إلى تيه بني إسرائيل وصار مع عرب تلك البلاد «1» ، وبلغ المغيث صاحب الكرك وصوله إلى تلك الجهة فخشي منه وأرسل إليه وقبض عليه وحمله إلى الشّوبك وأمر بحفر مطمورة ليحبسه فيها [وبقي الناصر ممسوكا والمطمورة تحفر قدامه ليحبس فيها] «2» ، فبينما هو على تلك الحال إذ ورد رسول الخليفة المستعصم من بغداد يطلبه لما قصده التتر ليقدمه على بعض العساكر [لملتقى التتر] «3» ، فلما ورد رسول الخليفة إلى دمشق جهز (هـ) الناصر يوسف إلى المغيث ووصل الرسول إلى الناصر داود قبل فراغ المطمورة فأخذه وعاد به إلى دمشق فبلغ الرسول باستيلاء التتر على بغداد وقتل الخليفة، فتركه الرسول ومضى (296) لشأنه، فسار الناصر داود إلى البويضاء من قرى دمشق وأقام بها، ولحق الناس بالشام في تلك المدة طاعون مات فيه الناصر داود، وخرج الناصر يوسف صاحب دمشق إلى البويضاء، وأظهر عليه الحزن والتأسف، ونقله إلى الصالحية فدفنه بتربة والده المعظم.
وكان الناصر داود فاضلا ناظما ناثرا وقرأ [العلوم] «3» العقلية على الشيخ شمس الدين عبد الحميد الخسرو شاهي «4» تلميذ الإمام فخر الدين الرازي، وللناصر داود المذكور أشعار جيدة، وقد تقدم ذكر بعضها «5» ، ومن شعره أيضا «6» : (الطويل)(27/369)
عيون عن السّحر المبين يبين ... لها عند تحريك القلوب سكون
تصول ببيض وهي سود حديدها «1» ... ذبول فتور والجفون جفون
إذا ما رأت قلبا خليّا من الهوى ... تقول له: كن مغرما فيكون
وله «2» : (الكامل)
طرفي وقلبي قاتل وشهيد ... ودمي على خدّيك منه شهود
أمّا وحبّك لست أضمر سلوة ... عن صبوتي [ودعي] «3» الفؤاد يبيد
منّي بطيفك بعد ما منع الكرى ... عن ناظريّ البعد والتّسهيد
ومن العجائب أن قلبك لم يلن ... لي، والحديد ألانه داود
ومما كتبه في أثناء مكاتبته إلى الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكان قد أغارت الفرنج على نابلس في أيام الصالح أيوب صاحب مصر: (الطويل)
(297) ألا «4» ليت أمي أيّم طول عمرها ... فلم يقضها ربي لمولى ولا بعل
ويا ليته لما قضاها لسيّد ... لبيب أريب طيب الفرع والأصل
قضاها من اللاتي خلقن عواقرا ... فما بشّرت يوما بأنثى ولا فحل
ويا ليتها لما غدت بي حاملا ... أصيبت بما احتقّت عليه من الحمل
ويا ليتني لما ولدت وأصبحت ... تشدّ إزاري كنت أرمحت بالرّحل «5»
لحقت بأسلافي فكنت ضجيعهم ... ولم أر في الإسلام بالله «6» من خلّ(27/370)
وفي هذه السنة، قصدت التتر ميّافارقين بعد ملكهم بغداد، وكان صاحب ميّافارقين حينئذ الملك الكامل محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب، وكان قد ملكها بعد وفاة أبيه سنة اثنتين وأربعين وست مئة، فحاصره التتر وضايقوا ميّافارقين مضايقة شديدة، وصبر أهل ميّافارقين مع الكامل المذكور على الجوع الشديد، ودام ذلك حتى كان منه ما سنذكره «1» إن شاء الله تعالى.
وفيها، اشتد الوباء بالشام خصوصا دمشق حتى لم يوجد مغسّل للموتى.
وفيها، أرسل الملك الناصر يوسف صاحب الشام ولده الملك العزيز محمد وصحبته زين الدين المعروف بالحافظي «2» ، وهو من أهل قرية عقرباء «3» من بلاد دمشق بتحف وتقدّم إلى هولاكو ملك التتر، وصانعه لعلمه بعجزه عن مقاومته.
وفيها، كان بين البحرية بعد هزيمتهم من المصريين وبين عسكر الناصر يوسف صاحب دمشق ومقدمهم الأمير (298) مجير الدين بن أبي زكرى «4» مصاف بظاهر غزة انهزم فيه عسكر الناصر يوسف وأسر مجير الدين، وقوي أمر البحرية بعد هذه الكسرة وأكثروا العبث والفساد.(27/371)
وفي سنة سبع وخمسين وست مئة «13»
سار عز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان ابنا كيخسرو بن كيقباذ إلى خدمة هولاكو وأقاما معه مدة، ثم عادا إلى بلادهما.
وفي هذه السنة، توفي بدر الدين لؤلؤ «1» صاحب الموصل، ولقبه الملك الرحيم، وكان عمره قد جاوز ثمانين سنة، ولما مات ملك بعده ولده الملك الصالح «2» الموصل، وملك سنجار ولده الآخر علاء الدين «3» ، وكان بدر الدين قد صانع هولاكو ودخل تحت طاعته، وحمل إليه الأموال، ووصل إلى خدمة هولاكو بعد أخذ هولاكو بغداد ببلاد أذربيجان، وكان صحب لؤلؤا الشريف العلوي ابن صلايا، فقيل إن لؤلؤا سعى به إلى هولاكو فقتل الشريف المذكور «4» ، ولما عاد لؤلؤ إلى الموصل لم يطل مقامه بها حتى مات، وطالت أيامه في ملك الموصل فإنه كان القائم بأمور أستاذه أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي ابن آقسنقر، وقام بتدبير ولده الملك القاهر، ولما توفي الملك القاهر في سنة خمس عشرة وست مئة انفرد لؤلؤ بالمملكة، وأقام ولدي القاهر الصغيرين واحدا بعد آخر، واستبد بملك الموصل وبلادها ثلاثا وأربعين سنة تقريبا، ولم يزل في ملكه(27/372)
سعيدا لم تطرقه آفة، ولم يختل لملكه نظام.
وفي هذه السنة لما جرى من البحرية ما ذكرناه من كسر عسكر الناصر يوسف، سار الناصر المذكور عن دمشق (299) بنفسه وعساكره، وسار في صحبته الملك المنصور صاحب حماة بعسكره إلى جهة الكرك على بركة زيزاء «1»
محاصرا للملك المغيث صاحب الكرك بسبب حمايته للبحرية، ووصل إلى الملك الناصر رسل المغيث صاحب الكرك والقطببة بنت الملك الأفضل قطب الدين بن الملك العادل «2» يتضرعون إلى الناصر ويطلبون رضاه عن الملك المغيث فلم يجب إلى ذلك إلا بشرط أن المغيث يقبض على من عنده من البحرية، فأجاب المغيث إلى ذلك، وعلم بالحال ركن الدين بيبرس البندقداري فهرب في جماعة من البحرية إلى الناصر يوسف فأحسن إليه، وقبض المغيث على من عنده من البحرية ومن جملتهم سنقر الأشقر «3» وسكز «4» وبرامق «4» وأرسلهم على الجمال إلى الملك الناصر فبعث بهم إلى حلب فاعتقلوا بها، واستقر الصلح بين الناصر وبين المغيث صاحب الكرك، وكان مدة مقام الناصر يوسف بالعساكر على بركة زيزاء ما يزيد على شهرين بقليل، ثم عاد إلى دمشق وأعطى للملك المنصور صاحب(27/373)
حماة دستورا فعاد إلى بلده.
وفي أواخر سنة سبع وخمسين في أوائل ذي الحجة قبض سيف الدين قطز على ابن أستاذه الملك المنصور نور الدين علي بن المعزّ أيبك وخلعه من السلطنة، وكان علم الدين الغتمي وسيف الدين بهادر وهما من كبار المعزية غائبين في رمي البندق، وانتهز قطز الفرصة في غيبتهما وفعل ذلك، ولما حضر الغتمي وبهادر المذكوران قبض عليهما أيضا، واستقر قطز في ملك الديار المصرية، وتلقب بالملك المظفر (300) وكان رسول صاحب الشام وهو كمال الدين بن العديم قد قدم إلى مصر في أيام المنصور علي بن المعز مستنجدا على التتر، واتفق خلع علي المذكور وولاية قطز بحضور كمال الدين بن العديم.
ولما استقر قطز في السلطنة أعاد جواب الملك الناصر أنه ينجده ولا يقعد عن نصرته، وعاد ابن العديم بذلك.
وفي هذه السنة، قصد هولاكو البلاد التي بشرقي الفرات، ونازل حران وملكها واستولى على البلاد الجزرية، وأرسل ولده شموط بن هولاكو إلى الشام، فوصل إلى ظاهر حلب في العشر الأخير من ذي الحجة هذه السنة، وكان الحاكم بحلب الملك المعظم توران شاه بن السلطان صلاح الدين نائبا عن ابن ابن أخيه الملك الناصر «1» ، فخرج عسكر حلب لقتالهم وخرج المعظم ولم يكن من رأيه الخروج وأكمن لهم التتر في الباب المعروف بباب الله وتقاتلوا عند بانقوسا «2»
فاندفع التتر قدامهم إلى أن خرجوا عن البلد، ثم عادوا إليها وهرب المسلمون(27/374)
طالبين المدينة والتتر يقتلون [فيهم] «1» حتى دخلوا البلد، واختنق في أبواب البلد جماعة من المسلمين، ثم رحل التتر إلى أعزاز فتسلموها بالأمان.
[ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وست مئة «13» ] «2»
ولما بلغ الناصر يوسف صاحب الشام قصد التتر حلب برز من دمشق إلى برزة «3» في أواخر السنة [الماضية] «2» ، وجفل الناس من بين يدي التتر، وسار الملك المنصور صاحب حماة إلى دمشق ونزل مع الناصر ببرزة وكان هناك مع الناصر يوسف بيبرس البندقداري من حين هرب من الكرك والتجأ إلى الناصر، واجتمع عند الناصر (301) على برزة أمم عظيمة من العساكر والجفال.
[ولما دخلت هذه السنة والملك الناصر على برزة بلغه] «4» أن جماعة من مماليكه قد عزموا على اغتياله والفتك به، فهرب من الدّهليز إلى قلعة دمشق وبلغ مماليكه [الذين] «2» قصدوا [ذلك] «2» علمه بهم فهربوا على حميّة إلى غزّة، وكذلك سار بيبرس البندقداري إلى غزّة، وأشاع المماليك الناصرية أنهم لم يقصدوا قتل الملك الناصر وإنما كان قصدهم أن يقبضوا عليه ويسلطنوا أخاه الملك الظاهر غازي بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين «5» لشهامته.(27/375)
ولما جرى ذلك هرب الملك الظاهر المذكور خوفا من أخيه الملك الناصر، وكان الظاهر المذكور شقيق الناصر وأمهما [أم ولد] «1» تركية ووصل الملك الظاهر إلى غزّة واجتمع عليه من بها من العسكر وأقاموه سلطانا، ولما جرى ذلك كاتب بيبرس البندقداري الملك المظفر قطز صاحب مصر، فبذل له الأمان ووعده [الوعود الجميلة] «1» ، ففارق بيبرس البندقداري الشاميين وسار إلى مصر في جماعة من أصحابه، فأقبل عليه الملك المظفر قطز وأنزله في دار الوزارة وأقطعه قليوب وأعمالها.
وفي سنة ثمان وخمسين في يوم الأحد تاسع صفر، كان استيلاء التتر على حلب، وسببه أن هولاكو عبر الفرات بجموعه ونازل حلب وأرسل هولاكو إلى الملك المعظم توران شاه نائب السلطنة بحلب يقول له: إنكم تضعفون عن لقاء المغل، ونحن قصدنا الملك الناصر والعساكر فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنّة، وبالقلعة (302) شحنّة ونحن نتوجه إلى العسكر، [فإن كانت الكسرة على الإسلام كانت البلاد لنا، وتكونوا قد حقنتم دماء المسلمين] «2» ، وإن كانت الكسرة علينا كنتم مخيرين في الشّحنتين إن شئتم طردتموهما وإن شئتم قتلتموهما، فلم يجب المعظم إلى ذلك، وقال: ليس لكم عندنا إلا السيف، وكان رسول هولاكو إليهم في ذلك صاحب أرزن الروم فتعجب من الجواب، وتألم من هلاك أهل حلب بسبب ذلك.
وأحاط التتر بحلب ثاني صفر، وهجموا التوامين في غد ذلك اليوم، وقتل من المسلمين جماعة كثيرة، وممن قتل أسد الدين بن الملك الزاهر بن صلاح(27/376)
الدين «1» ، واشتد (ت) مضايقة التتر للبلد، وهجموه من عند حمام حمدان في ذيل قلعة الشريف يوم الأحد تاسع صفر وبذلوا السيف في المسلمين، وصعد إلى القلعة خلق عظيم، ودام القتل والنهب من نهار الأحد المذكور إلى الجمعة رابع عشر صفر المذكور، فأمر هولاكو برفع السيف، ونودي بالأمان، ولم يسلم من أهل حلب إلا من التجأ إلى دار شهاب الدين بن عمرون «2» ، ودار نجم الدين أخي مردكين، ودار البازياد، ودار علم الدين قيصر الموصلي، والخانقاه التي فيها زين الدين الصوفي، وكنيسة اليهود، وذلك لفرمانات كانت بأيديهم، وقيل إنه سلم بهذه الأماكن [خمسون] «3» ألف نفس، ونازل التتر القلعة، وحاصروها وبها المعظم ومن التجأ إليها من العسكر، واستمر الحصار عليها إلى أن (كان) [ما سنذكره] «4» ، وكان قد تأخر بحماة الطواشي مرشد لما سار صاحب حماة (303) إلى دمشق، فلما بلغ أهل حماة فتح حلب توجه الطواشي مرشد من حماة إلى الملك المنصور صاحب حماة إلى دمشق، ووصل كبراء حماة إلى حلب ومعهم مفاتيح حماة وحملوها إلى هولاكو، وطلبوا منه الأمان لأهل حماة وشحنة يكون عندهم، فأمنهم هولاكو وأرسل إلى حماة شحنة رجلا أعجميا كان يدّعي أنه من ذرية خالد بن الوليد يقال له خسرو شاه، فسار إلى حماة وتولاها وأمن الناس، وكان بقلعة حماة مجاهد الدين قايماز أمير جندار فسلم القلعة إليه ودخل في طاعة التتر.(27/377)
ولما بلغ الملك الناصر بدمشق أخذ حلب رحل من دمشق وبمن معه من العساكر إلى الديار المصرية وفي صحبته الملك المنصور صاحب حماة وأقام بنابلس أياما ورحل عنها ونزلها الأمير مجير الدين بن أبي زكرى «1» والأمير علي ابن شجاع «2» ومعهما جماعة من العسكر، ثم سار الملك الناصر إلى غزّة فانضم إليه مماليكه الذين كانوا أرادوا قتله، وكذلك اصطلح معه أخوه المظفر غازي، وانضم إليه خلق عظيم، ووصل التتر إلى نابلس وكبسوا العسكر الذي بها وقتلوا الأمير مجير الدين والأمير علي بن شجاع وكانا أميرين جليلين فاضلين، وكان البحرية قد قبضوا عليهما واعتقلوهما بالكرك، وأفرج عنهما المغيث لما وقع الصلح بينه وبين الناصر.
ولما بلغ الملك الناصر وهو بغزّة ما جرى من كبسة التتر لنابلس رحل من غزّة (304) إلى العريش، وسير القاضي برهان الدين [الخضر] «3» رسولا إلى الملك المظفر يطلب منه المعاضدة، ثم سار الملك الناصر والمنصور صاحب حماة والعسكر ووصلوا إلى قطيا فجرى فيها فتنة بين التركمان والأكراد الشّهرزوريّة ووقع نهب في الجفّال وخاف الملك الناصر أن يدخل مصر فيقبض عليه، فتأخر في قطيا ورحلت العساكر والملك المنصور صاحب حماة إلى مصر، وتأخر مع(27/378)
الملك الناصر جماعة يسيرة منهم أخوه الظاهر والملك الصالح شير كوه صاحب حمص، وشهاب الدين القيمري، ثم سار الملك الناصر بمن تأخر معه إلى تيه بني إسرائيل، ولما وصلت العساكر إلى مصر التقاهم الملك المظفر قطز بالصالحية وطيّب قلوبهم، وأرسل إلى الملك المنصور صاحب حماة سنجقا والتقاه ملتقى حسنا وطيّب قلبه ودخل القاهرة.
وأما التتر، فإنهم استولوا على دمشق وعلى سائر الشام إلى غزّة واستقرت شحانيهم بهذه البلاد.
وأما قلعة حلب فوثب جماعة من أهلها في مدة الحصار على صفي الدين بن طرزة رئيس حلب، وعلى نجم الدين محمد بن عبد العزيز بن القاضي نجم الدين بن أبي عصرون فقتلوهما لأنهم اتهموهما بمواطأة التتر، ودام الحصار على القلعة نحو شهرين، ثم سلمت بالأمان في يوم الاثنين الحادي عشر من ربيع الأول هذه السنة.
ولما نزل أهلها بالأمان، وكان فيها جماعة من البحرية الذين (305) حبسهم الملك الناصر منهم سكز وبرامق وسنقر الأشقر فسلمهم هولاكو وباقي الترك إلى رجل مع التتر يقال له سلطان حق وهو من أكابر القفجاق هرب من التتر لما غلبت على القفجاق إلى حلب فأكرمه الملك الناصر فلم تطب له تلك البلاد وعاد إلى التتر، وأما العوام والغرباء فنزلوا إلى أماكن الحمى التي قدمنا ذكرها «1» ، وأمر هولاكو أن يمضي كل من سلم إلى داره وملكه وأن لا يعارض، وجعل النائب عماد الدين القزويني، ووصل إلى هولاكو على حلب الملك الأشرف صاحب حمص [موسى] «2» بن إبراهيم بن شير كوه، وكان قد انفرد الأشرف المذكور عن(27/379)
المسلمين لما توجه الناصر يوسف إلى جهة مصر، ووصل إلى هولاكو بحلب فأكرمه هولاكو وأعاد عليه حمص، وكان قد أخذها منه الناصر صاحب حلب في سنة ست وأربعين وست مئة وعوضه عنها تل باشر كما تقدم ذكره «1»
فعادت إليه في هذه السنة واستقر ملكه بها.
وقدم أيضا على هولاكو وهو نازل على حلب محيي الدين بن الزكي «2» من دمشق ومعه مفاتيحها، فأقبل عليه هولاكو وخلع عليه وولاه قضاء الشام، ولما عاد ابن الزكيّ المذكور إلى دمشق لبس خلعة هولاكو فكانت مذهبة وجمع الفقهاء وغيرهم من أكابر دمشق وقرأ عليهم تقليد هولاكو واستقر في القضاء.
ثم رحل هولاكو إلى حارم وطلب تسلمها، فامتنعوا أن يسلموها لغير فخر الدين «3» والي قلعة حلب فاحضره هولاكو (306) فسلموها إليه فغضب هولاكو [من ذلك] «4» وقتل أهل حارم عن آخرهم، وسبى النساء ثم رحل بعد ذلك وعاد إلى الشرق، وأمر عماد الدين القزويني «3» بالرحيل إلى بغداد فسار إليها وجعل مكانه بحلب رجلا أعجميا وأمر هولاكو بخراب أسوار قلعة حلب وإخراب أسوار المدينة فخربت عن آخرها، وأعطى هولاكو الأشرف موسى صاحب حمص الدستور ففارقه ووصل إلى حماة فنزل بدار المبارز «5» وأخذ في(27/380)
خراب سور حماة بتقدم هولاكو، إليه فخربت أسوارها واحترقت زردخاناتها وبيعت [الكتب] «1» التي في دار السلطنة بقلعة حماة بأبخس الأثمان.
وأما أسوار مدينة حماة فلم تخرب لأنه كان بحماة رجل يقال له إبراهيم ابن الفرنجية «2» ضامن الجهة المفردة بذل لخسرو شاه جملة كثيرة من المال، وقال:
الفرنج قريب منا بحصن الأكراد ومتى خربت أسوار المدينة [لا] «1» يقدر أهلها على المقام فيها فأخذ منه المال ولم يتعرض لخراب أسوار المدينة، وكان قد أمر هولاكو الملك الأشرف صاحب حمص بخراب قلعة حمص [أيضا] «3» فلم يخرب منها إلا شيئا قليلا لأنها مدينته.
وأما دمشق فإنهم لما ملكوا المدينة بالأمان لم يتعرضوا إلى قتل ولا نهب، وعصت عليهم قلعة دمشق فحاصرها التتر وجرى على أهل دمشق شدة عظيمة من عصيان القلعة، وضايقوا القلعة وأقاموا عليها المناجيق، ثم تسلموها بالأمان في منتصف جمادى الأولى من هذه السنة (307) ونهبوا جميع ما فيها، وجدّوا في خراب أسوار القلعة وإعدام ما بها من الزردخانات والآلات، ثم توجهوا إلى بعلبك ونازلوا قلعتها.
وفي هذه السنة، استولى التتر على ميّافارقين وقد تقدم ذكر نزولهم عليها في سنة ست وخمسين «4» ودام الحصار عليهم حتى فنيت أزوادهم وفني أهلها(27/381)
بالوباء وبالقتل، وصاحبها الملك الكامل محمد بن المظفر غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب [مصابر ثابت] «1» ، وضعف من عنده عن القتال فاستولى عليها التتر وقتلوا صاحبها الملك الكامل المذكور «2» وحملوا رأسه على رمح وطيف به في البلاد، ومروا به على حلب وحماة ووصلوا به إلى دمشق في سابع عشري جمادى الأولى، فطافوا به دمشق بالمغاني والطبول، وعلق الرأس المذكور في شبكة بسور باب الفراديس إلى أن عادت دمشق إلى المسلمين فدفن بمشهد الحسين داخل باب الفراديس وفيه يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله أبياتا منها «3» : (الخفيف)
ابن غازي غزا وجاهد قوما ... أثخنوا في العراق والمشرقين
طاهرا عاليا ومات شهيدا ... بعد صبر عليهم عامين
لم يشنه إذ طيف بالرأس منه ... وله أسوة برأس الحسين
ثم واروا في مسجد الرأس ذا ... ك الرأس واستعجبوا من الحالتين
وأما الملك الناصر يوسف فإنه لما انفرد عن العسكر من قطيا وسار (308) إلى تيه بني إسرائيل بقي متعجبا إلى أين يتوجه، وعزم على التوجه إلى الحجاز وكان له طبردار كردي اسمه حسين «4» فحسن له المضي إلى التتر وقصد هولاكو، فاغتر بقوله ونزل ببركة زيزاء، وسار حسين الكردي إلى كتبغا نائب هولاكو وعرفه بموضع الناصر، فأرسل كتبغا إليه وقبض عليه، وأحضره إلى عجلون(27/382)
وكانت بعد عاصية فأمرهم الملك الناصر بتسليمها فسلمت إليهم فهدموها، وكنا قد ذكرنا حصار التتر لبعلبك فتسلموها قبل تسليم عجلون وخربوا قلعتها أيضا.
وكان بالصّبيبة صاحبها الملك السعيد بن الملك العزيز بن العادل «1» فسلّم الصّبيبة إليهم، وصار الملك السعيد معهم وأعلن بالفسق والفجور وسفك دماء المسلمين.
وأما الملك الناصر يوسف فإن كتبغا بعث به إلى هولاكو فوصل إلى دمشق ثم إلى حماة وبها الملك الأشرف صاحب حمص فخرج إلى لقائه هو وخسرو شاه النائب بحماة ثم سار إلى حلب فلما عاينها الملك الناصر وما حل بها وبأهلها بكى وتألم وأنشد: (الطويل)
يعزّ علينا أن نرى ربعكم يبلى ... وكانت به آيات حسنكم تتلى
ثم سار إلى الأردو فأقبل عليه هولاكو ووعده برده إلى مملكته.
وفي خامس عشر شعبان، أخرج التتر من الاعتقال نقيب قلعة دمشق وواليها «2» وضربوا أعناقهما بداريّا واشتهر عند أهل دمشق خروج العسكر من مصر (309) لقتال التتر فأوقعوا بالنصارى وكان قد استطالوا على المسلمين(27/383)
بدق النواقيس وإدخال الخمر إلى الجامع فنهبهم المسلمون في سابع عشري رمضان، وأخربوا كنيسة مريم، وكانت كنيسة عظيمة، وكانت كنيسة مريم في جانب دمشق الذي فتحه خالد بن الوليد بالسيف فبقيت بيد المسلمين، وكان ملاصق الجامع كنيسة وهي من الجانب الذي فتحه أبو عبيدة بن الجراح بالأمان فبقيت بأيدي النصارى، فلما ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة خرب الكنيسة الملاصقة للجامع وأضافها إليه ولم يعوض النصارى عنها، فلما ولي عمر بن عبد العزيز عوضهم كنيسة مريم عن تلك الكنيسة، فعمروها عمارة عظيمة، وبقيت كذلك حتى خربها المسلمون في التاريخ المذكور.
وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان هذه السنة، كانت هزيمة التتر على عين جالوت وذلك لما اجتمعت العساكر الإسلامية بمصر عزم الملك المظفر قطز مملوك المعز أيبك على الخروج إلى الشام لقتال التتر، وسار من مصر بالعساكر الإسلامية وصحبته الملك المنصور محمد صاحب حماة وأخوه الأفضل علي وكان مسيره من الديار المصرية في أوائل رمضان من هذه السنة، ولما بلغ كتبغا [سير العساكر الإسلامية إليه صحبة الملك المظفر قطز] «1» سار بجموعه والتقى الجمعان في اليوم المذكور، فانهزمت التتر هزيمة قبيحة، وأخذتهم سيوف المسلمين وقتل مقدمهم كتبغا واستؤسر ابنه وتعلق من (310) سلم من التتر برءوس الجبال وتبعهم المسلمون فأفنوهم، وهرب من سلم إلى الشرق، وجرد قطز ركن الدين بيبرس البندقداري في أثرهم فتبعهم إلى أطراف البلاد، وكان أيضا في صحبة التتر الملك الأشرف موسى صاحب حمص ففارقهم وطلب [الأمان] «1» من المظفر قطز فأمنه، ووصل إليه فأكرمه وأقره على ما بيده وهو(27/384)
حمص ومضافاتها، وأما الملك [السعيد] «1» صاحب الصّبيبة فإنه أمسك أسيرا وأحضر إلى بين يدي المظفر قطز فأمر بضرب عنقه بسبب ما كان اعتمده من سفك الدماء والفسق «2» .
ولما انقضى أمر المصاف أحسن المظفر قطز إلى الملك المنصور صاحب حماة وأقره على حماة وبارين، وأعاد إليه المعرة وكانت في يد الحلبيين من حين استولوا عليها في سنة خمس وثلاثين وست مئة «3» وأخذ سلميّة منه وأعطاها لأمير العرب «4» ، وأتم الملك المظفر السير بالعساكر وصحبته الملك المنصور صاحب حماة حتى دخل دمشق وتضاعف شكر المسلمين لله تعالى على هذا النصر العظيم، فإن القلوب كانت يئست من النصر على التتر لاستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، ولأنهم ما قصدوا إقليما إلا فتحوه، ولا عسكرا إلا هزموه، فابتهجت الرعايا بالنصرة عليهم وبقدوم الملك المظفر قطز إلى الشام، وفي يوم دخوله دمشق أمر بشنق جماعة منتسبين إلى التتر فشنقوا، وكان من جملتهم حسين الكردي «5» طبردار الملك الناصر يوسف وهو الذي أوقع الناصر (311) في أيدي التتر، وفي هذه النصرة وقدوم قطز إلى الشام يقول بعض الشعراء «6» :
(الخفيف)
هلك الكفر في الشام جميعا ... واستجدّ الإسلام بعد دحوضه(27/385)
[بالمليك] «1» المظفّر الملك الأروع ... سيف الإسلام عند نهوضه
ملك جاءنا بحزم وعزم ... فاعتززنا بسمره وببيضه
أوجب الله شكر ذاك علينا ... دائما مثل واجبات فروضه
ثم أعطى قطز لصاحب حماة الدستور فقدم الملك المنصور قدامه مملوكه ونائبه مبارز الدين آقوش المنصوري إلى حماة، ثم سار الملك المنصور وأخوه الأفضل ووصلا إلى حماة، ولما استقر الملك المنصور بحماة قبض على جماعة كانوا مع التتر واعتقلهم، وهنأ الشيخ شرف الدين شيخ الشيوخ للملك المنصور بهذا النصر العظيم وبعودة المعرة بقصيدة منها: (الكامل)
رعت العدا فضمنت ثلّ عروشها ... ولقيتها فأخذت تلّ جيوشها
نازلت أملاك التتار فأنزلت ... عن فحلها قسرا وعن إكديشها
فغدا لسيفك [في رقاب كماتها] «2» ... حصد المناجل في يبيس حشيشها
فقت الملوك ببذل ما تحويه إذ ... ختمت خزائنها على منقوشها
وطويت عن مصر فسيح مراحل ... ما بين بركتها وبين عريشها
حتى حفظت على العباد بلادها ... من رومها الأقصى إلى أحبوشها
فرشت حماة لوطء نعلك خدّها ... فوطئت عين الشمس من مفروشها
(312) وضربت سكّتها التي أخلصتها ... عما يشوب النقد من مغشوشها
وكذا المعرة إذ ملكت قيادها ... دهشت سرورا صار في مدهوشها
طربت برجعتها إليك كأنما ... شربت «3» بخمرة كأسها أو حيشها
لا زلت تنعش بالنوال فقيرها ... وتنال أقصى الأجر من منعوشها(27/386)
وكان خسرو شاه قد سافر من حماة إلى جهة الشرق لما بلغه كسرة التتر ثم جهز الملك المظفر قطز عسكرا إلى حلب لحفظها، ورتب شمس الدين آقوش البرلي العزيزي «1» أميرا بالسواحل وغزّة، ورتب معه جماعة من العزيزية، وكان البرلي المذكور من مماليك الملك العزيز صاحب حلب وسار في جملة العزيزية مع ولده الملك الناصر إلى قتال المصريين، وخامر البرلي وجماعة من العزيزية على ابن أستاذهم الملك الناصر، وصاروا مع أيبك التركماني صاحب مصر، ثم إن المذكورين قصدوا اغتيال المعز أيبك المذكور، فعلم بهم فقبض على بعضهم وهرب بعضهم، وكان البرلي المذكور من جملة من سلم وهرب إلى الشام، فلما وصل إلى الملك الناصر اعتقله بقلعة عجلون، فلما توجه الملك الناصر بالعساكر إلى الغور مندفعا من بين يدي التتر أخرج البرلي المذكور من حبس عجلون وطيب خاطره، فلما هرب الملك الناصر من قطيا دخل شمس الدين البرلي إلى مصر مع باقي العساكر، فأحسن إليه قطز وولاه الآن السواحل وغزة، ثم إن الملك المظفر قطز فوض السلطنة بدمشق إلى الأمير علم الدين سنجر الحلبي وهو الذي (313) كان أتابك علي بن المعز أيبك، وفوض نيابة السلطنة بحلب إلى الملك السعيد بن بدر الدين لؤلؤ «2» صاحب الموصل، وكان المذكور قد وصل إلى الملك الناصر يوسف صاحب الشام ودخل مع العساكر إلى مصر وصار مع المظفر قطز ففوض إليه نيابة السلطنة بحلب، وكان سببه أن الملك الصالح بن لؤلؤ [أخاه] «3» قد صار صاحب الموصل بعد أبيه فولاه حلب ليكاتبه أخوه بأخبار التتر، ولما استقر السعيد المذكور في نيابة حلب سار سيرة رديئة، وكان دأبه(27/387)
التحيل على [أخذ] «1» أموال الرعية، ولما قرر الملك المظفر قطز المذكور الشام على ما شرحناه سار من دمشق إلى جهة الديار المصرية.
وكان قد اتفق بيبرس البندقداري الصالحي مع أنص «2» مملوك نجم الدين الرومي الصالحي «2» والهاروني «3» وعلم الدين صغن أغلي «2» على قتل المظفر قطز، وساروا معه يتوقعون الفرصة فلما صار قطز إلى القصير بطرف الرّمل وبينه وبين الصالحية مرحلة وقد سبق الدّهليز والعسكر إلى الصالحية فبينا قطز يسير إذ قامت أرنب بين يديه فساق عليها وساق هؤلاء المذكورون معه، فلما أبعدوا تقدم إليه أنص وشفع عند الملك المظفر في إنسان فأجابه إلى ذلك، فأهوى ليقبل يده وقبض عليها، فحمل عليه بيبرس البندقداري حينئذ وضربه بالسيف واجتمعوا عليه ورموه عن فرسه وقتلوه بالنشاب وذلك في سابع عشر ذي القعدة من هذه السنة، فكانت (314) مدة ملكه أحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما «4» ، وساق بيبرس وأصحابه بعد قتله حتى وصلوا إلى الصالحية، ولما وصل بيبرس المذكور هو والجماعة [قاتلو] «5» المظفر قطز إلى الدّهليز وكان عند الدّهليز نائب السلطنة فارس الدين آقطاي المستعرب وهو الذي صار أتابكا لعلي ابن المعز أيبك بعد الحلبي، فلما تسلطن قطز أقره على نيابة السلطنة، فلما وصل بيبرس البندقداري سألهم آقطاي وقال: من قتله منكم؟ فقال بيبرس: أنا، فقال:
يا خوند! اجلس في مرتبة السلطنة فجلس، واستدعيت العساكر للتحليف فحلفوا له في اليوم الذي قتل فيه قطز واستقر بيبرس في السلطنة وتلقب بالملك(27/388)
[القاهر ثم بعد ذلك غير لقبه وتلقب] «1» بالظاهر لأنه بلغه أن القاهر لقب غير مبارك ما لقب به أحد فطالت مدته، وكان الملك الظاهر المذكور قد سأل من قطز النيابة بحلب فلم يجبه إليها ليكون ما قدره الله تعالى.
ولما حلف الناس للملك الظاهر بالصالحية ساق في جماعة من أصحابه، وسبق العسكر إلى قلعة الجبل ففتحت له ودخلها واستقرت قدمه في المملكة، وكانت قد زينت مصر والقاهرة لقدوم قطز فاستمرت الزينة لسلطنة بيبرس في سابع عشر ذي القعدة.
وفي العشر الآخر من ذي القعدة، شرع الأمير علم الدين سنجر الحلبي نائب السلطنة بدمشق في عمارة قلعة دمشق وجمع لها الصناع وكبراء الدولة والناس وعملوا فيها حتى عملت النساء فيها، وكان عند الناس (315) بذلك سرور عظيم.
وفي العشر الأول [من ذي الحجة] «2» من هذه السنة، أعني سنة ثمان وخمسين جمع سنجر الحلبي الناس وحلفهم لنفسه بالسلطنة، فأجابه الناس إلى ذلك وحلفوا له، ولم يتأخر عنه أحد ولقب نفسه بالملك المجاهد، وخطب له بالسلطنة وضربت السكّة باسمه، وكاتب الملك المنصور صاحب حماة فلم يجبه، وقال صاحب حماة: أنا مع من يملك مصر كائنا من كان، وقد ذكرنا أن [الملك السعيد] «3» بن لؤلؤ صاحب الموصل كان قد أساء السيرة في حلب فأبغضه العسكر وبلغ الملك السعيد عود التتر إلى الشام وأنه قد وصل أولهم إلى البيرة فجهز إلى جهتهم جماعة قليلة من العسكر، وقدم عليهم سابق الدين أمير(27/389)
مجلس الناصري «1» فأشار عليه كبراء العزيزية والناصرية بأن هذا ما هو مصلحة وأن هؤلاء قليلون فيحصل الطمع بسببهم في البلاد، فلم يلتفت إلى ذلك وأصر على مسيرهم، فسار سابق الدين أمير مجلس بمن معه حتى قاربوا البيرة فوقع عليهم التتر فهرب منهم ودخل البيرة بعد أن قتل غالب من كان معه فازداد غيظ الأمراء على الملك السعيد بسبب ذلك فاجتمعوا وقبضوا عليه ونهبوا وطاقه، وكان قد برز إلى الباب المعروف بباب الله.
ولما استولوا على خزانته لم يجدوا فيها مالا طائلا فهددوه بالعذاب إن لم يقر لهم بماله، فنبش من تحت أشجار بباب الله خمسين ألف دينار مصرية ففرقت في الأمراء، وحمل الملك السعيد المذكور (316) إلى الشّغر وبكاس معتقلا، ثم [لما] «2» اندفع العسكر من بين التتر [أفرجوا عنه] «2» ، ولما جرى ذلك اتفقت الأمراء العزيزية والناصرية وقدموا عليهم الأمير حسام الدين الجو كندار [العزيزي «3» ، ثم سارت التتر إلى حلب فاندفع حسام الدين الجوكندار] «2»
بعسكره بين أيديهم إلى جهة حماة، ووصل التتر إلى حلب في أواخر هذه السنة وملكوها وأخرجوا أهلها إلى قرنبيا وهي مقر الأنبياء «4» فاختصرها العوام (إلى قرنبيا) ، ولما اجتمعوا في قرنبيا بذل التتر فيهم السيف فقتل أكثرهم وسلم القليل منهم، ووصل حسام الدين الجوكندار ومن معه إلى حماة فضيفه الملك(27/390)
المنصور محمد صاحب حماة وهو مستشعر خائف من غدرهم، ثم رحلوا من حماة إلى حمص، فلما قارب التتر حماة خرج منها الملك المنصور وبعده أخوه الملك الأفضل [إلى أن خرجت هذه السنة] «1» والأمير مبارز الدين وباقي العسكر واجتمعوا بحمص.
فلما كان يوم الجمعة خامس محرم سنة تسع وخمسين وست مئة «13»
وصل التتر إلى حمص، ووقع الاتفاق على لقائهم، فالتقوا بظاهر حمص في نهار الجمعة المذكور، وكانت التتر ثلاثة عشر ألفا بهادرية والمسلمون أقل من ألفي فارس، ففتح الله تعالى على المسلمين النصر وانهزمت التتر وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون كيف شاؤوا، ووصل المنصور إلى حماة بعد هذه الوقعة وانضم من سلم من التتر إلى باقي جماعتهم وكانوا نازلين قرب سلميّة، واجتمعوا ونزلوا على حماة وبها صاحبها المنصور وأخوه الأفضل والعسكر، وأقام التتر على حماة يوما واحدا ثم رحلوا عن حماة، وأراد المنصور (317) بعد رحيل التتر السير إلى دمشق فمنعوه العامة حتى استوثقوا منه أن يعود عن قريب، فسار هو وأخوه الأفضل في جماعة قليلة، وبقي الطواشي مرشد مع باقي الجماعة بحماة، ووصل المنصور إلى دمشق، وكذلك توجه الأشرف صاحب حمص إلى دمشق، وأما حسام الدين الجوكندار العزيزي فتوجه بمن معه ولم يدخل دمشق ونزل بالمرج ثم سار إلى مصر، وأقام صاحب حماة وصاحب حمص في دورهما بدمشق والحاكم بها يومئذ سنجر الحلبي الملقب بالملك المجاهد وقد اضطرب أمره، فلم يدخلا في طاعته لضعفه وتلاشي أمره.(27/391)
وأما التتر فساروا عن حماة إلى فامية، وكان قد وصل إلى فامية سيف الدين الدنبلي «1» الأشرفي ومعه جماعة، فأقام بقلعة فامية وقد بقي يغير على التتر فرحلوا عن فامية وتوجهوا إلى الشرق.
وفي هذه السنة أعني (سنة) تسع وخمسين جهز الظاهر بيبرس عسكرا مع علاء الدين البندقدار «2» لقتال علم الدين سنجر الحلبي المستولي على دمشق، فوصلوا إلى دمشق في ثالث عشر صفر، فخرج الخلق لقتالهم، وكان صاحب حماة وصاحب حمص بدمشق فلم يخرجا معه واقتتل معهم بظاهر دمشق فولى الحلبي وأصحابه منهزمين ودخل إلى قلعة دمشق، ثم هرب بالليل إلى بعلبك فتبعه العسكر وقبضوا عليه وحمل إلى الديار المصرية فاعتقل ثم أطلق، واستقرت دمشق في ملك الظاهر، وأقيمت له الخطبة بها وبغيرها من الشام مثل حماة وحلب وحمص وغيرها (318) ، واستقر أيدكين البندقدار الصالحي في دمشق لتدبير أمورها.
ولما استقر الحال على ذلك رحل المنصور والأشرف وعادا إلى بلديهما حماة وحمص.
وفي هذه السنة، ورد مرسوم الظاهر بالقبض على بهاء الدين بغدي الأشرفي «3» ، وعلى شمس الدين آقوش البرلي وغيرهما من العزيزية والناصرية، فبقي علاء الدين أيدكين البندقدار متوقعا ذلك، فتوجه بغدي إلى علاء الدين(27/392)
أيدكين فحال دخوله عليه قبضه فاجتمعت العزيزية والناصرية إلى آقوش البرلي وخرجوا من دمشق ليلا على حمية ونزلوا بالمرج، وكان البرلي قد ولاه المظفر قطز غزّة والسواحل، فلما جهز الظاهر البندقدار لقتال الحلبي أمر البرلي أن ينضم إليه، فسار البرلي مع البندقدار وأقام بدمشق، فلما قبض على بغدي خرج البرلي إلى المرج فأرسل البندقدار إلى البرلي يطيب قلبه ويحلف له فلم يلتفت إلى ذلك [وسار البرلي إلى حمص وطلب من صاحبها الأشرف موسى أن يوافقه على العصيان فلم يجبه إلى ذلك] «1» ثم توجه إلى حماة وأرسل يقول للمنصور صاحب حماة إنه لم يبق من البيت الأيوبي غيرك فقم لنصير معك ونملكك البلاد، فلم يلتفت المنصور إلى ذلك، ورد ردا قبيحا، فاغتاظ البرلي ونزل على حماة وأحرق زرع بيدر العشر، وسار إلى شيزر ثم إلى جهة حلب، وكان أيدكين البندقدار لما استقر بدمشق قد جهز عسكرا مع فخر الدين الحمصي «2» للكشف عن البيرة، فإن التتر كانوا قد نازلوها فلما قدم البرلي إلى حلب كان بها فخر الدين الحمصي المذكور فقال البرلي نحن في طاعة الظاهر [فتمضي إلى السلطان وتسأله أن يتركني ومن في صحبتي مقيمين بهذا الطرف ونكون تحت طاعته] «1» من غير أن تكلفنا (319) وطء بساطه، فسار الحمصي إلى مصر ليؤدي هذه الرسالة، فلما سار إلى مصر وخرج عن حلب تمكن البرلي في حلب، واحتاط على ما بها من الحواصل، واستبدّ بالأمر، وجمع العرب والتركمان واستعد لقتال عسكر مصر.
ولما توجه الحمصي لذلك التقى في الرّمل «3» جمال الدين المحمدي(27/393)
الصالحي «1» متوجها بمن معه من عسكر مصر لقتال البرلي فأرسل الحمصي عرف الظاهر برسالة البرلي، فأرسل الظاهر ينكر على فخر الدين الحمصي ويأمره بالانضمام إلى المحمدي والمسير لقتال البرلي فعاد من وقته، ثم رضي الظاهر عن علم الدين سنجر الحلبي وجهزه وراء المحمدي في جمع من العسكر، ثم أردفه بعز الدين الدّمياطي «2» في جمع آخر، وسار الجميع إلى جهة البرلي إلى حلب وطردوه عنها، وانقضت السنة والأمر على ذلك.
وفي هذه السنة لما بلغ هولاكو كسرة عسكره على عين جالوت ثم كسرته ثانيا على حمص غضب من ذلك، وأحضر الناصر يوسف وأخاه الظاهر غازي، وقال: أنت قلت إن عسكر الشام في طاعتك فغرّرت بي، وقتلت المغل، فقال الناصر: لو كنت بالشام ما ضرب أحد في وجه عسكرك بسيف، ومن يكون ببلاد توزير كيف يحكم على بلاد الشام، فاستوفى هولاكو ناصجا ورماه به، فقال الناصر: يا خوند! الصنيعة، فنهاه أخوه الظاهر غازي، وقال: قد حصرت، ثم رماه بآخر فقتله، وأمر بضرب رقاب الباقين، فقتل الظاهر «3» أخو الناصر، والصالح «4» بن صاحب حمص، والجماعة الذين كانوا معهم (320) واستبقوا العزيز بن الناصر «5» لصغره، فبقي عندهم مدة طويلة وأحسنوا إليه ثم مات،(27/394)
ووصل الخبر بذلك وعقد العزاء بجامع دمشق في سابع جمادى الأولى.
وكان هذا الناصر قد تولى مملكة حلب بعد موت أبيه العزيز وعمره سبع سنين «1» ، وأقامت جدته ضيفة خاتون بنت العادل بتدبير مملكته، واستقل بملك حران والرّها والرقّة ورأس عين وما مع ذلك من البلاد، ثم ملك حمص ودمشق وبعلبك والأغوار والسواحل إلى غزّة، وعظم شأنه، وكسر عساكر مصر، وخطب له بمصر وقلعة الجبل، وكان يذبح في مطبخه كل يوم أربع مئة رأس غنم، وكانت سماطاته وتجمله إلى الغاية القصوى، وكان حليما، وتجاوز به الحلم إلى حد أضرّ بالمملكة، فإنه لما أمنت قطاع الطريق في مملكته من القتل والقطع تجاوزوا الحد في الفساد، وانقطعت الطرق في أيامه وبقي لا يقدر المسافر على السفر من دمشق إلى حماة وغيرها إلا برفقة من العسكر، وكثر طمع العرب والتركمان في أيامه، [وكثرت الحرامية] «2» وكانوا يكبسون الزروع، ومع ذلك إذا حضر القاتل بين يدي الناصر المذكور يقول: الحي خير من الميت ويطلقه، فأدى ذلك إلى انقطاع الطرقات والسبل بالحراميّة، وكان هذا على ذهن الناصر المذكور شيء كثير من الأدب والشعر، وتروى له أشعار كثيرة، منها: (الطويل)
فوالله لو قطّعت قلبي تأسفا ... وجرّعتني كاسات دمعي دما صرفا
لما زادني إلّا هوى ومحبة ... ولا اتخذت روحي سواك لها إلفا
(321) وبنى بدمشق مدرسة قريبة من الجامع تعرف بالناصرية «3» ، وأوقف عليها وقفا جليلا، ووقف بالصالحية تربة غرّم عليها جملا مستكثرة فدفن فيها(27/395)
كرمون «1» وهو بعض أمراء التتر (كذا) ، وكانت منية الناصر ببلاد العجم، وكان مولد الناصر المذكور سنة سبع وعشرين وست مئة وعمره اثنتين وثلاثين سنة تقريبا.
وفي هذه السنة، في رجب قدم إلى مصر جماعة من العرب ومعهم شخص أسمر اللون اسمه أحمد زعموا أنه ابن الإمام الظاهر بالله محمد بن الإمام الناصر، وأنه خرج من دار الخلافة ببغداد لما ملكها التتر، فعقد الظاهر بيبرس مجلسا حضرته جماعة من الأكابر منهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام والقاضي تاج الدين عبد الوهاب بن خلف المعروف بابن بنت الأعز «2» ، فشهد أولئك العرب أن هذا الشخص المذكور هو ابن الإمام الظاهر فيكون عم المستعصم، وأقام القاضي جماعة من الشهود واجتمعوا بأولئك العرب وسمعوا شهاداتهم ثم شهدوا بالنسب بحكم الاستفاضة، فأثبت القاضي تاج الدين نسب أحمد المذكور ولقب:
المستنصر بالله أبا القاسم أحمد «3»
وبايعه الظاهر والناس بالخلافة، واهتم الظاهر بأمره، وعمل له الدهاليز والجمدارية وآلات الخلافة واستخدم له عسكرا، وغرّم على تجهيزه جملة طائلة قيل إنه ألف ألف دينار، وكانت العامة تلقب الخليفة المذكور بالزّرابيني. وبرز الظاهر والخليفة الأسود المذكور في رمضان هذه السنة وتوجها إلى دمشق(27/396)
(322) ، وكان في كل منزلة يمضي الظاهر إلى دهليزه الخاص به والخليفة إلى دهليزه، ولما وصلا إلى دمشق نزل الظاهر بالقلعة ونزل الخليفة بجبل الصالحية، ونزل حول الخليفة أمراؤه وأجناده، ثم جهز الخليفة بعسكره إلى بغداد طمعا في الاستيلاء عليها وإجماع الناس عليه، فسافر الخليفة وودعه الظاهر ووصاه بالتأني في الأمور، وعاد الظاهر من توديع الخليفة إلى دمشق، ثم سار إلى الديار المصرية ودخلها في سابع عشر ذي الحجة من هذه السنة، ووصلت إليه كتب الخليفة بالديار المصرية أنه قد استولى على عانة والحديثة وولى عليهما، وأن كتب أهل العراق وصلت إليه يستحثونه على الوصول إليهم، ثم قبل أن يصل إلى بغداد وصلت إليه التتر وقتلوا الخليفة المذكور وقتلوا غالب أصحابه، وجاءت الأخبار بذلك.
وفيها، لما سار الظاهر إلى الشام أمر القاضي شمس الدين بن خلّكان فسافر في صحبته من مصر إلى دمشق، وعزل عن قضاء دمشق نجم الدين بن صدر الدين بن سنيّ الدولة «1» ، وكان قطز قد عزل محيي الدين بن الزكي الذي ولاه هولاكو القضاء وولى ابن سني الدولة، فعزله الظاهر وولى القاضي شمس الدين ابن خلّكان.
وفيها، قدم أولاد صاحب الموصل، وهم الصالح إسماعيل والمجاهد إسحاق «2»
صاحب جزيرة ابن عمر ثم أخوهما المظفر علي «2» صاحب سنجار أولاد لؤلؤ، فأحسن الظاهر إليهم وأعطاهم الإقطاعات الجليلة بمصر، واستمروا في أرغد(27/397)
عيش في طول مدة الظاهر «1» .
وفيها، ورد الخبر (323) من عكّا أن سبع جزائر في البحر خسف بها وبأهلها، وبقي أهل عكّا لابسين السواد يبكون ويستغفرون بزعمهم.
وفيها، جهز الظاهر بدر الدين الأيدمري «2» فتسلم الشّوبك في سلخ ذي الحجة من هذه السنة أعني سنة تسع وخمسين وأخذها [من] «3» المغيث صاحب الكرك.
وفي سنة ستين وست مئة «13»
وفي نصف رجب، وردت جماعة من مماليك الخليفة المستعصم البغاددة وكانوا قد تأخروا في العراق بعد استيلاء التتر على بغداد، وقتل الخليفة، وكان مقدمهم يقال له شمس الدين سلّار فأحسن الظاهر ملتقاهم وعين لهم الإقطاعات بالديار المصرية.
وفيها في رجب، وصل إلى خدمة الظاهر بالديار المصرية عماد الدين بن مظفر الدين «4» صاحب صهيون رسولا من أخيه سيف الدين «5» صاحب(27/398)
صهيون وصحبته هدية جليلة، فتقبلها الظاهر وأحسن إليه.
وفيها، جهز الظاهر عسكرا إلى حلب ومقدمهم شمس الدين سنقر الرومي «1» فأمنت بلاد حلب وعادت إلى الصلاح، ثم تقدم الظاهر إلى سنقر الرومي وإلى صاحب حماة المنصور وإلى صاحب حمص الأشرف أن يسيروا إلى أنطاكية وبلادها للإغارة عليها، فساروا إليها ونهبوا بلادها وضايقوها، ثم عادوا وتوجهت عساكر مصر صحبة سنقر الرومي إلى مصر، ووصلوا إليها في تاسع عشري رمضان هذه السنة ومعهم أربع مئة أسير، فقابلهم (324) الظاهر بالإحسان والإنعام.
وفيها، لما ضاقت على آقوش البرلي البلاد، وأخذت منه حلب (و) لم يبق بيده غير البيرة دخل في طاعة الظاهر وسار إليه، فكتب الظاهر إلى النواب الإحسان إليه، ورتبت الإقامات له في الطرقات حتى وصل إلى الديار المصرية في ثاني (ذي) الحجة من هذه السنة فبالغ الظاهر في الإحسان إليه وتلقاه أحسن [تلقّ] «2» فسأل آقوش البرلي من الظاهر أن يقبل منه البيرة فلم يفعل وما زال يعاوده حتى قبلها وبقي البرلي المذكور مع الظاهر إلى أن تغير عليه وقبضه في رجب سنة إحدى وستين وست مئة، فكان آخر العهد به.
وفيها في ذي القعدة، قبض الظاهر على نائبه بدمشق وهو علاء الدين طيبرس الوزيري «3» ، وكان قد تولى دمشق بعد مسير علاء الدين أيدكين(27/399)
البندقدار عنها، وسبب القبض عليه أنه بلغ الظاهر عنه أمور كرهها فأرسل إليه عسكرا مع عز الدين الدّمياطي فلما وصلوا إلى دمشق خرج طيبرس لتلقيهم فقبضوا عليه وقيدوه وأرسلوه إلى مصر فحبسه الظاهر، واستمر الحاج طيبرس في الحبس سنة وشهرا، وكانت مدة ولايته بدمشق سنة وشهرا أيضا، وكان طيبرس رديء السيرة في أهل دمشق حتى نزح منها جماعة كثيرة من ظلمه، وحكم في دمشق بعد قبض طيبرس المذكور الحاج علاء الدين أيدغدي الركني «1» ، ثم استناب الملك الظاهر على دمشق الأمير جمال الدين آقوش النّجيبي الصالحي «2» .
وفيها في يوم الخميس آخر ذي الحجة، جلس الملك الظاهر مجلسا عاما وأحضر (325) شخصا كان قد قدم إلى الديار المصرية في سنة تسع وخمسين وست مئة من نسل بني العباس اسمه أحمد بعد أن أثبت نسبه [وبايعه بالخلافة] «3» ولقبه:
الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين «4»
وقد اختلف في نسبه، فالذي هو مشهور بمصر عند نسابة مصر أنه أحمد بن حسن بن أبي بكر بن الأمير أبي علي القبي بن الأمير حسن بن الراشد بن المسترشد [بن المستظهر] «4» .(27/400)
وأما عند الشرفاء العباسيين السلمانيين في درج نسبهم الثابت فقالوا: هو أحمد بن أبي علي بن أبي بكر بن أحمد بن الإمام المسترشد «1» .
ولما أثبت الملك الظاهر نسب المذكور تركه في برج محترزا عليه، وأشرك له في الدعاء في الخطبة حسب لا غير.
وفيها، جهز الملك المنصور صاحب حماة شيخ الشيوخ شرف الدين الأنصاري رسولا إلى الملك الظاهر، ووصل شيخ الشيوخ المذكور فوجد الملك الظاهر عاتبا على صاحب حماة لانشغاله عن مصالح المسلمين باللهو، وأنكر الملك الظاهر على شرف الدين ذلك، ثم انصلح خاطره وحمله ما طيّب به قلب صاحبه الملك المنصور، ثم عاد إلى حماة.
سنة إحدى وستين وست مئة إلى سنة سبعين وست مئة
(في سنة إحدى وستين وست مئة «13» )
في حادي عشر ربيع الآخر منها، سار الظاهر بيبرس من الديار المصرية إلى الشام فلاقته والدة المغيث عمر صاحب الكرك بغزّة وتوثقت لابنها المغيث من الظاهر بالأمان وأحسن إليها ثم توجهت إلى الكرك وتوجه صحبتها شرف [الدين] «2» الجاكي المهمندار برسم حمل الإقامات في الطرق (326) برسم المغيث، ثم سار الظاهر من غزّة ووصل إلى الطور في ثاني عشر جمادى الأولى(27/401)
من هذه السنة، ووصل إليه الأشرف موسى صاحب حمص في نصف الشهر المذكور فأحسن إليه الظاهر وأكرمه.
وفيها، كان قتل المغيث فتح الدين عمر بن العادل بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب «1» وسببه أنه كان في قلب الظاهر بيبرس منه غيظ عظيم لأمور كانت بينهما، قيل: إن المغيث المذكور أكره امرأة الظاهر لما قبض المغيث على البحرية وأرسلهم إلى الناصر يوسف صاحب الشام وهرب الظاهر المذكور وبقيت زوجته بالكرك والله أعلم بحقيقة ذلك، ولم يزل الظاهر يجتهد على حضور المغيث وحلف لوالدته على غزّة، وكان عند المغيث شخص يقال له الأمجد، وكان يبعثه في الرسلية إلى الظاهر، فكان الظاهر يبالغ في إكرامه وتقريبه فاغتر الأمجد بذلك، وما زال الأمجد على مخدومه المغيث حتى أحضره إلى الظاهر، فحكى شرف الدين بن مزهر «2» وكان ناظرا خزانة المغيث، قال:
لما عزم المغيث على التوجه إلى خدمة الملك الظاهر لم يكن قد بقي في خزانته شيء من المال غير القماش «3» ، وكان لوالدته حواصل في البلاد فبعناها بأربعة وعشرين ألف درهم، واشترينا باثني عشر ألفا خلعا من دمشق وجعلنا في صناديق الخزانة الاثني عشر [ألفا] «4» الأخرى، ونزل المغيث من الكرك وأنا والأمجد وجماعة من أصحابه في خدمته، قال: وشرعت البريدية (327) تصل إلى المغيث في كل يوم بمكاتبات الظاهر ويرسل صحبتهم مثل غزلان ونحوها(27/402)
والمغيث يخلع عليهم حتى نفد ما كان بالخزانة من الخلع، ومن جملة ما كتب إليه في بعض المكاتبات أن المملوك ينشد في قدوم مولانا: (الطويل)
خليليّ هل أبصرتما أو سمعتما ... بأكرم من مولى يمشي إلى عبد «1»
قال: وكان الخوف في قلب المغيث من الظاهر شديدا، قال ابن مزهر:
ففاتحني في شيء من ذلك بالليل، فقلت له: احلف لي أنك ما تقول للأمجد ما أقول لك حتى أنصحك، فحلف لي، فقلت له: اخرج الساعة من تحت الخيام واركب حجرتك النجيلة ولا يصبح لك الصباح إلا وأنت قد وصلت إلى الكرك فتعصى فيه وما تفكر في أحد، قال ابن مزهر: فغافلني وتحدث مع الأمجد في شيء من هذا، فقال له الأمجد: إياك من ذلك، وسار المغيث حتى وصل إلى بيسان، فركب الظاهر بعساكره والتقاه في يوم السبت سابع وعشري جمادى الأولى من هذه السنة، فلما شاهد المغيث الظاهر ترجل فمنعه الظاهر وأركبه وساق إلى جانبه وقد تغير وجه الظاهر، فلما قارب الدّهليز أفرد الملك المغيث عنه وأنزله في دهليز وقبض عليه وأرسله معتقلا إلى مصر وكان آخر العهد به، قيل إنه حمل إلى امرأة الظاهر بقلعة الجبل فأمرت جواريها فقتلنه بالقباقيب، ثم قبض الظاهر على جميع أصحاب المغيث ومن جملتهم ابن مزهر المذكور، ثم بعد ذلك أفرج عنهم «2» .
ولما التقى الظاهر المغيث (328) وقبض عليه أحضر الفقهاء والقضاة وأوقفهم على مكاتبات من التتر إلى المغيث المذكور وأجوبة عما كتب إليهم يطمعهم في ملك مصر والشام، وكتب بذلك مشروح وأثبت على الحكام،(27/403)
وكان للمغيث ولد يقال له العزيز «1» فأعطاه الظاهر إقطاعا بديار مصر وأحسن إليه، ثم جهز الظاهر بدر الدين البيسرى الشمسي «2» وعز الدين أستاذ دار «3» إلى الكرك فتسلماها في يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وستين، وسار الظاهر إلى الكرك ورتب أمورها، ثم عاد إلى الديار المصرية فوصل إليها في سابع عشر رجب «4» .
وفي هذه السنة أرسل الظاهر عسكرا هدموا كنيسة الناصرة وهي أكبر مواطن عبادة النصارى لأن منها خرج دين النصرانية وأغاروا على عكّا وبلادها فغنموا وعادوا.
ثم ركب الظاهر وكان نازلا على الطّور بنفسه وجماعته، وأغار ثانيا على عكّا، وهدم برجا كان خارج البلد.
ولما وصل الظاهر إلى مصر قبض على الرشيدي «5» في رجب، ثم قبض ثاني يوم على الدمياطي وسنقر.
وفي هذه السنة، توفي الأشرف موسى صاحب حمص بن المنصور إبراهيم بن المجاهد شير كوه بن محمد بن شير كوه «6» .(27/404)
لما عاد من خدمة الظاهر إلى حمص مرض واشتد مرضه وتوفي، وأرسل الظاهر من تسلم حمص في ذي القعدة من هذه السنة.
وهذا الأشرف آخر من ملك حمص من بيت شير كوه، وأخذ الناصر يوسف حمص منه بسبب (329) تسليمه سميمس إلى الملك الصالح أيوب صاحب مصر وأنه تعوض عن [حمص] «1» تل باشر، ثم أعاد هولاكو عليه حمص، فبقيت بيده حتى توفي وانتقلت إلى الظاهر.
وكان من جملة من ملك حمص منهم خمسة أولهم شير كوه بن شاذي ملّكه إياها نور الدين الشهيد، ثم ملكها بعده ابنه ناصر الدين محمد، ثم ملكها [بعده] «2» ابنه شير كوه، ثم ملكها [بعده] «2» ابنه [المنصور إبراهيم] «3» ، ثم ملكها [بعده ابنه] «2» الأشرف المذكور، وانقرض بموته ملك المذكورين.
وفي سنة اثنتين وستين وست مئة «13»
قبض الأشكري صاحب قسطنطينيّة على عز الدين كيكاوس [وسببه أن عز الدين كيكاوس] «4» المذكور [كان قد] «4» وقع بينه وبين أخيه «5» ، فاستظهر أخوه عليه فهرب كيكاوس وبقي صاحب بلد الروم أخوه ركن الدين قليج أرسلان في سلطنة بلاد الروم، ثم سار كيكاوس المذكور إلى قسطنطينيّة فأحسن(27/405)
إليه الأشكري وإلى من معه من الأمراء [واستمروا كذلك] «1» مدة، فعزمت [الأمراء و] «1» الجماعة الذين مع كيكاوس على اغتيال الأشكري وقتله والتغلب على قسطنطينيّة، وبلغ ذلك الأشكري فقبض عليهم واعتقل عز الدين [كيكاوس بن كيخسرو] «2» في بعض القلاع، وكحل [الأمراء وال] «3» جماعة الذين اعتزموا قتله فأعمى عيونهم.
وفي سنة ثلاث وستين وست مئة «13»
سار الظاهر من الديار المصرية بعساكره المتوافرة إلى جهاد الفرنج بالساحل، ونازل قيساريّة الشام في تاسع جمادى الأولى وضايقها وفتحها بعد ستة أيام من نزوله وذلك (330) في منتصف الشهر المذكور وأمر بها فهدمت، ثم سار إلى أرسوف ونازلها وفتحها في جمادى الآخرة من هذه السنة، وفي فتوح قيساريّة يقول ابن عبد الظاهر من قصيدة «4» : (البسيط)
نصبت للشّرك أشراكا فصدتهم ... لم يقدروا وهنا أن يقدروا هربا
قلعتهم بقلاع ظلت تهدمها ... أنت الذي تبتغي المسلوب لا السّلبا
إن أسرعوا ... «5» عنها فإنّهم ... حلّوا لها كلّ برج ظلّ منقلبا
تبّت يدا من غدا كفرا أبا لهب ... وتبّ لم يغن مال عنه قد كسبا(27/406)
إن الفتوحات لما رثّ ملبسها ... ... من برّ قيساريّة القشبا
في كل أرض جيوش قد بعثت بها ... حتى لقد أصبحت آياتها عجبا
أمطيتها.... تزهو السروج بها ... لا كل مستهجن يسهجن ...
كم قد قذفت شياطين العدو بها ... حتى أبصروا من شهبها شهبا
سبى أعنتها ملك ... ... قد أصبحت في الوغى راحاتها التعبا
لا يحسب الناس قيساريّة ضعفت ... أو أسلمت نفسها ...
لكنها بذيول النصر قد علقت ... وقد أتته لعكّا تطلب الحسبا
وارسوف جاءته لما حاز ... ما جاء محتطبا بل جاء محتطبا
ما كان من جرم رأي أن يرهما ... لا تقطع الرأس حتى تقطع الذنبا
فقل لحسّاده هذي صنائعه ... فمن يرى غيره يوما لها خطبا
(331) وفي تاسع عشر جمادى الآخرة، مات هولاكو ملك التتر، وهو هولاكو بن طلو بن جنكز خان، وكان موته بالقرب من كور (ة) مراغة، وكان مدة ملكه البلاد التي سنصفها نحو عشر سنين، وخلف خمسة عشر ولدا ذكرا، ولما مات جلس في الملك بعده ولده أبغا واستقرت له البلاد التي كانت بيد والده حال وفاته، وهي: إقليم خراسان وكرسيّه نيسابور، وإقليم عراق العجم وهو الذي يعرف ببلاد الجبل وكرسيّه أصفهان، وإقليم عراق العرب وكرسيّه بغداد، وإقليم أذربيجان وكرسيّه تبريز، وإقليم خورستان وكرسيّه تستر التي يسميها العامة تشتر، وإقليم فارس وكرسيّه شيراز، وإقليم ديار بكر وكرسيّه الموصل، وإقليم الروم وكرسيّه قونية وغير ذلك من البلاد التي ليست في الشهرة مثل هذه الأقاليم العظيمة.
وفيها، أو التي بعدها، أمسك الظاهر بيبرس زامل بن علي «1» أمير العرب(27/407)
بمكاتبة عيسى بن مهنّا في حقه.
وفيها، في رمضان استولى نائب الرحبة على قرقيسياء، وهي حصن الزباء «1» ، وفيه خلاف.
وفيها، قبض الظاهر على سنقر الرومي «2» .
وفي سنة أربع وستين وست مئة «13»
خرج الظاهر إلى الشام وجهز عسكرا إلى ساحل البحر ففتحوا القليعات «3»
وحلبا وعرقا «4» ، ونزل الظاهر على صفد ثامن شعبان وضايقها بالزحف وآلات الحصار، وقدم إليه وهو على صفد المنصور صاحب حماة، ولاصق الجند القلعة (332) ، وكثر القتل والجراح في المسلمين، وفتحها في تاسع عشر شعبان بالأمان، ثم قتل أهلها عن آخرهم.
ثم سار بعد ذلك إلى دمشق، فلما استقر فيها جرّد عسكرا ضخما وقدم عليهم المنصور صاحب حماة، وأمرهم بالمسير إلى بلاد الأرمن فسارت العساكر صحبة المنصور، ووصلوا إلى بلاد سيس في ذي القعدة من هذه السنة، وكان صاحب سيس إذ ذاك هيثوم [بن] «5» قسطنطين بن باسيل «6» قد حصن(27/408)
الدربندات بالرجالة والمناجيق وجعل عسكره مع ولديه على الدربندات لقتال العسكر الإسلامي فداستهم العساكر الإسلامية وأفنوهم قتلا وأسرا وقتل ابن صاحب سيس الواحد وأسر الآخر، وهو ليفون بن هيثوم «1» ، وانتشرت العساكر الإسلامية في بلاد سيس وفتحوا قلعة العامودين وقتلوا أهلها، ثم عادت العساكر وقد امتلأت أيديهم من الغنائم، ولما وصل خبر هذا الفتح إلى الظاهر رحل من دمشق إلى حماة ثم إلى فامية والتقى عساكره وقد عادت منصورة، وأمر بتسليم الأسرى وفيهم ليفون بن هيثوم صاحب سيس، وكان المذكور لما أسر سلمه المنصور إلى أخيه الأفضل فاحترز عليه وحفظه حتى أحضره بين يدي السلطان، ثم عاد إلى الديار المصرية على طريق الكرك، فتقنطر بالملك الظاهر فرسه عند بركة زيزاء وانكسرت فخذه وحمل في محفة إلى قلعة الجبل.
وفي هذه السنة، نزل الظاهر على قارا [بين دمشق وحمص] «2» لما خرج يلتقي عساكره [العائدة من غزوة بلاد سيس] «3» ، (و) أمر بنهب أهلها وقتل (333) كبارهم، فنهبوا وقتل منهم جماعة لأنهم كانوا نصارى يسرقون أولاد المسلمين ويبيعونهم خفية للفرنج وأخذوا صبيانهم مماليك فتربوا بين الترك بالبلاد المصرية وصار منهم أجناد وأمراء.
وفي سنة خمس وستين وست مئة «13»
وصل المنصور صاحب حماة إلى خدمة الظاهر بالديار المصرية فاجتمعا بالغرابي «3» ، وفي اجتماع الملك الظاهر وصاحب حماة بالغرابي قال ابن عبد(27/409)
الظاهر: (الخفيف)
بالغرابيّ إن تجمّع شملي ... ببواقي قفولكم وإيابي
فلكم بالغراب فرّق شمل ... وأرى جمع شملنا بالغرابي
ثم طلب دستورا بالتوجه إلى الإسكندرية ليراها فرسم له بذلك، وأمرت أهل الإسكندرية بإكرامه واحترامه وفرش الشقق بين يدي فرسه، فتوجه المنصور إلى الإسكندرية وعاد إلى الديار المصرية مكرما، وخلع عليه الظاهر على جاري عادته، وأعطاه دستورا فتوجه إلى بلده.
وفيها، توجه الظاهر إلى الشام فنظر في مصالح صفد، ووصل إلى دمشق وأقام بها خمسة أيام، وقوي الإرجاف بوصول التتر إلى الشام، ثم ورد الخبر بعودهم على عقبهم فعاد الظاهر إلى ديار مصر.
وفي هذه السنة، مات [بركة خان بن دوشي خان بن جنكز خان] «1» أعظم ملوك التتر، وكرسي مملكته مدينة صراي، وكان قد مال إلى دين الإسلام، ولما مات جلس في الملك بعده [ابن أخيه] «2» منكوتمر (334) بن طغان بن باطو ابن دوشي خان بن جنكز خان.(27/410)
وفي سنة ست وستين وست مئة «13»
في مستهل جمادى الآخرة، توجه الظاهر بيبرس بالعساكر المتوافرة إلى الشام، وفتح يافا في العشر الأوسط من الشهر وأخذها من الفرنج.
وفي أيام المقام بها يقول الفاضل أبو الفضل بن عبد الظاهر «1» : (الطويل)
حلى الله يافا أنها شرّ منزل ... بعيد عن الراحات والخبر نفعه
عقاربه من كثرة كذبابه ... وذبانه مثل العقارب لسعه
وسار إلى أنطاكية ونازلها في مستهل رمضان، ورجعت العساكر الإسلامية على أنطاكية فملكوها بالسيف في يوم السبت رابع رمضان هذه السنة وقتلوا أهلها وسبوا ذراريهم وغنموا منها أموالا جليلة، وكانت أنطاكية للبرنس بيمند ابن بيمند وله معها طرابلس وكان مقيما بها لما فتحت أنطاكية.
وفي حادي عشر رمضان «2» ، استولى الظاهر على بغراس، وسبب ذلك أنه لما فتح أنطاكية هرب أهل بغراس منها وتركوا الحصن خاليا فأرسل الظاهر من استولى عليها في التاريخ المذكور وشحنه بالرجال والعدد، وقد تقدم ذكر فتح صلاح الدين الحصن المذكور «3» وتخريبه ثم عمارة الفرنج له بعد صلاح الدين، ثم حصار عسكر حلب له ورحيلهم عنه بعد أن أشرفوا على أخذه.
وفيها في شوال، وقع الصلح بين الظاهر وبين هيثوم صاحب سيس على أنه إذا أحضر صاحب سيس سنقر الأشقر من التتر وكانوا (335) أخذوه من قلعة(27/411)
حلب لما أخذها هولاكو كما تقدم «1» ، وسلّم مع ذلك بهسنا ودربساك ومرزبان ورعبان وشيح الحديد «2» [يطلق] «3» له ابنه ليفون فدخل صاحب سيس على أبغا ملك التتر وطلب منه سنقر الأشقر فأعطاه إياه، ووصل سنقر الأشقر إلى خدمة الظاهر وتسلم المسلمون البلاد المذكورة سوى بهسنا، وأطلق الظاهر ليفون ابن صاحب سيس فتوجه إلى والده، وعاد الظاهر إلى الديار المصرية ووصل إليها في ذي الحجة هذه السنة.
وفيها، اتفق معين الدين سليمان البرواناه مع التتر المقيمين ببلاد الروم على قتل ركن الدين قليج أرسلان بن كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلوش بن أرسلان يبغو بن سلجوق سلطان الروم، فخنق التتر ركن الدين المذكور «4» ، وأقام البرواناه مقامه ولده غياث الدين بن ركن الدين «5» وعمره أربع سنين.
وفي سنة سبع وستين وست مئة «13»
خرج الظاهر إلى الشام وخيّم على خربة اللصوص، وتوجه إلى مصر في الخفية، ووصل إليها بغتة [وأهل مصر] «6» والنائب لا يعلمون ذلك إلّا بعد أن صار بينهم، ثم عاد إلى الشام.(27/412)
وفيها، تسلم الظاهر بلاطنس من عز الدين عثمان صاحب صهيون.
وفيها، توجه الظاهر بيبرس إلى الحجاز الشريف وكان رحيله من الفوّار خامس عشري شوال، ووصل الكرك وأقام به أياما، وتوجه من الكرك في سادس ذي القعدة إلى الشّوبك، ورحل من الشّوبك في حادي عشر الشهر (336) فوصل إلى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام في خامس عشريه، ووصل إلى مكة في خامس ذي الحجة وقضى مناسك الحج، ورحل من مكة في ثالث عشر ذي الحجة، ووصل الكرك في سلخ ذي الحجة.
وفي سنة ثمان وستين وست مئة «13»
توجه الظاهر بيبرس من الكرك مستهل المحرم عند عوده من الحج، فوصل إلى دمشق بغتة، وتوجه من يومه إلى حماة في خامس المحرم، وتوجه لساعته إلى حلب، ولم يعلم به العسكر إلا وهو معهم في الموكب، وعاد إلى دمشق في ثالث عشر المحرم، وتوجه إلى القدس ثم إلى القاهرة فوصل إليها ثالث صفر هذه السنة.
وفيها، عاد أيضا إلى الشام، وأغار على عكّا، وتوجه إلى دمشق ثم إلى حماة.
وفيها، جهز الظاهر عسكرا إلى بلاد الإسماعيلية فتسلموا مصياف في العشر الأول من رجب هذه السنة، وعاد الظاهر من جهة حماة إلى دمشق فدخلها في ثامن عشري رجب، ثم عاد إلى مصر.
وفيها، حصل بين منكوتمر بن طغان ملك التتر بالبلاد الشمالية وبين الأشكري صاحب قسطنطينيّة وحشة، فجهز منكوتمر إلى قسطنطينيّة جيشا من التتر وعاثوا في بلادها، ومروا بالقلعة التي فيها عز الدين كيكاوس بن(27/413)
كيخسرو ملك الروم محبوسا كما قدمنا في سنة اثنتين وستين وست مئة «1» ، فحمله التتر بأهله إلى منكوتمر فأحسن إليه منكوتمر، وأقام معه إلى أن توفي عز الدين المذكور في سنة سبع وسبعين وست مئة «2» ، فسار ابنه مسعود «3» إلى بلاد الروم وصار سلطانا.
وفيها، قتل أبو دبّوس (337) آخر ملوك بني عبد المؤمن، وانقرضت بموته دولتهم، وقد تقدم ذلك «4» ، وملكت بلادهم بعدهم بنو مرين على ما يذكر.
وفي سنة تسع وستين وست مئة «13»
توجه الظاهر من مصر إلى الشام ونازل حصن الأكراد في تاسع شعبان هذه السنة، وجدّ في حصاره، واشتد القتال عليه، وملكه بالأمان في رابع عشري شعبان، ثم رحل إلى حصن عكّار «5» ونازله في سابع عشر رمضان، وجدّ في قتاله وملكه بالأمان سلخ رمضان، وعيد الظاهر عليه عيد الفطر، وقال محيي الدين بن عبد الظاهر مهنئا بفتح عكّار: (مجزوء الرمل)
يا مليك الأرض بشرا ... ك فقد نلت الإراده
إن عكّار يقينا ... هي عكّا وزياده(27/414)
وفي شوال منها، تسلم الظاهر حصن العلّبقة «1» وبلادها من الإسماعيلية.
وفي آخر شوال «2» ، سار إلى حصن القرين «3» ونازله في ثاني ذي القعدة «4»
وزحف عليه وتسلمه بالأمان وأمر به فهدم، ثم عاد إلى مصر.
وفيها، جهز الظاهر شواني لغزو قبرس فتكسرت في مرسى اليميسوس، وأسر الفرنج من كان بتلك الشواني من المسلمين، واهتم الظاهر بعمارة شوان أخر، فعمل في المدة اليسيرة ضعف ما تهدم.
وفيها، توفي هيثوم بن قسطنطين «5» صاحب سيس، وملك بعده ابنه ليفون الذي كان أسره المسلمون حسبما ذكرناه «6» .
وفيها، قبض الظاهر على عز الدين بغان المعروف بسمّ الموت «7» وعلى المحمدي «8» وغيرهما «9» .(27/415)
وفي سنة سبعين وست مئة «13»
(338) توجه الظاهر إلى الشام وعزل جمال الدين آقوش النجيبي عن نيابة السلطنة بدمشق، وولى فيها عز الدين أيدمر الظاهري «1» ، وولى عوضه في الكرك علاء الدين أيدكين الفخري الأستاذ دار «2» في مستهل ربيع الأول، ثم توجه الظاهر إلى حمص، ثم إلى حصن الأكراد، ثم عاد إلى دمشق.
وفيها والظاهر في دمشق، أغارت التتر على عين تاب وعلى الرّوج وقسطون «3» إلى قرب فامية ثم عاد (وا) ، واستدعى الظاهر من مصر عسكرا فوصل إليه [صحبة] «4» بدر الدين البيسرى فتوجه الظاهر [بهم] «4» إلى حلب ثم عاد إلى الديار المصرية [فوصل إليها] «4» في [ال] «4» ثالث [والعشرين من] «4» جمادى الأولى.
وفي شوال، عاد الظاهر بيبرس من مصر إلى الشام «5» .(27/416)
سنة إحدى وسبعين وست مئة إلى سنة ثمانين وست مئة
(سنة إحدى وسبعين وست مئة) «13»
ثم عاد (الظاهر) في مستهل سنة إحدى وسبعين إلى مصر جريدة، وأقام بقلعة الجبل خمسة عشر يوما، ثم عاد إلى دمشق فوصل إليها في ثامن صفر.
وفيها، توفي [سيف الدين] «1» بن مظفر الدين عثمان بن [منكورس] «2»
صاحب صهيون، فسلّم ولداه سابق الدين وفخر الدين صهيون إلى الظاهر وقدما إلى خدمته فأحسن إليهما، وأعطى سابق الدين [إمرة] «3» طبلخاناة.
وفيها، نازل التتر البيرة ونصبوا عليها المناجيق وضايقوها، فسار إليهم الظاهر وأراد عبور الفرات إلى بر البيرة، فقابله التتر على المخاضة، فاقتحم الفرات وهزم التتر فرحلوا عن البيرة وتركوا آلات الحصار بحالها فصارت للمسلمين، ثم عاد (339) الظاهر إلى الديار المصرية في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة.
وفيها، أفرج عن الدّمياطي من «4» الاعتقال «5» .
وفيها، تسلمت نواب الظاهر ما تأخر من حصون الإسماعيلية وهي الكهف والمينقة والقدموس.(27/417)
وفيها، اعتقل الظاهر الشيخ خضر «1» ، وكان قد بلغ عند الظاهر أرفع منزلة، وانبسطت يده ونفذ أمره في الشام ومصر، فاعتقله في قاعة بمصر مكرما إلى أن مات.
وفي سنة اثنتين وسبعين وست مئة «13»
ملك يعقوب المريني سبتة، وهو يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن حمامة المريني «2» ، وبنو مرين ملكوا الغرب بعد بني عبد المؤمن وكان آخر من ملك من بني عبد المؤمن أبو دبّوس، وهذه القبيلة أعني بني مرين يقال لها حمامة من بين قبائل العرب بالمغرب، وكان مقامهم بالريف القبلي من تازة، وأول أمرهم أنهم خرجوا عن طاعة بني عبد المؤمن المعروفين بالموحدين لما اختل أمرهم، وتابعوا الغارات عليهم حتى ملكوا مدينة فاس واقتلعوها من الموحدين، في سنة بضع وثلاثين وست مئة، واستمرت فاس وغيرها في أيديهم أيام الموحدين.
وأول من اشتهر من بني مرين أبو بكر بن عبد الحق بن محيو بن حمامة المريني «3» ، وبعد ملكه [فاسا] «4» سار إلى جهة مراكش وضايق بني عبد المؤمن، وبقي كذلك حتى توفي المذكور سنة [ست] «5» وخمسين وست مئة.(27/418)
وملك بعده يعقوب بن عبد الحق وقوي أمره وحاصر أبا دبّوس في مراكش وملكها يعقوب المذكور وأزال ملك بني عبد المؤمن (340) حينئذ، واستقرت قدمه في الملك، وبقي مستقرا حتى ملك سبتة في هذه السنة.
ثم توفي، وملك بعده ولده يوسف بن يعقوب «1» وكنية يوسف المذكور أبو يعقوب، واستمر يوسف المذكور في الملك حتى قتل سنة ست وسبع مئة.
وفيها، وصل الظاهر بعساكره إلى دمشق، وكان الظاهر حبس [عمر] «2» بن مخلول أحد أمراء العربان بحبس عجلون فقيّد هناك وهرب من الحبس المذكور إلى بلاد التتر ثم أرسل يطلب الأمان، فقال الظاهر: ما أؤمنه حتى يعود إلى عجلون ويضع القيد في رجليه كما كان، فعاد [عمر] «2» المذكور إلى عجلون، ووضع القيد في رجليه، فعفى عنه الظاهر حينئذ.
وفيها، قويت أخبار التتر لقصد الشام وجفل الناس.
وفي سنة ثلاث وسبعين وست مئة «13»
توجه الظاهر إلى بلاد سيس بعساكره فغنم وعاد إلى دمشق حتى خرجت السنة، «3» وفي دخول الملك الظاهر سيس والشمع بأيدي الجند موقود قدامه، قال ابن عبد الظاهر: (السريع)(27/419)
ملك ترى عسكره موقدا ... شمعا به يرهج أو يبهج
قد ألجم الكفر بغاراته ... إذ أدهم الليل بها تسرج
وفي سنة أربع وسبعين وست مئة «13»
نازلت التتر البيرة، وكان اسم مقدمهم آقطاي، وكان الظاهر بدمشق فتوجه إلى البيرة فرحلت التتر عنها، ولاقى الظاهر الخبر برحيلهم وهو بالقطيفة «1» فأتم السير إلى حلب، ثم عاد إلى (341) مصر، وبعد وصوله جهز جيشا مع آق سنقر الفارقاني «2» وعز الدين أيبك الأفرم إلى النّوبة، فساروا إليها ونهبوا وقتلوا وعادوا بالغنائم «3» .
وفيها، كان زواج الملك السعيد بركة بن الظاهر بيبرس «4» بابنة الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي «5» غازية خاتون.
[وفيها] «6» في أواخر السنة، عاد الظاهر إلى الشام.(27/420)
[ثم دخلت سنة خمس وسبعين وست مئة «13» ]
فيها في المحرم، [وصل الملك الظاهر بيبرس إلى دمشق] «1» ، وكان بلغه ورود الأمراء الروميين الوافدين وهم بيجار الرومي «2» وبهادر «3» ولده وأحمد بن بهادر «4» وغيرهم، فسار الظاهر إلى جهة حلب والتقاهم وأكرمهم ثم عاد إلى الديار المصرية.
ولما كان يوم الخميس خامس عشر رمضان «5» من هذه السنة، خرج الظاهر من الديار المصرية، ووصل إلى حلب ثم إلى النهر الأزرق، ثم سار إلى البلستين فوصل إليها في ذي القعدة، والتقى بها جمعا من التتر مقدمهم تناون «6» ، فالتقى الفريقان في أرض البلستين يوم الجمعة عاشر ذي القعدة فانهزم التتر، وأخذتهم سيوف المسلمين وقتل مقدمهم تناون وغالب كبرائهم، وأسر منهم جماعة كثيرة صاروا أمراء، وكان من جملة المأسورين في هذه الوقعة سيف الدين قبجق «7»(27/421)
وسيف الدين سلّار «1» .
ثم سار الظاهر بعد فراغه من هذه الوقعة إلى قيساريّة واستولى عليها، وكان الحاكم بالروم يومئذ معين الدين سليمان البرواناه، وكان يكاتب الظاهر في الباطن، وكان يظن الظاهر أنه إذا وصل إلى قيساريّة يصل إليه البرواناه (342) على ما كان اتفق معه في الباطن، فلم يحضر البرواناه لما أراده الله تعالى من هلاكه، وأقام الظاهر على قيساريّة سبعة أيام في انتظار البرواناه وخطب له على منابرها، ثم رحل عنها في ثاني عشري ذي الحجة «2» ، وحصل للعسكر شدة عظيمة من نفاد القوت والعليق وعدمت غالب خيولهم ووصلوا إلى عمق حارم وأقاموا به شهرا.
ولما بلغ أبغا بن هولاكو ذلك ساق في جموع المغل حتى وصل إلى البلستين، ووجد عسكره صرعى ولم يجد أحدا من عسكر الروم مقتولا، فاستشاط غيظا وأمر بنهب الروم وقتل من به من المسلمين، فنهب وقتل منهم جماعة.
ثم سار أبغا إلى الأردو وصحبته معين الدين البرواناه، فلما استقر بالأردو أمر بقتل البرواناه فقتل «3» وقتل معه نيفا وثلاثين نفسا من مماليكه.
والبرواناه: لقب وهو الحاجب بالعجمي، وكان مقتله صبرا، وكان البرواناه(27/422)
المذكور عارفا بأمور المملكة ذا مكر ودهاء.
وفيها، توجه الظاهر من عمق حارم إلى دمشق.
وفي خامس المحرم من سنة ست وسبعين وست مئة «13»
وصل إلى دمشق ونزل بالقصر الأبلق، فلما كان يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم توفي الظاهر بدمشق وقت الزوال إلى رحمة الله تعالى عقيب وصوله من جهة بلاد الروم إلى دمشق، واختلف في سبب موته، قيل: إنه انكسف القمر كسوفا كليا، وشاع بين الناس أن ذلك لموت رجل جليل القدر، فأراد الظاهر أن يصرف التأويل إلى غيره، فاستدعى (343) بشخص من أولاد الملوك الأيوبية يقال له الملك القاهر من أولاد الناصر داود بن المعظم عيسى «1» ، وأحضر قمزا «2» مسموما وأمر السقاة بسقي الملك القاهر المذكور، وشرب الظاهر ناسيا بذلك الهناب «3» على إثر شرب القاهر، فمات القاهر عقيب ذلك.
وأما الظاهر فحصلت له حمّى محرقة وتوفي، وكتم مملوكه ونائبه بدر الدين بيليك «4» المعروف بالخزندار موته وصبّره وتركه بقلعة دمشق إلى أن استوت تربته «5» بدمشق فدفن فيها، وارتحل بدر الدين بيليك بالعساكر ومعهم المحفّة(27/423)
مظهرا أن الظاهر فيها، وأنه مريض، وكان الظاهر قد حلّف العسكر لولده بركة ولقبه الملك السعيد، وجعله ولي عهده، فوصل بيليك الخزندار بالعساكر والخزائن إلى الملك السعيد بقلعة الجبل، وعند ذلك أظهر موت الظاهر، وجلس ابنه الملك السعيد للعزاء واستقر في السلطنة.
ومدة ملك الظاهر نحو سبع عشر سنة وشهرين وعشرة أيام لأنه ملك في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وست مئة، وتوفي في سابع عشري المحرم سنة ست وسبعين، وكان ملكا جليلا شجاعا عاقلا مهيبا ملك الديار المصرية والشام وأرسل جيشا فاستولى على النّوبة، وفتح الفتوحات الجليلة مثل صفد وحصن الأكراد وأنطاكية وغيرها، وأصله مملوك قفجاقي الجنس سمعت أنه برجعلي وكان أسمر، أزرق العينين، جهوريّ الصوت، حضر هو ومملوك آخر مع تاجر إلى حماة، فاستحضرهما (344) المنصور محمد صاحب حماة ليشتريهما فلم يعجبه واحد منهما، وكان أيدكين البندقدار مملوك الصالح أيوب صاحب مصر قد غضب عليه الصالح أيوب فتوجه أيدكين إلى جهة حماة، فأرسل الصالح فقبض عليه واعتقله بقلعة حماة، فتركه المنصور صاحب حماة في جامع قلعة حماة، واتفق ذلك عند حضور الظاهر صحبة التاجر، فلما قلبه المنصور ولم يشتره أرسل أيدكين الصالحي وهو معتقل فاشتراه وبقي عنده، وأرسل الصالح وأفرج عن أيدكين من حماة وصحبته مملوكه الظاهر، وبقي مع أستاذه البندقدار مدة، ثم أحضره الصالح من البندقدار فانتسب الظاهر إلى الملك الصالح دون أستاذه، وكان يخطب له، وينقش على الدرهم والدينار بيبرس الصالحي.
وكان استقرار السعيد بركة في مملكة مصر والشام في أوائل ربيع الأول من(27/424)
هذه السنة، واستقل بيليك الخزندار في النيابة على ما كان عليه [مع والده] «1» ، واستمرت الأمور ولم تطل مدة السعيد ولا بيليك، فإن بيليك مات بعد ذلك بمدة يسيرة «2» قيل: حتف أنفه، وقيل: سمّ، والله أعلم، وتولى نيابة السلطنة بعده شمس الدين الفارقاني.
ثم إن السعيد خبط وأراد تقديم الأصاغر، وأبعد الأمراء الأكابر، وقبض على سنقر الأشقر والبيسرى، ثم أفرج عنهما بعد أيام يسيرة، ففسدت نيّات الأمراء الأكابر عليه.
وبقي الأمر كذلك حتى دخلت سنة سبع وسبعين وست مئة «13»
(345) فسار الملك السعيد إلى الشام وصحبته العساكر، فوصل إلى دمشق وجرّد منها العسكر صحبة قلاوون الصالحي، وجرّد أيضا صاحب حماة، فساروا ودخلوا إلى سيس وشنوا الغارة عليها وغنموا، ثم عادوا إلى جهة دمشق واتفقوا على خلع الملك السعيد من السلطنة لسوء تدبيره، وعبروا إلى دمشق ولم يدخلوها، فأرسل إليهم السعيد واستعطفهم ودخل عليهم بوالدته فلم يلتفتوا وأتموا السير، فركب السعيد وساق فسبقهم إلى مصر وطلع إلى قلعة الجبل، وسارت العساكر في أثره، وخرجت السنة والأمر على ذلك.
وفيها، توفي عز الدين كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلومش بن أرسلان بن سلجوق «3» عند منكوتمر ملك التتر بمدينة صراي، وكيكاوس المذكور هو الذي(27/425)
كان محبوسا بقسطنطينية [حسبما تقدم ذكر القبض عليه في سنة اثنتين وستين] «1» وذكر خلاصه واتصاله بملك التتر في سنة ثمان وستين «2» .
وخلف عز الدين المذكور ولدا اسمه مسعود، وقصد منكوتمر أن يزوجه بزوجة ابيه «3» كيكاوس، فهرب مسعود واتصل ببلاد الروم فحمل إلى أبغا فأحسن إليه وأعطاه سيواس وأرزن الروم وأرزنكان، واستقرت هذه البلاد لمسعود ابن عز الدين، ثم بعد ذلك جعلت سلطنة الروم باسم مسعود وافتقر جدا (346) وانكشف حاله، وهو آخر من سمي سلطانا من الملوك السلجوقية بالروم.
وفي سنة ثمان وسبعين وست مئة «13»
وصلت العساكر الخارجة عن طاعة بركة إلى الديار المصرية في ربيع الأول وحصروه بقلعة الجبل، وخامر عليه غالب من كان معه من الأمراء مثل لاجين الزبني «4» وغيره، وبقي يهرب [واحد] «5» بعد واحد من القلعة وينضم إلى العسكر المحاصر، فلما رأى السعيد ذلك أجابهم إلى الخلع من السلطنة، وأن يعطى الكرك فأجابوه إلى ذلك وأنزلوه من القلعة وخلعوه في ربيع الأول وسفروه من وقته إلى الكرك صحبة بيدغان الركني «4» وجماعة، فوصل إليها وتسلمها بما فيها من الأموال وكانت شيئا كثيرا.(27/426)
ولما جرى ذلك اتفق أكابر الأمراء مثل بدر الدين بيسرى الشمسي وبكتاش الفخري «1» وغيرهم على إقامة بدر الدين سلامش بن بيبرس «2» في المملكة ولقبوه العادل وعمره سبع سنين وسبعة شهور، وخطب له وضربت السكّة باسمه، وصار الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي أتابك العسكر.
ولما استقر ذلك جهز أتابك العسكر سنقر الأشقر وجعله نائب السلطنة بالشام، وكان العسكر لما خالفوا السعيد قبضوا على عز الدين أيدمر الظاهري نائب السلطنة بدمشق، وتولى تدبير أمور دمشق بعد أيدمر آقوش الشّمسي، فلما قدم سنقر الأشقر إلى دمشق فوض إلى آقوش الشّمسي نيابة (347) حلب، فسار وتولاها، واستمر الحال على ذلك مدة يسيرة.
فلما كان يوم الأحد الثاني والعشرون من رجب كان جلوس السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي في السلطنة بعد خلع سلامش وعزله.
ولما تولى المنصور أقام منار العدل، وأحسن سياسة الملك، وقام بتدبير السلطنة أحسن قيام.
فلما كان رابع عشري ذي القعدة جلس سنقر الأشقر بدمشق في السلطنة، وحلف له العسكر الذي بدمشق وتلقب بالكامل شمس الدين سنقر.(27/427)
وفيها، توفي السعيد بركة بن الظاهر «1» بالكرك بعد وصوله إليها بمدة يسيرة، وكان سبب موته أنه لعب بالكرة في ميدان الكرك فتقنطر به الفرس وحصل له بسبب ذلك حمّى شديدة، وبقي كذلك أياما يسيرة وتوفي وحمل إلى دمشق ودفن في تربة أبيه «2» .
ولما توفي السعيد اتفق من بالكرك وأقاموا موضعه أخاه نجم الدين خضر (ا) «3» ، واستقر بالكرك ولقبوه الملك المسعود.
وفي سنة تسع وسبعين وست مئة «13»
كانت كسرة سنقر الأشقر المستولي على الشام، وكان المنصور قلاوون قد جهز عساكر مصر مع علم الدين سنجر الحلبي، ومعه بدر الدين بكتاش أمير سلاح، وبدر الدين الأيدمري.
فسارت العساكر إلى الشام، وبرز سنقر بعساكر الشام إلى ظاهر دمشق، والتقى الفريقان في تاسع عشر صفر فولى الشاميون وسنقر [منهزمين] «4» ونهبت (348) العساكر المصرية أثقالهم، وكان المنصور قلاوون قد جعل غلامه لاجين السلحدار «5» نائبا بقلعة دمشق، فلما جلس سنقر في دست المملكة قبض(27/428)
على لاجين فلما هرب سنقر أفرج عنه، وكذلك سنقر اعتقل بيبرس الحلبي المعروف بالجالق «1» لأنه لم يحلف فأفرج عنه أيضا، وكتب الحلبي إلى المنصور، بالفتح واستقر حسام الدين المنصوري نائب السلطنة بالشام.
وأما سنقر الأشقر فإنه هرب إلى الرحبة وكاتب أبغا بن هولاكو ملك التتر وأطمعه في البلاد، وكان عيسى بن مهنّا ملك العرب مع سنقر وقاتل معه وكتب بذلك [إلى] «2» أبغا أيضا موافقته له، ثم سار سنقر من الرحبة إلى صهيون في جمادى الأولى واستولى عليها وعلى برزية وبلاطنس والشّغر وبكاس وعكّار وشيزر وفامية، وصارت هذه البلاد لسنقر الأشقر.
وفيها، جعل السلطان الملك المنصور قلاوون ولده الصالح علاء الدين [عليا] «3» ولي عهده، وسلطنه وركب بشعار السلطنة.(27/429)
وفيها، سار المنصور من الديار المصرية إلى غزّة، وكان التتر قد وصلوا إلى حلب فعاثوا ثم عادوا، فعاد السلطان إلى مصر في جمادى الآخرة.
وفيها، استأذن بلبان الطّبّاخي «1» أحد مماليك المنصور وكان نائبا بحصن الأكراد في الإغارة على بلد المرقب لما كان اعتمده أهلها من الفساد عند وصول التتر إلى حلب فأذن له في ذلك، فجمع الطّبّاخي عساكر الحصون وسار (349) إلى المرقب فاتفق هروب المسلمين ونزول الفرنج من المرقب، فقتلوا وأسروا من المسلمين جماعة.
وفي مستهل ذي الحجة خرج المنصور من مصر إلى الشام.
ودخلت سنة ثمانين وست مئة «13»
والسلطان بالروحاء «2» وأقام هناك مدة، وسار إلى بيسان فقبض على جماعة من الظاهرية وأعدم منهم جماعة، ثم سار السلطان ودخل إلى دمشق وأرسل عسكرا إلى شيزر وهي لسنقر الأشقر وجرى بينهم مناوشة، ثم ترددت الرسل بين السلطان وبين سنقر، واحتاج السلطان إلى مصالحته لقوة أخبار التتر ووقع بينهما الصلح على أن يسلّم شيزر إلى السلطان ويتسلم سنقر الشّغر وبكاس وكانتا قد ارتجعتا منه، فتسلم نواب السلطان شيزر وتسلم سنقر الشّغر وبكاس وحلفا على(27/430)
ذلك.
وفيها، استقر الصلح بين المنصور وبين خضر بن الظاهر [بيبرس صاحب الكرك] «1» .
وفي هذه السنة في شهر رجب، كانت الوقعة العظيمة بين المسلمين وبين التتر بظاهر حمص، وذلك أن أبغا بن هولاكو حشد وجمع وسار طالب الشام، ثم انفرد أبغا المذكور عنهم وسار إلى الرحبة وسير جيوشه [وجموعه] «1» إلى الشام، وقدم [عليها] «2» أخاه منكوتمر «3» فسار إلى حمص، وسار المنصور بالجيوش الإسلامية من دمشق إلى جهة حمص، وأرسل إلى سنقر يستدعيه بمن عنده من الأمراء والعسكر بحكم ما استقر بينهما من الصلح واليمين، فسار سنقر من صهيون (350) ، فلما وصل السلطان إلى ظاهر حمص [وصل] «4» إليه المنصور صاحب حماة بعسكره، ثم وصل سنقر بعسكره، ورتب السلطان العساكر ميمنة وميسرة، والتقى الفريقان بظاهر حمص في الساعة الرابعة من يوم الخميس رابع عشر رجب الفرد، وأنزل الله نصره على القلب والميمنة فهزموا من كان قبالتهم من التتر، وركبوا أقفيتهم يقتلون ويأسرون، وكان منكوتمر قبالة القلب فانهزم، وأما ميسرة المسلمين فإنهم انكشفوا عن مواقعهم وتم ببعضهم الهزيمة إلى دمشق، وساق التتر إثر المنهزمين حتى وصلوا إلى تحت حمص ووقعوا في السوقية وغلمان العسكر والعوام وقتلوا منهم خلقا كثيرا، ثم علموا بنصرة(27/431)
المسلمين وهزيمة جيشهم فولوا منهزمين على أعقابهم، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، وكانت عدة التتر نحو ثمانين [ألفا] «1» منهم خمسون ألفا من المغل والباقي مجمعة من أجناس مختلفة.
ولما وصل خبر هذه الكسرة إلى أبغا وهو على الرحبة يحاصرها رحل عنها على عقبه منهزما.
وكتب بهذا الفتح العظيم إلى البلاد الإسلامية فزينت لذلك، ثم إن المنصور أعطى الدستور للعساكر الشمالية فرجع المنصور محمد صاحب حماة إلى بلده، وسنقر إلى صهيون، وسار عسكر حلب إليها، وعاد السلطان إلى دمشق والأسرى والرءوس بين يديه، وسار إلى الديار المصرية كذلك مؤيدا منصورا.
فلما استقر بالديار المصرية (351) قدمت إليه هدية صاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول، وطلب أمانا من السلطان، فقبل السلطان هديته وكانت من طرائف اليمن، وكتب السلطان له أمانا وأرسله وهدية من أسلاب التتر وخيلهم، وعادت رسله بذلك مكرمين.
وفيها، مات منكوتمر بجزيرة ابن عمر مكمودا عقب كسرته على حمص، وكان موته من يمنة هذا الفتح العظيم.(27/432)
(352) «1» بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم
سنة إحدى وثمانين وست مئة إلى سنة [تسعين] «2» وست مئة
في أوائل سنة إحدى وثمانين وست مئة «13»
ولى السلطان مملوكه شمس الدين قراسنقر نيابة السلطنة بحلب، فسار إليها واستقر بها.
وفي المحرم منها، مات أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكز خان ملك التتر، قيل: إنه مات مسموما ببلاد همذان، ومدة ملكه نحو سبع عشرة سنة [وكسر] «3» ، وخلف من الولد أرغون وكيختو [ابني] «4» أبغا.
ولما مات أبغا ملك بعده أخوه أحمد بن هولاكو واسم أحمد المذكور تكدار، فلما جلس في الملك أظهر دين الإسلام، وتسمى بأحمد.
وفيها، وصلت رسل أحمد بن هولاكو ملك التتر المذكور إلى السلطان الملك المنصور قلاوون، وكان كبير الرسل المذكورين الشيخ قطب الدين محمود(27/433)
الشّيرازي «1» ، وكان إذ ذاك قاضي سيواس [فاحترز عليهم] «2» السلطان ولم يمكن أحدا من الاجتماع بهم، وكان مضمون رسالتهم إعلام السلطان بإسلام أحمد المذكور، وطلب الصلح بين المسلمين والتتر فلم ينتظم ذلك، وعادت رسله بالجواب «3» .
وفيها، مات منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوشي خان بن جنكز خان «4» ملك التتر بالبلاد الشمالية، وملك بعده أخوه تدان منكو بن طغان وجلس على كرسي الملك بمدينة صراي.
وفيها، عقد للملك الصالح علاء الدين علي بن الملك المنصور على بنت سيف الدين نكيه «5» ، وتزوج أخوه الملك الأشرف «6» بأختها، وكان نكيه(27/434)
معتقلا بالإسكندرية، فلما عزم السلطان على ذلك أخرجه من الحبس وفعل ذلك.
وفي سنة اثنتين وثمانين وست مئة «13»
في أوائلها، قدم الملك المنصور صاحب حماة وصحبته أخوه الأفضل علي إلى الديار المصرية، فبالغ السلطان الملك المنصور في إكرامه والإحسان إليه، وأنزله بالكبش، وأركبه بالصناجق السلطانية والجفتا «1» والغاشية وسأله عن حوائجه، فقال صاحب حماة: حاجتي أن أعفى من هذا اللقب فإنه [ما بقي] «2» يصلح لي أن ألقب بالملك المنصور، وقد صار هذا لقب مولانا السلطان [الأعظم، فأجابه السلطان بأني ما تلقبت بهذا الاسم] «2» إلا لمحبتي فيك (353) ولو كان لقبك غير ذلك كنت تلقبت به، فشيء قد فعلته محبة لاسمك كيف أمكن من تغييره.
ثم طلع السلطان بالعسكر المصري لحفر الخليج الذي بجهة البحيرة «3» ، وسار(27/435)
صاحب حماة في خدمته إلى الحفير، ثم أعطاه الدستور بعد ذلك فعاد مكرما مغمورا بالصدقات السلطانية.
وفيها، رمى السلطان الملك الصالح علاء الدين علي بن الملك المنصور قلاوون بجعا بجهة [العباسة] «1» بالبندق، و [أرسله] «2» للملك المنصور صاحب حماة فقبله وبالغ في إظهار الفرح والسرور بذلك، وأرسل إليه تقدمة جليلة.
وفيها، خرج أرغون بن أبغا بخراسان على عمه تكدار المسمى بأحمد سلطان، وسار إليه واقتتلا، فانهزم أرغون وأخذه أحمد أسيرا، وسأل الخواتين في إطلاق أرغون وإقراره على خراسان فلم يجب أحمد إلى ذلك [وكانت] «3» خواطر المغل قد تغيرت على أحمد بسبب إسلامه وإلزامه لهم بالإسلام فاتفقوا على قتله، وقصدوا أرغون بالموضع الذي هو معتقل فيه وأطلقوه، وكبسوا الناق نائب أحمد فقتلوه، ثم قصدوا الأردو فأحس بهم السلطان أحمد فركب وهرب [فتبعوه] «4» وقتلوه، وملكوا أرغون بن أبغا بن هولاكو وذلك في جمادى الأولى من هذه السنة.
وفيها، قتل أرغون الصبيّ سلطان الروم الذي اقامه البرواناه بعد قتله أباه حسبما تقدم ذكره في سنة ست وستين وست مئة «5» ، وكان اسم الصبي المذكور غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قليج أرسلان بن كيخسرو بن كيقباذ، وفوض اسم سلطنة الروم إلى مسعود بن عز الدين كيكاوس، [وهذا(27/436)
مسعود هو الذي هرب من منكوتمر ملك التتر بصراي، وأبوه عز الدين] «1» هو الذي جرى له مع الأشكري صاحب قسطنطينية ما قدمنا ذكره في سنة اثنتين وستين «2» ، واستمر اسم سلطنة الروم باسم مسعود المذكور إلى قريب سنة ثمان وسبع مئة، وهو مسعود بن كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلومش بن أرسلان يبغو بن سلجوق، وهو آخر من سمي بالسلطنة من السلجوقية ببلاد الروم «3» ، وافتقر مسعود المذكور وانكشف حاله جدا حتى قيل إنه تناول سما فمات (354) لكثرة المطالبات من أرباب الديون والتتر.
وفيها، ولى أرغون سعد الدولة اليهودي وعظمه ومكنه، وكان سعد الدولة في [مبدأ] «4» أمره دلالا بسوق الصاغة بالموصل فحكم بسائر بلاد التتر.
وفيها، قرر أرغون ولديه قازان «5» وخربندا «6» بخراسان، وجعل أتابكهما أميرا من أصحابه اسمه نوروز «7» .
وفيها، مات الأشكري صاحب قسطنطينية واسمه ميخائيل «8» ، وملك بعده(27/437)
[ابنه] «1» [أندرو نيكوس] «2» وتلقب بالدوكس.
وفيها، كاتب الحكام بقلعة الكختا قراسنقر نائب السلطنة بحلب، وسلموا الكختا إليه، فجهز قراسنقر عسكرا وتسلموها، وقرر فيها نواب السلطنة وحصنها وصارت من أعظم الثغور الإسلامية نفعا.
وفي رجب، قدم السلطان إلى دمشق، وكان السيل العظيم في العشر الأول من شعبان والسلطان قلاوون بدمشق، فأخذ السيل ما مرّ به من العمارات والآلات ما لا يحصى، فتوجه السلطان بعد ذلك إلى الديار المصرية وذهب للعسكر النازلين على جوانب بردى من الخيل والخيم والجمال والرجال ما لا يحصى.
وفي سنة ثلاث وثمانين وست مئة «13»
[سار السلطان الملك المنصور قلاوون إلى دمشق وحضر الملك المنصور صاحب حماة إلى خدمته إلى دمشق ثم عاد كل منهما إلى مقر ملكه] «3» .
(و) [في هذه السنة في شوال] «3» توفي الملك المنصور أبو المعالي محمد «4» ابن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر ابن شاهنشاه بن أيوب «5» صاحب حماة، رحمه الله تعالى.(27/438)
ابتدأ به المرض في أوائل شعبان بعد عوده من خدمة السلطان من دمشق، وكان مرضه حمّى صفراوية داخل العروق، ثم صلح مزاجه بعض الصلاح، فأشار الأطباء بدخول الحمام فدخلها فعاوده المرض، فأحضر الأطباء من دمشق واشتد به ذات الجنب وعالجه الأطباء فلم يفد شيئا، وفي مدة مرضه عتق مماليكه وتاب توبة نصوحة (كذا) ، وكتب إلى السلطان الملك المنصور في إقرار ابنه الملك المظفر محمود «1» في مملكته على قاعدته، واشتدّ مرضه حتى توفي بكرة حادي عشر شوال من هذه السنة.
وكانت ولادته في الساعة الخامسة من يوم الخميس لليلتين بقيتا من ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وست مئة (355) فيكون عمره إحدى وخمسين سنة وستة أشهر و [أربعة عشر يوما] «2» ، وملك حماة يوم السبت ثامن جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وست مئة، وهو (اليوم) الذي توفي فيه والده الملك المظفر محمود فتكون مدة ملكه إحدى وأربعين سنة وخمسة أشهر وأربعة أيام، وكان أكبر أمانيه أن يعيش حتى يسمع جوابه من السلطان فيما سأله من إقرار حماة على ولده الملك المظفر محمود، فاتفق وفاته قبل وصول الجواب، وكان قد أرسل في ذلك على البريد مملوكه سنقر «3» أمير آخور، فوصل بالجواب بعد موت الملك المنصور بستة أيام، ونسخة الجواب من السلطان بعد البسملة:
«المملوك قلاوون أعزّ الله أنصار المقام العالي المولوي السلطاني الملكي(27/439)
المنصوري الناصري ولا عدمه الأنام، ولا فقدته السيوف والأقلام، وحماه من ذي داء وعود عواد وإلمام [آلام] «1» ، المملوك يجدد الخدمة التي كان يود تجديدها شفاها، ويصف ما عنده من الآلام ولما ألم بمزاجه حتى أنه لم يكد يفتح بحديث فاها، ولما وقفت على كتاب المولى المتضمن مرض الجسد المحروس وما انتهى إليه الحال كادت القلوب تنشق والنفوس تذوب حزنا والرجاء من الله (أن) يتداركه بلطفه وأن يمنّ بعافيته التي رفع [في مسألتها] «2» يديه، وبسط بها [كفيه] «3» ، وهو يرجو من كرم الله تعالى معاجلة الشفاء، ومداركة العافية الموردة بعد الكدّ مورد الصفاء، والله تعالى يفسح في عمر المولى ويهبه العمر الطويل.
وأما الإشارة الكريمة إلى ما ذكره من الحقوق التي يوجبها الإقرار، والعهود التي أمنت بدورها من الأسرار، نحن بحمد الله فعندنا تلك العهود ملحوظة، وتلك المودات محفوظة، فالمولى يعيش قرير العين فما تمّ إلا ما يسرّه من إقامة ولده مقامه ولا يحول ولا يزول، ولا يرى على ذلك ذلة ولا ذهول، ويكون المولى طيب النفس، مستديم الأنس، بصدق العهد القديم، وبكل ما يؤثر من خير مقيم» .
ولما وصل الكتاب اجتمع لقراءته الملك الأفضل والملك المظفر وعلم الدين سنجر المعروف بأبي خرص «4» (356) وقرئ عليهم، فتضاعف سرورهم بذلك.
وكان الملك المنصور صاحب حماة المذكور ذكيا فطنا محبوب الصورة، وكان(27/440)
له قبول عظيم عند ملوك الترك، وكان حليما إلى الغاية، يتجاوز عما يكره [ويكتمه] «1» ولا يفضح قائله، من ذلك أن الظاهر بيبرس قدم مرة إلى حماة ونزل بالدار المعروفة الآن بدار المبارز، فرفع إليه أهل حماة عدة قصص يشكون على الملك المنصور، فأمر الملك الظاهر دواداره سيف الدين بلبان الرومي «2» أن يجمع القصص فلا يقرأها، ويضعها في منديل ويحملها إلى الملك المنصور صاحب حماة، فحملها الدّوادار المذكور وأعطاها للملك المنصور، وقال إنه والله لم يطلع السلطان الملك الظاهر على قصة منها، وقد حملتها إليك، فتضاعف دعاء الملك المنصور لصدقات الملك الظاهر وأخذ القصص، فقال بعض الجماعة:
سوف نرى من تكلم ما لا ينبغي ما يلقى، وتكلموا بمثل ذلك، فأمر الملك المنصور بإحضار نار، وحرق جميع تلك القصص، ولم يقف على شيء منها لئلا يتغير خاطره على رافعيها، وله مثل ذلك كثير، رحمه الله.
ولما بلغ السلطان الملك المنصور قلاوون وفاة الملك المنصور صاحب حماة قرر ابنه الملك المظفر محمود [افي] «3» ملك حماة على قاعدة والده، وأرسل إلى عمه الأفضل وإلى أولاده التشاريف ومكاتبة إلى الملك المظفر بذلك، ووصلت التشاريف ولبست في العشر الأخير من شوال في هذه السنة، وكانت نسخة الكتاب بعد البسملة:
«المملوك قلاوون الصالحي أعزّ الله نصرة المقام العالي المولوي السلطاني الملكي المظفري التّقوي ونزع عنه لباس اليأس، وألبسه حلل السعد المجلوّة على(27/441)
أعين الناس، وهو يخدم خدمة مولى قد تبجست عيونه، وتأسست مبانيه وتيابست ظنونه، وحلت رهونه، وحلت ديونه، وأثمرت غصونه، وزهت أفنانه وفنونه» ، ومنها:
«وقد سيرنا المجلس السامي «1» جمال الدنيا آقوش الموصلي (357) الحاجب «2» ، وأصحبناه [من] «3» الملبوس الشريف ما يغير به لباس الحزن، ويتجلى في مطالعة ضياء وجهه الحسن، وتنجلي بذلك غيوم تلك الهموم، وأرسلنا أيضا صحبته ما يلبسه هو وذووه كما يبدو البدر بين النجوم» ، وآخر الكتاب: «كتب في عشري شوال سنة ثلاث وثمانين وستّ مئة» .
وكان وقع الاتفاق عند موت الملك المنصور على إرسال علم الدين سنجر أبي خرص الحموي لأجل هذا المهم، فلاقى سنجر المذكور جمال الدين الموصلي بالخلع في أثناء الطريق فاستمر أبو خرص واصلا إلى الأبواب العالية وتلقاه السلطان بالقبول وأعاده بكل ما يجب، وقال: نحن واصلون إلى الشام ونفعل مع الملك المظفر فوق ما في نفسه، فعاد سنجر أبو خرص إلى حماة [ومعه] «4» هذا الجواب.(27/442)
وفي صفر سنة أربع وثمانين وست مئة «13»
كان ركوب الملك المظفر صاحب حماة بشعار السلطنة بدمشق المحروسة، وذلك أن السلطان الملك المنصور قلاوون وصل في أواخر المحرم إلى دمشق، وسار الملك المظفر صاحب حماة وعمه الأفضل ووصلا إليه إلى دمشق فأكرمهما السلطان إكراما كثيرا، وأرسل إلى الملك المظفر في اليوم الثالث من وصوله التقليد بسلطنة حماة والمعرة وبارين والتشريف وهو أطلس أحمر فوقاني بطراز زركش وسنجاب ودائره قندس، وقباء أطلس أصفر تحتاني وشاش تساعي وكلوتة بزرگش وحياصة ذهب وسيف محلى بالذهب وتلكش وعنبريتا وثوب بطرز مذهبة ولباس، وأرسل شعار السلطنة وهو سنجق بعصائب سلطانية «1» وفرس بسرج مذهب ورقبة وكنبوش، وأرسل الغاشية السلطانية، فركب المظفر ولبس شعار السلطنة، وحضرت أم السلطان ومقدمو عساكره، وساروا معه من الموضع الذي (358) كان فيه وهو داره المعروفة بالحافظية داخل باب الفراديس بدمشق المحروسة إلى أن وصل إلى قلعة دمشق، ومشت الأمراء في خدمته، ودخل الملك المظفر إلى عند السلطان وأكرمه وأجلسه إلى جانبه على الطراحة «2» وطيب خاطره، وقال له: أنت ولدي وأعز من الملك الصالح عندي، فتوجه إلى بلادك وتأهب لهذه الغزاة المباركة فأنتم من بيت مبارك ما حضرتم مكانا إلا وكان النصر معكم، فعاد الملك المظفر وعمه الأفضل إلى حماة وعملا أشغالهما وتأهبا للمسير إلى خدمة السلطان ثانيا، ثم سار السلطان بعد وصوله إلى دمشق(27/443)
بالعساكر المصرية والشامية، ونازل حصن المرقب في أوائل ربيع الأول هذه السنة «1» ، وهو حصن الإسبتار في غاية العلو والحصانة لم يطمع أحد من الملوك الماضين في فتحه، ولما زحف العسكر عليه أخذت الحجارون فيه النقوب، ونصبت عليه عدة مجانيق [كبار وصغار] «2» ، ولما تمكنت النقوب من أسوار القلعة طلب أهلها الأمان، فأجابهم السلطان إلى ذلك رغبة في بقاء عمارته، فإنه لو هدمه وأخذه بالسيف كان حصل التعب في [إعادة] «3» عمارته، فأعطاهم الأمان على أن يتوجهوا بما يقدرون على حمله غير السلاح، وصعّدت السناجق الصناجق على حصن المرقب المذكور، وتسلمه في الساعة الثامنة من يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الأول من سنة أربع وثمانين، وكان يوما مشهودا أخذ فيه الثأر من بيت الإسبتار، ومحيت آية الليل بآية النهار، ومن كتاب كتبه شيخنا أبو الثناء «4» في فتح المرقب «5» :
«وقد علم المجلس أمر هذا الحصن، فإنه [طالما] «6» بخلت الأحلام أن تخيله(27/444)
لمن سلف من الملوك في المنام، فكم قصده ذو جنود..... «1» وقاتلته دونه الغمائم، فلولا سرعة عوده أدركه الغرق، قد سما في السماء مناكبه (359) ونازع فلك علوي الرياح، ولا يخاف الجناح في العجز عن نسيمها ذات الجناح، وحوله من الأودية خنادق لا تعلم منها الشهور إلا بأنصافها، ولا تعرف فيها الأهلة إلّا بأوصافها، و [هو مع ذلك] «2» قد تقطر بالنجوم، وتقرطق بالغيوم، وسما فرعه إلى السماء، ورسا أصله في النجوم، يرد عليه الحوجيب غمامه، ويفترّ ثغره كلما جرّد عنه البرق فاضل لثامه، فحين نزلته الجيوش المنصورة [ذللت] «3» صعابه، وأسهلت عقابه، فتبادرت إليه تختال من دروعها في أبهى الحلل، وتسارعت نحوه تسبق سهامها التي هي أبرى وأسرع من الأجل، ففي الحال ضربت عليه من الخبويات سورا (لَهُ بابٌ) باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ
«4» ، وتصدت حوله من الأسنة خوذ براقة المنايا، ولكنها غير عذاب، وأرسلت من القلعة من سهامها ما [أربى] «5» على الغمائم «فكان بها مثل الجنون فأصبحت ومن جثث القتلى عليها تمائم» «6» ، ونصبت عليها المجانيق [المنصورة فلم ترع حتى حبسها، وسطت على نظرائها فصار غدها] «7» أبعد من أمسها، وو استنهضتها العدا فأعلمتهم أنها لا تطيق الدفاع عن غيرها فكيف عن(27/445)
نفسها، وبسطت أكفّها أمارة على الإذعان، ورفعت أصابعها إما إجابة إلى التشهد وإما إنابة إلى طلب الأمان، فخاف الفرنج من ظفر هذا الاستظهار، وعلموا أن المجانيق المنصورة فحول لا تثبت لها الإناث التي [عريت من النفع] »
بأيديهم، فاستعانوا عليهن مع العدى «2» بطول الحذار، [فعند ذلك غدت تكمن كمون] «3» الأراقم [و] »
وثبت [وثبات] «4» الضّراغم هذا [و] «5» النقوب [قد] »
دبّت في هذا الحصن دبيب السقام، وتمشت في مفاصله كما تتمشى في مفاصل شاربها المدام، وحشت أضالعه نارا تشبه نار النوى تحرق الأحشاء ولا يبدو لها ضرام، وهجمت عليه الجيوش [المنصورة] »
هجوم الحتوف، وأسرعت المضاء والانتضاء (360) فلم [يدر] «6» العدا أهم أم [الذي] »
بأيديهم السيوف، [فلجأوا إلى الأمان] «7» ، [وتمسك ذلّ كفرهم بعزّ الإيمان] »
وتشبثوا بساحل العفو حين ظنوا أنهم أحيط بهم وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ
«8» ، وساعة نظرها علت الأعلام المنصورة على ذلك المرقب الذي لا تتطاول إليه...... «9» الله لفتحه الأيام، فنصر أهل الجمعة يوم الجمعة على أهل الأحد» .(27/446)
وأمر السلطان بحمل أهل المرقب إلى مأمنهم، ثم قرر أموره ورحل عنه إلى الوطاءة بالساحل وأقام بمروج «1» بالقرب من موضع يسمى برج القرفيص «1» ، ثم سار السلطان ونزل تحت حصن الأكراد، ثم سار ونزل على بحيرة حمص، وهي بحيرة قدس.
وفي نزوله على حمص جاءت البشارة بمولد مولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن قلاوون «2» من زوجة السلطان وهي بنت سكاي ابن قراجين بن حيفان «3» ، وسكاي ورد الديار المصرية هو وأخوه قرمشي «4» سنة خمس وسبعين وست مئة صحبة بيجار الرومي في الدولة الظاهرية «5» فتزوج الملك المنصور قلاوون ابنة سكاي المذكور سنة ثمانين وست مئة بعد موت أبيها المذكور بولاية عمها القرمشي، وتضاعف السرور بذلك.
ثم عاد السلطان إلى الديار المصرية وأعطى للملك المظفر عند رحيله من حمص دستورا فعاد إلى حماة.
وفي سنة خمس وثمانين وست مئة «13»
أرسل السلطان عسكرا كثيفا مع نائب السلطنة حسام الدين طرنطاي(27/447)
المنصوري «1» ، وأمره بمنازلة الكرك، فسار إليها وحاصرها وتسلمها بالأمان، وأقام فيها نواب السلطنة، وعاد وصحبته أصحاب الكرك نجم الدين خضر وبدر الدين سلامش ولدا الملك الظاهر بيبرس، فأحسن السلطان إليهما ووفّى لهما بأمانه وبقيا على ذلك مدة، ثم بلغه عنهما ما كرهه فاعتقلهما وبقيا في الحبس حتى توفي، فنقل خضر وسلامش إلى قسطنطينيّة «2» .
وفي سنة ست (361) وثمانين وست مئة «13»
كان السلطان قد جهز عسكرا مع مملوكه حسام الدين طرنطاي، فنزلوا على صهيون فنصب المجانيق وحاصرها، فأجاب صاحبها الأمير شمس الدين سنقر الأشقر إلى تسليمها بالأمان، وحلف له حسام الدين طرنطاي فنزل سنقر الأشقر وسلّم صهيون في ربيع الأول فتسلمها طرنطاي وأكرم سنقر الأشقر غاية الإكرام.
ثم سار حسام الدين طرنطاي إلى اللاذقية، وكان فيها برج الإفرنج يحيط به البحر من جميع جهاته، فركب طريقا في البحر بالحجار (ة) إليه، وحاصر البرج(27/448)
المذكور وتسلمه بالأمان وهدمه.
ثم بعد ذلك توجه إلى الديار المصرية وصحبته سنقر الأشقر، ولما وصلا إلى قرب قلعة الجبل ركب السلطان الملك المنصور قلاوون والتقى مملوكه حسام الدين طرنطاي وسنقر الأشقر وأكرمه ووفى له بالأمان.
وبقي سنقر الأشقر مكرما محترما إلى أن توفي السلطان وملك بعده ولده الأشرف.
وفيها، نزل تدان منكو بن طغان بن باطو بن دوشي خان بن جنكز خان عن مملكة التتر بالبلاد الشمالية «1» ، وأظهر الزهد والانقطاع إلى الصلحاء، وأشار [إلى] «2» أن يملّكوا ابن أخيه تلابغا بن منكوتمر بن طغان المذكور فملّكوه «3» .
وفيها، أرسل السلطان المنصور عسكرا مع علم الدين سنجر المسروري المعروف بالخياط «4» متولي القاهرة إلى النّوبة، فساروا إليها وغزوا وغنموا وعادوا.
وفي سنة سبع وثمانين وست مئة «13»
توفي الصالح علاء الدين علي بن الملك المنصور «5» ، وهو الذي جعله ولي(27/449)
عهده وسلطنه في حياته، فوجد عليه وجدا عظيما، وكان مرضه بالدوسنطارية وخلف ولدا اسمه موسى «1» .
وفي سنة ثمان وثمانين وست مئة «13»
خرج السلطان بالعساكر المصرية في المحرم، وسار إلى أن نازل مدينة طرابلس الشام يوم الجمعة مستهل (362) ربيع الأول، ويحيط البحر بغالب هذه المدينة، وليس عليها قتال في البر إلا من جهة الشرق وهو مقدار قليل، ولما نازلها السلطان نصب عليها عدة مجانيق [كبار وصغار] «2» ولازمها بالحصار، واشتد عليها القتال حتى فتحها يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول «3» بالسيف، ودخلها العسكر عنوة، وهرب أهلها إلى الميناء فنجا أقلّهم في [المراكب] «4» ، وقتل غالب رجالها، وسبيت ذراريهم، وغنم منها المسلمون غنيمة عظيمة «5» .
ولما فرغ حصار طرابلس المذكور، أمر بها السلطان فهدمت ودكّت إلى الأرض، وكان في البحر قريبا من طرابلس جزيرة وفيها كنيسة تسمى كنيسة(27/450)
سنطماس وبينها وبين طرابلس الميناء، فلما أخذت طرابلس هرب إلى الجزيرة المذكورة، وإلى الكنيسة التي بها عالم عظيم من الفرنج، فاقتحم العسكر الإسلامي البحر وعبروا بخيولهم سباحة إلى الجزيرة فقتلوا [جميع] «1» من بها من الرجال وسبوا النساء والصغار وأخذوا المال «2» ثم عاد السلطان إلى الديار المصرية، وأعطى صاحب حماة دستورا فعاد إلى بلده.
وفيها مات قبلاي قان بن طلو بن جنكز خان، وكانت قد طالت مدته، وجلس بعده ولده شرمون «3» في ملك التتر بالصين.
وفي سنة تسع وثمانين وست مئة «13»
في سادس ذي القعدة [توفي] «4» السلطان الملك المنصور قلاوون «5» ، وذلك أنه خرج من مصر بالعساكر عازما على فتح عكّا، وبرز إلى مسجد التّبن «6» ، فابتدأ مرضه بالعشر الأخير من شوال بعد نزوله في الدّهليز، وأخذ المرض يتزايد به حتى توفي يوم السبت سادس ذي القعدة بالدّهليز.
وكان جلوسه في الملك يوم الأحد ثاني عشري رجب سنة ثمان وسبعين(27/451)
وست مئة «1» ، فتكون مدة ملكه نحو إحدى عشرة سنة وثلاثة شهور [وأيام] «2» ، وخلف ولدين وهما: الملك الأشرف صلاح الدين خليل، والسلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد.
وكان الملك المنصور رجلا مهيبا (363) حليما، قليل سفك الدماء، كثير العفو، شجاعا، فتح الفتوحات الجليلة مثل المرقب وطرابلس التي لم يجسر أحد من الملوك مثل صلاح الدين وغيره على التعرض إليهما [لحصانتهما] «3» ، وكسر جيش التتر على حمص، وكانوا في ثمانين ألف فارس.
ولما توفي السلطان جلس في الملك بعده ولده السلطان الملك الأشرف، وذلك في سابع ذي القعدة صبيحة اليوم الذي توفي فيه والده.
ولما استقر الملك الأشرف في المملكة قبض على حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة في يوم الجمعة ثاني عشر ذي القعدة فكان آخر العهد به «4» ، وفوض نيابة السلطنة إلى بدر الدين بيدرا «5» والوزارة إلى شمس الدين بن السلعوس «6» .(27/452)
ودخلت سنة تسعين وست مئة «13»
فسار السلطان الملك الأشرف بالعساكر [المصرية] «1» إلى عكّا، [وأرسل إلى العساكر الشامية وأمرهم بالحضور، وأن يحضروا صحبتهم المجانيق] «1» ، فتوجه المظفر صاحب حماة وعمه الأفضل [وسائر عسكر حماة] «1» صحبته إلى حصن الأكراد، وساقوا منها منجنيقا عظيما يسمى المنصوري حمل مئة عجلة، وكان المسير بالعجل في أواخر فصل الشتاء، واتفق وقوع الأمطار والثلوج بين حصن الأكراد ودمشق، فحصل بسبب ذلك شدة عظيمة، والحاصل أنه اجتمع على عكّا من المجانيق الصغار والكبار ما لم يجتمع على غيرها، وكان نزول العساكر الإسلامية عليها في أوائل جماد (ى) الأولى «2» ، واشتد عليها القتال، ولم يغلق الفرنج غالب أبوابها بل كانت مفتوحة وهم يقاتلون فيها، وكانت منزلة الحمويين برأس الميمنة، وكانت على جانب البحر [والبحر] «1» على اليمين إذا واجه الشخص عكّا، فكان تحضر المراكب المقبية بالخشب الملبس جلود الجواميس، والفرنج من تحتها يرمون بالنشاب والجروح، وأحضروا بطسة وفيها منجنيق يرمى به على المسلمين وعلى خيامهم من جهة البحر حتى اتفق في بعض الليالي هبوب رياح قوية، فارتفع المركب وانحط بسبب الموج، فانكسر المنجنيق الذي في المركب فانحطم، وكان المسلمون قد قاسوا منه شدة عظيمة، وخرج الفرنج في(27/453)
أثناء (364) مدة الحصار بالليل وكبسوا العسكر فهزموا اليزكية واتصلوا إلى الخيام وتعرقلوا بالأطناب، ووقع منهم فارس في جورة مستراح لبعض الأمراء فقتل هناك، وتكاثرت عليهم العساكر، فولى الفرنج منهزمين إلى البلد، وقتل [عسكر حماة عدة منهم] «1» ، فلما أصبح الصباح علق الملك المظفر من رؤوس الفرنج في رقاب خيولهم التي كسبها العسكر منهم وأحضر ذلك إلى السلطان الملك الأشرف، واشتدت مضايقة العسكر لعكّا حتى فتحها الله لهم في يوم [الجمعة] «2» السابع عشر من جمادى الآخرة «3» بالسيف، ولما هجمها المسلمون هرب من أهلها جماعة في المراكب، وكان بداخل البلد عدة أبرجة عاصية بمنزلة قلاع دخلها عالم عظيم من الفرنج وتحصنوا بها، وقتل المسلمون وغنموا من عكّا [شيئا] «4» يفوت الحصر من كثرته، ثم استنزل السلطان جميع من عصي بالأبرجة ولم يتأخر منهم أحد، وأمر بهم فضربت أعناقهم عن آخرهم حول عكّا، وأمر بمدينة عكّا فهدمت إلى الأرض، ودكّت دكّا، وفي هذا الفتح يقول شيخنا أبو الثناء يمدح الملك الأشرف «5» : (البسيط)
الحمد لله ذلّت دولة الصلب ... وعزّ بالنصر دين المصطفى العربي(27/454)
هذا الذي كانت الآمال لو طلبت ... رؤياه في النوم لاستحيت من الطّلب
ما بعد عكّا وقد هدّت قواعدها ... في البحر للشرك عند البرّ من أرب
عقيلة ذهبت أيدي الخطوب بها ... دهرا وشدّت عليها كفّ معتصب
لم تبق من بعدها للكفر إذ خربت ... في البرّ والبحر ما ينجي سوى الهرب
كانت تخيلها آمالنا ونرى ... أنّ التفكر فيها غاية العجب
أم الحروب فكم قد أنشأت فتنا ... شاب الوليد بها هولا ولم تشب
سوران برّ وبحر حول ساحتها ... دار (ا) وأدناهما أدنى من العطب
(365) خرقا ... «1» سوريها وأحصنه ... ... الكماة ... على النوب
مصفّح بصفاح حولها شرف ... من الرماح وأبراج من السلب
مثل الغمائم تهدي من صواعقها ... بالنّبل أضعاف ما تهدي من السحب
كأنما كلّ برج حوله ملك ... من المجانيق يرمي الأرض بالشهب
ففاجأتها جنود الله يقدمها ... غضبان لله لا للملك والنّسب
ليث أبى أن يردّ الوجه عن أمم ... يدعون ربّ الورى سبحانه بأب
تسنموها فلم تترك ... ... في ذلك الأفق برجا غير منقلب
تسلموها فلم ... الرقاب بها ... من ... مستنم أو كفّ منتهب
أمّوا حماها فلم تمنع وقد وثبوا ... عنها مجانيقها شيئا ولم تثب
يا يوم عكّا [لقد] «2» أنسيت ما سبقت ... به الفتوح وما قد خطّ في الكتب
لم يبلغ الحلق حدّ الشكر فيك فما ... عقبى ذو الشعر والخطب «3»(27/455)
كانت ... بك الأحلام عن أمم ... والحمد لله شاهدناك عن كثب
أغضبت عبّاد عيسى إذ أبدتهم ... وكم له من رضى في ذلك الغضب
وأطلع الله جيش النصر فانتدبت ... طلائع الفتح بين الشّمس والقضب
وأشرف المصطفى الهادي البشير على ... ما أسلف الأشرف السلطان من قرب
فقرّ عينا بهذا الفتح وابتهجت ... ببشره الكعبة الغرّاء في الحجب
وسار في الأرض مسرى الريح سمعته ... فالبرّ في طرب والبحر في حرب
وخاضت البيض في بحر الدماء فما ... أبدت من البيض إلا ... مختضب
وغاص زرق القنا في زرق أعينهم ... كأنها منطق تهدي إلى قلب
توقدت وهي تروى في نحورهم ... فزادها الريّ في الإشراق واللهب
أجرت إلى البحر بحرا من دمائهم ... فراح كالراح إذ غرقاه كالحبب
(366) وذاق من حرّها عنهم حديثهم ... ...... به...... الرهب
تحكمت فسطت فيهم قواضبها ... ...... لحاويها عن السلب
كم ... بطلا كالطّود قد بطلت ... ... فغدا كالمنزل الخرب
كأنه وسنان الرمح يطلبه ... برج هوى ووراه كوكب الذّنب
بشراك يا ملك الدنيا لقد شرفت ... بك الممالك ... على الرتب
ما بعد عكّا وقد لانت عريكتها ... لديك شيء تلاقيه على تعب
فانهض إلى الأرض فالدنيا بأجمعها ... مدّت إليك نواصيها بلا نصب
كم قد دعت وهي في إثر العدا زمنا ... صيد الملوك فلم تسمع ولم تجب
أجبتها يا صلاح الدين معتقدا ... بأن ظنّ صلاح الدين لم يخب
أسلت فيها كما سالت دماؤهم ... ...... نهرا من الذهب
أدركت ثأر صلاح الدين عندهم ... منه بشرّ طواه الله في القلب
وجئتها بجيوش كالسيول على ... أمثالها بين آجام من القضب(27/456)
.. بالمجانيق التي وقفت ... أمام أسوارها في جحفل لجب
من نوعه نصبوا صفا فما نصبت ... للجزم والكسر منها كل منتصب
وبعد صحبتها بالزحف فاضطربت ... رعبا ... وأبدت ... إلى الرتب
وغنّت البيض في الأعناق فارتقصت ... أبراجها لعبا منها مع اللّعب
وجدّثت بالدم الأسوار فابتهجت ... طيبا ولولا دماء القوم لم تطب
وأبرزت كل خود كاعب بترت ... لها الرءوس وقد زفّت بلا طرب
ظنوا بيوت البروج الشمّ تعقلهم ... فاستعقلتهم فلم تطلق من النّوب
فأحرزتهم ولكن للسيوف لكي ... لا يلتجي أحد منهم إلى الهرب
وجالت ... «1» في أبراجها وعلت ... فأطفأت ما بصدر الدين من كرب
(367) أضحت أبا لهب تلك البروج وقد ... كانت بقلعتها حمالة الحطب
... البحر من بحر من ... ... يلقاه من قومه بالويل والحرب
وتمّت النعمة العظمى وقد ملكت ... بفتح صور بلا حصر ولا نصب
أختان في أنّ كلا منهما جمعت ... أختان بالكفر لا أختان بالنسب
لما رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الخراب لها أعدى من الجرب
إن لم يكن ثمّ لون البحر منصبغا ... بها ... وإلّا [ألسن] «2» اللهب
فالله أعطاك ملك البحر وابتدأت ... لك السعادة ملك البرّ فارتقب
من كان مبدؤه عكّا وصور معا ... فالصين أدنى إلى كفّيه من حلب
علا بك الملك حتى أن قبته ... على الربى (قد) غدت ممدودة الطّنب
ولا برحت عزيز النصر مبتهجا ... بكلّ فتح قريب المنح مرتقب
وكتب ابن عبد الظاهر إلى الملك الأشرف في فتح عكّا من قصيدة «3» :(27/457)
(الخفيف)
أيها السامعون فتح صلاح الد ... ين هذا فتوحه قد أعيدا
أهل صور صور كذلك صيدا ... قد تهيّت صيدا له موجودا
قد رعى في فتوحها لأبيه ... ولكلّ من في الأنام عهودا
أنجدته ملائك وملوك ... كثرت عسكرا له وجنودا
تجعل الكفر في النقوب دفينا ... وتعيد الإيمان خلقا جديدا
كم بها غلاظ شداد «1» ... تجعل الناس والحجار وقودا
ومجانيق لا تملّ صدورا ... ونقوب ما إن تملّ ورودا
كم لهم أرسلت وقالت فلبوا ... أو فكونوا حجارة أو حديدا «2»
لو يكن للصليب نطق لنادى ... أنت يا منجنيق أصلب عودا
كل هذا بسعد أشرف ملك ... زانه الله بسطة وسعودا
(368) ولما فتحت عكّا ألقى الله في قلوب الفرنج الذين بساحل الشام رعبا فأخلوا صيدا وبيروت، وتسلمها الشجاعي «3» في أواخر رجب، وكذلك هرب أهل مدينة صور، فأرسل السلطان وتسلمها، ثم تسلم عثليث في مستهل(27/458)
شعبان، ثم تسلم [انطرطوس] «1» في خامس شعبان، واتفق لهذا السلطان من السعادة ما لم يتفق [لغيره] «2» بفتح هذه البلاد العظيمة بغير قتال ولا تعب، وأمر بها فهدمت عن آخرها، وتكملت بفتح هذه البلاد جميع البلاد الساحلية [للإسلام] «2» ، وكان أمرا عجيبا لا يطمع فيه [ولا يرام] «3» وتطهر الشام بالسواحل من الفرنج بعد أن كانوا قد أشرفوا على الديار المصرية وعلى ملك دمشق وغيرها من الشام، فلله الحمد والمنّة على ذلك.
ثم رحل الملك الأشرف ودخل دمشق وأقام مدة، ثم عاد إلى الديار المصرية ودخلها في هذه السنة، ولما كان الحصار على عكّا سعى علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص بين السلطان وبين حسام الدين لاجين نائب السلطنة بالشام فخاف لاجين وقصد [أن يهرب] «4» وعلم به السلطان فقبض عليه وعلى أبي خرص وقيّدهما وأرسلهما فحبسا.
وفيها، ولى الملك الأشرف علم الدين الشجاعي نيابة السلطنة بالشام موضع حسام الدين لاجين.
وفي ربيع الأول، مات أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكز خان ملك التتر وكان مدة ملكه سبع سنين «5» ، ولما مات ملك بعده أخوه كيختو بن أبغا، وخلف أرغون ولدين هما قازان وخربندا وكانا بخراسان، ولما تولى كيختو أفحش في الفسق واللواط بأبناء المغل، فأبغضوه على ذلك وفسدت نياتهم عليه.(27/459)
وفيها، قتل تلابغا بن منكوتمر بن طغا (ن) بن باطو بن دوشي خان بن جنكز خان، وقد تقدم ذكر مملكته في سنة ست وثمانين وست مئة «1» (369) [قتله] «2» نغية بن [بوقال] «3» بن ططر بن [بوال بن] «4» دوشي خان بن جنكز خان «5» ، ولما قتل تلابغا أقام نغية بعد (هـ) طقطقا بن منكوتمر «6» أخا تلابغا المذكور ورتب نغية أخوة طقطقا بن منكوتمر معه وهم: [برلك، و] «7» صراي بغا، وتدان «8» .
وفي أوائل سنة تسعين وست مئة، تكملت عمارة قلعة حلب، وكان قد شرع قراسنقر في عمارتها في أيام المنصور «9» ، فتمت في أيام الأشرف، [وكان قد خربها هولاكو لما استولى على حلب سنة ثمان وخمسين وست مئة فكان لها على التخريب نحو ثلاث وثلاثين سنة بالتقريب] «10» .(27/460)
سنة إحدى وتسعين وست مئة إلى سنة سبع مئة
وفي سنة إحدى وتسعين وست مئة «13»
سار الأشرف من مصر إلى الشام «1» ، وسار المظفر صاحب حماة وعمه الأفضل إلى خدمته [والتقياه بدمشق وسارا في خدمته] «2» فسبقاه إلى حماة، واهتم الملك المظفر في أمر الضيافة والإقامة والتقدمة، ووصل إلى حماة وضرب دهليزه بشماليها عند [ساقية] «3» سلمية، ومد له المظفر سماطا عظيما بالميدان، ونصب خياما تليق بالسلطان، ونزل السلطان بالميدان، وبسط بين يدي فرسه عدة كثيرة من الشقق الفاخرة، ثم دخل السلطان الملك الأشرف إلى دار الملك المظفر بمدينة حماة، فبسط الملك المظفر بين يدي فرسه بسطا ثانيا، وقعد السلطان بالدار ثم دخل الحمام وخرج وجلس على جانب العاصي، ثم راح إلى الطيارة «4» التي على سور باب النقفي المعروفة بالطيارة الحمراء فقعد فيها، ثم توجه من حماة وصاحب حماة وعمه في خدمته إلى المشهد ثم إلى [الخام] «5» والزرقاء بالبرية فصاد شيئا كثيرا من الغزلان وحمير الوحش.(27/461)
وأما العساكر فسارت على السكة إلى حلب، ثم وصل «1» السلطان إلى حلب وتوجه منها إلى قلعة الروم ونازلها في العشر الأول من جمادى الآخرة من هذه السنة، وهي حصن على جانب الفرات في غاية الحصانة، ونصب عليه المجانيق، [وهذا الحصار أيضا من جملة الحصارات التي كانت منزلة الحمويين على رأس الجبل المطل على القلعة من (370) شرقيها] «2» ، واشتدت مضايقتها، ودام حصارها حتى فتحت بالسيف في يوم السبت حادي عشر رجب هذه السنة «3» ، وقتل أهلها ونهبت ذراريهم، واعتصم كيثاغيكوس «4» خليفة الأرمن المقيم بها في القلّة، وكذلك جميع من هرب من أهل القلعة، فبرز مرسوم السلطان إلى صاحب حماة أن يرمي عليهم بالمنجنيق لإشرافه عليهم،(27/462)
فلما وتر المنجنيق ليرمي عليهم طلبوا الأمان من السلطان فلم يؤمنهم إلا على أرواحهم خاصة، وأن يكونوا أسرى فأجابوا إلى ذلك، وأخذ كيثاغيكوس خليفة الأرمن وجميع من كان [بقلة القلعة] «1» أسرى عن آخرهم «2» .
ورتب السلطان علم الدين سنجر الشجاعي [لتحصين القلعة وإصلاح ما خرب منها وجرد معه لذلك جماعة وأقام الشجاعي] «1» وعمرها وحصنها إلى الغاية.
وفي هذا الفتح يقول شيخنا أبو الثناء الكاتب الحلبي يمدح الملك الأشرف «3» : (الطويل)
لك الراية الصفراء «4» يقدمها النصر ... فمن كيقباذ إن رآها وكيخسروا «5»
إذا خفقت في الأفق هدّت بنودها ... قوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الكفر
وإن نشرت مثل الأصائل في وغى ... جلا النقع من لألاء طلعتها البدر
وإن يمّمت زرق العدا سار تحتها ... كتائب خضر دوحها البيض والسّمر(27/463)
كأن مثار النقع ليل وخفقها ... بروق وأنت البدر والفلك الجتر
لها كل يوم أين سار لواؤها ... هدية تأييد يقدمها النصر
وفتح أتى في إثر فتح «1» كأنما ... سماء بدت تترى كواكبها الزّهر
فكم وطئت طوعا وكرها معاقلا ... مضى الدهر عنها وهي غانية بكر
بذلت لها عزما فلولا مهابة ... كستها الحيا جاءتك تسعى ولا مهر
فإن رمت حصنا سابقتك كتائب ... من الرعب (أ) وجيشا تقدمك النّصر
ففي كلّ قطر للعدى وحصونهم ... من الخوف أسياف تجرّد أو حصر
فلا حصن إلّا وهو سجن لأهله ... ولا جسد إلّا لأرواحهم قبر
(371) يظنون أنّ الصبح في طرّة الدجى ... عجاع تراءت فيه أسيافك الحمر
قصدت حمى (من) قلعة الروم لم يتح ... لغيرك إذ غرّتهم المغل فاغترّوا
ووالوهم سرا ليخفوا أذاهم ... وفي آخر الأمر استوى السرّ والجهر
وما المغل أكفاء فكيف سواهم ... ولكنهم غروا وكلّهم [كفر] «2»
وأيضا لإرغام التتار الذي بهم ... تمسكهم إذ قهرهم لهم قهر
صرفت إليهم همة لو صرفتها ... إلى البحر لاستولى على مدّه الجزر
ففروا ومن كانوا يرجّون نصرهم ... وألو (وا) لقد غرّوهم ولقد برّوا
ومن كان يرجو النصر من عند كافر ... لقد خاب في ذاك الرجاء وما النصر
وولوا وقد ضاق الفضاء عليهم ... إلى أن غدا في الضيق كالخاتم البرّ
تخطّفهم أطراف جيشك كلّما ... سروا أسروا أو عاينوا علما فرّوا
وما قلعة الروم التي حزت فتحها ... وإن عظمت إلا إلى غيرها جسر
طليعة ما يأتي من الفتح بعدها ... كما لاح قبل الشمس في الأفق الفجر(27/464)
محجّبة بين الجبال كأنها ... إذا ما تبدّت في ضمائرها سرّ
تفاوت [وصفاها] «1» فللحوت فيهما ... مجال، وللنسرين بينهما [وكر] «2»
فبعض رسا حتى علا الماء فوقه ... وبعض سما حتى همى دونه القطر
يحيط بها نهران «3» تبرز فيهما ... كما لاح يوما في قلائده النّحر
وبعضهما العذب الفرات وإنّه ... لتحصينها كالبحر بل دونه البحر
سريع يفوت الطرف جريا وحدّة ... كريح سليمان التي يومها شهر
لها قلّة لم ترض سقيا فراتها ... وفي روضها ماء المجرّة ينجرّ
تخاض متون السحب فيها كأنّها ... إذا ما استدارت حول أبراجها نهر
على هضب صمّ يكلم صخرها ... الحديد، وفيها من إجابته وقر
(372) لها طرق كالوهم أعيا سلوكها ... على الفكر حتى ما تخيلها الفكر
إذا خطرت فيها الرياح تعثّرت ... أو الذرّ يوما زلّ عن متنها الذّرّ
يضل القطا فيها ويخشى عقابها ... العقاب ويهفو في مراقبها [النسر] «4»
فصبّحتها بالجيش كالروض بهجة ... صوارمه أنهاره والقنا الزّهر
وأبعدت بل كالبحر والبيض موجه ... وجرد المذاكي [السفن] «5» والخوذ الدرّ
وأغربت بل كالليل عوج سيوفه ... أهلّته، والنبل أنجمه الزّهر
وأخطأت لا بل كالنهار، وشمسه ... محيّاك، والآصال راياتك الصّفر
ليوث من الأتراك آجامها القنا ... لها [كل يوم في] «6» ذرا ظفر ظفر(27/465)
فلا الريح تسري بينهم لاشتباكها ... عليهم، ولا ينهلّ من فوقهم قطر
غيوث إذا الحرب العوان تعرضت ... لخاطبها بالنفس لم يغلها مهر
ترى الموت معقودا بهدب نبالهم ... إذا ما رماها القوس والنظر الشّزر
ففي كلّ مرج غصن بان مهفهف ... وفي كلّ قوس مدّه ساعد بدر
إذا صدموا شمّ الجبال تزلزلت ... وأصبح سهلا تحت خيلهم الوعر
ولو وردت ماء الفرات خيولهم ... لقيل هنا قد كان فيما مضى نهر
أداروا بها سورا فأضحت كخنصر ... لدى خاتم أو تحت منطقة خصر
وأرخوا «1» إليها من بحار أكفّهم ... سحاب ردى لم يخل من قطره قطر
كأن المجانيق التي قمن حولها ... رواعد سخط وبلها النار والصّخر
أقامت صلاة الحرب ليلا صخورها ... فأكثرها شفع، و [أمثلها] «2» وتر
لهم أسهم مثل الأفاعي طوالها ... قواتل إلا أنّ أكرهها البتر
سهام حكت سهم اللحاظ لقتلها ... وما فارقت جفنا، وهذا هو السّحر
تزور كناسا عندهم أو كنيسة ... فلا دمية تبدو حذار ولا خدر
(373) ودارت بها تلك النقوب فأسرفت ... وليس عليها في الذي فعلت حجر
فأضحت بها كالصبّ يخفي غرامه ... حذار أعاديه وفي قلبه جمر
وشبت بها النيران حتى تمزقت ... وباحت بما أخفته وانهتك السّتر
ولاذوا بذيل العفو منك ولم يخب ... رجاؤهم، لو لم يكن قصدهم مكر
أمرت اقتدارا منك بالكفّ عنهم ... لئلا يرى في غدرهم لهم عذر
فراموا به أمرين: تستير ما وهى ... من السور، أو عود التتار وقد فرّوا
لهم ويلهم إن التتار الذي رجوا ... إعانتهم لم..... «3» فقر(27/466)
ألم يسمعوا أو لم يروا حال مغلهم ... بحمص «1» ، وقد أفناهم القتل والأسر
إن اندملت تلك الجراح فإنّهم ... متى ذكّروا ما مرّ ينقضها الذّكر
وما كره المغل اشتغالك عنهم ... بها عندما فرّوا، ولكنهم سرّوا
فأحرزتها بالسيف قهرا وهكذا ... فتوحك فيما قد مضى كلّه قسر «2»
غدت بشعار الأشرف الملك الذي ... له الأرض دار وهي من حسنها قصر
فأضحت بحمد الله ثغرا ممنّعا ... تبيد الليالي والعدا وهو مفترّ
وكانت قذى في ناظر الدين فانجلى ... وذخرا لأهل الشرك فانعكس الأمر
فيا أشرف الأملاك بشراك غزوة ... تحصّل منها الفتح والذكر والأجر
ليهنك عند المصطفى أنّ دينه ... توالى له في يمن دولتك النّصر
وبشراك أرضيت المسيح وأحمدا ... وإن غضب التكفور «3» من ذاك والكفر
فسر حيثما تختار فالأرض كلّها ... بحكمك، والأمصار أجمعها مصر
ودم، وابق للدنيا ليحيا بك الهدى ... ويزهى على [ماضي] «4» العصور بك العصر
فلله في تخليد ملكك نعمة ... علينا ولا يضيق بها الشّكر «5»
ورجع الملك الأشرف إلى حلب ثم إلى حماة، وقام الملك المظفر بوظائف (374) خدمته، ثم توجه السلطان إلى دمشق، وأعطى الملك المظفر صاحب حماة الدستور فأقام ببلده، ودخل السلطان دمشق وصام بها رمضان، ثم سار بعد العيد إلى الديار المصرية.(27/467)
وفيها، هرب حسام الدين لاجين المنصوري الذي كان نائبا بالشام من دمشق لما وصل السلطان من قلعة الروم، وكان السلطان قد اعتقله لما كان نازلا على حصار عكّا «1» ثم أفرج عنه في أوائل هذه السنة، وسار مع السلطان إلى قلعة الروم ثم عاد معه إلى دمشق، فحصلت بينهما وحشة فهرب إلى جهة العرب فقبضوه وأحضروه إلى السلطان، فبعث به إلى قلعة الجبل بديار مصر فحبس بها.
وفيها، استناب السلطان بدمشق عز الدين أيبك الحموي «2» وعزل علم الدين سنجر الشّجاعي.
وفيها، عزل (السلطان) قراسنقر المنصوري من نيابة حلب واستصحبه معه عند عوده من قلعة الروم، وولى موضعه على حلب سيف الدين بلبان الطّبّاخي، وكان المذكور نائبا بالفتوحات ومقامه بحصن الأكراد.
وولى الفتوحات والحصون لطغريل الإيغاني «3» ، ثم عزله بعد مدة وولى موضعه عز الدين أيبك الخازندار المنصوري «4» .
ولما وصل الأشرف إلى مصر قبض على شمس الدين سنقر الأشقر وجرمك، وكان قد قبض على تقصو بدمشق فخنقهم عن آخرهم «5» .(27/468)
وفي سنة اثنتين وتسعين وست مئة «13»
[في جمادى الأولى] «1» [أرسل] «2» الأشرف أحضر المظفر صاحب حماة وعمه الأفضل على خيل البريد، فتوجها وعندهما خوف عظيم بسبب ذلك، ووصلا إلى قلعة الجبل في اليوم الثامن [من خروجهما من حماة] «1» فشملتهما الصدقات السلطانية، وأمر بهما فأدخلا إلى الحمام بقلعة الجبل، وخلع عليهما ملابس كثيرة غير ثياب الطريق، وأقاما في الخدمة أياما، ثم خرج السلطان على الهجن إلى جهة الكرك وسارت (375) العساكر على الطريق إلى دمشق، وأركب صاحب حماة وعمه الهجن ورسم لهما بكفايتهما، وسارا «3» في خدمته إلى الكرك ولاقتهما تقادمهما إلى بركة زيزاء فقبلها السلطان وأنعم عليهما، ودخل دمشق ثم سار منها على البرية متصيدا، ووصل إلى الفرقلس وهو جفار في طريق حمص من الشرق ونزل عليه وحضر إلى الخدمة هناك مهنّا ابن عيسى «4» أمير العرب و [أخواه] «5» محمد وفضل وولده موسى «6» فقبض السلطان على الجميع وأرسلهم إلى مصر، [فحبسوا] «7» بقلعة الجبل «8» ووصل السلطان إلى القصب وأعطى صاحب حماة الدستور فحضر إلى بلده، وأما عمه(27/469)
الأفضل فإنه كان قد حصل له تشويش لما كان السلطان بجليجل «1» وما حولها، وأرسل إلى السلطان تقدمة ثانية ولم يقدر على الحضور بسبب مرضه، فأحضرت والسلطان نازل على القصب فقبلها، وارتحل عائدا إلى مصر فوصل إليها في رجب.
وفي هذه السنة [بعد وصول السلطان إلى مصر، كان] «2» قد [أخّر] «3» بعض العسكر المصري على حمص فتقدم إليهم وإلى صاحب حماة وعمه بالمسير إلى حلب والمقام بها لما في ذلك من إرهاب العدو فسارت إليها، وكان خروج المظفر وعمه من حماة يوم الجمعة خامس عشري شعبان [ودخلوا حلب يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شعبان] «4» الموافق لرابع شهر آب، وأقاموا بها [إلى أوائل ذي القعدة] «4» هذه السنة أعني سنة اثنتين وتسعين وست مئة «5» .
سنة «6» ثلاث وتسعين وست مئة «13»
في ثاني المحرم، فتكوا بالسلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن(27/470)
قلاون «1» بترّوجة «2» وهو يتصيد ليس معه سيف ولا معه أحد سوى أمير شكّار فتعامل نائبه بيدرا ولاجين فشد [عليه] «3» بيدرا وأفصله لاجين ثم سموا بيدرا الملك القاهر، وأقبلوا به ليملّكوه فحمل عليه كتبغا «4» بالخاصكية فقتلوه من الغد «5» ، واختفى لاجين وقراسنقر وجماعة (376) ، وحلفوا لمولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدين خلد الله (ملكه) وهو ابن تسع سنين، وأهلك الوزير ابن السّلعوس تحت الضرب «6» ، وقتل الشّجاعي وكان قد عزم على أن يتملك فلم يتم له «7» وعمل نائبه السلطان أيده الله تعالى زين الدين كتبغا، وركب في دست السلطنة، وزينت البلاد، ثم بعد أشهر ظهر حسام الدين لاجين وشفع فيه كتبغا، فأنعم عليه السلطان وأعطاه خبز «8» بكتوت العلائي «9» .
وكانت دولة الأشرف ثلاث سنين وشهرين «10» ، وعاش أزيد من ثلاثين سنة(27/471)
بقليل، وكان بديع الجمال، تام الشكل، ضخما، مهيبا، مستدير اللحية، كامل الشجاعة، عالي الهمة، يملأ العين، ويرجف القلب، خضعت له الملوك، ودانت له الأمم.
وكان بيدرا من أكبر دولة السلطان الملك المنصور ومن أعز الناس على أستاذه، ثم اتخذه الأشرف الشهيد نائبه فكافأه، وكان بيدرا يرجع في الجملة إلى دين وعدل، عاش نيفا وثلاثين سنة.
وكان الشّجاعي طويلا، تام الهيبة، أبيض، أسود اللحية، مهيبا وقورا، فيه عسف وجبروت، وعنده خبرة بالأمور (و) فطنة، عمل (في) نيابة دمشق، ودخل طلبه [من] «1» غزاة قلعة الروم وهو في تجمل عظيم لا ينبغي أن يكون إلا لسلطان.
وفيها مات (كيختو) بن أبغا بن هولاكو طاغية التتار، تسلطن بعد موت أرغون سنة تسعين «2» ، ومالت طائفة إلى [بيدوا] «3» ابن أخيه ما هو ابن أخيه بل نسيب له بعيد «4» فملكوه ووقع الخلف بينهم، ثم قوي بايد واوقاد الجيوش، فالتقى الجمعان فقتل كيختو واستقل [بيدوا] «3» بالممالك، فخرج عليه نائب خراسان غازان بن أرغون وجمع الجيوش فطلب الملك «5» .(27/472)
وفيها، مات قاضي القضاة بدمشق شهاب الدين أحد الأعلام محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن الخليل الخوييّ الشافعيّ «1» وله سبع وستون سنة.
سنة أربع وتسعين (377) وست مئة «13»
في المحرم، ذهب مولانا السلطان ناصر الدين إلى الكرك وأعرض عن الملك، فتسلطن زين الدين كتبغا التركي المغلي المنصوري، ولقب بالملك العادل وزينت البلاد وقد جاوز الأربعين «2» وهو من سبي وقعة حمص الأولى أي في سنة تسع وخمسين «3» ، وكان من أكابر أمراء المنصورية، وصير نائبه حسام الدين لاجين المنصوري.
وكسر النيل السنة عن نقص كثير، فخاف الناس، وغلت الأسعار.
وفيها، دخل ملك التتار غازان بن أرغون في الإسلام وتلفظ بالشهادتين بإشارة نائبه نوروز، ونثر الذهب واللؤلؤ على الخلق وكان يوما مشهودا، ثم لقنه نوروز شيئا من القرآن، ودخل رمضان فصامه، وفشا الإسلام في التتار.
وفيها، توفي خطيب دمشق ومفتيها [شرف الدين] «4» أحمد بن أحمد [ابن] «4» المقدسي «5» وقد نيف عن السبعين.(27/473)
وشيخ المشايخ عز الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي الفاروثي «1» المقرئ المفسر الواعظ الخطيب في [ذي] «2» الحجة بواسط وله ثمانون سنة.
وشيخ الحرم الفقيه الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري «3» مصنف «الأحكام» «4» عن تسع وسبعين سنة.
وسلطان أفريقيّة المستنصر بالله عمر بن يحيى بن عبد الواحد الهنتاتي «5» ، وكان ملكه إحدى عشر سنة.
وفيها، توفي صاحب اليمن السلطان الملك المظفّر شمس الدين يوسف بن السلطان عمر بن علي بن رسول التركماني «6» ، وكانت دولته [سبعا وأربعين] «7» سنة، وعاش أزيد من ثمانين سنة.(27/474)
سنة خمس وتسعين وست مئة «13»
كان القحط المفرط بمصر، وبلغ الإردب مئة و [ستين] »
درهما، وأكلوا الجيف، وعظم الوباء، ومات الخلق في الطريق جوعا وهلاكا، وبلغ الخبز بمصر كل خمس أواق بالدمشقي بدرهم، وكان الغلاء بدمشق، بلغت الغرارة مئة وخمسين درهما، ويقال: أحصي من مات بمصر والقاهرة في مدة شهر صفر فزادوا (378) على مئة ألف، ثم بلغت الغرارة مئة وثلاثين درهما «2» ، وانصلح أمر مصر في جمادى الأولى، وقل الناس وفنوا، وانحطّت الأسعار.
وفي ذي القعدة، قدم السلطان الملك العادل زين الدين [كتبغا] «3» وزينت دمشق وصلى الجمعة بالمقصورة وكان أسمر مغليا وقصيرا في ذقنه شعرات قليلة، وعنقه قصير، وكان يوصف بالشجاعة والإقدام والدين التام وسلامة الباطن، يعوزه رأي وحزم، وخلع على الخطيب بدر الدين بن جماعة «4» ، وزار المصحف العثماني «5»(27/475)
وصلى على يمينه الشيخ حسن بن الحريري «1» ، وعن شماله صاحب حماه «2» ، ويلي ابن الحريري نائب المملكة حسام الدين لاجين، ثم نائب دمشق عز الدين الحموي، ثم بدر الدين بيسرى، ثم قراسنقر المنصوري، ثم لعب بالكرة، واستناب على دمشق مملوكه غرلوا «3» .
وفيها، مات شيخ الحنابلة بمصر العلامة نجم الدين أحمد بن حمدان الحراني «4» في صفر، وله اثنتان وتسعون سنة.
وقاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز الشافعي «5» بمصر كهلا.(27/476)
وشيخ الحنفية الصاحب العلامة محي الدين محمد بن يعقوب بن النحاس الأسدي الحلبي «1» بالمزّة، وله إحدى و [ثمانون] «2» سنة.
وشيخ الحنابلة العلامة زين الدين المنجا بن [عثمان بن المنجا] «3» التّنوخي «4» ، وله أربع وستون سنة.
سنة ست وتسعين وست مئة «13»
في أولها، رجع السلطان العادل من حمص وجلس بدار العدل «5» ، وتناول من الناس القصص بيده، وصلى الجمعة وزار قبر هود «6» ، ثم زار مغارة الدم «7» ، ثم سافر، فلما كان آخر المحرم غلقت قلعة دمشق وتهيأ غرلوا، وجمع الأمراء وركبوا من باب النصر فوصل قبل العصر السلطان في خمسة مماليك وقد زالت دولته، فدخل القلعة وضربت البشائر، وصورة الواقعة] «8» بوادي فحمة أن نائب السلطنة الحسام لاجين ركب وقتل الأميرين بتخاص «9» وبكتوت (379)(27/477)
الأزرق وكانا جناحي العادل «1» ، فلما سمع [العادل] «2» بخبطة ركب فرس النّوبة وساق إلى دمشق ومعه خمسة فقط، وساق حسام الدين الخزائن والجيش وركب تحت العصائب في دست السلطنة فبايعوه كلهم، ودخل إلى مصر وزينت البلاد.
وأما العادل فإنه أقام ثلاثة عشر يوما، ثم صحّت بدمشق الأخبار بسلطنة حسام الدين، ثم بعد ذلك بعشرة أيام قدم كجكن «3» فنزل بالقبيبات «4» وأعلن باسم المولى السلطان حسام الدين، فسارع إليه أمراء دمشق، وأذعن العادل بالطاعة وسلم نفسه، فاعتقلوه في مكان بالقلعة، وضربت البشائر، ثم اجتمعت القضاة والنائب غرلوا وأظهر السرور، و (قال) أنا السلطان حسام الدين هو الذي عيّنني لنيابة دمشق، وإلا فأستاذي استصغرني عن ذلك.
وفي تاسع عشر صفر، ركب السلطان بمصر بخلعة الحاكم بأمر الله والتقليد ثم حرك كتبغا إلى صرخد، ثم في ربيع الأول وصل قبجق على نيابة دمشق، وناب بمصر قراسنقر المنصوري، ثم بعد أشهر أمسك، وناب منكوتمر الحسامي «5»(27/478)
وعمل (في) وزارة مصر والشدّ شمس الدين الأعسر «1» ، ثم في آخر العام أمسك وصودر.
وفيها، مات محدث مصر جمال الدين أحمد بن محمد بن الظاهري «2» الحافظ وله سبعون سنة والقاضي تاج الدين عبد الخالق بن عبد السلام الشافعي «3» ببعلبك وله ثلاث وتسعون سنة.
سنة سبع وتسعين وست مئة «13»
فيها، قبض على البيسرى «4» أكبر أمراء الدولة.
وفيها، قدم الدّواداري «5» بعسكر [مصر] «6» فسار ببعض الشاميين «7» فنزلوا(27/479)
حصون سيس، فأخذوا قلعة مرعش في رمضان «1» ، ودقّت البشائر.
وفي شوال، فتحوا قلعة حميص «2» وقلعة نجيمة.
وفيها، قبض بمصر على عز الدين أيبك الحموي الذي كان نائب دمشق.
وفيها، مات مسند العراق الكمال عبد الرحمن بن عبد اللطيف المقرئ «3» المكبّر شيخ (380) المستنصرية وله ثمان وتسعون سنة.
سنة ثمان وتسعين وست مئة «13»
توحشت نفوس الدولة مما يفعله منكوتمر من إمساك [الكبار] «4» وسقي بعضهم، وذهب نائب دمشق قفجق بالعساكر فنزلوا بأرض حمص، وهناك بكتمر السلحدار «5» بطائفة من المصريين فتكلموا في مصلحتهم، وأن منكوتمر لا يفتر عنهم، فاتفقوا على المسير إلى قازان ملك التتار لعلمهم بإسلامه، فسار(27/480)
من حمص المذكوران وألبكي «1» وبزلار «2» بخواصّهم فأخذوا على ناحية سلمية وعدوا الفرات، فلم يكن بعد عشرة أيام من مسيرتهم إلا وقد جاء البريد بقتلة السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوري وقتلة منكوتمر، وعلم الأمراء المخامرون بقتلهما وهم بأرض سنجار وفات الأمر.
وأحضروا مولانا السلطان من الكرك وله أربع عشرة سنة وتسلم السلطنة وحلفوا له، ثم قتل طغجي وكرجي «3» و [كانا] «4» ممن قتل المنصور ونائبه، ثم ناب بمصر سيف الدين سلّار والأتابك [هو] «5» حسام الدين أستاذ دار «6» ، وركب السلطان أيده الله في دست المملكة بالخلعة وتقليد الخليفة، وجاء على(27/481)
نيابة دمشق جمال الدين آقوش الأفرم، ثم أخرج الأعسر وولي الوزارة، وأخرج قراسنقر وأعطي قلعة الصّبيبة.
ومات بالحبس البيسرى الصالحي «1» ، وكان كبير الشأن موصوفا بالشجاعة وممن يذكر للسلطان، وعمل له العزاء تحت قبة النسر فحضره [ملك الأمراء، وكان تركيا أبيض اللحية صغيرها من أبناء السبعين] «2» .
ومات مسند دمشق ناصر الدين عمر بن القواس «3» وله ثلاث وتسعون سنة.
وشيخ العربية بمصر بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن النحاس الحلبي «4» عن إحدى وسبعين سنة.
والعلامة جمال الدين محمد بن سليمان بن النقيب البلخي ثم المقدسي «5» صاحب «التفسير» «6» الكبير.(27/482)
وصاحب حماة الملك المظفر محمود بن المنصور «1» وكانت دولته خمس عشرة سنة، مات في ذي القعدة، فأعطيت [حماة] «2» لقراسنقر، فسار إليها من الصّبيبة.
وكان (381) حسام الدين لاجين أشقر روميا، [معرّق الوجه] «2» ، طويلا، مهيبا، موصوفا بالشجاعة والإقدام، فيه دين وعقل، وكانت دولته سنتين وثلاثة شهور، وركب يوم الخميس وهو صائم، فلما كان بعد العشاء وهو على السّجادة يلعب بالشّطرنج مع أمير وعنده بريد البدوي «3» (؟) والقاضي حسام الدين الحنفي «4» ، فحكى القاضي، قال: رفعت رأسي فإذا ستة أسياف نازلة على السلطان.
قلت: بدأ كرجي مقدم [البرجية] «2» فضربه بالسيف حل كتفه، وأسرعوا إلى منكوتمر فبتّوه «5» ، وكان السلطان من أبناء الخمسين سنة.
وفيها، مات ببغداد ياقوت المستعصمي الرومي «6» صاحب الخط البديع.(27/483)
سنة تسع وتسعين وست مئة «13»
وصل الأمراء قبجق وبكتمر السّلحدار وألبكي إلى خدمة غازان فأكرمهم، وقصد الشام وعلم بقتل صاحب مصر ونائبه واضطراب الأمور، فأقبل في جيش عظيم «1» وعدى الفرات، وخرج السلطان أيده الله فكان المصاف في السابع والعشرين من ربيع الأول «2» بوادي الخزندار»
على ثلاثة فراسخ من حمص، وكانت ملحمة عظيمة قتل فيها فوق عشرة آلاف من التتار، ولاحت أمارات النصر، وثبت السلطان بمماليكه ثباتا كليا، ثم انكسرت ميمنة المسلمين، وكان العدو ثلاثة أضعافهم، فتحيّز السلطان بمن ثبت معه، وساروا على ناحية البقاع، واستولى فازان وقضي الأمر.
ثم دخلت التتار دمشق، وشرعوا في المصادرة والعسف، ونهبوا الصالحية، وسبوا أهلها وتغير الخلق.
ووقع الحريق من صاحب سيس «4» والكفرة فأحرقوا جامع العقيبة وعدة أماكن، وحاصروا القلعة وعملوا المجانيق والنقوب، فأحرق أهل القلعة دار السعادة ودار الحديث [الأشرفية] «5» و [غير ذلك إلى حد] «5» العادلية [الكبيرة] «5» ،(27/484)
والنورية، وخربت تلك الناحية كلها «1» ، وهرب أهلها وبقي باب البريد إصطبلا فيه الزبل نحو ذراع، ثم أذن (382) غازان وكان نازلا بالمرج «2» لجيشه في نهب دمشق، وبات الخلق في ليلة الله بهم عليم، ثم إن الله لطف وألقى في قلب غازان أن أمر الأمراء بالكف عن دمشق وصمم على ذلك، وأخذ من مثل الوجيه ابن المنجا «3» وطبقته سبعون ألفا ويلحقها من الترسيم للمغل تتمه مئة ألف، وعلى الطبقة الثانية من الرؤساء ثلاثون ألفا حتى أخذ من الفامية «4» واللحامين، فحكى الوجيه بن منجّا أن الذي حمل إلى خزانة قازان ثلاثة آلاف ألف وست مئة ألف سوى التراسيم فيكون نحو الربع من ذلك، واتصل إلى الخبيث شيخ الشيوخ «5» قريب الست مئة ألف، وأسروا من الصالحية نحو أربعة الآلاف(27/485)
نسمة، وقتلوا بها نحو الثلاث مئة أكثرهم في التعذيب على المال، ودخل الباقون في جوع وعري وبرد مفرط، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فقد جرى ما لا يعبر عنه، وغلت الأسعار، وافتقر خلق، ثم ترحلت التتار من الشام بالسبي والمكاسب وقد استغنوا وجعلوا قبجق نائبهم بدمشق ومعه بكتمر السلحدار، وعجزوا عن القلعة سلمها الله بعزم متوليها الأمير علم الدين أرجواش «1» والله يرحمه، ودامت التتار بالشام نحو أربعة أشهر، ثم إن السلطان أيده الله دخل مصر بجيوشه المصرية والشامية وقد ذهب [رختهم] «2» وأثقالهم، وتلفت أكثر خيلهم وتضعضعوا كثيرا ونقصوا وتفرقوا ففتح بيوت الأموال وأنفق في الجيش نفقة ما سمع مثلها قط، كان يعطي الجندي خمسين دينارا فشرعوا في اشتراء ما يصلحهم من الخيل والعدد حتى أبيع الشيء بأضعاف أمثاله.
ثم خرجت العساكر إلى الشام مع سلّار، فبادر إلى خدمته قبجق وبكتمر وألبكي، فصفح عنهم السلطان وأعطى قبجق الشّوبك فذهب إليها، وقدم جيش دمشق ونائبها الأفرم في عاشر شعبان، ثم قدمت جيوش مصر مع سلّار والحسام أستاذ دار، وأمير سلاح «3» (383) فنزلوا بالمرج، ثم إنهم رجعوا بعد شهر.
وفيها، مات خلق من مشايخ دمشق منهم المسند شرف الدين أحمد بن هبة(27/486)
الله بن عساكر «1» ، وله خمس وثمانون سنة.
وقاضي الشام إمام الدين عمر بن عبد الرحمن القزويني الشافعي «2» ، مات منجفلا بمصر، وله ست وأربعون سنة.
والأمير الكبير فخر المحدثين «3» مقدم الجيوش علم الدين سنجر الدّواداري الصالحي «4» ، وهو في عشر الثمانين.
ونائب طرابلس سيف الدين كرت المنصوري «5» استشهد بوادي الخزندار.
[وشيخ] «6» المغرب الواعظ القدوة أبو محمد عبد الله بن محمد المرجاني «7» بتونس.(27/487)
سنة سبع مئة «13»
كثرت الأراجيف بمجيء التتار، وانجفل الناس «1» ، واشتد الأمر، ووصل السلطان إلى العريش، ووصل غازان إلى حلب، فاستهل جماد (ى) الأولى والناس في حال لا يعلمها إلا الله، ثم وصل بكتمر السّلحدار بألف فارس، ورجع السلطان «2» وانجفل الغني والفقير ومرّ والي دمشق في الأسواق يقول أيش قعودكم، من قدر على السفر فليبادر، ثم نودي بذلك في دمشق «3» ، وصاح النساء والأطفال وأغلق البلد، وازدحم الخلق بالقلعة واقتسموا طرقها بالشبر، ثم بعد يومين خرجوا من شدة الحرج والضنك وسافر أعيان البلد.
وفي تاسع عشر الشهر «4» ، وقع يزك حماة على غيّارة التتار فكسروهم وقتلوا نحو مئة، وصحت الأخبار برجوع قازان من حلب، فبلع الناس بريقهم وترجوا كشف الضر من الله، وهلك عدد كبير من التتار بحلب من الثلج والغلاء وعزّ اللحم بدمشق حتى بيع الرّطل بتسعة دراهم، ثم دخل الأفرم والأمراء من المرج بعد أن أقاموا به أربعة أشهر.(27/488)
وفي شعبان، ألبست النصارى واليهود بمصر والشام العمائم الزرق والصفر «1» واستمر ذلك!
وفيها (384) توفي بدمشق المسندون:
عز الدين إسماعيل بن عبد الرحمن بن الفرّاء المرداوي «2» .
وعز الدين أحمد بن العماد عبد الحميد المقدسي «3» .
وأبو الحجاج يوسف بن أحمد الغسولي «4» .
والأمير عز الدين أيدمر «5» الذي كان نائب دمشق في دولة الظاهر.(27/489)
سنة إحدى وسبع مئة إلى سنة عشر وسبع مئة
سنة إحدى وسبع مئة «13»
في صفر، خنق شيخ الحنفية العلامة ركن الدين عبيد الله بن محمد السّمرقندي «1» مدرس الظاهرية «2» وألقي في بركتها وأخذ ماله، ثم ظهر قاتله أنه قّيم الظاهرية فشنق على حائطها.
وفي ربيع الأول، ثبت على قاضي بارين ونقل ثبوته إلى قاضي حماة أنه وقع هناك برد عظيم على صورة حيّات وعقارب وطيور ورجال وسباع.
وفي جماد (ى) الأولى، مات أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس «3» ، ودفن عند السيدة نفيسة وكانت خلافته أربعين سنة وأشهرا.
خلافة المستكفي بالله أمير المؤمنين «4»
عهد إليه بالأمر أبوه الحاكم بأمر الله، وقرئ تقليده بعد عزاء والده، وخطب له على المنابر.
وفي جمادى الآخرة، توفي المسند الفقيه تقي الدين أحمد المحدث ابن عبد الرحمن بن موسى الصالحي «5» وله أربع وثمانون سنة.(27/490)
وفي رمضان، توفي المحدث الإمام أبو الحسين علي بن محمد اليونيني «1» ببعلبك شهيدا من جرح في دماغه، وثب عليه مجنون بسكين وعاش إحدى وثمانين سنة.
وفيها، جاء جراد إلى دمشق لم يسمع مثله، ترك غالب الغوطة عصيا مجردة، ويبست أشجار لا تحصى.
وفي ذي الحجة، مات مسند الديار المصرية أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي «2» بعد قضاء نسكه وله أربع وثمانون سنة «3» .
سنة اثنتين وسبع مئة «13»
في صفر، فتحت جزيرة أرواد «4» وهي بقرب انطرسوس، وحوصرت يوما، وقتل بها عدة من الفرنج نحو الألفين (385) ، ومروا على دمشق بالأسرى قريبا من خمس مئة أسير.(27/491)
وفي صفر، مات قاضي القضاة بقية الأعلام محمد بن علي بن دقيق العيد «1» بالقاهرة، وله سبع وسبعون سنة.
وفي شعبان، عدّت التتار الفرات، وانجفل الناس، وخرج السلطان أيده الله بجيوشه المنصورة من مصر.
وفي «2» عاشره، كان المصاف بعرض «3» بين التتار وبين المسلمين، كان المسلمون ألفا وخمس مئة وعليهم أسندمر «4» وغرلوا العادلي وبهادر آص «5» ، وكان التتار نحو (ا) من أربعة آلاف، فانكسروا وقتل منهم خلق كثير وأسر مقدمهم، ثم دخل من المصريين خمس تقادم عليهم الشاشنكير «6» والحسام أستاذ دار، ثم دخل بعدهم ثلاثة آلاف عليهم أمير سلاح ويعقوبا «7» وأيبك(27/492)
الخزندار، ثم إن عسكر حلب وحماة تقهقر من التتار، وجمعت العساكر [بمرج دمشق، ووصلت التتار إلى قارا فارتحلت العساكر] «1» إلى الجسورة واختبط الناس واختنق في باب دمشق غير واحد، وهرب الخلق، وبلغت القلوب الحناجر، ووصل السلطان إلى الغور، وامتلأت الطرقات والأزقة بأهل البرّ ومواشيهم، وغلقت الأبواب، واشتدّ الخطب، وضجّ الخلق إلى الله، وأيسوا من الحياة.
واستهل رمضان ليلة الجمعة. وتعلقت الآمال ببركة الشهر، وأصبح الناس وأخبار الجيوش معمّاة عليهم، ثم بعد الجمعة وصلت [التتار] «1» إلى المرج، وساروا إلى جهة الكسوة وبفذوا عن دمشق بكرة السبت، وغلب على الظنون أن اليوم تكون الوقعة، فابتهل الناس بالدعاء والاستعانة بالله في الأسواق والجامع، وطلعت النساء والأطفال إلى الأسطحة مكشفين الرءوس يجأرون إلى الله ويبكون ويسألون ويتذللون وهم صائمون، فثمة ساعة قبل الظهر لا يمكن أن يعبّر عنها وليس الخبر كالمعاينة، ثم بعدها حصل في النفوس سكينة وثقة بأن الله لا يردهم (386) خائبين، ونزل في الحال مطر عظيم، ثم بعد الظهر وقعت البطاقة بوصول الركاب الشريف واجتماع الجيوش المحمدية بمرج الصّفّر، ثم وقعت بطاقة تتضمن طلب الدعاء وحفظ أسوار البلد، وبعد الظهر وقع المصاف والتحم الحرب فحملت التتار على الميمنة فكسرتها واستشهد مقدمها الحسام، وثبت السلطان كعوائده ومن العصر استمر القتال والنزال حتى دخل الليل وردّت التتار من حملتها على الميمنة بغلس، وقد كلّ جدهم (؟) فتعلقوا بالجبل المانع «2» ، وطلع الضوء من بكرة الأحد والمسلمون يحدقون بالتتار فلم(27/493)
تكن ضحوة إلا وقد ركن التتار إلى الفرار، وولوا الأدبار، ونزل النصر، ودقّت البشائر وزين البلد، فأين غمرة السبت من سرور يوم الأحد، فو الله ما ذقنا يوما أحلى منه ولا أمر من الذي قبله «1» .
وكان التتار نحو (ا) من خمسين ألفا عليهم قطلغ شاه «2» نائب قازان، ورجع قازان من حلب في ضيق صدر من كسرة أصحابه يوم عرض، ثم أخزاه الله بهذه الكائنة العظمى التي يرجع فيها إليه من جيوشه نحو الثلث في حفاء وجوع وذل لا يعبر عنه، وتمزقوا لبعد المسافة، وتخطفهم أهل الحصون.
ووصل السلطان والخليفة بالنصر والظفر، وساق وراء المنهزمين سلّار وقبجق إلى القريتين.
واستشهد حسام الدين لاجين الرومي أستاذ دار «3» ، وكان شيخا مهيبا مليح الشيبة من أبناء السبعين.
والأمير علاء الدين بن الجاكي «4» ، شيخ مهيب كردي من أمراء دمشق.
والأمير حسام الدين [أوليا بن] «5» قرمان.
وسنقر الشمسي الحاجب «6» .(27/494)
وشمس الدين سنقر الكافري «1» وكانا من أمراء الميمنة.
وعز الدين محمود بن الأمير يعقوبا «1» .
وصلاح الدين «2» ولد الملك الكامل «3» .
وسافر السلطان في حفظ الله بعد العيد.
وفي يوم الأضحى، توفي الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري «4» صاحب حماة. ثم نقل إلى تربته بسفح قاسيون، وعاش بضعا (387) وخمسين سنة، وكان فيه شهامة ودين وخير وحسن خلق.
وفي ذي الحجة، كانت الزلزلة العظمى بمصر والشام، وكان تأثيرها بالإسكندرية أعظم من غيرها، ذهب تحت الروم بها عدد كثير، وطلع البحر إلى نصف البلد وأخذ الجمال والرجال وغرقت المراكب، وسقطت بمصر دور لا تحصى.
سنة ثلاث وسبع مئة «13»
في المحرم، توفي الشيخ الإمام القدوة الزاهد الكبير ولي الله الشيخ إبراهيم بن أحمد الرّقّي «5» بدمشق، وكانت جنازته مشهودة، وحمل على الرءوس، وعاش بضعا وخمسين سنة.(27/495)
وفي صفر، مات خطيب «1» دمشق شيخ دار الحديث «2» زين الدين عبد الله ابن مروان الفارقي «3» ، وله سبعون سنة.
وفيها، قدم أمير سلاح في ثلاثة آلاف، وسار معه عسكر من دمشق وقبجق في عسكر حماة، وأسندمر في عسكر الساحل، وقراسنقر في عسكر حلب فنازلوا تل حمدون وأخذوها، ودخل بعضهم الدربند وأغاروا ونهبوا وأسروا خلقا، وضربت البشائر.
وفي شوال، مات صاحب العراق غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو «4» بقرب همذان مسموما، وكان شابا لم يتكهل، وتملك بعده أخوه خربندا محمد.
سنة أربع وسبع مئة «13»
توفي المسند المعمّر ركن الدين أحمد بن عبد المنعم الطّاووسي القزويني الصوفي «5» وله مئة سنة وثلاث سنين.(27/496)
ومحدث الإسكندرية تاج الدين علي بن أحمد الحسيني الغرّافي «1» وله سبع وسبعون سنة.
سنة خمس وسبع مئة «13»
فيها، نازل نائب دمشق بعساكره جبل الجرد «2» وقهرهم وأذلهم، وهم روافض جهلة فتكوا بالجيش وقت الهزيمة «3» وعملوا كل قبيح.
وفي شوال، توفي خطيب دمشق ونحويها [ومحدثها] «4» الشيخ شرف(27/497)
الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري «1» أخو شيخنا «2» تاج الدين «3» وله خمس وسبعون (388) سنة.
وحافظ العصر العلّامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدّمياطي «4» بالقاهرة، وله اثنتان وسبعون سنة.
سنة ست وسبع مئة «13»
فيها، توفي مقدم الجيوش قائد الغزاة بدر الدين بكتاش الصالحي أمير سلاح «5» وقد نيّف على السبعين أو الثمانين، وكان موصوفا بالشجاعة والخير.
وخطيب دمشق شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي بن إمام(27/498)
الكلّاسة «1» فجأة، وله اثنان وستون عاما. وكان طيب الصوت إلى الغاية في المحراب، وفيه صلاح وتعبد.
سنة سبع وسبع مئة «13»
في أولها، ظلم ملك التتار أهل جيلان وألزمهم بفتح طريق إلى بلادهم فامتنعوا فجهز لحربهم أربعين ألفا مع خطلو شاه، و [عشرين] «2» ألفا مع جوبان «3» فنزل خطلو شاه بعسكره إلى صحراء الجيلان ففتح أهلها سكرا يعرفونه من البحر على التتار، وألقوا النيران في تلك الشعراء فكادوا يغرقون ويحرقون، وثارت عليهم شطّار الكيلانيين فقتلوا أيضا منهم مقتلة وجاء في خطلو شاه سهم قتله «4» ، فلله الحمد.
وفيها، مات مسند العراق رشيد الدين بن أبي القاسم المقرئ «5» ، وله ثلاث وثمانون سنة وأشهر. وسلطان المغرب أبو يعقوب يوسف بن يعقوب المريني «6» ،(27/499)
وتملك بعده حفيده «1» .
سنة ثمان وسبع مئة «13»
في رمضان، ذهب السلطان أيده الله إلى الكرك مظهرا للحج، فأقام بالكرك، وأمر نائبها «2» بالتحول إلى مصر، وعند دخوله إلى القلعة انكسر جسرها فوقع نحو خمسين مملوكا إلى الوادي مات منهم أربعة وتكسّر جماعة، وأعرض السلطان عن أمر مصر فوثب لها بعد أيام ركن الدين الشاشنكير على السلطنة، وخطب له، وركب بخلعة الخلافة والتقليد بمشورة (389) الأمراء عندما جاءهم كتاب الملك الناصر بأمرهم باجتماع الكلمة، ولقّب الشاشنكير بالملك المظفر.
وفيها، مات في ذي الحجة مسند دمشق أبو جعفر محمد بن علي الموازيني «3» وله [أربع وتسعون] «4» سنة.
سنة تسع وسبع مئة «14»
في رجب، خرج مولانا السلطان من الكرك قاصدا إلى دمشق ليعود إلى(27/500)
ملكه، وكان قد ساق إليه من مصر مئة وسبعون فارسا فشاش أهل دمشق ودخلوا من الحواضر، فوصل مملوك السلطان إلى الأفرم (يخبره) بأن السلطان قد وصل إلى الخمان، فقوى ملك الأمراء نفسه [بقلة] «1» معرفة، فأسرع إلى خدمة السلطان بيبرس المجنون «2» وبيبرس العلمي «3» ثم ذهب بهادر آص إلى السلطان ليكشف القضية، فوجد السلطان قد ردّ «4» ، ثم بعد أيام ركب السلطان وقصد دمشق، وكان قد مضى إليه سيف الدين قطلبك «5» والحاج بهادر «6» [إلى الكرك، وحضّاه على المجيء إليها] «7» فخاف نائب دمشق جمال الدين الأفرم وهم بالهرب، ثم أرسل الجاولي «8» والزّردكاش «9» إلى باب السلطان لإصلاح الأمور والاعتذار عما بدا منه، ثم قلق الأفرم ونزح بخواصّه عن دمشق وسلك إلى(27/501)
شقيف أرنون، وخلا قصر السلطان، فبادر بيبرس العلائي «1» وآقجبا المشد «2» وأمير علم «3» في إصلاح الجتر والعصائب وأبهة السلطنة الشريفة، فإن السلطان كان قد رد جميع هذا إلى مصر، ثم جاء الأمان إلى الأفرم، وتسارع الأمراء لتلقي الرّكاب الشريف، ودعي له على المنابر، وزيّنت البلد، وأكريت الأسطحة للفرجة على دخول السلطان بأغلى ما يمكن، وحصل لأهل دمشق من السرور أمر كبير، فعبر مولانا السلطان قبل الظهر في دست السلطنة بحسب الإمكان، وفتح له باب السّر وقبّل الأرض نائب القلعة «4» ، فلوى رأس فرسه إلى ناحية القصر [الأبلق] «5» فنزل [فيه] «5» ، وبعد أربعة أيام (390) جاء إلى الخدمة الأفرم فأكرمه السلطان وأمره بمباشرة نيابة السلطنة، ثم بعد يومين وصل نائب حماة قفجاق ونائب طرابلس أسنتمر وتلقاهما السلطان، وأعاد السلطان قاضي القضاة تقي الدين الحنبلي «6» إلى القضاء وخلع عليه، وكان قد عزله الشاشنكير من(27/502)
نحو ثلاثة أشهر «1» بشهاب الدين بن الحافظ «2» .
وفي ثامن وعشري شعبان، وصل نائب حلب إلى الخدمة وهو قراسنقر، وتواصلت عساكر الشام كلها إلى الرّكاب الشريف، ثم خرج السلطان بقصد الديار المصرية في تاسع رمضان ومعه القضاة والأكابر ونواب الشام في هيبة عظيمة، ثم دخل غزة، وكان يوم دخوله يوما مشهودا، وجاء عدة أمراء وأخبروا بنزول الشاشنكير عن السلطنة وأنه طلب مكانا يأوي إليه، وهرب من مصر مغرّبا، وهرب عنها نائب السلطنة سلّار مشرّقا، وضربت البشائر ببلاد الإسلام، وعملت الزينة، وجلس السلطان على تخت ملكه يوم عيد الفطر ولله الحمد بلا ضربة ولا طعنة، وقبض على عدة أمراء أولي طيش وزعارة كل واحد منهم لا يقنع إلا بالملك، فأهلك بعضهم كالمخلوع «3» ونائبه «4» ولم ينتطح فيها عنزان.
وقرر الأفرم بصرخد، واستناب بمصر سيف الدين بكتمر أمير جندار «5» ، وبدمشق قراسنقر المنصوري.
وفي شوال، هاجت القيسية واليمانية بحوران وحشدوا، وبلغت المقتلة ألف(27/503)
نفس بقرب السويداء «1» .
وقدم قفجق المنصوري على نيابة حلب، والحاج بهادر على نيابة طرابلس.
سنة عشر وسبع مئة «13»
في المحرم، وصل أسندمر على نيابة حماة.
وفيها، صرف ابن جماعة [عن] «2» قضاء الديار المصرية «3» ، وولي جمال الدين (391) الزّرعي «4» ، وصرف السّروجي «5» وطلب القاضي شمس الدين بن الحريري «6» فولي به قضاء الحنفية، فتوفي شمس الدين السّروجي بعد أيام قليلة.(27/504)
ومات بطرابلس نائبها الحاج بهادر «1» وقد شاخ.
ومات بحلب نائبها قفجق المنصوري «2» بإسهال مفرط.
ثم ناب بحلب أسندمر.
وناب بحماة عماد الدين إسماعيل بن علي بن صاحب حماة المظفر محمود.
وناب بطرابلس الأفرم تحول من صرخد إليها.
وفي رمضان، مات بتبريز عالم تلك الديار الشيخ قطب الدين محمود بن مسعود الشّيرازي «3» صاحب التصانيف «4» ، وهو في عشر الثمانين.
ومسند مصر المعمّر بهاء الدين علي بن عيسى بن رمضان بن القيّم «5» ، وله سبع وتسعون سنة.(27/505)
سنة إحدى عشرة وسبع مئة إلى سنة عشرين وسبع مئة
سنة إحدى عشرة وسبع مئة «13»
في أولها، نقل قراسنقر من دمشق إلى نيابة حلب، وولّي كراي المنصوري «1» دمشق.
وفي ربيع الأول، أعيد ابن جماعة إلى قضاء الديار المصرية «2» [وتقرر للزّرعي المصروف] «3» قضاء العساكر ومدارس.
وفي جماد (ى) الأولى، عزل عن نيابة دمشق كراي وقيّد، ومسك خطلبك نائب صفد وحبسا بالكرك، وقبض قبلهما على أسندمر من حلب و [سجن] «4» بالكرك، ثم ناب بدمشق جمال الدين آقوش الأشرفي الذي كان نائب الكرك.
وفيها، توفي الحافظ البارع قاضي القضاة سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي الحنبلي «5» .(27/506)
سنة اثنتي عشرة وسبع مئة «13»
في أولها، تسحّب من دمشق عز الدين الزردكاش وبلبان الدمشقي «1» وأمير ثالث إلى الأفرم نائب طرابلس، ثم ساقوا بمماليكهم إلى قراسنقر المنصوري، وكان قد سبقهم وأقام بالبرية في ذمام مهنّا فاحتيط على أموالهم وأملاكهم، ثم عدوا الفرات إلى خدمة خربندا (392) ملك التتار فاحترمهم وأقبل عليهم.
وفي ربيع الأول، طلب نائب دمشق جمال الدين الكركي فراح على البريد.
وفيها، مات صاحب ماردين الملك المنصور غازي بن المظفر قرا أرسلان الأرتقي «2» في عشر السبعين، وكانت دولته نحو (ا) من عشرين سنة، فولي بعده ابنه علي «3» وعاش بعده سبعة عشر يوما ومات، وتملك بعده أخوه الملك الصالح «4» .
وفيها، مسك نائب حمص بيبرس العلائي، ومن دمشق بيبرس المجنون(27/507)
وطوغان «1» ، وبيبرس التاجي «2» ، وسيف الدين كشلي «3» والبرواني «4» فحبسوا في الكرك، ومسك بمصر جماعة.
وفي ربيع الآخر، قدم ملك الأمراء سيف الدين تنكز الناصري «5» على نيابة الشام، وحضر يوم الجمعة إلى الجامع الأموي، وأوقد له الشمع. وكثر دعاء الرعية له، وولّي نيابة مصر الجناب العالي سيف الدين أرغون الناصري الدّويدار «6» .
وفيها، مات مسند مصر الصالح أبو الحسن على بن محمد بن هارون البعلي «7» المحدث، وله ست وثمانون سنة.
وفي أوائل رمضان، قويت أراجيف بمجيء التتار، وانجفل الناس، ودخل أهل الغوطة ونازل خربندا بجيوشه بلد الرحبة فحاصروها ثلاثة و [عشرين] «8» يوما «9» ، جدّوا في القتال خمسة أيام ورموها بالمجانيق، وأخذوا [في] «10»(27/508)
النقوب، ثم أشار رشيد الدولة المسلماني «1» على خربندا بالعفو، وعلى أهلها أن ينزلوا إلى خدمة الملك، فنزل قاضيها وجماعة وأهدوا لخربندا خمسة أفراس وعشرة أباليج سكر فترحل عنهم وحلفهم على أنهم [طائعون] «2» له.
وأما أهل الشام فانجفلوا من كل ناحية لتأخر الجيش المنصور يسيرا لأجل ربيع خيلهم «3» ، ثم جاءت الأخبار في آخر رمضان برحيل التتار وحصل الأمن وضربت البشائر.
(393) وأما السلطان فإنه عيّد وخرج إلى الشام فوصل إلى دمشق في ثالث وعشري شوال فكان دخوله يوما مشهودا، فأقام بالقلعة يومين وتحول إلى القصر (الأبلق) ، ثم صلى الجمعة بجامع دمشق، وعمل دار العدل بحضور القضاة والدعاء له.
وفي شوال، مات بمصر المسند زين الدين حسن بن عبد الكريم سبط زيادة «4» ، وله خمس وتسعون سنة.
وفي ثاني ذي القعدة، توجه السلطان أيده الله بنصره إلى الحج.
وفيها، مات ملك القفجاق طقطاي وله ثلاثون سنة، وقد جلس على سرير الملك وله سبع سنين «5» ، مات على الشرك، وكان له ابن قد أسلم فمات قبله،(27/509)
وتسلطن بعده أزبك خان «1» ، وهو شاب مسلم موصوف بالشجاعة، ومملكته واسعة مسيرة ستة أشهر، لكنها قليلة المدائن.
سنة ثلاث عشرة وسبع مئة «13»
في يوم حادي عشر المحرم، وصل من الحاج مولانا السلطان الملك الناصر إلى دمشق، وصلى بجامعها جمعتين، ثم سافر إلى مصر.
وفي ذي القعدة، توفي بحلب المعمّر علاء الدين بيبرس التركي العديمي «2» وقد نيّف على التسعين.
[وفيها] «3» كان روك إقطاعات الجيوش «4» .
سنة أربع عشرة وسبع مئة «14»
في رجب، توفي بحلب نائبها سيف الدين سودى «5» وكان مشكور السيرة،(27/510)
وولي بعده علاء الدين ألطنبغا الصالحي الحاجب «1» .
وفي رجب، مات بمصر شيخ الحنفية رشيد الدين إسماعيل بن عثمان بن المعلم الدمشقي «2» عن إحدى وتسعين سنة، وقد كان عرض عليه قضاء دمشق فامتنع.
وقدم سلطان جيلان وهو شمس الدين دوباج «3» ليحج فمات بغباغب «4» من ناحية تدمر، ونقل فدفن بقاسيون وعملت له تربة مليحة، وعاش أربعا وخمسين سنة، وهو الذي رمى خطلو شاه بسهم فقتله وانهزم (394) التتار «5» ، ولله الحمد.
سنة خمس عشرة وسبع مئة «13»
في أولها، سار المقر الشريف سيف الدين تنكز بجيش دمشق وتقدمة ستة آلاف من عسكر المصريين، ثم سار من حلب على المصريين والشاميين لغزو ملطية فصبحوها يوم الحادي والعشرين من المحرم، وإذا بأهلها قد تهيئوا للحصار والدفع عن أنفسهم، فلما عاينوا كثرة الجيوش المحمدية خرج متولي البلد «6» وقاضيه «7» وجماعة يطلبون الأمان على أنفسهم وأموالهم فأعطاهم ملك الأمراء(27/511)
الأمان لهم دون النصارى، ثم دخل الناس المدينة وقتلوا بها خلقا من النصارى وسبوا ونهبوا وتعدى [الأذى] «1» من أوباش الجيش إلى المسلمين، ثم ألقيت النار في خراب ملطية وأخرب من سورها ثم ساروا بعد ثلاث بالغنائم، وقطعوا الدّربند وضربت البشائر وزينت البلاد.
وفي المحرم، مات بالموصل عالم تلك الأرض السيد ركن الدين حسن بن شرف الحسيني «2» الأسترآبادي «3» صاحب التصانيف «4» ، وكان من أبناء السبعين.
وفي شعبان، سار شطر جيش حلب لحصار قلعة [محرقنية] «5» من أعمال آمد، فتسلموها بلا كلفة وقتلوا بها طائفة، وسلخ أخو مندوة «6» وعلق على القلعة، وأغار العسكر على قرى الأرمن والأكراد ورجعوا سالمين بالمكاسب.
وفي ذي القعدة، مات فجأة قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي «7» ، وله ثمان وثمانون سنة، وكان مسند الشام في وقته، رحمه الله «8» .(27/512)
وفيها أيضا، مات المفتي الأصولي صفي الدين محمد بن عبد الرحيم الأرموي ثم الهندي «1» بدمشق عن إحدى وسبعين (395) سنة، [وكان] «2» شيخ الشيوخ ومدرس الظاهرية.
وقدموا بابن شيخ حطين «3» دمشق مسمرا على جمل لكونه حرك فتنة الدولة التي أوجبت اقتتال أيدغدي شقير «4» وبهادر آص ونائب طرابلس أيدمر الحاجب «5» .
ومات قاضي الموصل كمال الدين موسى بن محمد بن العلامة كمال الدين موسى بن يونس «6» .
وفيها، عملت دار الخشب سوقا كبيرا وقيساريّة مليحة للتجار.
ومات مسند مصر الشريف عز الدين موسى بن علي بن أبي طالب الموسوي «7» عن ثمان وثمانين سنة، وروى عن مكرم «8» والكبار.(27/513)
ومات سلطان الهند صاحب دله علاء الدين محمود «1» وتملك بعده ابنه غياث الدين «2» .
ودخلت سنة ست عشرة وسبع مئة «13»
[وفيها] «3» ، مات الشيخ السيوفي بزاويته التي بقاسيون، وهو نجم الدين عيسى بن شاه أرمن الرومي «4» .
والمحدث الأديب علاء الدين على بن المظفر الكندي «5» مؤلف «التذكرة» «6» عن ست وسبعين سنة، وله نظم رائق.
وست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية «7» راوية «الصحيح» و «مسند الشافعي» ، ولها ثلاث وتسعون سنة، توفيت فجأة في شعبان.(27/514)
وصدر الدين إسماعيل بن يوسف بن مكتوم القيسي «1» ، وله ثلاث وتسعون سنة.
تلا على السّخاوي «2» ، وحدث عن ابن اللتي «3» ، وتفرّد وعمّر.
وفيها، مات صاحب الشرق خداه بندا بن أرغون بن أبغا المغلي «4» عن بضع وثلاثين سنة، وكان قد أظهر الرفض، وأمر قبل هلاكه ببذل السيف في أهل باب الأزج لامتناعهم من إقامة الخطبة على شعار الشيعة، فما أمهله الله، مات بهيضة شديدة، وملّكوا بعده ولده أبا سعيد «5» فأظهر السنّة.
ومات العلامة ذو الفنون والذكاء والنظم الرائق صدر الدين محمد بن وكيل بيت المال خطيب دمشق زين الدين عمر بن مكي بن المرحل الشافعي «6» بمصر في شوال عن إحدى وخمسين (396) سنة.
تصدر، ودرس، وأفتى، وتخرج به الأصحاب.
ومات عالم سبتة المقرئ النحوي [أبو إسحاق إبراهيم] «7» بن أحمد الغافقي،(27/515)
وله خمس وسبعون سنة.
سنة سبع عشرة وسبع مئة «13»
أنشأ ملك الأمراء بغربي دمشق جامعا كبيرا «1» ووليه الشيخ نجم الدين القحفازي «2» .
وجاءت الزيادة العظمى التي لم يسمع بمثلها ببعلبك في صفر، فغرق فيها بداخل المدينة مائة وأربعون نفسا ونيف، وهدت من سور البلد برجا وبدنة وهو من الصخر المحكم، فخرق من السور مساحة أربعين ذراعا، [ثم تدكدك بعد مكانه ب] «3» مسيرة [نحو من] «3» خمس مئة ذراع ثم تفسخ بعد واندكّ، وهدم السيل ما مرّ عليه إلى أن ملأ الجامع فخرق [حائطة] «4» الغربي وأذهب الأموال وخنق الرجال والأطفال، ثم أسرع إلى الخندق الذي للقلعة فخرق من سور البلد يقال مساحة خمسة وعشرين ذراعا وانحط إلى البساتين، وكان منظرا مهولا فظن أنها القيامة، وتواترت الأخبار بذلك وما الخبر كالعيان.(27/516)
والذي انخرب من البيوت والحوانيت ستة مئة موضع «1» .
وحدثني القاضي شمس الدين بن المجد «2» أن السيل دخل بيته وغرّق كتبه وزوجته وحماته، فرمى بهما إلى الأمينية «3» فماتت الأم، ودفع السيل الزوجة فألقاها على [عقد] «4» باب الأمينية، ثم أنزلت بعد بسلم، وحمل الماء رأس عمود حتى ألقاها على ركن بحذاء العامود في ارتفاعه، وهذا من أعجب ما سمعت.
وفي رمضان، توفى صاحب ديوان الإنشاء شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلّي العدوي «5» بدمشق عن أربع وتسعين سنة.
كتب السر بمصر عشرين سنة، ثم نقل إلى دمشق فكتب السر إلى أن توفي، وكان كبير القدر، مصونا، دينا، كامل العقل.(27/517)
وفيها، أبطلت (397) الفاحشة وضمان الخمور بالسواحل، وقرئت بذلك المراسيم وكثر الدعاء للسلطان.
وظهر للنصيرية رجل زعم أنه المهدي، وكثر جمعه بناحية اللاذقية «1» وبلغوا ثلاثة آلاف، فتارة زعم أنه [محمد بن الحسن] «2» المنتظر، ومرة قال: إنه علي بن [أبي] «2» طالب، وتارة أنه محمد المصطفى وأن الأمة كفرة، وعاث في تلك الأرض حتى انتدب له العسكر فقتل من جمعه مئة وعشرون نصيريا، وجرت أمور ثم قتل لا رحمه الله، وكان جبليا خمارا جاهلا.
ودخلت سنة ثماني عشرة وسبع مئة «13»
فكان القحط المفرط بديار الموصل وإربل، وأكلوا الجيف، وباعوا أطفالهم، وبلغ الخبز كل أربع أواق بالدمشقي بدرهم، ومات خلق من الجوع حتى إن رجلا باع ولده برغيف فأكله ثم مات، وجرى ما لا يوصف، واستمر ذلك زمانا.
وحدثني فقيه أنه بقي نحو (ا) من أربع سنين قال: وأكلت أنا وأهلي في نهار واحد [خبزا] «3» بثمانية عشر درهما، وكانت تباع جرزة خبّيز بدرهم قيمتها فلس، وخلت إربل حتى بقي فيها «4» خمس مئة بيت من خمسة عشر ألف بيت، واتصل الغلاء بالعراق لكن لم يأكلوا الميتة ولا باعوا أبناءهم، ودثرت القرى فلله الأمر، وكان سبب القحط مجيء جراد عظيم أولا بالجزيرة.
وفيها، توفي شيخنا القدوة الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر(27/518)
ابن قوام البالسي «1» ، وله ثمان وستون سنة.
وفيها، قتل رشيد الدولة فضل الله بن أبي الخير بن عالي الهمذاني مدبر ممالك التتار، وكان عطارا طبيبا يهوديا خاملا مال به الحال إلى أن صار الوزراء والأمراء من تحت أوامره، وكثرت أمواله بحيث إنه وزن في نكبته ألف ألف دينار، فقيل: إنه أعطى القان (398) مسهلا في حال الهيضة لينقي بدنه فخارت قوته ومات، فقام عليه أضداده فضربت عنقه وعنق ابنه «2» ، وكان يتفلسف، وقد وزّر ابنه محمد «3» [للملك] «4» أبي سعيد.
وفيها، أنشئ الجامع الكريمي «5» بالقبيبات، عمله الصاحب كريم الدين المصري «6» .(27/519)
ومات المعمّر الصالح أبو بكر بن زين الدين أحمد بن [عبد الدائم] «1» الصالحي عن ثلاث وتسعين سنة، مات في رمضان، وتفرد عن جماعة.
ومات شيخ دار الحديث «2» العلامة كمال الدين أحمد بن محمد بن أحمد ابن الشّريشي الشافعي «3» ، وله خمس وستون سنة.
ومات شيخ العربية مجد الدين أبو بكر [بن محمد] «4» بن القاسم التونسي المغربي «5» ، وله اثنتان وستون سنة.
وأنشأ جامع باب شرقي الصاحب شمس الدين غبريال «6» .
سنة تسع عشرة وسبع مئة «13»
فيها، سار ركب العراق في حشمة وتجمل فيهم متولي العراق بولا واج «7»(27/520)
معه حلقتان لباب الكعبة ألفا مثقال فما ركبتا بل [أخذهما] «1» رميثة «2» أمير مكة.
وفي صفر، استسقوا بدمشق بقرب مسجد القدم «3» ، وخطب الناس الإمام القدوة خطيب العقيبة صدر الدين سليمان الجعفري «4» ، وأغيثوا.
ومات بمصر شيخها القدوة الرباني أبو الفتح نصر بن سليمان المنبجي «5» ، وله نيف وثمانون سنة.
واختلف أمر التتار واقتتلوا فذهبت تحت السيف ألوف، وانتصر جوبان، وقتل إيرنجين «6» وقرمشي «7» ودقماق «7» والكائنة فيها طول، وتتبع جوبان بضعة وثلاثين أميرا من أضداده فذبحهم صبرا وأخذ أموالهم.(27/521)
وفي رمضان جاء سيل عرم بدمشق والشمس طالعة والسفرجل معبأ تحت الشجر فطيّن [وغسلوه] «1» ، ولم أر «2» السيل أشد عكرا من هذه المرة حتى كان الماء طحينة، قيل: الرطل منه يصفى ثلثه طينا (399) شديدا، وكان وقوعه بأرض إبل الشرق «3» ، وكان [بردى] «1» ... «4» شعبان من ثلاثة أشهر ليس فيه قطرة، ثم بعد يومين نشف وانقطع عدة عيون لقناة زملكا «5» ويبست الأشجار.
ومات المعمّر عيسى بن عبد الرحمن المطعّم «6» في ذي الحجة عن بضع وتسعين سنة، تفرد بالعوالي.
سنة عشرين وسبع مئة «13»
توفي بمصر القاضي العلامة زين الدين محمد بن العلم محمد بن حسين بن عتيق بن رشيق المالكي «7» عن اثنتين وتسعين سنة، حدث عن ابن الجمّيزي «8» .
وفيها، سلطن مولا (نا) السلطان الملك الناصر لصاحب حماة عماد الدين(27/522)
إسماعيل بن علي ولقب بالمؤيد.
ومات بمصر المعمّر [حسن] «1» بن عمر الكردي المقرئ عن نيف وتسعين سنة، حضر ابن اللّتي ومكرّما، وتلا ختمة على السّخاوي.
وبلغنا أمر الوقعة الكبرى بالأندلس أنه كان في العام الماضي، وذلك أن ملوك الفرنج تجمعوا وأقبلوا في مئة ألف أو يزيدون وعلى الجميع [دون بترو] «2» ، وأحاطوا بغرناطة، فبرز لحربهم الغالب بالله أبو الوليد إسماعيل بن [فرج بن إسماعيل بن يوسف] «3» بن محمد بن الأحمر في نحو من ألف وخمس مئة فارس ونحو من ثلاثة آلاف جرخي فالتقى الجمعان وأحاط العدو بالمسلمين كشامة بيضاء في ثور أسود، فصدق المسلمون الحملة بعد أن أنابوا إلى الله واستعانوا به، وحملوا على الصف الذي فيه ملك العدو فقتلوه بل قتلوا جميع الملوك الذين معه، وكانوا نيفا وعشرين ملكا، وذهبت رجّالة الإسلام وداروا إلى خيام النصارى فخذل العدو وفروا ولات حين فرار، وحصل بهم الدمار وقتل منهم النصف، وقيل: بل أزيد من ستين ألفا وتمزقوا ونزل النصر العزيز والفتح المبين، وكانت ملحمة لا عهد للإسلام (400) بمثلها، هذا، ولم يقتل من(27/523)
الأجناد سوى أحد عشر فارسا، وغنم المسلمون ما لا يعبر عنه.
ثم جرت وقعه أخرى في يوم عاشوراء من سنة عشرين بين جند مالقة وبين الفرنج، ونصر الله [جنده] «1» وقتل من العدو خلق وأسر منهم خمس مئة، واستشهد رجل واحد، ولله الحمد.
وفيها، أبطلت الفواحش، وأريقت الخمور في السلطانية وغيرها من بلاد الشرق، وزوجت ألوف من الخواطئ «2» .
وحج من بغداد وفد كثير وسبيل ومحمل سلطاني بالذهب والجواهر التي قومت بأزيد من مئتي ألف دينار مصرية.
ومات المعمّر أمين الدين محمد بن أبي بكر بن هبة الله بن النّحاس الحلبي «3» بدمشق عن نيف وتسعين سنة، يروي عن صفية «4» وشعيب الزعفراني «5» والساوي «6» .(27/524)
سنة إحدى وعشرين وسبع مئة إلى سنة ثلاثين وسبع مئة
ودخلت سنة إحدى وعشرين وسبع مئة1»
في المحرم، مات عالم المغرب المحدث العلامة ذو الفنون أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد السّبتي «1» بفاس.
وأنشئ بالقابون جامع مليح من مال الصاحب كريم الدين «2» .
وكان بمصر الحريق المتواتر، وذهبت أموال وأملاك كثيرة ثم ظهر أن ذلك من كيد النصارى، فوجد مع بعضهم آلة الإحراق ونفط وغير [ذلك] «3» فأخذوا وأقروا فقتل منهم ستة، وأسلم عدة.
ورجمت العامة الصاحب الكريم توهموا أن ذلك من مكره، فاستنصر له ولي الأمر وقطع أيدي أربعة من الذين رجموه وقيد آخرون.
وأخربت كنيسة لليهود أحدثها القراؤون «4» من نحو مئة سنة داخل دروبهم بدمشق فدكّت بحكم الحاكم.
وجرى [الصلح بين] «5» السلطان وبين أبي سعيد، وأبرم ذلك وتهادوا، ولله الحمد.(27/525)
وفي ذي الحجة (توفي) صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدين (401) داود بن الملك المظفر يوسف بن عمر التركماني بتعز، وكانت أيامه بضعا وعشرين سنة «1» ، وكان شجاعا حازما عالما.
ومات مسند دمشق سعد الدين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي «2» عن تسعين سنة.
روى عن ابن اللتّي، والهمداني «3» حضورا، وعن ابن صباح «4» ، وابن روزبة «5» وخلق بالإجازة، وطاب الثناء عليه.
ودخلت سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة «13»
(وفيها) ، مات في ربيع الأول شيخ الحرم إمام المقام رضي الدين إبراهيم بن(27/526)
محمد الطّبري الشافعي «1» ، وله ست وثمانون سنة، وكان من العلماء العاملين، يروي عن شعيب وابن الجمّيزي.
وفيها، افتتحت آياس وأحرقت وأغاروا على بلد سيس.
ومات الشريف الكبير العابد محيي الدين محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي «2» جد السيد نقيب الأشراف شرف الدين عدنان «3» ، وله ثلاث وتسعون سنة، وكان يدري مذهب الإمامية ويترضى عن الصحابة.
وتوفى مسند الثغر العدل محيي الدين عبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة الربعي المالكي «4» يوم التروية عن ثلاث وتسعين سنة.
تفرد بالرواية عن [ظافر بن شحم، وتلا] «5» على ابن زيد [البندار التّسارسي] «6» وجعفر الهمداني.
وماتت بعده بليال مسندة بيت المقدس أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر(27/527)
ابن شكر الصالحة «1» العابدة عن أربع وتسعين سنة «2» .
سمعت من ابن اللتّي وجعفر الهمداني، وتفردت.
وفيه، توفي مسند أسيوط الرئيس زين الدين عبد الرحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن حسين بن رواحة الأنصاري الحموي الشافعي «3» عن أربع وتسعين سنة وشهور.
يروي «4» عن جده لأمه [أبي] «5» القاسم بن رواحة «6» ، أجاز (402) له الشيخ شهاب الدين السّهروردي وغيره، وسمع أيضا من صفية الزبيرية.
سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة «13»
توفي العلامة الأديب مؤرخ العراق كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الفوطي الشّيباني «7» صاحب التصانيف «8» عن إحدى وثمانين سنة.(27/528)
ومرض كريم الدين وكيل السلطان ثم عوفي فزينت القاهرة، ومات بعض الناس من الازدحام على صدقته.
ومات قاضي دمشق ورئيسها نجم الدين أحمد بن صصرى التّغلبي الشافعي «1» في ربيع الأول عن ثمان وستين سنة.
يروي عن الرشيد العطار «2» حضورا، وعن ابن عبد الدائم «3» .
وقتل بمصر النحوي البارع ضياء الدين عبد الله الدّربندي الصوفي «4» ، وله خمس وأربعون سنة.
أقرأ العربية بالكلّاسة ثم افتتن بصورة، ونقص عقله، ثم ذهب إلى مصر متغيرا وطلع إلى القلعة واستل سيف جندي وضرب به وجه نصراني، فأخذ وضربت عنقه من غير تأمل.
وفيها، أمسك وكيل السلطان كريم الدين وزالت سعادته، ثم شنق «5» ،(27/529)
وكان قد بلغ من التقدم والرفعة ما لا يزيد عليه، يركب عدة أمراء في خدمته، وداره عبارة عن بيوت الأموال، وعاش سبعين سنة أو أكثر، وأسلم سنة نيف وسبع مئة، وكان من دهاة الرجال، ذا كرم وسكون، والله أعلم بطويته.
وتوفي المحدث اللغوي صفي الدين محمود بن أبي بكر الأرموي القرّافي الصوفي «1» بدمشق، وله ست وسبعون سنة.
كان من أحسن الناس قراءة للحديث، وجمع كتابا حافلا في اللغة يحتوي على «الصّحاح» «2» و «التهذيب» «3» و «المحكم» «4» وكان تغيّر من (403) السوداء ولم يختلط.
وتوفي مسند الشام بهاء الدين القاسم بن مظفر بن محمود بن عساكر الطبيب «5» .
وقف أماكن، ودفن بتربته، وعاش أربعا وتسعين سنة، مات في شعبان وله سماعات وإجازات وتفرد بأشياء، قرأ (عليه) البرزالي «6» نحو (ا) من ثماني مئة(27/530)
جزء، حدث عن ابن اللتّي وعدة.
وتوفي بالمزّة مسند الوقت الشيخ شمس الدين أبو نصر الشّيرازي «1» عن ثلاث وتسعين سنة وشهرين، توفي ليلة عرفة ببستانه.
سمع من جده «2» والعلم بن [الصابوني] «3» وابن الصلاح «4» وعدة، وأجاز له الكبار، وروى شيئا كثيرا، خرف قبل موته نحو عامين وتغيّر وما اختلط.
سنة أربع وعشرين وسبع مئة «13»
أبطل السلطان أيده الله مكوس الغلّة بالشام كله، وكان مبلغا عظيما يؤخذ(27/531)
من ثمن الغرارة ثلاثة دراهم ونصف.
ومات بالقابون «1» شيخ الباجربقيّة محمد بن المفتي جمال الدين عبد الرحيم الباجربقيّ «2» الزاهد المطعون في عقيدته، وكان قد حكم المالكي بإراقة دمه، وفر إلى العراق مدة، وعاش ستين سنة.
وفي ربيع الآخر، كان الغلاء بدمشق وغيرها حتى بلغت الغرارة مئتي درهم، ثم نزل إلى مئة وعشرين عندما جاء الجلب من مصر.
ومات وزير الشرق علي شاه بن أبي بكر التوريزي «3» .
وقدم للحج ملك التّكرور موسى بن أبي بكر في جمع كبير، وقدم للسلطان أربعين ألف دينار فخلع عليه خلعة سوداء وسيفا مذهبا وحصانا أشهب بزناري أطلس، فدخل إلى خدمة السلطان، وهو فقيه مالكي «4» .
وبلغ النيل ثمانية عشر ذراعا وتسعة عشر إصبعا، فغرق شيء كثير.
ومات شيخ دار الحديث النورية المفتي علاء الدين علي بن إبراهيم بن العطار «5» وله سبعون سنة.(27/532)
سنة خمس وعشرين وسبع مئة «13»
(404) توفي بمصر شيخ القراء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق الصايغ «1» عن تسع وثمانين سنة.
وسار نحو ألفي فارس عليهم بيبرس الحاجب «2» نجدة لصاحب اليمن «3» ، ودخلوا زبيد (ا) وألبسوا الملك المجاهد خلع السلطنة.
وضرب بمصر شهاب الدين أحمد بن مري المذكّر «4» نحو (ا) من خمسين سوطا، ونفي إلى القدس بسبب مسألة الاستغاثة، قال: لا يجوز الاستغاثة بمخلوق ولا بنبي.
وكان الغرق العظيم ببغداد، ودام أربعة أيام حتى بقيت بغداد شبه جزيرة في الماء، وعمل الخلق كلهم الليل والنهار في السّكورة، وانهدم ما لا يحصى، وارتفع الماء في الخندق نحو عشر قامات، وغرق خلق من أهل القرى، وبكى الناس وعاينوا التلف وغلت الأسعار، ووقع النهب.
وذكر ابن السباك القاضي «5» أن جملة ما خرب [بالجانب] «6» الغربي خمسة(27/533)
آلاف بيت وست مئة بيت.
وحدثني «1» ثقات بذلك [أن] «2» الماء دخل [في] «3» دهليز مقبرة الإمام أحمد علو ذراع وأكثر، ثم وقف بإذن الله ولم يدخل في البقعة فكان ذلك آية، وفي تفاصيل ما جرى لهم عجائب.
وتوفي كاتب السر بدمشق العلامة شهاب الدين محمود بن سلمان الحلبي «4» وقد نيّف على الثمانين وكان من نظراء القاضي الفاضل.
ومات العفيف إسحاق الآمدي «5» عن أربع وثمانين سنة.
ولم يثبت بدمشق عيد الفطر إلى قريب الظهر، ثم صلوا من الغد.
ومات كبير الأمراء ركن الدين بيبرس الخطائي المنصوري الدّويداري صاحب «التاريخ» «6» .
والقاضي صدر الدين سليمان بن هلال الجعفري «7» خطيب العقيبة عن أربع وثمانين سنة.
وعالم الإمامية الجمال بن المطهر «8» بالحلّة، وله تواليف.(27/534)
سنة ست وعشرين وسبع مئة «13»
(405) فيها، قتل ناصر بن الهيتي «1» بسوق الخيل «2» على الزندقة.
وتوفيت ستّ الفقهاء بنت تقي الدين إبراهيم بن على الواسطي «3» عن ثلاث وتسعين سنة.
وأنشئت قيساريّة الدهشة بسوق علي وسكنها أعيان التجار.
وقتل الراهب توما «4» الذي أسلم عند ابن التيميّة «5» ثم بعد مدة ارتد.
وفيها، اعتقل شيخنا ابن التيميّة في قاعة بالقلعة وإلى أن مات، وعزّر جماعة من أتباعه.
ووصل الماء إلى بطن مكة من مال النوين جوبان.(27/535)
وتوفي الزاهد الكبير الشيخ حماد الحلبي [بن] «1» القطان «2» بالعقيبة عن ست وتسعين سنة «3» .
وتوفي بالمدينة النبوية طالبا للحج القاضي شمس الدين محمد بن مسلم الصالحي «4» عن أربع وستين سنة، وكان من القضاة العدل.
سنة سبع وعشرين وسبع مئة «13»
توفي [بمصر] «5» الشيخ علي بن عمر الواني «6» عن نيّف وتسعين سنة.
يروي عن ابن رواج «7» ، والسبط «8» .(27/536)
والإمام الربّاني القدوة شرف الدين عبد الله بن (عبد) الحليم بن التيمية «1» ، وله إحدى و [ستون] «2» سنة.
وطلب قاضي دمشق جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني «3» فولّي قضاء مصر عوضا عن ابن جماعة لضروره «4» .
وكان عرس ابنة المولى السلطان على الأمير قوصون الناصري «5» .
وفي رجب، كانت كائنة الإسكندرية.
اختصم مسلم وفرنجي وضربه بالمدارس، فركب متولي الثغر الكركي «6» وأغلق باب البحر قبل المغرب والناس في الفرجة، فمشى أعيان البلد إليه فأمر بفتح(27/537)
الباب بعد هوي (؟) من الليل، وازدحم الخلق وسلّت السيوف وجرح جماعة، وخطفت عمائم، ثم أصبحوا وإذا نحو عشرة موتى من الزحمة، ثم جاء الوالي لصلاة الجمعة فرجمته الغوغاء فدخل داره واستمر الرجم وجمعوا قشا وأحرقوا (406) باب السلطان ويعرف بباب اليهود، فأخرجوا المحبوسين ونهبوا دارين ثلاث لأتباع الوالي فبطّق الوالي إلى السلطان وغوّث فتنمّر السلطان وانزعج وظن الحبس الذي فتح هو الذي فيه الأمراء، فأمر ببذل السيف في البلد وبهدمه، ثم جهز جيشا عليهم الوزير الجمالي «1» فقدم وطلب الحاكم ونائبيه وأهانهم، فقال أحد النائبين هو ابن التنيسي «1» ما يلزمنا شيء ولا يحل لكم أن تهينوا الشرع، فبطحه الوزير وضربه غير مرة، ثم طلب الكارمية وسبهم وأخذ منهم أموالا عظيمة حتى أفقر كثيرا منهم، ووسط ثلاثين رجلا وقت صلاة الجمعة، فجرت في الجامع خبطة وخطفت العمائم، ثم طلب الجمالي القزازين وصادرهم وضربهم وجرى ما لا يعبر عنه، ثم قتل غير واحد ممن طافوا في الطرق يدعون عليه، وعزل الحاكم بالقاضي علم الدين الإخنائي «2» .
وفي شعبان، توفي شيخ الحنفية وقاضي دمشق صدر الدين علي بن أبي القاسم البصروي «3» عن خمس وثمانين سنة.
وطلب السلطان قاضي حلب شيخنا كمال الدين محمد بن علي الشافعي بن الزّملكاني إلى مصر لمشافهته بقضاء دمشق فأدركه أجله ببلبيس، رحمه الله(27/538)
وله ستون سنة «1» ، ثم حمل التقليد والخلعة القضائية إلى الشيخ بدر الدين أبي اليسر بن الصايغ «2» ، فامتنع وصمّم وألحوا عليه فأبى، ثم قدم على المنصب الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي «3» .
وجاء يوم الأضحى على بلبيس سيل عظيم وقاسوا شدة.
سنة ثمان وعشرين وسبع مئة «13»
توفي بالثغر شيخ الحديث الإمام عز الدين إبراهيم بن أحمد الحسيني الغرّافي «4» وله تسعون سنة.
وقدم متولي ممالك الروم تمرتاش (407) بن جوبان «5» إلى خدمة السلطان.(27/539)
ونقض شطر الحائط القبلي من جامع دمشق لانحداب في وسطه من زلزلة قديمة، وبني في خمسين يوما، ورخّم وعمل في وسطه محراب للحنفية، [وجدد رخام كثير بالجامع] «1» .
ووقع حريق كبير في الفرائين أذهب أموال الناس، ثم جدد بعده قيساريتان.
وتوفي مسند العراق عفيف الدين محمد بن عبد المحسن الأزجّي بن الدواليبي «2» الواعظ شيخ المستنصرية وله تسعون سنة، وكان عالي الرواية.
وبمصر قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان الأنصاري الدمشقي ابن الحريري الحنفي «3» وله خمس وسبعون سنة، وكان من خيار الحكام.
وتوفي مفتي العراق مدرس المستنصرية جمال الدين عبد الله بن محمد ابن علي الواسطي بن العاقولي «4» عن تسعين سنة وأشهر، وكان من كبار الشافعية.
وفي ذي القعدة، توفي الشيخ شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن التيمية الحرّاني «5» بالقلعة «6» عن سبع وستين سنة وأشهر، وشيّعه خلق قيل ما حزروا بستين ألفا، ولم يخلف بعده ما يقاربه في العلم والفضل.
وقتل مقدم المغول جوبان «7» ، ونقل في تابوت فما مكن من الدفن في مدرسته التي بالمدينة فدفن بالبقيع.(27/540)
سنة تسع وعشرين وسبع مئة «13»
توفي شيخ الشافعية برهان الدين إبراهيم بن الشيخ تاج الدين عبد الرحمن الفزاري «1» بالبادرائية عن سبعين سنة سوى أشهر، وكانت جنازته مشهودة.
وشيخ الحنابلة مجد الدين إسماعيل بن محمد بن الفرّاء الحراني «2» عن ثلاث وثمانين سنة.
وبمصر مسندها الفتح يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني الدبابيسي «3» عن بضع وتسعين سنة، سمع من ابن المقيّر «4» ، وأجاز له كبار.
وتوفي قاضي دمشق علاء الدين علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي الشافعي «5» الأصولي عن ستين سنة و [أشهر] «6» ، وكان محمودا ديّنا علّامة.
ورئيس دمشق الصاحب عز الدين حمزة بن المؤيد [أسعد بن المظفر بن أسعد] «7» (408) بن القلانسي «8» عن إحدى وثمانين سنة.(27/541)
وأخرجت الكلاب من دمشق، وألقوا في الخندق.
سنة ثلاثين وسبع مئة «13»
في صفر، توفي مسند العصر أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن الشّحنة الحجّار الصالحي «1» وله مئة سنة ونحو من ست سنين، وبين سماعه ل «صحيح البخاري» وبين موته مئة عام، وقد رواه نحوا من سبعين مرة.
وأنشأ الأمير قوصون جامعا كبيرا بالقرب من جامع (ابن) طولون «2» ، وجعل لخطيبه في الشهر ثلاث مئة درهم.
وتوفي المعمّر زين الدين أيوب بن نعمة الدمشقي الكحّال «3» في ذي الحجة عن تسعين سنة، يروي عن المرسي «4» وجماعة.(27/542)
سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة إلى سنة أربعين وسبع مئة
سنة إحدى و [ثلاثين] «1» وسبع مئة «13»
توفي بمصر المعمّر بدر الدين يوسف بن عمر الختني «2» عن خمس وثمانين سنة.
ووصل إلى حلب نهر السّاجور «3» بعد عمل كثير وتعب وغرامة أموال «4» .
وتوفي صاحب المغرب السلطان أبو سعيد [عثمان بن] «5» يعقوب بن عبد الحق المريني، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة، وعاش نيفا وستين سنة، وتملك بعده ولده السلطان الفقيه الجليل أبو الحسن «6» .
سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة «14»
جاء حمص سيل عظيم فاختنق [بالحمام الذي] «7» على بابها [مئتا] «8» نسمة من نساء وولدان «9» .(27/543)
وعمل مسبك الفولاذ بدمشق قيساريّة بدمشق لملك الأمراء للعبي.
[وتوفي] «1» بحماة صاحبها الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن علي الأيوبي في آخر الكهولة، وله تصانيف ومعرفة، وتسلطن بعده ولده [محمد] «2» ولقب بالأفضل.
وتوفي قاضي القضاة الحنابلة شرف الدين عبد الله بن حسن [بن] «1» الحافظ «3» فجأة عن ست وثمانين سنة.
ومات كبير الأطباء أمين الدين سليمان بن داوود (409) الدمشقي «4» عن بضع وستين سنة.
[وفيها] «1» ، توفي [في رمضان شيخ بلد الخليل برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري الشافعي] «5» المقرئ صاحب التصانيف «6» عن اثنتين وتسعين سنة. وفي شعبان نكب الصاحب غبريال المصري وصودر «7» إلى أن مات، وأخذ(27/544)
منه نحو من ألف ألف دينار، وسلم من التسليم فإنه آذى الناس بالزغل في الدينار اليحشوري «1» .
ومات في ذي القعدة قاضي دمشق علم الدين محمد بن أبي بكر الإخنائي «2» بالعادلية «3» ، وكان من قضاة العدل متوسطا في الفضيلة، عاش ثمانيا وستين سنة.
سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة «13»
زينت البلاد لقدوم السلطان من حجه.
[ومات بعد أن حج] «4» معه في البرية كبير الدولة سيف الدين بكتمر الساقي وابنه الأمير أحمد «5» عن أموال لا تحصى.
وفي جمادى الأولى، توفي قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني «6» بمصر عن أربع وتسعين سنة.
صنف التصانيف «7» ، وكان من خيار القضاة.(27/545)
وتوفي مدرس البادرائية المفتي شهاب الدين أحمد [بن جهبل] «1» عن ثلاث وستين سنة.
ومات مسند حماة تاج الدين أحمد بن إدريس بن مزبر «2» في رمضان عن تسعين سنة.
وتوفي بين الحرمين القدوة الرباني الشيخ علي بن الحسين الواسطي «3» العابد عن ثمانين سنة سوى سنة، رحمه الله.
وتوفيت المعمّرة المسندة أسماء بنت محمد بن سالم بن صصرى «4» التغلبية بدمشق في ذي الحجة عن خمس وتسعين سنة.
سنة أربع وثلاثين وسبع مئة «13»
توفي قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر الأذرعي عرف بالزّرعي «5» بمصر، وله تسع وثمانون سنة.
والحافظ العلامة فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري «6» عن ثلاث وستين سنة.(27/546)
والصاحب غبريال «1» المذكور.
والإمام سراج الدين عبد اللطيف بن أحمد بن الكويك «2» قاصدا بلاد التكرور للتجارة عن أربع وأربعين (410) سنة.
وفيها، أخربت كنائس بغداد، وأسلم ديّان اليهود سديد الدولة (و) هو منصور بن شمس الدولة أبي الربيع «3» وعدة يهود، وأسقط عن بغداد مكوس كثيرة.
واشتهر عن جماعة من الشيعة في قرية بتي أنهم دخلوا على فقيه لهم مريض فبقي يصيح: ويلكم أخذني المغل خلصوني منهم، ثم فقد في الحال من بينهم، ولم يقعوا له بأثر.
سنة خمس وثلاثين وسبع مئة «13»
رجع من مصر ملك العرب مهنّا بن عيسى.
و [توفي بدمشق] «4» رئيس المؤذنين البرهان «5» ابن مؤذن القلعة.
ثم ولده المحدث أمين الدين محمد بن إبراهيم «6» كهلا.(27/547)
والمجود بهاء الدين محمود بن خطيب بعلبك «1» .
وفي رجب، مات بمصر محدثها الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبي «2» عن إحدى وسبعين سنة، وله عدة تواليف» .
وفيه، أخرج السلطان من السجن ثلاثة عشر أميرا وخلع عليهم، منهم بيبرس الحاجب وتمر الساقي «4» نائب طرابلس.
وفي شوال، أغار جيش حلب على بلاد سيس فغنموا وأسروا فثار لذلك نصارى آياس، وجمعوا من عندهم من المسلمين في خان وأحرقوه، فقتل من نجا فهلك به نحو الألفين يوم عيد الفطر، رحمهم الله.
ووقع بحماة حريق كبير، وذهبت أموال التجار، واحترقت مئتان وخمسون دكانا، وقيل: بل مئتان وخمسة وثلاثون، وكذلك وقع بأنطاكية حريق عظيم.
وتوفيت في ذي القعدة المسندة زينب بنت يحيى [بن الشيخ عز الدين] «5» ابن عبد السلام «6» ، روت الكثير، وعمّرت سبعا وثمانين سنة.(27/548)
وفي صفر، توفي ملك العرب حسام الدين [مهنّا] «1» بناحية سلمية عن نيّف وثمانين سنة.
وفي صفر، توفي مسند دمشق البدر عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري «2» الشاهد عن نيف وتسعين سنة.
سنة ست وثلاثين وسبع مئة «13»
(411) في أولها، سار نائب الشام في نقاوة الجيش إلى مدينة جعبر وتصيد وقرر قواعد البلد، وكان قد دثر من آثار هولاكو.
وتوفي المعمّر الشيخ علي بن محمد بن ممدود البندنيجي «3» بالسّميساطية «4» عن اثنين وتسعين سنة، وكان عالي الإسناد.
وتوفي الإمامان مدرس الناصرية «5» كمال الدين أحمد بن محمد بن(27/549)
الشيرازي «1» عن ست وستين سنة.
ومدرس «2» الأمينية «3» قاضي العسكر علاء الدين علي بن محمد القلانسي «4» المحتسب، وقد ذكر للقضاء [ثم تنمّر له النائب وصودر وعزل] «5» .
وفي ربيع الآخر، مات صاحب الشرق القان أبو سعيد بن خربندا ودفن بالسلطانية، وله بضع وثلاثون سنة، وكانت دولته عشرين سنة «6» ، وكان فيه دين وعدل، كتب المنسوب، وأجاد ضرب العود.
وفيها، افتتحت قلعة [النقير] «7» من بلاد سيس ودكّت.
سنة سبع وثلاثين وسبع مئة «13»
افترق جيش العراق بعد موت أبي سعيد وملّكوا اثنين «8» ، ثم التقوا فانتصر(27/550)
علي باشا وسلطانه موسى وحكموا على أذربيجان وغيرها وقتلوا صبرا الوزير محمد بن الرشيد «1» [والشاب] «2» الذي كان سلطنه أريه كاوون «3» .
ثم في أول سنة سبع جاء الخبر بأن التتار اقتتلوا فقتل علي باشا والملك موسى ابن علي بن بيدو بن [طرغية] «4» بن هولاكو «5» فكانت دولته ثلاثة أشهر ودولة المقتول قبله ستة أشهر وتمكن الشيخ حسين بن آقبغا «6» واسم سلطانه «7» والصبي الذي سلطنه.
وتوفي المحدث الصالح محب الدين عبد الله بن أحمد بن المحب المقدسي «8» كهلا «9» .(27/551)
وشيخ نابلس الإمام شمس الدين عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف «1» عن [ثمان وثمانين] «2» سنة.
وتوفي بمصر في جماد (ى) الآخرة مسندها شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسي ثم المصري «3» وقد جاوز التسعين.
والشيخ الكبير المتزهد محمد بن عبد الله بن المجد المرشدي «4» بقريته «5» ، ويحكى عنه أحوال وإطعام كثير (412) جاوز الوصف، ويقال كان [مخدوما] «6» حتى قيل: إنه أنفق في ثلاث ليال ما يساوي خمسة وعشرين [ألف] «7» درهم.
وفيها، غزا المسلمون بلاد سيس وضايقوا صاحبها حتى سلم ستة حصون «8» ، فصولح بعد على حمل ست مئة ألف في السنة، فأخرب بعض القلاع.(27/552)
سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة «13»
توفي المعمّر أبو بكر بن محمد بن الرضي المقدسي «1» عن تسع وثمانين سنة، فكان من أعيان المسندين.
وفي رمضان، توفي القاضي محيي الدين يحيى بن فضل الله العدوي «2» كاتب السر بمصر عن ثلاث وتسعين سنة ثم نقل في تابوت إلى دمشق، وله رواية عالية ومحاسن وأموال «3» .
وفي ذي القعدة، توفي عالم الوقت شيخ الشافعية شرف الدين هبة الله بن عبد الرحيم بن البارزي «4» بحماة عن أزيد من ثلاث وتسعين سنة.
صنف التصانيف «5» ، وتخرج به أئمة وقته.
وتوفي قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة الشافعي «6»(27/553)
عن سبع وخمسين سنة، وأعطي قبل موته تدريس الشامية الكبرى «1» .
وفيها، بعد موت ابن المجد عبد الله «2» قدم على قضاء دمشق قاضي القضاة جلال الدين «3» .
سنة تسع وثلاثين وسبع مئة «13»
فيها، زلزلت طرابلس فأخرج من تحت الهدم ستون جنازة.
ومات قاضي الشام ومصر جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني «4» عن ثلاث وسبعين سنة.
والحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي «5» محرما عن خمس وسبعين سنة.
والإمام بدر الدين أبو اليسر [محمد] «6» [بن] «7» القاضي عز الدين محمد(27/554)
ابن الصايغ عن ثلاث وستين سنة.
وعالم بغداد صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق الحنبلي «1» ، وله ثمانون سنة.
وكبير أمراء دمشق سيف الدين كجكن المنصوري «2» وقد قارب (413) التسعين.
سنة أربعين وسبع مئة «13»
في شعبان، توفي أمير المؤمنين المستكفي بالله سليمان بن الحاكم «3» ، وهو ابن بضع وخمسين سنة، وخلافته تسع وثلاثون سنة، مات بقوص.
وفيها، كان شأن النار السماوية بأعمال طرابلس فأحرقت من الشجر والزرع والخشب فكانت آية، وأطفئت.
[ونزلت من السماء نار] «4» ، وأحرقت قبّة أخشاب في عين الفيجة وثلاثة بيوت، وكثر الوباء والمرض بالشام.
وماتت مسندة الوقت زينب بنت الكمال «5» عن أربع وتسعين سنة بكرا وعذراء.(27/555)
والمعمّر الشيخ إبراهيم بن القريشة «1» .
وعساكر التتار في اختلاف وبلاء من بعد أبي سعيد، وأهل العراق في غلاء وهرج.
وفيها، كان الحريق الكبير في دمشق بالدهشة ثم بقيساريّة القسي، وذهب لأهلها أموالهم وأحرقت المئذنة الشرقية وذلك من فعل النصارى، أقرّ طائفة فصلب أحد عشر بعد أن أخذ منهم قريب من ألف ألف درهم، وأسلم ناس.
وفي أواخر ذي الحجة، أمسك تنكز «2» نائب الشام ثم أهلك بالإسكندرية بالسّمّ بعد أيام عن بضع وستين (سنة) ، وناب بعده ألطنبغا.
سنة إحدى وأربعين وسبع مئة إلى سنة خمسين وسبع مئة
سنة إحدى وأربعين وسبع مئة «13»
في المحرم، وسّط طغية وجنغية «3» .
ومات شيخ خانقاه الجاولي «4» العلامة افتخار الدين جابر بن بركة الخوارزمي «5» عن بضع وسبعين سنة.(27/556)
والملك أنوك بن الملك الناصر رحمه الله «1» .
وزاهد الوقت الشيخ محمد بن أحمد بن تمّام «2» عن تسعين سنة.
وشيخ الشافعية بمصر ابن القمّاح «3» عن سبعين سنة «4» .
والعابدة أم محمد «5» زوجة الحافظ المزّي «6» .
والأمير صلاح الدين يوسف بن السلطان الملك الأوحد «7» .
والزاهد خالد بن بدر «8» بدمشق.(27/557)
والمقرئ العابد محمد بن عبيدان «1» ، وله نحو الثمانين ببعلبك.
والمسند علي بن علي (414) الصّيرفي «2» في عشر الثمانين.
[وفيها «3» ، ضربت رقبة عثمان الدّوكالي الزنديق على الإلحاد والباجربقية، وكان قد سمع منه من الزندقة ما لم يسمع من غيره، لعنه الله.
وفيها، زينت دمشق وغيرها زينة مليحة لعافية السلطان الملك الناصر «4» ] .
وفي يوم الأربعاء ثامن عشري ذي الحجة وردت الأخبار بوفاة سلطان الإسلام السلطان الملك الناصر بن الشهيد الملك المنصور قلاوون الصالحي رحمه الله تعالى، وحصل للمسلمين بموته [ألم عظيم] «5» لأنهم لم [يلقوا] «6» منه إلا خيرا، رحمه الله تعالى وعوضه الجنة عن ستين سنة.
وعهد عند موته لولده السلطان الملك المنصور أبي بكر «7» ، فجلس على كرسي المملكة بعد موت والده بثلاثة أيام، وضربت البشائر له في الدنيا، جعله الله مباركا على المسلمين.(27/558)
سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة «13»
في المحرم، بايع مولانا السلطان الملك المنصور:
الخليفة الحاكم بأمر الله [أبا] «1» العباس أحمد ابن الخليفة المستكفي بالله أبي الربيع سليمان «2»
(وهو) من كان قد عهد إليه والده، ولم يبايع في حياة الملك الناصر فلما ولي ولده أمر بمبايعته فبويع وجلس معه السلطان على كرسي الملك، وبايعه القضاة وغيرهم، والحمد لله.
وفي شهر صفر، توفي شيخ الإسلام الحافظ جمال الدين المزّي «3» صاحب التصانيف «4» عن ثمان وثمانين سنة، رحمه الله تعالى.
[وفي شهر صفر] «5» ، تواترت الأخبار بفساد الملك المنصور وشربه للخمور حتى قيل إنه جامع زوجات أبيه- ثبت الله إيماننا- ثم خلع من السلطنة، وأرسل إلى قوص فأقام بها، وأمر قوصون واليها بقتله فقتل رحمه الله، وتسلطن أخوه الملك الأشرف كجك «6» ، وهو ابن ثماني سنين، جعل الله العاقبة إلى خير.
وفي شهر جمادى الأخر (ة) ، أمر قوصون، وقد كان من بعض خواصّ الملك(27/559)
الناصر، الفخري «1» وسير معه ثماني مئة نفس لحصار السلطان أحمد بن الملك الناصر «2» بقلعة الكرك، وأرسل معه أيضا إلى نائب دمشق ألطنبغا (415) وأمره أن يسير إلى نائب حلب طشتمر «3» وأن يقاتله، وكان طشتمر قد امتنع من مبايعة السلطان الملك الأشرف [كجك] «4» ، فسار ألطنبغا في جيش دمشق وهو في عشرة آلاف، وأمدّ بمال من قوصون إلى أن وصل إلى حلب، فلما سمع طشتمر بقدومه استعظم قتال المسلمين فهرب في بعض خواصّه إلى درندة فدخل ألطنبغا بالجيش إلى حلب فنهب أمواله وأثاثه وحواصله ثم عوج الفخري إلى دمشق بعد محاصرة الكرك أياما وبايع صاحبها السلطان أحمد وأتى بمن معه فبايعه من بقي من الجيش الذين تأخروا عن حلب، فاشتد أمر الفخري قليلا ثم ذهب إلى ثنية العقاب وأخذ من مخزن الأيتام أربع مئة ألف درهم، وكان ألطنبغا قد استدان منه مئة ألف درهم عثره الله فهو الذي فتح الباب ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ
«5» ، كل ذلك وألطنبغا في حلب، فلما وصله خبر ما جرى(27/560)
بدمشق رجع على عقبه رادا فلما قرب من دمشق قدم بعض الأمراء إلى الفخري وبايعه، ثم أرسل الفخري القضاة إلى ألطنبغا في أن يقدم بلا قتال، وأن يحقن دماء المسلمين في شهر الله الأصم كل ذلك ألقوا في نفسه ويأبى، وأقام على ذلك أياما حتى هلك بعض الجيش من الجوع والقلة، وكان الفخري قد استعان بأهل كسروان الجبلية والحرافيش «1» ودفع لهم مالا ثم لبس كل الفريقين عدد القتال، فلما قربت الوقعة قدمت الميسرة إلى الفخري ثم تبعتها الميمنة، وبقي ألطنبغا في أميرين أحدهما المرقبي «2» والآخر ابن الأبوبكريّ «3» والثالث الحاج رقطاي «4» نائب طرابلس، فمضى الثلاثة بقليل من الخيل إلى مصر، ثم أرسل الفخري إلى دمشق فدقّت البشائر بالنصر، ثم أرسل إلى الكرك (416) فأعلم صاحبها بالنصر، ثم خطب له بدمشق وغزة والقدس، فلما أن وصل ألطنبغا ومن معه إلى مصر تغير أمر قوصون واختلف عليه، وكان قد غلب على الأشرف لصغره، وصار الأمر له فقبض عليه أيدغمش»
أمير آخور الناصر رحمه الله، ونهب دياره واتفق هو و [المصريون] «6» على إرساله إلى إسكندرية، وقيد ألطنبغا وحبس بمصر، فلما وصل إلى طشتمر ما جرى قدم من درندة إلى دمشق فاجتمع الفخري بالقضاة وخرجوا إلى لقيّه بكل ما يحتاج إليه، ثم أقام طشتمر بدمشق أياما، ثم عزم على الرحيل إلى مصر هو والفخري ومن معهما.(27/561)
وفي أواخر رمضان، عزم السلطان الملك الناصر على مصر فخرج من الكرك ومعه جماعة قليلة فدخل مصر، وعمل أعزية لوالده ولأخيه ثم جلس على كرسي الملك هو والخليفة، وبويع وعقد المبايعة بينهما قاضي القضاة تقي الدين السّبكي «1» وكان قد سار هو ورفقاؤه الثلاثة وخلع السلطان عليهم خلعا سنيّة، وزينت مصر عشرين يوما أو أزيد، فلما وصلت الأخبار بجلوسه على كرسي الملك زينت له البلد سبعة أيام، ودقّت البشائر والمغاني، ولله الحمد على ذلك، ثم أمر بغرق ألطنبغا «2» وقوصون «3» في البحر فأعدموا.
وفي شهر ذي الحجة أمر مولانا السلطان بتوسيط الفخري وطشتمر فوسّطا بالكرك.
واستهلت سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة «13»
في شهر الله المحرم، تواترت الأخبار برجوع السلطان الملك الناصر إلى قلعة الكرك بعد أن أخذ الأموال التي بقلعة الجبل وتحجب عن الناس ونسبت إليه أشياء قبيحة لا تليق بالملوك، فانقلب عسكر الشام (417) إلى مصر فخلعوه وولوا السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر «4» ، فوردت الأخبار إلى(27/562)
دمشق بذلك وضربت البشائر وزينت دمشق سبعة أيام.
وفي شهر ربيع الآخر، رسم السلطان أعزّ الله أنصاره أن تحاصر الكرك لأجل سلطانها الملك شهاب الدين أحمد، وأظهر أن السبب إنما هو ما أخذه عند رواحه من قلعة الجبل، فتحصن بها ونصب المجانيق وسيّر جيشا يسيرا من دمشق وكذلك من مصر، وبعد ليال وقعت بينهما وقعة قتل فيها من الكرك قريب الخمس مئة، ومن الغرباء قريب المئتين، وحصل بسبب ذلك غلاء كثير حتى وصل الخبز الرطل بدرهمين، جعل الله العاقبة إلى خير.
وفي شهر جمادى الأولى، زينت دمشق بسبب عافية السلطان [وكان قد مرض] «1» .
وفي مستهل جمادى الآخرة، توفي ثالث يوم منه «2» الأمير علاء الدين أيدغمش «3» ودفن بالقبيبات وكانت سيرته حسنة.
وفي شهر رمضان، توفي الأديب تاج الدين عبد الباقي اليماني «4» وكان فاضلا.
وفي مستهل شوال، خرج الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي «5» من مصر ومعه جيش لحصار الكرك، وكذلك خرج من دمشق جيش كثير وأقاموا على الحصار العظيم بالمجانيق والنفط وغير ذلك، ووقع الغلاء إلى أن بلغ الخبز بها(27/563)
الأوقية بدرهم، ووقع في هذه المدة أيضا الغلاء بدمشق، وأكل الناس الشعير، وبلغت الغرارة بدمشق إلى مئتين، واستجرّ الحصار إلى انقضاء هذه السنة، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ
«1» .
سنة أربع وأربعين وسبع مئة «13»
في أولها، جهز البدل إلى الكرك، وقدم من كان بها، وقتل جماعة من (418) الشاميين.
وفي جمادى الأولى، توفي الإمام شمس الدين محمد بن عبد الهادي «2» عن ست وأربعين سنة، وكان بحرا في العلم.
[وفي] «3» شهر جمادى الآخرة، قتل إبراهيم بن يوسف بن أبي بكر المقصاتي «4» الرافضي إلى لعنة الله، وشهد عليه بشتم الصحابة رضي الله عنهم، وقذف عائشة رضي الله عنها، ووقع في حق جبريل عليه السلام «5» .(27/564)
تم الجزء المبارك وهو آخر جزء من كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» جمع الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري الشافعي رحمة الله تعالى عليه، وذلك في ثامن عشري شعبان المبارك عام تسعة عشر وثماني مئة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والسلام إن شاء الله تعالى، والحمد لله وحده، وصلوا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.(27/565)
فهرس المصادر والمراجع
1- المصادر 1- القرآن الكريم
ابن الأثير: عز الدين علي بن محمد (ت 630 هـ/ 1233 م)
2- الكامل في التاريخ، 12 جزءا
دار صادر ودار بيروت، بيروت، 1965- 1967 م.
ابن إياس: محمد بن أحمد المصري الحنفي (ت 930 هـ/ 1523 م)
3- بدائع الزهور في وقائع الدهور، 5 أجزاء، ط 2،+ 3 أجزاء فهارس
تحقيق: محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1982- 1986 م
ابن أيبك الدواداري: أبو بكر بن عبد الله (ت بعد 736 هـ/ 1336 م)
4- كنز الدرر وجامع الغرر
* الجزء الثامن: الدرة الزكية في أخبار الدولة التركية.
تحقيق: أولرخ هارمان، (O.Harmann) القاهرة، 1971 م* الجزء التاسع: الدر الفاخر في سيرة الملك الناصر.
تحقيق: هانس روبرت رومر، (R.H Roemer.) القاهرة، 1960 م
ابن بطوطة: محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي (ت 779 هـ/ 1377 م)
5- رحلته «تحفة النظار في غرائب الأمصار»(27/567)
دار صادر، بيروت (لا. ت)
ابن تغري بردي: يوسف بن تغري بردي (ت 874 هـ/ 1470 م)
6- المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي
* الأجزاء: 1، 2، 4 (طبعة جديدة) ، تحقيق: محمد محمد أمين
* الجزء الثالث: تحقيق: نبيل محمد عبد العزيز، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1984- 1986 م
7- الدليل الشافي على المنهل الصافي، جزءان
تحقيق: فهيم محمد شلتوت، منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، مكتبة الخانجي القاهرة، 1983 م
8- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، 16 جزءا
* الأجزاء: 1- 12، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1929- 1956 م
* الأجزاء: 13- 16، الهيئة المصرية العامة للكتاب، والهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1970- 1972 م
ابن حبيب: الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي (ت 779 هـ/ 1377 م)
9- تذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه، 3 أجزاء
تحقيق: محمد محمد أمين، مركز تحقيق التراث، القاهرة، 1976- 1982 م
ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني (ت 852 هـ/ 1448 م)
10- إنباء الغمر بأبناء العمر، ط 1(27/568)
مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن بالهند، 1967- 1968 م
11- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، 4 أجزاء
الجهة نفسها، 1348- 1350 هـ
ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد الحضرمي (ت 808 هـ/ 1406 م)
12- تاريخه «العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» ، 7 أجزاء، ط 1
تحقيق: تركي فرحان المصطفى، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 1419 هـ/ 1999 م
(قلت: وهذا التاريخ بالرغم من أهميته لم يحظ حتى الآن في جميع طبعاته بأي من الحدود الدنيا لشروط التحقيق، فقد يطالعك الاسم الواحد فيه برسمين مختلفين وليس بينهما سوى ضربة معول، وقد ترى الحادثة تدور في سنة 557 هـ وربما تجاوزت خيوطها هذا التاريخ، ثم تطوى صفحتها مع وفاة صاحبها، لكن في سنة 536 هـ!)
ابن خلكان: أحمد بن محمد بن إبراهيم (ت 681 هـ/ 1282 م)
13- وفيات الأعيان، 8 أجزاء
تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968- 1972 م
ابن دقماق: إبراهيم بن محمد بن أيدمر (ت 809 هـ/ 1407 م)
14- الانتصار لواسطة عقد الأمصار
تحقيق: كارل فوللرس، (K.Vollers.) القاهرة، 1893 م، أعادت(27/569)
تصويره دار الآفاق الجديدة، بيروت (لا. ت)
15- الجوهر الثمين في سير الخلفاء والملوك والسلاطين
تحقيق: سعيد عبد الفتاح عاشور، منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى (لا. ت)
ابن الديبع: عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 944 هـ/ 1537 م)
16- بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد
تحقيق: عبد الله الحبشي، مركز الدراسات اليمانية، صنعاء، 1979 م
17- قرة العيون بأخبار اليمن الميمون، ط 2
تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي، (لا. م) ، 1409 هـ/ 1988 م
ابن رافع: محمد بن رافع السلامي (ت 774 هـ/ 1373 م)
18- الوفيات، جزءان، ط 1
تحقيق: صالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1402 هـ/ 1982 م
ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد البغدادي (ت 795 هـ/ 1393 م)
19- ذيل طبقات الحنابلة، جزءان (3- 4)
طبع مع «الطبقات» لابن الفراء، تحقيق: الشيخ محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1952- 1953 م
ابن الساعاتي: علي بن محمد بن رستم (ت 604 هـ/ 1207 م)
20- ديوان ابن الساعاتي، جزءان
تحقيق: أنيس المقدسي، منشورات كلية العلوم والآداب، الجامعة(27/570)
الإمريكية، بيروت، 1939 م
ابن سعيد المغربي: علي بن موسى بن محمد (ت 685 هـ/ 1286 م)
21- الجغرافيا، ط 1
تحقيق: إسماعيل العربي، المكتب التجاري، بيروت، 1970 م
ابن سناء الملك: هبة الله بن جعفر (ت 608 هـ/ 1211 م)
22- ديوان ابن سناء الملك
اعتنى بتصحيحه: محمد عبد الحق، دار الجيل، بيروت، 1975 م
ابن شاكر: محمد بن شاكر الكتبي (ت 764 هـ/ 1363 م)
23- عيون التواريخ
* الجزء التاسع عشر، مصورة معهد المخطوطات العربية بالكويت، رقم:
1362 عن مخطوط مكتبة شستربتي، رقم: 4251
* الجزء العشرون، ط 1، تحقيق فيصل السامر، ونبيلة عبد المنعم داود، دار الرشيد، بغداد، 1980 م
24- فوات الوفيات، 5 أجزاء، ط 1
تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1973 م
ابن شاهين الملطي: عبد الباسط بن خليل (ت 920 هـ/ 1514 م)
25- نزهة الأساطين فيمن ولي مصر من السلاطين، ط 1
تحقيق: محمد كمال الدين عز الدين علي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1407 هـ/ 1987 م(27/571)
(قلت: هذا الكتاب على غاية كبيرة من الأهمية، ولكن بفضل ما توفر له من التحقيق الخطير، بحيث لم يعد «رسالة لطيفة» في أسماء ملوك مصر السلاطين كما أراد له صاحبه وإنما مكتبة قائمة بذاتها لهؤلاء الملوك والسلاطين)
ابن شداد: عز الدين محمد بن علي بن إبراهيم (ت 684 هـ/ 1285 م)
26- الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة
* الجزء الأول: تاريخ مدينة حلب
تحقيق: دومينيك سورديل، (D ,Sourdel) منشورات المعهد الفرنسي بدمشق، 1953 م
* الجزء الثاني: القسم الأول: تاريخ مدينة دمشق
القسم الثاني: تاريخ لبنان والأردن وفلسطين
تحقيق: سامي الدهان، منشورات المعهد الفرنسي بدمشق، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1956- 1963 م
* الجزء الثالث: تاريخ الجزيرة، قسمان
تحقيق: يحيى عبارة، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سوريا، 1978 م
ابن شداد: بهاء الدين يوسف بن رافع (ت 632 هـ/ 1235 م)
27- النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية
تحقيق: جمال الدين الشيال، الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر، 1964 م(27/572)
ابن طولون: محمد بن علي الصالحي (ت 953 هـ/ 1546 م)
28- القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية، جزءان، ط 2
تحقيق: محمد أحمد دهمان، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1401 هـ/ 1980 م
ابن عبد الظاهر: محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر (ت 692 هـ/ 1292 م)
29- تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور- قلاوون
تحقيق: مراد كامل، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، 1961 م
30- الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر- بيبرس
تحقيق: عبد العزيز الخويطر، الرياض، 1396 هـ/ 1976 م
ابن عبد المجيد: عبد الباقي بن عبد المجيد اليمني (ت 743 هـ/ 1343 م)
31- بهجة الزمن في تاريخ اليمن، ط 1
تحقيق: عبد الله محمد الحبشي، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، 1408 هـ/ 1988 م
ابن العبري: غريغوريوس بن هارون الملطي (ت 685 هـ/ 1286 م)
32- تاريخ مختصر الدول
اعتناء الأب أنطوان الصالحاني، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1958 م
ابن عذاري: أحمد بن محمد (كان حيا سنة 712 هـ/ 1312 م)
33- البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، 4 أجزاء(27/573)
* الأجزاء: 1- 3، ط 3، تحقيق: ج. س. كولان، (.S.G colin) وأ. ليفي بروفنسال. (L.Provencal.)
* الجزء الرابع: تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1983 م
ابن العماد: عبد الحي بن أحمد بن محمد الحنبلي (ت 1089 هـ/ 1678 م)
34- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 8 أجزاء، ط 2
مطبعة دار المسيرة، بيروت، 1399 هـ/ 1979 م
ابن العميد: المكين جرجس (ت 672 هـ/ 1273 م)
35- تاريخ المسلمين
* أخبار الأيوبيين، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، (لا. ت)
35- تاريخ المسلمين
* أخبار الأيوبيين، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، (لا. ت)
ابن عنين: محمد بن نصر بن الحسين (ت 630 هـ/ 1232 م)
36- ديوان ابن عنين
تحقيق: خليل مردم بيك، دار صادر، بيروت (لا. ت)
ابن الفرات: محمد بن عبد الرحيم بن علي (ت 807 هـ/ 1405 م)
37- تاريخ الدول والملوك، المعروف ب «تاريخ ابن الفرات»
* الجزءان السابع الثامن، تحقيق: قسطنطين زريق، ونجلاء عز الدين، منشورات الجامعة الإمريكية، بيروت، 1936- 1942 م
ابن فضل الله العمري: مؤلف الكتاب
38- التعريف بالمصطلح الشريف، ط 1(27/574)
تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408 هـ/ 1988 م
ابن قاضي شهبة: تقي الدين أبو بكر بن أحمد بن محمد (ت 851 هـ/ 1448 م)
39- الإعلام بتاريخ الإسلام
* الجزء الثاني: مخطوط مكتبة بودليانا باكسفورد143.MS.Marsh،
40- طبقات الشافعية، مجلدان في أربعة أجزاء، ط 1
تحقيق: عبد العليم خان، دار الندوة الجديدة، بيروت، 1407- 1408 هـ/ 1987 م
ابن كثير: إسماعيل بن عمر (ت 774 هـ/ 1373 م)
41- البداية والنهاية، 14 جزءا
مطبعة السعادة، القاهرة، 1351- 1358 هـ
(قلت: وهو تاريخ نفيس، وقد أفاد ناشروه من سمعة صاحبه كمفسر ومؤرخ مرموق، فغمروا المكتبات بطبعاته، وكلها لا تختلف عن الطبعة القديمة له (ط. مطبعة السعادة بمصر) إلا في الحجم، أو لون الورق، أو شكل الحرف أو بعض الحواشي التزيينية، أما مضمون الكتاب بما خالطه على مر العصور وتعاقب النساخ من تحريف وتصحيف وأخطاء فلا يزال على هيئته منذ أن خرج إلى الدنيا لأول مرة على يد المطبعة المذكورة)
ابن مطروح: جمال الدين يحيى بن عيسى (ت 649 هـ/ 1251 م)(27/575)
42- شعر ابن مطروح
جمع وتحقيق: جودت أمين حسن علي، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، 1976 م
ابن الملقن: سراج الدين عمر بن علي بن أحمد (ت 804 هـ/ 1401 م)
43- العقد المذهب في طبقات حملة المذهب، ط 1
تحقيق: أيمن نصر الأزهري، وسيد مهنى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407 هـ/ 1997 م
ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711 هـ/ 1311 م)
44- لسان العرب، 18 مجلدا، ط 2
نشر: أمين محمد عبد الوهاب، ومحمد الصادق العبيدي، دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 1417 هـ/ 1997 م
ابن واصل: محمد بن سالم بن نصر الله (ت 696 هـ/ 1298 م)
45- مفرج الكروب في أخبار بني أيوب
تحقيق: جمال الدين الشيال، القاهرة، 1953- 1957 م
ابن الوردي: عمر بن مظفر بن عمر (ت 749 هـ/ 1349 م)
46- تتمة المختصر في أخبار البشر، جزءان، ط 1
تحقيق: أحمد رفعت البدراوي، دار المعرفة، بيروت، 1389 هـ/ 1970 م
أبو تمام: حبيب بن أوس الطائي (ت 231 هـ/ 846 م)(27/576)
47- ديوان الحماسة، 4 أجزاء في مجلدين، ط 1
بشرح أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي، تحقيق: أحمد أمين، وعبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، 1411 هـ/ 1991 م
أبو شامة: عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي (ت 665 هـ/ 1267 م)
48- الذيل على الروضتين
نشره: السيد عزت العطار الحسيني باسم «تراجم رجال القرنين السادس والسابع الهجريين» ، القاهرة، 1947 م
49- الروضتين في أخبار الدولتين- النورية والصلاحية، 5 أجزاء، ط 1
تحقيق: إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1418 هـ/ 1997 م
(قلت: وهو تحقيق نفيس أفدت من حواشيه كثيرا، وقيدت منه ما ليس عندي من المصادر وبخاصة الأيوبية- الصلاحية مما لا يستوي معه هذا العمل دون إحالة القارئ إليها)
أبو الفدا: إسماعيل بن علي بن محمود (ت 732 هـ/ 1332 م)
50- تقويم البلدان
نشره: رينو (T.J Reinaud.) ودي سلان، (C.M De Slane.) دار الطباعة السلطانية، باريس، 1840 م
51- المختصر في أخبار البشر، 4 أجزاء
المطبعة الحسينية بمصر، 1325 هـ
الإسنوي: جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن (ت 772 هـ/ 1370 م)(27/577)
52- طبقات الشافعية، ط 2
تحقيق: عبد الله الجبوري، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، 1401 هـ/ 1981 م
الأنصاري: عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن (ت 662 هـ/ 1264 م)
53- ديوان الصاحب شرف الدين الأنصاري
تحقيق: عمر موسى باشا، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، 1967 م بامخرمة: الطيب بن عبد الله بن أحمد (ت 947 هـ/ 1540 م)
54- تاريخ ثغر عدن، ط 2
نشره: علي حسن علي عبد المجيد، دار الجيل، بيروت، ودار عمار، عمان، 1408 هـ/ 1987 م
البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم (ت 256 هـ/ 870 م)
55- صحيح البخاري، 4 مجلدات، ط 1
دار الفكر، بيروت، 1411 هـ/ 1991 م
البدري: أبو البقاء أبو بكر بن عبد الله (ت 884 هـ/ 1476 م)
56- نزهة الأنام في محاسن الشام، ط 1
دار الرائد العربي، بيروت، 1980 م
البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 هـ/ 892 م)
57- فتوح البلدان
تحقيق: رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978 م(27/578)
الجندي: محمد بن يوسف بن يعقوب (ت ما بين 730 و 733 هـ)
58- السلوك في طبقات العلماء والملوك، جزءان، ط 2
تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1414- 1416 هـ
حاجي خليفة: مصطفى بن عبد الله المعروف بكاتب جلبي (ت 1067 هـ/ 1656 م)
59- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، جزءان
طبعة إستانبول، 1941 م
الحسيني: صدر الدين علي بن ناصر (ت بعد 622 هـ/ 1225 م)
60- زبدة التواريخ، ط 2
دار اقرأ، بيروت، 1406 هـ/ 1986 م
الحسيني: محمد بن علي بن الحسن (ت 765 هـ/ 1364 م)
61- ذيل العبر- للذهبي، ط 1
نشره: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول مع «ذيل العبر- للذهبي» ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ/ 1985 م الحميري: محمد بن عبد المنعم (ت ترجيحا 727 هـ/ 1327 م)
62- الروض المعطار في خبر الأقطار، ط 2
تحقيق: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت، 1980 م
الخزرجي: علي بن الحسن (ت 812 هـ/ 1409 م)(27/579)
63- العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية، جزءان، ط 2
عني بتصحيحه: محمد بن علي الأكوع الحوالي، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 1403 هـ/ 1983 م
دعبل: دعبل بن علي الخزاعي (ت 246 هـ/ 860 م)
64- شعر دعبل بن علي الخزاعي، ط 2
صنعة: عبد الكريم الأشتر، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1403 هـ/ 1983 م
الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ/ 1347 م)
65- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، 21 جزءا
* الجزء 21: مخطوط مكتبة المتحف البريطاني بلندن، رقم1540.or:
66- دول الإسلام، جزءان
تحقيق: فهيم محمد شلتوت، ومحمد مصطفى إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1974 م
67- سير أعلام النبلاء، 23 جزءا، ط 1
باعتناء مجموعة من المحققين، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1401 هـ/ 1981 م
68- العبر في خبر من عبر، 3 أجزاء متسلسلة+ الجزء الرابع وهو:
69- ذيل العبر
طبعا معا بالإضافة إلى «ذيل العبر- للحسيني» المقدم ذكره، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ/ 1985 م(27/580)
70- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، جزءان، ط 1
تحقيق: بشار عواد معروف، وشعيب الأرناؤوط، وصالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404 هـ/ 1984 م
رشيد الدين: فضل الله رشيد الدين بن أبي الخير بن علي (ت 716 هـ/ 1316 م)
71- جامع التواريخ
* تاريخ خلفاء جنكيز خان، من أوكتاي قاآن إلى تيمورقاآن، ط 1
نقله من الفارسية: فؤاد عبد المعطي الصياد، وراجعه وقدم له: يحيى الخشاب، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1983 م
* تاريخ المغول، المجلد الثاني، الجزء الأول:
الإيلخانيون: تاريخ هولاكو مع مقدمة كاترمير (E.M.Quatremere)
نقله من الفارسية إلى العربية: محمد صادق نشأت، ومحمد موسى هنداوي، والصياد، وترجم مقدمة كاترمير عن الفرنسية: محمد محمد القصاص، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1960 م
* تاريخ المغول، المجلد الثاني، الجزء الثاني:
الايلخانيون: تاريخ ابناء هولاكو خان من آباقا خان إلى كيخاتو خان نقله من الفارسية إلى العربية: نشأت والصياد، وراجعه: الخشاب، المطبعة نفسها، التاريخ نفسه
الزبيدي: المرتضى محمد بن الزبيدي (ت 1205 هـ/ 1790 م)
72- ترويح القلوب في ذكر الملوك بني أيوب، ط 2(27/581)
تحقيق: صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1983 م الزهري: محمد بن أبي بكر (ت بعد 541 هـ/ 1154 م)
73- الجغرافية
تحقيق: محمد حاج صادق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، (لا. ت)
سبط ابن الجوزي: يوسف بن قزأوغلي (ت 654 هـ/ 1256 م)
74- مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، المجلد الثامن، ط 1
مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن بالهند، 1370 هـ/ 1951- 1952 م
السبكي: عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي (ت 771 هـ/ 1370 م)
75- طبقات الشافعية، 6 أجزاء
نشره: أحمد بن عبد الكريم القادري الحسني، المطبعة الحسينية، القاهرة، 1324 هـ
السيوطي: محمد بن عبد الرحمن بن محمد (ت 911 هـ/ 1505 م)
76- تاريخ الخلفاء، ط 1
تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، القاهرة، 1371 هـ/ 1952 م
77- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، جزءان، ط 1
تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة،(27/582)
1387 هـ/ 1967- 1968 م
78- طبقات الحفاظ، ط 1
دار الكتب العلمية بيروت، 1403 هـ/ 1983 م
الشوكاني: محمد بن علي بن محمد (ت 1250 هـ/ 1834 م)
79- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، جزءان، ط 1
مطبعة السعادة بمصر، 1348 هـ
الصفدي: خليل بن أيبك (ت 764 هـ/ 1363 م)
80- الوافي بالوفيات
باعتناء مجموعة من المحققين، منشورات جمعية المستشرقين الألمان، عدة مطابع، 1931- 1982 م
الصقاعي: فضل الله بن أبي الخير (ت 726 هـ/ 1326 م)
81- تالي كتاب وفيات الأعيان
تحقيق: جاكلين سوبلة، (J.Sublet.) منشورات المعهد الفرنسي بدمشق، 1974 م
الطبري: محمد بن جرير (ت 310 هـ/ 923 م)
82- تاريخه «تاريخ الرسل والملوك» ، 10 أجزاء، ط 3
تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر (لا. ت)
عرقلة الكلبي: حسان بن نمير (ت 567 هـ/ 1171 م)
83- ديوان عرقلة الكلبي(27/583)
تحقيق: أحمد الجندي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1970 م
العليمي: مجير الدين عبد الرحمن بن محمد (ت 928 هـ/ 1522 م)
84- الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، جزءان
مكتبة المحتسب، عمان، 1973 م
العماد الأصبهاني: محمد بن محمد (ت 597 هـ/ 1201 م)
85- تاريخ دولة آل سلجوق، ط 3
اختصار الشيخ الفتح بن علي بن محمد البنداري، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1400 هـ/ 1980 م
86- ديوان العماد الأصفهاني
جمع وتحقيق: ناظم رشيد، بغداد، 1983 م
87- الفتح القسي في الفتح القدسي
تحقيق: محمد محمود صبح
عمارة اليمني: (ت 569 هـ/ 1174 م)
88- تاريخ اليمن المسمى «المفيد في أخبار صنعاء وزبيد» ، ط 3
تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي، المكتبة اليمنية للنشر والتوزيع، صنعاء، 1985 م
العيني: بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى (ت 855 هـ/ 1451 م)
89- عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان
* الجزء التاسع عشر: نسخة مصورة عن مخطوط خزانة ولي الدين أفندي(27/584)
بمكتبة بايزيد باستنبول رقم: 2392
الفاسي: تقي الدين محمد بن أحمد بن علي (ت 832 هـ/ 1429 م)
90- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، جزءان
دار الكتب العلمية، بيروت (لا. ت)
91- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، 8 أجزاء
تحقيق: محمد حامد الفقي، وفؤاد سيد، ومحمود الطناحي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1958- 1969 م
القلقشندي: أحمد بن علي بن أحمد (ت 821 هـ/ 1418 م)
92- صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، الجزء 14، ط 1
نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة، 1405 هـ/ 1985 م
لسان الدين: محمد بن عبد الله بن الخطيب (ت 776 هـ/ 1374 م)
93- الإحاطة في أخبار غرناطة، 4 مجلدات، مج 1 ط 2، مج 2- 4، ط 1
تحقيق: محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1973- 1977 م
94- اللمحة البدرية في الدولة النصرية، ط 3
دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1400 هـ/ 1980
95- معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار
تحقيق: محمد كمال شبانة، مطبعة فضالة بالمحمدية، المغرب (لا. ت) المتنبي: أحمد بن الحسين (ت 354 هـ/ 965 م)(27/585)
96- ديوان أبي الطيب المتنبي، مجلدان، ط 1
بشرح الشيخ ناصيف اليازجي المسمى «العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب» ، دار مكتبة الهلال، بيروت، 1996 م
مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 هـ/ 874 م)
97- صحيح مسلم بشرح النووي، 18 جزءا، ط 1
تحقيق: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، 1414 هـ/ 1994 م
المقري: أحمد بن محمد بن أحمد التلمساني (ت 1041 هـ/ 1631 م)
98- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 8 أجزاء
تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1388 هـ/ 1986 م
المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي (ت 845 هـ/ 1442 م)
99- السلوك لمعرفة دول الملوك، 4 أجزاء
* الجزءان الأول والثاني: (6 أقسام) ، تحقيق: محمد مصطفى زيادة، دار الكتب المصرية، 1934- 1958 م
* الجزءان الثالث والرابع: (6 أقسام) ، تحقيق: سعيد عبد الفتاح عاشور، الدار نفسها، 1970- 1972 م
100- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، جزءان
طبعة بولاق، 1270 هـ/ 1854 م
المنذري: زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي (ت 656 هـ/ 1258 م)
101- التكملة لوفيات النقلة، 4 أجزاء، ط 3(27/586)
تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405 هـ/ 1984 م
المنصوري: بيبرس بن عبد الله المعروف بالدوادار (ت 725 هـ/ 1325 م)
102- زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة، ج 9
مخطوط مكتبة المتحف البريطاني، رقمAdd.23325:
الميداني: أحمد بن محمد بن أحمد (ت 518 هـ/ 1124 م)
103- مجمع الأمثال، 4 أجزاء
تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي وشركاه، 1398 هـ/ 1978 م
اليافعي: عبد الله بن أسعد (ت 768 هـ/ 1367 م)
104- مرآة الجنان وعبرة اليقظان، 4 أجزاء
مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن بالهند، 1337- 1339 هـ
ياقوت: ياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626 هـ/ 1229 م)
105- المشترك وضعا والمفترق صقعا، ط 2
عالم الكتب، بيروت، 1406 هـ/ 1986 م
106- معجم الأدباء أو إرشاد الأديب إلى معرفة الأديب، 6 مجلدات، ط 1
دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 هـ/ 1991 م
107- معجم البلدان، 5 أجزاء
دار صادر، بيروت، 1397 هـ/ 1977 م(27/587)
اليوسفي: موسى بن محمد بن يحيى (ت 759 هـ/ 1358 م)
108- نزهة الناظر في سيرة الملك الناصر- محمد بن قلاوون، ط 1
تحقيق ودراسة: أحمد حطيط، عالم الكتب، بيروت، 1406 هـ/ 1986 م
اليونيني: موسى بن محمد (ت 726 هـ/ 1326 م)
109- ذيل مرآة الزمان، 4 مجلدات
* بعناية: ف. كرنكو، (F.Krenkow.) ومجموعة من العلماء، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن بالهند، 1374- 1380 هـ/ 1954- 1961 م
* مصورة مكتبة طوب قابي سرايي باستنبول رقم.Ms 2907/3 -4:(27/588)
2. المراجع ابن زيني دحلان: أحمد
110- تاريخ الدول الإسلامية بالجداول المرضية، ط 1
تحقيق: محمد رضوان مهنا، مكتبة الإيمان، المنصورة، 1421 هـ/ 2000 م بارتولد: فاسيلي فلاديميروفتش (V.V.Berthold (
111- مادة «بركة بن جوجي» ، دائرة المعارف الإسلامية (ط. القاهرة، 1933 م) 3/564- 568
بدران: عبد القادر
112- منادمة الأطلال، أو «الآثار الدمشقية والمعاهد العلمية» ، ط 2
المكتب الإسلامي، بيروت، 1405 هـ/ 1985 م
البغدادي: إسماعيل باشا
113- هدية العارفين- أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، جزءان
طبعة إستانبول، 1951- 1955 م
البقلي: محمد قنديل
114- التعريف بمصطلحات صبح الأعشى الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983 م
البهنسي: عفيف(27/589)
115- الشام، لمحات آثارية وفنية
دار الرشيد للنشر، بغداد، 1980 م
حسين: حمدي عبد المنعم محمد
116- تاريخ المغرب والأندلس في عصر المرابطين
مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1986 م
دهمان: محمد أحمد
117- في رحاب دمشق، ط 1
دار الفكر، دمشق، 1402 هـ/ 1982 م
118- معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي، ط 1
دار الفكر المعاصر، بيروت، ودار الفكر، دمشق، 1410 هـ/ 1990 م
119- ولاة دمشق في عهد المماليك، ط 2
دار الفكر، دمشق، 1401 هـ/ 1981 م
دوزي: رينهارت بيترآن (،R.P.A.Dozy)
120- تكملة المعاجم العربية، 5 أجزاء
ترجمة: محمد سليم النعيمي، دار الرشيد، بغداد، 1981 م
رنسيمان: ستيفن (S.Runciman.)
121- تاريخ الحروب الصليبية، 3 أجزاء، ط 1
ترجمة: السيد الباز العريني، دار الثقافة، بيروت، 1968 م(27/590)
الزركلي: خير الدين
122- الأعلام، 8 أجزاء، ط 5
دار العلم للملايين، بيروت، 1980 م
سالم: السيد عبد العزيز
123- تاريخ المغرب في العصر الإسلامي، ط 2
مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1982 م
سبانو: أحمد غسان
124- مملكة حماة الأيوبية
دار قتيبة، دمشق، 1984 م
سرور: محمد جمال الدين
125- تاريخ الحضارة الإسلامية في الشرق
دار الفكر العربي، القاهرة، 1965 م
شميساني: حسن
126- مدينة سنجار من الفتح العربي الإسلامي حتى الفتح العثماني، ط 1
دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1403 هـ/ 1983 م
طرخان: إبراهيم علي
127- النظم الإقطاعية في الشرق الأوسط في العصور الوسطى
دار الكتاب العربي، القاهرة، 1388 هـ/ 1968 م(27/591)
عاشور: سعيد عبد الفتاح
128- الحركة الصليبية، جزءان، ط 4
مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1986 م
عاشور: فايد حماد
129- العلاقات السياسية بين المماليك والمغول في الدولة المملوكية الأولى
دار المعارف بمصر، 1980 م
العبادي: أحمد مختار
130- في تاريخ الأيوبيين والمماليك
دار النهضة العربية، بيروت، 1995 م
العباس بن إبراهيم
131- الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، 10 أجزاء
تحقيق: عبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، 1974- 1983 م العريني: السيد الباز
132- الأيوبيون
دار النهضة العربية، بيروت (لا. ت)
133- المغول
الدار نفسها، 1967 م
عكاوي: رحاب(27/592)
134- الحشاشون، ط 1
دار الحرف العربي، ودار المناهل، بيروت، 1414 هـ/ 1994 م
العلبي: أكرم حسن
135- خطط دمشق، ط 1
دار الطباع، دمشق، 1410 هـ/ 1989 م
العمري: حسين عبد الله
136- «بنو مهدي» ، الموسوعة اليمنية، (مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، 1412 هـ/ 1992 م) 1/184- 185
137- «بنو نجاح» ، المصدر نفسه 1/185- 186
قاسم: عبده قاسم
138- دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي، ط 2
دار المعارف بمصر، 1983 م
139- اليهود في مصر منذ الفتح العربي حتى الغزو العثماني، ط 1
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980 م
كحالة: عمر رضا
140- معجم المؤلفين، 15 جزءا
مكتبة المثنى، ودار إحياء التراث العربي، بيروت، 1957 م
كرد علي: محمد(27/593)
141- خطط الشام، 6 أجزاء، ط 2
دار العلم للملايين، بيروت، 1969- 1972 م
142- غوطة دمشق، ط 3
دار الفكر، دمشق، 1404 هـ/ 1984 م
لسترنج: كي (G.Le Strange.)
143- بلدان الخلافة الشرقية، ط 2
ترجمه عن الإنجليزية: بشير فرنسيس، وكوركيس عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405 هـ/ 1985 م
لين بول: ستانلي (،S.Lane Poole)
144- الدول الإسلامية، قسمان
نقله عن التركية: محمد صبحي فرزات، مكتب الدراسات الإسلامية بدمشق، 1394 هـ/ 1974 م
مختار باشا: محمد
145- التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنكية والقبطية، مجلدان، ط 1
دراسة وتحقيق وتكملة: محمد عمارة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1400 هـ/ 1980 م
146- المعجم الوسيط: إخراج إبراهيم مصطفى وزملائه، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة، استانبول(27/594)
نسيم: جوزيف
147- تاريخ الدولة البيزنطية
مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية (لا. ت)
148- العدوان الصليبي على مصر: هزيمة لويس التاسع في المنصورة وفارسكور
دار الكتب الجامعية، الإسكندرية، 1969 م
الواسعي: جوزيف
149- تاريخ اليمن المسمى فرجة الهموم والحزن في حوادث وتاريخ اليمن ط 2
مكتبة اليمن الكبرى، صنعاء، 1990- 1991 م
أستوريان
150- تاريخ الأرمن منذ القدم وحتى وقتنا الحاضر (النص الأرمني) بيروت، 1973 م(27/595)
فهرس المحتويات
الصفحة هذا الكتاب 5
منهج التحقيق 12
1. وصف النسخة المعتمدة في التحقيق 12
2. خطة العمل 14
3. الرموز المستعملة في التحقيق 17
4. نموذجات مصورة عن النسخة المعتمدة في التحقيق 18
مسالك الأبصار في ممالك الأمصار السفر السابع والعشرون سنة إحدى وأربعين وخمس مئة إلى سنة خمسين وخمس مئة* سنة إحدى وأربعين وخمس مئة 23
ذكر استيلاء الفرنج على طرابلس 23
* سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة 26
* سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة 27
* سنة أربع وأربعين وخمس مئة 31(27/597)
* سنة خمس وأربعين وخمس مئة 36
* سنة ست وأربعين وخمس مئة 36
* سنة سبع وأربعين وخمس مئة 38
ابتداء ظهور دولة الغورية وانقراض آل سبكتكين 40
* سنة ثمان وأربعين وخمس مئة 45
* سنة تسع وأربعين وخمس مئة 48
* ذكر ملك نور الدين محمود دمشق 50
* سنة خمسين وخمس مئة 51
سنة إحدى وخمسين وخمس مئة إلى سنة ستين وخمس مئة* سنة إحدى وخمسين وخمس مئة 51
* سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة 55
* سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة 61
* سنة أربع وخمسين وخمس مئة 62
ذكر دولة بني مهدي في اليمن 64
* سنة خمس وخمسين وخمس مئة 67
ذكر مسير سليمان شاه إلى همذان 67
خلافة المستنجد بالله بن المقتفي 70
* سنة ست وخمسين وخمس مئة 71(27/598)
* سنة سبع وخمسين وخمس مئة 74
* سنة ثمان وخمسين وخمس مئة 75
* سنة تسع وخمسين وخمس مئة 78
* سنة ستين وخمس مئة 79
سنة إحدى وستين وخمس مئة إلى سنة سبعين وخمس مئة* سنة إحدى وستين وخمس مئة 80
* سنة اثنتين وستين وخمس مئة 81
* سنة ثلاث وستين وخمس مئة 82
* سنة أربع وستين وخمس مئة 83
* سنة خمس وستين وخمس مئة 93
* سنة ست وستين وخمس مئة 94
خلافة المستضيء بالله بن المستنجد بالله 95
* سنة سبع وستين وخمس مئة 97
* سنة ثمان وستين وخمس مئة 101
* سنة تسع وستين وخمس مئة 103
* سنة سبعين وخمس مئة 107
سنة إحدى وسبعين وخمس مئة إلى سنة ثمانين وخمس مئة* سنة إحدى وسبعين وخمس مئة 111(27/599)
* سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة 113
* سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة 114
* سنة أربع وسبعين وخمس مئة 117
* سنة خمس وسبعين وخمس مئة 118
خلافة الناصر لدين الله بن المستضيء بالله 119
* سنة ست وسبعين وخمس مئة 120
* سنة سبع وسبعين وخمس مئة 122
* سنة ثمان وسبعين وخمس مئة 123
* سنة تسع وسبعين وخمس مئة 128
* سنة ثمانين وخمس مئة 131
سنة إحدى وثمانين وخمس مئة إلى سنة تسعين وخمس مئة* سنة إحدى وثمانين وخمس مئة 134
ذكر ملك صلاح الدين ميّافارقين 135
* سنة اثنتين وثمانين وخمس مئة 136
* سنة ثلاث وثمانين وخمس مئة 137
وقعة حطين 138
فتح بيت المقدس 141
* سنة أربع وثمانين وخمس مئة 143(27/600)
* سنة خمس وثمانين وخمس مئة 148
حصار الفرنج عكا 149
* سنة ست وثمانين وخمس مئة 150
* سنة سبع وثمانين وخمس مئة 152
استيلاء الفرنج على عكا 152
* سنة ثمان وثمانين وخمس مئة 157
* سنة تسع وثمانين وخمس مئة 163
* سنة تسعين وخمس مئة 172
سنة إحدى وتسعين وخمس مئة إلى سنة ست مئة* سنة إحدى وتسعين وخمس مئة 176
* سنة اثنتين وتسعين وخمس مئة 177
* سنة ثلاث وتسعين وخمس مئة 180
* سنة أربع وتسعين وخمس مئة 181
* سنة خمس وتسعين وخمس مئة 185
* سنة ست وتسعين وخمس مئة 189
* سنة سبع وتسعين وخمس مئة 192
* سنة ثمان وتسعين وخمس مئة 195
* سنة تسع وتسعين وخمس مئة 197
ذكر الحوادث باليمن 197(27/601)
* سنة ست مئة 202
سنة إحدى وست مئة إلى سنة عشر وست مئة* سنة إحدى وست مئة 205
* سنة اثنتين وست مئة 207
* سنة ثلاث وست مئة 209
* سنة أربع وست مئة 210
* سنة خمس وست مئة 214
* سنة ست وست مئة 218
* سنة سبع وست مئة 218
* سنة ثمان وست مئة 221
* سنة تسع وست مئة 222
* سنة عشر وست مئة 223
سنة إحدى عشرة وست مئة إلى سنة عشرين وست مئة* سنة إحدى عشرة وست مئة 224
* سنة اثنتي عشرة وست مئة 225
* سنة ثلاث عشرة وست مئة 226
* سنة أربع عشرة وست مئة 228
* سنة خمس عشرة وست مئة 229(27/602)
* سنة ست عشرة وست مئة 234
* سنة سبع عشرة وست مئة 239
* سنة ثماني عشرة وست مئة 245
* سنة تسع عشرة وست مئة 250
* سنة عشرين وست مئة 252
سنة إحدى وعشرين وست مئة إلى سنة ثلاثين وست مئة* سنة إحدى وعشرين وست مئة 255
* سنة اثنتين وعشرين وست مئة 256
خلافة الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله 259
* سنة ثلاث وعشرين وست مئة 260
خلافة المستنصر بالله بن الظاهر بأمر الله 261
* سنة أربع وعشرين وست مئة 262
* سنة خمس وعشرين وست مئة 269
* سنة ست وعشرين وست مئة 271
* سنة سبع وعشرين وست مئة 279
* سنة ثمان وعشرين وست مئة 282
* سنة تسع وعشرين وست مئة 290
* سنة ثلاثين وست مئة 292(27/603)
سنة إحدى وثلاثين وست مئة إلى سنة أربعين وست مئة* سنة إحدى وثلاثين وست مئة 296
* سنة اثنتين وثلاثين وست مئة 297
* سنة ثلاث وثلاثين وست مئة 298
* سنة أربع وثلاثين وست مئة 300
* سنة خمس وثلاثين وست مئة 303
* سنة ست وثلاثين وست مئة 309
* سنة سبع وثلاثين وست مئة 311
* سنة ثمان وثلاثين وست مئة 316
* سنة تسع وثلاثين وست مئة 321
* سنة أربعين وست مئة 322
خلافة المستعصم بالله بن المستنصر بالله 324
سنة إحدى وأربعين وست مئة إلى سنة خمسين وست مئة
سنة إحدى وأربعين وست مئة 324
* سنة اثنتين وأربعين وست مئة 325
* سنة ثلاث وأربعين وست مئة 328
* سنة أربع وأربعين وست مئة 330
* سنة خمس وأربعين وست مئة 332(27/604)
* سنة ست وأربعين وست مئة 334
* سنة سبع وأربعين وست مئة 336
* سنة ثمان وأربعين وست مئة 341
* سنة تسع وأربعين وست مئة 350
* سنة خمسين وست مئة 351
سنة إحدى وخمسين وست مئة إلى سنة ستين وست مئة* سنة إحدى وخمسين وست مئة 351
* سنة اثنتين وخمسين وست مئة 353
ذكر أخبار الحفصيين من ملوك تونس 353
* سنة ثلاث وخمسين وست مئة 360
* سنة أربع وخمسين وست مئة 361
* سنة خمس وخمسين وست مئة 362
* سنة ست وخمسين وست مئة 366
* سنة سبع وخمسين وست مئة 372
* سنة ثمان وخمسين وست مئة 375
* سنة تسع وخمسين وست مئة 391
خلافة المستنصر بالله أبي القاسم أحمد 396
* سنة ستين وست مئة 398(27/605)
خلافة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد 400
سنة إحدى وستين وست مئة إلى سنة سبعين وست مئة* سنة إحدى وستين وست مئة 401
* سنة اثنتين وستين وست مئة 405
* سنة ثلاث وستين وست مئة 406
* سنة أربع وستين وست مئة 408
* سنة خمس وستين وست مئة 409
* سنة ست وستين وست مئة 411
* سنة سبع وستين وست مئة 412
* سنة ثمان وستين وست مئة 413
* سنة تسع وستين وست مئة 414
* سنة سبعين وست مئة 416
سنة إحدى وسبعين وست مئة إلى سنة ثمانين وست مئة* سنة إحدى وسبعين وست مئة 417
* سنة اثنتين وسبعين وست مئة 418
* سنة ثلاث وسبعين وست مئة 419
* سنة أربع وسبعين وست مئة 420
* سنة خمس وسبعين وست مئة 421(27/606)
* سنة ست وسبعين وست مئة 423
* سنة سبع وسبعين وست مئة 425
* سنة ثمان وسبعين وست مئة 426
* سنة تسع وسبعين وست مئة 428
* سنة ثمانين وست مئة 430
سنة إحدى وثمانين وست مئة إلى سنة تسعين وست مئة* سنة إحدى وثمانين وست مئة 433
* سنة اثنتين وثمانين وست مئة 435
* سنة ثلاث وثمانين وست مئة 438
* سنة أربع وثمانين وست مئة 443
* سنة خمس وثمانين وست مئة 447
* سنة ست وثمانين وست مئة 448
* سنة سبع وثمانين وست مئة 449
* سنة ثمان وثمانين وست مئة 450
* سنة تسع وثمانين وست مئة 451
* سنة تسعين وست مئة 453
سنة إحدى وتسعين وست مئة إلى سنة سبع مئة* سنة إحدى وتسعين وست مئة 461(27/607)
* سنة اثنتين وتسعين وست مئة 469
* سنة ثلاث وتسعين وست مئة 470
* سنة أربع وتسعين وست مئة 473
* سنة خمس وتسعين وست مئة 475
* سنة ست وتسعين وست مئة 477
* سنة سبع وتسعين وست مئة 479
* سنة ثمان وتسعين وست مئة 480
* سنة تسع وتسعين وست مئة 484
* سنة سبع مئة 488
سنة إحدى وسبع مئة إلى سنة عشر وسبع مئة* سنة إحدى وسبع مئة 490
خلافة المستكفي بالله بن الحاكم بأمر الله 490
* سنة اثنتين وسبع مئة 491
* سنة ثلاث وسبع مئة 495
* سنة أربع وسبع مئة 496
* سنة خمس وسبع مئة 497
* سنة ست وسبع مئة 498
* سنة سبع وسبع مئة 499(27/608)
* سنة ثمان وسبع مئة 500
* سنة تسع وسبع مئة 500
* سنة عشر وسبع مئة 504
سنة إحدى عشرة وسبع مئة إلى سنة عشرين وسبع مئة* سنة إحدى عشرة وسبع مئة 506
* سنة اثنتي عشرة وسبع مئة 507
* سنة ثلاث عشرة وسبع مئة 510
* سنة أربع عشرة وسبع مئة 510
* سنة خمس عشرة وسبع مئة 511
* سنة ست عشرة وسبع مئة 514
* سنة سبع عشرة وسبع مئة 516
* سنة ثماني عشرة وسبع مئة 518
* سنة تسع عشرة وسبع مئة 520
* سنة عشرين وسبع مئة 522
سنة إحدى وعشرين وسبع مئة إلى سنة ثلاثين وسبع مئة* سنة إحدى وعشرين وسبع مئة 525
* سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة 526
* سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة 528(27/609)
* سنة أربع وعشرين وسبع مئة 531
* سنة خمس وعشرين وسبع مئة 533
* سنة ست وعشرين وسبع مئة 535
* سنة سبع وعشرين وسبع مئة 536
* سنة ثمان وعشرين وسبع مئة 539
* سنة تسع وعشرين وسبع مئة 541
* سنة ثلاثين وسبع مئة 542
سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة إلى سنة أربعين وسبع مئة
* سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة 543
* سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة 543
* سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة 545
* سنة أربع وثلاثين وسبع مئة 546
* سنة خمس وثلاثين وسبع مئة 547
* سنة ست وثلاثين وسبع مئة 549
* سنة سبع وثلاثين وسبع مئة 550
* سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة 553
* سنة تسع وثلاثين وسبع مئة 554
* سنة أربعين وسبع مئة 555(27/610)
سنة إحدى وأربعين وسبع مئة إلى سنة خمسين وسبع مئة* سنة إحدى وأربعين وسبع مئة 556
* سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة 559
خلافة الحاكم بأمر الله بن المستكفي بالله 559
* سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة 562
* سنة أربع وأربعين وسبع مئة 564
فهرس المصادر والمراجع 567
1. المصادر 567
2. المراجع 589(27/611)