فى سؤالهم «1» ، والتحجر عليهم بسبب ذلك فلم يلتفت أحد منهم إلى ذلك، حتى ظهر للسلطان «2» بعض ما هم عليه فى هذه المرة فمنعهم، فما كان أحسن هذا لو دام واستمر- انتهى.
كل ذلك والسلطان يتشاغل بركوبه وتنزهه مما به من التوعك وهو لا يظهره.
فلما كان يوم الأربعاء سابع شوال انتكس السلطان ولزم الفراش، كل ذلك ودولات خجا محتسب القاهرة يتتبع النسوة ويردعهن بالعذاب والنكال، حتى أنه ظفر مرة بامرأة وأراد أن يضربها فذهب «3» عقلها من الخوف وتلفت وحملت إلى بيتها مجنونة، وتم بها ذلك أشهرا؛ وامرأة أخرى أرادت أن تخرج خلف جنازة ولدها فمنعت من ذلك فأرمت بنفسها من أعلى الدار فماتت.
ثم فى يوم الجمعة تاسع شوال اتفق حادثة غريبة، وهو أن العامة لهجت بأن الناس يموتون يوم الجمعة بأجمعهم قاطبة وتقوم القيامة، فتخوّف غالب العامة من ذلك. فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة المذكور حضر الناس إلى الصلاة، وركبت أنا أيضا إلى جامع الأزهر، والناس تزدحم على الحمامات ليموتوا على طهارة كاملة؛ فوصلت إلى الجامع وجلست به، وأذّن المؤذنون، ثم خرج الخطيب على العادة ورقى «4» المنبر، وخطب وأسمع الناس إلى أن فرغ من الخطبة الأولى، وجلس للاستراحة بين الخطبتين فطال جلوسه ساعة كبيرة، فتقلّق «5» الناس إلى أن قام وبدأ فى الخطبة الثانية، وقبل أن يتم كلامه قعد ثانيا واستند إلى جانب المنبر ساعة طويلة كالمغشى عليه، فاضطرب الناس لما سبق من أن [الناس تموت] «6» فى يوم الجمعة بأجمعهم،(15/98)
وظنوا صدق المقالة وأن الموت أول ما بدأ بالخطيب. وبينما الناس فى ذلك قال رجل:
«الخطيب مات!» ، فارتجّ [الجامع] «1» وضجّ الناس «2» وتباكوا، وقاموا إلى المنبر وكثر الزحام على الخطيب، حتى أفاق وقام على قدميه ونزل عن «3» المنبر ودخل إلى المحراب، وصلّى من غير أن يجهر بالقراءة، وأوجز فى صلاته حتى أتم الركعتين. وقدمت عدة جنائز فصلى عليها «4» الناس، وأمّهم بعضهم. وبينما الناس فى الصلاة على الموتى إذا الغوغاء «5» صاحت بأن الجمعة ما صحّت، والخطيب صلى بعد أن انتقض وضوؤه»
لما غشى عليه؛ وتقدم رجل من الناس وأقام وصلى الظهر أربعا. وبعد فراغ هذا الذي صلى أربعا قام جماعة أخر وأمروا فأذّن المؤذنون بين يدى المنبر، وطلع رجل إلى المنبر وخطب خطبتين على العادة ونزل ليصلى، فمنعوه من التقدم إلى المحراب وأتوا بإمام الخمس فقدّموه حتى صلى بهم جمعة ثانية. فلما انقضت صلاته بالناس قام آخرون وصاحوا بأن هذه الجمعة الثانية لم تصح، وأقاموا الصلاة وصلى بهم رجل آخر الظهر أربع ركعات، فكان فى هذا اليوم بجامع الأزهر إقامة الخطبة مرتين وصلاة الظهر مرتين، فقمت أنا فى الحال وإذا بالناس تطيّر على السلطان بزواله من أجل إقامة خطبتين فى موضع [37] واحد [فى يوم واحد] «7» .
هذا ومرض السلطان فى زيادة ونمو، وكلما ترجّح قليلا خلع على الأطباء ودقّت البشائر، إلى أن عجز عن القيام فى «8» العشر الثانى من شوال، هذا وقد كثر الموت بالمماليك السلطانية ثم بالدور السلطانية؛ «9» ومات عدة من أولاد السلطان والحريم(15/99)
والجوارى، وخرج الحاجّ فى يوم الاثنين تاسع عشره صحبة أمير الحاج آقبغا من مامش «1» الناصرى المعروف بالتركمانى «2» ، ونزل إلى بركة الحاج، فمات به عدة كبيرة من الحجاج منهم ابن أمير الحاج وابنته فى الغد. وبعده «3» فى يوم الأربعاء حادى عشرينه، ضبط عدة من صلى عليه من الأموات بالمصليات فزادت عدتهم على ألف إنسان.
ثم فى يوم الخميس ثانى عشرينه خلع السلطان على الأطباء لعافيته وفرح الناس، وبينما هم فى ذلك إذ وسّط السلطان طبيبيه فى يوم السبت رابع عشرينه، وهما اللذان «4» خلع عليهما بالأمس. وكان من خبر الأطباء أنه لما خلع السلطان عليهما بالأمس، وأصبح السلطان من الغد فرأى حاله فى إدبار، وكان قد قلق من طول مرضه، فشكا ما به لرئيس الأطباء العفيف الأسلمى فأمر له بشىء يشربه، فشربه السلطان فلم يوافق مزاجه وتقيأه لضعف معدته. وكان خضر الحكيم كثيرا ما يتحشّر «5» عند رؤساء الدولة، حتى صار يداخل السلطان فى أيام مرضه اقتحاما على الرئاسة، واستمر يلاطف السلطان مع العفيف. وأصبح العفيف طلع إلى القلعة، ودخل على عادته، وإذا بالسلطان «6» قد امتلأ عليه غضبا، وقد ظن فى نفسه أن الحكماء مقصرون فى علاجه ومداواته، وأنهم أخطأوا فى التدبير والملاطفة، فحال ما وقع بصره على العفيف سبّه ونهره. وكان فى المجلس القاضى صلاح الدين بن نصر الله كاتب السر، والصفوى جوهر الخازندار وعدة أخر من الأمراء الخاصكية، ثم قال له السلطان:
«إيش هذا الذي أسقيتنى البارحة؟» . فقال العفيف: «هو «7» كيت وكيت يا مولانا(15/100)
السلطان، واطلب الأطباء واسألهم هل هو موافق أم لا» ، فلم يلتفت السلطان إلى كلامه وطلب عمر بن سيفا والى القاهرة وأمره بتوسيطه، فأخذه وخرج وتماهل فى أمره حتى تأتيه الشفاعة. وبينما العفيف فى ذلك إذ طلع «1» خضر الحكيم وهو مسرع، كون العفيف قد سبقه إلى مجلس السلطان، فكلمه العفيف فى أن السلطان إذا سأله عما وصفه له العفيف فى أمسه لا يعترض عليه، ليسكن بذلك غضب السلطان «2» .
فحال ما دخل خضر «3» المذكور على السلطان أمر بتوسيطه أيضا، فأخذ من بين يدى السلطان أخذا مزعجا وأضيف إلى العفيف، وهو يظن أن ذلك من حنق السلطان، وليس الأمر على حقيقته. وتربّص الوالى فى أمرهما «4» ، فأرسل السلطان من استحثه فى توسيطهما، هذا بعد أن وقف ندماء السلطان إلى الأشرف «5» وقبّلوا له الأرض غير مرة، وقبّلوا يده مرارا عديدة بسببهما والشفاعة فيهما وسألوه أن يعاقبهما «6» [بالضرب] «7» ، فأبى «8» إلا توسيطهما. وأخذ السلطان يستحث الوالى برسول بعد رسول من الخاصكية، والوالى يتنقل بهما «9» من مكان إلى آخر تسويفا، إلى أن أتى بهما «10» إلى الحدرة عند باب الساقية من قلعة الجبل. وبينما عمر «11» فى ذلك أتاه رجل من قبل السلطان، وقال له: «أمرنى السلطان أن أحضر توسيطهما أو تحضر تجيب السلطان بما تختاره من الجواب عن ذلك» ؛ فلم يجد عمر بدّا من أن أخذ العفيف(15/101)
أولا وحمله، فاستسلم ولم يتحرك حتى وسّط. فلما رأى «1» خضر ذلك طار عقله وصاح وهو يقول: «عمر! الحكيم اتوسّط! «2» عندى للسلطان ثلاثة آلاف دينار ويدعنى أعيش» ، فلم يلتفت الوالى إلى كلامه وأمر به فأخذ، فدافع عن نفسه بكل ما تصل قدرته إليه وخاف خوفا شديدا، فتكاثروا عليه أعوان الوالى حتى حملوه وهو يتمرّغ «3» ، فوسّط توسيطا معذبا لتلوّيه واضطرابه؛ «4» ثم حملا إلى أهليهما. فعند ذلك تحقق الناس عظم ما بالسلطان من المرض وشنعت القالة فيه؛ ومن يومئذ تزايد مرض [38] السلطان وصارت الأطباء متخوفة من معالجته، ولا يصفون «5» له شيئا حتى يكون ذلك بمشورة جماعة من الأطباء، واستعفى أكثرهم، وحمل الرسائل على عدم الطلوع لملاطفته «6» .
واستمر السلطان ومرضه يتزايد، فلما كان يوم الثلاثاء رابع ذى القعدة، جمع السلطان الخليفة والقضاة الأربعة «7» والأمراء وأعيان الدولة، وعهد بالسلطنة إلى ولده المقام الجمالى يوسف، وكتب العهد القاضى شرف الدين أبو بكر نائب كاتب السر، لمرض كاتب السر القاضى صلاح الدين بن نصر الله بالطاعون. وجلس السلطان بالمقعد الذي أنشأه على باب الدّهيشة «8» المطل على الحوش السلطانى، وقد أخرج إليه(15/102)
محمولا من شدة مرضه وضعف قوته، ووقف بين يديه الأمير خشقدم اليشبكى مقدم المماليك السلطانية بالحوش، ومعه غالب المماليك السلطانية: الجلبان والقرانيص، وجلس بجانب السلطان الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود، والقضاة والأمير الكبير جقمق العلائى، ومن تأخر عن التجريدة من الأمراء بالديار المصرية.
وقام عبد الباسط، لغيبة كاتب السر صلاح الدين بن نصر الله وشدة مرضه بالطاعون، وابتدأ بالكلام «1» فى عهد السلطان بالملك من بعده لابنه المقام الجمالى يوسف، وقد حضر أيضا يوسف المذكور «2» مع أبيه فى المجلس، فاستحسن الخليفة هذا الرأى وشكر السلطان على فعله لذلك، فقام فى الحال القاضى شرف الدين أبو بكر [سبط] »
ابن العجمى نائب كاتب السر بالعهد إلى بين يدى السلطان. وأشهد السلطان على نفسه، أنه عهد بالملك إلى ولده يوسف من بعده، وأمضى الخليفة العهد، وشهد بذلك القضاة، وجعل الأمير الكبير جقمق العلائى هو القائم بتدبير أمر مملكة المقام الجمالى يوسف، وأشهد السلطان على نفسه بذلك أيضا فى العهد. ثم التفت السلطان إلى جهة الحوش، وكلم الأمير خشقدم مقدم المماليك- وقصد يسمع ذلك القول للمماليك السلطانية الجلبان- بكلام طويل، محصوله يعتب عليهم «4» فيما كانوا يفعلونه فى أيامه وأنه كان تغير عليهم ودعا عليهم، فأرسل الله [تعالى] «5» عليهم الطاعون فى سنتى ثلاث وثلاثين ثم إحدى وأربعين فمات منهم حماعة كبيرة، والآن قد عفا «6» عنهم. ثم أوصاهم بوصايا كثيرة، منها أن يكونوا فى طاعة ولده، وأن لا يغيروا على أحد من الأمراء، وأن لا يختلفوا فيدخل فيهم الأجانب فيهلكوا، وأشياء من ذلك كثيرة سمعتها من لفظه لكن لم أحفظ(15/103)
أكثرها لطول الكلام.
ثم «1» أخذ يعرّف الجميع «2» : القرانيص والجلبان، أنه يموت وأنه كان عندهم ضيفا وقد أخذ فى الرحيل عنهم؛ وبكى فأبكى الناس وعظم الضجيج من البكاء، ثم أمر لهم بنفقة لجميع المماليك السلطانية قاطبة، لكل واحد ثلاثين دينارا، فقبل الجميع الأرض وضجوا له بالدعاء بعافيته وتأييده؛ كل ذلك وهو يبكى وعقله صحيح وتدبيره جيد. وفى الحال جلس كاتب المماليك واستدعى اسم واحد واحد، وقد صرّت النفقة المذكورة، حتى أخذوا الجميع النفقة، فحسن ذلك ببال جميع الناس، وكانت جملة النفقة مائة وعشرين «3» ألف دينار؛ وانفضّ المجلس، وحمل السلطان وأعيد إلى مكانه.
ثم فى يوم الجمعة سابع ذى القعدة خلع السلطان على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله باستقراره فى كتابة السر بعد موت [ولده] «4» صلاح الدين محمد بن حسن بن نصر الله بالطاعون، وخلع أيضا فى اليوم المذكور على نور الدين علىّ السّويفى إمام السلطان باستقراره محتسب القاهرة بعد موت دولات خجا بالطاعون، وفرح الناس بموته كثيرا.
وتزايد الطاعون فى هذه الأيام بالديار المصرية وظواهرها حتى بلغ [عدة] «5» من صلى عليه بمصلاة باب «6» النصر فقط فى يوم واحد أربعمائة ميّت، وهى من جملة إحدى عشرة مصلاة بالقاهرة وظواهرها.
وأما الأمراء المجرّدون إلى البلاد الشامية، فإنهم كانوا فى هذا الشهر رحلوا من أبلستين وتوجهوا إلى آق شهر «7» ، حتى نزلوا عليها وحصروها وليس لهم علم بما السلطان فيه.(15/104)
ثم اشتد مرض السلطان فى يوم الثلاثاء خامس عشرين ذى القعدة واحتجب عن الناس، ومنع الناس قاطبة من الدخول عليه، سوى الأمير إينال الأبوبكريّ [39] الأشرفى شادّ الشراب خاناه، وعلى باى الأشرفى الخازندار، وجوهر اللّالا الزّمام؛ وصار إذا طلع مباشر والدولة إلى الخدمة السلطانية على العادة يعرّفهم هؤلاء بحال السلطان، وليس أحد من أكابر الأمراء يطلع إلى القلعة، لمعرفتهم بما السلطان فيه من شدة المرض، وأيضا لكثرة الكلام فى المملكة. وقد صارت المماليك طوائف، وتركوا التّسيير إلى خارج القاهرة وجعلوا دأبهم التسيير بسوق الخيل تحت القلعة «1» والكلام فى أمر السلطان. وبطلت العلامة «2» ، وتوقف أحوال الناس لاختلاط عقل السلطان من غلبة المرض عليه، وخيفت السبل ونقل الناس «3» أقمشتهم من بيوتهم إلى الحواصل مخافة من وقوع فتنة. وأخذ الطاعون يتناقص فى «4» هذه الأيام وهو أوائل ذى الحجة، ومرض السلطان يتزايد. وكان ابتداء مرض السلطان ضعف الشهوة للأكل، فتولد له من ذلك أمراض كثيرة آخرها نوع من أنواع الملنخوليا، وكثر هذيانه وتخليطه فى الكلام، ولازمه الأرق والسهر مع ضعف قوته.
هذا مع أن المماليك فى هذه الأيام صاروا طائفة وطائفة: فطائفة منهم يريدون أن يكون الأمير الكبير جقمق العلائى هو مدبر المملكة كما أوصاه الملك الأشرف، وهم الظاهرية البرقوقية والناصرية والمؤيّدية والسّيفية؛ وطائفة وهم الأشرفية، يريدون الاستبداد بأمر ابن أستاذهم، كل ذلك من غير مفاوضة فى الكلام. وبلغ الأمير إينال الأبوبكريّ المشدّ ذلك، وكان أعقل المماليك الأشرفية وأمثلهم وأعلمهم، فأخذ فى إصلاح الأمر بين الطائفتين، بأن طيّب «5» المماليك الأشرفية إلى الحلف على طاعة ابن السلطان والأمير الكبير جقمق العلائى، حتى أذعنوا ورضوا. فتولى تحليفهم القاضى شرف الدين نائب كاتب السر(15/105)
وحلّف الجميع، ثم نزل عبد الباسط إلى الأمير الكبير جقمق وحلّفه على طاعة السلطان، وبعد تحليفه نزل إليه الأمير إينال المشدّ والأمير علىّ باى الخازندار، وقبّل كل منهما بده بمن معهما من أصحابهما، فأكرمهم جقمق ووعدهم بكل خير، وعادوا «1» إلى القلعة وسكن الناس وبطل الكلام بين الطائفتين.
فلما كان يوم الأربعاء عاشر ذى الحجة، وهو يوم عيد النحر، خرج المقام الجمالى يوسف ولىّ العهد الشريف وصلىّ صلاة العيد بجامع القلعة، وصلى معه الأمير الكبير جقمق العلائى وغالب أمراء الدولة، ومشوا فى خدمته بعد انقضاء الصلاة والخطبة، حتى جلس على باب الستارة، وخلع على الأمير الكبير جقمق وعلى من له عادة بلبس الخلع فى يوم عيد النحر، ثم نزلوا إلى دورهم، وقام المقام الجمالى ونحر ضحاياه بالحوش السلطانى. هذا وقد حصل للسلطان نوب كثيرة من الصرع حتى خارت قواه ولم يبق إلا أوقات يقضيها؛ واستمر على ذلك والإرجاف يتواتر بموته فى كل وقت، إلى أن مات قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذى الحجة [من] «2» سنة إحدى وأربعين وثمانمائة «3» ، وسنّه يوم مات بضع وستون سنة تخمينا؛ فارتجت القلعة لموته ساعة ثم سكنوا. وفى الحال حضر الخليفة والقضاة الأربعة «4» والأمير الكبير جقمق العلائى وسائر أمراء الدولة، وسلطنوا المقام الجمالى يوسف ولقبوه بالملك العزيز يوسف، حسبما يأتى ذكره فى محلّه. ثم أخذ الأمراء فى تجهيز السلطان، فجهز وغسل وكفن بحضرة الأمير إينال الأحمدى الفقيه الظاهرى [برقوق] «5» أحد أمراء العشرات بوصية السلطان له، وهو الذي أخرج عليه كلفة تجهيزه وخرجته من مال كان الأشرف دفعه إليه فى حياته، وأوصاه أن يحضر غسله وتكفينه ودفنه.(15/106)
ولما انتهى أمر تجهيز [الملك] «1» الأشرف حمل من الدور السلطانية إلى أن صلى عليه بباب القلعة من قلعة الجبل، وتقدم للصلاة عليه قاضى القضاة شهاب الدين أحمد «2» ابن حجر، لكون الخليفة كان [خلع] «3» عليه خلعة «4» أطلسين التى «5» خلعها عليه الملك [40] العزيز. ثم حمل من المصلى على أعناق الخاصكية والأمراء الأصاغر، إلى أن دفن بتربته التى أنشأها بالصحراء خارج القاهرة؛ وحضرت أنا الصلاة عليه ودفنه، وكانت جنازته مشهودة بخلاف جنائز الملوك، ولم يقع فى يوم موته اضطراب ولا حركة ولا فتنة، ونزل إلى قبره قبيل المغرب. وكانت مدة سلطنته بمصر سبع عشرة «6» سنة تنقص أربعة وتسعين يوما، وتسلطن بعده ابنه الملك العزيز يوسف المقدم ذكره بعهد منه إليه.
وخلّف الملك الأشرف من الأولاد «7» العزيز يوسف وابنا «8» آخر رضيعا أو حملا «9» ، وهما فى قيد الحياة إلى يومنا هذا. فأما العزيز فمسجون بثغر الإسكندرية، وأما الآخر فاسمه أحمد عند عمه زوج أمه الأمير قرقماس الأشرفى رأس نوبة، وهو الذي تولى تربيته، ومن أجل المقام الشهابى أحمد هذا كانت الفتنة بين المماليك الأشرفية والمماليك الظاهرية فى الباطن، لما أراد الظاهرية إخراجه إلى الإسكندرية. وأما من مات من أولاد [الملك] «10» الأشرف فكثير، وخلّف من الأموال والتحف والخيول والجمال «11» والسلاح شيئا كثيرا إلى الغاية. [و] 1»
كان سلطانا جليلا سيوسا مدبرا عاقلا شهما متجملا فى مماليكه(15/107)
وخيوله، وكانت صفته أشقر طوالا «1» نحيفا رشيقا منوّر الشيبة بهىّ الشكل، غير سبّاب ولا فحّاش فى لفظه، حسن الخلق لين الجانب حريصا على إقامة ناموس الملك، يميل إلى الخير، يحب سماع تلاوة القرآن العزيز حتى أنه رتب عدة أجواق تقرأ عنده فى ليالى المواكب «2» بالقصر السلطانى دواما. وكان يكرم أرباب الصلاح ويجل مقامهم، وكان يكثر من الصوم صيفا وشتاء «3» ؛ فإنه كان يصوم فى الغالب يوم الثالث عشر [من الشهر] «4» والرابع عشر والخامس عشر، يديم على ذلك. وكان يصوم أيضا أول يوم فى الشهر وآخر يوم فيه «5» ، مع المواظبة «6» على صيام يومى الاثنين والخميس فى الجمعة، حتى أنه «7» كان يتوجه فى أيام صومه إلى الصيد ويجلس على السماط «8» وهو صائم ويطعم الأمراء والخاصكية بيده، ثم يغسل يديه بعد رفع السّماط كأنه واكل القوم. وكان لا يتعاطى المسكرات ولا يحب من يفعل ذلك من مماليكه وحواشيه. وكان يحب الاستكثار من المماليك حتى أنه زادت عدة مماليكه المشتروات على ألفى مملوك، لولا ما أفناهم طاعون سنة ثلاث وثلاثين ثم طاعون سنة إحدى وأربعين هذا، فمات فيهما من مماليكه خلائق. وكان يميل إلى جنس الجراكة على غيرهم فى الباطن، يظهر ذلك منه فى بعض الأحيان، وكان لا يحب أن يشهر عنه ذلك لئلا تنفر الخواطر منه؛ فإن ذلك مما يعاب به على الملوك. وكانت مماليكه أشبه الناس بمماليك [الملك] «9» الظاهر برقوق فى كثرتهم، وأيضا فى تحصيل فنون الفروسية؛ ولو لم يكن من مماليكه إلا الأمير إينال(15/108)
الأبوبكريّ الخازندار ثم المشدّ، لكفاه فخرا لما اشتمل عليه من المحاسن؛ ولم يكن فى عصرنا من يدانيه فكيف يشابهه؟ - انتهى.
وإلى الآن مماليكه هم معظم عسكر الإسلام، وكانت أيامه فى غاية الأمن والرخاء من قلة الفتن وسفر التجاريد، هذا مع طول مدته فى السلطنة. وعمّر فى أيامه غالب قرى مصر قبليّها وبحريّها مما كان خرب فى دولة [الملك] «1» الناصر فرج، [ثم] «2» فى دولة [الملك] «3» المؤيّد شيخ لكثرة الفتن فى أيامهما «4» ، وترادف الشرور والأسفار إلى البلاد الشامية وغيرها فى كل سنة. ومع هذا كله كان [الملك] «5» الأشرف منغّص العيش من جهة الأمير جانبك الصوفى من يوم فرّ من سجنه بثغر الإسكندرية فى سابع شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، إلى أن مات جانبك قبل موته فى سنة أربعين و [ثمانمائة] «6» حسبما تقدم ذكره.
وكان الأشرف يتصدّى [للأحكام] «7» بنفسه، ويقتدى فى غالب أموره بطريق [الملك] «8» المؤيّد شيخ، غير أنه كان يعيب على المؤيد سفه لسانه، إلا [الملك] «9» الأشرف فإنه [41] كان لا يسفه على أحد من مماليكه ولا خدمه جملة كافية، فكان أعظم ما شتم به أحدا أن يقول له: «حمار!» ، وكان ذلك فى الغالب [يكون] «10» مزحا. ولقد داومت «11» خدمته من «12» أوائل سلطنته إلى أن مات، ما سمعته أفحش فى سب واحد بعينه كائن من كان. وفى الجملة كانت محاسنه أكثر من مساوئه، وأما ما ذكره عنه الشيخ تقي الدين المقريزى فى تاريخه من المساوئ، فلا أقول إنه مغرض فى ذلك بل أقول بقول القائل: [الطويل](15/109)
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه
وكان الأليق الإضراب عن تلك المقالة الشنعة فى حقه من وجوه عديدة، غير أن الشيخ تقي الدين كان ينكر «1» عليه أمورا، منها انقياده إلى مباشرى دولته فى مظالم العباد، ومنها شدة حرصه على المال وشرهه فى جمعه، وأنا أقول فى حق [الملك] «2» الأشرف ما «3» قلته فى حق [الملك] «4» الظاهر برقوق فيما تقدم، فهو بخيل بالنسبة لمن تقدّمه «5» من الملوك، وكريم بالنسبة لمن جاء بعده إلى يومنا هذا؛ وما أظرف قول من قال: [الكامل]
ما إن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأوّل
وأما قول المقريزى: «وانقياده لمباشريه» - يشير بذلك إلى الزينى عبد الباسط- فإنه كان يخاف على ماله منه، فلا يزال يحسّن له القبائح فى وجوه تحصيل المال، ويهوّن عليه فعلها حتى يفعلها الأشرف وينقاد إليه بكليّته، وحسّن له أمورا «6» لو فعلها الأشرف لكان فيها زوال ملكه، ومال الأشرف إلى شىء منها لولا معارضة قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى له فيها عندما كان يسامره بقراءة التاريخ، فإنه كان كثيرا ما يقرأ عنده تواريخ الملوك السالفة وأفعالهم الجميلة، ويذكر له ما وقع لهم من الحروب والخطوب والأسفار والمحن، ثم يفسر له ذلك باللغة التركية، وينمقها بلفظه الفصيح، ثم يأخذ فى تحبيبه لفعل الخير والنظر فى مصالح المسلمين، ويرجعه عن كثير من المظالم، حتى لقد «7» تكرر من الأشرف قوله فى الملأ: «لولا القاضى العينى ما حسن إسلامنا، ولا عرفنا كيف نسير فى المملكة» . وكان الأشرف اغتنى بقراءة العينى له فى التاريخ عن مشورة الأمراء فى المهمات، لما تدرب بسماعه للوقائع السالفة(15/110)
للملوك؛ قلت: وما قاله الأشرف فى حق العينى هو الصحيح، فإن الملك الأشرف كان أميّا صغير السن لما تسلطن، بالنسبة لملوك الترك الذين «1» مستهم الرق، فإنه تسلطن «2» وسنّه يوم ذاك نيف على أربعين سنة، وهو غرّ لم يمارس التجارب، ففقّهه العينى بقراءة التاريخ، وعرّفه بأمور كان يعجز عن تدبيرها قبل ذلك، منها: لما كسرت مراكب الغزاة فى غزوة قبرس، فإن الأشرف كان عزم على تبطيلها فى تلك السنة ويسيّرها فى القابل، حتى كلّمه العينى فى ذلك، وحكى له عدة وقائع صعب أولها وسهل آخرها، فلذلك كان العينى هو أعظم ندمائه «3» وأقرب الناس إليه، على أنه كان لا يداخله فى أمور المملكة البتة، بل كان مجلسه لا ينقضى معه إلا فى قراءة التاريخ، وأيام الناس وما أشبه ذلك؛ ومن يوم ذاك حبّب إلىّ التاريخ وملت إليه واشتغلت به- انتهى.
وقد تقدم الكلام على أصل»
الملك الأشرف وكيف ملّكه [السلطان الملك] «5» الظاهر برقوق، وعلى نسبته بالدّقماقى فى أول ترجمته، فلا حاجة للعيادة هنا ثانيا.
انتهى ترجمة الملك الأشرف برسباى رحمه الله تعالى.(15/111)
[ما وقع من الحوادث سنة 825]
السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1»
وهى سنة خمس وعشرين وثمانمائة؛ على أن الملك الصالح محمد ابن [الملك] «2» الظاهر ططر، حكم منها إلى ثامن شهر [ربيع] «3» الآخر، ثم حكم [فى] «4» باقيها [الملك] «5» الأشرف هذا.
وفيها- أعنى سنة خمس وعشرين المذكورة- توفى الشيخ الإمام العالم بدر الدين محمود ابن الشيخ الإمام شمس الدين محمد الأقصرائى الحنفى فى ليلة الثلاثاء خامس المحرم، ولم يبلغ الثلاثين من العمر، وكان بارعا ذكيا فاضلا فقيها مشاركا فى عدة فنون، حسن المحاضرة، مقربا من الملوك. وكان [42] يجالس الملك المؤيّد شيخا «6» وينادمه، ثم عظم أمره عند [الملك] «7» الظاهر ططر واختص به [إلى] «8» الغاية، وتردد الناس إلى بابه، ورشح إلى الوظائف السنية «9» ، فعاجلته المنية «10» ومات بعد مدة يسيرة.
وتوفى الشيخ علاء الدين علىّ ابن قاضى القضاة تقي الدين عبد الرحمن الزبيرى الشافعى، فى ليلة الأحد ثالث المحرم وقد أناف على ستين سنة، بعد أن ناب فى الحكم ودرّس بعدة مدارس وبرع فى الحساب والفرائض.
وتوفى الأمير سيف الدين آق خجا بن عبد الله «11» الأحمدى الظاهرى، وهو يلى(15/112)
الكشف بالوجه القبلى فى العشرين من المحرم. وكان تركى الجنس، أصله من مماليك [الملك] «1» الظاهر برقوق وترقى حتى صار من جملة أمراء الطبلخاناه وحاجبا ثانيا «2» ، وتولى الكشف بالوجه [القبلى] «3» ومات «4» هناك. ولم يكن من المشكورين.
وتوفى الشيخ المحدّث شمس الدين محمد بن أحمد بن معالى الحبتى الحنبلى الدمشقى فى يوم الخميس ثامن عشرين المحرم، وكان يقرأ البخارى عند السلطان، وهو أحد فقهاء الحنابلة
(النجوم الزاهرة ج 15)(15/113)
وأحد ندماء [الملك] المؤيد شيخ وأصحابه قديما، وولّاه مشيخة المدرسة الخرّوبية «1» بالجيزة.
وتوفى مقرئ زمانه العلامة شمس الدين محمد بن على بن أحمد المعروف بالزراتينى الحنفى، إمام الخمس بالمدرسة الظاهرية برقوق، فى يوم الخميس سادس جمادى الآخرة وقد جاوز سبعين سنة؛ بعد أن كفّ بصره وانتهت إليه الرئاسة فى الإقراء بالديار المصرية ورحل إليه من الأقطار.
وتوفى الأمير بدر الدين حسن بن السيفى سودون الفقيه الظاهرى صهر [الملك] «2» الظاهر ططر وخال ولده الملك الصالح المقدم ذكره، وهو أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، فى يوم الجمعة ثالث عشر صفر بقلعة الجبل فى حياة والده سودون الفقيه. وكان والده سودون الفقيه حمو [الملك] «3» الظاهر [ططر] «4» جنديا لم يتأمّر، وصار ولده حسن هذا أمير مائة ومقدم ألف؛ فلم تطل أيامه فى السعادة فإنه كان أولا بخدمة صهر [5] «5» [الملك الظاهر] «6» ططر؛ فلما تسلطن أنعم عليه بإمرة طبلخاناه دفعة واحدة؛ ثم نقله بعد مدة يسيرة إلى إمرة مائة وتقدمة ألف فعاجلته المنية ومات بعد مرض طويل. قلت- وهو مثل-: «إلى أن يسعد المعترّ «7» فرغ عمره» . وكان حسن المذكور شابا جميلا حسن الشكالة، إلا أنه كان بإحدى عينيه خلل.
وتوفى الشيخ الإمام العالم برهان الدين إبراهيم بن أحمد «8» بن على البيجورىّ الشافعى فى يوم السبت رابع عشر [شهر] «9» رجب وقد أناف على السبعين سنة، ولم يخلف بعده أحفظ منه لفروع فقه مذهبه، مع قلة الاكتراث بالملبس والتقشف وعدم الالتفات إلى الرئاسة.(15/114)
وتوفى مقدم العشير «1» بالبلاد الشامية، بدر الدين حسن بن أحمد المعروف بابن بشاره فى سابع ذى الحجة؛ وكان له رئاسة ضخمة بالنسبة لأبناء جنسه وثروة ومال كثير.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة عشرون ذراعا ونصف.(15/115)
[ما وقع من الحوادث سنة 826]
السنة الثانية من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1»
وهى سنة ست وعشرين وثمانمائة:
[فيها] «2» توفى قاضى القضاة بالمدينة النبوية، ناصر الدين عبد الرحمن بن محمد بن صالح فى ليلة السبت رابع عشرين صفر، وكان من الفقهاء أعيان أهل المدينة.
وتوفى تاج الدين فضل الله بن الرملى القبطى ناظر الدولة فى يوم حادى عشرين صفر، بعد ما باشر وظيفة نظر الدوله عدة سنين وسئل بالوزارة غير مرة فامتنع واستمر على وظيفته، ومات وقد أناف على الثمانين سنة. قال المقريزى:
وكان من ظلمة الأقباط وفسّاقهم.
وتوفى الأمير ناصر الدين بك محمد بن على بك بن قرمان متملّك بلاد قرمان «3» فى صفر، من حجر أصابه فى حربه مع عساكر خوندكار مراد بك بن عثمان متملك برصّا؛ وكان ابن قرمان هذا أسر فى أيام [الملك] «4» المؤيد شيخ حسبما ذكرناه فى ترجمة [الملك] «5» المؤيد، وحبس بقلعة الجبل، إلى أن أفرج عنه [الملك] «6» الظاهر ططر بعد موت [الملك] «7» المؤيد شيخ «8» حسبما ذكرناه فى ترجمة المؤيد «9» [43] ووجّهه إلى بلاده أميرا عليها؛ وأولاد قرمان هؤلاء هم [من] «10» ذرية السلطان علاء الدين كيقباد السلجوقى، المقدم ذكره فى هذا التاريخ فى محله- انتهى.
وتوفى الأمير علاء الدين قطلوبغا بن عبد الله التّنمىّ أحد أمراء الألوف بالديار(15/116)
المصرية ثم نائب صفد، بطّالا بدمشق فى ليلة السبت سادس عشر «1» [شهر] «2» ربيع الأول، وأصله من مماليك [الأمير] «3» تنم الحسنى نائب الشام، ورقّاه [الملك] «4» المؤيد، لكون الملك «5» المؤيد كان تزوج ببنت تنم فصار لذلك حواشى تنم كأحد أصحابه.
وتوفى قاضى القضاة مجد الدين سالم المقدسى الحنبلى فى يوم الخميس تاسع عشرين «6» ذى القعدة وقد بلغ الثمانين وتكسّح وتعطّل عدة سنين، وكان معدودا من فقهاء الحنابلة وخيارهم.
وتوفيت خوند زينب بنت [السلطان] «7» الملك الظاهر برقوق وزوجة [الملك] «8» المؤيد شيخ ثم من بعده الأتابك قجق العيساوى «9» ؛ وماتت تحته فى ليلة السبت ثامن عشرين [شهر] «10» ربيع الآخر، وهى آخر من بقى من أولاد [الملك] «11» الظاهر برقوق لصلبه؛ وأمها أم ولد رومية.
وتوفى الأمير سيف الدين تنبك بن عبد الله العلائى الظاهرى المعروف بتنبك ميق نائب الشام بها فى يوم الاثنين ثامن شعبان، وتولى نيابة دمشق من بعد الأمير تنبك البجاسى نائب حلب الآتى ذكره، وكان تنبك ميق أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق وترقى بعد موته إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف فى دولة [الملك] «12» المؤيد شيخ، ثم صار رأس نوبة النوب، ثم أمير آخور كبيرا، ثم ولّاه نيابة دمشق بعد مسك آقباى المؤيدى ثم عزله بعد سنين وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ولا زال على ذلك حتى خلع عليه [الملك] «13» الظاهر ططر(15/117)
باستقراره فى نيابة دمشق ثانيا بعد جقمق الأرغون شاوى الدوادار، فأقام على نيابة دمشق إلى أن مات فى التاريخ المذكور، وكان من أكابر المماليك الظاهرية غير أنه لم يشهر بدين ولا شجاعة.
وتوفى الحافظ قاضى القضاة ولى الدين أبو زرعة أحمد بن الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين [بن عبد الرحمن بن أبى بكر بن إبراهيم] «1» العراقى الشافعى مصروفا عن القضاء، فى يوم الخميس سابع عشرين شعبان، ومولده فى ثالث ذى الحجة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، واعتنى به والده الحافظ زين الدين عبد الرحيم وأسمعه الكثير ونشأو برع فى علم الحديث، ثم غلب عليه الفقه فبرع فيه أيضا، وأفتى ودرّس سنين، وتولى نيابة الحكم بالقاهرة، ثم تنزه عن ذلك ولزم داره مدة طويلة، إلى أن طلبه السلطان وخلع عليه باستقراره قاضى قضاة الديار المصرية بعد وفاة شيخ الإسلام قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينى فى شوال سنة أربع وعشرين وثمانمائة، فباشر القضاء بعفة وديانة وصيانة إلى أن صرف بقاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى فلزم داره إلى أن مات، ولم يخلف بعده مثله فى جمعه بين الفقه والحديث والدين والصلاح، وله مصنفات كثيرة ذكرناها «2» فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» إذ هو محل الإطناب فى التراجم «3» .
وتوفى الرئيس علم الدين داؤد بن عبد الرحمن بن الكويز «4» الكركى الأصل الملكى كاتب السر الشريف بالديار المصرية، فى يوم الاثنين سلخ شوال ولم يبلغ(15/118)
الخمسين سنة، ودفن خارج القاهرة، وكان اتصل بخدمة [الملك] «1» المؤيد بالبلاد الشامية وخدم فى ديوانه وعرف به، فلما تسلطن ولاه بعد مدة نظر الجيش بالديار المصرية سنين إلى أن نقل إلى كتابة السر فى أيام [الملك] «2» الظاهر ططر بعد عزل صهره القاضى كمال الدين البارزى بسعيه فى ذلك، فلم يشكر على فعلته، ونقل كمال الدين المذكور إلى وظيفة نظر الجيش عوضا عنه. وقد تقدم ذلك كله فى أصل ترجمة الملك الأشرف مفصلا فلينظر هناك؛ ودام علم الدين هذا فى وظيفة كتابة السرسنين إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره. وكان عاقلا دينا رئيسا ضخما وجيها فى الدول، غير أنه كان عاريا من كل علم وفن، لا يعرف إلا قلم الدّيونة كما هى عادة الكتبة، وتولّى كتابة السر من بعده جمال الدين يوسف بن الصفى الكركى، فعظمت المصيبة بولاية جمال الدين [44] هذا لهذه الوظيفة الشريفة التى هى الآن أعظم رتب المتعممين، لكونه غاية فى الجهل وعديم المعرفة بهذا الشأن وغيره.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ثمانية أذرع وعشرة أصابع؛ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وثلاثة وعشرون أصبعا.(15/119)
[ما وقع من الحوادث سنة 827]
السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1»
وهى سنة سبع وعشرين وثمانمائة:
[فيها] «2» خرج الأمير تنبك البجاسى عن الطاعة وهو على نيابة دمشق، وقاتله سودون من عبد الرحمن وظفر به وقطع رأسه وبعث به إلى الديار المصرية، وقد تقدم ذكر ذلك كله فى أصل ترجمة [الملك] «3» الأشرف، ويأتى ذكر تنبك البجاسى فى وفيات هذه السنة.
وفيها قبض الملك الأشرف على الأتابك بيبغا المظفرى وحبسه بالإسكندرية، وقد تقدم أيضا.
وفيها مات قتيلا الأمير تنبك بن عبد الله البجاسى نائب الشام، بعد خروجه عن الطاعة فى أول شهر ربيع الأول؛ وهو أحد من ترقى فى الدولة الناصرية [فرج] «4» ثم ولاه [الملك] «5» المؤيد شيخ نيابة حماه، فخرج عن طاعته مع الأمير قانى باى العلائى نائب الشام والأمير إينال الصصلانىّ نائب حلب وغيرهما من النواب، ودام معهما إلى أن انكسرا وقبض عليهما ففرّ تنبك هذا مع من فر من الأمراء إلى قرا يوسف ببلاد الشرق، فقام عنده هو والأمير سودون من عبد الرحمن والأمير طرباى إلى أن قدموا على الأمير ططر بالبلاد الشامية فى دولة [الملك] «6» المظفر أحمد، ثم لما تسلطن ططر ولاه نيابة حماه ثانيا، ثم نقله [الملك] «7» الأشرف إلى نيابة حلب بعد تغرى بردى أخى قصروه، وتولى بعده نيابة حماه [أغاته جار قطلو. والعجيب أن جارقطلو المذكور كان أغاة تنبك البجاسى، وولى بعده نيابة حماه] «8» مرتين:(15/120)
الأولى فى الدولة المؤيدية والثانية فى دولة ططر، ثم نقل تنبك البجاسى إلى نيابة الشام بعد موت الأمير تنبك ميق فلم تطل مدته بها وخرج عن الطاعة؛ وتولى سودون من عبد الرحمن نيابة الشام عوضه وقاتله حسبما تقدم ذكره حتى ظفر به وقتله، وكان تنبك شابا جميلا شجاعا مقداما، وهو أستاذ [جميع] «1» البجاسيّة أمراء زماننا هذا بمصر والشأم.
وتوفى الإمام العلامة شرف الدين يعقوب بن جلال الدين رسولا بن أحمد ابن يوسف التّبانى «2» الحنفى شيخ شيوخ خانقاه شيخون، فى يوم الأربعاء سادس عشر صفر؛ وكان فقيها بارعا فى العربية والأصول وعلمى المعانى والبيان والعقليات، واختص [بالملك] «3» المؤيد شيخ اختصاصا كبيرا، وتولى نظر الكسوة ووكالة بيت المال ومشيخة خانقاه شيخون، وأفتى ودرّس واشتغل وصنّف عدة سنين، وكان معدودا من علماء الحنفية.
وتوفى الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن شمس الدين بن عبد الله المعروف بابن كاتب المناخ فى يوم الجمعة حادى عشرين جمادى الأولى وهو غير وزير، وابنه الصاحب كريم الدين [عبد الكريم] «4» قد ولى الوزر فى حياته؛ وكان جد أبيه باشر دين النصرانية ثم حسن إسلام آبائه، وكان مشكور السيرة فى ولايته للوزارة لكنه استجد فى أيام ولايته مكس الفاكهة «5» ، ثم عزل بعد مدة يسيرة وصار ذلك(15/121)
فى صحيفته إلى يوم القيامة؛ قلت: هذا هو الشقى الذي ظلم «1» الناس لغيره.
وتوفى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الظاهرى المعروف بالأشقر، وهو أحد أمراء دمشق، بها فى جمادى الأولى. وكان ولى شاد الشراب خاناة فى الدولة الناصرية، ثم صار فى الدولة المؤيدية رأس نوبة النوب ثم أمير مجلس ثم نكب وانحط قدره وحبس سنين، إلى أن أخرجه الأمير ططر وأنعم عليه بإمرة عشرين بالقاهرة، فدام على ذلك إلى أن أخرجه [الملك] «2» الأشرف [برسباى] «3» إلى الشأم على إمرة مائة وتقدمة ألف، فدام بدمشق إلى أن مات؛ وكان غير مشكور السيرة فى دينه ودنياه.
وتوفى الملك العادل فخر الدين أبو المفاخر سليمان ابن الملك الكامل شهاب الدين غازى ابن الملك العادل مجير الدين محمد ابن الملك الكامل سيف الدين أبى بكر ابن شادى، وقيل: ابن محمد بن تقي الدين عبد الله ابن الملك المعظم غياث الدين توران شاه ابن السلطان الملك الصالح نجم الدين [45] أيوب ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب بن شادى بن مروان الأيوبى صاحب حصن كيفا من ديار بكر، وملك بعده الحصن ابنه الملك الأشرف؛ وكان العادل(15/122)
أديبا شاعرا عاقلا، وله نظم جيد ذكرناه فى ترجمته فى «المنهل الصافى» «1» .
وتوفى خطيب مكة جمال الدين أبو الفضل ابن قاضى مكة محب الدين أحمد ابن قاضى مكة أبى الفضل محمد النويرى الشافعى المكى فى شهر ربيع الآخر بمكة، وهو والد صاحبنا الخطيب أبى «2» الفضل محمد «3» النويرى، وهم من أعيان فقهاء مكة أبا «4» عن جد.
وتوفيت «5» خوند الكبرى فاطمة زوجة السلطان الملك الأشرف وأمّ ابنه المقام الناصرى محمد فى خامس عشر جمادى الآخرة، وكانت قبل الأشرف تحت الأمير دقماق المحمدى، الذي ينتسب إليه الأشرف بالدّقماقى، وكان والدها من أعيان تجار القرم، وكانت من الخيّرات، ودفنت بقبة المدرسة الأشرفية بخط العنبريين، وكان لها مقام كبير عند زوجها الملك الأشرف.
وتوفى الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس(15/123)
ابن الملك المجاهد علىّ ابن «1» الملك المؤيد داود «2» بن الملك المظفر يحيى ابن الملك المنصور عمر ابن رسول، التركمانى الأصل اليمنى المولد والمنشأ والوفاة، صاحب بلاد اليمن ومدن ممالكه: زبيد وتعزّ وعدن والمهجم وحرض وجبلة والمنصورة والمحالب والجوّة والدّملوّة وقوارير والشحر وغيرهم (كذا) . وكان موته فى سادس عشر جمادى الآخرة بصاعقة سقطت عليهم بحصن قوارير خارج مدينة زبيد، فارتاع الملك الناصر هذا من ذلك ولزم الفراش أياما إلى أن مات، وأقيم بعده فى ممالك اليمن الملك المنصور عبد الله؛ وكان الناصر هذا من شرار ملوك اليمن.
وتوفى قاضى القضاة وشيخ الشيوخ بالجامع المؤيدى شمس الدين محمد بن عبد الله ابن سعد العبسى الديرى الحنفى المقدسى بالقدس، وقد توجه إليه زائرا فى يوم عرفة؛ ومولده فى سنة أربع وأربعين وسبعمائة بالقدس، وهو والد شيخ الإسلام سعد الدين سعد الديرى، وكان إماما فى الفقه وفروعه، بارعا فى العربية والتفسير والأصول والحديث، وأفتى ودرّس سنين بالقدس؛ ثم طلبه [الملك] «3» المؤيد فى سنة تسع عشرة وثمانمائة، وولاه قاضى قضاة الحنفية بعد موت قاضى القضاة ناصر الدين محمد ابن العديم مسئولا فى ذلك، فباشر القضاء بعفة وديانة وصيانة عدة «4» سنين، إلى أن تركه رغبة، وولى مشيخة الجامع المؤيدى داخل باب زويلة إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره.
وتوفى الشيخ الصالح الزاهد المسلك أبو بكر بن عمر بن محمد الطرينى الفقيه المالكى، فى يوم عيد النحر «5» بالغربية بمدينة المحلة [من الوجه البحرى من أعمال(15/124)
القاهرة،] «1» ولم يخلّف بعده مثله فى كثرة العبادة والتقشف وترك الدنيا ولذتها حتى لعلّه مات من قلة «2» الغذاء؛ وكان يقصد للزيارة من البلاد البعيدة، وله كرامات ومصالح، «3» يعرفه كل أحد.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وعشرون أصبعا؛ مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأربعة عشر أصبعا.(15/125)
[ما وقع من الحوادث سنة 828]
السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1»
وهى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة:
[فيها] «2» كانت أول غزوات الملك الأشرف التى «3» سيّرها فى البحر حسبما تقدم ذكره.
وفيها قتل الأمير تغرى بردى [بن عبد الله] «4» المؤيدى المعروف بأخى قصروه نائب حلب- كان- بقلعة حلب، بعد أن حبس بها مدة فى شهر ربيع الأول؛ وأصله من مماليك [الملك] «5» المؤيد شيخ وأحد خاصكيته، ثم أمّره المؤيد عشرة، ولما مات [الملك] «6» المؤيد أنعم عليه الأمير ططر فى دفعة واحدة بإمرة مائة وتقدمة ألف وجعله أمير آخور كبيرا عوضا عن طوغان الأمير آخور، ثم ولاه نيابة حلب فعصى فى أواخر دولة ططر وخرج عن الطاعة، فولى تنبك البجاسى عوضه فى نيابة حلب؛ ومات ططر فتوجه تنبك إليه وقاتله وهزمه [46] وملك حلب، ثم حاصره بقلعة بهسنا حتى أخذه بالأمان وحمله إلى قلعة حلب فحبس بها إلى يوم تاريخه؛ وكان شابا طائشا خفيفا غير مشكور السيرة، [و] «7» اقتحم الرئاسة فنالها فلم يمهله الدهر وأخذ قبل أن تتم سنته.
وتوفى قاضى القضاة علاء الدين أبو الحسن علىّ ابن التاجر بدر الدين أبى الثّناء محمود بن أبى الجود أبى بكر الحموى الحنبلى المعروف بابن مغلى، قاضى قضاة الديار المصرية، فى يوم الخميس العشرين من المحرم وقد قارب السبعين سنة، وأصله من سلمية، وكان آباؤه يعانون المتجر، وولد هو بحماه وطلب العلم وقدم القاهرة شابا فى زى التجار فى سنة إحدى وتسعين، ثم عاد إلى حماه وأكب على طلب العلم،(15/126)
حتى برع واشتهر بكثرة الحفظ حتى أنه كان يحفظ فى كل مذهب من المذاهب الأربعة كتابا فى الفقه، ويحفظ فى مذهبه كثيرا إلى الغاية، مع مشاركة جيدة فى الحديث والنحو والأصول والتفسير؛ وتولى قضاء حماه فى عنفوان شبيبته ودام بها «1» إلى أن طلبه [الملك] «2» المؤيد وولاه قضاء الديار المصرية، ونزل»
بالقاهرة فى جوارنا بالسبع قاعات «4» وسكن بها إلى أن مات. حدثنى صاحبنا قاضى القضاة جلال الدين أبو السعادات محمد بن ظهيرة قاضى مكة بها، قال: قدمت القاهرة فدخلت إلى ابن مغلى هذا فإذا بالقاضى ولى الدين السّفطى عنده؛ فسلمت وجلست، فأخذ السّفطى يثنى على ابن مغلى ويعرفنى بمقامه فى كثرة العلوم، وكان «5» مما قاله: مولانا قاضى القضاة يحيط علمه بالمذاهب الأربعة؛ فقال ابن مغلى: يا قاضى ولى الدين، أسأت فى التعريف! لم لا قلت بجميع مذاهب السلف؟ قال: فمن يومئذ لم أجتمع به. قلت: كان عنده زهو وإعجاب بنفسه، لغزير فضله وكثرة ماله. وقد وقع له مع العلامة نظام الدين يحيى السيرامى الحنفى بحث «6» بحضرة السلطان الملك المؤيد، فقال له القاضى علاء الدين المذكور «7» : يا شيخ نظام الدين، أسمع مذهبك. وسرد المسألة من حفظه- وهذه كانت عادته، وبذلك كان يقطع العلماء فى الأبحاث- فجاراه الشيخ نظام الدين فى المسألة ولا زال ينقله من شىء إلى شىء حتى دخل به إلى علم المعقول، فارتبك ابن مغلى، واستظهر الشيخ نظام الدين وصاح عليه فى الملأ: مولانا قاضى القضاة(15/127)
حفظه «1» طاح، هذا مقام التحقيق. فلم يردّ عليه- انتهى.
والذي اشتهر به ابن مغلى كثرة المحفوظ «2» . حكى بعض طلبة العلم، قال: استعار منى ابن مغلى أوراقا نحو عشرة كراريس، فلما أخذها منى احتجت إلى مراجعة شىء منها فى اليوم المذكور، فرجعت إليه وقلت له: أريد أنظر فى الكراريس نظرة ثم خذها ثانيا، فقال: ما بقى لى بها حاجة، قد حفظتها؛ ثم ألقاها إلىّ وسردها من حفظه، فأخذتها وعدت وأنا متعجب من قوة حافظته.
وتوفى الأديب الشاعر زين الدين شعبان بن محمد بن داؤد الآثارى فى سابع جمادى الآخرة، وكان ولى حسبة مصر القديمة فى الدولة الظاهرية برقوق بمال عجز عن أدائه، ففرّ إلى اليمن واتصل بملوكها لفضيلة كانت فيه من كتابة المنسوب ونظم الشعر ومعرفة الأدب فأقام باليمن مدة ثم عاد إلى مكة وحج وقدم القاهرة، ثم رحل إلى الشام ثم عاد إلى مصر فمات بعد قدومه إليها بأيام قليلة. وكان له نظم جيد، من ذلك ما قاله فى مدح قاضى القضاة جلال الدين البلقينى لما عزل عن القضاء بالقاضى شمس الدين الهروىّ، واتفق مع ذلك زينة القاهرة لدوران المحمل، فتغالى فى الزينة شخص يسمى الترجمان، وعلق على باب بيته حمارا بسرّ ياقات على رؤوس الناس، بأحسن هيئة؛ وتردد الناس إلى الفرجة على الحمار المذكور أفواجا، فقال شعبان هذه الأبيات: [الوافر]
أقام الترجمان لسان حال ... عن الدنيا يقول لها «3» جهارا:
زمان فيه قد وضعوا جلالا ... عن العليا وقد رفعوا حمارا
وتوفى الشيخ الإمام الأديب الشاعر العلامة بدر الدين محمد [أبى بكر] «4» بن عمر بن أبى بكر [بن محمد بن سليمان بن جعفر] «5» الدّمامينى المالكى الإسكندرى [47] شاعر(15/128)
عصره بمدينة كربركا «1» من بلاد الهند، فى شعبان عن «2» نحو سبعين سنة، وكان مولده ومنشأه بثغر الإسكندرية، وبرع فى الأدبيات وقال الشعر الفائق الرائق، وعانى دولبة عمل القماش الحرير بإسكندرية، فتحمل الديون بسبب ذلك، حتى ألجأته الضرورة إلى الفرار «3» ، فذهب إلى الهند، فأقبل عليه ملوكها وحسن حاله بها، وأثرى وكثر ماله، فلم تطل أيامه، حتى مات. ومن شعره: [السريع]
لا ما عذاريك هما أوقعا ... قلب المحبّ الصّب فى الحين
فجد له بالوصل واسمح به ... ففيك قد هام بلامين
وله، سامحه الله «4» : [البسيط]
قلت له والدّجى مولّ ... ونحن بالأنس فى التّلاقى
قد عطس الصبح يا حبيبى ... فلا تشمّته بالفراق «5»
وله أيضا «6» ، غفر الله له «7» : [الرجز]
بدا وقد كان اختفى ... [الرّقيب] «8» من سراقبه
فقلت: هذا قاتلى ... بعينه وحاجبه
[وله] : [الرمل]
(النجوم الزاهرة ج 15)(15/129)
قم [بنا] «1» تركب طرف ... اللهو سبقا للمدام
واثن يا صاح عنانى ... لكميت ولجام «2»
وتوفى الأمير سيف الدين أبو بكر حاجب حجّاب طرابلس [بها] «3» ، وكان يعرف بدوادار الأمير جكم نائب طرابلس، أظنه تركمانيا، فإنى رأيت كلامه يشبه ذلك، ولا عرفت أصله.
وتوفى الأمير سيف الدين طوغان بن عبد الله الأمير آخور، قتيلا بقلعة المرقب فى ذى الحجة، وكان أصله تركمانيّا مكّاريّا لبغال الأمير طولو الظاهرى نائب صفد، ثم تنقل فى الخدم حتى اتصل بالملك المؤيد شيخ أيام إمرته، وترقى عنده ليقظة كانت فيه، حتى صار أمير آخوره، فلما تسلطن أمّره وولّاه حجوبية دمشق، ثم نيابة صفد، ثم جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وأمير آخور كبيرا بعد الأمير تنبك ميق لما نقل إلى نيابة دمشق بعد مسك آقباى.
ولما ولى الأمير آخورية نالته السعادة وعظم فى الدولة، إلى أن عيّنه المؤيد للسفر صحبة الأتابك ألطنبغا القرمشى إلى البلاد الشامية من جملة من عيّنه من الأمراء. ومات [الملك] «4» المؤيد، فوقع «5» ما حكيناه من اضطراب المملكة الشامية وعصيان جقمق، فانضم «6» طوغان هذا مع جقمق، ولا زال من حزبه إلى أن انكسر وتوجه معه إلى قلعة صرخد. ولما قبض على جقمق، قبض على طوغان هذا معه ونفى إلى القدس، ثم أمسك ثم أطلق، ورسم له أن يكون بطّالا بطرابلس فدام بها(15/130)
مدة، فبلغ السلطان عنه ما أوجب القبض عليه وحبسه بالمرقب، ثم قتله فى التاريخ المقدم ذكره؛ وكان لا فارس الخيل ولا وجه العرب.
وتوفى الأمير ناصر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد الله ابن عبد الرحمن «1» بن إبراهيم بن محمد بن أبى بكر التّنوخى الحموى الشهير بابن العطار، فى ثالث عشر شوال بالخليل عليه السلام، وهو متولّ «2» نظره، ومولده فى سنة أربع وسبعين وسبعمائة بحماه، وبها نشأ، وتولى حجوبيتها، ثم نقل إلى دمشق، وولى دوادارية الأمير قانى باى نائب الشام [بأمره] «3» إلى أن نوّه القاضى ناصر الدين ابن البارزى بذكره، واستقدمه إلى القاهرة لمصاهرة كانت بينهما، فولاه [الملك] «4» المؤيد نيابة الإسكندرية، إلى أن عزله الأمير ططر فى الدولة المظفّريّة، وتعطل فى داره سنين حتى ولاه [الملك] «5» الأشرف نظر القدس والخليل؛ فدام به إلى أن مات؛ وكان فاضلا عاقلا سيوسا حلو المحاضرة، يذاكر بالتاريخ والشعر، وهو والد صاحبنا الشهابى أحمد بن العطار «6» رحمه الله.(15/131)
وتوفى الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد البيرى الشافعى، شيخ خانقاه سعيد السعداء «1» ، فى يوم الجمعة رابع عشرين ذى الحجة [على] «2» نحو الثمانين سنة، وهو أخو جمال الدين يوسف البيرى الأستادّار المقدم ذكره فى [48] الدولة الناصرية فرج.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وعشرة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا سواء.(15/132)
[ما وقع من الحوادث سنة 829]
السنة الخامسة من سلطنة [الملك] «1» الأشرف برسباى [على مصر] «2»
وهى سنة تسع وعشرين وثمانمائة.
فيها كان فتح قبرس وأخذ ملكها أسيرا حسبما تقدم ذكره فى أصل ترجمة الأشرف هذا مفصلا. [وفيها] «3» توفى شيخ الإسلام وأحد الأئمة الأعلام، سراج الدين عمر [ابن علىّ] «4» بن فارس شيخ شيوخ خانقاه شيخون، المعروف بقارئ الهداية «5» فى شهر ربيع الآخر، بعد أن انتهت إليه رئاسة مذهب أبى حنيفة فى زمانه، هذا مع من كان فى عصره من العلماء، كان بارعا مفنّنا فى الفقه وأصوله وفروعه، إماما فى العربية والنحو، وله مشاركة كبيرة فى فنون كثيرة؛ وهو أول من أقرأنى القرآن بعد موت الوالد. ومات وقد صار المعول على فتواه بالديار المصرية، بعد أن تصدى للافتاء والإقراء عدة سنين وانتفع به غالب الطلبة. وكان مقتصرا فى ملبسه ومركبه، يتعاطى حوائجه من الأسواق بنفسه، مع جميل السيرة وعظم المهابة فى النفوس، يهابه حتى السلطان، مع عدم التفاته لأهل الدولة بالكلية، حتى لعلّى لم أنظره دخل لأحد منهم فى عمره، وهو مع ذلك لا يزداد إلا عظمة ومهابة.(15/133)
ولما ولّاه [الملك] «1» الأشرف مشيخة «2» الشيخونية مسئولا فى ذلك، أراد الشيخ سراج الدين المذكور أن يحضر إلى الخانقاه المذكورة ماشيا، وكان سكنه «3» بالمدرسة الظاهرية ببين القصرين، وامتنع من ركوب الخيل، فأرسل إليه [الملك] «4» الأشرف فرسا وألزمه بركوبها، فلما ركبها أخذ بيده عصاة يسوقها بها، حتى وصل إلى الخانقاه المذكورة فنزل عنها كما ينزل عن الحمار «5» برجليه من ناحية واحدة، هذا كله وعليه من الوقار والأبهة ما لم تنلها أصحاب الشكائم ولا كبار العمائم؛ وهو أحد من أدركنا من الأفراد الذين مشوا على طريق فقهاء السلف رحمه الله [تعالى] .
وتولى «6» بعده [فى] «7» مشيخة الشيخونية قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التّفهنى «8» الحنفى بعد عزله عن القضاء بقاضى القضاة بدر الدين محمود العينى.
وتوفى الشيخ المعتقد خليفة المغربى نزيل جامع الأزهر فى حادى عشرين المحرم، فجاءة فى الحمام، [بعد ما كان انقطع بالجامع المذكور مكبّا على العبادة نيفا وأربعين سنة، وكان للناس فيه اعتقاد كبير] «9» ويقصد للزيارة والتبرك به. ولما مات خلف مالا له صورة، وكانت جنازته مشهورة.
وتوفى الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله النّوروزى أمير سلاح فى أول شهر(15/134)
ربيع الآخر بالقاهرة، وأصله من مماليك الأمير نوروز الحافظى ودواداره، ثم ولى بعده نيابة غزة ثم حماه ثم طرابلس، إلى أن نقله [الملك] «1» الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وخلع عليه باستقراره أمير مجلس، ثم أمير سلاح، فاستمر على ذلك إلى أن مات وفى نفسه أمور، فأخذه الله قبل ذلك. وكان متجملا فى ملبسه ومماليكه ومركبه وسماطه إلى الغاية، وفيه مكارم وحب للعظمة مع ظلم وخلق سيئ وقلة دين وبطش بحواشيه ومماليكه وغلمانه وإظهار جبروت.
وهو صهرى، زوج أختى خوند فاطمة ومات عنها، ولكن الحق يقال على أى وجه كان؛ وفرح الناس بموته كثيرا وأولهم السلطان [الملك الأشرف] «2» برسباى.
وتوفى السيد الشريف حسن بن عجلان بن رميثة، واسم رميثة منجّد ابن أبى نمىّ محمد بن أبى سعد حسن بن أبى غرير قتادة بن إدريس بن مطاعن ابن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن على بن عبد الله بن محمد ابن موسى بن عبد الله بن الحسن المثنّى بن أبى محمد الحسن السبط ابن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه، فى يوم الخميس سادس عشر جمادى الآخرة بالقاهرة، ودفن بالصحراء بحوش [الملك] «3» الأشرف برسباى وقد أناف على الستين سنة. ومولده بمكة، وولى إمارتها فى دولة [الملك] «4» الظاهر برقوق فى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، ثم ولى سلطنة الحجاز كله: مكة والمدينة والينبوع من قبل الملك الناصر [49] فرج فى شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثمانمائة، واستناب عنه بالمدينة الشريفة وخطب له على منبرها. وطالت أيامه فى السعادة، على أنه وقع له أمور وحوادث ومحن، وحمله ذلك على فعل أشياء ليست بمشكورة، من مصادرة التجار، وأخذ الأموال؛ وقد ذكرنا أمر خروجه من مكة وقدومه مع الأمير(15/135)
تغرى بردى المحمودى إلى القاهرة، فى أصل هذه الترجمة واستقراره فى إمرة «1» مكة على عادته، إلى أن مات بها قبل أن يتوجّه إلى مكة. واستقر «2» بعده فى إمرة مكة ابنه الشريف بركات الآتى ذكره فى محله.
وتوفى العلامة قاضى القضاة شمس الدين محمد بن عطاء الله بن محمد بن محمود بن أحمد ابن فضل الله بن محمد الرّازى الهروى الشافعى بالقدس فى ثامن عشر ذى الحجة، ومولده بهراة سنة سبع وستين وسبعمائة، وكان إماما بارعا فى فنون من العلوم، وكان يقرئ على مذهب أبى حنيفة ومذهب الشافعى، والعربية وعلمى «3» المعانى والبيان، ويذاكر بالأدب والتاريخ، ويستحضر كثيرا من الأحاديث حفظا.
وصحب تيمور لنك مدة طويلة ثم قدم القاهرة، وصحب الوالد، وولى قضاء الشافعية بالديار المصرية مرتين فلم ينتج أمره فيهما لبغض أولاد العرب له، كما هى عادة المباينة بين أولاد العرب والأعاجم، وتعصبوا عليه وأبادوه وجحدوا علومه. وولى كتابة السر [أيضا] «4» بالديار المصرية أشهرا «5» ، ثم عزل ونكب ووقع له أمور فى ولايته للقضاء فى المرة الثانية، إلى أن تولى نظر القدس والخليل، إلى أن مات هناك.
وكان شيخا ضخما طوالا أبيض اللحية مليح الشكل، غير أنه كان فى لسانه مسكة تمنعه عن الطلاقة، وله مصنفات تدل على غزير علمه واتساع نظره وتبحره فى العلوم «6» .
وتوفى قاضى القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد ابن حسن «7» بن غانم بن محمد بن على الطائى البساطى المالكى وهو غير قاض، فى يوم الاثنين العشرين من جمادى الآخرة، عن ثمان وثمانين سنة؛ وكان فقيها مشاركا(15/136)
فى فنون، وعنده معرفة بالأحكام وسياسة ودربة بالأمور؛ وقد تولى قضاء الديار المصرية سنين كثيرة، وولى حسبة القاهرة أشهرا، ثم صرف ولزم داره إلى أن مات.
وتوفى الأمير الكبير سيف الدين قجق بن عبد الله العيساوى الظاهرى أتابك العساكر بالديار المصرية، فى تاسع شهر رمضان، وهو أحد المماليك الظاهرية وممن أنشأه [الملك] «1» الناصر فرج، وصار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولى حجوبية الحجاب فى الدوله المؤيدية [شيخ] «2» ، ثم أمسك وحبس إلى أن أطلقه الأمير ططر وولاه أمير مجلس ثم صار أمير سلاح فى أوائل دولة الملك الصالح، ثم صار أتابك العساكر بالديار المصرية بعد مسك الأتابك بيبغا [بن عبد الله] «3» المظفرى، إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وكان قجق أميرا عاقلا عارفا بفنون الفروسية رأسا فى ركوب الخيل ولعب الكرة، مع بخل وشح زائد وحسن شكالة، وكان تركى الجنس رحمه الله تعالى.
وتوفى تاج الدين محمد بن أحمد المعروف بابن المكلّلة وبابن جماعة، فى ثامن شهر ربيع الآخر، وكان ولى حسبة القاهرة بالمال فلم تطل مدته وعزل عنها.
وتوفى القاضى شمس الدين محمد بن عبد الله أحد أعبان موقّعى الدست «4» بالديار(15/137)
المصرية المعروف بابن كاتب السّمسرة وبابن العمرى، فى يوم الأربعاء العشرين من شعبان، وكان له وجاهة فى الدولة، معدودا من أعيان الديار المصرية رحمه الله [تعالى] «1» :
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وخمسة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا سواء كالسنة الخالية.(15/138)
[ما وقع من الحوادث سنة 830]
السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف برسباى «1» على [مصر] «2»
وهى سنة ثلاثين وثمانمائة.
[فيها] «3» توفى الشيخ الإمام المعتقد زاهد وقته وفريد عصره، أحمد بن إبراهيم ابن محمد اليمنى الأصل الرومى البرصاوي «4» المولد والمنشأ، المصرى الدار والوفاة، المعروف بابن عرب الحنفى، فى ليلة الأربعاء ثانى شهر ربيع الأول بخلوته بخانقاه شيخون، فغسّل بها وحمل إلى مصلاة المؤمنى على رؤوس الأصابع، [50] ونزل السلطان [الملك] «5» الأشرف وحضر الصلاة عليه، وأمّ بالناس قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، ثم حمل وأعيد إلى الشيخونية فدفن بها؛ وكان له مشهد عظيم إلى الغاية، وأبيع بعده ما كان عليه من الثياب بأثمان غالية للتبرك بها.
قلت: وابن عرب هذا أعظم من أدركناه من العبّاد الزهاد فى الدنيا وعدم الاجتماع بالملوك ومن دونهم، والاقتصار فى المأكل والملبس؛ وكان أولا ينسخ للناس بالأجرة، وهو مكب على طلب العلم والعبادة سنين طويلة، إلى أن استقر من جملة صوفية خانقاه شيخون «6» ، بمبلغ ثلاثين درهما [فى] «7» الشهر «8» ، فتعفّف بذلك عن النسخ، وانقطع عن مجالسة الناس، وسكن بخلوة فى الخانقاه المذكورة وأعرض عن كل أحد، وأخذ فى الاجتهاد فى العبادة، واقتصر على ملبس خشن حقير إلى الغاية، وصار يقنع بيسير القوت ولا ينزل من خلوته إلا ليلا لشراء قوته،(15/139)
ثم يعود إلى منزله فى كل ثلاثة أيام مرة واحدة بعد عشاء الآخرة. وكان من شأنه إذا حاباه أحد من السّوقة فيما يشتريه من قوته، تركه وما حاباه به. فلما عرف منه ذلك ترك الباعة محاباته ووقفوا عندما يشير إليهم به. وكان فى كل شهر خادم الخانقاه يحمل إليه الثلاثين درهما «1» فلا يأخذها إلا عددا، لأن المعاملة بالفلوس وزنا «2» حدثت بعد انقطاعه عن الناس، وكان لا يعرف إلا المعاددة «3» ، وكان لا يقبل من أحد شيئا البتة.
وكان يغتسل بالماء البارد صيفا وشتاء فى بكرة نهار الجمعة، ويمضى إلى صلاة الجمعة من أول نهار الجمعة، ويأخذ فى الصلاة والقراءة. وكان يطيل قيامه فى الصلاة بمقدار أن يقرأ فى كل ركعة حزبين من غير أن يسمع له قراءة ولا تسبيح، وكان لا يرى نهارا إلا عند ذهابه يوم الجمعة إلى الجامع، وكان يعجز السلطان ومن دونه فى الاجتماع به؛ ويحكى عنه كرامات كثيرة، ذكرنا بعضها فى ترجمته فى المنهل الصافى، رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته «4» .(15/140)
وتوفى الأمير سيف الدين قشتم بن عبد الله المؤيدى الدوادار، الذي كان ولى نيابة الإسكندرية فى دولة [الملك] «1» المظفر أحمد، ثم قبض عليه وأخرج بعد مدة إلى حلب على إمرة بها، واستمر بحلب إلى أن خرج مع نائبها الأمير قصروه لقتال التركمان، فقتل فى المعركة فى المحرم. وكان غير مشكور السيرة، وهو أخو إينال المؤيدى المعروف بأخى قشتم؛ وكلاهما ليس بشىء، من المهملين.
وتوفى الشيخ المحدّث الفاضل شهاب الدين أحمد بن موسى بن نصير المتبولى المالكى «2» فى يوم الأربعاء ثامن شهر «3» ربيع الأول، عن خمس وثمانين سنة. وقد حدّث عن عمر ابن [الحسن بن مزيد المعمر المسند الرحلة زين الدين أبى حفص المراغى الحلبى الشهير بابن] «4» أميله، وست العرب «5» ، وجماعة؛ وناب فى الحكم سنين [رحمه الله تعالى] «6»
وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف بن محمد بن الزعيفرينى «7» الدمشقى الشاعر فى شهر ربيع الأول، وكان ينظم الشعر، ويكتب المنسوب، ويتكلم فى معرفة علم الحرف «8» ، ويتكلم أيضا فى المغيبات، ومال إليه بسبب ذلك جماعة من الأكابر،(15/141)
وأثرى «1» ، وامتحن فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، وقطع الملك الناصر لسانه وعقدتين من أصابعه، ورفق به المشاعلى عند قطع لسانه فلم يمنعه ذلك من الكلام.
وكان سبب هذه المحنة أنه نظم لجمال الدين الأستادار ملحمة «2» أو همه أنها ملحمة «3» قديمة، وأنه يملك مصر؛ وبلغ ذلك الملك الناصر [فرج] «4» فأمر به ما ذكرناه.
ولما قطعت أصابعه، صار يكتب بعد موت [الملك] «5» الناصر بشماله، فكتب مرة إلى قاضى القضاة صدر الدين على [بن محمد] «6» بن الآدمى [الدمشقى] «7» الحنفى يقول:
[الطويل]
لقد «8» عشت دهرا فى الكتابة مفردا ... أصوّر منها أحرفا تشبه الدّرّا
وقد عاد خطى اليوم أضعف ما ترى «9» ... وهذا الذي يسّر الله لليسرى
فأجابه قاضى القضاة صدر الدين المذكور: [الطويل]
لئن فقدت يمناك حسن كتابة ... فلا تحتمل همّا ولا تعتقد عسرا(15/142)
[51] وأبشر ببشر دائم ومسرّة ... فقد يسّر الله العظيم لك اليسرى «1»
وتوفى الأمير الطواشى الرومى شبل الدولة كافور الصّرغتمشى زمام دار السلطان وقد قارب الثمانين سنة من العمر، فى يوم الأحد خامس عشرين شهر «2» ربيع الآخر، وأصله من خدام الأمير صرغتمش الأشرفى، ثم أخذه الأتابك منكلى بغا الشمسى وأعتقه. وترقى إلى أن ولاه الملك الناصر فرج زمام داره، فدام على ذلك إلى أن عزل بعد موت الملك المؤيد بمرجان الخازندار الهندى، ثم أعيد إليها بعد مدة. وهو صاحب «3» التربة العظيمة بالصحراء، وبها خطبة وعمارة «4» هائلة، وله مدرسة أخرى أنشأها بخط حارة الديلم من القاهرة. وتولى بعده الزمامية الأمير الطواشى خشقدم الظاهرى الخازندار.
وتوفى الشيخ الأديب البارع المفنن بدر الدين محمد بن إبراهيم بن محمد المعروف بالبشتكى الظاهرى المذهب، فى يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الآخر، فجاءة «5» فى حوض الحمام. وكان من تلامذة الشيخ جمال الدين بن نباتة فى الأدب، وكان أحد الأفراد فى كثرة النسخ: كان ينسخ فى اليوم خمس كراريس، فإذا تعب اضطجع على جنبه وكتب كما يكتب وهو جالس، فكتب مالا يدخل تحت حصر، وكثيرا ما يوجد ديوان شعر ابن نباتة بخطّه «6» ؛ [ومن شعره] : «7» [الوافر](15/143)
وكنت إذا الحوادث دنسّتنى ... فرغت إلى المدامة والنّديم «1»
لأغسل بالكؤوس الهمّ عنى ... لأن الراح «2» صابون الهموم «3»
وكان بينه وبين ابن خطيب داريّا «4» أهاجىّ ومكاتبات، ثم بينه وبين شرف الدين عيسى العالية المعروف بعويس «5» ؛ [وفيه يقول عويس المذكور] «6» : [المتقارب]
[أ] «7» يا معشر الصّحب منّى اسمعوا ... مقالى وكسّ أخت من ينتكى
ألا فالعنوا آكلين الحشيش ... وبولوا على شارب البشتكى
قلت: والبشتكى ضرب من المسكرات مثل التّمر بغاوى والشّشش. [وله أيضا فيه] «8» :
صحبت جندى لوغيّه ... فى السكر وأنواع الشروب «9»
كيف ما أجى ألقاه سكران ... والبشتكى تحتو مكبوب
وتوفى قاضى القضاة نجم الدين عمر بن حجّى بن موسى بن أحمد بن سعد الحسبانّى السّعدى الدمشقى الشافعى، قاضى قضاة دمشق وكاتب السر بالديار المصرية، مذبوحا على فراشه ببستانه بالنّيرب «10» خارج دمشق، فى ليلة الأحد مستهل ذى القعدة، عن ثلاث(15/144)
وستين سنة، ونسب قتله للزينى عبد الباسط، وللشريف شهاب الدين أحمد كاتب سر دمشق ثم مصر؛ وكان القاضى نجم الدين فقيها بارعا فاضلا كريما حشما وقورا، له مكارم وأفضال وسؤدد «1» ، وهو أحد أعيان أهل دمشق وفقهائهم [رحمه الله تعالى] «2» .
وقد تقدم ذكر محنته «3» عندما ولى كتابة سر مصر فى ترجمة [الملك] «4» الأشرف [هذا] «5» ، فلينظر هناك.
وتوفى الملك المنصور عبد الله ابن الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل، صاحب اليمن فى جمادى الأولى بها، وأقيم بعده أخوه الملك الأشرف «6» إسماعيل ثم خلع بعد مدة، وأقيم بعده الملك الظاهر هزبر الدين يحيى ابن [الملك] «7» الأشرف إسماعيل فى ثالث شهر رجب؛ وقد تقدم ذكر نسبه فى ترجمة والده من هذا الكتاب فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة «8» . وفى أيام هؤلاء الملوك، تلاشى أمر اليمن، وطمع فيها كل أحد.
وتوفى القاضى بدر الدين محمد بن محمد «9» بن محمد [بن إسماعيل بن على البدر أبو عبد الله القرشى] «10» القلقشندى الشافعى أمين الحكم بالقاهرة، فى يوم الاثنين «11» رابع عشرين المحرم؛ وكان مولده أيضا فى أول المحرم من سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وكانت لديه فضيلة وعنده مشاركة.(15/145)
وتوفى القاضى تقي الدين محمد بن زكى الدين عبد الواحد بن عماد الدين محمد ابن قاضى القضاة علم الدين أحمد الإخنائى المالكى أحد نوّاب الحكم بالقاهرة وهو بمكة، فى ثالث ذى الحجة، عن ثلاث وستين سنة، وكان من بيت فضل وعلم ورئاسة.
[52] أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وخمسة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا سواء.(15/146)
[ما وقع من الحوادث سنة 831]
السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1»
وهى سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة.
[و] «2» فيها توفى أمير الملأ عدرا بن نعير بن حيّار بن مهنّا مقتولا فى المحرم.
وتوفى الأمير الفقيه سيف الدين بكتمر بن عبد الله السعدى «3» ، أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، فى يوم الخميس ثالث عشر [شهر] «4» ربيع الأول، بسكنه بدار أستاذه القاضى سعد الدين إبراهيم بن غراب بخط قنطرة طقزدمر، ولم يخلّف بعده فى أبناء جنسه مثله بل ولا فى غير أبناء جنسه، لما اشتمل عليه من المحاسن: كان فاضلا دينا عاقلا شجاعا بارعا فى فنون الفروسية، انتهت إليه الرئاسة فى حمل المقيّرة «5» ورمى النّشّاب فى زمانه، هذا مع البشاشة والكرم وحسن الشكل والتواضع وحسن المحاضرة وجودة المشاركة فى كل علم وفن، مع الفصاحة فى اللغة التركية والعربية، والدين المتين والعفّة عن المنكرات والفروج؛ ولا أعرف من يدانيه فى محاسنه، فكيف يشابهه! وكان طوالا جسيما ضخما ذا قوة مفرطة، مليح الشكل، واللحية مدورة بادية الشيب، قبض مرة بأكتاف شخص من أعيان الخاصكيّة المشاهير بالقوة، وهزّه وأفلته، ثم قال له: ما بقى(15/147)
فيك شىء يا فلان، فلم ينطق ذلك الرجل بكلمة وذهب خجلا لكثرة دعاويه، فقلت لبكتمر: هذا الذي أنت فيه من كثرة الإدمان، فقال: منذ «1» بلغت الحلم وأنا متزوج، غير أننى لا أهمل نفسى، فقلت له: هذه منح إلاهيّة. ولما مات أنعم [السلطان] «2» بطبلخانته على الأمير قجقار جغتاى السيفى بكتمر جلّق، ومات بكتمر السعدى هذا وسنه نحو خمسين «3» سنة تخمينا، وكان رومى الجنس رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين جانبك [بن عبد الله] «4» الأشرفى الدوادار الثانى وعظيم دولة أستاذه الأشرف برسباى فى يوم الخميس سابع عشرين [شهر] «5» ربيع الأول، وسنّه نحو خمسة وعشرين «6» سنة تخمينا، ودفن بمدرسته التى أنشأها بخط القربيين خارج باب زويلة على الشارع، ثم نقل منها بعد مدة إلى تربة «7» أستاذه بالصحراء، وحضر السلطان غسله ثم الصلاة عليه؛ وكان أشيع عنه أن نفسه تحدثه بالملك، فعاجلته المنية. وكان أصله من مماليك [الملك] «8» الأشرف برسباى، اشتراه صغيرا فى أيام إمرته وقاسى «9» معه خطوب الدهر أيام حبسه بقلعة المرقب وغيرها، ولما تسلطن [الملك] «10» الأشرف عرف له ذلك مع محبته له، فرقّاه وأنعم عليه بإمرة عشرة وجعله خازندارا، ثم أرسله بتقاليد الأمراء نواب الشأم: تنبك البجاسى وغيره، ثم أنعم عليه بعد حضوره بإمرة طبلخاناة، وخلغ عليه بالدوادارية الثانية عوضا عن [الأمير] «11» قرقماس الشعبانى الناصرى بحكم انتقاله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف، فعظم فى الدولة ونالته السعادة، حتى تزايد أمره وخرج عن الحد من كثرة إنعامه وإظهار الجميل والأخذ بالخواطر، حتى ركن إليه غالب أعيان الدولة من الخاصكيّة،(15/148)
وكثر ترداد «1» الناس إليه، وصار أكابر الدولة مثل عبد الباسط وغيره تتردد أيضا إليه «2» إلى خدمته، [إذا سمح لهم بذلك، وله عليهم الفضل] «3» ؛ وصار أمره فى نمو وزيادة، وقصده الناس من الأقطار لقضاء حوائجهم. وبينما هو «4» فى ذلك وقد اشتغل الناس به وأشير إليه بالأصابع، وقد مرض ولزم الفراش مدة ونزل [السلطان] «5» إلى عيادته مرة، ثم رسم بطلوعه إلى القلعة، فحمل إليها وتولى السلطان تمريضه، فأفاق قليلا وترعرع، فأنزل إلى داره. وكان سكنه بالدار التى فى «6» سوق القبو الحسينى «7» ، وللدار باب من حدرة البقر، وهى الآن سكن الأمير يشبك الفقيه المؤيدى؛ وعند نزوله إليها عاوده المرض، ونزل إليه ثانيا فوجده كما قيل: [السريع]
لم يبق إلا نفس خافت ... ومقلة إنسانها باهت
يرثى له الشّامت ممّا به ... يا ويح من يرثى له «8» الشّامت
[53] وبعد طلوعه مات فى تلك الليلة، فنزل السلطان إلى داره وحضر غسله- كما تقدم- والصلاة عليه.
وكان أميرا شابا حلو الشكالة، للقصر أقرب، أخضر اللون مليح الوجه صغير اللحية مدوّرها، فصيحا ذكيّا حاذقا، متحركا متجمّلا فى مركبه وملبسه وسماطه إلى الغاية، يكتب كتابة ضعيفة ويقرأ، إلا أنه كان عاريا لم يسبق له اشتغال، وما كان دأبه إلا فيما هو فيه من الأمر والنهى وتنفيذ الأمور؛ واتّهم السلطان بموته، والله أعلم بحاله.
وتوفى الشيخ المعتقد الصالح سعيد المغربى نزيل جامع الأزهر، به، فى يوم(15/149)
الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول، بعد أن جاور بجامع الأزهر عدة سنين.
وكان للناس فيه اعتقاد كبير، وله كرامات ويقصد للزيارة والتبرك بدعائه؛ زرته غير مرة، ومات وقد علا «1» سنه وطال مرضه، وترك نحو الألفى دينار ما بين ذهب وفضة وفلوس.
وتوفى الأمير سيف الدين أزدمر [بن عبد الله] «2» من على جان الظاهرى المعروف بأزدمر شايا، فى سادس [شهر] «3» ربيع الآخر، وهو أحد أمراء حلب بعد أن تنقل فى عدة إمريات بالشأم ومصر، وصار أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، ثم أخرج إلى نيابة ملطية، ثم نقل إلى إمرة بحلب إلى أن مات بها. وقد تقدم التعريف بحاله عند إخراجه من مصر فى ترجمة [الملك] «4» الأشرف، ومات وسنّه نيف على خمسين سنة. وكان من سيئات «5» الدهر: لم يشهر «6» بدين ولا كرم ولا شجاعة ولا معرفة ولا عقل، مع كبر وجبروت وظلم وسوء خلق، وكان قصيرا نحيفا أصفر دميما حقيرا فى الأعين، وعدّ إخراجه من مصر [من] «7» محاسن [الملك الأشرف] «8» .
وتوفى الأمير [سيف الدين] «9» كمشبغا [بن عبد الله] «10» الجمالى الظاهرى أحد أمراء الطبلخانات بطّالا، فى يوم الجمعة رابع جمادى الأولى، وقد علا سنه؛ وكان من أكابر المماليك الظاهرية [برقوق] «11» وممن تأمّر فى أيام أستاذه. وكان تركى الجنس عاقلا فقيها ديّنا خيرا عفيفا عن المنكرات والفروج، وطالت أيامه فى الإمرة، وتولى نيابة قلعة الجبل فى الدولة الناصرية [فرج] «12» ، واستمرّ من جملة(15/150)
أمراء الطبلخانات فى صدر من الدولة الأشرفية [برسباى] «1» إلى أن أخرج [الملك] «2» الأشرف إقطاعه، فلزم داره على أحسن وجه إلى أن مات وهو فى عشر «3» الثمانين.
وتوفى الأمير الكبير سيف الدين يشبك بن عبد الله «4» الساقى الظاهرى الأعرج «5» أتابك العساكر بالديار المصرية، فى يوم السبت ثالث جمادى الآخرة؛ وكان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن أعيان خاصكيّته، وصار ساقيا فى أيام أستاذه الظاهر.
ثم ثار على الملك الناصر فى أيام تلك الفتن، ووقع له أمور وحروب انصاب فى بعضها بجرح أصابه، بطل منه شقته وصار يعرج منه عرجا فاحشا، ثم عوفى، وانتمى للأمير نوروز الحافظى إلى أن ولّاه نيابة قلعة حلب «6» ، إلى أن أمسكه [الملك] «7» المؤيد شيخ وحبسه بعد قتل نوروز؛ ثم نفاه إلى مكة بطّالا سنين عديدة، إلى أن استقدمه [الملك] «8» الظاهر ططر [إلى القاهرة] «9» ، ومات قبل أن ينعم عليه بإمرة؛ فأنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضا عن قرمش الأعور دفعة واحدة، ثم صار أمير سلاح، ثم ولى أتابكية العساكر بعد الأمير قجق العيساوى، فاستمر على ذلك إلى أن مات [فى التاريخ المقدم ذكره] «10» .
وكان من رجال الدهر عقلا وحزما ودهاء «11» ومعرفة وتدبيرا، مع مشاركة جيدة فى الفقه والقراءات «12» ، ومعرفة تامة بفنون الفروسية وأنواع الملاعيب، كالرمح(15/151)
والنّشاب وغيره، وكان يكتب المنسوب ويحفظ القرآن. وكانت نفسه تحدثه بأمور، فإنه كان يكثر من ذكر أخبار تيمور لنك وشدة بأسه لكونه كان أعرج «1» ، وقد صار أمره إلى ما صار، وهو الذي حسّن [للملك] «2» الأشرف الاستيلاء على بندر جدة، والقبض على حسن بن عجلان، ولو عاش لحسّن له أخذ اليمن كله «3» .
وتولى الأتابكية بعده الأمير جارقطلو [54] الظاهرى «4» .
وتوفى بدر الدين حسن كاتب سر دمشق وناظر جيشها، بها، فى يوم الأربعاء لستّ بقين من جمادى الآخرة؛ وكان أصله من سمرة دمشق، وخدم عند الأمير بكتمر جلّق نائب دمشق، ثم ترقّى إلى أن جمع له بين كتابة سر دمشق ونظر جيشها، بسفارة الأمير أزبك المحمدى الدوادار الكبير، كون أزبك كان متزوجا ببنت زوجته.
وتوفى الشيخ الإمام العالم المفنن شمس الدين محمد بن عبد الدائم بن موسى البرماوى الشافعى، أحد فقهاء الشافعية ومدرس المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف، فى يوم الخميس ثانى عشرين جمادى الآخرة وقد أناف على ستين سنة، بعد ما أفتى وأشغل عدة سنين.
وتوفى القاضى بدر الدين حسن بن أحمد بن محمد البردينى الشافعى أحد نواب القضاة الشافعية «5» ، فى يوم الاثنين خامس عشرين [شهر] «6» رجب وقد أناف على الثمانين سنة، وكان قاضى سوء لم يشهر بعلم ولا دين.
أمر النيل [فى هذه السنة] «7» : الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزيادة:
عشرون ذراعا سواء.(15/152)
[ما وقع من الحوادث سنة 832]
السنة الثامنة من سلطنة «1» الملك الأشرف برسباى [على مصر] «2»
وهى سنة اثنين وثلاثين وثمانمائة:
[فيها] «3» توفى الشيخ ناصر الدين محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنبارى «4» الشافعى أحد فقهاء الشافعية، فى ليلة الأحد حادى عشر [شهر] «5» ربيع الأول، وقد أناف على التسعين سنة، وكان بارعا فى الفقه وأصوله والعربية والحساب مشاركا فى عدة فنون، وخطب ودرّس وأفتى وأقرأ عدة سنين بدمياط والقاهرة.
وتوفى القاضى نور الدين على الصفّطى وكيل بيت المال وناظر الكسوة، فى ليلة الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة، وكان يباشر الشهادة بديوان العلائى آقبغا التّمرازى أمير مجلس، وعند أستاذه تمراز من قبله.
وتوفى الشريف عجلان بن نعير بن منصور بن جمّاز بن منصور بن جماز بن حمّاد ابن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنأ بن حسين بن مهنأ بن داود بن قاسم بن عبد الله ابن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، مقتولا فى ذى الحجة، بعدما ولى إمارة المدينة النبوية غير مرة.
وتوفى الأديب المعتقد نور الدين على بن عبد الله الشهير بابن عامرية، فى يوم(15/153)
الخميس سادس عشر [شهر] «1» ربيع الآخر بمدينة التحريرية بالغربية من أعمال القاهرة؛ وكان شاعرا أديبا مكثرا، وأكثر شعره فى المدائح النبوية.
وتوفى الواعظ المذكّر شهاب الدين أحمد بن عمر بن عبد الله المعروف بالشابّ التائب بدمشق، فى يوم الجمعة ثانى عشر [شهر] «2» رجب عن نحو سبعين سنة؛ وكانت لديه فضيلة، ورحل إلى البلاد، وصحب المشايخ، ونظم الشعر على قاعدة الصوفية، وحصل له قبول تام من الناس.
وتوفى العبد الصالح شمس الدين محمد بن إبراهيم بن أحمد الصوفى، بعد ما عمى بسنين، فى ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم، ومولده فى سنة تسع وأربعين.
قال المقريزى: وهو أحد من صحبته من أهل العبادة والنسك، ورأس مدة، واتصل بالملك الظاهر برقوق، وولى نظر البيمارستان المنصورى بالقاهرة، وجال فى الأقطار ورحل إلى بغداد والحجاز واليمن والهند رحمه الله تعالى «3» .
وتوفى الأمير شمس الدين محمد بن سعيد المعروف بسويدان، أحد أئمة السلطان، فى يوم الاثنين سابع صفر؛ وكان أبوه عبدا أسود، سكن القرافة وولد له ابنه هذا، وحفظ القرآن الكريم وقرأ مع الأجواق فأعجب الملك الظاهر برقوق صوته فجعله أحد أئمته، واستمر على ذلك إلى دولة [الملك] «4» الناصر فرج فولاه حسبة القاهرة، ثم عزله بعد مدة فعاد كما كان أولا، يقرأ فى الأجواق عند الناس ويأخذ الأجرة على ذلك، وصار رئيس جوقة واستقرأته «5» أنا كثيرا، وكان أسود اللون طوالا.
وتوفى الشيخ المعتقد [محمد بن عبد الله بن حسن بن الموّاز فى يوم الأحد حادى عشر ربيع الأول] «6» .(15/154)
[وتوفى] «1» الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله «2» الشّطنوفى الشافعى فى ليلة الاثنين سادس عشرين [شهر] «3» ربيع الأول وقد قارب الثمانين، وبرع فى الفقه والفرائض وغير ذلك ودرّس عدة سنين وانتفع به جماعة كبيرة من الطلبة.
وتوفى القاضى بدر الدين محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر الدمشقى النابلسى كاتب السر [55] الشريف بالديار المصرية، بها، فى ليلة الأحد سابع عشرين جمادى الآخرة عن نحو الخمسين سنة؛ وكان من بيت رئاسة، ولى أبوه كتابة سر دمشق، وباشر بدر الدين هذا كتابة الإنشاء بدمشق، واتصل بخدمة الأمير شيخ المحمودى نائب دمشق.
فلما قدم شيخ إلى مصر بعد قتل [الملك] «4» الناصر فرج، قدم ابن مزهر هذا معه مع من قدم من الشاميين، ولما تسلطن شيخ ولّاه نظر الإسطبل السلطانى فدام على ذلك سنين، ثم ناب عن القاضى كمال الدين محمد بن البارزى فى كتابة السر، وقام بأعباء الديوان فى أيام علم الدين داؤد بن الكويز ومن بعده، إلى أن خلع عليه [السلطان الملك] «5» الأشرف برسباى باستقراره كاتب السر [الشريف] «6» بالديار المصرية، فباشر الوظيفة بحرمة وافرة، وأثرى «7» وكثر ماله، إلى أن مات فى التاريخ المذكور.
قال: وخلف مالا كثيرا لطمع كان فيه وشح.
وتوفى الشريف خشرم بن دوغان «8» بن جعفر بن هبة الله بن جمّاز بن منصور بن جمّاز بن شيحة الحسينى، أمير المدينة، مقتولا أيضا فى حرب فى ذى الحجة.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة:
تسعة عشر ذراعا وستة عشر أصبعا.(15/155)
[ما وقع من الحوادث سنة 833]
السنة التاسعة من سلطنة «1» [الملك] «2» الأشرف برسباى [على مصر] «3» وهى سنة ثلاث وثلاثين [وثمانمائة] : «4» فيها كان الطاعون العظيم الذي لم ندرك بمثله بمصر وقراها، بل وبغالب البلاد الشامية، حسبما ذكرناه فى ترجمة [الملك] «5» الأشرف هذا فى وقته.
وكان هذا الطاعون أعظم من هذه الطواعين كلها وأفظعها، ولم يقع بالقاهرة ومصر بعد الطاعون العام الذي كان سنة تسع وأربعين وسبعمائة «6» نظير هذا الطاعون؛ وخالف هذا الطاعون الطواعين الماضية فى أمور كثيرة، منها أنه وقع فى الشتاء وارتفع فى فصل الربيع، وكانت الطواعين تقع فى فصل الربيع وترتفع فى أوائل الصيف، وأشياء غير ذلك ذكرناها فى محلها «7» .
[وفيها] «8» توفى القاضى شرف الدين أبو الطيب محمد ابن القاضى تاج الدين(15/156)
عبد الوهاب بن نصر الله الغزّى الأصل، المصرى، فى ليلة الأربعاء سابع عشر ربيع الأول، ودفن بالصحراء، ومات بغير الطاعون «1» ؛ ومولده فى ليلة السبت حادى عشرين ذى القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة واشتغل يسيرا وخدم الأمير ططر موقّعا «2» عدة سنين، فلما تسلطن رشحه لنظر الجيش فلم يتم له ذلك، وولى نظر الكسوة، ونظر أوقاف الأشراف، ثم نظر دار الضرب إلى أن مات. وكان شابا كريما وفيه محبة لأهل العلم والفضل «3» والصلاح، إلا أنه كان فيه حدة «4» مزاج وبادرة مع تدين وتحشّم.
وتوفى الأمير سيف الدين أزبك [بن عبد الله] «5» المحمدى الظاهرى برقوق «6» الدوادار الكبير، بالقدس بطّالا، فى يوم الثلاثاء سادس عشر [شهر] «7» ربيع الأول؛ وهو أحد المماليك الظاهرية [برقوق] «8» وترقّى إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق، ثم قبض عليه [الملك] «9» المؤيد شيخ بعد واقعة نوروز وحبسه سنين، إلى أن أطلقه فى أواخر دولته، وأنعم عليه بإقطاع هيّن بدمشق أمير عشرة.
فلما أن صار الأمر إلى [الأمير] «10» ططر أنعم عليه بإمرة طبلخاناة بديار مصر، ثم صار أمير مائة ومقدم ألف، ثم رأس نوبة النّوب بعد الأمير قصروه [من تمراز] «11» فى(15/157)
أوائل الدولة الأشرفية، ثم نقل إلى الدوادارية الكبرى بعد سودون من عبد الرحمن، لما نقل إلى نيابة دمشق بعد عصيان تنبك البجاسى، فدام فى الدوادارية إلى أن أشيع عنه أنه يريد الوثوب على السلطان، ولم يكن لذلك صحة، فأخرجه السلطان إلى القدس بطّالا، ومسفرّه الأمير قراخجا الحسنى رأس نوبة، فدام بالقدس إلى أن مات.
وكان أميرا ضخما عاقلا حشما مهابا دينا عفيفا عن المنكرات والفروج، خليقا للإمارة، وهو أحد من تولى تربيتى رحمه الله [تعالى] «1» ، ولقد كان به تجمّل فى الزمان وأهله.
وتوفى القاضى كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم، ناظر الخاصّ [الشريف] «2» فى ليلة الجمعة العشرين من [شهر] «3» ربيع الأول بغير طاعون ودفن بالقرافة، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى؛ وتولى ابنه القاضى [56] سعد الدين إبراهيم وظيفة نظر الخاص من بعده، وقد تطاول أعناق بنى نصر الله وغيرهم إلى الوظيفة فلم يلتفت السلطان إلى أحد، وولاها لسعد الدين المذكور.
وكان القاضى كريم الدين المذكور رئيسا حشما متواضعا كريما بشوشا هيّنا ليّنا ساكتا عاقلا، باشر فى ابتداء أمره استيفاء الدولة «4» ، ثم نظر الدولة «5» ، وغيرهما من خدم أعيان الأمراء، آخرهم [الملك] «6» الأشرف برسباى، إلى أن طلبه [السلطان الملك] «7» الأشرف وولاه نظر الخاص [الشريف] «8» بعد عزل الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله عنها، واستقراره أستادارا، فى يوم الاثنين ثانى عشر جمادى الأولى سنة(15/158)
ثمان وعشرين وثمانمائة، وكان ذلك آخر عهد بنى نصر الله بهذه الوظيفة. واستقر فى نظر الدولة من بعده أمين الدين إبراهيم بن الهيصم.
وباشر القاضى كريم الدين الوظيفة بحرمة وافرة، ونالته السعادة وعظم فى الدولة وأثرى، ومشى حال الخاص فى أيامه، حتى قيل إنه منذ ولى الخاص إلى أن توفى لم يبطل الواصل عنه يوما واحدا، مبالغة فى إقبال سعده وتيامن الناس بولايته، ومات من غير نكبة [رحمه الله تعالى] «1» .
وتوفى الأمير [سيف الدين] «2» كمشبغا بن عبد الله الفيسى المزوّق الظاهرى منفيا بدمشق، فى رابع عشر [شهر] «3» ربيع الآخر وقد ناهز الستين سنة من العمر؛ وأصله من مماليك [الملك] «4» الظاهر برقوق، ورقاه [الملك] «5» الناصر فرج إلى أن جعله أمير آخور كبيرا مدة يسيرة، ثم عزله [الملك] «6» الناصر أيضا، ثم وقع له أمور وانحطّ قدره فى دولة [الملك] «7» الأشرف برسباى، وتولى كشف البر، وساءت «8» سيرته من كثرة ظلمه وقلة دينه مع الإسراف على نفسه؛ وفى الجملة فمستراح منه ومن مساوئه.
وتوفى السيد الشريف على بن عنان بن مغامس بن رميثة، تقدّم أن اسم رميثة منجد بن أبى نمىّ، وقد ذكرنا بقية نسبه فى ترجمة الشريف حسن بن عجلان وغيره، [فلينظر هناك] «9» . وكانت وفاته بقلعة الجبل فى يوم الأحد ثالث جمادى الآخرة بالطاعون، وكانت لديه فضيلة، ويذاكر [ب] «10» الشعر وغيره.
وتوفى الأمير الكبير سيف الدين بيبغا بن عبد الله المظفّرى، وهو أمير مجلس، فى ليلة الأربعاء سادس جمادى الآخرة بالطاعون، وهو أحد أعيان المماليك الظاهرية(15/159)
[برقوق] «1» وممن ترقى فى الدولة الناصرية [فرج] «2» حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وصار من يوم ذاك «3» ينتقل فى الإمرة «4» والحبوس شاما ومصرا وإسكندرية، فكان حاله أشبه بقول القائل: [المتقارب]
[و] «5» يوم سمين ويوم هزيل ... ويوم أمرّ من الحنظله
وليل «6» أبيت جليس الملوك ... وليل «7» أبيت على مزبله
إلى أن خلع عليه الأشرف [برسباى] «8» باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد الأمير طرباى، فأقام على ذلك نحو ثلاث سنين أو دونها، وقبض عليه [الملك] «9» الأشرف وحبسه أيضا بالإسكندرية، وذلك لبادرة كانت فيه، ومخاشنة فى كلامه مع الملوك، مع سلامة الباطن، ولذلك كان كثيرا ما يحبس ثم يفرج عنه.
وقد تقدم التعريف بحاله عندما أمسكه [الملك] «10» الأشرف «11» فى أصل ترجمة الأشرف «12» مستوفاة، فدام بيبغا المذكور فى السجن مدة طويلة، ثم أطلقه السلطان «13» وسيّره إلى دمياط بطّالا، ثم نقله إلى القدس فلم تطل مدته، وطلبه السلطان «14» وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، وخلع عليه باستقراره أمير مجلس.
ولما ولى إمرة مجلس، صار يقعد على ميسرة السلطان فوق أمير سلاح، مراعاة لما سبق له من الرئاسة من الأتابكية وغيرها، وكون أمير سلاح كان الأمير إينال الجكمى(15/160)
- أحد السّيفيّة «1» - ينظره فى عينه أنه مملوك بعض خجدا شيّته «2» . وكان بيبغا «3» أميرا جليلا شجاعا مهابا مقداما، مع كرم وسلامة باطن وفحش فى خطابه، [من غير سفه على عادة جنس الأتراك، ومع هذا كله كان فيه دعابة حلوة يحتمل بها فحش خطابه وانحرافه] «4» ، وهو أعظم من رأيناه من الملوك فى أبناء جنسه [رحمه الله] «5» .
وتوفى الأمير سيف الدين بردبك [السيفى] «6» يشبك بن أزدمر المعروف بالأمير آخور، وهو أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية فى يوم الأحد «7» عاشر جمادى الآخرة بالطاعون، وهو فى الكهولية، وكان «8» خدم بعد موت أستاذه يشبك ابن أزدمر [57] عند «9» الأمير ططر وصار أمير آخوره، فلما تسلطن ولّاه الأمير آخورية الثانية بإمرة طبلخانة دفعة واحدة، ودام على ذلك سنين إلى أن نقله [الملك] «10» الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية؛ فدام على ذلك إلى أن مات.
وكان شابا أشقر مليح الشكل حلو الوجه معتدل القامة عاقلا حشما ساكتا كريما متواضعا وقورا، قل أن ترى العيون مثله، وهو والد صاحبنا الزينى فرج ابن بردبك أحد الحجاب بالديار المصرية.
(النجوم الزاهرة ج 15)(15/161)
وتوفى المقام الناصرى محمد ابن السلطان [الملك] «1» الأشرف برسباى [صاحب الترجمة] «2» فى يوم الثلاثاء سادس عشرين جمادى الأولى بالطاعون وقد ناهز الاحتلام، ودفن بمدرسة والده الأشرفية بخط العنبريين من القاهرة، وأمه خوند فاطمة من أولاد تجار القرم «3» ، وكانت قبل [الملك] «4» الأشرف تحت أستاذه الأمير دقماق المحمدى.
وكان المقام الناصرى [المذكور] «5» من أحسن الناس شكلا، تظهر فيه مخايل النجابة والسكون والعقل.
وتوفى المقام الناصرى محمد ابن السلطان الملك الناصر فرج ابن [السلطان الملك الظاهر] «6» برقوق ابن [الأمير] «7» أنص [الجاركسى] «8» بسجن الإسكندرية فى يوم الاثنين حادى عشرين جمادى الآخرة بالطاعون، وله من العمر إحدى وعشرون سنة، وأمه أم ولد مولّدة تسمى عاقولة، ودفن بالإسكندرية ثم نقل منها إلى تربة جده بالصحراء فيما أظن.
وتوفى الشيخ الإمام العالم العلامة، فريد عصره ووحيد دهره، نظام الدين يحيى ابن العلامة سيف الدين يوسف بن محمد بن عيسى السيرامى الحنفى شيخ الشيوخ بالمدرسة الظاهرية البرقوقية، فى جمادى الآخرة «9» بالطاعون، وتولى مشيخة الظاهرية من بعده ولده عضد الدين عبد الرحمن، أخذها عن أبيه، وكان أبوه أخذها عن أبيه أيضا. وكان الشيخ نظام الدين إماما مفننا بارعا فى المعقول والمنقول عارفا بالمنطوق والمفهوم، مشاركا فى فنون كثيرة، وأفتى ودرّس وأشغل سنين عديدة إلى أن مات.
وتوفى السلطان الملك الصالح محمد ابن [السلطان] «10» الملك الظاهر ططر، والسلطان الملك(15/162)
المظفّر أحمد ابن [السلطان] «1» الملك المؤيد شيخ، والخليفة المستعين بالله العباسى، الثلاثة بالطاعون، كلاهما فى إسكندرية، والصالح بقلعة الجبل، وقد تقدم ذكر ذلك فى ترجمتهم غير أننا ذكرناهم هنا فى «2» جملة من مات بالطاعون، ولهذا لم يحرر يوم وفاتهم لأنه تقدم [- انتهى] «3» .
وتوفى الأمير الطواشى زين الدين مرجان «4» الهندى المسلمى خازندار [الملك] «5» المؤيد شيخ بالطاعون فى سادس جمادى الآخرة، وكان أصله من خدام التاجر ابن مسلم المصرى «6» ، ثم اتصل بخدمة [الملك] «7» المؤيد شيخ «8» أيام إمرته واختص به، فلما تسلطن جعله خازندارا، ثم أمره بالتكلم فى وظيفة نظر الخاص عوضا عن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله فتكلّم عليها أياما. ومات المؤيد، وأعيد ابن نصر الله، ثم ولّاه الأمير ططر زماما بعد «9» أن قبض عليه بدمشق، ثم أطلقه، فدام فى وظيفة الزمامية إلى أن عزله [الملك] «10» الأشرف برسباى ونكبه وصادره «11» فتخومل «12» ولزم داره إلى أن مات. وكان من المهملين أرباب الحظوظ.
وتوفى الأمير زين الدين عبد القادر ابن الأمير فخر الدين عبد الغنى ابن الوزير(15/163)
تاج الدين عبد الرزّاق بن أبى الفرج، بعد ما عزل عن الأستادارية، فى يوم الأربعاء سابع جمادى الآخرة بالطاعون، ودفن على أبيه بمدرسته ببين السورين «1» خارج القاهرة. وكان شابا جميلا عاقلا ساكنا قليل الشر بالنسبة إلى آبائه وأقاربه، كثير الشر بالنسبة إلى غيرهم. باشر الأستادارية بقلة حرمة وعدم التفات أهل الدولة إليه، وقاسى فى مباشرته خطوب الدهر ألوانا من العجز والقلّ وبيع موجوده وأملاكه، إلى أن أعفى فلم تطل أيامه ومات.
وتوفى السيد الشريف شهاب الدين أحمد «2» بن علاء الدين على بن إبراهيم بن عدنان الحسينى الدمشقى، كاتب السر الشريف بالديار المصرية، فى ليلة الخميس ثامن جمادى الآخرة بالطاعون، ومولده فى شوال سنة أربع وسبعين وسبعمائة بدمشق وبها نشأ، وتولى عدة وظائف بدمشق مثل كتابة السر [58] وقضاء الشافعية ونظر الجيش، ثم طلب إلى مصر وولى كتابة سرها فلم تطل أيامه ومات.
وتولى أخوه الشريف عماد الدين أبو بكر كتابة السر من بعده، فركب إلى القلعة ثم مرض من يومه قبل أن يلبس خلعة كتابة السر، ومات بالطاعون أيضا فى ليلة الجمعة ثالث عشر شهر رجب ولم يبلغ الأربعين سنة، وكان أحسن سيرة من أخيه شهاب الدين صاحب الترجمة.
وتوفى السيد الشريف سرداج بن مقبل بن نخبار «3» بن مقبل بن محمد بن راجح ابن إدريس بن حسن بن قتادة بن إدريس، ومن هنا يعرف نسبه من نسب حسن ابن عجلان؛ مات فى أواخر جمادى الآخرة بالطاعون.
وتوفى الأمير الطواشى افتخار الدين ياقوت بن عبد الله الأرغونى «4» شاوى الحبشى مقدم المماليك السلطانية بالطاعون، فى يوم الاثنين ثانى [شهر] «5» رجب(15/164)
ودفن بتربته التى أنشأها بالصحراء، وتولى عوضه التقدمة نائبه خشقدم اليشبكى الرومى، وتولى نيابة المقدم الطواشى فيروز الركنى الرومى الجمدار. وأصل ياقوت هذا من خدام الأمير أرغون شاه أمير مجلس الظاهر برقوق، تنقل فى الخدم إلى أن صار مقدم المماليك السلطانية، وكان ديّنا خيّرا جميل الطريقة محمود السيرة، سافر أمير حاجّ المحمل مرتين رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله أخو الملك الأشرف برسباى فى رابع [شهر] «1» رجب بالطاعون ودفن بالتربة الأشرفية، بعد أن صار من جملة أمراء الألوف أياما؛ فإن السلطان كان أنعم عليه فى أول قدومه إلى مصر فى حدود سنة ثلاثين وثمانمائة بإمرة طبلخاناة دفعة واحدة، فدام على ذلك إلى أن توفى الأمير بردبك الأمير آخور المقدم ذكره بالطاعون، فأنعم «2» على يشبك هذا بتقدمته فمات هو أيضا بعد أيام، وقد تقدم فى أصل ترجمة [الملك] «3» الأشرف ذكر هذا الطاعون وعظمه، وأنه كان ينتقل على الإقطاع الواحد الخمسة والستة من المماليك فى مدة يسيرة، والكل يموتون «4» بالطاعون [- انتهى] «5» .
وأظن يشبك «6» أنه كان أسنّ من السلطان الأشرف، فإنه لما استقدمه من بلاده مع جملة أقاربه «7» قام له واعتنقه، وعرض عليه الإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وكان لا بأس به فى أمثاله مع قصر مدة إقامته بالديار المصرية.
وتوفى الشيخ نصر الله بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل العجمى الحنفى، فى ليلة الجمعة سادس [شهر] «8» رجب وهو فى عشر الثمانين. وكان جميل الهيئة مقربا من خواطر الملوك، ورشح لكتابة السر، وكان يكتب المنسوب ويتكلم فى علم التصوف(15/165)
على طريق ابن عربى، ويعرف علم الحرف «1» على زعمه، مع مشاركة فى فنون، وصحب الوالد مدة، وهو الذي نوه بذكره وأنعم عليه برزقة «2» هائلة، وهى التى «3» أوقفها نصر الله المذكور على داره التى «4» جعلها بعد موته مدرسة بالقرب من خان الخليلى بالقاهرة.
وتوفى القاضى فخر الدين ماجد- ويدعى أيضا «5» عبد الله بن السّديد أبى الفضائل بن سناء الملك- المعروف بابن المزوّق، فى ليلة الخميس ثانى عشر [شهر] «6» رجب، بعد أن تولى نظر الجيش، ثم كتابة السر بالديار المصرية فى دولة [الملك] «7» الناصر فرج، بسفارة سعد الدين إبراهيم بن غراب، ثم عزل وتولى نظر الإسطبل(15/166)
السلطانى ثم عزله عنه أيضا، وانحطّ قدره فى الدولة إلى أن نكبه [السلطان] «1» الملك الأشرف وأمسكه وضربه بالمقارع بسبب الأتابك جانبك الصوفى، وقاسى بسببه أهوالا «2» ثم لزم داره على أقبح حالة من الخوف والرجيف إلى أن مات.
وتوفى الشيخ الإمام العالم الفقيه زين الدين أبو بكر بن عمر بن عرفات القمنىّ «3» الشافعى العالم المشهور، فى ليلة الجمعة ثالث عشر [شهر] «4» رجب بالطاعون عن ثمانين سنة؛ وكان من أعيان فقهاء الشافعية وفضلائهم، وله سمعة وصيت وترداد للأكابر، وأفتى ودرّس بعدة مدارس سنين [كثيرة] «5» .
وتوفى الأمير سيف الدين هابيل بن عثمان المدعو قرايلك بن طرعلى التركمانى الأصل بسجنه بقلعة الجبل، فى يوم الجمعة ثالث عشر [شهر] «6» رجب المذكور. وكان قبض على هابيل [59] هذا وهو نائب لأبيه قرايلك بمدينة الرّها فى واقعة بين العساكر المصرية وبينه، حسبما تقدم ذكره كله فى أصل هذه الترجمة. ولما قبض عليه حمل إلى القاهرة فحبسه [الملك] «7» الأشرف بالبرح بقلعة الجبل، إلى أن مات بالطاعون بعد أن سأل أبوه السلطان فى إطلاقه غير مرة.
وتوفى الشيخ الإمام العالم العلامة صدر الدين أحمد ابن القاضى جمال الدين محمود ابن محمد بن عبد الله القيصرى الحنفى المعروف بابن العجمى، شيخ الشيوخ بخانقاه شيخون، فى يوم السبت رابع عشر [شهر] «8» رجب بالطاعون، بعد أن ولى نظر(15/167)
جيش دمشق وحسبة القاهرة غير مرة، وعدة وظائف دينية، ودرّس بعدة مدارس آخرها استقراره فى مشيخة الشيخونية وتدريسها. وكان إماما بارعا فاضلا فقيها نحويا مفننا فى علوم كثيرة، معدودا من علماء الحنفية، مع الذكاء «1» وحسن التصور وجودة الفهم، رحمه الله تعالى.
وتوفى القاضى جلال الدين محمد ابن القاضى بدر الدين محمد بن مزهر فى يوم الاثنين سادس عشرين [شهر] «2» رجب ولم يبلغ العشرين سنة من العمر، وكان ولى كتابة السر بالديار المصرية [بعد وفاة أبيه أشهرا صورة، والقاضى شرف الدين أبو بكر بن العجمى نائب كاتب السر] «3» هو المتكفل بمهمات ديوان الإنشاء، إلى أن عزله السلطان وخلع عليه بعد مدة بتوقيع المقام الناصرى محمد ابن السلطان، فماتا جميعا فى هذا الطاعون. وكان جلال الدين [المذكور] «4» من أحسن الشباب شكلا «5» .
وتوفى القاضى زين الدين محمد بن شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميرى المالكى فى يوم الأربعاء ثالث شعبان، بعدما ولى حسبة القاهرة ونظر البيمارستان المنصورى؛ وكان معدودا من الرؤساء.
وتوفى شمس الدين محمد بن المعلمة السكندرى المالكى فى سابع شعبان، وكان يشارك فى العربية وغيرها؛ وولى حسبة القاهرة فى وقت، وكان مسرفا على نفسه.
وتوفى الأمير مدلج بن علىّ بن نعير بن حيّار بن مهنّا أمير آل فضل مقتولا فى ثانى شوال بظاهر حلب.(15/168)
وتوفيت خوند هاجر- زوجة [الملك] «1» الظاهر برقوق وبنت الأتابك منكلى بغا الشّمسى- فى رابع [شهر] «2» رجب، وكانت تعرف بخوند الكعكبين، [لسكنها بخط الكعكيين بالقاهرة] «3» وأمها خوند فاطمة بنت [الملك] «4» الأشرف شعبان [بن حسين بن محمد بن قلاوون] «5» وماتت وهى أعظم نساء عصرها رئاسة وعراقة.
وتوفى القاضى تقي الدين يحيى ابن العلامة شمس الدين محمد الكرمانى الشافعى فى يوم الخميس ثانى عشرين جمادى الآخرة، وكان بارعا فى عدة فنون. وقدم من بغداد قبيل سنة ثمان مائة ومعه شرح أبيه على صحيح البخارى، ثم صحب [الملك] «6» المؤيد شيخ أيام تلك الفتن، وسافر «7» معه إلى طرابلس وغيرها وتقلب معه فى سائر تقلباته، ثم قدم معه القاهرة، فلما تسلطن أقره فى نظر البيمارستان [المنصورى] «8» ، وكان ثقيل السمع، ثم عزل ولزم داره حتى مات.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا ونصف ذراع.(15/169)
[ما وقع من الحوادث سنة 834]
السنة العاشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1»
وهى سنة أربع وثلاثين وثمانمائة.
[فيها] «2» توفى الأمير شهاب الدين أحمد الدوادار نائب الإسكندرية المعروف بابن الأقطع، بعد أن قدم القاهرة مريضا فى يوم الأحد تاسع جمادى الآخرة، وكان أبوه أوجاقيّا فى الإسطبل السلطانى، وقيل بل كان أقطع «3» يتكسب بالتّكدّى «4» ، وهو الأقرب. ونشأ ابنه أحمد هذا تبعا عند بعض الأجناد، ثم ترقى حتى خدم جنديا عند جماعة من الأمراء، إلى أن صار دوادارا ثانيا عند الأمير على باى المؤيدى، ثم اتصل بخدمة [الملك] «5» الأشرف وصار عنده دوادارا، فلما تسلطن جعله من جملة الدوادارية الصغار، واختص بالسلطان ونالته السعادة، ثم أمّره عشرة وجعله زرد كاشا «6» كبيرا، ثم نقله إلى نيابة الإسكندرية بعد عزل آقبغا التّمرازى فلم تطل مدته ومات بعد مرض طويل.
ولم أدر لأى معنى كانت خصوصية أحمد هذا وعلىّ بن فحيمة السّلاخورى «7» بالسلطان، [60] مع ما اشتملا عليه من الجهل المفرط وقبح الشكالة ودناوة الأصل. وكان(15/170)
على السّلاخورى يبدل القاف بالهمزة كما هى عادة أو باش الناس «1» من العامة، وكان أحمد إذا تكلم أيضا يتلغّط بألفاظ العامة السوقة. وقد جالسته بالخدمة السلطانية كثيرا فلم أجد له معرفة بفن من الفنون ولا علم من العلوم، وكان إذا أخذ يتلاطف ويتذاوق يصحّف ويقول:
بتسرد شىّ؟ فأعرّفه- فيما بينى وبينه- بأنه يقول: تسرت، وأوضّح له [أنها] «2» تصحيفة تشرب، فيفهمها بعد جهد كبير. ثم إذا طال الأمر ينساها ويقولها أيضا بالدال، وأظنه «3» دام على ذلك إلى أن مات.
ومع هذا كان فى نفسه أمور، وله دعاوى بالعرفان والتّمعقل، لا سيما إذا تمثل بأمثال العامة السافلة، فيتعجب من ذلك الأتراك، ويثنى على ذوقه ومعرفته وغزير علمه وحسن تأديه فى الخطاب، وأولهم [السلطان الملك] «4» الأشرف برسباى «5» فإنه كان كثيرا ما يقتدى برأيه ويفاتحه فى الكلام، فيكلم أحمد فى أمور المملكة بكلام لا يعرف هو معناه، ويسكت من عداه من أرباب [الدولة و] «6» المعرفة، فأذكر أنا عند ذلك قول أبى العلاء المعرى حيث قال: [الطويل]
فوا عجبا كم يدّعى الفضل ناقص «7» ... ووا أسفا كم يدّعى النّقص فاضل «8»
وتوفى الشيخ الإمام العالم المفنن مجد الدين إسماعيل بن أبى الحسن على بن عبد الله البرماوى الشافعى، فى يوم الأحد خامس عشر [شهر] «9» ربيع الآخر، عن أربع وثمانين سنة. وكان إماما فى الفقه والعربية والأصول وعدة فنون، وتصدى للإقراء والتدريس عدة سنين.(15/171)
وتوفى الصاحب الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن إبراهيم بن الهيصم، فى يوم الخميس العشرين من ذى الحجة، بعد ما ولى الوزارة والأستادارية ونظر ديوان المفرد مرارا عديدة، وهو من بيت كبير فى الكتبة قبل إنهم من ذريّة المقوقس صاحب مصر قبل الإسلام، والله أعلم.
وتوفى الشيخ سراج الدين عمر بن منصور البهادرى الفقيه الطبيب الحنفى فى يوم السبت ثانى عشر شوال، بعد ما برع فى الفقه والنحو وانتهت إليه الرئاسة فى الطب، وناب فى الحكم عن القضاة الحنفية بالقاهرة؛ ومات ولم يخلف بعده مثله فى التقدم فى علم الطب ومتونه.
وتوفى القاضى برهان الدين إبراهيم بن علىّ بن إسماعيل- المعروف بابن الظريف- أمين الحكم بالقاهرة، فى يوم السبت خامس شوال عن نحو ستين سنة؛ وكان معدودا من بياض الناس «1» .
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا، وكان الوفاء ثامن عشرين أبيب قبل مسرى بيومين، وهذا من خرق العادة؛ فسبحانه «2» يفعل ما يشاء ويختار «3» .(15/172)
[ما وقع من الحوادث سنة 835]
السنة الحادية عشر [ة] من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1»
وهى سنة خمس وثلاثين وثمانمائة.
[فيها] «2» توفى القاضى شرف الدين عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسى «3» الشافعى، أحد عظماء نواب الحكم بالديار المصرية، فى ليلة الجمعة سادس عشرين جمادى الآخرة.
ومولده فى سنة خمسين «4» وسبعمائة؛ وكان إماما فقيها بارعا فى الفقه وفروعه مشاركا فى عدة فنون، وتولى الحكم عن قاضى «5» القضاة عماد الدين الكركى فى سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة؛ وشكرت سيرته وحمدت طريقته لتحريه فى الأحكام، ولعفته عما «6» يرمى به قضاة السوء «7» ، ولقد شاهدت منه من التثبت فى أحكامه ما لم أشاهده من قضاة «8» زماننا، رحمه الله [تعالى] «9» .
وتوفى السلطان حسين بن علاء الدولة ابن السلطان أحمد بن أويس، قتيلا بيد الكافر أصبهان بن قرا يوسف التركمانى فى ثالث صفر، بعد أن حصره سبعة أشهر، حتى أخذه وقتله، وانقرضت بقتله دولة بنى أويس الأتراك من العراق «10» وصار عراقا «11» العرب والعجم بيد إسكندر بن قرا يوسف وإخوته، وهم كانوا سببا لخراب(15/173)
تلك الممالك التى كانت كرسى الإسلام ومنبع العلوم، أعنى بنى قرا يوسف.
وتوفى القاضى شهاب الدين أحمد ابن القاضى صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر المعروف [61] بابن السّفّاح الحلبى الشافعى، كاتب سر حلب ثم كاتب سر مصر وبها مات، فى ليلة الأربعاء رابع عشر [شهر] «1» رمضان عن ثلاث وستين سنة، بعد أن باشر فيها كتابة «2» سر حلب سنين عديدة بعد أخيه وأبيه «3» ، وصار لشهاب الدين هذا رئاسة بحلب وتمكّن، فلما ولى كتابة سر مصر ابتلعه المنصب ولم يظهر لمباشرته نتيجة، وانحطّ قدره فى الدولة بحيث أن المصريين صاروا يسخرون منه، لأنه كان يكلم نفسه فى حال ركوبه بين الناس فى الشوارع وفى جلوسه أيضا بين الملأ بكلام كثير، ويغضب بعض الأحيان من نفسه ويشير بالضرب بيده وبلسانه من غير أن يفهم أحد كلامه، وكان يقع ذلك منه حتى فى الصلاة، ومع هذا كان فيه بعيض حدة ونزاقة، مع «4» دين وعفة وصيانة «5» ، مع أنه كانت بضاعته من العلوم مزجاة، وخطه فى غاية القبح، و «6» يظهر من كلامه عدم ممارسته للعلوم «7» .
ووقع بينه وبين قاضى القضاة عز الدين عبد العزيز بن العز البغدادى الحنبلى مفاوضة فى بعض «8» مجالس السلطان لمعنى من المعانى، فكان من جملة كلام ابن السّفّاح «9» هذا، أن قال: ريّع الوقف- وشدّد الياء- فقال عز الدين المذكور: اسكت يا مرماد «10» ، فضحك السلطان ومن حضر، وانتصف عليه الحنبلى. فلما نزلا من القلعة، سألت من عز الدين عن قوله مرماد، فقال: الأتراك كثيرا ما يلعبون(15/174)
الشطرنج، وقد صار بينهم أن الذي لا يعرف شىء يسمى مرماد، فقصدت الكلام بما اعتادوه وعرّفتهم أنه لا يعرف شىء، وأنه جاهل بما يقول، وتم لى ما قصدته.
ولما مات ابن السّفّاح تولى كتابة السر من بعده الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ، ومع عدم أهلية الصاحب كريم الدين لهذه الوظيفة نتج فيها أمره وهابته الناس، ونفّذ الأمور أحسن من ابن السّفّاح.
وتوفى قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التّفهنى «1» الحنفى «2» ، وهو غير قاض، فى ليلة الأحد ثامن شوال بعد مرض. ومولده فى سنة أربع وستين وسبعمائة «3» ، ونشأ فقيرا مملقا، واشتغل حتى برع فى الفقه والأصول والعربية وشارك فى فنون، وأفتى ودرّس وناب فى الحكم سنين كثيرة، ثم استقل بوظيفة القضاء، ولم تشكر سيرته فى ولايته لحدة كانت فيه وسوء خلقه، مع القيام فى حظّ «4» نفسه، وقصته مشهورة مع الميمونى لما كفّره التّفهنى هذا وحكم بإراقة دمه فى الملأ بالمدرسة الصالحية.
ولما حكم بإراقة [دم] «5» الميمونى [المذكور] «6» أراد ابن حجر ينفّذ حكمه، فقال «7» ابن حجر: قاضى القضاة منغاظ «8» ، حتى يسكن خلقه. وانفضّ «9» المجلس وتلاشى حكم التّفهنى؛ وعاش الميمونى بعد ذلك دهرا، بعد أن أوسعه الميمونى إساءة «10» فى المجلس، وهو يقول له: اتّق الله يا عبد الرحمن، أو نسيت قبقابك(15/175)
الزحّاف «1» وعمامتك القطن؟ والتفهنى يصفّر ويكرر حكمه بإراقة دمه.
وكان سبب إبقاء الميمونى فى هذه القضية أنه شهّد بعض الحكماء أنه يعتريه شىء فى عقله فى الأوقات، فأبقى لذلك؛ وكان أيضا للناس فيه اعتقاد، فإنه يكثر التلاوة، ولقراءته «2» موقع فى النفوس، وعلى شيبته «3» نور ووقار؛ وأنا ممن كان يعتقده- انتهى.
وتوفى جينوس بن جاك بن بيدو بن أنطون بن جينوس «4» متملك قبرس وصاحب الواقعة مع المسلمين، وقد تقدم ذكر غزوه والظفر به وقدومه إلى مصر فى أوائل هذا الجزء مفصلا»
، ثم ذكر عوده إلى بلاده وملكه «6» ، وتولى ابنه قبرس من بعده.
وتوفى الصاحب علم الدين يحيى- المعروف بأبى كمّ القبطى- فى ليلة الخميس ثانى عشرين [شهر] «7» رمضان وقد أناف على السبعين سنة، بعد أن ولى الوزارة فى دولة [الملك] «8» الناصر فرج.(15/176)
وكان قد حسن إسلامه وترك معاشرة النصارى وحج وجاور بمكة، وصار يكثر من زيارة الصالحين الأحياء والأموات، وانسلخ من أبناء جنسه انسلاخا كليا، بحيث أنه كان لا يجتمع بنصرانى إلا عن ضرورة عظيمة. وكان دأبه الأفعال الجميلة، «1» رحمه الله [تعالى] «2» .
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم لم يظهر، فإنها حولت «3» هذه السنة إلى سنة ست وثلاثين [وثمانمائة] .
(النجوم الزاهرة ج 15)(15/177)
[ما وقع من الحوادث سنة 836]
السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك «1» الأشرف برسباى [على مصر] «2» وهى سنة ست وثلاثين وثمانمائة:
فيها كانت سفرة السلطان الملك الأشرف هذا إلى آمد، وعاد فى أوائل سنة سبع وثلاثين، وقد تقدم ذكر ذلك كله.
وفيها توفى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد الأموى المالكى بدمشق، فى يوم الثلاثاء حادى عشر صفر؛ وكان ولى فى دولة [الملك] «3» المؤيد [شيخ] «4» قضاء المالكية بالديار المصرية، وكان قليل العلم «5» .
وتوفى التاجر نور الدين على بن جلال الدين محمد الطّنبذى «6» ، فى ليلة الجمعة رابع عشر صفر، عن سبعين سنة، وترك مالا كبيرا لم يبارك الله فيه لذريته من بعده، ولم يشهر نور الدين هذا بكرم ولا دين ولا علم.
وتوفى الأمير علاء الدين منكلى بغا الصلاحى الظاهرى المعروف بالعجمى، أحد الحجاب بالديار المصرية، فى ليلة الخميس حادى عشر [شهر] «7» ربيع الأول، بعد مرض طال به سنين؛ وكان أحد الدوادارية الصغار فى أيام أستاذه [الملك] «8» الظاهر برقوق، وتوجه رسولا إلى تيمور «9» لنك فى دولة [الملك] «10» الناصر فرج، ثم ولى حسبة القاهرة فى دولة [الملك] «11» المؤيد شيخ، ثم صار من جملة الحجاب إلى أن مات.(15/178)
وكان فقيها صاحب محاضرة حلوة ومجالسة حسنة، ويذاكر بالشعر باللغات الثلاث «1» :
العربية والعجمية والتركية، ويكتب الخط المنسوب، ويحضر مجالس الفقراء، ويرقص فى السماع ويميل إلى التصوف، جالسته «2» كثيرا وأسعدت من محاسنه رحمه الله «3» .
وتوفى الأمير تغرى بردى بن عبد الله المحمودى الناصرى، رأس نوبة النوب أولا، ثم أتابك دمشق آخرا، من جرح أصابه فى رجله بسهم من مدينة آمد، مات منه بعد أيام قليلة بآمد، مات منه «4» فى شوال ودفن بآمد، ثم نقل منها فى سحليّة عند رحيل العسكر، وساروا به إلى الرها، فدفن بها لمشقة نالت العساكر من ظهور رائحته.
وكان أصله من مماليك [الملك] «5» الناصر فرج، وممن تأمّر فى دولة أستاذه فيما أظن. ثم انتمى للأمير نوروز الحافظى بعد موت أستاذه، إلى أن أمسكه [الملك] «6» المؤيد شيخ. وحبسه بعد قتل نوروز، فدام فى السجن سنين إلى أن أخرجه المؤيد فى أواخر دولته. فلما آل الأمر إلى الأمير ططر أنعم عليه بإمرة طبلخاناة، ثم نقل إلى تقدمة ألف بعد موت ططر. ثم صار رأس نوبة النوب بعد الأمير أزبك المحمدى بحكم انتقال أزبك إلى الدوادارية الكبرى، بعد ولاية سودون [من] «7» عبد الرحمن لنيابة دمشق، عند ما خرج تنبك البجاسى عن الطاعة. كل ذلك فى سنة ست وعشرين وثمانمائة، ودام المحمودى على ذلك سنين، سافر فيها أمير حاج المحمل، وقدم بالشريف حسن بن عجلان، ثم توجه إلى غزوة قبرس وقدم بملكها أسيرا.(15/179)
وقد تقدم ذكر ذلك كله فى أول هذا الجزء، ثم بعد عوده من قبرس بمدة يسيرة أمسكه السلطان وحبسه بسجن الإسكندرية، ثم نقله إلى ثغر دمياط بطالا، ثم أنعم عليه بأتابكية دمشق عوضا عن قانى باى الحمزاوى، بحكم انتقال الحمراوى إلى تقدمة ألف بمصر، ثم سافر المحمودى صحبة السلطان إلى آمد، فأصيب بسهم فمات منه حسبما ذكرناه. وكان أميرا جليلا شجاعا مقداما طوالا رشيقا مليح الشكل، كثير التجمل فى ملبسه ومركبه ومماليكه، وهو أول من لبس التخافيف الكبار العالية من الأمراء، وتداول الناس ذلك من بعده حتى خرجوا عن الحد، وصارت التخفيفة الآن تلف شبه الكلفتاه حتى تصير كالطبق الهائل؛ وعندى أنها غير لائقة، وللناس فيما يعشقون مذاهب.
وتوفى الأمير [سيف الدين] «1» سودون بن عبد الله الظاهرى، المعروف سودون ميق، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، من جرح أصابه بآمد، من سهم من مدينتها، لزم منه الفراش أياما «2» ، ومات أيضا فى أواخر شوال.
وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق الصغار، وصار خاصكيا، ومن جملة الدوادارية فى دولة [الملك] «3» المؤيد شيخ، ثم ترقى إلى أن صار من جملة أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، ثم نقل إلى الأمير آخورية الثانية، كل ذلك فى دولة [الملك] «4» الأشرف برسباى، فدام على ذلك سنين، إلى أن أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، فاستمر على ذلك إلى أن مات. وكان متوسط السيرة فى غالب خصاله، لا بأس به، رحمه الله.
وتوفى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الحمزاوى، بعد أن ولى نيابة غزة، فمات قبل أن يصلها فى عوده من آمد، فى ذى الحجة. وكان أصله من [63] مماليك الأمير(15/180)
سودون الحمزاوى الدوادار الكبير فى الدولة الناصرية، ثم تنقل فى الخدم من بعد أستاذه، إلى أن ولى نيابة بعض القلاع بالبلاد الشامية؛ ولما خرج قانى باى نائب الشام «1» وانضم معه غالب نواب البلاد الشامية، كان جانبك هذا ممن انضم عليه وهرب بعد مسك قانى باى مع من هرب من الأمراء إلى قرا يوسف، ثم قدم أيضا معهم على الأمير ططر بدمشق فأنعم عليه ططر بإمرة بدمشق، ثم صار حاجب حجاب طرابلس مدة سنين، ثم نقل إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وسافر صحبة السلطان إلى آمد، وبعد عوده خلع السلطان [عليه] «2» بحلب بنيابة غزة عوضا عن الأمير إينال العلائى الناصرى المنتقل إلى نيابة الرّها، لكونها كانت خرابا ليس بها ما يقوم بكلفته، وقد حكينا ذلك فيما سبق. وكان جانبك هذا ممن اتّهم بأنه يريد الوثوب على السلطان، فلما وصل السلطان إلى حلب أقرّه فى نيابة غزة على كره منه، فهز رأسه وأمسك لحيته بعد لبسه الخلعة «3» ، وبلغ الأشرف ذلك على ما قيل، فقال: حتى يصل إلى غزة، فمات حول بعلبك.
وكان شيخا طوالا مشهورا بالشجاعة، غير أنى لم أعرف منه إلا الإسراف على نفسه والانهماك فى السكر، وأما لفظه وعبارته ففى الغاية من الجهل والإهمال، ومر ركوبه على الفرس كنت [أعرف] «4» أنه لم يمارس أنواع الفروسية كالرمح والبرجاس وغيره، وبالجملة فإنه كان من المهملين، وقد خفف [الله] «5» بموته، عفا الله عنه.
وتوفى الأمير سيف الدين تنبك بن عبد الله، من سيّدى بك الناصرى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، المعروف بالبهلوان «6» ، من جرح أصابه(15/181)
بآمد فى شوال أيضا بها، وكان عارفا بفن الصراع من الأقوياء «1» فى ذلك، مع تكبر وشمم وادعاء زائد، وقد حكى لى عنه بعض أصحابه: أنه كان إماما فى فن الصراع، ويجيد لعب الرمح لا غير، وليس عنده من الشجاعة والإقدام بمقدار القيراط من صناعته، وأظنه صادقا فى نقله لأن سحنته [كانت] «2» تدل على ذلك.
وتوفى الملك الأشرف شهاب الدين أحمد ابن الملك العادل سليمان ابن الملك المجاهد غازى ابن المالك الكامل محمد ابن الملك العادل أبى بكر ابن الملك الأوحد عبد الله ابن الملك المعظم توران شاه ابن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر [ابن السلطان الملك الكامل محمد صاحب مصر، ابن السلطان الملك العادل أبى بكر صاحب مصر، ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذى بن مروان] «3» الأيوبى صاحب حصن كيفا، قتيلا بيد أعوان قرايلك، بين آمد والحصن، وقد سار من بلده حصن كيفا، يريد القدوم على السلطان الملك الأشرف برسباى على آمد، فقتل فى طريقه غدرا، فإنه كان خرج من الحصن بغير استعداد لقتال، وإنما تهيأ للسلام على الملك الأشرف، وبينما هو فى طريقه أدركته بعض الصلوات، فنزل وتوضأ وقام فى صلاته، وإذا بالقرايلكية طرقوه هو وعساكره بغتة، وقبل أن يركب أصابه سهم قتل منه، ووجد السلطان الملك الأشرف عليه كثيرا وتأسف لموته. وكان ابتداء ملكه بحصن كيفا، بعد موت أبيه العادل فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وكان فاضلا أديبا بارعا، وله ديوان شعر، ووقفت على كثير من شعره، وكتبت منه نبذة كبيرة فى ترجمته فى المنهل الصافى «4» .(15/182)
وتولى بعده سلطنة الحصن ابنه الملك الكامل صلاح الدين خليل.
وتوفى القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن أفتكين الدمشقى، كاتب سر دمشق بها، فى ذى القعدة، وتولى كتابة السر من بعده القاضى نجم الدين [يحيى] «1» ابن المدنى ناظر جيش حلب، قلت: لا أعرف من أحوال تاج الدين هذا شيئا، غير أننى علمت بولايته ثم بوفاته.
وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن غلام الله بن أحمد بن محمد الكوم ريشى «2» ، فى سادس عشرين [شهر] «3» صفر، وقد أناف على خمسين سنة. وكان أستاذا فى علم الميقات، ويحل التقويم من الزيج، ويشارك فى أحكام النجوم؛ ومات ولم يخلف بعده مثله فى فنونه، رحمه الله.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا وخمسة أصابع.(15/183)
[ما وقع من الحوادث سنة 837]
السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك «1» الأشرف برسباى [على مصر] «2»
وهى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة «3» :
وفيه [64] توفى الأمير سيف الدين مقبل بن عبد الله الحسامى الدوادار، نائب صفد بها، فى يوم الجمعة تاسع عشرين شهر ربيع الأول، وأصله من مماليك شخص يسمى حسام الدين لاجين، من أمراء دمشق أو «4» البلاد الشامية، ثم خدم عند الملك المؤيد شيخ أيام إمرته، فاختص به لغزير «5» محاسنه؛ ولما تسلطن المؤيد، جعله خاصكيّا رأس نوبة الجمداريّة، وحج على تلك الوظيفة، ثم بعد قدومه، أنعم عليه بإمرة عشرة، ثم جعله أمير طبلخاناه ودوادارا ثانيا بعد جقمق الأرغون شاوى «6» ، بحكم انتقال جقمق إلى الدوادارية الكبرى بعد انتقال آقباى المؤيدى إلى نيابة حلب بعد عصيان إينال الصصلانى، ثم بعد سنين نقله إلى الدوادارية الكبرى بعد جقمق أيضا بحكم انتقاله إلى نيابة الشام «7» بعد عزل الأمير تنبك ميق وقدومه إلى القاهرة أمير مائة ومقدم ألف، فدام مقبل على ذلك إلى أن مات الملك المؤيد، وآل الأمر إلى الأمير ططر، وأمسك قجقار القردمى فرّ مقبل المذكور من القاهرة، ومعه السيفى «8» يلخجا من مامش «9» الساقى الناصرى ومماليكه إلى جهة البلاد الشامية،(15/184)
فعاقهم العربان أرباب الإدراك عن التوصل إلى قطيا، وقاتلوهم «1» بعد أن تكاثروا عليهم.
وكان مقبل من الشجعان، فثبت لهم ولا زال يقاتلهم وهو منهزم منهم إلى الطّينة، «2» فوجدوا بها مركبا فركبوا فيه، وتركوا ما معهم من الخيول والأثقال أخذوها العرب، وساروا فى البحر إلى الشام، واجتمع مقبل مع الأمير جقمق وصار من حزبه، ووقع له أمور ذكرناها فى ترجمة [الملك] «3» المظفر أحمد، إلى أن آل أمره أنه أمسك وحبس، ثم أطلق، وولى حجوبية دمشق.
ثم نقله [الملك] «4» الأشرف إلى نيابة صفد، بعد عصيان نائبها الأمير إينال الظاهرى ططر، فاستمر فى نيابة صفد إلى أن مات. وكان رومى الجنس شجاعا مقداما رأسا فى رمى النشاب، يضرب برميه المثل، وكان أستاذه الملك المؤيد يعجب به، وناهيك بمن كان يعجب [الملك] «5» المؤيد به من المماليك.
وتوفى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبى العز الدمشقى الحنفى، المعروف بابن كشك، بدمشق، فى ليلة الخميس سابع «6» [شهر] «7» ربيع الأول، بعد أن ولى قضاء الحنفية بدمشق سنين كثيرة، وجمع بينها وبين نظر الجيش بدمشق فى بعض الأحيان، وطلب لكتابة سر مصر فأبى وامتنع واستعفى من ذلك حتى أعفى.
وكان من أعيان أهل دمشق فى زمانه، [و] «8» لم يكن فى الشاميين من يدانيه(15/185)
فى العراقة والرئاسة، وقد رشح بعض «1» أجداده من بنى العز لخطابة جامع تنكز «2» عند ما عمره «3» تنكز «4» ، وهم بيت علم وفضل ورئاسة، ليس بالبلاد الشامية من هو أعرق منهم غير بنى العديم الحلبيين، ثم بعد بنى العز هؤلاء بنو «5» البارزى الحمويون «6» - انتهى.
وتوفى قاضى القضاة جمال الدين محمد بن على بن أبى بكر الشّيبى الشافعى المكى «7» قاضى قضاة مكة وشيخ الحجبة بباب الكعبة، بها، فى ليلة الجمعة ثامن عشرين [شهر] «8» ربيع الأول، عن نحو سبعين سنة، وهو قاض. وكان خيّرا ديّنا مشكور السيرة سمحا متواضعا بارعا فى الأدب، وله مشاركة جيدة فى التاريخ وغيره، لما «9» رآه، فإنه كان رحل إلى اليمن وغيره وجال فى البلاد، رحمه الله.
وتوفى الأمير سيف الدين آقبغا بن عبد الله الجمالى الأستادّار وهو يلى كشف البحيرة، قتيلا بيد العرب فى واقعة كانت بينه وبينهم، فى حادى عشرين [شهر] «10»(15/186)
ربيع الآخر؛ وكان أصله من مماليك الأمير كمشبغا الجمالى أحد أمراء الطبلخانات المقدم ذكره فى سنة ثلاث وثلاثين، وكان يسافر إلى إقطاعه، ثم تعانى البلص «1» ولا زال يترقى إلى أن ولى الكشف بعدة أقاليم، ثم ولى الأستادّارية مرتين حسبما تقدم ذكره. كل ذلك فى حياة أستاذه كمشبغا الجمالى، ونكب فى ولايته الثانية وامتحن وضرب وصودر، ثم سافر مع [الملك] «2» الأشرف إلى آمد فظهر منه هناك شجاعة وإقدام فى قتال القرايلكية؛ فأنعم عليه السلطان بإقطاع تنبك البهلوان بعد موته، ثم ولاه بعد قدومه [65] إلى مصر كشف [الوجه] «3» القبلى، ثم نقله إلى كشف الوجه البحرى فقتل هناك.
وكان وضيعا من الأوباش، لا يشبه فعله أفعال المماليك فىّ حركاته وسكونه ولا فى قتاله، على أنه كان مشهورا بالشجاعة، وشجاعته كانت مشتركة بجنون وسرعة حركة، وكان أهوج «4» قليل الحشمة، ليس عليه رونق ولا أبّهة؛ وكان إذا تكلم يكرر فى كلامه اسم «دا» غير مرة. بحيث أنه كان يتكلم الكلمة الواحدة ثم يقول اسم «دا» ، وفى الجملة أنه كان من الأوغاد، ولولا أنه ولى الأستادارية ما ذكرته فى هذا الكتاب ولا غيره.
وتوفى الأمير الكبير سيف الدين جارقطلو «5» بن عبد الله الظاهرى أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم كافل المملكة الشامية بها، فى ليلة الاثنين تاسع عشر(15/187)
[شهر] «1» رجب، وهو فى عشر السبعين، وأصله من مماليك [الملك] «2» الظاهر برقوق، ومن إنيات «3» سودون الماردانى، وتأمّر فى الدولة الناصرية، ثم ولى فى الدولة المؤيدية نيابة حماه، ثم نيابة صفد، ثم أعاده الأمير ططر إلى نيابة حماه ثانيا بعد إنيه تنبك البجاسى لما نقل إلى نيابة طرابلس، فدام بحماه إلى أن نقله [الملك] «4» الأشرف إلى نيابة حلب بعد إنيه تنبك البجاسى أيضا، لما نقل تنبك إلى نيابة الشام «5» ، بعد موت تنبك ميق، فدام جارقطلو فى نيابة حلب إلى أن عزله [الملك] «6» الأشرف، واستقدمه إلى القاهرة أمير مائة ومقدم ألف، ثم خلع عليه باستقراره أمير مجلس، ثم نقله إلى الأتابكية بالديار المصرية بعد موت الأمير يشبك الساقى الأعرج، فدام على ذلك سنين إلى أن ولاه [الملك] «7» الأشرف نيابة دمشق بعد عزل سودون من عبد الرحمن عنها، واستقر سودون من عبد الرحمن أتابكا عوضه «8» فاستمر على نيابة دمشق إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره.
وكان أميرا جليلا مهابا شهما متجملا فى جميع أحواله، وكان قصيرا بطينا أبيض الرأس واللحية، وفيه دعابة وهزل مع إسراف على نفسه، وسيرته «9» مشكورة(15/188)
فى ولايته؛ قلت: كان ظلمه على نفسه لا على غيره، والله تعالى يسامحه بمنه وكرمه.
وكان له خصوصية زائدة عند [الملك] «1» الأشرف برسباى، بحيث أنى سمعته مرارا يبالغ فى شىء «2» لا يفعله بقوله: لو سألنى جارقطلو فى هذا ما فعلته؛ وكان إذا جلس قاضى القضاة بدر الدين العينى عند السلطان فى ليالى الخدم، وأخذ فى قراءة شىء من التواريخ، يشير إليه السلطان بحيث لا يعلم جارقطلو، فينتقل بما هو فيه إلى شىء من الوعظيات، ويأخذ فى التشديد على شرّاب «3» الخمر وما أشبه ذلك، ويبالغ فى حقهم، والأشرف أيضا يهوّل الأمر ويستغفر، فإذا زاد عن الحد يقول جارقطلو: [يا قاضى] «4» ، ما تذكر إلا شربة الخمر وتبالغ فى حقهم بأنواع العذاب؟
ليش ما تذكر «5» القضاة وأخذهم الرشوة والبراطيل وأموال الأيتام «6» ؟ ... يقول ذلك بحدة وانحراف حلو، فلما يسمع [الملك] «7» الأشرف كلامه يضحك وينبسط هو وجميع أمرائه؛ وكان يقع له أشياء كثيرة من ذلك- انتهى.
«8» وتوفى السيد الشريف رميثة بن محمد بن عجلان مقتولا خارج مكة فى خامس رجب بعد أن ولى إمرة مكة فى بعض الأحيان، فلم تحمد سيرته وعزل «9» .
وتوفى الشيخ الإمام الأديب الشاعر المفنن تقي الدين أبو بكر بن على بن حجّة- بكسر الحاء المهملة- الحموى الحنفى الشاعر المشهور، صاحب القصيدة البديعية «10» وشرحها وغيرها من المصنفات. مات بحماه، فى خامس عشرين شعبان، ومولده(15/189)
سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وكان أحد ندماء الملك «1» المؤيد وشعرائه وأخصائه، وولى إمامة «2» عدة وظائف دينية، وعظم فى الدولة، ثم خرج من مصر بعد موت [الملك] «3» المؤيد إلى مدينة حماه واستوطنها؛ إلى أن مات بها. وكان بارعا فى الأدب «4» ونظم القريض وغيره من ضروب الشعر، مفننا لا يجحد فضله إلا حسود؛ ومن شعره مضمّنا مع حسن التورية: [الرجز]
سرنا وليل شعره منسدل ... وقد غدا بنومنا مضفّرا
فقال صبح ثغره مبتسما ... عند الصباح يحمد القوم السّرى «5»
«6» وله عفا الله عنه «7» : [الخفيف]
فى سويداء مقلة الخبّ نادى «8» ... جفنه وهو يقنص الأسد صيدا
لا تقولوا ما فى السّويدا رجال ... فأنا اليوم من رجال سويدا «9»
قلت: وهذا بعكس ما قاله ابن نباتة والصلاح الصفدى؛ فقول ابن نباتة:
[السريع]
من قال بالمرد فإنى امرؤ «10» ... إلى النسا ميلى ذوات الجمال
ما فى سويدائى إلا النسا «11» ... ما حيلتى؟ ما فى السّويدا رجال!(15/190)
[وقول الصفدى:
المقلة الكحلاء «1» أجفانها ... ترشق فى وسط فؤادى نبال
وتقطع الطّرق «2» على سلوتى ... حتى حسبنا فى السّويدا رجال] «3»
ومن نظم الشيخ تقي الدين [أيضا] ، قوله: [المنسرح]
أرشفنى ريقه وعانقنى ... وخصره يلتوى من الرّقه
فصرت من خصره وريقته ... أهيم بين الفرات والرّقّة «4»
ومما كتب إليه قاضى القضاة صدر الدين على بن الآدمى الحنفى، مضمّنا لشعر امرئ القيس: [الطويل]
أحنّ إلى تلك السجايا وإن نأت ... حنين أخى ذكرى حبيب ومنزل
وأذكر ليلات بكم قد تصرّمت ... بدار حبيب لا بدارة جلجل «5»
شكوت إلى الصّبر «6» اشتياقى فقال لى: ... ترفّق ولا تهلك أسى وتجمّل «7»
فقلت له:
إنى عليك معوّل ... وهل عند ربع دارس من معوّل؟
فأجابه الشيخ تقي الدين بن حجّة المذكور بقوله:
سرت نسمة منكم إلىّ كأنّها ... بريح الصبّاجاءت «8» بريّا القرنفل «9»(15/191)
فقلت لليلى مذ بدا صبح طرسها: ... ألا أيّها الليل الطويل ألا أنجل
ورقّت فأشعار امرئ القيس عندها ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل
فقلت «1» :
قفا نضحك لرقّتها على «2» ... «قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل»
وتوفى ملك الغرب «3» وسلطانها، أبو فارس عبد العزيز [المتوكل] «4» ابن أبى العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر بن يحيى «5» بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد ابن عمر الهنتاتى الحفصى، فى رابع عشر ذى الحجة، عن ست وسبعين سنة، بعد أن خطب له بقابس وتلمسان وما والاهما من المدن والقرى، إحدى وأربعين سنة وأربعة أشهر وأياما «6» .
وكان خير ملوك زمانه شجاعة ومهابة وكرما وجودا وعدلا وحزما وعزما ودينا، وقام من بعده فى الملك حفيده المنتصر أبو عبد الله محمد ابن الأمير أبى عبد الله محمد بن أبى فارس المذكور.
وتوفى سلطان بنجالة «7» من بلاد الهند، جلال الدين أبو المظفر محمد بن فندو؛(15/192)
وكان فندو يعرف بكاس. كان أبوه «1» فندو المذكور كافرا، فأسلم جلال الدين هذا، وحسن إسلامه، وبنى الجوامع والمساجد [وعمّر] «2» أيضا ما خرب فى أيام أبيه، من المدن، وأقام شعائر الإسلام، وأرسل بمال إلى مكة، وبهدية إلى مصر، وطلب من الخليفة المعتضد بالله [أبى الفتح داؤد] «3» تقليدا بسلطنة الهند، فبعث إليه الخليفة [الخلعة] «4» والتشريف مع بعض الأشراف، فوصلت الخلعة إليه ولبسها، ودام بعدها إلى أن مات؛ وأقيم بعده ولده المظفّر أحمد شاه، وعمره أربع عشرة «5» سنة.
وتوفى صاحب بغداد شاه محمد بن قرا يوسف بن قرا محمد، فى ذى الحجة مقتولا على حصن من بلاد القان شاه رخ بن تيمور لنك، يقال له شنكان، وأقيم بعده على ملك بغداد أميرزه علىّ [ابن] «6» أخى قرا يوسف. وكان شاه محمد المذكور ردىء [67] العقيدة يميل إلى دين النصرانية- قبّحه الله ولعنه- وأبطل شعائر الإسلام من دار السلام وغيرها بممالكه، وقتل العلماء وقرّب النصارى، ثم أبعدهم، ومال إلى دين المجوس وأخرب البلاد وأباد العباد، أسكنه الله سقر ومن يلوذ به من إخوته وأقاربه ممن هو على اعتقاده ودينه.
وتوفى الشيخ الإمام أبو الحسن على بن حسين بن عروة بن زكنون «7» الحنبلى الزاهد الورع فى ثانى جمادى الآخرة خارج دمشق، وقد أناف على الستين سنة، وكان فقيها عالما، شرح مسند الإمام أحمد، وكان غاية فى الزهد والعبادة والورع والصلاح «8» ، رحمه الله.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع؛ مبلغ الزيادة:
سبعة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا.
(النجوم الزاهرة ج 15)(15/193)
[ما وقع من الحوادث سنة 838]
السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1»
وهى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة:
[فيها] «2» توفى سلطان كربرجه «3» من بلاد الهند شهاب الدين أبو المغازى أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن فى شهر [رجب] «4» بعد ما أقام فى ملك كربرجه أربع عشرة «5» سنة. وتسلطن من بعده ابنه ظفر شاه، واسمه أيضا أحمد؛ وكان السلطان شهاب الدين هذا من خير ملوك زمانه «6» وله مآثر بمكة معروفة، رحمه الله تعالى «7» .
وتوفى الأمير الكبير سيف الدين طرباى بن عبد الله الظّاهرى جقمق نائب طرابلس، فى بكرة نهار السبت رابع شهر رجب «8» ، من غير مرض، فجأة،(15/194)
بعد صلاة الصبح وهو جالس بمصلاه؛ وقد تقدم من ذكره نبذة كبيرة فى ترجمة الملك الصالح محمد بن ططر، بما وقع له مع جانبك الصوفى، ثم مع الملك الأشرف، حتى قبض عليه وحبسه بالإسكندرية مدة طويلة، ثم أخرجه إلى القدس، ثم ولاه نيابة طرابلس، فدام به إلى أن مات.
وكان أميرا ضخما جميلا شهما مقداما ديّنا خيّرا معظّما فى الدول، لم يشهر عنه تعاطى شىء من القاذورات، غير أنه كان يقتحم الرئاسة، وفى أمله أمور، فمات قبلها. وهو أحد أعيان المماليك الظاهرية [برقوق] «1» ورؤوس الفتن فى تلك الأيام، وكان أكبر منزلة من [الملك] «2» الأشرف برسباى قديما وحديثا، وكان بينهما صحبة أكيدة عرفها له الأشرف، وأخرجه من السجن وولاه طرابلس، ولو كان غيره ما فعل معه ذلك، لما سبق بينهما من التشاحن على الملك- انتهى.
وتوفى السلطان أميرزه إبراهيم بن القان معين الدين شاه رخ ابن الطاغية تيمور [لنك] «3» كوركان «4» ، صاحب شيراز، فى شهر رمضان. وكان من أجل ملوك جغتاى «5» وأعظمهم؛ كان يكتب الخط المنسوب إلى الغاية فى الحسن، يقارب فيه ياقوتا المستعصمى «6» ، ووجد عليه أبوه «7» شاه رخ كثيرا، وكذلك أهل شيراز.
ثم فى السنة أيضا «8» ، توفى «9» أخوه «10» باى سنقر بن شاه رخ بن تيمور(15/195)
صاحب مملكة كرمان، فى العشر الأول من ذى الحجة. وكان باى سنقر ولىّ عهد أبيه «1» شاه رخ فى الملك، وهو أشجع أولاد شاه رخ وأعظمهم إقداما وجبروتا «2» ، وهو والد من بقى الآن من ملوك جغتاى بممالك العجم، وهم: بابور وعلاء الدولة ومحمد، والجميع أولاد باى سنقر هذا، تولى تربيتهم جدتهم كهرشاه خاتون لمحبتها لأبيهم باى سنقر دون جميع أولادها، ولهذا المعنى كان قدّمه شاه رخ على ولده ألوغ بك صاحب سمرقند، كل ذلك لميل زوجته كهرشاه إليه، على أن ألوغ بك أيضا، ولدها بكرّيها، غير أنها ما كانت تقدّم على باى سنقر أحدا من أولادها- انتهى.
وتوفى الشريف زهير بن سليمان بن ريان بن منصور بن جمّاز «3» بن شيحة الحسينى، فى محاربة كانت بينه وبين أمير المدينة النبوية مانع بن على بن عطية بن منصور ابن جمّاز بن شيحة، فى شهر رجب، وقتل معه عدة من بنى حسين. وكان زهير المذكور من أقبح الأشراف سيرة «4» ، كان خارجا عن الطاعة، ويخيف «5» السبيل، ويقطع الطريق ببلاد نجد والعراق وأرض الحجاز فى جمع كبير، فيه نحو الثلاثمائة فارس وعدة رماة بالسهام «6» ، وأعيا الناس أمره، إلى أن أخذه الله وأراح الناس منه.
وتوفى الحطّىّ ملك الحبشة الكافر صاحب أمحرة من بلاد الحبشة «7» ، وممالكه متسعة [68] جدا بعد أن وقع له مع السلطان سعد الدين صاحب جبرت حروب.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم «8» خمسة أذرع واثنان وعشرون إصبعا؛ مبلغ الزياده: عشرون ذراعا وثمانية عشر إصبعا.(15/196)
[ما وقع من الحوادث سنة 839]
السنة الخامسة عشرة من سلطنة الملك «1» الأشرف برسباى [على مصر] «2»
وهى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة:
[وفيها] «3» توفى ملك تونس من بلاد إفريقية بالمغرب، السلطان المنتصر بالله أبو عبد الله محمد ابن الأمير أبى عبد الله محمد ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز، المقدم ذكره، ابن أحمد الهنتاتى الحفصى «4» ، فى يوم الخميس حادى عشرين صفر «5» بتونس. وكان ملك بعد جده أبى فارس، فلم يتهنّ بالملك لطول مرضه، وكثرت الفتن فى أيامه وعظم سفك الدماء، إلى أن مات. وأقيم فى مملكة تونس من بعده أخوه شقيقه عثمان، فقتل عدة من أقاربه وغيرهم.
وكان من خبر المنتصر أنه ثقل فى مرضه حتى أقعد، وصار إذا سار إلى مكان يركب فى عمّاريّة «6» على بغل، وتردد كثيرا فى أيام مرضه إلى قصره خارج تونس للنزهة به، إلى أن خرج يوما ومعه أخوه أبو عمرو عثمان المقدم ذكره، وهو يوم ذاك صاحب قسطنطينة، وقد قدم عليه [الخبر] «7» وولاه الحكم بين الناس، ومعه أيضا القائد محمد الهلالى، فصار لهما مرجع أمور الدولة بأسرها، وحجبا «8» المنتصر هذا عن كل أحد. فلما صارا معه فى هذه المرة إلى القصر المذكور، تركاه به، وقد أغلقا عليه، يوهمان أنه نائم، ودخلا المدينة. واستولى أبو عمرو عثمان المقدم ذكره على تخت الملك، ودعا الناس إلى طاعته ومبايعته، والهلالىّ قائم بين يديه،(15/197)
فلما ثبّت دولته، قبض أيضا على الهلالىّ وسجنه وغيّبه عن كل أحد. ثم التفت إلى أقاربه، فقتل عمّ أبيه وجماعة كبيرة من أقاربه، فنفرت عنه قلوب الناس، وخرج عليه الأمير أبو الحسن ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز متولى بجاية وحاربه، ووقع له معه أمور يطول شرحها، إلى أن مات أبو عمرو المذكور حسبما يأتى ذكره فى محله؛ وأما المنتصر فإنه قتل بعد خلعه بمدة، وقيل مات من شدة القهر.
[وفيها] «1» توفى قاضى القضاة الشريف ركن الدين عبد الرحمن بن على بن محمد الحنفى الدمشقى، المعروف بدخان «2» ، قاضى قضاة دمشق بها، فى ليلة الأحد سابع المحرم، وقد أناف على ستين سنة؛ وكان فقيها حنفيا ماهرا بارعا فى معرفة فروع مذهبه، وله مشاركة فى عدة فنون، ونشأ بدمشق، وبها تفقّه وناب فى الحكم، ثم استقلّ بالقضاء [بعد موت ابن الكشك] «3» ، وحمدت سيرته، وهو ممن ولى القضاء بغير سعى ولا بذل، ولو لم يكن من «4» محاسنه إلا ذاك لكفاه فخرا، مع عريض جاهه بالشرف.
وتوفى التاج بن سيفا الشّوبكى الدمشقى القازانى الأصل، والى القاهرة، فى ليلة الجمعة حادى عشرين «5» [شهر] «6» ربيع الأول بالقاهرة، وقد أناف على ثمانين سنة، وهو مصرّ على المعاصى والإسراف على نفسه وظلم غيره، والتكلم بالكفريات. وكان من قبائح الدهر، ومن سيئات [الملك] «7» المؤيّد شيخ [المحمودى] «8» ، لما اشتمل عليه من المساوئ؛ وقد ذكر المقريزى عنه أمورا شنعة،(15/198)
واستوعبنا نحن أيضا أحواله فى ترجمته من تاريخنا «المنهل الصافى «1» [والمستوفى بعد الوافى] » «2» . وكان «3» من جملة ما قاله الشيخ تقي الدين المقريزى [رحمه الله] «4» فى حقه: وكان وجوده عارا على بنى آدم قاطبة؛ قلت: وهو من قبيل من قيل فى حقه: [الكامل]
قوم إذا صفع النعال قذالهم «5» ... قال النعال: بأى ذنب نصفع؟
وتوفى الأمير سيف الدين قصروه بن عبد الله من تمراز الظاهرى، نائب دمشق، فى ليلة الأربعاء ثالث [شهر] «6» ربيع الآخر، وكان أصله من مماليك [الملك] «7» الظاهر برقوق من إنيات جرباش الشيخى من طبقة الرّفرف، وترقى بعد موت أستاذه الظاهر، إلى أن صار من جملة أمراء العشرات، ثم أمسكه [الملك] «8» المؤيد وحبسه مدة، ثم أطلقه فى أواخر دولته، ولما آل التحدث فى المملكة للأمير ططر، أنعم على قصروه المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف، ثم صار رأس نوبة النّوب، ثم أمير آخور كبيرا فى أواخر دولة الملك الصالح محمد بن ططر، ودام على ذلك سنين، إلى أن نقله السلطان [الملك الأشرف] «9» برسباى «10» إلى نيابة طرابلس [69] بعد عزل إينال النّوروزى وقدومه القاهرة على إقطاع قصروه المذكور، واستقر فى الأمير آخورية بعده الأمير جقمق العلائى، فدام قصروه على نيابة طرابلس سنين،(15/199)
ثم نقل [بعد سنين] «1» إلى نيابة دمشق، بعد موت الأتابك جارقطلو أيضا، فدام فى نيابة دمشق إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره.
وكان أميرا عاقلا مدبرا سيوسا معظّما فى الدول، وهو أحد من أدركناه من عظماء الملوك ورؤسائهم «2» ، وهو أحد من كان سببا لسلطنة [الملك] «3» الأشرف برسباى، وأعظم من قام معه حتى وثب على الملك، وهو أيضا أستاذ كل من «4» يدعى بالقصروى، لأننا لا نعلم أحدا سمى بهذا الاسم، ونالته السعادة غيره، وتولى بعده نيابة دمشق الأمير إينال الجكمى.
وتوفى الأمير فخر الدين عثمان المدعو قرايلك ابن الحاج قطلبك، ويقال: قطبك ابن طرعلى التركى الأصل التركمانى صاحب ماردين وآمد وأرزن وغيرها «5» من ديار بكر، فى خامس صفر، بعد أن انهزم من إسكندر بن قرا يوسف، وقصد قلعة أرزن فحيل بينه وبينها، فرمى بنفسه فى خندق المدينة لينجو بمهجته فوقع على حجر فشج دماغه «6» ، ثم حمل إلى أرزن فمات بها بعد أيام، وقيل بل غرق فى خندق المدينة، ومات وقد ناهز المائة سنة من العمر فدفن خارج»
مدينة أرزن الروم، فنبش إسكندر عليه وقطع رأسه وبعث بها إلى الملك الأشرف، فطيف بها، ثم علقت أياما.
وكان أصل أبيه من أمراء الدولة الأرتقيّة الأتراك «8» ، ونشأ ابنه عثمان هذا(15/200)
بتلك البلاد، ووقع له مع ملوك الشرق وقائع، ثم اتصل بخدمة تيمور لنك، وكان جاليشه «1» لما قدم إلى البلاد الشامية فى سنة ثلاث وثمانمائة، وطال عمره ولقى منه أهل ديار بكر وملوكها شدائد، لا سيما ملوك حصن كيفا الأيوبية، فإنهم كانوا معه فى ضنك «2» وبلاء، وتداول حروبه وشروره مع الملوك سنين طويلة، وكان صبّارا على القتال، طويل الروح على محاصرة القلاع والمدن، يباشر الحروب بنفسه.
ومع هذا كله لم يشهر بشجاعة، وكان فى الغالب ينهزم ممن يقاتله، ثم يعود إليه غير مرة حتى يأخذه إما بالمصابرة أو بالغدر والحيلة، وكذا وقع له مع القاضى برهان الدين أحمد صاحب سيواس «3» ، ومع بير عمر «4» حتى قتلهما. ومع هذا «5» ، إنه كان من أشرار «6» الملوك، غير أنه خير من بنى قرا يوسف، لتمسّكه بدين الإسلام، واعتقاده فى الفقراء والعلماء. ولما مات خلّف عدة أولاد [وأولاد الأولاد] «7» ، وهم إلى الآن ملوك ديار بكر، وبينهم فتن «8» وحروب تدوم «9» بينهم إلى أن يفنوا جميعا إن شاء الله تعالى «10» .(15/201)
وتوفى الشريف مانع بن عطية بن منصور بن جمّاز بن شيحة الحسينى أمير المدينة النبوية؛ وقد خرج للصيد خارج المدينة فى عاشر جمادى الآخرة، وثب عليه الشريف حيدر بن دوغان بن جعفر بن هبة الله بن جماز بن منصور بن شيحة وقتله بدم أخيه خشرم بن دوغان [بن جعفر بن هبة الله بن جماز بن منصور الحسينى] أمير المدينة.
وكان [الشريف] «1» مشكور السيرة، غير أنه كان على مذهب القوم «2» .
وتوفى الشيخ المسلّك زين الدين أبو بكر بن محمد بن علىّ الخافى الهروى العجمى، فى يوم الخميس ثالث شهر رمضان بمدينة هراة «3» ، فى الوباء، وكان أحد أفراد زمانه. و «خاف» «4» : قرية من قرى «5» خراسان بالقرب من مدينة هراة؛ قلت: وفى الشيخ زين الدين نادرة: وهى «6» أنه عجمى واسمه أبو بكر، وهذا من الغرائب، ومن لم يستغرب ذلك يأت «7» بعجمى يكون اسمه أبا بكر أو عمر، سنّيّا كان أو شيعيّا «8» .
وتوفى القاضى بدر الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز، أحد أعيان الفقهاء الشافعية ونواب الحكم، المعروف بابن الأمانة، فى ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان ومولده فى سنة اثنتين وستين وسبعمائة تخمينا، وكان فقيها بارعا فى الفقه والأصول والعربية، كثير الاستحضار لفروع مذهبه، وأفتى ودرّس سنين، وناب فى الحكم مدة طويلة، وشكرت سيرته، وكان فى لسانه مسكة تمنعه عن سرعة الجواب «9» ، رحمه الله.(15/202)
وتوفيت «1» خوند جلبان بنت يشبك ططر الجاركسية زوجة [السلطان] «2» الملك الأشرف [برسباى] «3» ، وأمّ ولده [الملك] «4» العزيز يوسف، فى يوم الجمعة ثانى شوال، بعد مرض طويل، ودفنت بتربة السلطان [الملك] «5» الأشرف بالصحراء خارج الباب المحروق «6» . كان [الملك] «7» الأشرف اشتراها فى أوائل سلطنته واستولدها ابنه الملك العزيز يوسف [70] ، فلما ماتت خوند الكبرى أمّ ولده محمد المقدم ذكرها تزوجها السلطان وأسكنها قاعة العواميد، فصارت خوند الكبرى ونالتها السعادة. وكانت جميلة عاقلة حسنة «8» التدبير، ولو عاشت إلى أن ملك ابنها لقامت بتدبير دولته أحسن قيام.
وتوفى أحمد جوكى ابن القان معين الدين شاه رخ بن «9» تيمور لنك، فى شعبان، بعد مرض تمادى به عدة أيام، فعظم مصابه على أبيه شاه رخ «10» ووالدته كهرشاه خاتون، فإنهما فقدا ثلاثة أولاد ملوك فى أقل من سنة، وهم: السلطان إبراهيم صاحب شيراز، وباى سنقر صاحب كرمان المقدم ذكرهما فى السنة الخالية، وأحمد جوكى هذا فى هذه السنة.
وتوفى السلطان ملك بنجالة من بلاد الهند، الملك المظفّر شهاب «11» الدين أحمد شاه ابن السلطان جلال الدين محمد «12» شاه بن فندوكاس، فى شهر ربيع الآخر،(15/203)
وثب عليه مملوك أبيه كالو، الملقب مصباح خان ثم وزير خان، وقتله واستولى على بنجالة؛ وقد تقدم وفاة «1» أبيه فى سنة سبع «2» وثلاثين وثمانمائة [من هذا الكتاب] «3» .
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أحد عشر ذراعا وعشرة أصابع؛ مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا ونصف ذراع «4» .(15/204)
[ما وقع من الحوادث سنة 840]
السنة السادسة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1» وهى سنة أربعين وثمانمائة:
[فيها] «2» كانت الواقعة بين الأمير خجا سودون أحد أمراء السلطان، وبين الأتابك جانبك الصوفى، وانكسر جانبك، وأمسك قرمش الأعور الظاهرى وكمشبغا أمير عشرة، وقتلا حسبما تقدم ذكرهما فى ترجمة [الملك] «3» الأشرف.
وكان قرمش [المذكور] «4» من أعيان المماليك الظاهرية [برقوق] «5» وترّقى حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وانضم على جانبك الصوفى أولا وآخرا، وقبض عليه [الملك] «6» الأشرف وحبسه بالإسكندرية، ثم أطلقه وأرسله إلى الشام أمير مائة ومقدم ألف بها.
فلما عصى البجاسى صار من حزبه، ثم اختفى بعد كسرة البجاسى إلى أن ظهر، لما سمع بظهور جانبك الصوفى وانضم عليه وصار من حزبه، إلى أن واقع خجا سودون وانكسر وقبض عليه.
وأما كمشبغا أمير عشرة فإنه كان أيضا من المماليك الظاهرية [برقوق] «7» ومن جملة أمراء حلب، فلما بلغه خروج جانبك الصوفى سار إليه وقام بنصرته، وقد تقدم ذكر ذلك كله، غير أننا نذكره هنا ثانيا لكون هذا محلّ الكشف عنه والإخبار بأحواله.
وتوفى الشيخ الأديب زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله المروزىّ الأصل الحموى، المعروف بابن الخرّاط، أحد موقّعى الدّست بالقاهرة وأعيان الشعراء، فى ليلة الاثنين أول المحرم بالقاهرة، عن نحو ستين سنة، ودفن(15/205)
من الغد. وكان صاحبنا وأنشدنا كثيرا من شعره. [ومن شعره] «1» فى مليح على شفته أثر بياض: [البسيط]
لا والذي صاغ فوق الثّغر خاتمه ... ما ذاك صدع بياض فى عقائقه «2»
وإنما البرق للتّوديع قبّله ... أبقى به لمعة من نور بارقه
وتوفى قاضى القضاة شمس الدين محمد ابن قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود الدمشقى الحنفى، المعروف بابن الكشك، قاضى قضاة دمشق، فى يوم الثلاثاء ثالث «3» عشر [شهر] «4» ربيع الأول بدمشق؛ وقد تقدم ذكر وفاة أبيه فى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من هذا الجزء «5» .
وتوفى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمد بن صلاح الشافعى المصرى، المعروف بابن المحمّرة «6» بالقدس، على مشيخة الصلاحية، فى يوم السبت سادس عشر [شهر] «7» ربيع الآخر، ومولده فى صفر سنة تسع وستين وسبعمائة [بالمقيّر] «8» خارج القاهرة، [وتكسّب بالجلوس فى حانوت الشهود سنين] «9» . وكان فقيها بارعا مفنّنا كثير الاستحضار لفروع مذهبه، وأفتى ودرّس سنين، وناب فى الحكم،(15/206)
وتولى مشيخة خانقاه سعيد السعداء «1» ، ثم قضاء دمشق، ثم مشيخة الصلاحية بالقدس، إلى أن مات «2» ؛ [وكان ينسب إلى البخل العظيم] «3» .
وتوفى الأمير الوزير سيف الدين أرغون شاه بن عبد الله النّوروزى الأعور أستادّار السلطان بدمشق بها، فى حادى عشرين [شهر] «4» رجب، وقد جاوز الستين سنة «5» تخمينا، بعد ما ولى الوزارة بالديار المصرية، والأستادّارية غير مرة، وكان من الظّلمة الغشم «6» الفسقة؛ كان شيخا طوالا أعور فصيحا باللغة العربية، عارفا بفنون المباشرة وتنويع المظالم.
وتوفى الأمير حمزة بك بن على بك بن دلغادر مقتولا بقلعة الجبل فى ليلة الخميس سابع عشر جمادى الأولى.
وتوفى الأمير سيف الدين بردبك بن عبد الله الإسماعيلى الظاهرى [برقوق] «7» وهو يوم ذاك أحد أمراء العشرات، فى جمادى الأولى بالقاهرة. [71] وكان جعله [الملك] «8» الأشرف أمير طبلخاناة وحاجبا ثانيا، ثم نفاه مدة، ثم أعاده إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة عشرة، وكان لا للسيف ولا للضيف، يأكل ما كان ويضيق المكان.
وتوفى القاضى شمس الدين محمد بن يوسف بن صلاح الدمشقى المعروف بالحلاوىّ،(15/207)
وكيل بيت المال، فى ليلة الخميس سادس شوال، ومولده فى سنة خمس وستين وسبعمائة بدمشق، وقدم القاهرة، واتصل بسعد الدين بن غراب، ورشحه سعد الدين لكتابة السر، ثم تردد لجماعة من الأكابر بعد سعد الدين وأخيه فخر الدين ابنى غراب، مثل بدر الدين الطوخى الوزير وغيره؛ وكان حلو المحاضرة حسن المذاكرة، مع قصر الباع فى العلوم، وكان كبير اللحية جدا، يضرب بطول لحيته المثل، ولما مات سعد الدين بن غراب وأخوه فخر الدين، ثم توفى الوزير بدر الدين الطوخى أيضا، قال فيه بعض شعراء العصر: [البسيط]
إن الحلاوىّ لم يصحب أخا ثقة ... إلا محا شؤمه منهم «1» محاسنهم
السّعد والفخر والطّوخىّ لازمهم ... فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم
فزاد الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر [بأن قال:] «2»
وابن الكويز وعن قرب أخوه ثوى ... والبدر، والنجم ربّ اجعله ثامنهم
قلت: يعنى بابن الكويز صلاح الدين بن الكويز، وبأخيه «3» علم الدين، وبالبدر بدر الدين بن محب الدين المشير، وبالنجم القاضى نجم الدين عمر بن حجّى.
وفى طول لحيته يقول «4» صاحبنا الشيخ شمس الدين الدّجوىّ، من أبيات كثيرة، أنشدنى غالبها، أضربت عن ذكرها لفحش ألفاظها، غير أننى أعجبنى منها براعتها: [البسيط](15/208)
ظن الحلاوىّ جهلا أن لحيته ... تغنيه فى مجلس الإفتاء والنّظر
وأشعريّتها طولا قد اعتزلت ... بالعرض باحثة فى مذهب القدر
[وتوفى] «1» الأمير قرقماس بن عدرا بن نعير بن حيّار بن مهنّا [فى هذه السنة] «2» .
وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبى بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان ابن عمر الأبوصيرى «3» الشافعى، أحد مشايخ الحديث، فى ليلة الأحد ثامن عشرين المحرم.
وتوفى صاحب صنعاء اليمن الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن على ابن الإمام صلاح الدين محمد بن على بن محمد بن على بن منصور بن حجاج بن يوسف الحسينى العلوى الشريف فى سابع صفر، بعد ما أقام فى الإمامة بعد أبيه ستّا وأربعين سنة وثلاثة أشهر وأضاف إلى صنعاء وصعدة عدة من حصون الإسماعيلية، أخذها منهم بعد حروب وحصار. ولما مات قام من بعده ابنه الإمام الناصر صلاح الدين محمد بعهده إليه فمات بعد ثمانية وعشرين يوما، فأجمع الزيدية بعده على رجل منهم يقال له صلاح ابن على بن محمد بن أبى القاسم وبايعوه ولقبوه بالمهدى، وهو من بنى [عمرو] «4» عم الإمام المنصور. قلت: والجميع زيدية بمعزل عن أهل السنة.
أمر النيل [فى هذه السنة] «5» : الماء القديم ستة أذرع وثمانية عشر أصبعا؛ مبلغ الزيادة: تسعة عشر ذراعا وستة أصابع.(15/209)
[ما وقع من الحوادث سنة 841]
السنة السابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى [على مصر] «1»
وهى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة.
[فيها] «2» كانت وفاة الأشرف المذكور فى ذى الحجة حسبما تقدم ذكره.
[و] «3» فيها كان الطاعون بالديار المصرية وكان «4» مبدؤه من شهر رمضان وارتفع فى ذى القعدة فى آخره، ومات فيه خلائق من الأعيان والرؤساء وغيرهم، لكنه فى الجملة كان أضعف من طاعون سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة «5» .
[وفيها] «6» توفى القاضى سعد الدين إبراهيم ابن القاضى كريم الدين عبد الكريم ابن سعد الدين بركة، ناظر الخاص الشريف [وابن ناظر الخاص] «7» المعروف بابن كاتب جكم، فى يوم الخميس سابع عشر [شهر] «8» ربيع الأول، بعد مرض طويل وسنه دون الثلاثين سنة؛ وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى «9» [من تحت القلعة] «10» ودفن عند أبيه بالقرافة.
وكان شابا عاقلا سيوسا كريما مدبرا، ولى الخاص صغيّرا «11» بعد وفاة أبيه، فباشر بحرمة ونفذ الأمور وساس الناس وقام بالكلف السلطانية أتم قيام، [72] لا سيما لما سافر [الملك] «12» الأشرف إلى آمد فإنه تكفل عن السلطان بأمور كثيرة تكلف فيها كلفة كبيرة، كل ذلك وسيرته مشكورة، إلا أنه كان منهمكا فى اللذات التى تهواها النفوس، مع ستر وتجمل؛ سامحه الله [تعالى] «13» .(15/210)
وتولى نظرّ الخاص من بعده أخوه الصاحب جمال الدين يوسف ابن القاضى كريم الدين عبد الكريم، وهو مستمر على وظيفته مضافة لنظر الجيش وتدبير الممالك فى زماننا هذا «1» ، إلى أن مات «2» حسبما يأتى ذكره فى مواطن كثيرة من هذا الكتاب [وغيره إن شاء الله تعالى] «3» .
وتوفى الأمير الكبير سيف الدين جانبك بن عبد الله الصوفى الظاهرى صاحب الوقائع والأهوال والحروب، فى يوم الجمعة خامس عشرين «4» [شهر] «5» ربيع الآخر بديار بكر وقطعت رأسه وحملت إلى مصر وطيف بها على رمح ثم ألقيت فى قناة سراب، وقد تقدم ذكر ذلك كله مفصلا فى مواضع كثيرة وما وقع للناس بسببه بالديار المصرية والبلاد الشرقية، غير أننا نذكر هنا أصله ومنشأه إلى أن مات، على طريق الإيجاز:
كان أصله من مماليك [الملك] «6» الظاهر برقوق الصّغار، وترقّى فى الدولة الناصرية [فرج] «7» إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف، ثم ولاه الملك المؤيد رأس نوبة النّوب، ثم نقله بعد مدة إلى إمرة سلاح، ثم أمسكه وحبسه إلى أن أطلقه الأمير ططر بعد موت المؤيد، وأنعم عليه بإمرة وتقدمة ألف ثم خلع عليه باستقراره أمير «8» سلاح بعد مسك قجقار القردمى، ثم خلع عليه بعد سلطنته باستقراره «9» أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم أوصاه الملك الظاهر ططر عند موته بتدبير ملك ولده الملك الصالح محمد.
ومات [الملك] «10» الظاهر ططر، فصار جانبك المذكور «نظام الملك» و «مدبر الممالك» ، فلم يحسن التدبير ولا استمال أحدا من أعيان خجدا شيّته من الأمراء، فنفروا(15/211)
عنه الجميع ومالوا إلى الأمير طرباى وبرسباى حسبما ذكرنا ذلك كله مفصلا مشبعا «1» ؛ ولا زالوا فى التدبير عليه حتى خذلوه فى يوم عيد النحر، بعد ما لبس آلة الحرب هو والأمير يشبك الجكمى الأمير آخور، وأنزلوه من باب السلسلة بإرادته راكبا وعليه آلة الحرب إلى بيت الأمير بيبغا المظفّرى، فحال دخوله إلى البيت قبض عليه وقيّد وحمل إلى القلعة، ثم إلى ثغر الإسكندرية، [بعد أن كان ملك مصر فى قبضته، وأمسك معه يشبك الجكمى أيضا وحبس بثغر الإسكندرية] «2» ، كل ذلك فى أواخر ذى الحجة من سنة أربع وعشرين.
ودام جانبك فى سجن الإسكندرية مكرما مبجلا، إلى أن حسّن له شيطانه الفرار منه فأوسع الحيلة فى ذلك، حتى فر من سجنه «3» فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فعند ذلك حلّ به وبالناس بلاء الله المنزل المتداول سنين عديدة، ذهب فيها أرزاق جماعة، وحبس فيها جماعة كثيرة من أعيان الملوك وضرب فيها جماعة من أعيان الناس وأماثلهم بالمقارع، وجماعة كثيرة من الخاصكية أيضا ضربوا بالمقارع [والكسّارات] «4» ، وأما ما قاساه الناس من كبس البيوت ونهب أقمشتهم «5» وما دخل عليهم من الخوف والرجيف فكثير إلى الغاية، ودام ذلك نحو العشر سنين، فهذا ما حل بالناس لأجل هروبه.
وأمّا ما وقع له فأضعاف ذلك، فإنه صار ينتقل من بيت إلى بيت والفحص مستمر عليه فى كل يوم وساعة، حتى ضافت عليه الدنيا بأسرها وأراد أن يسلم نفسه غير مرة، وقاسى أهوالا كثيرة إلى أن خرج من مصر إلى البلاد الشامية وتوصل إلى بلاد الروم حسبما حكيناه، وانضم عليه جماعة من التركمان الأمراء وغيرهم، وقاموا(15/212)
بأمره أحسن قيام حتى استفحل أمره، فغلب خموله وقلة سعادته تدبيرهم واجتهادهم، إلى أن مات.
وكان شجاعا فارسا مفنّنا مليح الشكل رشيق القد كريما رئيسا، إلا أنه كان قليل السعد مخمول الحركات مخذولا فى حروبه، حبس غير مرة ونفد عمره على أقبح وجه، ما بين حبس وخوف وذل وشتات وغربة، إلى أن مات بعد أن تعب وأتعب وأراح بموته «1» واستراح.
وتوفى الأمير سيف الدين تمراز المؤيدى نائب صفد ثم نائب غزة مخنوقا [73] بسجن الإسكندرية، فى «2» ثالث عشرين جمادى الآخرة، وكان أصله من مماليك [الملك] «3» المؤيد شيخ وخاصكيّته، وكان مقربا عنده ثم تغير عليه لأمر اقتضى ذلك، وضربه وأخرجه إلى الشام على إقطاع هيّن بطرابلس، ثم نقل بعد موت [الملك] «4» المؤيد إلى إمرة بدمشق. فلما كانت وقعة تنبك البجاسى وافقه على العصيان، فلما ظفر [الملك] «5» الأشرف بالبجاسى فر تمراز هذا واختفى مدة، ثم ظفر به وسجن بقلعة دمشق، ثم أطلق وأنعم عليه بإقطاع بها، ثم نقله الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، ثم أقره فى نيابة صفد فلم تشكر سيرته ورمى بعظائم، فعزله السلطان وولاه نيابة غزة عوضا عن يونس الرّكنى. وانتقل يونس إلى نيابة صفد، فلما ولى غز أساء السيرة [أيضا] «6» وظلم وعسف وأفحش فى القتل وغيره، فطلبه السلطان إلى الديار المصرية وأمسكه وحبسه بالإسكندرية ثم قتله خنقا؛ ولا أعرف من أحوال تمراز غير ما ذكرته أنه مذموم السيرة كثير الظلم.
وتوفى الأمير جانبك بن عبد الله السيفى يلبغا الناصرى المعروف بالثور، أحد(15/213)
أمراء الطبلخاناه والحاجب الثانى، وهو يلى شدّ بندر جدّة بمكة، فى حادى عشر شعبان. وكان أميرا ضخما متجملا فى مركبه وملبسه ومماليكه، وهو الذي أخرب المسطبة التى كانت ببندر جدة التى كان من طلع عليها «1» واستجار بها لم يؤخذ [منها] «2» ، ولو كان ذنبه ما عسى أن يكون، حتى [و] «3» لو قتل نفسا وطلع فوقها لا يؤخذ منها.
وكانت هذه العادة قديما بجدة، فأخرب جانبك [المذكور] «4» المسطبة المذكورة، ووقع بينه وبين عرب تلك البلاد وقعة عظيمة قتل فيها جماعة. وانتصر جانبك المذكور ومشى له ما قصده من هدم المسطبة المذكورة ومحى أثرها إلى يومنا هذا، يرحمه «5» الله [تعالى] «6» على هذه الفعلة، فإنها من أجمل «7» الأفعال وأحسنها دنيا وأخرى، ولم ينتبه لذلك من جاء «8» قبله من الأمراء حتى وفّقه الله تعالى لمحو هذه السنّة القبيحة التى كانت ثلمة فى الإسلام وأهله «9» . قلت: كم ترك الأول للآخر.
وتوفى الشيخ شمس الدين محمد بن خضر بن داؤد بن يعقوب الشهير بالمصرى، الحلبى الأصل الشافعى، أحد موقّعى الدّست بالقدس [الشريف] «10» ، فى يوم الأحد النصف من [شهر] «11» رجب؛ وكان ديّنا خيرا وله رواية عالية بسنن ابن ماجة وحدّث وأسمع سنين.
وتوفى شيخ الإسلام علامة الوجود علاء الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد ابن محمد بن محمد بن محمد «12» البخارى العجمى الحنفى، الإمام العالم الزاهد المشهور،(15/214)
فى خامس [شهر] «1» رمضان بدمشق. [وسمّاه بعضهم عليّا وهو غلط] «2» ، ومولده فى سنة تسع وسبعين وسبعمائة ببلاد العجم، ونشأ بمدينة بخارى «3» ، وتفقّه بأبيه وعمه علاء الدين عبد الرحمن، وأخذ الأدبيات والعقليات عن العلامة سعد الدين التفتازانى وغيره، ورحل فى شبيبته فى طلب العلم إلى الأقطار، واشتغل «4» على علماء عصره إلى أن برع فى المعقول والمنقول والمفهوم والمنظوم واللغة العربية، [وترقى فى التصوف والتسليك] «5» وصار إمام عصره، وتوجه إلى الهند واستوطنه مدة «6» ، وعظم أمره عند ملوك الهند إلى الغاية، لما شاهدوه من غزير علمه وعظيم زهده وورعه.
ثم قدم إلى مكة المشرفة وأقرأ «7» بها مدة، ثم قدم إلى الديار المصرية واستوطنها سنين كثيرة وتصدّى للإقراء والتدريس، وقرأ عليه غالب علماء عصرنا من كل مذهب وانتفع الجميع بعلمه وجاهه وماله، وعظم أمره بالديار المصرية بحيث أنه منذ قدم القاهرة إلى أن خرج منها لم يتردد إلى واحد من أعيان الدولة حتى ولا السلطان، وتردد إليه جميع أعيان أهل مصر من السلطان إلى من دونه؛ كل ذلك وهو مكب على الأشغال، مع ضعف كان يعتريه ويلازمه فى كثير من الأوقات، وهو لا يبرح عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والقيام فى ذات الله بكل ما تصل قدرته إليه.
ثم بدا له التوجه إلى دمشق فسار إليها، بعد أن سأله السلطان فى الإقامة «8» بمصر [غير مرة] «9» فلم يقبل؛ وتوجه [74] إلى دمشق وسكنها إلى أن مات بها.(15/215)
ولم يخلف بعده مثله، لأنه كان جمع بين العلم والعمل مع الورع الزائد والزهد والعبادة والتحرى فى مأكله ومشربه من الشبهة وغيرها، وعدم قبوله العطاء من السلطان وغيره، وقوة قيامه فى إزالة البدع ومخاشنته لعظماء الدولة فى الكلام، وعدم اكتراثه بالملوك واستجلاب خواطرهم، وهو مع ذلك لا يزداد إلا مهابة وعظمة فى نفوسهم، بحيث أن السلطان كان إذا دخل عليه لزيارته يصير فى مجلسه كآحاد الأمراء، من حين يجلس عنده إلى أن يقوم عنه، والشيخ علاء الدين يكلمه فى مصالح المسلمين ويعظه بكلام غير منمّق، خارج عن الحد فى الكثرة، والسلطان «1» سامع له مطيع. وكذلك لما سافر السلطان إلى آمد، أول ما دخل إلى دمشق ركب إليه وزاره وسلّم عليه، فهذا شئ لم نره وقع لعالم من علماء عصرنا جملة كافية. وهو أحد من أدركناه من العلماء الزهّاد العبّاد، رحمه الله [تعالى] «2» ونفعنا بعلمه وبركته.
وتوفى الشيخ الإمام العالم «3» العلامة علاء الدين على بن موسى بن إبراهيم الرومى الحنفى فى قدمته الثانية إلى مصر، فى يوم الأحد العشرين من شهر رمضان بالقاهرة، وكان ولى مشيخة المدرسة الأشرفية المستجدة بخط العنبريّين بالقاهرة، ثم تركها وسافر إلى الروم، ثم قدم بعد سنين إلى مصر ثانيا وأقام بها إلى أن مات.
وكان بارعا فى علوم كثيرة محققا بحاثا إماما فى المعقول والمنقول، تخرّج بالشيخين: الشريف الجرجانى والسعد التفتازانى، إلى أن برع وتصدى للإقراء والتدريس مدة طويلة، ووقع له أمور طويلة مع فقهاء الديار المصرية، وتعصبوا عليه، وهو ينتصب عليهم وأبادهم، لأنه كان عارفا بعلم الجدل، كان يلزم أخصامه بأجوبة مسكتة، ولهذا حطّ عليه بعض علماء عصرنا بأن قال: كان يفحش فى اللفظ، ولم ينسبه إلى جهل بل ذكر عنه [العلم] «4» الوافر، والفضل ما شهدت(15/216)
به الأعداء؛ ولا أعلم فيه ما ينقصه غير أنه كان مستخفا بعلماء مصر، لا ينظر أحدا منهم فى درجة الكمال.
وكان مما يقطع به أخصامه فى المباحث أنه كان حضر عدة مباحث بين الجرجانى والتفتازانى وغيرهما من العلماء، وحفظ ما وقع بينهم من الأجوبة والأسئلة «1» ، وصار يسأل الناس بتلك الأسئلة والقوم ليس «2» فيهم من هو [فى] «3» تلك الطبقة، فكلّ من سأله سؤالا من ذلك وقف وعجز عن الجواب المرضى وقصر، فيتقدم عند ذلك الشيخ علاء الدين ويذكر الجواب فيعجب كل أحد. وبالجملة فإنه كان عالما مفنّنا، رحمه الله [تعالى] «4» .
وتوفى القاضى ناصر الدين محمد بن بدر الدين حسن الفاقوسى الشافعى، أحد أعيان موقّعى الدّست بالديار المصرية، فى ليلة الاثنين تاسع شوال بالطاعون، عن بضع «5» وسبعين سنة؛ وكان حشما وقورا، وله فضل وأفضال، وحدّث سنين، وسمع منه خلائق، وكان معدودا من الرؤساء «6» بالديار المصرية. وكان مولده بالقاهرة فى ليلة الجمعة خامس عشرين صفر سنة ثلاث وستين وسبعمائة، والفاقوسى نسبة إلى قرية بالشرقية من أعمال مصر تسمى منية الفاقوس.
وتوفى الأمير سيف الدين آقبردى بن عبد الله الفجماسى نائب غزة بها، وكان أصله من مماليك الأمير قجماس والد إينال باى، ترقّى بعده إلى أن صار أمير عشرة بمصر ودام على ذلك سنين كثيرة، إلى أن ولى نيابة غزة بالبذل «7» بعد أن قبض تمراز المؤيدى، فلم تطل مدته ومات، وكان تركى الجنس غير مشكور السيرة.
وتوفى دولات خجا الظاهرى، والى القاهرة ثم محتسبها، بالطاعون فى يوم السبت(15/217)
أول ذى القعدة. وكان أصله تركى الجنس من أوباش مماليك الظاهر برقوق، أعرفه قبل أن يلى الوظائف وهو من جملة حرافيش المماليك السلطانية، ثم ولّاه [الملك] «1» الأشرف الكشف ببعض الأقاليم فأباد المفسدين وقويت حرمته، فمن يومئذ صار ينقله من وظيفة إلى أخرى، حتى ولى القاهرة مرتين وعدة أقاليم، ثم ولّاه حسبة [75] القاهرة.
وقد تقدم من ذكره نبذة كبيرة فى ترجمة [الملك] «2» الأشرف، وفى الجملة أنه كان ظالما فاجرا فاسقا غشوما شيخا جاهلا «3» ضالا «4» خبيثا، عليه من الله ما يستحقه، ولولا أنه شاع ذكره لكثرة ولاياته وأرّخه جماعة من أعيان المؤرخين، ما ذكرته فى هذا الكتاب ونزّهته عن ذكر مثله.
وتوفى الأمير- ثم القاضى- صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين حسن ابن نصر الله الفوّىّ الأصل المصرى، كاتب السر الشريف بالديار المصرية، بالطاعون فى ليلة الأربعاء خامس ذى القعدة. [و] «5» مولده فى [شهر] «6» رمضان سنة تسعين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة تحت كنف والده الصاحب بدر الدين، وتزيّا بزى الجند وولى الحجوبية فى دولة [الملك] «7» الناصر فرج، ثم ولى الأستادّارية فى الدولة المظفّرية ثم عزل، ثم أعيد إليها بعد سنين، ثم عزل بأبيه، وصودر ولزم داره سنين طويلة هو ووالده، إلى أن ولاه [الملك] «8» الأشرف بعد سنة خمس وثلاثين حسبة القاهرة.
وأخذ صلاح الدين بعد ذلك يتقرب بالتحف والهدايا للسلطان ولخواصه، إلى أن اختص به ونادمه، وصار يبيت عنده فى ليالى البطالة بالقلعة، وحج أمير الركب(15/218)
الأول، وعاد فولّاه كتابة السر على حين غفلة، بعد عزل القاضى محب الدين محمد بن الأشقر، من غير سعى، فى يوم الخميس ثانى عشرين ذى الحجة سنة أربعين وثمانمائة، وترك زىّ الجند ولبس زىّ الفقهاء، وصار يدعى بالقاضى بعد الأمير، فباشر كتابة السر بحرمة وافرة وعظم فى الدولة، فلم تطل أيامه ومات فى حياة والده، واستقر والده عوضه فى كتابة السر.
وكان صلاح الدين حشما متواضعا كريما، يكتب المنسوب، إلا أنه كان من الكذبة الذين «1» يضرب بكذبهم المثل، يحكى عنه من ذلك أشياء كثيرة، ورأيت أنا منه نوعا، غير أن الذي حكى [لى] «2» عنه أغرب، وقد جربت أنا كذبه بأنه لا يضر ولا ينفع، وهو أن غالب كذبه كان على نفسه، فيما وقع له قديما وحديثا، فهذا شىء لا يضر أحدا، ولعل الله أن يسامحه فى ذلك.
وتوفى الشهابى أحمد بن [على] «3» ابن الأمير سيف الدين قرطاى بن عبد الله سبط بكتمر الساقى، بالطاعون فى ليلة الاثنين عاشر ذى القعدة. ومولده فى يوم الأحد ثالث عشرين شعبان سنة ست وثمانين وسبعمائة بالقاهرة، ومات ولم يخلف بعده مثله فى أبناء جنسه، لفضائل جمعت فيه، من حسن كتابة ونظم القريض، وحلو محاضرة وجودة مذاكرة؛ وكان سمينا جدا لا يحمله إلا الجياد من الخيل، رحمه الله تعالى «4» . [ومن شعره] «5» : [المجتث]
حبىّ المعذّر وافى «6» ... [من] «7» بعد هجر بوصل(15/219)
وقال:
صف لى عذارى ... فقلت: يا حبّ نملى «1»
وله [أيضا] «2» فى مليح يسمى خصيب «3» : [الطويل]
رعى الله أيام الرّبيع وروضها ... بها الورد يزهو مثل خدّ حبيبى
وإنّى وحقّ الحبّ «4» ليس ترحّلى ... سوى لمكان ممرع وخصيب
وتوفى الأمير إسكندر بن قرا يوسف صاحب تبريز مشتتا عن بلاده بقلعة ألنجا «5» ، ذبحه ابنه شاه قوماط «6» فى ذى القعدة خوفا من شره؛ وملك بعده البلاد أخوه جهان شاه بن قرا يوسف. وكان شجاعا مقداما «7» قويا فى الحروب، أباد قرايلك فى مدة عمره، وتقاتل مع شاه رخ بن تيمور لنك غير مرة، وهو ينهزم على أقبح وجه. وكان إسكندر أيضا على قاعدة أولاد قرا يوسف: لا يتدين بدين، إلا أنه كان أحسن حالا من أخويه شاه محمد وأصبهان؛ وقد مرّ من ذكر إسكندر هذا وإخوته جملة كبيرة تعرف منها أحوالهم.
وتوفى نور الدين على بن مفلح وكيل بيت المال، وناظر البيمارستان [المنصورى] «8» فى يوم الجمعة ثانى عشرين ذى القعدة، بالطاعون. وكان معدودا من بياض الناس «9» ، وله ترداد إلى الرؤساء، غير أنه كان عاريا من العلوم.(15/220)
وتوفى الأمير الكبير سودون من عبد الرحمن نائب [76] الشام ثم أتابك العساكر بالديار المصرية بطّالا بثغر دمياط فى يوم السبت العشرين من ذى الحجة؛ لم يخلف بعده مثله حشمة ورئاسة وعقلا وتدبيرا وشكالة.
وقد مرّ من ذكره فى واقعة الأمير قانى باى نائب الشام فى الدولة المؤيدية أنه كان نائب طرابلس، ووافق قانى باى المذكور، وانهزم بعد قتل قانى باى إلى قرا يوسف بالشرق، وأنه كان ولى نيابة غزة فى الدولة الناصرية فرج، وتقدمة ألف بالقاهرة، وأنه قدم على الأمير ططر بعد موت المؤيد، واستقر بعد سلطنة [الملك] «1» الأشرف دوادارا كبيرا عوضا عن الأشرف المذكور، ثم نقل إلى نيابة دمشق بعد عصيان تنبك البجاسى فدام مدة يسيرة، ثم نقل إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية عوضا عن جارقطلو [بحكم انتقال جارقطلو] «2» إلى نيابة دمشق عوضه، ثم مرض وطال مرضه إلى أن أخرج عنه السلطان إقطاعه وعزله عن الأتابكية، ثم سيّره بعد مدة أشهر إلى ثغر دمياط بطّالا فدام به إلى أن مات. وكان أجلّ المماليك الظاهرية [برقوق] «3» ، وهو أحد من أدركناه من ضخماء الملوك وعظمائهم، مع حسن الشكالة والزى البهيج رحمه الله تعالى.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة وعشرون أصبعا؛ مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا وخمسة عشر أصبعا «4» .(15/221)
ذكر سلطنة الملك العزيز [يوسف] «1» ابن السلطان «2» الملك الأشرف برسباى الدّقمافى «3»
السلطان الملك العزيز جمال الدين أبو المحاسن يوسف ابن السلطان الملك الأشرف [سيف الدين أبى نصر] «4» برسباى الدّقماقى الظاهرى الجاركسى، التاسع من ملوك الجراكسة وأولادهم، والثالث والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، تسلطن بعد موت أبيه بعهد منه إليه، فى آخر يوم السبت ثالث عشر ذى الحجة قبل غروب الشمس بنحو ساعة، ولبس خلعة السلطنة من باب الستارة بقلعة الجبل، وقد تكامل حضور الخليفة والفضاة والأمراء وأعيان الدولة، وبايعه الخليفة المعتضد بالله داؤد وفوّض عليه خلعة السلطنة السواد «5» الخليفتى، وركب من باب الستارة وجميع الأمراء مشاة بين يديه، حتى نزل على باب النصر السلطانى من قلعة الجبل، ودخل إليه وجلس على سرير الملك وعمره يومئذ أربع عشرة سنة وسبعة أشهر، وقبّل الأمراء الأرض بين يديه على العادة ونودى بسلطنته بالقاهرة ومصر، ثم أخذ الأمراء فى تجهيز والده فجهز وغسل وكفن وصلى عليه، ودفن بالصحراء حسبما ذكرناه فى ترجمته، ولقبوه بالملك العزيز وتم أمره فى الملك ودقّت الكوسات «6» بالقلعة.
وكان خليفة الوقت يوم سلطنته، المعتضد بالله داؤد العباسى؛ والقضاة: قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن [علىّ] بن حجر الشافعى، وقاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، وقاضى القضاة شمس الدين محمد البساطى المالكى، وقاضى القضاة محبّ الدين أحمد بن نصر الله البغدادى الحنبلى.(15/222)
ومن الأمراء أصحاب الوظائف من المقدمين، وغالبهم كان مجردا بالبلاد الشامية، فالذين «1» كانوا بالديار المصرية: الأمير الكبير أتابك العساكر جقمق العلائى، والأمير قراخجا الحسنى، والأمير تنبك من بردبك الظاهرى، والأمير تغرى بردى البكلمشى المعروف بالمؤذى؛ والذين «2» كانوا بالتجريدة بالبلاد الشامية: مقدم العساكر الأمير قرقماس الشعبانى الناصرى أمير سلاح، وآقبغا التّمرازى أمير مجلس، وأركماس الظاهرى الدوادار الكبير، وتمراز القرمشى الظاهرى رأس نوبة النّوب، وجانم الأشرفى الأمير آخور الكبير، ويشبك السّودونى حاجب الحجاب، وخجا سودون السّيفى بلاط الأعرج، وقراجا الأشرفى، لتتمة ثمانية من مقدمى الألوف، فجملة الحاضرين والمسافرين ثلاثة عشر أميرا من المقدمين.
وأما من كان من أصحاب الوظائف من أمراء الطبلخاناه والعشرات: فشادّ الشراب خاناه عظيم المماليك الأشرفية إينال الأبوبكريّ الأشرفى الفقيه العالم، ونائب القلعة تنبك السّيفى نوروز الخضرىّ المعروف بالجقمقى كلا شىء، والحاجب الثانى أسنبغا الناصرى [77] المعروف بالطيّارى، والزّرد كاش تغرى برمش السيفى يشبك بن أزدمر، فهؤلاء وإن كانوا أمراء طبلخاناه وعشرات فمنازلهم منازل مقدمى الألوف، لأن الأعصار الخالية كان لا يلى كلّ وظيفة من هذه الوظائف إلا مقدم ألف، ويظهر ذلك من لبسهم الخلع فى المواسم وغيرها؛ وكان الدوادار الثانى تمر باى السيفى تمربغا المشطوب، ورأس نوبة ثانى طوخ من تمراز الناصرى، والأمير آخور الثانى يخشباى المؤيدى ثم الأشرفى، والخازندار على باى الساقى الأشرفى وهو أمير عشرة، وأستادّار الصحبة مغلباى الجقمقى «3» أمير عشرة، والزمام الطواشى الحبشى جوهر الجلبانى اللالا، والخازندار الطواشى الحبشى جوهر القنقبائى أمير عشرة أيضا، ومقدم المماليك الطواشى الرومى خشقدم اليشبكى أمير طبلخاناه، ونائبه فيروز الرّكنى أمير عشرة.(15/223)
ومباشرو الدولة كاتب السر الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله الفوّىّ، وناظر الجيش زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقى، والوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ، وناظر الخاص الشريف الصاحب جمال الدين يوسف ابن كاتب جكم، والأستادّار جانبك مملوك عبد الباسط صورة- ومعناها أستاذه عبد الباسط، ولولا مخافة أن أتّهم بالنسيان لوظيفة الأستادارية ما ذكرناه هنا- ومحتسب القاهرة القاضى الإمام نور الدين على السّويفى أحد أئمة السلطان، ووالى القاهرة عمر الشّوبكى.
و [من] «1» عاصره من ملوك الأقطار وأمراء الحجاز ونواب البلاد الشامية وغيرها: فممالك العجم بيد القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك، وهو صاحب خراسان وجرجان وخوارزم وما وراء النهر ومازندران وجميع عراق العجم وغالب ممالك الشرق، إلى دلى من بلاد الهند، وإلى حدود أذربيجان التى كرسيّها مدينة تبريز؛ وصاحب تبريز يومذاك إسكندر بن قرا يوسف، وقد تشتّت عنها منهزما من شاه رخ؛ وقتل فى هذه السنة أخوه أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد وغالب عراق العرب «2» ، وقد خربت تلك الممالك فى أيامه وأيام أخيه شاه محمد؛ وملوك ديار بكر [من وائل] «3» عدة كبيرة، فصاحب ماردين وآمد وأرزن وأرقنين وغيرهم أولاد قرايلك؛ وحصن كيفا بيد الملك الكامل صلاح الدين خليل الأيوبى، وقلعة أكلّ بيد دولات شاه الكردى، والجزيرة بيد عمر البختىّ، وإقليم شماخى بيد السلطان خليل، والروم بيد ثلاثة ملوك، أعظمهم السلطان مراد بك بن محمد بن عثمان صاحب برصّا، وأدرنا بولى «4» ، وغيرها.(15/224)
وبجانب آخر: إسفنديار «1» بن أبى يزيد، وباقى أطراف الروم مع السلطان إبراهيم بن قرمان، مثل لارنده وقونية وغيرهما؛ وبلاد المغرب: فصاحب تونس وبجاية وبلاد إفريقية أبو عمرو عثمان بن أبى عبد الله محمد ابن مولاى أبى فارس عبد العزيز الحفصى، وبلاد تلمسان والغرب الأوسط: أبو يحيى بن أبى حمّود، [و] «2» بممالك فاس ثلاثة «3» ملوك: أعظمهم صاحب فاس، وهو أبو محمد عبد الحق بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن المرينى، وملك أندلس أبو عبد الله محمد بن الأيسر ابن الأمير نصر ابن السلطان أبى عبد الله بن نصر المعروف بابن الأحمر صاحب غرناطة.
وصاحب مكة المشرفة زين الدين أبو زهير بركات بن حسن بن عجلان الحسينى «4» ؛ وأمير المدينة الشريف إميان بن مانع بن على الحسينى؛ وأمير الينبوع الشريف عقيل بن زبير بن نخبار. وببلاد «5» اليمن: الظاهر يحيى ابن الملك الأشرف إسماعيل من بنى رسول «6» ، وهو صاحب تعزّ وعدن وزبيد وما والاها «7» ؛ وصاحب صنعاء وبلاد صعدة الإمام صلاح الدين محمد؛ وبلاد الفرنج ستّ عشرة «8» مملكة يطول الشرح فى تسميتها «9» ؛ وببلاد الحبشة: الحطىّ الكافر ومحاربه ملك المسلمين شهاب الدين أحمد بن بدلاى «10» ابن السلطان سعد الدين أبى البركات محمد(15/225)
ابن أحمد بن على بن ناصر الدين محمد بن دلحوى بن منصور بن عمر بن ولشمع «1» الجبرتى «2» الحنفى.
ونواب البلاد الشامية: نائب [78] دمشق الأتابك إينال الجكمى، ونائب حلب حسين بن أحمد البهسنى المدعو تغرى برمش، ونائب طرابلس جلبان الأمير آخور، [وفى معتقده أقوال كثيرة] «3» ، ونائب حماه قانى باى الحمزاوى، ونائب صفد إينال العلائى الناصرى، أعنى السلطان الملك «4» الأشرف إينال؛ ونائب غزة آقبردى القجماسى، ومات بعد أيام؛ ونائب الكرك خليل بن شاهين؛ ونائب القدس طوغان العثمانى؛ ونائب ملطية حسن بن أحمد أخو نائب حلب؛ وحسن الأكبر- انتهى.
قلت: وفائدة ما ذكرناه هنا من ذكر أصحاب الوظائف من الأمراء وغيرهم، يظهر بتغيير الجميع وولاية غيرهم بعد مدة يسيرة فى أوائل سلطنة [الملك] «5» الظاهر جقمق، لتعلم تقلبات الدهر وأن الله على كل شىء قدير.
وأما ذكر ملوك الأطراف وغيرهم فهو نوع استطراد لا يخلو من فائدة، وليس فيه خروج مما نحن بصدده- انتهى.
*** ولما تم أمر السلطان الملك العزيز ونودى بسلطنته وبالنفقة على المماليك السلطانية فى يوم الاثنين خامس عشر ذى الحجة، لكل مملوك مائة دينار، سكن قلق الناس وسرّوا جميعا بولايته، ولم يقع فى ذلك اليوم هرج ولا فتنة ولا حركة، واطمأنت(15/226)
الناس، وباتوا على ذلك وأصبحوا فى بيعهم وشرائهم «1» ؛ غير أن المماليك صاروا فرقا «2» مختلفة، والقالة موجودة بينهم فى الباطن.
ولما كان يوم الأحد رابع عشر ذى الحجة، حضر الأمراء والخاصكيّة للخدمة بالقصر على العادة، وأنعم السلطان الملك العزيز على الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله بجزيرة الصابونى «3» زيادة على ما بيده، وكتب إلى البلاد الشامية ولجميع الممالك بسلطنته.
ثم فى يوم «4» الاثنين ابتدأ السلطان بنفقة المماليك السلطانية بعد أن جلس بالمقعد الملاصق [لقاعة] «5» الدّهيشة المطل على الحوش السلطانى، وبجانبه الأمير الكبير جقمق العلائى وبقية الأمراء. وشرع السلطان فى دفع النفقة إلى المماليك السلطانية، لكل واحد مائة [دينار] «6» ، كبيرهم وصغيرهم وجليلهم وحقيرهم بالسوية، فحسن ذلك ببال الناس وكثر الدعاء للسلطان وعطفت القلوب على محبته. ثم عيّن للتوجه إلى البلاد الشامية للبشارة الأمير إينال الأحمدى الظاهرى الفقيه أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وعلى يده مع البشائر كتب للأمراء المجردين بالبلاد الشامية تتضمن موت [الملك] «7» الأشرف وسلطنة ولده الملك العزيز هذا.
ثم قدم رسول الأمير حمزة بن قرايلك صاحب ماردين وأرزن وصحبته شمس الدين القلمطاوى، ومعهما هدية وكتاب يتضمن دخول حمزة [المذكور] «8» فى طاعة السلطان، وأنه أقام الخطبة وضرب السكة إلى السلطان ببلاده، وأنه صار من(15/227)
جملة نواب السلطان، وكان الأمراء المجردون «1» كاتبوه فى دخوله فى طاعة السلطان فأجاب؛ وفى جملة الهدية دراهم ودنانير بسكة السلطان [الملك] «2» الأشرف برسباى، فخلع على قاصده وأكرمه.
ثم خلع السلطان فى يوم الثلاثاء سادس عشر ذى الحجة على الأمير طوخ مازى الناصرى- ثانى رأس نوبة- باستقراره فى نيابة غزة بعد موت آقبردى القجماسى.
كل ذلك والسلطان يطيل السكوت فى المواكب السلطانية [و] «3» لا يتكلم فى شئ من الأمور، وصار المتكلم فى الدولة ثلاثة أنفس: الأمير الكبير جقمق العلائى، والأمير إينال الأبوبكرى الأشرفى شادّ الشراب خاناه، والزينى عبد الباسط ناظر الجيش؛ فمشى الحال على ذلك أباما ثلاثة «4» .
فلما كان يوم السبت العشرين من ذى الحجة، وقع بين الأمير إينال الأبوبكرى المذكور وبين جكم الخاصكى- خال [الملك] «5» العزيز- مفاوضة آلت إلى شر؛ وابتدأت الفتنة من يومئذ، وعظّم الأمر بينهما «6» من له غرض فى إثارة الفتن لغرض من الأغراض. وكان سبب الشر إنكار جكم على إينال لتحكمه فى الدولة، وأمره ونهيه، وكونه صار يبيت بالقلعة، فغضب إينال أيضا ونزل إلى داره، ومال إليه جماعة كبيرة من إنياته بطبقة الأشرفية. ثم نزل عبد الباسط إلى داره من الخدمة، فتجمع عليه جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية وأحاطوا به وأوسعوه سبّا، وربما أراد بعضهم ضربه والأخراق به، لولا ما خلّصه [79] بعض من كان معه من أمراء المؤيدية بأن تضرع للمماليك المذكورين ووعدهم بعمل المصلحة حتى تفرقوا عنه، وتوجه إلى داره على أقبح وجه.(15/228)
واستمر من هذا اليوم الكلمة مختلفة وأحوال الناس متوقفة، وصار كل من المماليك الأشرفية يريد أن يكون هو المتكلم فى الدولة، ويقدم إنياته ويجعلهم خاصكيّة.
كل ذلك والأمير الكبير جقمق سامع لهم ومطيع، وصار يدور معهم كيف ما أرادوا، وإينال المشدّ يزداد غضبه ويكثر من القالة، لتحكم جكم فى الباطن، والشر ساكن فى الظاهر، والمملكة مضطربة ليس للناس [فيها] «1» من يرجع إلى كلامه.
فلما كان يوم السبت سابع عشرين ذى الحجة أنعم السلطان الملك العزيز على الأتابك جقمق العلائى بإقطاعه الذي كان «2» بيده فى حياة والده، بعد أن سأل السلطان الأتابك جقمق فى ذلك غير مرة، وأنعم بإقطاع الأتابك جقمق على الأمير تمراز القرمشى رأس نوبة النّوب، وهو أحد الأمراء المجردين إلى البلاد الشامية، وأنعم بإقطاع تمراز المذكور على تمرباى التمربغاوى الدوادار الثانى، والجميع تقادم ألوف لكن التفاوت فى كثرة الخراج وزيادة المغلّ فى السنة.
وأنعم بإقطاع تمرباى المذكور على الأمير علىّ باى الأشرفى الساقى الخازندار، وأنعم بإقطاع طوخ مازى الناصرى- المنتقل إلى نيابة غزة قبل تاريخه- على الأمير يخشباى الأشرفى الأمير آخور الثانى، وأنعم بإقطاع يخشباى المذكور على الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى رأس نوبة، والجميع أيضا طبلخاناة.
وأنعم بإقطاع يلخجا الساقى على السيفى قانى باى الجاركسى وصار أمير عشرة، بعد أن جهد الأتابك جقمق فى أمره وسعى فى ذلك غاية السعى، وأرسل بسببه إلى عبد الباسط وإلى الأمير إينال المشد غير مرة حتى تم له ذلك. وخلع السلطان على الأمير إينال الأبوبكرى المشد باستقراره دوادارا ثانيا عوضا عن تمر باى؛ كل ذلك والقالة موجودة بين جميع العسكر ظاهرا وباطنا.(15/229)
ثم أصبح من الغد فى يوم الأحد خلع السلطان على الأمير على باى الخازندار، باستقراره شادّ الشراب خاناه، عوضا عن إينال الأبوبكريّ.
ثم فى يوم الاثنين استقر دمرداش الأشرفى، أحد أصاغر المماليك الأشرفية، والى القاهرة عوضا عن [عمر] «1» الشّوبكى، وانفض الموكب ونزل الأتابك إلى جهة بيته.
فلما كان فى أثناء الطريق اجتمع عليه جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية وطلبوا منه أرزاقا، فأوعدهم وخادعهم وتخلص منهم، فتوجهوا إلى الزينى عبد الباسط ناظر الجيش فاختفى منهم، وقد صار فى أقبح حال منذ مات [الملك] «2» الأشرف، من الذلة والهوان ومما داخله [من] «3» الخوف من المماليك الأشرفية من كثرة التهديد والوعيد، وقد احتار فى أمره وهم على الهروب غير مرة.
واستهلت سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة يوم الثلاثاء، وقد ورد الخبر بقدوم عرب لبيد إلى البحيرة، فندب السلطان تغرى بردى البكلمشى المؤذى «4» أحد مقدمى الألوف، فخرج من القاهرة فى يوم الجمعة رابع المحرم وصحبته عدة من المماليك السلطانية «5» . وفى هذا اليوم خلع السلطان على خاله جكم باستقراره خازندارا كبيرا عوضا عن على باى الأشرفى، واستمر على إقطاع جنديته من غير إمرة.
ثم فى يوم الاثنين خامس عشر المحرم نزل الطلب إلى شيخ الشيوخ سعد الدين سعد الديرى، وخلع عليه باستقراره قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى، بعد تمنع كبير وشروط منها: أنه لا يقبل رسالة أحد منهم- أعنى أكابر الدولة- وأنه لا يتجوّه عليه فى شىء، وأشياء غير ذلك؛ ونزل إلى داره بالجامع المؤيدى وقد سر الناس بولايته غاية السرور.(15/230)
وفيه أنعم السلطان على سبعة من الخاصكية، لكل منهم بإمرة عشرة، وهم: قانم من صفر خجا المؤيّدى المعروف بالتاجر أحد الدوادارية، وجكم النّوروزى المجنون، وقانبك الأبوبكريّ الأشرفى الساقى، وجانبك الساقى الأشرفى المعروف بقلق سيز «1» ، وجانم الأشرفى أحد الدوادارية المعروف برأس نوبة سيّدى، وجرباش الأشرفى رأس نوبة [80] الجمدارية المعروف بمشدّ سيّدى، والسابع ما أدرى: أهو جكم خال [الملك] «2» العزيز أو هو آقبردى المظفّرى الظاهرى [برقوق] «3» رأس نوبة الجمدارية؟
وفيه أيضا خلع السلطان على مراد قاصد الأمير حمزة بك بن قرايلك ورسم بسفره وصحبته شمس الدين القلمطاوى أحد موقّعى حلب، وجهز السلطان صحبتهما مبارك شاه البريدى وعلى يده جواب كتاب الأمير حمزة بشكره والثناء عليه، وتشريف له بنيابة السلطنة بممالكه، وفرس بقماش ذهب، وهدية هائلة، ما «4» بين قماش سكندرى وسلاح وغيره، ونسخة يمين، وأجيب الأمراء المجردون أيضا عن كتبهم، ورسم لهم أن يسرعوا فى الحضور إلى الديار المصرية.
وفى هذه الأيام كثر الكلام بين الأمراء والخاصكية بسبب التوجه إلى البلاد الشامية وحمل تقاليد النواب بالاستمرار، إلى [أن كان] «5» يوم السبت تاسع عشر المحرم خلع السلطان على الأمير أزبك «6» السيفى قانى باى «7» أحد أمراء العشرات ورأس نوبة- المعروف بجحا- وعين لتقليد الأمير إينال الجكمى نائب الشأم، باستمراره على عادته، وكان تقدم أن السلطان خلع على الأمير إينال الفقيه بتوجهه إلى نائب حلب، وخلع السلطان على إينال الخاصكى بتوجهه إلى الأمير جلبان نائب طرابلس،(15/231)
وعلى دولات باى الخاصكى [بالتوجه] «1» إلى قانى باى الحمزاوى نائب حماه، وعلى يشبك الخاصكى بالتوجه إلى إينال العلائى الناصرى نائب صفد، كل ذلك والنواب فى التجريدة صحبة الأمراء المصريين.
[و] «2» فى هذا اليوم حل بالزينى عبد الباسط أمور غير مرضية من بعض المماليك الأشرفية فى وقت الخدمة السلطانية، هذا بعد ما نزل به قبل تاريخه فى هذه الأيام من «3» أنواع من المكاره، ما بين تهديد ولكم وإساءة، احتاج من أجلها إلى بذل الأموال لهم ولمن يحميه منهم ليخلص «4» من شرهم، فلم يتم له ذلك.
ثم فى ثالث عشرين المحرم قدم ركب الحاج إلى القاهرة، وأمير [حاج] «5» المحمل آقبغا من مامش الناصرى المعروف بالتركمانى «6» ، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بعد أن حل بالحاج من البلاء ما لا مزيد عليه، من أخذهم وأخذ أموالهم ونهيهم، وقد فعلت الأعراب بهم ما فعله التّمريّة «7» فى أهل البلاد الشامية، ومعظم المصيبة كانت بالركب الغزّاوى، فلم يلتفت أحد من أهل الدولة لذلك «8» ، لشغل كل واحد بما يرومه من الوظائف والإقطاعات وغيرها «9» ، ودع الدنيا تخرب ويحصل له مراده.
ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشرين «10» المحرم قدم إلى القاهرة مماليك نواب البلاد(15/232)
الشامية، وعلى أيديهم مطالعات تتضمن أنهم ملكوا مدينة أرزنكان «1» وأنه خطب بها باسم [السلطان] «2» الملك الأشرف برسباى، ولم يعلموا إذ ذاك بموته.
ثم فى يوم الخميس أول صفر عملت الخدمة السلطانية ونزل كل واحد إلى داره، فلما كان عبد الباسط بالقرب من باب الوزير تجمع عليه عدة من المماليك الأشرفية وتحاوطوه وأوسعوه سبّا ووعيدا، وهمّوا به، وأراد [بعضهم] «3» ضربه، حتى منعه عنه من كان معه من الأمراء، وتخلص منهم وولى هاربا يريد القلعة، حتى دخلها وهم فى أثره؛ فامتنع بها فأقام بالقلعة يومه كلّه وبات بها وهو يطلب الإعفاء من وظيفتى نظر الجيش والأستادارية.
وأصبح السلطان من الغد جلس بالحوش السلطانى على الدّكّة، وطلع الأمير الكبير جقمق نظام الملك واستدعى عبد الباسط إلى حضرة السلطان، والسلطان على عادته من السكات لا يتكلم فى شىء من أمور المملكة، وليس ذلك لصغر سنّه، وإنما هو لأمر يريده الله تعالى. فلما حضر عبد الباسط كلّمه الأمير الكبير فى استمراره على وظيفته، فشكا «4» له ما يحلّ «5» به، فلم يلتفت إلى شكواه وخلع عليه باستمراره، وعلى مملوك جانبك باستمراره على وظيفته الأستادارية، ونزلا إلى دورهما ومعهما جماعة كبيرة.
ثم فى يوم الأحد رابع صفر ورد على السلطان كتاب الأمير إينال الجكمى نائب الشام بوصوله بالعساكر المصرية والشامية من البلاد النمالية إلى حلب، وأن الأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش نائب حلب تأخر عنهم لما بلغه موت [الملك] «6»(15/233)
الأشرف، وأنه أراد أن يكبس على الأمراء المصريين، فبلغهم ذلك فاحترزوا على نفوسهم [81] منه إلى أن دخلوا إلى حلب.
ثم فى يوم السبت عاشر صفر رسم [السلطان] «1» بأن تقتصر الخدمة السلطانية على أربعة أيام فى الجمعة، وأن تكون الخدمة بالقصر فقط عندما يحضر الأتابك جقمق، وأن تبطل خدمة الحوش لغيبة الأتابك منه، وهذا ابتداء أمر الأتابك جقمق وظهوره فى الدولة، لكثرة من انضم عليه من الطوائف من الأمراء وأعيان المماليك السلطانية.
ثم قدم كتاب نائب حلب يتضمن رحيل العساكر من حلب إلى دمشق فى سادس عشرين المحرم، وأنه قدم إلى حلب بعدهم فى ثامن عشرينه، وأنه كان تخوّف من الأمراء المصريين أن يقبضوا عليه فلهذا تخلف عنهم، وأنه فى طاعة السلطان وتحت أوامره، فلم يجب بشىء لشغل أهل الدولة بما هم فيه من تنافر قلوب بعضهم من بعض، وقد وقع أيضا بين المماليك الأشرفية [وبين خجداشهم، وأعظمهم الأمير إينال الأبوبكريّ الدوادار الثانى.
فلما كان يوم الاثنين ثانى عشر تجمع المماليك الأشرفية] «2» بالقلعة يريدون قتل الأمير إينال الأبوبكريّ الدوادار الثانى «3» [المقدم ذكره] «4» ، ففرّ منهم بحماية بعضهم له، ونزل إلى داره، فوقفوا خارج القصر وسألوا الأمير جقمق بأن يكون هو المستبد فى الأمر والنهى والتحكم فى الدولة، وأن ترفع يد إينال وغيره من الحكم فى المملكة، فأجاب إلى ذلك ووعدهم بكل خير، ونزل. وقد اتسع للأتابك جقمق- بهذا الكلام- الميدان، ووجد لدخوله فى المملكة بابا كبيرا، فإنه كان عظم جمعه قبل ذلك لكنه كان تخشّى كثرة المماليك الأشرفية، فلما وقع الآن بينهم المباينة خفّ عنه أمرهم قليلا وقوى أمره؛ كل ذلك ولم يظهر منه الميل للوثوب على [الملك] «5»(15/234)
العزيز بالكلية، غير أنه يوافق القوم فى الإنكار على فعل المماليك الأشرفية وكثرة شرورهم لا غير.
ولما كان صباح النهار المذكور، وهو يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر، وقف جماعة كبيرة «1» من الأشرفية تحت القلعة بغير سلاح ووقع بينهم وبين خجداشيّتهم الذين هم من طبقة الأشرفية من إنيات «2» إينال وإخوته، وقعة هائلة بالدبابيس، ثم انفضوا وعادوا من الغد فى يوم الأربعاء إلى مكانهم بسوق الخيل.
فلما وقع ذلك تحقق المماليك القرانيص وقوع الخلف بين المماليك الأشرفية، فقاموا عند ذلك وتجمعوا عند الأمير الكبير، ومعهم الأمير إينال المذكور بإنياته وخجداشيّته من المماليك الأشرفية وهم جمع كبير أيضا، وتكلموا مع الأمير الكبير بالقيام فى نصرة إينال المذكور، وليس ذلك مرادهم وإنما قصدهم غير ذلك، لكنهم لم يجدوا مندوحة لغرضهم أحسن من هذه الحركة، وأظهروا الميل الكلى إلى نصرة إينال، وصاروا له أصدقاء وهم فى الحقيقة أعدى العدى «3» ، فمال الأتابك جقمق إلى نصرة إينال لكوامن كانت عنده من القوم، وقد صار بهذه القضية فى عسكر هائل وجمع كبير من المماليك الظاهرية [برقوق] «4» وهم خجداشيته، والمماليك الناصرية [فرج] «5» والمماليك المؤيدية شيخ والسّيفية وعالم كبير من المماليك الأشرفية أصحاب إينال.
وبقى العسكر قسمين: قسم مع الأمير الكبير جقمق، وهم من ذكرنا ومعظم الأمراء من مقدمى الألوف، وغالب أمراء الطبلخانات والعشرات، ما خلا جماعة من أمراء الأشرفية؛ وقسم آخر بالقلعة عند السلطان الملك العزيز، وهم أكثر المماليك الأشرفية، وعندهم الخليفة والخزائن والزّردخانة، إلا أنهم جهال بمكايد الأخصام(15/235)
ووقائع الحروب، لم تمر بهم التجارب ولا مارسوا الوقائع. وأعظم من هذا أنهم لم يقرّبوا أحدا من الأكابر وأرباب المعرفة، فضلّوا وأضلوا وذهبوا وأذهبوا وأضعفوا بسوء تدبيرهم قواهم، وتركوا الملك باختلاف آرائهم «1» لمن عداهم، على ما سيأتى بيان ذلك كله فى محله.
هذا، وكل من الطائفتين يدّعى طاعة الملك العزيز غير أن الخصم «2» هو إينال، وقد التجأ إلى الأمير الكبير جقمق نظام الملك فقبله الأمير الكبير بمن معه، وقام فى الظاهر بنصرة إينال أتم قيام وفى الحقيقة إنما هو قام بنصرة نفسه، وقد ظهر ذلك لكل أحد حتى لإينال غير أنه صار يستبعد ذلك لعظم خديعة جقمق له، وأيضا لأنه أحوجه الدهر أن يكون من حزبه، كما قيل:
وما من حبّه أحنو عليه ... ولكن بغض قوم آخرين
[82] ولما وقع ذلك استفحل أمر الأتابك، وتكاثف جمعه، ومعظم من قام فى هذه القضية معه المماليك المؤيّدية، وقد أظهروا ما كان فى ضمائرهم من الأحقاد القديمة فى الدولة الأشرفية، وأخذوا فى الكلام مع الأتابك وتقوية جنابه على الوثوب بالمماليك الأشرفية الذين بقلعة الجبل، وهو يتثاقل عن ذلك حتى يتحقق من أمرهم ما يثق به، وصار يعتذر لهم بأعذار كثيرة: منها قلة المال والسلاح، وأن الذين «3» بقلعة الجبل أقوياء بالقلعة والمال والسلطان والسلاح. فقالوا: هو ما قلت، غير أن هؤلاء جهلة لا يدرون الوقائع ولا مقاومة الحروب ولا أمر العواقب، ونحن أعرف بذلك منهم، وجمعنا يقاتل معك من غير أن تبذل لهم الأموال.
ولا زالوا به حتى أذعن لهم، بعد أن بلغه عن بعضهم أنه يقول عنه: «الأمير(15/236)
الكبير دقن المرأة» ، وأشياء غير ذلك، كونه لا يوافقهم على الركوب، وأنهم يقولون:
«إن كان الأمير الكبير ما يوافقنا أقمنا لنا أستاذا غيره» .
ولما وافقهم الأمير الكبير على الركوب، أشاروا عليه بعدم الطلوع إلى الخدمة السلطانية من الغد فى موكب يوم الخميس خامس عشر صفر، فقبل منهم ذلك وأصبح يوم الخميس المذكور وقد كثر جمعه، وتحول من داره التى تجاه الكبش على بركة الفيل، إلى بيت نوروز الحافظى تجاه مصلاة المؤمنى، وقد اجتمع عليه خلائق من المماليك من سائر الطوائف وعليهم السلاح الكامل وآلة الحرب. وقبل أن يركب الأمير الكبير جقمق عند وضع رجله فى الركاب قال: «هذا دقن المرأة بيركب [حتى] «1» نبصر إيش تفعل الرجال الفحوله» فصلحوا بأجمعهم: «نقاتل بين يديك إلى أن نفنى أو ينصرك الله على من يعاديك» .
ثم سار بجموعه حتى وافى البيت المذكور فوقف على باب الدار، وقد اجتمع عليه جمع من المماليك والزّعر «2» والعامة، فوعدهم الأمير الكبير بالنفقة والإحسان إليهم، كل ذلك ولم يقع إلى الآن قتال. فلما تحقق المماليك الأشرفية ركوب الأمير الكبير، ورأوهم من أعلى قلعة الجبل، أخرجوا السلطان من الدور إلى القصر المطل على «3» الرّميلة واجتمعوا عليه بالقصر وغيره، وقد لبسوا السلاح أيضا.
وكان كبراء الأشرفية الذين «4» بالقلعة عند الملك العزيز، من أمراء الأشرفية وغيرهم جماعة: منهم الأمير يخشباى الأشرفى الأمير «5» آخور الثانى، وعلى باى شادّ الشراب(15/237)
خاناة وتنبك النّوروزى المعروف بالجقمقى نائب قلعة الجبل، وخشكلدى من سيّدى بك الناصرى رأس نوبة، وكزل السّودونى المعلم رأس نوبة، وجكم الخازندار خال [الملك] «1» العزيز، وجماعة أخر ممن تأخر فى أمسه من المماليك الأشرفية، ومعظم الخاصكيّة الأشرفية، أصحاب الوظائف وغيرهم، ما خلا من نزل منهم مع الأمير إينال الأبوبكريّ، واستعدوا لقتال الأمير الكبير ومن معه، وباتوا تلك الليلة، بعد أن تناوشوا فى بعض الأحيان بالرمى بالنشاب، ولم يقع قتال فى مقابله.
وأصبحوا فى «2» يوم الجمعة سادس عشر صفر على ما باتوا عليه، واستمر كل طائفة من الفريقين على تعبيتهم إلى بعد صلاة العصر، فزحف بعض «3» أصحاب الأمير الكبير إلى باب القرافة، وهدموا جانبا من سور ميدان القلعة وغيره، ودخلوا إلى الميدان، فنزل إليهم طائفة من السلطانية ركبانا ومشاة وقاتلوهم مواجهة، حتى هزموهم وأخرجوهم من الميدان، وتراموا بالنشاب ساعة فحال بينهم الليل، وبات كل طائفة منهم على حذر. وتوجهت الأشرفية الذين بالقلعة، وفتحوا [باب] «4» الزردخانة السلطانية، وأخذوا من السلاح الذي بها ما أرادوا، ونصبوا «5» مكاحل النفط على سور القلعة، وأخذوا فى أهبة القتال.
حتى أصبحوا يوم السبت سابع عشر صفر وقد استفحل أمر السلطانية من عصر أمسه، فتجمعت الجقمقيّة وابتدأوا بقتال السلطانية، فوقع بين الطائفتين قتال بالنشاب والنفوط، فهلك من العامة خلائق ممن كان من حزب الأمير جقمق؛ كل ذلك وأمر السلطانية «6» يقوى إلى بعيد «7» الظهر، فلاح «8» عليهم الخذلان من غير أمر(15/238)
يوجب [83] ذلك، ومشت القضاة «1» بين السلطان والأمير الكبير جقمق غير مرة، فى الصلح والكفّ عن القتال وحقن دماء المسلمين، وإخماد الفتنة.
هذا وقد ترجح جهة الأمير الكبير جقمق، وطمعت عساكره فى السلطانية، فقال الأمير الكبير: أصطلح بشرط أن يرسل السلطان إلىّ بأربعة نفر، وهم: جكم خال [الملك] «2» العزيز الخازندار، وتنم الساقى، وأزبك البواب، ويشبك الفقيه الأشرفى الدوادار؛ فأذعن السلطان ومن عنده لذلك بعد كلام كثير، فنزل «3» الأربعة من القلعة، بعد صلاة العصر من يوم السبت المذكور، مع من كان تردد فى الصلح، وساروا حتى دخلوا بيت الأمير الكبير، فحال وقع بصره عليهم قبض عليهم واحتفظوا بهم.
وركب الأمير الكبير فرسه وساروا معه أعيان أصحابه إلى أن صار فى وسط الرّميلة تجاه باب السلسلة، فنزل عن فرسه بعد أن فرش [له] «4» ثوب سرج جوخ، وقبّل الأرض بين يدى السلطان الملك العزيز لكونه أرسل إليه أخصامه، ثم ركب فى أصحابه وعاد إلى بيته بالكبش ومعه المقبوض عليهم، إلى أن نزل بداره فى موكب جليل إلى الغاية.
وأخذ أمر [الأمير] «5» الكبير [جقمق] «6» من هذا اليوم فى زيادة وقوة، وأمر [الملك] «7» العزيز ومماليك أبيه [الأشرفية] «8» فى نقص ووهن «9» وإدبار.
وأصبح بكرة يوم الأحد ثامن عشر صفر أرسل الأمير الكبير إلى السلطان «10»(15/239)
فى طلب جماعة أخر من المماليك الأشرفية، فنزل إليه الأمير يخشباى الأمير آخور الثانى، والأمير على باى شادّ الشراب خاناه، وهما من عظماء القوم والمشار إليهما من القلعية الأشرفية، وقبّلا يد الأمير الكبير جقمق، فأكرمهما الأمير الكبير ووعدهما بكل خير، ثم أمر فى الحال بطلب [الأمير] الطواشى خشقدم اليشبكى مقدم المماليك السلطانية فحضر إليه وقبّل يده، فأمره الأمير الكبير أن يتقدم بنزول جميع من فى الأطباق من المماليك الأشرفية وهدّده إن لم يفعل ذلك، فاستبعد الناس وقوع ذلك لكثرة المماليك الأشرفية وشدة بأسهم.
فحالما طلع خشقدم وأمرهم بالنزول أجابه الجميع بالسمع والطاعة، ونزل صبيان طبقة بعد طبقة إلى بيت الأمير الكبير، وقد حضر عنده قضاة القضاة الأربعة «1» وأهل الدولة وأعيانها، وحلّفوا الأمير الكبير على طاعة السلطان، ثم حلّفوا المماليك الأشرفية على طاعة الأمير الكبير، وحكم قاضى القضاة سعد الدين [بن] «2» الديرى الحنفى بسفك دم من خالف هذا اليمين.
وعند انقضاء الحلف، أمر الأمير الكبير بنزول جميع المماليك الأشرفية من أطباقهم بالقلعة إلى إسطبلاتهم، ما خلا المماليك الصغار فاعتذروا عن قلة مساكنهم بالقاهرة، فلم يقبل الأمير الكبير أعذارهم وشدّد عليهم، والناس تظن غير ذلك، فخرجوا. وفى الحال أخذوا فى تحويل متاعهم ونزلوا من الأطباق، بعد أن ظن كل أحد منهم أنه لا بد له من إثارة فتنة وشر كبير تسفك فيه دماء كثيرة قبل نزولهم، فلم يقع شىء من ذلك، ونزلوا من غير قتال ولا إكراه؛ وخلت الطباق منهم فى أسرع وقت خذلانا «3» من الله تعالى، وتركوا السلطان والخزائن والسلاح والقلعة، ونزلوا من غير أمر يوجب النزول، وهم نحو الألف وخمسمائة نفر، هذا خلاف من كان انضم عليهم من الناصرية والمؤيدية والسيفية، ولله در القائل: [السريع](15/240)
ما يفعل الأعداء فى حاهل ... ما يفعل الجاهل فى نفسه
وتعجب الناس من نزولهم، حتى الأمير الكبير جقمق، وصار يتحدث بذلك أوقاتا فى سلطنته، فإنه كان أولا تخوف منهم أن يقبضوا عليه عند طلوعه إلى القلعة غير مرة، ولهج الناس بذلك كثيرا وبلغ الأتابك أنهم يريدون أن يقبضوا عليه وعلى عبد الباسط وعلى الصاحب جمال الدين ناظر الخاص، فقال: وإيش يمنعهم من ذلك؟ وانقطع عن الخدمة السلطانية أياما، حتى كلمه أصحابه فى الطلوع وشجعوه وقالوا له: نحن نطلع فى خدمتك ولا يصيبك مكروه حتى تذهب أرواحنا. كل ذلك قبل أن يقع الشرّ بين الأمير إينال وخجداشيته، فهذا كله ذكرناه لتعرف به شدة بأس المماليك الأشرفية وكثرة عددهم.
[84] فلما تكامل نزول [المماليك] «1» الأشرفية من الأطباق إلى حال سبيلهم، وهذا أول مبدأ زوال ملك السلطان الملك العزيز [يوسف] «2» ، ومن يومئذ أخذ الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفىّ فى الندم بما وقع منه من الانفراد عن خجداشيته والانضمام على الأتابك جقمق، حتى إنه صار يبكى فى خلواته ويقول: «ليتنى كنت حبست بثغر الإسكندرية، ودام تحكم ابن أستاذى «3» وخجداشيتى. وما عسى خجداشيتى كانوا يفعلون بى؟» . وندم حيث لا ينفع الندم، وربما بلغ الأمير الكبير عنه «4» ذلك فأخذ يحلف له أنه لا يريد الوثوب على السلطنة، ولا خلع الملك العزيز، وأنه لا يريد إلا أن يكون نظام ملكه ومدبّر ممالكه، وأشياء غير ذلك.
قلت: وأنا أظن أن الأمير إينال ما طال حبسه إلا بهذا المقتضى، والله أعلم.
ثم فى يوم الأحد هذا قدم الأمير تغرى بردى البكلمشى المؤذى أحد مقدمى(15/241)
الألوف من البحيرة بمن كان صحبته من المماليك السلطانية، وكان الأتابك أرسل يستحثه «1» فى القدوم عليه ليكون من حزبه على قتال الأشرفية؛ فتقاعد عنه إلى أن انتهى أمر الوقعة وحضر، فأخذ الأتابك جقمق يوبخه لعدم حضوره، وهو يعتذر بعدم وصول الخبر إليه ويقبّل يده.
ثم ورد الخبر على السلطان بأن العسكر المجرد من الأمراء وصل إلى دمشق فى خامس صفر.
ثم فى يوم الثلاثاء العشرين من صفر شفع الملك العزيز فى خاله جكم ورفقته، فأفرج عنهم الأتابك جقمق وخلع على كل منهم كاملية مخمل بفرو سمور [و] «2» بمقلب سمور.
ثم فى يوم الخميس ثانى عشرين صفر طلع الأمير الكبير جقمق إلى الخدمة السلطانية ومعه سائر الأمراء وأرباب الدولة، ومنع المماليك الأشرفية من الدخول إلى القصر فى وقت الخدمة، إلا من له نوبة عند السلطان من أصحاب الوظائف، وكان الأتابك جقمق شرط عليهم ذلك عند تحليفهم.
وحضر الأمير الكبير الخدمة، وخلع عليه السلطان تشريفا عظيما «3» باستمراره على حاله، ونزل من وقته إلى باب السلسلة، وسكن الحراقة من الإسطبل السلطانى بعد أن نقل إليها قماشه ورخته «4» فى أمسه؛ وبعد أن أمر الأمير يخشباى الأمير أخور الثانى بالنزول من الإسطبل إلى بيته قبل تاريخه، فنزل يخشباى إلى داره، وكانت دار قطلو بغا الكركى التى «5» تجاه دار منجك اليوسفى بالقرب من الجامع الحسينى، وجلس وأغلق عليه باب الدار، ومنع الناس من التردد إليه، وصار كالمرسم عليه؛ وهذا أيضا من أعجب العجب، كون الشخص يكون على إقطاعه ووظيفته ويصير على هذه المثابة.(15/242)
وسكن الأمير الكبير بالسلسلة وتصرف فى أمور المملكة من غير مشارك، واستبد بتدبير أحوال السلطنة من ولاية الوظائف والإنعام بالإقطاعات والإمريات على من يريد ويختار، فصار الملك العزيز ليس له من السلطنة إلا مجرد الاسم فقط. فعظم ذلك على المماليك الأشرفية، وأنكروا سكنى الأمير الكبير بباب السلسلة، واتفقوا ووقفوا فى جمع كبير بالرّميلة وأكثروا من الكلام فى ذلك، ثم انفضّوا من غير طائل وفى أملهم أن الأمراء إذا قدموا من سفرهم أنكروا على الأمير الكبير ما فعله وقاموا بنصرة [الملك] «1» العزيز، وانتظروا ذلك.
وأخذ الأتابك جقمق فى تحصين باب السلسلة والقلعة وأشحنهما بالسلاح والرجال، وصارت الأعيان من كل طائفة تبيت عنده بباب السلسلة فى كل ليلة، والأمراء والأعيان تتردد «2» إلى خدمته وتركت الخدمة السلطانية، واحتجّ الأمير الكبير بتركها أنه بلغه أن المماليك الأشرفية اتفقوا على قتله إذا طلع إلى الخدمة السلطانية، وجعل ذلك عذرا له عن عدم حضور الخدمة، وصار هو المخدوم والمشار إليه، وتردد مباشرو الدولة إلى بابه وسائر الناس، وتلاشى أمر السلطان [الملك] «3» العزيز إلى الغاية.
ولهج الناس بسلطنة الأتابك جقمق، وشاع ذلك بين الناس، وصار الأتابك كلما بلغه ذلك أنكره وأسكت القائل بذلك [ولسان حاله ينشد] «4» : [الكامل]
[85]
لا تنطقنّ بحادث فلربما ... نطق اللسان بحادث فيكون
هذا والأتابك جقمق متخوف فى الباطن من الأمراء المجردين، لكونهم جمعا كبيرا «5» وفيهم جماعة من حواشى [الملك] «6» الأشرف ومماليكه، مثل أركماس(15/243)
الظاهرى الدوادار الكبير، وتمراز القرمشى رأس نوبة النّوب، وجانم الأشرفى الأمير آخور الكبير، وقراجا الأشرفى، وخجا سودون السّيفى بلاط الأعرج، وفيهم أيضا من تحدثه نفسه بالوثوب على الأمر وهو الأمير قرقماس الشعبانى الناصرى أمير سلاح المعروف بأهرام ضاغ «1» ؛ فلهذا صار الأتابك جقمق يقدم رجلا ويؤخر أخرى.
ثم قدم الخبر بخروج الأمراء من مدينة غزة إلى جهة الديار المصرية، وأن خجا سودون البلاطى أحد مقدمى الألوف تأخر عنهم على عادته فى كل سفرة، فندب الأتابك السيفىّ دمرداش الحسنى الظاهرى برقوق الخاصكى بالتوجه إلى غزة، وعلى يده مرسوم شريف بتوجه خجا سودون إلى القدس بطالا، فمضى دمرداش المذكور وفعل ما ندب إليه.
فلما كان يوم الأربعاء خامس شهر ربيع الأول وصل الأمراء إلى الديار المصرية وطلعوا الجميع إلى الأتابك جقمق، ما خلا الأمير يشبك السّودونى حاجب الحجاب فإنه قدم القاهرة فى الليل مريضا فى محفة إلى داره، ولم ينزل الأتابك إلى تلقى الأمراء المذكورين، وكان أرسل إليهم يخوّفهم من المماليك الأشرفية، وذكر لهم أنهم يريدون الركوب عليهم يوم دخولهم، فدخلوا الجميع بأطلابهم، ولما طلعوا إلى جقمق قام لهم واعتنقهم وأكرمهم غاية الإكرام.
وأرسل إلى الملك العزيز أنه يخرج ويجلس بشباك القصر حتى يقبّلوا له الأمراء الأرض من الإسطبل السلطانى ولا يطلع إليه أحد، ففعل [الملك] «2» العزيز ذلك وجلس بشباك القصر حتى أخذ الأتابك جقمق الأمراء وسار بهم من الحراقة يريد الإسطبل السلطانى والجميع مشاة؛ وقد جلس السلطان [الملك] «3» العزيز بشباك القصر فوقف الأمراء تحت شباك القصر وأومأوا برءوسهم كأنهم قبّلوا له «4» الأرض،(15/244)
وأحضر إليهم التشاريف السلطانية فى الحال فلبسوها، وقبّلوا الأرض ثانيا كالمرة الأولى، وعادوا راجعين فى خدمة [الأمير الكبير] «1» حتى طلعوا معه إلى الحرّاقة، ثم سلموا عليه وعادوا وركبوا خيولهم وتوجهوا إلى دورهم.
وكنت لما لاقيت الأمير أقبغا التّمرازى أمير مجلس سألنى عن أحوال الأتابك جقمق، فقلت له كلاما متحصله أنه ليس بينه وبين السلطنة إلا أن تضرب له السكة ويخطب باسمه، فاستبعد ذلك لقوة بأس المماليك الأشرفية وعظم شوكتهم، فلما نزل من القلعة وعليه الخلعة قلت له قبل أن يصل إلى داره: كيف رأيت جقمق؟ قال: سلطان على رغم الأنف. ومعنى قوله: «على رغم الأنف» لأنه كان بينهما حضوض أنفس قديمة.
ثم أصبحوا يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول حضروا الجميع إلى عند الأتابك جقمق بباب السلسلة، وجلس الأتابك فى الصدر وكل «2» من الأمراء على يمينه وشماله، إلا قرقماس أمير سلاح فإنه زاحم الأتابك جقمق فى مجلسه وجلس معه على فراشه، والأمير جقمق يجذبه إلى عنده ويخدعه بأنه لا يفعل شيئا إلا بمشورته، وأنه قوّى أمره بقدومه وأنه شيخ كبير عاجز عن الحركة واقتحام الأهوال، إلا إن كان بقوة قرقماس المذكور، كل ذلك وهما جلوس على المرتبة، فانخدع قرقماس وطابت نفسه بما سمعه من الأتابك جقمق، أنه ربما [إن] «3» تحرك بعد ذلك بحركة تمت له لضعف جقمق عن مقاومته.
هذا وقد برز الطلب لجماعة من الأشرفية وغيرهم، وجميع من هو بالقلعة من الأعيان، فلما حضروا أشار قرقماس لجماعة من الرءوس نوب، وأمراء جندار ممن حضر المجلس أن اقبضوا على هؤلاء.
وأول ما بدأ برفيقه الأمير جانم الأشرفى الأمير آخور الكبير «4» ، ثم أشار(15/245)
لواحد بعد واحد إلى أن قبضوا على جماعة كبيرة من الأمراء والخاصكيّة، وهم:
الأمير جانم المقدم ذكره، ويخشباى الأمير آخور الثانى، وعلى باى شادّ الشراب خاناه، وتنبك السيفى نوروز الخضرى [المعروف] «1» بالجقمقى نائب قلعة الجبل، وخشقدم الطواشى الرومى اليشبكى مقدم المماليك [86] ، ونائبه الطواشى فيروز الرّكنى الرومى أيضا، وخشكلدى من سيّدى بك الناصرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وجكم خال [الملك] «2» العزيز، وجرباش الأشرفى أحد أمراء العشرات المعروف بمشدّ سيّدى، وجانبك قلق سيز «3» الساقى أحد أمراء العشرات؛ ومن الخاصكية: تنم الساقى، وأزبك البواب، ويشبك الفقيه؛ وكل من هؤلاء الثلاثة أحد الأربعة المقدم ذكرهم، وتنبك الفيسى المؤيدى رأس نوبة الجمداريّة، وأرغون شاه الساقى، وبيرم خجا أمير مشوى، ودمرداش الأشرفى والى القاهرة، وبايزير خال الملك العزيز، وقيّدوا الجميع.
وفى الحال خلع على الأمير تمرباى التّمربغاوى أحد مقدمى الألوف باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن الزينى عبد الرحمن بن الكويز بحكم عزله، وأمر بالسفر إلى الإسكندرية من يومه، وخلع على قراجا العمرى الخاصكى الناصرى باستقراره فى ولاية القاهرة عوضا عن دمرداش الأشرفى بحكم القبض عليه.
ثم ندب الأمير الكبير الأمير تنبك البردبكى أحد مقدمى الألوف، والأمير أقطوه الموساوى أحد أمراء العشرات، البرقوقيين، فى عدة من المماليك السلطانية، أن يطلعوا إلى القلعة ويقيموا بها لحفظها. وكان تنبك المذكور ولى نيابة القلعة قبل تاريخه سنين كثيرة فى الدوله الأشرفية، فطلع إلى القلعة وسكن بمكانه أولا على العادة.
ثم انفضّ الموكب وقد تزايد عظمة الأمير الكبير جقمق، وهابته النفوس(15/246)
بما فعله قرقماس بين يديه من القبض على الأمراء المذكورين، وفهم الناس أنه فعل ذلك خدمة للأمير الكبير، وكان غرض قرقماس غير ذلك، فإنه رام نفع نفسه فنفع غيره، فكان حاله [كقول من قال] «1» :
مع الخواطئ سهم [صائب] «2» ... ربّ رمية من غير رام
ونزل الأمراء إلى دورهم وقد استخف الناس عقل قرقماس وخفّته وطيشه فى سرعة ما فعله، كل ذلك لاقتحامه على [حب] «3» الرئاسة. ونزل قرقماس إلى داره، وفى زعمه أن جميع من هو بخدمة الأمير الكبير ينقلبون «4» عن الأمير الكبير إليه، ويترددون «5» إلى بابه لأنه هو كان الحاكم فى هذا اليوم، ولم يدر أن القلوب نفرت منه لتحققهم ما يظنوه من كبره وجبروته وبطشه، وقد اعتادوا باين الأمير الكبير وبأخذه لخواطرهم فى هذه المدة وتمسكه عن قبض من كان لهم غرض فى قبضه، وقد صاروا له كالمماليك والخدم لطول تردادهم إليه فى باب السلسلة وغيرها، وقد انتهى أمره وحصل لهم ما كان فى أملهم. وأيضا أنهم لما رأرا قرقماس فعل ما فعل لم يشكّوا فى أمره أنه من جملة من يقوم بنصرة الأتابك وأنه كواحد منهم، فلم يطرق أحد منهم بابه ولم يدخل إليه فى ذلك اليوم إلا من يلوذ به من حواشيه ومماليكه.
وسافر تمرباى نائب الإسكندرية من الغد فى يوم الجمعة، وأصبح فى يوم السبت ثامن [شهر] «6» ربيع الأول أنزل من باب السلسلة من تقدم ذكره من الأمراء الخاصكيّة الممسوكين على البغال بالقيود إلى سجن الإسكندرية، وقد اجتمع لرؤيتهم خلائق لا تحصى وهم قسمان: قسم باك عليهم، وقسم شامت لتقاعدهم عن(15/247)
القتال فى خدمة ابن أستاذهم الملك العزيز [يوسف] «1» ، وأيضا لما كان يقع منهم فى أيام ابن «2» أستاذهم من التكبر والجبروت.
ثم أرسل الأمير الكبير فى اليوم المذكور إلى الأمراء القادمين من التجريدة بمال كبير له صورة، لا سيما ما حمله إلى قرقماس فإنه كان جملة مستكثرة.
ثم فى يوم الأحد تاسع شهر ربيع الأول خلع على الزينى عبد اللطيف [بن عبد الله] «3» الطواشى الرومى المنجكى المعروف بالعثمانى «4» أحد الجمداريّة باستقراره مقدم المماليك السلطانية، وأنعم عليه بإمرة عشرة لا غير وهو إقطاع النيابة الذي كان بيد فيروز الرّكنى نائب مقدم المماليك، وكانت الخلعة عليه بين يدى العزيز [87] بعثه الأمير الكبير إليه وأمره أن يخلع عليه، واستقر فى نيابة المقدم جوهر المنجكى الحبشى أحد خدام الأطباق الضعفاء الحال ولم تسبق له رئاسة قبل ذلك.
ثم فى يوم الاثنين عاشره ركب السلطان الملك العزيز من القلعة ونزل إلى الميدان، ومعه الزينى عبد الباسط ناظر الجيش وجماعة أخرى من خواصه الأصاغر، وركب الأمير الكبير من الحرّافة وفى خدمته جميع الأمراء مشاة ما عدا أركماس الظاهرى الدوادار الكبير وآقبغا التّمرازى أمير مجلس، وساروا الثلاثة على خيولهم من الإسطبل السلطانى حتى نزلوا إلى الميدان وبه السلطان يسير.
فعندما رأوا الأمراء الملك العزيز ترجّلوا عن خيولهم وقبّلوا الأرض، وتقدم الأمير الكبير جقمق وقبّل رجل السلطان فى الركاب، ثم بعده جميع الأمراء فعلوا مثل فعله، ثم تقدم الأمير يشبك السّودونى حاجب الحجاب قبّل الأرض، وخلع عليه خلعة السفر لأنه كان انقطع عن رفقته لتوعك كان به، وطلع فى هذا(15/248)
اليوم؛ ثم انصرف الجميع عائدين فى خدمة الأمير الكبير إلى أن أوصلوه إلى سلم الحراقة، ووقفوا له هناك حتى سلّم عليهم، وعادوا إلى دورهم.
وكان سبب تأخر قرقماس عن الطلوع فى هذا اليوم والذي قبله، أمور: منها أنه كان فى نفسه الوثوب على الأمر، وفعل ما فعل من مسك الأمراء وغيرهم ليروج أمره بذلك، فلم ينتج أمره وتقهقر وزادت عظمة الأتابك جقمق، فعزّ عليه ذلك فى الباطن، وكان فى ظنه أنه لا بد أن يملك الديار المصرية من يوم توجّه إلى مكة وحكمها.
فلما عرف منه ذلك تقرب إليه جماعة من الذين يوهمون الناس أنهم صلحاء، ولهم اطلاع على المغيبات، وصاروا يبشرونه بسلطنة مصر، وتخبره جماعة أخر [بمنامات] «1» تدل على قصده فينعم عليهم بأشياء كثيرة.
ثم كلما نظر من «2» يدعى معرفة علم النجوم «3» يسأله عما فى خاطره- وقد أشيع عنه حب الرئاسة- فيبشره الرّمّال أو المنجم أيضا بما يسره من قبله وحسب اجتهاده لأخذ دراهمه.
فكان قرقماس ينتظر موت [الملك] «4» الأشرف [يوما بيوم، فاتفق موت الملك الأشرف برسباى] «5» وهو مسافر، وإلى أن يحضر انتظم أمر الأتابك جقمق وتمّ، فلم يلتفت إلى ما رأى من أمر جقمق بما سبق عنده أنه لا بد له من السلطنة، وأخذ يسلك طريقا تصادف ما هو قصده.
فدخل القاهرة مطلّبا «6» ، فلم يلتفت إليه أحد. وطلع إلى الأتابك جقمق وامتنع من طلوع القلعة إلى الملك العزيز حتى قبّل الأرض من الإسطبل خوفا من أن يقبض عليه، يريد بذلك أن ينتبه إليه الناس، فلم ينظر إليه أحد.(15/249)
ثم أخذ فى مسك الأمراء، حتى يعظم فى النفوس، فلم يقع ذلك. فانقطع بداره عن الطلوع إلى الأتابك مدة أيام وتعلل بأنه بلغه عن الأمير الكبير وحواشيه ما غيّر خاطره، يظهر ذلك لتتسامع بغضبه الناس ويأتوه ليثور بهم، فلم ينضم إليه أحد؛ فاستدرك فارطه واستمر بداره إلى هذا اليوم.
فلما عاد الأتابك من عند الملك العزيز إلى سكنه بالحرّاقة من باب السلسلة، أرسل إلى الأمير قرقماس المذكور الأمير تمراز القرمشى رأس نوبة النّوب، وقراجا الأشرفى أحد مقدمى الألوف، والزينى عبد الباسط ناظر الجيش، يسألوه عن سبب انقطاعه عن [الطلوع] «1» إلى الأمير الكبير فى هذه الأيام، فذكر لهم أنه بلغه عن حواشى الأمير الكبير من المؤيّدية أنهم يتهموه بالركوب وإثارة الفتن وأنه يريد يتسلطن ولم يكن له علم بشىء من ذلك، فما زالوا به حتى ركب معهم.
وطلع إلى الأمير الكبير بالحرّاقة من الإسطبل السلطانى، فقام الأمير الكبير واعتنقه وأخذ بيده ودخلا مع أعيان الحاضرين إلى مبيت الحرّاقة، وجلسا فى خلوة وتعاتبا قليلا، وأخذ الأمير الكبير يقول له «2» إن قرقماس عنده فى مقام روحه، وأنه لم يتصل إلى هذا الموصل إلا بقوته وكونه معه، وأخذ فى مخادعته والأخذ بخاطره، إلى أن تحقق قرقماس أنه لا يأتيه ما يكره من قبل الأتابك، إلى أن يدبر لنفسه ما يوصله [88] إلى غرضه، ثم حلف له الأتابك على هذا المعنى جميعه وبكى واعتنقه، وخرجا من المبيت وقد صفا «3» ما بينهما ظاهرا، والباطن فلا يعلم ما فيه إلا الله تعالى.
وهو أن قرقماس لم يطلع فى هذا اليوم إلى الأتابك إلا بعد أن عجز عما فى خاطره، فاحتاج إلى المداهنة حتى يطول أمره إلى أن يحصل له مراده، ولم يخف ذلك عن(15/250)
الأتابك جقمق، غير أنه رأى [أنه] «1» لا يتم أمره فيما يروم إلا بموافقة قرقماس له أولا، ثم بعد ذلك يفعل ما بدا له.
وعندما قام قرقماس من مجلس الأتابك ليتوجه إلى داره، قدم له الأتابك فرسا بقماش ذهب من مراكيبه، فركبه قرقماس ونزل إلى داره، ومعه أيضا الأمير تمراز رأس نوبة النّوب، وقراجا، وهما فى خدمته إلى داره، فأركب قرقماس كلّا منهما فرسا بقماش ذهب.
ثم أخذه القلق وأخذ يدبر فى تأليف المماليك الأشرفية عليه، فرأى أنه لا «2» يتم له ذلك بالعطاء ولا بالملق، لكثرتهم، وإنما يتم له ذلك بسلطنة الأتابك جقمق، لينفر عنه من كان من حزبه من المماليك الأشرفية وينضموا عليه؛ وكان هذا حدسا صائبا «3» ، ووقع له ما أراد، غير أنه استعجل لأمر يريده «4» الله.
فأخذ قرقماس من يومذاك يحسّن للأتابك جقمق توليته السلطنة وخلع [الملك] «5» العزيز، ولا زال يلح عليه فى ذلك وهو يلين تارة ويتوقف تارة؛ وكان هذا الأمر فى خاطر الأتابك وأصحابه غير أنه كان يستعظم الأمر ويخاف من نفور قرقماس عنه، إذا فعل ذلك، وأخذ ينتظر فرصة للوثوب بعد حين، فحرّك الله تعالى قرقماس حتى سأله فى ذلك وألحّ عليه لما فى غرضه فى أيسر مدة، لتعلم أن الله على كل شىء قدير.
ومن يومئذ هان الأمر على الأتابك وأخذ فى أسباب السلطنة، وكتب يطلب صهره القاضى كمال الدين مجمد؟؟؟ بن البارزى من دمشق.
ثم أصبح يوم الخميس ثالث عشر [شهر] «6» ربيع الأول عملت الخدمة السلطانية(15/251)
وحضرها الأمير الكبير جقمق والأمير قرقماس أمير سلاح المذكور، وعامة الأمراء وأرباب الدولة على العادة.
وكانت الخدمة السلطانية قد تركت من مدة أيام، فأجراهم السلطان الملك العزيز على عادته من السّكات وعدم الكلام، وانفض الموكب.
ثم طلع الأمير قرقماس من الغد فى يوم الجمعة وحضر الصلاة مع السلطان بالمقصورة من جامع القلعة، ولم يطلع الأتابك جقمق. ونزل قرقماس ولم يتكلم مع السلطان كلمة واحدة.
ثم فى يوم السبت عملت الخدمة أيضا بالقصر على العادة، وحضر الأمير الكبير.
ثم فى يوم الاثنين عملت الخدمة أيضا.
كلّ ذلك بتدبير قرقماس، وهو أنه لما علم أن الأمير الكبير جقمق تم أمره ولم يبق له منازع يعيقه عن السلطنة، أخذ فى عمل الخدمة حتى يجد نفسا من الملك العزيز أو من أحد من حواشيه، حتى تصير له مندوحة لمطاولة الأتابك على «1» السلطنة، لأنه ندم على ما تفوّه به ولم يجد لنفسه قوة حتى يرجع عن قوله، لقوة شوكة الأتابك وكثرة أعوانه ممن اجتمع عليه من الطوائف، لا سيما الطائفة المؤيّدية فإنهم صاروا عصبا له وغيريّة على قرقماس، لما كان بين قرقماس وبين الأمير دولات المحمودى المؤيدى من العداوة قديما، لسبب السّكات عنه أليق، ودولات هو يومذاك عين المؤيدية ورئيسهم، غير أن جميع طائفة الناصرية كانت مع قرقماس فى الباطن لكونه خجداشهم، ولكن هم أيضا ممن كان انضم على الأتابك وصار لهم به إلمام كبير، فلم يظهروا الميل لقرقماس فى الظاهر مخافة أن لا يتم أمره وينحط قدرهم عند الأتابك؛ فصاروا يلاحظونه(15/252)
بالقلب والخاطر لا بالفعل والقيام معه، والأتابك جقمق «1» يعرف جميع ذلك، غير أنه يتجاهل عليهم تجاهل العارف، لقضاء حاجته- انتهى.
ولما عملت الخدمة فى هذه الأيام [و] «2» لم يحصل لقرقماس غرضه، عاد إلى رأيه الأول من الكلام فى سلطنة الأتابك جقمق، وألح عليه حتى أجابه [89] صريحا.
وكان فى هذه الأيام كلّها كلما طلع الأمراء إلى الخدمة السلطانية، ينزل الجميع من القصر بعد انقضاء الخدمة إلى الأمير جقمق ويأكلون السماط عنده.
فلما كان آخر خدمة عملت عند [الملك] «3» العزيز يوسف فى يوم الاثنين سابع عشر [شهر] «4» ربيع الأول، نزل قرقماس من عند السلطان مع جملة الأمراء، واجتمع بالأمير الكبير وألح عليه بأنه يتسلطن فى اليوم المذكور، فلم يوافقه جقمق على ذلك وواعده على يوم الأربعاء تاسع عشر [شهر] «5» ربيع الأول.
ووافقه جميع الأمراء على خلع الملك العزيز وسلطنته، إلا آقبغا التّمرازى فإنه أشار عليه أن يؤخر ذلك ويتجرد إلى البلاد الشامية ويمهدها، كما فعل [الملك] «6» الظاهر ططر ثم يتسلطن، مخافة من عصيان النواب بالبلاد الشامية عليه عقيب سلطنته، قبل أن يرسخ قدمه، فردّ قوله قرقماس، وأشار بسلطنته فى يوم الأربعاء، ووافقه على ذلك جماعة المؤيدية؛ فتم الأمر على ما قاله قرقماس.
وكان الحزم ما قاله آقبغا التّمرازى، وبيانه أنه لولا سعد [الملك] «7» الظاهر جقمق حرّك قرقماس للركوب فى غير وقته، لكان قرقماس انتصر عليه لكثرة من كان «8» انضم عليه من المماليك الأشرفية وغيرهم؛ وأيضا لولا استعجال إينال الجكمى فى صدمته العساكر المصرية، لكان تم أمره لعظم ميل الناس إليه.(15/253)
وأما تغرى برمش نائب حلب فكان مسكه على غير القياس، فإنه كان تركمانيّا ووافقه جماعة كبيرة من التركمان، مع قوته وكثرة ماله، فكان يمكنه أن يتعب [الملك] «1» الظاهر جقمق بتلك البلاد طول عمره، فلهذا أشار آقبغا التّمرازى بسفره قبل سلطنته. وقد حسب البعيد ونظر فى العواقب، فلم يسمع [الملك] «2» الظاهر له وتسلطن، وقاسى بعد ذلك شدائد وأهوالا، أشرف منها غير مرة على زوال ملكه، لولا مساعدة المقادير وخدمة السعد، لما سبق له فى القدم.
ولما كان يوم الأربعاء تاسع عشر [شهر] «3» ربيع الأول من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة خلع الملك العزيز يوسف من الملك، وتسلطن الأمير الكبير جقمق العلائى، وتلقب بالملك الظاهر، حسبما يأتى ذكره فى أوائل سلطنته. وكانت مدة سلطنة [الملك] «4» العزيز على مصر أربعة «5» وتسعين يوما وزال بخلعه الدولة الأشرفية، وتمزقت مماليك أبيه وتشتتت فى البلاد سنين، وحبس أعيانهم.
ولم يكن [للملك] «6» العزيز فى السلطنة إلا مجرد الاسم فقط، ولم تطل أيامه ولا تحكّم فى الأمور لتشكر أفعاله أو تذم «7» ، وإنما كان آلة فى الملك والمتصرف غيره، لصغر سنه وعدم أهلية مماليك أبيه.
ولما خلع [الملك] «8» العزيز، أدخل إلى الدور السلطانيه واحتفظ به، وسكن بقاعة البربريّة «9» أشهرا، حتى تسحّب منها ونزل إلى القاهرة واختفى أياما كثيرة، حتى ظفر به وحبس بالقلعة أياما قليلة، ثم نقل إلى سجن الإسكندرية، حسبما يأتى ذكر ذلك [كله] «10» مفصلا فى ترجمة [الملك] «11» الظاهر جقمق [إن شاء الله تعالى] «12» .(15/254)
واستمر الملك العزيز بسجن الإسكندرية على أجمل حال وأحسن طريقة من طلب العلم وفعل الخير إلى يومنا هذا؛ أحسن الله عاقبته [بمحمد وآله] «1» . وهو ثانى سلطان لقب بالملك العزيز من ملوك مصر، والأول: العزيز عثمان بن [السلطان] «2» صلاح الدين [يوسف] «3» بن أيوب، والثانى: العزيز هذا. وهو أيضا ثانى من سمى يوسف، من ملوك مصر، فالأول: [السلطان] «4» صلاح الدين يوسف هذا، [والله تعالى أعظم] «5» .(15/255)
[ما وقع من الحوادث سنة 842]
[90] ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى «1» سعيد «2» جقمق على مصر
السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد جقمق العلائى الظاهرى الجركسى، وهو الرابع والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، والعاشر من الجراكسة وأولادهم، تسلطن بعد خلع [الملك] «3» العزيز يوسف ابن [الملك] «4» الأشرف برسباى، باتفاق الأمراء وأعيان المملكة على سلطنته.
ولما تم أمره استدعى الخليفة المعتضد بالله داؤد والقضاة الأربعة «5» والأمير قرقماس أمير سلاح، وسائر الأمراء وجميع أعيان الدولة، إلى الحرّافة بباب السلسلة من الإسطبل السلطانى، وجلس كل واحد فى مجلسه «6» فافتتح الأمير قرقماس بالكلام مع الخليفة والقضاة بأن قال: السلطان صغير والأحوال ضائعة لعدم اجتماع الكلمة فى واحد بعينه، ولا بد من سلطان ينظر فى مصالح المسلمين وينفرد بالكلمة، ولم يكن يصلح لهذا الأمر سوى الأمير الكبير جقمق هذا. فقال جقمق: هذا لا يتم إلا برضا الأمراء والجماعة. فصاح الجميع: نحن راضون بالأمير الكبير. فعند ذلك مد الخليفة يده وبايعه بالسلطنة؛ ثم بايعه القضاة والأمراء على العادة.
ثم قام من فوره إلى مبيت الحرّاقة، ولبس الخلعة الخليفتية السوداء، وتقلّد بالسيف وخرج ركب فرسا أعد له بأبهة السلطنة وشعار الملك، وحملت على رأسه القبة والطير، حملها الأمير قرقماس أمير سلاح، والأمراء مشاة بين يديه، وسار إلى أن طلع إلى(15/256)
القصر السلطانى بقلعة الجبل، وجلس على تخت الملك، وقبّل «1» الأمراء الأرض بين يديه على العادة.
وكان جلوسه على تخت الملك فى يوم الأربعاء التاسع عشر من [شهر] «2» ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، على مضىّ سبع عشرة «3» درجة من النهار المذكور، والطالع برج الميزان بعشر درجات وخمس وعشرين «4» دقيقة، وكانت «5» الشمس فى السادس والعشرين من السّنبلة، والقمر فى العاشر من الجوزاء، وزحل فى الثانى والعشرين من الحمل، والمشترى فى السابع عشر من القوس، والمريخ فى الخامس من الميزان، والزهرة فى الحادى عشر من الأسد، وعطارد فى الرابع عشر من السنبلة، والرأس فى الثانى من الميزان.(15/257)
ذكر أصل [الملك الظاهر جقمق] «1» وقدومه إلى مصر ونسبته بالعلائى ثم بالظاهرى
فنقول: [كان] جاركسىّ «2» الجنس، وأخذ من بلاده صغيرا فاشتراه خواجا كزلك، وكزلك بفتح الكاف وسكون الزاى وفتح اللام وكسرها وسكون الكاف الثانية. وجلبه خواجا كزلك المذكور إلى الديار المصرية فابتاعه منه الأتابك إينال اليوسفى، وقيل ولده أمير على بن إينال المذكور وهو الأصح، ورباه عنده، وأرسله مع والدته «3» إلى الحج، ثم عاد جقمق إلى القاهرة فى خدمة والده أمير على [المذكور، وكانت والدة أمير على] «4» متزوجة بشخص من الأجناد [من] «5» أمير آخورية السلطان يسمى نغتاى، ونغتاى بفتح النون والغين المعجمة، وبعدهما تاء مفتوحة وألف وياء ساكنة.
ولما قدم جقمق إلى القاهرة أقام بها مدة يسيرة، وتعارف مع أخيه جاركس القاسمى المصارع، وكان جاركس يوم ذاك من أعيان خاصكية أستاذه [الملك] «6» الظاهر برقوق، فكلم جاركس [الملك] «7» الظاهر برقوقا فى أخذ جقمق هذا من أستاذه أمير على بن إينال، فطلبه [الملك] «8» الظاهر منه فى سرحة سرياقوس، وأخذه وأعطاه لأخيه جاركس، إنيا بطبقة الزمام من قلعة الجبل. وقد اختلفت «9» الأقوال فى أمر عتقه: فمن الناس من قال إن أمير على كان أعتقه قبل أن يطلبه [الملك] «10» الظاهر منه، فلما طلبه [الملك] «11» الظاهر سكت أمير على(15/258)
عن عتقه لتنال جقمق السعادة بأن يكون من جملة مشتروات [الملك] «1» الظاهر، وكان كذلك. وهذا القول هو الأقوى [و] «2» المتواتر بين الناس ولما يأتى بيانه.
ومن الناس من قال إنه كان فى الرق وقدّمه أمير على إلى الملك الظاهر لما طلبه منه، ولو كان حرّا يوم ذاك لاعتذر بعتقه، وهذا أيضا مقبول، [91] غير أن الذي يقوّى القول الأول يحتج بأن الملك الظاهر [جقمق] «3» هذا لما كان أمير طبلخاناة وخازندارا فى الدولة المؤيدية [شيخ] «4» ، أخذ الشهابى أحمد بن أمير على بن إينال اليوسفى وهو صغير، ووقف به إلى السلطان الملك المؤيد، وسأل السلطان فيه ليكون من جملة المماليك السلطانية، فسأل المؤيد عن أحمد المذكور فقال جقمق:
ياخوند، هذا ابن أستاذى أمير على، فقال المؤيد: ومن أين يكون هذا ابن أستاذك؟
[الملك] «5» الظاهر أعتقك بحضرتنا الجميع، وأخرج لك خيلا على العادة. فقال جقمق:
نعم هو كما قال السلطان، غير أن أمير على كان أعتقنى قبل ذلك، وسكت عن عتقى لما طلبنى [الملك] «6» الظاهر منه، فغضب الملك المؤيد من ذلك ووبخه، كونه أنكر عتاقة [الملك] «7» الظاهر له واعترف بعتاقة أمير على؛ ولم ينزل لذلك أحمد المذكور فى جملة المماليك السلطانية، فأخذه جقمق عنده وتولى تربيته.
قلت: وعندى اعتراض آخر، وهو أنه يمكن أن الملك الظاهر كان هو الذي أعتقه، وإنما أراد [الملك] «8» الظاهر جقمق بقوله إن أمير على أعتقه، ليعظم الأمر على الملك المؤيد، لينزل أحمد المذكور فى جملة المماليك السلطانية، لكثرة حنوه على أحمد المذكور، ولم يدر أن [الملك] «9» المؤيد يغضبه ذلك، فإنه يقال فى الأمثال: «صاحب الحاجة أعمى لا يريد إلا قضاءها» .(15/259)
وكان [الملك] «1» الظاهر جقمق فى طبعه «2» الرأفة والشفقة على أيتام الأجانب، فكيف الأقارب؟ ولا أستبعد ذلك- انتهى.
ذكر ما وقع له من ابتداء أمره إلى أن تسلطن
فنقول: واستمر جقمق هذا عند أخيه بطبقة الزّماميّة «3» مدة يسيرة، وأعتقه [الملك] «4» الظاهر برقوق، وأخرج له خيلا وقماشا على العادة بمفرده، وهو أن بعض المماليك السلطانية من طبقة الزمام المذكورة توفى، فقام جاركس فى مساعدة أخيه جقمق هذا حتى أخذ له جامكيّته وخيله. وأعتقه [الملك] «5» الظاهر، ثم جعله بعد قليل خاصكيّا، كل ذلك بسفارة أخيه جاركس المذكور. واستمر جقمق خاصكيّا إلى أن مات [الظاهر] «6» برقوق، وصار ساقيا فى سلطنة [الملك الناصر فرج] «7» ، ثم تأمّر عشرة، إلى أن خرج أخوه جاركس عن طاعة [الملك] «8» الناصر [فرج] «9» فأمسك السلطان جقمق هذا، وحبسه بواسطة عصيان أخيه، فدام فى السجن إلى أن شفع فيه الوالد وجمال الدين يوسف الأستادّار وأطلق من السجن، ثم قتل جاركس فانكفّ جقمق هذا عن الدولة بتلطف، إلى أن قتل [الملك] «10» الناصر، وملك شيخ [المحمودى] «11» الديار المصرية، فأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم نقله بعد سلطنته بمدة إلى إمرة طبلخاناه، ثم جعله خازندارا كبيرا بعد انتقال الأمير يونس الركنى إلى نيابة غزة، ثم نقل إلى إمرة مائة وتقدمة ألف فى دولة المظفّر أحمد ابن [الملك] «12» المؤيّد شيخ، ثم صار حاجب الحجّاب بعد الأمير طرباى، فى أواخر الدولة الصالحية محمد أو فى أوائل الدولة الأشرفية [برسباى] «13» ، ثم نقل إلى الأمير آخورية الكبرى عوضا عن الأمير قصروه من تمراز، بحكم انتقال قصروه إلى نيابة طرابلس فى أوائل صفر من سنة ست وعشرين [وثمانمائة] «14» ، وتولى الحجوبية(15/260)
من بعده الأمير جرباش الكريمى المعروف بقاشق «1» ، ثم نقل من الأمير آخورية إلى إمرة سلاح بعد إينال الجكمى، واستقر عوضه فى الأمير آخورية الأمير حسين بن أحمد البهسنى التركمانى المدعو تغرى برمش، ودام على ذلك سنين إلى أن نقل إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية، عوضا عن إينال الجكمى أيضا بحكم انتقال الجكمى إلى نيابة حلب، بعد عزل قرقماس الشعبانى وقدومه على إقطاع إينال الجكمى مقدم ألف بالقاهرة، فاستمر أتابكا إلى أن مات [الملك] «2» الأشرف [برسباى] «3» فى ذى الحجة سنة إحدى وأربعين [وثمانمائة] «4» ، بعد أن أوصى جقمق على ولده وجعله مدبّر مملكته، إلى أن صار من أمره ما رقّاه إلى السلطنة. وقد ذكرنا ذلك كلّه مفصلا، غير أننا أعدناه هنا لينتظم سياق الكلام مع سياقه- انتهى.
ولنعد «5» الآن إلى ما كنا فيه:
ولما جلس الملك الظاهر جقمق على تخت الملك وتم أمره، خلع على الخليفة وعلى الأمير [92] قرقماس وقيّد لهما فرسنين بقماش ذهب، ولقب بالملك الظاهر أبى «6» سعيد جقمق، ثم نودى فى الحال بالقاهرة ومصر بسلطنته والدعاء له، وأن النفقة لكل مملوك من المماليك السلطانية مائة دينار، فابتهج الناس بسلطنته. ثم أمر السلطان فقبض على الطواشى صفىّ الدين جوهر الجلبانى الخبشى لالا الملك العزيز وهو يومئذ زمام الدار السلطانى «7» ، وخلع على الزّينى فيروز الجاركسى الطواشى الرومى باستقراره زماما عوضا عن جوهر المذكور.
ثم أصبح فى يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الأول المذكور خلع على الأمير(15/261)
قرقماس الشعبانى الناصرى- أمير سلاح المعروف بأهرام ضاغ- باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن نفسه، وخلع على الأمير آقبغا التّمرازى أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضا عن قرقماس المذكور، وخلع على الأمير يشبك السّودونى حاجب الحجاب باستقراره أمير مجلس عوضا عن آقبغا التمرازى، وكان السلطان خيّر تمراز القرمشى رأس نوبة النوب فى وظيفة أمير مجلس أو الأمير آخورية الكبرى، فمال إلى الأمير آخورية الكبرى، فخلع عليه بها عوضا عن الأمير جانم الأشرفى بحكم حبسه بثغر الإسكندرية، وخلع على أركماس الظاهرى الدوادار الكبير باستمراره على وظيفة الدوادارية، وعلى الأمير قراخجا الحسنى الظاهرى باستقراره رأس نوبة النوب عوضا عن تمراز القرمشى، وعلى الأمير تغرى بردى البكلمشى المؤذى باستقراره حاجب الحجاب عوضا عن يشبك السّودونى، وعلى الأمير تنبك البردبكى أحد أمراء الألوف باستقراره فى نيابة قلعة الجبل، ثانى مرة عوضا عن تنبك النّوروزى الجقمقى، وخلع على الأمير قراجا الأشرفى فوقانيّا «1» وهو آخر من بقى من مقدمى الألوف، وباقى الإقطاعات شاغرة إلى الآن عن أصحابها، وكتب بحضور الأمير جرباش الكريمى قاشق من ثغر دمياط، وكان له به سنين كثيرة بطالا، ثم خلع السلطان على دولات باى المحمودى الساقى المؤيدى- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة- باستقراره أمير آخور ثانيا، عوضا عن يخشباى المقبوض عليه قبل تاريخه، وعلى الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيدى- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة- باستقراره محتسب القاهرة عوضا عن الإمام نور الدين السويفى، وعلى قانى باى الجاركسى- الذي تأمّر قبل تاريخه بمدة يسيرة- باستقراره شادّ الشراب خاناه عوضا عن على باى الأشرفى بحكم القبض عليه، واستمر على إمرة عشرة؛ وعلى الأمير قانى باى الأبوبكريّ الأشرفى الساقى باستقراره خازندارا عوضا عن جكم خال العزيز بحكم القبض عليه [أيضا] «2» .(15/262)
ثم أنعم السلطان على جماعة كثيرة جدا باستقرارهم أمراء عشرات يطول الشرح فى ذكرهم، لأنها دولة أقيمت بعد ذهاب دولة، وتغير جميع من «1» كان من أرباب الوظائف الذين كانوا فى الدولة الأشرفية من الخاصكية وغيرهم، واستقرّ جماعة كبيرة رؤوس نوب، منهم من خلع عليه قبل أن يلبس فوقانىّ الإمرة، وهو إلى الآن بحياصة ذهب، ونالت السعادة جميع المماليك المؤيدية الأصاغر، بحيث أن بعضهم كان فقيرا يعيش بالتّكدّى فأخذ إقطاعا هائلا واستقر بوابا دفعة واحدة، وأشياء كثيرة من هذا ذكرناها فى غير هذا المحل.
ثم فى يوم الاثنين رابع عشرين شهر ربيع الأول المذكور، جلس السلطان الملك الظاهر جقمق بالمقعد المطل على الحوش، تجاه باب الحوش المذكور، وابتدأ فيه بنفقة المماليك السلطانية لكل واحد مائة دينار، واستمرت النفقة فيهم فى كل [يوم] «2» موكب، إلى أن انتهى أمرهم فيها.
ثم فى يوم الثلاثاء خامس عشرينه وصل الأمير جرباش قاشق [من ثغر دمياط] «3» فأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة.
ثم فى يوم الخميس سابع عشرينه عمل السلطان المولد النبوى بالحوش على العادة، وزاد فيه زيادات حسنة [93] من كثرة الأسمطة والحلاوات؛ وانفض الجميع بعد صلاة المغرب.
ثم فى يوم السبت تاسع عشرينه تجمع تحت القلعة نحو ألف مملوك من مماليك الأمراء، يريدون النفقة كما نفق على المماليك السلطانية، فأمر لهم السلطان بنفقة، فنفقت فيهم؛ ولم يكن لذلك عادة قبل تاريخه.
ثم فى يوم الاثنين ثالث «4» شهر ربيع الآخر قبض السلطان على تاج الدين(15/263)
عبد الوهاب الأسلمى- المدعو بالخطير- ناظر الإسطبل السلطانى وعلى ولديه، والثلاثة أشكال عجيبة.
وفيه كانت [مبادئ] «1» وقعة قرقماس مع الملك الظاهر جقمق، وخبره أنه لما كان يوم الثلاثاء المذكور، ثار جماعة كبيرة من المماليك القرانيص ممن كان قام مع الملك الظاهر جقمق، على المماليك الأشرفية، وطلبوا زيادة جوامكهم ورواتب لحمهم، ووقفوا تحت القلعة فأرسل إليهم السلطان يعدهم بعمل المصلحة، فلم يرضوا بذلك وأصبحوا من الغد فى يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر على مواقفهم. وركب السلطان ولعب الكرة بالحوش السلطانى مع الأتابك قرقماس الشعبانى وغيره من الأمراء إلى أن انتهى لعبهم، فأسرّ بعض من تأمّر من المماليك المؤيّدية إلى السلطان، بأن الأتابك قرقماس يريد الركوب على السلطان، فنهره السلطان واستبعد وقوع ذلك من قرقماس، لا سيما فى هذا اليوم.
هذا وقد كثر جمع المماليك السلطانية من الأشرفية وغيرهم، ووقفوا تحت القلعة كما كانوا فى أمسه، ثم [وقفوا] «2» عند باب المدرج أحد أبواب القلعة، وصاروا كلما نزل أمير من الخدمة السلطانية اجتمعوا به وكلموه فى عمل مصالحهم، ووقع لهم ذلك مع جماعة كبيرة من الأمراء، إلى أن نزل الأتابك قرقماس فأحاطوا به وحدثوه فى ذلك وأغلظوا فى حق السلطان، فوعدهم قرقماس بأنه يتحدث بسببهم مع السلطان، وبشّ لهم وألان معهم فى الكلام، فطمعوا فيه وأبوا أن يمكنوه من الرجوع إلى السلطان، وكلموه فى الركوب على السلطان وهم يوافقوه على ذلك، فأخذ يمتنع تمنعا ليس بذاك.
وظهر من كلامه فى القرائن أنه يريد كثرة من يكون معه، وأن ذلك لا يكون فى هذا اليوم، فلما فهموا منه ذلك تحركت كوامن المماليك الأشرفية من الملك(15/264)
الظاهر جقمق، [و] «1» انتهزوا الفرصة وقصدوا الركوب ووقوع الحرب فى الحال، بجهل وعدم دربة بالوقائع والحروب، وأخذوه ومضوا وهم فى خدمته إلى بيته، وكان سكنه بملكه بالقرب من المدابغ خارج باب زويلة. وتلاحق بهم جماعة كثيرة من أعيان المماليك السلطانية وبعض الأمراء وعليهم السلاح، وراودوه على الركوب فلم يعجبه ذلك، وقال لهم ما معناه أن له أصحابا «2» وخجداشية كثيرة وجماعة من أكابر الأمراء لهم معه ميل وغرض، فاصبروا إلى باكر النهار من الغد لنتشاور معهم فى أمرنا هذا وفيما نفعله، فامتنعوا من ذلك وأظهروا له إن لم يركب فى هذا اليوم لم يوافقوه بعد ذلك.
وكان جمعهم قد كثر إلى الغاية، ولكن غالبهم المماليك الأشرفية، وكان الذي قال له ذلك الأمير مغلباى الجقمقى أستادار الصحبة على لسان بعض أصحابه، وقيل إن قرقماس أراد بهذا الكلام توقفهم حتى يتفرقوا عنه ثم يصعد هو إلى القلعة ويعلم السلطان بذلك.
وعندى أن الصحيح [أنه] «3» لم يرد بقوله هذا إلا تحكيم أمره حتى يأتوه من الغد بجموعهم، ويأخذوه غصبا كما فعل القوم بالملك الظاهر جقمق، ويجتمع عليه حواشيه وأصحابه- وأنا أعرف بحاله من غيرى- فأبوا عليه وألحوا فى ركوبه فى الوقت، وخوّفوه تفرّق من اجتمع عليه فى هذا اليوم، وكانوا خلائق كثيرة إلى الغاية. فنظر عند ذلك فى أمره، فلم يجد بدا من موافقتهم وركوبه معهم فى هذا اليوم لما فى نفسه من الوثوب على السلطنة [والاستبداد بالأمر] «4» ، وكان فيه طيش وخفة [فى صفة] «5» عقل ورزانة [94] لا يفهم منه ذلك إلا من له ذوق ومعرفة بنقد الرجال.
وخاف قرقماس إن لم يركب فى هذا اليوم وأراد الركوب بعد ذلك، لا يوافقه أحد من(15/265)
هؤلاء، فينحلّ بذلك برمه ويطول عليه الأمر، لعظم ما كان داخله الحسد للملك الظاهر جقمق، ولله دار القائل: «الحاسد ظالم فى صفة مظلوم مبتلى غير مرحوم» .
وأحسن من هذا قول القائل، وهو لسان حال الملك الظاهر جقمق: [الطويل]
وكلّ أداريه على حسب حاله ... سوى حاسدى فهى التى لا أنالها
وكيف يدارى المرء حاسد نعمة ... إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
فعند ذلك قام ولبس آلة الحرب هو ومماليكه، وركب من وقته قريب الظهر من يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر المذكور، وخرج من بيته بعساكر عظيمة، ومعه أمراء العشرات: الأمير أزبك السيفى قانى باى نائب الشام المعروف بأزبك جحا، والأمير جانم الأشرفى [المعروف برأس نوبة سيّدى، وكلاهما أمير غشرة «1» ، وقد وافقه غيرهما مثل الأمير قراجا] «2» الأشرفى أحد مقدمى الألوف، والأمير مغلباى الجقمقى أستادار الصحبة، ووعداه أنهما يوافياه «3» بمماليكهما «4» بالرملة.
وخرج الأمير قرقماس من بيته بجموعه فوافيته خارج باب زويلة من غير ميعاد، وسرت معه، وصحبته عساكر كثيرة من الأشرفية وغيرهم، وأنا بجانبه. فتأملت فى أمره فلم يعجبنى حاله، لاضطراب عساكره ولعدم من يرأسهم من أعيان الأمراء ممن مرّت بهم التجارب، وأيضا لكثرة قلقه فى مسيره وعدم ثباته فى كلامه، وظهر لى منه أيضا أنه لم يعجبه ما هو فيه من اختلاف كلمة من هو معه من المماليك السلطانية وآرائهم المفلوكة وكثرة هرجهم، ثم صار يقول فى مسيره: الله ينصر الحق، فيقول آخر: الله ينصر الملك العزيز يوسف، ويقول آخر: الله ينصر الأمير قرقماس، ومنهم من قال: الله ينصر السلطان، ولم أدر أىّ سلطان قصد؛ كل ذلك فى تلك المسافة القريبة من بيته إلى الرملة.(15/266)
ثم كشف قرقماس رأسه وصاح: «الله ينصر الحق» غير مرة، فتعجبت أنا من دعائه، لأىّ حق يريد؟ فلما أن كشف رأسه تفاعل الناس بخذلانه، وظهر لى منه أيضا أنه كان يتخوف من المماليك الأشرفية، لما بلغنى بعد ذلك أنه بلغه فى اليوم المذكور أنهم إذا انتصروا على [الملك] «1» الظاهر جقمق وملكوا القلعة ضربوا رقبة قرقماس، فنفر خاطره من ذلك. وكأنه بلغه ذلك بعد ركوبه وشروعه فيما هو فيه، فبقى لا يمكنه إلا الإتمام، لأن الشروع ملزم؛ والمقصود أنه سار إلى أن وصل قريبا من جامع السلطان حسن، فوافاه الأمير قراجا بطلبه ومماليكه وعليهم السلاح، والأمير مغلباى الجقمقى، وسارا معه من تحت مدرسة السلطان حسن إلى بيت قوصون تجاه باب السلسلة.
وكان يسكنه يوم ذاك الأمير أركماس الظاهرى الدوادار الكبير، وقد أغلقه مماليك أركماس [المذكور] «2» ، فقصد قرقماس [المذكور] «3» عبور البيت المذكور فوجده مغلقا، ثم دخله بعد أمور، فإذا بأركماس الظاهرى قد خرج من باب سرّ البيت المذكور، ومضى إلى حال سبيله [محمولا] «4» لعجزه عن الحركة لوجع كان يعتريه برجليه، وأيضا لم يكن من هذا القبيل.
وملك قرقماس البيت ودخله، وأخذ فيما يفعله مع عساكر السلطان من القتال وغيره، فلم ينتظم له أمر ولا رتب له طلب من كثرة الغوغاء والهرج، حتى أن باب السلسلة كان مفتوحا منذ قدم قرقماس إلى الرملة وأخذ بيت أركماس الظاهرى، والأمير تمراز القرمشى الأمير آخور الكبير لم يلتفت إلى غلقه ولا تحرك من مجلسه ولا ألبس أحدا من مماليكه السلاح، ومن عظم تراخيه فى ذلك «5» نسبوه للمالأة مع قرقماس- ولا يبعد ذلك. ومع هذا كله لم يلتفت أحد من أصحاب قرقماس إلى أخذ باب السلسلة، ولا سار أحد إلى جهته جملة كافية، لعظم(15/267)
اضطرابهم وقلة سعدهم. [95] كل ذلك والسلطان الملك الظاهر إلى الآن بالقلعة فى أناس قليلة من خواصه، وهو لا يصدّق ما قيل له فى حق قرقماس، إلى أن حضر قرقماس إلى الرملة وملك بيت قوصون، فعند ذلك ركب من الحوش السلطانى ونزل فى أمرائه الصغار وخاصكيّته إلى باب السلسلة وجلس بالمقعد المطل على الرميلة، وقد صحب معه فرسا عليه قماش ذهب يوهم به أنه لأجل قرقماس إذا طلع إليه طائعا، وأن قرقماس أرسل يقول له أنه يريد أن يفر من المماليك الأشرفية ويطلع إلى القلعة، فأمسك بهذه الحركة جماعة كبيرة عن التوجه إلى قرقماس من خجداشيته وأصحابه.
وكان هذا الذي فعله [الملك] «1» الظاهر من أكبر المصالح، فإن كان على حقيقته فقد نفع، وإن كان حيلة من [الملك] «2» الظاهر جقمق فكانت فى غاية الحسن ومن أجود الحيل.
ولما جلس الملك الظاهر بالمقعد من الإسطبل السلطانى المطل على الرميلة، نزلت جماعة من خاصكيّته مشاة وعليهم السلاح وناوشوا القرقماسية بالقتال قليلا. ثم أمر السلطان فنودى: من كان من حزب السلطان فليتوجه إلى بيت الأمير آقبغا التّمرازى أمير سلاح، وكان سكن آقبغا المذكور بقصر بكتمر الساقى بالقرب من الكبش تجاه مدرسة سنجر الجاولى «3» ، فلما سمع الأمراء والمماليك المناداة ذهبوا إلى بيت الأمير آقبغا التمرازى، فاجتمع عنده خلائق وجماعة كبيرة من الأمراء، فممن اجتمع عنده من مقدمى الألوف: الأمير قراخجا الحسنى رأس نوبة النوب، وحاجب الحجاب تغرى بردى البكلمشى المؤذى، ومن الطبلخاناه وغيرهم: الأمير أسنبغا الطّيّارى وعدة كبيرة.(15/268)
ثم أرسل آقبغا التمرازى رأس نوبته لكشف خبر قرقماس ومن وافقه من الأمراء، فتوجه المذكور وعاد إليه بالخبر أنه ليس معه من الأمراء إلا قراجا وأزبك جحا ومغلباى الجقمقى وجانم الأشرفى، فقال آقبغا: إذن فلا شىء. وركب فرسه وركب الأمراء معه بمن انضم عليهم من المماليك السلطانية، وساروا إلى أن وصلوا إلى صليبة أحمد بن طولون عند الخانقاه الشيخونية، ووقفوا هناك وتشاوروا فى مرورهم إلى باب السلسلة، وقد ملأت عساكر قرقماس الرميلة «1» ؛ فمن الناس من قال: نتوجه من على المشهد النّفيسى إلى باب القرافة ثم نطلع إلى القلعة، ومنهم من قال غير ذلك.
وبينما «2» هم فى ذلك، ورد عليهم الخبر أن الأمير قراجا ومغلباى الجقمقى خرجا من عسكر قرقماس ولحقا بالسلطان؛ فعند ذلك قوى عزم الأمراء على الطلوع إلى القلعة من سويقه منعم «3» ، فساروا بمن معهم إلى أن صاروا بآخر سويقة منعم فحركوا خيولهم يدا واحدة، إلى أن وصلوا إلى القلعة، بعد أن كبا بآقبغا التمرازى فرسه ثم قام به ولم يفارق السرج. وطلعوا الجميع إلى القلعة، وقبلوا الأرض بين يدى السلطان، فأكرمهم السلطان غاية الإكرام وندبهم لقتال قرقماس، فنزلوا من وقتهم بأطلابهم ومماليكهم، وقد انضم معهم جميع أمراء الألوف وغيرها، وصفّ آقبغا عساكره والأطلاب الذين معه «4» ، وقبل أن يعبّى عساكر السلطان صدمته القرقماسية من غير تعبية ولا مصاففة، لأن قرقماس لما وقف تجاه باب السلسلة لم يقدر على تعبية عساكره لكثرة المماليك وقلة من معه من الأمراء، ووقف هو بينهم فى الوسط، ولم يكن لمعسكره قلب ولا ميمنة ولا ميسرة، وذلك لقلة معرفة أصحابه بممارسة الحروب وتعبية العساكر، وكان ذلك من أكبر الأسباب فى هزيمة قرقماس، فإنه تعب فى موقفه ذلك اليوم غاية التعب، فصار(15/269)
تارة يكرّ فى الميمنة [وتارة فى الميسرة] «1» وتارة يقاتل بنفسه حتى أثخن جراحه، وتارة يعود إلى سنجقه، ولم يقع ذلك لعساكر السلطان فإن غالبهم كانوا أمراء ألوف وطبلخانات وعشرات، فأما مقدمو «2» الألوف فوقفت أطلابهم تحت القلعة تجاه قرقماس، كلّ طلب على حدته، فصاروا كالتعبية.
[96] وبرزت الأمراء والخاصكيّة لقتال قرقماس، طائفة بعد أخرى، هذا مع معرفتهم بمكايد الحروب وأحوال الوقائع، وآقبغا التمرازى فى اجتهاد يعبى العساكر السلطانية ميمنة وميسرة وقلبا «3» وجناحين، وكان قصده تعبية المجنّح فلم يمهله القرقماسية، وبادروه بالقتال والنزال من غير إذن قرقماس، فتصادم الفريقان غير مرة، والهزيمة فيها على السلطانية، وتداول ذلك بينهم مرارا كثيرة. واشتد القتال وفشت الجراحات فى الطائفتين، وقتل الأمير جكم النّوروزى أحد أمراء العشرات بوسط الرملة وهو من حزب السلطان، كل ذلك ومنادى قرقماس ينادى فى الناس: من يأتى قرقماس من المماليك السلطانية فله مائتا دينار، ومن يأتيه من الزّعر فله عشرون دينار، فكثر جمعه من الزّعر والعامة، فأخذ [الملك] «4» الظاهر جقمق ينثر الذهب على الزّعر فمالوا إليه بأجمعهم، وقال لسان حالهم: «درّة معجّلة ولا درّة مؤجّلة» .
ثم أمر السلطان بمناد فنادى من أعلى سور القلعة: «من كان فى طاعة السلطان فليحضر وله الأمان كائن من كان وله كذا وكذا» ، وأوعد بأشياء كثيرة. كل ذلك والقتال فى أشد ما يكون، ولم يكن غير ساعة جيدة إلا وأخذ عسكر قرقماس فى تقهقر، وتوجهت الناس إلى السلطان شيئا بعد شىء. وكان جماعة من أصحابنا من الناصرية وقفوا عند الصّوّة من تحت الطبلخاناه [السلطانية] «5» حتى يروا ما يكون(15/270)
من أمر خشداشهم الأتابك قرقماس، وهواهم وميلهم إليه، فإنه قيل فى الأعصار الخالية: «لا أفلح من هجيت قبيلته» ؛ فلما رأوا أمر قرقماس فى إدبار، وأخذ أصحابه فى التفرق عنه، انحازوا بأجمعهم إلى جهة باب السلسلة، وأظهر كل واحد منهم أنه كان «1» ممن قاتل قرقماس. ولم يخف ذلك على [الملك] «2» الظاهر، لكنه لم يسعه يوم ذاك إلا السكات. وبالله لقد رأيت الأمير آقبغا التركمانى الناصرى وهو يدق بزخمته على طبله، ويندب الناس لأخذ قرقماس بعد أن أشرف على الهزيمة، وعبرته قد خنقته حتى إنه لا يستطيع الكلام من ذلك.
ولما كان بين الظهر والعصر أخذ قرقماس فى إدبار، واضمحلت عساكره وذهبت أصحابه، وجرح هو فى وجهه ويده، وكلّ وتعب، وانفلت عنه جموعه، وصار الرجل من أصحابه يغير لبسه ثم يطلع فى الحال إلى القلعة حتى ينظره السلطان، هذا والرمى عليه من أعلى القلعة مترادف بالسهام والنفوط.
وكان أصحاب قرقماس فى أول حضوره إلى الرميلة اقتحموا باب السلطان حسن فلم يقدروا على فتحه، فأحرقوه ودخلوا المدرسة وصعدوا على سطحها وأرموا على السلطان وهم أيضا «3» بالنشاب والكفيات، إلى أن أبادوا القلعيين، ومع هذا كله وأمر قرقماس فى إدبار.
وقبل أن تقع الهزيمة على عساكر قرقماس من الذين ثبتوا معه، فرّهو فى العاجل فانهزم عند ذلك عسكره بعد أن ثبتوا بعد ذهابه ساعة، ثم انقلبوا وولوا الأدبار فما أذّن العصر إلا وقد تمت الهزيمة [بعد أن جرح خلائق من الطائفتين] «4» ، فكان ممن جرح من أعيان السلطانية: الأمير آقبغا التّمرازى أمير سلاح، والأمير تغرى بردى(15/271)
المؤذى حاجب الحجاب برمح أخرق شدقه، لزم منه الفراش مدة طويلة وأشرف على الموت، والأمير أسنبغا الطيارى أيضا من طعنة رمح أصابه فى ضلعه، وجماعة كثيرة من الخاصكية والمماليك يطول الشرح فى تسميتهم.
وعند ما انهزمت عساكر قرقماس أخذوا سنجقه وطلعوا به إلى السلطان، وفرّ قرقماس فلم يعرف أين ذهب؛ فتوهّم السلطان أنه توجّه إلى جهة الشام فندب الأمير آقبغا التمرازى فى جماعة إلى جهة الخانقاه، فسار إلى أن قارب المرج والزيّات، فلم يجد فى طريقه أثر أحد من العساكر، فعلم أن قرقماس اختفى بالقاهرة، فعاد.
وأما الزّعر، فإنهم لما رأوا الهزيمة على القرقماسية [97] أخذوا فى نهبهم، ثم توجهوا إلى داره فنهبوها وأخذوا جميع ما فيها، وفى الحال سكنت الفتنة وفتحت الدكاكين، ونودى بالأمان والبيع والشراء. وأخذ أهل الحرس فى تتبع قرقماس وحواشيه، وندب السلطان أيضا جماعة من خواصه فى الفحص عن أمره، وما أمسى الليل حتى ذهب أثر الفتنة كأنها لم تكن، وبات الناس فى أمن وسلام.
وأما السلطان فإنه لما تحقق هزيمة قرقماس، قام من مجلسه بمقعد الإسطبل وطلع إلى القلعة مؤيدا منصورا كأول يوم تسلطن، فإنه كان فى بحران كبير من أمر قرقماس وشدة بأسه وعظم شوكته وجلالته فى النفوس. وقد كان [الملك] «1» الظاهر يتحقق أن قرقماس لا بد له من الركوب عليه، لحبه للرئاسة وتشغّب «2» رأسه بالسلطنة، ولا يمكنه القبض عليه لاضطراب أمره كما هى أوائل الدول، فكان السلطان يريد مطاولته من يوم إلى يوم، إلى أن يتمكن منه بأمر من الأمور، فعجّل الله له أمره بعد شدة هالته عقبها فرج وأمن.
ولما أصبح يوم الخميس خامس شهر ربيع الآخر، عملت الخدمة السلطانية بالقصر(15/272)
السلطانى، وطلع القضاة والأعيان وهنّأوه «1» بالنصر والظفر، وقد وقف على باب القصر جماعة من أمراء المؤيدية الرءوس نوب، مثل جانبك المحمودى، وعلى باى العجمى، وأمثالهما «2» ، ومنعوا المماليك الأشرفية من الدخول إلى الخدمة السلطانية؛ وصار كل واحد منهم يضرب المملوك من الأشرفية على رأسه وأكتافه بالعصى حتى يمنعه من الدخول. هذا بعد أن يوسعه سبّا وتوبيخا، وقطع رواتب جماعة كثيرة منهم.
ثم أمر السلطان القضاة، فجلسوا بجامع القلعة، بسبب قطع سلالم مآذن المدرسة الحسنية «3» ، فحكم قاضى القضاة شمس الدين محمد بن البساطى المالكى بقطعها، وألزم الناظر على المدرسة بقطع السلالم المذكورة، فقطعت فى الحال.
ثم أمر السلطان بالفحص عن قرقماس، ونودى عليه بشوارع القاهرة، وهدّد من أخفاه، فظفر به من الغد فى يوم الجمعة سادس شهر ربيع الآخر، وكان من خبره:
أنه لما انهزم سار وحده إلى جهة الرّصد «4» ، وقيل معه واحد من حواشيه، فأقام به نهاره، ثم عاد من ليلته- وهى ليلة الخميس- إلى جهة الجزيرة، ثم مضى منه إلى بستانه بالقرب من موردة الجبس «5» وقد ضاقت عليه الدنيا بأسرها، وكاد يهلك من الجوع [والعطش] «6» ، فلما رأى ما حل به، بعث إلى الزينى عبد الباسط يعرفه بمكانه، ويأخذ له أمانا من السلطان. فركب عبد الباسط فى الحال وطلع إلى السلطان(15/273)
فى بكرة يوم الجمعة المذكور، وعرّفه بأمر قرقماس، فندب السلطان ولده المقام الناصرى محمدا للنزول إليه، فركب وسار فى خدمته عبد الباسط حتى أتوا إلى موضع كان فيه قرقماس.
حدّثنى المقام الناصرى محمد المذكور، قال: لما دخلت على قرقماس قام إلىّ وانحطّ يقبل قدمى فمنعته من ذلك فغلبنى وقبّل قدمى، ثم يدى، ثم شرع يتخضّع إلىّ ويتضرع، وقد علاه الذل والصغار، ولم أر فى عمرى رجلا ذلّ كذلته، ولا جزع جزعه، وأخذت أسكّن روعه، وجعلت فى عنقه منديل الأمان الذي أرسله والدى إليه، فقبل يدى ثانيا ثم أراد الدخول تحت ذيلى، فلم أمكنه من ذلك إجلالا له، ثم خرجنا من ذلك المجلس وركبنا وأركبناه فرسا من جنائبى، ومضينا به إلى القلعة، وهو فى طول طريقه يبكى ويتضرع إلىّ بحيث أنه رقّ عليه قلبى، وكلما مررنا به على أحد من العامة، شتمه ووبخه، وأسمعه من المكروه مالا مزيد عليه، حتى لو أمكنهم رجمه لرجموه.
هذا ما حكاه المقام الناصرى، ولما أن وصل قرقماس إلى القلعة، وبلغ السلطان وصوله جلس على عادته، فحال ما مثل بين يديه خرّ على وجهه يقبل الأرض، ثم قام ومشى قليلا، ثم خرّ وقبّل الأرض ثانيا، هذا ووجهه صار «1» كلون الزعفران من الصفار وشدة الخوف، فلما قرب من السلطان أراد أن يقبل رجله، فمنعوه أرباب الوظائف من ذلك، ثم أخذ يتضرع، فلم يطل السلطان وقوفه [98] ووعده «2» بخير على هينته.
ثم أمر به، فأخذ وأدخل إلى مكان بالحوش، فقيّد فى الحال، وهو يشكو الجوع، وذكر أنه من يوم الوقعة ما استطعم بطعام، فأتى له بطعام فأكله، وقد زال عنه تلك الأبهة والحشمة من عظم ما داخله من الخوف والذل، ولهجت العامة تقول فى الطرقات:
«الفقر والإفلاس ولا ذلتك يا قرقماس» . قلت: وما أبلغ قول القائل فى معناه:
[الوافر](15/274)
أرى الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار توبيخى وفتكى
ولا يغرركم منّى ابتسام ... فقولى مضحك والفعل مبكى
وأبلغ من هذا قول أبى نواس [فى الزهد] «1» : [الطويل]
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشّفت ... له عن عدوّ فى ثياب صديق «2»
ولما أمسك قرقماس المذكور تمّ سرور السلطان، وهدأ «3» سرّه، وأخذ فى مسك جماعة من أعيان الأشرفية، فأمسك فى يوم واحد أزيد من ستين خاصكيّا من أعيان المماليك الأشرفية، وحبس الجميع بالبرج من قلعة الجبل.
ثم فى يوم السبت سابع ربيع الآخر، خلع السلطان على الأمير آقبغا التّمرازى أمير سلاح، باستقراره أتابك العساكر عوضا عن قرقماس المقدم ذكره، وخلع على يشبك السّودونى أمير مجلس، باستقراره أمير سلاح عوضا عن آقبغا التّمرازى، وعلى الأمير(15/275)
جرباش قاشق، باستقراره أمير مجلس عوضا عن يشبك المذكور. وفى هذا اليوم أيضا أنزل بالأمير «1» قرقماس الشعبانى المقدم ذكره مقيدا من القلعة على بغل على العادة إلى الإسكندرية، بعد أن سمع من العامة مكروها كثيرا إلى الغاية، كل ذلك لأنه كان لما ولى الحجوبية بالديار المصرية، شدّد على الناس وعاقب على المسكرات العقوبات الخارجة عن الحد، فإنه كان فيه ظلم وجبروت، فلما أن وقع له ما وقع، صار من كان «2» فى نفسه شىء، انتقم منه فى هذا اليوم، ويوم طلوعه، فنعوذ بالله من زوال النعم.
ثم فى يوم الاثنين تاسعه، قرئ عهد السلطان الملك الظاهر جقمق، بالقصر السلطانى من قلعة الجبل، وقد حضر الخليفة أمير المؤمنين أبو الفتح داؤد، والقضاة الأربعة «3» ، وتولى قراءته كاتب السر الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، وكان العهد من إنشاء القاضى شرف الدين الأشقر نائب كاتب السر. ولما انتهى كاتب السر من قراءة العهد، خلع السلطان على الخليفة والقضاة، وعلى كاتب السر ونائبه شرف الدين المذكور، وانفض الموكب.
ثم فى يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر، أنعم السلطان على الأمير قراجا الأشرفى أحد مقدمى الألوف، بإقطاع الأتابك آقبغا التّمرازى، بحكم انتقال آقبغا على إقطاع الأتابك قرقماس الذي هو برسم من يكون أتابك العساكر، وكان السلطان زاد قرقماس تقدمة أخرى، زيادة على إقطاع الأتابكية يترضاه بذلك، فلم ينعم السلطان بالزيادة على آقبغا: بل أنعم بها على بعض الأمراء، وأنعم السلطان بتقدمة قراجا على الأمير ألطنبغا المرقبى المؤيدى، الذي كان ولى حجوبية الحجّاب فى الدولة المؤيدية، وكان له مدة طويلة بطّالا، ثم صار أمير عشرة، وأنعم السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف على الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى، عوضا عن قرقماس، وهذه التقدمة التى كانت مع قرقماس زيادة(15/276)
على إقطاع الأتابكية المقدم ذكرها، وأنعم بإقطاع إينال ووظيفته الدوادارية الثانية على الأمير أسنبغا الطيّارى الحاجب الثانى.
وفيه حضر المقرّ الكمالى محمد بن البارزى من دمشق بطلب، بعد أن تلقاه جميع أعيان الديار المصرية، وأصبح من الغد فى يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر المذكور، خلع السلطان عليه باستقراره فى كتابة السر الشريف بالديار المصرية، عوضا عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله بحكم عزله، وهذه ولاية [99] كمال الدين المذكور لوظيفة كتابة السر ثالث مرة، وهى أعظم ولاياته، لأنه صار صهر السلطان وكاتب سره.
وفى يوم الثلاثاء هذا، خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطيّارى بالدوادارية الثانية، وخلع على الأمير يلبغا البهائى «1» الظاهرى أحد أمراء العشرات، باستقراره حاجبا ثانيا، عوضا عن أسنبغا الطيّارى.
ثم فى يوم الخميس تاسع عشره، خلع السلطان على الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى باستقراره أمير حاجّ المحمل، وأنعم عليه بعشرة آلاف دينار. هذا والقبض على المماليك الأشرفية مستمر فى كل يوم، وكل من قبض عليه منهم، أخرج إقطاعه ووظيفته، وحبس بالبرج من القلعة؛ وقد عيّن السلطان جماعة منهم للنفى إلى الواحات.
ثم فى يوم الأربعاء خامس عشرينه، أخرج السلطان جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية من برج القلعة، وأمر بنفيهم إلى الواحات؛ فخرجوا من القاهرة من يومهم، وكانوا عدة كبيرة.
[ثم] «2» فى يوم السبت خامس جمادى الأولى، رسم السلطان بالإفراج عن الأمير خشقدم الطّواشى اليشبكى مقدم المماليك كان، ونائبه فيروز الرّكنى من(15/277)
سجن الإسكندرية، ورسم لها بالتوجه إلى دمياط على حمل خمسة عشرة ألف دينار.
وفيه ورد كتاب الأمير حسين بن أحمد، المدعو تغرى برمش نائب حلب، على السلطان، يتضمن: أنه مقيم على طاعة السلطان، وأنه لبس التشريف المجهز له، وقبّل الأرض؛ فلم يكترث الملك الظاهر بذلك، وكتب ملطّفات إلى أمراء حلب، بالقبض عليه إن أمكنهم ذلك.
ثم فى ثامن جمادى الأولى، استقر الشريف صخرة بن مقبل بن نخبار، فى إمرة الينبع، عوضا عن الشريف عقيل بن زبير بن نخبار
ثم فى يوم الخميس عاشره، استقر زين الدين يحيى بن كاتب حلوان الأشقر، المعروف بقريب ابن أبى الفرج، ناظر الإسطبل السلطانى، على مال بذله فى ذلك، بعد سعى كبير؛ وخلع السلطان أيضا على محمد الصغير، معلّم النّشّاب، أحد ندماء السلطان، باستقراره فى نيابة دمياط، بعد عزل الأمير أسنباى الزّردكاش الظاهرى.
ثم فى يوم الثلاثاء خامس [عشر] «1» جمادى الأولى المذكور، طلب السلطان الشيخ حسن العجمى، أحد ندماء [الملك] «2» الأشرف برسباى، فلما مثل «3» بين يديه، تقدم الشيخ حسن المذكور «4» ليقبل يد السلطان فضربه السلطان بيده على خده [لطشة] «5» كاد أن يسقط منها إلى الأرض، ثم أمر به فعرّى وضرب بالمقارع ضربا مبرحا، وشهر بالقاهرة، ثم سجن ببعض الحبوس، وذلك لسوء سيرة حسن المذكور وقلة أدبه مع الأمراء فى أيام [الملك] «6» الأشرف [برسباى] «7» .
وكان أصل هذا حسن من أوباش الأعاجم المولدة من الجغتاى، واتصل [بالملك] «8»(15/278)
الأشرف بعد سلطنته بسنين، ونادمه واختص به، فنالته السعادة وعمّر له الملك الأشرف زاوية بالصحراء بالقرب من تربة [الملك] «1» الظاهر برقوق، وأوقف عليها وقفا جيدا، وكان حسن المذكور، فى أيام أستاذه [الملك] «2» الأشرف، يدخل إلى أكابر الأمراء ويكلفهم ويأخذ منهم ما أراد من غير تحشّم وعدم اكتراث بهم، فكأنه طرق [الملك] «3» الظاهر جقمق وفعل معه ذلك، فأسرّها [الملك] «4» الظاهر له إلى وقتها؛ مع ذنوب أخر، حتى فعل معه ما فعل؛ ثم نفاه إلى قوص، فدام به إلى أن مات فيما أظن.
ثم جهّز السلطان الأمير سودون المحمدى، وخلع عليه بنظر مكة المشرفة، وندبه أيضا لقتال عرب بلىّ، وصحبته جماعة من المماليك السلطانية، وعرب بلىّ هؤلاء [هم] «5» الذين فعلوا بالحجاج ما فعلوه فى موسم السنة الخالية. وندب بعده أيضا الشهابى أحمد بن إينال اليوسفى، أحد أمراء العشرات، لإصلاح مناهل الحجاز وتقوية لسودون المحمدى. ثم خلع السلطان على الأمير أقبغا من مامش التركمانى الناصرى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، باستقراره فى نيابة الكرك، بعد عزل الصاحب خليل بن شاهين الشّيخى، وانتقاله إلى أتابكية صفد.
ثم فى يوم الخميس أول شهر رجب، أنفق السلطان فى المماليك [100] السلطانية نفقة الكسوة، وكانت عادتهم أن يدفع لكل واحد منهم خمسمائة درهم من الفلوس، فلما قرب أوان تفرقة الكسوة، وقفوا فى يوم الاثنين ثامن عشرين جمادى الآخرة وطلبوا أن ينفق فيهم، عن ثمن الكسوة عشرة دنانير(15/279)
لكل واحد، فما زالوا به حتى أنفق فيهم ألف درهم الواحد، ولكل خاصكى ألفا «1» وخمسمائة.
وفيه رسم السلطان، بأن يكون نواب القاضى الشافعى خمسة عشر، وثواب الحنفى عشرة، ونواب المالكى والحنبلى أربعة أربعة، ووقع ذلك أياما، ثم عادوا إلى ما كانوا عليه.(15/280)
ذكر قتل قرقماس الشعبانى الناصرى
المقدم ذكره
ولما كان يوم الخميس ثامن شهر رجب، جمع السلطان القضاة بالقصر، بعد الخدمة السلطانية، وادعى القاضى علاء الدين على بن أقبرس، أحد نواب الحكم الشافعية، عند القاضى المالكى شمس الدين البساطى، على الأمير قرقماس المذكور، بأنه خرج عن الطاعة وحارب الله ورسوله، وأن بقاءه بالسجن مفسدة وإثارة فتنة، وأن فى قتله مصلحة؛ وشهد بخروجه عن الطاعة ومحاربته جماعة من أكابر الأمراء، فحكم البساطى بموجب ذلك، فقيل له: ما موجبه؟ فقال: القتل، وانفض المجلس. فندب السلطان طوغان السيفىّ آقبردى المنقار أحد الخاصكيّة لقتله، فسافر طوغان إلى الإسكندرية، ودفع لنائبها ما على يده من المحضر المكتتب على قرقماس، وحكم القاضى المالكىّ بقتله، فأخرجه النائب من السجن فقرئ عليه حكم القاضى، وسئل عن الحكم المذكور، فأعذر.
حدّثنى طوغان المذكور بعد عوده من الإسكندرية، قال: لما وصلت إلى الإسكندرية، ودفعت إلى الأمير تمربابى التّمربغاوى نائب الإسكندرية، ما كان على يدى من المراسيم السلطانية وغيرها بقتل قرقماس، فأمر به تمرباى فأخرج من سجنه بقيده إلى بين يدى النائب، فقام النائب وأجلسه مكانه، وسأله فى الأعذار، فأعذر، وقد امتلأ المجلس بالناس، وصار النائب يستحى أن يأمره بالقيام، حتى تكلم بعض من حضر بانفضاض المجلس، وقد حضر المشاعلىّ والوالى، وأقيم قرقماس، وأخذ لتضرب رقبته، فجزع جزعا عظيما وشرع يقول لى: يا أخى يا طوغان، تضرب رقبتى فى هذا الملأ؟ وكرر ذلك غير مرة. فقلت له: يا خوند، أنا عبد(15/281)
مأمور، والشرع حكم بذلك. فقدّم وأجلس على ركبتيه، وأخرج المشاعلىّ سيفا من غير قراب، بل كان ملفوفا بحاشية من حواشى الجوخ التى لا ينتفع بها، فلما رأيت ذلك، قلت للمشاعلىّ: إيش هذا السيف الوحش؟ قال: لا، بل هو سيف جيد. ثم أخذ المشاعلى السيف المذكور وضرب به رقبة قرقماس، فقطعت من رقبته مقدار نصف قيراط لا غير، وعند وقوع الضربة فى رقبة قرقماس صاح صيحة واحدة مات فيها من عظم الوهم، ثم ضربه المشاعلىّ أخرى ثم ثالثة، وفى الثالثة حزّها حزّا حتى تخلّصت، كلّ ذلك وقرقماس لا يتكلم ولا يتحرك، سوى الصيحة الأولى، فعلمت بذلك أنه مات فى الضربة الأولى، من عظم ما داخله من الوهم؛ وكان ذلك فى يوم الاثنين ثانى عشر [شهر] «1» رجب من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. ومات قرقماس وسنه نيّف على الخمسين سنة تخمينا، ويأتى بقية أحواله عند ذكر الوفيات «2» من هذا الكتاب [إن شاء الله تعالى] «3» .
ثم فى يوم الاثنين ثانى عشر [شهر] »
رجب، خلع السلطان على الأمير يلبغا البهائى الظاهرى [برقوق] «5» ، أحد أمراء الطّبلخانات وثانى حاجب، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، عوضا عن الأمير تمرباى التّمربغاوى بحكم عزله، ثم ندب السلطان الأمير يشبك السّودونى الأمير سلاح، لسفر الصعيد، وعيّن معه عدّة كبيرة من المماليك الأشرفية [نجدة لمن تقدّم قبله] «6» لقتال عرب الصعيد؛ وخرج فى يوم الاثنين ثانى شهر رمضان بمن معه من المماليك الأشرفية.
ثم فى يوم الاثنين تاسع شهر رمضان، قدم الأمير الطّواشى خشقدم اليشبكى، ونائبه فيروز الرّكنى الرومى، من ثغر دمياط، وأمرهما السلطان بالتوجه إلى المدينة النبوية صحبة ركب الحاجّ ليقيما بها.(15/282)
ثم فى يوم الأربعاء حادى عشر [شهر] «1» رمضان المذكور، ورد على السلطان كتاب الأمير قانى باى الحمزاوى، نائب حماه، يتضمن ورود الأمير بردبك العجمى الجكمى، حاجب الحجاب [101] بحلب، عليه وصحبته من أمراء حلب، أميران، بعد هزيمتهم من الأمير تغرى برمش نائب حلب، بعد خروجه عن طاعة السلطان وعصيانه. وكان أشيع خبر عصيانه إشاعات، فلما ورد هذا الخبر، تحقق كلّ أحد صحة ما أشيع.(15/283)
ذكر خبر عصيان تغرى برمش المذكور «1»
وهو أنه كان له من يوم مات [الملك] «2» الأشرف برسباى، أخذ فى أسباب الخروج، واحترز على نفسه فى عوده صحبة العساكر إلى حلب غاية الاحتراز، حتى إنه لم يدخل حلب إلا بعد خروج العساكر المصرية منها بعد أيام، ولما دخل حلب شرع فى تدبير أمره والنظر فى ما يفعله لنفسه، ولم يكن له غرض فى طلب الملك لمعرفته أن القوم لا يرضونه لذلك، غير أنه يعلم أنهم لا يدعونه «3» فى نيابة حلب إن أمكنهم ذلك، لكونه كان «4» تركمانيا غير الجنس. وتحقق هذا، فأخذ فى عمل «5» مصلحة نفسه، واستدعى أمراء التركمان للقيام معه، فأجابه جماعة كبيرة، وانضم عليه خلائق.
وكان تغرى برمش من رجال الدهر، عارفا بتدبير أموره، جيد التصرف، وعنده عقل ومكر وحدس صائب، وتدبير جيد، وهمة عالية، على أنه كان لا يعرف المسألة الواحدة فى دين الله، مع جمودة فى مجالسته وخشونة ألفاظ تظهر منه كما هى عادة أوباش التركمان، وجميع جهده ومعرفته كانت فى أمور دنياه لا غير، مع جبن وبخل، إلا فى مستحقّه.
فلما استفحل أمره بمن وافقه من أمراء التركمان فى الباطن، وبكثرة مماليكه وخدمه، مع ما كان حصّله من الأموال، وبلغه مع ذلك أن الملطّفات السلطانية وردت على أمراء حلب فى القبض عليه، رأى أنه يظهر ما استكتمه من الخروج عن الطاعة، ويملك حلب وأعمالها طول عمره، لما دبره أنه إذا غلب عليها وكثرت(15/284)
عساكره بها، يحصّنها ويقيم بها، فإن جاءه «1» عسكر هو قبيله، قاتله، وإن كانت الأخرى، انهزم أمامه بعد تحصين قامتها، وتوجّه «2» إلى جهة بلاد التركمان، إلى أن يعود عنها من أتاها من العساكر، ولم يبق بها إلا من استنيب بها، [و] «3» قدمها تغرى برمش وملكها منه، كما كان يفعله شيخ ونوروز مع الملك الناصر [فرج ابن برقوق] «4» ، مع أن تغرى برمش هذا، كان أرسخ منهما قدما بتلك البلاد، لكونه كان تركمانيا، وله أموال جمة، وأكثر دهاء ومكرا، وإن كان شيخ ونوروز أعظم فى النفوس وأشجع، فليس هذا محلّ شجاعة وعظمة، وإنما هو محل تشويش وتنكيد. وتأييد ما قلته: أن [الملك] «5» الظاهر جقمق، قلق لعصيان تغرى برمش [هذا] «6» أكثر من عصيان الأمير إينال الجكمى نائب الشام الآتى ذكره، وأرسل [الملك] «7» الظاهر خلفى وكلّمنى فى المحضر المكتتب فى حق تغرى برمش هذا قديما، من قتله لبعض مماليك الوالد، لما كان تغرى برمش المذكور بخدمة الوالد، على ما سيأتى بيانه فى [ذكر وفيات هذا الكتاب إن شاء الله تعالى] «8» ، وكلّمنى الملك الظاهر فى أمر تغرى برمش بسبب المحضر وغيره، فلحظت منه ما ذكرته من تخوفه من طول أمر تغرى برمش المذكور معه- انتهى.
وكان أول ما بدأ به تغرى برمش أنه أخذ يستميل الأمير حطط نائب قلعة حلب، فلم يتم له ذلك، فأخذ يدبر على أخذ القلعة بالحيل، فأحسّ حطط وكلّم أمراء حلب بسببه، وانفقوا على قتاله، وبادروه وركبوا عليه بعد أمور وقعت يطول شرحها، ورمى عليه حطط من أعلى قلعة حلب؛ وركب الأمير بردبك العجمى الجكمى حاجب حلب، والأمير قطج من تمراز أتابك حلب، وجماعة أمراء حلب، وعساكرها، وواقعوه، فصدمهم بمماليكه صدمة بدد شملهم فيها، وانهزموا(15/285)
وتشتتوا، فتوجه قطج إلى جهة البيرة «1» فيما أظن، وتوجه بردبك العجمى ومعه أيضا جماعة إلى حماه، وكانت الواقعة فى ليلة الجمعة ثامن عشرين شعبان، ودخل بردبك حماه فى آخر يوم السبت سلخ شعبان؛ هذا ما كان من أمر تغرى برمش، ويأتى بيان أمر هذه الوقعة، فى كتاب تغرى برمش المذكور [إلى السلطان] «2» فيما بعد.
وأما ما كان من أمر السلطان، فإنه لما بلغه خبر عصيانه، طلب الأمراء وعمل معهم مشورة بسببه، فوقع الاتفاق بعزله عن نيابة حلب، وتولية غيره، ثم ينتظر السلطان بعد ذلك ما يرد عليه من الأخبار من البلاد الشامية، لما كان أشيع بالقاهرة أن الأمير [102] إينال الجكمى هو الذي أشار لتغرى برمش المذكور بالخروج عن الطاعة، وأنه موافقه فى الباطن، فلذلك لم يعيّن السلطان أحدا من العساكر المصرية، ولا نواب البلاد الشامية، لقتال تغرى برمش.
فلما كان يوم الخميس ثانى عشر [شهر] «3» رمضان المذكور، كتب السلطان بنقل الأمير جلبان أمير آخور نائب طرابلس، إلى نيابة حلب، عوضا عن تغرى برمش المذكور، وأن يستقر الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حماه المقدم ذكره «4» فى نيابة طرابلس [عوضا عن جلبان، وأن يستقر بردبك العجمى الجكمى حاجب حجاب حلب، المقدم ذكره] «5» فى نيابة حماه، عوضا عن قانى باى الحمزاوى.
وتوجّه الأمير على باى العجمى المؤيدى، أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة،(15/286)
بتقليد جلبان وتشريفه بنيابة حلب، وتقليد بردبك العجمى بنيابة حماه، وبردبك المذكور هو خال على باى المتوجه وجالبه وبه يعرف بالعجمى، على شهرة خاله المذكور.
وتوجه الأمير جانبك المحمودى المؤيدى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بتقليد الأمير قانى باى الحمزاوى وتشريفه بنيابة طرابلس، وعلى باى وجانبك هما يوم ذاك عقد المملكة وحلّها. وبقى السلطان فى قلق بسبب إينال الجكمى نائب الشام، لكونه أشيع أن سودون أخا «1» إينال الجكمى، منذ قدم من عند إينال إلى القاهرة يستميل الناس إليه، وكان السلطان لما تسلطن أرسل سودون المذكور إلى جميع نواب البلاد الشامية، وكانت العادة جرت، أنه يتوجه لكل نائب أمير، يبشره بجلوس السلطان على تخت الملك، كلّ ذلك مراعاة «2» لخاطر أخيه إينال الجكمى، وكان السلطان أيضا أرسل إلى إينال المذكور، بخلعة ثانية مع الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك باستمراره على نيابة دمشق.
فلما كان يوم الاثنين سادس عشر شهر رمضان، ورد الخبر على السلطان من الأمير طوخ مازى الناصرى نائب غزة: بأن الأمير ناصر الدين محمد بن منجك المقدم ذكره، لما وصل من عند السلطان بما على يده من الخلعة إلى جسر يعقوب، بعث إليه إينال الجكمىّ ساعيا يستحثه على سرعة القدوم إلى دمشق، ثم أردفه بآخر حتى قدم ابن منجك إلى دمشق فى يوم السبت سابع شهر رمضان المذكور، وخرج إينال إلى لقائه، ولبس التّشريف السلطاّ المجهز إليه على يد ابن منجك، وقبّل الأرض،(15/287)
وركب الفرس المحضر معه «1» أيضا، ودخل إلى دمشق فى موكب جليل، ونزل بدار السعادة، فاطمأن أهل دمشق بذلك، فإنه كان قد أشيع أيضا بدمشق بعصيان نائبها المذكور.
فلما كان يوم الاثنين تاسعه، ركب الأمير إينال الجكمى الموكب على العادة، ودخل إلى دار السعادة، وجميع أمراء دمشق وسائر المباشرين بين يديه، وقد اطمأن كلّ أحد بأن ملك الأمراء مستمرّ على الطاعة، فما هو إلا أن استقر فى مجلسه أشار بالقبض على أعيان أمراء دمشق، فأغلق الباب وقبض على جميع الأمراء والمباشرين، وكان القائم فى قبض الأمراء [الأمير] «2» قانى باى الأبوبكريّ الناصرى أتابك دمشق، وقانصوه النّوروزى أحد مقدمى دمشق. والمقبوض عليهم أجلّهم: الأمير برسباى الحاجب وعدة كبيرة أخر يأتى ذكرهم «3» . قال: وإن على باى العجمى وجانبك المحمودى المتوجهين بتقليد نائب حلب وطرابلس وصلا «4» إلى غزة وأقاما بها.
فلما سمع السلطان هذا الخبر، اضطرب وتشوّش غاية التّشويش، لأنه كان عليه أدهى وأمرّ، وجمع الأمراء واستشارهم فى أمر إينال وتغرى برمش فأشاروا «5» الجميع بسفره، وتذكّر السلطان قول آقبغا التّمرازى لمّا أشار عليه «6» قبل سلطنته أن يتوجّه إلى البلاد الشامية ثم يتسلطن، فلم تفده التذكرة الآن، وانفض الموكب على أن السلطان يسافر لقتال المذكورين.
ثم فى يوم الأربعاء، ورد الخبر على السلطان: أن الأمير قطج أتابك حلب، وصل أيضا إلى حماة، وأن تغرى برمش أخذ مدينة عين تاب وقلعتها، وأن عدة(15/288)
من قبض عليه الأمير إينال الجكمى من أمراء دمشق تسعة عشر أميرا، وأنه قبض أيضا على جمال الدين يوسف بن الصفى الكركى ناظر جيش دمشق، وعلى القاضى بهاء الدين محمد بن حجى كاتب سر دمشق، وأن على باى [103] وجانبك المحمودى توجّها من غزة إلى الأمير إينال الناصرى العلائى نائب صفد.
ثم فى يوم الخميس عشرينه، ورد على السلطان كتاب الأمير تغرى برمش نائب حلب مؤرخا «1» بثانى شهر رمضان، يتضمن أنه فى اليوم «2» الثالث والعشرين من شعبان لبس الأمير حطط نائب القلعة ومن معه بالقلعة السلاح، وقاموا على سور القلعة ونصبوا المكاحل وغيرها، وأمروا من تحت القلعة من أرباب المعايش وسكان الحوانيت بالنقلة من هناك. وأنه لما رأى ذلك، بعث يسأل حطط عن سبب هذا فلم يجبه، إلى أن كان ليلة التاسع والعشرين منه ركب الأمير قطج أتابك العساكر والأمير بردبك الحاجب فى عدة أمراء لا بسين السلاح ووقفوا تحت القلعة، فبعث إليهم جماعة من عسكره فكانت بين الفريقين وقعة هائلة انهزم فيها قطج، وأنه باق على طاعة السلطان، وأنه بعث يسأل حطط ثانيا عن سبب هذه الحركة، فأجاب بأن الأمير بردبك الحاجب ورد عليه مرسوم السلطان بالركوب عليك وأخذك. وجهزّ تغرى برمش أيضا محضرا ثانيا على قضاة حلب بمعنى ما ذكره، وأنه باق على طاعة السلطان، وأنه لم يتعرض إلى القلعة، فلم يعوّل السلطان على كتابه ولا على ما ذكره لما سبق عنده من خروجه عن الطاعة- انتهى ما تضمنه كتاب تغرى برمش.
ثم ورد على السلطان كتاب الأمير فارس نائب قلعة دمشق، بأن الأمير إينال الجكمى أمر فنودى بدمشق بالأمان والاطمئنان والدعاء للسلطان الملك العزيز يوسف، وأن القاضى تقىّ الدين بن قاضى شهبة، قاضى قضاة دمشق، دعا للملك العزيز على منبر جامع بنى أمية فى يوم الجمعة، وأن الخطبة بقلعة دمشق بافية باسم السلطان الملك(15/289)
الظاهر جقمق؛ كل ذلك والسلطان قد اجتمع»
رأيه على إخراج تجريدة إلى البلاد الشامية.
ثم فى يوم السبت حادى عشرين [شهر] «2» رمضان، استقر القاضى بدر الدين محمد ابن قاضى القضاة ناصر «3» الدين أحمد التّنّسى أحد خلفاء الحكم المالكية قاضى قضاة الديار المصرية، بعد موت العلامة شمس الدين محمد بن أحمد البساطى.
ثم أصبح السلطان من الغد فى يوم الأحد ابتدأ بعرض المماليك السلطانية، وعيّن من الخاصكية ثلاثمائة وعشرين نفرا «4» ، لسفر الشام مع من «5» يأتى ذكره من أمراء الألوف وغيرهم.
ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرينه، خلع السلطان على الأمير الكبير آقبغا التّمرازى باستقراره فى نيابة دمشق، عوضا عن إينال الجكمى بحكم عصيانه، على كره منه وتمنّع كبير.
ثم فى يوم الثلاثاء أيضا عرض السلطان الخاصكيّة وعين منهم للسفر ثلاثمائة وثلاثين خاصكيّا، لتتمة ستمائة وستين خاصكيّا، ثم نقّص منهم خمسة بعد أيام.
ثم فى يوم الأربعاء خامس عشرينه عيّن السلطان للسفر من أمراء الألوف:
قراخجا الحسنى رأس نوبة النوب، وتمرباى السّيفى تمربغا المشطوب، ومن أمراء الطبلخانات: [الأمير] «6» طوخ من تمراز الناصرى رأس نوبة ثانى، وهو مسفّر الأتابك آقبغا التّمرازى؛ ومن أمراء العشرات عشرة، وهم: أقطوه الموساوى، وقد صار أمير طبلخاناة، وتنم من عبد الرازق المؤيدى محتسب القاهرة ورأس نوبة،(15/290)
ثم أعفى بعد ذلك، ويشبك من أزوباى الناصرى رأس نوبة، وبايزير «1» من صفر خجا الأشرفى رأس نوبة، وآقبردى الأشرفى أمير آخور ثالث، وقيزطوغان العلائى، وسودون الإينالى المؤيدى المعروف بقراقاس رأس نوبة، وسودون العجمى النوروزى رأس نوبة، وسودون النوروزى السلاح دار رأس نوبة، وجانبك النوروزى رأس نوبة، وخشكلدى الناصرى البهلوان.
ثم ورد الخبر على السلطان من الأمير طوغان العثمانى نائب القدس بأن إينال الجكمى، أطلق الأمراء الذين قبض عليهم قبل تاريخه، وحلّفهم للملك العزيز يوسف، وذلك بشفاعة قانى باى الناصرى البهلوان أتابك دمشق، فحزر أهل المعرفة أن أمر إينال الجكمى لا يتم لتضييعه الحزم فيما فعل من الإفراج عن الأمراء بعد أن تأكدت الوحشة بينهم، ومع ما كان بينه وبين الأمير برسباى الحاجب من حضوض «2» الأنفس قديما، ونفرت القلوب بذلك عن إينال الجكمى، وأول من نفر عنه تغرى برمش نائب حلب، وقال فى نفسه عن إينال المذكور: هذا فى الحقيقة ليس بخارج عن الطاعة، وإنما قصد بالإشاعة عنه أنه عاص حتى أقدم عليه ويقبض علىّ تقرّبا لخاطر السلطان، وهو معذور فى ذلك، فإن مثل هؤلاء [104] ما كان يفرج عنهم بشفاعة ولا لشفقة عليهم، وقد قصد ما قصد، [ولله در المتنبى فى قوله] «3» : [الكامل]
لا يخدعنّك من عدوك دمعه ... وارحم شبابك من عدوّ ترحم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدّم
ومن يومئذ أخذ أمر إينال الجكمى فى الاضمحلال قليلا، واستخف كل أحد عقله وتعجب من سوء تدبيره، وكاد أخوه سودون العجمى «4» أن يموت قهرا لما بلغه عن أخيه إينال [ذلك] ، «5» وهو يوم ذاك من جملة أمراء العشرات بالديار المصرية.(15/291)
ثم ورد الخبر على السلطان بأن الأمير إينال العلائى الناصرى نائب صفد خرج منها، وسار حتى نزل بالرّملة فى سابع عشر [شهر] «1» رمضان، بعد ما أرسل إليه إينال الجكمى يدعوه لموافقته، وأعلمه أيضا أنه ما قام فى هذا الأمر إلا وقد وافقه نواب المماليك، وأركان الدولة وعظماء أمراء مصر، فلم يلتفت إينال العلائى لكلامه، ثم خشى أن يكبس بصفد، فخرج منها بعد أن جعل حريمه بقلعة صفد، وسار حتى نزل الرملة، فسرّ السلطان بذلك وكتب إليه بالثناء والشكر.
ثم فى يوم الخميس سابع عشرين [شهر] «2» رمضان المذكور أنفق السلطان فى العسكر المجرد إلى الشأم- وعدتهم ما بين خاصكىّ ومملوك: ستمائة واثنان وخمسون نفرا- كل واحد ثمانين «3» دينارا.
ثم قدم الخبر بأن الأمير جلبان، المستقر فى نيابة حلب، وصل إلى الرملة فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر رمضان فارّا من تغرى برمش نائب حلب، وكان من خبر تغرى برمش نائب حلب أنه لما قوى أمره وبلغه عصيان إينال الجكمى أيضا، عظم أمره واستدعى التركمان إلى حلب، فقدم عليه منهم جماعة كبيرة إلى الغاية؛ ثم عمل مكحلة «4» عظيمة من نحاس، ليرمى بها على قلعة حلب، وأخذ مع هذا كله يستميل جماعة من أهل قلعة حلب فمالوا له فى الباطن، وواعدوه على «5» تسليم القلعة له، وهو مع ذلك مستمر فى حصار القلعة المذكورة، والنقب فى جدر «6» القلعة [عمّال] «7» ، والقتال بينه وبينهم فى كل يوم يزداد، إلى أن بلغ الأمير حطط نائب قلعة حلب، عمن «8» وافق تغرى برمش المذكور، من أهل القلعة، فقبض على الجميع، وأخذ(15/292)
بعضهم وجعله فى المنجنيق ورمى به على تغرى برمش، ثم قتل جماعة منهم وجعل رؤوسهم على سور قلعة حلب، فلم يكترث تغرى برمش بذلك واستمر على ما هو عليه من حصار القلعة حتى أشرف على أخذها، فخوّفه بعض أصحابه من وثوب أهل مدينة حلب عليه وأشاروا عليه بأن ينادى لهم بالأمان، فأمر بذلك.
وكان بلغ أهل حلب أن تغرى برمش يريد يأمر التركمان بنهب حلب، فلما نودى بالأمان تحققوا ما كان قيل من نهب حلب، وألقى الله فى نفوسهم أن يركبوا عليه ويقاتلوه قبل أن يأمر بنهبهم. فثارت العامة وأهل حلب بأجمعهم «1» بقسيّهم وسلاحهم على حين غفلة، وساروا يدا واحدة واحتاطوا بدار السعادة وبه النائب تغرى برمش؛ وقد تقدم أن تغرى برمش المذكور كان جبانا غير ثابت فى الحروب، ضعيف القلب عند ملاقاة العدو، وليس فيه [سوى] «2» جودة التدبير وحسن السياسة بحسب الحال، وبالنسبة لأمثاله من الجهلة فعندما بلغه وثوب أهل حلب عليه لم يثبت، وذهب فارّا يريد الخروج من المدينة، وسار حتى خرج «3» من السور، وصار «4» واقفا «5» خارج السور فى نحو الأربعين فارسا تخمينا، وقد نهبت العامة جميع ما كان له بدار السعادة، من الخيول والأموال والسلاح وامتدت أيديهم إلى مماليك تغرى برمش وأتباعه يقتلونهم وينهبونهم.
وكان له المماليك الكثيرة المتجمّلة فى لبسهم وسلاحهم، غير أنهم كانوا على مذهب أستاذهم فى الجبن والخوف «6» وعدم الثبات فى القتال، ولم يظهر لأحد منهم نتيجة فى هذا اليوم ولا فى يوم مصاففته للعسكر المصرى، بل هرب غالبهم وجاء «7» إلى العساكر المصرية قبل وقوع القتال، وتركوا أستاذهم فى مثل ذلك اليوم مع عظم(15/293)
إحسانه لهم، وتخوّلهم فى النّعم. وكانت هذه الوقعة فى يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان، بعد ما كان تغرى برمش حاصر القلعة ثلاثة عشر يوما وتلاحق عدة من أصحاب تغرى برمش ومماليكه به ولم يجد له قوة للعود إلى حلب لقتال أهلها، فسار بمن معه يريد طرابلس، وانضم عليه الأمير طر على بن صقل «1» سيز التركمانى بأصحابه، فلما قارب طرابلس لم يثبت الأمير [105] جلبان، وانهزم من طرابلس فى العاجل، إلى نحو الرملة حتى قدمها، وانضم على من كان بالرّملة من النواب وغيرهم. وكان جلبان أيضا من مقولة تغرى برمش فى القتال، غير أن أمره كان فى ستر لأمور لا تخفى على أحد، فدقت البشائر لذلك، وسر السلطان بهذا الخبر، وتعجب الناس من نكبة تغرى برمش المذكور، مع قوة أمره وكثرة جموعه.
ولما وصل جلبان إلى الرّملة واجتمع بالأمير إينال العلائى نائب صفد، والأمير طوخ مازى نائب غزة، والأمير طوغان العثمانى نائب القدس، اتفقوا على مكاتبة السلطان، فكتبوا له يستدعونه للسير بنفسه، بعد تجهيز العساكر بين يديه سريعا، وكان قدم بهذا الخبر صرغتمش السيفى تغرى بردى أحد مماليك الوالد، وهو يوم ذاك دوادار الأمير جلبان، فخلع عليه السلطان فى يوم الأحد تاسع عشرينه باستقراره دوادار السلطان بحلب، عوضا عن سودون النّوروزى بحكم انتقاله إلى حجوبية حلب، بعد بردبك العجمى المنتقل إلى نيابة حماه.
ثم فى هذا اليوم قدم الأمير جانبك المحمودى المتوجه بتقليد قانى باى الحمزاوى بنيابة طرابلس، بعد أن وصل إلى الرّملة ولم يتمكن من التوجه إلى حماه خوفا من إينال الجكمى، فأثار عند قدومه إلى القاهرة سرورا عظيما «2» ، فإنه زعم أنه ظفر بكتب جماعة من الأمراء وغيرهم إلى العصاة ببلاد الشام، أوقف عليها السلطان، فتعجب السلطان من ذلك غاية العجب، فإنه كان من يوم جلس على(15/294)
تخت الملك ويده ممدودة بالإحسان لكل أحد، حتى أنه ترقى فى أيامه إلى الوظائف السنية والإقطاعات الهائلة جماعة من الأوباش لم يكن لهم ذكر بين الناس قبل ذلك، وفيهم من لم أره قبل تاريخه ولا أعرف شكله جملة كافية، وصار منهم السقاة، ورؤوس نوب الجمداريّة، وبجمقداريّة، وسلاح دارية، وغير ذلك، وأثرى «1» منهم جماعة ممن كان غالب معيشته بالشحاذة والتّكدّى، لكثرة ما أغدق عليهم [الملك] «2» الظاهر جقمق بالعطاء، وصار ينعم عليهم بالأقمشة الفاخرة، حتى أنه وهب لبعضهم الكوامل المخمل المنقوشة بأطواق السّمّور وبالطرز الزركش العريضة، وهو مستمر على ما هو عليه ليوم تاريخه؛ فلما وقف على الكتب قال: هذه مفتعلة، ولم ينتقم على أحد، وأخذ فيما هو فيه من تجهيز العساكر.
فرار الملك العزيز
ثم أصبح من الغد فى يوم الاثنين سلخه عملت الخدمة بالقصر على العادة، وبينما هو فى ذلك بلغه من الأمير قراخجا الحسنى رأس نوبة النوب فرار الملك العزيز يوسف من محبسه بدور قلعة الجبل- أعنى سكنه، فإنه كان سكن بقاعة البربرية «3» من الحريم السلطانى- فاستبعد السلطان ذلك وندب بعض خواصه أن يتوجه إلى الأمير فيروز الزمام ويسأله عن صحة هذا الخبر، فمضى المذكور لفيروز وسأله عن لسان السلطان فأنكر فيروز ذلك، ودخل من وقته فلم يجد العزيز فى مكانه، ووجد نقبا بقاعة البربرية يتوصل منه إلى المطبخ السلطانى فعاد القاصد بصحة الخبر على السلطان. فلما تحقق السلطان ذهاب [الملك] «4» العزيز كادت روحه أن تزهق، وعظم عليه الخبر، ونسى ما كان فيه من أمر إينال الجكمى وتغرى برمش، وعرّف السلطان الأمراء(15/295)
وأكابر الدولة بذلك، فما منهم إلا من ظهر عليه الخوف والفزع. وماجت المملكة، وكثر الكلام، واختلفت الأقاويل فى أمر [الملك] »
العزيز وفراره، وفى أين توجّه.
وكان من خبر العزيز- على اختلاف النقول- أن الملك العزيز لما حبس بقاعة البربرية من الدور السلطانية «2» ، أقرّ [الملك] «3» الظاهر عنده دادته سرّ النّديم الحبشية ومعها عدة جوار أخر سرارىّ الملك العزيز، ومرضعته أيضا، ورسم لمرضعته أنها تخرج إلى حيث شاءت، وجعل القائم فى خدمة [الملك] «4» العزيز لقضاء حوائجه طواشيّا «5»
هنديا من عتقاء أمه خوند جلبان يسمى صندلا «6» ، وسنّه دون العشرين سنة، فصار صندل المذكور يتقاضى [حوائج العزيز، ويقبض له ما رتّب له من النفقة من أوقاف أبيه، فاحتوى صندل على جميع أمور الملك العزيز، وعرف جميع] «7» أحواله.
وكان عند الطواشى يقظة ومعرفة، وبقى كلما بلغه عن الملك العزيز شىء يبلغه له، فأشيع بالقاهرة أن السلطان يريد يرسل [الملك] «8» العزيز إلى سجن الإسكندرية، ثم أشيع أنه يريد يكحله؛ فبلّغه صندل المذكور جميع ذلك، فخاف العزيز خوفا عظيما، ثم بلغه أن بعض علماء العصر أفتى بقتل العزيز صيانة لدماء المسلمين، من كونه مخلوعا «9» عن الملك وله شوكة، والملك الظاهر متولّ ولم يكن له شوكة، فإن أبقى على العزيز ربما تثور شوكته ويقاتل السلطان، [106] فيقع بذلك الفساد وتسفك دماء كثيرة من المسلمين.(15/296)
فلما بلغ العزيز ذلك- على ما قيل- حار فى أمره، فحسّن له صندل المذكور الفرار، فاستبعد العزيز وقوع ذلك، ثم وافقه. وكان للملك العزيز طباخ «1» يسمى إبراهيم من أيام والده، فداخله صندل فى الكلام بفرار العزيز، فأجابه إبراهيم المذكور أنه ينهض بذلك، ويقدر على خروجه من القلعة بحيلة يدبرها. ثم أمر إبراهيم الطباخ صندلا أن ينقب من داخل القلعة نقبا يصل إلى المطبخ المذكور، وأن إبراهيم ينقب من خارج المطبخ مقابله، فأمر العزيز جواريه بالنقب من داخل القلعة مساعدة للطباخ، حتى تهيأ ذلك. وتم هذا، وصندل يتحدث مع جماعة من المماليك الأشرفية فى مساعدة [الملك] «2» العزيز إذا خرج ونزل من القلعة، فمال إلى ذلك جماعة: منهم طوغان الزّردكاش، وأزدمر مشدّ [الملك] «3» العزيز أيام أبيه، فى آخرين من [المماليك] «4» الأشرفية، وبذلوا لصندل الطاعة فى ذلك، ورغّبوه فى نزول الملك العزيز إليهم، واستحثوه على ذلك.
وتكلم طوغان الزّردكاش مع جماعة أخر من الأشرفية، فمال الجميع إلى نزوله إليهم، مع عدم الاتفاق مع أكابر الأشرفية، ولا تشاوروا فى ذلك، بل صاروا يحرضون [صندلا] «5» على نزوله، ولم يعينوا له «6» مكانا «7» يجلس فيه إلى «8» أن يفعلوا له ما هو قصدهم، فلم يعرّف صندل العزيز ذلك، بل صار يمليه بخلاف الواقع، إلى أن انتهى النقب المذكور.
فلما كان وقت الإفطار من ليلة الاثنين سلخ شهر رمضان من سنة اثنتين وأربعين، والناس فى شغل بالصلاة والفطر، أخرج الطباخ الملك العزيز من النقب عريانا مكشوف الرأس، فألبسه الطباخ من ثيابه ثوبا مملوءا بسواد القدور والأوساخ، وحمّله قدرا فيه(15/297)
طعام، وقيل صحنا فيه منفوع الطباخين من الطعام، يوهم الطباخ بذلك أنه صبيّه، ثم جعل على يده خافقيّة فيها طعام، وغيرّ وجه الملك العزيز ويديه بالزفر وسواد القدور.
وخرجا جميعا من غير هرج ولا اضطراب ولا خوف حتى وصلا إلى باب القلعة، فوافاهم «1» الأمراء والخاصكية وقد خرجوا بعد إفطارهم من عند السلطان، فلما رأى «2» إبراهيم الطباخ الأمراء والخاصكية خاف أن «3» يفطن به أحد، لجمال وجهه وحسن سمته ولما عليه من الرّونق، فضربه «4» ضربة بيده وسبّه، يريد بذلك أنه صبيّه، ويستحثه على سرعة الحركة والمشى، ليردّ الوهم عنه بذلك، فأسرع الملك العزيز فى المشى وسارا «5» حتى نزلا من قلعة الجبل، فإذا صندل وطوغان الزّردكاش وأزدمر مشدّ العزيز فى آخرين واقفين فى انتظاره «6» ، فحال ما رأوه قبّلوا يده وأخذوه إلى دار بعضهم، فأنكر العزيز ذلك منهم، ونهر صندلا الطّواشى، وقال: ما على هذا أنزلت؛ وكان فى ظن العزيز أنه ساعة ما ينزل إليهم، يأخذوه ويركبون «7» به إلى جهة قبة النصر أو غيرها بمجموعهم، ويقاتلون «8» السلطان الملك الظاهر، حتى يملكوا منه القلعة، على ما كان صندل يقول له مثل ذلك.
وأراد العزيز العود إلى مكانه بالقلعة فلم يمكنه ذلك، وقام طوغان فى منعه ووعده بقيام جميع خشداشيّته من الأشرفية بنصرته، وأنهم اتفقوا على ذلك، وأنهم إلى الآن لم يصدّقوا بنزول الملك العزيز، فإذا علموا ذلك(15/298)
اجتمع «1» الكلّ فى القيام بنصرة الملك العزيز، فإن «2» لم يفعلوا ذلك أخذه هو وسار به إلى بلاد الصعيد، عند الأمير يشبك السّودونى أمير سلاح المجرد قبل تاريخه لقتال عرب الصعيد، وكان صحبة يشبك جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية نحو سبعمائة مملوك، مع ميل يشبك إلى الأشرفية فى الباطن، لكونه كان ممن أنشأه الملك الأشرف برسباى ورقّاه.
ثم افترقوا، واختفى الملك العزيز ومعه صندل وأزدمر وإبراهيم الطباخ فى مكان ليلته، ثم تنقّل فى عدة أماكن أخر، وأخذ طوغان فى الكلام مع خجداشيته الأشرفية فى القيام بنصرة ابن أستاذهم الملك العزيز، فاعتلّوا بأن غالبهم قد توجه إلى بلاد الصعيد ولم يجيبوا له دعوة، فلما علم منهم ذلك ركب هجنا وسار إلى بلاد الصعيد لإعلام الأمير يشبك والمماليك الأشرفية بنزول الملك العزيز إليه، ودخل جماعة كبيرة منهم إلى الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى، وكلموه فى القيام بنصرة ابن أستاذه «3» ، فخاف العواقب ولم يوافقهم، وتسحّب من داره على بغل ثم نزل ماشيا واختفى.
هذا ما بلغنا من أفواه الناس، فإنى لم أجتمع مع إينال المذكور بعد ذلك؛ هذا والسلطان وحاشيته «4» قد عظم قلقهم، وصار السلطان لا يعلم أين ذهب [الملك] «5» العزيز، ولم يشك هو وغيره أن [107] الأمير إينال الأبوبكريّ أخذ العزيز على هجنه المجهزة لسفر الحجاز، فإنه كان ولى إمرة الحاجّ، وسار إلى الأمير إينال الجكمى. قلت:
ولو فعل إينال ذلك لكان تم له ما قصد، لكثرة هجنه «6» ورواحله وعظم حواشيه من(15/299)
خجداشية «1» وغيرهم، وكان ذلك هو الرأى فحسّن الله له»
غير ذلك، حتى يصل كل موعود إلى ما وعد.
كل ذلك فى يوم سلخ رمضان. فلما كان الليل، وهى ليلة عيد الفطر التى تسحّب فيها إينال المذكور، تفرّقت المماليك المؤيدية وغيرهم إلى طرقات القاهرة، ودار منهم طائفة كبيرة حول القلعة وبالقرب من بيت إينال المذكور، مخافة أن يخرج إينال فى الليل بالملك العزيز، وكثر هرج الناس فى تلك الليلة وتخوّفوا من وقوع فتنة من الغد.
ومضت تلك الليلة على أبشع وجه من اضطراب الناس وتخوفهم، وأصبح السلطان صلى صلاة العيد بجامع القلعة وهو على تخوف، وقد وقف جماعة بالسلاح مصلتا على رأسه حتى قضى صلاته. وخطب قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر وأوجز فى خطبته، كما أسرع فى صلاته، وعندما فرغ من الخطبة، وصل الخبر للسلطان بأن الأمير إينال تسحب فى الليل، فعظم الخطب. فلما علم «3» السلطان بتسحّب إينال أمر فنودى بالقاهرة أن لا يتخلف أحد من المماليك [عن الخدمة، وهدد من تخلف بالقتل، فلما طلعوا قبض على جماعة من المماليك] «4» الأشرفية، ثم نودى أيضا فى الناس بإصلاح الدروب وغلقهم أبواب دورهم، وأن لا يخرج أحد من بيته بعد عشاء الآخرة، وصارت أبواب القاهرة تغلق قبل عادة إغلاقها «5» من الليل، فكانت ليلة هذا العيد ويومه وثانيه من الأيام النكدة البشعة.
ثم فى يوم الخميس ثالث شوال خلع السلطان على الأمير تنبك البردبكى، أحد مقدمى الألوف باستقراره أمير حاجّ المحمل، عوضا عن إينال المذكور، بحكم تسحبه، وخلع على قراجا الناصرى الخاصكى البواب باستقراره والى القاهرة،(15/300)
بعد عزل علاء الدين على بن الطّبلاوى، وخلع على الأمير ممجق النّوروزى أحد أمراء العشرات باستقراره فى نيابة قلعة الجبل عوضا عن تنبك المستقر فى إمرة حاج المحمل، وفيه أيضا أمسك السلطان جماعة [كبيرة] «1» من المماليك الأشرفية.
ثم فى يوم الجمعة رابع شوال سار عسكر من الخاصكية إلى جهة الغربية تزيد عدتهم على سبعين فارسا، لمسك الأمير قراجا الأشرفى أحد مقدمى الألوف، وكان ولى كشف الجسور «2» بالغربية، فسار العسكر المذكور إلى جهة المحلة، وبلغ قراجا ذلك فخرج إليهم وسلّم نفسه، فأخذ وقيد وحمل إلى الإسكندرية فسجن بها.
وأما السلطان فإنه أصبح فى يوم [السبت] خامس «3» شوال عزل الأمير أركماس الظاهرى عن الدوادارية الكبرى، وأخذت خيوله وخيول الأمير قراجا المقدم ذكره.(15/301)
ثم فى يوم الاثنين سابع شوال نودى بأن من وجد أحدا من غرماء السلطان وطلع به فله خمسمائة دينار وإقطاع، ومن غمز عليه أنه أخفى أحدا منهم حلّ ماله ودمه؛ هذا والمؤيدية قد تجردت للفحص عن الملك العزيز وعن المماليك الأشرفية فى جميع الأماكن، وقبضوا على جماعة من غلمانهم حتى دلّوهم على أماكن بعضهم، وصاروا يكبسون الدور والترب وديارات «1» النصارى والبساتين وضواحى القاهرة ومصر، ويمرون فى الليل فى الأزقة متنكّرين، فإنهم صاروا [هم] «2» أكثر تخوفا «3» من السلطان على نفوسهم «4» .
وسبب ذلك أن طائفة المماليك المؤيدية كانوا قاموا مع السلطان الملك الظاهر فى [أمر] «5» سلطنته أتم قيام، مع من ساعدهم من جميع الطوائف، غير أنهم كانوا هم أشدّ بأسا فى ذلك؛ فلما تسلطن الملك الظاهر عرف لهم ذلك ورقاهم وقرّبهم، حتى صاروا هم عقد المملكة وحلّها وتحكموا فى الدولة، وأخرجوا المماليك الأشرفية من الديار المصرية إلى السجون وإلى الثغور وإلى البلاد، وأهانوهم بعد عزهم واتضع جانبهم بعد [108] رفعتهم.
فلما وقع لهم ذلك جدّوا فى الإغراء بالملك العزيز وقتله خوف العواقب، فلم يسمع لهم السلطان، فحسّنوا له أن يكحله فلم يوافق أيضا على ذلك، فلما ثار الأمير إينال الجكمى نائب الشأم ودعا للملك العزيز، وكان تغرى برمش نائب حلب أيضا أعظم ميلا «6» للملك العزيز لكونه نشء والده الملك الأشرف [برسباى] «7» ، تحققت المؤيدية أنهم مقتولون أشر قتلة، إن ملك العزيز ثانيا وصار لشوكته دولة، فحرّضوا(15/302)
عند ذلك السلطان على قتله، واستفتوا العلماء فى ذلك فكتب بعضهم على قدر ما أنهى له فى الفتوى، وامتنع البعض. ثم اشتهر بالقاهرة أنه إذا فرغ شهر رمضان يفعل بالعزيز ما هو القصد، وتكلم الناس بذلك. واتفق فرار العزيز، إما لما بلغه هذا الخبر أو لمعنى آخر، وأكثر قول الناس أنه لم يفر إلا لما خامر قلبه من الخوف، والله أعلم.
ثم لما بلغ إينال الأشرفى خبر العزيز وتسحبه، واستدعته خجداشيّته بالقيام فى نصرة ابن أستاذه فلم يوافق، وخاف إن طلع القلعة من الغد يمسك، اختفى. فلما أصبح النهار وبلغ السلطان والناس فرار العزيز وتسحّب إينال، لم يشك الناس فى أن إينال أخذ العزيز ومضى إلى إينال الجكمى، ثم اختلفت الاقوال، فعند ذلك علموا المؤيدية أنهم أشرفوا على الهلاك، وأنهم ركبوا الأخطار فيما فعلوه فى أمر [الملك] «1» العزيز، فحينئذ جدوا فى الفحص عن أمره، لبقاء مهجتهم لا لنصرة الملك الظاهر جقمق، وصار الملك الظاهر يأخذ النار بيد غيره، وهو فيما هو فيه من تجهيز العساكر لقتال الجكمى وتغرى برمش.
ثم فى يوم الثلاثاء ثامن شوال أنعم السلطان بإقطاع الأمير قراجا الأشرفى على ولده المقام الناصرى محمد، وصار محمد [المذكور] «2» من جملة أمراء الألوف، وأجلس تحت الأمير جرباش الكريمى أمير مجلس، وهذا بخلاف العادة، فإن العادة جرت من دولة [الملك] «3» الظاهر برقوق إلى يومنا هذا، أن ابن السلطان لا يجلس إلا رأس الميسرة فوق أمير سلاح، فكلمه الأمراء فى ذلك فلم يرض، وما فعل «4» [الملك] «5» الظاهر هذا الأمر وأمثاله إلا لعدم ثبات ملكه ولاضطراب دولته، بسبب خروج النواب عن الطاعة، وأيضا تسحّب العزيز- انتهى.(15/303)
ثم أنعم السلطان بإقطاع إينال الأشرفى الأبوبكريّ على الأمير جرباش الكريمى قاشق، وأنعم بإقطاع جرباش على الأمير شادبك الجكمى المعزول عن نيابة الرّها، وهو يوم ذاك أحد أمراء الطبلخاناة، وإقطاع جرباش والذي أخذه كلاهما تقدمة ألف، غير أن الخراج يتفاوت بينهما. وأنعم السلطان بإقطاع أركماس الظاهرى على الأمير أسنبغا الطيارى الدوادار الثانى، وأنعم بإقطاع شادبك على الأمير جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد «1» ، وأنعم بإقطاع الأمير أسنبغا الطيّارى على الأمير دولات باى المؤيدى الأمير آخور الثانى، وكلاهما طبلخاناة. كل ذلك والقبض على الأشرفية مستمر، مع الكتابة إلى الأعمال بأخذ الطرقات عليهم برّا وبحرا، والسلطان يستحث آقبغا التّمرازى نائب الشام على السفر فى كل قليل.
فلما كان يوم الخميس عاشر شوال برز آقبغا التّمرازى بمن معه من القاهرة إلى الرّيدانية، بعد أن خلع عليه السلطان خلعة السفر، فلما لبسها وجاء إلى السلطان ليقبل يده قام له السلطان واعتنقه، فمسك آقبغا يده وقال له: يا خوند، لا تغير نيّتك، فقال السلطان: لا والله. ثم تأخر بخلعته ووقف على ميمنة السلطان، لأن السلطان [كان] «2» شرط له أنه لا يخرج عنه إقطاع الأتابكية ووظيفتها إلى أن ينظر فى أمر الجكمى ما سيكون، فلهذا المقتضى وقف آقبغا فى منزلة الأتابكية على ميمنة السلطان، وكان حقه الوقوف على الميسرة كما هى عادة منازل نواب دمشق، مع أن الأمير يشبك السّودونى أمير سلاح ترشح للأتابكيّة وهو مجرد ببلاد الصعيد، وأخرجت وظيفة إمرة سلاح عنه فى هذا اليوم، ولكن بغياب يشبك فالأتابكية شاغرة.
ثم خلع السلطان بحضرة آقبغا المذكور على الأمير تمراز [109] القرمشى(15/304)
الأمير آخور الكبير باستقراره أمير سلاح عوضا عن يشبك السّودونى، وقد رشح يشبك للأتابكية عوضا عن آقبغا التّمرازى المذكور، وخلع على الأمير قراخجا الحسنى رأس نوبة النوب باستقراره أمير آخور كبيرا عوضا عن تمراز القرمشى وهو يوم ذاك مقدم العساكر؛ وأمر السلطان ولده المقام الناصرى محمدا بسكنى الحرّاقة من باب السلسلة، إلى أن يعود الأمير قراخجا الحسنى من سفره بالبلاد الشامية، ونزل تمراز القرمشى من باب السلسلة فى يومه.
وخلع السلطان على الأمير تغرى بردى البكلمشى المعروف بالمؤذى، حاجب الحجاب، باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن أركماس الظاهرى، واستقر الأمير تنبك البردبكى أمير حاج المحمل حاجب الحجاب، غير أنه لم يلبس خلعة الحجوبية فى هذا اليوم؛ ثم خلع السلطان على الأمير تمرباى التّمربغاوى المعزول عن نيابة الإسكندرية باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن قراخجا الحسنى بحكم انتقاله أمير آخور؛ وتمرباى هذا أيضا ممن عيّن لسفر التجريدة.
ثم خلع السلطان على دولات باى المحمودى [الساقى المؤيدى] «1» الأمير آخور الثانى باستقراره دوادارا ثانيا عوضا عن أسنبغا الطّيارى؛ وخلع السلطان على الأمير جرباش المحمدى كرد باستقراره أمير آخور ثانيا بعد دولات باى المؤيدى، فامتنع جرباش المذكور من قبول ذلك لكونه يلى الأمير آخورية الثانية عن دولات باى وهو أقل منه رتبة، حتى استعطفه السلطان وقرّره على رتبته، ونزل آقبغا وقراخجا وتمرباى- الجميع بخلعهم- إلى مخيمهم بالرّيدانيّة حسبما تقدم ذكره، ثم تبعتهم العساكر المجردة من المماليك السلطانية وأمراء الطّبلخانات والعشرات وغيرهم.
وفى هذا اليوم قدم الأمير يونس الرّكنى الأعور، أحد مقدمى الألوف(15/305)
بدمشق، فارّا من إينال الجكمى، فأكرمه السلطان وأنعم عليه بزيادة جيدة على إقطاعه وتقدمته «1» بدمشق.
وأقام آقبغا التّمرازى بالرّيدانية إلى يوم السبت ثانى عشر شوال، فرحل منها واستقل بالمسير إلى الشام.
وفى يوم السبت هذا نفى السلطان إمام الملك الأشرف نور الدين عليّا السويفى إلى دمياط.
ثم فى يوم الاثنين رابع عشر شوال رحل الأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور الكبير، والأمير تمرباى التّمربغاوى رأس نوبة النّوب بمن معهما من الأمراء والمماليك السلطانية من الرّيدانية إلى جهة الشام.
وفيه ورد الخبر على السلطان بأن إينال الجكمى برز بمخيمه من مدينة دمشق إلى ظاهرها، فلما كان يوم الخميس ثالث شوال المذكور، عزم هو على الخروج من المدينة بنفسه إلى مخيمه ليسير بمن معه إلى نحو الديار المصرية، فبينما هو فى ذلك ركب عليه الأمير قانى باى الأبوبكريّ الناصرى البهلوان أتابك دمشق، وكان ممن وافق الجكمى على العصيان وحسّن له ذلك ثم تركه ومال إلى جهة السلطان، وركب معه الأمير برسباى الناصرى حاجب الحجاب بدمشق وجميع أمراء دمشق وعساكرها، ولم يبق مع إينال من أعيان أمراء دمشق إلا جماعة يسيرة، مثل الأمير قنصوه النّوروزى أحد مقدمى الألوف بدمشق، والأمير تنم العلائى المؤيدى الدوادار، أحد أمراء الطبلخانات بدمشق، والأمير بيرم صوفى [أحد الطبلخاناة بدمشق أيضا] «2» والأمير مسروق أخو الملك الظاهر ططر، وجماعة أخر يسيرة جدا، أعيانهم من ذكرناه
فلما بلغ إينال الجكمى ركوب هؤلاء عليه، مال عليهم وقاتلهم، فلم يثبتوا له وانهزموا أقبح هزيمة، ثم تراجعوا فحمل عليهم فانكسروا وتمزقوا شذر مذر، وطلع(15/306)
قانى باى البهلوان إلى قلعة دمشق فى جماعة كبيرة من الأمراء، وتوجه غيرهم إلى عدة أماكن. وكان سبب مخالفة قانى باى وغيره لإينال الجكمى بعد موافقتهم له، أن السلطان أرسل ملطّفات إنى قانى باى المذكور وغيره من أمراء دمشق يستميلهم إليه، ووعدهم بأشياء كثيرة، فلما سمعوا ذلك مالوا إليه وتركوا ما كان بينهم وبين إينال الجكمى من العهود والمواثيق، ولم يستعيبوا ذلك لكون [أن] «1» هذا الغدر صار عادة لمن تقدمهم.
ولما كتب السلطان الملطّفات المذكورة، أرسلها [110] إلى الأمير خشكلدى السيفى يشبك بن أزدمر، وهو يوم ذاك نائب قلعه صفد، فبعث بها خشكلدى المذكور على يد نصرانى إلى بهاء الدين محمد بن حجى كاتب سر دمشق، ففرّقها بهاء الدين على أربابها، فحال ما وقفوا عليها مالوا بأجمعهم إلا «2» من ذكرناه ممن ثبت مع إينال، وقالوا: نحن وافقناه، فلا «3» نبرح عنه إلى الممات أو يقضى الله أمرا كان مفعولا. وكان أكثر من وعد من أمراء دمشق الأمير سودون أخو مامش المؤيدى، والأمير تنم العلائى المؤيدى من خجداشيهما المؤيدية، فلم يلتفتوا إلى كتبهم واستقبحوا الغدر والخيانة، فلله درّهما.
وأنا أقول: أما طاعة السلطان فهى واجبة على كل أحد، والعصيان ومخالفة السلطان لا يجوز ولا يستحسن، لكن أيضا يقبح بالرجل أن يدخل إلى ملك ويحسّن له العصيان والثّوران، ولا يزال به حتى يقع فى ذلك، بعد أن يعطيه العهود والمواثيق على موافقته «4» والقيام بنصرته، ثم يتركه بعد تورطه ودخوله فى ذلك، لأجل النّزر اليسير من حطام الدنيا «5» أو لتناوله ولاية من الولايات؛ وعندى أن هذا لا يقع(15/307)
إلا من نذل ساقط [الهمة] «1» والمروءة لا نخوة له، والأنفس الكريمة تأبى ذلك ولو مستهم الضر، والرجل الفحل «2» هو الثابت على قوله، والمصرّ «3» على طاعة سلطانه حفظا لدينه ودنياه، فإن لم يكن ذلك وأطاع شيطانه وركب هواه، فليتمّ على ما قصده من ركوب الأهوال واقتحام الخطوب وهجوم الحروب، فإما وإما؛ وما أحسن قول عنترة فى ذلك حيث يقول: [الوافر]
أروم من المعالى منتهاها ... ولا أرضى بمنزلة دنيّه
فإمّا أن أشال على العوالى ... وإمّا أن توسّدنى المنيّه
فلما وصل هذا الخبر إلى السلطان، سرّ بذلك ودقت البشائر بالديار المصرية.
ثم ورد الخبر على السلطان من بلاد الصعيد أن الأمير يشبك أمير سلاح انتهى بمن معه من العساكر السلطانية فى طلب عرب هوّارة إلى مدينة إسنا، فلم يقع بهم، وأنه رجع بالعساكر إلى مدينة هوّ، «4» فقدم عليه بها من المشايخ الصلحاء جماعة ومعهم طائفة من مشايخ هوارة، راغبين فى [دخول] «5» الطاعة [للسلطان] «6» وحلفوا على ذلك، وأنه «7» قدم عليهم بعد ذلك فى يوم الأحد سادس شوال طوغان الأشرفى الزّردكاش، أحد الدوادارية الصغار، ودعا العسكر إلى طاعة الملك العزيز والقيام بنصرته، وذكر لهم أنه خرج من محبسه بقلعة الجبل ونزل إلى القاهرة، واجتمع عليه جماعة من مماليك أبيه، وأنه رآه بعينه ووعده بالوثوب [معه] «8» هو وخجداشيّته الأشرفية، وأنه أمره أن يختفى «9» فاختفى حتى ينتظم أمره بعود مماليك أبيه من بلاد الصعيد، ثم حرّضهم(15/308)
طوغان على ذلك فمال منهم طائفة وتخوفت طائفة، واضطرب العسكر قليلا إلى أن اجتمع الجميع على طاعة السلطان بعد أمور صدرت، وحلفوا أنهم مقيمون على الطاعة، فدقت البشائر لذلك، وخلع على الواصل بهذا الخبر، وأجيب الأمير يشبك بالشكر، وبحمل طوغان المذكور فى الحديد.
وكان علم السلطان قبل ذلك بتوجّه طوغان المذكور إلى بلا الصعيد، وكتب إلى الأمير يشبك وإلى حكام الصعيد بحمله فى الحديد، ثم ورد الخبر بعد ذلك من الأمير يشبك بأنه نازل على مدينة أسيوط «1» ، وأن يونس الخاصّكى ورد عليه بمرسوم [شريف] «2» يتضمن القبض على طوغان المذكور، وأن المماليك الأشرفية لم يمكّنوه من ذلك، فكثر قلق السلطان والدولة لورود هذا الخبر وخشوا وقوع فتنة، ظنا من المماليك الأشرفية أنهم من هذا القبيل؛ ورسم السلطان فى هذا اليوم بخروج الأمير أركماس- المعزول عن الدوادارية قبل تاريخه- إلى ثغر دمياط بطّالا.
ثم أخذ السلطان وحواشيه فى الفحص عن الملك العزيز، وكبست عدة أماكن وقبض على جماعة من المماليك الأشرفية، وتزايد تحريض السلطان فى طلب العزيز، وقاسى الناس بسبب ذلك شدائد، وكثرت الأراجيف بخروج الأمير يشبك أمير سلاح ومن معه من المماليك الأشرفية عن طاعة السلطان، وأنهم عادوا يريدون القاهرة، فمنعت المواكب من التعدية [111] فى النيل بكثير من الناس المتّهمة بالخروج على السلطان، هذا مع عظم التفتيش على العزيز، والكبس على البيوت والبساتين والتّرب، وغلقت بعض أبواب القاهرة نهارا، وأخذ أهل الدولة فى الاستعداد للحرب، هذا مع ما بالبلاد الشامية من الفتنة العظيمة من خروج نائب الشام ونائب حلب، وصار السلطان فى هذه الأيام فى أشد ما يكون من القلق والتخوف؛ وتكلم الناس بزوال ملكه.(15/309)
فلما كان يوم السبت تاسع عشره برز أمير حاجّ المحمل الأمير تنبك بالمحمل، وبعد خروجه من القاهرة قدم الخبر بالقبض على طوغان الزّردكاش وحمله فى الحديد؛ ووصل طوغان المذكور فى آخر النهار المذكور، وكان أشيع الخبر بمسكه قبل ذلك فلم يصدّقه أحد، استبعادا من تسليم خجداشيّته له مع كثرتهم وشدة بأسهم.
وكان من خبر طوغان أنه لما نزل الملك العزيز من قلعة الجبل واجتمع به ووعده بالقيام معه، توجه إلى الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى فلم يحصل منه على طائل، فمضى هو وجماعة إلى خجداشيّتهم الأشرفية ووعدهم بالوثوب على الملك الظاهر والقيام بنصرة ابن أستاذهم، فأجاب منهم طائفة كبيرة، غير أنهم اعتذروا بغياب أعيانهم ببلاد الصعيد فى التجريدة صحبة الأمير يشبك، وأنهم فى قلة لأن معظمهم بالصعيد، وطلبوا منه أن يرسل يعلم خجداشيّتهم بذلك، فلم يجد لأحد منهم قوة للتوجه فقام هو بذلك بعد أن تحقق منهم الوثوب؛ وخرج من القاهرة على الهجن.
وبلغ السلطان خبره، فكتب بالقبض عليه فى الطريق فلم يدركه أحد، وسار حتى وصل إلى خجداشيته واجتمع بهم حسبما تقدم ذكره، غير أنه أراد قضاء حاجته، فأملى «1» لخجداشيته أخبارا فى حق العزيز غير صحيحة يريد بذلك تمييز «2» أمره، فمالوا إلى كلامه فورد عليهم بعد ذلك الأخبار من المسافرين وغيرهم بهروب إينال واختفاء [الملك] «3» العزيز، على غير ما قاله لهم طوغان، وأن الفحص على [الملك] «4» العزيز فى كل يوم مستمر، فعند ذلك اختلفت كلمتهم على القيام بأمر العزيز، وعلموا أن غالب كلام طوغان غير صحيح.
هذا والأمير يشبك يستميلهم إلى طاعة السلطان، ويخوّفهم عاقبة مخالفة السلطان، حتى أفضى به وبهم أن جمع عليه الكاشف بالوجه القبلى وعدة كبيرة من عربان الطاعة(15/310)
وهمّ بمحاربتهم، فلم يكن لهم طاقة بمحاربته مع ما تبيّن «1» لهم من فساد أمرهم واختلاف كلام طوغان، فأسلموه بعد أن كانوا انقلبوا جميعهم للخروج [معه] «2» ، وهو أن طوغان لما جدّ فى مسيره حتى وصل إليهم، أعلمهم بأن [الملك] «3» العزيز خرج من سجنه ونزل من القلعة، واجتمع عليه خلائق من الأشرفية وغيرهم، وأنه محاصر [للملك] «4» الظاهر جقمق بقلعة الجبل، فهيّج هذا الكلام خواطرهم وتحركت كوامنهم، وأجمعوا على القيام بنصرة ابن أستاذهم، ومال إليهم كل أحد حتى الأمير يشبك فى الباطن.
وكادت الفتنة تقوم، ويظهر كل أحد الميل [للملك] «5» العزيز، فترادفت كتب السلطان والقصّاد بغير ما قاله طوغان، فتوقّفوا عما كانوا عزموا عليه. ولا زال أمر [الملك] «6» العزيز يتضح لهم، حتى أسفرت القضية على أنه مختف، وأن إينال تسحّب، فعند ذلك رجع كل أحد عما كان فى ضميره وأظهر طاعة السلطان، وأسلموا طوغان فقيّد وحمل إلى القاهرة.
ولما طلع طوغان إلى القلعة حبس بها وأجرى عليه أنواع العقوبة والعذاب المتلف، وكسروا غالب أعضائه بالمعاصير، وعوقب مع ثلاثة «7» نفر من الخاصكية فلم يقرّ أحد منهم على غير ما قاله طوغان، أن العزيز لما نزل من القلعة ومعه إبراهيم الطباخ، وقف بمكان بالمصنع «8» بالقرب من قلعة الجبل، واجتمع عدة من المماليك الأشرفية- وسماهم- فكان غالبهم ممن لا يعرف، فأجمع رأيهم بأن يسيروا إلى الشام(15/311)
بالعزيز، ثم انصرفوا عن هذا الرأى عجزا؛ وتوجه طوغان ليأتى بالمماليك الأشرفية من بلاد الصعيد، فلما تحقق السلطان ذلك كفّ عن عقوبة طوغان بعد أن تلف وأخرجه فى يوم الثلاثاء ثانى عشرين شوال محمولا، لعجزه عن الحركة من شدة العقوبة، ومعه خبر بك الأشرفى وقد عوقب أيضا، وحملا إلى الرّميلة عند باب الميدان، من تحت [112] القلعة ووسّط طوغان هناك، وأعيد خير بك من داخل القلعة ثم وسّط بعد أيام.
وكان أمر طوغان [هذا] من أعجب العجب، فإنه كان فى دولة أستاذه الأشرف زرد كاشا، فلما مات الأشرف، خالف خجداشيّته وانتمى إلى الملك الظاهر جقمق قبل سلطنته، مع الأمير إينال الأشرفى، وصار خصيصا عند الملك الظاهر، وولاه دوادارا وصار مقرّبا عنده، ثم استحال عن السلطان ودبّر عليه، وأخرج الملك العزيز، وقام فى أمره من غير موافقة أحد من أعيان خجداشيته ولا مشاورة أحد من أرباب العقول، ولم يكن هو من هذا القبيل من سائر الوجوه، فكان من فعله وتدبيره ما ساقه إلى حتفه وتدميره، وكان طوغان المذكور طوالا غير لائق فى طوله، وعنده طيش وخفة، مع جهل وعدم تثبت فى أموره، ولم يكن من أعيان الأشرفية، ولا ممن يلتفت إليه فى الدولة- انتهى.
ثم فى يوم الأربعاء ثالث عشرين شوال قبض على سرّ النديم الحبشية دادة الملك العزيز بعد ما كبس عليها بعدة أماكن، وعوقب بسببها خلائق، فلم يعترضها السلطان بسوء بل قرّرها على الملك العزيز، فأعلمته أنه مختف بالقاهرة «1» .
ثم قبض على صندل الطواشى وقرره السلطان أيضا، فقال كما قالت الدادة، فتحقق السلطان منهما أن [الملك] «2» العزيز وإينال لم يخرجا من القاهرة، وأن الذي أشيع من خروجهما غير صحيح، وأن الملك العزيز لم يجتمع مع إينال البتة، وأنه كان هو وصندل هذا وطباخه إبراهيم ومشدّه أزدمر، من غير زيادة على ذلك، والملك «3» العزيز(15/312)
ينتقل بهم من مكان إلى مكان، وأن صندلا فارقه من منذ أربعة أيام، وقد طرده أزدمر المذكور لأمر وقع بينهما، فلما قصد صندل مفارقتهم دفع له العزيز خمسين دينارا، ففارقهم صندل وصار يتردد إلى بيوت أصحابه فى زى امرأة، حتى دخل على بعض أصحابه من النسوة فى الليل فآوته حتى أصبح فدلّ عليه زوجها حتى أمسك وعوقب، حتى أقر على جميع ما ذكرناه، وأنه الآن لا يعرف مكان العزيز، فسجنه السلطان، وهمّ بعقوبة الدادة فشفعت «1» فيها خوند مغل بنت البارزى زوجة السلطان، وتسلمتها «2» من السلطان من غير عقوبة وتمّت عندها.
فخفّ عن السلطان ما كان به قليلا من أمر الملك العزيز، فإنه كان [ظن] «3» كلّ الظن أن إينال أخذه وتوجه إلى إينال الجكمى بدمشق؛ ثم قبض على موضعة الملك العزيز وزوجها وعلى جماعة أخر من الرجال والنساء ممن كان من جوارى الأشرف ومعارفهن، وممن اتّهم بأنه معرفة أزدمر وإبراهيم الطباخ.
ثم فى يوم الخميس رابع عشرين شوال عزل السلطان الطّواشىّ فيروز الجاركسىّ عن الزمامية لكونه تهاون فى أمر [الملك] «4» العزيز حتى تسحّب من الدور السلطانية، وعيّن السلطان عوضه زماما الطواشى جوهرا القنقبائى الخازندار، مضافا إلى الخازندارية.
وفى ليلة الجمعة ويوم «5» الجمعة كبست المؤيدية على مواضع كثيرة بالقاهرة وظواهرها، ومضوا إلى دور الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم وكبسوا عليه وعلى جيرانه فى طلب الأمير إينال الأشرفى والملك العزيز، فلم يجدوا أحدا وهرب الصاحب أمين الدين، ثم ظهر وخلع عليه بعد ذلك، واشتد طلب السلطان على [الملك] «6» العزيز، وهدد من أخفاه بأنواع العذاب والنّكال، فشمل الخوف غالب الناس.(15/313)
ثم فى يوم السبت سادس عشرين شوال خلع السلطان على جوهر الخازندار باستقراره زماما عوضا عن فيروز الجاركسى بحكم عزله مضافا للخازندارية، والفحص على [الملك] «1» العزيز مستمر فى كل يوم وليلة، وقد دخل الناس من الرعب والخوف ما لا مزيد عليه بسببه، إلى أن كشف الله هذا البلاء عن الناس، وقبض على الملك العزيز يوسف فى ليلة الأحد سابع عشرين شوال، واطمأن كل أحد على «2» نفسه وماله بظهور [الملك] «3» العزيز والقبض عليه.
وكان من خبر [الملك] «4» العزيز أنه لما اشتد الطلب عليه ضاقت عليه الأرض، وكان له من يوم فرّ من القلعة وهو ينتقل من مكان إلى مكان، لا [113] سيما لما كثر الفحص عنه تخوّف غاية الخوف، حتى ألجأه ذلك إلى الانفراد مع أزدمر لا غير، ليخفّ بذلك أمرهما على من أخفاهما، ومع هذا تغلّبا «5» أين «6» يذهبان «7» ، واحتاج [الملك] «8» العزيز أن أرسل إلى خاله الأمير بيبرس الأشرفى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بأنه يريد المجىء إليه فى الليل، ويختفى عنده على ما قيل، فواعده بيبرس على أن يأتيه ليلا.
ثم خاف بيبرس عاقبة أمره، فإنه كان [الملك] «9» الظاهر جقمق اختص به، وأمّره دون إخوته وأكرمه غاية الإكرام، ورأى بيبرس أنه لا يحسن به أن يقبض عليه ويطلع به إلى السلطان، فأعلم جاره يلباى الإينالى المؤيدى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بمجيء [الملك] «10» العزيز إليه فى الليلة المذكورة، وأعلمه أيضا أنه يمر من موضع كذا وكذا، فخرج يلباى فى الليل متنكرا، ومعه اثنان من حجداشيّته(15/314)
المؤيدية، وترصّد للعزيز بخطّ زقاق حلب بعد عشاء الآخرة، وبينماهم فى ذلك إذ مرّ بهم العزيز ومعه أزدمر مشدّه، وهما فى هيئة مغربيّين، فوثب يلباى بأزدمر ليقبض عليه فامتنع منه ودفع عن نفسه فضربه يلباى أدمى وجهه وأعانه عليه رفقته، حتى قبض عليه وعلى [الملك] «1» العزيز.
وكان على [الملك] «2» العزيز جبة صوف من لبس المغاربة، وطلعوا بهما فى الحال إلى باب السلسلة ثم إلى السلطان، والملك العزيز حاف بغير نعل فى رجليه، وقد أخذه بعض المؤيدية بأطواقه يسحبه على ما قيل، فإنى لم أحضر المجلس تلك الساعة، فلما مثل العزيز بين يدى السلطان أوقف ساعة، ثم أمر به السلطان فأخذ إلى مكان فى القلعة وسجن به إلى أن أصبح، وطلع الأمراء وأرباب الدولة إلى الخدمة على العادة، ودقّت البشائر لقبض [الملك] «3» العزيز، وسرّ السلطان بذلك سرورا عظيما، وخفّ عنه الأمر كثيرا بالنسبة إلى ما كان فيه.
ثم أخذ السلطان [الملك] «4» العزيز وأدخله «5» إلى زوجته خوند البارزيّة بقاعة العواميد، وأسلمها العزيز وأمرها أن تجعله فى المخدع المعسد لمبيت السلطان بالقاعة المذكورة، وأن تتولى أمر أكله وشربه وحاجاته بنفسها. فأقام العزيز على ذلك مدة إلى أن نقله السلطان فى ليلة الأربعاء ثامن ذى القعدة إلى مكان بالحوش وضيّق عليه، ومنع من جميع خدمه، ثم سيّره «6» إلى سجن الإسكندرية، حسبما يأتى ذكره.
وأمر السلطان بأزدمر فسجن بالبرج من قلعة الجبل، مع جماعة من خجداشيّته الأشرفية. ووجد مع الملك العزيز من الذهب ثمانمائة دينار، أعطى السلطان منها إلى يلباى خمسمائة دينار، وإلى رفيقيه مائة دينار، ثم فرّق الباقى من ذلك على من حضر؛(15/315)
ثم أنعم السلطان على يلباى المذكور بقرية [سرياقوس] «1» زيادة على ما بيده، وصار من جملة أمراء الطبلخانات. وهدأ سرّ السلطان من جهة [الملك] «2» العزيز، والتفت إلى أخبار إينال الجكمى، وتغرى برمش.
ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشرينه، ظهر الأمير إينال الأبوبكريّ الأشرفى من اختفائه، وكان من خبره أنه من يوم تسحّب [الملك] «3» العزيز خاف القبض عليه، فاختفى إلى أن ظهر [الملك] «4» العزيز فخفّ عنه ما داخله من الوهم بسبب الملك العزيز، وقد علم أن السلطان ظهر له أنه لم يجتمع مع [الملك] «5» العزيز ولا قام بنصرته، وأن اختفاءه «6» كان نوعا من مهابة السلطان، فلما كان ليلة الثلاثاء المذكورة توجّه إلى الأمير جرباش الكريمى المعروف بقاشق أمير مجلس، وترامى عليه واستجار به وهو يظن أن فى السّويداء رجالا «7» ، فأجاره وهو يظن أن السلطان يقبل شفاعته.
وكان معظم ظهور إينال [المذكور] «8» لما بلغه من «9» اختفائه [عن السلطان من الثناء عليه وبسط عذره فى اختفائه] «10» وأنه باختفائه سكنت الفتنة، فغرّه هذا الكلام، وأيضا أنه استند للأمير جرباش أمير مجلس وخجداش السلطان، فأخذه الأمير جرباش من الغد فى يوم الثلاثاء المذكور وطلع إلى القلعة. وقد بلغ السلطان(15/316)
خبر إينال وظهوره ثم طلوعه مع جرباش، فحال ما وقع بصر السلطان على إينال أمر به فقبض عليه، وقيّد وسجن بمكان بالقلعة حتى يحمل إلى الإسكندرية؛ هذا والأمير جرباش يكرر تقبيل يد السلطان ورجله فى أن يشفّعه فيه ويدعه بطّالا ببعض الثغور فلم يلتفت السلطان إلى شفاعته، ونزل جرباش إلى داره خجلا مفضوحا من حاشيته وأصحابه، ومن يومئذ انحطّ قدره [114] إلى أن مات. على أنه صاهر السلطان بعد ذلك وصار حماه «1» ، ومع هذا كله لم يكن له صولة فى الدولة، وأخرج السلطان إينال من يومه إلى سجن الإسكندرية، وبها أعداؤه من خجداشيّته، فكان شماتتهم [به] «2» أعظم عليه من حبسه.
وأخذ السلطان بعد ذلك يتشوّف إلى أخبار عسكره المجرّد إلى قتال إينال الجكمى وغيره، فلما كان يوم الأربعاء ثامن ذى القعدة ورد على السلطان كتاب الأمير آلابغا حاجب غزة يتضمن قتال عسكر السلطان مع إينال الجكمى نائب الشام، فى يوم الأربعاء مستهل ذى القعدة، وانهزام إينال الجكمى، فأخذت الناس فى هذا الخبر وأعطوا، غير أنه دقت البشائر وسرّ السلطان بذلك.
ثم أصبح من الغد فى يوم الخميس [ورد] «3» الخبر بمسك إينال الجكمى، فدقت البشائر أيضا، غير أن السلطان فى انتظار كتاب آقبغا التّمرازى، فورد عليه كتابه فى يوم الجمعة عاشر ذى القعدة، وذكر واقعة العسكر مع إينال الجكمى، وملخصها «4» أن العساكر السلطانية المتوجهة من الديار المصرية والمتجمعة بالرّملة من النواب والعساكر، ساروا جميعا من الرملة أمام الأمير قراخجا الحسنى، ومن معه من الأمراء والمماليك السلطانية، كالجاليش، لكن بالقرب منهم، حتى نزلوا بمنزلة(15/317)
الخربة «1» فى يوم الأربعاء مستهل ذى القعدة وقد قدموا بين أيديهم كشافة على عادة العساكر، فعادت الكشافة وأخبروا بقرب إينال الجكمى منهم، فركبوا فى الحال بعد أن عبّوا أطلابهم، وهم ستة نواب: آقبغا التّمرازى نائب الشام، وجلبان الذي استقر نائب حلب، وإينال العلائى نائب صفد- أعنى الملك الأشرف- وطوخ مازى نائب غزة، وطوغان العثمانى نائب القدس، وخليل بن شاهين، وقد استقر نائب ملطية.
وساروا بمن اجتمع عليهم من العشير والعربان جاليشا، حتى وصلوا إلى مضيق قرب الحرة، وإذا بجاليش إينال الجكمى فيه الأمير قانصوه النّوروزى أحد مقدمى الألوف بدمشق، ونائب بعلبكّ، وكاشف حوران، ومحمد الأسود بن القاق شيخ العشير، وير على الدّكرى «2» أمير التركمان، وطر على بن سقل سيز «3» التركمانى، وكثير من العربان والعشير، والجميع دون الألف فارس، وصدموا النواب المذكورة فكانت بينهم وقعة كبيرة، انهزم فيها الأطلاب الستة بعد أن أردفهم إينال الجكمى بنفسه، وركب أقفية القوم، وكان من الشجعان المشهورة، إلى أن أوصلهم إلى السّنجق السلطانى، وتحته الأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور، والأمير تمرباى رأس نوبة النوب بمن معهما من الأمراء والعساكر المصرية، والسنجق بيد الأمير سودون العجمى النّوروزى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة؛ وقد تخلت عن إينال أصحابه ومدوا أيديهم إلى النهب فى أطلاب النواب لما انهزموا أمام العسكر الشامى.
وبقى إينال فى أناس قليلة، فحطّ بهم على العسكر المصرى، فثبتوا له وقاتلوه ساعة(15/318)
وقد تفرقت عنه أصحابه بسبب النهب فلم يجد مساعدا، فانهزم بعد أن قتل من الفريقين جماعة كبيرة جدا، ولم يقتل من الأعيان غير الأمير صرغتمش أحد مماليك الوالد، الذي كان دوادار الأمير جلبان، ثم استقر دوادار السلطان بحلب، وجرح خلق كثير، وقبض فى الوقعة على الأمير تنم العلائى المؤيدى، وعلى الأمير بيرم صوفى التركمانى، وعلى الأمير خير بك القوامى ومحمد بن قانصوه النّوروزى وجماعة أخر. وحال بينهم الليل، فلما أصبح العسكر يوم الخميس ثانى ذى القعدة ورد الخبر عليهم من دمشق بالقبض على إينال الجكمى من قرية حرستا «1» من عمل دمشق فدقت البشائر لذلك، وتفرقت أخصاء السلطان للأعيان بالبشارة، وزال ثلثا «2» ما كان بالسلطان من أمر [الملك] «3» العزيز وإينال، وبقى تغرى برمش.
وكان من خبر مسك إينال الجكمى أنه لما انكسر من العسكر المصرى، ساق فى نفر يسير إلى أن وصل حرستا وقد تلفت خيوله لبعد المسافة، ونزل بها وقد جهده التعب والجوع، واختفى بها فى مزرعة، وأرسل بعض خدمه ليأتيه بطعام، ففطن به رجل وعرّف شيخ البلد، فأرسل شيخ البلد إلى نائب قلعة دمشق بالخبر، فخرج من دمشق فى طلبه جانبك دوادار [115] برسباى حاجب حجاب دمشق، ومعه جماعة أخر؛ وطرقوه بالقرية على حين غفلة، فقام ودفع عن نفسه بكل ما تصل قدرته إليه، فتكاثروا عليه وطعنه بعضهم فى جنبه، ورماه آخر أصاب وجهه، ثم مسكوه وجىء به إلى دمشق على فرسه، وقد وقف الفرس من العىّ فلم يصل إلى قلعة دمشق إلا بعد العصر، والناس فى جموع كثيرة لرؤيته ما بين باك وحزين، وسجن بقلعة دمشق مقيّدا، وأصبح دخل آقبغا التّمرازى إلى دمشق فى باكر نهار الجمعه ثالث ذى(15/319)
القعدة، ومعه العساكر بسلاحهم ونزل بدار السعادة؛ ولم يبتهج أهل دمشق بقدومه لعظم ميلهم لإينال الجكمى، وإن كان آقبغا المذكور صهرى فالواقع ما ذكرناه.
ومع هذا وقع يوم دخوله إلى دمشق حادثة غريبة، وهى أن بلبان شيخ كرك نوح «1» ، واسمه محمد وولده محمد أيضا، قدما إلى دمشق بجموعهما من العشير نصرة لعساكر السلطان، وبلبان المذكور فلاح الأمير برسباى الحاجب، كأكابر المدرّكين «2» ، فلم يصل بلبان المذكور حتى انقضت الوقعة، فتأسف على ذلك لما كان بينه وبين إينال الجكمى من المباينة مراعاة لأستاذه برسباى المذكور، فعاد إلى دمشق فى خدمة آقبغا التّمرازى، إلى أن دخل التّمرازى إلى دار السعادة وذهب كل أمير إلى حال سبيله.
فعاد بلبان المذكور فيمن عاد، حتى كان عند المصلى والعامه قد ملأت الطرقات وهم فى كآبة لفقد إينال الجكمى ولما وقع له، فصاح شخص من العامة بواحد من العشير من أعوان بلبان يقول: «أبا بكر! أبا بكر!» ، وتبعه غيره يكررون ذلك مرارا عديدة يريدون نكاية بلبان، فإنهم يرمون بالرّفض «3» . فلما كثر ذلك من(15/320)
العامة، ضرب بعض العشير واحدا من العامة، فعند ذلك تجمعوا عليه وأرموه عن فرسه ليقتلوه، فاجتمع أصحابه ليخلصوه من العامة، وقبل أن يخلصوه بادره العامة وذبحوه، وتناولوا الحجارة يرمون بها بلبان وأعوانه، وكانوا فى كثرة نحو الخمسمائة نفر وأكثر، فتوغل بلبان بين أصحابه ولم يقدر أن يفوز بنفسه، فتكاثروا عليه وألقوه إلى الأرض عن فرسه وذبحوه، ثم أخذوا ابنه محمدا أيضا وذبحوه، ووضعوا أيديهم فى أصحاب بلبان إلى أن أسرفوا فى القتل، ولم يكن لذلك سبب ولا دسيسة من أحد ولا أمر من السلطان، فوقع هذا الأمر ولم يقدر أحد على القيام بأخذ ثأره لاضطراب المملكة، وراحت على من راحت إلى يومنا هذا. قلت: لا جرم، إنما وقع له ببركة الشيخين، فقوصص بذلك فى الدنيا، وله فى الأخرى أعظم قصاص، نكالا من الله على رفضه، وقبح «1» سريرته.
ثم فى يوم الأحد ثانى عشر ذى القعدة، كتب بقتل إينال الجكمى بسجنه بقلعة دمشق، بعد تقريره على أمواله وذخائره، وبقتل جماعة من أصحابه ممن قبض عليه فى الوقعة، وفى هذه الأيام رسم السلطان بعقوبة جكم خال [الملك] «2» العزيز بسجنه بالإسكندرية، حتى يعترف بمتحصل [الملك] «3» العزيز فى أيام أبيه، من إقطاعه(15/321)
وحماياته «1» ومستأجراته، فأجابهم عن ذلك كله؛ وكان السلطان استولى على جميع ما للعزيز عند جدته لأمه من المال والقماش والفصوص، وكان شيئا كثيرا. وأمر السلطان أيضا بعقوبة يخشباى الأمير آخور الثانى، بسجن الإسكندرية أيضا، بعد أن أراد السلطان قتله بحكم الشرع، من كونه سبّ شريفا ببلاد الصعيد فى أيام أستاذه الملك الأشرف؛ فبادر يخشباى حتى حكم قاض شافعى بحقن دمه، ووقع بسبب ذلك أمور، وعقد مجالس «2» بالقضاة والفقهاء، ذكر ذلك كلّه فى الحوادث «3» ، ولما وقع اليأس من قتله، رسم بعقوبته حتى يعترف بما له من الأموال، فعوقب أشدّ عقوبة بحيث أنه لم يبق إلا موته.
ثم قدم الخبر على السلطان، بأن العساكر توجهت من دمشق، فى حادى عشر ذى القعدة إلى حلب، بعد أن عاد طوغان نائب القدس، إلى القدس، وتأخر آقبغا التّمرازى نائب الشام [به] «4» ، وكان الذي توجّه من النواب إلى حلب صحبة العساكر المصرية، جلبان نائب حلب وقانى باى الحمزاوى نائب طرابلس، وهو إلى الآن بحماة، غير أنه تهيأ للاجتماع بالعساكر [116] المصرية وعنده أيضا الأمير بردبك العجمى، الذي استقر فى نيابة حماة، وقد قدّمه إلى حلب؛ وسار من النواب أيضا، الأمير إينال العلائى الناصرى نائب صفد، والأمير طوخ مازى نائب غزة.(15/322)
وقدم الخبر أيضا أنه قبض بدمشق على يرعلى الدّكرى وشنق، وأن تغرى برمش نائب حلب كان نزل على حلب وصحبته الأمير طرعلى بن سقل سيز، والأمير على باى بار بن إينال بجمائعهما من التركمان، والأمير غادر بن نعير بعربه من آل مهنّا، والأمير فرج وإبراهيم ولدا «1» صوجى، والأمير محمود ابن الدّكرى أيضا بجمائعهم من التركمان، وعدة الجميع نحو ثلاثة آلاف فارس، وأن تغرى برمش خيمّ بالجوهرى وبعث بعدة كبيرة إلى خارج باب المقام، فخرج إليه الأمير بردبك العجمى، الذي ولى نيابة حماة، وقد قدم حلب من أيام، ومعه جماعة من أمراء حلب ومن تركمان الطاعة، ومن العامة.
فكانت بينهم وقعة هائلة، قتل فيها وجرح جماعة كثيرة من الفريقين، وعاد كل منهما إلى مكانه، ثم التقى الجمعان ثانيا فى يوم الجمعة خامس عشرين شوال على باب النّيرب «2» واقتتلوا يوما وليلة قتالا شديدا، قتل فيه عدة كبيرة من الناس، وجرح نائب حماة، وطائفة من أمراء حلب، ثم رجع كل فريق إلى موضعه، ورحل تغرى برمش من موضعه فى يوم الأحد سابع عشرينه، ونزل بالميدان، والحرب مستمر، والعامة تبذل جهدها فى قتاله، إلى أن كان يوم الخميس ثانى ذى القعدة أحضر تغرى برمش آلات الحصار من مكاحل النّفط والسلالم والجنويّات «3» إلى باب الفرج، ونصب صيوانه تجاه سور حلب، وجدّ فى قتال الحلبيين.
هذا وأهل حلب يد واحدة على قتاله طول النهار مع ليلة الجمعة بطولها، وأهل حلب يتضرعون ويدعون الله تعالى، فلما أصبح نهار الجمعة، رحل تغرى برمش عن مكانه، وعاد إلى الميدان، بعد أن كانت القضاة وشيوخ العلم والصلاح، وقفوا بالمصاحف والرّبعات(15/323)
على رؤوسهم، وهم ينادون من فوق الأسوار: «الغزاة معاشر الناس فى العدو، فإنه من قتل منكم كان فى الجنة، ومن قتل من العدو صار إلى النار» ، فى كلام كثير يحرضون بذلك العامة على القتال، ويقوون عزائمهم على الثبات، إلى أن رحل تغرى برمش بمن معه من الميدان إلى الجهة الشمالية، فى يوم الأحد خامس ذى القعدة، بعد ما رعت مواشيهم زروع الناس وبساتينهم وكرومهم، وقطعوها ونهبوا القرى التى حول المدينة، وأخربوا غالب العمارات التى كانت خارج سور حلب، وقطعوا القناة التى تدخل إلى مدينة حلب من ثلاثة أماكن، وكان أشدّ الناس فى قتال تغرى برمش، أهل بانقوسا «1» ، هذا بعد أن ظفر تغرى برمش بجماعة من الحلبيين فى بعض قتاله، فقطع أيدى الجميع، وبالغ فى الإضرار بالناس، وأنا أقول: لو كان لتغرى برمش على أهل حلب دولة، لفعل فيهم أعظم من فعل تيمور لنك، لقلة دينه وجبروته ولحنقه «2» من أهل حلب، وأنا أعرف بحاله من غيرى لكونه طالت أيامه فى خدمة الوالد سنين، ثم قتل أغاته «3» من مماليك الوالد، وفر كما سنحكيه فى وفاته من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ولما بلغ هذا الخبر الملك الظاهر، قلق قلقا عظيما لما وقع لرعيته من أهل حلب، فلم يكن إلا أياما قليلة [و] «4» قدم الخبر فى يوم السبت خامس عشرين ذى القعدة، بكسرة تغرى برمش المذكور، فدقت البشائر لذلك، وعظم سرور السلطان، غير أنه تشوّش لعدم مسكه وخاف عاقبة أمره. وكان من خبره أن العسكر المصرى بمن معه من العسكر الشامى، لما ساروا من دمشق إلى جهة حلب، وافاهم الأمير قانى باى الحمزاوى وغيره وصاروا جمعا واحدا، فلقيهم تغرى برمش المذكور بجموعه، التى كانت معه قريبا من حماة، فى يوم الجمعة سابع عشر ذى القعدة، وقد صفّ عساكره من التركمان وغيرهم،(15/324)
حتى ملأوا الفضاء، فحال ما وقع [بصر] «1» عسكره على العساكر السلطانية، أخذوا فى الانهزام من غير مصاففة، بل بعض تناوش من صغار الطائفتين، وولوا الأدبار.
ومدت العساكر السلطانية أيديها إلى عساكر تغرى برمش، فغنموا منهم «2» غنائم لا تحصى كثرة، منها نحو المائتى ألف رأس [117] من الغنم، سوى ما تمزق، ونهب جميع وطاق تغرى برمش وماله «3» ، وانهزم هو فى جماعة يسيرة من خواصه إلى جهة التركمان الصّوجيّة «4» ، على ما نذكره من «5» قصته «6» فى ذى الحجة من هذه السنة.
ثم فى يوم الاثنين سابع «7» عشرين ذى القعدة، قدم النّجلب برأس الأمير إينال الجكمى، وكان قتله بقلعة دمشق فى ليلة الاثنين عشرين ذى القعدة، فشهرت الرأس على رمح، ونودى عليه: «هذا جزاء من حارب الله ورسوله» ، ثم علقت على باب زويلة، وقتل معه الأمير تنم العلائى المؤيدى، وكان تنم المذكور أدوبا حشما وقورا، وأما إينال الجكمى فيأتى التعريف بحاله فى الوفيات على العادة.
وفى هذه الأيام، حكم بقتل الأمير يخشباى الأشرفى الأمير آخور الثانى، وقد تقدم أنه ادّعى عليه أنه سبّ شريفا، ولعن والديه، وأن بعض نواب الشافعى حكم بحقن دمه، وسكن الحال مدة أشهر، ثم طلب السلطان من القاضى المالكى قتله؛ فاحتج بحكم الشافعى بحقن دمه، فعورض بأن المطلوب الآن من الدعوى عليه غير المحكوم فيه بحقن الدم، فصمم المالكى بأنهما قضية واحدة، ووافقه غير واحد من المالكية؛ ووقع أمور حكاها غير واحد من المؤرخين، إلى أن قتل يخشباى المذكور حسبما يأتى ذكره.(15/325)
ثم ورد على السلطان فى يوم الأحد ثالث ذى الحجة، مطالعة الأمير جلبان نائب حلب، وقرينها مطالعات بقية الأمراء والنواب، تتضمن أن تغرى برمش، لما انهزم على حماة، مضى نحو الجبل الأقرع وقد فارقه الغادر بن نعير، فقبض عليه أحمد وقاسم ولدا صوجى، وقبض معه على دواداره كمشبغا، وخازنداره يونس، وعلى الأمير طرعلى بن سقل سيز والأمير صارم الدين إبراهيم بن الهذبانى نائب قلعة صهيون، وكتبوا بذلك إلى نائب حلب، فورد الخبر بذلك على العسكر، وهم على خان طومان، فى يوم الاثنين العشرين من ذى القعدة.
فجهز الأمير جلبان عند ذلك الأمير بردبك العجمى نائب حماة، والأمير إينال العلائى نائب صفد، والأمير طوخ مازى نائب غزة، والأمير قطج أتابك حلب، والأمير سودون النّوروزى حاجب حجاب حلب، لإحضار المذكورين، ورحل جلبان بمن بقى معه [يريد حلب، فدخلها فى يوم الثلاثاء حادى عشرين ذى القعدة المذكورة، وسار بردبك العجمى نائب حماة بمن معه] «1» إلى أن تسلّم تغرى برمش ومن ذكرنا ممن قبض عليه من أصحابه وأتوا بهم، فسمّر طر على بن سقل سيز تسمير سلامة، وسمّر الهذبانى ورفقته تسمير عطب، وساروا بهم، وتغرى برمش راكب على فرس بقيد حديد، حتى دخلوا به مدينة حلب، وهو ينادى عليهم فى يوم الخميس ثالث عشرينه، وقد اجتمع من أعدائه الحلبيين خلائق لا يعلم عدتها إلا الله، وهم من التّخليق بالزعفران والتهانئ، فى أمر كبير، وصاروا يسمعون تغرى برمش المذكور، من المكروه والسّب والتوبخ وإظهار الشماتة به أمورا كثيرة، حتى أوقفوهم تحت قلعة حلب، ووسّط الهذبانى ورفيقه، وتسلّم تغرى برمش وطرعلى الأمير حطط نائب قلعة حلب.
فانظر إلى هذا القصاص، وهو أن تغرى برمش لم يكن له فى الدنيا عدو أعظم من بردبك العجمى وحطط، ثم عامة حلب، وقد تمكّن الثلاثة منه، فأما بردبك فإنه(15/326)
تسلّمه وتحكم فيه [من وقت أخذه من أولاد صوجى إلى أن أوصله إلى قلعة حلب، وأما حطط فإنه تحكم فيه] «1» من وقت تسلمه من بردبك العجمى إلى أن قتل بين يديه؛ وأما عامة أهل حلب فإنهم بلغوا منه مرادهم من إسماعه المكروه والشماتة به، والتفرج عليه يوم قتله، فنعوذ بالله من زوال النعم وشماتة الأعداء.
وأما السلطان الملك الظاهر، فإنه لما بلغه القبض على تغرى برمش، كاد أن يطير فرحا، وعلم أنه الآن بقى فى السلطنة بغير نكد ولا تشويش، ودقت البشائر لذلك ثلاثة أيام، وكتب بقتل تغرى برمش بعد عقوبته ليقرّ على أمواله، فعوقب، فأقرّ على شىء من ماله، نحو الخمسين ألف دينار، ثم أنزل ونودى عليه إلى تحت قلعة حلب، وضربت عنقه، وقتل معه أيضا طر على بن سقل سيز، وصفا «2» الوقت للملك الظاهر، وخلاله الجو من غير منازع؛ والتفت الآن إلى من له عنده رأس قديمة يكافئه عليها من خير وشر.
فأول ما بدأ به فى يوم الخميس ثامن عشرين ذى الحجة، أن قبض على زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقى ناظر الجيش [118] وعلى مملوكه جانبك الأستادار، وعلى عدة كبيرة من حواشيه، وأحيط بدور الجميع، وكتب بإيقاع الحوطة «3» على جميع ماله بالشام والحجاز والإسكندرية، فزال بمسكه غمة كبيرة عن الناس، فإنه كان غير محبب للناس حتى ولا إلى أصحابه، لبادرة كانت فيه، وسوء خلق وبطن مع سفه وبذاءة «4» لسان.
ثم فى يوم السبت سلخ ذى الحجة من سنة اثنتين وأربعين، خلع السلطان على القاضى محب الدين بن الأشقر باستقراره فى وظيفة نظر الجيش، عوضا عن عبد الباسط، وخلع على الناصرى محمد بن عبد الرازق بن أبى الفرج، نقيب الجيش، باستقراره(15/327)
أستادارا عوضا عن جانبك الزينى عبد الباسط. وابن الأشقر المذكور وابن أبى الفرج، كل منهما كان من أعظم»
أصحاب عبد الباسط. قلت: عود وانعطاف على ما ذكرناه، أنه كان يكرهه حتى أعزّ أصحابه، ولولا ذاك ما وليا عنه هؤلاء وظائفه فى حياته، وإن كانا «2» تمنّعا عند الولاية، فهذا باب تجمل ليس على حقيقته، ولا يخفى ذلك على من له ذوق سليم، فإننا لا نعرف أحدا ولى وظيفة غصبا كائنا «3» من كان.
وفى يوم السبت [المذكور] «4» قدم رأس تغرى برمش، فطيف بها، ثم علقت على باب زويلة أياما.
وفرغت هذه السنة، أعنى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، بعد أن كان فيها حوادث كثيرة، وعدة وقائع حسبما ذكرناه.
[ما وقع من الحوادث سنة 843]
واستهلت سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة «5» والسلطان مصمم على أنه لا يقنع منه بأقل من ألف ألف دينار، ويهدده بالعقوبة، ويعدّد له ذنوبه، حتى قال فى بعض مجالسه بحضرتى: والله أشنكله بشنكال، مثلما كانت تعمل الجغتية «6» ، هذا أخرب مملكة مصر، كان إذا كلمه [أحد من] «7» أعيان الأمراء صفرّ له بفمه فى وجهه؛ وأشياء كثيرة من ذلك.
ثم فى يوم الاثنين ثانى محرم سنة ثلاث وأربعين، خلع السلطان على القاضى ولى الدين محمد السّفطى مفتى دار العدل، وأحد ندماء «8» السلطان وخواصه، باستقراره فى نظر الكسوة مضافا لما بيده من وكالة بيت المال، فإن شرط الواقف أن يكون وكيل(15/328)
بيت المال ناظر الكسوة، عوضا عن عبد الباسط، قلت: وولىّ الدين أيضا كان من أصحابه.
ثم خلع السلطان على فتح الدين محمد بن المحرقى، باستقراره ناظر الجوالى، عوضا عن عبد الباسط؛ وكان فتح الدين المذكور من حواشى [الملك] «1» الظاهر أيضا.
ثم فى يوم الأربعاء حادى عشر المحرم أفرج عن جانبك الزينى عبد الباسط، بعد أن حوسب فى بيت تغرى بردى المؤذى الدوادار الكبير، وقد شطّب عليه بمبلغ ألف ألف درهم «2» وثلاثمائة ألف درهم، وجبت عليه للديوان، وذلك سوى العشرة آلاف دينار، التى ألزم «3» بها.
[ثم] «4» فى سلخ المحرم، قدم الأمير يشبك السّودونى أمير سلاح من بلاد الصعيد بمن معه من المماليك الأشرفية وغيرهم، فخلع السلطان عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، عوضا عن آقبغا التّمرازى بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق، وكان يشبك أنعم عليه بالإقطاع والوظيفة من يوم ذاك، غير أنه كان غائبا ببلاد الصعيد هذه المدة الطويلة، فلما حضر خلع عليه بالأتابكية.
ثم فى يوم الاثنين أول صفر، قدم الأمير قانى باى الأبوبكريّ الناصرى المعروف بالبهلوان، أتابك دمشق، إلى القاهرة، وخلع السلطان عليه باستقراره فى نيابة صفد، عوضا عن الأمير إينال العلائى الناصرى بحكم عزل إينال المذكور، واستقراره من جملة مقدمى الألوف بديار مصر، ورسم باستقرار الأمير إينال الششمانى الناصرى أحد مقدمى الألوف بدمشق، فى الأتابكية، عوضا عن قانى باى البهلوان.
ثم فى يوم السبت سادس صفر، قدم إلى القاهرة الأمراء المجردون إلى الشام يمن(15/329)
معهم من المماليك السلطانية، فخلع السلطان على الأمير قرا خجا الحسنى الأمير آخور، وعلى الأمير تمرباى التّمربغاوى رأس نوبة النوب، وعلى جميع من بقى من رفقتهما من أمراء الطبلخانات والعشرات؛ وسكن قراخجا بباب السلسلة.
وفى هذه الأيام غضب السلطان على عبد الباسط ونقله فى يوم الخميس حادى عشر صفر، من المقعد الذي على باب الهجرة، المطل على الحوش من قلعة الجبل، إلى البرج عند باب القلعة، وكان سبب ذلك أنه من يوم حبسه السلطان لم يهنه بضرب ولا عقوبة، والناس تتردد إليه، وهو مطالبه بألف ألف دينار، وقد تكلم [119] بينه وبين السلطان المقرّ «1» الكمالى محمد بن البارزى صهر السلطان، وكاتب سره، وراجع السلطان فى أمره مرارا عديدة، وعبد الباسط يورد للسلطان من أثمان ما يباع له، حتى وقف طلب السلطان بعد عناية ابن البارزى به، على أربعمائة ألف دينار، وأبى السلطان أن يضع عنه منها شيئا، وعبد الباسط يريد أن يحطّ عنه من ذلك شيئا آخر، وترامى على ابن البارزى المذكور واعترف بالتقصير فى حقه فى الدولة الأشرفية، فلم يحوجه ابن البارزى لذلك، بل شمّر ساعدا طويلا لمساعدته، حتى صار أمره إلى هنا بغير عقوبة ولا إهانة «2» .
فلما كان يوم الخميس المذكور، تكلم مع السلطان ابن البارزى وجماعة كبيرة من أعيان الدولة، فى أمر عبد الباسط، وسألوه «3» الحطيطة من الأربعمائة ألف دينار،(15/330)
فغضب السلطان من ذلك، وأمر به فأخرج إلى البرج على حالة غير مرضية، ومضى من المقعد ماشيا إلى البرج المذكور، وسجنوه به، ورسم السلطان له أن يدفع للمرسّمين «1» عليه، لمّا كان بالمقعد، وهم ثمانية من الخاصّكية، مبلغ ألفى دينار ومائتى دينار، ودفعها لهم. وبينما هو فى ذلك، دخل عليه الوالى وأمره أن يقلع جميع ما عليه من الثياب، فإنه نقل للسلطان أن معه الاسم الأعظم أو أنه يسحر السلطان، فإنه [كان] «2» كلما أراد عقوبته صرفه الله عنه، فخلع جميع ما كان عليه من الثياب والعمامة، ومضى بها الوالى وبما فى أصابع يديه من الخواتم، فوجد فى عمامته قطعة أديم، ذكر أنها من نعل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وجدت فى عمامته أوراق فيها أدعية ونحوها، وأخذ المقرّ الكمالى فى القيام معه، حتى كان من أمره ما سنذكره.
ثم فى يوم السبت ثالث عشر صفر، قدم الأمير إينال العلائى الناصرى المعزول عن نيابة صفد، وقد استقر من جملة مقدمى الألوف بالديار المصرية، وقدم معه الأمير طوغان العثمانى نائب الندس، والأمير طوخ الأبوبكريّ المؤيدى أتابك غزة، وقد صار من جملة مقدمى الألوف بدمشق، على إقطاع مغلباى الجقمقى بعد القبض عليه، وخلع السلطان على الجميع وأركبوا خيولا بقماش ذهب.
ثم فى رابع عشر صفر، رسم السلطان بإحضار الأمراء المسجونين وغيرهم بثغر الإسكندرية، إلى مدينة بلبيس، ليحملوا إلى الحبوس بالبلاد الشامية. وندب الأمير أسنبغا الطّيّارى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، لإحضارهم، وهم: الأمير جانم أخو الأشرف الأمير آخور، وإينال الأبوبكريّ الأشرفى، وعلى باى شادّ الشراب خاناة الأشرفى، وأزبك السيفى قانى باى رأس نوبة المعروف بجحا، وجكم الخازندار خال العزيز، وجرباش، وجانبك قلق سيز، ومن الخاصّكية: تنم الساقى، وبيبرس الساقى، ويشبك الدوادار، وأزبك البواب، وبايزير خال العزيز، وجميع هؤلاء(15/331)
أشرفية؛ وتنبك الإينالى المؤيدى الفيسى، وبيرم خجا الناصرى أمير مشوى، وجماعة أخر لم يحضرنى الآن أسماؤهم، ولم يبق بسجن الإسكندرية سوى الأمير قراجا الأشرفى، أحد مقدمى الألوف كان «1» ؛ وخرج الأمير أسنبغا من يومه.
وفى هذا اليوم سافر الأمير قانى باى البهلوان نائب صفد إلى محل كفالته بها، بعدما أنعم السلطان عليه بمال جزيل، وسافر الطّيّارى «2» إلى الإسكندرية، وأخذ المذكورين وعاد بهم إلى بلبيس فى ثانى عشرين صفر، والجميع بالحديد، غير أن الأمير أسنبغا تلطّف بهم وأحسن فى خطابهم ومسيرهم إلى الغاية، بخلاف من تولى تسفيرهم من بلبيس إلى محل سجنهم؛ فأفرج السلطان منهم عن بيرم خجا أمير مشوى، ونفى إلى طرابلس، وأخرج السلطان من البرج بقلعة الجبل، اثنين أضافهما إلى هؤلاء، ورسم أن يتوجه منهم «3» سبعة نفر إلى قلعة صفد، ليسجنوا بها، وهم إينال الأشرفى أحد مقدمى الألوف، وعلى باى المشدّ الأشرفى، وأزبك جحا، وجرباش مشدّ سيّدى، وتنبك الفيسى، وحزمان وقانى باى اليوسفى، ومسفّر هؤلاء الأمير سمام الحسنى الناصرى أحد أمراء العشرات، وأن يتوجّه ثلاثة منهم إلى قلعة الصّبيبة «4» ليسجنوا بها، وهم الأمير جانم أمير آخور وبايزير خال العزيز [120] ويشبك [بشق، ومسفّرهم، هم ومن يمضى إلى حبس المرقب الآتى ذكرهم: إينال أخو قشتم المؤيدى أحد أمراء العشرات، والمتوجهون إلى حبس المرقب خمسة وهم: جانبك قلق سيز، وتنم الساقى، وجكم خال(15/332)
العزيز] «1» ويشبك الفقيه، وأزبك البواب، والجميع أشرفية، وساروا بهم فى حالة غير مرضية.
[ثم] «2» فى سابع عشرين صفر، قدم الأمير طوخ مازى نائب غزة، فخلع السلطان عليه باستمراره وأكرمه.
وفى تاسع عشرينه، نقل زين الدين عبد الباسط من محبسه بالبرج إلى موضع يشرف على باب القلعة، بسفارة ابن البارزى وأخته خوند زوجة السلطان، ووعده السلطان بخير، بعد ما كان وعده بالعقوبة.
ثم فى يوم الاثنين سادس شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير طوخ مازى نائب غزة خلعة السفر، وتوجه من يومه عائدا إلى محل كفالته.
ثم فى ليلة السبت حادى عشره، أخرج الملك العزيز يوسف من محبسه بالقلعة، وأركب فرسا، ومعه جماعة كبيرة ومضوا به، حتى أنزل فى الحرّاقة «3» ، وساروا به حتى حبس بثغر الإسكندرية إلى يومنا هذا، ومسفّره جانبك القرمانى أحد أمراء العشرات، ورسم أن يصرف له من مال أوقاف العزيز ألف دينار. وحمل مع الملك العزيز ثلاث جوار لخدمته، ورتب له فى كل يوم ألف درهم، من أوقاف أبيه، وكان لخروجه يوم مهول «4» من بكاء جوارى أبيه وأمه، وتجمعن بعد خروجه بالصحراء فى تربة أمه خوند جلبان، وعملن عزاء كيوم مات الأشرف وبكين وأبكين.
ثم فى حادى عشر شهر ربيع الأول [المذكور] «5» استقرّ شمس الدين(15/333)
أبو المنصور «1» نصر الله المعروف بالوزّة، ناظر الإسطبل السلطانى، بعد عزل زين الدين يحيى الأشقر قريب ابن أبى الفرج.
قلت: وأى فخر أو سابق رئاسة لمن يعزل بهذا الوزّة عن وظيفته!
ثم فى يوم الأحد تاسع عشر [شهر] «2» ربيع الأول، سارت تجريدة فى النيل تريد ثغر رشيد، وقد ورد الخبر بأن أربعة شوان «3» للفرنج قاربت رشيد، وأخذت منها أبقارا وغيرها، فأخرج السلطان لذلك [الأمير] «4» أسنبغا الطيارى، والأمير شادبك الجكمى، وهما من أمراء الألوف بالديار المصرية، وحمل السلطان لكل منهما خمسمائة «5» دينار، وعند ما نزلا إلى المركب فى بحر النيل، احترقت مركب الطيّارى من مدفع نفط رموا به، فعاد عليهم ناره، وأحرق شيئا مما كان معهم، وأصاب بعضهم، فألقى الطيارى نفسه فى البحر، حتى نجا من النار، ثم طلع وركب السفينة وسار «6» .
[و] «7» فى أواخر شهر ربيع الأول [هذا] «8» رسم السلطان بتوجه زين الدين عبد الباسط [إلى] «9» الحجاز بأهله وعياله، وسافر فى يوم الثلاثاء ثانى عشر [شهر] «10» ربيع الآخر، بعد أن خلع السلطان عليه فى يوم سفره، وعلى معتقه جانبك الأستادار، ونزل من القلعة إلى مخيّمه بالريدانية، بعد أن حمل إلى الخزانة السلطانية مائتى ألف دينار وخمسين ألف دينار ذهبا عينا سوى ما أخذ له من الخيول والجمال، وسوى تحف جليلة قدّمها للسلطان وغيره؛ ثم رحل «11» عبد الباسط من الرّيدانية يريد(15/334)
الحجاز، فى خامس عشره، ونزل ببركة الحاجّ «1» ، وأقام بها أيضا إلى ليلة ثامن عشره.
ثم فى خامس عشرين شهر ربيع الآخر «2» قدم الأمير تمراز المؤيدى أحد حجاب دمشق، بسيف الأمير آقبغا التّمرازى، وقد مات فجاءة فى يوم السبت سادس عشره، فرسم السلطان للأمير جلبان نائب حلب باستقراره فى نيابة دمشق، وأن ينتقل الأمير قانى باى الحمزاوى نائب طرابلس إلى نيابة حلب، وأن ينتقل الأمير برسباى الناصرى حاجب حجاب دمشق إلى نيابة طرابلس، ويستقر عوضه فى حجوبية دمشق سودون النّوروزى حاجب حجاب حلب؛ وينتقل حاجب حماة الأمير سودون المؤيدى إلى حجوبية [حجاب] «3» حلب، وأن يستقر الأمير جمال الدين يوسف بن قلدر «4» نائب خرت برت «5» فى نيابة ملطية بعد عزل الأمير خليل بن شاهين الشيخى عنها، ويستقر خليل أحد أمراء الألوف بدمشق، عوضا عن الأمير ألطنبغا الشريفى، ويستقر الشريفى أتابك حلب، عوضا عن قطج من تمراز، وأن يحضر قطج المذكور إلى القاهرة [121] إلى أن ينحلّ له إقطاع «6» ؛ وجهزت تقاليد الجميع(15/335)
ومناشيرهم «1» فى سابع عشرينه؛ ورسم للأمير دولات باى المحمودى الساقى المؤيدى الدوادار الثانى أن يكون مسفّر جلبان نائب الشام، وأن يكون الأمير أرنبغا اليونسى الناصرى مسفّرقانى باى الحمزاوى، نائب حلب، وأن يكون سودون المحمودى المؤيدى المعروف بأتمكجى «2» ، مسفّر برسباى، نائب طرابلس؛ وخلع على الجميع فى يوم تاسع عشرين شهر ربيع الآخر.
ثم فى يوم السبت خامس عشر جمادى الأولى، استقر الأمير مازى الظاهرى [برقوق] «3» أحد أمراء دمشق، فى نيابة الكرك عوضا عن آقبغا التركمانى الناصرى، بحكم مسك آقبغا المذكور وحبسه بسجن الكرك.
وفى عشرينه خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطّيارى أحد مقدمى الألوف، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، عوضا عن يلبغا البهائى الظاهرى [برقوق] «4» بحكم وفاته، زيادة على ما بيده من تقدمة ألف بمصر، وطلب السلطان الأمير قراجا الأشرفى من سجن الإسكندرية، فحضر فى يوم الاثنين ثانى جمادى الآخرة، فخلع عليه السلطان باستقراره أتابك حلب، وبطل أمر الشريفى، واستمر على إقطاعه بدمشق.
ثم فى يوم الخميس ثانى عشر جمادى الآخرة، عمل السلطان الموكب بالقصر وأحضر(15/336)
رسول القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك، فحضر الرسول وناول الكتاب الذي على يده، وإذا فيه: أنه بلغه موت [الملك] «1» الأشرف وجلوس السلطان على تخت الملك، فأراد أن يتحقق علم ذلك؛ فأرسل هذا الكتاب؛ فخلع السلطان عليه وأكرمه وأنزله بمكانه الذي كان أنزل فيه، فإنه كان وصل فى أول «2» يوم من جمادى الأولى، ورسم السلطان بكتابة جوابه.
ثم فى يوم الاثنين رابع شهر رجب، أدير المحمل على العادة، وزاد السلطان فى عدة الصبيان الذين يلعبون بالرمح، الصغار، عدة كبيرة، ولم يقع فى أيام المحمل بحمد الله ما ينكر من الشناعات التى كانت تقع من المماليك الأشرفية.
وفى هذا اليوم أيضا، خلع السلطان على الأمير طوخ الأبوبكريّ المؤيدى أحد أمراء الألوف بدمشق، وكان قبل أتابك غزة، باستقراره فى نيابة غزة، بعد موت الأمير طوخ مازى الناصرى، فولى طوخ عوضا عن طوخ، وأنعم بتقدمة طوخ بدمشق، على الأمير تمراز المؤيدى الحاجب الثانى بدمشق.
ثم فى يوم السبت حادى عشر شعبان، استقر القاضى بهاء الدين محمد بن حجى فى نظر جيش دمشق، عوضا عن سراج الدين عمر بن السّفّاح، ورسم لابن السفاح بنظر جيش حلب.
ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشر شوال، خرج أمير حاجّ المحمل الأمير شادبك الجكمى، أحد مقدمى الألوف، بالمحمل، وأمير حاج الركب الأول سمام الحسنى الناصرى، أحد أمراء العشرات.
ثم فى يوم الثلاثاء خامس عشرين شوال، قدم الأمير ناصر الدين بك، واسمه محمد بن دلغادر نائب أبا ستين، إلى الديار المصرية، بعد ما تلقاه المطبخ السلطانى، وجهزت له الإقامات فى طول طريقه؛ ثم سارت عدة من أعيان الدولة إلى لقائه، ومعهم(15/337)
الخيول والخلع له ولأعيان من معه من أولاده وأصحابه، فلما دخل إلى القاهرة وطلع إلى القلعة، ومثل بين يدى السلطان وقبّل الأرض، خلع عليه السلطان خلعة باستمراره على نيابة أبلستين على عادته، وأنزل فى بيت بالقرب من القلعة؛ وبالغ السلطان فى الاحتفال بأمره والاعتناء به، وشمله بالإنعامات «1» الكثيرة. وكان ناصر الدين بك المذكور، له سنين كثيرة لم يدخل تحت طاعة سلطان، وإن دخل فلم يطأ بساطه، فلما سمع بسلطنة الملك الظاهر هذا، وبحسن سيرته، قدم، وأقدم معه ابنته التى كانت تحت جانبك الصوفى، وعدة من نسائه، فعقد السلطان عقده على ابنته المذكورة التى كانت تحت جانبك الصوفى، ولها من جانبك المذكور بنت «2» ، لها من العمر نحو ثلاث سنين، بعد أن حمل إليها المهر ألف دينار، وعدة كثيرة من الشقق الحرير وغيرها.
وفى هذا الشهر، أراد السلطان أن تكون تصرفاته فى أمر جدّة، على مقتضى «3» فتاوى أهل العلم، لعلمه أن شاه رخ بن تيمور، كان يعيب على [الملك] «4» الأشرف برسباى، لأخذه بجدّة من التجار عشور «5» أموالهم [122] وأن ذلك من المكس المحرم؛ فكتب بعض الفقهاء سؤالا على غرض السلطان، يتضمن: أن التجار المذكورين كانوا يردون إلى بندر عدن [من بلاد اليمن] «6» فيظلمون بأخذ أكثر أموالهم، وأنهم رغبوا فى القدوم إلى بندر جدّة ليحتموا «7» بالسلطان؛ وسألوا أن يدفعوا عشر أموالهم، فهل يجوز أخذ ذلك منهم؟ فإن السلطان يحتاج إلى صرف مال كثير فى عسكر يبعثه إلى مكة فى كل سنة، فكتب قضاة القضاة الأربعة «8» ، بجواز أخذه وصرفه،(15/338)
فى المصالح «1» . فأنكر الشيخ تقىّ الدين على القضاة فى كتابتهم على الفتاوى المذكورة، وانطلق لسانه بما شاء الله أن يقوله فى حقهم- انتهى.
ثم فى يوم الخميس ثامن عشر ذى القعدة، قدم الأمير إينال الششمانى الناصرى، أتابك دمشق، والأمير ألطنبغا الشريفى الناصرى أحد مقدمى الألوف بدمشق، وطلعا [إلى] «2» القلعة، وخلع السلطان عليهما وأكرمهما. وفيها «3» أيضا، خلع السلطان على الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر خلعة السفر، وسافر يوم الاثنين تاسع عشرين ذى القعدة، بعد أن بلغت النفقة عليه من الإنعامات ثلاثين ألف دينار.
ثم فى يوم الأربعاء سابع ذى الحجة، نودى بمنع المعاملة بالدراهم الأشرفية من الفضة،(15/339)
وأن تكون المعاملة بالدراهم الظاهرية الجقمقيّة، وهدد من خالف ذلك، فاضطرب الناس لتوقف أحوالهم. فنودى فى آخر النهار بأن الفضة الأشرفية تدفع للصيارف بسعرها، وهو كل درهم بعشرين درهما من الفلوس، وأن تكون الدراهم الظاهرية كل درهم بأربعة وعشرين درهما، وجعلت عددا لا وزنا «1» . فمنها ما هو نصف درهم عنه، اثنا «2» عشر درهما، ومنها ما هو ربع درهم، فيصرف بستة دراهم، على أن كل دينار من الأشرفية، بمائتين خمسة وثمانين «3» درهما.
ثم فى يوم الثلاثاء، خلع السلطان على غرس الدين خليل بن أحمد بن على السخاوى، أحد حواشى السلطان أيام أمرته، باستقراره فى نظر القدس والخليل. والسخاوى هذا أصله من عوام القدس السوقة، وقدم القاهرة، وخدم بعض التجار، وترقى، وركب الحمار، ثم ركب بعد مدة طويلة بغلة «4» بنصف رحل «5» على عادة العوام، ورأيته أنا على تلك الهيئة، ثم انتهى إلى خدمة السلطان، وهو يوم ذاك أحد مقدمى الألوف، واختص به، حتى تحدث فى إقطاعه، ودام فى خدمته إلى أن تسلطن وعظم أمره عند من هو دونه، إلى أن ولى فى هذا اليوم نظر القدس والخليل.
[ما وقع من الحوادث سنة 844]
ثم فى يوم الخميس ثامن المحرم من سنة أربع وأربعين، خلع السلطان على الأمير قيزطوغان العلائى، أحد أمراء العشرات وأمير آخور ثانى، باستقراره أستادارا، عوضا عن [محمد] «6» بن أبى «7» الفرج، بحكم عزله والقبض عليه وحبسه بالقلعة إلى يوم الأحد حادى عشره، فتسلمه «8» الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخ.(15/340)
[ثم] «1» فى يوم السبت رابع عشرين المحرم، خلع السلطان على زين الدين يحيى الأشقر قريب ابن أبى الفرج، باستقراره فى نظر ديوان المفرد «2» عوضا عن عبد العظيم ابن صدقة، بحكم مسكه، ونقل ابن أبى الفرج من تسليم الوزير، وسلّم هو وعبد العظيم للأمير قيز طوغان الأستادار، فأغرى «3» زين الدين، قيز طوغان، بابن أبى الفرج وعبد العظيم، حتى أخذ ابن أبى الفرج وعاقبه وأفحش فى عقوبته فى الملأ من الناس، من غير احتشام ولا تجمّل، بل طرحه على الأرض وضربه ضربا مبرحا، ووقع له معه أمور، إلى أن أطلق وأعيد إلى نقابة الجيش بعد أن نفى، ثم أعيد؛ ومن يومئذ ظهر اسم زين الدين وعرف فى الدولة، وكان هذا مبدأ ترقيه حسبما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى «4» .
وفى هذه الأيام وقع الاهتمام بتجهيز تجريدة [فى البحر] «5» لغز والفرنج، وكتب السلطان عدة من المماليك السلطانية، وعليهم الأمير تغرى برمش الزّردكاش،(15/341)
والسيفى يونس الأمير آخور، وسافروا «1» من ساحل بولاق فى يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الأول، وكان جملة ما انحدر من ساحل بولاق، خمسة عشر غرابا فيها المماليك السلطانية والمطوّعة. وسبب هذه التجريدة كثرة عيث الفرنج «2» [فى البحر] «3» ، وأخذها مراكب التجار، وهذه أول بعثه بعثها الملك الظاهر من الغزاة.
ثم فى يوم السبت سادس عشرين شهر ربيع الآخر، قدم [123] إلى القاهرة رسل القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك، ملك الشرق، وقد زينت القاهرة لقدومهم، وخرج المقام الناصرى محمد بن السلطان إلى لقائهم، واجتمع الناس لرؤيتهم، فكان لدخولهم «4» يوم مشهود «5» لم يعهد بمثله، لقدوم رسل فى الدول المتقدمة؛ وأنزلوا بدار أعدت لهم، إلى يوم الاثنين ثامن عشرينه، فتوجهوا «6» من الدار المذكورة «7» إلى القلعة، بعد أن شقوا القاهرة، وهى مزينة بأحسن زينة، والشموع «8» وغيرها تشعل، وقد اجتمع عالم عظيم لرؤيتهم، وأوقفت العساكر من تحت القلعة إلى باب القصر، فى وقت الخدمة من باكر النهار المذكور. فلما مثل الرسل بين يدى السلطان، قرئ كتاب شاه رخ، فكان يتضمن السلام والتهنئة بجلوس السلطان على تخت الملك، ثم قدمت هديته وهى: مائة فص فيروز «9» ، وإحدى وثمانون قطعة من حرير، وعدة(15/342)
ثياب وفرو ومسك وثلاثون بختيّا «1» من الجمال وغير ذلك، مما يبلغ «2» قيمته خمسة آلاف دينار. وأعيد الرسل إلى منازلهم، وأجرى عليهم الرواتب الهائلة فى كل يوم، ثم قلعت الزينة فى يوم الثلاثاء سلخه، وكان الناس تفننوا فى زينة القاهرة، ونصبوا بها القلاع، وفى ظنهم أنها تتمادى أياما، فانقضى أمرها بسرعة.
ثم فى يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى «3» ، ورد الخبر على السلطان بنصرة الغزاة المجردين إلى قتال الفرنج.
ثم فى يوم الاثنين عشرين جمادى الأولى، خلع السلطان على القاضى بدر الدين أبى المحاسن محمد بن ناصر الدين محمد بن الشيخ شرف الدين عبد المنعم البغدادى، أحد نواب الحكم الحنابلة، باستقراره قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية، بعد موت شيخ الإسلام محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادى.
ثم فى يوم الثلاثاء حادى عشرين جمادى الأولى المذكور، قدم الغزاة، وكان من خبرهم: أنهم انحدروا فى النيل إلى دمياط، ثم ركبوا منه البحر، وساروا إلى جزيرة قبرس، فقام لهم متملكها، «4» بالإقامات، وساروا إلى العلايا، فأمدّهم صاحبها بغرابين، فيهما المقاتلة، ومضوا إلى رودس، وقد استعد «5» أهلها لقتالهم، فكانت بينهم محاربة طول يومهم، لم ينتصف المسلمون فيها، وقتل منهم اثنا «6» عشر من المماليك، وجرح كثير، وقتل من الفرنج أيضا جماعة كثيرة، فلما خلص المسلمون من قتالهم بعد جهد، مروا بقرية من قرى رودس فقتلوا وأسروا ونهبوا ما فيها، وعادوا إلى دمياط وأعلموا السلطان بأنه لم يكن لهم طاقة بأهل رودس.(15/343)
ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الأولى المذكور، خلع على خواجا كلال رسول شاه رخ خلعة السفر، وقد اعتنى بها عناية لم يتقدم بمثلها لرسول فى زماننا هذا، وهى حرير مخمّل بوجهين: أحمر وأخضر، وطرز زركش، فيه خمسمائة مثقال من ذهب، وأركب فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش، فى كل منهما خمسمائة دينار، وجهزت صحبته هدية ما بين ثياب حرير سكندرى، وسرج وكنبوش ذهب، وسيوف مسقّطة بذهب، وغير ذلك مما تبلغ قيمته سبعة آلاف دينار؛ هذا بعد أن بلغت النفقة من السلطان على الرسول المذكور ورفقته، نحو خمسة عشر ألف دينار، سوى الهدية المذكورة.
ثم فى يوم السبت ثانى جمادى الآخرة، وقع بين القاضى حميد الدين الحنفى، وبين شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكورانى الشافعى، مخاصمة، وآل أمرهما إلى الوقوف بين يدى السلطان، فغضب السلطان لحميد الدين وضرب الشهاب الكورانى وأهانه، ورسم بنفيه إلى دمشق، ثم إلى البلاد المشرقيّة، فخرج على أقبح وجه. وكان هذا الكورانى قدم القاهرة قبيل سنة أربعين وثمانمائة، فى فاقة عظيمة من الفقر والإفلاس، واتصل بباب المقرّ الكمالى ابن البارزى فوالاه بالإحسان على عادة ترفقه بأهل العلم، ونوّه بذكره، حتى عرفه الناس، وتردد إلى الأكابر، وصار له وظائف ومرتبات، فلم يحفظ لسانه لطيش كان فيه، حتى وقع له ما حكيناه.
ثم فى يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة، قدم الأمير جلبان نائب الشأم، إلى القاهرة، ونزل السلطان إلى لقائه [124] بمطعم الطّير «1» خارج القاهرة، وهو أول ركبة ركبها، بعد سلطنته بالموكب، وخلع السلطان على جلبان المذكور خلعة الاستمرار، وعاد السلطان إلى القلعة وهو فى خدمته.
ثم فى يوم الاثنين [عاشر] «2» شهر رجب، أنعم السلطان بإقطاع الأمير ألطنبغا(15/344)
المرقبى المؤيدى، وتقدمته على الأمير طوخ من تمراز الناصرى الرأس نوبة الثانى، بعد موته؛ وأنعم بإقطاع طوخ وهو إمرة أربعين، على قانى باى الجاركسى شادّ الشراب خاناة.
ثم «1» فى يوم الاثنين أول شعبان، أضيف نظر دار الضرب، للمقر الجمالى ناظر الخواص الشريف، كما كانت العادة القديمة، وذلك بعد موت جوهر القنقبائى الزّمام والخازندار.
ثم فى يوم السبت سادسه، خلع السلطان على الطّواشى هلال الرومى الظاهرى برقوق، شادّ الحوش السلطانى، باستقراره زماما، عوضا عن جوهر المقدم ذكره، على مال كثير بذله فى ذلك.
ثم فى يوم الأحد سابعه خلع على الزينى عبد الرحمن بن علم الدين داؤد بن الكويز، باستقراره أستادار الذخيرة، وخلع على الطواشى الحبشى جوهر التّمرازى الجمدار، باستقراره خازندارا، كلاهما عوضا عن جوهر المذكور.
ثم فى يوم السبت عشرين شعبان، ركب السلطان من قلعة الجبل بغير قماش الموكب، لكن بجميع أمرائه وخاصّكيته ونزل فى أبهة عظيمة، وسار إلى خليج الزّعفران خارج القاهرة، ونزل هناك بمخيّمه، ومدت له أسمطة جليلة وأنواع كثيرة من الحلوى، والفواكه، ثم ركب بعد صلاة الظهر، وعاد إلى القلعة؛ بعد أن دخل من باب النصر، وشق القاهرة، وابتهج الناس به كثيرا. وهذه أول مرة شق فيها القاهرة بعد سلطنته، وكان هذا الموكب جميعه بغير قماش الموكب؛ ولم يكن ذلك فى «2» سالف الأعصار، وأول من فعل ذلك وترخّص فى النزول من القلعة بغير كلفتاه ولا قماش، الملك الناصر فرج، ثم اقتدى به [الملك] «3» المؤيد شيخ، ثم من جاء بعدهما.(15/345)
وفى هذا الشهر، تكلم زين الدين يحيى الأشقر ناظر الديوان المفرد، مع الأمير قيزطوغان العلائى الأستادار، بأنه يكلم السلطان فى إخراج جميع الرّزق الإحباسية والجيشية التى بالجيزة «1» وضواحى القاهرة، وحسّن له ذلك، حتى تكلم قيزطوغان المذكور فى ذلك مع السلطان وألح عليه، ومال السلطان لإخراج جميع الرّزق المذكورة، إلى أن كلمه فى ذلك جماعة من الأعيان ورجّعوه عن هذه الفعلة القبيحة، فاستقر الحال على أنه يجبى من الرزق المذكورة، فى كل سنة عن كل فدان، مائة درهم من الفلوس، فجبيت، واستمرت إلى يومنا هذا فى صحيفة زين الدين المذكور، لأنه «2» [هو] «3» الدالّ عليها، والدال على الخير كفاعله وكذلك الشّر.
ثم فى يوم الثلاثاء أول شهر رمضان، ورد الخبر على السلطان بالقبض على الأمير قنصوه النّوروزى، وكان له من يوم وقعة الجكمى فى اختفاء، فرسم بسجنه بقلعة دمشق، وقانصوه هذا من أعيان الأمراء المشهورين بالشجاعة وحسن الرمى بالنّشّاب، غير أنه من كبار المخاميل الفلاسة المديونين.
ثم فى يوم السبت ثانى عشر [شهر] «4» رمضان، خلع السلطان على القاضى معين الدين عبد اللطيف ابن القاضى شرف الدين أبى بكر، سبط العجمى، باستقراره فى نيابة «5» كتابة السر بعد وفاة أبيه.
ثم فى يوم الاثنين تاسع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل الأمير تمرباى رأس نوبة النوب، بالمحمل، وأمير الركب الأول سودون الإينالى المؤيدى، المعروف بقراقاس، أمير عشرة. وحج فى هذه السنة ثلاثة من أمراء الألوف: تمرباى المقدم ذكره، والأمير تمراز القرمشى أمير سلاح، والأمير ظوخ من تمراز الناصرى،(15/346)
وسبعة أمراء أخر، ما بين عشرات وطبلخانات. وتوجه تمراز أمير سلاح بالجميع ركبا وحده قبل الركب الأول، كما سافر فى السنة الماضية الأمير جرباش الكريمى قاشق أمير مجلس، وصحبته ابنته زوجة السلطان الملك الظاهر.
ثم فى يوم السبت سابع ذى القعدة، قدم إلى القاهرة الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب باستدعاء [125] ، فركب السلطان إلى ملاقاته بمطعم الطير، وخلع عليه باستمراره على كفالته.
وفى أواخر «1» هذا الشهر، طرد السلطان أيتمش الخضرىّ الظاهرى، أحد الأمراء البطّالة من مجلسه، ومنعه من الاجتماع به، وهذه ثانى مرة أهانه السلطان وطرده؛ وأما ما وقع لأيتمش المذكور قبل ذلك فى دولة الأشرف برسباى من البهدلة والنفى، فكثير، وهو مع ذلك لا ينقطع عن الترداد للأمراء وأرباب الدولة بوجه أقوى من الحجر.
وفى هذه السنة، أعنى «2» سنة أربع وأربعين وثمانمائة، جدّد بالقاهرة وظواهرها عدة جوامع، منها جامع الصالح طلائع بن رزيك «3» خارج باب زويلة، قام بتجديده(15/347)
رجل من الباعة يقال له عبد الوهاب العينى، ومنها مشهد السيدة رقية، قريبا من المشهد النّفيسى، جدده الشريف بدر الدين حسين بن أبى بكر الحسينى، نقيب الأشراف، وجدد أيضا جامع الفاكهيين «1» بالقاهرة، وجامع الفخر بخط سويقة الموفق بالقرب من بولاق، وجدد أيضا جامع الصارم أيضا، بالقرب من بولاق، وأنشأ أيضا جوهر المنجكى نائب مقدم المماليك، جامعا بالرّميلة، تجاه مصلاة المؤمنى «2» ، وعمارته بالفقيرى بحسب الحال، وأنشأ تغرى بردى المؤذى البكلمشى الدّوادار، جامعا بخط الصّليبة على الشارع الأعظم.
قلت: الناس على دين مليكهم، وهو أنه لما كانت الملوك السالفة تهوى النزه والطرب، عمرت فى أيامهم بولاق وبركة الرّطلى «3» وغيرهما من الأماكن، وقدم إلى القاهرة كل أستاذ صاحب آلة من المطربين وأمثالهم من المغانى والملاهى، إلى أن تسلطن [الملك] «4» الظاهر جقمق، وسار فى سلطنته على قدم هائل من العبادة والعفة عن المنكرات والفروج، وأخذ فى مقت من يتعاطى المسكرات، من أمرائه وأرباب دولته، فعند ذلك تاب أكثرهم، وتصولح وتزهّد «5» ، وصار كل أحد منهم يتقرب إلى خاطره بنوع من أنواع المعروف، فمنهم من صار يكثر من الحج، ومنهم من تاب وأقلع عما كان فيه، ومنهم من بنى المساجد والجوامع، ولم يبق فى دولته ممن استمر على ما كان(15/348)
عليه، إلا جماعة يسيرة؛ ومع هذا كان أحدهم إذا فعل شيئا من ذلك، فعله سرّا مع تخوف ورعب زائد، يرجفه فى تلك الحالة صفير الصافر وخفق الرياح، فلله دره من ملك، فى عفته وعبادته وكرمه.
[ما وقع من الحوادث سنة 845]
ثم فى يوم السبت ثالث «1» شهر ربيع الأول من سنة خمس وأربعين وثمانمائة، خلع السلطان على يار «2» على بن نصر الله الخراسانى العجمى الطويل باستقراره فى حسبة القاهرة، مضافا لما بيده من حسبة مصر القديمة «3» عوضا عن قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى بحكم عزله.
ثم فى يوم الخميس ثامن «4» [شهر] «5» ربيع الأول المذكور، كانت مبايعة الخليفة أمير المؤمنين سليمان بن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد بالخلافة، بعد وفاة أخيه المعتضد داؤد، بعهد منه إليه، ولقب بالمستكفى بالله أبى الربيع سليمان.
ثم فى يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى، خلع السلطان على الشريف علىّ ابن حسن بن عجلان، باستقراره فى إمرة مكة، عوضا عن أخيه بركات بن حسن بحكم عزله، لعدم حضوره إلى الديار المصرية؛ وعين السلطان مع الشريف علىّ المذكور خمسين مملوكا من المماليك السلطانية، وعليهم الأمير يشبك الصوفى المؤيدى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، لمساعدة علىّ المذكور على قتال أخيه الشريف بركات؛ وسافر الشريف علىّ من القاهرة فى يوم الخميس رابع عشرين جمادى الآخرة.
ثم فى يوم الاثنين سادس شهر رجب، قدم إلى القاهرة الأمير برسباى [الناصرى(15/349)
فرج] «1» نائب طرابلس، ونزل السلطان إلى مطعم الطيور خارج القاهرة، وتلقاه وخلع عليه على العادة.
ثم فى يوم الثلاثاء سابع [شهر] «2» رجب، أمسك السلطان الأمير قيز طوغان العلائى الأستادار [الكبير] «3» ، وقبض معه على زين الدين يحيى ناظر ديوان المفرد، وسلمهما للأمير دولات باى المحمودى المؤيدى الدوادار الثانى.
ثم خلع السلطان فى يوم الخميس سادس عشره، على الزينى عبد الرحمن ابن [القاضى علم الدين] «4» الكويز، باستقراره أستادارا، عوضا عن قيز طوغان، وخلع على زين الدين المذكور باستقراره على وظيفة نظر المفرد على عادته [126] ، وأنعم السلطان على الأمير قيزطوغان بإمرة مائة وتقدمة ألف بحلب، وخرج فى يوم السبت خامس عشرينه.
ثم فى يوم الاثنين سابع عشرينه، خلع السلطان على الشهابى أحمد بن [أمير] «5» على بن إينال اليوسفى، أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، بعد عزل الأمير أسنبغا الناصرى الطّيّارى عنها، وقدومه إلى القاهرة على عادته، أمير مائة ومقدم ألف.
ثم فى يوم السبت أول شهر رمضان، قدم الشيخ شمس الدين محمد الخافى «6» الحنفى، من مدينة «7» سمرقند، قاصدا الحج، وهو أحد أعيان فقهاء القان شاه رخ بن تيمور، وولده ألوغ بك صاحب سمرقند، واجتمع بالسلطان، فأكرمه وأنعم عليه بأشياء كثيرة.
ثم فى يوم الخميس ثامن عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل تغرى برمش السيفى(15/350)
يشبك بن أزدمر الزّردكاش، بالمحمل إلى بركة الحاج [دفعة واحدة، وكانت العادة أن أمير حاجّ المحمل يبرز من القاهرة إلى الرّيدانية ثم يتوجه فى ثانيه إلى بركة الحاج] «1» ؛ وأمير حاج الركب الأول، الأمير يونس السيفى آقباى، أحد أمراء العشرات المعروف بالبواب.
ثم فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال، أمسك السلطان الأمير جانبك المحمودى المؤيدى؛ أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وحبسه بالبرج من قلعة الجبل، وكان السلطان قصد مسكه قبل ذلك، فخشى عاقبة خجداشيّته، فلما زاد جانبك المذكور عن الحد فى التكلم فى الدولة ومداخلة «2» السلطان فى جميع أموره، بعدم دربة وقلة لباقة «3» ، مع حدة وطيش وخفة وسوء خلق، أمسكه فى هذا اليوم، وقصد بذلك حركة تظهر من خجداشيّته المؤيدية، فلم يتحرك ساكن، بل خاف أكثرهم، وحسن حاله مع السلطان، وانكفّ أكثرهم عن مداخلة السلطان؛ وأنعم السلطان بإمرته على خجداشه خير بك الأشقر المؤيدى أحد الدوادارية الصغار؛ ولم يكن خير بك المذكور ممن ترشح للإمرة؛ ومن يومئذ عظم أمر السلطان فى ملكه؛ وهابته الناس وانقطع عن مداخلته جماعة كبيرة، ثم حمل جانبك المذكور إلى سجن الإسكندرية فسجن به.
[ما وقع من الحوادث سنة 846]
هذا والسلطان فى اهتمام تجريدة لغزو رودس، وعين عدة كبيرة من المماليك السلطانية والأمراء، ومقدم الجميع اثنان من مقدمى الألوف: الأمير إينال العلائى الناصرى، المعزول عن نيابة صفد، والأمير تمرباى رأس نوبة النوب. وسافروا الجميع من ساحل بولاق، فى محرم سنة ست وأربعين، ومعهم عدة كبيرة من المطوّعة، بأبهج زى، من العدد والسلاح، وكان لسفرهم بساحل بولاق يوم(15/351)
مشهود «1» ، إلا أنهم عادوا فى أثناء السنة، ولم ينالوا من رودس غرضا «2» ، بعد أن أخربوا قشتيل»
حسبما يأتى ذكره فى الغزوة الثالثة الكبرى.
وبعد سفرهم وقع حادثة شنعة، وهى أنه لما كان يوم الاثنين سادس عشر صفر، وثب جماعة كبيرة من مماليك السلطان الأجلاب، من مشترواته الذين بالأطباق من القلعة، وطلعوا إلى أسطحة «4» أطباقهم، ومنعوا الأمراء وغيرهم من الأعيان من طلوع الخدمة، وأفحشوا فى ذلك إلى أن خرجوا «5» عن الحد، ونزلوا إلى الرحبة عند باب النحاس، وكسروا باب الزّردخاناة السلطانية، وضربوا جماعة من أهل الزردخاناة، وأخذوا منها سلاحا كثيرا، ووقع منهم أمور قبيحة فى حق أستاذهم الملك الظاهر، ولهجوا بخلعه من الملك، وهمّ السلطان لقتالهم، ثم فتر عزمه عن ذلك شفقة عليهم، لا خوفا منهم، ثم سكنت الفتنة بعد أمور وقعت بين السلطان وبينهم.
ثم فى يوم الخميس عاشر [شهر] «6» ربيع الأول، قدم الأمير مازى الظاهرى برقوق نائب الكرك، وطلع إلى القلعة، وخلع عليه باستمراره.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين [شهر] «7» ربيع الأول المذكور، خلع السلطان على مملوكه قراجا الظاهرى الخازندار، باستقراره خازندارا كبيرا، عوضا عن الأمير قانبك الأبوبكريّ الأشرفى الساقى، بحكم مرضه بداء الأسد «8» ، نسأل الله [العفو] «9» والعافية.(15/352)
وفيه أيضا استقر ابن الحاضرى قاضى قضاة الحنفية بحلب بعد عزل محب الدين محمد بن الشّحنة، لسوء سيرته.
ثم فى يوم الأحد ثانى عشر [شهر] «1» ربيع الآخر، قدم الأمير سودون المحمدى من مكة المشرفة، إلى القاهرة، وهو مجرّح فى مواضع من بدنه، من قتال كان بين الشريف علىّ صاحب مكة، وبين أخيه [127] بركات، انتصر فيه الشريف علىّ، وانهزم بركات إلى البر.
ثم فى يوم الأحد سادس عشرين [شهر] «2» ربيع الآخر [المذكور] «3» ، أمسك السلطان الزينى عبد الرحمن بن الكويز، وعزله عن الأستادارية، ثم أصبح من الغد خلع على زين الدين يحيى ناظر الديوان المفرد باستقراره أستادارا، عوضا عن ابن الكويز المذكور.
وكان من خبر زين الدين هذا، أنه كان كثيرا ما يلى الوظائف بالبذل ثم يعزل عنها بسرعة، وقد تجمد عليه جمل من الديون؛ وكان خصمه فى وظيفة نظر الديوان المفرد عبد العظيم بن صدقة الأسلمى، وغريمه فى نظر الإسطبل شمس الدين الوزّة، ولا زال زين الدين المذكور فى بحبوحة من الفقر والذل والإفلاس، إلى أن ولى الأمير قيزطوغان الأستادارية، فاختار زين الدين هذا لنظر الديوان المفرد، وضرب عبد العظيم وأهانه، كونه كان من جملة أصحاب محمد بن أبى الفرج.
وركن إلى زين الذين هذا، وصار المعول عليه بديوان المفرد؛ فاستفحل أمره، وقضى ديونه، فحدثته نفسه بالأستادارية، لمصداق المثل السائر: «لا تموت النفس الخبيثة حتى تسىء «4» لمن أحسن إليها» ، فأخذ زين الدين يدبر على الأمير طوغان فى الباطن، ويملى له المفسود، بأن يحسّن له الإقالة من الوظيفة، حتى يعظم أمره، من سؤال السلطان(15/353)
له باستقراره فى الوظيفة، ويظهر له بذلك النصح، إلى أن انفعل له طوغان وسأل الإقالة، فأقاله السلطان، وخلع على الزينى عبد الرحمن بن الكويز بالأستادارية.
واستمر زين الدين على وظيفة نظر ديوان المفرد، وقد تفتحت له أبواب أخذ الأستادارية، لسهولة ابن الكويز وخروج قيز طوغان من مصر، فإنه كان لا يحسن به المرافعة فى طوغان ولا السعى عليه بوجه من الوجوه، فسلك فى ذلك ما هو أقرب لبلوغ قصده، بعزل طوغان وولاية ابن الكويز، حتى تم له ذلك، ولبس الأستادّاريّة ونعت بالأمير، لكنه لم يتزيّا بزىّ الجند، بل استمر على لبسه أولا: العمامة والفرجية، فصار فى الوظيفة غير لائق، كونه أستادارا وهو بزى الكتبة، وأميرا ولا يعرف باللغة التركية، ورئيسا وليس فيه شيم الرئاسة؛ وكانت ولايته وسعادته غلطة من غلطات الدهر، وذلك لفقد الأمائل. [الكامل] :
خلت الرّقاع من الرّخاخ ... ففرزنت فيها البياذق «1»
وتصاهلت عرج الحمير ... فقلت: من عدم السّوابق
وفيه خلع السلطان على الأمير أقبردى المظفرى الظاهرى [برقوق] «2» ، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وندبه «3» للتوجه إلى مكة المشرفة، وصحبته من المماليك(15/354)
السلطانية خمسون مملوكا، ليستعين بهم الشريف علىّ صاحب مكة على من خالفه، وسافر بعد أيام رجبيّة.
ثم فى يوم الخميس أول جمادى الأولى، أمسك السلطان الصفوى جوهرا التّمرازى الخازندار، ورسم عليه عند تغرى برمش الجلالى المؤيدى الفقيه نائب قلعة الجبل، وطالبه السلطان بمال كبير. وخلع السلطان على الطّواشى فيروز الرومى النّوروزى رأس نوبة الجمدارية، باستقراره خازندارا، عوضا عن جوهر المذكور، وتأسّف الناس كثيرا على عزل جوهر التّمرازى، فإنه كان سار فى الوظيفة أحسن سيرة، وترقّب الناس بولاية فيروز هذا أمورا كثيرة.
ثم فى يوم الاثنين سادس عشرينه، استقر فيروز النّوروزى المذكور زماما، مضافا للخازندارية بعد عزل هلال الطّواشى عنها «1» .
ثم فى يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة، خلع السلطان على الأمير إينال العلائى الناصرى باستقراره دوادارا كبيرا، بعد موت الأمير تغرى بردى المؤذى البكلمشى، وأنعم بتقدمة تغرى بردى المذكور، على الأمير قانى باى الجركسى، واستمر على وظيفة شدّ الشراب خاناه، مع تقدمة ألف؛ وأنعم بطبلخانات قانى باى، على جانبك القرمانى الظاهرىّ برقوق رأس نوبة، وأنعم بإقطاع جانبك، على أيتمش [بن عبد الله] [من أزوباى] «2» أستادار الصحبة، وهى إمرة عشرة، وأنعم بإقطاع أيتمش على سنجبغا، وكلاهما إمرة عشرة، والتفاوت فى زيادة المغل.
ثم فى يوم السبت خامس شعبان رسم السلطان بنفى الأمير سودون السّودونى(15/355)
الظاهرى الحاجب إلى قوص، فشفع فيه فرسم بتوجهه إلى طرابلس، ثم شفع فيه ثانيا [128] فرسم له بالإقامة بالقاهرة بطّالا.
ثم فى يوم الاثنين ثالث شوال، خلع السلطان على الشريف أبى القاسم بن حسن ابن عجلان، باستقراره أمير مكة، عوضا عن أخيه علىّ، بحكم القبض عليه وعلى أخيه إبراهيم بمكة المشرفة.
[ثم] «1» فى سابع عشره، برز أمير حاجّ المحمل، الأمير تنبك البردبكى، حاجب الحجّاب بالمحمل إلى بركة الحاج، وهذه سفرته الثانية، وأمير الركب الأول الأمير الطّواشى عبد اللطيف المنجكى العثمانى الرومى مقدم المماليك السلطانية.
ثم فى يوم السبت تاسع عشرين شوال، خلع السلطان على قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، بإعادته إلى حسبة القاهرة بعد عزل يار على وسفره إلى الحجاز.
ثم فى يوم الاثنين أوّل ذى القعدة، قدم الأمير أركماس الظاهرى الدّوادار [الكبير] «2» كان، من ثغر دمياط بطلب من السلطان وطلع إلى القلعة، وخلع عليه السلطان كاملية مخمل بمقلب سمّور، ورسم له أن يقيم بالقاهرة بطّالا، وأذن له بالركوب حيث شاء.
ثم فى يوم الاثنين تاسع عشرين ذى القعدة المذكور، خلع السلطان على القاضى بهاء الدين محمد بن القاضى نجم الدين عمر بن حجى ناظر جيش دمشق، باستقراره ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية، مضافا لما بيده من نظر جيش دمشق، عوضا عن القاضى محب الدين بن الأشقر، بحكم عزله وغيابه فى الحج، وذلك بسفارة حميّه «3» القاضى كمال الدين بن البارزى كاتب السر الشريف.(15/356)
[ما وقع من الحوادث سنة 847]
ثم فى يوم الثلاثاء ثانى عشر صفر من سنة سبع وأربعين وثمانمائة، أعيد يار على الخراسانى، إلى حسبة القاهرة، وصرف العينى عن الحسبة.
ثم فى يوم الأربعاء حادى عشر شهر ربيع الأول، عمل السلطان المولد النبوى على العادة.
ثم فى يوم الأربعاء ثامن جمادى الآخرة، قدم الزينى عبد الباسط بن خليل، وكان توجّه من سنة أربع وأربعين من الحجاز إلى دمشق، بشفاعة الناصرى محمد بن منجك له، ولما وصل إلى القاهرة طلع إلى القلعة وقبّل الأرض، ومعه أولاده، ثم تقدم وباس رجل السلطان، فقال له السلطان: «أهلا» بصوت خفىّ ولم يزده على ذلك، ثم ألبسه كاملية سابورى أبيض بفرو سمور، وألبس أولاده كل واحد كاملية سمور بطوق عجمى، ثم نزل إلى داره.
وقدّم تقدمته فى يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة [المذكورة] «1» ؛ وكانت تشتمل على شىء كثير، من ذلك أربعة وأربعون حمالا «2» على الرءوس مردومة أقمشة من أنواع الفراء والصوف والمخمّل والشّقق الحرير، والسلاح وطبول بازات مذهبة، وخيول، ونحو مائتى فرس وأربعين فرسا، منها أكاديش خاصّ بسروج مذهبة، وبدلات مينة وعبىّ حرير عدة كبيرة، ومنها عشرة خيول، عليها بركستوانات ملونة، وسروج مغرّقة، ومنها ثمانية بسروج سذج، برسم الكرة، وبغال ثلاثة أقطار، وجمال بخاتى قطار واحد، فقبل السلطان ذلك كله. وبعد هذا كلّه لم يتحرك حظّ عبد الباسط عند السلطان، ولا تجمّل معه بوظيفة من الوظائف، بل أمره بالسفر بعد أيام قليلة. قلت: ليس للطمع فائدة، وأخذ ما يأخذ زمانه وزمان غيره، وما أحسن قول من قال: [المتدارك](15/357)
وترى الدهر [لعبا] «1» لمعتبر ... والناس به دول دول
كرة وضعت لصوالجة ... فتلقّفها رجل رجل
ثم فى يوم الاثنين عشرينه، قدم الأمير خليل بن شاهين [الشيخى] «2» نائب ملطية، وخلع عليه السلطان خلعة الاستمرار، وقدم هديته، وأقام بالقاهرة إلى يوم الاثنين رابع شهر رجب، فخلع «3» السلطان عليه باستقراره أتابك حلب، عوضا عن الأمير قيز طوغان العلائى المعزول عن الأستادّاريّة، بحكم استقرار قيزطوغان فى نيابة ملطية عوضا عن خليل المذكور.
ثم فى يوم السبت ثامن عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل، الأمير شادبك الجكمى، أحد مقدّمى الألوف، بالمحمل [إلى بركة الحاج] «4» ، وأمير الركب الأول الأمير سونجبغا اليونسى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.
ثم فى يوم الأربعاء ثانى عشرين شوال، أعيد [129] القاضى محب الدين بن الأشقر إلى وظيفة نظر الجيش، وصرف عنها القاضى بهاء الدين بن حجى، واستمر على وظيفته نظر جيش دمشق على عادته أولا، وكانت بيده لم تخرج عنه.
ثم فى يوم الخميس سلخ شوال، قدّم ابن حجى المذكور إلى السلطان تقدمة هائلة [تشتمل] «5» على خمسة وأربعين قفصا من أقفاض الحمّالين ما بين ثياب بعلبكّى، وقسىّ وصوف، وأنواع الفرو، وغير ذلك. ثم فى يوم الاثنين رابع ذى القعدة، خلع السلطان على بهاء الدين المذكور خلعة السفر، وأضيف إليه نظر قلعة دمشق.
ثم فى يوم الأحد رابع عشرينه، ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل بخواصه إلى أن وصل إلى ساحل بولاق، ثم عاد حتى علم الناس بعافيته، لأنه كان توعك توعكا هينا، فأرجف الناس بقوة مرضه.(15/358)
ثم فى يوم الاثنين ثانى ذى الحجة، وصل الأمير جلبان نائب الشام، إلى القاهرة، ونزل السلطان إلى ملاقاته بمطعم الطيور بالرّيدانيّة خارج القاهرة، وخلع عليه خلعة الاستمرار على نيابة دمشق، وهذه قدمته الثانية فى الدولة الظاهرية، ثم قدّم جلبان المذكور تقدمته إلى السلطان من الغد فى يوم الثلاثاء، وكانت تشتمل على عدة حمّالين كثيرة، منها سمّور خمسة أبدان، ووشق بدنان «1» ، وقاقم خمسة أبدان، وسنجاب خمسون بدنا، وقرضيات خمسون قرضية، ومخمّل ملون خاصّ أربعون ثوبا، ومخمل أحمر وأخضر وأزرق حلبى، خمسون ثوبا، وصوف ملوّن مائة ثوب، وثياب بعلبكى خمسمائة ثوب، وثياب بطائن خمسمائة أيضا، وقسىّ حلقة ثلثمائة قوس، منها خمسون خاصّا، وطبول بازات مذهبة عشرة، وسيوف خمسون سيفا، وخيول مائتا رأس، منها واحد بسرج ذهب وكنبوش زركش، وبغال ثلاثة أقطار، وجمال أربعة أقطار، وعشرون ألف دينار على ما قيل «2» .
[ما وقع من الحوادث سنة 848]
وفى أواخر هذه السنة ظهر الطاعون بمصر، وفشا فى أول المحرم سنة ثمان وأربعين [وثمانمائة] «3» ، وقد أخذ السلطان فى تجهيز تجريدة عظيمة لغزو رودس، وأخذ الطاعون يتزايد فى كل يوم، حتى عظم فى صفر، وزاد عدة من يموت فيه على خمسمائة إنسان «4» .
ثم فى يوم الثلاثاء حادى عشرين صفر، نفى السلطان كسباى الششمانى المؤيدى، أحد الدوادارية الصغار، وعدّ ذلك من الأشياء التى وضعها [الملك] »
الظاهر فى محلها؛ وقد استوعبنا أمر كسباى هذا، والتعريف بأحواله فى غير هذا المحل.
ثم فى شهر ربيع الأول أخذ الطاعون يتناقص من القاهرة ويتزايد بضواحيها.(15/359)
ثم فى يوم السبت سادس عشر [شهر] «1» ربيع الأول [المذكور] «2» ، نفى السلطان سودون السودونى الحاجب إلى قوص، وأنعم بإقطاعه على الأمير ألطنبغا المعلّم الظّاهرى برقوق، زيادة على ما بيده.
ثم فى يوم السبت المذكور، خرجت الغزاة من القاهرة، فنزلت فى المراكب من ساحل بولاق، وقصدوا الإسكندرية ودمياط، ليركبوا من هناك البحر المالح، والجميع قصدهم غزو رودس. وكانوا جمعا موفورا، ما بين أمراء وخاصّكية ومماليك سلطانية ومطوّعة، وكان مقدم الجميع فى هذه السنة أيضا الأمير إينال العلائى الدّوادار الكبير «3» ، كما كان فى السنة الخالية، وكان معه من الأمراء الطبلخانات، الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى الرأس نوبة الثانى، ومن العشرات جماعة كبيرة، منهم، تغرى برمش الزّردكاش، وتغرى برمش الفقيه نائب القلعة، وهو مستمر على وظيفته؛ ورسم السلطان للأمير يونس العلائى الناصرى أحد أمراء العشرات أن يسكن بباب المدرج، إلى أن يعود تغرى برمش المذكور من الجهاد، وسودون الإينالى المؤيدى قرافاس رأس نوبة، وتمربغا الظاهرى جقمق، ونوكار الناصرى، وتمراز النّوروزى «4» رأس نوبة المعروف بتعريص «5» ، ويشبك الفقيه المؤيدى.
وفيها تأمّر بعد [130] عوده بعد موت تمراز النّوروزى، من جرح أصابه وجماعة أخر من أعيان الخاصّكية، كل «6» منهم مقدّم على غراب أو زورق، ومعه عدة من المماليك السلطانية وغيرهم، وكانت المماليك السلطانية فى هذه الغزوة تزيد عدتهم على ألف مملوك، هذا خارج عمن سافر من المطوعة، وأضاف إليهم السلطان أيضا جماعة كبيرة من أمراء البلاد الشامية، كما فعل [الملك] «7» الأشرف فى غزوة قبرس المقدم(15/360)
ذكرها، ورسم لهم السلطان أن يتوجه الجميع إلى طرابلس، ليضاف إليهم العسكر الشامى، ويسير الجميع عسكرا واحدا، ففعلوا ذلك، وسافر الجميع من ثغر دمياط، وثغر الإسكندرية، فى يوم الخميس حادى عشر [شهر] «1» ربيع الآخر؛ وكان لخروجهم من ساحل بولاق يوم عظيم «2» ، لم ير مثله إلا نادرا.
ولما ساروا من ثغر الإسكندرية ودمياط إلى طرابلس، ثم من طرابلس إلى رودس، حتى نزلوا على برّها بالقرب من مدينتها فى الخيم، وقد استعد أهلها للقتال، فأخذوا فى حصار المدينة، ونصبوا عليها المناجيق «3» والمكاحل، وأرموا على أبراجها بالمكاحل [والمدافع] «4» ، واستمروا على قتال أهل رودس فى كل يوم. هذا ومنهم فرقة كبيرة «5» قد تفرقت فى قرى رودس وبساتينها ينهبون ويسبون، واستمروا على ذلك أياما، ومدينة رودس لا تزداد إلا قوة، لشدة مقاتليها ولعظم عمارتها، وقد تأهبوا للقتال وحصّنوا رودس، بالآلات والسلاح والمقاتلة، وصار القتال مستمرا «6» بينهم فى كل يوم، وقتل من الطائفتين خلائق كثيرة، هذا وقد استقر الأمير يلخجا الناصرى فى المراكب، ومعه جماعة كبيرة من المماليك السلطانية وغيرهم، لحفظ المراكب من طارق يطرقهم من الفرنج فى البحر، وكان فى ذلك غاية المصلحة، وصار يلخجا مقدم العساكر فى البحر، كما كان إينال مقدم العساكر فى البر، وبينما يلخجا ورفقته ذات يوم، إذ هجم عليهم الفرنج فى عدة كبيرة من المراكب، فبرز إليهم يلخجا ومن معه، وقاتلوهم قتالا عظيما، حتى نصر الله المسلمين، وانهزم الفرنج وغنم المسلمون منهم.
كل ذلك وقتال رودس مستمر فى كل يوم، والعساكر فى غاية ما يكون من الاجتهاد(15/361)
فى قتال رودس، غير أن رودس لا يزداد أمرها إلا قوة، لعظم استعداد أهلها للقتال.
ولما كان بعض الأيام، وقع للمسلمين محنة عظيمة، قتل فيها جماعة كبيرة من أعيان الغزاة من الخاصّكية وغيرهم، وهو أنّ جماعة من المسلمين الأعيان، نزلوا فى كنيسة تجاه رودس، وبينهم وبين العسكر الإسلامى رفقتهم مخاضة من البحر المالح، وبينهم أيضا وبين مدينة رودس طريق سالكة.
فاتفق أهل رودس على «1» تبييت هؤلاء المسلمين الذين بالكنيسة المذكورة، إلى أن أمكنهم ذلك، فخرجوا إليهم على حين غفلة وطرقوهم بالسيوف والسلاح.
وكان المسلمون فى أمن من جهتهم، وغالبهم جالس بغير سلاح، وهم أيضا فى قلة والفرنج فى كثرة.
فلما هجموا على المسلمين، ووقعت «2» العين فى العين، قام المسلمون إلى سلاحهم، فمنهم «3» من وصل إلى أخذ سلاحه، وقاتلهم حتى قتل، ومنهم من قتل دون أخذ سلاحه، ومنهم من ألقى بنفسه إلى الماء ونجا، وهم القليل.
على أنه قتل من الفرنج جماعة كبيرة، قتلتهم فرسان المسلمين قبل أن يقتلوا لما عاينوا الهلاك، أثابهم الله الجنة.
ولما وقعت الهجّة، قام كل واحد من المسلمين إلى نجدة هؤلاء المذكورين، فلم يصل إليهم أحد حتى فرغ القتال، إلا أن بعض أعيان الخاصّكية مع رفقته، لحق جماعة من الفرنج قبل دخولهم إلى رودس، ووضعوا فيهم السيف.
وقد استوعبنا واقعتهم بأطول من هذا، فى غير هذا الكتاب.
وكان عدة من قتل فى هذه الكائنة نيفا «4» على عشرين نفسا، ودام القتال بعد(15/362)
ذلك فى كل يوم بين عساكر الإسلام وبين فرنج رودس أياما كثيرة، ومدينة رودس لا تزداد إلا قوة. فعند ذلك أجمع المسلمون على العود، وركبوا مراكبهم، وعادوا إلى أن وصلوا إلى ثغر الإسكندرية ودمياط، ثم قدموا إلى القاهرة. فكانت غزوة العام الماضى، أعنى غزوة قشتيل التى أخربوها وسبوا أهلها، أبهج من هذه الغزوة [131] ، فلله «1» الأمر من قبل ومن بعد. وكان وصول الغزاة المذكورين إلى القاهرة، فى يوم الخميس ثانى عشر شهر رجب من سنة ثمان وأربعين المذكورة.
ثم فى يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على الأمير سودون المحمدى أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة قلعة دمشق، بعد نقل الأمير جانبك الناصرى دوادار برسباى الحاجب منها، إلى حجوبية الحجاب بدمشق، بعد موت الأمير سودون النّوروزى.
وفيه استقر الأمير قنصوه النّوروزى الخارج على السلطان، فى نوبة الجكمى، فى نيابة ملطية، بعد عزل الأمير قيزطوغان العلائى، وقدومه إلى حلب، أتابكا بها، عوضا عن الصاحب خليل بن شاهين بحكم عزله ونفيه.
ثم فى يوم السبت رابع شهر رجب، وصل إلى القاهرة الأمير بردبك العجمى الجكمى، نائب حماة، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض، فنهره السلطان، وأمر بالقبض عليه، فأمسك وحبس بالقلعة، ثم سفّر إلى ثغر الإسكندرية فسجن بها؛ وسبب ذلك واقعة كانت بينه وبين أهل حماة، قتل فيها جماعة كبيرة من الحمويين، استوعبناها فى الحوادث «2» [من غير هذا الكتاب] «3» ، ورسم السلطان للأمير قانى باى(15/363)
الأبوبكريّ البهلوان، نائب صفد بنيابة حماة، ونقل الأمير بيغوت المؤيدى الأعرج نائب حمص إلى نيابة صفد.
ثم فى يوم الاثنين سادس شهر رجب المذكور، خلع السلطان على الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى، الذي كان ولى حسبة القاهرة، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، بعد عزل الأمير ألطنبغا المعلم اللّفّاف الظاهرى برقوق، وقدومه إلى القاهرة على إقطاعه، وقد زاده «1» السلطان عدّة زيادات.
ثم فى يوم الخميس خامس عشر شعبان، قدم إلى القاهرة قاصد القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك وفى خدمته نحو المائة نفر، وأتباع كثيرة «2» ، وكان معه أيضا امرأة عجوز من نساء تيمور لنك، قدمت برسم الحج إلى بيت الله الحرام؛ أقامت بدمشق لتتوجه فى الموسم صحبة الركب الشامى، ومع القاصد المذكور كسوة الكعبة التى أرسلها شاه رخ، وكان القاصد الذي قدم فى العام الماضى، استأذن السلطان فى ذلك، واعتذر أن شاه رخ نذر أنه يكسو الكعبة، كما كان ذكر «3» ذلك للملك «4» الأشرف برسباى؛ وكان ذلك سببا لضرب الأشرف لقصّاده والإخراق بهم.
فلما استأذن القاصد الملك الظاهر جقمق، أذن له وعاد القاصد بالجواب إلى شاه رخ، فأرسلها فى هذه السنة، صحبة هذا القاصد المذكور، واعتذر الملك الظاهر بقوله: «إن هذه قربة، ويجوز أن يكسو الكعبة كائن من كان» ؛ وعظم ذلك على أمراء الدولة والمصريين إلى الغاية، ونزل القاصد المذكور فى بيت جمال الدين الأستادّار بين القصرين.(15/364)
فلما كان يوم الاثنين حادى عشر شهر رمضان، طلع قاصد شاه رخ المذكور ورفقته إلى القلعة، وكان السلطان قد احتفل إلى طلوعهم، ونادى أن أحدا من أجناد الحلقة والمماليك السلطانية، لا يتأخر عن طلوع القلعة فى هذا اليوم، وعمل السلطان الخدمة بالحوش من القلعة، ولم تكن العادة بعمل الخدمة إلا فى إيوان القلعة، فأبطل السلطان ذلك وعملها فى الحوش، وطلعوا القصّاد ومعهم التقدمة والكسوة، فأمر السلطان بإدخال ما معهم إلى البحرة لئلا يفطن أحد بالكسوة المذكورة «1» ، وترحّب السلطان بالقصّاد وأكرمهم وقرئ ما على يدهم من المكاتبة، وعادوا إلى جهة منزلهم، إلى أن وصلوا إلى بيت جمال الدين حيث سكنهم، وقد أطلقت الألسن فى حقهم بالوقيعة من العوام «2» والرجم المتتابع إلى البيت المذكور.
وحال دخولهم إلى البيت، نزل خلفهم فى الوقت من المماليك السلطانية الذين «3» بأطباق القلعة، مقدار ثلاثمائة مملوك، وانضاف «4» إليهم جماعة كبيرة من المماليك البطّالين والعوام، وكبسوا على القصّاد المذكورين، ونهبوا جميع ما كان لهم، وكان شيئا كثيرا إلى الغاية، وأفحشوا فى النهب حتى أخذوا خيولهم، وكان قيمة ما نهب لهم من الفصوص الفيروزج الكرمانى والشقق الحرير والمخمّل والمسك وأنواع الفرو وغير ذلك نيّف «5» على عشرين ألف [132] دينار وأكثر، ولولا أن الأمير يلخجا الرأس نوبة الثانى، كان سكنه بالقرب منهم، فركب فى الحال بمماليكه ونجدهم، ومنع الناس من نهبهم، ثم وصل إليهم الأمير إينال العلائى الدوادار الكبير، ثم الأمير تنبك حاجب الحجاب، وأمسكوا جماعة من العامة، وأخذوا ما كان معهم مما نهبوه، وإلا كان الأمر أعظم من ذلك.
ولما بلغ السلطان الخبر، غضب غضبا شديدا، وأمسك جماعة من العامة، وضربهم(15/365)
بالمقارع، وأبدع فيهم، وقطع أرزاق بعض المماليك السلطانية من الخدامة وأولاد الناس، ثم أعطى السلطان القصّاد شيئا كثيرا، وطيّب خواطرهم- انتهى.
ثم فى أواخر شهر رمضان المذكور، نفى السلطان الأمير أقطوه الموساوى الظاهرى [برقوق] «1» ، أحد أمراء الطبلخاناة إلى طرسوس، ثم شفع فيه فتوجّه إلى دمشق بطالا.
ثم [فى شوال] «2» ورد الخبر على السلطان بنصرة مراد بك بن عثمان متملّك بلاد الروم على بنى الأصفر «3» .
وفى هذه السنة، أبطل السلطان الرمّاحة الذين يلعبون بالرمح يوم دوران المحمل فى شهر رجب.
ثم فى يوم الاثنين، استقر محبّ الدين محمد بن الشّحنة الحنفى «4» قاضى قضاة حلب وكاتب سرها، وناظر الجيش بها، بسفارة الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخاص [الشريف] «5» .(15/366)
ثم فى يوم الخميس خامس عشرين ذى القعدة، قدم الزينى عبد الباسط من دمشق إلى القاهرة، وهذه قدمته الثانية من يوم عزل وصودر، وطلع إلى السلطان فى يوم السبت سابع عشرينه، [و] «1» خلع عليه كاملية بفرو سمّور، ثم قدم هديته إلى السلطان فى يوم الاثنين تاسع عشرينه، وكانت تشتمل على شىء كثير مع مبلغ «2» كبير من الذهب.
[ما وقع من الحوادث سنة 849]
ثم فى يوم الخميس سادس عشر ذى الحجة خرجت تجريدة إلى البحيرة، ومقدم العسكر الأمير قراخجا الحسنى، الأمير آخور الكبير ومعه ستة من الأمراء.
ثم فى يوم الخميس رابع عشر محرم سنة تسع وأربعين وثمانمائة استقر الشيخ شمس الدين محمد القاياتى قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية، وصرف الحافظ شهاب الدين أحمد «3» بن حجر، ونزل «4» القاياتى بغير خلعة تورعا، وعليه طيلسانه، وبين يديه أعيان الدولة، ولما نزل إلى الصالحية «5» لم يسمع الدعوى التى يدعيها بعض الرسل، وقال هذه حيلة، ثم قام وتوجّه إلى داره، وفى ظن كل أحد أنه سيسير فى القضاء على قاعدة السلف، لما عهدوا من تقشفه وتعففه، فوقع بخلاف ما كان فى الظن «6» ، ومال إلى المنصب، وراعى «7» الأكابر، وأكثر من النواب، وظهر منه الميل الكلى إلى الوظيفة، حتى [لعله] «8» لو عزل منها لمات أسفا عليها.(15/367)
ثم فى يوم الاثنين ثامن عشر المحرم المذكور خلع السلطان على الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى الرأس نوبة الثانى، باستقراره فى نيابة غزة، بعد موت الأمير طوخ الأبوبكريّ المؤيّدى قتيلا بيد العشير.
ثم فى يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على الأمير شادبك الجكمى، أحد مقدمى الألوف، باستقراره فى نيابة حماة، عوضا عن قانى باى البهلوان بحكم انتقاله إلى نيابة حلب، بحكم عزل قانى باى الحمزاوى عنها، وقدومه إلى مصر، على إقطاع شاد بك المذكور.
ثم فى يوم الخميس خامس عشر جماد الأول من سنة تسع وأربعين المذكورة، رسم السلطان بنفى الأمير على باى العجمى المؤيدى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، إلى صفد ثم حوّل إلى دمشق بطالا، وأنعم بإمرته على الأمير جانبك اليشبكى الساقى والى القاهرة، وأنعم بإقطاع جانبك المذكور على جماعة من الخاصكية الأشرفية، ممن كان نفى فى أول الدولة بدمشق وغيرها.
ثم فى يوم الاثنين رابع عشرين جماد الآخر؛ وصل الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب، إلى القاهرة، وقبّل الأرض، واستقر من جملة مقدمى الألوف بها، وكان الكلام قد كثر فى أمره، وأشيع بعصيانه.
وفى هذا الشهر ندب السلطان مملوكه جانبك الظاهرى، الخاصّكى، إلى التكلم على بندر جدّة، وهذه أول سفرة سافرها جانبك المذكور، ومبدأ أمره فى التكلم على بند جدّة إلى يومنا هذا. وكان من خبر استمراره على التكلم فى البندر المذكور، أن السلطان كان فى كل سنة يندب للتكلم على البندر أحدا من الأمراء أو أعيان الخاصّكية، فيتوجه المذكور ثم يعود إلى القاهرة، وقد تغير خاطر السلطان عليه لأمور شتى «1» ، فيعزله السلطان على أقبح وجه، ومنهم من يصادره ويأخذ «2» منه الأموال(15/368)
الكثيرة، ومنهم من ينفى، ومنهم من يرسم عليه ويبهدل، وقلّ من يسلم «1» [133] من ذلك. وقد وقع ذلك لجماعة كثيرة من الدولة الأشرفية [برسباى] «2» إلى يوم تاريخه.
فلما ولى جانبك هذا، باشر البندر المذكور بمعرفة وحذق مع المهابة ووفور العقل «3» والحرمة ونفوذ الكلمة، ونهض بما لم ينهض به غيره ممن تقدمه. وأنا أقول:
ولا ممن تأخر عنه إلى يوم القيامة، على ما سيأتى بيان ذلك فى مواطن كثيرة من هذه الترجمة وغيرها؛ وقد استوعبنا حاله فى تاريخنا «المنهل الصافى» بأوسع من «4» هذا، وأيضا ذكرنا أموره مفصّلا، فى تاريخنا «الحوادث» عند ذهابه إلى جدة وإيابه، وما يقع له بها فى الغالب- انتهى.
ثم فى يوم الخميس ثالث شعبان، خلع السلطان على الأمير إينال العلائى الدّوادار الكبير، باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد موت الأمير الكبير يشبك السودونى المشدّ؛ قلت: وفى تولية إينال هذا للأتابكية فى يوم ثالث الشهر، رد على من يتشاءم بالحركة فى يوم ثالث الشهر، فإنه نقل من هذه الوظيفة إلى السلطنة، فأى شؤم وقع له فى ولايته؟ - انتهى.
ثم خلع السلطان على الأمير قانى باى الجاركسى شادّ الشّراب خاناه باستقراره دوادارا كبيرا، عوضا عن إينال المذكور، وأنعم بإقطاع الأمير إينال المذكور على الشهابى أحمد بن على بن إينال اليوسفى، وصار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية.
وخلع السلطان على الأمير يونس السيفى آقباى، باستقراره شادّ الشراب خاناة، عوضا عن قانى باى الجاركسى، واستمر على إقطاعه إمرة عشرة، ووقع بسبب تولية الأمير إينال المذكور للأتابكية، كلام كثير فى الباطن، لكون السلطان قدّمه على الأمير(15/369)
تمراز القرمشى أمير سلاح، وجرباش الكريمى أمير مجلس، وقراخجا الحسنى الأمير آخور الكبير؛ وهؤلاء الثلاثة من أكابر المماليك البرقوقية، ووظائفهم أيضا تقتضى الانتقال منها إلى الأتابكية، بخلاف وظيفة الدوادارية. وبلغ السلطان ذلك، أو فطن به، فلما كان يوم السبت خامسه، نزل من قلعة الجبل إلى خليج الزعفران، وصحبته جميع الأمراء إلى مخيم ضرب له به، وجلس فيه وأكل السماط، ودام هناك إلى قريب الظهر، ثم ركب وعاد إلى القلعة. وكان قصد [الملك] «1» الظاهر بالنزول إلى خليج الزعفران فى هذا اليوم، استخفافا بالقوم، لأنهم أشاعوا أن جماعة تريد الركوب، فكأنه قال لهم بلسان حاله: «ها قد نزلت من القلعة بخليج الزعفران، من كان له غرض فى شىء فليفعله» ، فلم يتحرك ساكن وانقمع كل أحد، فكانت هذه الفعلة من أحسن أفعاله وأعظمها.
ثم فى يوم الخميس سابع عشر شهر شعبان «2» المذكور، خلع السلطان على الأمير الكبير إينال المذكور، خلعة نظر البيمارستان المنصورى، وخلع على قانى باى الجاركسى خلعة الأنظار «3» المتعلقة بالدّوادارية «4» .
ثم فى يوم السبت سابع عشر شوال «5» برز أمير حاجّ المحمل، الأمير دولات باى المحمودى المؤيدى الدوادار الثانى، بالمحمل إلى بركة الحاج «6» على العادة، وأمير الركب الأول تمربغا الظاهرى «7» .(15/370)
[ما وقع من الحوادث سنة 850]
ثم فى يوم الخميس ثالث المحرم سنة خمسين وثمانمائة، خلع السلطان على الصاحب خليل بن شاهين، المعزول عن نيابة ملطية قبل تاريخه، باستقراره فى نيابة القدس، عوضا عن طوغان العثمانى، بحكم توجهه حاجب حجاب حلب، بعد موت قانى باى الجكمى. وفيه استقر القاضى برهان الدين إبراهيم بن الديرى، فى نظر الجوالى مضافا لما بيده من نظر الإسطبلات السلطانية، عوضا عن ابن المحرّقى، بعد عزله.
ثم فى يوم الاثنين خامس صفر، أعيد قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر، للقضاء، بعد موت قاضى القضاة شمس الدين القاياتى.
ثم فى يوم الثلاثاء سادس صفر أيضا، استقر القاضى ولىّ الدين السفطى، فى تدريس المدرسة الصلاحية بقبة الشافعى عوضا عن القاياتى.
ثم فى يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول من سنة خمسين المذكورة، قدم إلى القاهرة الشريف محمد بن الشريف بركات بن حسن بن عجلان، ومعه تقدمة من عند أبيه، ما بين خيول وغيرها؛ وأقام بالقاهرة إلى سلخ الشهر المذكور، وعاد إلى مكة، وقد أعطاه السلطان أمانا لأبيه بركات، ووعده بكل خير من ولاية مكة وغير ذلك.
ثم فى يوم الاثنين أول شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على ولى الدين السفطى، باستقراره [134] فى نظر البيمارستان المنصورى، عوضا عن القاضى محب الدين بن الأشقر ناظر الجيش، بحكم عزله عنها؛ وسار السفطى فى النظر المذكور، سيرة سيئة، وهو أنه صار يأخذ مالا يستحقه، ويدفعه لمن لا يستحقه، وحسابه على الله.
وفيه استقر أسنبغا مملوك ابن كلبك شادّ الشّون السلطانية، فى نيابة بعلبك، ولم يقع ذلك «1» [فيما تقدم] «2» . والعادة أن نائب دمشق، هو الذي يستقر بمن يختاره من(15/371)
مماليكه فى نيابة بعلبك، هذا فى هذا الزمان، وأما الوالد فإنه ولى فى نيابته على دمشق، نيابة القدس والرملة.
ثم فى أواخر جمادى الأولى، توغر خاطر السلطان على الأمير شاد بك الجكمى نائب حماة، وعزله عن نيابة حماة، وولّى عوضه الأمير يشبك من جانبك المؤيدى الصوفى أحد أمراء الألوف بحلب، وكان السلطان نفى يشبك المذكور من مصر، ثم أنعم عليه بإمرة بحلب، وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على خجداشه الأمير على باى العجمى المنفى أيضا، قبل تاريخه إلى دمشق؛ ورسم لشادّ بك المذكور، أن يتوجه إلى القدس بطّالا، وحمل تقليد يشبك المذكور بنيابة حماة، وتشريفه، الأمير تمربغا الظاهرى أحد أمراء العشرات.
وفى هذا الشهر، رسم السلطان بإطلاق جماعة من المماليك الأشرفية، ممن كان حبسهم فى أول دولته بالبلاد الشامية «1» ؛ ورسم بقدومهم إلى القاهرة.
ثم فى يوم الخميس سابع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل، الأمير سونجبغا اليونسى الناصرى [فرج] «2» أحد أمراء العشرات «3» ورأس نوبة، بالمحمل إلى بركة الحاج، وأمير الركب الأول الأمير سمام الحسنى الظاهرى برقوق أحد أمراء العشرات، وسافرت فى هذه السنة إلى الحجاز، زوجة السلطان الملك الظاهر جقمق، خوند مغل بنت [القاضى ناصر الدين بن] «4» البارزى، ومعها أيضا زوجة السلطان بنت ابن دلغادر، وحجّ فى هذه السنة أيضا القاضى كمال الدين بن البارزى كاتب السر [الشريف] «5» ، صحبة أخته خوند المذكورة «6» ، فى الركب الأول، وسافر كمال الدين [المذكور] بتجمل كبير، وفعل فى سفرته من الخيرات والإحسان لأهل مكة ما سيذكر إلى الأبد.(15/372)
[ما وقع من الحوادث سنة 851]
ثم فى يوم السبت، أول محرم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، خلع السلطان على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، باستقراره قاضى القضاة الشافعية بالديار المصرية، بعد عزل قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر «1» .
وفيه استقر السيفى آقبردى الساقى الظاهرى جقمق، فى نيابة قلعة حلب، عوضا عن تغرى بردى الجاركسى، بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق، وكان آقبردى المذكور، توجه إلى حلب فى أمر متعلق بالسلطان.
وفيه أنعم السلطان على خليل بن شاهين الشيخى، بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، عوضا عن قيز طوغان، بحكم القبض عليه وحبسه بقلعة دمشق، بسبب ما وقع منه، لما توجّه أمير حاجّ الركب الشامى من إحراقه باب المدينة الشريفة لسبب من الأسباب.
وفيه أيضا استقر الأمير يشبك الحمزاوى دوادار السلطان بحلب، فى نيابة غزة، عوضا عن حطط بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق بطالا؛ وأنعم بإقطاع يشبك الحمزاوى، وهو تقدمة ألف بحلب، على الأمير سودون من سيّدى بك الناصرى المعروف بالقرمانى. وأنعم بإقطاع سودون القرمانى وهو إمرة عشرة، على الأمير على باى [العلائى] «2» الأشرفى [برسباى «3» ] شادّ الشراب خاناة كان.
ثم فى يوم الخميس رابع صفر من سنة إحدى وخمسين، خلع السلطان على مملوكه سنقر الظاهرى، باستقراره أستادار الصحبة، بعد موت أيتمش من أزوباى المؤيدى.
ثم فى يوم الخميس حادى عشر صفر المذكور، رسم السلطان بنفى الأمير «4» تغرى(15/373)
برمش الجلالى الفقيه، نائب قلعة الجبل، إلى القدس بطالا، واستقر الأمير يونس العلائى الناصرى أحد أمراء العشرات، عوضه فى نيابة قلعة الجبل؛ وأنعم بإقطاع تغرى برمش المذكور، على شريكه الأمير جانبك النّوروزى المعروف بنائب بعلبك، زيادة على ما بيده؛ ولبس المقدم ذكره خلعة نيابة القلعة، فى يوم الاثنين خامس عشر صفر.
ثم فى يوم الخميس ثالث شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير برسباى الساقى السيفى تنبك البجاسى، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، بعد عزل الأمير تنم [من عبد الرزاق المؤيدى] «1» عنها وذلك بسفارة [135] عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخاص الشريف. وفيه خلع السلطان على الأمير جانبك النّوروزى المقدم ذكره المعروف بنائب بعلبك، باستقراره أمير المماليك [السلطانية] «2» المجاورين بمكة المشرفة.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين «3» شهر ربيع الأول المذكور، رسم بنقل الأمير برسباى الناصرى، من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، بعد موت الأمير قانى باى الأبوبكريّ الناصرى البهلوان. ورسم بنقل الأمير يشبك المؤيدى الصوفى، من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس، عوضا عن برسباى المذكور، وخلع السلطان على الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدى المعزول عن نيابة الإسكندرية، باستقراره فى نيابة حماة، عوضا عن يشبك الصوفى، رشحه إلى ذلك المقرّ الجمالى ناظر الخواصّ، وحمل إلى برسباى نائب حلب التقليد والتشريف، الأمير جرباش المحمدى الناصرى [فرج] «4» الأمير آخور(15/374)
الثانى المعروف بكرت «1» ؛ وتوجه بتقليد يشبك بنيابة طرابلس، الأمير قراجا الظاهرى الخازندار الكبير، واستقر مسفّر تنم بنيابة حماة، الأمير لاجين الظاهرى الساقى، فصالحه الأمير تنم على عدم سفره صحبته، على ثلاثة آلاف دينار.
ثم فى يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر استقر الأمير سودون السودونى الظاهرى [برقوق] «2» ، من جملة الحجّاب «3» ، وكان سودون المذكور قد ولى الحجوبية الثانية قبل ذلك؛ قلت: درجة إلى أسفل.
ثم فى يوم الخميس خامس عشره، خلع السلطان على القاضى ولىّ الدين السّفطى، باستقراره قاضى قضاة الديار المصرية، بعد عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، مضافا لما بيده من تدريس الشافعى، ونظر البيمارستان، ونظر الكسوة، ووكالة بيت المال، ومشيخة الجمالية «4» ونظرها، وغير ذلك من الوظائف. ومع هذا كله، والبلص عمّال والشحاذة فى كل يوم، من الأمير الكبير، إلى مقدم الجبليّة «5» ، وسار فى القضاء أقبح سيرة، وسلك مع الناس طريقا غير محمودة، من الحطّ على الفقهاء والترسيم عليهم، والإفحاش فى أمرهم، لا سيما ما فعله مع مباشرى الأوقاف.
وفى هذا الشهر خلع السلطان على شخص [من الباعة] «6» يعرف بأبى الخير النحاس شهرة ومكسبا، باستقراره فى وكالة بيت المال، عوضا عن السفطى، وهذا أول خمول السفطى، ومبدأ أمر [أبى الخير] «7» النحاس، وما سيأتى من أمرهما فأعجب.
ولا بد من التعريف بأصل أبى الخير المذكور، وسبب ترقّيه وإن كان فى ذلك(15/375)
نوع إطالة، فيحتمل ذلك لنوع «1» من الأنواع، فنقول: اسمه محمد وكنيته أبو الخير، وبكنيته أشهر، [ابن محمد] «2» بن أحمد بن محمد المصرى الأصل والمولد، الشافعى النحّاس، نشأ تحت كنف والده وحفظ القرآن، وتعلم من والده وجده صناعة عمل النحاس، ومهر فيه، واتخذ له حانوتا بسوق النحاس بخط الشّوّائين «3» بالقرب من دكان أبيه، وأخذ فى حانوته وأعطى حتى صار بينه وبين الناس معاملات ومشاركات، ألجأه ذلك لتحمل الديون، إلى أن عامله الشيخ أبو العباس الوفائى «4» ، وصار له [عليه] «5» جمل مستكثرة من الديون، وكان الستر مسبولا بينهما أولا، ثم وقع بينهما وحشة، [وكان] «6» ذلك هو السبب بوصلة النّحاس هذا بالملك الظاهر [جقمق] «7» ، وهو أن أبا العباس لما ماطله أبو الخير المذكور، أخذ فى الإلحاح عليه فى طلب حقه والدعوى عليه بمجالس الحكام «8» ، والتجرؤ «9» عليه والمبالغة فى إنكائه «10» ، بحيث أنه ادعى عليه مرة عند الأمير سودون السودونى الحاجب، بعد أن أخرجه من السجن محتفظا به، فضربه سودون المذكور، علقتين فى يوم واحد، ودام هذا الأمر بينهما أشهرا، بل وسنين.
وصار أبو العباس لا يرق لفقر أبى الخير «11» وإفلاسه وعدم موجوده، بل يلح فى طلب حقه؛ فعند ذلك أخذ أبو الخير النحاس فى مرافعة أبى العباس المذكور، بأن الذي(15/376)
بيده من المال إنما هو من [جملة] «1» ذخائر الصفوى جوهر القنقبائى الخازندار، وقد بقيت عند أبى العباس بعد موت جوهر، ولا زال أبو الخير يجتهد فى ذلك، إلى أن توصل إلى السلطان، وأنهى فى حق أبى العباس ما تقدم ذكره، وعليه محاققة ذلك وإظهار الحق فى جهته؛ فلما سمع السلطان كلامه مال إليه وقال له: قد وكلتك فى طلب الحق من أبى العباس.
[136] فنزل أبو الخير فى الحال من بين يدى السلطان، وقد صار مطالبا بعد ما كان مطلوبا، وادعى على أبى العباس المذكور بدعاو كثيرة، يطول الشرح فى ذكرها؛ وخدمه السعد فى إظهار بعض موجود جوهر من عند أبى العباس المذكور، فحسن ذلك ببال السلطان، ونبل أبو الخير فى عين السلطان، ووكله بعد مدة فى جميع أموره؛ كل ذلك فى سنة ست وأربعين وثمانمائة، وتردد [أبو الخير] «2» النحاس إلى السلطان، وحسن حاله من لبس القماش النظيف وركوب الحمار، واكتسى كسوة جيدة، كل ذلك وأبو الخير يلح فى طلب المال من أبى العباس، ثم التفت إلى غير ذلك مما يعود نفعه على السلطان، وبقى بسبب ذلك يكثر الطلوع إلى القلعة، وصار يتقرب إلى السلطان بهذه الأنواع؛ فمشى أمره وظهر عند العامة اسمه «3» ؛ واستمر على ذلك إلى سنة ثمان وأربعين، فركب فرسا من غير لبس خفّ ولا مهماز، وصار يطلع إلى القلعة فى كل يوم مرة بعد نزول أرباب الدولة من الخدمة، ويتقاضى أشغال السلطنة.
كل ذلك وأعيان الدولة لا تلتفت إليه، ولا يعاكسه أحد فيما يرومه، لعدم اكتراثهم به وإهمالهم أمره، لوضاعته لا لجلالته؛ فاستفحل أمره بهذه الفعلة، وطالت يده فى الدولة، فأول ما بدأ به أخذ فى معارضة السفطى، وساعده فى ذلك سوء سيرة السفطى وملل السلطان منه، فولىّ عنه وكالة بيت المال، ثم أخذ أمره يتزايد بعد(15/377)
ذلك، على ما سيأتى ذكره مفصلا. وقد استوعبنا حاله فى تاريخنا «المنهل الصافى» بأطول من هذا إذ هو كتاب تراجم لا غير، [وأما أمره فى تاريخنا «حوادث الدهور» فهو مفصّل باليوم والساعة من أول أمره إلى آخره «1» - انتهى] » .
ثم فى يوم السبت أول جمادى الأولى، برز المرسوم الشريف باستقرار خير بك الأجرود المؤيدى، أحد مقدمى الألوف بدمشق، فى أتابكية دمشق، بعد موت الأمير إينال الششمانى الناصرى، وأنعم السلطان بإقطاع خير بك المذكور، على الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى، أحد أمراء العشرات [ورأس نوبة] «3» بالقاهرة، أعنى «4» الملك الظاهر خشقدم عز نصره «5» .
ثم فى يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة، خلع السلطان على الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، ناظر الدولة باستقراره فى الوزارة عوضا عن الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ «6» ، بحكم طول مرضه، وهذه ولاية الصاحب أمين الدين الثانية للوزر.
ثم فى يوم الاثنين سابع عشرين [شهر] رجب، برز المرسوم الشريف، على يد الأمير إينال أخى قشتم المؤيدى، باستقرار الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى نائب حماة، فى نيابة حلب، عوضا عن الأمير برسباى الناصرى، بحكم استعفائه عن نيابة حلب، لطول لزومه الفراش. ورسم أيضا بنقل الأمير بيغوت، من صفر خجا المؤيدى الأعرج نائب صفد إلى نيابة حماة، عوضا عن تنم المذكور، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يلبغا الجاركسى أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة؛ ورسم باستقرار الأمير يشبك الحمزاوى نائب غزة، فى نيابة صفد؛ ورسم باستقرار طوغان(15/378)
العثمانى حاجب الحجاب بحلب، فى نيابة غزة، عوضا عن يشبك الحمزاوى، واستقر فى حجوبية حلب الأمير جانبك المؤيدى المعروف بشيخ، أحد أمراء طرابلس.
ثم فى يوم الخميس أول شعبان، قدم الشريف بركات بن حسن بن عجلان، ونزل الملك الظاهر [جقمق] «1» إلى لقائه بمطعم الطيور بالرّيدانية، خارج القاهرة، وبالغ السلطان فى إكرام بركات المذكور، وقام إليه ومشى له خطوات، وأجلسه بجانبه، ثم خلع عليه، وقيّد له فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش، وركب مع السلطان، وسار إلى قريب قلعة الجبل، فرسم له السلطان بالعود إلى محلّ أنزله به، وهو مكان أخلاه له المقرّ الجمالى «2» ناظر الخواص، ورتب له الرواتب الهائلة، وقام الجمالىّ المذكور بجميع ما يحتاج إليه بركات، من الكلف والخدم السلطانية وغيرها، وكان أيضا هو القائم بأمره، إلى أن أعاده إلى إمرة مكة [137] والسّفير بينهما [الخواجا] «3» شرف الدين موسى التتائى «4» [الأنصارى] «5» التاجر.
ثم فى يوم الخميس سابع شهر رمضان، خلع السلطان على الأمير بيسق اليشبكى، أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة دمياط، بعد عزل الأمير بتخاص «6» العثمانى الظاهرى برقوق.
ثم فى يوم الخميس رابع عشره، خلع السلطان على أبى الخير النحاس المقدم ذكره، باستقراره فى نظر الجوالى، عوضا عن برهان الدين بن الديرى.
ثم فى يوم الخميس خامس شوال، خلع السلطان على الأمير تمراز من بكتمر المؤيدى المصارع، أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة القدس، بعد عزل خشقدم السيفى سودون من عبد الرحمن.
ثم فى يوم الاثنين أول ذى القعدة، أنعم السلطان أسنباى الجمالى الظاهرى جقمق(15/379)
الساقى، بإمرة عشرة، بعد موت إينال أخى قشتم، وأنعم بوظيفة أسنباى السقاية على جانم الظاهرى جقمق.
ثم فى يوم الأربعاء ثالثه، برز الأمر [الشريف] «1» بحبس الأميرين المقيمين بالقدس الشريف، وهما: شادّ بك الجكمى المعزول عن نيابة حماة، وإينال الأبوبكريّ الأشرفى، فحبسا بقلعة صفد.
ثم فى يوم الاثنين ثامن ذى القعدة، استقر شاهين الظاهرى ساقيا، عوضا عن جكم قلق سيز بحكم تغير خاطر السلطان عليه.
[ما وقع من الحوادث سنة 852]
ثم فى محرم سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة رسم السلطان للأمير يشبك طاز المؤيدى أحد أمراء دمشق، بحجوبية طرابلس عوضا عن يشبك النوروزى.
ثم فى يوم الأربعاء حادى عشرين المحرم، وصل الركب الأول من الحاج، صحبة الأمير الطّواشى عبد اللطيف المنجكى ثم العثمانى، مقدم المماليك السلطانية، وأصبح قدم من الغد أمير حاج المحمل الأمير تنبك البردبكى حاجب الحجاب بالمحمل.
ثم فى يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم [المذكور] «2» رسم السلطان بنفى الأمير قراجا العمرى الناصرى، أحد المقدمين بدمشق، إلى سيس «3» ، وأنعم بتقدمته على الأمير مازى الظاهرى [برقوق] «4» نائب الكرك كان.(15/380)
ثم فى يوم الخميس ثامن عشرين صفر، رسم بإطلاق قيزطوغان من محبسه بقلعة دمشق، بشفاعة الأمير جلبان نائب دمشق. وفيه أيضا رسم بمجيء كسباى الدّوادار المؤيدى المجنون، من طرابلس إلى القاهرة، بشفاعة جرباش قاشق.
ثم فى يوم الأحد أول شهر ربيع الأول، رسم السلطان بتبقية الأمير قيزطوغان فى الحبس، وردّت المراسيم التى كانت كتبت بإطلاقه بواسطة زين الدين يحيى الأشقر الأستادار.
ثم فى يوم الاثنين ثانى ربيع الأول، عاد الأمير جلبان إلى محل كفالته بدمشق.
ثم فى يوم الثلاثاء ثالثه، عزل السلطان الأمير عبد اللطيف [زين الدين] «1» الطواشى «2» [العثمانى] «3» عن تقدمة المماليك السلطانية، وخلع على الطواشى جوهر النوروزى نائب مقدم المماليك باستقراره فى تقدمة المماليك عوضا عن عبد اللطيف المذكور. ثم «4» فى يوم الخميس خامسه، استقر عوضه نائب مقدم المماليك مرجان العادلى [المحمودى] «5» .
ثم فى يوم السبت حادى عشرينه، استقر أبو الخير النحاس فى نظر الكسوة، عوضا عن السفطى؛ ثم فى يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر، عزل السلطان السفطىّ عن قضاء الديار المصرية.
ثم فى يوم الخميس رابعه، استقر برهان الدين إبراهيم بن ظهير، فى نظر الإسطبل السلطانى، عوضا عن برهان الدين إبراهيم بن «6» الديرى «7» . وفيه ولى الشيخ [شرف الدين] «8» يحيى المناوى، تدريس قبة الشافعى، عوضا عن السفطى.(15/381)
وفى يوم السبت سادسه، نكب شمس الدين محمد الكاتب، وعزّر وامتحن حسبما ذكرناه فى الحوادث مفصلا.
ثم فى يوم الأحد سابع شهر ربيع الآخر، أعيد قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر إلى القضاء، بعد عزل السفطى، واستقر أيضا فى مشيخة الخانقاه البيبرسية، على عادته، ولبس خلعتهما من الغد فى يوم الاثنين.
ثم فى يوم الخميس حادى عشره، استقر أبو الخير النحاس ناظر البيمارستان المنصورى عوضا عن السفطى. ثم فى يوم [138] الاثنين لبس السفطى كاملية خضراء «1» بسمّور، بعد أن حمّل مبلغ خمسة آلاف دينار وخمسمائة دينار، بسبب أنه ادّعى [عليه] «2» أنه تناولها من وقف الكسوة.
ثم فى يوم الاثنين ثانى عشرين ربيع الآخر المذكور، عزل الأمير تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع عن نيابة القدس.
وفى هذا الشهر طلق السلطان زوجته خوند الكبرى مغل بنت البارزى.
ثم فى يوم الاثنين سابع عشرين جمادى الأولى المذكور «3» خلع السلطان على الأمير قانى باى الحمزاوى، أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، باستقراره فى نيابة حلب، ثانيا بعد عزل الأمير تنم المؤيدى عنها، وقدومه إلى القاهرة، على إقطاع قانى باى [الحمزاوى] «4» المذكور؛ واستقر يونس العلائى الناصرى نائب قلعة الجبل، مسفّر قانى باى، فصالحه السلطان عنه، بمبلغ كبير من الذهب؛ لقلة موجود قانى باى [المذكور] «5» .
وفيه استقر الأمير بيسق اليشبكى أحد أمراء العشرات بالقاهرة، فى نيابة قلعة(15/382)
دمشق، بعد موت شاهين الطّوغانى، وفرّق السلطان إقطاع بيسق، على كسباى المجنون المؤيدى وغيره، بواسطة المقر الجمالى ناظر الخواص الشريفة.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشره، برز الأمير قانى باى الحمزاوى، إلى محل كفالته بحلب.
ثم فى يوم الأحد رابع عشرين جمادى الآخرة، أمر السلطان بنفى الأمير تمراز المصارع المعزول عن نيابة القدس، إلى دمشق، ثم شفع فيه وأعيد بعد أيام، بعد أن أخرج السلطان إقطاعه إلى أزبك من «1» ططخ الساقى الظاهرى «2» ، والإقطاع إمرة عشرة؛ واستقر خشقدم السيفى سودون من عبد الرحمن فى نيابة القدس، عوضا عن تمراز المذكور، واستقر إينال الظاهرى الخاصّكى ساقيا، عوضا عن أزبك من ططخ» .
ثم فى يوم الاثنين خامس عشرين جمادى الآخرة المذكور، عزل الحافظ شهاب الدين بن حجر نفسه عن قضاء الشافعية، ولم يلها بعد ذلك، إلى أن مات. وخلع السلطان فى يوم الثلاثاء سادس عشرينه، على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، وأعيد إلى قضاء الديار المصرية عوضا عن ابن حجر [المذكور] «4» .(15/383)
ثم فى يوم الاثنين ثالث شهر رجب، رسم السلطان بإطلاق إينال الأبوبكريّ من حبس صفد، وتوجّهه إلى القدس بطالا.
ثم فى يوم الأربعاء خامس [شهر] «1» رجب، منع ولى الدين السفطى من طلوع القلعة، والاجتماع بالسلطان؛ ثم رسم بتوجهه إلى بيت قاضى القضاة الحنفى، للدعوة عليه، فتوجه وادعى عليه جماعة، بحقوق كثيرة، فحلف عن بعضها ثلاثة «2» أيمان، واعترف بالبعض، ثم نقل إلى القاضى المالكى، وادّعى عليه أيضا بدين فصالح المدعى على ثلثمائة دينار.
ثم رسم السلطان بمنع اليهود والنصارى من طب أبدان المسلمين.
ثم عزل السفطى عن مشيخة المدرسة الجماليّة، ودرس التفسير بها. ثم فى يوم ثالث عشرينه، رسم بمجيء السفطى إلى بيت قاضى القضاة علم الدين [صالح] «3» البلقينى الشافعى ليدعى عليه الزينى قاسم المؤذى الكاشف، بسبب حمامه التى بباب الخرق «4» ، وكان السفطى اشتراها منه فى أيام عزه، فحضر السفطى إلى مجلس القاضى، وادعى عليه قاسم، بأنه «5» كان أوقفها قبل بيعها، وأن الشراء لم يصادف محلا، وأنه أكرهه «6» على تعاطى البيع، وخرج قاسم لإثبات ذلك، ولما خرج السفطى من بيت القاضى، عارضه شخص آخر وأمسكه من طوقه وعاد به إلى مجلس القاضى، وادعى عليه أنه غصب منه خشبا وغيره، فأنكر السفطى، فطلب تحليفه والتغليظ عليه، فصالحه على شىء، ومضى إلى داره؛ وأخذ فى السعى إلى أن أعاده السلطان إلى مشيخة الجمالية على عادته.
ثم فى يوم الخميس سابع عشرين [شهر] «7» رجب، أمر السلطان ناصر الدين محمد بن(15/384)
أبى الفرج، نقب الجيش، أن يأخذ السفطى، ويمضى به إلى بيت قاضى القضاة الشافعى، ثانيا، لسماع بيّنة الإكراه منه لقاسم الكاشف، فتوجّه السفطى وسمع ذلك، وذكر أن له دافعا «1» وخرج ليبديه، فبلّغ بعض أعداء السفطى السلطان أنه يمتنع من التوجه إلى الشرع، ووغّر خاطر السلطان عليه، فأمر السلطان قانى بك السيفى يشبك ابن أزدمر [139] أحد الدوادارية، فى يوم الأحد سلخ [شهر] «2» رجب، أن يتوجه إلى السفطى ويأخذه ويمضى به إلى حبس المقشرة «3» ، ويحبسه به مع أرباب الجرائم، فتوجه إليه قانى بك المذكور، وحبسه بالمقشرة، وقد انطلقت الألسن بالوقيعة فى حقه، ولولا رفق قانى بك به لقتلته «4» العامة فى الطريق. ومن لطيف ما وقع للسفطى، أنه لما حبس بسجن المقشرة، دخل إليه بعض الناس، وكلمه بسبب شىء من تعلقاته، وخاطبه الرجل المذكور «5» بيامولانا قاضى القضاة، فصاح السفطى بأعلى صوته:
«تقول لى قاضى القضاة! أما تقول: يالص يا حرامى يا مقشراوى!» فقال له الرجل:
«يالص يا حرامى يا مقشراوى!» .
ثم فى يوم الاثنين أول شعبان، وصل الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى المعزول عن نيابة حلب، وطلع إلى السلطان، وقبّل الأرض، فأكرمه السلطان وخلع عليه، وأجلسه تحت أمير مجلس جرباش الكريمى، وأنعم عليه بإقطاع قانى باى الحمزاوى، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش؛ كل ذلك بعناية عظيم الدولة الصاحب جمال الدين ناظر الخاص لصحبة كانت بينهما.
وفى هذا اليوم، أخرج ولىّ الدين السفطى من سجن المقشرة، وذهب ماشيا من(15/385)
السجن إلى بيت قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى ثم توجّه منه راكبا إلى المدرسة الصالحية، وحضر قاضى القضاة أيضا بالصالحية، فلم ينفصل له أمر، وأطلق من الغد من الترسيم.
ثم فى يوم الاثنين ثامن شعبان، رسم السلطان لقاضى القضاة بدر الدين [محمد] «1» ابن عبد المنعم البغدادى الحنبلى، بطلب السفطى، وسماع الدعوى عليه والترسيم عليه، بسبب الحمّامين والفرن والدكاكين بحارة زويلة، فإنه ظهر أنهم كانوا فى جملة وقف الطّيبرسية، فتجمّل القاضى الحنبلى فى حق السفطى، فلم يعجب ذلك أعداءه، وعرّفوا السلطان بذلك، فرسم فى يوم السبت ثالث عشر شعبان بتوجهه إلى حبس المقشرة ثانيا، بسبب الدكاكين والحمامين التى بحارة زويلة، ثم شفع فيه.
ثم فى يوم السبت سابع عشرين شعبان ادّعى على القاضى ولى الدين السفطى، بمجلس القاضى ناصر الدين بن المخلّطة المالكى، بحضور قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى، بسبب الحمّامين وما معهما، وخرج على الأعذار.
ثم فى يوم الأربعاء أول شهر رمضان، حضر السفطى وغرماؤه «2» ، والقاضى ناصر الدين بن المخلطة عند قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى، وانفصل المجلس أيضا على غير طائل، وادعى السفطى أن السلطان رسم بأن لا يدّعى عليه عند ابن المخلطة، وكان ذلك غير صحيح، فلم يسمع له ذلك، ولا زال الحنبلى يعتنى به، حتى صالح جهة وقف طيبرس، بألف دينار. ثم فى يوم السبت خلع السلطان على السفطى كاملية بفرو سمّور، بعد أن حمّل أربعة آلاف دينار.
ثم فى يوم الجمعة ثالث [شهر] «3» رمضان، أنعم السلطان على مملوكه سنقر الخاصّكى، المعروف بالجعيدى، بإمرة عشرة، بعد موت الأمير صرغتمش القلمطاوى،(15/386)
زيادة على ما بيده من حصة بشبين «1» القصر.
ثم فى يوم السبت سابع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل الأمير سونجبغا اليونسى بالمحمل، وأمير الركب الأول الأمير قانم المؤيدى التاجر.
ثم فى يوم الاثنين عشرين شهر رمضان، خرج الأمير جانبك الظاهرى، المتكلم على بندر جدّة، إليها بمماليكه وحواشيه على عادته فى كل سنة.
ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة استقر الأمير خير بك النّوروزى، حاجب صفد فى نيابة غزة، بعد عزل طوغان العثمانى عنها، وذلك بمال كبير بذله له فى ذلك، لوضاعة خير بك المذكور فى الدولة.
واستهل ذو «2» الحجة أوله الأحد، فيه ظهر الطاعون فى الديار المصرية وأخذ فى التزايد.
وفى يوم الخميس خامس ذى الحجة، استقر [علاء الدين] «3» على بن إسكندر ابن أخى زوجة كمشبغا الفيسى، معلم السلطان، على العمائر، عوضا عن [الناصر] «4» محمد ابن حسين بن الطولونى، بحكم وفاته.
ثم فى يوم السبت حادى عشرينه [140] ، استقر الحكيم ابن العفيف الشهير بقوالح «5» ، أحد مضحكى المقر الجمالى ناظر الخواص، بسفارته فى رئاسة الطب والكحل بمفرده.(15/387)
ثم فى يوم الأحد ثانى عشرين ذى الحجة المذكور، استقر علاء الدين على بن محمد ابن آقبرس، فى حسبة القاهرة، عوضا عن يرعلى الخراسانى، بمال بذله فى ذلك، وكان أصل ابن آقبرس هذا عنبريّا «1» بسوق العنبر، فى حانوت، ثم اشتغل بالعلم، وتردد الأكابر، واتصل بالملك الظاهر جقمق فى أيام إمرته، وناب فى الحكم عن القضاة الشافعية، إلى أن تسلطن [الملك] «2» الظاهر جقمق، فصار «3» ابن آقبرس هذا من ندمائه، وولى نظر الأوقاف وعدة وظائف أخر، وكان أيضا من جملة مبغضى السفطى وممن يعيب عليه أفعاله القبيحة من البلص والطلب من الناس، وسمّاه «الهلب» ؛ على أن ابن آقبرس أيضا كان من مقولة [السفطى] «4» وزيادة.
[ما وقع من الحوادث سنة 853]
ثم فى يوم الخميس حادى عشر محرم سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة ضربت رقبة أسد الدين الكيماوى، بمقتضى الشرع، بعد أمور وقعت له «5» ، ذكرناها مفصلا فى تاريخنا «حوادث الدهور [فى مدى الأيام والشهور] » «6» .
وفى هذا الشهر، تشاكى الأمير تمراز المؤيدى نائب القدس كان، وناظر القدس(15/388)
عبد الرحمن بن الديرى، فمال السلطان على ابن الديرى وبهدله، فأمر به فجعل فى عنقه جنزير، إلى أن شفع فيه عظيم الدولة الجمالىّ ناظر الخواص الشريفة «1» .
ثم فى يوم السبت ثالث عشره، توجه تمراز المذكور «2» ، وعبد الرحمن [ابن الديرى] «3» وأبو الخير النحاس، إلى بيت ناظر الخاص المذكور، وجلسوا بين يديه إلى أن أصلح بينهما، وأنعم على كل منهما بفرس مسروج، وأنعم على أبى الخير بشىء، فقبّل الثلاثة يده وخرجوا من عنده، وأبو الخير يوم ذاك فى تنبوك»
عزه «5» وعظم تعاظمه على جميع أرباب الدولة، إلا الصاحب جمال الدين [هذا] «6» فإنه معه على حالته الأولى إلى الآن.
[هذا] «7» وقد فشا أمر الطاعون بالقاهرة وتزايد، ثم أهلّ صفر من سنة ثلاث وخمسين، يوم الأربعاء، فيه عظم الطاعون، ومات فى هذا الشهر جماعة كبيرة من الأمراء، وأعيان الدولة، على ما سيأتى ذكره فى الوفيات من هذا الكتاب.
ثم فى يوم الأحد ثانى عشر صفر، أعيد القاضى برهان الدين إبراهيم بن الديرى إلى نظر الإسطبل السلطانى، بعد موت برهان الدين بن ظهير.
وفى يوم الاثنين ثالث عشره استقر الأمير جرباش الكريمى الظاهرى أمير مجلس، أمير سلاح «8» ، بعد موت الأمير تمراز القرمشى الظاهرى؛ وفيه أيضا استقر الأمير تنم المعزول عن نيابة حلب، أمير مجلس، عوضا عن جرباش المذكور؛ وفيه أنعم(15/389)
السلطان على الأمير دولات باى المحمودى المؤيدى الدّوادار الثانى، بإمرة مائة وتقدمة ألف، بعد موت تمراز القرمشى، وصار من جملة أمراء الألوف؛ وأنعم بإقطاعه على الأمير يونس الأقبائى «1» شادّ الشراب خاناه، والإقطاع إمرة طبلخاناه، وأنعم بإقطاع يونس على الأمير «2» [السيفى] «3» جانبك رأس نوبة الجمدارية الظاهرى جقمق، وعلى مغلباى طاز الساقى الظاهرى أيضا، لكل واحد منهما إمرة عشرة.
ثم فى يوم الخميس سادس عشر صفر، استقر الأمير تمربغا الظاهرى جقمق، دوادارا ثانيا، عوضا عن دولات باى المقدم ذكره، على إمرة عشرة- وفيه أيضا، أنعم السلطان على قانى باى المؤيدى الساقى، المعروف بقراسقل «4» ، بإمرة عشرة، بعد موت إينال اليشبكى.
ثم فى يوم الاثنين عشرين صفر، ووافقه أول خمسين النصارى «5» ، تناقص الطاعون.
ثم فى يوم الخميس ثالث عشرينه، أنعم السلطان على الأمير يشبك الفقيه المؤيدى،(15/390)
بإقطاع الأمير بختك «1» الناصرى بعد موته، وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على الشهابى أحمد، من الأمير الكبير إينال العلائى، وكلاهما إمرة عشرة. وفيه أيضا، أنعم السلطان على مغلباى الشهابى رأس نوبة الجمدارية، بإمرة عشرة، عوضا عن مغلباى الساقى، بعد موته، وكان مغلباى أخذ الإمرة [141] قبل موته بأيام يسيرة، حسبما تقدم ذكره.
وفى يوم الخميس هذا، أنعم السلطان بإقطاع الأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور، بعد موته، على الأمير تنم أمير مجلس، وأنعم بإقطاع تنم على الأمير جرباش المحمدى الناصرى الأمير آخور الثانى المعروف بكرت، وصار من جملة المقدمين؛ وأنعم بإقطاع جرباش المذكور ووظيفته الأمير آخورية الثانية، على الأمير سودون المحمدى المؤيدى، المعروف بسودون أتمكجى «2» ؛ وأنعم بإقطاع سودون [أتمكجى] «3» المذكور، على الأمير جانبك اليشبكى والى القاهرة، بسفارة المقر الجمالى «4» ناظر الخواص. وفيه أيضا استقر الأمير قانى باى الجاركسى الدّوادار الكبير، أمير آخور كبيرا، بعد موت الأمير قراخجا الحسنى، وكان السلطان رشح الأمير أسنبغا الطّيارى للأمير آخورية، فألح قانى باى فى سؤال السلطان، على أن يليها اقتحاما على الرئاسة، ولا زال به حتى ولّاه؛ واستقر أيضا دولات باى المحمودى المؤيدى دوادارا كبيرا، عوضا عن قانى باى الجاركسى بمال كبير بذله فى ذلك.
ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين صفر، خلع السلطان على القاضى ولىّ الدين محمد السنباطى، باستقراره قاضى قضاة المالكية بالديار المصرية، عوضا عن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن التنسى، بحكم وفاته، وكان السنباطى هذا يلى قضاء(15/391)
الإسكندرية، فلما مات ابن التنسى، طلب وولى القضاء؛ وجميع من ذكرنا [وفاته] «1» هنا ماتوا بالطاعون.
ثم فى يوم الخميس أول شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الطّواشى فيروز النّوروزى الزّمام والخازندار، باستقراره أمير حاجّ المحمل.
ثم فى يوم الاثنين خامس [شهر] «2» ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطّيّارى باستقراره رأس نوبة النوب، بعد موت الأمير تمرباى التّمربغاوى، بالطاعون.
وفى أواخر [هذا] «3» الشهر، قلّ الطاعون بالقاهرة، بعد أن مات بها خلائق كثيرة؛ فكان من جملة من مات للسلطان فقط: أربعة أولاد من صلبه، حتى لم يبق له ولد ذكر، غير المقام الفخرى عثمان.
ثم فى يوم الثلاثاء سابع عشرين [شهر] «4» ربيع الأول، أخذ السلطان من السفطى ستة عشر ألف دينار، وسبب ذلك أن قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى، كان [وصيّا] «5» على تركة قاضى القضاة بدر الدين [بن] «6» التنسى المالكى، فلما عرض موجوده، وجد فى جملة أوراقه ورقة فيها ما يدل على أنه كان للسفطى عنده ستة عشر ألف دينار وديعة، ثم وجد ورقة أخرى، فيها ما يدل على أن السّفطى، أخذ وديعته، وبلغ السلطان ذلك، فرسم بأخذ المبلغ منه- قلت: لا شلت يداه! «والذي خبث لا يخرج إلا نكدا» - فحملت بتمامها إلى السلطان، ولم يرض السلطان بذلك، وهو فى طلب شىء آخر فتح الله عليه، وهو أن السلطان صار يطلب السفطى بما وقع منه من الأيمان، أنه ما بقى يملك شيئا من الذهب، ثم وجد له هذا المبلغ، فصار للسلطان مندوحة بذلك فى أخذ ماله.
فلما استهل شهر ربيع الآخر يوم الجمعة، وطلع القضاة للتهنئة بالشهر، تكلم السلطان معهم فى أمر السفطى، وما وقع منه من الأيمان الحانثة، واستفتاهم فى أمره،(15/392)
وحرّض القضاة على مجازاته؛ فنزلوا من عند السلطان على أن يفعلوا معه الشرع، وبلغ السفطىّ ذلك فخاف وأخذ فى السعى فى رضى السلطان؛ وخدم بجملة مستكثرة، ورضى السلطان عنه، ثم تغير عليه، وأخذ منه فى يوم الثلاثاء ثانى عشر شهر ربيع الآخر عشرة آلاف دينار، كانت له وديعة عند بعض القضاة، فأخذها السلطان، وهو مطالب بغيرها.
ثم فى يوم الخميس رابع عشره، أفحش السلطان فى الحطّ على السفطى، وبالغ فى ذلك، بحيث أنه قال: «هذا ليس له دين، وهذا استحق القتل بما وقع منه من الأيمان الفاجرة، بأن ليس له مال ثم ظهر له هذه الجمل الكثيرة، وقد بلغنى أن له عند شخص آخر، وديعة مبلغ سبعة وعشرين ألف دينار» ؛ وظهر من كلام السلطان أنه يريد أخذها، بل وأخذ روحه أيضا، كل ذلك مما يوغّر أبو الخير النحاس خاطر السلطان عليه، وبلغ السفطىّ [142] جميع ما قاله السلطان، فداخله لذلك من الرعب والخوف أمر عظيم «1» ؛ ومع ذلك بلغنى أن السفطىّ فى تلك الليلة تزوج بكرا ودخل بها واستبكرها، فهذا دليل على عدم مروءته «2» ، زيادة على ما كان عليه من البخل والطمع، فإنى لم أعلم أنه وقع لقاض من قضاة مصر ما وقع للسفطى من البهدلة والإخراق وأخذ ماله، مع علمى بما وقع للهروى وغيره، ومع هذا لم يحصل على أحد ما حصل على هذا المسكين، فما هذا الزواج فى هذا الوقت! «3»
ثم فى يوم الثلاثاء سادس عشرين [شهر] «4» ربيع الآخر [المذكور] «5» ، رسم بنفى يرعلى العجمى الخراسانى المعزول عن الحسبة، ثم شفع فيه المقرّ الجمالى ناظر الخواصّ، فرسم له السلطان بلزوم داره بخانقاه سرياقوس؛ ويرعلى هذا أيضا من أعدآء النحاس.(15/393)
ثم فى يوم السبت سلخه، أنعم السلطان على أسندمر الجقمقى السلاح دار، بإمرة عشرة، بعد موت الأمير أركماس الأشقر المؤيدى.
ثم فى يوم الاثنين ثانى جمادى الأولى، خلع السلطان على مملوكه الأمير أزبك من ططخ الساقى، باستقراره من جملة رؤوس النّوب، عوضا عن أركماس الأشقر، المقدم ذكره.
وفيه استقر الزينى عبد الرحمن بن الكويز، أستادّار السلطان بدمشق، عوضا عن محمد بن أرغون شاه النّوروزى بحكم وفاته.
ثم فى يوم الأربعاء رابع جمادى الأولى [المذكور] «1» استقر علىّ بن إسكندر أحد أصحاب النحاس، فى حسبة القاهرة، وعزل ابن أقبرس عنها، لتزايد الأسعار فى جميع المأكولات.
ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الأولى [المذكور] «2» ، خرجت تجريدة من القاهرة إلى البحيرة، فيها نحو الأربعمائة مملوك وعدة أمراء، ومقدم الجميع الأمير الكبير إينال العلائى الناصرى، وصحبته من الأمراء المقدمين، تنم أمير مجلس، وقانى باى الجاركسى أمير آخور، وعدة أخر من الطبلخانات والعشرات.
ثم فى يوم الاثنين ثامن عشرينه، عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى الشافعى، عن القضاء، لسبب حكيناه فى تاريخنا «حوادث الدهور» إذ هو كتاب تراجم وضبط «3» حوادث ووفيات «4» لا غير «5» . ثم أعيد قاضى القضاة علم الدين، فى يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة.(15/394)
ثم فى يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة، سافر الأمير قانم من صفر خجا المؤيدى، المعروف بالتاجر، رسولا إلى ابن عثمان «1» متملّك بلاد الروم، صحبة قاصد ابن عثمان الواصل قبل تاريخه.
ثم فى يوم السبت تاسع عشره، رسم السلطان بنفى الأمير سودون السودونى الحاجب، فشفع فيه، فأمر السلطان بإقامته بالصحراء بطّالا. وكان سبب نفى السّودونى، أنه كان له مغلّ، فكلمه علىّ بن إسكندر المحتسب فى بيع نصفه، وتخلية نصفه، لقلة وجود الغلال بالساحل، فامتنع سودون السودونى من ذلك، فشكاه أبو الخير النحاس للسلطان، فأمر بنفيه. وقد تقدم أن سودون السودونى هذا، كان ضرب أبا الخير النحاس فى يوم واحد علقتين ليخلّص منه مال أبى العباس الوفائى.
ومن ظريف ما وقع لسودون السودونى هذا، مع أبى الخير النحاس، من قبل هذه الحادثة أو بعدها، أنه لما صار من أمر أبى الخير ما صار، خشيه سودن السّودونى، مما كان وقع منه فى حقه قديما، فأراد»
أن يزول ما عنده، ليأمن شرّه، فدخل إليه فى بعض الأيام، وقد جلس أبو الخير النحاس فى دست رئاسته، وبين يديه أصحابه وغالبهم لا يعرف ما وقع له مع سودون السودونى «3» [المذكور] «4» ، فلما استقر بسودون الجلوس، أخذ فى الاعتذار لأبى الخير فيما كان وقع منه بسلامة باطن على عادة(15/395)
مغفّلى «1» الأتراك، وساق الحكاية فى ذلك الملأ من الناس من أولها إلى آخرها، وأبو الخير ينقله من ذلك [الكلام] «2» إلى كلام غيره، ويقصد كفّه عن الكلام، بكل ما تصل قدرته إليه، وهو لا يرجع عما هو فيه، إلى أن استتم الحكاية؛ وكان من جملة اعتذاره إليه، أن قال له، ما معناه: «والله يا سيدى القاضى، أنا رأيتك شاب فقير، من جملة الباعة، وحرّضونى «3» عليك، بأنك تأكل أموال الناس، فما كنت أعرف أنك تصل إلى هذا الموصل، فى هذه المدة اليسيرة؛ وو الله [لو كنت] «4» أعرف أنك تبقى رئيس، لكنت وزنت [143] عنك المال» . وشرع فى اعتذار آخر، وقد ملأ النحاس مما سمع من التوبيخ، فاستدرك فارطه بأن قام على قدميه واعتنق السودونى، وأظهر له أنه زال ما عنده وأوهم أنه يريد الدخول إلى حريمه حتى مضى عنه إلى حال سبيله؛ وتحاكى الناس ذلك المجلس أياما كثيرة «5» . هذا ما بلغنا من بعض أصحاب النحاس، وقد حكى غير واحد هذه الحكاية على عدة وجوه، وليس هذا الأمر من أخبار تحرر، وما ذكرناه إلا على سبيل الاستطراد- انتهى.
وفى هذه الأيام توقف ماء النيل عن الزيادة، بل تناقص نقصا فاحشا، ثم أخذ فى زيادة ما نقصه، فاضطرب الناس لذلك، وتزايدت الأسعار إلى أن أبيع الإردب القمح بأربعمائة درهم «6» .(15/396)
ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشرينه، وصل الأمير جانبك الظاهرى نائب جدة، وخلع السلطان عليه خلعة هائلة، ونزل إلى داره، وبين يديه وجوه الناس على كره من أبى الخير النحاس.
ثم فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر رجب، خلع السلطان على الشيخ يحيى المناوى، باستقراره قاضى قضاة الشافعية، بعد عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى.
ثم فى يوم الخميس خامس عشرة، استقر الأمير يرشباى الإينالى المؤيدى الأمير آخور الثالث، أمير آخور ثانيا بعد موت سودون أتمكجى، وأنعم عليه بطبلخاناته، واستقر الأمير سنقر الظاهرى الجعيدى أمير آخور ثالثا، وهو فى التجريدة بالبحيرة.
ثم فى يوم الثلاثاء عشرينه، رسم السلطان بأن يكتب مرسوم شريف إلى دمشق، بضرب الزينى عبد الرحمن بن الكويز، وحبسه بقلعة دمشق، وله سبب ذكرناه فى «الحوادث» «1» .
ثم فى يوم الاثنين سادس عشرين [شهر] «2» رجب، استقر علاء الدين بن آقبرس ناظر الأحباس، بعد عزل قاضى القضاة بدر الدين محمود «3» العينى عنها، لكبر سنه، فلم يشكر ابن أقبرس على ما فعله لسعيه فى ذلك سعيا زائدا، وكان الأليق عدم ما فعله لأن مقام كل منهما معروف فى العلم والقدر والرئاسة.
ثم فى يوم الخميس تاسع عشرين [شهر] «4» رجب [المذكور] «5» ، جرت حادثة غريبة، وهو أنه لما كان وقت الخدمة السلطانية، أعنى بعد طلوع الشمس بقدر عشرة «6» درج، وقفت العامة بشوارع القاهرة من داخل باب زويلة إلى تحت القلعة، وهم يستغيثون(15/397)
ويصرخون بالسبّ واللعن ويهددون بالقتل، ولا يدرى أحد ما الخبر، لعظم الغوغاء «1» ، إلى أن اجتاز «2» علىّ بن إسكندر محتسب القاهرة فلما رأوه أخذوا فى زيادة ما هم فيه، وحطوا أيديهم فى الرّجم، فرجموه من باب زويلة، إلى أن وصل إلى باب القلعة أو غيرها، بعد أن أشبعوه سبا وتوبيخا بألفاظ يستحى من ذكرها، فلما نجا «3» علىّ منهم، وطلع إلى القلعة، استمروا على ما هم عليه بالشوارع، وقد انضم عليهم جماعة كثيرة من المماليك السلطانية، وهم على ما هم عليه، غير أنهم [صاروا] «4» يعرضون بذكر أبى «5» الخير النحاس، ووقفوا فى انتظاره إلى أن يطلع إلى القلعة، وكان عادته لا يطلع إليها إلا بعد نزول أعيان «6» الدولة، وكان أبو الخير قد ركب من داره على عادته، فعرّفه بعض أصحابه بالحكاية، فخرج من داره وسار من ظاهر القاهرة، ليطلع إلى القلعة، إلى أن وصل بالقرب من باب الوزير، بلغ المماليك الذين هم فى انتظاره أنه قد فاتهم، فأطلقوا رؤوس خيولهم غارة، والعامة خلفهم، حتى وافوه فى أثناء طريقه، فأكل ما قسم له من الضرب بالدبابيس، وانهزم أمامهم «7» ، وهم فى أثره، والضرب يتناوله وحواشيه، «8» وهو عائد إلى جهة القاهرة، وترك طلوع القلعة لينجو بنفسه، واستمر على ذلك إلى أن وصل إلى جامع أصلم «9» بخط سوق الغنم، فضربه شخص من العامة على رأسه فصرعه عن فرسه، ثم قام من صرعته ورمى بنفسه إلى بيت أصلم الذي بالقرب من جامع أصلم، وهو يوم ذاك سكن يشبك الخاصّكى الظاهرى جقمق، من طبقة الزّمام.(15/398)
ومن غريب الاتفاق، أن أبا الخير النحاس كان قبل تاريخه بمدة يسيرة، شكا يشبك هذا صاحب الدار إلى السلطان، وشوّش عليه غاية التشويش، حتى أخذه أغاته «1» الأمير فيروز الزّمام، وبعثه إلى أبى الخير النحاس، على هيئة غير مرضية، فصفح عنه أبو الخير خوفا من خجداشيته، ومنّ «2» عليه؛ والمقصود أن [144] أبا الخير، لما ضرب وطاح عن فرسه، وكان الضارب له عبد أسود «3» ، وأخذ عمامته من على رأسه، فلما رأى «4» أبو الخير نفسه فى بيت يشبك المذكور، هجمت العامة عليه، ومعهم المماليك، إلى بيت يشبك، وكان غائبا عن بيته، وقبضوا عليه وأخذوا فى ضربه والإخراق به، وعرّوه جميع ما كان عليه، حتى أخذوا أخفافه من رجليه، واختلفت الأقوال فى الإخراق به، فمن الناس من قال: أركبوه حمارا عريانا وأشهروه فى البيت المذكور، ومنهم من قال أعظم من ذلك، ثم نجا منهم، ببعض من ساعده منهم، وألقى بنفسه من حائط إلى موضع آخر، فتبعوه أيضا، وأوقعوا به وهو معهم عريان، وانتهبوا جميع ما كان فى بيت يشبك المذكور.
ووصل يشبك إلى داره، فما أبقى ممكنا «5» فى مساعدة النحّاس، وما عسى يفعله مع السواد الأعظم؟ وكان بلغ السلطان أمره، فشق عليه ذلك إلى الغاية، فأرسل إليه جانبك والى القاهرة، نجدة، فساق إليه، حتى لحقه وقد أشرف على الهلاك، وخلصه منهم؛ وأراد «6» أن يركبه فرسا فما استطاع أبو الخير الركوب لعظم ما به من الضرب فى رأسه ووجهه وسائر بدنه، فأركبه [عريانا وعليه ما يستره] «7» على بغلة، وأردفه بواحد من خلفه على البغلة المذكورة، وتوجّه به على تلك الهيئة، إلى بيت الأمير تمربغا الدّوادار(15/399)
الثانى، بالقرب من جامع سودون من زادة، والعامة خلفه وهم ينادمونه بأنواع السبّ ويذكرون له فقره وإفلاسه وما قاساه من الذل والهوان، إلى أن وصل إلى بيت تمربغا [المذكور] «1» بغير عمامة على رأسه، فأجلسه تمربغا بمكان تحت مقعده، واستمر به إلى الليل، فقام «2» وتوجه إلى داره مختفيا خائفا مرعوبا.
وأنا أقول: لو مات أحد من شدة الضرب، لمات أبو الخير [المذكور] «3» فى هذا اليوم، كل ذلك بغير رضى السلطان، لأن المماليك والعامة اتفقوا على [أبى الخير المذكور وعلى الفتك به] «4» ، وقلّ أن يتفقوا على أمر، فكان هذا اليوم «5» من الأيام المشهودة بالقاهرة، لأنى ما رأيت ولا سمعت بمثل هذه الواقعة، وقد سبق كثير من إخراق المماليك لرؤساء الدولة ونهب بيوتهم وأخذ أموالهم، ومع هذا كله لم يقع لأحد منهم بعض ما وقع لأبى الخير هذا، فإن جميع الناس قاطبة كانت عليه، وكل منهم لا يريد إلا قتله وإتلافه.
وأنا أقول إنهم معذورون فيما يفعلونه، لأنه كان بالأمس فى البهموت «6» من الفقر والذل والإفلاس، وصار اليوم فى الأوج من الرئاسة والمال والتقرب من السلطان، ومع هذا الانتقال العظيم، صار عنده شمم وتكبر، حتى على من كان لا يرضى أقل غلمانه أن يستخدمه فى أقل حوائجه، وأما على من كان من أمثاله وأرباب صنعته، فإنه لم يتكبر عليهم، بل أخذ فى أذاهم والإخراق بهم، حتى أبادهم شرا، وأنا أتعجب غاية العجب من وضيع يترأس، ثم يأخذ فى التكبر على أرباب البيوت وأصحاب الرئاسة الضخمة، فما عساه يقول فى نفسه! والله «7» العظيم، إننى كنت إذا دخل علىّ الفقيه الذي أقرأنى القرآن فى صغرى، على أن بضاعته من العلوم كانت مزجاة، أستحى أن أتكلم(15/400)
بين يديه بفضيلة أو علم من العلوم، لكونه كان يعرفنى صغيرا لا فقيرا، فكيف حال هؤلاء مع الناس، كانوا يرتجون خدمة [أصاغر] «1» خدمهم؛ فليس هذا إلّا عظم الوقاحة، وغلبة الجنون لا غير- انتهى.
ثم فى يوم السبت ثانى شعبان، عزل السلطان علىّ بن إسكندر عن حسبة القاهرة، ورسم لزين الدين يحيى الأستادّار بالتكلم فيها، فباشر زين الدين الحسبة من غير أن يلبس لها خلعة، وكانت سيرة علىّ بن إسكندر ساءت «2» فى الحسبة إلى الغاية.
وأما أبو الخير النحاس، فإنه استمر فى داره «3» بعد أن قدم إليها من الليل من بيت الأمير تمربغا «4» إلى يوم الاثنين ثالث شعبان، طلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه كاملية مخمّل أحمر بمقلب سمّور، ونزل إلى داره وهو فى وجل من شدة رعبه من المماليك والعامة، لكنّه شق القاهرة فى نزوله، ولم يسلم من الكلام، وصار بعض العامة يقول: «أيش هذه البرودة!» ، فيقول آخر: «إذا اشتهيت أن تضحك على الأسمر لبّسه أحمر!» ، هذا وأبو الخير [145] يسلم فى طريقه على [الناس من] «5» العامة وغيرها؛ فمنهم من يرد سلامه، ومنهم من لا يرد سلامه، ومنهم من يقول بعد أن يولى بأقوى صوته: «خيرتك والّا ينحسوها» ، أعنى رقبته. ولم ينزل معه أحد من أرباب الدولة إلا المقر الجمالى ناظر الخواصّ الشريفة، قصد بنزوله معه أمورا لا تخفى على أرباب الذوق السليم، لأنه لم يؤهّله «6» قبل ذلك لأمر من الأمور، فما نزوله الآن معه، وقد وقع فى حقه ما وقع؟
ثم فى يوم الاثنين حادى عشر شعبان، قدم الأمراء من تجريدة البحيرة صحبة(15/401)
الأمير الكبير إينال العلائى، وخلع السلطان على أعيانهم الثلاثة الأمير الكبير إينال، وتنم المؤيدى أمير مجلس، وقانى باى الجاركسى الأمير آخور.
ثم فى يوم الاثنين ثامن عشر شعبان، برز الأمير جرباش الكريمى [الظاهرى برقوق] «1» أمير سلاح «2» ، إلى بركة الحاج على هيئة الرّجبيّة، وصحبته قاضى القضاة بدر الدين بن عبد المنعم [البغدادى] «3» الحنبلى، والزينى عبد الباسط بن خليل الدمشقى، وجماعة كثيرة من الناس.
ثم فى يوم السبت سابع شهر «4» رمضان، اختفى «5» السّفطى، فلم يعرف له مكان، بعد أمور وقعت له مع قاسم الكاشف؛ فعمل السلطان فى يوم الاثنين سادس عشره عقد مجلس بين يديه بالقضاة والعلماء بسبب حمام السّفطى، وظهر السفطى من اختفائه «6» ، وحضر المجلس، وانفصل عقد المجلس «7» على غير طائل، واختفى السفطى ثانيا من يومه فلم يعرف له خبر.
ثم فى يوم الخميس سابع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل، فيروز النّوروزى «8» [الرومى] «9» الزّمام الخازندار، بالمحمل، وأمير الركب الأول، الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى؛ وحجّ فى هذه السنة من الأعيان: الأمير طوخ من تمراز المعروف بينى بازق، أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، وينى بازق باللغة التركية:
أى غليظ الرقبة «10» ، وخرج تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع، صحبة الحاج، واستقر(15/402)
فى مشدّيّة «1» بندر جدّة، عوضا عن الأمير جانبك الظاهرى، حسبما نذكره من أمره ثانيا «2» فيما «3» يأتى مفصلا، إن شاء الله تعالى.
[ثم] «4» فى يوم السبت تاسع عشره، استقر القاضى ولىّ الدين الأسيوطى، فى مشيخة المدرسة الجماليّة، بعد تسحّب ولىّ الدين السّفطى واختفائه.
ثم فى يوم الاثنين العشرين من ذى القعدة، استقر الأمير جانبك اليشبكى والى القاهرة، فى حسبة القاهرة، مضافا لما معه من الولاية وشدّ الدواوين والحجوبية؛ وجانبك هذا أحد من رقاه المقر الصاحبى ناظر الخاص المقدم ذكره.
[ثم] «5» فى يوم الخميس ثالث عشرين ذى القعدة أيضا، نودى بالقاهرة على ولى الدين السّفطى، بأن من أحضره إلى السلطان يكون له مائة دينار، وهدّد من أخفاه بعد ذلك بالعقوبة والنكال.
ثم فى يوم الخميس ثامن ذى الحجة، وصل الأمير يشبك الصوفى المؤيدى، نائب طرابلس، إلى القاهرة، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض، فحال وقوفه «6» رسم السلطان بتوجّهه إلى ثغر دمياط بطّالا، وذلك لسوء سيرته فى أهل طرابلس. وفيه عزل السلطان الأمير علان جلّق المؤيدى عن حجوبية حلب، لشكوى «7» الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب عليه، ثم انتقض ذلك، واستمر علّان على وظيفته.
ووقع فى هذه السنة- أعنى ثلاث وخمسين- غريبة، وهى أنه مات فيها من ذوات الأربع، مثل الأغنام والأبقار وغيرها، شىء كثير «8» ، من عدم العلوفة، لغلو الأسعار(15/403)
والفناء، فأيقن كلّ أحد بتزايد أثمان الأضحية، فلما كان العشر الأول من ذى الحجة، وصل إلى القاهرة من البقر والغنم شىء كثير، حتى أبيعت بأبخس الأثمان.
ثم فى يوم تاسع عشر ذى الحجة المذكور، سمّر نجم الدين أيوب [بن حسن بن محمد نجم الدين بن البدر ناصر الدين] «1» بن بشارة، وطيف به، ثم وسّط من يومه، ووسّط معه شخص آخر من أصحابه، وقد ذكرنا سبب القبض عليه وما وقع له فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى «2» الأيام والشهور» ، إذ هو محله «3» .
ثم فى يوم السبت رابع عشرينه، عزل السلطان الأمير علان المؤيدى، عن حجوبية حجاب حلب، لأمر وقع بينه وبين نائب حلب، الأمير قانى باى الحمزاوى، ورسم بتوجّه علان المذكور إلى مدينة طرابلس بطالا، واستقر عوضه فى حجوبية حلب قاسم بن جمعة القساسى، وأنعم بإقطاع قاسم على الأمير جانبك المؤيدى المعروف بشيخ، المعزول أيضا [146] عن حجوبية حلب قبل تاريخه، والإقطاع إمرة طبلخانات بدمشق. وفيه رسم السلطان لما ماى السيفى بيبغا المظفرى، أحد الدّواداريّة الصغار، بالتوجه إلى ثغر دمياط، وأخذ الأمير يشبك الصوفى منه وتحبّسه بثغر الإسكندرية مقيّدا؛ ووقع ذلك.
ثم فى يوم الخميس خامس عشرين ذى الحجة، رسم باستقرار الأمير يشبك النّوروزى، حاجب حجاب دمشق، فى نيابة طرابلس، عوضا عن يشبك الصوفى المقبوض عليه قبل تاريخه، وولاية يشبك المذكور طرابلس، على مال كبير بذله له، وحمل إليه التقليد والتشريف بنيابة طرابلس، الأمير أسنباى الجمالى الساقى الظاهرى(15/404)
جقمق، ورسم السلطان بإعادة الأمير جانبك الناصرى إلى حجوبية دمشق، عوضا عن يشبك النّوروزى.
وفرغت هذه السنة والديار المصرية فى غاية ما يكون من غلو الأسعار. وفى هذه السنة أيضا، ورد الخبر بوقوع خسف بين أرض سيس وطرسوس، ولم أتحقق مقدار الأرض التى خسفت. وفيها أيضا كان فراغ مدرسة زين الدين الأستادّار، بخط بولاق على النيل، ولم أدر المصروف على بنائه من أى وجه، ومن كان له شىء فله أجره.
[ما وقع من الحوادث سنة 854]
واستهلت سنة أربع وخمسين وثمانمائة الموافقة لحادى عشرين مسرى، والناس فى جهد وبلاء من غلو الأسعار، وسعر القمح ثمانمائة درهم الأردب، وقد ذكر سعر جميع المأكولات فى «حوادث الدهور» «1» .
ولما كان يوم السبت أول محرم سنة أربع وخمسين المذكورة، وصل الأمير بردبك العجمى الجكمى المعزول عن نيابة حماة من ثغر دمياط، وطلع إلى القلعة، وأنعم السلطان عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق.
وفى هذه الأيام وصلت إلى القاهرة رمّة «2» قاسم المؤذى الكاشف، غريم السّفطى ليدفن بالقاهرة.
ثم فى يوم الخميس ثالث عشر المحرم، وصل الأمير جرباش الكريمى، أمير سلاح من الحجاز، وتخلف قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى عنه مع الركب الأول من الحاج، وكان الزينى عبد الباسط بن خليل، سبق الأمير جرباش من العقبة، ودخل القاهرة قبل تاريخه، وخلع السلطان على جرباش المذكور كاملية بمقلب سمّور، وخرج من عند السلطان، ودخل إلى ابنته زوجة السلطان، وهى يوم ذلك صاحبة القاعة(15/405)
[الكبرى بالدور السلطانية] «1» وسلّم عليها، ثم نزل إلى داره [المعروفة بالبيت الكبير تجاه القلعة] «2» .
ثم فى يوم الجمعة ثامن عشرينه، عقد السلطان عقد مملوكه الأمير أزبك من ططخ، على ابنته من مطلقته خوند بنت البارزى، وكان العقد بقلعة الدّهيشة، بحضرة السلطان بعد نزول الأمراء من صلاة الجمعة من غير جمع «3» .
ثم فى يوم الخميس رابع شهر صفر «4» ، استقر أبو الفتح [الطيبى] «5» أحد أصحاب أبى الخير النحاس [بسفارته] «6» ، فى نظر جوالى دمشق، ووكالة بيت المال بها، على أنه يقوم فى السنة للخزانة الشريفة بخمسين ألف دينار، على ما قيل، وما سيأتى من خبر أبى الفتح، فأعجب.
وفى هذه الأيام «7» ، ظهر رجل من عبيد قاسم [الزين] «8» الكاشف، [الملقب بالمؤذى] «9» وشهر بالصلاح، وتردد الناس لزيارته، حتى جاوز أمره الحد، وخشى على الناس من إتلاف عقائدهم، فأمر السلطان الأمير تنبك حاجب الحجاب، أن يتوجه إليه، ويضربه ويحبسه، وصحبته جانبك الساقى والى القاهرة. فلما دخلا عليه، تهاون الأمير تنبك فى ضربه خشية من صلاحه، وبلغ «10» السلطان ذلك، فرسم بنفيه إلى ثغر دمياط بطّالا، ومسفّره «11» جانبك الوالى، وتولى «12» خشقدم الطّواشى الظاهرى [الرومى] «13»(15/406)
ووالى القاهرة ضرب العبد المذكور وحبسه، وقد أوضحت أمر هذا العبد وما وقع له فى تاريخنا «الحوادث» فلينظر هناك «1» . ثم رسم السلطان بعد مدة، بقدوم الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى أحد المقدمين بدمشق، إلى القاهرة، واستقراره فى حجوبية الحجاب، عوضا عن تنبك المذكور، ورسم للأمير علّان المؤيدى، المعزول عن حجوبية حلب، بإقطاع خشقدم المذكور بدمشق.
ثم فى يوم الثلاثاء سادس عشر صفر، رسم السلطان بنقل الأمير جانم الأمير آخور قريب الملك الأشرف برسباى «2» من القدس الشريف، وحبسه بسجن الكرك، وكان جانم المذكور، حبس عدة سنين، ثم أطلق وجاور بمكة سنيّات، ثم سأل فى القدوم إلى القدس، فأجيب، وقدمه، فتكلم فيه بعض أعدائه [147] إلى أن حبس بالكرك ثانيا.
ثم فى يوم الخميس ثامن عشر صفر، قدم الأمير قانم التاجر المؤيدى من بلاد الروم إلى القاهرة، [وكان توجه إليها فى العام الماضى كما سلف.] «3»
ثم فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين صفر المذكور، نودى بالقاهرة بأن لا يلبس النصارى واليهود على رؤوسهم أكثر من سبعة أذرع من العمائم، [لكونهم تعدوا فى ذلك وزادوا عن الحد] «4» ؛ وفى هذه الأيام تزايد أمر النحّاس وطغى [وتجبر] «5» ، ونسى ما وقع له من البهدلة والإخراق.
وفى يوم الاثنين، رسم السلطان بالإفراج عن عبد قاسم الكاشف، من حبس المقشرة وتوجّهه إلى حيث شاء، ولا يسكن القاهرة.
ثم فى يوم السبت ثانى عشر شهر ربيع الأول، ورد الخبر بموت الأمير شاد بك الجكمى، المعزول عن نيابة حماة، بالقدس بعد مرض طويل.(15/407)
ثم فى يوم الخميس سادس عشره، وصل إلى القاهرة الأمير خشقدم المؤيدى من دمشق، وقبّل الأرض وأنعم عليه السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف، عوضا عن تنبك البردبكى الحاجب، بحكم نفيه إلى دمياط. وفى هذا اليوم كان مهمّ الأمير أزبك وعرسه على بنت السلطان بالقاهرة، فى بيت خالها القاضى كمال الدين بن البارزى، ولم يعمل بالقلعة.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين شهر ربيع الأول، المذكور، استقر خشقدم عوضا عن تنبك المقدم ذكره فى حجوبية الحجاب.
ثم فى يوم الخميس ثانى شهر ربيع الآخر، أنعم السلطان على تمراز الأشرفى الزّردكاش كان، بإقطاع على باى الساقى الأشرفى، بحكم وفاته، قلت: بئس البديل، وإن كان كل منهما أشرفيّا «1» ، فالفرق بينهما ظاهر.
وفى هذه الأيام عظم أمر النحاس، حتى أنه ضاهى المقرّ الصاحبىّ ناظر الخواص، فى نفوذ الكلمة فى الدولة، لأمور صدرت بينهما يطول الشرح فى ذكرها، وليس لذلك فائدة ولا نتيجة؛ وملخص ذلك أن أبا الخير عظم فى الدولة، حتى هابه كلّ أحد من عظماء الدولة إلا المقر الجمالى، فأخذ أبو الخير يدبر عليه فى الباطن، ويوغر خاطر السلطان عليه، بأمور شتى، ولم ينهض أن يحوّل السلطان عنه بسرعة، لثبات قدمه فى المملكة، ولعظمه فى النفوس، كلّ ذلك والمقرّ الجمالى لا يتكلم فى حقه عند السلطان بكلمة واحدة، ولا يلتفت إلى ما هو فيه، وأبو الخير فى عمل جد مع السلطان فى أمر الجمالى المذكور، بكلتا يديه. وبينما هو فى ذلك، أخذه الله من حيث لا يحتسب، حسبما يأتى ذكره مفصلا إن شاء الله تعالى.
ومن غريب الاتفاق، أنه دخل عليه «2» قبل محنة أبى الخير النحاس «3» بمدة يسيرة،(15/408)
رجل من أصحابه، وأخذ فى تعظيم المذكور، وبالغ فى أمره، حتى قال إنه قد تم له كل شىء طلبه، فأنشدته من باب المماجنة [المتقارب] :
إذا تم أمر «1» بدا نقصه ... توقّ زوالا «2» إذا قيل تمّ
وافترقنا، فلم تمض أيام حتى وقع من أمره ما وقع.
ثم فى يوم الاثنين، ثالث عشر شهر ربيع الآخر المقدم ذكره، نفى الأمير سودون الإينالى «3» [المؤيدى] «4» المعروف بقراقاش، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، لأمر مطول ذكرناه فى «الحوادث» «5» .
وفى هذه الأيام، برز المرسوم الشريف بعزل الأمير بيغوت من صفر خجا المؤيدى الأعرج، عن نيابة حماه، لأمور مطولة ذكرناها فى «الحوادث» «6» من أولها إلى آخرها، وإلى حضوره إلى القاهرة، [وما وقع له] «7» ببلاد الشرق وغيره. ورسم للأمير سودون الأبوبكريّ المؤيدى أتابك حلب، باستقراره عوضه فى نيابة حماه، وأنعم بأتابكية(15/409)
حلب على الأمير على باى العجمى المؤيدى، وأنعم بتقدمة على باى المذكور، على إينال الظاهرى جقمق، وقد نفى قبل تاريخه من الديار المصرية.
ذكر مبدأ نكبة أبى الخير النحاس على سبيل الاختصار
ولما كان يوم الأحد حادى عشر جمادى الأولى من سنة أربع وخمسين المذكورة، أحضر السلطان إلى بين يديه مماليك الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى أمير مجلس، وعيّن منهم نحو العشرة، ورسم بحبسهم بسجن المقشرة، بسبب تجرّئهم على أستاذهم المذكور، وشكواه عليهم، فلما أصبح من الغد فى يوم الاثنين ثانى عشره، انفض الموكب السلطانى، ونزل الأمير تنم المذكور صحبة الأتابك «1» إينال العلائى وغيره من الأمراء، فلما صاروا تجاه سويقة منعم «2» ، احتاطت بهم المماليك [148] السلطانية الجلبان، وخشّنوا لتنم فى القول، بسبب شكواه على مماليكه، فأخذ الأتابك إينال فى تسكينهم، وضمن لهم خلاص المماليك المذكورة من حبس المقشرة، فخلوا عنهم، ورجعوا غارة إلى زين الدين يحيى الأستادّار، فوافوه بعد نزوله من الخدمة بالقرب من جامع الماردانى «3» ، وتناولوه بالدبابيس، فمن شدة الضرب ألقى بنفسه «4» عن «5» فرسه، وهرب إلى أن أنجده الأمير أزبك الساقى، والأمير جانبك اليشبكى الوالى، وأركباه على فرسه، وتوجّها به إلى داره.
فلما فات المماليك زين الدين رجعوا غارة إلى جهة القلعة، ووقفوا تحت الطبلخانات بالصّوّة «6» ، فى انتظار أبى «7» الخير النحاس، وبلغ النحاس الخبر،(15/410)
فمكث نهاره عند السلطان بالقلعة لا ينزل إلى داره، فشقّ ذلك على المماليك، واتفقوا على نهب دار أبى الخير النحاس، فساروا من وقتهم إلى داره على هيئة مزعجة، فوجدوا باب داره قد غلقه «1» مماليكه وأعوانه، وقد وقفت مماليكه بأعلى بابه لمنع المماليك من الدخول؛ فوقع بينهم بعيض قتال، ثم هجمت المماليك السلطانية على بابه الذي كان من بين السورين، وأطلقوا فيه النار، واحترق الباب وما كان عليه من المبانى، ودخلوا إلى البيت، وامتدت الأيدى فى النهب، فما عفّوا ولا كفّوا، وأخذوا من الأقمشة والأمتعة والصينى والتحف ما يطول الشرح فى ذكره «2» ، واستمرت النار تعمل فى باب أبى الخير، إلى أن اتصلت إلى عدة بيوت بجواره «3» ، ولم تصل النار إلى داره، لأنها كانت فوق الريح، وأيضا كانت بالبعد عن الباب، وهى الدار التى عمّرها قديما صلاح الدين بن نصر الله، وانتقلت بعده إلى أقوام كثيرة، حتى ملكها النحاس هذا وجدّدها وتناهى «4» فيها.
ثم حضر والى القاهرة وغيره لطفى النار، فطفيت بعد جهد؛ ولما انتهى أمر المماليك من النهب، وعلموا أنه لم يبق بالدار ما يؤخذ، توجّهوا إلى حال سبيلهم، وقد تركوا [بيت] «5» النحاس خاليا من جميع ما كان فيه، بعد أن سلبوا حريمه جميع ما كان عليهن «6» من الأقمشة «7» وأفحشوا فى أمرهن، من الهتكة والجرجرة، والهجم عليهن «8» وعادوا من دار النحّاس وشقوا باب زويلة، وقد غلقت عدة حوانيت بالقاهرة، لعظم ما هالهم من النهب فى بيت النحاس، فمضوا ولم يتعرضوا لأحد بسوء، وباتوا تلك الليلة، وأصبحوا يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى المذكور، ووقفوا بالرملة(15/411)
محدقين بالقلعة، مصممين على الفتك بأبى الخير النحاس، وقد بات النحاس بالقلعة، وطلبوا تسليمه من السلطان، وعزل جوهر النّوروزى «1» عن تقدمة المماليك، وعزل زين الدين الأستادّار عن الأستادّاريّة؛ وانفض الموكب، ونزل كل من الأعيان إلى داره فى خفية، ونزل الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى، والأمير أزبك الساقى، وبرد بك البجمقدار «2» ، إلى نحو بيوتهم؛ فلما صاروا بالرملة ضربوا عليهم المماليك الجلبان حلقة، وكلموهم فى عودهم إلى السلطان والتكلم معه فى مصالحهم، فقال لهم تمربغا:
«ما هو غرضكم؟» ، قالوا: «عزل جوهر مقدم المماليك وتسليم غريمنا» ، يعنون، النحاس.
فعاد تمربغا إلى القلعة من وقته وعرّف السلطان بمقصودهم، وكان الأمير الكبير إينال قد طلع باكر النهار إلى القلعة [وصحبته الأمير أسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب؛ وأما الأمير تنم، فإنه كان طلع إلى القلعة] «3» من أمسه وبات بها فى طبقة الزّمام، وأجمع رأيه أنه لا ينزل من القلعة، إلى أن يفرج عن مماليكه المحبوسين، خشية والمماليك الجلبان، فلما طلع الأمير الكبير باكر النهار، شفع فى مماليك الأمير تنم فرسم بإطلاقهم، ثم تكلم الأمير الكبير مع السلطان فى الرضى عن المماليك الجلبان، والسلطان مصمم على مقالته التى قالها بالأمس، أنه يرسل ولده المقام الفخرى عثمان وحريمه إلى الشام، ويتوجه هو إلى حال سبيله، فنهاه الأمير الكبير عن ذلك، وقام السلطان ودخل إلى الدّهيشة، فكلّمه بعض أمرائه أيضا فى أمرهم، فشقّ ثوبه غيظا منه، ونزل الأمير الكبير بمن معه إلى دورهم.
ثم كان نزول تمربغا، والمقصود أن تمربغا لما عاد إلى السلطان، وعرّفه قصد المماليك، وقبل أن يتكلم، سبقه بعض أمرائه، وأظنه الأمير قراجا الخازندار، وقال: «يجبر مولانا [149] السلطان خاطر مماليكه، بعزل المقدم، وإخراج(15/412)
النحاس من القاهرة» ، فانقاد السلطان إلى كلامه، ورسم بعزل جوهر مقدم المماليك، وتوجّهه إلى المدينة الشريفة، وإخراج النحاس إلى مكة المشرفة؛ وعاد تمربغا إلى المماليك بهذا الخبر، فرضوا، وتوجّه كل واحد إلى حال سبيله؛ وتم ذلك إلى بعد «1» الظهر من اليوم المذكور. فلما كان بعد «2» الظهر، توجه جماعة من المماليك إلى الأمير أسنبغا الطّيّارى رأس نوبة النوب، وكلموه أن يطلع إلى السلطان، ويطلب منه إنجاز ما وعدهم به من إخراج النحاس وعزل المقدم؛ فركب أسنبغا من وقته، وطلع إلى السلطان وكلمه فى ذلك، فلما سمع السلطان مقالة أسنبغا، اشتد غضبه، وطلب فى الحال جوهرا مقدم المماليك ونائبه مرجان العادلى المحمودى، وخلع عليهما باستقرارهما، ورسم أن يكون النحاس على حاله أولا بالقاهرة، ورسم للأمير تغرى برمش اليشبكى الزّردكاش أن يستعد لقتال المماليك الجلبان، فخرج الزّردكاش من وقته ونصب عدة مدافع على أبراج القلعة، وصمم السلطان على قتال مماليكه المذكورين.
وبلغ الأمراء ذلك، فطلع منهم جماعة كبيرة إلى السلطان، وأقاموا ساعة بالدّهيشة، إلى أن أمرهم السلطان بالنزول إلى دورهم، ونزلوا، واستمر الحال إلى باكر يوم الأربعاء رابع عشره، فجلس السلطان بالحوش على الدّكّة، ثم التفت إلى شخص من خاصّكيته، وقال له: «أين الذين قلت عنهم؟» فقال: «الآن يحضروا» ، فقال السلطان: «انزل إليهم وأحضرهم» ، فنزل الرجل من وقته، وقام السلطان إلى الدهيشة، ونزل المذكور إلى المماليك، وأخذ منهم جماعة كبيرة، وطلع بهم إلى السلطان، فلما مثلوا بين يديه قال لهم: «عفوت عنكم، امضوا إلى أطباقكم» ، فلم يتكلم أحد منهم بكلمة.
واستمر أبو الخير بالقلعة خائفا من النزول إلى داره، وقد أشيع سفره إلى الحجاز، إلى أن كان يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى، نزل أبو الخير إلى داره على حين غفلة قبل العصر بنحو خمس درج، وانحاز بداره، وقفل الباب(15/413)
[عليه] «1» إلى يوم الأربعاء حادى عشرينه؛ فوصل البلاطنسى «2» من دمشق، وطلع إلى السلطان، وشكا «3» على أبى الفتح الطيبى، الذي ولى وكالة بيت مال دمشق بسفارة النحاس، وذكر عنه عظائم، فعزله السلطان، ورسم بحضوره إلى القاهرة فى جنزير، ورسم لأبى الخير النحاس، بالسفر إلى المدينة الشريفة، ونزل البلاطنسى من القلعة بعد أن أكرمه السلطان، وحصل [على] «4» مقصوده من عزل أبى الفتح الطيبى.
ورسم السلطان لأبى الخير المذكور أن يكتب جميع موجوده ويرسله إلى السلطان من الغد، ورسم أيضا بعمل حسابه، وتردد إليه الصفوىّ جوهر الساقى من قبل السلطان غير مرة، وكثر الكلام بسببه، فقلق النحاس من ذلك غاية القلق، وعلم بزوال أمره، فأصبح من الغد، فى يوم الخميس ثانى عشرينه، طلع إلى القلعة فى الغلس من غير إذن السلطان، واختفى بالقلعة فى مكان، إلى أن انفض الموكب، فتحيل حتى دخل على السلطان، واجتمع به، ثم نزل من وقته، وقد أصلح ما كان فسد من أمره، وأنعم له السلطان بموجوده، وترك له جميع ما كان عزم على أخذه، واستمر بداره، وقد هابته الناس وكثر تردادهم إليه، ورسم بإبطال ما كان رسم به من عزل أبى الفتح الطيبى، وإحضاره، وأمر البلاطنسى بالسفر إلى دمشق، بعد أن لهج [الناس] «5» بحبسه فى سجن المقشرة، فتحقق الناس بهذا الأمر ميل السلطان لأبى الخير، وكفّ جميع أعداء النحاس عن الكلام فى أمره مع السلطان.
واستمر بداره والناس تتردد إليه، إلى يوم الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور، رسم السلطان لجوهر الساقى بنزوله إلى أبى الخير النحاس، ومعه نقيب الجيش، ويمضيا به إلى بيت قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى الشافعى ليدعى عليه(15/414)
التاجر شرف الدين موسى التّتائى الأنصارى «1» ، بمجلس الشرع، بدعاو كثيرة، ورسم السلطان لجوهر أن يحتاط بعد ذلك على جميع موجوده، فنزل جوهر المذكور من وقته إلى أبى الخير النحاس، وأخرجه من داره ماشيا ممسوكا مع نقيب الجيش، وقد ازدحم الناس على بابه للتفرج عليه والفتك به، فحماه جوهر ومن معه من المماليك [150] منهم، وأخذه ومضى، وانطلقت الألسن إليه بالسب واللعن والتوبيخ، وجوهر يكفهم عنه ساعة بعد ساعة، وهم خلفه وأمامه، وهو مار فى طريقه ماشيا إلى أن وصل بيت القاضى المذكور بسويقة الصاحب، من القاهرة، وأدخلوه إلى المدرسة الصاحبية «2» ، [المجاورة لسكن قاضى الشافعية] «3» محتفظا به، مع رسل الشرع.
وعاد جوهر الساقى وشرف الدين التّتائى إلى الحوطة على موجود أبى الخير النحاس بداره وحواصله، ووجدت العامة بغياب جوهر فرصة إلى الدخول على أبى الخير المذكور، فهجموا عليه وأخذوه من أيدى الرسل، وضربوه ضربا مبرحا، فصاحت رسل الشرع عليهم، وأخذوه من أيديهم؛ وهرّبوه إلى مكان بالمدرسة المذكورة. وأعلموا القاضى بذلك، فأرسل القاضى خلف الأمير جانبك والى القاهرة،(15/415)
حتى حضر، وقدر على إخراجه من المدرسة المذكورة إلى بيت القاضى، وادعى شرف الدين التّتائى عليه بدعاء يطول الشرح فى ذكرها.
والسبب الموجب لهذه القضية، أن أبا الخير النحاس لما وقع له ما وقع، وأقام بالقلعة من يوم الاثنين، إلى يوم الخميس، ثم نزل قبيل العصر إلى داره، بقى الناس فى أمره على قسمين: فمن الناس من لا سلّم عليه ولاراعاه، ومنهم من صار يترجّيه ويتردد إليه، ودام على ذلك إلى أن طلع أبو الخير إلى السلطان من غير إذن، وأصلح ما كان فسد من أمره، ونزل إلى داره، وقد وقع بينه وبين شرف الدين المذكور.
وسبب ذلك أن شرف الدين كان فى هذه المدة هو رسول النحاس إلى السلطان، ومهما كان للنحاس من الحوائج يقضيها له عند السلطان، فظهر لأبى الخير المذكور، بطلوعه إلى القلعة فى ذلك اليوم، أن شرف الدين ليس هو له بصاحب، وأنه ينقل عنه إلى السلطان ما ليس هو مقصوده، بل ينهى عنه ما فيه دماره، فنزل إلى شرف الدين وأظهر له المباينة، وتوعّده بأمور، إن طالت يده، فانتدب عند ذلك شرف الدين له، ودبر عليه: وساعدته المقادير مع بغض الناس قاطبة له، حتى وقع ما حكيناه وادعى عليه بدعاو كثيرة.
واستمر أبو الخير فى بيت القاضى شرف الدين «1» فى الترسيم، وهو يسمع من العامة والناس من أنواع البهدلة والسب مالا مزيد عليه مواجهة، بل يزدحمون على باب القاضى لرؤيته، وصارت تلك الحارة كبعض المفترجات، لعظم سرور الناس لما وقع لأبى الخير المذكور، حتى النساء وأهل الذمة، وأصبح من الغد نهار الجمعة، طلب السلطان خيوله ومماليكه فطلعوا بهم فى الحال، بعد أن شقوا بهم القاهرة، وازدحم الناس لرؤيتهم، فكانت عدة الخيول نيفا على أربعين فرسا، منها «2» بغال أزيد من عشرة، والباقى خيول خاصّ هائلة، والمماليك نحو [من] «3» عشرين نفرا، واستمر شرف الدين يتتبع آثاره وحواصله،(15/416)
هذا بعد أن أشهد على أبى الخير المذكور، أن جميع ما يملكه من الأملاك والذخائر والأمتعة والقماش وغير ذلك، هو ملك السلطان الملك الظاهر، دون ملكه، [و] «1» ليس له فى ذلك «2» دافع ولا مطعن.
ثم فى يوم السبت أول جمادى الآخرة، رسم بفتح حواصل أبى الخير، ففتحت، فوجد فيها من الذهب العين نحو سبعة عشر ألف دينار، ووجد له من الأقمشة والتحف والقرقلات «3» التى برسم الحرب، والصينى الهائل، والكتب النفيسة، أشياء كثيرة، ووجد له حجج مكتتبة على جماعة بنحو ثلاثين ألف دينار، فحمل الذهب العين إلى السلطان، وبعض الأشياء المستظرفة، وختم على الباقى، حتى تباع، ودام شرف الدين فى الفحص على موجوده، وأخرج السلطان جميع تعلقات النحاس من الإقطاعات والحمايات والمستأجرات وغير ذلك.
ثم فى يوم الأحد ثانى جمادى الآخرة، خلع السلطان على المقر الجمالى ناظر الخواص، وعلى زين الدين الأستادار، خلعتى الاستمرار، [وخلع] «4» على شرف الدين موسى التّتائى، باستقراره فى جميع وظائف أبى الخير النحاس، وهم عدة وظائف ما بين نظر البيمارستان المنصورى، ونظر الجوالى، ونظر الكسوة، ووكالة بيت المال، ونظر خانقاه سعيد السّعداء، ووكيل السلطان، ووظائف أخر دينية، ومباشرات. ولبس شرف الدين خفّا ومهمازا وتولى جميع هذه الوظائف، عوضا عن أبى الخير دفعة واحدة. قلت:
وما أحسن قول المتنبى فى هذا «5» المعنى: [الطويل]
[151]
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد(15/417)
هذا والفقهاء والمتعممون «1» قد ألزموهم المماليك الجلبان بعدم ركوب الخيل، بحيث أنه لم يستجر أحد منهم أن يعلو على ظهر فرس، إلا أعيان مباشرى «2» الدولة، وجميع من عداهم، قد ابتاعوا البغال، وركبوها، حتى تزايد لذلك سعر البغال إلى أمثال ما كان أولا.
ثم أمر السلطان فى اليوم المذكور، بنقل أبى الخير النحاس من بيت القاضى الشافعى يحيى المناوى، من سويقة الصاحب، إلى بيت المالكى ولىّ الدين السنباطى، بالدرب الأصفر «3» ، ليدّعى عليه عند القاضى المذكور بدعاو، فأخذه والى القاهرة ومضى به من بيت القاضى الشافعى إلى بيت المالكى، وقد أركبه حمارا، وشق به للقاهرة، والناس صفوف وجلوس بالشوارع والدكاكين، وهم ما بين شامت وضاحك ثم باك، فأما الشامت فهو من آذاه وظلمه، والضاحك من كان يعرفه قديما، ثم ترافع عليه، والباكى معتبر بما وقع له من ارتفاعه ثم هبوطه؛ قلت: وقد قيل فى الأمثال: «على قدر الصعود يكون الهبوط» .
وسار به الوالى على تلك الهيئة إلى أن أدخله إلى بيت القاضى المالكى، وادعى عليه السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن مصبح «4» [دلّال العقارات] «5» بدعوى شنعة «6» ، أوجبت وضع الجنزير فى رقبة أبى الخير النحاس، بعد أن كتب محضرا بكفره، وأقام الشريف البينة عند القاضى المالكى بذلك، فلم يقبل القاضى بعض البينة، واستمر أبو الخير فى بيت القاضى فى الترسيم على صفّة، نسأل الله السلامة من زوال النعم، إلى عصر يومه، فنقل إلى حبس الدّيلم على حمار، وفى رقبته الجنزير، ومر بتلك الحالة من(15/418)
الشارع الأعظم، وعليه من الذل والصغار ما أحوج أعداءه الرحمة عليه، وحاله كقول القائل: [السريع]
لم يبق إلا نفس خافت «1» ... ومقلة إنسانها باهت
رثى «2» له الشامت مما به ... يا ويح من يرثى له الشامت «3»
قلت: وأحسن من ذا «4» ، [قول] «5» من قال:
يا من علا [و] «6» علوّه ... أعجوبة بين البشر
غلط الزّمان برفع قد ... رك ثم حطّك واعتذر «7»
ويعجبنى أيضا فى هذا المعنى، قول القائل: [البسيط]
لو أنصفوا أنصفوا، لكن بغوا فبغى ... عليهم، فكأن العزّ لم يكن
جاد الزّمان بصفو ثم كدّره ... هذا بذاك، ولا عتب على الزمن
وقد سقنا أحوال أبى الخير هذا فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» بأوسع من هذا، [إذ سياق] «8» الكلام منتظم مع سياقه «9» فى محل واحد؛(15/419)
وأيضا قد حررنا أموره بأضبط من هذا، فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» «1» إذ هو موضوع لتحرير الوقائع، وما ذكرناه هنا، على سبيل الاستطراد من شىء إلى شىء.
واستمر أبو الخير [بسجن الديلم إلى ما يأتى ذكره] «2» من خروجه من السجن، ونفيه، ثم حبسه، وجميع ما وقع له إلى يومنا هذا، إن شاء الله تعالى.
وفى يوم حبس النحاس بحبس الدّيلم، ظهر القاضى ولىّ الدين السفطى من اختفائه، نحو ثمانية أشهر وسبعة أيام، وطلع من الغد فى يوم الخميس سادس جمادى الآخرة، إلى السلطان، فأكرمه السلطان، ونزل إلى داره، ثم فى يوم السبت ثامنه، ندب السلطان إينال الأشرفى المتفقّه، ليتوجه إلى دمشق، لكشف أخبار أبى الفتح الطيبى والفحص عن أمره.
وفى هذه الأيام، ترادفت الأخبار من حلب وغيرها بمسير جهان شاه بن قرا يوسف، صاحب تبريز، على [معز الدين] «3» جهان گير بن على «4» بك بن قرايلك صاحب آمد، وأن جهان گير، ليس له ملجأ إلا القدوم إلى البلاد الحلبية مستجيرا بالسلطان، وأن جهان شاه يتبعه حيثما توجه، فتخوّف أهل حلب من هذا الخبر، [152] ونزح منها جماعة كثيرة، وغلا «5» بها ثمن ذوات الأربع، لأجل السفر منها، ومدلول هذه الحكايات طلب عسكر «6» يخرج من الديار المصرية إلى البلاد الشامية، فأوهم السلطان بخروج تجريدة، ثم فتر عزمه عن ذلك.(15/420)
وفى هذه الأيام أشيع بالقاهرة أن أبا «1» الخير النحاس قد تجنّن فى سجنه، وأنه صار يخلط فى كلامه، قلت: وحقّ له أن يتجنن، فإنه كان فى شىء، ثم صار فى شىء، ثم عاد إلى أسفل ما كان، وهو أنه كان أولا فقيرا مملقا متحيلا على الرزق، دائرا على قدميه فى النّزه والأوقات، ثم وافته «2» السعادة على حين غفلة «3» حتى نال منها حظا كبيرا، ثم حطه الدهر يدا واحدة، فصار فى الحبس، وفى رقبته الجنزير، يترقب ضرب الرقبة، بعد ما وقع له من الإخراق والبهدلة وشماته الأعداء، وأخذ أمواله ما وقع، فهو معذور: دعوه يتجنن ويتفنن فى جنونه «4» .
ثم فى يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة، استغاث الشريف غريم النحاس على رؤوس الأشهاد، وقال: قد ثبت الكفر على غريمى النحاس، وأقيمت البينة، والقاضى لا يحكم بموجب كفره وضرب رقبته؛ وكان الشريف هذا قد وقف إلى السلطان قبل تاريخه، وذكر نوعا من هذا الكلام، فرسم السلطان للقاضى المالكى، أنه إن ثبت على أبى الخير المذكور كفر، فليضرب رقبته بالشرع، ولا يلتفت لما بقى عنده من مال السلطان، فإن حقّ النبي صلى الله عليه وسلم أبدا من «5» حق السلطان.
فلما سمع الشريف ذلك؛ اجتهد غاية الاجتهاد، والقاضى يتثبت فى أمره؛ ثم بلغ القاضى المالكى مقالة الشريف هذه، فركب وطلع إلى السلطان واجتمع به وكلمه فى أمر النحاس، فأعاد السلطان عليه الكلام كمقالته أولا، وقال له كلاما معناه: أنّ هذا أمره راجع إليك، ومهما كان الشرع افعله معه، ولا تتعوّق لمعنى من المعانى، فقال القاضى المالكى: يا مولانا السلطان، قد فوّضت هذه الدعوى لنائبى القاضى كمال الدين بن عبد الغفار، فهو ينظر فيها بحكم الله تعالى؛ وانفض المجلس.(15/421)
وكان السلطان قد أرسل فى أول هذا النهار جوهرا التركمانى الطّواشى، إلى أبى الخير النحاس، يسأله عن الأموال، ويهدده بالضرب وبالنكال، فلم يلتفت أبو الخير إلى ما جاء فيه جوهر، وقال: قد أخذ السلطان جميع مالى، وما بقى فهو يباع فى كل يوم.
ثم أخذ أمر الشريف المدّعى على أبى الخير النحاس، فى انحلال، من كون [القاضى] «1» الشافعى أثبت فسق القاضى عز الدين البساطى، أحد نواب الحكم المالكى، وهو أحد من شهد على أبى الخير المذكور لأمر من الأمور، ولا نعرف على الرجل إلا خيرا، ووقع بسبب ذلك أمور، وعقد مجالس بالقضاة، بحضرة السلطان، وآل «2» الأمر [على] «3» أن السلطان حبس الشريف والشهود فى الحبس بالمقشرة، وتراجع أمر أبى الخير النحاس بعد ما أرجف بضرب رقبته غير مرة، ثم رسم السلطان فى اليوم الذي حبس فيه الجماعة المذكورة، بإخراج أبى الخير النحاس من حبس الديلم، وتوجّهه إلى بيت قاضى القضاة الشافعى، فأخرجه الوالى من سجن الديلم مجنزرا بين يديه، وشق به الشارع وهو راكب خلفه، ماش على قدر مشية النحاس، إلى أن أوصله إلى بيت القاضى الشافعى، بخط سويقة الصاحب، وقد ازدحمت الناس لرؤيته، وكان الوقت قبيل العصر بنحو العشر درج؛ ومرّ أبو الخير على مواضع كان يمر بها فى موكبه أيام عزه، والناس بين يديه؛ وبالجملة فخروجه الآن من حبس الديلم، خير من توجهه إليه من بيت القاضى المالكى، والمراد به الآن خير مما كان يراد به بعد «4» ذاك.
ولما وصل أبو الخير إلى بيت القاضى الشافعى، أسلمه والى القاهرة إليه، فأمر القاضى فى الوقت، برفع الجنزير من عنقه، ثم قام بعد ساعة، شخص وادعى على أبى الخير بدعاو كثيرة شنعة، اعترف أبو الخير ببعضها، وسكت عن البعض، فحكم القاضى عند ذلك بإسلامه، وحقن دمه، وفعل ما وجب عليه من التعزير، بمقتضى مذهبه،(15/422)
وسلمت مهجته، بعد أن أيقن كلّ أحد بسفك دمه، وذهاب روحه، وذلك لعدم أهلية أخصامه، وضعف شوكتهم، وعدم مساعدة المقر الجمالى ناظر الخواص «1» على قتله، فإنه لم يتكلم فى أمره من يوم أمسك [153] ، إلا فيما يتعلق به من شأنه، ولم يداخلهم فيما هم فيه البتة، مع أنه كان لا يكره ذلك، لو وقع، غير أنه لم يتصدّى لهذا الأمر فى الظاهر بالكلية، احتفاظا لرئاسته ودينه. وأنا أقول: لو كان أمر النحاس هذا مع ذلك الجزار جمال الدين الأستادّار، أو غيره من أمثاله، لألحقوه بمن تقدمه من الأمم السالفة، ولكن «لكل أجل كتاب» .
وبعد أن عزّره القاضى، أمر بالترسيم عليه، حتى يتخلص من تعلقات السلطنة.
ثم فى يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الآخرة، رسم السلطان بالإفراج عن الشريف غريم النحاس، وعن الشهود من حبس المقشرة؛ ورسم بنفى النحاس إلى مدينة طرسوس، محتفظا به، وأنه يقيد ويجنزر من خانقاه سرياقوس، فمضى جانبك الوالى إليه، وأخرجه من بيت القاضى الشافعى راكبا على فرس فى الثلث الأول من ليلة السبت تاسع عشرينه، وذلك بعد أن حلف أبو الخير المذكور فى أمسه يمينا مغلظا بمجلس قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى، أنه لم يبق معه شىء من المال غير مبلغ يسير جدا، برسم النفقة، وأنه صار فقيرا لا يملك ما قلّ ولا جلّ، فسبحان المطلع على السرائر.
وفرغ هذا الشهر والناس فى جهد وبلاء من غلوّ الأسعار فى جميع المأكولات، وتزايد أثمل البغال، لكثرة طلابها من الفقهاء والمتعممين، لشدة المماليك الجلبان فى منعهم من ركوب الخيل.
ثم فى يوم الخميس رابع «2» [شهر] «3» رجب، برز الأمير سونجبغا اليونسى الناصرى من القاهرة، إلى بركة الحاج أمير الرجبية، وسافر فى الركب المذكور الأمير(15/423)
جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد أحد مقدمى الألوف وصحبته زوجته خوند شقراء بنت الملك الناصر فرج [وعيالهما] «1» ، وسافر معه أيضا الأمير تغرى برمش السيفى يشبك «2» ابن أزدمر الزّردكاش، أحد أمراء الطبلخانات، وعدة كبيرة من أعيان الناس وغيرهم، وسافر الجميع فى يوم الاثنين ثامنه.
ثم فى يوم الأحد رابع عشر شهر رجب، الموافق لسلخ مسرى أحد شهور القبط، أمر السلطان الشيخ عليّا «3» المحتسب أن يطوف فى شوارع القاهرة، وبين يديه المدراء «4» ، يعلمون الناس بأن فى غد يكون الاستسقاء بالصحراء لتوقف النيل عن الزيادة؛ وأصبح من الغد فى يوم الاثنين خامس عشره، وهو أول يوم من أيام النّسىء «5» ، خرج قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى، إلى الصحراء ماشيا من داره بين الخلائق من الفقهاء والفقراء والصوفية، إلى أن وقف بين تربة الملك الظاهر برقوق، وبين قبة النصر، قريبا من الجبل، ونصب له هناك منبر، وحضر الخليفة وبقية القضاة، وصاروا فى جمع موفور من العالم من سائر الطوائف، وخرجت اليهود والنصارى بكتبهم، وصلى قاضى القضاة المذكور بجماعة من الناس ركعتين خفيفتين، ودعا الله سبحانه وتعالى، بإجراء النيل، وأمّن الناس على دعائه وعظم ضجيج الخلائق من البكاء والنحيب والتضرع إلى الله تعالى ودام ذلك من بعد طلوع الشمس إلى آخر الساعة الثانية من النهار المذكور، ثم انصرفوا على ما هم عليه من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى، فكان هذا اليوم من الأيام التى لم نعهد بمثلها.(15/424)
وفى هذا اليوم، ورد كتاب خير بك النّوروزى نائب غزة، يتضمن أن أبا الخير النحاس توعّك وأنه يسأل أن يقيم بغزة، إلى أن ينصل من مرضه، ثم يسافر إلى طرسوس، فكتب الجواب إليه بالتوجه إلى طرسوس من غير أن يتعوق اليوم الواحد.
ثم فى يوم الخميس ثامن عشره، خرج الخليفة والقضاة الأربعة «1» إلى الاستسقاء ثانيا، بالمكان المذكور، وخرجت الخلائق، وصلى القاضى الشافعى، وخطب خطبة طويلة، وقد امتلأ الفضاء بالعالم، وطال وقوف الناس فى الدعاء فى هذا اليوم، بخلاف يوم الاثنين. وبينما الناس بدعائهم، ورد منادى البحر، ونادى بزيادة أصبع واحد من النقص، فسرّ الناس بذلك سرورا عظيما، ثم انفضّ الجمع.
وعادوا إلى الاستسقاء أيضا من الغد فى يوم الجمعة ثالث مرة، وخطب القاضى على عادته فتشاءم الناس بوقوع خطبتين فى يوم واحد، فلم يقع إلا الخير والسلامة من جهة الملك، واستمر البحر فى زيادة ونقص إلى يوم الخميس عاشر شعبان الموافق لعشرين توت «2» [154] فأجمع رأى السلطان على فتح خليج السد، من غير تخليق «3» المقياس، وقد بقى على الوفاء ثمانية أصابع لتكملة ستة عشر ذراعا، فنزل والى القاهرة ومعه بعض أعوانه، وفتح سدّ الخليج، ومشى الماء فى الخلجان مشيا هينا، فكان هذا اليوم من الأيام العجيبة، من كثرة بكاء الناس ونحيبهم، ومما هالهم من أمر هذا النيل. وقد استوعبنا أمر زيادته من أوله إلى آخره فى تاريخنا «حوادث الدهور» ، وما وقع بسببه من التوجه إلى المقياس بالقراء والفقهاء [مرارا] «4» وكذلك إلى الآثار النبوى «5» ، وتكالب(15/425)
الناس على الغلال «1» ، ونهب الأرغفة من على الحوانيت، وأشياء كثيرة من هذا النموذج، يطول الشرح فى ذكر ها هنا «2» .
وفى هذه الأيام، ورد الخبر على السلطان بفرار تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع، شادّ بندر جدّة، من جدة، إلى جهة الهند؛ وكان من خبره أن تمراز لما سار واستولى على ما تحصل من البندر من العشر، من الذي خصّ السلطان، بدا له أن يأخذ جميع ما تحصل عنده، ويتوجه إلى الهند عاصيا على السلطان، فاشترى مركبا مروّسا بألف دينار، من شخص يسمى يوسف البرصاوى «3» [الرومى] «4» وأشحنها بالسلاح والرجال، يوهم أنه ينزل فيها ويعود بما تحصل معه إلى مصر، فلما تهيأ أمره، أخذ جميع ما تحصل من المال وهو نحو الثلاثين ألف دينار، وسافر إلى جهة اليمن، وبلغ السلطان ذلك من كتاب الشريف بركات صاحب مكة، فعظم ذلك على السلطان، وعدّد ولاية تمراز هذا من جملة ذنوب النحّاس، ثم طلب السلطان مملوكه الأمير جانبك الظاهرى وخلع عليه باستقراره على التكلم على بندر جدّة، على عادته، ليقوم بهذا الأمر المهم الذي ليس فى المملكة من ينهض به غيره، وأعنى من تمراز، والفحص عليه والاجتهاد فى تحصيله؛ وتجهّز الأمير جانبك، وخرج إلى البندر على عادته، بأجمل زى وأعظم حرمة.(15/426)
وأما تمراز فإنه لما سافر من بندر جدّة إلى جهة بلاد الهند، صار كلما أتى إلى بلد ليقيم به، تستغيث تجار تلك البلد بحاكمها، ويقولون: «أموالنا بجدّة، ومتى ما علم صاحب جدة أنه عندنا، أخذ جميع مالنا، بسبب دخول تمراز هذا عندنا؛ فإنه قد أخذ مال السلطان وفرّ من جدة» ، فيطرده حاكم تلك البلد. ووقع له ذلك بعدة بلاد، وتحيّر فى أمره، وبلغ مسيره على ظهر البحر ستة أشهر، فعند ما عاين الهلاك، أرمى بنفسه بجميع ما معه فى مركبه، إلى مدينة كالكوت، وحاكم كالكوت سامرىّ، وجميع أهل البلد سمرة، وبها تجار غير سمرة، وأكثرهم من المسلمين، فثار «1» التجار، واستغاثوا بالسامرىّ، وقالوا له مثل مقالة غيرهم «2» ، كل ذلك مراعاة لجهة جانبك نائب جدّة.
وكنت أستبعد أنا ذلك، إلى أن أوقفنى مرة الأمير جانبك المذكور، على عدة مطالعات، وردت عليه من السامرى المذكور، وكلّ كتاب منهم، يشتمل على نظم ونثر وكلام فحل فائق، لا أدرى ذلك لفضيلة السامرى أو من كتّابه، وفى ضمن بعض الكتب الواردة صفة قائمة مكتوب «3» فيها [عدة] «4» الهدية التى أرسلها صحبة الكتاب المذكور، والقائمة خوصة، لعلها من ورق شجر جوز الهند، طول شبر ونصف، فى عرض إبهام، مكتوب عليها بالقلم الهندى خط «5» باصطلاحهم، لا يعرف يقرأه إلا أبناء جنسهم، فى عاية الحسن والظرف- انتهى.
ولما تكلم التجار المسلمون وغيرهم مع السامرى «6» فى أمر تمراز، أراد السامرى مسك تمراز، فأحس تمراز بذلك، فأرسل إلى السامرى هدية هائلة، فأعاد عليه السامرى الجواب ب: «إن التجار يقولون إن معك مال السلطان» ، فقال تمراز: «نعم،(15/427)
أخذت المال لأشترى به [للسلطان] «1» فلفلا» ، فقال له السامرى: «اشتر «2» به فى هذا الوقت، واشحنه فى مراكب التجار» ، فاشترى به «3» تمراز الفلفل وأشحنه فى مركبين للتجار، والباقى أشحنه فى المركب المروّس الذي تحته، وسار تمراز وقصد بندر جدّة، إلى أن وصل باب المندب من عمل اليمن، عند مدينة عدن، فأخذ المركبين المشحونين بالفلفل [155] وتوجّه بهما إلى جزيرة مقابلة الحديدة تسمى كمران «4» ، فحضر أكابر الحديدة إلى عند تمراز المذكور، وحسنوا له أخذ مملكة اليمن جميعها، فمال تمراز إلى ذلك، وخرج إلى بلدهم وأخذ معه جميع ما «5» كان له بالمركب.
ثم قال له أهل الحديدة: «لنا عدوّ، وما نقدر نملك اليمن حتى ننتصر عليه، وبلد العدو تسمى سحيّة» «6» ، فأجمع تمراز على قتال المذكورين، وركب معهم وقصد عدوّهم.
والتقى «7» الجمعان، فكان بينهم وقعة قتل فيها تمراز المذكور، وقتل معه جماعة من أصحابه، وسلم ممن كان معه شخص من المماليك السلطانية، يسمى أيضا تمراز [وهو حتى إلى يومنا هذا. فلما بلغ الأمير جانبك موت تمراز] «8» ، أرسل شخصا من(15/428)
الخاصكية «1» الظاهرية ممن كان معه بجدة، يسمى تنم رصاص «2» ، ومعه كتب جانبك المذكور إلى الحديدة، بطلب ما كان مع تمراز جميعه، فتوجّه تنم إلى الحديدة، فتلقاه أهلها بالرحب والقبول، وسلموه جميع ما كان مع تمراز، والمركب المروّس وغير ذلك.
فعاد تنم بالجميع إلى جدة، بعد أن استبعد كل أحد رجوع المال، فأرسل الأمير جانبك يخبر السلطان بذلك كلّه، فلما ورد عليه هذا الخبر، سربه وشكر جانبك المذكور على ذلك- انتهى «3» .
ثم فى يوم الأربعاء، سابع شهر رمضان، وصل الأمير تنبك البردبكى المعزول عن حجوبية الحجاب قبل تاريخه، من ثغر دمياط، بطلب من السلطان، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض بين يدى السلطان، ووعد بخير، ورسم له بالمشى فى الخدمة السلطانية على عادته أولا، لكنه لم ينعم عليه بإقطاع ولا إمرة.
وفى هذه الأيام، رسم السلطان لنائب طرسوس بالقبض على أبى الخير النحاس، وضربه على سائر جسده خمسمائة عصاة، وأن يأخذ جميع ما كان معه من المماليك والجوارى؛ وخرج المرسوم بذلك على يد نجّاب، ووقع ما رسم به السلطان.
ثم فى يوم الاثنين سادس [عشرين] «4» شهر رمضان، ورد الخبر من الشأم بضرب رقبة أبى الفتح الطيبى، أحد أصحاب أبى الخير النحاس؛ بحكم القاضى المالكى بدمشق، فى ليلة الأربعاء رابع [عشر] شهر رمضان المذكور، بعد أن ألغى حكم القاضى برهان الدين إبراهيم السوبينى الشافعى، بعد عزله بعد أمور وقعت حكيناها فى الحوادث «5» .
ثم فى يوم الاثنين سابع [عشر] شوال؛ برز الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار(15/429)
الثانى، أمير حاج المحمل، بالمحمل، إلى بركة الحاج، وأمير الركب الأول خير بك الأشقر المؤيدى أحد أمراء العشرات، وكان الحج قليلا جدا فى هذه السنة، لعظم الغلاء بالديار المصرية وغيرها.
ثم فى يوم الخميس خامس ذى القعدة، برز المرسوم الشريف باستقرار الأمير جانبك التاجىّ «1» المؤيدى نائب بيروت، فى نيابة غزة، بعد عزل خيربك النوروزى عنها، وتوجهه إلى دمشق بطالا.
ثم فى يوم الاثنين سادس عشر ذى القعدة، ورد الخبر على السلطان بموت الأمير تغرى برمش الزردكاش بمكة المشرفة؛ وكان المخبر بموته، جانبك الظاهرى الخاصكى البواب [عفريت] «2» ، فأنعم السلطان فى يوم الخميس تاسع عشره، على السيفى دقماق اليشبكى، الخاصّكى، بإمرة عشرة، من إقطاع تغرى برمش الزردكاش، وأنعم بباقيه على الأمير قراجا الظاهرى الخازندار، زيادة على ما بيده ليكمل ما بيده إمرة طبلخاناة؛ وأنعم بإقطاع دقماق، ربع تفهنة «3» ، على جانبك الأشرفى الخازندار الخاصكى، وهو بوم ذاك من جملة الدّوادارية.
ثم خلع السلطان فى يوم الاثنين ثالث عشرينه، على دقماق المذكور، باستقراره زرد كاشيّا كبيرا، عوضا عن تغرى برمش المذكور، فأقام دقماق فى الزّردكاشيّة خمسة أيام، وعزل عن الوظيفة، واسترجع السلطان منه الإمرة المنعم عليه بها من إقطاع تغرى برمش وأعيد إليه إقطاعه القديم، وقد ذكرنا سبب عزله فى «حوادث الدهور»(15/430)
[156] مفصلا «1» ، واستقر الأمير لاجين الظاهرى زردكاشا، ولما أعيد إلى دقماق إقطاعه القديم، صار جانبك الأشرفى الخازندار بلا إقطاع، لأن السلطان كان أنعم بإقطاعه على جانبك الظاهرى البواب القادم من مكة، وساعد جانبك الأشرفىّ جماعة من الأعيان فى رد إقطاعه الأول عليه، أو ينعم عليه السلطان بالإمرة المسترجعة من دقماق، فلم يحسن ببال السلطان أخذ الإقطاع من جانبك الظاهرى؛ فحينئذ لزمه أن يعطى جانبك الخازندار هذه الإمرة المذكورة فأنعم عليه بها، فجاءت «2» جانبك السعادة بغتة، من غير أن يترشح لذلك قبل تاريخه. وخلع السلطان على السيفى قايتباى الظاهرى الخاصكى باستقراره دوادارا، عوضا عن جانبك الخازندار المذكور، فإنه كان بقى من جملة الدوادارية، غير أنه كان لا يعرف إلا بالخازندار، [و] «3» الظريف إلى يومنا هذا.
ثم فى يوم الخميس ثالث ذى الحجة، خلع السلطان على القاضى ولىّ الدين الأسيوطى «4» باستقراره فى [مشيخة] «5» المدرسة الجمالية بعد موت ولى الدين السّفطى.
ثم فى يوم الأحد ثالث عشر ذى الحجة، رسم السلطان بالإفراج عن الأمير يشبك الصوفى المؤيّدى المعزول عن نيابة طرابلس، من سجن الإسكندرية وتوجّهه إلى ثغر «6» دمياط بطّالا.
وفى يوم الاثنين رابع عشره، وصل كتاب الناصرى محمد بن مبارك نائب البيرة، يخبر أنه ورد عليه كتاب الأمير رستم، مقدم عساكر جهان شاه [بن] «7» قرا يوسف،(15/431)
يتضمن أنه قبض على الأمير بيغوت [من صفر خجا] «1» المؤيّدى [الأعرج] «2» المتسحّب من نيابة حماه إلى جهان گير بن قرايلك، وأنه أخذ جميع ما كان معه وجعله فى الترسيم. فكتب له الجواب بالشكر والثناء عليه، وطلب بيغوت المذكور منه، وقد أوضحت أمر بيغوت هذا فى كتابنا «حوادث الدهور» من أول أمره إلى آخره «3» .
[ما وقع من الحوادث سنة 855]
ثم فى يوم الخميس أول محرم سنة خمس وخمسين وثمانمائة، خلع السلطان على الأمير مرجان العادلى المحمودى الحبشى «4» نائب مقدم المماليك السلطانية، باستقراره مقدم المماليك، عوضا عن جوهر النّوروزى، بحكم إخراجه إلى القدس الشريف بطالا، [و] «5» استقر الطواشى عنبر خادم التاجر نور الدين على الطنبذى فى نيابة المقدم، عوضا عن مرجان المذكور.
ثم فى يوم الاثنين خامس المحرم، كانت مبايعة الخليفة القائم بالله حمزة، بالخلافة، عوضا عن أخيه أمير المؤمنين المستكفى بالله سليمان، بعد وفاته، حسبما يأتى ذكر وفاته فى الوفيات من هذا الكتاب.
ثم فى يوم السبت تاسع صفر، وصل إلى القاهرة، قصّاد جهان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز وغيرها، وطلعوا إلى القلعة فى يوم الاثنين حادى عشره، بعد أن عمل(15/432)
السلطان لهم موكبا جليلا «1» بالحوش من قلعة الجبل، وقدّموا ما على أيديهم من الهدية وغيرها «2» .
ثم فى يوم الأحد سابع عشر صفر، ورد الخبر بقدوم الأمير بيغوت نائب حماة، الخارج عن الطاعة، إلى حلب، وصحبة القاصد الوارد بهذا الخبر، عدة مطالعات من نواب البلاد الشأمية فى الشفاعة فى بيغوت المذكور، كونه كان تخلص من أسر رستم وقدم هو بنفسه إلى طاعة السلطان، فكتب السلطان بإحضار بيغوت المذكور على أحسن وجه، وقبل السلطان شفاعة الأمراء فيه.
ثم فى يوم الاثنين ثامن عشره، عمل السلطان مدة هائلة لقصّاد جهان شاه بالقلعة، ثم أنعم عليه بمبلغ ألفى دينار فى يوم الأربعاء العشرين منه، وأنعم أيضا على الأمير قانم التاجر المؤيدى أحد أمراء العشرات بألفى دينار، وكان ندبه للتوجه فى الرسلية إلى جهان شاه صحبة قصّاده، فخرج قانم فى يوم الجمعة ثانى عشرين صفر.
ثم فى يوم الأحد ثانى شهر ربيع الأول، من سنة خمس وخمسين المذكورة، نزل السلطان إلى عيادة زين الدين يحيى الأستادار، لانقطاعه عن الخدمة، وكان سبب انقطاعه عن الخدمة السلطانية أن المماليك السلطانية أوقعوا به بباب «3» [157] القلة «4» من قلعة الجبل، وضربوه وجرح فى رأسه، من شجة، ونزل محمولا إلى داره على أقبح حال. ولم يطل السلطان الجلوس عنده، وركب من عنده، وتوجّه إلى بيت عظيم الدوله المقر الجمالى ناظر الخواص، [ونزل عنده وأقام قليلا، ثم ركب وعاد إلى القلعة وأصبح(15/433)
من الغد كلّ واحد من الجمالى ناظر الخواص] «1» وزين الدين الأستادار، جهزّ للسلطان تقدمة هائلة ذكرنا تفصيلها فى الحوادث «2» .
ثم فى يوم السبت ثالث عشر شهر ربيع الآخر، وصل الأمير بيغوت الأعرج [من صفرخجا] «3» المؤيدى نائب حماه كان، إلى القاهرة، وطلع إلى السلطان، وقبل الأرض بين يديه، وخلع السلطان عليه سلاريّا أحمر بفرو سمور، ووعده بخير «4» .
ثم فى يوم الاثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر المذكور، سافر الأمير أسنباى الجمالى الظاهرى أحد أمراء العشرات إلى بلاد الروم، لتولية خوندكار محمد السلطنة، بعد وفاة أبيه مراد بك.
وفى هذا الشهر، أشيع بالقاهرة، أن السلطان ذكر أبا «5» الخير النحاس بخير، وأنه فى عزمه الإفراج عنه والرضا عليه، فبلغ السلطان ذلك، فبرز مرسومه إلى نائب طرسوس بضرب النحاس مائة عصاة افتقده بها.
ثم فى يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى، سافر الأمير بيغوت إلى دمشق؛ ليقيم بها «6» بطّالا، بعد أن رتب له فى كل شهر مائة دينار برسم النفقة، إلى أن ينحلّ له إقطاع «7» .
ثم فى يوم الخميس رابع [عشر] «8» شهر رجب وصل الأمير قائم المؤيدى المتوجه إلى جهان شاه فى الرسلية، إلى القاهرة مريضا فى محفة.
ثم فى يوم الاثنين تاسع شعبان، وصل الأمير جانبك نائب جدّة إلى القاهرة، وخلع السلطان عليه، ونزل إلى داره فى موكب جليل إلى الغاية.(15/434)
ثم فى يوم الخميس تاسع عشر شعبان، ورد الخبر على السلطان بموت الأمير بردبك العجمى الجكمى، أحد مقدمى الألوف بدمشق، فأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير بيغوت الأعرج المؤيدى.
ثم فى يوم الأحد ثانى عشرينه، نزل السلطان من القلعة وشق القاهرة، وسار حتى نظر المدرسة التى جدد بناءها الجمالى ناظر الخواص، بسويقة الصاحب، ثم عاد من المدرسة، ونزل إلى بيت ابنته زوجة الأمير أزبك من ططخ الساقى الظاهرى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بدرب الطنبذى بسويقة الصاحب، وأقام عندها ساعة جيدة، ثم ركب وطلع إلى القلعة. وبعد طلوعه أرسل إلى الأمير أزبك بعدة خيول خاص ومماليك وأصحن حلوى كثيرة، فقبل الحلوى ورد ما سواها.
ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان من سنة خمس وخمسين المذكورة، رسم السلطان بتفرقة دراهم الكسوة، على المماليك السلطانية على العادة فى كل سنة، لكل مملوك ألف درهم، فامتنعوا من الأخذ، وطلبوا الزياده، وبلغ السلطان الخبر، فغضب من ذلك وخرج من وقته ماشيا حتى وصل إلى الإيوان، وجلس على السّلّمة السفلى بالقرب من الأرض، واستدعى كاتب المماليك أسماء جماعة فلم يخرج واحد، وصمموا على طلب الزيادة، وصاروا عصبة واحدة، فلم يسع السلطان إلا أن دعا عليهم، وقام غضبانا، وسار حتى وصل إلى الدّهيشة. واستمروا المماليك على ما هم عليه، وحصل أمور، إلى أن وقع الاتفاق على أنه يكون لكل مملوك من المماليك السلطانية ألفا «1» درهم، ورضوا بذلك، وأخذوا النفقة المذكورة، وقد تضاعف أمرها على ناظر الخاص.
ثم استهل [شهر] «2» رمضان، أوله الاثنين والناس فى أمر مريج من الغلاء المفرط فى سائر المأكولات لا سيما اللحوم، هذا مع اتساع الأراضى بالرى، واحتاجت الفلاحون(15/435)
إلى التقاوى والأبقار، وقد عزّ وجود البقر حتى أبيع الزوج البقر الهائل، بمائة وعشرين دينارا، وما دونها، وأغرب من ذلك ما حدثنى السيفى إياس خازندار الأتابك آقبغا التمرازى، بحضرة الأمير أزبك الساقى، أنه رأى ثورا هائلا، ينادى عليه بأربعين ألف درهم «1» ، فاستبعدت أنا ذلك، حتى قال [158] الأمير أزبك: «نعم، وأنا سمعته أيضا يقول هذا الخبر للمقر الجمالى ناظر الخواص» . ثم استشهد إياس المذكور بجماعة كثيرة على صدق مقالته، وهذا شىء لم نعهد بمثله. هذا مع كثرة الفقراء والمساكين، ممن افتقر فى هذه السنين المتداولة بالغلاء والقحط، مع أنه تمفقر خلائق كثيرة ممن ليس له مروءة، وأمسك فى هذه الأيام جماعة كثيرة من البيعة، ومعهم لحوم الدواب الميتة، ولحم الكلاب، يبيعونها [على الناس] «2» ، وشهروا بالقاهرة، وقد استوعبنا أمر هذا الغلاء وما وقع فيه من الغرائب من ابتداء أمره إلى آخره، وقد مكث نحو الأربع سنين فى تاريخنا «حوادث الدهور فى «3» مدى الأيام والشهور» ، محررا باليوم والساعة «4» .
ثم فى يوم الخميس حادى عشر شهر رمضان استقر الناصرى [ناصر الدين] «5» محمد ابن مبارك [نائب البيرة] «6» فى حجوبية دمشق؛ بعد عزل الأمير جانبك الناصرى؛ وتوجهه إلى القدس بطّالا.(15/436)
ووقع فى هذا الشهر، أعنى عن شهر رمضان، غريبة، وهى أن جماعة أرباب التقويم والحساب أجمعوا على أنه يكون فى أوائل العشر الأخير من هذا الشهر قران نحس يكون فيه قطع عظيم؛ على السلطان الملك الظاهر جقمق، ثم فى أواخر العشر المذكور يكون قران آخر، ويستمر القطع على السلطان من أول العشر إلى آخره، وأجمعوا على زوال السلطان بسبب هذه القطوع، فمضى هذا الشهر والسلطان فى خير وسلامة، فى بدنه وحواسه، ولازمته أنا فى العشر المذكورة ملازمة غير العادة، لأرى ما يقع له من التوعك أو الأنكاد، أو شىء يقارب مقالة هؤلاء، ليكون لهم مندوحة فى قولهم، فلم يقع له فى هذه المدة ما كدّر عليه؛ ولا تشوّش فى بدنه، ولا ورد عليه من الأخبار ما يسوء؛ ولا تنكد بسب من الأسباب؛ وقد كان شاع هذا القول حتى لعله بلغ السلطان أيضا، وفرغ الشهر، ولم يقع شىء مما قالوه بالكليّة؛ ويأبى الله إلا ما أراد؛ ويعجبنى فى هذا المعنى قول القائل، ولم أدر لمن هو: [البسيط]
دع المنجّم يكبو فى ضلالته ... إن ادّعى علم ما يجرى به الفلك
تفرّد الله بالعلم القديم فلا ... الإنسان «1» يشركه فيه ولا الملك
ومثل هذا أيضا، وأظنه قد تقدم ذكره: [البسيط]
دع النجوم لطرقىّ يعيش بها ... وبالعزيمة فانهض أيها الملك
إن النّبيّ وأصحاب النّبيّ نهوا ... عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا
ثم فى يوم الجمعة ثالث شوال، ورد الخبر بموت يشبك الحمزاوى نائب صفد بها، فى ليلة السبت سابع عشرين «2» شهر رمضان، فرسم السلطان بنيابة صفد للأمير بيغوت الأعرج ثانيا، وحمل إليه التقليد والتشريف «3» على يد الأمير يشبك الفقيه المؤيّدى، بنيابة صفد؛ ويشبك المذكور من محاسن الدنيا، نادرة فى أبناء جنسه؛ وأنعم بتقدمة(15/437)
بيغوت بدمشق، على الناصرى محمد بن مبارك حاجب حجاب دمشق؛ وأنعم بإقطاع ابن المبارك، على آقباى السيفى جارقطلو، المعزول عن نيابة سيس. وفيه أيضا، استقر خير بك النوروزى المعزول عن نيابة غزة قبل تاريخه، أتابك صفد، كلاهما: أعنى خير بك وآقباى، بالبذل، لأنهما من أطراف الناس، لم تسبق لهما رئاسة بالديار المصرية.
ثم فى يوم السبت رابعه، استقر السّوبينى فى قضاء طرابلس، واستقر [الشمس] «1» ابن عامر فى قضاء المالكية بصفد.
ثم فى يوم الاثنين سادسه، استقر [الزينى] «2» الطّواشى سرور الطربائى [الحبشى] «3» ، فى مشيخة الخدام بالحرم النبوى، بعد عزل الطواشى فارس الرومى الأشرفى.
ثم فى يوم الخميس سادس عشر شوال، أعيد القاضى حميد الدين [النعمانى] «4» إلى قضاء الحنفية بدمشق، بعد عزل القاضى قوام الدين. وفيه خلع السلطان على المقر الجمالى ناظر الخواص، خلعة هائلة لفراغ الكسوة المجهزة لداخل البيت العتيق.
ثم فى يوم السبت ثامن عشره، برز أمير حاجّ المحمل الأمير سونجبغا اليونسى [159] بالمحمل إلى بركة الحاج.
ثم فى يوم الثلاثاء سابع عشرين ذى القعدة، أنعم السلطان على الأمير تنبك البردبكى المعزول عن حجوبية الحجاب قبل تاريخه، بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، بعد موت الشهابى أحمد بن على بن إينال اليوسفى.
ثم فى يوم الخميس سادس ذى الحجة من سنة خمس وخمسين المذكورة، قدم الأمير أسنباى الجمالى الظاهرى، أحد أمراء العشرات من بلاد الروم.
ثم فى يوم الثلاثاء حادى عشر ذى الحجة، استقر عمر الكردى، أحد أجناد الحلقة(15/438)
[فى] «1» أستادّارية السلطان بدمشق [واستقر شخص يسمى يونس الدمشقى، يعرف بابن دكدوك، فى أستادّارية السلطان الكبرى بدمشق] «2» ، وعمر المذكور، ويونس هذا، [هما] «3» من الأوباش الأطراف، وكلاهما ولى بالبذل.
[ثم] «4» فى يوم الخميس سابع عشرين ذى الحجة، وصل الأمير يشبك الفقيه من صفد، بعد ما قلد نائبها الأمير بيغوت.
[ما وقع من الحوادث سنة 856]
ثم فى يوم الاثنين أول محرم سنة ست وخمسين وثمانمائة، أعيد القاضى جمال الدين يوسف الباعونى إلى قضاء دمشق، بعد عزل السراج الحمصى، بسفارة عظيم الدولة ناظر الخواص.
ثم فى يوم الثلاثاء [ثالث عشرينه] «5» ، وصل أمير حاجّ المحمل بالمحمل. وفيه سافر الأمير جانبك الظاهرى نائب جدة [إلى] «6» البندر المذكور «7» .
ثم فى [يوم] «8» الاثنين سادس صفر، استعفى الأمير ألطنبغا الظاهرى برقوق [المعلم] «9» اللفّاف، أحد مقدمى الألوف، من الإمرة، فأعفى لطول مرضه وعجزه عن الحركة، وأنعم السلطان بإقطاعه على ولده المقام الفخرى عثمان، زيادة على ما بيده من تقدمة أخيه الناصرى محمد قبل تاريخه، فصار بيده تقدمة أخيه وهذه التقدمة.
ثم فى يوم الجمعة ثانى شهر ربيع الأول «10» ، حضر المقام الفخرى عثمان صلاة الجمعة، عند أبيه بجامع القلعة، ورسم له والده السلطان أن يمشى الخدمة على عادة أولاد الملوك.
ثم فى يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأول المذكور، خلع السلطان على القاضى محب(15/439)
الدين محمد بن الأشقر، ناظر الجيش، باستقراره كاتب السر الشريف، عوضا عن القاضى كمال الدين بن البارزى بعد موته. وخلع السلطان أيضا على المقرّ الجمالى ناظر الخواص، باستقراره ناظر الجيوش المنصورة زيادة على ما بيده من نظر الخاص وغيره.
ثم فى يوم السبت سابع عشره، نودى بالقاهرة، على الذهب الظاهرى الأشرفى، كل دينار بمائتى درهم وخمسة وثمانين «1» درهما، وهدّد من زاد فى صرفه على ذلك.
ثم فى يوم الاثنين، ثالث شهر ربيع الآخر، استقر الشريف معز «2» فى إمرة الينبوع، عوضا عن عمه سنقر [بن وبير] «3» ؛ وفيه نقل يشبك الصوفى المؤيّدى المعزول عن نيابة طرابلس، من ثغر دمياط إلى القدس بطالا.
ثم فى يوم السبت ثامن عشرين جمادى الأولى، أنعم السلطان على مملوكه جانم الساقى الظاهرى، بإمرة عشرة، بعد موت الأمير برسباى الساقى المؤيدى.
ثم فى يوم السبت حادى عشر شهر رجب، وصل إلى القاهرة الأمير حاج إينال اليشبكى، نائب الكرك، وخلع السلطان عليه باستمراره.
ثم فى يوم السبت ثامن عشر رجب المذكور، أنعم السلطان على حاج إينال المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، عوضا عن الأمير مازى «4» الظاهرى برقوق، بحكم لزومه بيته، واستقر فى نيابة الكرك عوضا عن حاج إينال، طوغان، مملوك آقبردى المنقار، نقل إليها من دوادارية السلطان بدمشق، واستقر فى دوادارية السلطان بدمشق، خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز الدوادار، واستقر عوضا عن خشكلدى فى الدوادارية الثالثة «5» شخص من أولاد الناس، ممن كان فى خدمة الملك الظاهر قديما، يعرف بابن جانبك، لا يعرف له نسب ولا حسب.(15/440)
وفى هذه الأيام أشيع بالقاهرة، بمجيء النحاس إلى الديار المصرية، وأنه وصل على النّجب، وأنه نزل بتربة الأمير طيبغا الطويل بالصحراء خارج القاهرة، ثم انتقل [160] منها إلى القاهرة، وتحدث الناس برؤيته، وتعجب الناس من ذلك، واستغربت أنا وغيرى مجيئه من أن السلطان من يوم نكبه وصادره وحبسه ثم نفاه إلى طرسوس، ثم حبسه بقلعة طرسوس على أقبح وجه، وصار فى الحبس المذكور فى غاية الضيق، ونال أعداؤه منه فوق الغرض، وصار السلطان يتفقده فى كل قليل بعصيّات، حتى أنه ضرب فى مدة حبسه بطرسوس، على نفذات متفرقة، نحو الألف عصاة تخمينا، ولم يزل فى محبسه فى أسوأ حال، حتى أشيع مجيئه، ولم يدر بذلك أحد من أعيان الدولة، ولا يعرف أحد كيفية الإفراج عنه؛ وأخذ أعيان الدولة من الأكابر فى تكذيب [هذا الخبر] «1» ، وصار الناس فى أمره على قسمين: ما بين مصدق ومكذب.
ثم قدم الأمير جانبك الظاهرى، نائب جدّة وصحبته قصّاد الحبشة من المسلمين من صاحب جبرت فى يوم الخميس ثامن شعبان، وعمل السلطان الموكب بالحوش السلطانى، وكان السلطان قد انقطع عن حضور الخدمة بالقصر نحو الشهر لضعف حركته.
فلما كان يوم الجمعة تاسعه، طلع أبو الخير النحاس فى بكرته إلى القلعة، ودخل إلى الدّهيشة صحبة المعزّى عبد العزيز ابن أخى الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وقد أمره عمه القائم بأمر الله حمزة ليشفع فى أبى الخير المذكور على لسان الخليفة، ولم يكن عند السلطان فى ذلك الوقت من أعيان الدولة سوى الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى، والأمير أسنباى الجمالى الظاهرى؛ فقام السلطان لابن أخى الخليفة المذكور وأجلسه، ثم دخل أبو الخير النحاس وقبّل رجل السلطان، فسبّه السلطان ولعنه وأخذ فى توبيخه، وذكر أفعاله القبيحة؛ ثم أمر بحبسه بالبرج من قلعة الجبل، ثم اعتذر لابن أخى الخليفة، وقال: «أنا كنت أريد توسيطه، ولأجل الخليفة قد عفوت عنه» .
ثم أنعم على عبد العزيز المذكور بمائة دينار، وانفض المجلس.(15/441)
وأصبح السلطان من الغد فى يوم السبت، جلس على الدّكة بالحوش السلطانى، وأحضر أبا الخير المذكور، فى الملأ من الناس، ثم أمر به فضرب بين يديه نحو الألف عصاة، أو ما دونها تخمينا، على رجليه، وسائر بدنه؛ ثم أمر بحبسه ثانيا بالبرج من القلعة، فتحيّر الناس من هذه الأفعال المتناقضة، وهو كونه أفرج عنه سرا وأحضره إلى القاهرة؛ فظن كل أحد بعود المذكور إلى أعظم ما كان عليه، ثم وقع له ما ذكرناه من الإخراق والضرب والحبس.
وقد كثر كلام الناس فى ذلك، فمنهم من يقول: أمر السلطان بإطلاقه لا مجيئه إلى القاهرة، فلما قدم بغير دستور، غضب السلطان عليه؛ فردّ على قائل هذا الكلام بأنه:
من أين لأبى الخير النّجب التى قدم عليها مع ما كان عليه، لولا توصية السلطان لمن يعينه على ذلك؟. وأيضا: كيف تمكن من المجىء، لولا ما معه من المراسيم ما يدفع به نوّاب البلاد الشامية من منعه من الحضور؟. ومنهم من يقول: كان أمره قد انبرم مع السلطان، ورسم بحضوره، وإنما أعداؤه اجتهدوا فى إبعاده ثانيا، ووعدوا بأوعاد كثيرة، أضعاف ما وعده أبو الخير المذكور؛ وأقوال كثيرة أخر «1» .
ثم فى هذا اليوم أخذ أبو عبد الله التريكى «2» المغربى المالكى، المعزول عن قضاء دمشق قبل تاريخه، من بيته إلى بيت الوالى، ورسم عليه، ثم ادّعى عليه بمجلس القاضى المالكى، أنه التزم للسلطان عن أبى الخير النحاس بمائة ألف دينار أو أكثر، فقال:
«أنا قلت إن ولّاه ما عيّنته من الوظائف» ولم يقع ذلك، وعرف كيف أجاب، فإنه كان من الفضلاء العلماء، فاستمر فى الترسيم إلى يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان، فطلب إلى القلعة، فطلع وفى رقبته جنزير، ثم أعيد إلى الترسيم من غير جنزير، وقد أشيع أنه وقع فى حق قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى [161] بأمور شنعة، ودام فى الترسيم إلى ما يأتى ذكره.(15/442)
ثم فى يوم الأربعاء رابع عشر شعبان المذكور، أخرج أبو الخير النحاس المذكور من البرج منفيّا إلى البلاد الشامية، ورسم بحبسه بقلعة الصّبيبة، فنزل على حالة غير مرضية، وهو أنه أركب على حمار، وفى رقبته باشة «1» وجنزير وموكل به جماعة من الجبليّة «2» ، شقوا به شارع القاهرة إلى أن أخرج من باب النصر، والمشاعلىّ ينادى عليه: «هذا جزاء من يكذب على الملوك، ويأكل مال الأوقاف» ، ونحو ذلك، ورسم السلطان أن يفعل به ذلك فى كل بلد يمر بها، إلى أن يصل إلى محبسه.
ثم فى يوم الخميس خامس عشره، استقر الأمير حاج إينال اليشبكى أحد مقدمى الألوف بدمشق، فى نيابة حماه، عوضا عن سودون الأبوبكريّ المؤيدى بحكم عزله، وتوجهه على إقطاع حاج إينال المذكور بدمشق.
ثم فى يوم الثلاثاء العشرين من شعبان المذكور، جلس السلطان بالحوش، وأحضر القضاة ثم أحضر والى القاهرة أبا عبد الله التريكى المغربى، وكان التريكى قد أقام قبل ذلك ببيت القاضى الشافعى أياما، فلما مثل التريكى بين يدى السلطان، سأل السلطان قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى الشافعى، عن أمر التريكى وما وجب عليه، فقال: «ثبت عليه عند نائبى نجم الدين بن نبيه، لمولانا السلطان عشرة آلاف دينار» ، وقام ابن النّبيه «3» فى الحال، وأخبر السلطان بذلك، فنهر السلطان القاضى الشافعى عند مقالته عشرة آلاف دينار، وقال: «ما أسأل إلا عن ما وجب عليه من التّعزير.
إيش العشرة آلاف دينار؟»
ولم تحسن مقالة القاضى الشافعى بهذا القول ببال أحد؛ ثم أجاب ابن النبيه بأن قال: «أما المال فقد ثبت عندى، وأما التعزير فهو إلى القاضى شمس الدين بن خيرة، أحد نواب الحكم» . فقال ابن خيرة: «حكمت عليه بتغريبه «4» سنتين، وأما التعزير(15/443)
فلمولانا السلطان على ما وقع منه من الأيمان الحانثة» . فلما سمع السلطان كلام ابن خيرة، أمر بالتريكى فطرح على الأرض، وضرب ضربا مبرحا، يزيد على مائتى عصاة، وأقيم، فتكلم فيه ابن النبيه أيضا، وأحضر محضرا مكتتبا عليه بدمشق، بواقعة وقعت له فى أيام حكمه بدمشق، فأمر به السلطان ثانيا فضرب نحوا مما ضرب أولا، واختلفت الأقوال فى عدة ما ضرب، فأكثر ما قيل ستمائة عصاة، وأقل ما قيل أربعمائة. ثم أنزلوه إلى بيت والى القاهرة، فأقام فى حبس الرّحبة «1» إلى يوم الأربعاء خامس شهر رمضان، فأخرج من الحبس وفى رقبته الجنزير ماشيا إلى بيت الوالى بين القصرين، ثم ركب من هناك، وأخرج منفيا فى الترسيم إلى بلاد «2» المغرب، فسافر إلى المغرب «3» إلى يومنا هذا.
ثم فى يوم السبت ثامن شهر رمضان، سافر محبّ الدين بن الشحنة قاضى قضاة حلب من القاهرة، بعد ما أقام بها أشهرا، وقاسى من الذل والبهدلة أنواعا، ورسم عليه غير مرة، وأخرجت عنه وظيفتا «4» كتابة سرّ حلب ونظر جيشها، وقد استوعبنا أحوال ابن الشّحنة هذا فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» ، مستوفاة من مبدأ أمره إلى يوم تاريخه، مما وقع له بحلب ومصر وغيرهما، من الأمور الشنعة وسوء السيرة، وما وقع له من التراسيم عليه وغير ذلك.
ثم فى أواخر هذا الشهر، رسم السلطان بإخراج نصف إقطاع جانبك النّوروزى، المعروف بنائب بعلبك، للسيفى بردبك التاجى، وكلاهما مقيم بمكة «5» ؛ وكان هذا(15/444)
الإقطاع أصله بين جانبك المذكور وبين تغرى برمش نائب القلعة، فلما نفى تغرى برمش، أنعم السلطان عليه بنصيبه إلى يوم تاريخه، فأخرجه عنه.
ثم فى يوم الخميس رابع شوال، استقر الأمير تغرى بردى الظاهرى المعروف بالقلاوى «1» ، وزيرا بالديار المصرية، مضافا لما بيده من كشف الأشمونين والبلاد الجيزية، عوضا عن الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، بحكم استعفائه عن الوزارة [162] ، وأنعم السلطان على تغرى بردى المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وهو الإقطاع الذي كان أنعم به السلطان على ولده المقام الفخرى عثمان، بعد ألطنبغا اللّفّاف، ليستعين تغرى بردى المذكور بالإقطاع على [كلف] «2» الدولة، وكانت خلعة تغرى بردى المذكور بالوزارة أطلسين متمّرا «3» ثم فوقانيّا «4» بطرز زركش عريض مثال خلعة الأتابكية بالديار المصرية. وخلع السلطان على زين الدين فرج بن ماجد سعد الدين بن المجد القبطى المصرى] «5» بن النّحّال كاتب المماليك السلطانية، بوظيفة نظر الدولة مضافا لكتابة المماليك.
وفى يوم الاثنين تاسعه، عملت الخدمة السلطانية بالدّهيشة من الحوش، ورسم السلطان بأن تكون الخدمة دائما فى يومى الاثنين والخميس، بها؛ كل ذلك لضعف حركة السلطان وهو يكتم ما به من الألم.
وفى يوم الثلاثاء عاشره، استقر قانى باى طاز السيفى بكتمر جلّق «6» فى نيابة قلعة(15/445)
صفد، بعد شغورها أشهرا من يوم مات الجمالى يوسف بن يغمور. وفى هذا اليوم أيضا وصل المقام الغرسى خليل ابن الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق، من ثغر الإسكندرية، وقد رسم له بالتوجه إلى الحجاز لقضاء الفرض، وطلع إلى السلطان، فأكرمه السلطان إلى الغاية، وهذا شىء لم يسمع بمثله، من أن ابن السلطان وله شوكة، يمكّن من سفر الحجاز، فلله درّه من ملك «1» ، وقد حكينا طلوعه إلى القلعة واجتماعه بالسلطان، فى ذهابه وإيابه فى «الحوادث» بأطول من هذا «2» .
وفى يوم الأربعاء ثامن عشره، ورد الخبر بقتل طوغان السيفى آقبردى المنقار «3» ، نائب الكرك، على ما سنذكره فى الوفيات من هذه الترجمة.
ثم فى يوم تاسع عشره، برز الأمير دولات باى المحمودى الدّوادار الكبير، أمير حاج المحمل، بالمحمل. وكان الحاج فى هذه السنة ركبا واحدا، وهذه حجة دولات باى المذكور الثانية، أمير الحاج، فلما خرج دولات باى إلى بركة الحاج، رسم له بأن يجعل دواداره فارس، أمير الركب الأول، ووقع ذلك، وسافر ابن الملك الناصر صحبة المحمل.
ثم فى يوم الثلاثاء رابع عشرين شوال، رسم السلطان لطقتمر البارزى رأس نوبة الجمدارية، أن يتوجه إلى القدس الشريف، لإحضار الأمير يشبك الصوفى المؤيّدى منه، إلى القاهرة، ليتجهز ثم يعود إلى دمشق أتابكا بها، عوضا عن خير بك المؤيدى(15/446)
الأجرود، ورسم السلطان «1» أيضا لطقتمر المذكور، أن يتوجه إلى دمشق ويقبض على أتابكها خير بك المذكور، ويحمله «2» إلى سجن الصّبيبة.
وفيه أيضا، رسم بنقل الأمير يشبك طاز المؤيدى، من حكومة طرابلس، إلى نيابة الكرك، عوضا عن طوغان المقتول قبل تاريخه، واستقر «3» عوضه فى حجوبية طرابلس، مغلباى البجاسى، أحد أمراء طرابلس كان، ثم نائب قلعة الروم، واستقر فى نيابة قلعة الروم، ناصر الدين محمد والى الحجر بقلعة حلب.
[ثم] «4» فى يوم الأحد سادس ذى القعدة من سنة ست وخمسين المقدم ذكرها، حبس السلطان تقىّ الدين عبد الرحمن بن حجّىّ بن عز الدين قاضى قضاة الشافعية بطرابلس بحبس المقشرة فحبس بها، بعد أن نودى عليه، وهو على حمار بشوارع القاهرة: «هذا جزاء من يزوّر المحاضر!» ثم أمر السلطان من وقته بحبس ماماى السيفى بيبغا المظفرى أحد الدّوادارية بالبرج من قلعة الجبل [لا تهامه بالغرض مع التقىّ المذكور] «5» وكان ماماى المذكور هو المتوجه إلى طرابلس للكشف عن أحوال ابن عز الدين المقدم ذكره، واستمر ماماى بالبرج إلى يوم الاثنين سابع ذى القعدة، فأطلق، ورسم بنفيه إلى مدينة حماه، واستقر فى وظيفة ماماى الدّوادارية، قانصوه الظاهرى جقمق.
ثم فى يوم الخميس عاشره، وصل الأمير يشبك الصوفى من القدس إلى القاهرة، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض. وفيه رسم بالإفراج عن جانبك المحمودى، من حبس المرقب [و] «6» أن يتوجه إلى طرابلس بطالا.
ثم فى يوم الاثنين ثامن عشرينه، خلع السلطان [163] على الأمير يشبك الصوفى باستقراره أتابك عساكر دمشق، وسافر فى يوم الخميس [ثانى ذى الحجة] «7» .(15/447)
[ثم فى يوم الخميس سادس «1» ] «2» عشر ذى الحجة، استقر القاضى حسام الدين محمد ابن تقي الدين عبد الرحمن بن بريطع قاضى قضاة الحنفية بحلب، عوضا عن محب الدين ابن الشّحنة، بعد أن وقع لابن الشحنة المذكور أمور مذكورة فى «الحوادث» بتمامها وكمالها.
وفى يوم الاثنين عشرينه، استقر أسنبغا مملوك ابن كلبك نائب القدس، وناظره، بعد موت أمين الدين عبد الرحمن بن الديرى الحنفى.
وفى يوم الثلاثاء حادى عشرينه، تكلم الأمير الوزير تغرى بردى القلاوى مع السلطان، فى عزل فرج بن النحال عن نظر الدولة، فعزله وأبقى معه كتابة المماليك على عادته.
ابتداء مرض موت السلطان
ولما كان يوم الجمعة رابع عشرينه، حضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة بجامع القلعة على العادة، وهو متوعك، فلما انقضت الصلاة، وخرج من الجامع، غشى عليه، فأرجف فى القاهرة بموته، وتكلم الناس بذلك، فأصبح من الغد فى يوم السبت خامس عشرينه، وحضر الخدمة فى الدّهيشة من القلعة، وحضر جميع أكابر الأمراء والخاصكيّة بغير كلفتاة، وعلّم السلطان على قصص «3» كثيرة. ومن غريب الاتفاق ما وقع له، أنه لما خرج إلى الدّهيشة، ورأى»
الناس وقوفا «5» ، قال:
«سبحان الحى الذي لا يموت!» ، فحسن ذلك ببال الناس كثيرا، عفا الله عنه. ثم أصبح(15/448)
فى يوم الأحد سادس عشرين ذى الحجة، فركب من القلعة ونزل إلى بيت بنته زوجة الأمير أزبك من ططخ الساقى، أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة، غير أنه لم يطل الجلوس عندها وعاد إلى القلعة من وقته، وكان سكن أزبك المذكور يومئذ فى الدار الذي خلف حمام بشتك، وهى الآن ملك شخص من أصاغر المماليك الأشرفية، لا أعرفه، إلا فى هذه الدوله.
ثم فى يوم الاثنين سابع عشرين ذى الحجة، عمل السلطان الموكب بالحوش لقصّاد جهان شاه بن قرا يوسف، متملّك تبريز وغيرها، وكان قدوم القصّاد المذكورين، لإعلام السلطان بأن جهان شاه المذكور، كسر عساكر بابور «1» بن باى سنقر بن شاه رخ بن تيمورلنك، وأنه استولى على عدة بلاد من ممالكه، وأن عساكر جغتاى ضعف أمرهم لوقوع الوباء فى خيولهم ومواشيهم.
ثم فى يوم الأربعاء تاسع عشرينه، ضرب السلطان بعض نواب الحكم الشافعية، بيده عشرة عصىّ، لأمر لا يستحق ذلك.
وفرغت سنة ست وخمسين، بعد أن وقع بها فتن كثيرة ببلاد الشرق، قتل فيها خلائق لا تدخل تحت حصر، استوعبنا غالبها فى «حوادث الدهور» ، كونه موضوعا «2» لتحرير الوقائع، كما أن هذا الكتاب وظيفته الإطناب فى تراجم ملوك مصر.
ومهما ذكرناه بعد ذلك من الوقائع يكون على سبيل الاستطراد وتكثير الفوائد لا غير.
[ما وقع من الحوادث سنة 857]
واستهلّت سنة سبع وخمسين وثمانمائة، بيوم الجمعة، والسلطان الملك الظاهر جقمق صاحب الترجمة، متوعك، غير أنه يتجلد ولا ينام على الفراش، وأيضا لم يكن.(15/449)
على وجهه علامات مرض الموت إلا أنه غير صحيح البدن، وكان له على ذلك أشهر كثيرة، من أواخر سنة خمس وخمسين وثمانمائة-[انتهى] «1» .
قلت: ويحسن ببالى أن أذكر فى أول هذه السنة، جميع أسماء أرباب الوظائف بالديار المصرية وغيرها، ليعلم بذلك فيما يأتى، كيف تقلبات الدهر، وتغيير الدول.
فأقول: استهلت سنة سبع وخمسين وخليفة الوقت القائم بأمر الله حمزة، والقاضى الشافعى شرف الدين يحيى المناوى، والقاضى الحنفى سعد الدين سعد الديرى، والقاضى المالكى ولىّ الدين [محمد] «2» السنباطى، والقاضى الحنبلى بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادى، وأتابك العساكر إينال العلائى الناصرى، وأمير سلاح جرباش الكريمى الظاهرى برقوق المعروف بقاشق «3» ، وأمير مجلس تنم من عبد الرزاق المؤيّدى، والأمير آخور الكبير قانى باى الجاركسى، ورأس نوبة النوب أسنبغا الناصرى الطّيارى، والدّوادار [164] الكبير دولات باى المحمودى المؤيّدى، وحاجب الحجاب خشقدم من ناصر الدين المؤيّدى، وباقى مقدمى الألوف أربعة: أعظمهم المقام الفخرى عثمان ابن السلطان، ثم الأمير تنبك البردبكى الظاهرى برقوق المعزول عن الحجوبية، والأمير طوخ من تمراز الناصرى «4» [فرج] «5» ، والأمير جرباش المحمدى الناصرى [المعروف] «6» بكرد، والجميع أحد عشر مقدما، بأقل من النصف عما كان قديما.
وأرباب الوظائف من الطبلخانات، والعشرات: شادّ الشراب خاناه يونس الأقبائى البواب أمير طبلخاناة، والخازندار قراجا الظاهرى جقمق أمير طبلخاناة، والزّردكاش(15/450)
لاجين الظاهرى جقمق أمير عشرة، ونائب القلعة يونس العلائى الناصرى أمير عشرة، والحاجب الثانى نوكار الناصرى [فرج أبو أحمد الماضى] «1» أمير عشرة، ووظيفة أمير جاندار بطالة، يليها بعض الأجناد، السكات عن ذكره أجمل؛ وأستادّار الصّحبة سنقر الظاهرى أمير عشرة. وهذه الوظائف كان قديما يليها مقدمو «2» الألوف، ويستدل على ذلك من خلعهم فى الأعياد وغيرها- انتهى.
والأمير آخور الثانى يرشباى الإينالى المؤيّدى أمير طبلخاناة، ورأس نوبة ثانى جانبك القرمانى الظاهرى برقوق أمير طبلخاناة، والدّوادار الثانى تمربغا الظاهرى جقمق أمير عشرة، غير أن معه زيادات كثيرة، والمهمندار بعض الأجناد، ووالى القاهرة جانبك اليشبكى أمير عشرة، والزّمام والخازندار فيروز الطّواشى الرومى النّوروزى أمير طبلخاناة، ومقدم المماليك مرجان العادلى المحمودى الحبشى أمير عشرة، ونائبه عنبر خادم نور الدّين الطّنبذى، ومباشرو الدولة، كاتب السر القاضى محبّ الدين محمد بن الأشقر، وناظر الجيش والخاصّ عظيم الدولة ومدبرها الجمالى يوسف ابن كاتب جكم، والوزير الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، والأستادّار زين الدين يحيى [ابن عبد الرزاق القبطى القاهرى ابن أخت نقيب الجيش محمد بن أبى الفرج] «3» الأشقر المعروف بابن كاتب حلوان، وبقريب ابن أبى الفرج وهو على زىّ الكتاب، ولهذا لم نذكره فى الأمراء، ومحتسب القاهرة ير على الخراسانى العجمى الطويل.
ونواب البلاد الشامية «4» نائب الشام جلبان الأمير آخور، ونائب حلب قانى باى الحمزاوى، ونائب طرابلس يشبك النّوروزى، ونائب حماه حاج إينال اليشبكى، ونائب صفد بيغوت الأعرج المؤيدى، ونائب غزة جانبك التاجى المؤيدى، ونائب الكرك يشبك طاز المؤيدى، ونائب الإسكندرية برسباى السيفى تنبك البجاسى أمير(15/451)
عشرة، وهؤلاء هم أعيان النواب، ومن يطلق فى حق كل منهم ملك الأمراء، ولا عبرة بولاية الوجه القبلى الآن، وباقى نواب القلاع والبلاد الشأمية فكثير- انتهى.
ثم فى يوم الخميس سابع محرم، سنة سبع وخمسين المذكورة، أرجف فى القاهرة بموت السلطان، فلما كان يوم السبت تاسع المحرم، خرج السلطان من قاعة الدّهيشة، ماشيا على قدميه، حتى جلس على مرتبة، من غير أن يستعين بأحد فى مشيه، ولا استند فى مجلسه، بل جلس على مرتبته وعلّم على عدة مناشير، وأطلت أنا النظر فى وجهه، فلم أر عليه علامات تدل على موته بسرعة، ثم قام وعاد إلى القاعة، ولم يخرج بعدها إلى الدّهيشة، واستمر متمرضا بالقاعة المذكورة، والناس تخلط فى الكلام بسبب مرضه، والأقوال تختلف فى أحوال المملكة، على أن السلطان فى جميع مرضه غير منحجب عن الناس، وأرباب الدولة تتردد إليه بالقاعة المذكورة، وهو يعلّم فى كل يوم فى الغالب على المناشير والقصص، وينفذ بعض الأمور، إلا أن مرضه فى تزايد، وهو يتجلد.
إلى أن كان يوم الأربعاء، العشرون «1» من المحرم، فوصل الأمير جانبك النّوروزى من مكة المشرفة، ودخل إلى السلطان وقبّل له الأرض، ثم قبّل يده وخرج وخرجنا جميعا من عنده، وقد اشتد به المرض، وظهر عليه أمارات رديئة «2» تدل على موته بعد أيام، غير أنه صحيح العقل والفهم والحركة، ثم بعد خروجنا من عنده، تكلم السلطان فى هذا اليوم مع بعض [165] خواصه فى خلع نفسه من السلطنة، وسلطنة ولده المقام الفخرى عثمان فى حياته، فروجع فى ذلك فلم يقبل، ورسم بإحضار الخليفة والقضاة والأمراء من الغد بالدّهيشة.
فلما كان الغد، وهو يوم الخميس حادى عشرون محرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة، حضر الخليفة والقضاة وجميع الأمراء؛ وفى ظن الناس أنه يعهد لولده عثمان بالملك من بعده كما هى عادة الملوك، فلما حضر الخليفة والقضاة عنده بعد صلاة الصبح، خلع نفسه(15/452)
من السلطنة، وقال للخليفة والقضاة: «الأمر لكم، انظروا فيمن تسلطنوه» ، أو معنى ذلك، لعلمه أنهم لا يعدلون عن ولده عثمان، فإنه كان أهلا للسلطنة بلا مدافعة، وأراد أيضا بهذا القول، أنه قد خلع نفسه وأنه يموت غير سلطان، وأنه أيضا لا يتحمل بوزر ولاية ولده المذكور، فكان مقصده جميلا فى القولين، رحمه الله تعالى.
فلما سمع الخليفة كلام السلطان، لم يعدل عن المقام الفخرى عثمان، لما كان اشتمل عليه عثمان المذكور من العلم والفضل، وإدراكه سنّ الشبيبة، وبايعه بالسلطنة، وتسلطن فى يوم الخميس المذكور، حسبما نذكره إن شاء الله تعالى فى أول ترجمته من هذا الكتاب.
واستمر الملك الظاهر [مريضا] «1» ملازما للفراش، وابنه الملك المنصور يأخذ ويعطى فى مملكته، ويعزل ويولّى، والملك الظاهر فى شغل بمرضه، وما به من الألم فى زيادة، إلى أن مات فى قاعة الدّهيشة الجوّانيّة بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء ثالث صفر من سنة سبع وخمسين وثمانمائة المقدم ذكرها. وقرئ حوله القرآن العزيز، إلى أن أصبح، وجهز وغسل وكفن من غير عجلة ولا اضطراب، حتى انتهى أمره وحمل على نعشه، وأخرج به، وأمام نعشه ولده السلطان الملك المنصور عثمان ماشيا وجميع أعيان المملكة، وساروا أمام نعشه بسكون ووقار، إلى أن صلى عليه بمصلّاة باب القلعة من قلعة الجبل، وصلى عليه الخليفة القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة، وخلفه السلطان والقضاة وجميع الأمراء والعساكر، ثم حمل بعد انقضاء الصلاة عليه وأنزل من القلعة، حتى دفن بتربة أخيه الأمير جاركس القاسمى المصارع، التى جددها مملوكه قانى باى الجاركسى، بالقرب من دار الضيافة تجاه سور القلعة، التى جددها مملوكه المنصور دفنه، وعاد إلى القلعة من المصلاة. وشهد دفنه خلائق، وقعد الناس فى الطرقات لمشاهدة مشهده، وكان مشهده عظيما إلى الغاية، بخلاف جنائز المملوك السالفة، ولعل(15/453)
هذا لم يقع لملك قبله. كل ذلك لكونه سلطن ولده فى حياته، ثم مات بعد ذلك بأيام، فلهذا كانت جنازته على هذه الصورة.
ومات الملك الظاهر وسنه نيف على ثمانين سنة تخمينا، ولم يخلّف بالحواصل ولا الخزائن إلا نزرا يسيرا من الذهب «1» يستحى من ذكره بالنسبة لما تخلفه الملوك، وكذلك [فى] «2» جميع تعلقات السلطنة، من الخيول والجمال والسلاح والقماش، كل ذلك من كثرة بذله وعطائه، وكانت مدة ملكه «3» امن يوم تسلطن بعد خلع الملك العزيز يوسف، فى يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر [من] «4» سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، إلى أن خلع نفسه بيده «5» لولده الملك المنصور عثمان، فى الثانية من نهار الخميس الحادى والعشرين من محرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة، أربع عشرة سنة وعشرة شهور، ويومين، وتوفى بعد خلعه من السلطنة باثنى عشر يوما.
ووقع له فى سلطنته غرائب لم تقع لأحد قبله إلا نادرا جدا «6» ، منها «7» ركوبه وهو أتابك على الملك العزيز يوسف وقتاله له وانتصاره عليه، ولا نعرف أحدا قبله من الأمراء ركب على السلطان، ووقف بالرملة والسلطان بقلعة الجبل، وانتصر عليه، غيره. فإن قيل: واقعة الناصرى ومنطاش «8» مع الملك الظاهر برقوق، فليس ذاك مما نحن فيه من وجوه عديدة، لا يحتاج إلى ذكرها. وإن قيل: نصرة منطاش وملكه لباب السلسلة(15/454)
فنقول: كان ركوب منطاش على رفيقه يلبغا الناصرى، وليس للملك المنصور حاجى ذكر بينهما «1» .
ومنها [166] أنه سلّم عليه بالسلطنة ثلاثة خلفاء من بنى العباس، ولم يقع ذلك لملك قبله من ملوك مصر. ومنها أنه اجتمع له قضاة أربعة «2» فى عصر واحد، لم يجتمع [مثلهم] «3» لغيره «4» من ملوك مصر، وهم قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر الشافعى حافظ المشرق والمغرب، كان فردا فى معناه، لا يقاربه فى علم الحديث أحد فى عصره؛ وقاضى القضاة شيخ الإسلام سعد الدين سعد الديرى الحنفى، كان فقيه «5» عصره شرقا وغربا، لا يقاربه أحد فى حفظ مذهبه واستحضاره، مع مشاركته فى علوم كثيرة، والعلامة قاضى القضاة شمس الدين البساطى المالكى، كان إمام عصره فى [علمى] «6» المعقول والمنقول، قد انتهت إليه الرئاسة فى علوم كثيرة، ومات ولم يخلّف بعده مثله، وقاضى القضاة شيخ الإسلام محبّ الدين أحمد الحنبلى البغدادى، كان أيضا إمام عصره وعالم زمانه، انتهت إليه رئاسة مذهبه بلا مدافعة.
ومنها أنه أقام فى ملك مصر هذه المدة الطويلة، لم يتجرد فيها تجريدة واحدة إلى البلاد الشامية، غير مرة واحدة، فى نوبة الجكمى فى أوائل سلطنته، وهذا أيضا لم يقع لملك قبله.
ومنها أنه أذن للغرسى خليل ابن السلطان الملك الناصر فرج بالحج، فقدم القاهرة وحج وعاد مع عظم شوكته من مماليك أبيه وجده الملك الظاهر برقوق «7» ، وهذا شىء لم يقع مثله فى دولة من الدول.(15/455)
ومنها ابنه المقام الناصرى محمد رحمه الله تعالى، من غزير علمه وكثرة فضائله، فإننا لا نعلم أحدا من ملوك الترك رزق ولدا مثله، بل ولا يقاربه ولا يشابهه مما كان اشتمل عليه من العلم والفضل والمعرفة التامة، وحسن السمت وجودة «1» التدبير، ولا نعرف أحدا من أولاد السلاطين من هو فى هذا المقام قديما وحديثا «2» ، حتى ولو قلت: ولا من بنى أيوب، ممن ملكوا مصر، لكان يصدق قولى؛ ومن كان من بنى أيوب له فضيلة تامة غير الملك المعظم عيسى ابن الملك الكامل، والملك المؤيد إسماعيل صاحب حماه، وهما كانا بالبلاد الشامية؟ - انتهى.
وقد استوعبنا أحوال الملك الظاهر هذا من مبدأ أمره إلى آخره، محررا بالشهر واليوم فى جميع ما وقع له من ولاية وعزل وغريبة وعجيبة، فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» ، فلينظر هناك «3» ، [و] «4» ما ذكرناه هنا جميعه [نوع] «5» من تكثير الفائدة، لا القصة على جليتها، بل نشير بذكرها إعلاما لوقت واقعتها لا غير.
وكان الملك الظاهر سلطانا ديّنا خيرا عفيفا صالحا [فقيها شجاعا] «6» مقداما، عارفا بأنواع الفروسية، عفيفا عن المنكرات والفروج، لا نعلم أحدا من ملوك مصر فى الدولة الأيوبية ولا التركية على طريقته [فى ذلك] «7» ، لم يشهر عنه فى صفره ولا فى كبره أنه تعاطى مسكرا ولا منكرا، حتى قيل إنه لم يكتشف حراما قط؛ وأما حب الشباب، فلعله كان لا يصدّق أن أحدا يقع فى ذلك لبعده عن معرفة هذا الشأن، وكان جلوسه فى غالب أوقاته على طهارة كاملة، وكان متقشفا فى ملبسه ومركبه إلى الغاية، لم يلبس(15/456)
الأحمر من الألوان فى عمره «1» ، منذ علم بكراهيته، ولم أره منذ تسلطن لبس كاملية بفرو [و] «2» سمّور [و] «3» بمقلب سمور غير مرة واحدة؛ وأما «4» الركوب بالسرج الذهب والكنبوش الزّركش فلم يفعله إلا يوم ركوبه بأبهة السلطنة لا غير، وكان ما يلبسه أيام الصيف؛ وما على فرسه من آلة السرج وغيره، لا يساوى عشرة دنانير مصرية، وكان معظّما للشريعة محبا للفقهاء وطلبة العلم، وما وقع منه من الإخراق ببعضهم وحبسهم بحبس المقشرة، فلا تقول: كان ذلك بحق، بل نقول: الحاكم يجتهد، ثم يقع منه الصواب والخطأ، فإن كان ما فعله بحق فقد أصاب وإن كانت الأخرى فقد أخطأ وأعيب عليه ذلك [الطويل]
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه
وكان معظّما للسادة الأشراف، وكان يقوم لمن دخل عليه من الفقهاء والفقراء كائنا من كان، وإذا قرأ «5» [167] عنده [أحد] «6» فاتحة الكتاب، نزل عن مدوّرته، وجلس على الأرض إجلالا لكلام الله تعالى.
وكان كريما جدا، يجود بالمال، حتى نسب إلى السرف، وكان ينعم بالعشرة آلاف دينار إلى ما دونها، وكان ممن أنعم عليه بعشرة آلاف دينار، الأتابك قرقماس الشعبانى، وأما دون ذلك من الألف إلى المائة، فدواما طول دهره، لا يملّ من ذلك، حتى أنه أتلف فى أيام سلطنته من الأموال، ما لا يدخل تحت حصر كثرة؛ ويكفيك أنه بلغت نفقاته على المماليك وصلات «7» الأمراء والتراكمين وغيرهم، وفى أثمان مماليك اشتراهم، وتجاريد جرّدها، فى مدة أولها موت الملك الأشرف برسباى، وآخرها سلخ سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وذلك مدة ثلاث سنين، مبلغ ثلاثة آلاف ألف(15/457)
دينار ذهبا مصريا، وذلك خلاف الخلع والخيول والقماش والسلاح والغلال، وخلاف جوامك المماليك ورواتبهم المعتادة.
وكان لا يلبس إلا القصير من الثياب، ونهى الأمراء وأكابر الدولة وأصاغرها عن لبس الثوب الطويل، وأمعن فى ذلك، حتى أنه بهدل بسبب ذلك جماعة من أعيان الدولة، وعاقب جماعة من الأصاغر، وقصّ أثواب آخرين فى الملأ من الناس، وكان أيضا يوبخ من لا يحفّ شاربه من الأتراك وغيرهم؛ وفى الجملة أنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، مع سرعة استحالة، وحدة مزاج، وبطش. وكان غالب ما يقع منه من الإخراق بالناس، يكون بحسب الواسطة من حواشيه، فإنه كان مهما ذكروه «1» له قبله منهم، وأخذه على طريق الصدق والنصيحة، لسلامة باطنه، وأيضا على قاعدة الأتراك من كون الحق عندهم لمن سبق.
وبالجملة فكانت محاسنه أكثر من مساوئه، وهو أصلح من ولى ملك مصر من طائفته، فى أمر الدين والتقوى، فإنه كان قمع المفسدين والجبارين من كل طائفة، وكسدت فى أيامه أحوال أرباب الملاهى والمغانى، وتصولح غالب أمرائه وجنده، وبقى أكثرهم يصوم الأيام فى الشهر، ويعف عن المنكرات؛ كل ذلك مراعاة لخاطره، وخوفا من بطشه، وهذا كله بخلاف ما كان عليه كثير من الملوك السالفة، فإنه كان غالبهم يقع فيما ينهى عنه، فكيف يصير للنهى عنه بعد ذلك محل «2» ؟ ومن عظم ذلك، قال بعض الفضلاء الظرفاء: «نابت هذه الدولة عن الموت، فى هدم اللذات والأيام الطيبة» .
ولم يبق فى دولته ممن يتعاطى المسكرات إلا القليل، وصار الذي يفعل ذلك يتعاطاه فى خفية، ويرجفه فى تلك الحالة صفير الصافر.
وكانت صفته قصيرا، للسمن أقرب، أبيض اللون مشربا بحمرة، صبيح الوجه، منوّر الشيبة، فصيحا باللغة التركية، وباللغة العربية لا بأس به بالنسبة لأبناء جنسه؛ وكان له(15/458)
اشتغال فى العلم، ويستحضر مسائل جيدة، ويبحث مع العلماء والفقهاء، ويلازم مشايخ القراءات ويقرأ عليهم دواما، وكان يقتنى الكتب النفيسة، ويعطى فيها الأثمان الزائدة عن ثمن المثل، وكان يحب مجالسة الفقهاء، ويكره اللهو والطرب، ينفر منهما بطبعه، وكان يتجنب المزاح وأهله، ولا يميل للتجمل فى الملبس، ويكره من يفعله فى الباطن. وكانت أيامه آمنة من عدم الفتن والتجاريد، ولشدة حرمته. وخلّف من الأولاد الذكور واحدا، وهو ولده الملك المنصور عثمان، وأمّه أم ولد رومية، وابنتين: الكبرى أمها خوند مغل بنت القاضى ناصر الدين بن البارزى، وزوّجها السلطان لمملوكه أزبك من ططخ الساقى، والصغرى بكر، وأمها أم ولد جاركسية ماتت قديما.
ذكر من عاصره من الخلفاء: أولهم أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داؤد، إلى أن توفى يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول، سنة خمس وأربعين، حسبما يأتى ذكره فى الوفيات هو وغيره؛ والمستكفى بالله سليمان، إلى أن مات فى يوم الجمعة [ثانى محرم] «1» سنة خمس وخمسين، والقائم بأمر الله حمزة؛ والثلاثة إخوة.
ذكر قضاته بالديار المصرية: الشافعية: الحافظ شهاب الدين بن حجر، غير مرة، إلى أن توفى وهو معزول فى سنة اثنتين [168] وخمسين وثمانمائة، وقاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى غير مرة؛ ثم قاضى القضاة شمس الدين محمد القاياتى؛ إلى أن مات فى أوائل سنة خمسين؛ ثم قاضى القضاة ولىّ الدين محمد السّفطى، وعزل وامتحن؛ ثم قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى.
والحنفية: شيخ الإسلام سعد الدين سعد الديرى، ولى فى الدولة العزيزية ومات الملك الظاهر وهو قاض.
والمالكية: العلامة قاضى القضاة شمس الدين محمد البساطىّ إلى أن مات فى ليلة ثالث عشر شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين؛ ثم قاضى القضاة بدر الدين محمد(15/459)
ابن التّنّسى، إلى أن مات بالطاعون فى أواخر يوم الأحد ثانى عشر صفر سنة ثلاث وخمسين؛ ثم قاضى القضاة ولى الدين محمد السنباطى، ومات وهو قاض.
الحنابلة: شيخ الإسلام محبّ الدين أحمد البغدادى، إلى أن مات فى يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين؛ ثم قاضى القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادى، ومات وهو قاض رحمه الله.
ذكر من ولى فى أيامه الوظائف السنية من الأمراء:
وظيفة الأتابكية بالديار المصرية: وليها من بعده الأتابك قرقماس الشعبانى الناصرى أياما يسيرة دون نصف شهر، ثم من بعده الأتابك آقبغا التمرازى أشهرا، ونقل إلى نيابة دمشق، ومات فى سنة ثلاث وأربعين بدمشق. ثم الأتابك يشبك السودونى المعروف بالمشدّ، إلى أن مات فى سنة تسع وأربعين، ثم الأتابك إينال العلائى الناصرى.
وظيفة إمرة سلاح: وليها آقبغا التمرازى أياما يسيرة، ثم من بعده يشبك السودونى المقدم ذكره أشهرا؛ ثم تمراز القرمشى أمير سلاح، إلى أن توفى بالطاعون فى صفر سنة ثلاث وخمسين؛ ثم جرباش الكريمى المعروف بقاشق.
وظيفة إمرة مجلس: وليها يشبك السودونى أياما، ثم جرباش الكريمى قاشق سنين، ثم تنم من عبد الرزاق المؤيدى.
وظيفة الأمير آخورية الكبرى: وليها تمراز القرمشى أشهرا، ثم الأمير قراخجا الحسنى سنين إلى أن مات بطاعون سنة ثلاث وخمسين، ثم قانى باى الجاركسى «1»
وظيفة رأس نوبة النوب: [وليها تمراز القرمشى، ثم من بعده قراخجا الحسنى، ثم] «2» تمرباى التمربغاوى [إلى أن مات بطاعون سنة ثلاث وخمسين «3» ] ، ثم أسنبغا الناصرى الطيارى.(15/460)
وظيفة حجوبية الحجاب: باشرها يشبك السّودونى أياما، ثم من بعده تغرى بردى البكلمشى المؤيّدى أشهرا، ثم تنبك البردبكى الظاهرى برقوق سنين، إلى أن نفى فى سنة أربع وخمسين إلى دمياط، ثم خشقدم من ناصر الدين المؤيدى.
وظيفة الدوادارية الكبرى: باشرها فى أيام «1» أوائل دولته أركماس الظاهرى أشهرا إلى أن نفى إلى ثغر دمياط، ثم من بعده تغرى بردى المؤيدى البكلمشى، إلى أن مات فى سنة ست وأربعين، ثم إينال العلائى الناصرى، إلى أن نقل منها إلى الأتابكية، ثم قانى باى الجاركسى، إلى أن نقل إلى أمير آخورية، ثم دولات باى المحمودى المؤيدى إلى أن [قبض عليه فى دولة المنصور عثمان] «2» .
ذكر أعيان مباشرى دولته:
كتابة السر: باشرها الصاحب بدر الدين بن نصر الله أشهرا، ثم المقر الكمالى ابن البارزى إلى أن مات [فى] «3» يوم الأحد سادس عشرين صفر سنة ست وخمسين، ثم القاضى محب الدين بن الأشقر.
وظيفة نظر الجيش: الزينى عبد الباسط بن خليل الدمشقى إلى أن مسك وصودر، ثم القاضى محب الدين بن الأشقر، ثم القاضى بهاء الدين محمد بن حجى، ثم ابن الأشقر ثانيا، إلى أن نقل إلى كتابة السر، ثم عظيم الدولة الجمالى يوسف مضافا إلى نظر الخاص وتدبير المملكة.
وظيفة «4» الوزارة: باشرها الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخات سنين، ثم الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم أيضا سنين، ثم الأمير تغرى بردى القلاوى الظاهرى جقمق.(15/461)
وظيفة نظر الخاصّ: باشرها المقر الجمالى من الدولة الأشرفية برسباى إلى يوم تاريخه.
وظيفة الأستادّارية: باشرها جانبك الزينى عبد الباسط أشهرا، ثم الناصرى محمد بن أبى الفرج نقيب الجيش، ثم الأمير قيزطوغان العلائى، ثم الزينى عبد الرحمن ابن الكويز، ثم زين الدين يحيى بن «1» الأشقر المعروف بقريب ابن أبى الفرج.
ذكر أمرائه بمكة والمدينة:
أمراء مكة [المشرفة] «2» : الشريف بركات بن حسن بن عجلان إلى أن عزل، ثم وليها أخوه الشريف على بن حسن بن عجلان، إلى أن قبض عليه وحمل إلى القاهرة، ثم وليها أخوه الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان إلى أن عزل، وأعيد الشريف بركات بن حسن بن عجلان.
ذكر «3» [169] [أمراء] «4» المدينة الشريفة «5» : [الشريف] «6» أميان إلى أن عزل، ثم الشريف سليمان بن غرير إلى أن قتل، ثم الشريف ضيغم إلى أن قتل أيضا، ثم أعيد الشريف أميان ثانيا إلى أن توفى سنة خمسين وثمانمائة؛ وولى بعده الشريف زبيرى بن قيس.
ذكر نوابه بالبلاد الشامية:
فبدمشق: الأمير إينال الجكمى إلى أن عصى «7» وقتل، ثم الأتابك آقبغا التمرازى إلى أن توفى سنة ثلاث وأربعين، ثم الأمير جلبان الأمير آخور.
وبحلب: الأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش البهسنى «8» التركمانى إلى أن عصى وقتل، ثم جلبان الأمير آخور المقدم ذكره، ثم قانى باى الحمزاوى إلى أن عزل(15/462)
ثم برسباى الناصرى الحاجب، ثم قانى باى البهلوان إلى أن مات، ثم تنم من عبد الرزاق المؤيدى إلى أن عزل، وأعيد قانى باى الحمزاوى ثانيا.
وبطرابلس: الأمير جلبان الأمير آخور أشهرا، ونقل إلى نيابة حلب، ثم قانى باى الحمزاوى، ثم برسباى الناصرى الحاجب، ثم يشبك الصوفى المؤيدى إلى أن عزل ونفى إلى دمياط، ثم شبك النوروزى.
وبحماه: قانى باى الحمزاوى أشهرا، ثم بردبك العجمى الجكمى إلى أن عزل وحبس بالإسكندرية، ثم الأمير قانى باى الناصرى البهلوان «1» ، ثم شاد بك الجكمى إلى أن عزل وتوجه إلى القدس بطالا، ثم الأمير يشبك الصوفى المؤيدى، ثم الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيّدى، ثم بيغوت الأعرج المؤيّدى، ثم سودون الأبوبكريّ المؤيّدى أتابك حلب إلى أن عزل، ثم حاج إينال الجكمى.
وبصفد: الأمير إينال العلائى الناصرى الذي تسلطن، إلى أن عزل وقدم القاهرة أمير مائة ومقدّم ألف بها، ثم قانى باى الناصرى البهلوان أتابك دمشق، ثم بيغوت من صفر خجا الأعرج المؤيّدى، ثم يشبك الحمزاوى نائب غزة إلى أن توفى، ثم أعيد بيغوت ثانيا بعد أمور وقعت له.
وبغزة: طوخ مازى الناصرى إلى أن مات، ثم طوخ الأبوبكريّ المؤيّدى إلى أن قتل، ثم يلخجا الساقى الناصرى إلى أن مات، ثم حطط [الناصرى فرج] «2» إلى أن عزل، ثم يشبك الحمزاوى دوادار السلطان بحلب، ثم طوغان العثمانى [ألطنبغا] «3» إلى أن توفى، ثم خير بك النّوروزى إلى أن عزل، ثم جانبك التاجى المؤيّدى.
وبالكرك: الصاحب غرس الدين خليل [بن] «4» شاهين الشيخى إلى أن عزل،(15/463)
ثم آقبغا من مامش الناصرى [فرج] «1» التركمانى، [إلى أن عزل] «2» وحبس، ثم مازى الظاهرى برقوق إلى أن عزل، ثم حاج إينال الجكمى، ثم طوغان السيفى آقبردى المنقار.
ذكر زوجاته أيام سلطنته: أما قبل سلطنته فكثير جدا، وأولهم (كذا) فى أيام سلطنته، خوند مغل بنت البارزى، تزوجها قبل سنة ثلاثين، وطلقها فى سنة اثنتين وخمسين؛ ثم زينب جرباش الكريمى قاشق، ومات عنها؛ ثم شاه زاده بنت ابن عثمان ملك الروم، وطلقها فى سنة أربع وخمسين؛ ثم نفيسة بنت ناصر الدين [بك] «3» ابن دلغادر ماتت فى سنة ثلاث وخمسين بالطاعون؛ ثم بنت حمزة بك بن ناصر الدين ابن دلغادر؛ ثم بنت كرتباى الجاركسية، قدم بها أبوها من بلاد الجاركس، وأسلم على ما قيل، ثم عاد إلى بلاده؛ ثم بنت زين الدين عبد الباسط، ولم يزل بكارتها، تزوجها بعد موت أبيها فى سنة خمس وخمسين وثمانمائة.(15/464)
[ما وقع من الحوادث سنة 842]
السنة الأولى من سلطنة الملك الظاهر «1» جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة.
على أن الملك العزيز يوسف بن الملك الأشرف برسباى، حكم منها إلى تاسع عشر شهر «2» ربيع الآخر، ثم حكم الملك الظاهر فى باقيها، وهى أول سلطنته على مصر على كل حال.
وفيها، أعنى سنة اثنتين وأربعين، توفى حافظ الشام ومحدثه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن على القيسى الدمشقى الشافعى المعروف بابن ناصر الدين، بدمشق، فى ثامن عشر شهر ربيع الآخر، ومولده فى محرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وسمع الكثير وطلب الحديث، ودأب وحصّل وكتب وصنّف، وصار حافظ دمشق ومحدثه إلى أن مات.
وتوفى الأمير صفى الدين جوهر بن عبد الله الجلبانى، الحبشى الزّمام، المعروف باللالا، فى يوم الأربعاء ثالث عشرين جمادى الأولى، عن نحو ستين سنة تخمينا، وكان أصله من خدّام الأمير [عمر بن] «3» بهادر المشرف، وأنعم به على أخته زوجة الأمير [170] جلبان الحاجب، فأعتقه جلبان، ودام بخدمته حتى مات. وماتت ستّه، زوجة الأمير جلبان الحاجب، فاتصل بعدهما بخدمة الملك الأشرف برسباى قبل سلطنته، ودام عنده إلى أن تسلطن، فرقّاه وجعله لالاة ابنه [الأكبر] «4» المقام الناصرى محمد، ثم من بعده لالا ابنه الملك العزيز يوسف، ثم ولاه زماما، بعد موت الطّواشى خشقدم الرومى الظاهرى فى جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، فاستمر فى وظيفته زماما، إلى أن توفى الملك الأشرف، وملك ولده الملك العزيز(15/465)
يوسف، ثم خلع العزيز وتسلطن الملك الظاهر جقمق، فأمسكه وهو مريض، وصادره وعزله، وولّى «1» عوضه زماما، الطواشىّ الرومىّ فيروز الساقى الجاركسى، فلم تطل أيام جوهر المذكور بعد ذلك، ومات؛ وكان من رؤساء الخدام حشمة وعقلا ودينا وكرما، وهو صاحب المدرسة والدار بالمصنع بالقرب من قلعة الجبل «2» .
[و] توفى «3» قاضى القضاة علّامة عصره شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن عثمان البساطى المالكى، قاضى قضاة الديار المصرية، وعالمها، فى ليلة الجمعة ثالث عشر شهر رمضان، ومولده [فى] «4» محرم سنة ستين وسبعمائة، ومات وقد انتهت إليه الرئاسة فى المعقول والمنقول، وكان منشأه بالقاهرة، وبها تفقّه، وطلب العلم، واشتغل على علماء عصره حتى برع فى علوم كثيرة، وأفتى ودرّس، وتصدّى للاشتغال سنين كثيرة، وبه تخرّج غالب علماء عصرنا، من سائر المذاهب، وأول ما وليه من الوطائف: تدريس المالكية بمدرسة جمال الدين الأستادّار، وناب فى الحكم عن ابن عمه قاضى القضاة جمال الدين البساطى سنين، ثم استقل بالقضاء فى الدولة المؤيّدية شيخ، بعد جمال الدين البساطى المذكور، فباشر القضاء نحو عشرين سنة، إلى أن مات قاضيا.
[وفيه] «5» قتل الأمير سيف الدين قرقماس بن عبد الله الشعبانى الناصرى المعروف بأهرام ضاغ، بثغر الإسكندرية، حسبما يأتى ذكره. كان أصله من كتابية الملك الظاهر برقوق، فيما أظن، ثم أخذه الملك الناصر وأعتقه، وجعله خاصكيّا، ثم صار دوادارا فى الدولة المؤيّدية شيخ، من جملة الأجناد، إلى أن أمّره الأمير ططر عشرة، ثم صار أمير طبلخاناة ودوادارا ثانيا فى أوائل الدولة الأشرفية، وأجلس النقباء على بابه، وحكم بين الناس- ولم يكن ذلك بعادة: أن يحكم الدوادار الثانى(15/466)
بين الناس- ثم أنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية فى سنة ست وعشرين، وتولى الدوادارية الثانية بعده جانبك الخازندار الأشرفى، ثم وجّهه إلى مكة المشرّفة شريكا لأميرها الشريف عنان ابن مغامس بن رميثة الحسنى، فأقام بمكة مدة، ثم عاد إلى القاهرة، بعد أن أعيد الشريف حسن بن عجلان إلى إمرة مكة، ومات حسن، وتولى ابنه الشريف بركات.
وقدم قرقماس المذكور إلى مصر، على إمرته، أمير مائة ومقدم ألف، ودام على ذلك سنين، إلى أن استقر حاجب الحجاب بالديار المصرية، بعد الأمير جرباش الكريمى قاشق، بحكم انتقال جرباش إلى إمرة مجلس، فباشر الحجوبية بحرمة زائدة [وعظمة وبطش فى الناس بحيث هابه كل أحد] «1» ، وصار يخلط فى حكوماته ما بين ظلم وعدل، ولين وجبروت، إلى أن استقر فى نيابة حلب بعد الأمير قصروه من تمراز الظاهرى برقوق؛ بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق، بعد موت الأمير جارقطلو، فى حدود سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، فباشر نيابة حلب مدة تزيد على السنة، وعزل عنها، بعد أن أبدع فى المفسدين بها، وأشيع [الخبر] «2» عنه بالخروج عن الطاعة.
وقدم إلى القاهرة على النّجب، بطلب من السلطان، وخلع عليه باستقراره أمير سلاح، بعد الأمير جقمق العلائى صاحب الترجمة، بحكم انتقال جقمق للأتابكية، عوضا عن إينال الجكمى، بحكم استقرار الجكمى فى نيابة حلب، عوضا عن قرقماس المذكور، فاستمر أمير سلاح مدة، وتجرد إلى البلاد الشامية مقدم العساكر، ومعه سبعة أمراء من مقدمى الألوف، فى سنة إحدى وأربعين؛ وقد تقدم ذكر ذلك كله، فى ترجمة الملك الأشرف وغيره من هذا الكتاب؛ [171] وإنما نذكره هنا ثانيا لينتظم سياق الكلام مع سياقه.(15/467)
ومات الملك الأشرف فى غيبته، ثم قدم القاهرة مع رفقته، وقد ترشح الأتابك جقمق للسلطنة، وسكن باب السلسلة من الإسطبل السلطانى، وكان حريصا على حب الرئاسة، فلما رأى أمر جقمق قد استفحل كاد يهلك فى الباطن، وما أمكنه إلا الموافقة، وقام معه حتى تسلطن، ثم وثب عليه حسبما تقدم ذكره، بعد أربعة عشر يوما من سلطنة الملك الظاهر جقمق، وقاتله، وانكسر بعد أمور حكيناها فى أصل هذه الترجمة، وهرب ثم ظهر وأمسك وحبس «1» بسجن الإسكندرية، إلى أن ضربت رقبته بالشرع فى ثغر الإسكندرية، فى يوم الاثنين ثانى عشر جمادى الآخرة.
وكان قرقماس أميرا ضخما شجاعا مقداما عارفا بفنون الفروسية، وعنده مشاركة بحسب الحال، إلا أنه كان فيه ظلم وعسف وجبروت، وكان مع شجاعته وإقدامه، لا ينتج أمره فى الحروب، لعدم موافقة رجليه ليديه، فإنه كان إذا دخل الحرب، يبطل عمل رجليه فى تمشية الفرس، لشغله بيديه، وهو عيب كبير فى الفارس؛ وشهر ذلك عن جماعة من الأقدمين من فرسان الملوك، مثل الأتابك إينال اليوسفى، ويونس بلطا نائب طرابلس وغيرهما- انتهى.
ومعنى «أهرام ضاغ» أى جبل الأهرام، سمى بذلك قديما لتكبره وتعاظمه.
وتوفى القاضى علم الدين أحمد بن تاج الدين محمد بن علم الدين محمد بن كمال الدين محمد بن قاضى القضاة علم الدين محمد بن أبى بكر بن عيسى بن بدر الإخنائى «2» المالكى، أحد فقهاء المالكية، ونواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الأربعاء خامس عشرين شهر رمضان؛ وكان مشكور السيرة عفيفا عما يرمى به قضاة السوء.
وتوفى قاضى القضاة بدمشق المالكى محيى الدين يحيى بن حسن بن محمد(15/468)
[ابن عبد الواسع المحيوى] «1» الحيحانى «2» المغربى فى يوم الأربعاء حادى عشر ذى القعدة، وكان دينا عفيفا حسن السيرة فى أحكامه.
وتوفى السيد الشريف أحمد بن [حسن] «3» بن عجلان، المكى الحسنى، بعد ما فارق أخاه الشريف بركات بن حسن، وسافر «4» إلى اليمن، فمات بزبيد.
وتوفى الأتابك إينال بن عبد الله الجكمى نائب الشام قتيلا بقلعة دمشق، فى ليلة الاثنين ثانى عشرين ذى القعدة؛ وقد قدّمنا من ذكره فى أول ترجمة الملك الظاهر هذا وغيره نبذة كبيرة، تعرف منها أحواله؛ غير أننا نذكر الآن سبب ترقّيه لا غير:
فأصله من مماليك الأمير جكم من عوض الظاهرى المتغلّب على حلب، وخدم من بعد «5» أستاذه المذكور «6» عند الأمير سودون [الظاهرى برقوق، ويعرف بسودون] «7» بقجة، وصار خازنداره، ثم اتصل بخدمة الملك المؤيّد شيخ، فلما تسلطن شيخ، جعله ساقيا، ثم أمسكه وعاقبه عقوبة شديدة لأمر أوجب ذلك؛ ثم نفاه إلى البلاد الشامية، ثم أعاده بعد وقعة قانى باى نائب الشام، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم جعله أمير طبلخاناة وشادّ الشراب خاناة، ثم أنعم عليه الأمير ططر بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وولّاه رأس نوبة النّوب، ثم نائب حلب، ثم عزله بعد شهر وأيام وجعله أمير سلاح.
ثم قبض عليه مع «8» من قبض عليه من الأمراء المؤيّدية وغيرهم، كل ذلك فى مدة يسيرة؛ وحبس مدة سنين إلى أن أطلقه الملك الأشرف برسباى بشفاعة(15/469)
الناصرى محمد بن منجك، ووجّهه إلى الحجاز، ثم عاد وأقام بالقدس بطالا، إلى أن طلبه الملك الأشرف إلى مصر، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، عوضا عن الأتابك بيبغا «1» المظفرى [التركى] «2» بحكم القبض عليه، وذلك فى سنة سبع وعشرين؛ ثم جعله أمير مجلس سنين، ثم نقله إلى إمرة سلاح بعد موت إينال النّوروزى، ثم جعله أتابكا بعد سودون من عبد الرحمن، وهو على إقطاعه، ولم ينعم السلطان عليه بإقطاع الأتابكية.
فدام على ذلك مدة طويلة، إلى أن خلع السلطان عليه باستقراره فى نيابة حلب بعد عزل قرقماس الشعبانى، واستقر عوضه فى الأتابكية الأمير جقمق العلائى، فلم تطل مدته فى نيابة حلب، ونقل منها بعد أشهر إلى نيابة الشام بعد موت قصروه من تمراز، فدام فى نيابة دمشق إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فبايع له أولا، ولبس خلعته وباس الأرض، ثم عصى بعد ذلك، ووقع ما حكيناه من أمره [172] فى ترجمة الملك الظاهر جقمق من قتاله لعسكر السلطان وهزيمته والقبض عليه وقتله.
وكان إينال أميرا جليلا شجاعا مقداما عاقلا سيوسا حشما وقورا كريما رئيسا، كامل الأدوات كثير الأدب، مليح الشكل معتدل القد للسّمن «3» أقرب، نادرة فى أبناء جنسه، قلّ أن ترى العيون مثله، عفا الله عنه، ومات وسنه نحو الخمسين «4» سنة «5» تخمينا.
وتوفى الأمير سيف الدين يخشباى بن عبد الله المؤيّدى [شيخ] «6» ثم الأشرفى [برسباى] «7» ، أمير آخور الثانى قتيلا، بسيف الشرع، ضربت رقبته بثغر الإسكندرية، وقد تقدم ذكر سبب قتله فى أوائل ترجمة الملك الظاهر هذا، وقتل(15/470)
يخشباى وسنه نحو الثلاثين سنة تخمينا. وكان شابا طويلا جميلا، مليح الشكل عاقلا، عارفا بأنواع الفروسية، وعنده فهم وذوق ومعرفة ومحاضرة حسنة، وتذاكر بالفقه وغيره بحسب الحال، عوّض الله شبابه الجنة بمنه وكرمه.
وتوفى الأمير حسين «1» بن أحمد المدعو تغرى برمش نائب حلب مضروب الرقبة بحلب، فى يوم الأحد سابع عشر ذى الحجة؛ وأصل تغرى برمش هذا من مدينة بهسنا «2» وجفل هو وأخوه حسن- وكان حسن الأكبر- من بهسنا فى كائنة تيمور لنك، وقدما بعد ذلك بسنين إلى الديار المصرية، فخدم أخوه حسن تبعا عند الأمير قرا سنقر الظاهرى، وجلس حسين هذا عند بعض الخياطين بالمصنع من تحت القلعة، ثم انتقل أيضا إلى خدمة قرا سنقر [الجمالى] «3» لجمال صورته، ثم انتقل من عند قرا سنقر إلى الأمير إينال حطب [العلائى] «4» ، وصار عنده من جملة مماليكه الكتّابية، إلى أن مات إينال حطب، فأخذه دواداره الأمير فارس، وأتى به إلى الوالد.
وكان الوالد من جملة أوصياء إينال حطب، فأخذه الوالد وجعله إنيا «5» لمملوكه شاهين أمير آخور، فجعله شاهين فى الطبقة، وسمّاه تغرى برمش؛ ثم أخرج له الوالد خيلا وقماشا، ثم جعله من «6» جملة مماليك أخر، وجعله جمدارا، فدام على ذلك، إلى أن تولى الوالد نيابة دمشق التى مات فيها، فأفسد تغرى برمش هذا من مماليك الوالد، مملوكين، وأخذهما «7» وهرب إلى طرابلس: أحدهما فى قيد الحياة إلى يومنا هذا من جملة المماليك السلطانية، واسمه أيضا تغرى برمش الصغير؛ وبلغ الوالد خبرهما،(15/471)
فأمر أن يكتب إلى الأمير جانم نائب طرابلس بالقبض عليهم الثلاثة وإرسالهم إليه فى الحديد، فخشى أغانهم شاهين، الأمير آخور عليهم، من الضرب والإخراق، فسأل الوالد أنه يسافر إليهم ويقبض عليهم ويأتى بهم، فرسم له الوالد بذلك.
وتوجه شاهين إليهم، فوجدهم بقاعة فى طرابلس، فنزل عن فرسه ودخل عليهم استخفافا بهم، فحال ما وقع بصرهم «1» عليه، هرب تغرى برمش الصغير ويوسف، ووثب تغرى برمش ليهرب، فلحقه شاهين، فجذب سيفه وضرب شاهين به فقتله، ثم هرب، فكتب الأمير جانم نائب طرابلس محضرا بواقعة الحال، وأرسله إلى الوالد، ومع المحضر يوسف وتغرى برمش الصغير؛ وهرب تغرى برمش هذا، فرسم الوالد بتحصيل تغرى برمش المذكور وشنقه. وكان الوالد مشغولا بمرض موته، ومات بعد مدة يسيرة.
وخدم تغرى برمش هذا عند الأمير طوخ [الظاهرى برقوق، ويقال له طوخ] «2» بطيخ نائب حلب، وترقى عنده، وصار رأس نوبته، ثم خدم بعده عند جقمق الأرغون شاوى الدّوادار، وصار أيضا رأس نوبته ثم دواداره فى آخر أيامه؛ وكان لجقمق دوادار آخر، يسمى إينال [الحمار] «3» فكان جقمق يقول: «دوادارىّ:
الواحد حمار والآخر ثور» .
ثم مشى حال تغرى برمش بعد عند أبناء جنسه؛ وسببه أنه لما انكسر أستاذه جقمق فى دمشق، وتوجّه إلى بعض قلاع الشام، وتحصّن بها، إلى أن أنزل منها وقتل بدسيسة من تغرى برمش هذا، فأنعم عليه ططر بإمرة عشرة بالقاهرة، ثم جعله الملك الأشرف أمير طبلخاناة، ونائب قلعة الجبل، ثم أنعم عليه بتقدمة ألف فى سنة سبع وعشرين، ثم جعله نائب غيبته بديار مصر لما سافر لآمد، ثم جعله أمير آخور كبيرا بعد الأمير جقمق العلائى، بحكم انتقال جقمق إلى إمرة سلاح؛(15/472)
ثم ولاه نيابة حلب بعد عزل قرقماس الشعبانى [173] عنها «1» فدام بحلب إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فبايعه ولبس خلعته، ثم عصى بعد ذلك- وليت الخمول عصى أولا قبل مبايعته، فكان يصير له عذر فى الجملة! - ثم وقع له بعد عصيانه ما حكيناه فى ترجمة الملك الظاهر جقمق، إلى أن انكسر وأمسك، ثم ضربت رقبته تحت قلعة حلب، وسنّه نحو الخمسين.
وكان تغرى برمش رجلا طوالا مليح الشكل عاقلا مدبرا كثير الدهاء والمكر، وكان يجيد رمى النشاب ولعب الكرة، وكان عارفا بأمور دنياه وأمر معيشته، متجملا فى مركبه وملبسه ومماليكه، إلا أنه كان بخيلا شحيحا حريصا على جمع المال، قليل الدين لا يحفظ مسألة تامة فى دينه، مع قلة فهم وذوق، وغلاظة طبع، على قاعدة أوباش التركمان «2» ، وكان عاريا من سائر العلوم والفنون، غير ما ذكرنا، لم أره منذ «3» عمرى مسك كتابا بيده ليقرأه، هذا مع الجبن وعدم الثبات فى الحروب، وقلة الرأى فى تنفيذ العساكر؛ وما وقع له مع ناصر الدين بك بن دلغادر فى نيابته على حلب من الحروب والانتصار عليه، كل ذلك كان بكثرة الشوكة وسعد الملك الأشرف برسباى.
وأما لما صار الأمر له، لم يفلح فى واقعة من الوقائع، بل صار كلما دبّر أمرا انعكس عليه، فإنه كان ظنّينا برأى نفسه، وليس له اطلاع فى أحوال السلف بالكلية، ولم يستشر «4» أحدا فى أمره، فحينئذ خمل وأخمل وتمزقت جميع عساكره وخانه حتى مماليكه مشترواته، ومع هذا كله، هو عند القوم فى رتبة عليا من العقل والمعرفة والتدبير؛ وعذرهم أنه لو لم يكن كذلك [ما] «5» صار أميرا- انتهى.(15/473)
ومات تغرى برمش، والمحضر المكتتب عليه بسبب قتله لشاهين، عندنا.
وقد طلبه منى غير مرة وأنا أسوّف به من وقت إلى وقت، وأبدى له أعذارا غير مقبولة، وأورّى «1» له فى كلامى، فيمشى عليه «2» ذلك ويطيب [خاطره] «3» .
إلى أن عصى، فطلبنى الملك الظاهر جقمق، وسألنى عن المحضر، فقلت: «عندى» ، فكاد يطير فرحا. ثم أفحش أمر تغرى برمش فى الحلبيّين حتى أوجب ذلك قتله بغير محضر ولا حكم حاكم.
وتوفى الملك الظاهر هزبر الدين عبد الله ابن الملك الأشرف إسماعيل بن على بن داؤد بن يوسف بن عمر بن على بن رسول، التركمانى الأصل، اليمنى، صاحب بلاد اليمن، فى يوم الخميس سلخ شهر رجب؛ وكانت مدة ملكه اثنتى عشرة «4» سنة؛ وفى أيامه ضعفت مملكة اليمن، لاستيلاء العربان على بلادها وأموالها؛ وأقيم بعده فى ملك اليمن: الملك الأشرف إسماعيل وله من العمر نحو العشرين سنة، فأساء السيرة، وسفك الدماء وقتل الأمير برقوقا «5» التركى القائم بدولتهم، فى عدة أخر من الأتراك، ووقع له أمور كثيرة، ليس لذكرها هنا فائدة.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة وعشرون أصبعا؛ [مبلغ الزيادة: ثمانية عشر ذراعا وعشرون أصبعا] «6» .(15/474)
[ما وقع من الحوادث سنة 843]
السنة الثانية من سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد «1» جقمق على مصر وهى سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة.
وفيها توفى الأمير علاء الدين آقبغا بن عبد الله من مامش الناصرى [فرج] «2» التركمانى، نائب الكرك، بعد أن عزل عنها وحبس بقلعتها فى أواخر هذه السنة، وله نحو سنين «3» سنة من العمر، ولم يشتهر فى عمره بدين ولا شجاعة ولا كرم.
وتوفى الأتابك آقبغا التّمرازى نائب الشام بها فجاءة، وهو على ظهر فرسه، فى صبيحة يوم السبت سادس عشر «4» شهر ربيع الآخر، وسنه سبعون سنة تخمينا.
وكان خبر موته: أنه ركب من دار السعادة بعد أن انفجر «5» الفجر من اليوم المذكور، وسار إلى الميدان، ولعب [به] «6» الرمح، وغيّر فيه عدة خيول، ثم ساق البرجاس «7» وغيّر فيه أيضا أفراسا كثيرة، ثم ضرب الكرة مع الأمراء على عدة خيول، يغيّرها «8» من تحته، إلى أن انتهى، وليس عليه ما يردّ البرد عنه، وسار إلى باب الميدان ليخرج منه، ومماليكه مشاة بين يديه، فقال الرأس نوبته:
«مر المماليك ليأكلوا السماط» ، ثم مال عن فرسه، فاعتنقه رأس نوبته المذكور،(15/475)
وحمله وأنزله إلى قاعة عند باب الميدان، فمات [174] من وقته، ولم يتكلم كلمة واحدة غير ما ذكرناه.
وكان أصله من مماليك الأمير تمراز الناصرى نائب السلطنة فى دولة الناصر فرج، ونسبه تمراز أستاذه بالناصرى، لأستاذه خواجا ناصر الدين، وقد تقدم ذكره فى الدولة الناصرية، وخدم آقبغا هذا بعد موته عند الأتابك دمرداش المحمدى ثم اتصل بخدمة [الملك] «1» المؤيّد شيخ، فرقّاه المؤيّد لسيادة كانت له فى لعب الرمح، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم طبلخاناة، وجعله أمير آخور ثانيا، ثم أنعم عليه الأمير ططر بإمرة مائة وتقدمة ألف، وجعله من الأمراء المقيمين بالقاهرة، لما سافر بالملك المظفر أحمد إلى دمشق، ثم صار أمير مجلس فى أوائل الدولة الأشرفية برسباى، ثم ولى نيابة الإسكندرية بعد أسندمر النّورى «2» الظاهرى [برقوق] «3» ، مضافا على تقدمته، ثم عزل بعد سنين وأعيد إلى إمرة مجلس، إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق أمير سلاح، ثم أتابك العساكر بالديار المصرية، كلاهما بعد قرقماس الشعبانى، فباشر الأتابكية أشهرا، وتولى نيابة دمشق لما عصى الأتابك إينال الجكمى، وقد تقدم ذكر ذلك كله فى أول ترجمة الملك الظاهر جقمق. هذا ولم تطل مدة نيابته على دمشق سوى أشهر، ومات.
وكان عارفا بأنواع الفروسية كلعب الرمح وضرب الكرة وسوق المحمل والبرجاس، رأسا فى ذلك جميعه، إمام عصره فى ركوب الخيل ومعرفة تقليبها فى أنواع الملاعيب المذكورة، انتهت إليه الرئاسة فى ذلك بلا مدافعة، لا أقول ذلك كونه صهرى، بل أقوله على الإنصاف، مع دين وعفة عن المنكرات والفروج، وقيام(15/476)
ليل وزيارة الصالحين دواما، غير أنه كان مسّيكا، وعنده حدّة مزاج، ولم تكن شجاعته فى الحروب بقدر معرفته لأنواع الملاعيب والفروسية، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله الناصرى المعروف بطوخ مازى «1» ، نائب غزة، فى ليلة السبت حادى «2» شهر رجب. وأصله من مماليك [الملك] «3» الناصر فرج، وتأمّر- بعد موت الملك المؤيّد شيخ- عشرة، وصار فى الدولة الأشرفية برسباى، من جملة رؤوس النّوب، ثم ترقى بعد سنين إلى إمرة طبلخاناة وصار رأس نوبة ثانيا، ثم ولى نيابة غزة بعد موت آقبردى القجماسى فى الدولة العزيزية يوسف، إلى أن مات، وكان متوسط السيرة منهمكا فى اللذات عاريا من كل علم وفن، عفا الله عنه.
وتوفى الأمير سيف الدين يلبغا بن عبد الله البهائى الظاهرى نائب الإسكندرية بها، فى يوم الخميس ثالث عشر جمادى الأولى، وهو فى عشر السبعين، وكان أصله من مماليك [الملك] «4» الظاهر برقوق، وكان يعرف بيلبغا قراجا، لأنه «5» كان أسمر اللون تركى الجنس. وكان تأمّر قديما إمرة عشرة، ودام على ذلك سنين، إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة طبلخاناة والحجوبية الثانية، عوضا عن أسنبغا الطّيّارى، ثم ولّاه نيابة الإسكندرية، إلى أن مات بها. وكان من خيار الناس عقلا ودينا وسكونا وعفة، مع مشاركة فى الفقه وغيره، ويكتب الخط المنسوب، وكان فصيحا باللغة العربية، حلو الكلام جيد المحاضرة، يذاكر بالأيام السالفة مذاكرة حسنة لذيذة، وهو «6» أحد من أدركناه من النوادر فى معناه، رحمه الله تعالى.(15/477)
وتوفى الأمير سيف الدين قطج «1» بن عبد الله من تمراز الظاهرى، بطّالا بالقاهرة، فى يوم الاثنين ثامن عشرين شهر رمضان، وكان أصله من أصاغر مماليك الظاهر برقوق، وتأمّر أيضا- بعد موت الملك المؤيّد شيخ- عشرة، ثم ترقى إلى أن صار فى الدولة الأشرفية أمير مائة ومقدّم ألف، ودام على ذلك سنين، إلى أن أمسكه الأشرف وسجنه بثغر الإسكندرية مدة، ثم أفرج عنه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بحلب، ثم نقله إلى أتابكيّه حلب، بعد نقل قانى باى البهلوان، إلى أتابكية دمشق، بحكم وفاة تغرى بردى المحمودى بآمد، فدام على ذلك سنين، إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فقدم القاهرة، واستعفى من أتابكية حلب، فأعفى، يريد بذلك أن يكون من جملة أمراء مصر؛ فلم يكترث [175] المالك الظاهر بأمره، ودام بطّالا إلى أن مات.
وكان يتمفقر فى حياته ويطلب من الأمراء، فلمّا مات، ظهر له مال كبير «2» ، فأخذه من يستحقه، ولله درّ أبى الطيب المتنبى فيما قال فى هذا المعنى: [الطويل]
ومن ينفق الساعات فى جمع ماله ... مخافة فقر فالذى فعل الفقر
وتوفى الأمير سيف الدين سودون الظاهرى المغربى أحد أمراء العشرات والحجاب، ثم نائب ثغر دمياط، بطّالا بالقدس؛ وكان أيضا من مماليك [الملك] «3» الظاهر برقوق، وتأمّر عشرة، وصار من جملة الحجاب فى الدولة الأشرفية برسباى، ثم ولى نظر القدس فى بعض الأحيان، ثم ولى نيابة دمياط، إلى أن أمسكه الملك الظاهر وحبسه مدة، ثم أخرجه إلى القدس بطّالا، إلى أن مات.(15/478)
وكان دينا خيرا عفيفا عن القاذورات، عارفا بأنواع الفروسية باجتهاده، فكان خطأه «1» فيه أكثر من صوابه، وكان يتفقّه، ويكثر من الاشتغال دواما، لا سيما لما اشتغل فى النحو فضيع فيه زمانه، ولم يحصل على طائل، لقصر فهمه وعدم تصوره، وكان يلح فى المسائل الفقيهة ويبحث فيها أشهرا، ولا يرضى إلا بجواب سمعه قديما من كائن من كان؛ وكان هذا سبب نفيه، فإنه بحث مرة مع الأمير بكتمر السعدى بحثا، فأجابه بكتمر بالصواب، فلم يرض بذلك سودون هذا، وألحّ فى السؤال على عادته، فنهره الملك الظاهر جقمق، وهو يوم ذاك أمير آخور، وقال له:
«أنت حمار!» ، واحتدّ عليه، فقال سودون: «العلم ليس هو بالإمرة وإنما هو بالأعلم» . فحنق الملك الظاهر منه أكثر وأكثر، وانفض المجلس.
وكان فيه أنواع ظريفة فى حكمه بين الناس، منها: أنه يتحقق فى عقله أن الحقّ لا يزال مع الضعيف من الناس، وأن القوىّ لا يزال يجبر الضعيف، فصار كلما دخل إليه خصمان فينظر إليهما، فيكون أحد الأخصام جنديا والآخر فلاحا، والحقّ مع الجندى، فلا يزال سودون يميل مع الفلاح ويقوّى كلامه وحجته، ويوهى كلام الجندى ودعواه، حتى يسأل الجندىّ فى المصالحة، أو يأخذ فلاحه ويذهب، إن كان له شوكة، هذا بعد أن يوبخ الجندىّ ويعظه ويحذره عقوبة الله عز وجل، ويذكر له أفعال أبناء جنسه من المماليك.
وكان عنده كثرة كلام مع نشوفة، ولهذا سمى بالمغربى «2» ، فلما تكرر منه ذلك وعرف الناس طبعه، ترامى الضعفاء عليه من الأماكن البعيدة، فانتفع به أناس وتضرر به آخرون؛ على أنه كان غالب اجتهاده فى خلاص الحق على قدر ما تصل قدرته إليه، رحمه الله تعالى.
وتوفى قاضى قضاة حلب علاء الدين على بن محمد بن سعد بن محمد بن على بن عثمان(15/479)
الحلبى الشافعى، قاضى حلب، وعالمها ومؤرخها، المعروف بابن خطيب الناصرية «1» ، فى ليلة الثلاثاء تاسع ذى القعدة، بحلب. ومولده فى سنة أربع وسبعين وسبعمائة؛ وكان إماما عالما بارعا فى الفقه والأصول والعربية والحديث والتفسير، وأفتى ودرّس بحلب سنين، وتولى قضاءها، وقدم القاهرة غير مرة، وله مصنّفات منها: كتابه المسمى بالمنتخب فى تاريخ حلب، ذيّله على تاريخ ابن العديم، لكنه لم يسلك فيه ما شرطه فى الاقتداء بابن العديم، وسكت عن خلائق من أعيان العصر ممن ورد إلى حلب، حتى قال بعض الفضلاء: «هذا ذيل قصير إلى الركبة» .
وكان، سامحه الله، مع فضله وعلمه، يتساهل فى تناول معالمه «2» فى الأوقاف بشرط الواقف وبغير شرط الواقف، وكان له وظائف ومباشرة فى جامع الوالد بحلب، فكان يأخذ استحقاقه واستحقاق غيره، وكان له طولة روح واحتمال زائد لسماع المكروه، بسبب ذلك، وهو على ما هو عليه، ولسان حاله يقول: «لا بأس بالذل فى تحصيل المال» . وكان يتولى القضاء بالبذل، ويخدم أرباب الدولة بأموال كثيرة.
وملخص الكلام: أنه كان عالما غير مشكور السيرة، وكان به صمم خفيف.
وتوفى قاضى المدينة النبوية جمال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمود بن إبراهيم ابن أحمد الكازرونى الأصل [176] المدنى المولد والمنشأ والوفاة، الشافعى، فى يوم الأربعاء عاشر ذى القعدة، ودفن بالبقيع ومولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة؛ وكان بارعا فى الفقه وله مشاركة فى غيره، وتولى قضاء المدينة فى بعض الأحيان، ثم ترك ذلك ولزم العلم إلى أن مات.
وتوفى مجد الدين ماجد بن النّحّال الأسلمى القبطى كاتب المماليك السلطانية،(15/480)
فى ليلة السبت سادس ذى الحجة، وكان أصله من نصارى مصر القديمة، وخدم فى عدة جهات وهو على دين النصرانية، ودام على ذلك إلى أن أكرهه الأمير نوروز الحافظى على الإسلام، فأظهر الإسلام وأبقى جميع ما عنده من النسوة والخدم على دين النصرانية، وهو والد فرج بن النحال وزير زماننا هذا وأستادّاره، ثم قدم ماجد عند الأمير جقمق الدّوادار، ثم ترقى إلى أن ولى كتابة المماليك السلطانية سنين، إلى أن مات. وكان فيه مروءة وخدمة لأصحابه، وأما غير ذلك فالسكات أجمل.
وما أظرف ما قال الشيخ تقي الدين المقريزى رحمه الله، لما ذكر وفاته بعد كلام طويل، إلى أن قال: «وكان لا دين ولا دنيا» .
أمر النيل [فى هذه السنة] «1» : الماء القديم أربعة أذرع وعشرة «2» أصابع؛ مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا وأحد عشر إصبعا.(15/481)
[ما وقع من الحوادث سنة 844]
السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة أربع وأربعين وثمانمائة.
فيها توفى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير صارم الدين إبراهيم، ابن الأمير الوزير منجك اليوسفى بدمشق، فى يوم الأحد خامس عشر شهر ربيع الأول، وهو فى عشر السبعين. وكان مولده بدمشق، وأعطى بها إمرة فى دولة الملك المؤيّد شيخ، وحظى عنده إلى الغاية، ثم صار على منزلته فى الرفعة وأعظم عند الملك الأشرف برسباى، حتى أنه كان يجلس فوق أمير سلاح، وكان إذا حضر مجلس السلطان لا يتكلم السلطان مع غيره إلا لحاجة، إجلالا له؛ وكان يقدم القاهرة فى كل سنة مرة فى مبادئ فصل الشتاء، ثم يعود إلى دمشق فى مبادئ فصل الصيف؛ وفى الجملة: أنه كان محظوظا من الملوك إلى الغاية من غير أمر يوجب ذلك. وقد حاضرته كثيرا فى مبادئ عمرى، فلم أجد له معرفة بعلم من العلوم، ولا فن من الفنون، غير لعب الكرة وأنواع الصيد بالجوارح فقط، والمال الكثير مع بخل وشح زائد يضرب به المثل؛ وكنت أراه يكثر السكوت؛ فأقول: «هذا لغزير عقله» «1» ، وإذا به من قلة رأس ماله.
وقد حكى لى عنه بعض أكابر أعيان المملكة، قال: لما خرج قانى باى نائب الشأم عن طاعة المؤيّد، وعلم بذلك أعيان أهل دمشق، اجتمعوا بمكان يشتورون فيما يفعلون، لئلا يقبض عليهم قانى باى المذكور، وهم مثل القاضى: نجم الدين بن حجّىّ، والقاضى شهاب الدين بن الكشك، والشريف شهاب الدين، وخواجه شمس الدين ابن المزلق، وابن مبارك شاه، وابن منجك، وجماعة أخر من الأمراء وغيرهم، فأخذ ابن منجك يتكلم، فقال له القاضى شهاب الدين بن الكشك، متهكما عليه فى الباطن:(15/482)
«يا أمير محمد، أنت رجل غزير العقل «1» والرأى، ونحن ضعفاء العقول. لا تكلمنا على قدر عقلك، وإنما تحدّث معنا بقدر عقولنا» ؛ فقال ابن منجك المذكور: «إذا لا أحدثكم إلا على قدر عقولكم» . فقالوا: «الآن تعمل المصلحة» . وتكلموا فيما هم بصدده؛ قلت: هذا هو الغاية فى الجهل والتفنن فى الجنون؛ فإن كل واحد ممن كان اجتمع فى ذلك المجلس، يمكن أن يدبر مملكة سلطان وينفذ أموره على أحسن وجه- انتهى.
وتوفى قاضى القضاة شيخ الإسلام محبّ الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ الإمام العلامة جلال الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التّسترى «2» الأصل، البغدادى الحنبلى قاضى قضاة الديار المصرية، وعالم السادة الحنابلة فى زمانه، فى يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى بالقاهرة، وهو قاض؛ وتولى بعده قاضى القضاة بدر الدين محمد ابن عبد المنعم البغدادى، وكان مولد القاضى [177] محب الدين ببغداد فى شهر رجب سنة خمس وخمسين وسبعمائه، واشتغل بها وتفقه، وقدم القاهرة فى أول القرن واشتغل بها، حتى برع فى الفقه وأصوله والحديث والعربية والتفسير، وتصدى للإفتاء والتدريس سنين، وناب فى الحكم بالقاهرة عن القاضى علاء الدين بن مغلى، وبرع حتى صار المعوّل على فتواه، ثم ولى قضاء الحنابلة بعد موت قاضى القضاة علاء الدين بن مغلى فى يوم الاثنين سابع عشرين صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، ودام فى الوظيفة إلى أن(15/483)
عزل بالقاضى عزّ الدين عبد العزيز بن على بن العز البغدادى، فى ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين، فلم تطل ولاية عز الدين، وعزل، وأعيد القاضى محبّ الدين هذا فى يوم الثلاثاء ثانى عشر صفر سنة ثلاثين، واستمر قاضيا إلى أن مات، وقد ذكرنا أحواله ومشايخه فى تاريخنا «المنهل الصافى [والمستوفى بعد الوافى» ] بأوسع من هذا فلينظر هناك «1» .
وتوفى سعد الدين إبراهيم القبطى المصرى، المعروف بابن المرة «2» ، فى يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر بالقاهرة، وهو فى عشر السبعين، بعد أن افتقر واحتاج إلى السؤال، وكان ولى نظر ديوان المفرد [فى الأيام الأشرفية برسباى] «3» ، ونظر بندر جدّة سنين كثيرة، وحصل له ثروة وعزوجاه، ثم زال عنه ذلك كله، ومات فقيرا، صدّق عليه بالكفن.
وتوفى الأمير ناصر الدين محمد المرداوى المعروف بابن بوالى، وهو اسم كردى غير كنية. مات بدمشق، بعد أن ولى أستادّارية السلطان بالديار المصرية، ثم عزل وولى أستادّارية السلطان بدمشق، إلى أن مات. وقد تقدم ذكره فى ترجمة الملك الأشرف برسباى، عند ما ولى الأستادّارية عوضا عن أرغون شاه النّوروزى؛ وكان من الظّلمة، يقضى عمره فى مظالم العباد.
وتوفى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله المرقبى المؤيدى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، فى يوم الاثنين عاشر شهر رجب، وكان من كبار مماليك الملك المؤيد شيخ، من أيام جنديته، ورقاه بعد سلطنته، وعمله نائب قلعة حلب، ثم أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولاه حجوبية الحجاب، إلى أن أمسكه الأمير ططر مع من أمسك من أمراء المؤيدية، وحبس مدة، ثم أطلق، ودام بطّالا دهرا طويلا،(15/484)
إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة مائة وتقدمة ألف بمصر، فى أوائل دولته، فدام على ذلك إلى أن مات رحمه الله تعالى.
وتوفى زين الدين قاسم البشتكى فى يوم السبت ثانى شهر رجب، وكان يتفقّه ويترأس، وتزوج بنت الأشرف شعبان، وكان مقربا من الملوك، وهو من مقولة ابن منجك فى نوع من الأنواع، غير أنه كانت لديه فضيلة بالنسبة إلى ابن منجك.
وتوفى الأمير سيف الدين ممجق «1» بن عبد الله النّوروزى أحد أمراء العشرات، ونائب قلعة الجبل فى يوم مستهل شهر رجب، وكان أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظى، واتصل بخدمة السلطان، فدام على ذلك دهرا طويلا، لا يلتفت إليه، إلى أن أمّره الملك الظاهر جقمق عشرة، وجعله نائب قلعة الجبل؛ فاستمر على وظيفته إلى أن مات. وكان لا ذات ولا أدوات، وتولى تغرى برمش الجلالى المؤيّدى الفقيه نيابة قلعة الجبل بعده، وأنعم عليه أيضا بإمرته.
وتوفى القاضى شهاب الدين أحمد بن أبى بكر بن رسلّان [بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق بن محمد بن مسافر الشهاب] «2» البلقينى «3» ، [ثم المحلى] «4» ، الشافعى المعروف بالعجيمى «5» ، قاضى المحلة [فى يوم الأربعاء] «6» رابع عشر جمادى الأولى، وكان من فضلاء الشافعية، وتولى قضاء المحلة سنين.
وتوفى الأمير الطّواشى صفى الدين جوهر بن عبد الله القنقبائى الخازندار والزّمام، فى ليلة الاثنين أول شعبان، وله نحو سبعين»
سنة، ودفن بمدرسته التى أنشأها بجوار(15/485)
جامع الأزهر، قبل أن تتم؛ وكان أصله من خدام الأمير قنقباى الإلجائى اللالا، ثم خدم بعد موت أستاذه عند خوند قنقباى أم الملك المنصور عبد العزيز، ثم من بعدها عند جماعة أخر، ثم اتصل بخدمة علم الدين [178] داؤد بن الكويز، ودام عنده إلى أن مات. وبخدمته «1» حسنت حاله، ثم صار بعد ذلك بطّالا، إلى أن نوّه بذكره صاحبه جوهر اللّالا، ولا زال يعظم أمره عند الملك الأشرف برسباى إلى أن طلبه وولاه خازندارا دفعة واحدة، بعد خشقدم الظاهرى الرومى، ولم تسبق لجوهر المذكور قبل ولايته الخازندارية رئاسة فى بيت السلطان، فباشر الخازندارية بعقل وتدبير ورأى فى الوظيفة، وناله من العز والجاه ونفوذ الكلمة ما لم ينله طواشى قبله فيما رأينا.
ومات الملك الأشرف وهو على وظيفته، لحسن سياسته، ثم أضاف إليه الملك الظاهر وظيفة الزّمامية بعد عزل فيروز الجاركسى «2» ، لما تسحّب الملك العزيز يوسف من الدّور السلطانية، حسبما تقدم ذكره، واستمر على وظيفة الزّمامية والخازندارية إلى أن مات من غير نكبة. ولم يخلّف ما لا له جرم بالنسبة لمقامه، فعظم ذلك على الملك الظاهر، فإنه كان فى عزمه أخذ ماله بوجه من الوجوه، وفطن جوهر بذلك وأدركته منيته ومات من غير أن يعلم أحدا بماله «3» ، وكان جوهر عفيفا دينا عاقلا مدبرا سيوسا فاضلا يقرأ القرآن الكريم بالسبع، وله صدقات ومعروف، غير أنه دخل فى الدنيا واقتحم منها جانبا كبيرا، وصار من المخلطين «4» ، وهو أحد من أدركناه من عقلاء الخدام، رحمه الله تعالى «5» .
وتوفى القاضى شرف الدين أبو بكر بن سليمان الأشقر المعروف بابن العجمى، الحلبى الأصل والمولد والمنشأ المصرى الدار والوفاة، نائب كاتب السر الشريف(15/486)
بالديار المصرية، فى يوم الأربعاء تاسع شهر رمضان، وهو فى عشر الثمانين، بعد أن رشّح لوظيفة كتابة سر مصر غير مرة، فلم يقبل؛ ثم ولاه الملك الأشرف كتابة سر حلب على كره منه، عوضا عن زين الدين عمر بن السفاح، فباشر ذلك مدة، ثم عزل بعد أن استعفى، وأعيدت إليه وظيفة نيابة كتابة السر، وولى كتابة سر حلب عوضه ولده القاضى معين «1» الدين عبد اللطيف. وكان شرف الدين «2» المذكور رجلا عاقلا سيوسا عارفا بصناعة الإنشاء، قام بأعباء ديوان الإنشاء عدة سنين، وخدم عدة ملوك، وكان مقربا من خواطرهم محببا إليهم، رحمه الله تعالى.
وتوفى شمس الدين محمد بن شعبان، فى حادى عشرين شوال، عن نيف وستين سنة، بعد أن ولى حسبة القاهرة بالسعى مرارا كثيرة؛ وكان عاميا يتزيا بزى الفقهاء، حدثنى من لفظه، قال: «ولّيت حسبة القاهرة نيف وعشرين مرة» ، فقلت له: «هذا هجو فى حقك، لا تتكلم به بعد ذلك، لأنك تسعى وتلى ثم تعزل بعد أيام قلائل، وتكرر لك ذلك غير مرة، فهذا مما يدل على عدم اكتراث أهل الدولة بشأنك، وإهمالهم أمرك» ، فلم يعد إلى ذكرها بعد ذلك.
وتوفى الشيخ الإمام العالم نور الدين على بن عمر بن حسن بن حسين بن على بن صالح الجروانى «3» الأصل، ثم التلوانى «4» ، الشافعى الفقيه العالم المشهور، فى يوم الاثنين ثالث عشرين ذى القعدة، وكان أصله من بلاد الغرب «5» ، وسكن والده جروان ولى قرية بالمنوفية من أعمال القاهرة بالوجه البحرى، فولد له بها ابنه نور الدين هذا بعد سنة ستين وسبعمائة، فنشأ بجروان، ثم انتقل إلى تلوانة [من قرى المنوفية] «6» ، فعرف بالتلوانى، ثم قدم القاهرة وطلب العلم، ولازم شيخ(15/487)
الإسلام سراج الدين البلقينى، حتى أجازه بالفتوى والتدريس، فتصدى الشيخ نور الدين من تلك الأيام للإقراء والتدريس، وانتفع به جماعة من الطلبة، وتولّى عدة وظائف دينية، وتداريس عديدة، منها مشيخة الرّكنيّة «1» ، ثم تدريس قبة الشافعى بالقرافة. وكان دينا خيرا جهورىّ الصوت صحيح البنية، وله قوة، وفيه كرم وإفضال وهمة عالية، رحمه الله تعالى.
[وتوفى الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن عمّار بن محمد بن أحمد، أحد علماء المالكية، فى يوم السبت رابع عشر ذى الحجة، وقد أناف على السبعين، بعد أن أفتى ودرّس عدة سنين، رحمه الله تعالى] «2» .
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم، ستة أذرع وأربعة أصابع؛ مبلغ الزيادة:
عشرون ذراعا وأحد وعشرون أصبعا.(15/488)
[ما وقع من الحوادث سنة 845]
السنة الرابعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمس وأربعين وثمانمائة.
وفيها توفى الخليفة أمير المؤمنين [179] المعتضد بالله أبو الفتح داؤد، ابن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد، ابن الخليفة المعتضد بالله أبى بكر، ابن الخليفة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان، ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن حسين بن أبى بكر بن على بن الحسين، ابن الخليفة الراشد بالله منصور، ابن الخليفة المقتدى بالله عبد الله، ابن الأمير ذخيرة الدين محمد، ابن الخليفة [القائم بأمر الله عبد الله، ابن الخليفة القادر بالله أحمد، ابن الأمير الموفق ولى العهد طلحة، ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر، ابن الخليفة المعتصم بالله محمد، ابن] «1» الخليفة الرشيد بالله هرون، بن الخليفة المهدى «2» بالله محمد، ابن الخليفة أبى «3» جعفر المنصور عبد الله، ابن [محمد بن على، ابن عبد الله بن] «4» عباس بن عبد المطلب الهاشمى العباسى المصرى، فى يوم الأحد رابع «5» شهر ربيع الأول، بعد مرض تمادى به أياما؛ وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه [بمصلّاة] «6» المؤمنى، ودفن بالمشهد النفيسى.
وكانت خلافته تسعة وعشرين «7» سنة وأياما، وتولى الخلافة من بعده أخوه شقيقه المستكفى بالله سليمان، بعهد منه إليه. وكان المعتضد خليقا للخلافة، سيّد بنى العباس فى زمانه، أهلا للخلافة بلا مدافعة، وكان كريما عاقلا حليما متواضعا دينا خيرا(15/489)
حلو المحاضرة كثير الصدقات والبر، وكان يحب مجالسة العلماء والفضلاء، وله مشاركة مع فهم وذكاء وفطنة. وقد أوضحنا أمره فى تاريخنا «1» «المنهل الصافى» بأوسع «2» من هذا «3» ، إذ هو كتاب تراجم على حدته «4» .
وتوفى الشيخ محبّ الدين بن الأوجاقى الحنفى، فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر رجب، بعد مرض طويل؛ وكانت لديه فضيلة، وفيه تدين وخير، وللناس فيه اعتقاد.
وتوفى الشيخ الأديب المعروف بابن الزين بالوجه البحرى فى مستهل شهر ربيع الأول، بعد أن مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم، بما ينيف على عشرة آلاف قصيدة؛ قاله غير واحد.
وتوفى الشيخ الإمام العالم المحدث المفنن، عمدة المؤرخين، ورأس المحدثين، تقىّ الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد البعلبكى الأصل المصرى المولد والوفاة المقريزى الحنفى، ثم الشافعى؛ هذا «5» ما نقلناه من خطه، وأملى علىّ نسبه الناصرىّ محمد ابن أخيه بعد وفاته، إلى أن رفعه إلى علىّ بن أبى طالب من طريق الخلفاء الفاطميين، وذكرناه فى غير هذا المصنف- انتهى.
وكانت وفاته فى يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان ودفن من الغد بمقابر(15/490)
الصوفية، خارج باب النصر، ووهم قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى فى تاريخ وفاته، فقال: فى يوم الجمعة التاسع والعشرين من شعبان- انتهى.
سألت الشيخ تقي الدين، رحمه الله، عن مولده فقال: «بعد الستين وسبعمائة بسنيّات» . وكان مولده بالقاهرة، وبها نشأ وتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة، وهو مذهب جده لأمه الشيخ شمس الدين محمد بن الصائغ الحنفى، ثم تحول شافعيا بعد مدة، [وذلك بعد موت والده فى سنة ست وثمانين] «1» [وسبعمائة] ، لأمر اقتضى ذلك، واشتغل على مذهب الشافعى؛ وسمع الكثير على عدة مشايخ، ذكرنا أسماء غالبهم فى ترجمته فى «المنهل الصافى» «2» مع مصنفاته باستيعاب يضيق هذا المحل عن ذلك «3» .
وكان الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى إماما بارعا مفننا [متقنا] «4» ضابطا دينا خيرا محبا لأهل السنة، يميل إلى الحديث والعمل به، حتى نسب إليه مذهب الظاهر «5» ، وكان فيه تعصب على السادة الحنفية بغير لباقة؛ يعرف ذلك من مصنفاته، وفى الجملة هو أعظم من رأيناه وأدركناه «6» فى علم التاريخ وضروبه، مع معرفتى لمن عاصره من علماء المؤرخين، والفرق بينهم [ظاهر] «7» ؛ وليس فى التعصب فائدة.
وتوفى قاضى الإسكندرية جمال الدين عبد الله بن الدّمامينى المالكى الإسكندرى بها فى يوم الأحد رابع ذى القعدة، وكان مشهورا بالسماحة، إلا أن بضاعته من العلوم كانت مزجاة «8» .
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم عشرة أذرع ونصف؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا وخمسة عشر أصبعا؛ وكان الوفاء سادس عشرين أبيب.(15/491)
[ما وقع من الحوادث سنة 846]
السنة الخامسة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ست وأربعين وثمانمائة.
وفيها توفى الشيخ الإمام العالم العامل العلامة، نور الدين عبادة بن على بن صالح بن عبد المنعم بن سراج بن نجم بن فضل [ابن فهد بن عمر، والعلامة زين الدين الأنصارى الخزرجى] «1» الزّرزاوى الفقيه المالكى المعروف بالشيخ عبادة [180] ، شيخ السادة المالكية، وعالمها بالديار المصرية، فى يوم الجمعة سابع شوال، وصلى عليه صاحبه الشيخ مدين بجامع الأزهر. ومات ولم يخلّف بعده مثله علما ودينا. وكان مولده فى جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ببلده زرزا «2» ، وطلب العلم وسمع الحديث واشتغل على علماء عصره، حتى برع فى الفقه والأصلين والعربية، وأفتى ودرّس، واشتغل سنين كثيرة، وانتفع به الطلبة، وسئل بالقضاء بعد موت العلامة شمس الدين البساطى المالكى، فامتنع، فألح عليه السلطان بالولاية، وألزمه بها غصبا، فلما رأى تصمّم السلطان على ولايته، وأنه لا يستطيع دفعه، قال: «حتى أستخير الله» . وفرّ من يومه من القاهرة، واختفى ببعض الأماكن، إلى أن ولّى السلطان القاضى بدر الدين محمد بن التّنسى، فلما بلغه ذلك حضر [إلى] «3» القاهرة بعد أيام كثيرة.
وهذا شىء لم يقع لغيره فى عصرنا هذا، فإننا لا نعلم من سئل بالقضاء وامتنع غيره، وأما سواه فهم «4» على أقسام: قسم يتنزه عن الولاية، [و] «5» يظهر ذلك حيلة، حتى يشاع عنه ذلك، فإذا طلب بعد ذلك للقضاء يأخذ فى التمنع، وفى ضمن(15/492)
تمنعه يشرط على السلطان شروطا، يعلم هو وكلّ أحد أنها لا تتم له، وإنما يقصد بذكرها إلا نوعا من الإجابة، لكونه كان امتنع أولا، فلا يمكنه القبول إلا بهذه الدورة، فلم يكن بمجرد ذكره للشروط، إلا وقد صار فى الحال قاضيا؛ ووقع ذلك لجماعة كثيرة فى عصرنا.
وقسم آخر: [هم] «1» الذين يسعون فى الولاية سعيا زائدا، ويبذلون الأموال، ويتضرعون لأرباب الدولة، ويخضعون لهم، وهيهات! هل يسمح لهم بذلك أم لا! فلله درّ الشيخ عبادة فيما فعل، لأننا شاهدنا منه ما سمعناه عن السلف، ورأينا من زهده وعفته ما ورثه عنه الخلف. واستمر بعد ذلك سنين على حاله من ملازمة العلم والعمل، إلى أن مات رحمه الله تعالى «2» .
وتوفى قاضى القضاة عزّ الدين عبد العزيز «3» بن العز البغدادى الحنبلى، قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية، ثم بدمشق، [و] «4» بها مات فى أواخر هذه السنة؛ وتولى عوضه قضاء دمشق ابن مفلح [على عادته] «5» أولا، وكان القاضى عزّ الدين فقيها دينا متقشفا، عديم التكلف فى ملبسه ومركبه، مع دهاء ومكر ومعرفة تامة، وقد مرّ من ذكره، أنه لما ولى القضاء بالديار المصرية، صار يمشى فى الأسواق لحاجته ويردف عبده على بغلته، وأشياء من هذا النسق. وكانت «6» جميع ولاياته من غير سعى، وكان يصحب الوالد، واستمرت الصحبة بيننا إلى أن مات رحمه الله.
وتوفى جمال الدين عبد الله [بن الحسن بن على بن محمد بن عبد الرحمن الدمشقى(15/493)
الأصل] «1» الأذرعى «2» ، أخو الإمام شهاب الدين، بالقاهرة فى يوم الاثنين سابع عشر شوال؛ وكان عاريا من كل علم وفن.
وتوفى الشيخ الواعظ جمال الدين السنباطى الشافعى، أحد نواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الخميس تاسع عشرين شهر رمضان، بعد مرض طويل عن ثمانين سنة؛ وكان يعمل المواعيد «3» بالمساجد والجوامع، وعلى وعظه أنس ورونق، وكان يقرأ أيضا على الكرسى «4» بين يدى صهرى شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن البلقينى فى صبيحة كل يوم جمعة، فيقرأ ساعة ثم إذا سكت، ابتدأ شيخ الإسلام فى عمل الميعاد، وكان هذا دأبه إلى أن مات رحمه الله [تعالى] «5» .
وتوفى الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله بن حسن بن محمد [بن أحمد بن عبد الكريم بن عبد السلام] «6» الأدكوى الأصل ثم الفوّىّ، كاتب سر الديار المصرية، وناظر جيشها وخاصّها، والوزير بها، ثم الأستادّار، ثم محتسب القاهرة، فى يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول، ودفن بتربته بالصحراء، بعد ما كبر سنه، واختلط عقله. وكان(15/494)
مولده بفوّة من المزاحميين، فى ليلة الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول سنة ست وستين «1» وسبعمائة، وبها نشأ وتعلق على الخدم الديوانية، فباشر فى عدة جهات، ثم انتقل إلى القاهرة، ولا زال يترقى حتى ولى نظر جيش مصر، ثم وزر بها، ثم ولى الخاصّ؛ كل ذلك فى الدولة الناصرية فرج.
ثم ولى [181] الوزارة والخاصّ أيضا فى دولة الملك المؤيّد شيخ، ثم صودر ونكب غير مرة، ثم ولى الأستادّارية فى دولة الملك الصالح محمد، ثم عزل وولى الخاصّ ثانيا عوضا عن مرجان الخازندار، ثم ولى الأستادارية ثانيا فى دولة الأشرف برسباى، عوضا عن ولده صلاح الدين محمد، وعزل عن نظر الخاص بالقاهرة «2» [بالقاضى] «3» كريم عبد الكريم ابن كاتب جكم، فى أوائل جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وعزل بعد مدة وصودر هو وولده صلاح الدين، ثم ولى الأستادّاريّة بعد سنين ثالث مرة، فلم تطل مدته فيها، وعزل ولزم داره سنين، إلى أن ولى كتابة السر بعد موت ولده صلاح الدين، فباشر وظيفة كتابة السر مدة يسيرة، وعزله الملك الظاهر جقمق بصهره المقرّ الكمالى بن البارزى، فلزم الصاحب بدر الدين بيته، إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره.
وكان شيخا طوالا ضخما حسن الشكالة، مدوّر اللحية، كريما واسع النفس على الطعام؛ تأصل فى الرئاسة، وطالت أيامه فى السعادة، فصار هو وولده صلاح الدين من أعيان رؤساء الديار المصرية، على أنه كان لا يسلم فى كل قليل من مصادرة، ومع هذا كان له أنعام وأفضال على جماعة كبيرة، إلا أنه كانت فيه بادرة وخلق سيّىء، مع حدة مزاج، وصياح فى كلامه، وكان لا يتحدث إلا بأعلى صوته، ولهذا ملّه الملك الأشرف برسباى وأبعده. وكان أكولا، أقصى مناه الناب والنصاب لا غير، لم يشهر بدين ولا علم.(15/495)
وتوفى الأمير سيف الدين تغرى بردى [الرومى] «1» بن عبد الله البكلمشى المعروف بالمؤذى «2» الدوادار الكبير، فى يوم الثلاثاء حادى عشر جمادى الآخرة، بعد مرض طويل؛ وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن بتربة طيبغا الطويل [الناصرى حسن؛ وطيبغا الطويل] «3» هو أستاذ بكلمش، وبكلمش أستاذ تغرى بردى هذا، ثم ترقى [تغرى بردى هذا] «4» بعد موت أستاذه حتى صار من جملة أمراء العشرات فى الدولة الناصرية فرج، ثم أمسك ولزم داره مدة، إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة ضعيفة، ودام على ذلك دهرا طويلا لا يلتفت إليه فى الدول، حتى أننى أقمت سنين أحسبه من جملة الأجناد.
ثم تحرّك له سعد بعد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وغيّر السلطان الملك الأشرف أقطاعه بعد موت الأمير جوبان المعلم «5» ، وخلع عليه باستقراره من جملة رءوس النّوب، ثم لا زال يرقيه حتى صار أمير طبلخاناة ورأس نوبة ثانيا؛ فعند ذلك أظهر ما كان خفيا من لقبه بالمؤذى، فلله درّ القائل: «الظلم كمين فى النفس، العجز يخفيه والقوة تظهره» .
وصار إذا مسك العصاة فى يده، لا يزال يضرب هذا وينهر هذا؛ والملوك تحب من يفعل ذلك بين يديهم، فأنعم عليه بعد سنين بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى حجوبية الحجاب بعد يشبك السّودونى، ثم صار دوادارا كبيرا بعد [عزل] «6» أركماس الظاهرى، كل ذلك فى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة.
[و] «7» من يوم ولى الدوادارية، عظم وضخم، ونالته السعادة وعمّر مدرسة بالشارع الأعظم بالقرب من جامع ابن طولون [فى طرف سوق الأساكفة] «8» ، وسار فى(15/496)
الدوادارية على طريق السلف من الحرمة وإقامة «1» الناموس، لا فى كثرة المماليك وجودة السماط، وكان يتفقّه ويكتب الخط بحسب الحال، ويعف عن المنكرات والفروج، وعنده شجاعة وإقدام مع بخل وفحش فى لفظه، وجبروت وسوء خلق وحدة مزاج، إلا أنه كان مشكور السيرة فى أحكامه، وينصف المظلوم من الظالم، ولا يسمع رسالة مرسل كائن من كان، فعدّ «2» ذلك من محاسنه.
وكان رومى الجنس، ويدعى أنه تركى الجنس، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين أيتمش بن عبد الله الخضرى الظاهرى برقوق، أحد أمراء العشرات، وأستادّار، وهو بطّال، فى آخر ليلة السبت العشرين من شهر رجب، ودفن بتربة الأمير قطلو بك بالصحراء، بعد ما تعطل ولزم داره سنين، من بياض أصابه فى جسده. وكان أصله من مماليك الظاهر [182] برقوق. ثم صار من جملة الدوادارية فى الدولة الناصرية فرج، ثم [صار] «3» أمير عشرة فى دولة الملك المؤيد شيخ، ثم أنعم عليه الملك الظاهر ططر بإمرة طبلخاناة، فلم تطل مدته، ونفاه الملك الأشرف برسباى، ثم شفع فيه بعد أشهر، وأعيد من القدس إلى القاهرة، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم ولى الأستادّارية، فلم ينتج أمره، وعزل عنها بعد أن باشر الأستادّارية نحو الشهرين.
واستمر أمير عشرة على عادته إلى سنة نيف وثلاثين. فابتلى فى جسده بالبياض [بحيث كان يستره بالحمرة] «4» ، فأخرج [السلطان] «5» الملك الأشرف إقطاعه، ورسم له بلزوم داره، فصار يتردد إلى الجامع الأزهر، وكان يسكن بدار بشير(15/497)
الجمدار [بالأبّارين] «1» بالقرب من الجامع المذكور، ويحضر «2» الدروس، ويشوّش على الطلبة، ويسأل الأسئلة التى لا محل لها من الدرس التى (كذا) هم بصدده، وكان قليل الفهم وتصوّره غير صحيح، مع جهل مفرط وعدم اشتغال قديما وحديثا، فإن أجابه أحد من الطلبة بجواب لا يفهمه، سفه عليه، وإن سكت القوم ازدراهم ووبخهم.
وكان فصيحا باللغة العربية على قاعدة العامة، وكان قبل تاريخه ناب فى نظر الجامع الأزهر عن جرباش الكريمى قاشق، ووقع له مع أهل الجامع أمور أيام توليته، فلما زاد ذلك منه على الطّلبة [و] «3» بلغ الأشرف [أمره] «4» ، رسم بنقلته من داره المذكورة [و] «5» بسكنته بقرافة مصر، فشفع فيه بعد أيام، على أنه يسكن بداره، ولا يدخل الجامع إلا فى أوقات الصلوات. ولما سافر الملك الأشرف إلى آمد، أخرجه إلى القدس بطّالا، ثم أعيد إلى القاهرة بعد عود «6» السلطان [من آمد، ودام بها] «7» إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، [ف] «8» داخله فى الأمور من غير أن بلى إمرة ولا وظيفة.
وزاد وأمعن، وصار يتكلم فيما لا يعنيه، فغضب عليه الملك الظاهر جقمق، ونفاه إلى القدس [بطّالا] «9» ، ثم شفع فيه عديله الأمير إينال العلائى الناصرى، أعنى الملك الأشرف، فأعيد إلى القاهرة، ولزم داره إلى [أن سقط عليه جدار فغطاه، فأخرج من تحته مغشيا عليه، فعاش بعده قليلا] «10» [و] مات وهو فى عشر السبعين.
وكان من مساوئ الدهر طيشا وخفة، مع كثرة كلام فى مالا يعنيه، ويخاطب الرجل بما يكره، ويوبخ الشخص بما فيه من المعايب من غير أن يكون بينه وبين ذلك الرجل(15/498)
عداوة ولا صحبة، وفيه بادرة وجرأة «1» وإفحاش فى اللفظ، مع إسراف على نفسه. وفى الجملة أن بقاءه «2» كان عارا على بنى آدم.
وتوفى الأمير ناصر الدين محمد بك بن دلغادر صاحب أبلستين وحمو الملك الظاهر جقمق، بأبلستين فى أوائل جمادى الآخرة، وقيل إنه قتل على فراشه، والأول أصح؛ وكان كثير الشرور والعصيان على الملوك، وقد مرّ من «3» ذكره فى ترجمة الملك الأشرف من عصيانه وموافقته مع الأتابك جانبك الصوفى، ثم فى ترجمة الملك الظاهر جقمق من دخوله فى طاعته وقدومه إلى القاهرة ما يغنى عن إعادته ثانيا هنا.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ثمانية أذرع وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة: عشرون ذراعا وأحد وعشرون أصبعا.(15/499)
[ما وقع من الحوادث سنة 847]
السنة السادسة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة سبع وأربعين وثمانمائة.
فيها توفى الشيخ الإمام العالم [الفقيه] «1» الربانى الصوفى [الشاذلى] «2» ، شمس الدين محمد بن حسن، المعروف بالشيخ الحنفى، بزاويته خارج قنطرة طقزدمر، من ظاهر القاهرة فى أوائل شهر ربيع الأوّل، وهو فى حدود الثمانين، ودفن بزاويته المذكورة. وكان ديّنا خيرا فقيها عالما مسلّكا؛ كان يعظ الناس ويعلمهم، وكان على وعظه رونق ولكلامه وقع فى القلوب، وأفنى عمره فى العبادة وطلب العلم وإطعام الطعام وبر الفقراء والقادمين عليه، وكان محظوظا من الملوك، ولهم فيه اعتقاد ومحبة زائدة، وصحب الوالد سنين كثيرة، ثم الملك الظاهر ططر، ونالته منه السعادة فى أيام سلطنته، واجتمعت به غير مرة، وانتفعت بمجالسته [183] ، وكان الناس فيه على قسمين: ما بين متغال إلى الغاية، وما بين منكر إلى النهاية. قلت: وهذا شأن الناس فى معاصريهم «3» ، رحمه الله تعالى «4» .(15/500)
وتوفى الشيخ الإمام العالم العلامة، زين الدين أبو بكر إسحاق بن خالد الكختاوى «1» الحنفى، المعروف بالشيخ باكير، شيخ الشيوخ بخانقاه شيخون، فى ليلة الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى، وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، من تحت القلعة، ثم أعيد إلى الشّيخونية، فدفن بها، واستقر عوضه فى مشيخة الشيخونية العلامة كمال الدين محمد بن الهمام، وكان الشيخ باكير المذكور إماما عالما بارعا مفننا فى علوم كثيرة، [وولى قضاء حلب مدة طويلة، وحمدت سيرته، وأفتى ودرّس وأشغل سنين كثيرة بحلب، ثم بمصر، لما طلبه السلطان من قضاء حلب] «2» وولاه «3» مشيخة الشيخونية؛ غير أنه كان فى لسانه شبه لكنة، مع سكون وعقل زائد، يؤدى ذلك إلى عدم الانتصاف فى أبحاثه، ومع هذا كان تقريره للطلبة فى غاية الحسن والفصاحة؛ ومحصول أمره أنه كان عالما مفيدا للطلبة غير بحّاث مع أقرانه من العلماء، وكان مليح الشكل منوّر الشيبة طاهر اللون وقورا معظّما عند الخاص والعام؛ وكان مولده بمدينة كختا «4» فى حدود السبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
وتوفى فتح الدين صدقة المحرّقى «5» ناظر الجوالى، فى ليلة الخميس سلخ شوال، ودفن خارج باب الجديد «6» من القاهرة، وكان عاميا فى زى فقيه، لم أعرفه إلا فى دولة الملك الظاهر جقمق، لأنه كان بخدمته ورقاه فى سلطنته.
وتوفى غرس الدين خليل [بن أحمد] «7» السخاوى، ناظر الحرمين: القدس(15/501)
والخليل عليه السلام، فى ليلة العشر من جمادى الأولى، وكان أيضا من أطراف الناس، وهو «1» أحد من رقّاه الملك الظاهر جقمق، وكان فى مبدأ أمره يبيع الحلوى «2» ، ثم صار جابيا للأملاك، [يجبى وعلى كتفه خرج] «3» ، ثم خدم جماعة كبيرة، إلى أن حسنت حاله وصار يركب بغلة برحل «4» ، رأيته أنا على تلك الهيئة، ثم خدم الملك الظاهر جقمق أيام إمرته، ولازم خدمته إلى أن تسلطن، فقرّبه وولاه نظر الحرمين، وعدّه الناس من الأعيان، فلم تطل مدته، ومات. وكان يتديّن من صلاة وعبادة، إلا أنه كان عاريا سالبة كلية «5» ، [فكان صفته كقول من قال: ذقن وشاش على لاش] «6» .
وتوفى المقام الناصرى محمد بن السلطان الملك الظاهر جقمق، فى ليلة السبت ثانى عشرين ذى الحجة بقلعة الجبل، بعد مرض طويل، وصلى عليه من الغد بباب القلة «7» من قلعة الجبل، وحضر والده السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه، ودفن بتربة عمه جاركس القاسمى المصارع، التى «8» جددها مملوكه قانى باى الجاركسى عند دار الضيافة، تجاه سور القلعة. ومات وهو فى حدود الثلاثين تخمينا، وأمّه السّتّ قراجا بنت الأمير أرغون شاه أمير مجلس الملك الظاهر برقوق.
وكان مولده بالقاهرة، وبها نشأ تحت كنف والده، وحج وسافر مع والده إلى آمد فى سنة ست وثلاثين، واشتغل اشتغالا يسيرا حتى برع فى المعقول وشارك فى المنقول، وساد فى فنون كثيرة من العلوم، يساعده فى ذلك جودة ذهنه وحسن تصوره وعظيم(15/502)
حفظه، حتى صار معدودا من العلماء، ولا نعلم أحدا من أبناء جنسه من ابن أمير ولا سلطان وصل إلى هذه الرتبة غيره قديما ولا حديثا، بل ولا فى الدولة التركية قاطبة من المشاهير أولاد الملوك، هذا مع المحاضرة الحسنة والمذاكرة اللطيفة والنوادر الطريفة والاطلاع الزائد فى أخبار السلف وأيام الناس.
وكان يسألنى عن مسائل دقيقة مشكلة فى التاريخ على الدوام، لم يسألنى عنها أحد من بعده إلى يومنا هذا، وأما حفظه للشعر باللعتين التركية والعربية، فغاية لا تدرك «1» ، وكان مجلسه لا يبرح مشحونا بالعلماء مشايخ الإسلام يتداولونه بالنوبة، فكان لقاضى القضاة شهاب الدين بن حجر وقت «2» يحضر فيه فى كل جمعة مرتين، ولقاضى القضاة سعد الدين بن الديرى الحنفى وقت غير ذلك يحضر فيه [أيضا] «3» فى الجمعة مرتين، وأما العلامة محيى الدين الكافيجى الحنفى، والعلامة قاسم الحنفى، فكانا يلازمانه فى غالب الأوقات ليلا ونهارا، وأما غير هؤلاء من الطلبة الأعيان، فكثير يطول [184] الشرح فى ذكرهم.
[وكان] «4» مع هذه الفضيلة [التامة] «5» والرئاسة الضخمة والترشيح للسلطنة، متواضعا بشوشا هيّنا [لينا] «6» ، مع حسن الشكالة وخفة الروح والميل إلى الطرب، على قاعدة الصوفية والعقلاء من الرؤساء؛ وكان لا يمل من المحاضرة والمذاكرة بالعلوم والفنون؛ وكان رميه بالنشّاب فى غاية الجودة، ويشارك فى ملاعيب كثيرة، لولا سمن كان اعتراه، وكره هو ذلك، وأخذ يتداوى فى منع السمن بأشياء كثيرة، ربما كان بعضها(15/503)
سببا لهلاكه، مثل شرب الخل على الريق، ومنع أكل الخبز سنين، وكثرة دخول الحمّام، حتى أنه كان غالب جلوسنا معه فى الخلوة فى مسلخ الحمام الذي ابتناه بطبقة الغور «1» من القلعة، ويداخله فى الحرارة، وأشياء غير ذلك؛ وكان بينى وبينه صحبة قديمة وحديثة ومحبة زائدة، ثم صار بيننا أيام سلطنة والده صهارة، فإنه تزوج ببنت الأتابك آقبغا التّمرازى، وهى بنت كريمتى؛ ولم يفرق بيننا إلا الموت، رحمه الله تعالى.
ولقد كان حسنة من حسنات الزمان «2» ، خليقا للملك والسلطنة، ولو طال عمره إلى أن آل إليه الأمر، لما اختلف عليه اثنان غصبا ومروءة؛ فإنه كان هيّنا مع الهين فتّاكا على العسر، وأنا أعرف بحاله من غيرى؛ ولقد سمعت منه كلمات من أفعال يفعلها إن تمّ أمره فى الملك، تدل على معقول وتدبير عظيم وحدس «3» صائب، وإقماع المفسدين، لم أسمعها من أحد غيره كائنا من كان.
وأنا أقول: لو ملك الديار المصرية [و] «4» تم أمره، نفقت فى أيامه بضائع أرباب الكمالات الكاسدة من كل علم وفن: وظهرت من الزوايا خبايا، وتجدّد ما بعد عهده من الطرائف، وأبدى كل أستاذ من فنه أعاجيب ولطائف؛ ومن أجله صنّفت هذا الكتاب من غير أن يأمرنى بتصنيفه، غير أنى قصدت بترتيب هذا الكتاب من ذكر ملك بعد ملك، أنه إذا تسلطن، أختم هذا الكتاب بذكره، بعد أن أستوعب أحواله وأموره على طريق السيرة، ولوّحت له بذلك، فكاد يطير فرحا، وبينا نحن فى ذلك، انتقل إلى رحمة الله تعالى، فكان حالى معه كقول مسعود بن محمد الشاعر:
[الكامل](15/504)
بأبى، حبيب زارنى متنكّرا ... فبدا الوشاة له فولّى معرضا
فكأنّنى وكأنّه وكأنّها ... أمل ونيل حال بينهما القضا
وأحسن من هذا قول من قال، وهو فى معنى فقده: [الطويل]
غدا يتنأى صاحب كان لى إنسا ... فلا مصبحا لى بالسرور ولا ممسا «1»
أخ لى لو أعطى الدّنى باسم فقده ... بلا «2» فقده كانت به ثمنا بخسا
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم، ستة أذرع وعشرون أصبعا؛ مبلغ الزيادة:
تسعة عشر ذراعا وثلاثة وعشرون أصبعا.(15/505)
[ما وقع من الحوادث سنة 848]
السنة السابعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة.
فيها لهج المنجمون بأن فى هذه السنة يكون انقضاء مدة الملك الظاهر جقمق من ملك مصر، فإنهم كانوا أجمعوا على أنه لا يقيم فى الملك أكثر من سبع سنين؛ وكان هذا القول بعد أقوال كثيرة فى مدة ملكه، فلم يصدقوا فى واحدة منها، ومضت هذه السنة والسلطان فى خير وعافية.
[و] «1» فيها كان الطاعون بالديار المصرية، وكان مبدأه فى ذى الحجة من السنة الخالية، وعظم فى المحرم من هذه السنة وأوائل صفر، ومات فيه عالم كبير جدا حسبما تقدم «2» ذكره فى أصل الترجمة «3» .
وفيها، أعنى سنة ثمان وأربعين المذكورة، توفى الخطيب الواعظ شمس الدين محمد الحموى خطيب الجامع الأشرفى بالعنبريّين «4» ، فى يوم الأربعاء ثالث ذى القعدة، عن نيف وسبعين سنة تخمينا، وكان يعظ الناس فى الأماكن، ويعمل المواعيد، وكان له قبول من العامة والنسوة، وكان فصيحا فى خطبته [185] ويستحضر الكثير من الأحاديث والتفسير، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير الطّواشى فيروز بن عبد الله الجاركسى الرومى الساقى الزّمام، بطّالا بالقاهرة، فى يوم الأربعاء رابع عشر شعبان، ودفن بمدرسته التى أنشأها بالقرب من داره، عند سوق القرب [بالقرب من الحارة الوزيرية] «5» بالقاهرة.(15/506)
وكان أصله من خدام الأمير جاركس القاسمى المصارع، المقدم ذكره فى دولة الملك الناصر فرج، وترقى بعد موته إلى أن صار ساقيا للسلطان، وحظى عند الملك المؤيّد شيخ، ثم عند الأشرف برسباى، ثم انحطّ قدره، وعزله الأشرف، وأخرجه إلى المدينة النبوية «1» ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام «2» .
ثم أعاده بعد مدة، واستقر به ساقيا على عادته، ودام على ذلك حتى غضب عليه فى مرض موته، بعد أن وسّط الحكيمين «3» ، وعزله عن وظيفة السّقاية، بعد أن هدّده بالتوسيط.
فلزم فيروز هذا بيته، إلى أن مات الملك الأشرف، وصار الأمر إلى الملك الظاهر جقمق، فطلبه وولّاه زماما عوضا عن جوهر الجلبانى [اللالا] «4» بحكم عزله ومصادرته، وذلك فى أحد الرّبيعين من سنة اثنتين وأربعين، فظن كل أحد بطول مدة فيروز هذا فى وظيفة الزمامية، لكونه من خدام أخى السلطان الأمير جاركس، فلم يقم فى الوظيفة إلا نحو ستة أشهر.
وعزل لكونه فرّط فى أمر الملك العزيز حين فرّ من الدّور السلطانية، وتقدم «5» ذكر ذلك كله فى أصل هذه الترجمة، وولّى السلطان عوضه زماما، جوهر الخازندار القنقبائى، ولزم فيروز هذا بيته خاملا إلى أن مات. وكان لا بأس به فى أبناء جنسه، لتجمل كان فيه ومحاضرة حسنة، وهو أحسن الثلاثة حالا ممن اسم كلّ واحد منهم فيروز، وهم فى عصر واحد [أولهم] «6»(15/507)
فيروز هذا، وثانيهم فيروز النّوروزى، وثالثهم فيروز الرّكنى نائب مقدم [المماليك] «1» كان.
وتوفى الأمير حمزة بن قرايلك، واسم قرايلك عثمان بن طرعلى، صاحب ماردين وغيرها من ديار بكر، فى أوائل شهر رجب، ووصل الخبر بموته إلى القاهرة فى العشرين من شعبان، وكان غير مشكور السيرة على قاعدة أوباش التركمان الفسقة.
وتوفى الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله الأبوبكريّ المؤيّدى نائب غزة، خارج غزة؛ قتيلا بيد العربان الخارجة عن الطاعة؛ فى أواخر ذى الحجة؛ وتولى نيابة غزة بعده الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى؛ وكان أصل طوخ هذا من مماليك الملك المؤيد شيخ وخاصكيّته، وتأمّر بعد موته بالبلاد الشأمية؛ ثم صار أتابك غزة سنين طويلة؛ إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق.
ثم ولاه بعد مدة يسيرة نيابة غزة، بعد موت الأمير طوخ مازى الناصرى فدام على نيابتها إلى أن خرج من غزة، وواقع العربان وكسرهم؛ وبعد كسرتهم تهاون فى أمرهم، ونزل بمكان، فعادوا نحوه وهجموا عليه، فركب بمن معه وقاتلهم حتى قتل هو وجماعة من مماليكه وغيرهم. وكان شجاعا مقداما إلا أنه كثير الطمع.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة: ثمانية عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا.(15/508)
[ما وقع من الحوادث سنة 849]
السنة الثامنة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة تسع وأربعين وثمانمائة.
فيها توفى قاضى القضاة شمس الدين محمد بن إسماعيل بن محمد الونائى «1» ، الشافعى الفقيه العالم، معزولا عن قضاء دمشق، بالقاهرة، فى يوم الثلاثاء سابع عشر صفر، ودفن من الغد بالقرافة، وصلى عليه رفيقه فى الاشتغال، قاضى القضاة شمس الدين محمد القاياتى الشافعى. ومولده فى شعبان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ببلده، ثم انتقل إلى القاهرة، وطلب العلم وحفظ التنبيه فى الفقه، وعدة مختصرات، وأقبل على الاشتغال، ولازم علماء عصره.
وأول اشتغاله كان فى سنة سبع وثمانمائة، وتكسّب بتحمّل الشهادة مدة، إلى أن برع فى الفقه والعربية والأصول، وتولى مشيخة التنكزية بالقرافة، ثم تدريس الفقه بالشّيخونية، ثم طلبه الملك الظاهر جقمق، وولّاه قضاء الشافعية [186] بدمشق، من غير سعى، فى سنة ثلاث وأربعين، فباشر قضاء دمشق بعفة، وعرف بالصيانة والديانة، إلى أن عزل وعاد إلى القاهرة؛ ثم وليها ثانيا، فباشرها أيضا مدة، ثم عزل وقدم القاهرة وتولى تدريس قبة الإمام الشافعى، إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وكان معدودا من العلماء، وهو أحد من جمع بين معرفة المنقول والمعقول رحمه الله.
وتوفى الأمير الكبير، سيف الدين يشبك بن عبد الله السّودونى، المعروف بالمشدّ، أتابك العساكر بالديار المصرية، فى يوم الخميس ثالث شعبان، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، وتولى الأتابكية من بعده الأمير إينال العلائى الناصرى الدّوادار الكبير. وكان أصل يشبك هذا من مماليك سودون الجلب نائب حلب،(15/509)
ومات عنه، فباعه الأمير يشبك الساقى الأعرج، وهو يوم ذاك نائب قلعة حلب، للأمير ططر، فأعتقه ططر وجعله من جملة مماليكه، فنازعه بعد مدة الأمير أيتمش الخضرى، وهو يوم ذاك متحدث على أيتام الملك الناصر فرج، وطلبه منه فادعى ططر أنه اشتراه من يشبك الساقى الأعرج، وهو وصىّ سودون الجلب فقال أيتمش: بيع يشبك له غير صحيح، لأن سودون الجلب انحصر إرثه فى أولاد الملك الناصر، وأنا «1» المتحدث على أولاد الملك الناصر، فاشتراه ططر ثانيا منه بمائة دينار.
ثم جعله ططرشادّ شراب خاناته، حتى تسلطن، فأنعم عليه بإمرة طبلخاناة، وجعله شادّ الشراب خاناة السلطانية، فدام على ذلك سنين، إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، ثم جعله حاجب الحجاب بعد قرقماس الشعبانى بعد توجهه إلى نيابة حلب، ثم نقله الملك الظاهر جقمق فى أوائل سلطنته إلى إمرة مجلس، بعد آقبغا، [ثم] «2» إلى إمرة سلاح عوضا عن آقبغا التّمرازى أيضا، ثم بعد أشهر خلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد قدومه من بلاد الصعيد، عوضا عن آقبغا التّمرازى أيضا بحكم انتقال آقبغا إلى نيابة دمشق، بعد خروج إينال الجكمى عن الطاعة.
كل ذلك فى أشهر قليلة من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فدام يشبك فى الأتابكية سنين ونالته السعادة، وعظم وضخم فى الدولة، إلى أن اعتراه مرض تمادى به سنين، [ويقال إنه سمّ] «3» وحصل له ارتخاء فى أعضائه، ثم عوفى قليلا، وركب إلى الخدمة ثم نقض عليه ألمه، فمات منه بعد أيام يسيرة.
وكان عاقلا ساكنا حشما، إلا أنه كان عاريا من كل علم وفن، غير أنه كان يحسن رمى النّشّاب، على عيوب كانت فى رميه؛ وكنت أظنه أولا ديّنا، إلى أن أخذ(15/510)
إقطاع الأتابك آقبغا التّمرازى، وصار بيننا وبينه مستحقّ أيتام آقبغا فى الإقطاع المذكور، فإذا به لا يحلل ولا يحرم، وعنده من الطمع وقلة الدين ما يقبح ذكره عن كائن من كان، هذا مع حدة زائدة وشراسة خلق وظلم زائد على حواشيه وخدمه، حتى أنه كان يضرب الواحد منهم نحو ألف عصاة على الذنب اليسير، ولم يكن له مهابة فى النفوس، لكونه كان من مماليك سودون الجلب، وأيضا من قرب عهده بالفقر، وخدم الأمراء، مع من كان عاصره من أكابر الأمراء الظاهرية البرقوقية ممن كان أكبر من أستاذه سودون الجلب، وأعظم فى النفوس- انتهى.
وتوفى الأمير سيف الدين قانى باى الجكمى حاجب حجاب حلب، على هيئة نسأل الله تعالى حسن الخاتمة، فى أواخر هذه السنة وكان من خبر موته أنه سكر ونام فى أيام الشتاء، وقد أوقد النار بين يديه على عادة الحلبيين وغيرهم فعظم الدخان عليه وعلى مملوكه فى البيت، وصارا من غلبة السكر لا يهتدى كل واحد «1» منهما إلى الخروج من باب الدار، من عظم الدخان وشدة السكر، فماتا على تلك الحالة؛ وكتب بذلك محضر وأرسل إلى السلطان [لئلا يتوهم خلافه] «2» .
وكان أصل قانى باى هذا من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب، ثم صار بعد موت الملك المؤيّد شيخ خاصكيّا، ودام على ذلك دهرا طويلا لا يلتفت إليه، إلى أن خلع عليه الملك الظاهر جقمق، باستقراره فى حجوبية حجاب حلب دفعة واحدة من الجندية؛ وعيب ذلك على الملك [187] الظاهر لكون قانى باى المذكور لم يكن من أعيان الخاصكيّة، ولا من المشاهير بالشجاعة والإقدام، ولا من العلماء «3» ولا من العقلاء العارفين بفنون الفروسية، بل كان مهملا مسرفا على نفسه عاريا من كل علم وفن، ولم يدر «4» أحد لأى معنى كان قدّمه الملك الظاهر جقمق، فرحمه الله تعالى وسامحه على(15/511)
هذه الفعلة، فإنها عدت من غلطاته الفاحشة التى ليس لها وجه من الوجوه. قلت:
وكما جاءته السعادة فجاءة جاءه الموت أيضا فجاءة، عفا الله عنه.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وخمسة عشر إصبعا؛ مبلغ الزيادة:
تسعة عشر ذراعا وتسعة «1» أصابع.(15/512)
[ما وقع من الحوادث سنة 850]
السنة التاسعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمسين وثمانمائة.
فيها توفى قاضى القضاة شمس الدين محمد بن على بن محمد بن يعقوب القاياتى، الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية فى العشر الأخير من المحرم، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى من تحت القلعة، ودفن بتربة الصوفية خارج باب النصر؛ وكان مولده بقايات فى سنة خمس وثمانين وسبعمائة تخمينا، ثم نقل إلى القاهرة مع والده، وحفظ عدة مختصرات، وحضر دروس شيخ الإسلام «1» السراج البلقينى فى آخر عمره، ثم تفقّه بعمّه الشيخ ناصر الدين القاياتى وبجماعة أخر، حتى برع فى الفقه والعربية والأصلين وعلمى المعانى والبيان، وشارك فى عدة فنون، وسمع الحديث فى مبدأ أمره، وحدّث ببعض مسموعاته، وتكسّب مدة سنين بتحمل الشهادة بجامع الصالح خارج باب زويلة، [إلى أن قررّ طالبا بالجامع المؤيّدى داخل باب زويلة] «2» .
ثم ولى تدريس الحديث بالمدرسة البرقوقية، عوضا عن الشيخ زين الدين القمنى، ثم استقر فى تدريس الفقه بالمدرسة الأشرفية بخطّ العنبريّين، ثم ولى مشيخة خانقاه سعيد السعداء، بعد موت القاضى شهاب الدين بن المحمّرة، وتصدّى للإفتاء والتدريس والإقراء سنين، وانتفع به الطلبة. وكان مع براعته فى العلوم، متقشفا فى ملبسه، ومركبه، بل كان يمشى على أقدامه فى غالب أوقاته «3» وحاجاته، إلى أن طلبه الملك جقمق ليوليه قضاء الشافعية، فطلع بحضرتى على حمار إلى باب القلعة، ثم نزل ودخل إلى السلطان، وكان السلطان يعرفه من دروس العلامة علاء الدين البخارى، فكلّمه(15/513)
السلطان فى الولاية، وأنا أظن أنه لا يقبلها أبدا، فامتنع امتناعا ليس بذاك، ثم أجاب وأصبح تولّى القضاء، ونزل وبين يديه وجوه الدولة، وهو بغير خلعة بل بطيلسانه، وامتنع من لبس الخلعة، كونها تعمل من وجه غير مقبول عنده، وكان ذلك فى يوم رابع عشر محرم سنة تسع وأربعين.
ونزل إلى المدرسة الصالحية بين القصرين، وقام بعض الرسل ليدّعى على شخص، فلم يسمع دعواه، وقال: «هذه حيلة واصطلاح» . ففرح الناس بولايته، وظنوا أنه يحملهم على الحق المحض، من طريق السلف، ويحيى «1» سنة قضاة العدل، فوقع خلاف ذلك كله، وسار على طريق القوم- وأكثر- من النّوّاب، وراعى «2» أرباب الدولة، وتعاظم، حتى فى سلامه، وحبّ المنصب حبّا، حتى لعله لو عزل منه لمات أسفا عليه؛ هذا مع ما كان عليه من العلم والعبادة والصيانة.
ولما أن خطب بالسلطان فى يوم الجمعة على عادة قضاة الشافعية، ورقى المنبر، لم يخشع أحد لخطبته لمسكة كانت فى لسانه، وعدم طلاقة، وكانت هذه عادته، حتى فى تقرير دروسه «3» ؛ وكان يقرئ العلم على قاعدة الأعاجم من كتاب فى يده، وكان فيه بعض توسوس لا سيما فى تكرير النية عند دخوله إلى الصلاة؛ فلما ولى القضاء وخطب ونزل صلى بالسلطان، زال عنه ذلك ببركة المنصب، وأنا أقول: كانت حالته الأولى تعجبنى والناس، ولم تعجبنى أحواله بعد ولايته، رحمه الله وسامحه «4» .
وتوفى القاضى بهاء الدين محمد بن قاضى القضاة نجم الدين عمر، بن حجى [ابن موسى] «5» الدمشقى المولد والمنشأ، الشافعى ناظر جيش دمشق بقاعة «6» البرابخية بخط بولاق على النيل، فى يوم ثالث عشرين صفر، وحضر السلطان الصلاة بمصلاة(15/514)
المؤمنى من تحت قلعة الجبل، ودفن بالقرافة الصغرى تجاه شباك الإمام الشافعى وهو فى حدود [188] الأربعين من العمر تخمينا. وكان ولى قضاء دمشق بعد موت والده، ثم نقل إلى نظر جيشها، ثم قدم القاهرة وتولى نظر جيش مصر، بعد عزل القاضى محب الدين بن الأشقر، لوظيفة نظر جيش دمشق، فلم ينتج أمره، وعزل بعد أشهر، وخلع عليه باستقراره [على] «1» وظيفة نظر جيش دمشق.
ثم قدم القاهرة بعد ذلك ودام بها عند حميه «2» المقر الكمالى بن البارزى كاتب السر، إلى أن مرض وطال مرضه، إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وكان شابا طوالا جميلا جسيما طويل اللحية جدا، كريما مفرط الكرم، ومات وعليه جمل من الديون، فوفى «3» موجوده بقضائها، رحمه الله تعالى.
وتوفى الشيخ عز الدين عبد العزيز شيخ الصّلاحية بالقدس الشريف، فى أوائل شهر رمضان، وتولّى عوضه مشيخة الصلاحية، جمال الدين عبد الله بن جماعة بمال بذله فى ذلك؛ وكان عزّ الدين فقيها عالما مفتيا، وتولى نيابة الحكم بالقاهرة سنين كثيرة، رحمه الله تعالى.
وتوفى الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن رجب بن الأمير طيبغا المجدى الشافعى، فى ليلة العاشر من ذى القعدة. وصلى عليه بجامع الأزهر. وكان مولده بالقاهرة فى سنة سبع وستين وسبعمائة، وبها نشأ واشتغل حتى برع فى الفقه والعربية والحساب والفرائض. والهيئة والهندسة، وصنّف وأقرأ وأشغل وانتفع به الناس.
وكان أجلّ علومه «4» الفرائض والحساب والهندسة «5» ، ويشارك فى غير ذلك.(15/515)
وتوفى الشيخ الإمام «1» [الصالح] «2» المعتقد يوسف [بن محمد بن جامع] «3» البحيرى، نزيل جامع الأزهر، فى ليلة الأحد حادى عشر «4» ذى القعدة، وصلى عليه من الغد، فى جامع الأزهر، وحضرت غسله والصلاة عليه ودفنه، لصحبة كانت بيننا قديما. وكان شيخا جميل الطريقة قائما بقضاء حوائج الناس، ولأرباب الدولة والأكابر فيه اعتقاد كبير ومحبة، رحمه الله [تعالى] «5» .
وتوفى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله السيفى سودون المحمدى الظاهرى. وكانت شهرته أيضا على شهرة أستاذه سودون المحمدى، وهو على نيابة قلعة دمشق، فى أوائل صفر. كان خاصكيّا فى دولة الأشرف برسباى، ورأس نوبة الجمدارية، وولى نظر الحرم بمكة المشرفة غير مرة، وهو الذي هدم سقف البيت الحرام وجدّده، وعظم ذلك على أرباب الصلاح وأهل العلم، بل ربما خرج بعضهم من مكة خشية من سخط [ينزل] «6» بها، لكون البيت صار بلا سقف عدة أيام، وكان هدمه لسقف البيت من غير أمر يوجب ذلك، أراد بذلك التقرب إلى الله تعالى «7» بهذه الفعلة، فوقع فى أمر كبير وهو لا يدرى- كعادة صلحاء الجهّال- فكان حاله فى هذا كقول القائل:
[الخفيف] :
رام نفعا فضرّ من غير قصد ... ومن البرّ ما يكون عقوقا «8»
ومن يوم هدم سودون سقف الكعبة، صار الطير يجلس على البيت الشريف،(15/516)
وكان لا يجلس فوقه أبدا قبل ذلك، وقد أتعب ذلك خدمة الكعبة. فلو لم يكن من فعله إلا هذه الفعلة «1» لكفاه إثما. كل ذلك لظن سودون المذكور بنفسه، فإنه لم يشاور فى ذلك أحدا من أعيان أهل مكة ولا تكلم مع من له خبرة بأحوال مكة، وقد قيل: «ما خاب من استشار» . وكان يتدين ويتمعقل ويعف عن الفواحش، غير أنه كان يقع فى أمور محذورة، منها: أنه كان إذا سلم عليه الشخص لا يرد عليه «2» [سلامه] «3» ، تكبرا وتعاظما، وإذا ردّ فيرد ردا هينا خلاف السنة، ومنها: أنه كان فيه ظلم عظيم على خدمه وحواشيه، هذا مع انخفاض قدره، فإنه لم يتأمّر إلا عشرة فى دولة الملك الظاهر جقمق، ثم عمل نيابة قلعة دمشق لا غير، على أن أستاذه سودون المحمدى لم يعدّ من الملوك فكيف هو!
وتوفى الأمير سيف الدين يلخجا بن عبد الله من مامش الساقى الناصرى، الرأس نوبة الثانى، ثم نائب غزة، بعد مرض طويل، فى أوائل جمادى الآخرة، وسنه نيف على خمسين سنة. وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق، أخذه مع أبيه وأمه، ثم أنعم به على ولده الملك المنصور عبد العزيز، ثم ملكه الملك الناصر فرج بعد أخيه عبد العزيز [189] المذكور ورقاه وجعله ساقيا، واختصّ به إلى الغاية، ورأس على جميع الناصرية، واستمر على رئاسته وتحشمه، إلى أن عزله الملك المؤيّد من وظيفة السقاية، ولم يبعده، بل صار عظيما أيضا فى الدوله المؤيدية، بل كان «4» فى كل دولة، لكرم نفسه ولعظمه فى النفوس.(15/517)
وسافر أمير الرّكب الأول إلى الحجاز، فى الدولة المؤيّدية، واستمر على ذلك، إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة عشرة، وحج أيضا أمير الركب الأول ثانيا، ثم [توجه] «1» إلى شدّ بندر جدّة وصحبته الصاحب كريم الدين بن كاتب المناخ، بعد عزله عن الوزر والأستادّاريّة، ثم ترقى بعد ذلك إلى أن صار أمير طبلخاناة ورأس نوبة ثانيا فى دولة الملك الظاهر جقمق، ثم نقل إلى نيابة غزة بعد موت الأمير طوخ الأبوبكريّ المؤيّدى، فلم تطل مدته فى نيابة غزة، ومرض وطال مرضه، واستعفى وتوجه إلى القدس عليلا، فمات بعد أيام قليلة [ودفن بجامع ابن عثمان ظاهر غزة] . «2» وكان أميرا جليلا رئيسا وجيها معظما فى الدول، عريقا فى الرئاسة، متجملا فى مركبه وملبسه ومماليكه، وكان تركى الجنس مليح الشكل إلى الغاية، وعنده سلامة باطن، مع خفة روح وبشاشة وتواضع، مع شجاعة وإقدام وحرمة وافرة، وكلمة نافذة؛ ولم يكن فيه ما يعاب، غير انهما كه فى اللذات، وبعض سطوة على غلمانه، عفا الله عنه «3» .
وتوفى الأمير الطّواشى صفىّ الدين جوهر بن عبد الله التّمرازى الخازندار، ثم شيخ الخدام بالحرم الشريف «4» النبوى، فى أواخر هذه السنة، وكان أصله من خدام الأمير تمراز الظاهرى النائب، وصار جمدارا فى أواخر دولة الملك المؤيّد شيخ، ودام على ذلك سنين، إلى أن استقر به الملك الظاهر خازندارا، بعد موت جوهر القنقبائى، فلم تطل مدته فى الخازندارية، وعزله السلطان بالطّواشى فيروز النّوروزى الرومى رأس نوبة الجمدارية؛ وصادره، ثم ولّاه مشيخة الخدّام بالحرم النبوى، إلى أن مات(15/518)
[واستقر بعده فى مشيخة الحرم الطواشى فارس كبير الطواشية هناك] «1» . وكان حبشىّ الجنس مليح الشكل، كريما حشيما، متواضعا لطيفا؛ وعنده فهم وذوق؛ وله محاضرة، مع تجمل فى أحواله، وكان بخلاف أبناء جنسه فى تحصيل المال، بل كان يصرفه فى معايشه، ويقصد الترف والعيش الرغد، ويظهر النعمة ويبر أصحابه بحسب طاقته، رحمه الله تعالى.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وستة وعشرون أصبعا؛ مبلغ الزيادة:
تسعة عشر ذراعا واثنان وعشرون إصبعا.(15/519)
[ما وقع من الحوادث سنة 851]
السنة العاشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة إحدى وخمسين وثمانمائة.
فيها توفى الأمير أيتمش بن عبد الله من أزوباى الناصرى [فرج] «1» ثم المؤيّدى، أستادّار الصّحبة وأحد أمراء العشرات، فى يوم الأربعاء ثالث صفر، وتولى أستادّارية الصّحبة [190] بعده الأمير سنقر الظاهرى. وكان أيتمش المذكور من جملة من تأمّر بعد موت الملك الأشرف برسباى، ثم ولّاه الملك الظاهر جقمق أستادّارية الصّحبة، بعد مغلباى الجقمقى بحكم خروجه إلى دمشق أميرا، فدام أيتمش المذكور على وظيفته، إلى أن مات، وكان مسيكا مسرفا على نفسه، لم يشهر بشجاعة ولا كرم ولا تدين.
وتوفى الأمير سيف الدين قانى باى بن عبد الله الأبوبكريّ الناصرى، المعروف بالبهلوان، نائب حلب بها، فى شهر ربيع الأول؛ وتولى عوضه نيابة حلب الأمير برسباى الناصرى نائب طرابلس. وكان أصل قانى باى المذكور من مماليك الملك الناصر فرج، ثم حطّه الدهر بعد موت أستاذه، وخدم عند جماعة من الأمراء، مثل الوزير أرغون شاه النّوروزى، ومثل بردبك الجكمى العجمى، ثم اتصل بخدمة ططر، فلما تسلطن، أنعم عليه بإمرة عشرة، ثم صار أمير طبلخاناة فى أوائل دولة الملك الأشرف برسباى، وثانى رأس نوبة، بعد قطج من تمراز، بحكم انتقال قطج إلى تقدمة ألف، فدام على ذلك سنين، إلى أن نقله الملك الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم ولاه نيابة ملطية مضافا على تقدمته، فباشر ذلك مدة، ثم أخرج السلطان تقدمته عنه، واستمر فى نيابة ملطية فقط؛ ثم عزله(15/520)
وولاه أتابكية حلب، فدام على ذلك سنين، إلى أن نقله الملك الأشرف إلى أتابكية دمشق، بعد موت تغرى بردى المحمودى بآمد فى سنة ست وثلاثين وثمانمائة.
والعجب أنه لما صار أتابك حلب، كان يوم ذاك، حاجب حجابها أستاذه بردبك العجمى؛ ثم لما صار أتابك دمشق، كان يوم ذاك أستادّار السلطان بدمشق، أستاذه أرغون شاه النّوروزى الأعور، فانظر إلى حركات هذا الدهر وتقلباته!
واستمر قانى باى فى أتابكية دمشق، إلى أن خرج الأتابك إينال الجكمى نائب الشام عن طاعة الملك الظاهر جقمق، فوافقه قانى باى هذا، بل وحرّضه على «1» الخروج عن الطاعة ليصل بذلك لأغراضه، فلم تكن موافقته إلا مدة يسيرة، وأرسل إليه الملك الظاهر جقمق من مصر، يعده بأشياء إن ترك موافقة الجكمى وعاد إلى طاعته، ففى الحال عاد إلى طاعة السلطان وخذل إينال الجكمى، بعد أن كان هو أكبر الأسباب فى خروجه، فنقله السلطان إلى نيابة صفد، بعد عزل إينال العلائى الناصرى عنها، وقدومه إلى مصر أمير مائة [و] «2» مقدم ألف بها، ثم نقله إلى نيابة حماة، بعد عزل أستاذه بردبك العجمى عنها، ثم نقل إلى نيابة حلب بعد عزل الأمير قانى باى الحمزاوى عنها، وقدومه إلى القاهرة أمير مائة ومقدم ألف بها، على إقطاع شاد بك الجكمى «3» ، بحكم استقرار شاد بك فى نيابة حماة، عوضا عن قانى باى المذكور. واستقر قانى باى فى نيابة حلب، إلى أن مات، وهو فى عشر الستين. وكان مليح الشكل متوسط السيرة، مسرفا على نفسه، لم يشهر بشجاعة ولا معرفة بفن من الفنون، وكان يلقب بالبهلوان «4» على سبيل المجاز لا على الحقيقة، رحمه الله تعالى «5» .(15/521)
وتوفى الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله الششمانى الناصرى [فرج] «1» أتابك دمشق بها، فى جمادى الأولى، وهو فى عشر الستين، وكان أيضا من مماليك الملك الناصر «2» فرج، وتأمّر عشرة فى أيام أستاذه، ثم نكب وتعطل مدة سنين، إلى أن أنعم عليه الأتابك ططر بإمرة عشرة، وصار من جملة رؤوس النّوب، ثم ولاه الملك الأشرف حسبة القاهرة سنين، ثم عزله، ثم نقله بعد مدة إلى إمرة طبلخاناة، ثم صار ثانى رأس نوبة، وسافر أمير حاجّ المحمل، وكان سافر أمير الركب الأول قبل ذلك بسنين، ثم ولاه الأشرف نيابة صفد بعد موت الأمير مقبل الحسامى الدّوادار، فلم ينتج أمره فى صفد لرخو كان فيه، وعدم شجاعة، وعزله السلطان عن نيابة صفد. ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، فدام على [191] ذلك سنين إلى أن أقرّه الملك الظاهر جقمق أتابكا بدمشق. بعد توجّه قانى باى البهلوان إلى نيابة صفد، فدام على ذلك إلى أن مات. وكان ديّنا عفيفا عن الفواحش [مع جبن وشح] «3» إلا أنه لم يشهر بشجاعة ولا كرم.
وتوفى الأمير سيف الدين برسباى بن عبد الله من حمزة الناصرى، نائب حلب، بها أو بظاهرها، بعد أن استعفى عن نيابة حلب، لطول مرضه، وكان أيضا من مماليك الملك الناصر فرج ومن خاصكيّته، ثم صار من جملة أمراء دمشق، ثم أمسكه الملك المؤيّد شيخ وحبسه سنين، ثم أطلقه، فدام بطّالا، إلى أن أنعم عليه الأتابك ططر بإمرة بدمشق، ثم ولاه الملك الأشرف حجوبية الحجاب بدمشق، فدام على الحجوبية سنين طويلة، ونالته السعادة، إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة طرابلس، بعد(15/522)
قانى باى الحمزاوى، بحكم انتقال الحمزاوى إلى نيابة حلب، بعد تولية جلبان على نيابة دمشق، بحكم موت آقبغا التمرازى؛ فدام برسباى فى نيابة طرابلس سنين، إلى أن نقل إلى نيابة حلب، بعد موت قانى باى البهلوان، فدام على نيابة حلب مدة، ومرض وطال مرضه، إلى أن استعفى، فأعفى، وخرج من حلب إلى جهة دمشق، فمات فى أثناء طريقه. وكان جليلا حشما دينا عفيفا عن المنكرات والفروج، وكان شديدا على المسرفين، فإنه كان يدخل إليه بالسارق أو قاطع الطريق فيقول: «خذوه إلى الشرع» ، ويدخل إليه بالسكران، فيضربه حدودا كبيرة. وفى الجملة أنه كان دينا خيرا، رحمه الله تعالى.
وتوفى قاضى قضاة دمشق وعالمها ومفتيها وفقيهها، تقىّ الدين أبو بكر [بن أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذوبب بن مشرق] «1» ، الدمشقى الشافعى، المعروف بابن قاضى شهبة «2» ، فى ذى القعدة بدمشق فجاءة بطالا، بعد أن انتهت إليه الرئاسة فى فقه مذهبه وفروعه، وكان ولى قضاء دمشق، وخطب فى واقعة الجكمى للملك العزيز يوسف، فحقد عليه الملك الظاهر جقمق ذلك، وعزله، إنى أن مات، بعد أن تصدى للإفتاء والتدريس سنين كثيرة، وانتفع به غالب طلبة دمشق «3» ، وصنف التصانيف المفيدة، رحمه الله تعالى «4» .
وتوفى الأمير الطّواشى صفى الدين جوهر المنجكى نائب مقدم المماليك السلطانية، معزولا، فى أول ذى الحجة. وكان أولا من جماعة طواشيّة الأطباق،(15/523)
أعنى أنه كان مقدم طبقة المقدم، حتى ولّاه الملك الظاهر جقمق، نائب مقدم المماليك، بعد عزل فيروز الرّكنى الرومى عنها، فدام على ذلك سنين، ثم عزل بجوهر السيفى نوروز، إلى أن مات. وهو صاحب المدرسة التى أنشأها برأس سويقة منعم «1» ، تجاه مصلاة المؤمنى، وأوقف عليها وقفا بحسب حاله.
وتوفى الشيخ المسند المعمر، القاضى عز الدين عبد الرحيم [بن محمد بن عبد الرحيم بن على بن الحسين بن محمد بن عبد العزيز] «2» ، بن الفرات الحنفى، أحد نواب الحكم، فى يوم السبت سادس عشرين «3» ذى الحجة. وكان له رواية وسند عال فى أشياء كثيرة سماعا وإجازة، وحدّث سنين كثيرة، وصار رحلة زمانه، ولنا منه إجازة بجميع سماعه ومروياته، وقد استوعبنا ترجمته فى غير هذا الكتاب، «4» [رحمه الله] «5» .
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أحد عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا، مبلغ الزيادة: تسعة عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا.(15/524)
[ما وقع من الحوادث سنة 852]
السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
فيها توفى الشيخ برهان الدين إبراهيم بن خضر العثمانى الشافعى، أحد فقهاء الشافعية، فى ليلة خامس عشر المحرم. وكان فاضلا فقيها، تفقه بالقاضى شهاب الدين ابن حجر وبغيره ودرّس وأقرأ، وعدّ من الفضلاء، إلا أنه كان دنس الثياب، غير ضوئى «1» الهيئة، رحمه الله تعالى.
وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن عثمان، [عرف بالكوم] «2» الرّيشىّ الشافعى، فى يوم الأربعاء حادى عشرين المحرم. وكان له اشتغال قديم، مع توقف فى ذهنه وفهمه، ثم ترك الاشتغال، وتردد إلى أرباب الدولة لطلب الرزق، على أنه كان دينا خيرا، وعنده سلامة باطن، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين آقطوه بن عبد الله الموساوى الظاهرى، بطّالا، فى ليلة الثلاثاء ثانى عشر صفر، ودفن من الغد.
وكان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، وصار من جملة الدّوادارية، فى الدولة المؤيّدية شيخ، ثم تأمّر عشرة، [192] بعد موته، ودام على ذلك دهرا طويلا، وصار مهمندارا [فى الأيام الأشرفية] «3» ، ثم توجه فى الرسلية إلى القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك «4» ، ثم عاد ودام على ما هو عليه، إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق، بإمرة طبلخاناة، ثم نفاه بعد سنين، ثم أعاده، وأنعم عليه(15/525)
بإمرة عشرة، ثم نفاه ثانيا، وشفع فيه بعد مدة، فعاد إلى القاهرة بطالا، ودام بها إلى أن مات.
كان تركى الجنس، ويتفقه ويشارك فى ظواهر مسائل، على قاعدة غالب فقهاء الأتراك، سألنى مرة سؤالا، وابتدأ فى سؤاله بقوله: «باب» ، فقبل أن يتم السؤال، قلت له: «باب مرفوع على أى وجه؟» ، فسكت، ثم قال: «هذا شىء لم أسمعه منذ عمرى» ، فضحك جميع من حضر، ولم يسألنى بعدها، إلى أن مات. وكان عفيفا عن الفواحش، إلا أنه كان فيه البخل وسوء الخلق وتعبيس الشكالة، رحمه الله.
وتوفى الشيخ زين الدين عبد الرحمن [بن محمد بن محمد بن يحيى] السّندبيسى «1» الشافعى، أحد فقهاء الشافعية، فى ليلة الأحد سابع عشر صفر، ودفن من الغد «2» ، وكان معدودا من فقهاء الشافعية، رحمه الله تعالى «3» .
وتوفى الأمير سيف الدين أسنباى بن عبد الله الظاهرى الزّردكاش، كان أحد أمراء العشرات، فى العشر الأخير من صفر، عن سنّ عال. وكان من أعيان مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن صار فى أيام أستاذه، زردكاشا، وأسر فى كائنة تيمور، وحظى عنده، وجعله تيمورلنك زرد كاشه، ودام عنده إلى أن مات؛ فقدم القاهرة، ودام بها إلى أن استقر فى دولة الملك المؤيد أمير عشرة وزرد كاشا كبيرا، وصار مقربا عند الملك المؤيد إلى الغاية؛ ثم عزل عن الزردكاشية بعد موت الملك المؤيد، ودام على إمرة عشرة، وتولى نيابة دمياط غير مرة، إلى أن مات بالقاهرة على إمرته. وكان رجلا عاقلا عارفا بمداخلة الملوك وبصناعة الزردخاناة، وكان حلو المحاضرة أخباريّا، حافظا لما رأى من الوقائع والحروب وأحوال السلف، وكان حسن السمت، عليه أنس وخفر، ولكلامه رونق ولذة فى السمع؛ نقلت عنه كثيرا(15/526)
فى «المنهل الصافى» وغيره من أخبار خجداشيته الظاهرية وغيرهم. وكان بينى وبينه صحبة أكيدة. ولقد بلغنى بعد موته، أنه كان سيدا شريفا من أشراف بغداد الأتراك، ونهب منها فى سبى فى بعض السنين، ولم أسأله أنا عن ذلك، والله أعلم بصحة هذا القول «1» .
وتوفى الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن [الوزير] «2» الصاحب تاج الدين عبد الرزاق، بن شمس الدين عبد الله، المعروف بابن كاتب المناخات، بالقاهرة بطّالا، بعد مرض طويل فى يوم الأحد، لعشر بقين من جمادى الآخرة، وسنه نيف على الخمسين. وكان لا بأس به بالنسبة لأبناء جنسه الكتبة، وقد تقدم أنه ولى نظر ديوان المفرد، ثم الوزر غير مرة، ثم الأستادّارية مرتين، ثم كتابة السر، ثم الوزر، ونكب وصودر وضرب بالمقارع فى بعض تعطّله، وتولى الكشف بالوجه القبلى، ثم توجه إلى جدة، ثم أعيد إلى الوزر سنين، ثم استعفى، وتولى عوضه الوزر الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، رحمه الله تعالى «3» .
وتوفى الأمير سيف الدين شاهين بن عبد الله السيفى طوغان الحسنى الدّوادار، وهو على نيابة قلعة دمشق، فى جمادى الأولى: وكان أصله من مماليك طوغان الحسنى الدوادار، واتصل [بعده] «4» بخدمة الملك الظاهر جقمق، فى أيام إمرته، وصار دواداره، ولما تسلطن، جعله بعد مدة، دوادارا ثالثا، ثم ولّاه نيابة قلعة حلب؛ فوقع له بحلب أمور وعزل منها «5» ، ونقل إلى نيابة قلعة دمشق، إلى أن مات. وكان يصبغ لحيته بالحناء مع بخل وشح، حتى على نفسه، عفا الله تعالى «6» عنه.
وتوفى الناصرى محمد بن على بن شعبان ابن السلطان حسن، بن محمد بن قلاوون،(15/527)
أحد الأجناد، وندماء الملك الظاهر جقمق فى حياة أبيه وأمه، فى يوم الخميس سابع «1» جمادى الآخرة [ويعرف بابن السلطان حسن] «2» . وكان لا بأس به، إلا أنه كان فى مبدإ أمره فقيرا، وجاءته السعادة لصحبته الملك الظاهر جقمق، فجأة، فكان حاله كقول القائل: [الطويل]
[ويا ويل] «3»
من ذاق الغنا بعد حاجة ... يموت وقلبه من الفقر واجس
فكان كذلك، إلا أنه كان بشوشا، ويحسن رمى النّشّاب على قدر حاله، ويجيد الغناء الموسيقى، وفى الجملة، كان له محاسن، مع أصل وعراقة، [رحمه الله] «4» .
[وتوفى] «5» الشيخ زين الدين رضوان بن محمد بن يوسف العقبى الشافعى، مستملى الحديث، فى يوم الاثنين، ثالث شهر [193] رجب. وكان دينا فاضلا حسن السمت منور الشيبة، رحمه الله تعالى.
وتوفى الشيخ الإمام العالم المعتقد، فتح الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن الشيخ وفاء الإسكندرى الأصل، المصرى المولد والمنشأ والوفاة، المالكى الواعظ، المعروف بابن أبى الوفا، فى يوم الاثنين أول شعبان. وكانت جنازته مشهودة ودفن عند آبائه بتربتهم بالقرافة، بعد أن صلى عليه بجامع عمرو بمصر القديمة. وكان أعلم بنى الوفاء قاطبة، وأشعرهم فى زمانه، ومات وسنه نيف على ستين سنة تخمينا، وكان له فضل غزير وشعر رائق كثير، ذكرنا منه قطعة جيدة فى «الحوادث» «6» ، ونذكر منه هنا قصيدة وهى التى أولها: [الكامل](15/528)
الرّوح منّى فى المحبة ذاهبه ... فاسمح بوصل لاعدمتك ذا هبه
عرفت أياديك الكرام بأنّها ... تأسو الجراح من الخلائق قاطبه
قد خصّك الرحمن منه خصائصا ... فحللت من أوج الكمال مراتبه
وبنورك الوضّاح فى غسق الدّجى ... أطلعت فى فلك الوفاء كواكبه
ما زلت بالمعروف تعرف دائما ... وتنيل من آوى إليك مطالبه
لم يبق فى قلبى سواك من الورى ... كلّا، ولا فيه لغيرك شائبه
بك يمنح الله الوجود بجوده ... ويبثّ فيه عطاءه ومواهبه
وتطيب منك أصوله وفروعه ... وتعيش أرواح لبعدك ذائبه
رجع الوفاء بنور وجهك غامرا ... أغذيت للورّاد منه مشاربه
وجميل سترك بالوفا عمّ الورى ... فمن احتمى فيه سترت معايبه
وشعره كله فى هذا النسق «1» ، رحمه الله تعالى «2» .
وتوفى الشهابى أحمد بن الأمير نوروز بن عبد الله الخضرى الظاهرى، المعروف بشادّ الأغنام: فى يوم الأحد، رابع عشر شعبان. وكان أبوه نوروز، من مماليك الملك الظاهر برقوق، وتولى حجوبية حلب فى نيابة الوالد على حلب، ثم نقل بعد مدة طويلة إلى حجوبية دمشق، أو إلى إمرة بها، فلم تطل مدته بها، وقبض عليه الأمير تنم الحسنى نائب الشام، لما خرج عن الطاعة، فى سنة اثنتين وثمانمائة، ووسّطه. ونشأ ولده هذا يتيما على حالة رديئة من الفقر والإفلاس، إلى أن خدم الملك الظاهر جقمق فى أيام إمرته، وطالت أيامه فى خدمته، فلما تسلطن قرّبة وأنعم عليه بإمرة بالبلاد الشامية، فلم يسكن الشام، ودام بمصر، حتى أنعم عليه الملك الظاهر جقمق «3» أيضا بإمرة عشرة زيادة على ما بيده بالشام، ثم جعله شادّ الأغنام بالبلاد الشامية، فنالته السعادة من ذلك،(15/529)
وصار له كلمة فى الدولة، وترأس واقتنى المماليك والخيول، وبقى له حاشية واسم فى المملكة، فعند ذلك انتهز أحمد المذكور الفرصة، وانهمك فى اللذات، فما عفّ ولا كفّ، وبينما هو فى ذلك، طرقه هادم اللذات، ومات بعد مرض طويل، وقد استقر أمير الركب الأول من الحاج، فاستقر الأمير قانم التاجر المؤيّدى عوضه، فى إمرة الركب.
وكان أحمد المذكور مهملا، عاريا من كل علم وفن، أجنبيا عن كل فضيلة، وكان يتلفظ فى كلامه بألفاظ العامة السوقة، مثل: «أقاتل على حسبى» و «أخذت رحلى» ، وأشياء مثل ذلك «1» من هذا النسق. وكان مع ذلك يلثغ بالسين، ويرمى بعظائم، من: ترك الصلاة، وأخذ الأموال، وغير ذلك.
وتوفى الأمير سيف الدين تغرى برمش بن عبد الله الجلالى الناصرى، ثم المؤيّدى الفقيه، نائب قلعة الجبل، بطالا بالقدس الشريف، فى يوم الجمعة ثالث شهر رمضان؛ وقد أناف على الخمسين سنة، هكذا ذكر لى من لفظه، وقال لى: إن أباه كان مسلما فى بلاده، واشتراه بعض التجار ممن سرقه، وابتاعه منه خواجا جلال الدين، وقدم به إلى حلب، فاشتراه الملك الظاهر جقمق منه، وقد توجه جقمق: وهو يوم ذاك خاصكيّا، إلى الأمير جكم نائب حلب بكامليّة الشتاء من السلطان على العادة فى كل سنة، وقدم به جقمق إلى القاهرة، [194] وقدّمه إلى أخيه جاركس القاسمى المصارع، فلما عصى جاركس، أخذه الملك الناصر فرج فيما أخذ الجاركس.
ودام تغرى برمش بالطبقة بقلعة الجبل، حتى ملك الملك المؤيّد شيخ الديار المصرية فأخذه من جملة مماليك الملك الناصر فرج، وأعتقه، فادّعاه الظاهر جقمق، وهو يوم ذاك أمير طبلخاناة وخازندار، فدفع له الملك المؤيّد دراهم ومملوكا يسمى قمارى، وأبقى تغرى برمش على ملكه، ثم صار تغرى برمش بعد موت الملك المؤيد خاصكيّا، إلى أن أخرجه الملك الأشرف من الخاصكية مدة سنين، ثم أعاده بعد مدة، ودام على ذلك إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فنفاه إلى قوص، لكونه خاشنه فى الكلام(15/530)
بسبب الإمرة، ثم شفع فيه بعد مدة، وأنعم عليه بإمرة عشرة، واستقر به فى نيابة قلعة الجبل، بعد موت ممجق النّوروزى، وقرّبه الملك الظاهر وأدناه، واختص به إلى الغاية وصار له كلمة فى الدولة، فلم يحسن العشرة مع من هو أقرب منه إلى الملك، وأطلق لسانه فى سائر أمور المملكة، حتى ألجأه ذلك إلى سفر الروم فى أمر من الأمور، ثم عاد فدام على ما هو عليه، ثم تكلم فى أمر المجاهدين وأنهم تراخوا فى أخذ رودس، فعيّنه السلطان إلى غزوة رودس، فسافر وعاد وهو على ما هو عليه، فنفاه السلطان إلى القدس بطّالا، فتوجه إليه ودام به إلى أن مات.
وكان تغرى برمش المذكور فاضلا عالما بالحديث ورجاله، مفننا فى أنواعه، كثير الاطلاع، جيد المذاكرة بالتاريخ والأدب وأيام الناس، وله نظم باللغة العربية والتركية، ويكتب المنسوب، ويشارك فى فنون كثيرة، وله محاضرة حسنة ومذاكرة حلوة، هذا مع معرفته بفنون الفروسية المعرفة التامة كآحاد أعيان أمراء الدولة، بل وأمثل منهم، ولا أعلم فى عصرنا من يشابهه فى المماليك خاصة، لما اشتمل عليه من الفضيلة التامة من الطرفين: من فنون الأتراك وعلوم الفقهاء، ومن هو منهم فى هذه الرتبة، اللهم إن كان الأمير بكتمر السعدى فنعم، وإن فاقه بكتمر بأنواع العلاج والقوة، فيزيده تغرى برمش هذا فى الكتابة ونظم الشعر والاطلاع الواسع.
وفى الجملة أنه كان من الأفراد فى عصره فى أبناء جنسه، لولا زهو كان فيه وإعجاب بنفسه، والتعاظم بفنونه، والازدراء بغيره، حتى أنه كان كثيرا ما يقول:
«يأتى واحد من هؤلاء الجهلة يمسك كتاب فى الفقه فيحفظه فى أشهر قليلة، ثم يقول فى نفسه: أنا بقيت فقيها! الفقيه من يعرف العلم الفلانى ثم العلم الفلانى، إيش هؤلاء الذين لا يعرفون معنى باسم الله الرحمن الرحيم!» . فلهذا كان غالب من يتفقه من الأتراك يغض منه ويحط عليه؛ وليس الأمر كذلك، وأنا، الحقّ أقوله، وإن كان فيهم من هو أفقه منه، فليس فيهم أحد يدانيه لكثرة فنونه، ولاتساع باعه فى النظر والاطلاع والفصاحة والأدب، وسوف أذكر من شعره ما يؤيد ما قلته، فمن شعره فى مليح يسمّى شقير: [البسيط](15/531)
تفّاح خدّى شقير فيه ... مسكىّ لون زها وأزهر
قد بان منه النّوى فأضحى ... زهرىّ لون بخدّ مشعر
وقد ذكرنا من شعره أكثر من هذا فى تاريخنا «المنهل الصافى» «1» فى ترجمته، وأما نظمه باللغة التركية، فغاية لا تدرك، له قصيدة واحدة عارض بها شيخى شاعر الروم، يعجز عنها فحول الشعراء، وكان رحمه الله، من عظم إعجابه بنفسه، يقول: إن الأمر سيصير إليه، مع وجود من هو أمثل منه بأطباق، على أنه كان غير الجنس أيضا، ومن أصاغر الأمراء، ومع هذا كله كان لا يرجع عما فيه، قلت: هذه آفة معترضه للقول الصحيح، سامحه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين صرغتمش بن عبد الله القلمطاوى، أحد أمراء العشرات، فى يوم السبت رابع شهر رمضان. وكان أصله من مماليك الأمير قلمطاى الدّوادار، وكان صرغتمش المذكور، لا للسيف ولا للضيف، ولا ذات ولا أدوات.
وتوفى الأمير سيف الدين طوغان بن عبد الله العثمانى، نائب القدس، ثم حاجب حلب، ثم نائب غزة بها، فى ذى القعدة. وأصله من مماليك الأتابك ألطنبغا العثمانى نائب الشام؛ وكان شجاعا مقداما كريما للسيف وللضيف، رحمه الله تعالى.
وتوفى قاضى القضاة شيخ الإسلام، [195] حافظ المشرق والمغرب، أمير المؤمنين فى الحديث [علامة الدهر، شيخ مشايخ الإسلام، حامل لواء سنة الأنام، قاضى القضاة، أوحد الحفاظ والرواة،] «2» شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ نور الدين على بن(15/532)
محمد بن محمد بن على بن أحمد [بن حجر] «1» ، المصرى المولد والمنشأ والدار والوفاة، العسقلانى الأصل، الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية وعالمها وحافظها وشاعرها، فى ليلة السبت ثامن عشرين ذى الحجة، وصلى عليه بمصلاة المؤمنى، وحضر السلطان الصلاة عليه، ودفن بالقرافة. حتى قال بعض الأذكياء: أنه حزر من مشى فى جنازته نحو الخمسين ألف إنسان. وكان لموته يوم عظيم «2» على المسلمين، ومات ولم يخلّف بعد مثله شرقا ولا غربا، ولا نظر هو مثل نفسه فى علم الحديث.
وكان مولده بمصر القديمة فى ثانى عشرين شعبان، سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وقد أوضحنا أمره فى ترجمته فى «المنهل الصافى» من ذكر سماعاته ومشايخه وأسماء مصنفاته «3» وولاياته من ابتداء أمره إلى منتهاه، فى أوراق كثيرة يطول الشرح فى ذكرها فى هذا المحل «4» . وكان رحمه الله تعالى إماما عالما حافظا شاعرا أديبا مصنفا مليح الشكل منوّر الشيبة، حلو المحاضرة إلى الغاية والنهاية، عذب المذاكرة مع وقار وأبهة وعقل وسكون وحلم وسياسة ودربة بالأحكام، ومداراة الناس، قلّ أن كان يخاطب الرجل بما يكره، بل كان يحسن إلى من يسىء إليه، ويتجاوز عمن قدر عليه، هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة والبر والصدقات؛ وبالجملة فإنه أحد من أدركنا من الأفراد ولم يكن فيه ما يعاب، إلا تقريبه لولده لجهل كان فى ولده، وسوء سيرته، وما عساه كان يفعل معه، وهو ولده لصلبه، ولم يكن له غيره؟
وأما شعره فكان فى غاية الحسن، ومما أنشدنى من لفظه لنفسه رحمه الله تعالى «5» :
[الطويل]
خليلىّ ولّى العمر منّا ولم نتب ... وننوى فعال الصالحات ولكنّا(15/533)
فحتّى متى نبنى بيوتا مشيدة ... وأعمارنا منّا تهدّ وما تبنى «1»
وله: [المنسرح]
سألت من لحظه وحاجبه ... كالقوس والسّهم موعدا حسنا
ففوّق السّهم من لواحظه ... وانقوس الحاجبان واقترنا
وله: [الطويل]
أتى «2» من أحبّائى رسول فقال لى: ... ترفّق وهن واخضع تفز برضانا
فكم عاشق قاسى الهوان بحبّنا ... فصار عزيزا حين ذاق هوانا «3»
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثمانية عشر أصبعا؛ مبلغ الزيادة:
ثمانية عشر ذراعا وثلاثة وعشرون أصبعا.(15/534)
[ما وقع من الحوادث سنة 853]
السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
فيها فشا الطاعون بالديار المصرية وظواهرها، وكان ابتدأ من أواخر سنة اثنتين وخمسين، فى ذى الحجة، وعظم إلى أن ارتفع فى شهر ربيع الأول، ومات فيه عالم كثير من الأعيان، من جملتهم ثلاثة أمراء مقدمى ألوف، وهم: الأمير تمراز القرمشى أمير سلاح، والأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور، وكلاهما كان مرشحا «1» للسلطنة، والأمير تمرباى التّمربغاوى، رأس نوبة النوب، [ومن يأتى ذكره من الأعيان وغيرهم، رحمهم الله] «2» .
وفيها توفى الشهابى [أحمد بن على بن إبراهيم] «3» النهيتى [ثم الأزهرى] «4» ، أحد فقهاء الشافعية، فى يوم الأحد رابع عشر المحرم، وكان مجاورا بجامع الأزهر.
وتوفى القاضى شهاب الدين أحمد [بن على بن عامر بن العدل نور الدين] «5» المسطيهى [ثم القاهرى] «6» الشافعى، أحد نواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الاثنين «7» خامس عشر «8» المحرم.
وتوفى الشيخ الإمام العالم علاء الدين [على] «9» الكرمانى الشافعى، شيخ خانقاة سعيد السّعداء، فى يوم الخميس ثانى صفر بالطاعون، وكان دينا فقيها صالحا.
وتوفى القاضى برهان الدين إبراهيم [بن محمد بن إبراهيم] بن ظهير الحنفى، ناظر(15/535)
الإسطبلات السلطانية، فى يوم الاثنين سادس صفر بالطاعون ودفن من الغد. وكان أحد حواشى الملك الظاهر جقمق، وممن نشأ فى هذه الدولة.
وتوفى السيد الشريف على بن حسن بن عجلان [بن رميثة] الحسنى «1» المكى، المعزول عن إمرة مكة قبل تاريخه، فى ثغر دمياط بالطاعون، فى أوائل صفر. وقد تقدم ذكر نسبه فى عدة أماكن من هذا الكتاب، وكان أحذق بنى حسن بن عجلان، وأفضلهم وأحسنهم محاضرة، وله ذوق وفهم ومذاكرة، رحمه الله [تعالى] «2» .
وتوفى الأمير سيف الدين تمراز بن عبد الله القرمشى الظاهرى أمير سلاح، بالطاعون، فى يوم الجمعة عاشر صفر، ودفن من الغد.
وتولى وظيفة إمرة سلاح [196] من بعده الأمير جرباش الكريمى قاشق، وكان تمراز من مماليك الملك الظاهر برقوق، ووقع له أمور، إلى أن تولى نيابة قلعة الروم.
ثم نقل بعد مدة إلى نيابة غزة فى الدولة الأشرفية برسباى، فدام على نيابة غزة سنين، ثم عزل، وطلب إلى القاهرة على إمرة مائة وتقدمة ألف بها، وتولى نيابة غزة من بعده الأمير إينال العلائى الناصرى.
ثم استقر بعد أشهر رأس نوبة النوب، بعد أركماس الظاهرى بحكم انتقال أركماس إلى الدوادارية الكبرى، بعد خروج أزبك الدوادار إلى القدس بطّالا، ودام تمراز رأس نوبة النّوب سنين كثيرة، إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى الأمير آخوريّة الكبرى، بعد مسك جانم الأشرفى.
ثم صار أمير سلاح بعد أشهر، عوضا عن يشبك السّودونى المشدّ، بحكم انتقال يشبك إلى الأتابكية، بعد توجّه آقبغا التمرازى إلى نيابة الشام، عوضا عن إينال الجكمى، فدام تمراز على ذلك إلى أن مات.(15/536)
وكان من محاسن الدنيا، لولا إسرافه على نفسه، وقد نسبه الشيخ تقي الدين المقريزى رحمه الله فى مواضع كثيرة، إلى الأمير دقماق المحمدى «1» ، فقال:
تمراز الدّقماقى، وليس هو كذلك، وإنما تمراز تزوج السّت أردباى أم ولد دقماق لا غير.
وتوفى قاضى القضاة بدر الدين محمد بن قاضى القضاة ناصر الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاء الله بن عواض بن نجا بن أبى الثناء حمود بن نهار [الشمس] «2» ابن مؤنس بن حاتم بن نبلى بن جابر بن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام رضى الله عنه، حوارىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعروف بابن التّنسى المالكى، قاضى قضاة الديار المصرية، فى يوم الاثنين ثالث عشر صفر بالقاهرة، وبها نشأ تحت كنف والده، وحفظ عدة متون وتفقه بعلماء عصره وبرع وأفتى ودرّس وناب فى الحكم سنين.
ثم استقل بوظيفة القضاء، بعد موت قاضى القضاة شمس الدين البساطى، فى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، ولما ولى القضاء أكبّ على الاشتغال والإشغال، وكان مفرط الذكاء، جيد التصور، مع الفصاحة وطلاقة اللسان وحسن السيرة إلى الغاية والنهاية، والتحرى والتثبت فى أحكامه، والحط على شهود الزور، حتى أبادهم.
وكان يحلّف حواشيه بالأيمان المغلظة على الأخذ من الناس على بابه، ثم بعد ذلك يأخذ فى الفحص عليهم، ويبذل جهده فى ذلك، مع ذكاء وحذق ومعرفة، لا يدخل عليه مع ذلك تنميق منمق، ولا خديعة خادع. وكان يتأمل فى أحكامه ومستندات الأخصام الأيام الكثيرة، وبالجملة أنه أعظم من رأينا من القضاة فى العفة وجودة سيرة حواشيه الذين هم على بابه بلا مدافعة، مع علمى بأحوال من عاصره(15/537)
من القضاة وغزير علمهم، ومع هذا كله، ليس فيهم أحد يدانيه فى ذلك، غير قاضى القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادى الحنبلى، وإن كانت بضاعته مزجاة من العلوم، فهو أيضا كان من هذه المقولة، وليس حسن السيرة متعلقة بكثرة العلم وإنما ذلك متعلق: بالتحرى، والدين، والعقل، والحذق، والعفة.
وقد حكى لى صاحبنا محمد بن تلتى، قال: غضب علىّ السلطان بسبب تعلقات الذخيرة من جهة ميراث، ورسم أن أتوجه إلى القاضى الحنبلى، وأن يدّعى علىّ عنده، ويرسّم علىّ، فادّعى علىّ، فأجبت بجواب مرضىّ، فقال القاضى: اذهب إلى حال سبيلك، ليس لأحد عندك شىء. فقلت: أخشى من سطوة السلطان، لا بد أن أقيم فى الترسيم، فامتنع من ذلك، فقلت: أقيم على باب القاضى كأننى فى الترسيم خشية من السلطان، فأقمت نحو الشهر على بابه أحضر سماطه فى طرفى النهار، ورسل السلطان تترد إليه، وهو يردّ الجواب بأن لا حقّ لهم عندى، فلما أعياهم أمره، نقلونى من عنده إلى بيت بعض أعيان قضاة القضاة، ففى اليوم المذكور غرمت لحاشيته ثلاثين دينارا، وقرّر علىّ نحو المائة ألف درهم للسلطان بغير وجه شرعى، ولم أر وجه القاضى المذكور فى ذلك اليوم غير مرة واحدة، وإنما صرت بين أيدى حواشيه، كالفريسة يتناهبونى من كل جهة، حتى هان علىّ أنى أزن، مهما أرادوا، وأتخلص من أيديهم- انتهى.
قلت: وقد خرجنا عن المقصود بذكر هذه الحكاية عن القاضى الحنبلى، ووقع مثل هذا وأشباهه لقاضى القضاة بدر الدين هذا غير مرة، ومحصول الأمر: أنه كان عفيفا [197] ديّنا حسن السيرة مشكور الطريقة، بريّا عما يرمى به قضاة السوء، وكان رحمه الله، له سماع كثير فى الحديث وإلمام بالأدب، وله نظم جيد، ومما نظمه فى النوم فى طاعون سنة سبع وأربعين وأنشدنيه «1» قاضى القضاة بدر الدين المذكور، إجازة إن لم يكن سماعا: [الوافر](15/538)
إله الخلق قد عظمت ذنوبى ... فّسامح، ما لعفوك من مشارك
أغث «1» يا سيدى عبدا فقيرا ... أناخ ببابك العالى ودارك
قلت: وهذا يشبه قول الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر، لنفسه، [رحمه الله] : «2»
[البسيط]
سرت وخلّفتنى غريبا ... فى الدار أصلى هوى بنارك
أدرك حشا حرّقت غراما ... فى ربعك المعتلى ودارك
ومن شعر القاضى بدر الدين أيضا، فيما يقرأ على قافيتين، مع استقامة الوزن:
[السريع]
جفوت من أهواه لا عن قلى ... فظلّ يجفونى يروم الكفاح
ثم وفى لى زائرا بعده ... فطاب نشر من حبيب وفاح
ومثل هذا أيضا للحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلانى «3» الشافعى: [السريع]
نسيمكم ينعشنى فى الدّجى ... طال، فمن لى بمجيء الصبّاح
ويا صباح الوجوه «4» فارقتكم ... فشبت همّا إذ فقدت الصّباح
ومثله للشيخ شمس الدين محمد «5» [بن الحسن بن على] «6» النواجى «7» [الشاعر(15/539)
المشهور] «1» : [الطويل]
خليلىّ هذا ربع عزّة فاسعيا ... إليه وإن سالت به «2» أدمعى طوفان
فجفنى جفا طيب المنام وجفنها ... جفانى فيا لله من شرك الأجفان
ومثل ذلك، لقاضى القضاة صدر الدين على بن الأدمى «3» الحنفى، وهو عندى مقدم على الجميع: [السريع]
يا متهمى بالسّقم كن منجدى ... ولا تطل رفضى فإنّى عليل «4»
أنت خليلى فبحقّ الهوى ... كن لشجونى راحما يا خليل «5»
وتوفى الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله اليشبكى، أحد أمراء العشرات بالطاعون، فى يوم الأربعاء خامس عشر صفر. وكان أصله من مماليك الأتابك يشبك الشعبانى، وكان من المهملين، رحمه الله تعالى «6» .(15/540)
وتوفى القاضى ولى الدين أبو اليمن محمد بن قاسم بن [عبد الله بن] «1» عبد الرحمن [بن محمد بن عبد القادر] «2» الشيشينى الأصل، المحلّى، الشافعى، المعروف بابن قاسم، فى يوم الجمعة سابع عشر صفر. وكان فيه خفة روح ودعابة، ونادم الملك الأشرف برسباى، ونالته السعادة، وكان أولا يلى الحكم بالمحلة وغيرها، فلما تسلطن الملك الأشرف، قرّبه ونادمه لصحبة كانت بينهما قديمة، ثم استقر شيخ الخدام بالحرم النبوى، إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق، وصادره، ثم نادمه بعد ذلك، إلى أن مات. وكان دينا خيرا، إلا أنه كان مسّيكا جمّاعا للأموال، وكان سمينا جدا، لا يحمله إلا الجياد من الخيل.
وتوفى الأمير سيف الدين قراخجا بن عبد الله الحسنى الظاهرى، الأمير آخور الكبير، بالطاعون، فى يوم السبت ثامن عشر صفر، وتوفى ولده أيضا فى اليوم المذكور، فجهزا معا من الغد، وحضر السلطان الصلاة عليهما بمصلاة المؤمنى، ودفنا بالصحراء، وكان أصل قراخجا المذكور، من مماليك الملك الظاهر برقوق، وتأمّر بعد أمور وقعت له بعد موت الملك المؤيّد شيخ، وصار من جملة رؤوس النّوب، ثم نقله الملك الأشرف بعد سنين، إلى إمرة طبلخاناة، ثم صار رأس نوبة ثانيا، ثم مقدم ألف بالديار المصرية، إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق، وجعله رأس نوبة النّوب، بعد الأمير تمراز القرمشى، بحكم انتقاله إلى الأمير آخوريّة، ثم نقل [198] قرا خجا بعد أشهر إلى الأمير آخورية بعد تمراز أيضا، فدام على ذلك حتى مات.
وكان أميرا جليلا شجاعا مقداما معظما فى الدول، عارفا بأنواع الفروسية، رأسا فى ذلك، مع العقل والديانة والصيانة والحشمة والوقار وكثرة الأدب؛ وهو أحد من أدركنا من الملوك العقلاء الرؤساء، رحمه الله تعالى؛ وهو صاحب المدرسة بالقرب من قنطرة طقزدمر خارج القاهرة.(15/541)
وتوفى السيد الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان الحسنى المكّى المعزول عن إمرة مكة، قبل تاريخه، وكان قدم صحبة الحاج ليسعى فى إمرة مكة، فأدركته منيّته بالقاهرة، بالطاعون، فى ليلة الاثنين العشرين من صفر، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى من تحت القلعة.
وتوفيت «1» زوجة السلطان الملك الظاهر جقمق خوند نفيسة «2» بنت الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر، بالطاعون فى يوم الثلاثاء حادى عشرين صفر.
وتوفى الأمير سيف الدين بختك بن عبد الله الناصرى، أحد أمراء العشرات [وصهر يشبك الفقيه] «3» بالطاعون، فى يوم الأربعاء ثانى عشرين صفر؛ وكان لا بأس به.
وتوفى الأمير مغلباى طاز بن عبد الله الساقى الظاهرى، بعد أن تأمّر بنحو العشرة أيام، فى يوم الأربعاء ثانى عشرين صفر، وكان من مماليك الملك الظاهر جقمق الأجلاب وأحد خواصّه، وكان لا ذات ولا أدوات.
وتوفى الشيخ الإمام العالم المعتقد محمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن سلطان، المعروف بالشيخ محمد بن سلطان الغزّى الأصل، المصرى الدار والوفاة، الشافعى [الصوفى القادرى] «4» ، فى يوم الأحد سادس عشرين صفر؛ وكان الناس فيه على قسمين: ما بين معتقد ومنتقد، والأول أكثر؛ وكان إماما عالما بفنون، وله اشتغال قديم، وله قدم فى العبادة والصلاح، وكان لا يتردد إلى أحد، والناس تتردد إليه من السلطان إلى من دونه [حتى وصفه غير واحد بالمنقطع ببيته] «5» ، وكان يتهمه بعض الناس بمعرفة الكيميا أو طرف منها، لأنه عمر طويلا فى أرغد عيش(15/542)
ونعمة، ولم يقبل من أحد إلا نادرا، وكان شيخا منوّر الشيبة [عطر الرائحة] مفوّها فصيحا شاعرا عالما صوفيا، ومات وسنه أزيد من تسعين سنة فيما أظن، وهو متمتع بحواسه، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين تمرباى بن عبد الله التّمر بغاوى رأس نوبة النوب بالطاعون، فى يوم الأربعاء تاسع عشرين صفر، وهو فى عشر الستين.
وكان أصله من مماليك الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب.
ثم خدم عند الأمير ططر؛ فلما تسلطن ططر جعله دوادارا ثالثا، فدام على ذلك مدة، إلى أن نقله الملك الأشرف إلى الدوادارية الثانية، بعد موت جانبك الدوادار الأشرفى، فباشر الدوادارية الثانية على الجندية أياما.
ثم أنعم عليه بإمرة عشرة.
ثم بعد مدة طويلة، بإمرة طبلخاناة، ودام على ذلك، إلى أن أنعم عليه الملك العزيز يوسف «1» بن السلطان الملك الأشرف برسباى «2» ، بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية.
ثم صار نائب الإسكندرية مدة.
ثم عزل واستقر رأس نوبة النّوب، بعد انتقال قراخجا الحسنى إلى الأمير آخورية، فدام على ذلك إلى أن مات. وكان يعف عن المنكرات ويتصدق كثيرا، غير أنه كان عاريا من كل علم وفن، مع حدة خلق وبذاءة لسان، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين أركماس بن عبد الله المؤيدى الأشقر. المعروف بالبواب. أحد أمراء العشرات ورأس نوبة فى يوم السبت سلخ شهر ربيع الآخر وكان مهملا [زائد الغفلة] «3» ، غير متجمل فى ملبسه ومركبه، إلا أنه كان مشهورا بالشجاعة والإقدام «4» .(15/543)
وتوفى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله المؤيدى، الأمير آخور الثانى، المعروف بسودون أتمكجى، أى خبّاز، فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر رجب، وهو فى عشر الخمسين أو أكثر. واستقر بعده [199] الأمير يرشباى الإينالى، الأمير آخور الثالث، أمير آخور ثانيا. وكان سودون المذكور شجاعا مقداما عارفا بأنواع الفروسية، كريما حشما معظما فى الدول، وعنده تواضع وأدب، رحمه الله تعالى، فإنه كان من محاسن أبناء جنسه.
وتوفى الأمير سيف الدين بيسق اليشبكى نائب قلعة دمشق بها، فى شعبان، وكان من مماليك الأتابك يشبك الشعبانى، وتأمر فى دولة الملك الظاهر جقمق [خمسة ثم] «1» عشرة، ثم ولاه نيابة ثغر دمياط، ثم نيابة قلعة صفد.
ثم عزله وأنعم عليه أيضا بإمرة عشرة بمصر، [ثم ولاه نيابة دمياط] «2» ثم ولاه نيابة قلعة دمشق بعد موت شاهين الطّوغانى، إلى أن مات. ونعم الرجل، كان [ذا] «3» شجاعة وكرم وعقل وتواضع، لا أعرف فى اليشبكيّة من يقاربه فى معناه، رحمه الله تعالى.
وتوفى شرف الدين يحيى بن أحمد [بن عمر بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن إبراهيم بن محمد بن أبى بكر الشرف التنوخى الحموى الأصل الكركى المولد] «4» الشهير بابن العطار، الشاعر المشهور، فى يوم الخميس سادس عشر ذى القعدة، ولم يكن يحيى المذكور من الأعيان، ولا ممن له عراقة ورئاسة سابقة «5» لتشكر أفعاله أو تذم، وإنما كانت شهرته بصهارة أخيه، الأمير ناصر الدين محمد بن العطار، لبنى البارزى،(15/544)
فعرف لهذا المعنى «1» بين الناس. وكان له شعر، ويكتب المنسوب بحسب الحال، وكان أولا يتزيّا بزىّ الجند، وخدم دوادارا عند الشهاب، أستادّار المحلّة، ثم عند القاضى ناصر الدين بن للبارزى، فلم ينتج أمره، وعزل، ثم بعد مدة، ترك الجنديّة، وتزيّا بزىّ الفقهاء، وخدم موقّعا عند الزينى عبد الباسط ناظر الجيش، فملأه سبّا وتوبيخا منذ مباشرته عنده، إلى أن ملّ ذلك، وترك التوقيع، وانقطع إلى المقر الكمالى بن البارزى، وصار يتردد إلى الأكابر، ثم تردد فى الدولة الظاهرية، لخدمة أبى الخير النحاس، ومات وهو ملازم لصحبته.
وقد استوعبنا حاله بأوسع من هذا فى «المنهل الصافى» «2» ، وذكرنا من شعره نبذة كبيرة، ونذكر منه هنا نبذة يسيرة، ليعلم بذلك طبقته فى نظم القريض، فإنه كان لا يحسن غيره، فمن شعره قوله: [الخفيف]
أهل بدر إن أحسنوا أو أساءوا ... أهل بدر فليفعلوا ما شاءوا «3»
إن أفاضوا «4» دمعى فكم قد أفادوا ... منّة من ودادهم وأفاءوا
وعيونى إن فجّروها عيونا ... بدموع «5» كأنّهنّ دماء
لا تلمهم على احمرار دموعى ... فلهم عندى اليد البيضاء
أنا راض منهم وإن هم رضونى ... فسواء عندى القلى والقلاء
يا نزولا بمهجتى «6» فى رياض ... من وداد أغصانها لفّاء
كلّ غصن عليه طائر قلبى ... صادح تقتدى به الورقاء
صدحه كلّه حنين ووجد ... واشتياق ولوعة وبكاء
منع السّهد طيفكم ولحظّى ... صار حتى من عندى الرّجاء
وعذولى يرى سلوّى فرضا ... أنا من رأيه علىّ براء(15/545)
يدّعى فى الهوى إخائى ونصحى ... ليت شعرى من أين هذا الإخاء؟
عينه عن محاسن الحبّ عميا ... ء وأذنى عن عذله صمّاء
وهى أطول من هذا، تزيد على ستين بيتا، كلها على هذا النسق «1» ، «2» عفا الله تعالى عنه «3» :
[200] وتوفى السيد الشريف سراج الدين عبد اللطيف الفاسى الأصل، المكى المولد والمنشأ، الحنبلى، قاضى قضاة الحنابلة بمكة، بها، فى أواخر هذه السنة، عن سن عال، وكان سيدا كريما متواضعا، رحل إلى بلاد الشرق غير مرة، وأقبل عليه [القان معين الدين] شاه رخ بن تيمور وابنه ألوغ «4» بك صاحب سمرقند، وعاد إلى مكة بأموال كثيرة، أتلفها فى مدة يسيرة، لكرم كان فيه، وهو «5» أول حنبلى تولى القضاء بمكة استقلالا، رحمه الله تعالى «6» .
وتوفى قاضى القضاة أمين الدين أبو اليمن محمد [بن محمد بن على بن أحمد بن العزيز الهاشمى العقيلى] «7» النويرى الشافعى، قاضى قضاة مكة وخطيبها، فى ذى القعدة عن نحو ستين سنة تخمينا، وهو قاض، وكان فاضلا دينا خيّرا خطيبا فصيحا مفوها كثير الصوم والعبادة، مشكور السيرة فى أحكامه، فردا فى معناه، لم أر بمكة المشرفة فى مدة مجاورتى من يدانيه فى الطواف، وفى كثرة العبادة، رحمه الله تعالى «8» .
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وخمسة عشر أصبعا، مبلغ الزيادة:
ثمانية عشر ذراعا وثلاثة أصابع.(15/546)
[ما وقع من الحوادث سنة 854]
السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة أربع وخمسين وثمانمائة.
فيها كان الشراقى العظيم «1» بمصر، والغلاء المفرط المتداول إلى سنة سبع وخمسين، وكان ابتداء الغلاء من السنة الخالية، لكنه عظم فى هذه السنة بوقع الشراقى، وتزايد، وبلغ سعر القمح إلى ألفى درهم الأردب، والحمل التبن إلى سبعمائة درهم، وقس على ذلك حسبما نذكره فى وقته، على طول السنين.
[فيها] «2» توفى المسند «3» المعمر شمس الدين محمد بن الخطيب عبد الله الرشيدى، الشافعى، خطيب جامع الأمير حسين بحكر النّوبى «4» خارج القاهرة، فى يوم الجمعة حادى عشر شهر [ربيع الأول، ومولده فى ليلة رابع عشر] «5» شهر رجب سنة تسع وستين وسبعمائة، وكانت له مسموعات كثيرة، وحدّث سنين وتفرّد بأشياء كثيرة، ولنا منه إجازة، وكان شيخا منوّر الشيبة فصيحا مفوها خطيبا بليغا، رحمه الله.
وتوفى الأمير سيف الدين شاد بك بن عبد الله الجكمى، أحد مقدمى الألوف بديار مصر، ثم نائب الرّها، ثم حماة، بطالا بالقدس، بعد مرض طويل، فى يوم الأربعاء ثانى شهر ربيع الأول؛ وكان أصله من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب، وتنقل فى الخدم من بعده، إلى أن صار بخدمة الأمير ططر، فلما تسلطن ططر، قرّبه وأنعم عليه، ثم تأمّر عشرة بعد موته، وصار من جملة رؤوس النوب، ثم(15/547)
صار أمير طبلخاناة، ثم ثانى رأس نوبة، ثم ولى نيابة الرّها، ثم عزل بعد سنين وصار بالقاهرة على طبلخاناته، إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق، بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، فى أوائل دولته، ثم نقله إلى نيابة حماة بعد سنين، فلم تطل مدته على نيابة حماة وعزل وتوجه إلى القدس بطّالا ثم تكلّم فيه، فقبض عليه وحبس مدة ثم أطلق وأعيد إلى القدس بطّالا، إلى أن مات. وكان متوسط السيرة [غير أنه كان قصيرا جدا] «1» وعنده سرعة حركة وإقدام، [متوسط السيرة فى فروسيته وأفعاله] «2» ، وله وجه فى الدول، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين على باى من دولات باى العلائى الساقى الأشرفى، فى يوم الثلاثاء تاسع عشرين شهر ربيع الأول، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى.
وكان أصله من مماليك الملك الأشرف برسباى، اشتراه فى سلطنته وربّاه وأعتقه، وجعله خاصكيّا، ثم ساقيا، ثم أمّره عشرة، وجعله خازندارا كبيرا، بعد إينال الأبوبكريّ الأشرفى، بحكم انتقاله إلى المشدّيّة، بعد قراجا الأشرفى، بحكم انتقاله إلى «3» تقدمة ألف، ودام علىّ باى على ذلك، إلى أن أنعم عليه الملك العزيز يوسف بإمرة طبلخاناة وجعله شادّ الشراب خاناة، بعد إينال الأبوبكريّ أيضا، بحكم انتقال [إينال] «4» إلى الدوادارية الثانية، بعد تمرباى التّمربغاوى المنتقل إلى تقدمة ألف، فلم تطل مدة على باى [بعد ذلك] «5» ، وقبض عليه مع من أمسك من خجداشيّة الأشرفية وغيرهم «6» وحبس سنين، [201] ثم أطلق وأنعم عليه بإمرة بالبلاد الشامية، وقدم القاهرة، [ثم] «7» حج وعاد إلى دمشق، ثم قدم القاهرة ثانيا، ودام بها إلى أن أنعم عليه السلطان بإمرة عشرة، ودام على ذلك إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وكان(15/548)
شابا مليح الشكل طوالا عاقلا عارفا بأنواع الفروسية خصيصا عند أستاذه الملك الأشرف إلى الغاية، لجمال صورته ولحسن سيرته، وأنعم السلطان بإقطاعه بعد موته على خجداشه تمراز الأشرفى الزّردكاش، فما شاء الله كان.
وتوفى الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم [ابن أبى نصر محمد] «1» الدمشقى الحنفى المعروف بابن عرب شاه [وبالعجمى أيضا] ، «2» فى القاهرة بخانقاه سعيد السعداء فى يوم الاثنين خامس عشر شهر رجب، غريبا عن أهله وأولاده. سألته عن مولده فقال: فى ليلة الجمعة داخل دمشق، فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. ونشأ بدمشق وطلب العلم ثم خرج إلى بلاد العجم فى كائنة تيمور وأقام بتلك البلاد سنين «3» كثيرة، ثم رحل إلى الروم، ثم قدم دمشق وتردد إلى القاهرة، إلى أن مات بعد أن ولى عدة وظائف دينية وولى قضاء حماة فى بعض الأحيان.
وكان إماما بارعا فى علوم كثيرة مفننا فى الفقه والعربية، وعلمى المعانى والبيان والأدب والتاريخ، وله محاضرة حسنة ومذاكرة «4» لطيفة مع أدب وسكون وتواضع، وله النظم الرائق الفائق الكثير المليح «5» ، وكان يقول الشعر الجيد باللغات الثلاث:
العربية والعجمية والتركية، وله مصنّفات كثيرة مفيدة فى غاية الحسن، ولما استجزته كتب لى بخطه بعد البسملة:
«الحمد لله الذي زيّن مصر الفضائل بجمال يوسفها العزيز، وجعل حقيقة مجاز أهل الفضل، فحلّى به كل مجاز ومجيز، أحمده حمد من طلب إجازة كرمه فاجتاز، «6» وأشكره شكرا أوضح لمزيد نعمه علينا سبيل المجاز، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده(15/549)
لا شريك له، إله يجيب سائله ويثيب آمله، ويطيب لراجيه نائله، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، سيد من روى عن ربه ومن «1» روى عنه، والمقتدى لكل من أخذ عن العلماءء أخذ منه، صلى الله عليه ما رويت الأخبار، ورؤيت الآثار، وظهرت أذكار الأبرار، فى صحائف الليل والنهار، وتابعيه وأحزابه، وسلم وكرّم وشرّف وعظّم. أما بعد، فقد أجزت الجناب الكريم العالى ذا القدر المنيف الغالى، والصدر الذي هو بالفضائل حال، وعن الرذائل خال، المولوىّ الأميرىّ الكبيرىّ العالىّ العاملىّ الأصيلىّ العريقىّ الفاضلىّ المخدومىّ الجمالىّ، أبا المحاسن، الذي ورد فواضله وفضائله غراس يوسف بن المرحوم المقر الأشرف الكريم العالى المولوى الأميرى الكبيرى الأتابكى [المالكى] «2» المخومى السفيرى تغرى «3» بردى الملكى الظاهرى، أعز الله جماله، وبلّغه من المرام كماله، وهو ممن تغذّى بلبان. الفضائل، وتربى فى حجر قوابل الفواضل، وجعل اقتناء العلوم دأبه، ووجّه إلى تدين الأحزاب ركابه، وفتح إلى دار الكمالات بابه، وصيّر أحرازها فى خزائن صدره اكتسابه، فجاز بحمد الله [تعالى] «4» حسن الصورة والسيرة، وقرّن بضياء الأسرّة صفاء السريرة، وحوى السماحة والحماسة والفروسية والفراسة، ولطف العبارة والبراعة، والعرابة واليراعة والشهامة والشجاعة، فهو أمير الفقهاء، وفقيه الأمراء، وظريف الأدباء، وأديب الظرفاء، فمهما تصفه صف وأكثر، فإنه لأعظم مما قلت فيه وأكثر، فأجزت له معوّلا عليه، أحسن الله إليه، أن يروى عنى مالى من منظوم ومنثور، ومسموع ومسطور، بشروطه المعتبرة، وقواعده المحررة عموما» .
ثم ذكر ماله من تصنيف وتأليف وأسماء مشايخه ببلاد الشرق وبالبلاد «5» الشأمية،(15/550)
وقد ذكرنا ذلك كله «1» برمته فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، «2» أضربنا عن ذكره هنا خوف الإطالة، فكان مما قاله [202] فى أواخر هذه الإجازة، من النظم، أبيات مع ما «3» فى اسم يوسف: [الرمل]
وجهك الزاهى كبدر ... فوق غصن طلعا
واسمك الزّاكى كمشكا ... ة سناها لمعا
فى بيوت أذن الا ... هـ لها أن ترفعا
عكسها صحّفه يلفى ... الحسن فيه أجمعا
وتوفى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله النّوروزى، المعروف بنائب بيروت، بعد أن ابتلى وعزل عن نيابة صهيون، وعاد إلى القاهرة، فمات بالعريش.
وكان أصله من مماليك الأميز نوروز الحافظى، وممن تأمّر- فى دولة الملك الظاهر جقمق- عشرة، ثم خرج إلى البلاد الشأمية وصار من [جملة] «4» أمراء طرابلس، ثم ولى نيابة صهيون، فابتلى بداء الأسد، واستعفى. وأراد قدوم القاهرة، فمات فى طريقه، وكان مشهورا بالشجاعة لا بأس به.
وتوفى الأمير سيف الدين سودون السّودونى الظاهرى الحاجب، فى يوم الأحد العشرين من شعبان، وهو فى عشر التسعين، وأصله من مماليك [الملك] «5» الظاهر برقوق، ثم تأمّر بعد موت [الملك] «6» الناصر فرج، وصار فى الدولة الأشرفية من جملة(15/551)
الحجاب؛ ثم صار حاجبا ثانيا فى الدولة الظاهرية جقمق، ونفى غير مرة، وهو يعود إلى دون رتبته أولا، ولا زال يتقهقر إلى أن صار من جملة الحجاب الأجناد، وكان شيخا مسرفا على نفسه مهملا لم يشهر بتدين ولا شجاعة ولا كرم، عفا الله عنه.
وتوفى القاضى زين الدين عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدّمشقى الأصل والمولد والمنشأ المصرى الدار والوفاة، ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية، بطالا، بها فى يوم الثلاثاء رابع شوال بداره. فى وقت المغرب بخط الكافورى، ودفن من الغد بتربته التى أنشأها بالصحراء خارج القاهرة [فى قبر عيّنه لنفسه وأسند وصيته قاضى الحنابلة وغيره] «1» . ومولده بعد التسعين [وسبعمائة] «2» أو فى حدودها، ونشأ بدمشق، وخدم القاضى بدر الدين بن الشهاب محمود، وبه عرف بين الناس، ثم اتصل بخدمة [الملك] «3» المؤيد شيخ وهو على نيابة دمشق، ولازمه إلى أن قتل الملك الناصر وقدم معه إلى القاهرة، وسكن بالقرب منّا بالسبع قاعات، وهو فقير مملق.
فلما تسلطن [الملك] «4» المؤيد شيخ، قرّبه وأدناه، وولاه نظر الخزانة، فانتقل من داره إلى دار أخرى بالقرب منها، ولما عظم أمره، سألنا فى السّكنى فى بعض دورنا، فأجبناه إلى ذلك، فسكنها عدة سنين، ومن يومئذ أخذ أمره فى نمو وزيادة، وعظم فى الدولة، وعمّر الأملاك الكثيرة، ثم أنشأ مدرسته بخط الكافورى تجاه داره، ثم ولى نظر الجيوش المنصورة [بالديار المصرية] «5» بعد عزل المقر الكمالى ابن البارزى فى الدولة الظاهرية ططر، ولما ولى نظر الجيش، بعد ابن البارزى، قال المقريزى، وتمثل بقول أبى العلاء المعرى:
[الطويل](15/552)
* ويا «1» نفس جدّى إن دهرك هازل «2» * ودام عبد الباسط فى وظيفته نظر الجيش سنين، وعظم فى أوائل الدولة الأشرفية، ثم أخذ أمره فى إدبار عند الأشرف، وهو يحسن سياسته لا يظهر ذلك، ويبذل الأموال فى رضى الأشرف بكل ما تصل قدرته إليه، يعرف قولى هذا من كان له رتبة تلك الأيام وملازمة بخدمة الملك الأشرف برسباى، مع أنه لم يصف له الدهر فى خصوصيّته عند الأشرف السنة الواحدة، بل كان كلما زال عنه [واحد] «3» انتشأ «4» له آخر، فالأول جانبك الدوادار الأشرفى، كان عبد الباسط وغيره بين يديه كالأغنام فى حضرة الراعى، ثم انتشأ «5» له البدر بن مزهر كاتب السر، فحاشره فيما هو فيه، وضيّق خناقه، إلى أن مات.
ثم جاءه الصفوىّ جوهر القنقبائى الخازندار، فكان عليه أدهى وأمر، ولا زال به حتى أوقعه فى أمور وغرمات، ثم حمّله الوزر ثم الأستادّاريّة، فلا زال يحجل فى الأستادّارية مع ما يلزمه من الكلف مع ذلك، إلى أن مات الأشرف، وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، فقاسى فى الدولة العزيزية خطوبا من بهدلة المماليك الأشرفية له بكل(15/553)
ما تصل قدرتهم إليه، واستعفى فى تلك المدة غير مرة، إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، وقبض عليه بعد أشهر وسجنه وصادره، وأبرز ما كان عنده من الكوامن منه فى الأيام الأشرفية، حسبما ذكرناه فى ترجمة الملك الظاهر جقمق، فكان ما «1» لقيه أولا كالمجاز بجنب هذه الحقيقة، [203] ولسان حاله ينشد: [الكامل]
ما إن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأوّل
ثم أطلق عبد الباسط بعد أن حمّل جملة كبيرة من الذهب نحو الثلاثمائة ألف دينار، حررناها فى أصل الترجمة، وتوجه إلى الحجاز ثم إلى دمشق، ثم قدم إلى القاهرة مرة أولى وثانية، استوطن فيها القاهرة، إلى أن حج ثانيا، ومات فى التاريخ المقدم ذكره.
وكان عبد الباسط مليح الشكل متجملا فى ملبسه ومركبه وحواشيه إلى الغاية، وله مآثر وعمائر فى أقطار كثيرة معروفة به، لا تلتبس بغيره «2» ، لأننا لا نعلم من سمى بهذا الاسم قبله، ونالته السعادة، [غيره] . وكان له كرم على أناس، وبخل على غيرهم «3» ، وبالجملة أنه كان عدّ بآخرة من الرؤساء الأعيان على شراسة خلق كانت فيه، وحدة، مع طيش وخفة وجبروت وظلم على مماليكه وأتباعه، مع بذاءة لسان، وسفه زائد، وشمم وجهل مفرط بكل علم وفن إلى الغاية، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين أركماس بن عبد الله الظاهرى الدوادار الكبير بطّالا، بالقاهرة، فى يوم الجمعة ثامن عشرين شوال، وسنه زيادة على سبعين سنة، وأصله من أصاغر مماليك الظاهر برقوق، وترقى فى دولة [الملك] «4» الظاهر ططر، وصار نائب قلعة دمشق، إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباى [بإمرة مائة] «5» وتقدمة ألف(15/554)
بالديار المصرية، ثم ولاه رأس نوبة النّوب بعد القبض على الأمير تغرى بردى المحمودى، ثم نقله إلى الدوادارية الكبرى بعد [مسك] «1» الأمير أزبك المحمدى ونفيه إلى القدس بطّالا، فدام فى الدوادارية إلى أن عزله الملك الظاهر جقمق، ثم أخرجه بعد مدة إلى دمياط، ثم استقدمه بعد سنين [إلى] «2» مصر فأقام بها بطّالا إلى أن مات.
وكان ساكتا عاقلا قليل الكلام فيما يعنيه وفيما لا يعنيه، متوسط السيرة فى غالب أحواله، كان لا يميل لخير ولا لشر، ولا يتكرم على أحد، ولا يطمع فى مال أحد، ولا ينهر أحدا، ولا يكرم أحدا، وقس على هذا فى غالب أموره، وكان عاريا مهملا منقادا فى أحكامه إلى دواداره ورأس نوبته، وموقّعه، فمهما قالوه طاوعهم، فإن قصدوا الجنة سار معهم، وإن دخلوا النار دخل معهم، ومهما أشاروا عليه به لا يخالفهم، وكان إذا كلمه من لا يعرفه يظنه أنه قدم فى أمسه من بلاد الجاركس، لغتمة كانت فى لسانه باللغة التركية، فلعمرى كيف يكون كلامه باللغة العربية! «3» غير أنه كان متدينا وبعف عن المنكرات والفروج، رحمه الله [تعالى] «4» .
وتوفى قاضى القضاة ولى الدين محمد بن أحمد بن يوسف [بن حجاج ولى الدين أبو عبد الله] «5» السّفطى الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية، وصاحب العظمة فى أوله والأهوال فى آخره، فى يوم الثلاثاء مستهل ذى الحجة ودفن من الغد بعد أن مرض يوما واحدا؛ وقد تقدم من ذكره وما وقع له نبذة كبيرة فى ترجمة الملك الظاهر جقمق، تعرّف جميع أحواله بالقرائن، ونذكر الآن من أحواله شيئا يسيرا من أوائل أمره إلى آخره على سبيل الاختصار:(15/555)
كان أصله من سقط الحنّاء «1» بالوجه البحرى من أعمال القاهرة، ونشأ بالقاهرة، وحفظ عدة متون، وطلب العلم، واشتغل فى مبادئ أمره.
وناب فى الحكم عن قاضى القضاة جلال الدين البلقينى مدة سنين.
ثم تنزه عن ذلك وتردد إلى الأكابر، ومال إلى طلب الدنيا وتحصيل الدرهم، واجتهد فى ذلك، مع ما ورثه من أبيه، حتى أثرى وكثر ماله، وصار كلما كثر ماله عظم حرصه؛ إلى أن جاوز الحد من زيادة المال وعظم البخل حتى على نفسه وعياله، وكان دأبه الركوب على فرسه، والتردد إلى الأكابر، لشبع بطنه، فكان من الناس من يأكل عنده ويتوجه إلى حال سبيله، ومنهم من كان يأتى عنده، ثم يأخذ بيده صحنا من الطعام ويرسله إلى عياله من غير أن يستقبح ذلك، وشوهد أخذه الطعام من بيت الصاحب بدر الدين بن نصر الله ناظر الخاص غير مرة.
فلما تسلطن الملك الظاهر جقمق، ترك السّفطى من دونه، ولزمه، حتى عظم فى الدولة وصار له كلمة نافذة، وعظمة زائدة، وتردد الناس إلى بابه لقضاء حوائجهم فنال بذلك من الوجاهة وجمع المال ما لم ينله [204] غيره من أبناء جنسه، كل ذلك وهو على ما هو عليه من الشح والطمع وسقوط النفس، كما كان أولا، وزيادة، فإنه كان أولا لا يتوصل إلى مقصوده من الأخذ إلا بالتملق والإطراء «2» وغير ذلك، وقد صار الآن لا يأخذ إلا بالسطوة والمهابة والتهديد، هذا من أعيان الدولة وأكابرها، وأما ما أخذه من الأصاغر، فكان على شبه أخذ الجالية «3» .
ثم تولى من الوظائف عدة كبيرة، مثل نظر الكسوة، ووكالة بيت المال، على ما كان بيده من مشيخة الجماليّة، وغيرها من الوظائف الدينية.(15/556)
ثم ولى نظر البيمارستان المنصورى «1» ، وتدريس قبة الإمام الشافعى رضى الله عنه. ولما انتهى أمره، تولى قضاء الشافعية بالديار المصرية. بعد عزل قاضى القضاة شهاب الدين أحمد «2» بن حجر فى يوم الخميس رابع ذى القعدة من سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، فأساء السيرة فى ولايته، لا سيما على الفقهاء ومباشرى الأوقاف، فإنه زاد وأمعن فى أذاهم وبهدلتهم بالضرب والحبس والتراسيم، وقطع معاليم «3» جماعة كبيرة من الطلبة المرتبة على الأوقاف الجارية تحت نظره.
ولقى الناس منه شدائد كثيرة، وصار لا يمكن المرضى من دخول البيمارستان للتمرّض به، إلا برسالة، ثم يخرج المريض بعد أيام قليلة. وأظهر فى أيام عزه وولايته من شراسة الخلق وحدة المزاج والبطش وبذاءات اللسان أمورا يستقبح ذكرها، هذا مع التعبد والاجتهاد فى العبادة ليلا ونهارا، من تلاوة القرآن، وقيام الليل والتعفف عن المنكرات والفروج، حتى أنه كان فى شهر رمضان، يحتم القرآن الكريم كل ليلة فى ركعتين، وأما سجوده وتضرعه فكان إليه المنتهى. وكانت له أوراد هائلة دواما، فكان بمجرد فراغه من ورده يعود إلى تسليطه على خلق الله وعباده، [و] «4» لا زال على ذلك حتى نفرت القلوب منه، وكثر الدّعاء عليه، حتى لقد شاهدت بعض الناس يدعو عليه فى الملتزم بالبيت العتيق فى هدوء «5» الليل.
فلما زاد ذلك منه، سلّط الله عليه أقلّ خلقه، أبا الخير النحاس، مع توغر «6»(15/557)
[خاطر] «1» السلطان عليه فى الباطن، فلا زال أبو الخير يذكر للسلطان مساوئه، ويعرفه معايبه، إلى أن كان من أمره ما ذكرناه فى أصل هذه الترجمة، من العزل والمصادرة والحبس بالمقشرة، والاختفاء المدة الطويلة، ثم ظهوره بعد نكبة النحاس، إلى أن مات، عفا «2» الله عنه. وقد ذكرنا أحواله فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» مفصلا باليوم والوقت «3» ، وذكرناه أيضا فى «المنهل الصافى» «4» ، بأطول من هذا، فلينظر هناك «5» .
وتوفى العلامة قاضى القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن الشيخ الإمام العلامة ضياء الدين محمد بن محمد بن سعيد بن عمر «6» بن يوسف ابن إسماعيل الصّاغانى الأصل، المكى المولد والدار والوفاة، الحنفى المذهب، قاضى قضاة مكة وعالمها ومفتيها ومصنفها، فى تاسع عشرين ذى القعدة. وتولى أخوه أبو حامد القضاء من بعده، وكان مولد القاضى بهاء الدين فى ليلة التاسع من محرم سنة تسع وثمانين وسبعمائة بمكة، ونشأ بها وطلب العلم، واشتغل حتى برع فى عدة علوم، وأفتى ودرّس [وصنّف] «7» وأفنى عمره فى الاشتغال والإشغال.
حكى لى الشيخ أبو الخير بن عبد القوى، قال: أعرف القاضى بهاء الدين نحو الخمسين سنة، وأزيد، ما دخلت إليه فيها إلا وجدته إما يكتب، أو يطالع، رحمه الله [تعالى] «8» .
وتوفى الأمير سيف الدين تغرى «9» برمش بن عبد الله الزّردكاش اليشبكى،(15/558)
أحد أمراء الطبلخانات، وزردكاش السلطان بمكة، فى أواخر هذه السنة، وسنّه نيف على الثمانين سنة، وخلّف مالا كبيرا وأملا كا كثيرة ودورا «1» معروفة بأملاك الزّردكاش، وكان توجّه إلى مكة المشرفة مجاورا، وأصله من مماليك الأمير يشبك ابن أزدمر، وترقى من بعده حتى صار أمير عشرة، ثم زردكاشا فى الدولة الأشرفية برسباى، ودام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق «2» بزيادة على إقطاعه، وجعله من [جملة] «3» أمراء الطّبلخانات؛ إلى أن مات. وكان مسرفا على نفسه [ضخما مثريا بخيلا] «4» ، غير أن له غزوات كثيرة فى الفرنج؛ ومات بتلك البقعة الشريفة، فلعل الله يغفر له ذنوبه بمنه وكرمه.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم: ستة أذرع وخمسة عشر [205] أصبعا؛ مبلغ الزيادة: خمسة عشر ذراعا وسبعة أصابع وهى سنة الشراقى العظيم «5» .
(تم الجزء الخامس عشر من كتاب النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى ويليه الجزء السادس عشر من الكتاب)(15/559)
فهرس «1»
الجزء الخامس عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة(15/561)
الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 836- 854 هـ
1- السلطان الملك الأشرف برسباى الدّقماقى وسنوات حكمه (من 825 إلى 841 هـ)
2- السلطان الملك العزيز يوسف بن برسباى وسنوات حكمه (من 841 إلى 842 هـ)
3- السلطان الملك الظاهر أبو سعيد جقمق العلائى وسنوات حكمه (من 842 إلى 857 هـ)
*** الخلفاء العباسيون المعاصرون
1- المعتضد بالله داود بن المتوكل على الله وسنوات خلافته (من 815 إلى 845 هـ)
2- المستكفى بالله سليمان بن المتوكل على الله وسنوات خلافته (من 845 إلى 855 هـ)
3- القائم بأمر الله حمزة بن المتوكل على الله وسنوات خلافته (من 855 إلى 859 هـ)(15/563)
فهرس الأعلام
اآق خجا بن عبد الله الأحمدى الظاهرى 112: 15
آقباى السيفى جارقطلو 438: 2
آقباى المؤيدى 117: 17- 130: 11- 184: 10
آقباى اليشبكى الجاموس 72: 8- 83: 1، 4
آقبردى الأشرفى 291: 2
آقبردى الظاهرى جقمق 373: 4
آقبردى القجماسى 87: 1- 217: 15- 226: 7- 228: 5- 477: 7
آقبردى المظفرى الظاهرى برقوق 231: 6- 354: 13
آقبردى المنقار 440: 16- 446: 25
آقبغا بن عبد الله الجمالى 24: 9- 35: 13، 14- 37: 1، 6- 38: 3- 186: 10
آقبغا التركمانى الناصرى 336: 7- 464: 1- 475: 4
آقبغا التمرازى 9: 2- 39: 7، 8، 10، 12، 18- 40:
5- 90: 3- 153: 9- 170: 11- 223:
5- 245: 4- 248: 14- 253: 11، 16- 254: 3- 262: 2، 4- 268: 13- 269: 1، 3، 11، 14- 270: 6- 271:
19- 272: 6- 275: 11، 13- 276:
14- 290: 9، 17- 304: 9، 11، 16- 305: 2، 18- 306: 3- 317: 15- 318: 3- 319: 19- 320:
2، 8- 322: 10- 329: 11- 335:
4- 436: 2- 460: 8، 12- 475:
6- 504: 5- 510: 11، 13- 511:
1- 523: 2- 536: 20
آقبغا من مامش الناصرى المعروف بالتركمانى 100: 1- 232: 9- 237: 21- 271:
5- 279: 12
آقطوه بن عبد الله الموساوى الظاهرى 525: 12
آلابغا 317: 11
إبراهيم، طباخ الملك العزيز يوسف بن الأشرف برسباى 297: 2، 18- 298: 6- 299: 6- 311: 15- 312: 21- 313: 11
إبراهيم بن أحمد بن على البيجورى الشافعى، برهان الدين 114: 15
إبراهيم بن بيغوت من صفر خحا 409: 23
إبراهيم بن خضر العثمانى الشافعى، برهان الدين 525: 4
إبراهيم بن الديرى، برهان الدين 371: 4- 379: 16- 381: 17، 24(15/564)
(ح) «1» - 389: 12
إبراهيم بن شاه رخ بن تيمورلنك 203: 11
إبراهيم بن صوجى 323: 3
إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة، سعد الدين (المعروف بابن كاتب جكم) - ناظر الخاص 43: 3، 4- 52: 1- 53: 4- 54: 4، 7- 55: 17- 56: 1- 83: 12- 85: 16- 158: 10- 210: 8
إبراهيم بن على بن إسماعيل، برهان الدين (المعروف بابن الظريف) 172: 9
إبراهيم بن غراب، سعد الدين 147: 8- 166: 8- 208: 2، 6، 10
إبراهيم بن قرمان، صارم الدين 61: 10، 12، 14- 62: 1، 18- 63: 21- 225: 1
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن ظهير الحنفى، برهان الدين 381: 16- 389: 12- 535: 17
إبراهيم بن الهذبانى، صارم الدين 326: 5، 14، 19
إبراهيم بن الهيصم، أمين الدين- الصاحب 9: 10- 42: 5- 50: 9- 51: 14، 17- 52: 4، 6- 54: 7- 55: 13- 77: 6- 159: 2- 313: 17- 378:
10- 445: 5- 451: 13- 461: 18- 527: 12
إبراهيم السوبينى، برهان الدين 429: 17- 438: 6
إبراهيم على طرخان- الدكور 36: 23- 47: 26- 60: 24- 84:
27- 196: 28- 225: 26
إبراهيم القبطى المصرى، سعد الدين (المعروف بابن المرة) 484: 6، 22 ح
ابن آقبرس- على بن محمد بن آقبرس، علاء الدين ابن أبى الفضائل 177: 14
ابن أبى الوفا- محمد بن أحمد بن وفاء الإسكندرى ابن الأثير 354: 19
ابن الأحمر (أبو عبد الله محمد بن نصر صاحب غرناطة) 225: 8
ابن أميلة 141: 9، 16 (ح)
ابن إياس 8: 23- 9: 21- 11: 20- 12: 20- 15: 26- 19: 22- 20: 20- 37:
27- 76: 21- 157: 15- 163: 22- 349: 20- 388: 23- 396: 26- 426: 23
ابن البارزى- محمد بن البارزى، كمال الدين
ابن البارزى- ناصر الدين بن البارزى
ابن بطوطة 192: 21
ابن تغرى بردى، أبو المحاسن (المؤلف) 13: 25- 24: 5- 26: 10- 28: 7- 44: 21- 48: 14- 107: 5- 109:
15- 110: 4- 118: 20- 123: 12- 156: 14- 158: 6- 176: 18- 178:
23- 186: 15- 192: 21- 199: 17-(15/565)
206: 21- 207: 17- 265: 15- 266: 12- 285: 10- 307: 15- 322:
20، 25- 328: 12- 400: 12- 404:
21- 409: 2، 17- 419: 15- 446:
18- 504: 3، 12- 516: 3- 524:
16- 532: 19- 540: 11، 13- 550:
7- 551: 18
ابن التنسى- محمد بن أحمد بن محمد ... ، بدر الدين (المعروف بابن التسى) ابن جانبك 440: 19
ابن الجيعان 166: 24
ابن الحاضرى 353: 1
ابن حبيب] 15: 26
ابن حجر- أحمد بن حجر العسقلانى، شهاب الدين ابن حجى- عبد الرحمن بن حجى بن عز الدين ابن حزم 321: 22- 491: 24
ابن حشبير 428: 22
ابن الخطير- تاج الدين عبد الوهاب (المدعو الخطير) ابن خلدون 141: 23- 197: 21
ابن دلغادر- محمد بن دلغادر، ناصر الدين بك ابن الديرى- إبراهيم بن الديرى، برهان الدين ابن زنبل الرمال 19: 22
ابن الزين، الشيخ 490: 7
ابن شاهين 8: 25- 15: 25- 19: 18، 21- 336: 17
ابن الشحنة- محمد بن الشحنة الحنفى، محب الدين ابن الطبلاوى- على بن الطبلاوى، علاء الدين ابن الظريف- إبراهيم بن على بن إسماعيل ابن عثمان- مراد بك بن عثمان (السلطان مراد الثانى) ابن العجمى- أبو بكر بن سليمان الأشقر، شرف الدين (المعروف بابن العجمى) ابن العجمى- أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيصرى (المعروف بابن العجمى)
ابن العديم- محمد بن العديم
ابن عرب شاه- أحمد بن محمد بن عبد الله
ابن عربى 166: 1
ابن العز- عبد العزيز بن العز
ابن العطار الشاعر- يحيى بن أحمد بن عمر (الشهير بابن العطار)
ابن العفيف- عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن العفيف الحكيم (الشهير بقوالح)
ابن العماد الحنبلى 9: 25- 551: 25
ابن غراب- إبراهيم بن غراب، سعد الدين
ابن الفرات- عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم، عز الدين
ابن قاضى شهبة- أبو بكر بن أحمد بن محمد
ابن كاتب جكم- إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة، سعد الدين
ابن كاتب المناخ- عبد الرزاق بن عبد الله، تاج الدين
ابن كاتب المناخ- عبد الكريم بن عبد الرزاق بن عبد الله، كريم الدين
ابن الكشك- محمد بن أحمد بن محمود، شمس الدين(15/566)
ابن كشك- أحمد بن محمود بن أحمد بن أبى العز ابن كلبك 371: 19- 448: 5
ابن الكويز- داؤد بن عبد الرحمن بن الكويز، علم الدين
ابن الكويز- محمد بن الكويز، صلاح الدين
ابن الكويز- عبد الرحمن بن داؤد بن الكويز، زين الدين
ابن ماجه 214: 14
ابن مبارك شاه 482: 19
ابن المحرقى- محمد بن المحرقى
ابن المحمرة- أحمد بن محمد بن صلاح، شهاب الدين
ابن المخلطة- ناصر الدين بن المخلطة ابن المرة (أو ابن المرأة) - إبراهيم القبطى المصرى
ابن مسلم المصرى 163: 6
ابن مغلى- علاء الدين بن مغلى
ابن مفلح 493: 12
ابن مماتى 30: 22
ابن منجك- محمد بن إبراهيم بن منجك
ابن ناهض 500: 17
ابن النبيه- نجم الدين بن نبيه
ابن نجيم 166: 26
ابن نصر الله- حسن بن نصر الله، بدر الدين- الصاحب
ابن الهيصم- إبراهيم بن الهيصم، أمين الدين- الصاحب أبو إسحاق الشيرازى 428: 17
أبو بكر أحمد بن محمد ... تقي الدين (المعروف بابن قاضى شهبة) 289: 20- 523: 9، 20 (ح)
أبو بكر بن سليمان الأشقر، شرف الدين (المعروف بابن العجمى) 486: 19
أبو بكر بن العجمى، شرف الدين 168: 7
أبو بكر بن على بن حجة، تقي الدين- الشاعر 189: 14- 191: 14
أبو بكر بن عمر بن عرفات القمنى 167: 5
أبو بكر بن عمر بن محمد الطرينى 124: 17
أبو بكر بن قاضى أكلّ 21: 23
أبو بكر بن محمد بن على الخافى الهروى العجمى، زين الدين 202: 3، 9
أبو بكر الصديق، رضىّ الله عنه 321: 15
أبو جعفر محمد الباقر 320: 25
أبو جعفر المنصور عبد الله- الخليفة 489: 11
أبو حامد بن أحمد بن محمد ... الصاغانى 558: 10
أبو الحسن ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز- متولى بجاية 198: 3(15/567)
أبو الحسن على بن منصور الطينى 185: 19
أبو حنيفة، الإمام 133: 7- 136: 7- 491: 4
أبو الخير بن عبد القوى 558: 14
أبو الخير النحاس 375: 16- 379: 15- 381: 13- 382:
6- 389: 4- 393: 10، 20- 394:
9- 395: 7- 396: 2- 397: 2- 398:
6- 399: 1، 6، 13، 16- 400: 5- 401: 7- 406: 6- 407: 15- 408:
11، 20- 410: 2، 17- 411: 2- 412: 1- 413: 1، 20- 414: 3- 415: 3، 10، 16- 416: 3- 417:
1، 4، 13- 418: 5، 15- 419: 11- 420: 4- 421: 1، 8- 422: 2، 5، 10، 11- 423: 5- 425: 1- 426:
11- 429: 11، 15- 434: 9- 441:
1، 14- 442: 2، 15- 443: 1- 545: 6- 557: 16- 558: 1، 3
أبو سليمان الدارانى 144: 18
أبو الطيب المتنبى 96: 1- 478: 12
أبو العباس الوفائى 96: 1- 478: 12
أبو عبد الله التريكى المغربى 442: 14- 443: 11- 444: 2
أبو عبيدة 354: 21
أبو العلاء المعرى 171: 12- 552: 19- 553: 14
أبو على الخراسانى العجمى 349: 23
أبو عمر وعثمان بن أبى عبد الله محمد ابن مولاى أبى فارس عبد العزيز الحفصى 197: 9، 12، 16- 198: 4- 225: 4
أبو فارس عبد العزيز- سلطان تونس 197: 7
أبو الفتح الطيبى 406: 6- 414: 2، 13- 420: 9- 429: 15
أبو فراس الحمدانى 14: 20- 79: 23
أبو الفضل محمد النويرى 123: 3، 4
أبو المحاسن- ابن تغرى بردى (المؤلف)
أبو محمد عبد الحق بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن المرينى صاحب فاس 225: 6
أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن المهندس 141: 19
أبو المطاوع وجيه الدولة بن حمدان 144: 24
أبو نواس 275: 5، 15
أبو يحيى بن أبى حمود 225: 4
أحمد بن أبى بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز 209: 5
أحمد بن أبى بكر بن رسلان البلقينى (المعروف بالعجيمى) 485: 12، 20 (ح)(15/568)
أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكورانى 344: 10
أحمد بن أويس- السلطان 173: 11
أحمد بن بدلاى، شهاب الدين- ملك المسلمين بالحبشة 225: 15، 23 (ح)
أحمد بن تاج الدين محمد الإخنائى المالكى، علم الدين 146: 2- 468: 15، 21 (ح)
أحمد بن حجر العسقلانى شهاب الدين 9: 13، 19 (ح) - 57: 14- 58: 2- 82: 14- 96: 12- 107: 2- 175:
12- 208: 12- 222: 15- 300: 9- 367: 9- 371: 6- 373: 3- 382:
3- 383: 11- 390: 1- 455: 5- 459: 14- 490: 19- 504: 8، 18، 20، 22- 525: 5- 533: 17- 534:
11- 539: 3، 11- 540: 16
أحمد بن حنبل، الإمام 193: 16
حمد بن رجب ابن الأمير طيبغا 515: 14
أحمد بن صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر، شهاب الدين (المعروف بابن السفاح) 174: 2، 14- 175: 3
أحمد بن صوجى 326: 3
أحمد بن طولون 58: 19- 122: 17- 269: 5
أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين، ولى الدين أبو زرعة 118: 4، 20 (ح)
أحمد بن عثمان الكوم الريشى 525: 8، 20 (ح)
أحمد بن على بن إبراهيم النهيتى 535: 10
أحمد بن على بن إينال اليوسفى 259: 6، 8- 279: 11- 350: 11- 369: 17- 438: 18
أحمد بن على بن عامر بن العدل، نور الدين المسطيهى 535: 12
أحمد بن على بن قرطاى 219: 11
أحمد بن عمر بن عبد الله، شهاب الدين (المعروف بالشاب التائب) 154: 3
أحمد بن غلام الله بن أحمد بن محمد الكوم ريشى 183: 6
أحمد بن محمد بن صلاح، شهاب الدين (المعروف بابن المحمرة) 206: 11، 22 (ح) - 207: 17 (ح) - 513: 15
أحمد بن محمد بن عبد الله ... الدمشقى الحنفى (المعروف بابن عرب شاه وبالعجمى أيضا) 139: 4، 11- 140: 23 (ح) - 549:
4، 5- 551: 18، 19، 24
أحمد بن محمد بن على بن العطار- الشيخ شهاب الدين (الشاعر) 131: 12، 16 (ح)
أحمد بن محمد بن محمد الأموى المالكى، شهاب الدين 178: 6
أحمد بن محمد بن مدبر 121: 25(15/569)
أحمد بن محمود بن أحمد بن أبى العز (المعروف بابن كشك) 185: 12- 482: 18، 20
أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيصرى الحنفى، صدر الدين (المعروف بابن العجمى) 167: 15
أحمد ابن الملك الأشرف برسباى 107: 12
أحمد بن موسى بن نصبر المتبولى، شهاب الدين 141: 6
أحمد بن نصر الله البغدادى الحنبلى، محب الدين 10: 1- 123: 2- 222: 17- 343:
10- 455: 11- 460: 3- 483: 7، 20 (ح) - 484: 2
أحمد بن نوروز بن عبد الله الخضرى الظاهرى (المعروف بشاد الأغنام) 529: 12- 530: 2، 6
أحمد بن يوسف بن محمد بن الزعيفرينى- الشيخ شهاب الدين 141: 10
أحمد الننسى، ناصر الدين 290: 4
أحمد جوكى بن شاه رخ بن تيمور لنك 65: 17، 24- 70: 3- 203: 9، 12
أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن- السلطان شهاب الدين أبو المغازى 194: 4، 7
أحمد يوسف نجاتى 182: 22
أخو قشتم- إينال المؤيدى أخو قصروه- تغرى بردى بن عبد الله المؤيدى أرتن بك بن أكسب التركمانى 200: 23
أرغون شاه النوروزى 51: 16- 52: 6- 54: 17- 165: 3- 207: 3- 246: 9- 484: 14- 520:
15- 521: 5
أركج باشا 66: 8
أركماش بن عبد الله المؤيدى الأشقر (المعروف بأركماس من صفر خجا المؤيدى، وبالبواب) 394: 2، 4- 543: 18، 24
أركماسى الجلبانى 56: 15
أركماس الظاهرى 8: 1- 69: 2، 4، 7- 76: 5- 90:
4- 223: 6- 243: 19- 248: 13- 262: 7- 267: 10، 12، 17- 301:
9- 304: 4- 305: 8- 309: 1- 356:
12- 461: 4- 496: 16- 536: 15، 16- 554: 16
أرنبغا اليونسى الناصرى 336: 2
أزبك بن عبد الله المحمدى الظاهرى برقوق 152: 9- 157: 8- 179: 14 15- 555: 2
أزبك البواب 239: 5- 246: 8- 331: 21- 333: 1
أزبك جحا- أزبك السيفى قانى باى
أزبك الدوادار 536: 16(15/570)
أزبك السيفى قانى باى (المعروف بجحا) 25: 8، 19 (ح) - 231: 16- 269:
2- 331: 19- 332: 11- 366: 8
أزبك من ططخ الساقى الظاهرى 383: 7، 9، 16 (ح) - 394: 4- 406:
3- 408: 4- 410: 14- 412: 4- 435:
6- 436: 3- 449: 2- 459: 8
أزدمر بن عبد الله (المعروف بأزدمر شايا) 150: 5
أزدمر الزردكاش 424: 3
أزدمر شايا- أزدمر بن عبد الله
أزدمر المشد 297: 9- 298: 9- 299: 6- 312:
21- 313: 2، 11- 314: 9- 315: 2، 17
أزوباى الناصرى 291: 1
إسحاق بن إبراهيم الأذرعى 494: 19
إسحاق بن خالد الكختاوى الحنفى- الشيخ زين الدين أبو بكر (المعروف بالشيخ باكير) 501: 1، 2، 5
أسد الدين الكيماوى 388: 10، 17 (ح)
إسفنديار بن أبى يزيد (أو با يزيد) ، مبارز الدين 62: 14، 21 (ح) - 225: 1
إسكندر بن قرا يوسف- صاحب تبريز 45: 9- 47: 1- 67: 6- 70: 2، 4، 10، 19- 71: 2، 10- 78: 10، 13- 89: 14، 16- 173: 14- 200: 10، 14- 220: 5، 9- 224: 12
أسلماس بن كلبك التركمانى 63: 3- 66: 10- 67: 8- 77: 2
إسماعيل بن أبى الحسن على بن عبد الله البرماوى 171: 14
أسنباى الجمالى الظاهرى جقمق 379: 20- 404: 18- 434: 6- 438:
20- 441: 18- 526: 11
أسنباى الزردكاش 278: 11
أسنبغا الطيارى 96: 8- 223: 12- 268: 18- 272:
2- 277: 2، 9، 11- 304: 5- 305:
14- 331: 17- 332: 3، 5- 336:
9- 344: 6- 350: 13- 391: 14- 392: 6- 412: 10- 413: 5- 450:
10- 460: 20- 477: 15
أسنبغا مملوك ابن كلبك 371: 19- 448: 5
أسندمر الجقمقى 394: 1
أسندمر النوروزى الظاهرى برقوق 476: 10
الأشرف احمد بن الملك العادل سليمان، صاحب حصن كيفا- الملك 22: 1، 7، 9، 13- 23: 4- 122:
14- 182: 6
الأشرف إسماعيل- ملك اليمن 145: 6، 7- 474: 11
الأشرف إينال- الملك 10: 8- 31: 10، 13، 18- 32: 5، 7- 33: 3- 43: 12، 15- 78: 3-(15/571)
226: 6- 227: 3- 228: 2- 230: 7- 233: 2، 18
الأشرف برسباى- الملك 7: 1، 4- 11: 17- 13: 26- 20:
9- 22: 5، 9- 30: 9- 31: 2- 33:
5، 8، 13- 48: 24- 51: 11- 52:
11- 62: 24- 63: 12- 66: 14، 16- 69: 6- 71: 2- 73: 6، 15- 74: 10، 12، 15- 86: 10- 88: 16- 89: 2- 91: 13- 92: 2، 12- 94:
6- 97: 6- 101: 9- 105: 15- 106: 19- 107: 1- 109: 7- 110:
4- 111: 1، 11، 14- 112: 1- 113:
15- 116: 1- 119: 5- 120: 1، 6، 8، 17- 122: 6، 14- 123: 6، 7، 10- 126: 1، 4- 131: 10- 133: 2- 134: 1- 135: 2، 8، 15- 139: 1، 8- 145: 4، 23- 147: 1- 148: 6، 11- 150: 9، 12- 151: 2، 13- 152: 3- 153: 1- 155: 12- 156:
1، 5- 158: 14- 159: 11- 160:
8، 10، 12- 161: 9- 162: 10- 163: 11- 165: 6، 11، 14- 167:
1، 13- 170: 1، 9- 171: 9- 173:
1- 178: 1، 4- 180: 16- 181:
11- 182: 12، 14، 16- 184: 1- 185: 8- 187: 5- 188: 5، 7، 9، 20- 189: 3، 11- 194: 1- 195:
2، 9- 197: 1- 199: 14- 200: 4- 203: 1، 4- 205: 1، 6، 9- 207:
12- 210: 1، 15- 213: 13- 218:
2، 6، 16- 221: 8- 243: 19- 249: 13، 14- 256: 5- 261: 6- 278: 14، 18، 19- 279: 1- 284:
2- 299: 4- 302: 17- 312: 6- 313: 11- 318: 4- 323: 5- 333:
16- 337: 2- 338: 12- 339: 10، 20، 23- 343: 22- 347: 9- 360:
19- 364: 12- 407: 7- 457: 18- 465: 16- 467: 1، 20- 468: 1- 469: 17- 470: 2- 472: 13، 19- 478: 5- 482: 7- 484: 14- 486:
5، 10- 487: 2- 495: 7، 19- 496: 9- 497: 12، 17- 498: 8، 10، 16- 499: 5- 507: 3، 8، 20- 510:
9- 516: 8- 518: 2- 520: 7، 18- 521: 1- 522: 4، 7، 16- 530:
22- 537: 22- 541: 3، 14- 543:
8- 548: 10- 553: 3، 4، 5، 6، 12- 554: 19
الأشرف خليل بن قلاوون- الملك 48: 13- 332: 21- 366: 17
الأشرف شعبان- الملك 485: 4
أصبهان بن قرا يوسف 44: 9- 45: 4، 5، 8، 14- 46: 5، 11- 47: 1- 70: 1- 72: 13- 73:
3- 173: 12- 220: 10- 224: 13
الأفضل بن بدر الجمالى 273: 21
أقطاى 203: 18
أقطوه الموساوى 50: 2- 52: 15- 72: 10- 246:(15/572)
17- 290: 17- 366: 3
ألطنبغا الشريفى 335: 11- 336: 13- 339: 4
ألطنبغا الظاهرى برقوق المعلم اللفاف 360: 2- 364: 5- 439: 11- 445: 7
ألطنبغا العثمانى 248: 23- 532: 13
ألطنبغا القرمشى 130: 13
ألطنبغا الماردانى 410: 20
ألطنبغا المرقبى المؤيدى 276: 17- 344: 21- 484: 16
ألوغ بك بن شاه رخ 196: 6، 7- 350: 17- 546: 8
امرؤ القيس 191: 8- 192: 2
أمير على بن إينال اليوسفى 55: 10- 258: 6، 7، 14، 16، 17- 259: 3، 11
أميرزه إبراهيم، صاحب شيراز 195: 11
أميرزه على 193: 9
أنص الجاركسى (والد الملك الظاهر برقوق) 162: 8
أهرام ضاغ- قرقماس الشعبانى الناصرى
أورخان- السلطان 224: 24
إياس- خازندار آقبغا التمرازى 436: 2، 5
أيبك- السلطان 37: 18- 203: 19
أيتمش بن عبد الله الخضرى الظاهرى برقوق 347: 7- 497: 7- 510: 2
أيتمش بن عبد الله من أزوباى الناصرى فرج 355: 15- 373: 17- 520: 4، 6، 8
إينال الأبوبكريّ الأشرفى 55: 14- 82: 4، 6- 105: 2، 17- 106: 2- 108: 16- 223: 11- 228:
8، 10- 229: 4، 18، 19- 230: 2- 234: 11، 14- 235: 5، 8، 13- 236: 7- 238: 5- 241: 8، 12، 18- 276: 19- 277: 1، 12- 299: 11، 15- 303: 6- 304: 1- 310: 6- 312: 8، 19- 313: 9، 18- 316:
4، 12- 317: 1، 7- 331: 18- 332:
10- 380: 4- 384: 1- 420: 8- 548: 11، 14، 15
إينال الأحمدى الفقيه الظاهرى برقوق 106: 17- 227: 11- 231: 18
إينال باى 217: 16
إينال بن عبد الله النوروزى 134: 14- 199: 15- 470: 4
إينال الجكمى 20: 11- 39: 9، 18- 41: 1- 57:
3- 65: 2، 4، 6، 8، 10- 66: 2- 68: 8، 9- 71: 7- 85: 2، 4- 92:
2- 160: 17- 200: 7- 226: 3- 231: 17- 233: 16- 253: 18- 261:
2، 4، 5- 285: 9- 286: 9- 287:
6، 10- 288: 4، 14- 289: 1، 18- 290: 10- 291: 6، 9، 11، 18-(15/573)
292: 3، 12- 294: 19- 295: 20- 299: 16- 300: 4، 10، 18- 302:
16- 303: 9، 13- 304: 16- 306:
1، 10، 20- 307: 2، 4- 310: 15- 311: 10- 313: 9- 316: 3- 317: 9، 14، 16- 318: 2، 8، 12، 18- 319:
7، 10- 320: 2، 7، 11- 321: 11- 325: 7- 462: 16- 463: 10- 464:
2- 467: 17- 469: 5- 476: 13- 510: 14- 521: 6، 9، 10- 536: 20
إينال حطب العلائى 471: 10، 13
إينال الحمار الدوادار 472: 14
إينال الخاصكى 231: 19
إينال الساقى (المعروف بإينال ضضع) 409: 14
إينال الششمانى الناصرى 9: 8- 36: 10- 78: 6- 329: 17- 339: 3- 378: 6- 522: 1
إينال الصصلانى 120: 13- 184: 11
إينال الظاهرى (المعروف بأبزى) 9: 6- 185: 8
إينال الظاهرى جقمق 383: 9- 410: 2
إينال العلائى الناصرى 10: 8- 80: 20- 82: 2، 3- 181:
8- 226: 6- 232: 2- 289: 4- 292:
1، 4- 294: 10- 318: 4- 322: 15- 326: 8- 329: 16- 331: 10- 351:
17- 355: 11- 360: 7، 21- 365:
17- 369: 10- 391: 2- 394: 13- 402: 1- 410: 8- 412: 10- 450: 8- 460: 10- 461: 6- 463: 11- 498:
15- 509: 18- 521: 12- 536: 14
إينال المؤيدى (المعروف بأخى قشتم) 141: 4- 332: 15- 378: 14- 380: 1
إينال اليشبكى 390: 9- 440: 11- 443: 7- 451:
18- 540: 8
إينال اليوسفى 258: 6- 468: 12
ب باباحاجى 65: 18- 70: 3
بابور بن باى سنقر بن شاه رخ 196: 3- 449: 8، 20 (ح)
بادل نان- ملك الحبشة 196: 22
باى سنقر بن شاه رخ بن تيمور لنك 195: 15- 196: 1، 5، 6، 8- 196:
4، 5- 203: 12
با يزيد شاه، شهاب الدين 192: 25
بايزير من صفر خجا الأشرفى 246: 10- 291: 1- 331: 21- 332: 14
بتخاص العثمانى الظاهرى برقوق 379: 13
البجاسى- تنبك البجاسى بخت خجا 24: 13(15/574)
بختك بن عبد الله الناصرى 391: 1- 542: 7
بدر الدين البدر بن ظهير 431: 18
بدر الدين بن الشهاب محمود 552: 9
بدر الدين بن محب الدين المشير 208: 14، 16
بدر الدين بن نصر الله- الصاحب 277: 6- 461: 10- 556: 10
بدر الدين الطوخى- الوزير 208: 4، 6، 10
بربغا التنمى 38: 14- 40: 18
بردبك بن عبد الله الإسماعيلى الظاهرى برقوق 9: 3- 48: 2، 5- 207: 10
بردبك التاجى 444: 17، 23 (ح)
بردبك السيفى من يشبك بن أزدمر 161: 5- 165: 10
بردبك العجمى الجكمى 283: 2- 285: 18- 286: 1- 287:
1- 294: 16- 322: 14- 323: 7- 326: 8، 12، 22- 327: 2- 363:
14- 405: 10- 435: 1- 463: 6- 520: 15- 521: 4، 13
البردينى- حسن بن أحمد بن محمد برسباى الحاجب 288: 9
برسباى الساقى السيفى تنبك البجاسى 374: 7، 17- 440: 10- 451: 20
برسباى الناصرى 291: 9- 306: 15- 319: 14- 320:
5- 335: 6- 349: 17- 363: 9- 366: 4- 374: 13- 378: 15- 463:
401- 520: 13- 522: 12- 523: 2
برسبغا الدوادار 188: 18
برسبغا المحمدى 188: 18
برقوق التركى 474: 12
البرماوى- محمد بن عبد الدائم، شمس الدين
برهان الدين أحمد، صاحب سيواس 201: 8، 20 (ح)
البساطى- محمد بن أحمد البساطى، شمس الدين
البشتكى- محمد بن إبراهيم بن محمد
بشير الجمدار 497: 18
بكتمر بن عبد الله السعدى 147: 6- 148: 2، 4- 348: 18- 479: 6- 531: 14
بكتمرجلق 148: 4- 152: 8- 445: 24
بكتمر المؤيدى المصارع 379: 17
البلاطنسى 414: 1، 14
بلبان 61: 5- 320: 3، 10- 321: 3
بنت حمزة بك بن ناصر الدين بن دلغادر (زوجة السلطان الظاهر جقمق) 372: 16- 464: 8(15/575)
بنت زين الدين عبد الباسط (زوجة السلطان الظاهر جقمق) 464: 10
بنت كرتباى الجاركسية (زوجة السلطان الظاهر جقمق) 464: 9
بهاء الدين أصلم 398: 26
بهاء الدين بن حجى- القاضى 358: 12
البهلوان- تنبك من سيدى بك الناصرى- قانى باى الأبوبكريّ الناصرى
پوپر- وليام پوپر
البوصيرى 209: 19
بيبرس الأشرفى الساقى 314: 11- 331: 20
بيبرس الجاشنكير 42: 26- 166: 18
بيبغا بن عبد الله المظفرى 120: 8- 137: 9- 159: 18- 160:
13- 161: 1- 212: 4- 470: 3
بيدرا- الأمير، نائب السلطنة 332: 23
بير عمر 201: 8
بير محمد بن عمر شيخ بن تيمور لنك 201: 24
بيرم خجا الناصرى 246: 10- 322: 1، 8
بيرم صوفى التركمانى 306: 18- 319: 4
بيسق اليشبكى 379: 12- 382: 19- 383: 1- 544: 7
البيضاوى 118: 23
بيغوت من صفر خجا المؤيدى الأعرج 364: 1- 378: 16- 409: 8، 23 (ح) - 432: 1- 433: 3- 434: 3، 12، 22- 435: 2- 437: 18- 438: 1- 439:
5- 451: 19- 463: 9، 13
ت التاج بن سيفا الشوبكى 48: 8- 59: 18- 198: 13- 199: 17
تاج الدولة تتش 200: 25، 26
تاج الدين بن فخر الدين بن بهاء الدين حنا 425: 25- 426: 16
تاج الدين عبد الوهاب الأسلمى (المدعو بالخطير) 56: 3، 5- 59: 11- 77: 1- 263: 20
تاج الدين فضل الله بن الرملى القبطى 116: 6
التريكى- أبو عبد الله التريكى المغربى
تغرى بردى البكلمشى 8: 7- 48: 3- 76: 6- 223: 4- 230: 11- 241: 19- 262: 9- 268:
18- 271: 19- 305: 7- 329: 6- 348: 6- 355: 12- 461: 2- 496: 1
تغرى بردى بن بشبغا- الأتابك نائب الشام (والد المؤلف) 26: 11- 27: 12- 63: 16- 133:
10- 136: 9- 166: 2- 260: 12- 285: 11، 12- 294: 13- 319: 2- 324: 11- 372: 1- 471: 13، 15،(15/576)
16- 472: 3- 493: 16- 527: 1- 529: 14- 550: 9
تغرى بردى بن عبد الله المؤيدى (المعروف بأخى قصروه) 120: 18- 126: 5
تغرى بردى الجاركسى 373: 5
تغرى بردى القلاوى 445: 3، 17 (ح) - 448: 7- 461: 18
تغرى بردى المحمودى 19: 6- 20: 7- 33: 12- 136: 1- 179: 5، 17- 180: 4- 432: 19- 478: 7- 521: 2- 555: 1
تغرى برمش (حسين بن أحمد البهسنى) 8: 9- 9: 1- 39: 12، 16- 68: 9، 10- 76: 9- 78: 16، 22- 79: 1- 81: 5- 87: 5- 88: 1، 10، 12- 92: 12- 113: 23- 223: 13- 226:
4- 233: 18- 254: 1- 261: 2- 278: 2- 283: 4- 284: 1، 10- 285: 4، 9، 11، 12، 13- 286: 3، 4، 11، 13- 288: 14، 19- 289:
5، 17- 291: 11- 292: 11- 293:
1، 2، 5، 9، 15- 294: 2، 3، 7، 9، 13- 295: 20- 302: 16- 303:
13- 316: 3- 319: 9- 323: 1، 5، 12- 324: 3، 16، 19- 325: 3- 326: 12، 14، 19، 21- 327: 5- 328: 6- 445: 1- 462: 18- 471:
4، 15- 472: 6- 473: 6- 474: 1، 5
تغرى برمش بن عبد الله الجلالى الناصرى ثم المؤيدى الفقيه 355: 4- 360: 10- 373: 19- 485:
10- 530: 10- 531: 8، 14- 532:
18، 20
تغرى برمش بن عبد الله الزردكاش اليشبكى 341: 11- 350: 20- 360: 10- 413:
9- 424: 2- 430: 8، 15- 558: 17
تغرى برمش الصغير 471: 18- 472: 5
التفتازانى- السعد (أو سعد الدين)
التفهنى- عبد الرحمن التفهنى، زين الدين
تقي الدين رجب 311: 24
تمراز الأشرفى الزردكاش 408: 8- 549: 3
تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع 379: 17- 382: 10- 383: 5- 402:
16- 426: 3، 11- 427: 1، 16- 428: 2- 429: 2
تمراز الدقماقى 537: 3
تمراز القرمشى الظاهرى 8: 1- 90: 4- 188: 21- 199: 7- 223: 6- 229: 8- 244: 1- 250:
6- 251: 5- 262: 4، 9- 267: 18- 304: 21- 305: 3- 346: 19- 347:
1- 370: 1- 389: 15- 390: 2- 460: 13، 17، 19- 535: 6- 536: 7.
10، 17، 21- 541: 16، 17
تمراز المؤيدى 56: 15، 16- 78: 7، 8، 22- 81:
1- 86: 7، 9، 11، 16- 87: 2- 213: 7، 12- 217: 18- 335: 3- 337: 12- 388: 12- 389: 3(15/577)
تمراز الناصرى 8: 18- 290: 16- 345: 1- 346:
19- 476: 3
تمراز النوروزى (المعروف بتعريص) 360، 14، 15، 22 (ح)
تمرباى التمربغاوى 8: 5- 60: 2- 223: 17- 229: 10، 19- 246: 12- 247: 16- 281: 14- 282: 14- 290: 15- 305: 10، 18- 306: 8- 318: 14- 330: 2- 346:
16، 18- 351: 18- 392: 6- 460:
20- 535: 8- 543: 4- 548: 15
تمرباى الجقمقى 24: 12
تمرباى اليوسفى المؤيدى 80: 6- 82: 15
تمربغا الأفضلى (المعروف بمنطاش) نائب ملطية 84: 15، 18، 19، 22- 454: 14، 21 (ح) - 455: 1
تمربغا الظاهرى جقمق 360: 13- 370: 16- 372: 8- 390:
6- 399: 18- 400: 2- 401: 8، 21 (ح) - 402: 13- 412: 4، 19- 413:
2- 429: 19- 441: 17- 451: 7
تمربغا المشطوب 543: 6
تنبك الإينالى المؤيدى 332: 1، 11
تنبك البجاسى 66: 16، 17- 86: 11، 15- 117: 14- 120: 4، 6، 10، 14، 19- 121:
1، 4- 126: 10، 11- 148: 14- 158: 2- 179: 16- 188: 4، 5- 205: 11- 213: 11، 12- 221: 9
تنبك البردبكى الظاهرى برقوق 9: 6- 76: 6- 246: 16- 262: 10- 300: 17- 301: 2- 305: 9- 310:
1- 356: 7- 365: 17- 380: 12- 403: 4- 406: 12- 408: 3، 7- 429: 7- 438: 16- 450: 13- 461: 2
تنبك بن عبد الله العلائى الظاهرى (المعروف بتنبك ميق) 117: 12، 14- 121: 2، 4- 130:
11- 184: 12- 188: 6
تنبك السيفى نوروز الخضرى (المعروف بالجقمقى) 223: 12- 238: 1، 6- 246: 3- 262: 11
تنبك الفيسى المؤيدى 246: 9
تنبك من بردبك الظاهرى 223: 3
تنبك من سيدى بك الناصرى (المعروف بالبهلوان) 19: 8- 35: 15- 181: 18- 186: 6
تنبك ميق- تنبك بن عبد الله العلائى الظاهرى
تنكز، نائب الشام 186: 1، 2، 15 (ح)
تنم الحسنى 117: 2، 3- 529: 16
تنم رصاص 429: 1، 21 (ح)
تنم الساقى 239: 5- 246: 7- 331: 20- 332: 16
تنم العلائى المؤيدى 306: 17- 307: 13- 319: 4- 325: 10
تنم من بخشاش الجركسى الظاهرى جقمق 429: 21(15/578)
تنم من عبد الرزاق المؤيدى 262: 16- 290: 18- 364: 3- 374:
7، 16- 378: 14، 17- 382: 15- 385: 13- 389: 16- 391: 7- 402:
2- 410: 5- 412: 13- 450: 9- 460: 11- 463: 1، 8
تيمور كوركان 178: 23
تيمور لنك 12: 19- 19: 3- 44: 27- 73: 5- 136: 9- 152: 2- 178: 15، 23 (ح) - 195: 11- 201: 1- 232: 22- 324:
10- 364: 9- 471: 7- 526: 14- 549: 9
(ج) جارقطلو 10: 13- 20: 6- 21: 11- 24: 15- 25: 11، 12- 38: 15- 40: 10- 120:
18، 19- 152: 5- 187: 15- 188:
6- 189: 4، 6، 9- 200: 1- 221:
10- 467: 12
جاركس القاسمى المصارع 188: 21- 258: 11، 12، 13، 15- 260: 6، 8- 453: 18- 502: 12- 507: 1، 12- 530: 16، 17
جاك بن بيدو، متملك قبرس 176: 19
جاكم- جيمس الأول ملك قبرس
جان بردى الغزالى 60: 14
جانبك الأشرفى 148: 6- 430: 12- 431: 2- 467:
2- 543: 8- 533: 7
جانبك التاجى المؤيدى 430: 4، 18 (ح) - 451: 19- 463:
18
جانبك الحمزاوى 8: 2- 20: 8- 33: 2، 3، 7- 180:
19- 181: 3، 9
جانبك الزينى عبد الباسط 327: 13- 328: 1- 329: 5- 334:
13- 462: 3
جانبك السيفى يلبغا الناصرى فرج (المعروف بالثور) 44: 7، 20 (ح) - 48: 4- 96: 9- 213: 19- 214: 6، 7
جانبك الصوفى 55: 4- 60: 7- 61: 2، 6- 62: 12، 13، 14، 18- 63: 2، 6، 7، 9، 12، 14- 65: 15، 17- 66: 3، 4، 11، 13، 15- 67: 1، 2، 7، 8، 9، 11- 68: 2، 3، 5- 71: 18- 75: 4، 6- 77: 3- 78: 14، 18- 79: 11، 13- 80: 3، 7، 16، 18- 82: 8- 83: 16- 84: 4، 6- 87: 3، 5، 13، 16- 88:
3، 4، 10، 11، 13- 89: 2- 92: 9، 11، 12، 16- 109: 8- 167: 2- 195: 2- 205: 4، 8، 15- 211: 5، 18- 212: 8
جانبك الظاهرى 368: 16- 369: 3- 387: 4- 397:
1- 403: 1- 426: 12- 427: 8- 428:
12- 429: 1- 430: 9- 431: 3- 434:
17- 439: 10- 441: 11(15/579)
جانبك القرمانى 333: 12- 355: 15- 451: 7
جانبك قلق سير 231: 3- 246: 7- 331: 20- 332:
16
جانبك المحمودى المؤيدى 273: 2- 287: 4- 288: 11- 289:
3- 294: 17- 351: 5، 7، 14- 379:
2- 404: 10- 447: 16
جانبك مملوك عبد الباسط صورة 224: 4
جانبك الناصرى 363: 8- 405: 1- 436: 14
جانبك النوروزى 291: 4- 374: 3، 9- 444: 16، 23 (ح) - 445: 1- 452: 12- 551: 8
جانبك اليشبكى 319: 14- 368: 10- 391: 11- 399:
14- 403: 5- 406: 13- 410: 15- 415: 13- 423: 11- 451: 9
جانم الأشرفى 8: 2- 71: 8- 81: 3- 90: 5- 223:
7- 231: 4- 244: 1- 245: 2، 20- 262: 6- 266: 9- 269: 3- 331:
17- 332: 13- 407: 6- 472: 1- 536: 18
جانم الظاهرى جقمق 380: 2- 440: 9
الجبرتى 19: 23- 37: 29
جرباش الأشرفى 231، 5- 246: 6- 332: 11
جرباش الشيخى 199: 9
جرباش الكريمى الظاهرى برقوق (المعروف بقاشق) 86: 16، 17- 261: 1- 262: 13- 263: 12- 276: 1- 303: 16- 304: 1- 316: 9، 14- 317: 1- 331: 20- 347: 2- 370: 1- 381: 3- 385:
15- 389: 14- 402: 3- 405: 15- 450: 8، 19 (ح) - 460: 14- 467:
8- 498: 7- 536: 9
جرباش المحمدى الناصرى فرج (المعروف بكرت أو كرد) 304: 6- 305: 15- 374: 18- 375:
1، 18 (ح) - 391: 7- 424: 1- 450: 14
الجرجانى 216: 16- 217: 3
جغتاى بن جنكيزخان 45: 16، 22 (ح) - 195: 13، 20 (ح) - 328: 23
جقمق الأرغون شاوى 118: 1- 184: 9، 11- 185: 5- 472: 12- 481: 5
جقمق العلائى 7: 8، 26 (ح) - 18: 14- 20: 12- 30: 12- 35: 8- 39: 11، 13، 19- 40: 2- 47: 7- 57: 3- 62: 24- 65: 3، 5، 11- 69: 9- 76: 4- 81:
1- 103: 3، 11- 105: 15، 19- 106:
1، 7، 15- 113: 20- 130: 15، 16- 199: 16- 223: 3- 227: 8- 228:
7- 229: 3، 7، 17- 233: 10- 234:(15/580)
4، 5، 15- 235: 13، 17- 236: 6- 237: 8- 238: 17- 239: 1، 3، 15- 240: 3- 241: 2، 13- 242: 3، 8، 10، 13- 243: 8، 15، 18- 244: 4، 12، 15، 19- 245: 5، 7، 10، 11، 15- 246: 21- 248: 17- 249: 5، 14، 18- 251: 1، 8، 11- 252: 1، 6، 11- 253: 1، 4، 6، 9- 254: 8- 256: 12- 258: 7، 11، 13- 259:
1، 8- 261: 7، 11- 467: 16- 470:
8- 472: 21
جكم الخازندار (خال الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرفى برسباى) 130: 4- 161: 16- 228: 11- 229:
4- 230: 13- 231: 5- 238: 2- 239: 4- 242: 7- 246: 6- 262:
21- 321: 13- 331: 19- 332: 16
جكم قلق سير 380: 7
جكم من عوض 445: 24- 469: 8- 511: 14- 530:
15- 547: 15
جكم النوروزى 231: 2- 270: 10
جلال الدين أبو السعادات محمد بن ظهيرة 127: 5
جلال الدين بن خطيب داريا 144: 3- 426: 18
جلبان الأمير آخور 11: 4- 59: 7- 226: 4- 231: 18- 286: 13، 15- 287: 1- 292: 10- 294: 5، 7، 10، 14- 318: 3- 319:
3- 322: 12- 326: 1، 8، 10- 335:
5- 336: 2- 344: 7، 19- 359: 1- 381: 2، 7- 451: 17- 462: 17، 19- 463: 3- 465: 15- 523: 1
جمال الدين الأستادار- يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيرى البجاسى
جمال الدين البساطى، قاضى القضاة 466: 12
جمال الدين بن نباتة 143: 13- 190: 11
جمال الدين بن يوسف ناظر الجيش والخاص 374: 8- 385: 17- 389: 2، 7- 451: 12- 461: 15
جمال الدين السنباطى 494: 3
جمال الدين الشيال، الدكتور 84: 26
جنكيزخان 195: 20
جهان شاه بن قرايوسف 47: 2- 78: 9- 89: 15، 17- 220:
7- 420: 11- 431: 17- 432: 14- 433: 8، 19- 434: 16- 449: 7
جهان كير بن قرايلك 420: 12- 432: 2
جوبان المعلم 496: 10
جوهر التمرازى 314: 1- 345: 1- 355: 3، 7- 518:
13
جوهر الجلبانى (المعروف باللالا) 72: 1- 105: 3- 223: 20- 261: 15- 465: 12- 466: 3- 486: 5- 507: 9(15/581)
جوهر الصفوى الساقى 413: 1- 414: 7، 18- 415: 2
جوهر الصقلى 7: 23
جوهر القنقبائى 223: 20- 313: 14- 345: 5- 377:
1- 485: 16- 486: 7، 15- 507: 15- 518: 16- 553: 9
جوهر المنجكى 248: 9- 348: 4- 523: 17
جوهر النوبى 547: 21
جوهر النوروزى 381: 9- 412: 2، 22 (ح) - 432:
8- 524: 3
الجويلى- زعيم عرب البحيرة 37: 21
جيمس الأول ملك قبرس 176: 19
جينوس بن جاك بن بيدو، متملك قبرس 176: 6، 16 (ح)
ح الحاكم بأمر الله- الخليفة 91: 12- 489: 6
حزمان 332: 2
حسام الدين لاجين 184: 6
حسن إبراهيم 321: 23
حسن بن أحمد، بدر الدين (المعروف بابن بشارة) 115: 1
حسن بن أحمد بن أويس- السلطان 173: 11
حسن بن أحمد بن محمد البردينى الشافعى، بدر الدين 152: 15
حسن بن أحمد البهسنى 76: 8- 79: 7- 80: 2- 226: 8- 471: 6
حسن بن سالم الدوكرى 37: 1
حسن بن السيفى سودون، بدر الدين 114: 6، 10، 14
حسن بن نصر الله، بدر الدين- الصاحب 104: 10- 152: 6- 158: 15- 163:
8- 218: 13- 224: 1- 276: 9- 494: 9- 495: 13
حسن الرماح 26: 23
حسن العجمى 278: 14
حسن كانكو علاء الدين ظفرخان 194: 17
حسين بن أحمد البهسنى- تغرى برمش
حسين الكردى 37: 5- 38: 2
حطط الناصرى فرج 285: 15، 18- 289: 7، 9، 13- 292: 17- 326: 19، 22- 327: 2- 373: 12- 463: 16
حماد بن مالك بن بسطام بن درهم الأشجعى الحرستانى 319: 22
حمزة بن على بن دلغادر 207: 8(15/582)
حمزة بن قرايلك 89: 18- 92: 4، 8، 9، 11، 13، 14- 227: 14- 231: 8، 10- 508: 3
حميد الدين النعمانى 344: 9- 438: 11
حنا الثانى بن جانوس 343: 22
خ خجا سودون 8: 6- 39: 1- 59: 10- 76: 7- 79:
8، 10- 80: 3، 15- 90: 5- 205:
4، 13- 223: 8- 244: 2، 6، 9
خديجة خاتون 62: 4، 6، 16، 17- 63: 5، 8
خشقدم السيفى سودون من عبد الرحمن 379: 18- 383: 8
خشقدم الظاهرى الرومى 9: 5- 72: 2- 143: 10- 406: 15- 465: 19- 486: 6
خشقدم الناصرى المؤيدى 8: 9- 378:؟؟؟ 1- 407: 2- 408: 1، 6- 450: 12- 461: 3
خشقدم اليشبكى 103: 1، 13- 165: 1- 223: 21- 240: 4، 8- 246: 4- 277: 21- 282: 18
خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز 440: 17
خشكلدى السيفى يشبك بن أزدمر 307: 7
خشكلدى من سيدى بك الناصرى 238: 1- 246: 5
خشكلدى الناصرى البهلوان 291: 5
الخضر، عليه السلام 144: 24
خضر الحكيم 100: 11- 101: 3- 102: 2- 507:
19
خليفة المغربى- الشيخ المعتقد 134: 10
خليل بن شاهين الشيخى، غرس الدين 44: 5- 72: 9- 76: 11- 77: 5- 85: 10- 226: 7- 279: 14- 318:
5- 335: 10- 358: 3- 363: 13- 371: 1- 373: 7- 463: 20
خليل بن فرج بن برقوق 446: 2، 18 (ح) - 455: 16
خواجا جلال الدين 530: 13
خواجا شمس الدين بن المزلق 482: 18
خواجا كزلك 258: 3، 5
خواجا كلال رسول شاه رخ 344: 1
خواجا ناصر الدين 476: 4
خوند جلبان بنت يشبك ططر 203: 1- 296: 8- 333: 6
خوند زينب بنت السلطان الملك الظاهر برقوق 117: 8(15/583)
خوند شقزاء بنت الملك الناصر فرج 424: 1
خوند فاطمة (أخت المؤلف وزوجة إينال بن عبد الله النوروزى) 135: 7
خوند فاطمة بنت الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون 169: 3
خوند فاطمة بنت الملك الظاهر ططر 60: 4- 123: 6- 162: 3- 537: 22
خوند قنقباى 486: 2
خوند كار محمد 434: 7
خوند كار مراد بك بن عثمان 116: 11
خوند الكبرى زوجة الملك الأشرف برسباى 203: 5، 6
خوند مغل بنت البارزى 313: 6- 315: 12- 333: 6- 372:
15- 382: 12- 406: 4- 464: 5- 509، 7
خوند نفيسة (بنت الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر) 542: 5، 21 (ح)
خوند هاجر (زوجة الملك الظاهر برقوق) 169. 1
خير بك الأجرود المؤيدى 378: 5- 446: 16- 447: 2
خير بك الأشرفى 312: 4
خير بك الأشقر المؤيدى 351: 12- 430: 1
خير بك القوامى 319: 5
خير بك النوروزى 387: 6- 425: 1- 430: 5- 438:
3- 463: 8
د داؤد بن عبد الرحمن بن الكويز الكركى، علم الدين 118: 16- 119: 6- 155: 11- 208:
15- 486: 3
داؤد التركمانى 35: 14
دقماق المحمدى 113: 18- 123: 8- 162: 4- 537:
2، 4، 22 (ح)
دقماق اليشبكى 430: 10- 431: 1، 18 (ح)
دمرداش الأشرفى 230: 3- 246: 10، 15
دمرداش الحسنى الظاهرى برقوق 244: 8، 9
دمرداش المحمدى 476: 5
دولات باى المحمودى الساقى المؤيدى 81: 2- 232: 1- 252: 16- 262:
14- 304: 7- 305: 13- 336: 1- 350: 5- 370: 14- 390: 1، 7- 391:
15- 446: 9- 450: 11- 461: 7
دولات خجا الظاهرى برقوق 35: 12- 36: 7- 48: 7- 55: 4- 94: 11، 14- 95: 2- 98: 6- 104:
13- 217: 19(15/584)
دولات شاه الكردى 21: 13- 224: 17
ذ ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله 489: 8
ر راجه كانس شاه 192: 25
الراشد بالله- الخليفة 489: 7
رستم- مقدم عساكر جهان شاه 431: 17- 433: 5
رسول الله (النبي) صلى الله عليه وسلم 26: 22- 331: 8- 421: 13- 425:
25- 426: 16- 428: 26- 490: 8
الرشيد بالله هارون- الخليفة 489: 10
رضوان بن محمد بن يوسف العقبى، زين الدين 528: 8
ركن الدين بيبرس الجاشنكير 488: 11
ز زامباور 44: 28- 45: 23- 48: 28- 61: 21، 24- 62: 24- 66: 21- 71: 22- 82:
24- 173: 23- 193: 17، 27- 194:
13، 20- 195: 18- 197: 21- 201:
15، 24- 203: 14، 25- 332: 25- 339: 29- 420: 22- 449: 21- 501:
23- 546: 21
زرو (أو زرع) يعقوب ملك الحبشة 196: 25- 225: 25
الزمخشرى 118: 23
زيد بن على زين العابدين 320: 22
زين الدين عبد الرحيم 118: 7
زين الدين القمنى 513: 13
زينب جرباش الكريمى قاشق 464: 6
الزينى سرور الطربائى 438: 8
الزينى قاسم المؤذى الكاشف 384: 11
س سالم المقدسى الحنبلى، مجد الدين 117: 5
السامرى 428: 1
الست أردباى 537: 3
ست العرب 141: 9، 18 (ح)
السخاوى (خليل بن أحمد بن على) 8: 20- 9: 21، 25- 12: 14- 112:
21- 182: 23- 334: 17- 340: 7- 349: 18، 19- 359: 21- 361: 23- 364: 20- 370: 20- 375: 19- 406:
17، 21- 409: 21- 428: 21- 446:
18- 478: 20- 484: 22- 490: 19- 501: 16- 514: 23- 529: 21- 532:(15/585)
21- 534: 12- 546: 18- 551: 24- 552: 21- 554: 21- 555: 21- 557: 17
سر النديم الحبشية 296: 5- 312: 15
السراج الحمصى 439: 7
السعد (أو سعد الدين) التفتازانى 215: 3- 216: 16- 217: 4
سعد الديرى، سعد الدين 124: 10- 230: 15- 240: 11- 450:
6- 455: 7- 459: 19- 503: 9
سعد الدين، صاحب جبرت- السلطان 196: 15
السعيد بن بيبرس 97: 18
سعيد السعداء 132: 7 (ح)
سعيد المغربى- الشيخ 149: 18
السفطى- محمد بن أحمد بن يوسف ... السفطى، ولى الدين سقمان بن أرتق، معين الدين 200: 24، 26- 201: 13
سلار، سيف الدين التترى 42: 25
سليم خان (السلطان العثمانى) 19: 22- 84: 24
سليمان بن ناصر الدين بن دلغادر 61: 14- 62: 11، 15- 63: 2، 4، 6- 67: 9، 11، 17، 18- 68: 3- 71:
17- 79: 14- 84: 6
سمام الحسنى الناصرى 332: 12- 337: 17- 372: 14
السنباطى- محمد السنباطى، ولى الدين سنجر الجاولى، علم الدين 268: 21
سنقر العزى الناصرى 56: 16
سودون، أخومامش المؤيدى 307: 12
سودون الأبوبكريّ المؤيدى 335: 8- 409: 10- 443: 8- 463:
9
سودون الإينالى المؤيدى (المعروف بقراقاس) 291: 3- 346: 17- 360: 13- 409:
5، 14 (ح) ، 17 (ح)
سودون بن عبد الله الظاهرى (المعروف بالأشقر) 122: 2
سودون بن عبد الله الظاهرى (المعروف بسودون ميق) 19: 7- 20: 8- 180: 10
سودون الجلب 509: 19- 510: 4- 511: 5، 7
سودون الحمزاوى 181: 1
سودون السودونى الظاهرى 355: 18- 360: 2- 375: 5- 376:
11- 395: 4- 396: 8- 516: 6، 17- 517: 2- 551: 4
سودون الشيخونى 69: 8
سودون الطيار 96: 21(15/586)
سودون الظاهرى برقوق (ويعرف بسودون بقجة) 469: 9
سودون العجمى النوروزى 291: 3، 19- 294: 15- 318: 16- 326: 10- 335: 7- 363: 10
سودون الفقيه 114: 9
سودون الماردانى 188: 2
سودون المحمدى المؤيدى (المعروف بأتمكجى) 279: 8، 12- 287: 7- 336: 3، 28 (ح) - 353: 3- 363: 7- 391: 9- 397: 7- 516: 7- 517: 9- 544:
1، 2
سودون من زاده 400: 1
سودون من سيدى بك الناصرى (المعروف بالقرمانى) 373: 13
سودون من عبد الرحمن 8: 16- 20: 12- 29: 8- 34: 14- 35: 17- 39: 10- 40: 9، 11، 12، 13- 120: 5، 15- 121: 2- 158:
1- 179: 15، 23- 188: 10- 221:
1- 470: 5
سونجبغا اليونسى الناصرى فرج 358: 10- 372: 12- 387: 2- 423:
19- 438: 14
السيدة رقية 348: 1
سيدى بك الناصرى 181: 18- 238: 2- 246: 5
سيف الدين أبو بكر، حاجب حجاب طرابلس 130: 3
سيف الدين جقمق 112: 22
السيفى يونس، الأمير آخور 342: 1
ش الشاب التائب- أحمد بن عمر بن عبد الله، شهاب الدين شاد الأغنام- أحمد بن نوروز بن عبد الله الخضرى الظاهرى شادبك الجكمى 39: 5- 71: 15، 18- 75: 5، 7، 11، 18- 78: 4- 113: 24- 304:
2، 5- 334: 6- 337: 16- 358:
8- 368: 4- 372: 3- 380: 4- 407- 20- 463: 7- 521: 15- 547:
13
الشافعى، الإمام 136: 7- 515: 1
شاه رخ بن تيمور لنك 48: 11، 22 (ح) - 49: 9، 13- 50:
1، 3- 52: 14، 16- 59: 14- 63:
19- 65: 16، 24- 67: 5- 68: 14- 70: 2- 72: 11، 13- 73: 7، 8- 74: 3، 9، 13، 16- 75: 14- 78:
8، 15- 89: 16- 193: 9- 195:
11، 14، 15- 196: 2، 6- 203:
10- 220: 8- 224: 9، 13- 337:
1- 338: 12- 342: 6، 12- 344:
2- 350: 16- 354: 16 (ح) - 364: 6، 11، 12، 15- 365: 1- 525: 17(15/587)
شاه زاده بنت ابن عثمان ملك الروم 464: 6
شاه قوماط بن إسكندر بن قرايوسف 220: 6
شاه محمود بن بابر بن بايسنقر 449: 20
شاهين الأمير آخور 471: 14- 472: 2- 474: 1
شاهين الأيدكارى الناصرى 70: 4
شاهين بن عبد الله السيفى طوغان 383: 1- 527: 13- 544: 11
شاهين الظاهرى 380: 6
شرف الدين أبو بكر الأشقر 10: 3- 26: 10، 11، 14، 15- 27:
3، 5، 12- 28: 3، 7- 31: 16- 32:
4- 64: 4، 14- 102: 12- 103: 8- 105: 20- 276: 10
الشريف إبراهيم بن حسن بن عجلان 356: 5
الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان 356: 3- 542: 10
الشريف أحمد بن حسن بن عجلان 469: 3
الشريف أحمد بن علاء الدين بن إبراهيم بن عدنان 164: 7
الشريف أحمد بن مصبح، شهاب الدين 418: 13- 421: 8- 422: 5- 423:
6- 482: 8
الشريف إميان بن مانع بن على الحسينى 225: 10- 462: 11
الشريف بدر الدين حسين بن أبى بكر الحسينى 348: 2
الشريف بركات بن حسن بن عجلان 136: 3- 225: 9- 349: 12- 353:
5- 379: 3- 426: 10- 462: 7- 467:
5- 469: 4
الشريف تاج الدين على 49: 2- 50: 4- 52: 14
الشريف حسن بن عجلان بن رميئة 135: 10- 152: 4- 159: 15- 164:
17- 179: 18- 467: 5
الشريف حيدر بن دوغان بن جعفر بن هبة الله بن جماز ابن منصور بن شيحة 202: 3
الشريف خشرم بن دوغان 155: 15- 202: 4
الشريف رميئة بن محمد بن عجلان 189: 13
الشريف زبيرى بن قيس 162: 14
الشريف زهير بن سليمان بن ريان بن منصور بن جماز ابن شيحة الحسينى 196: 8
الشريف سرداج بن مقبل بن نخبار 164: 16
الشريف سليمان بن غرير 462: 12
الشريف شهاب الدين أحمد 145: 1
الشريف صخرة بن مقبل بن نخبار 278: 6(15/588)
الشريف ضيعم 462: 12
الشريف عبد الرحمن بن على بن محمد الحنفى الدمشقى، ركن الدين (المعروف بدخان) 198: 6
الشريف عجلان بن نعير بن منصور بن جماز 153: 11
الشريف عقيل بن زبير بن نخبار 225: 10- 278: 7
الشريف على بن حسن بن عجلان 349: 12- 353: 5- 355: 1- 356:
5- 462: 7- 536: 3
الشريف على بن عنان من مغامس بن رميئة 159: 14
الشريف عماد الدين أبو بكر 164: 12
الشريف عنان بن مغامس بن رميئة 467: 3
الشريف محمد بن بركات بن حسن بن عجلان 371: 11
الشريف معز بن هجار 440: 6، 21 (ح) شعبان بن حسين- السلطان 348: 19
شعبان بن محمد بن داؤد الآثارى، زين الدين 128: 7، 15
الشمس بن عامر 438: 6
شمس الدين أبو المنصور نصر الله (المعروف بالوزة) 333: 17- 334: 17- 353: 13
شمس الدين بن خيرة 443: 19- 444: 1
شمس الدين بن سعد الدين بن قطارة القبطى 51: 15- 54: 13
شمس الدين الدجوى 208: 17
شمس الدين القلمطاوى 227: 15- 231: 9
شمس الدين محمد الكاتب 382: 1
الشهاب بن إسحاق 394: 23
شهاب الدين أحمد (المعروف بابن الأقطع) شهاب الدين بن الحسن بن على بن محمد الدمشقى الأذرعى 494: 1
الشهرستانى 321: 21
الشيخ باكبر- إسحاق بن خالد الكختاوى الشيخ الحنفى- محمد بن حسن، شمس الدين شيخ الركنى 8: 6
الشيخ اصفا (رسول شاه رخ إلى السلطان الملك الأشرف) 72: 11- 73: 7، 9، 11، 14- 74: 2
الشيخ مدين 492: 8
الشيخان (أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما) 321: 8، 15
شيخون العمرى 134: 17
«شيخى» شاعر الروم 532: 4(15/589)
ص الصابونى، الشيخ 227: 20
صالح البلقينى، علم الدين 82: 13- 96: 12- 118: 12- 373:
2- 375: 8- 383: 13- 386: 1- 394: 15، 22 (ح) - 397: 5- 459: 16
صالح بن أحمد بن عمر، صلاح الدين 174: 2
الصالح طلائع بن رزيك 347: 12، 15 (ح)
الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون- الملك 102: 24
الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر- الملك 112: 3- 114: 7- 162: 18- 163:
2- 195: 2- 199: 13- 211: 17- 495: 6
الصالح نجم الدين أيوب- الملك 122: 12- 367: 20
صدقة المحرقى، فتح الدين 501: 13، 24 (ح)
صرغتمش الأشرفى 58: 1، 19، 21- 143: 5- 294: 13- 319: 2- 386: 20- 532: 9
صفر خجا المؤيدى 231: 2- 291: 1- 378: 16- 539:
1- 409: 8
صلاح بن على بن محمد بن أبى القاسم، إمام الزيدية الملقب بالمهدى 209: 14
الصلاح الصفدى 156: 21- 190: 11- 191: 1
صلاح الدين الأيوبى 57: 26- 122: 18- 132: 6- 255: 3، 5- 286: 20- 335: 16
صلاح الدين بن نصر الله 411: 10
صلاح الدين محمد- الإمام الناصر ابن الإمام المنصور نجاح الدين 209: 11- 225: 13
صندل الهندى 296: 8- 297: 1، 3، 10- 298: 9، 11، 14- 299: 6- 312: 18- 313: 1
صوجى التركمانى 325: 21
ط طرباى بن عبد الله الظاهرى جقمق 20: 6- 59: 6، 7- 120: 15- 160:
9- 194: 9، 25 (ح) - 212: 1- 260: 17
طرعلى بن سقل سيز التركمانى 294: 4- 318: 10- 323: 2- 326:
5، 13، 19- 327: 9
طشتمر الدوادار 69: 8
ططر 466: 18- 472: 18- 476: 8- 484:
19- 497: 12- 500: 10- 510: 2- 520: 16- 522: 15- 543: 7- 547:
16، 17
طغرق 57: 1
طقتمر البارزى 446: 14- 447: 1(15/590)
طوخ بطيخ- طوخ الظاهرى برقوق طوخ بن عبد الله الأبوبكريّ المؤيدى 331: 12- 337: 9- 368: 3- 463:
15- 508: 6، 9- 518: 6
طوخ بن عبد الله الناصرى (المعروف بطوخ مازى) 113: 22- 228: 4- 229: 13- 287:
14- 294: 11- 318: 5- 322: 15- 326: 9- 331: 11- 333: 3، 8- 463: 5- 473: 3- 477: 3، 20 (ح) - 508: 12
طوخ الظاهرى برقوق (المعروف بطوخ بطيخ) 472: 11
طوخ مازى- طوخ بن عبد الله الناصرى طوخ من تمراز الناصرى فرج (المعروف بينى بازق) 8: 17- 82: 1، 16 (ح) - 223: 17- 290: 16- 345: 1- 346: 19- 402:
15- 450: 14، 20
طوغان بن عبد الله 126: 9- 130: 6، 15، 16
طوغان الحسنى 527: 14
طوغان الزردكاش 297: 8، 12- 298: 9، 15- 299: 7- 308: 13- 309: 1، 4- 310: 2، 5، 16- 311: 1، 9، 12
طوغان السيفى آقبردى المنقار 281: 9، 13، 19- 440: 15- 446:
7، 25 (ح) - 447: 4، 464: 2
طوغان السيفى تغرى بردى 63: 16
طوغان العثمانى 226: 8- 291: 6- 294: 11- 312:
1، 6، 12- 318: 5- 322: 1- 331:
12- 371: 3- 378: 19- 387: 7- 463: 17- 532: 12
طولو الظاهرى 130: 7
طومان باى- السلطان 37: 24- 60: 15
طيبغا 33: 27
طيبغا الطويل الناصرى حسن 496: 3
ظ الظاهر برقوق- المالك 37: 20- 84: 13، 14- 89: 9، 10- 108: 15- 110: 5- 111: 11، 12- 113: 2، 18- 117: 8، 10، 15- 135: 16- 151: 6- 154: 10، 14- 162: 7- 165: 3- 169: 1- 178:
14- 180: 13- 188: 20- 211: 11- 218: 1- 279: 2- 303: 17- 341:
13- 424: 10- 454: 14، 21- 455:
17- 466: 17- 477: 12- 478: 2، 15- 483: 22- 497: 10- 502: 14- 517: 13- 525: 14- 526: 12- 529:
13- 536: 10- 541: 12- 551: 15- 554: 18
الظاهر بيبرس- الملك 36: 19- 48: 19- 97: 17- 311:
24- 433: 24
الظاهر جقمق- الملك 46: 6- 226: 11- 253: 16- 254:(15/591)
13، 18- 256: 1، 3- 258: 1، 12، 14، 17- 259: 1، 3، 5، 16- 260: 1، 4، 5، 9- 261: 11، 12- 263: 8- 264: 3- 265: 1، 14- 266: 6، 3- 267: 4- 268: 1، 8، 9، 11- 270:
13- 271: 4- 272: 16- 276: 7- 278: 4- 279: 5- 285: 8، 10، 13- 290: 1- 295: 6- 303: 11، 12- 311: 5- 312: 7- 314: 14- 324: 14- 327: 5، 9- 329: 4- 338: 6- 339: 10، 26- 342: 4- 347: 3- 348: 11- 352: 8- 359:
17- 364: 14- 370: 6- 372: 15- 376: 8- 379: 4- 388: 4- 395:
16- 396: 21- 433: 20- 437: 3- 445: 17- 446: 19- 448: 11- 449:
18- 453: 9- 454: 3- 456: 8- 459: 20- 465: 1- 466: 1- 468:
2، 5- 469: 6- 470: 10- 473:
2- 474: 4- 475: 1- 476: 10- 477: 14- 478: 8- 479: 7- 482:
1- 485: 1، 9- 486: 10، 13- 489:
1، 14- 492: 1- 495: 12- 496:
15- 498: 12، 14- 499: 3، 6- 500: 1- 501: 3، 15- 502: 2، 5، 11- 506: 1، 4- 507: 9- 508:
10- 509: 1، 11- 510: 10- 513:
1، 17- 517: 8- 518: 5، 16- 520:
1، 7- 521: 5، 9- 522: 9، 17- 523: 13- 524: 1- 525: 1، 18- 527: 15- 528: 1، 3- 529: 17، 19- 530: 14، 16، 19، 23- 531:
2- 535: 1- 536: 2، 17- 541: 6، 15- 542: 7، 11، 22- 544: 8- 547: 1- 548: 2- 554: 1، 3- 555:
3، 17- 556: 11- 559: 5
الظاهر خشقدم- الملك 378: 8
الظاهر ططر- الملك 112: 10- 114: 6، 9، 11- 116:
13- 117: 18- 119: 3- 120: 16، 17- 121: 1- 122: 5- 126: 8، 10- 131: 9- 137: 7، 8- 151: 12- 157: 4، 13- 161: 8- 162: 18- 163: 10- 179: 13، 14- 181: 5- 184: 14- 188: 3- 199: 11- 211:
13، 16- 221: 7- 253: 12- 306:
19- 554: 18
الظاهر هزبر الدين يحيى- ملك اليمن 145: 8- 474: 7
الظاهر يحيى بن الملك الأشرف إسماعيل من بنى رسول- ملك اليمن 225: 11
ظفرشاه أحمد- السلطان 194: 6
ع العادل أبو بكر بن أيوب بن شادى بن مروان الأيوبى- الملك 122: 14
العادل سليمان بن الملك المجاهد غازى- الملك 182: 17- 432: 18
العادل فخر الدين أبو المفاخر سليمان- الملك 122: 9، 14- 123: 16 (ح)(15/592)
العادل كتبغا- السلطان 480: 20
العادل مجير الدين محمد- الملك 122: 10
العاضد لدين الله- الخليفة 347: 16
عاقولة (زوج الملك الناصر فرج بن برقوق) 162: 10
عبادة بن على بن صالح، نور الدين 492: 4- 493: 7
عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدمشقى، زين الدين 42: 12- 43: 5- 50: 8، 12، 13، 14- 51: 1، 5، 7، 9، 12- 52: 9، 10، 11، 12- 77: 7، 8، 10، 14- 81: 7- 83: 10، 11، 15- 103:
5- 106: 1- 110: 9- 145: 1- 149:
1- 224: 2- 228: 8، 15- 229: 18- 230: 6- 232: 4- 233: 4، 10، 12- 241: 5- 248: 12- 250: 7- 273:
15، 16- 274: 2- 327: 12، 19- 328: 2- 329: 1، 4- 330: 4، 16- 333: 5- 334: 11، 16- 357: 5، 18- 367: 1- 402: 5- 405: 17- 461: 13- 545: 4- 552: 4- 553:
2، 7- 554: 6، 10، 21
عبد الحميد العبادى 30: 18
عبد الرازق المؤيدى 290: 18
عبد الرحمن البلقينى، جلال الدين 118: 11- 128: 12- 494: 6، 22- 556: 3
عبد الرحمن بن حجى بن عز الدين، تقي الدين 447: 8
عبد الرحمن بن داؤد بن الكويز، زين الدين 83: 2- 246: 13- 345: 10- 350:
6- 353: 8- 354: 2، 6- 394: 6- 397: 10- 462: 4
عبد الرحمن بن الديرى الحنفى 389: 1، 3- 448: 6
عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله، زين الدين (المعروف بابن الخراط) 205: 18
عبد الرحمن بن محمد بن صالح، ناصر الدين 116: 4
عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى السندبيسى 526: 8، 21 (ح)
عبد الرحمن بن يحيى بن يوسف بن محمد بن عيسى السيرامى، عضد الدين 162: 15
عبد الرحمن التفهنى، زين الدين 134: 8- 175: 6
عبد الرحمن الظاهرى برقوق 8: 5
عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم ... بن الفرات الحنفى، عز الدين 28: 20- 524: 5، 17
عبد الرزاق بن إبراهيم بن الهيصم، تاج الدين- الصاحب الوزير 172: 1
عبد الرزاق بن أبى الفرج، تاج الدين- الوزير 164: 1(15/593)
عبد الرزاق بن عبد الله، تاج الدين (المعروف بابن كاتب المناخ) 121: 12
عبد الصمد بن محمد بن محمد بن أبى الفضل الأنصارى الحرستانى 319: 21
عبد العزيز بن العز البغدادى، عز الدين 174: 13- 484: 1- 493: 10
عبد العزيز المتوكل بن أبى العباس، أبو فارس- ملك الغرب 192: 5
عبد العزيز المعزى (ابن أخى الخليفة القائم بأمر الله حمزة) 441: 15
عبد العظيم بن صدقة الأسلمي 55: 15- 341: 2- 353: 13
عبد الغنى بن تاج الدين عبد الرزاق- الأمير فخر الدين 163: 13
عبد القادر بن فخر الدين عبد الغنى- الأمير زين الدين 163: 13
عبد الكريم بن عبد الرزاق بن عبد الله، كريم الدين- الوزير الأستادار (المعروف بابن كاتب المناخ) 9: 9- 38: 1- 42: 3، 6، 7، 9- 43: 5- 50: 10- 51: 10، 18- 52:
4، 8، 9- 53: 6- 55: 7، 9، 11- 71: 13- 72: 4- 77: 11، 12، 14- 81: 6- 83: 12، 16- 121: 14- 158: 7، 12- 159: 3- 175: 3- 224: 2- 340: 17- 378: 10- 461:
17- 495: 9- 518: 4- 527: 5
عبد اللطيف بن شرف الدين أبى بكر سبط العجمى، معين الدين 346: 14- 487: 5
عبد اللطيف بن عبد الله الطواشى الرومى المنجكى، زين الدين (المعروف بالعثمانى) 248: 6- 356: 9- 380: 11- 381: 8
عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن العفيف الحكيم (الشهير بقوالح) 387: 14، 25 (ح)
عبد الله، كاشف الشرقية 364: 21
عبد الله بن جماعة، جمال الدين 515: 11
عبد الله بن الحسن بن على الأذرعى، جمال الدين 493: 17- 494: 14 (ح)
عبد الله بن الدمامينى، جمال الدين 491: 14
عبد الله بن عابد بن شكر، صفى الدين- الصاحب 415: 23
عبد الله المستعصمى، جمال الدين أبو المجد 195: 21 (ح)
عبد المنعم البغدادى، شرف الدين 343: 8
عبد الوهاب بن أفتكين الدمشقى، تاج الدين 183: 2
عبد الوهاب العينى 348: 1
عثمان ابن السلطان الظاهر جقمق 392: 10- 412: 15- 433: 21-(15/594)
439: 13- 445: 7- 446: 22- 450:
13- 452: 17- 453: 2
عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب 255: 3
عثمان بن طرعلى (المدعو قرايلك) 12: 6، 18 (ح) - 14: 5- 16: 5- 17: 1، 4- 22: 6- 23: 5، 6، 9- 24: 1، 4، 7، 16- 25: 5، 11، 13- 26: 7، 8- 28: 2، 5، 8- 29:
11- 30: 2، 10، 14- 43: 11، 13- 44: 3- 47: 13، 24 (ح) - 55: 3- 63: 21- 66: 10- 67: 5، 6- 70:
3، 4، 5، 8، 11- 71: 3- 87:
16- 88: 3- 167: 9- 182: 11- 201:
22- 220: 8- 508: 3
العجيمى- أحمد بن أبى بكر بن رسلان البلقينى عدرا بن نعير بن حيار بن مهنا 147: 4
عز الدين البساطى 422: 6
عز الدين بن عبد العزيز 515: 10، 12
العزيز يوسف بن الأشرف برسباى- الملك 68: 16- 106: 16- 107: 3، 8، 11- 203: 2، 5- 221: 18- 222: 1، 3- 226: 16- 227: 13- 229: 6- 234:
20- 235: 19- 236: 5- 237: 16- 238: 3- 239: 5، 12، 16- 241:
11، 16- 242: 7- 243: 7، 13- 244: 18، 20- 246: 6، 10- 248: 1، 8، 11، 16- 250: 5- 251: 11- 252: 3، 12- 253: 7، 11- 254: 8، 10، 12، 15- 255: 1، 3- 256: 5- 261: 15- 262: 21- 266: 18- 289: 18- 291: 7- 295:
11، 17، 19- 296: 2، 3، 6، 11- 297: 1، 2، 7، 10، 18- 298: 2، 8- 299: 1، 6، 8، 14- 300: 6- 302: 3، 14- 303: 3، 10- 308:
14- 309: 12- 310: 5، 14، 17- 311: 3، 8، 15- 312: 9، 15- 313:
2، 8، 13- 314: 5، 11، 17- 315:
1، 5، 12، 18- 316: 2- 319: 9- 321: 14- 33؟؟؟ 3: 10، 13- 454: 12- 465: 4، 18- 486: 10- 507: 13- 523: 13- 543: 11- 548: 13- 553: 12
العفيف الأسلمى 100: 10- 101: 3- 507: 19
علاء الدولة بن باى سنقر 196: 3
علاء الدين البخارى 513: 19
علاء الدين بن عبد الرحمن 215: 2- 216: 16
علاء الدين بن مغلى 126: 4، 15- 127: 7، 8، 9، 16- 128: 2، 3- 483: 15
علاء الدين السيرامى 133: 18
علاء الدين مغلطاى الجمالى 375: 22(15/595)
علاء جلق المؤيدى 19: 20- 403: 14- 404: 7- 407: 4
على باى الأشرفى 105: 3- 106: 2- 223: 18- 229:
12- 230: 1- 237: 17- 240: 2- 246: 2- 262: 19
على باى بار بن إينال 323: 3
على باى السيفى الساقى الخاصكى 82: 5
على باى العجمى المؤيدى 46: 5، 7، 8- 170: 8- 210: 1- 273: 2- 286: 18- 287: 2، 5- 288: 10- 368: 9- 372: 6
على باى من دولات باى العلائى الساقى الأشرفى 331: 18- 332: 11- 373: 14- 408: 9- 548: 8، 13، 16
على بن أبى طالب 135: 14- 153: 13- 490: 13
على بن الأدمى، صدر الدين 142: 6- 191: 7- 540: 4، 25 (ح)
على بن إسكندر، علاء الدين 387: 11- 394: 7- 395: 6- 398:
2- 401: 4- 424: 6
على بن إينال باى بن قجماس 68: 7
على بن جلال الدين محمد الطنبذى، نور الدين 178: 9
على بن حسين بن عروة بن زكنون الحنبلى- الشيخ الإمام أبو الحسن 193: 14
على بن الطبلاوى، علاء الدين 55: 6- 59: 18- 301: 1
على بن عبد الرحمن الزبيرى الشافعى، علاء الدين 112: 12
على بن عبد الله، نور الدين (الشهير بابن عامرية) 53: 15
على بن عمر بن حسن الجروانى، نور الدين 487: 14، 18
على بن فحيمة السلاخورى 170: 12- 171: 1
على بن قرايلك 70: 11- 89: 18
على بن محمد بن آقبرس، علاء الدين 281: 4- 188: 1- 394: 9- 397: 12
على بن محمد بن سعد، علاء الدين 479: 21- 480: 1، 20 (ح)
على بن محمد بن على بن محمد ... الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن، صاحب صنعاء اليمن 209: 8، 15
على بن مفلح، نور الدين 220: 12
على بن موسى بن إبراهيم الرومى الحنفى، علاء الدين 216: 11- 217: 7
على زين العابدين 320: 26
على السويفى، نور الدين- إمام الملك الأشرف برسباى 104: 12- 224: 6- 262: 18- 306: 5
على الصفطى، نور الدين 153: 8
على العجمى الخراسانى 349: 22(15/596)
على الكرمانى الشافعى، علاء الدين 535: 15
عماد الدين الكركى 173: 7
عمر البختى 224: 17
عمر البلقينى، سراج الدين 114: 20- 488: 1- 413: 8
عمر بن حجى بن موسى، نجم الدين 144: 11- 145: 2- 208: 14، 16
عمر بن حسن بن حسين الجروانى 487: 16
عمر بن الحسن بن مزيد 141: 7
عمر بن الخطاب، رضى الله عنه 321: 15- 490: 20
عمر بن السفاح 64: 5، 13- 337: 14- 487: 3
عمر بن سيفا 101: 2، 13- 102: 3
عمر بن على بن فارس، سراج الدين (المعروف بقارئ الهداية) 133: 5، 17 (ح) - 134: 1
عمر بن منصور البهادرى، سراج الدين 172: 5- 465: 14
عمر رضا كحالة 230: 22- 409: 21
عمر الشوبكى 224: 7- 230: 4
عمر الكردى 438: 21
عمرو بن موسى الحمصى 81: 17
العمرى 15: 27- 20: 22- 380: 25
عميرة بن تميم بن جزء التجيبى من بنى القرناء 335: 14
عنبر (الملقب بسعيد السعداء) 132: 7
عنبر الطواشى (خادم نور الدين الطنبذى) 432: 9- 451: 11
عنترة 308: 5
عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسى، شرف الدين 173: 4
عيسى العالية، شرف الدين (المعروف بعويس) 144: 3
العينى- محمود العينى الحنفى، بدر الدين
غ غادر بن نعير 323: 3- 326: 3
الغزالى 490: 23
الغورى 19: 19- 60: 15
ف فارس الطواشى 289: 18- 438: 9- 519: 1
الفارقليط 390: 22
؟؟؟؟ ثان؟؟؟؟ ثلوتن 321: 23(15/597)
الفائز- الخليفة 347: 15
فخر الدين بن غراب 208: 3، 6، 10
فخر الدين عثمان (المدعو قرايلك بن الحاج قطلبك) 200: 8
فرج بن برد بك 261: 12
فرج بن برقوق- السلطان 301: 19
فرج بن صوجى 323: 4
فرج بن ماجد بن النحال، زين الدين 445: 11- 448: 8- 481: 4
فندو، سلطان بنجال 193: 1
فياض بن ناصر الدين محمد بن دلغادر 62: 5، 8، 17- 63: 5، 6
فيروز الجاركسى 261: 16- 313: 12- 314: 2- 466:
2- 486: 11- 506: 16- 507: 8- 508: 1
فيروز الركنى 165: 2- 223: 22- 246: 5- 248:
8- 277: 21- 282: 19- 508: 1- 524: 2
فيروز النوروزى 295: 15- 355: 5، 8، 9- 392: 3- 399: 3- 402: 12- 451: 9- 508:
1- 518: 17
ق القادر بالله أحمد- الخليفة 489: 8
قارئ الهداية- عمر بن على بن فارس قاسم البشنكى 485: 3
قاسم بن جمعة القساسى 404: 10
قاسم بن صوجى 326: 3
قاسم الحنفى 503: 10
قاسم الكاشف (الملقب بالمؤذى) 385: 2- 402: 8- 405: 13- 406:
10- 407: 17
قاشق- جرباش الكريمى قانبك الأبوبكريّ الأشرفى 231: 3- 352: 15
قانصوه بن قانصوه الأشرفى- السلطان 383: 19
قانصوه الظاهرى جقمق 447: 14
قانصوه (أو قنصوه) النوروزى 63: 5، 18- 76: 10- 288: 9- 306: 16- 318: 8- 346: 10- 363: 11
قانم من صفر خجا المؤيدى 231: 1- 387: 3- 395: 1- 407:
11- 433: 10- 434: 15- 530: 4
قانى باى الأبوبكريّ الأشرفى 262: 20
قانى باى الأبوبكريّ الناصرى (المعروف بالبهلوان) 33: 11، 14- 131: 7- 181: 2، 4،(15/598)
20- 221: 4- 288: 8- 291: 8- 306: 13- 307: 1- 329: 14، 18- 332: 4- 368: 5- 374: 14- 463:
1، 7، 21 (ح) - 469: 12- 478: 6- 482: 15، 17- 520: 11، 13- 521:
6، 7، 18- 522: 9- 523: 3
قانى باى الجاركسى 229: 16- 262: 18- 345: 2- 347:
4- 355: 15- 369: 15- 370: 12- 391: 12، 16- 394: 13- 402: 2- 450: 10- 453: 19- 460: 18- 461:
7- 502: 12
قانى باى الجكمى 371: 3- 511: 8
قانى باى الحمزاوى 57: 4- 59: 8، 9- 78: 17- 180:
3- 226: 5- 232: 1- 283: 2- 268:
14، 16- 287: 5- 294: 17- 322:
12- 324: 8- 335: 6- 336: 3- 368: 6، 13- 382: 13، 15- 383:
3- 385: 15- 403: 14- 404: 8- 451: 17- 462: 19- 463: 2- 521:
14، 16- 523: 1
قانى باى السيفى يشبك بن أزدمر 385: 4
قانى باى طاز السيفى بكتمر جلق 445: 16، 24 (ح)
قانى باى العلائى 120: 12
قانى باى المؤيدى (المعروف بقراسقل) 390: 8، 16 (ح)
قانى باى اليوسفى 332: 12
قايتباى- السلطان 37: 21- 60: 15- 448: 20
قايتباى الظاهرى الخاصكى 431: 7
القائم بأمر الله حمزة- الخليفة 432: 11- 441: 15، 16- 450: 5- 453: 16- 459: 13- 489: 8
قجق بن عبد الله العيساوى 117: 9- 137: 4؟؟؟؟ 10- 151: 15
قجقار القردمى 184: 14- 211: 15
قراجا الأشرفى 8: 5- 31: 15- 82: 3، 4- 90: 6- 223: 8- 244: 2- 250: 7- 251:
5- 262: 12- 266: 10- 267: 7- 269: 2، 8- 276: 13- 301: 5، 9- 303: 14- 332: 2- 336: 11- 548: 12
قراجا بنت الأمير أرغون شاه 502: 13
قراجا الظاهرى جقمق 352: 14- 375: 2- 412: 20- 430:
11- 450: 17
قراجا العمرى الخاصكى الناصرى 246: 14- 300: 19- 380: 14
قراخجا الحسنى 76: 6- 158: 4- 223: 3- 262: 8- 268: 17- 290: 15- 295: 13- 305:
3، 5، 11، 18- 306: 7- 317: 18- 318: 14- 330: 1- 367: 7- 370: 1-(15/599)
391: 6، 13- 460: 17- 535: 7- 540: 9، 11، 17- 543: 15
قراخجا الشعبانى الظاهرى برقوق 8: 4
قراسقل- قانى باى المؤيدى الساقى قراسنقر الجمالى 471: 9
قراسنقر الظاهرى 471: 8
قراسنقر من عبد الرحمن الظاهرى برقوق 8: 4- 12: 11
قراقاس- سودون الإينالى المؤيدى قرا محمد 23: 9، 11، 12- 44: 25
قرا مراد خجا الشعبانى 28: 1
قرايلك- عثمان بن طرعلى قرايوسف نويان بن محمد، أبو نصر 44: 23، 26- 46: 3، 13- 120:
14- 181: 4- 193: 9- 221: 6
قرقماس الأشرفى 107: 12
قرقماس بن عدرا بن نعير بن حيار بن مهنا 209: 3
قرقماس الشعبانى الناصرى (المعروف بأهرام ضاغ) 30: 5- 39: 3، 7، 18- 41: 15- 44: 2- 59: 12- 60: 9- 61: 1، 2، 8، 11- 62: 1، 9، 18- 63:
10، 14- 64: 7، 9، 11، 12، 14، 17- 65: 3، 5- 90: 3- 91: 18- 148: 16- 223: 5- 244: 3- 245:
11، 14، 18- 247: 1، 2، 5- 248:
4- 249: 3، 13- 250: 6، 13، 15، 19- 251: 1، 3، 5، 11، 14- 252: 1، 5، 11، 16، 18، 19- 253: 3، 8، 14، 17- 256: 8، 9، 17- 261: 5، 12- 262: 1- 264: 3، 8، 16- 265:
11، 20- 266: 12، 19- 267: 1، 15، 17، 21- 268: 2، 3، 5، 6- 269: 1، 6، 9، 13، 19- 270: 4، 8، 11، 17- 271: 1، 2، 6، 8، 15- 272: 4، 7، 11، 14- 273: 10- 274: 1، 3، 13- 275: 8، 12- 276: 2، 15، 16، 20- 281: 1، 5- 282: 4، 5، 7، 10- 457: 14- 460: 7- 466: 15- 467: 7- 468:
8، 14- 470: 8- 473: 1- 476:
13- 510: 10
قرمان بن نوره، كريم الدين 61: 22
القرمانى 12: 22- 44: 28- 61: 20- 67:
22- 197: 21- 201: 15
قرمش الأعور الظاهرى 66: 12، 14، 17، 19- 67: 2، 12، 17- 68: 2- 79: 12- 80: 8، 12- 151: 14- 205: 5، 7
قشتم المؤيدى 141: 1- 332: 15- 378: 14
قصروه من تمراز الظاهرى 12: 1- 18: 14- 20: 11- 38: 16- 39: 2، 4- 65: 7، 8- 68: 7- 71:
9- 120: 18- 141: 3- 157: 14-(15/600)
199: 7، 12، 15، 16- 260: 19- 467: 11- 470: 9
قطج من تمراز 33: 14- 285: 19- 286: 1- 288:
18- 289: 10، 12- 326: 9- 335:
22- 478: 1، 20 (ح) - 520: 17، 18
قطلو، نائب الشام 24: 4- 497: 9
قطلو بغا بن عبد الله التنمى، علاء الدين 116: 17
قطلوبغا الكركى 242: 17
القلانسى 201: 14
قلاوون- السلطان 34: 21- 48: 13- 398: 27- 433: 25
القلقشندى- محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل قلمطاى الدوادار 532: 10
قنبر، من رجال الدولة الفاطمية 132: 7
قنقباى الإلجائى، اللالا 486: 1
قوالح- عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن العفيف الحكيم قوام الدين، قاضى الحنفية بدمشق 438: 12
قيز طوغان العلائى 291: 2- 340: 15- 341: 4- 346:
2- 350: 3- 353: 15، 19- 354:
1- 358: 6- 363: 12- 373: 7- 381: 1، 4- 462: 4
ك كافور الإخشيدى 7: 22
كافور الصرغتمشى 143: 3
كافور الهندى 163: 20
كالو، الملقب مصباح خان ثم وزيرخان 204: 1
الكامل سيف الدين أبو بكر بن شادى- الملك 122: 10
الكامل شهاب الدين غازى- الملك 122: 9
الكامل صلاح الدين خليل الأيوبى- الملك 183: 1- 224: 16
الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب- الملك 122: 12
كرت (أو كرد) - جرباش المحمدى الناصرى فرج كزل السودونى المعلم 238: 2
كسباى الششمانى المؤيدى 359: 16- 381: 3- 383: 1
كمال الدين بن عبد الغفار 421: 19
كمشبغا 326: 4- 387: 12
كمشبغا الأحمدى الظاهرى 33: 15، 24 (ح) - 79: 12- 80: 8، 13- 205: 6، 14
كمشبغا الجمالى الظاهرى 150: 14- 187: 1(15/601)
كمشبغا الفيسى المزوق الظاهرى 159: 7
كهرشاه خاتون، زوجة شاه رخ 196: 4، 7- 203: 10
الكورانى- أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكورانى كورخان (أو كوركان) 195: 12، 17 (ح)
كيقباد السلجوقى، علاء الدين- السلطان 116: 16
ل لاجين الظاهرى 375: 2- 431: 1- 451: 1
لادسلاس، ملك المحبر 395: 18
الليث بن سعد، الإمام 166: 20
م ماجد (ويدعى أيضا عبد الله) بن السديد أبى الفضائل ابن سناء الملك، فخر الدين (المعروف بابن المزوق) 166: 5
ماجد بن النحال الأسلمى القبطى 480: 19- 481: 4
مازى الظاهرى برقوق 336: 6- 352: 11- 380: 15- 440:
14- 464: 2- 477: 20
ماماى السيفى بيبغا المظفرى 404: 12- 447: 10
مامش المؤيدى 307: 12
مانع بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة 196: 9- 202: 1
مبارك شاه البريدى 231: 10
المتنبى 291: 15- 417: 17
المتوكل على الله- الخليفة 489: 5، 9
المحب بن نصر الله البغدادى- أحمد بن نصر الله بن أحمد محب الدين بن الأوجاقى الحنفى 490: 4
محمد، رسول الله صلى الله عليه وسلم 255: 2
محمد أبو بكر بن عمر الدمامينى، بدر الدين 128: 18- 129: 18
محمد الأسود بن القاق 318: 9
محمد بن إبراهيم بن أحمد الصوفى، شمس الدين 154: 7
محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشطنوفى، شمس الدين 155: 1
محمد بن إبراهيم بن محمد، بدر الدين (المعروف بالبشتكى) 143: 11- 144: 6، 7، 10
محمد بن إبراهيم بن منجك، ناصر الدين 287: 11، 14، 17- 357: 6- 470:
1- 482: 19، 20- 483: 2- 485: 5
محمد بن أبى عبد الله محمد، المنتصر أبو عبد الله- ملك الغرب 192: 11
محمد بن أبى الفرج- نقيب الجيش 340: 16- 353: 16- 384: 18(15/602)
محمد بن أحمد، تاج الدين (المعرف بابن المكللة وبابن جماعة) 137: 13
محمد بن أحمد البساطى، شمس الدين 9: 14- 222: 17- 273: 8- 281:
5، 7- 290: 5- 455: 9- 459: 21- 461: 5- 492: 11- 537: 12
محمد بن أحمد بن عبد العزيز، بدر الدين 202: 12
محمد بن أحمد بن على، سعد الدين أبو البركات- السلطان 255: 15
محمد بن أحمد بن عمر، ناصر الدين (الشهير بابن العطار) 131: 3
محمد بن أحمد بن مجاهد، شمس الدين أبو عبد الله 465: 9
محمد بن أحمد بن محمد.. بدر الدين (المعروف بابن التنسى) 290: 3- 391: 19- 392: 1، 13- 459: 22- 492: 15- 537: 5
محمد بن أحمد بن محمد.. الصاغانى، بهاء الدين أبو البقاء 558: 7، 11، 14
محمد بن أحمد بن محمد ... الكازرونى، جمال الدين 480: 14
محمد بن أحمد بن محمود، شمس الدين (المعروف بابن الكشك) 198: 10- 206: 7
محمد بن أحمد بن معالى الحبتى الحنبلى الدمشقى، شمس الدين 113: 5
محمد بن أحمد بن وفاء الإسكندرانى، فتح الدين أبو الفتح (المعروف بابن أبى الوفا) 528: 11
محمد بن أحمد بن يوسف.. السفطى، ولى الدين 127: 7، 8، 9- 328: 15- 329: 1- 371: 8، 15- 375: 7- 377: 19- 381: 14- 382: 4- 384: 3، 9- 385: 1، 2، 3، 18- 386: 5، 10، 13- 388: 6، 8- 392: 12، 15- 393: 2، 6، 12، 14- 402: 9- 403: 4، 8- 405: 13- 420: 6- 431: 12- 459:
17- 555: 14- 556: 11
محمد بن أحمد البيرى الشافعى، شمس الدين 132: 1
محمد بن أرتنا، علاء الدين 201: 20
محمد بن أرغون شاه النوروزى 394: 7
محمد بن إسماعيل بن محمد الونائى الشافعى، شمس الدين 509: 4، 20 (ح)
محمد بن الأشرف برسباى 203: 5- 465: 17
محمد بن الاشقر، محب الدين 74: 17- 83: 7- 219: 1- 327:
19- 328: 1- 356: 19- 358: 11- 371: 16- 439: 19- 451: 11- 461:
12- 515: 4
محمد بن البارزى، كمال الدين 10: 2- 14: 13- 75: 1- 81: 16- 119: 4- 155: 10- 251: 18- 277:
3- 330: 8، 10، 15- 331: 9- 333: 6- 344: 14- 356: 20- 372:(15/603)
17- 408: 4- 440: 2- 461: 10- 495: 13- 515: 6- 545: 5- 552: 18
محمد بن باى سنقر 196: 3
محمد بن بلبان 321: 5
محمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن بريطع، حسام الدين 448: 2
محمد بن تقي الدين عبد الله 122: 11
محمد بن تلتى 538: 5
محمد بن حسن، شمس الدين (المعروف بالشيخ الحنفى) 500: 5، 17 (ح)
محمد بن الحسن بن على النواجى، شمس الدين 539: 14، 21 (ح) - 540: 11
محمد بن حسن بن نصر الله، صلاح الدين 60: 3- 83: 5- 94: 12- 100: 16- 102: 13- 103: 5- 104: 11- 218:
10، 17- 219: 6- 495: 8، 10، 12، 16
محمد بن حسن الفاقوسى الشافعى، ناصر الدين 217: 9، 13
محمد بن خضر بن داود بن يعقوب، شمس الدين (الشهير بالمصرى) 214: 12
محمد بن الخطيب عبد الله الرشيدى، شمس الدين 547: 8
محمد بن دلغادر، ناصر الدين بك 61: 13- 62: 3، 12، 16، 17- 63:
4، 5، 8، 21- 65: 14- 66: 9- 71: 16- 75: 4، 8، 11، 12، 18- 78: 20- 79: 1، 14- 82: 8- 84: 4، 5- 87: 14، 15- 337: 19- 338:
4- 339: 7- 473: 12- 499: 3- 542: 6
محمد بن زكى الدين عبد الواحد، تقي الدين 146: 1
محمد بن سعيد، شمس الدين (المعروف بسويدان) 154: 12
محمد ابن السلطان الملك الأشرف برسباى 23: 6- 162: 1، 5- 168: 9- 274:
2، 4، 13
محمد ابن الشحنة الحنفى، محب الدين 141: 20- 353: 2- 366: 10- 444:
10- 448: 2
محمد بن شعبان، شمس الدين 487: 8
محمد بن صارم الدين إبراهيم، ناصر الدين 482: 4
محمد بن الصائغ الحنفى، شمس الدين 491: 5
محمد بن طغلق 192: 22
محمد بن الظاهر جقمق 303: 15- 305: 4- 342: 7- 456:
1- 502: 9
محمد بن عبد الدائم بن موسى البرماوى الشافعى، شمس الدين 152: 11
محمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن سلطان 542: 13(15/604)
محمد بن عبد الله، شمس الدين (المعروف بابن كاتب السمرة وبابن العمرى) 137: 15- 138: 1
محمد بن عبد الله بن حسن بن المواز 154: 18
محمد بن عبد الله بن سعد العبسى الديرى الحنفى المقدسى، شمس الدين 124: 8
محمد بن عبد المنعم البغدادى، بدر الدين 386: 5، 11، 14- 392: 12- 402:
5- 405: 16- 460: 5- 483: 10- 538: 2، 17، 20- 539: 7
محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنبارى، ناصر الدين 153: 4
محمد بن عبد الوهاب بن نصر الله، شرف الدين أبو الطيب 156: 11
محمد بن عبدويه الفقيه 428: 16
محمد بن عثمان بن خيراش، أبو بكر الأذرعى 494: 20
محمد بن العديم، ناصر الدين 60: 12- 124: 13- 480: 6
محمد بن عطاء الله بن محمد، شمس الدين 136: 4
محمد بن العطار، ناصر الدين 544: 18
محمد بن على بن أبى بكر الشيبى الشافعى المكى، جمال الدين 186: 5
محمد بن على بن أحمد الحنفى، شمس الدين (المعروف بالزراتينى) 114: 2
محمد بن على بن شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون 527: 19- 528: 2
محمد بن على بن قرمان، ناصر الدين 82: 11- 85: 4- 116: 10، 12
محمد بن على بن محمد بن يعقوب القاياتى، شمس الدين 367: 9- 371: 7- 459: 16- 509:
6- 513: 4
محمد بن عمار بن محمد، شمس الدين 488: 6
محمد بن عمر بن حجى، بهاء الدين 289: 2- 307: 9- 337: 13- 356:
17- 461: 14- 514: 17
محمد بن فتح الله بدران 321: 21
محمد بن فندو، جلال الدين أبو المظفر- سلطان بنجالة 192: 14، 24- 193: 1
محمد بن قاسم بن عبد الله بن عبد الرحمن 541: 2
محمد بن قانصوه النوروزى 319: 5
محمد بن قايتباى 383: 18
محمد بن قرايلك 67: 3، 6- 87: 16- 88: 2- 92:
8، 10، 12، 14
محمد بن قرايوسف 45: 1، 6، 7- 46: 2- 47: 1- 193: 7- 220: 10- 224: 14(15/605)
محمد بن فطبكى 63: 3- 66: 10- 67: 8
محمد بن كندغدى بن رمضان التركمانى 62: 12
محمد بن الكويز، صلاح الدين 208: 13، 15
محمد بن المحرقى، فتح الدين 329: 3- 371: 5
محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر، بدر الدين 155: 4، 8- 168: 5- 553: 8
محمد بن محمد بن على ... النويرى، أمين الدين أبو اليمن 546: 11
محمد بن محمد بن على الخروبى، بدر الدين 114: 19
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميرى المالكى، زين الدين 168: 12
محمد بن محمد بن محمد ... البخارى العجمى الحنفى، علاء الدين 214: 15
محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن على البدر القرشى القلقشندى، بدر الدين أبو عبد الله 8: 25- 33: 25- 145: 1- 158:
19- 341: 16- 366: 23
محمد بن محمد بن مزهر، جلال الدين 168: 5
محمد بن المعلمة السكندرى المالكى، شمس الدين 168: 15
محمد بن ناصر الدين محمد، بدر الدين أبو المحاسن 343: 7
محمد بن الهمام، كمال الدين 501: 5
محمد بن يوسف بن صلاح الدمشقى، شمس الدين (المعروف بالحلاوى) 207: 15- 208: 8- 209: 1
محمد الحموى، شمس الدين 506: 11
محمد الخافى الحنفى، شمس الدين 350: 15
محمد رمزى 153: 19- 183: 27
محمد السنباطى، ولى الدين 391: 17- 418: 6- 460: 2
محمد شاه بن راجه كانس، جلال الدين 192: 26
محمد الصغير، معلم النشاب 55: 9- 278: 10
محمد الفاتح العثمانى، السلطان 62: 24
محمد مصطفى زيادة، الدكتور 7: 14- 9: 22، 27- 19: 23- 36:
22- 48: 28- 84: 26- 342: 17- 352: 21- 491: 21- 534: 14
محمد الهلالى- القائد 197: 14، 17- 198: 1
محمود بن الدكرى 323: 5
محمود بن قرايلك 88: 301- 92: 10
محمود بن محمد الأقصرانى، بدر الدين 112: 6(15/606)
محمود العينتابى الحنفى، بدر الدين 9: 14، 24 (ح)
محمود العينى الحنفى، بدر الدين 49: 14- 50: 1- 60: 12- 110: 13- 111: 1- 133: 17- 134: 9- 139:
9- 168: 22- 189: 5- 222: 16- 230: 17- 349: 6- 356: 10- 357:
2- 397: 13- 491: 1
محمود ناصف 275: 22
محيى الدين عبد الظاهر 366: 16
محيى الدين الكافيجى الحنفى 503: 10
مدلج بن على بن نعير 168: 18
مراد، قاصد الأمير حمزة بك بن قرايلك 231: 8
مراد بك بن عثمان، متملك الروم (السلطان مراد الثانى) 63: 20- 64: 1- 224: 19- 366:
6- 395: 2، 16 (ح) - 464: 7
مرجان العادلى المحمودى 381: 12- 413: 8- 432: 7، 18 (ح) - 451: 10- 495: 7
مرجان الهندى 143: 7- 163: 5، 18 (ح)
مرعى، زعيم عرب البحيرة 37: 21
المسبحى 41: 12
المستعصم- الخليفة 195: 22
المستعين بالله- الخليفة 163: 1
المستكفى بالله- الخليفة 349: 9- 396: 22- 432: 12- 459 12- 489: 5، 16
المستنصر، الخليفة 132: 8
مسروق، الأمير- أخو الملك الظاهر ططر 306: 19
مسعود بن محمد (شاعر) 504: 18
المسيح، عليه السلام 390: 20، 22، 25
المظفر أحمد- الملك 120: 16- 141: 2- 162: 18- 185:
6- 260: 16- 476: 9
المظفر أحمد شاه، سلطان بنجالة 193: 6- 203: 14
المعتصم بالله- الخليفة 37: 13
المعتضد بالله- الخليفة 9: 12- 12: 10- 102: 11- 103:
3- 106: 14- 107: 3- 193: 4- 222: 8، 15- 227: 4- 235: 20- 256: 7- 276: 8- 349: 10- 459: 10- 489: 4- 490: 19 (ح)
المعظم عيسى بن الكامل- الملك 456: 6
المعظم غياث الدين توران شاه- الملك 122: 11
مغلباى الجقمقى 223: 19- 265: 10- 266: 10-(15/607)
267: 8- 269: 3، 8- 331: 13- 390: 6- 391: 3- 447: 5- 520:
8- 542: 10
مقبل بن عبد الله الحسامى 18: 14- 20: 7- 24: 9- 36: 11- 184: 4، 13، 14- 185: 3، 5- 522: 7
المقتدى بالله- الخليفة 489: 7
المقريزى (تقي الدين أحمد) 7: 13، 24- 8: 10- 24: 19- 34:
25- 37: 17، 27- 47: 10- 48:
14- 60: 12- 84: 26- 88: 15- 89: 1، 5- 102: 25- 109: 17- 110: 3، 9- 116: 8- 121: 24- 154: 9- 156: 25- 172: 15- 183:
19، 21- 196: 29- 198: 17- 199:
2- 207: 17- 237: 21- 301: 19- 311: 21- 322: 22- 335: 18- 480: 22- 481: 7- 483: 25- 490:
10- 491: 3، 9- 537: 1- 552: 19
المقوقس، صاحب مصر قبل الإسلام 72: 3
ملكشاه السلجوقى 200: 25
ممجق بن عبد الله النوروزى 301: 1- 485: 6- 531: 2
المنتصر بالله أبو عبد الله محمد الحفصى، ملك تونس 197: 4، 10، 14، 20 (ح) - 198: 5
منجد بن أبى نمى 135: 10- 159: 14
منجك اليوسفى 242: 18- 482: 4
المنصور حاجى- الملك 21: 23- 455: 1
المنصور عبد العزيز بن الظاهر برقوق- الملك 486: 2- 517: 14، 15
المنصور عبد الله- ملك اليمن 124: 6- 145: 6
المنصور عثمان بن الملك الظاهر جقمق- الملك 453: 9- 454: 8- 459: 6- 461: 8
منطاش- تمربغا الأفضلى منكلى بغا الشمسى 60: 13- 143: 5- 169: 1
منكلى بغا الصلاحى الظاهرى، علاء الدين 178: 12
المهدى بالله- الخليفة 489: 11
موسى التتائى الأنصارى 379: 10- 415: 1، 9، 14 (ح) - 416: 1- 417: 12
الموفق طلحة ابن الخليفة المتوكل 489: 9
المؤيد إسماعيل صاحب حماه 456: 6
المؤيد شيخ- الملك 11: 8، 13- 60: 13- 68: 21- 109:
6، 12- 112: 9- 113: 11- 114:
1، 116: 12، 13، 14- 117: 3، 9، 16- 119: 1- 120: 12- 121: 9- 124: 15- 126: 7- 127: 4، 12- 129: 19- 130: 8، 12، 14- 131:
8- 143: 7- 151: 11- 155: 7،(15/608)
8، 9- 157: 11- 163: 1، 5، 7- 169: 9- 178: 6، 16- 179: 11- 180: 14- 184: 7، 13- 185: 10، 11- 190: 1، 2- 198: 16- 199: 10- 211: 12- 213: 9، 11- 221: 7- 259: 7، 8- 260: 14، 17- 285:
4، 6- 345: 20- 410: 25- 469: 10- 476: 6- 477: 5- 478:
3- 482: 6، 16- 484: 17- 495:
5- 497: 11- 500: 18- 507: 9- 508: 9- 511: 15- 517: 16- 518:
15- 522: 14- 526: 16- 530: 18، 20، 21- 541: 13- 552: 10، 13
المؤيد عماد الدين صاحب حماه 102: 26
الميمونى 175: 11، 12، 14- 176: 2
ن ناپليون 37: 27
الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل، صاحب بلاد اليمن 123: 11- 124: 5- 145: 6
الناصر حسن- الملك 156: 14
الناصر فرج بن برقوق- الملك 109: 5- 135: 18- 137: 6- 142:
1، 4- 143: 6- 151: 8- 154: 15- 155: 8- 159: 9- 162: 7- 166:
7- 176: 12- 178: 15- 179: 10- 218: 14- 260: 9، 10، 13- 273:
19- 285: 4- 345: 19- 466: 17- 476: 3- 477: 4- 507: 2- 510:
3، 5- 517: 14- 520: 13- 522:
2، 13، 14- 530: 17، 19- 551:
16- 552: 11
الناصر محمد بن حسين بن الطولونى 387: 12
الناصر محمد بن قلاوون- الملك 48: 14- 105: 23- 127: 20- 163:
21- 166: 16، 19- 237: 21- 311:
22- 316: 17- 335: 17- 348: 22- 375: 22- 380: 19- 410: 20- 433: 25- 480: 21
ناصر الدين بن البارزى 131: 7- 372: 16- 459: 7- 545: 3
ناصر الدين بن المخلطة 386: 11، 14
ناصر الدين القاياتى 513: 9
ناصر الدين محمد، والى الحجر بقلعة حلب 447: 6
الناصرى محمد (ابن أخى الشيخ تقي الدين المقريزى) 490: 13
الناصرى محمد بن الظاهر جقمق 439: 14
الناصرى محمد بن عبد الرزاق بن أبى الفرج 327: 20- 328: 1- 334: 2- 341:
3- 462: 3
الناصرى محمد بن مبارك 431: 16- 436: 13- 438: 1
نجم الدين أيوب بن حسن بن محمد بن نجم الدين بن بشادة 227: 19- 404: 3، 21 (ح)(15/609)
نجم الدين بن حجى 482: 17
نجم الدين بن نبيه 443: 14- 444: 3
نصر الله أبو المنصور القبطى القاهرى، شمس الدين (المعروف بالوزة) 333: 17- 334: 1، 18 (ح)
نصر الله بن أحمد التسترى، جلال الدين 483: 8
نصر الله بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل العجمى 165: 17- 166: 3
نظير حسان، الدكتور 30: 21
نغتاى، الأمير آخور 258: 9
نفيسة بنت ناصر الدين بك بن دلغادر 464: 7
نوح، عليه السلام 320: 14
نور الدين على الطنبذى 432: 9- 451: 11
نوروز الحافظى 11: 9، 14، 20- 129: 20- 135: 1- 151: 10، 11- 157: 11- 161: 16- 179: 11، 12- 237: 6- 285: 4، 6- 360: 22- 481: 2- 485: 7- 529: 13- 551: 10
نوكار الناصرى 360: 13- 451: 2
النويرى 20: 21
هـ هابيل بن عثمان المدعو قرايلك 167: 9، 11
الهروى، شمس الدين 128: 12- 393: 15
هشام بن عبد الملك 321: 20
هلال الطواشى 345: 7- 355: 10
هنيادى، نائب ترانسلقانيا 395: 19
وواصل بن عطاء 320: 27
الوالد (يعنى به المؤلف والده الأمير تغرى بردى بن بشبغا- الأتابك نائب الشام) ولى الدين الأسيوطى 403: 3- 431: 11
ولى الدين بن قاسم الشيشينى 10: 4
وليام پوپر 7: 18- 147: 21- 163: 16- 188:
23- 322: 23
ى يارعلى (أو: يرعلى) الخراسانى العجمى الطويل 338: 2- 349: 5، 22- 356: 11- 357: 1- 393: 18- 451: 16
ياقوت بن عبد الله الأرغون شاوى الحبشى، افتخار الدين 164: 19- 165: 2
ياقوت الحموى 14: 22- 21: 16- 59: 23- 67: 22- 79: 26- 121: 19- 144: 24- 153:
19- 167: 21- 173: 17- 175: 16-(15/610)
178: 21- 185: 21- 380: 24- 428: 16
ياقوت المستعصمى 195: 14، 21 (ح)
يحيى الأشقر، زين الدين الأستادار (المعروف بقريب ابن أبى الفرج) 278: 8- 334: 1- 341: 1- 346: 1- 350: 4- 353: 9- 354: 3- 381:
5- 401: 5- 405: 5- 410: 12- 412: 2- 417: 12- 433: 13- 434:
1- 462: 5
يحيى بن أحمد بن عمر.. شرف الدين (الشهير بابن العطار- الشاعر) 544: 14، 17
يحيى بن حسن الحيحانى المغربى، محيى الدين 468: 19- 469: 19 (ح)
يحيى بن محمّد الكرمانى، تقي الدين 169: 6
يحيى بن المدنى، نجم الدين 183: 3
يحيى بن يوسف بن محمد بن عيسى السيرامى، نظام الدين 127: 2، 16- 162: 12
يحيى القبطى، علم الدين (المعروف بأبى كم) 176: 10
يحيى المناوى، شرف الدين 381: 18- 397: 4- 414: 19- 416:
15- 417: 8- 418: 5- 423: 14- 424: 9- 442: 20- 443: 13- 450:
6- 451: 13- 459: 17
يخشباى المؤيدى 113: 22- 223: 18- 229: 13- 237: 17- 240: 1- 242: 16، 17- 246: 2- 262: 16- 322: 3- 325:
12، 17- 470: 17- 471: 1
يرشباى الإينالى المؤيدى 397: 6- 451: 6- 544: 3
يرعلى الدكرى 318: 10- 323: 1
يشبك بزق الدوادار 331: 21- 332: 14
يشبك بن أزدمر 161: 7- 559: 3
يشبك بن عبد الله (أخو الملك الأشرف برسباى) 165: 6، 10، 14- 166: 15
يشبك بن عبد الله الساقى الظاهرى الأعرج 151: 4- 188: 9، 19- 510: 1، 4
يشبك الجكمى 212: 3، 6
يشبك الحمزاوى 373: 11- 378: 19- 379: 1- 437:
17- 463: 13
يشبك الخاصكى الظاهرى جقمق 398: 16- 399: 2، 6، 13
يشبك السودونى (المعروف بالمشدّ) 8: 1- 39: 6، 8، 19- 57: 3- 76:
5- 90: 5- 223: 8- 244: 12- 248: 18- 262: 3، 10- 275: 13- 276: 1- 282: 15- 299: 2، 10- 304: 18- 305: 1- 308: 9- 309:
3، 14- 310: 9، 19- 311: 7- 329: 9- 369: 12- 460: 9، 12- 461: 1- 496: 15- 509: 16، 19- 536: 19، 20(15/611)
يشبك الشعبانى 544: 8
يشبك الصوفى المؤيدى 349: 14- 372: 4- 374: 14- 375:
1- 403: 11- 404: 13، 16- 431:
13- 440: 7- 446: 15- 447: 15- 463: 4، 8
يشبك طاز المؤيدى 380: 8- 447: 3- 451: 20
يشبك الفقيه 149: 7- 239: 6- 246: 8- 333: 1- 360: 14- 390: 12- 391: 10- 437: 19- 439: 4- 542: 8
يشبك من أزوباى الناصرى 291: 1
يشبك النوروزى 380: 9- 404: 15- 405: 2- 451:
18- 463: 5
يعقوب بن جلال الدين رسولا، شرف الدين 121: 6
يلباى الإينالى المؤيدى 314: 16- 315: 2، 19- 316: 1
يلبغا البهائى الظاهرى برقوق (ويعرف بيلبغاقراجا) 277: 10- 282: 12- 336: 10- 477:
10، 12
يلبغا الجاركسى 378: 19
يلبغا قراجا- يلبغا البهائى الظاهرى يلبغا الناصرى 84: 14، 15، 18، 20- 188: 21- 454: 14، 21 (ح) - 455: 1
يلخجا من مامش الساقى الناصرى 71: 14- 72: 5- 229: 15- 184:
14- 360: 8- 361: 12- 365: 15- 368: 1- 463: 16- 508: 8- 517: 11
ينى بازق- طوخ من تمراز الناصرى يوسف الباعونى 439: 7
يوسف البرصاوى 426: 7
يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيرى البجاسى، جمال الدين- الأستادار 132: 3- 142: 3- 260: 12- 364:
17- 365: 8- 366: 11- 423: 6
يوسف بن خالد بن نعيم، جمال الدين 136: 17
يوسف بن السلطان الملك الأشرف برسباى 9: 5- 34: 17- 41: 16- 102: 2- 103: 6، 11- 106: 5، 9، 16
يوسف بن الصفى الكركى، جمال الدين 119: 9- 289: 2
يوسف بن قلدر، جمال الدين 63: 17
يوسف بن كريم الدين عبد الكريم، جمال الدين- الصاحب 54: 5، 9- 55: 17- 56: 2- 85:
14- 211: 1- 224: 3- 241: 5
يوسف بن محمد بن جامع البحيرى 516: 1
يوسف بن يغمور، جمال الدين 446: 1
يونس بلطا 468: 13
يونس الدمشقى (المعروف بابن دكدوك) 439: 1
يونس السيفى آقباى (المعروف بالبواب) 351: 3- 369: 18- 390: 3- 450: 16
يونس العلائى الناصرى 360: 11- 374: 1- 382: 16- 451: 1(15/612)
فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات
اآل بهمان 129: 16
آل رسول، باليمن 339: 12
آل فضل 168: 18
آل مهنا 323: 4
الأتراك 131: 28- 161: 3- 171: 8- 173:
13- 174: 17- 396: 1- 458: 6، 10- 474: 13- 527: 2- 531:
13، 20
الأجناد 161: 22- 451: 3، 8- 466: 18- 496: 8
أرباب الأقلام 83: 9
أرباب التقويم والحساب 437: 1
أرباب الجرائم 385: 6، 22
أرباب الحرف 424: 23
أرباب الدولة 94: 16- 171: 11- 242: 11- 252:
2- 315: 9- 347: 10- 348: 12- 377: 16- 389: 7- 401: 14- 452:
10- 480: 12- 493: 6- 514: 8- 516: 4- 525: 10
أرباب الكمالات 504: 13
أرباب المعايش 289: 8
أرباب الوظائف 263: 2- 274: 16
أركان الدولة 292: 4
الأرمن 70: 24- 233: 19
الأسرة السليمانية 196: 22
أسرة لوزنيان 176: 16
الإسفندياريون 62: 22
الإسماعيلية 209: 11
الأشراف 193: 5- 196: 11- 348: 2
أشراف بغداد الأتراك 527: 2(15/613)
أشراف المدينة 202: 18
الأشرفية (مماليك الأشرف برسباى) 297: 12- 298: 16- 299: 7- 304:
8- 311: 4- 312: 13- 332: 1- 370: 21
أصحاب الإقطاعات 301: 18
الأعاجم 136: 11- 278: 19- 514: 13
الأعاجم المولدة من الجغتاى 278: 19
الأعراب 232: 11
الأعوان 301: 20
الأعيان 84: 16- 245: 17- 273: 1- 319:
2- 362: 3- 412: 3- 424: 4- 431: 4- 502: 6- 535: 8- 544: 17
أعيان الأشرفية 312: 13
أعيان الأمراء 266: 14- 328: 13- 346: 11
أعيان أمراء دمشق 288: 7- 306: 16
أعيان أمراء الدولة 531: 11
أعيان أهل دمشق 185: 17
أعيان الخاصكية 258: 12- 360: 16- 362: 16- 511: 18
أعيان الدولة 102: 11- 222: 8- 256: 8، 16- 337: 21- 367: 11- 377: 17- 389: 11- 398: 8- 441: 8- 441:
17- 458: 5- 556: 16
أعيان الديار المصرية 277: 3
أعيان مباشرى الدولة 461: 9
أعيان المماليك السلطانية 265: 3- 271: 19
أعيان المملكة 256: 6- 453: 15- 482: 15
أعيان الناس 396: 22
أعيان النواب 452: 1
أعيان الوزراء 330: 19
الأقباط 116: 9- 131: 26
الأكابر 545: 6- 556: 4، 7
أكابر الأمراء 265: 5- 281: 7
الأكراد 320: 18
أمراء البلاد الشامية 360: 19(15/614)
أمراء التركمان 62: 15، 21- 63: 3- 66: 10- 284: 8، 15
أمراء الحجاز 224: 8
أمراء حلب 278: 4- 283: 3- 284: 17- 285:
17، 19- 323: 8، 12
أمراء دمشق 24: 12، 13- 25: 2- 288: 5- 289: 1، 2، 3- 307: 3- 380: 9- 522: 14
أمراء الدولة 364: 17
أمراء طرابلس 379: 2
الأمراء الظاهرية البرقوقية 511: 6
أمراء مصر 478: 9
الأمراء المصريون 232: 3- 234: 1، 8
أمراء المماليك 181: 24
الأمراء المؤيدية 228: 17- 273: 1- 469: 16- 484:
20
أهل الأدب 347: 16
أهل بانقوسا 324: 7
أهل البحيرة 38: 2- 57: 6، 9
أهل بدر 545: 11
أهل الجامع الأزهر 498: 7
أهل الحرس 272: 10
أهل حلب 293: 5، 7، 11- 323: 17- 324:
9، 14- 327: 3- 420: 14
أهل حماه 363: 17
أهل الدولة 133: 13- 164: 4- 234: 10- 240:
10- 309: 18
أهل الذمة 416: 18- 556: 22
أهل رودس 343: 18
أهل السنة 209: 15- 320: 23- 491: 10
أهل العلم 167: 20- 338: 12- 344: 15- 494:
19
أهل القرافتين 91: 9
أهل الكوفة 321: 15
أهل المشهد 45: 14(15/615)
أهل المغرب 85: 22
أهل مكة 72: 193
أهل ينبع 425: 26
أولاد السلاطين 456: 4
أولاد صوجى 327: 1
أولاد العرب 136: 10، 11
أولاد قرايلك 88: 10- 224: 16
أولاد قرايوسف 220: 9
أولاد الملوك 439: 16- 503: 3
الأئمة 321: 16
الأيوبيون 36: 18- 37: 12
ب الباعة 375: 14- 424: 23
البجاسية 121: 4
بدو الشام 115: 6
البرقوقيون 246: 17
بنو آدم 46: 9- 199: 3- 499: 2
بنو إبراهيم، من أهل ينبع 425: 26
بنو الأصفر 366: 7، 15 (ح) «1» بنو أمية 289: 21
بنو أيوب 37: 16- 456: 5
بنو البارزى 186: 3- 544: 18
بنو تنوخ 320: 18
بنو حسن بن عجلان 536: 5
بنو حسين 196: 2
بنو العباس 455: 3- 489: 16
بنو العديم الحلبيون 186: 3
بنو العز 186: 1، 3
بنو قرا يوسف 73: 5- 174: 1- 201: 9
بنو قرمان 61: 14، 22 (ح) بنو القرناء 335: 15(15/616)
بنو مهدى 47: 10
بنو نصر الله 158: 10- 159: 1
بنو الوفاء 528: 14
البهمانيون 194: 15، 18
بيت دلغادر 320: 18
ت التتار 46: 1
تجار القرم 123: 8- 162: 4
تجار مكة 339: 17
التراكمين 457: 17
الترك 37: 14- 111: 2- 232: 20
التركمان 15: 3، 6- 22: 13- 24: 8، 11- 25:
8- 35: 7- 43: 15- 45: 16- 62:
15- 80: 1- 141: 3- 212: 18- 232:
20 (ح) - 254: 2- 284: 13- 292:
13- 293: 5- 318: 10- 320: 18- 323: 3، 5- 424: 20- 473: 10- 508: 5
التركمان الصوجية 325: 6، 22 (ح)
تركمان الطاعة 80: 6- 323: 8
التكاررة 370: 25
تلاميذ المسيح 390: 19، 22
التمرية (جيش تيمور لنك) 232: 11
ج الجبلية 375: 10، 24- 443: 4، 22
الجراكسة 61: 23- 108: 13- 137: 21- 256: 4
الجغتاى 278: 19
الحغتية 328: 12، 23 (ح)
لحقمقية 238: 16
الجكمية 161: 16
الجند السلطانى 183: 21
الجند العرب 37: 13
الجوارى 157: 16
ح حزب السلطان الملك الظاهر جقمق 270: 11(15/617)
الحلبيون 323: 16- 324: 8- 326: 16- 474:
5- 511: 10
الحمويون 363: 17
الحنابلة 343: 9- 483: 9، 15، 26- 493: 11- 546: 6
الحنفية 168: 3- 438: 12- 459: 19- 491:
11
لحياك (القزازون) 38: 6
خ الخدام 261: 25
خدام الأطباق (او الطباق) بالقلعة 248: 10- 432: 20
خدام الحجرة النبوية الشريفة 526: 21
خدام قصر الخليفة المستنصر 132: 7
الخراربية 114: 19
الخصيان 261: 25
الخلفاء الفاطميون 335: 15- 490: 14
خواص السلطان 328: 16
د الدروز 115: 6
دولة آق قويونلو 12: 18
الدولة الأرتقية 200: 16، 23 (ح)
الدولة الأشرفية برسباى 151: 1- 158: 1- 236: 13- 246:
19- 254: 11، 23- 260: 18- 263:
3- 330: 12- 369: 1- 462: 1- 466: 19- 476: 9- 477: 5- 478:
4، 16- 536: 12- 551: 16- 553:
2- 559: 4
الدولة الأيوبية 456: 15- 547: 21
دولة بنى أويس الأتراك بالعراق 173: 13
الدولة البيزنطية 366: 16
الدولة التركية 456: 15- 503: 2
الدولة الرومانية 366: 16
الدولة الرومانية القديمة 366: 23
دولة الشاة البيضاء 12: 18، 21- 44: 28
دولة الشاة السوداء 44: 23
الدولة الصالحية محمد 137: 8- 260: 18(15/618)
الدولة الظاهرية برقوق 128: 8
الدولة الظاهرية جقمق 545: 6- 551: 10- 552: 1
الدولة الظاهرية ططر 552: 18
الدولة العزيزية يوسف 459: 19- 477: 7- 553: 12
الدولة الفاطمية 132: 6- 341: 17
دولة قراقيونلو 44: 23
الدولة المظفرية 131: 9- 218: 15- 260: 16
دولة المماليك الحراكسة 339: 30
الدولة المملوكية 12: 21، 22- 131: 26- 330: 17- 341: 18
الدولة المملوكية الأولى 42: 26- 97: 17- 105: 23- 115:
8- 127: 21- 156: 14- 163: 21- 166: 17- 348: 19- 480: 20- 509:
21- 526: 22
الدولة المملوكية الثانية 61: 23
الدولة المؤيدية (شيخ) 121: 1- 122: 4- 137: 7- 178: 7، 16- 188: 3- 221: 4- 259: 6- 276: 18- 466: 12، 18- 517: 17- 518:
1- 525: 15- 526: 15
الدولة الناصرية (فرج) 11: 13- 120: 11- 122: 4- 132:
3- 150: 18- 160: 1- 178: 15- 181: 1- 188: 2- 211: 11- 221:
6- 476: 5- 495: 4- 496: 6- 497:
11
ر الرافضة 320: 21- 321: 16
رجال الدولة 333: 20
رسل الشرع 415: 8، 12
الركب الأول 60: 3- 218: 19- 337: 17- 346:
17- 351: 3- 356: 8- 358: 9- 370:
15- 372: 14- 387: 3- 402: 13- 430: 1- 446: 12- 518: 1، 2- 522:
6- 530: 4
الركب الشامى 364: 10
الرهبان 302: 19 (ح)
رؤساء الدولة 100: 12
الروم 62: 14- 63: 20- 79: 23- 216:
14- 224: 18- 225: 1- 366: 7- 532: 4- 549: 9
ز الزيدية 209: 13، 15- 320: 22(15/619)
س السادة الأشراف 49: 3- 457: 10
سرارى السلطان الناصر محمد بن قلاوون 127: 21
سكان الحوانيت 289: 9
السلاجقة 70: 23- 200: 24
السلاطين المماليك 60: 11- 93: 21- 140: 13- 316:
19- 380: 21- 395: 21- 426: 25
سماسرة الغلال 207: 17
السّمرة 427: 7
سمرة دمشق 152: 7
ش الشافعية 152: 12- 153: 5- 167: 7- 367:
9- 373: 2- 383: 12- 415: 8- 459: 14- 485: 15- 509: 11- 557:
2
الشاميون 155: 9- 185: 17- 390: 21
الشيعة 321: 21
شيوخ العلم 323: 19
ص الصّلاح، الصلحاء 323: 19- 396: 22
الصليبيون 286: 20- 342: 16- 366: 16
الصوفية 154: 6- 268: 22- 424: 10- 494:
24- 503: 15
صوفية خانقاه شيخون 139: 14
الصيارف 340: 2
ط الطائفة المؤيدية- مماليك الملك المؤيد شيخ طائفة الناصرية- مماليك الملك الناصر فرج طلبة العلم 457: 5
ظ الظاهرية (برقوق) - مماليك الملك الظاهر برقوق
ع عامة حلب 326: 22- 327: 3
العبيد 90: 7، 8- 157: 16
العثمانيون 15: 24- 224: 24- 383: 16- 395:
20
العرب، العربان 15: 3- 22: 13- 24: 11- 25: 8- 37: 7، 9 (ح) ، 19- 45: 13، 14- 80: 1- 131: 2- 185: 1، 5- 186:
11- 318: 7، 11- 320: 18- 375:(15/620)
24- 409: 19- 443: 22- 474: 9- 508: 7، 13
عرب (أو عربان) البحيرة 37: 7، 19 (ح) ، 21، 22
عرب بلى 279: 9
عرب الجعافرة 37: 17
عرب الصعيد 282: 16- 299: 3
عرب لبيد 230: 11، 22 (ح)
عرب محارب 409: 19
عرب هوارة 308: 10
عربان الشام 320: 18
عربان الطاعة 310: 20
عربان مهنا (أو: آل مهنا) 320: 18- 323: 4
عساكر الإسلام (عسكر الإسلام، العسكر الإسلامى) 14: 16- 109: 3- 362: 1- 363: 1
عساكر جغتاى 449: 10
عساكر السلطان (العساكر السلطانية، العسكر السلطانى) 14: 6- 24: 8- 25: 4- 267: 15- 269: 15- 270: 2، 6- 308: 10- 317: 17- 520: 5- 525: 1
العساكر الشامية (العسكر الشامى) 13: 14- 35: 2- 233: 17- 318:
17- 324: 17- 361: 1
العساكر المصرية (العسكر المصرى) 13: 14- 15: 3- 24: 5- 35: 1- 74:
11- 78: 19- 79: 9- 167: 11- 233:
17- 253: 19- 284: 4- 286: 11- 293: 18، 19- 318: 15، 18- 319:
10- 322: 12- 324: 17
العلماء 193: 11- 459: 1
علماء الحنفية 121: 11- 168: 3
علماء العصر 296: 14
علماء مصر (أو العلماء المصريون) 48: 26- 217: 17
علماء المؤرخين 491: 12
عوام مصر 153: 18
غ الغزاة 342: 4- 343: 5، 11- 360: 4- 362:
3- 363: 5
ف الفاطميون 122: 18
الفرس 30: 17
فرسان الإسبتارية 342: 16- 352: 20(15/621)
الفرنج 334: 5- 341: 10- 442: 3، 16 ح- 343: 6، 16- 361: 14- 362: 9، 13، 17- 366: 15- 559: 7
فرنج رودس 363: 1
الفقراء 424: 10- 457: 10
الفقهاء 14: 12- 68: 14- 338: 14- 418:
1- 423: 17- 424: 10- 545: 4- 457: 5، 10- 459: 1- 531: 13- 557: 4
فقهاء الأتراك 526: 3
فقهاء الحنابلة 113: 6- 117: 6
الفقهاء الحنفية 58: 21
فقهاء الديار المصرية 216: 17
فقهاء السلف 134: 7
فقهاء الشافعية 152: 12- 153: 5- 167: 7- 202:
12- 525: 4- 526: 9، 10- 535: 11
فقهاء المالكية 468: 17
فقهاء مكة 123: 4
فلاحو القرى 41: 10
ق القرايلكية 24: 10- 25: 1، 4- 43: 16- 86:
13- 88: 7- 182: 15- 187: 6
القرقماسية (أصحاب قرقماس) 268: 12- 269: 15- 270: 7- 271:
12- 272: 8
القزّازون (الحيّاك) 38: 6
القضاة الأربعة 425: 5
القضاة الحنفية 172: 7
قضاة زمان المؤلف 173: 9
قضاة السوء 538: 18
القلعيون 271: 14
القلعية الأشرفية 240: 3
القيسية 115: 7
ك الكافورية 7: 23
كبار الأمراء 330: 17
الكتبة 55: 12- 119: 8- 172: 3- 527: 8(15/622)
ل لبيد (قبيلة) 57: 5، 9
المالكية 178: 8- 325: 16- 415:؟؟؟ 21- 435:
7- 459: 21- 488: 7- 492: 7
المتصوفة 141: 24
المتعممون 119: 10- 418: 1- 423: 17
محارب (قبيلة) 57: 10
المرسمون 331: 3
المسلمون 60: 23- 68: 15- 95: 16- 110:
16- 256: 11- 384: 8- 427: 7- 441: 11
مسيحيو أوروبا 366: 21
مشايخ الإسلام 503: 7
مشايخ الحديث 209: 6
مشايخ العلم 396: 22
مشايخ القراءات 459: 1
مشايخ هوارة 308: 12
المصريون 174: 7- 364: 17
المطربون 348: 10
المطوّعة 342: 3- 351: 20- 360: 7، 18
المغاربة 47: 8- 315: 5- 370: 25
ملوك آل حفص بتونس 197: 20
ملوك الترك 222: 5- 256: 4- 456: 2
ملوك الجراكسة 222: 4
ملوك چغتاى 195: 13- 196: 3
ملوك حصن كيفا الأيوبية 201: 3
ملوك ديار بكر 201: 11- 224: 15
ملوك الروم 62: 14
ملوك الشرق 201: 1
ملوك كلبركة 194: 16
ملوك مصر 74: 9- 255: 3، 5- 449: 15- 455:
4- 456: 14
المماليك الأتراك 37: 18(15/623)
مماليك الأشرف برسباى 90: 10- 105: 16، 18، 19- 107:
13- 148: 11- 223: 11- 228: 16- 229: 2- 230: 3، 5، 8- 232: 5- 233: 4- 234: 11، 13، 19- 235:
1، 4، 5، 9- 236: 14- 237: 13- 238:
3- 239: 16- 240: 1، 10، 13- 241:
9، 10- 242: 2، 11- 243: 4، 11، 19- 244: 14- 245: 6، 17- 251:
7، 9- 253: 18- 264: 5، 12، 21- 265: 9- 266: 13- 267: 3- 268: 6- 273: 3، 4- 275: 9، 10- 277: 14، 16- 279: 9، 15- 282: 16، 17- 297: 7، 9- 299: 3، 10- 300:
13- 301: 3- 302: 3، 11- 309:
8، 15- 311: 16- 312: 1- 329:
10- 337: 8- 372: 10- 449: 4- 553: 12
مماليك الأمراء 263: 17
مماليك الأمير كمشبغا الجمالى 187: 1، 20
المماليك البرقوقية 370: 2
مماليك تغرى بردى (والد المؤلف) 285: 11- 319: 2- 324: 12- 471:
16
مماليك تغرى برمش 293: 15
المماليك السلطانية 20: 19- 26: 11- 32: 5- 75: 3- 83: 12- 90: 8- 91: 20- 99: 17- 103: 2- 104: 4- 161: 14، 17- 164: 20- 218: 2- 226: 6، 8، 16- 230: 12- 234: 6- 238: 10، 15، 16، 18- 239: 3- 240: 5- 242:
1- 246: 17- 248: 7- 259: 8، 14، 17- 260: 6- 261: 14- 263: 10، 18- 264: 12- 265: 4- 266: 16- 269: 4- 270: 9، 12- 271: 19- 290: 6- 305: 19- 306: 9- 317:
19- 330: 1- 341: 11، 15- 342: 2- 349: 14- 351: 16- 354: 14- 356:
9- 360: 6، 17- 361: 13- 365:
3، 9- 366: 1- 387: 20- 398:
5- 410: 9- 411: 4- 428: 11- 429: 20- 432: 7- 433: 14- 435:
11، 17- 445: 11- 471: 18- 481:
5
المماليك الكتابية 471: 11
مماليك الملك الظاهر برقوق 105: 15- 107: 13- 113: 1- 118:
2- 137: 5- 150: 16- 151: 6- 157: 10- 159: 9، 19- 188: 1- 195: 7- 199: 8- 205: 7، 14- 211:
11- 218: 1- 221: 13- 235: 14
مماليك الملك المؤيد (شيخ) 105: 16- 188: 19- 235: 15- 236:
12- 240: 21- 250: 9- 252: 15، 17- 253: 15- 263: 5- 264: 9- 300: 4- 302: 3، 18- 303: 10- 313: 16- 315: 7- 370: 21(15/624)
مماليك الملك الناصر (فرج) 105: 16- 234: 15- 240: 21- 252:
18- 270: 19
المنجمون 506: 4
مؤرخو مصر الإسلامية 121: 21
المؤرخون المسلمون 121: 21- 366: 15
ن الناصرية- مماليك الملك الناصر (فرج) ندماء الملك المؤيد 190: 1
النصارى 46: 3- 177: 1- 193: 11- 384:
4- 390: 10، 17، 19، 24، 26- 407:
13- 424: 2
نصارى مصر القديمة 481: 1
النوروزية 162: 16
ى اليشبكية 540: 10- 544: 12
اليمنية 115: 7
اليهود 384: 8- 407: 14- 424: 12(15/625)
فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك
االآثار النبوى 425: 18، 24 (ح) «1»
آسيا الصغرى 14: 20- 61: 20، 22- 62: 21- 66: 21- 67: 21- 71: 22- 82:
23- 116: 19- 131: 23- 201: 21- 352: 20- 426: 26- 501: 17، 22
آق شهر (أو: أقجهر، أو: أقشهر) 82: 11، 23 (ح) - 104: 19
آمد 7: 2- 12: 8- 13: 16، 26- 14:
4، 6، 7، 8، 9، 15- 15: 10- 16: 2، 5، 8، 12، 14، 15، 16، 17- 17: 1، 3، 5، 7، 16- 18:
7، 10- 21: 7، 9- 22: 5، 11، 15- 23: 1، 3، 10، 16- 25: 6، 11- 26: 1، 3، 5، 6- 27: 9، 15- 28: 14- 29: 2، 5، 7- 31:
4- 32: 13- 33: 7: 12- 35: 2، 15- 36: 12- 43: 10- 47: 14- 86: 12- 89: 18- 178: 4- 179:
6، 7- 180: 4، 11، 20- 181: 7- 182: 1، 11، 12- 186: 5- 200:
9- 210: 15- 216: 8- 224: 15- 420: 12- 472: 20- 478: 7- 498: 10، 11- 502: 15- 521: 2
أبلستين 62: 13- 63: 4- 66: 10- 67: 11، 21 (ح) - 68: 1- 75: 6- 78: 22- 79: 2، 4- 104: 19- 337: 20- 338: 3- 499: 3، 4
أبواب حلب 323: 21 (ح)
أحسن أباد 194: 16
أحمد أباد بيدر 194: 19
إخنا (أو: أخنو) 468: 21
أخنويه الزلاقة 468: 22
أدرنابولى 224: 119
أدرنة 224: 23
الأديرة 302: 19 (ح)
أذربيجان 44: 25- 78: 9- 224: 11
أذرعات 494: 14، 17، 19
أرزن (أو: أرزن الروم) 70: 11، 14، 17، 19، 21 (ح) - 89: 18- 200: 9، 11، 12، 14- 224: 15- 227: 14(15/626)
أرزنجان (أو: أرزنكان) 233: 1، 19 (ح)
أرض البقاع 318: 19
أرض البلقاء 47: 11
أرفنين 14: 22
أرقنين 14: 7، 20 (ح) - 24: 1، 4، 7، 15- 25: 5- 26: 9- 29: 11- 30:
1- 224: 16
أرمناك 61: 24
أرمنت 341: 21
أرمينية 12: 19- 44: 25- 70: 21- 233:
19- 335: 24
أرمينية الصغرى 380: 18
الأزبكية 383: 18
الأزهر 418: 21- 444: 18
إسبانيا 366: 22
الإسطبل (الإسطبل السلطانى، الإسطبلات السلطانية) 71: 13- 73: 7، 13- 170: 6- 242: 15، 17- 244: 18، 20- 248:
15- 250: 11- 256: 9- 264: 1- 268: 11- 278: 9- 389: 12- 468:
2- 536: 1
الإسكندرية (أو: ثغر الإسكندرية) 38: 6- 50: 13- 51: 2، 8- 66:
5، 15- 107: 11، 14- 109: 8- 120: 8- 129: 2، 3- 131: 9- 141: 2- 160: 2، 10- 162: 10- 163: 2- 195: 3- 205: 8- 212:
5، 6- 213: 17- 241: 12- 246:
13، 14- 247: 16- 255: 1- 262: 8- 276: 3- 281: 9، 13، 14- 282:
14- 296: 12- 301: 7- 305: 11- 315: 16- 317: 2- 321: 14- 327:
15- 331: 16- 332: 5- 333: 12- 336: 10- 350: 12- 360: 5- 361:
3، 5- 363: 3، 16- 364: 4- 392:
1- 404: 13- 446: 2- 451: 20- 463: 7- 466: 16- 468: 7- 470:
18- 478: 5- 491: 14- 543: 14
إسنا 308: 10
أسيوط 309: 7
الأشمونين 445: 4
الأعمال البهنساوية 509: 20
الأعمال القليوبية 387: 20
إفريقية 197: 3- 225: 3(15/627)
أفغانستان 504: 20
الأقفاص 173: 16
أقفهس (أو: أقفهص) 173: 16 (ح)
أكلّ 21: 13، 23 (ح)
إمارة بنى أيدين التركمانية 82: 24
إمارة دلغادر (أو: بنى دلغادر) التركمانية 67: 21- 71: 21- 501: 22
الإمبراطورية المملوكية 37: 24
أمحرة 196: 14
أملاك الزردكاش 559: 2
الأندلس 225: 6- 286: 21
أنطاكية 380: 18
أوروبا 366: 21 (ح)
أوفات 226: 21
إيوان القلعة 365: 4- 435: 13
ب باب الأربعين (أحد أبواب حلب) 323: 22
باب أنطاكية (أحد أبواب حلب) 323: 22
باب الجديد (بقلعة الجبل) 501: 14، 25 (ح)
باب الجنان 323: 22
باب الخرق (حاليا: ميدان أحمد ماهر) 384: 11، 22 (ح)
باب الدهيشة (بقلعة الجبل) 102: 14، 23 (ح)
باب زويلة 34: 17- 70: 8- 86: 8- 124:
15- 148: 9- 265: 3- 266: 12- 325: 9- 328: 7- 347: 12- 376:
18- 397: 18- 398: 3- 410: 20- 411: 16- 513: 12
باب الساقية 101: 13
باب السر (بقلعة الجبل) 39: 15، 24 (ح)
باب السلسلة (بقلعة الجبل) 9: 1، 15 (ح) - 39: 16- 212: 4- 239: 11- 242: 15- 243: 4، 8، 9- 245: 10- 247: 11، 17- 250:
5- 256: 8- 267: 9، 16، 21- 268: 4- 269: 6، 16- 271: 3- 305: 5- 315: 6- 330: 3- 454:
15- 468: 2، 5
باب الستارة (بقلعة الجبل) 106: 8- 22: 7
باب الفتوح 385: 21(15/628)
باب الفرج 323: 15
باب القراطين 203: 19
باب القرافة 127: 20- 238: 9- 269: 7
باب القلة (بقلعة الجبل) 433: 14، 24 (ح) - 453: 16- 502: 10
باب قنسرين (أحد أبواب حلب) 323: 22
باب القنطرة 86: 5
باب المحروق 203: 4، 18 (ح)
باب المدرج (أحد أبواب القلعة) 264: 13- 360: 12- 410: 24
باب المقام (أحد أبواب حلب) 323: 6، 22 (ح)
باب المندب 428: 4
باب الميدان 475: 13- 476: 1
باب النحاس 352: 6
باب النصر 34: 13- 91: 11- 323: 22- 342:
11- 343: 4- 345: 16- 491: 1- 513: 6
باب النيرب 323: 10، 21 (ح)
باب الهجرة 330: 5
باب الوزير 233: 4- 398: 10
بارنبار 153: 18
بانقوسا 324: 7، 21 (ح) بانياس 332: 20
بجاية 198: 3- 225: 3
البحيرة 37: 22- 38: 2- 41: 7- 57: 2، 5، 7، 9- 230: 11- 242: 1- 367:
3- 394: 12- 397: 8- 401: 18- 409: 19
بحيرة وان 44: 24
بخارى 215: 2
البرج (بقلعة الجبل) 167: 13- 277: 15، 18- 315: 17- 330: 5- 331: 1- 332: 9- 333:
5- 351: 6- 441: 20- 442: 3- 443: 2- 447: 11
برزة 10: 14، 24 (ح)
برصا 65: 13- 116: 12- 224: 19- 426: 26
برغلو 62: 22
بركة الجب 335: 14 (ح)(15/629)
بركة الحاج 100: 2- 335: 1، 14 (ح) - 348:
22- 351: 1- 356: 8- 358: 8- 370: 15- 372: 13- 402: 4- 423:
20- 430: 1- 438: 15- 446: 11
بركة الحبش 227: 20
بركة الحجاج 335: 14 (ح)
بركة الرطلى 348: 9، 21 (ح)
بركة الطوابين 348: 21
بركة الفيل 237: 5
بروسا 165: 12
بريطانيا 428: 19
بزرجق 78: 19
البستان- أبلستين بعلبك 33: 6- 181: 12- 318: 9- 320:
14- 371: 19- 444: 17
بغداد 44: 8- 45: 1، 2، 3، 8، 9- 70: 1- 72: 13- 73: 1- 154:
11- 169: 8- 193: 7، 9- 224:
13- 483: 11- 527: 2
البقيع 480: 16
بلاد ابن قرمان 82: 9، 11
بلاد التركمان 285: 2
بلاد الجاركس 464: 9- 555: 11
البلاد الجيزية 445: 4
البلاد الحلبية 11: 2- 420: 13
بلاد الروم 60: 7- 61: 12- 65: 13- 66: 7- 87: 16- 212: 18- 366: 6- 395:
2- 407: 12- 434: 7- 438: 20- 531: 4
البلاد الساحلية 115: 8
بلاد الشام، البلاد الشامية- الشام بلاد الشرق، البلاد الشرقية، البلاد المشرقية- الشرق البلاد الشمالية 233: 17
بلاد الصعيد- الصعيد بلاد صيدا- صيدا بلاد العجم 215: 2- 549: 9
بلاد الغرب 487: 16
بلاد الغور 504: 20
بلاد الفرنج 225: 13(15/630)
بلاد قرمان 116: 10، 19 (ح)
بلاد اليمن- اليمن بلبيس 331: 16- 332: 6
البلقان 224: 23
بلقينة 485: 20
بنجالة (أو: بنغالة) 192: 13، 21 (ح) - 203: 14- 204: 2
بنى سويف 167: 21
بهسنا (أو: بهسنى) 71: 21- 78: 21- 462: 23- 471:
6، 20 (ح)
البهنسا 178: 20
البوب 485: 20
بور سعيد 185: 21
بولاق 348: 9
بيت أصلم 398: 15
البيت الحرام 49: 5- 516: 10
البيت الشريف 516: 17
البيت العتيق 438: 13
بيت قاضى القضاة الحنفى 384: 4
بيت قاضى القضاة الشافعى 385: 1
بيت قوصون 267: 9- 268: 3
بيت الله الحرام 364: 9
بيت المقدس 286: 20
بيت والى القاهرة 53: 9، 12- 442: 15- 444: 6
بيدر 194: 16
بئر الاسطبل 311: 24
البيرة 13: 2، 9، 13، 15- 32: 8، 10- 286: 1، 19 (ح) - 431: 16- 436: 14
بيروت 430: 5- 551: 9
بيسان 318: 19
البيمارستان المنصورى بالقاهرة 36: 4- 37: 3- 41: 1- 65: 12- 154: 10- 220: 12- 370: 12- 382: 6- 557: 1، 17 (ح)
بين السورين 164: 2
بين القصرين 133: 18- 134: 3- 364: 18- 367:
21- 444: 7- 514: 5(15/631)
بيور نبارة 153: 19
ت تبان (توبن) 121: 18 (ح)
تبريز 44: 25- 47: 3- 70: 10- 78: 9- 89: 15، 17- 220: 5، 23- 224:
12- 420: 12- 432: 15- 449: 7
تتامنوفية 415: 15
ترانسلفانيا 395: 20
التربة الأشرفية 165: 7
تربة الأمير طيبغا الطويل 441: 2
تربة خوندجلبان 333: 16
تربة الصوفية 513: 6
تربة الملك الأشرف برسباى 203: 3
تربة الملك الظاهر برقوق 279: 5- 424: 10
تعز 124: 3- 225: 12
تفهنا، تفهنا العزب، تفهنة 134: 25- 175: 16 (ح) - 430: 12، 20 (ح)
تلمسان 192: 8- 225: 4
تلوانة 487: 18
تنيس 185: 19
توبن (تبان) 121: 18 (ح)
توقات 66: 8، 21 (ح) - 67: 2
تونس 197: 3، 8، 11، 20- 225: 3
التيبر (نهر) 366: 24
ث الثغور الشامية 380: 16
ج جامع ابن طولون 58: 19- 496: 19
جامع ابن عثمان 518: 7
الجامع الأزهر 98: 13- 99: 12- 134: 10- 149:
18- 150: 1- 418: 21- 444: 18- 486: 1- 492: 8- 497: 18- 498:
6- 515: 15- 516: 2، 3- 535: 11
الجامع الأشرفى بالخانكاه 370: 21- 506: 12
جامع أصلم 398: 14، 26 (ح)
الجامع الأفخر 348: 16(15/632)
جامع الأمير حسين 547: 9
جامع بنى أمية 289: 21
جامع تغرى بردى بحلب 480: 9
جامع تنكز 186: 1، 15 (ح)
الجامع الحاكمى 91: 11
الجامع الحسينى 242: 18
جامع السلطان حسن 267: 7
جامع سودون من زاده 400: 1
جامع الصارم 348: 4
جامع الصالح 513: 11
جامع الصوة 410: 25
جامع طلائع بن رزيك 347: 12
جامع الظافر 348: 16
جامع عمرو 415: 18- 528: 14
جامع الفاكهيين 348: 3، 16 (ح)
جامع الفخر بخط سويقة الموفق 348: 3
جامع القلعة (قلعة الجبل) 106: 6- 252: 6- 273: 7- 300:
8- 439: 16- 448: 11
جامع الماردانى 410: 13، 20 (ح)
الجامع المؤيدي 124: 8، 15- 230: 19- 513: 12
جامعة كاليفورنيا 322: 23
جبرت 196: 15- 226: 21 (ح) - 441: 12
الجبل الأقرع 326: 3
جبلة 124: 3
جدة (أو: بندر جدة) 44: 20- 59: 16- 71: 14- 77:
13، 16- 81: 6- 152: 3، 4- 214:
1، 3- 338: 11، 13، 16- 339:
13، 14، 15، 18، 19، 24- 368:
17- 387: 5- 397: 1- 403: 1- 426: 4- 427: 1- 428: 3- 429: 1- 439: 10- 441: 11- 484: 8- 518:
3- 527: 11
جرجان 224: 10
الجرف 273: 20
جروان 487: 17، 18
جزائر دهلك 339: 17(15/633)
الجزيرة 12: 16- 224: 17- 273: 13
جزيرة ابن عمر 27: 15
جزيرة رودس 342: 16
جزيرة الصابونى 227: 5، 19 (ح) جزيرة قبرس 343: 13، 23
جزيرة قوسنيا 175: 16
جزيرة كمران 428: 5، 16 (ح)
جسر يعقوب 287: 15
الجسور البلدية 301: 22
الجسور السلطانية 301: 12
الجمالية 375: 10، 22 (ح)
الجوة 124: 3
الجوهرى 323: 6
الجيزة 114: 1- 346: 3- 501: 24
ح حارة الديلم 143: 9
حارة زويلة 386: 6، 9
الحارة الوزيرية 506: 18
حانوت الشهود 206: 14
حبس (أو: سجن) الديلم 418: 18- 420: 4- 422: 11
حبس الرحبة (أو: حبس باب الرحبة) 444: 6، 18 (ح)
حبس المرقب 332: 15، 16- 447: 16
حبس المقشرة:
385: 6، 21 (ح) - 386: 9- 407:
17- 410: 6- 414: 15- 422: 9- 423: 10- 447: 9- 457: 6
الحبشة 196: 14، 22، 24- 225: 14، 24- 226: 22- 441: 11
الحجاز 76: 16- 135: 17- 154: 11- 196: 12- 224: 8- 279: 11- 299:
16- 327: 15- 334: 12- 335: 1- 356: 11- 357: 6- 373: 15- 405:
16- 413: 20- 446: 3- 470: 1- 518: 1- 554: 7
حجة 41: 3
الحدرة 101: 13
حدرة البقر 149: 7(15/634)
الحديدة 428: 5، 22- 429: 2
الحراقة 242: 15- 244: 19- 245: 2- 248:
13- 249: 2- 250: 5، 11، 12- 256: 8، 15- 305: 5
حرستا 319: 7، 11، 20 (ح)
حرض 124: 3
الحرم المكى 26: 23
الحرم النبوى الشريف 438: 9- 518: 14، 18- 541: 5
الحرة 318: 8
الحصن الأشهب 352: 19
حصن زياد 335: 24
حصن شنكان 193: 8
حصن قوارير 124: 5
حصن كيفا 122: 14- 182: 11، 12، 17، 23- 183: 1- 201: 2، 14- 224: 16- 432: 18
حكر النوبى 547: 9، 21 (ح)
حلب 11: 5، 7، 12، 17- 12: 2، 3، 4، 5، 6، 9، 10- 13: 3- 24:
2- 32: 12- 33: 1، 14- 34: 2- 43: 13- 59: 13- 60: 9- 62: 3- 63: 10، 16- 64: 5، 17- 65: 8- 70: 5- 76: 9- 78: 16- 79: 7، 12، 22- 80: 6، 13- 83: 1- 84:
23- 85: 3- 87: 5- 92: 3- 126:
11- 141: 2- 150: 6، 8- 151:
10- 168: 19- 174: 6- 181: 7، 10- 233: 17- 234: 2، 7، 8- 254: 1- 261: 5- 278: 2، 5- 283: 3، 4- 284: 2، 3، 5، 7، 57- 286: 7، 13- 287: 1- 288:
11، 18- 289: 6، 15- 291: 12- 292: 10، 13- 293: 4، 5- 294:
2، 15- 302: 16- 309: 19- 318:
4- 319: 3- 322: 10- 323: 2، 7- 324: 18- 326: 6، 11، 15- 335:
5- 336: 3- 347: 5- 350: 9- 353: 1- 363: 12- 366: 10- 371:
3- 372: 5- 373: 6، 11- 383:
4- 385: 14- 403: 14- 404: 8- 409: 11- 410: 1- 420: 11- 433:
4- 444: 11، 12، 14- 445: 24- 448: 2- 451: 17- 454: 21- 462:
18، 23- 463: 6- 469: 8- 471: 20- 478: 6- 479: 21- 480:
2، 9- 487: 3- 501: 7- 509: 19- 511: 8، 14، 16- 521: 1، 3، 16- 523: 5- 527: 16- 529: 14- 530: 14- 547: 16(15/635)
حمام بشتك 449: 4
حمام السفطى 402: 9
حماه 11: 4، 5، 6، 9، 13، 15، 17- 34: 4- 59: 7- 102: 26- 126:
17، 18- 131: 6- 135: 2- 188:
4- 189: 17- 190: 3- 283: 2- 286: 2، 14- 287: 1- 288: 19- 294: 16، 18- 322: 13- 323: 7- 324: 20- 326: 3- 363: 15- 372:
4- 378: 15- 405: 11- 409: 11، 23- 432: 2- 433: 3- 434: 4- 443: 8- 447: 14- 451: 18- 456:
7- 547: 14- 549: 11
حمص 11: 4- 319: 20
حوران 318: 9
الحوش، الحوش السلطانى 40: 1- 68: 20- 102: 14- 103:
2، 12- 106: 10- 135: 15- 227:
7- 233: 9- 234: 5- 263: 9، 14- 264: 8- 268: 3- 274: 18- 315: 15- 413: 14- 441: 12- 442: 1- 443: 10- 445: 13- 449: 6
حوش القلعة 365: 4- 433: 1
حوف مصر 485: 20
حيحانة 469: 19
خ خاف 202: 8
خان الخليلى بالقاهرة 166: 4
خان طومان 326: 6
الخانقاه 272: 6
خانقاه بيبرس الجاشنكير 418: 21
الخانقاه البيبرسية 382: 4
خانقاه ركن الدين بيبرس الجاشنكير 488: 3، 11 (ح)
خانقاه سرياقوس 74: 17- 85: 17- 393: 19- 423: 11
خانقاه سعيد السعداء (أو الخانقاه السعيدية) 57: 25- 132: 1، 6 (ح) - 207:
1- 415: 18- 417: 14- 513: 14- 535: 15- 549: 6
خانقاه شيخون (أو الخانقاه الشيخونية) 121: 7، 10- 133: 6- 134: 17 (ح) - 139: 6، 9، 14- 140: 3- 167: 16- 168: 2- 269: 5- 501:
2، 4- 509: 11
خراسان 202: 8- 224: 10(15/636)
الخربة 318: 1، 9 (ح)
خربة الأثل 318: 21
خربة القطف 318: 21
خربة اللصوص 318: 19
خرت برت 335: 10، 24 (ح)
خط بولاق 405: 5- 514: 19
خط رحبة باب العيد بالقاهرة 444: 18
خط سوق الغنم 398: 14
خط سويقة الصاحب 422: 14
خط سويقة الموفق 348: 3
خط الشوائين 376: 4، 18 (ح)
خط الصلية 58: 1، 19- 348: 7
خط العنبريين بالقاهرة 34: 16، 21 (ح) - 123: 9- 162:
3- 216: 13- 513: 14
خط القربيين 148: 8
خط قنطرة طقز دمر 147: 8
خط الكافورى 552: 6، 12
خط الكعكيين 169: 2
خلاط 70: 22، 23
خليج أشموم 153: 18
خليج الزعفران 91: 2- 96: 16- 345: 14- 370:
4، 6
خليج السد 425: 13
الخليل 131: 5، 10- 136: 13- 340: 8- 502: 1
خوارزم 224: 10
الخيف 92: 7
د دار بشير الجمدار بالأبّارين 498: 18
دار السعادة 288: 2، 4- 293: 8، 14- 320:
1، 8- 475: 9
دار السلام 45: 13
دار الضرب 83: 8- 157: 5- 345: 4
دار الضيافة 453: 19- 502: 12(15/637)
دار العدل 48: 10، 13 (ح) - 328: 16
دار الكتب المصرية 322: 21
دارة جلجل 191: 10
داريا 144: 3، 17 (ح) - 426: 18
دجلة 16: 6
الدرب الأصفر 418: 6، 21 (ح)
درب الطنبذى بسويقة الصاحب 435: 7
درندا (أو: درندة) 61: 5، 20 (ح)
الدكن 129: 15- 194: 15
دلوك 79: 14، 22 (ح)
دلى 224: 11
دمشق 10: 11، 12، 14، 15، 16، 17، 23- 11: 1، 2، 6، 7، 18- 34: 3، 4، 5، 6، 8، 9- 38: 15- 40: 18- 51: 16- 54: 18- 55: 1- 56: 15- 57: 1- 63: 17- 65: 7، 9- 76:
10- 78: 7- 81: 17- 85: 3- 86:
12- 117: 1- 122: 3، 7- 130:
10- 131: 6- 144: 12، 13، 17، 23- 145: 2، 3- 152: 6، 7- 154:
4- 155: 6- 157: 11، 12- 158:
2- 159: 8- 163: 10- 164: 9، 10- 178: 6- 179: 6، 16- 181:
5- 184: 6، 24- 185: 13- 193:
15- 198: 9- 206: 8، 9- 207:
1، 4- 208: 2- 213: 11، 14- 215: 1، 15، 16- 216: 8- 234:
7- 242: 5- 251: 18- 277: 3- 287: 12، 16- 288: 1، 2- 289:
1، 2، 3، 18، 19، 20، 21- 290:
10- 291: 8- 304: 18- 306: 1، 10، 13، 15، 16، 17، 18- 307:
3- 313: 9- 316: 19- 318: 9- 318: 19- 319: 6، 7، 14، 17- 322: 9، 323: 1- 324: 18- 329:
1، 8، 11، 18- 331: 13- 335: 4، 11- 336: 7، 13- 337: 10، 11، 12- 339: 4- 344: 12- 356: 17- 357: 6- 359: 3- 363: 9- 364:
10- 366: 5- 367: 1- 368: 10- 371: 20- 372: 1- 373: 5- 374:
1- 378: 5- 380: 9، 14- 381:
7- 383: 6- 394: 6- 397: 9- 404:
12، 16- 405: 1، 12- 406: 7- 407: 3- 408: 2- 414: 1، 2، 14- 420: 9- 429: 16- 430: 6- 434:
12- 435: 2- 436: 14- 438: 1، 12- 439: 1- 440: 14، 16- 442: 14- 443: 8- 444: 3- 446:
16- 447: 1، 19- 460: 9- 462:(15/638)
16- 465: 11- 467: 12- 468:
19- 472: 17- 476: 9- 478: 7- 482: 6، 10، 16- 484: 12، 13- 493: 11- 508: 11- 509: 5، 11- 510: 13- 520: 8- 521: 4، 6- 522: 2، 8، 9، 16- 523: 2، 5، 11، 13- 529: 15- 548: 18- 549:
6، 7، 8، 10- 552: 9- 554: 7
الدملوة 124: 4
دمياط (أو: ثغر دمياط) 40: 9، 17- 48: 3- 86: 17- 153:
7، 18- 160: 14- 180: 2- 220:
2- 221: 12- 262: 14- 263: 12- 278: 1، 11- 282: 19- 306: 6- 309: 11- 343: 12، 17- 356: 13- 360: 5- 361: 2، 5- 363: 3- 403:
13- 404: 13- 405: 11- 406: 14- 408: 3- 429: 8- 431: 15- 436:
21- 440: 8- 461: 3، 5- 463:
5- 526: 17- 536: 4- 544: 9- 555: 4
الدهتمون 166: 14
دهلى 192: 22
الدهليز السلطانى 10: 14
الدهيشة 412: 17- 413: 12، 16- 435: 16- 441: 15- 445: 13- 448: 14
الدور السلطانية 99: 17- 107: 1- 254: 15- 313:
13- 406: 1- 486: 12- 507: 13
دوركى 67: 4، 7
دويرة الصوفية 132: 8
ديار بكر 21: 14- 27: 15- 92: 5- 122:
14- 200: 10- 201: 3، 11- 211:
7- 224: 15- 508: 4
ديار مصر، الديار المصرية- مصر ديارات النصارى 302: 5، 19 (ح)
ر رأس العين 12: 3، 16
رباط الآثار 227: 19- 425: 24
الرحبة 352: 6
رحبة باب العيد بالقاهرة 444: 18
رشيد 334: 5
الرصد 273: 12، 20 (ح)
الرقة 191: 6، 21
الركنية- خانقاه ركن الدين بيبرس الجاشنكير الرملة 266: 11، 20- 267: 17- 268: 3-(15/639)
270: 10- 292: 2، 6، 10- 294:
6، 10، 18- 317: 17- 372: 2- 411: 18- 412: 5- 454: 13
الرميلة 237: 15- 239: 11- 243: 5- 268:
4، 11- 269: 6، 22- 271: 12- 311: 24- 312: 4- 348: 5
رنكل 194: 16
الرها 13: 17- 14: 2، 8- 29: 10- 31:
9، 10، 17- 32: 2، 4، 6، 8- 43:
14، 15- 44: 2- 167: 11- 179:
8- 181: 8- 304: 3- 547: 14- 548: 1
رودس 343: 14، 17- 351: 16- 352: 1- 352: 20- 359: 13- 360: 6- 361:
6، 10، 18- 362: 1، 4- 363:
2- 531: 5
الريدانية 7: 6- 9: 11- 76: 4- 91: 19- 92: 1- 304: 12- 305: 18- 306:
3، 9- 334: 14، 16- 344: 22- 351: 2- 359: 2- 379: 4
ز زاوية تقي الدين رجب 311: 24
الزاوية الحمراء 183: 25
زبيد 124: 3، 5- 225: 12- 428: 16- 469: 4
زرزا 492: 9، 20 (ح)
زفتى 134: 25- 430: 20
زقاق حلب 315: 1
الزيات 272: 7
س ساحل أثر النبي 227: 19- 425: 24
ساحل بولاق 207: 18- 342: 1، 2- 351: 19- 358: 9- 360: 5- 361: 4
السبع قاعات 127: 5، 20 (ح) - 552: 11
سجن الإسكندرية 60: 8- 86: 9- 162: 8- 180: 2- 212: 8- 213: 8- 247: 18- 254:
17- 255: 1- 278: 1- 296: 12- 315: 16- 317: 7- 321: 14- 322:
3- 332: 2- 336: 12- 351: 14- 431: 14- 468: 6
سجن الصبيبة 447: 2
سجن الكرك 336: 8- 407: 7(15/640)
سحول 428: 24
السحىّ 428: 23
سحية 428: 9، 21 (ح)
سد الخليج 425: 15
سراى الجوهرة 127: 22
سرحة سرياقوس 258: 14
سرياقوس 316: 1، 16 (ح) - 393: 19
سفط الحناء (أو: صفط الحنه) 556: 1، 20 (ح)
السلسلة 243: 1
سلمية 126: 17
سمرقند 196: 6- 350: 16- 546: 8
سندبيس 526: 21
سواكن 339: 17
سوق الأساكفة 496: 19
سوق الحوائصيين 172: 16
سوق الخيل 39: 24- 105: 7- 235: 6
سوق الشرايحيين 376: 19
سوق الشوائين 376: 18
سوق العنبر 388: 3
سوق العنبريين 506: 12، 22
سوق القبو الحسينى 149: 6
سوق القرب 506: 18
سوق النحاس 376: 4
السويداء 190: 10- 191: 3- 316: 10
سويقة الصاحب 415: 7- 418: 6- 435: 5، 7
سويقة منعم 269: 10، 22 (ح) - 524: 3
سيس 131: 23- 380: 14، 18 (ح) - 405:
4- 438: 2
سيسية 380: 17
سينوب 62: 22
سيوط 309: 22
ش الشارع الأعظم 419: 1- 496: 19(15/641)
شارع شيخون 269: 22
شارع القاهرة 443: 4
الشام 9: 12- 10: 13- 11: 7، 8- 15:
3- 33: 1- 34: 7- 35: 1- 43:
11- 44: 2- 52: 6- 58: 8- 65:
8، 16، 17- 66: 1، 8- 68: 12- 75:
3- 76: 8- 82: 9- 89: 19- 90:
1، 2- 92: 19- 104: 18- 109:
6- 115: 1- 119: 1- 120: 16- 121: 5- 122: 7- 128: 10- 130:
13، 14- 148: 14- 150: 7- 156:
4- 158: 23- 160: 2- 181: 2- 184: 6، 15، 20- 185: 5- 186:
2- 187: 16- 200: 26- 205: 10- 201: 2- 212: 17- 213: 10- 223:
1، 4- 224: 8- 227: 5، 11، 12- 229: 9- 231: 14، 17- 232: 11- 253: 12، 13- 266: 8- 272: 5- 285: 9- 286: 8- 287: 6، 9- 288: 6- 290: 1، 7- 292: 8- 294:
20- 302: 16- 304: 9- 305: 6- 306: 4، 9- 309: 19- 311: 17- 317: 12- 318: 3- 322: 11- 327:
15- 329: 20- 331: 16- 344: 17- 359: 1- 360: 19- 372: 11- 412:
16- 420: 16- 429: 14- 432: 20- 433: 5- 442: 11- 443: 2- 451:
17- 452: 2- 455: 14- 456: 7- 465: 7- 467: 18- 469: 12- 472:
17- 494: 14- 508: 9- 529: 19، 20- 548: 17- 550: 19- 551: 11
شبين القصر 387: 1، 19 (ح)
شبين القناطر 387: 21
الشحر 124: 4
الشرف 273: 20
الشرق 44: 9- 120: 15- 211: 9- 221: 6- 344: 12- 409: 10- 449: 13- 546: 7- 550: 19
الشرقية 41: 6- 166: 14- 217: 13- 318:
21- 364: 21
شماخى 224: 18
شهبة السوداء 523: 20
الشيخونية- خانقاه شيخون شيراز 49: 1- 195: 12، 14- 203: 1
ص الصالحية 367: 11، 20 (ح)
الصبيبة 372: 20
صعدة 209: 11- 213: 7، 15- 225: 13(15/642)
الصعيد 48: 16- 57: 11- 91: 6- 173:
16- 178: 20- 282: 15- 299: 2، 9- 304: 19- 308: 9، 17- 309: 5- 310: 9- 312: 2- 322: 4- 329:
10، 12- 510: 13
الصعيد الأعلى 308: 22
الصعيد الأدنى 509: 20
صفد 151: 23- 279: 14- 289: 4- 292:
1، 5- 294: 10- 318: 4- 322:
15- 326: 9- 331: 10- 332: 4- 351: 18- 368: 10- 384: 2- 387:
7- 437: 17- 438: 3، 7- 439: 5- 451: 19- 463: 11- 521: 11- 522: 8
صفط الحنه 556: 1، 20 (ح)
الصليبة 269: 22
صليبة أحمد بن طولون 269: 4
صنعاء 209: 8، 11- 225: 13
صهيون 551: 9
الصوة 270: 19- 410: 17، 24 (ح)
صيدا 404: 21
ض ضواحى القاهرة 346: 3
ط الطائف 26: 22
الطبلخاناه السلطانية 270: 19- 410: 17، 24
طرابلس 59: 6- 130: 3، 17- 135: 2- 169: 9- 181: 6- 195: 9- 213:
10- 221: 5- 260: 20- 286: 13، 15- 287: 5- 288: 11- 294: 4، 5، 18- 322: 12- 332: 8- 335:
6- 336: 4- 350: 1- 356: 1- 361: 1، 5- 379: 2- 380: 9- 381: 3- 403: 11، 12- 404: 9، 16- 431: 14- 438: 6- 440: 8- 447: 3، 5، 8، 17- 451: 18- 463: 3- 471: 17- 472: 4- 551: 11
طرسوس 63: 15- 366: 4- 380: 18- 405:
4- 423: 11- 425: 3- 434: 10- 441: 7
طلخا 166: 15
طنبدى (أو: طنبذة) 178: 20، 21
الطيبرسية (وقف طيبرس) 376: 7، 17
الطينة 185: 4، 19 (ح) ، 20(15/643)
(ع) عدن 124: 3- 225: 12- 338: 15- 339:
11، 13- 428: 4
العراق 73: 1- 173: 13- 196: 12- 201: 13
عراق العجم 173: 14- 224: 10
عراق العرب 173: 14- 224: 14
العريش 551: 9
العقبة 405: 17
عكا 366: 17
العلايا 343: 13
العمق 59: 13، 23 (ح) - 61: 1، 9، 17- 62: 1
عينتاب 61: 9- 62: 10، 18- 78: 18- 79: 8، 22- 288: 19
غ الغرب الأوسط 225: 4
الغربية 37: 22- 41: 6- 124: 18- 166:
15- 301: 4، 6- 485: 21- 539: 21
غرناطة 225: 8
غزة 10: 7، 9، 11- 33: 6، 8- 34:
8، 11- 135: 2- 181: 8، 12- 213: 7، 16- 221: 6- 244: 6، 8- 260: 16- 287: 14- 288: 11- 289: 4- 294: 11- 317: 11- 318:
5- 322: 16- 326: 9- 331: 12- 333: 3، 9- 337: 10- 373:
11- 387: 7- 425: 1- 430: 5- 438: 3- 451: 19- 463: 15- 508:
7، 13- 536: 12، 14
الغوطة 144: 17
الغوطتان 145: 15
ف فارسكور 341: 20
فارنا 395: 20
فاس 225: 5
الفرات 12: 20- 13: 2، 15- 32: 11- 191:
6، 21- 286: 19
الفرما 185: 19
الفقيرى 348: 6
فلسطين 200: 26- 201: 13(15/644)
فم الخليج 273: 24
فوة 495: 1
ق قابس 192: 8
قاعة البرابخية 514: 18
قاعة البربرية 254: 15، 23 (ح) - 295: 14، 17- 296: 5
قاعدة الدهيشة 227: 7- 406: 4- 452: 4
قاعة الدهيشة الجوانية 453: 11
قاعة العواميد 203: 5
القاعة الكبرى بالدور السلطانية 406: 1
قاليقلا 70: 22، 24
قاليقوط 339: 14
القاهرة 7: 6، 20- 9: 2، 4، 9- 10: 6- 34: 11، 15- 35: 12- 36: 4، 8- 38: 15- 48: 7- 53: 10- 55: 5- 57: 2- 59: 18- 60: 4- 4- 64: 18- 66: 6، 13- 70: 8- 72: 6، 11- 76: 3- 77: 2- 78: 4- 80: 13- 81: 11- 85: 5- 86: 5، 8- 87:
5، 10- 90: 17- 91: 10، 20- 92:
18- 93: 12- 94: 4- 104: 17- 105: 6- 107: 5- 118: 9- 119:
1- 122: 6- 125: 1- 126: 17- 127: 4، 6- 128: 10، 13- 129:
18- 131: 8، 21- 132: 6- 135:
1، 15- 136: 1، 9- 137: 2- 143:
9- 145: 12- 146: 2- 151: 12- 153: 7- 154: 2، 10، 15- 156:
6، 15- 156: 6، 15- 157: 3- 162:
3- 164: 3- 166: 4- 167: 13- 169: 3، 10- 170: 5- 172: 7، 10- 183: 19، 20، 25- 184: 12، 14- 188: 7- 198: 14- 199: 15- 205: 19، 20- 206: 14- 207: 11، 13- 208: 2- 215: 10- 216: 12، 13- 217: 12- 218: 4، 5، 13- 219: 13- 221: 7- 222: 12- 224:
6- 230: 12- 232: 8، 15- 237:
22- 240: 15- 244: 13- 246:
10، 15- 249: 17- 254: 16- 258:
7- 261: 6، 13- 262: 17- 263:
13- 269: 23- 272: 8- 273: 10- 277: 18- 278: 17- 286: 9- 287:
7- 290: 18- 294: 19- 296: 12- 300: 4، 12، 15، 19- 302: 5- 303: 2- 304: 11- 308: 15- 309:
15، 18- 310: 2، 11- 311: 12- 312: 17، 19- 313: 16- 329: 15، 20- 335: 13، 15، 19- 338: 1- 340: 9- 342: 5، 6، 10- 343: 3-(15/645)
344: 18- 345: 15- 347: 4، 11- 348: 3، 10- 349: 6، 16، 17، 350: 1، 13- 351: 2- 353: 4- 356: 2، 14- 357: 2، 7- 358: 4- 359: 1- 360: 4- 363: 3، 6، 13- 364: 4، 7- 367: 2، 21- 368:
15، 20- 370: 21- 371: 11، 12- 372: 11- 376: 18- 378: 7- 379:
4- 381: 24- 382: 15، 19- 388: 2- 389: 9- 391: 11- 392: 8- 394:
12- 397: 18- 398: 2، 9، 13- 399: 15- 400: 8- 401: 4، 10- 403: 5، 8، 12- 404: 2- 405: 13، 18- 406: 13- 407: 1، 3، 12، 18- 408: 1- 409: 10- 411: 16- 413: 1، 9- 414: 3- 415: 7، 13- 416: 19- 418: 7- 421: 1- 422: 18- 423: 20- 424:
6- 432: 14- 434: 4، 9، 16- 435: 4- 436: 9- 440: 4، 11- 441: 1- 442: 5- 443: 4- 444:
6، 11- 446: 16- 447: 9، 15- 448: 13- 452: 3- 455: 16- 462:
8- 463: 11- 466: 8- 467: 4، 15- 468: 1، 17- 472: 18- 476:
8- 478: 2، 8- 480: 4- 482: 9- 483: 10، 12، 14، 20، 21- 484:
7- 487: 9، 10، 19- 491: 4- 492: 14، 15- 494: 1، 3- 495:
3، 8- 497: 13- 498: 13- 498:
11، 16- 499: 7- 500: 5- 501:
14- 502: 15- 506: 17، 18- 508:
4- 509: 5، 7، 13- 513: 7- 515:
3، 6، 12، 16- 521: 14- 522:
5- 525: 20- 526: 1، 15، 17- 527: 7- 530: 16- 535: 13- 536:
13- 537: 9- 541: 22- 542: 3- 547: 9- 548: 2، 18- 549: 6، 10- 551: 9، 11- 552: 7، 11- 554: 8، 17- 556: 1
قايات 513: 7
قبرس (قبرص) 58: 7- 111: 5- 133: 4- 176:
6، 17- 179: 18- 180: 1- 360: 19
قبة الإمام الشافعى 227: 21- 371: 9- 381: 18- 448:
3- 509: 14- 557: 1
قبة النصر 298: 12- 424: 11
القدس (أو القدس الشريف) 27: 14- 35: 17- 59: 15- 78:
6- 82: 1- 124: 9، 10، 12- 130:
17- 131: 10- 136: 5- 152: 12- 157: 9- 158: 3، 4- 160: 14- 195: 3- 200: 25- 206: 12- 207:
2- 214: 13- 244: 9- 291: 6- 294: 11- 318: 5- 322: 10- 331:
12- 340: 8، 9- 371: 2- 372:
2- 374: 1- 380: 4- 382: 11- 383: 6- 384: 2- 407: 7، 20- 409: 20- 432: 8- 436: 15- 440:
8- 446: 15- 447: 15- 448: 5- 463: 8- 470: 1- 478: 15- 497:(15/646)
13- 498: 10، 15- 501: 16- 515:
10- 518: 7- 530: 11- 531: 6- 536: 16- 547: 14- 548: 4، 5- 555: 3
قراباغ 72: 14
قراضاغ 29: 14
القرافة 91: 8- 154: 13- 158: 9- 210:
12- 488: 4- 509: 6، 10- 528: 14
القرافة الصغرى 515: 1
قرافة مصر 498: 9
القرم 123: 9
قرمان 61: 23- 116: 10، 19 (ح)
قسطمونى 62: 22
قسم الخليفة 269: 22
قسنطينة 197: 13
قشتيل 363: 4- 352: 2، 19 (ح)
قشتيل الروج 352: 19
قصر بكتمر الساقى 9: 3- 268: 14
قصر الخليفة المستنصر 132: 8
القصر السلطانى بقلعة الجبل 8: 24- 100: 13- 101: 13- 102:
23- 105: 5، 7- 106: 3، 14- 107: 2- 108: 4- 222: 10- 257:
1- 272: 21- 276: 7
قطيا 185: 1
قلا 445: 17
القلعة- قلعة الجبل بالقاهرة قلعة أرزن الروم 70: 17
قلعة أكلّ 224: 17
قلعة ألنجا 89: 17- 220: 5، 23 (ح)
قلعة بهسنا 126: 11
قلعة الجبل بالقاهرة 7: 5- 9: 4، 6، 15- 34: 17- 35:
6، 11- 36: 9- 37: 4- 39: 24- 42: 2، 9- 48: 10، 20- 50: 6- 51: 8- 53: 7- 55: 1، 11- 62: 6- 64: 19- 81: 12، 15- 86: 4، 8- 90: 11- 91: 1، 3، 8، 10، 17- 93: 2، 21- 96: 6- 114: 8- 116:
13- 127: 20- 149: 5- 150: 18- 159: 16- 163: 2- 164: 12- 167:
10- 174: 17- 207: 8- 210: 12- 212: 5- 218: 19- 222: 14- 228:(15/647)
14- 233: 6، 7- 234: 13- 235:
4، 19- 236: 14، 16- 237: 14، 16- 238: 12، 14- 239: 7- 240:
15، 19- 241: 3- 245: 7، 17- 246: 3، 18، 19- 248: 11- 249:
18- 254: 17، 23- 257: 1- 258:
15- 262: 11- 263: 17- 264: 6، 12- 265: 11- 267: 4- 268: 1، 6- 269: 7، 9، 11، 12، 22- 270:
3، 15- 271: 10، 11- 272: 5- 274: 13- 275: 10- 276: 2، 8- 277: 15- 295: 14- 297: 4- 298:
4، 9- 300: 5- 301: 2- 303: 7- 308: 15- 310: 5- 311: 4، 5، 13، 15، 22- 312: 5- 314: 8- 315: 8، 17- 316: 15- 317: 2- 330: 5- 333: 10- 334: 14- 338:
2، 3- 339: 6- 340: 16- 342:
11- 344: 20- 345: 13، 16، 19- 351: 6- 352: 5، 12- 355: 4- 356: 13- 357: 7- 358: 18- 360:
10- 363: 16- 365: 2- 370: 4- 374: 1- 377: 13- 379: 7- 382:
16- 384: 4- 397: 18- 398: 3، 7، 13- 401: 8- 403: 12- 405:
11- 406: 1- 408: 5- 410: 16، 24- 411: 1- 412: 1، 11- 413: 11، 19- 414: 4، 9، 10- 416: 10- 429: 8- 432: 15- 433:
1، 8، 17، 24- 435: 4- 441: 14- 442: 19- 446: 5- 447: 11، 16- 448: 14، 21- 449: 1- 453: 16- 454: 13- 466: 4- 471: 9- 472:
19- 485: 7، 9، 11- 501: 4، 26- 502: 10، 11- 504: 3، 20- 513:
6، 18- 515: 1- 530: 11، 18- 531: 1- 542: 4
قلعة جمركشك 67: 3
قلعة حلب 61: 2- 71: 18- 126: 6، 12- 285: 2، 15، 16، 18- 289: 7، 16- 292: 14، 17- 293: 2- 326:
19، 20- 327: 1، 8- 373:
4- 447: 6- 473: 5- 510: 1- 527: 16
قلعة دمشق 213: 13- 289: 18، 21- 307: 1- 319: 13، 17- 321: 11- 325: 8- 346: 10- 358: 17- 363: 8- 373:
7- 381: 1- 382: 19- 397: 10- 409: 23- 469: 5- 516: 8- 517:
9- 527: 14، 27- 544: 7، 11- 554: 19
قلعة الروم 447: 5- 536: 11
قلعة السبيبة (أو: الصبيبة) 332: 13، 20 (ح) - 443: 2
قلعة صرخد 130: 16
قلعة صفد 292: 5- 307: 8- 332: 10- 380:
4- 445: 16- 544: 9(15/648)
قلعة صهيون 326: 5
قلعة طرسوس 441: 5
قلعة عين تاب 288: 19
قلعة الكرك 475: 5
قلعة المرقب 130: 7- 148: 12
قليقية 380: 18
القليوبية 36: 8- 183: 25- 316: 16- 387:
21- 526: 21
قمن (أو: قمن العروس) 167: 5، 20 (ح)
قنا 308: 23- 341: 22
قناة حلب 324: 6
قنطرة طقزدمر 500: 5- 541: 22
قوارير 124: 4
قوص 279: 7- 308: 22- 356: 1- 360:
2- 530: 13
القوصية 341: 21
قونية 61: 12، 23- 225: 2
قويسنا 175: 16
قيصرية 61: 9، 13، 15، 17- 62: 2، 3- 63: 1
قيصرية الروم 85: 1
ك كالكوت 427: 6
كاليفورنيا 7: 17- 9: 17- 10: 19- 11: 19- 12: 26- 13: 18- 14: 26- 15:
29- 26: 22- 17: 20- 18: 17- 19: 12- 21: 15- 22: 16- 23: 18- 24: 20- 25: 15- 26: 19- 27:
20- 28: 21- 29: 18- 30: 28- 31: 22- 32: 18- 33: 16- 34: 20- 35: 19- 36: 13- 37: 8- 38: 18- 39: 23- 40: 22- 41: 17- 42:
15- 43: 19- 44: 10- 46: 19- 47: 16- 48: 12- 49: 16- 50:
15- 51: 20- 52: 20- 53: 14- 54: 19- 55: 21- 56: 17- 57:
16- 59: 22- 60: 29- 61: 19- 62: 19- 64: 22- 65: 19- 66: 19- 67: 19- 68: 22- 69:
20- 71: 20- 72: 16- 73: 17- 74: 18- 75: 21- 76: 13- 77: 20- 78: 23- 79: 16- 80: 23- 81:
22- 82: 18- 83: 18- 84: 31- 85: 26- 86: 19- 87: 18- 88: 21- 89: 22- 90: 21- 91: 21- 92: 21- 93: 18- 94: 20- 95: 18- 96:
18- 97: 25- 98: 19- 99: 18- 100: 19- 101: 16- 102: 15- 103:
19- 104: 21- 105: 21- 106: 21- 107: 17- 108: 17- 109: 18- 110: 21- 111: 16- 112: 16- 113: 26- 114: 22- 116: 18- 117:
19- 118: 19- 119: 14- 120: 20- 121: 17- 122: 23- 123: 23- 124: 19- 125: 6- 126: 19- 127:
18- 128: 20- 129: 17- 130:
18- 131: 13- 132: 11- 133: 15- 134: 15- 135: 22- 136: 20- 137:
16- 138: 6- 139: 18- 140: 12- 141: 13- 142: 23- 143: 18- 144:
15- 145: 20- 147: 17- 148: 19- 149: 19- 150: 20- 151: 19- 152: 21- 153: 16- 154: 20- 155: 19- 156: 12- 157: 15- 158:
17- 159: 20- 160: 18- 161: 24- 162: 19- 163: 14- 164: 21- 165:
20- 166: 29- 167: 18- 168: 21- 169: 14- 170: 14- 171: 18- 172: 19- 173: 15- 174: 18- 175: 18- 176: 13- 177: 6- 178:
17- 179: 20- 180: 21- 181: 21- 182: 21- 183: 18- 184: 16- 185:
18- 186: 12- 187: 21- 188:
14- 189: 18- 190: 15- 191:
18- 192: 14- 193: 20- 194: 11- 195: 16- 196: 19- 197: 18- 198: 18- 199: 19- 200: 17- 201: 25- 202: 18- 203: 16- 204: 6- 205: 21- 206: 16- 207:
20- 208: 20- 209: 18- 210: 18- 211: 20- 212: 19- 213: 20- 214: 17- 215: 17- 216: 22- 217: 21- 218: 20- 219: 19- 220: 20- 221: 17- 222: 19- 223: 24- 224: 20- 225: 16- 226:
20- 227: 23- 228: 21- 229: 21- 230: 20- 231: 21- 232: 16- 223: 22- 234: 21- 235: 21- 236:
21- 237: 18- 238: 19- 239: 18- 240: 23- 241: 20- 242: 22- 243:
20- 244: 23- 245: 21- 246: 22- 247: 20- 248: 20- 249: 20- 250: 21- 251: 20- 253: 20- 254:
19- 255: 6- 256: 19- 289: 23- 290: 19- 291: 22- 292: 19- 293: 21- 295: 22- 296: 18- 305: 22- 306: 23- 308: 18- 309:
22- 334: 17- 353: 21- 354: 25- 356: 21- 357: 21- 358: 21- 359:
25- 360: 20- 361: 20- 362:
20- 363: 19- 365: 25- 379: 21- 385: 20- 386: 21- 391: 22- 401: 19- 407: 22- 409: 16- 414: 20- 422: 22- 428: 13- 444: 20- 447: 20- 455: 21- 457: 21- 474: 17- 483: 17- 489: 18- 493: 18- 496: 22- 498: 20- 503: 26- 504: 24- 507: 18- 511: 21- 513: 20- 516:(15/649)
18- 517: 19- 518: 19- 521: 21- 527: 21- 533: 20- 535: 19- 539: 16- 540: 24- 544: 20- 545: 21- 546: 20- 547: 18- 548: 20- 550: 20- 551: 17- 552: 21- 553: 13- 557: 22- 558: 18- 559: 14
الكبش 9: 3- 237: 5- 239: 13- 268: 15
كختا 501: 12، 17، 21 (ح)
كختاصو 501: 21
كربرجه 194: 4، 6
كربركا 129: 1، 15 (ح) - 194: 12
الكرك 84: 16- 279: 13- 336: 7- 352:
12- 380: 15- 440: 12- 446: 8- 447: 4- 451: 20- 463: 20
كرك نوح 320: 3، 14 (ح)
كرمان 196: 1- 203: 12
الكعبة 49: 5، 6، 13- 52: 16، 17- 95:
11- 186: 6- 364: 10، 12- 364:
16- 516: 17- 517: 1
كفر شبين القصر 387: 19
كفور العلاقمة 166: 14
كلبركه 129: 15- 194: 16- 215: 22
كورة بنا 485: 20
كورة البهنسا 173: 16
الكوفة 320: 21
كوم الريش 183: 19، 25- 525: 20
كيفا 22: 4
كيفى 27: 15 (ح)
كينوك 78: 20- 79: 7
ل لارندة 61: 12، 23- 225: 2
م ماردين 21: 23- 29: 9- 89: 18- 200: 9- 201: 13- 224: 15- 227: 14- 508: 4
مازندران 224: 10
ما وراء النهر 45: 22- 121: 18- 224: 10
المجر 395: 19(15/651)
محافظة الشرقية 556: 20
محافظة الغربية 430: 20
المحالب 124: 3
المحرقة 501: 24
المحلة (المحلة الكبرى) 124: 18- 301: 6- 485: 14، 21- 541: 4- 545: 2
المدابغ 265: 3
المدرسة الأشرفية 123: 9- 162: 3- 216: 13- 513: 14
مدرسة الأمير صرغتمش 58: 1، 19 (ح)
مدرسة الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى 375: 22
المدرسة البرقوقية 133: 18- 513: 13
مدرسة جانبك بن عبد الله الأشرفى 148: 8
المدرسة الجاولية- مدرسة سنجر الجاولى مدرسة جمال الدين الأستادار 466: 11
المدرسة الجمالية 384: 9، 18- 403: 4- 431: 12
المدرسة الحسينية 273: 7
المدرسة الخروبية 114: 1، 19 (ح)
مدرسة زين الدين الأستادار 405: 5
مدرسة السلطان حسن 267: 8- 271: 13
مدرسة سنجر الجاولى 268: 15، 21 (ح)
المدرسة الصاحبية 415: 7، 23 (ح)
المدرسة الصالحية 175: 11- 367: 20- 386: 1- 514: 5
المدرسة الصلاحية بقبة الشافعى 371: 9
المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف 152: 12- 206: 12- 207: 1
المدرسة الظاهرية برقوق 114: 3- 134: 3
المدرسة الناصرية 480: 20
المدينة (أو المدينة الشريفة، أو المدينة المنورة، أو المدينة النبوية) 116: 4- 135: 17، 19- 153: 14- 155: 16- 196: 9- 202: 1، 2، 4- 225: 9- 282: 20- 373: 9- 413: 2- 414: 4- 480: 14- 490:
21- 507: 4
المرج 272: 6
مرج دابق 19: 19- 61: 9- 84: 23
مردّة 41: 3(15/652)
مرعش 62: 8- 78: 18- 84: 5- 471: 20
المرقب 131: 1- 148: 12- 372: 20
مركز أبى حماد 556: 20
مسجد البئر 7: 20
مسجد التبن 7: 6، 22 (ح)
مسجد الجميزة 7: 21
مسجد السلطان حسن 271: 12
المسطبة 10: 10
مشهد السيدة رقية 348: 1
المشهد النفيسى 269: 7- 348: 1- 489: 14
المشيرق 428: 23
مصر (ديار مصر، الديار المصرية) 9: 22، 24- 11: 7- 15: 4، 24- 19: 8- 20: 9، 14- 34: 1، 6، 19، 22- 35: 1- 36: 3، 13- 41:
11- 48: 25- 52: 14، 17، 18- 57: 9- 58: 8- 62: 7- 63: 5- 64: 12- 65: 2، 4، 18- 66: 13- 75: 1- 76: 12- 78: 16- 79: 5، 9- 81: 9، 21- 82: 14- 83: 7- 93: 12- 94: 4- 103: 4- 104:
15- 107: 7- 109: 4- 112: 2- 113: 12- 114: 5، 8- 116: 2، 17- 117: 18- 118: 17- 119: 2- 120: 2، 5- 121: 25، 26- 126:
2، 15- 127: 4- 128: 11- 130:
10- 132: 8- 133: 2، 10- 135:
3- 136: 10- 137: 1- 138: 1- 139: 2- 142: 4- 144: 12- 145:
2- 147: 2، 7- 150: 7، 9، 12- 151: 5- 153: 2، 18- 155: 5، 8، 12- 156: 2، 6، 17- 157: 13- 158: 23- 160: 2، 8- 161: 6، 10، 13- 164: 8، 11- 165: 8، 16- 166: 7، 20، 23- 170: 2- 172:
4- 173: 2، 5- 175: 16- 176:
7- 178: 2، 8، 13- 180: 4، 11- 181: 6- 184: 2- 185: 19- 187:
7، 16- 188: 8- 190: 2- 193: 3- 194: 2، 25- 196: 2- 203: 18- 205: 2، 8- 207: 5- 210، 2، 5- 211: 7، 9، 16- 212: 5، 17- 213: 17- 215: 8، 10، 12، 16- 216: 12، 14- 217: 10، 12، 14- 218: 11- 222: 5، 12- 223: 2- 230: 16- 231: 13- 237: 22- 244: 6، 11- 249: 6، 8- 254:
10- 255: 3- 256: 2، 4- 258:
1، 5- 260: 14- 261: 4، 13- 262: 2- 276: 4- 277: 3- 290:
5- 291: 20- 292: 4- 302: 6، 12، 19- 306: 12- 308: 8- 317:
17- 318: 20- 328: 13- 329: 11،(15/653)
17- 331: 11، 17- 334: 7- 336:
11- 337: 20- 339: 12- 341: 17- 343: 9- 349: 13- 354: 4- 356:
18- 359: 12- 367: 9- 368: 6- 369: 11، 17- 370: 21، 25- 372:
5- 373: 2- 375: 8- 381: 15- 382: 14- 383: 14- 387: 9- 391:
18- 393: 14- 402: 15- 405: 3- 410: 2- 420: 16- 426: 8- 430:
3- 438: 4، 17- 441: 1- 445: 4، 6، 10- 450: 4- 455: 13- 456: 5- 458: 11- 459: 14- 460: 7- 465:
2- 467: 2، 7، 8- 469: 14- 470:
2- 471: 7- 472: 20- 475: 2- 476: 12- 482: 2- 483: 9- 484:
12، 17، 19- 485: 1- 487:
1، 2- 489: 2- 492: 2، 7- 493: 11، 14- 494: 10- 495:
3، 17- 496: 14- 500: 2- 501:
7- 504: 12- 506: 2، 5، 8- 509:
2، 17- 510: 9، 12- 513: 2- 5- 520: 2، 19- 521: 9، 12- 525:
2- 529: 19- 530: 18- 535: 2، 4- 537: 9- 541: 15- 543: 13- 544: 10- 547: 2، 4، 14- 548:
3- 549: 17- 552: 5، 17- 555: 1، 4، 15- 557: 2
مصر القديمة 273: 20- 349: 6- 394: 23- 481:
1- 528: 14- 533: 7
مصر المملوكية 37: 9- 44: 27
مصر الوسطى 167: 20
مصلاة باب القلة من قلعة الجبل 453: 16
مصلاة باب النصر 104: 16
مصلاة المؤمنى 139: 7- 158: 9- 210: 11- 237:
6- 348: 5، 18 (ح) - 489: 14- 496: 3- 501: 3- 509: 18- 513:
6- 514: 19- 524: 4- 533: 3- 541: 11- 542: 4- 548: 9
المصنع 311: 16، 20 (ح)
المطبخ السلطانى 295: 18- 337: 20
المطرية 7: 20
مطعم الطير (أو الطيور) 344: 18، 22 (ح) - 348: 5- 350:
1- 359: 2- 379: 4
مغاغة 178: 21
المغرب 197: 3- 225: 2- 444: 8- 469: 19
مقابر الصوفية خارج باب النصر 490: 15
مقعد الإسطبل 272: 14
المقياس 425: 13، 18(15/654)
المقير 206: 13
مكة (مكة المشرفة) 43: 7، 8- 49: 8- 53:
1- 72: 6- 4- 96: 10- 123:
2، 3، 4- 127: 6- 128: 1- 135:
16- 136: 1- 146: 3-؟؟؟ 11: 11- 177: 1- 189: 13- 193: 3- 194:
7- 214: 1- 215: 8- 225: 9- 249: 6- 279: 8- 338: 18- 339:
15- 349: 12- 353: 4، 5- 354:
14- 355: 1- 356: 5، 6- 371:
13- 374: 11- 379: 10- 407: 8- 413: 2- 426: 10- 430: 8- 431:
3- 444: 17، 23- 452: 13- 467:
3- 516: 9، 11- 517: 4- 536:
4- 542: 2- 546: 6، 8، 10، 14- 559: 1، 3
ملطية 63: 3- 67: 8، 17- 318: 6- 335:
10- 358: 4- 363: 12- 371: 2- 454: 22- 501: 22- 520: 19، 20
ممالك الشرق 224: 11
ممالك العجم 196: 3- 224: 9
ممالك اليمن 124: 6
مملكة بيت المقدس الصليبية 176: 17
المملكة الشامية- الشام
مملكة عدال 225: 22
مملكة اليمن 474: 10
المنزلة 341: 20
المنصورة 124: 3
منفلوط 55: 5
المنوفية 36: 8- 41: 6- 318: 20- 415: 15- 487: 17، 19
المنيا 178: 21
منية الفاقوس 217: 14
المهجم 124: 3
موردة البلاط 273: 23
موردة الجبس 273: 14، 23 (ح)
الموصل 45: 11، 13
الميدان (ميدان القلعة- ميدان قلعة الجبل) 127: 20- 238: 9- 248: 12، 15- 323: 13، 19- 324: 4- 476: 1
ميدان أحمد ماهر 384: 22 (ح)(15/655)
ن نابلس 41: 4- 286: 20
نجد 196: 12- 494: 16، 17، 18
نجع حمادى 308: 23
النحريرية بالغربية 154: 1
نسف 121: 19
نهر الصفر 366: 23
نواج 539: 21
النيرب (وسماها ابن حمدان: النيربين، بلفظ التثنية) 144: 13، 23 (ح) ، 25- 145: 16
النيل 115: 4- 119: 12- 125: 6- 132:
4- 138: 4- 146: 5- 152: 18- 155: 17- 169: 12- 172: 12- 177:
5- 183: 10- 193: 17- 196: 16- 204: 4- 209: 16- 221: 15- 309:
16- 311: 22- 334: 4، 8- 343:
12- 424: 7- 425: 16- 426: 24- 474: 14- 481: 9- 488: 9- 491:
17- 499: 8- 505: 6- 508: 17- 512: 3- 514: 19- 519: 6- 534:
8- 546: 16- 559: 9
هـ هراة 49: 7- 136: 6- 202: 7، 8
هرمز 49: 8
همم 308: 22
الهند 129: 1، 4، 15- 154: 11- 192:
13- 193: 4- 194: 4، 15- 203:
14- 224: 11- 215: 6، 22- 426:
4- 427: 1
هوّ 308: 11، 22 (ح)
والواحات 277: 16، 18
الواسطى 167: 21
الوجه البحرى 37: 1- 55: 10- 124: 18- 487:
17- 490: 7- 556: 1
الوجه القبلى 35: 13- 41: 7- 55: 8، 10- 57:
10- 113: 1، 3- 310: 20- 445:
18- 452: 2- 527: 11
ونا 509: 20
ى ياق 183: 19
اليمن 124: 2- 128: 9، 10- 145: 7، 10- 152: 4- 154: 11- 186: 9- 125: 11- 338: 15- 339: 12- 426:
9- 428: 4، 6، 24- 469: 4- 474: 9
الينبع (أو الينبوع) 135: 17- 225: 10- 278: 7- 339:
19- 440: 6(15/656)
فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف
اابن المحمرة 206: 12، 21 (ح) «1»
الأتابك 20: 6- 71: 7- 120: 8- 167: 2- 179: 6- 188: 11- 200: 1- 205:
5- 226: 3- 229: 17- 230: 4- 234: 4، 5- 236: 11، 13- 241:
4، 13- 242: 1، 3، 8، 12- 243:
8، 15- 244: 4، 8، 12، 13، 19- 245: 4، 9، 11، 15- 247: 14- 249: 5، 19، 18- 250: 2، 5، 15، 19- 251: 1، 3، 8، 11، 13، 17- 252: 6، 13، 19، 20- 253: 1، 4- 258: 5- 261: 6- 264: 8، 15- 271: 1- 276: 14، 15- 290: 17- 363: 12- 410: 8- 436: 2- 446:
16- 454: 12- 457: 14- 468: 1، 12- 470: 5- 475: 7- 476: 5- 499: 6- 504: 5- 508: 10- 511:
1- 521: 6- 522: 9، 15- 540:
10- 544: 8
أتابك حلب 33: 14- 285: 19- 288: 18- 326:
9- 335: 12- 336: 13- 358: 5- 409: 11- 463: 10- 521: 3
أتابك دمشق 288: 8- 291: 8- 306: 13- 329:
15- 339: 4- 521: 4- 522: 1
أتابك صفد 438: 3
أتابك العساكر 15: 21- 20: 12- 29: 8- 39: 9- 65: 2، 4- 223: 2- 275: 12- 276: 15- 450: 8
أتابك العساكر بدمشق 19: 7- 447: 18
أتابك العساكر بالديار المصرية 137: 4، 9- 151: 5- 187: 15- 211: 15- 221: 2- 262: 1- 329:
10- 369: 11- 476: 12- 509: 17- 510: 12
أتابك غزة 331: 12- 337: 10
الأتابكية 41: 5- 65: 6- 152: 5- 160: 17- 221: 12- 276: 16- 277: 1- 304:
15، 17، 18- 305: 2- 329: 13، 18- 369: 12- 370: 3- 445: 10- 460: 7- 461: 7- 467: 16- 470:
6، 8- 476: 13- 509: 18- 510:
15- 536: 20(15/657)
أتابكية حلب 409: 11- 478: 6، 8- 521: 1
أتابكية دمشق 33: 11- 180: 3- 378: 5- 478:
7- 521: 1، 6
أتابكية صفد 279: 14
أتابكية العساكر 151: 15
أتابكية العساكر بالديار المصرية 36: 2- 188: 8- 221: 10- 261: 3
أتمجكى 336: 4، 28 (ح) - 544: 2
الأنفال السلطانية 13: 16
إجازة 547: 12
الأجلاب- المماليك الأجلاب الأجناد البلاصية 20: 1، 17 (ح) - 187: 17
أجناد الحلقة 15: 20- 68: 12، 20- 365: 2- 438: 21
الأحباس المبرورة 166: 20
أحكام النجوم 183: 8
أرض عامرة 41: 11
الأستادار 9: 9- 38: 1، 8- 43: 2، 3- 50:
9- 51: 10، 16، 18، 19- 52: 3، 8، 9- 54: 18- 158: 16- 186:
10- 207: 4- 224: 4- 327: 13- 328: 1- 334: 14- 340: 15- 341:
4، 14- 346: 2- 350: 7- 364:
18- 381: 6- 401: 5- 405: 5- 410: 12- 417: 12- 423: 6- 433:
13- 434: 1- 451: 13- 481: 4- 494: 11- 497: 8
أستادار الذخيرة 345: 11
أستادار السلطان بدمشق 394: 6- 521: 4
أستادار الصحية 223: 19- 265: 10- 266: 11- 355:
16- 373: 17- 451: 3- 520: 5
الأستادار الكبير 350: 4
أستادار المحلة 545: 2
الأستادارية 24: 9- 35: 13- 42: 4، 11، 12- 51: 12- 55: 1- 77: 8- 164: 1، 4- 172: 2- 187: 2، 13- 207: 5- 218: 14- 224: 5- 333: 8، 14- 353: 15، 18- 354: 2، 4، 6- 358: 6- 412: 3- 462: 3- 484:
14- 495: 6، 10- 497: 14- 518:
4- 527: 9- 553: 10، 11
أستادارية السلطان بدمشق 439: 1، 2
أستادارية الصحبة 520: 5، 7(15/658)
أستاذ 105: 17- 121: 4- 147: 8- 148:
7، 9- 150: 16- 151: 7- 153:
10- 161: 7، 16، 21- 162: 4، 178: 14- 179: 10، 11- 181: 2- 185: 10- 187: 4- 199: 10- 200:
5- 224: 4- 237: 2- 241: 14- 248: 1- 258: 12، 13- 259: 9- 279: 3- 293: 17، 19- 299: 8، 11- 303: 7- 310: 8- 311: 6- 312: 6- 320: 7- 322: 4- 348:
10- 352: 8- 410: 7- 432: 19- 469: 9- 476: 4- 486: 2- 496:
4- 504: 14- 516: 7- 517: 9- 521: 3، 5- 522: 3- 526: 13
الأستاذون المحنكون 132: 7
الاستسقاء 396: 21 (ح) - 424: 7- 425: 5، 10
استيفاء الدولة 158: 13، 18 (ح)
الاسم الأعظم 331: 5
أشرفى (نقود) 436: 22
أطراف الناس 438: 4- 502: 1
الاعتزال 320: 27
أغا 120: 18، 19- 324: 12- 399: 2- 472: 2- 477: 20
الإقامات 90: 1- 337: 21- 343: 13
إقطاع، إقطاعات 15: 16- 36: 2- 39: 7، 8- 41:
3، 4- 48: 3- 59: 9- 69: 12، 16، 17- 78: 5- 82: 3- 86: 12- 157: 12- 165: 12- 166: 22- 187: 2، 6- 199: 15- 213: 10، 13- 221: 11- 229: 7، 13، 14، 16- 232: 13- 242: 20- 248: 7- 261: 5- 262: 12- 263: 6- 276:
14، 15- 277: 1، 14- 295: 2- 301:
18، 24- 302: 2- 303: 14- 304:
1، 2، 5، 6، 15- 306: 1- 321:
15- 329: 12- 331: 13- 336: 13، 20- 340: 12- 341: 14- 344: 21- 345: 2- 355: 16- 360: 2- 364:
6- 368: 6، 10- 369: 16- 372:
6- 373: 12- 374: 2- 380: 20- 382: 15- 383: 1، 7- 385: 15- 390: 2- 391: 1، 6- 404: 10- 407: 5- 408: 9- 417: 9- 429:
10- 430: 10- 431: 2- 434: 14- 435: 2- 438: 1- 439: 13- 443:
9- 444: 16- 445: 7، 18- 470: 5- 496: 10- 511: 1- 521: 15- 559: 6
إقطاع الأتابكية 276: 16- 277: 1- 470: 6
إقطاع تمليك 332: 22
إقطاع محلول 335: 13، 26 (ح)(15/659)
الإقطاعات المملوكية 37: 20
أكابر الدولة 296: 1- 458: 3
أكديش، أكاديش 28: 6- 47: 14، 21 (ح) - 68: 1- 357: 14
الإمام 320: 24
إمام السلطان، أئمة السلطان 10: 4- 104: 12- 224: 6
إمام الملك الأشرف 306: 5
الإمامة 209: 10- 320: 23
الأمر الشريف 380: 3
الأمراء الأصاغر 107: 4
الأمراء المصريون (المقصود بهم أمراء المماليك والجيش المملوكى فى مصر) 15: 4- 24: 10- 25: 3- 234: 1
الأمراء المقدمون 394: 13
الإمرة 19: 18- 363: 4- 391: 4- 429: 10
إمرة أربعين 345: 2
إمرة البلاد الشامية 529: 18، 20
إمرة الحاج، إمرة حاج المحمل 299: 16- 301: 2
إمرة الركب 530: 5
إمرة سلاح 211: 13- 261: 2- 304: 19- 460:
12- 470: 4- 472: 21- 510: 11- 536: 9
إمرة طبلخاناه 15: 16- 81: 15- 114: 11- 148:
15- 157: 13- 161: 9- 165: 9- 179: 13- 260: 15- 404: 11- 430:
11- 476: 7- 477: 6، 14- 497:
12- 510: 7- 522: 5- 525: 18- 541: 14- 543: 11- 548: 14
إمرة عشرة 35: 14- 126: 7- 170: 10- 184:
8- 207: 13- 231: 1- 248: 7- 260: 14- 262: 19- 355: 16- 369: 19- 373: 14- 380: 1- 383:
7- 386: 20- 390: 5، 7، 9- 391:
2- 394: 1- 430: 10- 440: 10- 469: 12- 472: 18- 476: 7- 477:
5، 13- 478: 3- 497: 14- 518:
2- 520: 16- 522: 4- 526: 1، 17- 529: 19- 531: 1- 543: 10- 544: 10- 548: 19
إمرة عشرة ضعيفة 496: 6
إمرة عشرين 122: 6
الإمرة الكبرى 36: 5(15/660)
إمرة مائة وتقدمة ألف 56: 15- 63: 17- 66: 16- 76:
10- 114: 12- 117: 17- 122: 7- 126: 8- 135: 2- 148: 16- 151:
13- 161: 10- 180: 16- 181: 6- 199: 12- 211: 14- 213: 13- 260:
16- 263: 13- 276: 19- 350: 9- 373: 7- 390: 1- 405: 12- 408:
2- 438: 17- 440: 14- 445: 6- 467: 1- 469: 13- 470: 2- 476:
8- 478: 6- 485: 1- 496: 14- 508: 11- 510: 9- 520: 18- 522:
8- 536: 13- 543: 12- 548: 2- 554: 19
إمرة مجلس 160: 16- 460: 15- 467: 9- 476:
11- 510: 11
إمرة مكة 136: 1، 2- 189: 14- 379: 10- 349: 12- 467: 5- 536: 4- 542: 2
إمرة الينبع (أو الينبوع) 278: 6- 440: 6
الأملاك المسقفة 121: 24
أمير آخور 7: 8- 18: 14- 20: 12- 39: 11، 13- 130: 6، 9- 161: 5، 8- 165:
10- 212: 3- 226: 4- 258: 8- 286: 13- 305: 12- 318: 14- 330: 1- 331: 18- 332: 14- 342:
1- 391: 6- 394: 14- 402: 2- 407: 7- 451: 17- 479: 7- 535: 7
أمير آخور ثالث 291: 2- 397: 6- 544: 4
أمير آخورثان 8: 6- 223: 18- 229: 14- 237:
17- 240: 1- 242: 16- 246: 2- 262: 15- 304: 7- 305: 14- 322:
3- 325: 12- 340: 15- 397: 7- 451: 6- 470: 18- 476: 7- 544:
1، 4
أمير آخور كبير 30: 12- 68: 9- 71: 6- 81: 4- 90: 5- 117: 16- 126: 8- 130:
11- 159: 10- 199: 13- 223: 7- 244: 2- 245: 20- 267: 18- 305:
1، 3- 306: 7- 367: 7- 370: 1- 391: 13- 450: 9- 472: 21
الأمير آخورية 40: 2، 4- 71: 7- 130: 12- 161:
9- 199: 16- 261: 1، 2- 391:
14- 461: 7- 541: 16- 543: 15
الأمير آخورية الثانية 180: 15- 305: 16- 391: 9
الأمير آخورية الكبرى 260: 18- 262: 5، 6- 460: 17- 536: 18
أمير أربعين 15: 15
أمير ألف، أمراء الألوف 116: 17- 165: 8- 180: 11- 262:
10- 269: 14- 270: 2- 290: 8، 14- 303: 15- 331: 17- 334: 7-(15/661)
335: 11- 337: 10- 346: 18- 372: 5- 390: 2- 484: 16
أمير جاندار، أمراء جاندار 28: 1- 245: 18- 451: 3
أمير الحاج، أمير حاج المحمل 9: 8- 60: 2- 100: 1- 165: 4- 179: 17- 232: 8- 277: 13- 300:
18- 305: 9- 310: 1- 337: 16- 346: 16- 350: 19- 351: 2- 356:
7- 358: 8- 370: 14- 372: 12- 380: 12- 387: 1- 392: 4- 402:
12- 430: 1- 438: 14- 439: 9- 446: 9- 522: 6
أمير حاج الركب الشامى 373: 9
أمير خمسة، أمراء الخمساوات 19: 17
أمير الرجبية 423: 20
أمير الركب الأول 60: 3- 218: 19- 337: 17- 346:
17- 351: 3- 356: 8- 358: 9- 370: 15- 372: 14- 387: 3- 402:
13- 430: 1- 446: 12- 518: 1، 2- 522: 6- 530: 4
أمير سلاح 20: 11- 39: 8، 9، 18- 40: 3، 4، 6- 47: 7- 57: 3- 65: 3، 5- 90: 3- 137: 8- 151: 14- 160: 16، 17- 223: 5- 244: 4- 245: 11- 256:
8، 17- 262: 1، 3- 268: 14- 271:
19- 275: 11، 13- 282: 15- 299:
2- 303: 18- 304: 18- 305: 1- 308: 9- 329: 9- 346: 19- 370:
1- 376: 16، 18- 386: 12- 389:
15- 402: 4- 405: 16- 450: 8- 469: 15- 482: 8- 535: 6- 536:
7، 19
أمير طبلخاناه، أمراء طبلخانات 8: 3- 12: 11- 39: 1، 5- 48: 2- 71: 16- 76: 18- 78: 4- 113: 2- 150: 15- 151: 1- 180: 14- 184:
9- 187: 1- 207: 12- 214: 1- 223: 10، 14، 21- 235: 18- 259:
5- 270: 3- 282: 13- 290: 15، 18- 304: 3- 305: 19- 306: 17- 316: 2- 330: 3- 347: 1- 360:
8: 366: 4- 424: 3- 450: 17- 451: 6، 10- 466: 19- 469: 13- 472: 19- 496: 11- 518: 4- 520:
16- 530: 20- 548: 1- 559: 1، 6
(وظائف أمراء الطبلخاناه: ص 223)
أمير عشرة، أمراء عشرات 8: 9- 9: 4، 8- 19: 9- 33: 15- 50: 2- 72: 5- 79: 12- 81: 3- 87:
1- 106: 18- 157: 12- 181: 19- 199: 10- 205: 6، 14- 207: 11- 217: 17- 223: 10، 14، 19، 20، 22- 227: 11- 229: 16- 231: 16- 232: 9- 235: 18- 246: 5، 6، 7، 17- 262: 15، 17- 263: 1- 266:
8، 9- 270: 3، 10- 276: 19- 277:
10- 279: 11، 13- 286: 18- 287:
4- 290: 17- 291: 20- 301: 2-(15/662)
305: 20- 314: 11، 16- 318: 16- 330: 3- 332: 12، 15- 333: 12- 337: 18- 340: 15- 346: 18- 378:
347: 1- 349: 14- 350: 12- 351:
3، 6- 354: 14- 358: 10- 360:
9- 363: 8- 368: 9- 372: 2، 9، 13- 378: 7، 18- 379: 13، 18- 382: 19- 409: 6- 430: 2- 433:
10- 434: 7- 435: 7- 438: 20- 449:
2- 451: 1، 4، 10- 478: 14- 485:
6- 496: 5- 497: 8، 11، 16- 520:
5- 526: 12، 15- 532: 9- 540:
8- 542: 19- 559: 4
أمير عشرين 372: 22
الأمير الكبير، أكابر الأمراء 11: 10، 11- 41: 1، 4- 57: 3- 65:
1، 11- 76: 4- 103: 3، 11- 105:
5، 15، 19- 106: 1، 6، 14- 187:
15- 223: 2- 227: 7- 228: 7- 233: 9، 12- 235: 8، 9، 17- 236:
6- 237: 2، 3، 7، 12، 13- 238:
5، 8- 239: 1، 3، 8، 15، 17- 240:
3، 5، 10، 13، 15- 241: 23، 15- 242: 10، 14- 243: 1، 4، 6، 10- 245: 2- 246: 16، 21- 247: 2، 7، 10- 248: 3، 9، 13، 17، 22- 249:
1- 250: 2، 8، 11، 13- 252: 1، 8، 11- 253: 9- 254: 8- 256: 12، 13- 290: 9- 369: 11- 375: 11- 412: 9، 13، 16- 448: 14- 509:
16
أمير مائة ومقدم ألف 15: 19- 114: 10- 117: 15- 130: 10- 150: 7- 157: 10، 14- 160: 1، 1، 15- 184: 12- 188: 7- 205: 8، 10- 211: 12- 350: 13- 369: 17- 463:
12- 467: 7- 478: 4- 484: 18- 521: 12، 14
أمير مجلس 9: 2- 39: 7، 12، 19- 40: 3، 5- 90: 4- 122: 4- 135: 3- 137: 8- 153: 10- 160: 15- 188: 8- 223:
5- 245: 4- 248: 14- 462: 2، 4، 5- 275: 13- 276: 1- 303: 16- 316: 9، 14- 347: 3- 370: 1- 383: 21- 385: 15- 389: 14- 402:
2- 410: 6- 450: 9- 470: 4- 476:
10- 502: 14
أمير المدينة الشريفة 462: 11
أمير مكة المشرفة 356: 5- 462: 6- 467: 3
أمير المماليك السلطانية 374: 10
أمير المؤمنين 12: 10
أمين الحكم بالقاهرة 172: 10
الأنظار المتعلقة بالدوادارية 370: 13، 20 (ح)
إنى (الزميل الصغير فى خدمة السلطان أو الأمير. الجمع:
إنيات) 188: 2، 4، 5، 16 (ح) - 199: 9-(15/663)
228: 15- 229: 2- 235: 2، 8- 258: 15- 471: 13
أهرام ضاغ 39: 3، 20 (ح) - 244: 4- 262: 1
الأوباش 16: 16- 45: 16- 171: 1- 187: 9، 19- 218: 1- 278: 19- 284: 13- 295: 2- 473: 10- 508: 5
الأوباش الأطراف 439: 3
الأوجاقى 27: 2، 18 (ح) - 170: 6
أول خمسين النصارى 390: 10، 17 (ح)
أولاد الناس 366: 1- 440: 18
إيقاع الحوطة (بمعنى الحجز) 327: 14، 23
إيوان 48: 13 (ح)
ب باب سر البيت 267: 13
باش 76: 18
باش المماليك السلطانية 444: 23
باشة (من آلات التعذيب) 443: 3، 21 (ح)
البجمقدار، أو البشمقدار 412: 5، 23 (ح)
البجمقدارية 295: 4
بختى، بخاتى (إبل) 61: 16، 26 (ح) - 85: 9- 343: 1، 19 (ح) - 357: 17- 433: 19
البداء 321: 18
بدلات مينة 357: 15
البذل (الرشوة) 198: 11- 217: 17، 25 (ح) - 438:
4- 439: 3- 480: 12
البراطيل (الرشوة) 189: 10
البرجاس 181: 16- 475: 11، 21 (ح) - 476:
17
برشوم، براشم 15: 8، 28 (ح)
بركستوانات ملونة 357: 15
البريد 30: 2، 16 (ح)
البريدى 231: 10
البشارة، البشائر 227: 12- 294: 8- 308: 8- 309: 3- 315: 10- 317: 13، 15- 319: 7- 324: 16- 327: 6
البشتكى (نوع من المسكرات) 144: 7(15/664)
بطال، بطالون (بدون وظيفة) 28: 1، 16 (ح) - 36: 1- 78: 7- 82: 1- 86: 18- 117: 1- 130: 7- 150:
15- 151: 12- 157: 9- 158: 4- 160: 14- 180: 2- 221: 2، 12- 244: 9- 262: 14- 276: 19- 309:
11- 317: 3- 347: 8- 356: 2، 14- 336: 5- 365: 11- 368: 10- 372: 8- 373: 12- 374: 1- 384:
2- 395: 5- 403: 13- 404: 9- 406:
15- 409: 20- 430: 6- 431: 15- 432: 8- 434: 13- 436: 15- 440:
8- 447: 17- 463: 8- 470: 1- 478: 1، 10، 18- 484: 20- 486:
4- 497: 8- 498: 11، 15- 506:
17- 522: 15- 523: 12- 526: 1- 527: 7- 530: 11- 531: 7- 536:
16- 547: 14- 548: 4- 552: 6- 554: 16- 555: 3، 4
البطريرك 390: 24
البطة 436: 21
بغا (فى مثل كمشبغا) 33: 26 (ح)
بلّان 199: 18
البلص، بلاصى، بلاصية 59: 1، 21 (ح) - 187: 18، 20 (ح) - 375: 10- 388: 7
البهلوان (لقب) 181: 19، 24 (ح) - 187: 7- 463:
1، 7، 21 (ح)
البهموت 400: 12، 24 (ح)
البواب 239: 5- 246: 8
بوس الأرض 470: 11
بوس رجل السلطان 357: 7
بوق، بوقات 15: 2
بياض العامة، أو بياض الناس 84: 8، 9- 172: 11، 15 (ح) ، 17- 220: 14
بيت المال 208: 1- 328: 17- 375: 15
ت تأمّر (صار أميرا) 260: 10- 262: 18- 264: 9- 477:
5، 13- 478: 3- 520: 7- 522:
3- 541: 13- 551: 10
تجريدة، تجاريد 57: 2، 7، 12- 75: 3- 90: 2- 92: 1، 2- 103: 4- 109: 4- 223:
4- 232: 3- 248: 3- 290: 1- 305: 12- 310: 9- 334: 4- 341:
10- 342: 3- 351: 16- 359: 13- 367: 6- 394: 11- 397: 8- 401:
18- 409: 18- 420: 17- 457: 18- 459: 5(15/665)
تحمل الشهادة 509: 9- 513: 11
تحويل السنين 177: 5، 9 (ح)
تخت الملك 257: 1، 3- 261: 11- 287: 10
تخفيفة، تخافيف 180: 6، 8
تخليق المقياس 425: 13، 21 (ح)
تدبير الملك 211: 16
تدبير الممالك 211: 2
تدبير المملكة 461: 16
تدريس الشافعى 375: 9
تدريس قبة الشافعى 381: 18
تدريس المالكية 466: 11
الترسيم (الوضع تحت المراقبة) 12: 11، 12- 358: 8- 375: 12- 386: 3، 5- 416: 15- 418: 17- 423: 8- 432: 3- 442: 18- 444:
8، 15- 557: 5
تسلطن (صار سلطانا) 260: 3- 272: 15- 287: 8- 340:
12- 348: 11- 388: 5- 468: 4- 469: 10- 470: 10- 473: 1- 478:
8- 502: 5- 504: 16- 510: 7- 520: 16- 527: 16- 529: 18- 530: 23- 541: 4- 543: 7- 552:
13- 553: 11
تسليك 215: 5
تسمير (تعذيب) 404: 3
تشريف، تشاريف 39: 2، 14- 54: 8- 81: 2- 193:
5- 231: 10- 242: 14- 245: 1- 278: 3- 287: 5، 18- 374: 18- 378: 18- 404: 18- 437: 19
التشطيب على فلان بمبلغ كذا 329: 6
تطليب 28: 13، 26 (ح)
تعزير 443: 16، 19، 20
تقبيل الأرض 49: 3- 76: 20- 81: 12- 101: 9- 104: 4- 222: 11- 239: 12- 244:
17، 21- 245: 1- 248: 16، 18- 249: 18- 257: 1- 269: 12- 274:
14، 15- 278: 4- 287: 18- 332:
15- 338: 2- 357: 7- 363: 15- 385: 14- 403: 12- 408: 2- 429:
9- 434: 4- 447: 16- 452: 13
تقبيل الرجل 248: 17- 274: 16- 441: 19- 446: 20
تقبيل اليد 106: 2- 240: 3، 5- 278: 15-(15/666)
304: 13- 389: 6- 446: 20- 452: 13
تقبيل اليد والرجل 317: 3
تقدمة 59: 10- 62: 4- 85: 4، 5- 306:
2- 337: 11- 345: 1- 355: 13- 357: 11، 22- 358: 14- 365: 5، 21- 371: 11- 380: 14- 410: 1- 434: 2- 439: 14- 476: 11
تقدمة ألف، تقادم ألوف 81: 16- 179: 14- 180: 3- 221:
6- 229: 10- 304: 4- 336: 11- 355: 14- 373: 13- 472: 19- 520: 11، 19- 548: 13، 16
تقدمة المماليك السلطانية 381: 9- 412: 2
تقليد، تقاليد 39: 2- 73: 4- 81: 2- 148: 14- 231: 15، 17- 287: 5- 288: 11- 294: 17- 335: 13- 372: 8- 374:
18- 375: 1- 378: 17- 404: 18- 437: 19
تقليد شريف 332: 23
التقية 321: 18
التكحيل 296: 13- 302: 15
التكفور 380: 20
تكفية الدولة 52: 5
تكفية يومه 51: 15
التمربغاوى (نوع من المسكرات) 144: 7
تمفقر 436: 7- 478: 11
التوسيط (القطع نصفين) 23: 9، 13، 19 (ح) - 80: 13- 101: 2، 11، 14- 102: 5- 312: 5- 404: 4- 441: 21- 507: 7
التوقيع 57: 25- 545: 5
توقيع السلطان 105: 22
ث ثانى حاجب- حاجب ثان ثانى رأس نوبة- رأس نوبة ثان ثياب بعلبكى 358: 15- 359: 7
ج جابى أملاك:
502: 3
جاليش 201: 2، 17 (ح) - 317: 19- 318:
7، 8
الجالية، الجوالى 556: 17، 22 (ح)
جامكية، جامكيات، جوامك (مرتب) 50: 7- 161: 18- 260: 7- 264: 5- 341: 15- 458: 2(15/667)
جبن مقلى 436: 23
جحا 25: 8، 18 (ح)
جراريف 301: 17
جرافى 301: 16
جرائحى 58: 16
جعيدى، جعيدية 97: 2، 7، 16- 397: 7
جلب (مماليك) 509: 19- 510: 4
الجلبان- المماليك الجلبان
جمدار، جمدارية 184: 8- 246: 9- 248: 6- 295:
4- 446: 15- 471: 15- 516: 9- 518: 15، 18
جنزير (من أدوات التعذيب) 389: 2- 414: 3- 418: 15- 421:
5- 422: 19- 442: 19- 443: 3- 444: 7
جنويات 323: 15، 24 (ح)
جوالى دمشق 406: 7
جوقة، أجواق 154: 14، 16، 17
ح حاجب، حجاب 9: 4- 93: 16- 161: 13- 178: 13، 16- 288: 10- 291: 10- 335: 3- 360: 2- 375: 5- 465: 15- 478:
15- 551: 14- 552: 1
حاجب ثالث 38: 14
حاجب ثان 9: 3- 48: 2- 96: 9- 113: 2- 207:
12- 214: 1- 223: 12- 277: 2، 10- 282: 13- 337: 12- 552: 1
حاجب الحجاب 30: 6- 39: 19- 49: 4، 6- 57:
4- 76: 5- 79: 7- 90: 5- 223:
7- 244: 12- 248: 18- 260: 17- 262: 3، 9- 268: 17- 272: 1- 283: 3- 305: 7- 356: 8- 365:
18- 380: 12- 406: 12- 450: 11- 510: 9
حاجب حجاب حلب 326: 10- 335: 8- 371: 3- 379:
1- 511: 8- 521: 3
حاجب حجاب دمشق 306: 15- 319: 14- 335: 7- 404:
16- 438: 1
حاجب الحجاب بالديار المصرية 467: 8
حاجب حجاب طرابلس 130: 3- 181: 6
حاجب حلب 285: 19- 532: 12
حاجب حماه 335: 8(15/668)
حاجب صفد 387: 7
حاجب غزة 317: 1
حانوت الشهود 206: 14
الحبوس 160: 2
الحجاب الأجناد 552: 2
الحجوبية 44: 6- 218: 14- 260: 20- 276:
4- 305: 10- 403: 6- 450: 13- 467: 9- 522: 16
الحجوبية الثانية 375: 5- 477: 14
حجوبية الحجاب 63: 15- 76: 9- 137: 7- 276:
18- 407: 3- 408: 7- 429: 7- 438: 17- 461: 1- 484: 19- 496:
15
حجوبية حجاب حلب 335: 9- 404: 7- 511: 16
حجوبية الحجاب بدمشق 363: 9- 522: 16
حجوبية حلب 294: 16- 379: 2- 403: 14- 404:
9- 407: 4- 529: 14
حجوبية حماه 131: 6
حجوبية دمشق 130: 9- 185: 7- 335: 7- 405:
1- 436: 14- 529: 15
حجوبية طرابلس 380: 9- 447: 4
حراقة، حراريق، حراقات 333: 11، 20 (ح)
حرامى 385: 12
حرفوش، حرنفش، حرافيش 84: 9- 97: 2، 15 (ح) ، 18- 218: 2
الحريم 261: 23
الحريم السلطانى 295: 14
الحسبة 60: 11 (ح) - 94: 9- 393: 18- 401: 5
حسبة القاهرة 83: 7- 89: 10- 94: 12- 137: 2، 14- 154: 15- 168: 1، 13، 16- 178: 16- 218: 4، 17- 349: 6- 356: 11- 357: 2- 364: 4- 388:
2- 294: 9- 401: 4- 403: 6- 487:
9، 10- 522: 5
حسبة مصر القديمة 148: 8- 349: 6
الحطى (ملك الحبشة) 196: 14، 22 (ح) - 225: 14
الحفير 301: 15(15/669)
حماية، حمايات 322: 1، 17 (ح) - 417: 9
الحوطة على موجوده 415: 9
حياصة ذهب 263: 4
خ خاتون 62: 4- 63: 8
خازندار 82: 4، 6- 105: 3- 106: 2- 109: 1- 143: 7، 10- 148: 14- 163: 5، 8، 19- 223: 18، 20- 229: 12- 230: 1- 238: 2- 239: 5- 259:
6- 262: 20- 313: 14- 326: 4- 331: 19- 345: 6، 12- 355: 4، 6- 377: 1- 392: 4- 402: 13- 430: 11- 431: 9- 436: 2- 450:
17- 451: 9- 469: 10- 485: 16- 486: 6- 495: 7- 507: 15- 518:
13، 16- 530: 20- 552: 9
خازندار كبير 260: 15- 352: 14- 375: 2- 548: 11
الخازندارية 313: 15- 314: 2- 355: 10- 486:
7، 12- 518: 17
الخاص 210: 13- 495: 3
خاصكى، خاصكية 19: 9- 24: 13- 82: 6- 100: 17- 101: 12- 107: 4- 108: 9- 126:
7- 147: 16- 148: 18- 151: 6-
180: 13- 184: 7- 212: 12- 213:
9- 227: 3- 229: 2- 231: 1، 9- 238: 4- 244: 8- 246: 1، 7، 14- 247: 18- 260: 8- 262: 3- 268: 4، 12- 270: 5- 272: 3- 275: 9- 280: 1- 281: 9- 290:
7، 12- 292: 8- 298: 5- 300: 19- 301: 4- 311: 14- 331: 3، 20- 345: 14- 360: 6- 362: 3- 368:
11، 16- 413: 14- 429: 1، 20 (ح) - 430: 10- 448: 15- 466: 17- 508: 9- 511: 15- 516: 8- 522:
14- 530: 14، 22- 548: 11
خافقية 298: 2
خانقاه، خانكاه، خوانق، خوانك 34: 18- 57: 15، 23 (ح) ، 25- 58: 16- 132: 8- 316: 18- 494: 12
خاوند- خوند
ختم البخارى 93: 10، 21 (ح)
ختم القرآن الكريم 557: 11
خجداش، خشداش، خجداشية، خشداشية 161: 1، 20 (ح) ، 22- 188: 16، 22- 234: 11- 235: 4، 9، 14- 241: 8، 12، 14- 252: 18- 265:
5- 268: 7- 271: 1- 298: 16- 299: 7- 300: 1- 303: 6- 307:
13- 310: 4، 10، 13، 14- 312:
7، 10- 314: 19- 317: 7- 351:(15/670)
7، 12- 372: 6- 399: 4- 527:
1- 548: 16- 549: 2
خجداش السلطان 316: 14
الخدم الديوانية 495: 2
الخدمة 295: 12- 315: 9- 352: 6- 365:
4- 377: 16- 441: 12- 510: 17
خدمة الحوش 234: 5
الخدمة السلطانية 48: 9- 83: 13- 105: 4- 232:
5- 233: 3- 234: 3- 237: 3- 241: 6- 242: 10، 14- 243: 10، 11- 251: 19- 252: 3، 8، 10، 12- 253: 3، 5، 7- 272: 21- 273: 3- 281: 3- 397: 17- 429:
10- 433: 14- 439: 16- 445: 13- 448: 14
خراج 341: 20
خراج الإقطاعات 341: 19
الخزانة السلطانية 334: 14
الخزانة الشريفة 96: 13- 406: 8
الخط المنسوب 195: 13، 22 (ح) - 219: 6- 477:
16- 531: 10
الخلافة 489: 15، 16، 17
خلعة، خلع 27: 1- 28: 2- 31: 17- 33: 4- 39: 14- 42: 10- 52: 6، 10- 63:
22- 64: 1، 2- 73: 3، 9، 11- 74: 13- 81: 13- 85: 2- 93: 10- 107: 3- 181: 11- 193: 5- 223:
16- 245: 7- 248: 8- 287: 15- 338: 1- 367: 10- 382: 5- 401:
6- 458: 1- 470: 11- 473: 2- 514: 2
خلعة الأتابكية بالديار المصرية 445: 10
خلعة الاستقرار 349: 12- 356: 4- 358: 5- 363:
7- 368: 2- 447: 19- 467: 15- 496: 10
خلعة الاستمرار 64: 19- 287: 11- 338: 2- 344:
19- 347: 5- 352: 12- 358: 4- 359: 2- 417: 12- 440: 12
خلعة الأنظار المتعلقة بالدوادارية 370: 13
خلعة الحجوبية 305: 9
الخلعة الخليفتية السوداء 256: 15
خلعة الرضى والاستمرار 40: 6- 54: 4(15/671)
خلعة السفر 77: 4- 248: 19- 304: 12- 333:
9- 339: 7- 344: 2- 358: 17
خلعة السلطنة 222: 7، 9
خلعة كتابة السر 164: 13
خلعة نظر البيمارستان المنصورى 370: 12
خلعة نيابة القلعة (قلعة الجبل) 374: 4
خلعة هائلة 438: 13
خلعة الوزارة 445: 9
خلفاء الحكم المالكية 290: 4
الخليفة 261: 11- 341: 17
خميس الأربعين 390: 21
خميس العدس 390: 26
خميس العهد 390: 24
خواجا 258: 3، 5- 344: 1- 476: 4- 482: 18- 530: 13
خوند 60: 4، 26 (ح) - 117: 8- 123: 6- 135: 7- 162: 3- 169: 1، 3- 186: 19- 203: 1، 5، 6- 259: 9- 281: 20- 296: 8- 313: 6- 315:
12- 333: 6- 372: 15- 382: 12- 406: 4- 424: 1- 464: 5- 486:
2- 509: 7- 537: 22- 542: 5، 21
خوندكى 60: 27
د داء الأسد (الجذام) 352: 15، 25 (ح)
دادة 296: 5- 312: 15، 18- 313: 6
دار الضرب 83: 8- 157: 5- 345: 4
دبوس، دبابيس 398: 12- 410: 13
الدراهم الأشرفية من الفضة 339: 9
الدراهم الظاهرية الجقمقية 340: 1، 3
دراهم الكسوة 435: 11
درج الورق 137: 22
الدرك 320: 16
درهم نقرة 140: 15
الدست 137: 15، 18 (ح)
دقن المرأة 237: 1، 8(15/672)
الدقيق العلامة 436: 20
دلال العقارات 418: 14
الدنانير الأشرفية 340: 5
دنانير مصرية 457: 4
دهرى 388: 26
دوادار 8: 1- 36: 11- 43: 1- 55: 9- 62: 12- 72: 8- 76: 5- 80: 6- 83: 1- 118: 1- 130: 4- 135:
1- 141: 1- 166: 19- 180: 14- 184: 4- 221: 8- 239: 6- 294:
14، 15- 306: 17- 312: 8- 319:
3- 326: 4- 348: 6- 363: 9- 399: 18- 431: 8- 440: 17- 446:
12- 466: 18- 472: 13- 522: 7- 527: 13، 15- 532: 10
دوادار ثالث 527: 16- 543: 7
دوادار ثان 8: 6- 60: 3- 148: 6- 170: 8- 184: 9- 223: 16- 229: 10، 19- 234: 12، 14- 304: 5- 305: 14- 336: 2- 350: 5- 370: 15- 390:
1، 7- 402: 14- 412: 4- 429:
19- 441: 17- 451: 7- 466: 19
دوادار السلطان 373: 11- 463: 17
دوادار كبير 69: 2- 90: 4- 152: 9- 157: 9- 181: 1- 223: 6- 244: 1- 248:
14- 262: 7- 267: 10- 305: 8- 329: 6- 355: 12- 356: 12- 360:
7- 369: 10، 16- 391: 12، 16- 446: 9- 450: 11- 496: 2، 16- 509: 19- 554: 16
الدوادارية 36: 20- 83: 3- 131: 7- 158:
2- 231: 2- 262: 8- 309: 11- 370: 3، 13، 22- 385: 5- 430:
13- 447: 11- 496: 18- 497: 1، 11- 525: 14- 555: 3
الدوادارية الثالثة 440: 18
الدوادارية الثانية 148: 15- 277: 1، 9- 467: 2- 543: 8، 9- 548: 15
دوادارية السلطان بدمشق 440: 16
الدوادارية الصغار 170: 9- 178: 14- 308: 14- 351:
12- 359: 17- 404: 12
الدوادارية الكبرى 158: 1- 179: 15- 184: 10، 11- 461: 4- 301: 9- 536: 16- 555: 2
دوران المحمل 128: 3- 337: 6- 366: 8
الدولبة 129: 3(15/673)
دينار ذهب مصرى 458: 1
ديوان الأحباس 166: 20
ديوان الإنشاء 137: 20، 22- 168: 8- 336: 21- 424: 21- 487: 6
ديوان الجيش 37: 13- 41: 11- 166: 21- 336: 21
الديوان السلطانى 161: 15
ديوان المرتجع أو المرتجعات 335: 27- 336: 15
الديوان المفرد 36: 2- 55: 15- 341: 2، 13 (ح) - 350: 4- 353: 9، 17- 354: 3- 484: 8- 527: 9
ديوان النظر 158: 24
ذ الذهب الظاهرى الأشرفى 440: 4
ر رأس الميسرة 303: 18
رأس نوبة، رؤوس نوب 8: 7، 8- 9: 7، 8- 19: 9- 33:
1- 39: 1، 5- 48: 4- 55: 10- 71: 16- 72: 5- 81: 3- 107: 12- 158: 4- 180: 15- 181: 19- 227:
12- 229: 15- 231: 4- 232: 9- 238: 2- 245: 18- 246: 5- 262:
15، 17- 263: 4- 269: 2- 273: 2- 279: 13- 286: 18- 287: 4- 290:
18- 291: 1، 2، 3، 4- 314: 12، 17- 318: 16- 331: 19- 349: 15- 351: 6- 354: 14- 355: 15- 358:
10- 360: 13، 14- 368: 9- 372:
13- 378: 7، 18- 394: 4- 409:
6- 435: 7- 449: 2- 472: 12- 475: 13- 477: 6- 496: 10- 522:
4- 541: 14- 543: 19- 547: 17
رأس نوبة ثان 8: 4- 36: 10- 78: 5- 223: 17- 228: 5- 290: 16- 345: 1- 360:
9- 365: 15- 368: 2- 451: 6- 477: 7- 496: 11- 517: 12- 518:
5- 520: 17- 522: 6- 541: 15- 548: 1
رأس نوبة الجمدارية، رؤوس نوب الجمدارية 184: 8- 231: 5، 6- 246: 9- 295: 4- 355: 5- 390: 4- 446:
14- 516: 8- 518: 18
رأس نوبة النوب 8: 1- 19: 6- 90: 4- 117: 16- 122: 4- 157: 14- 179: 5، 14- 199: 12- 211: 12- 223: 6- 229:
9- 244: 1- 250: 6- 251: 5- 262:
5، 8- 268: 17- 290: 15- 295:
13- 305: 3، 11- 306: 8- 318:
14- 330: 2- 346: 16- 351: 18- 392: 6- 412: 10- 413: 5- 450:
10- 460: 19- 469: 14- 535: 8-(15/674)
536: 15- 541: 16- 543: 4، 15- 555: 1
الربعات 323: 19
رجال السيف 60: 12- 330: 29
رجال القلم 60: 11- 84: 7- 330: 21
رخت 30: 8، 25 (ح) - 242: 16
رزقة، رزق 166: 2، 10 (ح) - 341: 19- 346: 4
الرزق الإحباسية 166: 18- 346: 2
الرزق الجيشية 346: 2
رستاق 79: 23
الرسل 514: 5
رسلية 46: 6- 433: 10- 434: 16
رصم، رسوم 337: 5- 341: 23- 344: 12- 356: 1- 378: 18- 384: 4، 10
رسوم المرور 339: 10
الرفض 320: 13، 21 (ح)
الرق 259: 3
الركوب على 264: 10، 18- 272: 17- 285: 17- 289: 14- 293: 7- 306: 12، 20- 454: 11
الرماحة 76: 2، 16 (ح) - 366: 8
رنك 36: 4، 16 (ح)
رواتب اللحم 264: 5
الروك الناصرى 316: 17- 387: 19- 430: 20- 509:
21
رئاسة الطب والكحل 387: 15
رئيس الأطباء 507: 19
ز زخمة 271: 5
الزردخانة 170: 18- 235: 20- 238: 13- 352:
7- 431: 18- 526: 18
زردكاش 170: 10، 18 (ح) - 223: 13- 297:
8- 298: 9- 308: 13- 310: 2- 312: 7- 341: 11- 413: 9- 424:
3- 430: 8- 431: 1- 450: 18- 526:
11، 13، 15- 549: 3- 558: 17- 559: 1، 3، 4
زردكاش كبير 430: 15(15/675)
الزردكاشية 170: 18- 526: 16
زرديات 433: 19
زعر، زعارة 84: 9- 237: 12، 19 (ح) - 270: 12، 13- 272: 8
الزمام 105: 3- 163: 10، 19- 223: 19- 261: 17- 313: 14- 314: 2- 345:
6- 355: 9- 392: 4- 398: 17- 399: 3- 465: 12، 20- 466: 2- 485: 16- 507: 9، 14
زمام الدار 72: 2- 143: 3، 6- 261: 16، 23 ح
الزمامية 143: 9- 163: 11، 12- 313: 13- 486: 12- 507: 11
زنان دار 261: 23
زى الجند 218: 13- 219: 3- 354: 7
زى الفقهاء 219: 3- 545: 4
زى الكتاب أو الكتبة 354: 8- 451: 15
الزيج 183: 8
س الساقى، السقاة 36: 20- 82: 6- 151: 6- 229: 12، 15- 231: 3- 246: 7، 8، 9- 260:
9- 262: 14، 20- 295: 4- 305: 13- 352: 15- 383: 9- 390: 5- 394:
4- 410: 20- 435: 6- 436: 3- 440:
9- 469: 11- 507: 2- 508: 8- 517: 15- 548: 8، 11
ستارة السلطان 261: 25
سحلية 179: 7
السراخورى 170: 21
سرج ذهب 385: 16
سرموزة، سرامير أو سراميج 56: 9، 11، 19 (ح)
سروج مغرّقة 357: 16
سرياقات 128: 14
سفارة 76: 9- 81: 3- 166: 8- 260: 8- 333: 6- 356: 19- 366: 11- 374:
8- 387: 15- 391: 11- 406: 7
السقاية 380: 1- 507: 6- 517: 17
سلاح خاناة 170: 19
السلاح دار 36: 20- 291: 4- 394: 1- 398: 26
سلاح دارية 295: 4(15/676)
السلاخورى 170: 12، 21 (ح) - 171: 1
سلارى 42: 9، 25 (ح) - 434: 5
السلّاق 390: 21
سلطان الحرافيش 97: 2
السلطنة 260: 9، 15- 261: 8، 13- 265:
18- 272: 17- 341: 14- 344: 19- 348: 11- 369: 13- 468: 2- 503:
13- 504: 7- 520: 1- 525: 1- 535: 1، 7- 547: 1- 548: 10
السماط، أسمطة 91: 2- 108: 8، 9- 135: 5- 149:
15- 253: 6- 293: 15- 370: 5- 475: 14- 497: 2- 538: 10
سمر تسمير سلامة 326: 13
سمر تسمير عطب 326: 14
سنجق 270: 2- 272: 4
سنجق السلطان، السنجق السلطانى 24: 14- 318: 14، 15
السنة الخراجية 177: 9، 10، 17، 19، 21
السنة الشمسية 177: 9، 10، 11، 12، 17، 21
السنة القمرية 177: 10، 11، 12
السنة الهلالية 177: 16، 17
السواد الخليفتى 222: 9
السوقة 340: 9
السيبة 30: 7، 19 (ح)
السيفى، السيفية 105: 16- 161: 1، 14 (ح) - 229:
16- 235: 15- 240: 21- 244: 8- 436: 2- 438: 2- 444: 17- 445:
16- 446: 7- 447: 10- 451: 20- 464: 3- 524: 3- 527: 13
ش شاد الأغنام بالبلاد الشامية 529: 20
شاد بندر جدة 426: 4
شاد الحوش السلطانى 345: 8
شاد الدواوين 8: 11- 53: 10
شاد الشرابخاناة 8: 5- 31: 16- 82: 3، 5- 105:
3- 122: 3- 223: 10- 228: 8- 230: 2- 240: 2- 246: 2- 262:
19- 345: 2- 369: 15- 373: 15- 390: 3- 450: 16- 469: 13- 510:
7- 548: 14
شاد الشون السلطانية 371: 19(15/677)
شاد العمائر بمكة 444: 24
الشحنة 74: 4، 19 (ح)
شد أمور الدولة 77: 6
شد بندر جدة 214: 1- 518: 3
شد الدواوين 403: 6
شد الشراب خاناه 355: 14
الشرابخاناه 8: 24 (ح) - 262: 19- 331: 18
الشراقى العظيم 547: 4
الشريف العالى 330: 18
شريف مكة 339: 15
الشش (نوع من المسكرات) 144: 7
شعار السلطان، شعار السلطنة 34: 13- 105: 22
شعار الملك 256: 16
الشهادة 153: 9
شونة 32: 7
شيخ الإسلام 124: 10- 133: 5- 343: 9- 455:
7، 11- 459: 19- 460: 3- 483: 7- 487: 19- 494: 6- 513: 8- 532: 15
شيخ الإسلام قاضى القضاة 118: 10
شيخ الحجبة بباب الكعبة 186: 6
شيخ خانقاه 57: 24، 25
شيخ خانقاه سعيد السعداء 535: 15
شيخ الخدام بالحرم النبوى الشريف 518: 14- 541: 5
شيخ الشيوخ 57: 24- 74: 17- 132: 9- 133: 6- 230: 15- 501: 2
شيخ شيوخ خانقاه شيخون 121: 7- 167: 16
شيخ الشيوخ بالمدرسة الظاهرية البرقوقية 162: 13
شيخ الصلاحية 515: 10
شيخ الطوائف 97: 2
شيخ مشايخ الإسلام 532: 16
شينى، شينية، شوان 334: 5، 21 (ح)
ص الصاحب 51: 14- 52: 3، 4، 8، 9- 55: 7، 9، 11، 13- 56: 2، 12- 71: 13- 72: 4- 77: 6، 10، 12، 14- 83:(15/678)
6- 85: 14- 104: 10- 158: 15- 224: 1، 2- 276: 9- 277: 6- 279:
14- 366: 11- 371: 2- 378: 10- 385: 16- 451: 13- 461: 10، 17، 18- 463: 20- 494: 9- 527: 5، 12- 556: 10
صاحب آمد 420: 12
صاحب أبلستين 499: 3
صاحب بلاد اليمن 124: 2
صاحب تبريز 420: 12- 432: 15
صاحب جبرت 441: 12
صاحب جدة 427: 2
صاحب حصن كيفا 122: 3- 182: 11، 23
صاحب حماه 456: 7
صاحب سمرقند 350: 17- 546: 8
صاحب الشحنة 74: 19
الصاحب الشريف 158: 23
صاحب ماردين 508: 3
صاحب مكة 353: 5- 355: 1- 426: 10
صاحب اليمن 145: 7
صورة 168: 7
صوفى، الصوفية 57: 24، 27- 58: 13- 139: 14- 154: 6
ض ضرب الطبل 15: 7، 13 (ح)
ط الطالع 257: 5
الطبائعى (طبيب باطنى) 58: 16
طبقة، أطباق، طباق القلعة 50: 6- 90: 11- 161: 18- 188:
20- 240: 6، 9، 16، 18- 241:
10- 248: 10- 352: 5- 365: 11- 413: 18- 432: 20- 448: 21- 471: 14- 523: 18- 530: 18
طبقة الرفرف 199: 9
طبقة الزمامية 260: 4، 6
طبقة الغور 504: 2، 20 (ح)
طبلخاناه 48: 21- 56: 16- 59: 10- 82: 4- 148: 4- 229: 15- 258: 15- 268:
18- 304: 7- 306: 18- 355: 14-(15/679)
394: 14- 397: 7- 412: 11- 450:
16- 548: 2
طبول بازات 357: 13- 359: 9
طرز زركش 344: 3- 445: 9
الطشتدار 36: 21
طلب (- الفرقة من الجيش، الجمع: أطلاب) 7: 5، 13 (ح) - 13: 4- 15: 1، 2، 4- 29: 12، 13- 30: 5، 7- 244:
15- 249: 24- 267: 16- 269: 13، 14- 270: 3، 4- 318: 3، 12، 17
طواشى، طواشية 164: 19- 165: 2- 223: 19، 20، 21- 240: 4- 246: 4- 261: 15، 17- 282: 18- 296: 8، 11- 313: 12، 14- 345: 7، 11- 355: 5- 356: 9- 380: 11- 381: 9- 392: 3- 480:
23- 485: 16- 486: 8- 506: 16- 518: 13، 17- 523: 17
طواشية الأطباق 523: 18
ع العامة، العوام 84: 1، 7 (ح) - 171: 1، 2، 8- 172:
15- 173: 16- 237: 12- 238: 17- 261: 25- 270: 13- 274: 20- 293:
7، 14- 321: 1- 323: 8، 13- 324:
3- 340: 9، 10- 365: 9، 20- 377: 14- 385: 8- 396: 25- 397: 18- 398:
11، 14- 399: 6- 401: 1، 6، 10- 416: 15- 494: 25- 498: 6- 506:
14- 530: 7
عبد الله (مصطلح) 112: 15، 20 (ح)
عبد مأمور 281: 20
عراب (إبل) 85: 9
العزيز 255: 3
عشر، عشور 338: 13، 16- 339: 25- 426: 5
عشير، عشران 115: 1، 7 (ح) - 318: 7، 10، 11- 320: 4، 12- 321: 1- 368: 3
عظيم الدولة 385: 16- 389: 2- 439: 7- 451:
12- 461: 15
العلامة (توقيع السلطان) 105: 8، 22 (ح)
علم الحرف 141: 11، 23 (ح) - 166: 1
علم النجوم 249: 10
عليق (ما تعلف به الخيل والدواب) 341: 15
عمارية 197: 11، 23 (ح)
عمامة، عمائم 354: 7- 407: 14
العمامة المدورة 83: 8(15/680)
عمل المواعيد بالمساجد والجوامع 494: 5، 21 (ح) - 506: 13
العنبريون 34: 16، 21 (ح)
العياق 84: 9
عيد الخميس 390: 17
عيد العنصرة 390: 17
غ غتمى 69: 4
غراب (سفينة حربية) 342: 2- 343: 14- 360: 16
ف فرجية 83: 9- 354: 7
الفضة الأشرفية 340: 2
فوقانى 27: 1- 262: 12- 445: 9
فوقانى الإمرة 263: 4
ق قارىء الكرسى 494: 5، 24 (ح)
قارىء الهداية (لقب) 133: 6، 17 (ح)
قاش 450: 19
القاصّ 494: 25
قاصد، قصّاد 12: 6- 44: 8- 45: 14- 47: 13- 49: 7- 50: 3- 52: 14- 70:
4- 71: 2، 10- 73: 8- 228: 3- 231: 8- 295: 18- 311: 9- 364:
7، 10، 11، 14- 365: 1، 5، 12- 366: 2- 395: 2- 432: 14- 433:
4، 8، 20- 441: 11- 449: 6
قاضى الإسكندرية 491: 14
قاضى حلب 480: 1
القاضى الحنبلى، قاضى الحنابلة 538: 6، 16- 540: 7- 552: 8
القاضى الحنفى 450: 6
القاضى الشافعى، قاضى الشافعية 415: 8- 418: 5- 422: 6، 13، 18- 423: 12- 425: 6- 443: 12، 15- 450: 5
القاضى المالكى 384: 6- 418: 6، 13- 421: 11، 16- 422: 14- 442: 15- 450: 7
القاضى المالكى بدمشق 429: 15
قاضى المحلة 485: 14
قاضى المدينة النبوية 480: 14(15/681)
قاضى القضاة، قضاة القضاة 9: 13، 14- 10: 1- 49: 13- 57:
14- 68: 13- 82: 13- 93: 2- 96:
11- 107: 2- 110: 13- 117: 5- 118: 4، 12- 124: 13- 127:
5، 9، 16- 128: 12- 173: 7- 174: 13- 240: 11- 300: 9- 349: 6- 371: 6- 373: 2- 382:
3- 383: 13- 385: 10- 386: 2- 394: 15- 397: 5، 13- 402: 4- 405: 16- 423: 13- 424: 9، 13- 442: 20- 443: 13- 468:
17، 19- 483: 7، 10، 15- 491:
1- 493: 10- 503: 7، 8- 509:
4- 514: 17- 532: 15، 16- 537:
5، 12- 538: 1، 17- 540: 4، 17- 555: 14- 556: 3- 557: 2- 558: 7
قاضى قضاة حلب 366: 10- 444: 10- 479: 21
قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية 343: 9- 493: 10- 546: 6
قاضى قضاة الحنفية 124: 13- 230: 16- 384: 4- 455:
7
قاضى قضاة الحنفية بحلب 353: 1- 448: 2
قاضى قضاة دمشق 81: 17- 144: 12- 198: 7- 206:
8- 289: 20- 523: 9
قاضى قضاة الديار المصرية 118: 10- 126: 15- 290: 4- 375:
8- 513: 5- 533: 2- 537: 9- 555:
15
قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية 367: 9- 373: 2- 397: 4- 414: 19- 422: 12- 455: 5- 459: 14- 513:
4
قاضى قضاة الشافعية بطرابلس 447: 8
قاضى القضاة وشيخ الشيوخ بالجامع المؤيدى 124: 8
قاضى قضاة المالكية بالديار المصرية 391: 18- 455: 9
قاضى القضاة بالمدينة النبوية 116: 4
قاضى قضاة مكة 186: 6- 546: 12- 558: 9
قاقم 359: 5
القان 48: 10- 59: 14- 72: 13- 224: 9- 337: 1- 342: 6- 350: 16- 364:
7- 525: 16- 546: 7
قبطان، قباطنة 339: 14، 17، 20
القبة والطير 10: 13- 11: 10، 18، 21 (ح) - 34:
13- 256: 16
القرافة 533: 4
القرانيص- المماليك القرانيص قرضية، قرضيات 359: 6(15/682)
قرقل، قرقلات 18: 1، 15 (ح) - 417: 6، 21 (ح)
قصة، قصص 137: 20- 448: 15، 20 (ح) - 452 11
القضاء 392: 1- 492: 11، 16، 18- 514:
2- 537: 12
قضاء حلب 501: 6
قضاء حماه 127: 3- 549: 11
قضاء الحنابلة 483: 15
قضاء الحنفية بدمشق 185: 14- 438: 12
قضاء دمشق 207: 1، 4- 439: 7- 442: 14- 493: 12- 509: 5، 12- 515: 2- 523: 12
قضاء الديار المصرية 137: 1- 381: 15- 383: 14
قضاء الشافعية بالديار المصرية 136: 9- 164: 10- 383: 12- 509:
11- 513: 18- 557: 2
قضاء طرابلس 438: 6
قضاء القضاة 82: 14
قضاء المالكية بالديار المصرية 178: 8
قضاء المالكية بصفد 438: 7
قضاء المدينة النبوية 480: 17
قضاء مصر 393: 14
القضاة الأربعة 9: 12- 49: 12- 102: 11- 106:
14- 256: 7- 276: 8- 396: 22
القضاة الثلاثة 58: 2
قضاة حلب 289: 15
القضاة الشافعية 388: 5- 514: 11
قضاة الشرع 14: 12
قضاة القضاة الأربعة 240: 9- 338: 18
قطار 13: 8
قطع الشطرنج 354: 15
قلم الديونة 119: 8
قماش ذهب 261: 12- 268: 5
قماش الموكب 345: 13، 18
القيام 390: 18، 22(15/683)
ك كاتب السر، كتّاب السر 10: 2- 14: 13- 31: 17- 36: 20- 94: 13- 100: 16- 102: 13- 103:
5- 224: 1- 276: 9- 424: 22- 451: 11- 515: 6- 553: 8
كاتب سر حلب 174: 3- 366: 11
كاتب سر دمشق 152: 6- 183: 2- 289: 3- 307: 9
كاتب سر الديار المصرية 494: 10
كاتب سر الرها 31: 17
كاتب سر السلطان 277: 8
كاتب السر الشريف بالديار المصرية 83: 6- 118: 17- 144: 12- 155: 4- 164: 8- 218: 11- 356: 20- 372:
17- 440: 21
كاتب سر مصر 174: 3
كاتب المماليك 104: 6- 435: 14
كاتب المماليك السلطانية 445: 11- 480: 19
كاشف، كشاف 37: 1، 6- 55: 8، 9- 57: 11- 187: 17، 20
كاشف البحيرة 409: 20
كاشف حوران 318: 9
كاشف الشرقية 364: 21
كاشف الوجه القبلى 37: 6- 310: 20
كافل، كفالة 33: 2- 41: 15- 65: 10- 71: 7
كافل المملكة الشامية 187: 16
كاملية، كوامل 27: 1- 28: 2- 38: 1- 242: 8- 295: 7- 356: 14- 357: 9- 367:
3- 382: 7- 386: 17- 401: 9- 405: 18- 457: 1
كاملية سابورى 357: 9
كاملية الشتاء 530: 15
كان 53: 10، 23 (ح) - 54: 10- 76: 6- 332: 3- 373: 15- 380: 5- 408:
9- 434: 4- 447: 5- 508: 2
كبير الطواشية 519: 1
كتّاب الأموال 158: 18
كتّاب الدرج 137: 22، 24
كتّاب الدست 137: 19، 23، 24- 330: 20(15/684)
كتّاب الديوان 424: 22
كتّاب ديوان الإنشاء 137: 20، 22
كتّاب السر 330: 19
كتابة الإنشاء بدمشق 155: 7
كتابة السر 32: 4- 75: 1- 104: 11- 119: 3، 6، 8- 136: 12- 155: 10- 164:
10، 12، 13- 165: 19- 166: 7- 175: 3- 183: 3- 208: 3- 219:
1، 4، 5- 277: 7- 461: 10، 15- 495: 11، 12- 527: 9
كتابة سر حلب 64: 4- 174: 5- 444: 12- 487:
2، 4
كتابة سر دمشق 152: 8- 155: 6
كتابة السر بالديار المصرية 168: 7
كتابة السر الشريف بالديار المصرية 277: 5
كتابة سر مصر 145: 4- 164: 11- 174: 6- 185:
15- 487: 2
كتابة المماليك 445: 12- 448: 8
الكحّال (طبيب العيون) 58: 27
الكحل 387: 16
كرسى الإسلام 174: 1
الكسّارات (من أدوات التعذيب) 212: 12
الكسوة، كسوة الكعبة 50: 1- 52: 16، 18، 19- 76: 16- 121: 9- 364: 10- 435: 11- 438: 13
كشاف 341: 23
كشاف التراب 301: 15، 18
كشاف الجسور 301: 6، 12 (ح)
كشافة 318: 1
الكشف 55: 9- 113: 3- 187: 3- 218: 3
كشف الأشمونين والبلاد الجيزية 445: 4
كشف البحيرة 186: 10
كشف البر 159: 11
كشف الوجه البحرى 187: 8
كشف الوجه القبلى 187: 7- 527: 11
كفالة 65: 10- 71: 7- 332: 4- 333: 9- 347: 6- 381: 7- 383: 4(15/685)
كفوى 27: 1، 15 (ح)
الكفيات 271: 14
كلف الدولة 445: 8
الكلفة 55: 23
الكلفتاه 55: 12، 23 (ح) - 180: 8- 345:
19- 448: 15
الكلفتة 55: 23
كلوته 55: 23
كميت 130: 2، 20 (ح)
كنبوش، كنابيش 39: 16- 85: 7، 20 (ح) - 344: 4- 359: 10- 379: 6- 385: 16- 457: 3
كوسات 15: 1- 222: 14، 22 (ح)
ل اللالا (المربى) 72: 2، 17 (ح) - 261: 15- 465:
13، 17- 486: 1، 5- 507: 9
اللعب بالرمح 76: 16- 337: 7- 366: 8- 475:
10- 476: 6، 16
اللعب بالكرة 264: 7- 475: 11- 476: 16
(م) المال الخراجى 121: 23- 122: 16
المال الهلالى 121: 23- 122: 16
المبارزة 76: 16
مباشرو الأوقاف 375: 13- 557: 4
مباشر الدولة، مباشرو الدولة (لفظ يطلق على أصحاب الوظائف المختلفة مثل كاتب السر وناظر الجيش وناظر الخاص والوزير والأستادار والمحتسب ووالى القاهرة) 10: 2- 14: 11- 50: 6، 7- 58:
3- 105: 4- 110: 3- 224: 1- 243: 13- 288: 5، 7- 418: 2- 451: 11
المتحدث على الأيتام 510: 3
متحصل 69: 11
متصولح 406: 21
متمر 445: 9
متملك برصا 116: 11
متملك بلاد الروم 366: 6- 395: 2
متملك بلاد قرمان 116: 10(15/686)
متملك تبريز 449: 7
متملك سيس 380: 21
متملك قبرس 176: 6- 343؟؟؟ 1، 22 (؟؟؟ ح)
متملك ماردين وأرزن 89: 18
متولى بجاية 198: 3
متولى الصدقة 97: 1
المجامعة (ضريبة) 60: 20
مجلس الشرع 415: 1
مجنزر 422: 12
المحتسب 60: 16 (ح) - 395: 6- 424: 23
محتسب القاهرة 60: 3- 98: 6- 104: 13- 217: 19- 224: 6- 262: 11- 290: 18- 398:
2- 451: 16- 494: 11
محتسب مكة 444: 24
محضر، محاضر 289: 15- 444: 3- 447: 10- 472:
7- 474: 1، 4، 6
المحلولات 335: 27
المحمل 277: 13- 337: 6، 16، 17- 346:
17- 350: 19- 351: 1- 356: 7، 8- 358: 9- 370: 15- 372: 13- 380: 12- 387: 3- 402: 13- 430:
1- 438: 14- 439: 9- 446: 10، 13- 476: 16
مدبر المملكة، مدبرو الممالك 211: 19- 241: 17- 261: 8
المدرّكون 320: 6، 16 (ح)
مدّة هائلة 433: 8
مدوّرة 457: 11
مدر، مدراء 424: 7، 21 (ح)
المذاهب الأربعة 127: 1، 9- 134: 18- 480: 22
مذهب ابن حزم 491: 22
مذهب الظاهر 491: 10، 24 (ح)
المراعى 122: 15
المرافق 122: 16
المرتجعات 335: 27
المرسمون 331: 3، 22 (ح)(15/687)
مرسوم، مراسيم 381: 5- 429: 13- 434: 10- 442: 10
مرسوم السلطان، المراسيم السلطانية 281: 15- 289: 14
مرسوم شريف 40: 7- 244: 9- 309: 7- 378:
4، 13- 397: 9- 409: 8- 430: 4
مستملى الحديث 528: 8
مستوفى الدولة 158: 18 (ح)
مستوفى ديوان المرتجع 336: 15
مسطور 388: 18
مسفّر 39: 5- 82: 2- 158: 4- 290: 16- 332: 12- 333: 12- 336: 2، 3، 4- 375: 2- 382: 16- 406: 15
المسلّك 124: 17- 202: 6- 500: 7
المسند 524: 5- 547: 8
المشاعلى 87: 10، 22 (ح) - 281: 18- 282:
1، 3، 4، 6- 443: 4
المشاهرة (ضريبة) 60: 19
المشتروات، أو المشتريات- المماليك المشتروات أو المشتريات 20: 17- 161: 17- 259: 1- 352: 4
مشدّ 8: 2، 10 (ح) - 39: 6- 76: 5- 105: 17- 106: 2- 109: 2- 229:
4، 18، 19- 231: 5- 246: 6- 297: 9- 298: 9- 460: 10- 509: 17
المشديّة 548: 12
مشدية بندر جدة 403: 1
مشورة 82: 7
مشى الخدمة 439: 16
المشى فى الخدمة السلطانية 429: 9
مشيخة التنكزية 509: 10
مشيخة الجامع المؤيدى 124: 15
مشيخة الحرم النبوى الشريف 519: 1
مشيخة الخانقاه البيبرسية 382: 4
مشيخة خانقاه سعيد السعداء 207: 1- 513: 14
مشيخة خانقاه شيخون 134: 1، 8- 168: 2- 501: 4، 8
مشيخة الخدام بالحرم النبوى الشريف 438: 9- 518: 18
مشيخة الركنية 488: 3(15/688)
مشيخة الصلاحية 206: 12- 207: 1- 515: 11
مشيخة المدرسة الأشرفية 216: 13
مسيخة المدرسة الجمالية 375: 10، 22 (ح) - 384: 9، 18- 403: 4- 431: 12- 556: 19
مشيخة المدرسة الظاهرية 162: 14
المصادرة 558: 2
مصاففة 325: 2
المصايد 122: 15
مطالعة، مطالعات 233: 1- 326: 1- 433: 4
المعاددة 140: 5، 13 (ح)
معاليم 557: 6، 23 (ح)
المعاون 122: 16
معصرة، معاصير 53: 8، 18 (ح) - 311: 14
معلم الرماحة 76: 17
معلم النشاب 278: 10
مفتى دار العدل 328: 16
مقدم، مقدمون 76: 18- 223: 1، 9- 288: 9- 380: 14- 391: 8- 407: 3
مقدم ألف، مقدمو الألوف 8: 3- 9: 5- 19: 7- 28: 1- 33:
2، 14- 59: 9- 66: 12- 78: 7- 81: 20- 90: 3- 114: 7- 161:
6، 15- 223: 8، 15، 16- 230: 11- 235: 18- 241: 19- 244: 7- 246:
12، 16- 250: 7- 261: 5- 262:
12- 266: 10- 268: 17- 270: 3- 276: 14- 300: 18- 301: 5- 305:
21- 306: 17- 318: 8- 329: 17، 18- 331: 11، 13- 332: 3، 10- 336: 9- 337: 17- 339: 4- 340:
11- 351: 17- 358: 9- 368: 4، 15- 378: 5- 382: 14- 402: 15- 424: 1- 435: 2- 439: 12- 443:
7- 450: 12- 451: 4- 467: 19- 535: 6- 541: 15- 547: 13
مقدم الجبلية 375: 11، 24 (ح)
مقدم طبقة المقدم 524: 1
مقدم العساكر، مقدم العسكر 57: 3- 91: 19- 223: 4- 305: 4- 367: 6- 431: 17- 467: 18
مقدم العشير 115: 1- 404: 21
مقدم المماليك 39: 15- 103: 1، 13- 223: 21- 246: 4- 277: 21- 451: 10(15/689)
مقدم المماليك السلطانية 164: 20- 165: 4- 240: 5- 248:
7- 356: 9- 380: 11- 432: 7
المقر 330: 8، 17 (ح) - 345: 4- 374:
17- 379: 8- 383: 2- 387: 15- 391: 11- 393: 18- 401: 7- 408:
14- 417: 11- 423: 1- 433: 17- 434: 1- 435: 5- 436: 5- 438:
12- 440: 2- 462: 1
المقر الأشرف 330: 18
المقر الشريف العالى 330: 18
المقر الصاحبى 408: 11
المقر العالى 330: 19
المقر الكريم العالى 330: 19
مقرر الجسور 301: 18
مقرعة، مقارع 53: 7- 278: 17- 366: 1- 527: 10
مقشراوى 385: 12
المقطع، المقطّعون 301: 23- 336: 23- 509: 21
المقيرة 147: 11، 21 (ح)
مكحلة، مكاحل النفط 26: 1، 16 (ح) - 238: 14- 289:
8- 292: 14- 323: 15- 361: 7
مكس، مكوس 59: 16- 121: 21 (ح) - 122: 18- 322: 17- 338: 13- 339: 13
مكس الفاكهة 121: 16، 21 (ح)
الملطفات السلطانية 278: 4- 284: 16- 307: 3، 7
ملك الأمراء 288: 6- 452: 1
ملك الشرق 59: 14
المماليك الأجلاب 20: 1، 17 (ح) - 50: 6- 161:
17- 352: 4- 542: 2
المماليك الجلبان 20: 17- 60: 22- 103: 2، 13- 104: 2- 161: 17- 412: 5، 13- 413: 10- 418: 1- 423: 17
المماليك القرانيص 19: 11، 17 (ح) - 103: 2- 104: 2- 235: 7- 264: 4
المماليك المجلوبون 504: 20
المماليك المشتروات أو المشتريات 20: 17 (ح) - 108: 11- 161: 17- 259: 1- 352: 4- 473: 18
مملوك عبد الباسط صورة، بمعنى أستاذه عبد الباسط 224: 4(15/690)
من (مصطلح) 8: 4، 15 (ح) - 12: 1- 19: 8- 20: 12- 29: 8- 34: 15- 35: 17- 38: 17- 39: 10- 40: 9- 100: 1- 120: 5، 15- 121: 3- 157: 14- 158: 1- 161: 5- 179: 15، 23- 181: 18- 184: 15- 188: 10- 199: 7- 221: 1- 223: 3، 17- 229: 14- 231: 2- 246: 5- 260:
19- 262: 16- 279: 12- 285: 19- 290: 16، 18- 291: 1- 335: 12- 345: 1- 346: 19- 355: 16- 360:
9- 364: 3- 368: 1- 372: 4- 373: 13، 17- 374: 7- 378: 14- 379: 17، 19- 383: 7، 8- 385:
13- 394: 4- 395: 1- 400: 1- 402: 14- 406: 3- 409: 8- 429:
21- 432: 1- 434: 3- 435: 6- 445: 24- 450: 12، 14- 459: 8- 461: 3- 463: 13- 469: 8- 470:
5، 10- 508: 8- 520: 4، 17- 522: 12- 543: 24- 547: 15
منادمة السلطان 83: 8
المنادون 424: 23
منادى البحر 425: 8
المنجنيق، المجانيق 26: 2، 19 (ح) - 293: 1- 361: 7
منسر الحرامية، مناسر 84: 10
منشور، مناشير 336: 1، 20 (ح) - 452: 6، 11
مهم (حفل) 408: 3
مهمندار 451: 8- 525: 16
موقّع- موقعو- الدست 137: 15، 18 (ح) - 205: 19- 214:
13- 217: 10- 231: 9
موقعو حلب 231: 9
موكب، مواكب 48: 1- 52: 6- 53: 3- 83: 8- 108: 4- 237: 4- 239: 14- 246:
21- 252: 4- 263: 11- 288: 1، 4، 16- 336: 14- 433: 1- 434:
18- 441: 12- 442: 3- 444: 10- 449: 6
الموكب السلطانى 228: 6- 410: 8
المولد النبوى 263: 14
مياسير التجار 84: 8- 172: 15
ميسرة السلطان 304: 17
ميمنة السلطان 304: 17
ن ناظر الأحباس 166: 19، 20- 397: 13(15/691)
ناظر الإسطبل السلطانى 56: 4- 264: 1- 278: 9- 334: 1- 535: 17
ناظر الإسكندرية 44: 6
ناظر البيمارستان المنصورى 220: 12- 382: 6
ناظر الجوالى 329: 3- 501: 13
ناظر الجيش 50: 8- 54: 10- 131: 23- 224: 2- 228: 8- 230: 6- 248: 12- 250:
7- 327: 13- 330: 20- 371: 17- 440: 1- 451: 12- 494: 11- 545: 4
ناظر جيش حلب 183: 4- 366: 11
ناظر جيش دمشق 152: 6- 289: 2- 356: 18- 514: 18
ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية 356: 17- 440: 3- 552: 5
ناظر الحرم 444: 24
ناظر الحرمين 501: 16
ناظر الخاص، ناظر الخاص الشريف، ناظر الخواص 10: 3- 43: 3- 52: 2، 13- 53:
4، 7، 10- 55: 17- 83: 12- 85:
15- 158: 8- 210: 9- 224: 3- 330: 20- 345: 4- 374: 9، 17- 379: 8- 383: 2- 385: 17- 387:
15- 389: 2، 4- 391: 12- 393:
18- 401: 15- 403: 7- 408: 11- 417: 11- 433: 17- 434: 1- 435:
5، 18- 436: 5- 438: 13- 440: 2- 451: 12- 494: 11- 556: 10
ناظر دار الضرب 83: 8- 157: 5- 345: 4
ناظر الدواوين 158: 21 (ح)
ناظر الدولة 8: 11- 9: 10- 42: 6- 54: 13، 14، 15- 116: 6- 158: 21 (ح) - 330: 20- 378: 10
ناظر ديوان المفرد 346: 1- 350: 4- 353: 9
ناظر الزردخاناه 431: 18
ناظر القدس 388: 12- 448: 5
ناظر القدس والخليل 131: 10- 136: 13- 340: 8، 13
ناظر الكسوة 153: 8
ناظر النظار 158: 23
الناموس 497: 1
نائب، نواب 63: 13، 22- 84: 3- 92: 3- 120: 13- 231: 15- 232: 2- 253: 13- 287: 9- 294: 6- 317: 18- 318: 3، 11، 17- 322: 11- 326: 2- 367: 14- 514: 8(15/692)
نائب أبلستين 78: 20
نائب الإسكندرية 83: 2- 170: 4، 11- 247: 16- 281: 9، 14- 451: 20- 477: 10- 543: 14
نائب بعلبك 318: 9- 374: 4، 10- 444: 17
نائب البيرة 431: 16- 436: 14
نائب بيروت 430: 5- 551: 8
نائب ترانسلقانيا 395: 20
نائب جدة 339: 19- 397: 1- 427: 8- 434:
17- 439: 10- 441: 11
نائب الحكم، نواب الحكم 146: 2- 202: 13- 443: 20- 468:
17- 494: 3- 535: 13
نائب حلب 11: 12- 12: 2- 15: 5- 18: 14- 27: 8- 38: 17- 39: 18- 41: 15- 44: 2- 59: 12- 60: 9- 61: 8، 11، 17- 62: 9- 63: 10- 65: 5- 66: 2- 68: 8- 71: 6- 76: 9- 79: 3- 80: 15- 85: 3- 88: 2- 92: 12- 117: 14- 120: 13- 126:
5- 226: 4- 231: 18- 233: 18- 234: 7- 254: 1- 278: 2- 283:
4- 288: 11- 232: 14- 289: 5- 291: 12- 292: 11- 302: 16- 309: 19- 318: 4- 322: 12- 323:
2- 326: 1، 6- 335: 5- 336: 3- 347: 4- 403: 14- 404:
8- 451: 17- 454: 21- 462: 18- 469: 14- 471: 4- 472: 12- 509:
19- 511: 14- 520: 12- 522:
12- 530: 15- 543: 6- 547: 15
نائب حماه 11: 10، 21 (ح) - 15: 6- 59: 7- 78: 17- 226: 5- 232: 1- 283:
2- 286: 14- 323: 12- 326: 8، 12- 363: 15- 372: 4- 378: 15- 433: 3- 434: 4- 451: 18- 463: 6
نائب حمص 56: 16- 364: 2
نائب خرت برت 335: 9
نائب درندة 61: 5
نائب دمشق 15: 5- 152: 8- 155: 7- 199:
7- 226: 3- 288: 2- 371: 20- 381: 2- 462: 16
نائب دمياط 478: 15
نائب دوركى 84: 2- 85: 1- 87: 14
نائب الرها 43: 13- 78: 3- 547: 14
نائب السلطان 228: 1(15/693)
نائب السلطنة 42: 25- 62: 5- 332: 23- 476: 3
نائب الشام، نواب الشام 10: 13- 11: 11- 20: 6- 24: 4- 38: 15- 65: 8- 68: 7- 82: 10- 85: 2، 3- 86: 11- 92: 3- 117:
13- 120: 10، 13- 131: 7- 181:
3، 20- 186: 16- 221: 1، 4- 231: 17- 233: 16- 266: 8- 285:
9- 287: 6- 302: 16- 304: 9- 309: 19- 317: 12- 318: 3- 322:
11- 336: 2- 344: 17- 359: 1- 451: 17- 469: 5، 12- 475: 7- 482: 15- 521: 7- 529: 16- 532:
14
نائب صفد 15: 6- 18: 14- 20: 7- 24: 9- 117: 1- 130: 8- 184: 4- 213:
7- 226: 6- 232: 2- 289: 4- 292: 1- 294: 10- 318: 4- 322:
15- 326: 9- 332: 4- 364: 1- 378: 17- 437: 17- 439: 5- 451:
19- 463: 11
نائب طرابلس 15: 6- 20: 7- 59: 6- 194: 10- 221: 5- 226: 4- 231: 18- 286:
13- 322: 12- 335: 6- 336: 4- 350: 1- 403: 11- 451: 18- 463:
3- 468: 13- 472: 1- 520: 13
نائب طرسوس 429: 11- 434: 10
نائب غزة 15: 6- 31: 11، 18- 86: 7- 213:
7- 217: 15- 226: 7- 287: 14- 294: 11- 318: 5- 322: 15- 326:
9- 333: 3، 9- 378: 19- 425: 1- 451: 19- 463: 13، 15- 477:
4- 508: 6- 517: 12- 532: 13
نائب غيبة السلطان بديار مصر 472: 20
نائب قاضى القضاة 443: 14
نائب القدس 76: 9- 226: 8- 291: 6- 294: 11- 318: 5- 322: 10- 331: 12- 388:
12- 448: 5- 532: 12
نائب القلعة (قلعة الجبل) 9: 6- 76: 6- 223: 11- 238: 1- 246: 3- 355: 4- 360: 10- 374:
1- 382: 16- 445: 1- 451: 1- 472: 19- 485: 7، 9- 530: 10
نائب قلعة حلب 285: 15- 289: 7- 292: 17- 326:
19- 484: 18- 510: 1
نائب قلعة دمشق 289: 18- 319: 13- 544: 7، 18
نائب قلعة الروم 447: 5
نائب قلعة صفد 307: 8
نائب قلعة صهيون 326: 5(15/694)
نائب كاتب السر 10: 3- 26: 10- 31: 16- 64: 4- 102: 12- 103: 9- 105: 20- 168:
8- 276: 10
نائب كاتب السر الشريف بالديار المصرية 486: 20
نائب الكرك 226: 7- 352: 12- 380: 15- 440:
12- 446: 8- 451: 19- 463: 20- 475: 5
نائب مقدم المماليك 248: 8- 277: 21- 348: 5- 381:
10- 508: 1- 524: 1
نائب مقدم المماليك السلطانية 432: 7- 523: 17
نائب ملطية 113: 18- 226: 8- 318: 6- 358:
4- 454: 22
نائب مملوكى 339: 19
نجاب، نجب 64: 11- 77: 13- 325: 7- 429:
13- 441: 2- 442: 9- 467: 15
نديم السلطان، ندماء السلطان 10: 4- 111: 7- 278: 10، 14
النشاب 271: 14- 278: 10- 346: 11- 473: 7- 503: 16- 510: 20- 528: 6
نظام الملك 211: 18- 233: 10- 236: 6- 241: 17
نظر الأحباس بالديار المصرية 370: 21
نظر الإسطبل السلطانى 155: 9- 166: 8- 353: 13- 371:
5- 381: 16- 389: 12
نظر الأوقاف 58: 10- 83: 8- 388: 6
نظر أوقاف الأشراف 157: 5
نظر بندر جدة 484: 8
نظر البيمارستان المنصورى بالقاهرة 154: 10- 168: 14- 169: 10- 370: 12- 371: 16- 375: 9- 415:
18- 417: 13- 557: 1
نظر جامع عمرو 415: 18
نظر الجوالى 371: 4- 379: 16- 415: 18- 417: 14
نظر الجيش 119: 2، 5- 152: 9- 157: 4- 164: 10- 166: 7- 211: 2- 233:
7- 327: 19- 358: 12- 461: 13- 552: 18- 553: 2
نظر جيش حلب 337: 14- 444: 12
نظر جيش دمشق 167: 17- 185: 15- 337: 14- 356:
8- 358: 13- 515: 3
نظر جيش مصر 495: 3- 515: 3(15/695)
نظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية 552: 17
نظر الحرم بمكة المشرفة 516: 9
نظر الحرمين 502: 6
نظر الخاص، نظر الخاص الشريف، نظر الخواص 54: 5- 158: 10، 15- 163: 8- 211: 1- 440: 3- 461: 15- 462:
1- 495: 8
نظر الخانقاه السعيدية 415: 18- 417: 14
نظر الخزانة 552: 13
نظر الخليل 131: 5
نظر دار الضرب 83: 8- 157: 5- 345: 4
نظر الدولة 51: 15- 52: 4- 116: 7- 158:
13، 21 (ح) - 159: 21- 445: 12- 448: 8
نظر ديوان المفرد 172: 2- 341: 2- 353: 12، 15- 354: 3- 484: 8- 527: 9
نظر القدس 478: 17
نظر القدس والخليل 131: 10- 136: 13- 340: 8، 13
نظر قلعة دمشق 358: 17
نظر الكسوة 121: 9- 157: 5- 328: 17- 375:
9- 381: 13- 415: 18- 417: 14- 556: 18
نظر المفرد 350: 8
نظر مكة المشرفة 279: 8
النفقة 261: 14- 263: 10، 18- 435: 18
النفوط 271: 11
نقابة الجيش 341: 7
نقيب الأشراف 348: 2
نقيب الجيش 327: 20- 385: 1- 414: 18- 415:
3- 451: 14- 462: 4
نواب البلاد الشامية 181: 3- 224: 8- 226: 3- 232:
15- 286: 11- 287: 8- 433: 5- 442: 11- 451: 17- 462: 15
نواب الحكم الحنابلة 343: 8
نواب الحكم بالديار المصرية 173: 5
نواب الحكم الشافعى 152: 23- 281: 4- 325: 13- 449: 11
نواب الحكم المالكى 422: 6(15/696)
نواب دمشق 304: 18
نواب القاضى الحنبلى 280: 4
نواب القاضى الحنفى 280: 3
نواب القاضى الشافعى 280: 3
نواب القاضى المالكى 280: 4
نواب القضاة الشافعية 152: 16
نواب القلاع 15: 6
نواب المماليك 292: 4
النوبة 24: 3- 242: 12
نيابة أبلستين 338: 3
نيابة الإسكندرية 44: 6- 48: 5- 72: 8- 76: 12- 83: 3- 85: 11- 141: 1- 170:
11- 246: 13- 282: 14- 305: 11- 336: 10- 350: 12- 364: 4- 374:
7، 16- 476: 10- 477: 15
نيابة بعلبك 371: 19- 372: 11
نيابة بغداد 73: 3
نيابة الحكم 118: 9- 515: 12
نيابة حلب 64: 20- 65: 2، 6، 9- 68: 9- 120: 17- 126: 9، 10- 184: 10- 188: 5، 6- 261: 4- 284: 6- 286: 7، 13- 287: 1- 292: 10- 335: 6- 368: 6- 374: 13- 378:
15- 382: 14- 385: 14- 389: 15- 463: 3- 467: 11، 13، 17- 470:
7، 9- 473: 1- 510: 10- 520:
12- 521: 13، 16- 522: 13- 523:
1، 3، 4
نيابة حماه 59: 9- 120: 12، 18، 19- 135:
2- 188: 3، 4- 287: 1- 294: 16- 322: 14- 323: 7- 364: 1- 368:
5- 372: 4، 8- 374: 14، 16- 375: 2- 380: 4- 405: 11- 407:
20- 409: 9، 11- 432: 2- 443: 8- 521: 13، 15- 548: 3، 4
نيابة حمص 57: 1
نيابة حمص 57: 1
نيابة دمشق 38: 16- 65: 7- 68: 8- 117: 13، 17- 118: 1- 120: 4- 130: 11- 158: 2- 179: 16- 188: 10، 11- 200: 1، 2، 7- 221: 9، 10- 287:
12- 290: 10- 329: 11- 335: 5- 359: 2- 460: 9- 467: 12- 470:
10- 471: 16- 510: 14- 523: 2- 552: 10(15/697)
نيابة دمياط 278: 11- 379: 13- 478: 17- 526: 17- 544: 9، 10
نيابة الرها 31: 11، 16- 32: 3- 33: 3- 78:
5- 81: 20- 181: 8- 548: 1
نيابة السلطنة 92: 4- 231: 11
نيابة سيس 438: 2
نيابة الشام 40: 10، 15- 71: 8- 121: 1، 3- 184: 12- 188: 6- 470: 9- 536:
20
نيابة صفد 36: 11- 78: 6، 7- 80: 22- 81:
1، 21- 86: 13- 130: 10- 185:
8، 9- 188: 3- 213: 14، 15- 329:
15- 331: 11- 351: 18- 364: 2- 378: 19- 437: 18، 20- 521:
11- 522: 8، 10
نيابة صهيون 551: 9، 12
نيابة طرابلس 35: 7- 59: 7- 135: 2- 188: 4- 194: 27- 195: 4- 199: 4- 260:
19- 286: 15- 287: 5- 294: 18- 335: 7- 374: 12، 15- 375: 1- 404: 16، 18- 431: 14- 440: 7- 522: 17- 523: 2
نيابة طرسوس 63: 15، 18
نيابة غزة 20: 9- 33: 2- 80: 22- 86: 14، 17- 87: 1- 135: 2- 180: 19- 181: 7، 10- 213: 15- 221: 6- 228: 5- 229: 13- 260: 16- 337:
10- 368: 2- 373: 11- 379: 1- 387: 7- 430: 5- 438: 3- 477: 7- 508: 8، 12- 518: 5، 6- 536: 13
نيابة الغيبة 9: 1
نيابة القدس 371: 2- 379: 18- 382: 11- 383:
6،؟؟؟ 80
نيابة القدس والرملة 372: 2
نيابة القلعة (قلعة الجبل) 150: 18- 246: 18- 262: 11- 301: 2- 374: 2- 485: 11- 531: 1
نيابة قلعة حلب 151: 10- 373: 4- 527: 16
نيابة قلعة دمشق 363: 8- 382: 19- 516: 7- 517:
9- 527: 14، 17- 544: 11
نيابة قلعة الروم 447: 6- 536: 10
نيابة قلعة صفد 445: 16- 544: 9
نيابة كتابة السر 346: 15- 487: 4
نيابة الكرك 85: 12- 279: 13- 336: 7- 440:
15- 447: 4(15/698)
نيابة مصر 73: 9- 74: 4
نيابة مقدم المماليك 432: 9
نيابة ملطية 150: 8- 335: 10- 358: 6- 363:
12- 371: 1- 520: 19، 20
هـ
هدية 49: 4، 9- 52: 15- 62: 7- 193:
3- 227: 15- 228: 2- 231: 11
هدية جهان شاه إلى السلطان الظاهر جقمق 433: 1، 19 (ح)
هيئة أرباب الأقلام 83: 9
ووالى القاهرة 53: 10، 25- 93: 15- 101: 2، 11- 198: 13- 217: 17- 224: 6- 230: 4- 246: 10- 281: 18- 300:
19- 368: 10- 391: 11- 399:
15- 403: 5- 406: 13- 407: 1- 411: 12- 415: 13- 418: 7- 422:
12، 18- 425: 14- 443: 11- 451: 8
الوزارة 42: 4، 18 (ح) - 51: 14، 17، 18- 52: 5، 13- 53: 5- 54: 7، 18- 56: 2، 4، 5، 7- 77: 6، 8، 11، 13، 15، 17- 85: 11- 116: 7- 121: 15- 172: 2- 176: 11- 207:
5- 341: 13- 347: 15، 24- 378:
10- 445: 5- 461: 17- 495: 4
الوزر 42: 17 (ح) - 121: 14- 378: 12- 518: 4- 527: 9، 10، 11، 12- 553: 10
وزن النقود 140: 10، 13 (ح)
الوزير 8: 11- 9: 9- 38: 1- 42: 6، 19 (ح) - 50: 9- 51: 19- 54: 6، 14- 76: 12- 77: 5- 81: 7- 83:
12، 16- 121: 12- 158: 22- 163:
13- 201: 20- 208: 4- 224: 2- 445: 14- 451: 13- 481: 4- 482:
4- 494: 11- 520: 15- 527: 5
وسائل تعذيب 80: 13- 87: 5
وشق 359: 5
وصيفة مولدة 127: 22
وطء البساط 338: 5
الوطاق 23: 1- 25: 6- 29: 2- 325: 5
الوطاق السلطانى 24: 6
وكالة بيت المال 121: 9- 328: 17- 375: 9، 15- 377: 20- 406: 7- 415: 18- 417:
14- 556: 18
وكالة بيت مال دمشق 414: 2(15/699)
وكلاء شريف مكة 339: 16
وكيل بيت المال 153: 8- 208: 1- 220: 12
وكيل السلطان 417: 15
الولاية 403: 6- 492: 12، 17- 493: 5- 514: 1
ولاية القاهرة 59: 18- 94: 11- 246: 15
ولاية مكة 371: 13
ولاية الوجه القبلى 452: 2
ى يتمعقل 517: 4
يتمفقر 478: 11
اليزك 24: 3، 19 (ح) - 30: 13
ينى بازق (لقب) 82: 2، 16 (ح)(15/700)
فهرس وفاء النيل من سنة 825 هـ- 854 هـ
وفاء النيل فى سنة 825 هـ 115 4
« « « «826 «/119 12
« « « «827 «/125 4
« « « «828 «/132 4
« « « «829 «/138 4
« « « «830 «/146 5
« « « «831 «/152 18
« « « «832 «/1552 17
« « « «833 «/1692 12
« « « «834 «/1722 12
« « « «835 «/1772 5
« « « «836 «/1832 10
« « « «837 «/1932 17
« « « «838 «/1962 16
« « « «839 «/2042 4
« « « «840 «/2092 16
« « « «841 «/2212 15
« « « «842 «/4742 14
« « « «843 «/4812 9(15/701)
وفاء النيل فى سنة 844 هـ 488 9
« « « «845 «/4912 17
« « « «846 «/4992 8
« « « «847 «/505 6
« « « «848 «/508 17
« « « «849 «/512 3
« « « «850 «/519 6
« « « «851 «/524 11
« « « «852 «/534 11
« « « «853 «/546 16
« « « «854 «/559 9(15/702)
فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش
ا «أحسن التقاسيم» ، للبشارى 428: 27
«إحياء علوم الدين» ، للغزالى 490: 23
«أخبار الأعيان فى جبل لبنان» ، لابن الشدياق 320: 19
«أخبار الدول وآثار الأول» ، للقرمانى 12: 22- 44: 28- 61: 20، 24- 67: 22
«الإسلام والممالك الإسلامية بالحبشة فى العصور الوسطى» ، للدكتور إبراهيم طرخان 196: 28- 225: 26- 226: 22
«الإطراف بأوهام الأطراف» ، لأبى زرعة 118: 21
«الاعتماد فى الرد على أهل العناد» ، للصالح طلائع ابن رزيك 347: 17
«البيان والإعراب عمن بأرض مصر من الأعراب» ، للمقريزى 37: 17، 27
«إغاثة الأمة بكشف الغمة» ، للمقريزى 84: 26- 140: 20- 156: 25
«أقرب الموارد» ، للشرتونى 428: 27
«الألطاف الخفية من السيرة الشريفة السلطانية الملكية الأشرفية» ، لابن عبد الظاهر 332: 24
«الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام» ، للمقريزى 196: 28- 225: 26- 226: 20
«إنباء الغمر بأبناء العمر» ، لابن حجر العسقلانى 140: 22- 380: 25
ب)
«بدائع الزهور فى وقائع الدهور» ، لابن إياس 8: 21- 9: 21- 11: 20- 12: 20- 15: 26- 19: 22- 20: 20- 28:
19- 37: 27- 42: 27- 60: 24- 76: 21، 23- 84: 27- 87: 23- 97: 20- 113: 19- 157: 21- 163:
22- 166: 25- 230: 21- 301: 27- 336: 18- 341: 25- 349: 21- 383: 23- 396: 27- 448: 23- 454: 24
«بديع المعانى فى أنواع التهانى» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 20
«بذل الماعون فى فصل الطاعون» 359: 24
ت «تاج العروس من شرح القاموس» ، للزبيدى 26: 23- 130: 22- 354: 22
«تاريخ ابن العديم» 480: 5
«تاريخ بيروت وأخبار الأمراء البحتريين» . لابن يحيى- نشره الأب لويس شيخو اليسوعى 115: 9- 320: 19(15/703)
«تاريخ السلطان سليم خان وفتح مصر» ، لابن زنبل الرمال 19: 22
«تاريخ المسبحى» 41: 12
«تاريخ المقريزى» 48: 27
«تاكيتوس والشعوب الجرمانية» ، للدكتور إبراهيم طرخان 36: 24
«التبر المسبوك فى ذيل السلوك» ، للسخاوى 8: 21- 9: 21، 25- 82: 17- 113:
25- 336: 28- 348: 18، 19- 350:
22، 23، 24- 351: 21- 352: 25- 355: 20- 356: 22- 357: 22- 358: 22- 359: 21- 364: 25- 365: 21- 370: 20، 25- 372: 20، 21، 22- 373: 20- 374: 19، 20- 375:
20، 21- 378: 23- 379: 23، 25- 380: 27- 381: 19، 21- 387: 17- 390: 28- 394: 26- 395: 22- 397:
21- 402: 19- 24، 25- 404: 25- 405: 20- 406: 16، 17، 20، 21، 23- 407: 21، 23- 410: 22، 23- 411: 20- 415: 21- 418: 23، 25- 423:؟؟؟ 22- 426: 27- 431: 20- 433: 22- 434: 25- 436: 27- 438: 2- 440: 21، 22، 24- 442:
22- 443: 23، 24- 444: 25- 445:
17، 19- 446: 19- 447: 24- 448:
18- 489: 18، 22- 490: 23- 491:
19، 21، 24- 492: 19- 493:
19، 20- 494: 13، 28- 495: 22- 496: 20- 497: 22- 498: 25- 500: 15، 26- 501: 17، 19، 24، 26- 502: 20- 503: 24- 506: 23- 509: 21- 510: 23- 511: 22- 514:
23، 24، 25- 516: 20، 21- 518:
20- 519: 8- 520: 21- 522: 18، 20- 523: 19، 21، 22- 524: 14، 15، 18- 525: 20، 21- 526: 23- 527: 20- 528: 18، 19- 529: 21- 532: 21، 24- 534: 13- 535: 20، 21- 536: 22- 537: 24- 539: 15، 18- 541: 23- 542: 22، 24- 544:
19- 546: 18، 25- 549: 21- 551:
24- 552: 20، 21- 554: 21- 557:
21- 558: 22، 23- 559: 16
«التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية» ، لابن الجيعان 166: 24- 316: 20- 318: 21- 341: 26- 387: 17- 415: 22- 430: 22- 468: 22- 492: 20، 21- 509: 21- 526: 22
«التعريف بالمصطلح الشريف» ، للعمرى 320: 19- 336: 25- 380: 25
«الجوهر الثمين فى سير الملوك والسلاطين» ، لابن دقماق 454: 24
«حسن الاقتراح فى وصف الملاح» ، للشهابى أحمد ابن العطار 131: 20
حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة» ، للسيوطى 367: 23- 426: 21- 480: 23- 488: 12- 490: 24(15/704)
«حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» ، لابن تغرى بردى 9: 20، 26- 171: 25- 322: 21- 363: 20- 369: 8- 375: 23- 376:
17- 378: 2، 20- 388: 11- 393:
23- 394: 16- 397؛ 11- 404: 6، 25- 405: 9، 20- 407: 2، 21- 409: 7، 9، 17، 24- 419: 13، 14، 15- 420: 1، 18- 421: 24- 425: 17- 426: 23- 428: 29- 429: 22، 24- 430: 17- 431:
20- 432: 4، 17- 434: 20، 21- 436: 11- 444: 13- 446: 6- 449:
14- 456: 9، 21- 516: 22- 524:
16، 18- 528: 16، 21- 545: 22- 558: 4، 20
خ
«خطط المقريزى» (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) 7: 24- 8: 12- 9: 16- 30: 22- 34: 25- 39: 24- 48: 21- 58:
18، 22- 102: 27- 114: 21- 122:
21- 127: 23- 132: 10- 134: 20- 161: 19- 166: 25- 172: 18- 177: 22- 183: 25- 203: 21- 227: 21- 237: 22- 268: 23- 269: 13- 273: 22- 301: 25- 311: 21- 316: 20- 333: 21- 335: 19- 347: 25- 348: 17، 24- 367: 23- 375: 22- 376: 19- 385: 24- 410: 21- 415: 25- 418: 21- 433: 25- 488: 12- 504: 22- 506: 22- 534: 13- 547: 21
د
«دائرة المعارف الإسلامية» (الترجمة العربية) 12: 24
«الدر الثمين فى حسن التضمين» ، للشهابى أحمد ابن العطار 131: 20
«درة الأسلاك فى دولة الأتراك» ، لابن حبيب 15: 26
«الدليل الجغرافى» ، لمصلحة المساحة 167: 21- 178: 21- 183: 26- 539: 21
«الدليل القويم على صحة جمع التقديم» ، لأبى زرعة 118: 21
«دول الإسلام الشريفة البهية وذكر ما ظهر لى من حكم الله الخفية فى جلب طائفة الأتراك إلى الديار المصرية» ، للقدسى 97: 19- 454: 25
«ديوان أبى العلاء» 553: 13
«ديوان أبى نواس» 275: 15، 22
«ديوان شعر ابن نباتة» 143: 16
«ديوان الملك الأشرف شهاب الدين أحمد» 182: 23
ذ «ذيل تاريخ دمشق» ، للقلانسى 201: 14(15/705)
ر
«رسالة فى بيان الإقطاعات ومحلها ومن يستحقها» ، لابن نجيم 166: 26
ز
«زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك» ، لابن شاهين 8: 25- 15: 25- 19: 21- 20: 21- 72: 19- 93: 23- 161: 19- 170:
23- 301: 26- 318: 25- 336: 17، 26- 341: 25- 504: 21
س
«السلوك لمعرفة دول الملوك» ، للمقريزى- تحقيق الدكتور محمد مصطفى زيادة 7: 14، 24- 8: 26- 10: 23- 12:
23- 18: 16- 24: 19- 27: 18- 28: 19- 30: 25- 36: 21- 37:
29- 47: 24- 53: 20- 55: 24- 56: 19- 60: 23، 28- 70: 24- 72: 18- 74: 20- 79: 16- 85:
22- 87: 23- 115: 9- 122: 21- 134: 25- 137: 24- 158: 20، 24- 161: 22- 166: 26- 170: 20، 24- 177: 22- 201: 14، 17- 203:
20- 222: 23- 254: 23- 261: 26- 301: 26- 308: 23- 318: 22- 322: 18، 21- 323: 24- 332: 25- 333: 21- 334: 22- 335: 20- 336: 18- 341: 26- 366: 25- 367: 23- 380: 24- 430: 21- 501: 22- 526: 22- 547: 22
«السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات فى عهد بنى أمية» ، تأليف ثان ثلوتن وترجمة حسن إبراهيم وزميله 321: 23
«سيرة الملك المؤيد» ، لابن ناهض 500: 18
ش
«شذرات الذهب فى أخبار من ذهب» ، لابن العماد الحنبلى 9: 25- 113: 14، 20، 24- 214:
24- 551: 25
«شرح الكرمانى على صحيح البخارى» 169: 8
«شروح سقط الزند» ، لأبى العلاء المعرى 8- 171: 25- 553: 24
ص
«صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء» ، للقلقشندى 8: 25- 26: 13- 30: 21، 25- 33:
28- 36: 21- 58: 17- 122: 22- 140: 20- 166: 25- 170: 23- 177:
21- 203: 21- 226: 22- 261:
25- 292: 21- 301: 27- 323: 23- 330: 23- 335: 24- 336: 17- 341: 25- 390: 27- 401: 22- 417: 22- 424: 22- 448: 22
«صحيح البخارى» 93: 2، 22- 113: 6- 169: 8
ض
«ضحى الإسلام» ، لأحمد أمين 321: 22(15/706)
«الضوء اللامع» للسخاوى 8: 20- 12: 14- 44: 17، 19- 82:
16- 94: 22- 112: 23- 113: 22، 23- 137: 17- 141: 20- 181: 25- 214: 24- 215: 18، 21- 334: 17- 336: 28- 349: 20- 355:
21- 360: 21، 23- 374: 21- 375:
18- 381: 19- 383: 23- 387: 25- 388: 13- 390: 13- 402: 26- 406: 21، 23- 409: 25- 415: 21- 424: 19- 428: 21- 429: 21- 430: 18، 19- 432: 16، 17، 21- 439: 20، 23- 440: 21- 445:
17- 446: 18- 450: 20، 22- 456:
20- 461: 21- 463: 21، 23- 465:
22- 466: 22- 469: 18- 470: 21، 25- 471: 22- 472: 23- 475: 15- 476: 21، 22- 477: 20- 478: 20- 479: 23- 483: 18- 484: 21، 22، 23- 485: 18، 19، 21، 23- 486:
23- 489: 18، 22- 490: 23- 491:
19، 21، 24- 492: 19- 493: 19، 20- 494: 22- 496: 20، 23، 25- 497: 22- 501: 26- 502: 20، 24- 514: 24، 25- 524: 15، 19- 532: 20- 534: 12- 535: 21- 543:
23، 24- 544: 21- 546: 18- 548:
21- 549: 20- 551: 24- 555: 21
ع
«العبر» ، للذهبى 118: 22
«عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» ، للجبرتى 19: 23- 37: 29
«عجائب المقدور فى أخبار تيمور» ، لابن عربشاه 12: 22
«عطية الرحمن فى صحة إرصاد الجوامك والأطيان» ، للصفتى 166: 27
«عقد الجمان» ، للعينى 10: 22- 102: 19- 133: 16- 136:
24- 145: 27- 155: 23- 168: 22- 186: 24- 192: 27- 198: 19- 201: 30- 202: 6- 206: 23- 207:
19- 225: 22- 269: 20- 294:
22- 343: 23- 395: 22- 443: 21
«عنوان السعادة فى المدائح النبوية» ، للشهابى أحمد ابن العطار 131: 18
ف
«فتح البارى فى شرح البخارى» ، لابن حجر العسقلانى 48: 26
«فجر الإسلام» ، لأحمد أمين 321: 22
«الفروسية والمناصب الحربية» ، لحسن الرماح 26: 23
«الفصل فى الملل والأهواء والنحل» ، لابن حزم 321: 22
«فوائد الأعصار فى مدالح النبي المختار» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 19(15/707)
ق
«القاموس الجغرافى للبلاد المصرية، من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1944» ، لمحمد رمزى 153: 19- 183: 27- 318: 23- 468: 23
«القاموس الفارسى» 60: 28
«القاموس المحيط» ، للفيروزآبادي 11: 23- 15: 28- 23: 19- 26:
23- 34: 24- 44: 11- 53: 17- 59:
21- 61: 26- 73: 22- 79: 26- 85: 25- 97: 20- 102: 17- 114:
23- 130: 22- 147: 22- 232: 20- 237: 22- 308: 20- 311: 25- 343: 19- 354: 22- 376: 24- 389: 21- 405: 20- 475: 22
«قوانين الدواوين» ، لابن ممانى 30: 22
ك
«الكاشف» ، للحافظ الذهبى 118: 22
«الكشاف، للزمخشرى» 118: 23
ل
«لسان العرب» ، لابن منظور 354: 22
«لطائف الظرفاء» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 19
م
مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية 19: 24
مجلة الرسالة 36: 22
«مراصد الاطلاع» ، لياقوت الحموى 173: 17- 175: 17- 428: 23
«مرجز فى أمر النصارى واليهود» ، للشهابى أحمد ابن العطار 131: 19
«مسالك الأبصار» ، للعمرى 15: 27- 20: 22- 140: 21- 336: 25
«المسلك الفاخر» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 19
مسند الإمام أحمد 193: 16
«مصر فى عصر السلاطين الچراكسة» ، للدكتور إبراهيم طرخان 36: 23- 47: 26- 60: 25- 61:
21، 24- 84: 28- 336: 27- 342:
18- 395: 22- 455: 19
«معجم البلدان» ، لياقوت الحموى 10: 24- 12: 17- 14: 12- 21:
26- 59: 23- 67: 22- 79: 26- 121: 19- 144: 19- 145: 18- 153: 19- 167: 21- 173: 17- 175: 16- 178: 21- 185: 22- 233: 20- 286: 21- 308: 23- 316:
20- 319: 22- 320: 15- 324: 21- 380: 24- 387: 21- 415: 21- 428: 18- 430: 21- 468: 22- 471: 20- 485: 21- 492: 21- 494: 20(15/708)
«معجم قبائل العرب القديمة والحديثة» ، لعمر رضا كحالة 210: 22- 409: 21
«معجم ما استعجم» ، للبكرى 428: 25
«معيد النعم ومبيد اللقم» ، للسبكى 84: 26- 336: 26- 494: 26
مقدمة ابن خلدون 141: 23
«الملل والنحل» ، للشهرستانى 321: 20
«المنتخب فى تاريخ حلب» ، لعلى بن محمد بن سعد، قاضى حلب 480: 5
منهاج البيضاوى 118: 23
«المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، لابن تغرى بردى 8: 22- 9: 20، 26- 25: 18- 44:
22- 47: 5، 19- 80: 19- 94: 22- 96: 20- 113: 14، 19- 118: 14، 18، 20، 23- 123: 1، 12- 128:
23- 129: 24- 130: 19- 131: 29- 136: 25- 140: 10، 23- 141: 16- 142: 25- 178: 23- 182: 19، 22- 186: 15- 191: 16، 18- 194: 26- 195: 18- 199: 1، 17، 18- 201:
30- 206: 21، 24- 207: 17، 18- 214: 22- 219: 20- 220: 19- 248: 23- 321: 25- 369: 7، 24- 378: 1- 409: 15- 419: 12- 456:
21- 484: 4، 21- 290: 2، 18- 491: 8، 20- 524: 16، 17- 527: 1- 532: 3، 18، 19- 533: 8- 539: 20، 21- 540: 11، 23، 25- 545: 8- 551: 1، 18- 555: 22- 558: 5، 21
«المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» . للمقريزى- خطط المقريزى المؤرخون فى مصر فى لقرن الخامس عشر، للدكتور محمد مصطفى زيادة 9: 22، 27- 48: 28- 491: 21- 534: 14
ن
«نزهة الأنام فى تاريخ الإسلام» ، لابن دقماق 177: 23- 454: 24
«نزهة الناظر فى المثل السائر» ، للشهابى أحمد بن العطار 131: 18
«نشق الأزهار فى عجائب الأقطار» ، لابن إياس 426: 24
«نظام البريد فى الدولة الإسلامية» ، للدكتور نظير السعداوى 30: 21
«نهاية الأرب فى فنون الأدب» ، للنويرى 8: 24- 20: 21- 336: 18
«نهاية سلاطين المماليك» ، للدكتور محمد مصطفى زيادة (مقال فى مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية) 19: 23
«النهج السديد والدر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد» ، لابن أبى الفضائل 177: 23
هـ
الهداية فى مذهب الحنفية 133: 6، 17، 18، 19(15/709)
المراجع التى اعتمد عليها المحقق
أالمراجع العربية:
1- ابن أبى الفضائل (المفضل القبطى) :
النهج السديد والدر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد (ويشمل من سنة 658 هـ إلى 741 هـ، وله ترجمة فرنسية) - باريس 1912
2- ابن إياس (أبو البركات محمد بن أحمد. ت 930 هـ) :.
1- نشق الأزهار فى عجائب الأقطار- باريس 1800 2- بدائع الزهور فى وقائع الدهور فى ثلاثة مجلدات- المطبعة الأميرية 1311 هـ
3- ابن تغرى بردى (أبو المحاسن يوسف. ت 874 هـ) :
1- النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة (ا) الأجزاء المطبوعة (إلى الجزء الثانى عشر) ، نشر دار الكتب المصرية (ب) نسخة كاليفورنيا، تحقيق وليام بوبر) W.PIPPER كاليفورنيا 1920- 1923، 1926)
2- المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى (1) الجزء الأول، تحقيق الأستاذ أحمد يوسف نجاتى (نشر دار الكتب المصرية 1375/1956) (ب) الأجزاء المخطوطة (ثلاثة أجزاء)
3- حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور (مخطوط) (يبدأ من حوادث 845 هـ وينتهى بحوادث 861 هـ وهو غير كامل) (توجد نسخة مطبوعة نشرها بوبر W.POPPER لكنها غير كاملة، فهى منتخبات من التراجم التى لم يذكرها المؤلف فى كتاب النجوم- فى أربعة أجزاء- طبعة كاليفورنيا 1930)
4- ابن الجيعان (شرف الدين أبو البقاء يحيى. ت 900 هـ) :
التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية نشر ب. موريتز) B.MORITZ بولاق 316 هـ/ 1898)(15/710)
5- ابن حبيب (الإمام الحسن بن عمر. ت 779 هـ) :
درة الأسلاك فى دولة الأتراك (مخطوط فى ثلاثة مجلدات)
6- ابن حجر (شهاب الدين أحمد. ت 852 هـ) :
1- إنباء الغمر بأبناء العمر (مخطوط فى مجلدين) 2- الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة (حيدر أباد 1348 هـ)
7- ابن حزم (أبو محمد على بن أحمد بن حزم. ت 456 هـ) :
الفصل فى الملل والأهواء والنحل، فى خمسة أجزاء (مصر 1317 هـ)
8- ابن خلدون (عبد الرحمن. ت 808 هـ) :
1- تاريخه المعروف بالعبر وديوان المبتدأ والخبر، فى سبعة أجزاء (مصر 1284 هـ) 2- المقدمة (مصر 1957)
9- ابن دقماق (غرس الدين إبراهيم بن محمد. ت 809 هـ) :
1- نزهة الأنام فى تاريخ الإسلام (مخطوط فى مجلدين) 2- الجوهر الثمين فى سير الملوك والسلاطين (مخطوط فى مجلدين) 3- الانتصار لواسطة عقد الأمصار المطبوع منه ح 4، ح 5 (مصر 1309 هـ)
10- ابن زنبل الرمال (أحمد بن على نور الدين المحلى الشافعى. ت 960 هـ) :
تاريخ السلطان سليم خان وفتح مصر (مصر 1278 هـ)
11- ابن شاهين (غرس الدين خليل بن شاهين الظاهرى. ت 872 هـ) :
؟؟؟ عدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، فى مجلد (باريس 1894)
12- ابن الشدياق (الشيخ ابن يوسف الشدياق الحدثى المارونى. ت 1859) :
أخبار الأعيان فى جبل لبنان (بيروت 1859)
13- ابن عبد الظاهر (محيى الدين عبد الله ت 692 هـ) :
الألطاف الخفية من السيرة الشريفة السلطانية الملكية الأشرفية.
(وهى سيرة السلطان خليل بن قلاوون) - (طبع ليبسك)
14- ابن عربشاه (شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله. ت 854 هـ) :
عجائب المقدور فى أخبار تيمور (مصر 1305 هـ)(15/711)
15- ابن العماد الحنبلى) أبو الفلاح عبد الحى. ت 1089 هـ) :
شذرات الذهب فى أخبار من ذهب، فى 8 مجلدات (مصر 1350 هـ)
16- ابن الفرات (ناصر الدين محمد. ت 807 هـ) :
تاريخ الدول والملوك، المجلد التاسع فى جزءين (نشر الدكتور قسطنطين بالجامعة الإمريكية ببيروت- بيروت 1936)
17- ابن القلاسى (أبو يعلى. ت 555 هـ) ذيل تاريخ دمشق (بيروت 1908)
18- ابن مماتى (القاضى الوزير شرف الدين أبو المكارم بن أبى سعيد. ت 606 هـ) :
قوانين الدواوين (نشر الدكتور عطية سوريال، مصر 1943)
19- ابن نجيم (زين الدين إبراهيم. ت 970 هـ) :
رسالة فى بيان الإقطاعات ومحلها ومن يستحقها (مخطوطة)
20- ابن يحيى (الأمير صالح أمير العزب من علماء القرن التاسع الهجرى) :
تاريخ بيروت وأخبار الأمراء البحتريين (نشره الأب لويس شيخو اليسوعي- بيروت 1927)
21- الجبرتى (عبد الرحمن. ت حوالى 1237 هـ) :
عجائب الآثار فى التراجم والأخبار، فى أربعة مجلدات (مصر 1322 هـ)
22- أحمد أمين:
1- فجر الإسلام فى مجلد (مصر 1928) 2- ضحى الإسلام فى ثلاثة مجلدات (مصر 1936)
23- الخطيب:
شرح الخطيب المسمى الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع (فقه شافعى فى جزءين- مصر 1344 هـ)
24- زيادة (الدكتور محمد مصطفى) :
1- المحاولات الحربية للاستيلاء على رودس زمن سلاطين المماليك فى القرن الخامس عشر (ترجمة منصور والشيال- مجلة الجيش- مصر 1946) 2- المؤرخون فى مصر فى القرن الخامس عشر الميلادى (مصر 1949)
25- السبكى (تاج الدين عبد الوهاب. ت 771 هـ) :
معيد النعم ومبيد النقم (مصر 1349 هـ)(15/712)
26- السخاوى (شمس الدين محمد بن عبد الرحمن. ت 902 هـ) :
1- التبر المسبوك فى ذيل السلوك فى مجلد (مصر 1896) 2- الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع فى 12 مجلدا (مصر 1954)
27- السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر جلال الدين. ت 911 هـ) :
1- حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة فى جزءين (مصر 1327 هـ) 2- تاريخ الخلفاء وأمراء المؤمنين القائمين بأمر الله (مصر 1351 هـ- له ترجمة إنجليزية)
28- الشهرستانى (أبو الفتح محمد بن عبد الكريم. ت 548 هـ) :
الملل والنحل- فى خمسة أجزاء (مصر 1317 هـ) وبهامش ابن حزم، ونشر محمد فتح الله بدران (مصر 1947)
29- الشيزرى (عبد الرحمن بن نصر) :
نهاية الرتبة فى طلب الحسبة نشر الدكتور الباز العرينى (مصر 1946)
30- الصفتى (الشيخ عيسى) :
عطية الرحمن فى صحة إرصاد الجوامك والأطيان، فى مجلد (مصر 1314 هـ)
31- طرخان (الدكتور إبراهيم على) :
1- الإسلام والممالك الإسلامية بالحبشة فى العصور الوسطى (مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية- العدد الثامن، 1959) 2- تاكيتوس Tacitus والشعوب الجرمانية (مصر 1959) 3- مصر فى عصر السلاطين الچراكسة (1382- 1517 م) - مصر 1959
32- العمرى (شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله ت 749 هـ) :
1- مسالك الأبصار (الجزء الأول مطبوع بتحقيق أحمد زكى باشا 1342 هـ- 1924 م، وبقية أجزائه لم تزل مخطوطة) 2- التعريف بالمصطلح الشريف (مصر 1312 هـ)
33- العينى (بدر الدين محمود. ت 855 هـ) :
عقد الجمان (مخطوط فى 23 جزءا، 69 مجلدا)
34- الغزالى (أبو حامد محمد بن محمد بن محمد ت 505 هـ) :
كتاب إحياء علوم الدين (فى مجلدين، مصر 1289 هـ)(15/713)
35- ثان ثلوتن:G.VAN VLOTEN
السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات فى عهد بنى أمية (ترجمة الدكتور حسن إبراهيم ومحمد زكى إبراهيم- مصر 1933)
36- القدسى (محمد أبو اسحاق، من علماء القرن التاسع الهجرى) :
دول الإسلام الشريفة البهية وذكر ما ظهر لى من حكم الله الخفية فى جلب طائفة الأتراك إلى الديار المصرية.
(فرغ من تأليفه 881 هـ ورفعه إلى الأمير يشبك الدوادار زمن السلطان قايتباى) - مخطوط.
37- القرمانى (أبو العباس أحمد بن يوسف. ت 939 هـ) :
أخبار الدول وآثار الأول (بغداد 1282 هـ)
38- القلقشندى (أبو العباس أحمد بن على. ت 821 هـ) :
صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء (فى 14 مجلدا نشر دار الكتب المصرية 1913- 1917)
39- الكرملى (الأب أنستاس) :
النقود العربية وعلم النميات (مصر 1939)
40- المقريزى (تقي الدين أحمد بن على. ت 845 هـ) :
1- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (فى مجلدين- بولاق 1270 هـ) 2- النقود الإسلامية (ضمن ثلاث رسائل- القسطنطينية 1298 هـ/ 1881 م) 3- الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام (مصر 1895 م) 4- البيان والإعراب عمن بأرض مصر من الأعراب (نشر إبراهيم رمزى- مصر 1916)
5- إغاثة الأمة بكشف الغمة (نشر زيادة والشيال- مصر 1940)
6- السلوك لمعرفة دول الملوك (نشر الدكتور محمد مصطفى زيادة- وصل إلى نهاية الجزء الثانى فى سنة مجلدات، وصدر القسم الثالث من الجزء الثانى، وهو نهاية ذلك الجزء، عام 1958 م، وينتهى هذا الجزء بحوادث السنة الخامسة والخمسين بعد السبعمائة من الهجرة)
7- الأجزاء المخطوطة من السلوك(15/714)
41- نظير (الدكتور نظير السعداوى) :
نظام البريد فى الدولة الإسلامية (مصر 1953)
42- النويرى (شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب. ت 733 هـ) :
نهاية الأرب فى فنون الأدب (ويقع فى ثلاثين جزءا مخطوطة بدار الكتب، نشرت منها الدار 18 جزءا)
ب المراجع الأجنبية:
1. ALASTRO, D., Cyprus in History (Lond., 1955)
2. ARTIN, Y., Contriution a l'Etude du Blazon en Orient. (Lond.,
. (1902
3. BARKER, E., The Crusades (Lond., 1925) .
(له ترجمة عربية أخرجها الدكتور الباز العرينى- مصر 1960)
4. BUDGE, Sir E. A. W., A Hietory of Ethiopia, Nubia and Abyssinia
Vol. I (Lond., 1928) .
5. GANSHOFF, F. L. feudalism (Lond, 1950) .
6. KAMMERER, A., Essai sur L'Histoire Antique d'Abyssinie (Paris,
. (1926
7. LA MONTE, J. L., Feudal Monarchy in the Latin Kingdom of Jeru-
salem, 1100- 1291. (Cambr. Mass., 1932) .
8. LANE- POOLE, S., (1) History of Egypt in the Middle Ages, (Lond.,
. (1925
(2) The Muhammadan Dynasties (Paris, 1925) .
9. MALCOLM, Sir J., The History of Persia (OXf., 1933) .
10. MAYER, L. A., Saracenic Heraldry (Oxf. 1933)
11. POLIAK, A. N., (1) Les Revoltes Populaires en Egypte a L'Epoque
des Mamlukes et leurs Causes Economiques
(Ex 1 trait de la Revue des Etu des Islamiques,
. (1934
(2) Feudalism in Egypt, Syria, Palestine and Le-
banon, 1250- 1900, (Lond., 1939) .
12. RUNCIMAN, S., A History of the Crusades, 3 Vols., (Cambr., 1951-
. (54
13. SYKES, Sir, P. M., History of Persia (Lond., 1915) .
14. TRIMMINGHAM, J. S., Islam in Ethiopia (Oxf., 1952) .
15. WIET, G., L'Egypte Arabe (Historie de la Nation Egyptienne, T. II)
(Paris, 1937) .(15/715)
ج المعاجم:
1- ابن منظور (جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقى المصرى) :
لسان العرب
2- البشارى (شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد) :
أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم (ليدن 1877)
3- البكرى (أبو عبيد الله عبد الله بن عبد العزيز البكرى الأندلسى. ت 487 هـ) :
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (تحقيق الأستاذ مصطفى السقا- مصر 1368 هـ/ 1949 م)
4- دوزى: (DOZY)
الذيل على المعاجم العربيةSupplement aux Dictionnaires Arabes (Leyden ,1881)
5- ردهوس: (J.W.REDHOUSE)
القاموس التركىRedhouse s Turkish Dictionary
6- رمزى (محمد رمزى) :
القاموس الجغرافى للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945 م.
(نشر دار الكتب المصرية- مصر 1953/1954)
7- زامباور: (ZAMBAUR)
معجم الأنساب والأسرات الحاكمة فى التاريخ الإسلامى (ترجمة المرحوم الدكتور زكى محمد حسن، والدكتور حسن محمود والدكتورة سيدة الكاشف وآخرين) - فى مجلدين (مصر 1951)
8- الزبيدى:
تاج العروس من شرح القاموس
9- الشرتونى (سعيد الخورى اللبنانى) :
أقرب الموارد فى فصح اللغة والشوارد
10- الفيروزآبادي:
القاموس المحيط
11- كحالة (عمر رضا) :
معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، فى ثلاثة أجزاء (دمشق 1368 هـ/ 1949 م)(15/716)
12- (مصلحة المساحة) :
الدليل الجغرافى
13- ياقوت الحموى (شهاب الدين أبو عبد الله الحموى الرومى. ت 626 هـ) :
1- معجم البلدان (مصر 1323 هـ) 2- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (ليدن 1852 م)
د دواويين الشعر:
1- ديوان أبى العلاء المعرى المعروف باسم «شروح سقط الزّند» :
ج لأبى زكريا يحيى التبريزى (ت 502 هـ) ج وأبى محمد عبد الله البطليوسى (ت 521 هـ) ج وأبى الفضل قاسم الخوارزمى (ت 617 هـ) ج (السفر الثانى- نشر لجنة إحياء آثار أبي العلاء- مصر 1946) ج 2- ديوان أبى نواس:
ج (نشر محمود أفندى ناصف- مصر 1898 م) ج ج ج ج ج جا جا جا جا جا جا جا جر جك جلبا جمى(15/717)
فهرس الموضوعات
الموضوع/ الصفحة ذكر سفر السلطان الملك الأشرف برسباى إلى آمد 7
مقبل الحسامى 24
المرسوم بإخراج الأمير سودون الكبير إلى القدس بطالا 35
ولاية إينال الششمانى صفد بعد الأمير مقبل 36
عدة القزازين بالإسكندرية 38
قدوم سيف جارقطلو نائب الشام 38
ولاية قرقماس حلب 39
استقرار يشبك المشد حاجب الحجاب 39
استقرار إينال الجكمى فى الإمرة الكبرى 39
استقرار تغرى برمش أمير آخور 39
تقرير الخيول على البلاد 41
عدة قرى مصر العامرة 41
ختان الملك العزيز 41
تحرك عزم السلطان على سفر آمد ثانيا 43
قدوم الخبر من بلاد الشرق 44
ترجمة أولاد قرا يوسف 45
كائنة امرأة التى طلقها زوجها وهى حامل 47
عمل الخدمة بالإيوان لقدوم قصاد شاه رخ 48
تعيين أقطوه المهمندار لرسلية شاه رخ 50
نهب بيت عبد الباسط 50
استقرار جانبك مملوك عبد الباسط فى المهمندارية 52
ضرب إبراهيم ابن كاتب جكم ناظر الخواص وأيضا ضرب ابن كاتب المناخ 53
استقرار يوسف ابن كاتب جكم فى الوزارة 54
استقرار ابن كاتب المناخ كاشف الوجه القبلى 55
وزارة الخطير وترجمته 56
وصول سيف طراباى 59
خروج قرقماس بسبب ابن قرمان وابن دلغادر 59(15/718)
قدوم كتاب شاه رخ 59
ظهور جانبك الصوفى ببلاد الروم 60
كائنة ابن قرمان مع ابن دلغادر 61
لبس ابن عثمان وغيره خلع شاه رخ 63
استقرار إينال الجكمى أتابك العساكر فى نيابة حلب 65
استقرار جقمق العلائى أتابك مصر، وتسلطن فيما بعد 65
ورود الخبر بالقبض على جانبك الصوفى 65
استقرار إينال الجكمى فى نيابة الشام 68
جمع القضاة لأخذ أموال الناس للنفقة 68
وصول رأس عثمان بن قرايلك 70
استقرار تغرى برمش فى نيابة حلب 71
توجه الأمير شادبك إلى ناصر الدين بن دلغادر 71
استقرار أقباى فى نيابة الإسكندرية 72
وصول أقطوه وصحبته رسل شاه رخ بن تيمور لنك 72
ورود الخبر بتوجه رسل أصبهان إلى شاه رخ 72
ثم أحضر السلطان شيخ صفا وقرئ كتابه 73
استقرار ابن الأشقر فى كتابة السر 74
قدوم الأمير شاد بك من عند ابن دلغادر 75
بروز الأمراء المجردين إلى الريدانية 76
نقل حسين أخى تغرى برمش إلى حجوبية حلب 76
استقرار خليل بن شاهين وزيرا 76
عزل إينال العلائى من نيابة الرها، واستقرار شاد بك نائبها 78
ولاية تمراز المؤيدى صفد 78
مملكة أذربيجان وهى تبريز 78
عزل تمراز عن نيابة صفد ونقل يونس إليها 80
بروز الأمر الشريف بطلب الأمراء المجردين 81
ولاية الأشرف إينال نيابة صفد 81
استقرار نصر الله كاتب السر 83
ورود الخبر بما فعله نائب ديركى من طرق بيوت ابن دلغادر 84
استقرار الجمالى يوسف ابن كاتب جكم ناظر الخواص 85(15/719)
كائنة تمراز المؤيدى 86
قدوم مملوك نائب حلب برأس جانبك الصوفى 87
كائنة جانبك الصوفى 88
ابتداء مرض الأشرف من أوائل شعبان 89
قلعة ألنجا من عمل تبريز 89
رسم بإخراج تجريدة إلى البلاد الشمالية 90
توعك السلطان الملك الأشرف برسباى 91
خبر الوباء بالصعيد 91
ظهور الطاعون بالقاهرة أول شهر رمضان 92
بيان الزنا 93
استقرار أسنبغا الطيارى حاجب ثانى 96
اتفاق حادثة غريبة 98
توسيط الحكماء 100
رابع القعدة 102
العهد بالسلطنة للملك العزيز يوسف 103
النفقة على جميع المماليك السلطانية 104
ضعف الشهوة للأكل 105
موت الملك الأشرف برسباى 106
مدة سلطنة الأشرف برسباى 107
السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة خمس وعشرين وثمانمائة 112
بدر الدين بن بشارة 115
السنة الثانية من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ست وعشرين وثمانمائة 116
ناصر الدين بك بن قرمان 116
خوند بنت الظاهر برقوق 117
تنبك ميق 117
ابن الكويز 118
السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة سبع وعشرين وثمانمائة 120
تنبك البجاسى 120
الوزير ابن كاتب المناخ 121
خوند زوج الأشرف 123
السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة 126(15/720)
تغرى بردى أخو قصروه 126
طوغان 130
السنة الخامسة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة تسع وعشرين وثمانمائة 133
فتح قبرس 133
إينال النوروزى 134
قجق 137
السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ثلاثين وثمانمائة 139
قشتم 141
البشتكى 143
السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة 147
بكتمر السعدى 147
جانبك الدوادار 148
يشبك الأعرج 151
السنة الثامنة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة 153
بدر الدين بن مزهر 155
السنة التاسعة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة 156
أزبك الدوادار 157
كريم الدين بن كاتب جكم والد يوسف ناظر الخاص 158
كمشبغا القيسى 159
بردبك أمير آخور 161
عاقولة والدة المقام الناصرى محمد بن الناصر فرج بن برقوق 162
مرجان الهندى 163
ترجمة عبد القادر بن أبى الفرج 163
يشبك أخو السلطان 165
شيخ نصر الله صاحب المدرسة بالقرب من خان الخليلى 165
هابيل بن قرايلك 167
خوند هاجر 169
السنة العاشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة أربع وثلاثين وثمانمائة 170
السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة خمس وثلاثين وثمانمائة 173
السلطان أويس 173(15/721)
ابن السفاح 174
ولاية ابن كاتب المناخ كتابة السر 175
جينوس 176
السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ست وثلاثين وثمانمائة 178
فيها سافر السلطان إلى آمد 178
التاجر الطنبذي 178
تغرى بردى المحمودى وهو أول من لبس التخافيف الكبار العالية 179
جانبك الحمزاوى 180
تنبك البهلوان 181
السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة 184
مقبل نائب صفد 184
جقمق الأرغون شاه 184
أقبغا الجمالى 186
جارقطلو 187
سلطان الغرب 192
صاحب بغداد ابن قرا يوسف 193
السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة 194
طراباى الظاهرى 194
أميرزه بن شاه رخ 195
السنة الخامسة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة 197
قصروه 199
عثمان بن قرايلك 200
خوند جلبان 203
السنة السادسة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة أربعين وثمانمائة 205
السنة السابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر وهى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة 210(15/722)
سعد الدين كريم بن كاتب جكم 210
جانبك الصوفى 211
تمراز المؤيدى 213
جانبك الثور 213
وفاة إسكندر بك بن قرا يوسف، وملك بعده أخوه جهان 220
سودون من عبد الرحمن 221
ذكر سلطنة الملك العزيز بن السلطان الملك الأشرف برسباى الدقماقى 222
العزيز يوسف 222
الأجرود 226
نودى بالنفقة 226
قدوم رسول ابن قرايلك 227
استقرار إينال شاد الشرابخاناه دوادارا ثانيا 229
قدوم خبر عرب لبيد 230
الإنعام على سبعة أنفار من الخاصكية كل واحد إمرة عشرة 231
كائنة عبد الباسط مع المماليك 232
كائنة الحاج وما حل بهم من البلاء 232
قدوم الخبر بأخذ مدينة أرزن 232
قدوم الأمير تغرى بردى المؤيدى من تجريدة البحيرة بغير طائل 241
وصول الأمراء المجردين إلى مصر 244
مدة سلطنة العزيز على مصر أربعة وتسعون يوما 254
ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد جقمق على مصر 256
الظاهر جقمق 258
ذكر ما وقع للملك الظاهر جقمق 260
استقرار تغرى برمش أمير آخور كبيرا عوض الملك الظاهر جقمق 261
المناداة بالنفقة 263
عمل المولد النبوى 263
النفقة على مماليك الأمراء من السلطان 263
المناداة من قرقماس للمماليك السلطانية بالنفقة 270
رمى السلطان المال للزعر 270
وكان من خبر قرقماس 273
زيادة قرقماس تقدمة ألف على الأتابكية 276(15/723)
استقرار الأمير إينال أمير حاج 277
استقرار زين الدين فى نظر الإسطبلات 278
طلب الشيخ حسن العجمى 278
تجهيز سودون المحمدى لنظر مكة وندبه لقتال عرب بلى 279
استقرار خليل أتابك صفد 279
نفقة الكسوة 279
قتل قرقماس 281
عصيان تغرى برمش 284
القبض على أمراء دمشق من نائب الشام إينال الجكمى 288
أمر إينال الجكمى بالدعاء للملك العزيز على المنابر 289
استقرار آقبغا التمرازى نائب الشام 290
وثوب عوام حلب على تغرى برمش وإخراجه من حلب 293
فرار الملك العزيز 295
تسحب الأمير إينال 299
استقرار تنبك فى إمرة الحاج عوض إينال 300
القبض على قراجا 301
عزل دوادار كبير 301
استقرار المقام الناصرى من المقدمين 303
نفى إمام الملك الأشرف 306
كائنة طوغان الزردكاش 309
القبض على طوغان 310
توسيط طوغان 312
القبض على دادة الملك العزيز 312 القبض على صندل الطواشى الذي هرب الملك العزيز 312
عزل فيروز الزمام 313
خبر الملك العزيز يوسف 314
ظهور إينال من اختفائه والقبض عليه 316
خبر إينال الجكمى 317
الوقعة بين العسكر المصرى والعربان والتركمان 317
القبض على إينال الجكمى 317(15/724)
كائنة بلبان شيخ الكرك 320
رسم بقتل إينال الجكمى 321
عقوبة جكم خال العزيز 321
عقوبة يخشباى أمير آخور ثانى 322
وقعة تغرى برمش الأولى 323
الوقعة بين عسكر السلطان وبين تغرى برمش 324
قدوم النجاب برأس إينال الجكمى 325
الحكم بقتل يخشباى وتمنع القاضى المالكى 325
القبض على تغرى برمش 326
وكتب بقتل تغرى برمش 327
القبض على عبد الباسط 327
استقرار ابن الأشقر فى نظر الجيش فى طرابلس 327
قدوم رأس تغرى برمش إلى الديار المصرية 328
استقرار الأمير يشبك أتابك العساكر بمصر 329
استقرار قانباى البهلوان فى نيابة صفد 329
استقرار إينال العلائى من المقدمين 329
قدوم الأمير إينال نائب صفد كان 331
المرسوم بنقل الأمراء من سجن الإسكندرية 331
توجه الملك العزيز إلى الإسكندرية 333
توجه الغزاة لرشيد 334
المرسوم بتوجه عبد الباسط إلى الحجاز الشريف 334
قدوم سيف آقبغا التمرازى نائب الشام 335
استقرار أسنبغا الطيارى فى نيابة إسكندرية على ما بيده من التقدمة 336
استقرار قراجا أتابك حلب 336
حضور قاصد شاه رخ بن تيمور لنك 337
استقرار طوخ فى نيابة غزة 337
قدوم ناصر الدين بك بن دلغادر وصحبته ابنته التى تزوج بها الملك الظاهر 337
سفر ابن دلغادر 339
المناداة بسبب الفضة الأشرفية 339
استقرار السخاوى فى نظر القدس والخليل 340
استقرار قيزطوغان فى الأستادارية 340
تجهيز تجريدة لغزو الفرنج 341(15/725)
قدوم رسل شاه رخ 342
ولاية قاضى القضاة عبد المنعم الحنبلى 343
قدوم الغزاة 343
توجه رسل شاه رخ 344
استقرار هلال زماما 345
ركوب السلطان ونزوله إلى خليج الزعفران بغير قماش الموكب 345
استقر الحال على أن يجبى من الرزق فى كل سنة عن كل فدان مائة درهم 346
ترجمة قنصوه النوروزى 346
قدوم قانباى الحمزاوى نائب حلب إلى القاهرة 347
طرد أيتمش الخضرى من مجلس السلطان 347
تجديد الجوامع 347
استقرار الشيخ على فى الحسبة 349
تولية الشريف على بن حسن 349
القبض على قيز طوغان الأستادار 350
تولية أحمد بن إينال نيابة الإسكندرية 350
أمير الحاج تغرى برمش الزردكاش 350
سفر الغزاة 351
كائنة الأجلاب 352
استقرار قراجا فى الخازندارية 352
استقرار زين الدين فى الاستادارية 353
استقرار فيروز خازندارا 355
استقرار إينال دوادارا 355
استقرار قانباى الجركسى شاد الشرابخاناه مع تقدمة ألف 355
تولية الشريف أبى القاسم عوضا عن أخيه على 356
استقرار ابن حجى فى نظر الجيش بدمشق 356
قدوم عبد الباسط أول مرة إلى القاهرة 357
قدوم خليل نائب ملطية 358
عزل ابن حجى من نظر الجيش 358
قدوم جلبان نائب الشام 359
الطاعون 359
خروج الغزاة لغزو رودس 360(15/726)
استقرار قانباى البهلوان فى نيابة حماه 363
قدوم قاصد شاه رخ وكسوة الكعبة 364
ورود الخبر بنصرة ابن عثمان 366
قدوم عبد الباسط ثانى مرة 367
ولاية القاياتى 367
استقرار شاد بك فى نيابة حماه 368
تكلم جانى بك الظاهرى على بندر جدة وقيام حرمته 368
استقرار قانباى الجركسى دوادارا كبيرا 369
استقرار إينال فى الأتابكية 369
نزول السلطان خليج الزعفران 370
قدوم الشريف محمد بن بركات 371
تولية السفطى نظر البيمارستان وسوء سيرته 371
توجه خوند بنت دلغادر إلى الحجاز 372
مبدأ أمر أبى الخير النحاس 375
تولية نائب حماه حلب 378
تولية أبى الخير النحاس نظر الجوالى 379
طلاق السلطان خوند بنت البارزى 382
منع السفطى من الطلوع للقلعة 384
منع اليهود والنصارى من طب أبدان المسلمين 384
الدعوى على السفطى بسبب الحمام 384
حبس السفطى بالمقشرة 385
المرسوم الشريف لقاضى القضاة الحنبلى لطلب السفطى وسماع الدعوى عليه 386
استقرار على بن إسكندر معلم العمائر 387
ضرب رقبة أسد الدين الكيماوى 388
استقرار تمربغا دوادارا ثانيا 390
الإنعام على الشهابى أحمد بن إينال العلائى بإمرة يشبك الفقيه 391
استقرار قانباى الجركسى أمير آخور 391
استقرار دولات باى دوادارا كبيرا 391
استقرار أسنبغا الطيارى رأس نوبة 392
موت أولاد السلطان وهم أربعة ذكور 392(15/727)
أخذ مال السفطى 392
استقرار الأمير أزبك بن ططخ رأس نوبة 394
استقرار على بن إسكندر محتسبا 394
نفى سودون السودونى، وكان السبب فى ذلك أبو الخير النحاس 395
مرسوم شريف للشام بضرب ابن الكويز 397
حادثة غريبة لأبى الخير النحاس 397
رجم العامة للمحتسب 398
اختفاء السفطى 402
موت الأغنام والأبقار 403
قتل نجم الدين بن بشارة 404
الأرض التى خسفت بين سيس وطرسوس 405
عقد الأمير أزبك على بنت الملك الظاهر 406
ظهور الرجل المتصولح 406
خشقدم الناصرى المؤيدى، تولى السلطنة فيما بعد 407
المناداة بسبب عمائم اليهود والنصارى 407
إطلاق العبد المتصولح من المقشرة 407
عمل مهم أزبك بن ططخ 408
نكبة أبى الخير النحاس وركوب المماليك الجلبان 410
استقرار موسى التتائى فى وظائف أبى الخير النحاس 417
منع ركوب الفقهاء والمعممين الخيل 418
ظهور السفطى 420
تجنن أبى الخير النحاس 421
دعوى الشريف على أبى الخير النحاس بالكفر 421
سفر الحاج وتوجه خوند شقراء بنت الناصر 423
خروج الناس للاستسقاء لزيادة النيل 424
خروج الناس ثانيا للاستسقاء 425
وثالثا 425
ورود الخبر بفرار تمراز من جدة 426
استقرار جانبك فى جدة 426
توجه تنم رصاص لإحضار موجود تمراز 429(15/728)
مبايعة الخليفة حمزة 432
وصول قصاد ابن قرا يوسف 432
توجه قانم التاجر مع قصاد جهان شاه بن قرا يوسف 433
امتناع الجلبان من أخذ الكسوة وطلب الزيادة 435
الغلاء 435
ما حدث به ابن إياس من تمراز 436
أجمعوا (كذا) أهل التقويم بزوال السلطان بسبب القران ولم يقع شىء 437
زيادة تقدمة للمقام الفخرى على ما بيده من التقدمة الأولى 439
مشى المقام الفخرى فى الخدمة على عادة أولاد الملوك 439
المناداة على الذهب 440
قدوم أبى الخير النحاس 441
كائنة التريكى المغربى 442
نفى التريكى المغربى إلى بلاد المغرب 444
توعك السلطان 448
حضور قصاد جهان شاه 449
زين الدين يحيى 451
موت الظاهر جقمق 453
مدة سلطنته 454
وظيفة رأس نوبة النوب للأمير تمرباى التمربغاوى ثم للأمير أسنبغا الطيارى 460
قانباى الجركسى 461
قبض عليه فى دولة المنصور عثمان 461
السنة الأولى من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة 465
وفاة قاضى القضاة البساطى المالكى 466
وفاة وترجمة قرقماس الشعبانى 466
وفاة إينال الجكمى 469
وفاة يخشباى قتيلا بسيف الشرع 470
وفاة تغرى برمش نائب حلب مضروب الرقبة 471
وتوفى الظاهر صاحب اليمن 474
السنة الثانية من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة 475
وفاة آقبغا التمرازى نائب الشام فجأة 475
قطج 478(15/729)
وفاة قاضى قضاة حلب ابن خطيب الناصرية 479
السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة أربع وأربعين وثمانمائة 482
ممجق 485
وفاة ابن العجمى الحلبى 486
السنة الرابعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمس وأربعين وثمانمائة 489
وفاة الخليفة داود 489
وفاة الشيخ المقريزى 490
السنة الخامسة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ست وأربعين وثمانمائة 492
وفاة كاتم سر مصر وناظر جيشها وخاصها والوزير بها ثم الأستادار ثم محتسب القاهرة 494
وفاة المؤذى الدوادار الكبير 496
أيتمش الخضرى 497
ناصر الدين بك بن دلغادر 499
السنة السادسة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة سبع وأربعين وثمانمائة 500
السخاوى 501
وفاة المقام الناصرى 502
السنة السابعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة 506
شمس الدين الواعظ الحموى 506
وفاة ابن قرايلك 508
السنة الثامنة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة تسع وأربعين وثمانمائة 509
يشبك أمير كبير 509
وفاة قانباى الجكمى وهو بحلب سكرانا من الدخان 511
السنة التاسعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمسين وثمانمائة 513
وفاة سودون الظاهرى الذي هدم سقف البيت الحرام وجدده من غير أمر يوجب ذلك 516
السنة العاشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة إحدى وخمسين وثمانمائة 520
قانباى البهلوان نائب حلب 520
الوزير أرغون شاه 521
إينال الششمانى 522
وفاة ابن قاضى شهبة 523
السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة 525(15/730)
وفاة ابن كاتب المناخات 527
تغرى برمش نائب القلعة 530
السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة 535
قراخجا الحسنى أمير آخور كبير 535
خوند الدلغادرية 542
تمر باى رأس نوبة النوب 543
السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة أربع وخمسين وثمانمائة 547
على باى الساقى 548
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 1
[الجزء السادس عشر]
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
يتناول الجزء السادس عشر من كتاب النجوم الزاهرة التأريخ للسنوات من 855 إلى 872 هجرية (1451- 1467 ميلادية) وتشمل هذه الحقبة:-
وفيات السنوات الثلاث الأخيرة من فترة حكم السلطان الملك الظاهر جقمق.
ثم فترة حكم السلطان الملك المنصور عثمان بن جقمق.
ثم فترة حكم السلطان الملك الأشرف إينال العلائى.
ثم فترة حكم السلطان الملك المؤيد أبى الفتح أحمد بن إينال.
ثم فترة حكم السلطان الملك الظاهر خشقدم.
ثم فترة حكم السلطان الملك الظاهر أبى نصر يلباى المؤيدى.
ثم فترة حكم السلطان الملك أبى سعيد تمربغا الظاهرى.
ثم ابتداء سلطنة السلطان الملك الأشرف قايتباى المحمودى الظاهرى.
وبنهاية هذا الجزء ينتهى كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة.
وقد تميزت هذه الحقبة التاريخية بقصر فترات الحكم للسلاطين الذين حكموا مصر وما والاها من البلاد. فمثلا السلطان الملك المنصور عثمان بن جقمق حكم شهرا وثلاثة عشر يوما، والسلطان الملك المؤيد أبو الفتح أحمد بن إينال حكم أربعة أشهر وأربعة أيام.
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 2
والسلطان الملك الظاهر أبى نصر يلباى الإينالى المؤيدى حكم شهرين إلا أربعة أيام، والسلطان الملك أبو سعيد تمربغا الظاهرى حكم شهرين.
ولم تعرف البلاد نوعا من الاستقرار إلا في فترة حكم الظاهر جقمق- مع اضطراب الأحوال بسبب المماليك السلطانية- وفترة حكم الأشرف إينال العلائى، وفترة حكم الظاهر خشقدم، ثم فترة حكم الأشرف قايتباى المحمودى.
وقد تناولها مؤلفنا تناول المؤرخ المعاصر للأحداث القريب منها اللصيق بحكامها، ولذلك فقد أصبح كتاب «النجوم الزاهرة» بالنسبة لهذه الحقبة أوثق مصدر تاريخى لها، ولولا أنه شجب كثيرا من التفصيلات التي وردت فى كتاب آخر له هو كتاب «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» لقلنا بأنه أوسع مصدر تاريخى تناول هذه الحقبة؛ ذلك لأن كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس عالج التأريخ لهذه الحقبة فى اختصار شديد، وكتاب «إنباء الغمر» لابن حجر مع اختصاره وقف بالأحداث عند سنة 850 هجرية فقط، وكتاب «عقد الجمان» للبدر العينى مع بسطه واتساعه وصل بالتأريخ إلى سنة 850 هجرية أيضا، وفوق ذلك فهو لم يحقق أو يطبع بعد، كذلك كتاب «التبر المسبوك» للسخاوى ليست له ميزة كتابنا هذا؛ لأنه يعالج الأحداث فى اختصار شديد أيضا، ومن هنا تجىء أهمية مؤلفات ابن تغرى بردى لهذه الحقبة.
ولا ندرى إن كان ابن تغرى بردى قد توقف عند هذا الحد من التأريخ أم أنه كتب شيئا بعد ذلك لكنه لم يضمّ إلى هذا الكتاب أو غيره فلم يصل إلينا، ولعل المرض الذي أصيب به المؤلف (مرض القولنج) قد حال بينه وبين مواصلة التأريخ إلى الوقت الذي وافته فيه منيته.
ويقول السخاوى فى كتابه الضوء اللامع «1» «وتعال قبل موته بنحو سنة بالقولنج
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 3
واشتد به الأمر من أواخر رمضان بإسهال دموى بحيث انتحل وتزايد كربه، وتمنى الموت لما قاساه من شدة الألم إلى أن قضى فى يوم الثلاثاء خامس ذى الحجة سنة أربع وسبعين» وإننا لنتساءل: فلم لم يؤرخ لبقية سنة 872 هـ وسنة 873 هـ ولم يكن قد دهمته شدة المرض بعد؟!
وكم كنا نود أن نعرف سببا قاطعا لتوقف مؤرخنا عن مواصلة التأريخ حتى الوقت الذي اشتد به المرض، ولكن المراجع التى بين أيدينا لم توضح لنا ذلك، فضلا عن أن كتاب المؤلف «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» قد توقف هو الآخر خلال أحداث سنة 872 هـ.
وإذا كان لنا أن نستنتج ونرجح فإننا نستنتج أن المؤلف قد طال به المرض وأن وطأته اشتدت عليه منذ الفترة التي انقطع فيها عن التأليف حتى وافته المنية.
ومهما يكن من شىء فالمؤلف- وقد صحبنا على هذه الرقعة الشاسعة من تاريخ مصر- لا بد أن نقول: إن كتابه كان جديرا بتلك التسمية الرائعة «النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة» .
وإذا كان سيودعنا بهذا الجزء فإن الذي لا شك فيه أن اسمه سيظل قادرا على التجول فى كل العصور، وأن نشر كتابه- فى هذه الطبعة- قد جاء فى فترة تحتاج إليها مصر لتتكامل معرفتنا بها، وليزيدنا العلم بها حبا وإعزازا، وتعلقا وتقديسا.
ولقد كان من الطبيعى أن يعمق جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغرى بردى الإحساس بالمنهج التاريخى الذي سار عليه من قبل المؤرخون المسلمون، فنجد عنده التتبع والدقة، والأمانة، وصحة الإسناد، والاستنباط، ووجهة النظر الخاصة، وإذا كان هذا الذي نسميه وجهة نظر خاصة ينكر أحيانا على أتباع هذه المدرسة إلا أننا نراها واضحة عنده.
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 4
ولنتأمل تعليقه على كلام كثير مثل «لله دره فيما قال» «1» . ولنتأمل هذا النص «قلت: هو كما قالوا وزيادة «2» » ثم يضع هذه الزيادة التي تدين هؤلاء التركمان الذين أساءوا السيرة وسلبوا الناس أموالهم، وخربوا البلاد.
وهو حين ينقل رأيا يخالف رأيه- وبخاصة ما ينقله عن المقريزى- وكما ألمحنا إليه فى مقدمة الجزء الرابع عشر- يسوق الرأى بحذافيره حتى ولو كان فى رجل يعزه ويجله، فهو مثلا ينقل رأيه عن الملك المؤيد شيخ المحمودى الذي يقول فيه « ... إلا أنه كان بخيلا مسيكا يشح حتى بالأكل، لحوحا غضوبا، نكدا حسودا معيانا، فحاشا سبابا «3» ...
الخ» فهو بعد هذا الرأى المصادم له يقول «وكان يمكننى الرد عليه فى جميع ما قاله بحق غير أننى لست مندوبا إلى ذلك فلهذا أضربت عن تسويد الورق وتضييع الزمان «4» » .
وقد تكون هناك دعوى تقول إنه كان يقف إلى جانب السلطة العليا فى الدولة، وإنه كان يرى أن كل خروج على النظام غير مقبول ويجب أن ترسل إثره الجيوش تجريدة بعد تجريدة؛ على حد ما نعرف من رأيه فى حركات الرفض بين عرب البحيرة «5» أو بين العربان فى الشرقية «6» ، أو بين الهوارة فى صعيد مصر «7» .
ونحن- ابتداء- لا نملك إلا التسليم بشىء من هذا، لكننا نعرف عنه غيرته على تماسك البلاد، وعدم تعرضها للهزات فى عصر كثرت فيه الهزات، ونعرف عنه أيضا الصدق فى الأحكام والشجاعة فى إعلانها، ولنتأمل هذا الجانب الذي يطالعنا كثيرا فى مؤلفاته ... فهو يقول- مثلا- فى زوج أخته القاضى كمال الدين عمر بن العديم قاضى
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 5
قضاة الحنفية بالديار المصرية «كان عالما فطنا مع طيش وخفة» «1» ويقول عن الأمير سيف الدين آقبردى بن عبد الله المؤيدى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية «كان شجاعا مقداما كريما مع جهل وظلم وجبروت وخلق سيىء، وبطش وحدة مزاج، وقبح منظر. قلت:
وعلى كل حال مساوئه أكثر من محاسنه» «2» ويقول فى شأن تولية جمال الدين الصفى لكتابة السر «وعدّت ولاية هذا الجاهل لمثل هذه الوظيفة العظيمة من غلطات الملك الأشرف [برسباى] وقبح جهله» «3» ويقول فى شأن الملك الظاهر خشقدم حينما ولّى شمس الدين محمدا البباوىّ نظر الدولة ثم الوزارة «وسمع الملك الظاهر خشقدم بسعة ماله- وكان من الخسة والطمع فى محل كبير- فاحتال على أخذ ماله بأن ولّاه نظر الدولة ...
فشق ذلك على الناس قاطبة، وعدوا ذلك من قبائح الملك الظاهر خشقدم ... وشغر الوزر ... فطلب السلطان البباوىّ وولّاه الوزر» «4» .
وصحيح أنه منحدر من سلالة المماليك، وصحيح أنّا نحس إعجابه بالعظام منهم، ولكنه فى الوقت نفسه يقدم فى موضوعية تامة عمليات الغدر والخديعة والوقيعة التي غص بها هذا العصر الذي يؤرخ له.
ولعمرى ماذا يراد من المؤرخ غير هذا؟! نحن نعتقد أن الذي عصمه هو تقاليد «المدرسة التاريخية الإسلامية» التي ألمحنا من قبل إلى مميزاتها، والتي كان مؤرخنا واحدا من عمدها.
ثم يأتى أخيرا بيانه الواضح، ووصوله إلى ما يريد بأقل الألفاظ مع سلامة تركيب الجملة العربية، إذا قيس بغيره من مؤرخى عصره، ومع اعتبار ما كان طاغيا على أساليب هذا العصر من خروج على قواعد اللغة.
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 6
وقد عاب عليه السخاوى استخدامه بعض الكلمات التى تخرج على مقاييس اللغة مثل أخرب، وأخلع. ولعمرى فإن هذا القليل- الذي رآه المؤلف صادق الدلالة على معناه- لا يعد خطيرا إلى جانب الفيض الكثير من الأساليب المنسقة السهلة الفصيحة.
وأخيرا فنحن حين ترفع القلم عن الحرف الأخير من هذا الكتاب، أو بعبارة شاعرية عن هذه النجوم الزاهرة نحسّ بأنه من أجل مصر، بل ومن أجل الوطن العربى يجب أن يقرأ هذا الكتاب، ونحسّ أنه كان من حسن حظنا أن أتاحت لنا «الهيئة المصرية العامة للكتاب» أن نقابل القارئ العربى بهذا الجزء الذي نرجو أن يحمله على متابعة قراءة الكتاب من أوله جزءا جزءا، أو كما يحب أن يقول مؤلفه «نجما نجما» .
منهج التحقيق:
وقد اعتمد فى تحقيق هذا الجزء على نسخة أيا صوفيا المصورة والمحفوظة بدار الكتب بالقاهرة تحت رقم 1343 تاريخ، واعتبرت أصلا للتحقيق ورمز لها بالأصل أو بحرف «ص» وقوبل على طبعة كاليفورنيا التى حققها المستشرق وليم پوپر معتمدا على مخطوطة المكتبة الأهلية بباريس رقم 1788 معتبرا إياها أصلا، ومقابلا لها على مخطوطة أخرى بنفس المكتبة برقم 1789 وأيضا على المصورة الشمسية لنسخة أيا صوفيا.
وقد اعتمد پوپر أيضا على كتاب «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» للمؤلف واعتبره نسخة معاونة رمز لها بحرف «H» وأضاف كثيرا من تفصيلاته فى هوامشه.
وقد روجع هذا الجزء على ما جاء فى هذا الكتاب الذي توجد منه نسختان بدار الكتب بالقاهرة. إحداهما مصورة عن نسخة أياصوفيا ومحفوظة برقم 2397 تاريخ، والأخرى مصورة عن نسخة الفاتيكان ومحفوظة برقم 2404 تاريخ تيمور، وقد حققت الجزء الأول منه وينشره حاليا المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. وقد سبق أن نشر
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 16، ص: 7
المستشرق وليم پوپر مقتطفات منه تهتم بالتفصيلات التى لم ترد فى كتاب «النجوم الزاهرة» واعتبر المنشور ملحقا بالجزء السابع من كتاب النجوم طبعة كاليفورنيا.
وسيجد القارئ أن مؤلفنا كثيرا ما يشير إلى التفصيلات والتفريعات التى أوردها فى كتاب «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» وشجبها فى كتاب «النجوم الزاهرة» . ذاكرا أنه أغفلها فى «النجوم» ويحيل القارئ فى معرفتها إلى كتاب «الحوادث» ذاكرا أن «الحوادث» يعنى بتفصيل الأحداث وعرضها أكثر من عناية «النجوم» بها.
ولقد تتبعنا المنهج الذي قام عليه تحقيق الأجزاء السابقة من كتاب «النجوم» وجعلناه أساسا لتحقيق هذا الجزء، وأضفنا إلى هوامشه ما رأينا إضافته من كتاب «الحوادث» مما يوضح النص أو يوثقه أو يضيف إليه جديدا.
ورجعنا فى تحقيق الأحداث وتراجم الأعلام إلى المصادر المعتمدة والمطروقة فى هذا الميدان، والتى رجع إليها السادة المحققون للأجزاء الأخرى من هذا الكتاب.
وإذا كان هذا الجزء قد صدر بعد فقدنا للعالم الكبير المرحوم الدكتور جمال الدين الشيال فإنه ما من شك فى أن التراث قد فقد بفقده عالما جليلا صادق الجهد نفاذ البصيرة يدين له التراث بفضل تحقيق «مفرج الكروب» وغيره. وبدين له بجهده الذي بذله فى هذا الجزء، أثابه الله عن العلم والتراث خير المثوبة.
وإنا لنرجو أن يكون الجهد الذي بذل موضع القبول؛ والله ولى التوفيق.
10 من جمادى الأولى سنة 1392 هـ.
21 من مايو سنة 1972 م.
فهيم محمد شلتوت(15/731)
[ما وقع من الحوادث سنة 855]
السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق
على مصر وهى سنة خمس وخمسين وثمانمائة:
وفيها كان تزايد الغلاء حتى خرج عن الحدّ، وبيع القمح بنحو ألف وخمسمائة درهم الإردب، والفول والشعير بألف درهم الإردب، ثم تزايد بعد ذلك على ما حرّرناه فى الحوادث «1» .
وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المستكفى بالله أبو الربيع سليمان ابن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد بالقاهرة، فى يوم الجمعة ثانى المحرم، وقد تقدّم ذكر نسبه إلى العباس فى ترجمة أخيه المعتضد داود من هذا الكتاب.
وتولى الخلافة بعدة أخوه حمزة بغير عهد منه، ولقّب بالقائم بأمر الله.
ونزل السلطان الملك الظاهر للصلاة عليه بمصلاة المؤمنى «2» ، ومشى فى جنازته إلى أن شهد دفنه، وربما أراد حمل نعشه فى طريقه، ومات المستكفى وهو فى عشر الستين، بعد أن أقام فى الخلافة تسع سنين ونحو عشرة أشهر. وكان ديّنا خيّرا، منجمعا عن الناس بالكلّيّة، كثير الصّمت، قليل الكلام، ذكر عنه أخوه أمير المؤمنين المعتضد داود- وكان شقيقه- عند ما عهد له بالخلافة فى مرض موته، أنه لا يعرف عليه كبيرة فى مدة «3» عمره- رحمه الله تعالى.(16/1)
وتوفّى القاضى جمال الدين عبد الله بن هشام «1» الحنبلى الفقيه، أحد نوّاب الحكم بالقاهرة، فى العشر الأخير من المحرم، وكان فقيها فاضلا مشكور السّيرة فى أحكامه- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الرئيس مجد الدين عبد الرحمن بن الجيعان «2» ، ناظر الخزانة الشّريفة السّلطانية وكاتبها، فى يوم الخميس تاسع عشرين المحرم، بعد قدومه من الحجاز متمرّضا، وخلّف عدّة أولاد، أمّهاتهم أمهات «3» أولاد جوار بيض مسلمات.
وتوفّى القاضى شمس الدين محمد المعروف بابن زبالة «4» الشّافعى المصرى الأصل والمولد، قاضى قضاة مدينة الينبع، بها فى هذه السنة. وكان مولده بباب البحر خارج القاهرة، ثم انتقل إلى الينبع بعد أمور، وولى قضاءها إلى أن مات، وكان له سمعة وصيت بتلك البلاد.
وتوفّى السلطان خوندكار مراد «5» بك ابن السلطان محمد بك كرشجى بن أبى يزيد ابن عثمان، متملّك برصا «6» وأدرنابولى «7» ، وما والاهما من ممالك الرّوم، فى سابع المحرم بمملكة الروم.
وتولّى الملك من بعده ولده السلطان محمد بن مراد بك، واقتدى بسنّة أبيه فى الجهاد والغزو، ونكاية العدوّ، وأخذ البلاد والقلاع من يد الفرنج، ومات السلطان مراد(16/2)
بك وهو فى أوائل الكهولية، وكان خير ملوك زمانه شرقا وغربا؛ مما اشتمل عليه من العقل والحزم والعزم والكرم والشجاعة والسؤدد. وأفنى عمره فى الجهاد فى سبيل الله تعالى، وغزا عدّة غزوات، وفتح عدّة فتوحات، وملك الحصون المنيعة، والقلاع والمدن من العدوّ المخذول. على أنه كان منهمكا فى اللذات التى تهواها النفوس، ولعل حاله كقول بعض الأخيار- وقد سئل عن دينه- فقال: أمزّقه بالمعاصى، وأرقّعه بالاستغفار. فهو أحقّ بعفو الله وكرمه، فإن له المواقف المشهورة، وله اليد البيضاء فى الإسلام ونكاية العدوّ، حتى قيل عنه إنه كان سياجا للإسلام والمسلمين- عفا الله عنه، وعوّض شبابه الجنة- فلقد كان بوجوده «1» غاية التجمل فى جنس بنى آدم- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن حسّان «2» ، الفقيه الشافعى، شيخ خانقاه سعيد السعداء «3» ، فى يوم السبت أول شهر ربيع الأول، وكان فقيها ديّنا مشكور السّيرة، وتولّى مشيخة سعيد السّعداء من بعده الشيخ خالد.
وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد الحلبى «4» ، المعروف بالحجازى، ابن أخت السخاوى، فى يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول، وكان أديبا، وهو ممن عرف فى هذه الدولة بخاله خليل السخاوى «5» ، وعدّ من بياض الناس، على أنه كان قليل البضاعة من العلوم والفضيلة.(16/3)
وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد الحنفى الرومى «1» الأصل والمولد، المصرى الدّار والوفاة، المعروف بالكاتب، فى يوم الأحد ثالث عشرين شهر ربيع الأوّل، بعد أن نال حظّا من ملوك مصر، لا سيما من الملك الظاهر جقمق؛ فإنه عظم فى دولته إلى الغاية ونالته السعادة، وعدّ من الرؤساء، ولم يكن لذلك أهلا، غير أن ملوك زماننا كالعميان، يضع الواحد يده على كتف الواحد، فمهما تحرّك الأوّل بحركة تحرّك الثانى بمثله.
فأول من قرّب شمس الدين هذا الظاهر ططر، فاقتدى جميع من جاء بعده من السلاطين به من تقريب شمس الدين هذا، ولا يعرف أحدهم لم قرّبه واختصّ به غير الظاهر ططر، فإنه كان له مقاصد لا يعرفها هؤلاء، ثم انحطّ قدره، ونكب وصودر، وادّعى عليه عند القضاة بدعاوى اقتضت تعزيره وحبسه بسجن الرّحبة، وقاسى أهوالا، كلّ ذلك بأمر السلطان الملك الظاهر جقمق لمّا تغيّر عليه، نكالا من الله، فإنه كان واسطة سوء مع دهاء ومكر، وعقل تام، فإنه اتصل لما اتصل، ولم يقتن دابة يركبها، بل كان كلما أراد أن يطلع القلعة ركب من الشيخونية «2» حمارا مكاريا بالكرى، وطلع إلى القلعة، واجتمع بالسلطان ثم نزل وعاد على الحمار المذكور إلى داره بالشيخونية، فى كل يوم على ذلك.
وكان قليل العلم، إلا أنه كان له مشاركة ومحاضرة ومعرفة بمداخلة الملوك، محظوظا عندهم.
كان مرتّبه فى اليوم على الجوالى «3» فقط دينارين، وله أشياء غير ذلك، وكان شكلا مهولا، طوالا، ذا لحية كبيرة، وعلى رأسه عمامة هائلة، وقبّع(16/4)
جوخ كبير جدا، ويلفّ عليه أزيد من ثوب بعلبكى رفيع، وقيل ثوبان عوضا من الشاش.
ومع تقربه من الملوك كان عنده عفّة عن أموال الناس، وعدم طمع بالنسبة إلى غيره- رحمه الله.
وتوفّى الشيخ المعتقد محمد السفارى، نزيل جامع عمرو بن العاص، فى يوم الجمعة حادى عشر جمادى الأولى وقد ذكرنا واقعته مع الملك الظاهر جقمق فى الحوادث، وملخصها أنه كان وقع من بعض فقرائه ما أوجب إحضاره، فامتنع، فألحّ السلطان على الوالى بإحضار الشيخ محمد المذكور، فلما حضر إليه ثانيا أفحش فى الجواب للوالى، ثم تكلم فى الملأ بكلام يدل على موت السلطان فى سابع عشر جمادى الأولى، وشاع ذلك بين الناس، فمات الشيخ قبل ذلك اليوم، أعنى يوم سابع عشر جمادى الأولى بستة أيام، فتعجّب الناس من ذلك.
والذي أظنّه أن الشيخ ما قال إلا عن نفسه، فتوهمت العامة أن الشيخ يشير بذلك عن السلطان، والله أعلم، وعلى كل حال واقعة غريبة- رحمه الله.
وتوفّى السيّد الشريف هلمان بن وبير بن نخبار»
أمير مدينة الينبع بها فى أواخر جمادى الأولى، وهو فى أوائل الكهولية، وكان شابا مليح الوجه، مشكور السّيرة، لولا أنه على مذهب القوم- عفا الله عنه.
وتولى بعده إمرة الينبع أخوه سنقر، وكانت ولاية هلمان المذكور، بعد عزل ابن أخية معز بن هجّان بن وبير بن نخبار فى سنة تسع وأربعين وثمانمائة- اهـ.
وتوفّى السيد الشريف أميان بن مانع الحسينى «2» المدنى، أمير المدينة الشريفة(16/5)
النبوية- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- فى جمادى الآخرة بها، وتولّى إمرة المدينة من بعده زبير بن قيس بن ثابت.
وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد الحلبى الحاجب الثانى بحلب المعروف بابن ألتغا، فى يوم السبت سابع عشرين شهر رمضان بالقاهرة، غريبا عن أهله وعياله، وكان أصله من بعض قرى حلب، وترقّى فى الخدم حتى لبس زىّ الجند، وخدم أستادارا عند بعض أعيان حلب، وتموّل، وترقّى بالبذل حتى صار حاجبا ثانيا بحلب، وهو لا يعرف كلمة مركّبة باللغة التركية، ويتلفظ فى كلامه بألفاظ فلاحى القرى إلى أن مات، غير أنه كان مشكور السيرة، كريم النفس- رحمه الله.
وتوفّى القاضى تاج الدين محمد ابن «1» قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني الشافعى فى يوم السبت سابع عشرين «2» شهر رمضان ودفن من الغد عن ثمان وستين سنة، وخلّف مالا كثيرا، وكان مسيكا بخيلا، وإليه أشار الحافظ بن حجر بقوله [السريع]
مات جلال الدين، قالوا: ابنه ... يخلفه، أو فالأخ الراجح
فقلت: تاج الدين لا لائق ... لمنصب الحكم، ولا صالح
أراد «3» بتاج الدين هذا فى الأول ثم بالتورية (4) قاضى القضاة علم الدين صالح البلقني «4» .(16/6)
وتوفّى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله السيفى «1» سودون الحمزاوى نائب صفد بها فى ليلة السبت تاسع عشرين شهر رمضان، وكان يشبك المذكور ولى «2» دواداريّة السلطان بحلب سنين، ثم ولى نيابة غزّة؛ ثم نقل إلى نيابة صفد إلى أن مات بها، وكان مشكور السّيرة، لم تسبق له رئاسة بالديار المصرية، وتولّى الأمير بيغوت المؤيّدى بعده نيابة صفد ثانى مرّة- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير شهاب الدين أحمد بن أمير على بن إينال اليوسفى الأتابكى، أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، فى ليلة الثلاثاء سابع عشرين ذى القعدة، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن بتربة جدّه الأتابك إينال، ومات وسنّة نحو خمسين سنة- تخمينا- وإلى والده أمير على ينتسب الملك الظاهر جقمق بالعلائى وقد تقدّم ذكر ذلك كله فى أوّل ترجمة الملك الظاهر جقمق، وكيف أخذه الملك الظاهر برقوق منه.
وكان أحمد المذكور أميرا ضخما عاقلا، رئيسا ديّنا خبيّرا، متواضعا، عارفا بأنواع الفروسية، وعنده محبة للفقراء وأرباب الصلاح، وكان سمينا جدا، لا يحمله إلا الجياد من الخيل، وكان ممّن رقّاه الملك الظاهر حقمق، وأمّره عشرة فى أوائل سلطنته، ثم ولّاه نيابة الإسكندرية، وزاده عدّة زيادات على إقطاعه، ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، عوضا عن الأمير إينال العلائى بحكم انتقاله إلى الأتابكيّة بعد موت(16/7)
يشبك السودونى المشدّ، فدام على ذلك إلى أن مات، وتأسّف الناس عليه لحسن سيرته بالنسبة إلى أخيه محمد؛ وإلى الشهابى أحمد بن نوروز، شادّ الأغنام، فإنهما كانا أسوأ حواشى الملك الظاهر جقمق سيرة، بخلاف الشّهابى أحمد فإنه لم يكن له كلمة في الدولة إلا بخير- رحمه الله تعالى.
وتوفّى السيّد الشريف إبراهيم بن حسن بن عجلان الحسنى، المقبوض عليه مع أخيه على بن حسن قبل تاريخه بمكة، وحمل إلى القاهرة، وحبس بالبرج من القلعة مدّة طويلة، ثم أخرج مع أخيه إلى ثغر دمياط، فدام به بعد موت أخيه علىّ إلى أن مات فى هذا التاريخ.
وتوفّى الأمير سيف الدين تمراز بن عبد الله من بكتمر المؤيدى، المصارع شادّ بندر جدّة قتيلا بالحديدة من بلاد اليمن، فى خامس عشرين «1» شهر رمضان، بعد أن فرّ من جدّة بمال السلطان عاصيا عليه، فلم يحصل له ما قصد، وقد أوضحنا أمره وما وقع له من يوم خروجه من جدة إلى يوم موته في أصل هذه الترجمة، سياقا في أواخر ترجمة الملك الظاهر هذا.
وتوفّى قاضى القضاة شيخ الإسلام بدر الدين أبو الثناء، وقيل أبو محمد بدر الدين محمود ابن القاضى شهاب الدين أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العينتابى «2» الحنفى، قاضى قضاة الديار المصرية، وعالمها ومؤرخها، فى ليلة الثلاثاء رابع ذى الحجة، ودفن من الغد بمدرسته التي أنشأها تجاه داره بالقرب من جامع الأزهر، ومولده بعينتاب في سنة اثنتين وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وتفقّه بوالده بعد حفظه القرآن الكريم، وكان أبوه قاضى عينتاب، وتوفّى بها في شهر رجب سنة أربع وثمانين(16/8)
وسبعمائة، ثم رحل ولده القاضى بدر الدين هذا بعد موته إلى حلب، وتفقّه بها، وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطى الحنفى وغيره، ثم قدم لزيارة بيت المقدس فلقى به العلامة علاء الدين العلاء بن أحمد بن محمد السيرامى الحنفى شيخ المدرسة الظاهرية- برقوق- وكان أيضا توجّه لزيارة بيت المقدس، فاستقدمه معه إلى القاهرة فى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ونزّله في جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية- برقوق- ثم قرّره خادما بها، ثم وقع له بعد ذلك أمور حكيناها في ترجمته في المنهل الصافى، إلى أن عرف بين الطلبة، وفضل في علوم، وصحب الأمير جكم من عوض «1» ، والأمير قلمطاى العثمانى الدّوادار، وتغرى بردى القردمى إلى أن توفّى الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، فولى حسبة القاهرة في مستهل ذى الحجة من السنة، بسفارة هؤلاء الأمراء عوضا عن الشيخ تقي الدين أحمد المقريزى، فمن يومئذ وقعت العداوة بينهما «2» إلى أن ماتا، ثم صرف بعد أشهر، وتولى حسبة القاهرة غير مرّة، وآخر ولايته للحسبة فى سنة ست وأربعين وثمانمائة عوضا عن يرعلى الخراسانى- انتهى.
فنعود إلى ما كنا يصدده: ثم ولى القاضى بدر الدين هذا نظر الأحباس في الدولة المؤيّدية، ولما تسلطن الملك الأشرف برسباى صحبه وعظم عنده إلى الغاية، وصار ينادمه، ويقرأ له التواريخ من أيام السلف من الوقائع والأخبار، ويعلمه دينه، كان يقرأ له(16/9)
التاريخ باللغة العربية ثم يفسره له باللغة التركية، وكان فصيحا في اللغتين «1» ، وكان الملك الأشرف يسأله كثيرا عن دينه وعما يحتاج إليه من العبادات وغيرها، فيجيبه القاضى بدر الدين المذكور بعبارة تقرب من فهمه، حتى لقد سمعت الأشرف يقول غير مرة:
«لولا العينتابى لكان في إسلامنا شىء» .
وولّاه قضاء الحنفية مرّتين، ومات الأشرف وهو قاض، فعزل في الدولة العزيزية بالشيخ سعد الدين سعد الدّيرى، ولزم داره على نظر الأحباس مدة سنين إلى أن سعى علاء الدين علىّ بن آقبرس فيها ووليها، فاستقبح الناس عليه ذلك من وجوه عديدة، ثم مات بعد ذلك بمدة يسيرة.
وكان إماما فقيها أصوليا، نحويا، لغويا، بارعا في علوم كثيرة، وأفتى ودرّس سنين، وصنّف التصانيف المفيدة النافعة، وكتب التاريخ، وصنّف فيه مصنفات كثيرة «2» ذكرناها مع جملة مصنفاته في المنهل الصافى، يطول الشرح في ذكرها هنا.
ولما انتهينا من الصلاة على قاضى القضاة بدر الدين هذا بجامع الأزهر، وخرجنا إلى مشاهدة دفنه، قال لى قاضى القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادى الحنبلى.
«خلا لك البرّ فبض وأصفر «3» » فلم أردّ عليه، وأرسلت إليه بعد عودى إلى منزلى ورقة بخط العينى هذا يسألنى فيه عن شىء سئل عنه في التاريخ من بعض الأعيان، ويعتذر عن الإجابة بكبر سنه وتشتت ذهنه، ثم أبسط القول في الشكر والمدح والثناء إلى أن قال: «وقد صار المعوّل عليك الآن في هذا الشأن، وأنت فارس ميدانه، وأستاذ زمانه، فاشكر الله على ذلك» .(16/10)
وكان تاريخ كتابة الورقة المذكورة في سنة تسع وأربعين وثمانمائة- انتهى.
وتوفّى السيد الشريف عفيف الدين أبو بكر محمد الأيكى العجمى الشافعى نزيل مكة المشرفة بمنى في ثانى يوم من التّشريق، وحمل إلى مكة، ودفن بها، وكانت جنازته مشهودة، وكان الناس في أمره وصلاحه على أقسام، رأيته بمكة واجتمعت به مجلسا خفيفا- رحمه الله.
وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح أحمد التّرابى «1» المصرى فجأة، فى يوم الجمعة حادى عشر ذى الحجة، ودفن بزاويته من الغد، بالقرب من تربة الشيخ جوشن خارج باب النصر.
وكان رجلا صالحا دينا خيرا معتقدا، وكنت أصحبه، وكان لى فيه اعتقاد ومحبة- رحمه الله تعالى.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وثمانية أصابع.(16/11)
[ما وقع من الحوادث سنة 856]
السنة الخامسة عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ست وخمسين وثمانمائة.
فيها أخذ الغلاء في انحطاط من الديار المصرية وأعمالها.
وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة علاء الدين علىّ ابن الشيخ قطب الدين أحمد القلقشندى «1» الشافعى، أحد فقهاء الشافعية، فى يوم الاثنين مستهل المحرم، ودفن من الغد في يوم الثلاثاء خارج القاهرة، ومولده بالقاهرة في ذى الحجة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ونشأ بها، وحفظ عدّة متون في مذهبه، وتفقّه بعلماء عصره، مثل شيخ الإسلام السّراج البلقينى، وولده قاضى القضاة جلال الدين، والعلّامة عز الدين بن جماعة، أخذ عنه المعقول، وعن الشيخ الإمام العلّامة فريد عصره علاء الدين محمد البخارى الحنفى، وقاضى القضاة شمس الدين محمد البساطى «2» المالكى، وغيرهم، وبرع في عدة علوم «3» وأفتى ودرّس، وتولّى عدّة تداريس، ورشّح لقضاء الديار المصرية غير مرّة، وسئل بقضاء دمشق فامتنع، وتصدّى للاشتغال سنين، وانتفع به جماعة من الطلبة- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الإمام المقرئ ناصر الدين محمد بن كزل بغا «4» الحنفى، إمام المدرسة الأشرفية «5» بالعنبريّين «6» ، فى يوم الأحد تاسع عشر صفر، وهو في عشر الخمسين،(16/12)
ومات ولم يخلف بعده مثله في القراءات وحسن التأدّى، لا سيما في قراءة المحراب فإنه كان من الأفراد في ذلك، وكان أبوه من مماليك الأمير ألطنبغا الجوبانى نائب دمشق- رحمه الله تعالى.
وتوفّى عظيم الديار المصرية وعالمها ورئيسها كمال الدين أبو المعالى محمد ابن العلّامة القاضى ناصر الدين أبى المعالى محمد ابن القاضى كمال الدين محمد بن عثمان بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن هبة الله البارزى «1» الحموى الجهنى الشافعى، كاتب السرّ الشريف بالديار المصرية، وابن كاتب سرّها، وصهر السلطان الملك الظاهر جقمق، بداره بخط الخرّاطين «2» من القاهرة، فى يوم الأحد سادس عشرين صفر، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن عند والده بالقرافة الصّغرى تجاه شباك الإمام الشافعى- رضى الله عنه.
سألته عن مولده، فقال: بحماة في ذى الحجة سنة ستّ وتسعين وسبعمائة.
قلت: ونشأ بها تحت كنف والده، وحفظ القرآن العزيز، وصلى التراويح بالناس فى الدّيار المصرية لما قدم مع والده سنة تسع وثمانمائة، ثم عاد مع والده إلى حماة، وحفظ التمييز «3» فى الفقه، وقرأه على الحافظ برهان الدين إبراهيم الحلبى المعروف بالقوف «4» .(16/13)
ثم قدم إلى الديار المصرية مع والده أيضا بعد قتل الملك الناصر فرج في سنة خمس عشرة وثمانمائة، وتفقّه بقاضى القضاة ولى الدين أحمد العراقى «1» ، وأخذ المعقول عن العلّامة عز الدين بن جماعة «2» ، وعن تلميذه ابن الأديب، وأخذ أيضا عن قاضى القضاة شمس الدين البساطى المالكى، وعن العلّامة البارع الزاهد علاء الدين محمد البخارى الحنفى، ولازمه كثيرا وانتفع بدروسه، وأخذ النحو في مبادئ أمره عن الشيخ يحيى العجيسى المغربى «3» وغيره، وسمع البخارى من عائشة بنت عبد الهادى «4» ، واجتهد فى طلب العلم وساعده في ذلك الذكاء المفرط، والذهن المستقيم والتصور الصحيح، حتى برع في المنطوق والمفهوم، وصارت له اليد الطولى في المنثور والمنظوم، لا سيما في الترسل والإنشاء والمكاتبات، فإنه كان إمام عصره في ذلك، هذا مع ما اشتمل عليه من العقل والعراقة والسكون والسؤدد والكرم والإكرام وسياسة الخلق وحسن الخلق، والرئاسة الضخمة، والفضل الغزير.
وباشر كتابة السّر في أيام والده نيابة عنه، وعمره نيف على عشرين سنة.
ثم استقل بالوظيفة نيفا على ثلاثين سنة، على أنه صرف عنها غير مرة المدّة الطويلة.(16/14)
وأول ولايته لكتابة السرّ في يوم السبت خامس عشرين شوال سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة في الدولة المؤيّديّة شيخ؛ تلقّاها عن والده القاضى ناصر الدين بعد موته، واستمرّ فى الوظيفة إلى أن صرف عنها بصهره علم الدين داود بن الكويز ناظر الجيوش بالديار المصرية، واستقرّ القاضى كمال الدين هذا في الوظيفة ونظر الجيش عوضا عن علم الدين المذكور- أعنى أن كلّا منهما أخذ وظيفة الآخر- وذلك في محرم سنة أربع وعشرين، فباشر وظيفة نظر الجيش إلى أن صرف عنها بعبد الباسط بن خليل الدمشقى في يوم الاثنين سابع ذى القعدة من سنة أربع وعشرين المذكورة، فلزم القاضى كمال الدين هذا داره على هيئة عمله من الحشم والخدم والإحسان لمن يرد عليه من كلّ طائفة، وأكبّ على الاشتغال وطلب العلوم مدّة سنين إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباى في يوم سابع شهر رجب سنة إحدى وثلاثين، وخلع عليه باستقراره في كتابة سرّ دمشق بعد موت بدر الدين حسين، فتوجه إلى دمشق وباشر كتابة سرّها مدّة إلى أن قدم القاهرة صحبة الأمير سودون من عبد الرحمن نائب دمشق، وعزل سودون وتولّى جار قطلو نيابة دمشق، فخلع السلطان عليه بقضاء دمشق مضافا لكتابة سرّها، وكان ذلك في يوم الأربعاء مستهل شعبان سنة خمس وثلاثين، فباشر الوظيفتين معا، وحسنت سيرته وأحبّه أهل دمشق.
ومن غريب ما اتفق في ولايته لقضاء دمشق أن العلّامة علاء الدين البخارى «1» كان إذا ولى أحد من طلبته القضاء أو الحسبة يغضب عنه ويمنعه من دروسه، فلمّا بلغه ولاية القاضى كمال الدين هذا فرح، وقال: «الآن أمن الناس على أموالهم ونفوسهم» ، وناهيك بقول الشيخ علاء الدين هذا في حقّه.
واستمر على وظيفتيه بدمشق إلى أن طلب إلى الديار المصرية، وولى كتابة سرّها بعد عزل الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ في يوم السبت العشرين(16/15)
من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وثمانمائة «1» ، فباشر الوظيفة مدّة إلى أن صرف عنها بالشيخ محبّ الدين بن الأشقر في يوم الخميس سابع شهر رجب سنة تسع وثلاثين..
ولزم المقرّ الكمالى داره إلى أن أعيد إلى قضاء دمشق مسئولا في ذلك في يوم الثلاثاء مستهل شهر رجب سنة أربعين وثمانمائة، فباشر قضاء دمشق ثانيا، وخطب بالجامع الأموى، وكتب إليه الشّرفى يحيى بن العطّار «2» وهو بدمشق: [البسيط]
يا سيّدا جدّ بالنّوى لى ... وطال ما جاد بالنّوال
من منذ سافرت زاد نقصى ... يا طول شوقى إلى الكمال
فأجابه القاضى كمال الدين المذكور وأنشدنيها من لفظه لنفسه- رحمه الله تعالى.
[الطويل]
خيالك في عينىّ يؤنس وحدتى ... على أنّ داء الشوق في مهجتى أعيا
فإن مات من فرط اشتياقى تصبّرى ... أعلله بالوصل من سيدى يحيى
ومن شعره- رحمه الله- أيضا ما كتبه على سيرة ابن ناهض بعد كتابة والده القاضى ناصر الدين [الرجز]
مرّت على فهمى، وحلو لفظها ... مكرّر، فما عسى أن أصنعا
ووالدى دام بقا سؤدده ... لم يبق فيها للكمال موضعا
وله أشياء غير ذلك ذكرناها في غير هذا المحل.
واستمر [القاضى كمال الدين] «3» على قضاء دمشق إلى أن طلب من دمشق إلى(16/16)
الدّيار المصرية في الدّولة العزيزية- يوسف- فحضر بعد سلطنة صهره الملك الظاهر جقمق، وطلع إلى القلعة بعد أن احتفل وجوه الدولة إلى ملاقاته، وخلع عليه باستقراره فى كتابة السرّ على عادته بعد عزل الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، وذلك في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين، وهذه ولايته الثالثة لكتابة السرّ.
واستمر في الوظيفة على «1» أمور وقعت له- ذكرناها في الحوادث- إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره بعد أن باشر الوظيفة «2» على طريق وزراء السّلف من الملوك في الإنعام والعطايا والبرّ والصدقات والرواتب والإحسان للفقهاء والفقراء، بل وإلى غالب من ورد عليه وتردّد إلى بابه كبيرا كان أو صغيرا، غنيّا كان أو فقيرا، حتى شاع ذكره وبعد صيته، وقصده الناس من الأقطار، وهو مع ذلك لا يكلّ ولا يملّ، بل يجود بما هو في حاصله، وبما عساه يدخل إليه.
ولقد حدّثنى غير مرّة أنه لم يستحقّ عليه منذ حياته زكاة عين، قلت: «فلله درّه، لقد استحق قول الشيخ جمال الدين بن نباتة في ممدوحه الملك المؤيّد إسماعيل صاحب حماة حيث قال: [الرجز]
لا ظلم يلقى في حماه العالى ... إلا على العداة والأموال
ولما حجّ في سنة خمسين وثمانمائة، وحجت في تلك السنة أيضا كريمته خوند زوجة السلطان الملك الظّاهر جقمق، وسافرا معا في الرّكب الأوّل، فظهر للناس من علوّ همّته، وغزير مروءته، وعظيم إحسانه، ما لعلّه يذكر إلى الأبد، ولقد حدثنى بعض أعيان مكة أنه كان إذا وقف على أخبار البرامكة وغيرهم ينكر ذلك بقلبه، حتى رأى ما فعله القاضى كمال الدين هذا من الإحسان إلى أهل مكة وغيرهم، فعند ذلك تحقّق ما قيل في سالف(16/17)
الأعصار، قلت: «وهو أعظم من رأينا وأدركنا، ولله الحمد والمنّة على إدراكنا لمثل هذا الرّجل الذي مات ولم يخلف بعده مثله- رحمه الله تعالى وعفا عنه.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم زين الدين طاهر بن محمد بن على النّويرىّ «1» المالكى أحد فقهاء المالكية بالقاهرة، فى يوم الاثنين خامس شهر ربيع الأول، وسنّة نيّف على ستّين سنة تقريبا، وكان إماما عالما فقيها ديّنا صالحا- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الملك الكامل «2» خليل بن الملك الأشرف أحمد بن الملك العادل سليمان، صاحب حصن كيفا «3» من ديار بكر، قتيلا بيد ولده في شهر ربيع الأول.
وتولى ولده المذكور الملك من بعده، ولقّب بالملك النّاصر «4» ، ودام في مملكة الحصن إلى شهر رمضان من السنة المذكورة، فوثب عليه ابن عمه الملك حسن وقتله، وسلطن أخاه أحمد، ولقّبه بلقب أبيه المقتول الملك الكامل.
وكان الملك الكامل خليل- صاحب الترجمة- ملك الحصن بعد قتل أبيه الملك الأشرف في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وقد ذكرنا واقعة أبيه الأشرف في ترجمة الملك الأشرف برسباى لما أراد القدوم عليه، وقتل بيد أعوان قرايلك- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين «5» ألطنبغا بن عبد الله الظاهرى المعلم اللفّاف، أحد أمراء الألوف بالدّيار المصرية- بطّالا- فى يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الآخر، وكان أصله من صغار مماليك الملك الظاهر برقوق، وطالت أيّامه في الجنديّة إلى أن(16/18)
عمّر وتسلطن الملك الظاهر جقمق، فقرّبه وأنعم عليه بإقطاع هائل، بعد مسك قلمطاى الإسحاقى «1» ، ثم بعد مدة يسيرة أمّره عشرة، ثم زاده زيادات كثيرة، وولّاه «2» نيابة الإسكندرية، ثم عزله بعد مدّة، وجعله من جملة مقدّمى الألوف بالديار المصرية، فباشر ذلك إلى أن عجز عن الحركة لكبر سنّه واستعفى، فأخرج السلطان إقطاعه لولده المقام الفخرى عثمان زيادة على ما بيده، فلم تطل مدّة ألطنبغا هذا بعد ذلك ومات، وكان عاقلا ديّنا خبيرا عارفا بأنواع الفروسيّة «3» ، رأسا في لعب الرّمح معلّما فيه، ولهذا كان شهرته بالمعلّم- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين برسباى بن عبد الله السّاقى المؤيّدى أحد أمراء العشرات، فى يوم الجمعة سابع عشرين جمادى الأولى، وأنعم السلطان بإمرته على الأمير جانم الظاهرىّ السّاقى «4» ، وكان برسباى رجلا عاقلا ساكنا حشما وقورا «5» - رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير جمال الدين يوسف بن يغمور «6» نائب قلعة صفد بها في أوائل شعبان، وكان مولده بالقاهرة «7» ، وتشتّت بالبلاد إلى أن قدم القاهرة بعد موت الملك المؤيّد(16/19)
شيخ، وترقّى إلى أن ولى نيابة قلعة صفد، ثم نقل إلى أتابكية صفد، ثم «1» أعيد إلى نيابة قلعتها «2» ثانيا، إلى أن مات، وكان عارفا مدبّرا سيوسا عاقلا- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الإمام العالم العلّامة زين الدّين عمر ابن الأمير سيف الدين قديد القلمطاوى «3» بمكّة المشرّفة في مجاورته في ثامن «4» عشر شهر رمضان، وسنّة ثمان وستون سنة، وكان إمام عصره في النحو والعربيّة والتّصريف، وله مشاركة كبيرة في فنون كثيرة، وكان يتزيّا بزىّ الأجناد، ويتقلّل في ملبسه، ولا يتعاظم في أحواله، ويركب الحمار مع عراقته في الرّياسة وتبحّره في العلوم، حتى إنه مات ولم يخلف بعده مثله في علم العربيّة والتّصريف.
وتوفّى الأمير الطواشى زين الدين خشقدم الرّومى اليشبكى «5» ، مقدم المماليك السّلطانيّة- بطّالا- بداره التي أنشأها بالقرب من قنطرة «6» طقز دمر خارج القاهرة، فى ليلة الأربعاء ثامن عشر شوال، وسنّه نيف على سبعين سنة، وكان أصله من خدّام الوالد «7» ، وقدّمه في سنة تسع وتسعين إلى الملك الظّاهر برقوق في جملة خدّام ومماليك، فأنعم به الظاهر على فارس الحاجب، ثم ملكه بعد فارس الأمير يشبك الشّعبانى الأتابكى وأعتقه، ثم اتّصل بعد موت أستاذه بخدمة السلطان، وصار من جملة الجمداريّة الخاص، ثم نقل إلى نيابة المقدم «8» ، ودام بها سنين إلى أن ولى تقدمة(16/20)
المماليك السلطانية بعد موت الافتخارى ياقوت الأرغون شاوى، فى سنة ثلاث وثلاثين «1» ، فدام على ذلك الى أن قبض عليه الأتابك جقمق العلائى، وحبسه بثغر الإسكندرية مع من حبس من الأمراء الأشرفية وغيرهم.
ثم أطلق، وتوجّه إلى دمياط، فدام بها مدّة، ثم نقل إلى المدينة الشريفة، وبعد مدّة قدم إلى القاهرة فدام بطّالا إلى أن مات.
وكان طوالا حشما متعاظما، صاحب سطوة ومهابة وحرمة زائدة، مع طمع كان فيه وشمم، مع عدم فضيلة- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين طوغان «2» السّيفى آقبردى المنقار نائب الكرك قتيلا بيد العريان في هذه السّنة، وهو من الأصاغر الذين أنشأهم الملك الظاهر جقمق في أوائل دولته، ولم أعرفه قبل ذلك ولا أعرف معتقه، بل قيل إنه من مماليك آقبردى المنقار، وقيل نوروز الحافظىّ، والأوّل أقرب.
وتوفّى القاضى جمال الدين يوسف بن الصّفىّ الكركىّ المالكى القبطى «3» بطّالا بدمشق في هذه السّنة، عن سنّ عال، بعد أن ولى نظر جيش طرابلس وكتابة سرّ مصر في بعض الأحيان بعد موت علم الدين داود بن الكويز، ثم عزل عنها لعدم أهليّته، وولى عدة وظائف بالبلاد الشّاميّة إلى أن كبر سنّه وعجز عن المباشرة، فتعطّل إلى أن مات، وقد قدّمنا من ذكره نبذة عند ولايته كتابة السّرّ بمصر في ترجمة الملك الأشرف برسباى، فلينظر هناك.(16/21)
وفرغت هذه السّنة والملك الظاهر جقمق مريض مرضه الذي مات منه بعد خلعه في صفر حسبما تقدّم ذكره، رحمه الله تعالى، وتسلطن ولده الملك المنصور عثمان فى حياته.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وأربعة وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا.(16/22)
[ما وقع من الحوادث سنة 857]
ذكر سلطنة الملك المنصور عثمان على مصر السّلطان الملك المنصور أبو السّعادات فخر الدين عثمان ابن السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبى سعيد جقمق العلائى الظاهرىّ.
وهو الخامس والثلاثون من ملوك مصر الأتراك، والحادى عشر من الچراكسة.
تسلطن بعد أن خلع أبوه الملك الظاهر جقمق نفسه عن الملك، وحضر الخليفة القائم بأمر الله حمزة، والقضاة الأربعة، وجميع الأمراء، وأعيان الدولة بقاعة الدّهيشة «1» من قلعة الجبل، وبايعوه بالسلطنة في الثانية من نهار الخميس الحادى والعشرين من محرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وكانت البيعة له بالسلطنة في الثانية من نهار الخميس بعد طلوع الشمس بخمس وعشرين درجة، ولبس الخلعة على العادة، وركب من الدهيشة وعليه السواد الخليفتى بشعار الملك وأبهة السلطنة على نحو ثلاثين درجة من طلوع الشمس «2» .
وسار وبين يديه الأمراء وأعيان المملكة «3» إلى أن نزل بالقصر السلطانى، وحمل الأمير الكبير إينال العلائى الناصرى القبّة والطّير على رأسه، إلى أن جلس على تخت الملك، وقبّل الأمراء الأرض بين يديه، وخلع على الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وعلى الأمير الكبير إينال المذكور، على كل منهما أطلسين متمّرا»
، وفرسا بسرج ذهب، وكنبوش «5» زركش، وأنعم على الخليفة بألف دينار، وبإقطاع هائل زيادة على ما بيده.(16/23)
وتمّ أمره في السلطنة، ولقّب بالملك المنصور، وعمره يومئذ نحو الثمانى عشرة سنة تخمينا.
وكان الطالع عند بيعته بالسلطنة سبعا وعشرين درجة من برج الحوت، والغارب برج السّنبلة، والمتوسط برج القوس، والسّاعة ساعة المرّيخ، والقمر بالوجه الثالث من برج العقرب.
واستمرّ الملك المنصور بالقصر السلطانى ساعة، ثم عاد إلى منزله بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، وهذا بخلاف عادة الملوك، لأن العادة جرت أنّ السّلطان إذا تسلطن يمكث بالقصر ثلاثة أيام بلياليها، وعنده أعيان الأمراء والخاصّكيّة، فأبطل ذلك كلّه الملك المنصور، وعاد من يومه، لكون والده على خطة وهو حاضر الحس، وفعل ذلك مراعاة لخاطره.
ثم في يوم السبت ثالث عشرين «1» المحرم جلس الملك المنصور على الدكّة بالحوش السلطانى «2» ، وحضر الأمير دولات باى المحمودى «3» الدّوادار الكبير أمير حاج المحمل إلى بين يديه، وقبّل الأرض، وخلع عليه، ونزل إلى داره «4» .
ثم أصبح يوم الأحد طلع المقام الغرسى خليل ابن السلطان الملك الناصر فرج «5» إلى القلعة، وقد حضر أيضا من الحج، وسلّم على الملك المنصور، فأقبل عليه المنصور، وخلع عليه كامليّة صوف بنفسجى بمقلب بفرو سمّور «6» ، ثم خرج من عنده ودخل إلى(16/24)
الملك الظاهر جقمق، وعاده وسلّم عليه بقاعة الدّهيشة «1» ، وقبل أن ينزل رسم له الملك المنصور بالتوجّه من يومه إلى ثغر دمياط.
وكان الملك الظاهر جقمق لما استقدمه من الإسكندرية للحج أطمعه بالسّكنى في القاهرة، فنزل خليل المذكور إلى تربة جدّه الملك الظاهر برقوق بالصحراء، وسافر منها ليلته إلى دمياط.
ثم في يوم الاثنين خامس عشرين المحرّم أنعم السّلطان الملك المنصور بإقطاعه الذي كان بيده أيام أبيه على الأمير تنم من عبد الرزّاق أمير مجلس.
وأنعم بإقطاع تنم- وهو أيضا تقدمة ألف- على الأمير يونس الأقبائى شاد الشّراب خاناه.
وأنعم بإقطاع يونس على الأمير جانبك القرمانى- الظاهرىّ برقوق- ثانى رأس نوبة، والإقطاع إمرة أربعين طبلخاناه.
وأنعم بإقطاع جانبك القرمانى على الأمير يشبك الناصرى «2» ، وهو أيضا إمرة أربعين.
وأنعم بإقطاع يشبك الناصرى- وهو إمرة عشرة- على الأمير كزل السودونى المعلّم، وكان بطّالا.
ثم في يوم الثلاثاء سادس عشرينه حضر الملك المنصور خدمة القصر على العادة قديما، لأن والده الملك الظاهر كان أبطل خدمتى السبت والثلاثاء من القصر.(16/25)
وخلع على الأمير لاجين الظاهرىّ الزّرد كاش ولالاة «1» الملك المنصور باستقراره شاد الشّراب خاناه عوضا عن يونس المقدّم ذكره.
وخلع على جانبك قرا الظاهرىّ- جقمق- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة باستقرارة زرد كاشا عوضا عن لاجين المذكور.
ثم توجّه الملك المنصور من القصر إلى البحرة بالحوش السلطانى، وطلب به مباشرى الدولة، وحضر الأمير قانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير، والطّواشى فيروز الرّومى النّوروزى الزّمام والخازندار، وكلّمهم في أمر المماليك السلطانيّة، ومن أين تكون النفقة عليهم، لأن الملك الظاهر لم يدع في الخزائن شيئا، وطال جلوسهم عنده إلى قريب الظهر، وانفضّ المجلس بعد كلام طويل، واختلفت الأقوال فيما وقع فيه من الكلام، ومحصول ذلك كله أن السلطان شكا للجماعة قلّة وجود المال بالخزانة السلطانية، وسألهم في المساعدة في أمر النفقة، فدار الكلام بينهم في ذلك، إلى أن التزم كلّ منهم بحمل شىء مساعدة له في نفقة المماليك، وانفضّ المجلس بعد أمور حكيناها فى الحوادث.
ثم في يوم الخميس ثامن عشرين المحرّم خلع السلطان على الأمير جانبك الظّاهرىّ بالتكلم على بندر جدّة على عادته في كل سنة، وخلع على عدّة من الخاصّكيّة بالتوجّه إلى البلاد الشامية بالبشارة بسلطنة الملك المنصور عثمان «2» ، وهم:
جانم الأشرفىّ السّاقى البهلوان، توجّه إلى نائب الشام الأمير جلبّان.
وطوخ النّوروزى رأس نوبة الجمداريّة إلى نائب حلب الأمير قانى باى الحمزاوى.
وبرسباى الأشرفى الأمير آخور إلى نائب طرابلس الأمير يشبك النّوروزى.(16/26)
وقايتباى الأشرفى الأمير آخور إلى نائب حماة الأمير حاج إينال اليشبكى.
ودولات باى إلى نائب صفد الأمير بيغوت الأعرج المؤيّدى.
وتمر الأشرفى الخاصّكىّ إلى نائب قلعة دمشق وقضاتها وغيرهم.
وسودون يكرك «1» إلى نائب غزة جانبك التاجىّ.
وخشقدم مملوك قراجا الأشرفى إلى نائب الكرك والقدس.
وإينال الظاهرى- جقمق- إلى نائب الإسكندرية برسباى البجاسى.
ثم في يوم السبت سلخ المحرم أعاد السلطان الجمع بقاعة البحرة من قلعة الجبل بسبب نفقة المماليك «2» السلطانية، وأعاد على مباشرى الدولة الكلام في أمر النفقة، فكثر الكلام بسبب ذلك، وكان زين الدين الأستادار قد تقرّب إلى الملك المنصور أيام والده، وصار أستاداره واختصّ به، ومهّد أموره معه، فلما تسلطن ظنّ أنه سيكون من أمره في دولته أضعاف ما كان له في دولة والده الملك الظاهر جقمق، وأخذ في هذا الجمع يمتنع من حمل ما قرّر عليه من الذهب برسم نفقة المماليك، وأنه في «3» حمله بوظيفة الاستادارية، وأوسع وصمّم على مقالته، وكان في المجلس الأمير جانبك الظاهرى.
نائب جدّة- والناصرى محمد بن أبى الفرج نقيب الجيش- وهو أعدى عدوّ لزين الدين الأستادار- مع من حواه المجلس من الأمراء وأعيان المملكة، وكثر الكلام بسبب امتناع زين الدين من حمل المال، وتغيّر السلطان عليه بسبب ذلك، فأمر يمسكه وعزله، وتولية الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة للأستاداريّة، وأحضر في الحال(16/27)
خلعة الأستاداريّة وألبسها للأمير جانبك المذكور، ونزل إلى داره وبين يديه وجوه الدّولة، وسرّ الناس قاطبة بعزل زين الدين المذكور عن الأستادارية «1» ، فإنه كان طال واستطال، وظلم وعسف، وأخذ عدّة إقطاعات من أخباز «2» المماليك السلطانية والأمراء؛ استولى عليها بالشّوكة، وأضافها إلى الديوان المفرد «3» ، وحجر على غالب الأشياء، واستولى عليها من معايش الفقراء وأرباب التكسّب، وصار هو يأخذها ثم يبيعها بأضعاف ما أخذها، حتى جمع من هذا المال الخبيث أموالا كثيرة، وعمّر منها الجوامع والمساجد والسّبل، فكان حاله في ذلك كقول القائل:
[الطويل]
بنى جامعا لله من غير ماله ... فكان بحمد الله غير موفّق
كمطعمة الأيتام من كدّ فرجها ... لك الويل، لا تزنى ولا تتصدّقى
وقد حرّرنا أحواله من ابتداء أمره إلى يوم عزله في غير هذا المحل- والمقصود هنا الآن أخبار الملك المنصور- ثم رسم الملك المنصور بحبس زين الدين وإلزامه بخمسمائة ألف دينار.
ثم أنعم الملك المنصور على الأمير بردبك الظاهرى- جقمق- البجمقدار «4» ، أحد أمراء الخمسات بإمرة عشرة من الديوان السلطانى، وأنعم بإقطاع بردبك على سودون من سلطان الظاهرى البجمقدار حسابا عن إمرة عشرة ضعيفة، وأنعم على جانبك القجماسى الأشرفى المعروف بدوادار سيّدى بإمرة عشرة أيضا من الذخيرة من المتوفر «5» .(16/28)
وفي عصر هذا النهار سلّم السلطان زين الدين يحيى الأستادار المنفصل إلى الأمير جانبك الظاهرى الأستادار المستقر في الأستادارية، وأمره بمعاقبته «1» ، فنزل به من القلعة على أقبح وجه «2» ، فنعوذ بالله من زوال النّعم، وما ربّك بظلّام للعبيد، وازدحم الناس تحت القلعة لرؤيته، فما منهم إلا شامت أو متهكّم، فتفضّل عليه الأمير جانبك، وتنزّه عن عقوبته، رحمة عليه لا خوفا من عاقبته، وأعاده إلى القلعة في يوم الأربعاء، وقد حرّرنا ذلك كلّه في الحوادث.
ثم في يوم الاثنين ثانى صفر خلع السلطان على الأمير فيروز النّوروزىّ الزّمام الخازندار بإعادة الذخيرة «3» إليه.
وخلع على الأمير قشتم الناصرىّ باستقراره في نيابة البحيرة على عادته أوّلا على كره منه، وهو أيضا أحد أعداء «4» زين الدين الأستادار، وكان قشتم من محاسن الدهر.
وفيه أنعم الملك المنصور على السّيفى قانصوه المحمدى الساقى الأشرفى بإمرة عشرة من الذخيرة أيضا، وقانصوه أيضا من نوادر الدهر ومحاسنه.
ومات السلطان الملك الظاهر جقمق في تلك الليلة حسبما ذكرناه في خمس مواطن من مصنفاتنا، لا حاجة في ذكره هنا ثانيا.
ثم في يوم الأربعاء ثانى يوم دفن الملك الظاهر جقمق نودى بالقاهرة بالأمان والنّفقة فى المماليك السلطانيّة في آخر صفر.(16/29)
وفيه نقل زين الدين الأستادار إلى طبقة الخازندار فيروز «1» على حمل ما قرّر عليه.
وفيه «2» خلع السلطان على جانبك الأشرفى «3» اليشبكى والى القاهرة، وعلى ير على محتسب القاهرة، وعلى الناصرىّ محمّد بن أبى الفرج نقيب الجيوش المنصورة باستمرارهم «4» .
وخلع «5» على الأمير قراجا العمرى الناصرىّ «6» كاشف الشرقيّة بالوجه البحرى، بعد عزل عبد الله عنها، فتزايد سرور الناس بعزل هذا الظالم أيضا.
ثم في هذا اليوم عوقب زين الدين الأستادار بالعصىّ والمعاصير، وضرب على سائر أعضائه، وحضر الناصرىّ محمد بن أبى الفرج عقوبته، وكان السلطان ألزمه باستخراج الخمسمائة ألف دينار منه.
ثم في يوم الثلاثاء استقرّ الزينى فرج بن النحّال «7» كاتب المماليك في نظر الدولة «8» وخلع السلطان على تنم «9» الخاصّكىّ الظاهرى المعروف برصاص باستقراره في التّكلم على بندر جدّة عوضا عن الأمير جانبك الظاهرى الأستادار بسفارة جانبك.
ثم في يوم الخميس ثانى عشر صفر أمسك السلطان الملك المنصور- برأى مماليك أبيه- جماعة من الأمراء المؤيدية، وهم: الأمير دولات باى المحمودىّ المؤيدى(16/30)
الدّوادار الكبير، والأمير يرشباى «1» الإينالى المؤيدى أحد أمراء الطّبلخانات وأمير آخورثان، والأمير يلباى «2» الإينالى أحد أمراء الطّبلخانات ورأس نوبة؛ وكان القبض على دولات باى بقاعة الدّهيشة، وعلى يرشباى بالإسطبل السلطانى، وعلى يلباى من سوق الخيل، وقيّدوا الجميع إلى بعد أذان الظهر، فأنزلوا بالقيود على البغال إلى النّيل، وحملوا إلى الإسكندرية، فسجنوا بها، وكان مسفّر دولات باى الأمير جانبك قرا الذي استقرّ زردكاشا، وقد تولّى نيابة الإسكندرية في الباطن عوضا عن برسباى البجاسى، وحمل إليه التقليد بعد يومين «3» ، فاتّضع بمسك هؤلاء قدر المؤيدية، وارتفع أمر الأشرفية.
ثم في يوم الاثنين سادس عشر صفر أنعم السلطان على الأمير قرقماس الأشرفى الجلب، أحد أمراء الطّبلخانات وقريب الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالدّيار المصرية، عوضا عن دولات باى المحمودى بحكم حبسه، وأنعم بإمرة قرقماس المذكور على الأمير جانبك النّوروزى، المعروف بنائب بعلبك والقادم من مكة قبل تاريخه «4» .
وفيه استقرّ الأمير تمربغا الظّاهرىّ الدّوادار الثانى وأحد أمراء العشرات دوادارا كبيرا، عوضا عن دولات باى، وأنعم عليه بإمرة أربعين، وهو إقطاع يرشباى الإينالى، وأنعم بإقطاعه على يشبك الظاهرى بعد أيام.
وفيه أيضا استقرّ الأمير أسنباى الجمالى الظاهرى أحد أمراء العشرات دوادارا ثانيا،(16/31)
عوضا عن تمربغا على إقطاعه إمرة عشرة من غير زيادة، واستقرّ «1» الأمير سنقر العائق الأمير آخور الثالث أمير آخور ثانيا عوضا عن يرشباى «2» ، واستقرّ الأمير يردبك البجمقدار أمير آخور ثالثا، عوضا عن سنقر المذكور، واستقرّ الأمير جانبك اليشبكى والى القاهرة زردكاشا عوضا عن جانبك قرا المتوجّه إلى نيابة الإسكندرية، مضافا إلى ما بيده من الولاية والحجوبيّة وشدّ الدواوين، فعظم ما وقع في هذا اليوم من الولاية والتغايير على أعيان الأمراء، ونفرت القلوب من الظاهريّة في الباطن بسبب تولية تمربغا الدوادارية الكبرى، وكان الأمير أسنبغا الطّيّارى رأس نوبة النّوب رشّح لولايتها، وأن يكون الأمير جرباش المحمدى كرد رأس نوبة النّوب عوضه.
وبات الناس على ذلك، فأصبح وقع ما حكيناه، ومن يومئذ وقع الكلام في الدّولة ووجد من له غرض في إثارة الفتنة مدخلا يدخل منه، وترقّب الناس وقوع الفتنة، غير أن الناس في سكون، والبواطن مشغولة إلى ما سيأتى ذكره.
ثم في يوم الثلاثاء سابع عشره أنعم السلطان على الأمير سونجبغا اليونسى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بإقطاع «3» الأمير يلباى الإينالى بحكم حبسه بالإسكندرية وأنعم «4» بإقطاع سونجبغا المذكور وإقطاع جانبك النّوروزى نائب بعلبك على قانى بك السّيفى يشبك بن أزدمر أحد الدوادارية، وعلى قوزى الظاهرى الساقى، واستقرّ سنطباى الظاهرى ساقيا عوضا عن قوزى، وخير بك الأشرفى صاحب تمراز المصارع دوادارا عوضا عن قانى بك.
وفيه أيضا عوقب زين الدين أشدّ عقوبة بحضرة الأمير جانبك الظاهرى الأستادار وغيره، وهو لا يظهر ماله من الذخائر غير ما أخذ له، وهو دون المائة ألف دينار، ذكرنا تفصيلها في غير هذا المحل.(16/32)
وفي هذه الأيام أشيع بوقوع فتنة، ووثوب المماليك السلطانية بسبب النفقة عليهم.
وفيه استعفى الأمير الوزير تغرى بردى القلاوى «1» الظاهرى من الوزر، فأعفى على أنّه يقوم بالكلف السلطانية في يومه ومن الغد.
ثم في يوم الأربعاء ثامن عشر صفر عقد مجلس بين يدى السلطان بالقضاة الأربعة بسبب أملاك زين الدين الأستادار الموقوفة عليه وعلى جوامعه ومساجده، ووقع بسبب ذلك أمور آل الأمر إلى بيعها.
ثم في يوم الخميس تاسع عشره خلع السلطان على الصاحب أمين الدين بن الهيصم «2» باستقراره وزيرا على عادته، قلت: إذا أعطى القوس لراميه «3» .
ثم في يوم السبت حادى عشرينه عمل السلطان الخدمة بالحوش السلطانى بسبب قصّاد ملك الحبشة، وكان أشاع أهل الفتن في أمسه أن السلطان يريد يعمل الخدمة بالحوش ليقبض على جماعة كبيرة من الأعيان، فانفضّ الموكب، ولم يقع شىء من ذلك.
ثم في يوم الاثنين ثالث عشرين صفر المذكور رسم السلطان للأمير جرباش الكريمى الظاهرى- برقوق- أمير سلاح بلزوم بيته بحكم كبر سنّه وعجزه عن الحركة، وكان جرباش من القبائح، وأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير قراجا الظاهرى- جقمق- الخازندار، وصار من جملة أمراء الألوف، وقراجا المذكور من خيار أبناء جنسه دينا وعفّة وكرما، وأنعم بإقطاع قراجا ووظيفته على الأمير أزبك من(16/33)
ططخ الظاهرى- جقمق- الساقى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وأنعم بإقطاع أزبك على الأمير بتخاص العثمانى الظاهرى برقوق، وكان بطّالا.
وفيه أيضا استقر الأمير تنم من عبد الرّزاق المؤيدى أمير مجلس أمير سلاح عوضا عن جرباش الكريمى قاشق «1» بحكم لزومه داره.
وفيه خلع السلطان على الأمير تمربغا الظاهرى «2» الدّوادار الكبير خلعة الأنظار المتعلقة بالدّواداريّة، ونزل بخلعته في موكب جليل، ولسان حاله ينشد:-[البسيط]
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذّة الجسور
ثم في يوم الثلاثاء رابع عشرينه خلع السلطان على الأمير تنبك البردبكى الظاهرى المعزول عن حجوبيّة الحجّاب «3» قبل تاريخه، باستقراره أمير مجلس عوضا عن تنم المنتقل إلى إمرة سلاح، ومن الغريب أنه لما ولى إمرة مجلس، وطلع إلى القلعة بعد ذلك، وجلس في الموكب، قعد قانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير فوقه، وهذا شىء لم يعهد من أن أمير آخور يجلس فوق أمير مجلس، فعدّ ذلك من جنون قانى باى وقلّة أدبه، إذ [أن] «4» تنبك المذكور في مقام أستاذه، لأنه خچداش چاركس،(16/34)
وأيضا أنه كان في الدّولة الأشرفيّة أمير مائة ومقدّم ألف، وقانى باى جندى بحياصة، فما ثمّ وجه من الوجوه لجلوسه فوقه.
وفيه أيضا عزل السلطان جماعة كبيرة من الخاصّكيّة البوّابين من المؤيّديّة، وولّى عوضهم جماعة من حواشيه، فزاد ما بالمؤيّديّة، وأخذوا في عمل الرّكوب فلم يكن لهم طاقة لذلك لقلّتهم؛ فلم يجدوا بدّا من مصالحة الأشرفية ليكونوا معا، فسعوا في ذلك في الباطن إلى ما يأتى ذكره.
ثم في يوم الأربعاء خامس عشرينه وصل إلى القاهرة مملوك الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب، ومملوك نائب قلعتها، وحاجبها، وقبّلوا الأرض، وأخبر مملوك نائب حلب عن مخدومه أنه قبّل الأرض، وسرّ بسلطنة الملك المنصور إلى الغاية، فرحّب السلطان بهم وخلع عليهم.
ثم في يوم الخميس سادس عشرين صفر قرى تقليد السلطان الملك المنصور بالسلطنة بالقصر الكبير السلطانى من قلعة الجبل، فجلس السلطان على كرسى الملك، وجلس الخليفة القائم بأمر الله حمزة على الأرض على يمينه، فعظم ذلك على الخليفة، ولم يبده إلا بعد ركوب الأتابك إينال، وحضر القضاة الأربعة «1» وتولّى قراءة التقليد القاضى محبّ الدين بن الأشقر كاتب السّرّ، وبعد فراغ القراءة خلع السلطان الملك المنصور على الخليفة «2» وعلى كاتب السّر، وخلع على القضاة الأربعة «3» .
ثم في يوم السبت ثامن عشرين صفر خلع السلطان على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى «4» الشافعى بإعادته إلى قضاء القضاة، بعد عزل شرف الدين يحيى المناوى «5»(16/35)
وفيه استقرّ السيفى يشبك القرمى الظاهرى والى القاهرة بحكم عزل جانبك اليشبكى، بحكم انتقاله إلى الزرد كاشية، حسبما تقدّم ذكره.
هذا وقد أخذت المؤيّدية في استمالة الأشرفيّة من يوم قبض الملك المنصور على خچداشيتهم «1» دولات باى ورفقته (2) ، ولا زالوا بهم حتى وافقوهم لحزازة كانت في نفوس الأشرفيّة أيضا من الملك الظاهر جقمق قديما، وقد تجدّد مع ذلك أيضا قول بعض أمراء الظاهرية للأشرفيّة في أخذ ابن أستاذهم الشّهابى أحمد ابن الملك الأشرف برسباى من عند عمّه زوج أمّه الأمير قرقماس الأشرفى، وإرساله إلى ثغر الإسكندرية ليقيم بها عند أخيه الملك العزيز يوسف، فعظم ذلك على أم الشّهابى أحمد، وعلى زوجها الأمير قرقماس، فكان ذلك من أكبر الأسباب لموافقة الأشرفيّة للمؤيّدية، ثم ساعدهم أيضا من له غرض في تغيير الدّول، لا رغبة في أحد بعينه بل حتى يناله ما قد أمّل، وقد صار ذلك عادة عند موت كلّ سلطان من عهد الملك المؤيد شيخ إلى يومنا هذا، بل إلى يوم القيامة؛ لعدم أهلية الملوك، ولغفلتهم عن هذا المعنى في أيام عزّهم، وأعجب من هذا أنّ أحدهم لا يزال في غفلة عن ذلك حتى يشرف على الموت، فيعهد «2» لولده بالسلطنة مع معرفته وتحقّقه بما يفعلونه مع ولده من بعده، كما فعل بأمثاله، وقد قيل في المثل: «إذا أردت أن تنظر الدنيا بعدك انظرها بعد غيرك» ؛ فلما انتظم الصلح بين الطائفتين سرّا تحالفوا واتفقوا على الركوب في يوم بعينه.
كلّ ذلك والمنصور ومماليك أبيه وحواشيه في غفلة عن ذلك، وأكبر همّهم في تفرقه الإقطاعات والوظائف، وفي ظنّهم أن دولتهم تدوم، وأن الملك قد صار بيدهم، هذا مع عدم التفاتهم لتقريب العقلاء، ومشاورة ذوى التدبير وأرباب التجارب ممن مارس تغيير الدّول والحروب والوقائع، وصار أحدهم إذا لوّح له بعض أصحابه بشىء مما(16/36)
يدلّ على ذلك يستخفّ عقله ويهزأ به، حتى لقد بلغنى من بعض أصحابنا الثقات أنه قال للأمير تمربغا مشافهة. «بلغنى أن الأشرفيّة في عزم الرّكوب على السلطان» فضحك تمربغا وقال: «هم نقطوا بعقلهم» ؛ ازدراء بأمرهم واستخفافا بشأنهم، وليس هذا من شأن من قد صار أمور المملكة بيده في سائر أحوالها، وإنما شأن الذي يكون في هذه الرتبة أن يفحص دائما عن أخبار أصدقائه وأعدائه، ولا يكذّب مخبرا ولا ينهر منذرا، بل يسمع كلام كلّ ناصح نصحه، فيأخذ ما صلح بباله، ويترك ما لم يعجبه، من غير أن يفهم عنه لأحد من نصحائه عدم قبول كلامه، بل يشكره على ذلك ويثنى عليه، ويحرّضه على ما هو فيه، ويصغى لكلام كلّ قائل حتى يفهمه، ثم يفعل ما بدا له، هذا مع الاحتراز والتحرّى في أموره، واستجلاب الخواطر، وتأليف القلوب له ولسلطانه، ما دامت الدولة مضطربة كما هى عادة أوائل الدّول، فيصير بذلك فى غالب أموره على يقظة، فإن كان خيرا فيحمد الله على التوفيق، وإن كان شرّا فيتأهب لذلك قبل وقوعه، ثم بلقاه بعد استحكام واستعداد بقوة جنان، وبذل النفوس والأموال، وهيهات بعد ذلك إن تم الأمر أو لم يتم، فإن كان النصر فهو من عند الله، وإن كانت الأخرى فيكون لما سبق في الأزل، فيزول ملكه، وهو معذور مشكور، لاندمان مقهور، فأين هذا مما كان فيه هؤلاء القوم، وقد صار الناس عند الأمير الكبير إينال، ولبسوا السلاح، وأجمعوا على قتالهم، وهم إلى الآن في تكذيب الأخبار واستبعاد ما سيكون، فمن أساء لا يستوحش، والمفرّط أولى بالخسارة، وعدم التدبير هو أصل التدمير، وهو كما قيل:-[السريع]
ما يفعل الأعداء في جاهل ... ما يفعل الجاهل في نفسه
وبات الملك المنصور وأمراؤه في ليلة الاثنين مستهل شهر ربيع الأوّل على تفرقة النفقة على المماليك السلطانية في غده، وقد انبرم أمر القوم، وتجهزوا لما عساه يكون.(16/37)
ذكر ( «1» ابتداء الوقعة بين السلطان الملك المنصور عثمان وبين الأتابك إينال العلائى «2» )
وأهلّ شهر ربيع الأول يوم الاثنين، وفيه كان ابتداء الوقعة بين السلطان الملك المنصور عثمان وبين الأتابك إينال العلائى حسبما نذكره هنا على سبيل الاختصار، وقد حرّرنا ذلك في تاريخنا «حوادث الدهور» باستيعاب.
فلما كان وقت السّحر من يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الأوّل من سنة سبع وخمسين وثمانمائة ركب جماعة كبيرة من أعيان «3» المماليك الأشرفية، ورافقهم جمع كبير من المؤيّديّة والسّيفيّة وغيرهم من غير لبس سلاح، ووقفوا بالرّميلة «4» من تحت القلعة لمنع الأمراء من طلوع الخدمة، وكان بالصّدف بات تلك الليلة جميع الأمراء فى بيوتهم، لكون السلطان كان في أمسه لم يتوجّه إلى القصر، وأمر بعمل الخدمة من الغد بالحوش السّلطانىّ، ليبدأ بنفقة المماليك «5» فى اليوم المذكور، فلم يكن إلّا ساعة يسيرة من وقوفهم، وقدم الأمراء جميعا إلى الرّميلة «6» يريدون طلوع القلعة، فتكاثرت المماليك عليهم واحتاطوا بهم، وأخذوهم غصبا بأجمعهم «7» ، وعادوا بهم إلى بيت الأمير الكبير إينال العلائى، وهو من جملتهم، وكان سكنه بالدّار التي على بركة الفيل الملاصقة لقصر بكتمر السّاقى تجاه الكبش، وأخذوا من جملة الأمراء الأمير قراجا الخازندار الظاهرىّ، وقد صار من جملة أمراء مقدمى الألوف، وهو أحد أركان(16/38)
مملكة الملك المنصور عثمان، وأخذوا معه أيضا من الظّاهريّة الوزير تغرى بردى القلاوى الظاهرىّ، وبردبك البجمقدار «1» الأمير آخور الثالث.
وفات المماليك من أعيان الأمراء الأمير تنم من عبد الرزّاق أمير سلاح، فإنه قد أحسّ بالأمر في أمسه، فلم يحسن بباله إلّا موافقة السّلطان، لأمر يريده الله عزّ وجلّ، فركب سحرا، وقصد القلعة، ووافاه الأمير تمربغا الظاهرى الدوّادار الكبير في طريقه، فطلعا معا إلى الملك المنصور، واجتمع المماليك ومعهم الأمراء في بيت الأمير الكبير وقد كثر جمعهم، وتزايد عددهم وهم بغير سلاح، وصار جميع الأمراء معهم فى صفة التّرسيم «2» ، ولم يبق عند الملك المنصور من أعيان الأمراء غير الأمير تنم أمير سلاح، والأمير قانى باى الچاركسىّ الأمير آخور الكبير، والأمير تمر بغا الدوّادار الكبير «3» الظاهرى، والأمير جانبك الأستادار؛ وكان أيضا من أمراء الظاهرية بالقلعة برد بك البجمقدار «4» فهؤلاء مقدمو الألوف، وإن كان تمر بغا إقطاعه طبلخاناة، فمنزلته تقدمة، «5» وكذلك جانبك الظاهرى «6» .
وكان عند الملك المنصور من الأمراء غير مماليك أبيه جماعة منهم يونس العلائى الناصرى نائب قلعة الجبل، وكزل السّودونى المعلّم، ومغلباى الشهابى أحد أمراء العشرات، وقطّى الدّوكارى نائب البحيرة، وعبد الله كاشف الشّرقية، ومن مماليك أبيه الأمير لاجين شادّ الشراب خاناه، وأسنباى الجمالى الدّوادار الثانى، وأزبك من ططخ «7» الخازندار الكبير، وهو صهر الملك المنصور وزوج أخته، وسنقر العائق الأمير(16/39)
آخور الثانى، وسنقر أستادار الصّحبة، وجماعة أخر تأمّروا في الدولة المنصورية لا يعتدّ بهم؛ كونهم إلى الآن صفة الخاصّكيّة، فهؤلاء [هم «1» ] الأمراء.
وأما من كان عنده من مماليك أبيه الخاصّكيّة والجمداريّة وغيرهم فكثير جدا، على أنه كان بالقلعة جماعة كثيرة غير الظاهرية [الجقمقية] «2» من الظاهرية [البرقوقية] «3» والناصرية والمؤيدية والأشرفيّة والسّيفيّة.
وأما من كان مع المماليك من أعيان الأمراء ببيت الأمير الكبير من المقدمين، الأمير الكبير إينال، وتنبك أمير مجلس، وأسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب، وخشقدم المؤيدى حاجب الحجاب، وطوخ من تمراز الناصرى، وجرباش المحمدى الناصرى كرد، ويونس الاقبائى، وقرقماس الأشرفى الجلب، وأما من أمراء الطبلخانات والعشرات فكثير ذكرناهم في غير هذا المحل، يطول الشرح في ذكرهم.
ولما اجتمع القوم في بيت الأمير الكبير، وعظم جمعهم، أتاهم الأمراء والخاصّكيّة والأعيان من كل فجّ، حتى بقوا في جمع موفور، فأعلنوا عند ذلك بالخروج عن طاعة الملك المنصور، والدّخول في طاعة الأمير الكبير إينال، والأمير الكبير يمتنع من ذلك بلسانه، فلم يلتفتوا لتمنّعه، وأخذوا في لبس السلاح، فلبسوا في الحال عن آخرهم، وطلبوا الخليفة القائم بأمر الله حمزة، فحضر قبل تمام لبسهم السلاح، واحتفظوا بالأمير قراجا الظاهرىّ، وتغرى بردى القلاوى، وبردبك البجمقدار «4» ، كونهم ظاهرية جقمقيّة.
ولما حضر الخليفة أظهر الميل الكلىّ للأتابك إينال، وأظهر كوامن كانت عنده من الملك المنصور وحواشيه، منها: أنّ المنصور جلس يوم قرئ تقليده على الكرسىّ وجلس الخليفة مع القضاة أسفل، وأشياء من هذا، وقام مع الأمراء في خلع(16/40)
المنصور أتمّ قيام، كلّ ذلك والمماليك في احتراز عظيم على جماعة من الأمراء؛ خوفا من فرارهم إلى الملك المنصور حتى على الأمير الكبير.
ولما تكامل لبس المماليك والأمراء السلاح طلبوا من الأمير الكبير الرّكوب معهم والتوجّه إلى بيت قوصون تجاه باب السلسلة، فامتنع تمنّعا ليس بذاك، ثم أجابهم في الحال، وركب هو والأمراء وحولهم العساكر محدقة بهم إلى أن أوصلوهم إلى بيت قوصون المذكور، ودخلوه من باب سرّه الذي بالشارع الأعظم، ونزل الأمير الكبير بمن معه من الأمراء بالمقعد من الحوش، وجلس الخليفة بالقصر الفوقانى بالبيت المذكور، ورسم على قراجا وتغرى بردى القلاوى وبردبك بالقصر أيضا، كل ذلك والقوم في غير ثقة من الأمير الكبير وغيره من الأمراء، حتى كلّم الأمير الكبير بعض أصحابه العقلاء بكلام معناه قول القائل: [البسيط]
إذا وترت امرءا فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا
إن العدوّ وإن أبدى مسالمة ... إذا رأى منك يوما فرصة وثبا
وأظن القائل له الأمير أر نبغا الناصرى أحد أمراء الطبلخانات، فإنه كان أمثل القوم وأقواهم بأسا وأفرطهم شجاعة.
وأما الملك المنصور لما بلغه ما وقع من القوم في بيت الأمير الكبير تحقق من عنده من الأمراء والأعيان ركوب الأمير الكبير وخروجه عن الطاعة، فأمروا في الحال يشبك القرمى والى القاهرة أن ينادى بطلوع المماليك السلطانيّة لأخذ النفقة، وأن النفقة لكل واحد مائة دينار، فنزل يشبك من القلعة والمنادى بين يديه ينادى بذلك، إلى أن وصل إلى الرّميلة «1» تجاه باب السلسلة، فأخذته الدّبابيس من المماليك، فتمزقوا، وذهب القرمى إلى حال سبيله، ثم أمر الملك المنصور لأمرائه وحواشيه بلبس السلاح، فلبسوا بأجمعهم، ولبس هو أيضا، كل ذلك وآراؤهم مفلوكة، وكلّمهم غير منضبطة «2» ،(16/41)
وصرت أنا أنظر إليهم من أسفل القلعة، فلم أجد عندهم انزعاجا ولا هرجا مع جمودة «1» حركاتهم، ولم ينزل من القلعة أحد لحفظ المدرسة الحسنيّة «2» مع معرفتهم أنها مسلّطة على القلعة غاية التسليط، هذا مع كثرتهم وقوّة بأسهم بالقلعة والسلاح والرجال، وعندهم السلطان وشوكته إلى الآن منقامة «3» - فما شاء الله كان.
وأما الأمير الكبير فإنه حال ما استقرّ به الجلوس ندب دواداره وصهره بردبك، ومعه الأمير سونجبغا اليونسى رأس نوبة، ونوكار الناصرى أحد أمراء العشرات وثانى حاجب إلى القلعة رسالة إلى الملك المنصور يطلب منه إخماد الفتنة بإرسال جماعة من أمرائه، وهم: تمربغا الدّوادار الكبير، ولاجين شادّ الشّراب خاناه، وأسنباى الدوادار الثانى، فطلعوا إلى الملك المنصور وكلّموه في ذلك، وعادوا إلى الأمير الكبير بأجوبة طويلة مضمونها أنه امتنع من تسليمهم، فأرسلهم الأمير الكبير ثانيا، وصحبتهم بردبك دواداره وصهره، فتوجهوا إلى القلعة، وطلعوا إلى المنصور ثانى مرّة، وطلبوا منه ما ذكرناه، فامتنع، وعوّق عنده سونجبغا ونوكار، وأرسل بردبك بالجواب.
وابتدأ القوم في القتال من يوم الاثنين المذكور، واشتدّ الحرب، وجرح من الطائفتين جماعة، ثم خرج جماعة من أصحاب الأمير الكبير، لأخذ مدرسة السلطان حسن فامتنع من بها من فتح أبوابها، فنقبوا حائطا من جوارها مما يلى حدرة البقر «4» ، ودخلوا منه إلى المدرسة المذكورة، وعمّروا سلالم سطحها، وطلعوا منه إلى مآذنها، ورموا منها بالمدافع على قلعة الجبل، وقوى أمر أصحاب الأمير الكبير بأخذ المدرسة المذكورة إلى الغاية، غير أن الأمير الكبير إلى الآن يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى في الخلاف على(16/42)
المنصور، ويحسب العواقب، وصار يظهر أنه مكره على ذلك، فلم يقبل المنصور منه ما أظهره، وتحقّق كل أحد ما القصد بالركوب.
ثم نزل الملك المنصور من القصر السلطانى بأمرائه وعسكره إلى الإسطبل السلطانى، وجلس بالمقعد المطل على الرّميلة «1» ، ونزل من عساكره جماعة مشاة من باب السلسلة إلى الرّميلة «2» ؛ لقلة وجود الخيل بالقلعة، فإنه كان أيام الربيع والخيول غالبها مربوطة على القرط بالبرّ الغربى من الجيزة، حتى إنه كان جميع ما بالقلعة من الخيول أقل من مائة فرس، ومنعوا من إحضار خيولهم التي بالربيع، وعزّ توصلهم إليها، وقاتلوا القوم وهم مشاة غير مرّة.
وصار أمر الأمير الكبير في نمو بمن يأتيه من المماليك السلطانيّة، وجميعهم فرسان غير مشاة، فإنه صار كل واحد منهم يرسل غلامه فيأتيه بفرسه من مربطه بالربيع بخلاف القلعيين، فإنهم ممنوعون من ذلك؛ من حجر أصحاب الأمير الكبير عليهم لهذا السبب وغيره.
ولما رأى الملك المنصور أمر الأمير الكبير في زيادة أراد النزول إليه بعساكره في الحال من أوّل وهلة، فمنعه قانى باى الچاركسى من ذلك بسوء تدبيره لأمر سبق، وكان في نزوله غاية المصلحة من وجوه عديدة.
ومضى نهار الاثنين بعد قتال كبير وقع فيه، وبات الفريقان في ليلة الثلاثاء على أهبة القتال، وأصبحا يوم الثلاثاء على ما هم عليه من القتال والرمى بالمدافع والنفوط والسهام من الجهتين، والجراحات فاشية في الفريقين، إلا أن فيمن هو أسفل أكثر، غير أنه لا يؤثّر فيهم لكثرتهم، ولم يكن وقت الزّوال حتى كثر عسكر الأمير الكبير إينال بمن يأتيه أرسالا من المماليك السلطانية، واستفحل أمره، لا سيما لما نزل الأمير جانبك الظاهرى أستادار العالية إليه داخلا في طاعته، ومعه خجداشه الأمير بردبك(16/43)
البجمقدار، أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة، وسرّ الأمير الكبير بنزوله إلى الغاية، وكان لنزول جانبك المذكور من القلعة أسباب خفيّة «1» .
ثم في هذا اليوم لهج الخليفة أمير المؤمنين القائم بأمر الله حمزة بخلع الملك المنصور عثمان من الملك غير مرّة في الملأ، فقوى بذلك قلب «2» أصحاب الأمير الكبير وجدّوا في القتال، وتفرّقوا على جهات القلعة، وجدّوا في حصارها، ومنعوا من يطلع إليها بالميرة وغيرها، وخفّ التّرسيم عن جماعة من الأمراء من أصحاب الأمير الكبير ممّن كانت المماليك تخاف من ذهابهم إلى الملك المنصور، وكانوا قبل ذلك يحتفظون بهم بطريق التحشم، وهو أن الأمير منهم كان إذا ركب للقتال أو غيره دار حوله جماعة من المماليك الأشرفيّة وغيرهم وساروا معه حيث سار كأنهم في خدمته حتى يعود إلى مكانه، فمن آخر يوم الثلاثاء هذا ومن صبيحة يوم الأربعاء تركوا ذلك لعلمهم أن جميع الأمراء والعساكر صاروا في طاعة الأمير الكبير، وشرع الجميع في القتال بمماليكهم وحواشيهم، وفي عمل التدبير في أخذ الملك المنصور وخلعه من السلطنة، وباتوا تلك الليلة على ما هم عليه.
وأصبحوا يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الأوّل والقتال عمّال، وأصحاب الملك المنصور تنسّل منه إلى الأمير الكبير واحدا بعد واحد، ومن بقى منهم عند الملك المنصور لا يلتفت إلى من ذهب، بل هو على ما هو عليه من القتال لكثرة عددهم، وللقيام بنصرة ابن أستاذهم، فكان في يوم الأربعاء هذا وقعات بين الطائفتين بالمناوشات لا بالمقابلة وباتوا على ذلك.
فلما كان يوم الخميس رابع شهر ربيع الأوّل أرسل الملك المنصور إلى الأمير الكبير بالأمير سونجبغا، والأمير نوكار، والزينى عبد الرحمن بن الكويز، وشهاب الدين(16/44)
الإمام الإخميمى، ومعهم منديل الأمان للأمير الكبير ومن معه من الأمراء ليطلعوا إلى طاعة السلطان، وترددوا بين الملك المنصور والأتابك إينال غير مرّة في عمل الصلح، وكثر الكلام بينهم إلى أن انفضّ المجلس على غير طائل، ولم ينبرم صلح، ومنع الأمير الكبير سونجبغا ونوكار من الطلوع إلى القلعة، وعاد الإخميمى بالجواب إلى السلطان، وفي الحال عاد القتال على ما كان عليه، فإنه كان بطل الرّمى من القلعة ومن المدرسة لعمل الصلح، فلما انفضّ الأمر على غير صلح عاد كلّ أحد من الطائفتين إلى ما كان بصدده.
وأعلن الخليفة في هذا اليوم أيضا بين الملأ بخلع الملك المنصور من السلطنة، وسلطنة الأتابك إينال، والأتابك إينال يمتنع من ذلك في ذلك الوقت حتى ينظر ما يكون من أمر الملك المنصور ومحاصرته «1» .
ثم تكلّم الخليفة في اليوم أيضا بين الناس بأعلى كلامه: «قد خلعت الملك المنصور من الملك» ، هذا وقد ضعف أمر الملك المنصور واستفحل أمر الأتابك إينال، غير أن الرّمى من القلعة بالمدافع وغيرها مستمرّ، وهلك من ذلك جماعة كبيرة من عساكر الأمير الكبير ومن الأجناد والعامة والمتفرجين.
وأصبح يوم الجمعة خامسه حضر المقرّ الجمالى ناظر الجيش والخاص وعظيم الدّولة عند الأمير الكبير، فقام له الأمير الكبير واعتنقه وأجلسه بإزائه فوق الأمير خشقدم حاجب الحجاب، فعند قدومه تحقّق كل أحد بزوال دولة المنصور وإقبال دولة الأتابك إينال، وتكلّم المقرّ الصحابى مع الأتابك كلاما كثيرا لا يشاركهما في ذلك أحد إلا في النادر، ثم رسم الأمير الكبير بطلب القاضى محب الدين بن الأشقر كاتب السّرّ والقضاة الأربعة، فحضروا في الحال وقد نزل الخليفة من القصر أيضا، وجلس عند الأمير(16/45)
الكبير هو والقضاة وشاهدوا المدافع التي ترمى عليهم من القلعة، وكان أهل القلعة في يومى الأربعاء والخميس قد أمعنوا في الرمى «1» من القلعة على «2» الأمير الكبير وأصحابه حتى كان المدفع يصل إلى باب سرّ بيت قوصون الذي فيه الأمير الكبير، وربما عدّى الباب ووقع بالشارع على المارّ إلى صليبة ابن طولون، ولما حضرت القضاة عند الأمير الكبير تكلّموا مع الخليفة في خلع الملك المنصور عثمان بكلام طويل، ثم طلبوا بدر الدين ابن المصرى «3» الموقّع فأملاه قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى الشافعى ألفاظا كتبها تتضمن القدح في الملك المنصور وخلعه من السلطنة، وكان ذلك في أوائل الساعة الثالثة من نهار الجمعة. وخلع الملك المنصور في اليوم المذكور من الملك وحكم القضاة بذلك.
فكانت مدة سلطنة الملك المنصور من يوم تسلطن بعد خلع أبيه الملك الظاهر جقمق في يوم الخميس حادى عشرين المحرم من سنة سبع وخمسين هذه إلى يوم الجمعة هذا شهرا واحدا وثلاثة عشر يوما، ولا نعرف أن سلطانا أقام هذه المدّة اليسيرة في ملك مصر في الدّولة التركية غيره، هذا مع كثرة عساكره ومماليك أبيه وحاشيته، وما أرى هذا إلا نوعا من المجازاة- انتهى.
ولما فرغ بدر الدين المصرى من كتابة الورقة أمره قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى أن يقرأ ما في الورقة على من حضر المجلس من الأمراء وغيرهم، وقرئت عليهم إلى آخرها، ثم سأل قاضى القضاة من حضر المجلس عن سلطنة الأمير الكبير إينال عليهم، فصاحوا بأجمعهم: «نحن راضون بالأمير الكبير» ، وكرّر القاضى عليهم القول غير مرّة، وهم يردون الجواب كمقالتهم أوّلا، وفرحوا بذلك، وسرّوا غاية السرور، وانفضّ المجلس على خلع الملك المنصور وسلطنة الأتابك إينال، غير أنه لم يلبس خلعة(16/46)
السلطنة، ولا ركب بشعار الملك؛ ترك ذلك لوقته، وصار الناس في خطابه من يومئذ على أقسام وألفاظ مختلفة، فمن الناس من صار يقول له: «يا خوند» ومنهم من يقول:
«أغاه» ، ومنهم من يقول: «الأمير الكبير» ، ومنهم من يقول: «السلطان» كلّ ذلك وهو على حالة جلوسه كأوّل يوم دخل إلى بيت قوصون المذكور، أعنى من أوّل يوم الوقعة ولم يتغيّر عليه شىء مما كان عليه، ولم يركب من المقعد المذكور من يوم قدم بيت قوصون غير مرة واحدة في يوم الثلاثاء، وعاد من وسط الحوش قبل أن يصل إلى باب البيت النافذ إلى الرّميلة «1» ، ردّه أصحابه إجلالا لقدره، وإنما كان يجلس هو بالمقعد، والأمراء عن يمينه ويساره جلوسا ووقوفا بين يديه، والمماليك والعساكر تخرج من بين يديه للقتال طائفة بعد أخرى باجتهاد وعمل جد في مدة هذه الأيام من غير أن يستحثهم أحد لذلك، وهذا شىء عظيم إلى الغاية. [الخفيف]
وإذا سخّر الإله أناسا ... لسعيد فإنهم سعداء
وكنت أنظر في تلك الأيام إلى وجه الأمير الكبير لأتحقّق هل هو مسرور أم محزون، فلا أعرف هذا منه لثباته في سائر أحواله، وسكونه وعقله، فإنه كان ينفذ الأمور على أحسن وجه من غير اضطراب ولا هرج، بتأنّ وتؤدة، وكلما وقع من أصحابه ما يخالف ذلك يأخذ في تسكينهم وثباتهم على القتال من غير عجلة، ثم يقول لهم:
«القلاع ما تؤخذ إلا بالصّبر والثبات والتأنى» .
ثم إن الأمير الكبير أمر في اليوم المذكور بعمل منبر ليخطب عليه قاضى القضاة بالبيت المذكور لصلاة الجمعة، فصنع ذلك في الحال، وتهيأ القوم لصلاة الجمعة، فلما دخل وقت الصلاة خطب قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى وصلّى بالأمير الكبير والخليفة وجميع العساكر بمقعد البيت المذكور، ثم انصرف القضاة بعد الصلاة إلى منازلهم.(16/47)
هذا والقتال مستمرّ أشد ما يكون بين الطائفتين، وقد تداول نزول الخاصكية والمماليك من عند الملك المنصور إلى الأتابك إينال، وهم مع ذلك كل يوم في زيادة في القتال لا يلتفتون إلى من يذهب من عندهم، ويقول بعضهم لبعض: «نحسبه أنه جرح ومات، وما علينا ممّن يتوجّه من عندنا، ونحن نقاتل إلى أن نموت، والملك المنصور جالس بالقصر السلطانى، وعنده من أكابر الأمراء الأمير تنم أمير سلاح، والأمير قانى باى الچاركسى.
هذا مع مبالغة أصحاب الأمير الكبير في القتال أيضا لا سيما من يوم حضر المقرّ الجمالى ناظر الجيوش والخاص، ثم حضر القضاة، وخلع الملك المنصور في يوم الجمعة، فمن يومئذ بذلوا نفوسهم لنصرة الأمير الكبير، وخوفا من أن يصير للملك المنصور عليهم دولة، فسيكون فناؤهم على يديه، وأيضا إنهم تحققوا سلطنة الأتابك إينال، فاشتاقت نفوسهم لما عساه ينالهم من الإقطاعات والوظائف وغير ذلك، فاقتحموا الأهوال لذلك من غير صبر ولا تأنّ:-[الوافر]
وأعظم ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الخيام من الخيام
هذا والجراحات فاشية في كلّ من الطائفتين، ويقتل أيضا منهم في اليوم الواحد والاثنان وأكثر وأقل.
ولما كان يوم الجمعة المذكور توعّك فيه الأمير أسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب، ومات من ليلته شبه الفجاءة من غير سابق مرض، وصلّى عليه من الغد بالمقعد من بيت قوصون، وحمل ودفن بالصحراء، وكان من محاسن الدنيا، يأتى التعريف بحاله في الوفيات كما هى عادة هذا الكتاب.
ثم أصبح يوم السبت سادس شهر ربيع الأول حضر المقرّ الجمالى الصاحبى ناظر الجيش والخاص «1» عند الأمير الكبير، وصحبته غالب مباشرى الدولة والقضاة، وكتبوا محضرا(16/48)
يتضمّن ما وقع في أمسه من خلع الملك المنصور من السلطنة ومبايعة العساكر للأمير الكبير بالسلطنة، وكتب في المحضر جماعة كبيرة من أمراء الظاهرية وغيرهم، وفيه قوادح في الملك المنصور. ذكرناها في غير هذا المحل.
وجدّ في هذا اليوم كلّ من العسكرين في القتال، ورتّب الأمير الكبير جماعة من أعيان الأمراء على المواضع التي يتوصل منها إلى القلعة، وحرّض الوالى وغيره على مسك من يطلع إلى القلعة من الغلمان والخدم بالمآكل وغيرها، ومسك بسبب ذلك جماعة وضرب آخرون.
وفي هذا اليوم والذي قبله صارت أمراء الألوف تخاطب الأمير الكبير وهم وقوف، وصار لا يقوم لأحد منهم عند ذهابه وإيابه، وكان الأمير أسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب- رحمه الله- فى يوم الجمعة الذي مرض فيه رمّل على كتابة الأمير الكبير على المراسيم وغيرها، وناهيك بأسنبغا، فإنه كان يوم ذلك أمثل الأمراء وأجلّهم، رأيته أنا وهو يرمّل على علامته من غير أن يحتشم معه الأمير الكبير في ذلك ولا تجمّل معه، بل صار كلما علّم العلامة ورمى بها أخذها أسنبغا ورمّل عليها كما كان يفعله مع السلطان، فإن العادة لا يرمّل على السلطان إلا رأس نوبة النّوب «1» .
هذا وقد تحقّق أهل القلعة زوال ملك الملك المنصور، وهم على ما هم عليه من الشدّة فى القتال، والقيام بنصرة ابن أستاذهم، غير أنهم كما قيل في الأمثال: «سلاح حاضر وعقل غائب» ، لكونهم شبابا لم تمرّ بهم التجارب، ولا لهم ممارسة بالحروب، ولا يعرفون نوعا من أنواع الخديعة والمكر بأخصامهم، وأيضا لم يكن عندهم من الأمراء وغيرهم ممن له خبرة بهذه الأنواع غير أمير واحد وجندى، وكل منهما غير مقبول الكلمة عندهم. فالأمير كزل المعلّم، والجندى السيفى كمشبغا الظاهرى- برقوق- المعلم، وأما من عداهما من الأمراء فحالهم معروف لا يحتاج إلى بيان، وأعظم من كان هناك من الأمراء(16/49)
الأمير تنم أمير سلاح، وقانى باى الچاركسى الأمير آخور، فأما تنم فإنه لم يأت بشىء إما تقصيرا منه لمعنى من المعانى، أو لقلة دربته بالحروب والخطوب، وأما قانى باى فحاله معروف لا يحتاج للتعريف به.
وأصبح الناس في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأول والقتال مستمرّ بين الفريقين، وكلّ منهم في أشد ما يكون من القيام بنصرة صاحبهم إلى قريب الظّهر، فنزل من القلعة جماعة كبيرة مشاة إلى عند سبيل المؤمنىّ، فخرج إليهم جماعة كبيرة من عسكر الأمير الكبير، وتقاتلوا بالرّماح والسيوف والأطبار، وافترقوا ثم التقوا غير مرّة حتى أردف عسكر الأمير الكبير طوخ من تمراز الناصرى من مكانه الذي كان مقيما به عند زاوية قانى باى الچاركسى بجماعته، ثم أردفهم جماعة أخر من عند الأمير الكبير «1» ، والتحم القتال بينهم وقتل جماعة من عسكر الأمير الكبير «2» ، منهم: طقتمر الناصرى رأس نوبة الجمداريّة تهبيرا، لأنه كان هرب من عند الملك المنصور ونزل إلى الأمير الكبير فى يومه، فلما ظفروا به قتلوه، لما كان في نفوسهم منه، ثم ممجق اليشبكى الخاصكى أخذ سحبا إلى القلعة، فمات من جراحه، وأيتمش المؤيدى الخاصكى، وقانى باى الأشرفى الخاصكى وغيرهم.
ودام القتال بينهم حتى ملك أصحاب الأمير الكبير سبيل المؤمنى بعد أمور وحروب، ثم أطلقت أصحاب الأمير الكبير النّار في البيوت التي بجوار الميدان برأى تمراز الأشرفى الزّردكاش «3» ، فتعلقت النار فيهم حتى وصلت إلى سقف المسجد من سبيل المؤمنى وأحرقته عن آخره، وكان بسطحه جماعة كبيرة من السلطانية فنزلوا عنده، فحينئذ وجد أصحاب الأمير الكبير طريقا لهدم سور الميدان، فهدموا جانبا منه، ودخلوا منه إلى الميدان الذي تحت قلعة الجبل.(16/50)
هذا وقد انحاز السلطانيّة إلى باب السلسلة، فكان في هذا اليوم حرب بين الطائفتين لم يقع مثله في الستة أيام الماضية.
فلما دخل القوم إلى الميدان ولّت المنصورية الأدبار، وقام السلطان الملك المنصور عثمان من مجلسه بمقعد الإسطبل السلطانى، وطلع إلى القصر الأبلق من قلعة الجبل، ومعه جماعة كبيرة من مماليك أبيه وغيرهم من الأمراء والخاصكيّة، ودخل قانى باى الچاركسى إلى مبيت الحرّاقة من الإسطبل، ودام الأمير تنم بالمقعد مستعزّا بخچداشيّته المؤيديّة وغيرهم، وتمزّقت عساكر المنصور في الوقت كأنها لم تكن، من غير أمر أوجب ذلك، وتركوا باب السلسلة وفرّوا منه قبل أن يطلع إليه واحد من أصحاب الأتابك إينال، ثم فعلوا ذلك أيضا بقلعة الجبل وتركوها وأبوابها مفتّحة، ولم يقاتلوا بها ساعة واحدة، وتمزّقوا كلّ ممزّق.
وكان هذا بعكس ما كان منهم في السبعة أيام الماضية من شدّة القتال وعظم الثّبات وقوّة البأس، إلى أن كان من أمرهم ما كان في هذا اليوم، وتركوا باب السلسلة والقلعة وانصرفوا في الحال على أقبح وجه، وكان يمكنهم أن يقاتلوا القوم بالميدان أيّاما؛ فإن الميدان لا فرق بينه وبين الرّميلة «1» ، وليس بينه وبين باب السلسلة تعلق، وأيضا ولو ملكت أصحاب الأمير الكبير باب السلسلة والإسطبل السلطانى كان يمكنهم القتال من القلعة أياما، إذ ليس للقلعة تعلّق بالإسطبل، وقد ملك المؤيّد شيخ أيام إمرته الإسطبل من الأمير أرغون الأمير آخور نائب غيبة الملك الناصر فرج، ودام به أياما، ولم يقدر على أخذ القلعة ولا توصل إليها بوجه من الوجوه، وكان مع الملك المؤيد أقوام هم هم، وأيضا لم يكن بالقلعة يوم ذاك بعض من كان بها الآن، ووقع ذلك لخلائق من الملوك أنهم ملكوا باب السلسلة ولم يقدروا على أخذ القلعة.
والمقصود من هذا الكلام أن ليس للقلعة علاقة بباب السلسلة إلا في الأمن والرّخاء(16/51)
لا غير، كل ذلك لما تقدم ذكره أنه ليس عندهم من يدبّر أمورهم، وإلا فكان يمكنهم أن يطلعوا إلى القلعة ويحصنوها ويقاتلوا بها أياما حتى تعمل مصالحهم، وإذا سلّموها يعطوها بالأمان والرّضا، هذا إذا لم يكن لهم نهضة للهروب والخروج من الدّيار المصرية، والاختفاء في مكان من الأمكنة من القاهرة، كما فعل غيرهم من الملوك السالفة، على أن أصحاب الأمير الكبير كان أخذ منهم التعب والجهد في هذا اليوم والذي قبله أمرا كبيرا، وكلّ أكثرهم من القتال، فلو امتنعت السلطانيّة بباب السلسلة يوما أو يومين لطال أمرهم بعد ذلك، ووقع لهم أمور ليس في ذكرها الآن فائدة، وكان أمر المماليك الظاهرية فى مبدأ الأمر عجيبا من شدّة بأسهم أولا، وفي تهاونهم آخرا، وقد قيل في الأمثال:
«على قدر الصعود يكون الهبوط» .
ولما بلغ الأمير الكبير إينال طلوع الملك المنصور من الإسطبل السلطانى إلى القصر الأبلق ندب في الحال الأمير جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد إلى الطلوع إلى باب السلسلة وتسليم الإسطبل السلطانى، ولم يتحرك الأمير الكبير من مكانه، ولا ظهر عليه فرح ولا كآبة، فهذا أيضا مما تعجبت منه، وطلع الأمير جرباش إلى باب السلسلة بعد أن استولى أصحاب الأمير الكبير عليها.
وكان من خير أخذهم لباب السلسلة أن الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيدى أمير سلاح لما قام الملك المنصور وطلع إلى القصر، وتشتت عساكره ثم دخل قانى باى الچاركسى مبيت الحرّاقة من الإسطبل قام تسم المذكور ومشى إلى المقعد الذي كان يجلس به الملك المنصور في أيام الوقعة، وأشار إلى القوم بمنديل كان بيده كمن يطلب الأمان، ثم ركب في الحال وفي زعمه أن الجماعة تتلقاه بالرحب والقبول، لأياد كانت له، وصحبة عند الأمير الكبير قديما وحديثا، وأيضا أن غالب من كان من أصحاب الأمير الكبير هو خچداشه أو صاحبه، فركب فرسه ونزل حتى وقف عند باب السلسلة أسفل الحدرة، وفتحت خوخة باب السلسلة ودخل القوم، فحال ما وقع بصرهم عليه تناولته الألسن والأيدى بالسب والضرب، حتى أخذ وأنزل بغير تخفيفة على حالة غير مرضية،(16/52)
ولولا أن بعض خچداشيّته المؤيدية حماه لكان أمره ربما وصل إلى التلاف، وكذلك وقع للأمير كزل المعلّم، وأما عبد الله كاشف الشرقية فإنه أخذ ورأسه مكشوفة وشيبته قد تضمخت بالدماء السائلة على وجهه من الضرب بالدبابيس، والقوم تهجم عليه كرّة بعد أخرى لهلاكه، لولا قائل كفّهم عنه وهو يقول: «لا تقتلوه؛ يروح مال السلطان، دعوه حتى يأخذ السلطان أمواله» ، ثم وقع ذلك بجماعة من الخاصكية يطول الشرح فى ذكرهم من الأخذ والسلب مما عليهم والإخراق بهم.
وأما الأمير تنم فإنه لما أخذوه ودخلوا به إلى الأمير الكبير، وعلى رأسه قبّع «1» أخضر من غير تخفيفة، ومعه كزل المعلّم، وعبد الله الكاشف، فأوقف بين يدى الأمير الكبير على بعد، فكان أول ما تكلّم به تنم أن قال: «بينى وبين الأمير الكبير عهود» أو معنى ذلك، فقال الأمير الكبير: «أنت نقضت العهد» ، يعنى بتركه وطلوعه إلى الملك المنصور، ثم أمر به وبرفقته فحبسوا بالقصر عند الأمير قراجا وغيره، ثم نقلوا بعد ساعة إلى ركبخاناة الإسطبل السلطانى، وأضيف إليهم قانى باى الچاركسى وغيره ممن يأتى ذكرهم عند توجههم إلى سجن الإسكندرية.
ولما طلع الأمير جرباش إلى الإسطبل وملك باب السلسلة، قام الأمير الكبير عند ذلك من مقعد بيت الأمير قوصون، وركب فرسه، وخرج منه في موكب عظيم إلى الغاية، والخليفة عن يمينه، وتنبك البردبكى أمير مجلس عن يساره، والعساكر بين يديه محدقة به، وقد وقفت الخلائق دهليزا لرؤيته، حتى سار من بيت قوصون تجاه باب السلسلة إلى أن طلع إليها، وجلس بالحرّاقة من باب السلسلة، فحال جلوسه تفرّقت العساكر «2» فى قبض أعيان الأمراء الظاهرية وغيرهم، فقبضوا منهم على جماعة كثيرة يأتى ذكرهم بعد ذلك.(16/53)
ثم أخذ قانى باى الچاركسى من مبيت الحرّاقة، وأنزل به عند رفقته المقبوض عليهم، وقيّدوا الجميع بركبخاناة الإسطبل، ولم ينج أحد من أمراء الظاهرية غير أسنباى الجمالى الدّوادار الثانى فإنه فرّ من القلعة، واختفى على ما سيأتى ذكره.
ثم أمر السلطان في الوقت بالإفراج عن الأمير قراجا الظاهرى، وعن الأمير تغرى بردى القلاوى، وعن الأمير بردبك الأمير آخور الثالث، ورسم لهم بلبس الكلفتاه «1» من الغد، وحضور الخدمة السلطانية.
ثم رسم الأمير الكبير في الحال بقلع السلاح، وقلع هو قبل الناس ما كان عليه، وكان لبسه في تلك الأيام كلها قرقل «2» مخمل أحمر بغير أكمام، وقلعت العساكر في الحال السلاح من عليهم، وسكنت الفتنة كأنها لم تكن، وبات الناس في أمن وسلامة، على أن القاهرة كانت في مدّة هذه الأيام والقتال عمال في كل يوم في غاية الأمن، والحوانيت مفتّحة، والناس في بيعهم وشرائهم، وأكثرهم جالس بالدكاكين للفرجة على من يمرّ عليهم من العساكر الملبّسة، بل كان يتوجه منهم أيضا جماعة كبيرة إلى الرّميلة للفرجة على القتال كما كان يتوجه بعضهم للفرجة على المحمل وغيره، ولم تقفل أبواب القاهرة في هذه المدة، ولا شوّشت الزّعر «3» على أحد، بل كان كل واحد يمضى إلى حال سبيله، والقتال عمّال بين الطائفتين لا يصيب من العامة إلا من توغّل منهم بين المقاتلة، فهذا أيضا من الغرائب، على أنّنا لا نعلم وقعة كانت بمصر تطول هذه المدة، ولا حوصرت قلعة الجبل سبعة أيام إلا في هذه الواقعة.
وأما وقعة يشبك الشعبانى ورفقته مع الملك الناصر المقدم ذكرها ليس هى كهذه الوقعة، ومع هذا قفّلت القاهرة «4» فى تلك الكائنة أياما ونهبت الزّعر عدّة أماكن، فكانت هذه الوقعة بخلاف جميع الوقائع «5» فى هذا المعنى- انتهى.(16/54)
وبات الأمير الكبير إينال بمبيت الحرّاقة من الإسطبل السلطانى حتى أصبح وتسلطن منه على ما يأتى ذكره مفصلا في ترجمته عقيب هذه الترجمة.
وزالت دولة الملك المنصور عثمان كأنها لم تكن، فسبحان من لا يزول ملكه.
فكانت مدة سلطنة الملك المنصور من يوم تسلطن بعد خلع أبيه حسبما تقدّم ذكره إلى يوم خلعه الخليفة يوم الجمعة خامس شهر ربيع الأول شهرا واحدا وثلاثة عشر يوما، وإلى يوم تسلطن الملك الأشرف إينال في صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول المذكور شهرا وستة عشر يوما، ولا نعلم أحدا من ملوك مصر من الأتراك كانت مدّته فى الملك أقصر من مدة الملك المنصور هذا، مع عظم شوكته، وثبات قدمه في الملك، فما شاء الله كان، وما هذا إلا نوع من القصاص، وقد ورد في الإسرائيليات: يقول الله سبحانه وتعالى: «يا داود أنا الربّ الودود، أعامل الأبناء بما فعلت الجدود» وقد رأينا هذه المكافأة في واحد بعد واحد من يوم خلع الملك المنصور حاچى بالملك الظاهر برقوق من السلطنة إلى يومنا هذا، والجميع يشربون هذا الكأس من يد أتابكتهم، ويرد عليهم هذا الشراب بتدبير مماليك أبيهم، وقد تقدم ذكر هذا المعنى في مواطن كثيرة، والإضراب عن ذكر هذا أجمل.
ولما طلع الملك المنصور من الإسطبل إلى القصر ودّعه مماليك أبيه وفارقوه، فلا قوة إلا بالله، وتوجه هو إلى الحريم السلطانى عند والدته، وأقام عندها إلى أن طلبه منها الملك الأشرف إينال، فخرجت معه إلى قاعة البحرة بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، فأقام الملك المنصور بالبحرة من يوم خلع هو ومن يخدمه مع والدته وأولاده والجميع في التّرسيم إلى يوم الأحد ثامن عشرين شهر ربيع الأول، فأخذ منها بجميع خدمه ووالدته وأولاده، وأنزلوا الجميع في حرّافة إلى ثغر الإسكندرية، وكانت هيئة نزول الملك المنصور من القلعة أنه أركب على فرس بوزبقيد، من غير أن يركب أحد من الأوجاقيّة خلفه كما هى عادة الملوك من الأمراء، ومضوا به من باب القرافة في وقت القائلة، وقد خرجوا الناس للفرجة عليه بخارج القاهرة، وساروا به وحوله الخاصكية بالسيوف والرّماح، وجماعة(16/55)
كبيرة من أعيان الأمراء، وقد ازدحم الناس بالكيمان للفرجة عليه، حتى اجتاز بقرافة مصر القديمة إلى أن وصل إلى نيل مصر، وأنزل في الحرّاقة، وسافر من وقته في بحر النيل إلى الإسكندرية، «1» فسجن بها، وهذا أيضا من الغرائب من أن ملك مصر يخلع ويتوجّه مقيّدا إلى «2» الإسكندرية نهارا، ولم يقع ذلك لغيره في السنين الخالية، وكان مسفّره خير بك الأشقر المؤيّدى الأمير آخور الثانى.
واستمر الملك المنصور مسجونا بثغر الإسكندرية وعنده والدته وجواريه وأولاده إلى ما يأتى ذكره- أحسن الله عاقبته بمحمد وآله «3» .(16/56)
ذكر سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر
«1» السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر إينال بن عبد الله العلائى الظاهرى ثم الناصرى، ملك الديّار المصرية بعد انهزام الملك المنصور عثمان في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأوّل من سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وطلع إلى باب السلسلة وبات بمبيت الحراقة حسبما ذكرنا إلى أن تسلطن من الغد، وقد ذكرنا طلوعه وما وقع له في حرب الملك المنصور في ترجمته مفصلا، ويأتى ذكر سلطنته أيضا في أوّل ترجمته كما هى عادة هذا الكتاب.
والملك الأشرف هذا هو السلطان السادس والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، والثانى عشر من ملوك الچراكسة وأولادهم بها.
ولما كان صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأوّل من سنة سبع وخمسين المذكورة طلع أعيان الدولة والعساكر إلى الإسطبل السلطانى بقماش الموكب وانضموا الجميع بالحرّاقة من باب السّلسلة، وقد حضر الخليفة والقضاة الأربعة وسائر أمراء الدّولة، وبويع الأمير الكبير إينال بالسلطنة، ولقب بالملك الأشرف، ولبس خلعة السلطنة من مبيت الحرّاقة بالإسطبل السلطانى في أوّل ساعة من النهار المذكور، بعد طلوع الشمس بنحو ست درجات، فى ساعة القمر، والطالع الحمل، وكان بويع بالسلطنة حسبما تقدم ذكره في بيت قوصون قبل أن يملك قلعة الجبل في يوم الأربعاء ثالثة، ثم في يوم الجمعة حسبما ذكرنا ذلك في وقته، ثم في يوم السبت سادسه، ثم في عصر أمسه بعد طلوعه إلى باب السلسلة، والعهدة في سلطنته من وقت لبسه الخلعة السوداء الخليفتية وركوبه بشعار الملك «2» .(16/57)
ولما تمّ لبسه خلعة السلطنة من المبيت المذكور خرج منه، ومشى حتى ركب فرس النوبة، بأبهة السلطنة وشعار الملك. وحمل ولده المقام الشهابىّ أحمد القبّة والطير على رأسه حتى طلع إلى القصر السلطانى، والأمراء والعساكر مشاة بين يديه، ما خلا الخليفة.
وسار على تلك الهيئة إلى أن وصل إلى باب القصر، فنزل عن فرسه، ودخل القصر الكبير، وجلس بإيوانه على تخت الملك، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، وخلع على الخليفة القائم بأمر الله فوقا نياكمخا حريرا بوجهين أخضر وأبيض، بطرز يلبغاوى زركش، وقدّم له فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش، وتمّ جلوسه بالقصر السلطانى إلى يوم الجمعة «1» على ما سنذكره بعد ذكر نسبه فنقول:
أصله چاركسىّ الجنس، أخذ من بلاده، فاشتراه خواجا علاء الدين، وقدم به إلى القاهرة، هو وأخيه طوخ، وطوخ كان الأكبر، وكان اسم إينال غير إينال، فاستقرّ إينال، فاشتراهما الملك الظاهر برقوق- أعنى إينال وطوخ- من الخواجا علاء الدين المذكور في حدود سنة تسع وتسعين [وسبعمائة] «2» تخمينا، فأعتق الظاهر أخاه طوخ المذكور، ودام إينال هذا كتابيّا بطبقة الزّمام، إلى أن ملكه الملك الناصر فرج بن برقوق وأعتقه، وأخرج له خيلا على العادة، واستمرّ من جملة المماليك السلطانيّة، إلى أن صار في آخر الدّولة الناصريّة خاصكيّا، فدام على ذلك إلى أن أنعم عليه الأمير الكبير ططر في الدّولة المظفرية [أحمد] «3» بإمرة عشرة في أوائل سنة أربع وعشرين، ثم نقل إلى إمرة طبلخاناة في أوائل دولة الأشرف برسباى في سنة خمس وعشرين وثمانمائة، ثم صار بعد انتقال قانى باى الأبوبكرى البهلوان إلى تقدمة ألف، ثانى رأس نوبة النّوب، ثم نقل إلى نيابة غزّة بعد عزل الأمير تمراز القرمشى وقدومه إلى الدّيار المصرية، وذلك في يوم الثلاثاء ثامن عشرين شوال سنة إحدى وثلاثين(16/58)
وثمانمائة، فباشر نيابة غزّة إلى أن سافر «1» صحبة الملك الأشرف برسباى إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة.
ولما عاد الأشرف من آمد ونزل بمدينة الرّها- وقد «2» استولى عليها وهى خراب- طلبه الملك الأشرف ليستقرّ في نيابة الرّها «3» فامتنع، ورمى بسيفه وأغلظ للأشرف فى الكلام، فاستثاط الأشرف غضبا ولم يسعه إلا أن طلب مملوكه قراجا شادّ الشّراب خاناه، وخلع عليه بنيابة الرّها، وقال: «أنا ما يمتثل أوامرى إلا مماليكى» .
وانفضّ الموكب، وذهب إينال هذا إلى مخيّمه، فندم على ما وقع منه، وخوّف عواقب ذلك، فأذعن، وطلبه السلطان في عصر النهار المذكور، وخلع عليه أطلسين متمرّا، ووعده بأن يمده بالسلاح والعليق وغير ذلك، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، زيادة على نيابة الرّها، عوضا عن جانبك الحمزاوى المستقر في نيابة غزّة عوضه.
وخرج إينال وهو متغيّر اللون- رأيته لما سلمت عليه- ودام في نيابة الرّها، إلى أن عزله الأشرف عنها بالأمير شاد بك الجكمى ثانى رأس نوبة في يوم الثلاثاء سبع عشرين شوال سنة سبع وثلاثين، واستقدمه إلى القاهرة على إمرة مائة وتقدمة ألف، وهو الإقطاع الذي كان بيده زيادة على نيابة الرّها.
فدام بمصر إلى أن خلع عليه الأشرف في يوم الخميس عاشر رجب سنة أربعين وثمانمائة بنيابة صفد بعد عزل الأمير يونس الركنى الأرغونى الأعور عنها، فاستمر في صفد إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق في سنة ثلاث وأربعين، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في صفر السنة المذكورة، وولّى صفد عوضه قانى باى البهلوان أتابك دمشق.(16/59)
وكان قدوم إينال هذا إلى القاهرة في يوم السبت ثالث عشر صفر، فدام بالقاهرة من جملة أمراء الألوف إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى الدوادارية الكبرى بعد موت تغرى بردى البكلمشى المؤذى في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ست وأربعين، فباشر الدواداريّة إلى أن نقله الظاهر إلى أتابكيّة العساكر بالديار المصرية دفعة واحدة بعد موت الأتابك يشبك السّودونى المشدّ في سنة تسع وأربعين وثمانمائة، فدام أتابكا إلى أن مات الظاهر جقمق، وملك بعده ابنه المنصور عثمان، ووقع ما حكيناه من الفتنة بينه وبين المنصور حتى خلع المنصور وتسلطن حسبما ذكرناه في أول هذه الترجمة- انتهى ذكر نسبه.
ولنعد لما كنا فيه من جلوسه بعد قلعه خلعة السلطنة بالقصر فنقول:
ولما تمّ جلوسه بالقصر طلب خچداشه يونس العلائى الناصرى نائب قلعة الجبل، وخلع عليه باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل يشبك قرا وحبسه، وأمر السلطان الأمير قانى باى الأعمش الناصرى- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة- أن يجلس مكان يونس المذكور.
ثم أصبح السلطان الملك الأشرف إينال هذا في يوم الثلاثاء تاسع ربيع الأول خلع على جماعة كبيرة بعدّة وظائف:
فخلع على ولده المقام الشهابى أحمد باستقراره أتابك العساكر عوضا عن نفسه.
وعلى الأمير تنبك البردبكى الظاهرى أمير مجلس بإمرة سلاح عوضا عن الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيّدى بحكم القبض عليه وسجنه.
وخلع على الأمير طوخ من تمراز الناصرى غليظ الرقبة بإمرة مجلس عوضا عن تنبك المذكور وخلع على الأمير خشقدم الناصرى المؤيّدى حاجب الحجاب باستمراره على وظيفته.(16/60)
وخلع على الأمير جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد باستقراره أمير آخور كبيرا عوضا عن قانى باى الچاركسى بحكم القبض عليه.
وخلع على الأمير يونس الأقبائى دوادارا كبيرا عوضا عن تمر بغا الظاهرى بحكم القبض عليه، لكن يونس هذا ولى الدّواداريّة على تقدمة، وكان تمر بغا وليها على إمرة طبلخاناه.
وخلع على الأمير قرقماس الأشرفى الجلب باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن الأمير أسنبغا الطيّارى بحكم وفاته.
وخلع على الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة خلعة الاستمرار على وظيفته الأستادارية الكبرى.
«1» ثم أمر السلطان في يوم الأربعاء عاشره بالمناداة في المماليك السلطانية بأن النفقة فى يوم الاثنين «2» .
ثم في يوم الأربعاء هذا حملت الأمراء المسجونون من القلعة على البغال إلى بحر النيل وسفّروا من وقتهم إلى الإسكندرية، وهم: الأمير تنم المؤيّدى أمير سلاح المقدّم ذكره، وقانى باى الچاركسى الأمير آخور الكبير، والأمير تمربغا الدوادار، والأمير لاچين شادّ الشراب خاناه، وأزبك الساقى الخازندار، وسنقر العائق الأمير آخور الثانى، وجانم الساقى الظاهرى، وسودون الأفرم الظاهرى، وجانبك الظاهرى البوّاب- وهما ممن تأمّر في الدولة المنصورية-، والجميع ظاهرية ما عداتنم وقانى باى.
وفي يوم الأربعاء هذا أشيع كلام بسبب تولية السلطان ولده أحمد أتابكا عوضه، وأن ذلك بخلاف العادة، فخارت طباع الأشرف من غير أمر يوجب ذلك، وأصبح من(16/61)
الغد في يوم الخميس خلع على الأمير تنبك البردبكى الذي كان استقرّ في إمرة سلاح باستقراره أتابك العساكر عوضا عن ولده الشهابى أحمد، وأنعم على ولده المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف- على عادة أولاد السلاطين- وجعله يجلس رأس الميسرة.
قلت: وهذا أول وهن وقع في دولة الأشرف إينال من كونه يولّى ولده أتابكا فى الأمس، ثم يعزله في الغد من غير أمر يقتضى ذلك، ولو صمّم على بقاء ولاية ولده لتمّ له ذلك ولم ينتطح في ذلك عنزان.
ثم خلع على الأمير خشقدم الناصرى حاجب الحجّاب باستقراره أمير سلاح عوضا عن تنبك المذكور.
وخلع على قراجا الخازندار الظاهرى باستقراره حاجب حجّاب عوضا عن خشقدم المؤيّدى المذكور.
ثم استقرّ الأمير تمراز الإينالى الأشرفى «1» دوادارا ثانيا عوضا عن أسنباى الجمالى بحكم تسحّبه، وأنعم عليه بإمرة عشرين.
ثم استقرّ جانبك من قجماس الأشرفى «2» شادّ الشّراب خاناه عوضا عن لاجين بحكم حبسه.
واستقرّ خير بك الأشقر المؤيّدى أمير آخور ثانيا عوضا عن سنقر العائق بحكم سجنه.
وأنعم على خير بك المذكور بإمرة عشرين، وكانت العادة إمرة طبلخاناة.
واستقر قانى باى الأعمش الناصرى نائب قلعة الجبل عوضا عن يونس العلائى نائب الإسكندرية- كما تقدّم ذكره-(16/62)
ثم أنعم السلطان على الأمير جانبك القرمانى الظاهرى «1» رأس نوبة ثانى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضا عن الأمير أسنبغا الطيّارى بعد وفاته.
«2» واستقرّ يشبك الناصرى رأس نوبة ثانيا عوضا عن جانبك القرمانى المذكور «3» .
ثم أنعم على الأمير أرنبغا اليونسى الناصرى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضا عن قانى باى الچاركسى بحكم القبض عليه وحبسه.
وأنعم على برسباى البجاسى المعزول عن نيابة الإسكندرية بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضا عن الأمير طوخ «4» بحكم انتقال طوخ إلى تقدمة أخرى أكثر خراجا منها- وهو إقطاع تنبك المنتقل إلى الأتابكية-.
ثم أنعم السلطان على جماعة كثيرة بإمرة طبلخانات، وعشرات، باستحقاق وبغير استحقاق، كما هى عوائد أوائل الدّول، يطول الشرح في تسميتهم.
ثم خلع السلطان على جماعة كبيرة بعدة وظائف، منهم: البدرى حسن بن الطولونى باستقراره معلّم المعمارية «5» ، وأميرزة بن حسن الدّوكارى «6» التركمانى بكشف الوجه القبلى على عادته، وعلى جماعة أخر.
ثم في يوم السبت ثالث عشر ربيع الأول المذكور استقرّ الأمير جانبك من أمير الأشرفى «7» الظريف أمير طبلخاناه خازندارا كبيرا عوضا عن الأمير أزبك من ططخ الظاهرى بحكم سجنه بالإسكندرية.(16/63)
واستقرّ بردبك دوادار السلطان قديما وزوج ابنته دوادارا ثالثا بإمرة عشرة وهذا شىء لم نعهده كون الدوادار الثالث يكون أمير عشرة، وما عادته إلا خاصكيّا، وكان حق بردبك هذا الدواداريّة الثانية لكونه مملوك السلطان ودواداره وزوج ابنته، غير أن السلطان لما رأى أن تمراز الأشرفى غرضه في الدوادارية الثانية لم يسعه إلا الإنعام عليه بها، لعظم شوكة الأشرفية يومئذ.
ثم استقرّ يشبك الأشقر الخاصكى الأشرفى أستادار الصّحبة بعد عزل سنقر الظاهرى عنها من غير إمرة.
ثم في يوم الاثنين خامس عشر ربيع الأول ابتدأ السلطان بالنفقة على المماليك السلطانية على أقسام متعددة نفقة كاملة، وهى «1» مائة دينار، ونصف نفقة، وربع نفقة، وعشرة دنانير، وهذا لم يقع قبل في الدّولة التركية، ولام السلطان بعض أعيان الأمراء على ذلك، فقال: «هذا الذي كان رتّبه تمربغا للتفرقة في الدولة المنصورية» ، فكلم ثانيا، فاعتذر بقلة المتحصل في الخزانة السلطانية.
قلت: «والعذر الثالث أن كلمة الشّحّ مطاعة» .
قلت: «والذي فرّق في المماليك السلطانية إنما هو الذي جمعه الملك المنصور عثمان من السّلف والمصادرات في أيّام سلطنته، وإلا فما ترك والده الملك الظاهر جقمق في الخزانة شيئا يذكر، لكرم نفسه وكثرة عطاياه- رحمه الله تعالى-» .
ثم في يوم الثلاثاء سادس عشره خلع السلطان على جماعة «2» من الأمراء خلع الأنظار المتعلقة بالوظائف المقدم ذكرها «3» .
ثم في يوم الأربعاء سابع عشره وصل الأمير دولات باى المحمودى الدّوادار من(16/64)
سجن الإسكندرية، ووقع في خروج دولات باى المذكور ومجيئه من ثغر الإسكندرية غريبة فيها عبرة لمن اعتبر، وهو أنّ الأمراء الذين قبض عليهم الملك الأشرف إينال هذا كان غالبهم هو الذي حسّن للمنصور القبض على دولات باى هذا وسجنه بثغر الإسكندرية فلما أمسكهم الملك الأشرف وسيّرهم إلى الثغر، رسم بإطلاق دولات باى من السجن، فتوافوا خارج الإسكندرية، وقد أفرج عن دولات باى، ورسم بحبسهم عوضه، فانظر إلى هذا الدّهر وأفعاله بالمغرمين به، لتعلم أن الله على كل شىء قدير.
وفي يوم الخميس ثامن عشره أنعم السلطان على الأمير يونس العلائى نائب الإسكندرية بإقطاع الأمير جانبك اليشبكى الوالى ثم الزّردكاش بعد وفاته، وأنعم بإقطاع يونس المذكور على قانى باى الأعمش الذي استقرّ عوضا عن يونس في نيابة القلعة.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره أفرج السلطان عن الأمير زين الدين يحيى الأستادار من محبسه بالبرج من قلعة الجبل، وخلع عليه كامليّة «1» بمقلب سمّور، ونزل إلى داره.
وفي يوم السبت العشرين من ربيع الأول المذكور استقر نوكار الناصرى الحاجب الثانى زردكاشا بعد موت جانبك اليشبكى، واستقرّ سمام الحسنى الظاهرى حاجبا ثانيا عوضا عن نوكار.
وفي هذه الأيام خلع السلطان على جماعة كبيرة بعدّة وظائف حتى تجاوز عدد رءوس النّوب على خمسة وعشرين نفرا، والدّوادارية صاروا عشرة نفر بعد ما كانوا خمسة، وكذلك البجمقدارية والبوّابون، وقس على ذلك.
ثم قبض السلطان على نيف وثلاثين مملوكا من مماليك الظاهرية، وحبسوا بالبرج من القلعة، وكان نفى قبل تاريخه جماعة أخر، وشيّع شاهين الفقيه الظاهرى، وهو ممن لا يلتفت إليه، وسنقر أستادار الصّحبة، كلاهما إلى القدس الشريف.
ثم أخرج أيضا يشبك الظاهرى، وكان تأمّر في الدولة المنصورية عشرة، ويشبك(16/65)
الساقى، وسنطباى رأس نوبة الجمداريّة إلى طرابلس، ثم أخرج بعدهم أيضا جماعة أخر.
وفي يوم الاثنين ثانى عشرينه استقرّ الأمير زين الدين يحيى أستادارا على عادته أوّلا، بعد عزل الأمير جانبك نائب جدّة عنها برغبة من جانبك المذكور.
وفيه وصل الأمير برشباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخور الثانى- كان- والأمير يلباى الإينالى المؤيدى من ثغر دمياط «1» ، بطلب من السلطان.
وفي يوم الخميس خامس عشرينه وصل الأمير سودون الإينالى المؤيّدى قراقاش من القدس الشريف بطلب «2» .
ثم في يوم الثلاثاء سلخ ربيع الأوّل ظهر الأمير أسنباى الجمالى الظاهرى الدّوادار الثانى- كان- وكان مختفيا من يوم ملك السلطان باب السلسلة فرسم له بالتوجه إلى القدس بطّالا.
وفي يوم الخميس ثانى شهر ربيع الآخر وصل الأمير جانم الأمير آخور «3» - كان- قريب الملك الأشرف برسباى من حبس قلعة صفد وخلع السلطان عليه «4» كامليّة مخمل أخضر بمقلب سمّور، ووعده بكل جميل، نذكر ذلك في تاريخنا الحوادث مفصلا هذا وغيره لكونه محلّ ضبط الحوادث، وما نذكره هنا ليس هو إلا على سبيل الاستطراد والأمور المهمة لا غير، وأما جميع الوقائع ففى الحوادث تطلب هناك- انتهى.
وفي يوم الجمعة أوّل جمادى الأولى قبض السلطان على الأمير قراجا الخازندار(16/66)
الظاهرى، وهو يومئذ حاجب الحجّاب، وحبسه بالبحرة من قلعة الجبل من غير أمر أوجب مسكه، وإنما هى مندوحة لأخذ إقطاعه «1» .
وفي يوم السبت ثانى جمادى الأولى أنعم السلطان بإقطاع قراجا المذكور وهو إمرة مائة وتقدمة ألف على الأمير جانم الأمير آخور الأشرفى، وخلع على الأمير جانبك القرمانى باستقراره حاجب الحجّاب عوضا عن قراجا المذكور، ورسم السلطان بتوجّه قراجا إلى القدس بطّالا، فسافر يوم الاثنين رابعه.
وفي يوم الثلاثاء خامسه قرئ تقليد السلطان الملك الأشرف إينال بالقصر الكبير من قلعة الجبل، وحضر الخليفة والقضاة الأربعة، وجلس السلطان على الأرض من غير كرسىّ على مرتبة، وجلس على يمينه الخليفة القائم بأمر الله حمزة، ثم جلست القضاة الأربعة كل واحد في منزلته، وقرأ القاضى محب الدين بن الأشقر كاتب السر التقليد إلى أن تمّت قراءته، فخلع عليه السلطان، وعلى الخليفة، وانفضّ الموكب.
وفي يوم الجمعة ثامنه عقد السلطان عقد الأمير يونس الأقبائى الدوادار الكبير على ابنته بجامع القلعة بحضرة السلطان.
وفي يوم السبت تاسع جمادى الأولى خلع السلطان على الشيخ عز الدين أحمد الحنبلى باستقراره قاضى قضاة الحنابلة بالديار المصرية، بعد وفاة قاضى القضاة بدر الدين بن عبد المنعم.
وفيه رسم السلطان أن يحطّ عن البلاد بالوجه القبلى والبحرى وسائر الأعمال ربع ما كان يطرح عليهم قبل ذلك من الأطرون، وسرّ الناس بذلك وتباشروا بزوال الظلم وإزالة المظالم.(16/67)
وفي يوم الأحد سابع عشره ورد الخبر على السلطان بقتل الأميرين سونجبغا وتغرى بردى القلاوى المعزول عن الوزر قبل تاريخه، قتل الواحد الآخر، ثم قتل الآخر في الوقت، ذكرنا أمرهما مفصلا في تاريخنا الحوادث، فأنعم السلطان بإقطاع تغرى بردى القلاوى على الأمير يرشباى الإينالى المؤيّدى، وأنعم على الأمير يلباى الإينالى المؤيّدى بإقطاع سونجبغا، وكان إقطاعه قديما قبل أن يمسك، وأنعم بإقطاع عبد الله الكاشف على سودون الإينالى المؤيّدى قراقاش، وأنعم على تنم الحسينى وعلى قلمطاى الإسحاقى الأشرفيّين «1» بإقطاع يلبغا الچاركسى بحكم تعطّله ولزومه داره، لكل واحد منهما إمرة عشرة.
وفي يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة أنعم السلطان على خير بك الأجرود المؤيدى أتابك دمشق- كان- بعد قدومه من السجن بإقطاع دولات باى المحمودىّ الدّوادار- كان- بعد موته، والإقطاع إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وكان دولات باى الدّوادار أخذ هذا الإقطاع بعد موت أرنبغا، وأرنبغا أخذه بعد قانى باى الچاركسى، كلّ ذلك في دون ثلاثة أشهر «2» .
وفي يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة ورد الخبر من الشام بموت قانصوه النّوروزىّ، أحد أمراء دمشق، فأنعم السلطان بتقدمته على الأمير فانى بك المحمودى المؤيدى، وكان فانى بك بطّالا بدمشق.
ثم في يوم الاثنين رابع عشر «3» شهر رجب أدير المحمل على العادة، ولعبت الرمّاحة، وكان الملك الظاهر جقمق أبطل ذلك، فأعاده الملك الأشرف هذا، وسرّ الناس بعمله غاية السرور.(16/68)
وفي يوم الخميس سابع عشر «1» رجب المذكور ندب السلطان الأمير قانم طاز الأشرفى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بنقل الأمراء المسجونين من ثغر الإسكندرية إلى جيوش البلاد الشامية، فتوجّه إليهم، ونقل الجميع ما خلا الأميرين تنم المؤيّدى أمير سلاح، وقانى باى الچاركسى، فإنهما داما في سجن الإسكندرية.
وفي يوم السبت رابع شهر رمضان استقرّ الزينى فرج بن ماجد بن النحّال كاتب المماليك السلطانية وزيرا بعد تسحّب الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم «2» .
وفي يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان المذكور ورد الخبر على السلطان بموت الأمير بيغوت الأعرج المؤيدى نائب صفد، فرسم السلطان بانتقال الأمير إياس المحمّدى الناصرى «3» أتابك طرابلس إلى نيابة صفد دفعة واحدة، وحمل إليه التقليد والتشريف على يد الأمير خشكلدى القوامى الناصرى أحد أمراء العشرات، واستقرّ حطط الناصرى المعزول قبل تاريخه عن نيابة غزّة أتابك طرابلس عوضا عن إياس المذكور، وأنعم بإقطاع حططإمرة عشرين بطرابلس- «4» على جانبك المحمودى المؤيدى، وكان بطّالا بطرابلس «5» .
ثم استهلّ شوال يوم الجمعة، فصلى السلطان صلاة العيد بجامع القلعة الناصرى «6» على العادة، ثم صلّى من يومه أيضا الجمعة بالجامع المذكور، فكان في هذا اليوم خطبتان فى يوم واحد، وكثر كلام الناس في هذا الأمر، فلم يقع إلا كل جميل من سائر الجهات، وصار كلام الناس من جملة الهذيان، وأنت تعلم مقدار ما أقام الأشرف بعد ذلك فى الملك.(16/69)
ثم في يوم الاثنين حادى عشر شوال المذكور خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهرى المعزول قبل تاريخه عن الأستادارية باستقراره في التكلم على بندر جدّة بعد أن أنعم عليه بزيادة على إقطاعه، وجعله من جملة أمراء الطبلخانات بالديار المصرية، ثم رسم بنفى الأمير بردبك التاجى الأشرفى- الذي كان تكلم على بندر جدّة في السنة الماضية- إلى القدس بطالا، وأخرج السلطان إمرة بردبك المذكور إلى جكم الأشرفى خال الملك العزيز يوسف، والإقطاع إمرة عشرة.
وفي يوم الاثنين ثامن عشر شوال المذكور تسحّب الأمير زين الدين الأستادار، واختفى؛ مما حمل للديوان السلطانى من الكلف، وبلغ السلطان ذلك، فأرسل السلطان خلف على بن الأهناسى البرددار بخدمة زين الدين المذكور [سابقا «1» ] ، وهو يومذاك أستادار المقام الشهابى أحمد بن السلطان، واستقرّ به أستادارا عوضا عن زين الدين دفعة واحدة، وعلم السلطان أن عليّا هذا ليس هو في هذه الرّتبة، ولا فيه أهلية لأن يكون من جملة كتّاب ديوان المفرد، فتكلم في الملأ بكلام معناه أن السلطان إذا أقام كائنا من كان من أقلّ الناس في أىّ وظيفة شاء- وكان للسلطان به عناية- سدّ تلك الوظيفة على أحسن الوجوه، فسكت كلّ أحد، لعلمهم أن السلطان يعلم حاله، كما يعلمونه هم، واختاره لهذه الرّتبة.
ثم في يوم السبت ثالث عشرين شوال ورد إلى الدّيار المصرية قاصد خوندكار محمد بك ابن مرادبك بن عثمان، متملّك «2» بلاد الرّوم «3» ، لتهنئة السلطان بالملك، وأيضا يخبره بما منّ الله عليه من فتح مدينة إسطنبول، وقد أخذها «4» عنوة بعد قتال عظيم في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة، بعد ما أقاموا على حصارها من يوم الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأوّل من هذه السنة- أعنى سنة سبع وخمسين المذكورة- إلى أن أخذها في التاريخ المقدم ذكره.(16/70)
قلت: ولله الحمد والمنة على هذا الفتح العظيم.
وجاء القاصد المذكور ومعه أسيران من عظماء إسطنبول، وطلع بهما إلى السلطان وهما من أهل قسطنطينية، وهى الكنيسة العظمى بإسطنبول، فسرّ السلطان والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم سرورا زائدا، ودقّت البشائر لذلك، وزيّنت القاهرة بسبب ذلك أياما، ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه الأسيران المذكوران إلى القلعة في يوم الاثنين خامس عشرين شوال، بعد أن اجتاز القاصد المذكور ورفقته بشوارع القاهرة، وقد احتفلت الناس بزينة الحوانيت والأماكن، وأمعنوا في ذلك إلى الغاية، وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، وقد استوعبنا طلوع القاصد المذكور فى غير هذا المحل من مصنفاتنا بأطول من هذا.
وبالجملة فكان لمجىء هذا القاصد بهذه البشارة الحسنة أمير كبير، وعيّن السلطان من يومه الأمير يرشباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخور الثانى- كان- بالتوجّه إلى ابن عثمان صحبة القاصد بالجواب السلطانى، وقد كتبنا صورة الكتاب الذي جاء من ابن عثمان على يد القاصد المذكور بفتح مدينة إسطنبول، والجواب الذي أرسله السلطان صحبة يرشباى هذا، كلاهما مثبوت في تاريخنا حوادث الدهور، إذ هو محل ضبط هذه الأمور- انتهى.
ثم رسم السلطان بالمناداة على زين الدّين يحيى الأستادار، وتهديد من أخفاه عنده بالشنق والتنكيل، ووعد من أحضره بألف دينار إن كان متعمما، «1» وبإقطاع إن كان جنديا «2» .
ثم في يوم الاثنين ثالث ذى القعدة استقرّ القاضى محب الدين بن الشّحنة الحنفى كاتب سرّ مصر. بعد عزل القاضى محب الدين بن الأشقر «3» .(16/71)
ثم في يوم الاثنين ثانى ذى الحجة خلع السلطان على الأمير جانبك النّوروزىّ نائب بعلبك باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل يونس العلائى وقدومه إلى القاهرة من جملة أمراء الطبلخانات.
ثم في يوم الثلاثاء رابع عشرين ذى الحجة ظهر الأمير زين الدين الأستادار من اختفائه، وطلع إلى القلعة وعلى رأسه منديل الأمان، صحبة عظيم الدولة الصاحب جمال الدين بن كاتب جكم، وكان هو الساعى لزين الدين في رضاء السلطان عليه، وقبّل زين الدين الأرض بين يدىّ السلطان، فرسم له السلطان أن يلزم داره، ولا يجتمع بأحد، ولا يكاتب أحدا من أعيان الدولة.
وفرغت سنة سبع وخمسين، وما ذكرناه فيها إنما هو على سبيل الاختصار؛ علم خبر لا غير.
[ما وقع من الحوادث سنة 858]
واستهلت سنة ثمان وخمسين وثمانمائة.
وأول السنة يوم الثلاثاء «1» ، فأحببت أن أذكر في أوّل هذه السنة أسماء أعيان أرباب الوظائف من الأعيان والأمراء والقضاة والمباشرين، ليعلم الناظر في هذه الترجمة كيف تكون تقلبات الدهر، وتغيير الدولة بعد أن ينظر المتأمل في ترجمة الملك المنصور عثمان في السنة الخالية، ولم يمض بين من سمى في تلك السنة وبين من سمى فى هذه السنة إلا بعض أشهر، لأن المنصور والأشرف هذا كلا منهما ولى في هذه السنة، أعنى سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وما قلناه في السنة الخالية معناه في ترجمة المنصور عثمان، على أنا لا نذكر إلا جماعة الأعيان لا غير، ولو ذكرنا كلّ من تغير من أرباب الوظائف من الخاصكيّة والأجناد الذين أخذوا الإقطاعات والوظائف لطال الشرح في ذلك، وخرجنا عن المقصود، ولنعد إلى ما هو المقصود فنقول:(16/72)
أما الخليفة فهو القائم بأمر الله حمزة، وهو المذكور أيضا في [السنة] «1» الخالية.
وكذلك القضاة الأربعة فهم على حالهم كما ذكرناه في ترجمة المنصور أيضا «2»
وكذلك نواب البلاد الشاميّة، فالجميع على حالهم كما ذكرناه في ترجمة المنصور أيضا.
وتغيّر نائب الإسكندرية، فإنه كان في تلك السنة برسباى البجاسى، والآن هو جانبك النّوروزىّ.
وأما أرباب الوظائف من أمراء مائة «3» .
فالأمير الكبير تنبك البردبكى الظاهرى.
وأمير سلاح خشقدم الناصرى المؤيّدى.
وأمير مجلس طوخ من تمراز الناصرى غليظ الرّقبة.
والأمير آخور الكبير جرباش المحمدى الناصرى كرد.
والدّوادار الكبير يونس السيفى آقباى نائب الشام.
ورأس نوبة النّوب قرقماس الأشرفى الجلب.
وحاجب الحجّاب جانبك القرمانى الظاهرى.
فهؤلاء هم أرباب الوظائف من مقدمى الألوف.
وبقية مقدمى الألوف هم:
المقام الشهابى أحمد بن السلطان، وهو يجلس رأس ميسرة فوق أمير سلاح.(16/73)
والأمير جانم الأمير آخور- كان- وهو يجلس تحت أمير سلاح فوق بقية الأمراء.
ثم خيربك الأجرود المؤيّدى «1» .
ثم برسباى البجاسى.
فهؤلاء جميع مقدمى الألوف بالديار المصرية، وهم أقل من النصف من أمراء الظاهر برقوق.
وأما أرباب الوظائف من أمراء الطبلخانات وغيرهم:
فشاد الشراب خاناه جانبك من قجماس الأشرفى المعروف بدوادار سيّدى.
والخازندار «2» جانبك من أمير الأشرفى الظريف.
ونائب القلعة قانى باى الناصرى الأعمش أمير عشرة.
والزّردكاش نوكار الناصرى أمير عشرة والتّجمّل به هتكة «3» .
والحاجب الثانى بتخاص العثمانى الظاهرى- برقوق- أمير عشرة.
وأستادار الصحبة يشبك الأشقر الأشرفى من جملة الأجناد.
وكانت هذه الوظائف المذكورة في سالف الأعصار لا يليها إلا أمير مائة مقدّم ألف، ولهذا قدمنا ذكرها على غيرها مما سنذكره، فتنازل ملوك زماننا هذا حتى ولى بعضها الأجناد، وقد أبطل الملوك أيضا عدّة وظائف جليلة كان لا يليها إلا أمير مائة مقدّم ألف، مثل نيابة السلطنة، لأن آخر من وليها من العظماء تمراز الناصرى الظاهرى في دولة الناصر فرج.(16/74)
ورأس نوبة الأمراء، وآخر من وليها نوروز الحافظى في دولة الناصر فرج أيضا، وكانت هذه الوظيفة تضاهى الأتابكيّة.
ومثل أمير جاندار، فإن الأمير ألجاى اليوسفى صاحب الوقعة مع الأشرف شعبان انتقل إليها من وظيفة رأس نوبة النّوب.
وأما ما ذهب من الوظائف التي كان يليها أمراء الطبلخانات والعشرات مثل شاد الدواوين، وأمير منزل، وشادّ القصر السلطانى، والمهمندار، ومقدّم البريدية، وشادّ العمائر- وإن كان بعض هذه الوظائف مستمرة- فإنه لا يليها إلا الأحداث من الناس، بحيث إنها صارت كلا شىء «1» ، وقد خرجنا عن المقصود في نوع الاستطراد، ولنعد إلى ما كنا فيه.
ورأس نوبة ثان يشبك الناصرى، وتعد سبعة من طبلخانات رءوس النوب، وأما العشرات من رءوس النّوب فكثير جدا، وكان جميع رءوس النّوب في أوائل سلطنة برقوق أربعة لا غير، ثم صاروا في دولة الناصر فرج بعد تجريدة الكرك سبعة، فنقول: ما تجدّد من كثرة رءوس النّوب يكون عوضا عما ذهب من تلك الوظائف، فيقول القائل لا نسلم، وأين رونق تلك الوظائف المتعددة كثرة من [رونق] «2» وظيفة واحدة؟! وكذلك كانت الحجّاب ثلاثة: حاجب الحجّاب، وحاجب ميسرة، وهو أيضا مقدم ألف، والحاجب الثالث. فأول من زادهم الظاهر برقوق، وجعلهم خمسة حجاب أمراء عشرات، لا هذه الحرافيش الذين يلونها اليوم «3» الجهلة الفسقة «4» .
الدوادار الثانى تمراز الإينالى الأشرفى بإمرة عشرين، وهو من مساوى الدهر.
والأمير آخور الثانى خيربك الأشقر المؤيدى أمير عشرين أيضا.(16/75)
والزّمام والخازندار الطواشى الرومى فيروز النّوروزى أمير طبلخاناه.
ومقدّم المماليك السلطانية الطّواشى لؤلؤ الرّومى الأشرفى أمير عشرة.
ونائبه عنبر، عتيق التاجر نور الدين الطّنبذى، جنديا بغير إمرة.
ونقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبى فرج بعد أن ولى الأستادارية قبل تاريخه.
ووالى القاهرة على بن إسكندر، ووليها بالبذل.(16/76)
ذكر أعيان مباشرى الدولة من المتعممين
كاتب السّرّ محبّ الدين بن الشّحنة الحنفى.
وناظر الجيش والخاص معا، عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم.
والوزير سعد الدين فرج بن النحّال.
والأستادار على البرددار بن الأهناسى
ووظيفة نظر الدولة ونظر المفرد كل منهما تلاشى أمرهما حتى صارت كلا شىء، سكتنا عن ذكر ذلك لوضاعة قدر من يليها.
قلت: ولو سكتنا عن ذكر من يلى الوزر «1» أيضا لكان أجمل، غير أنه لا يسعنا إلا ذكرها لمحلها الرّفيع في سائر الأقطار- فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
وأما ذكر نظر الجوالى، والإسطبل السلطانى، والبيمارستان، والكسوة، وخزائن السلاح، والخزانة الشريفة، وأشباههم ليس لذكرهم هنا محل، لكونهم في غير هذه الرّتبة.
وفي مثل هذا المحل لا يذكر إلا أعيان الوظائف المعدود أصحابها من ذوى الرياسات، وقد ذكرنا تلك الوظائف كلها في تاريخنا الحوادث، إذ هو محل ضبط الولايات والعزل- انتهى.
وفي يوم الأحد سادس محرم سنة ثمان وخمسين وثمانمائة ورد الخبر على السلطان من حلب بوفاة الأمير على باى بن طرباى العجمى المؤيّدى أتابك حلب، فرسم السلطان باستقرار الأمير آقبردى السّاقى الظاهرى نائب قلعة حلب أتابكا بحلب عوضه.(16/77)
واستقرّ في نيابة قلعة حلب الزّينى قاسم بن جمعة القساسى «1» ، وأنعم بتقدمة قاسم المذكور- وكان أخذها قبل ذلك عن سودون القرمانى بمدة يسيرة- على الأمير يشبك البجاسى «2» .
واستقرّ مكان يشبك البجاسى في دوادارية السلطان بدمشق خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز.
وفي يوم الاثنين حادى عشرين المحرم أيضا وصل إلى القاهرة تقدمة الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب، تشتمل على جماعة يسيرة من المماليك ومائة فرس لا غير «3» .
قلت: وهذا كثير ممن أشيع عنه العصيان ثم أظهر الطاعة في الظاهر، والله متولى السّرائر، وقد أوضحنا أمر قانى باى هذا في غير هذا المحل مع السلطان الملك الأشرف إينال بأوسع من هذا.
ثم في صفر رسم بسفر الأمير زين الدين الأستادار إلى القدس بطالا، فلما خرج إلى ظاهر القاهرة قبض عليه، وأخذ إلى القلعة، وصودر ثانيا، وعوقب ووقع له أمور، آخرها أنه ولى الأستادارية- مسئولا في ذلك- فى يوم الثلاثاء رابع عشر صفر، وعزل علىّ بن الأهناسى.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الأوّل من سنة ثمان وخمسين المذكورة ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل بغير قماش الخدمة «4» ، ونزل إلى جهة(16/78)
قبّة النصر خارج القاهرة، ثم عاد من باب النصر، وشقّ القاهرة وخرج من باب زويلة حتى طلع إلى القلعة، وهذا أوّل ركوبه من يوم تسلطن.
وفي يوم الاثنين سادس عشر «1» شهر ربيع الآخر ثارت فتنة بسوق الخيل بين المماليك الظاهرية- جقمق- وبين المماليك الأشرفية- برسباى- بالدبابيس «2» ، وأصبح كل من الطائفتين مستعدة للأخرى، فلم يقع شىء ولله الحمد، وقد ذكرنا كيفية الفتنة المذكورة في تاريخنا الحوادث.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه عزل السلطان لؤلؤ الأشرفى عن تقدمة المماليك السلطانية، وأعاد إليها الطواشى مرجانا المحمودى «3» بمال أخذه من مرجان، وإلا فأيش هو الموجب لعزل الرئيس بالوضيع إلا هذا المعنى؟!
ثم في يوم الأحد سادس جمادى الأولى عزل السلطان تمراز الأشرفى عن الدّواداريّة الثانية لأمر اقتضى ذلك، وقد أراح الله الناس منه؛ لسوء خلقه، وحدّة مزاجه، وقد ذكرنا من أحواله نبذة كبيرة في غير هذا المحل.
وفي يوم الخميس سادس «4» عشر جمادى الأولى المذكورة وصل الأمير جلبّان الأمير آخور نائب الشام إلى القاهرة بعد أن احتفل أرباب الدّولة به، وطلع إلى ملاقاته كلّ أحد، حتى المقام الشهابى أحمد، وطلع إلى القلعة ودخل إلى السلطان بالقصر الأبلق المطلّ على الرّميلة بالخرجة، فلما رآه السلطان قام إليه واعتنقه، بعد أن قبل جلبّان الأرض بين يديه، ثم أجلسه السلطان على ميسرته فوق ولده المقام الشهابى أحمد، ولم يطل جلوسه حتى طلب السلطان خلعته، وخلع عليه خلعة الاستمرار بنيابة دمشق على(16/79)
عادته «1» فى مكان جلوسه بالخرجة المذكورة، ولم يقع ذلك لأحد من النواب، لأن العادة أنه لا يخلع السلطان على من يخلع عليه إلا بالقصر الأبلق من داخل الخرجة.
ثم قام السلطان وخرج إلى القصر، ولم يدع جلبّان المذكور أن يقف، بل أمره أن يتوجّه إلى حيث أنزله السلطان، فنزل محمولا لضعف به ولكبر سنه أيضا، ونزل غالب الأمراء الأكابر وأرباب الدولة بين يديه إلى أن أوصلوه إلى الميدان الكبير بطريق بولاق تجاه بركة الناصرى، ومدّ له مدّة هائلة، وترددت الناس إليه نهاره كلّه، واستمر إلى يوم الأحد عشرينه، فقدّم إلى السلطان تقدمة، وكانت تقدمة هائلة، تشتمل على: عشرة مماليك، ومائتى فرس، منها اثنان بقماش ذهب، والباقى على العادة، وعدة حمالين، منها ستون حمالا عليها قسىّ، كل حمال خمسة أقواس، ومنها مائة وعشرون حمالا بعلبكيا، على كل حمال خمسة أثواب، النصف منها عال موصلى، وستون حمالا عليها أبدان سنجاب «2» ، وعشرة حمالين وشق «3» ، وعدّة حمالين عليها أثواب صوف ملوّنة، وعدة حمالين عليها شقق حرير ملوّن، وأثواب مخمل تزيد على مائة حمال، وطبق مغطى فيه ذهب مبلغ عشرة آلاف دينار على ما قيل.
فقبل السلطان ذلك، وخلع على أرباب وظائف جلبّان المذكور خلعا سنيّة، وفرّق السلطان من الخيول على أمراء الألوف جميعهم على قدر مراتهم.(16/80)
وفي هذا اليوم أيضا رسم السلطان لنقيب الجيش أن يخرج الأمير تمراز الإينالى الأشرفى الدوادار الثانى إلى القدس بطّالا، فنزل وتوجّه به من يومه إلى خانقاه سرياقوس، قلت «1» : [السريع]
ما يفعل الأعداء في جاهل ... ما يفعل الجاهل في نفسه
فإن تمراز هذا كان في الدولة الظاهرية- جقمق- من جملة الأمراء والعشرات وكان ممن لا يؤبه إليه، حتى مات الظاهر، وثار مع الملك الأشرف إينال لما وثب على الملك المنصور عثمان مع من انضم إليه من المماليك الظاهرية والأشرفية وغيرهم، فلما تسلطن الأشرف قرّب تمراز هذا، وجعله دوادارا ثانيا، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وصار له كلمة في الدولة وحرمة وافرة، وهابته الناس لشراسة خلقه وحدة مزاجه، وباشر الدوادارية أقبح مباشرة من الظلم والعسف والإخراق بالناس والبطش بحواشيه وأرباب وظائفه ومماليكه، حتى تجاوز الحد، وما كفاه ذلك حتى صار يخاطب السلطان بما يكره، وبقى في كل قليل يغضب ويعزل نفسه، ووقع ذلك غير مرّة، فلما زاد وخرج عن الحد عزله السلطان، ولزم داره أياما، ثم خرج إلى القدس بطّالا «2» .
وفي «3» يوم الاثنين حادى عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على الصاحب(16/81)
أمين الدين بن الهيصم باستقراره وزيرا على عادته أولا، بعد عزل فرج بن النّحال، وكان أحقّ بها وأهلا لها.
وفي يوم الاثنين هذا أيضا خلع السلطان على مملوكه صهره الأمير بردبك الدوادار الثانى باستقراره في الدواداريّة الثانية عوضا عن تمراز الأشرفى المقدّم ذكره.
وفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة استقرّ القاضى تاج الدين عبد الله ابن المقسى كاتب المماليك السلطانية عوضا عن الصاحب سعد الدين فرج بن النّحال.
قلت: وتاج الدين هذا مستحق لأعظم الوظائف؛ لما اشتمل عليه من حسن الخلق والخلق.
وفي يوم الجمعة ثانى عشرين شهر رجب سافر الأمير بردبك الدوادار الثانى إلى القدس الشريف، وصحبته كسوة مقام سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام التي صنعها السلطان الملك الأشرف هذا، وخرج بردبك المذكور من القاهرة بتجمل زائد، ومعه جماعة من الأعيان، مثل القاضى شرف الدين الأنصارى، ناظر الكسوة ووكيل بيت المال، والسيفى شاهين الساقى وغيرهما.
وفي يوم الخميس سادس شعبان وصل إلى القاهرة الأمير برشباى الإينالى المؤيّدى، أحد أمراء الطبلخانات المتوجّه قبل تاريخه في الرسلية إلى ملك الروم السلطان محمد بن عثمان، وعليه خلعة ابن عثمان المذكور، وهو لابس لبس الأروام وخلعهم على العادة «1» .
وفيه رسم السلطان بتعويق جوامك أولاد الناس والمرتبين من الضعفاء والأيتام على ديوان السلطان، وعرضهم السلطان وقطع جماعة كبيرة، وبينما هو في ذلك وصل(16/82)
الأمير بردبك من القدس، وحذّر السلطان من الدعاء عليه، ونهاه عن هذه الفعلة فانفعل «1» له، وترك كل واحد على حاله، ونودى بذلك بشوارع القاهرة، فعدّ من محاسن بردبك المذكور.
وفي يوم السبت حادى عشر ذى القعدة اختفى الوزير أمين الدين بن الهيصم، لعجز متحصّل الدولة عن القيام بالكلف السلطانية، فتغيّر السلطان بسبب ذلك على جماعة «2» ، وقبض على الأمير زين الدين الأستادار في يوم الاثنين وحبسه بالقلعة، وخلع على الأمير ناصر الدين محمد بن أبى فرج نقيب الجيش «3» باستقراره في الأستادارية عوضا عن زين الدين على كره منه في الوظيفة، مضافا إلى نقابة الجيش، وخلع على سعد الدين فرج بن النحال باستقراره وزيرا على عادته، وهذه ولاية فرج الثانية للوزر، وأنعم عليه بكتابة المماليك، وعزل القاضى تاج الدين المقسى.
ثم في يوم الأربعاء خامس عشر ذى القعدة ضرب السلطان زين الدين الأستادار، وألزمه بجملة كبيرة من المال، فأخذ زين الدين في بيع قماش بدنه وأثاث بيته، ثم أخذه الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، وتسلمه من السلطان، ونزل به إلى بيته، فدام عنده أيّاما، ثم رسم له بالتوجه إلى داره، وأنه يسافر إلى القدس، فتجهّز زين الدين وخرج إلى القدس في يوم الجمعة ثانى ذى الحجة.
ثم في يوم الاثنين خلع السلطان على شخص من الأقباط يعرف بابن النجار «4» ، واستقرّ به ناظر الدّولة «5» بعد شغورها مدة «6» طويلة، وصار رفيقا للوزير فرج «7» .(16/83)
وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذى الحجة نزلت المماليك الجلبان الأشرفية من الأطباق، وهجمت دار الأستادار الأمير ناصر الدين محمد بن أبى الفرج، ونهبوا جميع ما كان له في داره «1» من غير أمر أوجب ذلك، فلم يسع الأستادار إلا الاستعفاء، فأعفى بعد أمور.
وخلع السلطان على قاسم الكاشف بالغربية وغيرها بالأستادارية عوضا عن ابن أبى الفرج المذكور. قلت: وهذا أول ظهور أمر «2» مماليك الأشرف الجلبان «3» ، وما سيأتى فأعظم.
[ما وقع من الحوادث سنة 859]
وفي يوم الأحد ثانى محرم سنة تسع وخمسين وثمانمائة أشيع بين الناس وقوع فتنة، وكثر كلام الناس في هذا المعنى حتى بلغ السلطان ذلك، فلم يلتفت السلطان لقول من قال.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرين صفر من سنة تسع وخمسين المذكورة وصل مملوك الأمير جانبك الناجى للمؤيّدى نائب غزّة يخبر بموت الأمير جلبّان نائب الشام، ثم وصل بعد ذلك سيف جلبّان المذكور على يد يشبك المؤيّدى الحاجب الثانى.
ثم في يوم الخميس خامس عشرين صفر رسم السلطان للأمير قانى باى الحمزاوى- نائب حلب- بأن يستقرّ في نيابة الشّام عوضا عن جلبّان بحكم وفاته، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يونس العلائى الناصرى، المعزول قبل تاريخه عن نيابة الإسكندرية.
وخلع السلطان في اليوم المذكور على الأمير جانم الأشرفى باستقراره في نيابة(16/84)
حلب عوضا عن قانى باى الحمزاوى على كره من جانم المذكور في ذلك «1» ، واستقرّ مسفّر جانم الأمير بردبك الدّوادار الثانى وصهر السلطان مع توجه بردبك أيضا إلى تركة الأمير جلبّان بدمشق.
وأنعم السلطان بإقطاع جانم المذكور على الأمير يونس العلائى المقدم ذكره، وهو إمرة مائة وتقدمة ألف.
وأنعم بإقطاع يونس المذكور على الأمير بردبك الدوادار، وصار «2» بردبك أمير طبلخاناه، وأنعم بإقطاع بردبك المذكور على أرغون شاه وتنبك الأشرفيين، كل واحد منهما أمير خمسة.
وفي يوم الاثنين تاسع عشرين صفر من سنة تسع وخمسين وثمانمائة المذكورة استقرّ شمس الدين نصر الله بن النجار ناظر الدّولة وزيرا عوضا عن سعد الدين فرج بن النحال بحكم عزله، فلم تر عينى فيما رأيت ممن لبس خلع الوزارة أقبح زيّا منه، حتى إنه أذهب رونق الخلعة مع حسن زىّ خلعة الوزارة وأبّهة صفتها، ولو منّ الله سبحانه وتعالى بأن يبطل اسم الوزير من الديار المصرية في هذا الزمان كما أبطل أشياء كثيرة منها لكان ذلك أجود وأجمل بالدولة، ويصير الذي بلى هذه الوظيفة يسمى ناظر الدولة، لأن هذا الاسم عظيم وقد سمى به جماعة كبيرة من أعيان الدنيا قديما وحديثا في سائر الممالك والأقطار، مثل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكى وغيره، إلى الصاحب إسماعيل بن عبّاد، وهلم جرا، إلى القاضى الفاضل عبد الرحيم، ثم بنى حنّاء وغيرهم من العلماء والأعيان، إلى أن تنازلت ملوك مصر في أواخر القرن الثامن حتى وليها في أيامهم أوباش الناس وأسافل الكتبة الأقباط، وتغير رسومها، وذهب بهم أبّهة هذه الوظيفة الجليلة التي لم يكن في الإسلام بعد الخلافة أجل منها ولا أعظم، وصارت بهؤلاء(16/85)
الأصاغر في الوجود كلا شىء، وليت مع ذلك كان يلى هذه الوظيفة من هؤلاء الأسافل من يقوم بما هو بصدده، بل يباشر ذلك بعجز وضعف وظلم وعسف، مع ما يمدّه السلطان بالأموال «1» من الخزانة الشريفة «2» ، فليت شعرى لم لا كان ذلك مع من هو أهل للوزارة وغيرها- فلا قوة إلا بالله.
وباشر ابن النجّار الوزر أشرّ مباشرة، وأقبح طريقة، ولم تطل أيّامه، وعجز وبلغ السلطان عجزه، فلما كان يوم الخميس أول شهر ربيع الآخر طلب السلطان الوزراء الثلاثة ليختار منهم من يوليه، وهم: ابن النجّار الذي عجز عن القيام بالكلف السلطانية، والصاحب أمين الدين بن الهيصم، وسعد الدين فرج بن النحّال، فوقع في واقعة طريفة، وهى أن السلطان لما أصبح وجلس على الدكّة من الحوش استدعى أوّلا ابن النجّار، فقيل له: هرب واختفى، فطلب أمين الدين بن الهيصم، فقيل له: مات فى هذه الليلة، وإلى الآن لم يدفن، فطلب فرج بن النحّال، فحضر، وهو [الذي] «3» فضل من الثلاثة، فكلّمه السلطان أن يستقرّ وزيرا على عادته، فامتنع واعتذر بقلّة متحصّل الدّولة، وفي ظنّه أن السلطان قد احتاج إليه بموت ابن الهيصم وتسحّب ابن النجّار، وشرع يكرّر قوله بأن «4» لحم المماليك السلطانية المرتب لهم في كل يوم ثمانية عشر ألف رطل، خلا تفرقة الصّرر التي تعطى لبعض المماليك السلطانية وغيرهم، عوضا عن مرتب اللحم، فلما زاد تمنّعه أمر به السلطان فحطّ إلى الأرض وتناولته رءوس النّوب بالضرب المبرح «5» إلى أن كاد يهلك، ثم أقيم ورسم عليه بالقلعة عند الطواشى فيروز الزّمام والخازندار إلى أن عملت مصالحة وأعيد للوزر.
وفي يوم الخميس تاسع عشرين شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير قانم من صفر خجا المؤيّدى المعروف بالتّاجر بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية بعد موت(16/86)
خيربك الأجرود المؤيّدى، وأضيف إقطاع المذكور وهو إمرة طبلخاناه إلى الدّولة.
ثم في يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة كانت وقعة المماليك الظاهرية الجقمقيّة مع الملك الأشرف إينال، وسبب هذه الفتنة ثورة المماليك الأجلاب أوّلا، وأفعالهم القبيحة بالناس، ثم عقب ذلك أن السلطان كان عيّن تجريدة إلى البحيرة، نحوا من خمسمائة مملوك، وعليهم من أمراء الألوف الأمير خشقدم المؤيّدى أمير سلاح، والأمير قرقماس رأس نوبة النّوب، وعدّة من أمراء الطبلخانات والعشرات، ورسم لهم السلطان بالسفر فى يوم الاثنين، هذا ولم يفرّق السلطان على المماليك المكتوبة «1» للسفر الجمال على العادة، فعظم ذلك عليهم، وامتنعوا إلى أن أخذوا الجمال.
وسافر الأمير خشقدم في صبيحة يوم الاثنين المذكور، وتبعه الأمير قرقماس فى عصر نهاره، وأقاما ببرمنبابة تجاه بولاق، فلم يتبعهم أحد من المماليك المعيّنة معهم بل وقف غالبهم بسوق الخيل تحت القلعة ينتظرون تفرقة الجمال عليهم «2» ، إلى أن انفضّ الموكب السلطانى، ونزلت الأمراء إلى جهة بيوتهم، فلما صار الأمير يونس الدوادار بوسط الرّميلة احتاطت به المماليك الأجلاب، وعليه الكلفتاة وقماش الخدمة وداروا حوله وهم في كثرة «3» ، وأرادوا الكلام معه بسبب زيادة جوامكهم، وأنه يكلّم السلطان، فتبين لمماليك يونس الغدر بأستاذهم، فتحلّقوا عليه ومنعوهم من الوصول إليه، فصار يونس في حلقة من مماليكه، ومماليكه في حلقة كبيرة من المماليك الأجلاب، وطال الأمر بينهم، ويونس لا يستطيع الخروج، وتحقق الغدر، فأمر مماليكه بأشهار سيوفهم ففعلت ذلك، ودافعت عنه، وجرح من المماليك الأجلاب جماعة، وقطع أصابع بعضهم، وشقّ بطن آخر على ما قيل، فعند ذلك انفرجت ليونس فرجة خرج منها غارة إلى جهة داره، ونزل بها، ورمى عنه قماش الموكب، ولبس قماش الرّكوب،(16/87)
وطلع من وقته إلى القلعة من أعلى الكبش، ولم يشق الرّميلة، وأعلم السلطان بخبره، فقامت لذلك قيامة المماليك الأجلاب، وقالوا: «نحن ضربناهم بالدبابيس فضربونا بالسيوف» ، وثاروا على أستاذهم ثورة واحدة، وساعدهم جماعة من المماليك القرانيص وغيرهم لما في نفوسهم من السلطان لعدم تفرقة الجمال وغيرها، ووقفوا بسوق الخيل وأفحشوا في الكلام في حقّ السلطان، وهددوه إن لم يسلم لهم الأمير يونس، والسلطان لا يتكلم إلى أن حرّكه بعضهم، فأرسل إليهم بالأمير جانبك الناصرى المرتد، والطواشى مرجان مقدّم المماليك السلطانية، فسألاهم عن غرضهم، فقالوا بلسان واحد: «نريد غريمنا الأمير يونس» ، وخشّنوا في القول، فعاد جانبك بالجواب، فأرسل السلطان إليهم ثانيا بنو كارالزردكاش، فأعادوا له القول الأول، ثم ساقوا غارة إلى بيت يونس الدّوادار «1» ، فمنعوهم مماليكه من الدخول إلى دار يونس، فجاءوا بنار ليحرقوا الباب، فمنعوهم من ذلك أيضا، فعادوا إلى سوق الخيل، فوافوا المنادى ينادى من قبل السلطان بالأمان، فمالوا على المنادى بالدبابيس، فسكت من وقته، وهرب إلى حال سبيله.
هذا وقد طلعت جميع أمراء الألوف إلى عند السلطان، والسلطان على حالة السكوت غير أنه طلب بعض مماليكه الأجلاب الأعيان، وكلمه بأنه يعطى من جرح من الأجلاب ما يكفيه، وأنه يعطى للذي قطعت أصابعه إقطاعا ومائة دينار «2» ، فلم يقع الصلح، وانفضّ الأمر على غير طائل لشدة حرّ النهار.
ولما تفرّقت المماليك نزلت الأمراء إلى دورهم، ما خلا الأمير يونس الدوادار، فإنه بات في القلعة.
فلما أصبح يوم الثلاثاء أول شهر رجب ضرب السلطان الكرة مع الأمراء بالحوش السلطانى من القلعة، وفرغ من ذلك، وأراد كل أمير أن ينزل إلى داره، فبلغهم أن(16/88)
المماليك الأجلاب وقوف على حالهم الأول بسوق الخيل «1» بغير سلاح كما كانوا في أمسه «2» ، فلما تضحّى النهار أرسل إليهم السلطان بأربعة أمراء، وهم: الأمير يونس العلائى أحد مقدمى الألوف، وسودون الإينالى المؤيّدى قراقاش رأس نوبة ثان، ويلباى الإينالى المؤيّدى أحد أمراء الطبلخانات، ورأس نوبة، وبردبك البجمقدار أحد الطبلخانات أيضا ورأس نوبة، فنزلوا إليهم من القلعة فما كان إلا أن وقع بصر المماليك الأجلاب على هؤلاء الأمراء احتاطوا بهم، وأخذوهم بعد كلام كثير، ودخلوا بهم إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح تجاه باب السلسلة، ورسّموا عليهم بعضهم.
كل ذلك والمماليك الظاهرية الجقمقية وقوف على بعد، لا يختلطون بهم، لينظروا ما يصير من أمرهم، فلما وقع ما ذكرناه تحققوا خروجهم على أستاذهم، وثار ما عندهم من الكمائن التي كانت كامنة في صدورهم من الملك الأشرف إينال لما فعل بابن أستاذهم الملك المنصور عثمان، وحبس خچداشيتهم، وتقريب أعدائهم الأشرفية مماليك الأشرف برسباى، فانتهزوا الفرصة، وانضافوا إلى المماليك الأجلاب، وعرّفوهم أن الأمر لا يتم إلا بحضرة الخليفة ولبس السلاح، فساق قانى باى المشطوب أحد المماليك الظاهرية من وقته إلى بيت الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وكان في الخليفة المذكور خفة وطيش، فمال إليهم، ظنا أنه يكون مع هؤلاء وينتصر أحدهم ويتسلطن، فيستفحل أمره ثانيا أعظم من الأوّل، وسببه أنه كان لما ولّاه الظاهر جقمق الخلافة بعد أخيه المستكفى بالله سليمان صار تحت أوامر الظاهر، لأنه هو الذي استخاره وولاه الخلافة، فلما ثار إينال على المنصور عثمان وطلبه وجاء إلى عنده قوى أمر إينال بمجيء الخليفة عنده، فلما تسلطن عرف إينال له ذلك، ورفع محلّه أضعاف ما كان أوّلا، وزاده عدة إقطاعات، وصارت(16/89)
له حرمة وافرة في الدولة إلى الغاية، فلما كانت هذه الفتنة ظن في نفسه أنه يوافقهم، فإذا تسلطن أحد منهم رفع محلّه زيادة على ما فعل إينال، ويصير الأمر كلّه بيده، وما يدرى بأن لسان الحال يقول له:
[الرجز]
خير الأمور الوسط ... حبّ التناهى غلط
ما طار طير وارتفع ... إلا كما طار وقع
ولما حضر الخليفة عندهم تكامل لبسهم السلاح، وانضافت إليهم خلائق من المماليك السيفية، وأوباش الأشرفية، وغيرهم من الجياع الحرافيش، فلما رأت الأجلاب أمر الظاهريّة حسبوا العواقب، وخافوا زوال ملك أستاذهم، فتخلوا عن الظاهريّة قليلا بقليل، وتوجّه كل واحد إلى حال سبيله، فقامت الظاهرية بالأمر وحدهم، وما عسى يكون قيامهم من غير مساعدة، وقد تخلّى عنهم جماعة من أعيانهم وخافوا عاقبة هذه الفتنة؟!.
هذا وقد تعبأ السلطان لحربهم، ونزل من القلعة إلى باب السّلسلة من الإسطبل السلطانى، وتناوش القوم بالسهام، وأرادوا المصاففة، فتكاثر عليهم السلطانية، وصدموهم صدمة واحدة بددوا شملهم، بل كانوا تشتتوا قبل الصدمة أيضا، وهجموا السلطانية في الحال إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح، وأخذوا الأمراء المرسّم عليهم، وأخذوا فيمن أخذوا الخليفة معهم، وطلعوا بهم إلى السلطان.
فلما رأى السلطان الخليفة وبخه بالكلام الخشن، وأمر بحبسه بالبحرة من قلعة الجبل، وخلعه من الخلافة بأخيه يوسف في يوم الخميس ثالث شهر رجب المذكور، ثم سفّر الخليفة القائم بأمر الله المذكور في يوم الاثنين سابع رجب إلى سجن الإسكندرية فسجن بها مدة سنين، ثم أطلق من السجن، وسكن بالإسكندرية إلى أن مات بها في أواخر سنة اثنتين وستين وثمانمائة.(16/90)
ولما بلغ الأمير خشقدم أمر هذه الفتنة عاد من برّمنبابة، وطلع إلى القلعة، ومعه رفيقه قرقماس رأس نوبة النوب في يوم الأربعاء، وحضرا الموكب في باكر يوم الخميس، ثم عادا إلى برّمنبابة بمخيّمهما، ثم فرّق السلطان الجمال على المماليك السلطانيّة، وسافروا صحبة الأميرين المذكورين «1» إلى ما عيّنوا إليه، وتفرقت من يوم ذاك أجلاب السلطان فرقتين: فرقة وهم الذين اشتراهم من كتابية الظاهر جقمق وابنه، وفرقة اشتراهم هو في أيام سلطنته.
وقويت الفرقة الذين اشتراهم على الفرقة الظاهرية، ومنعوهم من الطلوع إلى القلعة، والسكنى بالأطباق، وقالوا ما معناه: إنكم سوّدتم وجوهنا عند أستاذنا، وأظن ذلك كلّه زورا وبهتانا مع أن الأشرف كان هو لا يقطع فيهم قربته بهذا ولا بغيره، وهو مستمر على محبتهم كما كان أولا، فلعمرى إذا كان هذا فعلهم به وهو راض، فما عساه يرجعهم عن ظلم غيره؟! فهذا مستحيل.
ولما انتهت الوقعة وخلع السلطان الخليفة أمسك جماعة من المماليك الظاهرية وحبسهم بالبرج من قلعة الجبل، ونفى بعضهم واختفى بعضهم، وأخرج قوزى السّاقى الظاهرى- وكان تأمر عشرة- ومعه عشرين مملوكا من المماليك الظاهرية إلى البلاد الشامية، مع أن قوزى المذكور لا في العير ولا في النّفير، وسافروا في يوم الجمعة تاسع شهر شعبان، وسكن الأمر كأنه لم يكن، لحسن سياسة السلطان فى تسكين أخلاط الفتن- انتهى.
وفي يوم الأربعاء حادى عشرين شعبان ورد الخبر على السلطان بمسك الأمير يشبك النّوروزى نائب طرابلس بأمر السلطان، لأن السلطان كان قبل تاريخه أرسل إينال الجلبّانى القجقى الخاصكى إلى طرابلس، وعلى يده ملطفات في الباطن،(16/91)
بمسك يشبك المذكور وحبسه بالمرقب «1» ، وتولى عوضه نيابة طرابلس الأمير حاج إينال اليشبكى نائب حماة، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يشبك الفقيه المؤيدى، واستقر في نيابة حماة عوضه الأمير إياس المحمدى الناصرى نائب صفد، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير قانصوه المحمدى الأشرفى، واستقر في نيابة صفد عوضا عن إياس الأمير جانبك التاجى المؤيدى نائب غزة، وحمل إليه التقليد تمرباى من حمزة المعروف بططر الناصرى «2» ، واستقر في نيابة غزة عوضا عن جانبك التاجى خيربك النوروزى أحد أمراء صفد، ومسفّره سنقر قرق شبق الأشرفى الخاصكى.
ثم رسم السلطان أيضا بنقل الأمير آقبردى الساقى الظاهرى من أتابكية حلب إلى نيابة ملطية، بعد عزل قانى باى الناصرى، واستقر في أتابكية حلب عوضا عن آقبردى سودون من سيدى بك الناصرى القرمانى أتابك طرابلس، وصار مغلباى البجاسى أحد أمراء طرابلس وحاجب حجابها أتابك طرابلس عوضا عن سودون القرمانى المذكور، وولى حجوبية طرابلس يشبك دوادار قانى باى البهلوان- وهو رجل من الأوباش، لم تسبق له رئاسة- بالبذل، انتقل إليها من نيابة المرقب، ثم أخرج السلطان سنطباى الظاهرى رأس نوبة الجمداريّة- كان- منفيّا إلى طرابلس فى أوائل شهر رمضان «3» .
ثم في يوم الأحد عاشر شهر رمضان المذكور ورد الخبر على السلطان من مكة بموت الشريف بركات بن حسن بن عجلان أمير مكة، فأقرّ السلطان ولده الشريف محمدا في(16/92)
إمرة مكة عوضه، بسفارة الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة بمكاتبته، ثم وصل نائب جدّة بعد ذلك إلى القاهرة، وتم أمر ولاية محمد بقدومه بخمسين ألف دينار، يحمل منها عاجلا عشرين ألف دينار، وما بقى آجلا على نقدات «1» متفرقة، هكذا حكى لى الأمير جانبك من لفظه، هذا غير ما يدفعه الشريف محمد المذكور لأرباب الدّولة بالدّيار المصرية ولولد السلطان وزوجته، فإن زوجة السلطان وولده صار لهما نصيب وافر مع السلطان في كل هدية ورشوة.
ثم رسم السلطان أيضا بعزل أبى السعادات قاضى مكّة «2» ، وولاية الإمام محب الدين الطبرى «3» إمام مقام إبراهيم عليه السلام بغير سعى.
ورسم أيضا باستقرار الشيخ برهان الدين إبراهيم بن ظهيرة «4» فى نظر حرم مكّة، بعد عزل الشيخ طوغان الأشرفى «5» عنها، وخرج إليها الأمر صحبة الحاج في الموسم.
وكان أمير حاج المحمل في هذه السنة الأمير بردبك البجمقدار الظاهرى، أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، وأمير الرّكب الأول الناصرى محمد ابن الأمير جرباش المحمدى الأمير آخور الكبير، وصحبته والدته خوند شقراء بنت الناصر فرج بن برقوق،(16/93)
وسافر أيضا في هذه السنة إلى الحجاز الأمير بيبرس الأشرفى- خال العزيز يوسف- باشا [ليكون مقدما] «1» للمماليك السلطانية المجاورين بمكة المشرفة.
وفي أوائل ذى القعدة رسم السلطان بهدم «2» تربته التي كان أنشأها أيّام إمرته «3» وإعادتها مدرسة، وخلع على الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الجيش والخاص بالنظر على عمارتها.
وفي عشر ذى الحجة- وهو يوم عيد الأضحى- صلى السلطان صلاة العيد بالجامع الناصرى بقلعة الجبل، ثم خرج من الجامع بسرعة، وذهب إلى الحوش السلطانى، ونحر ضحاياه به.
وكانت العادة أن السلطان إذا خرج من صلاة العيد جلس بالإيوان ومعه الأمراء وذبح به، ثم «4» يتوجّه من الإيوان إلى باب الستارة وينحر به أيضا ويفرّق ما يذبحه «5» ثم بعد ذلك يتوجه إلى الحوش ويذبح به، فلم يفعل السلطان شيئا من ذلك، خوفا من مماليكه الأجلاب، فإنهم رجموه في العام الماضى وأخرقوا به وبأمرائه غاية الإخراق، ورجموه وهجموا عليه حيث كان ينحر الضحايا حتى إنه قام من مقامه فزعا بعد أن أصاب جماعة من الأعيان الرجم.
وفرغت هذه السنة وقد قوى أمر المماليك الأجلاب.
[ما وقع من الحوادث سنة 860]
واستهلت سنة ستين وثمانمائة.
فلما كان يوم الاثنين خامس المحرم نزلت المماليك الأجلاب من الأطباق، وقصدوا بيت الوزير فرج بن النحال لينهبوا ما فيه، وكأنه أحسّ بذلك وشال ما كان في بيته،(16/94)
فلما دخلوا البيت لم يجدوا فيه ما يأخذونه، فمالوا على من هو ساكن بجوار بيت فرج المذكور فنهبوهم بحيث إنهم أخذوا غالب متاع الناس، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأربعاء حادى عشرين المحرم ورد الخبر على السلطان بموت الأمير آقبردى الساقى نائب ملطية بها، فرسم السلطان لجانبك الجكمى المعزول عن نيابة ملطية قبل ذلك بنيابة ملطية على عادته أولا، ورسم بأن يستقرّ في نيابة طرسوس عوضا عن جانبك الجكمى آقباى السيفى جار قطلو، وكان آقباى أيضا ولى نيابة طرسوس قبل ذلك.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشر صفر من سنة ستين المذكورة أخرق المماليك الأجلاب بعظيم الدولة الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص بغير سبب أوجب ذلك، وشقّ ذلك على كل أحد، ولم تنتطح في ذلك شاتان.
وفي يوم السبت ثامن عشر جمادى الأولى من سنة ستين أيضا وصل قاصد السلطان محمد بن مراد بك بن عثمان متملّك بلاد الرّوم، وهو جمال الدين عبد الله القابونى، وطلع إلى السلطان في يوم الثلاثاء وعلى يده كتاب مرسله، يتضمن البشارة بفتح قسطنطينيّة، والكتاب نظم ونثر، وقفت عليه وعلى جوابه من السلطان من إنشاء القاضى معين الدين عبد اللطيف بن العجمى «1» نائب كاتب السّرّ، وأثبتّ الكتاب الوارد والجواب كليهما في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» إذ هو محل ضبط هذه الأشياء.
وفي يوم الخميس خامس عشر جمادى الآخرة من السنة أمسك السلطان الأمير زين الدين الأستادار، ووضع في عنقه الجنزير، وحطّه إلى الأرض ليضربه، ثم رفع من على الأرض بغير ضرب، وحبس عند الطواشى فيروز الزّمّام(16/95)
والخازندار، واستقرّ عوضه في الأستادارية سعد الدين فرج بن النحّال الوزير، واستقرّ علىّ بن الأهناسى البرددار وزيرا عوضا عن فرج المذكور، فلما سمعت المماليك الأجلاب بهذا العزل والولاية نزلوا من وقتهم غارة إلى بيت الأستادار لينهبوه، فمنعهم مماليك زين الدين، وقاتلوهم وأغلقوا الدروب، فلما عجزوا عن نهب بيت زين الدين نهبوا بيوت الناس من عند بيت زين الدين إلى قنطرة أمير حسين «1» ، فأخذوا ما لا يدخل تحت حصر كثرة.
واستمروا في النهب من باكر النّهار إلى قريب العصر، وفعلوا بالمسلمين أفعالا لا تفعلها الكفرة ولا الخوارج مبالغة، وهذا أعظم مما كان وقع منهم من نهب جوار بيت الوزير فرج، فكانت هذه الحادثة من أقبح الحوادث الشنيعة التي لم نسمع بأقبح منها في سالف الأعصار.
ومن ثم دخل في قلوب الناس من المماليك الأجلاب من الرجيف والرّعب أمر لا مزيد عليه، لعلمهم أنه مهما فعلوا جاز لهم، وأن السلطان لا يقوم بناصر من قهر منهم.
ووقعت حادثة عجيبة مضحكة، وهى أنه لما عظم رجيف الناس والعامة من هذه المماليك الأجلاب انفق أن جهاز بنت الناصرى محمد بن الثّلّاج الأمير آخور خرج من بيت أبيها إلى بيت زوجها الأمير جانبك قرا الأشرفى، وحمل ذلك على رءوس الحمّالين والبغال كما هى عادة المصريين، وسارت الحمالون بالمتاع فوقع من على رأس بعضهم قطعة نحاس، فجفل من ذلك فرس بعض الأجناد، فحنق الجندى من فرسه وضربه، ثم ساقه، فلم تشك العامة أن المماليك نزلوا إلى نهب(16/96)
حوانيت القاهرة، فأغلقت القاهرة في الحال، وماحت الناس، وتعطلت المعايش، وحصل على الرعية من الانزعاج أمر كبير من غير موجب- انتهى.
وفي هذه الأيام كان الفراغ من مدرسة السلطان التي هدمها وبناها بالصحراء، وقرئ بها ختمة شريفة، وحضرت الأعيان من الأمراء وغيرهم ما خلا السلطان.
ثم في يوم الاثنين ثالث شهر رجب من سنة ستين المذكورة أفرج السلطان عن زين الدين [يحيى] «1» الأستادار، ورسم له بأن ينزل إلى بيت الصّاحب جمال الدين ليحمل ما تقرّر عليه إلى الخزانة الشريفة- وهو مبلغ عشرة آلاف دينار- ثم ينفى بعد تغليقه المال إلى حيث يأمر به السلطان، ولما غلّق ما ألزم به من المال، سافر في يوم الاثنين أول شعبان إلى المدينة الشريفة من على طريق الطّور.
ثم سافر قاصد ابن عثمان إلى جهة مرسله في يوم الجمعة خامس شعبان، وتبعه قاصد السلطان إلى ابن عثمان المذكور، وهو السّيفى قانى باى اليوسفى المهمندار.
وفيه ورد الخبر على السلطان بأن السلطان إبراهيم بن قرمان صاحب لارندة «2» وغيرها من بلاد الرّوم طرق معاملة السلطان، واستولى على مدينة طرسوس وأذنة «3» وكولك «4» ، فغضب السلطان من ذلك، وأمر بخروج تجريدة من الدّيار المصريّة لقتال ابن قرمان المذكور، وعيّن جماعة من الأمراء والمماليك يأتى ذكرهم عند سفرهم من القاهرة.(16/97)
وفي يوم الأربعاء ثالث عشرين شهر رمضان نودى بالقاهرة من قبل السلطان بعدم تعرّض المماليك الأجلاب إلى الناس والباعة والتجار، فكانت هذه المناداة كضرب رباب أو كطنين ذباب، واستمرّوا على ما هم عليه من أخذ أموال الناس والظلم والعنف حتى غلت الأسعار في سائر الأشياء من المأكول والملبوس والغلال والعلوفات، وصاروا يخرجون إلى ظواهر القاهرة، ويأخذون ما يجدون من الشّعير والتّبن والدّريس بأبخس الأثمان إن أعطوا ثمنا، وإن شاءوا أخذوه بلا ثمن، وكلّ من وقع له ذلك معهم لم يعد ثانيا إلى بيع ذلك الصنف إلا أن يكون محتاجا لبيعه، فعزّت لذلك هذه الأصناف بحيث إنها صارت أقل وجودا من أيّام الغلاء، فصار هذا هو الغلاء بعينه، وزيادة على الغلاء عدم الشيء.
ثم شرعوا في نهب حواصل البطيخ الصيفى وغيره، ثم تزايد أمرهم، وشرعوا يفعلون ذلك مع تجار القماش وغيره، فغلت جميع الأسعار مع كثرتها عند أربابها، فضرّ ذلك بحال الناس قاطبة، رئيسها وخسيسها، وهذا أول أمرهم «1» ، وما سيأتى فأهول.
وفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل من بركة الحاج «2» ، وهو الأمير قائم من صفر خجا أحد مقدّمى الألوف، وسار إلى البركة دفعة واحدة، فكان عادة أمراء المحمل النزول بالمحمل إلى الريدانية، فبطل ذلك، وصاروا يتوجهون إلى البركة في مسير واحد، وأمير الرّكب الأوّل عبد العزيز بن محمد الصغير أحد الأجناد.
وفي هذه الأيّام كانت عافية الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص من مرض(16/98)
أشرف فيه على الموت، وطلع إلى القلعة، وخلع السلطان عليه ونزل إلى داره في يوم مشهود لم ير مثله إلا نادرا.
وفي يوم الخميس سابع عشرين ذى القعدة استقرّ الأمير سودون النوروزى السلاح دار أحد أمراء الطبلخانات في نيابة قلعة الجبل بعد موت قانى باى الأعمش النّاصرى، وأنعم السلطان بإقطاع قانى باى المذكور على ولده الصغير المقام الناصرى محمد، والإقطاع إمرة عشرة.
[ما وقع من الحوادث سنة 861]
واستهلت سنة إحدى وستين وثمانمائة يوم الاثنين الموافق لثالث كيهك أحد شهور القبط.
فلما كان يوم السبت سادس المحرم ضرب السلطان والى القاهرة خيربك القصروى، وعزله عن ولاية القاهرة، وحبسه بالبرج على حمل عشرة آلاف دينار، فدام في البرج إلى أن أطلق في يوم عاشره، واستقر عوضه في ولاية القاهرة على بن إسكندر، واستقرّ في نقابة الجيش الأمير ناصر الدين بن أبى الفرج- على عادته أوّلا- عوضا عن على بن إسكندر المذكور «1» .
وفي يوم السبت هذا نودى أيضا على الذّهب بأن يكون صرف الدّينار الذي هو وزن درهم وقيراطين ثلاثمائة درهم نقرة، وكان بلغ صرفه قبل ذلك إلى ثلاثمائة وسبعين نقرة، وأضرّ ذلك بحال الناس زيادة على ما هم فيه من أمر المماليك الأجلاب.
وفي يوم الاثنين خامس عشر المحرم المذكور ورد الخبر على السلطان بموت يشبك «2» حاجب حجّاب طرابلس، فرسم باستقرار شادبك الصارمى «3» عوضه في حجوبية الحجاب، والمتوفى والمولّى كلاهما ولى بالبذل.(16/99)
وفي يوم الخميس ثالث صفر ثارت المماليك الأجلاب على السلطان، وأفحشوا فى أمره إلى الغاية. وخبر ذلك أن السلطان لما كان في يوم الخميس المذكور وهو جالس بقاعة الدهيشة، وكانت الخدمة بطّالة في هذا اليوم، وذلك قبل أن يصلى السلطان الصبح، وإذا بصياح المماليك، فأرسل السلطان يسأل عن الخبر، فقيل له إن المماليك أمسكوا نوكار الزّردكاش وهددوه بالضرب، وطلبوا منه القرقلات «1» التي وعدهم السلطان بها من الزّردخاناه السلطانية، فحلف لهم أنه يدفع لهم ذلك في أوّل الشّهر، فتركوه ومضوا، فلقوا الشيخ عليا الخراسانى الطويل محتسب القاهرة، وهو داخل إلى السلطان فاستقبلوه بالضّرب المبرح المتلف، وأخذوا عمامته من على رأسه، فرمى بنفسه إلى باب الحريم السلطانى حتى نجا.
وأما السلطان لما فرغ من صلاة الصّبح نزل وقعد على الدّكة بالحوش على العادة، ثم قام بعد فراغ الخدمة وعاد إلى الدّهيشة، وإذا بالصّياح قد قوى ثانيا، فعلم أن ذلك صياح الأجلاب، فأرسل إليهم الأمير يونس الدّوادار، فسألهم يونس المذكور عن سبب هذه الحركة، فقالوا: نريد نقبض جوامكنا، كل واحد سبعة أشرفيّة ذهبا «2» ، وكانت جامكيّة الواحد منهم ألفين قبل تاريخه يأخذها ذهبا وفضة، بسعر الذهب تلك الأيام، فلما غلا سعر الذهب تحيّلوا على زيادة جوامكهم بهذه المندوحة، ثم قالوا:
ونريد أن تكون تفرقة الجامكية في ثلاثة أيام، أى على ثلاث نفقات «3» كما كانت قديما، ونريد أيضا أن يكون عليقنا السلطانى الذي نأخذه من الشّونة مغربلا، ويكون مرتبنا من اللحم سمينا، فعاد الأمير يونس إلى السلطان بهذا الجواب، ولم يتفوّه به إلى السلطان، وتربّص عن ردّ الجواب على السلطان حتى يفرغ السلطان من أكل السّماط، فأبطأ الخبر لذلك عن الأجلاب، فندبوا مرجانا مقدّم المماليك للدخول بتلك المقالة إلى السلطان، فدخل مرجان أيضا ولم يخبر السلطان بشىء حتى فرغ من أكل(16/100)
السّماط، فعند ذلك عرّفه الأمير يونس بما طلبوه، فقال السلطان: لا سبيل إلى ذلك، وأرسل إليهم مرجانا المقدّم يعرّفهم مقالة السلطان، فعاد مرجان ثانيا إلى السلطان بالكلام الأوّل، وصار يتردّد مرجان بين السّلطان والمماليك الأجلاب نحو سبعة مرار، وهم مصممون على مقالتهم، والسّلطان ممتنع من ذلك.
وامتنع الناس من الدّخول والخروج إلى السلطان خوفا من المماليك لما فعلوه مع العجمى المحتسب، فلما طال الأمر على السّلطان خرج هو إليهم بنفسه، ومعه جماعة من الأمراء والمباشرين، وتوجّه إلى باب القلّة حيث يجلس مقدّم المماليك والخدّام، فوجد المماليك قد اجتمعوا عند رحبة باب طبقة المقدّم، فلما علموا بمجيء السلطان أخذوا في الرجم فجلس السلطان بباب القلّة مقدار نصف درجة، ثم استدرك أمره لمّا رأى شدّة الرّجم، وقصد العود إلى الدّهيشة، ورسم لمن معه من الأمراء أن ينزلوا إلى دورهم، فامتنعوا إلا أن يوصّلوه إلى باب الحريم، فعاد عليهم الأمر فنزلوا من وقتهم، وبقى السلطان فى خواصّه وجماعة المباشرين وولده الكبير المقام الشهابى أحمد.
فلما سار السلطان إلى نحو باب الستارة، ووصل إلى باب الجامع أخذه الرّجم المفرط من كلّ جهة، فأسرع في مشيته والرّجم يأتيه من كل جانب، وسقط الخاصكى الذي كان حامل ترس السلطان من الرّجم، فأخذ التّرس خاصكىّ آخر فضرب الآخر فوقع وقام، وشجّ دوادار ابن السلطان في وجهه وجماعة كثيرة، وسقطت فردة نعل السلطان من رجله فلم يلتفت إليها لأنه محمول من تحت إبطيه مع سرعة مشيهم إلى أن وصل إلى باب الستارة، وجلس على الباب قليلا، فقصدوه أيضا بالرّجم فقام ودخل من باب الحريم وتوجّه إلى الدّهيشة.
واستمرّ وقوف المماليك على ما هم عليه إلى أذان المغرب، فبعد صلاة المغرب نزل الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص من باب الحريم إلى القصر، وتوصل منه إلى الإسطبل السلطانى، وخرج من باب السّلسلة، وتوجّه إلى داره، ونزل الأمير بردبك الدّوادار الثانى وصهر السلطان من الميدان ماشيا، فوجد فرسه تحت القلعة،(16/101)
فركبه وتوجّه إلى داره، وكذلك فعل جانبك المشدّ، وجانبك الخازندار وغيرهما، وبات القوم وهم على وجل، والمماليك يكثرون من الوعيد في يوم السبت؛ فإنهم زعموا أن لا يتحركوا بحركة في يوم الجمعة مراعاة لصلاة الجمعة.
وأصبح السلطان وصلى الجمعة مع الأمراء على العادة، فتكلم بعض الأمراء مع السلطان فى أمرهم بما معناه إنه لا بد لهم من شىء يطيّب خواطرهم به، ووقع الاتفاق بينهم وبين السلطان على زيادة كسوتهم التي يأحذونها في السّنة مرّة واحدة، وكانت قبل ذلك ألفين، فجعلوها يوم ذاك ثلاثة آلاف «1» ، وزادوهم أيضا في الأضحية، فجعلوا لكل واحد ثلاثة من الغنم الضأن، فزيدوا رأسا واحدا على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك، ثم رسم لهم أن تكون تفرقة الجامكيّة على ثلاث نفقات «2» فى ثلاثة أيام من أيام المواكب، فرضوا بذلك وخمدت الفتنة، وقد انتفعت جميع المماليك السلطانية بهذه الزيادات؛ فإنها ليست بمختصة بالأجلاب فقط، وإنما هى لجميع مماليك السلطان كائنا من كان، فحمدت المماليك والناس جميعا فعلهم لماجر إليهم من المنفعة.
قلت: هذا هو الاحتمال الذي يؤدى إلى قلة المروءة، فإنه لو أراد لفعل بهم ما شاء، غير أنه كما ورد: «حبّك للمرء يعمى ويصم» انتهى.
وفي هذه الأيام ترادفت الأخبار من الأمير جانم الأشرفى نائب حلب بحركة ابن قرمان، فلهج السلطان بخروج تجريدة لقتاله بعد انفصال فصل الشتاء.
ثم في يوم الاثنين خامس شهر ربيع الأوّل أبطل السلطان الخدمة من القصر، وجلس بالحوش السلطانى، وجمع القضاة والأعيان وناظر دار الضّرب، وسبكت الفضة المضروبة في كل دولة، وقد حرّرنا وزن ضرب كلّ دولة، وما نقص منها في تاريخنا «حوادث الدهور» - انتهى.
وانفضّ الجمع وقد نودى في يومه بشوارع القاهرة بأن أحدا لا يتعامل بالفضّة(16/102)
المضروبة بدمشق في هذه الدّولة، فشقّ ذلك على الناس قاطبة؛ لكثرة معاملاتهم بهذه الفضة التي داخلها الغشّ، ولهجت العامة في الحال فيما بينهم: «السلطان من عكسه أبطل نصفه» و «إذا كان نصفك إينالى لا تقف على دكانى» وأشياء من هذه المهملات التي لا وزن ولا قافية، وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان.
هذا والصاحب جمال الدين عظيم الدّولة بلّغ السلطان من الغد أنّ المماليك تريد إثارة فتنة أخرى بسبب ذلك، فخشى السلطان من مساعدة العوامّ لهم، فأبطل ما كان نودى به.
قلت: والمصلحة ما كان فعله السلطان، غير أنك تعلم أن السّواد الأعظم من العامة ليس لهم ذوق ولا خبرة بعواقب الأمور، فإنهم احتاجوا بعد ذلك إلى أن سألوا في إبطال ذلك، فلم يسمح لهم السلطان به إلّا بعد أمور وأشهر حسبما يأتى ذكره، وهو معذور في ذلك.
وفي يوم الخميس خامس عشر شهر ربيع الأوّل المذكور من سنة إحدى وستين عمل السلطان المولد النبوىّ بالحوش من قلعة الجبل على العادة في كل سنة، غير أنه فرّق الشّقق الحرير على القرّاء والمدّاح، كل شقّة طولها خمسة أذرع إلى ثلاثة أذرع ونصف، ولم يفرق على أحد شقة كاملة إلا نادرا.
قلت: كل ذلك من سوء تدبير أرباب وظائفه وحواشيه، وإلا فما هو هذا النزر اليسير حتى يشحّ به مثل هذا الملك الجليل، ونفرض أنه عزم على ذلك فكان يمكنهم الكلام معه في ذلك، فإن عجزوا عن مدافعته كان أحد من أولاده وخواصه يقوم بهذا الأمر عنه من ماله، وليس في ذلك كبير أمر.
وفي يوم الأحد ثامن عشر شهر ربيع الأوّل المذكور وصل إلى القاهرة سنقر الأشرفى الدّوادار المعروف بقرق شبق، وكان توجّه قبل تاريخه إلى البلاد الحلبيّة لكشف أخبار ابن قرمان، وتجهيز العساكر الشّاميّة والحلبية، فوقع له هناك أمور وحوادث ذكرناها في غير هذا المحل، من قتل جماعة من تركمان ابن قرمان وغير ذلك.(16/103)
وكان سنقر المذكور من مساوىء الدّهر، وعنده طيش وخفة مع ظلم وجبروت، وما سيأتى من أخباره عند عمارته لمراكب الغزاة فأعظم.
ثم في يوم الأحد هذا نودى بالقاهرة من قبل السلطان بأن يكون سعر الدّرهم من الفضّة الشاميّة المقدم ذكرها التي داخلها الغش ثمانية عشر درهما نقرة «1» ، فقامت قيامة العامّة من ذلك خوفا من الخسارة، وأكثروا من الوقيعة بالسلطان وأرباب دولته، ولا سيما في الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، فأنهم نسبوا هذا كله إليه- رحمه الله.
وكان السلطان خلع على ولده المقام الشهابى أحمد باستقراره أمير حاجّ المحمل فلما نزل ابن السلطان وعليه الخلعة من القلعة إلى داره- وهى قصر بكتمر الساقى تجاه الكبش- وبين يديه جميع أعيان الدولة استغاثت إليه العامة بلسان واحد، وقالوا: «نخسر بهذه المناداة ثلث أموالنا» ، وسألوه في إبطال ذلك، فوعدهم بإبطاله، وأرسل إلى والده يسأله في إبطال ما نودى به، فأجابه السلطان، ونودى في الحال مناداة ثانية بإبطال ما نودى به.
قلت: وهذه فعلة العامة الثانية من طلبهم عدم المناداة بإبطال هذه الفضّة المغشوشة خوفا من الخسارة، فاحتاجوا بعد ذلك إلى المناداة، وخسروا أكثر مما كانوا يخسرونه عندما غلت الأسعار بسبب هذه الفضّة، ووصل صرف الدينار إلى أربعمائة درهم كما نذكره إن شاء الله تعالى.
وفي يوم السبت أول شهر ربيع الآخر نودى في المماليك السلطانية المعينين إلى تجريدة البلاد الشامية لقتال ابن قرمان- قبل تاريخه- بأنّ النفقة فيهم في يوم الخميس الآتى، فلما كان يوم الخميس سادس ربيع الآخر المذكور جلس السلطان بالحوش السلطانى، وشرع في تفرقة النّفقة على المماليك المذكورين، لكل واحد منهم مائة دينار،(16/104)
وسعر الذهب يوم ذاك أربعمائة الدينار، فوصل لكل واحد منهم- أعنى المماليك المعينين- أربعون ألفا، وهذا شىء لم نسمع بمثله، وأكثر ما فرّق الملوك السالفة في معنى النفقة مائة دينار، وسعر الدينار في ذلك الوقت ما بين مائتين وعشرين درهما الدينار إلى مائتين وثمانين الدينار، لا بهذا السعر الزائد، فشكر كل أحد السّلطان على هذه الفعلة.
وكان عدة من أخذ النفقة من المماليك المذكورين أربعمائة مملوك وثلاثة مماليك، ثم أرسل السلطان بالنفقة إلى الأمراء المجرّدين، فحمل إلى الأمير خشقدم الناصرى المؤيّدى أمير سلاح- وهو مقدّم العسكر يوم ذاك- بأربعة آلاف دينار، ثم أرسل لكل من أمراء الألوف لكل واحد بثلاثة آلاف دينار، وهم: قرقماس الأشرفى رأس نوبة النّوب، وجانبك القرمانى الظاهرى حاجب الحجّاب، ويونس العلائى الناصرى، ثم حمل لكل من أمراء الطبلخانات بخمسمائة دينار، ولكل أمير عشرة مائتى دينار. يأتى ذكر أسماء الجميع عند خروجهم من الديار المصرية إلى جهة ابن قرمان.
ثم في يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الآخر المذكور عزل السلطان علىّ ابن إسكندر عن ولاية القاهرة، وأعاد خيربك القصروى لولاية القاهرة كما كان أوّلا.
ثم في يوم الخميس خامس جمادى الأولى برز الأمير خشقدم أمير سلاح ومقدّم العسكر بمن معه من الأمراء والعساكر من القاهرة إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، والأمراء هم:
الأربعة من مقدمى الألوف المقدم ذكرهم.
والطبلخانات: جانبك الناصرى المرتدّ، وخيربك الأشقر «1» المؤيّدى الأمير آخور الثانى، وبردبك البجمقدار الظاهرى رأس نوبة.
ومن أمراء العشرات ستة أمراء وهم: تمرباى من حمزة الناصرى المعروف بططر،(16/105)
وقانصوه المحمدى الأشرفى، وقلمطاى الإسحاقى الأشرفى رأس نوبة، وقانم طاز الأشرفى «1» رأس نوبة، وجكم النورى المؤيدى «2» رأس نوبة، وجانم المؤيدى المعروف بحرامى شكل «3» .
وقد تقدّم ذكر عدة المماليك السلطانية فيما تقدم.
وأقاموا بالرّيدانيّة إلى ليلة الاثنين تاسعه فاستقلوا فيه بالمسير من الرّيدانيّة إلى جهة البلاد الشاميّة.
ثم في يوم الخميس سادس عشرين جمادى الأولى المذكورة سافر الأمير نوكار الزّردكاش، ومعه عدّة من الرّماة والنّفطيّة وآلات الحصار وهو مريض، ورسم له أن يأخذ من قلعة دمشق ما يحتاج إليه أيضا من أنواع [الآلات وغيرها] «4» للحصار، ويلحق العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان.
ثم في يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة استقرّ الأمير أسندمر الجقمقى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أمير المماليك السلطانية المجاورين بمكّة المشرّفة عوضا عن الأمير بيبرس الأشرفى، خال الملك العزيز يوسف، ورسم بمجيء بيبرس المذكور عند توجه أسندمر الجقمقى في موسم الحج.
ثم في يوم الجمعة ثالث شهر رجب من سنة إحدى وستين المذكورة ورد الخبر على السلطان بموت الأمير نوكار الزّردكاش بمدينة غزّة. فأنعم السلطان بإقطاعه- وهو إمرة عشرة- ووظيفة الزّردكاشيّة على سنقر الأشرفى الدوادار المعروف بقرق شبق.
وفي يوم الخميس تاسع رجب المذكور وقعت حادثة غريبة: وهى أن جماعة من(16/106)
العربان قطّاع الطريق جاءوا من جهة الشرقية حتى وصلوا إلى قرب باب الوزير، ثم عادوا من حيث جاءوا، وصاروا في عودهم يسلبون من وقعوا به من الناس، فعرّوا جماعة كبيرة من بين فقهاء وأعيان وغيرهم، وكان الوقت بعد آذان العصر بدرجات وقت حضور الخوانق «1» .
وفي يوم الأحد ثانى عشره، خلع السلطان على السيد الشريف حسام الدين محمد ابن حريز «2» ، باستقراره قاضى قضاة المالكية بعد موت القاضى ولى الدين السّنباطى «3» .
وفي يوم الثلاثاء رابع عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بوصول العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان إلى حلب، وأنهم اجتمعوا في حلب بالأمير قانى باى الحمزاوى نائب الشام هناك؛ لأن قانى باى المذكور كان خرج من دمشق قبل وصول العسكر إليها بثلاثة أيام، فتكلم الناس بأنه ظن أن سفر العساكر ما هو إلا بسبب القبض عليه في الباطن، والتوجّه لابن قرمان في الظاهر.
قلت: وللقائل بهذا القول عذر بين، وهو أن قانى باى المذكور من يوم تسلطن الملك الأشرف إينال هذا- وهو نائب حلب- لم يحضر إلى الديار المصرية ولا داس بساط السلطان، غير أنه يمتثل أوامر السلطان ومراسيمه حيث كان أولا بحلب، ثم بعد انتقاله إلى نيابة دمشق؛ فعلم بذلك كلّ أحد أن قانى باى المذكور(16/107)
يتخوّف من السلطان ولا يحضر إلى الدّيار المصرية، ومتى طلبه السلطان أظهر العصيان.
وفطن الملك الأشرف إينال لذلك، فلم يطلبه البتة، وصار كل واحد منهما يعلم ما في ضمير الآخر في الباطن ويظهر خلاف ذلك؛ السلطان يخفى ذلك لتسكين الفتنة، وقانى باى لما هو فيه من النعمة بولاية نيابة دمشق، وكلّ منهما يترقب موت الآخر، فمات قانى باى قبل، حسبما يأتى ذكره في الوفيات بعد فراغ الترجمة. وقد خرجنا عن المقصود ولنعد إلى ما نحن بصدده فنقول:
وأخبر المخبر أن العساكر اجتمعوا بالأمير قانى باى الحمزاوى بحلب، وأنه «1» اجتمع رأى الجميع على السير من حلب إلى جهة ابن قرمان في يوم السبت سادس عشرين جمادى الآخرة، فسرّ السلطان بذلك؛ كون الذي أشيع عن قانى باى الحمزاوى من العصيان ليس بصحيح، بل هو قائم بالمهمّ السلطانى أحسن قيام.
وفي يوم الجمعة سابع عشره سافر الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة إلى جهة جدّة على عادته في كل سنة، وسافر معه خلائق من الناس صفة الرّجبيّة.
وفي يوم السبت ثامن عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بأنه كان بين حسن الطويل بن على بك بن قرايلك صاحب آمد وبين عساكر جهان شاه بن قرا يوسف صاحب العراقين- عراق العرب وعراق العجم- وقعة هائلة، انكسر فيها عسكر جهان شاه وانتصر حسن المذكور، وأن حسن قتل من أعيان عساكر جهان شاه جماعة، مثل الأمير رستم، وابن طرخان، وعربشاه، وغيرهم، فسرّ السلطان بذلك غاية السرور؛ كون أن حسنا المذكور ينتمى إليه، ويظهر له الصّداقة.
ثم في يوم الاثنين رابع شعبان وصل الخبر من الأمير خشقدم أمير سلاح ومن(16/108)
رفقته النواب بالبلاد الشامية بأنهم وصلوا إلى بلاد ابن قرمان، وملكوا قلعة دوالى «1» ، ونهبوها وأخربوها، وأنهم جهّزوا الأمير بردبك البجمقدار رأس نوبة ومعه عدّة من المماليك السلطانية والأمراء بالبلاد الشامية إلى جهة من جهات بلاد ابن قرمان، فصدفوا في مسيرهم عسكرا من أصحاب ابن قرمان فواقعوهم وهزموهم، وأنه قتل من المماليك السلطانية أربعة في غير المصاف «2» ، بل من الذين صدفوهم في أثناء الطريق.
وفي يوم السبت أوّل شهر رمضان سافرت الأمراء المعينون إلى الجورن «3» ببرّ التركية، لأجل قطع الأخشاب، وسافروا من بولاق، ومقدّم العسكر الأمير يشبك الفقيه المؤيّدى أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، ومعه الأمير أزبك المؤيّدى أحد أمراء العشرات، والأمير نوروز الأعمش الأشرفى، وجماعة أخر من الخاصكية «4» .
ثم في يوم الأحد تاسع شهر رمضان وصل نجّاب من خير بك نائب غزّة يخبر بمجيء سودون القصروى الدّوادار بكتاب مقدّمى العساكر الأمير خشقدم المؤيّدى أمير سلاح وغيره من الأمراء، وحضر سودون القصروى المذكور من الغد، وأخبر السلطان بأن العساكر المتوجهة إلى بلاد ابن قرمان قصدت العود إلى جهة حلب بعد أن أخذوا أربع قلاع من بلاد ابن قرمان، وأخربوا غالب قرى ممالكه، وأحرقوا بلاده وسبوا ونهبوا وأمعنوا في ذلك، حتى أنهم أحرقوا عدّة مدارس وجوامع؛ وذلك من أفعال أوباش العسكر، وأنهم لم يتعرضوا إلى مدينة قونية ولا مدينة قيصريّة لنفود زادهم، ولضجر العسكر من طول مدتهم بتلك البلاد، مع غلو الأسعار في المأكول وغيره من سائر الأشياء، ولولا هذا لا ستولوا على غالب بلاد ابن قرمان، وأن ابن(16/109)
قرمان لم يقاتل العسكر السلطانى، بل إنه انحاز إلى جهة منيعة من جهاته وتحصّن بها هو وأعيان دولته، وترك ما سوى ذلك من المتاع والمواشى وغيرها مأكلة لمن يأكله، فحصل له بما أخذ له وهن عظيم في مملكته، فدقّت البشائر لهذا الخبر بالقاهرة أيّاما، ورسم السلطان من وقته بعود العسكر المذكور إلى الديار المصرية، وخرج النجّاب بهذا الأمر «1» .
ثم في يوم الأحد سادس عشر شهر رمضان المذكور ركب المقام الشهابى أحمد بن السلطان من داره- قصر بكتمر تجاه الكبش- النّجب كما هى عادة أمراء الحج فى الركوب إلى المسايرة، وخرج من الصّليبة، وشقّ الرّميلة، وبين يديه هجّانة السلطان أمراء العرب، بالأكوار الذهب، والكنابيش الزّركش المغشاة بالأطلس الأصفر، وركب معه جماعة من الأمراء غير من يسافر معه، مثل: الأمير برد بك الدوادار الثانى، وسودون الإينالى المؤيّدى قراقاش ثانى رأس نوبة، وجماعة أخر، ولم يركب معه أحد من أمراء الألوف، ولا أعيان مباشرى الدّولة، حتى ولا كاتب السّرّ القاضى محب الدين ابن الأشقر، وهو ممن يسافر في هذه السّنة إلى الحج.
وسار ابن السلطان في موكبه المذكور من تحت القلعة إلى جهة خليج الزّعفران خارج القاهرة، ووصل هناك قبيل المغرب، وأفطر هناك، ثم عاد بعد صلاة العشاء، وشقّ الرّميلة ثانيا في عوده في زىّ بهيج إلى الغاية.
ثم في يوم الجمعة ثانى عشر شوال وصلت إلى القاهرة رمّة الأمير جانبك القرمانى الظاهرى حاجب الحجّاب، وقد مات بالقرب من منزلة الصالحيّة في عوده من تجريدة ابن قرمان، ثم عقب الخبر بموت جماعة كبيرة أيضا من العسكر المذكور، من مرض فشا فيهم من مدينة الرّملة كالوباء، مات منه خلائق بمرض واحد، ولم يعلم أحد ما سبب هذا العارض.(16/110)
ثم في يوم السبت ثالث عشره ورد الخبر بموت الأمير جكم النّورى المؤيّدى- المعروف بقلقسيز- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.
ثم في يوم الاثنين خامس عشر شوال المذكور وصلت العساكر المجرّدة لبلاد ابن قرمان على أسوأ حال من الضّعف الذي حصل لهم في أثناء الطريق، وطلع مقدّم العسكر الأمير خشقدم المؤيّدى أمير سلاح، ورفقته من الأمراء المقدّم ذكرهم عند توجههم والمماليك السلطانية إلى القلعة، وقبّل الأرض فأكرمه السلطان وخلع عليه وعلى رفقته، فنزل الأمير خشقدم إلى داره وبين يديه أعيان الدّولة وقد نقص من رفقته اثنان من المقدمين: جانى بك القرمانى المتوفى، ويونس العلائى لضعف بدنه، وقد دخل إلى القاهرة في محفّة.
ثم في يوم الاثنين هذا «1» أنعم السلطان على الأمير بايزيد التمربغاوى أحد أمراء الطبلخانات بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضا عن جانبك القرمانى المقدم ذكره «2» ، وأنعم بطبلخانات بايزيد على الأمير برسباى الإينالى المؤيّدى.
ثم في يوم الخميس ثامن عشر شوال المذكور خرج المقام الشهابى أحمد بن السلطان- وهو يومئذ أمير حاج المحمل- بالمحمل من القاهرة إلى بركة الحاجّ دفعة واحدة- وقد صار ذلك عادة- وترك النّزول بالمحل في الرّيدانيّة خارج القاهرة، وسافرت معه أمّه خوند الكبرى زينب بنت البدرى حسن بن خاص بك، وإخوته الجميع الذكور والإناث، والإخوة الجميع ثلاثة: ذكر واحد وهو أصغر منه- يسمى محمدا- مراهق، وأخته الكبرى زوجة الأمير بردبك الدّوادار الثانى، والصغرى وهى زوجة الأمير يونس الدّوادار الكبير، ورحل من البركة في ليلة الاثنين ثانى عشرين شوال بعد أن رحل قبله أسندمر الجقمقى رأس المجاورين، وأمير الركب الأول يشبك الأشقر الأشرفى، وقد استقرّ أمير عشرة قبل تاريخه.(16/111)
ووصل من الغد في يوم الثلاثاء الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة من جدّة وقبّل الأرض، وحضر معه من الحجاز الأمير زين الدين الأستادار، وكان مقيما بمكة.
وفي يوم الخميس خامس عشرين شوال المذكور أنعم السلطان بإقطاع جكم النّورى المؤيّدى على الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيّدى المعروف بكوهية، وعلى الأمير يشبك الظاهرى نصفين بالسويّة، لكل واحد منهما إمرة عشرة.
ثم في يوم الاثنين تاسع عشرينه استقرّ الأمير برسباى البجاسى أحد مقدّمى الألوف حاجب الحجّاب بالديار المصرية بعد وفاة الأمير جانبك القرمانى.
ثم في يوم السبت خامس عشرين ذى القعدة ثارت المماليك الأجلاب بالأطباق من قلعة الجبل، ومنعوا الأمراء ومباشرى الدّولة من النّزول من قلعة الجبل، فكلموهم بسبب ذلك. فقالوا: «نريد أن تكون تفرقة الأضحية لكل واحد منا ثلاثة من الغنم» . أعنى زيادة على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك برأس واحد، وكان وقع في تلك المدّة هذا القول، وسكت عنه، فتوقّف السلطان في الزيادة «1» ، ثم أذعن بعد أمور، واستمرّ ذلك إلى يومنا هذا.
وفي يوم الاثنين سابع عشرين ذى القعدة استقرّ القاضى صلاح الدين أمير حاج بن بركوت المكينى «2» فى حسبة القاهرة بعد عزل يار على الخراسانى العجمى الطويل «3» بمال كثير بذله صلاح الدين في ذلك.
وفي أوائل ذى الحجة ورد الخبر على السلطان من جهة مكّة أنه وقع في الحاج عطشة(16/112)
فيما بين منزلة أكرة»
والوجه «2» ، ومات بالعطش خلائق كثيرة.
وفي يوم الجمعة سادس عشر ذى الحجة- الموافق لثامن هاتور- لبس السلطان القماش الصوف الملوّن المعتدّ لأيام الشتاء، وألبس الأمراء على العادة.
وفي يوم الاثنين تاسع عشر ذى الحجة المذكور وصلت الأمراء المتوجهون إلى بلاد الجون «3» ببرّ التركية، ومقدّمهم الأمير يشبك الفقيه، ورفقته المقدّم ذكرهم عند سفرهم، وخلع السلطان عليهم.
وفي يوم الخميس ثانى عشرينه وصل مبشر الحاج دمرداش الطويل الخاصكى بعد ما قاسى شدائد من العرب قطّاع الطريق، فضايقوه وأخذوا منه عدّة رواحل وغيرها، ثم أخبر دمرداش المذكور بسلامة ابن السلطان ووالدته وإخوته، فدقّت البشائر لذلك ثلاثة أيام بالديار المصرية.
وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذى الحجة المذكور أخرج السلطان إقطاع الأمير طوخ من تمراز الناصرى- المعروف بينى بازق «4» - أمير مجلس؛ لمرض تمادى به مدّة طويلة، وأنعم بإقطاع المذكور على الأمير برسباى البجاسى حاجب الحجّاب، وأنعم بإقطاع برسباى البجاسى المذكور على الأمير بيبرس الأشرفى خال الملك العزيز يوسف [بالحجاز] «5» ، وكلاهما تقدمة ألف، غير أن الواحد يزيد عن الآخر في الخراج لا غير، وأنعم بإقطاع بيبرس على ولده الصغير محمد وهو في الحجاز أيضا، وهذا أيضا تقدمة ألف. «6»(16/113)
ثم في يوم الخميس تاسع عشرينه استقرّ الأمير جرباش المحمدى الأمير آخور الكبير أمير مجلس عوضا عن طوخ المقدم ذكره بحكم مرضه، واستقر عوضه في الأمير آخورية يونس العلائى أحد مقدّمى الألوف.
وفي هذه السنة كان فراغ الرّبع والحمامين الذين بناهم السلطان الملك الأشرف إينال هذا بخط بين القصرين.
وفرغت هذه السنة وقد انحلّ أمر حكّام الدّيار المصريّة أرباب الشرع الشريف والسياسة أيضا؛ لعظم شوكة المماليك الأجلاب، وصار من له حقّ عند كائن من كان من الناس قصد مملوكا من المماليك الأجلاب في تخليص حقّه، فما هو إلا أن أعلم ذلك المملوك بقصده خلّص من غريمه في الحال، فإن هؤلاء المماليك صاروا في أبواب أعيانهم شكل رأس نوبة ونقباء، ولبعضهم دوادار، فيرسل خلف ذلك الرجل المطلوب، ويأمره بإعطاء حق ذلك المدّعى- حقّا كان أو باطلا- بعد أن يهدّده بالضرب والنّكل، فإن أجاب وإلا ضرب في الحال ونكّل به، وعلم بذلك كل أحد، فصار كلّ أحد يستعين بهم فى قضاء حوائجه، وترك الناس الحكّام، فقوى أمر الأجلاب، وضعفت شوكة الحكّام، وتلاشى أمرهم إلى الغاية والنهاية.
وفي هذه السنة كانت زلزلة عظيمة بمدينة أرزنكان «1» ، هدّمت معظمها.
وفي هذه السنة أيضا كان بالشرق فتن كبيرة بين جهان شاه بن قرا يوسف، وبين أولاد باى سنقر بن شاه رخّ بن تيمور لنك، أصحاب ممالك العجم «2»
[ما وقع من الحوادث سنة 862]
ثم استهلت سنة اثنتين وستين وثمانمائة.
ففى يوم الاثنين ثالث محرم من السنة المذكورة أنعم السلطان على قايتباى(16/114)
المحمودى الظاهرى الدّوادار بإمرة عشرة، وعيّن السلطان الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيدى المعروف بكوهية أن يتوجّه إلى حلب، وعلى يده تشريف تغرى يردى بن يونس حاجب حلب بنيابة ملطية، وتشريف جانبك الجكمى نائب ملطية إلى حجوبية حلب، كل منهما عن الآخر، وذلك لكلام وقع بين تغرى بردى هذا وبين الأمير جانم الأشرفى نائب حلب.
ثم في يوم الاثنين رابع عشرين المحرم «1» وصل أمير حاج المحمل بالمحمل إلى القاهرة، وهو المقام الشهابى أحمد بن السلطان، وصحبته والدته وإخوته، وطلع إلى القلعة ومعه أخوه محمد، وبين يديهما وجوه الدّولة، وخلع السلطان عليه وعلى أخيه محمد المذكور، وكانت خلعة المقام الشهابى أطلسين متمرّا، وعلى الأطلسين فوقانى حرير بوجهين بطرز زركش، ثم خلع السلطان على من له عادة بلبس الخلع في عود الحاج إلى الدّيار المصرية.
ثم في يوم الاثنين سادس عشر صفر وصل الأمير أزبك من ططخ الظاهرى الخازندار- كان- من القدس الشريف بطلب من السلطان، وطلع إلى القلعة، وخلع السلطان عليه سلّاريّا «2» من ملابيسه بفرو سنجاب، ووعده بكل خير، ثم رسم له بالمشى فى الخدمة السلطانية بعد أيام.
وفي أوّل شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وستين المذكورة نودى من قبل السلطان على الذّهب بأن يكون سعر الدينار الذهب بثلاثمائة درهم نقرة، بعد ما كان وصل سعر الدينار لأربعمائة وستين درهما الدينار، وأن يكون سعر الفضة المغشوشة كل درهم بستة عشر درهما، وأن يكون سعر الدرهم من الفضة الطيبة التي رسم السلطان بضربها بدار الضرب بأربعة وعشرين درهم نقرة، وحكم السلطان بذلك، ونفذ حكمه(16/115)
القضاة، وسرّ الناس بهذا الأمر غاية السرور؛ فإنه كان حصل بتلك الفضّة المغشوشة غاية الضرر في المعاملات وغيرها.
غير أنه ذهب للناس بهذا النقص في سعر الفضة المغشوشة مال كثير، وصار كل أحد يخسر ثلث ما كان معه من المال من هذه الفضة المذكورة، فانحسر «1» كل من كان عنده من هذه الفضة لوقوع النقص في ماله، فرسم السلطان في اليوم المذكور بالمناداة بنقص ثلث ثمن جميع البضائع في المأكول والملبوس كما نقص سعر الدرهم الثلث، وكذلك في نقص الذهب، فهان عند ذلك على الناس ما وقع من خسارة الذهب والفضة بهذه المناداة الثانية التي هى بنقص ثلث أثمان جميع الأشياء، وقال كل واحد في نفسه: «كما نقص من مالى الثلث نقص من ثمن ما كنت أبتاعه الثلث» ، فكأنه لم ينقص له شىء.
ثم في يوم الخميس سابع عشره عمل السلطان المولد النبوى بالحوش من القلعة على العادة في كل سنة.
ثم في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير أزبك من ططخ الظاهرى المقدّم ذكره بإمرة عشرة، عوضا عن الأمير جانم الأشرفى البهلوان، بحكم وفاته كما سيأتى ذكر وفاته ووفاة غيره في ذكر الوفيات بعد فراغ الترجمة، على عادة هذا الكتاب.
وفي يوم الاثنين ثالث عشر شهر ربيع الآخر المذكور وجد السلطان نشاطا في نفسه من مرض كان حصل له أياما، وخرج إلى قاعة الدّهيشة، ودقّت البشائر لذلك بقلعة الجبل وغيرها ثلاثة أيام.
ثم في يوم الأحد سادس عشرين ربيع الآخر مات الأمير سودون السلحدار نائب قلعة الجبل، فأنعم السلطان من إقطاعه بنصف قرية كوم أشفين «2» على شريكه الأمير يشبك الفقيه المؤيدى، ليكون من جملة أمراء الطبلخانات، وأنعم بباقى إقطاع سودون(16/116)
المذكور على الأمير أرغون شاه «1» الأشرفى ليكون من جملة أمراء العشرات، وأنعم بإقطاع أرغون شاه «2» المذكور على شريكه الأمير تنبك الأشرفى ليكون تنبك أيضا أمير عشرة، واستقر كسباى المؤيدى السمين نائب قلعة الجبل «3» عوضا عن سودون المذكور على إمرة عشرة ضعيفة، واستقرّ الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيّدى المعروف بكوهية من جملة رؤوس النّوب عوضا عن كسباى المقدّم ذكره، ولبسا الخلع بعد ذلك بأيام.
ثم في سلخ شهر ربيع الآخر المذكور خلع السلطان على الأمير برسباى البجلسى حاجب الحجاب باستقراره أمير حاج المحمل.
وفيه خلع السلطان على الحكماء لعافيته من مرضه، وحضر السلطان موكب «4» القصر مع الأمراء والخاصكية على العادة.
ثم في يوم الاثنين رابع جمادى الأولى استقر [الطواشى] «5» مرجان [الحصنى] «6» مقدّم المماليك السلطانية أمير حاج الرّكب الأول، فحصل بتولية مرجان هذا إمرة الحاج الأول على أهل مكة مالا خير فيه؛ لأنه كان في نفسه وضيعا «7» ، لم تشمله تربية مربّ، لأنه نشأ ببلاد الحصن، وخرج منها على هيئة المكدّين من فقراء العجم، ودار البلاد على تلك الهيئة سنين كثيرة، إلى أن اتصل بخدمة جماعة كثيرة من الأمراء، ثم آل أمره إلى بيت السلطان، وغلط الدهر بولايته النيابة ثم التّقدمة، ثم بولايته إمرة الركب الأول في هذه السنة، فلما سافر أخذ معه جماعة كبيرة من إنياته «8» المماليك الأجلاب، ففعلوا في أهل مكة أفعالا ما تفعلها الخوارج، من الظلم وأخذ أموال الناس له ولأنفسهم، كما سيأتى ذكر ذلك عند عوده من الحج إن شاء الله تعالى.(16/117)
وفي يوم الخميس سابع جمادى الأولى «1» استقرّ شمس الدين منصور بن الصّفّى ناظر ديوان المفرد.
وفي يوم الثلاثاء ثانى عشر ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل باكر النهار في أمرائه وأرباب دولته، وشق خط الصّليبة بغير قماش الموكب، وتوجّه إلى ساحل بولاق، ودام سيره بساحل بولاق إلى أن وصل إلى مدرسة السعدى إبراهيم ابن الجيعان التي أنشأها على النيل، ورأى ما أنشئ بالجزيرة وساحل بولاق من العمائر والبيوت، ثم عاد إلى جهة القاهرة، ومرّ من الشارع الأعظم إلى أن خرج من باب زويلة، وطلع إلى القلعة «2» .
وأصبح من الغد في يوم الأربعاء أمر بالمناداة بأن أحدا من الناس لا يعمّر عمارة بجزيرة أروى المعروفة بالوسطى، ولا بساحل بولاق؛ لما رأى من ضيق الطريق من كثرة العمائر والأخصاص، وأمر أيضا بهدم أماكن كثيرة فهدمت في اليوم المذكور، واستمر والى القاهرة بعد ذلك مستمرا للهدم أياما كثيرة، وأما الأخصاص والدكاكين التي بالطريق فهدمت عن آخرها، وكلّم السلطان في الكفّ عن ذلك جماعة كثيرة فلم يسمع لأحد، واستمر على ما رسم به من هدم الأماكن المذكورة، قلت: ولا بأس بهذه الفعلة؛ لأن كل أحد له في الساحل حق كحق غيره، فلا يجوز استقلال أحد به دون غيره.
وفي يوم الأحد سابع عشر جمادى الأولى المذكور خاشنت المماليك الأجلاب الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص في اللفظ بسبب غلو سعر أثواب البعلبكى، فأجابهم «بأن هذا ليس هو داخل في حكمى ولا من تعلقاتى، بل ذلك راجع إلى محتسب القاهرة» وبلغ السلطان ذلك، فأصبح السلطان أمر بعزل صلاح الدين أمير حاج بن(16/118)
بركوت المكينى عن حسبة القاهرة، واستقرّ عوضه بالحاج خليل المدعو قانى باى اليوسفى المهمندار، مضافا إلى المهمنداريّة «1» .
ثم في يوم الخميس ثامن عشرينه وصل إلى القاهرة قصّاد الصارمى إبراهيم بن قرمان، صاحب قونية وغيرها، وعلى يدهم كتب ابن قرمان المذكور تتضمن الترقق والاستعطاف، وأنه داخل تحت طاعة السلطان، وأنه إن كان وقع منه ما أوغر خواطر السلطنة، فقد جرى عليه وعلى بلاده من العساكر السلطانية ما فيه كفاية من النهب والسّبى والإحراق وغير ذلك، وأنه يسأل الرّضى عنه، وأشياء غير ذلك مما ذكرناه بالمعنى، فعفا السلطان عنه بعد توقّف كبير.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور سافر الأمير بردبك الدّوادار الثانى صهر السلطان زوج ابنته إلى دمشق، لينظر جامعه الذي أنشأه بها.
ثم في يوم الاثنين عاشر جمادى الآخرة خلع السلطان على «2» أيدكى الأشرفى الخاصكى ليسافر إلى ابن قرمان صحبة قصّاده، لتقرير الصلح بين السلطان وبينه.
وفي يوم الجمعة رابع عشره- الموافق لثالث بشنس أحد شهور القبطلبس السلطان القماش الأبيض البعلبكىّ، المعد لأيام الصيف على العادة في كل سنة.
ثم في يوم الخميس خامس شهر رجب من سنة اثنتين وستين المذكورة شفع الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص عند السلطان في الأمير تمربغا أن يفرج عنه من حبس الصّبيبة، فسمح السلطان له بذلك، ورسم له أن يتوجّه من الصّبيبة إلى دمشق، ويقيم بها لعمل مصالحه لأيّام الحج، ويسافر إلى مكة ويقيم بها بطالا، فوقع ذلك.
ثم في يوم الجمعة سادس شهر رجب المذكور كان الحريق العظيم بساحل بولاق(16/119)
الذي لم نسمع بمثله في سالف الأعصار إلا قليلا، بحيث إنه أتى على غالب أملاك بولاق من ساحل النيل إلى خط البوصة التي هى محل دفن أموات أهل بولاق، وعجزت الأمراء والحكام عن إخماده.
وكان أمر هذا الحريق أنه لما كان صبيحة يوم الجمعة سادس رجب من سنة اثنتين وستين المذكورة هبّت ريح عظيمة مريسىّ «1» ، وعظمت حتى اقتلعت الأشجار وألقت بعض مبان، واستمرت في زيادة ونموّ إلى وقت صلاة الجمعة، فلما كان وقت الزّوال أو بعده بقليل احترق ربع الحاج عبيد البرددار بساحل البحر «2» ، وذهب الرّبع في الحريق عن آخره ومات فيه جماعة من الناس، كلّ ذلك في أقلّ من ساعة رمل، ثم انتقلت النار إلى ربع القاضى زين الدين أبى بكر بن مزهر وغيره، وهبّت الرّياح وانتشرت النيران على الأماكن يمينا وشمالا «3» ، هذا وحاجب الحجّاب «4» وغيره من الأمراء والأعيان وكلّ أحد من الناس في غاية الاجتهاد في تخميد النار بالطفى والهدم، وهى لا تزداد إلا قوّة وانتشارا على الأماكن، إلى أن وصلت النار إلى ربع الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، وإلى الحواصل التي تحته، وأحرقت أعلاه وأسفله، وذهب فيه من بضائع الناس المخزونة فيه ما لا ينحصر كثرة «5» ، وسارت النار إلى الدّور والأماكن من كل جهة.
هذا وقد حضر الحريق جميع أمراء الدولة بمماليكهم وحواشيهم، شيئا بعد شىء،(16/120)
والأمر لا يزداد إلا شدّة، إلى أن صار الذي حضر من الناس لأجل طفى النار كالمتفرج من عظم النار والعجز عن إخمادها، وصارت النار إذا وقعت بمكان لا تزال به حتى يذهب جميعه، ويضمحل عن آخره، فعند ذلك فطن كل أحد أن النار تسير من دار إلى دار إلى أن تصل إلى القاهرة؛ لعظم ما شاهدوا من هولها، والريح المريسى يتداول هبوبها من أول النهار إلى نصف الليل، ولشدة هبوب الريح صارت رياحا لأنها بقت تارة تهب مريسيّا، وهو الأكثر، وتارة شمالا، وتارة غير ذلك من سائر الجهات، فيئس كل من كان له دار تحت الرّيح، وتحقّق زوالها، وشرع في نقل متاعه وأثاثه، وهو معذور في ذلك، لأننا لم نشاهد في عمرنا مثل هذا الحريق؛ لما اشتمل عليه من الأمور الغريبة، منها سرعة الإحراق، حتى إن الموضع العظيم من الأماكن الهائلة يذهب بالحريق في أسرع وقت، ومنها أن المكان العظيم كان يحترق وبجانبه مكان آخر لم تلحقه شرارة واحدة، وربما احترق الذي كان بالبعد عن تلك الدار المحروقة من شرارها، والتي بالقرب سالمة، ووقع ذلك بعدة أماكن، أعجبها وأغربها مسجد كان بالقرب من ساحل البحر وبه منارة من غرد «1» قصيرة، وكان هذا المسجد في وسط الحريق والشرار يتطاير من أعلاه من الجهات الأربع من أوّل الحريق إلى آخره، لم تتعلق به شرارة واحدة، وفي المسجد المذكور قبر رجل صالح مدفون فيه قديما يعرف بالشيخ محمد المغربى.
واستمر الأمراء والأعيان يشاهدون الحريق، ويطفئون ما قدروا عليه من أطراف المواضع المنفردة، وأمّا الحريق العظيم فلا يستجرئ أحد أن يقربه لعظمه بل يشاهدونه من بعد، واستمروا على ذلك إلى بعد أذان عشاء الآخرة، ثم ذهب كل واحد إلى داره والنار عمّالة إلى نصف الليل، فأخذ أمر الريح في انحطاط.
فلما كان باكر نهار السبت سابع شهر رجب المذكور نزل المقام الشهابى أحمد بن(16/121)
السلطان من قلعة الجبل، وتوجّه إلى بولاق لأجل الحريق، فوجد جميع أمراء الدّولة هناك كما كانوا في أمسه، فلم يؤثر حضور الجميع في النار شيئا، غير أن الريح كان سكن وأخذت النار حدّها في الإحراق من كل مكان كانت به، فعند ذلك اجتهد كل أحد في إخمادها، وهدم ما تعلق به النار من الأماكن، وأقاموا على ذلك أيّاما كثيرة، والنار موجودة في الأماكن والجدر والحيطان، والناس تأتى لبولاق أفواجا أفواجا للفرجة على هذا الحريق العظيم، حتى صارت تلك الأماكن كبعض المفترجات، وعملت الشعراء والأدباء في هذا الحريق عدّة قصائد وقطع، وقد أنشدنى الشيخ علم الدين الإسعردىّ الحصنى «1» قصيدة من لفظه لنفسه في هذا المعنى أولها: [البسيط]
أتتهم الذاريات ذروا ... وتلوها العاصفات عصفا
أثبتّ هذه القصيدة في تاريخنا «الحوادث» كونه محل ذكر هذه الأشياء، والقصيدة المذكورة نظم عالم لا شاعر، وقد حرّرنا أيضا في تاريخنا «الحوادث» ما ذهب في هذا الحريق من الأماكن تخمينا، فكان عدة ما احترق فيه من الأرباع زيادة على ثلاثين ربعا، كلّ ربع يشتمل على مائة سكن وأكثر، أعنى أعاليه وأسفله، وما به من الحوانيت والمخازن ذكرناها في «الحوادث» بأسمائها، ماخلا الدور والأماكن والأفران والحوانيت وغير ذلك.
وقد اختلف في سبب هذا الحريق على أقوال كثيرة.
منهم من قال: إنها صاعقة نزلت من السماء والخطيب على المنبر.
ومنهم من قال: إنه نزلت من جهة السماء نوع شرارة فاحترق المكان الأول منها.
ومنهم من قال: إن الأرض كأنّ النار تنبع منها.(16/122)
والأقوال كلّها على أن سبب هذه النار آفة سماوية.
ثم بعد ذلك بأيام أشيع أن الذي كان يفعل ذلك- أعنى يلقى النار في الأماكن- هم جماعة من القرمانيّة ممن أحرق العسكر المصرى أمكنّهم لما توجهوا إلى تجريدة ابن قرمان، وشاع القول في أفواه الناس.
ثم ظهر للناس بعد ذلك أن الذي صار يحرق من الأمكنة بالقاهرة وغيرها بعد حريق بولاق إنما هو من فعل المماليك الجلبان؛ لينهبوا ما في بيوت الناس عندما تحرق، فإنه تداول إحراق البيوت أشهرا- والله أعلم «1» .
وقد افتقر من هذا الحريق خلائق كثيرة، وعلى الله العوض.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر رجب المذكور وصل الأمير بردبك الدّوادار الثانى من الشّام.
وفيه أيضا نودى بزينة القاهرة لدوران المحمل، ونهى السلطان المماليك الأجلاب عن أن «2» يعمل أحد منهم عفاريت المحمل.
وسببه أنهم فعلوا ذلك في السنة الخالية وأفحشوا في الطلب من الناس، وصاروا يدخلون إلى دور الأمراء والأعيان، ويكلفونهم الكلفة الزائدة، وما كفاهم ذلك حتى صار العفريت منهم إذا مرّ بالشارع على فرسه بتلك الهيئة المزعجة يجبى الدكاكين، وإذا صدف رئيسا من بياض الناس أمسكه وأخذ منه ما شاء غصبا، وإن لم يعطه أخرق به ورماه عن فرسه، حتى صار الرّجل إذا رأى واحدا من هؤلاء أسرع في مشيه بالدخول في زقاق من الأزقة، أو بيت من البيوت، فضرّ ذلك بحال الناس كثيرا، وتركوا فرجة المحمل.(16/123)
بل صاروا يترقّبون فراغ المحمل، ليستريحوا من هذه الأنواع القبيحة.
فلما جاء أوان المحمل في هذه السّنة دخل على قلوب الناس الرّجيف بسبب ما وقع من المماليك في العام الماضى، فكلّم أعيان الدّولة السلطان في إبطال المحمل، أو نهى الجلبان عن تلك الفعلة القبيحة، فلهذا رسم السلطان في هذه السنة بإبطال عفاريت المحمل بالكليّة.
ثم في يوم الاثنين سادس عشر شهر رجب هذا أدير المحمل على العادة في كل سنة، ولم يقع من الأجلاب شىء مما وقع منهم في السنة الماضية.
ثم تداول الحريق بعد ذلك بخط بولاق والقاهرة، وقوى عند الناس أن الذي يفعل ذلك إنما هو من تركمان ابن قرمان.
ثم وقع الحريق أيضا في شعبان بأماكن كثيرة، وداخل الناس جميعا الرّعب من هذا الأمر.
فلما كان يوم السبت ثانى عشر شعبان نودى بشوارع القاهرة ومصر بتوجّه كل غريب إلى أهله، وكذلك في يوم الأحد، فلم يخرج أحد لعدم التفات السلطان لإخراجهم.
ثم وقع حريق آخر وآخر، فنودى في آخر شعبان بخروج الغرباء بسبب الحريق من الدّيار المصرية، فلم يخرج أحد.
وتداول وقوع الحريق بالقاهرة في غير موضع.
ثم في أول شهر رمضان مرض السلطان مرضا لزم منه الفراش، وأرجف بموته، وطلع إليه أكابر الأمراء، فتكلم معهم في العهد لولده أحمد بالسلطنة من غير تصريح، بل في نوع النكر «1» من ولده، ويقول ما معناه: إن ولده ليس كمن مضى من أولاد الملوك الصغار، وإن هذا رجل كامل يعرف ما يراد منه، وما أشبه هذا المعنى، فصار هو(16/124)
يتكلم وجميع الأمراء سكوت، لم يشاركه أحد فيما هو فيه إلى أن سكت، وانفضّ المجلس، ثم عوفى بعد ذلك، ودقّت البشائر بقلعة الجبل وغيرها أياما.
ثم في يوم الاثنين سادس شهر رمضان أخرقت المماليك الأجلاب بالأمير قانم التاجر المؤيّدى «1» أحد مقدمى الألوف، وهو نازل من الخدمة بعير قماش الموكب، وضربه بعضهم على رأسه وظهره، جاءوا بجموعهم إلى داره من الغد ليهجموا عليه، فمنعهم مماليكه من الدخول عليه، فوقع القتال بينهم، وجرح من الفريقين جماعة، فأخذ قانم المذكور يتلافى أمرهم بكل ما تصل القدرة إليه، فلم يفد ذلك إلا أنه صار يركب وحده من غير مماليك، ويطلع الخدمة وينزل على تلك الهيئة، واستمرّ على ذلك نحو السنتين «2» .
ثم في هذه الأيام أيضا تداول الحريق بالقاهرة وظواهرها، وضرّ ذلك كثيرا بحال الناس، وقد قوى عندهم أن ذلك من فعل القرمانية والمماليك الأجلاب، يعنون بالقرمانية والأجلاب أن القرمانية إذا فعلوا ذلك مرة ويقع الحريق، فتنهب المماليك الأقمشة وغيرها لما يطلعون الدور المحروقة للطفى، فلما حسن ببال المماليك ذلك صاروا يفعلون ذلك.
قلت: ولا أستبعد أنا ذلك لقلة دينهم وعظم جبروتهم، عليهم من الله ما يستحقونه من العذاب والنكال- انتهى.
ثم استهل شوال، أوّله الجمعة، فوقع فيه خطبتان، وتشاءم الناس بذلك على الملك، فلم يقع إلا الخير والسلامة، وكذبت العادة.
ثم في يوم الجمعة خامس عشره ورد الخبر على السلطان بموت چاك الفرنجى صاحب قبرس، وأنهم ملّكوا عليهم ابنته مع وجود ولد ذكر، لأمر أجاز تقديم البنت(16/125)
على الصّبى، على مقتضى شريعتهم، ووقع بسبب ذلك أمور وغزوات يأتى ذكرها في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، وقد حررنا ذلك كله في «الحوادث» .
وفي يوم الاثنين ثامن عشره خرج أمير حاج المحمل بالمحمل من القاهرة، وهو الأمير برسباى البجاسى حاجب الحجاب، وأمير الركب الأول [الطواشى] «1» مرجان [الحصنى] «2» مقدّم المماليك السلطانية.
ثم في العشر الأخير من هذا الشهر ورد الخبر من الإسكندرية بموت الخليفة القائم بأمر الله حمزة بها، كما سيأتى ذكره في الوفيات إن شاء الله.
ثم في يوم الخميس سابع عشرين ذى القعدة خلع السلطان على ولده المقام الشهابى أحمد باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، عوضا عن الأمير الكبير تنبك البردبكى بحكم وفاته، وأنعم السلطان بإقطاع ولده أحمد على ولده الصغير المقام الناصرى محمد، وصار محمد أمير مائة ومقدّم ألف، وأنعم بإقطاع محمد المذكور- وهو إمرة طبلخاناه- على الأمير جانبك الصوفى الناصرى المرتد «3» أحد أمراء الطبلخانات، زيادة على ما بيده؛ ليكون جانبك أيضا أمير مائة ومقدّم ألف.
ثم في يوم الاثنين ثانى عشرين ذى الحجة خلع السلطان على القاضى شرف الدين التتائى «4» الأنصارى باستقراره ناظر الجيوش المنصورة، عوضا عن الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم، بحكم وفاته في يوم الخميس ثامن عشر ذى الحجة.
وخلع السلطان أيضا على الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكويز، باستقراره ناظر الخاص الشريف، عوضا أيضا عن الصاحب جمال الدين يوسف المقدّم ذكره(16/126)
ثم في يوم السبت سابع عشرين ذى الحجة أيضا استقرّ القاضى زين الدين أبو بكر بن مزهر ناظر جوالى دمشق، وأنه يتوجه إلى دمشق لضبط تعلقات الجمالى ناظر الخاص، ثم بطل ذلك قبل أن يلبس الخلعة.
[ما وقع من الحوادث سنة 863]
ودخلت سنة ثلاث وستين وثمانمائة:
فى أولها كانت الزلزلة المهولة بمدينة الكرك، أخربت أماكن من قلعتها ودورها وأبراجها.
فكان أول المحرم الأربعاء.
فى يوم ثانيه استقر القاضى علاء الدين على بن مفلح «1» قاضى الحنابلة بدمشق وكاتب سرّها، بعد عزل القاضى قطب الدين محمد الخيضرى «2» ، بمال كثير بذله فى الوظيفتين.
ثم في يوم الثلاثاء استقر القاضى تاج الدين عبد الله بن المقسى ناظر الدولة كاتب المماليك السلطانية، بعد عزل سعد الدين بن عبد القادر.
وفي رابع صفر استقرّ على بن إسكندر محتسب القاهرة، بعد عزل بدر الدين ابن البوشى.
وفيه استقرّ إياس البجاسى نائب القدس، بعد عزل البدرى حسن بن أيوب، ثم عزل إياس المذكور في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأوّل بشاه منصور بن شهرى
ثم في يوم الأربعاء خامس شهر ربيع الأول المذكور ورد الخبر بموت الأمير يشبك من جانبك المؤيدى الصوفى أتابك دمشق بها، فاستقر في أتابكيّة دمشق عوضه الأمير علّان شلق المؤيدى أحد أمراء دمشق، بمال بذله في ذلك نحو العشرة(16/127)
آلاف دينار، وأنعم بتقدمة علّان المذكور على شادبك السّيفى جلبّان، مضافا إلى دوادارية السلطان بدمشق، وذلك أيضا بالبذل.
ورسم بإقطاع «1» شادبك المذكور للأمير قراجا الظاهرى، وهو بالقدس- بطالا- ليكون بيده وهو طرخان، ثم بطل ذلك.
ثم في يوم الخميس حادى عشر شهر ربيع الآخر رسم السلطان بنقل الأمير جانم الأشرفى نائب حلب من نيابة حلب إلى نيابة دمشق، بعد موت الأمير قانى باى الحمزاوى بحكم وفاته، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير جانبك من أمير الظريف الأشرفى أحد أمراء الطبلخانات وخازندار.
ورسم بانتقال الأمير حاج إينال اليشبكى من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، عوضا عن جانم الأشرفى المذكور، وصار مسفّره الأمير سودون الإينالى المؤيدى قراقاش ثانى رأس نوبة.
ورسم باستقرار الأمير إياس المحمدى الناصرى الطويل نائب حماة في نيابة طرابلس، عوضا عن حاج إينال، ومسفّره الأمير جانى بك الإينالى الأشرفى، المعروف بقلقسيز أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.
ورسم باستقرار الأمير جانبك التاجى المؤيدى نائب صفد في نيابة حماة، عوضا عن إياس المحمدى، ومسفّره جانم المؤيّدى المعروف بحرامى شكل، أحد العشرات ورأس نوبة.
ورسم باستقرار خيربك النّوروزىّ نائب غزّة في نيابة صفد، عوضا عن جانبك التاجى، ومسفّره قانم طاز الأشرفى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.
ثم استقرّ- بعد مدّة- الأمير بردبك العبد الرحمانى «2» أحد أمراء الألوف بدمشق في(16/128)
نيابة غزة عوضا عن خيربك النّوروزى المقدّم ذكره، وصار مسفّره السّيفى خيربك من حديد الأجرود أحد الدّوادارية الخاصّكيّة.
قلت: وجميع ولاية هؤلاء النوّاب المذكورين بالبذل، ماخلا الأمير جانم نائب الشام.
ثم أنعم السلطان بتقدمة بردبك العبد الرحمانى الذي بدمشق على الأمير قراجا الظاهرىّ المقدّم ذكره.
ثم في يوم الخميس عاشر جمادى الأولى استقرّ الأمير بردبك الأشرفى الدّوادار الثانى وصهر السلطان أمير حاج المحمل، واستقر الأمير كسباى الشّشمانى المؤيّدى أحد أمراء العشرات أمير الركب الأول.
واستقر الأمير يرشباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخور الثانى كان، وأحد أمراء الطبلخانات الآن أمير المماليك المجاورين بمكة، ورسم لأسندمر الجقمقى بالمجيء من مكة إلى مصر.
ثم في يوم السبت ثانى عشر جمادى الأولى المذكور استقر القاضى محب الدين ابن الشحنة الحلبى الحنفى كاتب السر الشريف بالديار المصرية، بعد عزل القاضى محب الدين بن الأشقر.
ثم في يوم الثلاثاء خامس شهر رجب أمسك السلطان القاضى شرف الدين موسى الأنصارى ناظر الجيش، وسلّمه إلى الطواشى فيروز النوروزى الزمام والخازندار، فدام عنده إلى أن صودر وأخذ منه جمل من الأموال بغير استحقاق، بعد أن عزل عن وظيفة نظر الجيش كما سيأتى ذكره.
ثم ورد الخبر على السلطان من حلب أن الطاعون فشابها وكثر.
ثم في يوم الخميس رابع عشر شهر رجب استقرّ القاضى برهان الدين إبراهيم ابن الدّيرى ناظر الجيوش المنصورة عوضا عن الأنصارى المقدّم ذكره، بمال كثير بذله فى ذلك.(16/129)
ثم في يوم السبت سادس عشر رجب تعرّض جماعة من المماليك الأجلاب للأمير زين الدين الأستادار، فهرب منهم، فضربوا الوزير وبهدلوه إلى الغاية، ولم ينتطح في ذلك عنزان؛ لقوة شوكة الأجلاب في هذه الأيام، حتى تجاوزت الحدّ، وبطل أمر حكام الدّيار المصرية قاطبة، وصار من كان له حق أو شبه حق لا يشتكى غريمه إلا عند الأجلاب، ففى الحال يخلص حقه من غريمه، إمّا على وجه الحق أو غيره، فخافهم كلّ أحد، لا سيما التّجار والبيعة «1» من كل صنف، وترك غالب الناس معايشهم؛ خوفا على رأس مالهم، فعزّ بسبب ذلك وجود أشياء كثيرة، ووقع الغلاء في جميع الأشياء، لا سيما في الأصناف المتعلقة بالأجناد، مثل الشعير والتبن والدريس، وما أشبه ذلك من أنواع أقمشة الخيل والبغال والمتعلقة بذلك، حتى صار لا يوجد بالكليّة إلا بعد عسر كبير، وصار من له ضيانة من تبن أو دريس أو شعير من الأجناد يسافر من القاهرة وبلاقيه ويمشى معه حتى يصل إلى بيته «2» إن قدر على ذلك «3» ، وإن كان أميرا أرسل إلى ملاقاته بعض مماليكه، وربما أخذوا ممن استضعفوه من الأجناد أو مماليك الأمراء، وزاد هذا الأمر حتى أضرّ بجميع الناس قاطبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأحد سابع عشر شهر رجب تعرّض بعض المماليك الأجلاب للقاضى محب الدين بن الشّحنة كاتب السّرّ، وهو طالع إلى الخدمة السلطانية، وضربه من غير أمر يوجب ضربه أو الكلام معه.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره استقرّ الأمير ناصر الدين بن محمد القسّاسى، المعروف بمخلع، دوادار السلطان بحلب.
وفي يوم الخميس حادى عشرين رجب «4» أيضا استقر البدرى حسن بن أيوب في نيابة القدس بعد عزل [شاه] «5» منصور بن شهرى.(16/130)
وفيه رسم السلطان بطلب أبى الخير النّحاس من البلاد الشامية على يد ساع.
وفي يوم السّبت أوّل شعبان وقع حريق عظيم ببندر جدّة بالحجاز.
وف يه توفى خيربك المؤيّدى الأشقر الأمير آخور الثانى، وأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير بردبك المحمدى الظاهرى المعروف بالهجين الأمير آخور الثالث، وأنعم باقطاع بردبك المذكور على تغرى بردى الأشرفى، وأنعم باقطاع تغرى بردى على قراجا الأشرفى [الطويل «1» ] الأعرج، وتغرى بردى وقراجا كلاهما من مماليك السلطان القديمة أيام إمرته.
ثم في يوم الاثنين ثالث شعبان المذكور استقرّ الأمير يلباى الإينالى المؤيّدى أحد أمراء الطبلخانات أمير آخور ثانيا عوضا عن خيربك الأشقر المقدم ذكره.
وفيه استقر دولات باى الظاهرى نائب رأس نوبة الجمداريّة رأس نوبة الجمدارية عوضا عن قراجا الطويل الأعرج الذي تأمّر.
واستقرّ في نيابة رأس نوبة الجمداريّة شخص يسمى قايتباى الأشرفى، فوثب شخص من الخاصّكيّة الأجلاب يسمى برسباى، وجذب سيفه بالقصر السلطانى، بسبب ولاية هذين لهاتين الوظيفتين، ولكونه لم لا ولى هو «2» إحداهما، ثم وقع منه أمور أضربنا «3» عن ذكرها، خوفا على ناموس ملك مصر.
ثم في يوم السبت ثامن شعبان رسم بإطلاق القاضى شرف الدين الأنصارى من مكانه بقلعة الجبل بعد أن أخذ منه جملة مستكثرة من الذّهب العين وغيره.
ثم في يوم الأحد تاسعة ضرب السلطان مملوكين من مماليكه الأجلاب وحبسهما، لأجل قتلهما نانق الظاهرى، ولم يقتلهما به كما أمر الله تعالى.(16/131)
ثم في يوم ثانى شهر رمضان وصل أبو الخير النحاس من البلاد الشامية إلى القاهرة وخلع السلطان عليه كامليّة بمقلب سمّور «1» .
وفي يوم الثلاثاء تاسعه قدّم أبو الخير النحاس إلى السلطان اثنين وسبعين فرسا، وثلاثين بغلا.
وفي يوم الجمعة ثانى عشر شهر رمضان المذكور نهبت العبيد والمماليك الأجلاب النسوة اللاتى حضرن صلاة الجمعة بجامع عمرو بن العاص- رضى الله عنه- بمصر القديمة، وأفحشوا في ذلك إلى الغاية، وكل مفعول جائز.
ثم في يوم الاثنين خامس عشر، استقر أبو الخير النّحاس ناظر الذخيرة السلطانية ووكيل بيت المال.
وفي يوم الأحد حادى عشرينه أغلقت المماليك الأجلاب باب القلعة، ومنعوا الأمراء والمباشرين من النزول إلى دورهم بسبب تعويق عليق خيولهم، وفعلوا ذلك أيضا من الغد إلى أن رسم لهم- عوضا عن كل عليقة- مائتا درهم.
ثم في يوم الخميس خامس عشرين شهر رمضان المقدّم ذكره استقر خشقدم السّيفى أرنبغا «2» الذي كان دوادار القانى باى الحمزاوى [نائب الشام] «3» فى حجوبية طرابلس على سبعة آلاف دينار، بعد عزل شادبك الصارمى.
وفي يوم الأحد ثامن عشرينه وصل إلى الدّيار المصرية جاكم الفرنجى ابن جوان «4» صاحب جزيرة قبرس، «5» بطلب من السلطان، ليلى- عوضا عن أبيه- ملك قبرس «6» ، وكان(16/132)
أهل قبرس ملّكوا عليهم أخته مع وجوده؛ كونه ابن زنا، أو غير ذلك، لأمر لا يجوّز ولايته في ملتهم.
وفي هذا الشهر أخذ الطاعون في انحطاط من مدينة حلب، وانتشر فيما حولها من البلدان والقرى بعد أن مات منها نحو من مائتى ألف إنسان.
ثم في يوم الخميس ثالث شوال ضربت المماليك الأجلاب أبا الخير النحاس، وأخذوا عمامته من على رأسه، فتزايد ما كان به من الضعف، فإنه كان مستضعفا قبل ذلك بمدّة وأخذ أمره يومئذ في انحطاط، ولزم الفراش، إلى أن مات حسبما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى.
وفي يوم السبت خامس شوال عمل السلطان الموكب بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، وأحضر جاكم بن جوان الفرنجى، وخلع عليه كامليّة، وخلع على اثنين أخر من الفرنج الذين قدموا معه، وأعطاه السلطان فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش، وركب الفرس المذكور وغيره مدّة إقامته بالديار المصرية، وولّاه نيابة قبرس، ووعده بالقيام معه، وتخليص قبرس له.
ثم في يوم الخميس سابع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل، وهو الأمير بردبك الدّوادار الثانى، وأمير الركب الأول الأمير كسباى من ششمان أحد أمراء العشرات.
وفي يوم الخميس أوّل ذي القعدة شرع السلطان في عمارة مراكب برسم الجهاد، وإرسال جاكم صحبتهم إلى قبرس، وجعل المتحدث على عمارة المراكب المذكورة سنقر الأشرفى الزّردكاش، المعروف بقرق شبق، فباشر سنقر المذكور عمل المراكب أقبح مباشرة، من ظلم وعسف، وأخذ الأخشاب بأبخس الأثمان إن وزن ثمنا، وفعل هذا الشقىّ أفعالا لا يفعلها الخوارج، عليه من الله ما يستحق من الخزى والنكال، بحيث(16/133)
أنه جمع من هذا المال الخبيث جملة كبيرة خرجت منه بالمصادرة والنّهب والحريق، وما ربّك بظلام للعبيد.
ثم في يوم الاثنين خامس ذى القعدة سافر تغرى بردى الطيّارى الخاصكى قاصدا قبرس، ليخبر أهلها أن السلطان يريد ولاية جاكم هذا على قبرس مكان والده، وعزل أخته، ويلومهم على عدم ولاية جاكم هذا وتقديم أخته عليه.
وفي يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجة مات الأمير بايزيد التّمربغاوى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، وأنعم السلطان بتقدمته وإقطاعه على الأمير سودون الإينالى المؤيدى [قراقاش] «1» رأس نوبة ثان، بمال بذله سودون في ذلك «2» ، وأنعم بإقطاع سودون المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الأمير خشكلدى القوامى الناصرى.
[ما وقع من الحوادث سنة 864]
واستهلت سنة أربع وستين وثمانمائة بيوم الأحد.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشر المحرم من السنة المذكورة وصلت الغزاة المتوجهة قبل تاريخه إلى بلاد الجون ببرّ التركيّة لإحضار الأخشاب «3» ، وكان مقدّم هذا العسكر أربعة من الأمراء العشرات، وهم:
قانى باى قراسقل المؤيّدى.
والأمير جانبك الإسماعيلى المؤيدى المعروف بكوهية.
والأمير معلباى طاز المؤيدى.
والأمير بردبك اليشبكى المشطوب «4» .(16/134)
وفي يوم سابع عشرينه- الموافق لسادس عشر هاتور- لبس السلطان القماش الصوف الملون، وألبس الأمراء على العادة في كل سنة.
وفي هذا الشهر عظم الطاعون بمدينة غزّة، وأباد الموت أهلها «1» .
وفي يوم السبت ثانى عشر صفر خلع السلطان على فارس مملوك الطواشى فيروز الرّكنى باستقراره وزيرا بعد تسحّب على بن الأهناسى، فلم يحسن فارس المذكور المباشرة سوى يوم واحد، وعجز وكاد أن يهلك، وكان لولايته أسباب منها: أنه كان يبرق ويرعد ويوسع في الكلام في نوع المباشرة وغيرها، فحسب السامع أن في السويداء رجالا، واستسمن ورمه فولّاه، فما هو إلا أن أرمى الخلعة على «2» أكتافه [حتى] «3» ظهر عليه العجز الفاضح في الحال، وضاق عليه فضاء الدنيا، وخسر في اليوم المذكور جملا مستكثرة، واستعفى، وترامى على أكابر الدّولة، وكاد أن يهلك لولا أعفى وعزل «4» ، بعد أن ألزم بشىء له جرم على ما قيل، وولى الصاحب شمس الدين منصور الوزر عنه.
قلت: ما أحسن الأشياء في محلها، وحينئذ أعطى القوس لراميه.
وفي يوم الخميس سابع عشر صفر ورد الخبر من الشام بموت الأمير علّان شلق المؤيّدى أتابك دمشق.
وفي يوم ثامن شهر ربيع الأول استقرّ الحاج محمد الأهناسى البرددار وزيرا بعد عزل الصاحب شمس الدين منصور من غير عجز بل لمعنى من المعانى، والحاج محمد هذا هو والد على بن الأهناسى المقدم ذكره في الوزر والأستادارية، وولى الوزر قبل أن(16/135)
تسبق له رئاسة في نوع من الأنواع؛ لأن كلا الوالد والولد عار عن الكتابة ومعرفة قلم الديونة، ولم يكن لهما صنعة غير الرّسليّة والبردداريّة لا غير، فباشر الحاج محمد هذا الوزر أحد عشر يوما وعزل، وأعيد الصاحب شمس الدين منصور للوزر ثانيا.
وفي يوم الاثنين ثانى عشر شهر ربيع الأول استقر الأمير تغرى بردى الأشرفى أحد أمراء العشرات نائب الكرك، وأنعم بإقطاعه على ابن الأمير بردبك الدّوادار الثانى والمنعم عليه هو ابن بنت السلطان.
ثم في يوم الخميس ثانى عشرينه استقر الأمير تمرباى ططر الناصرى أحد أمراء العشرات أمير حاج المحمل.
ثم في يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الأول المذكور عمل السلطان المولد النبوى بالحوش السلطانى على العادة في كل سنة، وأحضر السلطان جاكم الفرنجى ابن صاحب قبرس، وأجلسه عند أعيان مباشرى الدّولة، فعظم ذلك على الناس قاطبة.
قلت: ولعلّ السلطان ما أحضره في هذا المجلس إلا ليريه عزّ الإسلام وذلّ الكفر.
ثم في أول شهر ربيع الآخر ظهر الطاعون بمدينة بلبيس وخانقاه سرياقوس من ضواحى القاهرة.
وكان أول الشهر يوم الجمعة الموافق لأول طوبة من شهور القبط. فتخوّف كلّ أحد من مجىء الطاعون إلى القاهرة، هذا مع ما الناس فيه من جهد البلاء من غلوّ الأسعار وظلم المماليك الأجلاب الذي خرج عن الحد، وعدم الأمن، وكثرة المخاوف فى الأزقّة والشوارع، بحيث إن الشخص صار لا يقدر على خروجه من داره بعد أذان عشاء الآخرة، حتى ولا لصلاة الجماعة، ولو كان جار المسجد، وإن أذّن مؤذن العشاء والشخص خارج عن داره هرول في مشيه وأسرع لئلا تغلق عليه الدروب التي عمرتها رؤساء كلّ حارة؛ خوفا على بيوتهم من المناسر والحرامية، لأن والى القاهرة خيربك القصروى حطّ عنه أمور الناس «1» ، وانعكف على ما هو عليه من المفاسد، وسببه(16/136)
أنه علم أن الذي يتعبث على الناس أو يسرق إنما هو من المماليك الأجلاب أو من أتباعهم، وعلم مع ذلك ميل السلطان إلى الأجلاب، واتفق بعد ذلك كثرة السّراق، وفتح البيوت، وهجم المناسر على الحارات، وكلّمه السلطان- فى ذلك- بكلام خشن، ووبّخه في الملأ، وكاد أن يفتك به، فأوهم الوالى السلطان- بالتلويح في كلامه- أن الذي يفعل ذلك إنما هو من المماليك الأجلاب، وكان الذي لوّحه الوالى إلى السلطان قوله:
«يا مولانا السلطان أنا مالى شغل ولا حكم على من يلبس طاقية- يعنى المماليك- وما حكمى إلا على العوام والحرامية» ، فسكت السلطان، ولم يكلمه بعد ذلك إلا في غير هذا المعنى، فوجد الوالى بذلك مندوحة لسائر أغراضه، وحطّ عنه واستراح، وانحل النظام، وضاعت حقوق الناس، وأخذ كل مفسد يتزيا بزى الجند، ويفعل ما أراده، وصار الوالى هو كبير الحراميّة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر اختفى الصاحب شمس الدين منصور، وتعطّل- بسبب غيابه- رواتب المماليك السلطانية، فاستغاثوا المماليك الأجلاب، ومنعوا الأمراء يوم الأربعاء من طلوع القلعة، وامتنعوا من طلوع الخدمة يوم الخميس أيضا رابع عشره، وطلع الأمير يونس الدّوادار إلى القلعة بغير قماش الخدمة، فلما وصل إلى باب القلعة احتاطت به المماليك الأجلاب، وسألوه أن يكلم السلطان في أمرهم، فدخل الأمير يونس المذكور إلى السلطان، وذكر له ذلك، ثم ترددت الرّسل بين السلطان وبينهم إلى أن آل الأمر إلى طلب سعد الدين فرج بن النحّال، واستقرّ وزيرا على عادته أولا على شروط، ونزل من وقته، وباشر الوزر، وسكن الأمر، وقد ذكر لى الصاحب شمس الدين: أنه لم يختف إلا بإذن السلطان.
وفي هذه الأيام فشا الطاعون بالقاهرة، وكان عدّة من ورد اسمه الديوان من الأموات فى يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر المذكور- الموافق لسابع عشر أمشير، وهو يوم تنتقل الشمس إلى برج الحوت- خمسة وثلاثين نفرا، ولها تفصيل، وذلك خارج عن البيمارستان المنصورى والأوقاف والقرافتين والصحراء وبولاق ومصر القديمة.(16/137)
وأمّا ضواحى القاهرة وإقليم الشرقية والغربية من الوجه البحرى فقد تزايد الطاعون فيها حتى خرج عن الحد، وهو إلى الآن في زيادة.
وكان أمر الطاعون في القرى أنه إذا وقع بقرية يفنى غالب من بها، ثم ينتقل إلى غيرها وربما اجتاز ببعض القرى ولم يدخلها، فسبحانه يفعل في ملكه ما يريد.
وفي يوم الخميس حادى عشرينه ضرب المماليك الأجلاب الأمير زين الدين الأستادار بسبب عليق الخيول ضربا مبرحا، وانقطع بسبب ذلك عن الخدمة أياما كثيرة.
وفي يوم السبت ثالث عشرينه وقع من بعض المماليك الأجلاب إخراق في حق الأمير يونس الدّوادار، والشخص المذكور يسمى قانصوه، وكان ذلك في الملأ من الناس، ونزل الأمير يونس إلى داره وهو في غاية ما يكون من الغضب، فما كفى قانصوه المذكور ما وقع منه في القلعة في حق الأمير يونس، حتى نزل إليه بداره وأساء عليه ثانيا بحضرة مماليكه وحواشيه، فلم يسع الأمير يونس المذكور إلا أن قام من مجلسه وعزل نفسه عن الدّوادارية، ودخل إلى داره من وقته، وأقام بها من يومه.
ثم في الغد لم يقع من السلطان على قانصوه المذكور- بسبب ما وقع منه في حق الأمير يونس- كبير أمر، ولا كلّمه الكلام العرفى، غير أن ابن السلطان الشهابى أحمد أرسل سأل الأمير يونس في الطلوع إلى القلعة وحضور الخدمة.
ثم إنّ بعض الأمراء أخذ قانصوه المذكور وأتى به إلى الأمير يونس حتى قبّل يده، ولا زال ذلك الأمير وغيره بالأمير يونس حتى رضى عنه بعد أن أوسعه سبّا وتوبيخا، وذلك حيث لم يجد يونس له ناصرا ولا معينا.
وأغرب من هذا أنه بلغنى أن قانصوه لما أفحش في أمر الأمير يونس أولا ربما أضاف إليه السلطان في بعض الإساءة، والسلطان يسمع كلامه.
قلت: إن صح هذا فهو مما يهوّن على الأمير يونس ما وقع في حقه من قانصوه.(16/138)
وفي يوم الاثنين خامس عشرينه عجز الأمير زين الدين الأستادار عن القيام بجامكية المماليك السلطانية، فقام إلى السلطان شخص من الخاصكية الأجلاب يسمى جانبيه المجنون، وقال للسلطان:
«الملوك التي كانت قبلك كانوا ينفقون الجوامك، لأى شىء أنت ما تعطى مثلهم؟» .
فغضب السلطان من كلامه، وطلب العصى ليضربه، فخرج جماعة من الأجلاب من خچداشيته، وجذبوه من بين يدى السلطان، وتوجهوا به إلى الطبقة، ولم يتكلم السلطان بكلمة واحدة.
هذا والطاعون أمره في زيادة، فلما استهلّ جمادى الأولى الموافق لتاسع عشرين أمشير كان فيه التعريف: أعنى عدة من يرد اسمه الديوان من الأموات ستين نفرا، وهذا خلاف الأماكن المقدم ذكرها من البيمارستان والطرحى والقرافتين والصحراء ومصر وبولاق، وأما نواحى أرياف الوجه البحرى ففى زيادة، حتى قيل إنه كان يموت من خانقاه سريا قوس في اليوم ما يزيد على مائتى نفر، ووصل في هذه الأيام عدة من يموت بالمحلة الكبرى- إحدى قرى القاهرة «1» - كل يوم زيادة على مائتين وخمسين إنسانا، وهذا أمر كبير؛ كون أن المحلة وإن كانت مدينة هى قرية من القرى، ومثلها كثير من أعمال الديار المصرية.
غير أن ذلك كان نهاية الطاعون بها وابتداءه بالقاهرة؛ فإن الطاعون كان وقع بالأرياف قبل القاهرة بمدّة، فلما أخذ الطاعون في انحطاط من الأرياف أخذ في الزيادة بالقاهرة ومصر وضواحيها، كما هى عادة الطاعون وانتقاله من بلد إلى أخرى.
وفي يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى من سنة أربع وستين المذكورة أنعم السلطان(16/139)
على سودون الأفرم الظاهرى الواصل قبل تاريخه من البلاد الشامية بإمرة عشرة بعد موت الأمير أسندمر الجقمقى.
وفي هذا اليوم أيضا كان عدة من ورد التعريف «1» بهم من الأموات بالقاهرة فقط مائة وعشرة نفر ولها تفصيل- ما بين رجال ونساء وصبيان وموال- وليس لذكر التفصيل هنا محل.
وكان من شأن هذا الطاعون أنه ينقص في اليوم نقصا قليلا عن أمسه، ثم يزيد في الغد كثيرا إلى أن انتهى ونقص وهو على هذه الصفة.
وفي هذه الأيام بلغ عدة من يموت في اليوم بخانقاه سرياقوس أكثر من ثلاثمائة نفر، ويقول المكثر أربعمائة، وبالمحلة ثلاثمائة، وفي مدينة منف في يوم واحد نحوا من مائتين، وقس على هذا في سائر القرى، وهذا نهاية النهاية الآن.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى- يوم تنتقل الشمس فيه إلى برج الحمل- كان فيه عدة من ورد اسمه التعريف «2» مائة وسبعين نفرا، وجاء في هذا اليوم عدة من صلى عليه من الأموات بمصلاة باب النصر على حدتها مائة نفر، فكيف يكون التعريف كله مائة وسبعين، وبالقاهرة مصلوات كثيرة نذكرها بعد ذلك في محلها.
وأبلغ من هذا أن الأمير زين الدين الأستادار ندب جماعة من الناس بأجرة معينة إلى ضبط جميع مصلوات القاهرة وظواهرها، وكان ما حرروه ممن صلى عليه في اليوم ستمائة إنسان، فعلى هذا لا عبرة بذكر التعريف المكتتب من ديوان المواريث، غير أن فائدة ذكر التعريف تكون لمعرفة زيادة الوباء ونقصه لا غير، ففى ذكره فائدة ما.
وفي يوم الجمعة عشرين جمادى الأولى كان فيه التعريف مائتين وتسعة نفر.
ثم في يوم السبت حادى عشرينه أنعم السلطان على قانى باى الأشرفى المعروف بأخى قانصوه النّوروزى بإمرة عشرة بعد موت الأمير يشبك الظاهرى.(16/140)
ثم في يوم الخميس سادس عشرينه استقر الأمير برسباى البجاسى حاجب الحجاب أمير آخور كبيرا بعد موت يونس العلائى بالطاعون، واستقر سودون الإينالى المؤيدى المعروف بقراقاش في حجوبية الحجاب عوضا عن برسباى البجاسى المقدم ذكره.
وفيه أيضا أنعم السلطان بإقطاع يونس العلائى على الأمير جرباش المحمدى أمير مجلس، وأنعم بإقطاع جرباش المذكور على الأمير جانبك الظاهرى نائب بندر جدّة، وصار جانبك من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، وذلك زيادة على ما بيده من التحدث على بندر جدّة، بل على جميع الأقطار الحجازية، والإقطاع الذي استولى عليه الأمير جرباش، والذي خرج عنه كلاهما تقدمة ألف، لكن متحصل خراجهما يتفاوت.
وفي يوم الخميس هذا كان عدة من ورد اسمه الديوان من الأموات نحوا من مائتين وخمسة وثلاثين نفرا، وكان عدة المضبوط بالمصلاة ألفا ومائة وثلاثة وخمسين نفرا، وذلك خارج عما ذكرنا من مصر وبولاق والقرافتين والصحراء والأوقاف وزاوية الخدّام خارج الحسينية.
وفي يوم السبت ثامن عشرين جمادى الأولى المقدم ذكرها أستقرّ الشهابى أحمد بن قليب «1» أستادار السلطان بمدينة طرابلس في حجوبية حجاب طرابلس، زيادة على ما بيده من الأستادارية وغيرها، وكانت ولايته للحجوبية بعد موت خشقدم الأرنبغاوى «2» دوادار قانى باى الحمزاوى:
ثم استهل جمادى الآخرة- أولها يوم الثلاثاء- وقد كثر الوباء بالديار المصرية، وانتشر بها وبظواهرها، هذا مع الغلاء المفرط في الأسعار وظلم المماليك الأجلاب، فصارت الناس بين ثلاثة أمور عظيمة: الطاعون، والغلاء، والظلم، وهذا من النوادر- وقوع الوباء والغلاء معا في وقت واحد- فوقع ذلك وزيد ظلم الأجلاب، ولله الأمر.(16/141)
وكان التعريف في هذا اليوم ثلاثمائة وستة عشر نفرا، وكان الذي حرروه في السبع عشرة مصلاة ألف إنسان وتسعمائة إنسان وعشرة، وأنكر ذلك غير واحد من الناس استقلالا، بل قال بعضهم وبالغ: بأن عدة من يموت في اليوم بالقاهرة أكثر من ثلاثة آلاف نفر، واعتل بقوله إن الذين ندبوا لضبط المصلوات اشتغل كل منهم بنفسه وبمن عنده وبغلمانه «1» ،
قلت: الصواب بل الأصح مقالة الثانى لما شاهدناه من كثرة الجنائز، وازدحام الناس بكل مصلاة- والله أعلم.
وأما أمر الغلاء ففى هذا الشهر أبيع فيه القمح كل إردب بستمائة درهم، والبطة من الدقيق العلامة بمائة وسبعين درهما، والرطل الخبز بأربعة دراهم، وهو عزيز الوجود بالحوانيت في كثير من الأوقات، والشعير والفول وكلاهما بأربعمائة درهم الإردب، وهما في قلة إلى الغاية والنهاية، والحمل التبن بأربعمائة درهم ولا بدّ له من حارس من الأجناد يحرسه من المماليك الأجلاب، هذا والموت فيهم بالجريف «2» - وصلوات الله على سيدنا عزرائيل- وما سوى ذلك من المأكل فسعره متحسن، لا كسعر الشعير والتبن والقمح والفول؛ كون هذه الأشياء يحتاج إليها الأجلاب، فيأخذونها بأبخس الأثمان، فترك الناس بيع هذه الأصناف إلا المحتاج، فعز وجودها لذلك.
ووقع للأجلاب في هذا الوباء أمور عجيبة؛ فإنهم لما فرغوا من أخذ بضائع الناس ظهر منهم في أيام الوباء أخذ إقطاعات الأجناد، فصاروا إذا رأوا شخصا على حانوت عطار أخذوه، وقالوا له: لعل الضعيف يكون له إقطاع، فإن كان له إقطاع عرفهم به؛ وإن لم يكن للضعيف إقطاع طال أمره معهم إلّا أن يخلصه منهم أحد من الأعيان.
ثم بدا لهم بعد ذلك أن كل من سمعوا له إقطاعا من أولاد الناس أو الأجناد القرانيص أخذوا إقطاعه، فإن كان صحيحا يرتجون مرضه، وإن كان ضعيفا ينتظرون(16/142)
موته، فعلى هذا الحكم خرج إقطاع غالب الناس- الحى والميت- حتى إنهم فعلوا ذلك بعضهم مع بعض، فصار السلطان والناس في شغل شاغل، لأن الأجلاب صاروا يزدحمون عليه لأخذهم إقطاعات الناس، وعند ما يتفرغ من المماليك الأجلاب يتظلم كل أحد إليه ممن خرج إقطاعه وهو في قيد الحياة، فلم يسعه إلا ردّه عليه، فصار الإقطاع يخرج اليوم ويردّ إلى صاحبه في الغد، فصار يكتب في اليوم الواحد عدة مناشير ما بين إخراج وردّ، واستمر الناس على ذلك من أوّل الفصل إلى آخره.
وأغرب من هذا أن بعض الأجلاب اجتاز في عظم أيّام الوباء بالصحراء، فحازى جنازة امرأة على نعشها طرحة زركش، فاختطفها وساق فرسه فلم يوقف له على أثر.
ووقع لبعض الأجلاب أيضا أنه صدف في بعض الطرقات جنازة وهو سكران، فأمره المدير بالوقوف لتمر الجنازة عليه، فحنق منه، وأراد ضرب المدير، فهرب منه، فضرب الميت على رأسه، وقد شاهد ذلك جماعة كثيرة من الناس.
وفيما حكيناه كفاية عن فعل هؤلاء الظّلمة- ألا لعنة الله على الظالمين.
وفي يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة وصل إلى القاهرة تغرى بردى الطيّارى الخاصكى المتوجه في الرّسلية إلى جزيرة قبرس، وصحبته جماعة كثيرة من ملوك الفرنج وأهل قبرس.
والقادمون من الفرنج على قسمين: فرقة تسأل إيقاء ملك قبرس على الملكة المتولية، وفرقة تسأل عزلها وتولية أخيها جاكم الفرنجى الذي قدم إلى القاهرة قبل تاريخه، فلم يبت السلطان الأمر من ولاية ولا عزل في هذا اليوم، وأحال الأمر إلى ما سيأتى ذكره.
وفي يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة المذكورة عظم الطاعون بالقاهرة وظواهرها، واختلفت كلمة الحسّاب؛ لاشتغال كل أحد بنفسه وبمن عنده، فمنهم من قال: يموت في اليوم أربعة آلاف إنسان، ومنهم من قال: ثلاثة آلاف وخمسمائة، وقاس(16/143)
صاحب القول الثانى على عدّة من صلّى عليه في هذا اليوم المذكور بمصلاة باب النصر، وقال: إن كل مائة ميت بمصلاة باب النصر بثلاثمائة وستين ميتا، وجاءت مصلاة المؤمنى في هذا اليوم أربعمائة وسبعة عشر ميتا، وهذا كله تقريبا لا تحريرا على الأوضاع.
ثم في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الآخرة عمل السلطان الموكب بالحوش السلطانى لأجل قصّاد الفرنج، وحضرت الفرنج وقبلوا الأرض ونزلوا أيضا على غير طائل.
وفي يوم الجمعة حادى عشره كان فيه التعريف مائتين وثمانين، وجاءت مصلاة باب النصر على حدتها خمسمائة وسبعين.
وفيه ضربت المماليك الأجلاب الوزير سعد الدين فرج بن النحّال ضربا مبرحا؛ لكونه لم يزد راتب لحمهم.
وفي يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة كان فيه التعريف نحو ثلاثمائة إنسان، منهم مماليك خمسة وسبعون، منهم خمسة وثلاثون من مماليك الأمراء وغيرهم، ومن بقى سلطانية، وأما الذي ضبط في هذا اليوم ممن صلى عليه من الأموات باثنتى عشرة مصلاة أربعة آلاف إنسان، وفي ذلك نظر؛ لأن مصلاة باب النصر وحدها جاءت في هذا اليوم خمسمائة وسبعين، ومصلاة البياطرة أربعمائة وسبعين، وجامع الأزهر ثلاثمائة وستة وتسعين، فمجموع هذه المصليات الثلاث من جملة سبع عشرة مصلاة أو أكثر ألف وأربعمائة وستة نفر، فعلى هذا كيف يكون جميع من مات في هذا اليوم أربعة آلاف؟! فهذا محال، وهذا خارج عن القرافتين والحسينية والصحراء وبولاق ومصر القديمة، إلا أن غالب من يموت صغار وعبيد وجوار.
غير أن هذا الطاعون كان أمره غريبا، وهو أن الذي يطعن فيه قلّ أن يسلم، حتى قال بعضهم: لعل إن من كل مائة مريض يسلم واحد، فأنكر ذلك غيره وقال: ولا كل ألف- مبالغة.(16/144)
وفي يوم الأربعاء سادس عشره- الموافق لرابع عشر برمودة- ارتفع الوباء من بولاق، وكان الذي مات بها في اليوم «1» ثلاثة نفر، وقيل سبعة وقيل عشرة.
هذا بعد أن كان يموت في اليوم «2» ثلاثمائة وأربعمائة، ويقول المكثر خمسمائة- فسبحانه وتعالى فاعلا مختارا يفعل في ملكه ما يشاء.
وأخذ الطاعون في هذه الأيّام يخف من ظواهر القاهرة، مثل الحسينيّة وغيرها، وعظم في القاهرة وما حولها من جهة الصّليبة والقلعة وقناطر السّباع، وكان الذي مات من المماليك الأجلاب الإيناليّة في هذا الطاعون- إلى يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة- ستمائة مملوك وثلاثين مملوكا. إلى لعنة الله وسقر، إلى حيث ألقت.
ومما وقع لى من أوائل هذا الفصل قولى على سبيل المجاز: [السريع]
قد جاءنا الفصل على بغتة ... مستجلبا حلّ مجدّ الطلب
من كثرة البغى وظلم بدا ... يخصه الله بمن كان جلب
وفي يوم الاثنين حادى عشرين جمادى الآخرة- الموافق لتاسع عشر برمودة، وهو أول خمسين «3» النصارى- فيه ظهر نقص الطاعون بالقاهرة، وكان ابتداء النقص من يومى الخميس والجمعة.
وفي يوم الاثنين هذا كان عدة من صلى عليه بمصلاة باب النصر ثلاثمائة وخمسين إنسانا، وبجامع الأزهر ستمائة إنسان، وهو أكثر ما وصل إليه العدة بالجامع المذكور، لأن غالب الطاعون الآن هو بالقاهرة، وكان عدّة من صلى عليه بمصلاة البياطرة مائتين وأربعة، وهو بحكم النصف مما كان صلى عليه بها قبل ذلك، وكان عدّة من صلى عليه بمصلاة المؤمنى مائتين وثمانين نفرا، وهو أقل من النصف أولا، ونحن نذكر- إن شاء الله تعالى- عدة هذه المصلوات في يوم الاثنين القابل؛ ليعلم الناظر في هذا الكتاب كيفية انحطاط الطاعون عند زواله من اليوم إلى مثله.(16/145)
فلما كان يوم الخميس ثامن عشرينه الموعود بذكره كان فيه عدّة من صلى عليه بمصلاة باب النصر مائة وتسعين، وبالجامع الأزهر زيادة على مائة وثلاثين، وبمصلاة البياطرة مائة وأربعة عشر، وبمصلاة المؤمنى مائة وسبعة وثلاثين، ونذكر- إن شاء الله تعالى- فى يوم الاثنين الآتى عدّة ذلك أيضا.
وفي يوم الأربعاء تاسع شهر رجب فيه فشا نقص «1» الطاعون، وانحط سعر الغلال، وظهر الشعير والتين والدريس لموت تلك الجبابرة الأجلاب.
وفيه طعن جامعه «2» ، ثمّ منّ الله تعالى بالعافية بعد أمور، ولله الحمد على المهلة.
وفي يوم الجمعة ثالث شهر رجب المذكور- الموافق لسلخ برمودة- لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكى المعتد لبسه لأيام الصيف.
ثم في يوم الاثنين سادسه كان فيه عدّة من صلى عليه من الأموات بمصلاة باب النصر مائة، وقيل تسعين، وبمصلاة البياطرة زيادة على الخمسين، وبمصلاة المؤمنى زيادة على التسعين:
ثم في يوم السبت حادى عشره استقر الأمير أرغون شاه الأشرفى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أستادار الصحبة السلطانية، بعد موت يشبك الأشرفى الأشقر.
ثم في يوم الاثنين ثالث عشر شهر رجب كان فيه عدّة من صلى عليه من الأموات بمصلاة باب النصر نحوا من خمسة وعشرين نفرا، وبمصلاة البياطرة ثلاثة وعشرين، وبالجامع الأزهر خمسة نفر، وبمصلاة المؤمنى نيفا وثلاثين نفرا، هذا والعلة موجودة في الأكابر والأعيان إلى آخر رجب.
ثم في يوم الثلاثاء رابع عشره استقر القاضى تقي الدين بن نصر الله ناظر ديوان المفرد عوضا عن الصاحب شمس الدين منصور [بن الصفى] «3» .(16/146)
وفيه استقر الشيخ سراج الدين [عمر] «1» العبادى الشافعى ناظر الأحباس بعد موت القاضى زين الدين عبد الرحيم العينىّ:
واستهل شعبان يوم الخميس وقد خفّ الطاعون من الديار المصرية بالكلية، فكان عدّة من مات في هذا الطاعون من المماليك الأجلاب الإينالية فقط ألفا وأربعمائة نفر- فالله يلحق بهم من بقى منهم- وهذا خلاف من مات في هذا الطاعون من المماليك السلطانية الذين هم من سائر الطوائف «2» .
ثم في يوم الثلاثاء سادس شعبان المذكور من سنة أربع وستين وقع في المملكة «3» أمر شنيع؛ وهو أن السلطان جمع أعيان الفرنج القبارسة في الملأ بالحوش السلطانى، وأراد بقاء الملكة صاحبة قبرس على عادتها، وخلع على قصادها أعيان الفرنج، واستقر تغرى بردى الطيّارىّ مسفرها، وعلى يده تقليدها وخلعتها.
وكان الفرنجى جاكم أخوها حاضر الموكب، وقد جلس تحت مقدمى الألوف، فعزّ عليه ولاية أخته وإبقاؤها على ملك الأفقسية من جزيرة قبرس مع وجوده، فقام على قدميه واستغاث، وتكلم بكلام معناه أنه قد جاء إلى مصر، والتجأ إلى السلطان، ودخل تحت كنفه، وله عنده هذه المدّة الطويلة، وأنه أحقّ بالملك من أخته وبكى، فلم يسمع السلطان له وصمم على ولاية أخته، وأمره بالنزول إلى حيث هو سكنه، فما هو إلا أن قام جاكم المذكور وخرج من باب الحوش الأوسط ثم خرج بعده أخصامه حواشى أخته، وعليهم الخلع السلطانية مدّت الأجلاب أيديها إلى أخصام جاكم من الفرنج، وتناولوهم بالضرب(16/147)
والإخراق، وتمزيق الخلع، واستغاثوا بكلمة واحدة، أنهم لا يريدون إلا تولية جاكم هذا مكان والده، وعظمت الغوعاء، فلم يسع السلطان إلا أن أذعن في الحال بعزل الملكة وتولية جاكم، فتولى جاكم على رغم السلطان بعد أن أمعنوا المماليك الأجلاب في سب الأمير بردبك الدّوادار الثانى، وقالوا له: «أنت إفرنجى «1» وتحامى للفرنج» فاستغاث بردبك المذكور، ورمى وظيفة الدّوادارية، وطلب الإقالة من المشى في الخدمة السلطانية، فلم يسمع له السلطان، وفي الحال خلع على جاكم، ورسم بخروج تجريدة من الأمراء إلى غزو قبرس، تتوجّه مع جاكم المذكور إلى قبرس، حسبما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى في وقته.
وفي يوم الاثنين ثانى عشره رسم السلطان باستقرار الأمير قراجا الظاهرى الخازندار حاجب الحجّاب- كان- أتابك عساكر دمشق بعد موت الأمير علّان المؤيّدى بمال وعد به نحو عشرة آلاف دينار.
وفي يوم السبت سابع عشره استقرّ القاضى ولى الدين أحمد ابن القاضى تقي الدين محمد البلقينى «2» قاضى قضاة دمشق الشّافعيّة بعد عزل القاضى جمال الدين يوسف الباعونى «3» .
وفيه استقرّ القاضى زين الدين أبو بكر بن مزهر ناظر الجيوش المنصورة بعد عزل القاضى برهان الدين إبراهيم الدّيرى.
وفي يوم الأحد ثامن عشره عرض السلطان المماليك السلطانية بالحوش، وعيّن منهم جماعة للجهاد: أعنى للسفر صحبة جاكم الفرنجى إلى قبرس، وقد تعيّن من يسافر إلى قبرس من الأمراء قبل ذلك.(16/148)
وفيه ورد الخبر من مكّة المشرّفة بموت الأمير برشباى الإينالى المؤيدى رأس المماليك المجاورين بها، فأنعم السلطان بإقطاعه في يوم الثلاثاء على دولات باى «1» الأشرفى السّاقى، وعلى خيربك من حديد الأشرفى الدّوادار، نصفين بالسّويّة، لكل منهما إمرة عشرة.
واستهلّ شهر رمضان- أوله الجمعة- فى يوم السبت ثانيه خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهرى أحد أمراء مقدمى الألوف بسفره إلى بندر جدّة على عادته في كل سنة، وخرج من الغد متوجها إلى جدّة في غاية التجمل والحرمة.
وفي يوم الثلاثاء خامس شهر رمضان المذكور عيّن السلطان الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى أمير سلاح إلى سفر الوجه القبلى؛ لقتال العرب الخارجة عن الطاعة، وعيّن معه مائتى مملوك، وسافروا يوم الثلاثاء ثانى عشره.
وفي هذا الشهر قوى الاهتمام بسفر المجاهدين، وقاست الناس من أعوان سنقر الزّردكاش شدائد يطول الشرح في ذكرها، حتى قال بعض الشعراء الموالة بلّيقا، تعرّض فيه لظلم سنقر الزّردكاش وحواشيه، بقوله:
قبل الغزا جاهد في الناس ... فصار الظلم أنواع وأجناس
من طلب هذا الغزا واحتاج لواس
ووقع بسبب عمارة هذه المراكب مظالم لا تحصى، من قطع أشجار الناس عسفا، وأخذهم ما يحتاجون إليه ظلما، وزاد ظلم سنقر هذا على الناس حتى جاوز الحد، فلا جرم أن الله تعالى عامله بعد ذلك من جنس فعله في الدنيا، بما قاساه من النفى والحبس وأخذ المال، مع الذل والهوان والصغار، وحلّ به كل مصيبة، حتى أحرقت داره بجميع ما فيها، ثم نهب ما فضل من الحريق، وتشتّت في البلاد على أقبح وجه، هذا في الدنيا وأما الأخرى فأمره إلى الله تعالى.(16/149)
وفي يوم الأحد أول شوال عيّن السلطان الأمير كزل السودونى المعلّم، والأمير برسباى الأشرفى الأمير آخور للتوجّه إلى الإسكندرية وصحبتهما مائة وخمسون مملوكا من المماليك السلطانية، لأخذ ما هناك من المراكب، والتوجّه بها إلى ثغر دمياط من البحر الملح، ليكون سفر جميع المجاهدين من مينة واحدة، وهى مينة دمياط.
ثم في يوم الأربعاء رابع شوال أنفق السلطان في المجاهدين من المماليك السلطانية، للفارس والراجل سواء، لكل واحد مبلغ خمسة عشر دينارا، وأنفق على كل مملوك من المماليك الذين يتوجّهون مع كزل وبرسباى المقدم ذكرهما عشرة دنانير الواحد.
ثم في يوم الاثنين تاسعه نزل السلطان الملك الأشرف إينال في موكب هائل من قلعة الجبل بأمرائه وخاصكيته وأعيان دولته إلى جزيرة أروى المعروفة بالوسطى بساحل النّيل؛ لينظر ما عمّر من المراكب، فسار إلى هناك في موكب عظيم، ونظر المراكب، وخلع على سنقر قرق شبق الزّردكاش المقدّم ذكره، وعلى جماعة أخر ممن باشر عمل المراكب، ثم عاد من حيث جاء من قناطر السباع، فلم يبتهج الناس لنزوله، لعظم ما قاسوه من الظلم في عمل هؤلاء المراكب، من قلة الإنصاف والجور في حقّ العمال من أرباب الصنائع وغيرهم، ولولا أن الأمر منسوب إلى نوع من أنواع الجهاد لذكرنا من فعل سنقر هذا ما هو أقبح من أن نذكره.
ثم في يوم الثلاثاء سابع عشر شوال سافر المجاهدون في بحر النيل إلى ثغر دمياط، ومقدم العساكر يوم ذاك في البر الأمير يونس الأقبائى الدوادار الكبير، وفي البحر الأمير قائم من صفر خجا «1» المؤيدى التاجر أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، ومعهما بقية الأمراء، وهم: الأمير سودون الإينالى المؤيدى المعروف بقراقاش حاجب الحجاب وغيره، وخلع السلطان على هؤلاء الثلاثة المذكورين، وخلع أيضا على جاكم(16/150)
الفرنجى خلعة نخّ «1» بقاقم، ونزل جميع الغزاة في خدمتهم إلى بحر النيل، وسافر هؤلاء الأمراء الثلاثة إلى دمياط من يومهم، وبقى من عداهم يسافرون أرسالا في كل يوم، إلى يوم الثلاثاء القابل؛ لكثرة عدة العساكر.
وأما مقدار عدد من سافر في هذه الغزوة من الأمراء والجند فعدّة كبيرة.
فأولهم أمراء الألوف الثلاثة المقدم ذكرهم.
ثم من أمراء الطبلخانات ثلاثة أيضا، وهم: الأمير بردبك البجمقدار الظاهرى ثانى رأس نوبة، وجانبك من أمير الخازندار الأشرفى، ويشبك من سلمان شاه الفقيه المؤيّدى رأس نوبة.
ومن أمراء العشرات جماعة، وهم: جكم الأشرفى خال الملك العزيز يوسف، ودقماق اليشبكى، وكسباى الشّشمانى المؤيدى، وطوخ الأبوبكريّ المؤيدى رأس نوبة، وقانم نعجة الأشرفى رأس نوبة، وسنقر قرق شبق الأشرفى الزردكاش المقدم ذكره، وقراجا الأعرج الطويل أحد مماليك السلطان القديمة.
وأما المماليك السلطانية فعدتهم تزيد على خمسمائة نفر تخمينا.
وهذا خلا المطوّعة وغيرهم من الخدم والمراكبية وأنواعهم.
وفي يوم الخميس تاسع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل، وهو الأمير تمرباى من حمزة الناصرى المعروف بططر أحد أمراء العشرات، وأمير الركب الأوّل تنم الحسينى الأشرفى رأس نوبة.
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه أمسك السلطان زين الدين الأستادار، وجنزره «2» وحبسه بالبحرة من الحوش السلطانى، وندب الصاحب شمس الدين منصور [بن الصفى] «3» لمحاسبته فقامت المماليك الأجلاب على منصور حمية لزين الدين، فراج أمر زين الدين(16/151)
لذلك، لعلم الناس أن السلطان مسلوب الاختيار مع مماليكه الأجلاب، واستمر زين الدين بالبحرة إلى يوم الأحد، فأخرجه السلطان واستقرّ به أستادارا على عادته، ولبس خلعة الأستادارية من الغد في يوم الاثنين أول ذى القعدة.
ثم في يوم الأربعاء ثالث ذى القعدة وصل الأمير خشقدم أمير سلاح من الوجه القبلى بمن معه من المماليك السلطانية.
وفي يوم الأربعاء سابع عشره قتل ابن غريب البدوى.
وفي يوم الاثنين هرب زين الدين الأستادار واختفى بحيث إنه لم يعرف له مكان، واستقرّ الصاحب شمس الدين في الأستاداريّة عوضه.
[ما وقع من الحوادث سنة 865]
ثم استهلت سنة خمس وستين وثمانمائة
فكان أول المحرم الخميس.
ثم في يوم السبت ثالثه وصل الأمير جانبك الظاهرىّ أحد مقدّمى الألوف من بندر جدّة إلى الديار المصرية، بعد أن حجّ وحضر الموسم بمكة، وبات بتربة الملك الأشرف إينال بالصحراء، وطلع إلى القلعة من الغد في يوم الأحد، وخلع السلطان عليه ونزل إلى داره في موكب عظيم.
وفي يوم الخميس ثانى عشرين المحرّم وصل أمير الرّكب الأوّل الأمير تنم الحسينى الأشرفى، وخلع عليه السلطان، وأصبح في يوم الجمعة وصل أمير حاج المحمل تمر باى ططر بالمحمل، وخلع السلطان عليه أيضا.
وفي يوم الجمعة سلخ المحرم وصل إلى القاهرة جماعة من الغزاة وأخبروا أن العساكر الإسلامية بأجمعها خرجوا من جزيرة قبرس في يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم وساروا على ظهر البحر الملح يريدون السواحل الإسلامية، فهبّت عليهم ريح عظيمة شتّتت شملهم وتوجهوا إلى عدّة جهات بغير إرادة، وكانت مركب هؤلاء وصلت إلى ساحل الطينة،(16/152)
وأخبروا أيضا بموت الأمير سودون قراقاش حاجب الحجاب «1» ، ثم وصل من الغد بردبك عرب الأشرفى «2» الخاصكى، وأخبر بنحو ما أخبر به هؤلاء المماليك، وأعلم السلطان أيضا أن الأمير يونس الدّوادار ترك بجزيرة قبرس جماعة من المماليك السلطانية ومماليك الأمراء قوة لجاكم صاحب قبرس، وجعل مقدمهم جانبك الأبلق الظاهرى الخاصكى، وأن جماعة كبيرة توفوا إلى رحمة الله تعالى من عظم الوخم.
واستهل صفر يوم السبت.
ثم في يوم الأربعاء خامسه استقر الأمير كسباى المؤيدى السمين نائب القلعة في نيابة الإسكندرية بعد الأمير جانبك- نائب بعلبك- النّوروزى، فاستقر خير بك القصروى والى القاهرة نائب القلعة عوضا عن كسباى المذكور، بمال بذله في ذلك.
ثم في يوم الخميس سادس صفر استقرّ على بن إسكندر «3» والى القاهرة، واستقر تنم من نخشباى «4» الظاهرى الخاصكى المعروف برصاص في حسبة القاهرة، عوضا عن على بن إسكندر، وكلاهما ولى بالبذل، وتنم هذا هو أوّل تركى ولى الحسبة «5» بالبذل، ولم نسمع ذلك قبل تاريخه، لا قديما ولا حديثا.
وفي يوم الجمعة سابعه- الموافق لخامس عشرين هاتور- لبس السلطان القماش الصّوف الملوّن، المعتد لبسه لأيام الشتاء، وألبس الأمراء على العادة.
ثم في يوم السبت خامس عشره وصل المجاهدون جميعا إلى ساحل بولاق، وباتوا بالميدان الكبير عند بركة الناصرية، وطلعوا إلى القلعة من الغد في يوم الأحد، وقبلوا(16/153)
الأرض، وخلع السلطان على الأمير يونس الدّوادار أطلسين متمرّا، وفوقانيا بطرز زركش، كما هى عادة خلعة الأتابكية، فتعجّب الناس من ذلك، وقيّد له فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش.
ثم خلع على الأمير قانم المؤيدى أحد مقدمى الألوف فوقانيا بطرز زركش.
وكذلك خلع على جميع الباشات «1» من الأمراء.
ونزل الجميع في خدمة الأمير يونس الدّوادار إلى بيته تجاه الكبش «2» ، ثم عاد كل واحد إلى داره.
ثم في يوم الاثنين رابع عشرين صفر أنعم السلطان على الأمير يلباى الإينالى المؤيدى الأمير آخور الثانى بإمرة مائة وتقدمة ألف، بعد موت سودون قراقاش بقبرس، وأنعم بإقطاع يلباى المذكور- وهو إمرة طبلخاناه- على الأمير تمرباى من حمزة المعروف بططر، وأنعم بإقطاع تمرباى ططر على جانبك الأشرفى قلفسيز، فلم يقبله جانبك المذكور، وأنعم به على الأمير قانى بك السيفى يشبك بن أزدمر، وأنعم بإقطاع قانى بك المذكور- وهو إمرة عشرة أيضا- على دولات باى الخاصكى الأشرفى المعروف بدولات باى سكسن، أعنى ثمانين، ولم يكن دولات هذا أهلا لذلك، وإنما هى أرزاق مقسومة إلى البرّ والفاجر.
وفي يوم الخميس سابع عشرين صفر استقر الأمير بيبرس الأشرفى خال الملك العزيز يوسف حاجب الحجاب بالديار المصرية، عوضا عن سودون قراقاش بحكم وفاته بقبرس، واستقر الامير بردبك المحمدى الظاهرى الهجين الأمير آخور الثالث أمير(16/154)
آخور ثانيا عوضا عن الأمير يلباى المقدم ذكره، واستقر قراجا الطويل الأعرج الأشرفى أمير آخور ثالثا عوضا عن بردبك الهجين.
ثم في يوم الخميس رابع شهر ربيع الأول أستقر الأمير مغلباى طاز الأبوبكرى المؤيدى أمير حاج المحمل، واستقر تنبك البوّاب الأشرفى الخاصكى أمير الرّكب الأوّل.
ثم في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأوّل المذكور عمل السلطان المولد النبوى على العادة في كل سنة بالحوش السلطانى.
ثم سافر المقام الشهابى أحمد بن السلطان إلى السّرحة، ومعه أخوه محمد من الغد في يوم الاثنين ثامنه إلى جهة الوجه البحرى شرقا وغربا، وسافر معه جماعة من الأعيان وأمراء العشرات.
ثم في يوم الخميس سادس عشره استقرّ على بن الأهناسى وزيرا بعد استعفاء الصاحب فرج بن النحّال.
ثم في يوم السبت حادى عشرينه حبس السلطان القاضى صلاح الدين أمير حاج المكينى بحبس الرحبة، وسبب ذلك أنه كان استبدل وقفا فشكى عليه بسبب ذلك الوقف، فرسم السلطان بحبسه فحبس إلى آخر النهار، ثم أطلق من يومه بعد أن قرّر عليه بلغ من الذهب.
ثم في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر نودى بزينة القاهرة لقدوم أولاد السلطان من السّرحة، ووصلا في يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الآخر المذكور، وشقّا القاهرة في موكب هائل، وطلعا إلى القلعة، وخلع عليهما والدهما السلطان الملك الأشرف إينال، ثم نزلا في وجوه الدّولة إلى بيت «1» المقام الشهابى أحمد، وهو الأخ الأكبر، وأتابك العساكر بالديار المصرية.(16/155)
وفي يوم الاثنين خامس عشرينه استقرّ إينال الأشقر الظاهرى الخاصكى والى القاهرة بعد عزل على بن إسكندر.
واستهل جمادى الأولى يوم الخميس.
فى ثالثه يوم السبت مرض السلطان الملك الأشرف إينال مرض الموت، ولزم الفراش.
فلما كان يوم الاثنين خامسه وصل الأمير بردبك الدّوادار الثانى، والأمير ناصر الدين نقيب الجيش من الطّينة، وكان توجها قبل تاريخه لينظرا مكان البرج الذي يريدون عمارته هناك.
ثم في يوم الاثنين ثانى عشره أرجف بموت السلطان، ولم يصح ذلك، وأصبح الناس في هرج، وماجوا ووقف جماعة من العامة عند باب المدرّج- أحد أبواب القلعة- فنزل إليهم الوالى وبدّد شملهم.
ثمّ نودى في الحال بالأمان والبيع والشراء، وأن أحدا لا يتكلم بما لا يعنيه، فسكن الأمر إلى يوم الأربعاء رابع عشر.
فلما كان ضحوة يوم الأربعاء المذكور طلب الخليفة والقضاة الأربعة إلى القلعة، وطلعت الأمراء والأعيان، واجتمعوا الجميع بالدهيشة، فلم يشك أحد في موت السلطان «1» ، فلم يكن كذلك، بل كان الطلب لسلطنة المقام الشهابى أحمد قبل موته.
فلما تكامل الجمع خلع السلطان نفسه من السلطنة بالمعنى؛ لأنه ما كان إذ ذاك يستطيع الكلام، بل كلمهم بما معناه أن الأمر يكون من بعده لولده، فعلموا من ذلك أنه يريد خلع نفسه وسلطنة ولده، ففعلوا ذلك كما سيأتى ذكره في محله، فى أوّل ترجمة الملك المؤيد أحمد إن شاء الله تعالى.(16/156)
ومات الأشرف إينال في الغد حسبما نذكره.
وكانت مدة تحكم الملك الأشرف إينال هذا- من يوم تسلطن بعد خلع الملك المنصور عثمان إلى هذا اليوم، وهو يوم خلع نفسه من السلطنة- ثمانى سنين وشهرين وستة أيام.
ومات في يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى بعد خلعه بيوم واحد بين الظهر والعصر، فجهّز من وقته، وغسّل وكفن، وصلى عليه بباب القلة من قلعة الجبل، ودفن من يومه بتربته التي عمّرها بالصحراء، وقد ناهز الثمانين من العمر، وكان چاركسى الجنس، وقد تقدّم الكلام على أصله، وجالبه إلى القاهرة، وكيفية ترقيه إلى أن تسلطن فى أول ترجمته من هذا الكتاب.
وكانت صفته- رحمه الله- أخضر اللون للسمرة أقرب، طوالا، غالب طوله من وسطه ونازل، قصير البشت «1» ، رقيق الوجه نحيف اليد؛ لحيته في حنكه، وهى شعرات بيض، ولهذا كان لا يعرف إلا بإينال الأجرود، وفي كلامه رخو مع خنث كان في لهجته، ولهذا لما لبس السّواد خلعة السلطنة كان فيها غير مقبول الشكل، لكونه أسمر اللون، والخلعة سوداء، فلم تبتهج الناس برؤيته، ولذلك أسباب:
السبب الأول. ما ذكرناه من صفته وسواد الخلعة، والسبب الثانى وهو الأغلب لقرب عهد الناس من شكل الملك المنصور عثمان «2» الشكل الظريف «3» البهى، والفرق واضح لأن المنصور كان سنه دون العشرين سنة من غير لحية، وهو في غاية الحسن والجمال- أحسن الله عونه- والأشرف إينال هذا سنه فوق السبعين، وقد علمت صفته مما ذكرناه، فلا لوم على من لا يعجبه شكل الأشرف إينال ولا عتب، وكان له محاسن ومساوى، والأول أكثر.
فأما محاسنه، فكان ملكا جليلا، عاقلا رئيسا سيوسا، كثير الاحتمال، عديم(16/157)
الشّر، غير سبّاب ولا فحّاش في حال غضبه ورضاه، وكان عارفا بالأمور والوقائع والحروب، شجاعا مقداما، كثير التجارب للخطوب والقتال، عظيم التروى في أفعاله، ثابتا فى حركاته ومهماته، له معرفة تامة بملوك الأقطار في البلاد الداخلة في حكمه، وفي الخارجة عن حكمه أيضا، عارفا بجهات ممالكه شرقا وغربا، فهما بفنون الفروسية وأنواعها، لا يحبّ تحرك ساكن ولا إثارة فتنة، وعنده تؤدة في كلامه واحتمال زائد، يؤديه ذلك إلى عدم المروءة عند من لا يعرف طباعه، ومن محاسنه أنه منذ سلطنته ما قتل أحدا من الأمراء ولا من الأجناد الأعيان، على قاعدة من تقدمه من الملوك، إلا من وجب عليه القتل بالشرع أو بالسياسة، وأيضا أنه كان قليلا ما يحبس أحدا ولا ينفيه، سوى من حبس في أوائل دولته من أعيان الأمراء كما هى عوائد أوائل الدولة، ثم بعد ذلك لم يتعرض لأحد بسوء، إلا أنه نفى جماعة عندما ركبوا عليه ثانيا في حدود سنة ستين، وخلع الخليفة القائم بأمر الله حمزة بسبب موافقته لهم على قتاله، ثم حبسه بالإسكندرية، وهو معذور في ذلك، ولو كان غيره من الملوك لفعل أضعاف ذلك، بل وقتل منهم جماعة كثيرة، وبالجملة فكانت أيّامه سكونا وهدوءا ورياقة وحضور بال، لولا ما شان سؤدده [من] «1» مماليكه الأجلاب، وفسدت أحوال الديار المصرية بأفعالهم القبيحة، ولولا أن الله تعالى لطف بموته، لكان حصل الخلل بها، وربما خربت وتلاشى أمرها، هذا ما أوردناه من محاسنه، بحسب القوة والباعثة.
وأما مساوئه، فكان بخيلا شحيحا مسيكا، يبخل ويشح حتى على نفسه، وكان عاريا من العلوم والفنون المتعلقة بالفضائل، كان أميّا لا يعرف القراءة والكتابة حتى كان لا يحسن العلامة على المناشير والمراسيم إلا برسم الموقع له بالنقط على المناشير، فيعيد هو على النقط بالقلم.
هذا مع طول مكثه في السعادة والرياسة والولايات الجليلة ثم السلطنة، ومع هذا لم يهتد إلى معرفة الكتابة على المناشير ولا غيرها، فهذا دليل على بلادة ذهنه وجمود(16/158)
فكره، ولعله كان لا يحسن قراءة الفاتحة ولا غيرها من القرآن العزيز فيما أظن، وكانت صلاته للمكتوبات صلاة عجيبة، نقرات ينقر بها، لا يعبأ الله بها، وكان مع هذه الصلاة العجيبة لا يحب التملق، ولا إطالة الدّعاء بعد الصلاة، بل ربما نهى الداعى عن تطويل الدعاء، ولم يكن بالعفيف عن الفروج، بل ربما اتهمه بعض الناس بحب الوجوه الملاح والصباح من الغلمان- والله تعالى أعلم بحاله- إلا أنه كان يعف عن تعاطى المنكرات المسكرات.
وكان- فى الغالب- أموره وأحكامه مناقضة للشريعة، لا سيما لما أنشئت مماليكه الأجلاب، فإنهم قلبوا أحكام الشريعة ظهرا لبطن، وهو راض لهم بذلك، وكان يمكنه إرداعهم بكل ممكن، ومن قال غير ذلك فهو مردود عليه، وأحد أقوال الردّ عليه قول من يقول: فكيف سطوة السلطنة مع عدم «1» قوته لرد هؤلاء الشرذمة القليلة مع بغض العالم لهم، وضعفهم عن ملاقاة بعض العوام؟! فكيف أنت بهم وقد ندب لهم طائفة من طوائف المماليك؟! ومثل هذا القول فكثير، وأيضا رضاه بما فعله سنقر قرق شبق الزردكاش عند عمارته لمراكب الغزاة، لأن سنقر فعل أفعالا لا يرتضيها من له حظ في الإسلام، وكان يمكنه ردّه عن ذلك بكل طريق، بل كان يخلع عليه في كل قليل، ويشكر أفعاله، فرضاه بفعل مماليكه الأجلاب، وبفعل سنقر هذا وأشباه ذلك هو أعظم ذنوبه، وما ساء منه النّاس وأبغضته الخلائق وتمنوا زوال ملكه إلا لهذا المعنى، ومعنى آخر وهو ليس بالقوى وهو ثقل وطأة ولده وزوجته ومملوكه بردبك الدوادار.
قلت: والأصح عندى هو الذنب الأوّل، وأما هؤلاء فكان ثقلهم على مباشرى الدولة أو على من يسعى عندهم في وظيفة من ولاية أو عزل، أو أمر من الأمور، فعلى هذا كان ضررهم خصوصا لا عموما، وأيضا لا يشمل ضررهم إلا لمن جاء إلى بابهم(16/159)
أو قصدهم في حاجة دنيويّة، فهو أحق بما يحل به، لأنه هو الساعى في إيذاء نفسه، والمثل يقول: «من قتلته يديه لا بكاء عليه» .
نعم وكان من مساوئه مخافة السبل في أيامه بالقاهرة والأرياف، حتى تجاوز الحدّ، وعمّرت الناس على بيوتهم الدروب لعظم خوفهم من دقّ المناسر وقطّاع الطريق بالأرياف، مع أنه كان قاطعا للمفسدين، غير أن الحمايات كانت كثيرة في أيامه، وهذا أكبر أسباب خراب الدّيار المصرية وقراها، ومن يوم تجددت هذه الحمايات فسدت أحوال الأرياف قبليها وبحريها، وهذا البلاء ما كثر وفشا في الدّولة إلا بعد الدّولة المؤيّديّة شيخ، واستمرت هذه السنة «1» القبيحة إلى يومنا هذا، والعجب أنه ليس لها نفع على السلطان ولا على بلاده، وإنما هى ضرر محض على السلطان والناس قاطبة، والملك لا يلتفت إلى إزالتها، مع أنه لو منع ذلك لم يضر أحد من الناس، وانتفع الناس جميعا بمنعها، وعمرت غالب البلاد، وتساوت الناس، وبالمساواة تعمر جميع الممالك، غير أن الفهم والعقل والتدبير منح إلاهية، فلا يفيد الكلام في ذلك، ولله در القائل:
[الوافر]
. لقد أسمعت لو ناديت حيّا ... ولكن لا حياة لمن تنادى
ونار لو نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في الرماد
وقد خرجنا عن المقصود.
ولما كثر فساد المماليك الأجلاب عمل بعض الظرفاء بلّيقا «2» ، ذكر فيه أفعال الأجلاب ومساوئهم، واستطرد إلى إلى أن قال في آخره:
حاشا لله دوام هذى النقمه ... ونحن أفضل برية من أمه
نبينا ما حدّ مثلو(16/160)
أزاح عنا كيد الكفار ... وقد رمينا بيد الأشرار
فكل حد ماسك ديلو
متى يزيح عنا هذى الدولة ... ويحكم الناس من لوصوله
وترتاح البرية في عدلو
فالله بجاه سيد عدنان ... عوّض لنا منك بإحسان
هذا الجميل إننا أهلو
فو الله العظيم لم تمض عليه سنة بعد ذلك، بل ولا ستة أشهر حتى مرض ومات، فهذا ما ذكرناه من محاسن الملك الأشرف إينال ومساوئه، ونرجو الله تعالى أن يكون ذلك على الإنصاف لا على التحامل.(16/161)
[ما وقع من الحوادث سنة 857]
السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة سبع وخمسين وثمانمائة.
على أن الملك المنصور عثمان حكم منها إلى ثامن شهر ربيع الأول.
وفيها- أعنى سنة سبع وخمسين المذكورة- توفّى الشهابى أحمد ابن الأمير فخر الدين عبد الغنى بن عبد الرّزّاق بن أبى الفرج متولى قطيا، فى أوائل المحرم، وهو فى الكهولية.
وتوفّى السلطان الملك الظاهر أبو سعيد جقمق العلائى الظاهرى في ليلة الثلاثاء، ثالث صفر، ودفن من يومه حسبما تقدم ذكره في ترجمته مستوفاة في هذا الكتاب، فلتنظر في محله.
وتوفّى الأمير أسنبغا بن عبد الله الناصرى «1» الطيّارى رأس نوبة النوب في ليلة السبت سادس شهر ربيع الأول، فى أيام الفتنة، وهو في بيت الأمير قوصون، وعليه آلة السلاح، شبه الفجاءة، وكانت مدة مرضه يوما واحدا، وصلّى عليه الأتابك إينال العلائى بدار قوصون المذكورة، وجميع الأمراء وعليهم آلة السلاح، ثم حمل ودفن من يومه في الصحراء، ومات وهو في عشر الثمانين تخمينا، وكان من محاسن الدّنيا كرما وعقلا وشجاعة وتواضعا ومعرفة، كان كامل الأدوات، قلّ أن ترى العيون مثله- رحمه الله تعالى.(16/162)
وتوفّى الأمير جانبك بن عبد الله اليشبكى والى القاهرة، ثم الزردكاش، فى ليلة الخميس ثامن عشر شهر ربيع الأوّل، وهو في أوائل الكهولية، ودفن من الغد، وكان أصله من مماليك الأمير يشبك الجكمى الأمير آخور، ثم اتصل بعد موته بخدمة السلطان، ثم صار خاصّكيّا في الدولة الأشرفية برسباى، وصحب الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم ناظر الخواص، فروّجه في المملكة، حتى صار ساقيا في الدولة الظاهرية جقمق، ثم تأمر عشرة بعد مدة طويلة، وصار من جملة رءوس النوب، ثم استقر والى القاهرة، ثم أضيف إليه حسبة القاهرة في سنة أربع وخمسين، ثم انفصل من الحسبة، واستمر في الولاية سنين كثيرة، إلى أن نقل إلى وظيفة الزّردكاشيّة في الدولة المنصورية عثمان، بعد انتقال الأمير لاجين الظاهرى إلى شد الشراب خاناه، وتولى عوضه ولاية القاهرة يشبك القرمى الظاهرى، فلم تطل أيّامه زردكاشا، ومات فى أوائل الدولة الأشرفية إينال، حسبما تقدم وفاته؛ وكان مليح الشكل متجملا، «1» حسن المحاضرة «2» - رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين أرنبغا اليونسىّ الناصرى أحد مقدمى الألوف بالدّيار المصريّة في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الأوّل، وسنّه زيادة على السبعين، وأنعم السلطان بتقدمته على الأمير دولات باى المحمودى الدّوادار بعد مجيئه من السّجن بمدّة، وكان أرنبغا هذا تترىّ الجنس من مماليك الملك الناصر فرج، وهو أخو سونجبغا الناصرى، وأرنبغا هذا هو الأكبر، وتنقلت بأرنبغا هذا الأحوال إلى أن تأمّر في دولة الملك الأشرف برسباى عشرة، وصار من جملة رءوس النّوب، وطالت أيّامه، وحجّ وجاور في مكّة غير مرّة، ثم نقل في الدّولة الظاهريّة جقمق إلى إمرة طبلخاناه، ثم صار في أوائل دولة الأشرف إينال أمير مائة ومقدّم ألف، فلم تطل مدّته، ومات في التاريخ المقدم ذكره، وكان أميرا شجاعا مقداما عارفا(16/163)