ـ[تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام]ـ
المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)
المحقق: عمر عبد السلام التدمري
الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت
الطبعة: الثانية، 1413 هـ - 1993 م
عدد الأجزاء: 52
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع](0/)
[المجلد الأول (السيرة النبوية) ]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدّمة التّحقيق
إنّ الحمد للَّه، والصلاة والسلام على أشرف خلقه، من بعثه في الأمّيّين رسولا، وجاهد في الله حقّ جهاده، وبعد فيعتبر كتاب «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» أهمّ ما صنّفه الحافظ المؤرّخ الثقة شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبيّ، المولود بدمشق في الثالث من شهر ربيع الآخر سنة 673 هـ-. والمتوفّى بها ليلة الثالث من شهر ذي القعدة سنة 748 هـ-. كما يعتبر كتابه هذا من أهمّ الكتب الموسوعيّة الضخمة التي صنّفها المؤرّخون المسلمون، وهو كتاب تاريخ وتراجم معا، وبهذا يختلف عن الموسوعة الضخمة الأخرى للمصنّف، المعروفة ب «سير أعلام النبلاء» .
وأجدني لست بحاجة إلى التعريف بالحافظ المؤرّخ الذهبيّ، فهو أشهر من أن يعرّف، ولن أزيد في هذا المجال على ما كتبه الصديق البحاثة الأستاذ الدكتور بشّار عوّاد معروف في تقديمه ل «سير أعلام النبلاء» وقد كفانا المحقّق الفاضل أيضا مئونة البحث في المنهج الّذي اتّبعه الذهبيّ في تدوين «تاريخ الإسلام» ، وذلك ببحثه القيّم عن «الذهبيّ ومنهجه في تاريخ الإسلام» والّذي كان موضوع رسالته التي نال عليها درجة الدكتوراه.(1/1)
وإذا كان لي ما أقوله في هذه المقدّمة المتواضعة، فإنّني أودّ التنويه ببعض النّقاط التي أراها أساسية، وهي:
إنّ «تاريخ الإسلام» يتفوّق على «سير أعلام النّبلاء» بالكمّيّة الهائلة التي يحتوي عليها من التراجم، فضلا عن أنّه يتميّز بذكر الأحداث الحوليّة. وإذا كانت التراجم في كتاب «السير» تقتصر على «الأعلام النّبلاء» - كما نصّ المؤلّف على ذلك في عنوانه- فإنّ التراجم في «تاريخ الإسلام» لا تقتصر على «المشاهير والأعلام» كما يقول العنوان، وإنّما تضمّ رجالا غير مشاهير، بل إن البعض منهم يعتبرون من المجاهيل.
هذا، مع الإشارة إلى أنّ «الذهبيّ» لم يترجم للخلفاء الراشدين الأربعة- رضوان الله عليهم- في «سير أعلام النبلاء» ، وهم أشهر المشاهير، بينما أفرد لهم جزءا خاصا في «تاريخ الإسلام» .
وبالمقارنة بين «تاريخ الإسلام» وكتابي «تاريخ بغداد» ، و «تاريخ دمشق» ، وغيرهما من كتب الرجال، نجد «الذهبيّ» يتفرّد في «تاريخ الإسلام» بتراجم لأعلام لا نجد ذكرا لهم عند غيره، مما يعني أنّه وقف على أسانيد ورسائل ومشيخات لم يسبقه إليها «الخطيب البغدادي» ولا «ابن عساكر الدمشقيّ» ولا غيرهما ممّن عني بالسير والتراجم، رغم تقدّم عصرهم.
وهناك ميزة أخرى عند «الذهبيّ» ، لا نجدها عند «الخطيب» و «ابن عساكر» ، وهي إشارته إلى روايات الصحابة والتابعين، وتابعي التابعين في كتب الصّحاح بالرموز التي اعتمدها عند أوّل كل ترجمة.
أمّا عن تقديم «المغازي» على «السيرة النّبويّة» ، فهذا يرجع إلى المنهجيّة التي انتهجها «الذهبيّ» في تأليف «تاريخ الإسلام» ، فهو يعرض للأخبار والوقائع والأحداث التي أسهم فيها صاحب الترجمة، قبل أن يترجم له ويؤرّخ وفاته، أو يتناول سيرته الذاتية. ومن هذا المنطلق في المنهجية، فقد قدّم(1/2)
«مغازي النبيّ» على «الترجمة النّبويّة، ولذا كانت «المغازي» في الجزء الأول، «والسيرة النبويّة» في الجزء الثاني، ثم سيرة الخلفاء الراشدين، في الجزء الثالث ...
وممّا تجدر الإشارة إليه، أنّ الأجزاء الأوائل من «تاريخ الإسلام» تعتبر أقلّ الأجزاء كميّة للتراجم، وقد أوضح «الذهبيّ» هذه الظاهرة في حوادث السنة الأولى للهجرة، حيث يقول:
« ... والسبب في قلّة من توفّي قلّة فِي هَذَا الْعَامِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ السِّنِينَ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَلِيلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِبَعْضِ الْحِجَازِ، أَوْ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ. وَفِي خِلَافَةِ عُمَرَ- بَلْ وَقَبْلَهَا- انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ فِي الْأَقَالِيمِ، فَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ سَبَبُ قِلَّةِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَسَبَبُ كَثْرَةِ مَنْ توفّي في زمان التابعين ممّن بعدهم» .
وقد اعتمدت في تحقيق هذا الجزء على النّسخ المخطوطة التالية:
1- نسخة مكتبة أياصوفيا رقم (3005) تاريخ.
2- نسخة حيدرآباد.
3- نسخة الأمير عبد الله الفيصل المنقولة عن نسخة دار الكتب المصرية رقم 42 تاريخ. وقد اتخذت من نسخة مكتبة أياصوفيا أصلا اعتمدت عليه في التحقيق لأنها بخطّ المؤلّف- رحمه الله-، وقد أشرت في الحواشي إلى نسخة حيدرآباد بحرف «ح» ، وإلى نسخة الأمير عبد الله بحرف «ع» .
كما استعنت ب «مختصر تاريخ الإسلام» لابن الملّا، معتمدا على نسخة مخطوطة بالمكتبة الأحمدية بحلب، ذات الرقم (1219) .
وكان الباحث «حسام الدين القدسيّ» - رحمه الله- قد حقّق «المغازي» و «السيرة النبويّة» معتمدا على النّسخ المذكورة أعلاه، ونشرها(1/3)
في سنة (1367 هـ. / 1947 م) ، وجاء تحقيقه «لا جيّدا ولا رديئا» - كما يقول الدكتور بشّار عوّاد معروف، في دراسته عن الذهبيّ ومنهجه في تاريخ الإسلام.
ولا أخفي أنّني استعنت بالجزء المطبوع الّذي يستر لي مئونة العودة إلى الأصول المخطوطة، كما استفدت من تعليقات «القدسي» في الحواشي، فأبقيت أغلبها، وزدت على بعضها في التعليق، زيادة في التوضيح، وأضفت حواشي جديدة لا بدّ منها ليأتي التحقيق أقرب إلى الكمال- وليس هو الكمال مطلقا- فهذا أمر لا أدّعيه. وقد عملت جهدي في تصويب بعض الأخطاء والأوهام التي وقعت في طبعة «القدسي» ، ونبّهت إليها في الحواشي. كما قمت بتخريج الأحاديث النبويّة الشريفة، وأحلت إلى المصادر الأساسية لتوثيق متن المؤلّف، وصنعت عدّة فهارس لهذا الجزء تساعد الباحثين وتيسّر لهم الوقوف على ما يريدونه من مواضيع محدّدة، واشتملت الفهارس على: فهرس أوائل الآيات الكريمة، وأوائل الأحاديث الشريفة، وأوائل الأشعار، وفهرس أعلام الرجال، وأعلام النساء، وفهرس الأصنام، وفهرس الأمم والشعوب والقبائل والطوائف، وفهرس الأيام، وفهرس المصطلحات، وفهرس الأماكن والبلاد، وفهرس المصادر والمراجع التي اعتمدتها في التحقيق ...
وقد أبقيت في المتن على ترقيم أوراق نسخة الأصل المخطوطة في أياصوفيا، مع التنبيه إلى أنّ هناك نقصا في هذه النسخة، عملت على استدراكه من نسختي حيدرآباد والأمير عبد الله، ومن «مختصر» ابن الملّا أيضا. وأضفت أحيانا بعض العبارات على الأصل نقلا عن مصادر أخرى، مثل «سيرة ابن هشام» ، أو «تاريخ الطبري» أو «السيرة النبويّة» لابن كثير، وغيره، ووضعت الإضافة بين حاصرتين [] ، أمّا الآيات القرآنية فهي بين هلالين كبيرين () ، وقمت بضبط وتحريك الكثير من أسماء الأعلام، ومن المفردات التي يستشكل في قراءتها، مع شرح معاني الألفاظ التي يغمض فهمها، في الحواشي.(1/4)
راجيا من الله أن يتقبّل عملي هذا، وأن يعصمني من الكبر والزّهو، وله الحمد أولا وآخرا.
عمر عبد السّلام تدمري طرابلس الشام 22 من رجب الفرد 1406 هـ.
أول نيسان (أبريل) 1986 م.(1/5)
نصّ الوقفيّة التي في نسخة الأصل
الحمد للَّه حقّ حمده. وقف وحبس وسبل المقرّ الأشرف.
العالي الجمالي محمود أستاددار العالية الملكي الظاهريّ أعزّ الله تعالى أنصاره جميع هذا المجلّد وما قبله وما بعده من المجلّدات من تاريخ الإسلام للذهبيّ بخطّه وعدّة ذلك أحد وعشرون مجلّدا وقفا شرعيا على طلبة العلم الشريف ينتفعون به على الوجه الشرعيّ وجعل مقرّ ذلك بالخزانة السعيدة المرصدة لذلك بمدرسته التي أنشأها بخطّ الموازين بالقاهرة المحروسة. وشرط الواقف المشار إليه أن لا يخرج ذلك ولا شيء منه من المدرسة المذكورة برهن ولا بغيره، وجعل النّظر في ذلك لنفسه أيام حياته، ثم من بعده لمن يؤول إليه النظر على المدرسة المذكورة على ما شرح في وقفها وجعل لنفسه أن يزيد في شرط ذلك وينقص ما يراه دون غيره من النّظّار.
جعل ذلك لنفسه في وقف المدرسة المذكورة. فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ على الذين يبدّلونه.
إنّ الله سميع عليهم، بتاريخ الخامس والعشرين من شعبان المكرّم سنة سبع وتسعين وسبع مائة. وحسبنا الله.
شهد بذلك عبد الله بن علي ...
عمر بن عبد الرحمن البرماوي(1/7)
القراءة والسّماع في نسخة الأصل
قرأت هذه المجلّدة، وهي الجزء الثاني من تاريخ الإسلام.
على كاتبه ومؤلّفه شيخنا الإمام الحافظ العلّامة قدوة المؤرّخين حجّة المحدّثين شمس الدّين أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عثمان الذهبي، أدام الله الإمتاع بفوائده، في ثمانية عشر ميعادا، آخرها تاسع عشر ربيع الأوّل سنة 735 وسمعها كاملة فتاي طيدمر بن عبد الله الرومي، ومن أول الترجمة النبويّة إلى آخر ترجمة عيينة بن حصن، وسمع بعض ذلك في مياعيد مفرّقة جماعة ذكرتهم في البلاغات على الهامش، وأجازنا رواية ذلك عنه أجمع وكتب خليل بن أبيك بن عبد الله الشافعيّ الصّفديّ، حامدا ومصلّيا.
وفي أعلى الصفحة
فرغه نسخا وقراءة عبد الرحمن ... طالعة وانتقاه وما قبله
بن محمد البعليّ داعيا لجامعه ... إبراهيم بن يونس البعلبكيّ الشافعيّ
أنهاه تعليقا طالعة فرّغ تراجمه ترتيبا البدر البشتكيّ يوسف الكرماني محمد بن السخاويّ ختم له بخير(1/8)
النّسخ المعتمدة في التحقيق لهذا الجزء
1- مخطوطة مكتبة أياصوفيا باسطنبول رقم 2005 وهي بخطّ المؤلّف- رحمه الله- وبقراءة خليل بن أيبك الصفدي المؤرّخ. وقد اعتمدناها أصلا.
2- مصوّرة مكتبة الأمير عبد الله بن عبد الرحمن الفيصل. (رمزها:
ع) .
3- مصوّرة المنتقى من تاريخ الإسلام لابن الملّا. وهو بخطّه. نسخة المكتبة الأحمدية بحلب.
4- الجزء المطبوع من «الترجمة النّبويّة» . بتحقيق حسام الدين القدسي- رحمه الله-.(1/9)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدّمة المؤلّف
[1] قال الشيخ الإمام العالم العامل النّاقد البارع الحافظ الحجّة شمسُ الدين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عثمان الذهبيّ رحمه الله تعالى وأدام النّفع به وغفر له ولوالديه: الحمد للَّه [موفّق من] [2] توكّل عليه، والقيّوم الّذي ملكوت كلّ شيء بيديه، حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين وخاتما للنّبيّين وحرزا للأميّين [3] وإماما للمتّقين بأوضح دليل وأفصح تنزيل وأفسح سبيل وأنفس تبيان وأبدع برهان. اللَّهمّ آته الوسيلة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون والآخرون، صلّى الله عليه وعلى آله الطّيّبين وصحابته المجاهدين وأزواجه أمّهات المؤمنين.
أما بعد فهذا كتاب نافع إن شاء الله، ونعوذ باللَّه من علّم لا ينفع ومن
__________
[1] المقدّمة الكتاب كلّها غير موجودة في نسخة دار الكتب المصرية.
[2] ما بين الحاصرتين إضافة على الأصل.
[3] في الأصل «وحرزا للامنين» وما أثبتناه يؤيّده الحديث الشريف فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسيأتي صحيحا في هذا الجزء.(1/11)
دعاء لا يسمع، جمعته وتعبت عليه واستخرجته من عدّة تصانيف، يعرف به الإنسان مهمّ [1] ما مضى من التّاريخ، من أوّل تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا من وفيات الكبار من الخلفاء والقرّاء والزّهّاد والفقهاء والمحدّثين والعلماء والسّلاطين والوزراء والنّحاة والشّعراء، ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم بأخصر عبارة وألخص لفظ، وما تمّ من الفتوحات المشهورة والملاحم المذكورة والعجائب المسطورة، من غير تطويل [2] ولا استيعاب، ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم، وأترك المجهولين ومن يشبههم، وأشير إلى الوقائع الكبار، إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلّدة بل أكثر، لأنّ فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلّدا.
وقد طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنّفات كثيرة، ومادّته من:
«دلائل النّبوّة» للبيهقي [3] .
«وسيرة النّبيّ» صلّى الله عليه وسلّم لابن إسحاق [4] .
و «مغازيه» لابن عائذ [5] الكاتب.
و «الطّبقات الكبرى» لمحمد بن سعد كاتب [6] الواقديّ.
__________
[1] أورد السخاوي في كتابه «الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ» بعض هذه المقدّمة للذهبي، وليس فيها كلمة «مهم» .
[2] زاد في «الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ» «ولا إكثار» .
[3] مطبوع.
[4] دوّن ابن إسحاق السيرة النبويّة في كتابين أحدهما: «كتاب المبتدإ» أو «مبتدأ الخلق» أو كتاب «المبتدإ وقصص الأنبياء» وهو تاريخ النبيّ حتى الهجرة، ورواه عنه إبراهيم بن سعد ومحمد بن عبد الله بن نمير النفيلي المتوفى 234 هـ.
والآخر «كتاب المغازي» وهو أهم مؤلفاته، وقد نشر قسما منه د. سهيل زكار باسم «كتاب السير والمغازي» . وقد جمع ابن هشام المعافري البصري» السيرة النبويّة من المغازي والسير لابن إسحاق وهذّبها ولخّصها، وهي المعروفة والمتداولة بين أيدي الناس بسيرة ابن هشام.
[5] في الأصل «عائد» بالمهملة، وهو مشهور.
[6] في الأصل «الكاتب» وهو مطبوع وفيه نقص.(1/12)
و «تاريخ» أبي عبد الله البخاري [1] .
وبعض «تاريخ» أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة [2] .
و «تاريخ» يعقوب الفسوي [3] .
و «تاريخ» محمد بن المثنّى العنزي [4] وهو صغير.
و «تاريخ» أبي حفص الفلّاس [5] .
و «تاريخ» أبي بكر بن أبي شيبة [6] .
و «تاريخ» الواقديّ [7] .
و «تاريخ» الهيثم بن عديّ [8] .
وتاريخ خليفة بن خيّاط [9] .
والطبقات له [10] .
__________
[1] له «التاريخ الكبير» و «التاريخ الصغير» وهما في التراجم مطبوعان.
[2] هو التاريخ الكبير، على ما في ترجمته في (شذرات الذهب) .
[3] بفتح الفاء والسين، نسبة إلى فسا من بلاد فارس، وهو يعقوب بن سفيان الفسوي الفارسيّ الكبير الإمام المشهور، مات في رجب سنة 277، والكتاب بعنوان «المعرفة والتاريخ» نشره محققا د. أكرم ضياء العمري في ثلاثة أجزاء ببغداد.
[4] بفتح العين والنون، نسبة إلى عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان، حيّ من ربيعة. وهو بصريّ يروي عن غندر وغيره، روى عنه البخاري والنّاس، على ما في (اللباب في تهذيب الأنساب ج 2 ص 156) توفي سنة 252 هـ-. (تاريخ بغداد 3/ 283، الوافي بالوفيات 4/ 384 رقم 1941 تهذيب التهذيب 9/ 425) .
[5] بفتح الفاء وتشديد اللام ألف، نسبة إلى من يبيع الفلوس وكان صيرفيا وهو أبو حفص عمرو بن علي بن بحر السّقّاء الفلّاس الصّيرفيّ، بصري سكن بغداد، روى عنه البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم، مات بسرّ من رأى سنة 249 هـ-. (انظر مصادر ترجمته في سير أعلام النبلاء 11/ 470) .
[6] هو عبد الله بن محمد بن القاضي أبي شيبة، صاحب الكتب الكبار «المسند» و «المصنّف» و «التفسير» توفي سنة 235 هـ. مصادر ترجمته في (سير أعلام النبلاء 11/ 122) .
[7] يرجّح أنه كتاب «المغازي» المطبوع في ثلاثة أجزاء.
[8] لم يصلنا منه شيء.
[9] مطبوع.
[10] مطبوع.(1/13)
و «تاريخ» أبي زرعة الدمشقيّ [1] .
و «الفتوح» لسيف بن عمر [2] .
وكتاب «النّسب» للزّبير بن بكّار [3] .
و «المسند» للإمام أحمد [4] .
و «تاريخ» المفضّل بن غسّان الغلّابي [5] .
و «الجرح والتعديل» عن يحيى بن معين [6] .
و «الجرح والتعديل» لعبد الرحمن بن أبي حاتم [7] .
ومن عليه رمز فهو في الكتب السّتّة أو بعضها، لأنّني طالعت مسودّة (تهذيب الكمال [8] لشيخنا الحافظ أبي الحجّاج يوسف المزّي، ثم طالعت المبيضّة كلّها. فمن على اسمه (ع) فحديثه في الكتب الستّة، ومن عليه [4] فهو في السّنن الأربعة، ومن عليه (خ) فهو في البخاري، ومن عليه (م) ففي مسلم، ومن عليه (د) ففي سنن أبي داود، ومن عليه (ت) ففي جامع الترمذي، ومن عليه (ن) ففي سنن النّسائي، ومن عليه (ق) ففي سنن ابن ماجة. وإن كان الرجل في الكتب إلّا فرد كتاب فعليه (سوى ت) مثلا أو (سوى د) .
__________
[1] مطبوع.
[2] انظر عنه تاريخ التراث العربيّ، لفؤاد سزكين 1/ 499.
[3] هو الكتاب المعروف ب «نسب قريش» مطبوع.
[4] مطبوع.
[5] الغلّابي: بفتح الغين المعجمة وتشديد اللّام ألف. نسبة إلى غلّاب البصري. روى عنه ابنه أبو أميّة الأحوص كتاب «التاريخ» توفي سنة 300 هـ- (اللباب 2/ 395، 396) .
[6] له «كتاب التاريخ» وقد طبع.
[7] مطبوع.
[8] في أسماء الرجال. يحقّقه الدكتور بشّار عوّاد معروف.(1/14)
وقد طالعت أيضا عليه من التواريخ التي اختصرتها:
«تاريخ» أبي عبد الله الحاكم [1] .
و «تاريخ» أبي سعيد بن يونس [2] .
وتاريخ أبي بكر الخطيب [3] .
و «تاريخ دمشق» لأبي القاسم الحافظ [4] .
و «تاريخ» أبي سعد بن السّمعاني [5] .
و «الأنساب» له [6] .
و «تاريخ» القاضي شمس الدين بن خلّكان [7] .
و «تاريخ» العلّامة شهاب الدين أبي شامة [8] .
و «تاريخ» الشيخ قطب الدين بن اليونيني [9] ، وتاريخه ذيل على «تاريخ مرآة الزمان» للواعظ شمس الدين يوسف سبط [10] ابن الجوزي، وهما على الحوادث والسّنين.
وطالعت أيضا كثيرا من:
«تاريخ» الطبري.
__________
[1] هو صاحب «المستدرك على الصحيحين» .
[2] في تاريخ مصر.
[3] المعروف ب «تاريخ بغداد» .
[4] أي الحافظ ابن عساكر الدمشقيّ المتوفى سنة 571 هـ-. ولا يزال أكثره مخطوطا.
[5] هو ذيل على تاريخ ابن جرير الطبري.
[6] مطبوع.
[7] المعروف ب «وفيات الأعيان» وهو مطبوع.
[8] وهو «كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية» وهو مطبوع.
[9] هو أبو عبد الله موسى بن محمد بن أحمد، شيخ بعلبكّ، وينسب إلى بلدة يونين القريبة منها.
توفي سنة 726 هـ. (انظر مصادر ترجمته في موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي من إعدادنا- ج 9/ 274 رقم 1294) طبع منه جزءان، وبقي جزءان دون طبع.
[10] «سبط» ساقطة من الأصل.(1/15)
و «تاريخ» ابن الأثير.
و «تاريخ» ابن الفرضيّ [1] .
و «صلته» لابن بشكوال.
و «تكملتها» لابن الأبّار [2] .
و «الكامل» لابن عديّ [3] .
وكتبا كثيرة وأجزاء عديدة، وكثيرا من:
«مرآة الزمان» [4] .
ولم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي، بل اتّكلوا على حفظهم، فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصّحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعيّ، فكتبنا أسماءهم على الطّبقات تقريبا، ثم اعتنى المتأخّرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم، حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنّسبة إلى معرفتنا لهم، فلهذا حفظت وفيات خلق من المجهولين وجهلت وفيات أئمة من المعروفين. وأيضا فإنّ عدّة بلدان لم يقع إلينا «أخبارها» [5] إمّا لكونها لم يؤرّخ علماءها أحد من الحفّاظ، أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا.
وأنا أرغب إلى الله تعالى وأبتهل إليه أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يغفر لجامعه وسامعه ومطالعه وللمسلمين آمين.
__________
[1] هو تاريخ علماء الأندلس، مطبوع.
[2] في الأصل «للأباري» والصحيح ما أثبتناه.
[3] هو «الكامل في ضعفاء الرجال» مطبوع.
[4] لسبط ابن الجوزي وقد مرّ.
[5] في الأصل «أنوارها» .(1/16)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ذِكْرُ نَسَبِ سَيِّدِ الْبَشَرِ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَبُو الْقَاسِمِ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شَيْبَةُ [1] بْنُ هَاشِمٍ- وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ- وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ- وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بن النّضر بن كنانة ابن خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ- وَاسْمُهُ عَامِرُ- بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَعَدْنَانُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا وَسَلَّمَ- بِإِجْمَاعِ النَّاسِ [2] .
لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَ عَدْنَانَ وَبَيْنَ إِسْمَاعِيلَ مِنَ الْآبَاءِ، فَقِيلَ بَيْنَهُمَا تِسْعَةُ آبَاءٍ، وَقِيلَ سَبْعَةٌ، وَقِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ. لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي أَسْمَاءِ بَعْضِ الْآبَاءِ، وَقِيلَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ أَبًا، وَقِيلَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ أَبًا وَهُوَ بَعِيدٌ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ طَائِفَةٍ من العرب ذلك.
__________
[1] في المنتقى لابن الملا، وطبقات ابن سعد 1/ 55 ونهاية الأرب 16/ 3 وعيون الأثر 1/ 2 (شيبة الحمد) .
[2] انظر بقية النسب في سيرة ابن هشام 1/ 11- 13.(1/17)
وَأَمَّا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: مَا وَجَدْنَا مَنْ يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ عَدْنَانَ وَلَا قَحْطَانَ وإلّا تَخَرُّصًا [1] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ وَبَيْنَ إِسْمَاعِيلَ ثَلَاثُونَ أَبًا [2] قَالَهُ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ النَّسَّابَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنْ هِشَامٌ وَأَبُوهُ مَتْرُوكَانِ [3] .
وَجَاءَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا انْتَهَى إِلَى عَدْنَانَ أَمْسَكَ وَيَقُولُ: (كَذَبَ النَّسَّابُونَ) [4] قَالَ الله تعالى: وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً 25: 38 [5] .
وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ يَتِيمُ عُرْوَةَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ [6] ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَأَشْعَارِهَا يَقُولُ: مَا وجدنا أحدا
__________
[1] انظر الروض الأنف 1/ 11، وطبقات ابن سعد 1/ 58، تهذيب الكمال 1/ 175 الإنباه على قبائل الرواة 47، 48.
[2] وقيل إنّه قد حفظ لمعدّ أربعين أبا بالعربية من إسماعيل. (انظر: تاريخ الطبري 2/ 274 والروض الأنف للسهيلي 1/ 11 و 15) .
[3] قال ابن حبّان في هشام بن محمد بن السّائب الكلبي: «كان غاليا في التشيّع، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها» . (المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين 3/ 91) وفي أبيه محمد قال: «الكلبي هذا مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه» 2/ 255.
[4] قال السهيليّ في الروض الأنف 1/ 11: «وما بعد عدنان من الأسماء مضطرب فيه، فالذي صحّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه انتسب إلى عدنان لم يتجاوزه، بل قد روي من طريق ابن عباس أنه لما بلغ عدنان قال: «كذب النّسّابون» مرتين أو ثلاثا. والأصح في هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إنما ننتسب إلى عدنان وما فوق ذلك لا ندري ما هو» . وانظر: مروج الذهب للمسعوديّ 2/ 273 و 274، والطبقات لابن سعد 1/ 56، ونسب قريش للزبيري 3، 5، وتهذيب الكمال للمزّي 1/ 176.
[5] سورة الفرقان 38.
[6] انظر عنه: الطبقات لخليفة 247 و 249، التاريخ الكبير للبخاريّ 9/ 13 رقم 85، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9/ 341 رقم 1518، تهذيب التهذيب لابن حجر 12/ 25 رقم 130 وقد ورد في نسخة القدسي المطبوعة سنة 1367 هـ. ص 19 «خيثمة» وهو تصحيف.(1/18)
يَعْلَمُ مَا وَرَاءَ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ فِي شِعْرِ شَاعِرٍ وَلَا عِلْمِ عَالِمٍ.
قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ مَعَدًّا كان على عهد عيسى ابن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ [1] .
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ [2] بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ [3] : كَانَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونَ الْأَوْدِيُّ إِذَا تَلَوْا:
وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ 14: 9 [4] قَالُوا: كَذَبَ النَّسَّابُونَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَعْنَى هَذَا عِنْدَنَا عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ: تَكْذِيبُ مَنِ ادَّعَى إِحْصَاءَ بَنِي آدَمَ.
وَأَمَّا أَنْسَابُ الْعَرَبِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِأَيَّامِهَا وَأَنْسَابِهَا قَدْ وَعَوْا وَحَفِظُوا جَمَاهِيرَهَا وَأُمَّهَاتِ قَبَائِلِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ فُرُوعِ ذَلِكَ.
وَالَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ أَنَّهُ: عَدْنَانُ بْنُ أُدَدِ [5] بْنِ مُقَوِّمِ بْنِ ناحور، ابن تَيْرَحِ، بْنِ يَعْرُبَ، بْنِ يَشْجُبَ، بْنِ نَابِتِ، بن إسماعيل، بن إبراهيم الخليل، بان آزَرَ- وَاسْمُهُ تَارَحُ-، بْنُ نَاحُورَ، بْنِ سَارُوغَ [6] بن راغو [7] ،
__________
[1] نهاية الأرب 16/ 3.
[2] في نسخة دار الكتب (أبو محمد) وهو تصحيف.
[3] في (ف) (أبو عمرو بن عبد الله) وكلاهما تحريف.
[4] سورة إبراهيم 9.
[5] ويقال «أدّ» .
[6] في الأصل «شاروخ» والتصويب من السيرة 1/ 12، وطبقات ابن سعد 1/ 54، ونهاية الأرب 16/ 4، وفي تاريخ الطبري 2/ 276 «ساروع» .
[7] كذا في الأصل، وهو في السيرة 1/ 12 «راعو» بالعين المهملة، وفي طبقات ابن سعد 1/ 54 «أرغوا» وفي نهاية الأرب 16/ 4 وعيون الأثر 1/ 22 «أرغو» وفي مروج الذهب 2/ 272 «أرعواء» .(1/19)
ابن فالخ، بن عبير، بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام، بن نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بْنِ لَمَّكِ، بْنِ مَتُّوشَلَخَ، بْنِ خَنُوخَ-[1] وَهُوَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ابْنِ برد، بْنِ مِهْلِيلَ، بْنِ قَيْنَنَ، بْنِ يَانِشَ، بْنِ شِيثَ، بْنِ آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ، [2] وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ ابْنِ إِسْحَاقَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَسْمَاءِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] : الْأَمْرُ عِنْدَنَا الْإِمْسَاكُ عَمَّا وَرَاءَ عَدْنَانَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ.
وَرَوَى سَلَمَةُ الْأَبْرَشُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ هَذَا النَّسَبَ إِلَى يَشْجُبَ سَوَاءً، ثُمَّ خَالَفَهُ فَقَالَ: يَشْجُبُ، بْنُ يَانِشَ، بْنِ سَارُوغَ، بْنِ كعب، بن العوّام، ابن قِيذَارَ، بْنِ نَبْتِ، بْنِ إِسْمَاعِيلَ، بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: يَذْكُرُونَ أَنَّ عُمُرَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَأَنَّهُ دُفِنَ فِي الْحِجْرِ مَعَ أُمِّهِ هَاجَرَ [4] .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ [5] : حَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ تَارَحَ، بْنِ نَاحُورَ، بْنِ أَشْرَعَ [6] ، بْنِ أَرْغُو، بْنِ فَالَخَ، بن عابر، بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سَامِ، بْنِ نُوحِ، بْنِ لَامَكَ [7] ، بْنِ مَتُّوشَلَخَ، بن خنوخ [8] ، ابن يَرْدَ، بْنِ مِهْلَايِيلَ، بْنِ قَايَنَ [9] ، بْنِ أَنُوشَ، بن شيث، بن آدم.
__________
[1] في السيرة 1/ 13، وتاريخ الطبري 2/ 276، ونهاية الأرب 16/ 4 «أخنوخ» .
[2] انظر سيرة ابن هشام 1/ 7- 13.
[3] الطبقات الكبرى 1/ 58.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 52 سيرة ابن هشام 1/ 16.
[5] سيرة ابن هشام 1/ 14.
[6] في السيرة «أسرغ» .
[7] في السيرة «لمّك» .
[8] في السيرة «أخنوخ» .
[9] في الطبعة الثانية من نسخة القدسي 3 «قانن» والتصويب من السيرة، ومن الطبعة الأولى(1/20)
وَرَوَى عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، [1] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ وَجَدَ نَسَبَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّوْرَاةِ: إِبْرَاهِيمُ، بْنُ تارح، بن ناحور، ابن شَرْوَغَ، بْنِ أَرْغُو، بْنِ فَالَغَ، بْنِ عَابِرِ، بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام، بن نُوحِ، بْنِ لَمَّكَ، بْنِ مِتْشَالِخَ، بْنِ خَنُوخَ- وَهُوَ إِدْرِيسُ-، بْنُ يَارَدَ، بْنِ مِهْلَايِيلَ، بْنِ قَيْنَانَ، بْنِ أَنُوشَ، بْنِ شِيثَ، بْنِ آدَمَ [2] .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [3] ثنا هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ قَالَ: عَلَّمَنِي أَبِي وَأَنَا غُلَامٌ نَسَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٍ، الطَّيِّبِ الْمُبَارَكِ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- وَاسْمُهُ شيبة الحمد- بْنُ هَاشِمٍ- وَاسْمُهُ عَمْرُو- بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ- وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ- بْنُ قُصَيٍّ- وَاسْمُهُ زَيْدُ- بْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.
قَالَ أَبِي: وَبَيْنَ مَعَدٍّ وَإِسْمَاعِيلَ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ أَبًا، وَكَانَ لَا يُسَمِّيهِمْ ولا ينفذهم [4] .
__________
[ () ] لتاريخ الإسلام ص 20، وقد مرّ قبل قليل باسم «قينن» .
[1] جاء في حاشية (ع) : «عبد المنعم هذا دجّال لا يعتمد عليه ولم يدرك أباه، وكان يكذب على وهب بن منبّه» .
وهو اليمانيّ، قصّاص لا يعتمد عليه، تركه غير واحد، ويضع الحديث. مات ببغداد سنة 228 هـ. انظر عنه: (التاريخ الصغير للبخاريّ 189، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 124 رقم 359، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 112 رقم 1084، المجروحين لابن حبّان 2/ 157، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدّي 5/ 1974، المغني في الضعفاء للذهبي 2/ 409 رقم 3857، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 668 رقم 5270، لسان الميزان لابن حجر 4/ 73 رقم 119) .
[2] قارن بما جاء عند المسعودي في مروج الذهب 2/ 273.
[3] الطبقات الكبرى 1/ 55، 56.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 56.(1/21)
قُلْتُ: وَسَائِرُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ أَعْجَمِيَّةٌ، وَبَعْضُهَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْخَطِّ إِلَّا تَقْرِيبًا [1] .
وَقَدْ قِيلَ في قوله تعالى: وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ 70: 13 [2] : فَصِيلَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَعْمَامُهُ وَبَنُو أَعْمَامِهِ، وَأَمَّا فَخِذُهُ فَبَنُو هَاشِمٍ قَالَ:
وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ بَطْنُهُ، وَقُرَيْشٌ عِمَارَتُهُ، وَبَنُو كِنَانَةَ قَبِيلَتُهُ. وَمُضَرُ شَعْبُهُ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْطَفَى اللَّهُ كِنَانَةَ مَنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى هَاشِمًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَأُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، فَهِيَ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى كِلَابٍ مِنْ زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بِرَجُلٍ.
مَوْلِدُهُ الْمُبَارَكُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ، وَالْفَتْحُ ابن عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن النَّقُّورِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَرْبِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الصُّوفِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ يَوْمَ الْفِيلِ» صحيح [4] .
__________
[1] قال ابن سعد في طبقاته 1/ 57 والطبري في تاريخه 2/ 273 «ولعلّ خلاف ما بينهم من قبل اللغة، لأن هذه الأسماء ترجمت من العبرانية» .
[2] سورة المعارج، الآية 13.
[3] صحيح مسلم (2276) كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلّى الله عليه وسلّم وتسليم الحجر عليه قبل النّبوّة.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 101، والحاكم في المستدرك 2/ 603.(1/22)
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: [1] حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ [2] قَالَ: «وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفيل. كنّا لدين» [3] أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ [4] ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ: ثنا سُلَيْمَانُ النَّوْفَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، وَكَانَتْ عُكَاظُ بَعْدَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَبُنِيَ الْبَيْتُ عَلَى رَأْسِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ. وَتَنَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ [5] .
قَالَ شَبَّابٌ الْعُصْفُرِيُّ [6] : ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، سَمِعْتُ قِبَاثَ [7] بْنَ أَشْيَمَ يَقُولُ: «أَنَا أَسَنُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنِّي، وَقَفَتْ بِي أُمِّي عَلَى رَوَثِ الْفِيلِ مُحِيلًا [8] أَعْقِلُهُ، وَوُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفيل» [9] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 181 ولفظه: «وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفيل، فنحن لدتان» ، وتاريخ الطبري 2/ 155.
[2] في جميع النسخ «عبد المطّلب» ، والتصحيح من: طبقات خليفة 9، الجرح والتعديل 7/ 103 رقم 586، تاريخ الطبري 2/ 155 تهذيب التهذيب 8/ 402.
[3] لدين: مثنّى لدة، وهو التّرب.
[4] الجامع الصحيح 5/ 249 (23) باب ما جاء في ميلاد النبي صلّى الله عليه وسلّم رقم (3698) وهو أطول من هنا، وليس فيه لفظ «كنا لدين» ، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث محمد بن إسحاق. وأخرجه أحمد في مسندة 4/ 215 عن قيس بن مخرمة قَالَ: «وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفيل، فنحن لدان ولدنا مولدا واحدا» وخليفة في تاريخه 52، والطبري في تاريخه 2/ 155، والحاكم في المستدرك 2/ 603.
[5] البداية والنهاية 2/ 262، وانظر: تاريخ خليفة 52، 53 تهذيب الأسماء للنووي- ج 1 ق 1/ 22، 23، المعرفة والتاريخ 3/ 250.
[6] هو المؤرّخ خليفة بن خياط صاحب التاريخ والطبقات.
[7] قباث: بفتح القاف.
[8] محيلا: أي متغيّرا.
[9] تاريخ خليفة 52 وفيه: «عن أبي الحويرث قَالَ: شَهِدْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ لقباث بن(1/23)
يَحْيَى هُوَ أَبُو زُكَيْرٍ [1] ، وَشَيْخُهُ [2] مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَبْعَثِهِ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْفِيلِ سَبْعُونَ سَنَةً [3] . كَذَا قَالَ.
وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ: هَذَا وَهْمٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِنَا. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ وَبُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ [4] .
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابن ابزى قال:
__________
[ () ] أشيم: أنت أكبر أم رسول الله؟ قال: هو أكبر منّي وأنا أسنّ منه. قال: متى ولدت؟ قال:
وقفت بي أمّي..» . وانظر تاريخ الطبري 2/ 156.
وأخرجه الترمذي (3698) باب ما جاء في ميلاد النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في الحديث السابق، وفيه: «سأل عثمان بن عفان قباث بن أشيم أخا بني يعمر بن ليث: أنت أكبر أم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مني وأنا أقدم منه في الميلاد، قال: ورأيت خذق الطير أخضر محيلا» .
[1] هو يحيى بن محمد بن قيس المحاربي أبو زكير البصري الضرير. انظر عنه: الجرح والتعديل 9/ 184 رقم 764، الضعفاء الكبير للعقيليّ 4/ 427 رقم 2055، المجروحين لابن حبّان 3/ 119، التاريخ الكبير للبخاريّ 8/ 304، الكامل في الضعفاء لابن عديّ 7/ 2698، ميزان الاعتدال 4/ 405 رقم 9616، المغني في الضعفاء 2/ 743 رقم 7043، الكاشف 3/ 234 رقم 6353، تهذيب التهذيب 11/ 274، 275 رقم 548.
[2] عبد العزيز بن عمران أبو ثابت الزهري المدني. قال البخاري: لا يكتب حديثه، منكر الحديث انظر: التاريخ الكبير 6/ 29 رقم 1585، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 121 رقم 349، الضعفاء الصغير للبخاريّ 223، الجرح والتعديل 5/ 390 رقم 1817، الضعفاء الكبير 3/ 13 رقم 969، المجروحين لابن حبّان 2/ 139 الكامل في الضعفاء لابن عديّ 5/ 1924، المغني في الضعفاء 2/ 399 رقم 3747، الكاشف 2/ 177 رقم 3452، ميزان الاعتدال 2/ 632 رقم 5119، تهذيب التهذيب 6/ 350 رقم 671.
[3] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 282، المعرفة والتاريخ 3/ 250، 251.
[4] قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 23: «ونقل إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري وخليفة بن خياط وآخرون الإجماع عليه» ، انظر تاريخ خليفة 52 و 53 حيث قال: «والمجتمع عليه عام الفيل» ، والمعرفة والتاريخ 3/ 251.(1/24)
كَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرُ سِنِينَ. وَهَذَا قَوْلٌ مُنْقَطِعٌ.
وَأَضْعَفُ مِنْهُ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ:
ثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، ثنا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حُمِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَاشُورَاءَ الْمُحَرَّمِ، وَوُلِدَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ غَزْوَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ [1] وَهَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ كَمَا تَرَى.
وَأَوْهَى مِنْهُ مَا يُرْوَى عَنِ الْكَلْبِيِّ- وَهُوَ مُتَّهَمٌ سَاقِطٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بَاذَامَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [2] . قَدْ تَقَدَّمَ مَا يُبَيِّنُ كَذِبَ هَذَا الْقَوْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
قَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ [3] : الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، وَسُمِّيَتْ قُرَيْشٌ «آلَ اللَّهِ» وَعَظُمَتْ فِي الْعَرَبِ، وُلِدَ لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول وَقِيلَ: مِنْ رَمَضَانَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ.
وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ: سَأَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَفِيهِ أُوحِيَ إِلَيَّ» . أخرجه مسلم [4] .
__________
[1] رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، انظر مختصره لابن منظور، رقم (81) بتحقيق الدكتور رضوان السيد، والبداية والنهاية لابن كثير 2/ 261، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 281.
[2] تاريخ خليفة 53، البداية والنهاية 2/ 262 وقال: هذا حديث غريب ومنكر وضعيف جدا.
[3] تاريخ خليفة 53.
[4] صحيح مسلم (1160) كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم(1/25)
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ فِي لَيْلَةِ الاثْنَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عِنْدَ ابْهِرَارِ النَّهَارِ.
وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي، عَنْ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ [1] ، إِذْ سَمِعْتُ يَهُودِيًّا وَهُوَ عَلَى أَطَمَةِ [2] يَثْرِبَ يَصْرُخُ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ قَالُوا: وَيْلَكَ مَا لَكَ؟ قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي يُبْعَثُ بِهِ اللَّيْلَةَ» [3] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ، [4] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين ونبئ يوم الإثنين. وخرج من مكة يوم الإثنين، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَفَتَحَ مَكَّةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ [5] ، وَأَخْرَجَهُ الْفَسَوِيُّ فِي تَارِيخِهِ [6] .
وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ فِي «السِّيرَةِ» مِنْ تَأْلِيفِهِ، عَنْ أَبِي
__________
[ () ] عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس. وأخرجه أحمد في مسندة 5/ 297 و 299 والحاكم في المستدرك 2/ 602 وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وإنما احتج مسلم بحديث شعبة عن قتادة بهذا الإسناد صوم يوم عرفة يكفّر السنة وما قبلها» . وتابعه الذهبي في تلخيصه. ورواه ابن سعد مختصرا في طبقاته 1/ 101.
[1] اليفعة: الصبيّ إذا ارتفع ولم يبلغ الاحتلام.
[2] أطمة: حصن.
[3] سيرة ابن هشام 1/ 181.
[4] هو حنش الصنعاني.
[5] ج 1/ 277.
[6] المعرفة والتاريخ 3/ 251.(1/26)
جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: «وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الإثنين لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَ قُدُومُ أَصْحَابِ الْفِيلِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي النِّصْفِ مِنَ الْمُحَرَّمِ» . وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ: «وُلِدَ لاثنتي عشرة ليلةً خَلَت من ربيع الأوّل» .
قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ وُلِدَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ نَيْسَانَ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ: وُلِدَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا. قَالَهُ بَعْضُهُمْ:
قَالَ: وَقِيلَ بَعْدَهُ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا.
قُلْتُ: لَا أُبْعِدُ أَنَّ الْغَلَطَ وَقَعَ مِنْ هُنَا عَلَى مَنْ قَالَ ثَلَاثِينَ عَامًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ يَوْمًا فَقَالَ عَامًا.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَصَنَعَ لَهُ مَأْدُبَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا.
وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ [1] : أَنْبَأَ يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ الْمَكِّيُّ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ الْعَدَنِيُّ، ثنا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ قَالَ:
وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ وَقَالَ: لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ.
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ [2] ، عَنْ يُونُسَ، لكن أدخل فيه بين
__________
[1] الطبقات الكبرى 1/ 103، وانظر: تهذيب تاريخ دمشق 1/ 283، دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 52، السيرة النبويّة لابن كثير 1/ 210، الخصائص للسيوطي 1/ 50.
[2] في نسخة دار الكتب المصرية «الحضائري» ، والتصحيح من الأصل، و (ع) ، والتاريخ الكبير 4/ 19 رقم 1819، والجرح والتعديل 4/ 121 رقم 529، والكامل في الضعفاء 3/ 1140، والمغني في الضعفاء 1/ 280 رقم 2593، وميزان الاعتدال 2/ 209 رقم 3472 ولسان الميزان 3/ 93 رقم 317.(1/27)
يُونُسَ وَالْحَكَمِ: عُثْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ الصُّدَائِيَّ [1] .
قَالَ شَيْخُنَا الدِّمْيَاطِيُّ: وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَتَنَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا طَهَّرَ قَلْبَهُ.
قُلْتُ: هَذَا مُنْكَرٌ.
__________
[ () ] والخبائري: بفتح الخاء المعجمة- والباء الموحّدة. نسبة إلى الخبائر وهو بطن من الكلاع.
(اللباب 1/ 418) .
[1] الصّدائي: بضم الصاد وفتح الدال المهملتين. نسبة إلى صدا واسمه الحارث بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج. قبيلة من اليمن. (اللباب 2/ 236) .(1/28)
أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْيَتُهُ
الزُّهْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ لِي أَسْمَاءً: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا [2] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وأنا
__________
[1] أخرجه البخاري 6/ 403- 406 و 8/ 492 في تفسير سورة الصف، وفي الأنبياء، باب ما جاء في أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (2354) في الفضائل، باب أسمائه صلّى الله عليه وسلّم، والترمذي (2840) في الجامع و (359) في الشمائل. ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 105، والمزّي في تهذيب الكمال 1/ 186، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 274، ومالك في الموطّأ، 620، والدارميّ في السنن 2/ 317، 318، والبيهقي في دلائل النبوة 1/ 94، 95، والحاكم في المستدرك 2/ 604، وانظر: الشفاء للقاضي عياض 1/ 444، وألوفا لابن الجوزي 1/ 103، وتاريخ الخميس 1/ 206، ونهاية الأرب للنويري 16/ 72، 73 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/ 115، 116، والمعجم الكبير للطبراني 2/ 121 رقم 1525.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 275، وهو في الحديث السابق.(1/29)
أَحْمَدُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، وَأَنَا الْمَاحِي، وَالْخَاتَمُ، وَالْعَاقِبُ» [1] . وَهَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ.
وَجَاءَ بِلَفْظٍ آخَرَ قَالَ: «أَنَا أَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ» [2] . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: ثنا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدٍ ابن أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ: أَتُحْصِي أَسْمَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ جُبَيْرٌ يَعُدُّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، هي ستّة: محمد، وأحمد، وَخَاتَمٌ، وَحَاشِرٌ، وَعَاقِبٌ، وَمَاحٍ [3] .
فَأَمَّا حَاشِرٌ فَبُعِثَ مَعَ السَّاعَةِ نَذِيرًا لَكُمْ، وَأَمَّا عَاقِبٌ فَإِنَّهُ عقّب الأنبياء، وأمّا ماحي فَإِنَّ اللَّهَ مَحَا بِهِ سَيِّئَاتِ مَنِ اتَّبَعَهُ [4] .
فَأَمَّا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، والمقفّي، ونبيّ التوبة، والملحمة» . رواه مسلم [5] .
__________
[1] رواه بنصّه ابن سعد في الطبقات 1/ 104.
[2] أخرجه مسلم (2355) في الفضائل، باب في أسمائه صلّى الله عليه وسلّم، والمزّي في تهذيب الكمال 1/ 186.
والمقفّي: الذاهب المولّي، فكأنّ المعنى: أنّه صلّى الله عليه وسلّم آخر الأنبياء، وإذا قفّى فلا نبيّ بعده، وقيل:
«المقفّي» المتّبع، أراد: أنّه متّبع النبيّين. (انظر: جامع الأصول 11/ 216) .
[3] في الأصل «ماحي» وما أثبتناه هو الأصحّ.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 105 والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 266، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 97، 98، وانظر تهذيب تاريخ دمشق 1/ 274، 275.
[5] صحيح مسلم (2355) في الفضائل، باب في أسمائه صلّى الله عليه وسلّم ونصّه: «أنا محمد، وأحمد، والمقفّي، والحاشر، ونبيّ التوبة، ونبيّ الرحمة، وأخرجه الترمذي في الشمائل (360) من حديث حذيفة، بلفظ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، ونبيّ التوبة، وأنا المقفّي،(1/30)
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» .
وَرَوَاهُ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الحَسَّانِيُّ، عَنْ سُعَيْرِ [1] بْنِ الْخِمْسِ [2] ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْصُولًا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ 21: 107 [3] .
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: يس مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [4] وَعَنْ بَعْضِهِمْ [5] قَالَ: لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ خَمْسَةُ أَسْمَاءَ:
مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَيس، وَطه [6] .
وَقِيلَ: طه، لُغَةٌ لِعَكٍّ، أَيْ يَا رَجُلُ، فَإِذَا قُلْتَ لِعَكِّيٍّ: يَا رَجُلُ، لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا قُلْتَ لَهُ: طه، الْتَفَتَ إِلَيْكَ [7] . نَقَلَ هَذَا الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ [8] . فَعَلَى هَذَا القول لا يكون طه من أسمائه.
__________
[ () ] وأنا الحاشر، ونبيّ الملاحم، وهو حسن. وانظر: المعجم الكبير للطبراني 2/ 120- 122، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 275، وتهذيب الكمال 1/ 186، وطبقات ابن سعد 1/ 104.
[1] سعير: بضم المهملة وفتح العين المهملة وسكون المثنّاة تحت وآخره راء. (الإكمال 4/ 314 والمشتبه 1/ 360 بالحاشية) .
[2] هكذا في الأصل، وفي الإكمال 4/ 314، وورد في المشتبه 1/ 360 «الخمش» بالشين المعجمة.
[3] سورة الأنبياء- الآية 107.
[4] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 275.
[5] هو أبو زكريا العنبري، كما في تهذيب تاريخ دمشق، وتهذيب الكمال للمزّي.
[6] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 275، تهذيب الكمال 1/ 187.
[7] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 275.
[8] سبقت الإشارة إلى ذلك في أول هذا الجزء.(1/31)
وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: رَسُولًا، وَنَبِيًّا أُمِّيًّا، وَشَاهِدًا، وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، ورءوفا رَحِيمًا، وَمُذَكِّرًا، وَمُدَّثِّرًا، وَمُزَّمِّلًا، وَهَادِيًا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ [1] .
وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الضَّحُوكُ، وَالْقَتَّالُ [2] . جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا الضَّحُوكُ أَنَا الْقَتَّالُ» . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، وَفِي التَّوْرَاةِ فِيمَا بَلَغَنَا أَنَّهُ حِرْزٌ لِلْأُمِّيِّينَ، وَأَنَّ اسْمَهُ الْمُتَوَكِّلُ.
وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الْأَمِينُ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَدْعُوهُ بِهِ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْفَاتِحُ، وَقُثَمُ [3] .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ: تَذَاكَرُوا أَحْسَنَ بَيْتٍ قَالَتْهُ الْعَرَبُ فَقَالُوا: قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ [4]
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَالْمُقَفِّي، وَأَنَا الْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ» قَالَ:
__________
[1] قارن بتهذيب تاريخ دمشق 1/ 275 ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 103.
[2] قال ابن فارس: سمّي به لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القتال. وانظر شرح المواهب للزرقاني 3/ 140، نهاية الأرب 16/ 79.
[3] قثم: المجتمع الخلق، وقيل الجامع الكامل، وقيل الجموع للخير. (النهاية في غريب الحديث) .
[4] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 276، والبيت من ضمن أبيات عند البيهقي في دلائل النبوة 1/ 104.
ونسبه السيوطي في الخصائص 1/ 78 إلى حسان بن ثابت.
وقوله: «من اسمه» يروى على وجهين: على همزة مقطوعة لإقامة الوزن، وعلى الوصول وترك القطع إقرارا له على أصله في إخراجه على قياسه. (انظر: تهذيب تاريخ دمشق 1/ 276) .(1/32)
الْمُقَفِّي الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي «الشَّمَائِلِ» [1] وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، فَقَالَ عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ نَحْوَهُ. وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ وَاهٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِي عَشْرَةُ أَسْمَاءَ، فَذَكَرَ مِنْهَا الْفَاتِحَ، وَالْخَاتَمَ [2] . قُلْتُ: وَأَكْثَرُ مَا سُقْنَا مِنْ أَسْمَائِهِ صِفَاتٌ لَهُ لَا أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ.
وَقَدْ تَوَاتَرَ أَنَّ كُنْيَتَهُ أَبُو الْقَاسِمِ [3] .
قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا [4] بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجْمَعُوا اسْمِي وَكُنْيَتِي، أَنَا أَبُو القاسم، الله يعطي وأنا أقسم» [6] .
__________
[1] رقم (360) من حديث حذيفة، وفيه: «وأنا المقفّي» . وقد مرّ تخريجه قبل قليل.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 275.
[3] نهاية الأرب 16/ 80.
[4] في الأصل و (ع) وصحيح مسلم: «تسمّوا» وما أثبتناه عن صحيح البخاري. وقد تصحّف هذا اللفظ في نسخة وأخرى..
[5] رواه البخاري 7/ 116 كتاب الأدب، باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تكتنوا بكنيتي، و 1/ 180 في العلم، باب إثم من كذب عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الأنبياء، باب كنية النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي كتاب الأدب، باب من سمّي باسم الأنبياء، ومسلم (2134) في الأدب، باب النهي عن التكنّي بأبي القاسم، وأبو داود (4965) في كتاب الأدب، باب الرجل يتكنّى بأبي القاسم، وابن ماجة (3735) في كتاب الأدب، باب الجمع بين اسم النبي صلّى الله عليه وسلّم وكنيته، ورواه أحمد في المسند 3/ 170 من طريق أنس، و 3/ 369 من طريق جابر. ورواه ابن سعد في الطبقات 1/ 106 وانظر تهذيب ابن عساكر 1/ 276، 277.
[6] أخرجه مسلم (2133) عن جابر، كتاب الآداب، باب النهي عن التكنّي بأبي القاسم وبيان ما يستحبّ من الأسماء، وأحمد في المسند 2/ 433 و 3/ 301 وانظر طبقات ابن سعد 1/ 107.(1/33)
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَارِيَةَ كَادَ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ، حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أبا إبراهيم [1] . ابن لهيعة ضعيف [2] .
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 1/ 278 وقال: رواه الدارميّ والبيهقي عن أنس.
[2] وهو عبد الله بن لهيعة بن عقبة أبو عبد الرحمن الحضرميّ قاضي مصر. انظر عنه: التاريخ الكبير 5/ 182 رقم 574، التاريخ الصغير 195، الضعفاء الصغير 266 رقم 190، الضعفاء والمتروكين للنسائي 295 رقم 337، التاريخ لابن معين 2/ 327، الجرح والتعديل 5/ 145 رقم 682، الكامل في الضعفاء 4/ 1462، الضعفاء الكبير للعقيليّ 2/ 293 رقم 867، المجروحين لابن حبان 2/ 11 أحوال الرجال للجوزجانيّ 155 رقم 274، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ 115 رقم 322، ميزان الاعتدال 2/ 475 رقم 4530، المغني في الضعفاء 1/ 352 رقم 3317، تهذيب التهذيب 5/ 373 رقم 648.(1/34)
ذكر ما ورد في قصّة سطيح [1] وضمود النِّيرَانِ لَيْلَةَ الْمَوْلِدِ وَانْشِقَاقِ الْإِيوَانِ
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ، أنا أَبُو يَعْلَى أَيُّوبُ [2] بْنُ عِمْرَانَ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنِي مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَجَسَ [3] إِيوَانُ كِسْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ [4] ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسٍ، وَلَمْ تَخْمُدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَرَأَى الموبذان [5] إلا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ مَا رَأَى مِنْ شَأْنِ إِيوَانِهِ فَصَبَرَ عَلَيْهِ تَشَجُّعًا، ثُمَّ رَأَى أَنْ لَا يَسْتُرَ ذَلِكَ عَنْ وُزَرَائِهِ وَمَرَازِبَتِهِ، فَلَبِسَ تَاجَهُ وَقَعَدَ عَلَى سريره ومعهم، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَالَ: أَتَدْرُونَ فِيمَ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ؟
قَالُوا: لَا إِلَّا أَنْ يُخْبِرَنَا الْمَلِكُ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ وَرَدَ عَلَيْهِمْ كتاب
__________
[1] اسم سطيح: ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عديّ بن مازن بن غسّان.. (السيرة لابن هشام 1/ 27) وانظر: وفيات الأعيان 2/ 231.
[2] كذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري 2/ 166 وسيرة ابن كثير 1/ 215 «أبو أيوب يعلى» .
[3] ارتجس: ارتجف.
[4] ساوة: مدينة حسنة بين الري وهمذان في وسط (معجم البلدان 3/ 179) .
[5] الموبذان: قال السهيليّ: معناه: القاضي أو المفتي بلغتهم (الروض الأنف 1/ 29) .(1/35)
بِخُمُودِ النَّارِ، فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمِّهِ، فَقَالَ الْمُوبَذَانُ:
وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ- أَصْلَحَ اللَّهُ الْمَلِكَ- فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُؤْيَا، ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبَذَانُ؟ قَالَ: حَدَثٌ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْعَرَبِ، وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَكَتَبَ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ:
«مِنْ كِسْرَى مَلِكِ الْمُلُوكِ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَمَّا بَعْدُ، فَوَجِّهْ إِلَيَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ. فَوَجَّهَ إليه بعبد المسيح بن حبّان بْنِ بُقَيْلَةَ [1] الْغَسَّانِيِّ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: أَلَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟
قَالَ: لِيَسْأَلْنِي الْمَلِكُ فَإِنْ كَانَ عِنْدِي عِلْمٌ وَإِلَّا أَخْبَرْتُهُ بِمَنْ يُعْلِمُهُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى، فَقَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ سَطِيحٌ قَالَ: فَائْتِهِ فَسَلْهُ عَمَّا سَأَلْتُكَ وَائْتِنِي بِجَوَابِهِ، فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى عَلَى سَطِيحٍ وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ فَلَمْ يُحِرْ سَطِيحٌ جَوَابًا، فَأَنْشَأَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ:
أَصَمُّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ ... أَمْ فَادَ فَازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ [2]
يَا فَاصِلَ الْخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ وَمَنْ ... أَتَاكَ شَيْخُ الْحَيِّ مِنْ آلِ سَنَنْ
وَأُمُّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حَجَنْ ... أَزْرَقُ نَهْمُ [3] النَّابِ صَرَّارُ الأُذُنْ [4]
أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ والبدن ... رسول قيل [5] العجم يسري للوسن
__________
[1] هكذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري 2/ 167، وفي الروض الأنف 1/ 29 والعقد الفريد 2/ 29 والمنتقى لابن الملّا «نفيلة» .
[2] يعني عرض له الموت فقبضه، قال السهيليّ 1/ 30 «فازلم به معناه: قبض، قال ثعلب، وقوله: شأو العنن، يريد الموت وما عن منه. قاله الخطابي، وفاد: مات، يقال منه: فاد يفود» .
[3] في تاريخ الطبري 2/ 167 «ممهى» بمعنى: محدّد، وفي النهاية لابن الأثير «مهمي» .
[4] صرّار الأذن: صرّها: نصبها وسوّاها.
[5] قيل: ملك.(1/36)
تَجُوبُ بِي الْأَرْضَ عَلَنْدَاةٌ [1] شَزَنْ [2] ... تَرْفَعُنِي وَجَنًا وَتَهْوِي بِي وَجَنْ [3]
لَا يَرْهَبُ الرَّعْدَ وَلَا رَيْبَ الزَّمَنْ ... كَأَنَّمَا أُخْرِجَ مِنْ جَوْفٍ ثَكَنْ [4]
حَتَّى أَتَى عَارِيَ الْجَآجِي [5] وَالْقَطَنْ [6] ... تَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ [7] الدِّمَنْ [8]
فَقَالَ سَطِيحٌ: عَبْدُ الْمَسِيحِ [9] ، جَاءَ إِلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضِّرِيحِ، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ، لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ، وَخُمُودِ النّيران، ورؤيا الموبذان، رأى إلا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا، يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَةُ، وَظَهَرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ [10] ، وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَةِ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، فَلَيْسَ [11] الشَّامُ لِسَطِيحٍ شاما، يملك منهم ملوك ومليكات، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتِ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ. ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ، [12] وَسَارَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى رَحْلِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الْهَمِّ شِمِّيرُ ... لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وَتَغْيِيرُ
__________
[1] علنداة: القويّة من النّوق. (الروض الأنف) .
[2] شزن: تمشي من نشاطها على جانب. (الروض الأنف) .
[3] الوجن: الأرض الصلبة ذات الحجارة. (الروض الأنف) .
[4] ثكن: اسم جبل بالحجاز. (الروض الأنف) .
[5] في طبعة القدسي 2/ 13 «الجآحي» والتصحيح من المصادر الآتية. والجآجي: جمع جؤجؤ وهو الصدر. (الروض الأنف) .
[6] القطن: أصل ذنب الطائر، وأسفل الظهر من الإنسان.
[7] البوغاء: التراب الناعم. والدّمن: ما تدمّن منه أي: تجمّع وتلبّد (الروض الأنف) .
[8] راجع الأبيات مع تقديم وتأخير وتغيير في الألفاظ في: تاريخ الطبري 2/ 167، 168 العقد الفريد 2/ 29، 30، لسان العرب (مادة سطح) ، الروض الأنف 1/ 29، 30 سيرة ابن كثير 1/ 216، 217، النهاية في غريب الحديث (مادة سطح) 2/ 139.
[9] أضاف السهيليّ في الروض 1/ 30 «على جمل مشيح» .
[10] يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم.
[11] في تاريخ الطبري والروض «فليست» .
[12] حتى هنا ينتهي الخبر في الروض الأنف 1/ 30.(1/37)
إِنْ يُمْسِ [1] مُلْكُ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطَهُمْ ... فَإِنَّ ذَا الدَّهْرَ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ [2]
فَرُبَّمَا رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ ... تَهَابُ [3] صَوْلَهُمُ الأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ
مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بَهْرَامٌ [4] وَإِخْوَتُهُ ... وَالْهُرْمُزَانِ وَسَابُورٌ وَسَابُورُ
وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا ... أَنْ قَدْ أَقَلَّ فَمَحْقُورٌ وَمَهْجُورُ [5]
وَهُمْ بَنُو الْأُمِّ إِمَّا [6] إِنْ رَأَوْا نَشَبًا ... فَذَاكَ بِالْغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ
وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَصْفُودَانِ [7] فِي قَرَنٍ ... فَالْخَيْرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى كِسْرَى أَخْبَرَهُ بِقَوْلِ سَطِيحٍ فَقَالَ كِسْرَى: إِلَى مَتَى يَمْلِكُ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا تَكُونُ أُمُورٌ، فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ إِلَى آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [8] . هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ غَرِيبٌ [9] .
وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى الْبَكَّائِيِّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [10] قَالَ: كَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ أَضْعَافِ مُلُوكِ التَّبَابِعَةِ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ وَفَظِعَ مِنْهَا، فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا وَلَا سَاحِرًا وَلَا عَائِفًا وَلَا مُنَجِّمًا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إِلَّا جَمَعَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا: اقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْكَ بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إِنِّي إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ عَنْهَا لَمْ أَطْمَئِنَّ إِلَى خَبَرِكُمْ عن
__________
[1] في تاريخ الطبري 2/ 168 «يك» .
[2] دهارير: تصاريف الدهر.
[3] في سيرة ابن كثير 1/ 217 «يخاف» .
[4] عند الطبري 2/ 168 «مهران» .
[5] عند الطبري «فمهجور ومحقور» .
[6] عند الطبري «لما» .
[7] عند الطبري وابن كثير «مقرونان» .
[8] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 168، وسيرة ابن كثير 1/ 217، 218 والعقد الفريد 2/ 30، 31 مع اختلاف بالألفاظ في الشعر.
[9] قال ابن كثير: رواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن إدريس عن علي بن حرب الموصلي بنحوه.
[10] سيرة ابن هشام 1/ 26 وما بعدها.(1/38)
تَأْوِيلِهَا، إِنَّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إِلَّا مَنْ عَرَفَهَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إِلَى سَطِيحٍ وَشِقٍّ [1] فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِمَا فَقَدِمَ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقٍّ، فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُ حُمَمَةً [2] خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمَةٍ [3] ، فَوَقَعَتْ بِأَرْضٍ، تِهَمَةٍ [4] ، فَأَكَلْتُ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمَةٍ.
قَالَ: مَا أَخْطَأْتُ مِنْهَا شيئا، فما تأويلها؟
فقال: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ حَنَشٍ، لَيَهْبِطَنَّ أَرْضَكُمُ الْحَبَشُ، فَلَيَمْلِكَنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ [5] إِلَى جُرَشَ [6] .
فَقَالَ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا سَطِيحُ إِنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ أَفِي زَمَانِي أَمْ بَعْدَهُ؟
قَالَ: بَلْ بَعْدَهُ بِحِينٍ، أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ مِنَ السِّنِينَ، ثُمَّ يَقْتُلُونَ وَيَخْرُجُونَ هَارِبِينَ.
قَالَ: مَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْ إِخْرَاجِهِمْ؟
قَالَ: يَلِيهِ إِرَمُ ذِي يَزَنَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنٍ فَلَا يترك أحدا باليمن.
__________
[1] كان شق شقّ إنسان، له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة. (الروض الأنف 1/ 27، وفيات الأعيان 2/ 230) .
[2] حممة: قطعة من نار.
[3] ظلمة: أي ظلمة.
[4] تهمة: منخفضة، ومنه سمّيت تهامة.
[5] أبين: ذكره سيبويه بكسر الهمزة على مثل إصبع، وجوّز فيه الفتح، وقال ابن ماكولا في الإكمال 1/ 7: «بفتح الهمزة وسكون الباء المعجمة، بواحدة وفتح الباء المعجمة باثنتين من تحتها فهو أبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبإ إليه ينسب عدن أبين» .
[6] جرش: بضم الجيم وفتح الراء، مدينة باليمن وولاية واسعة ومن مخاليفها من جهة مكة.
(معجم البلدان 2/ 126) .(1/39)
قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ؟
قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِنَبِيٍّ زَكِيٍّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ.
قَالَ: وَمِمَّنْ هُوَ؟
قَالَ: مِنْ وَلَدِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.
قَالَ: وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، يَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ.
قَالَ: أَحَقٌّ مَا تُخْبِرُنِي؟.
قَالَ: نَعَمْ وَالشَّفَقِ وَالْغَسَقِ، وَالْفَلَقِ إِذَا اتَّسَقَ، إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقٌّ.
ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ شِقٌّ، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحٍ، وَكَتَمَهُ مَا قَالَ لِسَطِيحٍ لِيَنْظُرَ أَيَتَّفِقَانِ [1] قَالَ: نَعَمْ رَأَيْتُ حُمَمَةً خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمَةٍ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ [2] وَأَكَمَةٍ، فَأَكَلْتُ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ نَسَمَةٍ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُمَا قَدِ اتَّفَقَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ، فَجَهَّزَ أَهْلَ بَيْتِهِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ سَابُورُ بْنُ خُرَّزَاذَ، فَأَسْكَنَهُمُ الْحِيرَةَ، فَمِنْ بَقِيَّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ: النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ: النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بن النّعمان ابن الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ [3] .
بَابٌ مِنْهُ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خرجت من لدن آدم من نكاح
__________
[1] زاد في السيرة 1/ 29 «أم يختلفان» .
[2] هكذا في الأصل وفي السيرة، أما في نسخة دار الكتب «دوحة» .
[3] انظر سيرة ابن هشام 1/ 26- 32.(1/40)
غير سفاح [1] . هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فِيهِ مَتْرُوكَانِ: الْوَاقِدِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ.
وَوَرَدَ مِثْلُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ إِنْ صَحَّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْجَدْعَاءَ قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: «وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» . [2] . وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَاللَّفْظُ لَهُ: ثنا بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متى كنت نبيّا؟ قال: «وآدم الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» [3] . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: [4] ثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: «بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قُلْتُ: لَوْلَا لِينٌ في الوليد بن مسلم لصحّحه التّرمذيّ.
__________
[1] رواه البيهقي في دلائل النبوّة 1/ 118 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 279، والإنباه على قبائل الرواة لابن عبد البر 49، 50 سيرة ابن كثير 1/ 189، والسيوطي في الخصائص الكبرى 1/ 38.
[2] رواه أحمد في مسندة من طريق خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عن رجل، به، وفيه «جعلت» بدل «كنت» 4/ 66 و 5/ 379.
[3] رواه أحمد في المسند بسنده 4/ 59 وفيه «كتبت» بدل «كنت» ولعلّها أصحّ.
[4] سنن الترمذي 5/ 245 رقم 3688 باب ما جاء في فضل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ الأثير في أسد الغابة 4/ 426 في ترجمة «ميسرة الفجر» أخرجه الثلاثة. واسم ميسرة عبد الله بن أبي الجدعاء، وميسرة لقب له.(1/41)
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ قَالَ: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي كَأَنَّ نُورًا خَرَجَ مِنْهَا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ» [1] . وَرُوِّينَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى لِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ» . وَإِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ.
رَوَاهُ اللَّيْثُ، وَابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ سُوَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ فَذَكَرَهُ [2] .
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ نَفْسِهِ [3] . وَقَالَ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ: ثنا لُقْمَانُ بْنُ عَامِرٍ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، قَالَ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ؟ قَالَ: «دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [4] عَنْ أَبِي النّضر، عن فرج.
__________
[1] أخرجه أحمد في مسندة 4/ 127 و 128 في المرتين عن عرباض بن سارية و 5/ 262 عن أبي أمامة. وانظر تهذيب تاريخ دمشق 1/ 283 وسيرة ابن هشام 1/ 188.
[2] رواه أحمد 4/ 127 بالسند نفسه.
[3] رواه أحمد 4/ 128 بالسند نفسه.
[4] المسند 5/ 262.(1/42)
قَوْلُهُ: «لَمُنْجَدِلٌ» أَيْ مُلْقًى، وَأَمَّا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ فقوله: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ 2: 129 [1] وَبِشَارَةُ عِيسَى قَوْلُهُ: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 61: 6 [2] .
وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَسَمَ اللَّهُ الْأَرْضَ نِصْفَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمَا، ثُمَّ قَسَمَ النِّصْفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَكُنْتُ فِي خَيْرِ ثُلُثٍ مِنْهَا، ثُمَّ اخْتَارَ الْعَرَبَ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ اخْتَارَ قُرَيْشًا مِنَ الْعَرَبِ، ثُمَّ اخْتَارَ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ اخْتَارَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ اخْتَارَنِي مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» هذا حديث مرسل [3] .
وروى زحر بن حسن، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مَنْهَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي خُرَيْمِ بْنَ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ. يَقُولُ: هَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكٍ، فَسَمِعْتُ الْعَبَّاسَ، يَقُولُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ. قَالَ: قُلْ لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ» . فَقَالَ:
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلَالِ وَفِي ... مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الْوَرَقُ
ثُمَّ هَبَطْتَ الْبِلَادَ لَا بَشَرٌ ... أَنْتَ وَلَا مُضْغَةٌ وَلَا عَلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْرًا وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ
تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ [4] إِلَى رَحِمٍ ... إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ
حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ المهيمن من ... خندف علياء تحتها النّطق [5]
__________
[1] سورة البقرة 29.
[2] سورة الصف 6.
[3] له شاهد في المعجم الكبير للطبراني 20/ 286 من حديث المطّلب بن ربيعة بن الحارث، وفيه: «إن الله خلق خلقه فجعلتني من خير خلقه، ثم جعلهم فرقتين، فجعلني في خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل، فجعلني من خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا، فجعلني في خير بيت، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا» (رقم 675 وانظر رقم 676) .
[4] في سيرة ابن كثير 1/ 195 «صلب» .
[5] هذا البيت ليس في البدء والتاريخ 5/ 26.(1/43)
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ ... الْأَرْضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الْأُفُقُ
فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي النُّورِ ... وَسُبُلِ الرَّشَادِ تَخْتَرِقُ [1]
الظِّلَالُ: ظِلَالُ الْجَنَّةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ 77: 41 [2] . وَالْمُسْتَوْدَعُ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ آدَمُ وَحَوَّاءُ يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنَ الْوَرَقِ، أَيْ يَضُمَّانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ يَتَسَتَّرَانِ بِهِ، ثُمَّ هَبَطْتَ إِلَى الدُّنْيَا فِي صُلْبِ آدَمَ، وَأَنْتَ لَا بَشَرٌ وَلَا مُضْغَةٌ.
وَقَوْلُهُ: «تَرْكَبُ السَّفِينَ» يَعْنِي فِي صُلْبِ نُوحٍ. وَصَالِبُ لُغَةٌ غَرِيبَةٌ فِي الصُّلْبِ، وَيَجُوزُ فِي الصُّلْبِ الْفَتْحَتَانِ [3] كَسَقَمٍ وَسُقْمٍ.
وَالطَّبَقُ: الْقَرْنُ، كُلَّمَا مَضَى عَالَمٌ وَقَرْنٌ جَاءَ قَرْنٌ، وَلِأَنَّ الْقَرْنَ يُطْبِقُ الْأَرْضَ بِسُكْنَاهُ بِهَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ: «اللَّهمّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا طَبَقًا غَدَقًا» [4] أَيْ يُطْبِقُ الْأَرْضَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ 84: 19 [5] أَيْ حَالًا بَعْدَ حَالٍ.
وَالنُّطُقُ: جَمْعُ نِطَاقٍ وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوِسْطُ وَمِنْهُ الْمِنْطَقَةُ. أَيْ أَنْتَ أَوْسَطُ قَوْمِكَ نَسَبًا. وَجَعَلَهُ فِي عَلْيَاءَ وَجَعَلَهُمْ تَحْتَهُ نِطَاقًا. وَضَاءَتْ: لُغَةٌ فِي أَضَاءَتْ.
وَأَرْضَعَتْهُ «ثُوَيْبَةُ» [6] جَارِيَةُ أَبِي لَهَبٍ، مَعَ عمّه حمزة، ومع أبي سلمة
__________
[1] هذا البيت ليس في البدء والتاريخ، وقيل هذا الشعر لحسّان بن ثابت، انظر: مجمع الزوائد للهيثمي، وسيرة ابن كثير 1/ 195) والأبيات في تهذيب ابن عساكر 1/ 350.
[2] سورة المرسلات 41.
[3] أي كما جاز الضم فالسكون وهو الأشهر.
[4] أخرجه ابن ماجة 1/ 405 رقم (1270) في كتاب إقامة الصلاة والسّنّة فيها، باب ما جاء في الدعاء في الاستسقاء.
[5] سورة الانشقاق 19.
[6] ثويبة: بضم المثلّثة وفتح الواو، وسكون التحتية، توفيت سنة 7 هـ. وفي إسلامها خلاف. انظر: شرح المواهب للزرقاني 1/ 137.(1/44)
ابن عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [1] .
قَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ: إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ وَأُمَّهَا أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أَخْبَرَتْهُمَا قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ: أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ [2] وَأَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ يُشْرِكُنِي فِي خَيْرٍ، أُخْتِي. قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِيَ، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . وَقَالَ عُرْوَةُ فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ: ثُوَيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ، أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ رَآهُ بَعْضُ أَهْلِهِ فِي النَّوْمِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، يَعْنِي حَالَةً. فَقَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ رَخَاءً، غَيْرَ أَنِّي أُسْقِيتُ فِي هَذِهِ مِنِّي بِعِتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ. وَأَشَارَ إِلَى النُّقْرَةِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا [4] .
ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ «حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةُ» وَأَخَذَتْهُ مَعَهَا إِلَى أَرْضِهَا، فَأَقَامَ مَعَهَا فِي بَنِي سَعْدٍ نَحْوَ أَرْبَعِ سنين، ثم ردّته إلى أمّه [5] .
__________
[1] نهاية الأرب 16/ 80 وانظر الطبقات لابن سعد 1/ 108.
[2] المخلية: التي تخلو بزوجها وتنفرد به، أي: ليست متروكة لدوام الخلوة بك.
[3] رواه البخاري 9/ 121 في النكاح، باب (وأمّهاتكم اللاتي أرضعنكم) ، وباب (وربائبكم اللائي في حجوركم من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ) ، وباب (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) ، وباب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير، وفي النفقات، باب المرضعات من المواليات وغيرهن، ومسلم (1449) في الرضاع، باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، وأبو داود (2056) في النكاح، باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، والنسائي 6/ 96 في النكاح، باب تحريم الجمع بين الأختين.
[4] انظر: جامع الأصول 11/ 477.
[5] نهاية الأرب 16/ 83، 84.(1/45)
قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ [2] أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْدِيَّةِ قَالَتْ: «خَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ بِمَكَّةَ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ [3] قَدْ أَذَمَّتْ [4] بِالرَّكْبِ، وَخَرَجْنَا فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ [5] لَمْ تُبْقِ شَيْئًا، وَمَعَنَا شَارِفٌ لَنَا [6] ، وَاللَّهِ إِنْ تَبِضَّ [7] عَلَيْنَا بِقَطْرَةٍ، وَمَعِي صَبِيٌّ لِي لَا نَنَامُ لَيْلَنَا مَعَ بُكَائِهِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ لَمْ يَبْقَ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ، وَإِنَّمَا كُنَّا نَرْجُو كَرَامَةَ رِضَاعَةٍ مِنْ أَبِيهِ، وَكَانَ يَتِيمًا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ صَبِيًّا، غَيْرِي. فَقُلْتُ لِزَوْجِي: لَأَرْجِعَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُهُ، فَقَالَ زَوْجِي: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ خيرا.
قالت: فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ جَعَلْتُهُ فِي حِجْرِي فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيِي بِمَا شَاءَ مِنَ اللَّبَنِ، فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَا، وَقَامَ زَوْجِي إِلَى شَارِفِنَا مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا بِهَا حَافِلٌ، فَحَلَبَ وَشَرِبْنَا حَتَّى رَوِينَا، فَبِتْنَا شِبَاعًا رِوَاءً، وَقَدْ نَامَ صِبْيَانُنَا، قَالَ أَبُوهُ: وَاللَّهِ يَا حَلِيمَةُ مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ أَصَبْتِ نَسْمَةً مباركة، ثم خرجنا، فو الله لَخَرَجَتْ أَتَانِي أَمَامَ الرَّكْبِ قَدْ قَطَعَتْهُنَّ حَتَّى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا أَحَدٌ، فَقَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ حَاضِرِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَقَدِمْنَا عَلَى أجدب أرض الله، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ كَانُوا لَيُسَرِّحُونَ أَغْنَامَهُمْ وَيُسَرِّحُ راعيّ غنمي، فتروح غنمي بطانا لبّنا حلّا، وَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا، فَيَقُولُونَ لِرُعَاتِهِمْ: وَيْلَكُمْ أَلَا تَسْرَحُونَ حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي حَلِيمَةَ؟ فَيَسْرَحُونَ فِي الشّعب الّذي يسرح فيه
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 184.
[2] هي حليمة بنت عبد الله بن الحارث.
[3] شديدة البياض.
[4] أذمّت بالركب: أي حبستهم، وكأنه من الماء الدائم وهو الواقف، أي جاءت بما تذمّ عليه.
[5] سنة شهباء: أي سنة قحط وجدب.
[6] الشارف: الناقة المسنّة.
[7] تبضّ: ترشح.(1/46)
رَاعِينَا، فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا بِهَا مِنْ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي لُبَّنًا حُفَّلًا.
فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشِبُّ فِي يَوْمِهِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي الشَّهْرِ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي سَنَةٍ [1] ، قَالَتْ: فَقَدِمْنَا عَلَى أُمِّهِ فَقُلْنَا لَهَا: رُدِّي عَلَيْنَا ابْنِي فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ، قَالَتْ: وَنَحْنُ أَضَنُّ شَيْءٍ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ [2] ، قَالَتْ: ارْجِعَا بِهِ، فَمَكَثَ عِنْدَنَا شَهْرَيْنِ [3] فَبَيْنَا هُوَ يَلْعَبُ وأخوه خلف البيوت يرعيان بها لَنَا، إِذْ جَاءَ أَخُوهُ يَشْتَدُّ [4] قَالَ: أَدْرِكَا أَخِي قَدْ جَاءَهُ رَجُلَانِ فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَخَرَجْنَا نَشْتَدُّ، فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ قَائِمٌ مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ، فَاعْتَنَقَهُ أبوه وأنا، ثم قال: مالك يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: أَتَانِي رَجُلَانِ [5] فَأَضْجَعَانِي ثُمَّ شقّا بطني فو الله مَا أَدْرِي مَا صَنَعَا، فَرَجَعْنَا بِهِ. قَالَتْ: يَقُولُ أَبُوهُ: يَا حَلِيمَةُ مَا أَرَى هَذَا الْغُلَامَ إِلَّا أَنَّهُ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي فَلْنَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ. فَرَجَعْنَا بِهِ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ:
مَا رَدَّكُمَا بِهِ؟ فَقُلْتُ: كَفَلْنَاهُ وَأَدَّيْنَا الْحَقَّ، ثُمَّ تَخَوَّفْنَا عَلَيْهِ الْأَحْدَاثَ.
فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِكُمَا، فَأَخْبِرَانِي خَبَرَكُمَا، فَمَا زَالَتْ بِنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا، قَالَتْ: فَتَخَوَّفْتُمَا عَلَيْهِ [6] ؟ كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنًا، إِنِّي حَمَلْتُ بِهِ فَلَمْ أَحْمِلْ حَمْلًا قَطُّ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ وَلَا أَعْظَمَ بَرَكَةً، ثُمَّ رَأَيْتُ نُورًا كَأَنَّهُ شِهَابٌ خَرَجَ مِنِّي حِينَ وَضَعْتُهُ أَضَاءَتْ لِيَ أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى [7] ، ثُمَّ وَضَعْتُهُ فَمَا وَقَعَ كَمَا يَقَعُ الصِّبْيَانُ، وَقَعَ وَاضِعًا يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ رَافِعًا رَأْسَهُ إلى السماء، دعاه والحقا شأنكما» .
__________
[1] وفي نهاية الأرب 16/ 83: «فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا» أي شديدا غليظا.
[2] وفي نهاية الأرب 17/ 83، وعيون الأثر 1/ 34: «ونحن أحرص شيء على مكثه فيه لما كنّا نرى من بركته» .
[3] في نهاية الأرب 16/ 84، وعيون الأثر 1/ 34: «بعد مقدمنا به بأشهر» .
[4] يشتدّ: يسرع في عدوه.
[5] في نهاية الأرب 16/ 84، وعيون الأثر 1/ 34: «عليهما ثياب بيض» .
[6] في نهاية الأرب وعيون الأثر: «أفتخوّفت عليه الشيطان قلت: نعم قالت: كلّا والله ما للشيطان عليه من سبيل» .
[7] في نهاية الأرب وعيون الأثر: «خرج مني نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام» .(1/47)
هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ [1] .
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى، أنا عُمَارَةُ بْنُ ثَوْبَانَ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ حَتَّى دَنَتْ مِنْهُ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ» .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [2] .
قَالَ مُسْلِمٌ: ثنا شَيْبَانُ، ثنا حَمَّادٌ، ثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ قَلْبَهُ [3] ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، [4] ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ، يَعْنِي مُرْضِعَتَهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ» .
قَالَ أَنَسٌ: قَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ [5] .
وَقَالَ بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرِ [6] بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ [7] ، فَذَكَرَ نحوا من حديث أنس. وهو
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 184- 188 نهاية الأرب 16/ 81- 84، عيون الأثر 1/ 33، 34، شرح المواهب اللدنية 1/ 141- 150 وانظر الطبقات لابن سعد 1/ 111، 112، سيرة ابن كثير 1/ 225- 228.
[2] سنن أبي داود 4/ 337 رقم 5144 كتاب الأدب، باب في برّ الوالدين. وانظر طبقات ابن سعد 1/ 114.
[3] في صحيح مسلم: «فشقّ عن قلبه، فاستخرج القلب» .
[4] لأمه: على وزن ضربه، ومعناه جمعه وضمّ بعضه إلى بعض.
[5] رواه مسلم في صحيحه (261) في كتاب الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماوات وفرض الصلوات، وأحمد في مسندة 3/ 121 و 149 و 288، وسيرة ابن كثير 1/ 231.
[6] بحير: بفتح الباء الموحّدة، وكسر الحاء المهملة، (المشتبه للذهبي 1/ 47) وهو الكلاعي الحمصي، ورد في طبقات خليفة «بجير» وهو تحريف- ص 315، وفي تهذيب التهذيب 1/ 431 «بحير بن سعيد» وهو تصحيف» ، والصحيح «سعد» . وقد ورد في الأصل مهملا.
[7] هو عتبة بن عبد السلمي. انظر طبقات خليفة 52 و 301.(1/48)
صَحِيحٌ أَيْضًا وَزَادَ فِيهِ: «فَرَحَّلَتْ- يَعْنِي ظِئْرَهُ- بَعِيرًا، فَحَمَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكِبَتْ خَلْفِي حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي فَقَالَتْ: أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي، وَحَدَّثْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ» [1] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُتِيتُ وَأَنَا فِي أَهْلِي، فَانْطُلِقَ بِي إِلَى زَمْزَمَ فَشُرِحَ صَدْرِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَحُشِيَ بِهَا صَدْرِي- قَالَ أَنَسٌ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِينَا أَثَرَهُ- فَعَرَجَ بِي الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» . وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ [2] .
وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي ذرّ أيضا. وَأَمَّا قَتَادَةُ فَرَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ بِنَحْوِهِ.
وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِيُعْرَفَ أَنَّ جِبْرِيلَ شَرَحَ صَدْرَهُ مَرَّتَيْنِ: فِي صِغَرِهِ وَوَقْتَ الْإِسْرَاءِ بِهِ.
ذِكْرُ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [3]
وَتُوُفِّيَ «عَبْدُ اللَّهِ» أَبُوهُ وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا. وَقِيلَ: أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: وَهُوَ حمل [4] .
__________
[1] انظر سيرة ابن هشام 1/ 188.
[2] رواه البخاري في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، وفي التوحيد، باب ما جاء في (وكلّم موسى تكليما) وفي الأنبياء باب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (162) في الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى السماوات، والنسائي 1/ 221 في الصلاة، باب فرض الصلاة، والترمذي (3130) في التفسير، باب ومن سورة بني إسرائيل، وانظر جامع الأصول 11/ 303.
[3] العنوان ليس في الأصل، أضفته من طبقات ابن سعد 1/ 99.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 99 و 100، عيون الأثر 1/ 25، نهاية الأرب 16/ 66.(1/49)
توفّي بالمدينة غريبا، وكان قدمها ليمتاز تَمْرًا، وَقِيلَ: بَلْ مَرَّ بِهَا مَرِيضًا رَاجِعًا مِنَ الشَّامِ، فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وغيره: «أنّ عبد الله ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ إِلَى غَزَّةَ فِي عِيرٍ تَحْمِلُ تِجَارَاتٍ، فَلَمَّا قَفَلُوا مَرُّوا بِالْمَدِينَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ مَرِيضٌ فَقَالَ: أَتَخَلَّفُ عِنْدَ أَخْوَالِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ مَرِيضًا مُدَّةَ شَهْرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْحَارِثَ وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ، وَدُفِنَ فِي دَارِ النَّابِغَةِ أَحَدِ بَنِي النَّجَّارِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ حَمْلٌ، عَلَى الصَّحِيحِ» [1] .
وَعَاشَ عَبْدُ اللَّهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً [2] قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَذَلِكَ أَثْبَتُ الْأَقَاوِيلِ فِي سِنِّهِ وَوَفَاتِهِ [3] .
وَتَرَكَ عَبْدُ اللَّهِ مِنَ الْمِيرَاثِ أُمَّ أَيْمَنَ وَخَمْسَةَ أَجْمَالٍ وَغَنَمًا، فَوَرِثَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] .
وَتُوُفِّيَتْ أُمُّهُ «آمِنَةُ» بِالْأَبْوَاءِ [5] وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مَكَّةَ مِنْ زِيَارَةِ أَخْوَالِ أَبِيهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ [6] وَمِائَةِ يَوْمٍ.
وَقِيلَ: ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ [7] .
فَلَمَّا مَاتَتْ وَدُفِنَتْ، حَمَلَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ مَوْلَاتُهُ إِلَى مَكَّةَ إِلَى جدّه، فكان
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 99، عيون الأثر 1/ 26.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 99، نهاية الأرب 16/ 66، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 282.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 99، نهاية الأرب 16/ 66، عيون الأثر 1/ 26.
[4] نهاية الأرب 16/ 67.
[5] الأبواء: بالفتح ثم السكون، قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا (معجم البلدان 1/ 79) .
[6] انظر طبقات ابن سعد 1/ 116 وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 283، ونهاية الأرب 16/ 87.
[7] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 283.(1/50)
فِي كِفَالَتِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ جَدُّهُ، وَلِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِ سِنِينَ [1] ، فَأَوْصَى بِهِ إِلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ [2] .
قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ: أَنْبَأَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ كِنْدِيرَ بْنِ سَعِيدٍ [3] ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «حَجَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِذَا رَجُلٌ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَرْتَجِزُ يَقُولُ:
رَبِّ رُدَّ إِلَيَّ رَاكِبِي مُحَمَّدَا يَا رَبُّ رُدَّهُ وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا [4] قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ذَهَبَ إِبِلٌ لَهُ فَأَرْسَلَ ابْنَ ابْنِهِ فِي طَلَبِهَا، وَلَمْ يُرْسِلْهُ فِي حَاجَةٍ قَطُّ إِلَّا جَاءَ بِهَا، وَقَدِ احْتَبَسَ عَلَيْهِ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَاءَ الْإِبِلُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ لَقَدْ حَزِنْتُ عَلَيْكَ حُزْنًا، لَا تُفَارِقْنِي أَبَدًا» [5] .
وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ بَهْزِ [6] بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ حَيْدَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اعْتَمَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ كِنْدِيرَ عَنْ أبيه [7] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 119، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 282، نهاية الأرب 16/ 88.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 118، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 282، نهاية الأرب 16/ 88.
[3] هو «كندير بن سعيد بن حيوة» وقيل «حيدة» .
[4] ورد القول باختلاف في الألفاظ عند ابن سعد 1/ 112 وفي أنساب الأشراف للبلاذري 1/ 82، وأسد الغابة لابن الأثير 4/ 255، وفي عيون الأثر لابن سيد الناس 1/ 38، وفي الإصابة لابن حجر 3/ 311 رقم 7482 وأنظره باسم «سعيد بن حيوة» 2/ 45 رقم 3256، وفي الاستيعاب لابن عبد البر 2/ 17، وانظر: الجرح والتعديل 7/ 173 رقم 986، وإنسان العيون 1/ 180 ومجمع الزوائد للهيثمي 2/ 224، والمعرفة والتاريخ 3/ 252.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 113.
[6] مهمل في الأصل، والتصحيح من: ميزان الاعتدال 1/ 353 رقم 1325 والوافي بالوفيات 10/ 308 رقم 30 رقم 4820، وتهذيب التهذيب 1/ 498.
[7] انظر دلائل النبوّة للبيهقي، والإصابة 1/ 365 رقم 1894.(1/51)
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، حَدَّثَنِي جُلْهُمَةُ بْنُ عُرْفُطَةَ قَالَ: «إِنِّي لَبِالْقَاعِ مِنْ نَمِرَةَ، إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ مِنْ أَعْلَى نَجْدٍ، فَلَمَّا حَاذَتِ الْكَعْبَةَ إِذَا غُلَامٌ قَدْ رَمَى بِنَفْسِهِ عَنْ عَجُزِ بَعِيرٍ، فَجَاءَ حَتَّى تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ نَادَى يَا رَبَّ البِنَيَّةِ أَجِرْنِي، وَإِذَا شَيْخٌ [1] وَسِيمٌ قَسِيمٌ عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلْكِ وَوَقَارُ الْحُكَمَاءِ.
فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ يَا غُلَامُ، فَأَنَا مِنْ آلِ اللَّهِ وَأُجِيرُ مَنِ اسْتَجَارَ بِهِ؟
قَالَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَأَنَا صَغِيرٌ، وَإِنَّ هَذَا اسْتَعْبَدَنِي، وَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ للَّه بَيْتًا يَمْنَعُ مِنَ الظُّلْمِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ اسْتَجَرْتُ بِهِ.
فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ: قَدْ أَجَرْتُكَ يَا غُلَامُ، قَالَ: وَحَبَسَ اللَّهُ يَدَ [2] الْجُنْدَعِيِّ إِلَى عُنُقِهِ.
قَالَ جُلْهُمَةُ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَمْرَو بْنَ خَارِجَةَ وَكَانَ قُعْدُدَ الْحَيِّ [3] فَقَالَ: إِنَّ لِهَذَا الشَّيْخِ ابْنًا يَعْنِي أَبَا طَالِبٍ.
قَالَ: فَهَوَيْتُ رَحْلِي نَحْوَ تهامة، أكسع بها الحدود، وأعلو بها الكلدان، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِذَا قُرَيْشٌ عِزِينٌ [4] ، قَدِ ارْتَفَعَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ يَسْتَسْقُونَ، فَقَائِلٌ منهم يقول: اعتمدوا اللّات والعزّى، وقائل يَقُولُ: اعْتَمِدُوا مَنْاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى.
وَقَالَ شَيْخٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ حَسَنُ الْوَجْهِ جَيِّدُ الرَّأْيِ: أَنَّى تُؤْفَكُونَ وَفِيكُمْ بَاقِيَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسُلَالَةُ إسماعيل؟
__________
[1] في نسخة دار الكتب المصرية، زيادة: «جندعي عشمة ممدود قد جاء فانتزع يده من أسجاف الكعبة، فقام إليه شيخ» .
[2] «يد» ساقطة من الأصل و (ع) .
[3] قعدد: قريب الآباء من الجدّ الأكبر. (القاموس المحيط) .
[4] عزين: مجتمعين.(1/52)
قَالُوا لَهُ: كَأَنَّكَ عَنَيْتَ أَبَا طَالِبٍ. قَالَ: إِيهًا. فَقَامُوا بِأَجْمَعِهِمْ، وَقُمْتُ مَعَهُمْ فَدَقَقْنَا عَلَيْهِ بابه، فخرج إلينا رجل حسن الوجه مصفّر، عَلَيْهِ إِزَارٌ قَدِ اتَّشَحَ بِهِ، فَثَارُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا:
يَا أَبَا طَالِبٍ قَحَطَ الْوَادِي، وَأَجْدَبَ الْعِبَادُ فَهَلُمَّ فَاسْتَسْقِ، فَقَالَ:
رُوَيْدَكُمْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَهُبُوبَ الرِّيحِ، فَلَمَّا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ مَعَهُ غُلَامٌ كَأَنَّهُ دُجُنٌّ تَجَلَّتْ عَنْهُ سَحَابَةٌ قَتْمَاءُ، وَحَوْلَهُ أُغَيْلِمَةٌ، فَأَخَذَهُ أَبُو طَالِبٍ فَأَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِالْكَعْبَةِ، وَلَاذَ بِأُضْبَعِهِ الْغُلَامُ، وَبَصْبَصَتِ الْأُغَيْلِمَةُ حَوْلَهُ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ [1] ، فَأَقْبَلَ السَّحَابُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَأَغْدَقَ [2] وَاغْدَوْدَقَ وَانْفَجَرَ لَهُ الْوَادِي، وَأَخْصَبَ النَّادِي وَالْبَادِي، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ رَبِيعُ [3] الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ [4] تَطِيفُ [5] بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ [6] وَفَوَاضِلِ [7] وَمِيزَانُ عَدْلٍ [8] لَا يَخِيسُ [9] شُعَيْرَةً وَوَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ [10] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ- وَهُوَ ضَعِيفٌ [11]- ثنا أحمد بن محمد
__________
[1] قطعة من الغيم.
[2] أغدق المطر: كثر وكبر قطره.
[3] هكذا في الأصل، والعقد الفريد، وفي سيرة ابن هشام وأنساب الأشراف «ثمال» .
[4] البيت في السيرة 2/ 14 وأنساب الأشراف 1/ 553 والعقد الفريد 3/ 232 و 4/ 264.
[5] في السيرة «يلوز» 1/ 14.
[6] في السيرة 1/ 14 «رحمة» .
[7] في الأصل «فضائل» ، وما أثبتناه عن (ع) وعن السيرة.
[8] في السيرة 1/ 15 «بميزان قسط» .
[9] في السيرة «لا يخس» وهي الرواية المشهورة.
[10] ورد هذا الشطر في السيرة:
«له شاهد من نفسه غير عائل»
[11] انظر عنه: المجروحين لابن حبّان 2/ 47، المغني في الضعفاء 1/ 342 رقم 3212، ميزان(1/53)
الْأَزْرَقِيُّ، حَدَّثَهُمْ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، نا ابْنُ جريح قَالَ: كُنَّا مَعَ عَطَاءٍ فَقَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: «كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَطْوَلَ النَّاسِ قَامَةً، وَأَحْسَنَهُمْ وَجْهًا، مَا رَآهُ أَحَدٌ قَطُّ إِلَّا أَحَبَّهُ، وَكَانَ لَهُ مَفْرَشٌ فِي الْحِجْرِ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُجْلِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ أَحَدٌ، وَكَانَ النَّدِيُّ مِنْ قُرَيْشٍ حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ فَمَنْ دُونَهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَهُ دُونَ الْمَفْرَشِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ فَجَلَسَ عَلَى الْمَفْرَشِ، فَجَبَذَهُ رَجُلٌ فَبَكَى، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ- وَذَلِكَ بَعْدَ مَا كُفَّ بصره-: ما لا بني يَبْكِي؟ قَالُوا لَهُ: إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْمَفْرَشِ فَمَنَعُوهُ، فَقَالَ: دَعُوا ابْنِي يَجْلِسْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُحِسُّ مِنْ نَفْسِهِ شَرَفًا، وَأَرْجُو أَنْ يَبْلُغَ مِنَ الشَّرَفِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَرَبِيٌّ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.
قَالَ: وَمَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَالنَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَكَانَ خَلْفَ جِنَازَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَبْكِي حَتَّى دُفِنَ بِالْحَجُونِ [1] .
وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ
فَرَوَى عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ» قَالُوا: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا على قراريط لأهل مكة» . رواه البخاري [2] .
__________
[ () ] الاعتدال 2/ 438 رقم 4376، الكامل في الضعفاء لابن عديّ 4/ 1574 لسان الميزان 3/ 299 رقم 1245.
[1] طبقات ابن سعد 1/ 119، سيرة ابن هشام 1/ 195، نهاية الأرب 16/ 88، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 285.
والحجون: بفتح الحاء المهملة وضم الجيم. مقبرة أهل مكة.
[2] رواه البخاري في كتاب الإجارة، باب رعي الغنم على قراريط 3/ 48، وأخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات، باب الصناعات (2149) وسنده: «حدثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ جده، عن سعيد بن أبي أحيحة، عن أبي هريرة» .(1/54)
وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْتَنِي الْكَبَاثَ [1] فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ» قُلْنَا: وَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ رَعَاهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
سَفَرُهُ مَعَ عَمِّهِ- إِنْ صَحَّ
قَالَ قُرَادٌ [3] أَبُو نُوحٍ: ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَمَعَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ [بَحِيرَى [4]] نَزَلُوا فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ وَهُمْ يَحِلُّونَ رِحَالَهُمْ، حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، [هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ] هَذَا يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَقَالَ أَشْيَاخُ قُرَيْشٍ: وَمَا عِلْمُكَ بِهَذَا؟ قَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا، وَلَا يَسْجُدُونَ إِلَّا لِنَبِيٍّ لَأَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، أَسْفَلَ غُضْرُوفِ [5] كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ. ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لهم طعاما، فلما أتاهم به [و] [6] كان- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فلما دنا
__________
[1] الكباث: كسحاب. النضيج من ثمر الأراك. (تاج العروس 5/ 329) .
[2] البخاري في كتاب الأطعمة، باب الكباث وهو تمر الأراك 6/ 213، ومسلم (2050) كتاب الأشربة، باب فضيلة الأسود من الكباث، الموطأ، كتاب الجامع، ما جاء في أمر الغنم (1770) أحمد في المسند 3/ 326.
وانظر عن رعيه صلّى الله عليه وسلّم الغنم: طبقات ابن سعد 1/ 125 و 126، ونهاية الأرب 16/ 93، وعيون الأثر 1/ 45، السيرة الحلبية 1/ 125.
[3] سيأتي التعريف به بعد قليل.
[4] إضافة على الأصل للتعريف.
[5] في الأصل «غرضوف» وهو تصحيف، وفي تهذيب تاريخ دمشق 1/ 269 «من غضروف» .
[6] إضافة من تهذيب تاريخ دمشق.(1/55)
مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ- يَعْنِي إِلَى فَيْءِ شَجَرَةٍ [1]- فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا [إِلَى] [2] فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ، فَإِنَّ الرُّومَ لَوْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِصِفَتِهِ فَقَتَلُوهُ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا بِسَبْعَةِ [3] نَفَرٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ الرَّاهِبُ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟
قَالُوا: جِئْنَا إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ [4] خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَّا قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ نَاسٌ، [5] وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا [6] فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا، فَقَالَ لَهُمْ:
هَلْ خَلَّفْتُمْ خَلْفَكُمْ أَحَدًا [7] هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: لَا. إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بِطَرِيقِكَ [8] هَذَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ، هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَتَابَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: أُنْشِدُكُمُ اللَّهَ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: أَنَا، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا، وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ.
تَفَرَّدَ بِهِ قُرَادٌ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرحمن بن غزوان [9] ، ثقة، احتجّ به
__________
[1] في تهذيب تاريخ دمشق «الشجرة» .
[2] إضافة من تهذيب تاريخ دمشق.
[3] في تهذيب تاريخ دمشق «فإذا هو بسبعة» .
[4] في دلائل النبوّة 1/ 374 «جئنا إلى هذا النبي» . وفي المستدرك للحاكم 2/ 616 «جئنا فإن هذا النبي خارج» .
[5] في تهذيب تاريخ دمشق «بأناس» .
[6] في تهذيب تاريخ دمشق «قد أخبرنا خبره» .
[7] في الأصل «أحد» .
[8] في تاريخ الطبري 2/ 279 وتهذيب دمشق 1/ 269 «اخترنا خيرة لطريقك» ، وفي دلائل النبوة 1/ 375 «أخبرنا خبر طريقك» .
[9] انظر عنه: التاريخ لابن معين 2/ 355، الجرح والتعديل 5/ 274 رقم 1301، الكنى والأسماء 2/ 141، تاريخ بغداد 10/ 252 رقم 5369، الكاشف 2/ 160 رقم 3331،(1/56)
الْبُخَارِيُّ [1] وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ النَّاسُ عَنْ قُرَادٍ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ [2] ..
وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا، وَأَيْنَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ؟ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، فَإِنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ، وَأَيْنَ كَانَ بِلَالٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ؟
فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَشْتَرِهِ إِلَّا بَعْدَ الْمَبْعَثِ، وَلَمْ يَكُنْ وُلِدَ بَعْدُ، وَأَيْضًا، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَمِيلَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ؟ لِأَنَّ ظِلَّ الْغَمَامَةِ يُعْدِمُ فَيْءَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَزَلَ تَحْتَهَا، وَلَمْ نَرَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ أَبَا طَالِبٍ قَطُّ بِقَوْلِ الرَّاهِبِ، وَلَا تَذَاكَرَتْهُ قُرَيْشٌ، وَلَا حَكَتْهُ أُولَئِكَ الْأَشْيَاخُ، مَعَ تَوَفُّرِ هِمَمِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ عَلَى حِكَايَةِ مِثْلِ ذَلِكَ، فَلَوْ وَقَعَ لَاشْتَهَرَ بَيْنَهُمْ أَيَّمَا اشْتِهَارٍ، وَلَبَقِيَ عِنْدَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِسٌّ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَلَمَا أَنْكَرَ مَجِيءَ الْوَحْيِ إِلَيْهِ، أَوَّلًا بِغَارِ حِرَاءٍ وَأَتَى خَدِيجَةَ خَائِفًا عَلَى عَقْلِهِ، وَلَمَا ذَهَبَ إِلَى شَوَاهِقِ الْجِبَالِ لِيَرْمِيَ نَفْسَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَأَيْضًا فَلَوْ أَثَّرَ هَذَا الْخَوْفُ فِي أَبِي طَالِبٍ وَرَدَّهُ، كَيْفَ كَانَتْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ السَّفَرِ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا لِخَدِيجَةَ؟.
وَفِي الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ مُنْكَرَةٌ، تُشْبِهُ أَلْفَاظَ الطُّرُقِيَّةِ، مَعَ أَنَّ ابْنَ عَائِذٍ قَدْ رَوَى مَعْنَاهُ فِي مَغَازِيهِ دُونَ قَوْلِهِ: «وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا» إِلَى آخِرِهِ، فَقَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ.
__________
[ () ] ميزان الاعتدال 2/ 581 رقم 4934، تذكرة الحفاظ 1/ 329، تهذيب التهذيب 6/ 247 رقم 495، تقريب التهذيب 1/ 494 رقم 1075، خلاصة تهذيب التهذيب 233.
[1] قال الخزرجي في الخلاصة 233 «وله في البخاري فرد حديث» .
[2] سنن الترمذي 5/ 250 كتاب المناقب، باب ما جاء في بدء نبوّة النبي صلّى الله عليه وسلّم (3699) وقال: هذا حديث حسن غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وانظر: تاريخ الطبري 2/ 278، 279، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 268، 269، المستدرك للحاكم 2/ 615، 616 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الذهبي في تلخيصه: الحديث بطوله في البخاري ومسلم، وأظنه موضوعا فبعضه باطل 2/ 615، الروض الأنف 1/ 207.(1/57)
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي «السِّيرَةِ» [1] : إِنَّ أَبَا طَالِبٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فِي رَكْبٍ، وَمَعَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ غُلَامٌ، فَلَمَّا نَزَلُوا بُصْرَى، وَبِهَا بَحِيرَا الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَلَمْ يَزَلْ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ قَطُّ [2] رَاهِبٌ يَصِيرُ إِلَيْهِ عِلْمُهُمْ عَنْ كِتَابٍ فِيهِمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ، يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، قَالَ: فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنَ الصَّوْمَعَةِ، فَصَنَعَ بَحِيرَا طَعَامًا، وَذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ حِينَ أَقْبَلُوا، وَغَمَامَةٍ [3] تُظِلُّهُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، فَنَزَلَ بِظِلِّ شَجَرَةٍ [4] ، فَنَزَلَ بَحِيرَا مِنْ صَوْمَعَتِهِ، وَقَدْ أَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَصُنِعَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَجَاءُوهُ [5] فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا بَحِيرَا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا، فَمَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنَّكُمْ ضَيْفٌ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ [6] ، فَاجْتَمَعُوا، وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصِغَرِهِ فِي رِحَالِهِمْ [7] . فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَا فِيهِمْ وَلَمْ يَرَهُ قَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا يَتَخَلَّفْ عَنْ طَعَامِي هذا أحد.
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق- تحقيق د. سهيل زكار ص 73- السيرة لابن هشام 1/ 205، تاريخ الطبري 2/ 277 دلائل النبوة 373.
[2] هكذا في الأصل وفي السير والمغازي 73، 74، أما في سيرة ابن هشام 1/ 205 وتاريخ الطبري 2/ 277 «منذ (أو مذ) قط راهب» ، وقط هنا: اسم بمعنى الدهر، ومذ طرف.
[3] في السر والمغازي لابن إسحاق 74 «غماما» .
[4] في السير والمغازي «ثم أقبلوا حتى نزلوا بظلّ شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلّت الشجرة، وتهصّرت أغصان الشجرة عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استظلّ تحتها، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته» .
[5] يحذف الحافظ الذهبي عدّة فقرات من الأصل الّذي ينقل عنه، انظر ذلك في: السير والمغازي لابن إسحاق 74 وسيرة ابن هشام 1/ 205.
[6] النصّ عند ابن إسحاق في السير والمغازي 74: «ثم أرسل اليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم، وحرّكم وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا إن لك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمرّ بك كثيرا، فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم صغيركم وكبيركم» .
[7] في السير والمغازي 74 «لحداثة سنّه في رحال القوم تحت الشجرة» .(1/58)
قَالُوا: مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ إلَّا غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا.
قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، ادْعُوهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنَّ هَذَا لَلُؤْمٌ بِنَا، يَتَخَلَّفُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الطَّعَامِ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ قَامَ وَاحْتَضَنَهُ، وَأَقْبَلَ بِهِ [1] فَلَمَّا رَآهُ بَحِيرَا جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا، وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ، قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ، حَتَّى إِذَا شَبِعُوا وَتَفَرَّقُوا قَامَ بَحِيرَا فَقَالَ:
يَا غُلَامُ أَسْأَلُكَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنيِ عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ [2] ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: لَا تسألني باللّات والعزّى [3] ، فو الله مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَهُمَا شَيْئًا قَطُّ.
فَقَالَ لَهُ: فباللَّه إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ [4] ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ [5] ، فَتَوَافَقَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الصِّفَةِ.
ثُمَّ نَظَرَ فِيهِ أثر خاتم النّبوّة [6] ، فأقبل على أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَا هُوَ مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي.
قَالَ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا.
قَالَ: فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي [7] .
قَالَ: ارْجِعْ به واحذر عليه اليهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُهُ لَيَبْغُنَّهُ شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ شَأْنٌ، فَخَرَجَ به أبو طالب سريعا حتى
__________
[1] في السير والمغازي 75 «ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم»
[2] قال ابن إسحاق في السير والمغازي 75 «وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما» .
[3] في السير زيادة «شيئا» .
[4] في السير: «قال سلني عمّا بدا لك» .
[5] في السير زيادة «من نومه، وهيئته، وأموره، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته» .
[6] في السير 75 «ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده» .
[7] قال ابن إسحاق في السير: «قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمّه حبلى به، قال: صدقت» .(1/59)
أَقْدَمَهُ مَكَّةَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [1] .
وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أَنَّ أَبَا طَالِبٍ سَافَرَ إِلَى الشَّامِ وَمَعَهُ مُحَمَّدٌ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا، فَأَتَاهُ رَاهِبٌ فَقَالَ: فِيكُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَبُو هَذَا الْغُلَامِ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: ها أنا ذا وَلِيُّهُ. قَالَ:
احْتَفِظْ بِهِ وَلَا تَذْهَبْ بِهِ إِلَى الشَّامِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ حُسَّدٌ، وَإِنِّي أَخْشَاهُمْ عَلَيْهِ. فَرَدَّهُ [2] .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَجَمَاعَةٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَنَّ أَبَا طَالِبٍ خَرَجَ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، وَمَعَهُ مُحَمَّدٌ، فَنَزَلُوا بِبَحِيرَا، الْحَدِيثَ.
وَرَوَى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ: فَلَمَّا نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ، ارْتَحَلَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ تَاجِرًا، فَنَزَلَ تَيْمَاءَ، فَرَآهُ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ تَيْمَاءَ، فَقَالَ لِأَبِي طَالِبٍ: مَا هَذَا الْغُلَامُ؟ قَالَ: هُوَ ابن أخي، قال: فو الله إِنْ قَدِمْتَ بِهِ الشَّامَ لَا تَصِلُ بِهِ إلى أَهْلَكَ أَبَدًا، لَيَقْتُلَنَّهُ الْيَهُودُ إِنَّهُ عَدُوُّهُمْ، فَرَجَعَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ مِنْ تَيْمَاءَ إِلَى مَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- يُحَدِّثُ عمّا كان الله تعالى يحفظه به فِي صِغَرِهِ [5] ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي غِلْمَانٍ من
__________
[1] انظر: السير والمغازي لابن إسحاق 73- 75، سيرة ابن هشام 1/ 205- 207، تاريخ الطبري 2/ 277، 278، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 1/ 270- 271، دلائل النبوّة 1/ 373- 376 نهاية الأرب 16/ 90- 92، السيرة لابن كثير 1/ 243- 246، الخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 84، السيرة الحلبية 1/ 118، 119، عيون الأثر 1/ 41، 42، شرح المواهب 1/ 194- 196.
[2] انظر طبقات ابن سعد 1/ 121، والسيرة لابن كثير 1/ 249.
[3] الطبقات 1/ 121.
[4] سيرة ابن هشام 1/ 208 وانظر السير والمغازي 78، 79.
[5] في السيرة زيادة «وأمر جاهليّته» .(1/60)
قُرَيْشٍ نَنْقُلُ حِجَارَةً لِبَعْضِ مَا يَلْعَبُ الْغِلْمَانُ بِهِ، كُلُّنَا قَدْ تَعَرَّى وَجَعَلَ إِزَارَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ، فَإِنِّي لَأُقْبِلُ مَعَهُمْ كَذَلِكَ وَأُدْبِرُ، إِذْ لَكَمَنِي لَاكِمٌ مَا أَرَاهَا [1] ، لَكْمَةً وَجِيعَةً، وَقَالَ: شُدَّ عَلَيْكَ إِزَارَكَ، فَأَخَذْتُهُ فَشَدَدْتُهُ، ثُمَّ جَعَلْتُ أَحْمِلُ الْحِجَارَةَ عَلَى رَقَبَتِي [2] .
حَرْبُ الْفِجَارِ [3]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : وَهَاجَتْ حَرْبُ الْفِجَارِ [5] وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ سَنَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لَمَّا اسْتَحَلَّتْ كِنَانَةُ وَقَيْسٌ عَيْلَانَ فِي الْحَرْبِ مِنَ الْمَحَارِمِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ أُنَبِّلُ عَلَى أَعْمَامِي» أَيْ أَرُدُّ عَنْهُمْ نَبْلَ عَدُوِّهِمْ إِذَا رَمَوْهُمْ. وَكَانَ قَائِدُ قُرَيْشٍ حرب بن أميّة.
__________
[1] في السيرة «أراه» .
[2] في السيرة زيادة «وإزاري عليّ من بين أصحابي» .
[3] العنوان إضافة على الأصل من سيرة ابن هشام 1/ 209.
[4] سيرة ابن هشام 1/ 210، 211.
[5] الفجار: بالكسر. وكانت للعرب فجارات أربع. ذكرها المسعودي 2/ 275 والسهيليّ في الروض 1/ 209.(1/61)
شَأْنُ خَدِيجَةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : ثُمَّ إِنَّ «خديجة بنت خويلد بْن أسد بْن عَبْد الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ» وَهِيَ أَقْرَبُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُصَيٍّ بِرَجُلٍ، كَانَتِ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ، وَكَانَتْ تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا [2] ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُجَّارًا [3] فَعَرَضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالٍ لَهَا إِلَى الشَّامِ [4] ، وَمَعَهُ غلام لها اسْمُهُ «مَيْسَرَةُ» ، فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِقُرْبِ صَوْمَعَةٍ، فَأَطَلَّ [5] الرَّاهِبُ إِلَى مَيْسَرَةَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ [6] فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا نَبِيٌّ [7] .
ثُمَّ بَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِجَارَتَهُ وَتَعَوَّضَ وَرَجَعَ، فَكَانَ «مَيْسَرَةُ» - فِيمَا
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 218، 212 السير والمغازي لابن إسحاق 81، تاريخ الطبري 2/ 280.
[2] في السيرة والسير وتاريخ الطبري، زيادة: «وتضاربهم إيّاه بشيء تجعله لهم منه» .
[3] في السيرة والسير وتاريخ الطبري «قوما تجارا» .
[4] في السيرة والسير وتاريخ الطبري زيادة: «وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار» .
[5] في السيرة والسيرة وتاريخ الطبري «فأطلع» ..
[6] في المصادر المذكورة «من هذا الرجل الّذي نزل تحت هذه الشجرة» .
[7] قال السهيليّ في الروض 1/ 211: «يريد ما نزل تحتها هذه الساعة إلّا نبيّ، ولم يرد: ما نزل تحتها قط إلّا نبيّ، لبعد العهد بالأنبياء قبل ذلك..» .
وأقول: لقد ورد في المصادر السابقة لفظ «قط» والله أعلم.(1/63)
يَزْعُمُونَ- إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِهِ مِنَ الشَّمْسِ وَهُوَ يَسِيرُ [1] .
وَرَوَى قِصَّةَ خُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا، المحامليّ [2] ، عن عبد الله ابن شَبِيبٍ، وَهُوَ وَاهٍ [3] ، ثَنَا أَبُو بَكْرُ بْنُ شَيْبَةَ [4] ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرِ الْعَدَوِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَتْنِي عُمَيْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّ سَعْدِ [5] بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ نَفِيسَةَ بِنْتِ مُنْيَةَ [6] أُخْتِ يَعْلَى قَالَتْ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ بَاعَتْ خَدِيجَةُ مَا جَاءَ بِهِ فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيبًا [7] .
وَحَدَّثَهَا «مَيْسَرَةُ» عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَعَنِ الْمَلَكَيْنِ، وَكَانَتْ لَبِيبَةً حَازِمَةً، فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ تَقُولُ: يَا بْنَ عَمِّي، إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِيكَ لِقَرَابَتِكَ وأمانتك
__________
[1] انظر: سيرة ابن هشام 1/ 212، والسير والمغازي 81، وتاريخ الطبري 2/ 280.
[2] المحاملي: فتح الميم والحاء، نسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس في السفر، والمقصود به:
القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبيّ، المتوفى سنة 330 هـ. وهو ثقة.
انظر عنه: الفهرست 233، أخبار الراضي للصولي 230، تاريخ بغداد 8/ 19- 23، تاريخ دمشق مخطوط التيمورية 36/ 403، الكامل في التاريخ 8/ 392، اللباب 3/ 171، معجم الشيوخ لابن جميع (بتحقيقنا) 253 رقم 213، العبر 2/ 222، تذكرة الحفاظ 2/ 824- 826، البداية والنهاية 11/ 203 و 204، مرآة الجنان 2/ 297، الوافي بالوفيات 12/ 341، المنتظم 6/ 327، طبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 384، الأعلام 2/ 251، معجم المؤلّفين 3/ 315، تاريخ التراث العربيّ 1/ 452.
[3] سبق الإشارة إلى ضعف عبد الله بن شبيب، وإلى مصادر ترجمته.
[4] في نسخة دار الكتب المصرية «ابن أبي شيبة» وهو وهم واسمه: عبد الرحمن بن عبد الملك بن شَيْبَة. (تهذيب التهذيب) .
[5] هنا سقط في نسخة دار الكتب.
[6] في الأصل وفي نسخة القدسي 2/ 31 «منبه» بالباء الموحّدة، وهو تحريف، والتصحيح من طبقات ابن سعد 1/ 131 ونهاية الأرب 16/ 97، والإصابة 3/ 668 رقم 9358 في ترجمة أخيها يعلى بن أمية، وقال: منية: بضم الميم وسكون النون.
[7] انظر طبقات ابن سعد 1/ 129- 131، نهاية الأرب 16/ 97.(1/64)
وصدقك وحسن خلفك، ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَ ذَلِكَ لِأَعْمَامِهِ، فَجَاءَ مَعَهُ حَمْزَةُ عَمُّهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدٍ [1] فَخَطَبَهَا مِنْهُ، وَأَصْدَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً، فَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ [2] . وَتَزَوَّجَهَا وَعُمْرُهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» : [3] حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، ثنا حمّاد، عن عمّار ابن أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- فِيمَا يَحْسَبُ حَمَّادٌ-: أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ خَدِيجَةَ، وَكَانَ أَبُوهَا يَرْغَبُ عَنْ أَنْ يُزَوِّجَهُ، فَصَنَعَتْ هِيَ طَعَامًا وَشَرَابًا، فَدَعَتْ أَبَاهَا وَزُمَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَطَعِمُوا وَشَرِبُوا حَتَّى ثَمِلُوا، فَقَالَتْ لِأَبِيهَا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَخْطُبُنِي فَزَوِّجْنِي إِيَّاهُ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، فَخَلَّقَتْهُ [4] وَأَلْبَسَتْهُ حُلَّةً كَعَادَتِهِمْ، فَلَمَّا صَحَا نَظَرَ، فَإِذَا هُوَ مُخَلَّقٌ فَقَالَ: مَا شَأْنِي؟ فَقَالَتْ:
زَوَّجْتَنِي مُحَمَّدًا، فَقَالَ: وَأَنَا أُزَوِّجُ يَتِيمَ أَبِي طَالِبٍ! لَا لَعَمْرِي، فَقَالَتْ:
أَمَا تَسْتَحِي؟ تُرِيدُ أَنْ تُسَفِّهَ نَفْسَكَ مَعِي عِنْدَ قُرَيْشٍ بِأَنَّكَ كُنْتَ سَكْرَانَ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ.
وَقَدْ رَوَى طَرَفًا مِنْهُ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَوْ غَيْرِهِ.
وَأَوْلَادُهُ كُلُّهُمْ مِنْ خديجة سوى إبراهيم، وهم: القاسم، والطّيّب،
__________
[1] هو خويلد بن أسد، وقيل: بل عمرو بن خويلد بن أسد، وقيل بل عمرو بن أميّة عمّها وكان شيخا كبيرا وهو الصحيح، على ما في نهاية الأرب 16/ 98، وعند ابن سعد في الطبقات 1/ 132 هو عمرو بن أسد بن عبد العزّي، وهو يومئذ شيخ كبير لم يبق لأسد لصلبه يومئذ غيره، ولم يلد عمرو بن أسد شيئا.
وينفي الواقدي الأقوال الأخرى فيقول: «فهذا كلّه عندنا غلط ووهم، والثبت عندنا المحفوظ عن أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار، وأنّ عمّها عمرو بن أسد تزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (طبقات ابن سعد 1/ 133) .
[2] سيرة ابن هشام 1/ 213، 214.
[3] ج 1/ 312 وانظر تاريخ الطبري 2/ 282.
[4] خلّقته: طيّبته. وفي المسند «فجعلته» .(1/65)
وَالطَّاهِرُ، وَمَاتُوا صِغَارًا رُضَّعًا قَبْلَ الْمَبْعَثِ، وَرُقَيَّةُ، وَزَيْنَبُ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةُ [1]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، فَرُقَيَّةُ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ تَزَوَّجَتَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ [2] ، وَزَيْنَبُ زَوْجَةُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ [3] ، وَفَاطِمَةُ زَوْجَةُ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- أَجْمَعِينَ [4] .
حَدِيثُ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي وَضْعِ الْحَجَرِ [5]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: [6] فَلَمَّا بَلَغَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَكَانُوا يَهُمُّونَ بِذَلِكَ لِيَسَقَفُوهَا وَيَهَابُونَ هَدْمَهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ رَضْمًا [7] فَوْقَ الْقَامَةِ، فَأَرَادُوا رَفْعَهَا وَتَسْقِيفَهَا [8] .
وَكَانَ الْبَحْرُ قَدْ رَمَى بِسَفِينَةٍ إِلَى جُدَّةٍ [9] فَتَحَطَّمَتْ، فَأَخَذُوا خَشَبَهَا وَأَعَدُّوهُ لِتَسْقِيفِهَا، وَكَانَ بِمَكَّةَ نَجَّارٌ قِبْطِيٌّ، فتَهَّيَأَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بَعْضُ ما يُصْلِحُهَا، وَكَانَتْ حَيَّةٌ تَخْرُجُ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ الَّتِي كانت يطرح فيها ما يهدى لها
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 214.
[2] تسمية أزواج النبي وأولاده لأبي عبيدة معمر بن المثنى- ص 53.
[3] تهذيب الكمال للمزّي 1/ 192، تسمية أزواج النبي 53.
[4] انظر في أولاد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: تسمية أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم وأولاده لأبي عبيد 48- 53، تهذيب الكمال للمزيّ 1/ 192، 193 تهذيب الأسماء واللغات للنووي ق 1 ج 1/ 26، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 293.
[5] العنوان إضافة من سيرة ابن هشام.
[6] سيرة ابن هشام 1/ 221.
[7] الرّضم: أن تنضّد الحجارة بعضها على بعض من غير ملاط، (الروض الأنف 1/ 221) .
[8] في سيرة ابن هشام 1/ 222 زيادة: «وذلك أنّ نفرا سرقوا كنزا للكعبة، وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة، وكان الّذي وجد عنده الكنز دويكا مولى لبني مليح بن عمرو بن خزاعة. قال ابن هشام: فقطعت قريش يده، وتزعم قريش أنّ الذين سرقوه وضعوه عند دويك» .
[9] في السيرة «لرجل من تجار الروم» .(1/66)
كُلَّ يَوْمٍ، فَتُشْرِفُ [1] . عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ، فَكَانَتْ مِمَّا يَهَابُونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْنُو مِنْهَا أَحَدٌ إِلّا احْزَأَلَّتْ [2] وَكَشَّتْ [3] وَفَتَحَتْ فَاهَا، فَكَانُوا يَهَابُونَهَا، فَبَيْنَا هِيَ يَوْمًا تُشْرِفُ [4] عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا طَائِرًا فَاخْتَطَفَهَا، فَذَهَبَ بِهَا [5] ، قَالَ: فَاسْتَبْشَرُوا بِذَلِكَ، ثُمَّ هَابُوا [6] هَدْمَهَا.
فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فِي هَدْمِهَا، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهمّ لَمْ تُرَعْ، اللَّهمّ لَمْ نُرِدْ إِلَّا خَيْرًا. ثُمَّ هَدَمَ مِنْ نَاحِيَةِ الرُّكْنَيْنِ [7] ، وَهَدَمُوا حَتَّى بَلَغُوا أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَإِذَا حِجَارَةٌ خُضْرٌ آخِذٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ.
ثُمَّ بَنَوْا، فَلَمَّا بَلَغَ الْبُنْيَانُ مَوْضِعَ الرُّكْنِ، يَعْنِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، اخْتَصَمُوا فِيمَنْ يَضَعُهُ، وَحَرَصَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَحَارَبُوا وَمَكَثُوا أَرْبَعَ لَيَالٍ.
ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ وَتَنَاصَفُوا فَزَعَمُوا أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ أَسَنَّ قُرَيْشٍ، قَالَ: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ فِيمَا تَخْتَلِفُونَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، [8] فَفَعَلُوا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ رَضِينَا بِهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: «هَاتُوا لِي ثَوْبًا» [9] فَأَتَوْا بِهِ، فَأَخَذَ الرُّكْنَ بِيَدِهِ فَوَضَعَهُ فِي الثَّوْبِ، ثُمَّ قَالَ: «لتأخذ
__________
[1] في السيرة 1/ 224 «فتتشرّق» .
[2] اجزألّت: رفعت ذنبها.
[3] كشّت: صوّتت.
[4] في السيرة 1/ 225 «تتشرّق» وكذا في السير 104.
[5] السيرة 1/ 225.
[6] يبدأ النقل من السيرة 1/ 226.
[7] توجد زيادة بعد هنا في السيرة 1/ 226، 227.
[8] في السيرة 1/ 228 إضافة «يقضي بينكم فيه» .
[9] اللفظ في السيرة «هلمّ إليّ ثوبا» .(1/67)
كُلُّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا» ، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ وَضَعَهُ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وبني عليه [1] .
حديث الحمد
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلُمَ أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ مَجْمَرَتِهَا فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ فَاحْتَرَقَتْ، فَهَدَمُوهَا حَتَّى إِذَا بَنَوْهَا فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ أَيُّ الْقَبَائِلِ تَضَعُهُ [2] ؟ قَالُوا: تَعَالَوْا نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا [3] فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ عَلَيْهِ وِشَاحُ نَمِرَةَ [4] فَحَكَّمُوهُ فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَيِّدُ كُلِّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ [5] ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ، ثُمَّ طَفِقَ لَا يَزْدَادُ عَلَى السِّنِّ إِلَّا رِضًا حَتَّى دَعَوْهُ الْأَمِينَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ وَحْيٌ، فَطَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا إلّا التمسوه فيدعو لهم فيها [6] .
__________
[1] انظر سيرة ابن هشام 1/ 221- 228، والسير والمغازي لابن إسحاق 103- 108 ونهاية الأرب 16/ 99- 103 طبقات ابن سعد 1/ 145، 146، عيون الأثر 1/ 51- 52، تاريخ الطبري 2/ 286- 290، السيرة لابن كثير 1/ 273، 274 و 276- 281، أخبار مكة 1/ 158- 164.
[2] في أخبار مكة للأزرقي 1/ 159 وسيرة ابن كثير 1/ 274 «تلي رفعه» .
[3] في أخبار مكة «يطلع علينا من هذه السكة فاصطلحوا على ذلك» .
[4] قال ابن الأثير في النهاية: «كل شملة مخطّطة من مآزر الأعراب فهي نمرة» .
[5] العبارة عند الأزرقي وابن كثير: «ثم أمر (ثم أخرج) سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب» .
[6] انظر: أخبار مكة للأزرقي 1/ 158- 159 سيرة ابن كثير 1/ 274، المعرفة والتاريخ 3/ 252، 253.
وقال: هذا سياق حسن وهو من سير الزهري.
وفيه من الغرابة قوله: «فلما بلغ الحلم» والمشهور أن هذا كان ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمره خمس وثلاثون سنة، وهو الّذي نصّ عليه محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله» .
وانظر نحو هذا الحديث في المصنّف لعبد الرزاق 5/ 100، 101، رقم 9104.(1/68)
وَيُرْوَى عَنْ عُرْوَةَ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْبَيْتَ بُنِيَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [1] .
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ، ثنا ابْنُ خُثَيْمٍ [2] عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ: لَهُ يَا خَالُ، حَدِّثْنِي عَنْ شَأْنِ الْكَعْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْنِيهَا قُرَيْشٌ قَالَ:
كَانَ بِرَضْمٍ يَابِسٍ لَيْسَ بِمَدَرٍ تَنْزُوهُ الْعَنَاقُ [3] وَتُوضَعُ الْكِسْوَةُ عَلَى الْجُدُرِ ثُمَّ تُدَلَّى، ثُمَّ إِنَّ سَفِينَةً لِلرُّومِ أَقْبَلَتْ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِالشُّعَيْبَةِ [4] انْكَسَرَتْ، فَسَمِعَتْ بِهَا قُرَيْشٌ فَرَكِبُوا إِلَيْهَا وَأَخَذُوا خَشَبَهَا، وَرُومِيٌّ يُقَالُ لَهُ «بَاقُومُ» نَجَّارٌ بَانٍ [5] فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ قَالُوا: لَوْ بَنَيْنَا بَيْتَ رَبِّنَا- عَزَّ وَجَلَّ- وَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَنَقَلُوا الْحِجَارَةَ مِنْ أَجْيَادِ الضَّوَاحِي، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ إِذِ انْكَشَفَتْ نَمِرَتُهُ، فَنُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ عَوْرَتَكَ، فَذَلِكَ أَوَّلُ مَا نُودِيَ، وَاللَّهُ أعلم. فما رئيت لَهُ عَوْرَةٌ بَعْدُ [6] .
وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَى الْبَيْتَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ فَانْهَدَمَ، فَبَنَتْهُ الْعَمَالِقَةُ، فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ فَانْهَدَمَ، فَبَنَتْهُ جُرْهُمٌ، فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ فَانْهَدَمَ فَبَنَتْهُ قُرَيْشٌ. وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ وَضْعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مَكَانَهُ [7] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر بن حزم،
__________
[1] سيرة ابن كثير 1/ 274.
[2] هو عبد الله بن عثمان بن خثيم. (انظر تهذيب التهذيب 5/ 314) وقد ورد «خيثم» في أخبار مكة للأزرقي وهو تصحيف 1/ 157.
[3] العناق: الأنثى من ولد المعز.
[4] قال ابن سعد في الطبقات 1/ 145 «كانت مرفأ السفن قبل جدّه» وأخبار مكة 1/ 157
[5] في أخبار مكة «وروميّا كان فيها يقال له يا قوم نجارا بناء» .
[6] أخبار مكة 1/ 157، طبقات ابن سعد 1/ 145.
[7] أخبار مكة 1/ 62 وانظر شفاء الغرام (بتحقيقنا) ج 1/ 152.(1/69)
عَنْ عَمْرَةَ [1] ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنَّ إِسَافًا وَنَائِلَةَ- رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ- زَنَيَا فِي الْكَعْبَةِ فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ» [2] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: إِنَّمَا حَمَلَ قُرَيْشًا عَلَى بِنَاءِ الْكَعْبَةِ أَنَّ السَّيْلَ كَانَ يَأْتِي مِنْ فَوْقِهَا مِنْ فَوْقِ الرَّدْمِ الَّذِي صَنَعُوهُ فَأَخْرَبَهُ [3] ، فَخَافُوا أَنْ يَدْخُلَهَا الْمَاءُ، وَكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ «مُلَيْحٌ» [4] سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ، فَأَرَادُوا أَنْ يُشَيِّدُوا بِنَاءَهَا وَأَنْ يَرْفَعُوا بَابَهَا حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ شَاءُوا، فَأَعَدُّوا لِذَلِكَ نَفَقَةً وَعُمَّالًا [5] .
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ: ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ مَعَ قُرَيْشٍ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ، فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ: يَا ابْنَ أَخِي لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبِكَ [6] دُونَ الْحِجَارَةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ [7] ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رئي بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عُرْيَانًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [8] .
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ [9] .
مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جلس رجال من
__________
[1] هي عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة. (سيرة ابن هشام) .
[2] سيرة ابن هشام 1/ 105، أخبار مكة 1/ 119، الروض الأنف 1/ 105، مروج الذهب 2/ 50، كتاب الأصنام للكلبي 29، شفاء الغرام 1/ 600.
[3] في حاشية الأصل «فأضرّ به. خ يعني في نخسة أخرى» .
[4] راجع سيرة ابن هشام في ذلك 1/ 222.
[5] السيرة لابن كثير 1/ 275.
[6] عند البخاري «منكبيك» .
[7] لفظ البخاري: «قال: فحلّه، فجعله على منكبيه» .
[8] البخاري 1/ 96 كتاب الصلاة، باب كراهية التعرّي في الصلاة، ومسلم (340) كتاب الحيض، باب الاعتناء بحفظ العورة، وأحمد في المسند 3/ 310 و 333 و 5/ 455.
[9] صحيح مسلم (340/ 76) كتاب الحيض.(1/70)
قُرَيْشٍ فَتَذَاكَرُوا بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ فَقَالُوا: كَانَتْ مَبْنِيَّةً بِرَضْمٍ يَابِسٍ [1] ، وَكَانَ بَابُهَا بِالْأَرْضِ، وَلَمْ يُكَنْ لَهَا سَقْفٌ، وَإِنَّمَا تُدَلَّى الكِسْوَةُ عَلَى الْجُدُرِ، وَتُرْبَطُ مِنْ أَعْلَى الْجُدُرِ مِنْ بَطْنِهَا، وَكَانَ فِي بَطْنِ الْكَعْبَةِ عَنْ يَمِينِ الدَّاخِلِ جُبٌّ يَكُونُ فِيهِ مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ بِنَذْرٍ مِنْ جرهم، وذلك أنّه عدا على ذلك الْجُبِّ قَوْمٌ مِنْ جُرْهُمٍ فَسَرَقُوا مَا بِهِ [2] فَبَعَثَ اللَّهُ تِلْكَ الْحَيَّةَ فَحَرَسَتِ الْكَعْبَةَ وَمَا فِيهَا خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ إِلَى أَنْ بَنَتْهَا قُرَيْشٌ، وَكَانَ قَرْنَا الْكَبْشِ [3] مُعَلَّقَيْنِ فِي بَطْنِهَا مَعَ مَعَالِيقَ مِنْ حِلْيَةٍ [4] .
إِلَى أَنْ قَالَ: [5] حَتَّى بَلَغُوا الأَسَاسَ الَّذِي رَفَعَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَوَاعِدَ، فَرَأَوْا حِجَارَةً كَأَنَّهَا الْإِبِلُ الْخَلِفُ [6] لَا يُطِيقُ الْحَجَرَ مِنْهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا يُحَرِّكُ الْحَجَرَ مِنْهَا، فَتَرْتَجُّ جَوَانِبُهَا، قَدْ تَشَبَّكَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَأَدْخَلَ الوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَتَلَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَانْفَلَقَتْ مِنْهُ فَلْقَةٌ، فَأَخَذَهَا رَجُلٌ [7] فَنَزَّتْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى عَادَتْ فِي مَكَانِهَا، وَطَارَتْ مِنْ تَحْتِهَا بَرْقَةٌ كَادَتْ أَنْ تَخْطَفَ أَبْصَارَهُمْ، وَرَجَفَتْ مَكَّةُ بِأَسْرِهَا، فَأَمْسَكُوا [8] .
إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَلَّتِ النَّفَقَةُ عَنْ عِمَارَةِ الْبَيْتِ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يُقَصِّرُوا عَنِ الْقَوَاعِدِ وَيُحَجِّرُوا مَا يَقْدِرُونَ وَيَتْرُكُوا بَقِيِّتَهُ فِي الْحَجَرِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَتَرَكُوا سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرًا، وَرَفَعُوا بَابَهَا وَكَسَوْهَا [9] بِالْحِجَارَةِ حَتَّى لا يدخلها السّيل ولا
__________
[1] في أخبار مكة «ليس بمدر» .
[2] عند الأزرقي «فسرقوا مالها وحليتها مرة بعد مرة» .
[3] عند الأزرقي «الّذي ذبحه إبراهيم خليل الرحمن» .
[4] أخبار مكة للأزرقي 1/ 159، 160.
[5] الأزرقي 1/ 162.
[6] بمعنى الصخور العظيمة.
[7] هو أبو وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بن مخزوم. (أخبار مكة 1/ 163) .
[8] أخبار مكة للأزرقي 1/ 162، 163.
[9] عند الأزرقي «أكبسوها» .(1/71)
يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ أَرَادُوا، وَبَنَوْهَا بِسَافٍ مِنْ حِجَارَةٍ وَسَافٍ مِنْ خَشَبٍ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الرُّكْنِ فَتَنَافَسُوا فِي وَضْعِهِ [1] .
إِلَى أَنْ قَالَ: فَرَفَعُوهَا بِمِدْمَاكِ حِجَارَةٍ وَمِدْمَاكِ خَشَبٍ، حَتَّى بَلَغُوا السَّقْفَ، فَقَالَ لَهُمْ «بَاقُومُ» النَجَّارُ الرُّومِيُّ: أَتُحِبُّونَ أَنْ تَجْعَلُوا سَقْفَهَا مُكَبَّسًا [2] أَوْ مُسَطَّحًا؟ قَالُوا: بَلْ مُسَطَّحًا، وَجَعَلُوا فيِهِ سِتَّ دَعَائِمَ فِي صَفَّيْنِ، وَجَعَلُوا ارْتِفَاعَهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَقَدْ كَانَتْ قَبْلُ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ [3] ، وَجَعَلُوا دَرَجَةً مِنْ خَشَبٍ فِي بَطْنِهَا يُصْعَدُ مِنْهَا إِلَى ظَهْرِهَا، وَزَوَّقُوا سَقْفَهَا وَحِيطَانَهَا مِنْ بَطْنِهَا وَدَعَائِمِهَا، وَصَوَّرُوا فِيهَا الْأَنْبِيَاءَ وَالْمَلَائِكَةَ وَالشَّجَرَ، وَصَوَّرُوا إِبْرَاهِيمَ يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ [4] ، وَصَوَّرُوا عِيسَى وَأُمَّهُ، وَكَانُوا أَخْرَجُوا مَا فِي جُبِّ الْكَعْبَةِ مِنْ حِلْيَةٍ وَمَالٍ وَقَرْنَيِ الْكَبْشِ، وَجَعَلُوهُ عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيِّ [5] ، وَأَخْرَجُوا مِنْهَا هُبَلَ [6] ، فَنُصِبَ عِنْدَ الْمَقَامِ حَتَّى فَرَغُوا فَأَعَادُوا جَمِيعَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَتَرُوهَا بِحَبْرَاتٍ يَمَانِيَّةٍ [7] .
وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَغَيْرِهِ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إِلَى الْبَيْتِ، فَأَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُلَّ بِمَاءٍ وَأَمَرَ بِطَمْسِ تِلْكَ الصُّوَرِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى صُورَةِ عِيسَى وَأُمِّهِ وَقَالَ: «امْحُوا الْجَمِيعَ إِلَّا مَا تَحْتَ يَدِي» . رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ [8] . ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الشَّامِيُّ عَطَاءَ بْنَ أبي رباح،
__________
[1] أخبار مكة 1/ 163.
[2] في الأصل «ملنّس» والتصحيح من أخبار مكة 1/ 164.
[3] أي في عهد إسماعيل عليه السلام. (الروض الأنف 1/ 221) .
[4] الأزلام: سهام كانوا يستقسمون بها في الجاهلية.
[5] هو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بن عبد الدار بن قصيّ.
[6] أحد أصنام الكعبة المشهورة.
[7] أخبار مكة 1/ 164- 167.
[8] أخبار مكة 1/ 165.(1/72)
وَأَنَا أَسْمَعُ: أَدْرَكْتُ فِي الْبَيْتِ تِمْثَالَ مَرْيَمَ وَعِيسَى؟ قَالَ: نَعَمْ أَدْرَكْتُ تِمْثَالَ مَرْيَمَ مُزَوَّقًا فِي حِجْرِهَا عِيسَى قَاعِدٌ [1] ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ سِتَّةُ أَعْمِدَةٍ سَوَارِي [2] ، وَكَانَ تِمْثَالُ عِيسَى وَمَرْيَمَ فِي الْعَمُودِ الَّذِي يَلِي الْبَابَ [3] ، فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَتَى هَلَكَ؟ قَالَ فِي الْحَرِيقِ زَمَنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قُلْتُ: أَعَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْنِي كَانَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ قَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ [4] .
قَالَ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ثُمَّ عَاوَدْتُ عَطَاءً بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: تِمْثَالُ عِيسَى وَأُمِّهِ فِي الْوُسْطَى مِنَ السَّوَارِي [5] .
قَالَ الْأَزْرَقِيُّ: ثَنَا دَاوُدُ الْعَطَّارُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ فِي الْكَعْبَةِ قَبْلَ أَنْ تُهْدَمَ تِمْثَالَ عِيسَى وَأُمِّهِ، قَالَ دَاوُدُ: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الْحَجَبَةِ عَنْ مُسَافِعِ بْنِ شَيْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا شَيْبَةُ امْحُ كُلَّ صُورَةٍ [6] إِلَّا مَا تَحْتَ يَدِي» قَالَ: فَرَفَعَ يَدَهُ عَنْ عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَأُمِّهِ [7] .
قَالَ الْأَزْرَقِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ [8] ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الكعبة وفيها صور
__________
[1] عند الأزرقي «قاعدا مزوّقا» .
[2] بيّن الأزرقي وصفها كما نقطت في هذا التربيع:
[3] قال ابن جريج: فقلت لعطاء. (الأزرقي) .
[4] أخبار مكة 1/ 168.
[5] انظر أخبار مكة 1/ 168.
[6] عند الأزرقي «كل صورة فيه» .
[7] أخبار مكة 1/ 168.
[8] كذا في الأصل، وفي أخبار مكة 1/ 168. وفي نسخة دار الكتب بالأزلام، ما شأن إبراهيم(1/73)
الْمَلَائِكَةِ، فَرَأَى صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ جَعَلُوهُ شَيْخًا يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ، ثُمَّ رَأَى صُورَةَ مَرْيَمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ: امْحُوا مَا فِيهَا إِلَّا صُورَةَ مَرْيَمَ» . ثُمَّ سَاقَهُ الْأَزْرَقِيُّ [1] بِإِسْنَادٍ آخَرَ بِنَحْوِهِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَلَكِنَّ قَوْلَ عَطَاءٍ وَعَمْرٍو ثَابِتٌ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ نَسْمَعْ بِهِ إِلَى الْيَوْمِ [2] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ [3] عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ:
لَمَّا بُنِيَ الْبَيْتُ كَانَ النَّاسُ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، فَأَخَذَ الثَّوْبَ فَوَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَنُودِيَ: (لَا تَكْشِفْ عَوْرَتَكَ) فَأَلْقَى الْحَجَرَ وَلَبِسَ ثَوْبَهُ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [4] .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّشْتَكِيُّ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (كُنْتُ أَنَا وابن أخي
__________
[ () ] والأزلام؟ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما، وما كان من المشركين، ثم أمر بتلك الصور كلّها فطمست» .
وقال ابن هشام أيضا 4/ 104 «وحدّثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له، عن ابن شهاب الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن ابن عباس، قال: دخل مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يشير بغضب في يده إلى الأصنام، ويقول: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زهوقا» فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه، ما بقي منها صنم إلّا وقع» . وفي نسخة دار الكتب المصرية «عياض عن جدّته» ، وهو تصحيف واضح.
[1] أخبار مكة 1/ 169 عن محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب، عن عكرمة.
[2] وهو باطل منكر، وخاصة استثناء صورة عيسى ابن مريم وأمّه من المحو لأنّه مخالف لعقيدة التوحيد، والنهي عن التصوير، والصلاة في مكان توجد فيه صور، وينقض ذلك ما ورد عند ابن هشام في السيرة 4/ 94: «وحدّثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح، فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم، فرأى إبراهيم عليه السلام مصوّرا في يده الأزلام يستقسم بها، فقال: قاتلهم الله، جعلوا شيخنا يستقسم» .
[3] في الأصل «خيثم» والتصحيح من تهذيب التهذيب 5/ 314 وقد مرّ قبل قليل، وسيأتي قريبا مصحّحا.
[4] المسند 3/ 310 و 333 و 5/ 455.(1/74)
نَنْقُلُ الْحِجَارَةَ عَلَى رِقَابِنَا وَأُزُرُنَا تَحْتَ الْحِجَارَةِ، فَإِذَا غَشِيَنَا النَّاسُ ائْتَزَرْنَا، فَبَيْنَا هُوَ أَمَامِي خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مُنْبَطِحًا، فَجِئْتُ أَسْعَى وَأَلْقَيْتُ حَجَرِي، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَامَ وَأَخَذَ إِزَارَهُ وَقَالَ: «نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا» فَكُنْتُ أَكْتُمُهَا النَّاسَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولُوا مَجْنُونٌ) . رَوَاهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ بِنَحْوِهِ، عَنْ سِمَاكٍ [1] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ داود بن أبي هند، عن سماك بن حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا تَشَاجَرُوا فِي الْحَجَرِ أَنْ يَضَعَهُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: قَدْ جَاءَ الْأَمِينُ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَمْزَةَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَتْهُمْ، أَنْبَأَ ابْنُ بُرَيْدَةَ، أَنْبَأَ الطَّبَرَانِيُّ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [2] ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: «كَانَتِ الْكَعْبَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَبْنِيَّةً بِالرَّضْمِ، لَيْسَ فِيهَا مَدَرٌ [3] ، وَكَانَتْ قَدْرَ مَا نَقْتَحِمُهَا [4] ، وَكَانَتْ غَيْرَ مَسْقُوفَةٍ، إِنَّمَا تُوضَعُ ثِيَابُهَا عَلَيْهَا، ثُمَّ تُسْدَلُ عَلَيْهَا سَدْلًا [5] ، وَكَانَ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ مَوْضُوعًا عَلَى سُورِهَا بَادِيًا، وَكَانَتْ ذَاتَ رُكْنَيْنِ كَهَيْئَةِ الْحَلْقَةِ [6] ، فأقبلت سفينة من أرض الروم
__________
[1] أخرجه البخاري بنحوه 2/ 155، 156 كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها 4/ 234 كتاب بدء الخلق، باب أيام الجاهلية، ومسلم (340 و 341) كتاب الحيض، باب الاعتناء بحفظ العورة، مسند أحمد 3/ 295 و 380، وانظر أخبار مكة للأزرقي 1/ 170 وسيرة ابن كثير 1/ 251.
[2] انظر «المصنّف» له، ج 5/ 102 رقم 9106.
[3] المدر: الطين اليابس.
[4] في المصنّف: «يقتحمها العناق» .
[5] في المصنّف «ثم يسدل سدلا عليها» .
[6] في المصنّف «كهيئة هذه الحلقة» .(1/75)
فَانْكَسَرَتْ بِقُرْبِ جُدَّةَ [1] ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِيَأْخُذُوا خَشَبَهَا، فَوَجَدُوا رَجُلًا رُومِيًّا عِنْدَهَا، فَأَخَذُوا الْخَشَبَ [2] ، وَكَانَتِ السَّفِينَةُ تُرِيدُ الْحَبَشَةَ، وَكَانَ الرُّومِيُّ الَّذِي فِي السَّفِينَةِ نَجَّارًا، فَقَدِمُوا بِهِ وَبِالْخَشَبِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: نَبْنِي بِهَذَا الَّذِي فِي السَّفِينَةِ بَيْتَ رَبِّنَا، فَلَمَّا أَرَادُوا هَدْمَهُ إِذَا هُمْ بِحَيَّةٍ عَلَى سُورِ الْبَيْتِ، مِثْلَ قِطْعَةِ الْجَائِزِ [3] سَوْدَاءِ الظَّهْرِ، بَيْضَاءِ الْبَطْنِ، فَجَعَلَتْ كُلَّمَا دَنَا أَحَدٌ إِلَى الْبَيْتِ لِيَهْدِمَ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ حِجَارَتِهِ، سَعَتْ إِلَيْهِ فَاتِحَةً فَاهَا، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ: عِنْدَ الْمَقَامِ [4] فَعَجُّوا [5] إِلَى اللَّهِ وَقَالُوا: رَبَّنَا لَمْ نُرَعْ [6] ، أَرَدْنَا تَشْرِيفَ بَيْتِكَ وَتَزْيِينَهُ [7] ، فَإِنْ كُنْتَ تَرْضَى بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَا بَدَا لَكَ فَافْعَلْ، فَسَمِعُوا خِوَارًا فِي السَّمَاءِ، فَإِذَا هُمْ بِطَائِرٍ [8] أَسْوَدِ الظَّهْرِ، أَبْيَضِ الْبَطْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، أَعْظَمَ مِنَ النِّسْرِ، فَغَرَزَ مِخْلَابَهُ فِي رَأْسِ [9] الْحَيَّةِ، حَتَّى انْطَلَقَ بِهَا يَجُرُّهَا، ذَنَبُهَا أَعْظَمُ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَاقِطًا، فَانْطَلَقَ بِهَا نَحْوَ أَجْيَادٍ، فَهَدَمَتْهَا قُرَيْشٌ، وَجَعَلُوا يَبْنُونَهَا بِحِجَارَةِ الْوَادِي، تَحْمِلُهَا قُرَيْشٌ عَلَى رِقَابِهَا، فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاءِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَبَيْنَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُ حِجَارَةً مِنْ أَجْيَادٍ، وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّمِرَةُ، فَذَهَبَ يَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَبَرَزَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ صِغَرِ النَّمِرَةِ، فَنُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ، خَمِّرْ عَوْرَتَكَ، فلم ير عريانا بعد ذلك.
__________
[1] في المصنّف «حتى إذا كانوا قريبا من جدّه انكسرت السفينة» .
[2] أضاف في المصنّف «أعطاهم إيّاها» .
[3] الجائز: الخشبة التي توضع عليها أطراف العوارض في سقف البيت، والعوارض: خشب سقف البيت المعرضة (أي الموضوعة بالعرض) .
وفي أخبار مكة 1/ 158 «لها رأس مثل رأس الجدي» .
[4] في المصنّف «الحرم» .
[5] أي رفعوا أصواتهم.
[6] في نسخة القدسي 2/ 45 «ترع» وهو تحريف.
[7] في المصنّف «ترتيبه» .
[8] في المصنّف «أعظم من النسر» .
[9] في المصنّف «فغرز مخاليبه في قفا الحيّة» .(1/76)
وَكَانَ بَيْنَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَبَيْنَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ خَمْسُ سِنِينَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [1] .
وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ دَاوُدُ الْعَطَّارُ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ [2] .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، ثنا هِلالُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ مَوْلَاهُ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ يَبْنِي الْكَعْبَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ: وَلِي حَجَرٌ أَنَا نَحَتُّهُ بِيَدِي أَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَأَجِيءُ بِاللَّبَنِ الْخَاثِرِ الَّذِي أَنْفَسُهُ [3] عَلَى نَفْسِي فَأَصُبُّهُ عَلَيْهِ، فَيَجِيءُ الْكَلْبُ فَيَلْحَسُهُ، ثُمَّ يَشْغَرُ فَيَبُولُ، فَبَنَيْنَا حَتَّى بَلَغْنَا الْحَجَرَ، وَمَا يَرَى الْحَجَرَ مِنَّا أَحَدٌ، فَإِذَا هُوَ وَسْطَ حِجَارَتِنَا، مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ، يَكَادُ يَتَرَاءَى مَنْهُ وَجْهُ الرَّجُلِ، فَقَالَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ: نَحْنُ نَضَعُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَحْنُ نَضَعُهُ. فَقَالُوا: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ حَكَمًا. قَالُوا: أَوَّلُ رَجُلٍ يَطْلُعُ مِنَ الْفَجِّ، فَجَاءَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا:
أَتَاكُمُ الْأَمِينُ، فَقَالُوا لَهُ، فَوَضَعَهُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ دَعَا بُطُونَهُمْ، فَأَخَذُوا بِنَوَاحِيهِ مَعَهُ، فَوَضَعَهُ هُوَ [4] .
اسْمُ مَوْلَى مُجَاهِدٍ: السَّائِبُ بْنُ عبد الله.
__________
[1] المصنّف لعبد الرزاق الصّنعاني 5/ 102- 103 رقم 9106 وفيه زيادة بعد ذلك، ورواه ابن حجر في فتح الباري 3/ 285 دون زيادة، وذكر طرفا منه الإمام أحمد في مسندة 5/ 455 وانظر طبقات ابن سعد 1/ 157.
[2] انظر أخبار مكة 1/ 157.
[3] أنفس: أبخل به على نفسي. (النهاية لابن الأثير) .
[4] مسند أحمد 3/ 425.(1/77)
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ الْبَيْتُ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ 84: 3 [1] قَالَ: مِنْ تَحْتِهِ مَدًّا. وَرَوَى نَحْوَهُ عَنْ منصور، عن مجاهد.
__________
[1] سورة الإنشقاق، الآية 3.(1/78)
وَمِمَّا عَصَمَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ
إِنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، يَعْنِي الْأَشِدَّاءَ الْأَقْوِيَاءَ، وَكَانُوا يَقِفُونَ فِي الْحَرَمِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَلَا يَقِفُونَ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ رِيَاسَةً وَبَأْوًا [1] ، وَخَالَفُوا بِذَلِكَ شَعَائِرَ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي جُمْلَةِ مَا خَالَفُوا. فَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: «أَضْلَلَتُ بَعِيرًا لِي يَوْمَ عَرَفَةَ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ بِعَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: هَذَا مِنَ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَاهُنَا» [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عن الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا هَمَمْتُ بِقَبِيحٍ مِمَّا يَهُمُّ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مَرَّتَيْنِ، عَصَمَنِي اللَّهُ فِيهِمَا، قُلْتُ لَيْلَةً لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي حَتَّى أَسْمُرَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِمَكَّةَ كَمَا تَسْمُرُ الْفِتْيَانُ. قَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجْتُ حَتَّى جئت أدنى دار من دور
__________
[1] البأو: الكبر والتعظيم. (النهاية لابن الأثير 1/ 91) .
[2] أخرجه البخاري 2/ 75 في كتاب الحج، باب الوقوف بعرفة، ومسلم (1220) كتاب الحج، باب في الوقوف وقوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا من حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ 2: 199، والنسائي 5/ 255 كتاب مناسك الحج، باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة، والدارميّ، في كتاب المناسك 49، وانظر أخبار مكة 1/ 188.(1/79)
مَكَّةَ، فَسَمِعْتُ غِنَاءً وَصَوْتَ دُفُوفٍ وَمَزَامِيرَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: فُلَانٌ تَزَوَّجَ، فَلَهَوْتُ بِذَلِكَ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، فَمَا أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، ثُمَّ فَعَلْتُ ليلة أخرى مثل ذلك، فو الله مَا هَمَمْتُ بَعْدَهَا بِسُوءٍ مِمَّا يَعْمَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِنُبُوَّتَهِ» [1] . وَرَوَى مِسْعَرٌ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذَرِيحٍ [2] ، عَنْ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، ثنا عمّار ابن يَاسِرٍ أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ أَتَيْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَيْئًا حَرَامًا؟
قَالَ: لَا، وَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ عَلَى مِيعَادَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَامِرُ قَوْمِي، وَالْآخَرُ غَلَبَتْنِي عَيْنِي» أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ حسين بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ قَالَتْ: «كَانَ بُوَانَةُ صَنَمًا تَحْضُرُهُ قُرَيْشٌ، تُعَظِّمُهُ وَتُنَسِّكُ [4] لَهُ النُّسَّاكُ [5] ، وَيَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ عِنْدَهُ، وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهُ يَوْمًا [6] فِي السَّنَةِ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْعِيدَ، فَيَأْبَى، حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا طَالِبٍ غَضِبَ [7] ، وَرَأَيْتُ عَمَّاتِهِ غَضِبْنَ [8] يَوْمَئِذٍ أَشَدَّ الْغَضَبِ، وَجَعَلْنَ يَقُلْنَ: إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ مِمَّا تَصْنَعُ مِنِ اجتناب آلهتنا [9] ، فلم يزالوا به
__________
[1] قال ابن كثير في السيرة 1/ 252: «هذا حديث غريب جدا، وقد يكون عن عليّ نفسه ويكون قوله في آخره: حتى أكرمني الله عزّ وجلّ بنبوّته، مقمحما، والله أعلم.
وقد رواه البيهقي في دلائل النبوّة.
[2] ذريح: بفتح الذال المعجمة وكسر الراء.
[3] الطبقات الكبرى 1/ 158.
[4] تذبح له.
[5] في الطبقات «النسائك» .
[6] في الطبقات «يوما إلى الليل» .
[7] في الطبقات «غضب عليه» .
[8] في الطبقات «غضبن عليه» .
[9] في الطبقات زيادة «وجعلن يقلن: ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثّر لهم جمعا» .(1/80)
حَتَّى ذَهَبَ فَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا مَرْعُوبًا، [1] ، فَقُلْنَ [2] : مَا دَهَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ لِي لَمَمٌ، فَقُلْنَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَبْتَلِيكَ بِالشَّيْطَانِ، وَفِيكَ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ مَا فِيكَ، فَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟ قَالَ: إِنِّي كُلَّمَا دَنَوْتُ مِنْ صَنَمٍ مِنْهَا تَمَثَّلَ لِي رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَصِيحُ [3] : «وَرَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ لَا تَمَسَّهُ) قَالَتْ: فَمَا عَادَ إِلَى عِيدٍ لَهُمْ حَتَّى نُبِّئَ» [4] .
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ صَنَمٌ [5] مِنْ نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُ إِسَافٌ أَوْ نَائِلَةُ يَتَمَسَّحُ الْمُشْرِكُونَ بِهِ إِذَا طَافُوا، فَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطُفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرَرْتُ مَسَحْتُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَمَسَّهُ، قَالَ زَيْدٌ: فَطُفْنَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَأَمَسَّنَّهُ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَكُونُ [6] ، فَمَسَحْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تُنْهَ» [7] . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [8] . وَقَدْ زَادَ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادِهِ: قال زيد فو الله مَا اسْتَلَمَ صَنَمًا حَتَّى أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
__________
[1] في الطبقات «مرعوبا فزعا» .
[2] في الطبقات «فقالت له عمّاته» .
[3] في الطبقات «يصيح بي» .
[4] في الطبقات «تنبّأ» .
[5] في مجمع الزوائد 9/ 418 «بين الصفا والمروة صنمان من نحاس، أحدهما يقال له يساف والآخر يقال له نائلة، وكان المشركون إذا طافوا تمسّحوا بهما» .
أقول: لعلّ هذا هو الأصحّ، لأن النصّ عند الذهبي يوحي أن إساف ونائلة اسم لصنم واحد، والمشهور أنّهما صنمان، وقد مرّ ذكرهما قبل قليل.
[6] في المجمع «ما يقول» .
[7] في المجمع «فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لزيد إنّه يبعث أمّة وحده» .
[8] رواه أبو يعلى والبزّار والطبراني. (مجمع الزوائد 9/ 418) .(1/81)
مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ [1] مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ، فَسَمِعَ مَلَكَيْنِ خَلْفَهُ، وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا حَتَّى نَقُومَ خَلْفَ رَسُولِ الله، فقال: كيف تقوم خَلْفَهُ، وَإِنَّمَا عَهْدُهُ بِاسْتِلَامِ الأَصْنَامِ قُبَيْلُ؟ [2] ، قَالَ: فَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ» .
تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرٌ، وَمَا أَتَى بِهِ عَنْهُ سِوَى شَيْخُ الْبُخَارِيِّ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَهُوَ مُنْكَرٌ [3] .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، ثنا بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعًا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، فَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ، فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ. قَالَ: فَنَسِيتُ يَوْمِي وَالْغَدَ، فَأَتَيْتُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَوَجَدْتُهُ فِي مَكَانِهِ، فَقَالَ: يَا فَتًى لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ، أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ» .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [4] . وَأَخْبَرَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدِ بن البن، أنا جدي، أنا أبو القاسم عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ، أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي العقب، أنا أحمد بن إبراهيم، ثنا محمد بْنُ عَائِذٍ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامِ الْأَسْوَدِ، عَمَّنْ حدّثه،
__________
[1] في دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 317، وميزان الاعتدال 3/ 35 «يشهد» .
[2] في ميزان الاعتدال 3/ 36 «قبل» ، وقال الحافظ الذهبي: «يعني أنه حديث عهد برؤية استلام الأصنام، لا أنّه هو المستلم، حاشا وكلّا» .
[3] قال المناوي: رأيت أصحابنا يذكرون أن عثمان روى أحاديث لا يتابع عليها. وقال الذهبي:
عثمان لا يحتاج إلى متابع، ولا ينكر له أن ينفرد بأحاديث لسعة ما روى وقد يغلط، وقد أعتمده الشيخان في صحيحهما، وروى عنه أبو يعلى، والبغوي، والنّاس، وقد سئل عنه أحمد فقال:
ما علمت إلا خيرا، وأثنى عليه. وقال يحيى: ثقة مأمون.
[4] سنن أبي داود (4996) ، كتاب الأدب، باب في العدّة. وقال: قال محمد بن يحيى: هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق.(1/82)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا بِأَعْلَى مَكَّةَ، إِذَا بِرَاكِبٍ عَلَيْهِ سَوَادٌ فَقَالَ:
هَلْ بِهَذِهِ الْقَرْيَةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ؟ فَقُلْتُ مَا بِهَا أَحْمَدُ وَلَا مُحَمَّدٌ غَيْرِي، فَضَرَبَ ذِرَاعَ رَاحِلَتِهِ فَاسْتَنَاخَتْ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى كَشَفَ عَنْ كَتِفِي حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْخَاتَمِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيَّ فَقَالَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ؟ قُلْتُ: وَنَبِيٌّ أَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: بِمَ أُبْعَثُ؟ قَالَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِ قَوْمِكَ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ زَادٍ؟ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ: حَرِيًّا أَوْ خَلِيقًا أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ، فَهِيَ أَكْبَرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا فِي أَمْرِي، فَأَتَيْتُهُ بِالزَّادِ، فَأَخَذَهُ وَقَالَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى زَوَّدَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا، وَحَمَلَهُ لِي فِي ثَوْبِهِ»(1/83)
ذِكْرُ زيد بن عمرو بن نفيل [1]
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ [2] يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَسْفَلَ بَلْدَحٍ» [3] ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْوَحْيِ، فَقَدَّمَ [4] إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ وَقَالَ:
«لَا آكُلُ مِمَّا يَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِهِمْ [5] ، أَنَا لَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله
__________
[1] انظر عنه في: نسب قريش 364، جمهرة نسب قريش وأخبارها 416- 418، سيرة ابن هشام 1/ 255، والسير والمغازي لابن إسحاق 116- 119، طبقات ابن سعد 1/ 161، 162، تاريخ الطبري 2/ 295، الروض الأنف 1/ 255- 257، جمهرة أنساب العرب لابن حزم 150، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 30- 36، الأغاني 3/ 123- 131 تهذيب الأسماء واللغات للنووي ق 1 ج 1/ 204، 205 رقم 192، أسد الغابة لابن الأثير 2/ 236- 238، الوافي بالوفيات 15/ 38، 39، رقم 39، الإصابة 1/ 569، 570 رقم 2923.
[2] في صحيح البخاري 4/ 232: «حدّثنا سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر» .
[3] في أخبار مكة 2/ 230 (بالحاشية) : بلدح واد بين فخ والحديبيّة، والحديبيّة واقعة في آخر بلدح. وقال البكري في معجم ما استعجم 1/ 273. موضع في ديار بني فزارة، وهو واد عند الجرّاحيّة، في طريق التنعيم إلى مكة. وقال ياقوت في معجم البلدان 1/ 480: واد قبل مكة من جهة المغرب.
[4] في صحيح البخاري «فقدّمت إلى النبيّ» .
[5] في الصحيح: «قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم» .(1/85)
عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [1] ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: [2] «فَكَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ؟» إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ [3] .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مُوسَى: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا تَحَدَّثَ بِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ وَيَتَّبِعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ الْيَهُودِ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ [4] قَالَ: إِنَّكَ لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ.
قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا وَإِنِّي [5] أَسْتَطِيعُهُ، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا. قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى، فَذَكَرَ لَهُ مِثْلَهُ فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا، حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ. قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، [6] فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ الْيَهُودِيُّ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قولهم في إبراهيم خرج،
__________
[1] صحيح البخاري 4/ 232، 233 كتاب المناقب، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، و 6/ 225 كتاب الذبائح والصيد والتسمية، باب ما ذبح على النصب والأصنام، وانظر السير والمغازي لابن إسحاق 118، معجم ما استعجم 1/ 273، الأغاني 3/ 126.
[2] في الصحيح «وأن زيد بن عمرو كان يعيب» .
[3] الصحيح للبخاريّ 4/ 233، ومسند أحمد 1/ 189، نسب قريش 364، الروض الأنف 1/ 256، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 30 و 34، الإصابة 1/ 569.
[4] في الصحيح «أدين دينكم فأخبرني» وفي الروض الأنف 1/ 256 «بدينكم، فأخبروني» .
[5] في الصحيح «وأنا» .
[6] في الصحيح، والروض الأنف زيادة: «ولا أحمل من لعنة الله، ولا من غضبه شيئا أبدا، وأني أستطيع، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟
قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نصرانيا ولا يعبد إلّا الله» .(1/86)
فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهمّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ» . هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَارًّا [2] وَهُوَ مُرْدِفِي إِلَى نُصُبٍ مِنَ الأَنْصَابِ، وَقَدْ ذَبَحْنَا لَهُ شَاةً فَأَنْضَجْنَاهَا، فَلَقِينَا زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَحَيَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا زَيْدُ مَا لِي أَرَى قَوْمَكَ قد شنقوا لَكَ [3] ؟
قَالَ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ ذَلِكَ لَبِغَيْرِ [4] نَائِلَةٍ تِرَةٌ [5] لِي فِيهِمْ، وَلَكِنِّي خَرَجْتُ أبتغي هذا الدّين حتى أقدم على أخبار فَدَكٍ [6] فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي، فَقَدِمْتُ [7] الشَّامَ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَخَرَجْتُ [8] فَقَالَ لِي شَيْخٌ مِنْهُمْ: إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ إِلَّا شَيْخٌ بِالْجَزِيرَةِ [9] ، فَأَتَيْتُهُ [10] ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مَنْ أَهْلِ بَيْتِ اللَّهِ، قَالَ [11] : من أهل الشّوك والقرظ؟ إنّ
__________
[1] صحيح البخاري 4/ 233 كتاب المناقب، باب حديث زيد بن عمرو، الروض الأنف 1/ 256، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 32، الإصابة 1/ 569، الأغاني 3/ 126، 127.
[2] في مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 417 «من أيام مكة» .
[3] في دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 385 «شنفوك» .
[4] في مجمع الزوائد «لغير» .
[5] «ترة» ليست في مجمع الزوائد.
[6] فدك: بفتح أوّله وثانيه. قال البكري: معروفة، بينها وبين خيبر يومان. (معجم ما استعجم 3/ 1015) وقال ياقوت: قرية بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة.
(معجم البلدان 4/ 238) وفي الدلائل للبيهقي «يثرب» .
[7] في المجمع «فخرجت حتى أقدم على أحبار الشام» .
[8] في المجمع «قلت ما هذا الدين الّذي ابتغي» .
[9] في المجمع «بالحيرة» .
[10] في المجمع «فخرجت حتى أقدم عليه» .
[11] ليس في مجمع الزوائد لفظ «قال» فجملة «من أهل الشوك والقرظ» هي من لفظ زيد.(1/87)
الَّذِي تَطْلُبُ قَدْ ظَهَرَ بِبِلَادِكَ، قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ قَدْ طَلَعَ نَجْمُهُ، وَجَمِيعُ مَنْ رَأَيْتَهُمْ فِي ضَلَالٍ، قَالَ: فَلَمْ أُحِسُّ بِشَيْءٍ [1] ، قَالَ: فَقَرَّبَ إِلَيْهِ السُّفْرَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: شَاةٌ ذُبِحَتْ لِلنُّصُبِ [2] . قَالَ: مَا كُنْتُ لِآكُلَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ: فَتَفَرَّقَا [3] . وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ [4] .
[5] وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمُ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إذا أراد أن يقتل ابنته: مع! لَا تَقْتُلْهَا أَنَا أَكْفِيَكَ مَئُونَتَهَا، فَيَأْخُذَهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شَئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شَئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا» . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [6] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ مَاتَ، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ» [7] . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
أُنْبِئْتُ عَنْ أَبِي الْفَخْرِ أَسْعَدَ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ، أنا ابن ريدة، أنا
__________
[1] في المجمع «بشيء بعد يا محمد» .
[2] في المجمع «ذبحناها لنصب من الأنصاب» .
[3] دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 385، مجمع الزوائد 9/ 417، 418.
[4] مرّت بقيّة الحديث قبل صفحتين بقليل حين ذكر الصنم النحاس الّذي يقال له أساف ونائلة.
[5] من هنا إلى قوله «باب» أخبرتنا ست الأهل.. غير مثبت في الأصل، والمثبت من نسخة دار الكتب المصرية و (ع) والمنتقى لابن الملا..
[6] أخرجه البخاري 4/ 233 كتاب المغازي، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، وانظر، نسب قريش 364، سيرة ابن هشام 1/ 255، الروض الأنف 1/ 256، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 33، 34، الإصابة 1/ 569، المعجم الكبير للطبراني 24/ 82 رقم 216، تهذيب الأسماء واللغات ق أج 1/ 205.
[7] سيرة ابن هشام 1/ 256، نسب قريش 365، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 34، الإصابة 1/ 570، مجمع الزوائد 9/ 417.(1/88)
الطَّبَرَانِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «خَرَجَ أَبِي وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَطْلُبَانِ الدِّينَ حَتَّى مَرَّا بِالشَّامِ، فَأَمَّا وَرَقَةُ فَتَنَصَّرَ [1] ، وَأَمَّا زَيْدٌ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الْمَوْصِلَ، فَإِذَا هُوَ بِرَاهِبٍ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَ صَاحِبُ الرَّاحِلَةِ؟ قَالَ: مِنْ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
مَا تَطْلُبُ؟ قَالَ: الدِّينَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ، وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ [2] ، قَالَ: أَمَا إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ سَيَظْهَرُ بِأَرْضِكَ، فَأَقْبَلَ وَهُوَ يَقُولُ:
لَبَّيْكَ حقّا ... تعبّدا ورقّا
البرّ أبغى لا الخال [3] ... وَمَا مُهَجِّرٌ [4] كَمَنْ قَالَ [5]
عُذْتُ بِمَا عَاذَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ [6] ... أَنْفِي لَكَ اللَّهمّ عَانٍ رَاغِمُ
مهما تجشّمني فإنّي جاشم [7]
__________
[1] وفي السير والمغازي 116 زيادة: «فاستحكم في النصرانية، واتّبع الكتب من أهلها حتى علم كثيرا من أهل الكتاب. فلم يكن فيهم أعدل أمرا، ولا أعدل شأنا من زيد بن عمرو بن نفيل» . وسيأتي نحوه بعد قليل.
[2] في مجمع الزوائد 9/ 417 «فيها» .
[3] الخال: الخيلاء والكبر. وفي المجمع الزوائد «الحال» بالحاء المهملة وهو تحريف.
[4] في السير والمغازي لابن إسحاق 116 «ليس مهجر» وكذا في سيرة ابن هشام 1/ 262 وفي الأغاني 3/ 124 «وهل مهجّر» ، وفي مجمع الزوائد 9/ 417 «وهل مهاجر» . قال السهيليّ في الروض الأنف 1/ 262: «ليس مهجر كمن» أي ليس من هجّر وتكيّس، كمن آثر العائلة والنوم. والمهجر: السّائر في المهاجرة.
[5] قال: من قال يقيل قيلولة.
[6] إبراهيم: بحذف الياء بعد الهاء.
[7] جاشم: من جشم الأمر إذا تجشّمه وتكلّفه بمشقّة.
وانظر هذا القول مع اختلاف في الترتيب والألفاظ في السير والمغازي 116، سيرة ابن هشام 1/ 262، نسب قريش 364، الأغاني 3/ 124، مجمع الزوائد 9/ 417 تهذيب تاريخ دمشق 6/ 32.(1/89)
ثُمَّ يَخِرُّ فَيَسْجُدَ لِلْكَعْبَةِ. قَالَ: فَمَرَّ زَيْدٌ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويزيد بن حارثة، وهم يَأْكُلانِ مِنْ سُفْرَةٍ لَهُمَا، فَدَعَيَاهُ فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي لَا آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النّصب، قال: فما رئي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ مِنْ يَوْمِهِ ذَاكَ حَتَّى بُعِثَ [1] . قَالَ: وَجَاءَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ: «يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَيْدًا كَانَ كَمَا رَأَيْتَ، أَوْ كَمَا بَلَغَكَ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ، قَالَ: نَعَمْ فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ» [2] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [3] قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ حِينَ بَنَوُا [4] الْكَعْبَةَ يَتَوَافَدُونَ عَلَى كِسْوَتِهَا كُلَّ عَامٍ تَعْظِيمًا لِحَقِّهَا، وَكَانُوا يَطُوفُونَ بِهَا، وَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ عِنْدَهَا، وَيَذْكُرُونَهُ مَعَ تَعْظِيمِ الأَوْثَانِ وَالشِّرْكِ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَدِينِهِمْ كُلِّهِ.
وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ: زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ وَرَقَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَأُمُّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ [5] حَضَرُوا قُرَيْشًا عِنْدَ وَثَنٍ لَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ عِنْدَهُ لِعِيدٍ مِنْ أَعْيَادِهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا خَلَا بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا: تَصَادَقُوا وَلْيَكْتُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ:
تَعْلَمُنَّ [6] وَاللَّهِ مَا قَوْمُكُمْ عَلَى شَيْءٍ، لَقَدْ أخطأوا دين إبراهيم وخالفوه، وما
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 118، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 32، مجمع الزوائد 9/ 417.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 256، السير والمغازي لابن إسحاق 119، نسب قريش 365، الأغاني 3/ 127، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 32 و 34، مجمع الزوائد 9/ 417، الإصابة 1/ 570.
[3] السير والمغازي 115، 116، سيرة ابن هشام، 1/ 253- 255.
[4] في السير والمغازي 115 «رفعوا بنيان الكعبة» .
[5] في السير «حليف بني أميّة» .
[6] في السير «تعلمون» ، وفي السيرة «تعلموا» .(1/90)
وَثَنٌ يُعْبَدُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، فَابْتَغُوا لأَنْفُسِكُمْ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَ وَيَسِيرُونَ فِي الأَرْضِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمِلَلِ كُلِّهَا، يَتَّبِعُونَ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا وَرَقَةُ فَتَنَصَّرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَعْدَلَ شَأْنًا مِنْ زَيْدِ ابْنِ عَمْرٍو، اعْتَزَلَ الْأَوْثَانَ وَفَارَقَ الأَدْيَانَ إِلَّا دِينَ إِبْرَاهِيمَ [1] .
وَقَالَ الْبَاغَنْدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ [2] عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ دَوْحَتَيْنِ» . وَقَالَ البكّائيّ، عن ابن إِسْحَاقَ [3] : حَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ شَيْخًا كَبِيرًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا أَصْبَحَ مِنْكُمْ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهمّ لَوْ أَعْلَمُ أَيَّ الْوُجُوهِ أَحَبُّ إِلَيْكَ عَبَدْتُكَ بِهِ، ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : فَقَالَ زَيْدٌ فِي فِرَاقِ دِينِ قَوْمِهِ:
أَرَبًّا وَاحِدًا أَمْ أَلْفَ رَبٍّ ... أَدِينُ إِذَا تُقُسِّمَتِ الْأُمُورُ
عَزَلْتُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى جَمِيعًا ... كذلك يفعل الجلد الصّبور [5]
في أبيات [6] .
__________
[1] انظر السير والمغازي 116 وسيرة ابن هشام 1/ 255.
[2] في (ع) : «معاوية» بدلا من «أبو معاوية» ، والتصحيح من تهذيب التهذيب 9/ 137.
[3] سيرة ابن هشام 1/ 255 وانظر السير والمغازي 116.
[4] سيرة ابن هشام 1/ 256، 257.
[5] سيرة ابن هشام 1/ 257، السير والمغازي 117.
[6] انظر الاختلاف وبقية الأبيات في: نسب قريش 364، 365، جمهرة نسب قريش وأخبارها 416، الأصنام للكلبي 21، 22، الأغاني 3/ 124، 125، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 35، البداية والنهاية 2/ 242، بلوغ الأرب للآلوسي 2/ 220.(1/91)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : وَكَانَ الْخَطَّابُ بْنُ نُفَيْلٍ عَمُّهُ وَأَخُوهُ لِأُمِّهِ يُعَاتِبُهُ [2] وَيُؤْذِيهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ إِلَى أَعْلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَ حِرَاءَ مُقَابِلَ مَكَّةَ، فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ سِرًّا آذَوْهُ وَأَخْرَجُوهُ، كَرَاهِيَةَ، أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، وَأَنْ يُتَابِعَهُ أَحَدٌ. ثُمَّ خَرَجَ يَطْلُبُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، فَجَالَ الشَّامَ وَالْجَزِيرَةَ [3] .
إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : فَرَدَّ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى إِذَا تَوَسَّطَ بِلادَ لَخْمٍ عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ.
[5] بَاب
أَخْبَرَتْنَا سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ عُلْوَانَ، أَنْبَأَنَا الْبَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أنا منوجهر ابن محمد، أنا هبة الله بن أحمد، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَطْحَا، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الرَّسْعَنِيُّ، ثَنَا الْمُعَافَى بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: «لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التّوراة بصفته [6] في القرآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً 33: 45 [7] وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ [8] بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ [9] ، ولن يقبضه الله
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 260.
[2] في السيرة «يعاتبه على فراق دين قومه» .
[3] السيرة 1/ 260- 263.
[4] السيرة 1/ 263، السير والمغازي 119.
[5] حتى هنا ينتهي النقص في الأصل.
[6] في صحيح البخاري «ببعض صفته» .
[7] سورة الأحزاب الآية 45.
[8] السّخب والصّخب، بمعنى الصّياح.
[9] وفي رواية «يصفح» بدل «يغفر» .(1/92)
حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ العَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَفْتَحَ بِهَا [1] أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا [2] .
قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ لَقِيتُ كَعْبَ الأَحْبَارِ فَسَأَلْتُهُ، فَمَا اخْتَلَفَا فِي حَرْفٍ، إِلَّا أَنَّ كَعْبًا يَقُولُ بِلُغَتِهِ: (أَعْيُنًا عُمُومًا، وَآذَانًا صُمُومًا وَقُلُوبًا غُلُوفًا) [3] .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْعَوْفِيِّ، عَنْ فُلَيْحٍ [4] .
وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ [5] .
ثُمّ قَالَ عَطَاءٌ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ سَلَامٍ.
قُلْتُ: وَهَذَا أَصَحُّ فَإِنَّ عَطَاءً لَمْ يُدْرِكْ كَعْبًا.
وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: صِفَةُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم في التّوراة، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [6] .
وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ: «إِنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ لِإِدْخَالِ رَجُلٍ الْجَنَّةَ، فَدَخَلَ الْكَنِيسَةَ، فَإِذَا هُوَ بِيَهُودَ، وَإِذَا بِيَهُودِيٍّ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَلَمَّا أَتَوْا عَلَى صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسَكُوا، وَفِي نَاحِيَةِ الْكَنِيسَةِ رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا لكم أمسكتم؟) قال
__________
[1] في الأصل «به» والتصحيح من صحيح البخاري.
[2] صحيح البخاري 3/ 21 كتاب البيوع، باب كراهية السّخب في السوق، و 6/ 44، 45 كتاب التفسير، سورة الفتح، باب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، مسند أحمد 2/ 174 وأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 274.
[3] في المسند «أعينا عمومي وآذانا صمومي، وقلوبا غلوفي. قال يونس: غلفي» .
[4] كتاب البيوع، باب كراهية السخب.
[5] المصدر نفسه.
[6] انظر تهذيب تاريخ دمشق 1/ 341.(1/93)
الْمَرِيضُ: أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا، ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ فَقَرَأَ حتّى أتى عَلَى صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ صِفَتُكَ وَأُمَّتُكَ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله، وأنك رسول الله» ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لُوا أَخَاكُمْ» [1] . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي «مُسْنَدِهِ» [2] . أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ اللَّتِّيِّ أَنَّ أَبَا الْوَقْتِ أَخْبَرَهُ، أنا الدَّاوُدِيُّ، أنا ابْنُ حَمُّوَيْهِ، أنا عِيسَى، السَّمَرْقَنْدِيُّ، أنا الدَّارِمِيُّ، أَنْبَأَ مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا: «كَيْفَ تَجِدُ نعت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: نَجِدُهُ مُحَمَّدَ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يُولَدُ بِمَكَّةَ، وَيُهَاجِرُ إِلَى طَابَةَ، وَيَكُونُ مُلْكُهُ بِالشَّامِ، وَلَيْسَ بِفَحَّاشٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَافِئُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ، يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي كُلِّ سَرَّاءٍ، وَيُكَبِّرُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ نَجْدٍ، يُوَضِّئُونَ أَطْرَافَهُمْ، وَيَأْتَزِرُونَ فِي أَوْسَاطِهِمْ، يُصَفُّونَ فِي صَلَاتِهِمْ كَمَا يُصَفُّونَ فِي قِتَالِهِمْ، دَوِيُّهُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُسْمَعُ مُنَادِيهِمْ فِي جَوِّ السَّمَاءِ [3] .
قُلْتُ: يَعْنِي الْأَذَانَ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: قُلْتُ لِكَعْبٍ الْحَبْرِ: كَيْفَ تَجِدُونَ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حديث عطاء.
__________
[1] بمعنى تولّوا أمره.
[2] ج 1/ 416، وانظر تهذيب تاريخ دمشق 1/ 341، 342.
[3] نهاية الأرب للنويري 16/ 119، 120.(1/94)
بَابُ قِصَّةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ [1]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لبيد،
__________
[1] انظر عنه: مسند أحمد 5/ 437- 444، السير والمغازي لابن إسحاق 87- 93، سيرة ابن هشام 1/ 247- 253، طبقات ابن سعد 4/ 75- 93، طبقات خليفة 7 و 140 و 189، المحبّر 75، تاريخ خليفة. 90، التاريخ الكبير 4/ 135، 136، المعارف 270، 271، الجرح والتعديل 4/ 296، 297، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 78، المعرفة والتاريخ 3/ 272- 274، مشاهير علماء الأمصار 44 رقم 274، تاريخ أبي زرعة 1/ 648، 649، حلية الأولياء 1/ 185- 208، ذكر أخبار أصبهان 1/ 48- 57، الاستيعاب 2/ 56- 61، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 85 رقم 56، تاريخ الرسل والملوك 1/ 93 وما بعدها و 2/ 566 وما بعدها، و 3/ 171 وما بعدها، و 4/ 11 وما بعدها، أنساب الأشراف 1/ 488، تاريخ بغداد 1/ 163- 171، تاريخ دمشق (مخطوط التيمورية) 16/ 92 و 24/ 378، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 190- 211، الكامل في التاريخ 3/ 287، الروض الأنف للسهيلي 1/ 250، 251، صفة الصفوة 1/ 523- 555 رقم 59، التذكرة الحمدونية 1/ 130 و 138 و 144 تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 226- 228، تهذيب الكمال 1/ 523، أسد الغابة 2/ 417، دول الإسلام 1/ 31، المعين في طبقات المحدّثين 21 رقم 49، الكاشف 1/ 304 رقم 2038، سير أعلام النبلاء 1/ 505- 558 رقم 91، مجمع الزوائد 9/ 332- 334، الوافي بالوفيات 15/ 309، 310 رقم 433، مرآة الجنان 1/ 100، عيون الأثر 1/ 60- 68، الوفيات لابن قنفذ 54، تهذيب التهذيب 4/ 137، تقريب التهذيب 1/ 315 رقم 346، الإصابة 2/ 62، 63 رقم 3357، خلاصة تذهيب التهذيب 147، كنز العمال 13/ 421، شذرات الذهب 1/ 44، موسوعة علماء المسلمين (من إعدادنا) 2/ 297- 299 رقم 641.
[2] السير والمغازي 87، سيرة ابن هشام 1/ 247.(1/95)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَالَ: «كُنْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مِنْ أَهْلِ إِصْبَهَانَ، مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جَيٌّ [1] وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أَرْضِهِ [2] ، وَكَانَ يُحِبُّنِي حُبًّا شَدِيدًا، لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَا وَلَدِهِ، فَمَا زَالَ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي الْبَيْتِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطِنَ النَّارِ [3] الَّتِي يُوقِدُهَا، فلا أتركها تخبر سَاعَةً، فَكُنْتُ لِذَلِكَ [4] لَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا إِلَّا مَا أَنَا فِيهِ، حَتَّى بَنَى أَبِي بُنْيَانًا لَهُ، وَكَانَتْ لَهُ ضَيْعَةٌ فِيهَا بَعْضُ الْعَمَلِ، فَدَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي مَا تَرَى مِنْ بُنْيَانِي عَنْ ضَيْعَتِي هَذِهِ، وَلَا بُدَّ لِي مِنَ اطِّلاعِهَا، فَانْطَلِقْ إِلَيْهَا [5] فَمُرْهُمْ بِكَذَا وَكَذَا، وَلَا تَحْتَبِسْ عَلَيَّ [6] فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي شَغَلَنِي [7] ذَلِكَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ لِلنَّصَارَى [8] ، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ [9] فَقُلْتُ: مَا هذا؟ قالوا: النّصارى [10] ، فدخلت [11] فأعجبني حالهم [12] ، فو الله مَا زِلْتُ جَالِسًا عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ.
وَبَعَثَ أَبِي فِي طَلَبِي فِي كُلِّ وَجْهٍ حتّى جئته حين أمسيت، ولم أذهب
__________
[1] جيّ: بفتح الجيم وياء مشدّدة. مدينة ناحية أصبهان، تسمّى عند العجم شهرستان، وعند المحدّثين: المدينة، وقد نسب إليها المديني عالم من أهل أصبهان، (معجم البلدان 2/ 202) .
[2] رئيسها.
[3] قطن النار: مقيم عندها. وسيأتي التعريف في متن المؤلّف في آخر هذا الخبر.
[4] في السير والمغازي «كذلك» .
[5] في السير والمغازي «إليهم» .
[6] في السير والمغازي «عني» .
[7] في السير والمغازي «شغلتني عن كل شيء» . وفي سيرة ابن هشام 1/ 247 «شغلتني عن كل شيء من أمري» .
[8] في السير والمغازي «النصارى» وفي السيرة لابن هشام «كنيسة من كنائس النصارى» .
[9] في السير «أصواتهم فيها» وفي السيرة «أصواتهم فيها وهم يصلّون» وفيها زيادة.
[10] في السير «هؤلاء النصارى يصلّون» .
[11] في السير «فدخلت انظر» .
[12] في السير «فأعجبني ما رأيت من حالهم» .(1/96)
إِلَى ضَيْعَتِهِ فَقَالَ: أَيْنَ [1] كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: [2] مَرَرْتُ بِالنَّصَارَى، فَأَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَدُعَاؤُهُمْ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ كَيْفَ يَفْعَلُونَ. قَالَ: أَيْ بُنَيَّ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِمْ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِخَيْرٍ مِنْ دِينِهِمْ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَيَدْعُونَهُ وَيُصَلُّونَ لَهُ، نَحْنُ [3] نَعْبُدُ نَارًا نُوقِدُهَا بِأَيْدِينَا، إِذَا تَرَكْنَاهَا مَاتَتْ، فَخَافَ [4] فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ حَدِيدًا وَحَبَسَنِي [5] ، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ: أَيْنَ أَصْلُ [6] هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَرَاكُمْ عَلَيْهِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ، فَقُلْتُ: فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنْ هُنَاكَ نَاسٌ فَآذِنُونِي، قَالُوا: نَفْعَلُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ نَاسٌ مِنْ تُجَّارِهِمْ [7] فَآذَنُونِي بِهِمْ، فَطَرَحْتُ الْحَدِيدَ مِنْ [8] رِجْلَيَّ وَلَحِقْتُ بِهِمْ، فَقَدِمْتُ مَعَهُمُ الشَّامَ [9] ، فَقُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا:
الْأَسْقُفُّ صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ أَحْبَبَتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَعْبُدَ اللَّهَ فِيهَا مَعَكَ، وَأَتَعَلَّمَ مِنْكَ الْخَيْرَ، قَالَ: فَكُنْ مَعِي، قَالَ: فَكُنْتُ مَعَهُ، فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوهَا لَهُ [10] اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا الْمَسَاكِينَ، فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا جَاءُوا لِيَدْفِنُوهُ قُلْتُ لهم: هذا رجل
__________
[1] في السير «أي بني أين كنت، ألم أكن قلت لك» ؟.
[2] في السير 87 «فقلت: يا أبتاه مررت بأناس يقال لهم النصارى» .
[3] في السير «ونحن إنّما نعبد» .
[4] في السير «فخافني» .
[5] في السير «وحبسني في بيت عنده» .
[6] في السير «فقلت لهم: أين أهل» .
[7] يحذف المؤلّف هنا فقرة، أنقلها من السير هي: «فبعثوا إليّ: إنه قد قدم علينا تجار من تجارنا، فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فآذنوني بهم، قالوا: نفعل، فلما قضوا حوائجهم، وأرادوا الرحيل بعثوا إليّ بذلك» .
[8] في السير «الّذي في رجلي» .
[9] في السير «فانطلقت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت» .
[10] في السير «إليه» .(1/97)
سَوْءٍ، كَانَ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ [1] وَيَتَكَنَّزُهَا، قَالُوا: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: أَنَا أُخْرِجُ إِلَيْكُمْ كَنْزَهُ، [2] فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ سَبْعَ قِلالٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا [3] فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: وَاللَّهِ لَا يُدْفَنُ أَبَدًا، فَصَلَبُوهُ [4] وَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ، وَجَاءُوا بِرَجُلٍ [5] فَجَعَلُوهُ مكانه، ولا والله [6] يا بن عَبَّاسٍ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ، أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَأَشَدُّ اجْتِهَادًا، وَلَا أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَدْأَبُ لَيْلا وَنَهَارًا [7] ، وَمَا أَعْلَمُنِي أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ قَبْلَهُ حُبَّهُ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ [8] : قَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [9] فَمَاذَا تَأْمُرُنِي وَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَجُلًا [10] بِالْمَوْصِلِ، فَأْتِهِ فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي.
فَلَمَّا مَاتَ [11] لَحِقْتُ بَالْمَوْصِلِ، فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالزُّهْدِ [12] ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ [13] . قَالَ:
فَأَقِمْ أَيْ بُنَيَّ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ: إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ [14] ، وَقَدْ حَضَرَكَ من أمر الله ما ترى، فإلى
__________
[1] في السير «ويرغّبكم فيها، حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين» .
[2] في السير «فقالوا: فهاته» .
[3] أي فضّة.
[4] في السير «فصلبوه على خشبة» .
[5] في السير «برجل آخر» .
[6] في السير «فلا والله» .
[7] في السير «ليلا ولا نهارا منه» .
[8] في السير «فقلت يا فلان» .
[9] في السير «من أمر الله عزّ وجلّ وإني والله ما أحببت شيئا قطّ حبّك» .
[10] في الأصل «رجل» والتصحيح من السير والمغازي.
[11] في السير «فلما مات وغيّب» .
[12] في السير «والزهاد في الدنيا» .
[13] في السير «أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك» .
[14] في السير «أوصاني إليك» .(1/98)
مَنْ تُوصِينِي [1] ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ [2] إِلَّا رَجُلًا [3] بِنَصِيبِينَ [4] ، فَلَمَّا [5] دَفَنَّاهُ لَحِقْتُ بِالْآخَرِ [6] ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، حَتَّى حَضَرَهُ الْمَوْتُ [7] فَأَوْصَى بِي إِلَى رَجُلٍ مِنْ عَمُّورِيَّةَ بِالرُّومِ، فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي غُنَيْمَةٌ وَبُقَيْرَاتٌ [8] ، ثُمَّ [9] احْتَضَرَ فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ [10] بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ [11] ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الْحَرَمِ، مُهَاجِرُهُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ أَرْضٌ سَبْخَةٌ ذَاتُ نَخْلٍ، وَإِنَّ فِيهِ عَلامَاتٍ لَا تَخْفَى، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ، فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ أَقَمْتُ [12] حَتَّى مَرَّ بِي رِجَالٌ مِنْ تُجَّارِ الْعَرَبِ مِنْ كَلْبٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: تحملوني [13] إلى أرض العرب، وأنا
__________
[1] كلمة «توصيني» ليست في السير.
[2] في السير «ما أعلمه أي بني» .
[3] في الأصل «رجل» والتصحيح من السير والمغازي.
[4] من بلاد على جادّة القوافل من الموصل إلى الشام (معجم البلدان 5/ 288) .
[5] في السير «هو على مثل ما نحن عليه، فالحق به، فلما» .
[6] في السير «فقلت له: يا فلان إن فلانا أوصاني إلى فلان، وفلان أوصاني إليك، قال: فأقم أي بني» .
[7] في السير «حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إنّه قد حضرك من أمر الله ما ترى وقد كان فلان أوصاني إلى فلان، وأوصاني فلان إلى فلان، وأوصاني فلان إليك، فإلى من؟ قال: أي بني والله ما أعلم أحدا على مثل ما نحن عليه إلّا رجلا بعمّورية من أرض الروم، فأته فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه، فلما واريته خرجت حتى قدمت على صاحب عمّورية فوجدته على مثل حالهم» .
[8] في السير «بقرات» .
[9] في السير «ثم حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان إنّ فلانا كان أوصاني إلى فلان، وفلان إلى فلان، وفلان إِلَيْكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا ترى، فإلى من توصيني» .
[10] في السير «أعلمه» .
[11] في السير «ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه» .
[12] في السير 90 «أقمت على خير» .
[13] في السير «تحملوني معكم حتى تقدموني أرض العرب» .(1/99)
أُعْطِيكُمْ غُنَيْمَتِي هَذِهِ وَبَقَرَاتِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا جَاءُوا بِي وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ [1] بوادي القرى، فو الله لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ، وَطَمِعْتُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي نَعَتَ لِي صَاحِبِي، وَمَا حُقَّتْ عِنْدِي حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ [2] فَابْتَاعَنِي [3] ، فخرج بي حتى قدمنا المدينة، فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُ نَعْتَهَا [4] فَأَقَمْتُ فِي رِقِّي [5] .
وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، لَا يُذْكَرُ لِي شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ، مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الرِّقِ، حَتَّى قَدِمَ قُبَاءَ، وَأَنَا أَعْمَلُ لصاحبي في نخله [6] ، فو الله إِنِّي لَفِيهَا، إِذْ جَاءَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَقَالَ: يَا فُلانُ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قِيَلَةَ [7] ، وَاللَّهِ إِنَّهُمُ الْآنَ [8] مُجْتَمِعُونَ عَلَى رَجُلٍ جَاءَ من مكة، يزعمون أنّه نبيّ، فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُهَا فَأَخَذَتْنِي الْعَرْوَاءُ- يَقُولُ الرِّعْدَةُ- حَتَّى ظَنَنْتُ لَأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي، وَنَزَلْتُ أَقُولُ: مَا هَذَا الْخَبَرُ؟ فَرَفَعَ مَوْلايَ يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: مالك وَلِهَذَا أَقْبِلْ عَلَى [9] عَمَلِكَ. فَقُلْتُ: لَا شَيْءَ، إنّما سمعت خيرا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ، فَحَمَلْتُهُ وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ مَعَكَ أَصْحَابًا لَكَ غُرَبَاءَ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شيء للصّدقة،
__________
[1] في السير «من يهود» بدلا من «يهودي» .
[2] في السير «من يهود وادي القرى» .
[3] في السير «من صاحبي الّذي كنت عنده» .
[4] في السير «نعته» .
[5] في السير «مع صاحبي» .
[6] في السير «نخلة له» .
[7] هي أمّ الأوس والخزرج الأنصار.
[8] في السير «الآن لفي قباء» .
[9] في السير «قبل عملك» .(1/100)
فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ مَنْ بِهَذِهِ الْبِلادِ فَهَاكَهَا [1] فَكُلْ مِنْهُ، فَأَمْسَكَ [2] وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:
كُلُوا [3] ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ [4] ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدينة، فَجَمَعْتُ شَيْئًا [5] ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ، فَقُلْتُ [6] : هَذَا هَدِيَّةٌ، فَأَكَلَ [7] وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ، فَقُلْتُ: هَذِهِ خِلَّتَانِ، ثُمَّ جِئْتُهُ [8] وَهُوَ يَتْبَعُ جِنَازَةً وَعَلَيَّ شَمْلَتَانِ [9] لِي، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَاسْتَدَرْتُ [10] لِأَنْظُرَ إِلَى الْخَاتَمِ [11] ، فَلَمَّا رَآنِي اسْتَدْبَرْتُهُ [12] عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ شَيْئًا [13] وُصِفَ لِي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، كَمَا وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي، فَقَالَ: تَحَوَّلْ يَا سَلْمَانُ هَكَذَا، فَتَحَوَّلْتُ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ أَصْحَابُهُ حَدِيثِي عَنْهُ، فحدّثته يا بن عَبَّاسٍ كَمَا حَدَّثْتُكَ.
فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: «كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ» فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا [14] لَهُ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَعَانَنِي أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] في السير «البلاد به، فها هو هذا» .
[2] في السير «فأمسك برسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ» .
[3] فِي السير «ولم يأكل» .
[4] في السير «هذه خلّة مما وصف لي صاحبي» .
[5] في السير «شيئا كان عندي» .
[6] في السير «فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة» .
[7] في السير «فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[8] فِي السير «ثم جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[9] الشملة: كساء يغطى به ويتلفّف فيه. (النهاية في غريب الحديث) .
[10] في السير «فاستدرت به» .
[11] في السير «الخاتم في ظهره» .
[12] في السير «استدبر 2.
[13] في السير «من شيء قد» .
[14] في طبعة القدسي 2/ 54 «أجبيها» وهو تحريف.(1/101)
بِالنَّخْلِ [1] ثَلَاثِينَ وَدِيَّةً وَعِشْرِينَ وَدِيَّةً وَعَشْرًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِّرْهَا [2] ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَآذِنِّي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي، فَفَقَّرْتُهَا [3] .
وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، يَقُولُ حَفَرْتُ لَهَا بِمَوْضِعٍ حَيْثُ تُوضَعُ حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهَا [4] ، وَخَرَجَ مَعِي، فَكُنَّا نَحْمِلُ إِلَيْهِ الْوَدِيَّ [5] فيضعه بيده ويسوّي عليها [6] ، فو الّذي بَعَثَهُ مَا مَاتَ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَبَقِيَتْ عَلَيَّ الدَّرَاهِمُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنَ الذَّهَبِ [7] فَقَالَ: أَيْنَ الْفَارِسِيُّ [8] ؟ فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ [9] فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ، (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ سيؤدّي بها عنك) [10] ، فو الّذي نفس سلمان بيده، لو زنت لَهُمْ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَأَدَّيْتُهَا إِلَيْهِمْ وَعَتَقَ سَلْمَانُ، وَحَبَسَنِي الرِّقُّ [11] حَتَّى فَاتَتْنِي [12] بَدْرٌ وَأُحُدٌ، ثُمَّ [13] شَهِدْتُ الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مشهد [14] .
__________
[1] في السيرة «بالنخلة» .
[2] في السير اختلاف «بالنخلة ثلاثين ودية عشر، كل رجل منهم على قدر ما عنده، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقر لها» .
[3] أي حفرت لها موضعا تغرس فيه. «النهاية لابن الأثير 3/ 463» .
[4] في السير زيادة: «ثم جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلتُ: يا رسول الله قد فرغنا منها، فخرج معي حتى جاءها» .
[5] الوديّ: بتشديد الياء، صغار النخل، الواحد وديّة. (النهاية) .
[6] في السير «عليه» وقد ذكر السهيليّ في الروض الأنف 1/ 250، 251 أسماء النخلة وأعمال غرسها وأطوارها المختلفة.
[7] في مجمع الزوائد 9/ 336 «فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بمثال بيضة دجاجة من ذهب» .
[8] في السير «الفارسيّ المسلم المكاتب» .
[9] في السير «هذه يا سلمان» .
[10] ما بين القوسين لم يرد في السير.
[11] في السير «وكان الرق قد حبسني» .
[12] في السير «فاتتني مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[13] في السير «ثم عتقت فشهدت» .
[14] راجع السير والمغازي لابن إسحاق 87- 91، سيرة ابن هشام 1/ 247- 252، طبقات ابن(1/102)
قَوْلُهُ: قَطِنُ النَّارِ جَمْعُ قَاطِنٍ، أَيْ مُقِيمٌ عِنْدَها، أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ، كَرَجُلِ صَوْمٍ وَعَدْلٍ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ إسحاق [1] : حدثني عاصم بن عمر [2] بن قتادة، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: وَجَدْتُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّ صَاحِبَ عَمُّورِيَّةَ قَالَ لَهُ لَمَّا احْتَضَرَ: ائْتِ غَيْضَتَيْنِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَإِنَّ رَجُلًا يَخْرُجُ مِنْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ لَيْلَةً، يَعْتَرِضُهُ ذَوُو الْأَسْقَامِ، فَلَا يَدْعُو لِأَحَدٍ بِهِ مَرَضٌ إِلَّا شُفِيَ، فَسَلْهُ عَنْ هَذَا الدِّينِ [3] دِينِ إِبْرَاهِيمَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقَمْتُ بِهَا سَنَةً، حَتَّى خَرَجَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ [4] وَإِنَّمَا كَانَ يَخْرُجُ مُسْتَجِيزًا، فَخَرَجَ وَغَلَبَنِي عَلَيْهِ النَّاسُ، حَتَّى دَخَلَ فِي الْغَيْضَةِ، [5] حَتَّى مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْكِبُهُ، فَأَخَذْتُ بِهِ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ! الْحَنِيفِيَّةُ [6] دِينُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: تَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَ عَنْهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، قَدْ أَظَلَّكَ [7] نَبِيٌّ يَخْرُجُ عِنْدَ أَهْلِ [8] هذا البيت بهذا
__________
[ () ] سعد 4/ 75- 80، المعرفة والتاريخ 3/ 273، 274، 274، صفة الصفوة 1/ 523- 533، دلائل النبوة (رقم 199) ، حلية الأولياء 1/ 193- 195، تاريخ بغداد 1/ 165- 169، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 191- 193، عيون الأثر 1/ 61- 64، سير أعلام النبلاء 1/ 506- 511، أسد الغابة 2/ 417- 419، مجمع الزوائد 9/ 332- 337 الخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 48، نهاية الأرب للنويري 16/ 129- 135.
والحديث رجاله ثقات، وإسناده قويّ، أخرجه أحمد في مسندة 5/ 441- 444 والطبراني في المعجم الكبير 6/ 272- 277 رقم 6065.
[1] السير والمغازي 92، سيرة ابن هشام 1/ 252.
[2] في (ع) عمرو، وهو وهم، والتصحيح من السير والسيرة.
[3] في السير «الدين الّذي تسلني عنه عن الحنيفية» .
[4] في السير «من إحدى الغيضتين إلى الأخرى» .
[5] في السير «التي يدخل فيها» .
[6] في السير «أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم» .
[7] في السير «أظلك زمان نبيّ» .
[8] لفظ «أهل» ليس في السير.(1/103)
الْحَرَمِ، وَيُبْعَثُ بِسَفْكِ الدَّمِ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ سَلْمَانُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي يَا سَلْمَانُ لَقَدْ رَأَيْتُ حَوَارِيَّ [1] عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» [2] . وَقَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ: ثَنا دَاوُدُ بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عَنْ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ قَالَ: «جَاءَ ابْنُ أُخْتٍ لِي مِنَ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ قُدَامَةُ فَقَالَ [3] : أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ فَوَجَدْنَاهُ بِالْمَدَائِنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى عَشْرِينَ أَلْفًا، وَوَجَدْنَاهُ عَلَى سَرِيرٍ يَشُقُّ [4] خُوصًا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَقُلْتُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أُخْتٍ لِي قَدْ قَدِمَ عَلَيَّ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَأَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ، قَالَ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
قُلْتُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّكَ، قَالَ: أَحَبَّهُ اللَّهُ، فَتَحَدَّثْنَا وَقُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَلَا تُحَدِّثُنَا عَنْ أَصْلِكَ؟ [5] .
قَالَ: أَمَّا أَصْلِي فَأَنَا [6] مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ، كُنَّا قَوْمًا مَجُوسًا، فَأَتَى [7] رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنَّا، فَنَزَلَ فِينَا وَاتَّخَذَ فِينَا دَيْرًا، وَكُنْتُ مِنْ كُتَّابِ الْفَارِسِيَّةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ غُلَامٌ مَعِي فِي الكتّاب يجيء مضروبا
__________
[1] لفظ «حواري» ليس في السير، وهي في تهذيب تاريخ دمشق.
[2] السير والمغازي لابن إسحاق 92، وسيرة ابن هشام 1/ 252، 253، طبقات ابن سعد 4/ 80، 81 تهذيب تاريخ دمشق 6/ 197، نهاية الأرب 16/ 135، 136 البداية والنهاية 2/ 214، سير أعلام النبلاء 1/ 512 وفي هذه الرواية جهالة انظر عنها البداية والنهاية.
[3] في معجم الطبراني: «فقال لي ابن أختي» .
[4] كذا في الأصل وطبعتي القدسي، وفي معجم الطبراني، وسير أعلام النبلاء «يسفّ» بالفاء، وفي مجمع الزوائد «يسقي حوضا» .
[5] في معجم الطبراني «أهلك وممن أنت» .
[6] في المعجم «فأنا رجل» .
[7] في المعجم «فأتانا» .(1/104)
يَبْكِي، قَدْ ضَرَبَهُ أَبَوَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: مَا يُبْكِيكَ؟
قَالَ: يَضْرِبُنِي أَبَوَايَ.
قُلْتُ: وَلِمَ يَضْرِبَانِكَ؟
فَقَالَ: آتِي صَاحِبَ هَذَا الدَّيْرِ، فَإِذَا عَلِمَا ذَلِكَ ضَرَبَانِي، وَأَنْتَ لَوْ أَتَيْتَهُ سَمِعْتَ مَنْهُ حَدِيثًا عَجَبًا [1] .
قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَحَدَّثَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ [2] وَعَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَحَدَّثَنَا بِأَحَادِيثَ عَجَبٍ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مَعَهُ، وَفَطِنَ لَنَا غِلْمَانٌ مِنَ الْكُتَّابِ، فَجَعَلُوا يَجِيئُونَ مَعَنَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أتوه فقالوا: يا هناه [3] إِنَّكَ قَدْ جَاوَرْتَنَا فَلَمْ تَرَ مِنْ جِوَارِنَا إِلَّا الْحَسَنَ، وَإِنَّا نَرَى غِلْمَانَنَا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْكَ، وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ تُفْسِدَهَمْ [4] عَلَيْنَا، اخْرُجْ عَنَّا.
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ لِذَلِكَ الْغُلَامِ الَّذِي كَانَ يأتيه: أخرجه مَعِي.
قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ [5] قُلْتُ: أَنَا [6] أَخْرُجُ مَعَكَ، وَكُنْتُ يَتِيمًا لَا أَبَ لِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَخَذْنَا جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ، فَجَعَلْنَا نَمْشِي وَنَتَوَكَّلُ، وَنَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ، فَقَدِمْنَا نَصِيبِينَ [7] .
__________
[1] في المعجم «عجيبا» .
[2] في المعجم «وعن بدو خلق السماء والأرض» وكذا في مجمع الزوائد.
[3] في المعجم «يا هذا» ، وكذلك في معجم الزوائد.
[4] في مجمع الزوائد «تفتنهم» بدل «تفسدهم» .
[5] في المعجم للطبراني «ذاك وقد علمت شدّة أبويّ عليّ» .
[6] في المعجم «لكني» بدل «أنا» .
[7] في المعجم والمجمع «الجزيرة» بدل «نصيبين» .(1/105)
فَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ هَاهُنَا قَوْمًا هُمْ عُبَّادُ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاهُمْ.
قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ [1] يَوْمَ الْأَحَدِ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ صَاحِبِي، فَحَيَّوْهُ وَبَشُّوا بِهِ [2] .
وَقَالُوا: أَيْنَ كَانَتْ غَيْبَتُكَ [3] فَتَحَدَّثْنَا [4] ، ثُمَّ قَالَ [5] : قُمْ يَا سَلْمَانُ [6] ، فَقُلْتُ: لَا، دَعْنِي مَعَ هَؤُلَاءِ.
قَالَ: إِنَّكَ لَا تُطِيقُ مَا يُطِيقُونَ [7] ، هَؤُلَاءِ يَصُومُونَ مِنَ الْأَحَدِ إِلَى الْأَحَدِ، وَلَا يَنَامُونَ هَذَا اللَّيْلَ، وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ تَرَكَ الْمُلْكَ وَدَخَلَ فِي الْعِبَادَةِ، فُكُنْتُ فِيهِمْ حَتَّى أَمْسَيْنَا، فَجَعَلُوا يَذْهَبُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى غَارِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، فَلَمَّا أَمْسَيْنَا قَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ: هَذَا [8] الْغُلَامُ لَا تُضَيِّعُوهُ لِيَأْخُذْهُ رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَقَالُوا: خُذْهُ أَنْتَ، فَقَالَ لِي: هَلُمَّ [9] ، فَذَهَبَ بِي [10] إِلَى غَارِهِ وَقَالَ لِي [11] : هَذَا خُبْزٌ وَهَذَا أُدْمٌ فَكُلْ إِذَا غَرِثْتَ [12] ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ، وَنَمْ إِذَا كَسِلْتَ، ثُمَّ قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يكلّمني [13] ، فأخذني الغمّ تلك السبعة الأيام
__________
[1] في المعجم «فجئنا إليهم» .
[2] في مجمع الزوائد «له» بدل «به» .
[3] في معجم الطبراني «قال: كنت في أخوان لي من قبل فارس» .
[4] في المعجم «فتحدثنا ما تحدّثنا» .
[5] في المعجم «قال لي صاحبي» .
[6] في المعجم «يا سليمان انطلق» .
[7] في المعجم «ما يطيق هؤلاء» .
[8] في المعجم «ما هذا» .
[9] في المعجم «هلمّ يا سليمان» .
[10] في المعجم «فذهب بي معه حتى أتى غاره الّذي يكون فيه» .
[11] في المعجم «يا سليمان هذا» .
[12] غرثت: جعت.
[13] في المعجم «يكلّمني إلا ذلك ولم ينظر إليّ» .(1/106)
لَا يُكَلِّمْنِي أَحَدٌ، حَتَّى كَانَ الْأَحَدُ، وَانْصَرَفَ إِلَيَّ، فَذَهَبْنَا إِلَى مَكَانِهِمِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ فِي الْأَحَدِ، فَكَانُوا يُفْطِرُونَ فِيهِ، وَيَلْقَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَا يَلْتَقُونَ إِلَى مِثْلِهِ، قَالَ: فَرَجَعْنَا إِلَى مَنْزِلِنَا فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ [1] ، ثُمَّ لَمْ يُكَلِّمْنِي إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ [2] ، فَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِالْفِرَارِ فَقُلْتُ:
اصْبِرْ أَحَدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَلَمَّا كَانَ الْأَحَدُ [3] وَاجْتَمَعُوا، قَالَ لَهُمْ: إِنِّي أُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ.
فَقَالُوا: مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا عَهْدَ لِي بِهِ.
قَالُوا: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ بِكَ حَدَثٌ فَيَلِيَكَ غَيْرُنَا [4] ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ [5] خَرَجْتُ، فَخَرَجْنَا أَنَا وَهُوَ، فَكَانَ يَصُومُ مِنَ الْأَحَدِ إِلَى الْأَحَدِ، وَيُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَيَمْشِي بِالنَّهَارِ، فَإِذَا نَزَلْنَا قَامَ يُصَلِّي [6] ، فَأَتَيْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَعَلَى الْبَابِ [7] مُقْعَدٌ يَسْأَلُ فَقَالَ: أَعْطِنِي قَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ، فَدَخَلْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ [8] بَشُّوا إِلَيْهِ وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: غُلَامِي هَذَا فَاسْتَوْصُوا بِهِ، فَانْطَلَقُوا بِي فَأَطْعَمُونِي خُبْزًا وَلَحْمًا، وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ [9] ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا
__________
[1] في المعجم «هذا خبز أدم فكل منه إِذَا غَرِثْتَ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بدا لك، ونم إذا كسلت، ثم دخل في صلاته فلم يلتفت إليّ» .
[2] في المعجم «وأخذني غمّ» .
[3] في المعجم «رجعنا إليهم فأفطروا واجتمعوا» .
[4] في المعجم «وكنا نحبّ أن نليك، قال: لا عهد لي به» .
[5] في المعجم «فرحت، قلت نسافر ونلقى الناس فيذهب عني الغمّ الّذي كنت أجد» .
[6] في المعجم «فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس» .
[7] في المعجم «وعلى الباب رجل مقعد يسأل الناس» .
[8] في المعجم «فلما رآه أهل بيت المقدس» .
[9] في المعجم «حتى كان يوم الأحد» .(1/107)
سَلْمَانُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَضَعَ رَأْسِي، فَإِذَا بَلَغَ الظِلُّ مَكَانَ كَذَا فَأَيْقِظْنِي، فَبَلَغَ [1] الظِّلُ الَّذِي قَالَ، فَلَمْ أُوقِظْهُ مَأْوَاةً [2] لَهُ مِمَّا دَأَبَ [3] مِنَ اجْتِهَادِهِ وَنَصَبِهِ، فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُورًا، فَقَالَ يَا سَلْمَانُ، أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ: إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا فَأَيْقِظْنِي؟ قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنْ إِنَّمَا مَنَعَنِي مَأْوَاةً لَكَ [4] مِنْ دَأْبِكَ.
قَالَ: وَيْحَكَ إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَفُوتَنِي شَيْءٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ أَعْمَلْ للَّه فِيهِ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ دِينِ الْيَوْمِ النَّصْرَانِيَّةُ، قُلْتُ: وَيَكُونُ بَعْدَ الْيَوْمِ دِينٌ أَفْضَلَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ- كَلِمَةٌ أُلْقِيَتْ عَلَى لِسَانِي-.
قَالَ: نَعَمْ يُوشِكُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَاتَّبِعْهُ وَصَدِّقْهُ.
قُلْتُ: وَإِنْ أَمَرَنِي أَنْ أَدَعَ النَّصْرَانِيَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِحَقٍّ وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْتُهُ ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُ فِيهَا.
ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَمَرَرْنَا عَلَى ذَلِكَ الْمُقْعَدِ فَقَالَ لَهُ:
دَخَلْتَ فَلَمْ تُعْطِنِي، وَهَذَا تَخْرُجُ [5] فَأَعْطِنِي، فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ حَوْلَهُ أَحَدًا، قَالَ: أَعْطِنِي يَدَكَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَامَ صَحِيحًا سَوِيًّا، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ أَهْلِهِ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي تَعَجُّبًا مِمَّا رَأَيْتُ، وَخَرَجَ صَاحِبِي مُسْرِعًا [6] وَتَبِعْتُهُ، فَتَلَقَّانِي رُفْقَةٌ مِنْ كَلْبٍ [7] فَسَبَوْنِي فَحَمَلُونِي على بعير وشدّوني وثاقا
__________
[1] في المعجم «فوضع رأسه فنام فبلغ» .
[2] أي شفقة ورقة.
[3] في معجم الطبراني 6/ 299 ومجمع الزوائد 9/ 342 «رأيت» بدل «دأب» .
[4] في المعجم «لما رأيت من دأبك» .
[5] في المعجم «الخروج» .
[6] في المعجم «فأسرع المشي» .
[7] في المعجم «كلب أعراب» .(1/108)
فَتَدَاوَلَنِي البُيَّاعُ حَتَّى سَقَطْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاشْتَرَانِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَنِي فِي حَائِطٍ [1] لَهُ، وَمِنْ [2] ثَمَّ تَعَلَّمْتُ عَمَلَ الْخُوصِ، أَشْتَرِي بِدِرْهَمٍ خُوصًا فَأَعْمَلُهُ فَأَبِيعُهُ بِدِرْهَمَيْنِ، فَأُنْفِقُ دِرْهَمًا [3] ، أُحِبُّ أَنْ آكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِي وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا.
قَالَ فَبَلَغَنَا [4] وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، فَمَكَثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَمْكُثَ، فَهَاجَرَ إِلَيْنَا، فَقُلْتُ: لَأُجَرِّبَنَّهُ، فَذَهَبْتُ فَاشْتَرَيْتُ لَحْمَ خَرُوفٍ [5] بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ طَبَخْتُهُ، فَجَعَلْتُ قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ، فَاحْتَمَلْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا عَلَى عَاتِقِي حَتَّى وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقَالَ: «أَصَدَقَهٌ أَمْ هَدِيَّةٌ» ؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ.
فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ» وَأَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ اشْتَرَيْتُ [6] لَحْمًا فَأَصْنَعُهُ أَيْضًا وَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قُلْتُ: هَدِيَّةٌ.
فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ» وَأَكَلَ مَعَهُمْ [7] قَالَ: فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ [8] :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟ قَالَ: «لَا خير فيهم» [9] ، ثم سألته
__________
[1] حائط: بستان.
[2] في المعجم «حائط له من نخل فكنت فيه» .
[3] في المعجم «فأردّ درهما في الخوص وأستنفق درهما» .
[4] في نسخة القدسي 2/ 58 «فبغنا» .
[5] في معجم الطبراني 6/ 300 ومجمع الزوائد 9/ 342 «جزور» .
[6] في معجم الطبراني «اشتريت لحما أيضا بدرهم فأصنع مثلها، فاحتملتها حتى أتيته بها فوضعتها بين يديه، فقال ما هذه: هدية أم صدقة؟ قلت: لا، بل هدية» . وفي مجمع الزوائد «اشتريت أيضا بدرهم لحم جزور» بنحوه.
[7] في المعجم «قلت: هذا والله يأكل الهديّة ولا يأكل الصدقة» .
[8] في المعجم «ذات يوم» .
[9] في المعجم «وكنت أحبّهم حبّا شديدا لما رأيت اجتهادهم، ثم إنّي سألته» ..(1/109)
بَعْدَ أَيَّامٍ [1] قَالَ: «لَا خَيْرَ فِيهِمْ وَلَا فِيمَنْ يُحِبُّهُمْ» ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: فَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّهُمْ، قَالَ: وَذَاكَ [2] حِينَ بَعَثَ السَّرَايَا وَجَرَّدَ السَّيْفَ، فَسَرِيَّةٌ تَدْخُلُ وَسَرِيَّةٌ تَخْرُجُ، وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ.
قُلْتُ يَحْدُثُ لِيَ [3] الآنَ أَنِّي أُحِبُّهُمْ، فَيَبْعَثُ فَيَضْرِبُ عُنُقِي، فَقَعَدْتُ فِي الْبَيْتِ، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ أَجِبْ [4] قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي كُنْتُ أَحْذَرُ [5] فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «أَبْشِرْ يَا سَلْمَانُ فَقَدْ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ» ثُمَّ تَلا عَلَيَّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ به يُؤْمِنُونَ 28: 52 إلى قوله أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ 28: 54 [6] قُلْتُ [7] : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْ أَدْرَكْتُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُهَا [8] . هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ غَرِيبٌ [9] ، وَالَّذِي قَبْلَهُ أَصَحُّ، وَقَدْ تَفَرَّدَ مَسْلَمَةُ بِهَذَا، وَهُوَ مِمَّنِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ [10] ، وَأَمَّا أحمد بن حنبل
__________
[1] في المعجم «يا رسول الله أيّ قوم النصارى» .
[2] في المعجم «وذاك والله» .
[3] في المعجم «بي» .
[4] في المعجم «قلت من؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[5] في المعجم «قلت: نعم حتى ألحقك، قال: لا والله حتى تجيء، وأنا أحدّث نفسي أن لو ذهب أن أفرّ، فانطلق بي» .
[6] سورة القصص- الآيات من 42- 45.
[7] في المعجم «يا رسول الله» .
[8] في المعجم زيادة «إنه نبيّ لا يقول إلّا حقّا ولا يأمر إلّا بالحقّ» . وكذا في سير أعلام النبلاء، ومجمع الزوائد.
[9] رواه الطبراني في المعجم الكبير 6/ 296- 301، والحافظ في سير أعلام النبلاء 1/ 535- 537 وقال: غريب جدا وسلامة لا يعرف، ومجمع الزوائد للهيثميّ 9/ 340- 343 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير سلامة العجليّ، وقد وثّقه ابن حبّان.
[10] التاريخ لابن معين 2/ 515.(1/110)
فَضَعَّفَهُ، رَوَاهُ قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ الْمُكَتِّبُ، نا أَبُو الطُّفَيْلِ، حَدَّثَنِي سَلْمَانُ قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَهْلِ جَيٍّ، وَكَانَ أَهْلُ قَرْيَتِي يَعْبُدُونَ الْخَيْلَ الْبُلْقَ، فَكُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، فَقِيلَ لِي: إِنَّ الدِّينَ الَّذِي تَطْلُبُ [1] بِالْمَغْرِبِ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَوْصِلَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ رَجُلٍ بِهَا، فَدُلِلْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي صَوْمَعَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. كَذَا قَالَ الطَّبَرَانِيُّ [2] ، قَالَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: بِعْنِي نَفْسِي، قَالَ: عَلَى أَنْ تُنْبِتَ لِي مِائَةَ نَخْلَةٍ، فَإِذَا نَبَتْنَ [3] جِئْتَنِي بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اشْتَرِ نَفْسَكَ بِالَّذِي سَأَلَكَ، وَائْتِنِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ [4] الَّذِي كُنْتَ تَسْقِي مِنْهُ [5] ذَلِكَ النّخل، قال: فدعا لي، ثم سقيتها، فو الله لَقَدْ غَرَسْتُ مِائَةً [6] فَمَا غَادَرْتُ مِنْهَا نَخْلَةً إِلا نَبَتَتْ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّخْلَ قَدْ نَبَتْنَ، فَأَعْطَانِي قِطْعَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَوَضَعَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ نواة قال: فو الله مَا اسْتَعَلْتِ [7] الْقِطْعَةُ الذَّهَبُ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: وَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فأعتقني [8] .
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 1/ 532 «الّذي ترومه إنّما هو بالمغرب» .
[2] المعجم الكبير 6/ 280 رقم 6073.
[3] في المعجم 6/ 282 «أنبتت» .
[4] في (ع) والمعجم، ومجمع الزوائد 9/ 339 «البئر» وكذا في سير أعلام النبلاء 1/ 534.
[5] في المعجم، وسير أعلام النبلاء ومجمع الزوائد «منها» وكذا في الأصل.
[6] في المعجم والسيرة والمجمع «مائة نخلة» .
[7] كذا في الأصل وفي مجمع الزوائد، أما في معجم الطبراني وسير الأعلام «استقلت» .
[8] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 190، والحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/ 603 وقال: حديث صحيح الإسناد والمعاني قريبة من الإسناد الأول، وذكره الذهبي في تلخيصه وقال: ابن عبد القدوس ساقط، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 6/ 280- 283، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 337- 339 وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن عبد القدوس التميمي، ضعّفه أحمد والجمهور، وثّقه ابن حبّان، وقال: ربّما أغرب، وبقيّة رجاله ثقات.(1/111)
عليّ بن عاصم، أنا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَا صَدِيقَيْنِ (لِزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ أَتَيَاهُ يُكَلِّمُ لَهُمَا سَلْمَانَ أَنْ يُحَدِّثَهُمَا بِحَدِيثِهِ، كَيْفَ كَانَ إِسْلامُهُ، فَأَقْبَلا مَعَهُ حَتَّى لَقُوا سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ أَمِيرًا عَلَيْهَا، وَإِذَا هُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ قَاعِدٌ، وَإِذَا خُوصٌ بَيْنَ يَدْيَهِ وَهُوَ يَشُقُّهُ، قَالَا: فَسَلَّمْنَا وَقَعَدْنَا، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ هَذَيْنِ لِي صَدِيقَانِ) [1] وَلَهُمَا أَخٌ، وَقَدْ أَحَبَّا أَنْ يَسْمَعَا حَدِيثَكَ كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إِسْلامِكَ؟ قَالَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: كُنْتُ يَتِيمًا مِنْ رَامَهُرْمُزَ، وَكَانَ ابْنُ دِهْقَانِ [2] رَامَهُرْمُزَ يَخْتَلِفُ إِلَى مُعَلِّمٍ يُعَلِّمُهُ، فَلَزِمْتُهُ لأَكُونَ فِي كَنَفِهِ، وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرُ مِنِّي، وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا فِي نَفْسِهِ، وَكُنْتُ غُلامًا فَقِيرًا، فَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يَحْفَظُهُ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ فَتَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ يَصْعَدُ مُتَنَكِّرًا، فَقُلْتُ: لِمَ لا تَذْهَبْ بِي مَعَكَ؟ فَقَالَ: أَنْتَ غُلامٌ وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ، قُلْتُ: لا تَخَفْ، قَالَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْجَبَلِ قَوْمًا فِي بِرْطِيلٍ [3] ، لَهُمْ عِبَادَةٌ يَزْعُمُونَ أَنَّا عَبَدَةُ النِّيرَانِ، وَأَنَّا عَلَى غَيْرِ دِينٍ فَأَسْتَأْذِنُ لَكَ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَهُمْ ثُمَّ وَاعَدَنِي وَقَالَ: اخْرُجْ فِي وَقْتِ كَذَا، وَلَا يَعْلَمُ بِكَ أَحَدٌ، فَإِنَّ أَبِي إِنْ عَلِمَ بِهِمْ قَتَلَهُمْ، قَالَ: فَصَعِدْنَا إِلَيْهِمْ.
قَالَ عَلِيٌّ [4]- وَأَرَاهُ قَالَ- وَهُمْ سِتَّةٌ أو سبعة، قال: وكأنّ الروح قد
__________
[ () ] والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 532- 534 وقال: هذا حديث منكر غير صحيح، وعبد الله ابن عبد القدوس متروك، وقد تابعه في بعض الحديث الثوري وشريك، وأما هو، فسمّن الحديث فأفسده، وذكر مكة والحجر وأن هناك بساتين، وخبط في مواضع. وروى منه أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن العلاء، عن أبي الطفيل.
[1] ما بين القوسين غير موجود في الأصل و (ع) ، وأثبتناه من نسخة دار الكتب.
[2] دهقان: بكسر الدال وضمّها، رئيس القرية ومقدّم أصحاب الزراعة. (النهاية في غريب الحديث) .
[3] البرطيل: القلّة والصّومعة. وهي سريانية معرّبة.
[4] أي عليّ بن عاصم الراويّ للحديث.(1/112)
خَرَجَتْ مِنْهُمْ مِنَ الْعِبَادَةِ يَصُومُونَ النَّهَارَ وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ يَأْكُلُونَ الشَّجَرَ وَمَا وَجَدُوا، فَقَعَدْنَا إِلَيْهِمْ، فَذَكَرَ [1] الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَلِكَ شَعَرَ بِهِمْ، فَخَرَجُوا، وَصَحِبَهُمْ سَلْمَانُ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَاجْتَمَعَ بِعَابِدٍ مِنْ بَقَايَا أَهْلِ الْكِتَابِ، فَذَكَرَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَجُوعِهِ شَيْئًا مُفْرِطًا، وَأَنَّهُ صَحِبَهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَرَأَى مُقْعَدًا فَأَقَامَهُ، فَحَمَلْتُ الْمُقْعَدَ عَلَى أَتَانِهِ لِيُسْرِعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَانْمَلَسَ [2] مِنِّي صَاحِبِي، فَتَبِعْتُ أَثَرَهُ، فَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ، فَأَخَذَنِي نَاسٌ مِنْ كَلْبٍ وَبَاعُونِي، فَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا [3] وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَنِي [4] .
وَهَذَا الْحَدِيثُ يُشْبِهُ حَدِيثَ مَسْلَمَةَ الْمُزَنِيِّ، لأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى سِمَاكٍ [5] ، وَلَكِنْ قَالَ هُنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَيْدَ بْنَ صُوحَانَ، وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ضَعِيفٌ [6] كَثِيرُ الْوَهْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَمْرٌو الْعَنْقَزِيُّ [7] : أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إسحاق، عن أبي قرّة
__________
[1] في الأصل و (ع) : «فذكرنا» ، وفي نسخة دار الكتاب «فذكر» .
[2] انملس من الأمر: إذا أفلت منه. (لسان العرب 8/ 106 فصل الميم حرف السين» .
[3] «لها» ساقطة من الأصل، والاستدراك من «سير أعلام النبلاء 1/ 531» .
[4] أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/ 599- 602 وقال: حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان، ولم يخرّجاه، وأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 272- 374 من طريق زكريا بن الأرسوفي، عن السَّرِيّ بن يحيى، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وانظر سير أعلام النبلاء 1/ 525- 532 حيث قال الذهبي: هذا حديث جيّد الإسناد حكم الحاكم بصحّته.
[5] أي «سماك بن حرب» .
[6] التاريخ لابن معين 2/ 421، التاريخ الكبير 5/ 290، الجرح والتعديل 6/ 198، المجروحين 2/ 113، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 245 رقم 1244 الكامل في ضعفاء الرجال 5/ 1835، المغني في الضعفاء 2/ 450 رقم 4290، ميزان الاعتدال 3/ 115 رقم 5873، تهذيب التهذيب 7/ 344.
[7] في الأصل «العنقري» وفي (ع) «العنقزي» ، وهو الصواب كما في الإكمال لابن ماكولا 6/ 97(1/113)
الْكِنْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنَ الْأَسَاوِرَةِ [1] فَأَسْلَمَنِي الْكُتَّابَ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ وَمَعِي غُلامَانِ، فَإِذَا رَجَعَا دَخَلا عَلَى رَاهِبٍ أَوْ قَسٍّ، فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا أَنْ تُدْخِلا عَلَيَّ أَحَدًا، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ حَتَّى كُنْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُمَا، فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ. قُلْتُ: وَأَنَا مَعَكَ، فَأَتَى قَرْيَةً فَنَزَلَهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ: احْفِرْ عِنْدَ رَأْسِي، فَحَفَرْتُ فَاسْتَخْرَجْتُ جَرَّةً مِنْ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: ضَعْهَا عَلَى صَدْرِي، فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ وَيَقُولُ: وَيْلٌ لِلْقَنَّائِينَ! قَالَ: وَمَاتَ فَاجْتَمَعَ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ، هَمَمْتُ أَنْ أَحْتَمِلَ الْمَالَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَصَمَنِي، فَقُلْتُ لِلرُّهْبَانِ، فَوَثَبَ شَبَابٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مَالُ أَبِينَا كَانَتْ سَرِيِّتُهُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لأُولَئِكَ: دُلُّونِي عَلَى عَالِمٍ أَكُونُ مَعَهُ، قَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ رَاهِبٍ بِحِمْصٍ، فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ إِلَّا طَلَبُ الْعِلْمِ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ كُلَّ سَنَةٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَانْطَلَقْتُ فَوَجَدْتُ حِمَارَهُ واقفا، فقصصت عليه، فقال: اجلس هاهنا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ، فَذَهَبَ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَقَالَ: وَإِنَّكَ لَهَاهُنَا بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فِي الْأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَخْرُجُ بِأَرْضِ تَيْمَاءَ وَهُوَ نَبِيٌّ وَهَذَا زَمَانُهُ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الآنَ وَافَقْتَهُ، وَفِيهِ ثَلَاثٌ: خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَلَا يَأْكُلُ الصّدقة، ويأكل الهديّة. وذكر الحديث [2] .
__________
[ () ] وهو عمرو بن محمد العنقزي، وقال: أظن أنه نسبه إلى العنقز وهو الشاهسفرم لأنه كان يبيعه أو يزرعه.
[1] الأساورة: جمع إسوار، أو سوار، وهو في اصطلاح الفرس: القائد أو الرئيس، وهم قوم من الفرس، ربّما كانوا قوّادا قبل ابتداء الدولة الساسانية فلقّبوا بذلك إمّا لكونهم كانوا حماة الحرب مخصوصين بقيادة الجيش أو لأنهم كانوا في مجلس الطبقة الأولى من أصحاب الرّتب يجلسون مع أبناء الملوك عن يمين الملك ... ونهر الأساورة بالبصرة منسوب إليهم لأن قوما منهم نزلوا البصرة وحفروه. (دائرة معارف البستاني 4/ 421) .
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 81، 82، وأحمد في المسند 5/ 438، والطبراني في المعجم(1/114)
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي السَّلَمُ بْنُ الصَّلْتِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ جَيٍّ مَدِينَةِ إِصْبَهَانَ، فَأَتَيْتُ رَجُلًا يَتَحَرَّجُ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، فَسَأَلْتُهُ: أَيُّ الدِّينِ أَفْضَلُ؟
قَالَ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ رَاهِبٍ بِالْمَوْصِلِ، فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ: فَأَتَيْتُ حِجَازِيًّا، فَقُلْتُ: تَحْمِلُنِي إِلَى الْمَدِينَةِ؟ قَالَ مَا تُعْطِينِي؟ قُلْتُ: أَنَا لَكَ عَبْدٌ، فَلَمَّا قَدِمْتُ جَعَلَنِي فِي نَخْلِهِ، فَكُنْتُ أَسْتَقِي كَمَا يَسْتَقِي الْبَعِيرُ حَتَّى دَبِرَ ظَهْرِي وَصَدْرِي مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَجِدُ أَحَدًا يَفْقَهُ كَلامِي، حَتَّى جَاءَتْ عَجُوزٌ فَارِسِيَّةٌ تَسْتَقِي، فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَ؟ فَدَلَّتْنِي عَلَيْهِ، فَجَمَعْتُ تَمْرًا وَجِئْتُ فقرّبته إليه. وذكر الحديث [1] .
__________
[ () ] الكبير 6/ 317، 318 وفيه الجزء الأخير منه، وأبو نعيم في الحلية 1/ 195، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 336، والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 513، 514 وقال: رواه الإمام أحمد في «مسندة» عن أبي كامل، ورواه أبو قلابة الرقاشي عن عبد الله بن رجاء، كلاهما عن إسرائيل.
وانظر تهذيب تاريخ دمشق 6/ 197، 198.
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 6/ 683- 685 رقم 6076 وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 193، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 339، 340، وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه، والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 515، وأشار إليه باختصار ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 6/ 198.(1/115)
ذِكْرُ مَبْعَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ [1] ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، أَيْ يَتَعَبَّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتَ الْعَدَدِ [2] وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجَأَهُ [3] الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي الثَّانِيَةَ فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ:
اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 96: 1 حتّى بلغ إلى قوله: ما لَمْ 96: 5
__________
[1] في طبقات ابن سعد 1/ 194 وتاريخ الطبري 2/ 298، وسيرة ابن هشام 1/ 266، ونهاية الأرب 16/ 168، وصفة الصفوة 1/ 78 وغيره «الصادقة» بدل «الصالحة» وزاد بعدها في طبقات ابن سعد وغيره: «فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصّبح، قالت: فمكث على ذلك ما شاء الله» .
[2] في طبقات ابن سعد «قبل أن يرجع إلى أهله» .
[3] في طبقات ابن سعد «فجئه» .(1/117)
يَعْلَمُ 2: 77 [1] قَالَتْ: فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ [2] حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ:
زَمِّلُونِي [3] ، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ مَا لِي! وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ: قَدْ خَشِيتِ عَلَيَّ [4] ، فَقَالَتْ له: كلّا فو الله لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ [5] ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ إِلَى ابْنِ عَمِّهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْخَطَّ الْعَرَبِيَّ، فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ [6] مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَمِيَ.
فَقَالَتِ: [7] اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فقال [8] : يا بن أَخِي مَا تَرَى؟
فَأَخْبَرَهُ [9] فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ [10] عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فيها جذعا [11] حين يخرجك قومك، قال: أو مخرجيّ هُمْ؟.
قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ [12] بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَأُوذِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يومك [13] أنصرك نصرا مؤزّرا.
__________
[1] سورة العلق- الآيات من 1- 5.
[2] البوادر: جمع بادرة، لحمة بين المنكب والعنق.
[3] في تاريخ الطبري وصفة الصفوة «زمّلوني، زمّلوني» .
[4] في تاريخ الطبري «أشفقت على نفسي» . وفي المنتقى لابن الملا «خشيت على نفسي» وكذا كتب الصحاح.
[5] في صحيح البخاري «وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف» .
[6] اللفظ في الصحيح «وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فكتب من الإنجيل بالعبرانيّة.»
[7] في الصحيح «فقالت له خديجة: يا ابن عم» .
[8] أي ورقة كما في الصحيح.
[9] في الصحيح «فأخبره رسول الله خبر ما رأى» .
[10] في الصحيح «نزّل الله» .
[11] في الصحيح «يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيّا إذ» . وجذعا، شابا.
[12] في الصحيح «لم يأت رجل قط بمثل ما جئت» .
[13] في الصحيح «يومك حيّا» .(1/118)
ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ [1] .
فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَرَقَةَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: إِنَّهُ- يَا رَسُولَ اللَّهِ- كَانَ صَدَّقَكَ، وَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ، فَقَالَ، «رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَكَانَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ غَيْرُ ذَلِكَ [2] » . وَجَاءَ مِنْ مَرَاسِيلِ عُرْوَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ لِوَرَقَةَ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ» [3] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً، حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُزْنًا شَدِيدًا، وَغَدَا مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ [4] شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، وَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةٍ لِيُلْقِيَ [5] نَفْسَهُ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا محمد إنّك رسول الله حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقَرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جبريل
__________
[1] وفي الصحيح «وفتر الوحي» .
وقد رواه البخاري في صحيحه 1/ 21- 27 في بدء الوحي، وفي الأنبياء، باب «واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا» ، وفي تفسير سورة «اقرأ باسم ربّك الّذي خلق» ، وفي التعبير، باب أول ما بدئ به رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الوحي الرؤيا الصالحة، ومسلم رقم (160) في الإيمان، باب بدء الوحي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورواه الترمذي رقم (3636) في المناقب، باب رقم 13، وذكر بعضه ابن هشام في السيرة 1/ 266، وابن سعد في الطبقات 1/ 194، والطبري في تاريخه 2/ 298، 299 وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 78- 80، نهاية الأرب 16/ 168، والسيرة الحلبية 1/ 233، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 396.
[2] أخرجه الترمذي في سننه 3/ 369 رقم (2390) كتاب الرؤيا، باب ما جاء في رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم في الميزان والدلو، وقال: هذا حديث غريب. وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقويّ.
[3] رواه ابن الأثير في أسد الغابة 5/ 89 والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 416.
[4] في الصحيح ومسند أحمد «من رءوس شواهق» .
[5] في الصحيح والمسند «جبل ليلقي» .(1/119)
فَقَالَ [1] مِثْلَ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [2] ، وَالْبُخَارِيُّ [3] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ عَشْرًا وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا [5] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقَرَنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلَ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ، وَلَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ قَرَنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلَ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ [6] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي الْأَبَرْقُوهِيُّ، أنا عَبْدُ الْقَوِيِّ بْنُ الجبّاب [7] ، أنبأ
__________
[1] في الصحيح والمسند «فقال له» .
[2] ج 6/ 233.
[3] صحيح البخاري 8/ 68 كتاب التعبير، باب التعبير وأول ما بدئ به رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الوحي الرؤيا الصالحة.
[4] صحيح البخاري 4/ 238 كتاب المناقب، باب مبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ورواه الطبري في تاريخه 2/ 292.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 190.
[6] طبقات ابن سعد 1/ 191 وفيه قال ابن سعد: فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال: ليس يعرف أهل العلم ببلدنا أنّ إسرافيل قرن بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأن علماءهم وأهل السيرة منهم يقولون: لم يقرن به غير جبريل من حين أنزل عليه الوحي إلى أن قبض صلّى الله عليه وسلّم، نهاية الأرب 16/ 175.
[7] في الأصل «الحباب» ، وفي نسخة دار الكتب «الخباب» وفي (ع) «الحباب» والتصحيح من (تبصير المنتبه) .(1/120)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْخُلَعِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّحَّاسِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَرْدِ، أنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، ثنا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] قَالَ: كَانَتِ الأَحْبَارُ وَالرُّهْبَانُ وَكُهَّانُ الْعَرَبِ قَدْ تَحَدَّثُوا بَأَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ لَمَّا تَقَارَبَ مِنْ زَمَانِهِ، أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَعَمَّا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ زَمَانِهِ، وَمَا كَانَ عَهِدَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ مِنْ شَأْنِهِ، وَأَمَّا الْكُهَّانُ فَأَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ بِمَا اسْتَرَقَتْ مِنَ السَّمْعِ، وَأَنَّهَا قَدْ حُجِبَتْ عَنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَرُمِيَتْ بِالشُّهُبِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً 72: 9 [2] فَلَمَّا سَمِعَتِ الْجِنُّ الْقُرْآنَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَتْ أَنَّهَا مُنِعَتْ مِنَ السَّمْعِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِئَلا يُشْكَلَ الْوَحِيُ بِشَيْءٍ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ فَيَلْتَبِسَ الْأَمْرُ، فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَوَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.
وَعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَوَّلَ الْعَرَبِ فَزِعَ لِلرَّمْيِ بِالنُّجُومِ ثَقِيفٌ، فَجَاءُوا إِلَى عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ [3] وَكَانَ أَدْهَى الْعَرَبِ، فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا حَدَثَ؟
قَالَ: بَلَى، فَانْظُرُوا فَإِنْ كَانَتْ مَعَالِمُ النُّجُومِ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا وَتُعْرَفُ بِهَا الْأَنْوَاءُ هِيَ الَّتِي يُرْمَى بِهَا، فَهِيَ وَاللَّهِ طَيُّ الدُّنْيَا وَهَلَاكُ أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ نُجُومًا غَيْرَهَا، وَهِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى حَالِهَا، فَهَذَا أَمْرٌ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ هَذَا الْخَلْقَ فَمَا هُوَ [4] .
قُلْتُ: رَوَى حَدِيثَ يَعْقُوبَ بِنَحْوِهِ حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، لَكِنْ قَالَ:
فَأَتَوْا عَبْدَ يَا لَيْلُ بن عمرو الثّقفي، وكان قد عمي [5] .
__________
[1] السير والمغازي 111، 112، سيرة ابن هشام 1/ 234، 235، عيون الأثر 1/ 54، 55.
[2] سورة الجنّ- الآية 9.
[3] هو أحد بني علاج، كما في سيرة ابن هشام.
[4] سيرة ابن هشام 1/ 236، السير والمغازي 113 وفيه: «فانظر ما هي» .
[5] سيرة ابن كثير 1/ 417 وعيون الأثر 1/ 55.(1/121)
وَقَدْ جَاءَ غَيْرُ حَدِيثٍ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الْكُهَّانِ أَخْبَرَهُ رِئْيَةً مِنَ الْجِنِّ بِأَسْجَاعٍ وَرَجَزٍ، فِيهَا ذِكْرُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ مِنْ هَوَاتِفِ الْجَانِّ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءَ.
وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى ابْنِ إِسْحَاقَ [1] قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عَمْرِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا: إِنَّ مِمَّا دَعَانَا إِلَى الْإِسْلَامِ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُدَاهُ لَنَا، أَنَّا كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ يَهُودَ، وكنّا أصحاب أوثان، وهم أهل كتاب، وَكَانَ لَا يَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ، فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ قَالُوا إِنَّهُ قَدْ تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ الآنَ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ، وَكُنَّا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَبْنَاهُ حِينَ دَعَانَا، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعَّدُونَنَا بِهِ، فَبَادَرْنَاهُمْ إِلَيْهِ، فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرُوا بِهِ، فَفِي ذَلِكَ نَزَلَ وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا من قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا 2: 89 [2] الْآيَاتِ.
حَدَّثَنِي [3] صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ يَهُودِيٌّ، فَخَرَجَ يَوْمًا حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَأَنَا أَحْدَثُهُمْ سِنًّا، فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، قَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَصْحَابِ أَوْثَانٍ لا يَرَوْنَ بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ، أَوَ تَرَى هَذَا كَائِنًا [4] أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ [5] ! قَالَ: نَعَمْ [6] قَالُوا: فَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قال: نبيّ مبعوث من نحو هذه
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 245، وعيون الأثر 1/ 58.
[2] سورة البقرة- الآية 89.
[3] القائل هو ابن إسحاق.
[4] في الأصل «كائن» والتصحيح من سيرة ابن هشام 1/ 245.
[5] في السيرة إضافة «بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، يجزون فيها بأعمالهم» ..
[6] في السيرة إضافة «والّذي يحلف به» ويودّ أن له بحظّه من تلك النار أعظم تنّور في الدار، يحمونه ثم يدخلونه إيّاه فيطيّنونه عليه، بأن ينجو من تلك النار غدا. فقالوا له: ويحك يا فلان» .(1/122)
الْبِلادِ، وَأَشَارَ إِلَى مَكَّةَ وَالْيَمَنِ، قَالُوا: وَمَتَى نَرَاهُ؟ قَالَ، فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا حَدَثٌ فَقَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الْغُلَامُ عُمْرَهُ يُدْرِكْهُ، قَالَ سلمة: فو الله مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا، فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ، أَلَسْتَ بِالَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ [1] .
حَدَّثَنِي [2] عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي عَمَّ كَانَ الْإِسْلَامُ لِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ، وَأَسِيدِ بْنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ، نَفَرٍ مِنْ إِخْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، ثُمَّ كَانُوا سَادَتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ يَهُودِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْهَيْبَانِ [3] قَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسِنِينَ، فَحَلَّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا فَكَانَ إِذَا قحط عنّا المطر يأمرنا بالصّدقة ويستسقي لنا، فو الله مَا يَبْرَحُ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى نُسْقَى، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّتَيْنِ [4] وَلَا ثَلَاثٍ، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ [5] وَالْخَمِيرِ، إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ؟ قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: إِنَّمَا قَدِمْتُ أَتَوَكَّفُ [6] خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، وَهَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجَرُهُ، فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ فَأَتَّبِعَهُ، وَقَدْ أَظَلَّكُمُ زَمَانُهُ، فَلَا تُسْبَقَنَّ إِلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ ممّن خالفه، فلا يمنعنكم ذلك منه.
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 245، 246، عيون الأثر 1/ 56، 57.
[2] القائل هو ابن إسحاق.
[3] في الأصل «التيهان» ، والتصحيح من سيرة ابن هشام، والروض الأنف 1/ 246، وعيون الأثر 1/ 58، ونهاية الأرب 16/ 144 وهو بفتح الهاء وكسر الياء المشدّدة وفتح الباء.
[4] في السيرة وغيرها «غير مرّة ولا مرّتين ولا ثلاث» .
[5] في السيرة الحلبية 1/ 185 «من أهل الخمر» بالتحريك، وبإسكان الميم، وهو الشجر الملتفّ» .
[6] أتوقّع.(1/123)
فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاصَرَ خَيْبَرَ قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شُبَّانًا أَحْدَاثًا: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كَانَ عَهِدَ إِلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الْهَيْبَانِ، قَالُوا: لَيْسَ بِهِ، فَنَزَلَ هَؤُلاءِ وَأَسْلَمُوا وَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهَالِيهِمْ [1] .
وَبِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : وَكَانَتْ خَدِيجَةُ قَدْ ذَكَرَتْ لِعَمِّهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَتَنَصَّرَ، مَا حَدَّثَهَا مَيْسَرَةُ مِنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ وَإِظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ، فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا يَا خَدِيجَةُ إِنَّ مُحَمَّدًا لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيًّا يُنْتَظَرُ زَمَانُهُ، قَالَ: وَجَعَلَ وَرَقَةُ يَسْتَبْطِئُ الْأَمْرَ وَيَقُولُ: حَتَّى مَتَى، وَقَالَ:
لَجِجْتُ وَكُنْتُ فِي الذِّكْرَى لَجُوجًا ... لِهَمٍّ طَالَمَا بَعَثَ النَّشِيجَا [3]
وَوَصْفٍ مِنْ خَدِيجَةَ بَعْدَ وَصْفٍ ... فَقَدْ طَالَ انْتِظَارِيَ يَا خَدِيجَا
بِبَطْنِ الْمَكَّتَيْنِ [4] عَلَى رَجَائِي ... حَدِيثُكِ أَنْ أَرَى مِنْهُ خُرُوجَا
بِمَا خَبَّرْتِنَا مِنْ قَوْلِ قَسٍّ ... مِنَ الرُّهْبَانِ أَكْرَهُ أَنْ يَعُوجَا
بِأَنَّ مُحَمَّدًا سَيَسُودُ قَوْمًا [5] ... وَيَخْصِمُ مَنْ يَكُونُ لَهُ حَجِيجَا
وَيُظْهِرُ فِي الْبِلَادِ ضِيَاءَ نُورٍ ... يُقِيمُ بِهِ الْبَرِيَّةَ أَنْ تَمُوجَا
فَيَلْقَى مَنْ يُحَارِبُهُ خَسَارًا ... وَيَلْقَى مَنْ يُسَالِمُهُ فُلُوجَا
فَيَا لَيْتَنِي إِذَا مَا كان [6] ذاكم ... شهدت فكنت أوّلهم ولوجا
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 246، الروض الأنف 1/ 246، نهاية الأرب 16/ 144، 145، عيون الأثر 1/ 58، 59، السيرة الحلبية 1/ 185، تاريخ الطبري 2/ 585، 586.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 216.
[3] البكاء.
[4] قال السهيليّ: ثنّى مكة وهي واحدة، لأن لها بطاحا وظواهر (الروض الأنف 1/ 218) وقال القاضي الفاسي في شفاء الغرام 1/ 82 (بتحقيقنا) : وأمّا تسميتها المكتان، فذكره شيخنا بالإجازة أديب الديار المصرية برهان الدين القيراطي في ديوان شعره، ثم ذكر هذا البيت.
[5] في السيرة «فينا» بدل «قوما» .
[6] في الأصل «كنت» ، والتصحيح من سيرة ابن هشام.(1/124)
فَإِنْ يَبْقَوْا وَأَبْقَ تَكُنْ أُمُورٌ ... يَضِجُّ الْكَافِرُونَ لَهَا ضَجِيجَا [1]
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ الضَّبِّيُّ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ بِمَكَّةَ لَحَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [2] . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: ثنا أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أوّل يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 74: 1 [3] أَوِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ 96: 1 [4] فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنِّي جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِي [5] فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا [6] ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى عَرْشٍ فِي الْهَوَاءِ، يَعْنِي الْمَلَكَ [7] ، فَأَخَذَنِي رَجْفَةٌ [8] فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَأَمَرَتْهُمْ فَدَثَّرُونِي، ثم صبّوا عليّ الماء، فأنزل الله يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ 74: 1- 2 [9] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا من السماء،
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 217- 219 وفيه أبيات زائدة عمّا هنا.
[2] سنن الترمذي 5/ 253 رقم 3703 في المناقب، باب رقم 26، وأخرجه مسلم 2277 في كتاب.
الفضائل، باب فضل نسب النبي صلّى الله عليه وسلّم وتسليم الحجر عليه قبل النبوّة، ورواه القاضي الفاسي في شفاء الغرام 1/ 439 قال أبو داود: هذا حديث حسن غريب.
[3] أوّل سورة المدّثّر.
[4] أوّل سورة العلق.
[5] في صحيح مسلم «بطن الوادي» .
[6] في الصحيح «أحدا» بدل «شيئا» . وفيه زيادة: «ثم نوديت. فنظرت فلم أر أحدا، ثم نوديت فرفعت رأسي» .
[7] يعني جبريل عليه السلام.
[8] في الصحيح «فأخذتني رجفة شديدة» .
[9] أخرجه البخاري 6/ 74 كتاب التفسير، سورة المدّثّر، ومسلم (161) كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحمد في مسندة 3/ 306 وتكرر في الصفحة، و 392، ورواه البيهقي في دلائل النبوّة 1/ 410.(1/125)
فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ جالس على كرسيّ بين السّماء والأرض فجئت [1] مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي، وَنَزَلَتْ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 74: 1 إلى قوله وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ 74: 5 وَهِيَ الْأَوْثَانُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] . وَهُوَ نَصٌّ فِي أنّ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 74: 1 نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ 96: 1 فَكَانَ الْوَحْيُ الْأَوَّلُ لِلنُّبُوَّةِ والثّاني للرسالة.
__________
[1] في الأصل «فجثيت» وفي دلائل النبوّة للبيهقي «فجشيت منه فرقا» . وما أثبتناه عن تاريخ الطبري 2/ 305.
[2] انظر التخريج قبل قليل، وتفسير الطبري (طبعة بولاق) 29/ 90.(1/126)
فَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ خَدِيجَةُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)
قَالَ عِزُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْأَثِيرِ [1] : خَدِيجَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أَسْلَمَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَتَقَدَّمْهَا رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَالْوَاقِدِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: أَوَّلُ مَنْ آمَنَ باللَّه وَرَسُولِهِ: خَدِيجَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ [2] .
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٌ: أَبُو بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ [3] .
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: بَلْ عَلِيٌّ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِيهِمَا قَوْلَانِ، لَكِنْ أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَلَهُ عَشْرُ سِنِينَ [4] أَوْ
__________
[1] الكامل في التاريخ 2/ 57، وأسد الغابة 5/ 434.
[2] انظر السير والمغازي 1/ 139، وسيرة ابن هشام 1/ 277، نهاية الأرب 16/ 175 و 180، عيون الأثر 1/ 91، سير أعلام النبلاء 2/ 115، تاريخ الطبري 2/ 309، 310، مجمع الزوائد 9/ 219.
[3] انظر صفة الصفوة 1/ 237 وفيه أن الجماعة غير حسّان هم: ابن عباس، وأسماء بنت أبي بكر، وإبراهيم النخعي. وانظر نهاية الأرب 16/ 180.
[4] سيرة ابن هشام 1/ 284، الاستيعاب 3/ 27، السير والمغازي 137.(1/127)
نحوها على الصحيح، وقيل: وله ثمان سِنِينَ، وَقِيلَ: تِسْعٌ، وَقِيلَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ، وَقِيلَ: خَمْسَ عَشْرَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ، فَإِنَّ ابْنَهُ مُحَمَّدًا، وَأَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ، وَأَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيَّ [1] وَغَيْرَهُمْ قَالُوا: تُوُفِّيَ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. فَهَذَا يَقْضِي بِأَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ سِنِينَ، حَتَّى إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَوَى عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُتِلَ عَلِيٌّ وَلَهُ ثَمَانٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً [2] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] : أَوَّلُ ذَكَرٍ آمَنَ باللَّه عِلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ أَسْلَمَ زَيْدٌ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ باللَّه، وَقَبِلَ الرَّسُولُ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ، وَجَعَلَ لَا يَمُرُّ عَلَى شَجَرَةٍ وَلَا صَخْرَةٍ إِلَّا سَلَّمَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ قَالَ: أَرَأَيْتُكِ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكِ أَنِّي رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ، فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ اسْتَعْلَنَ لِي، أَرْسَلَهُ إِلَيَّ رَبِّي، وأخبرها بالوحي، فقالت: أبشر، فو الله لَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِكَ إِلَّا خَيْرًا، فَاقْبَلِ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ اللَّهِ فَإِنَّهُ حَقٌّ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عَدَّاسٍ غُلَامِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى [4] فَقَالَتْ: أُذَكِّرُكَ اللَّهَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، هَلْ عِنْدَكَ عِلْمٌ مِنْ جِبْرِيلَ؟ فَقَالَ عَدَّاسٌ [5] : قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ. قَالَتْ: أَخْبِرْنِي بِعِلْمِكَ فِيهِ، قَالَ:
فَإِنَّهُ أَمِينُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ، وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى، وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. فَرَجَعَتْ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى وَرَقَةَ. فذكر الحديث [6] .
__________
[1] في بعض النسخ «السبعي» وهو وهم.
[2] انظر اختلاف الأقوال حول تاريخ إسلامه ووفاته في الاستيعاب 3/ 30، 31، نهاية الأرب 16/ 181، تاريخ الطبري 2/ 309، 310 عيون الأثر 1/ 92.
[3] سيرة ابن هشام 1/ 284.
[4] بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح النون والواو. هي قرية يونس بن متّى عليه السلام، بالموصل (معجم البلدان 5/ 339) .
[5] انظر عنه في تاريخ الطبري 2/ 346.
[6] انظر: دلائل النبوة للبيهقي 1/ 414، عيون الأثر 1/ 86، 87، البداية والنهاية لابن كثير 1/ 428.(1/128)
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بِنَحْوٍ مِنْهُ، وَزَادَ: فَفَتَحَ جِبْرِيلُ عَيْنًا مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَوَضَّأَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مُوَاجِهَ الْبَيْتِ، فَفَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَأَى جِبْرِيلَ يَفْعَلُ [1] .
وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [2] بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ وَابْتَدَأَهُ بِالنُّبُوَّةِ، كَانَ لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى حِرَاءَ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يَنْسُكُ فِيهِ [3] .
وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم
__________
[1] المغازي لعروة 103، 104 وروى الحارث بن أبي أسامة قال: حدّثنا الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن عقيل بن خالد، عن الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قال: حدّثني أبي زيد بن حارثة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل عليه السلام، فعلّمه الوضوء، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة ماء فنضح بها فرجه. (الروض الأنف 1/ 284) وقال ابن إسحاق: وحدّثني بعض أهل العلم أنّ الصلاة حين افترضت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه جبريل وهو بأعلى مكة، فهمز له بعقبة في ناحية الوادي، فانفجرت منه عين، فتوضّأ جبريل- عليه السلام- ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا رَأَى جِبْرِيلَ توضّأ، ثم قام به جبريل فصلّى به، وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصلاته. ثم انصرف جبريل عليه السلام. (سيرة ابن هشام 1/ 283) .
وانظر «الأوائل لابن أبي عاصم النبيل 36، 37 رقم 39 من طريق الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عن أبيه زيد بن حارثة.
أخرجه النسائي 134، 135، وابن ماجة 461، وأبو داود 166، 167، وأحمد 4/ 161، والبيهقي 1/ 161.
[2] هكذا في الأصل، وفي أصل نهاية الأرب للنويري 16/ 169 وهو في سيرة ابن هشام «عبد الملك ابن عبيد الله» وانظر دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 402.
[3] سيرة ابن هشام 1/ 266، نهاية الأرب 16/ 169.(1/129)
«إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَخَرَجَ فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا، فَمَا اسْتَقْبَلَهُ شَجَرٌ وَلَا جَبَلٌ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ [2] وَقَالَ: غَرِيبٌ.
وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي: ثنا أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا أَبُو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس بن مالك قال: جاء جبرئيل إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ، قَدْ خَضَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بالدّماء، قال: مالك؟ قَالَ:
خَضَبَنِي هَؤُلَاءِ بِالدِّمَاءِ وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا، قَالَ: تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ، فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتْ تَخُطُّ الْأَرْضَ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَى مَكَانِهَا، قَالَ: ارْجِعِي إِلَى مَكَانِكِ فَرَجَعَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبِي. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [3] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : حَدَّثَنِي وهب بن كيسان، سمعت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيِّ، حَدَّثْتُ أَبَا عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا ابْتَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النُّبُوَّةِ حِينَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِي حِرَاءَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا
__________
[1] في صحيحه (2277) كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتسليم الحجر عليه قبل النبوّة، والترمذي في سننه 5/ 253 رقم 3703 في المناقب، باب رقم 26 وقال: هذا حديث حسن غريب، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1/ 89، والقاضي الفاسي في شفاء الغرام 1/ 439.
[2] سنن الترمذي 5/ 253 في المناقب، باب رقم 27 (3705) .
[3] أخرجه ابن ماجة في كتاب الفتن (4028) وقال: في الزوائد: هذا إسناد صحيح، إن كان أبو سفيان، واسمه طلحة بن نافع، سمع من جابر، وانظر دلائل النبوة للبيهقي 1/ 409.
[4] سيرة ابن هشام 267.(1/130)
تَتَحَنَّثُ بِهِ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَالتَّحَنُّثُ التَّبَرُّرُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : فَكَانَ يُجَاوِرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاكِينِ، فَإِذَا قَضَى جِوَارَهُ مِنْ شَهْرِهِ، كَانَ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ الْكَعْبَةَ، فَيَطُوفُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ، وَذَلِكَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ، خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حِرَاءَ وَمَعَهُ أَهْلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ، جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاءَنِي وَأَنَا نَائِمٌ بِنَمَطٍ [2] مِنْ دِيبَاجٍ فيه كتاب، فقال: اقرأ، قلت: ما أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي [3] بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: وَمَا أَقْرَأُ؟ فَغَتَّنِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: وَمَا أَقْرَأُ؟ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا افْتِدَاءً مِنْهُ أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ مَا صَنَعَ بِي، فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ 96: 1 إلى قوله ما لَمْ يَعْلَمْ 96: 5 [4] ، فَقَرَأْتُهَا ثُمَّ انْتَهَى عَنِّي، وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي، فَكَأَنَّمَا كَتَبْتُ فِي قَلْبِي كِتَابًا.
فِي هَذَا الْمَكَانِ زِيَادَةٌ، زَادَهَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [5] ، وَهِيَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي خَلْقِ اللَّهِ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ شَاعِرٍ أَوْ مجنون فكنت لا أطيق أن انظر إليهما، فَقُلْتُ: إِنَّ الأَبْعَدَ، يَعْنِي نَفْسَهُ، لَشَاعِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، ثُمَّ قُلْتُ: لَا تُحَدِّثْ عَنِّي قُرَيْشٌ بِهَذَا أَبَدًا، لَأَعْمِدَنَّ إِلَى حَالِقٍ مِنَ الْجَبَلِ، فَلَأَطْرَحَنَّ نَفْسِي فَلَأَسْتَرِيحَنَّ، فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي وَسَطٍ مِنَ الْجَبَلِ، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وأنا جبريل، فرفعت
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 268.
[2] النمط: ضرب من البسط له حمل رقيق، لا يكادون يقولون (نمط) إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة. (لسان العرب) .
[3] كأنه أراد عصرني عصرا شديدا حتى وجدت منه المشقّة. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير) .
[4] سورة العلق- الآيات 1- 5.
[5] سيرة ابن هشام 1/ 269.(1/131)
رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ، فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَمَا أَتَقَدَّمُ وَلَا أَتَأَخَّرُ، وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَلَا أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إِلَّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا إِلَيْهَا، وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي، فَانْصَرَفْتُ إِلَى أَهْلِي، حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَجَلَسْتُ إِلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا إِلَيْهَا [1] فَقَالَتْ: يا أبا القاسم اين كنت؟ فو الله لَقَدْ بَعَثْتُ رُسُلِي فِي طَلَبِكَ حَتَّى بَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا، ثُمَّ حَدَّثْتُهَا بِالَّذِي رَأَيْتُ، فقالت:
أبشر يا بن عمّي [2] واثبت فو الّذي نَفْسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ [3] . ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا رَأَى وَسَمِعَ، فَقَالَ وَرَقَةُ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتِ صَدَقْتِ يَا خَدِيجَةُ، لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي يَأْتِي مُوسَى، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَقُولِي لَهُ فَلْيَثْبُتْ، فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ، فَلَمَّا قَضَى جِوَارَهُ طَافَ بِالْكَعْبَةِ، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ وَهُوَ يَطُوفُ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَقَدْ جَاءَكَ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى وَلَتُكَذَّبَنَّهُ وَلَتُؤْذَنَّهُ وَلَتُخْرَجَنَّهُ وَلَتُقَاتَلَنَّهُ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَأَنْصُرَنَّ اللَّهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ، ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ فَقَبَّلَ يافوخه [4] .
__________
[1] أضفت إلى الرجل: إذا ملئت نحوه ولصقت به.
[2] في بعض المراجع «يا بن عم» وكلاهما صواب.
[3] سيرة ابن هشام 1/ 269، نهاية الأرب 16/ 170، 171، عيون الأثر 1/ 86.
[4] سيرة ابن هشام 1/ 270، الروض الأنف 1/ 274، نهاية الأرب 16/ 171، 172، عيون الأثر 1/ 86، 87، السير والمغازي 122.(1/132)
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي «مَغَازِيهِ» : كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا أَوَّلَ مَا رَأَى أَنَّ اللَّهَ أَرَاهُ رُؤْيَا فِي الْمَنَامِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَذَكَرَهَا لِخَدِيجَةَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ وَشَرَحَ صَدْرَهَا بِالتَّصْدِيقِ، فَقَالَتْ: أَبْشِرْ، ثُمَّ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ رَأَى بَطْنَهُ شُقَّ ثُمَّ طُهِّرَ وَغُسِّلَ ثُمَّ أُعِيدَ كَمَا كَانَ، قَالَتْ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ فَأَبْشِرْ، ثُمَّ اسْتَعْلَنَ لَهُ جِبْرِيلُ وهو بأعلى مكة، فأجلسه في مجلس كَرِيمٍ مُعْجِبٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَجْلَسَنِي عَلَى بِسَاطٍ كَهَيْئَةِ الدُّرْنَوَكِ [1] فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ، فَبَشَّرَهُ بِرِسَالَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى اطْمَأَنَّ. الَّذِي فِيهَا مِنْ شَقِّ بَطْنِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَهَا بِمَا تَمَّ لَهُ فِي صِغَرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شُقَّ مَرَّةً أُخْرَى، ثُمَّ شُقَّ مَرَّةً ثَالِثَةً حِينَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَأَنْشَدَ وَرَقَةُ:
إِنْ [2] يَكُ حَقًّا يَا خَدِيجَةُ فَاعْلَمِي ... حَدِيثُكِ إِيَّانَا فَأَحْمَدُ مُرْسَلُ
وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهِ وَمِيكَالُ مَعَهُمَا ... مِنَ اللَّهِ وَحْيٌ يَشْرَحُ الصَّدْرَ مُنْزَلُ
يَفُوزُ بِهِ مَنْ فَازَ فِيهَا بِتَوْبَةٍ ... وَيَشْقَى بِهِ الْعَانِي الْغَوِيُّ الْمُضَلَّلُ
فَسُبْحَانَ مَنْ تَهْوِي الرِّيَاحُ بِأَمْرِهِ ... وَمَنْ هُوَ فِي الْأَيَّامِ مَا شَاءَ يَفْعَلُ
وَمَنْ عَرْشُهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ كُلِّهَا ... وَأَقْضَاؤُهُ فِي خَلْقِهِ لا تبدّل [3]
__________
[1] ستر له خمل. (النهاية) .
[2] في البيت خرم.
[3] في نسخة دار الكتب، والمنتقى لابن الملا، وفي (ع) .
ومن حكمه في خلقه لا يبدّل.
وفي دلائل النبوة للبيهقي 1/ 404.
ومن أحكامه في خلقه لا تبدّل.
والأبيات في السير والمغازي لابن إسحاق 123 مع زيادة عمّا هنا، وانظر سيرة ابن كثير 1/ 400.(1/133)
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حكيمٍ [2] أَنَّ خَدِيجَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] : أَيِ ابْنَ عَمٍّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إِذَا جَاءَكَ، قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ، فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: «يَا خَدِيجَةُ هَذَا جِبْرِيلُ» هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَتْ: يَا بْنَ عَمٍّ قُمْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى، فَقَامَ فَجَلَسَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ: قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ فَاقْعُدْ عَلَى فَخِذِي الْيُمْنَى، فَتَحَوَّلَ فَقَعَدَ عَلَى فَخِذِهَا، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ:
فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي، فَفَعَلَ، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ: قَالَ: «نَعَمْ» ، فَتَحَسَّرَتْ فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قال: «لا» قالت: اثبت وأبشر فو الله إِنَّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هَذَا بِشَيْطَانٍ [4] . قَالَ: وَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنٍ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ أُمِّيَ فَاطِمَةَ بِنْتَ حُسَيْنٍ تُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ خَدِيجَةَ، إِلِّا أَنِّي سَمِعْتُهَا تَقُولُ: أَدْخَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِرْعِهَا فَذَهَبَ عِنْدَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا لَمَلَكٌ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ [5] .
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: نا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ عُلَمَائِهِمْ يَقُولُ: كَانَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ على نبيّه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ 96: 1 إلى قوله ما لَمْ يَعْلَمْ 96: 5 فَقَالُوا:، هَذَا صَدْرُهَا الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حِرَاءَ، ثُمَّ أُنْزِلَ آخِرُهَا بَعْدُ بِمَا شَاءَ اللَّهُ.
__________
[1] السير والمغازي 133.
[2] هو مولى الزبير.
[3] في السير والمغازي «فيما تثبّتته به، فيما أكرمه الله به من نبوّته» .
[4] سيرة ابن هشام 1/ 271- 273، السير والمغازي 133، نهاية الأرب 16/ 174، 175.
[5] سيرة ابن هشام 1/ 273، 274 السير والمغازي 134.(1/134)
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : ابْتُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّنْزِيلِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ 2: 185 [2] ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ 97: 1 [3] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ 44: 3 [4] .
قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق [5] قَالَ: هَمَزَ جِبْرِيلُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي، فَانْفَجَرَتْ عَيْنٌ، فَتَوَضَّأَ جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَرَجَعَ، وَقَدْ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ، وَطَابَتْ نَفْسُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِ خَدِيجَةَ، حَتَّى أَتَى بِهَا الْعَيْنَ فَتَوَضَّأَ كَمَا توضّأ جبريل، ثم صلّى ركعتين هو وخديجة، ثُمَّ كَانَ هُوَ وَخَدِيجَةُ يُصَلِّيَانِ سِرًّا، ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ [6] فَوَجَدَهُمَا يُصَلِّيَانِ فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا هَذَا يَا مُحَمَّدُ.
فَقَالَ: دِينٌ اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ فَأَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ [7] ، وَكُفْرٍ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى.
فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَلَسْتُ بِقَاضٍ أَمْرًا حَتَّى أُحَدِّثَ بِهِ أَبَا طَالِبٍ، وَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْشِي عَلَيْهِ سِرَّهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْلِنَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ إِنْ لَمْ تُسْلِمْ فَاكْتُمْ، فَمَكَثَ عَلِيٌّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ [8] ثُمَّ أَوْقَعَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الْإِسْلَامَ، فَأَصْبَحَ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَقِيَ يَأْتِيهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ أَبِي طَالِبٍ، وَكَتَمَ إِسْلامَهُ.
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 275.
[2] سورة البقرة- الآية 185.
[3] سورة القدر- الآية 1.
[4] سورة الدخان- الآية 3.
[5] سيرة ابن هشام 1/ 283، السير والمغازي 137.
[6] في السير «بيومين» .
[7] في السير «وإلى عبادته» .
[8] في السير «ثم إن الله» .(1/135)
وَأَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَمَكَثَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ يَخْتَلِفُ عَلِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ [1] .
وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَصَابَتْ قُرَيْشًا أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذَا عِيَالٍ كَثِيرَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ- وَكَانَ مُوسِرًا- إِنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ، مَا تَرَى، فَانْطَلِقْ لِنُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا، وَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ نَبِيًّا فَاتَّبَعَهُ عَلِيٌّ وَآمَنَ بِهِ. وَقَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ خَدِيجَةُ، وَأَوَّلُ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَإِنَّ عَلِيًّا كَانَ يَكْتُمُ الْإِسْلَامَ فَرَقًا مِنْ أَبِيهِ، حَتَّى لَقِيَهُ أَبُوهُ فَقَالَ: أَسْلَمْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: آزِرِ ابْنَ عَمِّكَ وَانْصُرْهُ.
وَقَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ.
وَقَالَ يُونُسُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ عِنْدَهُ [3] كَبْوَةٌ وَتَرَدَّدَ وَنَظَرَ، إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، مَا عتم [4] عنه حين
__________
[1] السير والمغازي 137.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 285.
[3] في سيرة ابن هشام 1/ 289 «كانت فيه عنده» وفي السير والمغازي 139 «كانت له عنوة كبوة» .
[4] في هامش الأصل «تأخر» وفي نهاية الأرب 16/ 187 وعيون الأثر 1/ 95 «عكم» أي ما أحتبس وما انتظر ولا عدل.(1/136)
ذَكَرْتُهُ وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ» [1] . وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَرَزَ، سَمِعَ مَنْ يُنَادِيهِ، يَا مُحَمَّدُ، فَإِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ انْطَلَقَ هَارِبًا، فَأَسَرَّ ذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ نَدِيمًا لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [2] .
إِسْلامُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] : ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، خَرَجَ إِلَى شِعَابِ مَكَّةَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ [4] فَيُصَلِّيَانِ [5] فَإِذَا أَمْسَيَا رَجَعَا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ عَبَرَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا يُصَلِّيَانِ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا هَذَا؟ قَالَ: أَيْ عَمِّ هَذَا دِينُ اللَّهِ وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَدِينُ إِبْرَاهِيمَ، بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ رَسُولًا إِلَى الْعِبَادِ وَأَنْتَ أَيْ عَمِّ أَحَقُّ مَنْ بَذَلْتُ لَهُ النَّصِيحَةَ وَدَعَوْتُهُ إِلَى الْهُدَى وَأَحَقُّ مَنْ أَجَابَنِي وَأَعَانَنِي، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: أَيِ ابْنَ أَخِي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُفَارِقَ دِينَ آبَائِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا يَخْلُصُ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مَا بَقِيتُ، وَلَمْ يُكَلِّمْ عَلِيًّا بِشَيْءٍ يَكْرَهُ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَدْعُكَ إِلَّا إِلَى خَيْرٍ فَاتَّبِعْهُ [6] .
ثُمَّ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ أَسْلَمَ، وَصَلَّى بَعْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [7] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 289، السير والمغازي 139، نهاية الأرب 16/ 717، عيون الأثر 1/ 95.
[2] كتب هنا على حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أبيك في الميعاد الثاني، وسمع منه قصة سلمان الفارسيّ إلى آخره. محصن بن عكّاشة» .
[3] سيرة ابن هشام 1/ 285.
[4] في السيرة «عليّ بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب» وفي نهاية الأرب «مستخفيا من عمّه» .
[5] في السيرة «فيصلّيان الصلوات فيها» .
[6] سيرة ابن هشام 1/ 285، نهاية الأرب 16/ 182، عيون الأثر 1/ 93، 94.
[7] سيرة ابن هشام 1/ 286، نهاية الأرب 16/ 183، عيون الأثر 1/ 94.(1/137)
وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ بِرَقِيقٍ، فَدَخَلَتْ عَمَّتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ فَقَالَ: اخْتَارِي أَيَّ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ شِئْتِ فَهُوَ لَكِ، فَاخْتَارَتْ زَيْدًا، فَأَخَذَتْهُ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَوْهَبَهُ، فَوَهَبَتْهُ لَهُ، فَأَعْتَقَهُ وَتَبَنَّاهُ قَبْلَ الْوَحْيِ، ثُمَّ قَدِمَ أَبُوهُ حَارِثَةُ لِمَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِ وَجَزَعِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنْ شِئْتَ فَأَقِمْ عِنْدِي، وَإِنْ شِئْتَ فَانْطَلِقْ مَعَ أَبِيكَ» ، قَالَ: بَلْ أُقِيمُ عِنْدَكَ، وَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا نَزَلَ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ 33: 5 [1] قَالَ: أَنَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] : وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مَأْلَفًا لِقَوْمِهِ مُحَبَّبًا سَهْلًا، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ، وَكَانَ تَاجِرًا ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ، فَجَعَلَ لَمَّا أَسْلَمَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، مِمَّنْ يَغْشَاهُ، وَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمَ بِدُعَائِهِ: عُثْمَانُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَجَاءَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسْلَمُوا وَصَلُّوا، فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ بِالإِسْلامِ وَصَلُّوا وَصَدَّقُوا [4] .
ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْفِهْرِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، وَالأَرْقَمُ بن أبي الأرقم ابن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ. وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ، وَأَخَوَاهُ قُدَامَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدَةُ بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف المطّلبيّ، وسعيد ابن زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيُّ، وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ أُخْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَخَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَخُو سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسُلَيْطُ بْنُ عَمْرِو بن عبد شمس العامريّ،
__________
[1] سورة الأحزاب- الآية 5.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 286، 287، نهاية الأرب 16/ 184، عيون الأثر 1/ 94.
[3] سيرة ابن هشام 1/ 288، السير والمغازي 140.
[4] سيرة ابن هشام 1/ 288، 289، السير والمغازي 140، نهاية الأرب 16/ 717، عيون الأثر 1/ 94، 95.(1/138)
وَأَخُوهُ حَاطِبٌ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ، وَخُنَيْسُ [1] بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو أَحْمَدَ ابْنَا جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيِّ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَحَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ، وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلَّلِ، وَأَخُوهُ خَطَّابٌ، وَامْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُوهُمَا، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ الْعَدَوِيُّ الزُّهْرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفٍ، وَالنَّحَّامُ وَهُوَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَسَدٍ [2] الْعَدَوِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَامْرَأَتُهُ أُمَيْنَةُ [3] بِنْتُ خَلَفٍ، وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو حُذَيْفَةَ مِهْشَمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، وَخَالِدُ، وَعَامِرُ، وَعَاقِلُ [4] وَإِيَاسُ بَنُو الْبُكَيْرِ حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيٍّ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ النَّمَرِيُّ حَلِيفُ بَنِي تَيْمٍ [5] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عثمان، عن مخرمة بن سليمان الواليّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى، فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ يَقُولُ: سَلُوا أَهْلَ الْمَوْسِمِ، أَفِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا، فَقَالَ: هَلْ ظَهَرَ أَحْمَدُ بَعْدُ؟ قُلْتُ: وَمَنْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: ابن عبد الله بن عبد
__________
[1] في الأصل «حنيس» والتصحيح من السيرة، والسير والمغازي، ونهاية الأرب وغيره.
[2] في السيرة «أسيد» . وقال: وإنّما سمّي النّحّام لَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لقد سمعت نحمه في الجنّة» قال ابن هشام: نحمه: صوته وحسّه.
[3] في اسمها خلاف، فيقال «أميمة» . انظر الاستيعاب، وتجريد أسماء الصحابة.
[4] كان اسمه «غافل» فسمّاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «عاقلا» قتل ببدر وسنّه 34 سنة.
[5] سيرة ابن هشام 1/ 290- 294، والسير والمغازي 143، 144 وفيه أن صهيب حليف بني «تميم» وهو خطأ، نهاية الأرب 16/ 188- 191، عيون الأثر 1/ 94- 97.(1/139)
الْمُطَّلِبِ، هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، مَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ وَحَرَّةٍ وَسِبَاخٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُسْبَقَ إِلَيْهِ قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي، فَأَسْرَعْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَقُلْتُ: هَلْ مِنْ حَدَثٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَمِينُ تَنَبَّأَ، وَقَدْ تَبِعَهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: اتَّبَعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَانْطَلِقْ فَاتَّبِعْهُ، فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَخَرَجَ بِهِ حَتَّى دَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ، وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ أَخَذَهُمَا نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ الْعَدَوِيَّةِ فَشَدَّهُمَا فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمَا بَنُو تَيْمٍ، وَكَانَ نَوْفَلُ يُدْعَى «أَسَدَ قُرَيْشٍ» ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ: الْقَرِينَيْنِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ وَبَرَةَ [1] ، عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] .
قُلْتُ: وَلَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ.
وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ سَالِمٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ [3] قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ مُسْتَخْفِيًا، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «نَبِيٌّ» قُلْتُ: وَمَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ» ، قُلْتُ: اللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: بِمَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «بِأَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَتُكَسَّرَ الْأَوْثَانُ وَتُوصَلَ الأَرْحَامُ» ، قُلْتُ: نِعْمَ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، فَمَنْ تَبِعَكَ؟ قال:
«حرّ وعبد» ، يعني أَبَا بَكْرٍ وَبِلالا، فَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ، فَأَسْلَمْتُ وَقُلْتُ: أَتَّبِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «لَا وَلَكِنِ الْحَقْ
__________
[1] هو وبرة بن عبد الرحمن المسلي الكوفي. (تهذيب التهذيب 11/ 111 رقم 194) .
[2] صحيح البخاري 4/ 192 كتاب الفضائل، باب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وسلّم.
[3] بعين وموحّدة مفتوحتين. وفي نسخة دار الكتب «عنبسة» وهو تصحيف. انظر: سير أعلام النبلاء 2/ 456 وفيه مصادر ترجمته.(1/140)
بِقَوْمِكَ، فَإِذَا أُخْبِرْتَ بِأَنِّي قَدْ خَرَجْتُ فَاتَّبِعْنِي» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: لَقَدْ مَكَثْتُ سَبَعَةَ أَيَّامٍ، وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] .
وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قال: أوّل من أظهر
__________
[1] وتمامه في صحيحه (832) في صلاة المسافرين، باب إسلام عمرو بن عبسة، قال: «فذهبت إلى أهلي، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وكنت في أهلي، فجعلت أتخبّر الأخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم عليّ نفر من أهل يثرب، من أهل المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الّذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله، أتعرفني؟ قال: «نعم، أنت الّذي لقيتني بمكة؟» قال: فقلت: بلى، فقلت: يا نبيّ الله، أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة، قال: «صلّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنّها، تطلع حين تطلع، بين قرني الشيطان، وحينئذ يسجد لها الكفّار، ثم صلّ، فإنّ الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الظلّ بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإنّ حينئذ تسجّر جهنّم، فإذا أقبل الفيء فصلّ، فإنّ الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلّي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنّها تغرب بين قرني الشيطان، وحينئذ يسجد لها الكفّار» قال: فقلت: «يا نبيّ الله، فالوضوء؟ حدّثني عنه، قال: «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق، فينتثر، إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلّا خرّت خطايا يديه مع أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه، إلّا خرّت خطايا رأسه مع أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن هو قام فصلّى، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجّده بالذي هو له أهل، وفرّغ قلبه للَّه، إلّا انصرف من خطيئته كهيئة يوم ولدته أمّه» ، فحدّث عمرو بن عنبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة: انظر ما تقول! في مقام واحد يعطى هذا للرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سنّي، ورقّ عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله، ولا على رسول الله، لو لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا مرة، أو مرّتين، أو ثلاثا، (حتى عدّ سبع مرّات) ما حدّثت به أبدا، ولكنّي سمعته أكثر من ذلك.
وأخرجه أحمد في مسندة 4/ 122، وابن سعد في الطبقات الكبرى 4/ 215- 217، وانظر سير أعلام النبلاء 2/ 458.
[2] صحيح البخاري 4/ 212 كتاب المناقب، مناقب سعد بن أبي وقاص، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 139.(1/141)
إِسْلامَهُ سَبْعَةٌ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلالٌ، وَالْمِقْدَادُ. تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي وَأُخْتَهُ [1] عَلَى الإِسْلامِ، قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ [2] . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَقَالَ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ [4] عَنْ زِرٍّ [5] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ [6] بِمَكَّةَ فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، وقد فرّا من المشركين،
__________
[1] «وأخته» غير موجودة في صحيح البخاري.
[2] «في صحيح البخاري لكان حقيقا» .
[3] أخرجه البخاري (3862) في مناقب الأنصار باب إسلام سعيد بن زيد، و (3867) فيهما، و (6942) في الإكراه: باب من اختار الضرب، والقتل، والهوان على الكفر، ورواية البخاري الأولى، «قتيبة بن سعد، حدّثنا سفيان عن إسماعيل، عن قيس، قال: سمعت سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ في مسجد الكوفة، يقول: والله لقد رأيتني، وإنّ عمر لموثقي عَلَى الإِسْلامِ، قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ محقوقا أن يرفض» . وفي الرواية الثانية «انقض» بالنون والقاف.
ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/ 440، وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
ورواه في سير أعلام النبلاء 1/ 136، ورواه ابن حجر في فتح الباري 7/ 176 وقال: لموثقي على الإسلام: أي ربطه بسبب إسلامه إهانة له، وإلزاما بالرجوع عن الإسلام. «ولو أنّ أحدا انقضّ» أي زال من مكانه. ورواية «انقضّ» أي: سقط. «لكان ذلك محقوقا» أي:
واجبا.
وفي رواية الإسماعيلي: «لكان حقيقا» . وإنّما قال سعيد ذلك لعظم قتل عثمان رضي الله عنه.
[4] هو عاصم بن أبي النّجود.
[5] هو زرّ بن حبيش.
[6] هو عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أميّة، هو الّذي ضرب الرسول صلّى الله عليه وسلّم عنقه صبرا، عند منصرفه من غزوة بدر، وكان من الأسرى (انظر المحبّر لابن حبيب البغدادي، في فصل «المؤذون من قريش» و «زنادقة قريش» و «المصلّبين الأشراف» 157 و 161 و 478، تاريخ اليعقوبي 2/ 46) .(1/142)
فَقَالَا: يَا غُلَامُ هَلْ عِنْدَكَ لَبَنٌ تَسْقِينَا؟ قُلْتُ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ وَلَسْتُ بِسَاقِيكُمَا، فَقَالَا: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذْعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّرْعَ فَدَعَا، فَحَفَلَ الضَّرْعُ، وَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ، فَحَلَبَ فِيهَا، ثُمَّ شَرِبَا وَسَقَيَانِي، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ:
«اقْلُصْ» ، فَقَلَصَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الطَّيِّبِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ فَقَالَ: إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ، فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً مَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ [1] .
فَصْلٌ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عشيرته الى الله وما بقي مِنْ قَوْمِهِ
قَالَ جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214 [2] دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ:
«يَا بَنِي كَعْبِ بن لؤيّ أن أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مناف أنقذوا
__________
[1] صحّح الذهبي الإسناد في سير أعلام النبلاء 1/ 465 وقال: ورواه أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة، ورواه إبراهيم بن الحجاج السامي، عن سلام أبي المنذر، عن عاصم.
والإسناد حسن لأن عاصم لا يرتقي حديثه إلى درجة الصحيح كما هو معروف في كتب الرجال.
وأخرجه أحمد في مسندة 1/ 276 و 462، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 537، وابن جميع الصيداوي في المعجم لشيوخه، (بتحقيقنا) 68 رقم 9، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 6/ 165، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 2/ 246.
وأخرج البخاري العبارة الأخيرة من الحديث (5000) في فضائل القرآن باب القراء مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عن شقيق بن سلمة، قال:
خطبنا عبد الله بن مسعود فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بضعا وسبعين سورة.
والله لقد علم أصحاب النبيّ أني من أعلمهم لكتاب الله، وما أنا بخيرهم، قال شقيق:
فجلست في الحلق أسمع ما يقولون. فما سمعت رادّا يقول غير ذلك» .
[2] سورة الشعراء الآية 214.(1/143)
أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ من الله شيئا، غير أنّ لكم رجما سَأَبُلُّهَا بِبِلالِهَا [1] » . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] عَنْ قُتَيْبَةَ [3] وَزُهَيْرٌ [4] عَنْ جَرِيرٍ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ قَبِيصَةَ [5] بْنِ الْمُخَارِقِ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو قالا: لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214 انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَضْمَةٍ [6] مِنْ جَبَلٍ، فَعَلَاهَا [7] ثُمَّ نَادَى: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، إِنِّي نَذِيرٌ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَرَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ [8] ، فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [9] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [10] ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بن الحارث بن نوفل، واستكتمني اسمه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُ قَوْمِي رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ، فَصَمَتُّ عَلَيْهَا، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يا محمد
__________
[1] أي أصلكم في الدنيا. وفي شرح صحيح مسلّم للنووي: (ببلاها: ضبطناه بفتح الباء الثانية وكسرها، وهما وجهان مشهوران) .
[2] رقم (204) كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214.
[3] هو قتيبة بن سعد.
[4] هو زهير بن حرب.
[5] بفتح القاف.
[6] الرضمة دون الهضبة، وقيل: صخور بعضها على بعض.
[7] في صحيح مسلّم «فعلا أعلاها حجرا» .
[8] أي يحفظهم من عدوّهم، والاسم: الربيئة، وهو العين والطليعة الّذي ينظر للقوم لئلّا يدهمهم العدوّ، ولا يكون في الغالب إلّا على جبل أو شرف أو شيء مرتفع لينظر إلى بعد.
[9] رقم 207 كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214.
[10] السير والمغازي 145.(1/144)
إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ عَذَّبَكَ، قَالَ عَلِيٌّ: فَدَعَانِي فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الأَقْرَبِينَ، فَعَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُهُمْ بِذَلِكَ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ، فَصَمَتُّ، ثُمَّ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ عَذَّبَكَ رَبُّكَ، فَاصْنَعْ لَنَا يَا عَلِيُّ رِجْلَ شَاةٍ عَلَى صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ وَأَعِدَّ لَنَا عُسَّ لَبَنٍ [1] ، ثُمَّ اجْمَعْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» ، فَفَعَلْتُ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلا يَزِيدُونَ رَجُلا أَوْ يَنْقُصُونَ، فِيهِمْ أَعْمَامُهُ أَبُو طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو لَهَبٍ، فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْجَفْنَةَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حِذْيَةً [2] ، فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ، ثُمَّ رَمَى بِهَا فِي نَوَاحِيهَا وَقَالَ: «كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ» ، فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ مَا نَرَى [3] إِلَّا آثَارَ أَصَابِعِهِمْ، وَاللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْقِهِمْ يَا عَلِيُّ» ، فَجِئْتُ بِذَلِكَ الْقَعْبِ [4] ، فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بدره أبو لهب فقال:
لهدّ ما [5] سَحَرَكُمْ صَاحِبُكُمْ، فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَدِ: «عُدْ لَنَا يَا عَلِيُّ بِمِثْلِ مَا صَنَعْتَ بِالْأَمْسِ» ، فَفَعَلْتُ وَجَمَعْتُهُمْ، فَصَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعَ بِالْأَمْسِ، فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا، وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْقَعْبِ حَتَّى نَهِلُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» [6] . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ إِنَّمَا سمعه
__________
[1] العسّ: القدح الضخم.
[2] حذية: بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة. ما قطع من اللحم طولا، وقيدها في الأصل بضم الحاء.
[3] في السير «فما رئي» .
[4] القعب: القدح الضخم. (تاج العروس 4/ 63) .
[5] لهدّ: كلمة يتعجّب بها. والنهاية لابن الأثير 4/ 242.
[6] السير والمغازي 145، 146 دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 428- 430، مجمع الزوائد 9/ 113، تاريخ الطبري 2/ 319، 321.(1/145)
مِنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ [1] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَكَانَ بَيْنَ مَا أَخْفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ إِلَى أَنْ أُمِرَ بِإِظْهَارِهِ ثَلَاثُ سِنِينَ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214 خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ، يَا صَبَاحَاهُ، قَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا، ثُمَّ قَامَ، فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ 111: 1 قد تَبَّ 111: 1 كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ تَبَّ فَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ، وَهِيَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» [2] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيَنْةَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ تَدْرُسَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 111: 1 [3] أَقْبَلَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ، وَلَهَا ولولة، وفي يدها فهر [4] وهي تقول:
__________
[1] انظر سيرة ابن كثير 1/ 459 وزاد بعد قوله: «وإني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة» وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي» وكذا وكذا.
[2] صحيح مسلّم 208 كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214، ورواه الطبري في تاريخه 2/ 319، والسهيليّ في الروض الأنف 2/ 109 وقال في «وقد تبّ» : وهي والله أعلم- قراءة مأخوذة عن ابن مسعود، لأن في قراءة ابن مسعود ألفاظا كثيرة تعين على التفسير. قال مجاهد: لو كانت قرأت قراءة ابن مسعود قبل أن أسأل ابن عباس، ما احتجت أن أسأله عن كثير مما سألته، وكذلك زيادة «قد» في هذه الآية، فسّرت أنّه خبر من الله تعالى، وأن الكلام ليس على جهة الدعاء» .
[3] سورة المسد.
[4] فهر: حجر.(1/146)
مُذَمَّمًا أَبَيْنَا ... وَدِينَهُ قَلَيْنَا
وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا [1]
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَخَافُ أَنْ تَرَاكَ، قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي، وَقَرَأَ قُرْآنًا فَاعْتَصَمَ بِهِ وَقَرَأَ وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً 17: 45 [2] فَوَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ تَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي، فَقَالَ: لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا هَجَاكِ، فَوَلَّتْ وَهِيَ تَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي ابْنَةُ سَيِّدِهَا [3] .
رَوَى نَحْوَهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ.
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «انْظُرُوا قُرَيْشًا كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَهُمْ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [5] : وَفَشَا الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَقَالَ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ 15: 94 [6] وقال وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ 15: 89 [7] قَالَ: وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّوْا ذَهَبُوا فِي الشِّعَابِ وَاسْتَخْفَوْا بِصَلاتِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَبَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي نَفَرٍ بِشِعْبٍ، إِذْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَنَاكَرُوهُمْ وعابوا عليهم وقاتلوهم
__________
[1] انظر القول في سيرة ابن هشام 2/ 104 وفيه تقديم وتأخير بالألفاظ.
[2] سورة الإسراء- الآية 45.
[3] انظر سيرة ابن هشام 2/ 104.
[4] صحيح البخاري 4/ 162 كتاب المناقب، وفيه زيادة عمّا هنا، سيرة ابن هشام 2/ 104.
[5] سيرة ابن هشام 2/ 3.
[6] سورة الحجر- الآية 89.
[7] سورة الحجر الآية 89.(1/147)
فَضَرَبَ سَعْدٌ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِلَحْيِ [1] بَعِيرٍ فَشَجَّهُ، فَكَانَ أَوَّلَ دَمٍ فِي الْإِسْلامِ، فَلَمَّا بَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ وَصَدَعَ بِالْإِسْلامِ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَوْمُهُ [2] وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ- فِيمَا بَلَغَنِي- حَتَّى عَابَ آلِهَتَهُمْ، فَأَعْظَمُوهُ وَنَاكَرُوهُ وَأَجْمَعُوا خِلَافَهُ وَعَدَاوَتَهُ، فَحَدَبَ عَلَيْهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَمَنَعَهُ وَقَامَ دُونَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْتِبُهُمْ مِنْ شَيْءٍ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ، وَرَأَوْا أَنَّ عَمَّهُ يَمْنَعُهُ مَشَوْا إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَكَلَّمُوهُ، وَقَالُوا: إِمَّا أَنْ تَكُفَّهُ عَنْ آلِهَتِنَا وَعَنِ الْكَلامِ فِي دِينِنَا، وَإِمَّا أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَقَالَ لَهُمْ قَوْلًا رَفِيقًا، وَرَدَّهُمْ رَدًّا جَمِيلا، فَانْصَرَفُوا [3] .
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَاعَدَ الرِّجَالُ وَتَضَاغَنُوا، وَأَكْثَرَتْ قُرَيْشٌ ذِكْرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحض بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ، وَمَشَوْا إِلَى أَبِي طَالِبٍ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالُوا:
إِنَّ لَكَ نَسَبًا [4] وَشَرَفًا فِينَا، وَإِنَّا اسْتَنْهَيْنَاكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ فَلَمْ تَنْهَهُ وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَصْبِرُ عَلَى شَتْمِ آلِهَتِنَا وَتَسْفِيهِ أَحْلامِنَا حَتَّى تَكُفَّهُ أَوْ نُنَازِلُهُ وَإِيَّاكَ فِي ذَلِكَ، حَتَّى يَهْلِكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَعَظُمَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فِرَاقُ قَوْمِهِ وَعَدَاوَتُهُ لَهُمْ، وَلَمْ يَطِبْ نَفْسًا أَنْ يُسَلِّمَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ وَلَا أَنْ يَخْذُلَهُ [5] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: جَاءَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ هَذَا قَدْ آذَانَا فِي نَادِينَا وَمَسْجِدِنَا، فَانْهَهُ عَنَّا، فَقَالَ:
يَا عَقِيلُ انْطَلِقْ فَائْتِنِي بِمُحَمَّدٍ، فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ من حفش أو
__________
[1] اللّحي: العظم الّذي في الفخذ.
[2] كلمة «قومه» ساقطة من الأصل وبعض النّسخ، والاستدراك من السيرة لابن هشام 2/ 3، ومن نسخة دار الكتب.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 3، 4.
[4] في السيرة «سنّا» .
[5] سيرة ابن هشام 2/ 4، 5.(1/148)
كِبْسٍ [1]- يَقُولُ بَيْتٌ صَغِيرٌ-، فَلَمَّا أَتَاهُمْ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّ بَنِي عَمِّكَ هَؤُلَاءِ قَدْ زَعَمُوا أَنَّكَ تُؤْذِيهِمْ فِي نَادِيهِمْ وَمَسْجِدِهِمْ فَانْتَهِ عَنْ أَذَاهُمْ، فَحَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الشَّمْسَ» ؟ قَالُوا:
نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا أَنَا بِأَقْدَرَ عَلَى أَنْ أَدَعَ ذَلِكَ مِنْكُمْ عَلَى أَنْ تَسْتَشْعِلُوا مِنْهَا شُعْلَةً» ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَاللَّهِ مَا كَذَبَنَا ابْنُ أَخِي قَطُّ فَارْجِعُوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي «التَّارِيخِ» [2] عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] : وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ [4] أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ قَالَتْ [5] لِأَبِي طَالِبٍ مَا قَالُوا [6] ، بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَاءُوا [7] إِلَيَّ فَقَالُوا [8] : كَذَا وَكَذَا، فَابْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلا تُحَمِّلْنِي مِنَ الأَمْرِ مَا لا أُطِيقُ، فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ بَدَاءٌ [9] وَأَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ [10] ، فَقَالَ: «يَا عَمِّ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي [11] عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ» ، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ [12] ثم قام، فلمّا ولّى ناداه أبو طالب
__________
[1] في الأصل و (ع) مهملة من النقط، والتصويب من تاريخ البخاري.
[2] التاريخ الكبير ج 7/ 51 في ترجمة عقيل بن أبي طالب، رقم 230 وانظر السير والمغازي 154، 155.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 5.
[4] في السيرة «يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأَخْنَسِ أنّه حدّث» .
[5] في السيرة «قالوا» .
[6] في السيرة «هذه المقالة» .
[7] في السيرة «جاءوني» .
[8] في السيرة «فقالوا لي كذا وكذا الّذي كانوا قالوا له» .
[9] كلمة «بداء» ليست في السيرة.
[10] في السيرة زيادة «وأنّه قد ضعف عن نصرته والقيام معه» .
[11] في السيرة «يساري» .
[12] في السيرة «فبكى» .(1/149)
فقال: أقبل يا بن أَخِي، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَقُلْ مَا أحببت فو الله لَا أُسْلِمُكَ [1] أَبَدًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ يُونُسُ: ثُمَّ قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي ذَلِكَ شِعْرًا.
وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا
فَامْضِ لِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ ... أَبْشِرْ وَقَرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُونَا
وَدَعَوْتَنِي وَزَعَمْتَ [2] أَنَّكَ نَاصِحِي ... فَلَقَدْ صَدَقْتَ، وَكُنْتَ قِدْمًا [3] أَمِينَا
وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَرَفْتُ بِأَنَّهُ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارِي سُبَّةً ... لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا [4]
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ: ثنا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى [5] نَزَلَتْ وَالله يَعْصِمُكَ من النَّاسِ 5: 67 [6] وَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ» [7] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ ذي المجاز [8] يتبع النّاس
__________
[1] في السيرة «أسلمك لشيء أبدا» .
[2] في السير والمغازي، والبداية والنهاية «علمت» بدل «زعمت» .
[3] هكذا في الأصل و (ع) وسيرة ابن كثير، وفي المنتقى لابن الملا، ودلائل النبوّة للبيهقي «قبل» ، وفي السير والمغازي «قديما» .
[4] راجع الأبيات في: السير والمغازي 155، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 437، سيرة ابن كثير 1/ 464.
[5] في طبعة القدسي 2/ 86 «حين» والتصحيح عن دلائل النبوّة للبيهقي.
[6] سورة المائدة- الآية 67.
[7] دلائل النبوّة 1/ 433.
[8] سمّي بذلك لأنّ إجازة الحاجّ كانت منه. (أسواق العرب للأفغاني) .(1/150)
في منازلهم يدعوهم إلى الله، ووراءه رَجُلٌ أَحْوَلُ تُقَدُّ وَجْنَتَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ [1] لَا يَغُرَّنَّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَدِينِ آبَائِكُمْ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو لَهَبٍ [2] .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ [3] مِنْ بَنِي الدُّئِلِ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا فَأَسْلَمَ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْمَجَازِ، وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا» . وَوَرَاءَهُ أَبُو لَهَبٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ رَبِيعَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أُزْفِرُ [4] الْقِرْبَةَ لِأَهْلِي [5] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ كِنَانَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ، وَهُوَ يَقُولُ: «قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا» . وَإِذَا خَلْفَهُ رَجُلٌ يَسْفِي عَلَيْهِ التُّرَابَ، فَإِذَا هُوَ أَبُو جَهْلٍ [6] وَيَقُولُ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ تَتْرُكُوا عِبَادَةَ اللاتِ وَالْعُزَّى.
إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ [7] .
وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ [8] بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي نعيم بن أبي هند، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هل يعفّر [9] محمد وجهه بين
__________
[1] في دلائل النبوة «يقول: أيها الناس لا يغرّنكم هذا» .
[2] دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 434.
[3] في الدلائل «رجل» بعد عبّاد.
[4] أي أحملها مملوءة ماء. (النهاية لابن الأثير) .
[5] دلائل النبوة للبيهقي 1/ 435.
[6] في الدلائل «وإذا هو» بعد أبي جهل.
[7] دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 435.
[8] في طبعة القدسي 2/ 87 «معتمر» والتصويب من صحيح مسلّم.
[9] أي يسجد ويلصق وجهه بالتراب.(1/151)
أَظْهُرِكُمْ؟ قِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ وَلَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ [1] ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي [2] لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَمَا فَجَأَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ:
مَا لَكَ؟ قَالَ: إنّ بيني وبينه لخندقا من نار، [3] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] . وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَأَطَأَنَّ عُنُقَهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [5] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [6] : ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا أَتَوْا أَبَا طَالِبٍ فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ هَذَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنْهَدُ [7] فَتًى فِي قُرَيْشٍ وَأَجْمَلُهُ، فَخُذْهُ فَلَكَ عَقْلُهُ وَنُصْرَتُهُ [8] وَاتَّخِذْهُ وَلَدًا فَهُوَ لَكَ، وَأَسْلِمْ إِلَيْنَا ابْنَ أَخِيكَ هَذَا الَّذِي قَدْ خَالَفَ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ نَقْتُلْهُ، فَإِنَّمَا رَجُلٌ كَرَجُلٍ [9] ، فَقَالَ: بِئْسَ وَاللَّهِ مَا تَسُومُونَنِي، أَتُعْطُونِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ، وَأُعْطِيكُمُ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ! هَذَا والله ما لا يكون أبدا.
__________
[1] في صحيح مسلّم «أو لأعفّرنّ وجهه في التراب» .
[2] في صحيح مسلّم «زعم ليطأ» .
[3] في صحيح مسلّم «وهولا وأجنحة» .
[4] صحيح مسلّم (2797) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب قوله: إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، وللحديث بقيّة عنده، ورواه أحمد في مسندة 2/ 270، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 438.
[5] صحيح البخاري 6/ 89 كتاب التفسير، باب قوله تعالى: كلّا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة، ومسلّم (2797) كتاب صفات المنافقين، والترمذي في تفسير سورة العلق، وأحمد في مسندة 1/ 268 و 2/ 270.
[6] سيرة ابن هشام 2/ 5.
[7] أنهد: أشدّ وأقوى.
[8] هكذا في الأصل، وفي عيون الأثر، أما في سيرة ابن هشام ونهاية الأرب «نصره» .
[9] في السيرة «فإنّما هو رجل برجل» .(1/152)
فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: وَاللَّهِ يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدْ أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ وَجُهِدُوا عَلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا تَكْرَهُ، فَمَا أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَنْصَفُونِي لَكِنَّكَ قَدْ أَجْمَعْتَ خِذْلَانِي وَمُظَاهَرَةَ الْقَوْمِ عَلَيَّ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَحَقَبَ [1] الْأَمْرُ، وَحَمِيَتِ الْحَرْبُ، وَتَنَابَذَ الْقَوْمُ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:
أَلَا قُلْ لِعَمْرٍو وَالْوَلِيدِ وَمُطْعِمٍ أَلَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ حِيَاطَتِكُمْ بَكْرُ [2] مِنَ الْخُورِ حَبْحَابٌ [3] كَثِيرٌ رُغَاؤُهُ يُرَشُّ عَلَى السَّاقَيْنِ مِنْ بَوْلِهِ قَطْرُ أَرَى أَخَوَيْنَا مِنْ أَبِينَا وَأُمِّنَا إِذَا سُئِلَا قَالَا إِلَى غَيْرِنَا الْأَمْرُ أَخُصُّ خُصُوصًا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلا هُمَا نَبَذَانَا مِثْلَمَا يُنْبَذُ الْجَمْرُ [4] وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [5] ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، مُنْذُ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ جَرَتْ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وَشَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلامِنَا، وَسَبِّ آلِهَتِنَا، وَإِنِّي أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَجْلِسَنَّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ [6] ، فَإِذَا سَجَدَ [7] فَضَخْتُ بِهِ رَأْسَهُ [8] فَلْيَصْنَعْ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَا بَدَا لَهُمْ [9] . فَلَمَّا أصبح
__________
[1] حقب الأمر: زاد واشتدّ. (انظر الروض الأنف 2/ 9) .
[2] البكر: الفتى من الإبل.
[3] الخور حبحاب: الخور الضعاف، والحبحاب، بالحاء: الصغير. وفي حاشية كتاب الشيخ أبي بحر: جبجاب بالجيم، وفسّره فقال: هو الكثير الهدر. (الروض الأنف 2/ 10) .
[4] في سيرة ابن هشام 2/ 9 أبيات أكثر من هنا.
وانظر الحديث في السيرة 2/ 5، طبقات ابن سعد 1/ 202، نهاية الأرب 16/ 200، 201، عيون الأثر 1/ 100، سيرة ابن كثير 1/ 475، تاريخ الطبري 2/ 326، 327.
[5] السير والمغازي 199، 200، سيرة ابن هشام 2/ 38.
[6] في السيرة «ما أطيق حمله» .
[7] في السيرة والسير «في صلاته» .
[8] في السيرة والسير «فأسلموني عند ذلك أو امنعوني» .
[9] في السير «قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدا فامض لما تريد» .(1/153)
أَبُو جَهْلٍ أَخَذَ حَجَرًا وَجَلَسَ، وَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يُصَلِّي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْأَسْوَدِ وَالْيَمَانِيِّ، وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى الشَّامِ، وَجَلَسَتْ قُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا يَنْظُرُونَ [1] ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مَرْعُوبًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ، قَدْ يَبِسَتْ يَدَاهُ عَلَى حَجَرِهِ، حَتَّى قَذَفَ بِهِ مِنْ يَدِهِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ رِجَالُ قُرَيْشٍ فَقَالُوا: مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ فَقَالَ: قُمْتُ إِلَيْهِ لِأَفْعَلَ مَا قُلْتُ لَكُمْ [2] فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ [3] وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، فَهَمَّ أَنْ يَأْكُلَنِي.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ دَنَا مِنِّي لأَخَذَهُ [4] . وَقَالَ الْمُحَارِبِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ أَبُو جَهْلٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ أَنْ تُصَلِّيَ يَا مُحَمَّدُ؟ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا بِهَا أَحَدٌ أَكْثَرَ نَادِيًا مِنِّي، فَانْتَهَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ 96: 17- 18 [5] . وَاللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ [6] .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أنا الْحَاكِمُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ بِمَكَّةَ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأ عليه القرآن،
__________
[1] في السيرة والسير «ينتظرون» .
[2] في السيرة والسير «لكم البارحة» .
[3] القصرة: بالتحريك. أصل العنق.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 38، السير والمغازي 199، 200، نهاية الأرب 16/ 217، 218، عيون الأثر 1/ 108.
[5] سورة العلق، الآية 17.
[6] عيون الأثر 1/ 107 وفيه «زبانية الله» .(1/154)
فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا عَمِّ إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لِيُعْطُوكَ فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتَعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتَ [1] أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا، قال: فقيل فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهَا، أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ، قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ؟ فو الله مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزِهِ وَلَا بِقَصِيدِهِ [2] مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا من هذا، والله إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ، قَالَ: لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ، قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ فِيهِ، فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ: هَذَا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، بِأَثْرِهِ عَنْ غيره، فنزلت ذَرْنِي وَمن خَلَقْتُ وَحِيداً 74: 11 [3] يَعْنِي الْآيَاتِ.
هَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مَوْصُولًا. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ مُخْتَصَرًا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا [4] .
قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [5] أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ وَنَفَرٌ [6] مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ ذَا [7] سِنٍّ فِيهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ، فَقَالَ [8] : إِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتُقْدِمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ، وَقَدْ سَمِعُوا بأمر صاحبكم فأجمعوا فيه رأيا
__________
[1] أي قريش، كما في نهاية الأرب 16/ 212.
[2] في الأصل ودلائل النبوة «بقصيدته» ، والتصحيح من نهاية الأرب.
[3] سورة المدّثر- الآية 11.
[4] دلائل النبوّة 1/ 445، 446 نهاية الأرب 16/ 212، 213.
[5] سيرة ابن هشام 2/ 11، السير والمغازي 150.
[6] في السيرة والسير «اجتمع اليه نفر» .
[7] في السيرة «بأس وسنّ» .
[8] في السيرة والسير: «يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم» .(1/155)
وَاحِدًا وَلا تَخْتَلِفُوا فَيُكَذِّبَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [1] ، قَالُوا: فَأَنْتَ [2] فَقُلْ وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا [3] ، قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ، فَقَالَ [4] : مَا هُوَ بِكَاهِنٍ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْكُهَّانَ، فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَسَجْعِهِ [5] .
فقَالُوا: نَقُولُ مَجْنُونٌ، فَقَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ وَعَرَفْنَاهُ فَمَا هُوَ بِحَنَقِهِ [6] وَلَا تَخَالُجِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ.
قَالُوا: فَنَقُولُ شَاعِرٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرٍ، قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ بِرَجَزِهِ وَهَزَجِهِ وَقَرِيضِهِ وَمَقْبُوضِهِ وَمَبْسُوطِهِ فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ.
قَالُوا: فَنَقُولُ سَاحِرٌ؟ قَالَ: مَا هُوَ بِسَاحِرٍ، قَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلا عُقَدِهِ.
فَقَالُوا: مَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ حَلاوَةً وَإِنَّ أصله لغدق [7] وإنّ رفعه لَجَنِيٌّ، فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ. وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ نَقُولَ سِاحِرٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ ابْنِهِ [8] وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَخِيهِ [9] وَبَيْنَ عَشِيرَتِهِ، فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ لِلنَّاسِ حِينَ قَدِمُوا الْمَوْسِمُ، لَا يَمُرُّ بِهِمْ أَحَدٌ إِلَّا حذّروه [10] . فأنزل [11] في
__________
[1] في السير «ويردّ قول بعضكم بعضا» .
[2] في السيرة والسير «فأنت يا أبا عبد شمس» .
[3] في السيرة والسير «نقول به» .
[4] في السيرة «لا والله» .
[5] في الأصل و (ع) : «وسحره» والتصحيح من السيرة والسير.
[6] في السيرة «بخنقه» وفي السير «تخنقه» .
[7] هكذا في الأصل وفي السير، وهو من الغدق للماء الكثير. وفي السيرة «لعذق» قال السهيليّ في الروض الأنف 2/ 21: «استعارة من النخلة التي ثبت أصلها، وقوي وطاب فرعها إذا جني، والنخلة هي: العذق، بفتح العين. ورواية ابن إسحاق أفصح من رواية ابن هشام لأنها استعارة تامة يشبه آخر الكلام أوله» .
[8] في السيرة والسير «أبيه» .
[9] في السيرة والسير «وبين المرء وبين أخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته» .
[10] في السيرة والسير «حذّروه إياه، وذكروا لهم أمره» .
[11] في السيرة والسير «فأنزل الله تعالى» .(1/156)
الوليد: ذَرْنِي وَمن خَلَقْتُ وَحِيداً 74: 11. إلى قوله سَأُصْلِيهِ سَقَرَ 74: 26 [1] وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي [2] الَّذِي كَانُوا مَعَهُ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ 15: 91 [3] أي أصنافاً، فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 15: 92 [4] .
وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [5] ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قام النّصر بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ الْعَبْدَرِيُّ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ، لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا، أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ، وَأَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمُكُمْ أَمَانَةً، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ، قُلْتُمْ سَاحِرٌ، لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ [6] ، وَلَا بِكَاهِنٍ وَلَا بِشَاعِرٍ، قَدْ رَأْيَنا هَؤُلَاءِ وَسَمِعْنَا كَلَامَهُ، فَانْظُرُوا فِي شَأْنِكُمْ.
وَكَانَ النَّضْرُ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ [7] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ: ثنا الْأَجْلَحُ [8] عَنِ الذَّيَّالِ [9] بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَالْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ: لَقَدِ انْتَشَرَ علينا أمر
__________
[1] سورة المدّثر- الآيات 11- 26.
[2] في السيرة والسير «في النفر الذين» .
[3] سورة الحجر الآية/ 91.
[4] سورة الحجر الآية/ 92.
انظر سيرة ابن هشام 2/ 11، 12، السير والمغازي 150- 152، عيون الأثر 1/ 101، دلائل النبوّة 1/ 448، نهاية الأرب 16/ 203- 205، سيرة ابن كثير 1/ 498- 500.
[5] سيرة ابن هشام 2/ 38.
[6] في سيرة ابن هشام 2/ 38 «لقد رأينا السّحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة، وتخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها: هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو. بحنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش فانظروا في شأنكم إنّه والله لقد نزل بكم أمر عظيم» .
[7] سيرة ابن هشام 2/ 39، نهاية الأرب 16/ 219، 220، دلائل النبوّة 1/ 449.
[8] هو: أجلح بن عبد الله بن حجية. (تهذيب التهذيب 1/ 189) .
[9] هو: الذّيّال بن حرملة الأسدي (الجرح والتعديل 3/ 451 رقم 2041) .(1/157)
مُحَمَّدٍ، فَلَوِ الْتَمَسْتُمْ رَجُلًا عَالِمًا بِالسِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ وَالشِّعْرِ، فَكَلَّمَهُ ثُمَّ أَتَانَا بِبَيَانٍ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ عُتْبَةُ: لَقَدْ سَمِعْتُ بِقَوْلِ السِّحْرِ [1] وَالْكَهَانَةِ وَالشِّعْرِ، وَعَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا، وَمَا يَخْفَى عَلَيَّ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَأَتَاهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ عُتْبَةُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ هَاشِمٌ، أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ، قَالَ: فِيمَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَتُضَلِّلُ آبَاءَنَا، فَإِنْ كنت إنّما بك الرئاسة عَقَدْنَا لَكَ أَلْوِيَتَنَا، فَكُنْتَ رَأْسَنَا مَا بَقِيتَ، وَإِنْ كَانَ بِكَ الْبَاءَةُ زَوَّجْنَاكَ عَشْرَ نَسْوَةٍ تَخْتَارُ مِنْ أَيِّ أَبْيَاتِ قُرَيْشٍ شِئْتَ، وَإِنْ كَانَ بِكَ الْمَالُ جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا تَسْتَغْنِي بِهِ أَنْتَ وَعَقِبُكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِتٌ [2] ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم تَنْزِيلٌ من الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 41: 0- 2 [3] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ 41: 13 [4] فَأَمْسَكَ عُتْبَةُ عَلَى فِيهِ، وَنَاشَدَهُ الرَّحِمَ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى أَهْلِهِ وَاحْتَبَسَ عَنْهُمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا نَرَى عُتْبَةَ إِلَّا قَدْ صَبَأَ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَأَعْجَبَهُ طَعَامُهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ أَصَابَتْهُ، انْطَلِقُوا بِنَا إِلَيْهِ، فَأَتَوْهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ يَا عُتْبَةُ مَا حَسِبْنَا إِلَّا أَنَّكَ صَبَأْتَ [5] ، فَإِنْ كَانَتْ بِكَ حَاجَةٌ جَمَعْنَا لَكَ مَا يُغْنِيكَ عَنْ طَعَامِ مُحَمَّدٍ.
فَغَضِبَ وَأَقْسَمَ باللَّه لَا يُكَلِّمُ مُحَمَّدًا أَبَدًا، وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا وَلَكِنِّي أَتَيْتُهُ، فَقَصَّ عَلَيْهِمُ الْقِصَّةَ، فَأَجَابَنِي بِشَيْءٍ وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسِحْرٍ وَلَا شِعْرٍ وَلَا كَهَانَةٍ، قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 41: 0- 3 حَتَّى بَلَغَ فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ 41: 13 فأمسكت بفيه، وناشدته الرحم أن
__________
[1] في نهاية الأرب «بالسّحرة» .
[2] في دلائل النبوّة ونهاية الأرب «ساكت لا يتكلم» .
[3] سورة فصّلت الآية 1.
[4] سورة فصّلت- الآية 13.
[5] في دلائل النبوّة «صبأت إلى محمد وأعجبك أمره» .(1/158)
يَكُفَّ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا قَالَ شَيْئًا لَمْ يَكْذِبْ، فَخِفْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ. رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْهُ [1] . وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ: ثنا الْمُثَنَّى بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُتْبَةَ بْنِ ربيعة حم. تَنْزِيلٌ من الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 41: 1- 2 أَتَى أَصْحَابَهُ فَقَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمُ أَطِيعُونِي في هذا اليوم واعصوني فيما بعده، فو الله لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ كَلَامًا مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ قَطُّ كَلَامًا مِثْلَهُ، وَمَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : ثنا يَزِيدُ بن أبي زياد، عن محمد بن كعب الْقُرَظِيِّ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، لَمَّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الوليد كلّم محمدا، فأتاه فقال: يا بن أَخِي إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ عَلِمْتَ مِنَ الْبَسْطَةِ [3] وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، فَرَّقْتَ بِهِ بَيْنَهُمْ، وَسَفَّهْتَ أَحْلَامَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ [4] ، فَاسْمَعْ مِنِّي [5] ، قَالَ: قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ [6] قَالَ:
إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ، حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ [7] وَمَلَّكْنَاكَ، وَإِنْ كَانَ الّذي يأتيك رئيّا [8] طلبنا [9] لك الطّبّ [10] ،
__________
[1] دلائل النبوّة 1/ 450، نهاية الأرب 16/ 211، عيون الأثر 1/ 106.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 35.
[3] في السيرة ونهاية الأرب «السّطة في العشيرة» .
[4] في السيرة ونهاية الأرب «آلهتهم ودينهم، وكفّرت به من مضى من ابائهم» .
[5] في السيرة ونهاية الأرب «أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلّك تقبل منها بعضها» .
[6] في السيرة «قل يا أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا» .
[7] في السيرة «سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكا ملّكناك علينا» .
[8] الرئيّ: بفتح الراء فهمزة مكسورة فياء مشدّدة: التابع من الجنّ، وقيل: التابع المحبوب من الجنّ. (انظر النهاية لابن الأثير- رأى- وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 1/ 258) .
[9] في السيرة «رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك» .
[10] في السيرة «وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربّما غلب التابع على الرجل حتى يداوي(1/159)
حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ: فَاسْمَعْ مِنِّي، قَالَ: افْعَلْ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ 41: 0- 3 وَمَضَى، فَأَنْصَتَ عُتْبَةُ، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ، فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّجْدَةِ سَجَدَ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَقَامَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَحْلِفُ وَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ [1] قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: وَرَائِي أَنِّي سَمِعْتُ قَوْلًا، وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ وَلَا بِالسِّحْرِ وَلَا بِالْكَهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَطِيعُونِي، وَاجْعَلُوهَا بِي، خَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فاعتزلوه، فو الله لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ نَبَأٌ [2] ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ، فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ، قَالُوا: سَحَرَكَ وَاللَّهِ بِلِسَانِهِ، قَالَ: هَذَا رَأْيِي فِيهِ فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ [3] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [4] : حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ، وَأَبَا سُفْيَانَ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ خَرَجُوا لَيْلَةً يَتَسَمَّعُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ، وَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَفَرَّقُوا فَجَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فَتَلَاوَمُوا وَقَالُوا:
لَا نَعُودُ فَلَوْ رَآنَا بَعْضُ السُّفَهَاءِ لَوَقَعَ فِي نفسه شيء، ثم عادوا لمثل ليلتهم،
__________
[ () ] منه، أو كما قال له، حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم» .
[1] في السيرة «جلس إليهم» .
[2] في السيرة «لقوله الّذي سمعت منه نبأ عظيم» .
[3] سيرة ابن هشام 2/ 35، دلائل النبوّة 1/ 452، نهاية الأرب 16/ 209- 211، عيون الأثر 1/ 105، 106.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 66.(1/160)
فَلَمَّا تَفَرَّقُوا تَلَاقَوْا فَتَلاوَمُوا لِذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَأَصْبَحُوا جَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَتَعَاهَدُوا أَنْ لا يَعُودُوا، ثُمَّ إِنَّ الأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ رَأْيِكَ فِيمَا سَمِعْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا، وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا، فَقَالَ الْأَخْنَسُ: وَأَنَا وَالَّذِي حَلَفْتَ بِهِ، ثُمَّ أَتَى أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ: مَا رَأْيُكَ؟ فَقَالَ: مَاذَا سَمِعْتَ؟
تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ، أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا، حَتَّى إِذَا تَجَاثَيْنَا [1] عَلَى الرُّكَبِ، وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ.
قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ [2] هَذِهِ، وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا وَلَا نُصَدِّقُهُ، فَقَامَ الْأَخْنَسُ عَنْهُ [3] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَمْشِي أَنَا وَأَبُو جَهْلٍ، إِذْ لَقِيَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ هَلُمَّ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا، هَلْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ قد بلّغت، فو الله لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَا تَقُولُ حَقٌّ مَا اتَّبَعْتُكَ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ، وَلَكِنْ بَنُو قُصَيٍّ قَالُوا: فِينَا الْحِجَابَةُ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَقَالُوا: فِينَا النَّدْوَةُ، قُلْنَا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالُوا: فِينَا اللِّوَاءُ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَقَالُوا:
فِينَا السِّقَايَةُ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، ثُمَّ أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ، وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ [4] .
__________
[1] في السيرة «تحاذينا» .
[2] في السيرة «ندرك مثل هذه» .
[3] سيرة ابن هشام 2/ 66، دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 452، سيرة ابن كثير 1/ 505، 506، عيون الأثر 1/ 111، 112.
[4] دلائل النبوّة 1/ 454، سيرة ابن كثير 1/ 506، 507.(1/161)
شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مُعَادَاةِ خُصُومِهِ [1]
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا وَثَّبَتْ كُلَّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَمَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَامَ أَبُو طَالِبٍ فَدَعَا بَنِي هَاشِمَ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِيَامِ دُونَهُ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَقَامُوا مَعَهُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْخَاسِرِ أَبِي لَهَبٍ، فَجَعَلَ أَبُو طَالِبٍ يَمْدَحُهُمْ وَيَذْكُرُ قَدِيمَهُمْ، وَيَذْكُرُ فَضْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا خَشِيَ دَهْمَاءَ الْعَرَبِ أَنْ يُرْكِبُوهُ مَعَ قَوْمِهِ، لَمَّا انْتَشَرَ ذِكْرُهُ قَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي مِنْهَا:
وَلَمَّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا وُدَّ فِيهِمُ [3] ... وَقَدْ قَطَّعُوا كُلَّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ
وَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى ... وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ
صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ [4] سَمْحَةٍ ... وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِ [5]
وَأَحْضَرْتُ عِنْدَ الْبَيْتِ رَهْطِي وَإِخْوَتِي [6] ... وَأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابِهِ بِالْوَصَائِلِ
أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ ... عَلَيْنَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٍّ بِبَاطِلِ
وَفِيهَا يَقُولُ:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَى [7] مُحَمَّدًا ... وَلَمَّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا والحلائل
__________
[1] العنوان من سيرة ابن هشام 2/ 13.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 13.
[3] في السير والمغازي «بينهم»
[4] في السير والمغازي «بصفراء» والسمراء هي القناة أو الرمح.
[5] هذا الشطر في السير:
وأبيض غضب من سيوف المقاول
[6] في السير والمغازي «أسرتي» بدل «إخوتي» .
[7] نبزى: نغلب عليه ونسلبه.(1/162)
وينهض قوم نحوكم غير عزل ... يبيض حَدِيثٍ عَهْدُهَا بِالصَّيَاقِلِ [1]
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ [2] الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي رَحْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
لَعَمْرِي لَقَدْ كُلِّفْتُ وَجْدًا بِأَحْمَدَ ... وَإِخْوَتِهِ دَأْبَ الْمُحِبِّ الْمُوَاصِلِ
فَمَنْ مِثْلُهُ فِي النَّاسِ أَيُّ مُؤَمَّلٍ ... إِذَا قَاسَهُ الْحُكَّامُ عِنْدَ التَّفَاضُلِ
حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ ... يُوَالِي إِلَهًا ليس عنه بغافل
فو الله لَوْلَا أَنْ أَجِيءَ بِسُبَّةٍ ... تُجَرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ
لَكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ ... مِنَ الدَّهْرِ جِدًّا غَيْرَ قَوْلِ التَّهَازُلِ
لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لا مُكَذَّبٌ ... لَدَيْنَا وَلَا يعنى بقول الأباطل
فأصبح فينا أحمد ذو [3] أرومة ... يقصّر عنها [4] سورة المتطاول
حديث بِنَفْسِي دُونَهُ وَفَدَيْتُهُ [5] ... وَدَافَعْتُ عَنْهُ بِالذُّرَى وَالْكَلَاكِلِ [6]
جَزَى [7] اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلا ... عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلا غَيْرَ آجِلِ [8]
فَلَمَّا انْتَشَرَ ذِكْرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الْعَرَبِ ذُكِرَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ أَعْلَمَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذُكِرَ، وَقَبْلَ أَنْ يُذْكَرَ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يَسْمَعُونَ من الأحبار، وكانوا حلفاء، يعني اليهود
__________
[1] البيت في السيرة.
وينهض قوم في الحديد إليكم ... نهوض الرويا تحت ذات الصلاصل
[2] ثمال: عماد وملجأ.
[3] كذا في الأصل وفي (ع) . وفي المنتفى لابن الملا «ذا» وفي السيرة لابن هشام، وسيرة ابن كثير والمواهب اللدنيّة «في»
[4] في السيرة «تقصّر عنه» .
[5] في السيرة «وحميته» .
[6] الكلاكل: جمع كلكل وهو الصدر.
[7] هذا البيت ورد في منتصف القصيدة تقريبا وليس في آخرها كما هنا.
[8] القصيدة بطولها في سيرة ابن هشام 2/ 13- 16، وبعضها في السير والمغازي 156.(1/163)
فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الأَسْلَتِ يُحِبُّ قُرَيْشًا، وَكَانَ لَهُمْ صِهْرًا، وَعِنْدَهُ أَرْنَبُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَكَانَ يُقِيمُ بِمَكَّةَ السِّنِينَ بِزَوْجَتِهِ، فَقَالَ:
أَيَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... مُغَلْغَلَةً عَنِّي لُؤَيَّ بْنَ غَالِبِ
رَسُولُ امْرِئٍ قَدْ رَاعَهُ ذَاتُ بَيْنِكُمْ ... عَلَى النَّأْيِ مَحْزُونٍ بِذَلِكَ نَاصِبِ
أُعِيذُكُمْ باللَّه مِنْ شَرِّ صُنْعِكُمْ ... وَشَرِّ تَبَاغِيكُمْ وَدَسِّ الْعَقَارِبِ
مَتَى تَبْعَثُوهَا، تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً ... هِيَ الْغُولُ لِلْأَقْصَيْنِ أَوْ لِلْأَقَارِبِ
أَقِيمُوا لَنَا دِينًا حَنِيفًا، فَأَنْتُمُ ... لَنَا غَايَةٌ قَدْ نَهْتَدِي [1] بِالذَّوَائِبِ
فَقُومُوا، فَصَلُّوا رَبَّكُمْ، وَتَمَسَّحُوا [2] ... بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الأَخَاشِبِ [3]
فِعْنَدَكُمْ مِنْهُ بَلاءُ وَمُصَدَّقٌ ... غَدَاةَ أَبِي يَكْسُومَ هَادِي الْكَتَائِبِ
فَلَمَّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدَّهُمْ [4] ... جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ
فَوَلَّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ [5] وَلَمْ يَؤُبْ ... إِلَى أَهْلِهِ مِلْجَيْشِ [6] غَيْرُ عَصَائِبِ [7]
أَبُو يَكْسُومَ مَلِكُ أَصْحَابِ الْفِيلِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [8] : فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزّبير، عن أبيه،
__________
[1] في السيرة «يهتدى» .
[2] في أخبار مكة «تعوّذوا» بدل «تمسّحوا» .
[3] الأخاشب تعني جبال مكة ومنى.
[4] في أخبار مكة:
فلمّا أجازوا بطن نعمان ردّهم
[5] في أخبار مكة «نادمين» .
[6] في السيرة «م الحبش» وفي أخبار مكة «بالجيش» .
[7] الأبيات أكثر من هنا في سيرة ابن هشام 2/ 18، 19، وفي أخبار مكة للأزرقي 1/ 155 ورد أربعة أبيات فقط.
[8] سيرة ابن هشام 2/ 33.(1/164)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا أَكْثَرُ مَا رَأَيْتَ، أَصَابَتْ قُرَيْشٌ من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، قَدْ سَفَّهَ أَحْلامَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا مَرَّ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ الْقَوْلِ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَلَمَّا مَرَّ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ، فَلَمَّا مَرَّ الثَّالِثَةَ غَمَزُوهُ، فَوَقَفَ فَقَالَ: أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ، قَالَ: فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا فِيهِمْ رَجُلٌ إِلا كَأَنَّ عَلَى رَأْسِهِ طَائِرًا وَاقِعٌ، حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَطْأَةً لَيُرَفِّؤُهُ [1] بِأَحْسَنَ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ، حَتَّى إِنَّهُ يَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فو الله مَا كُنْتَ جَهُولا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ، وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ، فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ:
«نَعَمْ» ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ دُونَهُمْ يَبْكِي وَيَقُولُ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ 40: 28 ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فحدّثني بعض آل أبي بَكْرٍ، أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَقَدْ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ صَدَعُوا فِرْقَ رَأْسِهِ مِمَّا جَذَبُوهُ بِلِحْيَتِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ [2] .
إِسْلَامُ أَبِي ذَرٍّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: نا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غفار، وكانوا يحلّون الشهر الحرام [3] ،
__________
[1] أي يسكّنه ويرفق به ويدعو له. (النهاية) .
[2] سيرة ابن هشام 2/ 33، 34، دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 52.
[3] يفعلون فيه المنكرات.(1/165)
فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا ذِي مَالٍ وَهَيْئَةٍ فأكرمنا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنّك إذا خرجت عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا [1] عَلَيْنَا مَا قِيلَ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ، فَقَدْ كَدَّرْتَهُ وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ، فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا [2] فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ، فَجَعَلَ يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا فَنَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ [3] أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا [4] فَأَتَانَا بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يا بن أخي قبل أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثِ سِنِينَ، فَقُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ للَّه، قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي اللَّهُ [5] أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَلْقَيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ- يَعْنِي الثَّوْبَ- حَتَّى تَعْلُونِي الشَّمْسُ.
فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ، فَأَتَى مَكَّةَ فَرَاثَ- أَيْ أَبْطَأَ- عَلَيَّ، ثُمَّ أَتَانِي [6] فَقُلْتُ مَا حَبَسَكَ [7] قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ عَلَى دِينِكَ [8] ، قُلْتُ: مَا يَقُولُ النَّاسُ؟.
قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّهُ شَاعِرٌ وَسَاحِرٌ، وكاهن، وكان أنيس أحد الشّعراء.
__________
[1] نثا: أشاع وأفشى.
[2] الصّرمة: القطعة من الإبل، وتطلق أيضا على القطعة من الغنم.
[3] نافر: قال أبو عبيد في شرحها: المنافرة المفاخرة والمحاكمة، فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر، ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيّهما خير وأعزّ نفرا، وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيّهما أشعر.
[4] أي تراهن هو آخر أيّهما أفضل، وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك، فأيّهما كان أفضل أخذ الصرمتين. فتحاكما إلى الكاهن. فحكم بأنّ أنيسا أفضل.
[5] في صحيح مسلّم «ربّي» .
[6] في صحيح مسلّم «جاء» .
[7] في صحيح مسلّم «صنعت» .
[8] «على دينك» . لم ترد في صحيح مسلّم.(1/166)
فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ [1] ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شعر، وو الله إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ كَافِينِي حَتَّى أَنْطَلِقَ [2] فَأَنْظُرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا [3] لَهُ وَتَجَهَّمُوا، فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ [4] رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تدعونه الصّابئ؟ قال:
فأشار إلى الصّابئ، قال: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ [5] ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَغَسَلْتُ عَنِّي الدَّمَ، وَدَخَلْتُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وأستارها، ولقد لبثت يا بن أَخِي ثَلَاثِينَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، وَمَا لِيَ طَعَامٌ إِلا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي [6] ، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعِ [7] . فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ [8] ، قَدْ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أَصْمِخَةِ [9] أَهْلِ مَكَّةَ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرُ امْرَأَتَيْنِ [10] ، فَأَتَتَا عَلَيَّ، وَهُمَا تُدْعَوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا، فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأَخْرَى، قَالَ: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا- وَفِي لفظ: فما ثناهما ذلك عمّا قالتا
__________
[1] في الأصل «أقوال الشعراء» ، والتصحيح من صحيح مسلّم.
[2] في صحيح مسلّم «أذهب» .
[3] شنفوا: أبغضوا.
[4] أي نظرت إلى أضعفهم.
[5] يعني كأنّه الصّم المحمّر من دم الذّبائح.
[6] عكن بطني: بضم العين وفتح الكاف. جمع عكنة، وهو الطيّ في البطن من السمن.
[7] سخفة: بفتح السين وضمّها. وهي رقّة الجوع وضعفه وهزاله.
[8] إضحيان: مضيئة. يقال ليلة إضحيان وإضحيانة، وضحياء ويوم أضحيان.
[9] وفي صحيح مسلّم «أسمختهم» والصاد أفصح وأشهر. والصّماخ هو الخرق الّذي في الأذن يفضي إلى الرأس.
[10] في صحيح مسلّم «امرأتين منهم تدعوان إسافا ونائلة» .(1/167)
- فَأَتَتَا عَلِيَّ فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ [1] ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ، وَتَقُولَانِ: لَوْ كان ها هنا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا. فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا هَابِطَانِ مِنَ الْجَبَلِ، فَقَالَا لَهُمَا: مَا لَكُمَا؟.
قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا.
قَالَا: مَا قَالَ لَكُمَا؟
قَالَتَا: قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلأُ الْفَمَ [2] .
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ، فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ طَافَا، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ أَتَيْتُهُ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ.
فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» . ثُمَّ قَالَ: «مِمَّنْ أَنْتَ» ؟
قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَهَا عَلَى جَبِينِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَأَهْوَيْتُ لِآخُذَ بِيَدِهِ، فَقَدَعَنِي [3] صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، ثم رفع رأسه فقال: متى كنت هاهنا؟
قلت: قد كنت هاهنا مُنْذَ ثَلاثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ.
قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ [4] فَقَالَ: إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ [5] ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَا، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، حَتَّى فَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ
__________
[1] هن مثل الخشبة: الهن والهنة، بتخفيف النون، هو كناية عن كل شيء. وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر. فقال لهما أو مثل الخشبة في الفرج. وأراد بذلك سبّ إساف ونائلة وغيظ الكفّار بذلك.
[2] أي عظيمة لا شيء أقبح منها.
[3] قدعني: أي كفّني منعني.
[4] أي ماء زمزم يشبعه كالطعام.
[5] أي يشبع كالطعام.(1/168)
زَبِيبِ الطَّائِفِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا. قَالَ فَغَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ [1] ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
إِنِّي [2] قَدْ وُجِّهْتُ إِلَى [3] أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ لَا أَحْسَبُهَا [4] إِلَّا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ؟
فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ أَخِي أُنْيَسًا فَقَالَ لِي: مَا صَنَعْتَ؟
قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، ثُمَّ أَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ احْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ خِفَافُ بْنُ إِيماءَ بْنِ رَحْضَةَ [5] الْغِفَارِيُّ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَقَالَ بَقِيَّتُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْنَا، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ بَقِيَّتُهُمْ. وَجَاءَتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمُوا فَقَالَ: «غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ هُدْبَةَ [6] عَنْ سُلَيْمَانَ [بْنِ الْمُغِيرَةِ] [7] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ [8] مِنْ حَدِيثِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُمْ بِإِسْلامِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَرْسَلْتُ أَخِي فَرَجَعَ وَقَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، فلم يشفني، فأتيت مكة، فجعلت لا
__________
[1] أي بقيت ما بقيت.
[2] في صحيح مسلّم «إنه» .
[3] في صحيح مسلّم «لي» .
[4] في صحيح مسلّم «أراها» .
[5] في صحيح مسلّم، وسير أعلام النبلاء «إيماء بن رحضة» دون ذكر لخفاف،.
[6] في صحيح مسلّم «هدّاب» .
[7] الإضافة من مسلّم، رقم (2473) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذرّ، رضي الله عنه، وأخرجه أحمد في مسندة 5/ 174، وابن سعد في الطبقات الكبرى 4/ 219- 222، وانظر سير أعلام النبلاء 2/ 50- 53.
[8] صحيح البخاري 6/ 400 و 7/ 132- 134 في المناقب، باب إسلام أبي ذر، ومسلّم (2474) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذرّ رضي الله عنه، وابن سعد في الطبقات الكبرى 4/ 224، 225 والذهبي في سير أعلام النبلاء 2/ 53- 55، دلائل النبوة لأبي نعيم 1/ 84- 86.(1/169)
أَعْرِفُهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ زَمْزَمَ، فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ [1] فَقَالَ: كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمْ أَسْأَلْهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، جِئْتُ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ مَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَعُودَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: مَا أَمْرُكَ؟ قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ، ثُمَّ قُلْتُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ خَرَجَ نَبِيٌّ، قَالَ: قَدْ رَشَدْتَ فَاتْبَعْنِي، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، فَعَرَضَهُ عَلَيَّ، فَأَسْلَمْتُ، فَقَالَ: اكْتُمْ إِسْلامَكَ وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا معاشر قُرَيْشٍ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لِأَمُوتَ، فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ وَقَالَ: تَقْتُلُونَ، وَيْلَكُمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارٍ، فَأَطْلَقُوا عَنِّي. ثُمَّ فَعَلْتُ مِنَ الْغَدِ كَذَلِكَ، وَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ أَيْضًا.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ: ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ رُبُعَ الْإِسْلَامِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، فَرَأَيْتُ الِاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ [2]
إِسْلَامُ حَمْزَةَ
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، وَكَانَ واعية، أنّ أبا
__________
[1] هو عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
[2] في حاشية الأصل كتب «إسناد صحيح» . وأخرجه الطبراني 2/ 147، 148 رقم (1617) وفيه تكملة: «فقال: «من أنت؟» فقلت: أنا جندب رجل من بني غفار، فكأنّه ارتدع وودّ أني كنت من قبيلة غير التي أنا منهم، وذاك أني كنت من قبيلة يسرقون الحاج بمحاجن لهم» .
وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/ 342 إلى قوله المذكور أعلاه، وصحّحه على شرط مسلّم، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وفي سير أعلام النبلاء 2/ 55.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 34، السير والمغازي 171.(1/170)
جَهْلٍ مَرَّ [1] بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّفَا، فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ [2] ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ، تَسْمَعُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَعَمَدَ إِلَى نَادِي قُرَيْشٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ، فَلَمْ يَلْبَثْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ أَقْبَلَ مُتَوَشِّحًا قَوْسَهُ، رَاجِعًا مِنْ قَنَصٍ لَهُ، وَكَانَ صَاحِبَ قَنَصٍ [3] وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ قَنَصِهِ بَدَأَ بِالطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ، وَكَانَ أَعَزَّ فَتًى فِي قُرَيْشٍ، وَأَشَدَّهُ [4] شَكِيمَةً [5] ، فَلَمَّا مَرَّ بِالْمَوْلَاةِ قَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ [لَوْ رَأَيْتَ] [6] مَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيكَ آنِفًا مِنْ أَبِي الْحَكَمِ، وَجَدَهُ هَاهُنَا جَالِسًا فَآذَاهُ وَسَبَّهُ [7] وَبَلَغَ مِنْهُ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ مُحَمَّدٌ، فَاحْتَمَلَ حَمْزَةُ الْغَضَبَ، لِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتَهُ، فَخَرَجَ يَسْعَى مُغِذًّا [8] لِأَبِي جَهْلٍ، فَلَمَّا رَآهُ جَالِسًا فِي الْقَوْمِ أَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتَّى إِذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ رَفَعَ الْقَوْسَ، فَضَرَبَهُ بِهَا، فَشَجَّهُ شَجَّةً مُنْكَرَةً، ثُمَّ قَالَ: أَتَشْتِمُهُ! فَأَنَا عَلى دِينِهِ أَقُولُ مَا يَقُولُ، فَرُدَّ عَلَي ذَلِكَ إِنِ اسْتَطَعْتَ، فَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إِلَى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ [9] ، فَقَالَ أبو جهل: دعوا أبا عمارة فو الله لقد سبت ابْنَ أَخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا، وَتَمَّ حَمْزَةُ عَلَى إسلامه [10] فلما أسلّم،
__________
[1] في السير «اعترض رسول» .
[2] في السيرة والسير «ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلّمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك» .
[3] في السيرة «صاحب قنص يرميه، ويخرج له» .
[4] في السيرة «أشدّ» وفي السير «أشدها» .
[5] في السير «كان يومئذ مشركا على دين قومه» .
[6] «لو رأيت» ساقطة من الأصل، والاستدراك من السيرة والسير وغيره.
[7] في السير «شتمه» بدل «سبّه» .
[8] مسرعا، واللفظ لم يرد في السيرة، وفي السير فخرج سريعا لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، معدّا لأبي جهل أن يقع به» .
[9] في السير: «أبا جهل منه، فقالوا: ما تراك يا حمزة إلّا قد صبأت؟ فقال حمزة: وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسول الله، وأن الّذي يقول حق، فو الله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين» .
[10] في السير «وعلى ما بايع عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قوله» .(1/171)
عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ عَزَّ وَامْتَنَعَ، وَأَنَّ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفُّوا بَعْضَ الشَّيْءِ [1] .
إسلام عمر عنه رضى الله
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهمّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَوْ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ [2] .
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهمّ أَعِزَّ الدِّينَ بِعُمَرَ [3] . وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأَوْسِيُّ: ثنا الْمَاجُشُونَ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَاصَّةً» [4] . قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: ثنا قَيْسٌ، قَالَ ابن مسعود: ما زلنا أعزّة
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 34، السير والمغازي 171، 172، نهاية الأرب 16/ 208، 209، سيرة ابن كثير 1/ 445، 446، عيون الأثر 1/ 104، 105، وانظر الطبقات لابن سعد 3/ 9، دلائل النبوّة للبيهقي 1/ 459.
[2] أخرجه الترمذي في المناقب (3764) باب مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأحمد في مسندة 2/ 95، وانظر طبقات ابن سعد 3/ 269، وابن الجوزي في مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب 12، الباب 6 في ذكر دعاء الرسول أن يعزّ الإسلام بعمر أو بأي جهل، نهاية الأرب 16/ 253، عيون الأثر 1/ 123.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 269، المستدرك للحاكم 3/ 83 وفيه لفظ «الإسلام» بدل «الدين» وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
[4] رواه ابن ماجة في سننه 1/ 39، المقدّمة، باب فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رقم 105) وقال في الزوائد: حديث عائشة ضعيف. فيه عبد الملك بن الماجشون، ضعّفه بعض، وذكره ابن حبّان في الثقات. وفيه مسلّم بن خالد الزنجي، قال البخاري: منكر الحديث، وضعّفه أبو حاتم والنسائي وغيرهم. ووثّقه ابن معين وابن حبّان. وانظر مجمع الزوائد 9/ 63، 64.(1/172)
مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [2] : نا أَبُو الْمُغِيرَةِ، ثنا صَفْوَانُ، ثنا شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: خَرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ فَجَعَلْتُ أُعْجَبُ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ شَاعِرٌ، كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ، فَقَرَأَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ 69: 40- 41 [3] الْآيَاتِ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي الإِسْلامُ كُلَّ مَوْقِعٍ [4] . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الأَسْلَمِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ إِسْلَامِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: ضَرَبَ أُخْتِي الْمَخَاضُ لَيْلا، فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ، فَدَخَلْتُ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فِي لَيْلَةٍ قَرَّةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ الْحِجْرَ، وَعَلَيْهِ تُبَّانٌ [5] ، فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَسَمِعْتُ شَيْئًا لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهُ، فَخَرَجَ، فَاتَّبَعْتُهُ فَقَالَ: «مَنْ هَذَا» ؟ قُلْتُ: عُمَرُ، قَالَ: «يَا عُمَرُ مَا تَدَعُنِي لَيْلًا وَلَا نَهَارًا» ، فَخَشِيتُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيَّ فَقُلْتُ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ أَسِرَّهُ» . قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأُعْلِنَنَّهُ، كَمَا أَعْلَنْتُ الشّرك [6] .
__________
[1] صحيح البخاري 4/ 199 كتاب المناقب، باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 269، 270، وابن الجوزي في مناقب عمر 18 الباب الحادي عشر، في ظهور الإسلام بإسلامه.
[2] ج 1/ 17.
[3] سورة الحاقّة- الآية 40.
[4] انظر الخبر بأطول مما هنا في أسد الغابة، ومجمع الزوائد 9/ 92، عيون الأثر 1/ 125، صفة الصفوة 1/ 268، 269 وقد أخرج هذا الحديث: الطبراني في المعجم الأوسط، ورجاله ثقات إلّا أن شريح بن عبيد لم يدرك عمر.
[5] سروال صغير.
[6] مناقب عمر لابن الجوزي 15.(1/173)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي: ثنا إسحاق الأزرق، ثنا القاسم ابن عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، قَالَ: وَكَيْفَ تَأْمَنُ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ، وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ: مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ صَبَأْتَ [1] ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى الْعَجَبِ، [2] إِنَّ خَتَنَكَ [3] وَأُخْتَكَ قَدْ صبأ [4] وَتَرَكَا دِينَكَ [5] . فَمَشَى عُمَرُ [6] فَأَتَاهُمَا، وَعِنْدَهُمَا خَبَّابٌ، فَلَمَّا سَمِعَ بِحِسِّ عُمَرَ تَوَارَى فِي الْبَيْتِ، فَدَخَلَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ [7] ؟ وَكَانُوا يَقْرَءُونَ «طه» [8] ، قَالَا: مَا عَدَا حَدِيثًا تَحَدَّثْنَاهُ بَيْنَنَا، قَالَ: فَلَعَلَّكُمَا قَدْ صَبَأْتُمَا؟ فَقَالَ لَهُ خَتَنُهُ: يَا عُمَرُ [9] إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دينك؟ فوثب عليه فوطئه وَطْئًا شَدِيدًا، فَجَاءَتْ أُخْتُهُ لِتَدْفَعَهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَنَفَحَهَا نَفْحَةً بِيَدِهِ فَدَمَّى وَجْهُهَا، فَقَالَتْ وَهِيَ غَضْبَى: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعْطُونِي الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ عِنْدَكُمْ فَأَقْرَأَهُ، وَكَانَ عُمَرُ يقرأ الكتاب [10] ، فقالت أخته: إنّك رجس، وإنّه لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَقُمْ فَاغْتَسِلْ أَوْ تَوَضَّأْ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ، فَقَرَأَ (طه) حَتَّى انْتَهَى إِلَى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 20: 14 [11] فقال
__________
[1] في طبقات ابن سعد «صبوت وتركت دينك الّذي أنت عليه» .
[2] في الطبقات «العجب يا عمر» .
[3] أي صهرك زوج أختك.
[4] في الطبقات «صبوا» .
[5] في الطبقات «الّذي أنت عليه» .
[6] في الطبقات «فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما» .
[7] في الطبقات «الهينمة التي سمعتها عندكم» .
[8] السورة رقم 20.
[9] في الطبقات «أرأيت يا عمر» .
[10] في الطبقات «الكتب» .
[11] سورة طه، الآية 14.(1/174)
عُمَرُ: دُلُّونِي [1] عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرَ خَرَجَ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ: «اللَّهمّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ» . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْلِ الدَّارِ الَّتِي فِي أَصْلِ الصَّفَا. فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى أَتَى الدَّارَ وَعَلَى بَابِهَا حَمْزَةُ، وَطَلْحَةُ، وَنَاسٌ [2] ، فَقَالَ حَمْزَةُ: هَذَا عُمَرُ، إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُسْلِمْ وَإِنْ يُرِدْ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُنْ قَتْلُهُ عَلَيْنَا هَيِّنًا، قَالَ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاخِلٌ يُوحَى إِلَيْهَ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَحَمَائِلِ السَّيْفِ فَقَالَ:
«مَا [3] أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ بِكَ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ مَا أَنْزَلَ بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ» ؟ فَهَذَا عُمَرُ «اللَّهمّ أَعِزَّ الْإِسْلامَ [4] بِعُمَرَ» فَقَالَ عُمَرُ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ فِيهِ: زَوْجُ أُخْتِهِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو [5] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنِّي لَعَلَى سَطْحٍ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى رَجُلٍ وَهُمْ يَقُولُونَ: صَبَأَ عُمَرُ، فَجَاءَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ عَلَيْهِ قَبَاءُ دِيبَاجٍ فَقَالَ: إِنْ كَانَ عُمَرُ قَدْ صَبَأَ فَمَهْ [6] أَنَا لَهُ جَارٌ، قَالَ: فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ قَالَ: فَعَجِبْتُ مِنْ عِزِّهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْهُ [7] .
__________
[1] في الأصل و (ع) «دلّوا» . وفي غيرهما وفي الطبقات (دلّوني) .
[2] في طبقات ابن سعد «وأناس مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلمّا رأى حمزة وجل القوم من عمر قال حمزة» .
[3] في الطبقات «أما» .
[4] في الطبقات «الدين» .
[5] سيرة ابن هشام 2/ 95، 96، السير والمغازي 181- 184، طبقات ابن سعد 3/ 267- 269 واللفظ له، نهاية الأرب 16/ 253- 256، عيون الأثر 1/ 122، 123، دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 8، صفة الصفوة 1/ 269، 270.
[6] في صحيح البخاري «فما ذاك» .
[7] صحيح البخاري 4/ 242 باب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأخرجه البيهقي في(1/175)
قَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَالَ: أَيُّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟ قِيلَ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرَ الْجُمَحِيُّ، فَغَدَا عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَغَدَوْتُ أَتْبَعُ أَثَرَهُ وَأَنَا غُلامٌ أَعْقِلُ، حتى جاءه فقال: أعلمت أنّي أسلمت؟ فو الله مَا رَاجَعَهُ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، حَتَّى قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، قَالَ يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ: كَذَبَ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَثَارُوا إِلَيْهِ فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ، وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قَامَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، قَالَ وَطَلِحَ [2] (فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَحْلِفُ باللَّه أَنْ لَوْ كُنَّا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ لَقَدْ تَرَكْنَاهَا لَكُمْ) [3] أَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حِبْرَةٌ، وَقَمِيصٌ مُوَشًّى [4] ، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: صَبَأَ عُمَرُ، قَالَ: فَمَهْ! رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَاذَا تُرِيدُونَ! أَتَرَوْنَ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ يُسْلِمُونَهُ! خَلُّوا عَنْهُ، قَالَ: فو الله لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ [5] عَنْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ: يَا أَبَهْ، مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْكَ؟ قَالَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بن حازم، عن ابن إسحاق [6] .
__________
[ () ] دلائل النبوّة 2/ 9، وابن الجوزي في مناقب عمر 15.
[1] سيرة ابن هشام 2/ 97، السير والمغازي 184، 185.
[2] أي أعيا وتعب، على ما في (النهاية) ، وفي السير والمغازي «بلح» .
[3] ما بين القوسين ساقط من الأصل فاستدركته من (ع) ونسخة دار الكتب وسيرة ابن هشام والسير والمغازي.
[4] هكذا في الأصل، والسيرة، وفي السير والمغازي «قومسي» ولعلّه نسبة إلى قومس الكورة الكبيرة الواسعة المشتملة على مدن وقرى ومزارع في ذيل جبل طبرستان، كما ذكر ياقوت في معجمه.
والحبرة: ضرب من برود اليمن.
[5] في السير والمغازي «كشف» .
[6] سيرة ابن هشام 2/ 97، 98، السير والمغازي 184، 185، نهاية الأرب 16/ 256، 257 عيون التواريخ 1/ 77.(1/176)
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ [1] ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ: كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ بِالْهَاجِرَةِ، فِي بَعْضِ طَرِيقِ [2] مَكَّةَ، إِذْ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَقَالَ:
عَجَبًا لَكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ وَأَنَّكَ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ هَذَا الْأَمْرُ فِي بَيْتِكَ، قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ قَدْ أَسْلَمَتْ [3] ، فَرَجَعْتُ مُغْضَبًا حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ مِمَّنْ لا شيء له ضمّهما إلى مَنْ فِي يَدِهِ سِعَةً فَيَنَالَانِ مِنْ فَضْلِ طعامه، وقد كان ضمّ إلى زَوْجِ أُخْتِي رَجُلَيْنِ، فَلَمَّا قَرَعْتُ الْبَابَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: عُمَرُ، فَتَبَادَرُوا فَاخْتَفَوْا مِنِّي، وَقَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَ صَحِيفَةً بَيْنَ أَيْدِيهِمْ تَرَكُوهَا أَوْ نَسَوْهَا، فَقَامَتْ أُخْتِي تَفْتَحُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا، أَصَبَأْتِ، وَضَرَبْتُهَا بِشَيْءٍ فِي يَدِي عَلَى رَأْسِهَا، فَسَالَ الدَّمُ وَبَكَتْ، وَقَالَتْ: يا بن الْخَطَّابِ مَا كُنْتَ فَاعِلا فَافْعَلْ فَقَدْ صَبَأْتُ، قَالَ: وَدَخَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الصَّحِيفَةِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا [4] نَاوِلِينِهَا، قَالَتْ: لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، أَنْتَ لا تَطَهِّرُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَهَذَا كِتَابٌ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ، فَمَا زِلْتُ بِهَا حَتَّى نَاوَلَتْنِيهَا، فَفَتَحْتُهَا، فَإِذَا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذُعِرْتُ مِنْهُ، فَأَلْقَيْتُ الصَّحِيفَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَتَنَاوَلْتُهَا، فَإِذَا فِيهَا سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ 57: 1 [5] فذعرت، فقرأت إلى آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 57: 7 فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، فَخَرَجُوا إِلَيَّ مُتَبَادِرِينَ وَكَبَّرُوا، وَقَالُوا: أَبْشِرْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا يوم الإثنين فقال:
__________
[1] الحنيني: بضم الحاء وفتح النون وسكون الياء المثناة من تحتها. نسبة إلى الجدّ وهو حنين أو أبو الحنين. (اللباب 1/ 398) .
[2] في عيون الأثر «طرق» .
[3] في عيون الأثر «صبت» .
[4] كذا في الأصل و (ع) ، وفي المنتقى لابن الملا (ما هذه) وفي عيون الأثر «ما هذا الكتاب» .
[5] سورة الحديد، الآية 1.(1/177)
«اللَّهمّ أَعِزَّ دِينَكَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ إِمَّا أَبُو جَهْلٍ وَإِمَّا عُمَرُ» ، وَدَلُّونِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتٍ بِأَسْفَلِ الصَّفَا، فَخَرَجْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، فَقَالُوا:
مَنْ؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، وَقَدْ عَلِمُوا شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما اجتزأ أَحَدٌ أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ، حَتَّى قَالَ: «افْتَحُوا لَهُ» [1] فَفَتَحُوا لِي، فَأَخَذَ رَجُلانِ بِعَضُدِي، حَتَّى أَتَيَا بِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: خَلُّوا عَنْهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِمَجَامِعِ قَمِيصِي وجذبني إليه، ثم قال: «أسلّم يا بن الْخَطَّابِ، اللَّهمّ اهْدِهِ» فَتَشَهَّدْتُ، فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيرَةً سُمِعَتْ بِفِجَاجِ مَكَّةَ، وَكَانُوا مُسْتَخْفِينَ، فَلَمْ أَشَأْ أَنْ أَرَى رَجُلًا يَضْرِبُ وَيُضْرَبُ إِلَّا رَأَيْتُهُ، وَلَا يُصِيبُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَجِئْتُ خَالِي [2] وَكَانَ شَرِيفًا، فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ:
ابْنُ الْخَطَّابِ وَقَدْ صَبَأْتُ [3] قَالَ: لَا تَفْعَلْ، ثُمَّ دَخَلَ وَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي.
فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ، فَنَادَيْتُهُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ مثل ما قال لِخَالِي، وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ خَالِي، فَدَخَلَ وَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُضْرَبُونَ وَأَنَا لَا أُضْرَبُ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ: أَتُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ بِإِسْلَامِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:
فَإِذَا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ فَأْتِ فُلَانًا- لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ يَكْتُمُ السِّرَّ- فَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِنِّي قَدْ صَبَأْتُ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَكْتُمُ السِّرَّ، فَجِئْتُ، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ، فَقُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ: إِنِّي قَدْ صَبَأْتُ، قَالَ: أَوَقَدْ فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، فَبَادَرُوا [4] إِلَيَّ، فَمَا زِلْتُ أَضْرِبُهُمْ وَيَضْرِبُونَنِي، وَاجْتَمَعَ عَلَيَّ النَّاسُ، قَالَ
__________
[1] في عيون الأثر زيادة «فإن يرد الله به خيرا يهده» .
[2] في حاشية الأصل (خاله أبو جهل) وكذلك في المنتقى لابن الملا والسيرة لابن هشام، وهو أبو جهل بن هشام.
[3] في الأصل «صبوت» في كل المواضع، وفي (النهاية) : كانوا لا يهمزون فأبدلوا من الهمزة واوا.
[4] في نسخة دار الكتب والمنتقى لابن الملّا (فثاروا إليّ) .(1/178)
خَالِي: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟ قِيلَ: عُمَرُ قَدْ صَبَأَ، فَقَامَ عَلَى الْحِجْرِ، فَأَشَارَ بِكُمِّهِ: أَلَا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي، فَتَكَشَّفُوا عَنِّي، فَكُنْتُ لَا أَشَاءُ أَنْ أَرَى رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَضْرِبُ وَيُضْرَبُ إِلَّا رَأَيْتُهُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمِينَ، فَأَتَيْتُ خَالِي فَقُلْتُ: جِوَارُكَ رُدَّ عَلَيْكَ، فَمَا زِلْتُ أَضْرِبُ وَأُضْرَبُ حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ [1] .
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ، لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيتَ الْفَارُوقَ؟ فَقَالَ: أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَأَسْرَعَ أَبُو جَهْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسُبُّهُ، فَأُخْبِرَ حَمْزَةُ، فَأَخَذَ قَوْسَهُ وَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ، إِلَى حَلْقَةِ قُرَيْشٍ الَّتِي فِيهَا أَبُو جَهْلٍ، فَاتَّكَأَ عَلَى قَوْسِهِ مُقَابِلَ أَبِي جَهْلٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَعَرَفَ أَبُو جَهْلٍ الشَّرَّ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَرَفَعَ الْقَوْسَ فَضَرَبَ بِهَا أَخْدَعَيْهِ [2] ، فَقَطَعَهُ فَسَالَتِ الدِّمَاءُ، فَأَصْلَحَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ مَخَافَةَ الشَّرِّ، قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفٍ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيِّ، فَانْطَلَقَ حَمْزَةُ فَأَسْلَمَ، وَخَرَجْتُ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا فُلَانٌ الْمَخْزُومِيُّ فَقُلْتُ: أَرَغِبْتَ عَنْ دِينِ آبَائِكَ وَاتَّبَعْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ عَلَيْكَ حَقًّا مِنِّي، قُلْتُ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ وَخَتَنُكَ، فَانْطَلَقْتُ فَوَجَدْتُ هَمْهَمَةً، فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَمَا زَالَ الْكَلَامُ بَيْنَنَا حَتَّى أَخَذْتُ بِرَأْسِ خَتَنِي فَضَرَبْتُهُ وَأَدْمَيْتُهُ، فَقَامَتْ إِلَيَّ أُخْتِي فَأَخَذَتْ بِرَأْسِي وَقَالَتْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِكَ، فَاسْتَحْيَيْتُ حِينَ رَأَيْتُ الدِّمَاءَ، فَجَلَسْتُ وَقُلْتُ: أَرُونِي هَذَا الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَقُمْتُ فَاغْتَسَلْتُ، فأخرجوا إليّ صحيفة فيها
__________
[1] انظر الخبر بطوله في عيون الأثر 1/ 122- 124، وأسد الغابة 4/ 54- 56 وانظر سيرة ابن هشام 2/ 98، مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن الجوزي 13، 14.
[2] الأخدعان: عرقان في جانبي العنق، وهما شعبتان من الوريد، وربما وقع المشرط على أحدهما فينزف صاحبه. كما في النهاية.(1/179)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 20: 0 قُلْتُ: أَسْمَاءُ طَيِّبَةٌ طاهرة طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى 20: 1- 2 [1] إلى قوله لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى 20: 8، فَتَعَظَّمْتُ فِي صَدْرِي، وَقُلْتُ: مِنْ هَذَا فَرَّتْ قُرَيْشٌ، فَأَسْلَمْتُ، وَقُلْتُ: أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَتْ: فَإِنَّهُ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ، فَأَتَيْتُ فَضَرَبْتُ الْبَابَ، فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: عُمَرُ، قَالَ: وَعُمَرُ! افْتَحُوا لَهُ الْبَابَ، فَإِنْ أَقْبَلَ قَبِلْنَا مِنْهُ، وَإِنْ أَدْبَرَ قَتَلْنَاهُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ فَتَشَهَّدَ عُمَرُ، فَكَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ؟ قَالَ: «بَلَى» ، فَقُلْتُ: فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ، فَخَرَجْنَا صَفَّيْنِ أَنَا فِي أَحَدِهِمَا، وَحَمْزَةُ فِي الْآخَرِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَنَظَرَتْ قُرَيْشٌ إِلَيَّ وَإِلَى حَمْزَةَ، فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْفَارُوقَ) يَوْمَئِذٍ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ [2] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَسْلَمَ عُمَرُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَعَشْرِ نِسْوَةٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ، وَبَعْدَ أَرْبَعِينَ أَوْ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أُنْزِلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اسْتَبْشَرَ أهل السماء بإسلام عمر [4] .
__________
[1] أوّل سورة طه.
[2] مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن الجوزي 12/ 13 و 19، صفة الصفوة 1/ 272، 373، دلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 79، 80، عيون التواريخ 1/ 75- 77.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 269، صفة الصفوة 1/ 273، أسد الغابة 4/ 53، نهاية الأرب 16/ 256.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 269، مناقب عمر لابن الجوزي 18، صفة الصفوة 1/ 274، نهاية الأرب 16/ 256.(1/180)
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] : كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ بَعْدَ خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ. فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أُمِّهِ لَيْلَى قَالَتْ: كَانَ عُمَرُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي إِسْلامِنَا، فَلَمَّا تَهَيَّأْنَا لِلْخُرُوجِ إِلَى الْحَبَشَةِ، جَاءَنِي عُمَرُ، وَأَنَا عَلَى بَعِيرٍ، نُرِيدُ أَنْ نَتَوَجَّهَ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟
فَقُلْتُ: قَدْ آذَيْتُمُونَا فِي دِينِنَا، فَنَذْهَبَ فِي أَرْضِ اللَّهِ حَيْثُ لَا نُؤْذَى فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، فَقَالَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَجَاءَ زَوْجِي عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ مِنْ رِقَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: تَرْجِينَ أَنْ يُسْلِمَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فو الله لَا يُسْلِمُ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ [2] . يَعْنِي مِنْ شِدَّتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ بِضْعٌ [3] وَأَرْبَعُونَ رَجُلا، وإحدى عشرة امرأة [4] .
__________
[1] السير والمغازي 181.
[2] السير والمغازي 181، سيرة ابن هشام 2/ 95 عيون التواريخ 1/ 75.
[3] في السير والمغازي 184 «بضعة» .
[4] كتب في حاشية الأصل «بلغت قراءة» .(1/181)
الْهِجْرَةُ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ الثَّانِيَةُ
قَالَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ فِي «تَارِيخِهِ» [1] حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، حَدَّثَنِي بَشَّارُ بْنُ مُوسَى الْخَفَّافُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ- إِمَامُ مَسْجِدِ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ- ثنا قَتَادَةُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَهْلِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ يَعْنِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: خَرَجَ عُثْمَانُ بِرُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَأَبْطَأَ خَبَرُهُمْ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ رَأَيْتُ خَتَنَكَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: «عَلَى أَيِّ حَالٍ رَأَيْتِهِمَا» ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُهُ حَمَلَ امْرَأَتَهُ عَلَى حِمَارٍ مِنْ هَذِهِ الدَّبَّابَةِ [2] ، وَهُوَ يَسُوقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَحِبَهُمَا اللَّهُ، إِنَّ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ» [3] . وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُرْوَةَ،
__________
[1] المعرفة والتاريخ 3/ 255.
[2] في حاشية الأصل «أي ضعاف تدبّ ولا تسرع» .
[3] وقد ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 66! 76 لكنه قال: «روى البيهقي من حديث يعقوب ابن سفيان» ووقع فيه «بشر» بدل «بشار» وهو تصحيف.(1/183)
وعبد الله بن أبي بكر، وصلت الحديث عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالْخُرُوجِ إِلَى الْحَبَشَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى مَا يُصِيبُنَا مِنَ الْبَلَاءِ: «الْحَقُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكَهَا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَأَقِيمُوا بِبِلَادِهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، فَقَدِمْنَا عَلَيْهِ فَاطْمَأْنَنَّا فِي بِلَادِهِ [1] .
الْحَدِيثَ.
قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي تَاسِعِ «الْمُخَلَّصِيَّاتِ» [2] : وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] : فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعَافِيَةِ بِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ عَمِّهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ، قَالَ لَهُمْ: لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ» فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ، وَفِرَارًا بِدِينِهِمْ إِلَى اللَّهِ [4] .
فَخَرَجَ عُثْمَانُ بِزَوْجَتِهِ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ وَلَدُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بِزَوْجَتِهِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَوَلَدَتْ لَهُ بِالْحَبَشَةِ مُحَمَّدًا، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ [5] الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَزَوْجَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ، وَامْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حُثْمَةَ الْعَدَوِيَّةُ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أبي رُهْم بْن عبد العُزَّى العامريّ،
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 87، السير والمغازي 213.
[2] هي أجزاء مشهورة لأبي طاهر المخلّص الذهبي.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 69، السير والمغازي 174.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 69، 70 السير والمغازي 174.
[5] «عبد» ليست في السيرة.(1/184)
وَسُهَيْلُ [1] بْنُ بَيْضَاءَ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبٍ الْحَارِثِيُّ، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ [2] .
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَتَتَابَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْحَبَشَةِ.
ثُمَّ سَمَّى ابْنُ إِسْحَاقَ [3] جَمَاعَتَهُمْ وَقَالَ: فَكَانَ جَمِيعُ مَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، أَوْ وُلِدَ بِهَا، ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَعَبَدُوا اللَّهَ وَحَمِدُوا جِوَارَ النَّجَاشِيِّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ:
يَا رَاكِبًا بَلِّغَا [4] عَنِّي مُغَلْغَلَةً ... مَنْ كَانَ يَرْجُو بَلَاغَ اللَّهِ وَالدِّينِ
كُلَّ امْرِئٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ مُضْطَهَدٍ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ مَقْهُورٍ وَمَفْتُونِ
أَنَّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللَّهِ وَاسِعَةً ... تُنْجِي مِنَ الذُّلِّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ
فَلَا تُقِيمُوا عَلَى ذُلِّ الْحَيَاةِ وَخِزْيٍ ... فِي الْمَمَاتِ وَعَيْبٍ غَيْرِ مَأْمُونِ
إِنَّا تَبِعْنَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاطَّرَحُوا ... قَوْلَ النَّبِيِّ وَعَالَوْا فِي الْمَوَازِينِ
فَاجْعَلْ عَذَابَكَ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ بَغَوْا ... وَعَائِذٌ [5] بِكَ أَنْ يَعْلُوا فَيَطْغُونِي [6]
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ يُعَاتِبُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ ابْنَ عَمِّهِ، وَكَانَ يُؤْذِيهِ [7] :
أَتَيْمَ بْنَ عَوْفٍ وَالَّذِي جَاءَ بِغْضَةً ... وَمِنْ دُونِهِ الشِّرْمَانُ وَالْبَرْكُ أَكْتَعُ
أَأَخْرَجْتَنِي مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ آثِمًا [8] ... وأسكنتني في صرح بيضاء تقذع
__________
[1] كذا في الأصل، وسيرة ابن هشام. وفي المغازي لعروة 105 «سهل» وهو تصحيف.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 70 وفيه «فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة» . وانظر تاريخ الطبري 2/ 331، وطبقات ابن سعد 1/ 204.
[3] راجع أسماء المهاجرين في سيرة ابن هشام 2/ 70- 75، والسير والمغازي 176، 177، وانظر تاريخ الطبري 2/ 331، ونهاية الأرب للنويري 16/ 232، 233، وعيون الأثر لابن سيّد الناس 1/ 115.
[4] في السيرة «بلغن» .
[5] في السيرة: «وعائذا» .
[6] سيرة ابن هشام 2/ 75.
[7] بسبب إسلامه.
[8] كذا في (ع) والمنتقى لابن الملّا، وفي الأصل يشبه رسمها أن يكون (آمنا) كما في السيرة.(1/185)
تريش نبلا لَا يُوَاتِيكَ رِيشُهَا ... وَتَبْرِي نِبَالًا رِيشَهَا لَكَ أَجْمَعُ
وَحَارَبْتَ أَقْوَامًا كِرَامًا أَعِزَّةً ... وَأَهْلَكْتَ أَقْوَامًا بِهِمْ كُنْتَ تَفْزَعُ
سَتَعْلَمُ إِنْ نَابَتْكَ يَوْمًا مُلِمَّةٌ ... وَأَسْلَمَكَ الْأَوْبَاشُ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ [1]
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا وَاشْتَدَّ مَكْرُهُمْ، وَهَمُّوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِخْرَاجِهِ، فَعَرَضُوا عَلَى قَوْمِهِ أَنْ يُعْطُوهُمْ دِيَتَهُ وَيَقْتُلُوهُ، فَأَبَوْا حَمِيَّةً.
وَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعْبَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْحَبَشَةِ فَخَرَجُوا مَرَّتَيْنِ، رَجَعَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حِينَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ «النَّجْمِ» ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ قَرَرْنَاهُ وَأَصْحَابَهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَذْكُرُ مَنْ حَالَفَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمِثْلِ مَا يَذْكُرُ بِهِ آلِهَتَنَا مِنَ الشَّتْمِ، وَالشَّرِّ. وكأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَنَّى هُدَاهُمْ، فَأُنْزِلَتْ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى 53: 19- 20 [2] ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ [3] عِنْدَهَا كَلِمَاتٍ «وَإِنَّهُنَّ الْغَرَانِيقُ الْعُلَا، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى» فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِ كُلِّ مُشْرِكٍ بِمَكَّةَ، وَدَالَتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ وَتَبَاشَرُوا بِهَا. وقالوا:
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 76.
[2] سورة النجم، الآية 19.
[3] قال الإمام الجصّاص في (الجامع لأحكام القرآن) : قد اختلف في معنى «ألقى الشيطان» فقال قائلون: لما تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذه السورة، وذكر فيها الأصنام، علم الكفّار أنّه يذكرها بالذّم والعيب، فقال قائل منهم حين بلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى قوله تعالى أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى 53: 19: تلك الغرانيق العلا. وذلك بحضرة الجمع الكثير من قريش في المسجد الحرام، فقال سائر الكفّار الذين كانوا بالبعد منه: إنّ محمدا قد مدح آلهتنا، وظنّوا أنّ ذلك كان في تلاوته، فأبطل الله ذلك من قولهم، وبيّن أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يتله، وإنّما تلاه بعض المشركين، وسمّى الّذي ألقى ذلك في حال تلاوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيطانا، لأنه كان من شياطين الإنس، كما قال تعالى: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ 6: 112 والشيطان اسم لكلّ متمرّد عات من الجنّ والإنس. وقيل: إنّه جائز أن يكون شيطانا من شياطين الجنّ قال ذلك عند تلاوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومثل ذلك جائز في أزمان الأنبياء عليهم السلام، كما حكى الله تعالى بقوله: إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقال لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ، إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ 8: 48(1/186)
إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ رَجَعَ إِلَى دِينِنَا، فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَ النَّجْمِ سَجَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُشْرِكٍ، غَيْرَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ [1] كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا رَفَعَ مِلْءَ كَفَّيْهِ تُرَابًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَعَجِبَ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ في السّجود، بسجود إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَجِبَ الْمُسْلِمُونَ بِسُجُودِ الْمُشْرِكِينَ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَاطْمَأَنُّوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، لِمَا أُلْقِيَ فِي أُمْنِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَرَأَهَا فِي السَّجْدَةِ، فَسَجَدُوا تَعْظِيمًا لِآلِهَتِهِمْ.
وَفَشَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِي النَّاسِ، وَأَظْهَرَهَا الشَّيْطَانُ، حَتَّى بَلَغَتْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ وَمَنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابِهِ، وَحَدَّثُوا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَدْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ وَصَلُّوا، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَمِنُوا بِمَكَّةَ، فَأَقْبَلُوا سِرَاعًا، وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ، وَأُنْزِلَتْ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا 22: 52
__________
[ () ] إنما قال ذلك إبليس حين تصوّر في صورة سراقة بن مالك لقريش وهم يريدون الخروج إلى بدر، وكما تصوّر في صورة الشيخ النّجديّ، حين تشاورت قريش في دار النّدوة، في أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان مثل ذلك جائزا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لضرب من التدبير، فجائز أن يكون الّذي قال ذلك شيطانا، فظن القوم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ. (انظر ج 3/ 246 سورة الحج) .
وقال الحافظ البيهقي في دلائل النبوّة 2/ 62: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل. وبيّن جرح رواتها وطعن حملة العلم فيهم. وفي «البحر» أنّ هذه القصة سئل عنها محمد بن إسحاق صاحب «السيرة» فقال: هذا من وضع الزنادقة. وقال أبو منصور الماتريديّ: الصّواب أنّ قوله «تلك الغرانيق إلخ» من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزّنادقة، والرسالة بريئة من هذه الرواية.
وقال القاضي عياض في الشفاء 2/ 28: يكفيك أنّ هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصّحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده، واختلاف كلماته.
وقد فصّل القاضي عياض عدم صحّة هذه الرواية من عدّة وجوه يحسن مراجعتها. في كتابه الشفاء 2/ 116- 123، وانظر تفسير القرطبي 12/ 82، والنويري في نهاية الأرب 16/ 235- 241.
[1] ويقال هو أبو أحيحة سعيد بن العاص.(1/187)
نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ 22: 52 [1] الْآيَاتِ. فَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ قَضَاءَهُ وَبَرَّأَهُ مِنْ سَجْعِ الشَّيْطَانِ انْقَلَبَ الْمُشْرِكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ.
وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ، فِيمَنْ رَجَعَ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ إِلَّا بِجِوَارٍ، فَأَجَارَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ مَا يَلْقَى أَصْحَابُهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَعَذَّبَ [2] طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالسِّيَاطِ وَالنَّارِ، وَعُثْمَانُ مُعَافًى لَا يُعْرَضُ لَهُ، اسْتَحَبَّ الْبَلَاءَ، فَقَالَ لِلْوَلِيدِ: يَا عَمُّ قَدْ أَجَرْتَنِي، وَأُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِي إلى عشيرتك فتبرأ منّي، فقال: يا بن أَخِي لَعَلَّ أَحَدًا آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا اعْتَرَضَ لِي أَحَدٌ وَلَا آذَانِي، فَلَمَّا أَبَى إِلَّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقُرَيْشٌ فِيهِ، كَأَحْفَلِ مَا كَانُوا، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ يُنْشِدُهُمْ، فَأَخَذَ الْوَلِيدُ بِيَدِ عُثْمَانَ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ حَمَلَنِي عَلَى أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْ جِوَارِهِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقَ، أَنَا وَاللَّهِ أَكْرَهْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ، ثُمَّ جَلَسَ مَعَ الْقَوْمِ فَنَالُوا مِنْهُ [3] .
قَالَ مُوسَى: وَخَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابُهُ [4] فِرَارًا بِدِينِهِمْ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَمَرُوهُمَا أَنْ يُسْرِعَا [5] فَفَعَلَا، وَأَهْدَوْا لِلنَّجَاشِيِّ فَرَسًا وَجُبَّةَ دِيبَاجٍ، وَأَهْدَوْا العظماء الْحَبَشَةِ هَدَايَا، فَقَبِلَ النَّجَاشِيُّ هَدِيَّتَهُمْ، وَأَجْلَسَ عَمْرًا عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رِجَالًا مِنَّا سُفَهَاءَ لَيْسُوا [6] عَلَى دِينِكَ وَلَا دِينِنَا، فَادْفَعْهُمْ
__________
[1] سورة الحج، الآية 52.
[2] في المنتقى لابن الملّا (وتعذيب) .
[3] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 62.
[4] (وأصحابه) ساقطة من الأصل. وانظر الخبر بصيغة أخرى في السير والمغازي 178، 179، وتاريخ الطبري 2/ 338- 341، والمغازي لعروة 106- 109.
[5] في المنتقى لابن الملا (يسيرا) .
[6] كذا في المنتقى لابن الملا. وفي الأصل (ليس) .(1/188)
إِلَيْنَا، فَقَالَ: حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ وَأَعْلَمَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ، فَقَالَ عَمْرٌو: هُمْ أَصْحَابُ الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِينَا، وَإِنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، وَلَا يَسْجُدُونَ لَكَ إِذَا دَخَلُوا، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَسْجُدْ لَهُ وَلَا أَصْحَابُهُ وَحَيَّوْهُ بِالسَّلَامِ، فَقَالَ عَمْروٌ: أَلَمْ نُخْبِرْكَ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: حَدِّثُونِي أَيُّهَا الرَّهْطُ، مَا لَكُمْ لَا تُحَيُّونِي كما يحيّيني مَنْ أَتَانِي مِنْ قَوْمِكُمْ، وَأَخْبِرُونِي مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى وَمَا دِينُكُمْ؟ أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا:
لَا، قَالَ: أَفَيَهُودٌ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَعَلَى [1] دِينِ قَوْمِكُمْ؟ قَالُوا:
لَا، قَالَ: فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: الْإِسْلَامُ، قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ: مَنْ جَاءَكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنَّا قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ، بَعَثَهُ الله كما بعث الرسل إلى مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَأَمَرَنَا بِالْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ [2] وَالْوَفَاءِ وَالْأَمَانَةِ، وَنَهَانَا أَنْ نَعْبُدَ الْأَوْثَانَ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ، فَصَدَّقْنَاهُ، وَعَرَفْنَا كَلَامَ اللَّهِ، فَعَادَانَا قَوْمُنَا وَعَادَوْهُ وَكَذَّبُوهُ، وَأَرَادُونَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، فَفَرَرْنَا إِلَيْكَ بِدِينِنَا وَدِمَائِنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللَّهِ إِنْ خَرَجَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ عِيسَى، قَالَ [3] : وَأَمَّا التَّحِيَّةُ فَإِنَّ رَسُولَنَا أَخْبَرَنَا أَنَّ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلَامُ، فَحَيَّيْنَاكَ بِهَا، وَأَمَّا عِيسَى فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ.
فَخَفَضَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَأَخَذَ عُودًا فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زَادَ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَى هَذَا وَزْنَ هَذَا الْعُودِ، فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَمِعَتْ هَذَا الْحَبَشَةُ لَتَخْلَعَنَّكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقُولُ فِي عِيسَى غَيْرَ هَذَا أبدا، وما أطاع
__________
[1] في المنتقى لابن الملا (أفعلى) .
[2] في المنتقى لابن الملا (والصدق) .
[3] أي جعفر بن أبي طالب.(1/189)
اللَّهَ النَّاسُ فِيَّ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي، فَأَنَا أُطِيعُ النَّاسَ فِي دِينِ اللَهِ! مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ أَبُو النَّجَاشِيِّ مَلِكَ الْحَبَشَةَ، فَمَاتَ وَالنَّجَاشِيُّ صَبِيٌّ، فَأَوْصَى إِلَى أَخِيهِ أَنَّ إِلَيْكَ مُلْكَ قَوْمِكَ حَتَّى يَبْلُغَ ابْنِي، فَإِذَا بَلَغَ فَلَهُ الْمُلْكُ، فَرَغِبَ أَخُوهُ فِي الْمُلْكِ، فَبَاعَ النَّجَاشِيَّ لِتَاجِرٍ، وَبَادَرَ بِإِخْرَاجِهِ إِلَى السَّفِينَةِ، فَأَخَذَ اللَّهُ عَمَّهُ قَعْصًا [1] فَمَاتَ، فَجَاءَتِ الْحَبَشَةُ بِالتَّاجِ، وَأَخَذُوا النَّجَاشِيَّ فَمَلَّكُوهُ، وَزَعَمُوا أَنَّ التَّاجِرَ قَالَ: مَا لِي بُدٌّ مِنْ غُلَامِي أَوْ مَالِي، قَالَ النَّجَاشِيُّ:
صَدَقَ، ادْفَعُوا إِلَيْهِ مَالَهُ.
قَالَ: فَقَالَ النَّجَاشِيُّ حِينَ كَلَّمَهُ جَعْفَرٌ: رُدُّوا إِلَى هَذَا هَدِيَّتَهُ- يَعْنِي عَمْرًا- وَاللَّهِ لَوْ رَشَوْنِي عَلَى هَذَا دَبْرَ ذَهَبٍ- وَالدَّبْرُ بِلُغَتِهِ الْجَبْلُ- مَا قَبِلْتُهُ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ: امْكُثُوا آمِنِينَ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ مِنَ الرِّزْقِ.
وَأَلْقَى اللَّهُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ عَمْرٍو وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ فِي مَسِيرِهِمَا، فَمَكَرَ بِهِ عَمْرٌو وَقَالَ: إِنَّكَ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَاذْهَبْ إِلَى امْرَأَةِ النَّجَاشِيِّ فَتَحَدَّثْ عِنْدَهَا إِذَا خَرَجَ زَوْجُهَا، فَإِنَّ ذلك عون لنا فِي حَاجَتِنَا، فَرَاسَلَهَا عُمَارَةُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا انْطَلَقَ عَمْرٌو إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبِي هَذَا صَاحِبُ نِسَاءٍ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَهْلَكَ فَاعْلَمْ عِلْمَ ذَلِكَ، فَبَعَثَ النَّجَاشِيُّ، فَإِذَا عُمَارَةُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَنَفَخَ فِي إِحْلِيلِهِ سَحَرَةٌ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي جَزِيرَةٍ مِنَ الْبَحْرِ، فَجُنَّ، وَصَارَ مَعَ الْوَحْشِ، وَرَجَعَ عَمْرٌو خَائِبَ السَّعْيِ [2] .
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] : حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير
__________
[1] أي قتلا سريعا. كما في (النهاية) .
[2] انظر الخبر في: دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 62- 65، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 80، 81.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 87، السير والمغازي 213، طبقات ابن سعد 1/ 204.(1/190)
جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى، لَا نُؤْذَى، وَلَا نَسْمَعُ مَا نَكْرَهُ [1] ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ، فَبَعَثُوا بِالْهَدَايَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَسَتَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ، رَوَاهَا جَمَاعَةٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْمَبْعَثِ.
وَقَالَ حُدَيْجُ [2] بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَعَثَنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ ثَمَانُونَ رَجُلًا، وَمَعَنَا جَعْفَرٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عُمَارَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَبَعَثُوا مَعَهُمَا بِهَدِيَّةٍ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَيْهِ سَجَدَا لَهُ، وَبَعَثَا إِلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ، وَقَالَا: إِنَّ نَاسًا مِنْ قَوْمِنَا رَغِبُوا عَنْ دِينِنَا، وَقَدْ نَزَلُوا أَرْضَكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَنَا جَعْفَرٌ: أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ، قَالَ: فَاتَّبَعُوهُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَلَمْ يَسْجُدُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا لَكُمْ لَمْ تَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْنَا نَبِيَّهُ، فَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَسْجُدَ إِلَّا للَّه، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ عَمْرٌو: إِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى، قَالَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ؟ قَالَ: نَقُولُ كَمَا قَالَ اللَّهُ، هُوَ رَوْحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ، وَلَمْ يَفْرِضْهَا وَلَدٌ، فَتَنَاوَلَ النَّجَاشِيُّ عُودًا فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ، مَا تَزِيدُونَ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ مَا يَزِنُ هَذَا، فَمَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي عِنْدَهُ فَأَحْمِلَ نَعْلَيْهِ- أَوْ قَالَ أَخْدُمَهُ- فانزلوا حيث شئتم من أرضي، فجاء
__________
[1] في السيرة 2/ 87، وطبقات ابن سعد 1/ 204 «نكرهه» .
[2] حديج: بالحاء المهملة المضمومة، وفتح الدال المهملة، وفي (ع) وما سيأتي «جريج» وهو تصحيف.(1/191)
ابْنُ مَسْعُودٍ فَشَهِدَ بَدْرًا [1] . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» عَنْ حُدَيْجٍ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى: أنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرٍ إِلَى الْحَبَشَةِ.
وَسَاقَ كَحَدِيثِ حُدَيْجٍ.
وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ إِسْرَائِيلَ وَهَمَ فِيهِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ، وَإِلَّا أَيْنَ كَانَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
رجعنا إلى تَمَامِ الْحَدِيثِ الَّذِي سُقْنَاهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ [2] قَالَتْ: فَلَمْ يَبْقَ بِطْرِيقٌ مِنْ بَطَارِقَةِ النَّجَاشِيِّ إِلَّا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّةً، قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، وَأَخْبَرَا ذَلِكَ الْبِطْرِيقَ بِقَصْدِهِمَا، لِيُشِيرَ عَلَى الْمَلِكِ بِدَفْعِ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ قَرَّبَا هَدَايَا النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ فَقَالَا: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدِمَ إِلَى بِلَادِكَ مِنِّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، جَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ، وَلَا أَنْتَ، فَقَدْ بَعَثْنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافَ قَوْمِهِمْ مِنْ أَقَارِبِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا [3] ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمُ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صِدْقًا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ مِنْ دِينِهِمْ، فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمَا، فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ: لَاهَا اللَّهِ إِذَنْ لَا أُسَلِّمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلَا يَكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلَادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولَانِ، فَأَرْسَلَ إِلَى الصَّحَابَةِ فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءُوا وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا دِينُكُمْ؟ فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جعفر فقال:
__________
[1] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 67.
[2] هي زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
[3] أي أبصر بهم.(1/192)
أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعُ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا مِنَ الْحِجَارَةِ، وَأَمَرَنَا بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا، وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا، فَخَرَجْنَا إِلَى بِلَادِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَالَتْ: قَالَ: وَهَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟
قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص 19: 1 [1] فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ، حَتَّى اخْضَلَّ [2] لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ، حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا، وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى [3] لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا، فَلَا وَاللَّهِ لَا أُسَلِّمُهُمْ إِلَيْكُمَا وَلَا يُكَادُ [4] .
قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ عَمْرٌو: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُمْ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أبي ربيعة، وكان أتى الرَّجُلَيْنِ فِينَا: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا، قَالَ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ، ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَطَلَبَنَا، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟
قَالُوا: نَقُولُ، وَاللَّهِ، مَا قَالَ اللَّهُ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا كَانَ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ، ألقاها إلى مريم العذراء البتول،
__________
[1] سورة مريم، الآية 1.
[2] في سيرة ابن هشام 2/ 88 «اخضلّت» .
[3] هكذا في الأصل و (الدرر لابن عبد البر) ، وفي نسخة دار الكتب (عيسى) .
[4] في السيرة «يكادون» .(1/193)
فَأَخَذَ النَّجَاشِيُّ عُودًا ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ، وَاللَّهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ [1] بِأَرْضِي- وَالسُّيُومُ: الْآمِنُونَ- مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا [2] مِنْ ذَهَبٍ، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ، رُدُّوا هَدَايَاهُمَا فَلَا حاجة لي فيها، فو الله مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع النَّاسُ فِيَّ فَأُطِيعُهُمْ فِيهِ، قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ [3] .
قَالَتْ: فَإِنَّا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ نَزَلَ بِهِ رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فو الله مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَدْ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْنَا مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. فَسَارَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ الْوَقْعَةَ، ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أنا، فنفخوا له قرية، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا يَلْتَقِي الْقَوْمُ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ، وَدَعَوْنَا اللَّهَ تَعَالَى لِلنَّجَاشِيِّ، فَإِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ الزُّبَيْرُ يَسْعَى فَلَمَعَ بِثَوْبِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَلَا أَبْشِرُوا، فَقَدْ ظَهَرَ النَّجَاشِيُّ، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّهُ وَمَكَّنَ لَهُ فِي بِلَادِهِ [4] .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَحَدَّثْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُهُ: مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ إِلَى آخِرِهِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فإنّ عائشة أمّ
__________
[1] وفي رواية (شيوم) . انظر السيرة 2/ 88، وفي المغازي لعروة 113 كما هنا، وكذلك في دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 74، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 83.
[2] الدبر: الجبل.
[3] انظر تاريخ الطبري 2/ 335.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 87- 89، السير والمغازي 213- 216، نهاية الأرب 16/ 247- 250، دلائل النبوة للبيهقي 2/ 72- 74 دلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 81- 83.(1/194)
الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ، ولم يكن له ولد إلا النجاشي، وكان لِلنَّجَاشِيِّ عَمٌّ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فقَالَتِ الْحَبَشَةُ: لَوْ أَنَّا قَتَلْنَا هَذَا وَمَلَّكْنَا أَخَاهُ، فَإِنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْغُلَامِ، وَلِأَخِيهِ اثْنَا عَشَرَ وَلَدًا، فَتَوَارَثُوا مُلْكَهُ من بعده بقيت الحبشة بعده دهرا، فغدوا عَلَى أَبِي النَّجَاشِيِّ فَقَتَلُوهُ، وَمَلَّكُوا أَخَاهُ. فَمَكَثُوا حِينًا، وَنَشَأَ النَّجَاشِيُّ مَعَ عَمِّهِ، فَكَانَ لَبِيبًا حَازِمًا، فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ، وَنَزَلَ مِنْهُ بِكُلِّ مَنْزِلَةٍ، فَلَمَّا رَأَتِ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ مِنْهُ قَالَتْ بَيْنَهَا: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبَ هَذَا عَلَى عَمِّهِ، وَإِنَّا لَنَتَخَوَّفُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا، وَإِنْ مَلَكَ لَيَقْتُلُنَا بِأَبِيهِ، فَكَلَّمُوا الْمَلِكَ [1] ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ، قَتَلْتُ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ، وَأَقْتُلُهُ الْيَوْمَ! بَلْ أُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِكُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجُوا بِهِ فَبَاعُوهُ لِتَاجِرٍ [2] بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَذَفَهُ فِي سَفِينَةٍ وَانْطَلَقَ بِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ، هَاجَتْ سَحَابَةٌ، فَخَرَجَ عَمُّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا، فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ، ففزعت الحبشة إلى ولده، فإذا هو محمق لَيْسَ فِي وَلَدِهِ خَيْرٌ، فَمَزَجَ الأَمْرُ، فَقَالُوا:
تَعَلَّمُوا، وَاللَّهِ إِنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لَا يُقِيمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لَلَّذِي بِعْتُمُوهُ غَدْوَةً [3] ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ فَأَدْرَكُوهُ، وَأَخَذُوهُ مِنَ التَّاجِرِ، ثُمَّ جَاءُوا بِهِ فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التَّاجَ، وَأَقْعَدُوهُ عَلَى سَرِيرِ ملكه، فجاء التّاجر فقال: ما لي، قَالُوا: لَا نُعْطِيكَ شَيْئًا، فَكَلَّمَهُ، فَأَمَرَهُمْ فَقَالَ: أَعْطُوهُ دَرَاهِمَهُ أَوْ عَبْدَهُ، قَالُوا: بَلْ نُعْطِيهِ دَرَاهِمَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا خُبِرَ مِنْ عَدْلِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [4] .
وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يُكَلِّمُ النَّجَاشِيَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [5] .
__________
[1] أي في قتله.
[2] من بني ضمرة. (الجواهر الحسان في تاريخ الحبشان) .
[3] وهو أصحمة.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 89- 90، السير والمغازي 216- 217، دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 76، دلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 83- 84، نهاية الأرب 16/ 250- 252.
[5] المغازي لعروة 111.(1/195)
أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَدٍ، وَجَمَاعَةٌ، أنا ابْنُ ملاعب، ثنا الأمويّ، أنا جَابِرُ بْنُ يَاسِينَ، أنا الْمُخَلِّصُ، أنا الْبَغَوِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، ثنا أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ، عَنْ مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرًا وَعُمَارَةَ بِهَدِيَّةٍ إِلَى النَّجَاشِيِّ لِيُؤْذُوا الْمُهَاجِرِينَ. فَخَلُّوهُمْ، فَقَالَ عَمْرٌو: وَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى غَيْرَ مَا تَقُولُ، فَأَرْسِلْ إِلَيْنَا، وَكَانَتِ الدَّعْوَةُ الثَّانِيَةُ أَشَدَّ عَلَيْنَا، فَقَالَ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكُمْ فِي عِيسَى؟ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: أَعَبِيدٌ هُمْ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَلَكُمْ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ:
يَقُولُ: هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى عَذْرَاءَ بَتُولٍ، فَقَالَ: ادْعُوا لِي فُلَانًا الْقَسَّ، وَفُلَانًا الرَّاهِبَ، فَأَتَاهُ أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى؟
قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُنَا، قَالَ: وَأَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: مَا عَدَا عِيسَى مَا قَالَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: أَيُؤْذِيكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَادَى مَنْ آذَى مِنْهُمْ فَأَغْرَمُوهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ: أَيَكْفِيكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، فَأَضْعِفْهَا، قَالَ: فَلَمَّا ظَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاجَرَ أَخْبَرْنَاهُ، قَالَ فَزَوَّدَنَا وَحَمَلْنَا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا صَنَعْتُ إِلَيْكُمْ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي، فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَنِي وَقَالَ: مَا أَدْرِي أَنَا بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَفْرَحُ أَمْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ، وَقَالَ: «اللَّهمّ اغْفِرْ لِلنَّجَاشِيِّ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: آمِينَ [1] .
إِسْلَامُ ضِمَادٍ [2]
دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن ابن
__________
[1] في حاشية الأصل: بلغت قراءة خليل بن أيبك في الميعاد الثالث على مؤلّفه، فسح الله في مدّته.
[2] هو ضماد بن ثعلبة الأزدي. كان صديقا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الجاهلية وكان رجلا يتطبّب ويرقي ويطلب العلم. (الاستيعاب 2/ 217، الإصابة 2/ 210 رقم 4177) .(1/196)
عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ ضِمَادٌ مَكَّةَ، وَهُوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ [1] فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ سُفَهَاءِ النَّاسِ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فَقَالَ:
آتِي هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ: فَلَقِيتُ مُحَمَّدًا فَقُلْتُ:
إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدَيَّ مَنْ يَشَاءُ، فَهَلُمَّ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّ الْحَمْدَ للَّه نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسوله، أمّا بعد، فقال: [2] والله لقد سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ [3] ، فَهَلُمَّ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَبَايَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ:
«وَعَلَى قَوْمِكَ» فَقَالَ: وَعَلَى قَوْمِي. فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِ ضِمَادٍ. فَقَالَ صَاحِبُ الْجَيْشِ لِلسَّرِيَّةِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فَقَالَ: رُدُّوهَا عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ قَوْمُ ضِمَادٍ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .
إِسْلَامُ الْجِنِّ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً من الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ 46: 29
__________
[1] في صحيح مسلّم «الريح» ، وفي النهاية لابن الأثير «إنّي أعالج من هذه الأرواح» ، والأرواح أو الريح كناية عن الجنّ.
[2] في المنتقى لابن الملا «فقال ضماد» .
[3] في حاشية الأصل و (ع) «ولقد بلغن قاموس البحر» وفي روآية «ناعوس» . ولفظ «قاموس» هو المشهور في روآيات الحديث في غير صحيح مسلّم. وقال القاضي عياض: أكثر نسخ صحيح مسلّم وقع فيها «قاعوس» . قال أبو عبيد: قاموس البحر وسطه، وقال ابن دريد:
لجّته. وقال صاحب كتاب العين: قعره الأقصى. (انظر: صحيح مسلّم) .
[4] صحيح مسلّم (868) كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوّة 2/ 10، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 604- 605، وفيه: أخرج هذه القصة أيضا الإمام أحمد في مسندة برقم 2749 وأخرجها أيضا النسائي في السنن، وأبو نعيم في دلائل النبوّة برقم 187 بتحقيق قلعة جي وعبّاس.(1/197)
[1] الْآيَاتِ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ 6: 130 [2] وَأَنْزَلَ فِيهِمْ سُورَةَ الْجِنِّ.
وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَلَا رَآهُمْ، انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟
فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا.
قَالَ: فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ النَّفَرُ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بِنَخْلَةَ [3] ، عَامِدًا إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أحدا، فأنزلت قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ 72: 1 [4] .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] .
وَيُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَرَأَ عَلَى الْجِنِّ وَلَا رَآهُمْ، يَعْنِي أَوَّلَ مَا سَمِعَتِ الْجِنُّ الْقُرْآنَ، ثُمَّ إِنَّ دَاعِيَ الْجِنِّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ حفظ القصّتين، فقال سفيان الثّوريّ عن
__________
[1] سورة الأحقاف، الآية 29.
[2] سورة الأنعام، الآية 130.
[3] موضع على ليلة من مكة. (معجم ما استعجم للبكري 4/ 1304 وانظر معجم البلدان 5/ 277) .
[4] سورة الجن، الآية 1.
[5] صحيح مسلّم (449) كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجنّ، الترمذي (3379) سورة الجن، أحمد في مسندة 1/ 252، و 270 و 274 و 416.(1/198)
عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَلَمَّا سَمِعُوهُ أَنْصَتُوا قَالُوا: صَهْ [1] ، وَكَانُوا سَبْعَةً أَحَدُهُمْ زَوْبَعَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً من الْجِنِّ 46: 29 الْآيَاتِ.
وَقَالَ مِسْعَرٌ، عَنْ مَعْنٍ، ثنا أَبِي، سَأَلْتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ [2] لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّهُ آذَنَتْهُ بِهِمْ شَجَرَةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ مَسْعُودٍ: هَلْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ مِنْكُمْ أَحَدٌ؟ فَقَالَ: مَا صَحِبَهُ مِنَّا أَحَدٌ، وَلَكِنَّا فَقَدْنَاهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِمَكَّةَ، فَقُلْنَا اغْتِيلَ، اسْتُطِيرَ، مَا فَعَلَ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ- أَوْ قَالَ فِي السَّحَرِ- إِذَا نَحْنُ بِهِ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ حِرَاءَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرُوا الَّذِي كَانُوا فِيهِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَأَتَيْتُهُمْ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ» ، فَانْطَلَقَ فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] . وَقَدْ جَاءَ مَا يُخَالِفُ هَذَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَنَّةَ [5] الْخُزَاعِيُّ من
__________
[1] كلمة زجر تقال عند الإسكات، وتنوّن ولا تنوّن. (النهاية) .
[2] «بالجنّ» غير موجودة في الأصل، فاستدركناها من صحيح البخاري.
[3] صحيح البخاري 4/ 240 كتاب مناقب الأنصار، باب ذكر الجنّ وقول الله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ من الْجِنِّ 72: 1. وانظر دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 12، وعيون الأثر 1/ 137.
[4] صحيح مسلّم (450) كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجنّ.
وفيه تكملة: «وسألوه الزاد، فقال: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحما. وكل بعرة علف لدوابّكم» . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلا تستنجوا بهما فإنّهما طعام إخوانكم» .
[5] بفتح السين وتشديد النون. على ما في تبصير المنتبه، والقاموس المحيط وغيرهما.(1/199)
أَهْلِ الشَّامِ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ «مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَحْضُرَ اللَّيْلَةَ أَمْرَ الْجِنِّ فَلْيَفْعَلْ» ، فَلَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّةَ خَطَّ لِي بِرِجْلِهِ خَطًّا، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَجْلِسَ فِيهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حتى قام، فافتح الْقُرْآنَ فَغَشِيَتْهُ أَسْوَدَةٌ [1] كَثِيرَةٌ، حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى مَا أَسْمَعُ صَوْتَهُ، ثُمَّ انْطَلَقُوا وَطَفِقُوا يَتَقَطَّعُونَ مِثْلَ قِطَعِ السَّحَابِ، ذَاهِبِينَ، حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ، وَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْفَجْرِ، فَانْطَلَقَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ أَتَانِي فَقَالَ: «مَا فَعَلَ الرَّهْطُ» ؟ فَقُلْتُ: هُمْ أُولَئِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ عَظْمًا وَرَوْثًا فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ زَادًا، ثُمَّ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدٌ بِعَظْمٍ أَوْ بِرَوْثٍ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ [2] . وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَبْصَرَ زُطًّا [3] فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا هَؤُلَاءِ الزُّطُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شِبْهَهُمْ إِلَّا الْجِنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَكَانُوا مُسْتَنْفِرِينَ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
صَحِيحٌ [4] .
يُقَالُ: اسْتَنْفَرَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ، إِذَا أَخَذَ ذَيْلَهُ مِنْ بَيْنِ فَخِذَيْهِ إِلَى حُجْزَتِهِ فَغَرَزَهُ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الْكَلْبِ، إِذَا جَعَلَ ذَنَبَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ لِلْحَائِضِ: اسْتَنْفِرِي.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ، عَنْ مُسْتَمِرِّ بْنِ الرَّيَّانِ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، حَتَّى أَتَى الْحَجُونَ فَخَطَّ عَلَيَّ خَطًّا، ثُمَّ تقدّم إليهم، فازدحموا عليه، فقال سيّد
__________
[1] جمع سواد وهو الشخص، لأنه يرى من بعيد أسود.
[2] سنن النسائي 1/ 37- 38، كتاب الطهارة، باب النهي عن الاستطابة بالعظم. وانظر دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 14 وعيون الأثر 1/ 137.
[3] جنس من السودان والهنود. (النهاية) .
[4] انظر عيون الأثر 1/ 136- 137.(1/200)
لَهُمْ يُقَالُ لَهُ وَرْدَانُ: إِنِّي أَنَا أُرَحِّلُهُمْ عَنْكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ [1] .
وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ «الرَّحْمَنُ» ، ثُمَّ قَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ سُكُوتًا، لَلْجِنُّ كَانُوا أَحْسَنَ رَدًّا مِنْكُمْ، مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ مَرَّةٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ 55: 13 [2] ، إِلَّا قَالُوا: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نكذب، فكل الْحَمْدُ» .
زُهَيْرٌ ضَعِيفٌ [3] .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ جَدِّهِ سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدَاوَةٍ لِوُضُوئِهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: «أَتَانِي جِنُّ نَصِيبِينَ فَسَأَلُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِرَوْثَةٍ وَلَا بِعَظْمٍ إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] . وَيَدْخُلُ هَذَا الْبَابُ فِي بَابِ شَجَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُوَّةِ قَلْبِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَخَذْتُهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فذكرت دعوة أخي سُلَيْمَانُ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي 38: 35
__________
[1] دلائل النبوّة 2/ 16، تاريخ الخميس 1/ 343- 344.
[2] سورة الرحمن. (وهي مكرّرة فيها كثيرا) .
[3] انظر: التاريخ الصغير 203، الضعفاء الصغير 261 رقم 137، الضعفاء والمتروكين للنسائي 293 رقم 218، التاريخ لابن معين 2/ 176، الضعفاء الكبير للعقيليّ 2/ 92 رقم 549، الكامل في ضعفاء الرجال 3/ 1073، المغني في الضعفاء 1/ 241 رقم 2218، ميزان الاعتدال 2/ 84 رقم 2918.
[4] صحيح البخاري 4/ 240- 241 كتاب مناقب الأنصار، باب ذكر الجن وقول الله تعالى قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ. وانظر دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 18.(1/201)
[1] فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا. وَفِي لَفْظٍ: فَأَخَذْتُهُ فَفَدَغْتُهُ، يَعْنِي خَنَقْتُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ مِنْ هَوَاتِفِ الْجَانِّ وَأَقْوَالِ الْكُهَّانِ
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا، إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، فَبَيْنَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي أَوْ أَنَّكَ عَلَى دِينِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كُنْتَ كَاهِنَهُمْ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، فَقَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَا أَنَا [3] جَالِسٌ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ قَالَتْ:
أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا ... وَيَأْسَهَا من بعد إنكاسها [4]
ولحوقها بالقلاص وأحلاسها [5]
__________
[1] كذا ورد في الحديث، ونصّ الآية 35 في سورة ص رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً.. 38: 35 كما في صحيح مسلّم.
[2] أخرجه البخاري 1/ 78- 119 في كتاب الصلاة، باب الاغتسال إذا أسلّم وربط الأسير أيضا في المسجد.. ومسلّم (541) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوّذ منه، وجواز العمل القليل في الصلاة، وأحمد في مسندة 2/ 298، عيون الأثر 1/ 136- 139.
[3] في صحيح البخاري «بينما أنا يوما في السوق جاءتني» .
[4] في الأصل و (ع) :
(ويأسها بعد وإبلاسها)
وما أثبتناه عن صحيح البخاري.
[5] أي يئست من استراق السمع بعد أن كانت ألفته. والقلاص: جمع قلوص وهي النّاقة الشابّة، والحلس كساء يجعل تحت رحل الإبل.(1/202)
قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ مِنْهُ [1] صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحُ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، رَجُلٌ فَصِيحٌ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [2] ، فَوَثَبَ الْقَوْمُ، قُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحُ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، قُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، فَأَعَادَ قَوْلَهُ، قَالَ: فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا [3] .
وَظَاهِرُهُ أَنَّ عُمَرَ بِنَفْسِهِ سَمِعَ الصَّارِخَ مِنَ الْعِجْلِ، وَسَائِرِ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَاهِنَ هُوَ الَّذِي سَمِعَ.
فَرَوَى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مَارٌّ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ كُنْتُ مَرَّةً ذَا فَرَاسَةٍ، وَلَيْسَ لِي رَئِيٌّ، أَلَمْ يَكُنْ قَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَنْظُرُ وَيَقُولُ فِي الْكَهَانَةِ، ادْعُوهُ لِي، فَدَعَوْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ؟ قَالَ: مِنَ الشَّامِ، قَالَ: فأين تريد؟ قال: أردت هذا الْبَيْتَ، وَلَمْ أَكُنْ أَخْرُجُ حَتَّى آتِيَكَ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ تَنْظُرُ فِي الْكَهَانَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَحَدِّثْنِي، قَالَ: إِنِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ بِوَادٍ، إِذْ سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ: يَا جَلِيحُ، خَبَرٌ نجيح، رجل يصيح، يقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، الْجِنَّ وَإِيَاسَهَا، وَالإِنْسَ وَإِبْلاسَهَا، وَالْخَيْلَ وَأَحْلَاسَهَا، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ إِنَّ هَذَا لَخَبَرٌ يَئِسَتْ مِنْهُ الْجِنُّ، وَأَبْلَسَتْ مِنْهُ الإنس، وأعملت فيه الخيل [4] ، فما حال
__________
[1] في صحيح البخاري «به» .
[2] في صحيح البخاري «أنت» بدل لفظ الجلالة.
[3] صحيح البخاري 4/ 242- 243 كتاب مناقب الأنصار، باب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[4] أي حرضت وحثت.(1/203)
الْحَوْلُ حَتَّى بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ الْوَليِدُ بْنُ مَزْيَدَ الْعُذْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ مِسْكِينٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: بَيْنَا عُمَرُ جَالِسٌ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَرَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَحَدِ الْقُرَّاءِ، عَنْ مُجَاهِدٍ مَوْقُوفًا [1] .
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَاهِنُ هُوَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْحَمَّارِ [2] الْكُوفِيِّ، ثنا زِيَادُ بْنُ يَزِيدَ الْقَصْرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ تَرَاسٍ الْكُوفِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: بَيْنَا عُمَرُ يَخْطُبُ إِذْ قَالَ: أَفِيكُمْ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ تِلْكَ السَّنَةَ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الْمُقْبِلَةُ قَالَ: أَفِيكُمْ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالُوا: وَمَا سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟
قَالَ: كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِهِ شَيْئًا عَجَبًا، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ، فَقَالَ لَهُ: حَدِّثْنَا بِبَدْءِ إِسْلَامِكَ يَا سَوَادُ، قَالَ: كُنْتُ نَازِلا بِالْهِنْدِ، وَكَانَ لِي رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ إِذْ جَاءَنِي فِي مَنَامِي ذَلِكَ قَالَ: قُمْ فَافْهَمْ وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَنْجَاسِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلاسِهَا [3]
نهوي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤْمِنُوهَا مِثْلُ أَرْجَاسِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَاسِهَا
يَا [4] سَوَادُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ نَبِيًّا فَانْهَضْ إِلَيْهِ تَهْتَدِ وَتَرْشُدْ [5] ، فلمّا كان
__________
[1] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 27.
[2] الضبط من (تبصير المنتبه) .
[3] العيس: الإبل البيض، والحلس: الكساء الّذي يوضع على ظهر الجمل.
[4] في الدلائل: «ثم أنبهني وأفزعني وقال» .
[5] في صحيح البخاري: (تسعد وترشد) .(1/204)
مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ أَتَانِي فَأَنْبَهَنِي، ثُمَّ قَالَ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَطْلَابِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا
تَهْوِي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس قداماها كَأَذْنَابِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى نَابِهَا [1]
فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ أَتَانِي فَأَنْبَهَنِي، ثُمَّ قَالَ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَخْبَارِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... لَيْسَ ذَوُو الشَّرِّ كَأَخْيَارِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَكُفَّارِهَا [2]
فَوَقَعَ [3] فِي قَلْبِي حُبُّ الْإِسْلَامِ [4] ، وَشَدَدْتُ رَحْلِي، حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ بِالْمَدِينَةِ، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ كَعُرْفِ الْفَرَسِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ:
«مَرْحَبًا بِسَوَادِ بْنِ قَارِبٍ، قَدْ عَلِمْنَا مَا جَاءَ بِكَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قُلْتُ شِعْرًا فَاسْمَعْهُ مِنِّي [5] :
أَتَانِي رَئِيِّي بَعْدَ لَيْلٍ وَهَجْعَةٍ [6] ... وَلَمْ يَكُ فِيمَا قَدْ بَلَوْتُ بِكَاذِبٍ [7]
ثَلَاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ... أَتَاكَ نَبِيٌّ [8] مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ
فَشَمَّرْتُ عَنْ سَاقِي الْإِزَارَ وَوَسَّطَتْ ... بِيَ الذّعلب [9] الوجناء [10] عند السباسب [11]
__________
[1] أي سيّدها، كما في حاشية الأصل ومعاجم اللغة.
[2] في مجمع الزوائد، وعيون الأثر، ورد الشطر الأخير «بين روابيها وأحجارها» .
[3] في الدلائل للبيهقي: «قال: لما سمعته يكرر ليلة بعد ليلة، فوقع» .
[4] في الدلائل «من أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ» .
[5] في الدلائل «قال سواد: فقلت» .
[6] في شرح الشفاء للقارئ 1/ 748 «بليلة بعد هجعة» .
[7] في صحيح البخاري «ولم أك فيما قد بليت» .
[8] وفي رواية «رسول» .
[9] الذعلب: الناقة السريعة.
[10] الوجناء: الشديدة.
[11] وفي البداية والنهاية «غبر» ، وفي مجمع الزوائد «بين» . والسبب: المفازة.(1/205)
فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ [1] غَيْرُهُ ... وَأَنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُلِّ غَائِبِ
وَأَنَّكَ أَدْنَى الْمُرْسَلِينَ شفاعة ... إلى الله يا بن الأَكْرَمِينَ الأَطَايِبِ
فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيكَ يَا خَيْرَ مَنْ مَشَى [2] ... وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذَّوَائِبِ
فَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ ... سِوَاكَ بِمُغْنٍ عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبِ
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] ، وَقَالَ لِي: «أَفْلَحْتَ يَا سَوَادُ» ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ يَأْتِيكَ رَئِيُّكَ الآنَ؟ قَالَ: مُنْذُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ لَمْ يَأْتِنِي، وَنِعْمَ الْعِوَضُ كِتَابُ اللَّهِ مِنَ الْجِنِّ [4] .
هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بِالْمَرَّةِ [5] ، وَمُحَمَّدُ بْنُ تَرَاسٍ وَزِيَادٌ [6] مَجْهُولانِ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمَا، وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَلَكِنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَشْهُورٌ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ شَيْبَانَ: ثنا يَحْيَى بْنُ حِجْرٍ الشَّامِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ الْأَبْنَاوِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رجل، فقال قائل:
__________
[1] في صحيح البخاري، ومجمع الزوائد، وشرح الشفا «ربّ» بدل «شيء» .
[2] في صحيح البخاري، ومجمع الزوائد، «يا خير مرسل» .
[3] في الدلائل «حتى بدت نواجذه» .
[4] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 29- 30، عيون الأثر 1/ 72- 74، وانظر عن سواد: الاستيعاب 2/ 123- 124، وأسد الغابة 2/ 375، والإصابة 2/ 96- 97 رقم 3583، والتاريخ الكبير للبخاريّ 4/ 202، والجرح والتعديل 4/ 303، والمعجم الكبير للطبراني 7/ 109، والمقاصد النحوية 2/ 114، والوافي بالوفيات 16/ 35- 36 رقم 48.
[5] رواه الحاكم في المستدرك 2/ 608- 610، والطبراني في المعجم الكبير 7/ 109- 112 رقم (6475) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 250 إسناده ضعيف، ونقله ابن كثير في السيرة النبويّة 1/ 344- 346 عن مسند أبي يعلى وقال: هذا منقطع، وكذا حكم بانقطاعه الذهبي في تلخيصه للمستدرك 2/ 608، ورواه أبو نعيم في دلائل النبوّة 1/ 31- 32.
[6] انظر الجرح والتعديل 3/ 549.(1/206)
أَتَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ:
أَنْتَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَنْتَ الَّذِي أَتَاهُ رَئِيُّهُ بِظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَنْتَ عَلَى كَهَانَتِكَ [1] .
فَغَضِبَ وَقَالَ: مَا اسْتَقْبَلَنِي بِهَذَا أَحَدٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ [2] .
قَالَ عُمَرُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي بِإِتْيَانِكَ رَئِيَّكَ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: بَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ أَتَانِي [3] فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ اسْمَعْ مَقَالَتِي وَاعْقِلْ، إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الشِّعْرَ قَرِيبًا مِمَّا تَقَدَّمَ، ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ يَقُولُ: كُنَّا يَوْمًا فِي حَيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُمْ آلُ ذَرِيحٍ، وَقَدْ ذَبَحُوا عِجْلا، وَالْجَزَّارُ يُعَالِجُهُ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتًا مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ وَلَا نَرَى شَيْئًا وَهُوَ يَقُولُ: يَا آلَ ذَرِيحٍ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، صَائِحٌ يَصِيحُ، بِلِسَانٍ فَصِيحٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [4] .
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مُتَّفَقٌ على تركه [5] ،
__________
[1] في دلائل النبوّة «فأنت على ما كنت عليه من كهانتك» .
[2] في الدلائل «منذ أسلمت يا أمير المؤمنين» .
[3] في دلائل النبوّة «أتاني رئي» .
[4] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 33.
[5] هو الوقّاصي المالكي. انظر عنه: التاريخ لابن معين 2/ 394، التاريخ الكبير 6/ 238- 239 رقم 2270، التاريخ الصغير 185، الضعفاء الصغير 270 رقم 250، الضعفاء والمتروكين للنسائي 399، الجرح والتعديل 6/ 157 رقم 865، الضعفاء والمتروكين(1/207)
وَعَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ فِيهِ جَهَالَةٌ [1] ، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، عَنْ بِشْرِ بْنِ حَجَرٍ أَخِي يَحْيَى بْنِ حَجَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي «كَامِلِهِ» [2] : ثنا الْوَلِيدُ بْنُ حَمَّادٍ، بِالرَّمْلَةِ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ، ثنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ قَالَ: كُنْتُ نَائِمًا عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الشَّرَاةِ، فَأَتَانِي آتٍ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ أَتَى رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
كَذَا فِيهِ سَعِيدٌ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي سَوَادٌ، وَعَبَّادٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ [3] يَأْتِي بِالطَّامَّاتِ [4] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَوَّلُ مَا سُمِعَ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ تُدْعَى فَطِيمَةَ، كَانَ لَهَا تَابِعٌ مِنَ الْجِنِّ، فَجَاءَ يَوْمًا فَوَقَعَ عَلَى جِدَارِهَا، فَقَالَتْ: مَا لَكَ لَا تَدْخُلُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ نبيّ
__________
[ () ] للدارقطنيّ 133 رقم 403، أحوال الرجال للجوزجانيّ 127 رقم 211، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 206 رقم 1209، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 5/ 808، المغني في الضعفاء 2/ 246 رقم 4038، الكاشف 2/ 221 رقم 3771، ميزان الاعتدال 3/ 43 رقم 5531، تهذيب التهذيب 7/ 133 رقم 279.
[1] لم أجد له ترجمة.
[2] الكامل في ضعفاء الرجال 2/ 628 في ترجمة الحكم بن يعلى.
[3] انظر عنه: التاريخ الكبير 6/ 41 رقم 1629، الجرح والتعديل 6/ 82 رقم 421، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 138 رقم 1121، الكامل في ضعفاء الرجال 4/ 1648، المغني في الضعفاء 1/ 326 رقم 3043، ميزان الاعتدال 2/ 369 رقم 4128، لسان الميزان 3/ 232 رقم 1032.
[4] هنا في حاشية الأصل (بلغ) ، يعنون (بلغ قراءة) . وانظر الحديث في دلائل النبوّة 2/ 33.(1/208)
يحرّم الزّنا، فَحَدَّثَتْ بِذَاكَ الْمَرْأَةُ عَنْ تَابِعِهَا مِنَ الْجِنِّ، فَكَانَ أَوَّلَ خَبَرٍ تُحَدِّثُ بِهِ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الزَّمِّيُّ [1] : ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن عمرو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَوَّلُ خَبَرٍ قَدِمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ لَهَا تَابِعٌ، فَجَاءَ فِي صُورَةِ طائر حتى وقع على حائط دراهم، فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: انْزِلْ، قَالَ: لَا، إِنَّهُ قد بعث بمكة نبيّ يحرّم الزّنا، قَدْ مَنَعَ مِنَّا الْقَرَارَ.
وَفِي الْبَابِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَامَّتُهَا وَاهِيَةُ الأَسَانِيدِ.
انْشِقَاقُ الْقَمَرِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ 54: 1- 3 [2] . قَالَ شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ مَرَّتَيْنِ. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ، لَكِنْ لَمْ يَقُلِ الْبُخَارِيُّ (مَرَّتَيْنِ) [3] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ (فَانْشَقَّ فِرْقَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) [4] . وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوٌ مِنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عروبة، عن قتادة. وأخرجاه
__________
[1] الزّمّي: بفتح الزاي وتشديد الميم، نسبة إلى زم، وهي بليدة على طرف جيحون (اللباب لابن الأثير 2/ 76.
[2] أول سورة القمر.
[3] صحيح البخاري 4/ 186 باب سؤال المشركين أن يريهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم آية فأراهم انشقاق القمر، وتفسير سورة القمر 6/ 53 ومسلّم (2802) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر، وأحمد في المسند 1/ 377 و 413، و 447 و 3/ 275 و 278 و 4/ 82.
[4] صحيح مسلّم (2802/ 47) كتاب صفات المنافقين.(1/209)
مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: رَأَيْتُ الْقَمَرَ مُنْشَقًّا شِقَّتَيْنِ بِمَكَّةَ، قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقَّةٌ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَشِقَّةٌ عَلَى السُّوَيْدَاءِ، فَقَالُوا: سُحِرَ الْقَمَرِ [1] .
لَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَرَادَ (قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حديث ان عُيَيْنَةَ، وَلَفْظُهُ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْهَدُوا [2] . وَأَخْرَجَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، ثنا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: انْفَلَقَ الْقَمَرُ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَتْ فِلْقَةٌ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اشْهَدُوا [3] . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ [4] . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» : ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا سِحْرُ ابْنِ أبي كبشة [5] فقالوا: [6] انظروا [7] ما
__________
[1] أخرجه مسلّم (2800) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
[2] صحيح مسلّم (2800/ 43) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
[3] صحيح مسلّم (2800/ 44) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
[4] صحيح مسلّم (2800/ 45) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
[5] كان المشركون ينسبون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي كبشة، وهو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان.
[6] في دلائل النبوّة «قال: فقالوا:» .
[7] في دلائل النبوة «انتظروا» .(1/210)
يَأْتِيكُمْ بِهِ السُّفَّارُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ [1] ، فَجَاءَ السُّفَّارُ فَقَالُوا: ذَلِكَ صَحِيحٌ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ [2] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَنْ حَدِيثِ بَكْرٍ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ 54: 1 قَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْشَقَّ فِلْقَتَيْنِ، فِلْقَةٌ مِنْ دُونِ الْجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ مِنْ خَلْفِ الْجَبَلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهمّ اشْهَدْ) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، وَهُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ جُبَيْرِ [4] بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ، وَنَحْنُ بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو كُدَيْنَةَ [5] ، وَالْمُفَضَّلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَالْأَوَّلُ أصحّ [6] .
__________
[1] في الدلائل «قال: فجاء» .
[2] في الدلائل «عتبة بن سعود» .
[3] صحيح مسلّم (2800/ 45) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 44.
[4] في نسخة دار الكتب المصرية «حصين بن جبير» وهو تحريف. والصواب «حصين عن جبير» كما في الأصل. وهو حصين بن عبد الرحمن.
[5] كدينة: بضم الكاف وفتح الدال.
[6] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 45، عيون الأثر 1/ 114 وانظر في هذا الباب سيرة ابن كثير 2/ 113- 121(1/211)
بَابُ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ: أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ عَنْهُ هَذَا الرجل، فقالوا:
سلوه عن الروح فنزلت وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 17: 85 [1] ، قَالُوا: نَحْنُ لَمْ نُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ، وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، قَالَ: فَنَزَلَتْ قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي 18: 109 [2] الْآيَةَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ [3] .
وَقَالَ يُونُسُ [4] ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [5] ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، بَعَثُوا النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالُوا لَهُمْ:
سَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَصِفُوا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرُوهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا [6] ، فَقَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَسَأَلُوا أَحْبَارَ الْيَهُودِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَصَفُوا لَهُمْ أَمْرَهُ بِبَعْضِ قَوْلِهِ، فَقَالَتْ لَهُمْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ:
سَلُوهُ عن ثلاث نَأْمُرُكُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ مرسل [7] .
__________
[1] سورة الإسراء- الآية 85.
[2] سورة الكهف- الآية 109.
[3] أخرجه البخاري 1/ 40 كتاب العلم، باب قول الله تعالى: وَما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 17: 85، وفي كتاب التفسير 5/ 228 باب: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ 17: 85 وفي كتاب التوحيد 8/ 188 باب ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، ومسلّم (2794) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب سؤال اليهود النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الروح، وقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ 17: 85، والترمذي في تفسير سورة الإسراء 4/ 366 رقم (5148) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأحمد في المسند 1/ 255 و 389 و 410 و 444.
[4] في دلائل النبوّة «يونس بن بكير» .
[5] في الدلائل «قال: حدّثني» .
[6] في الدلائل «عندنا من علم» .
[7] في الدلائل «فروا فيه رأيكم» ، وفي عيون الأثر زاد «إن لم يفعل فالرجل متقوّل» .(1/212)
سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ، مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجَبٌ.
وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا وَمَا كَانَ نَبَؤُهُ.
وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ مَا هُوَ [1] ، فَقَدِمَا مَكَّةَ فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، قَدْ أَمَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أُمُورٍ، فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا، وَسَأَلُوهُ، فَقَالَ:
«أُخْبِرُكُمْ غَدًا» ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، فَمَكَثَ [2] خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُحْدِثُ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا، وَلَمْ يَأْتِهِ جِبْرِيلُ، حَتَّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ، وَقَالُوا: وَعَدَنَا [3] غَدًا وَالْيَوْمُ خَمْسَ عَشَرَ [4] ، وَأَحْزَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكْثَ الْوَحْيِ [5] ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إِيَّاهُ عَلَى حُزْنِهِ، وَخَبَرُ الْفِتْيَةِ وَالرَّجُلُ الطّوّاف [6] وقال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي 17: 85 [7] .
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ. وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَرَّتَيْنِ [8] .
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يجعل
__________
[1] في عيون الأثر زيادة «وإذا أخبركم بذلك فاتّبعوه فإنّه نبيّ إن ولم يفعل فهو رجل متقوّل. فأقبل النضر وعقبة» . وانظر نهاية الأرب 16/ 221.
[2] في الدلائل وعيون الأثر «رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[3] فِي الدلائل وعيون الأثر «وعدنا محمد» .
[4] في الدلائل وعيون الأثر «قد أصحبنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه حتى أحزن» .
[5] في الدلائل وعيون الأثر «مكث الوحي عنه وشقّ عليه ما يتكلّم به أهل مكة» .
[6] الرجل الطوّاف هو ذو القرنين، كما في عيون الأثر.
[7] سورة الإسراء- الآية 85.
[8] انظر: دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 47- 48، وعيون الأثر 1/ 108- 109.(1/213)
لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُمُ الْجِبَالَ فَيَزْرَعُوا فِيهَا.
فَقَالَ اللَّهُ: إِنْ شِئْتَ آتَيْنَاهُمْ مَا سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أُهْلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَسْتَأْنِيَ بِهِمْ. قَالَ: بَلْ تَسْتَأْنِي بِهِمْ [1] . وَأَنْزَلَ اللَّهُ:
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ 17: 59 [2] . حَدِيثٌ صَحِيحٌ [3] ، وَرَوَاهُ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ، عن سعيد بن جبير [4] .
__________
[1] في الأصل «لعلّنا نستحيي منهم» ، وما أثبتناه عن البداية والنهاية لابن كثير 3/ 52.
[2] سورة الإسراء- الآية 59.
[3] انظر دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 48- 49.
[4] في حاشية الأصل «بلغ» .(1/214)
ذِكْرُ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ
الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قُلْتَ: حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: أَقْبَلَ عقبة بن أبي معيط والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ، فَدَفَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ 40: 28 [1] . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] .
وَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، وَعُبَيْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَهَذِهِ عِلَّةٌ ظَاهِرَةٌ، لَكِنْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بن فليح، عن
__________
[1] سورة غافر- الآية 28.
[2] صحيح البخاري 4/ 239، 240 كتاب بدء الخلق، باب ما لقي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ المشركين بمكة، وأخرجه أحمد في مسندة 2/ 204، وانظر ألوفا بأخبار المصطفى لابن الجوزي 1/ 190، ودلائل النبوّة للبيهقي 2/ 50- 51.(1/215)
هشام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَهَذَا تَرْجِيحٌ لِلأَوَّلِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَاللَّفْظُ لَهُ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَثَمَّ سَلَى [1] بَعِيرٍ، فَقَالُوا: مَنْ يَأْخُذُ سَلَى [1] هَذَا الْجَزُورِ فَيَقْذِفُهُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَجَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فما رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: «اللَّهمّ عَلَيْكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ، اللَّهمّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ» - أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، شَكَّ شُعْبَةُ، وَلَمْ يَشُكَّ سُفْيَانُ أَنَّهُ أُمَيَّةُ- قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَأُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، غَيْرَ أَنَّ أُمَيَّةَ كَانَ رَجُلا بَادِنًا، فَتَقَطَّعَ قَبْلَ أَنْ يُبْلَغَ بِهِ الْبِئْرُ. أَخْرَجَاهُ [2] مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ سفيان.
وقال (م) [3] : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، أنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ [4] بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَى [5] جَزُورٍ فَيَضَعُهُ عَلَى كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إذا سجد؟ فانبعث أشقاهم [6] ،
__________
[1] كذا في الأصل، وفي دلائل النبوّة «سلا» .
[2] صحيح البخاري 4/ 239 كتاب بدء الخلق، باب ما لقي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ المشركين بمكة، ودلائل النبوّة للبيهقي 2/ 53- 54، وسيرة ابن كثير 1/ 468.
[3] يعني الإمام مسلّم في صحيحه.
[4] جزور: بفتح الجيم، هي الناقة.
[5] في صحيح مسلّم «سلا» ، وهو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان.
وهي من الآدمية المشيمة.
[6] هو عقبة بن أبي معيط. (شرح صحيح مسلّم) .(1/216)
فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَضَحِكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ [1] إِلَى بَعْضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ [2] ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ، وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ [3] فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ وَسَبَّتْهُمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:
«اللَّهمّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ثَلَاثًا، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضَّحِكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أبي معيط» وذكر السابع ولم أحفظه. فو الّذي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ [4] .
وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ [5] .
فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ.
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ.
وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، وَأَوْقَفُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا غَيْرَ بِلَالٍ، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَعْطُوهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ به في
__________
[1] في (اللؤلؤ والمرجان) «يحيل» أي ينسب بعضهم فعل ذلك إلى بعض.
[2] في صحيح مسلّم «طرحته عن ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» .
[3] تصغير جارية.
[4] أخرجه مسلّم في كتاب الجهاد والسير (1794) ، باب ما لقي النَّبِيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى المشركين والمنافقين، وأحمد 1/ 393، والبيهقي في دلائل النبوّة 2/ 55.
[5] انظر: أنساب الأشراف 1/ 194، طبقات ابن سعد 3/ 214 و 226 و 232، سبل الهدى 2/ 481، الأوائل لابن أبي عاصم 56 رقم 99.(1/217)
شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. حَدِيثٌ صَحِيحٌ [1] .
وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ، وَهُمْ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ «أَبْشِرُوا آلَ يَاسِرَ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ» [2] . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ شَهِيدٍ فِي الْإِسْلَامِ أُمَّ عَمَّارٍ سميّة، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها [3] .
وقال يونس بن بكير، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْتَقَ مِمَّنْ كَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ سَبْعَةً، فَذَكَرَ مِنْهُمُ الزِّنِّيرَةَ، قَالَ: فَذَهَبَ بَصَرُهَا، وَكَانَتْ مِمَّنْ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَتَأْبَى إِلَّا الْإِسْلَامَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا أَصَابَ بَصَرَهَا إِلَّا اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ، مَا هُوَ كَذَلِكَ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا [4] .
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَغَيْرُهُ: ثنا قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ خَبَّابًا يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً شديدة فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله، فقعد وهو محمرّ
__________
[1] أخرجه ابن ماجة 1/ 53 في المقدّمة (150) ، وأحمد في مسندة 1/ 404، والبيهقي في دلائل النبوّة 2/ 56 وفي مجمع الزوائد: إسناده ثقات، رواه ابن حبّان في صحيحه والحاكم في المستدرك من طريق عاصم بن أبي النجود، به.
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 388 وقال: صحيح على شرط مسلّم ولم يخرّجاه. ووافقه الذهبي في تلخيصه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 293 ونسبه للطبراني.
[3] انظر طبقات ابن سعد 8/ 264- 265، والاستيعاب لابن عبد البرّ 4/ 330، وأسد الغابة لابن الأثير 5/ 481، والإصابة لابن حجر 4/ 334 رقم 585، وقال الإمام أحمد: حدّثني وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: «أول شهيد كان في أول الإسلام استشهد أُمَّ عَمَّارٍ سُمَيَّةُ، طَعَنَهَا أَبُو جَهْلٍ بِحَرْبَةٍ في قبلها، وهذا مرسل. ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 409، والنويري في نهاية الأرب 16/ 231.
[4] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 57، نهاية الأرب 16/ 230.(1/218)
وَجْهُهُ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَيُمَشِّطُ أَحَدَهُمْ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتَمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ «وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ» . وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ يُجِيعُونَهُ وَيُعَطِّشُونَهُ، حَتَّى مَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْتَوِي جَالِسًا مِنْ شِدَّةِ الضُّرِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، حَتَّى يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنَ الْفِتْنَةِ، حَتَّى يَقُولُوا لَهُ: آللَّاتُ وَالْعُزَّى إِلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، حَتَّى إِنَّ الْجُعْلَ لَيَمُرُّ بِهِمْ فيقولون له: [أ] [2] هَذَا الْجُعْلُ إِلَهُكَ مِنْ دُونَ اللَّهِ، فَيَقُولُ: نعم، اقتداء مِنْهُمْ مِمَّا يَبْلُغُونَ مِنْ جَهْدِهِ [3] .
وَحَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ عُكَّاشَةَ، أَنَّهُ حُدِّثَ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ مَشَوْا إِلَى هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ، حِينَ أَسْلَمَ أَخُوهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا أَنْ يَأْخُذُوا فِتْيَةً مِنْهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا، مِنْهُمْ سَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، قَالَ: فَقَالُوا لَهُ وَخَشَوْا شَرَّهُ: إِنَّا قَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُعَاتِبَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ عَلَى هَذَا الدِّينِ الَّذِي قَدْ أَحْدَثُوا، فَإِنَّا نَأْمَنُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِهِ، قَالَ: هَذَا فَعَلَيْكُمْ بِهِ فَعَاتِبُوهُ، يَعْنِي أَخَاهُ الْوَلِيدَ، ثُمَّ إيّاكم ونفسه، وقال:
__________
[1] أخرجه البخاري 4/ 238- 239 في كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ المشركين بمكة، وأحمد في مسندة 4/ 257 و 6/ 395، والبيهقي في دلائل النبوّة 2/ 57، وابن كثير في السيرة 1/ 496.
[2] إضافة من السيرة.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 69، نهاية الأرب 16/ 231.(1/219)
أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ [1] أَخِي عُيَيْشًا [2] فَيَبْقَى بَيْنَنَا أَبَدًا تَلَاحِي احْذَرُوا عَلَى نَفْسِهِ، فَأُقْسِمُ باللَّه لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَأَقْتُلَنَّ أَشْرَفَكُمْ رَجُلا، قَالَ: فَتَرَكُوهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا دَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ [3] .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنَ الْحَبَشَةِ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ، مَا لَهُ لَا يَخْرُجُ؟ فَقَالَ:
إِنَّ أَصْحَمَةَ [4] يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ نَبِيٌّ.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، مَنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، وَأَنَّ النَّجَاشِيَّ كَتَبَ إِلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِلَى محمد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّجَاشِيِّ أَصْحَمَةَ [5] بْنِ أَبْحَرَ، سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ [6] ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَدْ بَايَعْتُكَ وَبَايَعْتُ ابْنَ عَمِّكَ، وَأَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْهِ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ أَرِيحَا ابْنِي، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي، وَإِنْ شِئْتَ، أَنْ آتِيَكَ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ [7] .
قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: كَانَ اسْمُ النَّجَاشِيِّ مَصْحَمَةَ، وَهُوَ
__________
[1] في السيرة «يقتلن» .
[2] في السيرة «عييش» .
[3] سيرة ابن هشام 2/ 69.
[4] هو اسم النجاشيّ ملك الحبشة، وهو بالعربية «عطيّة» . (السير والمغازي 219- 220) .
[5] في الأصل «أصحم» وفي اسمه خلاف، وما أثبتناه عن البخاري في صحيحه، والجواهر الحسان في تاريخ الحبشان، وأنساب الأشراف 1/ 200 و 438 وغيره.
[6] في تاريخ الطبري زيادة بعد لفظ «بركاته» : «من الله الّذي لا إله إلّا هو، الّذي هداني إلى الإسلام، أما بعد، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فو ربّ السماء والأرض إنّ عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قربنا ابن عمّك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدّقا، وقد بايعتك..» .
[7] تاريخ الطبري 2/ 652- 653 وانظر سيرة ابن هشام 2/ 90.(1/220)
بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّةٌ، وَإِنَّمَا النَّجَاشِيُّ اسْمُ الْمَلِكِ، كَقَوْلِكَ كِسْرَى وَهِرَقْلُ [1] .
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ [2] ، وَأَمَّا قَوْلُهُ «مَصْحَمَةُ» فَلَفْظٌ غَرِيبٌ.
ذِكْرُ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ وَالصَّحِيفَةِ
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُمُ اشْتَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَأَشَدِّ مَا كَانُوا، حَتَّى بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الْجَهْدُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلاءُ، وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي مَكْرِهَا أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَةً، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ عَمَلَهُمْ جَمَعَ بَنِي هَاشِمٍ [3] وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعْبَهُمْ وَيَمْنَعُوهُ مِمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ حَمِيَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ إِيمَانًا، فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ مَنَعُوهُ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أَنْ لَا يُجَالِسُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسْلِمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَتْلِ، وَكَتَبُوا فِي مَكْرِهِمْ، صَحِيفَةً وَعُهُودًا وَمَوَاثِيقَ، لَا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبَدًا صُلْحًا، وَلَا تَأْخُذُهُمْ بِهِمْ رَأْفَةٌ حَتَّى يُسْلِمُوهُ لِلْقَتْلِ.
فَلَبِثَ بَنُو هَاشِمٍ فِي شِعْبِهِمْ، يَعْنِي ثَلاثَ سِنِينَ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلاءُ، وَقَطَعُوا عَنْهُمُ الأَسْوَاقَ [4] ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ إِذَا نَامَ النَّاسُ أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهِ، حَتَّى يَرَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ مَكْرًا بِهِ وَاغْتِيَالَهُ، فَإِذَا نَامَ النَّاسُ أَمَرَ أَحَدَ بَنِيهِ أو إخوته فاضطجع على فراش رسول
__________
[1] السير والمغازي 220.
[2] انظر صحيح البخاري 4/ 246 كتاب هجرة الحبشة، باب موت النجاشي.
[3] في الأصل «بني أميّة» .
[4] في حاشية الأصل: «قال الحافظ أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري، أنا المدائني، عن أبي زيد الأنصاري، عن أبي عمرو بن العلاء، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: حصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنّا الميرة حتى إنّ الرجل ليخرج بالنفقة فلا يبتاع شيئا حتى مات منّا قوم» .(1/221)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَأْتِي رَسُولُ اللَّهِ فِرَاشَ ذَلِكَ فَيَنَامُ عَلَيْهِ، فَمَا كَانَ رَأْسُ ثَلَاثِ سِنِينَ، تَلَاوَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَمِنْ بَنِي قُصَيٍّ، وَرِجَالٌ أُمَّهَاتُهُمْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ قَطَّعُوا الرَّحِمَ وَاسْتَخَفُّوا بِالْحَقِّ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُهُمْ مِنْ لَيْلَتِهِمْ عَلَى نَقْضِ مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الْغَدْرِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ.
وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى صَحِيفَتِهِمُ الْأَرَضَةَ، فَلَحَسَتْ كُلَّ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، وَيُقَالُ كَانَتْ مُعَلَّقَةً فِي سَقْفِ الْبَيْتِ، فَلَمْ تَتْرُكِ اسْمًا للَّه إِلا لَحَسَتْهُ، وَبَقِيَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ شَرْكٍ أَوْ ظُلْمٍ [1] ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ بِهِ أَبَا طَالِبٍ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: لَا وَالثَّوَاقِبِ مَا كَذَبَنِي، فَانْطَلَقَ يَمْشِي بِعِصَابَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ حَافِلٌ مِنْ قُرَيْشٌ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: قَدْ حَدَثَتْ أُمُورٌ بَيْنَكُمْ لَمْ نَذْكُرْهَا لَكُمْ، فَائْتُوا بِصَحِيفَتِكُمُ الَّتِي تَعَاهَدْتُمْ عَلَيْهَا، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ صُلْحٌ، فَأَتَوْا بِهَا وَقَالُوا: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا وَتَرْجِعُوا إِلَى أَمْرٍ يَجْمَعُ قَوْمَكُمْ، فَإِنَّمَا قَطَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَجَعَلْتُمُوهُ خَطَرًا لِلْهَلَكَةِ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ لِأُعْطِيكُمْ أَمْرًا لَكُمْ فِيهِ نِصْفٌ، إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ أَخْبَرَنِي وَلَمْ يَكْذِبْنِي، أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَمَحَا كُلَّ اسْمٍ هُوَ لَهُ فِيهَا، وَتَرَكَ فِيهَا غَدْرَكُمْ وَقَطِيعَتَكُمْ، فَإِنْ كَانَ كَمَا قال، فأفيقوا، فو الله لَا نُسْلِمُهُ أَبَدًا حَتَّى نَمُوتَ مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلًا، دَفَعْنَاهُ إِلَيْكُمْ، فَرَضُوا وَفَتَحُوا الصَّحِيفَةَ، فَلَمَّا رَأَتْهَا قُرَيْشٌ كَالَّذِي قَالَ أَبُو طَالِبٍ، قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا قَطُّ إِلَّا سِحْرًا مِنْ صَاحِبِكُمْ، فَارْتَكَسُوا وَعَادُوا لِكُفْرِهِمْ، فَقَالَ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِنَّ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَالسَّحْرِ غَيْرَنَا، فَكَيْفَ تَرَوْنَ، وَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَطِيعَتِنِا أَقْرَبُ إِلَى الْجِبْتِ وَالسِّحْرِ مِنْ أَمْرِنَا، وَلَوْلا أَنَّكُمُ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السِّحْرِ لَمْ تَفْسُدِ الصّحيفة، وهي في أيديكم، أفنحن
__________
[1] في المغازي لعروة «أو ظلم أو بغي» .(1/222)
السَّحَرَةُ أَمْ أَنْتُمْ؟ فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو- وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ- فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ: نَحْنُ براء ممّا في هذه الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ.
وَذَكَرَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ [1] .
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ نَحْوًا مِنْ هَذَا، وَقَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ- يَعْنِي حين فارق قومه من الشعب- لقي هندا بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، فَقَالَ لَهَا: هَلْ نَصَرْتِ اللاتَ وَالْعُزَّى وَفَارَقْتِ مَنْ فَارَقَهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا أَبَا عُتْبَةَ [2] .
وَأَقَامَ بَنُو هَاشِمٍ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حَتَّى جُهِدُوا، لَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ إِلا سِرًّا مُسْتَخْفًى [3] بِهِ. وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلٍ فِيمَا يَذْكُرُونَ لَقِيَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَمَعَهُ غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا، يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ، وَهِيَ فِي الشِّعْبِ فَتَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ: أَتَذْهَبُ بِالطَّعَامِ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَاللَّهِ لَا تَبْرَحُ أَنْتَ وَطَعَامُكَ حَتَّى أَفْضَحَكَ بِمَكَّةَ، فَجَاءَهُ أبو البختريّ بن هشام فقال: مالك وَلَهُ! قَالَ:
يَحْمِلُ الطَّعَامَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ! قَالَ: طَعَامٌ كَانَ لِعَمَّتِهِ عِنْدَهُ أَفَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا، خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ، فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ حَتَّى نَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَخَذَ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لِحَى بَعِيرٍ، فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ وَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا، وَحَمْزَةُ يَرَى ذَلِكَ، وَيَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فيشمتوا بهم.
__________
[1] انظر المغازي لعروة 114- 116، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 92- 93، المستخرج من كتاب التاريخ لابن مندة- مخطوطة كوبريللي 242- ورقة 17 ب- 18، سيرة ابن هشام 2/ 122- 123، وطبقات ابن سعد 1/ 208- 210.
[2] انظر سيرة ابن هشام 2/ 102.
[3] في السيرة «مستخفيا» .(1/223)
قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ يَدْعُو قَوْمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَجَهْرًا [1] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ [2] : فَلَمَّا أَفْسَدَ اللَّهُ الصَّحِيفَةَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَهْطُهُ، فَعَاشُوا وخالطوا النّاس [3] .
باب إنّا كفيناك المستهزءين [4]
قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 15: 95 قال: المستهزءون: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو زَمْعَةَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَالْحَارِثُ بْنُ عيطل [5] السَّهْمِيُّ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَشَكَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، فَأَرَاهُ الْوَلِيدَ، وَأَوْمَأَ جِبْرِيلُ إِلَى أَبْجَلِهِ [6] فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُفِيتَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الْأَسْوَدَ، فَأَوْمَأَ جِبْرِيلُ إِلَى عَيْنَيْهِ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُفِيتَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ أَبَا زَمْعَةَ، فَأَوْمَأَ إِلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ كُفِيتَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الْحَارِثَ، فَأَوْمَأَ إِلَى رَأْسِهِ أَوْ بَطْنِهِ وَقَالَ: كُفِيتَهُ، فَأَمَّا الْوَلِيدُ، فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهُوَ يَرِيشُ نِبَالًا، فَأَصَابَ أَبْجَلَهُ فَقَطَعَهَا، وَأَمَّا الْأَسْوَدُ فَعَمِيَ. وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ يَغُوثَ فخرج في رأسه قروح [7] فمات مِنْهَا، وَأَمَّا الْحَارِثُ فَأَخَذَهُ الْمَاءُ الأَصْفَرُ فِي بطنه، حتى
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 103 وفيه «جهارا» . وانظر السير والمغازي 160- 161.
[2] المغازي لعروة 117.
[3] كتب في حاشية الأصل «بلغت قراءة خليل بن أيبك في الميعاد الرابع على مؤلّفه» .
[4] سورة الحجر- الآية 95.
[5] في إنسان العيون لنور الدين الحلبي (عيطلة) وعند ابن هشام، والسهيليّ في الروض (الطلاطلة) ولعلّه اشتباه، وكذا في دلائل أبي نعيم 1/ 91، والسير والمغازي 273.
[6] الأبجل: عرق في باطن الذراع، وقيل هو عرق غليظ في الرجل فيما بين العصب والعظم.
[7] في (الاكتفاء للكلاعيّ) : استسقى بطنه فمات منه.(1/224)
خَرَجَ خُرْؤُهُ مِنْ فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا، وَأَمَّا الْعَاصُ فَدَخَلَ فِي رَأْسِهِ شِبْرَقَةٌ [1] ، حَتَّى امْتَلَأَتْ فَمَاتَ مِنْهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ رَكِبَ إِلَى الطَّائِفِ حِمَارًا فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شَوْكَةٍ، فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِهِ فَمَاتَ مِنْهَا. حَدِيثٌ صَحِيحٌ [2] .
دُعَاءُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قُرَيْشٍ بِالسَّنَةِ [3]
قَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي الْمَسْجِدِ [4] ، إِذْ قَالَ فِيمَا يَقُولُ: يَوْمَ تَأْتِي السّماء بدخان مبين، قَالَ:
دُخَانٌ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ [5] مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكْمَةِ [6] ، فَقُمْنَا فَدَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ الْعَالِمُ لِمَا لَا يَعْلَمُ (اللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ الله لرسوله: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ 38: 86 [7] . وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنِ الدُّخَانِ: إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْطَئُوا عَنِ الْإِسْلَامِ قَالَ: «اللَّهمّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بسبع كسبع
__________
[1] نبت حجازيّ له شوك.
[2] انظر: سيرة ابن هشام 2/ 163، السير والمغازي 273، دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 85- 86، دلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 91، الروض الأنف للسهيلي 2/ 167، الإكتفاء للكلاعيّ 1/ 376، البداية والنهاية 2/ 85- 87، الدرّ المنثور للسيوطي 4/ 107 عن الطبراني وابن مردويه.
[3] الجدب والقحط.
[4] عند البخاري «في كندة» بدل «في المسجد» .
[5] عند البخاري «المؤمن» .
[6] عند البخاري «الزكام» فنزعنا، فأتيت ابن مسعود، وكان متّكئا فغضب فجلس فقال: من علم..» .
[7] سورة ص- الآية 86.(1/225)
يُوسُفَ» ، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ فَحَصَّتْ [1] كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَفَ وَالْمَيْتَةَ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجُوعِ، ثُمَّ دَعَوْا فَكُشِفَ عَنْهُمْ، يَعْنِي قَوْلَهُمْ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ 44: 12 [2] . ثم قرأ عبد الله إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ 44: 15 [3] قَالَ: فَعَادُوا فَكَفَرُوا فَأُخِّرُوا إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى 44: 16 [4] .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَ بَدْرٍ فَانْتُقِمَ مِنْهُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الدَّهَّانُ [6]- وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ: أَنْبَأَ أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ: «اللَّهمّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ» فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْجُلُودَ وَالْعِظَامَ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَغَيْرُهُ فَقَالَ: إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ، فَدَعَا فَسُقُوا الْغَيْثَ [7] .
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ، وَهُوَ الْجُوعُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَآيَةُ الرُّومِ، وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى، وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ.
وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عن أبي الضّحى، عن مسروق، قال
__________
[1] أي حصدت وقطعت.
[2] سورة الدخان- الآية 12.
[3] سورة الدخان- الآية 15.
[4] سورة الدخان- الآية 16.
[5] أخرجه البخاري في كتاب التفسير 6/ 19- 20 تفسير سورة الروم، و 6/ 39 تفسير سورة الدخان، ومسلّم (2798) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب الدخان، وأحمد 1/ 381 و 431 و 441.
[6] انظر عنه: تهذيب التهذيب 7/ 289 رقم 500.
[7] أخرجه البخاري 2/ 15 في كتاب الاستسقاء، باب دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم: اجعلها سنين كسنيّ يوسف» .(1/226)
عَبْدُ اللَّهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: اللِّزَامُ [1] ، وَالرُّومُ، وَالدُّخَانُ، وَالْقَمَرُ، وَالْبَطْشَةُ [2] .
وَقَالَ أَيُّوبُ وَغَيْرُهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغِيثُ مِنَ الْجُوعِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ [3] . بِالدَّمِ، فَنَزَلَتْ: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ 23: 76 [4] .
ذِكْرُ الرُّومِ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسٍ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ فَارِسٌ عَلَى الرُّومِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ سَيَظْهَرُونَ» ، فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ ذَلِكَ، فقالوا:
اجعل بيننا وبينكم أَجَلًا، فَجَعَلَ بَيْنَهُمْ أَجَلَ خَمْسِ سِنِينَ فَلَمْ يَظْهَرُوا، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَلَا جَعَلْتَهُ- أَرَاهُ قَالَ- دُونَ الْعَشْرِ» ، قَالَ: فَظَهَرَتِ الرُّومُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بِضْعِ سِنِينَ 30: 2- 4 [5] [6] .
__________
[1] اللّزام: المراد به قوله تعالى: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً 25: 77 أي يكون عذابهم لازما، قالوا: وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر، وهي البطشة الكبرى.
[2] أخرجه البخاري في كتاب التفسير 6/ 39 تفسير سورة الدخان و 6/ 41، ومسلّم (2798/ 41) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب الدخان.
[3] أي يخلطون الدم بأوبار الإبل ويشوونه ويأكلونه في سنين المجاعة.
[4] سورة المؤمنون- الآية 76.
[5] سورة الروم- الآية 2.
[6] أخرجه الترمذيّ 5/ 23- 24 في التفسير رقم (3245) سورة الروم، وأحمد 1/ 276 و 304 وانظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 123، وللبيهقي 2/ 90.(1/227)
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: وَسَمِعْتُ أَنَّهُمْ ظَهَرُوا يَوْمَ بَدْرٍ [1] .
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ ابْنِ عبّاس: الم غُلِبَتِ الرُّومُ 30: 1- 2 [2] قَالَ: قَدْ مَضَى ذَلِكَ وَغَلَبَتْهُمْ فَارِسٌ، ثُمَّ غَلَبَتْهُمُ الرُّومُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَقِيَ نَبِيُّ اللَّهِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَالْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ، فَنَصَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَنُصِرَ الرُّومُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَجَمِ، فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَنَصْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
قَالَ عَطِيَّةُ: فَسَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْتَقَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ وَمُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَالْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ، فَنَصَرَنَا اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَنَصَرَ اللَّهُ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ، فَفَرِحْنَا بِنَصْرِنَا وَنَصْرِهِمْ [3] .
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ- يَعْنِي أَوَّلَ الرُّومِ- نَاحَبَ أَبُو بَكْرٍ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ- يَعْنِي رَاهَنَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الْقِمَارُ- عَلَى شَيْءٍ، إِنْ لَمْ تُغْلَبْ فَارِسُ فِي سَبْعِ سِنِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لِمَ فَعَلْتَ، فَكُلُّ مَا دُونَ الْعَشْرِ بِضْعٌ» ، فَكَانَ ظُهُورُ فَارِسِ عَلَى الرُّومِ فِي سَبْعِ سِنِينَ، وَظُهُورُ الرُّومِ عَلَى فَارِسٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ. ثُمَّ أَظْهَرَ اللَّهُ الرُّومَ عَلَيْهِمْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَفَرِحَ بذلك المسلمون [4] .
__________
[1] أخرجه الترمذي 5/ 24 رقم (3245) في تفسير سورة الروم في متن الحديث السابق، والبيهقي في دلائل النبوّة 2/ 92، وانظر تفسير ابن كثير، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 123.
[2] أول سورة الروم.
[3] أخرجه الترمذي مختصرا 5/ 23 رقم (3244) في سورة الروم، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
[4] أخرجه الترمذي بنحوه 5/ 24 رقم (3245) في تفسير سورة الروم، وقال: هذا حديث غريب حسن من هذا الوجه من حديث الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.(1/228)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ 30: 3 [1] قَالَ: غَلَبَهُمْ أَهْلُ فَارِسٍ عَلَى أَدْنَى الشَّامِ، قَالَ: فَصَدَّقَ الْمُسْلِمُونَ رَبَّهُمْ، وَعَرَفُوا أَنَّ الرُّومَ سَيَظْهَرُونَ بَعْدُ، فَاقْتَمَرُوا هُمْ وَالْمُشْرِكُونَ عَلَى خَمْسِ قَلَائِصَ، وَأَجَّلُوا بَيْنَهُمْ خَمْسَ سِنِينَ، فَوَلِيَ قِمَارَ الْمُسْلِمِينَ أَبُو بَكْرٍ، وَوَلِيَ قِمَارَ الْمُشْرِكِينَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنِ الْقِمَارِ، فَجَاءَ الْأَجَلُ، وَلَمْ تَظْهَرِ الرُّومُ، فَسَأَلَ الْمُشْرِكُونَ قِمَارَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَمْ تَكُونُوا أَحِقَّاءَ أَنْ تُؤَجِّلُوا أَجَلًا دُونَ الْعَشْرِ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ، فَزَايَدُوهُمْ وَمَادُّوهُمْ فِي الْأَجَلِ» فَفَعَلُوا، فَأَظْهَرَ اللَّهُ الرُّومَ عِنْدَ رَأْسِ السَّبْعِ مِنْ قِمَارِهِمُ الْأَوَّلِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ [2] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: ثنا أُسَيْدٌ الْكِلَابِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْعَلَاءَ بْنَ الزُّبَيْرِ الْكِلَابِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ غَلَبَةَ فَارِسٍ الرُّومَ، ثُمَّ رَأَيْتُ غَلَبَةَ الرُّومِ فَارِسَ، ثُمَّ رَأَيْتُ غَلَبَةَ الْمُسْلِمِينَ فَارِسَ وَالرُّومَ، وَظُهُورَهُمْ عَلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، كُلُّ ذَلِكَ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [3] .
ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ
يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ 6: 26 [4] . أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ وَنَزَلَ فِيهِ إِنَّكَ لا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ 28: 56 [5] .
__________
[1] سورة الروم- الآية 2.
[2] أخرجه الترمذي 5/ 24- 25 رقم (3246) في تفسير سورة الروم، من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، عن نيار بن مكرم الأسلميّ، بنحوه.
[3] رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3/ 579 رقم 2629، سيرة ابن كثير 2/ 92.
[4] سورة الأنعام- الآية 26.
[5] سورة القصص- الآية 56 وانظر: السير المغازي لابن إسحاق 237.(1/229)
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قوله تعالى: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ 6: 26 قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْأَى عَنْهُ [1] .
وَرَوَاهُ حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، عَنْ حَبِيبٍ، فَقَالَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا عَمُّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» فَقَالَا: أَيْ أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! قَالَ: فَكَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ أَنْ قَالَ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [2] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» ، فَنَزَلَتْ: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ 9: 113 [3] الْآيَتَيْنِ، وَنَزَلَتْ: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ 28: 56 أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] . وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بن أبي حمزة [5] .
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 238.
[2] في نسخة دار الكتب المصرية، وصحيح مسلّم، والسير والمغازي لابن إسحاق 238 «هو على ملّة عبد المطّلب» .
[3] سورة التوبة- الآية 113.
[4] صحيح مسلّم (24) كتاب الإيمان، باب الدليل على صحّة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع في النزاع، وهو الغرغرة، ونسخ جواز الاستغفار للمشركين، والدليل على أن من مات على الشرك فهو في أصحاب الجحيم، ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل.
[5] صحيح البخاري 4/ 247 في مناقب الأنصار، باب قصّة أبي طالب، و 5/ 208 في تفسير سورة براءة، و 6/ 18 في تفسير سورة القصص، و 7/ 229 في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا قال والله لا أتكلّم اليوم فصلّى أو قرأ أو سبّح أو كبّر أو حمد أو هلّل فهو على نيّته. وأخرجه أحمد في مسندة 5/ 433، وانظر عيون الأثر 1/ 131- 132.(1/230)
وَقَدْ حَكَى عَنْ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ، ابْنُهُ عَلِيٌّ، وَأَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ: كُنْتُ بِذِي الْمَجَازِ [1] مَعَ ابْنِ أَخِي، فَعَطِشْتُ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَأَهْوَى بِعَقِبِهِ إِلَى الْأَرْضِ، فَنَبَعَ الْمَاءُ فَشَرِبْتُ.
وَعَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَسُودُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا بِمَالٍ، إِلَّا أَبَا طَالِبٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ.
قُلْتُ: وَلِأَبِي طَالِبٍ شِعْرٌ جِيِّدٌ مُدَوَّنٌ فِي السِّيرَةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي «مُسْنَدِ أَحْمَدَ» [2] مَنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ [3] قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا ضَحِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ، ظَهَرَ عَلَيْنَا أَبُو طَالِبٍ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصَلِّي بِبَطْنِ نَخْلَةَ فَقَالَ: مَاذَا تَصْنَعَانِ يَا بْنَ أَخِي؟ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
__________
[1] موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب. (معجم البلدان 5/ 55) .
[2] ج 1/ 99 وفيه زيادة «ثم قال: اللَّهمّ لا أعترف أنّ عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيّك، ثلاث مرّات، لقد صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعا» .
[3] هو حبّة بن الجوين العرني الكوفي، توفي سنة 76 هـ-. ضعّفه أكثرهم، ووثّقه بعضهم.
انظر عنه: طبقات ابن سعد 6/ 177، وطبقات خليفة 152، وتاريخ خليفة 1/ 359، التاريخ الكبير للبخاريّ 3/ 93 رقم 322، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 253 رقم 1130، أحوال الرجال للجوزجانيّ 47 رقم 178، المعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 190، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 80 رقم 178، المجروحين لابن حبّان 1/ 267، الضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 295، 296 رقم 366، المعارف لابن قتيبة 268، تاريخ الطبري (راجع الفهرس) ، تاريخ بغداد 8/ 274، الإكمال لابن ماكولا 2/ 320، معجم البلدان 4/ 325، أسد الغابة لابن الأثير 1/ 367، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 2/ 835- 836، المشتبه للذهبي 1/ 144، ميزان الاعتدال 1/ 450 رقم 1688، المغني في الضعفاء 1/ 146 رقم 1282، الوافي بالوفيات 11/ 289 رقم 427، تهذيب التهذيب 2/ 176، 177، رقم 319، تقريب التهذيب 1/ 148، الإصابة 1/ 372- 373 رقم 1946، النجوم الزاهرة 1/ 195.(1/231)
الْإِسْلَامِ فَقَالَ: مَا بِالَّذِي تَصْنَعَانِ مِنْ بَأْسٍ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا يَعْلُونِي اسْتِي أَبَدًا، فَضَحِكْتُ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِ أَبِي.
وَرَوَى مُعْتَمِرُ بْنُ سليمان، عن أبيه أنّ قريشا أظهروا لنبي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْعَدَاوَةَ وَالشَّتْمَ، فَجَمَعَ أَبُو طَالِبٍ رَهْطَهُ، فَقَامُوا بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ يَدْعُونَ اللَّهَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ، وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنْ أَبَى قَوْمُنَا إِلا الْبَغْيَ عَلَيْنَا فَعَجِّلْ نَصْرَنَا، وَخَلِّ بَيْنَهُمْ. وَبَيْنَ الَّذِي يُرِيدُونَ مِنْ قَتْلِ ابْنِ أَخِي، ثُمَّ دَخَلَ بِآلِهِ الشِّعْبَ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَالِبٍ [1] قَالَ: أَيْ عَمُّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَسْتَحِلُّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ [2] ، قَالَ: يَا بْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُبَّةً [3] عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ، يَرَوْنَ أَنِّي قُلْتُهَا جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ، لَقُلْتُهَا، لَا أقوالها إِلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا، فَلَمَّا ثَقُلَ أَبُو طَالِبٍ رئي يحرّك شفيته، فَأَصْغَى إِلَيْهِ أَخُوهُ الْعَبَّاسُ [4] ثُمَّ رَفَعَ عَنْهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ قَالَهَا [5] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ أَسْمَعْ» [6] . قُلْتُ: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ سَمِعَهُ الْعَبَّاسُ يَقُولُهَا لَمَا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: هَلْ نَفَعْتَ عَمَّكَ بِشَيْءٍ، وَلَمَا قَالَ عَلِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ [7] . صَحَّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، روى عن أبي
__________
[1] في السير والمغازي «في مرضه» .
[2] في السير والمغازي «يوم القيامة» .
[3] في السير والمغازي «سبّة عليك وعلى» .
[4] في السير والمغازي «ليسمع قوله، فرفع العباس عنه» .
[5] في السير والمغازي «قد والله قال الكلمة التي سألته» .
[6] السير والمغازي 238، سيرة ابن هشام 2/ 167، نهاية الأرب 16/ 278، سيرة ابن كثير 2/ 124.
[7] سيرة ابن كثير 2/ 129.(1/232)
سَعِيدِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّكَ لا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ 28: 56 [1] نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ [2] .
زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْعَبَّاسِ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرْجُو لِأَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: «كُلَّ الْخَيْرِ مِنْ رَبِّي» . أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا احْتَضَرَ أَبُو طَالِبٍ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي إِذَا أَنَا مُتُّ فَأْتِ أَخْوَالَكَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَإِنَّهُمْ أَمْنَعُ النَّاسِ لِمَا فِي بُيُوتِهِمْ.
قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةً عَنِّي حَتَّى مَاتَ عَمِّي [3] . كَاعَّةٌ: جَمْعُ كَائِعٍ، وَهُوَ الْجَبَانُ، يُقَالُ: كَعَّ إِذَا جَبُنَ وَانْقَبَضَ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: «قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: إِنَّكَ لا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ 28: 56 الْآيَةَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] . وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طالب بشيء، فإنّه
__________
[1] سورة القصص- الآية 56.
[2] انظر سيرة ابن كثير 2/ 127.
[3] السير والمغازي لابن إسحاق 238.
[4] صحيح مسلّم (24/ 42) كتاب الإيمان، باب الدليل على صحّة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع، وهو الغرغرة، ونسخ جواز الاستغفار للمشركين ...(1/233)
كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ [1] مِنَ النَّارِ، وَلَوْلا أَنا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ. أَخْرَجَاهُ [2] . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ السُّفْيَانَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ [3] . وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ- وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ-: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ» . أَخْرَجَاهُ [4] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ مُنْتَعِلٌ [5] بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ [6] . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ وَلَا تُحْدِثْنَ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي» ، فَأَتَيْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ دَعَا لِيَ بِدَعَوَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهِنَّ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ [7] .
__________
[1] هو في أصله اللّغوي ما رقّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين، فاستعاره للنّار.
[2] صحيح البخاري 6/ 247، في مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، ومسلّم (209) في كتاب الإيمان، باب شفاعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه.
[3] انظر الباب نفسه من صحيح مسلّم.
[4] صحيح البخاري 6/ 247 في مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، ومسلّم (210) في كتاب الإيمان، باب شفاعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه.
[5] كذا في الأصل و (ع) ، وفي صحيح مسلّم «وهو منتعل» ، وكذا في الاكتفاء للكلاعيّ.
[6] صحيح مسلّم (212) كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي طالب ...
[7] أخرجه أبو داود (3214) في كتاب الجنائز، باب الرجل يموت له قرابة مشرك، والنسائي، في كتاب الطهارة، باب الغسل من مواراة المشرك 1/ 110، وفي كتاب الجنائز 4/ 79 باب(1/234)
وَرَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَزَادَ بَعْدُ: اذْهَبْ فَوَارِهِ: «فَقُلْتُ: إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا» قَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ» . وَفِي حَدِيثِهِ تَصْرِيحُ السَّمَاعِ مِنْ نَاجِيَةَ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا يَقُولُ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفِيهٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَأَتَتْ بنته تمسح عن وجهه التّراب وتبكي فجعل يَقُولُ: «أَيْ بُنَيَّةَ لَا تَبْكِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكِ» ، وَيَقُولُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ: «مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ» [1] . غَرِيبٌ مُرْسَلٌ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَارَضَ جِنَازَةَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ:
«وَصَلَتْكَ رَحِمٌ يَا عَمُّ وَجُزِيتَ خَيْرًا» . تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُوَارَزْمِيُّ [2] . وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ يَرْوِي عَنْهُ عِيسَى غُنْجَارُ [3] ، وَالْفَضْلُ الشَّيْبَانِيُّ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عبد الله بن
__________
[ () ] مواراة المشرك، وأحمد 1/ 97 و 103 و 130 و 131، وابن إسحاق في السير والمغازي 239.
[1] سيرة ابن هشام 2/ 166.
[2] ويقال: إبراهيم بن بيطار أبو إسحاق الخوارزمي، كان على قضاء خوارزم. انظر عنه:
المجروحين لابن حبّان 1/ 102- 103، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 1/ 259، المغني في الضعفاء 1/ 19 رقم 118، ميزان الاعتدال 1/ 45 رقم 136، لسان الميزان 1/ 41- 42 رقم 83.
والحديث في الكامل لابن عديّ، وميزان الاعتدال، ولسان الميزان.
[3] غنجار: بضم الغين المعجمة، وسكون النون، لقّب بذلك لحمرة لونه (تقريب التهذيب) .(1/235)
مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبى طَالِبٍ فِي مَرَضِهِ قَالَ: «أَيْ عَمُّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَسْتَحِلُّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُبَّةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِي يَرَوْنَ أَنِّي قُلْتُهَا جَزَعًا حِينَ نَزَلَ بِيَ الْمَوْتُ لَقُلْتُهَا، لَا أَقُولُهَا إِلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا، فَلَمَّا ثَقُلَ أَبُو طالب رئي يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَأَصْغَى إِلَيْهِ الْعَبَّاسُ لِيَسْتَمِعَ قَوْلَهُ، فَرَفَعَ الْعَبَّاسُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ وَاللَّهِ قَالَ الْكَلِمَةَ الَّتِي سَأَلْتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ أَسْمَعْ» [1] . إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِيهِ مَجْهُولًا، وَأَيْضًا، فَكَانَ الْعَبَّاسُ ذَلِكَ الْوَقْتَ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِ، وَلِهَذَا إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَمْ يَقْبَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَتَهُ وَقَالَ لَهُ: لَمْ أَسْمَعْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ، فَلَوْ كَانَ الْعَبَّاسُ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ إِسْلَامِ أَخِيهِ أَبِي طَالِبٍ لَمَا قَالَ هَذَا، وَلَمَا سَكَتَ عِنْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ» ، وَلَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ قَوْمٌ بُهْتٌ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ مَاتَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ الْمَصَائِبُ بِمَوْتِهِمَا.
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلامِ، كَانَ يَسْكُنُ [3] إِلَيْهَا.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَنَّهُمَا تُوُفِّيَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أبي طالب بخمسة وثلاثين يوما.
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 167، السير والمغازي 238، نهاية الأرب 16/ 278.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 166، والسير والمغازي 243.
[3] في سيرة ابن هشام 2/ 166 «يشكو إليها» .(1/236)
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ أَنَّ مَوْتَهَا كَانَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ [1] .
وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْأَسَدِيَّةُ [2] .
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: كَانَتْ تُدْعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةَ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ الْعَامِرِيَّةُ. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ تَحْتَ أَبِي هَالَةَ [3] بْنِ زُرَارَةَ التَّمِيمِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي هَالَةَ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ [4] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، ثُمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [5] : بَلْ تَزَوَّجَهَا أَبُو هَالَةَ بَعْدَ عَتِيقٍ. وَكَانَتْ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ: كَانَ مَوْتُهَا فِي رَمَضَانَ، وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا عَاشَتْ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً [6] .
وَقَالَ الزُّبَيْرُ: تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً [7] ، وَأَقَامَتْ مَعَهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً [8] .
قَالَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ عبد الله
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 18، سيرة ابن هشام 2/ 166، أنساب الأشراف 1/ 406.
[2] انظر نسبها في طبقات ابن سعد 8/ 14.
[3] اسمه هند بن النبّاش بن زرارة بن وقدان. (طبقات ابن سعد 8/ 14) .
[4] في طبقات ابن سعد 8/ 15، وأنساب الأشراف 1/ 406 «عابد» .
[5] السير والمغازي 245.
[6] طبقات ابن سعد 8/ 18، أنساب الأشراف 1/ 406، نهاية الأرب 16/ 279.
[7] انظر طبقات ابن سعد 1/ 132 و 8/ 17.
[8] أسد الغابة لابن الأثير 5/ 435.(1/237)
الْبَهِيِّ [1] قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا، وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا، فَذَكَرَهَا يَوْمًا، فَاحْتَمَلَتْنِي الْغِيرَةُ، فَقُلْتُ: لَقَدْ عَوَّضَكَ اللَّهُ مِنْ كَبِيرَةِ السِّنِّ، فَرَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَبًا أَسْقَطْتُ فِي خَلَدِي، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهمّ إِنَّكَ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ رَسُولِكَ عَنِّي لَمْ أَعُدْ إِلَى ذِكْرِهَا بِسُوءٍ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَقِيتُ قَالَ: «كَيْفَ قُلْتِ، وَاللَّهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَآوَتْنِي إِذَا رَفَضَنِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَرُزِقْتُ مِنْهَا الْوَلَدَ، وَحُرِمْتُمُوهُ مِنِّي» ، قَالَتْ: فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْرًا [2] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَمَا تَزَوَّجَنِي إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ.
وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَذِهِ خَدِيجَةُ، أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا ببيت في
__________
[1] هو مولى مصعب بن الزبير.
[2] انظر نحوه في أسد الغابة لابن الأثير 5/ 438- 439.
[3] أخرجه البخاري 4/ 230- 231 في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن صحب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، باب تزويج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خديجة وفضلها رضي الله تعالى عنها، ومسلّم (2435) في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها، وأخرجه الشيخان والطبراني في المعجم الصغير 1/ 15 من طريق عبد الله بن أبي أوفى، وأخرجه ابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (بتحقيقنا) 371 رقم (362) عن طريق عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وانظر الترمذي 5/ 366 رقم 3978 و 3979 وهو حديث حسن صحيح.(1/238)
الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ [1] ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ [2] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا مريم بنت عمران. أخرجه مسلّم [4] .
__________
[1] القصب هنا اللؤلؤ المجوّف الواسع، وقيل هو جوهر طويل مجوّف. (النهاية) .
[2] قال في مجمع البحار: قوله: لا صخب فيه ولا نصب، الصخب هو الصوت المختلط، والنّصب: التعب، أي كما يكون في بيوت الدنيا من الصياح والتعب، لأنها- أي خديجة- أسلمت طوعا بلا رفع صوت ولا منازعة ولا تعب.
[3] أخرجه البخاري 4/ 231 في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن صحب النبي صلّى الله عليه وسلّم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، باب تزويج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خديجة وفضلها رضي الله تعالى عنها، ومسلّم (2432) في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وأحمد في المسند 1/ 205 و 2/ 231 و 4/ 355 و 356 و 381 و 6/ 174 و 236 و 246.
[4] صحيح مسلّم (2430) كتاب فضائل الصحابة، باب فضل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.(1/239)
ذِكْرُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ [1] .
وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ [2] : ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ الضَّحَّاكِ الزُّبَيْدِيُّ بْنِ زِبْرِيقَ [3] ، ثنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ قَالَ:
ثنا شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أُسْرِيَ بِكَ؟
قَالَ: صَلَّيْتُ لِأَصْحَابِي صَلَاةَ الْعَتْمَةِ بِمَكَّةَ مُعَتَّمًا، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ بَيْضَاءَ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، فَقَالَ: ارْكَبْ، فاستصعب عليّ،
__________
[1] المغازي لعروة 120.
[2] روى طرفا مختصرا منه في التفسير (3130) باب ومن سورة بني إسرائيل.
[3] في حاشية الأصل: (إسحاق بن إبراهيم بن زبريق ليس بثقة، عن عمرو بن الحارث) .(1/241)
فَرَازَهَا [1] بِأُذُنِهَا، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهَا، فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا، يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، حَتَّى بلغنا أرض ذَاتَ نَخْلٍ، فَأَنْزَلَنِي فَقَالَ: صَلِّ، فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتُ بِيَثْرِبَ، صَلَّيْتُ بِطِيبَةَ، فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا، يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا، فَقَالَ:
انْزِلْ فَصَلِّ، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا.
قَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: «اللَّهُ أَعْلَمُ» .
قَالَ: صَلَّيْتُ بِمَدْيَنَ عِنْدَ شَجَرَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ انْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا، يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا بَدَتْ لَنَا قُصُورٌ فَقَالَ: انْزِلْ، فَصَلَّيْتُ وَرَكِبْنَا.
فَقَالَ لِي: صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ مِنْ بَابِهَا الْيَمَانِيِّ، فَأَتَى قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ فَرَبَطَ فِيهِ [2] دَابَّتَهُ، وَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ مِنْ بَابٍ فِيهِ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَصَلَّيْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، وَأَخَذَنِي مِنَ الْعَطَشِ أَشَدُّ مَا أَخَذَنِي، فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ لَبَنٍ وَعَسَلٍ، أَرْسَلَ إِلَيَّ بِهِمَا جَمِيعًا، فَعَدَلْتُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ هَدَانِي اللَّهُ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَشَرِبْتُ حَتَّى قَرَعْتُ بِهِ جَبِينِي، وَبَيْنَ يَدَيَّ شَيْخٌ مُتَّكِئٌ عَلَى مِثْرَاةٍ لَهُ، فَقَالَ: أَخَذَ صَاحِبُكَ الْفِطْرَةَ إِنَّهُ لَيُهْدَى.
ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَيْنَا الْوَادِيَ الَّذِي فِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا جَهَنَّمُ تَنْكَشِفُ عَنْ مِثْلِ الزَّرَابِيِّ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَهَا؟
قَالَ: مِثْلَ الْحَمْأَةِ السُّخْنَةِ، ثم انصرف بي، فمررنا بعير لقريش،
__________
[1] اختبرها، (النهاية) .
[2] كذا. أي ربطه بحلقة المسجد، كما في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 383.(1/242)
بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ ضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ، قَدْ جَمَعَهُ فُلَانٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا صَوْتُ مُحَمَّدٍ.
ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ، فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ اللَّيْلَةَ، فَقَدِ الْتَمَسْتُكَ فِي مَظَانِّكَ؟ قُلْتُ: عَلِمْتَ أَنِّي أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، فَصِفْهُ لِي، قَالَ: فَفُتِحَ لِي صِرَاطٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، لَا يَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُ عَنْهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: انْظُرُوا إِلَى ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: إِنِّي مَرَرْتُ بِعِيرٍ لَكُمْ، بِمَكَانِ كَذَا، وَقَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ، فَجَمَعَهُ فُلَانٌ، وَإِنَّ مَسِيرَهُمْ يَنْزِلُونَ بِكَذَا، ثُمَّ كَذَا، وَيَأْتُونَكُمْ يَوْمَ كَذَا، يَقْدَمُهُمْ جَمَلٌ آدَمٌ، عَلَيْهِ مِسْحٌ أَسْوَدُ، وَغَرَارَتَانِ سَوْدَاوَانِ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، أَشْرَفَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ حَتَّى كَانَ قَرِيبٌ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، حِينَ أَقْبَلَتِ الْعِيرُ يَقْدُمُهُمْ ذَلِكَ الْجَمَلُ» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ [1] : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
قُلْتُ: ابْنُ زِبْرِيقَ تَكَلَّمَ فِيهِ النَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ [2] .
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ فَرَكِبْتُهُ خَلْفَ جِبْرِيلَ، فَسَارَ بِنَا، فَكَانَ إِذَا أَتَى عَلَى جَبَلٍ ارْتَفَعَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا هَبَطَ ارْتَفَعَتْ يَدَاهُ، فَسَارَ بِنَا فِي أَرْضٍ فَيْحَاءَ طَيِّبَةٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ قَائِمٍ يُصَلِّي، فَقَالَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ يَا جِبْرِيلُ؟ قال: أخوك محمد، فرحّب ودعا لي بالبركة، وقال:
__________
[1] دلائل النبوّة 2/ 200، نهاية الأرب 16/ 300- 301.
[2] الجرح والتعديل 2/ 209 رقم 711 وانظر عنه: التاريخ الكبير 1/ 380 رقم 1213، والمعرفة والتاريخ للفسوي 1/ 269 و 309 و 315 و 360 و 416 و 2/ 220 و 348 و 480 و 3/ 278- 280، تهذيب تاريخ دمشق 2/ 410، ميزان الاعتدال 1/ 181 رقم 730، تهذيب التهذيب 1/ 215- 216 رقم 406، تقريب التهذيب 1/ 54 رقم 371.(1/243)
سَلْ لِأُمَّتِكَ الْيُسْرَ، ثُمَّ سَارَ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مُوسَى وَعِيسَى، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْنَا عَلَى مَصَابِيحَ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذِهِ شَجَرَةُ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ، تُحِبُّ أَنْ تَدْنُوَ مِنْهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَنَوْنَا مِنْهَا، فَرُحِّبَ بِي، ثُمَّ مَضَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَنُشِرَ لِي الْأَنْبِيَاءُ مَنْ سَمَّى اللَّهُ وَمَنْ لَمْ يُسَمِّ، وَصَلَّيْتُ بِهِمْ إِلَّا هَؤُلَاءِ النَّفَرَ الثَّلَاثَةَ: مُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمُ، فَرَبَطْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بها الأنبياء، ثمّ دخلت المسجد قرّبت لِيَ الْأَنْبِيَاءُ، مَنْ سَمَّى اللَّهُ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُسَمِّ، فَصَلَّيْتُ بِهِمْ. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو حَمْزَةَ هُوَ مَيْمُونُ. ضُعِّفَ [1] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلْيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَأَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
قَرَأْتُ عَلَى الْقَاضِي سُلَيْمَانَ بْنِ حَمْزَةَ، أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْحَافِظُ، أنا الْفَضْلُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الموازيني، أنا
__________
[1] انظر عنه: التاريخ لابن معين 2/ 599، التاريخ الكبير 7/ 343 رقم 1477، التاريخ الصغير 150، الضعفاء الصغير للبخاريّ 277 رقم 352، الضعفاء والمتروكين للنسائي 304 رقم 581، أحوال الرجال للجوزجانيّ 72 رقم 87، الضعفاء الكبير للعقيليّ 4/ 187 رقم 1764، والمجروحين لابن حبّان 3/ 5، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 164 رقم 528، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8/ 235- 236 رقم 1061، المعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 565 و 231، ميزان الاعتدال 4/ 234- 235 رقم 8969، المغني في الضعفاء 2/ 690 رقم 1562، الكاشف 2/ 171 رقم 5871، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 6/ 2407، تهذيب التهذيب 10/ 395- 396 رقم 711، تقريب التهذيب 2/ 292 رقم 1561.
[2] أخرجه البخاري في كتاب الأشربة 6/ 240- 241، وفي تفسير سورة الإسراء 5/ 224 باب قوله أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام. ومسلّم (168) في كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1/244)
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنا يُوسُفُ الْقَاضِي، أنا أَبُو يَعْلَى التَّمِيمِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَسَاوِسِيُّ، ثنا ضَمْرَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنْ أُمِّ هَانِي [1] قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَلَسٍ [2] وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي فَقَالَ: «شَعَرْتُ أَنِّي نِمْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَأَتَى جِبْرِيلُ فَذَهَبَ بِي إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا دَابَّةٌ أَبْيَضُ [3] ، فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، مُضْطَرِبُ الْأُذُنَيْنِ، فَرَكِبْتُهُ، وَكَانَ يَضَعُ حَافِرَهُ مَدَّ بَصَرِهِ، إِذَا أَخَذَ بِي فِي هُبُوطٍ طَالَتْ يَدَاهُ، وَقَصُرَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا أَخَذَ بِي فِي صُعُودٍ طَالَتْ رِجْلَاهُ وَقَصُرَتْ يَدَاهُ، وَجِبْرِيلُ لَا يَفُوتُنِي، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَوْثَقْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تُوثِقُ بِهَا، فَنُشِرَ لِي رَهْطٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فِيهِمْ إِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، فَصَلَّيْتُ بِهِمْ وَكَلَّمْتُهُمْ، وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحْمَرَ وَأَبْيَضَ، فَشَرِبْتُ الْأَبْيَضَ، فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: شَرِبْتَ اللَّبَنَ وَتَرَكْتَ الْخَمْرَ، لَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَارْتَدَّتْ أُمَّتُكَ، ثُمَّ رَكِبْتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَصَلَّيْتُ بِهِ الْغَدَاةَ» . قَالَتْ: فَتَعَلَّقْتُ بِرِدَائِهِ وَقُلْتُ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ يَا بْنَ عَمٍّ أَلَا تُحَدِّثُ بِهَذَا قُرَيْشًا فَيُكَذِّبُكَ مَنْ صَدَّقَكَ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى رِدَائِهِ فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِي، فَارْتَفَعَ عَنْ بَطْنِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى عُكْنِهِ فَوْقَ إِزَارِهِ وَكَأَنَّهُ طَيٌّ الْقَرَاطِيسِ، وَإِذَا نُورٌ سَاطِعٌ عِنْدَ فُؤَادِهِ، يَكَادُ يَخْتَطِفُ بَصَرِي، فَخَرَرْتُ سَاجِدَةً، فَلَمَّا رَفَعْتُ رَأْسِي إِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ، فَقُلْتُ لِجَارِيَتِي نَبْعَةَ: وَيْحَكِ اتْبَعِيهِ فَانْظُرِي [4] ، فَلَمَّا رَجَعَتْ أَخْبَرَتْنِي أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى قُرَيْشٍ [5] فِي الْحَطِيمِ، فِيهِمُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَعَمْرُو بْنُ هِشَامٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَقَصَّ عليهم مسراه، فقال عمرو كالمستهزئ: صفهم
__________
[1] هي بنت أبي طالب. (طبقات ابن سعد 1/ 144) .
[2] الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
[3] أي أبيض اللون، والتذكير باعتبار المركوب، كما في «إرشاد السّاري لشرح البخاري» .
[4] زاد في عيون الأثر 1/ 141: «ماذا يقول وماذا يقال له» .
[5] في عيون الأثر: «إلى نفر من قريش» .(1/245)
لِي، قَالَ: أَمَّا عِيسَى فَفَوْقَ الرَّبْعَةِ، عَرِيضُ الصَّدْرِ، ظَاهِرُ الدَّمِ، جَعْدُ الشَّعْرِ، تَعْلُوهُ صَهْبَةٌ، كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَأَمَّا مُوسَى فَضَخْمٌ، آدَمٌ، طُوَالٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، كَثِيرُ الشَّعْرِ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ، مُقَلَّصُ الشفتين، خارج اللّثة، عابس، وأمّا إبراهيم، فو الله لَأَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا [1] ، فَضَجُّوا وَأَعْظَمُوا ذَلِكَ، فَقَالَ الْمُطْعِمُ: كُلُّ أَمْرِكَ كَانَ قَبْلَ الْيَوْمِ أُمَمًا، غَيْرَ قَوْلِكَ الْيَوْمَ، أَنَا أَشْهَدُ أنّك كاذب! نحن نضرب أكباد الإبل إلى بَيْتِ الْمَقْدِسِ شَهْرًا، أَتَيْتَهُ فِي لَيْلَةٍ! وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ [2] ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، الْوَسَاوِسِيُّ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ [3] (م) [4] ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثنا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلُونِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثَبِّتْهَا، فَكُرِبْتُ كَرْبًا مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي، أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ [5] جَعْدٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ- يَعْنِي نَفْسَهُ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ
__________
[1] في (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) : ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة احمر ...
وأنا أشبه ولد إبراهيم به ...
[2] انظر بقيته في عيون الأثر 1/ 142.
[3] انظر عنه: الضعفاء الكبير للعقيليّ 4/ 22 رقم 1577، المغني في الضعفاء 2/ 555 رقم 5293، ميزان الاعتدال 3/ 481 رقم 7222، لسان الميزان 5/ 77 رقم 252.
[4] اختصار للإمام مسلّم.
[5] أي خفيف اللّحم ممشوق مستدق. على ما في (النهاية) .(1/246)
الصَّلَاةِ قَالَ لِي قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ» [1] .
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ أَيْضًا، عَنْ جَابِرٍ مُخْتَصَرًا [2] . قَالَ اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فجلا الله لي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ. أَخْرَجَاهُ [3] . وَقَالَ [4] إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَقِيَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ، فَافْتُتِنَ نَاسٌ كَثِيرٌ كَانُوا قَدْ صَلُّوا مَعَهُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ [5] بِذَلِكَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ آمَنَ، وَسَعَوْا إلى أبي بكر فقالوا: هل لك
__________
[1] صحيح مسلّم (168) في كتاب الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماوات وفرض الصلوات، وأحمد في المسند 2/ 528.
[2] مسلّم (172) في كتاب الإيمان، باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجّال، ابن سعد في الطبقات 1/ 215.
[3] أخرجه البخاري في مناقب الأنصار 4/ 247 و 248 باب حديث الإسراء وقول الله تعالى:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى 17: 1، وفي تفسير سورة الإسراء 5/ 224 باب قوله أسرى بعبده ليلا.. ومسلّم (170) في كتاب الإيمان، باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، والترمذي (3132) في التفسير، باب ومن سورة بني إسرائيل.
[4] في حاشية الأصل كتب: «بلغت قراءة في الميعاد الثاني عشر، على جامعه الحافظ أبي عبد الله الذهبي، كتب ابن البعلي عفا الله عنه» .
[5] في نهاية الأرب «أصبح الناس يتحدّثون» .(1/247)
فِي صَاحِبِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ! قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَئِنْ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا: وَتُصَدِّقُهُ! قَالَ: إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غُدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ. فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ [1] .
وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [2] .
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مِقْلَاصٍ الْفَقِيهُ، وَيُونُسُ، وَغَيْرُهُمَا:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ بِالْبُرَاقِ، فَكَأَنَّهَا أَمَرَّتْ ذَنَبَهَا [3] ، فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ: مه يا براق، فو الله إِنْ رَكِبَكِ [4] مِثْلُهُ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ» ؟ قَالَ لَهُ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ، فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ. فَإِذَا شَيْءٌ يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنِ الطَّرِيقِ يَقُولُ: هَلُمَّ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ، فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ، قَالَ: فَلَقِيَهُ خَلْقٌ مِنَ الْخَلْقِ، فَقَالُوا:
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا آخِرُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَاشِرُ، فَرَدَّ السَّلَامَ، فَانْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَالْخَمْرَ، واللّبن، فتناول اللّبن، فقال له
__________
[1] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 62- 63 وقال هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه.
وتابعه الذهبي في تلخيصه، ورواه النويري في نهاية الأرب 16/ 302.
[2] رواه مسلّم (2375) في الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام، والنسائي 3/ 215 في قيام الليل، باب ذكر صلاة نبيّ الله موسى عليه السلام، وأحمد في المسند 3/ 120.
[3] في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 385 «ضربت أذنيها» .
[4] في تهذيب تاريخ دمشق «ما ركبك» .(1/248)
جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، وَلَوْ شَرِبْتَ الْمَاءَ لَغَرِقَتْ أُمَّتُكَ وَغَرِقْتَ، وَلَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَغَوَيْتَ وَغَوَتْ أُمَّتُكَ، ثُمَّ بُعِثَ لَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَمَّا الْعَجُوزُ فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِ تِلْكَ الْعَجُوزِ، وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ، فَذَاكَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ، أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ سَلَّمُوا عَلَيْكَ فَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى [1] [2] .
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَرَوْحٌ، وَغُنْدَرٌ: أنا عَوْفٌ، ثنا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى قَالَ: قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي، ثُمَّ أَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، فَظِعْتُ بِأَمْرِي [3] ، وَعَلِمْتُ بِأَنَّ النَّاسَ يُكَذِّبُونِي، قَالَ:
فَقَعَدَ مُعْتَزِلًا حَزِينًا، فَمَرَّ به أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ فَجَلَسَ فَقَالَ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: «إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ» ، قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: «إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» ، قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا! قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: فَلَمْ يُرَ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ إِلَيْكَ قَوْمَكَ أَتُحَدِّثُهُمْ بِمَا حَدَّثْتَنِي؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، فَدَعَا قَوْمَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنَ لُؤَيٍّ هَلُمَّ، فَانْتَقَضَتِ الْمَجَالِسُ، فَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، فَقَالَ: حدّثهم،
__________
[1] روي هذا الحديث بالسند المذكور عن أنس في تفسير الطبري، وتفسير ابن مردويه، ودلائل البيهقي 2/ 113- 114، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 385، وانظر الخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 155- 156.
[2] كتب هنا في حاشية الأصل «أنبأنا عن ابن كليب، عن ابن بيان، أنا بشر ابن القاضي، ثنا محمد بن الحسن اليقطيني، نا محمد بن الحسن بن قتيبة، ثنا أبو عمير بن النحاس، ثنا الوليد، حدثني الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قال: رئي عبادة بن الصامت على حائط بيت المقدس يبكي فقيل: ما يبكيك؟ فقال: من هاهنا حدّثنا رسول الله أنه رأى ملكا يقلّب جمرا كالقطف. إسناده جيّد» .
[3] أي اشتدّ عليّ وهبته. (النهاية) .(1/249)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ» ، قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ:
«إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» ، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا [1] ! قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ وَوَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُسْتَعْجِبٌ لِلْكَذِبِ زَعْمٍ، قَالَ:
وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ، قَالَ: فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عُقَيْلٍ أَوْ عُقَالٍ. قَالَ: فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» ، فَقَالُوا: أَمَّا النَّعْتُ فَقَدْ وَاللَّهِ أَصَابَ [2] .
وَرَوَاهُ هَوْذَةُ [3] عَنْ عَوْفٍ. مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمُ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا أَبُو عِمْرَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا أَنَا قَاعِدٌ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ دَخَلَ جِبْرِيلُ [4] ، فَوَكَزَ [5] بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَقُمْتُ إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّائِرِ، فَقَعَدَ فِي وَاحِدَةٍ، وَقَعَدْتُ فِي أُخْرَى، فَارْتَفَعْتُ [6] حَتَّى سُدَّتِ الْخَافِقَيْنِ، فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَمَسَّ السَّمَاءَ لَمَسَسْتُ، وَأَنَا أُقَلِّبُ طَرْفِي فَالْتَفَتُّ إِلَى جِبْرِيلَ، فَإِذَا هُوَ لَاطِئٌ [7] ، فَعَرَفْتُ فَضْلَ عِلْمِهِ باللَّه [8] ، وَفَتَحَ لِي بَابَ السَّمَاءِ وَرَأَيْتُ النُّورَ
__________
[1] كذا في الأصل و (ع) وفي مسند أحمد: (ظهرانينا) .
[2] أخرجه أحمد في مسندة 1/ 309.
[3] في الأصل «هودة» ، والتصويب من تهذيب التهذيب 11/ 74 رقم 116 وهو هوذة بن خليفة بن عبد الله البكراوي البصري الأصمّ.
[4] في دلائل النبوّة، ونهاية الأرب «دخل عليّ جبريل» .
[5] الوكز: الضّرب بجمع الكفّ، وهنا ضرب تلطّف ومحبّة، أو سبب قيام وخفّة، كما في شرح الشفا.
[6] في دلائل النبوّة «فسمت وارتفعت» ، وفي نهاية الأرب «فنمت» .
[7] أي لاصق بالأرض من هيبة الله تعالى وشدّة الخشية من كمال عظمته. وفي دلائل النبوّة ونهاية الأرب: «حلس لاطئ» .
[8] في دلائل النبوّة، ونهاية الأرب «باللَّه عليّ» .(1/250)
الْأَعْظَمَ [1] ، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا شَاءَ أَنْ يُوحِي [2] . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ حَسَنٌ، وَالْحَارِثُ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ [3] .
سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثنا أَبُو مَعْشَرَ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ إِنَّ قَوْمِي لَا يُصَدِّقُونِي» ، قَالَ: يُصَدِّقُكَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الصِّدِّيقُ.
رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ [4] بْنِ هَارُونَ، أنا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَحَدَّثَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلَامَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَارْتَدُّوا كُفَّارًا، فَضَرَبَ اللَّهُ رِقَابَهُمْ مَعَ أَبِي جَهْلٍ.
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخَوِّفُنَا مُحَمَّدٌ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ، هَاتُوا تَمْرًا وَزُبْدًا، فَتَزَقَّمُوا.
وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ، لَيْسَ بِرُؤْيَا مَنَامٍ، وَعِيسَى، وَمُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [5] .
__________
[1] في الدلائل والنهاية بعد الأعظم «وإذا دوني الحجاب وفرجه الدرّ والياقوت» .
[2] دلائل النبوّة للبيهقي، نهاية الأرب 16/ 291.
[3] هو الحارث بن عبيد الإيادي البصري، أبو قدامة. انظر عنه: التاريخ لابن معين 2/ 93، التاريخ الكبير للبخاريّ 2/ 275 رقم 2441، الجرح والتعديل 3/ 81 رقم 371، الكاشف 1/ 139 رقم 871، ميزان الاعتدال 1/ 438- 439 رقم 1632، تهذيب التهذيب 2/ 149- 150 رقم 254.
[4] في نسخة دار الكتب المصرية «زيد» وهو تصحيف.
[5] أخرجه أحمد في المسند 1/ 374 وبقيّته: «صلوات الله عليهم، فسئل النبي صلى الله عليه وسلّم عن الدّجّال فقال أقمر هجّانا، قال: حسن، قال: رأيته فيلمانيا أقمر هجّانا، إحدى عينيه قائمة كأنّها كوكب درّيّ كان شعر رأسه أغصان شجرة، رأيت عيسى شابا أبيض جعد الرأس حديد البصر مبطّن الخلق، ورأيت موسى أسحم آدم كثير الشعر، قال: حسن الشعرة شديد الخلق، ونظرت إلى إبراهيم فلا انظر إلى أرب من آرابه إلا نظرت إليه مني، كأنّه صاحبكم، فقال جبريل عليه السلام: سلّم على مالك، فسلّمت عليه» .(1/251)
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتِيَ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، فَلَمْ يُزَايِلَا ظَهْرَهُ هُوَ وَجِبْرِيلُ، حَتَّى انْتَهَيَا بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَعِدَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَأَرَاهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، ثُمَّ قَالَ لِي [1] : هَلْ صَلَّى فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اسْمُكَ يَا أَصْلَعُ، قُلْتُ: زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، قَالَ: فَأَيْنَ تَجِدُهُ صَلَّاهَا؟ فَتَأَوَّلْتُ الْآيَةَ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى 17: 1 [2] قَالَ: فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى لَصَلَّيْتُمْ كَمَا تُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ: أَرَبَطَ الدَّابَّةَ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: أَكَانَ يَخَافُ أَنْ تَذْهَبَ مِنْهُ وَقَدْ أَتَاهُ اللَّهُ بِهَا، كَأَنَّ حُذَيْفَةَ لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَلَا رَبَطَ الْبُرَاقَ بِالْحَلْقَةِ [3] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عكرمة، عن ابن عبّاس
__________
[1] القائل هو حذيفة، والمسؤل هو زرّ بن حبيش كما سيأتي.
[2] سورة الإسراء- الآية 1.
[3] أخرجه أحمد في مسندة 5/ 387 بأطول من هذا «عن زرّ بن حبيش قال: أتيت على حذيفة بن اليمان وهو يحدّث عن ليلة أسري بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: فانطلقت أو انطلقنا فلقينا حتى أتينا على بيت المقدس فلم يدخلاه. قال: قلت بل دخله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلتئذ وصلّى فيه. قال: ما اسمك يا أصلع فإنّي أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك؟ قال: قلت: أنا زرّ بن حبيش. قال: فما علمك بأنّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى فيه ليلتئذ؟ قال: قلت: القرآن يخبرني بذلك. قال: من تكلّم بالقرآن فلج اقرأ. قال: فقرأت: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ 17: 1. قال: فلم أجده صلّى فيه. قال: يا أصلع هل تجد صلّى فيه؟ قال: قلت: لا. قال: والله ما صلّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلتئذ لو صلّى فيه لكتب عليكم صلاة فيه كما كتب عليكم صلاة في البيت العتيق والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع، ثم عادا عودهما على بدئهما. قال: ثم ضحك حتى رأيت نواجذه.
قال: ويحدّثون أنه لربطه ليفرّ منه وإنّما سخّره له عالم الغيب والشهادة. قال: قلت: يا أبا عبد الله أيّ دابّة البراق؟ قال: دابّة أبيض طويل هكذا خطوه مدّ البصر» ، وانظر خصائص السيوطي 1/ 158.(1/252)
وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ 17: 60 [1] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ. وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ في الْقُرْآنِ 17: 60 [1] قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] .
ذِكْرُ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى مَا كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 53: 5- 11 [3] وَقَالَ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى 53: 13- 14 [4] . تَفْسِيرُ ذَلِكَ: قَالَ زَائِدَةُ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 53: 9 فَقَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سُتُّمِائَةُ جَنَاحٍ.
أَخْرَجَاهُ [5] .
وَرَوَى شعبة، عن الشّيبانيّ هكذا، لَكِنْ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
لَقَدْ رَأى من آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 53: 18 [6] فَذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ [7] .
__________
[1] سورة الإسراء- الآية 60.
[2] في مناقب الأنصار 4/ 250 باب المعراج، وفي تفسير سورة الإسراء 5/ 227 باب وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً للناس، وأخرجه أحمد في المسند 1/ 374.
[3] سورة النجم- الآية 5.
[4] سورة النجم- الآية 13.
[5] أخرجه البخاري في تفسير سورة النجم 6/ 51 باب قوله فأوحى إلى عبده ما أوحى، ومسلّم (174- 280) في كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى.
[6] سورة النجم- الآية 18.
[7] أخرجه البخاري في تفسير سورة النجم 6/ 50- 51 باب فكان قاب قوسين أو أدنى حيث الوتر من القوس، ومسلّم (174) في كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى.(1/253)
وَقَالَ (خ) قَبِيصَةُ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ رَأى من آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 53: 18 قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ [1] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثنا عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى 53: 13 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةٍ، عَلَيْهِ سِتُّمِائَةُ جَنَاحٍ، يَنْفُضُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلَ [2] الدُّرَّ وَالْيَاقُوتَ. عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ الْقَارِئُ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ [3] .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ- كَذَا قَالَ- وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُصْعَدُ بِهِ، حَتَّى يُقْبَضَ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فوقها، حتى يقبض منها
__________
[1] أخرجه البخاري 6/ 51 في تفسير سورة النجم، باب لقد رأى من آيات ربّه الكبرى.
[2] أي الأشياء المختلفة الألوان. (النهاية لابن الأثير) .
[3] انظر عنه: تاريخ خليفة 378، طبقات خليفة 159، التاريخ الكبير 6/ 487 رقم 3062، التاريخ الصغير 137، طبقات ابن سعد 6/ 224، مراتب النحويين 24، المعارف 530، ذيل المذيّل 647، الجرح والتعديل 6/ 340 رقم 1887، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 121، مشاهير علماء الأمصار لابن حبّان 165 رقم 1306، تاريخ العلماء النحويين 231، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 384، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 122، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 336 رقم 1358، وفيات الأعيان 3/ 9، تهذيب الكمال للمزّي 2/ 640، الكامل في التاريخ لابن الأثير 5/ 352، تاريخ الإسلام 5/ 89، سير أعلام النبلاء 5/ 256- 261، العبر 1/ 167، الكاشف 2/ 49 رقم 2519، معرفة القراء الكبار 1/ 88- 94 رقم 35، ميزان الاعتدال 2/ 357- 358 رقم 4068، المغني في الضعفاء 1/ 322 رقم 2995، مرآة الجنان 1/ 271، البداية والنهاية 10/ 29 وفيه «عبدلة» بدل «بهدلة» وهو تصحيف، غاية النهاية 1/ 346- 349، الوافي بالوفيات 16/ 572 رقم 608، جامع التحصيل 247 رقم 317، الوفيات لابن قنفذ 121 رقم 127، تهذيب التهذيب 5/ 38- 40 رقم 67، تقريب التهذيب 1/ 383 رقم 3، خلاصة تذهيب التهذيب 182، شذرات الذهب 1/ 175.(1/254)
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى 53: 16 [1] قَالَ: غَشِيَهَا فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكْ باللَّه مِنْ أُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتِ [2] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَا كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 53: 11 [4] قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ مِنْ رَفْرَفٍ قَدْ مَلأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [5] .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أبي هريرة: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى 53: 13 قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] .
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لعائشة: فأين قوله تعالى: دَنا فَتَدَلَّى 53: 8؟ قَالَتْ: إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ، كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ أُفُقَ السّماء. متّفق عليه [7] .
__________
[1] سورة النجم- الآية 16.
[2] معناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إيّاها، والتقحّم:
الوقوع في المهالك.
وسقط من الأصل و (ع) والمنتقى لابن الملا: «من أمّته» ، والاستدراك من صحيح مسلّم.
[3] صحيح مسلّم (173) في كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى، وأخرجه الترمذي (3330) في سورة النجم، وقال هذا حديث حسن صحيح.
[4] سورة النجم- الآية 5.
[5] أخرجه الترمذي (3337) في سورة النجم، وأحمد في المسند 1/ 394 و 418 و 449.
[6] صحيح مسلّم (175) في كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عزّ وجلّ: ولقد رآه نزلة أخرى، وهل رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم ربه ليلة الإسراء؟
[7] أخرجه البخاري في بدء الخلق 4/ 84 باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومسلّم (177/ 290) في كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عزّ وجلّ: ولقد رآه نزلة أخرى، والترمذي (3332) في سورة النجم، وأحمد في المسند 1/ 395 و 407 و 449.(1/255)
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ شَأْنِهِ يَرَى الْمَنَامَ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا رَأَى جِبْرِيلَ بِأَجْيَادَ [1] ، أَنَّهُ خَرَجَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَصَرَخَ بِهِ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالا، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نَظَرَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَفَعَ بَصَرَهُ، فَإِذَا هُوَ ثَانِيًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فِي الْأُفُقِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ جبريل جِبْرِيلُ، يُسَكِّنُهُ، فَهَرَبَ حَتَّى دَخَلَ فِي النَّاسِ، فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ رَجَعَ فَنَظَرَ فَرَآهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى 53: 1- 2 [2] .
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى 53: 13- 14 قَالَ: دَنَا رَبُّهُ مِنْهُ فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ [3] .
أَخْبَرَنَا التَّاجُ عَبْدُ الْخَالِقِ، أنا ابْنُ قُدَامَةَ، أنا أَبُو زُرْعَةَ، أنا الْمُقَدِّمِيُّ، أنا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ، أنا ابْنُ سَلَمَةَ، أنا ابْنُ مَاجَهْ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الصَّلْتَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ، بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ، فِيهَا الْحَيَّاتُ، تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ، فَقُلْتُ: «مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [4] عَنِ الْحَسَنِ، وَعَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ وَزَادَ فِيهِ: رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي
__________
[1] أجياد: موضع بمكة يلي الصفا. (معجم البلدان 1/ 105) .
[2] أول سورة النجم.
[3] أخرجه الترمذي (3334) في سورة النجم، وقال: هذا حديث حسن. وفيه «محمد بن عمر» وهو تصحيف، والصحيح «عمرو» كما أثبتناه. انظر: تهذيب التهذيب.
[4] ج 2/ 363، ورواه ابن ماجة في التجارات (2273) باب التغليظ في الربا، وقال في:
مجمع الزوائد: في إسناده عليّ بن زيد بن جدعان، ضعيف.(1/256)
لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ. أَبُو الصَّلْتِ مَجْهُولٌ [1] .
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْدَاوِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِلَالٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِكْرِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنْبَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَتِهِ وَخَلْقِهِ، سَادًّا مَا بَيْنَ الْأُفُقِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ، عَنِ الْأَنْصَارِيِّ [2] .
قُلْتُ: قَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي رُؤْيَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ [3] ، فَأَنْكَرَتْهَا
__________
[1] انظر عنه: الكاشف للذهبي 3/ 308 رقم 227، ميزان الاعتدال له 4/ 540 رقم 10321:
تهذيب التهذيب 12/ 135 رقم 642.
[2] البخاري رقم (1528) في بدء الخلق 4/ 83 باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومسلّم (177) في الإيمان، باب معنى قول الله عزّ وجلّ: ولقد رآه نزلة أخرى، والترمذي (5063) في سورة الأنعام، من طريق الشعبي، عن مسروق، عن عائشة.
[3] راجع في ذلك: الشفاء للقاضي عياض 1/ 158 وما بعدها، نهاية الأرب للنويري 16/ 295 وما بعدها.
وانظر ما كتبه الكوثريّ في مقالاته، ففي قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ 17: 60 فقد فسّره ابن عبّاس برؤية العين، كما أخرجه البخاريّ بسنده إليه في تفسير تلك الآية، على أنّ تلك الرؤيا لو كانت مناميّة لما اشتد إنكار قريش لها. وقد تأتي الرؤيا بمعنى الرؤية في اللغة.
قال المتنبّي:
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض
يعني رؤية البصر، فلا بدّ من ترجيح بعض الروايات على بعض، وحمل الباقي على وهم بعض الرواة في ألفاظها، والثقة قد يهمّ ولا سيّما في الأخبار الطويلة، فينبذ موضع وهمه فقط، كما وقع في رواية شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عند البخاري، ففيها نحو اثني عشر(1/257)
عَائِشَةُ، وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّمَا فِيهَا تَفْسِيرُ مَا فِي النَّجْمِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ للَّه. وَذَكَرَهَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَّلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، ثُمَّ أَفْرَغَهَا [1] فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مُحَمَّدٌ، قَالَ: أُرْسِلَ إليه؟ قال: نعم، ففتح،
__________
[ () ] وهما، بيانها في شروح البخاري.... وقد اشتدّ نكير المحقّقين على رواية شريك، من أمثال مسلّم والخطّابيّ.
والجمهور على أنّ الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، وأنّهما بالروح والجسد معا، يقظة، ولا مجيد عن ذلك بعد صحّة الخبر، وتمام الاعتقاد بقدرة القادر الحكيم الشاملة لكل ممكن، وردّ ذلك كلّه إلى عالم المثال الّذي يتخيّله صاحب «حجّة الله البالغة» على عادته في المشاكل- خروج عن الجادّة بدون أيّ حجّة ناهضة. وأمّا ما يروى عن عائشة رضي الله عنها من قولها: ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلّم لكنّه أسري بروحه، فغير ثابت عنها البتّة، لأنّه من رواية ابن إسحاق المتوفّى في منتصف القرن الثاني من إدراك زمن عائشة، وأمّا ما يروى عن معاوية من أنّ الإسراء رؤيا صادقة، فغير ثابت عنه أيضا، للانقطاع بين شيخ ابن إسحاق يعقوب بن عتبة، وبين معاوية، لأنّه توفّي سنة 128، واين هذا التاريخ من وفاة معاوية. فلا يصحّ التعويل على مثل تلك الأخبار المنقطعة في ادّعاء أنّ الإسراء روحانيّ فقط، أو في حالة النّوم فقط. وقد اختلف في ليلة المعراج متى كانت، والّذي رجّحه النّوويّ في «الروضة» أنّها الليلة السابعة والعشرون من رجب، وإليه ذهب ابن الأثير والرافعيّ، ومن قال إنّها قبل سنة ونصف من الهجرة، يكون يرى هذا الرأي مثل ابن قتيبة، وابن عبد البرّ، لأنّ الهجرة كانت في ربيع الأول، فالسنة قبلها من صفر إلى صفر تراجعا، والستّة الأشهر قبلها من المحرّم إلى شعبان بالتراجع، فتكون الأيام الثلاثة من آخر رجب غير مذكورة تركا للكسر في الطرفين، وعلى ذلك عمل الأمّة.
وهذا العروج ليس للتقرّب منه تعالى، لأنّ القرب منه لا يكون بالمسافة، قال تعالى:
وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ 96: 19، وقال صلى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد» .
[1] في حاشية الأصل هنا: (فأقره) بدلا من (أفرغها) الواردة في صلب الأصل، وصحيح مسلّم والبخاري.(1/258)
فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، إِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ [1] ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: «يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا» ؟ قَالَ: آدَمُ، وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ نَسَمُ بَنِيهِ [2] ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالَّتِي [3] عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ [4] ، ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا. مِثْلَ مَا قَالَ خَازِنُ السَّمَاءِ، الدُّنْيَا، فَفَتَحَ. فَقَالَ أنس: فذكر أنّه وجد في السّماوات: آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَعِيسَى، وَمُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُثْبِتْ- يَعْنِي أَبَا ذَرٍّ- كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ، فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيسَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قَالَ:
ثُمَّ مَرَّ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: إِدْرِيسُ، قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ:
مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مُوسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: عِيسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ [5] أن ابن عباس وأبا حبّة الأنصاري
__________
[1] أي أشخاص.
[2] نسم بنيه: النّسم جمع نسمة، وهي كل شيء فيه روح، وقيل النّسمة: النفس والروح.
[3] في صحيح البخاري «والأسودة التي» .
[4] في الصحيح بعد «النار» ، «فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قبل شماله بكى» .
[5] في حاشية الأصل: «هو أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وأبو حبّة، بالموحّدة، أوسيّ شهد بدرا. قال الواقديّ: أبو حنة بن عمرو بن ثابت، اسمه مالك. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: اسمه عامر بن عبد عمرو. وقال ابن إسحاق: قتل بأحد، وهو أخو سعد بن خيثمة لأمّه. وقال أحمد بن البرقيّ: أبو حبّة البدري اسمه ثابت بن النّعمان بن امرئ القيس الأوسيّ. وقال سيف بن عمر: فيمن قتل من الأنصار يوم اليمامة أبو حبّة بن(1/259)
كانا يقولان: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوْفًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ [1] . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى، فَقَالَ: مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ مُوسَى: فَرَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّيَ، فَوَضَعَ عَنِّي شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُ رَبِّيَ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ [2] اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ [3] .
أخبرنا بهذا الحديث يحيى بن أحمد المقري بالإسكندرية، وَمُحَمَّدُ بْنُ حُسَيْنٍ الْفَوِّيُّ بِمِصْرَ، قَالَا: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَادٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ، أَنَا عَلِيُّ بن الحسن الشافعي، أنا عبد الرحمن بن عمر البزّار، ثنا أبو الطّاهر
__________
[ () ] غزيّة بن عمرو. وكذا قال الطّبري، وسمّاه زيدا، وساق نسبه إلى مازن بن النّجّار وقال:
شهد أحد. وقال الواقديّ: ليس فيمن شهد بدرا أحد يقال له أبو حبّة، وإنّما هو أبو حنّة مالك بن عمرو بن عوف. وأما أبو حبّة بن غزيّة بن عمرو المازنيّ فلم يشهد بدرا، وكذلك أبو حبّة بن عبد عمرو الّذي كان مع عليّ بصفّين» .
[1] صحيح مسلّم (163) في كتاب الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماوات وفرض الصلوات.
[2] الجنابذ: القباب. ووقع في «صحيح البخاري» في كتاب الأنبياء وغيره (حبائل) بدل (جنابذ) . قال الخطابي وغيره: هو تصحيف. (كما في شرح صحيح مسلّم للنووي) .
[3] رواه البخاري 1/ 91- 93 في كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، وفي الأنبياء، باب ذكر إدريس عليه السلام، ومسلّم (163) في الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماوات وفرض الصلوات.(1/260)
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ، ثنا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [1] .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ [2] شَطْرَهُ الثَّانِي مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ [3] : وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا حَبَّةَ، إِلَى آخِرِهِ عَنْ يُونُسَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ [4] .
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [5] مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، وَتَابَعَهُ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ هَمَّامٌ [6] : سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ- وربّما قال قتادة في الحجر- مضطجعا إذا أَتَانِي آتٍ- فَجَعَلَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ الْأَوْسَطِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ قَالَ: فَأَتَانِي وَقَدْ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ- فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِلْجَارُودِ، وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي؟ قَالَ:
مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ [7] ؟ قَالَ: فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ، وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ- فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ- يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل:
__________
[1] صحيح مسلّم رقم (163) .
[2] في كتاب الصلاة، 1/ 217 فرض الصلاة وذكر اختلاف الناقلين في إسناده حديث أنس ...
[3] في (ع) : ابن هشام. وهو وهم بيّن.
[4] في (ع) : (بعلم) وهو تحريف.
[5] في صحيحه 1/ 91 كتاب الصلاة.
[6] هو همّام بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي المحلمي. مات سنة 164 هـ-. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر 11/ 69، 70 رقم 108.
[7] في حاشية الأصل «سرّته» .(1/261)
وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ [1] مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ [2] فَلَمَّا خَلَصْتُ [3] فَإِذَا آدَمُ فِيهَا، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ: قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ:
وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ:
فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فسلّمت عليهما [4] ، فردّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يُوسُفُ قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ وَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِدْرِيسُ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ وَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا به ونعم المجيء جاء، قال: محمد،
__________
[1] في الأصل، والصحيح «قال» .
[2] في الأصل زيادة «له» ، وهي مقحمة، ليست في كتب الصحاح.
[3] في (ع) «خلعت» ، وهو تصحيف ظاهر.
[4] (فسلّمت عليهما) ساقطة من الأصل، والمنتقى لابن الملا.(1/262)
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ؟ ثُمَّ قَالَ:
مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّهُ غُلَامٌ [1] بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ:
مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ وَقَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لِيَ [2] سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى. فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ [3] وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلَ آذَانِ الْفِيَلَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ.
فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ [4] . ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ. فَقَالَ: هَذِهِ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ.
قَالَ: ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاةُ، خَمْسُونَ صَلَاةً فِي كُلِّ يوم، فرجعت
__________
[1] الغلام: الطّارّ الشارب، والكهل، ضدّ. كما في (القاموس المحيط) .
[2] في الأصل (إلي) وفي المنتقى لابن الملّا (لي) وهو الموافق لصحيح الإمام البخاري.
[3] النّبق: بكسر الباء، والمراد أنّ ثمرها كبير.
[4] هذا مجاز.(1/263)
فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِخَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ.
قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ [1] النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ. قُلْتُ: قَدْ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فلمّا نفردت نَادَانِي مُنَادٍ، قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ هُدْبَةَ عَنْهُ [2] . وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، ثنا أَنَسٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشَقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ، فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مليء حِكْمَةً وَإِيمَانًا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِطُولِهِ [3] . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ، بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، قَالَ: فَأُتِيتُ فَانْطَلَقَ بِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَشُرِحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا، قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِصَاحِبِي: مَا يَعْنِي؟ قَالَ: إِلَى أَسْفَلَ بَطْنِي، فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، وَحُشِيَ، أو قال: كنز إيمانا وحكمة-
__________
[1] عند البخاري «جرّبت» .
[2] صحيح البخاري 4/ 77 في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم، وفي الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً 20: 9- 10، وباب قول الله تعالى ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 19: 2، وفي فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب المعراج، ومسلّم (164) في كتاب الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والترمذي رقم (3343) في التفسير، باب ومن سورة ألم نشرح، والنسائي 1/ 217، و 218 في الصلاة، باب فرض الصلاة، والبيهقي في دلائل النّبوّة 2/ 123- 126، وانظر سيرة ابن كثير 2/ 108- 111، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 380- 381.
[3] رقم (164) في كتاب الإيمان.(1/264)
شَكَّ سَعِيدٌ- ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ يُقَالُ لَهُ الْبُرَاقُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ وَمَعِي صَاحِبِي لَا يُفَارِقُنِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا.
وَسَاقَ الْحَدِيثَ كَحَدِيثِ هَمَّامٍ، إِلَى قَوْلِهِ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَزَادَ «يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» . قُلْتُ: وَهَذِهِ زِيَادَةٌ رَوَاهَا هَمَّامٌ فِي حَدِيثِهِ، وَهُوَ أَتْقَنُ من ابن أبي عروبة، فقال: فَقَالَ: قَالَ قَتَادَةُ، فَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى الْبَيْتَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ زِيَادَةٌ: فِي سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى إِنَّ وَرَقَهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، وَلَفْظُهُ: ثُمَّ أُتِيتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ:
بِخَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَمَا زِلْتُ أَخْتَلِفُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى كُلَّمَا أُتِيتُ عَلَيْهِ، قَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَتِهِ، حَتَّى رَجَعْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، كُلَّ يَوْمٍ، فَلَمَّا أُتِيتُ عَلَى مُوسَى قَالَ كَمَقَالَتِهِ، قُلْتُ: لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ فَنُودِيتُ أَنْ: قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَجَعَلْتُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَدْ رَوَاهُ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، وَشَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسٍ [2] ، فَلَمْ يسنده
__________
[1] رقم (164) في كتاب الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماوات وفرض الصلوات.
[2] صحيح مسلّم (162/ 262) كتاب الإيمان.(1/265)
لَهُمَا، لَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَلَا عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَلَا بَأْسَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ.
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: أتيت بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ، فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَتَانِي بِإِنَاءَيْنِ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ أُرْسِلَ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا بِآدَمَ.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَإِذَا بِيُوسُفَ، وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بخير، إِلَى أَنْ قَالَ: لَمَّا فُتِحَ لَهُ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ: فَإِذَا بِإِبْرَاهِيمَ، وَإِذَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، فَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ. فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، قَالَ: فَدَنَا فَتَدَلَّى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، وَفُرِضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلَاةً، فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى قَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَرَّبْتُهُمْ وَخَبَرْتُهُمْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: قَدْ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى قَالَ: هِيَ خمس(1/266)
صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] دُونَ قَوْلِهِ: فَدَنَا فَتَدَلَّى، وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، وَهُوَ ثَبْتٌ فِي حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، قال:
سمعت أنشا يَقُولُ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ، وَفِيهِ: ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى جَاءَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، ثنا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا طُوَالًا جَعْدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ سَبِطَ الرَّأْسِ، قَالَ: وَأُرِيَ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ قَالَ: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ من لِقائِهِ 32: 23 [3] . فَكَانَ قَتَادَةُ يُفَسِّرُهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ لَقِيَ مُوسَى.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ [5] ، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
__________
[1] صحيح مسلّم (162) في كتاب الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماوات، وفرض الصلوات.
[2] في التوحيد، باب ما جاء في (وكلّم موسى تكليما) ، وفي الأنبياء باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
[3] سورة السجدة- الآية 23.
[4] صحيح مسلّم (165/ 267) كتاب الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماوات وفرض الصلوات.
[5] أخرجه البخاري 4/ 125 في كتاب بدء الخلق، باب قول الله تعالى وَكَلَّمَ الله مُوسى تَكْلِيماً 4: 164، ومسلّم (168) في كتاب الإيمان، باب الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماوات وفرض الصلوات.(1/267)
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ، لَقِيتُ مُوسَى وَعِيسَى- ثُمَّ نَعَتَهُمَا- وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ. وَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ قَنَانٍ النَّهْمِيِّ [1] ، ثنا أَبُو ظَبْيَانَ الْجَنْبِيُّ [2] قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: حَدِّثْنَا عَنْ أَبِيكَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا، بَلْ حَدِّثْنَا أَنْتَ عَنْ أَبِيكَ، قَالَ: لَوْ سَأَلْتَنِي قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَكَ لَفَعَلْتُ، فَأَنْشَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أَتَانِي جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ [3] ، فَانْطَلَقَ يَهْوِي بِنَا، كُلَّمَا صَعِدَ عَقَبَةً اسْتَوَتْ رِجْلَاهُ مَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا هَبَطَ اسْتَوَتْ يَدَاهُ مَعَ رِجْلَيْهِ، حَتَّى مَرَرْنَا بِرَجُلٍ طُوَالٍ سَبِطٍ آدَمٍ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ أَزْدِ شنوءة، وهو يقول ويرفع صوته ويقول: أكرمه وَفَضَّلْتَهُ فَدَفَعْنَا إِلَيْهِ، فَسَلَّمْنَا، فَرَدَّ السَّلَامَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَحْمَدُ.
قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ.
قَالَ: ثُمَّ انْدَفَعْنَا، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: مُوسَى، قُلْتُ:
وَمَنْ يُعَاتِبُ؟ قَالَ: يُعَاتِبُ رَبَّهُ فِيكَ، قُلْتُ: وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَى رَبِّهِ! قَالَ:
إِنَّ الله قد عرفت لَهُ حِدَّتَهُ.
قَالَ: ثُمَّ انْدَفَعْنَا حَتَّى مَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ كَأَنَّ ثَمَرَهَا السِّرْجُ وَتَحْتَهَا شَيْخٌ وَعِيَالُهُ، فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: اعْمِدْ إِلَى أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ وَقَالَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: ابْنُكَ أَحْمَدُ، فَقَالَ: مرحبا بالنّبيّ
__________
[1] النّهمي: بكسر النون وسكون الهاء، نسبة إلى نهم، بطن من همدان، (اللباب 3/ 338) .
[2] نسبة إلى جنب قبيلة يمنيّة. بفتح الجيم وسكون النّون. (اللباب 1/ 294) .
[3] الدابة يقع على المذكر والمؤنث. (بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي) .(1/268)
الْأُمِّيِّ الَّذِي بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ، يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَاقٍ رَبَّكَ اللَّيْلَةَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ حَاجَتُكَ أَوْ جُلُّهَا فِي أُمَّتِكَ فَافْعَلْ.
قَالَ: ثُمَّ انْدَفَعْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فَنَزَلْتُ فَرَبَطْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي فِي بَابِ الْمَسْجِدِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْبِطُ بِهَا، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ النَّبِيِّينَ مَا بَيْنَ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ، ثُمَّ أُتِيتُ بِكَأْسَيْنِ مِنْ عَسَلٍ وَلَبَنٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَضَرَبَ جِبْرِيلُ مَنْكِبِي وَقَالَ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَمَمْتُهُمْ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا فَأَقْبَلْنَا ... هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ [1] .
فَإِنْ قِيلَ: فقد صحّ عن ثابت، وسليمان التّميميّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى يُصَلِّي، وَذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى قَالَ: فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ» . وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ لَقِيَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ رَأَى هؤلاء الأنبياء في السموات، وَأَنَّهُ رَاجَعَ مُوسَى؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُمْ مُثِّلُوا لَهُ، فَرَآهُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَرَأَى مُوسَى فِي مَسِيرِهِ قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رَآهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ رَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ هُوَ وَغَيْرَهُ، فَعُرِجَ بِهِمْ، كَمَا عُرِجَ بِنَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى الْجَمِيعِ وَسَلَامُهُ، وَالْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ كَحَيَاةِ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَلَيْسَتْ حَيَاتُهُمْ كَحَيَاةِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَلَا حَيَاةِ أَهْلِ الْآخِرَةِ، بَلْ لَوْنٌ آخَرُ، كَمَا وَرَدَ أَنَّ حياة الشهداء
__________
[1] رواه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 386، 387.(1/269)
بِأَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَمَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَجْسَادُهُمْ فِي قُبُورِهِمْ.
وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَكْبَرُ مِنْ عُقُولِ الْبَشَرِ، وَالْإِيمَانُ بِهَا وَاجِبٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ 2: 3 [1] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، أَنَا أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ الْمُعِزِّ بْنُ مُحَمَّدٍ كِتَابَةً، أَنَّ تَمِيمَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ الْجُرْجَانِيَّ أَخْبَرَهُمْ، أَنْبَأَ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنا أَبُو عَمْرُو بْنُ حِمْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، ثنا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِرَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ هَذِهِ مَاشِطَةُ بِنْتِ فِرْعَوْنَ، كَانَتْ تَمْشُطُهَا، فَوَقَعَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: بسم اللَّهِ، قَالَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ: أَبِي، قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكَ، قَالَتْ: أَقُولُ لَهُ إِذًا، قَالَتْ:
قُولِي لَهُ، قَالَ لَهَا: أَوَ لَكِ رَبٌّ غَيْرِي! قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَاحْمِي لَهَا بَقَرَةً [2] مِنْ نُحَاسٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا لِمَا لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ. فَأُلْقِيَ وَلَدُهَا فِي الْبَقَرَةِ، وَاحِدًا وَاحِدًا وَاحِدًا، فَكَانَ آخِرَهُمْ صَبِيٌّ، فَقَالَ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَرْبَعَةٌ تَكَلَّمُوا وَهُمْ صِبْيَانٌ: ابْنُ مَاشِطَةِ بِنْتِ فرعون، وصبيّ
__________
[1] سورة البقرة، الآية 3. ولحلّ مشكلات الاسراء والمعراج اقرأ كتاب (الإسراء والمعراج للأستاذ الدكتور عبد الحليم محمود) وكتاب (الإسراء والمعراج للأستاذ الشيخ محمد متولّي الشعراوي) وكتاب (الإسراء والمعراج للشيخ عبد الفتاح الإمام) .
[2] هي قدر كبيرة.(1/270)
جُرَيْجٍ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَالرَّابِعُ لَا أَحْفَظُهُ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [1] .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ [2] : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ السَّبْتِ لِسَبْعِ عَشْرَةٍ خَلَتْ مِنْ [3] رَمَضَانَ، قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةِ عَشَرَ شَهْرًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ فِي بَيْتِهِ [4] أَتَاهُ جِبْرِيلُ [5] بِالْمِعْرَاجِ، فَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ مَنْظَرًا فَعَرَجَ [6] بِهِ إِلَى السَّمَوَاتِ سَمَاءً سَمَاءً، فَلَقِيَ فِيهَا الْأَنْبِيَاءَ، وَانْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [7] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [8] : وَأَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ [9] ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ قَالُوا: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ليلة
__________
[1] أخرجه ابن ماجة في كتاب الفتن (4030) باب الصبر على البلاء، وأحمد في المسند 1/ 309، 310.
[2] الطبقات الكبرى 1/ 213.
[3] في الطبقات «شهر رمضان» .
[4] في الطبقات «بيته ظهرا» .
[5] في الطبقات «وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت الله، فانطلق به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج» .
[6] في الطبقات «فعرجا» .
[7] في الطبقات زيادة للحديث.
[8] الطبقات الكبرى 1/ 213.
[9] هي ابنة أبي طالب كما في الطبقات لابن سعد.(1/271)
سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ [1] مِنْ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ: فَتَفَرَّقَتْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَطْلُبُونَهُ حِينَ فُقِدَ يَلْتَمِسُونَهُ، حَتَّى بَلَغَ الْعَبَّاسُ ذَا طُوَى [2] ، فَجَعَلَ يَصْرُخُ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ: لَبَّيْكَ فَقَالَ: يَا بن أَخِي عَنَّيْتَ قَوْمَكَ مُنْذُ اللَّيْلَةَ، فَأَيْنَ كُنْتَ.
قَالَ: «أَتَيْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .
قَالَ: فِي لَيْلَتِكَ! قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَ: هَلْ أَصَابَكَ إِلَّا خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَا أَصَابَنِي إِلَّا خَيْرٌ» . وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: مَا أُسْرِيَ بِهِ إِلَّا مِنْ بَيْتِنَا: نَامَ عِنْدَنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْعِشَاءَ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْبَهْنَاهُ لِلصُّبْحِ، فَقَامَ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ: يَا أُمَّ هَانِئٍ [3] جِئْتُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ الْغَدَاةَ مَعَكُمْ.
فَقَالَتْ: لَا تُحَدِّثُ النَّاسَ فَيُكَذِّبُونَكَ، قَالَ: وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّهُمْ، فَأَخْبَرَهُمْ فَتَعَجَّبُوا، وَسَاقَ الْحَدِيثَ [4] .
فَرَّقَ الْوَاقِدِيُّ، كَمَا رَأَيْتَ، بَيْنَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَجَعَلَهُمَا فِي تَارِيخَيْنِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ: أَنْبَأَ رَاشِدٌ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال له أصحابه:
__________
[1] في الطبقات «قبل الهجرة بسنة» .
[2] موضع عند باب مكة. (النهاية لابن الأثير) .
[3] في الطبقات بعد أم هانئ «لقد صلّيت معكم العشاء كما رأيت بهذا الوادي ثم قد جئت بيت المقدس» .
[4] طبقات ابن سعد 1/ 213- 215.(1/272)
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بك فيها، فقرأ أوّل سبحان وَقَالَ:
بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ عِشَاءً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَيْقَظَنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ عُدْتُ فِي النَّوْمِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نِمْتُ، فَأَيْقَظَنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَإِذَا أَنَا بِهَيْئَةِ خَيَالٍ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا أَنَا بِدَابَّةٍ أَدْنَى شَبَهِهِ بِدَوَابِّكُمْ هَذِهِ بِغَالُكُمْ، مُضْطَرِبَ الْأُذُنَيْنِ، يُقَالَ لَهُ الْبُرَاقُ، وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْكَبُهُ قَبْلِي، يَقَعُ حَافِرُهُ مَدَّ بَصَرِهِ، فَرَكِبْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَمِينِي: يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَسِرْتُ، ثُمَّ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي: يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ، فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا، وَعَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ، فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأَوْثَقْتُ دَابَّتِي بِالْحَلْقَةِ، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءَيْنِ: خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَشَرِبْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، فَحَدَّثْتُ جِبْرِيلَ عَنِ الدَّاعِي الَّذِي عَنْ يَمِينِي، قَالَ: ذَاكَ دَاعِي الْيَهُودِ، لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ، وَالْآخَرُ دَاعِي النَّصَارَى، لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ، وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ الدُّنْيَا، لَوْ أَجَبْتَهَا لَاخْتَارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، ثُمَّ دَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُتِيتُ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَلَمْ تَرَ الْخَلَائِقُ أَحْسَنَ مِنَ الْمِعْرَاجِ، أَمَا رَأَيْتُمُ الْمَيِّتَ حِينَ [1] يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عَجَبُهُ بِهِ، فَصَعِدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ، فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ صَاحِبُ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، قَالَ تَعَالَى: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ 74: 31 [2] . فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ كهيئته يوم
__________
[1] في ع (حيث) .
[2] سورة المدّثر، الآية 31.(1/273)
خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَى صُورَتِهِ، تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُ: رَوْحٌ طَيِّبَةٌ وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ اجْعَلُوهَا فِي عِلِّيِّينَ، ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارِ، فَيَقُولُ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ، اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينَ. ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ- يَعْنِي بِالْخُوَانِ الْمَائِدَةَ- عَلَيْهَا لَحْمٌ مُشَرَّحٌ، لَيْسَ بِقُرْبِهَا أَحَدٌ، وَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ أُخْرَى، عَلَيْهَا لَحْمٌ قَدْ أَرْوَحَ، وَنَتِنَ، وَعِنْدَهَا أُنَاسٌ يَأْكُلُونَ مِنْهَا. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ مِنْ أُمَّتِكَ يَتْرُكُونَ الْحَلَالَ وَيَأْتُونَ الْحَرَامَ، قَالَ: ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ بُطُونُهُمْ أَمْثَالُ الْبُيُوتِ، كُلَّمَا نَهَضَ أَحَدُهُمْ خَرَّ يَقُولُ: اللَّهمّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ، وَهُمْ عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ، فَتَجِيءُ السَّابِلَةُ فَتُطَارِدُهُمْ، فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللَّهِ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا، ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ مَشَافِرُهُمْ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ، فَتُفْتَحُ أَفْوَاهُهُمْ وَيُلْقَمُونَ الْجَمْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ فَيَضِجُّونَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا، ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ يُعَلَّقْنَ بِثَدْيِهِنَّ، فَسَمِعْتُهُنَّ يَضْجُجْنَ إِلَى اللَّهِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الزُّنَاةُ مِنْ أُمَّتِكَ، ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ يُقَطَّعُ مِنْ جُنُوبِهِمُ اللَّحْمُ، فَيُلَقَّمُونَ، فَيُقَالُ لَهُ:
كُلُّ مَا كُنْتَ تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أَخِيكَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْهَمَّازُونَ مِنْ أُمَّتِكَ اللَّمَّازُونَ. ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، قَدْ فَضُلَ عَلَى النَّاسِ بِالْحُسْنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا أَنَا بِيَحْيَى وَعِيسَى وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِمَا. ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى الرَّابِعَةِ، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، ثُمَّ صَعَدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ، وَنِصْفُ لِحْيَتِهِ بَيْضَاءُ وَنِصْفُهَا سَوْدَاءُ، تَكَادُ لِحْيَتُهُ تُصِيبُ سُرَّتَهُ مِنْ طُولِهَا، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ، هَذَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ، وَمَعَهُ نَفَرٌ(1/274)
مِنْ قَوْمِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى رَجُلٌ آدَمٌ كَثِيرُ الشَّعْرِ، لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ لَنَفَذَ [1] شَعْرُهُ دُونَ الْقَمِيصِ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: يَزْعُمُ النَّاسُ أَنِّي أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ هَذَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنِّي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مُوسَى. ثُمَّ صَعِدْتُ السَّابِعَةَ، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ، سَانِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، فَدَخَلْتُهُ وَدَخَلَ مَعِي طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي، عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ، ثُمَّ دُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [2] ، فَإِذَا كُلُّ وَرَقَةٍ مِنْهَا تَكَادُ أَنْ تُغَطِّي هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَإِذَا فِيهَا عَيْنٌ تَجْرِي، يُقَالُ لَهَا سَلْسَبِيلٌ، فَيُشَقُّ مِنْهَا نَهْرَانِ، أَحَدُهُمَا الْكَوْثَرُ وَالْآخَرُ نَهْرُ الرَّحْمَةِ، فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ، فَغُفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ، ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ إِلَى الْجَنَّةِ، فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، ثُمَّ أُغْلِقَتْ، ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَتَغَشَّى لِي، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، قَالَ: وَنَزَلَ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَفُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، ثُمَّ دُفِعْتُ إِلَى مُوسَى- فَذَكَرَ مُرَاجَعَتَهُ فِي التَّخْفِيفِ.
أَنَا اخْتَصَرْتُ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ إِلَى أَنْ قَالَ- فَقُلْتُ: رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُهُ.
ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِالْعَجَائِبِ، فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُ الْبَارِحَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَعُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، وَرَأَيْتُ كَذَا، وَرَأَيْتُ كَذَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا تُعْجَبُونَ مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [3] .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ عَجِيبٌ حَذَفْتُ نَحْوَ النِّصْفِ مِنْهُ. رواه نجيّ بن أبي
__________
[1] في ع (لنفد) وهو تصحيف.
[2] هنا خرم سطر في (ع) .
[3] رواه البيهقي في دلائل النبوّة 2/ 130- 131، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 387- 391، والسيوطي في الخصائص الكبرى 1/ 167- 169 وقال إن الحديث في تفسير الطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.(1/275)
طَالِبٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَهُوَ صَدُوقٌ، عَنْ رَاشِدٍ الْحِمَّانِيِّ، وَهُوَ مَشْهُورٌ، رَوَى عَنْهُ حَمَّادُ بن زيد، وابن الْمُبَارَكِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ [1] : صَالِحُ الْحَدِيثِ، عَنْ أَبِي هَارُونَ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ الْعَبْدِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ شِيعِيٌّ [2] .
وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هَارُونَ أَيْضًا هُشَيْمٌ، وَنُوحُ بْنُ قَيْسٍ الْحَدَّانِيُّ بِطُولِهِ نَحْوَهُ، حَدَّثَ بِهِ عَنْهُمَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَرَوَاهُ سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي هَارُونَ العبديّ بطوله. ورواه أسد بن موسى، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُحَمَّدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هَارُونَ، وَبِسِيَاقِ مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ صَارَ أَبُو هَارُونَ مَتْرُوكًا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ: ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مَاهَانَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(ح) [3] وَقَالَ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَيُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَحَجَّاجٌ الْأَعْوَرُ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، وَهُوَ عِيسَى بْنُ مَاهَانَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآية سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى 17: 1 قَالَ: أُتِيَ بِفَرَسٍ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، خَطْوُهُ مُنْتَهَى بَصَرِهِ، فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ، فَأَتَى عَلَى
__________
[1] في الجرح والتعديل 3/ 484 رقم 2187.
[2] انظر عنه: التاريخ لابن معين 2/ 424، الطبقات لخليفة 217، التاريخ الكبير 6/ 499 رقم 3107، التاريخ الصغير 162، الضعفاء الصغير 272 رقم 282، الضعفاء والمتروكين للنسائي 300 رقم 376، المعرفة والتاريخ 3/ 210، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 128 رقم 381، أحوال الرجال للجوزجانيّ 97 رقم 142، الجرح والتعديل 6/ 363 رقم 2005، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 313 رقم 1327، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 5/ 1732، الكاشف 2/ 262 رقم 4065، ميزان الاعتدال 3/ 173 رقم 6018، المغني في الضعفاء 2/ 460.
[3] رمز بمعنى تحويلة، وهي معروفة في علم مصطلح الحديث.(1/276)
قَوْمٍ يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ، كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسُبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ وَما أَنْفَقْتُمْ من شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ 34: 39 [1] . ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ! قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَلُ رُءُوسُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ، وَعَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ عَنِ الضَّرِيعِ وَالزَّقُّومِ، وَرَضْفِ جَهَنَّمَ، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ، ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَمُرُّ بِهَا شَيْءٌ إِلَّا قَصَعَتْهُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ 7: 86 [2] . ثُمَّ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حِزْمَةً عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ، لَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ. قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ.
ثُمَّ نَعَتَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَدَخَلَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ فَأَثْنَوْا عَلَى رَبِّهِمْ. وَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي ثَلَاثِ وَرَقَاتٍ كِبَارٍ [3] . تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ [4] ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ يُشْبِهُ كَلَامَ الْقُصَّاصِ، إِنَّمَا أَوْرَدْتُهُ لِلْمَعْرِفَةِ لَا لِلْحُجَّةِ.
__________
[1] سورة سبإ- الآية 39.
[2] سورة الأعراف- الآية 86.
[3] رواه السيوطي في الخصائص الكبرى 1/ 171- 174 وقال إن حديث أبي هريرة في تفسير الطبري، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبزّار، وأبي يعلى. وانظر دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 143- 148.
[4] انظر عنه: الطبقات لخليفة 324، التاريخ الكبير للبخاريّ 6/ 403- 404 رقم 2790، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 388 رقم 1428، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 5/ 1894.(1/277)
وَرَوَى فِي الْمِعْرَاجِ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ حَدِيثًا، وَلَيْسَ بِثِقَةٍ [1] ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] . آخر الإسراء [3] .
__________
[1] هو المعروف بالبخاري، أبو حذيفة. انظر عنه: الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 61 رقم 92، والمجروحين لابن حبّان 1/ 135، ميزان الاعتدال 1/ 184- 186 رقم 739، المغني في الضعفاء 1/ 69 رقم 545 الكامل لابن عديّ 1/ 331، لسان الميزان 1/ 354- 355 رقم 1096.
[2] في مناقب الأنصار 4/ 267 باب من أين أرّخوا التاريخ. ورواه مسلّم (685) في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، وأبو داود في باب صلاة المسافر (1198) ، والنسائي في الصلاة 1/ 225 باب كيف فرضت الصلاة، ومالك في الموطّأ 1/ 103 رقم (332) في قصر الصلاة في السفر، وأحمد 6/ 234 و 241 و 265.
[3] هنا في حاشية الأصل: (بلغت قراءة خليل بن أيبك في الميعاد الخامس على مؤلّفه، فسح الله في مدّته) .
وخليل بن أيبك هذا هو الصلاح الصفدي الأديب المؤرّخ المشهور صاحب كتاب الوافي بالوفيات.(1/278)
زَوَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَائِشَةَ وَسَوْدَةَ أمّي المؤمنين
قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَفَّى خَدِيجَةَ، قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَأَنَا ابْنَةُ سِتٍّ، وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ جَاءَنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا أَلْعَبُ عَلَى أُرْجُوحَةٍ، وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ [1] ، فَهَيَّأْنَنِي وَصَنَعْنَنِي، ثُمَّ أَتَيْنَ بِي إليه. قال عروة: ومكث عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ. وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وهي ابنة تسع [3] . أخرجه
__________
[1] أي ذات جمّة. والجمّة من شعر الرأس: ما سقط على المنكبين.
[2] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، باب تزويج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عائشة، وفي النكاح، باب إنكاح الرجل ولده الصغار، وباب تزويج الأب ابنته من الإمام، وباب الدعاء للنساء اللاتي يهدين العروس وللعروس، وباب من بنى بامرأة وهي بنت تسع سنين، وباب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران، ومسلّم (1422) في النكاح، باب تزويج الأب البكر الصغيرة، وأبو داود رقم (2121) في النكاح، باب في تزويج الصغار، ورقم 4933 و 4934 و 4935 و 4936 و 4937 في الأدب، باب في الأرجوحة، والنسائي 6/ 82 في النكاح، باب إنكاح الرجل ابنته الصغيرة. انظر: جامع الأصول 11/ 407.
[3] عند البخاري «وهي بنت تسع سنين» .(1/279)
الْبُخَارِيُّ [1] هَكَذَا مُرْسَلًا.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّ رَجُلا يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ [2] فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ فَأَرَاكِ فَأَقُولُ: إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا مَاتَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَلَا تُزَوَّجُ؟ قَالَ:
وَمَنْ؟ قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا.
قَالَ: مَنِ الْبِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّبُ.
فَقَالَتْ: أَمَّا الْبِكْرُ فَعَائِشَةُ بِنْتُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْكَ.
وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، قَدْ آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ، قَالَ: اذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ.
قَالَتْ: فَأَتَيْتُ أُمَّ رُومَانَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ رُومَانَ مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، قَالَتْ: مَاذَا؟
قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يذكر عائشة.
__________
[1] في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، باب تزويج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عائشة.
[2] أي قطعة من جيّد الحرير. واحدها: السّرق. و «من» ساقطة من الأصل.
[3] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، باب تزويج النبي صلّى الله عليه وسلّم عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها، وفي النكاح، باب نكاح الأبكار، وباب النظر إلى المرأة قبل التزويج، وفي التعبير باب كشف المرأة في المنام، وباب ثياب الحرير في المنام، ومسلّم (2438) في فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة رضي الله عنها، والترمذي رقم 3875 في المناقب، باب من فضل عائشة رضي الله عنها، ورواه ابن إسحاق في السير والمغازي 255.(1/280)
قَالَتِ: انْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ آتٍ، فَجَاءَ أبو بكر فذكرت ذلك له.
فقال: أو تصلح لَهُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَخُوهُ وَهُوَ أَخِي وَابْنَتُهُ تَصْلُحُ لِي. قَالَتْ: وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ، وو الله مَا أُخْلِفُ وَعْدًا قَطُّ، تَعْنِي أَبَا بَكْرٍ.
قَالَتْ: فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ الْمُطْعِمَ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ لَهَا: مَا تَقُولِينَ؟ فَأَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: لَعَلَّنَا إِنْ أَنْكَحْنَا هَذَا الْفَتَى إِلَيْكَ تُصْبِئْهُ وَتُدْخِلْهُ فِي دِينِكَ.
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَتَقُولُ مَا تَسْمَعُ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْمَوْعِدِ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهَا: قُولِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَأْتِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَلَكَهَا، قَالَتْ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، وَأَبُوهَا شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ جَلَسَ عَنِ الْمَوْسِمِ فَحَيَّيْتُهُ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقُلْتُ: أَنْعِمْ صَبَاحًا، قَالَ: مَنْ أَنْتِ؟ قُلْتُ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، فَرَحَّبَ بِي وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، قُلْتُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَذْكُرُ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، قَالَ: كُفْؤٌ كَرِيمٌ مَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ؟ قُلْتُ: تُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: قُولِي لَهُ فَلْيَأْتِ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَلَكَهَا. قَالَتْ: وَقَدِمَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: إِنِّي لَسَفِيهٌ يَوْمَ أَحْثُو عَلَى رَأْسِي التُّرَابَ أَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ [1] .
عَرْضُ نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَبَائِلِ
قَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عن
__________
[1] رواه أحمد في المسند 6/ 210- 211، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 303- 304.(1/281)
جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ:
«هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [1] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السِّنِينِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ، وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ، لَا يَسْأَلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُؤْوُوهُ وَيَمْنَعُوهُ، وَيَقُولُ:
لَا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ، مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَذَاكَ، وَمَنْ كَرِهَ لَمْ أُكْرِهْهُ، إنّما أُرِيدُ أَنْ تُحْرِزُونِي [2] مِمَّا يُرَادُ بِي مِنَ الْقَتْلِ [3] ، حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَحَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ وَيَقُولُونَ: قَوْمُهُ أَعْلَمُ بِهِ، أَتَرَوْنَ أَنَّ رَجُلًا يُصْلِحُنَا وَقَدْ أَفْسَدَ قَوْمَهُ، وَلَفَظُوهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا ذَخَّرَ [4] اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ [5] .
وَتُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ، وَابْتُلِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ مَا كَانَ، فَعَمَدَ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ، رَجَاءَ أَنْ يُؤْوُوهُ، فَوَجَدَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْهُمْ، هُمْ سَادَةُ ثَقِيفٍ:
عَبْدُ يَالِيلَ، وَحَبِيبٌ، وَمَسْعُودُ بَنُو عَمْرٍو، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، وَشَكَا إِلَيْهِمُ الْبَلَاءَ، وَمَا انْتَهَكَ مِنْهُ قَوْمُهُ.
فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَسْرِقُ أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ الله بعثك قطّ.
__________
[1] سنن أبي داود (4734) في كتاب السّنّة، باب في القرآن، وأخرجه ابن ماجة في المقدّمة (201) ، وأحمد في المسند 3/ 322 و 339 و 390، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1/ 152.
[2] هكذا في الأصل، وفي دلائل النبوّة للبيهقي، أي تحفظوني، وفي نسخة دار الكتب المصرية «تجيروني» .
[3] في حاشية الأصل «الفتك» .
[4] في الأصل وغيره «دخر» بالدار المهملة، والتصويب من دلائل النبوّة للبيهقي، والدرر في اختصار المغازي والسّير لابن عبد البرّ. وفي مغازي عروة «أذخر» .
[5] في المغازي لعروة «للأنصار من البركة» .(1/282)
وَقَالَ الْآخَرُ: أَعْجَزَ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْسِلَ غَيْرَكَ.
وَقَالَ الْآخَرُ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَ مَجْلِسِكَ هَذَا، وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَعْظَمُ شَرَفًا وَحَقًّا مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ، وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، لَأَنْتَ أَشَرُّ من أن أكلّمك وتهزّأوا [1] بِهِ، وَأَفْشَوْا فِي قَوْمِهِمُ الَّذِي رَاجَعُوهُ بِهِ، وَقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ، فَلَمَّا مَرَّ جَعَلُوا لَا يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ وَلَا يَضَعُهُمَا إِلَّا رَضَخُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ وَأَدْمَوْا رِجْلَيْهِ، فَخَلُصَ مِنْهُمْ وَهُمَا تَسِيلَانِ الدِّمَاءَ، فَعَمَدَ إِلَى حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِهِمْ، وَاسْتَظَلَّ فِي ظِلِّ حَبَلَةٍ [2] مِنْهُ، وَهُوَ مَكْرُوبٌ مُوجَعٌ، فَإِذَا فِي الْحَائِطِ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ أَخُوهُ، فَلَمَّا رَآهُمَا كَرِهَ مَكَانَهُمَا لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا، فَلَمَّا رَأَيَاهُ أَرْسَلَا إِلَيْهِ غُلَامًا لَهُمَا يُدْعَى عَدَّاسًا، وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى، مَعَهُ عِنَبٌ، فَلَمَّا جَاءَ عَدَّاسٌ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ» ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ نِينَوَى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ مَدِينَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» [3] فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى؟ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَخْبَرَنِي خَبَرَ يُونُسَ» ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَرَّ عَدَّاسٌ سَاجِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَهُمَا تَسِيلَانِ الدِّمَاءَ، فَلَمَّا أَبْصَرَ عُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ مَا يَصْنَعُ غُلَامُهُمَا سَكَتَا، فَلَمَّا أَتَاهُمَا قَالا:
مَا شَأْنُكَ سَجَدْتَ لِمُحَمَّدٍ وَقَبَّلْتَ قَدَمَيْهِ؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ، أَخْبَرَنِي بِشَيْءٍ عَرَفْتُهُ مِنْ شَأْنِ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا يُدْعَى يُونُسَ بْنَ مَتَّى، فَضَحِكَا بِهِ، وَقَالَا: لَا يَفْتِنْكَ عَنْ نَصْرَانِيَّتِكَ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ خَدَّاعٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مكة [4] .
__________
[1] هكذا في الأصل، ودلائل النبوّة للبيهقي، وفي الدرر لابن عبد البر، وغيره «هزءوا به» ، وفي مغازي عروة «وهم في ذلك يستهزءون ويسخرون» .
[2] أي كرمة.
[3] كانت مدته في أول القرن الثامن قبل الميلاد. (تفسير التحرير والتنوير) .
[4] رواه عروة في المغازي 117- 119، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 389- 392، وابن عبد البرّ-(1/283)
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟
قَالَ: «مَا لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ، يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ [1] ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي «إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ» ، ثُمَّ نَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، قَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ لِتَأْمُرَنِي بِمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ [2] عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ [3] ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَشْرَارِهِمْ [4]- أَوْ قَالَ: مِنْ أَصْلَابِهِمْ- مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. أَخْرَجَاهُ [5] . وقال البكّائيّ، عن ابن إِسْحَاقَ: [6] فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: لَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ، عَمَدَ إِلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ سَادَتُهُمْ، وَهُمْ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالِيلَ بْنُ
__________
[ () ] في الدرر في اختصار المغازي والسير 65، وانظر تاريخ الطبري 2/ 344- 346، وسيرة ابن هشام 2/ 173، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 103.
[1] موضع تلقاء مكة، على يوم وليلة. (معجم البلدان) .
[2] في الأصل (يطبق) . وفي نسخة دار الكتب (أطبقت) . والتصحيح من صحيح البخاري.
[3] هما جبلا مكة: أبو قبيس والأحمر، وهو المشرف وجهه على قعيقعان. (حتى الجنّتين في تمييز نوعي المثنّيين) .
[4] في «ع» (أسرارهم) .
[5] أخرجه البخاري في بدء الخلق 4/ 83 باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومسلّم (1795) في كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النَّبِيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى المشركين والمنافقين، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 1/ 96.
[6] سيرة ابن هشام 2/ 172، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 103.(1/284)
عَمْرٍو، وَأَخَوَاهُ مَسْعُودٌ، وَحَبِيبٌ، وَعِنْدَ أَحَدِهِمُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ جُمَحٍ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أَرْسَلَكَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَا وَجَدَ اللَّهُ مَنْ يُرْسِلُهُ غَيْرَكَ؟ وَقَالَ الْآخَرُ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ.
وَذَكَرَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ: فَلَمَّا اطْمَأَنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيمَا ذُكِرَ لِي: «اللَّهمّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي، إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَوْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ» [1] . وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ عَبَّادٍ يُحَدِّثُ أَبِي قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ شَابٌّ مَعَ أَبِي بِمِنًى، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ عَلَى الْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ، يَقُولُ: يَا بَنِي فُلَانٍ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ لَا تُشْرِكُوا، بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ، وَأَنْ تُؤْمِنُوا وَتُصَدِّقُونِي وَتَمْنَعُونِي حَتَّى أُبَيِّنَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ، قَالَ: وَخَلْفَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ، لَهُ غَدِيرَتَانِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ عَدَنِيَّةٌ، فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ: يَا بَنِي فُلَانٍ إِنَّ هَذَا إِنَّمَا يدعوكم إلى أن تسلخوا اللّات والعزّى وخلفاءكم مِنَ الْحَيِّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أُقَيْشٍ، إِلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَلَا تُطِيعُوهُ وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى أبو لهب [2] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 172- 173.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 173- 174 وانظر السير والمغازي 232، نهاية الأرب للنويري 16/ 303.(1/285)
وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَفِيهِمْ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ [1] ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ [2] .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّهُ أَتَى كَلْبًا فِي مَنَازِلِهِمْ، إِلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَلَمْ يَقْبَلُوا [3] .
وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَقْبَحَ رَدًّا مِنْهُمْ [4] .
وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ أَتَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ بَيْحَرَةُ [5] بْنُ فِرَاسٍ: وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَخَذْتُ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ لَأَكَلْتُ بِهِ الْعَرَبَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ تَابَعْنَاكَ عَلَى أَمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: «الْأَمْرُ إِلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» ، قَالَ: أَفَتُهْدَفُ نُحُورُنَا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا، لَا حَاجَةَ لنا بأمرك، فأبوا عليه [6] .
__________
[1] هكذا في الأصل والسيرة وتاريخ الطبري، وفي السير والمغازي «فليح» .
[2] سيرة ابن هشام 2/ 174، السير والمغازي 232، تاريخ الطبري 2/ 349.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 174، السير والمغازي 232، تاريخ الطبري 2/ 349.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 174، تاريخ الطبري 2/ 349.
[5] في نسخة دار الكتب المصرية «سحرة» ، وفي (ع) «صخرة» ، والتصحيح من الأصل وتاريخ الطبري ونهاية الأرب للنويري.
[6] سيرة ابن هشام 2/ 174، تاريخ الطبري 2/ 350، نهاية الأرب 16/ 303- 304.(1/286)
حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِت [1]
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حدثني عاصم بن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا: قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ سُوَيْدٌ يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمُ (الْكَامِلَ) لِسِنِّهِ وَجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ، فَتَصَدَّى [2] لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ سُوَيْدٌ:
فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِي، فقال لَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا الَّذِي مَعَكَ» ؟ قَالَ: مِجَلَّةُ لُقْمَانَ، يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ، قَالَ: اعْرِضْهَا، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَسَنٌ، وَالَّذِي مَعِي أَفْضَلُ مِنْهُ، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيَّ» ، فَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَقَوْلٌ حَسَنٌ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَجُ، فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُونَ: إِنَّا لَنَرَى أَنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ بُعَاثٍ [3] .
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَسُوَيْدٌ الَّذِي يَقُولُ:
أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى ... مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي
مَقَالَتُهُ كَالشَّهْدِ مَا كَانَ شَاهِدًا ... وَبِالْغَيْبِ مَأْثُورٌ عَلَى ثَغْرَةِ النَّحْرِ
يَسُرُّكَ بَادِيهِ وَتَحْتَ أَدِيمِهِ ... تَمِيمَةُ [4] غِشٍّ تَبْتَرِي عَقَبَ الظَّهْرِ
تُبَيِّنُ لَكَ الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ ... مِنَ الْغِلِّ وَالْبَغْضَاءِ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ
فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالَمَا قَدْ بَرَيْتَنِي ... وَخَيْرُ الْمَوَالِي يَرِيشُ ولا يبري [5]
__________
[1] العنوان إضافة من سيرة ابن هشام.
[2] في المنتقى لابن الملا «فعرض» .
[3] في سيرة ابن هشام 2/ 175 «قبل يوم بعاث» ، وفي تاريخ الطبري 2/ 352، ونهاية الأرب 16/ 305 «قبل بعاث» .
[4] في السيرة «نميمة» بالنون.
[5] الأبيات في سيرة ابن هشام 2/ 175، وهي في تاريخ الطبري 2/ 351 مع اختلاف في الألفاظ، وانظر سيرة ابن كثير 2/ 173- 174.(1/287)
حَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ [1]
قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُصَيْنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سعد ابن مُعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْحَيْسَرِ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ مَكَّةَ، وَمَعَهُ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فِيهِمْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ، يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمِهِمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ:
هَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ إِيَاسٌ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: يَا قَوْمُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ، فَيَأْخُذُ أَبُو الْحَيْسَرِ حِفْنَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ [2] ، فَيَضْرِبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسٍ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا، فَسَكَتَ، وَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ. قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِي أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَهُ يُهَلِّلُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُسَبِّحُهُ حَتَّى مَاتَ، وَكَانُوا لَا يَشُكُّونَ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا.
وَقَدْ كَانَ اسْتُشْعِرَ مِنْهُ [3] الْإِسْلَامُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، حِينَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سَمِعَ [4] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وقد افترق ملؤهم
__________
[1] بعاث: بضم أوّله. موضع على ليلتين من المدينة. (مشارق الأنوار للقاضي عياض) .
[2] في هامش الأصل «البطحاء» .
[3] كذا في المنتقى لابن الملا، وفي الأصل «من» ، وفي سيرة ابن هشام «كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس» وانظر تاريخ الطبري.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 175- 176، تاريخ الطبري 2/ 352- 353، نهاية الأرب للنويري 16/ 305 وانظر عيون الأثر لابن سيّد الناس 1/ 155، وسيرة ابن كثير 2/ 174- 175.(1/288)
وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ [1]- يَعْنِي وَجُرِّحُوا- قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ فِي دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ [2] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
ذِكْرُ مَبْدَأِ خَبَرِ الْأَنْصَارِ وَالْعَقَبَةِ الْأُولَى
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ: ثنا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ [4] ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعَتْ قُرَيْشٌ قَائِلًا يَقُولُ فِي اللَّيْلِ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ:
فَإِنْ يُسْلِمِ السَّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمَّدٌ ... بِمَكَّةَ لَا يَخْشَى خِلَافَ الْمُخَالِفِ
فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنِ السَّعْدَانِ؟ سَعْدُ بْنُ بَكْرٍ، أَوْ سَعْدُ بْنُ تَمِيمٍ؟ [5] فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الثانية سمعوا الهاتف يقول:
أبا سَعْدُ سَعْدَ الْأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا ... وَيَا سَعْدُ سَعْدَ الْخَزْرَجَيْنِ الْغَطَارِفِ
أَجِيبَا إِلَى دَاعِي الْهُدَى وَتَمَنَّيَا ... عَلَى اللَّهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِ
فَإِنَّ ثَوَابَ اللَّهِ لِلطَّالِبِ الْهُدَى ... جِنَانٌ مِنَ الْفِرْدَوْسِ ذَاتُ رَفَارِفِ
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ وَاللَّهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بْنُ عبادة [6] .
__________
[1] عند البخاري «سرواتهم» .
[2] قال السمهودي في وفاء ألوفا 1/ 155 طبعة الآداب: «ومعناه أنه قتل فيه من أكابرهم من كان لا يؤمن أن يتكبّر ويأنف أن يدخل في الإسلام لتصلّبه في أمر الجاهلية ولشدّة شكيمته حتى لا يكون تحت حكم غيره» .
[3] في الصحيح 4/ 221 في مناقب الأنصار، باب مناقب الأنصار وقول الله عز وجل وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا 8: 72 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ من قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا 59: 9، و 4/ 237- 238 باب أيام الجاهلية، و 4/ 265- 266 باب مقدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة، ورواه أحمد في المسند 6/ 61.
[4] في الأصل «أبي عيسى بن خير» ، والتصحيح من الاستيعاب وتاريخ الطبري وتهذيب التهذيب.
[5] في تاريخ الطبري «سعد بكر، سعد تميم، سعد هذيم» .
[6] تاريخ الطبري 2/ 380- 381.(1/289)
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِظْهَارَ دِينِهِ، وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ [1] ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ الْأَنْصَارُ [2] ، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ [3] ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ [4] ، فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ [5] ، فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَقِيَهُمْ قَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، قَالَ: أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمُكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانُوا [هُمْ] [6] أَهْلَ شِرْكٍ وَأَوْثَانٍ [7] ، وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ بِبِلادِهِمْ، فَكَانُوا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شيء قالوا: إنّ نبيّنا مَبْعُوثٌ الْآنَ، قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، نَتَّبِعُهُ، فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ، فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمُ تَعَلَّمُوا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ [8] بِهِ يَهُودُ، فَلَا تَسْبِقَنَّكُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَابُوهُ [9] وَأَسْلَمُوا وَقَالُوا: إِنَّا تَرَكْنَا قَوْمَنَا، وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ بِكَ فَسَنُقْدِمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إِلَى أَمْرِكَ، وَنَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَجَبْنَاكَ بِهِ [10] ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللَّهُ عَلَيْكَ فَلَا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ، ثم انصرفوا [11] .
__________
[1] زاد ابن هشام «وإنجاز موعده له» .
[2] في السيرة «النفر من الأنصار» .
[3] في السيرة «قبائل العرب» .
[4] في السيرة زيادة «في كل موسم» .
[5] زاد في السيرة «أراد الله بهم خيرا» .
[6] إضافة من السيرة على الأصل.
[7] في السيرة «وأصحاب أوثان» .
[8] هكذا في الأصل، والسيرة، ودلائل النبوّة. أو في الدرر لابن عبد البر «تهدّدكم» .
[9] في السيرة «فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدّقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام» .
[10] في السيرة «أجبناك إليه» ، وفي الدرر «أجبناك له» .
[11] في السيرة «ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم، وقد آمنوا وصدّقوا» .(1/290)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: [1] وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ سِتَّةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعَوْفُ بْنُ عَفْرَاءَ، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ الزُّرَقِيُّ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ السُّلَمِيُّ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ. رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ بَدَلَ عُقْبَةَ:
مُعَوَّذُ بْنُ عَفْرَاءَ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ غُنْمٍ [2] ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ذَكَرُوا لِقَوْمِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ، وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَفَشَا فِيهِمْ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، وَافَى الْمَوْسِمَ مِنَ الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ، وَهِيَ (الْعَقَبَةُ الْأُولَى) ، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْهِمُ الْحَرْبُ، وَهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعَوْفٌ، وَمُعَوَّذٌ [3] ابْنَا الْحَارِثِ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ، وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَيَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْبَلَوِيُّ، وَعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَهُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَهُمَا مِنَ الْأَوْسِ [4] .
وَقَالَ يُونُسُ وَجَمَاعَةٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ، حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بن الصامت قَالَ: بايَعْنا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 176، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 104.
[2] من أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصّامت ويسقط جابرا، على ما في (عيون الأثر لابن سيّد الناس 1/ 156) .
[3] كذا في الأصل. وهو يوافق ما في (أسد الغابة 4/ 402) حيث قال: معوّذ بن عفراء ...
شهد العقبة أهـ. وبعض المراجع تذكر اسم (معاذ بن عفراء) في جريدة من شهد العقبة الأولى.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 184- 185، وتاريخ الطبري 2/ 353- 356، وطبقات ابن سعد 1/ 220، ودلائل النبوّة للبيهقي 2/ 169- 173، والمغازي لعروة 121- 123، ونهاية الأرب للنويري 16/ 310- 311، الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر، وعيون الأثر لابن سيد الناس 1/ 156.(1/291)
الْأُولَى، وَنَحْنُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَبَايَعْنَاهُ بَيْعَةَ النِّسَاءِ [1] ، عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ باللَّه شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْحَرْبُ، فَإِنْ وَفَّيْتُمْ بِذَلِكَ فَلَكُمُ الْجَنَّةُ، وَإِنْ غَشِيتُمْ شَيْئًا فَأَمْرُكُمْ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَ. أَخْرَجَاهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ [2] .
أَخْبَرَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْبُنِّ، أنا جَدِّي أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الْمُعَدَّلُ، أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ [3] قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا تَأْخُذُنَا فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ نَنْصُرَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْنَا يَثْرِبَ، فَنَمْنَعَهُ ممّا نمنع
__________
[1] في السيرة «على بيعة النساء» .
[2] أخرجه البخاري في مناقب الأنصار 4/ 251 باب وفود الأنصار إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة وبيعة العقبة، وفي الأحكام 8/ 125 باب بيعة النساء، وفي الحدود 8/ 18 باب توبة السارق، وفي التوحيد 8/ 191 باب في المشيئة والإرادة وما تشاءون إلّا أن يشاء الله، والنسائي في البيعة على الجهاد 7/ 142، و 149 بيعة النساء، والدارميّ في السير 16، وأحمد 5/ 323، وابن هشام في السيرة 2/ 185، وابن سعد في الطبقات 1/ 220، والطبري في تاريخه 2/ 356، والنويري في نهاية الأرب 16/ 313، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1/ 157- 158.
[3] رواه أحمد بهذا السند في مسندة 5/ 325.(1/292)
أَنْفُسَنَا وَأَزْوَاجَنَا وَأَبْنَاءَنَا، وَلَنَا الْجَنَّةُ. رَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُبَادَةَ قَالَ نَحْوَهُ. (خَالَفَهُ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، فَرَوَيَا عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ هَذَا الْمَتْنَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَهُوَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. وَسَيَأْتِي) [1] .
وَقَالَ الْبَكَّائِيّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ الْقَوْمُ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيَّ يُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهُهُمْ فِي الدِّينِ، فَنَزَلَ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَؤُمَّهُ بَعْضٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ يُسَمَّى مُصْعَبٌ بِالْمَدِينَةِ الْمُقْرِئَ [2] .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ [3] ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ بِهِ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَسَمِعَ الْأَذَانَ صَلَّى [4] عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ مَا لَكَ إِذَا سَمِعْتَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلَّيْتَ [5] عَلَى أَبِي أُمَامَةَ! قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْمٍ [6] مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ يُقَالُ لَهُ نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ، قُلْتُ: وَكَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رجلا [7] .
__________
[1] ما بين القوسين ليس موجودا في (ع) ولا في المنتقى لابن الملّا. وهو في الأصل فقط.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 185، المغازي لعروة 124، تاريخ الطبري 2/ 357، مجمع الزوائد 6/ 40- 42، دلائل النبوّة لأبي نعيم 1/ 105.
[3] في دلائل النبوّة للبيهقي (كفّ بصره) .
[4] في (جامع الأصول لابن الأثير) : ترحّم لأسعد بن زرارة.
[5] في المصدر نفسه: (ترحّمت) .
[6] في المصدر نفسه (في هزم النبيت من حرّة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات) . وعزاه ابن الأثير إلى أبي داود.
[7] سيرة ابن هشام 2/ 185.(1/293)
وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَ الْمَوْسِمُ حَجَّ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْهُمْ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ، وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَذَكْوَانُ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ تَغْلِبَ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ. فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَأَيْقَنُوا بِهِ وَاطْمَأَنُّوا وَعَرَفُوا مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَصَدَّقُوهُ، ثُمَّ قَالُوا: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَنَحْنُ حِرَاصٌ عَلَى مَا أَرْشَدَكَ اللَّهُ بِهِ، مُجْتَهِدُونَ لَكَ بِالنَّصِيحَةِ، وَإِنَّا نُشِيرُ عَلَيْكَ بِرَأْيِنَا، فَامْكُثْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى قَوْمِنَا فَنَذْكُرَ لَهُمْ شَأْنَكَ، وَنَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَلَعَلَّ اللَّهُ يُصْلِحُ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَمْرَهُمْ فَنُوَاعِدُكَ الْمَوْسِمَ مِنْ قَابِلٍ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ سِرًّا وَتَلَوْا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا قَدْ أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ، وَرَافِعَ بْنَ مَالِكٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا مِنْ قِبَلِكَ يُفَقِّهْنَا، فَبَعَثَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، فَنَزَلَ فِي بَنِي تَمِيمٍ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا، وَيَفْشُو فِيهِمُ الْإِسْلَامُ وَيَكْثُرُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُصْعَبٌ وَأَسْعَدُ، فَجَلَسَا عِنْدَ بِئْرِ بَنِي مَرْقٍ [1] ، وَبَعَثَا إِلَى رَهْطٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَتَوْهُمَا مُسْتَخْفِينَ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ- ويَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: بَلْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ- فَأَتَاهُمْ فِي لأْمَتِهِ مَعَهُ الرُّمْحُ، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لأَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ: عَلَامَ أَتَيْتَنَا فِي دُورِنَا بِهَذَا الْوَحِيدِ الْغَرِيبِ الطَّرِيدِ، يُسَفِّهُ ضُعَفَاءَنَا بِالْبَاطِلِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، لَا أَرَاكَ بَعْدَهَا تُسِيءُ مِنْ جِوَارِنَا، فَقَامُوا، ثُمَّ إِنَّهُمْ عَادُوا مَرَّةً أُخْرَى لِبِئْرِ بَنِي مَرْقٍ، أَوْ قَرِيبًا [2] مِنْهَا، فَذَكَرُوا لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الثَّانِيَةَ فَجَاءَهُمْ، فَتَوَاعَدَهُمْ وَعِيدًا دُونَ وَعِيدِهِ الْأَوَّلِ، فقال له أسعد: يا بن خَالَةٍ، اسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ سَمِعْتَ حَقًّا فأجب إليه،
__________
[1] بئر مرق- ويحرّك- بالمدينة. (القاموس المحيط) .
[2] في المنتقى لابن الملا (قريب) وكلاهما صواب.(1/294)
وَإِنْ سَمِعْتَ مُنْكَرًا فَارْدُدْهُ بِأَهْدَى مِنْهُ، فَقَالَ: مَاذَا يَقُولُ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ مُصْعَبٌ:
حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 43: 1- 3 [1] فَقَالَ سَعْدٌ: مَا أَسْمَعُ مِنْكُمْ إِلَّا مَا أَعْرِفُهُ، فَرَجَعَ سَعْدٌ وَقَدْ هَدَاهُ اللَّهُ، وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُمَا إِسْلَامَهُ، حَتَّى رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَدَعَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ إِسْلَامَهُ وَقَالَ: مَنْ شَكَّ مِنْهُمْ فِيهِ فليأت بأهدى منه، فو الله لَقَدْ جَاءَ أَمْرٌ لَتُحَزَّنَّ مِنْهُ الرِّقَابُ، فَأَسْلَمَتْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ عِنْدَ إِسْلَامِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، إِلَّا مَنْ لَا يُذْكَرُ.
ثُمَّ إِنَّ بَنِي النَّجَّارِ أَخْرَجُوا مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَاشْتَدُّوا عَلَى أَسْعَدَ، فَانْتَقَلَ مُصْعَبٌ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ يَدْعُو آمِنًا وَيَهْدِي اللَّهُ بِهِ [2] . وَأَسْلَمَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَكُسِرَتْ أَصْنَامُهُمْ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَعَزَّ مَنْ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ مُصْعَبٌ أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَكَذَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إِنَّ مُصْعَبًا أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِالْمَدِينَةِ [3] .
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أن أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَدَارَ بني ظفر [4] ، وكان سعد بن معاذ ابن خَالَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ، وَقَالَا عَلَى بِئْرِ مَرْقٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِمَا نَاسٌ، وَكَانَ سَعْدٌ وَأَسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ سَيِّدَيْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَلَمَّا سَمِعَا بِهِ قَالَ سَعْدٌ لِأُسَيْدٍ: انْطَلِقْ إِلَى هذين
__________
[1] أول سورة الزخرف.
[2] هنا زيادة في دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 109: «حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا أسلم فيها أناس لا محالة، وأسلم أشرافهم» .
[3] تقدّم قبل الآن أن أول من جمع هو أسعد بن زرارة. (انظر للتوفيق في ذلك: وفاء ألوفا للسمهودي، وغيره) . وانظر تاريخ الطبري 2/ 357- 360، ونهاية الأرب للنويري 16/ 313.
[4] قال البيهقي في دلائل النبوّة 2/ 178 «وهي قرية لبني ظفر دون قرية بني عبد الأشهل» .(1/295)
فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا، فَلَوْلَا أسعد بن زرارة ابن خَالَتِي كَفَيْتُكَ ذَلِكَ، فَأَخَذَ أُسَيْدٌ حَرْبَتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ قَالَ: هَذَا سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ فَاصْدُقِ اللَّهَ فِيهِ، قَالَ مُصْعَبٌ: إِنْ يَجْلِسْ أُكَلِّمْهُ، قَالَ:
فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا إِلَيْنَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا، وَاعْتَزِلَانَا إِنْ كَانَ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَوَ تَجْلِسُ فَتَسْمَعُ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ، قَالَ: أَنْصَفْتَ، ثُمَّ رَكَّزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إِلَيْهِمَا، فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَقَالَا فِيمَا بَلَغَنَا: وَاللَّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ، قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي إِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ! كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدِّينِ؟
قَالَا: تَغْتَسِلُ وَتَتَطَهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ تُصَلِّي، فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَأَسْلَمَ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إِنَّ وَرَائِي رَجُلًا إِنِ اتَّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ، وَسَأُرْسِلُهُ إِلَيْكُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَقَوْمِهِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ مُقْبِلًا قَالَ: أُقْسِمُ باللَّه لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي وَلَّى بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ:
كَلَّمْتُ الرَّجُلَيْنِ، فَمَا رَأَيْتُ بِهِمَا بَأْسًا، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا [1] فَقَالَا: نَفْعَلُ [2] مَا أَحْبَبْتَ، وَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى أَسْعَدَ لِيَقْتُلُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ ابْنُ خَالَتِكَ لِيَخْفِرُونَكَ، فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا مُبَادِرًا مُتَخَوِّفًا، فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ أَغْنَيْتَ عَنَّا شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُمَا سَعْدٌ مُطْمَئِنَّيْنِ عَرَفَ أَنَّ أُسَيْدًا إِنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا [3] . ثُمَّ قَالَ لِأَسْعَدَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، وَاللَّهِ لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ مَا رُمْتَ مِنِّي هَذَا، أَتَغْشَانَا فِي دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ! وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ لِمُصْعَبٍ: أي
__________
[1] في الأصل و (ع) : تهيينهما. والتصحيح من نسخة دار الكتب والسيرة لابن هشام 2/ 186.
[2] في الأصل و (ع) : لا نفعل ما أحببت. وفي المنتقى لابن الملا: (لا نفعل إلّا ما أحببت) .
[3] في الأصل والمنتقى لابن الملّا: (متبسّما) والتصحيح من السيرة لابن هشام 2/ 186.(1/296)
مُصْعَبُ جَاءَكَ وَاللَّهِ سَيِّدُ [1] مَنْ وَرَاءِهِ، إِنْ يَتْبَعْكَ لَا يَتَخَلَّفْ عَنْكَ مِنْهُمُ اثْنَانِ، فَقَالَ: أو تقعد فَتَسْمَعُ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا وَرَغِبْتَ فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَ عَزَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُ، قَالَ: أَنْصَفْتَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ وَاللَّهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ.
ثُمَّ فَعَلَ كَمَا عَمِلَ أُسَيْدٌ، وَأَسْلَمَ، وَأَخَذَ حَرْبَتَهُ، وَأَقْبَلَ عَائِدًا إِلَى نَادِي قَوْمِهِ، وَمَعَهُ أُسَيْدٌ، فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ قَالُوا: نَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ رَجَعَ سَعْدٌ إِلَيْكُمْ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْرِفُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عليّ حرام حتى تؤمنوا، فو الله مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ مُصْعَبٌ وَأَسْعَدُ إِلَى مَنْزِلِهِمَا، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مسلمون، إلّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَخَطْمَةَ، وَوَائِلٍ، وَوَاقِفٍ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللَّهِ وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الأَسْلَتِ، وَهُوَ صَيْفِيٌّ، وَكَانَ شَاعِرًا لَهُمْ وَقَائِدًا، يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ، فَوَقَفَ بِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَضَتْ أُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ [2] .
الْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ
قَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وَدَاوُدُ الْعَطَّارُ- وَهَذَا لَفْظُهُ-: ثنا ابْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ الْحَاجَّ فِي منازلهم في المواسم: مجنّة [3] ، وعكاظ،
__________
[1] هنا اضطراب في المنتقى لابن الملا.
[2] زاد ابن عبد البرّ في الدرر 1/ 160، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1/ 161 «ثم أسلموا كلّهم» . وانظر الخبر في سيرة ابن هشام 2/ 186- 187.
[3] مجنّة: بفتح الميم ويقال بالكسر. مكان على أميال من مكة. كما في حاشية الأصل.(1/297)
وَمِنًى، يَقُولُ: مَنْ يُؤْوِينِي وَيَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ فَلَا يَجِدُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ صَاحِبُهُ مِنْ مُضَرَ أَوِ الْيَمَنِ، فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ أَوْ ذُو رَحِمِهِ يَقُولُونَ: احْذَرْ فَتَى قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنْكَ، يَمْشِي [1] بَيْنَ رِحَالِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِهِمْ، حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ لَهُ مِنْ يَثْرِبَ، فَيَأْتِيهِ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ يَثْرِبَ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ يُظْهِرُونَ الإسلام، ثم ائتمرنا واجتمعنا سبعين رَجُلًا مِنَّا، فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَذَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ، فَرَحَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدَنَا شِعْبَ الْعَقَبَةِ، فَاجْتَمَعْنَا فِيهِ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، حَتَّى تَوَافَيْنَا عِنْدَهُ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ:
عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ، لَا تَأْخُذْكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ يَثْرِبَ، تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الْجَنَّةُ» فَقُلْنَا [2] نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ، إِلَّا أَنَا، فَقَالَ: رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى عَضِّ السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً [3] ، فَذَرُوهُ فَهُوَ أَعْذَرُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ.
فَقُلْنَا: أَمِطْ يَدَكَ يَا أَسْعَدُ، فو الله لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلَا نَسْتَقِيلُهَا، فَقُمْنَا إليه
__________
[1] في المنتقى لابن الملا «فكان يمشي» .
[2] وفي مسند أحمد «فقمنا» .
[3] هكذا في الأصل ودلائل النبوّة للبيهقي (2/ 182) ، ومسند أحمد. وفي ألوفا في أحوال المصطفى لابن الجوزي: (جبنة يعني جبنا) .(1/298)
نُبَايِعُهُ رَجُلًا رَجُلًا، يَأْخُذُ عَلَيْنَا شَرْطَهُ [1] ، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ [2] .
زَادَ فِي وَسَطِهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ: فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ يَا بن أَخِي لَا أَدْرِي مَا هَذَا الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ، إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ فِي وُجُوهِنَا، قَالَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا أَعْرِفُهُمْ هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ، فَقُلْنَا: عَلَامَ نُبَايِعُكَ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ [3] : ثنا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ:
لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلَا يُطِيلُ الْخُطْبَةَ، فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْنًا، فَقَالَ أَسْعَدُ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، ثُمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا عَلَى اللَّهِ، قَالَ: أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي ولأصحابي أن تؤونا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ، قَالُوا: فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، قَالَ: لَكُمُ الْجَنَّةُ، قَالُوا: فَلَكَ ذَلِكَ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [4] ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، نا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو مَسْعُودٍ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا.
وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [5] : حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ أَخَا بَنِي سَالِمٍ قَالَ: يَا
__________
[1] في المسند «بشرطه العباس» .
[2] رواه أحمد في المسند 3/ 339- 340 وانظر الحديث أيضا 3/ 322- 323، والبيهقي في دلائل النبوّة 2/ 181- 182.
[3] في دلائل النبوّة 2/ 109 في رواية أطول مما هنا.
[4] في المسند 4/ 119.
[5] سيرة ابن هشام 2/ 191.(1/299)
مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ هَلْ تَدْرُونَ عَلَى مَا تُبَايِعُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّهَا إِذَا أَنْهَكَتْ أَمْوَالَكُمْ مُصِيبَةٌ وَأَشْرَافَكُمْ قَتْلًا، تَرَكْتُمُوهُ وَأَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنَ الْآنَ، فَهُوَ وَاللَّهِ إِنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْتَعْلِنُونَ بِهِ وَافُونَ لَهُ، فَهُوَ والله خير الدنيا والآخرة، قال عاصم: فو الله مَا قَالَ الْعَبَّاسُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَّا لِيَشِدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا الْعِقْدَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ: مَا قَالَهَا إِلَّا لِيُؤَخِّرَ بِهَا أَمْرَ الْقَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، لِيَشْهَدَ أَمْرَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَيَكُونَ أَقْوَى، قَالُوا: فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: الْجَنَّةُ، قَالُوا: ابْسُطْ يَدَكَ، وَبَايَعُوهُ، فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ: إِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَيْهِمْ غَدًا بِأَسْيَافِنَا، فَقَالَ: لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَرَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأسود، عن عروة [1] ، وقاله موسى بن عقبة، وَهَذَا لَفْظُهُ: إِنَّ الْعَامَ الْمُقْبِلَ حَجَّ مِنَ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلًا، أَرْبَعُونَ مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمْ وَثَلَاثُونَ مِنْ شَبَابِهِمْ، أَصْغَرُهُمْ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقُوهُ بِالْعَقَبَةِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى الْبَيْعَةِ أَجَابُوهُ وَقَالُوا: اشْتَرِطْ عَلَيْنَا لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ. فَلَمَّا طَابَتْ بِذَلِكَ أَنْفُسُهُمْ مِنَ الشَّرْطِ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَبَّاسُ الْمَوَاثِيقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ، وَعَظَّمَ الْعَبَّاسُ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ، وَذَكَرَ أَنَّ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سُلْمَى بِنْتَ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
قَالَ عُرْوَةُ [2] : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رجلا وامرأة.
__________
[1] في المغازي 125.
[2] المغازي 126.(1/300)
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : سَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ، إِحْدَاهُمَا أُمُّ عُمَارَةَ وَزَوْجُهَا وَابْنَاهُمَا.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [2] : فَحَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْقَيْنِ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي الْحَجَّةِ الَّتِي بَايَعْنَا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ مَعَ مُشْرِكِي قَوْمِنَا، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ تَعَلَّمُوا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي تُوَافِقُونَنِي عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَقُلْنَا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا بِشْرٍ؟ قَالَ:
إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ إِلَى هَذِهِ الْبَنِيَّةِ [3] وَلَا أَجْعَلَهَا مِنِّي بِظَهْرٍ، فَقُلْنَا: لَا وَاللَّهِ لَا تَفْعَلْ، وَاللَّهِ مَا بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّنَا يُصَلِّي إِلَّا إِلَى الشَّامِ، قَالَ: فَإِنِّي وَاللَّهِ لَمُصَلٍّ إِلَيْهَا، فَكَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ تَوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَتَوَجَّهْنَا إِلَى الشَّامِ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ لِيَ الْبَرَاءُ: يَا بْنَ أَخِي انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَسْأَلَهُ عَمَّا صَنَعْتُ، فَلَقَدْ وَجَدْتُ فِي نَفْسِي بِخِلَافِكُمْ إِيَّايَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ بِالْأَبْطَحِ [4] ، فَقُلْنَا: هَلْ تَدُلُّنَا عَلَى مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفَانِهِ إِنْ رَأَيْتُمَاهُ؟ قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، قَالَ:
فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبَّاسَ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ كُنَّا نَعْرِفُهُ، كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا بِالتِّجَارَةِ، فَقَالَ: إِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَانْظُرُوا الْعَبَّاسَ [5] ، قَالَ: فَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي مَعَهُ، قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ نَاحِيَةَ الْمَسْجِدِ جَالِسَيْنِ، فَسَلَّمْنَا، ثُمَّ جَلَسْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل تعرف
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 188- 189.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 187.
[3] يعني الكعبة كما في سيرة ابن هشام، وهذا أحد أسمائها. (انظر شفاء الغرام) .
[4] يضاف إلى مكة وإلى منى، لأنّ المسافة بينه وبينهما واحدة، وربما كان إلى منى أقرب، وهو المحصب. (معجم البلدان) .
[5] هنا في (ع) والمنتقى لابن الملا تكرار كلمات.(1/301)
هَذَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بن مالك، فو الله مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الشَّاعِرُ) ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ الْبَرَاءُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ كُنْتُ رَأَيْتُ فِي سَفَرِي هَذَا رَأْيًا، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنِّي بظهر فصلّيت إليها، فقال لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُهُ يَقُولُونَ: قَدْ مَاتَ عَلَيْهَا، وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ، قَدْ رَجَعَ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى مَعَنَا إِلَى الشَّامِ [1] .
ثُمَّ وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ، أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلًا لِلْبَيْعَةِ، وَمَعَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ وَالِدُ جَابِرٍ، وَإِنَّهُ لَعَلَى شِرْكِهِ، فَأَخَذْنَاهُ فَقُلْنَا: يَا أَبَا جَابِرٍ وَاللَّهِ إِنَّا لَنَرْغَبُ بِكَ أَنْ تَمُوتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ.
فَتَكُونَ لِهَذِهِ النَّارِ غَدًا حَطَبًا، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رسولا يأمر بِتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ.
وَقَدْ أَسْلَمَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِكَ، وَقَدْ وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبَيْعَةِ، فَأَسْلَمَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ، وَحَضَرَهَا مَعَنَا فَكَانَ نَقِيبًا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَعَدْنَا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمِنًّى أَوَّلَ اللَّيْلِ مَعَ قَوْمِنَا، فَلَمَّا اسْتَثْقَلَ النَّاسُ مِنَ النَّوْمِ تَسَلَّلْنَا مِنْ فُرُشِنَا تَسَلُّلَ الْقَطَا، حَتَّى اجْتَمَعْنَا بِالْعَقَبَةِ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمّه العبّاس، وليس مَعَهُ غَيْرُهُ، أَحَبَّ أنَ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مُتَكَلِّمٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ إِنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَهُوَ فِي مَنْعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبِلَادِهِ، قَدْ مَنَعْنَاهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا مِنْهُ، وَقَدْ أَبَى إِلَّا الِانْقِطَاعَ إِلَيْكُمْ، وَإِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا وَعَدْتُمُوهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَخْشَوْنَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِذْلَانًا فَاتْرُكُوهُ فِي قَوْمِهِ، فَإِنَّهُ فِي مَنْعَةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ، فقلنا: قد سمعنا ما قلت، تكلّم
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 188.(1/302)
يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَكَلَّمَ وَدَعَا إِلَى اللَّهِ، وَتَلَا الْقُرْآنَ وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَجَبْنَاهُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ لَهُ، وَقُلْنَا لَهُ: خُذْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ، فَقَالَ: إِنِّي أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ، فَأَجَابَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ فَقَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَمْنَعُكَ [1] مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا [2] ، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ [3] اللَّهِ فَنَحْنُ وَاللَّهِ أَهْلُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلَقَةِ [4] ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَعَرَضَ فِي الْحَدِيثِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَقْوَامٍ حِبَالًا [5] ، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنِ اللَّهُ أَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ فَقَالَ: بَلِ الدَّمَ الدّم والهدم والهدم [6] ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ وَأُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، فَقَالَ لَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعْكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، فَأَخْرَجُوهُمْ لَهُ، فَكَانَ نَقِيبَ بَنِي النَّجَّارِ. أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَنَقِيبَ بَنِي سَلَمَةَ [7] الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَنَقِيبَ بَنِي سَاعِدَةَ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَنَقِيبَ بَنِي زُرَيْقٍ: رَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَنَقِيبَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَنَقِيبَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ- وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ بَدَلَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ- وَنَقِيبَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَعْدُ بن خيثمة، ونقيب بني
__________
[1] (نمنعك) ساقطة من الأصل وغيره.
[2] العرب تكنى عن المرأة بالإزار، وتكنى به أيضا عن النفس، وتجعل الثوب عبارة عن لابسه، على ما في (عيون الأثر) .
[3] في الأصل (يرسول الله) بدون ألف بعد الياء.
[4] أي السلاح.
[5] أي مواثيق.
[6] قال ابن هشام: ويقال: الهدم الهدم: أي ذمّتي ذمّتكم وحرمتي حرمتكم. (2/ 189) .
[7] بكسر اللام كما في (عجالة المبتدي للحازميّ) .(1/303)
عَبْدِ الْأَشْهَلِ- وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ- أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ [1] ، قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ عَلَيْهَا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ، وَتَتَابَعَ النَّاسُ فَبَايَعُوا، فَصَرَخَ الشَّيْطَانُ عَلَى الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ [2] صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ [3] هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصَّبَأَةِ مَعَهُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَزَبُّ [4] الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أُزَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ، ارْفَضُّوا إِلَى رِحَالِكُمْ» . فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ أَخُو بَنِي سَالِمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا، فَقَالَ: «إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ» فَرُحْنَا إِلَى رِحَالِنَا فَاضْطَجَعْنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، أَقْبَلَتْ جِلَّةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَتًى شَابٌّ وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَتَانِ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ جِئْتُمْ إِلَى صَاحِبِنَا لِتَسْتَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنَ الْعَرَبِ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيْنَا أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ، فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ قَوْمِنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَحْلِفُونَ لَهُمْ باللَّه، مَا كَانَ مِنْ هَذَا مِنْ شَيْءٍ، وَمَا فَعَلْنَا، فَلَمَّا تَثَوَّرَ الْقَوْمُ لِيَنْطَلِقُوا قُلْتُ كَلِمَةً كَأَنِّي أُشْرِكُهُمْ فِي الْكَلَامِ: يَا أَبَا جَابِرٍ- يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ ابن عَمْرٍو- أَنْتَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا وَكَهْلٌ مِنْ كُهُولِنَا، لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَّخِذَ مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمِعَهُ الْحَارِثُ، فَرَمَى بِهِمَا إِلَيَّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَتَلْبَسَنَّهُمَا، فَقَالَ أَبُو جَابِرٍ: مَهْلًا أَحْفَظْتَ لَعَمْرِ اللَّهِ الرَّجُلَ- يَقُولُ:
أَخْجَلْتَهُ [5]- ارْدُدْ عَلَيْهِ نَعْلَيْهِ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَرَدُّهُمَا، فَأْلٌ صَالِحٌ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أسلبه [6] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 189- 191.
[2] في حاشية الأصل: (في خ بأبعد) .
[3] يعني منازل منى، (عيون الأثر 1/ 172) .
[4] شيطان.
[5] لعلّ الصواب: (أغضبته) ، على ما في المراجع اللغوية.
[6] في دلائل النبوّة للبيهقي: (أستلبه) ، وفي سيرة ابن هشام 2/ 192 «لأسلبنّه» . وكذا في تاريخ الطبري 2/ 363- 365.(1/304)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ فَأَتَوْا عبد الله بن أبي يعني ابن سلول فَسَأَلُوهُ [1] ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ جَسِيمٌ وَمَا كَانَ قَوْمِي لِيَتَفَوَّتُوا عَلَيَّ بِمِثْلِهِ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: ابْعَثُوا مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا كُفَلَاءَ عَلَى قومهم، ككفالة الحواريّين لعيسى ابن مَرْيَمَ، فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَنْتَ نَقِيبٌ عَلَى قَوْمِكَ، ثُمَّ سَمَّى النُّقَبَاءَ كَرِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُشِيرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْ يَجْعَلُهُ نَقِيبًا، قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ أَعْجَبُ كَيْفَ جَاءَ مِنْ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، وَمِنْ قَبِيلَةٍ رَجُلَانِ، حَتَّى حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُشِيرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْبَيْعَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهُمْ تِسْعَةُ نُقَبَاءَ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَوْسِ.
وَقَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ [3] :
تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ
قُلْتُ: تَرَكْتُ النُّقَبَاءَ لِأَنَّهُمْ قَدْ تَقَدَّمُوا.
فَمِنَ الْأَوْسِ: سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ.
وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ: ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ، وَأَبُو بردة بن نيار، وبهير [4] بن الهيثم.
__________
[1] في السيرة: «فقالوا له مثل ما قال كعب من القول» .
[2] سيرة ابن هشام 2/ 192.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 206.
[4] بالباء الموحدة كما في الأصل وبعض المراجع، وورد بالنون عند بعضهم. انظر (عيون الأثر 1/ 167 والسيرة لابن هشام 2/ 206) .(1/305)
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ- وَعَدَّهُ ابْنُ إِسْحَاقَ نَقِيبًا عِوَضَ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ- وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ أَمِيرُ الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَئِذٍ اسْتُشْهِدَ، وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ.
فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنَ الْأَوْسِ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا [1] .
وَمِنَ الْخَزْرَجِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ: أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَأَخُوهُ عَوْفٌ، وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ.
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ: سَهْلُ بْنُ عَتِيكٍ، بَدْرِيٌّ.
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ: أَوْسُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ.
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَعَمْرُو بْنُ غَزِيَّةَ.
وَمِنْ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ صَاحِبُ النِّدَاءِ [2] ، وَخَلادُ بْنُ سُوَيْدٍ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، وَأَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو [3] .
وَمِنْ بَنِي بَيَاضَةَ: زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَخَالِدُ بْنُ قَيْسٍ.
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ: ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، وَكَانَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيٌّ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وعبّاد [4] بن قيس، والحارث بن قيس.
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 207.
[2] هو الّذي أري النداء للصّلاة، فَجَاءُوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر به. (كما في السيرة لابن هشام 2/ 208 وغيرها) .
[3] هو أحدث من شهد العقبة سنّا.
[4] في الأصل (عبادة) .(1/306)
وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ: بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنُ مَعْرُورٍ ابْنُ أَحَدِ النُّقَبَاءِ، وَسِنَانُ بْنُ صَيْفِيٍّ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَمَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ حَارِثَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ حَرَامٍ، وَجَبَّارُ [1] بْنُ صَخْرٍ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ مَالِكٍ.
وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ: سُلَيْمُ بْنُ عَمْرٍو، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، ويزيد بن عامر، وأبو البسر كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، وَصَيْفِيُّ بْنُ سَوَادٍ.
وَمِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرٍو: ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ، وَقُتِلَ بِالْخَنْدَقِ، وَأَخُوهُ عَمْرٌو، وَعَبْسُ بْنُ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَخَالِدُ [2] بْنُ عَدِيٍّ.
وَمِنْ بَنِي حَرَامٍ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَثَابِتُ بْنُ الْجَذْعِ [3] ، اسْتُشْهِدَ بِالطَّائِفِ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَخُدَيْجُ بْنُ سَلَامَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْبَلَوِيُّ حَلِيفٌ لَهُمْ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ.
وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ: رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ.
وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ: النَّقِيبَانِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو الَّذِي كَانَ أَمِيرًا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ فَاسْتُشْهِدَ [4] .
وَأَمَّا الْمَرْأَتَانِ فَأُمُّ مَنِيعٍ أَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ، وَأُمُّ عُمَارَةَ نَسِيبَةُ [5] بِنْتُ كَعْبٍ، حَضَرَتْ وَمَعَهَا زَوْجُهَا زَيْدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ، وابناها حبيب
__________
[1] في ضبط اسمه خلاف.
[2] هو خالد بن عمرو بن عديّ. كما في (السيرة لابن هشام 2/ 209) .
[3] تقرأ في مصوّر الأصل: (المجدع) . والجذع: هو ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام.
[4] في المنتقى لابن الملا: (وبه استشهد) .
[5] ضبطها بالفتح صاحب القاموس والزّبيدي شارحه، وابن ماكولا.(1/307)
وَعَبْدُ اللَّهِ، وَحَبِيبٌ هُوَ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ وَقَطَّعَهُ عُضْوًا عُضْوًا [1] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنِ الْبَيْعَةِ، فَتَّشَتْ قُرَيْشٌ مِنَ الْغَدِ عَنِ الْخَبَرِ وَالْبَيْعَةِ، فَوَجَدُوهُ حَقًّا، فَانْطَلَقُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَهَرَبَ مُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، فَشَدُّوا يدي سعد إلى عنقه بتسعة [2] ، وَكَانَ ذَا شَعْرٍ كَثِيرٍ، فَطَفِقُوا يَجْبِذُونَهُ بِجُمَّتِهِ وَيَصُكُّونَهُ وَيَلْكِزُونَهُ، إِلَى أَنْ جَاءَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَالْحَارِثُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَكَانَ سَعْدٌ يُجِيرُهُمَا إِذَا قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَأَطْلَقَاهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَخَلَّيَا سَبِيلَهُ.
قَالَ: وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ قَدْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ سَادَةِ بَنِي سَلَمَةَ، وَقَدِ اتَّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ مَنَافٌ [3] فَلَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمَا، كَانُوا يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ عَلَى صَنَمِهِ [4] فَيَأْخُذُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ الْحُفَرِ [5] ، وَفِيهَا عُذْرُ النَّاسِ، مُنَكَّسًا عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو قَالَ: وَيْلَكُمْ مَنْ عَدَا عَلَى آلِهَتِنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ! ثُمَّ يَلْتَمِسُهُ حَتَّى إِذَا وَجَدَهُ غَسَّلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِكَ هَذَا لَأَخْزَيْتُهُ. فَإِذَا أَمْسَى وَنَامَ فَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَفَعَلَ مَرَّاتٍ، وَفِي الْآخِرِ عَلَّقَ عَلَيْهِ سَيْفَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِكَ مَا تَرَى، فَإِنْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ فَامْتَنِعْ، وَهَذَا السَّيْفُ مَعَكَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ [6] أَخَذُوا السَّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ، ثُمَّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيِّتًا فَعَلَّقُوهُ وَرَبَطُوهُ
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 210.
[2] النسعة بالكسر: سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره.
[3] كذا في الأصل والمنتقى لابن الملّا ودلائل النبوّة للبيهقي، وفي (ع) ونسخة دار الكتب والسيرة النبويّة لابن هشام والروض الأنف (مناة) .
[4] في سيرة ابن هشام «صنم عمرو ذلك» .
[5] في السيرة «في بعض حفر بني سلمة» .
[6] في السيرة «فلما أمسى ونام عمرو غدوا عليه» .(1/308)
بِهِ وَأَلْقَوْهُ فِي [1] جُبِّ عُذْرَةَ، فَغَدَا عَمْرٌو فَلَمْ يَجِدْهُ، فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ حَتَّى وَجَدَهُ فِي الْبِئْرِ مُنَكَّسًا مَقْرُونًا بِالْكَلْبِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْصَرَ شَأْنَهُ، وَكَلَّمَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ وحسن إسلامه، وقال:
تا الله لَوْ كُنْتَ إِلَهًا لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ [2]
أُفٍّ لِمَصْرَعِكَ إِلَهًا مُسْتَدَنْ [3] ... الْآنَ فَتَشْنَاكَ عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ
الْحَمْدُ للَّه الْعَلِيِّ ذِي الْمِنَنْ ... الْوَاهِبِ الرَّزَّاقِ وَدَيَّانِ الدِّيَنْ
هُوَ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أكون في ظلمة قبر مرتهن [4]
__________
[1] في السيرة «ألقوه في بئر من آبار سلمة فيها عذر من عذر الناس» .
[2] أي حبل.
[3] في السيرة لابن هشام ووفاء ألوفا للسمهودي (لملقاك) بدل (لمصرعك) ، ومستدن: ذليل مستعبد، وقد أورد ابن هشام هذه المقطوعة، وبعض ألفاظها هناك مخالف لما هنا، وفي آخرها شطرة زائدة على ما هنا.
وفي حاشية الأصل هنا: بلغت قراءة خليل بن أيبك- السادس- على مؤلّفه، فسح الله في مدّته، ومحصّن بن عكّاشة يسمع.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 205، دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 111.(1/309)
ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ
عُقَيْلٌ وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ: قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ. وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَرَجَعَ إلى المدينة بعض [1] من كان هاجر إلى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَتَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ [2] أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ فِي الْحَرْبِ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا وَاللُّحُوقِ بِالْأَنْصَارِ، فَخَرَجُوا أَرْسَالًا،
__________
[1] في الجامع الصحيح: «ورجع عامة من كان هاجر» .
[2] بضم الميم.
[3] صحيح البخاري 7/ 39 في اللباس، باب التقنّع، وأحمد 6/ 198، وابن سعد في الطبقات 1/ 226.(1/311)
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عبد الأسد إلى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيْهَا قَبْلَ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى بِسَنَةٍ، وَقَدْ كَانَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ مَكَّةَ، فَآذَتْهُ قُرَيْشٌ، وَبَلَغَهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَسْلَمُوا، فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ رَحَّلَ لِي بَعِيرَهُ، ثُمَّ حَمَلَنِي وَابْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُنِي. فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ قَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتَنَا عَلَيْهَا، هَذِهِ [1] ، عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ! فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ، وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إِذْ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابني سَلَمَةَ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، فَانْطَلَقَ زَوْجِي [2] إِذْ فَرَّقُوا بَيْنَنَا، فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطَحِ، فَلَا أَزَالُ أَبْكِي حَتَّى أُمْسِي، سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا. حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي فَرَحِمَنِي، فَقَالَ: أَلَا تَخْرُجُونَ مِنْ هَذِهِ الْمِسْكِينَةِ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا؟ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ، قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إِلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ وَضَعْتُ سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ، وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى زَوْجِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّ، فقال: إلى أين يا بنت أَبِي أُمَيَّةَ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ: أَوَ مَا مَعَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا، قَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ مِنْ مَتْرَكٍ. فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فانطلق معي يهوي بي، فو الله مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ، أَرَى أَنَّهُ أَكْرَمُ مِنْهُ، كَانَ أَبَدًا إِذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي حَتَّى إِذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ في
__________
[1] في سيرة ابن هشام 2/ 211 (أرأيت صاحبتك هذه؟) .
[2] في السيرة «أبو سلمة إلى المدينة، قال: ففرّق بيني وبين زوجي وبين ابني» .(1/312)
الشَّجَرِ، ثُمَّ تَنَحَّى إِلَى شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ قَامَ إِلَى بَعِيرِي فَرَحَّلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي وَقَالَ: ارْكَبِي، فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَنِي حَتَّى يَنْزِلَ بِي، فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ حَتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا.
ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَهَا بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عامر بن ربيعة حليف بني عديّ ابن كَعْبٍ مَعَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ، مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ، وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَكَانَ يَمْشِي بِمَكَّةَ بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الْفَارِعَةُ [1] بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ أُمَّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَنَزَلَ هَؤُلاءِ بِقُبَاءٍ عَلَى مُبَشِّرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ [2] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَصْحَابَهُ بِالْهِجْرَةِ، فَخَرَجُوا رَسَلًا رَسَلًا [3] ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ قَبْلَ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبُو سَلَمَةَ وَامْرَأَتُهُ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ [4] ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الشَّرِيدِ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَجَمَاعَةٌ، فَطَلَبَ أَبُو جَهْلٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ عَيَّاشًا، وَهُوَ أَخُوهُمْ لِأُمِّهِمْ، فَقَدِمُوا
__________
[1] في الأصل (الفرعة) . ولعلّه على مصطلحهم في حذف الألف المتوسّطة من الأعلام.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 211- 212، عيون الأثر 1/ 173.
[3] في حاشية الأصل: (هو القطيع من الإبل والغنم، وجمعه: إرسال) يريد أفواجا متقطّعة يتبع بعضهم بعضا على ما في (النهاية) .
[4] في نسخة دار الكتب، والإصابة- في الكنى- (خيثمة) وهو تصحيف، والصواب ما في الأصل وتاريخ الطبري 2/ 369 والبيهقي 2/ 197.(1/313)
الْمَدِينَةَ فَذَكَرُوا لَهُ حُزْنَ أُمِّهِ، وَأَنَّهَا حَلَفَتْ لَا يُظِلُّهَا سَقْفٌ، وَكَانَ بِهَا بَرًّا، فَرَقَّ لَهَا وَصَدَقَهُمْ، فَلَمَّا خَرَجَا بِهِ أَوْثَقَاهُ وَقَدِمَا بِهِ مَكَّةَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَى قَبْلِ الْفَتْحِ [1] .
قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَدْعُو لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ: اللَّهمّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ. الْحَدِيثَ [2] .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَنَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ، وَالزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَطَائِفَةٌ، وَمَكَثَ نَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِمَكَّةَ، حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَقْدَمِهِ، مَنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، عَلَى اخْتِلافٍ فِيهِ.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعْنَا لِلْهِجْرَةِ اتَّعَدْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَقُلْنَا: الْمِيعَادُ بَيْنَنَا التَّنَاضِبِ [3] مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَمَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ لَمْ يَأْتِهَا فَقَدْ حُبِسَ [4] ، فَأَصْبَحْتُ عِنْدَهَا أَنَا وَعَيَّاشٌ، وَحُبِسَ هِشَامٌ وَفُتِنَ، وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِنْ هَؤُلاءِ تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللَّهَ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَأُنْزِلَتْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله 39: 53 [5] ، فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي كِتَابًا، ثُمَّ بَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامٍ، فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ: فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ خَرَجْتُ بِهَا إِلَى ذِي طُوًى أُصْعِدُ فيها
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 369، دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 197، نهاية الأرب 16/ 322.
[2] أخرجه البخاري في الجهاد 3/ 234 باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، وانظر عيون الأثر 1/ 175.
[3] بفتح التاء وكسر الضاد، (معجم البلدان، معجم ما استعجم) .
[4] في السيرة «فليمض صاحباه» .
[5] سورة الزمر- الآية 53.(1/314)
النَّظَرَ وَأُصَوِّبُهُ لِأَفْهَمَهَا، فَقُلْتُ، اللَّهمّ فَهِّمْنِيهَا، فَعَرَفْتُ أَنَّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا لِمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا، وَيُقَالُ فِينَا، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] ، قَالَ: فَقُتِلَ هِشَامٌ بِأَجْنَادِينَ.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَدِمْنَا مِنْ مَكَّةَ فَنَزَلْنَا الْعُصْبَةَ [2] عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ، لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا [3] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ مَكَانُهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ أَتَى بَعْدَهُ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى أَخُو بَنِي فِهْرٍ، ثُمَّ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَبِلَالُ، ثُمَّ أَتَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، فَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: وَمَكَثَ رَسُولُ
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 219.
[2] هو موضع في المدينة عند قباء، وضبطه بعضهم بفتح العين والصاد، على ما في تاج العروس 3/ 375 وقيّده في الأصل بضم العين وسكون الصاد، وفي الحاشية: وقيل (العصبة) وضبطها بفتح الأول وسكون الثاني. (معجم ما استعجم 3/ 946) .
[3] قال في مجمع الزوائد 9/ 300 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم سمع سالما مولى أبي حذيفة يقرأ من الليل، فَقَالَ الْحَمْدُ للَّه الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مثله. رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح.
[4] لم أجده في صحيح مسلّم، وقد أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار 4/ 263- 264 باب مقدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة، ورواه في تفسير سورة سبّح اسم ربك الأعلى، وفي فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، وأحمد في المسند 1/ 3، وابن أبي عاصم النبيل 53 رقم 91، والمقريزي في إمتاع الأسماع 1/ 34، والحاكم في المستدرك 3/ 634، وابن سعد في الطبقات 4/ 206، والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 361.(1/315)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْحَجِّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، وَإِنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَمَكْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَحْبِسُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِمَكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا 8: 30 [1] الْآيَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ تَحْتَ اللَّيْلِ قِبَلَ الْغَارِ بِثَوْرٍ، وَعَمَدَ عَلَيٌّ فَرَقَدَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَارِي عَنْهُ الْعُيُونَ [2] .
وَكَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَزَادَ: فَبَاتَتْ قُرَيْشٌ يَخْتَلِفُونَ وَيَأْتَمِرُونَ أَيُّهُمْ يَجْثِمُ عَلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ فَيُوثِقُهُ، إِلَى أَنْ أَصْبَحُوا، فَإِذَا هُمْ بِعَلِيٍّ، فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَعَلِمُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ فَارًّا مِنْهُمْ، فَرَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَهُ [3] .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : لَمَّا أَيْقَنَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُويِعَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَلْحَقُوا بِإِخْوَانِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: الآن، فأجمعوا في أمر محمد فو الله لَكَأَنَّهُ قَدْ كَرَّ عَلَيْكُمْ بِالرِّجَالِ، فَأَثْبِتُوهُ أَوِ اقْتُلُوهُ أَوْ أَخْرِجُوهُ.
فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَقْتُلُوهُ. فَلَمَّا دَخَلُوا الدَّارَ اعْتَرَضَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ جَمِيلٍ فِي بَتٍّ [5] لَهُ فَقَالَ: أَأَدْخُلُ؟ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، سَمِعَ بِالَّذِي اجْتَمَعْتُمْ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ مَعَكُمْ، فَعَسَى أَنْ لا يَعْدِمَكُمْ مِنْهُ نُصْحٌ وَرَأْيٌ، قَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، فَأَجْمِعُوا رأيا
__________
[1] سورة الأنفال- الآية 30.
[2] المغازي لعروة 129.
[3] المغازي 129.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 221.
[5] البتّ: بفتح الباء. هو الكساء الغليظ المربع، وقيل: الطيلسان من خزّ ونحوه، وقيل كساء من الصّوف. (هامش عيون الأثر 1/ 177) .(1/316)
فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَقَالَ قَائِلٌ: أَرَى أَنْ تَحْبِسُوهُ، فَقَالَ النَّجْدِيُّ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَيَخْرُجَنَّ رَأْيُهُ وَحَدِيثُهُ إِلَى مَنْ وَرَاءِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَوْشَكَ أَنْ يَنْتَزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَغْلِبُوكُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: بَلْ نُخْرِجُهُ فَنَنْفِيهِ، فَإِذَا غَيَّبَ عَنَّا وَجْهَهُ وَحَدِيثَهُ مَا نُبَالِي أَيْنَ وَقَعَ، قَالَ النَّجْدِيُّ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، أَمَا رَأَيْتُمْ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ، وَحُسْنَ حَدِيثِهِ، وَغَلَبَتَهُ عَلَى مَنْ يَلْقَاهُ، وَلَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَيَدْخُلُ عَلَى قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَأَصْفَقَتْ [1] مَعَهُ عَلَى رَأْيِهِ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِيهِ رَأْيًا، مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:
أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ غُلَامًا جَلْدًا نَهْدًا نَسِيبًا وَسِيطًا، ثُمَّ تُعْطُوهُ شِفَارًا صَارِمَةً، فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ، فَلَمْ تَدْرِ عَبْدُ مناف بعد ذلك ما تصنع، ولم يقروا عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ أن يأخذوا العقل فتدونه لهم، قتل النَّجْدِيُّ:
للَّه دَرُّ هَذَا الْفَتَى، هَذَا الرَّأْيُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ، فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا لَهُ، وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ وَأُمِرَ أَنْ لَا يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَبِتْ مَوْضِعَهُ، بَلْ بَيَّتَ عَلِيًّا فِي مَضْجَعِهِ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ أَبِيهِ [2] .
ثنا ابن إسحاق [3] ، عن عبد الله بن أبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(ح) [4] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْكَلْبِيُّ عَنْ بَاذَامَ مولى أمّ
__________
[1] أي اجتمعت.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 221- 222، تاريخ الطبري 2/ 371- 373، طبقات ابن سعد 1/ 227، نهاية الأرب 16/ 327- 328، عيون الأثر 1/ 178- 179.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 221.
[4] رمز بمعنى تحويلة للسند.(1/317)
هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَذِنَ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ (الْأَنْفَالَ) يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَبَلَاءَهُ عِنْدَهُ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ 8: 30 [1] الآية.
سِيَاقُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا
قَالَ عُقَيْلٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا وَيَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا [2] ، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ [3] ، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ [4] ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٍ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ، وَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ! فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةَ، وَقَالُوا لَهُ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يفتن أبناءنا ونساءنا،
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 223.
وكتب هنا في حاشية الأصل: «بلغت قراءة في الميعاد الثالث عشر، على مؤلّفه الحافظ أبي عبد الله الذهبي. كتبه عبد الرحمن البعلي» .
[2] في الصحيح «عشيّة» .
[3] في ضبطها خلاف (مشارق الأنوار للقاضي عياض) .
[4] (القارة) بتخفيف الراء، قبيلة تحذق الرمي.(1/318)
فَقَالَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَيُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ [1] عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يُعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَكَادُ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ [2] فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، وَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ [3] فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ [4] ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ.
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ. هُمَا الْحَرَّتَانِ [5] ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة.
__________
[1] أي يزدحم، وهنا في (ع) اضطراب في النّص. وفي الصحيح «ينقذف» .
[2] في الصحيح «قريش من المشركين» .
[3] في صحيح الإمام البخاري (فانهه) ، وفي الأصل (فأته) وكذلك في (دلائل النبوّة للبيهقي) .
[4] في المنتقى لابن الملا: (تردّ عليّ) وهو مخالف لما في الأصل وصحيح الإمام البخاري، والبيهقي.
[5] الحرّة: الأرض ذات الحجارة السّود.(1/319)
وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا [1] فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، قَالَ: هَلْ تَرْجُو بِأَبِي أَنْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ [2] أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
فَبَيْنَا [3] نَحْنُ جلوس في بيتنا في نحر الظَّهِيرَةِ، قِيلَ لِأَبِي بِكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِي هذه السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ وَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: اخْرُجْ فَقَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، قَالَ: فَخُذْ مِنِّي إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ قَالَ: بِالثَّمَنِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ:
فَجَهَّزْتُهُمَا [4] أَحَثَّ الْجِهَازِ [5] ، فَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى «ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ» [6] ، ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ (ثَوْرُ) ، فَمَكَثَا [7] فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يَكِيدُونَ [8] بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مولى أبي بكر منحة، ويريح
__________
[1] في الصحيح «قبل المدينة» .
[2] في الصحيح «وهو الخبط» .
[3] في الصحيح: «قال ابن شهاب، قال عروة، قالت عائشة فبينما نحن» .
[4] في ع: (فجهزناهما) ، وكذلك في صحيح البخاري.
[5] من الحثّ وهو الاسراع، (حاشية السندي على صحيح البخاري) .
[6] في صحيح البخاري (ذات النطاق) .
[7] في صحيح البخاري (فكمنا) .
[8] في الجامع الصحيح (يكتادان) .(1/320)
عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِ [1] مِنْحَتِهِمَا [2] حَتَّى يَنْعِقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلا مِنْ بني الدّئل هاديا خرّيتا [3] ، قد غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُوَ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ ثَلَاثٍ، فَارْتَحَلَا، وَانْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدِّئْلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمَا فِي طَرِيقِ السَّاحِلِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَيَوْمٌ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَارِبًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَيْلًا، فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً أَمَامَهُ، وَمَرَّةً خَلْفَهُ يَحْرُسُهُ، فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَهُ حَتَّى حَفِيَتْ رِجْلَاهُ، فَلَمَّا رَآهُمَا أَبُو بَكْرٍ حَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، حَتَّى أَتَى بِهِ فَمَ الْغَارِ، وَكَانَ فِيهِ خَرْقٌ فِيهِ حَيَّاتٌ، فَخَشِيَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَمَهُ قَدَمَهُ، فَجَعَلْنَ يَضْرِبْنَهُ وَيَلْسَعْنَهُ- الْحَيَّاتُ وَالْأَفَاعِي- وَدُمُوعُهُ تَتَحَدَّرُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنا 9: 40 [5] ، وَأَمَّا يَوْمُهُ، فَلَمَّا ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ قُلْتُ: يَا خليفة رسول الله تَأَلَّفِ النَّاسَ وَارْفُقْ بِهِمْ، فَقَالَ: جَبَّارٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوَّارٌ فِي الْإِسْلَامِ، بِمَ أَتَأَلَّفُهُمْ أَبِشِعْرٍ مُفْتَعَلٍ أَمْ بِقَوْلٍ مُفْتَرًى! وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَهُوَ مُنْكَرٌ، سَكَتَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَسَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ يحيى [6] بن أبي
__________
[1] الرسل هنا: اللبن. كما في الصحيح البخاري.
[2] في الصحيح «ورضيفهما» .
[3] الخرّيت: الماهر بالهداية، على ما في مشارق الأنوار للقاضي عياض وصحيح البخاري.
[4] صحيح البخاري في مناقب الأنصار 4/ 254- 256 باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 111- 112.
[5] سورة التوبة- الآية 40.
[6] في نسخة دار الكتب (نجى) والصواب هنا (يحيى) وهناك (نجى) غير هذا، انظر (ميزان الاعتدال 2/ 545) .(1/321)
طَالِبٍ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنِي فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُونَ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مُحَصَّنٍ، عَنْ عُمَرَ. وَآفَتُهُ مِنْ هَذَا الرَّاسِبِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، مَعَ كَوْنِهِ مَجْهُولًا، ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ فَغَمَزَهُ [1] .
وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الْغَارِ، فَأَصَابَ يَدَهُ حَجَرٌ فَقَالَ:
إِنْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
الْأَسْوَدُ: هُوَ ابْنُ قَيْسٍ، سَمِعَ مِنْ جندب البجليّ، واحتجّا به في الصّحيحين [2] .
وقال هَمَّامٌ: ثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة أَنَّهُمْ رَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعَثُوا إِلَى أَهْلِ المياه يأمرونهم به، ويجعلون لهم الجعل
__________
[1] انظر تاريخ بغداد 10/ 255- 256 رقم 5371، وميزان الاعتدال 2/ 545- 546 رقم 4804، والمغني في الضعفاء 2/ 375 رقم 3518، ولسان الميزان 3/ 402- 403 رقم 1588.
[2] انظر الحديث في صحيح مسلّم (1796) كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النَّبِيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى المشركين والمنافقين.
[3] أخرجه البخاري في تفسير سورة براءة 5/ 204 باب قوله ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ناصرنا، ومسلّم (2381) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، والترمذي (3095) في التفسير، باب ومن سورة التوبة، وأحمد 1/ 4، وخيثمة الأطرابلسي في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (بتحقيقنا) ص 136، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 112، سيرة ابن كثير 2/ 242- 243، نهاية الأرب 16/ 332.(1/322)
الْعَظِيمَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَجَازَ بِهِمَا الدَّلِيلُ أَسْفَلَ مَكَّةَ، ثُمَّ مَضَى بِهِمَا حَتَّى جَاءَ بِهِمَا السَّاحِلَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ ثُمَّ سَلَكَ فِي أَمَجٍ، ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا حَتَّى عَارَضَ الطَّرِيقَ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ قُدَيْدًا، ثُمَّ سَلَكَ فِي الْخَرَّارِ، ثُمَّ أَجَازَ عَلَى ثَنِيَّةِ الْمَرَةِ [1] ، ثُمَّ سَلَكَ مَدْلَجَةَ لَقْفٍ [2] ، ثُمَّ اسْتَبْطَنَ مَدْلَجَةَ مَجَاحٍ [3] ، ثُمَّ بَطْنَ مَرْجَحٍ ذِي الْعَصَوَيْنِ، ثُمَّ أَجَازَ الْقَاحَةَ، ثُمَّ هَبَطَ الْعَرَجَ، ثُمَّ أَجَازَ فِي ثَنِيَّةِ الْغَائِرِ عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ بَطْنَ رِيمٍ [4] ثُمَّ قَدِمَ قُبَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعَالِيَةِ [5] .
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: ثنا عَوْنُ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الْمَكِّيَّ قَالَ: أَدْرَكْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، فَسَمِعْتُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْغَارِ أَمَرَ اللَّهُ بِشَجَرَةٍ فَنَبَتَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَعَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَأَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ بِعِصِيِّهِمْ وَسُيُوفِهِمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَاقِينَ فَقَالَ: رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ [6] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ لَهُ عَازِبٌ: لَا حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْتُمَا، وَالْمُشْرِكُونَ يطلبونكما.
__________
[1] قال السهيليّ في الروض الأنف: كذا وجدته مخفّف الراء مقيّدا.
[2] في الأصل «ثم سلك نقعا مدلجة ثقيف» ، والتصحيح عن نسخة القدسي 222 نقلا عن مقالة لحمد الجاسر.
[3] في الأصل «مدلجة محاج» ، والتصحيح من نسخة القدسي. وفي طبقات ابن سعد «مجاج» .
[4] في طبقات ابن سعد «بطن ريغ» .
[5] انظر: طبقات ابن سعد 1/ 232- 233، والمغازي لعروة 130، ودلائل النبوّة للبيهقي 2/ 211- 212.
[6] دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 111، نهاية الأرب للنويري 16/ 332، سيرة ابن كثير 2/ 241.(1/323)
قَالَ: أَدْلَجْنَا مِنْ مَكَّةَ لَيْلًا، فَأَحْيَيْنَا [1] لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ نَأْوِي إِلَيْهِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْوَةً، ثُمَّ قُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَنْفُضُ [2] مَا حَوْلِي هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا، فإذا براعي يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أُرِيدُ، يَعْنِي الظِّلَّ، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ [3] ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، فَضَرَبَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً [4] مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ رَوَّأْتُ مَعِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً [5] ، عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رسول الله، قال: لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنا 9: 40 [6] ، فَلَمَّا أَنْ دَنَا مِنَّا، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قد لحقنا [7] يا رسول الله وَبَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ
__________
[1] في رواية (فأحثثنا) كما في صحيح البخاري.
[2] في المنتقى لابن الملّا: (انظر ما حولي) ، وفي صحيح البخاري: (فانطلقت أنفض ما حوله فإذا أنا براع قد أقبل) .
[3] في المنتقى لابن الملا: (لمن الغنم) .
[4] بكاف مضمومة، يعني قليلا.
[5] في الصحيح (إداوة من ماء) .
[6] سورة التوبة- الآية 40.
[7] إلى هنا تنتهي رواية البخاري في مناقب الأنصار 4/ 262 باب هجرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة.(1/324)
مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَيْكَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللَّهمّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ» ، فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ ينجيني ممّا أنا فيه، فو الله لَأَعْمِيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، فَدَعَا لَهُ، فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عبد الله بن رجاء، عنه [1] . وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَتْلِهِ أَوْ أسْرِهِ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، إِذْ [2] . أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوَدَةً [3] بِالسَّاحِلِ، أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ [4] رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا [5] ، ثُمَّ قَلَّمَا لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي فَتُهْبِطَهَا مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، فَأَخَذْتُ رُمْحِي وخرجت من ظهر البيت،
__________
[1] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 113، وانظر بعضه في صحيح البخاري 4/ 259 باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم ... ونهاية الأرب 16/ 334.
[2] (إذ) ساقطة من الأصل، فاستدركتها من صحيح البخاري، ومن المنتقى لابن الملّا.
[3] جمع سواد، وهو الشخص لأنّه يرى من بعيد أسود. (تاج العروس) .
[4] في الأصل (ولكن) وكذلك في (المنتقى) ، وفي صحيح البخاري و (ع) : «ولكنك» .
[5] في (ع) والأصل (باغين) بدل (بأعيننا) المذكورة في الصحيح.(1/325)
فَخَطَطْتُ بِزُجَّهِ الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَةَ الرُّمْحِ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تَقْرُبُ بِي [1] ، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ عَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، وَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَوْ لَا أَضُرُّهُمْ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ: لَا أَضُرُّهُمْ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَرَفَعْتُهَا تَقْرُبُ بِي، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ التَّلَفُّتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا [2] الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجْ يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ [3] سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ «لَا أَضُرُّهُمْ» ، فَنَادَيْتُهُمَا بِالْأَمَانِ، فَوَقَفَا لِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمَا، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَيَظْهَرُ أَمْرُ [4] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكُمَا الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمَا أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي شَيْئًا، وَلَمْ يَسْأَلَانِي [5] ، إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ [6] ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [7] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: نا ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَخَاهُ سراقة بن جعشم أخبره،
__________
[1] في هامش الأصل: التقريب ضرب من العدو.
[2] في الأصل و (ع) : بلغت. وفي الصحيح (بلغتا) .
[3] في الرواية المشهورة (عثان) وهو الغبار. انظر صحيح البخاري.
[4] (أمر) غير موجودة في الأصل وغيره، فاستدركتها من صحيح البخاري، وفي الأصل ألفاظ تغاير ما ورد في الصحيح.
[5] في الأصل (فلم يرزؤوني شيئا ولم يسألني) والّذي أثبتّه من نسخة الدار وصحيح البخاري.
[6] بفتح الدال: جلد مدبوغ. وفي صحيح البخاري «أديم» .
[7] صحيح البخاري 4/ 256- 257 في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، ورواه أحمد في المسند 4/ 175- 176، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 114(1/326)
ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَخْرَجْتُ سِلَاحِي ثُمَّ لَبِسْتُ لَامَتِي، وَفِيهِ:
فَكَتَبَ لِي أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيَّ فَرَجَعْتُ فَسَكَتُّ، فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ، وَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْتُ لِأَلْقَاهُ وَمَعِي الْكِتَابُ، فَدَخَلْتُ بَيْنَ كَتِيبَةٍ مِنْ كَتَائِبِ الْأَنْصَارِ، فَطَفِقُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ، حَتَّى دَنَوْتُ من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غرزة كأنّها جمارة [1] ، فرفعت يَدِي بِالْكِتَابِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كِتَابُكَ، فَقَالَ: «يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ إِذَنْ» ، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ شَيْئًا أَسْأَلُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سَأَلَهُ عَنِ الضَّالَّةِ وَشَيْءٍ آخَرَ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ وَسُقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَدَقَتِي [2] .
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْرٍ، أَتَى نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكَ؟ قُلْتُ:
لَا أَدْرِي وَاللَّهِ أَيْنَ أَبِي، فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ- وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا- فَلَطَمَنِي عَلَى خَدِّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي [3] .
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ، خَمْسَةُ آلَافٍ أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ- وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ- فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ، قَالَتْ: كَلَّا يَا أَبَتِ، قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةٍ مِنَ الْبَيْتِ كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقَالَتْ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى هذا المال،
__________
[ (- 115،) ] والديار بكري في تاريخ الخميس 1/ 374- 375.
[1] الجمارة: قلب النخلة، شبّه ساقه بها لبياضها، (النهاية) .
[2] دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 115، نهاية الأرب 16/ 336 وانظر: سيرة ابن هشام 2/ 226.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 225.(1/327)
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، فِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ، قَالَتْ: وَلَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُسَكِّنَ الشَّيْخَ [1] .
وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا، جَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ مِائَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ رَدَّهُ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَّا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَكْبًا ثَلَاثَةً مَرُّوا عَلَيَّ آنِفًا، إِنِّي لَأَرَاهُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ، يَعْنِي أَنِ اسْكُتْ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ يَبْتَغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ، قَالَ: لَعَلَّهُ، قَالَ: فَمَكَثْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ [2] .
قَالَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ يَتَغَنَّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ شِعْرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ، وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ، وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَهُوَ يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رَفِيقَيْنِ حَلَّا [3] خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ [4]
هُمَا نَزَلَا بِالْبِرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا [5] ... فَأَفْلَحَ [6] مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا للمؤمنين بمرصد
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 225.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 225- 226.
[3] في الرواية التي أوردها المؤلّف في باب الشمائل النبويّة (قالا) بدل (حلا) وكذلك في الدرر في المغازي والسير للحافظ ابن عبد البرّ) وفيه ألفاظ تخالف ما هنا.
[4] هي عاتكة بنت خالد الخزاعية.
[5] هكذا في الأصل والسيرة، وفي طبقات ابن سعد، ونهاية الأرب «وارتحلا به» .
[6] في الطبقات «فقد فاز» .(1/328)
قَالَتْ: فَعَرَفْنَا حَيْثُ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ وَجْهَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ [1] .
قُلْتُ: قَدْ سُقْتُ خَبَرَ أُمِّ مَعْبَدٍ بِطُولِهِ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة، فانتهينا إلى حي من أحياء العرب، فنظر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتٍ مُنْتَحِيًا، فَقَصَدَ إِلَيْهِ فَلَمَّا نَزَلْنَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَيِ اللَّهِ إِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ وليس مَعِي أَحَدٌ، فَعَلَيْكُمَا بِعَظِيمِ الْحَيِّ إِنْ أَرَدْتُمُ الْقِرَى، قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهَا بِأَعْنُزٍ لَهُ يَسُوقُهَا، فَقَالَتْ له: يا بنيّ انطلق بهذه العنز والسّفرة إِلَيْهِمَا فَقُلْ: اذْبَحَا هَذِهِ وَكُلَا وَأَطْعِمَانَا، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«انْطَلِقْ، بِالشَّفْرَةِ وَجِئْنِي بِالْقَدَحِ» ، قَالَ: إِنَّهَا قَدْ عَزَبَتْ وَلَيْسَ لَهَا لَبَنٌ، قَالَ:
انْطَلِقْ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِقَدَحٍ، فَمَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرْعَهَا، ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلَأَ الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى أُمِّكَ، فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَقَالَ: انْطَلِقْ بِهَذِهِ وَجِئْنِي بِأُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ سَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ بِأُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ شَرِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا ثُمَّ انْطَلَقْنَا، فَكَانَتْ تُسَمِّيهِ «الْمُبَارَكَ» ، وَكَثُرَ غَنَمُهَا حَتَّى جَلَبَتْ جَلْبًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَرَآهُ ابْنُهَا فَعَرَفَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّهُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُبَارَكِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ؟ قَالَ: وَمَا تَدْرِينَ مَنْ هُوَ! قَالَتْ: لَا، قَالَ: هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَأَدْخِلْنِي عَلَيْهِ، فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهَا وأعطاها [2] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 225، الطبقات لابن سعد 1/ 229، تاريخ الطبري 2/ 380، دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 118، نهاية الأرب 16/ 337، عيون الأثر 1/ 189.
[2] دلائل النبوّة للبيهقي، سيرة ابن كثير 2/ 258- 259.(1/329)
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ يَحْيَى، وَإِسْنَادُهُ نَظِيفٌ لَكِنْ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى.
أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ: نا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَفَاءَلُ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ جَعَلَتْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ لِمَنْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ، فَرَكِبَ بُرَيْدَةُ فِي سَبْعِينَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَلَقِيَ نَبِيَّ اللَّهِ لَيْلًا فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: بُرَيْدَةُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: بَرَدَ أَمْرُنَا وَصَلُحَ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّنْ؟ قَالَ: مَنْ أَسْلَمَ، قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: سَلِمْنَا، ثُمَّ قَالَ: مِمَّنْ؟
قَالَ: مِنْ بَنِي سَهْمٍ، قَالَ: خَرَجَ سَهْمُكَ. فَأَسْلَمَ بُرَيْدَةُ وَالَّذِينَ معه جميعا، فلمّا أصبحوا قال بريدة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلَّا وَمَعَكَ لِوَاءٌ، فَحَلَّ عِمَامَتَهُ ثُمَّ شَدَّهَا فِي رُمْحٍ، ثُمَّ مَشَى بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَيَّ، قَالَ: إِنَّ نَاقَتِي مَأْمُورَةٌ. فَسَارَ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى بَابِ أَبِي أَيُّوبَ فَبَرَكَتْ. قُلْتُ: أَوْسٌ مَتْرُوكٌ [1] .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، ثنا أَبِي، عَنْ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: لَمَّا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ مَرَّا بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا فَاسْتَسْقَيَاهُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي شاة تحلب، غير أنّ ها هنا عَنَاقًا حَمَلَتْ أَوَّلَ الشَّاءِ، وَقَدْ أَخْدَجَتْ وَمَا بَقِيَ لَهَا لَبَنٌ، فَقَالَ: ادْعُ بِهَا، فَدَعَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ ضَرْعَهَا وَدَعَا حَتَّى أَنْزَلَتْ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِمَجْنٍ فَحَلَبَ فَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ حلب فسقى الرّاعي، ثم حلب
__________
[1] قال الإمام البخاري في التاريخ الكبير 2/ 17 رقم 1542: «فيه نظر» ، وقال الدارقطنيّ في الضعفاء والمتروكين 67 رقم 121 «متروك» ، وقال ابن عديّ في الكامل في ضعفاء الرجال 1/ 401- 402 «في بعض أحاديثه مناكير» ، وانظر عنه: الجرح والتعديل 2/ 305- 306 رقم 1140، الضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 124 رقم 149، المغني في الضعفاء 1/ 94 رقم 792، ميزان الاعتدال 1/ 278 رقم 1046، لسان الميزان 1/ 470 وفيه: قال الساجي: مُنْكَر الحديث. وذكره ابنُ حِبّان فِي الثَّقات وقَالَ: كان مِمَّنْ يخطئ. فأما المناكير في روايته فإنما هي من أخيه سهل.(1/330)
فشرب، فقال الرّاعي: باللَّه من أنت، فو الله مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ قَطُّ؟ قَالَ:
«أَتَكْتُمُ عَلَيَّ حَتَّى أُخْبِرَكَ» ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ قُرَيْشٌ أَنَّهُ صَابِئٌ، قَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ ذَلِكَ» ، قَالَ: فَأَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا فَعَلْتَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَأَنَا مُتَّبِعُكَ، قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ ذَلِكَ يَوْمَكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ أَنِّي قَدْ ظَهَرْتُ فَائْتِنَا» . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِ [1] بْنِ سَاعِدَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: لَمَّا بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَكَّةَ، كُنَّا نَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَنَجْلِسُ لَهُ بِظَاهِرِ الْحَرَّةِ، نَلْجَأُ إِلَى ظِلُّ الْجُدُرِ حَتَّى تَغْلِبَنَا عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَلَسْنَا كَمَا كُنَّا نَجْلِسُ، حَتَّى إِذَا رَجَعْنَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَنَادَى: يَا بُنَيَّ قَيْلَةُ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ، فَخَرَجْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنَاخَ إِلَى ظِلٍّ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَيُّهُمَا أَسَنُّ، هُمَا فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ، حَتَّى رَأَيْنَا أَبَا بَكْرٍ يَنْحَازُ لَهُ عَنِ الظِّلِّ، فَعَرَفْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَامَ فَأَظَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفْنَاهُ [2] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ وَسَّاجٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ، يَعْنِي الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ [3] غَيْرَ أَبِي بكر، فغلّفها بالحنّاء والكتم. أخرجه
__________
[1] في سيرة ابن هشام «عويمر» .
[2] سيرة ابن هشام 2/ 236- 237.
[3] الأشمط: هو الّذي خالط شعره الأسود بياض.(1/331)
الْبُخَارِيُّ [1] ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرَ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وَبِلَالٌ، وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَسْعَوْنَ فِي الطُّرُقِ يَقُولُونَ: (جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ) ، فَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَتَّى تَعَلَّمْتُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 87: 1 [2] في مثلها من المفصّل. خ [3] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فِي حَدِيثِ الرَّحْلِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا، فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بذلك، وقدم النّاس حين قدمنا المدينة، في الطَّرِيقِ وَعَلَى الْبُيُوتِ، وَالْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أكبر جاء محمد، الله أَكْبَرُ جَاءَ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ فَنَزَلَ حَيْثُ أَمَرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
وَقَالَ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ: ثنا سُلَيْمَانُ- هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ- عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إِنِّي لَأَسْعَى فِي الغلمان يقولون: (جاء محمد) ، وأسعى ولا
__________
[1] صحيح البخاري 4/ 262 في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة.
[2] أول سورة الأعلى.
[3] صحيح البخاري 4/ 262، في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، وانظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 113- 114.
[4] أخرجه مسلّم (2009) في الزهد والرقائق، باب في حديث الهجرة، ويقال له: حديث الرحل، وأحمد في المسند 1/ 2.(1/332)
أَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: (جَاءَ مُحَمَّدٌ) ، فَأَسْعَى، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكَمِنَّا فِي بَعْضِ جُدُرِ المدينة، ثمّ بعثنا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خُمْسُمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا، فَقَالُوا: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِنَّ الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ:
أَيُّهُمْ هُوَ؟ قَالَ: فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا شَبِيهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ. صَحِيحٌ [1] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقِّرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ فِي رَكْبِ تُجَّارٍ بِالشَّامِ، فَقَفَلُوا إِلَى مَكَّةَ، فَعَارَضُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ بِثِيَابِ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ، حتى يردّهم نحر الظّهيرة [2] ، فانقلبوا يوما بعد ما أَطَالُوا انْتِظَارَهُ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ أَطْمًا [3] مِنْ آطَامِهِمْ لِشَأْنِهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ب «أصحابه مُبَيَّضِينَ [4] يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السَّلَامِ، فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْسَبُهُ أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ أَبُو بكر حتى ظلّل عليه بردائه،
__________
[1] رواه الإمام أحمد في مسندة كما في سيرة ابن كثير 2/ 268- 269، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 114.
[2] هو حين تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع، كأنّها وصلت إلى النحر.
[3] الأطم: الحصن.
[4] أي عليهم الثياب البيض.(1/333)
فَعَرَفُوا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ فِي بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة.
وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ، فَمَشَى مَعَهُ النَّاسُ، حَتَّى بَرَكَتْ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا [1] لِلتَّمْرِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ، غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ أَخَوَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ» . ثُمَّ دَعَا الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا الْمِرْبَدَ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ، فَأَبَى حَتَّى ابْتَاعَهُ وَبَنَاهُ [2] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ: ثنا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَهُمْ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْرٍ رِدْفَهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ عثمان بن عطاء الخراساني، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مَرَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ جَالِسٌ
__________
[1] المربد: هو الموضع الّذي يجعل فيه التمر ليجفّ.
[2] أخرجه البخاري في مناقب الأنصار 4/ 257- 258 باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، وفي المساجد، باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس، وفي البيوع، باب إذا اشترى متاعا أو دابّة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض، وفي الإجازة، باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام، وباب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة جاز. (وانظر جامع الأصول 11/ 592 بالحاشية) ، نهاية الأرب 16/ 344، تاريخ الطبري 2/ 381 طبقات ابن سعد 1/ 239 وتاريخ خليفة 55.
[3] أخرجه البخاريّ 4/ 266 في مناقب الأنصار، باب مقدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة، وابن سعد في الطبقات 1/ 235.(1/334)
عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ (أَهْلِ الْمَدِينَةِ) فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: انْظُرِ الَّذِينَ دَعَوْكَ فَأْتِهِمْ، فَعَمَدَ إِلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَاتَّخَذَ مَكَانَهُ مَسْجِدًا فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، ثُمَّ بَنَاهُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَهُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَالرِّضْوَانِ [1] .
ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمَرَّ عَلَى بَنِي سَالِمٍ، فَجَمَعَ فِيهِمْ، وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَاسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ الْيَهُودُ صَلَّى إِلَى [2] قِبْلَتِهِمْ طَمِعُوا فِيهِ لِلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ ارْتَحَلَ فَاجْتَمَعَتْ لَهُ الْأَنْصَارُ يُعَظِّمُونَ دِينَ اللَّهِ بِذَلِكَ، يَمْشُونَ حَوْلَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يَزَالُ أَحَدُهُمْ يُنَازِعُ صَاحِبَهُ زِمَامَ النَّاقَةِ، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَ النَّاقَةِ، فَإِنَّمَا أَنْزِلُ حَيْثُ أَنْزَلَنِي اللَّهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارِ أَبِي أَيُّوبَ فِي بَنِي غَنْمٍ، فَبَرَكَتْ عَلَى الْبَابِ، فَنَزَلَ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ حَتَّى ابْتَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسْكَنَهُ فِي بَنِي غَنْمٍ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ مَوْضِعًا لِلتَّمْرِ لِابْنَيْ أَخِي أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْطَى ابْنَيْ أَخِيهِ مَكَانَهُ نَخْلا لَهُ فِي بَنِي بَيَاضَةَ، فَقَالُوا: نُعْطِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَأْخُذُ لَهُ ثَمَنًا، وَبَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْزَةَ وَلِعَلِيٍّ وَلِجَعْفَرَ، وَهُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَجَعَلَ مَسْكَنَهُمْ فِي مَسْكَنِهِ، وَجَعَلَ أَبْوَابَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ بَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لَهُ، فَصَرَفَ بَابَ حَمْزَةَ وَجَعْفَرَ. كَذَا قَالَ: وَهُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ. رَوَاهُ ابْنُ عَائِذٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْهُ [3] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: لَمَّا دَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَدِمَ
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 2/ 382- 383.
[2] (إلى) ساقطة من الأصل فاستدركتها من (ع) والمنتقى لابن الملا ودلائل النبوّة للبيهقي.
[3] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 228.(1/335)
طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنَ الشَّامِ، خَرَجَ طَلْحَةُ عَامِدًا إِلَى مَكَّةَ، لَمَّا ذُكِرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، خَرَجَ إِمَّا مُتَلَقِّيًا لَهُمَا، وَإِمَّا عَامِدًا عَمْدَهُ بِمَكَّةَ، وَمَعَهُ ثِيَابٌ أَهْدَاهَا لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، فَلَمَّا لَقِيَهُ أَعْطَاهُ الثِّيَابَ، فَلَبِسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْهَا [1] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يوم الإثنين، لاثنتي عشرة ليلةً خَلَت من ربيع الأوّل، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلَيْلَتَيْنِ مَضَتَا مِنْهُ. رَوَاهُ يُونُسُ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [3] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمٍ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ قَوْمِي قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقَامَ بِقُبَاءَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَخَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءَ. وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَبِثَ فِيهِمْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ: ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَهُو ابْنُ ثلاث وستّين. متّفق عليه [4] .
__________
[1] تقدّم أنّ الزبير كسا النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْر، وفي (إرشاد الساري) : كلّ من الزبير وطلحة كساهما.
[2] انظر تاريخ الطبري 2/ 365- 366، وتاريخ خليفة 55.
[3] انظر تاريخ خليفة 55.
[4] أخرجه البخاري 4/ 253 في مناقب الأنصار، باب هجرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة.(1/336)
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَجُوزٍ لَهُمْ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَى صِرْمَةِ أَبِي [1] قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ يَرْوِي هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً ... يُذَكِّرُ لَوْ أَلْفَى [2] صَدِيقًا مُوَاتِيَا
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فَلَمَّا أَتَانَا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى [3] ... وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطِيبَةَ رَاضِيَا
وَأَصْبَحَ مَا يَخْشَى ظَلَامَةَ ظَالِمٍ ... بَعِيدٍ وَلَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا [4]
بَذَلْنَا الْأَمْوَالَ مِنْ جُلِّ [5] مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى وَالتَّآسِيَا
نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُوَاسِيَا [6]
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَنَّ [7] كِتَابَ اللَّهِ أَصْبَحَ هَادِيَا [8]
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ شَابٌّ لَا يُعْرَفُ- يُرِيدُ دُخُولَ الشَّيْبِ فِي لِحْيَتِهِ دُونَهُ لَا فِي السِّنِّ- قَالَ أَنَسٌ:
فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرجل الّذي بين يديك؟
__________
[1] في الأصل و (ع) والمنتقى لابن الملا (بن) بدل (أبي) الموجودة في تاريخ الطبري (2/ 385) والاكتفاء للكلاعيّ، وصرمة هو ابن أبي أنس أخي بني عديّ بن النّجّار.
[2] كذا بالأصل و (ع) والمنتقى لابن الملا، ودلائل النبوّة للبيهقي. وفي تاريخ الطبري والسيرة لابن هشام (يلقى) .
[3] في تاريخ الطبري: «فلما أتانا أظهر الله دينه» . وفي الاستيعاب: «واستقرّت» بدل «واطمأنّت» .
[4] البيت هكذا في الاستيعاب، وتختلف ألفاظه في تاريخ الطبري وسيرة ابن هشام وسيرة ابن كثير.
[5] في السيرة «حلّ» .
[6] في السيرة «المصافيا» ، وفي الاستيعاب «المواتيا» .
[7] هذا الشطر في الاستيعاب، أمّا في السيرة وتاريخ الطبري: «ونعلم أنّ الله أفضل هاديا» .
[8] الأبيات وغيرها في سيرة ابن هشام 2/ 255، تاريخ الطبري 2/ 385- 386، الاستيعاب 2/ 203- 204، دلائل النبوّة للبيهقي، وسيرة ابن كثير 2/ 283.(1/337)
فَيَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، فَيَحْسَبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي طَرِيقَ الْخَيْرِ. فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا بنيّ اللَّهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَقَالَ: «اللَّهمّ اصْرَعْهُ» ، فَصَرَعَهُ فَرَسُهُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ. فقال: يا بنيّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ: «تَقِفُ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا» ، قَالَ: فَكَانَ أَوَّلُ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى النَّبِيِّ وَآخِرُ النَّهَارِ مَسْلَحَةً [1] لَهُ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَانِبَ الْحَرَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا فَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَرَكِبَا وَحَفُّوا حَوْلَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ (جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، وَأَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ إِلَى جَانِبِ بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ، يَخْتَرِفُ [2] لَهُمْ مِنْهُ، فَعَجَّلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ فِيهَا فَجَاءَهُ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ» ؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذِهِ دَارِي، قَالَ: «اذْهَبْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا» ، فَذَهَبَ فَهَيَّأَ لَهُمَا مَقِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا، قَالَ:
«قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَقِيلَا» [3] .
فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ [4] فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وأعلمهم. وذكر الحديث. أخرجه البخاري [5] .
__________
[1] أي يدفع عنه الأذى، بمثابة السلاح.
[2] أي يجتني.
[3] حتى هنا رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 235- 236.
[4] بتخفيف اللام. قال السهيليّ في الروض 2/ 291 (ولا يوجد من اسمه «سلام» بالتخفيف في المسلمين، وإنّما هو في اليهود) . وينقض كلام السهيليّ ما ورد بالتخفيف في (تبصير المنتبه لابن حجر) وتدريب الراويّ 2/ 298 بتحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف.
[5] صحيح البخاري 4/ 259- 260 في مناقب الأنصار، باب هجرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة.(1/338)
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ سِيرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَغَازِيهِ فِي الْعَشْرِ السِّنِينِ [1] الَّتِي لَبِثَ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ مَا فِيهِ مَغْنًى إِنْ شَاءَ الله تعالى [2] .
__________
[1] في الأصل وغيره «العشر سنين» وهو خطأ.
[2] كتب هنا في حاشية الأصل: من شاء من الإخوان أن يفرد الترجمة النبويّة، فليكتب إذا وصل إلى هنا جميع ما تقدّم من كتابنا (تاريخ الإسلام) في السفر الأول بلا بد (كذا) فليفعل فإنّ ذلك حسن، ثم يكتب بعد ذلك (فصل في معجزاته) إلى آخر الترجمة النبويّة.
وهنا في حاشية الأصل أيضا: بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه فسح الله في مدّته، في الميعاد السابع. وسمعه صدر الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر اليشكري الحنفي.(1/339)
فَصْلٌ فِي مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى مَا مَضَى فِي غُضُونِ الْمَغَازِي
قَالَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِيَنَا أَبُو الْيَسَرِ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي مَسْجِدِهِ فَقَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ [1] فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ وَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: «انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ» ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ [2] الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: «انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ» ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بالمنصف [3] ، فيما بينهما، لأم بينهما فقال:
__________
[1] أي واسع.
[2] هو الّذي جعل في أنفه الخشاش الّذي يشدّ به الزمام.
[3] أي وسط الطريق (كما في شرح الشفا) وفي حاشية الأصل: نصف الطريق.(1/341)
«الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ» ، فَالْتَأَمَتَا، قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحَضِّرُ [1] مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِي- يَعْنِي فَيَبْتَعِدَ- فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلٌ، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ: «يَا جَابِرُ هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ غُصْنًا فَأَقْبِلْ بِهِمَا، حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ، قَالَ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَجَشَرْتُهُ فَانْذَلَقَ [2] لِي، فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ، فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا، حَتَّى إِذَا قُمْتُ مَقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: «إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ» . ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، وَفِيهِ إِعْوَازُ النَّاسِ الْمَاءَ، وَأَنَّهُ أَتَاهُ بِيَسِيرِ مَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ فِي قَصْعَةٍ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَوَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَاسْتَقَى مِنْهُ النَّاسُ حَتَّى رُوُوا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَغَيْرُهُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وليس معنا ماء إلّا
__________
[1] أي أعدوا وأجري. وفي المنتقى لابن الملا (فصرت أتأخّر) بدل (فخرجت أحضر) وهو يغاير ما في المصادر.
[2] في حاشية الأصل: انذلق: صار له حدّ. وجشرته- بجيم- فلقته. وفي النهاية لابن الأثير في (باب الحاء) : حسرته، يريد غصنا من أغصان الشجرة، أي قشره بالحجر، فانذلق: أي صار له حدّ يقطع.
[3] صحيح مسلّم، 3006، و 3007 و 3008 و 3009 و 3010 و 3011 و 3012 و 3013 و 3014 في الزهد، باب حديث جابر الطويل وقصّة أبي اليسر، ورواه مختصرا أبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 139.(1/342)
يَسِيرٌ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَصَبَّهُ فِي صَحْفَةٍ، وَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ فَتَوَضَّئُوا وَشَرِبُوا، قَالَ الْأَعْمَشُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ فَقَالَ: حَدَّثَنِيهِ جَابِرٌ، فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟
قَالَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. أَخْرَجَهُ (خ) [1] .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، وَحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَنَا عَطَشٌ، فَجَهَشْنَا [2] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ الْعُيُونُ، فَقَالَ: خُذُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فَشَرِبْنَا فَوَسِعَنَا وَكَفَانَا، وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا وَخُمْسُمِائَةً.
صَحِيحٌ [3] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد، عن أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى الْحَجُونِ [4] لَمَّا آذَاهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ:
«اللَّهمّ أَرِنِي الْيَوْمَ آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا» ، قَالَ: فَأَمَرَ فَنَادَى شَجَرَةً، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَرَجَعَتْ [5] . وَرَوَى الْأَعْمَشُ نَحْوَهُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ، وروى المبارك بن
__________
[1] صحيح البخاري في الوضوء 1/ 50 باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة، وانظر جامع الأصول لابن الأثير 11/ 345، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 144.
[2] أي فزعنا.
[3] رواه البخاري في الأنبياء، باب علامات النبوّة في الإسلام 4/ 170، وفي المغازي، باب غزوة الحديبيّة، وفي تفسير سورة الفتح، باب (إذ يبايعونك تحت الشجرة) ، وفي الأشربة، باب شرب البركة والماء المبارك، ومسلّم، رقم (1856) في الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام بجيش عند إرادة القتال، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 144.
[4] الحجون: بفتح أوله وضمّ ثانيه. جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها. (معجم البلدان 2/ 225) .
[5] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 138.(1/343)
فَضَالَةَ نَحْوًا مِنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ [1] عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إِلَى أَهْلِي، قَالَ: هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ تُسْلِمُ، قَالَ: هَلْ مِنْ شَاهِدٍ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ [2] ، فَدَعَاهَا فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدًّا، فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا [3] ثَلَاثًا، فَشَهِدَتْ لَهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، وَرَجَعَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: إِنْ يَتَّبِعُونِي آتِكَ بِهِمْ، وَإِلَّا رَجَعْتُ إِلَيْكَ فَكُنْتُ مَعَكَ. غَرِيبٌ جِدًّا، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» [4] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ. وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَاهُ، فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ فِي الأَرْضِ، فَجَعَلَ يَنْقِزُ [5] ، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «ارْجِعْ» ، فَرَجَعَ حَتَّى عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ:
أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله، وَآمَنَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي «تَارِيخِهِ» [6] عَنْ مُحَمَّدِ بن سعيد بن الأصبهانيّ عنه.
__________
[1] في المنتقى لابن الملا «فضل» وهو تصحيف، والتصحيح من سنن الدارميّ.
[2] في سنن الدارميّ «هذه السلمة» ، وهو شجر معروف ورقه القرظ الّذي يدبغ به. (النهاية لابن الأثير) .
[3] في الأصل «فاستشهد» والتصحيح من سنن الدارميّ.
[4] سنن الدارميّ 1/ 10 في المقدّمة، طبعة محمد أحمد دهمان.
[5] أي يقفز.
[6] التاريخ الكبير 1/ 95 رقم 258، وأخرجه الترمذيّ في المناقب رقم (3632) باب رقم 9 وفي سنده شريك القاضي، وفيه كلام، ومع ذلك فقد قال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.(1/344)
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، وَتَبِعْتُهُ بِالْإِدَاوَةِ، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ فَقَالَ: «انْطَلِقْ فَقُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَهُمَا» فَفَعَلْتُ، فَرَجَعَتْ حَتَّى لَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا، فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ رَجَعَتَا [1] .
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَقَالَ: إِنِّي أُطِبُّ النَّاسَ، فَإِنْ كَانَ بِكَ جُنُونٌ دَاوَيْتُكَ، فَقَالَ: «أَتُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَادْعُ ذَاكَ الْعِذْقَ» ، فَدَعَاهُ، فَجَاءَهُ يَنْقِزُ عَلَى ذَنَبِهِ، حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
«ارْجِعْ» فَرَجَعَ، فَقَالَ: يَا لَعَامِرٍ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَسْحَرَ مِنْ هَذَا [2] .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أنا عَبْدُ الْأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّوَيْهِ، أنا عِيسَى بْنُ عُمَرَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِسَمَرْقَنْدَ، أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ لَا يَأْتِي الْبَرَازَ حَتَّى يَتَغَيَّبَ فَلَا يُرَى، فَنَزَلْنَا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا عَلَمٌ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ اجْعَلْ فِي إِدَاوَتِكَ مَاءً ثُمَّ انْطَلِقْ بِنَا» ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى لَا نُرَى، فَإِذَا هو بشجرتين بينهما أربعة أَذْرُعٍ، فَقَالَ: «انْطَلِقْ إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقُلْ: يَقُولُ لَكِ: الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ [3] خَلْفَكُمَا» ، فَرَجَعَتُ إِلَيْهَا، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُمَا، ثُمَّ رَجَعَتَا إِلَى مَكَانِهِمَا.
__________
[1] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 138.
[2] دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 139.
[3] في المنتقى لابن الملا «يجلس» .(1/345)
فَرَكِبْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيْنَنَا كَأَنَّمَا عَلَيْنَا الطَّيْرُ تُظِلُّنَا، فَعَرَضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مَعَهَا صَبِيٌّ فَقَالَتْ: يَا رسول الله إِنَّ ابْنِي هَذَا يَأْخُذُهُ الشَّيْطَانُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَتَنَاوَلَهُ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَدَّمِ الرَّحْلِ ثُمَّ قَالَ: «اخْسَ [1] عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، اخْسَ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ الله، ثَلَاثًا، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا قَضَيْنَا سَفَرَنَا مَرَرْنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ، فَعَرَضَتْ لَنَا الْمَرْأَةُ مَعَهَا صَبِيُّهَا وَمَعَهَا كَبْشَانِ تَسُوقُهُمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله اقبل منّي هديّتي، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عَادَ إِلَيْهِ بَعْدُ، فَقَالَ: «خذوا منها وَاحِدًا وَرُدُّوا عَلَيْهَا الْآخَرَ» .
قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا كَأَنَّمَا عَلَيْنَا الطَّيْرُ تُظِلُّنَا، فَإِذَا جَمَلٌ نادٌّ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ خَرَّ سَاجِدًا، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَلَى النَّاسِ: مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ؟ فَإِذَا فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: هُوَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَمَا شَأْنُهُ» ، قَالُوا: اسْتَنَيْنَا [2] عليه منذر عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ لَهُ شَحِيمَةٌ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْحَرَهُ فَنُقَسِّمَهُ بَيْنَ غِلْمَانِنَا فَانْفَلَتَ مِنَّا، قَالَ: «بِيعُونِيهِ» ، قَالُوا: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَمَّا لِي فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ» ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا رَسُولَ الله نَحْنُ أَحَقُّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ، قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ أَنْ يَسْجُدَ لِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ» .
رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَعِنْدَهُ: «لَا يَنْبَغِي لبشر أن يسجد لبشر» وهو أصحّ [3] .
__________
[1] كذا في الأصل. وأصله (اخسأ) كما ورد في بعض الروايات، قلبت الهمزة ألفا، ثم حذفت، لأنّ فعل الأمر يبنى على حذف حرف العلّة. وفي نسخة دار الكتب المصرية (احبس) ، والتصحيح من المراجع المشهورة، وفي الدارميّ: اخسأ.
[2] أي استقينا.
[3] رواه الدارميّ في السنن، في المقدّمة 1/ 11، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 137.(1/346)
وَقَدْ رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ أَشْيَاءَ: نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ: «انْطَلِقْ إِلَى هاتين الأشاءتين [1] فقل:
إنّ رسول الله يَقُولُ لَكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [2] .
مُرَّةُ: هُوَ ابْنُ أَبِي مُرَّةَ. وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيعٌ مَرَّةً [3] ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبًا. الْحَدِيثَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِنَّمَا هُوَ عَنْ يَعْلَى [4] نَفْسِهِ.
قُلْتُ: وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ [5] مِنْ وَجْهَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ يَعْلَى نَفْسِهِ [6] .
وَقَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونَ: أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أردفني
__________
[1] أي النخلتين الصغيرتين.
[2] أنظره في دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 138 و 139.
[3] في الأصل و (ع) «رواه وكيع مرة» ، والعبارة عند أبي نعيم: «قال وكيع مرّة عن أبيه» .
[4] هو: يعلى بن مرّة، أو يعلى بن سيابة، وسيابة هي أمّه، ويكنى أبا المرازم. صحابيّ شهد الحديبيّة وما بعدها. انظر عنه: التاريخ لابن معين 2/ 683، طبقات خليفة 53 و 131 و 182، التاريخ الكبير 8/ 415 رقم 3540، المعرفة والتاريخ 1/ 308، الاستيعاب 3/ 664، الجرح والتعديل 9/ 301 رقم 1294 و 1295 و 1296 ذكره ثلاث مرات ففرّق بين: يعلى بن سيابة، ويعلى بن مرّة الثقفي، ويعلى بن مرة أبي مرّة الكوفي، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 54، مشاهير علماء الأمصار 45 رقم 280، أسد الغابة 5/ 129- 135 وذكره مرتين، الكاشف 3/ 259 رقم 6535، ميزان الاعتدال 4/ 458 رقم 9839، الإصابة 3/ 669 رقم 9360 و 9361 و 9362، تهذيب التهذيب 11/ 404 و 405 رقم 782 و 783، تقريب التهذيب 2/ 378 رقم 411.
[5] في دلائل النبوّة 2/ 232.
[6] وأخرجه أحمد في المسند 4/ 170- 171.(1/347)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا، وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ [1] نَخْلٍ، فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ إِلَيْهِ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَيْهِ [2] فَسَكَنَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ» ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: هُوَ لِي، فَقَالَ: «أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» [3] . أَخْرَجَ مُسْلِمٌ [4] مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ «حَائِشُ نَخْلٍ» [5] ، وَبَاقِيهِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ- ثِقَةٍ- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ نَاضِحًا لِبَعْضِ بَنِي سَلَمَةَ اغْتَلَمَ، فَصَالَ عَلَيْهِمْ وَامْتَنَعَ حَتَّى عَطِشَتْ نَخْلُهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَكَى ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلِقْ، وَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ النَّخْلِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَدْخُلْ، قَالَ: «ادْخُلُوا لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ» ، فَلَمَّا رَآهُ الْجَمَلُ أَقْبَلَ يَمْشِي وَاضِعًا رَأْسَهُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَسَجَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُوا جَمَلَكُمْ فَاخْطِمُوهُ وَارْتَحِلُوهُ، فَفَعَلُوا وَقَالُوا: سَجَدَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَآكَ، قَالَ: «لَا تَقُولُوا ذَلِكَ لِي، لَا تَقُولُوا مَا لَمْ أَبْلُغْ، فَلَعَمْرِي مَا سَجَدَ لِي وَلَكِنْ سَخَّرَهُ اللَّهُ لِي» [6] . وَقَالَ عَفَّانُ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ قَيْسٍ يحدّث عن
__________
[1] الحائش: النخل الملتفّ.
[2] ذفرى البعير: أصل أذنه.
[3] في الأصل و (ع) «تذيبه» ، والتصحيح من (النهاية لابن الأثير، حيث قال: أي تكدّه وتتعبه) .
[4] صحيح مسلّم (342) في كتاب الحيض، باب ما يستتر به لقضاء الحاجة، وأخرجه أبو داود.
(2549) في الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب.
[5] قال ابن أسماء في حديثه: يعني حائط نخل. (صحيح مسلّم 1/ 269) .
[6] انظر دلائل النبوّة 2/ 135- 136.(1/348)
أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَنَا بَكْرَةٌ صَعْبَةٌ لَا نَقْدِرُ عَلَيْهَا، فَدَنَا مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا، فَحَفَلَ فَاحْتَلَبَ وَشَرِبَ.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، تَفَرَّدَ به فَائِدٍ أَبُو الْوَرْقَاءِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ [1] . وَحَدِيثٌ لِجَابِرٍ آخَرُ تَفَرَّدَ بِهِ الْأَجْلَحُ، عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ. أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ [2] وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِأَهْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعِبَ وَذَهَبَ وَجَاءَ. فَإِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ [3] ، مَا دَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْبَيْتِ.
صَحِيحٌ [4] .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ غَيْضَةً فَأَخْرَجَ بَيْضَةً حَمْرَةً، فَجَاءَتِ الْحَمْرَةُ تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: «أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَخَذْتُ بَيْضَتَهَا. فَقَالَ: «رُدَّهُ ردّه رحمة لها» [5] .
__________
[1] انظر عنه: التاريخ لابن معين 2/ 471، التاريخ الكبير 7/ 132 رقم 596، التاريخ الصغير 23، الضعفاء الصغير 273 رقم 299، الضعفاء والمتروكين للنسائي 301 رقم 387، أحوال الرجال للجوزجانيّ 78 رقم 101، الجرح والتعديل 7/ 83 رقم 475، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 460- 461 رقم 1516، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 141 رقم 433، المجروحين لابن حبّان 2/ 203، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 6/ 2052، الكاشف 2/ 325 رقم 4507، المغني في الضعفاء 2/ 508 رقم 4887، ميزان الاعتدال 3/ 339- 340 رقم 6682، تهذيب التهذيب 8/ 255- 256، رقم 473، تقريب التهذيب 2/ 107 رقم 3.
[2] في السنن.
[3] أي سكن ولم يتحرّك. (النهاية لابن الأثير) .
[4] رواه الإمام أحمد في المسند 6/ 113 و 150، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 135.
[5] رواه أحمد 1/ 404.(1/349)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ [1] .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ الْغِفَارِيُّ: ثنا عليّ بن قادم، أبا أَبُو الْعَلَاءِ خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَبْيَةٍ مَرْبُوطَةٍ إِلَى خِبَاءٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حُلَّنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُرْضِعَ خِشْفِي، ثُمَّ أَرْجِعَ، فَتَرْبِطَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَيْدُ قَوْمٍ وَرَبِيطَةُ قَوْمٍ» ، قَالَ: فَأَخَذَ عَلَيْهَا فَحَلَفَتْ لَهُ، فَحَلَّهَا، فَمَا مَكَثَتْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْ وَقَدْ نَفَضَتْ مَا فِي ضَرْعِهَا، فَرَبَطَهَا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ، ثم اسْتَوْهَبَهَا مِنْهُمْ، فَوَهَبُوهَا لَهُ، فَحَلَّهَا، ثُمَّ قَالَ:
«لَوْ تَعْلَمُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا تَعْلَمُونَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا أَبَدًا» [2] . عَلَيٌّ، وَأَبُو الْعَلَاءِ صَدُوقَانِ، وَعَطِيَّةُ فِيهِ ضَعْفٌ [3] . وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ [4] عَنْ أَبِي نَضْرَةَ [5] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
__________
[1] قَالَ ابن المديني في العلل: سمع من أبيه حديثين، حديث الضبّ وحديث تأخير الوليد للصلاة. وقال أبو حاتم: سمع من أبيه وهو ثقة. وقال الحاكم: اتفق مشايخ أهل الحديث أنه لم يسمع من أبيه. (انظر: تهذيب التهذيب 6/ 216) .
[2] أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 133- 134.
[3] هو عطيّة بن سعد العوفيّ. انظر عنه: طبقات خليفة 160، التاريخ لابن معين 2/ 406- 407، التاريخ الكبير 7/ 8، 9 رقم 35، التاريخ الصغير 113 و 122 و 133، الضعفاء والمتروكين للنسائي 301 رقم 381، أحوال الرجال للجوزجانيّ 56 رقم 42، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 359 رقم 1392، المجروحين لابن حبّان 2/ 176، الجرح والتعديل 6/ 382- 383 رقم 2125، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 5/ 2007، المغني في الضعفاء 2/ 436 رقم 4139، الكاشف 2/ 235 رقم 3876، ميزان الاعتدال 3/ 79- 80 رقم 5667، تهذيب التهذيب 7/ 224- 226 رقم 413، تقريب التهذيب 2/ 278.
[4] الحدّاني: بضم الحاء وتشديد الدال المهملة. نسبة إلى حدّان، وهم بطن من الأزد.
(اللباب لابن الأثير 1/ 347) .
[5] في الأصل مهملة، وفي نسخة دار الكتب «أبي بصرة» وهو تصحيف، والتصويب من تهذيب التهذيب لابن حجر، 302 وهو المنذر بن مالك.(1/350)
الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَاعٍ يَرْعَى بِالْحَرَّةِ، إِذْ عَرَضَ ذِئْبٌ لِشَاةٍ، فَحَالَ الرَّاعِي بَيْنَ الذِّئْبِ وَبَيْنَ الشَّاةِ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّاعِي: أَلَا تَتَّقِي اللَّهِ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ رِزْقٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ الرَّاعِي: الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْإِنْسِ! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَعْجَبَ مِنِّي:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ، فَسَاقَ الرَّاعِي شَاةً حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا زَاوِيَةً، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَهُ بِحَدِيثِ الذِّئْبِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ لِلرَّاعِي: قُمْ فَأَخْبِرْهُمْ، قَالَ:
فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِمَا قَالَ الذِّئْبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ الرَّاعِي، أَلَا إِنَّهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَلَامُ السِّبَاعِ لِلْإِنْسِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمُ الرَّجُلَ شِرَاكُ نَعْلِهِ وَعَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَيُخْبِرُهُ، فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، وَمَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نَحْوَهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي غَنَمٍ لَهُ، فَكَلَّمَهُ الذِّئْبُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ. قَالَ البخاريّ: ليس إسناده بالقويّ [2] .
__________
[1] الجامع الصحيح (2272) باب 17 في أبواب القدر، باب ما جاء في كلام السباع. قال الترمذي: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل، والقاسم بن الفضل ثقة مأمون عند أهل الحديث، وثّقه يحيى بْن سَعِيد وعبد الرَّحْمَن بْن مهديّ، ورواه أحمد في المسند 2/ 306 و 3/ 83 و 88 و 89، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 132.
[2] التاريخ الكبير 2/ 44- 45 رقم 1633.(1/351)
وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ جَسْرٍ [1] ، أَخْبَرَنِي أَبِي، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ رَاعٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَمٍ لَهُ، إِذْ جَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ شَاةً، وَوَثَبَ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ أَنْ تَمْنَعَنِي طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا اللَّهُ تَنْزِعُهَا مِنِّي! وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [2] .
وَقَالَ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ. (خ) [3] .
فَصْلٌ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي يَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4]
وَقَالَ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ: ثنا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: لَا أَذْكُرُ عُثْمَانَ إِلَّا بِخَيْرٍ بَعْدَ شَيْءٍ رَأَيْتُهُ:
كُنْتُ رَجُلًا أَتَتَبَّعُ خَلَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ وَحْدَهُ، فَجَلَسْتُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، وَبَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعُ حَصَيَاتٍ، فَأَخَذْهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي كَفِّهِ، فَسَبَّحْنَ، حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ. ثُمَّ أخذهنّ فوضعهنّ في يد أبي بكر
__________
[1] في نسخة دار الكتب «حشر» وهو تصحيف، والتصحيح من: الجرح والتعديل 2/ 476 رقم 1938، الضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 187 رقم 232، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 2/ 572- 574، المغني في الضعفاء 1/ 132 رقم 1136، ميزان الاعتدال 1/ 403- 404 رقم 1493، لسان الميزان 2/ 111، 112، رقم 452.
قال ابن عديّ: ولجعفر مناكير، وقال العقيلي: في حفظه اضطراب شديد كان يذهب إلى القدر وحدّث بمناكير، وكذا قال الساجي. (اللسان) .
[2] رواه ابن عديّ في الكامل 2/ 573.
[3] أخرجه البخاري من حديث أطول في المناقب 4/ 171 باب علامات النبوّة في الإسلام، والدارميّ في المقدّمة 5، وأحمد في المسند 1/ 460.
[4] العنوان إضافة على الأصل.(1/352)
فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ [1] ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ» [2] . صَالِحٌ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا [3] ، وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَبِيرَ السِّنِّ، كَانَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ [4] ذَكَرٌ لَهُ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
وَيَرْوِي مِثْلُهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ مُنْكَرَيْنِ [5] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] هنا خرم في نسخة دار الكتب يزيد على السطر.
[2] أخرجه خيثمة بن سليمان الاطرابلسي في فضائل الصحابة (ج 3) بالسند المذكور، انظر كتابنا «من حديث خيثمة بن سليمان القرشي الاطرابلسي» - ص 107- 108، طبعة دار الكتاب العربيّ، بيروت 1400 هـ-. 1980.
[3] قال ابن معين في التاريخ 2/ 262: «ليس بشيء» ، قال البخاري في التاريخ الكبير 4/ 273 رقم 2778: «ليّن. ليس بشيء» ، وقال الجوزجاني في أحوال الرجال 113 رقم 182:
«اتّهم في حديثه» ، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4/ 394، 395 رقم 2727 «ليّن الحديث، وسئل أبو زرعة عنه فقال: ضعيف الحديث» ، وانظر عنه: الضعفاء الصغير للبخاريّ 164، والضعفاء والمتروكين للنسائي 302، الضعفاء الكبير للعقيليّ 2/ 198- 199 رقم 722، المجروحين لابن حبّان 1/ 368، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 4/ 1382- 1383، الكاشف 2/ 17 رقم 2347، المغني في الضعفاء 1/ 302 رقم 2814، ميزان الاعتدال 2/ 288 رقم 3769، وطبقات ابن سعد 7/ 32، وتهذيب تاريخ دمشق 6/ 366، وسير أعلام النبلاء 7/ 303، والوافي بالوفيات 16/ 257 رقم 285، تهذيب التهذيب 4/ 380، 381 رقم 640، تقريب التهذيب 1/ 358.
[4] الرّبذة: بالفتح، من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز.
(معجم البلدان 3/ 24) .
[5] انظر فضائل الصحابة لخيثمة 3/ 108 (في كتابنا من حديث خيثمة بن سليمان الأطرابلسي) .(1/353)
كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ [1] أَوْ إِلَى نَخْلَةٍ، فَقِيلَ [2] لَهُ: أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ» ، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ذَهَبَ [3] إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، فَنَزَلَ فَضَمَّهَا [4] إِلَيْهِ، كَانَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ قَالَ: «كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا» . (خ) [5] . وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْعَلَاءِ الْمَازِنِيُّ- وَاسْمُهُ عمر- عن نافع، عن عبد الله أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ حَنَّ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَمَسَحَهُ، فَسَكَنَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [6] عَنِ ابْنِ مُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ وَيَخْطُبُ إِلَيْهِ، فَصُنِعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرُ، فَلَمَّا جَاوَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْجِذْعَ خَارَ حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ، فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أَبِي فَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا. رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ [7] .
مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «هل ترون قبلي هاهنا، فو الله ما يخفى عليّ ركوعكم ولا
__________
[1] في نسخة دار الكتب المصرية «جذع شجرة» .
[2] عند البخاري «فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل..»
[3] عند البخاري «رفع» .
[4] عند البخاري «فضمّه» .
[5] صحيح البخاري 4/ 173 باب علامات النبوّة في الإسلام، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 142.
[6] في الصحيح 4/ 173 في باب علامات النبوّة في الإسلام.
[7] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 142.(1/354)
سُجُودُكُمْ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذِهِ كَرَامَةٌ مِنَ اللَّهِ أَبَانَهُ بِهَا مِنْ خَلْقِهِ.
وَقَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَفِيهِ: «فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي، وَايْمُ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا رَأَيْتَ؟ «قَالَ: رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ [3] فِيهِ صُورَةٌ، فَهَتَكَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ [4] .
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْنُسٍ فِيهِ تِمْثَالُ عُقَابٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُنْقَطِعَةٌ.
وَقَالَ عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا فِي غَنَمٍ لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ [5] أَرْعَاهَا، فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ:
يَا غُلَامُ هَلْ عِنْدَكَ لَبَنٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَلَكِنْ مُؤْتَمَنٌ، قَالَ: فَائْتِنِي بِشَاةٍ لَمْ ينز
__________
[1] أخرجه البخاري 1/ 108 في كتاب الصلاة، باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة، وفيه لفظه «ما يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم» ، ومسلّم (424) في كتاب الصلاة، باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها.
[2] صحيح مسلّم (426) في كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما.
[3] القرام: الستر من الصوف، ذي ألوان فيه نقوش. (النهاية لابن الأثير، والقاموس المحيط للفيروزآبادي) .
[4] أخرجه مسلّم (2106/ 91) في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه.
[5] هو الّذي ضرب الرسول صلّى الله عليه وسلّم عنقه صبرا عند منصرفه من غزوة بدر، وكان من الأسرى. انظر: المحبّر لابن حبيب 157 و 161 و 478، وتاريخ اليعقوبي 2/ 46.(1/355)
عَلَيْهَا الْفَحْلُ، فَأَتَيْتُهُ بِعَنَاقٍ جَذَعَةٍ، فَاعْتَقَلَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ، ثم دعا وَمَسَحَ ضَرْعَهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ، فَاحْتَلَبَ فِي صَحْفَةٍ، وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، وَشَرِبَ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلُصْ، فَقَلَصَ فَعَادَ كَمَا كَانَ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ، فَأَخَذْتُ عَنْهُ سَبْعِينَ سُورَةً مَا نَازَعَنِيهَا بَشَرٌ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَوِيٌّ [1] .
مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا، أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتْهُ فِيهِ، وَدَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي، وَأَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَ النَّاسِ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا، قَالَ:
فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ [2] وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» ، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً [3] لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: «ائذن لعشرة» ، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: «ائذن
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 1/ 276 و 462، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (بتحقيقنا) 68، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 6/ 165 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 2/ 246.
[2] كلمة «بالناس» ساقطة من الأصل، والاستدراك من صحيح البخاري، وفي (ع) «وأصحابه» بدل «بالناس» .
[3] العكّة: بضم العين وتشديد الكاف: إناء من جلد يجعل فيه السمن غالبا. (فتح الباري 6/ 590) .(1/356)
لِعَشْرَةٍ» ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَأَكَلَ الْقَوْمُ وَشَبِعُوا، وَهُمْ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] . وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ هَذَا فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جندب، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِقَصْعَةٍ، فِيهَا طَعَامٌ، فَتَعَاقَبُوهَا إِلَى الظُّهْرِ مُنْذُ غُدْوَةٍ، يَقُومُ قَوْمُ وَيَقْعُدُ آخَرُونَ، فَقَالَ رَجُلٌ لِسَمُرَةَ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ [2] ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْشٍ [3] تَعْجَبُ؟ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا مِنْ هَا هُنَا، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ، وَأَشَارَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ إِلَى السَّمَاءِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [4] .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عن أبيه، أنّ سليمان أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدِيَّةٍ فَقَالَ: «لِمَنْ أَنْتَ» ؟ قَالَ لِقَوْمٍ، قَالَ: «فَاطْلُبْ إِلَيْهِمْ أَنْ يُكَاتِبُوكَ» ، قَالَ: فَكَاتَبُونِي عَلَى كَذَا وَكَذَا نَخْلَةٍ أَغْرِسُهَا لَهُمْ، وَيَقُومُ عَلَيْهَا سَلْمَانُ حَتَّى تُطْعِمَ، قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَرَسَ النَّخْلَ كُلَّهُ، إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ، فَأَطْعَمَ نَخْلُهُ مِنْ سَنَتِهِ إِلَّا تِلْكَ النَّخْلَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَرَسَهَا» ؟ قَالُوا: عُمَرُ، فَغَرَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فحملت من عامها. رواته ثقات [5] .
__________
[1] أخرجه البخاري 4/ 170- 171 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام، ومسلّم (2039) في كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، ويتحقّقه تحقّقا تاما. والحديث طويل: وبعضه في دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 147، والترمذي (3709) ، ومثله أنساب الأشراف للبلاذري 1/ 272- 273 عن وائلة بن الأسقع.
[2] أي تمدّ بطعام. (انظر ألوفا بحقوق المصطفى 1/ 280) .
[3] بمعنى «أيّ شيء» ، وهذه الصيغة مستعملة عند الشاميين، قال بعضهم أنه لفظ مولّد. (انظر شفاء الغليل للخفاجي) .
[4] أخرجه الدارميّ في السنن، المقدّمة 9، والترمذي (3704) في المناقب.
[5] رواه أحمد في المسند 5/ 354 وهو أطول مما هنا، وفي فتح الباري 6/ 600. رواه الترمذي والنسائي.(1/357)
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ أَبِي الْخَيْرِ كِتَابَةً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَتْهُمْ، أَنَا ابْنُ رَيْدَةَ، أنا الطَّبَرَانِيُّ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ حَمَّادٍ الرَّمْلِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ، فَدَفَعَهَا إِلَيَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَمَيْتُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى انْدَقَّتْ عَنْ سِيَتِهَا [1] ، وَلَمْ أَزَلْ عَنْ مَقَامِي نَصْبَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْقَى السِّهَامَ بوجهي، كلّما مال سهم منها إلى وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيَّلْتُ رَأْسِي لِأَقِيَ وَجْهَهُ [2] ، فَكَانَ آخِرُ سَهْمٍ نَدَرَتْ [3] مِنْهُ حَدَقَتِي عَلَى خَدِّي، وَافْتَرَقَ الْجَمْعُ، فَأَخَذْتُ حَدَقَتِي بِكَفِّي، فَسَعَيْتُ بِهَا [4] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا فِي كَفِّي دَمِعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: «اللَّهمّ إِنَّ قَتَادَةَ فَدَى [5] وَجْهَ نَبِيِّكَ بِوَجْهِهِ، فَاجْعَلْهَا أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا» ، فَكَانَتْ أَحَدَّ عَيْنَيْهِ نَظَرًا. حَدِيثٌ غَرِيبٌ [6] ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ذَكَرْنَاهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: ثنا الْمُهَاجِرُ مَوْلَى آلِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمَرَاتٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، قَالَ: فَقَبَضَهُنَّ [7] ثُمَّ دَعَا فِيهِنَّ بالبركة، ثم قال: «خذهنّ
__________
[1] السّية: ما عطف من طرفي القوس. وفي نسخة دار الكتب، والمعجم الكبير للطبراني «سنتها» ، وفي (ع) «سنينها» ، وكلاهما تصحيف. انظر: المخصّص لابن سيده.
[2] في المعجم الكبير «بلا رمي أرميه» .
[3] في المعجم «بدرت» .
[4] في المعجم «فسعيت بها في كفّي» .
[5] في المعجم «قد أوجه» .
[6] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 8 و 9 رقم 12 و 13، والحاكم في المستدرك 3/ 295، وابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 187- 188، و 3/ 453، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 195، وابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 248- 250، وابن حجر في الإصابة 3/ 225 رقم 7076، وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 2/ 332- 333، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 174.
[7] لفظ الترمذي «فضمّهنّ» .(1/358)
فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ [1] ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُنَّ، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ وَلَا تَنْثُرُهُنَّ نَثْرًا» قَالَ: فَحَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ الْمِزْوَدُ مُعَلَّقًا بِحَقْوِي لا يُفَارِقُ حَقْوِي، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْقَطَعَ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ [2] .
وَرُوِيَ فِي «جُزْءِ الْحَفَّارِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ: فَأَخَذْتُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ مُعَلَّقًا خَلْفَ رَحْلِي، فَوَقَعَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ فَذَهَبَ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى غَرِيبَةٌ.
وَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ، فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ، فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَمَنْ ضَيَّفَاهُ حَتَّى كَالَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ» [3] . وَكَانَتْ أُمُّ مَالِكٍ تُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا، فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا، فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَها أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَعَصَرْتِيهَا» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] . وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ. فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، حَتَّى همّ أحدهم بنحر بعض
__________
[1] عند الترمذي «مزودك هذا أو في هذا المزود كلّما أردت» .
[2] سنن الترمذي 5/ 349 رقم (3928) في المناقب، باب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] في الأصل «وأقام لكم» ، وما أثبتناه عن صحيح مسلّم (2281) في كتاب الفضائل، باب معجزات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
[4] في الصحيح (2280) في كتاب الفضائل في الباب المذكور قبله.(1/359)
حَمَائِلِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنَ الْأَزْوَادِ فَدَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَفَعَلَ، فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ، فَدَعَا حَتَّى إِنَّهُمْ مَلَئُوا أَزْوَادَهُمْ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَرَوَى نَحْوَهُ وَأَطْوَلَ مِنْهُ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَزَادَ: فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلَّا مَلَئُوهُ [2] وَبَقِيَ مِثْلُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وأنّي محمد رسول الله، لَا يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِهَا إِلَّا حُجِبَ عَنِ النَّارِ. رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْهُ [3] . وَقَالَ سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءَ الْعُطَارِدِيَّ [4] يَقُولُ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ عَرَّسُوا [5] فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ بَعْدَهُ، فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى يَسْتَيْقِظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، فلمّا استيقظ والشمس قد
__________
[1] في الصحيح (27) في كتاب الإيمان، باب الدليل على أنّ من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا.
[2] في صحيح ابن حبّان «مملوء» .
[3] رجاله ثقات، أخرجه أحمد في المسند 3/ 418 من طريق علي بن إسحاق، عن عبد الله بن المبارك، عن الأوزاعي، بهذا الإسناد، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 211 رقم 575 من طريق عبد الله بن العلاء، عن الزهري، والأوزاعي، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 20 وقال إنه في المعجم الأوسط للطبراني أيضا، وقال: رجاله ثقات، ورواه ابن حبّان في صحيحه 1/ 387 رقم 221 بالسند المذكور هنا، والحاكم في المستدرك 3/ 618- 619 وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
[4] في طبعة القدسي 2/ 253 «العطاري» وهو تصحيف، والتصويب من (اللباب 2/ 345) والنسبة إلى عطارد، واسم أبي رجاء: عمران بن تيم. (2/ 346) .
[5] التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة.(1/360)
بَزَغَتْ قَالَ: «ارْتَحِلُوا» ، فَسَارَ بِنَا حَتَّى ابْيَضَّتِ الشَّمْسُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى بِنَا، وَاعْتَزَلَ رَجُلٌ فَلَمْ يُصَلِّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا» ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ أَطْلُبُ الْمَاءَ، وَكُنَّا قَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ [1] ، قُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ قَالَتْ: أَيْهَاتَ [2] فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟
قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ؟
فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ [3] ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَجَّ [4] فِي الْعَزْلَاوَيْنِ [5] الْعُلْيَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رُوِينَا وَمَلأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَكُلَّ إِدَاوَةٍ.
وَغَسَّلْنَا صَاحِبَنَا، وَهِيَ تَكَادُ تَضَرَّجُ [6] مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: «هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ» ، فَجَمَعْنَا لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ، حَتَّى صَرَّ لَهَا صُرَّةً فَقَالَ:
«اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عِيَالَكِ، وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا» ، فَلَمَّا أَتَتْ أَهْلَهَا قَالَتْ: لَقَدْ أَتَيْتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا، فَهَدَى اللَّهُ ذَلِكَ الصِّرْمَ [7] بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا. اتّفقا عليه [8] .
__________
[1] المزادة: بفتح الميم والزاي. قربة كبيرة، يزاد فيها جلد. (فتح الباري) .
[2] كذا في الأصل و (ع) ونسخة دار الكتب، وهي لغة في «هيهات» ، وفي صحيح مسلّم «أيهاه، أيهاه» .
[3] أي ذات أيتام.
[4] هكذا في الأصل وصحيح مسلّم، وفي صحيح البخاري «فمسح» .
[5] تثنية عزلاء: فم القربة.
[6] أي تنشقّ. وفي صحيح البخاري «تنضّ من الملء» ، وفي صحيح مسلّم «تنضرج» .
[7] الصّرم: أبيات مجتمعة، وهم النفر ينزلون بأهليهم على الماء.
[8] أخرجه البخاري 4/ 168- 169 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام، ومسلّم (682) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، وعبد الرزاق في المصنف 11/ 277- 278 رقم (20537) في باب النّبوّة.(1/361)
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ تَعْطَشُوا، فَانْطَلَقَ سَرَعَانُ النَّاسِ تُرِيدُ الْمَاءَ، وَلَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَمَالَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَنَعَسَ، قَالَ: فَمَالَ فَدَعَمْتُهُ فَأَدْعَمَ وَمَالَ، فَدَعَمْتُهُ فَأَدْعَمَ، ثُمَّ مَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَدَعَمْتُهُ فَانْتَبَهَ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟
قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ: حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ عَرَّسْنَا، فَمَالَ إِلَى شَجَرَةٍ، فَنَزَلَ فَقَالَ: انْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ رَاكِبَانِ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً فَقَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا، قَالَ:
فَنِمْنَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَانْتَبَهْنَا فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَارَ وَسِرْنَا هُنْيَةً، ثُمَّ نَزَلْنَا فَقَالَ: أَمَعَكُمْ مَاءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ مَيْضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَأْتِنِي بِهَا، فَتَوَضَّئُوا وَبَقِيَ فِي الْمَيْضَأَةِ جُرْعَةٌ فَقَالَ: ازْدَهِرْ بِهَا [1] يَا أَبَا قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا شَأْنٌ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَقَالَ بَعْضٌ لِبَعْضٍ: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُونَ؟ إِنْ كَانَ أَمْرَ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ، قُلْنَا: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، قَالَ: لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا مِنَ الْغَدِ لِوَقْتِهَا. ثُمَّ قَالَ: ظُنُّوا بِالْقَوْمِ، فَقُلْنَا: إِنَّكَ قُلْتَ بِالْأَمْسِ: إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا، فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ فَقَالَ: أَصْبَحَ النَّاسُ وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ، وَفِي القوم أبا بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَا: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ الله لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويحلّفكم، وَإِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا، قَالَهَا ثَلَاثًا، فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رُفِعَ لَهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطَشًا انْقَطَعَتِ الْأَعْنَاقُ، قَالَ: «لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ» ، ثُمَّ قَالَ: يَا أبا
__________
[1] أي احتفظ بها.(1/362)
قَتَادَةَ ائْتِنِي بِالْمَيْضَأَةِ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: حُلَّ لِي غُمَرِي- يَعْنِي قَدَحَهُ- فَحَلَلْتُهُ، فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ وَيَسْقِي النَّاسَ، فَقَالَ: «أَحْسِنُوا الْمِلْءَ، فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رِيٍّ، فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَبَّ لِي فَقَالَ: اشْرَبْ، قُلْتُ: اشرب أنت يا رسول الله، قَالَ: إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا، فَشَرِبْتُ ثُمَّ شَرِبَ بَعْدِي، وَبَقِيَ مِنَ الْمَيْضَأَةِ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُمِائَةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَمِعَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَنَا أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرِي. وَرَوَاهُ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فبينا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَأَتَاهُ أعرابيّ فقال: يا رسول الله هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءَ قَزْعَةً [2] ، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهُمَا حَتَّى ثَارَتْ سَحَابَةٌ [3] أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنِ الْمِنْبَرِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَنْ لِحْيَتِهِ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ، حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك
__________
[1] في الصحيح (681) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، وأخرجه عبد الرزاق في المصنّف 11/ 278- 279 رقم (20538) باب النبوّة، وانظر مثله في الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 180- 182.
[2] أي قطعة من الغيم.
[3] في حاشية الأصل و (ع) : السحاب.(1/363)
الْأَعْرَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» ، فَمَا يُشِيرُ بِيَدَيْهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ [1] ، وَسَالَ الوادي، وادي قباء شهرا، ولم يجيء أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي إِلَّا حَدَّثَ بِالْجُودِ. اتَّفَقَا عَلَيْهِ [2] .
وَرَوَاهُ ثَابِتٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، وَرُوحُ بْنُ عُبَادَةَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، سَمِعَ عُمَارَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي، قَالَ: «فَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ اللَّهَ» ، قَالَ: فَادْعُهُ، قَالَ:
فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ الْوُضُوءَ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ، فَتَقْضِيهَا لِي، اللَّهمّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نفسي» . ففعل الرجل فبرأ [3] .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عن أبي جعفر الخطميّ [4] .
__________
[1] هي الحفرة المستديرة الواسعة، أي حتى صار الغيم والسحاب محيطا بآفاق المدينة، على ما في (تاج العروس للزبيدي 2/ 203) .
[2] أخرجه البخاري 2/ 22 في كتاب الاستسقاء، باب من تمطّر في المطر حتى يتحادر على لحيته، ومسلّم (897) في كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 160.
[3] رواه الترمذي 5/ 229 رقم (3649) وقال: هذا حديث حسن صحيح غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطميّ، ورواه أحمد في المسند 4/ 138.
[4] رواه من هذه الطريق أحمد 4/ 138.(1/364)
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَبَطِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ الْخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ [1] بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَهُ رَجُلٌ ضَرِيرٌ فَشَكَا إِلَيْهِ ذِهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ: ائْتِ الْمَيْضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ: «اللَّهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَيُجْلِي لِي عَنْ بَصَرِي، اللَّهمّ شَفِّعْهُ فِيَّ وشفّعني في نفسي» ، قال عثمان: فو الله مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضَرَرٌ قَطُّ. رَوَاهُ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ [2] وَغَيْرُهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَلَبَ [3] يَهُودِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ جَمِّلْهُ» ، قَالَ فَاسْوَدَّ شَعْرُهُ حَتَّى صَارَ أَشَدَّ سَوَادًا مِنْ كَذَا وَكَذَا.
وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَفِيهِ: «فَاسْوَدَّتْ لِحْيَتُهُ بَعْدَ مَا كَانَتْ بَيْضَاءَ» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي سَعْدُ [4] بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: كَانَتْ لَيْلَةً شَدِيدَةَ الظُّلْمَةِ وَالْمَطَرِ فَقُلْتُ: لَوْ أَنِّي اغْتَنَمْتُ الْعَتْمَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبْصَرَنِي وَمَعَهُ عُرْجُونٌ يَمْشِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا قَتَادَةُ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ» ؟ قُلْتُ: اغْتَنَمْتُ شُهُودَ
__________
[1] في ع: (سهيل) وهو تصحيف.
[2] في المعرفة والتاريخ 3/ 272.
[3] في الأصل «حاب» وعلى الباء شدّة. والتصحيح من: حجّة الله على العالمين للنبهاني- ص 437.
[4] في (ع) سعيد، وهو تصحيف.(1/365)
الصَّلَاةِ مَعَكَ، فَأَعْطَانِي الْعُرْجُونَ فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ خَلَفَكَ فِي أَهْلِكَ فَاذْهَبْ بِهَذَا الْعُرْجُونِ فَاسْتَعِنْ بِهِ حَتَّى تَأْتِيَ بَيْتَكَ، فَتَجِدَهُ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَاضْرِبْهُ بِالْعُرْجُونِ» ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَأَضَاءَ الْعُرْجُونُ مِثْلَ الشَّمْعَةِ نُورًا، فَاسْتَضَأْتُ بِهِ فَأَتَيْتُ أَهْلِي فَوَجَدْتُهُمْ رُقُودًا، فَنَظَرْتُ فِي الزَّاوِيَةِ فَإِذَا فِيهَا قُنْفُذٌ، فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ بِهِ، حَتَّى خَرَجَ [1] .
عَاصِمٌ عَنْ جَدِّهِ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ، لَكِنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ قَوِيٌّ [2] .
وَقَالَ حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ: ثنا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْنُ مِنِّي. قَالَ:
فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِي وَلِحْيَتِي ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ جَمِّلْهُ وَأَدِمْ جَمَالَهُ» ، قَالَ:
فَبَلَغَ بِضْعًا وَمِائَةِ سَنَةٍ وَمَا فِي لِحْيَتِهِ بَيَاضٌ إِلَّا نَبْذٌ يَسِيرٌ، وَلَقَدْ كَانَ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ لَمْ يَنْقَبِضْ وَجْهُهُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ، وَأَبُو زَيْدٍ هُوَ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ [3] .
وَقَالَ عَلِيُّ بن الحسن بْنُ شَقِيقٍ: ثنا الْحُسَيْنِ بْنُ وَاقِدٍ، ثنا أبو نهيك
__________
[1] رواه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 5- 6 رقم (9) ، وروى مثله من طريق أحمد بن محمد الخزاعي الأصبهاني، عن محمد بن بكير الحضرميّ، عن سويد بن عبد العزيز، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبي سرح، عن قتادة (19/ 13- 14) رقم 19) وروى قسما منه ابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 250، وكذا ابن الأثير في أسد الغابة 4/ 196، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 40- 41، وروى مثله الإمام أحمد في المسند في حديث طويل عن ساعة في الجمعة 3/ 65 من طريق سعيد بن الحرث عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، وتابعه ابن حجر في الإصابة 3/ 225- 226 وقال الهيثمي: ورجاله موثّقون.
[2] هو الّذي رواه أحمد في المسند 3/ 65.
[3] رواه أحمد في المسند 5/ 77، كما روى مثله من طريق زيد بن الحباب عن حسين، عن أبي نهيك، عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري (5/ 340) .(1/366)
الأزدي عن عمرو بن أخطب- وهو أَبُو زَيْدٍ- قَالَ: اسْتَسْقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، وَفِيهِ شَعْرَةٌ فَرَفَعْتُهَا ثُمَّ نَاوَلْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهمّ جَمِّلْهُ» ، قَالَ:
فَرَأَيْتُهُ ابْنَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَمَا فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ طَاقَةٌ بَيْضَاءُ» [1] .
وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: نا أَبِي، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ فِي مَرَضِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الدَّارِ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ وَجْهَهَ، قَالَ: وَكُنْتُ قَلَّمَا رَأَيْتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ كَأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ الدِّهَانُ. رَوَاهُ عَارِمٌ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، عن مُعْتَمِرٍ [2] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: ثنا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ فَقَالَ. «كُلْ بِيَمِينِكَ» ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: «لَا اسْتَطَعْتَ» ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ بَعْدُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْوَلَدُ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ وَيَنْزِعُ إِلَى أُمِّهِ. قَالَ: «أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا» - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ- «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَأَمَّا الْوَلَدُ، فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَإِذَا سَبَقَ ماء المرأة نزعه إلى أمّه» .
__________
[1] رواه أحمد في المسند 5/ 340، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 164.
[2] رواه أحمد في المسند 5/ 27- 28 عن عارم، وعن يحيى بن معين، و 81، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 319 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
[3] في الصحيح (2021) في كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما.(1/367)
فأسلّم ابن سَلَامٍ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرَ الْمَدَنِيِّ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ مُرْسَلًا، فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ، وَفِيهِ: «فَأَمَّا الشَّبَهُ فَأَيُّ النُّطْفَتَيْنِ سَبَقَتْ إِلَى الرَّحِمِ فَالْوَلَدُ بِهِ أَشْبَهُ» . وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَامٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ حَبْرٌ [2] فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يا محمد، فدفعته دفعة كاد يضرع مِنْهَا، فَقَالَ:
لِمَ تَدْفَعُنِي؟ قُلْتُ: أَلَا تَقُولُ: يا رسول الله! قَالَ: إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ [3] بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اسْمِي الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أهَلْيِ (مُحَمَّدٌ) » [4] فَقَالَ الْيَهُودِيُّ [5] : أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ؟
قَالَ: «فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ» ، قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ:
«فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ» ؟ قَالَ: مِمَّا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «زِيَادَةُ كَبِدِ نُونٍ [6] ، قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى أَثَرِهِ [7] ؟ قَالَ: «يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الجنّة الّذي
__________
[1] في كتاب الفتن 8/ 100 باب خروج النار، وفي الأنبياء، باب خلق آدم، وساقه في قصة إسلام عبد الله بن سلام، وابن أبي عاصم في الأوائل 84 رقم 193، والبغوي في شرح السّنّة 5447، والخطيب في المشكاة 5447 و 5870، ومسلّم (2941) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في خروج الدّجال ومكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه، وابن الأثير في جامع الأصول 10/ 387 و 11/ 382، وكشف الخفاء 1/ 307، وانظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 125.
[2] الحبر: بفتح الحاء المهملة وكسرها، وهو العالم.
[3] عند مسلّم «ندعوه» .
[4] عند مسلّم «إن اسمي محمد الّذي سمّاني به أهلي» .
[5] عند مسلّم «جئت أسألك» فقال لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أينفعك شيء إن حدّثتك؟» قال: «أسمع بأذنيّ، فنكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعود معه. فقال:
«سل» ، فقال اليهوديّ: أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات» .
[6] النون: الحوت، وجمعه نينان.
[7] عند مسلّم «أثرها» .(1/368)
كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا» ، قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ، قَالَ: «يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ» ؟. قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ، قَالَ: «سَلْ» ، قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ، قَالَ: «مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فعلا منّي الرجل منّي المرأة أذكرا بِإِذْنِ اللَّهِ؟ وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرجل آنثا بِإِذْنِ اللَّهِ» ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ سَأَلَنِي هَذَا الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ، وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى أَتَانِي اللَّهُ بِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يَوْمًا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ، قَالَ: «سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ، إِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ أَتُبَايِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ؟
قَالُوا: لَكَ ذَلِكَ، قَالَ: «فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ» ، قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا: أَخْبِرْنَا عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ مَاءِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ، حَتَّى يَكُونَ ذَكَرًا، وَكَيْفَ تَكُونُ الْأُنْثَى مِنْهُ حَتَّى تَكُونَ أُنْثَى، وَمَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: «فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ لَتُبَايِعُنِّي» ، فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، قَالَ: «أَنْشُدُكُمْ باللَّه الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا طَالَ سَقَمُهُ مِنْهُ، فَنَذَرَ للَّه لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ: أَلْبَانُ الْإِبِلِ، وَأَحَبَّ
__________
[1] في صحيحه رقم (315) في كتاب الحيض، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما.(1/369)
الطَّعَامِ إِلَيْهِ لَحْمَانُهَا» ؟ قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ» ، قَالَ: «أَنْشُدُكُمْ باللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ، فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِنْ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنْ عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَتْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ؟» قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهمّ اشْهَدْ» ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ باللَّه الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ» ؟
قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ» . قَالُوا: أَنْتَ الْآنَ حَدِّثْنَا مَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ، قَالَ: «وَلِيِّي جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ» ، قَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ غَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَبَايَعْنَاكَ [1] وَصَدَّقْنَاكَ، قال: «وَلِمَ» ؟ قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ 2: 97 [2] الآية. ونزلت فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ 2: 90 [3] . وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَنَسْأَلْهُ، فَقَالَ الْآخَرُ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ، فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَكَ تَقُولُ نَبِيٌّ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ، فَانْطَلَقَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَاهُ عَنْ قَوْلِهِ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، قَالَ: «لَا تُشْرِكُوا باللَّه شَيْئًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ فَيَقْتُلَهُ، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً- شَكَّ شعبة- وعليكم
__________
[1] في النسخ (لتابعناك) .
[2] سورة البقرة- الآية 97.
[3] سورة البقرة- الآية 90، والحديث رواه ابن سعد بطوله في الطبقات الكبرى 1/ 174- 176.(1/370)
خَاصَّةً مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» . فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: «فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا» ؟ قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَنَحْنُ نَخَافُ إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ. وَقَالَ عَفَّانُ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عن أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ لِإِدْخَالِ رِجَالٍ الْجَنَّةَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً فَإِذَا هُوَ بِيَهُودَ، وَإِذَا يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى صِفَتِهِ أَمْسَكَ، وَفِي نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لكم أَمْسَكْتُمْ» ؟ فَقَالَ الْمَرِيضُ: إِنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا، ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ وَقَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَقَرَأَ، حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَتِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ صِفَتُكَ وَصِفَةُ أُمَّتِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لُوا أَخَاكُمْ» [1] . وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزِ، عَنْ وَابِصَةَ- هُوَ الْأَسَدِيُّ [2]- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: دَعُونِي أَدْنُو [3] مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ. فَقَالَ:
«ادْنُ يَا وَابِصَةُ» ، فَدَنَوْتُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي ركبته، فقال: «يا وابصة أخبرك
__________
[1] روى ابن سعد في طبقاته 1/ 185 من طريق علي بن محمد، عن الصلت بن دينار، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي صخر العقيلي بنحوه.
[2] هو وابصة بن معبد بن عتبة، وفد على الرسول صلّى الله عليه وسلّم سنة 9 هـ-. ونزل الجزيرة. انظر عنه طبقات ابن سعد 7/ 476، وطبقات خليفة 35 و 128 و 318، والتاريخ الكبير 8/ 187 رقم 2647، والجرح والتعديل 9/ 47 رقم 203 الاستيعاب 3/ 641، 642، وأسد الغابة 5/ 76- 77، والكاشف 3/ 204 رقم 6130، وتهذيب التهذيب 11/ 100 رقم 173، وتقريب التهذيب 2/ 328 رقم 1، والإصابة 3/ 626 رقم 9085.
[3] كذا في الأصل بإثبات الواو.(1/371)
بِمَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ» ؟ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي يَا رسول الله، قَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي وَيَقُولُ: يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ: مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وأفتوك» [1] . وقال ابن وهب: حدّثني معاوية عن أبي عبد الله محمد الْأَسَدِيِّ، سَمِعَ وَابِصَةَ الأَسَدِيَّ قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَسْأَلَهُ: «جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ» ؟ قُلْتُ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنَّهُ لَلَّذِي جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهُ، فَقَالَ: «الْبِرُّ مَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُكَ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ عَنْهُ النَّاسُ» [2] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ، سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْنَا إِلَى الطَّائِفِ، فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ: «هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ، وَكَانَ مِنْ قَوْمِ ثَمُودَ، فَلَمَّا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَهُ مَنَعَهُ مَكَانُهُ مِنَ الْحَرَمِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ أَصَابَتْهُ النَّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ، فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ» . قَالَ: فابتدرناه فاستخرجنا الغصن [3] .
__________
[1] رواه أحمد في المسند 4/ 227 من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن وابصة بن معبد، بنحوه.
[2] أخرجه مسلّم (2553) من طريق محمد بن حاتم بن ميمون، عن ابن مهدي، عن معاوية بن صالح، عَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ جُبير بْنِ نُفير، عَنْ أبيه، عن النّواس بن سمعان الأنصاري، بنحوه، وكذلك من طريق هارون بن سعيد الأبلي، عن عبد الله بن وهب، عن معاوية، مثله، والترمذي في الزهد (2497) و (2498) عن عبد الرحمن، في باب ما جاء في البر والإثم، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في المسند 4/ 182 و 227 وهو الّذي مرّ قبله و 228، و 5/ 251 و 252 و 256.
[3] أخرجه أبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوّة.(1/372)
بَابٌ مِنْ أَخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَوَائِنِ بَعْدَهُ فَوَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ
شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
لَقَدْ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا مَا تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا إلى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ- وَفِي لَفْظٍ: «حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ» - وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ بِمَعْنَاهُ [2] .
وقال عزرة [3] بن ثابت: ثناء عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، ثنا أَبُو زَيْدٍ [4] قَالَ: صلّى بنا
__________
[1] في صحيحه (1/ 289- 24) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يكون إلى قيام الساعة.
[2] أخرجه البخاري 7/ 211 في كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا، ومسلّم (2891/ 23) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، وأحمد 1/ 377 و 413 و 443 و 446 و 453 و 4/ 278.
[3] في طبعة القدسي 2/ 264 «عروة» ، وهو تصحيف، والتصحيح من: (تهذيب التهذيب 7/ 192 رقم 366) .
[4] هو عمرو بن أخطب الأنصاري، أحد الذين جمعوا القرآن في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم. (أسد الغابة 5/ 204) .(1/373)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى أَظُنَّهُ قَالَ: حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ: فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَحْفَظُنَا أَعْلَمُنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ [2] فَقُلْنَا: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، أَلَا تَسْتَنْصِرُ اللَّهَ لَنَا؟ فَجَلَسَ مُحْمَارًّا وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَيُؤْخَذُ الرجل فتحفر له الحفرة، فيوضع المنشار على رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، أَوْ يُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا بَيْنَ عَصَبِهِ وَلَحْمِهِ، مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْكُمْ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هل لَكَ مِنْ أَنْمَاطٍ [4] » ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَّى يَكُونُ لِي أَنْمَاطٌ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ، قَالَ: فَأَنَا أَقُولُ الْيَوْمَ لِامْرَأَتِي: نَحِّي عَنِّي أَنْمَاطَكِ، فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أنماط بعدي،
__________
[1] في صحيحه (2892) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يكون إلى قيام الساعة.
[2] في دلائل النبوّة للبيهقي زيادة هنا «وقد لقينا من المشركين شدّة شديدة» .
[3] أخرجه البخاري 4/ 179- 180 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام، و 8/ 56 في كتاب الإكراه، باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، وأبو داود (2649) في كتاب الجهاد، باب في الأسير يكره على الكفر، وأحمد 5/ 110.
[4] ضرب من البسط له خمل رقيق. (إرشاد الساري) .(1/374)
فَأَتْرُكُهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُفْتَحُ الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ [2] فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الشَّامُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ فَيَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الْعِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ فَيَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» . أَخْرَجَاهُ [3] . وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، ثنا بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ [4] ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ لِي: «يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَوْتَانُ [5] ، يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ [6] الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ فِيكُمْ، حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلَّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يبقى بيت من الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وبين بني الأصفر، فيغدرون،
__________
[1] أخرجه البخاري 4/ 184 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام، ومسلّم (2083) في كتاب اللباس والزينة، باب جواز اتخاذ الأنماط.
[2] يبسّون: قال أهل اللغة: يبسّون، ويقال أيضا: يبسّون. أي يتحمّلون بأهليهم، وقيل معناه: يدعون الناس إلى بلاد الخصب، وهو قول يقال: بسست الناقة وأبسستها إذ سقتها وزجرتها، وقلت لها بس بس، بكسر الباء وفتحها. (شرح صحيح مسلّم 2/ 1008 والنهاية لابن الأثير) .
[3] أخرجه البخاري 2/ 222 في كتاب الحج، باب من رغب عن المدينة، ومسلّم (1388) في كتاب الحج، باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار.
[4] في نسخة دار الكتب «بشر بن عبد الله» ، والتصحيح من الأصل، والمشتبه للذهبي 1/ 79.
[5] أي وباء.
[6] قعاص: بضم القاف، داء يأخذ الغنم فتموت من وقتها.(1/375)
فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً [1] ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بأهلها خيرا، فإنّ لهم ذمّة ورجما» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا فَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» . مُرْسَلٌ مَلِيحُ الْإِسْنَادِ [4] .
وَقَدْ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ مُتَّصِلًا. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: هَاجَرُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ كَانَتْ قِبْطِيَّةً، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: مَارِيَةُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ قِبْطِيَّةٌ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يَهْلِكُ كِسْرَى، ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وقيصر ليهلكنّ، ثمّ لا يكون
__________
[1] أي راية.
[2] رواه البخاري 4/ 68 في كتاب الجهاد والسير، باب ما يحذر من الغدر وقوله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله 8: 62، وابن ماجة (2042) في كتاب الفتن، باب أشراط الساعة، ورواه أحمد في المسند 5/ 228 من طريق وكيع، عن النهاس بن فهم، عن شدّاد أبي عمّار، ومعاذ بن جبل.
[3] في صحيحه (2543) في كتاب فضائل الصحابة، باب وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأهل مصر، وفيه زيادة في آخره: «فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها» .
[4] أخرجه مسلّم بإسناده السابق بنحوه. (2543/ 227) في فضائل الصحابة.(1/376)
قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَلَتُنْفَقَنَّ [1] كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
أَمَّا كِسْرَى وَقَيْصَرُ الْمَوْجُودَانِ عِنْدَ مَقَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمَا هَلَكَا، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ كِسْرَى كِسْرَى آخَرُ، وَأُنْفِقَ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْرِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه، وبقي للقياصرة ملك بالروم وقسطنطينية، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثَبُتَ مُلْكُهُ» حِينَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى فتح القسطنطينية، وَلَمْ يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مُلْكٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ» حِينَ مَزَّقَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] .
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِفَرْوَةِ كِسْرَى فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَفِي الْقَوْمِ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمَ، قَالَ فَأَلْقَى إِلَيْهِ سِوَارَيْ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، فَجَعَلَهُمَا فِي يَدَيْهِ فَبَلَغَا مَنْكِبَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُمَا عُمَرُ فِي يَدَيْ سُرَاقَةَ قَالَ: الْحَمْدُ للَّه سِوَارَا كِسْرَى فِي يَدِ سُرَاقَةَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ [4] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ عديّ بن حاتم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنّكم
__________
[1] وفي رواية «لتقسمنّ» . (انظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي 3/ 308، والخصائص الكبرى للسيوطي 2/ 117) .
[2] أخرجه البخاري 4/ 24 في كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، و 4/ 50 في باب فرض الخمس، باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحلّت لكم الغنائم وقال الله تعالى:
وَعَدَكُمُ الله مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ 48: 20 وهي للعامّة حتى يبيّنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومسلّم (2918/ 76) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل، فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء، والترمذي (2313) في كتاب الفتن، باب ما جاء إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده، وأحمد في المسند 2/ 233 و 240 و 256 و 272 و 313 و 437 و 5/ 92 و 99 و 105.
[3] انظر ما أخرجه البخاري في الجهاد والسير 3/ 235، والمغازي 5/ 136 كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسرى وقيصر، وأحمد في المسند 1/ 243 و 305.
[4] انظر الاستيعاب 2/ 120، وأسد الغابة 2/ 265- 266، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 210، الوافي بالوفيات 15/ 130 رقم 185، الإصابة لابن حجر 2/ 19 رقم 3115.(1/377)
سَتَفْتَحُونَهَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْ لِي ابْنَةَ بُقَيْلَةَ [1] ، قَالَ:
«هِيَ لَكَ» ، فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهَا، فَجَاءَ أَبُوهَا فَقَالَ: أَتَبِيعُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
بِكَمْ؟ احْكُمْ مَا شِئْتَ، قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا، قَالُوا لَهُ: لَوْ قُلْتَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لَأَخَذَهَا، قَالَ: وَهَلْ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، وَمَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا، جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خِرْ لِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْقِ مِنْ غَدْرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» ، قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: مَنْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِهِ فَلَا ضَيْعَةَ عَلَيْهِ. صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكِرْمَانَ- قَوْمًا مِنَ الْأَعَاجِمِ- حُمْرُ الْوُجُوهِ، فُطْسُ الْأُنُوفِ، صِغَارُ الْأَعْيُنِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» [3] ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ» . (خ) [4] .
__________
[1] بقيلة هو: عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيّان بن الحارث. سمّي بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا: يا حار ما أنت إلّا بقيلة خضراء. (تاريخ الطبري 3/ 361) .
[2] أخرجه أبو داود (2483) في كتاب الجهاد، باب في سكنى الشام، من طريق حيوة بن شريح الحضرميّ، عن بقيّة، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن ابن أبي قتيلة، عن ابن حوالة، بمثله، وأحمد في المسند 5/ 33 من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم، وهاشم بن القاسم، عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن عبد الله بن حوالة، و 5/ 288 من طريق عصام بن خالد وعلي بن عياش، عن حريز، عن سليمان بن شمير، عن ابن حوالة الأزدي.
[3] المجنّ: هو الترس. والمطرقة: التي ألبست الأطرقة من الجلود، وهي الأغشية. (فتح الباري 6/ 104) .
[4] أخرجه البخاري 4/ 175 في كتاب المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام، من طريق سليمان بن حرب، عن جرير بن حازم، عن الحسن، عن عمرو بن تغلب، بنحوه، ورواه(1/378)
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارِ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ جَبْرِ بْنِ عَبِيدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْهِنْدِ، فَإِنْ أَدْرَكْتُهَا أُنْفِقْ فِيهَا مَالِي وَنَفْسِي، فَإِنِ اسْتُشْهِدْتُ كُنْتُ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرِّرُ [1] . غَرِيبٌ [2] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ [3] ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ في الآخر وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] . وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ» ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بَيْعَةَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» . اتَّفَقَا عَلَيْهِ [5] .
__________
[ () ] أحمد في المسند 2/ 318 بنصّه، ومسلّم (2912) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... والترمذي (2312) في كتاب الفتن، باب ما جاء في قتال الترك.
[1] يعني: المعتق، كما في النهاية لابن الأثير.
[2] رواه النّسائي في كتاب الجهاد، غزوة الهند 6/ 42، وأحمد في المسند 2/ 229 و 369.
[3] رطب ابن طاب: نوع من تمور المدينة طيّب معروف، يقال له: رطب ابن طاب، وتمر ابن طاب، وعذق ابن طاب، وهو منسوب إلى ابن طاب، رجل من أهل المدينة. (انظر النهاية لابن الأثير) .
[4] في صحيحه (2270) في كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ورواه أحمد في المسند 3/ 286.
[5] أخرجه البخاري (1621) ، ومسلّم (1842) في كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول، وابن ماجة في الجهاد (2871) باب الوفاء بالبيعة، وأحمد في المسند 2/ 297.(1/379)
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخَشْنِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا خِلَافَةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا، وَكَائِنًا عُتُوًّا [1] وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ، يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ وَالْحَرِيرَ وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ» . وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» . قَالَ لِي سَفِينَةُ: أَمْسَكَ أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ، وَعُمَرُ عَشْرًا، وعثمان اثنتي عشرة، وَعَلِيٌّ سِتًّا. قُلْتُ لِسَفِينَةَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً، قَالَ:
كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ، يَعْنِي بَنِي مَرْوَانَ. كَذَا قَالَ فِي عَلِيٍّ «سِتًّا» ، وَإِنَّمَا كَانَتْ خِلَافَةُ عَلِيٍّ خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا شَهْرَيْنِ، وَإِنَّمَا تَكْمُلُ الثَّلَاثُونَ سَنَةً بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ زَائِدَةٍ عَمَّا ذُكِرَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [2] .
وَقَالَ صالح بن كيسان، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الّذي بدئ فيه، فقلت:
وا رأساه، فَقَالَ: «وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ، فَهَيَّأْتُكِ وَدَفَنْتُكِ» ، فَقُلْتُ غَيْرَى: كَأَنِّي بِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَرُوسًا بِبَعْضِ نِسَائِكَ، فَقَالَ: «بَلْ أنا وا رأساه، ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَيَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ: أَنَّى، وَلَا، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعِنْدَهُ: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَّى، ولا [3] .
__________
[1] هكذا في نسخة دار الكتب وغيرها، وفي الأصل «عنوة» .
[2] في السنن (4646) و (4647) في كتاب السّنّة، باب في الخلفاء، والترمذيّ في الفتن (2326) باب ما جاء في الخلافة، وأحمد في المسند 4/ 273 و 5/ 44 و 50 و 404.
[3] أخرجه ابن ماجة (1465) مختصرا من طريق الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن(1/380)
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: «اثْبُتْ عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ «حِرَاءَ» بَدَلَ «أُحُدٍ» ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[ () ] عائشة قالت: «رجع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ البقيع، فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي، وأنا أقول: وا رأساه. فقال: «بل أنا، يا عائشة، وا رأساه» ثم قال: «ما ضرّك لو متّ قبلي فقمت عليك فغسّلتك وكفّنتك وصلّيت عليك ودفنتك» انظر كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة الرجل، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناد رجاله ثقات، رواه البخاري من وجه آخر مختصرا. ورواه أحمد في المسند 6/ 228، عن عائشة قالت: رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم من جنازة بالبقيع، وأنا أجد صداعا في رأسي، وأنا أقول: وا رأساه. قال: «بل أنا وا رأساه» . قال: «ما ضرّك لو متّ قبلي فغسّلتك وكفّنتك ثم صلّيت عليك ودفنتك» . قلت: لكنّي أو لكأنّي بك والله لو فعلت ذلك، لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك. قالت: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم بدئ بوجعه الّذي مات فيه.
[1] في صحيحه 4/ 197 في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن صحب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، باب فضل أبي بكر بعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفي مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه 4/ 199، 200، ولفظه: «صعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه برجله» .
قال: «أثبت أحد فما عليك إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد» ، وفي مناقب عثمان رضي الله عنه 4/ 204 ولفظه: «.. فرجف وقال: «اسكن أحد، أظنّه ضربه برجله، فليس عليك إلّا نبيّ وصدّيق وشهيدان» ، رواه مسلّم (2417) من طريق عبد العزيز بن محمد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، وفيه «حراء» بدل «أحد» ، ورواه الترمذي (3697) في المناقب، باب مناقب عثمان بن عفّان رضي الله عنه. ورواه خيثمة بن سليمان الأطرابلسي في فضائل الصحابة من طريق سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ولفظه: «كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حراء، فتحرّك، فقال: أثبت حراء، فإنّه ليس عليك إلّا نبيّ أو صدّيق، أو شهيد. وعليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو بكر، وعمر، وعليّ وعثمان» . (انظر كتابنا: من حديث خيثمة بن سليمان- ص 95) وجامع الأصول لابن الأثير 8/ 566- 567.(1/381)
كَانَ عَلَى حِرَاءٍ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . أَبُو بَكْرٍ صِدِّيقٌ، وَالْبَاقُونَ قَدِ اسْتُشْهِدُوا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نُحِبَّ أَنْ نُحْمَدَ بِمَا لَمْ نَفْعَلْ، وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الْحَمْدَ، وَنَهَانَا عَنِ الْخُيَلَاءِ، وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الْجَمَالَ، وَنَهَانَا أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ، وَأَنَا جَهِيرُ الصَّوْتِ [2] ، فَقَالَ: «يَا ثَابِتُ أَلَا [3] تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ» ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَعَاشَ حَمِيدًا، وَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مسيلمة الكذّاب. مرسل [4] ،.
__________
[1] في صحيحه (2417/ 50/ 2) وزاد: «سعد بن أبي وقّاص» .
[2] في السّير «وأنا رجل رفيع الصوت» .
[3] في السير «أما» وكذلك في المصنّف، والمعجم الكبير.
[4] إسناده قويّ مع كونه مرسلا. (انظر فتح الباري لابن حجر 6/ 621) وقد أخرجه مسلم (119) من طريق حمّاد، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك أنه قال: «لما نزلت هذه الآية» : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ.. 49: 2 إلى آخر الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار. واحتبس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأل النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سعدَ بْنُ مُعَاذٍ فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت؟ اشتكى؟ قال سعد: إنه لجاري، وما علمت له بشكوى، قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أنّي من أرفعكم صوتا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل هو من أهل الجنة» .
وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 234 من طريق ابن شهاب، عن إسماعيل بن محمد بن ثابت، عن أبيه، عن ثابت بن قيس. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه بهذه(1/382)
وَثَبَتَ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ [1] وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أن الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ [2] أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكن التَّحْرِيشُ» [3] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] .
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ [6] ، فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ
__________
[ () ] السياقة، ووافقه الذهبي. وفيه أن إسماعيل بن محمد لم يخرّج له الشيخان ولا أحدهما.
وكذا أبوه محمد بن ثابت.
وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 321- 322، وسير أعلام النبلاء 1/ 309- 310، وأخرجه عبد الرزاق في المصنّف (20425) 11/ 239، والطبراني في المعجم الكبير 2/ 66- 68 رقم 1310 و 1311 و 1312 و 1313 و 1314 و 1315.
[1] روى الطبراني في المعجم الكبير 2/ 65 رقم (1305 و (1306) أنّه قتل يوم اليمامة وكان ذلك سنة 12 هـ.
[2] وفي رواية «يئس» وكلاهما جائز.
[3] في صحيح مسلم «ولكن في التحريش بينهم» .
والمعنى أنه يسعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها.
[4] في صحيحه (2812) في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب تحريش الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأنّ مع كل إنسان قرينا. ورواه الترمذي في كتاب البرّ 25، وأحمد في المسند 3/ 313 و 354 و 366 و 384 و 5/ 72.
[5] أخرجه البخاري 4/ 183 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام، من حديث أطول، ومسلم (2450) في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبيّ عليها الصلاة والسلام، وابن ماجة (1621) في كتاب الجنائز، باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأحمد في المسند 6/ 240 و 282 و 383، وابن المغازلي في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 223 رقم 408.
[6] أي ملهمون.(1/383)
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عُمَرَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ [2] .
وَمِنْ وُجُوهٍ، عَنْ عَلِيٍّ: مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ [3] . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمَصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةَ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ، فَجَعَلَ يَصِيحُ (يَا سَارِيَةُ [4] الْجَبَلَ) ، فَقَدِمَ رَسُولٌ مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقِينَا عَدُوَّنَا فَهَزَمُونَا، فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ (يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ) فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا إِلَى الْجَبَلِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَقُلْنَا لِعُمَرَ: كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ [5] .
وَقَالَ ابْنُ عَجْلَانَ: وَحَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بِذَلِكَ.
وَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ [6] بِطُولِهِ، وَفِيهِ: فَوَفَدَ أَهْلُ الكوفة إلى عمر، وفيهم رجل يدعى
__________
[1] في صحيحه (2398) في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه، وأخرجه البخاري 4/ 200 في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برواية ابن عباس: «ما من نبيّ ولا محدّث» ، والترمذيّ في المناقب 17، وأحمد في المسند 6/ 55.
[2] رواه ابن الجوزي في مناقب أمير المؤمنين عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه عنه- ص 252 ثنا طارق بن شهاب عليه. وانظر طبقات ابن سعد 3/ 369.
[3] مناقب عمر لابن الجوزي- ص 245.
[4] في الأصل «يا ساري» .
[5] مناقب عمر لابن الجوزي- ص 172- 173 في ذكر كراماته.
[6] القرني: بالفتح، نسبة إلى قرن، بطن من مراد. (انظر سير أعلام النبلاء 4/ 20) .(1/384)
أُوَيْسًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا هَاهُنَا مِنَ الْقَرَنِيِّينَ أَحَدٌ؟ قَالَ: فَدُعِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حَدَّثَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ، وَلَا يَدَعُ بِهَا إِلَّا أُمًّا لَهُ، قد كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ عَنْهُ، فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلَّا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ، يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَأْمُرْهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا [1] عَنْ رِجَالِهِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُخْتَصَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ [2] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ [3] ، عَنْ أُسَيْرٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَهْلُ الْيَمَنِ جَعَلَ عُمَرُ يَسْتَقْرِئُ الرِّفَاقَ فَيَقُولُ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ قَرَنٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى قَرَنٍ، قَالَ: فَوَقَعَ زِمَامُ عُمَرَ أَوْ زِمَامُ أُوَيْسٍ، فَتَنَاوَلَهُ عُمَرُ، فَعَرَفَهُ بِالنَّعْتِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أُوَيْسٌ، قَالَ: هَلْ كَانَتْ لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ كَانَ بِكَ مِنَ الْبَيَاضِ شَيْءٌ؟ قَالَ:
نَعَمْ، دَعَوْتُ اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنِّي إِلَّا مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ مِنْ سُرَّتِي لِأَذْكُرَ بِهِ رَبِّي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِي، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ» . الْحَدِيثَ [4] .
__________
[1] في صحيحه (2542) في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه.
[2] انظر صحيح مسلم 4/ 1968- 1969.
[3] في الأصل، في الموضعين «أبي نصرة» بالصاد المهملة، وهو تحريف.
[4] رواه مسلم (2542) في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه، وآخره: «فمروه فليستغفر لكم» ، ورواه أحمد في المسند 1/ 38- 39، وابن سعد في الطبقات 6/ 113، والعقيلي في الضعفاء 1/ 50، وأبو نعيم في حلية الأولياء 2/ 80، والحاكم في المستدرك 3/ 402 عن شريك، عن يزيد بن أبي زياد، وهذا سند ضعيف من أجل شريك ويزيد، فإنّهما ضعيفان من قبل حفظهما. وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 2/ 470- 471.(1/385)
وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ أَمْدَادُ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ درهم، له والدة هو بها بر، لو أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا فَيَسْتَوْصُوا بِكَ خَيْرًا؟ فَقَالَ: لَأَنْ أَكُونَ فِي غَبْرَاءِ [1] النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ أُوَيْسٍ، كَيْفَ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ: رَثَّ الْبَيْتِ [2] قَلِيلَ الْمَتَاعِ، قَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسٌ مَعَ أَمْدَادِ الْيَمَنِ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ والدة هو بها بر، لو أقسم على اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ أَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي، وَقَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْتَغْفِرْ لَهُ، قَالَ فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ أُسَيْرُ بْنُ جَابِرٍ: فَكَسَوْتُهُ بُرْدًا، فَكَانَ إِذَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذَا. رواه مسلم بطوله [3] .
__________
[1] في حاشية الأصل «غمار. خ» إشارة إلى نسخة فيها ذلك.
[2] في الأصل «الثياب» وفوقها «البيت» ، وهذا هو لفظ مسلم.
[3] في صحيحه (2542/ 225) في كتاب فضائل الصحابة، وأشار إليه أبو نعيم في الحلية 2/ 80، وانظر طبقات ابن سعد 6/ 161 وما بعدها، والزهد لابن المبارك في الملحق من رواية نعيم- ص 59- 61.(1/386)
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ [1] ، نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ:
«أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَضَرَبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَيْرُ التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ» [2] . وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، قَالَ:
هَاتِ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، فَقُلْتُ: ذِكْرُ فِتْنَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَعْنِي، إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ يَنَالُكَ مِنْ تِلْكَ شَيْءٌ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَرَأَيْتَ الْبَابَ يُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا، قُلْتُ: أَجَلْ، فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا دُونَهُ اللَّيْلَةَ، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حديثًا ليس بالأغاليط، فَسَأَلَهُ مَسْرُوقٌ: مَنِ الْبَابُ؟
قَالَ: عُمَرُ. أَخْرَجَاهُ [3] .
وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنِ ابْنِ المسيّب، عن أبي موسى الأشعريّ
__________
[1] في (ع) «يوم حنين» وهو تصحيف.
[2] إسناده ضعيف، لضعف شريك ويزيد بن أبي زياد، وهو في المستدرك للحاكم 3/ 402، وحلية الأولياء لأبي نعيم 2/ 86.
[3] أخرجه البخاري 8/ 96 في كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر، وفي كتاب الزكاة 2/ 119 باب الصدقة تكفّر الخطيئة، وفي كتاب الصوم 2/ 226 باب الصوم كفّارة، وفيه لفظ «الصوم» بعد قوله «تكفّرها الصلاة» ، وفي كتاب المناقب 4/ 174 باب علامات النبوّة في الإسلام، ورواه مسلم (144) في كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، وإنه يأرز بين المسجدين، و (144/ 26) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في الفتنة التي تموج كموج البحر، والترمذي (2359) في كتاب الوصايا، باب رقم (61) ، وقال: هذا حديث صحيح، وابن ماجة (3955) في كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن، وأحمد في المسند 5/ 386 و 401 و 405.(1/387)
فِي حَدِيثِ الْقُفِّ [1] : فَجَاءَ عُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى- أَوْ بَلَاءٍ- يُصِيبُهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَقَالَ الْقَطَّانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ادْعِي لِي- أَوْ لَيْتَ عِنْدِي- رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي» ، قَالَتْ: قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: «لَا» ، قُلْتُ:
عُمَرُ؟ قَالَ: «لَا» ، قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: «لَا» ، قلت: فعثمان؟
__________
[1] القفّ: ما ارتفع من متن الأرض، وهنا جدار مبنيّ مرتفع حول البئر كالدّكّة يمكن الجلوس عليه.
[2] رواه البخاري 8/ 96- 97 في كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر. وهو بطوله عن أبي موسى الأشعريّ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حائط من حوائط المدينة لحاجته وخرجت في إثره فلما دخل الحائط جلست على بابه وقلت لأكوننّ اليوم بوّاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يأمرني، فذهب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقضى حاجته وجلس على قفّ البئر فكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر، فجاء أبو بكر يستأذن عليه ليدخل، فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك، فوقف فجئت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا نبيّ الله، أبو بكر يستأذن عليك. فقال «ائذن له، وبشّره بالجنّة» ، فدخل فجاء عن يمين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر فجاء عمر، فقلت: كما أنت، حتى أستأذن لك، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ائذن له وبشّره بالجنة» ، فجاء عن يسار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكشف عن ساقيه فدلّاهما في البئر، فامتلأ القفّ فلم يكن فيه مجلس، ثم جاء عثمان، فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ائذن له وبشّره بالجنة معها بلاء يصيبه» ، فدخل فلم يجد معهم مجلسا، فتحوّل حتى جاء مقابلهم على شفة البئر فكشف عن ساقيه ثم دلّاهما في البئر، فجعلت أتمنّى أخا لي وأدعو الله أن يأتي. قال ابن المسيّب: فتأوّلت ذلك قبولهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان» .
ورواه في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 4/ 196- 197 في باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لو كنت متّخذا خليلا، و 4/ 201- 202 باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و 4/ 202 باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه، و 7/ 123 في كتاب الأدب، باب نكت العود في الماء والطين، ومسلم (2403) في فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه، والترمذي (3711) في المناقب، باب رقم (61) ، ورواه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة- ج 3 (انظر كتابنا: من حديث خيثمة بن سليمان الأطرابلسي- ص 97 وما بعدها) .(1/388)
قال: «نعم» ، نقالت: فَجَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: قُومِي، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَى عُثْمَانَ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قُلْنَا: أَلَا تُقَاتِلُ؟
قَالَ: لَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ أَمْرًا، فَأَنَا صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ وَغَيْرُهُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ الْكَاهِلِيِّ- فِيهِ جَهَالَةٌ- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ رَأْسِ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ، وَإِلَّا تُرُوخِي عَنْهُمْ سَبْعِينَ سَنَةً» ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ هذا أو من مُسْتَقْبَلِهِ؟ قَالَ: «مِنْ مُسْتَقْبَلِهِ» [2] . وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَتْ عَائِشَةُ بَعْضَ دِيَارِ بَنِي عَامِرٍ، نَبَحَتْ عَلَيْهَا كلاب الحوأب [3] ، فقالت: أيّ ماء هذا؟
قالوا: الحوأب، قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَيْفَ بإحداكنّ إذا نبحتها كلاب الحوأب» . فَقَالَ الزُّبَيْرُ: تَقَدَّمِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ [4] .
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، تَكُونُ بَيْنَهُمَا مقتلة
__________
[1] أخرجه الترمذي في السنن 5/ 295 في الفضائل (3795) وقال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلّا من حديث إسماعيل بن أبي خالد، وابن ماجة، وفي المقدّمة 54، والحاكم في المستدرك 3/ 99، وابن سعد في الطبقات 3/ 66- 67، والبيهقي في دلائل النبوّة، وابن عساكر في تاريخ دمشق، ترجمة عثمان بن عفان رضي الله عنه- تحقيق سكينة الشهابي- ص 282- 283.
[2] رواه أبو داود في الفتن (4254) باب ذكر الفتن ودلائلها، وفيه «أممّا بقي أو ممّا مضى» بدل «أمن هذا أو من مستقبله» وأحمد في المسند 1/ 390 و 393.
[3] الحوأب: بزيادة همزة بين الواو والباء. قال ابن الأنباري في الزاهر 2/ 34- 35 «حوب» .
وهو ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها (معجم ما استعجم 2/ 472) .
[4] رواه أحمد في المسند 6/ 52 و 97، وانظر كنز العمال 5/ 444- 445.(1/389)
عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ [2] .
وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو: كَانَ أَهْلُ الشَّامِ سِتِّينَ أَلْفًا، فقتل منهم عشرون ألفا، وكان أهل العراق مائة ألف وعشرين ألفا، فقتل منهم أربعون ألفا، وذلك يوم صفين [3] .
وقال شعبة: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
__________
[1] في كتاب الفتن 8/ 101 باب خروج النار، والحديث طويل نصّه: «عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكن بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة وحتى يبعث دجّالون كذّابون قريب من ثلاثين كلّهم يزعم أنّه رسول الله وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهمّ ربّ المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الّذي يعرضه عليه لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمرّ الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومنّ الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» .
ورواه مسلم (157) في الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، بمثل ما هنا، ولكن من طريق معمر، عن همّام بن منبّه، عن أبي هريرة، ورواه أحمد في المسند 2/ 313 و 530 و 3/ 95.
[2] انظر الملحوظة السابقة.
[3] اختلفت الروايات في رقم قوات علي وقوات معاوية، وفي قتلى الفريقين. فقال ابن سيرين «بلغ قتلى صفّين سبعين ألفا» (تاريخ خليفة 196) وقال أبو بكر بن أبي شيبة: «انفضّت وقعة صفّين عن سبعين ألف قتيل، خمسين ألفا من أهل الشام، وعشرين ألفا من أهل العراق» (العقد الفريد 4/ 343) وقال إن معاوية خرج من الشام في بضع وثمانين ألفا.
وعليّ من الكوفة في خمسة وتسعين ألفا. (4/ 337) وقال المسعودي إن المتّفق عليه من قول الجميع أن مقدار جيش عليّ كان تسعون ألفا، وجيش معاوية خمس وثمانون ألفا.
(مروج الذهب 2/ 384) وانظر 404 و 405.(1/390)
حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي- يَعْنِي أَبَا قَتَادَةَ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» [1] . وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ [2] .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عن الميسور بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ:
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نَقْرَأُ: جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا جَاهَدْتُمْ فِي أَوَّلِهِ! قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: إِذَا كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ الْأُمَرَاءَ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ الْوُزَرَاءَ. رَوَاهُ الرَّمَادِيُّ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فِرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ [4] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي هُوَ بِالْيَمَنِ- بِذَهَبٍ [5] فِي تُرْبَتِهَا فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْكِلَابِيِّ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، وزيد الخيل [6]
__________
[1] أخرجه مسلم (2915) في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة ...
وأحمد في المسند 3/ 5، وابن سعد في الطبقات 3/ 252- 253، والحافظ في سير أعلام النبلاء 1/ 420، ويروى الحديث من طرق كثيرة. انظر: معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي- بتحقيقنا- ص 283- 284 المتن والحاشية.
[2] في صحيحه (2916) في كتاب الفتن، في الباب نفسه.
[3] في صحيحه (1064) (152) في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.
[4] نعم: بضم النون وإسكان العين. (تقريب التهذيب 1/ 500 رقم 1136) .
[5] في صحيح مسلم «بذهبة» .
[6] وفي صحيح مسلم «زيد الخير» وكلاهما صحيح ومشهور.(1/391)
الطَّائِيِّ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ وَقَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أُعْطِيهِمْ أَتَأَلَّفُهُمْ» ، فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، ناتىء الْجَبِينِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي أَهْلُ السَّمَاءِ وَلَا تَأْمَنُونِي» ؟
فَاسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ فِي قَتْلِهِ [1] ، فَأَبَى ثُمَّ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ [2] هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] ، وَلِلْبُخَارِيِّ بِمَعْنَاهُ [4] . الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، وَالضَّحَّاكُ، يَعْنِي الْمشرفي [5] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قَسْمًا، فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ [6] وَمَنْ يَعْدِلْ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ» [7] . فَقَامَ عُمَرُ فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قال: «لا، [8] إنّ له أصحابنا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم،
__________
[1] في صحيح مسلم «يرون أنه خالد بن الوليد» .
[2] أي من نسله وعقبه.
[3] في صحيحه (1064) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.
[4] في صحيحه 8/ 178 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ.. 70: 4، وهو عند أبي داود (4764) في كتاب السّنّة، باب في قتال الخوارج، وأحمد في المسند 3/ 68 و 73 و 166 و 176 و 275، والنسائي 5/ 87 في كتاب الزكاة، باب المؤلّفة قلوبهم، وفي كتاب التحريم 7/ 117- 121 في حديث طويل، باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس.
[5] بكسر الميم وسكون الشين وفتح الراء، وفي آخرها الفاء. نسبة إلى مشرف، وهو بطن من همدان. (اللباب 3/ 216) وقد تحرّفت في طبعة القدسي 2/ 276 إلى «المشرقي» بالقاف.
[6] في صحيح البخاري «ويلك» .
[7] في صحيح البخاري زيادة هنا «قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل» .
[8] في صحيح البخاري، «دعه» بدل «لا» .(1/392)
وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ [1] ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ [2] فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ [3] فَلَا [4] يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ [5] فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ [6] آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَدْعَجُ [7] إِحْدَى يَدَيْهِ [8] مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ [9] . [10] قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَتَلَهُمْ، فَالْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى وَأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [11] . وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ [12] قَالَ: ذَكَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ فَقَالَ: فِيهِمْ رَجُلٌ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ [13] الْيَدِ، لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَنَبَّأْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الذين يقاتلونهم على لسان
__________
[1] في صحيح البخاري زيادة هنا «يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم» .
[2] الرصاف: عقب يلوى على مدخل النصل فيه.
[3] النّضي: نصل السهم.
[4] في صحيح البخاري زيادة هنا «وهو قدحه» .
[5] القذذ: بضم القاف وفتح الدال. آذان السهم، فله ثلاث قذذ، وهي الرّيش. (تاج العروس 9/ 456) .
[6] في صحيح البخاري هنا زيادة «قد سبق الفرث والدم» .
[7] في صحيح البخاري «أسود» بدل «أدعج» .
[8] في صحيح البخاري «عضديه» بدل «يديه» .
[9] أي ترجرج وتضطرب.
[10] في كتاب المناقب 4/ 179 باب علامات النبوّة في الإسلام، و 6/ 115 في كتاب فضائل القرآن، باب من رأى بقراءة القرآن تأكّل به أو فخر به، و 7/ 111 في كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل ويلك، و 8/ 178 في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه.. و 8/ 218 في باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم.
[11] في صحيح البخاري هنا زيادة «ويخرجون على حين فرقة من الناس» .
[12] بفتح العين.
[13] ناقص اليد. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير) .(1/393)
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْوَضِيِّ السُّحَيْمِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ بِالنَّهْرَوَانِ، فَقَالَ لَنَا: الْتَمِسُوا الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَتَوْهُ فَقَالَ: ارْجِعُوا فالتمسوا المخدج، فو الله مَا كُذِبْتُ وَلَا كَذَبْتُ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَرَجَعُوا فَقَالُوا: قَدْ وَجَدْنَاهُ تَحْتَ الْقَتْلَى فِي الطِّينِ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَبَشِيًّا، لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ، عَلَيْهِ شُعَيْرَاتٌ كَالشُّعَيْرَاتِ الَّتِي عَلَى ذَنَبِ الْيَرْبُوعِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ عَلِيٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» . وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: جَاءَ رَأْسُ الْخَوَارِجِ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسْمَةَ، وَلَكِنِّي مَقْتُولٌ مِنْ ضَرْبَةٍ عَلَى هَذِهِ تَخْضِبُ هَذِهِ- وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ- عَهْدٌ مَعْهُودٌ وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [2] . وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ- وَكَانَ أَبُوهُ بَدْرِيًّا- قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَائِدًا لِعَلِيٍّ مِنْ مَرَضٍ أَصَابَهُ ثِقْلٌ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ما يقيمك
__________
[1] في صحيحه (1066/ 155) في كتاب الزكاة، باب التحريض على قتل الخوارج، وأخرجه أبو داود (4763) في كتاب السّنّة، باب في قتال الخوارج، وابن ماجة (167) في المقدّمة، باب في ذكر الخوارج، وأحمد في المسند 1/ 83 و 95 و 113 و 121 و 144 و 155، والمغازلي في مناقب أمير المؤمنين علي، ص 259 رقم 462.
[2] رواه المغازلي في حديث طويل، في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص 251- 258 رقم 460 من طريق داود بن الفضل، عن الأسود بن رزين، عن عبيدة بن بشر الخثعميّ، عن أبيه.(1/394)
بِمَنْزِلِكَ هَذَا، لَوْ أَصَابَكَ أَجَلُكَ لَمْ يَلِكَ إِلَّا أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ! تُحْمَلُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَصَابَكَ أَجَلُكَ وَلِيَكَ أَصْحَابُكَ وَصَلُّوا عَلَيْكَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إليّ أنّي لا أموت حتى أومّر، ثُمَّ تُخْضَبُ هَذِهِ مِنْ دَمِ هَذِهِ- يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ دَمِ هَامَتِهِ- فَقُتِلَ، وَقُتِلَ أَبُو فَضَالَةَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ دُونَ (عَظِيمَتَيْنِ) [1] . وَقَالَ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَهُوَ بِسَاحِلِ حِمْصٍ، وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرَامٍ، قَالَ: فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا [2] » . قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: يَا رَسُولَ الله أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: «أَنْتِ فِيهِمْ» ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» ، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . فيه إخباره عليه السلام أنّ
__________
[1] صحيح البخاري 8/ 98- 99 في كتاب الفتن، باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للحسن بن علي إنّ ابني هذا لسيّد وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ من المسلمين، وفي كتاب الصلح 3/ 169- 170 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للحسن بن عليّ رضي الله عنهما ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ به بين فئتين عظيمتين.. وفي كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 4/ 216 باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وفي كتاب المناقب 4/ 184 باب علامات النبوّة في الإسلام، وأخرجه أبو داود في كتاب السّنّة (4662) ، والترمذي في المناقب (3862) ، والنسائي في كتاب الجمعة 3/ 107 باب مخاطبة الإمام رعيّته وهو على المنبر، وأحمد في المسند 5/ 38 و 42 و 44 و 51.
[2] أي وجبت لهم الجنة، على ما في (النهاية لابن الأثير) .
[3] في كتاب الجهاد والسير 3/ 201 باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، و 3/ 203 باب(1/395)
أُمَّتَهُ يَغْزُونَ الْبَحْرَ، وَيَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ.
وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا دَجَّالًا كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] ، واتّفقا عليه من حديث أبي هريرة [2] .
__________
[ () ] فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم، و 3/ 221 باب غزو المرأة في البحر، و 3/ 225 باب ركوب البحر، وكتاب الاستئذان 7/ 140 باب من زار قوما فقال عندهم، وكتاب التعبير 8/ 73 باب الرؤيا بالنهار، ومسلم (1912) في كتاب الإمارة، باب فضل الغزو في البحر، ومالك في الموطّأ 2/ 464- 465 في الجهاد، باب الترغيب في الجهاد، وأبو داود (2490 و 2491 و 2492) في الجهاد، باب فضل الغزو في البحر، والترمذي (1645) في فضائل الجهاد، باب ما جاء في غزو البحر، والنسائي 6/ 40 و 41 في الجهاد، باب فضل الجهاد في البحر، وأحمد في المسند 6/ 361 و 423، وانظر جامع الأصول 9/ 149 و 150 وطبقات ابن سعد 8/ 435.
والحديث بسنده ونصّه في: حلية الأولياء 2/ 61، وتاريخ دمشق (تراجم النساء) تحقيق سكينة الشهابي 486، ومسند الشاميين للطبراني.
وقد اختلف في مكان وفاة أم حرام، فقيل في جزيرة قبرص- وهو الأشهر- وقيل في جزيرة رودس، وقيل في ساحل الشام بعد عودتها من غزو البحر، فدفنت في بيروت بمدفن الباشورة. وكانت مدفونة في مدفن الخارجة ثم نقلت. انظر: تاريخ بيروت وأمراء بني بحتر لصالح بن يحيى- ص 14، دروس التاريخ الإسلامي لمحيي الدين الخياط البيروتي، تاريخ خليفة بن خياط 160، ربيع الأبرار للزمخشري 1/ 240، طبقات ابن سعد 8/ 434، تاريخ الطبري 4/ 258، حلية الأولياء 2/ 61، تاريخ دمشق (تراجم النساء) 486- 496، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البرّ 1/ 142 طبعة الرباط.
[1] في صحيحه (2923) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت، من البلاء.
[2] أخرجه البخاري 4/ 178 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام، وفي أوّله: «عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما والله، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجّالون كذّابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله» ، و 8/ 101 في كتاب الفتن، باب خروج، النار، من حديث طويل، ومسلم (157/ 84) ج 4/ 2240 في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل.. والترمذي (2315) في كتاب الفتن، باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذّابون، وأحمد في المسند 2/ 237 و 313 و 530.(1/396)
وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ: أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ [1] فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ. أخرجه مسلم [2] ، تعني بالكذّاب المختار بن أبي عُبَيْدٍ [3] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمِ الْجَزَرِيِّ، ثنا الْأَحْوَصُ بْنُ الْحَكِيمِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ وَهْبٌ، يَهَبُ اللَّهُ لَهُ الْحِكْمَةَ، وَرَجُلٌ يُقَالُ له غيلان، وهو أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ» . مَرْوَانُ ضَعِيفٌ [4] .
__________
[1] أي المهلك الّذي يسرف في إهلاك الناس. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير) .
[2] في صحيحه (2545) من حديث طويل، في كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها.
[3] هو الثقفي. انظر عنه في الكذب وادّعاء النبوّة (المعرفة والتاريخ للفسوي 31- 32) .
[4] هو مروان بن سالم الغفاريّ الشامي الجزري القرقيسيائي، أبو عبد الله، يروي عن صفوان بن عمرو. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ: لَيْسَ بثقة، وقال العقيلي والنسائي كذلك، وقال النسائي في موضع آخر: متروك الحديث، وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: منكر الحديث جدا، ضعيف الحديث ليس له حديث قائم، قلت: يترك حديثه؟ قال: لا، يكتب حديثه، وقال أبو عروبة الحرّاني كان يضع الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم، وقال ابن عديّ: عامّة حديثه لا يتابعه عليه الثقات. وقال ابن حبّان: يروي المناكير عن المشاهير ويأتي عن الثقات بما ليس من حديث الأثبات، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج، بأخباره، وقال السّاجي: كذّاب يضع الحديث، وقال العقيلي أيضا: أحاديثه مناكير. وقال البغوي: منكر الحديث لا يحتجّ بروايته ولا يكتب أهل العلم حديثه إلّا للمعرفة. وقال أبو نعيم: منكر الحديث.
انظر عنه: التاريخ الكبير 7/ 373 رقم 1602، التاريخ الصغير 185، الضعفاء الصغير 277 رقم 353، الضعفاء والمتروكين للنسائي 304 رقم 558، الجرح والتعديل 8/ 274- 275 رقم 1255، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 164 رقم 529، المجروحين لابن حبّان 3/ 13، الضعفاء الكبير 4/ 204 رقم 1787، الكامل لابن عديّ 6/ 2380، 2381، الكاشف 3/ 116- 117 رقم 5463، المغني في الضعفاء 2/ 651 رقم 6164، ميزان الاعتدال 4/ 90- 91 رقم 8425، تهذيب التهذيب 10/ 93- 94 رقم 171، تقريب التهذيب 2/ 239 رقم 1020، المعرفة والتاريخ 3/ 42 و 50.
أمّا الحديث، فهو في: الضعفاء للعقيليّ، والكامل لابن عديّ، وميزان الاعتدال للحافظ.(1/397)
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أنا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ يَقُولُ: «تَسْأَلُونَ [1] عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَأُقْسِمُ باللَّه، مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ» [2] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثَمَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ لَيْلَةً في آخر حياته، فلمّا سلّم قال فَقَالَ: «أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
فَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي الطُّفَيْلِ فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا [5] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] .
وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ تُوُفِّيَ سنة عشر ومائة [7] .
__________
[1] كذا في الأصل، وفي صحيح مسلم «تسألوني» .
[2] زاد في رواية «وهي حيّة يومئذ» .
[3] في صحيحه (2538) في كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلّى الله عليه وسلّم: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم.
[4] أخرجه مسلم (2537) في كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلّى الله عليه وسلّم: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم.
[5] أي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم، كأنّ خلقه نحى به القصد من الأمور، والمعتدل الّذي لا يميل إلى أحد طرفي التفريط والإفراط. (انظر: النهاية لابن الأثير) .
[6] في صحيحه (2340) في كتاب الفضائل الصحابة، باب كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبيض مليح الوجه، ورواه أحمد في المسند 5/ 454، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 203.
[7] هو عامر بن واثلة اللّيثي، يقال إنه آخر من مات ممّن رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد روى عنه نحو أربعة أحاديث. انظر عنه: الوافي بالوفيات للصفدي 16/ 584- 585 رقم 623 ففيه مصادر ترجمته، وكذلك سير أعلام النبلاء 3/ 467 رقم 97.(1/398)
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنًا» ، قَالَ: فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ [1] ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: نا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وُلِدَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّوْهُ الْوَلِيدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُمْ، غَيِّرُوا اسْمَهُ- فَسَمُّوهُ عَبْدَ اللَّهِ- فَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ، هُوَ شَرٌّ لِأُمَّتِي مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ» . هَذَا ثَابِتٌ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمَرَاسِيلُهُ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ [2] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، اتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ دَغَلًا [3] ، وَعِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا، وَمَالَ اللَّهِ دُوَلًا» . غَرِيبٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثِينَ رَجُلًا» [4] . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ الْأَحْمَرُ: نا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ
__________
[1] في نسخة دار الكتب «بكير» ، وهو تصحيف.
[2] انظر في ذلك كتاب المراسيل لابن أبي حاتم الرازيّ 71 رقم 114، وجامع التحصيل في أحكام المراسيل لابن كيكلدي 44- 47 و 223- 224 رقم 244.
[3] أي يخدعون به الناس. وفي رواية «دخلا» .
[4] الحديث في المسند لأحمد 3/ 80 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَلَغَ بَنُو أبي فلان ثَلاثِينَ رَجُلا اتَّخَذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلا، وَدِينَ الله دخلا، وعباد الله خولا» .
ورواه الحاكم في المستدرك 4/ 480.(1/399)
أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ النَّصْرِيِّ [1] قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَرِيفٌ نَزَلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرِيفٌ نَزَلَ الصُّفَّةَ، فَنَزَلْتُ الصُّفَّةَ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَافِقُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمْ مُدًّا مِنْ تَمْرٍ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي صَلَاتِهِ، إِذْ نَادَاهُ رجل فقال: يا رسول الله أَحْرَقَ بُطُونَنَا التَّمْرُ، وَتَخَرَّقَتْ عَنَّا الْخُنُفُ [2] قَالَ: وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَصَاحِبِي، ومكثنا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَا لَنَا طَعَامٌ غَيْرُ الْبَرِيرِ- وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ- حَتَّى أَتَيْنَا إِخْوَانَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَآسَوْنَا مِنْ طَعَامِهِمْ، وَكَانَ جُلَّ طَعَامِهِمُ التَّمْرُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ قَدِرْتُ لَكُمْ عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ لَأَطْعَمْتُكُمُوهُ، وَسَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ أَوْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، تَلْبَسُونَ أَمْثَالَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَيُغْدَى وَيُرَاحُ عَلَيْكُمْ بِالْجِفَانِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ أَمِ الْيَوْمَ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ، أَنْتُمُ الْيَوْمَ إِخْوَانٌ، وَأَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ يَضْرِبُ بعضكم رقاب بعض» [3] .
__________
[1] هو طلحة بن عمرو النّصري، ويقال فيه طلحة بن عبد الله. ووقع التصحيف في نسبته، فقيل «النضري» كما في الاستيعاب، وقيل «البصري» كما في الإصابة وغيره، وقيل «النضري» بالضاد المعجمة، كما في الوافي بالوفيات وغيره.
انظر عنه: طبقات ابن سعد 7/ 51 وفيه «النّضري» ، وطبقات خليفة 55 و 183، والتاريخ الكبير 4/ 344 رقم 3070، والمعرفة والتاريخ للفسوي 1/ 277، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 4/ 472 رقم 2073، والاستيعاب 2/ 225 وفيه النضري، والمعجم الكبير للطبراني 8/ 371، وحلية الأولياء لأبي نعيم 1/ 374 رقم 83 وفيه «البصري» ، وأسد الغابة لابن الأثير 3/ 62، والوافي بالوفيات للصفدي 16/ 478 رقم 7515 وفيه «النضري» ، والإصابة لابن حجر 2/ 231 رقم 4270 وفيه «البصري» ، والصواب ما أثبته ابن حجر في: تبصير المنتبه بتحرير المشتبه 1/ 156 من أنه «النّصري» بالنون، والصاد المهملة.
[2] الخنف: جمع خنيف من نسج مشاقة الكتان. (كتبت على حاشية الأصل) وفي النهاية لابن الأثير: أراد ثيابا تعمل منه كانوا يلبسونها. وهي من نوع غليظ من أردأ الكتّان. وعرّفها أبو نعيم في الحلية بأنها برود شبه اليمانية.
[3] أخرجه أحمد في المسند 3/ 487 ونسبه إلى رجل يسمّى طلحة وقال: ليس هو بطلحة بن(1/400)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ: ذَكَرَ سُفْيَانُ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى يُحَنِّسَ [1] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ [2] وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، سُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. حَدِيثٌ مرسل [3] .
__________
[ () ] عبيد الله رضي الله عنه. وهو بالسند المذكور، ولكن اللفظ مختلف، وهو «.. عن أبي حرب أن طلحة حدّثه- وكان مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أتيت المدينة وليس لي بها معرفة، فنزلت في الصّفّة مع رجل، فكان بيني وبينه كل يوم مدّ من تمر، فصلّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يوم، فلما انصرف قال رجل من أصحاب الصّفّة: يا رسول الله أحرق بطوننا التمر وتخرّقت عنّا الخنف، فصعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب ثم قال: والله لو وجدت خبزا أو لحما لأطعمتكموه، أما أنكم توشكون أن تدركوا، ومن أدرك ذلك منكم أن يراح عليكم بالجفان وتلبسون مثل أستار الكعبة، قال: فمكثت أنا وصاحبي ثمانية عشر يوما وليلة، ما لنا طعام إلّا البرير، حتى جئنا إلى إخواننا من الأنصار فواسونا، وكان خير ما أصبنا هذا التمر» .
ورواه بطوله الفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 277- 278، وأخرج معظمه: الطبراني في المعجم الكبير 8/ 371 رقم 8160، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 374- 375 رقم 83، والإصابة لابن حجر 2/ 231 رقم 4270، وأشار إليه ابن سعد في الطبقات 7/ 51، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 322- 323 وقال رواه البزّار بنحوه.
[1] مهمل من النّقط في نسخة دار الكتب، والتصحيح من الأصل.
[2] مشية فيها تبختر ومدّ اليدين. (انظر مجمع البحار 12 وفيض القدير 1/ 445) .
[3] أخرجه الترمذي في كتاب الفتن (2363) باب الوصايا رقم 64 عن موسى بن عبد الرحمن الكندي، عن زيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.
ولفظه: «.. وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم، سلّط شرارها على خيارها» . وقال:
هذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد الأنصاري. وذكر الترمذي في رقم (2364) : «حدّثنا بذلك محمد بن إسماعيل الواسطي، أخبرنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحوه. ولا يعرف لحديث أبي معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أصل، إنّما المعروف حديث موسى بن عبيدة، وقد روى مالك بن أنس هنا الحديث عن يحيى بن سعيد مرسلا، ولم يذكر فيه: عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر» .
وأخرجه ابن المبارك في الزهد- انظر ما رواه نعيم بن حمّاد زائدا على ما رواه المروزي عن ابن المبارك، في آخر الكتاب، ص 52 رقم 187 من طريق موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. بلفظ «وخدمتهم أبناء الملوك» و «سلّط الله شرارها» ،(1/401)
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى مَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ، فَدَخَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَنَاجَى رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثَةً: سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ [1] فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» . رَوَاهُ مسلم [2] . وقال أيوب، عن أبي قلابة، عن أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى [3] لِيَ الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ [4] مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا [5] ، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ [6] ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا [7] قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ [8] لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو
__________
[ () ] وأخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير 4/ 162، وابن عديّ في الكامل في الضعفاء 6/ 2335، وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان 1/ 308، وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة، أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 237 وقال: رواه الطبراني في «الأوسط» ، وإسناده حسن.
وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 2/ 679- 681.
[1] السّنة: القحط والجدب.
[2] في صحيحه (2890) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمّة بعضهم ببعض.
[3] بمعنى جمع.
[4] اللفظ عند مسلم: «وإنّ أمّتي سيبلغ ملكها ما زوي» .
[5] إلى هنا رواية الشهاب القضاعي في مسندة 2/ 166، 167 رقم 706.
[6] أي جماعتهم وأصلهم، والبيضة هنا: موضع السلطان والعزّ والملك.
[7] هنا اضطراب في النص عند ابن الملا في المنتقى.
[8] إضافة على الأصل من صحيح مسلم.(1/402)
اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا [1] حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا، وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا» [2] [3] .
وَقَالَ: إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ.
وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ [4] إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ [5] ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَإِنِّي [6] خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.
وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ [7] حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [8] . وَقَالَ يُونُسُ وَغَيْرُهُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجُ» . قِيلَ: وَمَا
__________
[1] في صحيح مسلم «من بأقطارها، أو قال: من بين أقطارها» .
[2] اللفظ عند مسلم «حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا» .
[3] إلى هنا ينتهي الحديث عند مسلم (2889) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمّة بعضهم ببعض، ورواه الترمذي (2267) في كتاب الفتن.
[4] عند أبي داود «عنها» .
[5] اللفظ عند أبي داود «وحتى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان» .
[6] عند أبي داود «وأنا» .
[7] عند أبي داود «خالفهم» .
[8] الصحيح: «رواه أبو داود» ، فقد انتهت رواية مسلم عند قوله: «وبعضهم يقتل بعضا» .
انظر: سنن أبي داود (4252) في كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها. وأخرج الترمذي قسما منه (2316) في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من قبل الحجاز، وابن ماجة، رقم 2952، وأحمد في المسند 4/ 123 من حديث شداد بن أوس، و 5/ 278 و 284 من حديث ثوبان، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 1/ 7 رقم (2) .(1/403)
الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ» ، قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ؟ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ بِقَتْلِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا» . قَالُوا: وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ عُقُولُنَا؟ قَالَ:
«إِنَّهُ تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُمْ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسَبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ» [1] . وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ، وَيَضْرِبُونَ النّاس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، ورءوسهنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ [2] الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ، كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا» ، فَقَالَ قَائِلٌ: أَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ» ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» .
__________
[1] أخرجه مسلم مختصرا (2672) في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، و (157/ 18) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، والترمذي (2296) في كتاب الفتن، باب ما جاء في الهرج، وابن ماجة بنحوه في كتاب الفتن (3959) باب التثبّت في الفتنة، و (4047) باب أشراط الساعة، و (4051) باب ذهاب القرآن والعلم، والدارميّ في المناسك، باب رقم 72، وأحمد 1/ 389 و 3/ 257 و 261 و 371 و 382 و 519 و 525 و 536 و 539 و 541 و 4/ 405.
[2] قال في اللسان: البخت والبختية دخيل في العربية، أعجميّ معرّب. وهي الإبل الخراسانية.
[3] في صحيحه (2128) في كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، و (2128) في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبّارون، والجنّة يدخلها الضعفاء.(1/404)
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، ثنا أَبُو عَبْدِ السَّلَامِ [1] . وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ: نا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَأَنْ يَرَانِي، ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مِثْلِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [2] . وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ [3] .
وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَازِيُّ [4] ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى اثنتين وسبعين ملّة، كلّها فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [5] . وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَتُشْرَبَ الخمر، ويظهر الزّنا» [6] . متّفق عليه [7] .
__________
[1] سنن أبي داود 4/ 111 رقم (4297) في كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، وأحمد 2/ 359 و 5/ 278.
[2] في صحيحه (2364) في كتاب الفضائل، باب فضل النظر إليه صلّى الله عليه وسلّم وتمنّيه.
وأضاف مسلم: قال أبو إسحاق: المعنى فيه عندي، لأن يراني معهم أحبّ إليه من أهله وماله. وهو عندي مقدّم ومؤخّر.
[3] في صحيحه 4/ 175 كتاب المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام.
[4] الحرازي: بفتح الحاء والراء المخفّفة، نسبة إلى حراز بن عوف.. بطن من ذي الكلاع.
(الأنساب للسمعاني) .
[5] في سننه (4597) كتاب السّنّة، باب شرح السّنّة، والدارميّ في السير، باب رقم 75، والدارميّ 2/ 241، وأحمد 4/ 102، والحاكم في المستدرك 1/ 128، وابن ماجة 2/ 480.
[6] في الأصل وطبعة القدسي 2/ 284 «الزنى» .
[7] أخرجه البخاري 1/ 28 في كتاب العلم، باب رفع العلم وظهور الجهل، وفي كتاب الحدود والمحاربين 8/ 20 باب إثم الزّناة وقول الله تعالى: ولا يزنون، وفي كتاب النكاح 6/ 158 باب(1/405)
وَقَالَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ كَثِيرُ النّواء [2] ، عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَكُونُ فِي أُمَّتِي قَوْمٌ يُسَمَّوْنَ الرَّافِضَةَ، هُمْ بَرَاءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ» . كَثِيرٌ ضَعِيفٌ تفرّد به [3] .
__________
[ () ] يقلّ الرجال ويكثر النساء، وفي كتاب الأشربة 6/ 241 باب وقول الله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 5: 90، ومسلم (2671) في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن، في آخر الزمان، والترمذي في الفتن (2301) في باب ما جاء في أشراط الساعة، وابن ماجة (4045) في كتاب الفتن، باب أشراط الساعة، وأحمد 3/ 151 و 176 و 303 و 213 و 273 و 289.
[1] أخرجه البخاري في العلم 1/ 33- 34 باب كيف يقبض العلم، وفي كتاب الاعتصام 8/ 148 باب ما يذكر من ذمّ الرأي وتكلّف القياس.. ومسلم (2673) في العلم، باب رفع العلم وقبضه، والطبراني في المعجم الصغير 1/ 165، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (بتحقيقنا) 200 رقم 156 و 208 رقم 164 و 283 رقم 241 و 343 رقم 324، والترمذي في العلم (2790) باب ما جاء في ذهاب العلم، وقال: وفي الباب عن عائشة وزياد بن لبيد.
وأضاف: هذا حديث حسن صحيح. وقد روى هذا الحديث الزهري عن عروة، عن عبد الله بن عمرو، وعن عروة عن عائشة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل هذا، وابن ماجة في المقدّمة (52) باب اجتناب الرأي والقياس، والدارميّ في المقدّمة باب رقم 26، وأحمد 2/ 162 و 190.
[2] وأبو إسماعيل الكوفي، مولى بني تيم الله.
[3] قال النسائي: ضعيف، واتّهمه الجوزجاني بالزّيغ، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف الحديث، وقال ابن عديّ: غاليا في التشيّع مفرطا فيه، فيما قال العجليّ: لا بأس به، وذكره ابن حبّان في الثقات، وروى محمد بن بشر فقال: لم يمت كثير النوّاء حتى رجع عن التشيّع.
انظر عنه: كتاب التاريخ الكبير 7/ 215 رقم 934، والضعفاء والمتروكين 303 رقم 507، وأحوال الرجال للجوزجانيّ 50 رقم 27، والجرح والتعديل 7/ 159- 160 رقم 895، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 6/ 2086- 2087، والكاشف 3/ 3 رقم 4696، والمغني في الضعفاء 2/ 531 رقم 5091، وميزان الاعتدال 3/ 402 رقم 6930، وتهذيب(1/406)
وَقَالَ شُعْبَةُ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَمْزَةَ، نا زَهْدَمٌ، أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ بَعْدَهُمْ يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوَفُّونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] . وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالضَّعِيفَةُ فِي إِخْبَارِهِ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ كَثِيرَةٌ إِلَى الْغَايَةِ، اقْتَصَرْنَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْهَا، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ يُؤَيِّدَنَا بِرُوحٍ مِنْهُ [2] .
بَابٌ جَامِعٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَرَفَعُوهُ: قَالُوا: هَذَا كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، فَأُعْجِبُوا بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللَّهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أنس قال: كان رجل نصرانيّا
__________
[ () ] التهذيب 8/ 411 رقم 735، وتقريب التهذيب 2/ 131 رقم 3 والحديث في: الكامل في ضعفاء الرجال 6/ 2087، وميزان الاعتدال 3/ 402 رقم 6930.
[1] في صحيحه (2535) في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وأبو داود في كتاب السّنّة 4/ 214 رقم (4657) باب في فضل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحمد 2/ 84 و 199 و 209.
[2] كتب هنا في حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسخ الله في مدّته، في الميعاد الثامن، وللَّه الحمد والمنّة» .
[3] في صحيحه (2781) في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، وأحمد 3/ 222.(1/407)
فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ يَقُولُ: مَا أَرَى يُحْسِنُ مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ، فَأَقْبَرُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، قَالُوا: هَذَا عَمَلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
قُلْتُ: هَذِهِ هِيَ الْمُعْجِزَةُ الْعُظْمَى، وَهِيَ (الْقُرْآنُ) فَإِنَّ النَّبِيَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، كَانَ يَأْتِي بِالْآيَةِ وَتَنْقَضِي بِمَوْتِهِ، فَقَلَّ لِذَلِكَ مَنْ يَتْبَعُهُ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِ مُعْجِزَتِهِ الْكُبْرَى بَاقِيَةً بَعْدَهُ، فَيُؤْمِنُ باللَّه وَرَسُولِهِ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا صُدِّقَ نَبِيُّ مَا صُدِّقْتُ، إِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] .
__________
[1] في صحيحه 4/ 181- 182 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام.
[2] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن 6/ 97 باب كيف نزول الوحي، ومسلم (152) في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملّته.
[3] في صحيحه (196/ 332) في كتاب الإيمان، باب في قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنا أول الناس يشفع في الجنّة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا، وأخرجه ابن حبّان. انظر موارد الظمآن للهيثمي 2305، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 2/ 683 رقم 397.(1/408)
وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ 97: 1 [1] قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ جملة واحدة إلى سماء الدُّنْيَا، وَكَانَ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ، فَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، بَعْضَهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ. قَالَ تَعَالَى: وَقال الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا 25: 32 [2] .
بَابُ آخِرِ سُورَةٍ نُزِّلَتْ
قَالَ أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْن عَبْد الله بْن عُتْبة قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْلَمُ آخِرَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [3] 110: 1 قَالَ: صَدَقْتَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِذا جاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ 110: 1 قَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ، قَالَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مِثْلَ مَا تَعْلَمُ يَا بْنَ عَبَّاسٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ [5] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ (بَرَاءَةٌ) ، وَآخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ (يستفتونك) [6] . متّفق عليه [7] .
__________
[1] سورة القدر- الآية 1.
[2] سورة الفرقان- الآية 32، وفي الأصل نقص في الآية استدركته.
[3] سورة النصر- الآية 1.
[4] في صحيحه (3024) في كتاب التفسير، باب كتاب التفسير.
[5] صحيح البخاري 6/ 94، كتاب التفسير، سورة إذا جاء نصر الله.
[6] أي سورة النساء.
[7] أخرجه البخاري 8/ 8 في كتاب الفرائض، باب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، من طريق عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أبي إسحاق، عن البراء، رضي الله عنه قال:(1/409)
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمِ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ آيَةُ الرِّبَا.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ 2: 281 [1] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: آخِرُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرِّبَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ. صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيٍّ قَالَ:
آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ الله 9: 129 [3] .
فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّا مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِمُقْتَضَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ قَالَا: نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [4] ، وَالْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَالْأَنْفَالُ، وَالْأَحْزَابُ، وَالْمَائِدَةُ، وَالْمُمْتَحَنَةُ، وَالنِّسَاءُ، وَإِذَا زُلْزِلَتْ، وَالْحَدِيدُ، وَمُحَمَّدٌ، والرّعد، والرحمن، وهل
__________
[ () ] «آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة» ، ومسلم (1618/ 11) من طريق شعبة بسنده ولفظه: «آخر آية أنزلت، آية الكلالة، وآخر سورة أنزلت براءة» ، وفي كتاب الفرائض، باب آخر آية أنزلت آية الكلالة، عدّة أحاديث عن البراء من طرق.
[1] سورة البقرة- الآية 281.
[2] رواه أحمد في المسند 1/ 36 و 50.
[3] سورة التوبة- الآية 129.
[4] في تفسير الآلوسي (30/ 67 الطبعة الثانية المنبرية) : اختلف في كونها- أي المطفّفين- مكّية أو مدنية، فعن ابن مسعود والضّحّاك أنّها مكية، وعن الحسن وعكرمة أنّها مدنية، وعليه السّدّيّ.(1/410)
أَتَى، وَالطَّلَاقُ، وَلَمْ يَكُنْ، وَالْحَشْرُ، وَإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ، وَالنُّورُ، وَالْحَجُّ، وَالْمُنَافِقُونَ، وَالْمُجَادَلَةُ، وَالْحُجُرَاتُ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالصَّفُّ، وَالْجُمُعَةُ، وَالتَّغَابُنُ، وَالْفَتْحُ، وَبَرَاءَةٌ، قَالَا: ونزل بمكة، فذكرا مَا بَقِيَ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ.
بَابٌ فِي النَّسْخِ وَالْمَحْوِ مِنَ الصُّدُورِ
وَقَالَ أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةٍ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا:
لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ. وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ [1] فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ منها: يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا [2] مَا لَا تَفْعَلُونَ، فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ [4] وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، أَنَّ رَهْطًا مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ، أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَ سُورَةً كَانَتْ قَدْ وَعَاهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ إِلَّا (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَأَتَى بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ لِيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا جَمَعَهُمْ؟ فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشَأْنِ تِلْكَ السُّورَةِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُمْ، وَسَأَلُوهُ عَنِ السُّورَةِ، فَسَكَتَ سَاعَةً لَا يُرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ «نُسِخَتِ الْبَارِحَةَ» ، فَنُسِخَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَتْ فيه.
__________
[1] أي السّور التي تفتتح ب: سبحان، وسبّح، ويسبّح، وسبّح بسم ربّك.
[2] في صحيح الإمام مسلم «لم تقولون» .
[3] في صحيحه (1050) في كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا.
[4] في ع (جمرة) وهو تصحيف.(1/411)
رَوَاهُ عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ فِيهِ: وَابْنُ الْمُسَيِّبِ جَالِسٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ.
نَسْخُ هَذِهِ السُّورَةِ وَمَحْوُهَا مِنْ صُدُورِهِمْ مِنْ بَرَاهِينِ النُّبُوَّةِ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ [1] .
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس وجها، وأحسنه خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ. اتَّفَقَا عليه من حديث إبراهيم [2] .
__________
[1] في (التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور) :
مما يقف منه الشّعر ولا ينبغي أن يوجّه إليه النّظر ما قاله بعض المفسّرين في قوله تعالى: «ننسها» إنّه إنساء الله تعالى المسلمين للآية أو للسّورة، أي إذهابها عن قلوبهم أو إنساؤه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إيّاها فيكون نسيان النّاس كلّهم لها في وقت واحد دليلا على النّسخ، واستدلّوا لذلك بحديث أخرجه الطّبرانيّ بسنده إلى ابن عمر قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما إيّاها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقاما ذات ليلة يصلّيان، فلم يقدرا منها على حرف، فغديا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فذكرا ذلك له، فقال لهما: إنّها ممّا نسخ وأنسي، فالهوا عنها. قال ابن كثير: هذا الحديث في سنده «سليمان بن أرقم» وهو ضعيف: وقال ابن عطيّة: هذا حديث منكر غرب به الطّبرانيّ، وكيف خفي مثله على أئمّة الحديث. والصحيح أنّ نسيان النّبيّ ما أراد الله نسخه، ولم يرد أن يثبّته قرآنا جائز، أي لكنّه لم يقع. فأمّا النّسيان الّذي هو آفة في البشر، فالنّبيّ معصوم عنه قبل التبليغ، وأمّا بعد التبليغ وحفظ المسلمين له فجائز. وقد روي أنّه أسقط آية من سورة في الصّلاة، فلمّا فرغ قال لأبيّ: لم لم تذكّرني؟ قال: حسبت أنّها رفعت. قال: لا، ولكنّي نسيتها أهـ. والحقّ عندي أنّ النّسيان العارض الّذي يتذكّر بعده جائز، ولا تحمل عليه الآية، لمنافاته لظاهر قوله: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها 2: 106، وأمّا النّسيان المستمرّ للقرآن فأحسب أنّه لا يجوز. وقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى 87: 6، دليل عليه.
وأمّا ما ورد في «صحيح مسلم» عن أنس قال: كنّا نقرأ سورة نشبّهها في الطّول ببراءة، فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا، وما يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» أهـ. فهو غريب، وتأويله أنّ هنالك سورة نسخت قراءتها وأحكامها، ونسيان المسلمين لما نسخ لفظه من القرآن غير عجيب، على أنّه حديث غريب.
[2] رواه البخاري في المناقب 4/ 165 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (2337/ 93) في كتاب الفضائل، باب في صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنه كان أحسن الناس وجها.(1/412)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ [1] : نا أَبُو نُعَيْمٍ، نا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: أَكَانَ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، مِثْلَ [2] الْقَمَرِ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سمرة، قال له رجل:
أكان وجه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ الْمُحَارِبِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانَ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَرِ، فَلَهُوَ كَانَ أَحْسَنَ فِي عَيْنِي مِنَ الْقَمَرِ [4] .
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شهاب، أخبرني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا أَنْ سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يَبْرُقُ وَجْهُهُ [5] ، وَكَانَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ [6] كأنّه قطعة قمر [7] ، أخرجه البخاريّ [8] .
__________
[1] في صحيحه 4/ 165 في كتاب المناقب، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ورواه الترمذي في المناقب (3715) باب ما جاء فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن سعد في الطبقات 1/ 417، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 282، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 12، والشمائل 6- 7، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 142- 143، والسيوطي في الخصائص 1/ 71، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 395 رقم 852.
[2] في صحيح البخاري «بل مثل» .
[3] في صحيحه (2344/ 109) كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، وهو أطول مما هنا بقليل، ورواه ابن سعد في الطبقات 1/ 416.
[4] رواه الدارميّ في السنن 1/ 30، والترمذي في الشمائل 12، والبيهقي في الدلائل 1/ 144- 145، وابن كثير في الشمائل 7- 8، والسيوطي في الخصائص 1/ 71.
[5] في صحيح البخاري «وجهه من السرور» .
[6] في صحيح البخاري «وجهه حتى» .
[7] في صحيح البخاري زيادة «وكنّا نعرف ذلك منه» .
[8] في صحيحه 4/ 166 في المناقب، باب صفة النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1/413)
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا يَوْمًا مَسْرُورًا وَأَسَارِيرُ وَجْهِهِ تَبْرُقُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ [2] : ثنا سَعِيدٌ، ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ سَمَّاهَا قَالَتْ:
حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةَ، بِيَدِهِ مِحْجَنٌ، فَقُلْتُ لَهَا: شَبِّهِيهِ، قَالَتْ: كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ موسى التّميميّ، ثنا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قُلْنَا لِلرُّبَيِّعِ [3] بِنْتِ مُعَوِّذٍ: صِفِي لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَوْ رَأَيْتِهِ لَقُلْتِ [4] ، الشَّمْسُ طَالِعَةٌ [5] .
وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ أَنَسًا وَهُوَ يَصِفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ [6] ، وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ، وَلَا بِالسَّبْطِ، بعث على
__________
[1] أخرجه البخاري 4/ 166 في المناقب، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولفظه: «عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تسمعي ما قال المدلجيّ لزيد وأسامة، ورأى أقدامهما، إنّ بعض هذه الأقدام من بعض» .
[2] في المعرفة والتاريخ، انظر الجزء 3/ 282- 283 نقلا عمّا هنا، فالحديث في الجزء المفقود من كتاب الفسوي، ورواه ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 12.
[3] الرّبيّع: بضم الراء وفتح الموحّدة وتشديد الياء تحتها نقطتان. (أسد الغابة 5/ 452) .
[4] في حاشية الأصل (رأيت. خ) إشارة إلى نسخة فيها ذلك، وفي (دلائل النّبوّة للبيهقي) أنّهما روايتان. وفي صفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 153 «لرأيت» .
[5] رواه ابن عبد البرّ في الاستيعاب 4/ 309، وابن الأثير في أسد الغابة 5/ 452، وقال: أخرجه الثلاثة، وابن حجر في الإصابة 4/ 301، وابن الجوزي في الصفوة 1/ 153.
[6] الأمهق: الأبيض الكريه البياض، كلون الجصّ. (جامع الأصول 11/ 229) .(1/414)
رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَرَ اللَّوْنِ [2] .
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ [3] .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ: أنا حُمَيْدٌ، سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ، بَيَاضُهُ إِلَى السُّمْرَةِ [4] .
وَقَالَ سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ: كُنْتُ أَنَا وَأَبُو الطُّفَيْلِ نَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي، قُلْتُ: صِفْهُ لِي، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا [5] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] ، وَلَفْظُهُ: كان أبيض مليح الوجه.
__________
[1] رواه البخاري في المناقب 4/ 164- 165، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفي كتاب اللباس 7/ 57 باب الجعد، ومسلم (2347) في كتاب الفضائل، باب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومالك في الموطّأ 2/ 919 فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، باب ما جاء فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والترمذي (3627) في المناقب، باب رقم 6، وأبو زرعة في تاريخه 1/ 150- 151، والترمذي في الشمائل 4- 5، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 148، 149، وابن سعد في الطبقات 1/ 413، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 321، وابن كثير في الشمائل 9، والسيوطي في الخصائص الكبرى 1/ 72، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 151- 152، والطبري في تاريخه 3/ 180، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 394 رقم 846.
[2] رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 277.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 413.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 414.
[5] المقصد: الّذي ليس بجسيم ولا قصير، وقيل: هو من الرجال نحو الرّبعة. (جامع الأصول 11/ 431) .
[6] في صحيحه (2340) في كتاب الفضائل، باب كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبيض مليح الوجه، وأخرجه أبو داود (4864) في الأدب، باب في هدي الرجل، وابن سعد في الطبقات 1/ 417- 418، والطبري في التاريخ 3/ 180.(1/415)
وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ. رَوَاهُ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ [2] .
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً. رَوَاهُ شَرِيكٌ، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع مِثْلَهُ [3] . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَغَيْرُهُ: نا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ [4] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ [5] ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، عَنْ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ قَالَ:
اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا، فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ [6] .
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ [7] : نا إِسْحَاقُ بْنُ إبراهيم بن العلاء، حدّثني
__________
[1] أخرجه البخاري في الأنبياء 4/ 164 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (2343) في الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، والترمذي (3779) في المناقب باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 411.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 411.
[4] جمّارة: بضم الجيم وتشديد الميم. أي قلب النخلة الأبيض.
[5] سقط من (ع) «بن أبي مزاحم» .
[6] رواه أحمد في المسند 3/ 426، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 279.
[7] المعرفة والتاريخ 3/ 279.(1/416)
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ [1] أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ [2] .
وَقَالَ رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنَجْتَهِدُ، وَإِنَّهُ لغير مكترث [3] . رواه ابن لَهِيعَةُ، عَنْ أَبِي يُونُسَ [4] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْكَعْبَيْنِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [5] .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ: أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، منهوس العقب [6] .
__________
[1] في (ع) «الزبيري» ، وهو تصحيف.
[2] ورواه ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 14 وقال: «وهذا إسناد حسن، ولم يخرّجوه» .
[3] في (ع) «مكترب» ، وهو تصحيف.
[4] أخرجه الترمذي في المناقب (3728) باب رقم 45، وقال: هذا حديث غريب. وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف، لكن تابعه عمرو بن الحارث عند ابن حبّان في «موارد الظمآن» للهيثمي، رقم 2118، فالحديث حسن. انظر: جامع الأصول 11/ 242 رقم 8808، وابن سعد في الطبقات 1/ 415، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 25.
[5] في صحيحه (2339) في كتاب الفضائل، باب في صفة فم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعينيه وعقبيه. وفيه: «منهوس العقبين. قال: قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الفم. قال: قلت: ما أشكل العين؟ قال: طويل شقّ العين. قال: قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ العقب» ، وأخرجه الترمذي في المناقب (3726) باب 44 وقال:
هذا حديث حسن صحيح، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 280، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراويّ وآداب السامع (مخطوط المكتبة البلدية بالإسكندرية) ورقة 161 ب، وابن سعد 1/ 416، وابن كثير في الشمائل 30، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 393 رقم 842.
[6] طبقات ابن سعد 1/ 416.(1/417)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الشَّكْلَةُ: كَهَيْئَةِ الْحُمْرَةِ، تَكُونُ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ، وَالشَّهْلَةُ: حُمْرَةٌ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ. قُلْتُ: وَمَنْهُوسُ الْكَعْبِ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ. كَذَا فَسَّرَهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ لِشُعْبَةَ [1] .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: نا عَبَّادٌ، عَنْ حَجَّاجٍ [2] ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ قُلْتُ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ، وَكَانَ فِي سَاقَيْهِ حُمُوشَةٌ [3] ، وَكَانَ لا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا [4] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، مُشْرَبَ الْعَيْنِ بِحُمْرَةٍ، كَثَّ اللِّحْيَةِ [5] . وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بَيَاضُهُ حُمْرَةً، وَكَانَ أَسْوَدَ الْحَدَقَةِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ [6] . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ [7] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سعيد بن
__________
[1] انظر صحيح مسلم (2339) .
[2] في حاشية الأصل «أظنّه ابن أرطاة» . وهو من الرواة عن «سماك» كما في تهذيب التهذيب.
وهذا يؤيّد ما في هذه الحاشية. وقد نصّ الترمذيّ على أنّه هو ابن أرطاة.
[3] حموشة: أي دقّة.
[4] رواه الترمذيّ في المناقب (3725) باب 43 ما جاء في خاتم النبوّة، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 322، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 159، وروى بعضه البلاذري في أنساب الأشراف 1/ 394 رقم 847.
[5] رواه ابن سعد في طبقاته 1/ 410- 411.
[6] رواه ابن سعد في طبقاته 1/ 412.
[7] في (ع) «الزبيري» . وهو تصحيف.(1/418)
الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ مُفَاضَ الْجبينِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، أَسْوَدَ اللِّحْيَةِ، حَسَنَ الثَّغْرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، يَطَأُ بِقَدَمَيْهِ جَمِيعًا، لَيْسَ لَهُ أَخْمَصُ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ الزُّهْرِيُّ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، إذا تكلّم رئي كَالنُّورِ بَيْنَ ثَنَايَاهُ [2] ، عَبْدُ الْعَزِيزِ مَتْرُوكٌ [3] .
وَقَالَ المسعوديّ، عن عثمان بن عبد الرحمن بن هرمز، عن نافع بن
__________
[1] رواه الفسوي مختصرا في المعرفة والتاريخ 3/ 280، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 320 عن عبد الرزاق الصنعاني، والحديث في المصنّف لعبد الرزاق 11/ 259- 260، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 227، والشمائل لابن كثير 22، والخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 74 نقلا عن البزّار والبيهقي.
[2] رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 288.
[3] قال البخاري: منكر الحديث، لا يكتب حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال العقيلي: حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلّا به، وقال ابن أبي حاتم الرازيّ: سألت أبي عن عبد العزيز بن عمران.. فقال: متروك الحديث، ضعيف الحديث، منكر الحديث جدا.
قلت: يكتب حديثه؟ قال: على الاعتبار. وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وإنّما كان صاحب شعر، وقال ابن عديّ: حدّث عنه جماعة من الثقات أحاديث غير محفوظة، وقال ابن حبّان: يروي المناكير عن المشاهير، وقال الترمذي والدارقطنيّ: ضعيف، وقال عمر بن شبّة في أخبار المدينة: كان كثير الغلط في حديثه لأنه احترقت كتبه فكان يحدّث من حفظه.
توفي سنة 197 هـ.
انظر عنه: التاريخ الكبير للبخاريّ 6/ 29 رقم 1585، والتاريخ الصغير له 207، والضعفاء الصغير له 268 رقم 223، والضعفاء والمتروكين للنسائي 298 رقم 393، والضعفاء للعقيليّ 3/ 13- 14 رقم 969، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/ 390- 391 رقم 1817، والضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 121 رقم 349، والمجروحين لابن حبّان 2/ 139- 140، والكامل في الضعفاء لابن عديّ 5/ 1924، وميزان الاعتدال للذهبي 2/ 632 رقم 5119، والمغني في الضعفاء له 2/ 399 رقم 3747، والكاشف له 2/ 177 رقم 3452، وتهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 350- 351 رقم 6711، وتقريب التهذيب له 1/ 511 رقم 1242.(1/419)
جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ [1] وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ [2] ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ [3] [4] . رَوَى مِثْلَهُ شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَلَفْظُهُ: كَانَ ضَخْمَ الْهَامَةِ، عَظِيمَ اللِّحْيَةِ [5] . قال سعيد بن منصور: نا نوخ بْنُ قَيْسٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ الرَّاسِبِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، ضَخْمَ الْهَامَةِ، أَغَرَّ [6] أَبْلَجَ [7] أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ [8] [9] . وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: ثنا قَتَادَةُ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ لَا سَبْطَ وَلَا جعد بين أذنيه وعاتقه. متّفق عليه [10] .
__________
[1] الشّثن الكفّ: الغليظ الكفّ، وهو مدح في الرجل، لأنّه أشدّ لقبضهم وأصبر لهم على المراس. (جامع الأصول 11/ 227) .
[2] الكراديس: كلّ عظمين التقيا في مفصل، فهو كردوس، والجمع الكراديس، نحو الركبتين والمنكبين والوركين. (جامع الأصول 11/ 228) .
[3] الشعر النابت على وسط الصدر نازلا إلى آخر البطن. (جامع الأصول 11/ 227) .
[4] رواه الترمذي في المناقب (3716) و (3717) باب ما جاء فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن سعد في الطبقات 1/ 411، وأحمد في المسند 1/ 96، والمزّي في تهذيب الكمال 1/ 213، والطبري في تاريخه 3/ 179.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 411.
[6] أي أبيض الوجه.
[7] أي مشرق الوجه.
[8] طويل شعر الأجفان.
[9] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 411، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 278.
[10] رواه البخاري في اللباس 7/ 57 باب الجعد، وفي المناقب 4/ 165، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (2338) في الفضائل، باب صفة شعر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأبو داود في الترجّل (4185 و 4186) باب ما جاء في الشعر، والنسائي في الزينة 8/ 183 باب اتخاذ الجمّة، وابن سعد في الطبقات 1/ 428.(1/420)
وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ شِعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ منكبيه (خ) [1] .
وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، كَانَ إِلَى أَنْصَافِ أذنيه. (م) [2] .
قُلْتُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:
كَانَ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ. (د) فِي «السُّنَنِ» [3] .
وَقَالَ شُعْبَةُ: نا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، يَبْلُغُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ. متّفق عليه [4] .
وأخرجه (خ) [5] مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، وَلَفْظُهُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، أَحْسَنَ مِنْهُ، وَإِنَّ جُمَّتَهُ تَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ.
وأخرجه (م) [6] مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَلَفْظُهُ: شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ،
__________
[1] أخرجه البخاري في اللباس 7/ 57 باب الجعد، ومسلم (2337) في الفضائل، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والنسائي 8/ 183 في الزينة، باب اتخاذ الجمّة، وابن سعد في الطبقات، 1/ 427.
[2] أخرجه مسلم (2338/ 96) في الفضائل، باب صفة شعر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وابن سعد في الطبقات 1/ 428، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 394 رقم 849.
[3] رواه أبو داود في كتاب الترجّل (4185) باب ما جاء في الشعر، وابن سعد في الطبقات 1/ 427- 428.
[4] رواه البخاري في المناقب 4/ 165 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (2337) في كتاب الفضائل، باب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو داود في كتاب الترجّل (4183) باب ما جاء في الشعر، والترمذي في المناقب (3714) باب رقم 35 ما جاء فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنسائي 8/ 183 في الزينة، باب اتخاذ الجمّة، وابن سعد في الطبقات 1/ 416، والفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 416، والترمذي في الشمائل 6 و 450 والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 392 رقم 838.
[5] في صحيحه، كتاب اللباس 7/ 57 باب الجعد، وانظر أنساب الأشراف للبلاذري 1/ 392 رقم 838.
[6] في صحيحه (2337) كتاب الفضائل، باب في صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.(1/421)
وَفِيهِ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عن نافع بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ رَجِلَهُ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ شَعْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ [1] ، وَدُونَ الجمّة [2] . أخرجه أبو داود [3] . وإسناده حَسَنٌ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَدْمَةً، وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ، تَعْنِي ضَفَائِرَ [4] . لَمْ يُدْرِكْ مُجَاهِدٌ أُمَّ هَانِئٍ. وَقِيلَ: سَمِعَ مِنْهَا، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: نا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ [5] . وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُفَرِّقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ ناصيته ثم فرّق بعد. خ م. [6] .
وَقَالَ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ: رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا هو أحمر،
__________
[1] شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن.
[2] الجمّة: من شعر الرأس ما سقط على المنكبين.
[3] في سننه، (4187) كتاب الترجّل، باب ما جاء في الشعر، وابن سعد في الطبقات 1/ 429، والترمذي في اللباس 3/ 146 رقم 1808 باب ما جاء في الجمّة.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 429، وابو داود (4191) في اللباس، باب في الرجل يعقص شعره، والترمذي.
[5] كلمة «بشيء» ساقطة من الأصل، والاستدراك من صحيح البخاري وغيره.
[6] أخرجه البخاري في المناقب 4/ 166 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (2336) في كتاب الفضائل، باب في سدل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شعره، وفرقه.(1/422)
فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ: مِنَ الطِّيبِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَخَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا قَلِيلًا. أَخْرَجَاهُ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحِ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ [2] .
وَقَالَ الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْتَضِبْ، إِنَّمَا كَانَ شَمِطَ [3] عِنْدَ الْعَنْفَقَةِ [4] يَسِيرًا، وَفِي الصُّدْغَيْنِ يَسِيرًا، وَفِي الرَّأْسِ يَسِيرًا [5] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] .
وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ [7] أَبِي جُحَيْفَةَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ، وَوَضَعَ زُهَيْرٌ بَعْضَ أَصَابِعِهِ عَلَى عَنْفَقَتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [8] وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إسرائيل.
__________
[1] البخاري، في كتاب المناقب 4/ 164 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يخرّجه مسلم، ورواه ابن سعد في الطبقات 1/ 437.
[2] انظر ذلك في صحيح البخاري 4/ 165 في المناقب، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكتاب اللباس 7/ 57 باب الجعد، ومسلم (2341/ 101 و 102) في كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، والنسائي 8/ 140 في كتاب الزينة، باب الخضاب بالصفرة، وابن ماجة 2/ 1198 في كتاب اللباس، باب 35 من ترك الخضاب، وابن سعد في الطبقات 1/ 431.
[3] عند مسلم «البياض» .
[4] العنفقة: الشعر الّذي في الشفة السفلى.
[5] عند مسلم «نبذ» بدل «يسيرا» .
[6] في صحيحه (2341/ 104) في كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، وابن سعد 1/ 432.
[7] في طبعة القدسي 2/ 297 «علي» ، وهو خطأ.
[8] في صحيحه (2342) في كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، وابن سعد 1/ 431، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 396 رقم 856.(1/423)
وقال (خ) [1] : نا عِصَامُ [2] بْنُ خَالِدٍ، نا حَرِيزِ [3] بْنُ عُثْمَانَ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: [4] أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ [5] .
وَقَالَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَذَكَرَ شَمْطَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يُرَ، وَإِذَا لم يدهن تبيّن. أخرجه (م) [6] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَإِذَا ادَّهَنَ وَمَشَّطَهُ لَمْ يَسْتَبِنْ. أَخْرَجَهُ (م) [7] .
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا مِنْ شِعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ [8] . صَحِيحٌ أخرجه (خ) [9] وَلَمْ يَقُلْ (بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ) مِنْ حَدِيثِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عُثْمَانَ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهِبٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ أمّ سلمة جلجل
__________
[1] في كتاب المناقب 4/ 164 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وابن سعد 1/ 432.
[2] في نسخة دار الكتب «عاصم» وهو تحريف، والتصحيح عن الأصل و (ع) وصحيح البخاري.
[3] في إحدى النسخ «جرير» وهو تصحيف، والتصحيح عن الأصل والبخاري.
[4] في إحدى النسخ «بشر» وهو تصحيف، والتصحيح عن البخاري.
[5] رواه الطبري في تاريخه 3/ 181.
[6] في صحيحه (2344) في كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، وابن سعد 1/ 433.
[7] في صحيحه (2344/ 109) بلفظ مقارب، وهو أطول مما هنا، في كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، وابن سعد 1/ 433.
[8] الكتم: نبت في حمرة يخلط بالوسمة ويصبغ به الشعر. (النهاية لابن الأثير) .
[9] في كتاب اللباس 7/ 57 باب ما يذكر في الشيب، والمعرفة والتاريخ للفوسي 1/ 281، والطبري في تاريخه 23- 18، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 395 رقم 855.(1/424)
مِنْ فِضَّةٍ ضَخْمٌ، فِيهِ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا أَصَابَ إِنْسَانًا الْحُمَّى، بَعَثَ إِلَيْهَا فَخَضْخَضَتْهُ فِيهِ، ثُمَّ يَنْضَجِعُ الرَّجُلُ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ: بَعَثَنِي أَهْلِي إِلَيْهَا فَأَخْرَجَتْهُ، فَإِذَا هُوَ هَكَذَا- وَأَشَارَ إِسْرَائِيلُ بثلاث أصابع- وكان فيه شعرات حمر. (خ) [1] .
مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْمُسْتَمْلِي: ثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، ثنا أَبَانٌ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنْحَرِ، هُوَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَسَمَ ضَحَايَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ هُوَ وصاحبه، فحلق رسول الله رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ، وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رِجَالٍ. وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ، فَأَعْطَاهُ صَاحِبَهُ، قَالَ:
فَإِنَّهُ لَمَخْضُوبٌ عِنْدَنَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، يَعْنِي: الشَّعَرَ. هَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ [2] .
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً، رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْهُ [3] .
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالٍ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَرُ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: سَلْهُ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ مُتِّعَ بِالسَّوَادِ، وَلَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلَيَّ مِنْ شَيْبِهِ في رأسه ولحيته، وما كنت أزيدهنّ على أحدى
__________
[1] في كتاب اللباس 7/ 57 باب ما يذكر في الشيب، وابن سعد في الطبقات 1/ 437.
[2] هذا الخبر ساقط من نسخة دار الكتب.
[3] روى نحوه ابن سعد في الطبقات 1/ 432 من طريق أنس بن عياض، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وعن أنس بن مالك، وهو في المعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 282، وروى الطبري نحوه في تاريخه 3/ 182 من طريق معاذ بن معاذ، عن حميد، عن أنس.(1/425)
عَشْرَةَ شَيْبَةً، وَإِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَهُ [1] .
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ [2] ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعْرٌ قَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ، وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ [3] .
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إِنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاقْشَعْرَرْتُ حِينَ قَالَ ذَلِكَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَا يُشْبِهُ النَّاسَ، فَإِذَا هُوَ بَشَرٌ ذُو وَفْرَةٍ بِهَا رَدْعٌ [4] مِنْ حِنَّاءٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ [5] .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ: أنا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ [6] ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ [7] .
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: نا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
__________
[1] روى عكرمة نحوه مختصرا. انظر: أنساب الأشراف للبلاذري 1/ 396 رقم 857.
[2] «بن عمير» ساقطة من نسخة دار الكتب، وهي مثبتة في الأصل.
[3] أخرجه النسائي في اللباس 8/ 204 باب لبس الخضر من الثياب، وأحمد في المسند 2/ 226 و 227 و 228 من عدّة طرق. وانظر نهاية الأرب للنويري 8/ 285.
[4] أي صبغ. وفي (ع) «رذع» وهو تحريف.
[5] رواه أبو داود في كتاب الترجّل (4206) باب في الخضاب، وأحمد في المسند 2/ 226- 228، وابن سعد في الطبقات 1/ 438 و 453.
[6] أي التي لا شعر لها، وهي نسبة للسّبت، بكسر السين، وهو جلود البقر المدبوغة.
[7] رواه أبو داود في كتاب الترجّل (4210) باب في الخضاب، والنسائي في الزينة 8/ 186 باب تصفير اللحية بالورس والزعفران، وابن ماجة في كتاب اللباس (3626) باب الخضاب بالصفرة.(1/426)
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا صِيغَ مِنْ فِضَّةٍ، رَجِلَ الشَّعْرِ، مُفَاضَ الْبَطْنِ [1] ، عظيم مشاش المنكبين [2] ، يطأ بقدميه جَمِيعًا، إِذَا أَقْبَلَ أَقْبَلَ جَمِيعًا، وَإِذَا أَدْبَرَ أَدْبَرَ جَمِيعًا [3] .
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَفِي لَفْظٍ: كَانَ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ العرق.
أخرج البخاريّ بعضه [4] .
وقال معمر وغيره، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم شئن الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ [5] .
وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ- أَوْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، شَكَّ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِيهِ- عَنْ أَبِي هِلَالٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ضخم القدمين والكفّين، لم أَرَ بَعْدَهُ شَبِيهًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ [6] تَعْلِيقًا، وَهُمَا صَحِيحَانِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ. قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ، قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شِقِّ الْعَيْنِ، قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قليل لحم العقب. أخرجه مسلم [7] .
__________
[1] أي مستوى البطن مع الصدر.
[2] أي عظيم رءوس العظام، على ما في (النهاية) .
[3] رواه ابن عساكر من حديث أطول في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 320.
[4] في صحيحه 7/ 58 كتاب اللباس، باب الجعد.
[5] أخرجه البخاري في كتاب اللباس 7/ 58 باب الجعد.
[6] المصدر نفسه.
[7] في صحيحه (2339) في كتاب الفضائل، باب في صفة فم النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/427)
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمِ بْنِ ضَبَّةَ:
حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَةٌ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، وَأَنَا مَعَ أَبِي، وَبِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ درّة كدرّة الكباث [1] ، فَدَنَا مِنْهُ أَبِي، فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ، فَأَقَرَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: فَمَا نَسِيتُ طُولَ إِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى سَائِرِ أَصَابِعِهِ [2] .
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ [3] بْنِ فَارِسٍ: نا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ الْخَلْقَانِيُّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَلْعَدَوِيَّةِ، حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ الْجِسْمِ، عَظِيمُ الْجَبْهَةِ، دَقِيقُ الْأَنْفِ، دَقِيقُ الْحَاجِبَيْنِ، وَإِذَا مِنْ لَدُنْ نَحْرِهِ إِلَى سُرَّتِهِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ شَعْرُهُ، وَرَأَيْتُهُ بَيْنَ طِمْرَيْنِ [4] . فَدَنَا مِنِّي فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكَ) . وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ، وَقَالَهُ شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَاللَّفْظُ لِشَرِيكٍ قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ لَا قَصِيرَ وَلَا طَوِيلَ وَكَانَ يَتَكَفَّأُ فِي مِشْيَتِهِ [5] كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ [6]- وَلَفْظُ الْمَسْعُودِيُّ: كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ من
__________
[ () ] وعينيه وعقبيه، وأخرجه الترمذي في المناقب (3726) باب 44 وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 280، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراويّ وآداب السامع (مخطوط المكتبة البلدية بالإسكندرية) ورقة 161 ب، وابن سعد 1/ 416، وابن كثير في الشمائل 30، وقد مرّ الحديث مختصرا.
[1] كذا في الأصل وطبعة القدسي 2/ 300، وفي مسند أحمد «الكتاب» وزاد: «فسمعت الأعراب والناس يقولون الطبطبية» .
[2] رواه أحمد في المسند 6/ 366 وهو طويل.
[3] في ع (عمرو) ، وهو تحريف، والمثبت عن الأصل، وتهذيب التهذيب 7/ 142.
[4] الطمر: الثوب الخلق.
[5] التكفّؤ: الميل في المشي إلى قدّام، كما تتكفّأ السفينة في جريها.
[6] الصبب: قريب من التكفّؤ.(1/428)
صَبَبٍ- لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ [1] . عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهِمَا وُجُوهَهُمْ، فَأَخَذْتُ يَدَهُ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا [2] .
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كَانَ لَا قَصِيرَ وَلَا طَوِيلَ، وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ، وَكَانَ شَثْنَ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، فِي صَدْرِهِ مَسْرُبَةٌ، كَأَنَّ عَرَقَهُ لُؤْلُؤٌ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ. وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ [3] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا مَسَسْتُ بِيَدِي دِيبَاجًا وَلا حَرِيرًا، وَلَا شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُول الله صَلّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ، ولا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ثَابِتٍ [5] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنس، فذكر مثله وزاد: كان
__________
[1] أخرجه الترمذي في المناقب (3718) باب رقم 38 ما جاء فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن سعد 1/ 411.
[2] في المناقب 4/ 165 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 412، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 317.
[4] في صحيحه 4/ 167 في المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
[5] في صحيح مسلم (2330) كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولين مسّه، والتبرّك بمسحه، ورواه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 152، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 392 رقم 837.(1/429)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى فَقُلْتُ: نَاوِلْنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَنِيهَا، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ [2] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تُسْلِتُ الْعَرَقَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ» ؟ قَالَتْ: هَذَا عَرَقٌ نَجْعَلُهُ لِطِيبِنَا، وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ:
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير العرق. رواه مسلم [4] .
__________
[1] في صحيحه (2330/ 82) في كتاب الفضائل، الباب نفسه، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 392 رقم 837.
[2] رواه أحمد في المسند 4/ 161.
[3] في صحيحه (2331) كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والتبرّك به.
[4] في صحيحه (2332) كتاب الفضائل، الباب نفسه.(1/430)
خَاتَمُ النُّبُوَّةِ
قَالَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وُضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ [1] . أَخْرَجَاهُ [2] ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: رِزُّ الْحَجَلَةِ، وَهُوَ بَيْضُهَا [3] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهُهُ مُسْتَدِيرًا مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، ورأيت خاتم النّبوّة بين كتفيه مثل
__________
[1] الحجلة: جمعها حجال، وهي بيت كالقبّة لها أزرار كبار وعرى.
[2] البخاري في المناقب 4/ 163 باب خاتم النبوّة، ومسلم (2345) في الفضائل، باب إثبات خاتم النبوّة وصفته، ومحلّه من جسده صلّى الله عليه وسلّم، والترمذي في المناقب (3723) باب ما جاء في خاتم النبوّة، وقال: وفي الباب عن سلمان، وقرّة بن إياس المزني، وجابر بن سمرة، وأبي رمثة، وبريدة الأسلميّ، وعبد الله بن سرجس، وعمرو بن أخطب، وأبي سعيد، هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
[3] قال ذلك الترمذي في المناقب (3724) في حديثه عن سعيد بن يعقوب الطالقانيّ، أخبرنا أيوب بن جابر، عن سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: «كان خاتم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي الّذي بين كتفيه غدّة حمراء مثل بيضة الحمامة» . وقال: هذا حديث حسن صحيح.(1/431)
بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، يُشْبِهُ جَسَدَهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ: نا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ قَالَ: دُرْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نُغْضِ [2] كَتِفِهِ الْيُسْرَى. جُمْعًا [3] ، عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا [4] .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنِي الْخَاتَمَ: قَالَ أَدْخِلْ يَدَكَ، فأدخلت يدي في جريانه [5] ، فَجَعَلْتُ أَلْمِسُ أَنْظُرُ إِلَى الْخَاتَمِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ الْبَيْضَةِ، فَمَا مَنَعَهُ ذَاكَ أَنْ جَعَلَ يَدْعُو لِي، وَإِنَّ يَدِي لفي جربانه.
رواه يحيى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، لَكِنْ قَالَ: «مِثْلُ السِّلْعَةِ» [6] . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى مِثْلِ السِّلْعَةِ [7] بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُطِبُّ الرِّجَالَ، أَفَأُعَالِجُهَا لَكَ؟ قَالَ: «لَا طَبَّبَهَا الَّذِي خَلَقَهَا» . رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، وَقَالَ: «مِثْلُ التُّفَّاحَةِ» . وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ [8] .
__________
[1] في صحيحه (2344) في الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، والترمذي في الحديث السابق قبله، وابن سعد في الطبقات 1/ 425، وابن سيّد الناس في عيون الأثر 2/ 328.
[2] في صحيح مسلم «ناغض» وهو أعلى الكتف، وقيل هو العظم الرقيق الّذي على طرفه، وقيل ما يظهر منه عند التحرّك، سمّي ناغضا لتحرّكه. (شرح مسلم) .
[3] أي على هيئة جمع الكف، كما في شرح مسلم للنووي.
[4] في الصحيح (2346) كتاب الفضائل، باب إثبات خاتم النبوّة وصفته ومحلّه من جسده صلّى الله عليه وسلّم، وابن سعد في الطبقات 1/ 426، وابن سيّد الناس في عيون الأثر 2/ 328.
[5] أي في جيب قميصه.
[6] رواه أحمد في المسند 3/ 434- 435 و 5/ 35.
[7] غدّة بين الجلد واللحم.
[8] رواه أحمد في المسند 2/ 226 و 227 و 228، وابن سعد في الطبقات 1/ 426 و 427.(1/432)
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ، ثنا عَتَّابٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: الْخَاتَمُ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَةٌ نَابِتَةٌ [1] .
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ: ثنا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، ثنا داود بن أبي هند، عن سماك بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ وَقَالَ: انْظُرْ إِلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامِ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ [2] .
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ [3] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ: لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ [4] رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمْصٍ، وَكَانَ جَارًا لِي شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ الْفَنَدَ [5] أَوْ قَرِيبًا، فَقُلْتُ: أَلَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: بَلَى، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ، فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِ هِرَقْلَ، حَتَّى جِئْتُ تَبُوكَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ مُحْتَبٍ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ: «يَا أَخَا تَنُوخٍ» ، فَأَقْبَلْتُ أَهْوِي حَتَّى قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَلَّ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَا هُنَا امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ» فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ، فَإِذَا أنا
__________
[1] هكذا في الأصل. وفي (ألوفا بأحوال المصطفى ص 410) : «بضعة ناشزة» . ولعل صواب ما في الأصل: (ناتئة) كما يفهم من (دلائل النبوّة للبيهقي) . وعند ابن كثير في الشمائل (نابتة) ، كالأصل.
[2] أخرجه أحمد في المسند من حديث أطول، من طريق أبي قرّة الكندي، عن سلمان 5/ 438 و 443 من حديث طويل في إسلام سلمان، من طريق عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس، عن سلمان، والبيهقي في الدلائل.
[3] هو عبد الله بن عثمان، أبو خثيم. وفي المعرفة والتاريخ «خيثم» وهو تصحيف.
[4] يقال له: أبو محمد المازني ابن السماك. (تهذيب التهذيب 4/ 26) في الحاشية.
[5] الفند في الأصل: الكذب. ويقال للشيخ إذ هرم وردّ إلى أرذل العمر: قد أفند، لأنّه يتكلّم بالمحرّف من الكلام عن سنن الصحّة. وأفنده الكبر: إذا أوقعه في الفند. (انظر النهاية لابن الأثير) .(1/433)
بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضْرُوفِ الْكَتِفِ مِثْلِ الْمَحْجَمَةِ [1] الضَّخْمَةِ [2] .
بَابٌ جَامِعٌ مِنْ صِفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى عَفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا نَعَتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغَّطِ وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا الْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتِفِ- أَوْ قَالَ الْكَتَدِ- أَجْرَدُ ذَا مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا وَأَجْرَأُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُهُمْ لَهْجَةً، وَأَوْفَاهُمْ بِذِمَّةٍ، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي (الْغَرِيبِ) : حَدَّثَنِيهِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى عُفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ إذ نعت، فذكره.
__________
[1] كذا في الأصل وطبعة القدسي 2/ 310، وفي مسند أحمد «الحجمة» ، وكذلك في المعرفة والتاريخ.
[2] رواه أحمد في المسند 3/ 441- 442، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 277، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 27- 28.
[3] رواه الترمذي في المناقب (3718) باب 38 ما جاء فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: هذا حديث ليس إسناده بمتّصل، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 283، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 28- 29، وابن سعد في الطبقات 1/ 411- 412، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 318، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 153- 154، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 391- 392 رقم 836.(1/434)
قَوْلُهُ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغَّطِ: يَقُولُ لَيْسَ بِالْبَائِنِ الطُّولِ. وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ: يَعْنِي الَّذِي تَرَدَّدَ خَلْقُهُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَهُوَ مُجْتَمِعٌ لَيْسَ بِسَبَطِ الْخَلْقِ، يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ رَبْعَةٌ.
وَالْمُطَهَّمُ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: التَّامُّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، فَهُوَ بَارِعُ الْجَمَالِ. وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُكَلْثَمُ: الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ، يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ مَسْنُونٌ.
وَالدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ.
وَالْجَلِيلُ الْمُشَاشِ: الْعَظِيمُ رُءُوسِ الْعِظَامِ مِثْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ.
وَالْكَتَدُ: الْكَاهِلُ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْجَسَدِ.
وَشَثْنُ الْكَفَّيْنِ: يَعْنِي أَنَّهَا إِلَى الْغِلَظِ.
وَالصَّبَبُ: الِانْحِدَارُ.
وَالْقَطَطُ: مِثْلُ شَعْرِ الْحَبَشَةِ.
وَالْأَزْهَرُ: الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضَهُ شَيْءٌ مِنَ الْحُمْرَةِ.
وَالْأَمْهَقُ: الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ.
وَشَبْحُ الذِّرَاعَيْنِ: يَعْنِي عَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ عَرِيضَهُمَا.
وَالْمَسْرُبَةُ: الشَّعْرُ الْمُسْتَدَقُّ مَا بَيْنَ اللُّبَّةِ إلى السّرّة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: التَّقَلُّعُ. الْمَشْيُ بِقُوَّةٍ.
وَقَالَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيًّا، عَنْ نَعْتِ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجَ، سَبِطَ الشَّعْرِ، ذَا وَفْرَةٍ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ شَعْرٌ، يَجْرِي(1/435)
كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ فِي بَطْنِهِ وَلَا صَدْرِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ، شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، وَلَرِيحُ عَرَقِهِ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا بِالْعَاجِزِ وَلَا اللَّئِيمِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ [1] . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أنا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ، أنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّرِيفِينِيُّ عَنْهُ، وَقَالَ حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ:
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآدَمِ، وَلَا الْأَبْيَضِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ، فَوْقَ الرَّبْعَةِ وَدُونَ الطَّوِيلِ، كَانَ مِنْ أَحْسَنِ مَنْ رَأَيْتُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَطْيَبِهِ رِيحًا وَأَلْيَنِهِ كَفًّا، كَانَ يُرْسِلُ شَعْرَهُ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، وَكَانَ يَتَوَكَّأُ إِذَا مَشَى [2] .
وَقَالَ مَعْمَرُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صِفَةً وَأَجْمَلَهَا، كَانَ رَبْعَةً إِلَى الطُّولِ مَا هُوَ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَسِيلَ الْخَدَّيْنِ [3] ، شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ، أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ، إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا، لَيْسَ أَخْمَصَ، إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبِهِ فَكَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ، وَإِذَا ضَحِكَ يَتَلَأْلَأُ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ.
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 410 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 317، والطبري في تاريخه 3/ 179 والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 394 رقم 848.
[2] أخرج بعضه أبو داود في كتاب الأدب 4/ 266 رقم (4863) باب في هدي الرجل، والترمذي في اللباس (1807) باب ما جاء في الجمّة واتخاذ الشعر، وقال: وفي الباب عن عائشة، والبراء، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد، ووائل بن حجر، وجابر، وأم هانئ. وأضاف: حديث أنس حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه من حديث حميد.
[3] قال في حاشية الأصل: «الأسيل الخدّ: أن لا يكون مرتفع الوجنة» .(1/436)
حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ [1] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2] وَقَالَ أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكَعْبِيُّ الْخُزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي عَمِّي أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، الَّذِي قُتِلَ بِالْبَطْحَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُوَ أَخُو عَاتِكَةَ- أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مِنْ مَكَّةَ [3] هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَمَوْلًى لِأَبِي بِكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأُرَيْقِطِ اللَّيْثِيُّ، فَمَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتْ بَرْزَةً جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا تَمْرًا وَلَحْمًا يَشْتَرُونَهُ مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ [4] ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ، فقال: «ما هذه الشّاة يا أمّ
__________
[1] العنوان أضفته على الأصل نقلا عن دلائل النبوّة للبيهقي. وأمّ معبد هي: عاتكة بنت خالد بن خليف الخزاعي، وحديثها في: الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 230 وما بعدها، و 8/ 288- 289، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 262 و 391، وسيرة ابن هشام 2/ 225، والمنتخب من كتاب ذيل المذيّل للطبري 577 و 580 وعنه ضبطت نصّ المؤلّف، والمعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 274 (أشار إليه دون ذكره) ، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 117- 119، والمستدرك على الصحيحين للحاكم 3/ 9- 11، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 228- 237، والاستيعاب لابن عبد البرّ 4/ 495- 498، والكامل في التاريخ لابن الأثير 2/ 106، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 2/ 380، والروض الأنف للسهيلي 2/ 234- 235، وأسد الغابة لابن الأثير 5/ 497، وتهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 1/ 326- 327، وتهذيب الكمال للمزّي 1/ 221- 223، ونهاية الأرب للنويري 16/ 236- 237، والشمائل لابن كثير 44- 49، والسيرة له 2/ 257- 263، وإمتاع الأسماع للمقريزي 1/ 43، وعيون الأثر لابن سيّد الناس 1/ 189، والوافي بالوفيات للصفدي 16/ 553- 556، والإصابة لابن حجر 4/ 497- 498، والخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 188، وتاريخ الخميس للدياربكري 1/ 375- 377، ومجمع الزوائد للهيثمي 6/ 55- 58 و 8/ 278- 279.
[2] كتب في حاشية الأصل هنا: «قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد» .
[3] في ذيل المذيل للطبري 577 بعد «مكة» : «خرج منها مهاجرا إلى المدينة» .
[4] أي نفذ زادهم. وفي ذيل المذيّل: «قال أبو هشام: مشتين» ، قال الطبري: «وإنّما هو مسنتين» .(1/437)
مَعْبَدٍ» ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ» ؟
قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلُبَهَا» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي وَأُمِّي، إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا، فَدَعَا بِهَا، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ [1] عَلَيْهِ [2] ، وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ، وَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ [3] الرَّهْطَ، فَحَلَبَ [4] ثَجًّا حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رُوِيَتْ، ثُمَّ سَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرُهُمْ [5] . ثُمَّ حَلَبَ [6] ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ، حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا وَبَايَعَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا.
فَقَلَّمَا لَبِثَتْ، حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ، يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزَالًا [7] مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ وَالشَّاءُ [8] عَازِبٌ حِيَالٌ [9] ، وَلَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: صِفِيهِ لِي [10] .
قَالَتْ: رَجُلٌ [11] ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الْخَلْقِ، لَمْ تُعِبْهُ ثَجْلَةٌ [12] ، لَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةُ [13] ، وَسِيمٌ قسيم [14] ، في عينيه دعج، وفي أشفاره
__________
[1] تفاجّت: التفاج: المبالغة في تفريج ما بين الرجلين، وهو من الفجّ الطريق.
[2] «عليه» غير موجودة في (ع) .
[3] يربض: الإرباض: الإرواء.
[4] في المذيّل «فحلب فيه» .
[5] زاد في ذيل المذيّل، ومجمع الزوائد: «ثم أراضوا» .
[6] في ذيل المذيّل «حلب فيه» .
[7] يتساوكن هزالا: يتمايلن من الضّعف.
[8] في ذيل المذيّل «الشاة» .
[9] عازب حيال: أي بعيدة المرعى، لا تأوي إلى المنزل إلّا في الليل. والحيال: جمع حائل، وهي التي لم تحمل.
[10] في ذيل المذيّل «يا أمّ معبد» .
[11] في ذيل المذيّل «رأيت رجلا» .
[12] في الذيل «نحلة» .
[13] الصعلة: صغر الرأس. وفي الذيل «صقلة» .
[14] القسام: الجمال. رجل مقسم الوجه، وقسيم الوجه.(1/438)
وَطَفٌ [1] ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ [2] ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ [3] ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلَاهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ، فَصْلٌ [4] لَا نَزْرٌ وَلَا هَذَرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ لَا يَائُسٌ مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ [5] عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْظَرُ [6] الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا [7] لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُفَنَّدٌ [8] .
قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: فَهَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ، الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أمره [9] ، ولقد هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ [10] إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا.
وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالٍ [11] ، يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قَالَا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَاهَا بِالْهُدَى وَاهْتَدَتْ بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى [12] رَفِيقَ محمد
__________
[1] زاد في المذيّل: «قال أبو هشام: عطف» . وهو طول الأشفار.
[2] في الذيل: «صهل» قال الشيخ: «وهو خطأ وإنّما هو صحل، بالحاء» . وهو صوت فيه بحّة.
[3] السطع: طول العنق.
[4] فصل: أي منطقه وسط.
[5] لا تقتحمه: أي لا تزدريه.
[6] في الذيل «أنضر» .
[7] في الذيل «نصتوا لقوله. قال الطبري: وإنّما هو أنصتوا لقوله» .
[8] زاد في الذيل: «قال أبو هشام: ولا معتد، وهو خطأ» .
[9] زاد في الذيل «ما ذكر بمكة» .
[10] «ولأفعلنّ» ليست في الذيل.
[11] في الذيل: «فأصبح صوت ببكة عاليا» .
[12] في مجمع الزوائد «من أضحى» .(1/439)
فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فِعَالٍ [1] لَا يُجَارَى [2] وَسُؤْدُدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ [3] فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمْ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... عَلَيْهِ صَرِيحًا [4] ضَرَّةِ الشَّاةِ مُزْبِد
فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ
فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ [5] شَبَّبَ يُجَاوِبُ الْهَاتِفَ، فَقَالَ:
لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ ... وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي
تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ ... وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ
هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ رَبُّهُمْ ... وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتْبَعِ [6] الْحَقَّ يُرْشَدِ
وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا ... عَمَايَتُهُمْ هَادٍ بِهِ كُلَّ مُهْتَدِي [7]
وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ ... رِكَابُ هُدًى حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ
نَبِيٌّ يَرَى ما لا يرى النّاس حوله ... ويتلوا كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَسْجِدِ [8]
وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ
لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدِ اللَّهُ يَسْعَدِ [9]
قَوْلُهُ: (إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ) يُرِيدُ أَنَّهُ يَمِيدُ فِي مِشْيَتِهِ، وَيَمْشِي فِي رِفْقٍ غَيْرَ مُخْتَالٍ.
__________
[1] الفعال: كسحاب. اسم الفعل الحسن، والكرم، (القاموس المحيط) .
[2] في الذيل «يجازى» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «تجازى» .
[3] في الذيل «مقام» .
[4] في النهاية «له بصريح ضرّة الشّاة مزبد» ، وفي الذيل «عليه صريح» . وقال الطبري: «هكذا أنشدنيه أبو هشام، وإنّما هو: فتحلّبت له بصريح ضرّة الشاة مزبد» .
[5] زاد في الذيل: «شاعر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[6] فِي الذيل «يبتغ» .
[7] ورد هذا الشطر في الذيل هكذا:
«عمّى وهداة يهتدون بمهتد» .
[8] زاد في الذيل: «قال الطبري: والّذي نرويه: «في كل مشهد» .
[9] انظر الأبيات في ديوان حسّان بن ثابت، ص 87.(1/440)
وَقَوْلُهُ: «فَخْمًا مُفَخَّمًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْفَخَامَةُ فِي الْوَجْهِ نُبْلُهُ وَامْتِلَاؤُهُ، مَعَ الْجَمَالِ وَالْمَهَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا مُعَظَّمًا فِي الصُّدُورِ وَالْعُيُونِ، وَلَمْ يَكُنْ خَلْقُهُ في جسمه ضخما.
و (أقنى الْعِرْنَيْنِ) : مُرْتَفِعُ الْأَنْفِ قَلِيلًا مَعَ تَحَدُّبٍ، وَهُوَ قريب من الشّمم.
و (الشنب) : ماء ورقّة في الثّغر.
و (الفلج) : تباعد ما بين الأسنان.
و (الدمية) : الصُّورَةُ الْمُصَوَّرَةُ.
وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ أُمِّ مَعْبَدٍ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ [1] فَقَالَ: أنا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنِ مَطَرٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى الْحَلْوَانِيُّ، ثنا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزِ بْنِ مَهْدِيٍّ، ثنا أَبِي، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ.
فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ الْحَكَمِ الْخُزَاعِيُّ بِقُدَيْدٍ [2] ، إِمْلَاءً عَلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ مَطَرٍ، قَالَ: ثنا عَمِّي سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ.
وَسَمِعَهُ ابْنُ مَطَرٍ بِقُدَيْدٍ أَيْضًا، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ.
وَرَوَاهُ عَنْ مُكْرَمِ بْنِ مُحْرِزٍ الْخُزَاعِيِّ- وَكُنْيَتُهُ أبو القاسم- يعقوب بن
__________
[1] في دلائل النبوّة 1/ 228.
[2] قديد: بضم القاف وفتح الدال وسكون الياء. موضع قرب مكة. (معجم البلدان 4/ 313) .(1/441)
سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ [1] ، مَعَ تَقَدُّمِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنُ خُزَيْمَةَ [2] ، وَجَمَاعَةٌ آخِرُهُمُ الْقَطِيعِيُّ.
قَالَ الْحَاكِمُ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الصَّالِحَ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ آبَائِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُهُ مِنْ مُكْرِمٍ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ، حج أبي بي، وأنا ابن سبع سنين، فأدخلني على مكرم.
ورواه البيهقي [3] أيضا في اجتياز النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ، مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُكْرِمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَيْسِيِّ، قَالَا: ثنا أَبُو أَحْمَدَ بِشْرُ بْنُ، مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ السُّكَّرِيُّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ الْمَذْحِجِيُّ، ثنا الْحُرُّ بْنُ الصَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ هُوَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطَ اللَّيْثِيُّ- كَذَا قَالَ: اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ الدِّيلِيُّ- مَرُّوا بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ [4] .
وَقَوْلُهُمَا ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ: أَيْ ظَاهِرُ الْجَمَالِ.
وَمُرْمِلِينَ: أَيْ قَدْ نَفَدَ زَادُهُمْ. وَمُسْنِتِينَ: أَيْ دَاخِلِينَ فِي السَّنَةِ وَالْجَدْبِ.
وَكِسْرُ الْخَيْمَةِ: جانبها.
وتفاجّت: فتحت ما بين رجليها.
__________
[1] الحديث غير موجود في المطبوع من كتاب المعرفة والتاريخ، وإنّما أشار إليه نقلا عن البيهقي 3/ 274.
[2] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 117.
[3] في دلائل النبوّة 1/ 228 وما بعدها.
[4] وهو في طبقات ابن سعد 1/ 230- 233 من الطريق نفسها.(1/442)
وَيُرْبِضُ الرَّهْطَ: يَرْوِيهِمْ حَتَّى يُثْقِلُوا فَيَرْبِضُوا، وَالرَّهْطُ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ.
وَالثَّجُّ: السَّيْلُ.
وَالْبَهَاءُ: وَبِيضُ رَغْوَةِ اللَّبَنِ، فَشَرِبُوا حَتَّى أَرَاضُوا، أَيْ رَوَوْا. كَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ.
وَتَسَاوَكْنَ: تَمَايَلْنَ مِنَ الضَّعْفِ، وَيُرْوَى: تَشَارَكْنَ [1] ، أَيْ عَمَّهُنَّ الْهُزَالُ.
وَالشَّاءُ عَازِبٌ: بَعِيدٌ فِي الْمَرْعَى.
وَأَبْلَجُ الْوَجْهِ: مُشْرِقُ الْوَجْهِ مُضِيئُهُ.
وَالثَّجْلَةُ: عِظَمُ الْبَطْنِ مَعَ اسْتِرْخَاءِ أَسْفَلِهِ.
وَالصَّعْلَةُ: صِغَرُ الرَّأْسِ، وَيُرْوَى (صَقْلَةٌ) وَهِيَ الدِّقَّةُ وَالضَّمْرَةُ، وَالصَّقْلُ: مُنْقَطِعُ الْأَضْلَاعِ مِنَ الْخَاصِرَةِ.
وَالْوَسِيمُ: الْمَشْهُورُ بِالْحُسْنِ، كَأَنَّهُ صَارَ الْحُسْنُ لَهُ سِمَةً.
وَالْقَسِيمُ: الْحَسَنُ قِسْمَةِ الْوَجْهِ.
وَالْوَطْفُ: الطُّولُ.
وَالصَّحْلُ: شِبْهُ الْبَحَّةِ.
وَالسَّطْعُ: طُولُ الْعُنُقِ.
لَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ: أَيْ لَا تَزْدَرِيهِ لِقِصَرِهِ فَتُجَاوِزُهُ إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ تَهَابُهُ وَتَقْبَلُهُ.
وَالْمَحْفُودُ: الْمَخْدُومُ.
وَالْمَحْشُودُ: الَّذِي يَجْتَمِعُ النّاس حوله.
__________
[1] أي عمّهن الهزال فاشتركن فيه. كما في (النهاية) .(1/443)
وَالْمُفَنَّدُ: الْمَنْسُوبُ إِلَى الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الْعَقْلِ.
وَالضَّرَّةُ [1] أَصْلُ الضَّرْعِ.
وَمُزْبِدُ خُفِضَ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: (فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا لَحِالِبٍ) .
أَيْ خَلَّفَ الشَّاةَ عِنْدَهَا مُرْتَهِنَةً بِأَنْ تَدُرَّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ: ثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ الْعِجْلِيُّ إِمْلَاءً، ثنا رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ- مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ، يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ- عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ وَصَّافًا- عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا، يتلألأ وجهه تلألأ الْقَمَرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ [2] ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، إِذَا انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ [3] فَرَقَ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرُ اللَّوْنِ، وَاسِعُ الْجَبِينِ. أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ: سَوَابِغُ فِي غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقُ يُدِرُّهُ [4] الْغَضَبُ. أَقْنَى [5] الْعِرْنَيْنِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعُ الْفَمِ، أَشْنَبُ مُفَلَّجُ الْأَسْنَانِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ. مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ، بَادِنٌ، مُتَمَاسِكٌ، سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضُ الصَّدْرِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ، مَوْصُولُ مَا بَيْنَ اللُّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ، عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ، أَشْعَرُ
__________
[1] في ع (الصرة) وهو تصحيف.
[2] في حاشية الأصل (هو الطوال) .
[3] العقيصة: الشعر المعقوص، وهو نحو من المضفور.
[4] في طبقات ابن سعد 1/ 422 «يديره» .
[5] في حاشية الأصل: الأقنى من ارتفع أنفه في وسطه. والضليع: المتسع.(1/444)
الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبُ الرَّاحَةِ [1] ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلُ [2]- أَوْ سَائِرُ- الْأَطْرَافِ، خُمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ، يَنْبُو عَنْهُمَا الماء، إذا زال زَالَ قَلْعًا [3] ، يَخْطُو تَكَفِّيًا [4] ، وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وإذا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، خَافِضُ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ، يَسُوقُ [5] أَصْحَابَهُ، وَيَبْدُرُ [6] مَنْ لَقِيَهُ بالسلام.
قَالَ: قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، طَوِيلَ السَّكْتِ [7] ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ، بِأَشْدَاقِهِ، وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَصْلٌ [8] لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ، دَمِثٌ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمَهِينِ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهَا [9] شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ [10] ، وَلَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تَعَدَّى [11] الْحَقُّ، لم يعرفه أَحَدٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر
__________
[1] زاد ابن سعد هنا «سبط القصب» وفي المعرفة والتاريخ «سبط الغضب» .
[2] السائل الأطراف: الممتدّ الأصابع. على ما في (ألوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي 2/ 398) .
[3] في تهذيب تاريخ دمشق «تقلّعا» .
[4] أي يتمايل إلى قدّام، كما في (النهاية) .
[5] في طبقات ابن سعد «يسبق» .
[6] في المعرفة والتاريخ، وتهذيب تاريخ دمشق «يبدأ» .
[7] في الأصل (السلت) وهو تصحيف. وفي المنتقى لابن الملا (السكوت) ، وكذا في تهذيب تاريخ دمشق، والمعرفة والتاريخ.
[8] في طبقات ابن سعد «فضل» .
[9] إضافة على الأصل من مختلف المراجع.
[10] هنا نقص في (ع) .
[11] في طبقات ابن سعد «تعوطي» ، وفي المعرفة والتاريخ «تعرّض» وكذا في تهذيب تاريخ دمشق.(1/445)
لَهَا، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا، يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ رَاحَتِهِ [1] الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، يَعْنِي إِلَى هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مُدْخَلِهِ وَمُخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ [2] ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْحُسَيْنُ: فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ:
جُزْءًا للَّه، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَرَدَّ [3] ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ، وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ [4] ، وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارُهُمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، يَقُولُ: (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، وَلَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ، يَدْخُلُونَ رُوَّادًا، وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذواق [5] ويخرجون أدلّة، يعني على الخير [6] .
__________
[1] في طبقات ابن سعد، والمعرفة والتاريخ «إبهامه» بدل «راحته» .
[2] في طبقات ابن سعد، والمعرفة والتاريخ، وتهذيب تاريخ دمشق «مجلسه» .
[3] في طبقات ابن سعد «فيسرد» . وفي تهذيب تاريخ دمشق «فيردّ» .
[4] في طبقات ابن سعد «ناديه» ، وفي المعرفة والتاريخ «بأدبه» .
[5] ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير، أي لا يتفرّقون إلّا عن علم وأدب يتعلّمونه، يقوم لأنفسهم وأرواحهم مقام الطعام والشراب لأجسامهم. (النهاية لابن الأثير 2/ 172) .
[6] في المعرفة والتاريخ، وتهذيب تاريخ دمشق «يعني فقهاء» .(1/446)
فَسَأَلْتُهُ عَنْ مُخْرَجِهِ، كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قال: كان يخزن لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِ [1] ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ [2] ، مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، لا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا [3] ، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يُجَاوِزُهُ، الَّذِينَ [4] يَلُونَهُ مِنَ النّاس خيارهم، وأفضلهم عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ [5] أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً [6] [7] .
فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُومُ وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ، وَلا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا [8] ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، وَلَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ،
__________
[1] في طبقات ابن سعد «يعينهم» ، وفي المعرفة والتاريخ «بما يعينهم» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «يعنيهم» .
[2] في طبقات ابن سعد، وتهذيب تاريخ دمشق «يوهنه» .
[3] في المعرفة والتاريخ «يميلوا» .
[4] في طبقات ابن سعد «لا يجوزه الدين» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «ولا يجاوز إلى غيره» .
[5] في المراجع الأخرى «عنده منزلة» .
[6] في حاشية الأصل «بلغت قراءة على مؤلّفه الحافظ أبي عبد الله الذهبي. كتبه ابن البعلي، وذلك في الخامس عشر» .
[7] في المراجع زيادة «ومؤازرة» .
[8] قال ابن الأثير في النهاية: «أي لا يتّخذ لنفسه مجلسا يعرف به» .(1/447)
مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، ويحفظون الغريب. أخرجه التِّرْمِذِيُّ أَكْثَرَهُ مُقَطَّعًا فِي «كِتَابِ الشَّمَائِلِ» [1] .
وَرَوَاهُ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السِّجْزِيُّ [2] ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ. وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْخَصِيبِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيِّ [3] ، ثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيِّ- مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ [4] .
وَفِيهِ زَائِدٌ من هذا الوجه وهو: فسألته عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ فَقَالَ: كَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ، وَلَا فَحَّاشٍ، وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَزَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِيهِ، وَلَا يُؤْيَسُ مِنْهُ، وَلَا يُحَبَّبُ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: مِنَ الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رءوسهم
__________
[1] ص 329 و 344 وإسناده ضعيف لضعف سفيان بن وكيع، وكذا شيخه جميع بن عمر، ولجهالة الرجل من بني تميم، والراويّ عنه.
[2] في نسخة دار الكتب «الشجري» وهو تصحيف.
[3] العنقزي: بفتح العين وسكون النون وفتح القاف. (اللباب 2/ 362) .
[4] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 422- 424، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 284- 286، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 238- 251، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 329- 334، عن الخطيب البغدادي، واللالكائي، والترمذي في الشمائل 9- 11، وابن كثير في الشمائل 50- 55، والمزّي في تهذيب الكمال 1/ 214- 217، وابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ 1/ 398- 402، وابن سيّد الناس في عيون الأثر 2/ 323- 328، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 31- 33، والهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 273، والنويري في نهاية الأرب 18/ 271- 278، والسيوطي في الخصائص الكبرى 1/ 76- 77.(1/448)
الطّير، فإذا سكت تكلّموا، ولا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ، وَكَانَ يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم، وَيَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمْ صَاحِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَارْقُدُوهُ» ، وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ [1] ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ.
فَسَأَلْتُهُ: كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّدَبُّرِ، وَالتَّفَكُّرِ، فَأَمَّا تَدَبُّرُهُ، فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى، وَجُمِعَ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ. وجمع له الحذر في أربع: أخذه بِالْخَيْرِ [2] لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادِهِ الرَّأْيَ فِيمَا يُصْلِحُ أُمَّتَهُ وَالْقِيَامِ بِهِمْ، وَالْقِيَامِ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ بِطُولِهِ كُلِّهِ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ [3] : ثنا أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، وَسَعِيدُ بن حمّاد الأنصاريّ المصري قال: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، فَذَكَرَهُ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ النَّهْدِيِّ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْهُدَى [4] عِيسَى بْنِ يَحْيَى السَّبْتِيِّ، أَخْبَرَكُمْ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أنا أَبُو سَعْدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْفَانِيذِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عمر السِّمَنَانيّ،
__________
[1] قيل: مقتصد في ثنائه ومدحه، وقيل: إلّا من مسلم، وقيل إلّا من مكافئ على يد سبقت من النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا فِي (عيون الأثر) . وفي (دلائل النّبوّة للبيهقي) : يريد أنّه كان إذا ابتدئ بمدح كره ذلك.
[2] في حاشية الأصل (بالحسن. خ) يعني في نسخة.
[3] المعرفة والتاريخ 3/ 284- 287.
[4] في نسخة دار الكتب (الهذيل) بدل (الهدى) وهو وهم.(1/449)
وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَسَدِيُّ، قالوا: أن أبو عليّ الحسن بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّاجِرُ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْعَلَوِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَخِي أَبِي طَاهِرٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قال: قال الحسن بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ وَصَّافًا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهُ شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ، فَقَالَ: كَانَ فَخْمًا مُفَخَّمًا. فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ جُمَيْعِ بْنِ عُمَرَ بِطُولِهِ، إِلَّا فِي أَلْفَاظٍ: فَقَالَ فِي (عَرِيضِ الصَّدْرِ) (فَسِيحِ الصَّدْرِ) ، وَقَالَ (رَحْبَ الْجَبْهَةِ) بَدَلَ (رَحْبِ الرَّاحَةِ) ، وَقَالَ (يَبْدَأُ) بَدَلَ (يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ) ، وَقَالَ (طَوِيلَ السُّكُوتِ) بَدَلَ (السَّكْتِ) ، وَقَالَ (لَمْ يكن ذواقا ولا مدحة) بَدَلَ (لَا يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ) وَأَشْيَاءَ سِوَى هَذَا بِالْمَعْنَى.
قَوْلُهُ مُتَمَاسِكٌ: أَيْ مُمْتَلِئُ الْبَدَنِ غَيْرُ مُسْتَرْخٍ وَلَا رَهْلٍ، وَالْمُتَجَرِّدُ:
الْمُتَعَرِّي، وَاللُّبَّةُ: النَّحْرُ، وَالسَّائِرُ وَالسَّائِلُ: هُوَ الطَّوِيلُ السَّابِغُ، وَالْأَخْمَصُ: مَا يُلْصَقُ مِنَ الْقَدَمِ بِالْأَرْضِ، وَالْمَمْسُوحُ: الْأَمْلَسُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شُقُوقٌ، وَلَا وَسَخٌ، وَلَا تَكَسُّرٌ، فَالْمَاءُ يَنْبُو عَنْهُمَا لِذَلِكَ إِذَا أَصَابَهُمَا، وَقَوْلُهُ: زَالَ قَلْعًا، الْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بِقُوَّةٍ لَا كَمَنْ يَمْشِي اخْتِيَالًا وَيَشْحَطُ مَدَاسَهُ دَلْكًا بِالْأَرْضِ، وَيُرْوَى: زَالَ قَلْعًا. وَمَعْنَاهُ التَّثَبُّتُ، وَالذَّرِيعُ: السَّرِيعُ: يَسُوقُ أَصْحَابَهُ: أَيْ يُقَدِّمُهُمْ أَمَامَهُ، وَالْجَافِي:
الْمُتَكَبِّرُ، وَالْمَهِينُ: الْوَضِيعُ، وَالذَّوَاقُ: الطَّعَامُ، وَأَشَاحَ: أَيِ اجْتَنَبَ ذَاكَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَحَبُّ الْغَمَامِ: الْبَرَدُ، وَالشَّكْلُ: النَّحْوُ وَالْمَذْهَبُ، وَالْعَتَادُ:
مَا يُعَدُّ لِلْأَمْرِ مِثْلَ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ لَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرَمُ: أَيْ لَا تُذْكَرُ بِقَبِيحٍ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ: أَيْ لَا تُذَاعُ، أَيْ لَمْ يَكُنْ لِمَجْلِسِهِ فلتات فتذاع،(1/450)
وَالنَّثَا فِي الْكَلَامِ: الْقَبِيحُ وَالْحَسَنُ.
وَقَدْ مَرَّ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ، يَعْنِي نَفْسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ قُرَيْشًا أَتَوْا كَاهِنَةً فَقَالُوا لَهَا: أَخْبِرِينَا بِأَقْرَبِنَا شَبَهًا بِصَاحِبِ هَذَا الْمَقَامِ، قَالَتْ: إِنْ جَرَرْتُمْ كِسَاءً عَلَى هَذِهِ السَّهْلَةِ، ثُمَّ مَشَيْتُمْ عَلَيْهَا أَنْبَأَتْكُمْ، فَفَعَلُوا، فَأَبْصَرَتْ أَثَرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: هَذَا أَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِهِ، فَمَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ بُعِثَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ هُوَ وَعَلِيٌّ يَمْشِيَانِ، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ [1] ثُمَّ قَالَ:
بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ ... لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيِّ
وَعَلِيٌّ يَتَبَسَّمُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذلك.
__________
[1] في الأصل «عنقه» .
[2] في المناقب 4/ 217 باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما. ولفظه: ليس شبيه بعليّ، وعليّ يضحك.(1/451)
بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 68: 4 [1]
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) [2] . وَقَالَ (خ م) : مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ للَّه بها [3] .
__________
[1] سورة القلم- الآية 4.
[2] رواه أبو داود (4682) في السّنّة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، والترمذي (1172) في كتاب الرضاع، باب (11) ما جاء في حق المرأة على زوجها، وقال: وفي الباب عن عائشة، وابن عباس. وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وفي كتاب الإيمان (2743) باب في استكمال الإيمان والزيادة والنقصان، والدارميّ في الرقاق، رقم (74) ، وأحمد في المسند 2/ 250 و 472 و 527 و 6/ 47 و 99.
[3] رواه البخاري 4/ 166- 167 في المناقب، باب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي الأدب 7/ 101 باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: يسّروا ولا تعسّروا، وكان يحب التخفيف واليسر على الناس، وفي الحدود 8/ 16 باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، ومسلم (2327) في الفضائل، باب مباعدته صلّى الله عليه وسلّم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه للَّه عند انتهاك حرماته، وأبو داود (4785) في الأدب، باب في التجاوز في الأمر، ومالك في الموطّأ (1628) في كتاب الجامع، باب ما جاء في حسن الخلق، وأحمد في المسند 6/ 32 و 114 و 116 و 130 و 182 و 223 و 229 و 232 و 262 و 281، وابن سعد في الطبقات 1/ 366.(1/453)
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، لَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ مِنْ محارم الله، فينتقم للَّه. م [1] .
وَقَالَ أَنَسٌ: خَدَمْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين، فو الله مَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَ كَذَا [2] ؟
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. أَخْرَجَهُ م [3] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْمَلَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
وَقَالَ فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلَا فَاحِشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عَنْدَ الْمَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ.
أَخْرَجَهُ خ [5] .
__________
[1] رواه مسلم (2327) في الفضائل، باب مباعدته صلّى الله عليه وسلّم للآثام، وأبو داود (4786) في الأدب، باب التجاوز في الأمر، وابن سعد في الطبقات 1/ 367- 368.
[2] رواه البخاري 7/ 82- 83 في الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، ومسلم (2309) في الفضائل، باب كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس خلقا، وأبو داود (4774) في الأدب، باب في الحلم، وابن الأثير في جامع الأصول 11/ 255- 257.
[3] في صحيحه (2150) في الأدب، باب استحباب تحنّك المولود عند ولادته.. وللحديث بقيّة، وابن سعد في الطبقات 1/ 364، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 338.
[4] رواه البخاري 3/ 228 في الجهاد والسير، باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق، ومسلم (2307) في الفضائل، باب في شجاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتقدّمه للحرب، والنويري في نهاية الأرب 18/ 255.
[5] في صحيحه 7/ 81 في كتاب الأدب، باب لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاحشا ولا متفحّشا، و 7/ 84 باب ما ينهى من السباب واللعن، وأحمد في المسند 3/ 126 و 144 و 158 و 6/ 309، وابن سعد 1/ 369.(1/454)
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ [1] ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: خِيَارُكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ يَقُولُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ [3] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحياء من الإيمان» [5] .
__________
[1] في طبعة القدسي 2/ 321 «شفيق» وهو تحريف.
[2] رواه البخاري 7/ 82 في الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، وفي المناقب 4/ 166 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (2321) في الفضائل، باب كثرة حيائه صلّى الله عليه وسلّم، والترمذي (2041) في البرّ والصلة، باب ما جاء في الفحش، وقال: هذا حديث حسن صحيح، و (2084) و (2085) باب ما جاء في خلق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأحمد في المسند 2/ 161 و 189 و 193 و 328 و 448 و 6/ 174 و 236 و 246، وابن سعد في الطبقات 1/ 365، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 339.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 365، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 289، وابن عساكر 1/ 340.
[4] رواه البخاري 4/ 197 في المناقب، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفي الأدب 7/ 96 باب من لم يواجه الناس بالعتاب، وباب الحياء 7/ 100، ومسلم (2320) في الفضائل، باب كثرة حيائه صلّى الله عليه وسلّم، واللفظ له، وابن ماجة في الزهد (4180) وأحمد في المسند 3/ 77 و 79 و 88 و 91 و 92، وابن سعد في الطبقات 1/ 368، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 270، والترمذي في الشمائل 192 رقم 351، والقاضي عياض في الشفاء 1/ 241 و 242.
[5] أخرجه البخاري في الإيمان 1/ 8 باب أمور الإيمان وقول الله تعالى: ليس البرّ أن تولّوا(1/455)
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذًا شَدِيدًا، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِهِ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْمَنُهُ، وَأَنَّهُ عَقَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْدًا، فَأَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ فَصَرَعَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ مَلَكَانِ يَعُودَانِهِ، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ فُلَانًا عَقَدَ لَهُ عَقْدًا، وَهِيَ فِي بِئْرِ فُلَانٍ، وَلَقَدِ اصْفَرَّ الْمَاءُ مِنْ شِدَّةِ عَقْدِهِ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَخْرَجَ الْعَقْدَ، فَوَجَدَ الْمَاءَ قَدِ اصْفَرَّ، فَحَلَّ الْعَقْدَ، وَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَاتَ [2] .
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ زيد أبو يحيى الملائيّ، حدّثني زيد
__________
[ () ] وجوهكم قبل المشرق والمغرب.. (بلفظ: الحياء شعبة من الإيمان) ، ومسلم (35) في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء، وكونه من الإيمان، وأبو داود (4676) في السّنّة، باب في ردّ الإرجاء، والترمذي (2748) في الإيمان، باب ما جاء الحياء من الإيمان، والنسائي في الإيمان 8/ 110، باب ذكر شعب الإيمان، وابن ماجة في المقدّمة (57) .
[1] رواه البخاري 7/ 94 في الأدب، باب التبسّم والضّحك، ومسلم (1057) في كتاب الزكاة، باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة، وأبو داود (4775) في كتاب الأدب، باب في الحلم وأخلاق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، من طريق هارون بن عبد الله، عن أبي عامر، عن محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة، بنحوه، والنسائيّ 8/ 33- 34 في القسامة، باب القود من الجبذة، وأحمد في المسند 3/ 153 و 210 و 224، والنويري في نهاية الأرب 18/ 252، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 338- 339.
[2] أخرجه النسائيّ في كتاب التحريم 7/ 113 باب سحرة أهل الكتاب، وأحمد في المسند 4/ 367.(1/456)
الْعَمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَافَحَهُ الرَّجُلُ لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْزِعُ، وَإِنِ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ، لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَهُ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ. أَخْرَجَهُمَا الْفَسَوِيُّ عَنْهُمَا فِي تَارِيخِهِ [1] .
وَقَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا الْتَقَمَ أُذُنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] فَيُنَحِّي رَأْسَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي ينحّي رأسه، وما رأيت رسول الله أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَتَرَكَ يَدَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [3] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [4] .
وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مصلّاه حتّى تطلع الشمس،
__________
[1] المعرفة والتاريخ 3/ 289.
[2] أي جعل فمه يحاذي: أذنه صلّى الله عليه وسلّم للإفضاء بالسّر.
[3] في كتاب الأدب (4794) باب في حسن العشرة.
[4] رواه أبو داود في الأدب (4794) باب في حسن العشرة، والترمذي في صفة القيامة (2492) باب رقم 47، وهو حديث حسن، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 289، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 39، وابن سعد في الطبقات 1/ 378، والبغوي في شرح السّنّة 13/ 245- 246 وقال: هذا حديث غريب، وابن ماجة (3716) والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 273 ورواه البخاري في الأدب 7/ 94- 95 باب التبسّم والضّحك، وفي التفسير 6/ 42 سورة الأحقاف، ومسلم (899/ 16) في صلاة الاستسقاء، باب التعوّذ عند رؤية الريح والغيم، والفرح بالمطر، وأحمد في المسند 6/ 66.(1/457)
وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَارِجَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ نَفَرًا دَخَلُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بَيْتَهُ فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ بَعْضِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَآتِيهِ، فَأَكْتُبُ الْوَحْيَ، وَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، اتَّقَيْنَا الْمُشْرِكِينَ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ بَأْسًا، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: لَمْ يُسْأَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: (لَا) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أتى رجل
__________
[1] في صحيحه، (2322) كتاب الفضائل، باب تبسمه صلّى الله عليه وسلّم وحسن عشرته، وفي كتاب المساجد ومواضع الصلاة (670) باب فضل الجلوس في مصلّاه بعد الصبح، وفضل المساجد، والنسائي في كتاب السهو 3/ 80- 81 باب قعود الإمام في مصلّاه بعد التسليم، وأحمد في المسند 5/ 86 و 88 و 91، وابن سعد 1/ 372.
[2] رواه مسلم (2311) في الفضائل، باب ما سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا قط فقال: لا، وكثرة عطائه، وأحمد في المسند 6/ 130، وابن سعد في الطبقات 1/ 368.
[3] أخرجه البخاري 4/ 165 في المناقب، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (2308) في الفضائل، باب كان النبي صلّى الله عليه وسلّم، أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، والزرقاني في شرح المواهب اللدنية 4/ 101، وابن سعد 1/ 368- 369، وأحمد في الزهد- ص 10.(1/458)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِغَنَمٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَاقَةَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ [2] .
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يُفَلِّي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ [3] .
وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ الْأَعْوَرُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ [4] ، سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ، خِطَامُهُ مِنْ ليف [5] .
__________
[1] في صحيحه (2312) في الفضائل، باب ما سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط فقال:
لا، وكثرة عطائه، وأحمد في المسند 3/ 108 و 175 و 259 و 284، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 281، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 42، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 13 وقال: رواه الطبراني.
[2] رواه أحمد في مسندة 6/ 121 و 167 و 260، وابن سعد 1/ 366، وانظر الزهد لأحمد- ص 9.
[3] رواه أحمد في المسند 6/ 256، والترمذي في جامعه (2941) والشمائل له 181 رقم 335، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 282، وألوفا لابن الجوزي 2/ 435، وشرح السّنّة للبغوي 13/ 243، والموارد للهيثمي 524- 525.
[4] في (ع) «عبيد الله» وهو تحريف.
[5] رواه الترمذي في الجنائز (1021) باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة، رقم (31) وقال: قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم، عن أنس، ومسلم الأعور يضعّف، وهو مسلم بن كيسان الملائي، ورواه ابن سعد 1/ 370 و 371، وأحمد في الزهد 41.(1/459)
وَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ [1] : نا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍّ [2] .
وَفِي «الصَّحِيحِ» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ [3] ؟ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: نا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فقالت: يا رسول الله إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ طَرِيقٍ شِئْتِ قُومِي فِيهِ، حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ، فَخَلَا مَعَهَا يُنَاجِيهَا، حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .
بَابُ هَيْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَالِهِ وَحُبِّهِ وَشَجَاعَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَفَصَاحَتِهِ
قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الأعمش، عن إبراهيم التّميمي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: إِنِّي لَأَضْرِبُ غُلَامًا لِي، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ
__________
[1] الطاطريّ: بفتح الطاءين، قال ابن الأثير في اللباب 2/ 268: «يقال لمن يبيع الثياب البيض بدمشق المحروسة ومصر طاطريّ» .
[2] انظر: عمل اليوم والليلة لابن السّنّي 159 رقم 421، وألوفا لابن الجوزي 2/ 446، والشمائل لابن كثير 81، وأنيس الجليس للمعافى بن زكريا 1/ 279.
[3] رواه مسلم في حديث مرّ أوّله قبل الآن، وهو بطوله: عن عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس خلقا. وكان لي أخ يقال له أبو عمير. قال: أحسبه قال: كان فطيما. قال: فكان إذا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآه، قال: «أبا عمير! ما فعل النّغير؟» . قال: «فكان يلعب به» . والنغير: تصغير: النغر، وهو طائر صغير، جمعه نغران.
انظر صحيح مسلم (2150) في الأدب، باب استحباب تحنّك المولود عند ولادته. وابن سعد في طبقاته 1/ 364، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 338.
[4] في صحيحه (2326) في الفضائل، باب قَرُبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الناس وتبرّكهم به.(1/460)
خَلْفِي: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ» ، قَالَ: فَجَعَلْتُ لَا ألتفت إليه من الغصب، حَتَّى غَشِيَنِي، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَقَعَ السَّوْطُ مِنْ يَدِي مِنْ هَيْبَتِهِ، فَقَالَ لِي: «وَاللَّهِ، للَّه أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى [1] هَذَا» ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَضْرِبُ غُلَامًا لِي أَبَدًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ 49: 2 [4] . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ: لَا نُكَلِّمُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ.
وَقَالَ تَعَالَى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 24: 63 [5] .
وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ 9: 73 [6] .
__________
[1] كذا في نسخة دار الكتب، وفي الأصل «من» بدل «على» .
[2] رواه مسلم (1659) في كتاب الأيمان، باب صحبة المماليك، وكفّارة من لطم عبده، وأحمد في المسند 2/ 45.
[3] في صحيحه (44) كتاب الإيمان، باب وجوب محبّة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين، وأخرجه البخاري في كتاب الإيمان 1/ 9- 10 باب حلاوة الإيمان.
[4] سورة الحجرات- الآية 2.
[5] سورة النور- الآية 63.
[6] سورة التوبة- الآية 73.(1/461)
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيَّ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» [1] . وقال زهير بن معاوية، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْقَوْمِ مِنْهُ، وَقَدْ ثَبُتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، كَمَا أَتَى [2] فِي غَزَوَاتِهِ [3] . قَالَ زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ يَوْمِ حُنَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقِيَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِلِجَامِهَا، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَنْصَرَ، ثُمَّ قَالَ:
أَنَا النَّبِيُّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب [4] .
__________
[1] أخرجه البخاري من حديث جابر بن عبد الله 1/ 86 في التيمّم، أول الكتاب، وفي كتاب الصلاة 1/ 113 باب الصلاة في البيعة، وفي كتاب الجهاد والسير 4/ 12 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: نصرت بالرعب مسيرة، شهر، وفي كتاب التعبير 8/ 72 باب رؤيا الليل، و 8/ 76 باب المفاتيح في اليد، وفي كتاب الاعتصام 8/ 138 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثت بجوامع الكلم، ومسلم (521) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، أول الكتاب، و (523) ، والدارميّ في السير، رقم 28، والترمذي (1594) في السير، باب ما جاء في الغنيمة، والنسائي 1/ 210 في كتاب الغسل، باب التيمّم بالصعيد، و 6/ 3 في كتاب الجهاد، باب وجوب الجهاد، وأحمد في المسند 1/ 301 و 3/ 222 و 264 و 268 و 314 و 396 و 412 و 455 و 501 و 3/ 304 و 4/ 416 و 5/ 162 و 248 و 256.
[2] هكذا في نسخة دار الكتب، وفي الأصل «يأتي» .
[3] أخرجه مسلم (1776) في كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين، من طريق عيسى بن يونس، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن البراء وقد جاءه رجل.
[4] رواه البخاري في الجهاد والسير 3/ 218 باب من قاد دابّة غيره في الحرب، و 3/ 220 باب بغلة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم البيضاء، و 3/ 233 باب من صفّ أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابّته واستنصر، و 4/ 28 في باب من قال خذها وأنا ابن فلان، وفي المغازي 5/ 98- 99 باب مقام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكة زمن الفتح، ومسلم (1776) في الجهاد والسير، باب في غزوة حنين، والترمذي في الجهاد (1738) باب ما جاء في الثبات عند القتال، وأحمد في المسند 4/ 280 و 281 و 289 و 304.(1/462)
ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ.
وَقَدْ أَتَى ذَلِكَ مُطَوَّلًا [1] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَجْمَلَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَجْوَدَهُمْ كَفًّا، وأشجعهم قلبا، خرج وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَرَكِبَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيًا [2] ، ثُمَّ رَجَعَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ تُرَاعُوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ اللَّيْثِ الْجَوْهَرِيُّ: ثنا حَمَّادُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، ثنا أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالَكَ أَفْصَحُنَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا؟ قَالَ: «كَانَتْ لُغَةُ إِسْمَاعِيلَ قَدْ دَرَسَتْ، فَجَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ فَحَفَّظَنِيهَا» . هَذَا مِنْ «جُزْءِ الْغِطْرِيفِ [4] » . وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَفْصَحَكَ، مَا رَأَيْتُ الَّذِي هُوَ أَعْرَبُ مِنْكَ، قَالَ: «حُقَّ لِي، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ القرآن بلسان عربيّ مبين» [5] .
__________
[1] كذا في نسخة دار الكتب، وهو الصواب، وفي الأصل وفي (ع) : «وسيأتي هذا» .
[2] زاد في الصحيح: (في عنقه السيف) .
[3] أخرجه البخاري في الجهاد والسير 4/ 10- 11 باب السرعة والركض في الفزع، ومسلم (2307) في كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتقدّمه للحرب، وأحمد في المسند 3/ 261، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 279، وابن سعد 1/ 373، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 37.
[4] انظر بمعناه: صحيح مسلم (2308) في كتاب الفضائل، باب كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، وشمائل الترمذي 189- 190 رقم 346، وابن سعد 1/ 375، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 280، والبداية والنهاية 6/ 42.
[5] ونحوه ما رواه البخاري في المناقب 4/ 156 باب نزل القرآن بلسان قريش، ومثله في فضائل القرآن 6/ 97، باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب قرآنا عربيا، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.(1/463)
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعْطِيتُ فَوَاتِحَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ» ، قُلْنَا: عَلِّمْنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَعَلَّمَنَا التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ [1] .
بَابُ زُهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِذَلِكَ يُوزَنُ الزُّهْدُ وَبِهِ يُحَدُّ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى 20: 131 [2] .
قَالَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمَلَكُ: إِنَّ اللَّهَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلَكًا نَبِيًّا، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تَوَاضَعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا» قَالَ: فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَقِيَ رَبَّهُ تَعَالَى [3] . وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خِزَانَتِهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَجَلَسَ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِهِ، فَقَلَّبْتُ عَيْنِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شيء من الدنيا غير قبضتين- أو
__________
[1] روى نحوه ابن ماجة في إقامة الصلاة، والسّنّة فيها (899) و (900) و (901) وفي الأخير عن أبي موسى الأشعري.
[2] سورة طه- الآية 131.
[3] رواه أحمد في المسند 2/ 231.(1/464)
قَالَ قَبْضَةً- مِنْ شَعِيرٍ، وَقَبْضَةً مِنْ قُرْظٍ، نَحْوَ الصَّاعَيْنِ، وَإِذَا أَفِيقٌ [1] مُعَلَّقٌ أَوْ أَفِيقَانِ، قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ» ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لِيَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ [2] ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ! وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وأنت هكذا، فقال: «يا بن الْخَطَّابِ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا» ؟
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَاحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] . قَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ فِي الْبَيْتِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلَّا أُهُبٌ ثَلَاثَةٌ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسٍ وَالرُّومِ، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَاسْتَوَى جالسا وقال:
«أفي شكّ أنت يا بن الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» . فَقُلْتُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى. اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ [4] .
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَدَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، أَخْبَرَكُمُ الْعَلَّامَةُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ، أَنَّ شَهْدَةَ بِنْتَ أَبِي نَصْرٍ أَخْبَرَتْهُمْ، أنا أَبُو غَالِبٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، أنا أَبُو عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ، أنا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وهو على سرير مرمول [5]
__________
[1] هو الجلد الّذي لم يتمّ دباغه، وجمعه: أفق.
[2] من خلقه.
[3] في صحيحه من حديث طويل (1479) في كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهنّ، وقوله تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ 66: 4.
[4] أخرجه البخاري في النكاح 6/ 149- 150 باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها، ومسلّم (1479) في الحديث السابق.
[5] أي نسج وجهه بالسّعف.(1/465)
بِشَرِيطٍ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاعْوَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْوِجَاجَةً، فَرَأَى عُمَرُ أَثَرَ الشَّرِيطِ فِي جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما يبكيك» ؟ فقال: كسرى وقيصر يعبثان فِيمَا يَعِيثَانِ [1] فِيهِ، وَأَنْتَ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ! فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ» ؟ قَالَ: بَلَى، فَقَالَ: «فَهُوَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ» . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ [2] .
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: اضْطَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ، فَأَثَّرَ بِجِلْدِهِ، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ عَنْهُ وَأَقُولُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَلَا آذَنْتَنَا فنبسط لك [3] ، قال: «ما لي وللدنيا، إنّما أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَرِيبٌ مِنَ الصِّحَّةِ [4] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ تَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إلّا شيء أرصده لديني» . أخرجه البخاري [5] .
__________
[1] في بعض المصادر (يعيشان) وهو تصحيف.
[2] أخرجه مسلّم (2498) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين، رضي الله عنهما، وأحمد في المسند 3/ 139، وابن سعد في الطبقات 1/ 466.
[3] في (دلائل النبوّة للبيهقي) : ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه.
[4] رواه الترمذي في الزهد (2483) باب (31) وقال: هذا حديث صحيح، وابن ماجة في الزهد (4109) باب مثل الدنيا، وأحمد في المسند 1/ 301، وفي الزهد- ص 13 و 18 و 20.
[5] أخرجه البخاري في التمنّي 8/ 128 باب تمنّي الخير وقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لو كان لي أحد ذهبا، وفي الاستئذان 7/ 137 باب من أجاب بلبّيك وسعديك، وفي الرقاق 7/ 177 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما أحبّ أن لي مثل أحد ذهبا، ومسلّم (94 و 992) في الزكاة، باب الترغيب في الصدقة، وابن ماجة، في الزهد (4132) باب في المكثرين، وأحمد في المسند 2/ 256 و 316 و 349 و 399 و 419 و 450 و 457 و 467 و 530 و 5/ 149 و 152.(1/466)
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «اللَّهمّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ [1] . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أيام تباعها مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى تُوُفِّيَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] .
وقال الثَّوْرِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نُخْرِجُ الْكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَنَأْكُلُهُ، فَقُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُونَ؟ فَضَحِكَتْ وَقَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزٍ مَأْدُومٍ حَتَّى لَحِقَ باللَّه. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ عَائِشَةَ: كُنَّا يَمُرُّ بِنَا الْهِلَالُ وَالْهِلَالُ، وَالْهِلَالُ، مَا نُوقِدُ بِنَارٍ لِطَعَامٍ، إِلَّا أَنَّهُ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّ حَوْلَنَا أَهْلَ دُورٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَيَبْعَثُونَ بِغَزِيرَةِ الشَّاءِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم من ذلك اللّبن. متّفق عليه [4] .
__________
[1] أخرجه البخاري في الرقاق 7/ 181 باب كيف كان عيش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وتخلّيهم من الدنيا، ومسلّم (1055) في الزهد والرقاق، (18 و 19) وفي الزكاة (1055) باب في الكفاف والقناعة، والترمذي في الزهد (2466) باب ما جاء في معيشة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأهله، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة في الزهد (4139) باب القناعة، وأحمد في المسند 2/ 232 و 446 و 481، وفي الزهد- ص 13.
[2] في صحيحه (2970) في الزهد والرقائق، باب 20 و 21 و 22 و 23 و 24 و (2976/ 33) ، ورواه ابن ماجة في الأطعمة (3343) باب خبز البرّ، و (3344) ، وأحمد في المسند 6/ 42.
[3] في صحيحه 6/ 206 في الأطعمة، باب ما كان السّلف يدّخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره، و 6/ 210 باب القديد، والترمذي في الأضاحي (1547) باب في الرخصة في أكلها بعد ثلاث، وقال: هذا حديث صحيح.. وقد روي عنها هذا الحديث من غير وجه، وابن ماجة (3313) في الأطعمة، باب القديد، وأحمد في المسند 6/ 128 و 136.
[4] رواه البخاري في الهبة 3/ 128 أول الباب، وفي الزهد والرقاق 7/ 181 باب كيف كان عيش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وتخلّيهم من الدنيا، ومسلّم (2972) في الزهد والرقائق،(1/467)
وَقَالَ هَمَّامٌ: ثنا قَتَادَةُ، كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، فَقَالَ:
كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا، حَتَّى لَحِقَ باللَّه، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا [1] بِعَيْنِهِ قَطُّ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] .
وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُوَانٍ [3] ، وَلَا فِي سكرّجة [4] ولا خبز له مرقّق، فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: عَلَامَ [5] كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [6] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إسحاق: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يُحَدِّثُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حَتَّى قُبِضَ. أخرجه مسلّم [7] .
__________
[ () ] باب 28، وأحمد في المسند 2/ 405 و 6/ 71 و 86 و 108، وفي الزهد- ص 10، وابن سعد 1/ 403.
[1] أي مشويّة على ما في «النهاية لابن الأثير» .
[2] في صحيحه 7/ 181 في الزهد والرقاق، باب كيف كان عيش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وتخلّيهم عن الدنيا، وفي الأطعمة 6/ 206 باب شاة مسمومة والكتف والجنب، وابن ماجة (3309) في كتاب الأطعمة، باب الشواء، و (3339) في باب الرقاق. وأحمد في المسند 3/ 128 و 134 و 250، وابن سعد 1/ 404.
[3] بضم الخاء وكسرها.
[4] السّكرجة: بضم السين والكاف والراء المشدّدة. (النهاية لابن الأثير) . وقال الخفاجي في «شفاء الغليل» : الصواب فتح الراء المشدّدة، وهو إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم، وأكثر ما يوضع فيها الكوامخ ونحوها.
[5] في الأصل «على ما» .
[6] في صحيحه 6/ 199 في الأطعمة، باب الخبز المرقّق والأكل على الخوان والسفرة، و 6/ 205 باب ما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يأكلون، والترمذي في الأطعمة (1848) باب ما جاء على ما كان يأكل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وابن ماجة في الأطعمة (3292) باب الأكل على الخوان والسفرة، وأحمد في المسند 3/ 130، وفي الزهد- ص 14.
[7] في صحيحه (2970/ 22) في الزهد والرقائق، وأخرجه البخاري في الأطعمة 6/ 205 باب ما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يأكلون، وأحمد في المسند 5/ 253 و 260 و 267، وفي الزهد 39.(1/468)
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ [1] . وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، فَأَخَذَ لِأَهْلِهِ شَعِيرًا، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ: مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ تَمْرٍ وَلَا صَاعُ حَبٍّ، وَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ أَبْيَاتٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
أَخْبَرَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْخَيْرِ، كِتَابَةً، أَنَّ عَبْدَ الْمُنْعِمِ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ كُلَيْبٍ أَجَازَ لَهُمْ، قَالَ: أنا عَلِيُّ بْنُ بَنَانٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، ثنا الحسن بْنُ عَرَفَةَ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنيّة، فانطلقت فبعثت إليّ
__________
[1] الإهالة: كل ما يؤتدم به، وقيل ما أذيب من الألية والشحم، وقيل الدسم الجامد.
والسّنخة: المتغيّرة.
[2] في صحيحه 3/ 82 في الاستقراض، باب من اشترى بالدّين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته، وفي البيوع 3/ 8 باب شراء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالنسيئة، و 3/ 15 باب شراء الإمام الحوائج بنفسه، وفي السّلم 3/ 45- 46 باب الكفيل في السّلم، وباب الرهن في السّلم، وفي الرهن (بلفظه) 3/ 115 الباب الأول، وباب من رهن درعه، ومسلّم (1603) في كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، وأحمد في المسند 6/ 42 و 160 و 230 و 237، وفي الزهد له ص 9 و 10 و 11، وابن سعد 1/ 407.
[3] رواه البخاري في الزهد والرقاق 7/ 181 في باب كيف كان عيش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وتخلّيهم من الدنيا، وأبو داود في الباس (4146) باب في الفرش، والترمذي في اللباس (1816) باب ما جاء في فراش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وابن ماجة في الزهد (4151) باب ضجاع آل محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأحمد في المسند 1/ 84 و 93 و 104 و 106 و 108 و 6/ 48 و 56 و 73 و 108 و 207 و 212 و 295 و 314 وفي الزهد- ص 19.(1/469)
بِفِرَاشٍ حَشْوُهُ الصُّوفُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ» ؟ قُلْتُ: فُلَانَةٌ رَأَتْ فِرَاشَكَ، فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِهَذَا، فَقَالَ: «رُدِّيهِ يَا عَائِشَةُ» ، قَالَتْ: فَلَمْ أَرُدَّهُ، وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِي، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَتْ: فَقَالَ: ردّيه فو الله لَوْ شِئْتُ لَأَجْرَى اللَّهُ مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي «الزُّهْدِ» [1] ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ- وَهُوَ ثِقَةٌ- عَنْ مُجَالِدٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ [2] . وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِبُ [3] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ. وَقَالَ زَائِدَةُ: نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاهِمُ الْوَجْهِ، حَسِبْتُ ذَلِكَ مِنْ وَجَعٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ؟ فَقَالَ: مِنْ أَجْلِ الدَّنَانِيرِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَتَتْنَا أَمْسِ، وَأَمْسَيْنَا وَلَمْ نُنْفِقْهُنَّ، فَكُنَّ فِي خَمْلِ الْفِرَاشِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ [4] .
وَقَالَ بَكْرِ بْنُ مُضَرَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَعُرْوَةُ، فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضٍ لَهُ، وَكَانَتْ عِنْدِي سِتَّةُ دَنَانِيرَ أَوْ سَبَعَةٌ، فَأَمَرَنِي أَنْ أُفَرِّقَهَا، فَشَغَلَنِي وجعه
__________
[1] ص 20،.
[2] انظر عنه: التاريخ الصغير 70، والضعفاء الصغير 277، والضعفاء والمتروكين للنسائي 304 رقم 552، وأحوال الرجال للجوزجانيّ 89 رقم 126، والمجروحين لابن حبّان 3/ 10، والضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 165 رقم 532، والضعفاء الكبير للعقيليّ 4/ 232 رقم 1826، والجرح والتعديل 8/ 361- 362 رقم 1653، والكامل في الضعفاء 6/ 2414، والمغني في الضعفاء 2/ 543 رقم 5183، وميزان الاعتدال 3/ 438 رقم 7070، تهذيب التهذيب 10/ 39- 41 رقم 65، تقريب التهذيب 2/ 229 رقم 919.
[3] في الطبقات الكبرى 1/ 465.
[4] رواه أحمد في المسند 6/ 214.(1/470)
حَتَّى عَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْهَا، ثُمَّ دَعَا بِهَا فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ فَقَالَ: مَا ظَنُّ نَبِيِّ اللَّهِ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ [1] . وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ.
وقال بكّار بن محمد السِّيرِينِيُّ: نا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ صُبَرًا مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا بِلَالُ» ؟ فَقَالَ: تَمْرٌ أَدَّخِرُهُ، قَالَ: «وَيْحَكَ يا بلال، أو ما تَخَافُ أَنْ يَكُونَ لَكَ بُخَارٌ فِي النَّارِ، أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا» . بَكَّارٌ ضَعِيفٌ [2] .
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَبُو عَامِرٍ الْهَوْزَنِيُّ قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَلَبٍ، فَقُلْتُ:
حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ [3] ، مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ [4] ، فَرَآهُ عَارِيًا يَأْمُرُنِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فأشتري البردة
__________
[1] رواه أحمد في المسند 6/ 104.
[2] قال البخاري: يتكلّمون فيه، وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث روى أحاديث مناكير، وقال ابن معين: كتبت عنه لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لا يسكن القلب عليه مضطرب، وقال أبو زرعة: حدّث عن ابن عون بما ليس من حديثه، وقال ابن حبّان: لا يتابع على حديثه.
انظر عنه: التاريخ الكبير 2/ 122 رقم 1911، والجرح والتعديل 2/ 409 رقم 1612، والضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 150 رقم 188 وفيه طرف من أول الحديث، وقال: الرواية فيه مضطربة من غير حديث ابن عون أيضا (151) ، والمجروحين لابن حبّان 1/ 197، والكامل في الضعفاء لابن عدّي 2/ 477- 478، والمغني في الضعفاء 1/ 111 رقم 958، وميزان الاعتدال 1/ 341 رقم 1263، ولسان الميزان 2/ 44- 45 رقم 161.
[3] عند أبي داود «كنت أنا الّذي ألي ذلك منه» .
وفي طبعة القدسي 2/ 332 «إلى» وهو خطأ.
[4] عند أبي داود «مسلما» .(1/471)
وَالشَّيْءَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ إِنَّ عِنْدِي سَعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتُ يَوْمٍ، تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ قُمْتُ لِأُؤَذِّنَ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّارِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ، قُلْتُ يا لبّيه [1] ، فتهجّمني، وَقَالَ قَوْلًا غَلِيظًا، فَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ؟ قُلْتُ: قَرِيبٌ. قَالَ: إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُ لَيَالٍ، فَآخُذُكَ بِالَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ كَرَامَتِكَ، وَلَا مِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِكَ، وَلَكِنْ أَعْطَيْتُكَ لِتَصِيرَ [2] لِي عَبْدًا، فَأَرُدَّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ، كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَخَذَنِي فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ، فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ أَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتْمَةَ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ الْمُشْرِكَ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا تَقْضِي عَنِّي، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي، فَأْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا، حَتَّى يَرْزُقَ اللَّهُ رَسُولَهُ مَا يَقْضِي عَنِّي، فَخَرَجْتُ، حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي، فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَرُمْحِي [3] وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، وَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِي الْأُفُقَ، فَكُلَّمَا نِمْتُ انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ لَيْلًا نِمْتُ، حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى، يَدْعُو: يَا بِلَالُ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرْ، فَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِقَضَائِكَ» ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ، قَالَ: «أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وما عليهنّ» ، فإذا عليهنّ
__________
[1] عند أبي داود «يا لبّاه» .
[2] هكذا في نسخة دار الكتب، والمنتقى لابن الملّا، أما في الأصل، وفي (ع) وفي (ح) «لتجب» . واللفظتان غير موجودتين في سنن أبي داود.
[3] عند أبي داود «مجنّي» بدل «رمحي» .(1/472)
كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ لَهُ عَظِيمُ فَدَكٍ، فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ، ثُمَّ عَقَلْتُهُنَّ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى تَأْذِينِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَجَعَلْتُ إِصْبَعِي فِي أُذُنِي، وَنَادَيْتُ وَقُلْتُ: مَنْ كَانَ يَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنًا فَلْيَحْضُرْ، فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِي حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى فَضَلَ عِنْدِي أُوقِيَّتَانِ، أَوْ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: «مَا فَعَلَ مَا قِبَلُكَ» ؟ قُلْتُ قَدْ قَضَى اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، فَقَالَ: «فَضَلَ شَيْءٌ» ؟
قُلْتُ: نَعَمْ دِينَارَانِ، قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُمَا، فَلَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُمَا» ، فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَبَاتَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَظَلَّ فِي الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ الثَّانِي، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ جَاءَ رَاكِبَانِ، فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا، فَكَسَوْتُهُمَا وَأَطْعَمْتُهُمَا، حَتَّى إِذَا صَلَّى الْعَتْمَةَ دَعَانِي، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلُكَ» ؟ قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ، وَعِنْدَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ، حَتَّى جَاءَ أَزْوَاجَهُ، فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ، حَتَّى أَتَى مَبِيتَهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [1] عَنْ تَوْبَةَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثنا أَبُو هَاشِمٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَاءَتْ بِكِسْرَةِ خُبْزٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا هَذِهِ» ؟ قَالَتْ: قُرْصٌ خَبَزْتُهُ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَتَيْتُكَ بِهَذِهِ الْكِسْرَةِ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ أَوَّلُ طَعَامٍ دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام [2] » .
__________
[1] في سننه (3055) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في الإمام يقبل هدايا المشركين.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 400.(1/473)
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي طَلِيقٍ قَالَتْ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ جَزْءٍ- أَبُو [1] بَحْرٍ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشُدُّ صُلْبَهُ بِالْحَجَرِ مِنَ الْغَرَثِ [2] .
وَقَالَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ: نا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَيْنَمَا عَائِشَةُ تُحَدِّثُنِي ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ بَكَتْ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟
قَالَتْ: مَا مَلَأْتُ بَطْنِي مِنْ طَعَامٍ فَشِئْتُ أَنْ أَبْكِيَ إِلَّا بيكت أَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ [3] .
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّدٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، وَإِنَّهُنَّ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ» ، وَاللَّهِ مَا قَالَهَا اسْتِقْلَالًا لِرِزْقِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَتَأَسَّى بِهِ أُمَّتُهُ. رَوَى الْأَرْبَعَةُ «ابْنُ سَعْدٍ» [4] عَنْ هَؤُلَاءِ.
وَقَالَ أَبَانٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ فَأَجَابَهُ [5] .
وَقَالَ أَنَسٌ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرٌ، فَرَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مقعيا [6] من الجوع [7] .
__________
[1] في طبعة القدسي 2/ 334 «أو» .
[2] الغرث: أي الجوع. والحديث في طبقات ابن سعد 1/ 400.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 400- 401.
[4] في الطبقات 1/ 401.
[5] أخرجه البخاري في البيوع 3/ 8 باب شراء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالنسيئة، وابن سعد 1/ 407.
[6] قال ابن الأثير في النهاية: مقعيا: أراد أنه كان يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكّن.
[7] أخرجه مسلّم (2044) في الأشربة، باب استحباب تواضع الأكل، وصفة قعوده، وأبو داود(1/474)
وَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ [1] تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ على شعير [2] .
__________
[ () ] في الأطعمة (3771) باب ما جاء في الأكل متّكئا، وأحمد في المسند 3/ 180، وابن سعد في الطبقات 1/ 407.
[1] حديث أسماء أخرجه البخاري من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، في الجهاد والسير 3/ 231 باب ما قيل في درع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والقميص في الحرب، وفي المغازي 5/ 145 باب وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والترمذي في البيوع (1232) باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، والنسائي في البيوع 7/ 288 باب الرهن في الحضر، و 7/ 303 باب مبايعة أهل الكتاب، وابن ماجة (2438) في كتاب الرهون، والدارميّ في البيوع، رقم (44) ، وأحمد في المسند 1/ 236 و 300 و 301 و 361 و 3/ 102 و 133 و 238 و 6/ 453 و 457، وابن سعد 1/ 408.
[2] ورد في الأصل هنا: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسح الله في مدّته، في الميعاد التاسع» .(1/475)
فَصْلٌ مِنْ شَمَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ثَبُتَ عَنْهُ يَقُولُ: «اللَّهمّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ [1] » . وَكَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ وَاللَّحْمَ، وَلَا سِيَّمَا الذِّرَاعَ. وَكَانَ يَأْتِي النِّسَاءَ، وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَيَصُومُ، وَيُفْطِرُ، وَيَنَامُ، وَيَتَطَيَّبُ إِذَا أَحْرَمَ وَإِذَا حَلَّ، وَإِذَا أَتَى الْجُمُعَةَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهَا وَيَأْمُرُ بِهَا، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ، وَيَأْكُلُ مَا وَجَدَ، وَيَلْبَسُ مَا وَجَدَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ لِقَصْدِ ذَا وَلَا ذَا، وَيَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ، وَالْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ، وَإِذَا رَكِبَ أَرْدَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّغِيرَ أَوْ يُرْدِفُ وَرَاءَهُ عَبْدَهُ أَوْ مَنِ اتَّفَقَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ وَيَلْبَسُ الْبُرُودَ الحبرة، وكانت أَحَبَّ اللِّبَاسِ إِلَيْهِ، وَهِيَ بُرُودٌ يَمَنِيَّةٌ فِيهَا حمرة
__________
[1] رواه ابن ماجة عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إسحاق بن منصور، عن هريم، عن ليث عن كعب، عن أبي هريرة. وله زيادة: «وأعوذ بك من الخيانة، فإنّها بئست البطانة» ، في كتاب الأطعمة (3354) باب التعوّذ من الجوع. قال في الزوائد: في إسناده ليث بن سليم، وهو ضعيف، وأبو داود في كتاب الصلاة (1547) باب في الاستعاذة، وهو من طريق:
محمد بن العلاء، عن ابن إدريس، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، والنسائي في الاستعاذة 8/ 263 باب الاستعاذة من الجوع، وابن سعد 1/ 409.(1/477)
وَبَيَاضٌ، وَيَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ نَقْشُهُ «محمد رسول الله» وَرُبَّمَا تَخَتَّمَ فِي يَسَارِهِ.
وَكَانَ يُوَاصِلُ فِي صَوْمِهِ، وَيَبْقَى أَيَّامًا لَا يَأْكُلُ، وَيَنْهَى عَنِ الْوِصَالِ، وَيَقُولُ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» [1] . وَكَانَ يَعْصِبُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنَ الْجُوعِ، وَقَدْ أُتِيَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَاخْتَارَ الْآخِرَةَ عَلَيْهَا، وَكَانَ كَثِيرَ التَّبَسُّمِ، يُحِبُّ الرَّوَائِحَ الطَّيِّبَةَ. وَكَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، يَرْضَى لِرِضَاهُ، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ.
وَكَانَ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ وَلَا معلّم له من البشر، نشأ فِي بِلَادٍ جَاهِلِيَّةٍ، وَعِبَادَةِ وَثَنٍ، لَيْسُوا بِأَصْحَابِ عِلْمٍ وَلَا كُتُبٍ، فَآتَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى 53: 3- 4 [2] .
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَطْرَافِ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَصِحَاحٌ مَشْهُورَةٌ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» [3] .
__________
[1] رواه البخاري في التمنّي 8/ 131 باب ما يجوز من اللّو وقوله تعالى: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً 11: 80، وفي الصوم 2/ 232 باب بركة السحور من غير إيجاب.. و 2/ 242 باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام.. و 6/ 243 باب التنكيل لمن أكثر الوصال، وباب الوصال إلى السحر، ومسلم (1103) في الصوم، باب النهي عن الوصال في الصوم، وأحمد في المسند 3/ 8 و 6/ 126.
[2] سورة النجم- الآية 3.
[3] رواه النسائي في عشرة النساء 7/ 61 باب حبّ النساء، من طريق الحسين بن عيسى القومسيّ، عن عفّان بن مسلم، عن سلّام أبي المنذر، عن ثابت، عن أنس، وأحمد في المسند 3/ 128 و 199 و 285، وابن سعد في الطبقات 1/ 398.(1/478)
وَقَالَ أَنَسٌ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ فِي ضَحْوَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ [1] .
وَكَانَ يُحِبُّ مِنَ النِّسَاءِ عَائِشَةَ، وَمِنَ الرِّجَالِ أَبَاهَا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَابْنَهُ أُسَامَةَ، وَيَقُولُ: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» [2] . وَيُحِبُّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سِبْطَيْهِ، وَيَقُولُ: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا» [3] وَيُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ [4] ، وَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي تَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ [5] ، وَفِي شأنه كلّه.
__________
[1] رواه البخاري في النكاح 6/ 155 باب من طاف على نسائه في غسل واحد، والنسائي في الغسل والتيمّم 1/ 209 باب الطواف على النساء في غسل واحد، وابن ماجة في الطهارة (588) باب ما جاء فيمن يغتسل من جميع نسائه غسلا واحدا، والدارميّ في الوضوء، باب رقم (71) ، وأحمد في المسند 6/ 8 و 9 و 391.
[2] أخرجه البخاري في الإيمان 1/ 10 باب علامة الإيمان حبّ الأنصار، وفي مناقب الأنصار 4/ 223 باب حبّ الأنصار من الإيمان، ومسلم (128) في الإيمان، باب الدليل على أن حبّ الأنصار وعليّ رضي الله عنهم من الإيمان، وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق، و (78) ، والنسائي في الإيمان 8/ 116 باب علامة الإيمان، وأحمد في المسند 3/ 70 و 130 و 133 و 249 و 5/ 285 و 6/ 7.
[3] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 4/ 217 باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وفي الأدب 7/ 74 باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، والترمذي في المناقب (3859) باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
[4] رواه الترمذي في مواقيت الصلاة (228) باب ما جاء ليلينّي منكم أولو الأحلام والنّهى، وابن ماجة في إقامة الصلاة (977) باب من يستحبّ أن يلي الإمام، وأحمد في المسند 3/ 100 و 199 و 205 و 263.
[5] رواه البخاري في الوضوء 1/ 50 التيمّن في الوضوء والغسل، وفي الصلاة 1/ 110 باب التيمّن في دخول المسجد وغيره، وفي الأطعمة 6/ 197 باب التيمّن في الأكل وغيره، وفي اللباس 7/ 49 باب يبدأ بالنعل اليمنى، و 7/ 61 في باب الترجيل، ومسلم (268) في الطهارة، باب التيمّن في الطهور وغيره، وأبو داود في اللباس (4139) باب في الانتعال، والنسائي في الطهارة 1/ 78 باب بأيّ الرجلين يبدأ بالغسل، وفي الغسل 1/ 205 باب التيمّن في الطهور، وابن ماجة في الطهارة (401) باب التيمّن في الوضوء، وأحمد في المسند 6/ 94 و 130 و 147 و 188 و 202 و 210، والطيالسي في المسند 200 رقم 1410، وفيض القدير 5/ 207.(1/479)
وَكَانَ يَقُولُ: «إِنِّي أَخْشَاكُمْ للَّه وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي» [1] . وَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» [2] . وَقَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا» [3] . وَكُلُّ هَذَا فِي الصِّحَاحِ.
بَابٌ مِنَ اجْتِهَادِهِ وَعِبَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ ابْنُ عيينة، عن زيادة [4] بْنِ عِلَاقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أليس قد غفر الله لك
__________
[1] أخرجه البخاري في النكاح 6/ 116 أول الباب، ومسلم (1108) في الصيام باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرّمة على من لم تحرّك شهوته، و (1109) باب صحّة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، وأبو داود في الصوم (2382) باب القبلة للصائم، ومالك في الموطأ، كتاب الصوم (642) باب ما جاء في صيام الّذي يصبح جنبا في رمضان، وأحمد في المسند 1/ 249 و 367 و 3/ 485 و 4/ 8 و 6/ 80 و 155.
[2] رواه البخاري في الكسوف 2/ 25 باب الصدقة في الكسوف، وفي التفسير 5/ 190 سورة المائدة، وفي النكاح 6/ 156 باب الغيرة، وفي الرقاق 7/ 186 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وفي الأيمان والنذور 7/ 218 باب كيف كانت يمين النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (426) في الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما، و (901) في الكسوف، باب صلاة الكسوف، وفي الفضائل (2359) باب توقيره صلّى الله عليه وسلّم وترك إكثار سؤاله عمّا لا ضرورة إليه أو لا يتعلّق به تكليف، والنسائي في السهو 3/ 83 باب النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة، وفي الكسوف 3/ 83 باب النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة، وفي الكسوف 3/ 133 باب نوع آخر منه عن عائشة، و 3/ 152 باب كيف الخطبة في الكسوف، وابن ماجة في الزهد (4191) باب الحزن والبكاء، والدارميّ في الرقاق، باب 26، ومالك في الموطأ (444) باب العمل في صلاة الكسوف، وأحمد في المسند 2/ 257، و 313 و 418 و 432 و 453 و 467 و 477 و 2/ 50 و 3/ 102 و 126 و 154 و 180 و 193 و 210 و 217 و 240 و 245 و 251 و 268 و 290 و 5/ 183 و 6/ 81 و 164، وابن سيد الناس في عيون الأثر 2/ 335.
[3] أخرجه الترمذي في التفسير (3351) سورة الواقعة، وابن سعد 1/ 435، والترمذي في الشمائل 27 رقم 40.
[4] في نسخة دار الكتب (زيد) وهو تحريف.(1/480)
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً [2] ، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ؟ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، ثنا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ» . قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طاقة» [4] .
__________
[1] رواه البخاري في التهجّد 2/ 44 باب قيام النبي صلّى الله عليه وسلّم حق ترم قدماه، وفي التفسير 6/ 44 سورة الفتح، باب قوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً 48: 2، ومسلم (2819) في صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، والترمذي في الصلاة (410) باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة، والنسائي في قيام الليل 3/ 219 باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل، وابن ماجة في إقامة الصلاة (1419) و (1420) باب ما جاء في طول القيام في الصلوات، وأحمد في المسند 4/ 251 و 255 و 6/ 115.
[2] الدّيمة: المطر الدائم، شبّهت عمله في دوامه بديمة المطر. (انظر عيون الأثر 2/ 335) .
[3] أخرجه البخاري في الصوم 2/ 248 باب هل يخصّ شيئا من الأيام، وفي الرقاق 7/ 181 باب القصد والمداومة على العمل، ومسلم (783) في صلاة المسافرين، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، وأبو داود في الصلاة (1370) باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة وأحمد في المسند 4/ 109 و 6/ 43 و 55 و 174 و 189.
[4] أخرجه البخاري في الصوم 2/ 232 باب بركة السحور من غير إيجاب، و 2/ 242 باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام، وباب التنكيل لمن أكثر الوصال، و 2/ 243 باب الوصال إلى السحر، وفي التمنّي 8/ 131 وباب ما يجوز من اللّو وقوله تعالى: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً 11: 80، ومسلم (1104) في كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم، وأبو داود في الصوم (2360) باب في الوصال، و (2374) باب في الرخصة في ذلك، والترمذي في الصوم (775) باب ما جاء في كراهية الوصال في الصيام، والدارميّ في الصوم، باب رقم 14، ومالك في الموطأ، كتاب الصوم (672) باب النهي عن الوصال في الصوم، وأحمد في المسند 2/ 21 و 102 و 112 و 128 و 143 و 153 و 231 و 237 و 244 و 257 و 261 و 281 و 315 و 345 و 377 و 418 و 496 و 516 و 3/ 8 و 57، و 170 و 173 و 202 و 218 و 235 و 247 و 276 و 289 و 4/ 314 و 315 و 5/ 364 و 6/ 242 و 258.(1/481)
وَفِي الصَّحِيحِ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [1] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ [2] .
وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاكَ شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [3] » . وَأَمَّا تَهَجُّدُهُ وَتِلَاوَتُهُ وَتَسْبِيحُهُ وَذِكْرُهُ وَصَوْمُهُ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَخَوْفُهُ وَبُكَاؤُهُ وَتَوَاضُعُهُ وَرِقَّتُهُ، وَرَحْمَتُهُ لليتيم والمسكين، وصلته للرّحم، وتبليغه والرسالة، وَنُصْحُهُ الْأُمَّةَ، فَمَسْطُورٌ فِي السُّنَنِ عَلَى أَبْوَابِ العلم.
__________
[1] رواه مسلم (2702) في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، وأبو داود (1515) في الصلاة، باب الاستغفار، والترمذي (3312) في التفسير، سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وابن ماجة في الأدب (3815) باب الاستغفار، والدارميّ في الرقاق، باب (15) ، وأحمد في المسند 2/ 45 و 4/ 260 و 5/ 394 و 396 و 397 و 402، وابن سيد الناس في عيون الأثر 2/ 335.
[2] رواه أبو داود في الصلاة (904) باب البكاء في الصلاة، والنسائي في السهو 3/ 13 باب البكاء في الصلاة، وأحمد في المسند 4/ 25 و 26.
[3] أخرجه الترمذي في التفسير (3351) سورة الواقعة، وابن سعد 1/ 435، والترمذي في الشمائل 27 رقم 40.(1/482)
بَابٌ فِي مُزَاحِهِ وَدَمَاثَةِ أَخْلَاقِهِ الزَّكِيَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عن بكر بن عبد الله بن الْمُزَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَمْزَحُ، وَمَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا» . [1] إِسْنَادُهُ قَرِيبٌ مِنَ الْحَسَنِ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ.
ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا» [2] . تَابَعَهُ أَبُو مَعْشَرَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا مَزَحَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَعْضُ دُعَابَاتِ هَذَا الْحَيِّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «بَلْ بَعْضُ مَزْحِنَا هَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ» . حَمْزَةُ لَا أَعْرِفُهُ [3] ، وَالْمَتْنُ مُنْكَرٌ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أفكه
__________
[1] روى ابن ماجة نحوه من حديث (2863) عن طريق محمد بن عمرو، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن أبي سعيد الخدريّ، في كتاب الجهاد، باب لا طاعة في معصية الله.
[2] رواه الترمذي في البرّ والصلة (2058) باب ما جاء في المزاح، وأحمد في المسند 2/ 340 و 360.
[3] ذكره المؤلّف في المغني في الضعفاء 1/ 192 رقم 1754، وميزان الاعتدال 1/ 608 رقم 2307.(1/483)
النَّاسِ [1] . تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَضَعْفُهُ مَعْرُوفٌ.
وَجَاءَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍّ [2] .
وَقَالَ أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ أَبِي طِيبَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَثَقُلَ عَلَى الْقَوْمِ بَعْضُ مَتَاعِهِمْ، فَجَعَلُوا يَطْرَحُونَهُ عَلَيَّ، فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَنْتَ زَامِلَةٌ» [3] . وَقَالَ حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ: سَمِعْتُ سَفِينَةَ [4] يَقُولُ: ثَقُلَ عَلَى الْقَوْمِ مَتَاعُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْسُطْ كِسَاءَكَ» ، فَجَعَلُوا فِيهِ مَتَاعَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْمِلْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةٌ» ، قَالَ: فَلَوْ حَمَلْتُ مِنْ يَوْمِئِذٍ وِقْرَ بَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً مَا ثَقُلَ عَلَيَّ.
وَهَذَا يَدْخُلُ فِي مُعْجِزَاتِهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: اسْتَحْمَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَنَا أَحْمِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» ، فَقَالَ:
وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ يَا رسول الله؟ فَقَالَ: «وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلُ إِلَّا النُّوقَ؟» [5] صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قال: كان ابن لأمّ سليم، يقال
__________
[1] رواه ابن السّنّي في عمل اليوم والليلة 159 رقم 421، وألوفا لابن الجوزي 2/ 446، وابن كثير في الشمائل 81، والمعافى بن زكريا في أنيس الجليس 1/ 279.
[2] انظر المصادر السابقة.
[3] الزاملة: البعير الّذي يحمل عليه الطعام والمتاع.
[4] سفينة: هو مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسمه مهران.
[5] رواه أبو داود في الأدب (4998) باب ما جاء في المزاح.(1/484)
لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَازِحُهُ- الْحَدِيثَ [1] .
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ» [2] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَزِيرَةٍ [3] طَبَخْتُهَا، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا: كُلِي، فَأَبَتْ، فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِي أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ، فَأَبَتْ، فَوَضَعْتُ يَدِي فِيهَا فَلَطَّخْتُهَا وَطَلَيْتُ وَجْهَهَا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ عُمَرُ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَظَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ، فَقَالَ: «قُومَا فَاغْسِلَا وُجُوهَكُمَا» . فَمَا زِلْتُ أَهَابُ عُمَرَ لِهَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ رَشَّ فِنَاءَ أُطْمِهِ، وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ سِمَاطَيْنِ، وَجَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سِيرِينُ، مَعَهَا مِزْهَرُهَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ تُغَنِّيهِمْ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُمْ، وَهِيَ تَقُولُ فِي غِنَائِهَا:
هَلْ عَلَيَّ وَيْحَكُمْ ... إِنْ لَهَوْتُ مِنْ حَرَجٍ
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «لَا حَرَجَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» [4] . حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هذا مدنيّ،
__________
[1] مرّ الحديث قبل الآن، وهو في صحيح مسلم (2150) وطبقات ابن سعد 1/ 364، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 338.
[2] رواه الترمذي في المناقب (3921) باب مناقب أنس بن مالك رضي الله عنه، وأبو داود في الأدب (5002) باب ما جاء في المزاح، وأحمد في المسند 3/ 117 و 127 و 242 و 260.
[3] الخزيرة: عصيدة بلحم.
[4] رواه المؤلّف في ميزان الاعتدال 1/ 538.(1/485)
تَرَكَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ [1] .
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتِ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «تَعَالَيْ» ، فَقَامَ بِالْبَابِ، وَجِئْتُ فَوَضَعْتُ ذَقْنِي عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ، قَالَتْ: وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ «وَأَبُو الْقَاسِمِ طَيِّبٌ» ، فقال رسول الله: «حَسْبُكِ» . قُلْتُ: لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قالت: وَمَا بِيَ حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ.
وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ [2] .
وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْحَبَشَةُ في المسجد يلعبون بحرابهم ويزفّنون.
__________
[1] قال الجوزجاني: لا يشتغل بحديثه، وقال العقيلي: لا يتابع عليه إلا من هو قريب منه، وقال أبو زرعة: ليس بقويّ، وقال يحيى بن معين: ضعيف، وقال عليّ بن عبد الله: تركت حديثه، وقال النَّسائيّ: متروك الحديث، وقال ابن عديّ: هو ممّن يكتب حديثه فإنّي لم أجد في أحاديثه منكرا قد جاوز المقدار والحدّ، وقال أحمد: له أشياء منكرة، وقال ابن معين مرة: ليس به بأس يكتب حديثه، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، ولم أرهم يحتجّون بحديثه. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويّ عندهم، وقال ابن حِبّان: يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل.
انظر عنه: التاريخ الكبير 2/ 388 رقم 2872، والضعفاء الصغير 78، والضعفاء والمتروكين للنسائي 145، وأحوال الرجال للجوزجانيّ 137 رقم 233، والضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 245- 246 رقم 293، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 57 رقم 258، والمجروحين لابن حبّان 1/ 242، والكامل في الضعفاء لابن عديّ 2/ 760- 761، وميزان الاعتدال 1/ 537- 538 رقم 2012، والكاشف 1/ 170 رقم 1099، والمغني في الضعفاء 1/ 172 رقم 1534، وتهذيب التهذيب 2/ 341- 342 رقم 606، وتقريب التهذيب 1/ 176 رقم 366.
[2] وفي رواية لمسلم «فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السّنّ» . انظر: صحيح مسلم (892) في صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الّذي لا معصية فيه، في أيام العيد، وأحمد في المسند 3/ 152 و 6/ 116.(1/486)
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عروة، عن عائشة قالت: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ الصِّبْيَانِ، فَقَامَ، فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَرْقُصُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي» ، فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ ذَقْنِي عَلَى مَنْكِبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ، فَقَالَ: «مَا شَبِعْتِ» ؟ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: لَا، لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ، إِذْ طَلَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَدْ فَرِقُوا مِنْ عُمَرَ» [1] . خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ [2] : لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ (س) : هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَابَقَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَبَقْتُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا رَهَقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: «هَذِهِ بِتِلْكَ» . صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا، وَقِيلَ فِي إِسْنَادِهِ غَيْرُ ذَلِكَ. [3] وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- وَغَيْرُ خَالِدٍ أَسْقَطَ مِنْهُ أَبَا هُرَيْرَةَ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْلِعُ [4] لِسَانَهُ لِلْحُسَيْنِ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ فَيَهَشُّ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: أَلَا أَرَاكَ تصنع هذا، فو الله إِنِّي لَيَكُونُ لِي الْوَلَدُ قَدْ خَرَجَ وَجْهُهُ
__________
[1] رواه الترمذي في المناقب (3774) باب (71) في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
[2] في الكامل في ضعفاء الرجال 3/ 921.
[3] رواه أبو داود في الجهاد (2578) باب في السبق على الرّجل، وابن ماجة مختصرا في النكاح (1979) باب حسن معاشرة النساء، وأحمد في المسند، 6/ 39 و 264 قال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده صحيح على شرط البخاري، وعزاه المزّي في الأطراف للنسائي، وليس هو في رواية النّسائيّ.
[4] في (ع) «أذلغ» وهو تحريف، ويدلع: يخرج لسانه من بين شفتيه.(1/487)
مَا قَبَّلْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ» [1] . وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَهُوَ يَقُولُ: تَرَقَّ عَيْنَ بَقَّهْ فَيَضَعُ الْغُلَامُ قَدَمَهُ عَلَى قَدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ فَاهُ وَقَالَ:
اللَّهمّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ [2] . وَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مُسْتَلْقٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى ظَهْرِهِ [3] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ الْحَسَنُ فَأَقْبَلَ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمَ قَمِيصِهِ، فَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ [4] .
__________
[1] رواه البخاري في الأدب 7/ 75 باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، و 7/ 78 باب رحمة الناس بالبهائم، ومسلم (2318) في الفضائل، باب رحمته صلّى الله عليه وسلّم الصبيان والعيال، وتواضعه، وفضل ذلك، وأبو داود في الأدب (5218) باب في قبلة الرجل ولده، والترمذي في البر والصلة (1976) باب ما جاء في رحمة الولد، وأحمد في المسند 4/ 358 و 360 و 361 و 362 و 365 و 366
[2] رواه مسلم (2421) في فضائل الصحابة، باب فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما، و (2422) ، والبخاري في اللباس 7/ 55 باب السّخاب للصبيان، وابن ماجة في المقدّمة (142) باب فضل الحسن والحسين ابني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، وأحمد في المسند 2/ 249 و 288 و 331 و 440 و 446 و 531 و 532 و 4/ 284 و 292.
[3] أخرجه الترمذي من طريق زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، ومن طريق شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بن عازب، في المناقب، باب (110) رقم (3872) و (3873) .
[4] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3/ 45 رقم 2658 من طريق جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس. وقد ليّن الحافظ ابن حجر في «تقريب التهذيب» قابوس ابن أبي ظبيان.(1/488)
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ: ثنا زُمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ تَاجِرًا إِلَى بُصْرَى قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامٍ أَوْ عَامَيْنِ، وَمَعَهُ نُعَيْمَانُ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ، وَهُمَا بَدْرِيَّانِ، وَكَانَ سُوَيْبِطُ عَلَى زَادِهِمْ، فَجَاءَ نُعَيْمَانُ فَقَالَ: أَطْعِمْنِي، فَقَالَ:
لَا، حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ نُعَيْمَانُ مَزَّاحًا، فَقَالَ: لَأَبِيعَنَّكَ، ثُمَّ قَالَ لِأُنَاسٍ: ابْتَاعُوا مِنِّي غُلَامًا، وَهُوَ رَجُلٌ ذُو لِسَانٍ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: أَنَا حُرٌّ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَارِكِيهِ إِذَا قَالَ ذَلِكَ، فَدَعُونِي وَلَا تُفْسِدُوا عَلَيَّ غُلَامِي، قَالُوا: لَا، بَلْ نَبْتَاعُهُ. فَبَاعَهُ بِعَشْرِ قَلَائِصَ [1] ، ثُمَّ جَاءَهُمْ فَقَالَ: هُوَ هَذَا، فَقَالَ سُوَيْبِطُ:
هُوَ كَاذِبٌ، وَأَنَا رَجُلٌ حُرٌّ، قَالُوا: قَدْ أُخْبِرْنَا بِخَبَرِكَ. وَطَرَحُوا الْحَبْلَ وَالْعِمَامَةَ فِي رَقَبَتِهِ، وَذَهَبُوا بِهِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخْبَرُوهُ، فَذَهَبَ وَأَصْحَابٌ لَهُ فَرَدُّوا الْقَلائِصَ، وَأَخَذُوهُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [2] .
وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُكْنَى أَبَا عَمْرَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُمَّ عَمْرَةَ» ، فَضَرَبَ الرَّجُلُ بِيَدِهِ إِلَى مَذَاكِيرِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَهْ» ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ إِلَّا أَنِّي امْرَأَةٌ لَمَّا قُلْتَ لِي يَا أُمَّ عَمْرَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثلكم أمازحك» . حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: نا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أهل البادية كان اسمه زاهر [3] ، فَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديّة من البادية
__________
[1] القلوص: الناقة الشابّة، كما في نهاية ابن الأثير.
[2] رواه أحمد في المسند 6/ 316 وابن ماجة في الأدب (3719) باب المزاح. قال الهيثمي في مجمع الزوائد. في إسناده زمعة بن صالح، وهو وإن أخرج له مسلم، فإنّما روى له مقرونا بغيره، وقد ضعّفه أحمد وابن معين وغيرهما.
[3] في مسند أحمد (زاهرا) .(1/489)
فَيُجَهِّزُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] وَقَالَ: «إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرَتُهُ» [2] . وَكَانَ دَمِيمًا [3] ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ وَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي الْعَبْدَ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ: «لَكِنَّ أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ» . صَحِيحٌ غَرِيبٌ [5] .
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُ، وَكَانَ فِيهِ مُزَاحٌ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ وَيَضْحَكُونَ، فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَاصِرَتِهِ، فَقَالَ: اصْبِرْ لِي [6] ، قَالَ: «أَصْطَبِرْ» ، قَالَ: لِأَنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيَّ قَمِيصٌ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ، فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أردت هذا يا رسول الله. رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ [7] .
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أسلمت، ولا رآني إلّا تبسّم [8] .
__________
[1] في المسند زيادة «إذا أراد أن يخرج» .
[2] في المسند «حاضروه» وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحبّه» .
[3] في (ع) «ذميما» .
[4] في المسند زيادة «فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين عرفه» .
[5] رواه أحمد في المسند 3/ 161 و 6/ 133.
[6] في سنن أبي داود «أصبرني» .
[7] رواه أبو داود في الأدب (5224) باب في قبلة الجسد.
[8] رواه البخاري في الجهاد والسير 4/ 25، 26 باب من لا يثبت على الخيل، وبقيّة الحديث: «إلا تبسّم في وجهي. ولقد شكوت إليه أنّي لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري وقال: اللَّهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا» ، وفي مناقب الأنصار 4/ 232 باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وفيه: «ولا رآني إلا ضحك» وبقيّته مختلفة، وفي الأدب(1/490)
بَابٌ فِي مَلَابِسِهِ
قَالَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ: ثنا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه كان يَلْبَسُ الْقَلَانِسَ [1] الْبِيضَ، وَالْمُزَرْوَرَاتِ، وَذَوَاتِ الْآذَانِ. عَاصِمٌ هَذَا بَصْرِيُّ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ [2] .
وَعَنْ جَابِرٍ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَلْبَسُهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَيُرْخِيهَا خَلْفَهُ. تَفَرَّدَ بِهِ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ [3] .
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عصابة دسماء [4] . حديث صحيح [5] .
__________
[7] / 94 باب التبسّم والضحك، ومسلم 2475 في فضائل الصحابة، باب من فضائل جرير بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وابن ماجة في المقدّمة (159) باب فضل جرير بن عبد الله البجلي، والترمذي في المناقب (3909) و (3910) باب مناقب جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وأحمد في المسند 4/ 358 و 359 و 362 و 365.
[1] القلانس: مفردها قلنسوة، وهي ما يلبس على الرأس ويلفّ عليه كالعمامة.
[2] قال النسائي: متروك الحديث، وقال العقيلي: غلب على حديثه الوهم، وقال الدارقطنيّ:
كذّاب عن هشام وغيره، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال ابن معين: كذّاب خبيث، وقال ابن عديّ: يعدّ فيمن يصنع الحديث. انظر عنه:
الضعفاء والمتروكين للنسائي 299 رقم 239، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 337 رقم 1362، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 135 رقم 411 الجرح والتعديل 6/ 344 رقم 1901 المجروحين لابن حبّان 2/ 126 الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 5/ 1877- 1879، اللباب لابن الأثير 3/ 117، ميزان الاعتدال للمؤلف 2/ 350- 352 رقم 4047، المغني في الضعفاء له 1/ 320 رقم 2982، الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث لبرهان الدين الحلبي 219 رقم 360.
[3] رواه أبو داود في اللباس (4077) باب في العمائم، والترمذي في الشمائل 56 رقم 110.
[4] أي سوداء.
[5] أخرجه البخاري في مناقب الأنصار 4/ 226 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، و 7/ 39 في اللباس، باب العمائم، والترمذي في الشمائل 57 رقم 111.(1/491)
وَعَنْ رُكَانَةَ أَنَّهُ صَارَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، قال: وَسَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمَ عَلَى الْقَلَانِسِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [1] . وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُمَّةٌ [2] بَيْضَاءُ [3] .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ [4] رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قُلْتُ: لَعَلَّ- تَحْتَ الْخَوْذَةِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ [5] .
وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ: كَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمَامَةُ تُسَمَّى السَّحَابَ، يَلْبَسُ
__________
[1] في سننه، كتاب اللباس (4078) باب في العمائم، والترمذي في اللباس (1844) باب (41) وقال: «هذا حديث غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا نعرف.. ابن ركانة» .
[2] الكمّة: القلنسوة الصغيرة والمدوّرة.
[3] ألوفا لابن الجوزي 567.
[4] رواه مسلم (1358) في الحجّ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، والترمذي في الجهاد (1730) باب ما جاء في الألوية، والنسائي (2872) ، وابن ماجة في اللباس (3585) باب في العمامة السوداء، والترمذي في الشمائل 55، 56 رقم 107.
[5] حديث دُخُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وعلى رأسه المغفر، رواه البخاري في المغازي، باب أين ركز النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح، وفي الحج، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، وفي الجهاد، باب قتل الأسير وقتل الصبر، وفي اللباس، باب المغفر، ومسلم (1357) في الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، ومالك في الموطأ، 1/ 423 في الحج، باب جامع الحج، وأبو داود في الجهاد (2685) باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، والترمذي في الجهاد (1693) باب ما جاء في المغفر، والنسائي 5/ 210 في الحج، باب دخول مكة بغير إحرام، وابن سعد في الطبقات 2/ 139، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ 72 رقم 14 (بتحقيقنا) ، والتنوخي بتخريج الصوري في الفوائد العوالي (مخطوطة الظاهرية) ج 5/ 19 (بتحقيقنا) ، والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 206 والمغفر: هو زرد من حديد يلبس تحت القلنسوة ليتّقى به في الحرب.(1/492)
تحتها القلانس اللَّاطِئَةَ [1] ، وَيَرْتَدِي [2] .
وَقَالَ مُسَاوِرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ، عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ [3] .
وَعَنِ الْحَسَنِ: كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ، تُسَمَّى الْعُقَابَ، وَعِمَامَتُهُ سَوْدَاءَ [4] ، وَكَانَ إِذَا اعْتَمَّ يُرْخِي عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. مُرْسَلٌ [5] .
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اعْتَمَّ يُسْدِلُ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ [6] . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: رَأَيْتُ الْقَاسِمَ وَسَالِمًا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ [7] .
وَقَالَ عُرْوَةُ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمامة معلّمة، فقطع علمها ولبسها. مرسل [8] .
__________
[1] أي الملتصقة بالرأس.
[2] انظر: أخلاق أبي الشيخ 118، 119 وملخص تاريخ دمشق لابن منظور- السيرة النبويّة 271 بتحقيق د. رضوان السيد.
[3] رواه مسلم (1359/ 453) في الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، وأبو داود في اللباس (4077) باب في العمائم، وأحمد في المسند 3/ 363 و 387 و 4/ 307 و 6/ 148 و 152، وابن ماجة في اللباس (3587) باب إرخاء العمامة بين الكتفين، والنويري في نهاية الأرب 18/ 285.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات حتى هنا 1/ 455.
[5] ابن سعد 1/ 456.
[6] زاد الترمذي هنا: قال نافع» .
[7] رواه الترمذي في اللباس (1790) باب سدل العمامة بين الكتفين، وقال: وفي الباب عن عليّ، ولا يصحّ حديث عليّ من قبل إسناده، وانظر ابن سعد 1/ 456.
[8] روى أحمد في المسند 6/ 208 حديثا بنحوه عن عبد الله، عن أبيه، عن وكيع، عن هشام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كانت له خميصة معلّمة، وكان يعرض له علمها في الصلاة، وأعطاها أبا جهم وأخذ كساء له أنبجانيّا. وانظر: نهاية الأرب للنويري 18/ 287.(1/493)
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ. وَقَالَ: لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ [1] .
وَيُرْوَى عَنْ أَنَسٍ: كَانَ قَمِيصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُطْنًا، قَصِيرَ الطُّولِ، قَصِيرَ الْكُمَّيْنِ [2] .
وَعَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ شَهْرٍ [3] ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: كَانَ كُمُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّسْغِ [4] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ قَمِيصًا قَصِيرَ الْيَدَيْنِ وَالطُّولِ [5] .
وَعَنْ عُرْوَةَ- وَهُوَ مُرْسَلٌ- قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ طُولُ رِدَائِهِ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ ذراعان وشبر [6] .
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةِ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ [7] مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ.
أخرجه أبو داود [8] .
__________
[1] رواه البخاري في اللباس 7/ 37 باب من لبس جبّة ضيّقة الكمّين في السفر، ومسلم (274) في الطهارة، باب المسح على الخفّين، وأبو داود في الطهارة (150) باب المسح على الخفّين، والترمذي في اللباس (1824) باب ما جاء في لبس الجبّة والخفّين، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في الطهارة 1/ 76 باب المسح على العمامة مع الناصية، وأحمد في المسند 1/ 29 و 44 و 4/ 244، 248 و 250 و 251 و 255، وابن سعد في الطبقات 1/ 459.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 458، والنويري في نهاية الأرب 18/ 287.
[3] في (ع) «شهد» وهو تصحيف. وهو شهر بن حوشب.
[4] رواه ابن سعد 1/ 458، والنويري 18/ 287، وأبو داود (4027) وفيه «الرصغ» .
[5] رواه ابن سعد 1/ 459.
[6] رواه ابن سعد 1/ 458، والنويري 18/ 287.
[7] المرط: كساء طويل واسع من الخزّ والصوف. وفي الرواية «مرط مرحّل» ..
[8] في اللباس (4032) باب في لبس الصوف والشعر، ورواه مسلم (2081) في اللباس(1/494)
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ بُرْدَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ طُولَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فِي ثَلَاثَةٍ وَشِبْرٍ، وَإِزَارُهُ مِنْ نَسْجِ عُمَانَ، طُولُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٌ فِي ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرٍ، كَانَ يَلْبَسُهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ثُمَّ يُطْوَيَانِ. حَدِيثٌ مُعْضِلٌ [1] .
وَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ ثَوْبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِيهِ إِلَى الْوَفْدِ رِدَاءٌ [2] حَضْرَمِيٌّ [3] طُولُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعَانِ وَشِبْرٌ، فَهُوَ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ قَدْ خَلِقَ، فَطَوَوْهُ [4] بِثَوْبٍ، يَلْبَسُونَهُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ. رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ [5] .
وَقَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بُرْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِبَرَةٍ لَهُ حَاشِيَتَانِ [6] .
قُلْتُ: هَذَا الْبُرْدُ غَيْرُ بُرْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَتَدَاوَلُهُ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، ذَاكَ الْبُرْدُ اشْتَرَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ مِنْ صَاحِبِ أَيْلَةَ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ بُرْدٌ كَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ أَيْلَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ: ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ
__________
[ () ] والزينة، باب التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه واليسير..، وفي فضائل الصحابة (2424) باب فضائل أهل بيت النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والترمذي في الاستئذان والآداب (2966) باب ما جاء في الثوب الأسود، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وأحمد في المسند 6/ 162، والترمذي في الشمائل- ص 37.
[1] انظر طبقات ابن سعد 1/ 458.
[2] في طبقات ابن سعد «ورداءه» .
[3] في نسخة دار الكتب، وألوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي «أخضر» بدل «حضرمي» .
[4] هكذا عند ابن سعد والنويري، وفي الأصل «فطروه» وهو تصحيف، وفي (ع) «فيبطّنونه» . وفي ألوفا لابن الجوزي «وطرف» .
[5] طبقات ابن سعد 1/ 458، نهاية الأرب للنويري 18/ 288.
[6] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 456.(1/495)
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَخَلَّفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ أَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِهَا، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ نَاصِيَتَهُ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا، وَفِي لَفْظٍ: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ، وَفِي لَفْظٍ: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ [1] .
وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ يَتَقَعْقَعُ [2] .
عَنْ عِكْرِمَةَ: رَأَيْتُ ابنَ عَبَّاسٍ إِذَا ائْتَزَرَ أَرْخَى مُقَدَّمَ إِزَارِهِ حَتَّى تَقَعَ حَاشِيَتَاهُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، وَيَرْفَعَ الْإِزَارَ مِمَّا وَرَاءَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَزِرُ هَذِهِ الْإِزْرَةَ [3] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَزِرُ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَتَبْدُو سُرَّتُهُ، وَرَأَيْتُ عُمَرَ يَأْتَزِرُ فَوْقَ سُرَّتِهِ [4] ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ [5] . وَعَنْ [6] إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم اشترى
__________
[1] رواه البخاري في اللباس 7/ 37 باب من لبس جبّة ضيّقة الكمّين في السفر، ومسلم (274) في الطهارة، باب المسح على الخفّين، وأبو داود في الطهارة (150) باب المسح على الخفّين، والترمذي في اللباس (1824) باب ما جاء في لبس الجبّة والخفّين، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في الطهارة 1/ 76 باب المسح على العمامة مع الناصية، وأحمد في المسند 1/ 29 و 44 و 4/ 244 و 248 و 250 و 251 و 255، وابن سعد في الطبقات 1/ 459.
[2] رواه أحمد في المسند 2/ 141 و 147.
[3] رواه أبو داود في اللباس (4096) باب في قدر موضع الإزار.
[4] رواه ابن سعد 1/ 459.
[5] رواه أحمد في المسند 4/ 180، وانظر أبو داود (4093) في اللبس، باب في قدر موضع الإزار.
[6] كتب في الأصل فوق النون: «تفرّد به ابن جدعان» .(1/496)
حُلَّةً [1] بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ نَاقَةً [2] .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى حُلَّةً بِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ نَاقَةً.
وَهَذَانِ ضَعِيفَانِ لإرسالهما [3] .
وقال (د) : ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أنا عُمَارَةُ بْنُ زاذان [4] ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَلِكَ ذِي يَزَنَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً أَخَذَهَا بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا فَقَبِلَهَا [5] .
وَقَالَ الْحَمَّادَانِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْبَيَاضِ مِنَ الثِّيَابِ فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ [6] ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» . زَادَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ: فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ» [7] .
وَرَوَى مِثْلَهُ الثَّوْرِيُّ، وَالْمَسْعُودِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ نَحْوَهُ [8] . وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ مَرَّةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: الْبَسُوا الثّياب البيض، وكفّنوا فيها موتاكم [9] .
__________
[1] واحدة الحلل، وهي برود اليمن، ولا تسمّى حلّة إلّا أن تكون ثوبين من جنس واحد، على ما في (النهاية) .
[2] في الأصل (أوقية) وفوقها (ناقة) بدون كشط ولا ترميج.
[3] رواهما ابن سعد في الطبقات 1/ 461.
[4] في الأصل (زادان) وهو تصحيف، أو أهمل الذال للشهرة.
[5] رواه أبو داود في اللباس (4034) باب في لبس الصوف والشعر.
[6] في نسخة دار الكتب «أخياركم» .
[7] النسائي 8/ 25 في الزينة.
[8] رواية سمرة عند النسائي في الجنائز 4/ 34 باب أيّ الكفن خير، وفي الزينة 8/ 205 باب الأمر بلبس البيض من الثياب.
[9] رواه أبو داود في الطب (3878) باب في الأمر بالكحل، وفي اللباس (4061) باب في(1/497)
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، فَأَرْسَلَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ: ثنا ابْنُ سَالِمٍ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَيْرَ مَا زُرْتُمُ اللَّهَ بِهِ فِي مُصَلَّاكُمْ وَقُبُورِكُمُ الْبَيَاضُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ [1] . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السُّبَيْعِيُّ، عَنِ الْبَرَاءِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] . وَفِي لَفْظٍ: لَقَدْ رَأَيْتُ عَلَيْهِ حُلَّةً حَمْرَاءَ- فَذَكَرَهُ [3] .
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: ثنا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ رَجُلٍ إِلَيَّ، فَلَمَّا نُبِّئَ وَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ، شَهِدَ حَكِيمٌ الْمَوْسِمَ، فَوَجَدَ حُلَّةً لِذِي يَزَنَ فَاشْتَرَاهَا، ثُمَّ قَدِمَ بِهَا لِيُهْدِيَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا نَقْبَلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا، وَلَكِنْ بِالثَّمَنِ، قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا حِينَ أَبَى الْهَدِيَّةَ، فَلَبِسَهَا، فَرَأَيْتُهَا عَلَيْهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ فِيهَا، ثُمَّ أَعْطَاهَا أُسَامَةَ، فَرَآهَا حَكِيمٌ عَلَى أُسَامَةَ فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ أَتَلْبَسُ حلّة ذي يزن؟ قال: نعم والله
__________
[ () ] البياض، والترمذي في الجنائز (999) باب ما يستحبّ من الأكفان، وابن ماجة في الجنائز (1472) باب ما جاء فيما يستحبّ من الكفن، وفي اللباس (3566) باب البياض من الثياب، وأحمد في المسند 1/ 247، 274 و 328 و 355 و 363 و 5/ 10 و 12 و 13 و 17 و 18 و 19 و 21 وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (2962) .
[1] في كتاب اللباس (3568) باب البياض من الثياب، وقال في الزوائد: إسناده ضعيف.
شريح بن عبيد لم يسمع من أبي الدرداء. قاله في التهذيب.
[2] رواه البخاري في اللباس 7/ 48 باب الثوب الأحمر، و 7/ 57 باب الجعد، والترمذي في اللباس (1778) باب ما جاء في الرخصة في الثوب الأحمر للرجال، والترمذي في الآداب (2963) باب ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة للرجال.
[3] رواه الترمذي في الآداب (2963) باب ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة للرجال.
وقال: رواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب.(1/498)
لأَنَّا خَيْرٌ مِنْ ذِي يَزَنَ، وَلأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى مَكَّةَ فَأَعْجَبْتُهُمْ بِقَوْلِ أُسَامَةَ [1] .
وَقَالَ عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ.
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ [2] .
وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ [3] .
رَوَاهُ هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَرْسَلَهُ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ [4] .
بَابٌ مِنْهُ
وَقَالَ وَكِيعٌ: نا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن أسعد بن
__________
[1] روى نصفه الأول الإمام أحمد في مسندة- ج 3/ 402، 403، ورواه الطبراني بكاملة في المعجم الكبير 3/ 226 رقم (3125) ورجال أحمد ثقات، وصحّحه والحاكم في المستدرك 3/ 484، 485، ووافقه الذهبي في تلخيصه، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 151 و 8/ 278، وانظر: جمهرة نسب قريش 361، 362، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 417، 418، وسير أعلام النبلاء 3/ 46، 47.
[2] رواه أحمد في المسند 4/ 308، 309 وتمامه: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ وهو في قبّة له حمراء، قال: فخرج بلال بفضل وضوئه، فمن ناضح ونائل، قال: فأذّن بلال، فكنت أتتبّع فاه هكذا وهكذا، يعني يمينا وشمالا، قال: ثم ركزت له عنزة، قال: فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وعليه جبّة له حمراء، أو حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ، فصلّى بنا إلى العنزة الظهر أو العصر ركعتين، تمرّ المرأة والكلب والحمار لا يمنع، ثم لم يزل يصلّي ركعتين، حتى أتى المدينة. وقال وكيع مرة: فصلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين» ، وانظر صحيح البخاري 4/ 167 في المناقب، باب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وطبقات ابن سعد 1/ 450، 451.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 451.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 453.(1/499)
زُرَارَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْنَا لَهُ غُسْلًا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ، فَاشْتَمَلَ بِهَا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ أَثَرَ الْوَرْسِ [1] عَلَى عُكَنِهِ [2] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ قَمِيصَهُ وَرِدَاءَهُ وَعِمَامَتَهُ. مُرْسَلٌ [3] .
وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يُخْبِرُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ وَعِمَامَةٌ مَصْبُوغَيْنِ بِالْعَبِيرِ. قَالَ مُصْعَبٌ: الْعَبِيرُ عِنْدَنَا: الزَّعْفَرَانُ [4] . مُصْعَبٌ فِيهِ لِينٌ [5] .
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: رُبَّمَا صُبِغَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصُهُ وَرِدَاؤُهُ بِزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رُكَيْحِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُمْعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ عَجِيبٌ مُدَنِّي.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَصْبُغُ ثِيَابَهُ حَتَّى الْعِمَامَةَ بِالزَّعْفَرَانِ [7] .
وَهَذِهِ الْمَرَاسِيلُ لَا تُقَاوِمُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ نَهْيِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
__________
[1] الورس: نبت أصفر يصبغ به.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 451.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 452.
[4] ابن سعد 1/ 452.
[5] ترجمته في التاريخ الكبير للبخاريّ 7/ 354 رقم 1532، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم- 309 رقم 1429، وميزان الاعتدال للمؤلّف 4/ 120، 121 رقم 8564.
[6] في الطبقات 1/ 452.
[7] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 452.(1/500)
التَّزَعْفُرِ، وَفِي لَفْظٍ: (نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ) وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ- وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَهْدَى مَلِكُ الرُّومِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقَةً [1] مِنْ سُنْدُسٍ، فَلَبِسَهَا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يَدَيْهَا تَذَبْذَبَانِ مِنْ طُولِهِمَا، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَزَلَتْ عَلَيْكَ مِنَ السَّمَاءِ! فَقَالَ: «وما تعجبون منها، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مِنْدِيلًا مِنْ مَنَادِيلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا» ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَبِسَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبِسَهَا، قَالَ: فَمَا أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: ابْعَثْ بِهَا إِلَى أَخِيكَ النَّجَاشِيِّ [2] . وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُّوجٌ- يَعْنِي قِبَاءَ حَرِيرٍ- فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ:
«لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» [3] . وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَهْدَى أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً [4] شَامِيَّةً لَهَا عَلَمٌ [5] ، فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «رُدُّوا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ عَلَى أَبِي جَهْمٍ، فإنّي
__________
[1] قال ابن الأثير في النهاية: «مستقة: بضم التاء وفتحها. فرو طويل الكمّين» وقوله من «سندس» يشبه أنها كانت مكفّفة بالسندس، وهو الرفيع من الحرير الديباج، لأنّ نفس الفرو لا يكون سندسا.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 456، 457.
[3] ابن سعد 1/ 457.
[4] الخميصة: ثوب خزّ أو صوف معلّم.
[5] أي معلمة بالصّور.(1/501)
نظرت إلى علمها في الصّلاة فكاد يَفْتِنَنِي [1] . وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي بيت أمّ سلمة مشتملا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ [2] .
وَصَحَّ مِثْلُهُ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفَضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا [3] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ مُؤْتَزِرًا بِهِ، لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ [4] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ الْحَارِثِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَالْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [5] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يَلْبَسُ الصُّوفَ [6] .
وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً من هذه الملبّدة [7] ،
__________
[1] ابن سعد 1/ 457.
[2] انظر ابن سعد 1/ 462 و 463 وفيه «ملتحفا» .
[3] رواه ابن سعد 1/ 462.
[4] ابن سعد 1/ 463.
[5] في الصلاة (659) باب الصلاة على الحصير، ورواه أحمد في المسند 4/ 254.
[6] ابن سعد 1/ 454.
[7] أي المرقّعة.(1/502)
فَأَقْسَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ فِيهِمَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ عَائِشَةَ قالت: كَانَ ضِجَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُدُمٍ مَحْشُوًّا لِيفًا [2] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي زُهْدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ [4] «عَلَى عَاتِقَيْهِ» [5] . وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةً طَيَالِسَةً كِسْرَوَانِيَّةً لَهَا لِبْنَةُ [6] دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ يَسْتَشْفِي بِهَا. أَخْرَجَهُ مسلم [7] .
__________
[1] في اللباس والزينة (2080) باب التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه واليسير..، والترمذي في اللباس (1787) باب ما جاء في لبس الصوف، وأحمد في المسند 6/ 32.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 464.
[3] في الصلاة 1/ 95 باب إذا صلّى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه.
[4] في الصلاة (516) باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه.
[5] وهو كذلك عند البخاري. وعند أبي داود في الصلاة (626) باب جماع أثواب ما يصلّي فيه: «ليس على منكبيه» ، وأخرجه النسائي في الصلاة 2/ 71 باب صلاة الرجل فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شيء، وابن ماجة في إقامة الصلاة (1049) باب الصلاة في الثوب الواحد، وأحمد في المسند 2/ 255 و 266 و 319 و 427 و 491 و 520 و 3/ 10 و 15 و 55 و 4/ 26 و 27 و 6/ 342.
[6] لبنة: بكسر اللام، رقعة في جيب القميص.
[7] في اللباس والزينة (2069) باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء.(1/503)
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [1] وَفِيهِ: جُبَّةٌ طَيَالِسَةٌ عَلَيْهَا لِبْنَةُ شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ كِسْرَوَانِيٍّ.
بَابُ خَوَاتِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، فَصَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَنَزَعَهُ وَرَمَى بِهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا. فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ [2] . وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مُرْسَلَيْنِ. وَكَانَ هَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الذَّهَبِ.
وَفِي «الصَّحِيحِ» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ [3] . وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ كِتَابَكَ لَا يُقْرَأُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَنَقَشَهُ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِنْ فِضَّةٍ، وَنَهَى أَنْ يَنْقُشَ النَّاسُ عَلَى خواتيمهم نقشته، وقال:
__________
[1] ج 6/ 348.
[2] رواه البخاري في اللباس 7/ 51 باب خاتم الفضّة، وباب من جعل فصّ الخاتم في بطن كفّه 7/ 53، وأبو داود في الخاتم (4218) باب ما جاء في اتخاذ الخاتم، وأحمد في المسند 2/ 39 و 3/ 69 و 161 و 181 و 182 و 187 و 189.
[3] انظر صحيح البخاري في اللباس 7/ 51 باب خواتم الذهب، ومسلم (2069) باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضّة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل..، و (2078) باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، وأبو داود (4044) في اللباس، باب من كرهه، والترمذي في الاستئذان والآداب (2960) باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر للرجال، والنسائي في الجنائز 4/ 54 باب الأمر باتباع الجنائز، وابن ماجة في اللباس (3642) باب النهي عن خاتم الذهب، و (2654) باب المياثر الحمر، وأحمد في المسند 1/ 81 و 94 و 104 و 105 و 116 و 121 و 123 و 126 و 132 و 133 و 137 و 138 و 392 و 401 و 424 و 439 و 2/ 468 و 4/ 284 و 294 و 299 و 428 و 443.(1/504)
«كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ [1] » . وَصَحَّ عَنْهُ قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَصُّهُ حَبَشِيٌّ [2] ، وَنَقْشُهُ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» [3] .
وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ، نَقْشُهُ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» [4] .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ [5] .
وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْهُمَا أَنَّ خَاتَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَدِيدًا مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ.
وَرَوَى مِثْلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَلَمْ يُدْرِكْ سَعِيدٌ خَالِدًا.
__________
[1] أخرجه البخاري في اللباس 7/ 52، 53 باب نقش الخاتم، وباب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا ينقش على نقش خاتمه، وابن ماجة في اللباس (3641) باب نقش الخاتم، وأحمد في المسند 2/ 34 و 60 و 96 و 169 و 127، وابن سعد في الطبقات 1/ 471، والترمذي في اللباس (1794) باب ما جاء ما يستحبّ من فصّ الخاتم.
[2] يعني أنّ فضّه حجر حبشي. وقيل: صنعه رجل حبشيّ.
[3] رواه أبو داود في الخاتم (4216) باب ما جاء في اتخاذ الخاتم، وابن ماجة في اللباس (3641) باب نقش الخاتم، وأحمد في المسند 2/ 68 و 4/ 171 و 5/ 272 و 6/ 119، والترمذي في اللباس (1793) باب ما جاء في خاتم الفضة، وابن سعد في الطبقات 1/ 472.
[4] أخرجه البخاري في اللباس 7/ 51 باب خاتم الفضّة، و 7/ 54 باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر، ومسلم (2091/ 54) في اللباس والزينة، باب لبس النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده، وأحمد في المسند 94 و 141 وابن سعد في الطبقات 1/ 472.
[5] رواه أبو داود في الخاتم (4224) باب ما جاء في خاتم الحديد، وأحمد في المسند 1/ 21، وابن سعد في الطبقات 1/ 473.(1/505)
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْرَقِيُّ: ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: دَخَلَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، حِينَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا هَذَا الْخَاتَمُ فِي يَدِكَ يَا عَمْرُو» ؟
قَالَ: هَذِهِ حَلْقَةٌ، قَالَ: «فَمَا نَقْشُهَا» ؟ قَالَ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَخَتَّمَهُ، فَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، فَبَيْنَا هُوَ يَحْفِرُ بِئْرًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أَرِيسٍ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى شَفَتِهَا، يَأْمُرُ بِحَفْرِهَا، سَقَطَ الْخَاتَمُ فِي الْبِئْرِ، وَكَانَ عُثْمَانُ يُخْرِجُ خَاتَمَهُ مِنْ يَدِهِ كَثِيرًا، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ [1] .
وقال أنس: كان نقش خاتم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: «مُحَمَّدٌ» سَطْرٌ، وَ «رَسُولٌ» سَطْرٌ، وَ «اللَّهُ» سَطْرٌ [2] .
قَالَ: فَكَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ، فَكُنَّا مَعَهُ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ، وَهُوَ يُحَوِّلُ الْخَاتَمَ فِي يَدِهِ، فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَطَلَبْنَاهُ مَعَ عُثْمَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ [3] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ [4] .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ في يساره [5] . وعن ابن عمر مثله.
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 474.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 475.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 476، 477.
[4] رواه أبو داود في الخاتم (4226) باب ما جاء في التختّم في اليمين أو اليسار، والترمذي في اللباس (1796) باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، وابن ماجة في اللباس (3647) باب التختّم باليمين، وأحمد في المسند 1/ 204 و 205، وابن سعد في الطبقات 1/ 477.
[5] رواه ابن سعد من طريق ابن أبي سبرة، عن عبد الملك بن مسلم، عن يعلى بن شدّاد 1/ 477.(1/506)
وَصَحَّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ [1] .
بَابُ نَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُفِّهِ
قَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ لِنَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالَانِ [2] صَحِيحٌ [3] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَتْ نَعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا زِمَامَانِ شِرَاكُهُمَا مَثْنِيٌّ فِي الْعَقْدِ [4] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مُخَصَّرَةً مُعَقَّبَةً مُلَسَّنَةً [5] لَهَا قِبَالَانِ [6] .
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ [7] . وَرَوَى مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ [8] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِي نضرة [9] ،
__________
[1] رواه أبو داود في الخاتم (4228) باب ما جاء في التختّم في اليمين أو اليسار.
[2] القبال: زمام النّعل، وهو السّير الّذي يكون بين الإصبعين الوسطى، والتي تليها، على ما في (حاشية البيجوري على الشمائل) و (النهاية لابن الأثير) .
[3] رواه البخاري في اللباس 7/ 49 باب قبالان في نعل ومن رأى قبالا واحدا واسعا، وابن ماجة في اللباس (3615) باب صفة النعال، وابن سعد في الطبقات 1/ 478.
[4] أخرجه ابن ماجة من طريق خالد الحذّاء، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن العباس، ولفظه: «كَانَ لِنَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبالان، مثنيّ شراكهما» ، وابن سعد في الطبقات 1/ 478.
[5] مخصّرة: قطع خصراها حتى صارا مستدقّين، وقيل: المخصّرة: التي لها خصران.
والمعقّبة: التي لها عقب. والملسّنة: الدقيقة على شكل اللسان، وقيل هي التي جعل لها لسان، وهو الهنة الناتئة في مقدّمها. (النهاية لابن الأثير) .
[6] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 478.
[7] رواه ابن سعد 1/ 480.
[8] انظر ابن سعد أيضا 1/ 480.
[9] في نسخة دار الكتب «نصرة» والتصحيح من طبقات ابن سعد.(1/507)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذْ وَضَعَ نَعْلَهُ عَلَى يَسَارِهِ، فَأَلْقَى النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ» ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا- أَوْ أَذًى- فَمَنْ رَأَى ذَلِكَ فَلْيَمْسَحْهُمَا، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا [1] . وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أَرَاكَ تَسْتَحِبُّ هَذِهِ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا [2] .
السِّبْتُ: بِالْكَسْرِ، جُلُودُ الْبَقَرِ الْمَدْبُوغَةِ بِالْقَرَظِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريدة أنّ النّجاشيّ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا [3] .
بَابُ مُشْطِهِ وَمِكْحَلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِرْآتِهِ وَقَدَحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثنا مَنْدَلٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَافِرُ بِالْمُشْطِ، وَالْمِرْآةِ، وَالْمُدْهُنِ [4] ، وَالسِّوَاكِ، وَالْكُحْلِ.
مُرْسَلٌ [5] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِكْحَلَةُ يَكْتَحِلُ بِهَا عِنْدَ النَّوْمِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عين [6] .
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 480.
[2] ابن سعد 1/ 482.
[3] ابن سعد 1/ 482.
[4] في طبقات ابن سعد: «الدهن» .
[5] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 484.
[6] ابن سعد 1/ 484.(1/508)