المنهل الروي في الطب النبوي
تأليف
الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن علي ابن طولون الدمشقس الصالحي الحنفي
رحمه الله
(880 - 953 هـ)
اعتنى بتصحيحه والتعليق عليه ونشره
خادم العلماء الحافظ عزيز بيك
مدير لجنة أنوار المعارف بحيدر آباد - الهند
دار عالم الكتب
الرياض
الطبعة الأولى
1416 هـ - 1995 م(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أعطى كل نفس هداها، وعلمها منافعها ومضارها، وابتلاها وعافاها، وأماتها وأحياها والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين نشراها وبشراها.
وبعد، فهذا تعليق سميته ((المنهل الروي في الطب النبوي)) وقد ألف في هذا النوع جمع من المحدثين بعضهم بأسانيد من المتقدمين كالحافظ أبي نعيم الأصباني، ومن المتأخرين كشيخنا المحدث أبي المحاسن بن عبد الهادي، وبعضهم ليس بأسانيد، من المتقدمين كالحافظ شمس الدين الذهبي، ومن المتأخرين كشيخنا المحدث الجلال السيوطي، وقد كنت سودت في المسلك الأول مؤلفاً حافلاً، ثم رأيت الطبع إلى المسلك الثاني مائلاً فقفصت فيه هذه الأوراق وجمعت فيها ما طاب وراق من صحيح وحسن وضيف لينتفع به أولو الألباب، وتركت كثيراً مما أورده المصنفون في هذا الفن لاشتهاره بتفرد وضاع وكذاب، وضممت إليه من الآثار الموقوفة والمقاطيع ما يستجاد ويستطاب، وعقبت كل حديث بكلمة شارحه لمقصده لتتم فائدته للطلاب، ورتبته ترتيب كتابي الموجز في الطب في المقاصد والأبواب، مستعيناً بالله تعالى لا إله إلا هو، عليه توكلت وإليه متاب.(1/13)
ذكر الحث على تعليم الطب
أخرج البخاري والنسائي وابن ماجه وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء.
وأخرج مسلم وابن السني وأبو نعيم عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى.
وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم -وصححه- والنسائي وابن ماجه وابن السني وأبو النعيم عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله! هل علينا من جناح أن لا نتداوى؟ قال: تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحدة الهرم.
وأخرج عبد بن حميد في مسنده وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تداووا فإن الله لم يخلق داء إلا خلق له شفاء إلا السام وهو الموت.
وأخرج الحاكم -وصححه- وابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أجيف برجل من الأنصار يوم أحد فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيبين كانا بالمدينة فقال: عالجاه؟ فقالا: يا رسول الله! إنا كنا نعالج ونجتاذه في الجاهلية فلما جاء(1/14)
الإسلام فما هو إلا التوكل؛ فقال: عالجاه، فإن الذي أنزل له الدواء ثم جعل فيه شفاء؛ فعالجاه فبرأ.
وأخرج أحمد والترمذي - وحسنه - والحاكم -وصححه- عن أبي خزامة قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال: هي من قدر الله.
وأخرج الحاكم - وصححه - عن صفوان بن عسال قال قالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ قال تعلمن أن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء غير داء واحد قالوا: وما هو؟ قال: الهرم.
وأخرج مالك في الموطأ وأبو نعيم عن زيد بن أسلم أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح فحقن الدم فدعى له رجلان من بني أغار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم أطب؟ فقال أحدهما: يا رسول الله: وفي الطب خير؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الذي أنزل الداء هو الذي أنزل الدواء - مرسل.
وأخرج أحمد عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً به جرح فقال: ادعوا لي طبيب بني فلان: فدعوه فجاء فقالوا يا رسول الله: ويغني الدواء شيئاً؟ فقال: سبحان الله وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء.(1/15)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن هلال بن يساف قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده فقال: أرسلوا إلي طبيب، فقال له قائل: وأنت تقول ذلك يا رسول الله: قال: نعم، إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذي أنزل الداء أنزل معه الدواء.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعت الأدواء ونعت الدواء وإن الله شفا من شاء بما شاء.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله: هل ينفع الدواء من القدر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدواء من القدر وهو تعالى ينفع من يشاء بما شاء، ولفظ أبي نعيم ((وقد ينفع بإذن الله)).
وأخرج البزار وابن السني والحاكم وأبو نعيم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، وأعلم ذلك من علمه وجهله من جهله إلا السام وهو الموت.
وأخرج ابن ماجه والحاكم وابن السني وأبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه شفاء علمه من علمه وجهله من جهله.
قال الذهبي: قلنا إن ذلك يقتضي تحريك الهمم وحث العزائم على تعلم(1/16)
الطب. وهو لغة الحذق، ((وعلمه من علمه)) إشارة إلى الأطباء ((وجهله من جهله)) أي من باقي الناس.
وقد قال الشافعي رضي الله عنه: لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب.
وقال الحافظ أبو طاهر السلفي: أخبرني الثقفي سمعت أبا عمر بن بالويه سمعت محمد بن يعقوب سمعت الربيع سمعت الشافعي يقول: العلم علمان: علم الأديان الفقه، وعلم الأبدان الطب.
وقال الحسن ابن سفيان حدثنا حرملة قال: كان الشافعي يتلهف على ما ضيعه المسلمون من الطب ويقول: ضيعوا ثلث العلم ووكلوا إلى اليهود والنصارى.
قال ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي: حدثنا أبي ثنا يونس ابن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول: إن أهل الكتاب قد غلبونا على الطب، احذر أن تتناول لهؤلاء الأطباء دواء تعرفه.
وأخرج أبو نعيم في مناقب من طريق أبي حسين البصري قال: سمعت طبيباً بمصر يقول: ورد الشافعي مصر فذاكرني بالطب حتى ظننت أنه لا يحسن غيره فقلت له: أقرأ عليك شيئاً من كتاب أبقراط فأشار إلى الجامع وقال: إن هؤلاء لا يتركوني.
وقال الذهبي: وقال هشام بن عروة، ما رأيت أحداً أعلم بالطب من عائشة، فقلت: يا خالة، ممن تعلمت الطب؟ قالت: أسمع الناس تبعث بعضهم فأحفظ، وفي لفظ عنه قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين: أعجب من بصرك بالطب، قالت: يا ابن أخي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طعن في السن سقم فوفدت الوفود فنعتت فمن ثم، وفي آخر عنها قالت: يا ابن أخي: كان يمرض الإنسان من أهلي فينعت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعيه فأنعته للناس -رواه أبو نعيم- انتهى.(1/17)
ذكر ابتداء الطب
وأخرج البزار في مسنده والطبراني في الكبير، وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان سليمان بن داود عليهما السلام إذا قام يصلي رأى شجرة ثابتة بين يديه فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول كذا، فيقول: لأي شيء أنت؟ فتقول لكذا، فإن كانت لدواء كتب، وإن كانت لغرس غرست.
وأخرج الحاكم في المستدرك -وصححه- وابن مردويه من طريق سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نبي الله سليمان عليه السلام كان إذا صلى الغداة طلعت بن عينيه شجرة فيقول: ما أنت؟ فتقول شجرة كذا وكذا فيقول لأي شيء طلعت؟ فتقول: طلعت لذا كذا وكذا فيأمر بها فتزرع.(1/18)
وأخرج ابن مردويه من طريق علي بن بذيمة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان ينبت في مصلى سليمان كل غداة شجرة فيقول: لها سليمان عليه السلام، ما أنت؟ فتقول: أنا كذا وكذا فيقول لها: لأي شيء تصلحين فتقول لكذا، فيعطيها طباخه.
وأخرج أبو نعيم في الطب من طريق قتادة عن الحسن قال: إن سليمان بن داود عليهما السلام لما فرغ من بيت المقدس وأراد الله قبضه دخل المسجد فإذا أمامه في القبلة شجرة خضراء بين عينيه، فلما فرغ من صلاته تكلمت الشجرة فقال: ألا تسألني ما أنا؟ فقال سليمان: ما أنت؟ فقالت: أنا شجرة كذا وكذا، دواء كذا وكذا من داء كذا وكذا فأمر سليمان بقطعها، فلما كان من الغد فإذا مثلها قد نبتت فسألها سليمان: ما أنت؟ فقالت: أنا شجرة كذا وكذا دواء من كذا وكذا، فأمر بقطعها، وكان كل يوم إذا دخل المسجد يرى شجرة قد نبتت فتخبره فوضع عند ذلك كتاب الطب الفيلسوفيون حتى وضعوا الطب ووضعوا الأدوية وأسماء الشجر الذي نبت في المسجد.
وقال الذهبي: قال أبقراط وغيره: الطب إلهام من الله تعالى، وأبقراط رئيس هذه الصناعة، ومذهبه فيها هو المذهب الصحيح، وتبعه عليه جالينوس إمام هذه الصناعة، وهما معظمان عند الأطباء تعظيماً كثيراً ويقال إن قبر أبقراط إلى الآن يزار ويعظم عند اليونان.
ويقال: إن شيث أظهر الطب وأنه ورثه من أبيه آدم عليهما السلام، وقيل: استخرجه قوم بمصر، وقيل: إن الهند استخرجوه، وقيل: السحرة، وقيل: إدريس وهو هرمس استخرجه كما استخرج الصنائع، وقيل: إنه حصل بالتجارب، وقيل: بالقياس، والأغلب أنه من تعليم الله تعالى وإلهامه وهو الحق، ثم أضيف إليه التجارب والقياس، وقد رأينا الناس وبعض الحيوان يستعملون الطب طبعاً وإلهاماً(1/19)
فإن كل من أحس بالجوع طلب الغذاء، وكذا إذا عطش طلب الماء، وإذا كرب تبرد وبالضد وإذا تخم أعرض عن الأكل، وهذا من الطب، والحية إذا خرجت بعد الشتاء وقد كل بصرها تأتي إلى الرازيانج وهو الشونيز فتأكل منه وتقلب عينها عليه فتبصر، وقد نبه الأطباء على استعماله عند ظلمة البصر، وكذا الطائر الغواص على السمك إذا احبس طبعه حقن نفسه بماء البحر، وفرخ الخطاف إذا عمى حلمت إليه أمه الماميران من الصين فيبصر، والنسر إذا عسر عن الأنثى بيضها أتى الذكر إلى الهند وأخذ الحجر المسمى باكتمكت وهو كالبندقة -إذا حركته سمعت من جوفه حركة فيضعه تحتها فيسهل بيضها، والثعلب إذا مرض في الربيع يأكل حشيشاً يسهله فيصح وكذلك الهر تأكله فيعينها على القي، ومعلوم أن الحشيش ليس من أغذيتها فسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدي.
قال الخطابي: اعلم أن الطب على نوعين: الطب القياسي وهو طب يونان الذي يستعملونه في أكثر البلاد وطب العرب والهند وهو طب التجارب وأكثر ما وضعه النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو على ما وضعه العرب إلا ما خص به من العلم النبوي من طريق الوحي فإن ذلك يخرق كل ما تدركه الأطباء وتعرفه الحكماء، وكل ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصواب، عصمه الله تعالى أن يقول إلا صدقاً وأن يفعل إلا حقاً.
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في مختصر المستدرك: تشريع النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يدخل فيه كل الأمة إلا أن يخصه دليل وتطبيبه لأصحابه وأهل أرضه خاص بطباعهم وأرضهم إلا أن يدل دليل على التعميم.
وقال ابن القيم: كان علاجه صلى الله عليه وسلم للمريض ثلاثة أنواع أحدها بالأدوية الطبيعية والثاني بالأدوية الإلهية، والثالث بالمركب من الأمرين.(1/20)
ذكر الأركان الأربعة والأخلاط الأربعة والمزاج
قال الدينوري في المجالسة: حدثنا عبد الله بن قتيبة الدينوري ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب بن أخي الأصمعي عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال: وجدت في النورية قال: حين خلقت آدم ركبت جسده من أربعة أشياء، ثم جعلتها وارثه في ولده تنمى في أجسادهم إلى يوم القيامة: رطب ويابس وسخن وبارد، وذلك لأني خلقته من تراب وماء: ثم جعلت فيه نفساً وروحاً: فيبوسة كل جسد من قبل التراب ورطوبته من قبل النفس وبرودته من قبل الماء وسخونته من الروح، ثم خلقت للجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع من الخلق أخرى، وعن ملاك الجسد، لا يقوم الجسد إلا بها، ولا يقوم واحد إلا بالأخرى: المرة السوداء والمرة الصفراء والدم والبلغم: ثم أسكنت هذا الخلق في بعض، فجعلت سكن اليبوسة في المرة السوداء وسكن الحرارة في المرة الصفراء وسكن الرطوبة الدم وسكن البرودة في البلغم فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع وكانت كل واحدة منهن فيه ربعاً لا يزيد ولا ينقص كميات بهجته واعتدلت بنيانه فإن زادت واحدة منهن عليهم وقهرتهن ومالت بهن دخل على أخواتها السقم من نواحيهن لقلتها منهن حتى تضعف عن طاقتهن وتعجز.
قال: ومن قدرته عز وجل ولطفه جعل عقله في دماغه وسره في كليتيه وغضبه في كبده، وصرامته في قلبه، ورغبته في ريته، وضحكه في طحاله، حزنه وفرحه في وجهه، وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلاً.
وقال ابن سينا في القانون: الأركان أجسام بسيطة من أجزاء أولية لبدن الإنسان وغيره لا يمكن أن تنقسم إلى أجسام مختلفة الصور وتحدث بامتزاجها واختلاط الأنواع المختلفة من الكائنات، وهي أربعة اثنان خفيفان وهما النار والهواء، واثنان(1/21)
ثقيلان وهما الأرض والماء, فالنار حارة يابسة والهواء حار رطب والأرض باردة يابسة والماء بارد رطب, أي طبع كل طبع إذا خلى وما يوجبه وما يعارضه سبب من خارج ظهر عن الأول حر محسوس وحالة هي يبس, وعن الثاني حر محسوس وحالة هي رطوبة وعن الثالث والرابع برد محسوس ويبس أو رطوبة والرطب سهل القبول للهيئة التشكلية سهل الترك لها, واليابس عسر القبول عسر الترك, ومهما تخمر اليابس بالرطب استفاد اليابس من الرطب قبولاً لتشكيل والتمديد سهلاً واستفاد الرطب من اليابس حفظاً لما حلت فيه من التقويم والتعديل قوياً واجتمع اليابس بالرطب عن يبسه واستمسك الرطب باليابس عن سيلانه والثقيلان أعون في كون الأعضاء وفي سكونها, والخفيفان أعون في كون الأرواح وفي تحريكها وتحريك الأعضاء, وإذا تصغرت أجزاء هذه الأركان الأربعة وتماست فعل بعضها في بعض بقواها المتضادة وكسر كل واحد سورة كيفية الآخر, فإذا انتهى الفعل فيها إلى حد مما حدث لذلك المركب كيفية متشابهة في أجزائه هي المزاج فتارة يغلب عليه الحر واليبس وتارة الحر والرطوبة, وتارة البرد واليبس وتارة البرد والرطوبة وتارة أحد الوصفين وتارة يكون وسطاً مطلقاً, وتحت ذلك أقسام بحسب العقل والواقع.
وأما الأخلاط فالخلط جسم رطب سيال ليتحيل إليه الغذاء أولاً وأنواعه أربعة: الدم وهو حار رطب, والصفراء وهي حارة يابسة. والبلغم وهو بارد رطب.
والسوداء, هي باردة يابسة, وأفضل هذه الأنواع الدم الطبيعي وهو غذاء الأعضاء والبلغم الطبيعي قريب الشبه منه وتحتاج إليه الأعضاء كلها لأنها إذا عقدت الغذاء الوارد المهيا دماً صالحاً تحليه القوة دماً وتغتذى وفائدته أيضاً تنديه المفاصل والأعضاء الكثيرة الحركة فلا يعرض لها جفاف بسبب حرارة الحركة وحاصل الأمر أن البغلم الطبيعي دم غير تام النضج والصفراء الطبيعية وهي رغوة الدم وإذا تولدت في البدن انقسمت قسمين فيذهب قسم منها مع الدم وذلك لنخالطه في(1/22)
تغذية الأعضاء التي تستحق أن يكون في غذائها جزء صالح من الصفراء بحسب ما يستحقه من القسمة مثل الرية ويلطف الدم وينفذه في المسالك الضيقة وقسم يصفو إلى المرارة وله فوائد تخليص البدن من الفضل وتغذية المرارة وغسل المغافر من الثفل والبلغم واللزج ولذع المعا, ولذع العضل القعدة لتحس بالحاجة ويحوج إلى النهوض للتبرز والسوداء الطبيعة هي دردى كثيف الدم المجمودة وثقله وعكره وإذا تولد في البدن تغذ قسم منها مع الدم ليخالطه في تغيذة الأعضاء التي يجب أن يقع في غذائها جزء صالح من السوداء مثل العظام وليشتد الدم ويقويه ويكثفه, وقسم يتوجه نحو الطحال فائدته تنقية البدن عن الفضل تغذية الطحال وتقوية فم المعدة ولدغة بالحموضة ليلينه على الجوع وتحريك الشهوة. وغير الطبيعي من أنواع الأربعة دم المزاج وما حصل فيه خلط ردي فاسد وبلغم خالط غيره فأفسده وصفراء خالطها غيرها وسوداء احترقت عن أي خلط كان. قال جالينوس: ولم يصب من زعم أن الخلط الطبيعي هو الدم لا غير وسائر الأخلاط فضول لا يحتاج إليها لأن الدم لو كان وحده هو الخلط الذي يغذوا الأعضاء لتشابهت في الأمزجة والقوام وما كان العظم أصلب من اللحم إلا ودمه دم مازجه جزء هو صلب سوداوي ولا كان الدماغ ألين منه إلا ودمه دم مازجه جزء هو لين بلغمي، ثم قال ابن سينا: ومن الناس من يظن أن قوة البدن منه، ومن الناس من يظن أن الأخلاط إذا زادت أو نقصت بعد أن تكون على النسبة التي يقتضيها بدن الإنسان في مقادير بعضها عضد بعض فإن الصحة محفوظة وليس كذلك بل يجب أن يكون لكل واحد من الأخلاط مع ذلك تقدير من الكم محفوظ ليس بالقياس إلى خلط آخر بل في نفسه مع حفظ التقدير الذي بالقياس إلى غيره. وأما كيفية تولد الأخلاط فالغذاء إذا ورد على المعدة استحال فيها إلى جوهر شبه بمر الكشك الثخين ويسمى كيموسا وينحدر الصافي منه إلى الكبد فيندفه من طريق العروق المسماة مارساريقا وينطبخ في الكبد فيحصل منه شيء كالرغوة وهي الصفراء الطبيعية والرسوب وهي السوداء الطبيعية والمحترق أن يكون معهما شيء منه إن إفراط الطبخ وشيء فج أن(1/23)
تضر الطبخ وهذا المحترق لطيفة صفراء غير طبيعية وكثيفة سوداء غير طبيعية والفج هو البلغم والمتصفى من هذه الجملة نضجاً هو الدم فإذا انفصل هذا الدم عن الكبد تصفى أيضاً عن مائية فضيلة فينجذب إلى عروق نازل إلى الكليتين ومعهما جزء من الدم يقدر غذاء الكليتين فيغذوهما ويندفع باقيهما إلى المثانة والاحليل وأما الدم الحسن القوام فيندفع في عرق الأعظم الطالع من حدبة الكبد فيسلك في الأوردة المتشعبة منها في جداول الأوردة ثم في سواقي الجداول ثم في رواضع السواقي ثم في العروق اللينة الشعرية ثم يرشح فوهاتها في الأعضاء بتقدير العزيز العليم الحكيم -انتهى.
وقال الذهبي: الأخلاط أربعة: الدم -وهو أفضلها وهو رطب حار, وفائدته تغذية البدن والطبيعي منه حلو لا نتن له ثم البلغم وهو رطب بارد وفائدته أن يستحيل دماً إذا فقد البدن الغذاء وأن يرطب الأعضاء فلا يجففها الحركة والطبيعي منه ما قارب الاستحالة إلى الدموية وغير الطبيعي منه المالح, يميل إلى الحرارة والحامض ويميل إلى البرد والمخ وهو خالص البرد ثم الصفراء وهي حارة يابسة وعلوها المرارة وهي تلطف الدم وتنفذه في المجاري الضيقة وينصب جزء منها إلى الأمعاء فينبه على خروج النجو وللطبيعي منها أحمر خفيف وغير الطبيعي فالمخي والكراثي والزنجاري والاحتراقي وهو في الزنجاري أقوى من الكراثي فلذلك ينحدر بالموت ثم السوداء وهي يابسة باردة وهي تغلظ الدم وهي تغذي الطحال والعظام وينصب جزء منها إلى فم المعدة فينبه على الجوع بحموضتها والطبيعي منها ردي الدم وغير الطبيعي يحدث عن احتراق أي خلط كان وهي المرة السوداء.
وقال: المزاج أقسامه تسعة واحد معتدل وغير معتدل, أما مفرد وهو أربعة: حار وبارد ورطب ويابس, وأما المركب وهو أربعة حار يابس, وحار رطب, وبارد يابس, وبارد رطب, وأعدل أمزجة الحيوان مزاجاً مزاج الإنسان وأعدل مزاج الإنسان مزاج المؤمنين وأعدل لمزاج المؤمنين مزاجاً مزاج الأنبياء, وأعدل مزاج الأنبياء مزاج الرسل وأعدل الرسل مزاجاً مزاج أولوا العزم وأعدل أولي العزم(1/24)
مزاجاً مزاج محمد صلى الله عليه وسلم فهو النبي الطيب الطاهر, أحسن الناس خلقاً وخلقاً صلى الله عليه وعلى آله صلاة لا منتهى لها ولا آخر, فله مقام لم ينله مرسل: وله عليهم رتبة علياء, وقال الآخر:
لا يخلق الرحمن مثل محمد ... أبداً وعلمي أنه لم يخلق
قلت: والسبب الذي صار به رسول الله صلى الله عليه وسلم أعدل الناس مزاجاً أن من قواعد الأطباء أن أخلاق النفس تابعة لمزاج البدن أعدل كانت أخلاق النفيس أحسن, إذا علم ذلك فالحق سبحانه وتعالى قد شهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعلى خلق عظيم, قالت عائشة رضي الله عنها: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فلزم من ذلك أن مزاجه صلى الله عليه وسلم أعدل الأمزجة وإذا كان مزاجه أعدل الأمزجة كانت أخلاقه أحسن الأخلاق، روى البخاري في صحيحه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً وقال أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط ولا لشيء صنعته، لم صنعت هذا، ولا لشيء تركته لم تركت هذا، ورواه الترمذي وقال: صحيح، وقال ابن عمر: لم يكن رسوله الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: خياركم أحسنكم أخلاقاً، ورواه أحمد في مسنده، وروى البخاري ومسلم أن أعرابياً جبذ برداء عن عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جبذة شديدة حتى أثر ذلك في عاتقه، ثم قال: يا محمد: مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ثم أمر له بعطاء – انتهي.
قال شيخنا أبو الفضل ابن الأمام في شرح الموجز قلت: لكن قوله: ((إن أعدل مزاج الإنسان مزاج المؤمنين، ليت شعري من بات كافراً، وأصبح مؤمناً، أو من(1/25)
أصبح كافراً ثم أضحى مؤمناً هل يقال: انتقل مزاجه في هذه الساعة من عدم الاعتدال إلى الاعتدال؟ وكذلك من حكم عليه في حال كفره بأن مزاجه غير معتدل)) هل إذا تلفظ عقب ذلك بكلمة الإسلام انتقل مزاجه في هذه اللحظة إلى الاعتدال؟ ويمكن أن يقال هذا كما في الأمثال السائرة نظرة من نظرات الغني تغني ونظرة من نظرات الولي ترقي إلى أعلى مقام فكذلك هذا الكافر لما نظر الله إليه بعين الهداية ونقله إلى نور الإسلام من ظلمات الغواية، كذلك نقله من عدم الاعتدل إلى الاعتدال ومن النقص إلى الكمال –فليتأمل- انتهي، ثم قال الذهبي: والشباب أعدل والصبيان أرطب والكهل والشيخ أبرد – انتهي.
ذكر الأعضاء
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به.
قال في القانون: الأعضاء أجسام متولدة من أول مزاج الأخلاط كما أن الأخلاط متولدة من مزاج الأركان والأعضاء قسمان مفردة ومركبة، فالمفردة هي التي يستوي فيها اسم الكل والجزء كاللحم والعظم والعصب، تسمى متشابهة الأجزاء والمركبة بخلافها كالوجه واليد. فإن جزء الوجه ليس بوجه وجزء اليد ليس بيد، وتسمى أعضاء آلية لأنها آلات النفس في تمام الحركات والأفعال وأول الأعضاء المتشابهة الأجزاء العظم وقد خلق صلباً لأنه أساس البدن ودعامة الحركات، ثم الغضروف وهو ألين من العظم وينعطف وأصلب من سائر الأعضاء والمنفعة فيه أن يحسن به اتصال الأعظام الأعضاء اللينة فلا يكون الصلب واللين قد تركبا بلا متواسط فيتأدى للين بالصلب، وخصوصاً عند الضربة والضغطة بل يكون التركيب مدرجاً في مثل ما في عظم الكتف والشراسيف في أضلاع الخلف(1/26)
ومثل الغضروف الحجري تحت القس وأيضاً ليحسن تجاوز المفاصل المتحاكة فلا ترتض لصلابتها.
ثم العصب وهي أجسام دماغية المنبت أو نخاعية المنبت بيض لزجة لينة في الانعطاف صلبة في الانفصال خلقت ليتم بها للأعضاء الإحساس والحركة ثم الأوتار وهي أجسام تنبت من أطراف العضل شبيهة بالعصب فتلاقي الأعضاء المتحركة فتارة تجذبها بانجذابتها لتشنج العضلة وباجتماعها ورجوعها إلى ورائها وتارة ترخيها باسترخائها لانبساط العضلة عائدة إلى وضعها وزائدة على مقدارها في طولها.
ثم الرباطات وهي أجسام شبيهة بالعصب فما امتد منها إلى العضلة سمي رباطاً مطلقاً وما لم يمتد إليها ولكن وصل بين طرفي المفصل أو بين أعضاء أخرى وأحكم سد شيء إلى شيء خص باسم العصب مع تسميته رباطاً وليس لشيء من الروابط حس لئلا يتأتى لكثرة ما يلزمه من الحركة والحك.
ثم الشريانات وهي أجسام نابتة من القلب ممتدة مجوفة طولاً عصبانية رباطية الجواهر لها حركات منقبضة تنفصل بسكونات خلقت لترويج القلب وينفش البخار الدخاني عنه ولتوزيع الروح على أعضاء البدن ثم الأوردة وشبيهة ولكنها نابتة من الكبد وساكنة لتوزع الدم على أعضاء البدن.
ثم الأغشية وهي أجسام منتسجة من ليف عصباني غير محسوس رقيقة مستعرضة تغشى سطوح أجسام أخرى وتجرى لتحفظ جملتها على شكلها وهيئتها ولتعلقها بأعضاء أخرى وتربطها بها بواسطة العصب والرباط الذي يسطى إلى لبنها فانتسجت منه بالكلية من الصلب ولتكون الأعضاء القديمة الحس في جواهرها سطح حساس بالذات لما تلاقيه وحساس لما يحدث في الجسم الملفوف فيه بالمعرض ولهذه الأعضاء مثل الرية والكبد والطحال والكليتين فإنها لا تحسن بجواهرها البتة إنما تحسن بالأمور الصادمة لها ما عليها من الأغشية.(1/27)
ثم اللحم وهو حسو جلد وعليه وضع هذه الأعضاء في الطب وقوتها التي تندعم به وكل عضو فله في نفسه قوة غريزية بها يتم له أمر التغذي وذلك هو جذب الغذاء وإمساكه وتشبيهه والصاقة ودفع العضل ثم بعد ذلك تختلف الأعضاء فبعضها له مضافاً إلى هذه القوة قوة تصير منه إلى غيره وبعضها له ذلك فإذا تركبت حدث عضو قابل معط وعضو قابل غير معط وعضو معط غير قابل وعضو لا قابل ولا معط, فالأول الدماغ والكبد بالإجماع يقبلان قوة الحياة والحرارة الغريزية والروح من القلب وكل واحد منها مبدأ قوة يعطيها غيره, فالدماغ مبدأ الحس والكبد مبدأ التغذية, والثاني اللحم قابل قوة الحس والحياة وليس هو مبدأ القوة يعطيها غيره بوجه, والثالث القلب عند كثير من الفلاسفة يعطي سائر الأعضاء القوى التي تغذو والتي تحسن والتي تحرك وتدرك.
وقالت الأطباء لا وجود لهذا القسم, قال ابن سينا: والقول الأول عند التحقيق والتدقيق أصح, والثاني في بادي الرأي أظهر, والرابع اختلف فيه الأطباء فقال قوم: لا وجود له أيضاً, وقال قوم وهو العظام واللحم غير الحاس تقي قوة فيها غريزية تحضها لم يأبها من بناء آخر لكنها تدري لقوى إذا وصل إليها غذاؤها كتفت أنفسها فلا هي تفيد شيئاً آخر قوة فيها ولا يفيدها عضو قوة أخرى, ثم من الأعضاء ما هو قريب المزاج من الدم فلا يحتاج الدم في تغذيته إلى أن ينصرف في استحلالات كثيرة مثل فلذلك لم يجعل فيه تجاويف وبطون يقيم فيها الغذاء الواصل مدة ثم يتغذى عنه اللحم ولكن الغذاء كما يلاقيه يستحيل إليه ومنها ما هو بعيد المزاج عنه فيحتاج الدم في أن يستحيل إليه إلى أن يستحيل أولاً استحالات مندرجة إلى مشاكلة جوهرة كالعظم فلذلك جعل له تجويف يهوي غذاء مدة يستحيل في مثلها إلى مجانسته وبهذا عرفت النكتة في الاقتصاد في الحديث إلى ذكر اللحم لكونه أقرب إلى الاستحالة.(1/28)
ذكر تكوين الأعضاء من المني
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثني الصادق المصدوق:إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ينفخ فيه الروح.
قال أبو الحسن علي بن عبد الكريم بن طرخان الحموي: اتفق الأطباء على أن خلق الجنين في الرحم يكون في نحو الأربعين وفيها يتميز الأعضاء الذكر دون الأنثى لحرارة مزاجه وقواه واعتدال قوام المنى الذي تتكون أعضاءه منه ونضجه فكون أقبل للتشكيل والتصوير ثم علقة مثل ذلك والعلقة قطعة دم جامد، قالوا: ويكون حركة جنين في ضعف المدة التي يخلق فيها ثم يكون مضغة مثل ذلك أي لحمة صغيرة وهي لأربعون الثلثة فيتحرك كما قال عليه السلام فينفخ فيه الروح فإن تتفق على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر، وأخرج الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الطب عن مالك بن حويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أراد الله أن يخلق نسمة فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عضو وعرق منها وإذا كان اليوم السابع جمعه الله أحضر كل عرق له دون آدم، ثم قرأ: { في أي صورة ما شاء ركبك }.
وأخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه أن أم سليم حدثت أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأت المرأة(1/29)
فلتغتسل، فقالت أم سليم –واستحيت من ذلك- وهل يكون هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فمن أين يكون الشبه، إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه.
وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تغتسل مرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ فقال: نعم فقالت لها عائشة: تربت يداك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك، إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه.
وأخرج مسلم عن ثوبان أن حبراً من أحبار اليهود جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت أسألك عن الولد قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله تعالى، قال اليهودي: صدقت.
وأخرج أحمد عن أم سليم رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله: أرأيت إذا رأت المرأة أن زوجها جامعها أتغتسل؟ فقال: عليها الغسل إذا وجدت الماء، فقالت أم سليم: يا رسول الله: للمرأة ماء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنها يشبهها ولدها، هن شقائق الرجال.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي: للمائين أربعة أحوال: الأول أن يخرج ماء الرجل أولاً، والثاني أن يخرج ماء المرأة ثانياً أو لا، الثالث أن يخرج ماء الرجل أولاً ويكون أكثر، الرابع أن يخرج ماء المرأة أولاً ويكون أكثر، ويتم التقسيم بأن(1/30)
يخرج ماء الرجل أولاً ثم يخرج ماء المرأة بعده فيكون أكثر أو بالعكس فإذا خرج ماء الرجل أولاً، وكان أكثر جاء الولد ذكراً بحكم السبق وأشبه أعمامه بحكم الغلبة، وإن خرج ماء المرأة أولاً وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم الكثرة. وإن خرج ماء الرجل أولاً لكن لما خرج ماء المرأة بعده كان أكثر كان الولد ذكراً بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل كان أعلا من ماء المرأة كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة وأشبه أعمامه بحكم غلبة ما الرجل، قال: وبانتظام هذه الأقسام ينتسب الكلام ويرتفع التعارض بين الأحاديث.
وقال القرطبي: لا بد من تأويل حديث ثوبان لأن العلو فيه يقتضي الذكورة والأنوثة وفي حديث عائشة يقتضي شبه الولد أخواله أو أعمامه فعلى مقتضى الحديثين يلتزم اقتران الشبه للأخوال للأنوثة لأنهما يعلوان عليه واحدة وليس الأمر كذلك بل الوجود بخلافه لأنا نجد الشبه للأخوال والذكورة والشبه للأعمام والأنوثة فتعين تأويل أحد الحديثين والذي يتعين تأويله العلو الذي في حديث ثوبان فيقال: إن حديث ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم. وقال: وهذه الأحاديث تدل على أن الولد يكون من مجموع ماء الرجل والمرأة معاً خلافاً لمن ذهب إلى أن الولد إنما هو من ماء المرأة وإن ماء الرجل عاقد له كالأنفحة للبن.
وأخرج البخاري عن أنس أن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينزع الولد إلى أبيه وإلى أمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه وإذا سبق ماء المرأة نزعت، أخبرني بذلك جبريل آنفاً.
وأخرج أحمد في مسنده والطبراني في الكبير والبيهقي وأبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس أن عصابة من اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن ماء(1/31)
الرجل كيف يكون منه الذكر وكيف يكون منه الأنثى فقال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض وأن ماء المرأة رقيق أصفر. فأيهما علا كان الولد، والشبه بإذن الله؟ قالوا: نعم.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي ظبيان قال: حدثنا أصحابنا أنهم بينما هم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فاعترضهم يهودي فقال: يا أبا القاسم إني أسالك عن مسألة لا يعلمها إلا نبي من أي المائين يكون الولد؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وددنا أنه لم نسأله ثم عرفنا أنه تبين له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما نطفة الرجل فبيضاء غليظة فمنها العظام والعصب، وأما نطفة المرأة فحمراء رقيقة فمنها الدم واللحم، فقال: أشهد أنك رسول الله.
وأخرج أحمد والبزار في مسنديهما والطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه يهودياً قال: يا محمد: مم يخلق الإنسان؟ قال: يا يهودي: من كل يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة، فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب، وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم، فقال اليهودي: هكذا كان يقول من قبلك.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق ابن جريج عن الزهري والطبراني في الأوسط من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن خزيمة. ابن حكيم السلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قرار ماء الرجل وماء المرأة للرجل وعن ماء للرجل من الولد وماء للمرأة وعن موضع النفس من الولد المجسد- وفي رواية من الجسد وعن شراب الولد في بطن أمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ماء للرجل(1/32)
من الولد فإن للرجل العظام والعروق والعصب وللمرأة للحم والدم والشعر: وأما قرار ماء الرجل فإنه يخرج ماؤه من الاحليل وهو عرق يجري من ظهره حتى يستقر قراره في البيضة اليسري، وأما ماء المرأة فإن ماؤها في التربية يتغلغل حتى تذوق عسيلتها، وأما موضع النفس ففي القلب والقلب معلق بالنياط والنياط يسقي العروق فإذا هلك القلب انقطع العرق، وأما شراب المولود في بطن أمه فإنه يكون نطفة أربعين ليلة [ثم علقة أربعين ليلة ومشيجاً أربعين ليلة وعميساً أربعين ليلة] ثم مضغة أربعين ليلة ثم العظم حنيكاً أربعين ليلة ثم جنيناً، فعند ذلك يستحل وينفخ فيه الروح، تحتلب عليه عروق الرحم. قال في القانون في الأعضاء: ما يتكون عن المني وهي المتشابهة الأجزاء سوى اللحم والشحم فإنهما يتكونان عن الدم وما عداهما يتكون من المنيين مني الذكر ومني الأنثى إلا أنها على قول من تحقق من الحكماء يتكون عن مني الذكر كما يتكون الجبن عن الأنفخة ويتكون عن مني الأنثى كما يتكون الجبن عن اللبن، وكما أن مبدأ العقد في الأنفخة كذلك مبدأ عقد الصورة في مني الذكر وكما أن مبدأ الانعقاد في اللبن كذلك مبدأ الانعقاد في الصورة أعني القوة المنفعلة هو في مني المرأة وكما أن كل واحد من الأنفخة واللبن جزء من جوهر الجنين الحادث عنها.
وأما جالينوس فإنه يرى أن في كل واحد من المنيين قوة عاقدة وقابلة للعقد ومع ذلك فلا يمتنع أن يقال إن العاقد في الذكوري أقوى والمنعقدة في الأنثوي أقوى,(1/33)
وما كان الأعضاء متخلفاً من المنيين فإنه إذا انفصل لا ينحزيا الاتصال الحقيقي إلا بعضه في قليل من الأخوال وفي سن الصبي مثل العظام وشعب صغيرة من الأوردة دون الكبيرة ودون الشريانات وإذا انتقض منه جزء لم ينبت بعد انقلابه ويتصل بمثله كاللحم وما كان متولداً عن دم فيه قوة من المني فما دام العهد بالمني قريباً فذلك العضو إذا فات أمكن أن ينبت مرة أخرى مثل السن في سن الصبي وأما إذا استولى على الدم مزاج آخر فإنه لا ينبت منه مرة أخرى ثم الدم الذي ينفصل عن المرأة في الإقراء يصير غذاء فمنه ما يستحيل إلى مشابهة جوهر المني والأعضاء الكائنة منه فيكون غذاء منمياً له, ومنه ما لا يصير غذاء لذلك ولكن يصلح أن لا ينعقد في حتوه وعلا الأمكنة التي بين الأعضاء الأولى فيكون لحماً أو شحماً ومنه فضل لا يصلح لأحد الأمرين فيبقى إلى وقت النفاس فتدفعه الطبيعة فضلاً, وإذا ولد الجنين فإن الدم الذي يتولده كبده يسد مسد ذلك الدم ويتولد عنه ما كان يتولد عن ذلك الدم واللحم يتولد عن متين الدم ويعقده الحر واليبس. وأما الشحم فمن مائيته ودسمه ويعقده البرد وكذلك يحله الحر.
ذكر العظام والمفاصل
أخرج مسلم وأبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ثلاثمائة وستين مفصلاً.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ركب ابن آدم على ثلاثمائة وستين مفصلاً, وأخرج أحمد وأبو داود وابن السني وأبو نعيم والبيهقي في شعب الإيمان عن بريدة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصلاً فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه صدقة, قالوا: ومن(1/34)
يطيق ذلك؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها والشيء تنحيه عن الطريق فإن لم تعتذر فركعتا الضحى تجزيانك.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في ابن آدم ثلاثمائة وستون مفصلاً فعليه على كل عظم منها صدقة, قالوا: يا رسول الله: ومن يستطيع ذلك؟ قال: يكف شر الناس فإنها صدقة تتصدق عن نفسك إرشادك ابن السبيل صدقة وإن فضل بيانك على الارتم صدقة.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للإنسان ثلاثمائة وستون عظماً وستة وثلاثون سلامى في كل عظم في كل يوم صدقة, قالوا يا رسول الله فمن يجد؟ قال ليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر, قال: فمن لم يستطع قال: فليهد سبيلاً, قال: فمن يستطع؟ قال: فليرفع عظماً من الطريق, قالوا: فمن لم يستطع ذلك؟ قال: فليعن ضعيفاً, قال: فمن لم يستطع؟ قال: فليدع الناس من شره.
قال في القانون: قول كلي في العظام والمفاصل من العظام ما قياسه من البدن قياس الأساس وعليه مبناه مثل فقار الصلب فإنه أساس البدن وعليه بنى كما تبنى السفينة على الخشبة التي تنصب فيها أولاً, ومنها ما قياسه قياس المجن والوقاية كعظم اليافوخ ومنها ما قياسه السلاح الذي يدفع به المصادم المؤذي كالتناس وهي على فقار الظهر كالشرك, ومنها ما هو محشو بين فرج المفاصل كالعظام(1/35)
السمسانية التي بين السلاميات ومنها ما هو يتعلق للأجسام المحتاجة إلى علاقته كالعظم الشبيه بالدم لعضل الحنجرة واللسان وغيرهما, وجملة العظام دعامة وقوام للبدن وما كان من هذه العظام إنما يحتاج إليه للدعامة فقط وللوقاية, ولا يحتاج إليه لتحريك الأعضاء فإنه خلق مصمتاً, وإن كان فيه إلمام والخلل والفرج التي لا بد منها وما كان يحتاج إليه منها لأجل الحركة أيضاً فقد زيد في مقدار تجويفه وجعل تجويفه في الوسط واحداً ليكون جرمه غير محتاج إلى المواقف الغذاء المتفرقة فيصير رخوا بل صلب جرمه وجمع غذاؤه وهو المخ في حشوه, ففائدة زيادة التجويف أن يكون أخف وفائدة توحيد التجويف أن يبقى جرمها صلب, وفائدة صلابة جرمه وجسمه أن لا يتكسر عند الحركات العنيفة, وفائدة المخ فيه لغذوه وليرطبه دائماً فلا يتفتفت بتخفيف الحركة وليكون هو مجوف كالمصمت والتجويف يقل إذا كانت الحاجة إلى الوثاقة أكثر ويكثر إذا كانت الحاجة إلى الخفة أكثر والعظام كلها متجاورة متلاقية وليس بين شيء من العظام وبين العظم الذي يليه مسافة كبيرة, بل هي بعضها مسافة يسيرة علوها لواحق غضروفية أو شبيهة بها خلقت للمنفعة التي للغضاريف, ومنه ما هو بلا لاحقه كالفك الأسفل والمجاورات التي بين العظام أصناف ما يتجاور تجاور مفصل سلس, وهو الذي لأحد عظميه أن يتحرك معه العظم الآخر كمفصل الرسغ من الساعد, ومنها ما يتجاور تجاور مفصل عسر غير موثق بأن يكون حركة العظمين وحده صعباً وقليل المقدار كالمفصل الذي بين الرسغ والمشط أو مفصل ما بين عظمتين من عظام المشط ومنها ما يتجاور وتجاور مفصل موثق وهو الذي ليس لأحد أن يتحرك وحده البتة مثل مفصل عظام القص, ثم هو إما مركوز وهو ما يوجد لأجل العظمين زيادة, والثاني نقرة تركز فيها تلك الزيادة ارتكاز لا يتحرك فيها مثل الإنسان في منابتها وإما مدروز وهو الذي يكون لكل واحد من العظمين تجاويز وأسنان كما للمنشار ويكون أسنان هذا العظم مهندقة في تجاويز ذلك العظم كما يركب الصغارون صفايح النحاس كمفاصل عظام القحف, ورما ملصق وهو نوعان طولاً مثل(1/36)
مفصل ما بين عظمي الساعد وعرضا مثل مفصل الفقارات السفلى من فقار الصلب فإن العليا منها مفاصل غير موثقة.
تفصيل العظام
الجمجمة: مركبة من سبعة عظام, أربعة كالجدران وواحدة كالقاعدة والباقيان يتألف منهما القحف وبعضها مشعوب إلى بعض مدروز يقال لها: لشئون وهذه العظام يقال لها: قبائل الرأس.
اللحى الأعلى: مركب من أربعة عشر عظماً والأسفل من عظمين متلاصقين يسميان الوتدين الأعلى والأسفل.
ورسغ: مؤلف من ثمانية أعظم.
وكف: مؤلف من أربعة أعظم وخمسة أصابع مؤلفة من خمسة عشر عظماً.
العنق: مركبة من سبعة أعظم هي فقار العنق. الترقوة مركبة من عظمين.
الصدر: مركبة من سبعة أعظم هي عظام القص.
الظهر: مركبة من سبعة عشر فقرة وأربعة وعشرين ضلعاً.
العجز: مركب من ثلاث فقرات يتلوه عظمان يسميان عظمى العانة.
الرجل: كل واحدة مركبة من فخذ وساق وقدم.
الساق: مركب من عظمتين متلاصقين يسميان قصبتين الكبرى والصغرى.
القدم: مركبة من كعب وعقب وزورقي وأربعة عظام للرسغ وخمسة للمشط وخمسة أصابع مركبة من خمسة عشر عظماً.(1/37)
قال في القانون: فجميع هذه العظام إذا عددتها تكون مائتين وثمانية وأربعين سوى السمسانيات وسوى العظم الشبيه بالدم الذي لليونانيين.
قال السيوطي: قلت: ولعل السمسمانية كثيرة بحيث تتم بها العدة التي في الحديث المذكور أو أريد في الحديث مع العظام اللواحق الغضروفية والشبيهة بها التي تملأ مسافة ما بين العظام ويكون أدرجت في العظام لشبهها بها أو قربها منها في الخلقة والمجاورة على سبيل التغليب –والله أعلم- انتهي. أقول: قال الذهبي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنه خلق كل إنسان على ستين وثلاثمائة مفصل، فها أنا أعدها لكم إن شاء الله تعالى)).
قال أصحاب التشريح: إن في الرأس أحد عشر عظماً وفي العينين ستة أعظم وفي الوجنتين عظمان وفي الأنف أربعة، وعظمان فيهما الثنايا والرباعيات والأضراس ويسمى الحنك الأعلى وعظمان فيهما الثنايا والرباعيات والأضراس ويسمى الحنك الأسفل ويسمى الذقن أيضاً. وأما عظام الأسنان فهي ستة عشر من فوق وستة عشر من أسفل وفيها الأنياب وتتصل بعظام الرأس من خلف خرز الظهر وهي أربعة وعشرون خرزة وربما زادت واحدة أو نقصت واحدة ويتصل بهذه الخرز عظم العجز وهو الذي: قال عنه صلى الله عليه وسلم: لم يبق من ابن آدم إلا عظم الذنب، ويتصل به من أسفل عظام العصعص وهي ستة كالأساس لسائر البدن، ويتصل بعظام العجز عظما الخاصرتين وفيهما حقا الورك وفيهما عظما رأس الفخدين، فهذه هيئة عظام المؤخر.
وأما هيئة عظام المقدم فإن دون الرقبة عظما الترقوتين، وعظام الكتفين أربعة، وفي العضدين عظمان وفي الزندين أربعة، وعظام الصدر سبعة، وتسمى هذه العظام القس والزور، وعظام الأضلاع من كل جانب اثنا عشر عظماً محدية تتصل بخرز الظهر من خلف، فهذه هيئة عظام المقدم.(1/38)
وأما عظام اليدين فمنها عظام رسغي الكفين ستة عشر عظماً، ومجمع عظم الذراع مما يلي الكف يسمى الرسغ والكوع منه مما يلي الإبهام والذي يلي الخنصر يسمى كرسوغ، وعظام مشطي الكفين ثمانية، وعظام الأصابع من اليدين ثلاثون لكل إصبع ثلاثة أعظم وتسمى السلاميات، وقد تقدم ذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما عظام الرجلين فمنها في الوركين عظمان وفي الفخدين عظمان وفي الركبتين عظمان وفي الساقين أربعة وفي الكعبين عظمان وفي العقبين عظمان، وعظام الزورقية عظمان وهما يحتويان على الكعب يتم بهما حركة القدمين، وعظام رسغي القدمين ثمانية، وعظام مشطي القدمين عشرة، وعظام أصابع الرجلين ثمانية وعشرون لكل إصبع ثلاثة إلا الإبهام، فإن لها عظمان، فهذه جملة عظام البدن التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم .
ذكر العصب والعضد
أخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن السني وأبو نعيم عن خباب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كان من قبلكم ليؤخذ الرجل فيشق باثنين ما يصرفه عن دينه شيء أو يمشط بأمشاط الحديد ما بين عصب ولحم ما يصرفه عن دينه.
وأخرج النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إزرة المؤمن إلى عضلة ساقية.
وأخرج النسائي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة.(1/39)
قال في القانون: كلام كلي في العصب والعضل والوتر والرباطات لما كانت الحركة الإرادية إنما تتم للأعضاء بقوة تفيض إليها من الدماغ بواسطة العصب وكان العصب لا يحسن اتصاله بالعظام التي هي بالحقيقة أصول الأعضاء المتحركة في الحركة لأن العظام صلبة والعصب لطيف لطف الخالق فأنبت من العظام شيئاً شبيهاً بالعصب يسمى عقباً ورباطاً على كل حال دقيقاً لا يبلى زيادة حجة وأصلاً إلى الأعضاء مبلغاً تغذيه وكان حجمه عند منبته وتشعبه في الأعضاء غلظاً بتنفيس الجرم الملتئيم منه ومن الرباط ليغاملا خلله لحماً وتغشيته غشاً وتوسيطه عموداً كالمجوف من جوهر العصب وليفهما واللحم الحاشي والغشا المجلل وهو العضلة وهي التي إذا تقلصت جذبت الوتر المتيم من الرباط والعصب النافذ منها إلى جانب العضو فيتشنج العضو، وإذا انتشطت استرخى الوتر فيباعد العضو.
قال بعضهم: وجميع عصب البدن ثمانية وثلاثون زوجاً وفرد لا أخ له، سبعة أزواج تنبت من الدماغ، وثمانية أزواج تنبت من فقار الرقبة، واثنا عشر زوجاً تنبت من فقار الصدر، وخمسة أزواج عصب فقار البطن، والعجز ثلاثة أزواج، والعصعص ثلاثة أزواج وفرد لا أخ له.
وفي القانون: جميع عضل البدن خمسمائة وتسع وعشرون عضلة. وقال صاحب القانون: سائر العضلات نجم الجسد وتركيبها من اللحم والعصب والأوتار والرباطات، ومنفعتها أن تحرك الأعضاء بمعاونة الأوتار لها، وأن تكسوا العظام وتحقن الحرارة الغريزية في الجسد.(1/40)
ذكر العروق
قال الله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}، وأخرج ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين.
وأخرج الترمذي –وحسنه- وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن الغضب جمرة توقد جوف ابن آدم، ألا ترى إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زالت أكلة بخيبر تعاودني في كل عام كان هذا أوان قطع أبهري.
وأخرج البخاري تعليقاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكله بخيير وهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم.
قال الأطباء: العروق قسمان: ضوارب الشرائين وهي أجسام عصبية مضاعفة تأتي من القلب مجوفة ليس لها حس وحركة في نفسها، وفي تجويفها روح كثير ودم قليل ومنفعتها أن تفيد الأعضاء قوة الحياة التي محلها من القلب، وغير ضوارب ساكنة وتسمى الأوردية وهي أجسام عصبانية غير مضاعفة تأتي من الكبد مجوفة ليس لها حس وحركة، وفيها دم كثير وروح قليل، ومنفعتها أن تسقي الأعضاء الدم الذي تحمله من الكبد.(1/41)
وقال أبو الحسن ابن طرخان الحموي: أكبر عرقين ناشيين من تجويف القلب وهو العرق الذي يسلك فيه الروح إلى جميع البدن.
وقال الأصمعي: [الأبهر] هو عرق باطن الصلب يتصل بالقلب, فإذا انقطع لم يكن معه حياة.
والأكلة كانت من كتف شاة مسمومة سمتها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودية الملعونة, فكان ذلك السم يتحرك عليه كل عام في مثل ذلك الوقت, وباقي عروق الوريد تطلع إلى الرأس تسمى النامة, ومنه قولهم: ((أسكت الله نامته)) أي أماته, ويمر قسم منه إلى اليدين فيتفرع فيهما, ويسمى قسم منه ((القيفال)) يفصد في أمراض الرأس, ويسمى قسم منه ((الباسليق)) ويتشعب منهما فروع تجتمع, وتسمى الأكحل وهو الذي حسمه النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ لما رأى في أكحله. ويسمى قسم منه حبل الذراع, ويسمى قسم منه الكتفى والأسليم, وهذه العروق هي العروق المقصودة في اليد, وينزل قسم منه إلى الفخذ يسمى عرق النساء يفصد في علة عرق النساء, ويفصد أيضاً في توقف الحيض على النساء فيدره ويمتد باقيه إلى الساقين يسمى الصافن فيفصد في أمراض الرجلين, وهذه العروق المذكورة لا تتم الحياة إلا بها, فإن الإنسان إذا قطعت يده أو رجله أمكن بقاؤه, وأما هذه إذا قطعت لم يكن معها حياة إلا أن تحسم, ولهذا حسم النبي صلى الله عليه وسلم أكحل سعد رضي الله عنه - انتهى.
ذكر الأعضاء الرئيسية والخادمة والمرءوسة
أخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب.(1/42)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا طاب قلب المرء طاب جسده وإذا خبث القلب خبث الجسد.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: القلب ملك وله جنود فإذا صلح الملك صلحت جنوده وإذا فسد الملك فسدت جنوده: الأذنان قمع والعينان مسلحة واللسان ترجمان واليدان جناحان والرجلان بريدان والكبد رحم والطحال ضحك والكليتان مكر والرية نفس.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم عن كعب قال: أتيت عائشة فقلت: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نعت الإنسان وانظري هل يوافق نعتي نعته صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: انعت, قال: عينان هاديان وأذناه قمع ولسانه ترجمان ويداه جناحان ورجلاه بريدان وكبده رحمة -أو قال رأفة- وريتاه نفس وطحاله ضحك وكلوتاه مكر والقلب ملك, فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا فسد الملك فسدت جنوده, قالت: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإنسان.
وأخرج ابن السني عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى ما تقرب إلي العبد بمثل أداء فرائض وإنه ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت لسانه الذي ينطق به وقلبه الذي يعقل به.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن لسمان رضي الله عنه قال: مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد قال المقعد للأعمى: إني أرى ثمرة لا أستطيع أن أقوم [إليها] أحملني, فحمله فأكل وأطعمه فهما شريكان.(1/43)
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلوب ابن آدم تلين في الشتاء لأن الله خلق آدم من طين والطين يلين في الشتاء.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعدة حوض للبدن والعروق إليها واردة، فإذا صحت المعدة صحت العروق.
قال في القانون: أجناس القوى والأفعال الصادرة عنها عند الأطباء ثلاثة: النفسانية والطبيعية والحيوانية، وعامة الأطباء وخصوصاً جالينوس يرون أن لكل واحدة من القوى عضواً رئيساً هو معدنها وعنه تصدر أفعالها فيرون أن القوة النفسانية مسكنها، ومصدر أفعالها الدماغ وجعله ثلاث بطون الأول المقدم للنخيل والثاني المتوسط للفكر والثالث المؤخر للذكر، وأن القوة الطبيعية نوعان: نوع غائية حفظ الشخوص وتدبيره وهو التصرف في أمر الغذاء ليغذوا البدن إلى نهاية عمره، ومسكن هذا النوع ومصدر فعله هو الكبد، ونوع غائيته حفظ النوع وهو المتصرف في أمر التناسل ليفصل من أمشاج البدن، البدن جوهر المني ثم يصوره بإذن خالقه، ومسكن هذا النوع ومصدر فعله هو الأنثيان، والقوة الحيوانية وهي تدير أمر الروح الذي هو مرب الحس والحركة وتهيئة لقبوله إياهما إذا حصل في الدماغ وتجعل بحيث يعطي ما يغشو فيه الحيوة، ومسكن هذا القوة ومصدر فعلها هو القلب.
وأما أرسطاليس فيرى أن مبدأ جميع هذه القوى هو القلب، لأن لظهور أفعالها الأولية هذه المبادئ المذكورة كما أن مبدأ الحس عند الأطباء هو الدماغ ثم لكل حاسة عضو مفرد منه يظهر فعله.(1/44)
قال ابن سينا: إذا فتش عن الواجب وحقق وجد الأمر على ما يراه أرسطاليس دونهم وتوجد أقاويلهم منتزعتهم من مقدمات نعنعته غير ضرورية، إنما يتبعون فيها ظاهر الأمور.
وعلى قول الأكثرين قد قسموا الأعضاء إلى أربعة أقسام رئيسة وخادمة لا رئيسة ومرءوسة بلا خدمة وأعضاء لا رئيسة ولا مرءوسة، فالأولى الأربعة السابقة: القلب والدماغ والكبد والأنثيان، والثانية نوعان ما يخدم خدمة مهيئة وما يخدم خدمته، والمهيئة يتقدم على نسل الرئيس المؤدية تتأخر عنه، فالقلب خادمة المهى مثل الرية والمودى مثل الشرائين، والدماغ خادمة المهيى مثل الكبد وسائر الأعضاء الغذاء حفظ الروح والمؤدى مثل العصب، والكبد خادمها المهى مثل المعدة والمؤدى مثل الأوردة والأنثيان خادمها المهى مثل الأعضاء المولدة للمني والمؤدى في الرجال الأحليل وعروق بينها وبينه وفي النساء الرحم وعروق يند فيها المني إلى المهبل – انتهى.
وقال الذهبي: المعدة عضو عصبي مجوف كقرعة طويلة العنق رأسها الأعلى يسمى المريء الذي ينحدر فيه الطعام والشراب, والأسفل منه يسمى البواب, ومنه ينحدر الثقل إلى الأمعاء, وفم المعدة يسمى الفؤاد, وفي باطنها خمل وهي في وسط البطن وهي بيت الداء إذا كانت محل الهضم الأول, فإن فيها ينطبخ الغذاء أو ينحدر الكبد, وإنما جعلت عصبية كي تقبل التمدد عند كثرة الغذاء.
ولا تتقطع ويليها ثلاثة أمعاء دقاق: الأول الاثني عشرى طوله اثني عشر إصبعاً والثاني يسمى الصائم, لأنه في أكثر الأوقات يكون خالياً, والثالث طويل ملتف دقيق يسمى اللفايفي, ثم بعد هذه الثلاثة ثلاثة غلاظ: يسمى الأول الأعور وهو واسع ليس له منفذ في الجانب الآخر وفيه ينتن البراز, والثاني يسمى القولون,(1/45)
والثالث يسمى مستقيم وطرفه السرم, فهذه ستة أمعاء, والمعدة فهو سبعة أمعاء التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عمر رضي الله عنه حيث قال: المؤمن يأكل في معا واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء رواه البخاري ومسلم.
والمعدة أصل كل داء - الحديث الوارد في ذلك موضوع كما ذكر العراقي.
ذكر الحواس وغيرها
أخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان, ولولا ذلك لذابتا, وجعل المرارة في الآذنين حجاباً من الدواب ما دخلت الرأس دأبة إلا التمست الوصول إلى الدماغ فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج و[إن الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم] جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لأنتن الدماغ وجعل العذوبة في الشفتين يجد بهما طعم كل شيء وسمع الناس حلاوة منطقه.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول, والبزار والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا تسألن رجلاً حاجة بليل ولا تسألن أعمى حاجة فإن الحياء في العينين.
وأخرج البزار وأبو يعلى وابن السني والطبراني عن عائشة رفعت الحديث قال: نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام.(1/46)
وأخرج ابن السني عن عبد الله بن يسر المازني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنتفوا الشعر الذي يكون في الأنف لأنه يورث الأكلة ولكن قصوه قصاً.
وأخرج ابن أبي حاتم في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لباس آدم بمنزلة الريش على الطير, فلما عصى سقط منه وتركت الأظفار زينة ومنافع.
قال الذهبي: اعلم! أن فضلة هضم العين الرمض, وجعلت مالحة لئلا تعفن, وفضلة هضم الأذن وسخها وجعل مراً لئلا يتولد فيها الدود وفضلة هضم الدماغ المخاط والبصاق وفضلة هضم النجو, وفضلة هضم الكبد البول والسوداء والصفراء, وفضلة هضم القلب والمثانة نبات الشعر الذي أمر الشارع عليه السلام نتفه من الإبط وحلقه من العانة, وفضلة هضم سائر الأعضاء العرق والوسخ والشعر منه ما هو للزينة مثل شعر الرأس والحاجبين فلو تصورنا رجلاً أقرع محلوق شعر الحاجبين [والعينين] لكان أشنع الأشكال وأقبحها، ألا ترى القلندرية مات أقبح أشكالهم وأشنعها، ومثل شعر اللحية فإنه يزيد الرجل مهابة ووقاراً ألا ترى الخصيان عند كبرهم ما أقبح وجوههم، ومنه ما هو للزينة والوقار مثل شعر هدب العينين، ومن تمام حكمة الله أن جعل شعر الحاجبين والعينين واقفاً لا يطول، إذ لو طال لأنسل على العينين وأضر بالبصر، ولو كان نابتاً إلى فوق أو أسفل لفات البصر، ومنه ما هو لا للزينة ولا للوقار مثل شعر العانة والإبطين، ولذلك أمر الشارع بحلقها ونتفه وخصت بالحلق لأنه يقوي شهوة(1/47)
النكاح كما أن حلق مؤخر الرأس يغلظ العنق، ومن تمامها أن جعل في رؤوس الأصابع الأظفار لتقوى حركتها وتمنع رؤوس الأصابع من التأكل وجعلت تطول في كل وقت إذ لو كانت واقفه لا تطول لتأكلت لكثرة الاستعمال.
وقد وردت السنة بتقليمها كما ورد في دفنها آثار كالشعر، وروى أنه أمر بذلك لئلا يتلعب به سحرة بني آدم – انتهى.
ذكر تدبير المسكن والهواء وهو أول الأسباب الضرورية
أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رهطاً من عكل أو عرينة قدموا فاجتووا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من ألبانها وأبوالها. – اجتووا المدينة أي استوخموها.
وأخرج أبو داود وابن السني وأبو نعيم، عن فروة بن مسيك رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله!. إن عندنا أرضاً يقال لها أبيب هي أرض رتيعاً وهي ميرتنا وهي شديدة الوباء فقال: دعها عنك فإن في القرف التلف. قال الخطابي: ليس هذا من باب العدوى وإنما هو من باب الطب فإن استصلاح الأهوية من أهون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهوى من أضرها وأسرعها إلى أسقام الأبدان عن الأطباء.(1/48)
وأخرج الطبراني وأبو نعيم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سافروا تصحوا.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سافروا تصحوا.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا ظهر في الصيف استحب أن يظهر ليلة الجمعة، وإذا دخل البيت في الشتاء استحب أن يدخل ليلة الجمعة.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إذا دخل الصيف ليلة الجمعة وإذا دخل الشتاء دخل ليلة الجمعة.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر. ولفظ أبي نعيم يحب أن ينظر إلى الخضرة والماء الجاري.
وأخرج الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب الصلاة في الحيطان يعني البساتين.
وأخرج البزار وابن السني وأبو النعيم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الخضرة وكانت أحب الألوان إليه.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الخضرة والحمام الأحمرة.(1/49)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن بريرة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النظر إلى الخضرة يزيد النور في البصر والنظر إلى الوجه الحسن.
وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن شيء من الصبغ أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الصفرة ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس في الشمس فإنها تبلى الثوب وتنتن الريح وتظهر داء الدفين.
أخرج أبو داود عن قيس رضي الله عنه عن أبيه أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقام في الشمس فأمر به فحول إلى الظل.
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدكم في الشمس وقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينام أحدكم بعضه في الظل وبعضه في الشمس.
وأخرج أبو نعيم عن مدركة بن حجيرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً نائماً في الشمس فقال: قم فإنها تغير اللون وتبلي الثوب.(1/50)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تطيلوا الجلوس في الشمس فإنها تغير اللون وتقبض الجلد وتبلي الثوب وتبعث الداء الدفين.
وأخرج العسكري في التصحيف عن الحارث بن كلدة قال: الشمس تثقل الريح وتبلي الثوب وتخرج الداء الدفين. قوله: تثقل بمثلثة وفاء أي تغير.
وأخرج أحمد وابن السني والطبراني في الصغير وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا طلع النجم ارتفعت العاهة عن كل بلد.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما طلع نجم صباحاً قط وتقوم عاهة إلا رفعت عنهم أو خفضت.
وقال ابن السني: أخبرني الحسن بن مسيح أما أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال: قال ابن كناسة قال بعض المطبين: اضمنوا لي ما بين تغيب الثريا وإلى طلوعها وأضمن لكم سائر السنة.
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله: ((ومن شر غاسق إذا وقب)) قال كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن [أبي] حبيب أن علي بن رباح حدثه أنه سمع عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول المقوقس أي حين اسقم ما تكون أرضكم؟ قال المقوقس: أثور كهيك فإن الأعاجم يقولونك إن كهيك يقول لأثور أصرعهم زنت حتى أقتلهم أنا.(1/51)
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن السني وأبو نعيم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه.
قال ابن النفيس في الموجز في شرح مقاصد هذه الأحاديث والآثار: الأسباب الضرورية ستة.
أحدها الهواء المحيط وتضطر إليه لتعديل الروح بالاستنشاق وإخراج فضلاته ببرد النفس ما دام صافياً معتدلاً لا يخالطه بخار أجام أو بطائح أو آسن الماء ونتن الجيف أو أبخرة مباقل ردية أو شجار خبيثة كالشوخط والتين أو غبار مترادف أو دخان كان حافظاً للصحة محدثاً لها وأن تغير حكمة، وتغيراته أما طبيعية وهي التغيرات الفضلية وكل فصل فإنه يورث الأمراض المناسبة له ويزيد المضارة، فإن الصيف يثير الصفراء ويوجب أمراضها كالحمى المحرقة والعطش والكرب.
والشتاء يورث الزكام والنزلة والسعال، ويكثر فيه البلغم وأمراضه. والخريف يكثر فيه الأمراض لتغير الهواء فيه من برد الليل والغدوات إلى حر الظهائر ولتقدم الصيف المخلخل للبدن المحلل للقوى المثير للصفراء المحرق للأخلاط ويكثر فيه السوداء ويقل الدم وكأنه كافل للصيف ببقايا أمراضه.(1/52)
والربيع تتحرك فيه الأخلاط المحتبسة شتاء يسيل إلى الأعضاء الضعيفة فيحدث فيه الجراحات وأورام الحلق ويتحرك فيه كل مرض [ذو مادة] كانت مادته ساكنة شتاء وذلك لا لردائته بل لحره اللطيف، فإنه أصح الفصول وأنسبها للحياة والصحة.
وأما غير طبيعية ولا مضارة لها وذلك من أسباب، إما سماوية كحصول برد إما أرضية كما تكون بسبب اختلاف المساكن، وإما لبعدها عن الاستواء الذي في غاية الاعتدال أو لمجاورتها الجبال أو لوضعها أو لتربتها.
والإقليم الثاني والثالث مفرط الحرارة, والسادس والسابع مفرط البرودة فلذلك قرب الرابع من الاعتدال ومجاورة البحر ترطب [الهواء] والبلد البحري يعتل برده وحره لعصيان هوائه على المؤثر.
والجبل الشمالي مسخن ريح الشمالي الباردة اليابسة وحبسه ريح الحارة الرطبة ولعكسه شعاع الشمس على البلد, والجنوبي بالعكس, والمغربي خير من المشرقي بستر المشرقي الشمس مدة, فينتقل أهل البلد عن برد الليل إلى شمس قوية دفعة ولمنعة ريح المشرق وهي خير من الغربية, وإن قاربتا الاعتدال لهبوب المشرقية أول النهار مصاحبة لحركة الشمس وهبوب المغربية آخر النهار ومضارة لحركتها.
والبلد المرتفع أبرد وأصح, والمستوى الواضح أصح.
والتربة الكبريتية تجفف وتسخن والتربة الجبلية تصلب الأبدان, والهواء البارد يشدد البدن ويقويه ويجوده الهضم ويحسن اللون.(1/53)
وأمراضه الزكام والنزلة والصرع والفالج والرعشة, والحار مرخ مضعف سيء الهضم مثقل الدماغ مكدر للحواس.
وأمراضه الخناق الحميات والرمد, وأما التغيرات المتضادة للمجرى الطبيعي [فكالوبا].
قال ابن القيم في الهدي: قد جمع النبي, للأمة في نهية عن الدخول إلى الأرض التي بها الطاعون وعن الخروج منها بعد وقوعه كمال التحرز منه, فإن في الدخول إلى الأرض التي يحويها تعرضاً للبلاء وموافاة له في محل سلطانه وإعانة الإنسان على نفسه, وهذا مخالف للشرع وهو خمية عن الأمكنة والأهوية الموذية.
وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الخروج من بلده ففيه معنيان: أحدهما: حمل النفوس عن الثقة بالله سبحانه والتوكل عليه والصبر على أقضيته والرضى, والثاني: ما قاله أئمة الطب أنه يجب عند وقوع الطاعون السكون والدعة وتسكين هيجان الأخلاط, ولا يمكن الخروج من أرض الوباء والسفر منها إلا بحركة شديدة وهي مضرة جداً.
هذا كلام أفضل الأطباء المتأخرين, فظهر المعنى الطبي من الحديث النبوي وما فيه من علاج القلب والبدن وصلاحهما, ومن المنع من الدخول الأرض التي قد وقع بها عدة حكم منها تجنب الأسباب الموذية والبعد منه, ومنها أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيمرضون, ومنها لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك فيجعل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم.
وفي أبي داود مرفوعاً أن القرف التلف, قال ابن قتيبة القرف مداناة الوباء ومراناة المرض.(1/54)
وفي الحديث قول ثالث، ولعله أولى الأقوال به أن المراد بالثريا والعاهة الآفة التي تلحق الثمار والزرع في فصل الشتاء وصدور فصل الربيع فجعل الأمن عند طلوع الثريا في الوقت المذكور، ويأتي الكلام على بقية الأسباب الضرورية.
ذكر تدبير المأكول والمشروب
قال الله تعالى: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا} وأخرج أحمد في مسنده والترمذي، وحسنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان وابن السني وصححه وأبو نعيم والبيهقي في شعب الإيمان عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث [لطعامه وثلث] لشرابه وثلث لنفسه.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عبد الرحمن بن المرقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يخلق وعاء إذا ملئ شر من بطن فإن كان لا بد فاجعلوا ثلثاً للطعام وثلثاً للشراب وثلثاً للنفس.
وأخرج البيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله عنها قالت: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آكل في كل يوم مرتين فقال: يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك أكثر من أكلة كل يوم سرف والله لا يحب المسرفين. قال البيهقي: في إسناده ضعف.
وأخرج أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إياكم، والبطة في الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسد مورثة للسقم وعليكم بالفصد فيها فإنه أصلح للجسد.(1/55)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصل كل داء البردة.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رفعه قال: أصل كل داء البردة.
وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصل كل داء البردة.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق الحميدي عن سفيان بن أجر عن أبيه قال: المعدة حوض الجسد والعروق تشرع فيها فما ورد فيها بصحة صدر بصحة وما ورد فيها بسقم صدر بسقم، قال البيهقي: وقد ورد في ذلك حديث مرفوع بإسناد ضعيف.
أخبرنا أبو إسحاق علي بن أحمد بن داود الوزار ببغداد ثنا أبو بكر يحيى بن عبد الله ثنا محمد بن عبد الله الشافعي ثنا عبد الله بن الحسن الحراني ثنا إبراهيم بن جريح الرهاوي عن زيد بن أنيسة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة فإذا صحت المعدة صحت العروق بالصحة وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم.
أخرجه ابن السني والطبراني في الأوسط وأبو نعيم، وقد مر بطريقه بغير هذا اللفظ.(1/56)
وأخرجه البيهقي من طريق بقية ثنا أرطاة.
قال: اجتمع من أهل الطب عند ملك من الملوك فسألهم ما هو أس دواء المعدة، فقال: كل رجل منهم قولاً وفيهم رجل سكات، فلما فرغوا قال: ما تقول أنت؟ قال: ذكروا أشياء وكلها تنفع بعض النفع، ولكن ملاك ذلك ثلاثة أشياء: تأكل طعاماً أبداً حتى تمضغها مضغاً شديداً لا يكون على المعدة فيها المؤنة وأخرج البيهقي عن إبراهيم الذهلي قال.
أخرج من جميع الكلام أربعة آلاف كلمة، وأخرج منها أربعة مائة كلمة، وأخرج منها أربعون كلمة وأخرج منها أربع كلمات، أولها لا تثقن بالنساء والثانية لا تحمل معدتك ما لا تطيق، والثالثة لا يغرنك المال والرابعة يكفيك من العلم ما تنتفع به.
وأخرج الترمذي وابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعشوا ولو بكف من حشف فإن ترك العشاء مهرمة.
وأخرج ابن ماجه عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدفعوا العشاء ولو بكف من تمر فإن تركه مهرمة.
وأخرج ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعينوا على قيام الليل بقيلولة النهار وعلى صيام النهار بأكلة السحر.(1/57)
وأخرج البزاز عن أنس رضي الله عنه قال: ثلاث من أطاقهن أطاق الصوم: من أكل قبل أن يشرب وتسحر وقال.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أهبط آدم من الجنة بثلاثة أشياء بالاسة وهي سيدة ريحان الدنيا وبالسنبلة وهي سيدة طعام الدنيا وبالعجوة وهي سيدة ثمار الجنة.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتدموا ولو بالماء.
وأخرج ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم.
وأخرج الطبراني وابن السني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد الأدم في الدنيا والآخرة اللحم وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الأدام اللحم وهو سيد الآدام.
وأخرج ابن السني والبيهقي في الشعب وأبو نعيم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: اللحم فمن لم يأكل اللحم أربعين يوماً ساء خلقه.(1/58)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للقلب فرحة عند أكل اللحم وما دام الفرح بامرئ إلا أشر وبطر، فمرة ومرة.
وأخرج البيهقي في الشعب عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرحة عند أكل اللحم.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل اللحم يحسن الوجه ويحسن الخلق.
وأخرج الترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجه وأبو نعيم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطيب اللحم لحم الظهر.
وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل وابن السني وأبو نعيم والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراع.
وأخرج الترمذي وحسنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان الذراع أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن كان لا يجد اللحم إلا غباً، وكان يعجل إليها لأنها أعجلها نضجاً.(1/59)
وأخرج أبو عبيد وأحمد وأبو نعيم عن ضباعة بنت الزبير أنها ذبحت في بيتها شاة فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أطعمنها من شاتكم، فقالت للرسول: ما بقي عندنا إلا الرقبة وإني لأستحي أن أبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع الرسول فأخبره فقال: ارجع إليها فقل لها: أرسلي بها فإنها هادية الشاة وأقرب الشاة إلى الخير وأبعدها عن الأذى.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن سعيد بن المسيب مرسلاً مثله.
وأخرج البيهقي في الشعب عن عروة رضي الله عنه قال: اشتهى النبي صلى الله عليه وسلم لحماً فأرسل إلى امرأة فقالت: إنه لم يبق عندنا إلا عنق فاستحييت أهديها لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو ليست أقربها إلى الخيرات وأبعدها من الأذى .قال: قال البيهقي: هكذا جاء مرسلاً.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الذراعان والكتف.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن مجاهد رضي الله عنه قال: كان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها.
وأخرج ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل أدنى القلب.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان(1/60)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الشاة المرارة والمثانة والحياء والذكر والأنثيين والغدة والدم، وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها.
وأتى بطعام فأقبل قوم يلقمونه اللحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أطيب اللحم لحم الظهر.
وأخرج ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله يكره الكليتين لمكانها من البول.
وأخرج أبو داود والبيهقي في الشعب وضعفه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم وانهشوه فإنه أهنأ وأمرأ.
وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن صفوان ابن أمية رضي الله عنه قال: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم بيدي فقال: ادن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحم دجاج.(1/61)
وأخرج أبو داود والترمذي وابن السني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن سفينة رضي الله عنه قال: أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم الحبارى.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن جابر رضي الله عنه قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي فقال: اللهم أنني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير.
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مالك وابن السني وأبو نعيم عن خالد بن عباس عن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بضب مشوي فقرب إليه فأهوى بيده ليأكل منه فقيل: يا رسول الله: إنه لحم ضب فرفع يده فقال خالد بن الوليد: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه.
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن السني والبيهقي وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن الوراق أن نبياً من أنبياء بني إسرائيل شكى إلى ربه الضعف فأوحى الله إليه أن أطبخ اللحم باللبن فإن فيهما القوة.
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام صنعه فقرب خبزاً من شعير ومرقاً فيه دبا.(1/62)
فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدبا من حوالي القصعة فلم أزل أحب الدبا من يومئذ.
وأخرج النسائي وابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القرع.
وأخرج أبو بكر الشافعي في فوائد المعروفة بالغيلانيات عن عائشة مرفوعاً إذا طبختم القدر فأكثروا فيه من الدبا فإنه يشد قلب الحزين.
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من التمر وهو الحيس.
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اشترى أحدكم لحماً فليكثر مرقته فإن لم يصب أحدكم اللحم أصاب مرقة وهو أحد اللحمين قال البيهقي: تفرد به محمد بن فضا وليس بالقوي.(1/63)
وأخرج الطبراني والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اثردوا ولو بالماء.
وأخرج أحمد والحاكم والبيهقي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الثفل قال الحاكم: قال ابن خزيمة: الثفل الثريد، وقال البيهقي عن أبي خزيمة أنه قال: الثقل الثريد، وقال غيره هو الدقيق وما لا يشرب.
وأخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن البصل فقالت: إن آخر طعام آكله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه بصل.
وأخرج البزار وأبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل أصحابي مثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا به.
وأخرج البزار والطبراني عن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصلح الطعام إلا الملح.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أسماء رضي الله تعالى عنها أنها كانت إذا شردت غطته شيئاً حتى يذهب فوره وتقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه أعظم [للبركة].(1/64)
وأخرج الحاكم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابردوا بالطعام الحار، فإن الحار غير ذي بركة.
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفحة تفور فرفع يده منها وقال: إن الله لم يطعمنا ناراً.
وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الواحد بن معاوية بن جريج رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطعام الحار حتى يبرد قال البيهقي: منقطع.
وأخرج البيهقي عن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله عن أكل الطعام الحار حتى يمكن.
وأخرج البيهقي عن خولة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم: دخل عليها فوضعت له حريرة فلما قدمتها له فوضع يده فيها وجد حرها فقبضها ثم قال: يا خولة: لا نصبر على حر ولا نصبر على برد.
وأخرج أبو داود والبيهقي في السنن عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع.(1/65)
وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال: هذا إدام هذه.
وأخرج بن حبان في صحيحه عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم السحور التمر.
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بيت لا تمر فيه جياع أهله.
وأخرج أبو داود وابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه.
وأخرج الترمذي عن أم هانئ رضي الله تعالى عنه قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا إلا كسرة يابسة وخل قال: قربيه، فما أفقر بيت من أدم فيه خل.
وأخرج مسلم والبيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه.(1/66)
قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي فأتى بعض بيوته فقال: هل عندكم غداء فقالوا: لا إلا فلق من خبز، فقال: هاتوه، ثم قال: هل عندكم من أدم؟ فقالوا: لا إلا شيء من خل فقال: هاتوه، فنعم الأدم الخل، قال جابر: فالخل يعجبني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه ما يقول.
وأخرج بن ماجه عن أم سعد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الأدم الخل، اللهم بارك في الخل لأنه إدام الأنبياء قبلي ولم يفتقر بيت فيه خل.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل.
قال البيهقي: قال أبو سليمان: حبه صلى الله عليه وسلم: الحلواء ليس كثرة التشتهي لها وشدة نزاع النفس لها، وتأنق الصنعة واتخاذها كما هو فعل أهل الشره والنهم. وإنما هو أنه كان إذا قدم الحلواء نال منها نيلاً صالحاً من غير تقدير فيعلم بذلك أنه قد أعجبه طعمها وحلاوتها. قال: وفيه دليل على جواز اتخاذ الحلاوات والأطعمة من أخلاط شتى.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ليث عن أبي سليم رضي الله تعالى عنه قال: أول من خبص الخبيص عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قدمت عليه عير تحمل الفقى والعسل فخلط بينهما وعمل الخبيص وبعث به إلى منزل أم سلمة، فلما وضعته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أكله واستطابه فقال: من بعث هذا؟(1/67)
قالت: عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يترضاك اللهم فارض عنه، قال البيهقي: هذا منقطع.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي من طريق الوليد بن مسلم حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المربد فإذا عثمان بن عفان يقود ناقة تحمل دقيقاً وعسلاً وسمناً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنخ فأناخ، فدعا رسول الله ببرمة فجعل فيها من الدقيق والسمن والعسل، ثم أمر فأوقد تحتها حتى نضج وأدرك ثم قال لأصحابه: كلوا، وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا شيء تدعوه فارس الخبيص.
وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الله بن عوف رضي الله تعالى عنه قال: ما أتينا ابن سيرين في يوم عيد إلا أطعمنا خبيصاً أو فالودج.
وأخرج الحاكم في التاريخ والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلب المؤمن حلو يحب الحلاوة، قال البيهقي: متن الحديث منكر، وفي إسناده من هو مجهول.
وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: الظهر والعصر، فلما سلمنا قال: على أماكنكم قال: وأهديت لي جرة فيها حلو، فجعل يأتي على رجل رجل، فيلعقه حتى أتى علي وأنا غلام، فألعقني لعقة، ثم قال: أزيدك؟ قلت: نعم فألعقني أخرى لصغري فلم يزل كذلك حتى أتى على آخر القوم.(1/68)
وأخرج البزار والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم بالطيب فليمس منه وإذا أتى بالحلو فليصب منها. قال البيهقي: تفرد به فضالة بن حصين العطار وكان متهماً في هذا الحديث.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم طبق من تين فقال لأصحابه: كلوا، فلو قلت إن فاكهة الجنة نزلت بلا عجم لقلت التين: وإنه يذهب بالبواسير وينفع النقرس.
وأخرج ابن السني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين البطيخ والرطب.
وأخرج الطبراني وابن عدي والحاكم في المستدرك وأبو الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو نعيم والبيهقي في الشعب وضعفه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ وكان أحب الفواكه إليه.
وأخرج أبو داود والترمذي –وحسنه- والنسائي وأبو نعيم والبيهقي في الشعب وضعفه، عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره.(1/69)
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب ويقول: يكسر حر هذا ببرد هذا وببرد هذا بحر هذا.
وأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده وأبو الشيخ بن حبان في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: والبيهقي عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الخبز بالرطب ويقول: إنهما طيبان، وفي لفظ: ما هما إلا طيبان.
وأخرج ابن السني عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الخبز بالرطب.
وأخرج أحمد في مسنده والطبراني في الأوسط عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى يديه رطبات وفي الأخرى قثاء يأكل من هذه وبعض من هذه.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم والبيهقي عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل القثاء بالرطب.
وأخرج ابن عدي في الكامل عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالملح.(1/70)
وأخرج أحمد في مسنده وأبو نعيم بسند حسن عن الصحابة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمى التمر واللبن أطيبين.
وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الشعب عن ابني بسر السلميين رضي الله تعالى عنهما قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمنا زبداً وتمراً وكان يحب الزبد والتمر.
وأخرج أبو داود والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددت أن عندي خبزة بيضاء من بر سمراء تله بسمن، فقام رجل من القوم فأتخذه فأجابه، فقال: في أي شيء كان هذا في عكة ضب قال: ارفعه قال: ارفعه قال أبو داود: هذا حديث منكر.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة أنت أطيب من زبدة بتمر.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت: يا رسول الله! إنك أحب إلي من الزبد بالعسل.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أطيب من اللبن بالتمر.(1/71)
وأخرج البزار عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء الرطب فهنئيني.
وأخرج ابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان أحب الفواكه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرطب والبطيخ.
وأخرج الترمذي في الشمائل والطبراني عن الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القثاء.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل العنب خرطاً.
وأخرج البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطاً, وقال البيهقي: وإسناده قوي.
وأخرج بن عدي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الفواكه العنب وخير الطعام الخبز.
وأخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرطب بالبطيخ والقثاء بالملح.(1/72)
وأخرج البخاري والبيهقي في الشعب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً في بيته فرأيته يأكل جمار نخل.
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آكل متكياً.
وأخرج أبو داود عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكياً قط.
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يأكل تمراً وهو مقعي.
وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر, قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل وهو منبطح على وجهه.
وأخرج الحاكم عن علي رضي الله تعالى عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آكل وأنا منبطح.
وأخرج البزار وأبو يعلى والطبراني عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال(1/73)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قرب أحدكم طعاماً وفي رجليه نعلان فلينزع نعليه فإنه أروح للقدمين.
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكلتم اخلعوا نعالكم فإنه أروح لأبدانكم.
وأخرج أبو داود عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: قرأت في النورية إن بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده, والمراد بالوضوء غسل اليدين.
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن السني وأبو نعيم عن أبي نعيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات وفي يده غمر فلا يلومن إلا نفسه.
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه. وفي بعض طرقه ((فأصابه لمم)) وفي بعضها ((فأصابه خبل)) وفي بعضها, فأصابه وضح.
وأخرج الديلمي عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخالوا على أثر الطعام وتمضمضوا فإنه مصحة للناب والنواجذ.
وأخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: إن فضل الطعام الذي يبقى بين الأضراس يوهن الأضراس.(1/74)
وأخرج الحاكم وصححه عن صهيب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن سيد الأشربة في الدنيا والآخرة الماء.
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه وابن السني وأبو نعيم في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إن أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحلو البارد.
وأخرج ابن السني والبيهقي عن الزهري قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد, قال البيهقي: مرسل, وقد رواه زمعة بن الصالح عن الزهري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وليس بمحفوظ.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء العذب من السقيا من عند حمام عند طرف الجرة.
وأخرج بن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول ما يقال للعبد يوم القيامة: ألم أصحح جسمك وأرويك الماء البارد.
وأخرج البخاري وابن داود وابن ماجه عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي الهيثم بن التيهان فقال: إن كان الليلة عندكم ماء بات منه في شن وإلا كرعنا.(1/75)
وأخرج الثعلبي في تفسيره عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعاً إذا شرب أحدكم الماء فليشرب أبرد ما يقدر عليه لأنه إطفاء للمرة وأنفع للعلة وأبعث للشكر.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره شرب ماء الحميم.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن السني، وأبو نعيم والحاكم وصححه والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: يتنفس في الإناء ثلاثاً إذا شرب ويقول: هو أمرأ أروى وأبرأ.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك عرضاً ويشرب مصاً ويتنفس ثلاثاً ويقول: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ.
وأخرج ابن السني والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مصوا الماء مصاً ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب.
وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مصوه مصاً ولا تعبوه عباً.(1/76)
وأخرج البيهقي عن معمر عن ابن أبي حسين رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا شرب أحدكم فليمص مصاً ولا يعب عباً فإن الكباد من العب.
وأخرج ابن ماجه من طريق عاصم بن محمد بن [زيد بن عبد الله بن] عمر عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنهم قال: نها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشرب على بطوننا وهو الكرع، ونهانا أن نغرف باليد الواحدة، وقال: لا يلغ أحدكم كما يلغ الكلب ولا يشرب باليد الواحدة كما يشرب قوم الذين سخط الله عليهم.
وأخرج ابن ماجه والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: مررنا على بركة فجعلنا نكرع فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكرعوا ولكن اغسلوا أيديكم ثم اشربوا فيها فإنه ليس إناء أطيب من اليد.
وأخرج مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائماً.
وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجه والبيهقي في الشعب من طريق قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائماً قال: قلت فالأكل؟ قال: ذلك أشر.
قال البيهقي: النهي عن الشرب قائماً لما فيه من الداء فيما زعم أهل الطب وخصوصاً لمن كانت في أسافله علة يشكوها من برد أو رطوبة.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن إبراهيم النخعي قال: إنما كره البول تحت(1/77)
المزاريب وفي البالوعة وفي الماء الراكد والشرب قائماً لأنه إذا حدث عنده داء اشتد علاجه.
وأخرج الطبراني عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الماء على الريق نقصت قوته.
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مثله.
وأخرج ابن ماجه وابن السني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قدح قوارير يشرب فيه.
وأخرج أبو داود والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن الشرب من ثلمة القدح وأن ينفخ في الشراب.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه ولكن يؤخره ويتنفس.
وأخرج البخاري عن أبي عبادة رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء.(1/78)
وأخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه.
قال الحليمي وهذا لأن البخار الذي يرتفع من المعدة أو ينزل من الرأس قد يعلقان بالماء فيضران.
وأخرج أبو داود وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار في حائطه وإلى جانبه ماء في ركى فقال له: إن كان عندك ماء بات في شن [فاسقنا] وإلا كرعنا في هذا؟ فانطلق إلى العريش فحلب له شاة على ماء بات في شن فشرب.
وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد بالعسل, وقال: إنه يسرو عن فؤادي ويجلو لي بصري.(1/79)
وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: وإنما كان أحب الطعام إلى عمر رضي الله تعالى عنه الثفل وأحب الشراب النبيذ.
قال البيهقي: هذا أصح من المرفوع السابق, قال: وإنما أراد بالنبيذ الحلو الذي لا يشتد.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم من طريق صالح بن خوات بن جبير رضي الله تعالى عنه عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يؤكل ما حملت النملة بفيها وقوائمها.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فيه ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء.
وأخرج النسائي وابن ماجه وابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في أحد جناح الذباب سم وفي الآخر شفاء فإذا وقع الطعام فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن ملك الهند أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا وكان فيما أهدى إليه جرة فيها زنجبيل فأطعم كل إنسان قطعة قطعة وأطعمني قطعة. قال الحاكم: لم أحفظ في أكل الزنجبيل سواه [فخرجته] انتهى.(1/80)
وهذا أصل استعمال الجوارش.
قال في الموجز: الثاني من الأمور الضرورية ما يؤكل ويشرب كل صحة أردنا حفظها على حالها أوردنا عليها السبية في الكيفية, فإن أردنا نقلها إلى أفضل منها أوردنا الضد وليقتصر من الغذاء على الخبز النقي من الشوائب الردبة [كالشيلم] واللحم الحولي من الضأن والعجول والأجدية والدجاج والطهيوج والحلو الملائم, ومن الفاكهة التين والعنب والرطب في البلاد المعتاد فيها أكلها ولا يأكل بلا شهوة [صادقة] ولا يدافع الشهوة الهائجة, وليؤكل في الصيف البارد بالفعل وفي الشتاء الحار بالفعل وإدخال الطعام على آخر لم ينهضم الأول ردي ودونه إطالة زمان الأكل وتكثير الألوان تحيير للطبيعة فتختلف الهضم, والغذاء اللذيذ أحمد لولا الإكثار منه, وملازمته التفسه تسقط الشهوة وتكسل, والحامض يسرع الهرم ويجفف ويضر العصب, والحلو يرخى الشهوة, ويحمى البدن والمالح يجفف البدن ويهزله, فليدفع مضرة الحلو بالحامض والحامض بالحلو والتفة بالمالح أو الحريف وهما به وليكثر الغذاء وليتركه وفي النفس منه بقية, وملازمة الحمية تنهك البدن وتهزله, بل هي في الصحة كالتخليط في المرض, ومراعاة العادة في الواجبات وغيرها واجبة. والصفراوي غذاؤه مبرد ومرطب والدموي مبرد قامع والبلغمي مسخن مرطب [مسخن].(1/81)
[بيان المياه]
وأفضل المياه الأنهار وخصوصاً الجارية على تربة نقية فيخلص الماء من الشوائب [الردية] أو على الأحجار فيكون أبعد عن قبول العفونة, وخصوصاً الجارية إلى الشمال والمشرق, وخصوصاً المن - حدة إلى أسفل, وخصوصاً إذا بعد المنبع, فإذا كان مع هذا خفيف الوزن شديد الحلاوة فذلك هو البالغ, وخصوصاً إذا كان غمراً شديد الجرية, وماء النيل قد جمع أكثر هذه المحامد, وماء العين لا يخلو عن غلظ, وأرده منه ماء البئر, وماء النز أردى.
وإنما ينبغي أن يستعمل الماء بعد شروع الغذاء في الهضم, وأما عقبيه فيفجج, وفي خلله أردى, على أن من الناس من ينتفع بذلك وهو حار للمعدة, ومن الناس من تكون شهوته للغذاء ضعيفة فإذا شرب الماء قويت وذلك لتعديله حرارة المعدة.
وأما الشرب على الريق, وعقيب الحركة, وخصوصاً الجماع, وعلى الفاكهة, وخصوصاً البطيخ, فردي جداً.
قال ابن القيم في الهدي: من الأمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أخذت أفعاله الطبيعية وهي الأمراض الأكثرية, وسببها إدخال الطعام على البدن قبل الهضم الأول, والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه, وتناول الأغذية القليلة النفع, البطيئة الهضم, والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب(1/82)
المتنوعة وإذا ملاء الآدمي بطنه من هذه الأغذية, واعتاد ذلك: أورثه أمراضاً متنوعة فإذا توسط في الغذاء وتناول منه قدر الحاجة, وكان معتدلاً في كمية وكيفية, كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.
ومراتب الغذاء ثلاثة: أحدها مرتبة الحاجة, والثانية مرتبة الكفاية, الثالثة مرتبة الفضلة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكفيه لقمات يقمن صلبه فلا تسقط قوته ولا تضعف معه؛ فإذا تجاوزها: فليأكل في ثلث بطنه ويدع الثلث الآخر للماء, والثلث للنفس.
وهذا من أنفع ما للبدن والقلب, فإن البطن إذا امتلأ من الطعام, ضاق عن الشراب, فإذا أورد عليه الشراب, ضاق عن النفس, وعرض له الكرب والتعب بجمله بمنزلة حامل الثقيل, والشبع المفرط يضعف القوى والبدن: [وإن خصبه] وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء لا بحسب كثرته.
فلما كان في الإنسان جزء أرضي, وجزء مائي, وجزء هوائي: قسم النبي صلى الله عليه وسلم طعامه وشرابه ونفسه إلى الأجزاء الثلاثة.
فإن قيل: فأين الحظ الناري؟ قيل: هذه مسئلة خلاف, فمن الناس من يقول: ليس في البدن جزء ناري, وعليه طائفة من الأطباء وغيرهم, ومنهم من أثبته.
قال: ومن تأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم وجده أفضل هدي تمكن حفظ الصحة به, فإن(1/83)
حفظها موقوف على حسن تدبير المطعم والمشرب والملبس والمسكن والهواء والنوم واليقظة والحركة والسكون والاستفراغ والاحتباس, فإذا حصلت هذه على وجه المعتدل الموافق الملائم للبدن والبلد والسن والعادة كان أقرب إلى دوام الصحة أو غلبتها إلى انقضاء الأجل.
قال: فأما المطعم والمشرب, فلم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم حبس النفس على نوع واحد من الأغذية, ولا يتعدى إلى ما سواه, فإن ذلك يضر بالطبيعة جداً, بل كان يأكل ما جرت به عادة أهل بلده من اللحم والفاكهة والخبز والتمر وغير ذلك.
وإذا كان في أحد الطعامين كيفية تحتاج إلى كسر وتعديل: كسر وعدلها بضدها, إذا أمكن؛ كتعديله حرارة الرطب بالبطيخ.
وكان إذا عافت نفسه الطعام: لم يأكله, ولم يحملها إياه على كره.
وهذا أصل عظيم في حفظ الصحة, فإن أكل الإنسان ما تعافه نفسه ولا تشتهيه كان ضرره به أكثر من انتفاعه.
وكان يحب اللحم؛ وأحبه إليه الذراع ومقدم الشاة, ولا شك أن أخف لحم الشاة: لحم الرقبة, ولحم الذراع والعضد, وهو أخف على المعدة وأسرع انهضاماً.
وفي هذا مراعاة الأغذية التي تجمع ثلاثة أصناف: أحدها: كثرة نفعها وتأثيرها في القوى, والثاني: خفتها على المعدة وعدم ثقلها عليها والثالث: سرعة هضمها, وهذا [أفضل] ما يكون من الغذاء والتغذي باليسير من هذا أنفع من الكثير من غيره. وكان يحب الحلوى والعسل وهما واللحم من أفضل الأغذية وأنفعها للبدن والكبد والأعضاء وللاغتذاء بها نفع عظيم في حفظ الصحة والقوة, ولا ينفر منها إلا من به علة وعافة.(1/84)
وكان يأكل الخبز مأدوماً إذا وجد له إداماً، فتارة بأدم باللحم وتارة بالبطيخ وتارة بالتمر، ووضع تمرة على كسرة، وقال: هذا إدام هذه، وفي هذا من تدبير الغذاء أن خبز الشعير بارد يابس والتمر حار رطب على أصح القولين – فأدم خبز الشعير به من أحسن التدبير، وتارة بالخل ويقول: نعم الإدام الخل. وهذا ثناء عليه بحسب مقتضى الحال الحاضر لا تفضيل له على غيره، والمقصود أن أكل الخبز مأدوماً من أسباب حفظ الصحة بخلاف الاقتصار على أحدهما وحده.
وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها ولا يحتمي عنها، وهذا أيضاً من أكبر أسباب حفظ الصحة، فإن الله سبحانه –بحكمته- جعل في كل بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها في وقته فيكون تناوله من أسباب صحتهم وعافيتهم ويغني عن كثير من الأدوية، وقل من احتمى عن فاكهة بلده: خشية السقم، إلا وهو من أسقم الناس جسماً، وأبعدهم من الصحة والقوة. وما في تلك الفاكهة من الرطوبات، فحرارة الفصل والأرض وحرارة المعدة تنضجها وتدفع بشرب الماء عليها وتناول الغذاء بعد التحلي منها، فإن القولنج كثيراً ما يحدث عند ذلك. فمن أكل منها ينبغي في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي: كانت له دواء نافعاً.
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يأكل طعاماً في وقت شدة حرارته ولا طبيخاً بائتاً يسخن له بالغد ولا جمع بين غذائين.
قال: وأما هديه صلى الله عليه وسلم في هيئة الجلوس للأكل فذكر أنه كان يجلس للأكل متكياً متوركاً على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى.(1/85)
وهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي، الذي خلقها الله عليه [مع ما فيها من الهيئة الأدبية] وأجود ما اغتذى الإنسان: إذا كانت أعضاؤه على طبعها الطبيعي ولا يكون كذلك إلا إذا كان الإنسان منتصباً الانتصاب الشرعي، وأردء الجلسات للأكل الاتكا على الجنب، فإنه يمنع مجرى الطعام عن هيأته، ويعوقه عن سرعة تعوده إلى المعدة، ويضغط المعدة: فلا يستحكم فتحها للغذاء، وأيضاً: فإنها تميل ولا تبقى منتصبة، ولا يصل الغذاء إليها بسهولة – انتهى كلام ابن القيم.
وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي: في حديث النهي أن يأكل الرجل وهو منبطح هذه الهيئة المنهي عنها تمنع من حسن الاستمراء لأن المري وأعضاء الازدراد تضيق عند هذه الهيئة، والمعدة تنعصر بما بلى البطن بالأرض ومما يلي الظهر بالحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس، وإنما تكون المعدة على وضعها الطبيعي المعتدل إذا كان الإنسان قاعداً- انتهى.
وقال الحافظ زين الدين العراقي: في شرح الترمذي في حديث بركة الطعام الوضوء – يحتمل أن يكون المراد بالبركة أنه يحصل بذلك نفع للبدن به وكونه يمرى في البدن وذلك لما فيه من النظافة فإنه ربما قذر الطعام لذلك.
قال ابن القيم: وأما هديه صلى الله عليه وسلم في الشراب فمن أكمل هديه تحفظ به الصحة فإن الماء إذا صفى وجمع الحلاوة والبرودة كان من أنفع شيء للبدن ومن آكد(1/86)
أسباب حفظ الصحة والأرواح والقوى والكبد, وللقلب عشق شديد له, واستمداد منه, وكان فيه لوصفان: حصلت به التغذية وتنفيذ الطعام إلى الأعضاء وإيصاله إليها.
والماء البارد رطب يقمع الحرارة ويحفظ على البدن رطوباته الأصلية ويرد عليه بدل ما تحلل منه ويرفق الغذاء وينفذه في العروق, وإذا كان بارداً أو خالطه ما يحليه كالعسل أو الزبيب أو التمر أو السكر – كان من أنفع ما يدخل البدن, وحفظ عليه صحته.
والماء الحار ينفخ ويفعل ضد هذه الأشياء.
والبائت أنفع من الذي يشرب وقت استقائه, فإن الماء البائت بمنزلة العجين الخمير, والذي يشرب لوقته بمنزلة الفطير وأيضاً: فإن الأجزاء الترابية والأرضية تفارقه إذا بات.
والماء في القرب والشنان ألذ من الذي في آنية الفخار والأحجار وغيرهما, لأن في قرب الآدم لطيفة لما فيها: من المسام المنفتحة التي يرشح منها الماء.
وكان هديه صلى الله عليه وسلم الشرب قاعداً لأن في الشرب قائماً آفات عديدة. منها: أنه لا يحصل به الري التام, ولا يستقر في المعدة حتى تقسمه الكبد على الأعضاء فينزل بسرعة وحدة إلى المعدة فيخشى منه أن يبرد حرارتها [ويشوشها] ويسرع النفوذ إلى أسافل البدن بغير تدريج وكل هذا يضر بالشارب.
وأما الشرب منبطحاً فالأطباء تكاد تحرمه ويقولون: إنه يضر بالمعدة. كان من هديه أنه يشرب في ثلاثة أنفاس, وفي هذا الشرب حكمة جمة, وفوائد مهمة.
وقد نبه صلى الله عليه وسلم: على مجامعها بقوله: إنه أروى وأمرأ وأبرأ, فأروى: أشد ريا وأبلغه وأنفعه, وأبرأ: أفعل من البرء وهو الشفاء أي: يبرى من شدة العطش(1/87)
ودائه, لتردده على المعدة المتلهبة دفعات فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه, والثالثة ما عجزت الثانية [عنه] وأيضاً: فإنه أسلم لحرارة المعدة وأبقى عليها من يهجم عليه الماء البارد وهلة واحدة فيطفئ الحرارة الغريزية ويؤدي إلى فساد مزاج المعدة والكبد وإلى أمراض رديئة.
وقوله ((أمرأ)) أي ألذ وأنفع وقيل: أسرع انحداراً عن المريء لسهولته وخفته عليها.
ومن آفات الشرب دفعة واحدة: أنه يخاف منه الشرق لأن الشارب إذا شرب تصاعد البخار الدخاني الذي كان على القلب والكبد – ولورود الماء البارد عليه, فإن أدام الشرب اتفق نزول الماء وصعود البخار, فيتدافعان ويتعالجان, ومن ذلك يحدث الشرق ولا يتهنأ الشارب ولا يتم ريه.
وقد علم بالتجربة: أن ورود الماء [جملة واحدة] على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ((الكباد من العبء)) والكباد بضم الكاف وتخفيف الباء وجمع الكبد, وإذا ورد بالتدريج شيئاً فشيئاً لم يضاد حرارتها ولم يضعفها ومثاله صب الماء البارد على القدر وهي تفور لا يضره صبه قليلاً قليلاً.
وكان صلى الله عليه وسلم يشرب نقيع التمر, يلطف به كيموسات الأغذية الشديدة وله نفع عظيم في حفظ الصحة, وترطيب البدن, ومرى الكبد؛ ولا سيما اللبن الذي ترعى دوابه الشيح والقيصوم والخزامي, وما أشبه ذلك فإن لبنها: غذاء مع الأغذية, وشراب مع الأشربة, ودواء مع الأدوية.(1/88)
وكان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد. وفي هذا من حفظ الصحة, ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء, فإن شربه ولعقه على الريق: يذيب البلغم, ويغسل خمل المعدة, ويجلو لزوجتها, ويدفع عنها الفضلات, ويسخنها باعتدال, ويفتح سددها, ويفعل مثل ذلك بالكبد والكلى والمثانة, وهو أنفع للمعدة من كل حلو دخلا وإنما يضر بالعرض لصاحب الصفراء الجديدة ودفع مضرته بالخل – انتهى.
[الشرب في آنية الزجاج]
وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي: قدح قوارير: الزجاج فأفضل للشرب، والهنود وملوكها تشرب فيها وتختاره على الذهب والياقوت، لأنه قل ما يقبل العرض والسهولة ويرجع بالغسل جديداً، ثم إنه يرى ما وراه وهو التمام عن قذى الشراب وفيه يرى كدره ويتمتع بصافيه وقل ما قدر الساقي أن يدس فيه السم، وهذا شرف الخلال التي دعت ملوك الهند إلى اتخاذه – انتهى.
وقال الذهبي: اعلم أن أخذ الغذاء في وقت الحاجة سبب لدوام الصحة: وعلامة الحاجة أن تتذكى حاسة الشم.
ويقل الريق في الفم وينصبغ.
البول ويتحد ريحه ويتزايد الطلب فعند ذلك يجب استعمال الغذاء والمدافعة به(1/89)
منهكة للبدن مجففة له محرقة لمزاجه وكذلك أخذ الغذاء من غير حاجة إليه يورث البلادة والكسل وهو أحد الأسباب في حدوث الأمراض المادية.
قال الموفق عبد اللطيف: كان من سنة الهند أنهم إذا أرادوا تناول الغذاء اغتسلوا ولبسوا الثوب النظيف وشموا الطيب وأمسكوا عن الحركات وهجروا الرفث ثم أقبلوا على الطعام.
والحركة قبل الطعام خير كله فيما قاله بعض الأطباء كما أنها بعده شر كله ومراعاة العادة جيدة إلا أن يكون عادة ردية فينتقل عنها بتدريج ومن اعتداد استمرار أغذية ردية فلا يفتر بها وليحذر الطعام الخمو والفاكهة العفنة.
ولحس للإناء يعين الهضم ويفتق الشهوة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعق أصابعه بعد الطعام ثلاثاً.
وقال: إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها متفق عليه. وورد: من لحس الإناء استغفرت له.
وقد نهى بعض الأطباء عن الجمع بين اللبن والسمك وبين الخل واللبن وبين الفاكهة واللبن وبين الخس والسمك وبين الثوم والبصل وبين قديد وطري وبين حامض وحريف وبين سماق وخل وبين خل العنب والروس المغمومة وبين رمان(1/90)
وهريسة وبين غذائين باردين أو حارين أو منفخين وينبغي أن يجتنب الخل والدهن إذا باتا تحت إناء نحاس وكذلك الجبن والشواء والطعام الحار إذا كن في خبز أو غيره كذلك يجتنب الطعام المكشوف والماء المكشوف لئلا يسقط فيه حيوان سمي فيقتل آكله وشاربه. على أنه نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: غطوا الإناء وأوكؤا السقاء – رواه مسلم وغيره.
وقال الشافعي: لمن أمن أن يصيبه ذبحه وهي وجع في الخلق يعرض من دم، ومن نظر في المرآة ليلاً فأصابته لقوة فلا يلومن إلا نفسه.
وروى عن ابن مسعود: أصل كل داء البردة: وهي التخمة لأنها تبرد حرارة الشهوة.
والشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول.
ولا تدخل الحكمة معدة ملئت طعاماً فمن قل طعامه قل شرابه ومن قل شرابه خف منامه ومن خف منامه ظهرت بركة عمره، ومن امتلأ بطنه كثر شرابه ومن كثر شرابه ثقل منامه محقت بركة عمره فإذا اكتفى بدون الشبع حسن اغتذاء بدنه وصلح حال نفسه وقلبه، من تملأ من الطعام ساء غذاء بدنه وأشرت نفسه وقسا قلبه.
وإياكم فضول المطعم فإنه يسقم القلب بالقسوة ويبطئ بالجوارح عن الطاعة ويصم الأذن عن سماع الموعظة، والتمشي بعد العشاء نافع وتجزئ عنه الصلاة(1/91)
ليستقر الغذاء بقعر المعدة فيجرد هضمه، والوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده الهرم.
وقال أفلاطون: من عرض لنفسه على الخلاء قبل وبعد العشاء دام له حسن صورته.
ولا يشرب الماء عقيب أخذ الطعام. ولا في خلله، ولا سيما الحار وعلى الحلو، وعقيب الفاكهة، والحلوى، والجماع، والحمام، ولا يجمع بين ماء البئر وماء النهر، ولا يعب الماء عباً فإن الكباد –وهو وجع الكبد- من العب – وهو جرع الماء جرعاً كباراً.
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائماً قال الخطابي: هذا نهي تنزيه وتأديب وأجاز الشرب قائماً عمر وعثمان وعلي وجمهور من الفقهاء وكرهه قوم – انتهى كلام الذهبي ملخصاً.(1/92)
ذكر تدبير الحركة والسكون البدنيين
وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن السني في اليوم والليلة وفي الطب، وأبو نعيم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم.
وأخرج ابن السني وابن ماجه وأبو نعيم عن أبي هريرة قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم في المسجد فقال لي: شنبوذ اشكمب درد قلت: نعم قال: قم فصل فإن في الصلاة شفاء.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو مطردة للأذى عن الجسد.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو مطردة للداء عن الجسد. وأخرج أبو داود والترمذي عن ركانة أنه صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً.
وأخرج أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: هذه بتلك السبقة.(1/93)
وأخرج ابن السني عن أبي الذيال، قال: كان ابن عباس يغمز قدمي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
قال في الموجز: الثالث من الأسباب الضرورية الحركة والسكون البدنيان، وتختلف الحركة بالشدة والضعف، والكثرة والقلة والسرعة والبطؤ فالسريعة القوية القليلة تسخن أكثر مما تحلل والبطيئة الضعيفة الكثيرة بالعكس، وإفراط الحركة والسكون يبرد وأعون على الهضم والحركة على الانحدار.
ثم قال: عن تدبير الحركة والسكون بقاء البدن بدون الغذاء محال، وليس غذاء بجملته يصير جزؤ عضو، بل لا بد أن يبقى منه عند كل هضم أثر ولطخه فإذا تركت وكثرت على طول الزمان اجتمع شيء له قدر، يضر بكمية: بأن يسخن [البدن] بنفسه، أو بالعفن، أو يبرد بنفسه، أو بإطفاء الحرارة [الغريزية] أو بكمية: بأن يسد ويثقل البدن، ويوجب أمراض الاحتباس وإن استفرغت تأذي البدن بالأدوية لأن كثرة سمية، لا تخلو من إخراج الصالح. فهذه الفضلات ضارة تركت أو استفرغت والحركة أقوى الأسباب في منع تولدها: بما يسخن الأعضاء ويسيل فضلاتها: فلا تجتمع على طول الزمان: وهي تعود البدن الخفة والنشاط، وتجعله قابلاً للغذاء وتصلب المفاصل، وتقوي الأوتار والرباطات [والأعصاب] وتؤمن من جميع الأمراض المادية، وأكثر المزاجية إذا استعملت المعتدلة منها في وقتها، وكان باقي التدبير صواباً.(1/94)
ووقت الرياضة: بعد انحدار الغذاء وكمال هضمه والمعتدلة هي: التي تحمر فيها البشرة وتربو، ويتندى العروق وأما التي يكثر فيها سيلان العروق فمفرطة. وأي عضو كثرت رياضته قوي، وخصوصاً على نوع تلك الرياضة. بل كل قوة هذا شأنها: فإن من استكثر من الحفظ قويت حافظته وكذلك المستكثر من الفكر، والتخيل.
ولكل عضو رياضة تخصه: فللصدر القراءة وليبتدئ فيها من الخفية إلى الجهرية بالتدريج. والسمع: يرتاض بسماع الأنغام اللذيذة والبصر القراءة [الخط] الدقيق أحياناً وبالنظر إلى الأشياء الجميلة [وكذلك رياضة اللسان في الكلام].
وركوب الخيل باعتدال رياضة البدن كله، ويحلل أكثر ما يسخن وينفع الناقهين بتحليل بقايا أمراضهم وكذلك الترجيح بالرفق، وأما طرد الخيل فيحلل كثيراً ويسخن.
واللعب بالكرة رياضة للبدن والنفس بما يلزمه من الفرح بالغلبة والغضب بالانقهار. كذلك المسابقة بالخيل وركوب السفن محركة للاخلاط مثور لها قالع للأمراض المزمنة كالجذام والاستسقاء لما يختلف على النفس من فرح [وغم] وفزع ويقوي المعدة والهضم. ومن جملة الرياضة الدلك ومنه خشن [يحمر اللون] فيخصب ما لم يقع منه إفراط قوى التحليل. ومنه صلب فيشدد ويقوي الأعضاء الضعيفة ومنه لين ومنه كثير فيهزل ومنه معتدل فيخصب انتهى.
وقال ابن القيم: أما ركوب الخيل, ورمي النشاب, والصراع والمسابقة على(1/95)
الأقسام - فرياضة للبدن كله؛ وهي قالعة لأمراض مزمنة: كالجذام والاستسقاء والقولنج.
[فوائد الصلاة من حيث الطب]
قال الموفق عبد اللطيف: الصلاة قد تبريء من ألم الفؤاد والمعدة والأمعاء وكثير من الآلام, وكذلك ثلاث علل: الأول: أمر إلهي حين كانت عبادة, والثانية: أمر نفسي وذلك أن النفس تلهو بالصلاة عن الآلام ويقل إحباسها والاحتفال بها فستظهر القوة عليه فتطرده فإن قوة العضو المودعة بمصالحة وحواسه التي تسميها الأطباء طبيعة هي الشافعة للأمراض بإذن خالقها. والماهر من الأطباء يعمل كل حيلة في تقويتها إن كانت ضعيفة وفي انتباهها إن كانت غافلة وفي التفاتها إن كانت معرضة وفي استزادتها إن كانت مقصرة تارة بتحريك السرور والفرح, وتارة بالحيا والخوف والخجل, وتارة بتذكيرها وشغلها بعظيم الأمور وعواقب المصير وأمر المعاد, والصلاة تجمع ذلك أو أكثر إذ يحضر العبد فيها خوف, ورجاء وأمل وحياة وتذكر [الآخرة ما يقوي قوته ويشرح صدره فيندفع] الأمراض المزمنة الشقى كالأوهام.
وقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخلتم المريض فنفسوا له في الأجل, فإن ذلك لا يرد شيئاً وهو يطيب نفس المريض.(1/96)
والفائدة الثالثة أمر طبيعي, وذلك أن الصلاة رياضة فاضلة للنفس لأنها تشتمل على انتصاب وركوع وسجود وتورك وغير ذلك من الأوضاع التي تتحرك معها أكثر المفاصل, وتنغمر فيها أكثر الأعضاء, و[لا] سيما المعدة والأمعاء وسائر آلات التنفس والغذاء عند السجود وما أنفع السجود الطويل لصاحب النزلة والزكام, وما أنفع السجود لانصباب النزلة إلى الحلق, وقصبة الرية برجوعها إلى مجاري الأنف وما أشد إعانة السجود الطويل على فتح سدة المنخرين في علة الزكام وإنضاج مادته, وما أقوى معونة السجود على حدر الطعام من المعدة والأمعاء, وتحريك الفضول المنخنقة فيها ونقلها وإخراجها إذ غوره تنغص الآلات بازدحامها, وتساقط بعضها على بعض وكثير ما [تسر] الصلاة النفسى وتمحق الهم والحزن وتذيب الآلام الخائبة وتكشف من الأوهام الكاذبة ويصفو فيها الذهن وتطفئ نار الغضب - انتهى.
وقد شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رياضة تصلح أبداننا وقلوبنا أيضاً بقوله: اغزوا تغنموا وسافروا تصحوا وصوموا تتعافوا.(1/97)
ذكر تدبير الحركة والسكون النفسانيين
وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله؛ أوصني قال: لا تغضب فردد مراراً قال: لا تغضب.
وأخرج الخرائطي في مساوئ الأخلاق وابن عساكر عن عروة قال: مكتوب في الحكمة يا داود؛ إياك وشدة الغضب فإن شد الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم.
وأخرج الخرائطي عن الزبير بن بكار قال: سئل عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أيهما أضر للبدن الغضب أم الحزن؟ قال: مجراهما واحد مختلف فمن نازع من لا يقوى عليه أمكنه ذلك فصار ذلك حزناً, ومن نازع من يقوى عليه أظهر فصار ذلك غضباً.
وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر ابن دريد أخبرنا عبد الرحمن عن عمه الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول: لا يوجد العجول محموداً ولا الغضوب مسروراً.
وأخرج الخرائطي عن أبي الحسن المديني قال: لقي رجل حكيماً فضربه على قدميه ضربة موجعة فلم ير فيه للغضب أثر, فقيل له في ذلك فقال: أقمت ضربته مقام الحجر اعتريه درى الغضب.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ساء خلقه عذب نفسه ومن كثر همه سقم بدنه.(1/98)
وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن علي رضي الله تعالى عنه قال: أشد خلق ربك عشرة: الجبال والحديد ينحت الجبال, والنار تأكل الحديد, والماء يطفئ النار, والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء, والريح تنقل السحاب, والإنسان يتقي الريح بيده ويذهب فيها لحاجته والسكر يغلب الإنسان, والنوم يغلب السكر, والهم يمنع النوم, فأشد خلق ربك الهم.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن محمد بن عبد الرحمن القاري قال: وجدت في حكمة آل داود: العافية ملك خفي, وغم ساعة هرم سنة, وفقد الإخوان يذيب الجسد.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر قال: سبب موت أبي بكر رضي الله تعالى عنه موت رسول الله صلى الله عليه وسلم [كمداً] ما زال جسده يجري حتى مات.
وأخرج ابن السني والطبراني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما على أحدكم إذا ألح به همه أن يتقلد قوسه وينفى به همه.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهم أكثر مس لحيته وفي لفظ: إذا أهم فإنما بيديه على لحيته يحركها أو يقبلها بيده.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا أهم أكثر من مس لحيته ما أدرى يقبض عليها أو يخللها.(1/99)
وأخرج أبو نعيم عن مكحول قال: من طاب ريحه زاد في عقله ومن نظف ثوبه قل همه.
قال في الموجز: الرابع من الأسباب الضرورية: الحركة, والسكون النفسانيان, والحركة النفسانية يلزمها حركة الروح إما إلى خارج دفعة كما عند الغضب الشديد أو قليلاً كما عند الفرح المعتدلة واللذة, أو إلى داخل دفعة كما عند الفزع أو قليلاً قليلاً كما عند الغم, أو إلى داخل وخارج كما عند الخجل ويلزم من ذلك سخونة ما تحرمت إليه وبرودة ما تحركت عنه, والمفرط من ذلك قاتل, وإفراط السكون النفس مبرد مبلد.
ذكر تدبير النوم واليقظة
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: إني أفعل ذلك قال: فإنك إذا هجمت عينك ونفهت نفسك وإن لنفسك عليك حقاً ولأهلك حقاً فصم وأفطر وقم ونام.
وأخرج ابن السني والحاكم في المستدرك وأبو نعيم عن خوات بن جبير قال: نوم أول النهار خرق ووسطه خلق وآخره حمق.(1/100)
وأخرج ابن السني والحاكم في المستدرك وأبو نعيم عن خوات بن جبير قال أنس – رفعه: لا تضحوا وقيلوا فإن الشيطان لا يقيل.
وأخرج أبو يعلي وابن السني وأبونعيم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن نفسه.
وأخرج الإسماعيلي في معجمه من حديث أنس مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مكحول أنه قال: يكره النوم بعد العصر وقال: يخاف على صاحبه منه الوسواس.
وأخرج البخاري ومسلم عن البراء رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن.
وأخرج الدينوري في المجالسة عن إياس ومعاوية قال: إذا أكلت فأتكى على يسارك فإن الكبد يقع على المعدة فيضم ما فيها.
وأخرج أحمد وابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل نائم في المسجد منبطح على وجهه فضربه برجله وقال: قم.
وأخرج البيهقي في الشعب من طريق أحمد بن أبي الحواري حدثنا أبو إسحاق الموصلي قال: اجتمع رأي سبعين صديقاً على أن كثرة النوم من كثرة شرب الماء فسمعت أبا سلمان يقول: من المعدة إلى العينين عرقان فإذا ثقلت المعدة انطبقت العينان وإذا خفت انفتحتا.
قال الموجز: الخامس من الأسباب الضرورية: النوم واليقظة، والنوم(1/101)
أشبه بالسكون، واليقظة بالحركة، والنوم تغور الروح فيه إلى داخل [البدن] فيبرد الظاهر، ولذلك يحوج [النائم] إلى دثار أكثر، وإفراط النوم يرطب بإفراط فيبرد وإذا وجد النوم خلاء يبرد بانحلال الروح وإن وجد غذاء مستعداً للهضم بتحليل القوة ويحوج بتحليل المادة.
[ذكر نوم النهار]
ونوم النهار رديء يفسد اللون ويضر الطحال ويبخر [الفم] ويرخي القوى النفسانية كلها فيبلد الذهن فإذا أعتيد فلا يجوز تركه إلا بالتدريج والمتملل بين النوم والسهر رديء. وأفضل النوم هو العرق المتصل المعتدل المقدار الحادث بعد هضم الغذاء وشروعه في الانحدار وسكون ما يتبعه من نفخه ومن استعان بالنوم على الهضم فينبغي أن يبتديء أولاً على اليمين قليلاً لينحدر الغذاء إلى قعر المعدة لميله إلى اليمين بسهولة جذب الكبد له فهناك الهضم أقوى ثم على اليسار طويلاً ليشتمل الكبد على المعدة ويسخنها فإذا تم الهضم عاد إلى اليمين ليعين على الانحدار إلى جهة الكبد – انتهى.
وفي شرح كتاب التقدمة لبقراط: النوم على البطن هيئة ردية.(1/102)
وقال ابن القيم: النوم في الشمس يثير الداء الدفين، ونوم الإنسان بعضه في الشمس وبعضه في الظل ردي – انتهى.
وقال الذهبي: أفضل النوم أن يكون بعد هضم الغذاء ونوم النهار مضر إلا في هاجرة الحر لقوله عليه السلام: قيلوا فإن الشياطين لا تقيل أخرجه أحمد وغيره.
ويكره النوم بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وقبل العشاء الآخرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبلها والحديث بعدها، فإن كان في علم أو ذكر أو محادثة أهله فلا يكره.
وقال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل:
قال أبقراط: استدامة الصحة بتعب ما وترك امتلاء من الطعام والشراب؛ وقال: كل كثير مضاد للطبيعة فلتكن الأطعمة والأشربة والجماع والنوم قصداً.
وقال: الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع وقال: يداوى كل عليل بعقاقير أرضه. وقال: لو خلق الإنسان من طبيعة واحدة لما مرض لأنه لم يكن هناك شيء يضادها فيمرض ودخل على عليل فقال: أنا وأنت والعلة ثالثتنا فإن اعتنى عليها بالقول مني صرنا اثنين وانفردت العلة فقوينا عليها، والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه.(1/103)
وقيل له: لم ثقل الميت؟ قال: لأنه كان اثنين: خفيفاً رافعاً وثقيلاً واضعاً، فلما انصرف أحدهما وهو الخفيف الرافع ثقل الواضع.
وقال لتلميذ له: ليكن أفضل وسيلتك إلى الناس محبتك لهم والتفقد لأمورهم ومعرفة حالهم واصطناع المعروف إليهم.
وقال لما حضرته الوفاة: خذوا جامع العلم مني: من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره.
وقال: من سقي السم من الأطباء وألقى الجنين ومنع الحبل واجتزئ على المريض فليس من شيعتي، وله أيمان معروفة على هذه الشرائط، وقد قال بفضله الأوائل والأواخر، وكتبه كثيرة في الطب منها كتاب تقدمة المعرفة، وكتاب الفضول، وكتاب قبره وهذا الكتاب يشهد منه العجب، فإن بعض ملوك اليونان فتح قبره فوجد هذا الكتاب فيه – انتهى ملخصاً.(1/104)
ذكر تدبير الاستفراغ والاحتباس
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حذيفة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قائماً إلا لوجع كان بما بضه.
وأخرج الدينوري في المجالسة عن ابن أبحر قال: إذا خرج الطعام قبل ست ساعات فهو مكروه، وإذا أبقى أكثر من أربع وعشرين ساعة فهو ضرر.
قال في الموجز: السادس من الأسباب الضرورية: الاستفراغ والاحتباس والمعتدل منهما نافع لحافظ للصحة، وإفراط الاستفراغ يجفف البدن ويترده؛ وإفراط الاحتباس يلزمه السدد والعفونة وسقوط الشهوة وثقل البدن فيجب أن يعتني بالطبيعة فتلين إن احتبست بمثل المرقة الدهنية ((اسفيدباجة)) كثيرة السلق والاسفناخ أو بالليمونية بالقرطم أو بمثل الفتل المسهلة والحقن الملينة والاحتقان بالدهن ينفع المشايخ بالتليين وترطيب الأمعاء وتسخينها وليحتبس السماقية والحصرمية والحماضية والتفاحية وليقلل الدهن والسلق.(1/105)
وأفضل البراز ما كان سهل الخروج مناسبها خفيفة النادية معتدل القوام والقدر والرقة والرائحة غير ذي رائحة معبق وقراقر وزبدية وقلة البول جداً مع قلة الانحلال تندر بالاستسقاء.
وقال أبقراط: من كان لحمه رطباً فينبغي أن يجوع فإن الجوع يجفف الأبدان، ومن كان بدنه صحيحاً فاستعمال الدواء فيه مضر، فإن احتيج إليه استعمل بشرطه.
وقال غيره ينبغي أن يجتنب الدواء المسهل إلا لضرورة ولا سيما لمن لم يعتده.
وسئل طبيب كسرى عن المسهل؟ فقال: سهم ترمي به في جوفك أصاب أم أخطأ فذره إلا لحاجة، وهذا الفعل عند الأطباء يسمى التقدم بالحفظ.
وهو أن يوجد سبب المرض في البدن غير تام فيتدارك بالإسهال قبل تمامه، ومن المستفرغات المعتادة في حال الصحة الحمام والجماع [والجوع] فليقل فيهما.
ذكر القول في الحمام
وأخرج الطبراني وابن السني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احذروا بيتاً يقال له الحمام، قالوا: يا رسول الله! إنه يذهب بالدرن وينفع المريض، قال: فاستتروا.
وأخرج الطبراني عن أبي رافع قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضع فقال: نعم موضع الحمام هذا فبنى فيه حمام.(1/106)
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق الحسن بن سفيان حدثنا عبد العزيز بن منيب ثنا جعفر بن محمد هو بن هارون عن طبيب بن مرة الطائي وكان له نحو تسعين قال: قلت له: أخذنا من طبك قال: احفظ أربع خصال. قلت: هات.
قال إحداهن: فمتى مرضت فإن أهلك يشفقون عليك فيقولون: لو أكلت أو شربت فإن حضرتك شهوة ليس ما يعرضون عليك فكل فإن العافية جاءتك، وإن لم تشته شيئاً فلا تلتفت إلى كلامهم فإنك إن أكلته على غير شهوة فمضرته في بدنك أعظم من منفعته، وأما الثانية: فإن يكون لك امرأة أو جارية فلا تقربها أبداً إلا على قرم فإنك إن قربتها على غير قرم كانت مضرته في بدنك أكثر وإذا قربتها على القرم كانت بمنزلة الجنابة تصبيك وأما الثالثة: فمتى هاج بك الداء فلا تدخل الحمام فإنه يهيج الداء الساكن وأدخله على الصحة فإنه نافع. وأما الرابعة: فإن أحدكم يدخل بيته ويغلق بابه ويرخى سترته ويقول: أريد أن أنام وليس به نوم فيتناوم فيقوم أثقل مما دخل، ولو أنه لم ينم حتى ينعس قام كأنه أنشط من عقال.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه كان يدخل الحمام ويقول: نعم البيت الحمام يذهب الضبية يعني الوسخ ويذكر بالنار.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عنه قال: نعم البيت الحمام يذهب الدرن ويذكر النار.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: نعم البيت الحمام يذهب الدرن ويذكر النار.(1/107)
وأخرج وكيع في الغرر عن ثعلبة ابن سهيل قال: إن الحمام جيد للنخمة.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غسل القدمين بالماء البارد بعد الخروج من الحمام أمان من الصداع.
وأخرج ابن السني والطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: اسخنت ماء في الشمس فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم [ليتوضأ به] فقال: لا تفعلي يا عائشة: فإنه يورث البياض, وفي رواية: فإنه يورث البرص.
قال في الموجز: أفضل الحمام ما كان قديم البناء واسع الفناء عذب الماء معتدل الحرارة والبيت الأول [منه] مبرد مرطب، والثاني مسخن مرطب, والثالث مسخف مجفف, ولا يدخل البيت الحار ولا يخرج منه إلا بتدريج, وطول المقام فيه يورث الغشاء والكرب والخفقان, ويابس المزاج يستعمل الماء أكثر من الهواء مرطوبة بالعكس, وصاحب الاستسقاء يضطر إلى إفراط العرق قبل استعمال الماء, وما دام الجلد يربو فلا إفراط فإذا أخذ البدن في الضمور والكرب في التزيد, فقد وقع إفراط.
وليزد الدثار بعد الحمام وخصوصاً في الشتاء, لأن البدن ينتقل من هواء الحمام إلى أبرد منه, ولأن ما يتشربه البدن من ماء الحمام يزول عنه حرارته العرضية فيبرد(1/108)
ببرد البدن ولأن يدخل الحمام من به ورم أو تفرق اتصال أو حمى عفنة لم ينضج [مادة] وقد يتغذى عقب الحمام فيسمن باعتدال مع أمن من السدد, وكذا الحمام بعد الهضم وقد يسمن ولكن تخلق منه السدد فيحترز عنها بالسكنجين, وقد يستعمل على الخلاء فيهزل ويجفف, وقليل الرياضة ينبغي له أن يستكثر في الحمام والعرق بالاغتسال بماء الحمام الكبريتية يحلل الفضول وينفع من الفالج والرعشة والتشنج ويزيل الحكة والجرب وينفع من عرق النساء ووجع المفاصل وأوجاع الورك.
وقال أبو الحسن بن طرخان: ينبغي في الصيف غسل الرجلين بماء بارد عقب الحمام لا سيما للشباب.
وقال الذهبي: قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: نعم البيت الحمام, يدخله المسلم يسأل الله الجنة ويستعيذه من النار.
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما – مرفوعاً يستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتاً يقال لها ((الحمامات)) فلا يدخلها الرجل إلا بالازار, وامنعوا منها النساء إلا مريضة أو نفساء - رواه ابن ماجه وغيره. وستر العورة مجمع عليه لا سيما في الحمام.
وروى جابر مرفوعاً من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل إلا بمأزر - رواه النسائي وغيره.(1/109)
والاغتسال بالماء البارد يقوى البدن ويجمع القوى وينبغي أن يستعمل وقت الظهيرة وفي وقت الحر الحار المزاج المعتدل اللحم الشاب, ويمنع منه الصبي والشيخ ومن إسهال ونزلة.
وقد جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: الشمس حمام العرب.
وقد كره الشافعي وأبو حنيفة فيه لا يصح, ولا أعلم أحداً من الأطباء كرهه - انتهى ملخصاً.
ذكر القول في الجماع
وأخرج ابن السني وابن حبان وأبو نعيم والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم أهله وأراد العود فليتوضأ بينهما وضواً, فإنه أنشط للعود.
وأخرج أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها فإن سبقها فلا يعجلها.
وأخرج البخاري ومسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزوجت؟ فقلت: نعم. قال: بكراً أو ثيباً؟ فقلت: بل ثيباً, قال: فهلا بكراً, تلاعبها وتلاعبك.(1/110)
وأخرج ابن ماجه عن ابن ساعدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير.
وأخرج ابن السني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً وأنتق أراحماً وأسخن إقبالاً.
وأخرج الشيرازي في الألقاب عن بشر بن عاصم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بشواب النساء فإنهن أطيب أفواهاً وأنتق بطوناً وأسخن إقبالاً.
وأخرج الديلي عن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزوج شهبرة ولا لهبرة ولا نهبرة ولا هيدرة.
قال الخطابي: الشهبرة: الزرقاء البدينة, واللهبرة: الطويلة المهزولة, والنهبرة القصيرة الذميمة, والهبدرة: العجوز المدبرة.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عبد الله بن بريدة قال: ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثاً: ينبغي أن لا يدع المشي فإن احتاج إليه يوماً: يقدر عليه, وينبغي أن لا يدع الأكل: فإن أمعاءه تنطبق.
وينبغي له أن لا يدع الجماع, فإن البئر إذا لم ينزح ذهب ماؤها.(1/111)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن الهزيل بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جز الشعر يزيد في الجماع.
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجامعن أحدكم وبه حقن من خلاء فإنه يكون منه البواسير, ولا يجامعن أحدكم وبه حقن من بول فإنه منه يكون البواسير.
وأخرج البيهقي عن علي رضي الله تعالى عنه رفعه قال: إذا جامع أحدكم فلا يغتسل حتى يبول فإن لم يفعل برد بقية المني فيورثه الداء الذي لا دواء له.
قال في الموجز: أفضل الجماع كما وقع بعد الهضم وعند اعتدال البدن في حره وبرده ورطوبته ويبوسته, وخلائه وامتلائه, فإن وقع خطأ فضرره عند امتلاء البدن وحرارته ورطوبته أسهل من خلائه وبرده ويبوسته وإنما ينبغي أن يجامع إذا قويت الشهوة وحصل الانتشار القاصر الذي ليس عن تكلف ولا نظر إليه إنما أصابه كثرة المني وشدة الشبق وإن حصل عقبه الخفة والنوم, والجماع المعتدل ينعش الحرارة الغريزة ويهيئ البدن للاغتذاء ويفرح ويحطم الغضب ويزيل الفكر الردي والوسواس السوداوي, وينفع أكثر الأمراض السوداوية والبلغمية, وربما وقع تارك الجماع في أمراض مثل الدوار وظلمة البصر وثقل البدن وورم الخصية(1/112)
والحالب وإذا هاد برئ بسرعة, والإفراط في الجماع يسقط القوة ويضر البصر والعصب ويوقع في الرعشة والفالج والتشنج, وليتجنب جماع العجوز والضعيفة جداً والحائض والتي لم تجامع من مدة طويلة والقبيحة المنظر والبكر فكل ذلك يضعف بالخاصية، وجماع المحبوبة يسر ويقل إضعافه مع كثرة استفراغه المني.
وأردأ أشكال الجماع أن تعلق المرأة الرجل وهو مستلق لنفسه خروج الماء وربما بقيت منه بقية فتعفنت بل ربما سال إلى الذكر رطوبات من الفرج.
وأفضل أشكاله أن يعلق الرجل المرأة رافعاً فخذيها بعد الملاعبة التامة ودغدغة الثدي والحالب وحك الفرج بالذكر فإذا تغيرت هيئة عينيها وعظم نفسها وطلبت التزام الرجل أولج وصب المنى ليتعاضد المنيان وذلك هو المحبل.
ومما يعين على الجماع رؤية المجامعة والنظر إلى تسافد الحيوانات. وقراءة الكتب المصنفة في الباب وحكايات الأقوياء من المجامعين واستماع الرقيق من أصوات النساء وحلق العانة يهيج الشهوة، زاد غيره: لأن مرور الموسى يحرك الحرارة والشهوة ويجذب الدم، ولذلك قيل: حلق العانة يعظم الذكر وحلق الرأس يعظم الرقبة، وإطالة العهد يترك الباه تنسيه النفس.
وقاله ابن القيم في الغسل والوضوء بعد الوطء، من النشاط وطيب النفس،(1/113)
وإخلاف بعض ما تحلل بالجماع، وكمال الطهر والنظافة [و] اجتماع الحار الغريزي إلى داخل البدن بعد انتشاره بالجماع مما هو من أحسن التدبير في الجماع، وحفظ الصحة والقوة فيه.
وقال الذهبي: من أراد الولد فليمسك عن الجماع ثم يطأ في أول الطهر بعد الملاعبة.
قال جابر رضي الله تعالى عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقاع قبل الملاعبة والنكاح من سنن المرسلين.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج – خرجاه في الصحيحين.
وليجتنب جماع الحائض. وقد نهى عنه الشارع بقوله تعالى: {يسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض. ولا تقربوهن حتى يطهرن} لأن هذا الدم دم فاسد يضر بذكر الرجل وبفرجه، وقد رأيت ذلك، ومن أتى حائضاً فليتصدق ديناراً ونصفه وقيل: ليس عليه إلا التوبة.
وقال علي رضي الله تعالى عنه: شكى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة الولد فأمره بأكل البيض.(1/114)
وروى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: شكى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل قلة الجماع فقال: أين أنت من أكل الهريسة فإن فيها قوة أربعين رجلاً.
وعن أبي رافع رضي الله تعالى عنه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا مسح على رأسه وقال: عليكم بسيد الخضاب الحنا يطيب البشرة ويزيد الجماع.
وفي رواية: اخضبوا بالحنا فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم ونكاحكم.
وفي رواية: جز الشعر يزيد في الجماع ذكر هذه الأحاديث أبو نعيم.
ومن الأغذية الجيدة لذلك أكل الحمص والبصل واللحم, وديك الصنوبر والديوك والعصافير, وشرب اللبن الحليب بعدها وأكل اللوبيا واللفت والجزر والعنب والهليون, وقلب الفستق واللوز والبندق وما شاكل ذلك كالراحة واجتناب الحوامض والموالح.
وتستحب التسمية عنده, قال صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد ولم يضره الشيطان أبداً - رواه البخاري.
ويستحب له أن لا ينام حتى يتوضأ وقد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: في حديث عائشة وغيرها. وكذلك إذا أراد أن يأكل أو يشرب فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب, وقد يموت فلا تشهده الملائكة في تغسيله وهذا بناء على أن الغسل يتجزأ.(1/115)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهد النكاح ويأمر به وقال: حبب إلي من ديناكم النساء والطيب, وجعلت قرة عيني في الصلاة - رواه النسائي. فالطيب هو غذاء الروح, والروح مطية القوى, ولا شيء أنفع من ذلك بعد الجماع.
وأما ذكره الصلاة بعد هذين الوصفين, فإن الجماع يستوعب مادة الشبق, المغمى عين القلب, المكدر بصر البصيرة, السادة على الكفر, فإنه القاطع على الرأي طريقه, وعلى الدين أسلوبه, ولذلك يسمونه الأطباء جنوناً ولعمر الله هو أشد من الجنون, وأغلب للإنسان من كل غالب.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن.
وإنما أذهب للب الرجل بسبب شدة شبقة, وإذا كان كذلك فقد يفقد العبد شمل النية التي لا تصح الصلاة إلا بها من كثرة حديث النفس والوسواس, فلذلك حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقرنه بالصلاة, ليحضر العبد فيها خالي السر من الأفكار والوسواس الردية فتكون صلاته تامة [كاملة].
والاستمناء باليد يوجب الغم, ويضعف الشهوة والانتشار, وقد كرهه الشارع - انتهى ملخصاً.(1/116)
ذكر تدبير الفصول
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا اشتد الحر ربيعاً فاستعينوا بالحجامة لا يتبيغ الدم بأحدكم فيقتله.
وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجموا لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم.
وأخرج بن السني وأبو نعيم عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدم يتبيغ بأحدكم قتل.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم حار وقد وضع له العباس ماء يتبرد به فجاء العباس فستره.
وأخرج ابن ماجه عن قيس بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماء يتبرد به فاغتسل.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استدفؤا من الحر والبرد.(1/117)
وقال ابن دريد في أماليه: أخبرنا ابن حاتم عن أبي عبيد عن يونس قال: قال الحجاج بن المنذر بن جاورد العبدي: ما لبسك في الشتاء؟ قال: أظهر الخز, قال: ففي الصيف؟ قال: ثياب سابور, قال: ففي الربيع؟ قال: عصب اليمن, قال: أتشرب اللبن؟ قال: لا, قال: لم؟ قال: لأنه مدفرة مبخرة, قال: أفتشرب الطلا؟ قال: لا, قال: ولم؟ قال: ميبسة مقطعة منفخة, قال: فما شرابك؟ قال: في الصيف نبيذ الدقل وفي الشتاء نبيذ العسل.
قال في الموجز: ليتلق الربيع بالفصد والاستفراغ بالقيء واستعمال المطفئات ومسكنات المواد, ويجتنب المسخنات كلها كالحركة المفرطة, ويقلل الغذاء, ويلبس فيه السنجاب والمضربات الخفيفة, ويلزم في الصيف الهدو والدعة والظل والأغذية الباردة القامعة اللطيفة كالرمانية, ويهجر كل ما يسخن ويجفف وينقص الأغذية, ويكثر من الفاكهة الرطبة كالأجاص والخيار والبطيخ, ويلبس فيه الكتان العتيق, والاغتسال بالماء البارد يقوي البدن وينعشه ويجمع القوى ويقويها, وإنما يستعمل وقت الظهيرة لمن هو حار المزاج معتدل اللحم شاب, ويمنع منه الصبي والشيخ ومن به إسهال أو تخمة أو نزلة, ويجتنب في الخريف كل ما يجفف, وكثرة الجماع والاغتسال بالماء البارد وشربه وكشف الرأس والاستكثار من الفاكهة [الرطبة], وأما القيء فيه فيجلب الحمى, ويحترز من برد الغدوات وحر الظهائر, ويستقبل الشتاء بلبس الجبب والنيفق وأما الحواصل والدلق فمفرطات لا(1/118)
يحتملها إلا المبرود والمرطوب, ويلزم الأغذية القوية الغليظة كالهريسة والاستكثار من اللحوم الملطفات كالرشاد والأبزار الحارة, والقيء فيه مضعف والحركات القوية فيه نافعة - انتهى.
وقال الذهبي: وليتلق الربيع بتكثير الحمام, وليستقبل الشتاء بالأغذية القوية الغليظة والثرائد, وقد ورد النص في فضلها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام - رواه البخاري.
وقال: البركة في الثريد وليتوفأ الإسهال وأخرج الدم, وليكثر فيه من الجماع -انتهى ملخصاً- نكتة.
[مطلب شر الشتاء السخين]
قال عبد الغفار الفارسي في كتاب مجمع الغرائب في حديث معاوية بن قرة: ((شر الشتاء السخين)) وهو الذي لا برد فيه فيكون دفياً فالبرد في الشتاء محمود في أوانه كالحر في الصيف, وكذلك رواه الحربي في غريب الحديث وأورده صاحب النهاية بلفظ ((شر الشتاء السخين)) وقال: الحار الذي لا برد فيه, قلت: وذلك منذر بحدوث الوباء - والله أعلم.(1/119)
ذكر القول في العلاج
وأخرج الطبراني والبيهقي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه رفعه إن الله أشد حمية للمؤمن من الدنيا من المريض أهله للطعام.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليحمى عبده المؤمن الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن قتادة ابن النعمان رفعه إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء.
وأخرج ابن السني عن محمود بن لبيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحمي المؤمن الدنيا كما يحمي المريض أهله طيب الطعام.
وأخرج أبو داود والترمذي –وحسنه- وابن ماجه وابن السني والحاكم - صححه- وأبو نعيم عن [أم] المنذر بنت قيس الأنصارية قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وعلي ناقة من مرض ولنا دوال معلقة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها وقام علي ليأكل فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مه إنك ناقه حتى كف علي: قالت: وصنعت شعيراً وسلقاً فجئت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي: أصب من هذا فهو أنفع لك.(1/120)
وأخرج مسلم والترمذي وابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت إذا مات الميت من أهلها واجتمع لذلك النساء أمرت ببرمة من تلبينة فطحنت ثم صنع ثريداً فصبت التلبينة عليها ثم قالت: كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن.
وأخرج ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [عليكم] بالبغيض النافع التلبينة والذي نفسي بيده إنه ليغسل بطن أحدكم كما يغسل الوسخ عن وجهه بالماء، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أشتكى أحد من أهله لم تزل البرمة على النار حتى يقضي أحد طرفيه إما موت وإما حياة.
قال الأصمعي: هي حساء من دقيق أو نخالة يجعل منه عسل.
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم يأمره فيحسو منه, كان يقول: إنه ليرتو عن فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما يسرو أحد منكم الوسخ عن وجهه بالماء.
الحساء: طبيخ من دقيق وماء ودهن.(1/121)
وأخرج الخلال عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تشتكي فقال لها: يا عائشة! الأزم دواء والمعدة بيت الدواء وعودوا بدناً ما اعتاد.
وأخرج إبراهيم الحربي في غريب الحديث وابن السني وأبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سأل الحارث بن كلدة طبيب العرب: ما الدواء, قال: الأزم يعني الحمية.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وهب بن منبه: قال: اجتمعت الأطباء على أن رأس الطب الحمية, واجتمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوموا تصحوا.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سافروا تصحوا.
وأخرج ابن السني والبيهقي في الشعب من طريق الأعمش عن حيان ابن بحر [الأكبر] قال: دع الدواء ما احتمل بدنك الداء.(1/122)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن محمد بن إسحاق المدني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار أخواله من الأنصار ومعه علي بن أبي طالب فقدموا إليه قناعاً من رطب فأهوى علي ليأكل, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تأكل فإنك حديث عهد بالحمى.
وأخرج الترمذي وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم.
قال في الموجز: العلاج يتم بأشياء ثلاثة: بالتدبير والأدوية وأعمال اليد.
فالتدبير هو التصرف في الأسباب [الستة] الضرورية, وحكمه من جهة الكيفية حكم الأدوية لكن الغذاء من جملة أحكام تخصه فإنه قد يمنع كما في البحران, وعند المنتهى لئلا يشتغل الطبيعة بهضمه عن دافع المرض, وعند النوب لذلك ولئلا يكثر [الكرب] بحرارة الطبخ, وقد يستقص, إما في كيفيته - أي تغذيه وإن كان كميته كثيرة كما يفعل لمن شهوته وهضمه قويان, وفي بدنه أخلاط كثيرة أو ردية, فبكثرة كميته يشد الشهوة ويشغل المعدة, وبقلة تغذيته لا تزيد الأخلاط, وهذا مثل البقول والفواكه وقد يعكس هذا أعني تنقص كميته دون كيفيته كما يفعل من هضمه وشهرته ضعيفان وبدنه محتاج إلى التغذية فبقلة مقداره يمكن هضمه واستمراؤه وبكثرة تغذيته يقوى ويغذي, وقد ينقص الغذاء(1/123)
كماً وكيفاً، إذا اجتمع مع ضعف الشهوة والهضم امتلأ بدني، وقد يكثر الغذاء اللطيف السريع النقود إذا لم تف القوة والمدة يهضم بطئ النفوذ ويتوفاه بعد غذاء غليظ لئلا ينهضم فلا يجد مسلكاً فيفسد ويفسد وقد يؤثر الغذاء الغليظ كما يفعل من يراد بتلبد حس عضو منه يوجعه أدنى سبب ويتوقاه عند خوف السدد والغذاء، وإن كان صديق القوة فهو عدوها لصداقته المرض الذي هو عدوها فلا يستعمل منه في المرض إلا ما لا بد منه في التقوية.
أما العلاج بالدواء فله قوانين [ثلاثة أحدها] اختيار كيفية [وذلك] بعد معرفة نوع المرض ليعالج بالضد [وثانيها] اختيار وزنه ودرجة كيفية، وذلك يحصل بالحدس الصناعي من طبيعة العضو ومقدار المرض ومن الجنس والسن والعادة والفصل والصناعة والبلد والسحنة والقوة، ومن المعالجات الجيدة المشتركة لأكثر الأمراض: الفرح ولقاء من يسر به وملازمة من يستحي منه ويستأنس بحضرته حتى ربما يرى المدنف من العشاق بزورة معشوقة بعد الجفا نفعه، وكذلك الأرائح الطيبة والإسماع اللذيذة، وربما نفع الانتقال من هواء آخر ومن مسكن آخر ومن فصل إلى فصل آخر، وقد ينفع تغير الهيئات كما ينفع الانتصاب من وجع الظهر والنظر الشزز إلى شيء يلوح من الحول.(1/124)
قال: ويجب في الاستفراغ مراعاة العادة فمن يعتد الاستفراغ لا يهجم على استفراغ بدواء، قال: وقد يعاف عن الاستفراغ فيستدل عنه بالصوم والنوم – انتهى.
قال الموفق في شرح حديث أم المنذر: في هذا الحديث الأمر بالحمية وأن الناقه ينبغي أن يتحفظ على نفسه ولا يمزجها مزاج الأصحاب، والناقه هو الذي قلص من المرض ولم يحصل له بعد صحة تامة وأعضاؤه ضعيفة، وكذلك أفعال أعضائه وهي سهلة القبول للآفات، والعنب وأكثر الفواكه ما ينبغي أن يحتمي عنه الناقه لقلة غذائها وكثرة فضلاتها وشدة مجاهدة القوة لها، وأيضاً فإن الناقه يفتقر إلى ما يزيد في جواهر أعضائه ويكون مع ذلك سريع النفوذ سريع الإجابة بفعل الطبيعة بطيء الاستحالة إلى الفساد كالسلق والشعير مطبوخين.
وقال ابن القيم في هديه صلى الله عليه وسلم: الحمية مدار الطب عليها، وأنفع ما يكون للناقه من المرض، فإن طبيعته لم ترجع بعد إلى قوتها، والقوة الهاضمة ضعيفة، والطبيعة قابلة والأعضاء مستعدة؛ فتخلطيه يوجب انتكاسها وهو أصعب من ابتداء مرضه.
قال: وفي منعه صلى الله عليه وسلم لعلي من أكل الرطب وهو ناقه، أحسن التدبير، فإن الفاكهة تضر بالناقه لسرعة استحالتها، وضعف الطبيعة عن دفعها؛ وفي الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة فتشتغل بمعالجته [وإصلاحها] عما هو بصدده: من إزالة بقية المرض وآثاره؛ فإما أن تقف(1/125)
تلك البقية، وإما أن تتزايد، فلما وضع بين يديه السلق والشعير، أمره أن يصيب منه فإنه من أنفع الأغذية للناقه: فإن ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين؛ وتقوية الطبيعة – ما هو أصلح للناقه، ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق. فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه.
قال: ومن هديه صلى الله عليه وسلم تغذيته للمريض بألطف ما اعتداه من الأغذية وهي ((التلبينة)) وهي حساء يتخذ من دقيق الشعير بنخالة، والفرق بينهما وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحاً والتلبينة تطبخ منه مطحوناً وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن.
وقال الموفق في شرح الحديث: الوعك المرض الخفيف وأول المرض قبل أن يقوى، والتلبينة الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن وهو النافع للمريض على الحقيقة الرقيق النضيج لا الغليظ النيء وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة فاعرف فضل ماء الشعير، ولا سيما إن كان بنخالته فإنه حينئذ يجلو وينفذ سريعاً ويغذوا غذاء خفيفاً، وإذا شرب حاراً كان جلاؤه أقوى ونفوذه أسرع.
وقوله ((يبرد عن فؤاد الحزين)) أي يكشف ويزيل، والفؤاد هنا رأس المعدة، وذلك لأن الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء وهذا الحساء يُرطبّها ويقيوها ويغذيها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض،(1/126)
لأن المريض كثيراً ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة ويحدره ويعدل كيفيته ويكسر سورته [فيريحها] وسماه البغيض النافع لأن المريض يعافه وهو نافع.
وقال في الحديث ((لا تكرهوا مرضاكم)) الحديث ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية المشتملة على الحكم الإلهية لا سيما للأطباء وذلك: لأن المريض إذا عاف الطعام والشراب ذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض، أو سقوط شهوته أو نفقاتها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها وكيف ما كان: فلا يجوز إعطاؤها الغذاء في هذا الحال.
وقال ابن القيم في قوله ((إن الله يطعمهم ويسقيهم)) يعني لطيف زائد على ما ذكره الأطباء وهو أن المريض له مدد من الله تعالى يغذيه به زائد على ما ذكره الأطباء من تغذيته بالدم.
وقال الذهبي: ينبغي أن يراعى في العلاج السن والعادة والفصل والصناعة، فلا يسهل بالدواء شيخ كبير ولا من [به] ذرب البطن ولا طفل صغير ولا صحاب كد وتعب ولا قيم الحمام ولا ضعيف المعدة ولا قصيف البدن جداً ولا سمين جداً ولا أسود ولا من به قرحة في أمعائه ولا في شدة الحر والبرد ولا(1/127)
من لا يعتاد الدواء ولا ينبغي أن يستعمل الدواء إلا بعد النضج التام، والحمام قبل الدواء يعين عليه، والنوم على الدواء الضعيف يقطعه ويضعفه وعلى القوي يقوى فعله، وليجتنب الأكل على الدواء إلى أن يقطعه، ومن عاف الدواء فليمضغ قبله الطرخون أو ورق العناب، وليشم البصل.
وإذا خاف القيء فليشد أطرافه شداً قوياً وليمتص الرمان المر والديباس والتفاح، وإن كان الدواء مطبوخاً فلا يتجاوز مقدار مائة وعشرين درهماً.
ومن وجد مغصاً فليتجرع ماء حاراً ويتمشى خطوات وعند قطع الدواء فليتجرع ماء حاراً كثيراً وليتقيأ، وبعد القيء فليأخذ بزر قطوناً بشراب التفاح، وبعد ساعة فليتناول الأمراق الشاذجة، ولا يجمع بين المسهلين في يوم واحد، والحقنة جيدة للقولنج ووجع المعدة، ووقتها الأبرادان.
وحيث أمكن التدبير بالدواء الخفيف فلا يعدل عنه، ويدرج من الأضعف إلى الأقوى إذا لم يعن الأضعف، ولا يقيم في العلاج على دواء واحد فتألفه الطبيعة ويقل نفعه، وإذا أشكل عليك المرض فلا تهجم بالدواء حتى يتضح لك الأمر، وإذا أمكن التدبير بالأغذية فلا يعدل إلى الأدوية. انتهى ملخصاً قليلاً.(1/128)
تتمة [تناول المريض ما تحمي عنه]
وأخرج ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من الأنصار فقال: تشتهي شيئاً؟ فقال: نعم، خبز بر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان عنده شيء فليأت به فجاء رجل بكسرة فأطعمها إياه ثم قال: إذا أشتهى مريض أحدكم شيئاً فليطعمه إياه.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده فقال له: أتشتهي كعكاً؟ قال: نعم فطلبه له.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها مرضت مرضاً شديداً فحماها أهلها كل شيء حتى الماء قالت: فعطشت ليلة عطشاً شديداً فحبوت على يدي ورجلي حتى أتيت الإداوة وهي معلقة فشربت منها وأنا قائمة فما زلت أعرف الصحة منها في نفسي، فلا تحموا مرضاكم شيئاً.
وأخرج [ابن أبي الدنيا] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إذا اشتهى مريضكم الشيء فلا تحموه.(1/129)
قال الموفق في شرح الحديث الأول: هذا الحديث فيه حكمة طيبة فاضلة تشتهد لقانون شريف، ذكره بقراط وغيره وهو إن المريض إذا تناول ما يشتهيه وإن كان ضاراً، ولا سيما إن كان الضرر قليلاً كان أنفع وأقل ضرراً ما لا يشتهيه. وإن كان نافعاً، ولا سيما إذا كان ما يشتهيه غذاء، وذلك إذا كان المشتهى تقبل القوة عليه بعناية، كثيراً ما يكون عنده الشفاء، لا سيما إذا انبعثت النفس إليه بصدق شهوة وصحة قوة وكان غذاء ملائم كالخبز والكعك وكلاهما جاء في الحديث، وطالما سمعت ورأيت مرضى يشتهون، أشياء، ينكرها الطبيب، فيتناولونها على رغمه، فيعقبها الشفاء فإذا فحص الطبيب عن علة ذلك ألفاها صحيحة مطابقة، وما ذاك إلا لعجز البشر عن اكتناه كل ما في طبيعة الأمور.
فينبغي للطبيب الكيس أن يجعل شهوة المريض من جملة أدلته على طبيعته – انتهى.(1/130)
ذكر الحجامة والفصد والإسهال والقيء
وأخرج أبو داود وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله، قال: إن كان في شيء مما تدوايتم به خير ففي الحجامة.
وأخرج البخاري في تاريخه والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أخبرني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن جبريل أخبره أن الحجم أنفع ما تداوى به الناس.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قال: عليك بالحجامة وقال: خير ما تحجمون فيه يوم سبعة عشر ويوم تسعة عشر ويوم إحدى وعشرين.
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله، يقول: إن في الحجم شفاء.
وأخرج الحاكم وصححه عن سمرة قال: دخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم فقال: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذا الحجم وهو خير ما تداويتم به.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم فقال: أي شيء هذا؟ قال: الحجم وهو خير ما تداوى به العرب.(1/131)
وأخرج الحاكم والبزار وصححه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن صلى الله عليه وسلم قال: إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم أو لعقة عسل أو كية تصيب وما أحبه إذا اكتوى.
وأخرج الديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجامة تنفع من كل داء ألا فاحتجوا.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجموا بخمس عشرة أو سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين لا يتبيغ لكم الدم فيقتلكم.
وأخرج أبو داود عن أبي كبشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول: من اهرق هذه الدماء فلا يضره أن يتداوى بشيء لشيء.
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين.(1/132)
وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ.
وأخرج ابن سعد والبيهقي وضعفه عن معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله: الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة مضت في الشهر دواء لداء السنة.
وأخرج الديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجامة على الريق دواء، وعلى الشبع داء وفي سبع عشرة مضت من الشهر شفاء ويوم الثلاثاء صحة للبدن، ولقد أوصاني جبريل بالحجم حتى ظننت أنه لا بد منه.
وأخرج أبو داود عن أبي بكرة أنه كان ينهى عن الحجامة يوم الأربعاء ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوم الثلاثاء الدم وفيه ساعة لا يرقأ.
وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: لا تحتجموا يوم الجمعة، فإن فيها ساعة لو وافت فيها أمة لماتوا جميعاً.
وأخرج ابن النجار في تاريخه من طريق حمدون بن إسماعيل عن أبيه قال: سمعت المعتصم بالله يحدث عن المأمون الرشيد عن المهدي عن المنصور عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا(1/133)
تحتجموا يوم الخميس فإن من احتجم فيه فيناله مكروه فلا يلومن إلا نفسه قال: فدخلت على المعتصم بعد مدة مديدة في يوم خميس وهو يحتجم فلما رأيته وقفت واجماً فتبين ذلك في وجهي، فقال: يا حمدون: لعلك ذكرت الحديث الذي حدثتك به عن المأمون أن آباي في الحجامة في الخميس قال: والله ما ذكرت ذلك حتى شرط الحجام قال: فحم من عشيته وكانت المرضة التي مات فيها.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق إسحاق بن يحيى بن معاوية قال: كنت عند المعتصم أعوده فقلت: يا أمير المؤمنين: أنت في عافية؟ قال: كيف تقول وقد سمعت الرشيد يحدث عن أبيه المهدي عن أبي جعفر المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتجم في يوم الخميس فمرض فيه مات فيه، وفي لفظ: فحم فيه.
وأخرج البزار وابن السني وأبو نعيم والحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من احتجم يوم الأربعاء أو يوم السبت فأصابه وضح. فلا يلومن إلا نفسه.
وأخرج الديلمي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجامة يوم الأحد شفاء.
وأخرج الديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجامة في نقرة الرأس تورث النسيان فتجنبوا ذلك.(1/134)
وأخرج ابن السني عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحجامة والافتصاد.
وأخرج أبو نعيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خير الدواء الحجامة والافتصاد.
وأخرج أبو نعيم عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: بعث إلى [أبي] ابن كعب متطبباً فكواه وفصد العرق.
وأخرج ابن عدي والديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر في تاريخه عن عبد الله بن جواد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قطع العرق مسقمة والحجامة خير منه، قال الديلمي: يعني بقطع العرق الفصد.
وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وأبو نعيم وابن السني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشي.
وأخرج ابن السني عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير ما تعالجون به المشي والحجامة.
وأخرج ابن السني عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال: كان المسلمون يشربون دواء المشي يبغون به.
وأخرج أبو نعيم عن منصور ابن إبراهيم قال: كانوا لا يرون بالاستمشاء بأساً إنما كرهوا مخافة أن يضعفهم.(1/135)
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعط.
وأخرج الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا وجد شيئاً خلط من الأطعمة ثم استقاء ويذكر أنه يجد لذلك راحة.
وأخرج الباوردي في معرفة الصحابة عن الأعمش قال: سمعت حيان ابن جد بن الأبجر [الأكبر] يقول: اتركوا الدواء ما احتمل بدنك الداء.
وأخرج الدينوري في المجالسة عن عبد الملك بن أبجر قال: من لم يكن به داء فلا يعالج لأن الدواء إذا لم يجد ما يعمل فيه وجد الصحة فعمل فيها.
قال في الموجز: للحجامة فوائد، أحدها: تنقية العضو نفسه، ثانيها: قلة استفراغها لجوهر الروح، ثالثها: قلة تعرضها للأعضاء الرئيسة، قال: والحجامة على الساقين تقارب الفصد وتدر الطمث وتنقي الدم وعلى القفا للرمد والنجر والقلاع والصداع خاصة ما كان في مقدم الرأس لكنها تورث النسيان.
قال: وفصد الباسليق تنور البدون والقبفال وحبل الذراع [نافع] للرقبة فما فوقها، والأكحل مشترك والأسليم الأيمن لأوجاع الكبد والأيسر لأوجاع الطحال، وفصد عرق النساء لأوجاع عرق النساء عظيم وللدوالي والنقرس، والصافن لإدرار الحيض ولمنافع عرق النساء.(1/136)
وقال ابن القيم: الحجامة تنقي سطح البدن أكثر من الفصد ولأعماق البدن أفضل، والتحقيق في أمرهما أنهما تختلفان باختلاف الزمان والمكان والأسنان والأمزجة فالأمزجة الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج – الحجامة فيها أنفع [من الفصد] بكثير: فإن الدم ينضج ويرق ويخرج إلى سطح البدن الداخل فتخرجه الحجامة ما لا تخرجه الفصد، ولذلك كانت [أنفع] للصبيان ولمن لا يقوى على الفصد.
وقد نص الأطباء على أن البلاد الحارة الحجامة فيها أنفع وأفضل من الفصد وتستحب في وسط الشهر وبعد وسطه وفي الربع الثالث من أرباع الشهر لأن الدم لم يكن في أول الشهر قد هاج وتبيغ وفي آخره يكون قد سكن وأما وسطه وبعده فيكون في نهاية التزيد.
قال صاحب القانون: ويؤمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر، لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت، ولا في آخره لأنها تكون قد نقصت بل في وسط الشهر حتى تكون الأخلاط هائجة تابعة في تزيدها لتزيد النور في جرم القمر – انتهى.
قال ابن القيم: وقوله صلى الله عليه وسلم: ((خير ما تداويتم الحجامة)) إشارة إلى أهل الحجاز والبلاد الحارة، لأن دماؤهم رقيقة وهي أميل إلى طاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجة إلى سطح الجسد واجتماعها في نواحي البلد ولأن مسام أبدانهم واسعة وفواههم متخلخلة ففي الفصد لهم خطر.(1/137)
قال: والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق، والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف والحلق، إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدم أو فساده أو عنهما جميعاً – انتهى.
وقال في الموجز: والإسهال يجذب من فوق والقيء يجذب من تحت وكلاهما مع النقأ صعب خطر، وكذا مع يبوسة الثقل أو ضعف الأحشاء أو هزال المراق، والقيء ينفع المعدة ويقويها ويحد البصر، ويزيل ثقل الرأي، وينفع قروح الكلى والمثانة والأمراض المزمنة كالجذام والاستسقاء والفالج والرعشة، وينفع اليرقان، وينبغي أن يستعمله الصحيح في الشهر مرتين متواليتين من غير حفظ دور، ليتدارك الثاني ما قصر الأول، وينقي فضل ما انصب بسببه، والإكثار من القيء يضر المعدة والأمعاء [والأسنان] والبصر والسمع، وربما صدع عرق، ويجب أن يجتنبه من به ورم في الحلق أو ضعف في الصدر أو هو دقيق الرقبة أو عسر الإجابة.
ووقت القيء هو الصيف أو الربيع دون الشتاء والخريف، ويجب عند القيء عصب العينين وقمط البطن، إذا فرغ فليغتسل الوجه بماء بارد وقليل خل لمنع ثقل يحدث في الرأس، وليشرب مثل شراب التفاح مع قليل مصطكى وماء ورد.(1/138)
والإسهال في الصيف يجلب الحمى ويعسر لتعارض جذب الهواء وجذب الحر، وفي الشتاء أعسر لجمود الخلط، والربيع يتلوه الصيف المحلل، ولا يستعمل فيه إلا ما لطف، وأما الخريف فهو الوقت، وليكن الغذاء بعد الإسهال والقيء شهياً لذيذاً جيد الجوهر كالفروج.
وقد مر أن الحمام قبل الدواء معين وبعده بيوم محلل لما بقي ومعه قاطع لفعله، والأكل يقطع أكثر الأدوية لاشتغال الطبيعة بعده بهضم الطبيعة للغذاء عن الدفع والأخلاط الدوائية فتنكسر قوته.
والأشياء التي يجب مراعاتها في كل استفراغ عشرة: أحدها: الامتلاء فالخلاء لا محالة نافع، ثانيها: القوة فالضعف مانع، ثالثها: المزاج المعتدل فإفراط الحرارة واليبس والبرد وقلة الدم مانع، ورابعها: السحنة فإفراط النحافة والسمن مانع، خامسها: الأعراض اللازمة بالإستعداد الذرب وقروح المعدة مانع، وسادسها: السن فالهرم والطفولية مانع، سابعها: الوقت فشدة البرد والقيظ مانع ثامنها: البلد فالحار والبارد المفرطان مانع، تاسعها: الصناعة فالشديد التحليل كالقيم بالحمام مانع، عاشرها: العادة فمن لم يعتد بالاستفراغ لا يهجم على استفراغه بدواء [قوي].
قال: وينبغي أن لا يعود الطبيعة الكسل بأن يعالج كل انحراف عن الصحة وأن لا يجعل شرب المسهل والقيء ديناً. ولا تحسر على الأدوية القوية في الفصول القوية – انتهى.(1/139)
وقال الذهبي: الفصد والحجامة من حوافظ الصحة.
وما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه قال: احتجم ولا وجعاً في رجليه إلا قال: اخضبهما بالحناء - رواه أبو داود.
والأحاديث في هذا كثيرة ومنافعها جمة, وفي كراهة فصد العروق روايتان أظهرهما عدم الكراهة, وتكره الحجامة على الشبع.
روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: الحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء.
روى ابن ماجه أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال لنافع: يا نافع: قد تبيغ بي الدم فالتمس لي حجاماً رفيقاً ولا تجعله شيخاً كبيراً ولا صبياً فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحجامة على الريق أمثل وفيها شفاء وبركة وتزيد في الحفظ وفي العقل.
وظاهر مذهب أحمد كراهة أجر الحجام ولم يكرهها غيره.
قال ابن عباس احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأعطى الحجام أجره, ولو علمه خبيثاً لم يعطه - خرجاه في الصحيحين.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رأسه من شقيقة كانت به - رواه البخاري.(1/140)
وقال أنس رضي الله تعالى عنه: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخدعين والكاهل - رواه الترمذي.
الأخدعان: عرقان في جانبي العنق.
والكاهل: أعلاه الظهر.
وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: إن أبا هند حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم: في اليافوح - رواه الحافظ أبو داود.
وقال أنس رضي الله تعالى عنه احتجم النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر مقدمه - رواه الترمذي والنسائي.
وإذا احتاجت المرأة إلى الجحامة فينبغي أن يحجمها ذو محرم لها لحديث أم سلمة قالت: استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فأمر أبا طيبة أن يحجمني, وكان أخاها من الرضاعة, أو غلاماً لم يحتلم - رواه مسلم.
وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء - رواه أبو داود وهو على شرط مسلم.(1/141)
قلت: هذا إذا احتجم في حال الصحة, وأما في وقت المرض وعند الضرورة فسواء كان سبع عشرة أو عشرين.
قال الخلال أخبرني عصمة بن عصام حدثنا حنبل قال: كان [أبو] عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم في أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت.
وروى البخاري أن أبا موسى احتجم ليلاً.
وأول ما خرجت الحجامة من أصبهان.
وقال الأطباء: ينبغي أن تكون الحجامة في نقصان القمر والفصد في زيادته, وأفضل أوقاتها الثالثة من النهار, وأوقاتها الثانية منه وهو إذا وقع في غير آوانه أو لعدم حاجته أضعف القوة, وأخرج الخلط الصالح وليجتنبهما من حصل له هيضه والناقة والشيخ الفاني والضعيف الكبد والمعدة والمترتل الوجه وبالأقدام والحامل والنفساء والحائض - انتهى ملخصاً.(1/142)
ذكر الأدوية والأغذية المفردة وهو مرتب على حرف الهجاء [حرف الألف] أترج
وأخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر والأترج.
قال في الموجز: لحمه بارد رطب في الأولى، وقيل: حار فيها نفاخ.
وقشره حار في الأولى ويابس في الثانية وحماضه بارد يابس يسكن الصفراء ويجلو اللون وينفع القوباء، ويسكن القيء الصفراوي والخفقان الحار وربه وشرابه دابغ للمعدة ويشهي الطعام ودهنه نافع لاسترخاء العصب والفالج، ورائحته تصلح الوباء وفساد الهواء والمربى منه بالعسل أجود، وحراقة قشره طلاء جيد للبرص، وعصارة قشره تنفع لنهش الأفاعي شرباً، وحماضه محبس البطن وينفع الإسهال الصفراوي ورقه محلل للنفخ وفقاحه أقوى وألطف.(1/143)
وقال الغافقي: أكل لحمه ينفع للبواسير، وقال غيره: لحمه ملطف لحرارة البدن نافع لأصحاب المرة الصفراء قامع للبخارات الحارة، وقشره إذا جعل في الثياب منع السوس، وإذا أمسك في الفم طيب النكهة وحلل الرياح، وإذا جعل في الطعام كالأبازير أعان على الهضم، وحماضه نافع من اليرقان شرباً واكتحالاً، وعصارة حماضه تسكن غلمة النساء وتطفي حرارة الكبد وتقوي المعدة، وتمنع حدة المرة الصفراء، وتزيل علة الفم العاض عنها، ويسكن العطش، وخاصية حبه النفع من السموم القاتلة، ولذع الهوام والعقارب إذا شرب منه وزن مثقالين بماء فاتر، وكذا إذا دق ووضع على موضع اللذعة.
وذكر أن بعض الأكاسرة غضب على قوم من الأطباء فأمر بحبسهم وخيرهم أدماً لا مزيد لهم عليه، فاختاروا الأترج، فقيل لهم: لم اخترتموه على غيره؟ قالوا: لأنه في العاجل ريحان ومنظره مفرح وقشره طيب الرائحة ولحمه فاكهة، وحمضه أدم وحبه ترياق وفيه دهن وكان بعض السلف يجب النظر إليه، لما في منظره: من التفريح.
قال ابن القيم: وحقيقي بشيء هذه بعض منافعه أن يشبه به خلاصة الوجود، وهو المؤمن الذي يقرأ القرآن.
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن الربيع بن سليمان قال: قال أبو عثمان بن محمد بنت إدريس الشافعي: كان أبي إذا أخذته الحمى طلب أترجة ويعصر ماءها ويشربه خوفاً على لسانه.(1/144)
وقال الذهبي: ومنه يعمل شراب الحماض ينفع المعدة الحارة, ويقوي القلب ويفرحه, ويشهي الطعام ويسكن العطش, ويفتق شهوة الطعام, ويقطع الإسهال المري, والقيء الصفراوي والخفقان, ويزيل الغم, والحمض, والحمض نفسه يقلع الحبر من الثياب والكلف من الوجه, ويضر العصب والصدر.
وأما لحمه الأبيض فبارد رطب, عسر الهضم, رديء للمعدة, أكله يولد القولنج وأما بزره وقشره وورقه وفقاحه فحار يابس, وفي بزره قوة ترياقية, إذا أدق منه وزن مثقالين ووضع على لدغة العقرب نفعه وفي لبه منافع كثيرة حتى عدل بالبازهر.
[ذكر البازهر]
وفي البازهر ثلاثة أقوال: قيل: حجر في قلب الإبل أو في مرارته أو رمض يجتمع في عينيه, ومنافع عظيمة قيل: إنه يفرق بين السم والبدن فلا يؤثر.
وأما قشره الأصفر فمنه يعمل معجون الأترج ينفع القولنج, ويقوى الشهوة ويشهي الطعام, وورقه يحل النفخة, وفقاحه أقوى وألطف, ورائحة الأترج تصلح الوباء وفساد الهوي.
وقال مسروق: دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل فقلت لها: من ذا؟ قالت: هذا ابن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم - انتهى ملخصاً.(1/145)
إثمد
وأخرج الترمذي في الشمائل وابن ماجه والحاكم وصححه وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالاثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر.
وأخرج الترمذي في الشمائل وابن ماجه وأبو يعلى وابن السني وابن عدي وأبو نعيم عن جابر رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عليكم بالإثمد عند النوم فإنه يجلو البصر - وفي لفظ: يسر البصر - وينبت الشعر.
وأخرج ابن السني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اكتحلوا بالاثمد فإنه يجلو البصر ويجف الدمع وينبت الشعر.
وأخرج الترمذي -وحسنه- وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر. وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه.
وأخرج أحمد وأبو داود وأبو نعيم عن معبد بن هوذة أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر بالاثمد المروح عند النوم, والمروح: المطيب بالمسك.(1/146)
وأخرج أبو داود والترمذي والبزار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير إكحالكم –ولفظ الأولين: إن خير إكحالكم- الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر، يعني خير إكحالكم في حفظ الصحة لا في أمراضها.
وأخرج ابن السني والطبراني في الكبير وأبو نعيم بسند جيد عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالإثمد فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذاء معناه للبصر.
قال في الموجز: الإثمد بارد في الأولى يابس في الثانية: يقبض ويجفف بلا لدغ ويدمل القروح ويذهب بلحمها الزائد ويقوي العين ويقطع الرعاف والترف احتمالاً.
وقال عبد اللطيف: ينبت الهدب ويحسن العيون ويحب إلى القلوب.
آس
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: الآسة سيدة ريحان الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره وابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس قال: أول شيء غرس نوح عليه السلام حين خرج من السفينة الآس.(1/147)
وأخرج أبو نعيم عنه قال: هبط آدم من الجنة بثلاثة أشياء: بالآسة –وهي سيدة ريحان الدنيا- وبالسنبلة –وهي سيدة طعام الدنيا- وبالعجوة – وهي سيدة ثمار الدنيا.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن الأوزاعي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التخلل بالآسي وقال: إنه يسقي عروق الجذام.
قال في الموجز: الآس بارد في الأولى يابس في الثانية، وقبضه أكثر من يبسه يحبس الإسهال والعرق وكل سيلان، وإذا تدلك به في الحمام قوي البدن ونشف الرطوبات الغريزية من الجلد، وورقه اليابس يمنع صنان الإبط، وخاصة حراقته ويقوي الشعر ويسود وينفع الشمج ويسكن الأورام والحمرة والشرى وحرق النار، وإذا طبخ ورقه وضمد به نفع الصداع الشديد، وينفع السعال والخفقان وشرابه يوقي البدن ويشد اللثة، وعصارة ثمرته تدر وتنفع حرقة البول.
وقال الذهبي: مدقوقه ينفع القروح والبثور ضماداً وكذلك يقوي الأعضاء، وإذا جلس في طبيخه نفع من قروح المعدة والرحم، وورقه يقوي العين ويسكن الرمد ويقطع الدمعة ويؤكل ثمره رطباً ويابساً، وإذا تدلك به في الحمام قوي البدن ونشف رطوباته والعرب تسميه الريحان.(1/148)
قال صلى الله عليه وسلم: إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فإنه من الجنة.
ومن مائه يعمل شرابه, وليس في الأشربة ما ينفع السعال ويقطع الإسهال إلا هو وشراب السفرجل, ومن حبه الأسود يعمل معجونة - انتهى ملخصاً.
الاهليلج
وأخرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه رفعه: عليكم بالهليلج الأسود فاشربوه فإنه من شجر الجنة طعمها مر وشفاء من كل داء.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه رفعه: الأهليلج من شجر الجنة قال قتادة: وفيه شفاء من سبعين داء.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن طلق بن حبيب قال: الهليلجة في البطن كالدبابونة في البيت قال سفيان: هي المرأة التي تصلح أمر البيت وتدبيره.
قال في الموجز: هليلج بارد في الأولى يابس في الثانية أكله يطفئ الصفراء وينفع الخفقان والجذام والتوحش والطحال ويقوى خمل المعدة, والأسود يصفى اللون, والكابلي ينفع الحواس والحفظ والعقل ومن الاستسقاء ويسهل البلغم والسوداء, والأصفر يسهل الصفرا وقليل بلغم, والأسود ينفع البواسير.(1/149)
إذخر
وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعاً وفيه أن بلالاً رضي الله تعالى عنه قال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولى إذخر وجليل
قال في الموجز: حار في الثانية يابس في الأولى لطيف يفتح السدد وأفواه العروق ويدر البول والطمث ويفتت الحصاة ويحلل الأورام الصلبة في المعدة والكبد والكليتين شرباً وضماداً, ودهنه ينفع الحكة ويذهب الإعياء, وأصله يقوي عمود الأسنان والمعدة ويسكن الغثيان البلغمي ويعقل البطن.
أرز
وأخرج أبو نعيم عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعاً سيد طعامكم اللحم ثم الأرز.
قال في الموجز: حار في الأولى يابس في الثانية, يجلو الوسخ ويدبغ المعدة ويعقد البطن.
وقال غيره: هو بارد في الأولى, وقيل: معتدل, وإذا طبخ اللبن وأكل مع السكر فإنه يغذي غذاء كثيراً ويهيج الباه ويخصب البدن وإذا طبخ مع لحم الحمل(1/150)
السمين – وقالت الهند: أنه أحمد الأغذية وأنفعها إذا أخذ بلبن البقر الحليب، وأنه من اقتصر على الغذاء به طال عمره، وإذا صنع من دقيقه حسو وبولغ في طبخه مع شحم كلى الماعز نفع جداً من إفراط الدواء المسهل ومن السحج العارض.
قال الذهبي: وهو أغذى الحبوب بعد الحنطة، وأحمدها خلطاً يعقل البدن والبطن، وإن طبخ اللبن قل عقله، وإذا أخذ بالسكر سهل انحداره وخصب البدن وزاد في المني، وآكله يرى أحلاماً حسنة.
وعن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: الأرز شفاء لا داء فيه.
ويسمى الحبة المنبتة لشدة طينة، فينبغي أن يصلح بالأذهان، ويؤكل بالسكر أو العسل – انتهى.
أرنب
وأخرج الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: انفجنا أرنباً – إلى أن قال: فبعث أبو طلحة بوركها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله.
قال الذهبي: لحمها يولد السوداء، وأطيب ما فيها المتن والوركان، وزعموا أنها تحيض.(1/151)
إلية
وأخرج ابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف لعرق النساء إلية شاة أعرابية، تذاب ثم تجزئ ثلاثة أجزاء ثم تشرب على الريق كل يوم جزأ ولقد نعته رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكثر من ثلاثمائة كلهم يبرون.
قال الذهبي: هي حارة رطبة تضر المعدة وتلين العصب. ومحمل الحديث إذا كان الوجع من يبس فالألية تلينه وتنضجه، والأعرابية أنفع لرعيها الشيح والقيصوم فإنهما ينفعان من وجع عرق النساء.
[حرف الباء] بنفسج
وأخرج أبو نعيم والشيرازي في الألقاب عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: الأدهان البنفسج.(1/152)
وأخرج أبو نعيم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده الحسين ابن علي رضي الله تعالى عنهم مرفوعاً: فضل البنفسج على سائر الأدهان كفضل الإسلام على سائر الأديان.
وخرجه من طريق آخر بلفظ: فضل البنفسج كفضلي على سائر الخلق: وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الشافعي قال: أحسن ما يداوى به الطاعون البنفسج، وفي لفظ: قال: لم أر للوباء أحسن بل أنفع من البنفسج يدهن به ويشرب.
قال في الموجز: هو بارد رطب في الأولى، وقيل: حار يولد ماء معتدلاً، ويسكن الصداع الدموي شماً وضماداً وجلوساً في طبيخه، وينفع من الرمد والسعال الحارين، ويلين الصدر وينفع من التهاب المعدة، وشرابه ينفع من ذات الجنب وذات الرية ومن وجع الكلى ويدر وينفع النزلات ويابسه يسهل الصفراء وشرابه يلين الطبيعة وينفع من نتو المقعد، ويستعمل في الحقن والنقوعات والمطابيخ والأقراص والفتايل والضمادات.
بصل وثوم
وأخرج مسلم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: أيها الناس إنكم تأكلون من شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد كنت أرى(1/153)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن كان منكم أكلهما فليمتهما طبخاً.
وأخرج البيهقي في الشعب عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مسجدنا هذا، فإن كنتم لا بد أكلهما فأميتوهما طبخاً، وفي لفظ: للبخاري: من أكل من هذه البقلة، وفي لفظ: من البصل والثوم فلا يقربن في مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى كما يتأذى منه بنو آدم.
وأخرج الترمذي عن علي رضي الله تعالى عنه قال: نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخاً.
وأخرج الترمذي عن أبي العالية قال: الثوم من طيبات الرزق.
وأخرج ابن السني عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يا رسول الله: نهيتنا عن طعام كان لنا نافعاً؟ قال: ما هو؟ قلت: الثوم، كان ينفع صدورنا وظهورنا قال: فمن أكله فلا يقربن مسجدنا.
وأخرج أبو داود وابن السني وأبو نعيم عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: أكلت ثوماً فأتيت المسجد فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ريح الثوم فقال: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن حتى يذهب ريحه، فقلت: يا رسول الله: أعطني يدك فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر، قال: إن لك عذراً.(1/154)
وأخرج أبو نعيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رفعه إذا دخلتم بلاداً فكلوا من بصلها يطرد وباها.
قال في الموجز: بصل حار في الثالثة يابس في الثانية، محلل مقطع ملطف مفتح وبصل العنصل في ذلك أقوى، والإكثار منه يسبت ويضر بالعقل ويصدع ويقوي المعدة ويشهي الطعام، والمطبوخ منه كثير الغذاء ويعطش وينفع من اليرقان، ويفتح أفواه البواسير،يهيج الباه ويدر ويلين الطبيعة وينفع من ريح السموم.
وقال: ثوم – حار يابس في الثالثة محلل للنفخ جداً، يقرح [الجلد وأكله] ينفع من تغير المياه ومن وجع الأسنان والسعال المزمن وأوجاع الصدر من البرد، ويخرج العلق والدود ويدر الطمث ويخرج البشيمة ويصفي الحلق ويقتل القمل والصيبان ويصدع، ويضر البصر.
وفي الهدى: من مضاره أنه يضعف الباه ويعطش ويهيج الصفراء ويجيف رائحة الفم.
وقال الذهبي: بصل حار، وفيه رطوبة فضلية، أكله ينفع من تغير المياه ويشهي الطعام، ويقطع البلغم، وشمه لشارب الدواء يمنع القيء ومع اللحم يقطع زهومته.
وعن معاوية أنه قرب طعاماً ببصل لوفد وقال: كلوا من هذا الفحل. فإنه أقل ما أكل قوم من فحال الأرض فضرهم ماءها.(1/155)
وأما ضرره فإنه يظلم البصر والإكثار منه يفسد العقل وينسي وهذا المضار في نييه.
وما ورد من النهي لآكله عن دخول المسجد فنهي تنزيه.
وقال: ثوم – ضماده يقرح الجلد وأكله ينفع من تغير المياه.
وقد روي: يا علي كل ثوم فلولا أن الملك يأتيني لأكلته.
وهو جيد للمبرودين والمفلوجين، ويجفف المني ويحل الرياح ويقوم في الأوجاع البارد وللسعال مقام الترياق.
وإذا ضمد به لسع الحية ونفح، ويذهب ريحه مضغ السداب – انتهى ملخصاً.
بلح وبسر ورطب وتمر
وأخرج النسائي وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم والحاكم والبيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله: كلوا البلح والتمر.
وأخرج ابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان أحب الفاكهة إلى رسول الله، الرطب والبطيخ.(1/156)
وأخرج الحاكم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير تمركم البرني، يخرج الداء ولا داء فيه.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير تمراتكم البرني، يخرج الداء ولا داء فيه.
وأخرج البيهقي في الشعب عن مزيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير تمرتكم البرني.
وأخرج ابن حبان عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم السحور التمر.
وأخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات والديلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الدود.
وأخرج أبو يعلي وابن السني وأبو نعيم عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطعموا نساؤكم الرطب فإن لم يكن فتمر.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما للنساء عندي شفاء مثل الرطب ولا للمريض مثل العسل.(1/157)
وأخرج أبو داود وابن السني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أرادت أمي أن تسمني فلم أقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثا بالرطب فسمنت عليه كأحسن السمن.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلت على أمي بمثل ما يقبل به النساء فلم أجب على ذلك فأطعموني القثاء والرطب والتمر حتى أرادوا أن يهدوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأقبلت عليه أحسن إقبال.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فجهد أبواي أن يسمناني فلم أسمن فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن أطعم القثاء بالرطب فسمنت أحسن السمن.
قال في الموجز: بلح وبسر باردان يابسان في الثانية، يقبضان ويعقلان البطن جيدان واللثة، رديان للصدر والرية بطيا الهضم يدبغان المعدة ويحدثان السدد في الأحشاء.
وقال في الهدى: قال بعض أطباء الإسلام: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكل البلح بالتمر ولم يأكل البسر مع التمر، ولا أمر به، لأن البلح بارد يابس والتمر حار رطب، ففي كل منها إصلاح للآخر، وليس كذلك ولا ينبغي من جهة الطب الجمع بين حارين أو باردين.
قال: وفي الحديث التنبيه على صحة أصل صناعة الطب ومراعاة التدبير الذي يصلح في دفع كيفيات الأغذية والأدوية بعضها ببعض ومراعاة القانون الطبي الذي يحفظ به الصحة.(1/158)
قال: والتمر حار في الثانية، وهل هو رطب في الأولى؟ أو يابس فيها؟ قولان وهو: مقوي للكبد، ملين للطبع؛ يزيد في الباه ويبري من خشونة الحلق.
وهو من أكبر الثمار تغذية للبدن، بما فيه، من الجوهر الحار الرطب. وأكله على الريق يقتل الدود، فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية؛ فإذا أديم استعماله على الريق: جفف مادة الدود وأضعفه وقتله: وهو فاكهة وغذاء ودواء وحلوى وشراب.
قال الذهبي: رطب: حار رطب، يولد نفخاً ويصلحه المحرور بالسكنجبين والرمان المر، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين نقيع مع البسر.
وقال: تمر حار يابس يزيد في الباه لا سيما مع [قلب] الصنوبر لكن فيه تصديع وضرر بصاحب الرمد.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم علياً لما كان أرمد عن أكل التمر، ونهى عن نفعه مع الزبيب، وكذلك نهى عن نقع الرطب من العنب ويدفع ضرر التمر بقلب اللوز والخشخاش.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أطعموا نساءكم التمر فإنه من كان طعامها التمر خرج ولدها حليماً.
والرطب طعام مريم عليها السلام, ولو كان طعاماً خيراً منه لأطعمها إياه.
قال الله تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً فكلى} الآية.(1/159)
وكان ينقع لرسول الله, فيشربه من الغد وبعد الغد ثم يأمر به فيسقى أو يراق.
وفي رواية: أكل التمر أمان من القولنج.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان أحب التمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العجوة.
قلت: لأن العجوة غذاء فاضل كاف وإذا أضيف إليها السمن تمت كفايتها.
وفي رواية: العجوة من فاكهة الجنة ذكر هذه الأحاديث أبو نعيم في كتب الطب له.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه مرفوعاً من تصبح بسبع تمرات عجوة لم تضره ذلك اليوم سم ولا سحر - رواه الشيخان.
وفي رواية لمسلم من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين تصبح لم يضره سم حتى يمسي.
قلت: تصبح أكل صبيحة كل يوم.(1/160)
والعجوة تمر من أنواع تمر المدينة, أكبر من الصيحاني يضرب إلى سواد, من غرس النبي صلى الله عليه وسلم وإنما صار فيها هذا المنافع ببركة غرسة النبي صلى الله عليه وسلم - وهذا مثل من وضعه الجريدتين ما لم ييبسا على قبري المعذبين في قبورهما فكان ببركة وضعه لهما تخفيف العذاب عنهما.
وروى الترمذي أيضاً مرفوعاً: العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عجوة العالية شفاء وإنها لترباق أول البكرة - رواه مسلم.
ومن السنة [للصائم] الفطر على العجوة أو التمر.
قال صلى الله عليه وسلم: من وجد تمراً فليفطر عليه ومن لا يجد فليفطر على الماء فإنه طهور - رواه النسائي.
وأعلم أن الفطر عليهما أو الزبيب والأشياء الحلوة يقوي الصائم ويعينه على الصوم وقد جاء عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان يفطر على الزبيب انتهى ملخصاً.(1/161)
بطيخ
وأخرج النوقاني في جزء البطيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان أحب الفاكهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرطب والبطيخ, وتقدم من حديث أنس وعائشة رضي الله تعالى عنهما, قال ابن القيم: المراد به الأخضر.
وأخرج ابن عساكر من طريق الفضل بن صالح بن بشر الطبراني حدثنا أبي عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أنه كان عند عبد الملك بن مروان فلما أراد أن يقوم أجلسه عبد الملك فجيء بالغداء فلما أكلوا قربوا البطيخ فقال الزهري: يا أمير المؤمنين حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام عن أبيه أنه سمع بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلاً ويذهب بالداء أصلاً, فقال له عبد الملك: لو أخبرتني قبل ذلك يا ابن شهاب لفعلنا كذلك, فدعا صاحب الخزانة وسار في أذنه شيئاً فأقبل الخازن ومعه ألف فوضعها بين يدي الزهري فحملها - قال ابن عساكر: الحديث شاذ لا يصح.
قال في الموجز: بطيخ: بارد في أول الثانية رطب في آخرها, والظاهر أن الأصفر ليس كذلك, والنضيج منه لطيف والفج كثيف, قال في طبع القثاء: وهو منضج حال مدر ينفع من حصاة الكلى والمثانة وينقى الجلد وينفع من(1/162)
الكلف والنمش والبيهق, ويستحيل إلى أي خلط وافق في المعدة وهو إلى البلغمية أميل منه إلى الصفراء, والظاهر استحالة الأصفر إلى الصفراء أكثر وليتبعه المحرور سكنجبينا سكريا والمرطوب زنجبيلاً مربي.
وفي الهدي: البطيخ أسرع انحداراً عن المعدة عن القثاء والخيار وإذا أكله محروراً ينتفع به جداً أو مبروداً دفع ضرره بيسير من الزنجبيل ونحوه وينبغي أكله قبل الطعام فإنه يغسل البدن غسلاً ويذهب بالداء أصلاً.
وقال الذهبي: الأخضر بارد رطب والأصفر أميل إلى الحرارة والعبدلي منسوب إلى عبد الله, وتكثر حرارته بزيادة حلاوته, وكله جلاء للبصر مدر للبول, سريع الهضم ودلوك الأصفر مذهب لنمش الوجه, لا سيما بزره وقشره إذا طبخ من اللحم الغليظ أنضجه, ويجب لآكل البطيخ أن يتبعه طعاماً. فإن لم يفعل غثى وربما قيأ, ومتى فسد ينبغي أن يخرج من البدن, فإنه يستحيل إلى كيفية سمية, وكان صلى الله عليه وسلم يحب من الفاكهة البطيخ والعنب.
وقال أبو مسهر: كان أبي إذا اشترى البطيخ قال: يا بني اعدد الخطوط التي فيها فإن تكن بالفرد فخليق أن تكون حلوة, ولا ينبغي أن يؤكل الأصفر على الخضراء.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: البطيخ طعام وشراب وريحان يغسل المثانة وينظف البطن ويكثر ماء الظهر ويعين على الجماع وينقي البشرة ويقطع الأبردة.
قلت: الأشبه أن تكون هذه الخصال في الأصفر منه - انتهى ملخصاً.(1/163)
بيض
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وابن السني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نبياً من الأنبياء شكى إلى الله الضعف فأمره بأكل البيض.
قال في الموجز: أفضل البيض النمبيرشت من مخ بيض الدجاج والصلب من مشوية يستحيل إلى الدخانية, وهو إلى الاعتدال, لكن مخه أميل إلى الحرارة, وبياضه إلى البرودة وهما رطبان, وهو ينفع من السعال وخشونة الحلق, وبحوحة الصوت ومن السل والشوصة وضيق النفس والنفث الدم, وخاصة إذا تحسيت صفرته مفترة وهو سريع النقوذ جيد الكيموس كثير الغذاء لطيفه, وفيه قبض ويدخل في حقن قروح الأمعاء وفي أدوية الزحير.
وذكره صاحب القانون في الأدوية القلبية وقال: إن للصفرة مدخلاً في تقوية القلب جدا, وهي تجمع ثلاث معان: سرعة الاستحالة إلى الدم, وقلة الفضل: وكون الدم المتولد منه مجانساً للدم الذي يغذو القلب مجففاً منه إليه سرعة.
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن حرملة قال سمعت الشافعي يقول لا تأكل بيضاً مصلوقاً بليل أبداً. فقل ما أكله أحد بليل فسلم.
وقال الذهبي: إذا طلى الوجه ببياضه منه تأثير الشمس, وينفع من حرق النار ضماداً, ويسكن أوجاع العين, ويزيد من الباه - انتهى ملخصاً.(1/164)
بقلة حمقاء وهي الرجلة الفرفج
وأخرج أبو نعيم عن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في رجله قرحة فمر بها فعصر على رجله منها فبرأ فقال: بارك الله فيك انبتي حيث شئت.
قال الذهبي باردة رطبة, تنفع المواد الصفراوية, وخاصة بالخل أكلاً وضماداً وتنفع الضرس وتقطع الباه, وتضعف شهوة الطعام, ومن رماها في فراشه لم ير مناماً ولا حلماً - انتهى.
[حرف التاء] توت
وأخرج الخطيب في تاريخه عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل توتاً في قصعة.
قال في الموجز: التوت الأبيض قريب من التين لكنه أقل غذاء وأردئ للمعدة.
وأما الشامي فهو بارد رطب وفيه قبض يمنع سيلان المواد إلى الأعضاء وخصوصاً الفج والفج كالسماق في أفعاله ومنه يعمل ربه وهو نافع جداً لأورام الحلق غرغرة ومشروباً وأكلاً, ويشهي الطعام ولهذا ينبغي أن يؤكل قبله ويزلق ويسرع انحداره عن المعدة ويبطئ في الأمعاء ولذا ينبغي أن يشرب عليه الماء البارد وفيه إدرار.(1/165)
تين
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: أهدي النبي صلى الله عليه وسلم طبق من تين فقال لأصحابه كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم قلت في التين, وإنه يذهب بالبواسير وينفع من النقرس.
قال في الموجز: الرطب منه حار قليلاً رطباً كثير المائية ولا غذاء.
سريع الانحدار، والفج جلاء إلى البرد ما هو واليابس حار لطيف وهو أغذى عن جميع الفواكهة، والنضيج جداً قريب من أن لا يضر، واللحيم أكثر إنضاجاً وفيه تليين بالغ وتعريق فلذلك في تسكن الحرارة ويقمل البدن أو ما كان أكله ولبنه يجمد الذائب من الدماء والألبان، ويذيب الجامد منهما وهو يصلح اللون الفاسد بسبب الأمراض وينضج الدماميل ضماداً ويعطش المحرورين ويسكن العطش الكائن عن البلغم المالح، وينفع السعال المزمن ويدر البول وينفخ سدد الكبد والطحال ويعين على حبس البول ويوافق الكلى والمثانة، ولآكله على الريق منفعة عجيبة في تفتيح مجاري الغذاء خصوصاً بالجوز واللوز وهو مع الأغذية الغليظة ردي جداً، وأجوده الأبيض النضيج المقشر والجميز ردي للمعدة قليل الغذاء – انتهى.(1/166)
[حرف الثاء] ثفاء
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالثفاء فإن الله جعل فيه شفاء من كل داء.
قال أبو عبيد: الثفاء هو الحرف قال ابن القيم: وتسميه العامة [حب] الرشاد، وقوته في الحرارة واليبوسة من الدرجة الثالثة، وهو يسخن ويلين البطن ويخرج الدود وحب القرع، ويحلل أورام الطحال ويحرك شهوة الجماع ويجلو الجرب المتقرح والقوبا، وإذا تضمد به مع العسل حلل ورم الطحال، وإذا طبخ في الحفا أخرج الفضول التي في الصدر، وشربه ينفع من نهش الهوام ولسعها، وإذا بخر به في موضع طرد الهوام عنه ويمسك الشعر المتساقط وإذا خلط بسويق الشعير وضمد به نفع من عرق النساء وحلل الأورام الحارة في آخرها، وإذا تضمد به مع الماء والملح أنضج الدماميل، وينفع من الاسترخاء في جميع الأعضاء ومن الربو وعسر النفس وغلظ الطحال، ويشهي الطعام وينقي الرية ويدر الطمث وينفع من عرق النساء ووجع حق الورك مما يخرج من الفضول، وإذا شرب منه بعد سحقه وزن خمسة دراهم بالماء الحار أسهل الطبيعة وحلل الرياح ونفع من وجع القولنج البارد السبب، وإذا سحق وشرب نفع من البرص وإذا لطخ عليه وعلى البهق الأبيض مع الخل نفع منهما، وينفع من الصداع الحادث من البرد والبلغم وإن غلي وشرب عقل البطن، وإذا غسل بمائه الرأس نقاه من الأوساخ والرطوبات اللزجة.(1/167)
[حرف الجيم] جبن
أخرج البيهقي في الشعب عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجبن؟ فقال: اقطع بالسكين واذكر نعمة الله وكل.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سئل عن الجبن فقال: ما يأتينا من العراق فاكهة أعجب إلينا من الجبن.
وقال ابن دريد: في أماليه حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال سمعت أن خالد بن صفوان رأى رجلاً يأكل جبناً فقال: ما نرجو منه فإنه حسن المدخل عسر المخرج, ثم رآه الرجل يأكله, فقال ألم تناها قال: بلى ولكنه يفيق الشهوة وهو حمض من حمض العرب.
قال في الموجز: الرطب من الجبن بارد رطب, والعتيق حار يابس وأفضله المتوسط والطري غاذ مسمن والمملح العتيق يهزل, وهو ردي للمعدة لكنه يزيد الشهوة وخلطه بالملطفات ردي بسبب تنفيذها له ويولد حصاة الكلى والمثانة - انتهى.
وقال الذهبي: قال ابن سينا: أكل التين والجوز والسداب دواء لجميع السموم.(1/168)
ويروى عن المهدي قال: دخلت على المنصور فرأيته يأكل الجبن والجوز فقلت: ما هذا؟ قال: حدثني أبي عن جدي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الجبن والجوز فسأله فقال: الجبن داء والجوز داء فإذا اجتمعا صارا دواء - رواه صاحب الوسيلة.
وروت أم سلمة أنها قدمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبناً مشوياً فأكل منه ثم صل ولم يتوضأ - رواه الترمذي في الشمائل.
وعن المغيرة نحوه, والمشوي نافع لقروح الأمعاء نافع للإسهال - انتهى قلت: هذا تصحيف وصوابه جنباً بتقديم النون على الباء - وبوب عليه البخاري في صحيحه فقال: باب الكتف والجنب - والله أعلم.
جرجير
ويسمونه الأطباء بقلة عائشة.
وأخرج أبو نعيم عن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الجرجير بقلة خبيثة كأني أراها تنبت في النار.
وهو حار رطب يحرك شهوة الجماع.(1/169)
جراد
أخرج الشيخان عن ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد.
قال الذهبي: هو حار يابس قليل الغذاء، الإكثار منه يورث النزال.
وقال أنس رضي الله تعالى عنه: كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد بينهن.
وقال عمر رضي الله تعالى عنه: أشتهي جراداً مقلوا – انتهى.
[حرف الحاء] الحبة السوداء
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله، يقول: إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام والحبة السوداء هي الشونيز.
وأخرج النسائي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير ما تداويتم به الحجامة والقسط والشونيز.(1/170)
وأخرج الترمذي عن قتادة قال: حدثت أنا أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: الشونيز دواء من كل داء إلا السام. قال قتادة: تأخذ كل يوم إحدى وعشرين حبة فنجعلهن في خرقة فتسعط به كل يوم في منخرك الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة والثاني في الأيسر قطرتين والأيمن قطرة والثالث في الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة.
وأخرج الطبراني عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى تقمح كفاً من شونيز ويشرب عليه ماء وعسلاً.
قال ابن القيم في الهدي: الحبة السوداء هي الشونيز في لغة الفرس وهي الكمون الأسود ويسمى الكمون الهندي.
وقال الحربي عن الحسن رضي الله تعالى عنه إنها الخردل، وحكى الهروي أنها الحبة الخضراء ثمر البطم وكلاهما وهم، والصواب: أنها الشونيز وهي كثير المنافع جداً. وقوله: ((شفاء من كل داء)) مثل قوله تعالى: {تدمر كل شيء} يقبل التدمير، ونظائره. وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض، فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها.
وقال الموفق في شرح هذا الحديث: الشونيز هو الكمون الأسود ويسمى الكمون الهندي ومنافعة كثيرة، وهو حار يابس في الدرجة الثالثة، يجلو ويقطع ويحلل ويشفي من الزكام إذا قلي وصر وشم دائماً، ويحلل النفخ غاية التحليل وإذا ورد(1/171)
من داخل البدن ويقتل الدود إذا أكل على الريق, وإذا وضع على البطن من خارج لطوخاً.
ودهنه ينفع من داء الجبة ومن الثآليل والخيلان وإذا شرب منه مثقال بما نفع من البهق وضيق النفس ويحدر الطمث المحتبس والضماد به ينفع من الصداع البارد وإذا نقع منه سبع حبات عدداً في لبن امرأة ساعة، وسقط به صاحب اليرقان نفعه بليغاً, وإذا طبخ بخل مع خشب الصنوبر ويمضمض به نفع من وجع الأسنان عن برد, وإذا شرب أدر البول والطمث واللبن وإذا شرب بنطرون شفى من عسر النفس, وينفع من نهش الرتيلا ودخينه تطرد الهوام وخاصة إذا هاب الجشا الحامض الكائن من البلغم والسوداء.
قال: وهذه من بعض منافعها - قال: وقوله: شفاء من كل داء أي من أكثر الأدواء ويجوز أو يطلق ويراد به الأكثر لضرب من المبالغة - انتهى.
وقال أبو الحسن بن طرخان الحبة السوداء بالعربية المشهورة عند الناس هي الشونيز بالفارسية وهي الكمون في لغة الهند, ومنافعها جمة ولذلك شاع إطلاق أنها شفاء من كل داء فيكون إطلاقاً ويراد به الأكثر مبالغة قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} وأرواح الشهداء والجنة والنار لا يهلكون، فالشونيز نافع من جميع الأمراض الباردة الرطبة, وينفع من الحارة اليابسة مع غيره لسرعة تنفيذها, وربما نفع الحار من الحار, كالأنزوت من الرمد والكبريت من الجرب.
وخراج الشونيز حار يابس في الثالثة مذهب للنفخ والبرص وحمى الربع البلغمية مع السدد محلل للرياح مخفف للمعدة الرطبة, وإذا دق وعجن بعسل وماء سخن أذاب حصى الكليتين والمثانة, وإن سحق بخل وطلي على البطن قتل حب القرع,(1/172)
وإن عجن بماء حنظل طرح الدود ويشفي من الزكام البارد, وإذا قلي وشم, وضماده مع خل قالع للبهق والجرب, محلل للأورام المزمنة ونفعه ظاهر إذا شرب لِلَسْعَةِ الرتيلا, وإن سحق وخلط بدهن والريح والسدد وإن قليى ودق ناعماً ويقع في زيت وقطر منه في الأنف ثلاث قطرات نفع من الزكام العارض من عطاس كثير.
وإذا أحرق وخلطه بشمع ودهن حناء وطلى القروح الخارجة في الساقين بعد غسلها بالخل.
وإذا استف منه كل يوم درهمين بماء بارد نفع من عضة كلب كلب وأمن على نفسه من الهلاك.
وإذا استعط بدهنه نفع من الفالج وإذا أديف مع الانزروت بماء ولطخ على داخل الحلقة نفع من البواسير وشربته درهمان.
وقال غيره: إذا استعط به مسحوقاً نفع من ابتداء المآة العارض في العين وإذا استعط بدهنه نفع من اللقوة.
وقال الذهبي: حبة سوداء وهي الشونيز قال البخاري: حارة يابسة في الثانية. وقيل: في الثالثة، أخباره عنه صلى الله عليه وسلم مثل أخباره من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر، وبأن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخرة شفاء، ومثل هذا كثير، وهذه الأخبار من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، وينفع من جميع الأمراض الباردة، [وينفع] من الحارة مع غيره ليسرع تنفيذها ومثل هذا تركيب الأطباء الزعفران وقرص الكافور.(1/173)
ودهنه نافع من الثواليل، وإذا دهن به أسرع نبات اللحية ومنع الشيب، ودخانه يطرد الهوام، وهو مع الخبز يذهب نفخه، وينفع الصداع، والفالج، والشقيقة السوداء والسكتة والنسيان والدوار يعني الدوخة، ومنافعه كثيرة من أرادها كلها فعليه بكتب الأطباء المطولات – انتهى ملخصاً.
حناء
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي رافع رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسيد الخضاب الحناء يطيب البشرة ويزيد في الجماع.
وأخرج البزار وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اخضبوا بالحناء فإنه يزيد في شبابكم, نكاحكم.
وأخرج أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اخضبوا بالحناء فإنه طيب الريح يسكن الدوخة.
وأخرج الخطيب عن سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً جالسة إذا أتى رجل فشكى إليه وجعاً يجده في رأسه فأمره بالحجامة وسط رأسه, وشكى إليه ضرباناً يجده في قدميه فأمره أن يخضبها بالحناء, ويلقي في الحناء شيئاً من ملح - وفي رواية: شيئاً من حرمل.
وأخرج أبو داود والبخاري في تاريخه عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: ما شكى أحد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلا قال: احتجم, ولا وجعاً في رجليه إلا قال له: اختضب بالحناء.(1/174)
وأخرج أبو داود وابن ماجه عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كان لا يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء.
قال ابن القيم: الحناء بارد في الأولى يابس في الثانية, ومن منافعه أنه محلل نافع من حرق النار, وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به، وينفع إذا مضغ من قروح الفم والسلاق العارض فيه, ويبرئ القلاع الحادث في أفواه الصبيان, والضماد به, وينفع به من الأورام الحارة الملهبة, وينفع في الحراقات, وإذا خلط نوره مع صمغ المصفا ودهن الورد ينفع من أوجاع الجنب.
ومن خواصه أنه إذا بدأ الجدري يخرج بصبي, فخضبت أسافل رجليه بحناء: فإنه يؤمن على عينيه أن يخرج فيه شيء وهو صحيح مجرب لا شك فيه, وإذا جعل نوره بين طي ثياب الصوف طيبها, وقلع السوس عنها: وإذا نقع ورقه في ماء عذب ثم عصر وشرب من صفوته أربعين يوماً, كل يوم عشرين درهماً مع عشرة دراهم سكر, وتغذى عليهم بلحم الضأن الصغير, فإنه ينفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة.
وحكي: أن رجلاً تعفنت أظافيره وأنه نذر لمن يبريها مالاً: فلم يجد فوصفت له امرأة: أن يشرب عشرة أيام حناء فلم يقدر عليه ثم نقعه بماء وشربه فبرأ ورجعت أظافيره كحسنها.
والحناء إذا ألزمت به الأظفار معجوناً: حسنها ونفعها, وإذا عجن بالسمن وضمد به بقايا الأورام الحارة التي ترشح ماء أصفر نفعها, ونفع من الجرب(1/175)
المتقرح المزمن، منفعة بليغة. وهو ينبت الشعر ويقويه ويحسنه ويقوي الرأس وينفع من النفاطات والبثور العارضة في الساقين والرجلين، وسائر البدن.
وقال الذهبي: بارد يابس، وقيل: فيه حرارة وخضابه يحمر الشعر.
وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم أخرجاه – وقال أحمد بن حنبل: أخضب ولو مرة واحدة وأحب لك أن تخضب وما تتشبه باليهود.
وقال أيضاً: ما أحب لأحد إلا أن يغير الشيب ولا يتشبه بأهل الكتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: غيروا الشيب ولا تشبهوا بأهل الكتاب رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم ويكره السوداء.
وقد خضب أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وعامة السلف مثل محمد بن الحنيفة وابن سيرين وخلق وكان ابن عمر يصفر لحيته.
وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته.
وفي البخاري أن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أخرجت إليهم من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو مخصوب بالحناء والكتم، وأما قولها: إنه كان يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء فإن علاجها بما يجفف منها الرطوبة كي تتمكن القوة من إنبات اللحم فيها والحناء يفعل ذلك، لتجفيفه تلك الرطوبة الفضيلة التي تمنع نبات اللحم في القرحة وأما الشوكة فإن في الحناء قوة محللة ترخي العضو فتعين على خروج الشوكة - انتهى ملخصاً.(1/176)
حنظل
وأخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المنافق كالحنظلة لا ريح لها وطعمها مر.
قال الذهبي: هو حار يابس في الثالثة, فينبغي أن يجتنب حبه وقشره ويستعمل شحمه مفروكاً بقلب الفستق والمفرد منه على الشجرة قاتل وهو يسهل البلغم بعنف - انتهى.
حرير
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في لبس الحرير لابن عوف والزبير لحكة كانت بهما وفي لفظ: أنهما شكيا القمل في غزاة فرخص لهما في قميص الحرير.
قال الذهبي: حار يابس أفضله الخام وهو من المفرحات ولبسه يمنع تولد القمل خلافاً لما قاله ابن سينا فإنه زعم أنه ليس يولد القمل [لبسه] ينفع من غلبة السوداء, مقو للقلب, ولبسه محرم على الرجال.
وفي الحديث دليل على جواز التداوي بالمحرم, والصحيح من مذهب الشافعي جوازه للحكة ونحوها, ومنعه مالك لما صح عن أبي موسى مرفوعاً أن الله أحل لأناث أمتى الحرير والذهب وحرمت على ذكورها - انتهى.(1/177)
[حرف الخاء] خل
أخرج مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أهله الأدام فقيل: ما عندنا إلا خل فدعا به وجعل يأكل ويقول: نعم الأدام الخل.
وقد ورد: نعم الأدام الخل, من رواية جمع من الصحابة أفرد في جزء.
وفي رواية مرفوعاً: اللهم بارك في الخل فإنه كان إدام الأنبياء قبلي.
وفي أخرى: لم يفتقر بيت فيه خل - رواه الترمذي وابن ماجه.
قال ابن القيم: الخل مركب من الحرارة والبرودة, وهي أغلب عليه, وهو يابس في الثالثة, قوي التجفيف يمنع من انصباب المواد ويلطف وينفع المعدة الملتهبة, ويقمع الصفراء والدم, إذا جمد في الجوف ويدفع ضرر الأدوية القتالة, وينفع الطحال ويدبغ المعدة ويعقل الطبيعة ويقطع العطش ويمنع الورم حيث يريد أن يحدث, ويعين على الهضم ويضاد البلغم ويلطف الأدوية الغليظة وبرق الدم, وإذا حسي قلع العلق المتعلق بأصل الحنك, وإذا تمضمض به سخناً نفع من وجع الأسنان وقوى اللثة وهو مشة للأكل مطيب للأطعمة صالح للشباب في الصيف ولسكان البلاد الحارة.(1/178)
قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: في الخل منافع للدين والدنيا, وذلك أنه بارد يقطع حرارة الشهوة وطعمها.
ثم أخرج من طريق ابن السني عن عبد الله بن أبي عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: كان عامة آدم أزواج نبي الله صلى الله عليه وسلم بعده الخل ليقطع عنهن ذكر الرجال.
وقال الذهبي: يضر السوداء ويضاد البلغم وينفع الجمرة والنملة والجرب وحرق النار, ومع دهن الورد وماء الورد للصداع آية, ويتمضمض به لوجع الأسنان فيسكنها سواء كانت حارة أو باردة وهو يوقد نار المعدة ومنه يصنع شراب السكنجبين وعقيده, ويسمى بالعراق الخل, شراب الخل يحفظ صحة المحرورين وينفع الحميات العفنة ويقلل المني والفطر عليه يقلل الولد - انتهى.
خمر
أخرج مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن وائل بن حجر أن سويد بن طارق رضي الله تعالى عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر يجعل في الدواء فقال: إنها داء وليست بالدواء.
وأخرج أبو داود وابن السني وأبو نعيم عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام.(1/179)
قال الذهبي: هذا أمر وأقل رتب الأمر الندب, والنهي فيه دال على التحريم, فإن قيل: الأمر هنا للإباحة قلنا: إنما يكون ذلك إذا تقدم حصر كقوله تعالى: {فإذا قضيت الصلوة} الآية, وقد كان صلى الله عليه وسلم يتداوى - انتهى.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تداوى بالحلال كان له فيه شفاء, ومن تداوى بحرام لم يجعل الله له فيه شفاء.
وأخرج أبو نعيم عن ابن سيرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أصابه شيء من هذه الأدواء فلا يفزعن إلى شيء ما حرم الله فإن لم يجعل في شيء مما حرم شفاء.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: من تداوى بالخمر فلا شفاه الله.
وأخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم.
وأخرج ابن حبان عن طارق بن سويد رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يا رسول الله! إن بأرضنا أعناباً نعتصرها ونشرب منه, قال: لا تشرب, قال: فراجعته, قلت: أنستشفي بها المرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك داء وليس بدواء وشفاء.
وأخرج ابن حبان عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلي فقال: ما هذا؟ فقالت: إن(1/180)
ابنتي اشتكت فنبذت لها هذا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام.
وقال الذهبي: وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث - قال وكيع: يعني السم - رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
وعن عثمان بن عبد الرحمن أن طبيباً ذكر ضفدعاً في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن قتلها - رواه أبو داود والنسائي.
وقال ابن الأعرابي: الخبيث في كلام العرب المكروه, فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من الملل فهو الكفر, وإن كان من الطعام فهو الحرام, وإن كان من الشراب فهو الضار.
وقال الخطابي: سماها يعني الخمر النبي صلى الله عليه وسلم داء لما في شربها من الإثم, ومعلوم أنها دواء لبعض الأمراض, ولكنه صلى الله عليه وسلم نقلها من باب الدنيا إلى باب الآخرة, ومن الطبيعة إلى الشريعة.
والخمر تذكر وتؤنث كتمر وتمرة, وقال غيرهم: يجوز أن يكون الله تعالى سلبها المنفعة لما حرمها, والصحيح أنه لا منفعة فيها لأن السائل لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم بحرمتها ويعلم أن فيها الإثم, وإنما سأله عن نفعها الطبيعي فنهاه ونفاه, وقد بالغ أهل الكفر والفسوق والعصيان في مدحها.
وكان من أعظم نعم الله علينا بعد أن هدانا للإسلام تحريمها علينا, فإن تحريمها كان من كمال ديننا ورحمة ربنا, فإن شربها يذهب بأكمل ما خلق الله فينا وهو(1/181)
العقل الذي لو كان يشترى لبذلت فيه الأرواح فضلاً عن الأموال, ومن شربها علم مفاسدها ومضارها, فإن شاربها يستبيح القبائح والمحرمات من الفروج الحرام. حتى لو وقعت ذات محرم لاستحلها وافترشها مع ما فيها من البول في الثياب والقيء على الفراش, والقماش, وغير ذلك من المحرمات, من قتل النفس التي حرم الله وغير ذلك [و] من أسرف في شربها قد تقتله وبقى أياماً مخموراً منها لا يأكل الطعام, ولا يصحو من رقدة المنام, وهي تتخذ من العنب خاصة وعند الحنفية, وأما جمهور الأئمة فعندهم كل مسكر حرام وهو خمر - انتهى.
خبز
قال الله تعالى: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف}.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعاً: ((أكرموا الخبز فإن الله سخر [له] السموات والأرض.
قال الأطباء: أفضله التنوري النضيج النقي, ومزاجه حار, وفيه يبس, ولا ينبغي أن يؤكل حتى يبرد, فإن الحار منه معطش, وأحمد أوقات أكله يوم خبزه, واليابس والفطير يعقلان الطبع للبطين: ويتلوه الفرني وما عدا ذلك فردي, ومهما قلت نخالته أبطاء هضمه لكنه أكثر تغذية وألين منه أغذا وأهضم, والمتخذ فتينا نفاخ بطيء الهضم, وخبز القطائف يولد خلطاً غليظاً والمعمول باللبن مسدد كثير(1/182)
الغذاء بطيء الانحدار, وخبز الشعير مبرد منفخ, وخبز الحمص بطيء الهضم, فينبغي أن يكثر ملحه, وإذا كان في دقيق الخبز تراباً ولد أكله الحصا في المثانة والكلى.
[حرف الدال] دجاج
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحم الدجاج المعنى؟
قال الذهبي: هو أفضل لحم الطير, حار رطب في الأولى, خفيف في المعدة, سريع التهضم, جيد الخلط, يزيد في الدماغ والمني, ويحسن اللون ويقوي العقل, لكن مداومة أكله يورث النقرس, أفضله ما لم يبض, والديك أسخن وأقل رطوبة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم صوت الديك فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً.
العتيق دواء للقولنج والخصى سريع الهضم محمود الغذاء, ومرق الفراريج يسكن لهيب المعدة - ذكره ابن البيطار, ولحمها سريع الهضم مولد دماً جيداً يلين الطبع - انتهى.(1/183)
[حرف الذال] ذباب
أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإنه في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء.
وفي رواية لابن ماجه وأبي داود: أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء. وقد عقد البخاري لهذا الحديث باباً في صحيحه.
ونقل الخطابي أن بعض من لا خلاق له تكلم على هذا الحديث وقال: كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة, وكيف يعلم حتى تقدم جناح الداء وتؤخر جناح الشفاء؟ قال: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل فإن الذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي كيفيات متضادة, ثم إن الله تعالى قد ألف بينهما الجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والدواء في جزئين من حيوان واحد وألهم الذرة أن تؤخر قوتها لأوان حاجتها إليه, هو الذي خلق الذبابة وجعل لها الهداية أن تقدم جناحاً وتؤخر جناحاً وتقدم جناح الداء لتدفع بهما عن نفسه.
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
وقد نقل الأطباء أن الذباب الذي سمي الذراريح في أحد جناحيه داء وفي أخرى شفاء, ولم يذكروا في الذباب غير أنه أن ذلك به لسعة زنبور أو عقرب نفع نفعاً بيناً, وأن ذلك به ورم الجفن أبرأه.(1/184)
حرف الراء رمان
قال الله تعالى: {فيهما فاكهة ونخل ورمان}.
وأخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرمان فقال: ما من رمانة إلا وفيها حبة من رمان الجنة.
وفي رواية: ما لحقت رمانة إلا بقطرة من ماء الجنة. وفي رواية ما أكل رجل رمانة إلا أرتد قلبه إليه ويهرب الشيطان عنه.
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وابن السني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة.
وفي رواية عن علي رضي الله تعالى عنه من أكل رمانة نور الله قلبه.
حلو الرمان – رطب، جيد للمعدة، مقولها بما فيه: من قبض لطيف. نافع للحلق والصدر والرئة، جيد للسعال، وماءه ملين للبطن، وحامضه بارد يابس قابض لطيف، ينفع المعدة الملتهبة ويسكن الصفراء، يقطع الإسهال ويمنع القيء، ويطفئ حرارة الكبد، ويلطف الفضول، ويقوي الأعضاء وينفع الخفقان الصفراوي، والآلام العارضة للقلب وفم المعدة، ويقوي المعدة ويدفع الفضول عنها، ويطفئ نارية الصفراء والدم – وأما الرمان المر فمتوسط طبعاً وفعلاً.(1/185)
قال الذهبي: وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنه إذا وجد الحبة من الرمان أخذها فأكلها فقيل له في ذلك فقال: بلغني أنه ليس في الأرض رمانة تلقح إلا بحبة من رمان الجنة فلعلها هذه.
وحكى الآمدي عن ابن بطال أنه قال عن أنس أنه قال: من أكل ثلاثة أيام من أقماع الرمان أمن رمد عينيه سنة. وقيل: من ابتلع ثلاثة من حب الرمان في العام أمن رمده، وهو أول ما يعقد الحلو منه حار رطب، شرابه ينفع السعال وأكله على الطعام يمنع فساده في المعدة وأفضله الأمليسي، والحامض منه بارد يابس، ومنه يعمل شراب الرمان المنعنع وجميع أصناف الرمان يسكن الخفقان – انتهى.
ريحان
والمراد به ههنا الفارسي، وقد قدمنا أن العرب تريد بالريحان الآس.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة.
قال الذهبي: هو حار، اشتمامه يقوي القلب، والمرشوش منه بالماء ينوم – انتهى.(1/186)
حرف الزاي زبيب
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هند رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الطعام الزبيب، يشد العصب [ويذهب بالوصب] ويطيب النكهة، ويذهب بالبلغم، ويصفي اللون.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: من أكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء كل يوم لم ير في جسده شيئاً يكرهه.
الزبيب – حار رطب في الأولى وهو كالعنب المتخذ منه: الحلو حار والحامض القابض بارد، والأبيض أشد قبضاً من غيره، وإذا أكل لحمه: وافق قصبة الرئة، ونفع من السعال ووجع الكلى والمثانة، ويلين البطن ويقوي المعدة والكبد والطحال. وينفع من وجع الحلق والصدر والرئة ويغذو غذاء صالحاً ولا يسد كما يفعل التمر وما أكل بعجمه: كان أكثر نفعاً للمعدة والكبد والطحال. وهو يخصب الكبد وينفعها بخاصية فيه، وفيه نفع للحفظ.
وقال الزهري: من أحب أن يحفظ الحديث فيأكل الزبيب أخرجه السلفي في الطيوريات.
قال الذهبي: أحمده الكبار الكثير اللحم الصغير العجم، يسخن، ويعطش ويسمن أبدان المحرورين ويصلحه المحرور بالسكنجبين، وحبه يسخن المعدة، ويقع في سفوف حب رمان.(1/187)
روى عن تميم الداري رضي الله تعالى عنه أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم زبيباً، فلما وضعه بين يديه قال لأصحابه: كلوا فنعم الطعام الزبيب يذهب التعب ويطفئ الغضب ويشد العصب ويطيب النكهة ويذهب بالبلغم ويصفي اللون – رواه أبو نعيم.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد ثم يأمر به فيسقى الرقيق.
وفي رواية: فيسقى الخدم أو يهراق.
نهى صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزبيب في النقع.
وكان الزهري يأكله ولا يأكل التفاح الحامض وغذاء الزبيب أصلح من غذاء التمر. ومن أخذ من الزبيب وقلب الفستق وحصا اللبان كل يوم على الريق قوي ذهنه –يذكر عن ابن عباس- انتهى.(1/188)
زيت وزيتون
وأخرج الترمذي والبيهقي في الشعب عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا الزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة.
وأخرج الترمذي والبيهقي في حديث أبي أسيد رضي الله تعالى عنه مثله وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مثله.
وأخرج الحارث ابن أبي أسامة في مسنده والبيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها ذكر عندها الزيت فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن يؤكل ويدهن ويستعط به ويقول: إنه من شجرة مباركة.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم ومن طريقهما ابن الجوزي عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عليكم بزيت الزيتون فكلوه وادهنوا به فإنه ينفع من البواسير وفي رواية: من ادهن بالزيت لم يقربه شيطان.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا الزيت وادهنوا به فإن فيه شفاء من سبعين داء منها الجذام.
الزيت - حار رطب في الأولى يسخن ويرطب باعتدال, وينفع من السموم ويطلق البطن ويخرج الدود ويبطئ الشيب ويشد اللثة.
وقال الذهبي: زيت الانفاق هو المعتصر من الزيتون الفج, أفضل الزيت وهو بارد يابس, والمتخذ من الزيتون المدرك, حار باعتدال وإلى الرطوبة أقرب, وكلما(1/189)
عتق قويت حرارته والادهان به يقوي الشعر والأعضاء, وشربه ينفع السموم, وجميع الأدهان تضعف المعدة إلا هو.
وقال المفسرون في قوله تعالى: {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن -هو الزيت- وصبغ للآكلين} هو الائتدام به.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الزيت والورس من ذات الجنب.
وقيل: الزيت ترياق الفقراء.
وأمان الزيتون الأخضر فبارد يابس جيد الغذاء مقو للمعدة مثير للشهوة مانع تراقى الأبخرة.
وأما الأسود فحار يابس يولد السواد رديء للمعدة.
وأما الزيتون المالح ينفع من حرق النار ومضغ ورق الزيتون ينفع من قلاع الفم من الجمرة والنملة والشرى - انتهى.
زبد
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه كان صلى الله عليه وسلم: يحب الزبد والتمر.
وأخرج أبو نعيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله تعالى عنها إنك أحب إلي من الزبد بالعسل.
قال الذهبي: حار رطب في الأولى منضج, محلل, أجوده الطري, ينفع من اليبس والسعال اليابس وخصوصاً باللوز والسكر, وينفع أوجاع الفم واللثة(1/190)
والقلاع, ويسهل إنبات الأسنان للصبيان إذا طليت به ويغذى البدن ويضعف شهوة الطعام ويذهب بوخامته العسل أو التمر - انتهى.
[حرف السين] سفرجل
أخرج النسائي وابن ماجه وابن السني والحاكم وصححه عن طلحة قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وبيده سفرجلة فرماها إلي وقال: دونكها يا طلحة فإنها نجم الفؤاد, في لفظ: فإنها تجم القلب وتطيب النفس وتذهب بطخاوة الصدر.
وأخرج الديلمي عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا السفرجل فإنه يجم الفؤاد ويشجع القلب ويحسن الولد.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا السفرجل على الريق فإنه يذهب وغر الصدر ويذهب بالإسهال.
قال القالي في أماليه حدثنا محمد بن القاسم الأنباري حدثنا محمد بن يونس الكريمي حدثنا إبراهيم حدثنا زكريا البزار حدثنا عمر بن أزهر الواسطي عن أبان عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أكل السفرجل يذهب بطخاء القلب.(1/191)
قال ابن الأنباري: الطخاء الثقل والظلمة. وفسره أبو عبيد فقال: الطخاء الغشي والثقل قال القالي: وحقيقته عندي أنه ما جلل القلب حتى يشد الشهوة, ولذلك قيل: للسحاب طخاء لأنه يجلل السماء والليلة الظلماء طخاء لأنها تجلل الأرض بظلمتها. وفي كتاب: ((اللطائف واللطف)) لأبي منصور عبد الملك الثعالبي ما أحسن تقسيم الأمير ابن الرشيد الثمار للأعضاء في قوله: الرمان للكبد والتفاح للقلب والسفرجل للمعدة والتين للطحال والبطيخ للمثانة.
قال ابن القيم: السفرجل بارد يابس قابض جيد للمعدة يسكن العطش والقيء ويدر البول ويعقل الطبع وينفع من قرحة الأمعاء ونفثة الدم والهيضة ومن الغثيان ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام وهو قبل الطعام يقبض وبعده يلين الطبع ويسرع بانحدار الثقل ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة ويشد القلب ويطيب النفس, ومعنى تجم الفؤاد: ترشحه, وقيل: تفتحه وتوسعه والطخاء ثقل وغثيان وهو على القلب مثل الغيم على السماء.
وقال الذهبي: الإكثار منه يولد القولنج, ولعابه ينفع السعال وخشونة الحلق, ومن السفرجل تعمل الساذجة والمطيبة, فالساذجة ماء السفرجل يضاف إليه السكر ويغلي حتى يأخذ قواماً، والمطيبة يضاف إليها المسك وجوارشه المسهل والقابض والشراب الليمون السفرجلي وشراب السفرجلي الخام, ودهنه يمسك العرق ويقوي المعدة ويشد القلب ويطيب النفس, والمطيبة منه بالعنبر أقوى.(1/192)
وهن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أطعموا حبالاكم السفرجل فإنه يجم الفؤاد ويحسن اللون.
ويجم الفؤاد أي يريحه ويوسعه - انتهى ملخصاً من طبه وفي نسخة منه.
وعنه قال صلى الله عليه وسلم: كلوا السفرجل فإنه يجلو عن الفؤاد ما بعث الله نبيا إلا أطعمه من سفرجل الجنة فيزيد في قوته قوة أربعين رجلاً.
سكر
وأخرج السلفي في ((الطيوريات)): عن موسى بن جعفر قال: من أخذ سكرة عند النوم كانت شفاء من كل داء إلا السام.
وأخرج أيضاً عن أبي يزيد الطبيب: قال بشر: السكر دواء للجسد والهيرون ترياق.
وأخرج النوقاني في كتاب البطيخ من طريق موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل بطيخاً بسكر.
وأخرج أيضاً عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يأكل البطيخ بالطبررذ.
قال الذهبي: حار رطب يجلو البلغم، ويلين الطبع، والأحمر منه أشد تليناً، ويوصل قوى الأدوية إلى أقاصي الأعضاء، وقصبة فيه رطوبة فضلية والإكثار منه يورث الجرب – انتهى.(1/193)
سناء
وأخرج أحمد والترمذي وابن السني وأبو نعيم عن أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألها بما تستمشين؟ قالت: بالشرم، قال: حار جار قالت: ثم استمشيت بالسناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن شيئاً كان فيه شفاء من الموت لكان في السناء.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه عن أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها الشبرم تدقه فقال: ما تصنعين بهذا؟ قالت: نسقيه فلاناً فقال: إنه دواء، ودخل عليها وعندها سناء فقال: ما تصنعين بهذا؟ قالت: تشربه فلاناً، فقال: لو أن شيئاً يدفع الموت أو ينفع من الموت نفع السناء.
وأخرج أبو نعيم عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مرتثة فقلت: شربت دواء المشي استمشي به، فقال: وما هو؟ قلت: الشبرم قال: والشبرم فإنه حار جار، وعليك بالسناء والسنوت فإن فيهما [دواء] من كل داء إلا السام.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كان في شيء شفاء من الموت لكان في السناء.
قال الموفق عبد اللطيف: السناء دواء شريف مأمون الغائلة قريب الاعتدال إلا أنه حار يابس في الدرجة الأولى يسهل الصفراء والسوداء ويقوي جرم القلب(1/194)
وهي فضيلة شريفة وخاصته النفع من الوسواس السوداوي ومن سشقاق الأطراف وتشنج العضل وانتشار الشعر ومن القمل والصداع العتيق والجرب والبثور والحكة والصرع، وإذا طبخ في زيت وشرب نفع من أوجاع الشهر والوركين وهو يكون بمكة كثيراً وأفضل ما يكون هناك ولذلك يختار الأطباء السناء المكي.
وقال في الهدى: شرب مائه مطبوخاً أصلح من شربه مدقوقاً ومقدار الشربة منه من ثلاث دراهم إلى خمسة دراهم من مائه، ثم قال الموفق: وأما الشبرم فحار بإفراط في الدرجة الرابعة حار جداً والشربة منه قيراط إلى ثلاثة قراريط والإكثار منه يقتل، ولذلك أكره بالإتباع فقال: حار حار جداً، كما يقال: حسن بسن ويروى بإبدال الحاء جيماً لأنها قريبة المخرج منها، وقولها استمشيت أي استدعيت المشي وهو كناية عن الإسهال لطيفة لأنه يوجب المشي إلى المتوضأ فسمي بالفرض التابع، والمسهل يسمو المشو، والمشي وهو فعول بمعنى فاعل من المشي لأنه من يشربه يمشي نحو المتوضأ.
وقال الذهبي: السناء دواء شريف مسهل بلا عنف، ولذلك أدخلوه الأطباء في كل الأدوية ولكثرة منافعه فيدخل في النقوعات المسهلة والمطابيخ والحبوب والحقن واليسافات والسفوقات وما ذاك إلا لحسن إسهاله، وهو يسهل الصفراء والسوداء والبلغم، ويغوص على الخلط عمق المفاصل ولهذا ينفع من أوجاعها وعده ابن سيناء في الأدوية القلبية.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسماء: بم تستمشين أي بم تسهلين بطنك وفي [قوله صلى الله عليه وسلم ]: لو إن شيئاً كان فيه شفاء من الموت لكان السناء، سر(1/195)
لطيف ومعنى جليل وبرهان بين، على أن النبي صلى الله عليه وسلم مطلع على كثير من العلوم فإن الشبرم دواء منكر قوي الإسهال للسوداء والبلغم مكرب [مغث] والإكثار منه يقتل ولذلك أكره بقوله صلى الله عليه وسلم: حار جار في حديث أسماء المتقدم ولا يستعمل حتى بلغ في لبن حليب غير مرة، والشربة منه قيراط إلى أربعة دوانق يعني ثلاث ربع درهم وهو خطر، ولذلك يترك الأطباء استعماله وشرب ماء السناء مطبوخاً أصلح من شرب جرمه مدقوقاً والشربة من مدقوقه من درهم إلى ثلاثة، ومن مطبوخه من سبعة إلى عشرة، وإن أضيف إلى طبيخه زهر بنفسج وزبيب أحمر منزوع العجم كان أصلح.
وقال الرازي: السناء والشاهترج يسهلان الأخلاط المحترقة وينفعان من الجرب والحكة، والشربة من كل واحد منهما من أربعة دراهم إلى سبعة. قلت: هذا أصلح ما يكون من المسهل، لكن ينبغي أن يضاف إليها إما الزبيب أو السكر.
والشاهترج هو الشاطراج حار يابس – انتهى.(1/196)
سنوت
وأخرج ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم والحاكم عن أبي أم حرام رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عليكم بالسناء والسنوت فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام، قيل: وما السام يا رسول الله قال: الموت.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في السناء والسنوت شفاء من كل داء.
قال أبو نعيم: قال ابن أبي عبلة: السنوت الشبت، وقال آخرون هو العسل الذي يكون في زقاق السمن، وقيل: هو التمر وقيل: الكمون وقيل: الرازيانج.
وقال ابن السني: هو الكمون الكرماني، وقال ابن الأعرابي: هو حب شبه الكمون وليس به وقال غيره: هو الرازيانج، قال الموفق: إذا كان المراد به الشبت أو الكمون أو الرازيانج فمنافع كل من هذه ظاهرة غزيرة، وكان معناه العسل في زقاق السمن فيمكن أن يقصد به ما يكتب من الرطوبة والدهانة السناء أحسن إصلاحه، وكان نظير ما نعمله اليوم من السكر ودهن اللوز مع طبيخ السناء.
وقال الذهبي: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة فيهن شفاء من كل داء إلا السام السناء والسنوت، قالوا: هذا السناء قد عرفناه، فما السنوت؟ قال: لو شاء الله لعرفتموه، قال محمد: ونسيت الثالثة – انتهى ملخصاً.(1/197)
سمسم
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي جعفر الباقر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعط بالسمسم.
وأخرج في فوائده من طريق أبي جعفر عن أبيه عن علي رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعط بدهن الجلجلان يعني دهن السمسم.
قال الذهبي: سمسم حار رطب في الأولى، يضر المعدة، وهو أكثر البزور دهناً، وأكل كسبه يولد بخر الفم.
سمن
وأخرج ابن جرير وابن السني وأبو نعيم عن صهيب رضي الله تعالى عنه يرفعه – عليكم بألبان البقر فإنها شفاء وسمنها دواء ولحمها داء.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن علي بن أبي طالب قال: لم يستشف الناس بشيء أفضل من السمن.
وأخرج أبو نعيم عن حر الأنصاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: السمن واللبن إذا سخنا لم يخالطهما داء في البطن.
السمن حار رطب في الأولى منضج محلل يلين الحلق والصدر وينضج فضلاته وخصوصاً بالعسل واللوز، وهو ترياق السموم المشروبة.
وقال ابن القيم: ذكر جالينوس أنه أبرأ به الأورام الحادثة في الأذن(1/198)
والأرنبة وأما سمن البقرة والمعز فإذا شرب مع العسل: نفع من السم القاتل ومن لدغ الحياة والعقارب.
وأخرج ابن عساكر عن قطر بن عبد الله قال: رأيت عبد الله بن الزبير وهو يواصل من الجمعة إلى الجمعة، فإذا كان عند إفطاره دعا بعقب من سمن ثم يزمر بلبن فيحلب عليه ثم يدعو بشيء من صبر فيدره عليه ثم يشربه فأما اللبن فيعصم وأما السمن فيقطع عن العطش وأما الصبر فيفتق أمعاؤه.
وقال الذهبي: يضر بالمعدة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بألبان البقر فإنه ترم من كل الشجر، وقال علي: لم يستشف الناس بشيء أفضل من السمن –رواهما أبو نعيم- انتهى ملخصاً.
سويق
أخرج ابن السني عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: لامرأة ولدت: اشربي السويق فإنه يقطع الوجع ويدر العرق ويقطع الحشا.
وأخرج أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه دعا بشربة من سويق ملتوتة بسمن وقال: لامرأة ولدت: اشربي فإن هذا يشد أحشاك ويسهل عنك الدم وينزل لك اللبن.
قال الذهبي: سويق – المستعمل منه سويق الشعير فإنه أبرد من سويق الحنطة، وفيه نفخ وقبض يذهبان بالعسل، وهو غذاء جيد للمحمومين يقوي المعدة ويقطع العطش والغثيان ويدخل في بعض الضمادات – انتهى.(1/199)
سواك
أخرج أحمد عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السواك مطهر للفم مرضاة للرب.
وأخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب مجلاة للبصر.
وأخرج الدارقطني في سننه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: في السواك عشر خصال: مرضاة للرب، ومسخطة للشيطان مفرحة للملائكة جيد للثة يذهب بالحفر ويجلو البصر ويطيب الفم ويقلل البلغم، وهو من السنة ويزيد في الحسنات.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالسواك فإنه مطهرة الفم يجلو البصر ويذهب بالحفر ويشد اللثة ويذهب البلغم ويطيب الفم ويصح المعدة.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة يطيب الفم ويذهب بالحفر، قال ابن القيم: في السواك عدة منافع: يطيب الفم ويشد اللثة ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويفتح المعدة ويصفي الصوت ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام – انتهى وقد أنهى بعض المتأخرين منافعه إلى أن يعين ونظمها.
وقال الذهبي: قال أبو حنيفة الدينوري: أراك هو عود السواك وهو أفضل ما استيك به، وأجوده ما استعمل مبلولاً بماء الورد.(1/200)
وقال حذيفة رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك – أخرجه البخاري.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن التخلل بعود الرمان والريحان.
ونهى عمر رضي الله تعالى عنه عن التخلل بالقصب – انتهى.
سك
أخرج أبو نعيم عن شيبة أخي أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيب بالسك.
قال الذهبي: سك يقوي المعدة ويقطع رائحة العرق.
سلوى
قال الله عز وجل: {وأنزلنا عليهم المن والسلوى}.
قال الذهبي: هو طائر يخرج من البحر أكله يلين القلب الجاسي، وهو جيد الكيموس نافع للأصحاء والناقهين، ومزاجه قريب من مزاج الدجاج ويسمى قتيل الرعد لأنه إذا سمع الرعد مات.(1/201)
[حرف الشين] شحم
أخرج ابن السني عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: الشحم يخرج مثله من الداء.
الشحم حار رطب، وهو أقل رطوبة من السمن، ينفع من خشونة الحلق ومن قروح الأمعاء ومن الزحير.
وقال الذهبي: يسخن ويرطب وما عتق منه فهو أشد حرارة وشحم الذكر أشد حرارة من الأنثى ولا يأكله اليهود – انتهى.
شعير
أخرج ابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء من الشعير فيعمل لهم.
قال الذهبي: شعير بارد يابس في الأولى، أجوده الأبيض، وغذاؤه دون غذاء الحنطة وماءه نافع للسعال وخشونة الحلق، مدر للبول جلاء للمعدة قاطع للعطش مطفئ للحرارة محلل وماءه أغذا من سويقه – قال أبقراط: في ماء الشعير(1/202)
عشر خصال هذه المعدودة ولزوجة معها ملاسة وهو أصلح الأغذية في الأمراض الحارة – انتهى.
[حرف الصاد] صبر
أخرج أبو داود في مراسيله وابن السني وأبو نعيم عن قيس بن رافع رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماذا في الأمرين من الشفاء: الصبر والثفاء يعني الحرف, وقد تقدم, وعزاه الذهبي للترمذي, ورواه أبو عبيد موصولاً من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه بلفظه سواء.
وأخرج مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يشتكي عينيه وهو محرم قال: ضمدها بالصبر.
الصبر كثير المنافع, ولا سيما الهندي منه: ينقي الفضول الصفراوية التي في الدماغ وأعصاب البصر, وينفع من قروح الأنف والفم, ويسهل السوداء [والماليخوليا] وإذا طلي على الجبهة والصدغ بدهن الورد: نفع من الصداع.
وقال الذهبي: هو نبت يحصد ويعصر ويترك حتى يجف, وأجود ما يجلب من سقطري: جزيرة بساحل اليمن. حار يابس في الثانية, ينفع ضرر الأدوية إذا خلط معها, وينفع ورم الجفن ويفتح سدد الكبد ويذهب اليرقان وينفع قروح المقعدة ذروراً - انتهى.(1/203)
صعتر
وأخرج ابن الجوزي عن علي رضي الله تعالى عنه قال: بخروا البيت بالصعتر واللبان.
قال الذهبي: هو حار يابس في الثالثة طارد للريح, محلل للنفخ هاضم للطعام الغليظ محسن اللون, يدر البول والحيض, نافع من برد المعدة والكبد باعث للشهوة وشمه للزكام إذا شرب قتل الدود وحب القرع.
[حرف الضاد] ضب
وأخرج الشيخان عن خالد رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يكن يعني الضب بأرض قومي فأجدني أعافه, قال خالد: فاحترزته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر. قال الذهبي: وهو حار يابس يحرك الباه.
وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضب؟ فقال: لا آكله ولا أحرمه.
وقال جابر رضي الله تعالى عنه: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فلم يأكله وقال: أخاف أن يكون من الأمم التي مسخت.
قال الله تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} - قال مجاهد: الضريع هو الشبرق وهو عشبة مرة منتنة سم.(1/204)
ضفدع
وأخرج أبو داود والنسائي عن عثمان بن عبد الرحمن رضي الله تعالى عنه أن طبيباً ذكر الضفدع في دواء عند النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن قتلها - وقد تقدم.
قال ابن سينا: من أكل من لحمه أو دمه ورم بدنه وكمد بدنه وقذف المني حتى يموت ولذلك ترك الأطباء استعماله - انتهى.
[حرف الطاء] طلع
قال الله تعالى: {لها طلع نضبد}.
قال الذهبي: هو ما يبدو من تمر النخل, وقشره يسمى الكفرى, وقيل: طلع النخل هو الذكر يلقح به النخل, وقال الياقوتي: طلع النخل يزيد في الباه.
وقيل إذا تحملت به المرأة قبل الجماع أعان على الحبل, وهو بارد وإصلاحه بالتمر.
وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه أنه مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى قوماً يلقحون نخلاً فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قال: يأخذون من الذكر فيجعلونه في الأنثى قال: ما أظن ذلك يغنى شيئاً فبلغهم فتركوه ونزلوا فما حمل تلك السنة شيئاً فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما هو ظن, إن كان يغني شيئاً فاصنعوه فإنما أنا بشر مثلكم, وإن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله تعالى: فخذوا به, فلن أكذب على الله.(1/205)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: حدثوني عن شجرة مثلها مثل الرجل المسلم, فوقعوا في شجر البوادي فقال: هي النخلة.
وقال علي رضي الله تعالى عنه: أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق الله منه آدم عليه السلام.
طين
قال الله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين}.
الطين المختوم والطين الأرميني كلاهما يقطع الدم, والأرميني ينفع من الطاعون [ونفث الدم] وطين الأكل ينفع الهيضة وكثرة سيلان الرطوبة من الفم في وقت النوم.(1/206)
[حرف الظاء] ظفر
وأخرج الشيخان عن أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: رخص لنا [عند الطهر] إذا اغتسلت إحدانا من حيضها في نبذة من قسط أو أظفار. الأظفار عطر يابس حار بخوره جيد لاختناق الرحم والتحمل به عقب الطهر جيد للحمل.
[حرف العين] عسل
وأخرج ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لعق ثلاث لعقات عسل في كل شهر ثلاث غدوات على الريق لم يصبه عظيم من البلاء.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما طلب الدواء بشيء أفضل من شربة عسل.
وأخرج ابن ماجه وابن السني والحاكم وصححه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالشفائين العسل والقرآن.
وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشفاء في ثلاثة في شرطة حجم أو شربة عسل أو كيته بنار، وأنا أنهى عن(1/207)
الكي.
وأخرج البخاري عن جابر رضي الله تعالى عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن كان في أدويتكم شيء من خير ففي شرطة مجحم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق بالداء ما أحب اكتوي.
وأخرج ابن منده في المعرفة والبيهقي في الشعب وابن عساكر في تاريخه عن عامر بن مالك قال: بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وعك كان بي ألتمس منه دواء أو شفاء فبعث إلي بعكة من عسل.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم وابن عساكر عن عم عامر بن طفيل قال: كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ظهرت به الوعكة ابعث إليه بدواء من عندك فأهدى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عكة من عسل.
أخرج أبو نعيم في الحلية عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: ثلاث يفرج بهن البدن ويربوا عليهن: الطيب، والثوب اللين، وشرب العسل.
وأخرج السلفي في الطيوريات عن الليث بن سعد قال: كان ابن شهاب يكره أكل التفاح ويقول: أنه ينسي ويشرب العسل ويقول: إنه يذكر.
قال الموفق: العسل حار يابس في آخر الثانية وه جلاء مفتح إذا استعمل أكلاً وطلاء، وينقي البشرة وينعمها ويحفظ قوى المعاجين وغيرها وكل ما يودع فيه، ولذلك يسمى الحافظ الأمين، وإن اكتحل به جلا البصر وإن استن به: يبض الأسنان وصقلها. وحفظ صحتها وصحة اللثة، وإذا تغرغر نفع أورام الحلق ومن الحناق، ويوافق السعال البلغمي ويدر البول ويلين البطن ويفتح أفواه العروق ويدر الطمث، ويثريء من أكل الفطر القتال ومن شرب الأفيون ومن لسعة(1/208)
العقرب ومن نهش الهوام ذوات السم ومن عضة الكلب الكلب، وهو غذاء مع الأغذية وشراب في الأشربة ودواء وحده ومع الأدوية وحلوى وفاكهة. لم يخلق لنا شيء فيه معاينة أفضل منه ولا مثله، لا مما نصفه ولا مما هي لنا، وهو مع هذه الفضائل الجمة مأمون الغائلة قليل المضار وأنفع ما كان للمشايخ ومضرته للصفراويين، ودفع مضرته بالخل أو نحوه فيعود حينئذ نافعاً لهم، وهو يدخل في أغذية الشيوخ ومن أشبههم، وهو في أكثر الأحوال والأمراض أنفع من السكر فإنه يفتح ويجلو ويدر ويحلل، وهذه الأفعال في السكر عليه بحالتين فقط، إنه أقل حرارة وحده وحلاوة، وإن فيه أرضية ليست في العسل. ولذلك مهما طبخ السكر ظهر له رغوة ورسخ، وأما العسل فتذهب رغوته بطبخة واحدة ولكثرة أرضية السكر وقلة حدته صار ملائماً للمعدة والتغذية، وأنفع لأرباب الأمزجة الملتهبة فإنه أطأ استحالة إلى الصفراء من العسل، فإن العسل أدخل في باب الغذاء وإصلاحه لمن لا يوافقه عسر، ولذلك كان القدماء يعتمدون على العسل في العلاج، ولا يتخطونه إلى السكر أصلاً، وقد عمل بعض الأطباء بالمغرب مقالة في العسل وتفضيله على السكر وتغالى حتى تعصب على السكر، وصرح بالنهي عنه.
وبالجملة فلعق العسل على الريق تذيب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويدفع الفضل وينضجه ويسخنها باعتدال ويفتح سددها ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة وهو أقل أضرار السدد الكبد والطحال من كل حلو.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب كل يوم قدح عسل ممزوجاً الماء على الريق.
فهذه حكمة عجيبة في حفظ الصحة لا يعقلها إلا العالمون. وقد كان بعد ذلك يغتدي بخبز الشعير مع الملح والخل أو نحوه، ويصابر شهر العيش فلا يضره لما سبق له من الإصلاح، وقد كان صلى الله عليه وسلم يراعي في حفظ صحته أموراً فاضلة جداً، منها شرب العسل بالماء على الريق، ومنها تقليل الغذاء ويجتنب التخم، ومنها(1/209)
شرب بعض النقوعات يلطف بها غذاءه كنقيع التمر أو الزبيب أو الشعير, ومنها استعمال الطيب وجعل المسك في مفرقه والادهان والاكتحال.
وكان عليه السلام يغذي روح الدماغ والقلب بالمسك وروح الكبد والقلب بالعسل ويقلل الغذاء الأرضي الجسماني ويتغذه بالنقيع فما انفع هذا التدبير وما أفضله.
وقوله: عليكم بالشفائين العسل والقرآن - وجمع في هذا القرآن بين الطب البشري والطب الإلهي وبين الفاعلي الطبيعي والفاعل الروحاني وبين طب الأجساد وطب الأنفس وبين السبب الأرضي والسبب السماوي.
وقال الذهبي: عسل -بوبه عليه البخاري باب الدواء بالعسل- وقول الله تعالى: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس}.
وروى أبو سعيد رضي الله تعالى عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال: اسقه عسلاً فذهب أخوه ثم رجع فقال: سقيته فلم ينفع وعاد مرتين, فقال في الثالثة أو الرابعة: صدق الله وكذب بطن أخيك ثم سقاه فبرأ - رواه البخاري ومسلم.
وله: إن أخي عرب بطنه، أي فسد هضمه واعتلت معدته وعرب كدرب قلت: قوله وكذب بطن أخيك - دال على أن للشرب منه لا يكفي مرة ولا مرتين وذلك الرجل كان إسهاله من تخمة فأمره صلى الله عليه وسلم بالعسل, والعسل شانه دفع الفضلات المجتمعة في المعدة والأمعاء, ووجه آخر وهو أن من الإسهال ما يكون سبب رطوبته يلحح في الأمعاء فلا تمسك الثقل, وهذا المرض يسمى زلق الأمعاء, والعسل فيه جلاء للرطوبات, فلما أخذ العسل جلا تلك الرطوبات فأحدرها فحصل البرء, ولذلك(1/210)
أكثر به الإسهال في المرة الأولى والثانية, وهذا من أحسن العلاج ولا سيما إن مزج العسل بماء حار.
قلت: أجمع الأطباء على هذا, ولذلك يقولون: إن احتاجت الطبيعة إلى معين على الإسهال أعينت بمثل هذا وهذا النوع من الإسهال يخطئ فيه كثير من الأطباء لأنه يتوهم أنه يحتاج إلى ما يمسكه فيبقى الطبيب كلما أعطى المريض دواء قابضاً ازداد البلاء بالمريض إلى أن ييسر الله له طبيباً حاذقاً يبرئه, وهذا يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له اطلاع على سائر الأمراض وعلاجاتها والأدوية المناسبة لها صلى الله عليه وسلم .
وقال عياض: في قوله صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك – يريد قوله تعالى: {فيه شفاء للناس}، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم، وقال قوم: الضمير فيه عائد إلى القرآن وبه يقول مجاهد، وسياق الكلام يدل على أن المراد العسل.
وكانت عائشة تقول: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العسل. وروت أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلو والعسل – رواه الشيخان.
وأجود العسل الربيعي ثم الصيفي ثم الشتوي.
وأجمع الأطباء أنه أنفع ما يتعالج به الإنسان لما فيه من التقوية مع الجلاء للمعدة، ويحفظ اللحم الطري ثلاثة أيام، والخيار والقثاء ستة أشهر، وإذا لطخ به البدن: قتل القمل ولين الشعر وطوله وحسنه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالشفائين العسل والقرآن: فيه سر لطيف أي لا يكتفي بالقرآن وحده ويبطل السعي، بل يعمل بما أمر ويسعى في الرزق كما قدر، ويسأله المعونة والتوفيق. لما يسر بمنزلة الفلاح الذي يحرث الأرض ويودعها البذر ثم يضرع إلى خالقه في دفع العاهات وإنزال القطر، ويستعمل بعد ذلك التوكل عليه سبحانه في إتمام ما منه حذر وأنذر في جلب الصحة ودفع الضرر.
وقال بعض العلماء: يريد صلى الله عليه وسلم عليكم بالشفائين أن الله جعل العسل شفاء من الأمراض والآفات كما جعل القرآن شفاء الصدور من الشكوك والشبهات – انتهى(1/211)
ملخصاً.
عدس
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً أن أكله يرقق القلب ويدمع العين ويذهب الكبر.
قال الذهبي: أجوده أسرعه نضيجاً، فيه برد ويبس، أكله يحدث غشاوة البصر ردي للمعدة، نفاخ، ونقيعه ينفع الجدري، وإصلاحه أن يطبخ مع السلق، وتوابله السماق والزيت والكسفرة –انتهى.
عنب
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أمية بن زيد العيسى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العنب والبطيخ – وقد تقدم.
قال الذهبي: أجوده اللحم الأبيض ثم الأحمر ثم الأسود، ولحمه حار رطب وقشره وحبه إلى البرد واليبس، وهو جيد الغذاء، والنضيج منه أجود وأحمد وبطيء العهد بالقطف أفضل، فإن الطري منه منفخ مطلق، والإكثار منه.(1/212)
[حرف الغين] غراب
وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرام وعد منها الغراب.
قال الذهبي: هو أربعة أنواع: الأسود الكبير, والأبقع, وكلاهما يأكلان الجيف, ولحمهما حرام على الصحيح من مذهب الشافعي وأبي حنيفة, وغراب الزرع يأكل الزرع و[الرابع] الغذاف, وهو لطيف لونه رمادي فقيل: يؤكلان وقيل: لا يؤكلان, وجميع أنواعه رديء اللحم, عسر الهضم يولد السوداء والجذام, والأطباء ينهون عنه - انتهى.
[حرف الفاء]فاغية
وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان أحب الرياحين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاغية.
وأخرج فيها أيضاً عن بريدة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: سيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية.
قال الذهبي: هي زهر الحناء تنفع الأورام الحارة, وإذا طويت مع الصوف تمنع العث - انتهى.(1/213)
فستق ولوز
وأخرج ابن عساكر عن دحية الكلبي قال: قدمت من الشام فأهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكهه يابسة من فستق ولوز وكعك فوضعه بين يديه فقال: اللهم ائتني بأحب أهلي إليك يأكل معي من هذا فطلع العباس فقال: ادن يا عم فجلس فأكل.
قال الذهبي: فستق -حار رطب- قشره الأحمر يمنع القيء والإسهال وقيل: إن أكل قلب الفستق مع الزبيب الأسود يذكي ويقوي القلب, ولوز الحلو منه: ينفع السعال ويرطب, وأكله مع السكر يزيد في المني ويزيد في الدماغ ويخصب البدن, ويغذو غذاء جيداً والمر منه حار يفتت الحصاة.
وروت عائشة قالت: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسويق اللوز فرده وقال: هذا شراب الجبابرة والمترفين بعدي.
فجل
وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه قال: من سره أن يأكل الفجل ولم يجد ريحه فليذكر النبي صلى الله عليه وسلم أول قضمة.
قال الذهبي: فجل غذاؤه قليل وفيه حرارة يفتح سدد الكبد ويغشي ويقي ويعين على الهضم, ويعسر هضمه, وأكله يولد القمل.(1/214)
[حرف القاف] قرع
ذكر الله تعالى في قصة يونس عليه السلام فقال: {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين}.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم بسند ضعيف عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق مخلد بن قريشي أنا عبد الرحمن بن دلهم، عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكثر [في] الدماغ قال البيهقي: منقطع.
وأخرج الديلمي عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما رفعه: كلوا اليقطين فلو علم الله عز وجل أن شجرة أخف منها لأنبتها على يونس, وإذا اتخذ أحدكم مرقاً فليكثر فيه من الدباء فإنه يزيد في الدماغ, وفي العقل.
وأخرج الترمذي عن أبي طالوت قال: دخلت على أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وهو يأكل القرع وهو يقول: يا لك شجرة ما أحبك إلي لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أياك.
القرع - بارد رطب سريع الانحدار وإن لم يفسد الهضم: يولد منه خلط محمود, وإن طبخ بالسفرجل: غذا البدن غذاء جيداً وهو لطيف مائي وينفع المحرورين, وماؤه يقطع العطش ويذهب الصداع الحار, وهو ملين البطن كيف استعمل, ولا يتداوى المحرورون بمثله. ولا أعجل منه نفعاً وهو شديد النفع لأصحاب الأمزجة الحارة والمحمومين.(1/215)
قال ابن القيم: بالجملة فهو ألطف الأغذية وأسرعها انفعالاً.
وقال الذهبي: هو بارد رطب في الثانية وهو أجود المزاوير للمحمومين.
وقال أنس رضي الله تعالى عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدباء - رواه البخاري ومسلم.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها من أكل القرع بالعدس رق قلبه وزيد في جماعه وإن أخذ بالرمان الحامض أو السماق نفع الصفراء - انتهى.
قسط
وأخرج البزار وابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خير ما تداوى به الناس والحجامة والقسط البحري.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن أم قيس بنت محض قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي قد اعلقت عليه من العذرة فقال علام تذعرن أولادكن بهذه العلاق عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب يسعط به العذرة ويلد من ذات الجنب قال أبو داود يعني: القسط.
القسط ضربان: أحدهما الأبيض الذي يقال البحري, والآخر الهندي وهو أشدهما جداً, والأبيض ألينهما ومنافعه كثيرة جداً, وهما حاران يابسان في(1/216)
الثالثة, ينشفان البلغم ويقطعان الزكام وإذا شربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة, ومن بردهما ومن حمى الورد والربع وقطعا وجع الجنب ونفعا من السموم.
قال جالينوس: ينفع من الكزاز وجع الجنبين وتقتل حب القرع.
قال ابن القيم: وقد خفى على جهال الأطباء نفعه من ذات الجنب فأنكروه، ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس نزل منزلة النص –وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب- ذكره الخطابي عن محمد بن الجهم.
وقد تقدم أن طب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب الأنبياء وإن بين ما يلقى بالتجربة والقياس من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق.
وقال الذهبي: قسط – حار يابس في الثانية، ينفع الفالج ويحرك الباه، وهو ترياق لنهش الأفاعي، واشتمامه يحل الزكام ودهنه ينفع وجع الظهر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط – أخرجه البخاري.
وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين الحجامة والقسط سر لطيف، وهو أنه إذا طلي به شرط الحجامة لم يتخلق في الجلد أثر المشاريط، وهذا من غرائب الطب، فإن هذه الآثار إذا بقيت في الجلد قد يتوهم من يراها أنها برص أو بهق، والطباع تنفر من مثل هذه الآثار فحيث علم ذلك ذكر مع الحجامة ما يؤمن معه ذلك والقسط هو العود الهندي، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم أمثل ما يتداوى به لكثرة منافعه.(1/217)
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله تعالى عنها وعندها صبي يسيل منخراه دماً فقال: ما هذا؟ قالوا: إنه العذرة، قال: ويلكن لا تقتلن أولادكن، أيما امرأة أصاب ولدها العذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطاً هندياً فلتحنكه ثم تسعطه به فأمر عائشة فصنعت ذلك به فبرأ – إسناده على شرط مسلم.
والعذرة وجع الحلق وقيل دم يهيج فيه وتتأذى منه اللحمتان اللتان تسميهما الأطباء اللوزتين في أعلى الحلق على فم الحلقوم والنساء تسميها بنات الأذن يعالجنها بالأصابع لترفع إلى مكانها.
وقد روى أنه عليه السلام قال: لا تعذبن أولادكم بالذعر.
قال أبو عبيدة: الذعر أن ترفع المرأة تلك الموضع بأصابعها.
وروى زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت.
وذات الجنب قسمان حقيقي، وهو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع، وغير حقيق، وهو ألم يشبه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة تحتقن الصفاقات وجعه ممدود ووجع الحقيقي ناخس.
والعلاج في الحديث الكائن من الريح، فإن القسط إذا نعم وخلط بزيت حار وذلك أو لعق كان أنفع شيء.
قال مسيح: وكان من فضلاء الأطباء وأعيانهم وله تصانيف في الطب, روى عنه ابن البيطار في جامعه الكبير: القسط يقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح نافع من ذات الجنب, وقد علمت أنه العود الهندي, وأفضل العود القماري وأجوده الأزرق, وهو حار يابس, يقوي القلب والحواس, ويقال له الأكثر وقد استجمره صلى الله عليه وسلم بالأكثر غير مطراة مع كافور. رواه مسلم - انتهى مقدماً ومؤخراً.(1/218)
قصب السكر
أخرج ابن عساكر من طريق الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواء للقلب للداء الذي لا دواء له الذي أعيا الأطباء أن يداووه: العنب ولبن اللقاح وقصب السكر, ولو لا قصب السكر ما أقمت بمصر.
قال ابن القيم: قصب السكر حار رطب, ينفع من السعال ويجلو الرطوبة والمصانة وقصب الرئة, وهو أشد تلييناً من السكر, وفيه معونة على القيء ويدر البول ويزيد في الباه, وينفع من خشونة الصدر والحلق إذا شوي ويولد رياحاً دفعها بأن يقشر؟
قال عفان بن مسلم الصفار: من مص السكر بعد طعامه لم يزل يومه في سرور.
وقال الذهبي: وأما القصب الفارسي فإنه بارد يابس قليل المنافع وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التخلل به, ونهى عنه عمر رضي الله تعالى عنه: أيضاً.
ويروى مرفوعاً: من تخحلل بالقصب أورثه الأكلة في أسنانه - انتهى.(1/219)
[حرف الكاف] كباث
وأخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث فقال عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه.
كمأة
قال الذهبي: هو ثمر الأراك النضيج حار يابس يقوى المعدة ومنافعه كمنافع الأراك - وقد تقدم ذكره.
أخرجه الترمذي وابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن ناساً من الصحابة قالوا إن الكمأة جدرى الأرض, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين, والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم.
وأخرج بعضه الشيخان في صحيحهما.
وأخرج أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكمأة من المن والمن من الجنة - وماؤها شفاء للعين.
قال الذهبي: هي باردة يابسة أجودها المتلذذة منها، أجمع الأطباء على ماؤها يجلو البصر، وهي جمع كم وقيل كمأة للواحد والجمع كمؤكتمر، وسميت كمأة: لاستتارها في الأرض، ويقال لمن أخفى شهادة كمأها، وتسمى نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته.
وقيل: كانت قوت بني إسرائيل في التية لأنها تقوم مقام الخبز والسلوى – وقد تقدم ما هي أدمهم مع المن الذي هو الطل الحلو.(1/220)
وقوله: من المن أي مما من الله به على العباد بلا تعب ولا عمل لا يحتاج إلى حرث وسقي ولا غير ذلك.
وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: ثلاث كمأة أو خمسة أو سبعة فعصرتهن وجعلت ماؤهن في قارورة وكحلت بها جارية لي عمشاء فبرأت – انتهى.
كرفس
وأخرج ابن السني عن حبيبة بنت جحش قالت: كنت استحاض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنعت لك الكرفس فإنه يذهب الدم.
قال الذهبي: هو حار يابس يهيج الباه للرجال والنساء، وإذا أكله الحبالى خرج الجنين أحمق ضعيف العقل، ويجتنب أكله من خاف من لدغ العقارب لأنه يفتح السدد. ويروى مرفوعاً: من أكل الكرفس ونام طابت نكهته وأمن من وجع الضرس – انتهى.
كبر
وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحكت الجنة فأخرجت الكمأة وضحكت النار فأخرجت الكبر.
قال الذهبي وتسميه العامة القبار، وهو محلل ملطف ذو قوى مختلفة ينفع من الطحال.(1/221)
كبد
وأخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحل لنا ميتتان ودمان، فالدمان الكبد والطحال.
قال الذهبي: الكبد أجودها كبد الدجاج يؤكل بالخل والكزبرة يأكلها المبرود بالكراويا.
وأما الطحال فلحمه ردي يولد السوداء – انتهى مقدماً ومؤخراً.
كراث
وأخرج صاحب الوسيلة عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: من أكل الكراث ونام أمن من البواسير واعتزله الملك.
قال الذهبي: إذا طبخ مع اللحم أذهب زهومته, وأكله يورث أحلاماً كثيرة ردية ويظلم البصر.(1/222)
[حرف اللام] لبن
قال عز من قائل: ((وأنهار من لبن لم يتغير طعمه, وقال تعالى: {لبناً خالصاً سائغاً للشاربين}.
وأخرج أبو داود والترمذي -وحسنه- وابن ماجه وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سقاه الله لبناً فليقل: ((اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه)) ليس شيء يجزي من الطعام والشراب غير اللبن.
وأخرج ابن مردويه في التفسير عن يحيى بن عبد الرحمن أن ابن أبي لبية حدثه عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما شرب أحد لبناً فشرق. إن الله يقول: {لبناً خالصاً سائغاً للشاربين}.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال: عليكم بألبان البقر وسمنانها وإياكم لحومها, فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال ما أنزل الله داء إلا وقد أنزل له شفاء وفي ألبان البقر شفاء من كل داء.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن مليكة بنت عمرو الزبيدية أنها وضعت سمن بقر لمن أخذها وجع في حلقها وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألبانها أو لبنها شفاء وسمنها دواء ولحمها داء.(1/223)
وأخرج الحافظ أبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تداووا بألبان البقر فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاء وبركة فإنها تأكل من كل شجر.
اللبن: وإن كان بسيطاً في الحس إلا أنه مركب في أصل الخلقة تركيباً طبيعياً من جواهر ثلاثة: السمنية والجبنية والمائية, فالجبنية: باردة رطبة مغذية للبدن والسمنية: معتدلة في الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح كثيرة المنافع, والمائية: حارة رطبة مطلقة للطبيعة مرطبة للبدن.
واللبن على الإطلاق أرطب وأبرد من المعتدل, وقيل قوية عند غلبة الحرارة والرطوبة, وقيل: معتدل في الحرارة والرطوبة, وأجود ما يكون حين يحلب, وأجوده ما اشتد بياضه وطاب ريحه ولذ طعمه وحلب من حيوان فتى صحيح معتدل اللحم محمود المرعى والمشرب يولد دماً جيداً ويرطب البدن اليابس ويغذو غذاء حسناً, وينفع من الوسواس والغم والأمراض السوداوية, وإذا شرب مع العسل نقى القروح الباطنة من الاخلاط العفنة, وشربه مع السكر يحسن اللون جداً, والحليب يتدارك شرر الجماع, ويوافق الصدر والرئية, جيد لأصحاب السل.
ولبن البقر يغذو البدن ويخصبه ويطلق البطن باعتدال, وهو من أعدل الألبان, وأفضلها بين لبن الضأن ولبن المعز في الرقة والدسم, والإكثار من اللبن مضر باللسان والأسنان واللثة, ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض وقال: إن له دسماً.(1/224)
ولبن الضأن أغلظ الألبان وأرطبها يولد فضولاً بلغمية ويحدث في الجلد بياضاً إذا أدمن استعماله، ولذلك ينبغي أن يشاب هذا اللبن بالماء ليدفع ضرره عن البدن.
وقال الذهبي: اللبن الحليب حار رطب والحامض بارد يابس، وأفضل الحليب لبن الشاة مشروباً من الضرع، وكل لبن بعد عهده من الحلب أو تغير طعمه فهو رديء، ولذلك وصفه الله بقوله: {لم يتغير طعمه} وكل حيوان تطول مدة حمله على حمل الإنسان فلبنه رديء، واللبن يعدل الكيموسات ويزيد في المني ويهيج الباه ويطلق البطن ويزيد في الدماغ، وفيه نفخ، والإكثار منه يولد القمل وبالسكر يسمن ويسكن الحكة العارضة في الجلد والجرب ويقوي القلب، وكل لبن فهو ردي للأحشاء يسدد خاصة الكبد إلا لبن اللقاح، ولذلك هو نافع من نوعي الاستسقاء.
فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قدم ناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا راعى النبي صلى الله عليه وسلم - رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية المسلم: قدم رهط – والرهط من ثلاثة إلى تسعة فقيل هؤلاء كانوا ثمانية.
واجتوى: استوخم والجوى: داء في الجوف، وعكل وعرينة: بطن من بجيلة، واللقاح: النوق ذات اللبن فهؤلاء أصابهم الاستسقاء، وسببه مادة باردة تتحلل الأعضاء فتربوبها وهو لحمي ومائي وطبلي، وفي لبن اللقاح جلاء وتليين وإدراك وإسهال لمائية الاستسقاء، لأن أكثر رعيها الشيح والأذخر والبابونج وغير ذلك من أدوية الاستسقاء. وفي حديث قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رهطاً من عرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا اجتوينا المدينة فعظمت بطوننا – الحديث رواه الشيخان. وهذا العلاج من أحسن ما يكون وأنفعه ليس دواء لهذا(1/225)
الداء أنفع منه, وهذا المرض لا يكون قط إلا عن آفة في الكبد ولو أن إنساناً أقام على اللبن بدل الماء والطعام لشفي. وقد جربت ذلك, وأنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي, وفيه دليل على طهارة أبوالها وبول ما يوكل لحمه, اللهم إلا أن يدعى فيه النسخ.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: شرب لبناً وتمضمض وقال: إن له دسماً - رواه الشيخان.
واللبن ردي للحموم وذي الصداع, فإن دسم اللبن أضر شيء بالمحموم وصاحب الصداع لسرعة استحالته إلى الصفراء ولذا نص الأطباء على أنهما يجتنباه, ولبن الضأن أغلظ وأرطب وفيه زهومة ليس للماعز, وقد أتي رسول الله بلبن شيب بالماء فشرب وقال: الأيمن فالأيمن رواه البخاري.
ولبن الماعز لطيف معتدل, يطلق ويرطب وينفع السدد, ولبن البقر يسخن.
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل شجر - رواه النسائي. قول: ترم أي تأكل, وفي هذا الحديث تنبيه على كثرة منافع هذه الألبان لأمراض شتى معللاً ذلك باختلاف مراعي حيوانها فإن المعي الحار يجعل اللبن حاراً والبارد يجعله بارداً وعلى هذا فقس.
وإذا اختلف صح القول بنفعها من كثير من الأدواء, ولبن الإبل أرق أقل دسماً وأكثر إسهالاً ولا يتجبن في المعدة, وقد ينفع لأصحاب الذرب عن ضعف الكبد لتفتيحه لسدد.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذربة بطونهم وفيه خاصية لا يشربه الفأر.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً إن أمة من بني إسرائيل فقدت أخشى أن تكون الفأر: وذلك أنها وجدت ألبان الغنم شربته, وإذا وجدت ألبان(1/226)
الإبل لم تشربه - رواه البخاري ومسلم. ولذلك اليهود لا يأكلون لحومها ولا يشربون ألبانها.
وأما الحامض فيضر المعدة الباردة ويبسه, وينفع الحارة ويهيج الجماع للمحروريين.
وأما اللباه وهو ما يحلب وقت الولادة فإنه يرطب البدن ويخصبه وهو سريع الاستحالة يصلحه العسل, وأما الماست المسمى - المطاط فهو فاضل كالبقري.
وأما لبن الجاموس ففيه حرارة ما, وقيل: إنه لا يقربه ذبيب تلك خاصيته - انتهى ملخصاً.
لبان
وهو الكندر, وتسميه العامة حصى لبان.
وأخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: بخروا بيوتكم باللبان والصعتر.
وأخرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أطعموا حبالاكم اللبان فإن يكن في بطنها ذكر يكن زكي القلب, وإن يكن أنثى يحسن يحسن خلقتها وتعظم عجيرتها.
وأخرج عن علي رضي الله تعالى عنه أنه شكى إليه رجل النسيان, فقال: عليك باللبان فإنه يشجع القلب ويذهب النسيان.
وأخرج عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: خذ مثقال سكر ومثقال كندر يسقه الرجل أسبوعاً على الريق جيد للبول والنسيان.
قال الذهبي: قال عبد الملك بن مروان: ثلاثة أشياء لا يكون إلا باليمن, وقد ملات الدنيا: اللبان والورس والبرد اليمنى.(1/227)
قال ديسقوريدس: أجوده الذكر المدور وقد يزغل بصمغ لصنوبر والصمغ العربي فالصمغ لا يلهب بالنار والصنوبر يدخن والكندر يلتهب بلا دخان, وهو حار في الثانية يابس في الأولى وهو كثير النفع نادر الضرر, ينفع من وجع المعدة ويطرد الريح وينبت اللحم في القروح ويخفف البلغم ويجلو العين, وإذا مضغ بصعتر نفع مع اعتقال اللسان ويذكى وبخوره نافع من الوباء مطيب للهواء ويزيد في اللهو والحفظ ويفطر عليه مع الزيت الأسود وقلب الفستق فيورث الذكاء ومع الورد المربا ينفع كثرة إدرار البول ومن يبول في فراشه, وإذا أنقع وشرب على الريق أذهب النسيان, قلت: هذا النسيان عن برودة, والذي عن يبس يتبعه عن سهر فذلك علاجه المرطبات.
ومما يحدث النسيان حجامة النقرة وأكل الكزبرة الخضراء والتفاح الحامض وكثرة الهم وقراءة ألواح القبور والنظر في الماء الواقف والبول فيه ثم يتوضأ منه والنظر إلى المصلوب والمشي بين الجملتين مقطورين والمشي في قوارع الطريق ونبذ القمل وأكل سؤر الفأر - انتهى.
وقد استوعب ما يورث النسيان شيخنا البرهان الناجي مع أن لي عليه ذيلاً في كتابه قلائد العقيان.(1/228)
لحم
قال الله تعالى: {وأمددناهم بفاكهة ولحم}.
وأخرج الترمذي عن بريدة مرفوعاً: خير إدام الدنيا والآخرة اللحم وقد مر معنا بالغيرة.
قال الذهبي: قال الأطباء: اللحم أقوى الأغذية يخصب البدن ويقويه أفضله الضأني حار رطب وأجوده الحولي لحم المسن ردي كذلك الهزيل ولحم الأسود أخف وألذ والخصي أفضل والهبر أجود والمقدم منه مقدم.
وقال ابن عباس وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما: كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف. وعن مجاهد كان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها.
وقيل أردأه الرأس والجوف, ولحم الرقبة لذيذ سريع الهضم.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنهى هادية الشاة إلى الخير وأبعدها عن الأذى - رواه عبيدة. ولحم الظهر كثير الغذاء يولد دماً محموداً, وغذاء مشوي اللحم أيبس وسلوقه أرطب.
وقال جالينوس: أصلح اللحم مسلوقه, والسمن والشحم رديان قليلان الغذاء.
والجانب الأيمن وافر أخف, وأفضل من الأيسر, وقال نافع: كان عبد الله يأتي عليه الشهر لا يأكل لحماً فإذا كان رمضان لم يفته, وقال محمد بن واسع: أكل اللحم يزيد في البصر. وقال الزهري: أكل اللحم يزيد سبعين قوة, ولحم الماعز أجوده الثني قليل الحرارة فيه يبس, يولد خلطاً غير فاضل وأردؤه التيس شديد اليبس عسر الهضم يولد السوداء, وقيل يورث الهم والنسيان ولحم الأنثى أنفع, وقد روى مرفوعاً أحسنوا إلى الماعز وأميطوا عنها الأذى فإنها من الجنة. رواه النسائي والجدي معتدل لا سيما الرضيع إذ هو أسرع هضماً وأقل فضولاً والبقري أميل إلى البرد واليبس عسر الهضم يولد السوداء وأحمده العجل.
وعن صعيب أن لحوم البقر داء إصلاحه بالفلفل والدارصيني أو لحم الفرس حار(1/229)
يابس غليظ مفر, وفي جواز أكله خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فحرمه أبو حنيفة وحللاه, وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل, ولحم الجمل حار يابس يولد السوداء والصغير أمثل, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالضوء من لحوم الإبل, وقال ابن سينا: أردأ اللحوم لحوم الخيل والجمال والحمير وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل ذي ناب من السباع, وكل ذي مخلب من الطير, ولحم الطير ينبغي التقلل منه, فإنه يورث.. .. أمراضاً حميات, ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إياكم واللحم فإن له ضرارة كضرارة الخمر. رواه مالك في الموطأ - انتهى ملخصاً.
[حرف الميم] مرزنجوش
أخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالمرزنجوش فإنه جيد للخشام.
قال الذهبي حار يابس يفتح سدد الدماغ ويحلل الزكام.
مسك
قال الله تعالى: {ختامه مسك}.
وأخرج مسلم عن أبي سعيد مرفوعاً أطيب الطيب المسك.
قال الذهبي: هو حار يابس يقوي القلب وهو أشرف الطيب وجيد للمبرودين يقوي الأعضاء الباطنة شرباً وشماً جيد للغشى والخفقان ويفش الرياح ويبطل عمل السموم. وكان صلى الله عليه وسلم يتطيب به وطيبته به عائشة عند إحرامه وحله, وأمر الحائض عند الطهر أن تتبع به أثر الدم ويصلح جوهر الهواء, لا سيما في الوباء, ويجوز التداوي به, وهو سرة وحش كالظبئ له نابان معنقان كأنهما قرنان, وخياره الخرساني ثم الصيني ثم الهندي.(1/230)
مرجان
قال الله تعالى: {كأنهن الياقوت والمرجان}.
قال الذهبي: أجوده الأحمر بارد يابس مقوي للقلب نافع للخفقان مفرح - انتهى.
مغافير
وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعاً وذكرتها, وهي شيء شبيه بالعسل كالترنجيين وشبيه بالصمغ.
قال الذهبي: يأكله الناس بالحجاز ويكون في شجرة الرمث وفي شجرة العشر فما كان في الرمث يكون أبيض حلو, وما كان في العشر يسمى سكر العشر وهو من يقع عليه والعشر نافع للاستسقاء جيد للمعدة والكبد.
من
قال الله تعالى: {وأنزلنا عليكم المن}.
قال الذهبي: قوته حارة يابسة وقيل فيه: اعتدال وما نزل على الخطمي فما تخلص منه كان أبيض وما لم يتخلص منه كان أخضر وتزيد قوته وتنقص بحسب الشجر الذي يقع عليه وهو جيد للصدر وينفع للسعال وفيه جلاء - انتهى.(1/231)
ملح
وأخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيد إدامكم الملح.
قال الذهبي: هو حار يابس في الثانية استعماله باعتدال يحسن اللون, وفيه إسهال ويهيج القيء ويفتق الشهوة والإكثار منه يورث الكحة.
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في إصبعيه فانصرف فيقول: لعن الله العقرب ما تدع نبياً ولا غيره, ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل المكان في الماء والملح وقرأ {قل هو الله أحد} والمعوذتين حتى سكنت - رواه ابن أبي شيبة. قلت: فيه تنبيه عن نفع الملح في لدغ العقرب وغيرها.
قال ابن سينا: إنه يضمد به من برزكتان للدغ العقرب لأنه فيه مقاومة السم الباردة بحرارته ويجذب السم ويحلله.
وعن أبي أمامة مرفوعاً من قال حين يمسي صلى الله على نوح في العالمين لم يلدغه عقرب في تلك الليلة.
وحديث أبي هريرة معروف وقلت: حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك - رواه مسلم.
والملح يحفظ اللحم وما يودع فيه من العفونة والنتن ويصلح الأطعمة والأجساد حتى أن يصلح الذهب والفضة فيصفر الذهب ويبيض الفضة - انتهى ملخصاً.(1/232)
ماء
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: خير شراب الدنيا والآخرة الماء.
قال الذهبي: هو بارد رطب, يطفئ الحرارة ويحفظ رطوبة البدن الأصلية ويرفق الغذاء وينفذ في العروق, ولا يتم أمر الغذاء إلا به. وأجوده الجاري نحو المشرق المكشوف, ثم ما يتوجه نحو الشمال, والذي هو على الطين أفضل من الماء على الحصا.
قال ابن سينا: أفرطوا في مدح ماء النيل لأربعة: بعد منبعته وعذوبته وطيب ممره, وأخذه إلى الشمال وكثرته, فيكون حينئذ أفضل المياه وكذلك ماء الفرات.
قال صلى الله عليه وسلم: سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة, وليحذر الشرب على الطعام إلا لضرورة.
وقال جابر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقا فقال: إن كان عندكم ماء قد بات في شن وإلا كرعنا - رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: خمروا الآنية وأوكئوا الأسقية فإن في السنة ليلة ينزل فيها الوباء من السماء فلا يمر بآناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الوباء - رواه مسلم.
قال الليث: الأعاجم يتقون تلك الليلة في السنة كانون الأول, وليحذر الماء الشديد البرد, فإنه يضر بالأسنان ويثير البحة والسعال, وإدمانه يحدث انفجار الدم والنزلة وأوجاع الصدر لكنه ينفع من صعود الأبخرة إلى الرأس ويطفئ وهيج الحمى الحارة والمفرط الحر يسقط الشهوة ويرخي المعدة ويحلل ويفسد الهضم على أنه صالح للشيوخ وأصحاب الصرع والصداع الباردة.(1/233)
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من اغتسل بماء مشمش فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه.
قال أهل العلم الحديث في ذلك موضوع وماء المطر أجود المياه وألطفها، نافع لأكثر المرضى لرقته وخفته وبركته.
قال تعالى: {ونزلنا من السماء ماء مباركاً}.
وأردى المياه ما يجري تحت الأرض وماء البئر قليل اللطف والمعطلة أردى، وأجودها، بئر زمزم.
فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب له، وهي طعام طعم شفاء سقم – رواه البخاري ومسلم. وإنما ثقل ماء البئر والقني لعدم الشمس والهوى والاحتقان وأردأه ما عمل مجاريه في رصاص، والثلج والجليد لهما كيفية حارة دخانية وماءهما يذم والطريق فيهما أن يبرد الإناء من خارج.
حرف النون نبق
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض كان أول شيء أكل من ثمارها النبق.
قال الذهبي: هو ثمر السدر يشبه الزعرور، بارد يابس يعصم البطن ويدبغ المعدة.(1/234)
نرجس
وأخرج أبو محمد العثماني في مسلسلاته عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: شموا النرجس ولو في اليوم مرة ولو في الشهر مرة ولو في السنة مرة ولو في الدهر مرة فإن في القلب حبة من الجنون والجذام والبرص لا يقلمها إلا شم النرجس.
قال الذهبي: حار يابس، إشمامه ينفح سدد الدماغ، وينفع الصرع وأصله يهيج القيء – انتهى.
نورة
وأخرج الترمذي وغيره عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أطلى بالنورة بدأ بعورته.
قال الذهبي: تعمل من كلس وزرتيخ يخلطان بماء الثلث زرنيخ ويترك ساعة في الشمس أو في الحمام: فبزرق ويطلى به سريعة ثم يغسل.
وعن أبي موسى مرفوعاً أول من دخل الحمام وصنعت له النورة سليمان بن داود عليهما السلام وينبغي أن يطلى مكان النورة بالحناء.
ويروى الحناء بعد النورة أمان من الجذام، ويقطع ريحها طين، وخل وماء ورد انتهى.(1/235)
نمل
قال الله تعالى: {يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم}.
قال الذهبي: يمنع نبات الشعر مسحوقاً إذا طلى به الجفن، وإذا لطخ به البرص أزاله – انتهى.
[حرف الهاء] هدهد
قال الله تعالى: {وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد}.
قال الذهبي: خواصه: أنه إذا علق على من به نسيان ذكره ما نسيه، وإذا حمله معه إنسان قهر خصمه، وإن بخر به مسحور أو مفقود عن النساء حله، وطبيخ لحمه يمنع الشيب.
هنديا
وأخرج أبو نعيم عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: كلوا الهنديا ولا تبغضوه، فإنه ليس يوم من الأيام إلا قطرات من الجنة تقطر عنه.
قال الذهبي: يستحيل مزاجه بحسب الفصول، ففي الصيف فيه حرارة وفي الشتاء برودة، وقوته تذهب بالعسل للطافته، وينفع أمراض الكبد الحادة والباردة، وتذهب نفخه الخل والسكر، يقع على المطابيخ وفي شراب الديناري.(1/236)
[حرف الواو] ورد
أخرج المحب الطبري في مناقب أبي بكر من فضائل العشرة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن في الجنة حوراً خلقهن الله من الورد يقال لهن الورديات لا يتزوج بهن إلا نبي أو صديق أو شهيد وإن لأبي بكر منهن أربعمائة.
قال الذهبي: وهو بارد يابس في الثانية: والمربا منه في العسل أو السكر حار يقوي المعدة ويعين على الهضم، ومن كان مزاج دماغه يغلب عليه الحرارة، فإن اشتمامه يعطسه، ويسمى صاحب هذا المرض بالجعلي والنصيبي منه يسهل، ومنه يعمل شراب الورد المكرر، ويعمل منه معجون الورد وأما الأحمر المربى فقابض، ومنه يعمل شراب الورد الطري، ومنه يعمل معجونه منه زر الورد، وأما الورد الأبيض فمنه يعمل معجون الورد مطلقاً، وهو معتدل بين القبض والتليين ومن ورد السياج يعمل دهن الورد الزيني والشيرجي، فالزيني أكثر تقوية للأعضاء والشيرجي أكثر تسكيناً للأوجاع – انتهى.
ورس
وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يلبس المحرم ثوباً مصبوغاً بورس أو زعفران.
قال الذهبي: قلت: لأن الثوب المصبوغ بالورس يدعو إلى الباه والمحرم يحرم عليه الباه. وهو حار يابس في الثانية، أجوده الأحمر، ويزرع باليمن، وينفع من(1/237)
الكلف والحكة والبثور طلاء، وشربه ينفع من الوضح، والثوب المصبوغ به مقر للجماع.
وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها [قالت] كانت إحدانا تطلي وجهها بالورس من الكلف وسمة.
وأخرج أبو نعيم عن ابن سيرين قال: أتى ابن زياد برأس الحسين رضي الله تعالى عنه وكان أشبهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوباً بالوسمة.
قال الذهبي: هي ورق النيل، سميت بذلك لأنها تحسن الشيب من الوسامة [يخلط بها للخضاب].
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل قد صبغ بالحناء فقال: ما أحسن هذا فمر آخر قد صبغ بالحناء والكتم فقال: ما أحسن هذا فمر آخر قد صبغ بالصفرة فقال: هذا أحسن من هذا كله – رواه أبو داود والترمذي.
والكتم نبت يخلط بها للخضاب. واختضب بالصفرة عثمان والمقداد.
وصح عن الحسن والحسين أنهما قد خضبا بالسواد.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شيب أبي قحافة: غيروه بشيء وجنبوه السواد – انتهى.(1/238)
[حرف الياء] ياقوت
قال الله تعالى: {كأنهن الياقوت}.
قال الذهبي: يقوي القلب ويفرحه، وينفع السموم وإذا وضع في الفم قطع العطش، ولا تعمل فيه النار ولا المبارد – انتهى.
فتذكر وتبصر أيها الإنسان واختبر قوله عز وجل: {أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج بهيج}, وقل: سبحان الله الملك الحق المبين الذي جعل في هذه المفردات هذه المنافع والمضار, وعلم من شاء من عباده منافعها ومضارها وحارها وباردها: ورطبها ويابسها.
والدواء إن لم يؤثر في البدن أثراً محسوساً فهو في الدرجة الأولى فإن أثر ولم يضر فهو في الدرجة الثانية, وإن ضر ولم يبلغ أن يقتل فهو في الدرجة الثالثة, وإن بلغ ذلك فهو في الدرجة الرابعة. ويسمى الدواء السمي.
ويعرف قوة الدواء بالتجربة وللقياس, وتركيب الأدوية إما صناعي كالترياق, وإما طبيعي كاللبن فإنه مركب من مائية وجبنية وزبدية.
وإذا كان الدواء حاد الرائحة دل على حرارته, وإذا عدم الرائحة دل على برده والمتوسط متوسط والحلو حار, والمالح حار, والحامض بارد, والدسم معتدل, وهذه الذي ذكرته نقطة من بحر وقليل من كثير {وما يتذكر إلا من ينيب}. {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد}.(1/239)
ذكر الأدوية المركبة
قال ابن القيم في الهدى: كان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرضٌ من أهله وأصحابه. لكن لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم ولا هدي أصحابه رضي الله تعالى عنهم فعل هذه الأدوية المركبة التي تسمى قرابادين, بل كان غالباً أدويتهم بالمفردات وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه ويكسر سورته, وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها: من العرب والترك وأهل البوادي قاطبة. وإنما اعتنى بالمركبات الروم واليونان.
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب, وقالوا: كل داء, قدر على دفعه بالأغذية والحمية, لا يحاول دفعه بالأدوية: ولا ينبغي للطبيب, أن يولعه بسقي الأدوية, فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله, أو وجد دواء [لا] يوافقه, أو وجد ما يوافقه فزادات كميته عليه أو كيفيته: تشبث بالصحة وعبث بها.
وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالباً وهي أحد فرق الطب الثلاثة.
والتحقيق في ذلك: الأدوية من جنس الأغذية, فالقوم الذين غالب أغذيتهم المفردات أمراضهم قليلة جداً, وطبهم بالمفردات.
وأهل المدن الذي غلبت عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة, وأمراض أهل البوادي والصحارى مفردة فيكفي مداواته بالمفردة, فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية.
ونحن نقول إن هنا أمراً آخر نسبة أمر الأطباء إليه كنسبة طب الطرقية, والعجايز إلى طبهم, وقد اعترف حذاقهم وأئمتهم بأنما عندهم من العلم بالطب إما قياس, وإما تجربة وإما إلهام, ومنام, وحدس صائب, وإما مأخوذ من الحيوانات كما نشاهد السنانير إذا أكلت ذوات السموم فتلغ في الزيت تتداوى به.(1/240)
وأين هذه وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله [بما ينفعه ويضره] فنسبة ما عند الأطباء من الطب إلى هذا الوحي: كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقال الذهبي: قال الأطباء: إنا لا نؤثر على الدواء المفرد مركباً، إن وجدناه كافياً لكنا قد نضطر إلى التركيب.
إما لإصلاح كفية الدواء المفرد أو كراهته حتى يطبب أو لتقوية قوته كما نخلط الزنجبيل الثريد، أو لإضعاف قوته كإخلاط الشمع في مرهم الزنجار، أو لدفع ضرره كإخلاط الكثيراء بالمحمودة، أو لحفظ قوة الدواء زماناً كخلط الأفيون بالمعاجين الكبار، أو لأن الدواء سريع النفوذ فيخلط به ما يثبته، أو لأنه بطيء النفوذ فيخلط به ما يسرع نفوذه، أو لأن المرض لمركب فيركب له الدواء، أو لشدة المرض وقوته ولم نجد دواء واحداً يقاومه، أو لاختلاف مزاج المريض فلم نجد دواء واحداً يفعل أفعالاً متضادة فيركب.
أو لبعد العضو الألم من المعدة فلا يصل إليه الدواء إلا وقد ضعفت قوته فيركب معه ما يوصله بسرعة كالزعفران مع الكافر والدارصيني مع الشادنج، أو لشرف العضو فيخلط بدوائه المحلل ما يحفظ قوته عليه من الأدوية القابضة العطرة أو لأن الدواء يوجد فيه مضرة لبعض الأعضاء فيخلط به ما يزيل ضرره.
إذا علم ذلك فاعلم أن كل مخلوق فيه جزء نافع وجزء ضار، فإن غلب الجزء النافع كان ذلك المخلوق محموداً نافعاً، وبالضد.
وكانت الحكمة في ذلك وليمتاز سبحانه وتعالى بصفة الكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه غيره من خلقه، ولما اقتضت الحكمة إصلاح هذه المفردات بعضها ببعض كذلك اقتضت إصلاح نوع الإنسان بعضه ببعض فأرسل الله إليهم الرسل مبشرين ومنذرين لإصلاح مفاسدهم وتكميل ناقصهم.(1/241)
قال لبيد شعر:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القرين الصالح
ولبيد هذا هو القائل:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
قال النبي صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد يعني هذه, ولبيد هذا أسلم وحسن إسلامه.
فلما أرسلت الرسل كان منهم من غلب خيره على شره فأجاب وأطاع وقبل هدى الله ففاز بالبرء من داء الجهل فصارت دار العافية داره وجنة النعيم قراره وكان منهم من غلب شره على خيره فأعرض وناء بجانبه, فمات بدائه فصارت النار داره: وجهنم مستقره, أعاذنا الله منها بفضله وكرمه وقد أنشد في هذا المعنى شعر:
أيا آكلا كلما اشتاه ... وشاتم الطب والطبيب
ثمار ما غرست [قد] تجني ... فاعتد للسقم عن قريب
وقال الجاحظ:
بطيب العيش أن تلقى حليماً ... وفضل العلم يعرفه الأديب
سقام الحرص ليس لها دواء ... وداء الجهل ليس له طبيب(1/242)
وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا المعنى مثلاً فقال: إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً, فكانت طائفة منها طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكانت منها طائفة أجادب أمسكت الماء فنفع الله [الناس] فشربوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء [و] ما تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم, ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.
رواه البخاري ومسلم فانظر رحمك الله في قوله صلى الله عليه وسلم وكانت منها طائفة طيبة.
وأما اختلاف أوزان الأدوية فمتى كان الدواء شديد الاسخان أو التبريد أو القوة أخذ منه الوزن القليل ومتى كان بالضد أخذ منه الكثير.
وكذلك إذا كان الدواء قليل النفع أخذ منه الكثير وبالضد, وكذلك إذا كان العضو بعيداً أخذ الوزن الكثير, وإن كان قريباً فبالضد, وكذلك إذا كان العضو ضعيفاً أخذ القليل وإن كان قوياً فبالضد. وكذلك إذا كان الامتلاء كثيراً أخذ الدواء القوي, وإذا كان قليلاً فبالضد. فإذا عرف ذلك فاحترز من الأدوية الدواء الجديد الجيد واستعن بالله, وقل لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم وأقدم على المداواة.
(ولنذكر هنا شيئاً من الأدوية المركبة المستعملة على سبيل الاختصار حتى لا يحتاج إلى ذكرها في مداواة مرض مرض).
أما المغلى الحلو: فهو عناب وسبستان ورازيانج وعرق سوسن. وأما المنضج فيضاف إلى المغلى المقدم بزر كرفس وزبيب أحمر وجعدة وقناة.
وأما النقوع الحلو فمشمش وعناب وزهر نيلوفر وأجاص.
وأما الحامض فيزاد تمر هندي وحب رمان.(1/243)
وأما النقوع المسهل فيزاد سنا مكي وزهر بنفسج: ويقوى بدانق محمودة وقليل كثيراً كل هذه تنقع في ماء حار وتصفى مع السكر.
وأما مطبوخ الفاكهة فيزاد النقوع المسهل: إهليلج كاملي وأصفر ويعمل عوض المشمش سبستان ويطبخ ويقوى مع المحمودة بالراواند.
وأما مطبوخ الأفتيمون فيزاد مطبوخ الفاكهة انتيمون وبسفايح، وغارقون ومع المحمودة حجر أرمني ولا زورد، وإن كان ثم وجع مفاصل أضيف إليه سورنجان وبوزيدار وتربد، وقد يضاف إليه الترنجان والشاهترج والهندبا إن كان في الجلد حكة أو جرب.
وأما لعوق الراوند، فهو راوند ومحمودة برب إجاص، وقد يضاف إليه عسل الخيار شنر عوض الرب.
وأما الحبوب فهي إيارج وترد وهليلج ومحمود تجيل بماء تعمل حبوباً مثل الحمص المنقوع.
وقال المروزي: قلت لأبي عبد الله أجد في رأسي صداعاً فقال: سهل طبيعتك وذكر أنه من يبس الطبيعة، ثم قال أعطيك من حب أعمله فأخرج لي حباً وقال: أشرب منه بالليل، وذكر أنه من هليلج أصفر، وأسود ومصطكي وصبر قلت: وهذا الحب أنفع شيء لوجع الرأس.
وأما الحقن الليتية: فهي: عناب وسبستان، وزهر بنفسج وسيناء وبزر خبازي وخطمي وخيار شنبر ومحمودة، وبورق وسكر أحمر، وشيرج، وأضلاع السلق.(1/244)
[الكلام على الحقنة جواز أو كراهة]
ونص أحمد على كراهة الحقنة من غير حاجة في رواية حرب عنه، وبه قال مجاهد والحسن وطاؤس وعامر، ونقل عنه غير واحد أنها لا تكره، وبه قال إبراهيم وأبو حنيفة وأبو جعفر والحكم بن عتيبة وعطاء.
وقال الخلال: كان أبو عبد الله كرهها ثم أباحها على معنى العلاج.
وروى الخلال عن سعد بن أيمن أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رخص فيها. وبإسناده عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: سألت محمد بن علي عن الحقنة فقال: لا بأس بها إنما هو دواء أشبه بقية الأدوية ولعل تفطر الصائم أولاً فيه خلاف [بين الفقهاء] فعند الشافعي رحمه الله ورواية عن أحمد أنها تفطر – وعند أبي حنيفة أنها لا تفطر وهو الصحيح عن أحمد.
وأن ما علمت الحقنة من طائر كان كثير الأكل السمك فأخذ بمنقاره من ماء البحر والمالح فبصقه في دبره فيستفرغ ما في جوفه - انتهى.(1/245)
وهناك القول في علاج الأعضاء المختصة: ذكر الصداع
أخرج الحاكم في المستدرك وصححه ابن السني وأبو نعيم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أخذتك أم ملدم قال: وما أم ملدم؟ قال: حر يكون بين الجلد واللحم قال: ما وجدت هذا قط, قال: أخذك هذا الصداع قال: وما الصداع؟ قال عرق يضرب الإنسان في رأسه قال: ما وجدت هذا قط. قال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه صحته وجلده, فقال له: متى حسيت بالصداع؟ قال: وأي شيء الصداع؟ قال: ضربان يكون في الصدغين والرأس, قال بذلك من عهد. فلما ولى الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا.
وأخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وأخرج ابن السني عن قيس بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منزلة المؤمن من المؤمنين منزلة الرأس من الجسد متى اشتكى الجسد اشتكى الرأس ومتى اشتكى الرأس اشتكى الجسد.(1/246)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن بريدة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة فيمكث اليوم واليومين لا يخرج.
وأخرج البخاري وابن السني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة.
وأخرج البخاري وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به.
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والحاكم وأبو داود وصححه وابن السني وأبو نعيم عن سلمى رضي الله تعالى عنها قالت: ما شكى أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلا أمره بالحجامة ولا وجعاً في رجليه إلا قال اخضبهما بالحناء.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم من وجع كان برأسه وهو محرم.
وأخرج ابن ماجه عن عبد الله بن بحينة رضي الله تعالى عنه قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط رأسه من وجع به.
وأخرج البراز وابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي صدع فيغف رأسه بالحناء.(1/247)
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن السني وأبو نعيم عن قتادة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ادهن أحدكم فليبدأ بحاجبه فإنه يذهب بالصداع أو ينفع من الصداع – مرسل.
وأخرج الحكيم الترمذي عن أنس من طريق قتادة رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ادهن أحدكم فليبدأ بحاجبيه فإنه يذهب بالصداع، وذلك أول ما نبت على ابن آدم من الشعر.
قال الحكيم الترمذي: ((كأنه صلى الله عليه وسلم ترخى أن يبدأ بالأقدام في الخلقة)).
وأخرج الشيرازي في الألقاب عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ادهن صب في راحته اليسرى فبدأ بحاجبه ثم عينه ثم رأسه.
قال في الموجز: الصداع إذاً ألم في الرأس ينفعه [الهدوء، و] الدعة وترك المحركات وقلة الكلام وتلبين الطغ ودلك الأطراف ووضعها في ماء حار وعلاج الصداع الحار بزر قطوناً بشراب إجاص أو تمر هندي أو شراب حماض ونيلوفر أو نقوع حامض وحلو بسكر أو بشراب نيلوفر أو بنفسج والغذاء مزورة حب رمان أو أجاص أو تمر هندي أو اسفاناخ أو بقلة أو خبازي أو مع ذلك فروج أو لحم ضأن عند عدم الحمى وخوف الضعف والمشموم ماء الورد والخلاف ونيلوفر بخل.
وإن كان هناك سهر فهذه مع دهن البنفسج أو النلوفر أو دهن الخس، وعلاج الصداع اليابس بزر قطوناً بماء ورد أو سكر أو جلاب أو شراب نوفر أو شراب بنفسج أو ماء الورد والخلاف والخيار، ويغلف الرأس بجرادة القرع أو الخيار إن كان مع حرارة، وصب اللبن الفاتر بعد حلق الرأس ويغسل بسرعة وماء البطيخ(1/248)
الخبازي أو بنفسج والشعير مع [نصفه] دهن بنفسج يصب فاتراً [من مكان عال] بعد حلق الرأس ويقطر دهن البنفسج [واللوز] في الأذن ويسعط وينشق الأدهان المذكورة.
وإن اقترن به نزلة تركت المرخيات والأدهان.
وعلاج الصداع الدموي بالفصد وتعديل المزاج.
قلت: على هذه الأقسام الثلاثة عمل الأحاديث المتقدمة وبقي للصداع أقسام آخر.
وقال ابن القيم: الصداع ألم في بعض أجزاء الرأس أو كله فما كان منه في أحد شقي الرأس لازماً يسمى: شقيقة، وما كان شاملاً لجمعية لازماً يسمى: بيضة، وأنواعه كثيرة وأسبابه مختلفة وحقيقته: سخونة الرأس واحمراره. لما دار فيه من البخار [الذي] يطلب النفوذ من الرأس فلا يجد منفذاً: فيصدعه كما ينصدع الوعاء إذا حمى ما فيه وطلب النفوذ.
وكل شيء رطب: إذا حمى طلب مكاناً أوسع من مكانه الذي كان فيه فإذا عرض هذا البخار في الرأس [كله] بحيث لا يمكنه التفشي والتحلل وجال في الرأس سمي البيدر.
والصداع يكون عن عشرين سبباً، أحدها: من غلبة واحدة من الطبائع الأربعة.
والخامس: من قروح تكون في المعدة فيتألم الرأس لذلك الورم المتصل من العصب المنحدر من الرأس بالمعدة.(1/249)
والسادس: من ريح غليظة تكون في المعدة، فتصعد إلى الرأس فتصدعه.
والسابع: من ورم يكون في عروق المعدة فيتألم الرأس بألم المعدة للاتصال الذي بينهما.
والثامن: من امتلاء المعدة بالطعام فينحدر ويبقى بعضه [نيئاً] فيصدع الرأس [ويثقله].
والتاسع: يعرض بعد الجماع لتخلخل الجسم فيصل إليه من حر الهوى أكثر من قدره.
والعاشر: يحصل بعد القيء: الاستفراغ: إما لغلبة اليبس، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه.
والحادي عشر: يعرض عن شدة الحر وسخونة الهواء.
والثاني عشر: يعرض من شدة البرد وتكاثف الأبخرة في الرأس، وعدم تحللها.
والثالث عشر: يحدث عن السهر وحبس النوم.
والرابع عشر: يحدث من ضغط الرأس وحمل الثقيل عليه.
والخامس عشر: يحصل من كثرة الكلام فتضعف قوة الدماغ لأجله.
والسادس عشر: يحدث من كثرة الحركة، والرياضة المفرطة.
والسابع عشر: يحدث من الأعراض النفسانية: كالهموم والغموم، والأحزان والوسواس والأفكار الرديئة.
والثامن عشر: يحدث من شدة الجوع، فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه.(1/250)
والتاسع عشر: يحدث عن ورم في صفاق الدماغ.
والعشرون: يحدث بسبب الحمى لاشتغال حرارتها فيه فيتألم.
وسبب صداع الشقيقة: مادة في شرايين الرأس وحده، حاصلة بها، أو مرتقية إليها، فيقبلها الجانب الأضعف من جانبيه. وتلك المادة: إما بخارية وإما أخلاط حارة أو باردة. وعلامتها الخاصة بها: ضربان الشرايين خاصة في الدموي وإذا ضبطت بالعصائب ومنعت من الضربان: سكن الوجع. وعصب الرأس ينفع في وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس.
وعلاج الصداع -في هذا الحديث- بالحناء، وهو جزيء لا كلي. وهو علاج نوع من أنواعه. فإن الصداع إذا كان من حرارة ملهبة ولم يكن من مادة يجب استفراغها: نفع فيها الحناء نفعاً ظاهراً. وإذا دق وضمدت به الجبهة مع الخل سكن الصداع, وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به سكن أوجاعه وهذا لا يختص بوجع الرأس بل يعم الأعضاء, وفيه قبض تشد به الأعضاء وإذا ضمد به موضع الورم الحادة الملتهب, سكنه.
قال الذهبي: في الصداع البارد, يعالج بشم المسك والعنبر والحبة السوداء وبالتغذي بالعسل وليأخذ المغالى والحقن الحارة وليجتنب شرب الماء البارد والهواء البارد, وإن احتيج إلى استفراغ فليكن بحب الأيارج من آخر الليل, ويستعمل هذا التدبير في العلل الباردة والدماغية كلها, مثل الصرع والسكتة والفالج واللقوة والرعشة والاسترخاء والسبات والزكام والنزلة - انتهى.(1/251)
ذكر الدوار والدوام
أخرج الخطابي في غريب الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تأمر الدوار والدوام بسبع تمرات عجوة في سبع غدوات على الريق.
قال الهلالي: الدوام كالدوار وهو يخذ الإنسان في رأسه فيدار به ومنه تدويم الطائر وهو أن يستدير في طيرانه.
ذكر الماليخوليا وتسمى في لغة العرب: الوسوسة والعشق
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال: سمع أذني من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الرجل مضغة إذا صحت صح لها سائر الجسد وإن سقمت سقم لها سائر جسده [وهي] قلبه.
وأخرج أحمد عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال: إن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: حين توفى النبي صلى الله عليه وسلم حزنوا عليه حتى كاد بعضهم يوسوس, قال عثمان: وكنت منهم.
وأخرج ابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه لم ير للمتحابين مثل النكاح.
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.(1/252)
وأخرج أبو نعيم عن شداد بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن نفراً من أسلم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في الخصي، فقال: عليكم بالصوم فإنه محسمة للعروق مذهبة للأشر.
قال في الموجز: نوع من الماليخوليا يقال له العشق يعتري الغراب والباطالين، والرعاع وسببه إفراط الفكرة في استحسان بعض الصور والشمائل، العلاج لا شيء كالوصال ومن المسكنات كثرة الجماع لغير المعشوقة والصيد واللعب والاشتغال بالعلوم العقلية والمحاكمات.
ذكر النسيان
أخرج ابن السني وأبو نعيم والحاكم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحجامة تزيد في العقل وتزيد في الحفظ فعلى اسم الله يوم الخميس ولا تحتجموا يوم الجمعة ولا يوم السبت ولا يوم الأحد واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء ولا نزل جذام ولا برص إلا في ليلة الأربعاء.
وأخرج ابن ماجه وأبو نعيم والحاكم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحجامة على الريق أمثل وفيها شفاء وبركة، وهي تزيد في العقل وتزيد الحافظ حفظاً، فمن كان محتجماً فليحتجم يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي أصرف الله فيه البلاء عن أيوب واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء فإنه اليوم الذي ابتلي فيه أيوب عليه السلام، وما يبدو جذام ولا برص إلا في يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء.(1/253)
قال ابن القيم: تكره الحجامة عندهم على الشبع فإنها ربما أورثت سدداً وأمراضاً رديئة كالنسيان، لا سيما إذا كان الغذاء بارداً غليظاً.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن رجلاً شكى إليه النسيان فقال: عليك باللبان فإنه يشجع القلب ويذهب بالنسيان.
وأخرج أبو نعيم والدينوري في المجالسة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خذ مثقال لبان ومثقالاً من سكر فاشربهما على الريق فإنهما جيدان للبول والنسيان.
ذكر الفالج
وأخرج سعيد بن منصور عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: الفالج داء الأنبياء عليهم السلام.
وأخرج سعيد بن منصور وابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه اكتوى في وجهه من اللقوة.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه اكتوى من اللقوة.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يفشو الفالج في الناس حتى يتمنوا مكانه الطاعون – وقد مر أن من أسبابه شرب الخمر.(1/254)
ذكر الرمد وضعف البصر
أخرج ابن السني وأبو نعيم وغيرهما عن علي رضي الله تعالى عنه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رمد وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تمر فأكله فقال: يا علي أتشتهيه ورمى إليه بتمرة ثم رمى إليه بأخرى حتى رمى إليه بسبع قال: حسبك يا علي.
وأخرج ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه عن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: قدمت النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر وقد اشتكيت عيني فأخذت آكل من التمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تأكل تمراً وبك رمد قلت: من ناحية أخرى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الموفق: التمر يسخن الدم ويعكره ويعين على عنفه واشتعاله، والرمد ورم خحار والتمر يضره.
وأخرج أبو نعيم والديلمي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث يجلين البصر: النظر في الماء الجاري والنظر في الخضرة والنظر إلى الوجه الحسن.
وأخرج أبو نعيم عن جابر رضي الله تعالى عنه رفعه قال: النظر إلى وجه المرأة الحسناء والخضرة يزيدان في البصر.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: ثلاث يجلين البصر النظر إلى الخضرة والماء الجاري والأمد عند النوم.(1/255)
وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم العبد الحجام يذهب بالدم ويخف الصلب ويجلو البصر.
وأخرج أبو داود وابن السني وأبو نعيم نبيه بن وهب رضي الله تعالى عنه قال: اشتكى عمر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عينيه فأرسل إلى أبان ابن عثمان رضي الله تعالى عنه ما يصنع بهما فقال اضمدهما بالصبر فإني سمعت عثمان رضي الله تعالى عنه يحدث ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العين ودواء العين ترك مسها.
وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه قال: العين نطفة فإذا مستها رتقت وإن أمسكت عنها صفت.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن امرأته زينب قالت: إني خرجت فأبصرني فلان فدمعت عيني التي تليه فكنت إذا رقيتها سكن دمعها وإذا تركتها دمعت فقال ذلك الشيطان إذا اطعتيه تركك وإذا عصييته طعن إصبعه في عينك, ولكنك لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيراً لك وأجدر أن تشفين تنضحيك في عينك الماء وتقولين: أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقماً.(1/256)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى عينيه اشتكى كله.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم الكمأة من المن وماءها شفاء للعين.
وأخرج أحمد عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكمأة دواء العين, إن العجوة من فاكهة الجنة وإن هذه الحبة السوداء دواء إلا الموت.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالكمأة الرطبة فإنها من المن وماءها شفاء العين.
زاد ابن السني قال عبد الملك: فحدثت بهذا الحديث شهر بن حوشب فلقيني بعد فقال الحديث الذي حدثني به لقد أخذ ابناً من هذا الجدرى فشرت عيناه ما شاء الله منه حتى ذهبت عيناه فأخذت الكمأة فقطرت في عينيه قطرة قطرة وعرفت أن الله وتر يحب الوتر إذا كان الغد قطرت فيه ثلاثاً ثلاثاً حتى إذا كان الغد قطرت خمساً خمساً حتى بلغت أحد عشر فكان ليس بعينيه نكتة.
وقال المسعودي: وجدت في كتاب السلامي سمعت محمد بن أحمد الداودي يقول: سمعت الحسن ابن بكار الشاعر يقول: سمعت علي بن الجهم يقولك دعاني المتوكل أمير المؤمنين فقال لي: قد أكثرت من الأدوية لعيني وليس يزداد إلا رمد فسئل أهل العلم هل يعرفون في ذلك أثراً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فمضيت إلى أحمد بن حنبل فسألته عن ذلك فقال: روى شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن(1/257)
غنم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكمأة من المن وماءها شفاء للعين. قال: فرجعت إلى المتوكل فأخبرته فقال: ادع لنا يوحنا بن ماسوبه فقشرها ثم سلقها بعد ما نضجت أدنى النضج ثم سلقها واستخرج ماءها بالميل فكحل به عين المتوكل فبرأت في الدفعة الثانية فتعجب من ذلك يوحنا وقال: أشهد أن صاحبكم كان حليماً يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أخذت ثلاثة أكمؤاه خمساً أو سبعاً فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت به جارية [لي] فبرأت.
وقال الذهبي: من أراد صحة عينيه فليتوق الحر والبرد المفرطين والهوى الشديد والدخان والغبار و [النكاح الكثير] والبكاء الشديد والتحديق ودوام النسخ والخط الرفيع إلا نادراً, فإن اليسير ينفع لنور البصر وليتوق النظر إلى الأجسام البزاقه وقرص الشمس الأبيض والأسود وأحب الألوان للعين الأخضر.
وروى أن لباس أهل الشام في الجنة الأخضر, وليتعاهد العين بما يقويها كالإثمد المطييب, وقد تقدم الكلام عليه - انتهى.(1/258)
ذكر النزلة والزكام
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه أن رجلاً عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يرحمك الله ثم عطس فقال: الرجل مزكوم.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: شمت أخاك ثلاثاً فما زاد فإنما هي نزلة أو زكام.
وأخرج سعد بن منصور عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: شمت الرجل إذا عطس ثلاث مرات فما زاد فهو داء أو ريح.
وأخرج ابن السني وابن عدي وأبو نعيم والبيهقي في الشعب ضعفه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكرهوا أربعة فإنها لأربعة لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عروق العمى ولا تكرهوا الزكام فإنه يقطع عروق الجذام ولا تكرهوا السعال فإنه يقطع عروق الفالج ولا تكرهوا الدماميل فإنه يقطع عروق البرص.
وأخرج الحاكم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد إلا وفي رأسه عروق من الجذام فتضر إذا هاج سلط الله عليه الزكام تتداووا له بخلاف السعال.
قال الذهبي: علاجه يؤخذ ماء الشعير والمغلي الحلو والرمان المشوي بدهن اللوز والحريرة والبيض النيمبرشت واجتناب الثلوج واللحوم والحوامض والموالح – انتهى.(1/259)
ذكر وجع الأسنان والأضراس
أخرج ابن السني وأبو نعيم عن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة فإنما شفاء من اثنين وسبعين داء، وخمسة أدواء: من الجنون والجذام والبرص ووجع الأسنان.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المحجمة التي في وسط الرأس أمان من الجنون والجذام والنعاس والأضراس وكان يسميها منقذة.
وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجامة في الرأس دواء من الجنون والجذام والبرص والنعاس والنقرس.
قال ابن القيم: القمحدودة نقرة القفاء والحجامة فيها تنفع من جحوظ العين والنتوه العارض فيها, وكثير من أمراضها ومن ثقلها الحاجبين والجفن وتنفع من جريه.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: اشتك ضرسي الأيمن فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آكل التمر بشق ضرسي الأيسر.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ترك الخلال ما يوهن الأسنان.
قال الذهبي: وأما ما يحفظ صحة الأسنان فاجتناب مضغ كل علك وكسر كل صلب, وكل شيء شديد البرد, وشرب الماء البارد وخصوصاً عقيب الطعام الحار(1/260)
وكثرة الخلال يبخر الفم, وكذلك فساد الطعام وإنما يفسد لكثرة تناوله وكذلك المضرسات وأكل بقل القرط لخاصية فيه - انتهى.
ذكر العذرة
وهي وهج يهيج في حلق الصبيان من الدم.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه عن جابر رضي الله تعالى عنه أن امرأة جاءت بصبي لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أفق منه العذرة, فقال: ما تحرقن حلوق أولادكن خذي قسطاً هندياً وورساً فاسعطته إياه.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وعندها صبي يسيل منخراه دماً فقال: ما هذا؟ قالوا: به العذرة فقال: علام تعذبن أولادكن فإنما يكفي إحداكن أن تأخذ قسطاً هندياً فتحكه بماء سبع مرات ثم توجره إياه قال: ففعلوا فبرأ.
وأخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً أعلق عنه فقال: علام تقتلون أولادكم بهذه العلاق عليكم بالقسط الهندي بما يسقط.
وأخرج ابن السني عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير ما تداويتم به الحجامة ولا تعذبوا أولادكم بالغمر من العذرة.
وأخرج أبو نعيم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: دخلت امرأة بابن لها على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تعالجه من العذرة فأدمين فم الصبي فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما(1/261)
رأى الصبي سال فوه دماً قال: ويلكن لا تقتلن أولادكن ثلاثاً ثم قال: إذا عالجتم ثمل هذا أو شبه فلتأخذ قسطاً بحرياً ثم لتعمد إلى حجر فلتحكه عليه ثم لتقطر عليه قطرات من زيت وماء ثم ليعالج ينجح العمل ثم لتوجوه إياه فإن فيه شفاء من كل داء إلا السام.
وأخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خير ما تداوى به الناس الحجامة والقسط البحري ولا تعذبوا أولادكم بالغمز عليكم بالقسط البحري.
قال ابن القيم: العذرة إنما يعرض للصبيان غالباً، وكانوا يعالجون أولادهم بغمز اللهات فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشدهم إلى ما هو أنفع للأطفال وأسهل عليهم. والقسط البحري المذكور في الحديث، هو: العود الهندي وهو الأبيض منه، وهو حلو. وفيه منافع عديدة وفيه تجفيف ويشد اللهات ويرفع شكلها إلى مكانها وقد يكون نفعه في هذا الداء بالخاصية قال الخلال قلت: حصل هذا الألم لولد لي فدعيت له امرأة من غير علمي فغمزته فغشي عليه، فأعلمت بذلك فمنعت منه، ثم استعملت له القسط فبرأ في يومه – انتهى.(1/262)
ذكر وجع الصدر
أخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: شكوت إلى رسول الله، خشونة في صدري ووجعاً في رأسي فقال: يا عائشة عليك بالتلبين يعني الحساد فإنه له وجاه.
وأخرج أبو نعيم عن إسحاق بن أبي طلحة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في التلبين شفاء من كل داء.
وأخرج أبو نعيم عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من أهله وضعنا القدرة على الأثافي ثم جعلنا له لبابة الحنطة بالسمن تعالجه بذلك حتى يكون الأمرين، وقد مر بيان الحسا، والأثافي الحجارة شبه الكانور.
ذكر ذات الجنب
وأخرج الترمذي والحاكم وصححاه وابن السني وأبو نعيم عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت.
وأخرج الحاكم والترمذي وصححاه وابن السني وأبو نعيم عن زيد ابن أرقم رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينعت الزيت والروس من ذات الجنب [قال قتادة] ويلد من الجانب الذي يشتكيه.(1/263)
وأخرج أبو نعيم والحاكم عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال: نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب ورداً زيتاً وقسطاً يلد به.
قال ابن القيم: ذات الجنب -عند الأطباء- نوعان حقيقي، وغير حقيقي. فالحقيقي: ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن الأضلاع وغير الحقيقي ألم يشبه، يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين السفاقين فتحدث وجعاً قريباً من وجع ذات الجنب الحقيقي. والعلاج المجود في هذا الحديث ليس له القسم الأول ولكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة فإن القسط البحري – وهو: العود الهندي، إذا دق ناعماً وخلط بالزيت المسخن وذلك [به] مكان الريح المذكور أو لعق: كان دواء نافعاً له موافق محللاً؟ لمادته مذهباً لها, مقوياً للأعضاء الباطنة ومفتحاً للسدد.
قال المسيحي: العود حار يابس قابض يحبس البطن ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد نافع من ذات الجنب ويذهب فضل الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد نافع من ذات الجنب ويذهب فضل الرطوبة. قال: ويجوز القسط من ذات الجنب الحقيقة أيضاً: إذا كان حدوثها عن مادة لا سيما في وقت انحطاط العلة.(1/264)
ذكر الاستسقاء
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة فلم يمكثوا بالمدينة يسيراً حتى أصابهم بها وعك شديد فاصفرت ألوانهم ونحلت أجسامهم وعظمت بطونهم فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بعث بهم إلى إبل من إبله فلما أصابوا اللبن وانقطعت عنهم الحمى حسنت ألوانهم وخمصت بطونهم وربت أجسادهم.
وأخرج الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها, فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وقال: اشربوا من أبوالها وألبانها.
وأخرج أحمد وابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أبوال الإبل وألبانها شفاء للذربة بطونهم.
وأخرج أحمد بن زنجوية عن ضمرة عن أبيه أن ناساً جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن أخاً لنا قد استسقى بطنه أفتأذن لنا أن نداويه فقال: بما تداوونه قال يهودي هنا يشق بطنه, فكره ذلك حتى جاووه مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يأبى عليهم ثم قال: اذهبوا فافعلوا ما شئتم فدعوا له اليهود فشق بطنه ونزع جرحاً من بطنه كثيراً ثم غسل بطنه ثم خاطه ورواه فصح وبرأ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الذي خلق الأدواء جعل دواء إلا السام.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بأبوال [الإبل] البرية وألبانها.(1/265)
وأخرج ابن السني والطبراني وأبو نعيم عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أخوه قد سقى بطنه فقال: يا رسول الله إن أخي قد سقى بطنه فأتيت به الأطباء فأمروني بالكلي أفاكويه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تكروه ورده إلى أهله فمر به بعير فطرب على بطنه فانخمص بطنه فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أعا إنك لو أتيت به الأطباء لقلت النار سقته.
قال ابن طرخان: الاستسقاء سببه مادة غربية تتخلل الأعضاء فتربوا وهو لحمي ومائي وطلي وهو أردئها وقيل: الأول وفي لبن اللقاح جلاء وتلبين وتفتيح للسدد، وإذا كثر رعيها الشيح والقيصوم والبابونج والأذخر وغير ذلك من أدوية الاستسقاء وهذا المرض لا يكون إلا عن آفة الكبد وأكثره عن السدد فيها، وبول الفصيل ذو ملوحة مقطع مطلق للبطن ولو أن إنساناً أقام على اللبن بدل الماء والطعام يشفي وقد جرب ذلك، وأنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي.
وقال صاحب القانون: لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق، وما فيه من خاصية فلو أن إنساناً أقام عليه بدل الماء والطعام يشفى به قال: ولا يلتفت إلى ما يقال من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء.
وقال الرازي: لبن اللقاح يشفي من أوجاع الكبد وفساد المزاج، وقال الإسرائيلي: لبن اللقاح أخص الألبان شطرية الكبد وتفتيح سددها وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثاً والنفخ من الاستسقاء خاصة إذا استعمل بحرارته التي يخرج بها من الضرع مع بول الفصيل وهو حار كما يخرج من الحيوان فإن ذلك مما يزيد في ملوحته وتقطيعه الفضول وإطلاقه البطن.(1/266)
ذكر وجع البطن
وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود وابن السني وأبو نعيم عن سعد رضي الله تعالى عنه قال: مرضت مرضاً فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي وقال: إنك رجل مفؤد فائت الحارث بن كلدة فإنه رجل يتطيب فليأخذ سبع تمرات مع عجوة من المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن الفؤاد والذي يشتكي بطنه. وأخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا اشتكى بطن أحدكم فليأخذ في يده شونيزاً فليستقه)) ويشرب عليه عسلاً وماء.
وأخرج أبو نعيم وإسماعيل بن محمد بن سعد بن وقاص رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحارث بن كلدة: عالج سعداً مما به قال: هل معكم من هذا التمر العجوة شيء؟ قالوا: نعم قالوا: نصنع له الحريصة خلط له التمر بالحلبة ثم أوسعها سمناً ثم حساها إياه فكأنما نشط من عقال.
قال ابن القيم: المفؤد الذي أصيب فؤاده، وفي التمر خاصية عجيبة لهذا الداء ولا سيما تمر المدينة ولاسيما العجوة منه. وفي كونها سبعاً خاصية أخرى تدرك بالوحي.
وقال الذهبي: وأما وجع الفؤاد فغالب ما يكون عن كثرة أكل المنفخات كالحمص والعدس والفول وإدخال طعام على طعام، وعلاجه القيء وهجر ما ذكر من الأغذية واستعمال الورد المربا بالماء الحار، وإن احتيج إلى استفراغ فبالحقن اللينة والحارة وجوارش السفرجل ودهن الفؤاد والجوف بدهن الورد والمصطكى والتكميد بالنخالة المسخنة والاستحمام بالماء الحار – انتهى.(1/267)
ذكر الإسهال
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن السني وأبو نعيم عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال: اسقه عسلاً فسقاه ثم أتاه الثانية فقال: اسقه عسلاً ثم أتاه الثالثة فقال: قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقاً فقال: صدق الله وكذب بطن أخيك واسقه عسلاً فسقاه فبرأ.
قال ابن القيم: هذا الذي وصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل كان استطلاق بطنه من تخمة أصابته عن امتلاء فأمره بشرب العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء فإن العسل فيه جلاء ودفع الفضول.
وكان قد أصاب المعدة أخلاطاً لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها فإن المعدة لها خمل كحبل المشتقة فإذا علقت به الأخلاط [اللزجة] أفسدتها وأفسدت الغذاء فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط. والعسل جلاء وهو من أحسن ما عولج به هذا الداء، لا سيما إن مزج بالماء الحار. وفي تكرار سقيه وكميته بحسب حال الداء: إن قصر عنه لم يزل بالكلية، وإن جاوزه أوهن القوى فأحدث ضرراً آخر فلما أمره صلى الله عليه وسلم أن يسقيه العسل: سقاه بمقدار لا بقي بمقاومة الداء ولا يبلغ الغرض فلما أخبره علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة. فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم , أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء. فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء: برأ بإذن الله تعالى.(1/268)
واعتبار مقاديرية الأدوية وكيفياتها ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب
وفي قوله: صدق الله وكذب بطن أخيك إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء وإن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكذب البطن وكثرة المادة الفاسدة فيه فأمره بتكرار الدواء لكثر المادة.
وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلا هي صادرة عن الوحي, ومشكاة النبوة. وطب غيره أكثر حدس وظنون وتجارب, ولا ينكر عدم الانتفاع كثير من المرضى بطب النبوة, فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به وكمال التلقي له: بالإيمان والإذعان فهذا القرآن -الذي هو شفاء لما في الصدور- إن لم يتلق هذا التلقي- لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائه بل لا يزيد المنافقين إلا رجساً إلى رجسهم وإلا مرضاً إلى مرضهم. وأين يقع طب الأبدان منه فطب النبوي لا يناسب إلا الأبدان الطيبة كما أن شفاء الصدور القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة, والقلوب الحية. فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع وليس ذلك لقصور في الدواء, ولكن لخبث الطبيعة وفساد المحل وعدم قبوله - انتهى.
وقال بعض العلماء: ليس هنا عموم لأن الناس لفظ صادق على البعض وشفاء نكرة في سباق الإثبات فلا تعم.(1/269)
ذكر دود البطن وقولنج
وأخرج الديلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الدود.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكمد بطن سعيد بن العاصي بخرقة فيها ملح.
وأخرج أحمد وابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مكان الكي التكميد ومكان العلاق السعوط ومكان النفخ الدود.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل التمر أمان من القولنج.
وقد قدمنا كلام الذهبي في وجع الفؤد سبباً وعلاجاً، وهذا جاء في القولنج كما ذكره.
وأما مداوة المغص والزحير فيغلى الخطمي مع شراب التفاح ويستعمل حاراً مع بزر قطوناً (م - صحاح) ولينطل بماء حار مغلي فيه قشر خشخاش وإن أفرط الزحير فلنحمله فتيلة الزحير وليأخذ امراق بماء الحصرم العتيق فإن أفرط الإسهال فعليك بشراب الرمان وسفوف الحب الرمان.(1/270)
ذكر عرق النسا
أخرج أحمد وابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصف من عرق النسا إلية كبش عربي أسود ليس بالعظيم ولا بالصغير تشرح وتذاب وتجزأ ثلاثة أجزاء ويشرب كل جزء ويشرب كل يوم جزء.
قال أنس رضي الله تعالى عنه: فوصفته لأكثر من مائة أنفس فبرأوا بإذن الله تعالى.
وأخرج أحمد وأبو نعيم عن طريق أنس بن سيرين عن معبد بن سيرين رضي الله تعالى عنهما عن رجل من الأنصار عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعت من عرق النساء أن تؤخذ إلية كبش عربي ليست بصغيرة ولا عظيمة ثم تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء فيشرب كل يوم على ريق النفس جزءاً.
وأخرج ابن ماجه وأبو نعيم والحاكم وصححه عن أنس رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شفاء عرق النسا إلية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم تشرب في ثلاثة أيام على الريق.
قال أنس رضي الله تعالى عنه فوصفت ذلك لثلاثمائة أنفس كلهم يعافيه الله تعالى قال ابن القيم في الهدى: عرق النسا وجمع يبتدئ من مفصل الورك، وينزل من خلف على الفخد وربما امتد إلى الكعب، وكلما طالت مدته زاد نزوله وألمه وتهزل معه الرجل والفخد.(1/271)
وهذا الحديث فيه: معنى لغوي ومعنى طبي، فأما اللغوي: فدليل على جواز تسمية هذا المرض بعرق النسا خلافاً لمن منع هذه التسمية، وقال: النسا هو العرق نفسه فيكون من باب إضافة الشيء إلى نفسه وهو ممتنع، وجواب هذا من وجهين أحدها: زن العرق أعم من النسا فهو من باب إضافة العام إلى الخاص، نحو: كل الدراهم أو بعضها والثاني: أن النسا هو المرض الحال بالعرق والإضافة فيه من باب إضافة الشيء إلى محله ومورده قيل: وسمي بذلك: لأن المرض ينسى ما سواه. وهذا العرق ممتد من مفصل الورك وينتهي إلى آخر القدم وراء الكعب من الجانب الوحشي فيما بين عظم الساق والوتر.
أما المعنى الطبي فقد تقرر: أن كلامه صلى الله عليه وسلم في الطب نوعان: عام وخاص. فهذا من القسم الثاني فإن هذا خطاب لأهل الحجاز والعرب ومن جاورهم، ولا سيما أعراب البوادي فإن هذا العلاج من أنفع العلاج لهم، فإن هذا المرض يحدث من يبس وقد يحدث من مادة غليظة لزجة فعلاجها بالإسهال ((والإلية)) فيها الخاصيتان: الإنضاج والتليين، وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين. وفي تعيين الشاة الأعرابية: قلة فضولها وصغر مقدارها ولطف جوهرها وخاصية مرعاها لأنها ترعى أعشاب البر الحارة: من الشيح والقيصوم، ونحوهما وهذه النباتات إذا تغذى بها الحيوانات صار في لحمه من طبعها بعد أن يلطفها تغذية بها، ويكسها مزاجاً ألطف منها، ولا سيما الإلية، وظهور فعل هذه النباتات في اللبن أقوى منه في اللحم، ولكن الخاصية التي في الإلية من الإنضاج والتليين لا توجد في اللبن، وهذا مما تقدم أن أدوية غالب الأمم والبوادي بالأدوية المفردة وعليه أطباء الهند.(1/272)
وأما الروم واليونان فينعتون بالمركبة. وهم يتفقون كلهم: على أن سعادة الطبيب أن يداوي بالغذاء، فإن عجز فبالمفرد، فإن عجز فيما كان أقل تركيباً، وغالب عادات العرب وأهل البوادي الأمراض البسيطة لباسطة أغذيتهم في الغالب، فالأدوية البسيطة تناسبها، وأما الأمراض المركبة فغالبها تحدث عن تركيب الأغذية وتنوعها واختلافها، فاختبرت لها الأدوية المركبة – انتهى.
وقال الذهبي: وأما علاج عرق النسا فقد ذكر في حرف الألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام اشتكى عرق النسا فترك ألبان الإبل ولحومها فحرمها على نفسه فبرأ فحرمت على بنيه.
قلت: وأكثر ما يضر عرق النسا وجع المفاصل اللبن واللحم وخاصة لحم البقر والإبل.
وقال ابن سينا: يحرم على صاحب وجع المفاصل اللحم والخمر، وإذا طالت مدة عرق النسا قد يحتاج إلى الكي وهل يكره الكي على قولين أظهرهما جوازه.(1/273)
ذكر الكي
وقد روى عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم أو لذعة بنار ومما أحب أن اكتوى – رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وما أحب أن اكتوى. وفي رواية: وأنهى أمتي عن الكي –رواه البخاري- وفي رواية: أوكية بدل كية.
قال الإمام [أبو عبد الله] المازري: سائر الأمراض الامتلائية: دموية أو صفراوية أو بلغمية أو سوداوية, فشفاه الدموية إخراج الدم, وشفاه الثلاثة الباقية بالإسهال اللائق بكل خلط, وكأنه صلى الله عليه وسلم نبه بالحجامة على إخراج الدم ويدخل الفصد والحجامة, ونبه بالعسل على الإسهال, فإذا أعيا الرواء فأخر الطب الكي, وهو يستعمل عند غلبة الطبائع لقوة الأدوية, وحيث لا ينجح الدواء فلعلمنا بهذا الحديث أصل معالجة الأمراض المادية كما علمنا معالجة الأمراض الساذجة بقوله: إن شدة الحمى من فيح جهنم فابردوها بالماء وأما قوله: أو كية آية فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
وعن جابر رضي الله عنه قال: رمي سعد بن وقاص في أكحلة فحمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحمسه الثانية - رواه مسلم.
وروى عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن(1/274)
الكي قال: فبلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا - أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفاً بغير حساب قيل: من هم يا رسول الله قال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون - رواه البخاري ومسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم محجم بكسر الميم هو مشراط الحجام, والمحجم أيضاً الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة.
ولذعة بالذال المعجمة والعين المهملة: هو الخفيف من إحراق النار.
والأكحل: عرق في وسط الذراع يفصد.
والمشقص بكسر الميم: السهم الطويل غير العريض فإن كان عريضاً فهو المعبلة.
وحمسه أي قطع الدم عنه بالكي وقوله: لا يسترقون: أي لا يبطلون من أحد رقية, ولا يتطيرون: أي لا يتشاءمون وهو من الشؤم الذي هو ضد اليمن, اليمن البركة.
وهذه الأحاديث المذكورة بعضها يدل على الإذن وبعضها يدل على المنع.
والجمع بينهما أن النهي إنما كان من أجل أنهم كانوا يعظمون أمر الكي ويرون أنه يحسم الداء وأنه إن لم يكووا العضو يطل فنهاهم إذا كان على هذا الوجه وإباحة إذا كان سبباً للشفاء - لا فاعله فإن الله هو الذي يشفي ويعافي ويبرئ لا الكي, ولا الدواء, وهذا أمر يكثر فيه شكوك الناس, يقولون: لو شرب الدواء لم يمت, ولو أقام ببلده لم يقتل, ويحتمل أن يكون نهيه عن الكي إذا عمل على طريق الاحتراز من حدوث المرض قبل الحاجة إليه وذلك مكروه.(1/275)
وإنما أبيح عند الحاجة، ويحتمل أن يكون نهى هنخ من قبل التوكل، ويحتمل أنه فعله وأذن فيه حيث لم يقم غيره مقامه، لأن الجراحة لأن وقعت بشريان وهو العروق التي يتحرك لا ينقطع غالباً إلا بالكي لأن حركة الشريان مانعة من التحامه فإذا كوى أحدث الكي على فوهة الجرح خشكريشة لمكان جفاف الدم الخارج على فوهة العرق فيلتصق بفمه فينقطع الدم وإذا انقطع الحمية القوة بإذن ربها وإذا حصل بمثل هذه الضرورة فلا بأس به.
وقال الخطابي: إنما كوى سعد خوفاً من أن ينزف دمه فيهلك: ومن هذا القبيل كي من قطعت يده أو رجله, فحينئذ قد يجب.
وروى نافع أن عمر رضي الله تعالى عنه اكتوى من اللقوة.
وعن أبى الزبير رضي الله تعالى عنه قال: رأيت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد اكتوى في وجهه من اللقوة قلت: واللقوة إنما تحصل عن مادة غليظة وهي من الأمراض المزمنة ولا تكاد تلك المادة تحلل بالدواء فالكي حينئذ من أنفع علاجاتها-انتهى.
ذكر عرق الكلية
أخرج الحارث ابن أبي أسامة وابن السني والطبراني وأبو النعيم والحاكم وصححه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الخاصرة عرق الكلية إذا تحرك آذى صاحبها فداووها بالماء المحرق والعسل.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأخذه الخاصرة فتشد به جداً فاشتد به حتى أغمى عليه وفزع الناس إليه.(1/276)
فظننا أن به ذات الجنب فلذذناه ثم سرى عنه صلى الله عليه وسلم وأفاق فعرف أنه قد لد فقال: أظننتم أن الله سلطها علي ما كان الله ليفعل أنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي وقد أشار إلى دواء هذا العرق في الحديث الأول.
ذكر الباسور
أخرج الطبراني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استنجوا بالماء البارد فإنه مصحح للبواسير.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بغسل الدبر فإنه مذهبة للبواسير.
وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن نسوة من البصرة دخلن عليها فأمرتهن أن يستنجين بالماء. وقالت: مرن أزواجكن بذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله, وهو شفاء من الباسور - عائشة تقوله [أو أبو عمار].
قال الذهبي: وأما علاج البواسير فنأخذ شراب البنفسج بالماء الحار والتغذي بالملوخيا والخبازي, والاسفاناخ ويعتني بتليين البطن والطبيعة ما أمكن, وليهجر الخبز اليابس والمنشفات - انتهى.(1/277)
ذكر الباه
أخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة النسل فأمره بأن يأكل البيض.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني إذا أكلت اللحم باشرت النساء وأخذتني شهوة فحرمته فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات من أحل الله لكم}.
وأخرج ابن السني من طريق محمد بن عبد الله بن الحكم عن محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه قال: استمتع ابن جريج بسبعين امرأة كان يحتقن بأوقيه شيرج للوطى. وهذا آخر القول في الأمراض التي تختص بعضو عضو.
ومن هنا نشرع في ذكر ما لا يختص منها.
ذكر الحمى
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء.
وأخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها أنها كانت تؤدي بالمرأة الموعوكة فتدعو بالماء فتصبه بينها وبين جيبها وتقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبردوها بالماء وقال: إنها من فيح جهنم.(1/278)
وأخرج ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحمى كير من كير جهنم فنحووها عنكم بالماء البارد.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم والحاكم عن فاطمة رضي الله تعالى عنها قالت: عدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سقا يقطر عليه من شدة ما يجده من حر الحمى.
وأخرج البخاري وابن السني وأبو نعيم عن أبي جمرة الضبعي رضي الله تعالى عنه قال: كنت أجالس ابن عباس [بمكة] فأخذتني الحمى فقال أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء, أو قال بماء زمزم.
وأخرج الحاكم والبزار وصححه الأول عن سمرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحمى قطعة من النار فأطفئوها عنكم بالماء البارد.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على رأسه فاغتسل.
وأخرج النسائي وابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حم أحدكم فليشن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر.
وأخرج الحارث ابن أبي أسامة في مسنده عن علقمة بن عبد الله المزني رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما أحدكم أخذه الورد فليصب عليه جرة ماء بارد.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن السني وأبو نعيم عن ثوبان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أصاب أحدكم الحمى. فإن الحمى قطعة من النار - فليطفئها عنه بالماء فليستنقع في نهر جار وليستقبل جرينة فيقول: بسم الله اشف عبدك وصدق رسولك بعد صلوة الصبح قبل طلوع الشمس وينغمس فيه ثلاث(1/279)
غمسات ثلاثة أيتم فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس فإن لم يبرأ في خمس فسبع فإن لم يبرأ في سبع فتسع فإنها لا تكاد تجاوز تسعاً بإذن الله تعالى.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن منصور بن وهب المغافري أن رجلاً شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الحمى فقال له: اغتسل ثلاثة أيام قبل طلوع الشمس وقل: بسم الله وبالله اذهبي يا أم ملدم فإن لم تذهب فاغتسل سبعاً.
وأخرج سعيد بن منصور عن مكحول رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حم أحدكم فليأمر بدلو جديد يملاء ماء فطرح فيه سبع تمرات عجوة وقطرات زيت فإذا أصبح صبه عليه ثم قال: اللهم إنما فعلت هذا رجاء شفائك وتصديق نبيك.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم بسند صحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إذا كان بأحدكم حمى ربع فليأخذ ثلاثة أرباع من سمن وربعاً من لبن فيشربه.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمى رائدة الموت وسجن الله في الأرض.
قال أبو الحسن بن طرخان: هذه الأحاديث خطاب لأهل الحجاز إذ غالب حياتهم ينفعها الماء البارد شرباً واغتسالاً قال: ويظهر أن هذا في الحمى التي يكون من حر الشمس فإنها تكثر بالحجاز وهي تسكن بالانغماس في الماء وبسقي الماء المثلوج ولا يحتاج صاحبها إلى علاج.
قال جالينوس: لو أن شاباً سميناً [سبح في الماء] في الحر في وقت منتهى من الحمى لا نتفع بذلك قال: ونحن نأمر بذلك بلا توقف.(1/280)
قال الموفق: هذه الأحاديث في الحميات المحرقة التي ليس معها ورم في بعض الأعضاء وقوة المريض مستظهرة والصفراء في غليانه وقد أخذ في الضيج فجالينوس سقى الماء البارد في هذه الحميات فتطفئ حماه في الوقت ويبرأ بإذن الله وكثيراً ما تعرض هذه الحميات التي يوافقها الماء البارد في أرض الحجاز وفي كل بلد حار يابس وكثيراً ما يستعمل الاغتسال في حميات يوم فيكون ذلك سبب الشفاء – انتهى.
وقال ابن القيم: الاغتسال ينفع فعله في الصيف في البلد الحار في الحمى العرضية أو الغب التي لا ورم معها، ولا شيء من الأعراض الرديئة، والمواد الفاسدة – فيطفئها بإذن الله تعالى لا سيما في أحد الأيام المذكورة في الحديث، وهي الأيام التي يقع فيها بحران الأمراض الحارة كثيراً لا سيما في البلاد المذكورة لرقة أخلاط سكانها وسرعة انفعالهم عن الدواء النافع – انتهى.
وقال الذهبي: قال الأطباء: شرب الماء البارد في الحميات عند ابتدائها يضعفها ويوهي قوتها.
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء – رواه الشيخان.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: أن الحمى من فيح جهنم فأطفئوها عنكم بماء زمزم – رواه البخاري.
قوله: أبردوها بالماء – هذا خطاب لأهل الحجاز أي أكسروا حرها ووهجها به، وفيح جهنم حرها وغليانها.(1/281)
وأما قوله بماء زمزم إما لخاصية فيه فإن المياه تختلف باختلاف أراضيها، أو من جهة التبرك [به] من قوله: ماء زمزم لما شرب له.
قلت: أجمع الأطباء أن الماء أنفع شراب المحمومين حمى حارة لشدة لطافته وسرعة نفوذه وخفته على الطبع، وقد يحتاج الماء في بعض الأحوال إلى ما يقوي تبريده فيضاف إليه الثلج أو إلى قوة تنفيذه فيضاف إليه الخل وإلى ما يرطبه ويوصله إلى متون الأعضاء ويضاف إليه السكر، وقد يصلح الخل بالسكر والسكر بالخل، ويسمى شراب السكنجين وهو أنفع شراب للحمى المادية لتقطيعه وتفتيته، وذلك أن الحميات أجناس منها حمى يوم وتزول في الغالب فيه وتمتد إلى ثلاثة أيام، فإن –تعلقت- بأخلاط سميت عفنة وإن تعلقت بالأعضاء الأصلية سميت حمى دق.
وربما كانت الحمى منضجة للأخلاط [الغليظة] وقد تبرئ الفالج ومحل القولنج وغير ذلك.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبها رجل فقال: لا تسبها فإنها تنقي الذنوب كما تنقي النار خبث الحديد - رواه ابن ماجه وغيره.
وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أم السائب أو أم المسيب قال: ترفرفين قالت: الحمى لا بارك الله فيها قال: لا تسبيها فإنها تذهب الخطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد, رواه الترمذي والرفرفة: الانتقاض.
وعن الحسن أنه قال: إنه ليكفر عن العبد ذنوبه بحمى ليلة, فقد صارت الحمى تنفع الأبدان والأديان فلذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن سبها.(1/282)
ثم الحمى تكون عن دم وعلامته حمرة الوجه والعين والعلاج الفصد والجحامة, وأخذ النقوعات الحامضة.
الفصد والحجامة, وأخذ النقوعات الحامضة.
وتكون عن صفراء, وعلامته صفرة الوجه والسهر ومرارة الفم, والعلاج - أخذ شراب الأجاص والمزاوير الحامضة, وإن كان عطش زائد فيستعمل البطيخ الأخضر وحليب بزر البقلة ويلين الطبع بالنقوع المسهل وإن غلب السهر فلينشق المريض دهن البنفسج فإن ضعفت القوة يغذى أمراق الفراريج, فإن طالت المدة فليسهل بلعوق الرواند فإذا أقلعت الحمى أدخل الحمام وغذي بلحم حملان.
ويكون عن بلغم وعلامته: قلة الهطش ورصاصية اللون والنافض وعنده فليستعمل القيء وليشرب شراب السكنجبين بالماء الحار أياماً ثم ليلين الطبيعة بالحقن الملينة وبعده بلعوق الخيار شنبر وليتغذى بالفروج المحمص أو بالقرطم.
وتكون عن سوداء علاكته: كمودة الوجه والبول وغلبة المسهر ولا غذاء لها مثل ماء الشعير بالسكر فإنه نعم الغذاء لما فيه من الترطيب والتنويم وحسن التغذية ومقدار الشربة منه أوقية مع نصف أوقية سكر, وليلين الطبع بالمطابيخ وغذاء المريض بلحم الجدي والسمك الطري وغيره.
وقد تكون هذه الحميات بأدوار فعلامته: الصفراوية أنها تنوب يوماً وتترك يوماً, والسوداوية تنوب يوماً وتترك يومين, والبلغمي: تنوب كل يوم وعلاجها بالقيء عند مبدءا النوبة وباقي العلاج كما تقدم.
وإن تعلقت الحمى بالأعضاء الأصلية ويكون معها سعال وحمى لازمة وكرب عند أخذ الغذاء وعرق وضعف فليستعمل ماء الشعير المبرز, فإن غلب العطش فليأخذ أقراص الكافور إن كانت القوة جيدة وإلا فلا, وليكثر من دخول الحمام وليستعمل مائه دون هوائه وليواظب عليه وعلى أخذ ماء القرع وعلى لحم الجدي أمراق الفراريج بسميد الشعير والخشخاش فإن تزائد الحال فأنذر بالهلاك - والله أعلم.(1/283)
ذكر السل الجراح والحكة ونحو ذلك
أخرج ابن النجار عن أبي الخير مرثد بن عبد الله البزني رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمشمشوا مشاش الطير فإنه يورث السل.
وأخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أنه سئل بأي شيء دووي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد قال: كانت فاطمة تغسل الدم عنه وعلي يسكب الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير وأحرقتها حتى إذا صارت رماداً ألصقته بالجرح فاستمسك الدم.
قال ابن سينا: يقطع من النزف ويذر على الجراحات الطرية فيدملها ومزاجه بارد يابس ورماده نافع من أكله الفم ويحبس نفث الدم ويمنع من القروح الخبيثة أن تسعى.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن شهاب رضي الله تعالى عنه قال: إن الناس لما رجعوا من أحد أوقدوا نيراناً في نواحي المدينة وأخذوا يكمدون الجراح ويحشونها وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكمد وجهه من آثار الحجارة.
وأخرج أبو يعلي وابن عدي عن علي رضي الله تعالى عنه قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل نعوده بظهره ورم، فقال: بطوا عنه، فما برحت حتى بط والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد.(1/284)
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قدم رجلان أخوان المدينة وقد أصيب رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسهم في جسده فقال لقرابته: أطلبوا من يعالجه فجنى بالرجلين الأخوين فقال لهما: بحديدة تعالجان فقالا: إنما كنا نعالج في الجاهلية فقال النبي : ((عالجاه فبطه حتى برأ)).
وأخرج الحاكم وصححه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها:
قالت: خرج في عنقي خراج فذكرت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: افتحيه ولا تدعيه يأكل اللحم ويمص الدم.
وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق عفيف بن الحارث الشمالي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الكي، إلا أن يحسم عرقاً أو يفقا جراحاً.
وأخرج أبو داود والترمذي وابن السني وأبو نعيم عن عرفجة [ابن سعد] رضي الله تعالى عنه أنه قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب.
وأخرج البزار وابن السني وأبو نعيم عن عبد الله بن أبي رضي الله تعالى عنه قال: ندرت ثنيتي يوم أحد فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن اتخذ ثنية من ذهب.
وأخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله تعالى(1/285)
عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما.
وأخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن الزبير وعبد الرحمن رضي الله تعالى عنهما شكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في لبس الحرير فرأيت على كل منهم قميصاً من حرير.
قال ابن القيم: لما كانت ثياب الحرير ألين من القطن وأقل حرارة منه وليس فيها شيء من اليبس والخشونة الكائن في غيرها صارت نافعة من الحكة إذ الحكة لا تكون إلا عن حرارة ويبس وخشونة, فلذلك رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لمداواة الحكة. وثياب الحرير أبعد عن قبول تولد القمل فيها إذا كان مزاجها مخالفاً لمزاج ما يتولد منه القمل - انتهى.
قلت: ولأجل أذى القمل يجوز حلق رأس المحرم.
وقد أخرج البخاري عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال: أتى على زمن الحديبية النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرقد تحت برمة والقمل يتناثر عن رأسي فقال: أيؤذيك هوامك قلت: نعم قال: احلق على أن حلق الرأس يفتح مسامه ويسكن ألمه ويقويه.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن حلق القفا يغلظ العنق.(1/286)
ذكر القروح والبثور والجذام
وأخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الأسنان أو كانت به قرحة أو جرح قال: بإصبعه هكذا ثم قال: بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تراب أرضنا لقرحنا بإذن ربنا.
وأخرج أحمد والترمذي وأبو نعيم عن سلمى رضي الله تعالى عنها قالت: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فما كانت تصيبه قرحة ولا نكبة إلا وضع عليها الحنا.
وأخرج أحمد وابن السني وأبو نعيم والحاكم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج في إصبعي بثرة فقال: عندك ذريرة فوضعها عليها وقال: قولي اللهم مصغر الكبير ومكبر الصغير صغر ما بي فطفئت.
قوله تربة أرضنا لأن طبيعة التراب البرد واليبس والتجفيف للرطوبات فإن القرحة والجرح يكثر فيهما الرطوبة التي تمنع الطبيعة من جودة فعلها وسرعة اندمالها.
وأما بريقة أي بصاقة فإذا أضيف الريق إلى التراب ووضع على القرحة والجرح يبرأ بإذن الله عز وجل ومثلهما البتور والدبرة فتأت قصب الطيب بالهند.
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه قال: إن معيقيباً لما أسرع فيه الجذام كان عمر بن الخطاب يطلب [له] الطب من كل من(1/287)
سمع له بطب حتى قدم عليه رجلان من أهل اليمن فقال: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح فإن هذا الوجع فقد أسرع فيه فقالا: أما شيء يذهبه فلا نقدر عليه ولكنا نداويه دواء يوفقه فلا يزيد قال عمر: عافية عظيمة أن يقف فلا يزيد فقالا: هل تنبت أرضك الحنظل قال: نعم قالا: فاجمع لنا منه فأمر فجمع له منه [مكتلين عظيمين] فعمدا إلى كل حنظلة فشاقاها باثنتين ثم اضجعا معيقيباً ثم أخذ رجل منهما بإحدى قدميه ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظلة حتى إذا امحقت أخذا أخرى حتى رأينا معيقيباً يتنخم مرا أخضر ثم أرسلاه فقالا لعمر: لا يزيد وجعه بعد هذا أبداً، قال: فوالله ما زال معيقيب متماسكاً لا يزيد وجعه حتى مات.
وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الله بن معقل المزني رضي الله تعالى عنه أن رجلاً تخلل بالقصب فنفر فمه فنهى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن التخلل بالقصب.
قال الأصمعي: نفر فمه: أي ورم وقال بعضهم: ربما حصل منه الجذام.
وأخرج ابن السني والبيهقي عن عيسى بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه كتب إلى عماله أنهوا من قبلكم عن التخلل بالقصب والآس.
وأخرج العقبلي عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخلل بالقصب والآس وقال: إنهما يورثان عرق الجذام.
وأخرج ابن السني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستاك بعود الآس وعود الرمان فإنهما يحركان عرق الجذام.
وأخرج أبو نعيم عن حمزة بن حبيب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التخلل بعود الريحان والرمان وقال: إنه يحرك عرف الجذام.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تخللوا بقضيب آس ولا قضيب ريحان أكره أن يحركن عرق الجذام.(1/288)
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أبي بكر بن محمد بن سالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غبار المدينة شفاء من الجذام.
وأخرج ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تديموا النظر إلى المجذومين.
وأخرج البخاري وابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فر من المجذوم فرارك من الأسد.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء الجنون والجذام والبرص.
وأخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشعر في الأنف والأذنين أمام من الجذام.
وأخرج أبو نعيم عن علي رضي الله تعالى عنه قال: الحنا بعد النورة من الجذام والبرص.
وأخرج ابن عدي وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينفع من الجذام أن يأخذ سبع تمرات كل يوم من عجوة يفعل ذلك سبع أيام – وفي مسنده محمد بن عبد الرحمن الطفاوي قال فيه ابن معين: صالح.(1/289)
وقال أبو حاتم الرازي: صدوق يهم أحياناً وقال: ابن عدي لا أعلم رواه غيره.
وأخرج الديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والبول في المقابر فإنه يورث البرص.
قال الذهبي: عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة وقال: كل بسم الله ثقة بالله وتوكلاً عليه – رواه الترمذي وابن ماجه.
وروى نحوه من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه وعنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقد بايعناك – رواه مسلم والنسائي.
أما ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يورد ممرض على المصح – رواه الشيخان، ليس ذا الرجل المريض بل المراد به الذي مرضت ماشية لا يورد على صاحب الماشية الصحيحة فلعل الصحيحة لو مرضت بقدر الله تحرك في نفس صاحبها أن هذا عدوى فيضر في ذلك.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى ولا طيرة)) فأمر باجتنابه. وأما الجذام فهو من انتشار المرة السوداء في البدن كله فيفد مزاج الأعضاء وشكلهم، وربما تأكلت وسقطت ويسمى هذا المرض دار الأسد، وقيل: لأنه يعتري الأسد وقيل بل يصير الوجه كوجه الأسد وهو عند الأطباء يعدي ويتوارث.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إدامة النظر إليهم وأكل مع مجذوم فاجتنابه على وجه الاحتياط وأكل معه لبيان الجواز.(1/290)
وقال ابن قتيبة: إنه قد يسقم من قارب المجذوم بالرائحة لا بالعدوى وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: إن هذا نسخ بقوله: ((لا عدوى)) وقوله: وفر من المجذوم أمر على سبيل الإباحة أي إذا لم تصبر على الأذى يفر منه والرائحة هي أحد أسباب العدوى وكله بقدر [الله تعالى] التنبيه.
ذكر الجدري
البثور جمع بثرة، وهي نوع غير الجدري والحصبا والحميقا، فإن الجدري مادة الدم.
وأما الحصبا فهي من المرة الصفراء والحميقا متوسطة بينهما.
والجدري أنواع كثيرة، فمنه ما لونه أبيض، ومنه ما لونه أحمر، ومنه ما لونه أصفر، ومنه ما لونه بنفسجي وأخضر وأسود فخيره الأبيض لدلالته على قوة الطبيعة كالخال في المدة البيضاء والزيتون الأبيض، والأحمر دونه، والأصفر دونه، والبنفسجي والأخضر والأسود فردي جداً، والقليل العدد أسلم وكذلك الكبير الحجم لأنه أدل على مطاوعة المادة وعلى قوة الطبيعة وذلك إذا لم يكن مضاعفاً أعني أن لا تكون واحدة وأخرى طالعة في جانبها وأما الكثير العدد والصغير فردي وأسلم ما ابتدئ خروجه في اليوم الثالث أو ما يقارب منه والبطى الخروج ردي لدلالته على قوة المادة وعجز الطبيعة والذي يظهر تارة ويفور تارة أخرى فمخوف والذي يسهل نضجه وفسليم وبالضد، والذي هو في شكله ذو أضلاع ردي، والمستدير سليم، والذي يظهر منه في البطن والصدر سليم وإن كان في الصدر أكثر فردي لدلالته على عدم مطاوعته المادة للاندفاع إلى الأطراف، والذي يظهر في الأطراف خير من الذي يظهر في الوجه والرأس والذي يقل معه الكرب والحمى فسليم وبالضد، والذي تعرض الحمى قبله أسلم من الذي يعرض قبل الحمى، ومتى كان النفس جيداً كان سليماً، ومتى تواتر النفس فردي، ومتى تواتر معه العطش فهو من الهالكين، ومتى بال دماً أو بولاً أسود فهو منهم أيضاً.(1/291)
وعلاجه ينبغي أن يتوقى الإسهال ويخرج له من الدم بالفصد أو الحجامة ويسقى شراب العناب والرمان ويغذى بالماش والاسفاناخ والحريرة باللوز وماء الشعير بدهن اللوز ويقطر في العين ماء الكسفرة، وينفض فيها المريض الكحل الأسود ويخضب أسفل الرجلين بالحنا. وبعد زوال الحمى يغذى المريض بأمراق الفراريج وبعد العشرين يدخل الحمام ومداواة الحصبا والحميقا قريب من إداواة الجدري – انتهى.
ذكر الوثئ والخلع والسقطة والصدمة والكسر
أخرج أبو داود وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على وركه من وثئ به.
وأخرج ابن حبان وابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وثئ كان به.
وأخرج البزار وابن السني وأبو نعيم عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وغليم أسود يغمز ظهره فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشتكي شيئاً قال: إن الناقة اقتحمت بي البارحة.
قال الذهبي: الوثئ الوهن من غير كسر ولا فك وينبغي أن يقوى المكان بدهن الورد الشيرجي والآس المسحوق.وأما علاج الكسر فبالجبر.
قال علي رضي الله تعالى عنه انكسر إحدى زندي فجبرته، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: امسح عليه ويجوز المسح على الجبرة إلى حين البرأ – انتهى.(1/292)
ذكر ما قيل في العين
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العين حق.
وأخرج أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل به المعين.
وأخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا.
وأخرج أحمد والنسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال: والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبا فلبط سهل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه [إذا رأيت ما يعجبك].
هلا بركت أغتسل له فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه فراح مع الناس.
وأخرج عبد الرزاق عن الشعبي قال: لا بأس بالنشرة العربية التي إذا وطئت لا تضر وهي أن يخرج الإنسان في موضع عصا فيأخذ عن يمينه وعن شماله من كل ثم يدقه ويقرأ فيه ثم يغتسل به.
قال الذهبي: وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيته جارية في وجهها سفعة فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة - رواه الشيخان والنظرة العين وبه نظرة أي أصابته عين الجن.(1/293)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
الهامة جمع هوام: وهي كل ذات سم يقتل كالحية. وقد يقع على ما لا يقتل لقوله لكعب: أيوذيك هوام رأسك, ولامة: أي ذات لمم وهي المؤثر بسوء فيما نظرت إليه.
وروت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين - متفق عليه.
وعن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا.
قوله وإذا استغسلتم أي طلب منكم من صبتموه بالعين أن تغتسلوا له فأجيبوه وهو أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب على المعين ويكفئ القدح ورآه على ظهر الأرض, وقيل: يغتفله بذلك حين يصبه عليه فيبرأ بإذن الله تعالى, ومثل أحمد عن داخلة الإزار؟ فقال: الذي يلي الجسد من الإزار.
وقال أبو داود: قلت لأحمد: الرقية من العين قال: لا بأس بها.
وقال جماعة من أهل التفسير: في قوله تعالى: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} أي ليصيبونك بأعينهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه, وفي رواية قال: اللهم بارك فيه ولا تضره. وفي أخرى فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله.(1/294)
وأما السفعة فأثر أسود في الوجه زاد في العين وشحوب فيه, ويقال صفرة في الوجه.
وقال ابن قتيبة: هو لون يخالف لون الوجه.
وقال الأصمعي: حمرة بسواد وقال ابن خالوية سفعة جنون.
وقال أبو سعيد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنس - رواه الترمذي.
وعن عمران بن حصين مرفوعاً: لا رقية إلا من عين أو حمة - رواه البخاري والترمذي.
والحمة ذات السموم وتسمى إبرة العقرب والزبنور حمة.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الرقية من العين والحمة والنملة - رواه مسلم وأبو داود.
والنملة قروح في الجسد, وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى رجلاً من وجع به.
وزعم بعض الحكماء أن العائن ينبعث من عينيه قوة سمية تتصل بالمعين فتؤذي, وقد ذكر أن نوعاً من الأفاعي بصرها على الإنسان هلك.
واعلم أن الرقى والتعاويذ إنما تقبل إذا أخذت بقبول وصادفت إجابة وأجلاً فإنها التجاء إلى الله تعالى ليهب الشفاء بها كما يعطى بالدواء والرقا مذمومة: ما كان بغير العربي ولا يعلم معناه أما إذا علم فمستحبة.
وروى عوف بن مالك قال: كنا نرقى في الجاهلية, فقالوا: يا رسول الله كيف ترى ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقاء ما لم يكن شرك - رواه مسلم.(1/295)
وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول الله إنك نهيت عن الرقي وأنا أرق من العقرب فقال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعل.
فالنهي إنما كان على رقية كفرية أو كان النهي ثابتاً ثم نسخ.
وعن الشفاء بنت عبد الله رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي: علميها رقية النملة كما علمتها الكتابة - رواه أبو داود.
وفيه جواز تعلم المرأة الكتابة.
وأما الرقية بالقرآن فقال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} قيل: من ليس للتبعيض بل للبيان ومعناه وننزل من القرآن ما هو شفاء كما أنه يشفي من أمراض الجسد إذا استعمل كذلك يشفي من الضلالة والجهالة والشيبة ويهتدي به من الحيرة فهو شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وشفاء للأجساد بزوال الأمراض عنها.
وقال علي رضي الله عنه مرفوعاً : خير الدواء القرآن - رواه الترمذي.
واعلم أن إصلاح الجسد يتوقف على صلاح القلب فأصلح قلبك يصح جسدك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله - الحديث.
وقد صح حديث الرقية بأم الكتاب.(1/296)
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات.
وقد روى الدارقطني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشتكى ضرسه فليضع إصبعه عليه وليقرأه {هو الذي أنشأكم من نفس واحدة} الآية.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إذا عسر على المرأة ولادتها أخذ إناء نظيفاً وكتب فيه {كأنهم يوم يرون ما يوعدون وكأنهم يوم يرونها إلى آخرة الآية, {ولقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}, ثم يغسل ويسقي المرأة وينضح على بطنها ويجوز إطلاق السحر عن المسحورين بضرب من العلاج لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر أخرج وحل لأن حله يجري مجرى التداوي.
والسحر لغة صرف الشيء عن وجهه, يقال: ما سحرك عن كذا أي ما صرفك, وسحره أيضاً بمعنى خدعه, والساحر العالم وعرقاً رقى وعقد وكلام يتكلم به الساحر أو يكتبه فيؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له, وله حقيقة منه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطيئها ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه ومنه ما يبغض أحدهما إلى الآخر أو يجب بينهما, أعاذنا الله منه برحمته.
وقيل لأحمد: إن الأطباء يقولون لا يدخل الشيء في الإنسان يعني من أهل الأرض فقال: هو يتكلم على لسانه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. قلت: لأن الجن أجسام لطاف وغير مستنكر اختلاط الجن بروح الإنسي كاختلاط الدم والبلغم في(1/297)
البدن مع كثافته, ولما أبطأ خبر عمر على أبي موسى أتى امرأة في بطنها شيطان فسألها عنه؟ فقالت: حتى يجيء شيطاني فجاء فسألته فقال: تركته يهنئ إبل الصدقة. وهذا باب واسع, فيه من الحكايات والآثار ما يضيق هذا الكتاب عن ذكرها.
وأما التمائم فنص أحمد على كراهتها وقال: من يعلق شيئاً وكل إليه. وقال: كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يكره تعليقها ولو كان فيها القرآن. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها وغيرها أنهم سهلوا فيه.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا فزع أحدكم من نومه فليقل [أعوذ] بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين أن يحضروني فإنها لن تضره.
وكان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه يعلمها من بلغ من أولاده ومن لم يبلغ كتبها في صك ثم علقها في عنقها - رواه أبو داود والترمذي وهذا لفظه وقال: حسن غريب, ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة وأما النشرة وهو ما يرقى ويترك تحت السماء ويغسل به المريض, فقال أحمد: كان ابن مسعود يكره ذلك.
وذكر أبو داود في كتاب المراسيل قال: سألت الحسن عن النشرة فقال: ذكر لي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من عمل الشيطان.
وعن جابر رضي الله تعالى عنه نحوه.(1/298)
ذكر الزينة وقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك
وأخرج أبو داود وابن السني وأبو نعيم عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كانت تطلي إحدانا الورس على وجهها من الكلف.
وأخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طهرها من الحيض؟ فقال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها قالت: كيف أتطهر بها فاجتذبتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الدم.
وأخرج ابن السني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما تستطيع إحداكن إذا طهرت من حيضها أن تدخن بشيد من قسط فإن لم تجد فشيء من ريحان يعني الآس فإن لم تجد فشيء من نوى فإن لم تجد فشيء من سلم.
وأخرج البخاري ومسلم وابن السني وأبو نعيم عن أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة على زوجها أربعة أشهر وعشراً, ولا تطيب إلا عند أدنى طهرها نبذة من قسط وأظفار.
وأخرج ابن عدي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: اطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: عليكم بالنودة فإنها طيب وطهور إن الله يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم. وقد مر أن أطيب الطيب المسك وأما طيب العرب فهو الإذخر - وقد مر.
وقد قال: عليه الصلاة والسلام حبب إلي من ديناكم النساء والطيب.(1/299)
ذكر السموم وعلاجها
وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث يعني السم.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عبد الله بن جعفر قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قرنه بعد ما سم.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم من أكلة أكلها من شاة سمت المرأة من خيبر.
وأخرج الحارث بن أسامة وأبو نعيم من طريق سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن ابن عثمان رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم تحت كتفه اليسرى من الشاة التي أكل يوم خيبر.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن السني وأبو نعيم عن سعيد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تصبح بسبع تمرات عجوة من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر.
وأخرج أبو نعيم عن سعد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل بين لابتي المدينة سبع تمرات على الريق لم يضره ذلك اليوم سم.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم.
وأخرج مسلم وابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في عجوة العالية شفاء ورنها ترياق أول البكرة على الريق.(1/300)
وأخرج ابن ماجه وأبو نعيم عن سعيد وجابر رضي الله تعالى عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكمأة من المن وماؤها شفاء العين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل سبع تمرات من عجوة المدينة في يوم لم يضره سم ذلك اليوم ومن أكلهن ليلاً لم يضره سم ليلته.
قال الذهبي: وأما علاج الملسوع من السموم فيكون بترك النوم, لأنه إذا نام سرى السم إلى أعماق البدن, وأن يضع على كل مكان اللسعة المحاجم وأن يمتص, والفصد نافع بعد انتشار السم في البدن, وأما في الأول فلا - انتهى.
ذكر لدغ الهوام وعلاجها وطردها
أخرج الطبراني وأبو نعيم عن علي رضي الله تعالى عنه قال: لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يصلي فقال: لعنك الله لا تدعين نبياً ولا غيره ثم دعا بماء وملح فجعل يمرسه عليها ويقرأ المعوذتين.
وأخرج ابن السني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب فدعا بإناء فيه ملح وماء فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ {قل هو الله أحد} والمعوذتين حتى سكنت.
وأخرج ابن السني عن خالد المدلجي عن خالته قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب إصبعه في لدغة عقرب به.(1/301)
قال الذهبي: أما نهش العقارب فيعرض منها حالتان, يرد في وقت, ونهش وحر في وقت, وعلاجه: أن يشق العقرب ويضمد به بعد شد العضو فوق اللسعة شداً جيداً وليأكل قلب البندق وحب الأترج فإنه مجرب.
ومن قال حين يمسي: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره عقرب حتى يصبح. صحيح.
وكان من عادة الأطباء: أن يمسكوا في المساكن السنانير واللقالق والطواويس, والقنافذ, وأن يصنعوا السرج والمصابيح في البيوت ليميل الهوام إليها كل ذلك حذراً من أذاها وقد خالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إذا نمتم فأطفئوا مصابيحكم, وبقوله: لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون وبقوله: إن هذه الفتيلة والنار عدو لكم فأطفئوهما إذا نمتم, فإن الفيسقة ربما جرت الفتيلة فأضرمت على أهل البيت, كلها صحاح وأمرنا أن نتعوذ بكلمات الله التامات.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما {قل هو الله أحد} والمعوذتين, ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده, يبدأ بهما على رأسه ووجه وما أقبل من جسد يفعل ذلك ثلاث مرات - متفق عليه.
والنفث يشبه البزق بلا ريق والتفل بريق يسير, وقيل بالعكس.
وقال صلى الله عليه وسلم: من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه - متفق عليه.
ولم يذكر النفث في هذا الحديث سئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عنه فقالت: كنفث حب الزبيب.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك عند نومه, وإذا استيقظ قال: الحمد الله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.(1/302)
وأمر صلى الله عليه وسلم بالاستغفار عند النوم والتسبيح والتحميد والتكبير.
وقال: من قرأ آية الكرسي عند نومه لم يزل عليه حافظ من الله تعالى حتى يصبح - أخرجه البخاري.
فشرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الكلمات الطيبات المباركات الحافظات عوضاً من استحفاظ أولئك بالنار والحيوانات فحفظنا في الدنيا بهذا الذكر المبارك وبقي لنا أجره في الآخرة, وذلك بيمنه وبركته صلى الله عليه وسلم - انتهى.
ذكر عضة الكلب
وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعاً إحداهن بالتراب: وفي رواية أولاهن.
قال الذهبي: وهو ذلك لأن سمية الكلب تسري في لعابه فإذا ولغ في الإناء سرى فيه من تلك اللعابية كما سرى في عضو من عضوه وسؤر مائه يعمل بمن يتناوله كما تعمل عضته فلذلك -والله أعلم- أمر عليه السلام بغسل الإناء من ولوغ كل كلب سدا للذريعة وشفقة منه على أمته صلى الله عليه وسلم .
وقد يعرض الكلب الكلب وهو جنون يعرض له لاستحالة مزاجه إلى السوداء وعلامته احمرار عينيه وخروج لسانه وسيلان اللعاب من فيه وأن يطاطي رأسه نحو الأرض ويرخي أذنيه ويدس ذنبه بين رجليه ويجرب جلده ويعدو دائماً, ويكون في حركته كالسكران, ويحمل على من رآه ولا ينبح إلا قليلاً مع بحة صوته ويهرب من الكلاب ويمنع من الأكل ويهرب من الماء إذا رآه, فإذا عض إنساناً عرض له من الأمراض نحوها يعرض له, والعلة التي تنبع عضة عظيمة, حتى أن المعضوض يفزع من الماء بعد أسبوع وأسبوعين وإلى ستة أشهر: وإذا اشتبهت(1/303)
علامة المكلوب بغيره فخذ قطعة من خبز فالطخها بالدم السائل من العضة وأطرحها إلى كلب آخر, فإن أكلها فالكلب الذي عض ليس بمكلوب, وإن لم يأكلها فهو مكلوب.
والعلاج: أن يثق موضع العضة ويوضع عليها المحاجم وتمص مصاً قوياً, واجتهد أن يبقى الجرح مفتوحاً, لتخرج منه لتلك المادة الفاسدة ويستعمل ماء الشعير ولحم الجدي, وقد يبول المعضوض أشياء لحمية كأنها كلاب الصغار, وينبغي للماص أن يدهن فاه بدهن الورد عند المص - انتهى.
ذكر الغيل
أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقتلوا أولادكم سراً [فوالذي نفسي بيده] فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه.
وأخرج مسلم عن جدامة بنت وهب [أخت عكاشة] أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئاً, ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك الوأد الخفي وهي {وإذا الموؤدة سئلت}.(1/304)
قال الذهبي: وقال مالك: الغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع, وأغال ولده إذا جامع أمه وهي ترضعه.
وقيل إذا أرضعته وهي حامل فاسم ذلك اللبن أيضاً الغيل.
الغيل ويدعثره أي يصرعه ويهلكه, لأنه لبن ردي من فضلة دم الحيض, لأن المرأة إذا حملت وأرضعت انقطع حيضها وصار جيده إلى تغذية الجنين واندفع باقية وهو أرداه إلى الثديين, وكذلك في وقت الرضاع يندفع دم الطمث كله إلى الثديين فيستحيل لبناً لتغذية الطفل, فلأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: يدرك الفارس فيدعثره أي لا يزال تأثير ذلك الغذاء الفاسد بالرجل حتى يبلغ مبلغ الرجال فإذا أراد مبارزة قرنه في الحرب وهن عنه.
وقوله: لقد هممت أن أنهي عنه: نهي تنزيه وإنما لم ينه لعلمه بما يلحق الزوج من الضرر بترك الوطي ومكابد الشهوة ولعله بأن فارس والروم لم يضر أولادهم ذلك, وأما العزل فهو جائز إذا اتفقا عليه.
قال جابر رضي الله تعالى عنه: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعزل أن لا ينزل متفق عليه.
ولمسلم كنا نعزل فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينهنا وقال: ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة – متفق عليه.
وقال عمر رضي الله تعالى عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها - رواه ابن ماجه.
ولهذا قال الحنفية: لا يجوز له أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها بخلاف الأمة.
ويجوز للمرأة أن تشرب دواء لتقطع عنها دم الحيض, إذا كان دواء تأمن ضرره نص عليه أحمد.
وقال بعض الشافعية: لا يجوز لها ذلك لأن فيه قطع النسل فإن كان للمرأة زوج وقف على إذنه - انتهى.(1/305)
ذكر الطاعون والوباء
أخرج البخاري ومسلم عن سعد رضي الله تعالى عنه سأل أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه.
وأخرج الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: الطاعون شهادة لكل مسلم.
قال الذهبي: الطاعون هو الموت من الوباء نقله صاحب الصحاح: وهو في الطب ورم رديء قتال بتلهب عظيم ويسود ما حوله ويخضر ويحدث كثيراً في الإبط وتحت الأذن.
وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قلت: ما الطاعون؟ قال [غدة]: كغدة البعير يخرج في المراق والإبط.
وقال ابن سينا: إذا وقع خراج في اللحم الرخو والمغابن وخلف الأذن سمي طاعوناً، وهو دم رديء عفن سمي، ربما رشح دماً صديداً، يؤدي إلى القلب كيفية قتالة فيحدث غشياً وقيئاً وخفقاناً، وأخفه الأحمر ثم الأصفر وأقتله الأسود لا يفلت منه أحد وهو يكثر في الوباء.
وفي نهيه صلى الله عليه وسلم عن القدوم عليه فائدتان: إحداهما لئلا يستنشقوا الهواء العفن الفاسد فيمرضوا وثانيهما: لئلا يجاوروا المرض فتضاعف البلية بالأمرين.
وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من القرف التلف.(1/306)
قال ابن قتيبة: مسداناة الوباء والمرض، وقوله: فلا تخرجوا فراراً منه إيثاراً للتوكل والتفويض.
وقيل: إنما حذر صلى الله عليه وسلم من الانتقال إليه لأن الانتقال بغير المزاج ويضعف القوى بدليل قول عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال – الحديث. فإذا ضعف المزاج وتغيرت القوى كان تأثير الهوى الوبى فيه أسرع.
ونهى عن الخروج منه لأن مثل هذا الداء العظيم إذا وقع بأرض أضعف الأبدان وأثر فيها، وقد ثبت أن الانتقال يضعف الأبدان أيضاً فتضاعف البلية فلذلك نهى عنه.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون؟ فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء وإن الله تعالى جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون في بلده فيمكث صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان مثل أجر شهيد –رواه البخاري.
وقيل: سببه تعفن في الهواء يشبه تعفن الماء المستنقع الأجن، إما عن أسباب أرضية كالمقاتل إذا لم تدفن، أو من أسباب سماوية مثل قلة المطر وكثرة الشهب والرجوم فإذا تعفن الهواء عفن الأخلاط ويعم أكثر الخلق وهو أكثر الناس امتلاء.
وقيل: مات منه في ساعة عشرون ألفاً من بني إسرائيل، وقيل سبعون ألفاً، ولعلهم أول من عذب به، ويقال ما فر أحد من الطاعون فسلم. وفي قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}، أي الطاعون.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: كانوا أربعة ألاف هربوا من الطاعون فماتوا فدعا لهم نبي من الأنبياء عليهم السلام فأحياهم الله تعالى.(1/307)
وقال التميمي: لم تزل الشام إلى آخر أيام بني مروان مطروفة بالطواعين لا سيما دمشق والأردن. وقيل: إن عم السفاح خطب بدمشق فقال: يا أهل الشام أحسن الله إليكم إذ رفع عنكم الطاعون في زماننا فقال له قائل: الله أعدل من أن يجمعكم والطاعون علينا.
ذكر الشهداء
عن جابر ابن عتيك رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله المطعون شهيد والغريق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمطعون شهيد وصاحب الحريق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بحبل شهيد - رواه أبو داود وهو في الموطأ.
وقال ابن سينا: يجب على كل محترز عن الوباء أن يخرج من بدنه الرطوبات الفضلية ويجوع: ويجتنب الحمام ويلزم الراحة ويسكن هيجان الأخلاط إذ لا يمكن الهرب منه إلا بالحركة وهي مضرة, فلاح المعنى الطبي من الخبر النبوي وهو ما أخرج شيخان عن عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان الوباء بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه.
وخبر عمر مشهور لما خرج إلى الشام حتى قدم سرغ, فقيل: إن الطاعون بأرض الشام [فرجع] وسرغ قرية بوادي تبوك.
قيل: هي آخر عمل الحجاز وقيل: بينها وبين المدينة ثلاثة عشر مرحلة, والوباء مهموز بقصر ويمد - انتهى.(1/308)
ذكر الطبيب
أخرج أبو داود وابن السني وأبو نعيم عن أبي رمثة رضي الله عنه قال: انطلقت مع أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبي: أرني الذي بظهرك فإني رجل طبيب قال: الله الطبيب بل أنت رجل رفيق وهو على شرط الصحيح.
وأخرج أبو داود وابن السني وأبو نعيم والحاكم وصححه وعزاه الذهبي للنسائي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تطيب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن.
وفي رواية: من تطبب ولم يكن بالطب معروفاً قبل ذلك فأصاب نفساً فما دونها فهو ضامن.
قال الخطابي: لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض ضمن والمتعاطي علماً لا يعرفه متعد وجناية المطبب في قوله الأكثر على عاقلته.
وأخرج أحمد وابن السني وأبو نعيم عن عروة رضي الله تعالى عنه قال: قلت لعائشة رضي الله تعالى عنها يا أم المؤمنين أعجب من بصرك بالطب؟ قالت: يا ابن أخي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طعن في السن سقم فوفدت الوفود فنعتت فمن ثم.
وأخرج أبو نعيم والحاكم وصححه عن عروة قال: قلت لعائشة عمن أخذت الطب؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجلاً مسقاماً وكان أطباء العرب والعجم يأتونه فأتعلم منهم.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن عروة ابن الزبير قال: قلت لعائشة يا خالة من أين لك الطب قالت: يا ابن أختي كان يمرض الإنسان من أهل فينعت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعيه فأنعته [للناس].(1/309)
وأخرج الشيخان عن أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأضع لهم الطعام، وأداوي لهم الجرحى، وأقوم على المرضى.
وأخرج مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يغزو بأم سليم ومعها نساء من الأنصار ويسقين الماء ويداوين الجرحى.
قال الذهبي: نص أحمد أن الطبيب يجوز له النظر من المرأة الأجنبية إلى ما تدعو إليه الحاجة حتى العورة وكذلك يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة الرجل عند الحاجة.
وقال المروزي: أصاب أبا عبد الله لوى فدعى بامرأة فأخرجته، وكذلك يجوز خدمة الأجنبية، ويشاهد منها عورتها في حال المرض، وكذلك المرأة يجوز لها أن تخدم وتشاهد منه عورته في حال المرض إذا لم يوجد رجل أو محرم. نص عليه في رواية المروزي.
وكذلك يجوز للشاهد أن ينظر إلى وجه المرأة، وكذلك من أراد تزويجها وكذلك إذا مات رجل بين رجال، جاز للنساء غسل الرجل وللرجال غسل المرأة في أحد الروايتين، والصحيح أنهما يتيمان ويجوز للمرأة أن تيممه انتهى.
وينبغي للضعيف أن يذكر للطبيب علته على الحقيقة.
فقد قال ابن دريد في أماليه: أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: يقال من كتم السلطان نصحه والأطباء مرضه والأخوان ثبه فقد خان نفسه.
وينبغي للطبيب أن يكون عنده فراسة لدخولها في العلاج.(1/310)
قال الذهبي: فعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم - رواه أبو نعيم.
فالفراسة استدلال بالأحوال الظاهرة على الكائنة وقيل هو خاطر يهجم على القلب.
فينبغي ما يضاده له على القلب استيلاء الأسد على فريسته فهو مشتق من ذلك، وفراسة الشخص يحسب ما عنده من العقل والإيمان والعلم بأصول الفراسة.
قال الله تعالى: {إن في ذلك لآيات للمؤمنين} أي للمتفرسين.
يقال: توسمت فيه الخير: أي رأيته، وينفع عند اشتباه المرض، فالطبيب ينظر في مزاج البدن وفي اللون والسحنة واللمس والعين والسن ومن ثم يتعين الاعتناء بأجرة الطبيب.
وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: انطلق نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنزلوا على حي من أحياء العرب فلم يتولوهم ولا أقروهم فلدغ رجل منهم فأتوا القوم فقالوا: هل فيكم راق، قالوا: لم تنزلونا ولم تقرونا لا حتى تجعلوا لنا شيئاً فجعلوهم لهم قطيعاً من الغنم قال: فجعل رجل منهم يقرأ بفاتحة الكتاب ويرقى ويتفل حتى برأ فأخذوا الغنم وسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: وما يدريك أنها رقية كلوا وأضربوا لي معكم بسهم – رواه مسلم والترمذي وأبو داود وفي رواية له قالوا: عندكم دواه قالوا: نعم ولكن لا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلاً على ذلك فصالحوهم على مائة شاة، فأتوا برجل معتوه في القيود فرقاه بأم(1/311)
القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقه ثم كلما تفل فكأنما أنشط من عقال فأم القرآن من أنفع الرقا لما فيها من تعظيم الرب أو إخلاص عبودية والاستعانة به.
ويقال موضع الرقية منها: {إياك نعبد وإياك نستعين}.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم الرقى والتمائم شرك، ومحمله على إذا اعتقد أنه فاعل نفسه، وله محمل أخرى أشرنا إليها فيما تقدم والتمائم جمع تميمة وهي خرزة تعلق كانوا يرونها تدفع الآفات، وهذا جهل، وفي أخذهم القطيع دليل على جواز أخذ الأجرة على الطب والرقا ويؤيد حله قوله صلى الله عليه وسلم اضربوا لي معكم بسهم.
وقيل: قسموا القطيع برضى الراقي تبرعا منه، وجاء خبر مفسر أن الراقي هو أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه راوي الحديث، وقد بوب عليه الترمذي في جامعه ((باب أجرة الطبيب)) وبوب عليه أبو داود [في سننه] ((باب كسب الطبيب)) وقد مر بيان التفل والنفث.
واعلم أن بعض الكلام له خواص تنفع بإذن الله تعالى شهدت العلماء بصحته، فما ظنك بكلام الله تعالى.
فعن علي رضي الله عنه مرفوعاً: خير الدواء القرآن -رواه الترمذي وابن ماجه- ومن الكلام الذي له خواص، ما قال المروزي: بلغ أحمد أبي حممت فكتب لي من الحمى رقعة وهي بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله ومحمد رسول الله {يا نار كوني برداً وسلاماً} {وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين}، اللهم رب جبرائيل وإسرافيل وميكائيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك آلهة الحق آمين.
وجاء عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنه أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله: ضع يدك اليمنى على(1/312)
الذي يألم من جسدك وقل ((بسم الله ثلاثاً وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)) – رواه مسلم.
وقال خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق وهو السهر فقال: إذا أويت إلى فراشك فقل اللهم رب السموات السبع وما أظلت ورب الأرضين السبع وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن جاراً من شر خلقك كلهم جميعاً أن يفرط علي أحد منهم وأن يبقى على عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك ولا إله إلا أنت – رواه الترمذي
وعن خالد رضي الله تعالى عنه أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً بالليل فقال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبرئيل وزعم أن عفريتاً من الجن يكيدني فقال: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها من شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن كذا – رواه الطبراني في معجمه.
وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه أتاه رجل فذكر له أن أباه احتبس بوله وأصابه الأصر فعلمه رقية رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض واغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين فأنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع وأمره أن يرقيه بها فرقاه فبرأ - أخرجه أبو داود ويقال: إن رجلاً شكى وجع عينيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: انظر في المصحف. وقيل: إن رجلاً شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قساوة قلبه فقال: امسح برأس اليتيم وأطعمه.(1/313)
وشكى ذلك أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه فقال: عد المرضى وشيع الجنائز وزر القبور, ونحو ذلك ما قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم أتلوى من وجع فقال: أشكم درد قلت: نعم يا رسول الله قال: قم فصل فإن الصلوة شفاء - رواه الترمذي وهذه لفظة فارسية معناها أبك وجع البطن, فأشكم: البطن. ودرد: وجع قال العلماء: في هذا الحديث فائدتان.
أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم تكلم بالفارسية. والثانية: أن الصلوة قد تبرئ من وجع الفؤاد والمعدة والمعا, ولذلك ثلاث علل الأولى أمر إلهي حيث كانت عبادة والثانية أمر نفسي وذلك أن النفس تشغل بالصلوة عن الألم ويقل إحساسها به فتستظهر القوة على الألم فتدفعه.
والماهر من الأطباء يعمل كل حيلة في تقوية القوة, فتارة يقويها بالأغذية, وتارة بتحريك السرور والفرح, وتارة بالرجا, وتارة بالحياء, وتارة بالخوف, والصلوة قد يجمع أكثر ذلك إذ يحمل للعبد فيها من الخشية والخوف والرجاء والحياء والحب وتذكرة الآخرة ما يقوء قوته ويشرح صدره فيندفع بذلك مرضه.
ويروى عن بعض ولد علي رضي الله تعالى عنه أنه كان به خراج فلم يمكنهم فأمهله أهله حتى دخل في الصلوة ثم تمكنوا منه فلم يكترث لاستغراقه في الصلوة.
وكان أبو أيوب يأمر أهله إذا كان في البيت بالسكون فإذا قام إلى الصلوة أمرهم بالكلام: وكان يقول لهم إني لا أسمع كلامكم وأنا في الصلوة وأنهم حائط المسجد وهو في الصلوة فلم يلتفت. وفي الصلوة أيضاً أمر طبيعي وهو رياضة النفس ورياضة الجسد، لأنها جامعة بين قيام وركوع وسجود واستكانة وجمعية وإخلاص وعبادة وخضوع وذلة، وغير ذلك من الأشياء التي يتحرك معها مفاصل البدن وتلين بها أكثر الأعضاء لا سيما المعدة والأمعاء وما أقوى معونتها على دفع الأخبثين وحدر الطعام من المعدة.(1/314)
قال الموفق في كتاب الأربعين: وقد رأيت جماعة من أرباب المعطلة والترف محفوظ الصحة فبحثت عن سبب ذلك فألفيتهم كثيري الصلوة والتهجد إلى أن قال: وما أنفع السجود لصاحب النزلة والزكام، وما أشد إعانة السجود على فتح سدة المنخرين وما أقوى معونة السجود على نقص الأخبثين وحدر الطعام وتحريك الفضول المحتقنة وإخراجها إذ عنده تنحصر أوعية الغذاء بازدحامها ويساقط بعضها على بعض، وكثيراً ما تسر الصلوة النفس وتمحق الهمَّ وهي تطفئ نار الغضب وتفيد التواضع الخلق وترقق القلب وتجب العفو وتكره قبح الانتقام، وكثيراً ما يحضر فيها الرأي والتدبير والمصيب والجواب السديد ويذكر العبد ما نسي في مصادر أموره وموارده ومصالح دنياه وأخراه ومحاسبة النفس، لا سيما إن طال الانتصاب وكان ذلك ليلاً عندما تهجع العيون وتهدأ الأصوات وتتضام قوى العالم الأسفل وتنزوي فواشيه وتنتشر قوى العالم الروحاني وتنسط غواشيه.
ولذلك أشار عليه الصلاة السلام بقوله: أرحنا يا بلال بالصلوة وبقوله: جعلت قرة عيني في الصلوة. فلما يحصل من سرور النفس وابتهاجاً جعلها الله قرة عينه صلى الله عليه وسلم ، ولما فيها من فضائل الدنيا والآخرة – انتهى.
وقد ذكر الذهبي عقيب ذلك صفة معجون يصلح للقلب ويدفع الوسواس، وهو أكل الحلال وملازمة الورع، وترك ركوب الرخص بالتأويلات، وحفظ الجوارح الظاهرة وحراسة الجوارح الباطنة، وسياسة النفس بالعلم والعمل: وصيانة السر بالمراعاة والابتهال إلى الله تعالى أن يعيذك من شر نفسك وهواك وشيطانك.
وعن بلال رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ومنهاة عن الإثم، قربة إلى الله، وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد – رواه الترمذي.(1/315)
صفة أخرى قيل: إن ذا النون مر يوماً ببعض الأطباء وإذا حوله جماعة من الناس رجال ونساء وفي أيديهم قوارير الماء وهو يصف لكل منهم ما يوافق مرضه قال: فدنوت منه فسلمت عليه ورد فقال له: يرحمك الله, صف لي دواء الذنوب فأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: إذا وصفت لك الدواء تهتم به وتفهمه عني قلت: نعم إن شاء الله تعالى, قال: خذ عروق الفقر مع ورق الصبر مع هليلج التواضع مع بليلج الخشوع وهندي الخضوع وبسفائح النقي ورواند الصفاء وغاريقون الوفاء ثم ألقه في طنجير العصمة وأوقد تحته نار المحبة حتى يرغى زبد الحكمة, فإذا أزبد [الحكمة] صفه بمنخل الذكر ثم صبه في جام الرضا, وروحه بمروحة الحمد حتى يبرد, فإذا برد فاشربه, ثم تمضمض بعده بالورع, فإنك لن تعود لمعصية أبداً -إن شاء الله تعالى- إن من عد غداً من أجله وتمادى جاهلاً في أهله لم يقدم صالحاً من عمله فعالج قلبك بهذه الأدوية كما تعالج جسدك بها تفز بالعافية التامة الكاملة في الدنيا والآخرة - انتهى.
ذكر فضل المريض وعيادة المرضى
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصيب المؤمن وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم بهم وحتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه.
وأخرج مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: قال: الحمى تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد.(1/316)
وقال الذهبي: المرض هو أقوى الأسباب في توبة العبد وصدقه وتكفير ذنوبه وعلو درجته.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات مريضاً مات شهيداً ووقي فتناً في القبر وغدى وريح عليه برزقه من الجنة - رواه ابن ماجه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبت للمؤمن من جزعه من السقم ولو يعلم ما له في السقم لأحب أن يكون سقيماً حتى يلقى الله - رواه البزار.
وقال صلى الله عليه وسلم: أكثر شهداء أمتى أصحاب الفرش ورب قتيل بين صفين -الله أعلم بنيته- رواه ابن أبي شيبة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يصب منه - رواه البخاري.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم - رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل, ويبتلى المؤمن على حسب دينه وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئته – رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم رواه أحمد وقال صلى الله عليه وسلم: ما من مرض ووجع يصيب المؤمن إلا كان كفارة لذنبه حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها - رواه البخاري.(1/317)
وقال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يصيب أذى إلا حط الله خطاياه كما تحط الشجرة ورقها - أخرجاه.
وقال صلى الله عليه وسلم: لو لم يكن لابن آدم إلا السلامة والصحة لكفتاه – رواه أبو داود.
والأحاديث بنحو ذلك كثيرة.
وقال حميد بن ثور في معنى هذا الحديث الأخير شعر:
وسئل أبو العيناه وقد شاخ: كيف أنت؟ قال: في الداء الذي يتمناه الناس.
أرى بصري قد خانني بعد صحتي ... وحسبك داء أن تصح وتسلما
وقال عمرو بن قميئة – شعر:
وقد ورد في الأثر يا عبدي العافية تجمع بينك وبين نفسك والمرض يجمع بينك
كانت قناتي لا تلين لغامز ... فإنها للإصباح والإمساء
ودعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني فإذا السلامة داء
وبيني فعلى الإنسان أن يسأل الله العافية فإذا قدر عليه المرض تلقاه بالقبول والشكر والصبر والرضى.
وقال الحارث المحاسبي البلاء للمخلصين عقوبات وللتائبين طهارات، وللطاهرين درجات.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((عودوا المريض وفكوا العاني)) – رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله تعالى ناداه مناد طبت وطاب ممشاك وتبوأت في الجنة منزلاً – رواه أحمد.(1/318)
وقال صلى الله عليه وسلم: تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته ويسأله كيف هو – رواه الترمذي.
وفي لفظ أن يضع يده عليه ويقول كيف أصبحت أو كيف أمسيت.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضاً إلا بعد الثلاث – رواه أحمد.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا دخلتم على مريض فنفسوا له في الأجل – رواه ابن ماجه.
وقال صلى الله عليه وسلم: عائد المريض في مخرفة الجنة.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده وضع يده عليه وقال: لا بأس طهور إن شاء الله -رواهما البخاري- وخرفة الجنة جناحاً.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يرفعه: ثلاثة لا يعادون صاحب الرمد وصاحب الضرس وصاحب الدمل.
وقال صلى الله عليه وسلم لعمر: إذا دخلت على مريض فمره أن يدعو لك فإن دعاء المريض كدعاء الملائكة.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولونه.
وقال صلى الله عليه وسلم: من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات ((اسأل الله العظيم رب العرش أن يشفيك إلا عافاه الله.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتى مريضاً أو أتي به إليه قال: أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي شفاء لا يغادر سقماً – أي لا يترك.(1/319)
وينبغي للمريض أن يقرأ على نفسه الفاتحة والمعوذتين وقل هو الله أحد وينفث في يده بهما وجهه، كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح.
وينبغي له أن يدعو بدعاء الكرب أن لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم.
ويجوز للمريض أن يقول: أنا شديد الوجع.
قال صلى الله عليه وسلم وارأساه ولا يظهر الجزع والتسخط ويقول: الحمد لله قبل الشكوى فإنها لا تكون شكوى. ويجوز لأهل المريض أن يسألوا عنه الطبيب. وكان علي رضي الله تعالى عنه حين يخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه يسأل عنه فيقول: أصبح بحمد الله بارئاً.
وينبغي للمريض أن يسأل الله العافية وللعايد أن يدعو له بها فإن العافية أفضل ما أنعم الله بها على الإنسان بعد الإسلام، إذ لا يتمكن من حسن تصرفه والقيام بطاعة ربه إلا بوجودها ولا مثل لها فيشكرها العبد ولا يكفرها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثر من الناس الصحة والفراغ – رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن لله عباداً يضن بهم عن القتل والسقم فيحييهم في عافية ويتوفاهم في عافية ويعطيهم منازل الشهداء.
وقال أبو الدرداء قلت: يا رسول الله لأن أعافى فأشكر أحب إلي أن أبتلى فأصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يحب معك العافية – رواهما أحمد.
وقال صلى الله عليه وسلم: من أصبح معافاً في بدنه، آمناً في سربه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول ما يسأل عنه العبد من النعيم يوم القيامة أن يقال له: أصح لك جسمك وأروك من الماء البارد – رواهما الترمذي.(1/320)
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا عباس سل الله العافية في الدنيا والآخرة – رواه البزار.
وقال صلى الله عليه وسلم: سلوا الله العفو والعافية فإنه ما أوتي أحد بعد يقين خيراً من معافاة – رواه النسائي.
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: ما سئل الله تعالى شيئاً أحب إليه من العافية – رواه الترمذي.
وسأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؟ ما أسأل الله بعد الصلوات؟ قال: سل الله العافية.
وفي حكمة داود عليه السلام العافية ملك خفي، وغم ساعة هم سنة، وقيل: العافية تاج رؤوس الأصحاء لا يبصره إلا المرضى، وقيل: العافية نعمة مغفول عنها، وكان بعض السلف يقول: كم لله من نعمة تحت كل عرق ساكن: اللهم أرزقنا العافية في الدين والدنيا والآخرة، والمرض حالة مضادة لها، فإنها هيئة بدنية تكون الأفعال معها سليمة ولنا حالة لا صحة ولا مرض كالناقه والشيخ.
ويكره للمريض تمني الموت فإن كان خاف على دينه جاز له ذلك.
قال صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنياً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم: وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه ويقول: اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى.
وقال النووي في أذكاره: يستحب لمن أيس من حياته أن يكثر من تلاوة القرآن والأذكار ويكره له الجزع وسوء الخلق والمخاصمة والشتم والمنازعة في غير الأمور(1/321)
الدينية، ويستحضر أن هذا آخر أوقاته من الدنيا، فيجتهد على ختمها بخير ويبادر إلى أداء الحقوق ورد الودائع والعواري واستحلال أهله وولده وغلمانه وجيرانه وأصدقائه، ومن كان بينه وبينه معاملة ويكون شاكراً لله راضياً حسن الظن بالله أن يرحمه ويغفر له، وأن لله غنى عن عذابه وعن طاعته ويطلب منه العفو والصفح ويستقرئ آيات الرجاء وأحاديث الرجا وأثار الصالحين، ويوصي بأمور أولاده.
ونقل الشيخ الموفق في معناه عن سعيد بن منصور عن فضيل بن عياض عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال: كانوا يكتبون في صدور وصاياهم بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون - انتهى.
ويحافظ على الصلوات ويجتنب النجاسات ويحذر من التساهل في ذلك فإن أقبح القبائح أن يكون آخر عهده من الدنيا التفريط في حقوق الله تعالى، أنه لا يقبل قول من يخذله في ذلك فإن هذا قد يبتلى به، ويستحب أن يوصي أهله بالصبر عليه في مرضه بالصبر على مصيبتهم، ويجتهد في وصيتهم بترك البكاء عليه، ويقول لهم: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فإياكم يا أحبائي والسعي في أسباب عذابي، وأن يتعاهدوا بالدعاء وأن يجتنبوا رفع الصوت بالقراءة وغيرها في جنازته، وإذا حضره النزع فليكثر من قول لا إله إلا الله ويقول لهم: إذا أهملت فنبهوني بلطف.
قال صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة – رواه أبو داود وقال لقنوا موتاكم لا إله إلا الله – رواه مسلم.
فإن عجز عن القول لقنه من حضره برفق مخافة أن يضجر فيردها: فإذا قالها مرة لا يعيدها عليه إلا أن يتكلم بعدها كلاماً آخر ويكون الملقن غير متهم لئلا(1/322)
يخرج الميت وإذا غمضت عينيه فقال: بسم الله وعلى ملة رسول الله ولا يقول أحد إلا خيراً.
قال صلى الله عليه وسلم: إذا حضرتم الميت فقولوا: خيراً، فإن الملائكة يؤمنون وقد روى أن الأنصار كانوا يقرؤون عند الميت سورة البقرة.
وفي رواية: اقرؤا يس على موتاكم – رواه أبو داود. ويضع على يده شيئاً من حديد.
ولما احتضر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قالا لابنه: ضع خدي على الأرض، قال: حتى التصق الين بعينه من كثرة الدموع وهو يقول: يا ويل عمر يا ويل أمه إن لم يتجاوز الله عنه. وفي رواية: فبكى وأبكى من حوله، وقال: لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع، يا بني إذا وضعتني في لحدي فاقض بخدي إلى التراب حتى لا يكون بين خدي وبين الأرض بشيء وقال لحفصة بنته: بما لي عليك من الحق لا تندبيني، فأما عينيك فلا أملكها أنه ليس من ميت يندب بما ليس فيه إلا الملائكة تمقته فلما مات رؤي في المنام فقيل: ما صنع الله بك؟ فقال: خيراً كان عرشي يهوي لولا أني لقيت رباً غفوراً.
وقال عمر بن عبد العزيز عند موته: ما أحب أن يخفف عني الموت لأنه آخر ما يؤجر عليه المسلم. ورؤي في المنام فقيل له: أي الأعمال وجدت أفضل قال: الاستغفار.
وقال معروف في مرضه موته: إذا مت فصدقوا بقميصي فإني أحب أن أخرج من الدنيا عرياناً كما دخلتها.
وقال أبو بكر الشبلي: كنت عند الجنيد حتى مات فختم القرآن ثم ابتدأ من البقرة فقرأ سبعين آية ثم مات رحمه الله. ويستحب رأس المريض.
لما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه الحديث – رواه البخاري.(1/323)
وفي رواية: عاصباً رأسه بعصابة دسماً على أنه فيه تقوية لرأسه وتسكين للألم، وكذا يستحب أطرافه فقد ثبت عنه في الصحيح أنه أمر بصب سبع قرب ماء عليه في حال مرضه صلى الله عليه وسلم وذلك مما يريح المريض ينفث كربه ويشد قوته.
تنبيه هل التداوي أفضل أم تركه
أجمعوا على جوازه وذهب قوم إلى أن التداوي أفضل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: تداووا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يديم التطيب في صحته, ومرضه أما في الصحة فاستعمال الرطب بالبطيخ والرطب بالقثاء وقلة التناول من الغداة وإبراده بالظهر, وجمعه للمطر, واستعماله نقيع الزبيب أو التمر ونحو ذلك كما تقدم ذكره, وأما في مرضه:
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه وكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فيعالجه.
وقال كعب: يقول الله عز وجل: أنا أصح وأداوي فتداووا.
وذهبت طائفة إلى الترك وهو المنصوص عن أحمد وسئل عن الرجل اشتدت علته فلم يتداوى أيخاف عليه قال: لا, هذا يذهب مذهب التوكل, والدليل عليه ما روى ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ادع إلى الله لي أن يشفيني فقال: إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت صبرت ولك الجنة, قالت: يا رسول الله: أصبر فادع الله أن لا أتكشف - الحديث رواه الشيخان.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب, قيل: يا رسول الله: من هم؟ قال: الذين لا يكوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون – رواه البخاري. وفي رواية: هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون.(1/324)
ونقل العلامة علاء الدين بن العطار أنه أجمع المسلمون على أن التداوي لا يجب, وعن أحمد وجه في الوجوب نقله [أحمد] ابن تيمية ويحمل حديث تداووا على الإباحة.
وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قيل له: ألا ندعو لك طبيباً؟ فقال: قد رآني فقيل: ماذا قال؟ قال: إني فاعل لما أريد.
وقيل: لأبي الدرداء أما تشتكي؟ قال: ذنوبي قيل: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي قيل: أفلا ندعو لك طبيباً قال: الطبيب أمرضى. ودخل جماعة على شيخ لهم فقالوا: ألا ندعو لك طبيباً فقال شعر:
إن الطبيب بطبه ودوائه لا ... يستطيع دفاع مقدوراتي
قلت: التوكل اعتماد القلب على الله تعالى, وذلك لا ينافي الأسباب ولا التسبب فغالب التسبب ملازم التوكل فإن المعالج الحاذق يعمل ما ينبغي ثم يتوكل على الله في نجاحه وكذلك الفلاح يحرث ويبذر ثم يتوكل على الله في نمائه ونزول الغيث من السماء.
وقال صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل, وقال: أغلقوا الأبواب وتوكلوا - انتهى كلام الذهبي مع تقديم وتأخير.(1/325)
ذكر السماع
أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: زينوا القرآن بأصواتكم. زاد البزار: فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به - أذن: أي استمع ويتغنى أي يتلو بلحن طيب.
قال الذهبي: السماع هو طيب الأنفس وراحة القلوب وغذاء الأرواح, وهو من أجل أنواع الطب الروحاني وسبب السرور حتى لبعض الحيوانات, والسرور المعتدل يذكي الحرارة ويقوي أفعال القوى ويبطئ الهرم ويدفع أمراضاً ويحسن ويخصب البدن كما أنه كم كثر سقمه – رواه أبو نعيم في الطب النبوي عن رسول الله.
وتزداد فوائد السماع معاني المسموع قال تعالى: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} وجاء في قوله تعالى: {يزيد في الخلق ما يشاء} وقد قرئ شاذا بالحاء المهملة. وسئل ذو النون عن السماع؟ فقال: وارد حق يزعج القلوب إلى الحق وسئل عن الصوت الطبيب؟ فقال: مخاطبات وإشارات أودعها الله تعالى كل طبيب.
وكان عبد الله بن جعفر مولعاً بالسماع. وقيل للزهري: تكره السماع قال: نعم إذا كان غير طيب, وإنما المنكر اللهو واللعب في السماع, ولما حدا ابن رواحة في بعض طرق المدينة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: رفقاً بالقوارير أي رفقاً بالنساء لئلا يفتتن بصوتك.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود.
وحكى أن أعرابياً كان له عبد طيب الصوت فحدا لإبل وهي مثقلة فقطعت مسيرة ثلاثة أيام في يوم واحد فلما وصلت تبطحت وماتت.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة رويدك سوقاً بالقوارير إذ كان يحدو فهذه الإبل أثر فيها الصوت الطيب دون فهم المعاني فما ظنك بالصوت الشجي مع نغمات رائقة(1/326)
يسمعه أهل الذوق والمعرفة وترى المضرار والشحرور يلقى نفسه على الأماكن التي فيها سماع مطرب.
[قال الذهبي] ثم السماع منه: محرم ومنه: واجب ومنه: مباح ومنه: مستحب ومنه: مكروه, فالمحرم سماع غنا الصبية المليحة الأجنبية التي يخاف منها الفتنة, وقد يباح صوتها في العرس, ولا يخلو من كراهة وكذلك صوت الأمرد المليح وهو أشد تحريماً فإذا أضيف إلى ذلك دفوف وشبابات تأكد التحريم, ومحل السماع بهما للنهي لا لعرس ونحوه فهذا محرم ولا يكاد يوجد إلا محفوفاً بمحرمات عدة من تبذير الدراهم, وذلك محرم من الاستيجار لفعله وهو محرم, ومن أن غالب من يغنى فسقة أراذل, ومن أن المجلس يحضره مردان ولاطة عشاق وفساق وترقص الملاح فتتحرك الشهوة, فينبغي لك أن تجتنب حضور ذلك جملة.
الواجب منه وهو سماع القرآن في الفرائض فما أنفعه من إمام خاشع قانت لله طيب الصوت يصير بالتجويد وأنى يوجد ذلك.
والمباح سماع الحداء الطيب وسماع الشعر وسماع التسبيح وسماع غنا المرأة لزوجها والجارية لمالكها, وسماع النساء اللاتي لا يوصفن بملاحة كليلة العرس, وفي العيد ونحو ذلك, وسماع الرجل الذي يغني لأصحابه ينشد أبياتاً ملحنة, وهو وسيلة ولكن يصير مكروهاً إذا كثروا من ذلك واتخذوه عادة.
والمستحب له صور منها جماعة يقرأ لهم قارئ طيب الصوت بتلحين سائغ وهم يتلذذون بصوته وبكلام ربهم ويتدبرونه ويخشعون أو يبكون ويقرأ لهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بما ثبت عنه في الرقائق ونحوها الإكثار من ذلك حسن ومن الصور المستحب رجل صالح له صوت مطرب ينشد أبياتاً ملحنة موزونة الضرب في الخوف والزهد والحزن على البطالة والبعد عن جناب الحق والسامعون أبرار أخيار متقون ينشطهم ويعقبهم ذلك إقبالاً على التوبة والإنابة والعبادة, وهذا مستحب بشروط أحدها أن يعمل ذلك في الشهر أو الشهرين ساعة ونحوها, ثانيهما أن يسلم من وجد يغيب العقل رابعهما أن يسلم من دعوى وشطح ومن اعتقاده عبادة لذاته إلى غير ذلك مما يخرجه الاسحاب إلى المعصية أو الكراهة. وأما المكروه فالإكثار من حضور السماع بالكف والدف, وأما حضوره بالشبابة فإنه متوقف في(1/327)
تحريمه بعد اعتقادي بأنها [مكروهة] وغالب السماع من الباطل لا من الحق في شيء ولكن الباطل منه مباح ومنه مكروه ومنه محرم.
فتدبر هؤلاء ولا تبادر إلى تحريم ما وسع الله على عباده وعفا فيه عنهم ومن الصور السماع التي يكون فيها عبادة ليلة العرس لمن يحتسبه, وفي يوم العيد لمن يتخذه ناسياً نبيه صلى الله عليه وسلم , وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} يعني صلوتكم وعبادتكم فمن ألهاه الغنا عن عبادة الله تعالى وعن الصلاة فهو من الخاسرين, وقد خاطب سبحانه وتعالى المؤمنين بقوله: {وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائماً} فما عنفهم عز وجل على التجارة المباحة واللهو الذي لم يحرمه علينا إلا إذا تركوا الجمعة والجماعة والصلاة المفروضة وسكت عما ذلك فهو مما عفى عنه.
وقد كان صلى الله عليه وسلم صاحب الحنفية السمحة يبسم ويضحك وربما مزح وجارى زوجته وأركب ابنا ابنته الحسن والحسين على ظهره.
وقال: نعم الجمل جملكما ويركب الفرس عريانا, ودخل يوم الفتح على ناقة وهو يرفع عقيرته بأبي وأمي, ويحسن صوته بقراءة سورة الفتح ويقول: ((أ أ أ أ))
ويقول: يا عامر أسمعنا من هنهاتك ويتفرج على لعب الحبشة وزفنهم وهو وزوجته إلى غير ذلك, وأين القحالة والكلاحة والقطوبة من شمائله الكاملة؟ وهو محب للنساء اللاتي هن من زينة الدنيا, والطيب والثياب النقية والجميلة والحلو, والعسل, واللحم, والصوت الطيب, لا سيما بأصدق الكلام وأفصحه وأطيبه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيبات ولا يكثر منها إذ الإكثار من المباحات يضيع الأوقات عن فعل القرب والطاعات, فإنه كان عليه أفضل الصلاة والسلام مع وصفه بما ذكرنا صواماً قواماً بكاء من عظمة الله تعالى أواباً منيباً وقوراً, إليه انتهى العلم والحلم والشجاعة, وفيه جمعت المحاسن والأخلاق الحميدة المرضية, وبمجموع ما ذكرنا وبما مثاله صار أكمل الخلق كلهم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وعلى الملائكة والنبيين, منتهى علمك يا رب العالمين - انتهى.(1/328)
خاتمة
تشمل على نكت: الأولى في النهي عن التداوي بالنجاسات.
أخرج الترمذي وأبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر حرام, وما أسكر الفرق فملء الكف منه حرام, وقد تقدم حديث طارق بن سويد وغيره في تحريم التداوي بالخمر.
وقال أبقراط: ضرر الخمر بالرأس شديد لأنه يضر الذهن.
وقال صاحب الكامل: خاصيته بالدماغ والعصب الإضرار بهما.
وقال غيرهما: يحدث النسيان والموت فجأة, ويحسن القبائح ويورث الرعشة واللقوة والفالج والسكتة وغير ذلك.
وفي رواية أبي طالب ذكر لأحمد قول أبي ثور تداووا بالخمر فقال: هذا قول سوء ولذلك نقل المروزي عنه أنه حكى له قول أبي ثور إذا أجمعت الأطباء على أن يسقى المريض الخمر فأنكر هذا إنكاراً شديداً, ولذلك قال أحمد: لا يجوز التداوي بالترياق لما فيه من لحوم الأفاعي. وقال في رواية مروزي: إذا ألقى في لحوم الحيات فلا أرى أن يشربه, وكذلك قال في لبن الأتان: لا تشرب ولا للضرورة, وكذلك أبوالها, ويجوز شرب أبوالها للضرورة عند محمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وحرب وعبد الله والأثرم وإبراهيم بن الحارث.
ويكره أخذ الأدوية المخدرة مثل الداري وهو حب يشبه الشعير أسود اللون والبنج وهذان يسكران.
وقد تقدم نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وإنما نهى عن قتلها لأنها من جملة السموم ولذا كان لحمها يسقط الأسنان حتى أسنان البهائم ثم إذا نالته في المرعى.(1/329)
الثنية في طعام المزورة أخرج الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحسا فصنه لهم ثم أمرهم فحسوا منه, وكان يقول: إنه ليرتو عن فؤاد الحزين, ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسري إحداكن الوسخ عن وجهها الوعك: الحمى, والحسا: طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن لوز أو ما يقوم مقامه, وقد تجلى, ويرتو: أي يشد ويقوى ويسرو: أي يكشف عن فؤاده الألم.
وأخرج الشيخان عن عائشة رضي لله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قيل له إن فلاناً لا يطعم الطعام قال: عليكم بالتلبينة فحسوه إياها فإنها تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن - وفي رواية البخاري أنها كانت تقول: هي البغيض النافع.
والتلبينة حساء يعمل من دقيق أو نخالة وربما عمل بحسا سميت بذلك لبياضها للبن وتجم: أي تريح وقيل: بفتح وقيل: تجمع لأن الغم والحزن يبردان المزاج ويضعفان الحرارة والحساء يقوي الحرارة ويتيها, والفؤاد فم المعدة وقيل له البغض لأن المريض يبغضه ويعافه.
قال الذهبي: قلت: إذا شئت أن تحصي منافع الحسو ماء الشعير لا سيما بنخالته فإنه يجلو ينفذ سريعاً ويغذى غذاء لطيفاً وإذا شرب حاراً فنفعه أبلغ ونفوذه أسرع وجلاءه أكثر - انتهى.
ولما مرض أحمد كان يأكل القرع بالماش والمزاوير بالشيرج تطبخ له ووصف له عبد الرحمن الطيب قرعة مشوية يؤخذه ماءها فيشربه بالسكر ففعله.
الثالثة الحمية أخرج أحمد والترمذي وأبو داود عن أم المنذر سلمى بنت قيس الأنصارية رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي, وعلي ناقه, ولنا دوال معلقة قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل وقام علي يأكل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: مهلاً يا علي إنك ناقه قالت: فجلس علي والنبي صلى الله عليه وسلم(1/330)
يأكل فجعلت لهم سلقاً وشعيراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي من هذا فأصب فإنه أوفق لك, وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من رواية فليح.
والدوالي جمع دالية وهي العذق من البسر يعلق فإذا أرطب أكل. والناقه: الذي برأ من مرضه, وهو قريب العهد به, ولم يرجع إليه كمال صحته.
أخرج الحميدي عن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه تمر وخبز فقال: ادن فكل فأخذت آكل من التمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفتأكل تمراً وبك رمد.
وأخرج الترمذي عن قتادة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الطعام والشراب.
ويروى عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه حمى مريضاً له حتى أنه من شدة ما حماه كان يمص النوى.
وسئل طبيب العرب الحارث بن كلدة ما رأس الطب؟ قال: الحمية.
وقال كعب بن سعد: يرثي أخاه شبيباً.
تقول في سليمى ما لجسمك شاحباً ... كأنك يحميك الشراب طبيب
وقال الإمام أحمد: لا بأس بالحمية.
ويجوز الرجوع إلى قول الطبيب من أهل الذمة في الدواء المباح ولا يسمع قوله إذا وصف دواء محرماً كالخمر, وكذا لا يسمع قوله في الفطر والصوم والصلوة جالساً ونحو ذلك, ولا يقبل هذا إلا من مسلمين عدلين من أهل الطب وتكره الأدوية التي يصفها أهل الذمة من المعاجين والمطابيخ لأنه لا يؤمن أن يخلط بذلك شيئاً محرماً من المسمومات والنجاسات وغيرها ويعتقده صلاحاً - انتهى.
على أن الحمية توقف المريض فتمكن القوى من دفعه, ويقال حميت لمريض حمية وحموة إذا منعته من الطعام الضار - والله تعالى أعلم.(1/331)
جمع الرشيد أربعة أطباء عراقيا وهنديا وروميا وسواديا, وقال: وليصف كل منكم الدواء الذي لا داء فيه, فقال الرومي: حب الرشاد الأبيض, وقال الهندي: الماء الحار. وقال العراقي: الإهليلج الأسود, وقال السوادي: حب الرشاد يولد الرطوبة والماء الحار يرخي المعدة والإهليلج الأسود يرق المعدة بل هو أن نقعد على الطعام بشهوة وتقوم وأنت تشتهيه - والله سبحانه وتعالى أعلم.
تم الكتاب بعون الملك الوهاب في يوم السبت من خمسة وعشرين ذي الحجة الحرام من شهور سنة ست ومائة وألف على يد الراجي من لطف الباري درويش عبد الله النقشبندي غفر الله تعالى له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات -آمين يا رب العالمين, وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين- كتب في جامع دنكر في بلدة الشام الشريف حرسها الله من آفات الزمان.
تم(1/332)