجمان [3] .
__________
[1] في نهاية الأرب 1/ 378 (شبرين ونصفا) .
[2] هو أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بابن خرداذبه، المتوفّى في حدود سنة 300 هـ.
انظر كتابه (ص 162- 170) طبعة بريل 1889، وانظر نهاية الأرب للنويري 1/ 374- 378، ومعجم البلدان 3/ 197- 200.
[3] قال ياقوت في معجم البلدان 3/ 200: «قد كتبت من خبر السدّ ما وجدته في الكتب ولست أقطع بصحّة ما أوردته لاختلاف الروايات فيه. والله أعلم بصحته، وعلى كل حال فليس في صحة أمر السدّ ريب، وقد جاء ذكره في الكتاب العزيز» .(3/248)
سنة ثلاث وعشرين
فيها: بينما عمر رضي الله عنه يخطب إذ قَالَ: (يا ساريةُ الجبل) ، وكان عُمَر قد بعث سارية بْن زُنيم الدّئليّ إلى فَسَا ودارا بَجِرد [1] فحاصرهم، ثمّ إنّهم تداعوا وجاءوه من كل ناحية والتقوا بمكان، وكان إلى جهة المسلمين جبل لو استندوا إليه لم يُؤتوا إلا من وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثُمَّ قاتلوهم فهزموهم. وأصاب سارية الغنائم فكان منها سفط جوهر، فبعث به إلى عُمَر فردّه وأمره أن يقسّمه بين المُسْلِمين، وسأل النَّجّاب أهل المدينة عَنِ الفتح وهل سمعوا شيئًا، فَقَالَ: نعم (يا سارية الجبل الجبلَ) وقد كِدْنا نهلك، فلجأنا إلى الجبل، فكان النّصر. وَيُرْوَى أنّ عُمَر سُئل فيما بعد عَنْ كلامه (يا سارية الجبل) فلم يذكره [2] .
__________
[1] هكذا في الأصل، والأنساب للسمعاني 5/ 242، وقد يسقطون الألف عنها. (الأنساب 5/ 292) وهي في بلاد فارس.
[2] أخرجه البيهقي في دلائل النّبوّة، وكذلك أبو نعيم، واللالكائيّ في «شرح السّنّة» ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (التهذيب 6/ 46) ، وابن الجوزي في مناقب عمر- ص 172، 173، وابن الأثير في أسد الغابة 2/ 244، والواقدي في فتوح الشام 2/ 42، وقال ابن حجر في الإصابة 2/ 3: «أخرج القصة الواقديّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عمر، وأخرجها سيف مطوّلة عن أبي عثمان، وأبي عمرو بن العلاء، عن رجل من بني مازن.. والدير عاقولي في فوائده، وابن الأعرابي في كرامات الأولياء، من طريق ابن وهب، عن يحيى بن(3/249)
وفيها كان فتح كَرمان، وكان أميرها سُهَيْل بْن عَدِيّ [1] .
وفيها فتحت سجِسْتان، وأميرها عاصم بْن عمرو [2] .
وفيها فتحت مُكْران، وأميرها الحَكَم بْن عثمان، وهي من بلاد الجبل [3] .
وفيها رجع أَبُو موسى الأشعري من أصبهان، وقد افتتح بلادها [4] .
وفيها غزا معاوية الصّائفة حتى بلغ عمّورية [5] .
__________
[ () ] أيوب، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ» وانظر: تاريخ الطبري 4/ 178.
[1] تاريخ الطبري 4/ 180.
[2] في نسخة دار الكتب «عمر» والتصحيح من الأصل وتاريخ الطبري 4/ 180.
[3] تاريخ الطبري 4/ 181.
[4] تاريخ الطبري 4/ 183- 186.
[5] تاريخ الطبري 4/ 240.(3/250)
الوَفيَّات
خ ت ن ق (قَتادة بْن النّعمان) [1] بن زيد بْن عامر بْن سواد بْن كعب- واسمه ظفر [2]- بن الخزرج بْن عَمْرو بْن مالك بْن الأوس، أبو عمر الأنصاريّ
__________
[1] مسند أحمد 4/ 15 و 6/ 384، المغازي للواقدي 50 و 158 و 224 و 242 و 243 و 334 و 341 و 405 و 498 و 516 و 585 و 800 و 896 و 1009 و 1118، طبقات ابن سعد 1/ 187 و 2/ 190 و 3/ 452، 453، تاريخ خليفة 153، طبقات خليفة 81، 96، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 100 رقم 234، المحبّر 298 و 415 و 429، السير والمغازي لابن إسحاق 328، ربيع الأبرار 4/ 129، التاريخ الكبير 7/ 184، 185 رقم 823، المعارف 268 و 466 و 588، البرصان والعرجان 362، المعرفة والتاريخ 1/ 320، الجرح والتعديل 7/ 132 رقم 753، ثمار القلوب 288، المستدرك 3/ 295، 296، الاستبصار 254- 257، الاستيعاب 3/ 248- 251، أنساب الأشراف 1/ 241 و 223 و 278، و 279 و 280 و 523، تاريخ الطبري 2/ 516 و 4/ 241، مشاهير علماء الأمصار 27 رقم 126، جمهرة أنساب العرب 343، أسد الغابة 4/ 195- 197، الكامل في التاريخ 2/ 155 و 488 و 3/ 77، صفة الصفوة 1/ 463، 464 رقم 35، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 58، 59 رقم 67، تهذيب الكمال 3/ 1123، العبر 1/ 27 الكاشف 2/ 341 رقم 4624، المعين في طبقات المحدّثين 25 رقم 107، سير أعلام النبلاء 1/ 331- 333 رقم 66، مرآة الجنان 1/ 82، الوفيات لابن قنفذ. 50 رقم 23، مجمع الزوائد 9/ 218، تهذيب التهذيب 8/ 357، 358 رقم 638، تقريب التهذيب 2/ 123 رقم 84، الإصابة 3/ 225، 226 رقم 7076، خلاصة تذهيب التهذيب 315، كنز العمّال 13/ 574، شذرات الذهب 1/ 34، المعجم الكبير 19/ 3- 14.
[2] في المعجم الكبير 19/ 3 «واسمه: كعب ظفر» .(3/251)
الظّفريّ، أخو أبي سعيد الخدري لأُمّه، وقَتَادة الأكبر.
شهِد بدْرًا وأُصيبت عينُهُ ووقعت على خدّه يوم أُحُد، فأتى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فغمز حَدَقَتَهُ وردّها إلى موضعها، فكانت أصحَّ عينيه [1] .
وكان على مقدّمة عُمَر في مَقْدَمِه إلى الشام، وكان من الرُّماة المذكورين.
وله أحاديث، روى عنه أخوه أبو سعيد، وابنه عمر بن قتادة،
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 187، 188 من طريق: علي بن محمد، عن أبي معشر، عن زيد بن أسلم، وغيره، و 3/ 453 من طريق ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وهو مرسل، وابن هشام في السيرة 2/ 82.
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير 19/ 8 رقم 12 من طريق عاصم، عن أبيه عمر، عن أبيه قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوس، فدفعها إليّ يوم أحد، فرميت بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى اندقّت عن سيتها، ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ألقى السهام بوجهي كلّما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم مليت رأسي لأقي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بلا رمي أرميه، فكان آخرها سهما بدرت منه حدقتي على خدّي وتفرّق الجمع، فأخذت حدقتى بكفّي فسعيت بها في كفّي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلّم في كفّي دمعت عيناه، فقال: «اللَّهمّ إنّ قتادة قد أوجه نبيّك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه وأحدّهما نظرا، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما نظرا» . ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد بالسند المتقدّم في «مجمع الزوائد» 6/ 113 وقال: فيه من لم أعرفه.
وأخرج الدار الدّارقطنيّ، وابن شاهين، من طريق عبد الرحمن بن يحيى العذري، عن مالك، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن قتادة بن النعمان، أنه أصيبت عينيه يوم أحد، فوقعت على وجنته، فردّها النبيّ صلى الله عليه وسلّم فكانت أصحّ عينيه. وعبد الرحمن بن يحيى العذري، قال العقيلي: مجهول لا يقيم الحديث من جهته، وأخرجه الدار الدّارقطنيّ والبيهقي في الدلائل، من طريق عياض بن عبد الله بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدريّ، عن قتادة: أنّ عينه ذهبت يوم أحد، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلّم فردّها، فاستقامت.
وأخرج البيهقي في دلائل النّبوّة، فيما ذكره ابن كثير 2/ 447 من حديث يحيى الحمّاني، حدّثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه عن جدّه قتادة بن النّعمان، أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: لا، فدعاه فغمز حدقته براحته فكان لا يدري أيّ عينيه أصيب. رجاله ثقات خلا عمر بن قتادة، فإنّه لم وثّقه سوى ابن حبّان، ولم يرو عنه سوى ابنه عاصم.(3/252)
ومحمود بْن لَبِيد، وغيرهم.
وعاش خمسًا وستّين سنة. تُوُفيّ فيها على الصحيح، ونزل عُمَر في قبره [1] وقيل تُوُفيّ في التي قبلها.
(ع) عُمَر بْن الخطاب رضي الله عنه
ابن نفيل بْن عبد العُزَّى بْن رياح [2] بْن قُرط بْن رزَاح بْن عديّ بْن كعْب بْن لُؤيّ [3] . أمير المؤمنين أَبُو حفص القُرَشي العدويّ، الفاروق..
اسْتُشْهِدَ في أواخر ذي الحجة. وأمّه حَنْتَمَة بنت هشام [4] المخزومية أخت أبي جهل. أسلم في السنة السادسة من النُّبُّوة وله سبعٌ وعشرون سنة.
روى عنه عليّ، وابن مسعود، وابن عبّاس، وأبو هُرَيْرَةَ، وعدّة من
__________
[1] المعجم الكبير 19/ 3 رقم 4.
[2] هكذا في الأصل، ونسخة (ح) ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، وغيره. وفي بعض المصادر «رياح بن عبد الله بن قرط» . انظر: جمهرة أنساب العرب 150، ونسب قريش 347، ومشاهير علماء الأمصار 5 رقم 3، والبدء والتاريخ 5/ 88، والاستيعاب 2/ 458، وطبقات خليفة 22، والمعجم الكبير 1/ 64 رقم 49/ 1، والمستدرك 3/ 80، وأسد الغابة 4/ 52، وصفة الصفوة 1/ 268، وتهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 3، والإصابة 2/ 518 رقم 5736.
[3] في هذا الجدّ يلتقي بنسب النبيّ صلى الله عليه وسلّم. (مرآة الجنان/ 81) وذكر المطهّر المقدسي في البدء والتاريخ 5/ 88 «.. كعب بن لؤيّ بن غالب. ينتهي إلى الشجرة التي منها النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعثمان بثمانية آباء» .
[4] هكذا في الأصل، ونسخة دار الكتب، والمعجم الكبير للطبراني 1/ 65، ومشاهير علماء الأمصار لابن حبّان 5، وقيل «هاشم» كما في: جمهرة أنساب العرب 150، وطبقات خليفة 22، ونسب قريش 347، والبدء والتاريخ 5/ 89، وصفة الصفوة 1/ 268، والمستدرك 3/ 80، وتهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 3، وأسد الغابة 4/ 52، والاستيعاب 2/ 458 وفيه قال ابن عبد البرّ: «أمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وقالت طائفة في أمّ عمر: حنتمة بنت هشام بن المغيرة، ومن قال ذلك فقد أخطأ، ولو كانت(3/253)
الصحابة، وعلقمة بْن وقّاص، وقيس بْن أبي حازم، وطارق بْن شهاب، ومولاه أسلم، وزِرّ بْن حُبَيْش، وخلقٌ سواهم.
وعن عبد الله بْن عُمَر قَالَ: كان أبي أبيض تَعْلُوه حمرةٌ، طُوَالًا، أصْلَع، أشيَب [1] .
وَقَالَ غيره: كان أمْهَق [2] طُوَالًا، آدم، أعْسَرَ يَسِر [3] .
وَقَالَ أَبُو رجاء العُطارديّ [4] : كان طويلًا جسيمًا شديد الصلع، شديد الحُمْرة [5] ، في عارضيه خفة. وسَبَلته [6] كبيرة وفي أطرافها صهبة، إذا حزبه أمر قتلها [7] .
وَقَالَ سماك بْن حرْب: كان عُمَر أرْوح كأنّه راكب والنّاس يمشون، كأنه من رجال بني سَدُوس [8] .
والأروح: الَّذِي يتدانى قدماه إذا مشى.
__________
[ () ] كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام بن المغيرة، وليس كذلك، وإنّما هي ابنة عمّهما، فإنّ هاشم بن المغيرة وهشام بن المغيرة أخوان فهاشم والد حنتمة أمّ عمر وهشام والد الحارث وأبي جهل وهاشم بن المغيرة هذا جدّ عمر لأمّه كان يقال له ذو الرمحين» . وانظر:
الرياض النضرة 1/ 188.
[1] طبقات ابن سعد 3/ 324.
[2] أي خالص البياض.
[3] يستعمل كلتا يديه. انظر: طبقات ابن سعد 3/ 325، والمستدرك 3/ 86.
[4] بضمّ العين المهملة. وضبطها في (ع) بالفتح، وهذا من أوهامها في الضبط.
[5] يعني البياض. والعرب تقول امرأة حمراء أي بيضاء (تاج العروس) .
[6] السبلة بالتحريك: طرف الشارب، والصّهبة: سواد في حمرة.
[7] انظر: طبقات ابن سعد 3/ 326، والاستيعاب لابن عبد البر 2/ 460.
[8] طبقات ابن سعد 3/ 326، المعجم الكبير للطبراني 1/ 67 رقم 60 الاستيعاب 2/ 462.(3/254)
وَقَالَ أَنْس: كان يخْضِب بالحنّاء [1] .
وَقَالَ سماك: كان عُمَر يسرع في مِشْيَته [2] .
ويُروَى عَنْ عبد الله بْن كعب بْن مالك قَالَ: كان عُمَر يأخذ بيده اليمنى أذُنُه اليُسْرى ويثب على فرسه فكأنما خُلِقَ على ظهره [3] .
وعن ابن عُمَر وغيره- من وجوهٍ جيّدة- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهمّ أعزّ الإسلام بعمر بْن الخطاب» [4] . وقد ذكرنا إسلامه في (الترجمة النبوية) .
وَقَالَ عِكْرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتّى أسلم عُمَر.
وَقَالَ سعيد بْن جبير:
وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ 66: 4 [5] نزلت في عُمَر خاصّة.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عمر [6] .
__________
[1] ابن سعد 3/ 327.
[2] ابن سعد 3/ 326.
[3] أخرج ابن سعد في الطبقات 3/ 293 من طريق عبد الله بن عمر قال: اخبرني زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: رأيت عمر بن الخطّاب يأخذ بأذن الفرس، ويأخذ بيده الأخرى أذنه ثم ينزو على متن الفرس. وأخرج الطبراني في المعجم الكبير 1/ 66 رقم 55 من الطريق نفسه: ثم يثب على الفرس.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 270 بلفظ «أيّد دينك» ، وأخرجه من طريق أشعث بن سوّار، عن الحسن. بلفظ «أعزّ الدين» . (3/ 267) وأخرج الحاكم في المستدرك 3/ 83 من طريق المبارك بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «اللَّهمّ أعزّ الإسلام بعمر» . هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقد صحّ شاهده عن عائشة بنت الصّدّيق رضي الله عنهما.. أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «اللَّهمّ أعزّ الإسلام بعمر بن الخطّاب خاصّة» . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ومدار هذا الحديث على حديث الشعبيّ عن مسروق، عن عبد الله: «اللَّهمّ أعزّ الإسلام بأحبّ الرجلين إليك» .
[5] سورة التحريم، الآية 4، وانظر الحديث في مجمع الزوائد.
[6] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 270، وابن الجوزي في مناقب عمر 18، والحاكم في(3/255)
وَقَالَ شهر بْن حَوْشَب، عَنْ عبد الرحمن بْن غَنم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له أَبُو بَكْر وعمر: إنّ النّاس يزيدهم حِرْصًا على الإسلام أن يروا عليك زيًّا حَسَنًا من الدنيا. فَقَالَ: «أَفْعَلُ، وَايْمُ اللَّهِ لو أنّكما تتفقان لي على أمرٍ واحدٍ مَا عصيتُكما في مشورةٍ أبدة» [1] . وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِي وَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَوَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَوَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَوَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ [2] ، وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قَالَ الترمذي في حديث أبي سعد: حديث حسن.
قلت: وكذلك حديث ابن عباس حسن.
وعن محمد بْن ثابت البناني، عَنْ أبيه، عَنْ أَنْس نحوه.
وفي «مسند أبي يعلى» من حديث أبي ذر يرفعه: «إن لكل نبّي وزيرين، ووزيراي أَبُو بكر وعمر» . وعن أبي سلمة، عَنْ أبي أرْوَى الدَّوْسيْ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطلع أَبُو بكر وعمر فَقَالَ: «الحمد للَّه الَّذِي أيَّدني بكما» . تفرّد به عاصم ابن عمر، وهو ضعيف [3] .
__________
[ () ] المستدرك 3/ 84 كلهم من طريق قيس بن أبي حازم، عن ابن مسعود.
[1] أخرجه أحمد في المسند 4/ 227، بالسند، وبلفظ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما: «لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما» .
[2] أخرجه الترمذي في المناقب (3761) باب 64 مناقب أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، من طريق: أبي الجحّاف، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدريّ، وقال: هذا حديث حسن غريب.
وأبو الجحّاف اسمه: داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوريّ قال: أخبرنا أبو الجحّاف وكان مرضيّا. وانظر أسد الغابة 4/ 63، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 9، 10.
[3] انظر عنه مثلا: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 5/ 1869- 1872، والمجروحين لابن حبّان 2/ 127، والضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 335 رقم 1357، وميزان الاعتدال 2/ 355 رقم 4060 والحديث في معجم الزوائد 9/ 51 وقال رواه البزّار والطبراني في الأوسط والكبير.(3/256)
وَقَدْ مَرَّ فِي تَرْجَمَةِ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُقْبِلَيْنِ فَقَالَ: «هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» الْحَدِيثَ [1] .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ وَهُوَ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا فَقَالَ: «هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [2] . إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَرَوَاهُ سَالِمٌ أَبُو الْعَلاءِ- وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، وَحَدِيثُ زَائِدَةَ حَسَنٌ [3] .
وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ طَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ: «هَذَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ» [4] وَيُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي المغيرة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أقرئ عمر السّلام وأخبره أنّ غضبه
__________
[1] انظر الصفحة 65 حاشية رقم (4) .
[2] رواه الترمذي في المناقب (3751) باب 56 مناقب أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، من طريق: سعيد بن مسلمة، عن إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر، وفيه: «أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وهو آخذ بأيديهما..» ، وقال: هذا حديث غريب. وسعيد بن مسلمة ليس عندهم بالقويّ. وقد روي هذا الحديث أيضا من غير هذا الوجه عن نافع، عن ابن عمر.
[3] رواه الترمذي في المناقب (3742) باب 52 مناقب أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وقال:
وفي الباب عن ابن مسعود. هذا حديث حسن. وروى سفيان الثوري هذا الحديث عن عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ، عن ربعيّ، عن حذيفة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم. وانظر رقم (3743) .
[4] رواه الترمذي في المناقب (3753) باب 57 مناقب أبي بكر الصّدّيق، وقال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، هذا حديث مرسل. وعبد الله بن حنطب لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(3/257)
عزّ وجلّ وَرِضَاهُ حُكْمٌ» . وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ، وَبَعْضُهُمْ يَصِلُهُ عَنِ ابن عبّاس [1] .
وقال محمد بْنِ سَعْدِ [2] بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إيهًا يا بن الخطّاب فو الّذي نفسي بيده مَا لقِيكَ الشيطان سالكًا فجًّا [3] إلَّا سلك فجًّا غير فجِّك» [4] . وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنّ الشيطان يفرق من عمر» [5] .
__________
[1] أخرجه ابن الجوزي في مناقب عمر 28، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 69 وقال: رواه الطبراني في الأوسط.
[2] في نسخة دار الكتب «سعيد» وهو خطأ.
[3] في صحيح البخاري 4/ 199 «فجّا قطّ» .
[4] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم 4/ 199 باب مناقب عمر بن الخطّاب، وفي الأدب 7/ 93 باب التبسّم والضّحك، وفي بدء الخلق 4/ 96 باب صفة إبليس وجنوده، ومسلم في فضائل الصحابة (2396) باب من فضائل عمر رضي الله عنه، وأحمد في المسند 1/ 171 و 182 و 187.
والحديث أطول ممّا هنا وهو عن محمد بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: استأذن عمر بن الخطّاب على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعنده نسوة من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ على صوته، فلمّا استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنّك يا رسول الله، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلّم:
«عجبت من هؤلاء اللّائي كنّ عندي، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» فقال عمر: فأنت أحقّ أن يهبن يا رسول الله، ثم قال عمر: يا عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟
فقلن: نعم أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إيها يا ابن الخطّاب والّذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجّا قطّ إلّا سلك فجّا غير فجّك» .
[5] أخرجه أحمد في المسند 5/ 353 من طريق: عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أنّ أمة سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورجع من بعض مغازيه فقالت: إنّي كنت نذرت إن ردّك الله صالحا أن أضرب عندك بالدّف، قال: إن كنت فعلت فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي، فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ودخل غيره وهي تضرب، ثم دخل عمر، قال: فجعلت دفّها خلفها وهي مقنعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الشيطان ليفرق منك يا عمر، أنا جالس ها هنا ودخل هؤلاء فلمّا أن دخلت فعلت ما فعلت» .(3/258)
رَوَاهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَعَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي زَفَنِ الْحَبَشَةِ لَمَّا أَتَى عُمَرُ: «إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ» . صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ [1] .
وَقَالَ حُسَيْنُ بْنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَمَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَجَعَ مِنْ غَزَاةٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ عِنْدَكَ بِالدُّفِّ، قَالَ: «إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَافْعَلِي فَضَرَبَتْ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَجَعَلَتْ دُفَّهَا خَلْفَهَا وَهِيَ مُقَنَّعَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرُقُ مِنْكَ يَا عُمَرُ» [2] . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَمَانَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَبْطَأَ خَبَرُ عُمَرَ عَلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَأَتَى امْرَأَةً فِي بَطْنِهَا شَيْطَانٌ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: حَتَّى يَجِيءَ شَيْطَانِي، فَجَاءَ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ:
تَرَكْتُهُ مُؤْتَزِرًا وَذَاكَ رَجُلٌ لَا يَرَاهُ شَيْطَانٌ إِلَّا خَرَّ لِمَنْخِرَيْهِ، الْمَلَكُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَرُوحُ الْقُدُسِ يَنْطِقُ بلسانه [3] .
__________
[1] رواه الترمذيّ عن الحسن بن الصباح البزار، أخبرنا زيد بن الحباب، عن خارجة بن عبد الله ابن سليمان بن زيد بن ثابت قال: أخبرنا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسا فسمعنا لغطا وصوت صبيان. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا حبشية تزفن وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي» ، فجئت، فوضعت لحييّ على منكب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلت انظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: «ما شبعت أما شبعت» ؟
قالت: فَجَعَلْتُ أَقُولُ: لَا. لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ إِذْ طلع عمر. قالت: فارفضّ الناس عنها، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنّي لأنظر إلى شياطين الجنّ أو الإنس قد فرّوا من عمر» قالت:
فرجعت. قال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. (مناقب عمر، باب رقم 71- 3774) .
[2] أخرجه أحمد في المسند 5/ 353، والترمذي في مناقب عمر، باب 71 رقم (3773) .
[3] مناقب أمير المؤمنين عمر لابن الجوزي 49.(3/259)
وَقَالَ زِرّ: كان ابن مسعود يخطب ويقول: إنّي لأحسب الشيطان يَفْرقُ من عُمَر أنْ يُحدث حَدَثًا فيردّه، وإنّي لأحسِب عمرَ بين عينيه مَلَكٌ يسدِّده ويقوِّمه.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ [1] فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [2] . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» . رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْهُ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ [3] .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لسان عمر [4] .
__________
[1] محدّثون: قال ابن وهب: ملهمون. وقيل: مصيبون، إذا ظنّوا فكأنّهم حدّثوا بشيء فظنّوه.
وقيل: تكلّمهم الملائكة، وقال البخاري: يجري الصواب على ألسنتهم.
[2] في فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (2398) ، ورواه ابن الجوزي في مناقب عمر ص 23، والترمذي في مناقب عمر، باب 73 رقم (3776) ، وأخرجه البخاري من طريق إبراهيم بن سعد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه، وزاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلّمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمّتي منهم أحد فعمر» . قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما من نبيّ ولا محدّث. (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر 4/ 200) ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 117، والحاكم في المستدرك 3/ 86، والنووي في تهذيب الأسماء 2/ 7 وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 64.
[3] أخرجه الترمذي في المناقب، باب 65 رقم (3765) وقال: وفي الباب عن الفضل بن عبّاس، وأبي ذرّ، وأبي هريرة. هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 66 باب إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وأخرجه السيوطي في تاريخ الخلفاء 117، والحاكم في المستدرك 3/ 87 وتابعه الذهبي في تلخيصه، وابن ماجة في المقدّمة باب 11 رقم (108) .
[4] أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 67 وقال: رواه الطبراني في الأواسط، وأخرجه السيوطي في تاريخ الخلفاء 118 وقال: أخرجه ابن منيع في مسندة عن عليّ.(3/260)
وَقَالَ أَنْس: قَالَ عُمَر: وافقتُ ربيّ في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي قوله عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ 66: 5 [1] .
وَقَالَ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مِشْرَحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ» [2] . وَجَاءَ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن اللَّهَ تَعَالَى بَاهَى بِأَهْلِ عَرَفَةَ عَامَّةً وَبَاهَى بِعُمَرَ خَاصَّةً» [3] . وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. وَقَالَ مَعْنٌ الْقَزَّازُ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ اللَّيْثِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ [4] ، عَنِ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَقُّ بَعْدِي مَعَ عُمَرَ حَيْثُ كَانَ» [5] . وَقَالَ ابْنُ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرَّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ» قَالُوا: فما أوّلت ذلك؟ قال: «العلم» [6] .
__________
[1] سورة التحريم- الآية 5.
والحديث أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، رقم (2399) من طريق نافع، عن ابن عمر، قال: قَالَ عُمَر: وافقتُ ربيّ في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر، وابن عبد البرّ في الاستيعاب 2/ 462، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 122، والنووي في تهذيب الأسماء 2/ 8.
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 85 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 68 عن عصمة، وقال: رواه الطبراني، والترمذي رقم 3769.
[3] أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 70 وقال: رواه الطبراني، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 119 وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 65، 66.
[4] في نسخة دار الكتب «قسط» وهو خطأ، والتصويب من الأصل وغيره..
[5] أخرجه السيوطي في تاريخ الخلفاء 119 وقال: أخرجه الطبراني، والديلميّ.
[6] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه 4/ 198 من طريق ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن حمزة، عن أبيه، ومسلم في(3/261)
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قَالُوا: مَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ «الدِّينَ» [1] . وَقَالَ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرَ» [2] . وَقَالَ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: «لِمَنْ هَذَا» ؟ قِيلَ: لِشَابٍّ مِنْ قُرَيْشٍ، فَظَنَنْتُ أَنِّي أَنَا هُوَ، فَقِيلَ:
لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ [3] . وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلُهُ [4] .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الَجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ
__________
[ () ] فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، رقم (2391) والترمذي في المناقب، باب 69 رقم (3770) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، والدارميّ في الرؤيا 13، وأخرج الهيثمي نحوه في مجمع الزوائد 9/ 69 وقال: هو في الصحيح بغير سياقه، رواه الطبراني، وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لفؤاد عبد الباقي- 3/ 126، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 7، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 60، وعبد الرزاق في المصنّف 11/ 224، وابن طهمان في مشيخته 192، 193 رقم 147، ونوادر الأصول 119 من طريق أبي سلمة.
[1] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم، باب مناقب عمر 4/ 201، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، رقم (2390) ، وابن عبد البرّ في الإستيعاب 2/ 463، والنووي في تهذيب الأسماء 6/ 7، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 62، وعبد الرزاق في المصنّف 11/ 224، وابن الطهماني في مشيخته 194 رقم (149) ، والذهبي في تذكرة الحفّاظ 1/ 336.
[2] أخرجه أحمد في المسند 3/ 184 وله تكملة، و 3/ 281، وانظر ابن سعد 3/ 291.
[3] أخرجه أحمد في المسند 3/ 179، والترمذي في المناقب (3771) وقال: حديث حسن صحيح، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 64.
[4] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم، باب مناقب عمر 4/ 198، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، رقم (2394) ، وانظر الترمذي في المناقب 5/ 283.(3/262)
غَيْرَةَ عُمَرَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» . قَالَ فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟ [1] .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ طَلَعَ أَبُو بكر وعمر فقال: «هذان سيدا كهول أهل الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ لَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ» [2] . هَذَا الْحَدِيثُ سَمِعَهُ الشَّعْبِيُّ مِنَ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَلَهُ طُرُقٌ حَسَنَةٌ عَنْ عَلِيٍّ مِنْهَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ.
وَأَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ. قَالَ الْحَافِظُ ابن عَسَاكِرَ: وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ.
وَقَالَ مُجَالِدٌ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَطِيَّةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا لَيَرَوْنَ مَنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ منهم وأنعما» [3] .
__________
[1] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم، باب مناقب عمر 4/ 198، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، رقم (2395) ، وابن ماجة في المقدّمة، باب فضل عمر 1/ 40 رقم (107) وأحمد في المسند 2/ 339، والنووي في تهذيب الأسماء 2/ 7، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 62، وابن ماجة في المقدّمة 11، وعبد الرزاق 11/ 224، وابن الطهماني 192.
[2] أخرجه الترمذي في المناقب، باب 53 مناقب أبي بكر، رقم (3747) ، وابن ماجة في المقدّمة باب فضل أبي بكر، رقم (100) من طريق مالك بن مغول، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وأحمد في المسند 1/ 80 من طريق الحسن بن زيد بن الحسن، عن أبيه، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، والنووي في تهذيب الأسماء 2/ 10، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 63.
[3] أخرجه أحمد في المسند 3/ 50 ولفظه: «إن أهل علّيين ليراهم من هو أسفل منهم كما يرى الكوكب فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لمنهم وأنعما» . وأخرجه الترمذي في المناقب (3738) وابن ماجة في المقدّمة (96) ، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 10، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 63.(3/263)
وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَنْ يَمِينِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَنْ يَسَارِهِ عُمَرُ فَقَالَ: «هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [1] » . تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأُمَوِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ.
وَقَالَ عليّ رضي الله عنه بالكوفة على منبرها في ملأٍ من النّاس أيّام خلافته: خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْر، وخيرُها بعد أبي بكر عُمَر، ولو شئتُ أنْ أسمّي الثالث لَسَمَّيْتُهُ [2] . وهذا متواترٌ عَنْ عليّ رضي الله عنه، فقبّح الله الرافضة.
وقال الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْقَاسِمِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ قَيْسٍ الْخَارِفِيِّ [3] سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَثَلَّثَ عُمَرُ، ثُمَّ خَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ فكان ما شاء الله [4] . ورواه شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» [5] .
وَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ [6] الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَبْدِ الملك، وكان سفيان
__________
[1] الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 3/ 1215.
[2] أخرجه ابن ماجة في المقدّمة 1/ 39 رقم (106) باب فضل عمر.
[3] الخارفي: بفتح الخاء المعجمة والراء بعد الألف في آخرها فاء. نسبة إلى خارف، بطن من همدان نزل الكوفة. الأنساب 5/ 14.
[4] رواه أحمد في المسند 1/ 124، 125 و 132 وأخرجه من طريق خلف بن حوشب، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن عليّ، 1/ 125 و 147.
[5] رواه الترمذي في المناقب، باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه، رقم (3742) وقال: وفي الباب عن ابن مسعود. هذا حديث حسن، وأخرجه ابن ماجة في المقدّمة 1/ 37 رقم (97) باب فضل أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وأحمد في المسند 5/ 382 و 385 و 399 و 402، والنووي في تهذيب الأسماء 2/ 9.
[6] في نسخة دار الكتب «حصين» وهو تصحيف السمع، أو هو وهم.(3/264)
رُبَّمَا دَلَّسَهُ وَأَسْقَطَ مِنْهُ زَائِدَةَ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ هِلَالٍ مَوْلَى رِبْعِيٍّ عَنْ رِبْعِيٍّ [1] . وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عُمَرَ [2] .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ نَاسٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ فَقَالُوا: يسعك أن تُوَلِّي علينا عُمَر وأنت ذاهبٌ إلى ربك فماذا تقول له؟ قَالَ: أقول: وَلَّيْتُ عليهم خيرَهم [3] .
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: أوّل من حيّا عُمَر بأمير المؤمنين المُغيْرة بْن شُعْبة [4] .
وَقَالَ القاسم بْن محمد: قَالَ عُمَر: ليعلم من وُلّي هذا الأمر من بعدي أنْ سيُر يده عنه القريبُ والبعيدُ، إنّي لأقاتِل النّاسَ عَنْ نفسي قتالًا، ولو علمت أنّ أحدًا أقوى عليه منّي لكنت أنْ أقْدَمَ فتُضْربَ عُنُقي أحب إليّ مِنْ أنْ ألِيَه [5] .
وعن ابن عباس قَالَ: لمّا ولي عُمَر قيل له: لقد كاد بعضُ النَّاس أن يجيد هذا الأمر عنك، قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ: يزعمون أنّك فَظٌّ غليظ، قَالَ: الحمد للَّه الَّذِي ملأ قلبي لهم رُحْمًا [6] وملأ قلوبهم لي رعبا [7] .
__________
[1] انظر سنن الترمذي 5/ 271 رقم (3742) .
[2] رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء 120 وقال: أخرجه ابن عساكر.
[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 274 من طريق صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عن عائشة، بنحوه، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 120.
[4] الإستيعاب لابن عبد البرّ 2/ 465.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 275، مناقب عمر لابن الجوزي 58.
[6] الرّحم: بالضم، الرحمة. (النهاية لابن الأثير) .
[7] انظر نحوه مختصرا في مناقب عمر لابن الجوزي 134 و 135.(3/265)
وَقَالَ الأحنف بْن قيس: سمعت عُمَر يَقُولُ: لَا يحلّ لعمر من مال الله إلَّا حُلَّتَيْنِ: حُلّة للشتاء وحُلّة للصيف، وما حجّ به واعتمر، وقوت أهلي كرجلٍ من قريش ليس بأغناهم، ثُمَّ أنا رجل من المُسْلِمين [1] .
وَقَالَ عُرْوة: حجّ عُمَر بالنّاس إمارته كلّها [2] .
وقال ابن عمر: ما رأيت أحدا قط بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حين قُبض أجدّ [3] ولا أجود من عُمَر [4] .
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: فتح الله الشام كلَّه على عُمَر، والجزيرة ومصر والعراق كلّه، ودوَّن الدواوين قبل أن يموت بعام، وقسّم على النّاس فيْئهم.
وَقَالَ: عَاصِمُ بْنُ [5] أَبِي النَّجُودِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عَنْ خُزَيْمَةَ ابن ثَابِتٍ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ عَامِلًا كَتَبَ لَهُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ بِرْذَوْنًا، وَلا يَأْكُلَ نِقْيًا، وَلا يَلْبَسَ رَقِيقًا، وَلا يُغْلِقَ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَاتِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ حَلَّتْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ [6] .
وَقَالَ طارق بْن شهاب: إنْ كان الرجل ليحدّث عُمَر بالحديث فيكذبه الكِذْبة فيقول: احبسْ هذه، ثُمَّ يحدّثه بالحديث فيقول: احبسْ هذه، فيقول له: كلّ مَا حدّثتُك حقٌ إلَّا مَا أمرتني أن أحبسه [7] .
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 276 وزاد في آخره «يصيبني ما أصابهم» ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 128.
[2] انظر طبقات ابن سعد 3/ 283.
[3] في الأصل «أحد، والتصويب من نسخة دار الكتب، وصحيح البخاري، وابن سعد.
[4] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ، باب مناقب عمر 4/ 200، وابن سعد في الطبقات 3/ 292، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 120، والنووي في تهذيب الأسماء 2/ 9.
[5] في النسخة (ح) «عن» بدل «بن» وهو وهم.
[6] تاريخ الخلفاء للسيوطي 128.
[7] تاريخ الخلفاء 127 وقال: أخرجه ابن عساكر.(3/266)
وَقَالَ ابن مسعود: إذا ذُكر الصالحون فَحَيْهلًا بعمر، إنّ عُمَر كان أَعْلَمَنَا بكتاب الله وأفْقَهَنا في دين الله [1] .
وَقَالَ ابن مسعود: لو أنّ عِلْم عُمَر وُضِعَ في كفة ميزان ووُضِعَ عِلْم أحياء الأرض في كفَّةٍ لَرَجَح عِلْمُ عُمَر بعِلْمِهم [2] .
وَقَالَ شمر عن حُذَيْفة قَالَ: كَانَ علم النَّاس مدسوسا في جحر مَعَ عُمَر [3] .
وَقَالَ ابن عُمَر: تعلّم عمرُ البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلمّا تعلّمها نحر جَزُورًا.
وَقَالَ الَعوّام بْن حَوْشَب: قَالَ معاوية: أمّا أَبُو بكر فلم يرد الدنيا ولم تُرِده، وأمّا عُمَر فأرادته الدنيا ولم يُرِدّها، وأمّا نحن فتمرّغْنا فيها ظَهْرًا لبطنٍ [4] .
وَقَالَ عِكْرمة بْن خالد وغيره: إنّ حفصة، وعبد الله، وغيرهما كلّموا عمرَ فقالوا: لو أكلت طعامًا طيّبًا كان أقوى لك على الحقّ، قَالَ: أكُلُّكُم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم، قَالَ: قد علمتُ نُصْحَكُم ولكنّي تركت صاحبي على جادّةٍ فإنْ تركتُ جادَّتهُما لم أُدْرِكْهُما في المنزل [5] .
قَالَ: وأصاب النّاسَ سنةٌ [6] فما أكل عامئذٍ سَمْنًا ولا سمينًا [7] .
__________
[1] تاريخ الخلفاء 120 و 121.
[2] تاريخ الخلفاء 120.
[3] تاريخ الخلفاء 120 وفيه «حجر» بدل «جحر» .
[4] تاريخ الخلفاء 120 وقال: أخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات. وأقول لم أجده في «الأخبار الموفقيات» المطبوع.
[5] تاريخ الخلفاء 128.
[6] السنة: المجاعة.
[7] تاريخ الخلفاء 128.(3/267)
وقال ابن أبي مُلَيْكَة: كلّم عُتْبة بْن فرقد عُمَر في طعامه، فَقَالَ:
وَيْحَكَ آكل طيّباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها [1] !.
وقال مبارك، عَنِ الحسن: دخل عُمَر على ابنه عاصم وهو يأكل لحمًا فَقَالَ: مَا هذا؟ قَالَ: قَرِمنا [2] إليه، قَالَ: أوَ كلّما قَرِمْت إلى شيءٍ أكلتَه! كفى بالمرء سَرَفًا أنْ يأكل كلَّ مَا اشتهى [3] .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ عُمَرُ:
لَقَدْ خَطَرَ عَلَى قَلْبِي شَهْوَةُ السَّمَكِ الطَّرِيِّ، قَالَ وَرَحَّلَ «يَرْفَأُ» [4] رَاحِلَتَهُ وَسَارَ أَرْبَعًا مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، وَاشْتَرَى مِكْتَلًا فَجَاءَ بِهِ، وَعَمَدَ إِلَى الرَّاحِلَةِ فَغَسَلَهَا، فَأَتَى عُمَرَ فَقَالَ: انْطَلِقْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرَّاحِلَةِ، فَنَظَرَ وَقَالَ: نَسِيتَ أَنْ تَغْسِلَ هَذَا الْعَرَقَ الَّذِي تَحْتَ أُذُنِهَا، عَذَّبْتَ بَهِيمَةً فِي شَهْوَةِ عُمَرَ، لَا واللَّهِ لَا يَذُوقُ عُمَرُ مِكْتَلَكَ [5] .
وَقَالَ قتادة: كان عُمَر يلبس، وهو خليفة، جُبَّةً من صوف مرقوعًا بعضُها بأدم، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدِّرَّة يؤدّب النّاس بها، ويمرّ بالنِّكث [6] وَالنَّوَى فيلقطه ويلقيه في منازل النّاس لينتفعوا به [7] .
قَالَ أَنْس: رأيت بين كتِفَيْ عمر أربع رقاع في قميصه [8] .
__________
[1] تاريخ الخلفاء 128.
[2] القرم: بالتحريك شدّة الشهوة إلى اللحم.
[3] تاريخ الخلفاء 128، 129.
[4] اسم غلام كان لعمر.
[5] تاريخ الخلفاء 129.
[6] النّكث: بالكسر: الغزل المنقوض.
[7] تاريخ الخلفاء 129 وأخرج بعضه ابن سعد في الطبقات 3/ 330 من طريق عبيد الله بن الوليد، عن العوّام بن جويرية، عن أنس بن مالك.
[8] طبقات ابن سعد 3/ 328، تاريخ الخلفاء 129، أسد الغابة لابن الأثير 4/ 62.(3/268)
وَقَالَ أَبُو عثمان النَّهْديّ: رأيت على عُمَر إزارًا مرقوعًا بأدم [1] .
وَقَالَ عبد الله بْن عامر بْن ربيعة: حججت مع عُمَر، فما ضرب فسطاطا [2] ولا خِباء، كان يلقي الكساء والنّطْع على الشجرة ويستظل تحته [3] .
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْن مُسْلِمِ بْن هُرمز، عَنْ أبي الغادية الشامي قَالَ: قدِم عمرُ الجابية [4] على جملٍ أوْرَقَ تَلُوحُ صَلْعَتُهُ للشمس [5] ، ليس عليه قَلَنْسُوَة ولا عمامة، قد طبّق رجليه بين شُعبَتَيِ الرحل بلا رِكاب، ووطاؤه كِساء أنبجانيّ [6] من صوف وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته محشوة ليفا [7] ، وَهِيَ إِذَا نزل وساده، وَعَلَيْهِ قميص من كرابيس [8] قد دَسِم وتخرّق جيبُه، فَقَالَ:
ادعوا لي رأس القرية، فدعوه له فَقَالَ: اغسلوا قميصي وخيّطوه وأعيروني قميصًا، فأُتي بقميص كتَّان فَقَالَ: مَا هذا؟ قيل: كِتَّان، قَالَ: وما الكَتّان؟
فأخبروه فنزع قميصه فغسلوه ورقّعوه ولبسه، فَقَالَ له رأس القرية: أنت مَلِك العرب وهذه بلاد لَا تصلُح فيها الإبل. فأُتي ببِرْذَوْن فطرح عليه قطيفة بلا سَرْجٍ ولا رَحْلَ، فلمّا سار هُنَيْهَةً قَالَ: احبسوا، مَا كنت أظنّ النّاسَ يركبون الشيطان، هاتوا جملي [9] .
وَقَالَ المُطَّلب بْن زياد، عَنْ عبد الله بْن عيسى: كان في وجه عمر بن
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 328، تاريخ الخلفاء 129.
[2] خيمة.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 279، تاريخ الخلفاء 129، مناقب عمر لابن الجوزي 140.
[4] الجابية: قرية حوران.
[5] كذا في نسخة دار الكتب. وفي الأصل وغيره (بالشمس) .
[6] نسبة إلى منبج.
[7] هذا ما في نسخة دار الكتب. وفي الأصل وفي ح (ليف) . وكلاهما صواب.
[8] أي قطن.
[9] مناقب عمر لابن الجوزي 150.(3/269)
الخطاب خطّان أسودان من البكاء [1] .
وعن الحسن قَالَ: كان عُمَر يمّر بالآية من وِرْده فيسقط حتّى يُعاد منها أيامًا [2] .
وَقَالَ أَنْس: خرجت مع عُمَر فدخل حائطًا فسمعته يَقُولُ وبيني وبينه جدار: عُمَر بْن الخطاب أمير المؤمنين والله لَتَتَّقِيَنَّ الله بني [3] الخطّاب أو لَيُعَذِّبَنَّكَ [4] .
وَقَالَ عبد الله بْن عامر بْن ربيعة: رأيت عُمَر أخذ تبنة من الأرض فَقَالَ: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أَكُ شيئًا، ليت أمّي لم تلِدْني [5] .
وَقَالَ عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن حفص: إنّ عُمَر بْن الخطاب حمل قِرْبَةً على عُنُقِه، فقيل له في ذلك فَقَالَ: إن نفْسي أعجبتني فأردت أن أذلَّها [6] .
وَقَالَ الصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: شَهِدْتُ جَلُولاءَ فَابْتَعْتُ مِنَ الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ عُرِضْتُ عَلَى النَّارِ فَقِيلَ لَكَ: افْتَدِهِ، أَكُنْتَ مُفْتدِيَّ بِهِ؟
قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا مِنْ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ إِلَّا كُنْتُ مُفْتَدِيكَ مِنْهُ، قَالَ: كَأَنِّي شَاهِدُ النَّاسِ حِينَ تَبَايَعُوا فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَأَنْتَ كَذَلِكَ فَكَانَ أَنْ يُرَخِّصُوا عَلَيْكَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَغْلُوا عَلَيْكَ، وَإِنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ وَأَنَا مُعْطِيكَ أكثر ما ربح تاجر من
__________
[1] مناقب عمر لابن الجوزي 168 وفيه: وفي رواية خطّان مثل الشراك من البكاء.
[2] ابن الجوزي 168.
[3] هكذا في الأصل. وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي 129 «يا ابن الخطّاب» .
[4] تاريخ الخلفاء 129.
[5] تاريخ الخلفاء 129.
[6] تاريخ الخلفاء 129.(3/270)
قُرَيْشٍ، لَكَ رِبْحُ الدِّرْهَمِ دِرْهَمٌ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا التُّجَّارَ فَابْتَاعُوهُ مِنْهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَ إِلَيَّ ثَمَانِينَ أَلْفًا وَبَعَثَ بِالْبَاقِي إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لِيَقْسِمَهُ.
وَقَالَ الحسن: رأى عُمَر جاريةً تطيش هُزالًا فَقَالَ: من هذه؟ فَقَالَ عبد الله: هذه إحدى بناتك. قَالَ: وأيُّ بناتي هذه؟ قَالَ: بنتي، قَالَ: مَا بلغ بها مَا أرى؟ قَالَ عملُكَ! لَا تُنفق عليها، قَالَ: إني والله مَا أعول وَلَدَك فاسْعَ عليهم أيُّها الرجل [1] .
وَقَالَ محمد بْن سيرين: قدِمَ صهْرٌ لعمر عليه فطلب أن يُعطيه عُمَر من بيت المال فانتهره عُمَر وَقَالَ: أردت أن ألقى الله مَلِكًا خائنًا! فلما كان بعد ذلك أعطاه من صُلْب ماله عشرة آلاف دِرْهم [2] .
قَالَ حُذيفة: واللَّهِ مَا أعرف رجلًا لَا تأخذه في الله لَوْمَةُ لائمٍ إلَّا عُمَر [3] .
وَقَالَ حُذَيْفَة: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الفتنة؟ قلت: أنا. قَالَ: إنك لَجَريء، قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفِّرها الصلاة والصيام [4] وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ: ليس عنها أسألك ولكن الفتنة التي تموج مَوْجَ البحر، قلت: ليس عليك منها بأس إنّ بينك وبينها بابًا مُغْلقًا، قَالَ: أيُكْسَر أم يُفْتَحُ؟ قلت: بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا، قلنا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟
قَالَ: نعم كما يعلم أنّ دون غدٍ الليلة، إنّي حدّثته حديثًا ليس بالأغاليط،
__________
[1] مناقب عمر لابن الجوزي 105 طبقات ابن سعد 3/ 277.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 303، 304، تاريخ الخلفاء للسيوطي 130.
[3] تاريخ الخلفاء 120.
[4] «الصيام» ساقطة من نسخة دار الكتب وغيرها. والاستدراك من صحيح البخاري.(3/271)
فسأله مسروق: مَن الباب؟ قَالَ: الباب عُمَر. أخرجه البُخاري [1] .
وَقَالَ إبراهيم بْن عبد الرحمن بْن عوف: أُتي عمرُ بكنوز كِسْرى، فَقَالَ عبد الله بْن الأرقم: أتجعلُها في بيت المال حتى تقسمها؟ فَقَالَ عُمَر: لَا واللهِ لَا آويها إلى سقفٍ حتى أُمْضيها، فوضعها في وسط المسجد وباتوا يحرسونها، فلمّا أصبح كشف عنها فرأى من الحمراء والبيضاء مَا يكاد يتلألأ، فبكى فَقَالَ له أبي: مَا يبكيك يا أمير المؤمنين فو الله إنّ هذا لَيوم شُكْر ويوم سرور! فَقَالَ: وَيْحَكَ إن هذا لم يُعْطَه قوم إلَّا أُلْقِيَتْ بينهم العداوة والبغْضاء.
وَقَالَ أسلم مولى عُمَر: استعمل عُمَر مولى له على الحمى فَقَالَ: يا هُنَيُّ اضمُمْ جناحَك عَنِ المُسْلِمين وَاتَّقِ دعوةَ المظلوم فإنّها مُستجابة، وأدْخِل ربَّ الصُّرَيْمَة والغُنيْمة، وإيّاي وَنَعَم ابن عَوْف ونَعَم ابن عفّان فإنّهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرعٍ ونخلٍ، وإنّ رب الصُّريمة والغُنيْمة إنْ تهْلِك ماشِيتُهُما يأتِني ببَنِيه فيقول: يا أمير المؤمنين! أفتاركهم أنا لا أبا لك! فالماء والكَلأ أيسر عليَّ من الذهب والفضة، وَايْمُ اللَّهِ إنُهم ليرون أنّي قد ظلمتُهُم، إنّها لَبِلادُهُم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المالُ الَّذِي أحمِلُ عليه في سبيل الله مَا حَمَيْتُ عليهم من بلادهم شِبْرًا. أخرجه البخاري [2] .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: دَوَّن عمرُ الدّيوان، وفرض للمهاجرين الأوّلين خمسة
__________
[1] في المواقيت 1/ 133 باب الصلاة كفّارة، وفي الزكاة 2/ 119 باب الصدقة تكفّر الخطيئة، وفي الصوم 2/ 226 باب الصوم كفّارة، وفي المناقب 4/ 174 باب علامات النبوّة، وفي الفتن 8/ 96 باب الفتنة التي تموج كموج البحر، وأخرجه مسلم في الإيمان (231) باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، وفي الفتن وأشراط الساعة (26) باب في الفتنة التي تموج موج البحر، والترمذي في الفتن باب 61 رقم (2359) ، وابن ماجة في الفتن، رقم (3955) ، وأحمد في المسند 5/ 386 و 401 و 405.
[2] في الجهاد والسير 4/ 33 باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم، ومالك في الموطّأ 707، 708 رقم (1842) باب ما يتّقى من دعوة المظلوم.(3/272)
آلاف خمسة آلاف، وللأنصار أربعةَ آلافٍ أربعة آلاف، ولأُمَّهات المؤمنين اثني عشر ألفًا اثني عشر ألفًا [1] .
وَقَالَ إبراهيم النَّخْعيّ: كان عُمَر يتجر وهو خليفة [2] .
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مَالِكِ الدَّارِ قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَانِ عُمَرَ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ وَقَالَ:
ائْتِ عُمَرَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْه أَنَّهُمْ مُسْقَوْنَ وَقُلْ لَهُ: عَلَيْكَ الْكَيْسَ الْكَيْسَ، فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ عُمَرَ فَبَكَى وَقَالَ: يَا رَبِّ مَا آلُو مَا عَجَزْتُ عَنْهُ.
وَقَالَ أَنْس: تقرقر بطْنُ عُمَر من أكل الزَّيت عام الرَّمَادة، كان قد حرم نفسه السَّمْن، قَالَ: فنقر بطنه بإصبعه وَقَالَ: إنه ليس [لك] [3] عندنا غيره حتى يحيا النّاس [4] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا كَانَ عَامُ الرَّمَادَةِ جَاءَتِ الْعَرَبُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَمَرَ رِجَالًا يَقُومُونَ بِمَصَالِحِهِمْ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَيْلَةً: «أَحْصُوا مَنْ يَتَعَشَّى عِنْدَنَا» فَأَحْصَوْهُمْ مِنَ الْقَابِلَةِ فَوَجَدُوهُمْ سَبْعَةَ آلافِ رَجُلٍ، وَأَحْصَوُا الرِّجَالَ الْمَرْضَى وَالْعِيَالاتِ فَكَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَ الرِّجَالُ وَالْعِيَالُ سِتِّينَ أَلْفًا، فَمَا بَرِحُوا حَتَّى أَرْسَلَ اللَّهُ السَّمَاءَ، فَلَمَّا مَطَرَتْ رَأَيْتُ عُمَرَ قَدْ وَكَّلَ بِهِمْ مَنْ يُخْرِجُونَهُمْ إِلَى الْبَادِيَةِ وَيُعْطُونَهُمْ قُوتًا [5] وَحُمْلانًا إلى باديتهم، وكان قد
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 300 تاريخ الخلفاء 130.
[2] تاريخ الخلفاء 130.
[3] ما بين الحاصرتين إضافة على الأصل من طبقات ابن سعد.
[4] طبقات ابن سعد 313.
[5] في الأصل «قوّة» وهو تحريف، والتصويب من نسخة دار الكتب، وطبقات ابن سعد.(3/273)
وَقَعَ فِيهِمُ الْمَوْتُ فَأَرَاهُ مَاتَ ثُلُثَاهُمْ، وَكَانَتْ قُدُورُ عُمَرَ تَقُومُ إِلَيْهَا الْعُمَّالُ مِنَ السَّحَرِ يَعْمَلُونَ الْكُرْكُورَ [1] وَيَعْمَلُونَ الْعَصَائِدَ [2] .
وعن أسلم قَالَ: كنّا نقول: لو لم يرفَعِ اللُه الْمُحْلَ عام الرَّمَادَة لَظَنَنَّا أن عُمَر يموت [3] .
وَقَالَ سُفيانُ الثَّوْري: مَنْ زعم أنّ عليًّا كان أحقّ بالولاية من أبي بكر وعمر فقد خطَأ أبا بكرٍ وعمر والمهاجرين والأنصار [4] .
وَقَالَ شريك: ليس يُقَدَّم عليًّا على أبي بكر وعمر أحد فيه خير [5] .
وَقَالَ أَبُو أسامة: تدرون من أَبُو بكر وعمر؟ هما أَبُو الإسلام وأُمُّه [6] .
وَقَالَ الحسن بْن صالح بْن حيّ: سمعت جعفر بْن محمد الصّادق يَقُولُ: أنا بريءٌ ممن ذكر أبا بكر وعمر إلَّا بخير [7] .
ذِكْر نسائه وأولاده
تزوّج زينب بنت مظعون، فولدت له عبد الله، وحفْصةَ، وعبد الرحمن [8] . وتزوج مُلَيْكَة الخُزَاعيّة، فولدت له عُبَيْد الله، وقيل أمّه وأمّ زيد الأصغر أمّ كلثوم بنت جَرْوَلٍ. وتزوّج أمَّ حُكَيْم بنت الحارث بْن هشام
__________
[1] في طبعة القدسي 3/ 156 «الكرنور» والتصويب من طبقات ابن سعد.
[2] طبقات ابن سعد 316، 317.
[3] زاد ابن سعد في طبقاته 3/ 315: «همّا بأمر المسلمين» .
[4] تاريخ الخلفاء 121.
[5] تاريخ الخلفاء 122.
[6] تاريخ الخلفاء 123.
[7] تاريخ الخلفاء 122.
[8] هو الأكبر. (تاريخ الطبري 4/ 198) .(3/274)
المخزومية، فولدت له فاطمة. وتزوّج جميلة بنت عاصم بْن ثابت [1] فولدت له عاصمًا. وتزوّج أُمّ كُلْثُوم بنت فاطمة الزَّهْراء [2] وأصْدَقَها أربعين ألفًا، فولدت له زيدًا [3] ورُقَيَّة. وتزوّج لُهَّيةَ امرأة من اليمن فولدت له عبد الرحمن الأصغر [4] . وتزوّج عاتكة بنت زيد بْن عمرو بْن نُفَيْلٍ التي تزوجها بعد موته الزُّبَيْر [5] .
وَقَالَ الَّليْث بْن سعد: استُخْلِف عُمَر فكان فتْحُ دمشق، ثُمَّ كان اليرموك سنة خمس عشرة، ثُمَّ كانت الجابية سنة ست عشرة، ثُمَّ كانت إيلياء وسَرْغ لسنة سبع عشرة، ثمّ كانت الرَّمَادة وطاعون عَمَوَاس سنة ثماني عشرة، ثُمَّ كانت جلولاء سنة تسع عشرة، ثُمَّ كان فتح باب لِيُون وقَيْسَارِية بالشام، وموت هِرَقْلَ سنة عشرين، وفيها فُتحت مصر، وسنة إحدى وعشرين فُتِحَتْ نَهَاونْد، وفُتِحَت الإسكندرية سنة اثنتين وعشرين. وفيها فُتِحت إصْطَخر وهَمَذان. ثم غزا عمرو بْن العاص أطْرابُلُسَ المَغْرِب. وغَزْوة عَمُورية وأمير مصر وهْب بْن عمير الجُمَحيّ، وأمير أهل الشام أَبُو الأعور سنة ثلاثٍ وعشرين. ثُمَّ قُتل عُمَر مَصْدَرَ الحاجّ في آخر السنة.
قَالَ خليفة [6] : وقعة جَلولاء سنة سبع عشرة.
__________
[1] هكذا في الأصل، والصحيح كما في طبقات ابن سعد 3/ 265: «جملة بنت ثابت بن أبي الأقلح واسمه قيس بن عصمة» . وعند الطبري 4/ 199 «جميلة أخت عاصم» وهو الصحيح.
[2] في النسخة (ع) «الزهري» وهو تحريف.
[3] هو الأكبر، ولا بقيّة له. (ابن سعد 3/ 265) .
[4] في طبقات ابن سعد 3/ 266 هو: عبد الرحمن الأوسط، وهو أبو المجبّر.
[5] ابن سعد 3/ 266، تاريخ الطبري 4/ 199.
[6] في تاريخه 136.(3/275)
وَقَالَ سعيد بْن المسيب: إنّ عُمَر لما نفر من مِنَى أناخ بالأبْطح، ثُمَّ كوَّم كَوْمَةً من بطحاء [1] واستلقى ورفع يديه إلى السّماء، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ كَبُرَتْ سِنِّي وضعفُتْ قوْتي وانتشرت رعيَّتي فاقبضْني إليك غير مُضَيّعٍ ولا مُفَرّط» فما انْسَلَخَ ذو الحجّة حتّى طُعِن فمات [2] .
وَقَالَ أَبُو صالح السَّمّان: قَالَ كعب لعمر: أجِدُك في التَّوْراة [3] تُقْتَلُ شهيدًا، قَالَ: وأنَّى لي بالشّهادة وأنا بجزيرة العرب [4] ؟ وَقَالَ أسلم، عَنْ عُمَر أنه قَالَ: اللَّهمّ ارزُقْني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. أخرجه البخاريّ [5] .
وقال معدان بْن أبي طَلْحة اليَعْمُرِيّ: خطب عُمَر يوم جمعةٍ وذكر نبيَّ الله وأبا بكر ثمّ قَالَ: رأيت كأنَّ ديِكًا نَقَرَني نَقْرَةً أو نَقْرَتَيْن، وإنِّي لَا أراه إلَّا حُضُورَ أَجَلِي، وإنّ قومًا يأمروني أنِ استخلِفَ وإنّ الله لم يكن لِيُضَيِّعَ دِينَه ولا خِلافَتَه فإنْ عجل بي أمرٌ فالخلافة شُورَى بين هؤلاء الستّة الّذين تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عنهم راضٍ [6] .
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: كان عُمَر لا يأذن لسبيّ قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المُغِيرَة بْن شُعْبة وهو على الكوفة يذكر له غلامًا عنده صِنَعًا [7]
__________
[1] أي من الحصى الصغير.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 334، 335، تاريخ الخلفاء 133، المستدرك للحاكم 3/ 92، أسد الغابة 4/ 73.
[3] انظر تاريخ الطبري 4/ 191.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 331.
[5] وابن سعد في طبقاته 3/ 331، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 133.
[6] في حاشية الأصل كتب هنا: «بلغت قراءة في الحادي والعشرين على مؤلّفه. كتبه عبد الرحمن بن البعلبكي. عفي عنه» .
والحديث في طبقات ابن سعد 3/ 335، 336 وتاريخ الخلفاء للسيوطي 133 والحاكم في المستدرك 3/ 91 وابن الأثير 4/ 73.
[7] صنعا: بالكسرة وبالتحريك: حاذق.(3/276)
ويستأذنه أن يدخل المدينةَ ويقول: إنّ عنده أعمالًا كثيرة فيها منافع للنّاس:
إنّه حدّاد نقاش نجّار، فأذِن له أن يُرْسِلَ به، وضرب عليه المُغِيرَة مائة دِرْهَمٍ في الشهر، فجاء إلى عُمَر يشتكي شدة الخراج، قَالَ: مَا خراجك بكثير.
فانصرف ساخطًا يتذمّر، فلبث عُمَر ليالي [1] ثُمَّ دعاه فَقَالَ: ألم أُخْبَرْ أنّك تقول: لو شاء لَصَنَعْتُ رحًى تَطْحَنُ بالرّيح؟ فالتفت إلى عمر عابسا وقال:
لأَصْنَعَنَّ لك رحًى يتحدث النَّاس بها، فلمّا وُليّ قَالَ عُمَر لأصحابه: أوعدني العبدُ آنفًا. ثمّ اشتمل أَبُو لؤلؤة على خِنْجَرٍ ذي رأسين نصابه في وسَطِه، فكمن في زاويةٍ من زوايا المسجد في الغَلَس [2] .
وَقَالَ عمرو بْن ميمون الأوديّ: إنّ أبا لؤلؤة عبد المُغِيرَة طعن عُمَر بخنجرٍ له رأسان وطعن معه اثني عشر رجلًا، مات منهم ستّة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبًا، فلمّا اغتمّ فيه قتل نفسه [3] .
وَقَالَ عامر بْن عبد الله بْن الزُّبَيْر عن أَبِيهِ قَالَ: جئت من السّوق وعمر يتوكّأ عليّ، فمرّ بنا أَبُو لؤلؤة، فنظر إلى عُمَر نظرةً ظَننْتُ أنّه لولا مكاني لبَطَش به، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإنّي لَبَيْن النّائم واليَقْظان، إذ سمعت عُمَر يَقُولُ: قتلني الكلبُ، فماج النّاس ساعةً، ثُمَّ إذا قراءة عبد الرحمن بْن عوف.
وَقَالَ ثابت البُناني، عَنْ أبي رافع: كان أَبُو لؤلؤة عبدًا للمُغِيرة يصنع الأرحاء، وكان المغيرة يستغلّه [4] كل يومٍ أربعة دراهم، فلقي عمر فقال: يا
__________
[1] في النسخة (ع) «لياليا» ، وهو خطأ، لأنّ «ليالي» ممنوعة من الصرف.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 345، تاريخ الخلفاء 133، وانظر تعليق الأستاذين الأخوين: علي وناجي الطنطاوي في: سيرة عمر بن الخطاب 2/ 607 حول هذه الرواية.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 340، تاريخ الخلفاء 134.
[4] هكذا في الأصل والمصادر الأخرى، وعند الحاكم في المستدرك «يستعمله» .(3/277)
أمير المؤمنين إنّ المُغِيرَة قد أثقل عليّ فكلِّمْه، فَقَالَ: أحْسِنْ إلى مولاك، ومن نِيَّة عُمَر أنْ يكلّم المُغِيرةَ فيه، فغضب وَقَالَ: يسع النّاس كلَّهم عدلُهُ غيري، وأضمر قتْلَه واتّخذ خِنْجَرًا وشحذه وسَمَّه، وكان عُمَر يَقُولُ: «أقيموا صفوفكم» قبل أنْ يكبّر، فجاء فقام حِذاءه في الصّفّ وضربه في كَتِفِه وفي خاصرته، فسقط عُمَر، وطعن ثلاثة عشر رجلًا معه، فمات منهم ستّة، وَحُمِلَ عمرُ إلى أهله وكادت الشمس أن تطلع، فصلّى ابن عَوْف بالنّاس بأقصر سورتين، وأُتي عُمَر بنبيذٍ فشربه فخرج من جُرْحه فلم يتبيّن، فسَقَوْه لَبَنًا فخرج من جرحه فقالوا: لَا بأس عليك، فَقَالَ: إنْ يكن بالقتل بأس فقد قُتِلْتُ [1] ، فجعل النَّاس يُثْنون عليه ويقولون: كنتَ وكنتَ، فَقَالَ: أما واللهِ وَدِدْتُ أني خرجت منها كفافًا لَا عليّ ولا لي وأنّ صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي [2] .
وأثنى عليه ابن عباس، فَقَالَ: لو أنّ لي طِلَاعَ الأرض ذَهَبًا [3] لافتديت به من هول [4] المُطَّلَع [5] ، وقد جعلتُها شُورَى في عثمان وعليّ وطلحة والزّبير وعبد الرحمن وسعد. وأمر صُهَيْبًا أنْ يصلّي بالنّاس، وأجّل الستَّة ثلاثًا [6] .
وعن عمرو بْن ميمون أنّ عُمَر قَالَ: «الحمد للَّه الَّذِي لم يجعل منيّتي
__________
[1] إلى هنا تنتهي الرواية عند الحاكم في المستدرك 3/ 91.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 353، مجمع الزوائد 9/ 76، 77 وفيه: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، وأسد الغابة 4/ 75، مناقب عمر لابن الجوزي 217.
[3] أي ما يملأ الأرض ذهبا حتى يطلع عنها ويسيل. (النهاية لابن الأثير) .
[4] في طبعة القدسي 3/ 161 «هو» بدل «هول» والتصويب من طبقات ابن سعد 3/ 352 وغيره.
[5] المطّلع: الموقف يوم القيامة. (النهاية لابن الأثير) .
[6] انظر طبقات ابن سعد 3/ 344، والمستدرك للحاكم 3/ 92، والاستيعاب لابن عبد البرّ 2/ 468، 469، مجمع الزوائد 9/ 77، مناقب عمر لابن الجوزي 219، تاريخ الخلفاء 134.
وأجّل السّتّة ثلاثا: أي ثلاثة أيّام.(3/278)
بيد رجلٍ يدّعي الإسلام» ثمّ قَالَ لابن عباس: كنت أنت وأبوك تحبان أن يَكْثُرَ العُلُوج بالمدينة. وكان العباس أكثرهم رقيقًا [1] .
ثُمَّ قَالَ، يا عبد الله! أنظر مَا عليّ من الدَّيْن، فحسبوه فوجدوه سِتَّةً وثمانين ألفًا أو نحوها، فَقَالَ: إنْ وَفَّى مالُ آل عُمَر فأّدِّهِ من أموالهم وإلَّا فاسْأل في بني عديٍّ فإنْ لم تفِ أموالُهُم فَسَلْ في قريش، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة فقُلْ: يستأذن عمرُ أنْ يُدْفَنَ مع صاحبيه، فذهب إليها فقالت: كنت أريده- تعني المكان- لنفسي ولأُؤْثِرَنَّهُ الْيَوْمَ على نفسي، قَالَ: فأتى عبد الله فَقَالَ: قد أذِنَتْ لك، فحمِدَ الله.
ثُمَّ جاءت أم المؤمنين حفصة والنّساء يستُرْنَها، فلمّا رأيناها قمنا، فَمَكَثَتْ عنده ساعة، ثمّ استأذن الرجالُ فَوَلَجَتْ داخلةً ثمّ سمعنا بُكَاءها.
وقيل له: أوْص يا أمير المؤمنين واستَخْلِف، قَالَ: مَا أرى أحدًا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفَر الذين تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عنهم راضٍ، فسمّى السّتَّة وَقَالَ: يشهد عبد الله بْن عُمَر معهم وليس له من الأمر شيء- كهيئة التعزية لَهُ- فإنْ أصابت الإمرةُ سعدًا فهو ذاك وإلا فلْيَسْتَعِنْ به أيُّكم مَا [2] أُمِّر، فإنّي لم أعزلْه من عجْزٍ ولا خيانة، ثُمَّ قَالَ: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا، في مثل ذلك من الوصيّة [3] .
فلمّا تُوُفيّ خرجنا به نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر وقال: عُمَر يستأذن، فَقَالَتْ عائشة: أدخلوه، فأُدْخِل فوُضع هناك مع صاحبيه [4] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 338.
[2] ابن سعد 3/ 338، 339، تاريخ الخلفاء للسيوطي 135.
[3] «ما» غير موجودة في المنتقى لابن الملّا.
[4] مناقب عمر لابن الجوزي 220، تاريخ الخلفاء للسيوطي 135.(3/279)
فلمّا فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرَّهْط، فَقَالَ عبد الرحمن بْن عَوْف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فَقَالَ الزُّبَيْر: قد جعلت أمري إلى عليّ وَقَالَ سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، وَقَالَ طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، قَالَ: فخلا هؤلاء الثلاثة فَقَالَ عبد الرحمن: أنا لَا أريدها فأيُّكما تبرّأ من هذا الأمر ونجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم في نفسه وليحرصنّ على صلاح الأُمَّة، قَالَ: فسكت الشيخان عليّ وعثمان، فَقَالَ عبد الرحمن: اجعلوه إليّ والله عليَّ لَا آلو عَنْ أفضلكم، قالا: نعم فخلا بعليّ وَقَالَ: لك من القِدَم في الإسلام والقرابة مَا قد علمت، الله عليك لئن أمَّرْتُك لتعدِلَنّ ولئن أَمَّرْتُ عليك لَتَسْمعَنَّ ولَتُطِيعَنَّ، قَالَ: ثُمَّ خلا بالآخر فَقَالَ له كذلك، فلمّا أخذ ميثاقهما بايع عثمان وبايعه عليّ [1] .
وَقَالَ المِسْوَر بْن مَخْرَمَة: لما أصبح عُمَر من الغد، - وهو مطعون- فزَّعُوه [2] فقالوا: الصَّلاة، ففزع وَقَالَ: نعم ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة، فصلّى وجرحُهُ يثقب دمًا [3] .
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَاءَ كَعْبٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ دَعَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَيُبْقِيَنَّهُ اللَّهُ وَلَيَرْفَعَنَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ حَتَّى يَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا. حَتَّى ذَكَرَ الْمَنَافِقِينَ فِيمَنْ ذَكَرَ، قَالَ: قُلْتُ: أُبَلِّغُهُ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ تُبَلِّغَهُ، فَقُمْتُ وَتَخَطَّيْتُ النَّاسَ حَتَّى جَلَسْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقُلْتُ: إِنَّ كَعْبًا يَحْلِفُ باللَّه لَئِنْ دَعَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَيُبْقِيَنَّهُ اللَّهُ وَلَيَرْفَعَنَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، قَالَ: ادْعُوا كَعْبًا فَدَعَوْهُ فَقَالَ: ما تقول؟ قال: أقول
__________
[1] ابن سعد 3/ 339، تاريخ الخلفاء للسيوطي 135.
[2] أي نبّهوه. وفي نسخة دار الكتب (قرّعوه) وهو تصحيف.
[3] ابن سعد 3/ 350 و 351، مناقب عمر 222.(3/280)
كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَدْعُو اللَّهَ وَلَكِنْ شَقِيَ عُمَرُ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ الله له [1] ، قال: وجاء صهيب فقال: وا صفيّاه وا خليلاه وا عمراه، فقال: مهلا يا صهيب أو ما بَلَغَكَ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ [2] .
[وعن ابن عباس قَالَ: كان أَبُو لؤلؤة مَجُوسيًا [3] .
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ] [4] قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا عَلَيْكَ لَوْ أجْهَدْتَ نَفْسَكَ ثُمَّ أَمَّرْتَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا؟ فَقَالَ عُمَرُ:
أَقْعِدُونِي. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَتَمَنَّيْتُ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَرْضَ الْمَدِينَةِ فَرَقًا مِنْهُ حِينَ قَالَ: أَقْعِدُونِي، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَمَّرْتُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ؟ قُلْتُ: فُلانًا، قَالَ: إِنْ تُؤَمِّرُوهُ فَإِنَّهُ ذُو شَيْبَتِكُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَرَأَيْتَ الْوَلِيدَ يَنْشَأُ مَعَ الْوَلِيدِ وَلِيدًا وَيَنْشَأُ مَعَهُ كَهْلًا، أَتَرَاهُ يَعْرِفُ مَنْ خَلَقَه؟ فَقَالَ:
نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَمَا أَنَا قَائِلٌ للَّه إِذَا سَأَلَنِي عَمَّنْ أَمَّرْتُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ: فُلانًا، وَأَنَا أَعْلَمُ مِنْهُ مَا أَعْلَمُ! فلا والّذي نفسي بيده لأردنها إِلَى الَّذِي دَفَعَهَا إِلَيَّ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ عَلَيْهَا مَن هُوَ خَيْرٌ مِنِّي لَا يَنْقُصُنِي ذَلِكَ مِمَّا أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا.
وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دخل على عُمَر عثمان، وعليٌ، والزُّبَيْر، وابن عوف، وسعد- وكان طلحة غائبًا- فنظر إليهم ثمّ قَالَ: إنّي قد نظرتُ لكم في أمر النّاس فلم أجد عند النّاس شقاقًا إلَّا أنْ يكون فيكم، ثُمَّ قَالَ: إنّ قومكم إمّا يؤمِّروا أحَدَكُم أيُّها الثلاثة، فإنْ كنت على شيء من أمر الناس يا عثمان فلا تحملن بني أبي مُعَيْط على رقاب الناس، وإن كنت علي شيء من أمر النَّاس يا عبد الرحمن فلا تحملنّ أقاربك
__________
[1] انظر ابن سعد 3/ 361، ومناقب عمر لابن الجوزي 211.
[2] انظر ابن سعد 3/ 346 و 362 ومناقب عمر 216 خ-
[3] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 71 رقم 77.
[4] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.(3/281)
على رقاب الناس. وإن كنت علي شيء من أمر النَّاس يا عليّ فلا تحملنّ بني هاشم على رقاب النَّاس، قوموا فتشاوروا وأمِّروا أحدكم، فقاموا يتشاورون [1] .
قَالَ ابن عُمَر: فدعاني عثمان مرَّةً أو مرتين ليُدْخلني في الأمر ولم يُسَمِّني عُمَر، ولا والله مَا أحبّ أني كنت معهم عِلْمًا منه بأنه سيكون من أمرهم مَا قَالَ أبي، والله لَقَلَّما سمعته حوّل شفتيه بشيء قطّ إلا كان حقًا، فلمّا أكثر عثمانُ دعائي قلت: ألا تعقلون! تؤمّرون وأمير المؤمنين حيّ! فو الله لكَأنّما أيقظتهم، فَقَالَ عُمَر: أمْهِلوا فإن حدث بي حدث فلْيُصل للناس صُهيْب ثلاثًا ثُمَّ اجتمعوا في اليوم الثالث أشراف النَّاس وأمراء الأجناد فأمِّروا أحدكم، فمن تأمرَّ عَنْ غير مشورةٍ فاضربوا عُنُقَه [2] .
وَقَالَ ابن عُمَر: كان رأس عُمَر في حجْرى فَقَالَ: ضع خدّي على الأرض، فوضعتُهُ فَقَالَ: وَيْلٌ لي وَوَيْلُ أمّي إنْ لم يرحمني ربّي [3] .
وعن أبي الحُوَيْرِث قَالَ: لمّا مات عُمَر ووُضِعَ ليُصَلَّى عليه اقتتل عليّ وعثمان [4] أيُّهما يصلّي عليه، فَقَالَ عبد الرحمن: إنّ هذا لهو الحِرْص على الإمارة، لقد علمتما مَا هذا إليكما ولقد أمَّر به غيركما، تقدَّمْ يا صُهَيْب فَصَلِّ عليه. فصلّى عليه [5] .
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وُضِعَ عُمَرُ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ حَتَّى قَامَ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ مَا مِنْ خَلْقٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ بَعْدَ صَحِيفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم من هذا
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 344.
[2] ابن سعد 3/ 344.
[3] ابن سعد 3/ 360 و 361.
[4] أي اختلفا أو تدافعا، وليس قتالا بمعنى القتل، كما في (النهاية) .
[5] ابن سعد 3/ 367، المستدرك للحاكم 3/ 92.(3/282)
الْمُسَجَّى عَلَيْهِ ثَوْبُهُ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ عدّة وجوده عَنْ عَلِيٍّ [1] .
وَقَالَ مَعْدان بْن أبي طَلْحَةَ: أُصيب عُمَر يوم الأربعاء لأربعٍ بقين من ذي الحجّة، وكذا قَالَ زيد بْن أسلم وغير واحد.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص: إنّه دُفِنَ يوم الأحد مُسْتَهَلّ المحرّم [2] .
وَقَالَ سعيد بْن المسيب: تُوُفيّ عُمَر وهو ابن أربعٍ أو خمسٍ وخمسين سنة، كذا رواه الزُّهْرِيّ عنه [3] .
وَقَالَ أَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَاتَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً [4] . وَكَذَا قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيمُ عُرْوَةَ وَابْنُ شِهَابٍ.
وَرَوَى أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِعَامَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا يَقُولُ: أَنَا ابْنُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو عَاصِمٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: نا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: تُوُفِّيَ عُمَرُ وَلَهُ سُتُّونَ سَنَةً [5] .
قَالَ الواقِديّ: هذا أثبت الأقاويل، وكذا قال مالك [6] .
__________
[1] ابن سعد 3/ 369 و 370، المستدرك 3/ 94.
[2] ابن سعد 3/ 365.
[3] ابن سعد 3/ 365.
[4] ابن سعد 3/ 365، المعجم الكبير للطبراني 1/ 69 رقم (70) و (71) .
[5] تاريخ الطبري 4/ 198.
[6] ابن سعد 3/ 365.(3/283)
وَقَالَ قَتَادة: قُتِل عُمَر وهو ابن إحدى وستين سنة [1] .
وَقَالَ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ الْبَجَلِيُّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ سُمِعَ مُعَاوِيَةُ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمَا ابْنَا ثَلاثٍ وَسِتِّينَ [2] .
وَقَالَ يحيى بْن سعيد: سمعت سعيد بْن المسيب قَالَ: قُبض عُمَر وقد استكمل ثلاثًا وستين. وقد تقدّم لابن المسيب قولٌ آخر.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ مثل قول معاوية [3] .
وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قُبِضَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وستّين سنة [4] والله تعالى أعلم [5] .
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 198، المعجم الكبير للطبراني 1/ 69 رقم (67) .
[2] ابن سعد 3/ 365، المعجم الكبير 1/ 69 رقم (66) .
[3] المعجم الكبير للطبراني 1/ 68 رقم (65) .
[4] المعجم الكبير للطبراني 1/ 68 رقم (64) .
[5] في حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسح الله في مدّته في الميعاد السابع عشر، وسمعه القاضي شرف الدين عبد الرحيم الزريراني الحنبلي» .(3/284)
ذِكْرُ مَنْ توفّي في خِلَافَةِ عُمَرْ رَضِي الله عنه «مجملًا»
(الأقرع بْن حابس)
[1] التميمي المُجاشِعِي، أحد المؤلَّفة قلوبُهُم وأحد الأشراف، أقطعه أَبُو بكر له ولعُيَيْنَة بْن بدر [2] ، فعطَّل عليهما عمرُ ومحا الكتاب الَّذِي كتب لهما أَبُو بكر [3] ، وكانا من كبار قومهما، وشهد الأقرع مع خالد حرب أهل العراق وكان على المقدّمة [4] .
__________
[1] المغازي للواقدي 803، 804، 919، 946، 948، 951، 954، 975، تهذيب سيرة ابن هشام 275، 277، 300، طبقات خليفة 41 و 178، تاريخ خليفة 90، المحبّر 134 و 183، 247 و 474، نسب قريش 7، المعارف لابن قتيبة 342 و 579 و 621، عيون الأخبار 1/ 85، البرصان والعرجان 59 و 116 و 118 و 119 و 120 و 205 و 326 و 327، المعرفة والتاريخ 1/ 338 و 3/ 293، العقد الفريد 1/ 276 و 2/ 196، أنساب الأشراف 1/ 24 و 385 و 530، وج 1 ق 4/ 12 و 5/ 193، فتوح البلدان 1/ 78، تاريخ الطبري 3/ 378- 380، الاستيعاب 1/ 96، ثمار القلوب 295، المعجم الكبير 1/ 300 رقم 80، الخراج وصناعة الكتابة 403، تهذيب دمشق 3/ 89- 94، الكامل في التاريخ 2/ 269، 270 و 287 و 289 و 394 و 3/ 126، أسد الغابة 1/ 107- 110، التذكرة الحمدونية 1/ 56 و 123، البداية والنهاية 7/ 141، 142، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 124 رقم 63، الوافي بالوفيات 9/ 307، 308 رقم 4239، الإصابة 1/ 58، 59 رقم 231، تعجيل المنفعة 39، 40 رقم 61.
[2] عند ابن عساكر «ابن حصن» بدل «بدر» .
[3] تهذيب تاريخ دمشق 3/ 93.
[4] أسد الغابة 1/ 109.(3/285)
وقيل إنّ عبد الله بْن عامر استعمله على جيش سيّره إلى خُراسان فأصيب هو والجيش بالجَوْزَجَان وذلك في خلافة عثمان [1] .
وَقَالَ ابن دُرَيْد: اسمه فراس [2] بْن حابس بْن عِقال، ولُقِّب الأقرع لقَرَعٍ برأسه [3] .
(الحُباب بْن المنذر)
[4] بْن الجَمُوح أَبُو عَمْرو الأنصاريّ، أحد بني سَلَمَةَ بْن سعد، وقيل كنيته أَبُو عُمَر، وكان يقال له ذو الرأي.
أشار يوم بدر عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ ينزل على آخر ماء ببدر ليبقى المشركون على غير ماء، وهو الَّذِي قَالَ يوم سقيفة بني ساعدة: أنا جُذَيْلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير [5] . والجذل: هو عود يُنْصب للإبل الجَرْبَى لتَحْتَكَّ به. والعذق: النَّخْلَةُ، والمرجّب: أن تُدَعَّم النَّخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشبٍ إذا خيف عليها لكثرة حَمْلها أن تقع، يقال: رجّبتها فهي مرجّبة.
__________
[1] أسد الغابة 1/ 110.
[2] في المنتقى «فراش» وهو تصحيف.
[3] أسد الغابة 1/ 109.
[4] المغازي للواقدي 53، 54، 58، 83- 85، 142، 150، 169، 207، 215، 234، 240، 256، 257، 334، 387، 405، 498، 515، 574، 643، 649، 659، 662، 663، 667، 710، 895، 925، 926، 985، 996، تهذيب سيرة ابن هشام 143، طبقات ابن سعد 3/ 567، 568، التاريخ الكبير 3/ 109 رقم 368، أنساب الأشراف 1/ 138 و 191 و 293 و 299 و 303 و 317 و 318 و 580 و 581- 584، الجرح والتعديل 3/ 301 رقم 1340، العقد الفريد 4/ 186 و 4/ 257، جمهرة أنساب العرب 359، الاستيعاب 1/ 354، مشاهير علماء الأمصار 25 رقم 112، تاريخ الطبري 2/ 440 و 3/ 220 و 221 و 223، ثمار القلوب 288، المستدرك على الصحيحين 3/ 426، 427، الكامل في التاريخ 2/ 122 و 329، 330 و 3/ 77، أسد الغابة 1/ 364، 365، تلخيص المستدرك 3/ 426- 428، البداية والنهاية 7/ 142، الوافي بالوفيات 11/ 282، 283 رقم 413، الإكمال 2/ 140، الإصابة 1/ 302، 303 رقم 1552.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 568.(3/286)
روى عنه أَبُو الطُّفيل. تُوُفيّ بالمدينة في خلافة عُمَر [1] .
ت ن [2]
(ربيعة بْن الْحَارِثِ)
[3] بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الهاشمي أبو أَرْوَى. وأُمُّه غُزَيَّةُ بنت قيس الفِهْريّة.
له صُحْبة، وهو من مسْلَمَة الفتح.
روى عنه ابنه عبد المطلب، وله أيضًا صُحْبة.
(خ د ن [4] ) سَوْدَة بنت زمْعَة بْن قيس [5]
أمّ المؤمنين القرَيْشية العامرية، أوّل من تزوّج بها النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد موت
__________
[1] ابن سعد 3/ 568.
[2] الرمز ساقط من الأصول والاستدراك من تقريب التهذيب.
[3] المغازي للواقدي 506 و 694 و 696 و 900، تهذيب سيرة ابن هشام 316، طبقات ابن سعد 4/ 47، 48، تاريخ خليفة 153 و 348، طبقات خليفة 5، السير والمغازي لابن إسحاق 108، المحبّر 64 و 445، التاريخ الكبير 3/ 283، 284 رقم 972، المعارف 120 و 126، 127، 128 و 164، أنساب الأشراف 1/ 79، وق 3/ 20 و 25 و 295 و 296 و 301، ق 4 ج 1/ 528، تاريخ الطبري 3/ 74 و 139 و 150 و 4/ 404، المنتخب من ذيل المذيّل 550، الاستيعاب 1/ 505، 506، مشاهير علماء الأمصار 32 رقم 163، جمهرة أنساب العرب 70، الكامل في التاريخ 2/ 263 و 302 و 3/ 77، أسد الغابة 2/ 166، 167، تهذيب الكمال 1/ 409، الكاشف 1/ 237 رقم 1556، سير أعلام النبلاء 1/ 257- 259 رقم 46، المعجم الكبير 5/ 47- 50 رقم 444، البداية والنهاية 7/ 142، الوافي بالوفيات 14/ 87، 88 رقم 106، شفاء الغرام 1/ 156، تهذيب التهذيب 3/ 253، 254 رقم 483، تقريب التهذيب 1/ 246 رقم 52، الإصابة 1/ 506 رقم 2592، خلاصة تذهيب التهذيب 117.
[4] في الأصول «س» بدل «ن» ، وهو رمز ك «سنن النّسائي» كما في مقدّمة المؤلّف.
[5] السير والمغازي لابن إسحاق 177 و 225 و 254 و 255 و 269، المغازي للواقدي 118 و 1106 1115، تهذيب سيرة ابن هشام 331 و 332 و 335، طبقات ابن سعد 8/ 52- 57، طبقات خليفة 335، المحبّر 79 و 92 و 98 و 99 و 101، المعارف 28 و 42 و 69 و 123، أنساب الأشراف 1/ 219 و 269 و 303 و 400 و 407 و 409 و 410 و 414 و 425 و 436 و 448 و 465 و 466 و 467 و 514، تاريخ الطبري 2/ 400 و 460 و 3/ 161- 163، المنتخب من ذيل المذيّل 600، 601، تاريخ أبي زرعة 1/ 490 و 492، 493، الاستيعاب 4/ 323، 324، المعجم الكبير 24/ 29- 37، جمهرة أنساب العرب 166، 167، الكامل في التاريخ 2/ 110(3/287)
خديجة [1] وكانت قبله عند السَّكران أخي سُهَيْل بْن عمرو العامري، ولمّا تَكَهَّلَتْ وهبت يومها لعائشة لتكون من زوجات النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنّة [2] .
روى عنها ابن عبّاس، ويحيى بْن عبد الله الأنصاري.
وتُوُفيّت في آخر خلافة عُمَر، وقد انفردت بصُحبة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع سنين لَا تشاركها فيه امرأة ولا سَرِيّة، ثُمَّ بنى بعائشة بَعْدُ، ولها تسع سنين، وكانت سَوْدَة من سادات النّساء.
قَالَ هِشَامُ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قالت: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاخِهَا [3] مِنْ سَوْدَةَ مِنْ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ، فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ [4] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، ثنا أَبِي قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُّوَةِ بَعْدَ وَفَاةِ خَدِيجَةَ، وَهَاجَرَ بِهَا. وَتُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ [5] .
قَالَ الواقِديّ: وهذا الثَّبت عندنا.
__________
[ () ] و 131 و 307، أسد الغابة 5/ 484، 485، الجمع بين رجال الصحيحين 2/ 607، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 348 رقم 747، جامع الأصول 9/ 145، تهذيب الكمال 3/ 1685، تحفة الأشراف 11/ 334 رقم 893، سير أعلام النبلاء 2/ 265- 269 رقم 40، الكاشف 3/ 428 رقم 77، البداية والنهاية 7/ 144، مجمع الزوائد 9/ 246، الوافي بالوفيات 16/ 41 رقم 53، الوفيات لابن قنفذ 33 رقم 23، الإصابة 4/ 338، 339 رقم 606، تهذيب التهذيب 12/ 426، 427 رقم 2820، تقريب التهذيب 2/ 601 رقم 11، خلاصة تذهيب التهذيب 492، شذرات الذهب 1/ 34 و 60.
[1] طبقات ابن سعد 8/ 53، المنتخب من ذيل المذيّل 600.
[2] طبقات ابن سعد 8/ 52 و 53، المنتخب من ذيل المذيّل 600.
[3] كأنّها تمنّت أن تكون في مثل هديها وطريقتها. (النهاية) .
[4] أخرجه مسلم في الرضاع (1463) باب جواز هبتها نوبتها لضرّتها.
[5] طبقات ابن سعد 8/ 53 و 55، المنتخب من ذيل المذيّل 600.(3/288)
وروى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هلال قَالَ: تُوُفيّت سَوْدَة زمن عُمَر [1] .
(عُتْبة بْن مسعود الهّذليّ)
[2] أخو عبد الله لأبَوَيْه، وهو جد الفقيه عُبيد الله بْن عبد الله شيخ الزُّهْرِيّ.
أسلم بمكّة وهاجر إلى الحبشة مع أخيه، وشهد أحُدًا [3] وكان فقيهًا فاضلًا.
تُوُفيّ في إمرة عُمَر على الصحيح، ويقال زمن معاوية.
(علقمة بْن عُلاثة)
[4] بْن عوف العامري الكلابيّ، من المؤلّفة قلوبهم.
__________
[1] أخرجه البخاري في التاريخ 1/ 49، 50 من طريق يحيى بن سليمان، عن ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هلال. ورجاله ثقات.
[2] السير والمغازي لابن إسحاق 225 و 228، المغازي للواقدي 233 و 301، تهذيب سيرة ابن هشام 236، طبقات ابن سعد 4/ 126، 127، المحبّر 298، التاريخ الكبير 6/ 522 رقم 3188، تاريخ أبي زرعة 1/ 419، المعارف 250، 251، عيون الأخبار 3/ 57، المعرفة والتاريخ 2/ 551، أنساب الأشراف 1/ 204 و 322 و 329، الجرح والتعديل 6/ 373 رقم 2063، جمهرة أنساب العرب 197، مشاهير علماء الأمصار 48 رقم 307، التاريخ الصغير 1/ 47 و 213، الاستيعاب 3/ 120، 121، المستدرك 3/ 257- 259، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 319، 320 رقم 389، الزيارات للهروي 51، الكامل في التاريخ 3/ 77 و 8/ 313، أسد الغابة 3/ 569، سير أعلام النبلاء 1/ 500 رقم 88، مجمع الزوائد 9/ 291، العقد الثمين 6/ 13، 14، تلخيص المستدرك 3/ 257- 259، الإصابة 2/ 456 رقم 5414.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 126.
[4] المغازي للواقدي 749 و 750 و 907، البرصان والعرجان 263، الأخبار الموفقيّات 49، المحبّر 135 و 474، عيون الأخبار 3/ 261، المعارف 83 و 88 و 331، المعرفة والتاريخ 2/ 36، 37، أنساب الأشراف 1/ 282، تاريخ الطبري 3/ 140 و 262، العقد الفريد 2/ 9 و 15، ثمار القلوب 352، الاستيعاب 3/ 126، جمهرة أنساب العرب 258 و 282 و 284، المعجم الكبير 18/ 9، 10، أسد الغابة 4/ 13، الكامل في التاريخ 2/ 349، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 342 رقم 424، البداية والنهاية 7/ 142، الإصابة 2/ 503- 505 رقم(3/289)
أسلم على يد النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من أشراف قومه، وكان يكون بتهامة، وقد قدِم دمشق قبل فتحها في طلب ميراثٍ له، وَوَفِدَ على عُمَر في خلافته.
روى عنه أنس.
(علقمة [1] بن مجزّز)
[2] بْن الأعور المّدْلِجيّ.
استعمله النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض جيوشه، وولَّاه الصِّدِّيق حربَ فلسطين، وحضر الجابية مع عُمَر، ثُمَّ سيره عُمَر في جيشٍ إلى الحبشة في ثلاثمائة، فغَرِقُوا كلُّهم، وقيل كان ذلك في أيام عثمان بن عفّان. وأبوه مجزّز هو المعروف بالقيافة [3] .
خ م ت ن ق [4] (عَمْرو بْن عَوْف)
[5] حليف بني عامر من لُؤَيّ، من مُولَّدي مكة، سمّاه ابن إسحاق عمرًا، وسمّاه موسى بْن عُقْبَة عُمَيْرًا.
شهد بدرا وأحُدًا. وروى عنه المِسْوَر بْن مَخْرَمَة حديث قدوم أبي عبيدة بمالٍ من البحرين، أخرجه البخاريّ، وصلّى عليه عمر.
__________
[5675،) ] ربيع الأبرار 4/ 307.
[1] المغازي للواقدي 7 و 983، تاريخ الطبري 3/ 394 و 604 و 610 و 4/ 67 و 112 و 289، أنساب الأشراف 1/ 382، جمهرة أنساب العرب 187، الاستيعاب 3/ 127، أسد الغابة 4/ 14، الكامل في التاريخ 2/ 497 و 501 و 536 و 569، البداية والنهاية 7/ 143، الإصابة 2/ 505، 506 رقم 5677.
[2] في بعض النسخ «مخرمة» ، وفي بعض المصادر «محرز» ، وفي أسد الغابة: بجيم وزايين الأولى مشدّدة مكسورة.
[3] أي علم اقتفاء الأثر.
[4] الرموز ساقطة من الأصول، والاستدراك من خلاصة تذهيب التهذيب.
[5] طبقات ابن سعد 4/ 363، الجرح والتعديل 6/ 241 رقم 1340، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 85 رقم 55، الاستيعاب 2/ 507، أسد الغابة 4/ 124، تهذيب التهذيب 8/ 85، 86 رقم 128، تقريب التهذيب 2/ 76 رقم 646، الإصابة 3/ 9 رقم 5925، خلاصة تذهيب التهذيب 292.(3/290)
ق [1] (عويم [2] بْن ساعدة [3] بْن عائش [4] أَبُو عبد الرحمن الأنصاريّ، أحد بني عمرو بْن عوف.
بدْريّ مشهور، وقيل هو من بَليّ، له حلف في بني أُمَيَّة بْن زيد، وقد شهِدَ العَقبة أيضًا [5] . وله حديث في «مسند أحمد» من رواية شُرَحْبيل بن سعد عنه، ولم يدركه [6] .
__________
[1] الرمز ساقط من النسخ، والاستدراك من الخلاصة.
[2] في «المنتقى» نسخة أحمد الثالث «عويمر» ، وكذلك في جمهرة أنساب العرب 334 وهو تحريف.
[3] مسند أحمد 3/ 422، المغازي للواقدي 102 و 159 و 178 و 305 و 405 و 498 و 516 و 1048 و 1073، تهذيب سيرة ابن هشام 127 و 347، طبقات ابن سعد 3/ 459، 460، الأخبار الموفقيّات 587 و 589، التاريخ الصغير 1/ 44 و 74، المحبّر 83 و 419، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 100 رقم 228، تاريخ الطبري 2/ 356 و 3/ 206 و 219، أنساب الأشراف 1/ 239 و 241 و 253 و 271 و 275 و 333 و 381 و 448، العقد الفريد 4/ 257، مشاهير علماء الأمصار 24 رقم 107، حلية الأولياء 2/ 11، 12 رقم 100، جمهرة أنساب العرب 334، الاستيعاب 3/ 171- 173، أسد الغابة 4/ 158، الكامل في التاريخ 2/ 96 و 327 و 3/ 77، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 41 رقم 39، تهذيب الكمال 2/ 1068، سير أعلام النبلاء 1/ 503، 504 رقم 90، الكاشف 2/ 308 رقم 4389، البداية والنهاية 7/ 143، الاصابة 3/ 44، 45 رقم 6112، تهذيب التهذيب 8/ 174، 175 رقم 213، تقريب التهذيب 2/ 90 رقم 804، خلاصة تذهيب التهذيب 306، المستدرك 3/ 631، 632، تلخيص المستدرك 3/ 631، 632.
[4] في النسخة «ح» : «عباس» ، وفي طبعة القدسي 3/ 170 «عابس» ، وهو تحريف.
والتصويب من المصادر السابقة.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 459.
[6] الحديث في المسند 3/ 422 من طريق: حسين بن محمد، عن أبي أويس، عن شرحبيل، عن عويم بن ساعدة، أنّه حدّثه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم أتاهم في مسجد قباء، فقال: «إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور، في قصة مسجدكم، فما الطهور الّذي تطهّرون به؟ قالوا:
الغائط. فغسلنا كما غسلوا» . وصحّحه ابن خزيمة في مسندة 1/ 45 مع العلم أنّ شرحبيل بن سعد ضعّفه مالك، وابن معين، وأبو زرعة، ولم يوثّقه غير ابن حبّان.
وأخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين 1/ 155 من طريق محمد بن شعيب بن شابور، عن عتبة بن أبي حكيم، عن طلحة بن نافع، أنّه حدّث قال: حدّثني أبو أيّوب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك الأنصاريّون، عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في الآية فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَالله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ 9: 108 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار إنّ الله قد أثنى عليكم(3/291)
وَقَالَ ابن عبد البَرّ: تُوُفيّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل مات في خلافة عُمَر فَقَالَ وهو واقفٌ على قبره: لَا يستطيع أحد أن يَقُولُ: أنا خيرٌ من صاحب هذا القبر، مَا نُصِبَتْ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رايةٌ إلَّا وعُوَيْم تحتها [1] .
(عُمَارَةُ بْن الوليد)
[2] أخو خالد بْن الوليد المخزوميّ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَا كَانَ بِالْحَبَشَةِ، وَصَنَعَ النَّجَاشِيُّ بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ مَا صَنَعَ، وَأَمَرَ السَّوَاحِرَ فَنَفَخْنَ فِي إِحْلِيلِهِ، فَهَامَ مَعَ الْوَحْشِ [3] ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فِي خِلافَةِ عُمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ابْنُ عَمِّهِ فَرَصَدَهُ عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ كَانَ يَرِدُهُ فَأَقْبَلَ فِي حُمُرِ الْوَحْشِ، فَلَمَّا وَجَدَ رِيحَ الإِنْسِ هَرَبَ حَتَّى إِذَا جَهَدَهُ الْعَطَشُ وَرَدَ فَشَرِبَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَالْتَزَمْتُهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بُحَيْرُ [4] أَرْسِلْنِي إِنِّي أَمُوتُ إِنْ أَمْسَكُونِي. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يسمّى بحيرا، قال:
__________
[ () ] خيرا في الطهور. فما طهوركم هذا؟ قالوا: يا رسول الله، نتوضّأ للصلاة، والغسل من الجنابة. فقال رسول الله: هل مع ذلك غيره؟ قالوا: لا، غير أنّ أحدنا إذا خرج من الغائط أحبّ أن يستنجي بالماء. قال: «هو ذاك» . وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيصه. وانظر:
الدّرّ المنثور 3، 278، وابن سعد 3/ 459، ومجمع الزوائد للهيثمي 1/ 212، وأسد الغابة لابن الأثير 4/ 158.
[1] أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة 4/ 158 وقال: أخرجه الثلاثة، وقد أخرجه ابن مندة في موضعين من كتابه. وقال ابن حجر في الإصابة 3/ 45 أخرجه البخاري في التاريخ من طريق عاصم بن سويد، سمعت الصفراء بنت عثمان بن عتبة بن عويم بن ساعدة قالت: حدّثني جدّتي، قالت: دعا عمر إلى جنازة عويم بن ساعدة. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلّم آخى بينه وبين عمر فقال عمر: ما نصبت راية للنبيّ صلى الله عليه وسلّم إلّا وتحت ظلها عويم.
[2] السير والمغازي لابن إسحاق 152 و 167 و 168 و 211، تهذيب سيرة ابن هشام 59، المحبّر 176، الأخبار الموفقيّات 592، عيون الأخبار 1/ 37، تاريخ الطبري 2/ 326، أنساب الأشراف 1/ 231 و 232، العقد الفريد، / 29، جمهرة أنساب العرب 148، الإصابة 3/ 171 رقم 6817.
[3] الإصابة 3/ 171 وانظر: أنساب الأشراف 1/ 232، 233.
[4] ورد مصحّفا في الأصل وبقيّة النّسخ، وفي طبعة القدسي 3/ 171 «بجير» بالجيم. والتصويب من أنساب الأشراف 1/ 233.(3/292)
فَصَكَكْتُهُ [1] فَمَاتَ فِي يَدَيْ مَكَانِهِ، فَوَارَيْتُهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ، وَكَانَ شَعْرُهُ قَدْ غَطَّى كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ.
(غَيْلان بْن سَلَمَةَ الثقفي)
[2] له صُحبة ورواية، وهو الَّذِي أسلم وتحته عَشْرُ نِسْوة [3] .
وكان شاعرًا محسنًا.
وفَدّ قبل الإسلام على كِسْرى فسأله أن يبني له حصنًا بالطائف [4] .
أسلم زمن الفتح.
روى عنه ابنه عُرْوَة، وبِشْر بْن عاصم.
(مَعْمَر بْن الحارث)
[5] بْن مَعْمَر بْن حبيب بْن وهْب الجُمَحِيّ، أخو
__________
[1] وردت محرّفة في الأصل.
[2] المغازي للواقدي 924 و 931، تهذيب سيرة ابن هشام 271، المحبّر 35 و 357 و 475، تاريخ الطبري 3/ 81 و 6/ 107، فتوح البلدان 579، العقد الفريد 2/ 377 و 379، 380 و 3/ 418، جمهرة أنساب العرب 268، المعجم الكبير 18/ 263، 264، الاستيعاب 3/ 189- 192، ربيع الأبرار 4/ 295، ثمار القلوب 136، مشاهير علماء الأمصار 35 رقم 194، الكامل في التاريخ 3/ 78، أسد الغابة 4/ 172، 173، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 49 رقم، البداية والنهاية 7/ 143، الإصابة 3/ 189- 192 رقم 6924.
[3] أخرجه الترمذي في النكاح 2/ 298 رقم 138 باب (31) ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة. قال: حدّثنا هنّاد، أخبرنا عبدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، أنّ غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه. فأمره النبي صلى الله عليه وسلّم أن يتخيّر منهنّ أربعا. هكذا رواه معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى شعيب بن أبي حمزة وغيره، عن الزهري، وحمزة، قال: حدّثت عن محمد بن سويد الثقفي، أنّ غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة. قال: محمد: وإنّما حديث الزهري عن سالم، عن أبيه: أنّ رجلا من ثقيف طلّق نساءه. فقال له عمر: لتراجعنّ نساءك، أو لأرجمنّ قبرك، كما رجم قبر أبي رغال. والعمل على حديث غيلان بن سلمة عند أصحابنا، منهم الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق. وانظر: أسد الغابة 4/ 172، والاستيعاب 3/ 189، 190، والإصابة 3/ 190.
[4] انظر الاغاني 13/ 207.
[5] السير والمغازي 143 و 226، المغازي للواقدي 156، تهذيب سيرة ابن هشام 56، طبقات(3/293)
حاطب وخطّاب، وأمُّهم قتيلة أخت عثمان بْن مظعون.
أسلم مَعْمَر قبل دخول دار الأرقم، وهاجر، وآخى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وبين معاذ بْن عفراء، وشهِدَ بدرًا [1] .
(ميسرة بْن مسروق [2] العبسي [3]
شيخ صالح، يقال: له صحبة شهِدَ اليرموك.
وروى عَنْ أبي عبيدة.
وعنه أسلم مولى عُمَر.
ودخل الروم أميرًا على ستّة آلاف، فوغل فيها وقُتِل وسَبَى وغنِمَ فجمعت له الروم، وذلك في سنة عشرين، فواقعهم ونصره الله عليهم، وكانت وقعة عظيمة [4] .
الهُرْمُزان صاحب تُسْتَر
قد مرَ من شأنه في سنة عشرين، وهو من جُمْلَةِ الملوك الذين تحت يد يزْدجِرْد.
قَالَ ابن سعد: بعثه أَبُو موسى الأشعريّ إلى عُمَر ومعه اثنا عشر نفْسًا من العجم، عليهم ثياب الدّيباج ومناطق الذهب وأساورة الذهب، فقدموا بهم المدينة، فعجب النَّاس من هيئتهم، فدخلوا فوجدوا عمر في المسجد
__________
[ () ] ابن سعد 3/ 402، طبقات خليفة 25، المحبّر 74 و 401، أنساب الأشراف 1/ 213، الاستيعاب 3/ 440، أسد الغابة 4/ 399، 400، البداية والنهاية 7/ 143، الإصابة 3/ 448 رقم 8145.
[1] طبقات ابن سعد 3/ 402.
[2] فتوح الشام للأزدي 16 و 128 و 129 و 132 و 135 و 148 و 149 و 155 و 172 و 193 و 199 و 237، تاريخ الطبري 4/ 112، فتوح البلدان 194 و 204، الكامل في التاريخ 2/ 496 و 568، أسد الغابة 4/ 426، 427، البداية والنهاية 7/ 143، الإصابة 3/ 469، 470 رقم 8381.
[3] في طبعة القدسي 3/ 171 «العنسيّ» وهو تصحيف، والتصويب من مصادر ترجمته.
[4] فتوح البلدان 1/ 194، تاريخ الطبري 4/ 112.(3/294)
نائمًا متوسدًا رداءه، فَقَالَ الهرْمُزان: هذا ملِكُكُم؟ قالوا: نعم، قَالَ: أما له حاجب ولا حارس؟! قالوا: الله حارسه حتّى يأتيه أجلُه، قَالَ: هذا الملك الهَنّي.
فَقَالَ عُمَر: الحمد للَّه الَّذِي أذلّ هذا وشيعته بالإسلام، ثُمَّ قال للوفد:
تكلّموا، فقال أَنْس بْن مالك: الحمد للَّه الَّذِي أنجز وعده وأعزّ دينه وخذل من حادَّه، وأورثَنَا أرضَهم وديارهم، وأفاء علينا أبناءهم وأموالهم، فبكى عُمَر ثُمَّ قَالَ للهرمُزَان: كيف رأيت صنيع الله بكم؟ فلم يُجْبه، قَالَ: مالك لَا تتكلم؟ قَالَ: أَكَلامُ حيٍّ أم كلام ميتٍ؟ قَالَ: أوَلَسْت حيًّا! فاستسقى الهُرْمُزان، فَقَالَ عُمَر: لَا يُجْمَع عليك القتْلُ وَالْعَطَشُ، فأتوه بماءٍ فأمسكه، فَقَالَ عُمَر: اشربْ لَا بأس عليك، فرمى بالإناء وَقَالَ: يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دينٍ نستعبدكم [1] ونقتلكم وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالًا، فلمّا كان الله معكم لم يكن لأحدٍ باللَّه طاقة، فأمر عمر بقتله، فقال: أو لم تؤمِّنّي! قَالَ: وكيف؟ قَالَ: قلت لي: تكلّم لَا بأس عليك، وقلت: وقلت:
اشرب لَا أقتلك حتى تشربه، فَقَالَ الزُّبَيْر وأنس: صدق، فَقَالَ عُمَر: قاتله الله أخذ أمانًا وأنا لَا أشعر، فنزع مَا كان عليه، فَقَالَ عُمَر لسُراقة بْن مالك بْن جَعْشم وكان أسود نحيفًا: البس سِوَارَيِ الهُرْمزان، فلبسهما ولبس كِسْوَتَه.
فَقَالَ عُمَر: الحمد للَّه الَّذِي سلب كِسْرَى وقومَهُ حُلِيَّهم وكِسْوَتهم وألبسها سُراقة، ثمّ دعا الهُرْمزان إلى الإسلام فأبى، فَقَالَ عليّ بْن أبي طالب: يا أمير المؤمنين فرِّق بين هؤلاء، فحمل عُمَر الهُرْمُزانَ وجُفَيْنَةَ وغيرهما في البحر وَقَالَ: اللَّهمّ اكسرْ بهم، وأراد أن يسير بهم إلى الشام فكُسِرَ بهم ولم يغرقوا فرجعوا فأسلموا، وفرض لهم عُمَر ألفين ألفين، وسمّى الهرمزان عرفطة. [2] .
__________
[1] في الأصل وغيره من النّسخ (نتعبّدكم) ، وفي الإصابة: (نستعبدكم) .
[2] انظر: تاريخ الطبري 4/ 87، 88، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 135، 136.(3/295)
قَالَ المِسْوَر بْن مَخْرَمَة: رأيت الهُرْمزان بالرَّوحاء مُهِلًّا بالحجّ مع عُمَر.
[وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ الْهُرْمُزَانَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ مَعَ عُمَرَ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حِبَرَةٌ] [1] .
وَقَالَ عليّ بْن زيد بْن جَدْعان، عَنْ أَنْس قَالَ: مَا رأيت رجلًا أخمص بطنًا ولا أبعد مَا بين المنكبين من الهُرْمُزان.
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ: أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ- وَلَمْ تُجَرَّبْ عَلَيْهِ كَذْبَةٌ قَطُّ- قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ وَأَبِي لُؤْلَؤَةَ وَهُمْ نَجِيٌّ فَتَبِعْتُهُمْ، وَسَقَطَ مِنْ بَيْنِهِمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَانْظُرُوا بِمَ قُتِلَ عُمَرُ، فَنَظَرُوا فَوَجَدُوهُ خِنْجَرًا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، فَخَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مُشْتَمِلًا عَلَى السَّيْفِ حَتَّى أَتَى الْهُرْمُزَانَ فَقَالَ: اصْحَبْنِي نَنْظُرْ فَرَسًا لِي- وَكَانَ بَصِيرًا بِالْخَيْلِ- فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَلاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا وَجَدَ حَدَّ السَّيْفِ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ أَتَى جُفَيْنَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُ عَلاهُ بِالسَّيْفِ فَصَلَّب بَيْنَ عَيْنَيْهِ [2] . ثُمَّ أَتَى بِنْتَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ جَارِيَةً صَغِيرَةً تَدَّعِي الإِسْلامَ فَقَتَلَهَا، وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَهْلِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِالسَّيْفِ صَلْتًا فِي يَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَتْرُكُ فِي المدينة سبيا إلّا قتلته وغيرهم، كأنّه يُعَرِّضُ بِنَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: أَلْقِ السَّيْفَ، فَأَبَى، وَيَهَابُونَهُ أَنْ يَقْرَبُوا مِنْهُ، حَتَّى أَتَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: أَعْطِنِي السّيف يا بن أَخِي. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ ثَارَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَتَنَاصَيَا [3] حَتَّى حَجَزَ النَّاسَ بَيْنَهُمَا. فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةُ النَّاسِ: قُتِلَ عمر
__________
[1] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
[2] تاريخ الطبري 4/ 240.
[3] أي تؤاخذا بالنواصي.(3/296)
بِالأَمْسِ وَيُتْبِعُونَهُ ابْنَهُ الْيَوْمَ! أَبْعَدَ اللَّهُ الهُرْمُزان وجُفَيْنَة، فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْفَاكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرَ فِي وِلايَتِكَ فَاصْفَحْ عَنْهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى قَوْلِ عَمْرٍو، وَوَدَى عُثْمَانُ الرَّجُلَيْنِ وَالْجَارِيَةَ.
رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ [1] عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَرٍ، وَزَادَ فِيهِ: كَانَ جُفَيْنَةُ مِنْ نَصَارَى الْحِيرَةِ وَكَانَ ظِئْرًا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَطَّ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ فِيهِ: وَمَا أََحْسَبُ عَمْرًا كَانَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ بَلْ بِمِصْرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ، قَالَ: وَأَظْلمت الأَرْضُ [2] فَعَظُمَ ذَلِكَ فِي النُّفُوسِ وَأَشْفَقُوا أَنْ تَكُونَ عُقُوبَة.
وعن أبي وجزة [3] ، عَنْ أبيه قَالَ: رأيت عُبَيْد الله يَوْمَئِذٍ وإنه لَيُناصي عثمانَ، وعثمان يَقُولُ له: قاتلك الله قتلت رجلًا يصلي وصبية صغيرةً وآخرَ له ذمة، مَا في الحق تركُكَ [4] . وبقي عُبَيْد الله بْن عُمَر وقُتِل يوم صِفّين مع معاوية.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ حَفْصَةَ إِنْ كَانَتْ لَمَنْ شَيَّعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَلَى قَتْلِ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ [5] .
قَالَ مَعْمَر: بَلَغَنَا أنّ عثمان [6] قَالَ: أنا وليّ الهُرْمُزان وجُفَيْنة والجارية، وإني قد جعلتها دِيَة.
وذكر محمد بْن جرير الطبريّ بإسنادٍ له أنّ عثمان أقاد ولد الهُرمُزان من
__________
[1] في الطبقات الكبرى 3/ 355، 356.
[2] في «المنتقى» نسخة أحمد الثالث «المدينة» بدل «الأرض» .
[3] في الأصل مهملة.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 357.
[5] هكذا في الأصل، وفي طبقات ابن سعد «شجّع» .
[6] ابن سعد 3/ 356.(3/297)
عُبَيْد الله، فعفا وَلَدُ الهُرْمُزان عنه [1] .
(هند بنت عتبة)
[2] بن ربيعة بن عبد شمس العَبْشَمِيّة أُمّ معاوية بْن أبي سُفيان. أسلمت يوم الفتح وشهِدَت اليرموك. وهي القائلة للنّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعطيني مَا يَكفيني وولدي، قَالَ: «خذي مَا يكفيكِ وولدَك بالمعروف» [3] .
وكان زوجها قبل أبي سُفْيَان حفص بْن المُغِيرَة عمّ خالد بْن الوليد، وكان من الجاهليّة. وكانت هند من أحسن نساء قريش وأعقلهنّ، ثمّ إنّ أبا
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 239- 243.
[2] السير والمغازي لابن إسحاق 228 و 323 و 327 و 333، المغازي للواقدي 29 و 66 و 68 و 69 و 71 و 73 و 100 و 148، تهذيب سيرة ابن هشام 157 و 160 و 162 و 166 و 254، طبقات ابن سعد 8/ 235- 237، البرصان والعرجان للجاحظ 53، أخبار مكة 1/ 123 و 2/ 272، تاريخ خليفة 68 و 203، المحبّر 19 و 105 و 408 و 437، المعارف 72 و 344، عيون الأخبار 1/ 224 و 283 و 4/ 101، تاريخ الطبري 2/ 469 و 501 و 502 و 512 و 513 و 524 و 525 و 3/ 60، 61 و 4/ 221 و 5/ 214 و 328 و 333، أنساب الأشراف 1/ 122 و 135 و 230 و 312 و 318 و 322 و 355 و 357 و 360 و 441 و 475 ق 3/ 286 و 287 و 292 و 393، ق 4 ج 1/ 6- 9، 11 و 35 و 39، 40 و 44 و 61 و 69 و 73 و 82 و 106 و 111 و 150 و 204 و 264 و 601، فتوح البلدان 160، جمهرة أنساب العرب 76 و 111 العقد الفريد 1/ 49 و 53 و 2/ 105 و 114 و 287 و 3/ 14 و 4/ 16 و 17 و 19 و 362 و 365 و 6/ 86، 87، 88، 89، الاستيعاب 4/ 424- 427، ثمار القلوب 297، 298، المعجم الكبير للطبراني 25/ 69- 73، الكامل في التاريخ 2/ 87 و 149 و 153 و 159 و 246 و 251- 253 و 489 و 3/ 62 و 441 أسد الغابة 5/ 562، 563، التذكرة الحمدونية 1/ 378 و 2/ 36 و 37 و 475، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 357 رقم 764، الإصابة 4/ 425، 426 رقم 1103، شفاء الغرام 2/ 448، تاريخ دمشق (النساء) 437- 459.
[3] أخرجه البخاري في البيوع 3/ 36 باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن ... ، وفي الأحكام 8/ 115، 116 باب القضاء على الغائب، ومسلم في الأقضية (1714) باب قضية هند، وأبو داود في البيوع (3532) باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، والنسائي في آداب القضاة 8/ 246، 247 باب قضاء الحاكم على الغائب إذا عرفه، والدارميّ في النكاح، باب 54، وأحمد في المسند 6/ 39 و 50 و 206، وابن سعد 8/ 237.(3/298)
سُفيان طلّقها في آخر الأمر، فاستقرضت من عُمَر من بيت المال أربعة آلاف دِرْهَم، فخرجت إلى بلاد كلب فاشترت وباعت. وأتت ابنَها معاوية وهو أميرٌ على الشام لعمر فَقَالَتْ: أي بُنَيّ إنّه عمر وإنّما يعمل الله [1] .
ولها شعْر جيّدٌ [2] .
(واقد بْن عبد الله)
[3] بْن عبد مَنَاف بْن عزيز الحنظليّ اليربوعيّ حليف بني عدِيّ، من السّابقين الأوَّلِين.
أسلم قبل دار الأرقم، وشهد بدْرًا والمشاهد كلها، وآخى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وبين بِشْر بْن البراء بْن مَعْرُور، وكان واقد في سَرِيَّةِ عبد الله بْن جحش إلى نخلة فقتل واقد عمرو بْن الحَضْرَميّ، فكانا أول قاتل ومقتولٍ في الإسلام. وتُوُفيّ واقد في خلافة عُمَر [4] .
(أَبُو خِراش الهُذَليّ الشاعر)
[5] اسمه خُوَيْلِد بْن مُرَّة، من بني قرد بن
__________
[1] تاريخ دمشق (تراجم النساء) 457.
[2] انظر شعرها في تاريخ دمشق (تراجم النساء) .
[3] طبقات خليفة 23، المغازي للواقدي 14 و 16 و 19 و 140 و 156، تهذيب سيرة ابن هشام 56 و 134، المحبّر 73، تاريخ الطبري 2/ 412، 414 و 420 و 421، أنساب الأشراف 1/ 302 و 372، جمهرة أنساب العرب 224، الاستيعاب 3/ 638، 369، أسد الغابة 5/ 80، الكامل في التاريخ 2/ 114 و 3/ 78، البداية والنهاية 7/ 143، 144، الإصابة 3/ 628 رقم 9097، تعجيل المنفعة 435، 436 رقم 1149.
[4] الاستيعاب 3/ 638، 639، تعجيل المنفعة 435، 436.
[5] طبقات خليفة 52، الأخبار الموفقيّات 162 و 386، البرصان والعرجان 139 و 224، المعارف 618، الشعر والشعراء 554، 555، الكامل في الأدب للمبرّد 2/ 50 و 182، أمالي القالي 1/ 271، تاريخ الطبري 1/ 617، شرح ديوان الحماسة للتبريزي 2/ 143- 145، شرح أشعار هذيل للسكري 3/ 1189- 1245، ديوان الهذليين 2/ 116- 172 طبعة دار الكتب، جمهرة أنساب العرب 198، الاستيعاب 4/ 56- 58، ثمار القلوب 373 و 424، زهر الآداب 2/ 739- 741، شعر الهذليين 361- 380، الأغاني 21/ 205- 228، أمالي المرتضى 1/ 198، 199، أسد الغابة 5/ 178، 179، الكامل في التاريخ 3/ 78، البداية والنهاية 7/ 144، سمط اللآلئ 1/ 601، الإصابة 1/ 464، 465 رقم 2345، الوافي بالوفيات(3/299)
عَمْرو الهُذَليّ، وكان أَبُو خِراش ممّن يعدو على قدميه فيسبق الخيل، وكان في الجاهلية من فُتّاك العرب ثُمَّ أسلم.
قَالَ ابن عبد البرّ: لم يبق عربيّ بعد حُنَيْن والطّائف إلَّا أسلم، فمنهم من قدِم ومنهم من لم يَقْدَم [1] ، وأسلم أَبُو خِراش وحَسُن إسلامه. وتُوُفيّ في زمن عُمَر، أتاه حُجّاجٌ فمشى إلى الماء ليملأ لهم فَنَهَشَتْه حيَّةٌ، فأقبل مسرِعًا فأعطاهم الماء وشاةً وَقِدْرًا ولم يُعْلِمْهُم بما تمّ له، ثمّ أصبح وهو في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه.
(أَبُو ليلى المازنيّ)
[2] واسمه عبد الرحمن بْن كعب بْن عمرو، شهِدَ أُحُدًا وما بعدها، وكان أحد البكّاءين الذين نزل فيهم تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ 9: 92 [3] .
أَبُو مِحْجَن الثَّقفيّ [4]
في اسمه أقوال [5] ، قدِم مع وفد ثقيف فأسلم، ولا رواية له، وكان
__________
[13] / 439، 440 رقم 533، خزانة الأدب للبغدادي 1/ 211- 213.
[1] على النبيّ صلى الله عليه وسلّم.
[2] المغازي للواقدي 372 و 381 و 1024 و 1071، تهذيب سيرة ابن هشام 287، المحبّر 281، تاريخ الطبري 3/ 102 و 248 و 250 و 261 و 4/ 98، جمهرة أنساب العرب 352، الاستيعاب 2/ 398، 399، أسد الغابة 5/ 287، البداية والنهاية 7/ 144، الكامل في التاريخ 2/ 277 و 3/ 80، الإصابة 2/ 420 رقم 5189.
[3] سورة التوبة- الآية 92.
[4] المغازي للواقدي 926 و 930 و 931 و 932 و 935 و 955، تهذيب سيرة ابن هشام 276، تاريخ خليفة 124، تاريخ الطبري 3/ 89 و 241 و 460 و 531 و 548 و 549 و 573 و 575 و 597 و 4/ 38، فتوح البلدان 8- 30 و 309 و 316 و 317 و 317 و 319، جمهرة أنساب العرب 268، الاستيعاب 4/ 182- 187، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 52، الخراج وصناعة الكتابة 359 و 360، أسد الغابة 5/ 290- 292، الكامل في التاريخ 2/ 341 و 439 و 441 و 470 و 475 و 476 و 489 و 526 و 4/ 107، الإصابة 4/ 173- 175، طبقات ابن سعد 5/ 515، الأغاني 19/ 1- 13، الشعر والشعراء 336، 337، المؤتلف 95، خزانة الأدب 3/ 550، طبقات ابن سلام 225، ديوان أبي محجن- طبعة القاهرة؟.
[5] قيل: عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف(3/300)
فارسَ ثقيف في زمانه إلَّا أنّه كان يُدْمن الخمر زمانًا، وكان أَبُو بكر يستعين به، وقد جُلِد مرارًا، حتّى إنّ عُمَر نفاه إلى جزيرة، فهرب ولحق بسعد بْن أبي وقاص بالقادسية، فكتب عُمَر إلى سعد فحبَسَه. فلمّا كان يوم قسّ النّاطف [1] والتحتم القتال سأل أَبُو مِحْجَن من امرأة سعدٍ أنْ تحلّ قَيْدَه وتُعْطِيَه فَرَسًا لسعد، وعاهدها إنْ سَلِم أن يعود إلى القَيْد، فحلَّته وأعطته فرسًا فقاتل وأبلى بلاءً جميلًا ثُمَّ عاد إلى قيده.
قَالَ ابن جُريْج: بلغني أنّه حُدَّ في الخمر سبع مرّات.
وَقَالَ أيوب، عَنِ ابن سِيرين قَالَ: كان أَبُو مِحْجن لَا يزال يُجْلَدُ في الخمر، فلمّا أكثر سجنوه، فلمّا كان يوم القادسية رآهم فكلَّم أم ولد سعد فأطلقته وأعطته فرسًا وسلاحًا، فجعل لَا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدقّ صُلْبَه، فنظر إليه سعد فبقي يتعجّب ويقول: من الفارس؟ فلم يلبثوا أنْ هزمهم ورجع أَبُو مِحْجَن وتقيّد، فجاء سعد وجعل يخبر المرأة ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلًا على فَرسٍ أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنّها بعض شمائله، قالت: والله إنّه لأبو مِحْجَن، وحكت له، فدعا به وحلّ قيوده وَقَالَ: لَا نجلدك على خمرٍ أبدًا، فَقَالَ: وأنا والله لَا أشربها أبدًا، كنت آنف أنْ أدعها لجلدكم، فلم يشربها بعد [2] .
__________
[ () ] الثقفي، وقيل: مالك بن حبيب، وقيل: عبد الله بن حبيب، وقيل: اسمه كنيته.
[1] في نسخة دار الكتب «الطائف» وهو تحريف. وهو يوم «أرماث» . وفي معجم البلدان 1/ 211 أرماث كأنّه جمع رمث. اسم نبت بالبادية. كان أول يوم من أيام القادسيّة يسمّونه يوم أرماث وذلك في أيام عمر بن الخطاب وإمارة سعد بن أبي وقّاص. وفي المعجم أيضا 4/ 97 «قسّ الناطف» : موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي كانت به وقعة بين الفرس والمسلمين في سنة 13 هـ-. في خلافة عمر بن الخطاب، وأمير المسلمين أبو عبيد بن مسعود بن عمرو، ويعرف هذا اليوم بيوم الجسر.
[2] تاريخ الطبري 3/ 575، الأغاني 19/ 6- 8، الشعر والشعراء 1/ 336، 337، أسد الغابة 5/ 291.(3/301)
رَوَى نَحْوَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْقَادِسِيَّةِ أُتِيَ بِأَبِي مِحْجَنٍ سَكْرَانَ [يَمْشِي بَيْنَ] النَّاسِ يَبْتَغِي عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أُولَئِكَ الرَّهْطِ رَأْيًا وَلا يَطَئُونَ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ فَقَيَّدَهُ سَعْدٌ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
ونقل أهل الأخبار أنّ أبا مِحْجَن هو القائل:
إذا مِتُّ فادْفِنِّي إلى جنب [1] كرْمَةٍ ... تُرَوِّي عِظامي بعد موتي عُرُوقُها
ولا تَدْفِنّي بالفَلاة فإنّني ... أخاف إذا مَا مِتُّ ألَّا أذُوقُها [2]
فزعم الهيثم بْن عدِيّ أنّه أخبره من رأى قبر أبي مِحْجَن بأذْرَبَيْجَان- أو قَالَ في نواحي جُرْجَان- وقد نبتت عليه كَرْمَةٌ وظلَّلَتْ وأثمرت، فعجِب الرجل وتذكّر شعره [3] .
__________
[1] في الأغاني 19/ 7 «أصل» .
[2] أذوقها: مرفوعة باعتبار «أن» مخفّفة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أو ضمير متكلّم محذوف، وجملة أذوقها خبر. وانظر: خزانة الأدب 3/ 550 طبعة بولاق.
[3] الأغاني 19/ 13.(3/302)
سَنَة أرَبَعٍ وَعِشرْين
خلافة عثمان رضي الله عنه
دُفِن عُمَر رضي الله عنه في أوّل المحرَّم، ثمّ جلسوا للشُّورَى: فروي عَنْ عبد الله بن أبي ربيعة أنّ رجلا قَالَ قبل الشُّورَى: إنْ بايعتم لعثمان أطَعْنا، وإنْ بايعتم لعليّ سمِعْنا وعَصيْنا.
وَقَالَ المِسْوَر بْن مَخْرَمَة: جاءني عبد الرحمن بْن عَوْف بعد هجع من الليل فَقَالَ: مَا ذاقت عيناي كثير نومٍ ثلاث ليالٍ فادْع لي عثمان وعليًّا والزُّبَيْر وسعدًا، فدَعَوُتُهم، فجعل يخلو بهم واحدًا واحدًا يأخذ عليه، فلمّا أصبح صلّى صُهَيْب بالنّاس، ثمّ جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثني عليه، وَقَالَ في كلامه: إني رأيت النّاس يأبَوْن إلَّا عثمان [1] .
وَقَالَ حُمَيْد بْن عبد الرحمن بْن عوف: أخبرني المِسْوَر إنّ النَّفَر الذين ولَّاهم عُمَر اجتمعوا فتشاوروا فَقَالَ عبد الرحمن: لست بالّذي أُنافِسُكم هذا الأمر ولكنْ إنْ شئتم اخْتَرْتُ لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن،
__________
[1] أخرجه البخاري في التاريخ الصغير 1/ 50 تحقيق محمود إبراهيم زائد، وابن عساكر (ترجمة عثمان بن عفان) - تحقيق سكينة الشهابي 182، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 153.(3/303)
قال: فو الله مَا رأيت رجلًا بذَّ قومًا أشدّ مَا بذَّهُم حين ولّوه أمْرَهُم، حتّى مَا من رجلٍ من على عبد الرحمن يُشاورونه ويُنَاجُونه تلك الّليالي، لَا يخلو به رجلٌ ذو رأيٍ فيَعْدِل بعثمان أحدًا، وذكر الحديث إلى أنْ قَالَ: فتشهّد وَقَالَ: أمّا بعد يا عليّ فإنّي قد نظرت في النّاس فلم أرهم يَعْدِلُون بعثمانَ فلا تجعلنّ على نفسك سبيلًا، ثمّ أخذ بيد عثمان فَقَالَ: نبايعك على سُنَّةِ الله وسُنَّة رسوله وسُنَّة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن بْن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار [1] .
وعن أَنْس قَالَ: أرسل عُمَر إلى أبي طلحة الأنصاري فَقَالَ: كنْ في خمسين مِنَ الأَنْصَار مع هؤلاء النَّفَر أصحاب الشُّورى فإنّهم فيما أحسِب سيجتمعون في بيتٍ، فقُمْ على ذلك الباب بأصحابك فلا تتركْ أحدًا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليومُ الثالث حتّى يؤَمِّروا أحدَهم، اللَّهمّ أنت خليفتي عليهم [2] .
وفي زيادات «مُسْنَد أحمد» من حَديث أبي وائل قَالَ: قلتُ لعبد الرحمن بْن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليّا! قَالَ: مَا ذنبي قد بدأت بعليّ فَقُلْتُ: أبايعك على كتاب الله وسُنَّة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فَقَالَ: فيما استطعت. ثمّ عرضت ذلك على عثمان فَقَالَ: نعم [3] .
وَقَالَ الواقديّ: اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجّة [4] .
ويُرْوَى أنّ عبد الرحمن قَالَ لعثمان خلْوةً: إنْ لم أُبايعْك فمن تشير
__________
[1] أخرجه ابن عساكر في ترجمة عثمان بن عفان (تحقيق سكينة الشهابي) - ص 183.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 61، 62، وابن عساكر في تاريخ دمشق 187.
[3] تاريخ الخلفاء.
(3) تاريخ الخلفاء 154.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 63، تاريخ الطبري 4/ 242.(3/304)
عليَّ؟ فَقَالَ: عليّ، وقَالَ لعليّ خلْوَةً: إنْ لم أُبايعْك فمن تُشير عليَّ؟
قَالَ: عثمان، ثمّ دعا الزُّبَيْر فَقَالَ: إن لم أُبايعْك فمن تشير عليّ؟ قال:
عليّ أو عثمان، ثُمَّ دعا سعدًا فَقَالَ: من تُشير عليّ فأمّا أنا وأنت فلا نُريدها؟ فَقَالَ: عثمان، ثمّ استشار عبد الرحمن الأعيان فرأي هَوَى أكثرِهم [1] في عثمان [2] .
ثُمَّ نودي: (الصّلاة جامعة) وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عمَّمه بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. متقلّدًا سيفه، فصَعِد المنبر ووقف طويلًا يدعو سرًّا، ثُمَّ تكلّم فَقَالَ: أيُّها النّاس إني قد سألتكم سرًّا وجهْرًا على أمانتكم فلم أجدْكم تَعْدِلُون عَنْ أحد هذين الرجُلَيْن: إمّا عليّ وإما عثمان، قم إليّ يا عليّ، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده وَقَالَ: هل أنت مُبَايعِي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا ولكنْ على جهْدي من ذلك وطاقتي، فَقَالَ: قم يا عثمان، فأخذ بيده في موقف عليّ فَقَالَ:
هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نعم، قَالَ فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده ثمّ قَالَ: اللَّهمّ اشهد اللَّهمّ إنّي قد جعلت مَا في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان.
فازدحم النَّاس يُبَايِعُون حتّى غَشَوْهُ عند المنبر وأقعدوه على الدَّرَجة الثانية، وقعد عبد الرحمن مقْعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ المنبر. قَالَ: وتلكّأ عليّ، فَقَالَ عبد الرحمن: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمن أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً 48: 10 [3] . فرجع عليّ يشقّ النّاس حتّى بايع عثمانَ وهو يقول: خدعة وأيّما خدعة [4] .
__________
[1] في النسخة (ح) : «أكثر الناس» بدل «أكثرهم» .
[2] تاريخ الخلفاء 154.
[3] سورة الفتح، الآية 10.
[4] قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 147: «وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير(3/305)
ثُمَّ جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بْن عُمَر بْن الخطاب، وكان محبوسًا في دار سعد، وسعد الَّذِي نزع السيف من يد عُبَيْد الله بعد أن قتل جُفَيْنَةَ والهُرْمُزَان وبنت أبي لؤلؤة، وجعل عُبَيْد الله يَقُولُ: واللهِ لأقتُلَنَّ رجالًا ممّن شرك في دم أبي، يُعَرِّض بالمهاجرين والأنصار، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجَبَذَه بشَعْره حتى أضجعه وحبسه، فَقَالَ عثمان لجماعة من المهاجرين، أشيروا عليَّ في هذا الَّذِي فَتَق في الإسلام مَا فَتَق، فَقَالَ عليّ: أرى أنْ تقتُلَه، فَقَالَ بعضهم: قُتِل أبوه بالأمس وَيُقْتَلُ هو اليوم، فَقَالَ عمرو بْن العاص: يا أمير المؤمنين إنّ الله قد أعفاك أن يكون هذا الحَدَث [1] ولك على المُسْلِمين سلطان، إنّما تمّ هذا ولا سُلطان لك، قَالَ عثمان: أنا وليُّهم وقد جعلتُها دِيَةً واحْتَمَلْتُها من مالي [2] .
قلت: والهُرْمُزَان هو ملك تُسْتَر، وقد تقدّم إسلامُهُ، قتله عُبيد الله بْن عُمَر لما أُصيب عُمَر، فجاء عمَّار بْن ياسر فدخل على عُمَر فقال: حَدَثَ الْيَوْمَ حَدَثٌ في الإسلام، قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ قتل عُبَيْد الله الهُرْمُزَان، قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 عليَّ به، وسَجَنَه.
قَالَ سعيد بْن المسيب: اجتمع أَبُو لؤلؤة وجُفَيْنة، رجل من الحِيرَة، والهُرْمُزَان، معهم خِنْجَرٌ له طرفان ممْلَكُهُ في وسطه، فجلسوا مجلسا فأثارهم
__________
[ () ] وغيره عن رجال لا يعرفون أنّ عليّا قال لعبد الرحمن خدعتني وإنّك إنّما ولّيته لأنّه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكّأ حتى قال له عبد الرحمن: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ... 48: 10 إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصّحاح فهي مردودة على قائليها وناقليها. والله أعلم.
والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصّاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها، ومستقيما وسقيمها، ومبادها وقويمها. والله الموفق للصواب» .
وانظر: تاريخ الطبري 4/ 238، 239.
[1] في الأصل، ح (هذا الحديث) وهو وهم.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 355، 356، تاريخ الطبري 4/ 239.(3/306)
دابّة فوقع الخِنْجَر، فأبصرهم عبد الرحمن بْن أبي بكر، فلمّا طُعِن عُمَر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفية الخنجر، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك، فوثب عُبَيْد الله فقتل الهُرْمُزان، وجُفَيْنَة، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما استُخْلِف عثمان قَالَ له عليّ: أقِدْ عُبَيْد الله من الهرمزان، فقال عثمان: ما له وَلِيٌّ غيري، وإني قد عفوت ولكنْ أَدِيَهُ [1] . وَيُرْوَى أنّ الهُرْمُزان لمّا عضَّه السيف قَالَ: لَا إله إلا الله. وأما جُفَيْنَة فكان نصْرَانيًّا، وكان ظئرًا لسعد بْن أبي وقاص أقدمه للمدينة للصُّلح الَّذِي بينه وبينهم وليُعَلّم النّاس الكتابة [2] .
وفيها افتتح أَبُو موسى الأشعري الرّيّ، وكانت قد فُتِحت على يد حُذَيْفَة، وسُويد بْن مُقَرِّن، فانتقضوا [3] .
وفيها أصاب النّاس رُعافٌ كثير، فقيل لها سنة الرُّعَاف، وأصاب عثمانَ رُعَافٌ حتّى تخلّف عَنِ الحج وأوصى. وحجّ بالنّاس عبد الرحمن بن عوف [4] .
__________
[1] ابن سعد 3/ 356، تاريخ الطبري 4/ 239- 243.
[2] تاريخ الطبري 4/ 240.
[3] تاريخ خليفة 157.
[4] تاريخ الطبري 4/ 242 وانظر 249.(3/307)
الوَفيّاتْ
خ 4
(سُرَاقَةُ بْن مالك)
[1] بْن جُعشُم أَبُو سُفْيَان المُدْلِجيّ. تُوُفيّ في هذه السنة، وكان ينزل قُدَيْدًا، وهو الَّذِي ساخت قوائم فَرَسه [2] . ثُمَّ أسلم وحسُنَ إسلامُهُ، وله حديث في العمرة.
روى عنه جابر بْن عبد الله، وابن عبّاس، وسعيد بن المسيّب [3] ،
__________
[1] المغازي للواقدي 31 و 38 و 39 و 71 و 75 و 135 و 941، تهذيب سيرة ابن هشام 116، 117، 138، طبقات خليفة 34، تاريخ خليفة 157، البرصان والعرجان 77، 78، تاريخ الطبري 2/ 431، المعرفة والتاريخ 1/ 240 و 395 و 2/ 627، الكنى والأسماء 1/ 71 و 73، التاريخ الكبير 208، 209 رقم 2523، أنساب الأشراف 263 و 295، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 91 رقم 130، الجرح والتعديل 4/ 308 رقم 1342، مشاهير علماء الأمصار 32 رقم 170، الاستيعاب 2/ 119- 121، ثمار القلوب 66 و 120، جمهرة أنساب العرب 187، المستدرك على الصحيحين 3/ 619، 620، الكامل في التاريخ 3/ 80، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 209، 210، تحفة الأشراف 1/ 268- 270 رقم 179، تهذيب الكمال 1/ 466، الكاشف 1/ 275 رقم 1825، تلخيص المستدرك 3/ 619، 620، مرآة الجنان 1/ 82، الوافي بالوفيات 15/ 130، رقم 185، تهذيب التهذيب 3/ 456 رقم 854، تقريب التهذيب 1/ 284 رقم 60، الإصابة 2/ 19 رقم 3116، الأسامي والكنى للحاكم (مخطوط) دار الكتب المصرية 1/ 255، 256.
[2] وذلك حينما لحق بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، حين خرجا مهاجرين من مكة إلى المدينة، وقصّته مذكورة في السيرة النبويّة.
[3] إن صحّ أن سراقة مات سنة 24 هـ-. فرواية ابن المسيّب ومن بعده عنه مرسلة.(3/308)
وطاوس، ومجاهد، وجماعة.
وكان إسلامه بعد غزْوة الطائف، وقيل: تُوُفيّ بعد مَقْتَل عثمان.
وفيها عزل عثمانُ عَنِ الكوفة المُغيرة بْن شُعْبَة وولَّاها سعدَ بْن أبي وقاص [1] .
[بقيّة حوادث السنة]
وفيها غزا الوليد بْن عُقبة أذْرَبَيْجان وأَرْمِينِية لمنع أهلها مَا كانوا صالحوا عليه، فسَبَى وغَنِم ورجع [2] .
وفيها جاشت الروم حتى استمدّ أمراء الشام من عثمان مَدَدًا فأَمَّدهم بثمانية آلافٍ من العراق، فمضوا حتى دخلوا إلى أرض الروم مع أهل الشام. وعلى أهل العراق سَلْمان بْن ربيعة الباهلي، وعلى أهل الشام حبيب بْن مسْلَمَة الفِهْريّ، فشنُّوا الغارات وسبوا وافتتحوا حُصُونًا كثيرة [3] .
وفيها وُلِد عبد الملك بن مروان الخليفة.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 244.
[2] تاريخ الطبري 4/ 246.
[3] تاريخ الطبري 4/ 247.(3/309)
سَنَة خَمسْ وَعِشرْين
فيها عزل عثمان سعدًا عَنِ الكوفة واستعمل عليها:
الوليد بْن عقبة بْن أبي مُعَيْط بْن أبي عَمْرو بْن أُميَّة الأُمَويّ، أخو عثمان لأُمّه، كنيته أَبُو وهْب [1] .
له صُحْبة ورواية [2] .
روى عنه أَبُو موسى الهَمذاني، والشعبي.
قَالَ طارق بْن شِهاب: لما قدِم الوليد أميرًا أتاه سعد فَقَالَ: أكِسْتَ بعدي أو استحمقتُ بعدَك؟ قَالَ: مَا كِسْنا ولا حَمِقْتَ ولكنّ القومَ استأثروا عليك بسُلطانهم [3] . وهذا ممّا نقموا على عثمان كوْنه عزل سعْدًا وولّى الوليد بْن عُقْبَة، فذكر حُصَيْن بْن المُنْذِر أنّ الوليد صلّى بهم الفجر أربعا وهو
__________
[1] تاريخ خليفة 157 تاريخ الطبري 4/ 251.
[2] رمزه في الخلاصة «د» .
[3] في الاستيعاب لابن عبد البرّ 3/ 633: «والله ما أدري أكسبت بعدنا أم حمقنا بعدك، فقال:
لا تجزعنّ أبا إسحاق فإنّما هو الملك يتغدّاه قوم ويتعشّاه آخرون. فقال سعد: أراكم والله ستجعلونها ملكا» . وانظر: الكامل في التاريخ 3/ 83.(3/311)
سَكْران، ثمّ التفت وَقَالَ: أزِيدُكم [1] ! ويقال: فيها سار الجيش من الكوفة عليهم سَلْمان بْن ربيعة إلى بَرْذَعَة، فقتل وسَبَى [2] .
وفيها انتقض أهل الإسكندرية فغزاهم عَمْرو بْن العاص أمير مصر وسَبَاهم، فردّ عثمانُ السَّبْيَ إلى ذِمَّتهم، وكان ملك الروم بعث إليها منويل الخَصِيّ في مراكب فانتقض أهلُها- غير المقوقس- فغزاهم عمرو في ربيع الأول، فافتتحها عَنْوةً غير المدينة [3] فإنّها صُلْح.
وفيها عزل عثمان عَمْرًا عَنْ مصر، واستعمل عليها عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ [4] . والصحيح أنّ ذلك في سنة سبعٍ وعشرين. واستأذن ابُن أبي سَرْح عثمان في غزْو إفريقية فأَذِنَ له [5] .
__________
[1] تاريخ اليعقوبي 2/ 165 وفيه قصّة لا يمكن التسليم بها، ومروج الذهب 2/ 344 وقد علّق القاضي أبو بكر بن العربيّ على هذا الموضوع في كتابه «العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة» ، كما علّق عليه محقّق الكتاب محبّ الدين الخطيب تعليقا مسهبا وافيا دحض فيه هذه الفرية المدسوسة على هذا الصحابيّ الجليل. (الحاشية رقم (2) من الصفحة 69 و 70) .
[2] تاريخ خليفة 158.
[3] في تاريخ خليفة 158 «غير عين شمس» بدل «المدينة» . وانظر: تاريخ اليعقوبي 2/ 164، والطبري 4/ 250.
[4] تاريخ اليعقوبي 2/ 164.
[5] اليعقوب 2/ 165.(3/312)
ويقال فيها ولد يزيد بْن معاوية [1] .
وحج بالنّاس عثمان رضي الله عنه [2] .
__________
[1] الطبري 4/ 250، الكامل لابن الأثير 3/ 86.
[2] تاريخ خليفة 158، الطبري 4/ 250، ابن الأثير 3/ 86.(3/313)
سنة ستّ وعشرين
فيها زاد عثمان في المسجد الحرام ووسّعه، واشترى الزّيادة من قوم، وأبى آخرون، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان فأمر بهم إلى الحبس وَقَالَ: مَا جرَّأكم عليَّ إلَّا حِلْمي، وقد فعل هذا بكم عُمَر فلم تُصَيِّحوا عليه، ثُمَّ كلّموه فيهم فأطلقهم [1] .
وفيها فُتِحت سابور وأميُرها عثمان بْن أبي العاص الثّقفي، فصالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف [2] .
وقيل [3] عزل عثمان سعدًا عَنِ الكوفة لأنّه كان تحت دَيْنٍ لابن مسعود فتقاضاه واختصما، فغضب عثمان من سعد وعزله [واستعمل الوليد بْن عُقْبة] [4] ، وقد كان الوليد عاملًا لعمر على بعض الجزيرة وكان فيه رفق برعيّته [5] .
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 251، تاريخ اليعقوبي 2/ 164، 165، الكامل في التاريخ 3/ 87، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام للقاضي تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المكّي المالكي (بتحقيقنا) طبعة دار الكتاب العربيّ، بيروت، 1405 هـ-. / 1985 م. - ج 1/ 359، تاريخ خليفة 159.
[2] تاريخ خليفة 158، تاريخ اليعقوبي 2/ 165.
[3] هكذا في الأصل وغيره من النّسخ، وفي البداية والنهاية لابن كثير 7/ 151 «وفيها» بدل «وقيل» .
[4] ما بين الحاصرتين ساقط من نسختي: (ح) ودار الكتب، وهو موجود في الأصل. ويقتضيه السياق.
[5] تاريخ الطبري 4/ 251، 252.(3/315)
سَنَة سبْعٍ وَعِشرْين
فيها غزا معاوية قُبْرُسَ فركب البحر بالجيوش، وكان معه عُبادة بْن الصامت، وزوجه عبادة أم حَرَام بنت مِلْحانِ الأنصاريّة خالة أنَس، فصُرعت عَنْ بَغْلتها فماتت شهيدةً [1] ، وكان النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْشاها [2] ويقيل عندها وبَشَّرَها بالشَّهادة [3] ، فقبْرُها بقُبْرس يقولون هذا قبر المرأة الصالحة.
__________
[1] ينفرد «صالح بن يحيى» في «تاريخ بيروت وأمراء بني بحتر» - ص 14 بالقول إنّها ماتت في بيروت بعد عودتها من قبرس. بينما تكاد المصادر الأقدم تجمع على أنّها توفيت في الجزيرة.
(انظر: تاريخ خليفة بن خيّاط 160، ربيع الأبرار للزمخشري 1/ 240، الطبقات الكبرى لابن سعد 8/ 434، تاريخ دمشق (تراجم النساء) تحقيق سكينة الشهابي- ص 486- 496، نهاية الأرب للنويري 19/ 416) .
[2] في النسخة (ح) : «يغشى بيتها» .
[3] قال ابن سعد في الطبقات 8/ 435: أخبرنا عفان بن مسلم، حدّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبّان، عن أنس بن مالك، عن أمّ حرام بنت ملحان قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فاستيقظ وهو يضحك. قالت: قلت: يا نبيّ الله بأبي أنت وأمّي، ممّ تضحك؟ قال: ناس من أمّتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرّة قالت:
قلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت منهم. قالت: ثم قال فاستيقظ وهو يضحك، قلت: يا رسول الله ممّ تضحك؟ قال: ناس من أمّتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرّة. قالت: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأوّلين. قال:
فغزت مع زوجها عبادة بن الصّامت فوقصتها راحلتها فماتت. قال عفّان: أحسبه قال: يركبون ظهر هذا البحر.(3/317)
روت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَى عنها أَنْس بْن مالك، وعُمَيْر بْن الأسود العنسيّ، ويعلى بن شدّاد ابن أوْس، وغيرهم.
وَقَالَ داود بْن أبي هند: صالح عثمان بْن أبي العاص وأبو موسى سنة سبعٍ وعشرين أهلَ أرَّجَان على ألْفَيّ ألف ومائتي ألف، وصالح أهل دارابْجِرْد [1] على ألف ألف وثمانين ألفًا [2] .
وَقَالَ خليفة [3] : فيها عزل عثمانُ عَنْ مصر عَمْرًا وولّى عليها عبدَ الله بْن سعد [4] ، فغزا إفريقية ومعه عبد الله بْن عُمَر بْن الخطاب، وَعَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرِو بْن الْعَاصِ، وَعَبْدِ الله بْن الزُّبَيْر [5] ، فالتقى هو وجُرْجير بسُبَيْطِلة [6] على يومين من القيروان، وكان جُرْجير في مائتي ألف مقاتل، وقيل في مائةٍ وعشرين ألفًا، وكان المسلمون في عشرين ألفًا.
قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ثنا أَبِي، وَالزُّبَيْرُ بْنُ خُبَيْبٍ [7] قَالا: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: هَجَمَ عَلَيْنَا جُرْجير فِي مُعَسْكَرِنَا فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ ألف، فأحاطوا بنا
__________
[1] قال ياقوت: بعد الألف الثانية باء موحّدة ثم جيم ثم راء ودال مهملة. ولاية بفارس. (معجم البلدان 2/ 419) .
[2] تاريخ خليفة 159 وفيه: «وصالح أهل درابجرد على ألفي ألف ومائتي ألف» .
[3] في تاريخه 159.
[4] «بن أبي سرح» كما في تاريخ خليفة، والمنتقى لابن الملّا.
[5] لذلك سمّي هذا الجيش «جيش العبادلة» . (نهاية الأرب للنويري 24/ 7، 8) .
[6] في نسخة دار الكتب «بسنبطلة» ، وهو تصحيف، والتصحيح من الأصل ومعجم البلدان 3/ 187 قال ياقوت: «مدينة من مدن إفريقية، وهي كما يزعمون مدينة جرجير الملك الرومي وبينها وبين القيروان سبعون ميلا» .
[7] في نسخة دار الكتب «ثنا أبي الزبير بن حبيب» وهو تحريف وتصحيف، والتصحيح من الأصل، والنسختين (ع) و (ح) والمنتقى نسخة أحمد الثالث، وجمهرة نسب قريش 99.(3/318)
وَنَحْنُ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَدَخَلَ فُسْطَاطًا لَهُ فَخَلا فِيهِ، وَرَأَيْتُ أَنَا غرَّةً مِنْ جرجير بصرت به خلف عساكره على برذون أَشْهَبَ مَعَهُ جَارِيَتَانِ تُظَلِّلانِ عَلَيْهِ بِرِيشِ الطَّوَاوِيسِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ جُنْدِهِ أَرْضٌ بَيْضَاءَ لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ، فَخَرَجْتُ إِلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ فَنَدَبَ لِي النَّاسَ، فَاخْتَرْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ فَارِسًا وَقُلْتُ لِسَائِرِهِمْ: الْبثوا عَلَى مَصَافِّكُمْ، وَحملت فِي الْوَجْهِ الّذي رأيت فيه جرجير وقلت لأصحابي: احملوا لي ظهري، فو الله مَا نشبتُ أنْ خَرَقْتُ الصَّفَ إِلَيْهِ فَخَرَجْتُ صَامِدًا [1] لَهُ، وَمَا يَحْسِبُ هُوَ وَلا أَصْحَابُهُ إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه فَعَرَفَ الشَّرَّ، فَوَثَبَ عَلَى بِرْذَوْنِهِ وَوَلَّى مُدْبِرًا [2] ، فَأَدْرَكْتُهُ ثُمَّ طَعَنْتُهُ، فَسَقَطَ، ثُمَّ دَفَفْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، وَنَصَبْتُ رَأْسَهُ عَلَى رُمْحٍ وَكَبَّرْتُ، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ، فَارْفَضَّ أَصْحَابُه مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَرَكِبْنَا أَكْتَافَهُمْ [3] .
وَقَالَ خَلِيفَةُ [4] : ثنا مَنْ سَمِعَ ابْنَ لَهِيعَةَ يَقُولُ: ثنا أَبُو الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي أَبُو إدريس أنّه غزا مع عبد الله بن سعد إِفْرِيقِيَةَ فَافْتَتَحَهَا، فَأَصَابَ كُلَّ إِنْسَانٍ أَلْفَ دِينَارٍ.
وَقَالَ غيره: سَبَوْا وغنِمُوا فبلغ سهمُ الفارس ثلاثةَ آلاف دينار [5] ، وفتح الله إفريقية سَهْلَها وجَبَلَها، ثمّ اجتمعوا على الإسلام وحسُنَتْ طاعتُهُم.
وقسّم ابن أبي سَرْح مَا أفاء الله عليهم وأخذ خمس الخمس بأمر
__________
[1] في المنتقى لابن الملّا (ساعدا) وهو تحريف.
[2] في الأصل ومنتقى أحمد الثالث والمنتقى لابن الملّا، ع، ح (مبادرا) .
[3] البداية والنهاية 7/ 152 وانظر نهاية الأرب 24/ 13- 17، والكامل في التاريخ 3/ 89- 93، والتذكرة الحمدونية 2/ 416، 417 رقم 1074، والبيان المغرب 1/ 10- 12، والعقد الثمين 5/ 154- 155.
[4] في تاريخه- ص 160.
[5] فتوح مصر لابن عبد الحكم 184، نهاية الأرب للنويري 24/ 16.(3/319)
عثمان، وبعث إليه بأربعة أخماسه، وضرب فُسْطاطًا في موضِع القَيْرَوان ووفَّدوا وفدًا [1] ، فشكوا عبد الله فيما أخذ فقال: أنا نقلته، وذلك إليكم الآن، فإنْ رضِيتُم فقد جاز، وإنْ سَخِطْتم فهو رَدّ، قالوا: إنّا نَسْخَطُه، قَالَ: فهو رَدّ، وكتب إلى عبد الله بردّ ذلك واستصلاحهم.
قالوا: فاعْزلْه عنّا. فكتب إليه أن استخِلفْ على إفريقية رجُلًا ترْضَاه واقسم مَا نَفَّلْتُكَ فإنَّهم قد سخِطُوا، فرجع عبد الله بْن أبي سرْح إلى مصر، وقد فتح الله إفريقية، فما زال أهلُها أسْمَعَ النّاس وأطْوَعَهم إلى زمان هشام بْن عبد الملك [2] .
وروى سيف بْن عُمَر، عَنْ أشياخه، أنّ عثمان أرسل عبد الله بْن نافع ابن الحُصَين، وعبد الله بْن نافع الفِهْرِيّ من فَوْرِهما ذلك إلى الأندلس، فأتياها من قِبَل البحر، وكتب عثمان إلى من انتدب إلى الأندلس [3] : أمّا بعد فإنّ القُسْطَنْطِينية إنّما تُفْتَح من قِبَل الأندلس، وإنّكم إن افتتحتموها كنتم شُرَكاء في فتحها في الأجر، والسلام [4] . فعن كعب قَالَ: يعبر البحر إلى الأندلس أقوامٌ يفتحونها يُعْرَفون بنورهم يوم القيامة [5] .
قَالَ: فخرجوا إليها فأتَوها من بَرِّها وبحرها، ففتحها الله على المُسْلِمين، وزاد في سلطان المُسْلِمين مثل إفريقية. ولم يزل أمرُ [6] الأندلس كأمر إفريقية، حتّى أمر هشام فمنع البربر أرضهم.
__________
[1] هكذا في الأصل ونسخة دار الكتب، ح، وفي بعض النسخ (ووفد وفد على عثمان) .
[2] تاريخ الطبري 4/ 254.
[3] غند ابن جرير (من أهل الأندلس) .
[4] في نسخة دار الكتب «والسلامة» . والمثبت من الأصل وغيره من النسخ، وتاريخ الطبري، والوثائق السياسية للدكتور محمد حميد الله 396.
[5] تاريخ الطبري 4/ 255.
[6] في نسخة دار الكتب «أمراء» في الموضعين، وهو خطأ على ما في الأصل وغيره.(3/320)
ولما نزع عثمان عَمْرًا عَنْ مصر غضب وحقد على عثمان، فوجّه عبد الله بْن سعد فأمره أن يمضي إلى إفريقية، وندب عثمانُ النَّاس معه إلى إفريقية، فخرج إليها في عشرة آلاف، وصالح ابن سعد أهل إفريقية على ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار [1] . وبعث ملك الروم من قسطنطينية أن يؤخذ من أهل إفريقية ثلاثمائة قِنْطار ذَهَبًا، كما أخذ منهم عبد الله بْن سعد، فقالوا: مَا عندنا مالٌ نعطيه، وما كان بأيدينا فقد افتدينا به [2] ، فأمّا الملك فإنه سيّدنا فليأخُذْ مَا كان له عندنا من جائزة كما كنا نعطيه كلَّ عام، فلمّا رأى ذلك منهم الرسول أمر بحبسهم، فبعثوا إلى قومٍ من أصحابهم فقدِموا عليهم فكسروا السجن وخرجوا [3] .
وعن يزيد بْن أبي حبيب قَالَ: كتب عبد الله بْن سعد إلى عثمان يَقُولُ: إنّ عمرو بْن العاص كسر الخراج، وكتب عَمْرو: إن عَبْد الله بن سَعْد أفسد [4] علي مكيدة الحرب. فكتب عُثْمَان إلى عَمْرو: انصرف وولي عَبْد الله الخراج والجُنْد، فقدِم عمرو مُغْضبًا، فدخل على عثمان وعليه جُبَّةٌ له يَمانيَّة مَحْشُوَّة قُطْنًا، فَقَالَ له عثمان: مَا حَشْوُ جُبَّتك؟ قَالَ: عمرو، قَالَ [5] : قد علمتُ أنّ حَشْوَها عمرو، ولم أر هذا، إنّما سألتك أقُطْنٌ هو أم غيره [6] ؟
وبعث عبد الله بْن سعد إلى عثمان مالا من مصر وحشد فيه، فدخل
__________
[1] زاد الطبري 4/ 256 «وعشرين ألف دينار» .
[2] هكذا في الأصل، ومنتقى أحمد الثالث، والنسختين: (ع) و (ح) ، وفي تاريخ الطبري (افتدينا به أنفسنا» .
[3] تاريخ الطبري 4/ 256.
[4] هكذا في الأصل ومنتقى ابن الملا، ع، ح. وفي تاريخ الطبري (كسر) عوض (أفسد) وكذلك في نهاية الأرب (19/ 412) وسقطت هذه الكلمة من نسخة دار الكتب.
[5] أي عثمان. كما في تاريخ الطبري.
[6] تاريخ الطبري 4/ 256.(3/321)
عمرو، فَقَالَ عثمان: هل تعلم أنّ تلك اللّقاح درّت بعدك؟ قَالَ عمرو: إن فصالها هلكت [1] .
وفيها حجّ عثمان بالنّاس [2] .
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 257.
[2] الطبري 4/ 257.(3/322)
سَنَة ثمانٍ وَعِشْرين
قيل في أوّلها [1] غزوة قبرس، وقد مرّت. فروى سَيْفٌ، عَنْ رجاله قالوا: أَلَحَّ معاوية في إمارة عُمَر عليه في غَزْو البحر وقُرْب الرُّوم من حِمْص، فَقَالَ عُمَر: [2] إنّ قريةً من قُرَى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياحَ ديُوكهم [قالوا: كتب عُمَر إلى معاوية: إنّا سمعنا أنّ بحر الشام يشرف على أطول شيء على الأرض، يستأذن الله في كل يوم وليلة في أن يقبض على الأرض فيغرقها، فكيف أحمل الجنود في هذا البحر الكافر المستعصب، وتاللَّه لمسلم] [3] أحبّ إليَّ من كلّ مَا في البحر، فلم يزل بعمر حتّى كاد أن يأخذ بقلبه. فكتب عُمَر إلى عمرو بْن العاص أن صِفْ لي البحر وراكبَه، فكتب إليه: إنّي رأيت خلْقًا كبيرًا يركبه خلْقٌ صغير، إنْ رَكَد حرّق [4] القلوب، وإنْ تحرّك أزاغ العُقُولَ، يزداد فيه اليقين قلَّة، وَالشَّكُّ كثْرَة، وهم
__________
[1] في نسخة دار الكتب ومنتقى أحمد الثالث (أوائلها) .
[2] هكذا في الأصل، وطبعة القدسي 3/ 187 والعبارة مضطربة فيها نقص والصحيح، «فقال معاوية» ، كما في تاريخ الطبري 4/ 258 و 259.
[3] ما بين الحاصرتين إضافة من الطبري.
[4] في تاريخ الطبري 4/ 258 «إن ركن خرّق» .(3/323)
فيه كدُودٍ على عُود، إنْ مال غرِق، وإن نجا بَرِق [1] . فلمّا قرأ عُمَر الكتابَ كتب إلى معاوية: والله لَا أحمل فيه مسلمًا أبدًا [2] .
وَقَالَ أَبُو جعفر الطبريّ [3] : غزا معاوية قبرس فصالح أهلَها على الجِزْية.
وَقَالَ الواقِديّ: في هذه السنة غزا حبيب بْن مسْلَمَة سورية من أرض الروم [4] .
وفيها تزوّج عثمان نائلةَ بنت الفرافصة فأسلمت قبل أن يدخل بها [5] .
وفيها غزا الوليد بْن عُقْبَة أَذْرَبَيْجَان فصالحهم مثل صُلح حُذَيفة [6] .
وقلَّ من مات وضُبط موتُهُ في هذه السنّوات كما ترى.
__________
[1] البرق: الحيرة والدهش. انظر: لسان العرب، مادّة «برق» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 259.
[3] في تاريخه 4/ 258 و 262.
[4] تاريخ الطبري 4/ 263.
[5] تاريخ الطبري 4/ 263 وفيه: «وكانت نصرانيّة، فتحنّثت» .
[6] تاريخ خليفة 160.(3/324)
سَنَة تسْعٍ وَعِشرْين
فيها عزل عثمان أبا موسى عَنِ البصْرة بعبد الله بْن عامر بْن كُرَيز، وأضاف إليه فارس [1] .
وفيها افتتح عبد الله بْن عامر إصْطَخْر عَنْوةً فقتل وسبَى، وكان على مقدِّمة عُبَيْد الله بْن عمر بْن عثمان التَّيْميّ أحد الأجواد [2] وكلٌّ منهما رأى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان على إصْطَخْر قتالٌ عظيم قُتِلَ فيه عُبَيْد الله [3] بْن مَعْمَر، وكان من كبار الأمراء، افتتح سابور عَنْوةً وقلعة شيراز، وقُتِلَ وهو شاب، فأقسم ابن عامر لئن ظفر بالبلد ليقتلنّ حتّى يسيل الدَّمُ من باب المدينة [4] ، وكان بها يَزْدَجِرْد بْن شَهْرَيَار بْن كِسْرى فخرج منها في مائة ألفِ وسار فنزل مرو،
__________
[1] تاريخ خليفة 161، تاريخ اليعقوبي 2/ 66، تاريخ الطبري 4/ 264.
[2] تاريخ خليفة 161، 162.
[3] في النسخة (ح) : «عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من الأصل وغيره.
[4] إلى هنا تنتهي رواية خليفة 162.(3/325)