وتخلق ملكا لا تحيل بفخره ... على أحد إلّا على عزمك العلي
وقوله: [الطويل]
له راحة ينهلّ جودا بنانها ... ووجه إذا قابلته يتهلّل
يرى الحقّ للزوّار حتى كأنّه ... عليهم- وحاشا قدره- يتطفّل
وقوله: [الكامل]
لو كنت أمدح غير آل محمّد ... لرفعته فوق السّماك الأعزل
قوم إذا ما أسندوا خبر العلا ... جاؤوا بأقرب مسند عن مرسل
من كلّ ملثوم البساط غدت به ... قمم الرءوس حواسدا للأرجل
ووصلت حبلك في الحياة بحبلهم ... صلة الأشاجع ركّبت في الأنمل
وقوله يمدح القاضي الفاضل: [البسيط]
من راكب وعلى أعجاز نضوته ... شكر تفيض به الأنساغ والحزم «1»
(61) يستخبر الناس عن عبد الرحيم وهل ... يخفى بذروة طود شامخ علم
واشكر يدا من أبيه عن وليّهما ... شكرا يصدّقها الإكرام والكرم
جاورت منه الفرات العذب مطعمه ... وزاخرا من أخيه الملح يلتطم
خرّجت من يدك العليا إلى يده ... وكلّ شعب بوادي مكّة حرم
وقوله: [الوافر]
أيا شمس الخلافة وهو نعت ... يصدّقه جبينك بالضياء
تشيّع جود كفّك في فؤادي ... وعدّي بالتشيّع في الولاء(16/96)
وقوله: [الكامل]
واذكر محامد أحمد من قبل أن ... تجد القوافي فترة المغصوب
واختر له صفو الكلام فإنّما ... صفو النّمير لذاذة المشروب
وقوله: [الكامل]
إن لم يكن لك في القوافي رغبة ... فالطم بها وجه الرجاء وهاتها
فالأمّ لا تأبى إذا لم يولها ... أصهارها خيرا طلاق بناتها
وقوله: «1» [الطويل]
أيخفى صحيح الودّ والسقم لائح ... ويكتم سرّ الشّوق والدّمع بائح
جنحت إلى الواشي ولولاك ما التقى ... سهادي وطرفي والجوى والجوانح
وليلة هوّمنا بذي الطّلح زارنا ... خيالك وهنا والمطايا طلائح
فبتّ ولم أسكر سوى سنة الكرى ... أطارحه ذكر الهوى ويطارح
وأصحب أيّامي على العلل التي ... بها تمرض الأيّام وهي صحائح
ولولا أبو النجم المظفّر عطّلت ... مسارب من سبل الندى ومسارح
لئن شركوه في اسمه دون فعله ... فما يستوي البحران عذب ومالح
لئن حلّ في دست الوزارة عادل ... سما قبله فيها إلى النجم صالح
فإنّك يا بدر بن رزيك عنهما ... لنعم المكافي للعدى والمكافح
(62) نهضت بأمر الدّولة النّهضة التي ... جزاك بها خيرا وليّ وكاشح
وأوريت ناريها عقابا ونائلا ... وما وريا إلا وزندك قادح
وقوله: [الطويل](16/97)
إذا أكثر المحموم من هذيانه ... تقدّم له عذر الخبير بشانه
ولا تتأخّر حين تدعى لحاجة ... فما الغيث بالمحمود بعد أوانه
ومنهم:
20- ابن الساعاتي، عليّ بن رستم، بهاء الدين، أبو الكرم الخراساني «13»
شاعر كلّ وصف حقيق، وثائر كلّ ساعة منه بعمر الشقيق. ولا يضاهي حسن ديباجته الحقائق، ولا تعدّ نظير درجته الرقائق. بفطنة زائدة، وفطرة لم تنفق ساعاته بغير فائدة. مذ نشأ بذّ من أنشا، ومن حين راهق ساير النجوم ورافق. ومن أوّل ما نزع التمائم، برع في أهل العمائم، وشرع يفتّق الزهر من الكمائم، ويهزّ الغصن تحت الحمائم. وكان ذا شباب رقّ ماؤه، وترف نعماؤه.
يجلو قمر السّماء، ويعطو بجيد ظبية أدماء. ترف عليه طرّة، وسالف ولين أعطاف لا تخالف.
ولم يخل مذ كان من كآبة معشوق، وصبابة مشوق، حتى عدّ في الأعيان، وقعد على ذروة البيان، وقرّبته الملوك، فحظي بالجميل، وحبي بالجزيل. وكانوا إذا أنشد لديهم الشعراء، قدّم ابن الساعاتي، وأحسن إذا أساء العاتي، لروائع لا يقدر الواصف يوقّنها، وبدائع ما مضى قبلها، فآتى ذلك الساعة التي أنت فيها.
ومنه قوله: «1» [الكامل]
نهبت منام العاشقين جفونه ... فلذاك ليس يراك كالوسنان
ذو وجنة حمراء حول عذاره ... وكذا تكون شقائق النعمان(16/98)
رشأ عصيت عواذلي وأطعته ... فأطاع فيّ وشاته وعصاني
وقوله: «1» [البسيط]
وأهيف القدّ حيّاني بكأس طلا ... كالشّمس يحملها بدر الدّجى السّاري
فقلت لّما رأيت الكأس في يده ... قد أمكن الجمع بين الماء والنّار
(63) وقوله: «2» [الطويل]
إذا الحبّ لم يشفع بسقم وأدمع ... فهاتيك دعوى لا تزكّى شهودها
لقد سقمت مثل الجسوم جفونها ... فلولا عموم السّقم كنّا نعودها
عدا مقلتي برق الحمى ووميضه ... فما غادرت من لوعة تستزيدها
وما هو إلا صارم قتل الدّجى ... وحمرته لوث فمن ذا يقيدها «3»
وقوله: «4» [الطويل]
وبي سالم الأحشاء من ألم الهوى ... نظرت إليه نظرة سبّبت حتفي «5»
فيا آخذي أجفانه بظلامتي ... دعوها فما أصمى فؤادي سوى طرفي
وقوله: «6» [الطويل]
شكوت إلى خدّيه فعل لحاظه ... وقد فوّقت نحوي سهام جفونه
فقال كذا الورد الجنيّ بدوحة ... يمانع عنه شوكه في غصونه(16/99)
وقوله في أرمد: «1» [البسيط]
قالوا به رمد ينهى لواحظه ... ألّا تخيف على قلب ولا كبر «2»
قلت احذروا مقلتيه فهي قاتلة ... وضعفها الآن ينجيها من القود
ألم تروا عارضيه كيف قد لبسا ... من خوف عارضها ثوبا من الزّرد
إن السّنان مخوف وهو ذو كلف ... والسّيف يقطع منه الحدّ وهو صدي
وقوله: «3» [الكامل]
ولقد وقفت بها وكفّ ربيعها ... في نسج حلّة نورها تتألّق
وشذا خيوط المزن يرسلها الحيا ... إبرا وأكمام النبات تفتّق «4»
والبان يرقص والحمام هواتفا ... تشدو وأطراف الغدير تصفّق «5»
وقوله: «6» [الكامل]
ألزمتني قول الوشاة وليس من ... عدل الهوى أخذي بقول النّاس
وأريهم أن قد سلوت مغالطا ... وبليتي في الدّمع والأنفاس
(64) وأما وحبّك لو تفوز بسلوة ... كفّي وقد علقت بذيل النّاس
عفت الحنين إلى زمان ذاهب ... وأبيت ذكري للملول الناسي
وقوله: «7» [الكامل](16/100)
ما هذه يا عمرو أوّل وقفة ... هان العزيز بها ولان الجليد «1»
أنكرت أدمعه وليس ببدعة ... بالماء أن يتفجّر الجلمود
وقوله: «2» [مخلع البسيط]
يا سائلا عن غليل قلبي ... لقد تجاهلت للسؤال
أنت على القرب والتنائي ... أعلم مني بكلّ حال «3»
وقوله: «4» [الكامل]
يا قلب عاشقه وسهم جفونه ... من ألزم المقتول حبّ القاتل؟
وقوله: «5» [الطويل]
تعجّب عمرو أن وقفت بمنزل ... كلانا لفقدان الأحبّة ناحل
لئن جنّ فيه العاشقون صبابة ... فأصداغه للعاشقين السلاسل
وقوله: «6» [الخفيف]
زعموا أنني تعشّقتك سو ... داء دون بيض الغواني
ليس معنى الجمال فيك بخاف ... إنما أنت خال خدّ الزّمان
وقوله: «7» [الكامل](16/101)
وسألت عن قلبي وأنت سلبته ... سواك العارف المتجاهل
عاقبتني طوع الوشاة تجنّيا ... وأخذتني ظلما بقول العاذل
وقوله: «1» [الكامل]
لو أنّ صدّكم تمثّل ليلة ... لثنت غياهبها الخيال عن السّرى
ولئن غدرت فسنّة مأثورة ... ما حلت عن شيم الليالي والورى
غلب الهيام عليه حتى أنّه ... وكفاك حبّا، لو وصلت لما درى «2»
فانقع بذكر الصّبر حرّ فؤاده ... أو لا فحدّث مقلتيه عن الكرى
حجبوك بدرا في الهوادج طالعا ... وثنوك ظبيا في الأكلّة أحورا
ما هذه الغزلان بين كناسها ... لكنّها الأسد الضواري والشّرى
(65) من كلّ ماضي اللّحظ زهّد قومه ... في البيض حتّى أنّها لا تشترى «3»
ومنهم:
21- شرف الدين، أبو المحاسن، نصر الله بن عنين، الدمشقيّ «13»
شاعر لا يطاق يلبّه، ولا يهاب الأسد إلا إذا كفّ مخلبه. ينفح بلسان صلّ، ويلفح بنيران غل. أنفذ في المدام من المسام، وأشدّ في الإيلام من الهوام. بلسان أفتك في الأعراض من المقراض، وأنهك للأجسام من الأمراض. دؤوبا لزم منه طباع العقرب، ووثوبا مثل وثوب شجاع أو أقرب، وأسلوبا أقدم به إقدام الخناع ولم يترقّب فلم يسلم منه بريء على الإطلاق، ولا حمي عرض منه بمكارم(16/102)
الأخلاق، بهجاء لا يخلص منه إنسان، ولا يخلو ربّ سيف ولا طيلسان. هذا مع كلمة بتصريف الأمر مقبولة، وعظمة على الكبر مجبولة، وهمّة نصبها على نقع في شركه، وأحبولة تعرض إلى العرض الفاضليّ.
واشتغل به زمانه، وأشعل بيانه بنانه. فما قال لكلبه أخسّه إذ نبح، ولا التفت إليه هجاء أو مدح. وتصدّى لأهل دمشق تصدّيا، أدوى قلوب الجميع، وآرى أذن كلّ سميع، فقاموا لمقاومة سمّه، ومقاحمة تمّه، فآل به الحال إلى الهجاج، واختراق الفجاج، فتغلغل في البلاد، ومني بالبعد عن موضع الميلاد.
وطاف الحجاز، واليمن، والهند، والسّند، وما وراء النّهر، وخراسان، وبلاد العجم، والعراق، مذبذبا في مهامهها الفساح، راكبا على كفل الليل وهادي الصّباح.
وكان على بعد الديار لا ييأس من روح الاقتراب، على طول الاغتراب. ومع هذا، لا تنجلي عن أهل دمشق غيابته، ولا تنجلي غوايته، بل يصبّ عليهم وبله، ويصيب فيهم نبله، ومن ذلك قوله: «1» [الكامل]
فعلام أبعدتم أخا ثقة ... لم يجترم ذنبا ولا سرقا
انفوا المؤذّن من بلادكم ... إن كان ينفي كلّ من صدقا
على أنه ما ذكر دمشق إلا ضاقت ضلوعه بزفراتها، وفاضت عيونه بعبراتها.
(66) وله في هذا أشعار لم يقصّ لها جناح، ولم يقصر بها ارتياح.
ثمّ إنّه ما سكن له قلق، ولا سلب عن جفنه أرق، حتى أزيلت عن العود إليها موانعه، وأزيحت أسباب من كان لا يصانعه. ثم لما استقرت به الدار، وبها لم يدع أهلها من بوائقه، ولم يعد إلا وقد أذنت بقدومه جعجعة صواعقه. ومنها(16/103)
قوله: «1» [المتقارب]
هجوت الأكابر في جلّق ... ورعت الرفيع بسبّ الوضيع «2»
وأخرجت منها ولكنّني ... رجعت على رغم أنف الجميع
ومما استعطف به هذه النائبة، حتى لان له قلبها القاسي، وخفّ عليه حبلها الراسي، قصيدة كتبها إلى الملك العادل، أبي بكر ابن أيوب، منها: «3» [الكامل]
ما في أبي بكر لمعتقد الهدى ... شكّ يريب بأنه خير الورى
بين الملوك الغابرين وبينه ... في الفضل ما بين الثّريّا والثّرى
يعفو عن الذّنب العظيم تكرّما ... ويصدّ عن قول الخنا متكبّرا
وله البنون بكلّ أرض منهم ... ملك يقود إلى الأعادي عسكرا
من كلّ وضّاح الجبين تخاله ... بدرا، فإن شهد الوغى فغضنفرا
يعشو إلى نار الوغى شغفا بها ... ويجلّ أن يعشو إلى نار القرى
متقدم حتى إذا النّقع انجلى ... بالبيض عن سبي الحريم تأخّرا
يا أيها الملك الذي ما في فضا ... ئله وسؤدده ومحتده مرا
أشكو إليك نوى تمادى عمرها ... حتى حسبت اليوم منها أشهرا
لا عيشتي تصفو ولا رسم الهوى ... يعفو ولا جفني يصافحه الكرى
ومن العجائب أن تفيّأ ظلكم ... كلّ الورى، ونبذت وحدي بالعرا
ثم كانت له من الملك المعظم عيسى، حين أفضى إليه ملكها، مكانة أشرقت عداه، وأشرقت بنداه. وكان لا يفارقه حيث شاد وخيّم، ولا يتجهّم له وجهه حيث تقشّع أو غيّم. وولّاه بدمشق وظيفة نظر الديوان، فباشرها حتى (67)(16/104)
استقال، وهدأ شيطانه وقال، وخرس إلا ما أضحك به الملك المعظم فقال.
وكان يعجب بنوادره، ويعجل إيماء الطرف ببوادره، ويقترح عليه في خواص مجلسه، ليخرج بينهم تلك الدّفائن، ويغرق في بحره الأجاج تلك السفائن، إلا من ركب ذلك البحر على خطر، أو وقف في طريقه ليقع منهم في حفر.
ولّما كان في العراق، حضر مجلس الإمام الرّازي، في يوم ذيول السّحب عليه مكفوفة، وعين الشمس به مطروفة، والثّلج قد بثّ في الجوّ سرايا نوره، وبعث من الأفق تحايا كافوره. وأري ماء كلّ غدير في إناء بلّوره. فسقطت لديه حمامة لزبها «1» خاطف، ووقعت عليه كما يستجير الخائف، فقام ابن عنين، وقال: «2» [الكامل]
يا ابن الكرام المطعمين إذا شتوا ... في كلّ مخمصة وثلج خاشف «3»
العاصمين إذا النفوس تطايرت ... بين الصوارم والوشيج الرّاعف «4»
من نبّأ الورقاء أن محلّكم ... حرم وأنّك ملجأ للخائف
وفدت عليك وقد تدانى حتفها ... فحياتها ببقائها المستانف
لو أنّها تحبى بمال لانثنت ... من راحتيك بنائل متضاعف «5»
جاءت سليمان الزمان حمامة ... والموت يلمع في جناحي خاطف «6»
قرم لواه الجوع ثمّ أعاده ... من دونها يهوي بقلب واجف «7»(16/105)
فقال له الإمام: أنت ابن عنين الدمشقي- ولم يكن يعرفه من قبل- فقال: أنا هو. فأدني من مجلسه، وأسنى له خالص ودّه وأنفسه.
ولم يبق من أهل المجلس إلّا من كتب شعره، ورواه، ثم كان لا يؤثر إلا هواه.
وأشعاره كلّها موضع استحسان، ومجمع إحسان. فمنه قوله يمدح المعظم نوبة دمياط، وهو: «1» [الطويل]
سلوا صهوات الخيل يوم الوغى عنّا ... إذا جهلت آياتنا والقنا اللّدنا
غداة لقينا دون دمياط جحفلا ... من الروم لا يحصى يقينا ولا ظنّا
قد اتّفقوا رأيا وعزما وهمّة ... ودينا وإن كانوا قد اختلفوا لسنا
(68) تداعوا بأنصار الصليب فأقبلت ... جموع كأن الموج كان لهم سفنا
عليهم من الماذيّ كلّ مفاضة ... دلاص كقرن الشمس قد أحكمت وضنا
وأطمعهم فينا غرور فأرقلوا ... إلينا سراعا بالجياد وأرقلنا
فما برحت سمر الرماح تنوشهم ... بأطرافها حتى استجاروا بها منّا
سقيناهم كأسا نفت عنهم الكرى ... وكيف ينام الليل من عدم الأمنا
لقد صبروا صبرا جميلا ودافعوا ... طويلا فما أجدى الدفاع ولا أغنى
رأوا الموت من زرق الأسنّة أحمرا ... فألقوا بأيديهم إلينا فأحسنا «2»
منحنا بقاياهم حياة جديدة ... فعاشوا بأعناق مقلّدة منّا
ولو ملكوا لم يأتلوا في دمائنا ... ولوغا ولكنّا ملكنا فأسجحنا
فكم من مليك قد شددنا إساره ... وكم من أسير من يد الأسر أطلقنا «3»(16/106)
أسود وغى لولا وقائع سمرنا ... لما ركبوا قيدا ولا سكنوا سجنا «1»
يسير بنا من آل يعقوب ماجد ... أبى عزمه أن يستقرّ به مغنى «2»
سرى نحو دمياط بكلّ سميذع ... بحيث يرى ورد الوغى المورد الأهنى
وطهّرها من رجسها بحسامه ... همام يرى كسب الثّنا المغنم الأسنى
مآثر مجد خلّفتها سيوفه ... لها نبأ، يفنى الزمان وما تفنى «3»
وقد عرفت أسيافنا ورقابهم ... مواقعها فيهم، فإن عاودوا عدنا «4»
وقوله: «5» [الطويل]
وما شام من أعلى المقطّم جفنه ... سنا بارق إلا توالت قطاره
حديث صقال الخدّ لم يذو ورده ... ولا دبّ كالريحان فيه عذاره
وقوله وهو مريض، يتقاضى نفقة ينفقها، وطبيبا يعوده، وصبيّا معظميا من الغيث يجوده: «6» [الكامل]
انظر إليّ بعين مولى لم يزل ... يولي النّدا وتلاف قبل تلافي
أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه ... فاغنم دعائي والثناء الوافي «7»
(69) وقوله في ملوك بني أيوب، رحمهم الله: «8» [الوافر](16/107)
هم تركوا صليب الكفر أرضا ... يداس وكان معبودا يباس
وأرغم بأسهم آناف قوم ... تجنّبها لعزّتها العطاس
وقوله: «1» [البسيط]
أبيت وأسراب النّجوم كأنها ... قفول تهادى إثرهنّ قفول
وقوله: «2» [الطويل]
ألا يا نسيم الرّيح من تلّ راهط ... وروض الحمى كيف اهتديت إلى الهند
فأصبح طيب المسك يخفي مكانه ... حياء ولا يبدو شذا العنبر الورد «3»
أأهل الحمى خصّوك منهم بنفحة ... فأصبحت معتلّ الصّبا عطر البرد
إذا جمعت بيني وبينهم النّوى ... فأيّ يد مشكورة للنوى عندي «4»
وقوله منها:
فما زالت الأيام ترهف حدّها ... وتسحت حتى استأصلت كلّ ما عندي «5»
فأقبلت أجتاب البلاد كأنّني ... قذى حال دون النّوم في أعين رمد
وقوله: «6» [الكامل]
ما باله في عارضيه مسكه ... ولقد عهدت المسك في سرر الظّبا
عجبا له اتّخذ الوشاة وقولهم ... صدقا وعاين ما لقيت وكذّبا(16/108)
وقوله: «1» [الكامل]
خود تعثّر كلّما رقصت ... من شعرها بمبلبل زجل «2»
وبليّتي من ضيق مقلتها ... إن خيف قتل الأعين النّجل «3»
تسعى بصافية معتّقة ... تبدو لنا في الكأس كالشّعل
ودنت كأنّ شعاعها قبس ... باد وإن جلّت عن المثل
في روضة غنّى الربيع بها ... فأبان صنعة علّة العلل «4»
فكأنّما فرشت بساحتها ... بسط الزّمرّد راحة النّفل «5»
(70) وكأنّ كفّ النجم من طرب ... نثرت عليها أنجم الحمل «6»
ودعت حمائمها مراجعة ... فوقفت في شغل بلا شغل
شقّ الشقيق بها ملابسه ... حزنا على ديباجة الأصل
وكأن في أغصانها سحرا ... ثاني الثّقيل ومطلق الرّمل «7»
ومنها قوله:
ملك زهت أيام دولته ال ... غرّاء وافتخرت على الدّول
يغشى الوغى والحرب قد كشرت ... للموت عن أنيابها العصل
والشمس كالعذراء كاسفة ... محجوبة بالنّقع في الكلل «8»
ملك صوارمه رسائله ... إنّ الصوارم أبلغ الرّسل(16/109)
ملك قصرت على مدائحه ... شعري، وعقد نواله أملي «1»
ومنها قوله يمدح الملك المعز، صاحب اليمن، ويحرّضه على الأشراف بمكة، وكان قد أخذ بها وسلب، ودبّت إليه عقارب شرارها فلسب: «2» [البسيط]
أعيت صفات نداك المصقع اللسنا ... وحزت في الجود فضل الحسن والحسنا «3»
وما تريد بجسم لا بقاء له ... من خلّص الزّبد ما أبقى لك اللّبنا
ولا تقل ساحل الإفرنج أملكه ... فما يساوي إذا قايسته عدنا
وإن أردت جهادا روّ سيفك من ... قوم أضاعوا حقوق الله والسّننا «4»
طهّر بسيفك بيت الله من دنس ... وما أحاط به من خسّة وخنا
ولا تقل إنّهم أولاد فاطمة ... لو أدركوا آل حرب قاتلوا الحسنا
وقوله يمدح الصاحب صفي الدين، ابن شكر، وكان مالكيّ المذهب: «5» [البسيط]
في ظلّ أبلج يستسقى الغمام به ... فيستهلّ ويستشفى به الكلب
المستقلّ بما تعنى الملوك به ... والمستقلّ لنا الدّنيا إذا يهب «6»
ثبت الجنان له حلم يوقّره ... إذا هفا بحلوم السّادة الغضب
صافي الضمائر، مرضيّ السّرائر مح ... مود المآثر ترضى باسمه الخطب
(71) إذا احتبى للفتاوى فهو مالكها ... وإن حبا خجلت من جوده السّحب(16/110)
فما رأينا إماما قبل رؤيته ... يرى النّوافل فرضا فعلها يجب
يقظان للمجد يحمي ما توارثه ... آباؤه الصّيد من فخر أب فأب
قوم ترى الوفد في أبياتهم زمرا ... فالمجد يخزن والأموال تنتهب
لو أزمعوا أمرهم يوما على أجأ ... رأيت أركان سلمى خيفة تجب
يا أيها الصاحب الصدر الوزير ومن ... إلى مفاخره العلياء تنتسب «1»
دعيت في الدولة الغرّاء صاحبها ... حقّا فظنّ جهول أنه لقب «2»
وقوله: «3» [الخفيف]
خبّروها بأنّه قد تصدّى ... لسلوّ عنها ولو مات صدّا
عنفت طيفها على ظنّها أن ... ن خيالا منها إلينا يهدى «4»
كذّبتها ظنونها لا الكرى زا ... ر جفوني ولا الخيال تهدّى «5»
ومنها قوله:
وتعاطى الملوك مثل معالي ... هـ فنالوا من دون ذلك جهدا «6»
هلكوا دون نيل ما أمّلوه ... من يطر فوق طوره يتردّى
لم يقف دونهم ولو كان يلقى ... رتبة من ورائهم لتعدّى
وقوله يمدح الإمام فخر الدين الرّازي: «7» [الكامل](16/111)
بحر تصدّر للعلوم ومن رأى ... بحرا تصدّر قبله في محفل
غلط امرئ بأبي عليّ فأسه ... هيهات قصّر عن مداه أبو علي «1»
لو أنّ رسطاليس يسمع لفظة ... من لفظه لعرته هزّة أفكل
ويحار بطليموس لو لاقاه من ... برهانه في كل شكل مشكل «2»
فلو انهم جمعوا لديه تيقّنوا ... أنّ الفضيلة لم تكن للأوّل
وقوله في الأمجد بهرام شاه: «3» [البسيط]
تمضي المنايا بما شاءت أسّنته ... إذا القنا بين فرسان الوغى اشتجرا
(72) تكاد تخفي النجوم الزّهر أنفسها ... خوفا ويشرق بهرام إذا ذكرا «4»
وقوله: «5» [الخفيف]
وربا عزّتا وقد جادها الثّل ... ج ولاحت من سائر الأقطار
كعروس من آل ساسان تجلى ... من دبيقي ثوبه في إزار «6»
وقوله في جنديّ استحسنه وهو ببلاد الهند: «7» [مجزوء الكامل]
ما للمحبّ وللعواذل ... لو أنهم شغلوا بشاغل
ما أنكروا أعجوبة ... إذ يصبح الهنديّ قاتل «8»(16/112)
وقوله على لسان حائك، يورّي بصناعته كأنه يفخر: «1» [الطويل]
أنا الذي لولا صنائع كفّه ... لما رفعت يوما لملك مضاربه «2»
فتى يتقاضى صنعه النّاس دائما ... فلم يخل وقتا من غريم يطالبه
له قصبات السّبق في كلّ موطن ... يطيل إذا أسدى لمن لا يناسبه
ويسقي إذا الأنواء في العام أخلفت ... فهل مثل آبائي تعدّ مناقبه
وكم قد كسونا من يتيم وميّت ... سترنا ولولانا لبانت معايبه
وكم قد سعى جدّي لمدّ صنيعة ... تهزّ لها أعطافه وجوانبه «3»
وكم راض صعبا جامحا متمنّعا ... يلاينه طورا وطورا يصاعبه
ولست كمن ولّى فرارا من الضّنى ... يطيل سؤالا عن رفيق يصاحبه «4»
وقوله في البئر، في معرض الإلغاز: «5» [الطويل]
ورومية في الدار عندي عزيزة ... عليّ تروّيني الحديث بلا ضجر
تفوت القنا الخطّيّ طولا وشكلها ... يوازي الغلام الطفل في الدار إن خطر «6»
وقوله في المرآة: «7» [الطويل]
وفاتنة عندي عزيز نجارها ... عليها حليّ من لجين ومن تبر «8»(16/113)
يؤثّر فيها الوهم من صلف بها ... فمن أجل هذا لا تريم من الخدر «1»
تخبّرني عني بما لا رأيته ... فتصدق فيما خبّرت وهي لا تدري
(73) تقابل بالمكروه إن قابلت به ... وإن قوبلت بالبشر لاقته بالبشر «2»
وقوله في الكركة التي يستخرج فيها ماء الورد: «3» [الطويل]
ومثقلة حملا إذا ما بناتها ... مرتها أعارتها الغواني نهودها «4»
تباري ثقال المعصرات بدرّها ... فما تركت للسّحب إلا رعودها
وقوله في جواب لابن عدلان في حبل الغسيل: «5» [الخفيف]
أبدا يكتسي العواري من النا ... س، ومن يكتسي العواري عاري
فهو يكسى، واليوم صحو ويعرى ... جسمه في مواقع الأمطار
وكان الذي كتب به ابن عدلان إليه: «6» [الخفيف]
وضئيل له الهواء مقيل ... مكتس يومه وفي الليل عاري «7»
ويرى لابسا صنوف ثياب ... وهو ذو فاقة حليف افتقار
تعتليه الكسا ثقالا فيلقي ... ها خفافا في أخريات النهار «8»(16/114)
وقوله في الزّرّ والعروة: «1» [الوافر]
وبعل كلّه ذكر صحيح ... وأنثى كلّها فرج مباح «2»
فتفضي هذه، ويحب هذا ... ولا يوديهما ذاك الجراح «3»
وقوله: «4» [المتقارب]
تعجّب قوم لصفع الرّشيد ... وذلك ما زال من دأبه
رحمت انكسار قلوب النّعال ... وقد دنّسوها بأثوابه
فو الله ما صفعوه بها ... ولكنهم صفعوها به
وقوله في هجاء الفاضل، وقد تمحّل عليه وتقوّل فيما لا ينسب إليه ومثله من يصفح، وما زالت الأشراف تهجا وتمدح. والذي قاله: [المنسرح]
حاشى لعبد الرحيم سيّدنا ال ... فاضل مما تقوله السّفل
وتبّ من قال إنّ حدبته ... في ظهره من عبيده حبل
هذا قياس في غير سيّدنا ... يصحّ إن كان يحبل الرّجل
(74) وقوله في مثله: «5» [الطويل]
سألت السّديد الفاضليّ وقد بدا ... عليه هزال بعد شدّة أسره
أكنت مريضا؟ قال: لا، وإنما ... يخبّرني عبد الرحيم بسرّه «6»(16/115)
فقلت له: إن العظيم اختياره ... لأوضح فحل من تفاقم أمره «1»
فما هذه ما بين ثدييك، قال لي: ... تقعّر صدري من محدّب ظهره
وقوله في جدال طال بين فقيهين يعرف أحدهما بالجاموس، والآخر بالبغل: «2» [الكامل]
البغل والجاموس في جدليهما ... قد أصبحا مثلا لكل مناظر
برزا عشيّة يومنا فتناظرا ... هذا بقرنيه وذا بالحافر «3»
وقوله: «4» [الكامل]
ما إن مدحتك أرتجي لك نائلا ... فحرمتني فهجوت باستحقاق
لكنني عاينت عرضك أسودا ... متمزّقا فقدحت في حرّاق
وقوله: «5» [البسيط]
وما هجوت ابن عصرون أروم له ... فضلا ولا نلت من فخر ولا شرف
لكن أجرّب فيه خاطري عبثا ... كما تجرّب بيض الهند في الجيف
وقوله في ابن دحية الكلبي اللغوي: «6» [السريع](16/116)
دحية لم يعقب فلم تنتمي ... إليه بالبهتان والإفك «1»
ما صحّ عند الناس شيء سوى ... أنّك من كلب بلا شكّ
وقوله: «2» [الوافر]
شكا شعري إليّ وقال تهجو ... بمثلي عرض ذا الكلب اللئيم
فقلت له تسلّ فربّ نجم ... هوى في رجم شيطان رجيم «3»
وقوله في ابن المؤيّد، وقد عزل: «4» [المتقارب]
شكا ابن المؤيّد من صرفه ... وذمّ الزمان وأبدى السّفه «5»
(75) فلا تغضبنّ إذا ما صرفت ... فلا عدل فيك ولا معرفه «6»
وقوله في علويّ أحبّ صبيّا يلقب الجمل: «7» [المتقارب]
فديتك قل للشهاب الشّريف ... وإن شاط غيظا لذا واحتفل «8»
أتزعم أنّك من شيعة ال ... وصيّ وأنت تحبّ الجمل «9»
وقوله مما كتب به وهو مريض إلى الصلاح الإربلي: «10» [الوافر](16/117)
إليك شكيّتي عبث الليالي ... لقد حصّت نوائبها جناحي «1»
وكيف يفيق من عبث الليالي ... مريض لا يرى وجه الصلاح «2»
وقوله في صبي أسود أحبه، وقصر منه على حبّة القلب حبّه: «3» [الطويل]
أجل أنا في لون الشّبيبة مغرم ... وإن لجّ عذّال وأسرف لوّم
وقد عابني قومي بتقبيل خدّه ... وما ذاك عيب أسود الرّكن يلثم «4»
وقوله، مما كتب به إلى الملك المعظم عيسى: «5» [البسيط]
إذا لقيت الأعادي يوم معركة ... فإنّ جمعهم المغرور منتهب
لك النفوس وللطير اللحوم ولل ... وحش العظام وللخيّالة السّلب
وقوله في العجلة المعدّة لجرّ الأثقال، وأجاد المقال: «6» [البسيط]
أهل العلوم أحاجيكم بواردة ... لا ترتوي ذات إبطاء على عجله
إذا استوى بين رجليها امرؤ نطقت ... بمزعجات من الأصوات متّصله
تمشي وقائدها من خلفها أبدا ... تميد في المشي كالسكرانة الثّمله
صعراء إن قامت فهي مائلة ... وإن مشت فهي كالميزان معتدله
محمولة وهي للأثقال حاملة ... مقمية لا تزال الدّهر مرتحله
وقوله في محي الدين بن أبي عصرون، وكان يباشر الحرب تحت الراية(16/118)
الناصرية الصلاحية، سقى الله أيامها: «1» [الوافر]
سمعت بأنّ محي الدين يغشى ال ... وغى والحرب سارية المنايا «2»
فلا تشهد بصفعان قتالا ... فقوس النّدف لا تصمي الرّمايا
(76) وقوله: «3» [البسيط]
لو كنت أسود مثل الفيل هامته ... عبل الذّراعين في غرموله كبر
كانت حوائج مثلي عندكم قضيت ... لكنني أبيض في أيره قصر
وقوله: «4» [السريع]
أقولها بالغة ما عسى ... والطبل لا يضرب تحت الكسا «5»
قاضيك إن لم تخصه فاقصه ... أولا فلا يحكم بين النّسا «6»
وقوله: «7» [الطويل]
فيا من لراج أن تبيت مغذّة ... ببيداء دون الماطرون ركابه
وقامت جبال الثّلج زهرا كأنّها ... سفائن في بحر يعبّ عبابه «8»(16/119)
وقوله: «1» [الطويل]
وقد شرقت زرق الأسنّة بالدّما ... وأنكر حدّ المشرفيّ قرابه
فكم أمرد خطّ الحسام عذاره ... وكم أشيب كان النجيع قرابه «2»
ومنهم:
22- إسحاق بن أبي البقاء، يونس بن عليّ بن يونس، فتح الدين، أبو محمد
من كتّاب إنشاء الملك الناصر بن العزيز، وكان في فلك أولئك الجماعة له تبريز، وله تخيّل لطيف، وتحيّل طريف، إلّا أنّ مدده ضعيف، وجدده مخيف.
يدفق محاربه نزز «3» ، وتمام معانيه عوز. ومن شعره الرقيق، وخمره الرحيق، قوله مما أنشد له ابن سعيد: [الخفيف]
أدغموا الذّابلات في مثلها من ... هم وفي المثل يحسن الإدغام
وأمالوا إليهم ألفات النّبع ... حتى لم تحمهم منه لام
وقوله: [الطويل]
وما زلت من حيث استقلّت بك النوى ... أسائل أنفاس الصّبا عنك والبرقا
ومن كلفي بالشّرق لما حللته ... توهّم قوم أنني أعبد الشّرقا(16/120)
ومنهم:
23- عون الدين، سليمان بن عبد المجيد بن الحسن بن عبد الله بن الحسن بن العجمي «13»
ولي الشام أيام الناصر المذكور، وهو من أكابر بيوت حلب (77) ، وممن ينفق له كل جلب. وهو ممن قتله سيف السيف السامري، وأطاح دمه الفري، ورماه بأيدته، وعرّاه من فائدته، حتى صار عرضه بما بذل منه منديلا لكل ماسح، وبئرا يدلي فيه كل ماتح. ولم يرع له بيتا لا يغمط حقّه، ولا يجحد سبقه. ومن شعره ما أنشده له ابن سعيد، وهو قوله: «1» [الوافر]
لهيب الخدّ حين بدا لعيني ... هوى قلبي عليه كالفراش
فأحرقه فصار عليه خالا ... وها أثر الدّخان على الحواشي
ومنه قوله، وقد رمى رجلا بما رماه به السامريّ من الداء العضال، والمرض الذي لا يشفى منه إلا ماء الرجال، وهو المعروف المنكور، والمنسيّ المذكور، والفضاء الواسع لوقع المهنّدة الذّكور. والذي قاله: [السريع]
ابن القطيمي له فقحة ... شيعيّة تصبو إلى القائم
أبخل من كلب ولكنّه ... بجحره أكرم من حاتم
ومنه قوله: [البسيط]
وكلما لجّ طرفي في تأمّله ... ليشتفي القلب قال الحسن كيف ترى
هذا الذي أبدع الرحمن صورته ... ولا تفاوت فيه فارجع البصرا(16/121)
ومنه قوله: [الكامل]
تمّت محاسنه بمرسل صدغه ... فالصبر عنه بشرعه منسوخ
رشأ يلوح البدر من أطواقه ... حسنا ومن وجناته المرّيخ
ومنه قوله: [السريع]
يا لائمي في حبّ ذي عارض ... ما البلد المخصب كالماحل
يجول ماء الحسن في خدّه ... فيقذف العنبر بالسّاحل
ومنه قوله، وقد قال له الملك الناصر بن العزيز: أنت من أهل البيت: «1» [الطويل]
(78) رعى الله ملكا ما له من مشابه ... يمنّ على العافي ولم يك منّانا «2»
لإحسانه أمسيت حسّان مدحه ... وكنت سليمانا فأصبحت سلمانا
ومنهم:
24- محيي الدين بن زيلاق الموصليّ. وهو أبو العزيز يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة، العباسيّ «13»
الشريف قدرا، الشّريد شعرا، الشهيد الذي قتل صبرا. قتله التتار حين ملكوا الموصل قتلا بالسيف، يطيل النجم لنومه تسهيدا، ويحيي الشفق بدمه على ثوبه شهيدا. وهو ممن ضرب في النّسب بعرقه، وأخذ من الأدب بحقّه، وتمّم مذهب الكرم بخلقه أيّ معنى لمرتحله، أو معنى لم يحلّه، أو طيّب محرّم على سواه لم يحله.(16/122)
وشعره قريب التناول على الأفهام، قريب يعدّ من الإلهام. طاف الآفاق له طيف زائر، وشقّ الأقطار بجناح طائر. وهو لميل النفوس إلى سماعه، وميل الرءوس بإيقاعه، كأنّما اشتقّ من كلّ البلاد، وشقّ ليجتبيه كلّ فؤاد، سواء العاكف فيه والباد، والمتروّي منه والصاد.
قلت: وقد ذكره ابن الفخر عيسى الإربلي في تذكرته، وهي التذكرة الفخرية، وقال: «فارس مبارز في حلبات الأدب، وعالم مبرز في لغة العرب.
شعره أحسن من الروض جاده الغمام، وأزهى من اللؤلؤ الرطب زانه النظام. قال:
وعاشرته مدّة فملأ سمعي ببدائع فرائده، التي هي أحسن من الدّرّ في قلائده.
وطلبت منه الإجازة فاعتذر اعتذار خجل، وأطرق إطراق وجل، وقال: أنا والله أجلّك عن هذا الهذر، وأنت أولى من عذر «1» وسريع الاعتلاق بالخواطر، والاعتلاج في الضمائر. ومن مشهود قدره، في مشهور شعره، قوله: «2» [الطويل]
بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنى ... سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا
وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا ... فحاكاه لكن زاد في دقّة المعنى
ومنه قوله: [الكامل]
يوم تكاثف غيمه فكأنّه ... دون السّماء دخان ندّ أخضر
(79) والطّلّ مثل برادة من فضّة ... منثورة في تربة من عنبر
والشمس أحيانا تلوح كأنّها ... أمة تعرّض نفسها للمشتري
ومنه قوله: [الطويل](16/123)
أدرها فدمع المزن قد أضحك الرّبى ... ونظّم درّ النظم درّ الغمائم
وقد آن للإصباح أن يصدع الدّجى ... كذا حدّثتنا عنه ورق الحمائم
ومنه قوله، وأحسن: [البسيط]
إنّي لأقضي نهاري بعدكم أسفا ... وطول ليلي بتسهيد وتعذيب
جفن قريح وقلب حشوه حرق ... فمن رأى يوسفا في حزن يعقوب
ومنه قوله: «1» [المنسرح]
أحور يجلو الدّجى تبسّمه ... أسمر يحلو بذكره السّمر
جوامع الحسن فيه كاملة ... فالقلب وقف عليه والبصر «2»
ومنه قوله: «3» [الكامل]
وإذا شكوت من الزّمان ومسّني ... ضيم ونكّس صعدتي إعصار
وعلمتم أني بكم متعلّق ... فعلى علاكم لا عليّ العار
ومنه قوله: [الوافر]
فبات يمجّني عذبا شهيّا ... كأن رضابه ضرب وراح
إلى أن رقّ جلباب الدّياج ... وقرّت في تبسّمها الرياح
ومنها:
وأخشى أن ينمّ بنا ضياء ... يكون لسرّنا فيه افتضاح
فقلت: أقم، فدتك النفس، عندي ... فإن لم تبد لم يبد الصباح(16/124)
ومنه قوله: [الكامل]
قد زخرفت في وجنتيه جنّة ... أنس النفوس بها وحظّ الأعين
يا موسرا من صنف كلّ ملاحة ... أظفرت من هذا الزّمان بمعدن
أبدأت في وصلي فهلّا عدت لي ... وكسوتني سقما فهلّا عدتني
ووعدتني عطفا عليّ فلم أطب ... نفسا، إنّ عطفك ينثني
(80) ومنه قوله: [الخفيف]
ما أهتدي بعدكم رقادا إلى جف ... ني ولا أهتدي السّلوّ لبالي
وحياتي بعد الفراق دليل ... أنّ موت النفوس بالآجال
ومنه قوله: [السريع]
هل أنت يا وفد الصّبا مخبري ... بربع أحبابي متى روّضا
وهل أقام الحيّ من بعدنا ... مخيّما بالجزع أم فوّضا
وأنت يا بارق نجد إذا ... أضأت جيرانا بذات الأضا
فقل لهم: ذاك الغريب الذي ... أمرضتموه بجفاكم قضى
حاشى لذاك الوجد أن ينقضي ... وعهدنا بالخيف أن ينقضا
ويا شفاء النّفس لو أنّه ... كان طبيب الدّاء من أمرضا
أحبابنا منذ وداع اللّوى ... لم ألق عيشا بعدكم يرتضى
ولا رأت عيناي مذ غبتم ... يوما كأيّامي بكم أبيضا
ومنه قوله: «1» [المنسرح]
بمن كسا وجنتيك من حلل ال ... حسن رياضا نسيمها عبق(16/125)
لا تثن عطفا إلى الوشاة فما ... سلاك قلبي لكنّهم عشقوا
أنت بحالي أدرى وحالهم ... قد وضّحت في حديثنا الطّرق
ما كنت يوما إليك معتذرا ... لو أنهم في حديثهم صدقوا
ومنه قوله: [البسيط]
نقشت أناملها وأنبت خدّه ... وردا يزيد ملاحة عن عهده
فإذا أشارت بالغناء بدا لنا ... مخضرّ آس بنائها من ورده
ومنه قوله، مما أنشده له ابن سعيد: [الطويل]
ومن عجبي أن يحرسوك بخادم ... وخدّام هذا الحسن من ذاك أكثر
عذارك ريحان وثغرك جوهر ... وخدّك كافور وخالك عنبر
(81) ومنه قوله من قصيدة مطولة، ضمنها ذكر دمشق: «1» [الكامل]
أدمشق لا زالت تجودك ديمة ... يرفّ بها زهر الرياض ويونق «2»
أنّى التفتّ فجدول متسلسل ... أو روضة مرضية أو جوسق «3»
يشدو الحمام بدوحها فكأنّما ... في كلّ عود منه عود يخفق
وإذا رأيت الغصن ترقصه الصّبا ... طربا رأيت الماء وهو يصفّق
فحمامها غرد ونبت رياضها ... خضل وركب نسيمها مترفّق
وترى من الغزلان في ميدانها ... فرقا أسود الغيل منها يفرق
والقاصدون إليه إمّا شائق ... متنزّه أو عاشق متشوّق(16/126)
لا تخد عنّ فما اللّذاذة والهوى ... ومواطن الأفراح إلا جلّق «1»
ثم أعقب هذه القصيدة برسالة منها: «2»
«حتى إذا بلغت النفس أمنيتها، وأقبلنا على دمشق فقبّلنا ثنيّتها، رأينا منظرا يقصر عنه المتوهّم، ويملأ عين النّاظر، المتوسم: ظلّ ظليل، ونسيم عليل، ومغنى بنهاية الحسن كفيل. يطوى الحزن بنشره، ويصغر قدر البلاد «3» دون قدره، فيصغر عن صفته شعب بوان، ويغمد في مفاضلته «4» سيف غمدان، ويبهت لمباهاته نظر الإيوان. فالأغصان مائسة في سندسيّها، متظاهرة بفاخر حليها. قد ألقحتها الأنهار فأثقلتها بحملها، ولا عبتها الصّبا، فتلقّت كلّ واحدة بمثلها «5» . فسرنا منها بين جنّات كظهور البزاة، وجداول كبطون الحيّات. قد هزّ الشوق أطيارها فصدحت، وحرّك النسيم رباها فنفحت، وحنّت علينا «6» أفنانها حنوّ الوالدات على الفطيم، وحجبت عن معارضتنا الشمس «7» وأذنت للنسيم، فإذا أصابت شمسها فرجة، لاحظتنا ملاحظة الحياء، وألقت على «8» فضّة الماء شعاعها، فصحّحت صناعة الكيمياء. ثم أفضينا إلى فضاء قد أثرى من الرّوض(16/127)
ثراه، وغني عن منّة السّحاب ذراه، قد تشابه فيه (82) الشّقيقان خدّا وزهرا، واقترن الباسمان «1» أقاحا وثغرا، وتغاير أخضراه آسا وعذارا، وأصفراه عاشقا وبهارا، فأيّ همّ لا تطرده أنهاره المطّردة، وفرح لا تجلبه أطيارها المغرّدة. ولمّا وصلنا إلى محلّها الذي هو مجتمع الأهواء، ومقرّ السّرّاء، ومقنص «2» الظّباء، واستوطنّا وطنها الذي هو للظامي نهله، وللمستوفر عقله. [الطويل]
أجدّ لنا طيب المكان وحسنه ... منى فتمنّينا فكنت الأمانيا
وهذا مع إكثاره لا يبلغ اليسير من نعتها، وما يري آية من الحسن إلا هي أكبر من أختها.
ومن شعره قوله: [الكامل]
هذا فؤادي في يديك تذيبه ... غادرته عرض الهموم تصيبه
ما كان يبلغ من أذاه عدوّه ... ما قد بلغت به وأنت حبيبه
تهدي الشّفاء له وأنت نعيمه ... وتزيده مرضا وأنت طبيبه
وسرى النّسيم فهزّ عطف غرامه ... إذ كان من جهة الحبيب هبوبه
ومنه قوله: «3» [المنسرح]
حياة وجدي ماء بوجنته ... ما كدّرت صفوه يد الكدر «4»
إن يطل الفكر في توردّها ... فذاك والله موضع النّظر(16/128)
ومنه قوله: «1» [الطويل]
دعاه يشم برقا على الغور لائحا ... يضيء كما هزّ الكماة الصّفائحا
ولا تمنعاه أن يمرّ مسلّما ... على معهد قضّى به من العيش صالحا
فماذا عليه أن يطارح شجوه ... حمائم فوق الأيكتين صوادحا «2»
بعيشكما هل في النّسيم سلافة ... فقد راح منها القلب ريّان طافحا «3»
وهل شافهت في مرّها روضة الحمى ... فإنّا نرى من طيّها النّشر فائحا «4»
وقوفا فهذا السّفح أسقي ربوعه ... دموعا كما شاء الغرام سوافحا «5»
منازل كانت للشّموس مطالعا ... وللغيد من أدم الظّباء مسارحا
(83) ومنه قوله: [الطويل]
وإن سفحت عيناي دمعي أحمرا ... فلا عجب سيل العقيق من السّفح
أيجعله الواشي على الوجد شاهدا ... وحمرته في الجفن تشهد بالجرح
ومنه قوله: [الكامل]
يا مانحي طول السّقام ومانعي ... بجفاه ورد رضابه المعسول
ما صار وجهك للمحاسن جامعا ... إلّا وثغرك قبلة التّقبيل
وحكى الإمام الفاضل أبو العباس، ابن العطار، أن ابن زيلاق أهدى إلى بدر الدين لؤلؤ، صاحب الموصل، جملا، وكتب معه إليه يداعبه: [مجزوء الرجز](16/129)
يا أيّها الملك الذي ... ببابه كلّ أمل
لو لم تكن بدرا لما ... أهدى لك الثور الجمل
ومنهم:
25- أبو بكر بن عدي بن الهيذام الموصلي
قوّس بالمعاني حتّى تهوّس، وتعالى في تشييد المباني حتى تنكّس. عرض له وسواس اختل به نظام عقله، ونقص تمام فضله، وكان لا يخلو في جنونه من طرف أفرح من البساتين، وألطف ما يحكى عن عقلاء المجانين. ثم زاد يبس مزاجه، ويئس من علاجه، فأتى جبلا ألقى نفسه من شاهقه فهلك، وحلّ رمسه لا ينتفع بما ملك، وقد أنشد له ابن سعيد قوله: [الخفيف]
أنا صبّ وماء عيني صبّ ... وأسير من الضّنى في قيود
وشهودي على الهوى أدمع العي ... ن ولكنّني قذفت شهودي
ومن شعره قوله: [مجزوء الكامل]
أفدي الذي ناديته ... وركابه بيد النّوى
مولاي حبّك نيّتي ... ولكلّ عبد ما نوى
ومنهم:
26- أحمد بن محمّد بن الوفا، ابن الحلاوي، الربعيّ الموصليّ «13»
شرف الدّين، أبو الطّيّب، ذو الصّناعة التي لها لذاذة في الذوق، وحلاوة (84) في مرارة الشّوق. لم ترم بضاعته بالكساد، ولا صناعته بالفساد. على(16/130)
أنّها صناعة حلاوي ما عرفتها العرب، ولا ألفتها في مأدبات الأدب، ولا ألّفتها الألباب من لباب البرّ والضّرب، ولا جادت بتقريبها ذات جفون ولا جفان، ولا جاءت بضرب من ضربها شفة ولا لسان. ولا تطاول إلى منّها الحلاويّ حلاويّ الأري والشّراب، ولا ندّ مثل عبقها في نادي الأعراب. ولا ذاقت العين شبيه طعم حلاوتها في صحون خدود الكواعب الأتراب، ولا تجاسر النخل أن يساقط رطبه الجنيّ لمقابلتها، ولا النّحل أن يعرض شهده الشّهيّ لمشاكلتها، ولا مكرر السكران يبرز من غلفه الملبسة لمماثلتها. ومن معموله الغالي، وقوله العالي، ما أنشده له ابن سعيد: «1» [الطويل]
كتبت فلولا أنّ هذا محلّل ... وهذا حرام، قست لفظك بالسّحر «2»
فو الله ما أدري أزهر خميلة ... بطرسك أم درّ يلوح على نحر
فإن كان زهرا فهو صنع سحابة ... وإن كان درّا فهو من لجّة البحر
وكان له فرس أصابه داء الحمر لزيادة علفه، فأمر غلامه أن يسيّره ليخفّ ثقله، فأهمل الغلام ما أمره به، فتشبّك صدره، فلام الغلام، فادّعى أنّه سيّره، فقال: «3» [مجزوء الرجز]
ابن الحلاويّ أنا ... دع قولك المعلّكا
لو أنّه مسيّر ... لما غدا مشبّكا
ومما اخترته من شعره قوله، مما كتب به إلى بدر الدّين لؤلؤ، صاحب الموصل، ليلة نصف شعبان: [الطويل](16/131)
أتى للهنا ابن الحلاويّ مادحا ... بنادر شعر فيكم محكم الرّصف
يهنّيك بالنّصف الذي أنت بدره ... وقد حاز في أشعاره غاية اللّطف
ففي النّصف أبهى ما يرى البدر طالعا ... وأحسن معمول الحلاويّ في النّصف
(85) ومنه قوله يخاطب شخصا اسمه الركن: [الوافر]
على دار السّلام وأنت فيها ... لأجلك دائما مني السّلام
بقربك لذّ لي فيها مقامي ... ولولا الرّكن ما طاب المقام
ومنه قوله في مليح قصّر شعره: [الكامل]
قصّرت شعرك كي تقلّ ملاحة ... فكساك أبهى الحسن وهو مقصّر
وقطعته ليقلّ عنّا شرّه ... والإثم أقتله القصير الأبتر
ومنه قوله: «1» [الطويل]
يهدّد منه الطّرف من ليس خصمه ... ويسكر منه الرّيق من لا يذوقه
حكى وجهه بدر السّماء فلو بدا ... مع البدر قال النّاس هذا شقيقه
ومنه قوله: [الكامل]
أطلقت أدمع عينه يوم النّوى ... وفؤاده أحكمت شدّ وثاقه
أسهرته وأسلت مقلته دما ... أترى ذبحت النّوم في آماقه
ومنه قوله: «2» [الكامل]
أحيا بموعده قتيل وعيده ... رشأ يشوب وصاله بصدوده
لم أنسه إذ جاء يسحب برده ... والليل يخطر في فضول بروده(16/132)
والصّبح مأسور، أجدّ لأسره ... جنح الظّلام تأسّفا لفقيده
فالليل يرفل في ثياب حداده ... والصّبح يرسف في وثاق حديده «1»
ولذاك لم تنم النّجوم مخافة ... من أن يفادي الصّبح فكّ قيوده «2»
ما زال يرشفنا شقيقة ريقه ... طيبا، ويلثمنا شقيق خدوده
حتى تحكّم في النّجوم نعاسها ... والتذّ كلّ مسهّد بهجوده
ومنه قوله: «3» [الطويل]
يقولون يحكي البدر في الحسن وجهه ... وبدر الدّجى عن ذلك الحسن منحطّ
كما شبّهوا غصن النّقا بقوامه ... لقد بالغوا في المدح للغصن واشتطّوا «4»
(86) ومنه قوله، وقد عرّف النور السهرزوري بينه وبين بدر الدين لؤلؤ في أيّام العشر: [الطويل]
وعشر رأيت البدر فيه مجالسي ... وأعجب شيء رؤية البدر في العشر
هداني إليه النّور حتى أتيته ... ولا عجب إن دلّ نور على بدر
ومنه قوله، مما كتب إلى الصّاحب بهاء الدّين زهير: [البسيط]
تجيزها وتجيز المادحين بها ... فقل لنا أزهير أنت أم هرم
ومنه أخذ الصاحب جمال الدين بن مطروح فقال: [الوافر]
أقول وقد توالى منك برّ ... وأهلا ما برحت لكلّ خير(16/133)
ألا لا تذكروا هرما بجود ... فما هرم بأكرم من زهير
ثم رجع إلى تتمّة ما اخترنا لابن الحلاوي. ومنه قوله وقد خلع عليه خلعة صفراء فكرهها، وبوجه الوجل شبّهها: [الكامل]
فعلام ألبس من فواضل جودكم ... ما لا يليق بهمّتي وفخاري
صفراء أنبأ لونها لما أتت ... بقصور حجّتها عن الإعذار
ومنه قوله في الشّبّابة، وأجاد في التضمين، ووفّى من الإجادة بما هو به ضمين: «1» [الطويل]
وناطقة خرساء باد شحوبها ... تلقّفها عشر وعنهنّ تخبر «2»
يلذّ على الأسماع رجع حديثها ... إذا سدّ منها منخر جاش منخر «3»
ولم أر مثلي شاقه صوت مثلها ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
ومنه قوله مما كتب به إلى بعض أصدقائه يستعين به في عاريّة صوان له من شخص كان يصحبه من الأمراء: [الطويل]
أريد من المولى الأمير الذي سرت ... مواهبه بين الورى سير عدله
أخا سفر ما حلّت الشّمس وجهه ... من الأرض إلّا صدّها قدر شكله
فكن مسعدي فيما طلبت فمقصدي ... بأنّي لا أنفكّ من تحت ظلّه(16/134)
(87) ومنهم:
27- مجد الدّين بن الظّهير «13»
هو أبو عبد الله، محمّد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر، الإربليّ، الحنفيّ. إمام الأدب إذا أتى كلّ أحد بإمامه، وملك البيان الآخذ بزمامه، وبدر السّماء الذي لا يغتاله النّقص عند تمامه، وبحر العلم الذي يسير في الآفاق بغوث غمامه، ويسري في الخواطر التي لا تسري خطراتها إلّا بزمامه. ولد بإربل وأخذ عن أدبائها. وأقام بعانة محمّلا لصهبائها. ثمّ أتى دمشق واستوطنها، واستوطى وطنها، وكان حرزا للبّتها، وكنزا لطلبتها. ودرّس بالقيمازيّة مدّة سنين، تنشر به الفتاوى عذبها، وتحيي موات الأموات أدبها.
ذكره ابن اليونيني رحمه الله، وقال: «وكان وافر الدّيانة، دمث الأخلاق، حلو النادرة، كثير الصّدقة، صحبته في طريق الحجاز الشّريف سنة ثلاث وسبعين وستمائة، ورأيت من جميل أوصافه ما يجتمع في غيره» .
قلت: وهو شيخ شيخنا شهاب الدّين أبي الثناء محمود، وعنه أخذ، ومنه فلذ. وأنشد مما أنشده قوله: «1» [الكامل]
صبرا كمال الدين يا من حلمه ... أرسى من الطّود المنيف وأرسخ
غشّى السّرار أخاك قبل تمامه ... ضنّا بمجدك أن يكون له أخ
وقوله: «2»(16/135)
طاف بدر الدّجى بشمس النّهار ... في رياض أنيقة النّوّار «1»
وأتانا بها يقدّ أديم ال ... ليل منها صوارم الأنوار
جاء يسعى بها إلينا وقد خا ... طت يد اللّيل أعين السّمّار «2»
وكأنّ النّجوم نور رياض ... وكأنّ المرّيخ شعلة نار
وقوله: «3» [الكامل]
ما شانه الألم الملمّ ولم يزل ... لأليم أدواء القلوب طبيبا
فالرّيح تزداد اعتلالا كلّما ... هبّت ولا تزداد إلّا طيبا
وقوله: «4» [الخفيف]
أكثر اللّوم في الحبيب أناس ... عيّروني ببذله بعد منع
قلت شمس الضحى أشدّ ابتذالا ... وهي محبوبة إلى كلّ طبع
وقوله، مما كتبت إليه من العلا سنة حجّه: «5» [الطويل]
بلغنا العلى والشوق يحدو ركابنا ... وذكركم زاد لنا وسمير
لعلّ النّوى ينجاب عنّا ظلامها ... فتدنو ويبدو للعيون سنير «6»
وتروى أحاديث الغرام صحيحة ... وتروى بكم بعد الغليل صدور
وتحدث في اللّقيا أمور عجيبة ... وتحدث من بعد الأمور أمور(16/136)
وقوله: «1» [الطويل]
أما والمطايا في الأزمّة تمرح ... وقد شفّها طول السّرى فهي طلّح
يتمّم من أرض الحجاز منازلا ... لها دونها مسرى فسيح ومسرح
قسيّ عليها كالسّهام سواهم ... كرام كما أمسوا على النّوق أصبحوا «2»
يميل بهم سكر السّهاد كأنّما ... على كلّ كور غصن بان مرنّح
ومنه قوله: «3» [الكامل]
نم لا جناح عليك في سهري وما ... ألقاه في ليلي الطويل وجنحه
طرفي وقلبي، ذا يفيض دما، وذا ... دون الورى أنت العليم بقرحه «4»
وهما بحبّك شاهدان وإنما ... تعديل كلّ منهما في جرحه «5»
والقلب منزلك القديم فإن تجد ... فيه سواك من الأنام فنحّه
وقوله: «6» [الطويل]
وإن لم أكن يا أهل ودّي مكاتبا ... فما أنا من أسر الصّبابة معتق
وقوله: «7» [الكامل]
طلق المحيّا والوجوه عوابس ... صفو الموارد والزّمان مكدّر
ما كان فعلك في النّدى متعدّيا ... إلّا وأنت لكلّ خير مصدر(16/137)
وقوله: «1» [الطويل]
أحبابنا والدار منكم قريبة ... هل الوصل يوما إن دعوت مجيب
وهل عندكم حفظ لعهد متيّم ... حليفاه منكم لوعة ونحيب
(89) يحنّ إليكم والخطوب تنوشه ... ويشتاقكم والنّائبات تنوب
له أنّة لا يملك الحلم ردّها ... إذا هبّ من ذاك الجناب جنوب
وقوله مما أنشده ابن اليونيني له: «2» [الخفيف]
قد دفعنا إلى زمان لئيم ... لم ننل منه غير غلّ الصّدور
ورثاه تلميذه شيخنا شهاب الدين أبو الثنا محمود الكاتب بقصيدة منها: «3» [الطويل]
ألا في سبيل الله من ضيم بعده ... حمى المجد حتى لان للجهل جانبه
وفي ذمّة الرّضوان بحر ندى غدت ... مشرّعة للواردين مشاربه
ولله من فاق المجازين سعيه ... ومن أدرك المجد المؤثّل طالبه
بكته معاليه ولم ير قبله ... كريم مضى والمكرمات نوادبه
ولا غرو أن تبكي المعالي بشجوها ... على المجد إذ أودى وهنّ صواحبه
أما والذي أرسى كثيرا وحلمه ... لقد طاش حلمي يوم زمّت ركائبه
وقد كدت أن أقضي غراما كما قضى ... فؤادي الذي قد أدرك الفرض واجبه(16/138)
ومنهم:
28- الجلال ابن الصفّار الدنيسري «13»
كتب الإنشاء بماردين، وخدم ملوكها عدد سنين. وكان صاحب قلم أبقي البيان في روعه، وأبقى الإحسان في نوعه. لكنّه ممّن رجحت كفّة شعره في الوزن، وصلحت نفائس درّه للخزن. ولما ماج طوفان التتار بديار بكر، غرق في سيلهم العرم، وتقطّع بسيف موجهم المزدحم. واستتر فما نفعه الاستتار، وحذر وأبى الله إلّا أن يقتل بسيوف التّتار. وأنشد له ابن سعيد: «1» [الكامل]
تعلّقته أمّيّ حسن فما له ... أتى بكتاب ضمنه سورة النّمل «2»
ومالي أنا المجنون فيه وشعره ... إذا مرّ بالكثبان خطّ على الرّمل
وأنشد له: «3» [الكامل]
فمتى تقوم قيامتي بوصاله ... ويضمّ شملينا معاد شامل
وأكون من أهل الخطايا؛ خدّه ... ناري، وصدغاه عليّ سلاسل
(90) وحكى لي بعض أصدقائه: استدعاه إلى مجلس شراب، ومكنس غزلان وأتراب، على أنّه يأتيه صبيحة عنده، ليقضوا يومهما في لذّة العيش ورغده، وقدّم إليه الوعد من العشاء، والليل تزهر نجومه، ويصابر السّهر نومه.
فلما نصّف الليل، جاءت السّحب ترقص في أعنّتها، وأصليت سيوف البروق للنجوم وأسنّتها. فأصبحت الأرض قارورة، وقطعت عن الجماعة في الفرض(16/139)
الضّرورة، وخاف عتب صديقه، فكتب إليه، والحال يشهد بتصديقه: [الخفيف]
حال بيني وبينك حالا ... ن وحول وقرب عهد عهاد
وكأنّ الطريق ليل محبّ ... وكأنّ السّماء كفّ جواد
ومن شعره قوله: «1» [المتقارب]
هل اختط فانآد غصنا وريقا ... غرير حكى الكأس ثغرا وريقا
أم الصّدغ لما صفا خدّه ... تمثّل فيه خيالا دقيقا
حججت إلى كعبة الحسن منه ... ووجّهت وجهي إليه مشوقا «2»
وقبّلته فوردت العذيب ... وحزت الثّنايا وجئت العقيقا
ومنه قوله: [المنسرح]
حلا بأفواهنا مقبّله ... وإنّما في عيوننا ملحا
يدير من خدّه ومن يده ... وفيه، من كلّ واحد قدحا
ومنه قوله في فحم يوقد: [الطويل]
تذكّرت أيّام الشّباب الذي مضى ... تمنّيته لّما ترنّح أغصنا
فأزهر منه الآبنوس بنفسجا ... وأثمر عنّابا وأورق سوسنا
ومنه قوله: [السريع]
ويوم قرّ ندّ أنفاسه ... تمزّق الأوجه من قرصها
يوم تودّ الشّمس من برده ... لو جرّت النّار إلى قرصها(16/140)
ومنه قوله: [المتقارب]
ويوم حواشيه مضمومة ... علينا تحاذر أن تفرجا
(91) قبصت والتفتّ أريد ... أختها فاحتمت بالدّجى «1»
وقوله: [البسيط]
حتى إذا اخضرّ من ماء الشّباب عذا ... راه كما احمرّ خدّاه من الخجل
خافت زمرّد عينيه ذؤابته ... فاستخبأت خلفه فهي ابنة الجبل
وحكي عنه أنّه حضر مجلسا، وقد طلعت في أفقه شهب الأقداح، وكتم الزهر شذاه ففاح. والجوّ قد لبس ثوب السّحاب المصندل، وشبّ على حور الرّوق المندل، ومال يتناثر من القطر عنقوده المهدّل، ومن دونه الرّباب، مسحّف «2» به ذيل السّحاب، كسرب قطا تعلّق بالأحبل، أو قطيع نعام تعلّق بالأرجل، فقال: [البسيط]
كنّا نبيت نشاوى من مدام هوى ... عذراء لم نفترع كأسا ولا جاما
ونجتني الورد حتى لان مسمعه ... للنّاس فازددت من واشيه نمّاما
أما ترى الروض نسّاجا ملاءته ... على الثّرى وغمام المزن رقّاما
إذا تناثر سلك الطّلّ كان له ... في مثله من أصول الدّوح نظّاما
جمر ألمّت بخمريّ البنفسج في ... أسيّه يد سار هبّ نسّاما
ففتّقته جيوبا حين صار له ... نشر اللّطائم لّما انشقّ أكماما
وقوله: [البسيط]
ألمّ طيفكم وهنا فحيّاني ... وظنّ أنّ الكرى من بعض سلواني(16/141)
ولم أنم غير أني متّ من كلفي ... بكم فلما ألمّ الطّيف أحياني
وقوله: [الكامل]
لا تخش من عين الكمال فما انتهت ... بك غاية إلّا وأنت الأفضل
وإذا بلغت فلا تزال زيادة ... لك في العلى فمتى تتمّ وتكمل
وأنشد له ابن سعيد: [الطويل]
وو الله ما أخّرت عنك مدائحي ... لأمر سوى أنّي عجزت عن الشّكر
(92) وقد رضت فكري مرّة بعد مرّة ... فما ساغ أن أهدى إلى مثلكم شعري
فإن لم يكن درّا فتلك نقيصة ... وإن كان درّا كيف يهدى إلى البحر
ومن شعره قوله: [البسيط]
أحبابنا هل لأوقات لنا سلفت ... بقربكم، والتئام الشّمل عودات
بنتم فلا البان ميّاس يرنّحه ... مرّ النّسيم ولا الرّوضات روضات
وربّ دير طرقنا بابه سحرا ... وللنّواقيس في أعلاه أصوات
فقال راهبه من ذا؟ فقلت له: ... قوم إليك لهم في الدّير حاجات
فقام يسعى إلى إكرامنا عجلا ... وقال: بشرى لكم عندي المسرّات
فاشرب على وجه من تهوى مشعشعة ... بنورها تهتدي الزّهر المنيرات
كأنّها الشّمس نورا والمدير لها ... بدر الدّجنة والأقداح هالات
ومنه قوله: [البسيط]
لم يبق منّي الضّنى رسما ولا طللا ... سوى رسوم بقت من جسمي البالي
فخلّني أجر رسم الرّسم سحب دم ... فالدّمع دمعي والأطلال أطلالي
ومنه قوله: [الخفيف](16/142)
حزني من أقاح مبسمه العذ ... ب وويلي من طرفه النّرجسي
أسرتني طليعة بلواء ... أخضر، من عذاره الخارجي
ومنه قوله: [الكامل]
ما إن عليهم في الهوى درك ... حقنوا دم العشّاق أم سفكوا
وصلوا كلمعة بارق خطفت ... وجفوا فما أبقوا ولا تركوا
قال الوشاة سلا، وأدمعه ... يشهدن أن وشاته أفكوا «1»
ما ضرّه والعذر مجتنب ... لو أنّه بالعهد يمتسك
يجلو عروسا كلّما دمع الر ... راووق أبدى ثغرها الضّحك
كانت من الأقداح طائرة ... لولا بها من لؤلؤ سبك
(93) ومنه قوله: [الكامل]
ومهفهف لدن المعاطف جسمه ... ماء ولكن قلبه جلمود
عبث الهواء بعطفه وهو الصّبا ... فأماله المقصور والممدود
في قدّه والرّدف منه تنازع ال ... حقف المهيل وناضر أملود
حتى إذا ما طال ذلك منهما ... قطع التنازع بنده المعقود
ومنه قوله: [الكامل]
لي من محيّاه البهيّ ومن ... أجفان عيني الرّوض والمطر
من ريق مبسمه وشاربه ... ماء الحياة العذب والخصر(16/143)
ومنهم:
29- يوسف بن بركة بن سالم الشيبانيّ، التلعفريّ «13»
شهاب الدين أبو المحاسن. وأبوه يعرف بابن عرّاج. رجل خضعت له رقاب المعاني، وطمعت أنها لشهب السّماء تداني، بهمّة بلّغتها ما أرادت، وسوّغتها المنى وزادت. وكان لا يرتفع عليه رأس أديب، ولا يمتنع عليه لمن شمخ منهم أنفه تأديب. وتصالت معه تصالي الكواكب في مطلع الفجر، وتخاضعت له تخاضع العشاق في الهجر. ومدح ملوك بني أيّوب، ومتح ماءهم الشّروب، ومنح منهم ثقل الأردان والجيوب، وصحبه الأشرف، ووهبه فأسرف، وكان بآل بيت النبوّة كلفا متواليا، وشغفا مغاليا. لا يرى إلّا آل أحمد شيعة لإسعاده، وذريعة في معاده، وأنشد له ابن سعيد قوله: «1» [الكامل]
وإذا الثّنيّة أشرقت وشممت من ... أرجائها أرجا كنشر عبير
سل هضبها المنصوب أين حديثها ال ... مرفوع عن ذيل الصّبا المجرور «2»
ومن شعره قوله: «3» [الكامل]
ربع علقت به وربع شبيبتي ... نضر وفودي ليله لم يقمر «4»
لله عصر شبيبة قضّيته ... في جوّه برحيق صرف مسكر
(94) مع كلّ معتدل يرنّح صعدة ... من قدّه ويدير مقلة جؤذر(16/144)
ورشيقة ممشوقة لو تقيت ... بالبدر ليلة تمّه لم يسفر
وقوله مهنّئا بعيد نحر: «1» [الطويل]
ولا تنحر الأعداء فيه مضحّيا ... ففيهم عيوب لا يتمّ بها النّحر
وبهذا ذكرت بيتين كنت كتبتهما جوابا للفاضل إلى الصفا الصفدي. فأما ما كتب به إليّ فهو مع غنم أهداها إليّ في الأضحى، وهو: [الطويل]
أتتني ضحاياك التي قد بعثتها ... لتصبح كالأعداء في بكرة الأضحى
وحسبك أعدانا كلاب جميعهم ... وحاشاك لا تجزي الكلاب لمن ضحّى
وأما ما كتبت به إليه وهو المراد هنا فهو: [الطويل]
أيا من أرجّي فيه أنّ عداته ... تبيت كما تمسي ضحاياه أو تضحي
وحقّك ما أهدي إليك أضاحيا ... ولكنّني قدّمت أعداك للذّبح
عدنا إليه. ومن شعره قوله: «2» [الوافر]
تمتّع من سهاد أو رقاد ... ولا تأمل كرى تحت الرّجام
فإنّ لثالث الحالين معنى ... سوى حال انتباهك والمنام
وهذه حكمة ما فاز بطاوتها سبق اليونان، ولا عرفتها الهند ولا آباؤها إلى كنعان.
عدنا إلى قوله. ومنه «3» [البسيط]
عج حين تسمع أصوات النواقيس ... من جانب الدّير تحت الليل بالعيس(16/145)
مستخبرا عن كميت اللّون صافية ... قد عتّقتها أناس في النّواويس
يسعى بها من نصارى الدّير بدر دجى ... يميس في فتية مثل الطّواويس
فاصرف بدينارها صرف الزّمان إذا ... ونادم الشّمس من نحل الشماميس «1»
وقوله: «2» [السريع]
أصبح قارون ولكنّه ... ما عنده يوما لراجيه خير
والله ما يملك من جبّة ... إلّا وقد نيك بها ألف أير
وقوله: «3» [الكامل]
أرأيت غيرك يا حياة الأنفس ... من يحرس الورد الجنيّ بنرجس
يا من يدير بوجنتيه ومقلتي ... هـ وراحتيه لنا ثلاثة أكؤس
آنست إذ أخذ الكرى من مقلتي ... ي زمام هاتيك الجفون النّعّس «4»
ما كنت أطمع قبلها في مثلها ... لكنّني من بعدها لم أيأس «5»
وقوله: «6» [البسيط]
إذا سئلت عن الدنيا وساكنها ... فقل دمشق وموسى الأشرف الملك
المستنير سنا والليل معتكر ... والمستشيط سطا والخيل تعترك(16/146)
ملك تبرّ يمين المقسمين إذا ... قالوا بغير ارتياب إنّه ملك
تناقضت حالتاه فهو يوم وغى ... غرّ وفي الآراء محتنك
وقوله: «1» [الكامل]
ذرني وعزمي والسّرى والعيس وال ... قفر الذي لا يهتدى لسبيله
في كلّ مشتبه الجوانب تربه ال ... مغبرّ يخفق منه قلب دليله
وقوله: «2» [البسيط]
أفدي الذي زارني في الليل مستترا ... أحلى من الأمن عند الخائف الدّهش
ولاحت الشّمس تحكي عند مطلعها ... مرآة تبر بدت في كفّ مرتعش
وقوله: «3» [الوافر]
إذا أمسى فراشي من تراب ... وبتّ مجاور الملك الرّحيم
فهنّوني أخلّائي وقولوا ... لك البشرى قدمت على كريم
وقوله: وقد رأى الفلوس الأسديّة أيام الظاهر بيبرس: «4» [السريع]
يقولون في أرض مصر الغنى ... وليس لأقوالهم مستند
وكيف يرجّى بها معدم ... غنى وعلى كلّ فلس أسد
وقوله: «5» [الكامل](16/147)
القلب دلّ عليك أنك في الدّجى ... قمر السّماء لأنه لك منزل
(96) هب أنّ خدّك قد أصيب بعارض ... ما بال صدغك راح وهو مسلسل
وقوله: «1» [البسيط]
من ضلّ في شعره يهدى بمبسمه ... وثغره البارق السّاري به ساري
رفعت عن أدمعي الشّكوى فوقّع لي ... لا ينقطع رسم هذا المدمع الجاري
وقوله: «2» [الكامل]
من لي بطيف منكم إن أغمضت ... عيني يعين على الأسى ويريح
هذي الجفون، وإنّما أين الكرى ... منها؟! وهذا الجسم أين الرّوح؟!
وقوله: «3» [الطويل]
تحيّرت لما قال نشوان عطفه ... فقلت وقد أزرى بما يثبت الخطّ
أمن لحظه أم لفظه أم رضابه ... يميل ألا إنّ الثلاثة أسفط «4»
وقوله: «5» [الكامل]
بعثت إليّ ودوننا رمل اللّوى ... طيفا على قتل النّفوس محرّضا «6»
فمددت بين يديه خدّا مذهبا ... أجرى البكاء دما عليه مفضّضا
من لي بمرسلة الخيال وقد جلا ... بالوصل، ليل السّخط لألاء الرّضا(16/148)
لأعيد رمّان النهود مكسّرا ... منها وتفاح الخدود معضّضا
في قوله معضّضا استخدام، ما لكلّ فكرة عليه إقدام، هو في كلّ معنى كأنما وضع بإزائه، وصنع لتمام أجزائه، والبيت الآخر تضمين من شعر السّريّ الرّفّاء، وقد جاء به طبعه العفو، لا يبين لصنعة الرّفاء فيه الرّفو.
وقوله:»
[الخفيف]
من بني التّرك كلّما جذب القو ... س رأينا في وسطه بدر هالة «2»
يقع الوهم حين يرمي فماتد ... ري يداه أم عينه النبّالة «3»
قلت لما لوى ديون وصالي ... وهو مثر وقادر لا محالة
بيننا الشرع قال: سربي فعندي ... من صفاتي لكلّ دعوى دلالة
(97) وشهودي من خال خدّي ومن ... قدّي شهود معروفة بالعدالة «4»
أنا وكّلت مقلتي في دم الخل ... ق، فقالت: قبلت هذي الوكالة
ومنه قوله: «5» [الخفيف]
يا شيب كيف وما انقضى زمن الصّبا ... عجّلت منّي اللّمّة السوداء
لو أنّها يوم الحساب صحيفتي ... ما سرّ قلبي كونها بيضاء
ومنه قوله: «6» [الكامل](16/149)
بشقيق وجنتك الجنيّ وآسها ... عالج لواعج عاشقيك وآسها
واسمح بإرسال الرّقاد لمقلة ... أهدت إلى جفنيك كلّ نعاسها «1»
ومنه قوله: «2» [الكامل]
قف سائلا بلوى الكثيب الأيمن ... دارا عفت فكأنّها لم تسكن
وحذار من حدق الظّباء فلم يزل ... جمر المنايا في سواد الأعين «3»
رحلوا بواضحة الجبين إذا بدت ... فلمجتل وإذا انثنت فلمجتن «4»
يا ظبية عشّاقها في حبّها ... لا يظفرون بغير حظّ الألسن «5»
ليس الغرام كما عهدت وإنّه ... باق وأمّا الصّبر عنك فقد فني «6»
أرجو خيالك والرّقاد مشرّد ... عنّي لقد أمّلت ما لم يمكن
ومنه قوله: «7» [الطويل]
أمتلف عيني بالدّموع وبالبكا ... ومهجة قلبي بالأسى المتوقّد
تعذّب قلبي. قلت: طرفي مشرك، ... فما العذر في تعذيب قلبي الموحّد
ومنه قوله: «8» [الخفيف](16/150)
أيّ سهم من مقلة نجلاء ... أثبتته اللّحاظ في أحشائي «1»
وخدود لو لم تنقّط بخال ... قلت: كالجلّنارة الحمراء
ومنه قوله: «2» [الرمل]
يا خليلي خلّ دارا أقفرت ... ومحلا غاب عنه السّكّن
ودماء سفكتهنّ الدّمى ... ما سلاح العين إلا الأعين
(98) ومنه قوله: «3» [الخفيف]
لا تغر بالغوير إذ تتثنّى ... فيه أعطاف كلّ غصن وريق «4»
واثن محمرّ خدّيك واستر ... هـ وإلّا ينشقّ قلب الشّقيق
ومنه قوله: «5» [الخفيف]
لو رعيتم للعاشقين ذماما ... لبعثتم قبل الخيال المناما
كان ظنّي أنّ الحمائم تشفي ... فسقاني نوح الحمام الحماما
لا وأيام قربكم ما نهاني ... عنكم عاذل يطيل الملاما
كلّما قال: دعهم. قلت دعني ... لا شفى الله فيهم لي سقاما
ومنه قوله: «6» [الوافر]
لواحظك التي تصمي الرّمايا ... سهاما حاجبيك لها حنايا «7»(16/151)
ملكت بعدل قدّك كلّ رق ... وذاك العدل جور في الرعايا «1»
ومنه قوله: «2» [الكامل]
مذ شام سيف لحاظه مسلولا ... لا يلتقي إلّا دما مطلولا «3»
فإذا عطا، قل: كيف فارق سربه ... وإذا سطا، قل: كيف أخلى الغيلا «4»
ومنه قوله: «5» [الكامل]
حدّثه عن نجد فذاك يعينه ... واسأله فيه هل تجفّ جفونه «6»
واستمل ما تمليه نفحة روضه ... سحرا، وترفعه، إليك غصونه «7»
ومنه قوله: «8» [الكامل]
أألومكم في هجركم وصدودكم ... ما هذه في الهجر منكم أوّلة «9»
قسما بكم قد حرت مما أشتكي ... حتى الدّجى وعدمته ما أطولة «10»
يا سائلي عن شرح حالي في الهوى ... تركي الجواب جواب هذي المسألة «11»
يا راحلين وفي أكلّة عيسهم ... رشأ، عليه، حشا المحبّ مقلقلة(16/152)
أسرت له العشاق نضرة وجنة ... بسوى اللواحظ لا تبيت مقبّلة»
لو لم يصب صدغيه عارض خدّه ... ما أصبحت في سالفيه مسلسلة «2»
(99) وهذه القطعة من قصيدة أوّلها:
هذا العذول عليكم مالي وله؟ ... أنا قد رضيت بذا الغرام وذا الوله
وكلّها جيّدة وهذا مختارها، وكلّها جنان وهذه ثمارها. وأتى فيها بأبيات أكثر فيها من التورية بأسماء الكتب وهو مالا أستحسنه. ولا يعدّ مع المحسنين وإن أجاد محسنه.
ورأيت بخطّ الفاضل كمال الدّين أبي العبّاس أحمد بن العطّار الشيباني الكاتب، رحمه الله، ما صورته: «ذكر أنّ أبا الشيص كان لو قيل له: ابن من أنت؟ لقال: وقف الهوى بي حيث أنت ... البيت. ولو قيل لشهاب الدين التلعفري: ابن من أنت؟ لقال: هذا العذول عليكم ما لي وله ... ثم قال:
وهي قصيدة مشهورة سيّارة محفوظة، دائرة على ألسنة العالم. وعارضها جماعة من معاصريه، فلم يتّفق لهم ما اتّفق له من الجودة والسيرورة.
عدنا إلى تتمّة شعره. ومنه قوله «3» [الكامل]
مهما الجفون كذا محاربة الكرى ... ما لي انتفاع بالخيال إذا سرى «4»
كم ذا التباله في الهوى عن حالتي ... دمعي يسيل وأنت تسأل ما جرى!
وحياة حبّك إنّ قول عواذلي ... لك: إنني سال، حديث مفترى(16/153)
ما كنت قبل لحاظ طرفك مثبتا ... أنّ الظباء تصيد آساد الشّرى «1»
وقوله: «2» [الكامل]
أأفوز من أسر الهوى بخلاص ... كيف المناص ولات حين مناص
لي ظاعن كم دون يوم لقائه ... من فتّ أكباد وشيب نواصي
دمعي وصبري فيه، هذا طائع ... لي حين أدعوه وهذا عاصي
جرحت لواحظه فؤادي فاغتدى ... بلواحظي من وجنتيه قصاصي
ما كان يهجرني ويسرف لو رأى ... ما في الفؤاد له من الإخلاص
كم ذا التّجنّي والجفا يا درّة ال ... غوّاص أو يا ظبية القنّاص «3»
(100) ومنهم:
30- نجم الدين القمراوي «13»
ليث فصاحة لا يساور، وغيث سماحة لا يسارر. وجدول بيان لا تغمد قضبه، ومهمه فكر لا تتطامن هضبه، وحديقة حدق لا تشبع منه نظراتها، ومهبّ صبا لا تميل به خطراتها. وكان لا يسأم معه طول السّمر، ولا تجالس مذكراته في كلّ ناحية من وجهها قمر، بلطائف يماثل العقود فريدها، وأحاديث يودّ إذا ما انقضت أحدوثة لو يعيدها. لكنّه عصفت به ريح التتار، وشقّت طوده فما استقلّ ولا سار. وأنشد له ابن سعيد:(16/154)
ويا ليل الذّؤابة ما كفاني ... تطاول حالك الليل البهيم
وحاكمت النسيم على مرور ... بعطفيه فمال مع النّسيم
ومنه قوله وهو مما يعدّ في حسن التخلّص في ممدوح اسمه علي: [الكامل]
عجبا له ثنّى على مجروحه ... وقد انتضى باللّحظ سيف عليّ
ملك غدا ودعاؤه وولاؤه ... فرض على الشّيعيّ والسّنّيّ
ومنهم:
31- فتيان الشاغوري «13»
فتيان الشاغوريّ. بحر ربّما قذف الدّرّة، وبرّ طالما طاولت الجبال منه الذرّة.
تنبه منه فطن لا يدرك له غرّة، وجرى منه سابق أدهم ربّما وضحت له غرّة. يقع له الجيّد في أثناء كلامه، وينقع مورده للصادي بعض أوامه، وتتولّد له معان ما منعت بالتمام، وتتجلّى له نجوم طلعت وباقيها تحت ستور الظلام. وأنشد له ابن سعيد: «1» [البسيط]
فبطنها حجر الأسباط منبجس ... وظهرها حجر الإسلام مستلم «2»
ومنه قوله: «3» [المنسرح]
قد كتب الحسن بالعذار على ... كاغد تفّاح خدّه ألفا
كأنّه عاشق لوجنته ... حتى إذا ما تقابلا وقفا(16/155)
ومنهم:
32- عبد الرحمن بن عوض بن محبوب، الكلبيّ، المعرّيّ، عفيف الدين التلمسانيّ، أبو البركات «13»
ممن كان له في الحديث اللطيف غاية، وله بالحديث الشريف رواية، مع دماثة خلق يتجافى عنها الماء (101) وهو سلسال، والصهباء وهي جريال، والنسيم وقد لعبت الشّمول منه بأعطاف الشّمال. وما نقص حظّه من أدب بارع، أو فكر مسارع. ومن شعره المشعشع السّلسبيل، الملمّع به برد الأصيل، الصّافي الظّلّ في خدّ النهر الأسيل، قوله، فيما أنشده له ابن سعيد: [الطويل]
فإن نحت في أفنان وجدي يحقّ لي ... لأنّي بما أوليتموني مطوّق
قطعتم، ولم أسرقكم الودّ، كتبكم ... وكيف يجازى القطع من ليس يسرق
ومنهم:
33- محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل بن محمّد بن الحسن بن الحسين، الدمشقيّ «14»
الأديب نجم الدين، أبو المعالي وله صحبة بالقدوة صاحب الطريقة عليّ الحريريّ- رحمه الله-. لبس بها من ديباجته، وشرب من زجاجته، فلاح عليه نور إيمانه، وفاح له من سرّ حقائبه ما عجز عن كتمانه، وفاء عليه من ظلّ حقائقه ما تقلّ الأرواح في أثمانه. وتقدّمت له صحبة بالسّهرورديّ. وأجلسه في ثلاث خلوات، وآنسه في الجلوات. وكان له أدب غضّ تميل به الأغصان والقدود،(16/156)
وتخلع عليه النفوس والبرود. أشغل قلب الشّجيّ والخليّ: فهذا غنّى وهذا ناح.
وأسمع أذن السّالي والمغرم: فهذا كتم وهذا باح. وكان لا يخلو منه سماع، ولا عقد اجتماع. تتهاداه مجالس الكبراء سرورا للنفوس، وتتعاطاه سلافا في الكؤوس، وتميل به لإمالة الطّرب الرءوس. وجرت بينه وبين الخيميّ في القصيدة البائية المحاكمة التي قضى فيها ابن الفارض عليه قضاء لم يقدر حاكم على نقضه، ولا أعانه صاحب على تجرّع ممضّه. ثم كان بعده لا يزال منقّبا بالحياء، مذبذبا يمشي على استحياء، لما ألق به من وصمة عار الادّعاء، وسمة قبح لا يطلب منه بعدها رفع يد بصالح الدّعاء. وكان مع كثرة حضوره حيث تصفّق الألحان، وتصفّق أواني المدام، بنت خضرة القدس لا بنت الجان، لا يدخل طابق الرّقص، ولا يزداد وحده إلّا بمقدار ما يأخذ في (102) النقص.
وحكى قاضي مجد الدين بن العديم، قال: أريت في النوم كأني داخل إلى بلده، فقيل لي: إن نجم الدين بن إسرائيل، قد صار كاتبا عند الوالي بها، فقلت: [الوافر]
إلى كم ذا تغرّرك الليالي ... وتبدي منك حالا بعد حال
فطورا شيخ زاوية وفقر ... وطورا كاتب في دار والي
وذكرت هذا المقام للطف موقعه، وطرف نظمه في موضعه.
ومن فائق شعره، وفائح نشره، قوله: [الكامل]
يا واحد الحسن الذي لولا الجفا ... ما عاقه عني العشيّة عائق
أنت الأمير على الملاح بأسرهم ... وعليك من قلبي لواء خافق
ومنه قوله: [الكامل]
أعلمت ما أبكى الجفون وأسهرا ... برق أعار الأفق مرطا أحمرا(16/157)
باتت تشام على البشام سيوفه ... فكأنما باتت تهزّ على الكرى
وعلى الثنيّة من تنمّر حلّة ... ما إن يزال غيورها مستنمرا
تذكى الولائد في متون يفاعها ... بالمندل الهندي نيران القرى
ووراء أستار الخدور خريدة ... يمسي حماها بالرماح مستّرا
سمراء تحسب أنها كافورة ... قد خالطت للطيب مسكا إذفرا
ومنه قوله، يذكر أنابيب بركة تصعد الماء عاليا ثم تحدره نجوما، وتوشيه في جلباب اللّجّة الزرقاء رقوما، وهو: [البسيط]
ترقى أنابيبها بالماء مصعدة ... حتى تفوت صعودا طرف رائيها
تحكي رماح لجين طال شامخها ... قبّ السماء رشاش من عواليها
منه قوله: [الرمل]
وهبوا عيني إذا لم تصلوا ... نظرة من طيفكم يجلو قذاها
ومحال أن ترى طيفكم ... عين صبّ فقدت فيكم كراها
ومنه قوله: «1» [الكامل]
يا سيّد الحكماء هذي سنّة ... مسنونة للناس أنت سننتها
(103) أو كلّما كلّت سيوف جفون من ... سفكت لواحظه الدماء سننتها
ومنه قوله يخاطب شريفا أتى مصر فنزل باللؤلؤة: [المنسرح]
يا ابن رسول الله لم أدر ذا ال ... أمر الذي جئت به ماهوه
عهدي باللؤلؤ في بحره ... وأنت بحر حلّ في لؤلؤه
ومنه قوله يرثي الشيخ العارف علي الحريري: [الكامل](16/158)
بكت السماء عليه ساعة دفنه ... بمدامع كاللؤلؤ المنثور
وأظنّها فرحت بمصعد روحه ... لّما سمت وتعلّقت بالنور
أو ليس دمع الغيث يجري باردا ... وكذا تكون مدامع المسرور
ومنه قوله: «1» [الطويل]
ودار لكم بالبان عن أيمن الحمى ... يلوح عليها نضرة وسرور
كأنّ مواطي الخيل فيها أهلّة ... وآثار أخفاف المطيّ بدور
ومنه قوله: [الطويل]
لقد عادني من لاعج الشوق عائد ... فهل عهد ذات الخال بالسّفح عائد
نديميّ من سعد أديرا حديثها ... فذكر هواها والمدامة واحد
فديتك هل إلمامة من خيالكم ... تعود لقا قد ملّ منه العوائد
وكيف يزور الطيف، لا الليل ساتر ... عليه، ولا الطرف المسهّد راقد
وقوله: [السريع]
ويوم قرّ بدا غيمه ... يلفّ قرص الشّمس في برده
كأنّما الأرض وقد زلزلت ... تهتزّ للرّعدة من برده
ومنهم:
34- عليّ بن يحيى البطريق، البغداديّ، الحليّ «13»
الكاتب، نجم الدين، أبو الحسن. طلع نجمه عليّا، وجمع نظمه حليّا، وبرع أدبا فائقا، وذهبا نافقا، وكتب الإنشاء إلّا أنّه لم يكن لبيانه سحر يؤثر، ولا لجنانه(16/159)
نهر يتدفق ولا كوثر، لتقصير وقع في قسمه، وقعد بنثره عن نظمه.
وكانت له في الأيام الكامليّة (104) قدم صدق في الولاء، وقدم استحقاق في الأولياء.
ومن شعره المحرّر الحالي لفظه، المكرّر، ما أنشده له ابن سعيد، وهو: «1» [البسيط]
أعاذك الله من همّي ومن وصبي ... ولا لقيت الذي ألقى من العرب «2»
فذا زماني أبو جهل، وذا جربي ... أبو معيط، وذا قلبي أبو لهب «3»
وقوله: [الكامل]
كن كالديار فكلّ مغنى منهم ... قد كان بعدهم جديدا أخلقا
وتغيّرت صفة الغوير فلم يكن ... ذاك الغوير ولا النّقا ذاك النّقا
وقوله في ابن أبي الحديد، عارض الجيش، وقد لبس خلعة خضراء، ماس في ورقها غصنه، وثارت فيها بسيوف جفونه فتنه: [مخلع البسيط]
لما بدا مائس التّثنّي ... في خضر أثوابه تميد
قبّلته باعتبار مغنى ... لأنّه عارض مديد
وقوله وقد تقلّد راجح الحلّي سيفا محلّى ورمحا: «4» [الوافر]
تقلّد راجح الحلّي سيفا ... محلّى واقتنى سمر الرّماح
وقال الناس فيه فقلت: كفّوا ... فليس عليه في ذا من جناح(16/160)
أيقدر أن يغير على القوافي ... وأموال الملوك بلا سلاح
وقوله يشكو- وهو بالقاهرة- طلوعه كلّ يوم إلى القلعة الجبلية، ووقوعه لمعاناة تردّده إليها في بليّة: «1» [الخفيف]
لي على الرّيق كلّ يوم ركوب ... في غبار أغصّ منه بريقي
أقصد القلعة الخراب كأنّي ... حجر من حجارة المنجنيق
فدوابي تفنى وجسمي يضنى ... هذه قلعة على التحقيق «2»
ومنهم:
35- ابن نجم الموصلي، شرف الدين
ولم أعرف اسمه. ما قصّر عن إحسان تبييض الصحيفة، ويعوّض النجوم بكلمه الشريفة. وصل جناح الموصل ذكره الجائل، وشعره الطّائل. وقد أنشد له ابن سعيد: [الكامل]
(105) فالعضب أبتر والمثقّف ذابل وكلّ حنيّة مرنان
ومنهم:
36- أيدمر المحيوي، فخر التّرك، أبو شجاع «13»
مولى وزير الجزيرة. أثبت الفضل للتّرك وما ترك. وهاجم سيل الليل ولا درك، وواثب القرائح ففاز بالدّرك، ولزّ السّحائب فما قدرت على الحرك، وجمع عقد الجوزاء وقد انفرك، ونصر آل خاقان وعلى خدّه القاني دم المعترك، وصاد المعاني(16/161)
ولام عذاره الشّرك، وساوت السيوف لحاظه والأجفان من المشترك. التقط الدّراري ونظمها عقودا، وأضرمها وقودا، وقسّمها صهباء عنقودا. وخلط سحر بيانه بسحر أجفانه، فجاء بسحر عظيم، ومدام لفظه بمدام لحظه، ولا غول فيها ولا تأثيم، وسلب بطرفه وطرفه، وكلاهما فتّان، ونزّه في شعره وشعره، وكلاهما بستان. والحبّ يشرب صفاؤه ورونقه، والحسن يظهر في شين رونقه. فآذن أن الترك لا ترامى ولا ترام، وأنّ الأقلام في أيديهم مثل السهام، وأنّ في بني يافث من يسمو بني سام، وأن الحسن لا ينفكّ عن أفنيتهم، والغصن لا يعقد عليه إلا ازرار أقبيتهم.
وكان كعبة جمال يحجّ إليه، وصنم حسن لا تزال طائفة يعكفون عليه. وقلّ من لم يكن بشعره هائما، وعلى ثغره حائما، ومن بدائع نظمه ونثره السّاخرين، وبيانه وبنانه وما تظاهر عليه الساحران، ما أنشده له ابن سعيد، قوله: «1» [الكامل]
وكأنّ نرجسه المضاعف خائض ... في الماء لفّ ثيابه في رأسه
وأنشد له: «2» [الطويل]
شكا رمدا جفن الأصيل إلى الدجى ... فكحّله ميل الظلام بإثمد
ومن شعره: «3» [السريع]
يا حبذا مجلسنا مجلسا ... قد حفّت النعمة جلّاسه
يجلو علينا الغصن أعطافه ... زهوا ويهوي الزّهر أنفاسه(16/162)
ومنهم:
37- ابن عربي، سعد الدين الدمشقي «13»
شاعر وصّاف، وبطل (106) يقدّم على الأوصاف، ومتفنّن ذلّلت عناقيده للقطاف، وحلّلت مدامته والسّاقي قد طاف، وطلعت دراريه وما أكنّتها الأسداف، وبرزت درره وما ولدها البحر ولا خبّأتها الأصداف.
وكان يظهر التّهتّك وليس كفاك، ويشهر الغرام وما هو على ذاك. يتخيّل في كلّ طور حبيبا ما رآه، وجوى ما أقلّه ولا واراه.
ومن بدائعه التي سبرها، ومحاسنه التي في كلّ حفظ سيّرها، وفي كلّ لفظ صوّرها، ما أنشده له ابن سعيد، وهو: [الطويل]
وقالوا قصير شعر من قد هويته ... فقلت دعوني لا أرى فيه مخلصا
محّياه شمس قد علت غصن قدّه ... فلا عجب للظّلّ أن يتقلّصا
وأنشد له: [الكامل]
عاينت في الحمّام بدرا مشرقا ... يرنو بمقلة شادن مذعور
يرخي ذوائبه على أعطافه ... فيريك ظلا لاح فوق غدير
ومن بديع قوله: [الكامل]
وافى إليّ مع الظّلام مسلّما ... فلقيت منه نضرة وسرورا
غصنا رأيت النور منه بثغره ... فضممته وقرأت منه النورا
ومنه قوله: [الطويل](16/163)
وبدر بدا منه العذار كأنّه ... بقيّة ليل فرّ من وضح الفجر
محوت بفرط اللّثم خطّ عذاره ... ألم تر ذاك المحو في صفحة البدر
ومنه قوله في قصّار: [الكامل]
أحببت قصّارا محاسنه ... شرك العقول ونزهة النفس
أقسمت لولا أنّه قمر ... ما كان محتاجا إلى الشمس
ومنه قوله: «1» [الخفيف]
قيل لي جسم من تحبّ نحيل ... وهو مما يشينه فاسل عنه
قلت: ما ذاك من سقام ولكن ... خفّة الرّوح أعدت الجسم منه
(107) ومنه قوله: [الطويل]
وبالنفس أفدي طلعة القمر الذي ... إذا ما انثنى كالغصن يا خجلة الغصن
يخاطبني خوف الرّقيب بنفرة ... فيفهم قلبي غير ما سمعت أذني
ومنه قوله: [الخفيف]
هو لا شكّ واحد العصر في ال ... حسن ولكن قدّه يتثنّى
رشأ أعربت عن السّحر عينا ... هـ وأجفانه على الكسر تبنى
ومنه قوله: [الكامل]
زعم العذول بأنّ قلبي قد سلا ... كلّا وحقّك هذا يتخيّل
فهواك في طيّ الجوانح مودع ... وعليه من شفتيّ باب مقفل
ومنه قوله: [الطويل](16/164)
أقول وقد وافى الرسول مخبّري ... بأن حبيبي قد أساء بي الظّنّا
بعيشك ما أبدى الحبيب وقاله ... وما ظلّ يحكي قال لي الغصن اللّدنا
ومنه قوله: «1» [الخفيف]
يا خليليّ في الزيادة ظبي ... سلبت مقلتاه جفني رقاده
كيف أرجو السّلوّ عنه وطرفي ... ناظر حسن وجهه في الزّياده
ومنه قوله: [الكامل]
قالوا الحلول بحيّزين لجوهر ... حكم عليه العقل غير مساعد
هذا حبيبي وهو فرد حلّ في ... طرفي وقلبي في زمان واحد
ومنه قوله: [مخلع البسيط]
وربّ قاض لنا مليح ... يعرب عن منطق لذيذ
إذا رمانا بسهم لحظ ... قلنا له دائم النفوذ
ومنه قوله: [الطويل]
كلفت بظبي ظلّ يقطف مشمشا ... على سلّم فيه اعتصام لهارب
كذا البدر لولا أنّه في مسيره ... رقا درجا لم يتّصل بالكواكب
(108) ومنه قوله: [السريع]
شاهدت دولابا له أدمع ... تكفّلت للرّوض بالرّيّ
فاعجب له من فلك دائر ... ما فيه برج غير مائيّ
ومنه قوله: [السريع](16/165)
يا مانعي القبلة في خدّه ... فتّتت قلبي فهو مفتوت
لا تخش أنفاسي ولا حرّها ... فإنّما خدّك ياقوت
ومنه قوله: [الكامل]
ماذا الذي تعني بقولك جوهر ... إذا الشيء أو عرض وقصدك يحضر
جسدي هو العرض الذي أنكرته ... فافترّ، قلت له وهذا الجوهر
ومنه في مجروح اليد: [الطويل]
وبدر دجى في الكفّ منه جراحه ... يظنّ بأني في محبّته سمح
فقلت له إن الدّموع شواهدي ... بأنّي من سكر المحبّة لا أصحو
فقال: وما تغني شهود مدامعي ... لديّ إذا ما كان في يدي الجرح
ومنه قوله في صانع تطماج: [المنسرح]
أضحى يبيع التطماج بدر دجى ... يغرب في القلب كلما طلعا
قلت وقد صفّه على طبق ... ما هذه؟ قال وما خدعا
كنّ بدورا رامت مشابهتي ... فقطّعتها لواحظي قطعا
ومنه قوله في حريري: [الوافر]
أقول له ألا ترثي لصبّ ... عديم للمساعد والنّظير
أقام ببابكم خمسين شهرا ... فقال: كذا مقامات الحريري
ومنه قوله في حجّام: [الكامل]
حاولت منه الوصل قال بشرط أن ... آتيك والرّقباء ليست تعلم
كدّرت بالشّرط الوصال، فقال لي: ... أو ما علمت بأنّ شرطي مؤلم(16/166)
(109) ومنه قوله في غلام اسمه سليمان: [الطويل]
وبدر دجى ما زال ينشد طرفه ... عزيز أسى، من داؤه الحدق النّجل
له وجنة تدمى من اللحظ رقّة ... يكاد بها ماء الشبيبة ينهل
فهذا سليمان لرقّة خدّه ... إذا دبّ فيه النّمل كلّمه النّمل
ومنه قوله: [الكامل]
ناديت من أهواه وهو مقلّم ... أظفاره، يا نزهة المتأمّل
فأجابني: أتظنني قلّمتها ... عن حاجة، لا بل لمعنى عنّ لي
لأريك يا من بالهلال تقيسني ... إنّ الهلال قلامة من أنملي
ومنه قوله في جواب أبيات جاءته من نظام الدين، ابن المولى: [الطويل]
بعثت بأبيات إذا ما عرضتها ... بسوق ذوي الألباب ليس تسام
فإن لحظتها منك عين عناية ... فهنّ لآل رأيهنّ نظام
ومنه قوله مما كتب به إلى مجد الدين بن العديم: [الطويل]
أمولاي مجد الدين ما زلت مسديا ... بقول وفعل كلّ فضل وإفضال
أطوف بهذا العيد حولك داعيا ... لأنّك قد أصبحت كعبة آمالي
ولّما بدا منك الصّفا جئت ساعيا ... إليك ولم أقطع مسافة أميال
وغيري يسعى كي ينال بك الغنى ... وما أنا من يسعى بجاه ولا مال
ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي
ومنه قوله في دواة: [الخفيف]
ودواة من أنفع الأدوات ... مصطفاة لما حوت من صفات
إن عدت منبع الحياة فلا غر ... وفماء الحياة في الظّلمات(16/167)
ومنه قوله في مؤذّن: [الخفيف]
وبنفسي مؤذّن مذ سباني ... لم تفدني شكوى الغرام إليه
كيف يصغي لما أقول حبيب ... واضع إصبعيه في أذنيه
(110) ومنه قوله في قوّاس: «1» [السريع]
قلت لقوّاس له طلعة ... من رام عنها الصّبر لم يقدر
يا من له وجه كبدر الدّجى ... كيف تبيع القوس للمشتري
ومنه قوله في طيوريّ: [مخلع البسيط]
هذا الطيوريّ قلت يوما ... له ولم أرهب الأعادي
يا جامعا صنف كلّ طير ... هل لك في طائر الفؤاد
ومنه قوله فيمن يبيع قضامة: [الكامل]
باع القضامة شادن ترف ... فاضت عليه مدامعي فيضا
يا من قضامته مجوهرة ... الثغر منك مجوهر أيضا
ومنه قوله: [مخلع البسيط]
خاصمني من أهيم فيه ... ورام جرحي بما يبيد
يا مالكي ما أقوله في ... واقعة بعدها الحديد
ومنه قوله في نشّار: [الخفيف]
أيّها البدر لو تواصلني اليو ... م لقاربت في وصالك سعدا
ما وجدنا لحسن نشرك ندّا ... بل وجدنا لطيب نشرك ندّا(16/168)
ومنه قوله يرثي رجلا يلقّب البدر، دفن بالشرف الأعلى: [البسيط]
يا بدر إن كنت في ظلماء موحشة ... فالبدر في سدف والدرّ في صدف
دفنت في الشّرف الأعلى ومن عجب ... هبوط بدر الدّجى في ذروة الشّرف
ومنه قوله يصف شعر عون الدين سليمان، ابن العجمي: [الطويل]
يقولون عون الدين أضحى لمجده ... قريض كروض باكرته عهاده
فقلت لهم هذا سليمان عصره ... يدين له في كلّ معنى فراده
إذا هو أمسى في القريض مفكّرا ... عرضن عليه بالعشيّ جياده
ومنه قوله: [الكامل]
أمبشّري ممن أحبّ بزورة ... أهلا وسهلا بالبشارة والهنا
(111) ما كان أسمحني عليك بخلعة ... لو كان عندي حلة غير الضّنا
ومنه قوله: [الكامل]
عفت المدام سوى مدامة ريقه ... ذاك الرّحيق ختامه مسك اللّمى
إن سمته خمر الرّضاب يقول لي ... أهممت أن تعصي؟ فقلت: اللّوّما(16/169)
ومنهم: «1»
38- أبو عبد الله الكردي 1»
مدرة حرب، وندرة أخدان، ما رقم بهم طراز شرب. فهمه مثل سيفه، كلاهما حدّ، ونظمه مثل سيبه، كلاهما ما له حدّ.
وقفت له على شعر كثير، لم يعلق بخاطري منه شيّ، ولا أطلّ على أنهار صحفي منه ظلّ ولا فيّ، إلّا أنّه شاعر مجيد قادر على التوليد. لا يحضرني منه إلا ما أنشده له ابن سعيد، وهو وقوله: [الوافر]
إذا ما اشتقت يوما أن أراكم ... وحال البعد بينكم وبيني
بعثت لكم سوادا في بياض ... لأبصركم بشيء مثل عيني
ومنهم:
39- جمال الدّين، يوسف بن البدر لؤلؤ، الذهبيّ 1»
كما نسبوه الجوهريّ. واللؤلؤ أبوه، والبدر والده، أو هو جماله اليوسفيّ، أو أخوه. وأدبه أعبق في المجامع من النسيم، وأعلق بالمسامع من قرط الثّريّا في أذن الليل البهيم. أدخل على الخواطر من الأفكار، وأوضح للنواظر من رؤية النهار.
وله في نوع التورية من البديع، ما أخمد وراة شراره من قدح، وفرغ الكأس وما أبقى سؤرا في القدح. وكان من شعراء ابن العزيز، عزيزا عنده مكانه، مجيرا له بما يسعه إمكانه، ومما أنشد له ابن سعيد قوله: [البسيط]
والخيل قد نشرت من نقعها صحفا ... قامت كتائبها ما بينها سطرا(16/170)
تملي علينا الرّدينيّات ما نظمت ... فيها ويملي علينا السيف ما نثرا
ومن شعره: [البسيط]
دع الفصاد إذا ما كنت مشتكيا ... بكلّ أحور في أعطافه ميل
ولا ترق دمك القاني فحسبك ما ... تريقه بظباها الأعين النّجل
(112) وقوله: «1» [السريع]
حلا نبات الشّعر يا عاذلي ... لما يدلّ في خدّه الأحمر «2»
فشاقني ذاك العذار الذي ... نباته أحلا من السّكّر
وقوله في رفّاء: «3» [مجزوء الكامل]
بمهجتي الرّفّا الذي ... فضح الذّوابل لينه
لم يرف قلب متيّم ... قد مزّقته جفونه
وقوله: [الكامل]
والعيس مثل العاشقين مع النّوى ... حملت من الأثقال ما لم تحمل
ولكم سبقت حداتهم بمدامعي ... حتى جعلت قطارها في الأوّل
وقوله: «4» [السريع]
هلمّ يا صاح إلى روضة ... يجلو بها العاني صدا همّه(16/171)
نسيمها يعثر في ذيله ... وزهرها يضحك في كمّه «1»
وقوله: «2» [السريع]
أدر كؤوس الرّاح في روضة ... قد نمّقت أزهارها السّحب
الطير فيها شيّق مغرم ... وجدول الماء بها صبّ «3»
وقوله: «4» [السريع]
فعاطني الصّهباء مشمولة ... عذراء فالواشون نوّام
واكتم أحاديث الهوى بيننا ... ففي خلال الرّوض نمّام
وقوله في غلام غرق: [المتقارب]
أسلت الدموع إلى أن جرت ... وواراك تيّارها المغدق
وأيّ غزال هضيم الحشا ... يحلّ العيون ولا يغرق
وقوله: [الكامل]
أحمامة الوادي بشرقيّ الغضا ... فغصونه في راحتيك وجمره في أضلعي
فإذا هوى بك منزل مستوبل ... رفعتك هوج اليعملات الوضّع
كلّفتها مسح الفيافي قسمة ... فلذاك تضرب أذرعا في أذرع
عدها الحمى إن أرزمت وإذا ونت ... فإلى جناب ابن العزيز الممرع
(113) وانظر أساريرا تلوح فإنّها ... في كفّه طرق النّدى المتنوّع(16/172)
وقوله: «1» [مجزوء الكامل]
رفقا بصبّ مغرم ... أبليته صدّا وهجرا
وافاك سائل دمعه ... فرددته في الحال نهرا
وقوله: «2» [مجزوء الرجز]
وروضة دولابها ... إلى الغصون قد شكا
من حيث ضاع زهرها ... دار عليه وبكى
وقوله: [مخلع البسيط]
ما نظرت مقلتي عجيبا ... كاللوز لما بدا نواره
اشتعل الرّأس منه شيبا ... واخضرّ من بعد ذا عذاره
وقوله: «3» [الطويل]
وبتّ أعاطيه الحديث منمّقا ... وبات يعاطيني العتيق مشعشعا «4»
ولم أدر أنّ الصّبح كان مراقبا ... لنا من وراء الليل حتى تطلّعا
وقوله: [السريع]
ولا تعذلوني في هوى شادن ... هويت طرفا منه سحارا
لو لم يكن حبّي من حسنه ... يحسده النّجم لما غارا
وقوله: «5» [الخفيف](16/173)
وجنان ألفتها حين غنّت ... حولها الورق بكرة وأصيلا «1»
نهرها مسرعا جرى وتمشّت ... في رباها الصّبا قليلا قليلا
وقوله، وفيه زيادة على المتداول: [الطويل]
جنبنا إلى العيس الجياد جوامحا ... سوامي الهوادي أن تنال فتلجما
يريك بدورا وطؤها وأهلّة ... وآونة من قدحها الصّخر ألجما
وقوله: [الطويل]
في جنّة أضحى الأقاح مدرهما ... في جانبيها والبهار مدنّرا
لمّا تشعّب ماؤها بين الرّبا ... عبثت به أيدي الصّبا فتكسّرا
وقوله في قريب منه مع العكس: [الكامل]
(114) وحديقة مطلولة باكرتها ... والشمس ترشف ريق أزهار الرّبا
يتكسّر الماء الزّلال على الحصا ... فإذا غدا نحو الرّياض تشعّبا
وقوله [الكامل]
لم أنسه إذ قال أين تحلّني ... حذرا عليّ من الخيال الطّارق
فأجبته: قلبي. فقال تعجّبا: ... أسمعت قطّ بساكن في خافق
قوله: [الطويل]
لقد بتّ عند الفارس النّدب ليلة ... وما غرّني إلّا شقائي وأطماعي
فبتّ أقاسي البرد في طول ليلتي ... مغطّى كرأس القنّبط بأضلاعي
وقوله: [الكامل](16/174)
ومعذّر قد بايتته جماعة ... وفّوا بما وعدوه عند الليل
واكتاله كلّ هناك وما رأى ... منهم سوى حشف وسوء الكيل
وقوله: [الطويل]
وعلّقته سيفا من البيض مرهفا ... بغير حلاه لم أكن أتقلّد
أبيت ولي من ساعديه حمائل ... على عاتقي في الليل وهو مجرّد
وقوله: [الطويل]
يكلّفني العذّال صبرا وقد قضى ... لي الله عنه الصبر ليس يكون
وما كان إلا الرّوض نشرا وبهجة ... فلا غرو أن تجري عليه عيون
وقوله من قصيدته الزّائية الزّاهية، الآمرة الناهية، التي حلّق إليها كلّ شاعر في زمانه، فوقع وسار وراءها، ولكنّه من نصف الطريق رجع: [الطويل]
فأتبعتهم طرفا إلى الجزع باكيا ... وراء المطايا لا بكيّا ولا نزّا
وقلت لحادي العيس رفقا بمدمعي ... وبالعيس لا تفني قطاريهما لزّا
وفي الكلّة الحمراء بيضاء غادة ... مريضة لحظ العين مملوءة عجزا
تسارقنا باللحظ خوف رقيبها ... فآونة شزرا وآونة غمزا
(115) وقوله مما كتب به إلى بعض أصحاب جمال الدين أحمد المصري النحوي يعزيه فيه: [الطويل]
عزاؤك زين الدين في الذاهب الذي ... بكته بنو الآداب مثنى وموحدا
هم فارقوا منه الخليل بن أحمد ... وأنت ففارقت الخليل وأحمدا
وقوله عند عبور الملك الظاهر الفرات: [مجزوء الخفيف]
ظنّ أن يحفظوا الفر ... ات ببيض الصّفائح(16/175)
كيف يحمونها وقد ... جاءها كلّ سائح
وقوله: [البسيط]
ولاح كأس الثّريّا في مشارقه ... ملوّحا من شعاع ساطع ذهبا
وللبروق وميض في الغمام حكى ... تحت العجاج سيوف الناصر القضبا
له يد لا عدمناها يفيض بها ... بحر فلم ذا يباري جودها السّحبا
يد تلاقت يراعات بها وفتى ... أنّى تجارى وحازت ذلك القصبا
وحدّثني شيخنا أبو الحسن الكندي، عن بعض من خرج معه يوما، حين تقشّعت الحرور، وطفت نارها الشّعرى العبور، وبدا سهيل يزهر في الصباح كالقنديل، وأثمر كلّ غصن في جانح كلّ أصيل، وباكر الدهر بسرّائه، وكفّ بأس بأسائه، وتقدمت الشّتاء آلاؤه، وعطف تشرين فرقّ جوّه وماؤه، وطاب المقيل في برد أفيائه، وترقرقت على صفحات النهر دمعة أندائه، وأتى الخريف مخلّفا زرع الزعفران، ناشرا من ذهبيّاته مصبغات الألوان، والأترجّ كأنّه عاشق مدنف، والسّفرجل كأنّه وجل مخطّف، والرّمّان كأنّه من صافي الذهب أكر، والتفاح كأنّه جامد الراح أو خدود تلك الشجر، والنسيم قد كرّ من طراد أيلول وأتى مبشّرا بالغمام كذيل الغلالة المبلول، والأرض تتوقع الشتاء توقّع المأمول، وتنتظر الغيث انتظار المحبّ عود الرسول. والنّبت قد صحت مقل نرجسه، ولم يبق منها ناظر إلّا (116) وهو بالطّلّ مكحول.
إنه لما رأى تلك المحاسن الأشتات، اهتزّ إعجابا بفصل الخريف، وما جمع منها زمانه، وأبدع في تأليف ألوانها أوانه، فقال: [الكامل]
رقّ النّهار وراقت الأنهار ... وسرى النسيم وغنّت الأطيار
وأتى الخريف مبشّرا بصبوحه ... فتخلّقت لقدومه الأشجار(16/176)
وثنى معاطفه الخليج وصفّقت ... أمواجه وتراقص التّيّار
ودعا إلى شرب الأصائل والضّحى ... في كلّ واد بلبل وهزار
واجنح لحانة كرمة في ظلّها ... الرّاح بكر والدّنان عشار
واشرب على ذهبيّة الأوراق من ... ذهبيّة بيد السّقاة تدار
قد أينعت وتألّفت فكأنّما ... هي جلّنار للنديم ونار
عذراء رقّصها المزاج بحلّة ... في طوقها من لؤلؤ أزرار
وقوله: [الكامل]
ومن التّعلّل أنني أرجو الصّبا ... تغدو تبثّ تحيّتي وتروح
أو أطلب الأحباب بين معاهد ... قد ضاع فيها رندها والشّيح
وقوله: «1» [الكامل]
وبمهجتي المتحمّلون عشيّة ... والرّكب بين تلازم وعناق
وحداتهم أخذت حجازا بعدما ... غنّت وراء الظّعن في عشّاق «2»
وتنبّهت ذات الجناح بسحرة ... في الواديين فنبّهت أشواقي «3»
أنّى تباريني جوى وصبابة ... وكآبة وأسى وفيض مآقي «4»
وأنا الذي أملي الجوى من خاطري ... وهي التي تملي من الأوراق
ولقد صفحت عن الزّمان لليلة ... عدل الحبيب بها وجار الساقي
وقوله: «5» [الرمل](16/177)
ورياض وقفت أشجارها ... وتمشّت نسمة الرّيح إليها «1»
طالعت أوراقها شمس الضّحى ... بعد أن وقّعت الورق عليها
(117) وقوله: «2» [السريع]
جاء الشتاء الغثّ مستعجلا ... مبادرا بالغيم والغمّ «3»
وفصله البارد قد جاءني ... منه بكانون بلا فحم
وقوله: «4» [السريع]
إن تمادى الغيث شهرا هكذا ... جاء بالطوفان والبحر المحيط «5»
ما هم من قوم نوح ياسما ... أقلعي عنهم فهم من قوم لوط
وقوله: «6» [المجتث]
يا عاذلي فيه قل لي ... إذا بدا كيف أسلو
يمرّ بي كلّ وقت ... وكلّما مرّ يحلو
وقوله: [المنسرح]
يا شادنا كلّما مررت به ... يخفق قلبي له ويضطرب
قد قمت بالقلب في هواك ضنى ... وإنّما قمت بالذي يجب(16/178)
قوله: «1» [المتقارب]
أيا صاح أشكو إليك الخمار ... وما فعلت بي كؤوس العقار «2»
وجور سقاة الكؤوس التي ... ترينا الكواكب وسط النّهار «3»
وقوله: [الرمل]
وحمام الأيك في الأشجار قد ... بثّت الأشجان فيها والغراما
والصّبا معتلّة من طول ما ... حمّلت من كلّ مشتاق سلاما
وقوله: [البسيط]
وحفتيان الذي غرّ العدى طمع ... فيها فأهلكتهم في نيلها الغرر
رام العدى لك دفعا عن جوانبها ... وكيف يدفع سيل وهو منحدر
وقوله: [الطويل]
وما ذهبت شمس الأصيل تحيّة ... إلى الغرب حتى ذهبت فضّة النهر
وأمسى أصيل اليوم ملقى من الضّنا ... على فرش الأزهار في آخر العمر
وقوله: [السريع]
لنا حديث يا حمام الحمى ... توضحه الأشجان أيّ اتّضاح
(118)
ألفت غصنا وأنا في الهوى ... فقدت غصنا وأطلنا النّواح
فهات طارحني فكلّ غدا ... منّا على غصن تغنّى وناح
وقوله: [الكامل](16/179)
وسريتم طوع النّوى ورجعتم ... وكذا الكواكب سيرها ورجوعها
ما كنت أعلم أنّ دائرة النّوى ... فيكم وفي أكبادنا تقطيعها
وقوله: [الطويل]
وأهيف طرفي منه في جنّة غدا ... وقلبي من أعراضها في جهنّما
أغنّ يريك الغصن من لين قدّه ... قويما ويبدي زهره أن تبسّما
وقوله: [الخفيف]
ورشيق القوام حلو التّثنّي ... والثّنايا مهفهف أملود
هو بدر قبلت فيه ومن ما ... ت ببدر مثلي فذاك شهيد
وقوله في كحّال كحّل غلاما حسنا غدوة يوم، ثم مات الكحّال مساء يومه: «1» [الكامل]
يا قوم غلط الحكيم وما درى ... في كحله الرّشأ الغرير وطبّه «2»
وأراد أن يمضي نصال جفونه ... لتصيبنا بسهامها فبدت به
وقوله: «3» [مجزوء الرمل]
ربّ ناعورة يوم ... بات يندى ويفوح
تضحك الأزهار منها ... وهي تبكي وتنوح
وقوله: [مجزوء الكامل]
إنّ الذين ترحّلوا ... نزلوا بعيني الناظره(16/180)
أنزلتهم في مقلتي ... فإذا هم بالساهره
وقوله يخاطب رجلا أحبّ غلاما يلقّب بالجارح: «1» [مجزوء الخفيف]
قلبك اليوم طائر ... عنك أم في الجوانح
كيف ترجو خلاصه ... وهو في كفّ جارح
ثم قوله وقد بلغه أن ذلك الرجل قال: خلص الطائر: «2» [الكامل]
(119) خلّصت طائر قلبك المضنى هوى ... من جارح يغدو به ويروح «3»
ولقد يسرّ خلاصه إن كنت قد ... خلّصته منه وفيه روح
ومنه قوله في غلام ورّاق: «4» [الطويل]
خليليّ جدّ الوجد واتصل الأسى ... وضاقت على المشتاق في قصده السّبل
وقد أصبح القلب المعنّى كما ترى ... معنّى بورّاق وما عنده وصل
ومنه قوله يشكو غرفة كان يسكنها، والحرّ يلفح هجيره، ويتوقّد سعيره:
مولاي أشكو غرفة في ناجد ... كالنار تلفح بالهجير اللافح
عزّ النسيم بها فليس بسانح ... وخلا الذباب بها فليس ببارح
ومنه قوله: «5» [مخلع البسيط]
عرّج على الزّهر يا نديمي ... ومل إلى ظلّه الظّليل(16/181)
فالغصن يلقاك بابتسام ... والرّيح تلقاك بالقبول «1»
ومنه قوله: «2» [مجزوء الكامل]
الزهر ألطف ما رأي ... ت إذا تكاثرت الهموم
تحنو عليّ غصونه ... ويرقّ لي فيه النّسيم
ومنه قوله، وقد استسقوا فلم يسقوا: [الكامل]
لما بدا وجه السماء لهم ... متجهّما لم يند أنواء
قاموا ليستسقوا الإله لهم ... غيثا فما أسقاهم الماء
ومنه قوله في عامل كان بالجامع المعمور، سعى في تأخير رواتب النّاس:
[الكامل]
أضحى بديوان المصالح عامل ... ما سرّني أن ليس فيه سنان
بطلت رواتبنا عليه وإنّما ... قد قام في بطلانها البرهان
ومنه قوله: [الكامل]
عرّج بوادي النّيربين بنا وقف ... فيه بحيث تلاقت الغزلان
وانظر إلى جنّاته العليا التي ... شبّ القضيب بها وشاب البان
(120) ومنه قوله: [البسيط]
يا سيّدي شرف الدين الجواد أتت ... إليك أبكار أفكاري ولم تقف
فهاك ألفاظها إن لم تكن دررا ... فإنّها أنجم سارت إلى الشّرف
ومنه قوله: [المجتث](16/182)
يا ذا النّدى والمعالي ... نسيت وعدي شهورا
قد كنت تنسى قليلا ... فصرت تنسى كثيرا
ومنه قوله: ملغزا في فحم: [الوافر]
وما أحوى له قدّ إذا ما ... أردنا وصفه قلنا قضيبا
تبيت به القلوب إذا قلاها ... على جمر يذيب به القلوبا
أحنّ إليه إن هبّت شمالا ... وأذكره إذا هبّت جنوبا
به حرق وبي حرق إليه ... وأرجو أن أزاد به لهيبا
وكم أبدى لنا نارا يبيسا ... وقدما كان يخفيها رطيبا
عريق الأصل سوّده أبوه ... ولم يك في مغارسه نجيبا
ومنه قوله: [الكامل]
يا حسنه في الجيش حين غدا ... يختال بين السّمر والقضب
لم ألق أحلى من شمائله ... في العين لما سار في القلب
ومنهم:
40- محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر، الطبريّ*
الآمليّ المحتد، الحلبيّ المولد، المهذّب، أبو نصر الحاسب. حاسب لو شاء لأحصى الأرض مساحة، وقسّم البرّ والبحر بالراحة، لا يعزب عنه في الحساب مثقال ذرّة، ولا في السحاب إذا أراد عدّة قطرة. لو همّ بجمع رمل عالج لأحصاه، أو حصر شجر ضارج لاستقصاه. ذكيّ فهم، وطالب علم نهم. لا يشوب(16/183)
الانتقام عفوه، ولا يكدّر ما في ضريح الغمام صفوه. تخيّله المصدّق المكذّب، وشعره وافق اسمه المهذّب. لو رقا الصخر للان له قاسيه، أو دعا الجليل لخضع له راسيه. (121) لو زاد المطر لأمسك عقوده الواهية، أو صاد الحجر لأنبطه عيونا جارية. وأنشد له ابن سعيد: [الطويل]
جننت فعوّذني بكتبك إن لي ... شياطين شوق لا يفارقن مضجعي
إذا استرقت أسرار وجدي تمردا ... بعثت عليها في الدّجى شهب أدمعي
ومنه قوله: [السريع]
هذا هلال كهلال الدّجى ... من شعره قد لاح في غيهب
إن عطف الصّدغ على خدّه ... فانظر إلى المرّيخ في العقرب
ومنه قوله: [السريع]
وشادن أبصرته راكبا ... في كفّه جوكانه يلعب
كالبدر فوق البدر في كفّه ... هلاله والكرة الكوكب
ومنه قوله: [البسيط]
وشادن ذي عذار كنت أعشقه ... فصار يحلق لما طغى الشّعر
فاليوم قد زار موسى طور عارضه ... وكان بالأمس في أرجائه الخضر
ومنه قوله: [الكامل]
ومهفهف ريحان نبت عذاره ... في ورد خدّيه الجنيّ الأحمر
أصلى بنار الخدّ عنبر خاله ... فبدا العذار دخان ذاك العنبر
ومنه قوله: [الكامل]
ومعود صيد الطيور بكاسر ... والعاشقين بكسر طرف لائح(16/184)
هيهات أفلت من هوى متقنّص ... أبدا بجارحة يصيد وجارح
ومنه قوله في مليح يعمل التكك: [السريع]
يا بائع التّكّة في سوقه ... محكمة بالظفر والعقد
ما حاجتي إلا إلى تكّة ... تحلّها في خلوة عندي
ومنهم:
41- نور الدين الأسعرديّ «13»
ذو سخف حجّ ابن الحجاج، وهبّر ابن (122) الهبّارية، ألبد البديع الهمدانيّ، وهرّ نافخا في وجه الوهراني. وأتى بكلّ حلو إحماضه، وبكلّ تبسّم إيماضه، لو هزّأ بالنّجوم لأطفأ مصابيحها الزّاهية، أو هجا البدر المنير لرماه بداهية.
وكانت بينه وبين بني العديم مودة ما تقطّعت أسبابها، وتصرّمت لهم أيام مضى طيبها وبقيت آدابها. ومما أنشده له ابن سعيد: [الطويل]
ولم أر شمسا قبلها في زجاجة ... مكلّلة من نفسها بنجوم
وتنظر من ستر الزجاج كأنها ... سنا البرق يبدو من دقيق غيوم
ومن شعره قوله يعتذر عن هفوة، وكان قد أضرّ: [الوافر]
أيا ملكا له ظلّ ظليل ... يقال به ويولي كلّ نعمى
أقلني إن عثرت أريك سهوا ... فأولى ما يقال عثار أعمى(16/185)
وقوله: «1» [الطويل]
سباني معسول المراشف عاسل ال ... معاطف مصقول السوالف مائد
يروم على أردافه الخصر مسعدا ... «إذا عظم المطلوب قلّ المساعد» «2»
وقوله: [السريع]
قال وقد قصّرت في نيكه ... سدّ فضا مبعري الواسع
فقلت يا مولاي عذرا فقد ... «اتّسع الخرق على الراقع»
وقوله: [البسيط]
وجئته طائعا أبغي البراز له ... فقال: دعني فقد ضاقت بي الحيل
فقلت صبرا على ما قد بليت به ... فظلّ ينشدني والدمع ينهمل
يحتاج من عرف الجمّال منزلة ... يوسّع الباب حتى يدخل الجمل
وقوله: [المتقارب]
سألت الوزير أتهوى النّساء ... أم المرد جاروا على مهجتك
فقال وأبدى الخلاعة لي ... كذا وكذا قلت: من زوجتك؟
وقوله: [البسيط]
لما ثنى جيده للسكر مضطجعا ... وهنا ولولا شفيع الرّاح لم ينم
(123) دببت ليلا عليه بعد هجعته ... شكرا فقل في دبيب النّور في الظّلم
وقوله: [المجتث]
هذا النّصير عجيب ... يا ويحه كم ينيك(16/186)
مؤذّن لا يصلّي ... كأنّما هو ديك
وقوله: [الخفيف]
قلت يوما للصدر هل تث ... بت البعث وتنفي إنكارهم للحشر
قال: أثبتّ. قلت: ذقنك في استي ... قال: أنفي فقلت: في وسط جحري
وقوله: [الخفيف]
لا تقولوا تدري النّصارى حسابا ... ليس تدري غير علم الخباثه
كيف يدري الحساب من جعل الوا ... حد سبحانه بجهل ثلاثه
ومنهم:
42- جمال الدين بن خطلخ، الأمويّ
فرع من ذلك الأصل سمق، وجواد على العرق سبق. بقية من علوم بها الأعداء أقرّت، وحلوم مثل الجبال استقرّت. نطق فأبانت أمويته عن أنسابها، وأنابت قريش لآدابها، وأنامت معد لا تسفه أحلامها، وأنالت كنانة ما تخفق عليه أعلامها. ونفح محاضرة من عبد شمس هاشم، ولحا مجالسة من قصيّ قصارى كل اسم. ومن شعره ما أنشده له ابن سعيد، وهو قوله: [السريع]
صابونه في راحتي منعم ... أصبحت السّحب له حسّدا
تلاطم البحران في صدرها ... فأصبح الموج بها مزيدا(16/187)
ومنهم:
43- يحيى بن يوسف بن يحيى، الصّرصريّ، الفقيه، الحنبليّ «13»
فقيه أديب، ومحبّ ما مثل حبيبه حبيب. جعل المدائح الشريفة النبويّة- زادها الله شرفا- فري قريحته، ودأب أيامه، في مسائه وصبيحته. ملأ صحائفه بحسناتها، وملأ بطيبها أسماع حداتها، حتى عرف بولوج ذلك الباب، وولوع قلبه بما تتهافت عليه الألباب، وقرّ في كلّ خاطر هيامه بساكن ذلك الحمى، وقيامه في كنف الذي به احتمى. وكان منور البصيرة، وإن أظلم منه البصر، طويل الباع (124) في وصف هواه وإن اقتصر. بان شوقا إلى المحلّ النازح، ويحنّ إلى من حنّت إليه المطيّ الرّوازح. وكان من الفقهاء الحنابلة المبالغين، وقصيدته العينية التي أولها: «1» [الطويل]
تواضع لربّ العرش علّك ترفع
ناطقة، وحلّل الإطناب في محاسنه. هذا إلى ما لا شكّ فيه، ولا ريب في فضله الذي لا يدّعي مكثر أنه يوفّيه، مما كان به من ثوب الصّلاح مرتديا، وإليه من حسن الثواب مهتديا.
وقد وقفت له على مدائح ليست من المشرفات المحمدية، ولا مما تقي نار الخطوب كراماتها الأحمدية. ومن طرره المقوم للتشريف المنظوم في المديح الشريف، قوله: «2» [البسيط]
يا سائق الرّكب لا تعجل فلي أرب ... فوق الرّواحل حالت دونه الحجب(16/188)
لعلّ بدر الدّجى يرخي اللّثام لنا ... عن عارضيه فيشفى الواله الوصب
ماذا على ظاعن شطّ المزار به ... لو أنّه في الدّجى يدنو ويقترب
أحبابنا إن تكن أيدي النّوى عبثت ... بشملنا فهو بالتفريق منتهب
فإنّ حبّكم وسط الحشاشة لا ... تناله غير الأيام والنّوب
هلّا عطفتم على صبّ بكم فعلت ... به سطا البين مالا تفعل القضب «1»
فؤاده نازح مستأنس بكم ... وجسمه وهو بين الأهل مغترب
ما هبّ من نحوكم في الصّبح نشر صبا ... إلا وهزّ إليكم عطفه الطّرب
ولا ترنّم قمريّ على فنن ... إلا وظلّ من الأشواق ينتحب
يحنّ نحو الحمى إذ تنزلون به ... وليس بينهما لو لاكم نسب
وإن جرى ذكر سلع في مسامعه ... فإنه لدواعي وجده سبب
سحّت غمائم أنوار المزيد على ... قبابه البيض سحّا دونه السّحب «2»
فهي الشّفاء لأسقامي وساكنها ... هو الحبيب الذي أبغي وأطّلب
يا ناقتي لا تغشّاك الضّلال ولا ... مسّ القوائم منك الأين والنّصب
سيري إلى أن تحلّي ربع أفضل من ... في الأرض شدّ إلى أقطاره القتب
محمد خير مبعوث بمرحمة ... من خير بيت عليه أجمع العرب
(125) عف كريم السجايا من سلالة إب ... راهيم أكرم خلق الله منتجب
مهذّب طاهر طابت أرومته ... وطاب بين الورى أمّ له وأب
به هدى الله قوما صدّهم سفها ... عن الهدى الخمر والأزلام والنّصب «3»
أتاهم بكتاب صدّق الصّحف ال ... أولى كما صدّقت آياته الكتب
فأخرج الناس من ليل الضّلال به ... إلى صباح رشاد ليس يحتجب(16/189)
دعا إلى الله ربّ العرش وهو على ... بصيرة لا يغطّي نورها الرّيب
وقوله: «1» [الخفيف]
لو وفى مولع بليّ العدات ... لم تخنّي الدموع بين العداة
ناظر بالبكاء أضحى حسيرا ... وحشا تنطوي على الحسرات
أتمنّى أرض الحجاز ودوني ... حاجز من صوارف النائبات
كلّما أهدت النسيم عبيرا ... من رباها أجود بالعبرات
آه للبارق التّهاميّ أذكى ... لي على أبرق الحمى زفراتي
طال شوقي إلى منازل فيها ... يقصر الهمّ مثل قصر الصلاة
فوق خوص تفري جيوب الدياجي ... باجتياب المهامه المقفرات
طالبات البرّ في قطعها البر ... رو فلي البيداء والفلوات «2»
فهي في الآل كالأجادل تهوي ... بل ترى كالمجادل المشرفات
وإذا ما ونت تعرّض حادي ... ها بذكر الحمى غدت طائرات «3»
فهي تطوي صعب الفلاة بأسرا ... ر الهوى لا بطيبة النغمات
وعليها شعث النّواصي تواصوا ... في سبيل الهدى بحسن الثبات
وأجدّوا بمسجد الخيف عهدا ... وأقاموا للرمي بالجمرات
ثمّ حلّت بأرض طيبة ربعا ... فيه أضحت معادن الطيّبات
النبيّ الهادي البشير أبو القا ... سم ذو البيّنات والمعجزات
وقوله: «4» [الكامل](16/190)
(126) لي بين سلع والعقيق عهود ... بلي الشّباب وذكرهنّ جديد «1»
أيّام أرفل في جلابيب الصّبا ... وعليّ من خلع الوصال برود
كلّ الليالي للمحبّ بجوّه ... ليل التمام وكلّ يوم عيد
إنّ امرأ يمسي ويصبح عاكفا ... بجنابه العطر الثّرى لسعيد
تدنيه بالآمال أحلام الكرى ... منّي وإنّ مزاره لبعيد
إن متّ من شغفي به وصبابتي ... فقتيل أسياف الفراق شهيد
كيف اللّقاء ودون من أحببته ... وعر الحجاز ومن تهامة بيد
وقوله: «2» [الخفيف]
يا ولاة الفلا ذميلا ووخدا ... كيف خلّفتم العذيب ونجدا «3»
هل جرى بعدنا النسيم مريضا ... في ثراه فهزّبانا ورندا
أم كست من رباه أيدي الغوادي ... كلّ عطف من الأزاهير بردا «4»
خبّروني كيف الحجاز وهل مر ... رت بأعلامه الرّكائب تحدا «5»
وقوله: «6» [البسيط]
ماذا أثار بقلبي السّائق الغرد ... لما انبرت عيسه نحو الحمى تخد «7»
وددت لو أنني أصبحت متّبعا ... آثارها أرد الماء الذي ترد(16/191)
أهوى الحجاز ولولا ساكنوه لما ... حلا بنجد لي التّهجير والنّجد
ولا اطّباني برق في أبارقه ... كأنه صارم في متنه ربد «1»
هل من سبيل إلى ذات السّتور ولو ... أنّ الظّبا والقنا من دونها رصد «2»
ففي هواها قليل أن يطلّ دمي ... وكم لها من قتيل ما له قود
وبالعقيق حبيب لو بذلت له ... روحي لكان يسيرا في الذي أجد
وقوله: «3» [الكامل]
ذكر العقيق فهاجه تذكاره ... صب عن الأحباب شطّ مزاره
وهفت إلى سلع نوازع قلبه ... فتصرّمت بين الجوانح ناره
(127) شغفا بمن ملك الفؤاد بأسره ... وبودّه أن لا يفكّ إساره
يا من ثوى بين الجوانح والحشا ... مني وإن بعدت عليّ دياره
عطفا على قلب بحبّك هائم ... إن لم تصله تقطّعت أعشاره «4»
وارحم كئيبا فيك يقضي نحبه ... أسفا عليك وما انقضت أوطاره
ما اعتاض من سمر الحمى ظلّا ولا ... طابت بغير حديثكم أسماره «5»
هل عائد زمن تضوّع نشره ... أرجا ورقّت بالرّضى أشجاره «6»
يحمي النّزيل وكيف لا يحمي وقد ... حفّت بجاه المصطفى أقطاره
وقوله: «7» [الكامل](16/192)
سلوان مثلك للمحبّ عزيز ... وعليك لوم الصّبّ ليس يجوز
قلبي ذلول في هواك ومسمعي ... فله عن اللّوّام فيك نشوز
يا من شأى بجماله شمس الضّحى ... ولقدّه دان القنا المهزوز
هل للمتيّم في وصالك مطمع ... فلعلّه بالقرب منك يفوز
أنا عبدك الرّاضي برقّي فارضني ... عبدا فلي في ذلك التمييز
لا عار يلحق في هواك لعاشق ... ومحبّ غيرك عرضه مغموز «1»
لا أدّعي فيك الغرام مغمغما ... في مثل حبّك يكشف المرموز
نظم القريض بمدح غيرك نقده ... زيف ونظم مديحك الإبريز «2»
كلّ العروض بحسن مدحك كامل ... يحلو به المقصور والمهموز
وقوله: «3» [الكامل]
إن بان من تهوى وأنت مثبّط ... وصبرت لا تبكي فأنت مفرّط
فاحلل عقود الدّمع في دار الهوى ... فلها البكاء عليك حقّ يشرط «4»
طلّ الدموع على ثرى الأطلال في ... شرع الغرام فريضة لا تسقط
دار علقت بها وفودك فاحم ... أفتنثني عنها ورأسك أشمط
كيف التّسلّي عن هوى بدر له ... في القلب منّي منزل متوسّط «5»
(128) وقوله: «6» [الكامل](16/193)
لوم المحبّ عليك ليس يسوغ ... فلم العذول عن الصّواب يروغ
يتجرّع المشتاق فيك تستّرا ... غصص الملام ولا يكاد يسيغ
وقوله: «1» [الوافر]
دموع العين موعدك الفراق ... هنالك ما خزنت أسى يراق «2»
أيا ركب الحجاز هديت رفقا ... بقلب هائم معكم يساق
عجبت له يحلّ بذات عرق ... بهمّته ومنزله العراق
ويسكن أرض نعمان اشتياقا ... ولم تشعر بمسراه النياق
وقوله: «3» [الكامل]
من غير سنّة حبّهم خذ واترك ... وسوى طريقهم تعدّ أو اسلك
واصبر على فتكات صارم حبّهم ... لا فخر للهنديّ إن لم يفتك
والبس بهم ثوب النّحول فإنّه ... لا يخلص الإبريز إن لم يسبك
شرف القلوب دخولها في رقّه ... والعبد يحوي الفخر بالمتملّك «4»
وقوله: «5» [البسيط]
ركب الحجاز ومنك الخير مأمول ... هل عندك اليوم للمشتاق تنويل
هل ربّة السّتر بعد النّأي دانية ... أم حبلها بعد طول القطع موصول
أم هل تحلّ مطايانا بساحتها ... وربعها الرّحب بالأحباب مأهول «6»(16/194)
يلبزن صمّ الحصا لبزا كأن دمها ... خطّ عليه فمنقوط ومشكول
تحنّ شوقا وأنّى لا تحنّ إلى ... حمى الرسول النجيبات المراسيل
حللتها فحلا عندي الغرام بها ... ثم انصرفن وفي قلبي عقابيل
وقوله: «1» [البسيط]
أحبابنا إن ونت عنّي رسائلكم ... فإنّ أنفاس وجدي نحوكم رسل
(129) وإن تشاغل غيري عنكم يهوى ... فما لقلبي سوى تذكاركم شغل
ومنهم:
44- الحسام الحاجريّ «13»
وهو أبو الفضل، عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل بن خمارتكين بن طاشتكين، الإربليّ. ممن تسمّى في الأفراد، وينمى في نسبه إلى الأكراد. وكان من أهل الجنديّة وذوي الفضل.
ولابن خلكان به صحبة، وكان يكثر في سوم شعره، ويؤثر السحر من شعره.
وقتل بعد الثلاثين وستمائة. رزق عليه بعض أعدائه، وزرّ عليه طوقا من القتل سلبه من ردائه. وشعره سهل الخلائق، دمث الجانب، كأنّه الرّوض دبّجت الشقائق. ومنه قوله: «2» [الكامل]
لم لا يشنّ على فؤادي غارة ... والخدّ من زرد العذار ملبّس(16/195)
يتنفّس الصّعداء قلبي كلما ... عاينت صبح جبينه يتنفّس «1»
ملك الفؤاد بعارض وبمقلة ... حار البنفسج فيهما والنّرجس
كيف السبيل إلى السّلوّ ولي حشا ... أضحى يقوم بها الغرام ويجلس
قد صيّر الخدّ البكاء حفائرا ... فإذا جرت فيه المدامع تيبس
لا تخش ثأرا حيث خدّك ناطق ... يدمى عليك فلي لسان أخرس
وقوله: «2» [الطويل]
بحقّكم يا جائرين تعطّفوا ... فقد رقّ لي من هجركم كلّ شامت «3»
وقوله: «4» [الخفيف]
جسد ناحل وقلب جريح ... ودموع على الخدود تسيح
وحبيب جمّ التّجنّي ولكن ... كلّ ما يفعل المليح مليح «5»
وقوله: «6» [الطويل]
ولم أنسه كالبدر ليلة زارني ... يميس كغصن البان وهو رطيب
فبتنا ولا واش سوى طيب نشره ... علينا ولا غير النجوم رقيب
وقوله: «7» [الكامل](16/196)
وعلى الكئيب ولا أصرّح بالهوى ... من لا يلمّ بقلبه الإشفاق «1»
(130) ما كنت أعلم قبل يوم فراقهم ... أنّ الحمام قطيعة وفراق
وقوله: «2» [الطويل]
رعى الله ليلات بطيب حديثكم ... تقضّت وحيّاها الحيا وسقاها
فما قلت إيها بعدها لمسامر ... من الناس إلا قال قلبي آها «3»
وقوله: «4» [الطويل]
وبي ثمل ما ماس إلا وأطرقت ... حياء له السّمر الذّوابل والقضب «5»
يعاتبني والذّنب في الحبّ ذنبه ... فيرجع مغفورا له ولي الذّنب
وقوله: «6» [الخفيف]
قلت لما بدا يرنّح عطفي ... هـ كغصن الأراكة الميّاد
قد سرقت الرّقاد قال مجيبا ... ليس هذا بدعا من الأكراد
وقوله: «7» [الوافر]
أسائقها إلى العلمين قصدا ... يبيد البيد قربا مثل بعد
حذارا إن وصلت بها المصلّى ... من البلوى فداء الحبّ يعدي(16/197)
وقوله: «1» [الكامل]
لله درّ لواعج أودعتني ... يوم الغوير ضحى وأنت مودّعي
سأعلّمنّ النّوح كلّ حمامة ... ثكلى وفرط الوجد كلّ مفجّع
وقوله: «2» [الوافر]
عذار في الغرام أقام عذري ... شغفت بحبّه وهتكت ستري «3»
أيا شمس الملاحة كلّ صبّ ... يشاهد من جفونك يوم بدر «4»
وقوله: «5» [الوافر]
أتظعن والذي تهوى مقيم ... لعمرك إنّ ذا خطر عظيم
إذا ما كنت للحدثان عونا ... عليك وللزمان فمن تلوم
وقوله: «6» [الطويل]
ولّما ابتلي بالحبّ رقّ لشقوتي ... وما كان لولا الحبّ ممن يرقّ لي
(131) أحبّ الذي هام الحبيب بحبّه ... ألا فاعجبوا من ذا الغرام المسلسل
وقوله: «7» [الطويل]
تعشّق من أهوى فأصبحت ذا هوى ... جدير بمن يهوى الحبيب ويعشق(16/198)
وأعجب من ذا أن قلبي موثّق ... كذا من له قلب بآخر موثق
وقوله: «1» [السريع]
قلت لمحبوبي وقد مرّ به ... محبوبه كالقمر السّاري
هذا الذي يأخذ لي طرفه ... من طرفك الفتّان بالثّار
وقوله: «2» [الكامل]
ومهفهف من شعره وجبينه ... تغدو الورى في ظلمة وضياء
لا تنكروا الخال الذي في خدّه ... كلّ الشّقيق بنقطة سوداء
وقوله: «3» [السريع]
ومن غرامي فيه قال الورى ... ما جنّ قيس مثل هذا الجنون
كلّي لسان عند تذكاره ... وجملتي عند التلاقي عيون
وقوله: «4» [الكامل]
أضحى ليوسف في الجمال خليفة ... يخشاه كلّ العاشقين إذا بدا
عرّج معي وانظر إليه لكي ترى ... في خدّه علم الخلافة أسودا
وقوله: «5» [الكامل]
ما زال يحلف لي بكلّ أليّة ... أن لا يزال مدى الزمان مصاحبي
لما جفا نزل العذار بخدّه ... فتعجّبوا السواد وجه الكاذب(16/199)
وقوله: «1» [الوافر]
سقى عهد الصّبا غاد ملثّ ... ولا حيّا بياض العارضين
فمذ خطّ المشيب عدمت صحبي ... لقد كان المشيب غراب بين
وقوله: «2» [الخفيف]
كذب القائلون بابل أرض ... هي اسم من بعض تلك العيون
(132) وقوله: «3» [السريع]
لو لم تكن وجنته جنّة ... ما أنبتت ذاك العذار الأنيق
وا عجبا يفعل بي في الهوى ... ما تفعل الأعداء وهو الصديق
وقوله: «4» [الكامل]
ومهفهف عبث السّقام بجفنه ... وسرى فخيّم في معاقل خصره
مزّقت أثواب الظلام بثغره ... ثم انثنى فرفوتهنّ بشعره
وقوله: الصّواب أنها لابن سهر بن العباس الصولي: «5» [الطويل]
دنت يا ناس عن بابي زيارة ... وشطّ بليلي عن دنوّ مزارها
وإنّ مقيمات بمنعرج اللّوى ... لأقرب من ليلي وهاتيك دارها
وقوله: «6» [المتقارب](16/200)
بليت بذي جفوة جائر ... وماذا احتيالي ورقّي لديه
أراه فأدعو له خيفة ... وأخلو بنفسي فأدعو عليه
وقوله: «1» [الكامل]
ووقفت قلبي المستهام على الهوى ... طوعا وكلّ متيّم مطواع
يا غير حبّ العامريّة لا تسم ... قلبي فإن الوقف ليس يباع
وقوله: «2» [الكامل]
لا تعجبن يا عزّ إن ذلّ الفتى ... ذو الأصل واستعلى اللئيم المعتدي
فكذا البزاة رؤوسهنّ عواطل ... والتاج معقود برأس الهدهد
وقوله: «3» [الكامل]
قد قلت لما أن رأيت بخدّه ... وردا وخطّ عذاره كالآس
أعذاره السّاري العجول بخدّه ... ما في وقوفك ساعة من باس
وقوله: «4» [الوافر]
تثنّى فاستحال قضيب بان ... يحيّر من معاطفه الغصونا
وكانت بابل من قبل أرضا ... فلما أن رنا صارت جفونا
(133) وقوله: «5» [الطويل](16/201)
أموت اشتياقا مبعدا ومقرّبا ... وأتلف وجدا حين يرضى ويغضب
فكيف احتيالي في الشّفاء ومهجتي ... على كلّ حال في هواه تعذّب
وقوله: «1» [السريع]
طبّ ابن شمعون بلا ريبة ... حكم على كلّ الورى مقضي «2»
يمشي وعزرائيل من خلفه ... مشمّر الأردان للقبض
وقوله: «3» [البسيط]
حذار من طبّ شمعون فقد حلفت ... أن لا يفارق جسما زاره العلل «4»
ما جسّ نبض فتى إلا وأنشده ... «ودّع هريرة إنّ الركب مرتحل» «5»
وقوله: «6» [السريع]
ليت ابن شمعون درى أنه ... يفعل فعل الأرقم القاتل
مبارك الطّلعة في طبّه ... لكن على الحفّار والغاسل
وقوله: «7» [السريع]
من آل خاقان له لفتة ... كالظّبي والظّبي شرود نفور
صحّ حساب السّحر من طرفه ... إذ كان في جفنيه جمع الكسور(16/202)
وقوله: «1» [الطويل]
على دمع عيني من فراقك ناظر ... ترقرقه إذ لم ترقه المحاجر «2»
يمثلك الشّوق الشّديد لناظري ... فأطرق إجلالا كأنك حاضر
عجبت لخال يعبد النار دائما ... بخدّك لم يحرق بها وهو كافر
وأعجب من ذا أن طرفك منذر ... يصدّق في آياته وهو ساحر
ومذ خبّروني أن غصنا قوامه ... تيقّنت أنّ القلب مني طائر
وما اخضرّ ذاك الخدّ نبتا وإنما ... لكثرة ما شقّت عليه المرائر
وقوله: «3» [الطويل]
سقى الله جيرانا على الخيف طالما ... سقيت الثرى من بعدهم بدموعي
(134)
تناءوا فآل القلب بعد فراقهم ... يمنيا بأن لا قرّ بين ضلوعي «4»
وقوله: «5» [الخفيف]
هل لطرف أسهرتموه هجود ... ولظام ألهفتموه ورود
كيف صبري والبين منّي قريب ... ليس ينفكّ والمزار بعيد
والليالي القصار أضحت طوالا ... كنّ وصلا واليوم هنّ صدود
وقوله: «6» [الرمل](16/203)
إن هم بالله يا حادي السّرى ... سألوك الحال قل: والله مضنا
يتمنّى ساعة من قربكم ... وبعيدا أن يرى ما يتمنّى
وقوله: «1» [المتقارب]
شكوت إلى البان ما بي فمال ... إلى أن تباكى عليه الحمام «2»
وقوله: «3» [الطويل]
بدا فأراني الظّبي والغصن والبدرا ... فتبّا لقلب لا يبيت به مغرى
نبيّ جمال كلّ ما فيه معجز ... من الحسن لكن وجهه الآية الكبرى
أقام بلال الخال من فوق خدّه ... يراقب من لألاء غرّته الفجرا «4»
أغالط إخواني إذا ذكروا له ... حديثا كأني لا أحبّ له ذكرا
أعاذل هل أبصرت من قبل وجهه ... وعارضه نارا حوت جنّة خضرا
سرى طيفه ليلا إليّ مجدّدا ... عهود الهوى يا حبّذا ليلة الإسرا
ومنهم:
45- ابن تميم «13»
وهو مجير الدين، محمد بن [يعقوب بن علي الإسعردي] «5» . طاب شميما، وطال بأبّوته الفرزدق وتميما. وكان فتى لا يزال من النّوائب مجيرا، ولا يرنّح(16/204)
الرّكائب بردا ولا هجيرا. يعمل مطيّه على وجاها، ويعمل لما زاده رتبة وجاها «1» ، لأدب رقّ كالخدّ سلسله، وخطّ حسن كالصّدغ مسلسله، وشعر كان فيه مطبوعا لا يتكلّف، ومتبوعا لا تجد عنه من يتخلّف. وأغري بالتورية والاستخدام، وأتى منهما بالماء والمدام، فألقى على الناس منه محبّه، وملك القلوب فلم يدع منها حبّه، فأخمل شعراء الشام والعراق، وضمّ اللطائف (135) ضمّ السّاعد للعناق. وطالما بات ليالي لا ينقاد لوسن، ولا يرتاد إلّا سهل الكلام لكنه الحسن.
وكان يعدّ في حماة من حماتها، وممن تفلق به الدّروع قلوب كماتها.
وصحب ملوكها الطّيّبين بحارا، وأمسى لهم في جانب الفرقدين جارا، فبلغ به جودهم فوق همّاته، وغادروه الدهر شاكرا لحماته. وله معهم أخبار يطول شرحها، ويحول سرحها. حكي أنّ الملك المنصور استدعاه في ليلة غفل رقيبها، وحضر ربيبها، وسحبت من الذّوائب ضفائرها، وسجنت من بيض الأيام ضرائرها، إلى مجلس من خزف، وفواكه لم تحرف. وأمامه جدول قد خرّ ماؤه فتكسّر، وأنّ عليه كل بارق وتحسّر. والكؤوس دائره، والشّموس في أيدي البدور سائرة. فلما رأى الجدول، وقد أصابته من العين نظرة فتعثّر، وسقط عقد لؤلؤه فتنتّر، نظر إليه، وقال: [الكامل]
يا حسنه من جدول متدفّق ... يلهي برونق حسنه من أبصرا
ما زلت أنذره عيونا حوله ... خوفا عليه أن يصاب فتعثرا
فأبى وزاد تماديا في جريه ... حتّى هوى من شاهق فتكسّرا
فسرّ المنصور بأبياته، وأحبّ استطلاع خبايا بناته، وأمره بالجلوس إليه، وجعله أرفع القوم مجلسا لديه. ثم لم يستقرّ به المكان، ولا قعد واستكان، حتى(16/205)
تحرّك المجلس لغلام ورد، كأنما تبسّم عن برد، فقال له المنصور بصوت يخفيه، ما تقول فيه، فقال: [الخفيف]
بأبي أهيف تبدّى وحيّا ... بابتسام عدمت منه اصطباري
فأراني بوجهه وثنايا ... هـ نجوما طلعن وسط النّهار
فقال له سرّا، وقد أسفر وجهه وتسرّى: ألا إنّه شديد النّفار من المدام، ولو قرّع بالملام. فهل تقدر على استلابته، وتسهيل بأسه واستهابته؟. فما قطع المقال، حتى التفت إليه ابن تميم وقال: [الطويل]
أتهجرها صرفا لأجل خمارها ... وذلك شيء لو جرى غير صائر
(136) فلا تخش من داء الخمار وعاطها ... «هنيئا مريئا غير داء مخامر»
فكاد الغلام يسطو عليه سطوة العائث، وقال له كالعابث: وما هذه؟
فقال: [السريع]
صفراء لو لاحت لشمس الضّحى ... من قبل أن تطلع لم تطلع
أحسن ما في وصفها أنّها ... لم تجتمع والهمّ في موضع
فقال: بل أشرب خيرا منها، وأدعو «1» للنهي عنها. ثم أتى بركة، فغبّ في مائها، وأرى وجهه خيال قمره في سمائها، فقال: «2» [الكامل]
أفدي الذي أهوى بفيه شاربا ... من بركة راقت وطابت مشرعا
أبدت لعيني وجهه وخياله ... «فأرتني القمرين في وقت معا»
ثم لم يزل به حتى شرب، ولذّ معه عامّة ليلته وطرب. فلما طلع ابن ذكاء، وأنار الصّبح وأضاء، شكر له المنصور حلّ عقدة الغلام، وقال: مثلك من سحر(16/206)
بالكلام. ثم سنّى له الجائزة، وغدا ابن تميم ويده لها حائزة.
ثم استدعاه ليلة أخرى، والحندس قد أسبل جلابيبه، والظلام قد صبّ شآبيبه، والنجوم قد آلت أن لا تزول، وركائب السّيّارة على المجرّة نزول. فبيناهم في ذلك العيش السّجسج «1» ، وبرد السّرور الذي مثله ما يسنج، وإذا بجارية في ظلامها مسفرة، ولذمامها غير مخفرة. قد عنّت كالظّبية المقبلة، تحت ذيل ذوائبها المسبلة، فقال له: إن كنت من أبناء قيلة، قل في هذه الليلة.
فقال: «2» [الكامل]
يا ليلة قصّرت زورة غادة ... سفرت فأغنى وجهها عن بدرها «3»
حتى إذا خافت هجوم صباحها ... نشرت ثلاث ذوائب من شعرها
فتبسّمت تضحك لشيب مفرقه، وتوضّح الشمس في مفرقه، فقال: [الوافر]
تقول وقد وصفت لها مشيبي ... بزهر في دجى شعري منير
بودّي لو يغيّبها غمام ... ويؤمر بالمقام فلا يسير
(137) فقال له الملك المنصور: دع عنك هذا، وقل في ذوائب هذه الجارية، فقال: [الطويل]
وهيفاء يسبينا اهتزاز قوامها ... وتفتننا بالسّحر أجفانها المرضى
يطول عليها الشّعر حتى إذا مشت ... أتى خاضعا قدّامها يلثم الأرضا
فقال له: بالله هل أعجبتك هذه الجارية؟ فقال: إي والذي خلق الحبّ، وقيّم الزّبّ. فضحك المنصور، وضحكت الجارية. ثم قال له: أفتحبّ أن تكون ملكك، على أن لا تمنعنا من عادة زيارتها؟ فقال: رضيت بالشّركة. فقال له(16/207)
المنصور: لو قلت هذا شعرا لكان أحسن. فقال: [الطويل]
يقولون لم نعهدك في الحبّ آخذا ... شريكا ولا مستأنسا بصديق
فقلت طريق الحبّ أصعب مخطرا ... مخوفا فلم يسلك بغير رفيق
فقضى معه ليلة لم ير مثلها ابن حجر في لياليه الغرّان، ولا ابن بحر عند ابن الخيزران.
وحكي أنّه استدعاه في صبيحة يوم أبيض، ونور بات ياسمينه على الأرض ينفض، والثلج قد نثر كافوره، والجليد قد كسر بلّوره، والسحائب قد أضحت ذيولها مجرورة، والبرق قد تلوّن طول ليلته حتى أخرجها من صورة إلى صورة، وأواني الزجاج قد شفّت من وراء مدامها الرّاح، والدّنان قد فكّ عنها ختام فدامها، ورجال الرّاح قد رادت في إقدامها، والسّاقي بعذار كأنّما كتب بالريحان، أو سيّج بالزّمرّد بنت الجان، وتحت عذاره خيلان. قد خبّأت مسكها فزاد تضوّعا، وكثر طيبه تنوّعا. قد بارح نشرها وفاح، وعلم بنقطها في خدّه أنّه قد تمّ وصف التفاح. فلما دخل عليه في بكرة ذلك اليوم الأغر، ورأى الدنيا الضاحكة تفترّ، أنشده: [الكامل]
يا أيها الملك الذي بسطت له ... بالجود كفّ دهرها لم يقبض
دنياك مذ وعدت بأنّك لم تزل ... في نعمة وسعادة لا تنقضي
كان الدليل على وفاها أنّها ... أضحت تقابلنا بوجه أبيض
(138) فقال له: ما لهذا طلبتك، ولا لأجله خبّأتك، لكن انظر إلى شامات هذا السّاقي تحت عذاره، وقل في أسّه وعذاره. فلم يقل إيها، حتى قال بديها: [الكامل]
ومهفهف خيلانه وعذاره ... قد جاوزا حدّ الجمال فأفرطا(16/208)
فكأنّما كتب العذار بخطّه ... سطرا بحبّات القلوب ونقّطا
فأجزل له الصّلة، وإن لم تكن عوائده منفصلة.
وحكي أنه طلبه في أخريات عصر غربت شمسه، وكاد يتساوى يومه وأمسه. وبثّ الرّسل في طلبه من كلّ صوب، وتوقّع أوبته من كل أوب، إلى أن توقّد في فحم الدّجى جمر الشّفق، وأهزلوا الجوزاء وخفق. فلم يوجد في ناحية، ولا رئي في عشيّة ولا ضاحية. فلما انشقّ جيب الظلام، واشتعل في المشرق وثيب الضّرام، ألفي في بستان، نائي المكان، نائي السّكان. قد خلا فيه بنفسه منفردا، وبقي فيه فردا مثل السيف مجرّدا. فأخبر بحاله، وأحضر إليه على حاله، فأمر أن يسقى مداما، ثم أوسعه ملاما، فقال: [الكامل]
من كان يرغب في حياة فؤاده ... وصفائه فلينأ عن هذا الورى
فالماء يصفو ما نأى فإذا دنا ... منهم تغيّر لونه وتكدّرا
وحكي أنه خرج والرّبيع قد غشيت أنديته، وقتيل المحل قد أديت ديته، حتى خيّم بروضة أطال إليها الخبب والإيضاع، وأودعت النّسيم طيبها فضاع، وبها دولاب تذر مآقيه، ويسرّ مدير كأسه وساقيه، قال فيها: «1» [الطويل]
أيا حسنها من روضة ضاع نشرها ... فنادت عليه في الرّياض طيور
ودولابها كادت تعدّ ضلوعه ... لكثرة ما يبكي بها ويدور
فبينا هو على تلك الوسائد، وفي خدمه من قائم الشجر تلك الولائد. فلما أمست مسكة الليل من بأرضه، وصاغ النجم له خاتما من فضة، أخذته (139) إغفاءة كإغفاءة المناصل، أو أخذ المدام بأطراف المفاصل. فرأى فيما يراه النائم(16/209)
غلاما كان يهواه. قد طرقه طيفا، وبات له في سواد الليل ضيفا، فقال: [الطويل]
أقول لطيف الحبّ إذ زار مضجعي ... وبات إلى وقت الصّباح معانقي
أيا عجبا من ليلة قد طويتها ... بوصل حبيبي وهو فيها مفارقي
ومرحت وامتدت أقاطيع الأشعة وسرحت، إيّاه الغلام بقدّ كالرّدني، وطرف كاليماني. قد لبس لام عارضه، وأسكت حسنه قول معارضه، فقال: [البسيط]
من لي بأهيف قد أمست على خطر ... من قدّه مهجتي إن ماس أو خطرا
قد راح بالعارض المسكيّ محتجبا ... والغيم عادته أن يحجب القمرا
وفيه يقول: «1» [الطويل]
وأهيف مثل البدر غصن قوامه ... عليه قلوب العاشقين تطير
تدور عذاراه لتقبيل وجنة ... على مثلها كان الخصيب يدور
وفيه يقول: [الكامل]
يا حسن أهيف حظّه من حبّنا ... طيب النّعيم وحظّنا منه الشّقا
قدم العذار إلى نقا وجناته ... يا مرحبا بقدوم جيران النّقا
وفيه يقول، وقد عيّره بالمشيب: [الكامل]
أضحى يعيّرني المشيب وإنما ... أبداه طول صدوده وفراقه
هذا الذي أخذ الشباب فزاده ... في ليل طرّته وفي أحداقه
وحكي أنه حضر أندية بعض الكبراء، وقد غضّ فيه قدر من بقي من(16/210)
الشعراء. وهو لا يبوح ببنت شفة، ولا يحترف معهم تمرة ولا خشفه، إلّا أن تلبّث خاطره قد انفجر، وخاسئ فضله لهم قد زجر. فلما لم يوم إليهم بطرف، ولا نطق بحرف، همّوا بمناجاته، فعالجهم بمفاجاته، حين أعورت عينه قذاتهم، وأعولت عنده أذاتهم، وقال: لقد جهلتم غرر المصاع، وكلتم زمر الناس كلّهم بصاع، (140) ولو اختبرتم القدّ على المحكّ، لبان الشّك. فتنوّعوا حينئذ في الاقتراح، وكدّوا خاطره فاستراح. فقال أحدهم: صف فوّارة. فقال: [الطويل]
سمت فأعادت في السماء مياهها ... وزادت فأجرت من مجرّتها نهرا
وقال الآخر: صف كلبا أحمر. فقال: [البسيط]
وثقت بالصّيد لّما أن ركبت له ... بمستطيل على وحش الفلا ضاري
بأحمر اللون خفّت روحه فله ... روح من الرّيح في جسم من النّار
وقال الآخر: قل في غلام طويل الشّعر. فقال: [الكامل]
قال الحبيب وقد رآني خائفا ... إذ زارني من أعين النّظّار
أرسلت شعري حين جئتك زائرا ... خلفي فعفّى عنهم آثاري
وقال الآخر: صف روضا تعبث به النسيم. فقال: [الكامل]
روض تحلّى بالنبات فماله ... ولحسنه إلا السّماء نظير
والزّهر مثل الزّهر تحسب أنها ... فيه إذا هبّ النّسيم تسير
وقال الآخر: صف حديقة قد اهتزّ دوحها، وابتزّ عرف الجنان روحها، واخضلّ فيها نبت النعماء، ورفّت بنت الروض على ابن ماء السماء. وبينها نهر صفا ضميرا، وغدا لأطفال النبات ضيرا. فقال: [مجزوء الكامل]
وحديقة مالت معا ... طف دوحها من غير سكر(16/211)
والنهر ساغ قد غدا ... بسعادة الأغصان يجري
وقال الآخر: إني كلف بفتى دقيق الخصر، لم يحو مثله القصر. فقل فيه.
فقال: [السريع]
قد أظهر المحبوب أعجوبة ... حار بها العاشق في أمره
ضاق على خنصره خاتم ... فردّه يقلق في خصره
وحكي أنه مرّ مرّة بدار كان يعهدها معاهد ظباء، ومواعد حباء. فرآها مقفرة الأبيات، من سوانح تلك الظبيات، فوقف بها باكيا، وطاف بأطلالها شاكيا، وهو يقول: [البسيط]
(141) يا ليت دارهم من بعدهم رسخت ... تحت الثّرى واختفت عنّي إلى الأبد
فإنّ رؤيتها من بعدهم سبب ... إلى تضرّم نار الشّوق في كبدي
ثم عكف عليها طائفا، وتذكّر تليدا وطارفا، وقال: [الكامل]
كانت ديارهم بهم مأهولة ... تغدو بها غزلانها وتروح
حتى نأوا عنها فصارت بعدهم ... كالجسم لما فارقته الرّوح
ثم والى الزّفير والشّهيق، حتى رثى له الشفيق، ورأى الخليّ أنه لا يفيق.
وحكي أنّه خلا بنفسه في بعض مجالس أنسه، متداويا من هوى برّح بقلبه في جارية، كاد ريّاها يطير بلبّه في ليلة أفصحت العيدان بحروف معجمها، وقرئت صحائف الظلماء بنقط أنجمها، وجرّت كمّت الكؤوس إلى وردها، وخلطت مسك الليل بوردها. وأقبلت الجواري والولدان كاللؤلؤ المنثور، ووصلت الظلماء بذوائب الشّعر المنشور. وأقسم السرور أن قفل الظلماء على الفجر لا يفتح، وآلى أن جانب السّحر له لا يفسح، فقال: [البسيط](16/212)
إنّ الغناء الذي قد كان يطربني ... بكم وينشي مسراتي وأفراحي
هو الذي صار ينشي بعد بينكم ... حزني ويجعل دمعي مزج أقداحي
ثم أصبح وهو ما هو عليه من الجماح، وأصحر وقد غنّت ذوات الجناح، فجعل يبكي ويقول: [الكامل]
أعلمت أنّ الورق بعدك ساعدت ... أهل الهوى بالنّوح والأحزان
وبحقّها ناحت عليك لأنّها ... فقدت قوامك في غصون البان
وحكي أنّه جلس مرّة بالمسجد الجامع، وقد أجاب داعي مؤذّنه السّامع. فلما فرغ من أداء ما وجب، وجلس إليه رجل يقرأ كتابا ويظهر العجب. فلما امتدّ في ذلك الطّلق، ولم يفه لسانه ولا نطق، فقال له: ممّ تعجب، ولم تتخفّى السّماء وتحجب؟ فقال: إنها درعيات أبي العلاء، ودرّيّات ذلك اللألاء. فقال: اقرأها عليّ، وهاك ما لديّ. فقال: لا والله حتى أترح عليك وإلّا (142) فاطرح وإليك، فقال على لسان الدّرع: [الطويل]
هنيئا لمن يأوي إليّ فإنّه ... يلوذ بحصن لا يرام حصين
وألبسه في الرّوع ثوب سلامة ... وألقى الرّدى عن نفسه بعيون
وحكى أنّه دعاه بعض الرؤساء إليه في ليلة باردة، أصبح منها بطن الأرض مقشعرّا، وظهر الرّوض من الزّهر قد تعرّى، والجليد قد أقلّ حيل الجليد، والبرد قد نهك الحديد، فسار على كره منه وغيظ لم يثنه، حتى أتى مجلسا أمامه بحرة لو جاراها البحر لجارت، أو أطلقت فيها أزمّة السّفن لسارت، ترمي فيها فواره كإنسان يتشهّد في الماء، أو عمود فضّة يقيم خيمة السّماء. فقال له ذلك الرئيس: هل قلت في ليلتك هذه شيئا؟ فقال: نعم. فقال: ما هو؟.
فأنشده: [الوافر](16/213)
وليلة قرّة قد هبّ فيها ... نسيم لا تقابله الصّدور
نسيم يقشعرّ الرّوض منه ... إذا وافى ويرتعد الغدير
فعبس ذلك الرئيس وجهه وقطّب، وقال: ظننت والله أنّك تسرّنا فسؤتنا، فهلّا تكفّر هذا بما تقوله في هذه البحرة، فقال: [الطويل]
لقد قابلتنا بالعجائب بحرة ... مكمّلة الأوصاف في الطول والعرض
كأنّ الذي يرنو إليها بطرفه ... يرى نفسه فوق السّما وهو في الأرض
فقال له: فما شأن الفوارة؟ فقال: [الطويل]
وفوارة جادت على الأرض فانثنت ... عقيب الظّما بالرّيّ كالنّرجس الغضّ
وقد أرسلت لّما ارتوت فضل مائها ... هدايا على أيدي السّحاب إلى الأرض
فقال له: لقد والله عظم حقّك عليّ فاحتكم. فقال: إي والله، فقال: تهبني السّاقي، وكان غلاما روميّا ناعس الطّرف ناعم الظّرف، قد فاق بسحر عينيه، وفلّ الجيوش بكسر جفنيه. فقال: [الكامل]
روحي الفداء لمن أدار بلحظه ... صهباء في عقلي لها تأثير
فاعجب له من أن يصون بلحظه ... مشمولة وإناؤها مكسور
(143) فاستطار مسرّه، واستقلّ الغلام له في المبرّه.
وحكي أنّه جلس على بحرة، أشرقت سماؤها، وطاب بكفّيه المجلس ماؤها، والشمس قد توسّطت الظّهيرة، وأرخت ذوائب أشعّتها الضّفيرة، واللّجّة قد نصبت في كلّ ناحية حباله، وتناومت عينها فما رأيت من الشيء إلا خياله، والماء قد لبس من شعاع الشّمس فضّيّ الغلالة، وغابت سباع البركة، فلعبت الغزالة. فقال: [الطويل](16/214)
ولمّا احتمت منها الغزالة بالسّما ... وعزّ على قنّاصها أن ينالها
نصبنا شباك الماء في الأرض حيلة ... عليها فلم نقدر فصدنا خيالها
ثمّ، بينما هو في في إملائهما على الحضور، ويومه قد وسع فوق طاقته من السّرور، وإذا بفتاة كانت تنتاب محلّه انتياب الطّيف الطّارق، وتطلع عليه في الأحيان، طلوع النّيّر الشّارق، وقد جاءت إليه بتهادي وزارته، ولم تفارق جفنه سهادا، ثم لم تلبث أن تجرّدت من ثيابها ونزلت الماء، وأرته في الأرض كيف يحلّ البدر السّماء، فقال: [الكامل]
لو كنت إذ أبصرتها عريانة ... بضفيرتين كليلتي مهجور
لتراهما ألفين من مسك وقد ... خطّا على لوح من الكافور
وحضر نادي الملك المنصور، وقد حشر الصّباح له ونادى، وقدح السّماح له زنادا، واليوم أوّل ما قد ترعرع، وسرير الملك بوقاره قد تزعزع، وكؤوس الرّاح ساعية، ونفوس الأفراح داعية، وقد جلس للاصطباح، والدهر قد انقاد نيبه للاصطلاح. وإذا بغلام قد دخل كالظّبي، قد تدرّع درع الفارس الأشوس، وخاف أسود شعر محيّاه دراء الأطلس، فقال له: قل في هذا، فقال: [الطويل]
وأهيف أخفى شعره تحت أطلس ... فأصبح منّا كلّ قلب به مغرى
أراد بأن يطفي عن النّاس فتنة ... بإخفائه فاستأنفت فتنة أخرى
فقال: أحسنت والله، فبحياتي قل فيه أيضا، فقال: [الطويل]
(144) وبي ساحر الأجفان حيّة شعره ... تبدّت لنا في أطلس راق أبصارا
عجبت لها ما فارقت منه جنّة ... فلم سكّنت من ذلك الأطلس النّارا
فقال: أحسنت والله، فبحياتي قل فيه أيضا، فقال: [السريع]
قلت لحبّي إذ خبا شعره ... في أطلس بالغ في ستره(16/215)
مكّن يدي من لمسه قال لي ... من يلمس الثّعبان في وكره
فقال: أحسنت والله، فبحياتي انظر إلى حسن هذه المنطقة في خصره، ثمّ قل فيها شيئا. وكان الغلام قد شدّ عليه منطقة مجوهرة، قد عانقته كأنّها كلّفت بحبّه، وشغفت بخصره غراما، فتعلّقت به، وتلك المنطقة كأنّما توشّحت بالمباسم، أو توشّعت بأصل المواسم، قد جعلت للهوى به أقوى سبب، وجليت صفوا كالرّاح طفا عليها الحبب، فقال: [الكامل]
كم قلت إذ شدّ الحياصة شادن ... كلّ القلوب بأسرها في أسره
أتراه قد شغف النّجوم محبّة ... فتساقطت وتعلّقت في خصره
فقال: أحسنت والله، فبحياتي قل أيضا، فقال: [الكامل]
لّما رأت عيني مناطقك التي ... أضحت بخصرك دائما تتعلّق
لا تستقرّ وقد علتها صفرة ... ونحول جسم بالصبابة ينطق
أيقنت أنّ الخصر ضاع نحافة ... فلذا تدور جوى عليه وتقلق
فقال: أحسنت والله، فبحياتي قل أيضا، فقال: [المتقارب]
بروحي حبيب إذا ما بدا ... رأيت العيون به محدقه
أعار التّثنّي قدود الغصون ... فأعطته من حليها منطقه
فسنى له الجائزة، ثم قال له: لك الاقتراح، وكان وقت راح، فقال: أن تأذن لي أن أسافر إلى مصر مدّة، ولك أن تشترط في أيّام الغيبة العدّة. فأذن له على شرط لازم، فشمّر تشمير عازم، ثمّ ما بلّل طلّ الشّجر أطراف الأردية، إلّا وقد ندّ من الأندية، وخلّف رقعة كتب فيها إليه: [السريع]
(145) إنّي وبعدي عنك يا يامالكي ... وأنت بالإحسان لي ناظر(16/216)
كالرّوض إذ جادت عليه السّما ... والبعد ما بينهما ظاهر
فلمّا أتى دمشق وحلّها، واستطاب دون البلاد محلّها، ورأى النّيّرين وقد أشرق له فيهما نيّر البين، وهبّ إليه ذلك الرّيا، ووقف على مجرى النهر في الدّوح، تحت أغصان الثّريا قال: «1» [الطويل]
سقى الله وادي النّيّرين فإنّني ... قطعت به يوما لذيذا من العمر «2»
درى أنّني قد جئته متنزّها ... فمدّ لأقدامي بساطا من الزّهر
وأوحى إلى الأغصان قربي فأرسلت ... هدايا مع الأرواح طيّبة النّشر
وأخدمني الماء القراح فحيث ما ال ... تفتّ رأيت الماء في خدمتي يجري «3»
ثمّ خرج يريد مصر في بكرة يوم من أيّام الرّبيع، قد جاء فيه النّسيم بريح الجنان مخبرا، وتأجّج الشّفق نارا تحرق من الطّيب عنبرا، وقد ألقى أبيض الغيم على محمرّه ذيله الفضفاض، وآناء الصّباح قد امتلأ من ندى الطّلّ وفاض، فقال: [الكامل]
للغيم في شفق الأصائل منظر ... يلهي برونق حسنه من أبصرا
لا غرو إن طاب النّسيم وأفقنا ... نار مؤجّجة تحرّق عنبرا
ثمّ سار أمام كلّ سريّة، حتى أتى الإسكندرية، وهي صنعاء البلاد، وذات الحلل لا البجاد، لا يتجاوزها الأمل، ولا يعدّ ما فيها من حسن التّفاضيل والجمل. فلمّا تمتّع بتحبيرها وتحريرها، وتنعّم في جنّتها وحريرها قال: [الكامل]
لمّا قصدت سكندريّة زائرا ... ملأت فؤادي بهجة وسرورا(16/217)
ما درت فيها جانبا إلّا رأت ... عيناي فيها جنّة وحريرا
وفي المركب بمينائها يقول: [الكامل]
انظر إلى قطع المراكب إذ بدت ... والماء يعلو حولها ويدور
مثل السّحائب لا يفرّق بينها ... نظر وكلّ بالرّياح يسير
وحكي أنّه مات له يوم مطر صديق بكاه، وأغرى بدمعه السّحاب فحكاه (146) فقال: [الطويل]
بروحي الذي جاء الغمام يعوده ... فصادفه نحو المنيّة قد سرى
فما زال يبدي حرقة وتنهّدا ... ويبكي إلى أن بلّ من دمعه الثّرى
وحكي أنّه كان قد علق غلاما توقّدت نار وجنته، وحلت مجاجة شفتيه، فأتاه ليلة أثر مدام، دقّق غزل مقلتيه، وشوّش سالفتي طرّتيه، وفي يده شمعة، أزهر منها شمعة خدّه، وأرشق منها قامة قدّه، فلمّا رآه مقبلا وثب وقبّل قدميه من كثب، ثمّ قال بديها فيه وفيها: [الكامل]
عجبا له أنّى يزور بشمعة ... وضياؤه أبقى الظّلام نهارا
لمّا رأته ووجهه أبهى سنا ... منها أسالت دمعها مدرارا
وغدت لفرط الغيظ تعطي كل من ... وافى ليقطع رأسها دينارا
وحكي أنّه خرج يوما بحماة يتفسّح في الصّحراء، والرّبيع قد طلع في حلّته الخضراء، حتى أتى النّاعورة الكبرى، والغروب قد جرى على النّهر تبرا، ونهر العاصي في تلك العشيّة قد موّهت كؤوسه، وذهبت نجوم فواقعه شموسه، فقال يصف النهر: [الطويل]
ونهر إذا ما الشّمس حان غروبها ... عليه ولاحت في ملابسها الصّفر
رأينا الذي أبقت به من شعاعها ... كأنّا أرقنا فيه كأسا من الخمر(16/218)
ثم قال في الناعورة: [الطويل]
وناعورة شبّهتها حين ألبست ... من الشّمس ثوبا فوق أثوابها الخضر
بطاووس بستان يدور وينجلي ... وينفض عن أرياشه بلل القطر
وحكي أنه كان قد واعد صديقا أن يخرج معه غازيا، ثمّ قعد وانطلق صديقه غاديا، وذلك لأنّه لم يتقدّم له عليه حقّ يسلّفه، ولا ضرب له موعدا لا يخلفه، ثم كتب إليه يعتبه، وحمّله من أثقاله ما يتعبه، فكتب إليه: [الطويل]
رأيتك إذ ألزمتني الذّنب ظالما ... وذنبك بين النّاس قد شاع واشتهر
كقلب الذي يهوى يعذّب دائما ... ولم يجن ذنبا إنّما الذّنب للبصر
(147) ثمّ لّما فقد ذلك الصديق، وقابل عذره بوجهه الصّفيق، جعل يذكر مواقف غزاته، والاعتداد بمجازاته، فقال: [الطويل]
أتفخر إذ طاعنت خيلا مغيرة ... فوارسها يوم الوغى ما لها ذكر
وفاتك أنّي طول عمري لم أزل ... أطاعن خيلا من فوارسها الدّهر «1»
وحكي أنّه خرج يوما إلى الصحراء، وقد تجلّت الأرض بالبيضاء والصفراء، وعيون النّرجس محدّقة. الفضاء مجال خيله. فألفى به غلاما كان له. كان له أيّ مسعد وافاه على غير موعد، فأنزل القبل بساحة خدّه، وأطال في ذميل العناق إليه ووخده «2» ، وقال، وجيوب الشّفق مشقّقة، والنّسيم يتعثّر بذيله، ويوسع في ذلك: [الكامل]
لو لم أعانق من أحبّ بروضة ... أحداق نرجسها إلينا تنظر(16/219)
ما شقّ جيب شقيقها حسدا ولا ... بات النّسيم بذيله يتعثّر
ثمّ لم يقدر على إطالة المكث معه، فتركه وودّعه، فضاق عليه فسيح ذلك الفضاء، وقام يشيح للمضاء، فمرّ بدولاب قد فاضت عيونه، وعبّرت عن شأنه شؤونه، قد حنّ حنين المفارق للأخدان، وإن تعهّد شبابه وهو أغصان لدان، فقال: [الطويل]
ودولاب روض كان من قبل أغصنا ... تميس فلمّا غيّرتها يد الدّهر
تذكّر عهدا بالرّياض فكلّه ... عيون على أيام الصّبى تجري
وحكي أنّ الملك المنصور استدعاه يوما إلى مجلسه المطلّ على العاصي، المشرف على الدّاني منه والقاصي، والسّعد قد خدمه، وطنب على النجوم خيمه. وقد أتاه بعض الخدم المعدّين للخدم، فعرض عليه من أعمال الجواري صنائع حسان، وبدائع إحسان، كأنّما أسهمها الرّوض في حبره، أو سهّمها النرض بإبره، فجعل يقرّبها ويأخذها ويقلّبها، حتى أتى على مناديل ليست بمذالات، جعلت لبدور الوجوه هالات، فأمره أن يكتب ما يطرّز فيها، فلم يقل أيّها (148) بل قال بديها: [الطويل]
إذا حملتني راحة الملك الذي ... أنامله جودا تفيض على البحر
فمن ذا الذي قد حاز ما حزت من علا ... ومن ذا الذي قد نال ما نلت من فخر
إذا كنت أرقى كلّ وقت وساعة ... على لجّة البحر المحيط إلى البدر
وحكي أنه واعد غلاما كان به مغرما، وكان لا يرى غير وصله مغنما، وقد ضرب له العشاء موعدا، وأصبح له الدّهر بوصله مسعدا. فجلس لانتظاره حتى طوي بساط السّمر، وكفّ الغروب اشتطاط القمر. فلمّا اسودّت أحشاء الظّلماء، وطفي سراج السّماء، طلع عليه إذ غاب القمر طلوع البدر، وأراه من تلك الليلة(16/220)
ليلة القدر، فقال: [البسيط]
كم قلت للقمر العلويّ حين بدا ... يزهى بنور على الآفاق منتشر
أغرب فبدر الدّجى عندي ومن ملكت ... يداه بدر الدّجى لم يرض بالقمر
ثمّ أديرت الكؤوس، وأذيلت من الهموم مسرّات النّفوس، والساقي يحثّها صفراء تسرّ النّظّار، وتبطن فضّة الأقداح بالنّضار، والغلام إذا أتاه الدّور أطال حمل الكاس، وتشاغل بشمّ الآس، فقال: [الطويل]
حبيبي وعدت الكأس منك بقبلة ... وأعقب ذاك الوعد منك نفار
فأوقفتها تحت الرّجاء وقلبها ... به خوف خلف الوعد منك شرار
وما كان هذا لونها غير أنّها ... علاها لطول الانتظار صفار
فلمّا غربت النّجوم، وغرّدت الطيور حين همّ الصّباح بالهجوم، باكر الغلام رفقة كان قد اتّعد معهم السّفر، وحكى الظّبي الغرير فنفر، فقال: [البسيط]
لّما رحلتم بقلبي في حمولكم ... وظلت حيران بين الهمّ والفكر
سلّطت دمعي على عيني وقبلكم ... قد كنت أشفق من دمعي على بصري
وحكي أنّه حين آب من سفره، وانجاب عنه من ذلك النّبكان «1» سحاب مغفرة، دخل عليه زائرا، وقد قلع لامته «2» ، وهزّ عوض الرّديني «3» قامته، والكؤوس (149) تحثّ والمدام يقول: لا يكن للكأس في يدك لبث. وهو يخالف أمره المطاع، ويحبس الكأس في يده ما استطاع، فجنّ ابن تميم جنونه، وباسطه فلم يقبل جنونه، فقال: [البسيط](16/221)
لا تحسبوا طول حمل الكاس في يد من ... أحببته أنّه ساه ولا ناسي
لكن رأى وجهه فيها وأعجبه ... جماله فأطال الحمل للكاس
وحكي أنّه كان له صديق يسر بموافقته، ويصرّ على مرافقته. كانا نجيّين في السّرور، ويضعان ويرتشفان الحبور ويرتضعان، ثمّ حصلت بينهما مقاطعة وهجرة، أظلمت ما بينهما، والكؤوس ساطعة، ومكثا على الهجران، حتى آن أن يلقي الشّتاء الجران «1» ، فهبّ يوما من منامه، وصبّ للاصطباح كؤوس مدامه، والجوّ قد مرحت فيه قطع الغيم، ولبس منه صدور البراءة وحلّة الأيم. فلمّا برئت من الشّفق الجراح، وتعلّق السّحاب دون السماء تعلّق القطاة بالجناح، تذكّر عهد صاحبه المفارق، وساقه إليه من شعاع المدام وميض البارق، فكتب إليه: [البسيط]
إلى متى ذا التواني يا نديم فقم ... والق المدام بإكرام وإعزاز «2»
فيومنا بابتسام الجوّ تحسبه ... من عقل من بات فيه صاحبا هازي
فقد تجعّد مبيضّ الغمام به ... دون السّماء فحاكى جؤجؤ البازي «3»
فلمّا قرأها قام إليه، وقطع يمينا لا يغلو بإنفاق العمر عليه.
وحكي أنّه اتخّذ له بادهنجا تغيّر عليه هواه، ولم يحسن إرساله للنّسيم ولا هواؤه، فقال فيه: [البسيط]
قد كان لي بادهنج أستلذّ به ... في القيظ منه النّسيم الرّطب ألتمس
لكنّه، عشتم، قد مات من زمن ... أما تراه وما يبدو به نفس
وكذلك حكي أنّه رأى وردا يستخرج ماؤه، وقد فارت في الأنابيب دماؤه،(16/222)
فقال: [البسيط]
الورد قد قال لّما أن أتيتكم ... ضيفا وفضلي عليكم غير ملتبس
(150) جعلتم فيض روحي نصب أعينكم ... ظلما ولم تقنعوا أن تأخذوا نفسي
وقال: «1» [الطويل]
ولم أنس قول الورد والنّار قد سطت ... عليه فأمسى دمعه يتحدّر
ترفّق، فما هذي دموعي التي ترى ... ولكنّها نفس تذوب فتقطر
وحكي أنّ رجلا دعاه إلى بستان نازح، ومكان لا يسمع ضيفه صوت نابح، بعيد من القرى والقرى، ما فيه للطارق إلا الحديث والمناح في الذّرى، فبات عنده بسوءة الحال. فلمّا أصبح شمّر للارتحال، فأركبه المضيّف له فرسا قصيرا، لا يحسن له مصيرا، فقال: [الطويل]
وما أنا إلا راحل فوق ظهره ... ولكنّني فيما ترى العين فارس
فقال له ذلك المضيّف، وكان جاهلا لا يتقلّب بين الناس والرّجا، ولا يفرّق بين المديح والهجا: هبك قلت هذا، ماذا يكون؟ فقال ولم يفصل بين كلاميهما سكون: [البسيط]
لا تحتقر بقليل الشّرّ إنّ له ... زيادة كضرام النّار بالقبس
فحرب وائل ضرع النّاب سعّرها ... وحرب عبس جنتها لطمة الفرس
وحكي أنّه كان يهوى غلاما يهيم بوعده، ويصلى النّار ببعده. وطالما قعد ينتظر منه موعدا أخلفه، وقد قدّم له الوعد وأسلفه، فإذا عتب قال: نسيت. وإن كان لا ينسى ولا يأسف عليه ولا يأسى، فقال: [الطويل]
مدحي الذي نسيانه صار عادة ... وأفرط حتى كاد يعدمه الحسّا(16/223)
فلو أنّه بالهجر أضحى مهدّدي ... لما ساءني علما به أنّه ينسى
وحكي أنّه حضر مجلس بعض الأكابر، وقد غصّ المجلس، وبهتت فيه عيون النرجس، وقمعت فيه أصابع المنثور، وأعطي فيه أمير الحسن ذؤابة شعره المنشور، وطال إعمال الكؤوس، حتى غمضت الجفون، ولم يبق من دور الكأس حال من الجنون، وثم أمنية ابن تميم قد تركه السّكر لقى، وخلا (151) خدّه المضرّج مخلقا. فنهض غير مرّة لتقبيله، ثمّ خاف أعين قبيله، فقعد بعد اللّجاج، ورجع رجوع الصادي، والماء يجلا عليه في الزّجاج، فقال: [الكامل]
كيف السّبيل لأن أقبّل خدّ من ... أهوى وقد نامت عيون المجلس
وأصابع المنثور تومي نحونا ... حسدا وتغمزها عيون النّرجس
وفيه يقول: [السريع]
أبدى الذي أعشقه شامة ... تزيد بلبالي ووسواسي
بصحن خدّ لم يغض ماؤه ... ولم تخضه أعين النّاس
وفيه يقول، وقد أفاض عليه درعا، ضاق به ذرعا، وقد جعل شعره في كيس من الأطلس، منع بها حيّته أن تسعى، أو تجدّد له لسعا: [الكامل]
شهد القتال وحاجباه وطرفه ... تغنيه عن حمل الصّوارم والقسي
أعطاه أرقم شعره جلبابه ... درعا فعوّضه بثوب أطلس
وأمّا ما لم يقع لنا فيه من شعره خبر، فقوله في البنفسج والورد: [الكامل]
إن البنفسج مذ أتاه مبشّر ... بالورد عرّض وحشه من أنسه
الورد يورده الحمام فلبسه ... ثوب الحداد لرزأة في نفسه
وقوله يهجو: [الكامل](16/224)
لّما جسستك بالمديح ولم أكن ... أدري بأنّك خامل في النّاس
ناديت لّما أن جسستك بالهجا ... أكليب خذها من يدي جسّاس
وقوله في النرجس: [المتقارب]
ولما أتى النّرجس المجتنى ... بقرب الرّبيع وإيناسه
نثرنا على رأسه فضّة ... وتبرا فراق لجلّاسه
وأصبح يخطر ما بيننا ... وذاك النّثار على رأسه
وقوله في إهداء قدح: [الكامل]
يا حسنه قدحا يضيء زجاجه ... ليل الهموم إذا ادلهمّ وعسعسا
(152) أهديته مثل النّهار فإن حوى ... صرف المدام غدا نهارا مشمسا
وقوله: [الوافر]
وزورق فضّة لم تحظ منه ... عيون الشّرب من فرط البريق
تراه وهو يسبح في الحميّا ... هلالا لاح في شفق رقيق
وقوله يرثي شريفا غرق في نهر يزيد: [البسيط]
بني عليّ يزيد حيث كان لكم ... حربا، فمن حلّ منكم فيه لم يعش
لقد تنوّع في إتلاف أنفسكم ... فظلّ يقتلكم بالرّيّ والعطش
وقوله يصف خيال الغصون في الماء: [الكامل]
وحديقة ينساب فيها جدول ... طرفي برونق حسنه مدهوش
يبدو خيال غصونها في نهرها ... فكأنّما هو معصم منقوش
وقوله في النيلوفر: «1» [الكامل](16/225)
لما حكى زهر الكواكب نوفر ... وأقام وهو على الكياد حريص
خاف الحريق وقد رمته بشهبها ... فلذاك أمسى في المياه يغوص
وقوله: [الطويل]
ونيلوفر يحكي النجوم وماؤه ... يحكي سماها لا يغادرها حرفا
يغيب إذا غابت ويبدو إذا بدت ... ويشبهها شكلا ويفضلها عرفا
وقوله: [الطويل]
إذا كنت ذا فضل وتشكر ناقصا ... يقابل إعراض الورى بالقوارص
فلا خير في الفضل الذي قد حويته ... إذا الفضل لم يرفعك عن شكر ناقص
وقوله: [الكامل]
إنّ الشّفيع إلى الجواد شريكه ... في الجود للدّاني معا والقاصي
وإذا شكرت البحر في إنعامه ... بالدّرّ فاشكر حيلة الغوّاص
وقوله: [الكامل]
ولربّ صيّاد غذتني كفّه ... سمكا يظلّ الطرف منه حائرا
(153) يلقي إلى قعر الخليج بدرعه ... فيعود ملآن العيون خناجرا
وقوله: [البسيط]
لا تعجبوا من غلامي وهو أبله خل ... ق الله إذ راح لي في حاجة فمضى
فالسهم وهو جماد حين أرسله ... من ساعتي في مهمّ يفهم الغرضا
وقوله يذم قينة: [السريع]
غانية جاءت بلا موعد ... ولم تكن روحي بها راضية(16/226)
قضى الله لي بها مرّة ... يا ليتها كانت القاضية
وقال يصف زهر اللّوز: [الوافر]
خرجنا للتّنزّه في بقاع ... يعود الطّرف عنها وهو راض
ولاح الزّهر من بعد فخلنا ... ضبابا قد تقطّع في رياض
وقوله على لسان الياسمين: [الكامل]
لما ازدرى بالياسمين ولبسه ال ... مبيضّ زهر الرّوض قال وأعرضا
ما ضرّ إذ كان نشري طيّبا ... من دونكم إذ كان ثوبي أبيضا
وقوله في المديح: [البسيط]
لّما تفضّلت في حقي وقمت إلى ... نصري وبلّغتني بالجود أغراضي
كسوت عرضك درعا بالمديح فإن ... أردته كان سيفا في العدا ماضي
وقوله في المشيب: [الكامل]
خطب ألمّ، وشيب رأسي جملة ... فلقيت شرّا منهما وكذا قضي
فاعجب لخطب أسود لم يقتنع ... بفعاله وأتى بخطب أبيض
ولله هذا الشاعر وحسن تخيّله، ولطف تحيّله، انظر كيف جعل الخطب الملمّ موافيا لشيب رأسه المدلهم، وجعل خطب النّوائب أسود، وخطب الشيب أبيض، وأنه جمع فيهما بين المتضادين، وقد قال في البيت الأول: و «لقيت شرّا منهما «وهو إن حمل على ظاهره كان بليغا، وإن حمل على أنّ المراد بقوله شرّا (154) أفعل التفضيل كان أبلغ، وهذا الذي لا يقدر عليه كلّ شاعر، ولا يعدل به وسق «1» الأباعر.(16/227)
عدنا إليه. وقوله يخاطب شيخه علاء الدّين النّحّاس: [الوافر]
علاء الدّين أضحى بحر علم ... يجيب السّائلين بلا قنوط
أحاط بكلّ ما في الأرض علما ... فقل ما شئت في البحر المحيط
وهذا من المقاصد الحسنة، إذ جعله قد أحاط بما في الأرض، وهو البحر المحيط، إذ هكذا حقيقته.
عدنا إليه. وقوله وقد دعي إلى مجلسين يفضّل أحدهما: [الوافر]
دعيت فكان أكلي فخد طير ... ولم أشرب من الصّهباء نقطة
وما يومي كأمس وذاك أنّي ... أكلت إوزّة وشربت بطّة
وهذا والله غاية ما بعدها.
عدنا إليه: [السريع]
مذ زارني المحبوب تحت الدّجى ... مبرّدا قلبي من قيظه
تطّلع الصّبح علينا ولم ... يشعر به فانشقّ من غيظه
وقوله يحرّض على القتال: [الكامل]
انهض بنا نحو العدوّ فإنّهم ... في غفلة من قبل أن يتيقّظوا
فجيادنا للغيظ تأكل لحمها ... حنقا عليهم والظّبى تتلمّظ
وقوله في مطرب: [الكامل]
يا من يلازم موضعا في شدوه ... قسما لقد شرّفت مني مسمعي
لو كان لي سعد وحقّك لم تزل ... أبدا تعنّيني بهذا الموضع
وقوله يصف نارا: [الكامل](16/228)
وكأن نارا أضرمت ما بيننا ... ولهيبها يخشى سطاه ويجزع
سوداء أحرق قلبها فتكلّمت ... بسفاهة فينا كلاما يلذع
وقوله: [الكامل]
لا ذنب للنيران إن هي أخمدت ... زمنا فصنّ العرق فيه بنبضه
كانون أرعدها فأصبح جسمها ... للبرد يدخل بعضه في بعضه
(155) وقوله يصف فانوسا: [الكامل]
انظر إلى الفانوس تلق متيّما ... ذرفت على فقد الحبيب دموعه
يبدو تلهّب قلبه لنحوله ... وتعدّ من تحت القميص ضلوعه
وفيه يقول: «1» [الطويل]
يقول لها الفانوس لما بدت له ... وفي قلبه نار من الوجد تسعر
خذي بيدي ثم اكشفي الثّوب تنظري ... ضنى جسدي لكنني أتستّر «2»
وفيه يقول: [البسيط]
أبدي اعتذارا لذا الفانوس حين غدا ... في حالة من هواه ليس ينكرها
رأى الهوى مضرما ما بين أضلعه ... نار الجوى فغدا بالثّوب يسترها
وقوله يصف درعا: [الطويل]
ودرع إذا ألقيتها وسط مهمه ... رأيت القطا فيها يغبّ ويكرع
يكاد إذا عاينت ضحضاح ما بها ... يلوح بها للصّفو حوت وضفدع
إذا ما أتاها الرّمح ظنّ بأنّها ... غدير نشأ في مائه فهو يخضع(16/229)
ويرعد متن السّيف علما بأنّه ... متى زارها في شهره يتقطّع
ولو كان أنّ في ضلوعه ... من الغمد يلقاها لما كان يطلع
وإن جاءها سهم يناد بها سردها ... أرى النّصح يا مغرور أنّك ترجع
إذا كان هذا في قنا اللحظ والظّبى ... صنيعي فقل لي ما بضعفك أصنع
فلو لجأت نفس إليّ وجاءها ... رسول المنايا لم تكن منه تجزع
وقوله: [الوافر]
ونهر كلّما هبّت عليه النّ ... واسم في الذّهاب وفي الرّجوع
يؤثّر فيه تجعيدا خفيفا ... كوطء الصّافنات على الدّروع
وقوله في غلام ينظر وجهه في مرآة: «1» [الكامل]
طوبى لمرآة الحبيب فإنها ... حملت براحة غصن بان أينعا
(156) واستقبلت قمر السّماء بوجهها ... فأرتني القمرين في وقت معا
وقوله في غلام لابس قباء أصفر: [الطويل]
ولّما ارتدى من أصفر اللّون حلّة ... كسا عاشقيه حلّة من طباعها
وما هي إلّا شمس خدّيه أشرقت ... فألقت على أثوابه من شعاعها
انظر إلى رأي هذا الشاعر الأصيل، ولطف معناه الذي خضعت له شمس الأصيل، هل يقال أحسن منه في لابس أصفر، أو يجلي مثله الصباح إذا أسفر.
عدنا إليه. وقوله يصف ناعورة: [الكامل]
وناعورة قالت لنا بأنينها ... قولا ولم تدر المقال ولم تعي
كم فيّ من عيب يرى مع أنني ... أبدا أسير ولا أفارق موضعي(16/230)
لا رأس في جسدي وقلبي ظاهر ... للناظرين وأعيني في أضلعي
وقوله: [الطويل]
أيا ذا الذي قد كفّ كفّيه عامدا ... عن الجود خوف الفقر ما ذاك سائغ
أتخشى، سهام الفقر ما دمت منفقا ... تصيبك، والنّعمى عليك سوابغ
وقوله: «1» [الكامل]
حاذر أصابع من ظلمت فإنّه ... يدعو بقلب في الدّجى مكسور
فالورد ما ألقاه في جمر الغضا ... إلّا دعاء أصابع المنثور «2»
وقوله: [الكامل]
لّما دعا المنثور أن الورد لا ... يأتي وإن يصلى بنار سعير
ودّت ثغور الأقحوان لو أنّها ... كانت تعضّ أصابع المنثور
وقوله: [الكامل]
أنعم على المنثور منك بزورة ... فلقد أراه والسّقام حليفه
ما اصفرّ إلا حين غبت ولم تزل ... تدعو بأن يأتي إليه كفوفه
وقوله: «3» [الكامل]
مذ لاحظ المنثور طرف النّرجس ال ... مزور قال وقوله لا يدفع
(157) فتّح عيونك في سواي فإنه ... عندي قبالة كل عين أصبع
وقوله: [الكامل](16/231)
مذ قلت للمنثور إنّ الورد قد ... وافى على الأزهار وهو أمير
بسمت ثغور الأقحوان مسرّة ... بقدومه وتلوّن المنثور
ومنهم:
46- الأمير السليمانيّ «13»
رجل من أبناء الأمراء، وبطل تجلّى بأبناء الأسود بلا مراء، كان من أضرى الضّراغم، وأعزّ الفوارس. إذا أنف شمّ الرّغام أنف الرّاغم، ثمّ خلع تلك الملابس، وولع بما كان له أفخر لابس. واجتنب الأمراء وصحب الفقراء، ولبس رداء التصوّف، وترك رياء التصرّف، وترك دويرة أبي القاسم الشّميساطي بباب الجامع الأموي. وأصبح عن النّاس بمعزل، وقال ما مثل الدّويرة منزل. وخمدت منه تلك السّطا الفاتكة، ولم يجنح مع دويرة الشّميساطي أن يقول: يا دار عاتكة.
وكان من صاغة الشعر، وباعة القصائد بأغلى سعر. وممّا اختار لنفسه، ومن خطّه نقلت، ومن ظبائه السّوانح عقلت، قوله: [البسيط]
لو عاين اللائم اللّاحي محاسنه ... لما خلا قلبه من حبّه أبدا
شمس سنا، غصنا قدّا نقا كفلا ... سهما لحاظا طلا ريقا طلا جيدا
يزيد قلبي لهيبا في محبّته ... إذا ترشّفت من ذاك اللّمى بردا
وقوله: [الكامل]
ولقد سريت على أغرّ كأنّه ... لهب الهشيم أصاب ريح الشّمال
وله إذا ضاق الفضاء وحطّمت ... سمر القنى، وعلت سماء القسطل
دوران زوبعة وخفّة شمأل ... وصدام جلمود وعطفة جدول(16/232)
وقوله: [الكامل]
إن مسّ ذاك الوجه من كره أذى ... أخفاه عن لحظ العيون فلم تره
فكذا أخوه البدر عند كماله ... يعتاده مسّ الكسوف من الكره
(158) وقوله: [الكامل]
لك معنيان إذا طرقت أراهما ... وإذا ذكرتك في النّسيب أريهما
بيني وبينك من جمالك عامر ... فالحسن والإحسان يظهر فيهما
وقوله: [الكامل]
أعلقتكم حبل الوداد وجئتكم ... بمودّة ما زال ثابت أسّها
مثل السّفين تجشّمت صعدا وجا ... دبها على علّاتها من نفسها
وقوله: [الكامل]
قولوا لمن أضحى سواء عندهم ... ما يوجب الإعراض والإلمام
بإضافة الأعلام لا تتعرّف النّ ... كرات بل تتنكّر الأعلام
وقوله: [الكامل]
لا غرو إن وصف امرؤ وصفي ونا ... ل مكانتي يوما وليس بطائل
تجري الصّفات على أمر ليست له ... ويقام مفعول مقام الفاعل
وقوله: [المنسرح]
لا تك ممن يقول أعرف هـ ... ذا الأمر جهلا منه وما عرفه
سل غير مستكبر فإن حيا ... ة الجهل بين الحياء والأنفه(16/233)
وقوله: [المنسرح]
في الناس من يخطئ الصّواب فإن ... ردّ إليه يعود كالنّاسي
وإنّما من يرى الصّواب ولا ... يعرفه لا يعدّ في النّاس
وقوله: [الطويل]
الخاتم المنقوش زينة لابس ... وحرز لما يحوي من العين والقدّ
فمن جاءني كالصّخر عاد كما بدا ... ومن جاءني كالشمع حصّل ما عندي
وقوله: [الطويل]
إليك أمير المؤمنين بعثتها ... عروسا تهادى في صوان وفي خدر
سليلة أعراب بنجد بيوتها ... وما برحت من قصر عيسى إلى النّهر
لدى ناهب عجم الطّغاة نفوسهم ... وأمواله نهب الفصيح من الشّعر
أليلة قدر قمت أنشد مدحة ... لديه، وما أدراك ما ليلة القدر
(159) أؤمّل نعمى ثيّبا أستزيدها ... على حسن ما أهديت من ناهد بكر
وقوله: [البسيط]
إن لم يصب من عدوّ سهمه غرضا ... يوم النّضال فإن الرّأي صائبه
وإن سرى في بهيم الخطب سائره ... تريك محتوم ما يأتي تجاربه
ومنها:
غيث يسحّ على الدّاني فيغرقه ... جودا وتنشر للقاصي ذوائبه
وكلّ ما جلّ من مال ومن نشب ... فالعدل جامعه والجود ناهبه
وقوله: [الطويل]
إذا ساس ملكا سار كالشّمس أشرقت ... عليه فنجم الظّلم في الأفق آفل(16/234)
وإن حكّ مسودّ الخطوب برأيه ... جلاه كما تجلو الصّفاح الصّياقل
ومنها:
إذا اعتقلوا سمر الرّماح فعقلهم ... بمولاهم صيد وبيض عقائل
وإن نكحت بيض الصّدور فإنّها ... تحيض دما في الرّوع وهي حوامل
وقوله: [الطويل]
فلا تتّخذ عونا على الدّهر دائبا ... سوى العدمس الوجناء والفرس النّهد «1»
فإني حلبت النّاس ثمّ مخضتهم ... فما حصلت كفّاي منهم على زبد «2»
وقوله: [الطويل]
عزيز إذا عاززته في عظيمة ... ألّمت، فإن لاينته لان جانبه
إذا اضطرّ لم يحلم ويحلم قادرا ... على مذنب والغيظ يزور حاجبه
وقوله: [الرجز]
إن القضاء قاذف المرء إلى ... مقدوره أو جاذب بطوقه
أفّ لمن يجبن عن أقرانه ... إنّ الجبان حتفه من فوقه
وقوله: [الرجز]
ندعوك للأمر الذي يعزّنا ... دفاعه عنّا فليس يبرح
ليس لهذا الأمر إلاك فتى ... إن الحديد بالحديد يفلح(16/235)
(160) وقوله: [الكامل]
وكأنّ بركة مائها ماويّة ... تحكي النّجوم الزّهر في جريانها
فتريك لامع مائها في سقفها ... وتريك زخرف سقفها في مائها
ومنها:
وكأنّ ألواح الرّخام موائلا ... في لونها وصقالها وصفائها
أمواه آنية تخالف لونها ... فتشبّهت كلّ بلون إنائها
ومنها:
تمّت محاسنها بجمّام لها ... تتخلّل الضّرّاء في سرّائها
كالكير يخلص سرّه بحريقه ... فنعيم داخلها بطول شقائها
تبدو لعينك في القباب بدورها ... وتضيء في أرجائها وسوائها
وبكلّ أنبوب سكوب قنية ... فدموعها تجري جوا والنار في أحشائها
ومنها:
ودمشق، زاد الله ملكك، جنّة ... جدواك فيها مثل قسمة مائها
علّمه يرقى مثل جودك في ذرى ... أو غالها ويصبّ في بطحائها
وقوله: [البسيط]
إنّي ليحزنني ذكرى مآربه ... وقصده الشّرف المقصود بالدّأب
جرت أمانيه تتلوها منيّته ... شدّا فما وقفا إلّا على الإرب
قضى وفي قلبه من فقد صبيته ... حزن يدوم مع الأيام والحقب
كالعظم ليس بذي روح ويؤلمه ... أذى المشارك مثل العرق والعصب
وقوله: [البسيط](16/236)
ملك له من بني العباس منزلة ... علياء يقصر عن إدراكها زحل
سمت جلالا فلو مدّت لتلمسها ... كفّ الخضيب عراها الضّعف والشّلل
وقوله: [مجزوء الرجز]
إيّاك يا منتحلا ... حديث شعري متّضح
(161) شعري كالمسك من ... يسرق منه يفتضح
وقوله: [الطويل]
صفاتك أصفى من سماء سحابة ... رأت من مديحي حيث مازجها بحرا
ولكنّها تهمي عليّ فرائدا ... فآخذها ماء وأقذفها درّا
وقوله: [الكامل]
لا تركننّ إلى صفاء مصاحب ... إن لم تكن أحكمته تجريبا
فالماء يصفو للعيون وإنّه ... ليريك كلّ ممثّل مقلوبا
وقوله: [الطويل]
نصبت على التمييز إنسان مقلتي ... أشاهد قدّا منه نصبا على الظّرف
أأخشى فراقا بعدها أو قساوة ... وقد جاؤوا والصّدغ للجمع والعطف
وقوله: [الخفيف]
لم يوفّق من أعوزته المدارا ... ة ولا طال من يطول عناده
وإذا المرء صيّر الحقد طبعا ... مات غبنا ولم تمت أحقاده
فاجعل الحلم والسّماح جناحي ... ك تصيد ما لم تكن تصطاده(16/237)
واقتصد في الأمور إن لبيب النا ... س من أعجب اللبيب اقتصاده
هي منّي نصيحة لك والنّص ... ح كبير نفاقه وكساده
وقوله: [مجزوء الرمل]
قل لمن علّم خطّا ... مرّة لا نلت علما
زدت عين الشّرّ شرّا ... وسقيت السّهم سمّا
وقوله: [الكامل]
إنّي لأعرف في الرّجال مخادعا ... يبدي الصّفاء وودّه ممذوق
مثل الغدير يريك قرب قراره ... لصفائه والقعر منه عميق
وقوله: [الخفيف]
لم تغيّر يا أحسن النّاس ودّي ... بدوام الصّدود والتّعذيب
شافع واحد من الحسن يمحو ... ألف ذنب لا سيّما من حبيب
(162) وقوله: [الطويل]
وقد كان روح الأرض حال حياته ... وأيّة روح لا يفارقها الجسم
لقد عدم المعروف بعد وفاته ... ولو أنّه حيّ لما عرف العدم
وقوله: [مجزوء الرجز]
يا هرما كأنّه نصل يراه من لمح ... وصغيره من شاهد الوضع اتّضح
فلو تهيّا سهمه وركّب السّهم وصح ... رمى به عفريت بلقيس على قوس قزح
وقوله: [الطويل]
أساكن مصر قرّ عينا ولا تخف ... فقد كفل الجبّار رعي مقامها(16/238)
وقد صحّ نقلا أن مصر كنانة ... وأهرامها منها يصول سهامها
وقوله: [الوافر]
تبيّن أنّ صدر الأرض مصر ... ونهداها من الهرمين شاهد
ووا عجبا وقد ولدت كبيرا ... على هرم وذاك النّهد ناهد
وقوله: [البسيط]
يا ويح ناعورة باتت تؤرّقني ... فواصلت حزن آصالي بأسحاري
باتت تئنّ وتبكي في تقلّبها ... لكن على غير أوطان وأوطار
فهيّجت أنّتي شوقا إلى سكني ... وأرسلت دمعي الجاري على الجار
وقوله: [مجزوء الكامل]
لا تعذلنّي في العرو ... ض ولو رأيت القصد حائر
دارت عليّ دوائر ... فجهدت في فكّ الدوائر
وقوله: [الكامل]
فتّ التّتار على عتيق مقرّب ... ورجعت لكن فوق جدّ مقرف
وإذا اصطفى الملك الخؤون لنفسه ... ولملكه فالذنب ذنب المصطفي
وأخوك خانك قبل ذاك فما نجا ... فابكوا مليكا خانه الأخ والصّفي
والعين تشبه أختها في خلقها ... ولرّبما اختلفا كعيني أخيف
ومنها:
تتلو الجواسق فاطرا أسفا وقد ... كانت بقربك تاليات الزّخرف
(163) وقوله: [الوافر](16/239)
أميل إلى سكون وانقطاع ... مريح والزّمان به ضنين
وكيف يرام من حركات دهر ... يدور بأهله أبدا سكون
وقوله: [الخفيف]
نمّ فوق الخدّين منه عذار ... لا تراه العيون إلّا خيالا
كإناء من عسجد فيه ماء ... نقشت تحته الصّناع مثالا
وقوله: [الوافر]
تقاطع صاحباي على هناة ... جرت بعد التّصافن والتّصافي
وذا مالا يضمّهما مكان ... كأنهما معاقبة الزّحاف
وقوله: [الطويل]
وصلت فلمّا أن ملكت حشاشتي ... هجرت فجد وارحم فقد مسّني الضّرّ
فليت الذي قد كان لي منك لم يكن ... وليتك لا وصل لديك ولا هجر
فلا عبرتي ترقى ولا فيك رقّة ... ولا منك إلمام ولا عنك لي صبر
وقوله: [البسيط]
إن دام بعدكم لا شكّ في تلفي ... أنتم دوائي وأنتم في الهوى دائي
بقاي بعدكم يا من كلفت بهم ... كالحوت في البرّ أو كالضّبّ في الماء
وقوله: [الكامل]
أنّى تكيّف أو تمثّل ذات من ... عجزت عقول الخلق عن أوصافه
مهما تمثّل ناظر أو خاطر ... فالله جلّ ثناؤه بخلافه
وقوله: [المتقارب](16/240)
أنام إذا أنا حدّثته ... لأن حديثي لا ينفع
نشاط المحدّث في لفظه ... على قدر فهم الذي يسمع
وقوله: [مجزوء الكامل]
يغتابني فإذا التفتّ ... أبان عن محض صحيح
وثبا كوثب البحتريّ ... من النّسيب إلى المديح
وقوله: [الخفيف]
من مجيري من أسمر اللون كالأس ... مر قامت عليّ فيه القيامه
(164) حسد البدر حسنه فلهذا ... ذاب غيظا حتى بدا كالقلامه
لعبت خلفه الذّؤابة فاس ... تكبر تيها فقبّلت أقدامه
وقوله: [الكامل]
والشّعر كالدّينار جيّده ... ورديئه كالفلس في الصّرف
ضرب كضرب العود تسمعه ... وقعاقع كالطّبل والدّفّ
ومنهم:
47- الحسام الأحدب، وهو أبو العوف، منقذ بن سالم بن منقذ بن رافع بن جميل بن منير بن مزروع المخزومي
شاعر ولد بالمعرّة، وعقد راحه بالمسرّة، ومن ثمّ بين نبلائها نجم، ومن يمّ فضلائها انسجم. ونشأ بدمشق منذ كان في سن اليافع، واخضرّت فيها فروعه، فقيل له أبو الغصن لغصنه اليانع. ولم يكن مثله في الحدبان والهلال الذي تقوّس، ولا شبيهه في الأغصان ولو تهوّس، إلا أنه ما سدّت بمثله محرومة محروم، ولا سدّت قريش على نظره نطاق مخزوم.(16/241)
وقد ذكره الفاضل أبو العباس، ابن العطّار الكاتب، قال: «وكان قامته دون قعدة الرجل» خلاف قول سلم الخاسر: [المتقارب]
إلى ملك من بني الخيزرا ... ن كان القيام لديه قعود
وقد أنشده من شعره قوله: [الكامل]
لولا ظماي إلى جنى رشفاتها ... عفت الكؤوس وما شربت مداما
وممنّع الزّورات زور خياله ... من أجله أنا أعشق الأحلاما
يهوى الزيارة في الظّلام مجالسا ... فأودّ لو عاد الصّباح ظلاما
من لي بمعشوق الشّمائل لم ينل ... بدر التّمام إذا رآه تماما
رشأ لقتل محارب ومسالم ... إن لم يهزّ الرّمح هزّ قواما
وقوله: [الطويل]
سلوا ورق بانات الحمى عن تشوّقي ... وجز بالمنحنى عن تحرّقي
ففي دين بعد البين ما بعض بثّه ... يدلّ على قلب المعنّى وما لقي
(165) وليس الذي عندي من الوجد والأسى ... بمستحدث عن بعد يوم التّفرّق
ولكنها نار تشبّ ضرامها ... نوانا فما تخبو إلى حين تلتقي
وفي ذلك الحيّ التّهامي كاعب ... كغصن النّقا عضّ النظارة موثقي
إذا طلعت شمس النهار رأيتها ... تحاذر ذاك الحيّ منها وتتّقي
وقوله: [الكامل]
وفتور لحظك وهو آفة سكرنا ... لا ما أتى في الكأس والإبريق
ما فاتك الحرّ الحلال وإنّما ... حلو حديثك فيه مرّ عتيق
وقوله: [الخفيف](16/242)
لا تزدني على شديد اشتياقي ... فكفاني من الأسى ما ألاقي
فإلى من وأنت خصمي ووالي ال ... حسن أشكو جناية الأحداق
ونصوح يقول نم لترى الطّي ... ف فتحظى منه ببعض التّلاقي
يا رفيق المحبّ أطنبت في التّع ... نيف، ما هذه شروط الرّفاق
وقوله: [الكامل]
ما للغواني قلّ منها ناصري ... لّما رأت خذلان شبّي النّاصل
عطلي من الأحباب أبقاني على ... حال الأسى فأعجب لحال عاطل
وقوله: [الكامل]
زمن الصّبى هل ما تولّى يرجع ... هيهات ذلك والشّباب مودّع
كم قد بكيت عليك لو أجدى البكا ... وأسفت لو أنّ التّأسّف ينفع
لا تنكرنّ لهم خضوعي ذلّة ... من ذا يحبّ ولا يذلّ ويخضع
وحمائم بالغور بتّ مؤرّقا ... أشكو الذي تشكو وباتت تسجع
وأحبّة قطعوا حبال مودّتي ... لم يبق لي في الوصل منهم مطمع
قالوا تعرّض بالخيال وطيفه ... والطّيف كيف يزور من لا يهجع
وقوله: [الطويل]
تجمعت الأحزان من كلّ جانب ... عليّ كشمل الحيّ لّما تفرّقا
(166) حبست على أطلاله الدّمع سافحا ... ففي سفح ذاك المنحنى راح مطلقا
أطلت إليه بثّ شكوى صبابتي ... [ومثلي] يطيل البثّ من كان شيّقا
ولما اجتمعنا للوداع عشيّة ... جزعت ولما يبعد العهد باللّقا
وإن تبت عنكم كارها فأليّة ... بحبّكم لا بتّ إلّا مؤرّقا(16/243)
وقوله: [الطويل]
سرى البرق من نحو الحمى يتألّق ... فهاج لمسراه الحمام المطوّق
وغرّد حتى قلت مثلي متيّم ... وأعلن حتى قلت مثلي مؤرّق
وبتّ أناجي الشوق حتى إذا بدت ... عن الصبح أثواب الظلام تشقّق
وقفت بربع الدار عنهم مسائلا ... فكادت لما بي دمنة الدار تنطق
وقوله: [الطويل]
مرير التّجنّي ثغره خصر الجنا ... بصدري به قبض وعذري له بسط
أباح دم العشّاق خطّى قدّه ... فهل جاءه غير العذار به خطّ
وقوله: [مجزوء الكامل]
طاب الصّبوح مع الغبوق ... فامزج لنا راحا براح
مشمولة قد عتّقت ... في دنّها من عهد نوح
حمراء صرفا إن بدت ... في كأسها أزرت ببوح
أو ما ترى راووقها ... يبكي على الزّقّ الذّبيح
خذها وإلا ما النصي ... ح فلا تطع قول النصيح
وقوله: [الخفيف]
يا نسيم الصّباح عيّ لساني ... قصر والغرام شرح يطول
أنت مأمونة على السّرّ فاستملي ... حديثي وحقّقي ما أقول
جدّدي بيننا المواثيق فالله ... على ما نقول وكيل
في عذول عن السّلوّ وفي ... أذنيّ وقر عما يقول العذول
ما عليهم لو خفّفوا من غرامي ... إن عبء الغرام عبء ثقيل
(167) وبذاك الصّريم ريم لقتلي ... فاعل وعن صدّه مفعول(16/244)
قمر من جبينه ومن الفر ... ع لرأيه بكرة وأصيل
أشبهت لون قده حوّة ... الثغر فذا عاسل وذا معسول
يا عنيدا بالصدّ هل لظما الصب ... ب إلى رائق الوصول وصول
إن نار الجفا التي أنت مصل ... فوق ما يستحقّ منك الخليل
وقوله: [الكامل]
كرّر عليّ فإنّ أخبار النّقا ... أمست أحقّ لمسمعي أن تطرقا
وأعد عليّ حديث من حلّ الحمى ... فلربما ناب الحديث عن اللّقا
وقوله: [الطويل]
أهاجك نجد أم شجتك المنازل ... فأكناف سلع فاللوي فالمعاقل
فيا حبّ وصل لم تشبه قطيعة ... ويا طيب حبّ لم تشنه العواذل
ولم أنس سكّان الحمى وقد اغتدوا ... رواحل قد شدّت لديهم رواحل
فما أوسقوا يوم الترحّل أو سقوا ... مطيّهم إلا ودمعي مناهل
ولما نأوا نأيا تولّيت إثرهم ... أسائل بعد القوم والدمع سائل
فلو قصدوا الإنصاف أدنوا وباعدوا ... ولو عدلوا في الحكم صدوا وواصلوا
أيا فالقا هام الدّجى بقلوصه ... توقّ النّقا إن كنت نجدا تحاول
وإياك أن تأتي الأراك مخافة ... أراك وقد أصمى فؤادك نائل
وقبّل إذا أقبلت أحجار حاجر ... ومثّل به فالرسم للرسم ماثل
وحيّ به حيّا متى رمت ريمة ... يصدّك عنه الذابل القدّ ذابل
فكم علقتنا من هواه علائق ... خذلنا بها والحبّ للمرء جاذل
وكم قد توسّلنا إليه بمدمع ... فسال ولم تنفع لديه الوسائل
ولما رأيت السّحر بدعة طرفة ... تيقنت حقّا أن عيناه بابل(16/245)
وقوله: (168) [البسيط]
وعاذر في الهوى أن دان جاهله ... فللهوى مسلك مستويل زلق
يردي الكميّ وإن جلّت بسالته ... ويستباح حماه المدره العرق
هل أنت عاصم باك سوف يدهمه ... إما حريق بنار الشوق أو غرق
لله من واله ولم ترم بسكان النقا ... ولّما يزل ما اعتاده القلق
فلا تعجّب من ذلّي وعزّهم ... فطالما ذلّ أقوام إذا عشقوا
وإن حرمت لذيذا من وصالهم ... فالمستحقّون شيئا قلّ ما رزقوا
ومنهم:
48- عبد الله بن عمر بن نصر الله الأنصاري، أبو محمد، موفّق
المعروف بالورن، الواعظ، الكحال، المتطبّب. واعظ لا يغر، ولا فظ بلفظ الدّر، وطبيب يمسح بيده السّقام، وكحّال لا تروّع بعده العيون بالمنام. دمث الأخلاق، غيث الروض فخاب سعي نسيمه الخفّاق، وتنقّل في السّكنى بمصر والشام، ثم اتخذ بعلبك من مساكنها دارا، ورضي بساكنها جارا، ثمّ لما حمّ حمامه، وقاربت الممات أيامه، رحل إلى مصر فتوسّد بها فراش التراب، وحطّ بها رحله، ثمّ لم يبعث له ركاب، وشعره الذّ من غفلة الرقيب، وزورة الحبيب، فمنه قوله: [الطويل]
يسائل طرفي عن خيالك في الكرى ... فيخبر سهدي أنّ طرفك راقد
ويحسب وكرا ناظري طائر الكرى ... وما هو إلا للسّهاد مصائد
وقوله: [الكامل]
قلبي وطرفي في ديارهم ... هذا يهيم بها وذا يهمي(16/246)
رسم الهوى لما وقفت بها ... للدمع أن يجري على الرّسم
وقوله: [السريع]
تشابهت والصّبح في نورها ... ففرّق الساقي بفرق دقيق
ومزّقت ثوب الضحى فانثنى ... من بزلها يرفي بخيط رقيق
وقوله: [الكامل]
رقّ النسيم لطافة فكأنّما ... في طيّه للعاشقين عباب
وسرى يفوح معطّرا وأظنّه ... لرسائل الأشواق فيه جواب
(169) وقوله: [الكامل]
إن ضيّعوا عهدي فعهد هواهم ... بين الجوانح سرّه مكنون
وحياتهم، أما السّلوّ فإنّه ... شك وأما حبّهم فيقين
وقوله: [الكامل]
شمت الحسود لأني ضنيت وما درى ... أنّي بأثواب الضّنا أتشرّف
يا غائبين وما ألذّ نداهم ... وحياتكم قسمي وعزّ المصحف
وقوله: [الطويل]
رتق الحمى حدّث بأخبار لوعة ... لها من فؤادي بالجفون تواتر
ويا نسمات الصّبح قولي لراقد ... هناك الكرى، إنّي لبعدك ساهر
وقوله: [الطويل]
خليلي ما للبرق يخفق غيرة ... أبرق حماها مثل قلبي عاشق
وما للمطايا قد حداها اشتياقها ... حتى لها مثلي تحنّ الأيانق(16/247)
تميل غصون البان شوقا لقدّها ... فتنطق إشفاقا عليها المناطق
وينشقّ قلب للشقائق غيرة ... إذا حدّقت حينا إليها الحدائق
وقوله: [الكامل]
نقل الأراك بأنّ ريقة ثغره ... من قهوة مزجت بماء الكوثر
يا طيب ما نقل الأراك لأنّه ... يرويه نقلا عن صحاح الجوهر
حكى الفاضل أبو العبّاس بن العطّار، الكاتب، أنّ أخت الشيخ قطب الدين موسى بن القويني كانت مزوّجة في الرّحبة، فلمّا مات زوجها توجّه أخوها قطب الدين لإحضارها فأقام عندها لتقضي مدّة العدّة، ثمّ يحضرها، فكتب إليه الورن: [الكامل]
مولاي قطب الدين موسى دعوة ... من نازح يسلو قطيعة وصله
أتراك ما آنست نار تشوّقي ... يا من قضى أجلا وسار بأهله
قال: وكان بالبقاع قاض يلقّب شهاب الدين، وله ولد مليح اسمه موسى (170) فأتاه فقيه مشهور يحبّ الغلمان، وكان قد أطلّ شهر رمضان، فتلقّاه القاضي، وأنزله عند ابنه، فكتب إليه الورن: [السريع]
قل لشهاب الدين يا حاكما ... في سرعة الحبّ على الجار جار
آويت في ذا الشهر ضيفا يرى ... أنّ دبيب الليل مثل النهار
وهو فقيه أشعريّ الخصا ... يعلّم الصّبيان باب الظّهار
إياك إن لاحت له غفلة ... لفّ كبار البيت بعد الصّغار
قال: وكان بالبقاع وال من أهل الأدب، يعرف بابن درباس، واسمه عليّ، وكان ينظم الشّعر ويتوالى، والوزير بدمشق إذ ذاك بدر الدين جعفر بن الآمدي، وكان يتوالى أيضا. فاتّفق أنّه ولّى عنده بالبقاع كاتبا ممن سلم من التّشمير من(16/248)
ديوان المطابخ، وكان من حديث هؤلاء أنهم سرقوا قندا كبيرا، كان قد حمل من غور الكرك، ليطبخ بدمشق للسلطان، فبلغ ذلك الملك الظاهر بيبرس، فأمر بهم فسمّروا، وطيف بهم على الجمال، إلّا هذا الكاتب، فإنّه شفع فيه، فأطلق بعد أن قدّم الجمل ليسرّ، فلمّا استخدمه ابن الآمدي بالبقاع، ضيّق على ابن درباس، فأقام يعمل قريحته فيما يكتبه إلى ابن الآمدي فيه، فلم يأت بشيء، فسأل الورن في ذلك فكتب: [البسيط]
شكية يا وزير العصر أرفقها ... ما كان بأملي هذا من ولاك علي
لم يبق في الأرض مختار إلا فتى ... من بقايا وقعه الجمل
فضحك ابن الآمدي، وقال: قال الحق والله، ثم عزل ذلك الكاتب، ولم يستخدمه بعدها.
ومنهم:
49- يوسف بن أحمد بن محمود، الأسديّ، أبو العزّ وأبو المحاسن، جمال الدين. عرف بابن الطّحان «13»
وهو المسمى بالحافظ اليغموري، لنسبته إلى صحبة ابن يغمور. محدّث لا يملّ، ومؤرّخ لا يخلّ، وحافظ مدد بحره لا يقلّ، وفاضل لا يعجز أن يستدلّ، ملأ بخطّه الورق، ورمى بخطبه الفرق، وكتب أوقار أحمال، وأوراق تعاليق تقيّد خطا الجمال، صدوق، نقله محقّق، (171) وقوله مصدّق، وحديثه موثّق. كم له من مجموع حسن، ومسموع ما أطرب به طائر على فنن، وكان له طرف تشفّ، ولطف تخفّ، وأدب شكره واجب، كأنه الغمز بالحواجب. وحكي أنه مرض لابن يغمور مملوك كان يعزّ عليه، وكان يعوده طبيب من أخصّاء أصحابه،(16/249)
فمات المملوك، فلما خرجت جنازته، خرج الطّبيب فيمن خرج معها، فلما حضر الدفن قعد الطبيب على القبر وهو يحفر، ثم بقي يقول للحفّار احفر كذا، اعمل كذا، افعل كذا، فقال له الحافظ اليغموري: يا سيّدنا أنت قد عملت ما يجب عليك وما قصّرت، لازمته حتى وصّلته إلى هنا، وأمّا من هنا ورايح، ما بقي يتعلّق بك. الذي عليك أنت عملته، وبقي الذي على هذا، وأشار إلى الحفار، فخزي الرجل، وضحك كلّ من حضر الدفن. ورأيت بخطّ ابن العطّار ما صورته وقد ذكره، فقال: «وكتب إليه الأديب شهاب الدين محمّد بن عبد المنعم ابن الخيمي، وكلاهما أرمد: «1» [الوافر]
أبثّك يا خليلي أنّ عيني ... غدت رمداء تجري مثل عين
حديثا أنت تعرفه يقينا ... لأنّك قد رمدت وأنت عيني «2»
فكتب جوابه: [الوافر]
كفاك الله ما تشكو وحيّا ... محاسن مقلتيك بكلّ زين
فإنّي من شفائك ذو يقين ... لأني قد شفيت وأنت عيني «3»
ومن شعره قوله: «4» [الرمل]
رجع الودّ على رغم الأعادي ... وأتى الوصل على وفق مرادي «5»
ما على الأيام ذنب بعدها ... كفّر القرب إساءات البعاد «6»(16/250)
ومنه قوله: «1» [الرمل]
أنا مرآة فإن أبصرتم ... حسنا أنتم بها ذاك الحسن
أو تروا ما ليس يرضيكم فقد ... صدئت إذ لم تروها من زمن «2»
ومنهم:
50- جوبان القوّاس «13»
واسمه رمضان، ولقبه أمين الدين. لسان (172) ينفق درّا، وبيان ينفث سحرا، وسنان يصيب نحرا، وحسّان يؤيّد بروح القدس إذا قال شعرا، كان لا يقرأ ولا يكتب، ولا سلف له سابق بأديب، ولا درس، بل كان شغله صنعة القسيّ يطلع أهلّتها، ويصنع من سقام الأصيل حلّتها. وحكى لي شيخنا شهاب الدين محمود الحلّي الكاتب عنه، أنه كان يدّعي الأميّة، وكان بخلاف ما يدّعيه، قرأ وكتب وحفظ المفصّل في النحو. وحكى لي صاحبنا الشيخ جمال الدين، أبو زكريا يحيى بن الغويرة السّلميّ عنه، أنّه كان يأخذ الخطوط المنسوبة الفائقة بخط ابن البوّاب، والوليّ التبريزي، وأمثالها ويضعها قدّامه بحيث يراها، ثمّ يقصّ من التّوّ مثلها ويلصقها أسطرا على الدروج، لا يفرّق بين ما قصّه منها بالمقصّ وبين ما كتبه أولئك الكتّاب بالقلم. وحكى لي حسن بن المحدّث الكاتب أنه كان يكون قاعدا في عمل صناعته وهو ينظم القطعة من الشّعر، النظم الجيّد المرضي، وفي شعره ما يبلّل بقطره الغمائم، ويلطم بنشره اللطائم، ومنه قوله: «3» [الطويل](16/251)
وعهدي بوجه الأرض مبتسما فلم ... تغرغر منه الدّمع في مقل الغدر «1»
إذ أرجف الماء النسيم لوقته ... كساه شعاع الشمس درعا من التّبر
وقوله:
نصون الحميّا بالقناني وإنّما ... نصون القناني بالحميّا ولا ندري «2»
ولما حكى الرّاووق في العين شكله ... وقد علق العنقود في سالف الدّهر
تذكّر عهدا بالكروم فكلّه ... عيون على أيام عصر الصّبا تجري «3»
يناولنيها مخطف الخصر أغيد ... فلله ذاك الأغيد المخطف الخصر
يقول وفرط السّكر يثني لسانه ... إلى غير ما يرضي التّقى وهو لا يدري «4»
ومن كان لا تحوي ذراعاه مئزري ... فدون الذي تحوي أنامله خصري
وقوله:
لك بين حزني والسّرور مقام ... فلذاك أعذر في الهوى وألام
(173) ولك السّرى بين الرّقاد ويقظتي ... فالوجد لا فكر ولا أحلام
يا حيرة العشّاق في سبل الهوى ... إذ ليس يدرك علمه فيرام
كتب الغرام على صحيفة خدّه ... مت عاشقا فلتتعب اللّوام
وقوله:
أدر علينا كأس ذكر الحبيب ... فإنّه يسكر سكرا عجيب
لو نسيمات بنشر الحمى ... تأتي مع الصّبح لمات الكئيب(16/252)
وا رحمتا للصّبّ إن عرضوا ... بذكر من يهواه عند الرقيب
يروم أن يكتم أحواله ... وكيف تخفى لمحات المريب
وقوله في مليح له خال رقم ديباجة خدّه، وخال أنّه هو سبب صدّه، وأتى بلفظة حاله هنا تورية حسنة على ابتذالها وكثرة استعمالها: [السريع]
وأسمر يخجل سمر القنا ... معسوله تحمي بعسّاله
يتمنّى خال على خدّه ... وآفة العشاق من حاله
وقوله: [الطويل]
تحمّلت فيك السّقم حتى رحمتني ... فحاكيت حالي والتوجّع مسقم
وأحرقت قلبي بالجفا وسكنته ... فلا غرو إن فاحت عليك جهنّم
ومذ غاض ما استودعت في الخدّ من دمي ... بكيت به إلّا فمن أين لي دم
وقوله: [السريع]
لولا عيون الرشأ الأكحل ... ما وصل السّهم إلى مقلتي
رقّ لي العاذل من لوعتي ... فكيف لو شاهده عذّلي
وقوله: [مجزوء الخفيف]
سار مزموم ركبهم ... وهو عنّي مجنّب
فأنا اليوم بعدهم ... بالمغاني مشبّب
وقوله في القوس، وبذل فيه جهد استطاعته، وأجاد في صناعته:
[الخفيف]
أنا عون على هلاك عداكا ... زادك الله نصرة وحماكا
(174) فادعني في الوغى تجدني صبورا ... نافذ السّهم في العلا فتّاكا(16/253)
ربّ في الحرب نلت مطلبك ال ... أقصى وما بي من قدرة لولاكا
وقوله في مليح لعب بالصوالجة، فطارت الكرة إلى وجهه فأثّرت فيه، وحقّقت باللّدم له بالبدر التّشبيه: [البسيط]
وافى وقد أثّرت في وجهه كرة ... جاءته قاصدة من غير مقتصد
لم ألق في حرجي من فعلها ألما ... بقدر ما نالني من شدّة الحسد
وقوله: «1» [مجزوء الكامل]
ربّح وخذ بنسيئة ... واشرب وامطل ودافع «2»
فأحقّ ما أكل المحا ... لي مال أرباب المطامع
وقوله، وهما في جملة قطعة من قطعه السائرة، وأبياته التي علقت بكلّ ذاكرة: «3» [البسيط]
لاح الهلال ابن يوميه فأذكرني ... شرب المدامة تجلى من يد السّاقي «4»
كأنّه شفق للكأس قد نقصت ... بالميل والخمر شفّاق على الباقي
وقوله: [مجزوء الوافر]
تفرّق عقله فرقا ... كذاك يصاب من عشقا
وأودع قلبه حجرا ... من الوجنات فاحترقا
وقوله: [الكامل](16/254)
قابل مذلّة من أتاك بعذره ... بالصفح إنّ العذر خير شفيع
وإذا غفرت فلا تشوب حلاوة ال ... غفران منك مرارة التقريع
وقوله: [الوافر]
أغايظه ليعرض بالتجنّي ... فيحلو لي إذا أبدى الدلالا
وإن عرف الفتى مقدار شيء ... عزيز من بضاعته تغالى
وقوله: «1» [مخلع البسيط]
جئت أريد الحمّام يوما ... فغرّني النقش والحصير
أنقل خوف الوقوع رجلي ... فيها كما ينقل الضرير
(175) جهنّم لا يصاب فيها ... وهج بل الكلّ زمهرير
وكلّما جاءها زبون ... قلنا ألم يأتكم نذير
وقوله: [المنسرح]
نفس الخسيس البخيل كامنة ... فيه ولو حاز ملك قارون
يعطي ويقري وفي مخايله ... منّ شحيح وكظم مغبون
وقوله: «2» [الوافر]
حمانا الترك وانتهكوا حمانا ... وليس يفي التواصل بالصدود «3»
حمونا بالصوارم والعوالي ... وجاروا باللواحظ والقدود
وقوله يرثي صديقا له: [الخفيف](16/255)
كيف نسلو يا زين أو نتناسى ... خلقا منك يطرب الجلّاسا
لست أبكي عليه لكن على نف ... سي أبكي فقد عدمت النّاسا
وقوله: [الطويل]
ولما نزلنا دوحة الزهر نجتلي ... محاسن ما قد نظّمته يد القطر
فما خلتها إلّا تماثيل عنبر ... وقد جلّلت من فوقها شبك الدّرّ
وقوله: [البسيط]
أرني المنافس في الدنيا ليجمعها ... حرصا وللرزق حكم يبطل السّببا
كلاعب النّرد يفني في تصرّفه ... جهدا ويمنعه المقدار ما طلبا
وقوله: [البسيط]
وباقة ألّفت من نرجس نضر ... تروق أبصارنا بالمنظر العجب
تخال مائدة من فضّة وضعت ... وبثّ فيها سكاريج من الذّهب «1»
وقوله: [المديد]
أيّها الحادي أقم نفسا ... فلعمري فيك إحسان
اسأل الأحباب أن يعدوا ... عودة فالقوم قد لانوا
(176) رحلوا والقلب بينهم ... يتوارى وهو وجلان
خيفة ممّن يهيم بهم ... كلّ من في الركب غيران
وحكي أنه كان يعهد غلاما مصونا، ذا جمال رائق، وكمال فائق، وحسن يعذر به الوامق، وانجذاب يطمع بمثله العاشق، وكان يعهده يجرح قلبه ولا يكلّمه، ويروي نظره منه ولا يطفأ تضرّمه، فمرّ به وقد تمادى عليه زمان في(16/256)
حانوت معلّمه، فمذ رآه افترّ له بمبسمه، فأراد أن يجلس إليه فأشار إليه ألّا يفعل، فعلق قلبه برحم إيمائه، وقوي طمعه في الوصول إلى نجم سمائه، وكان الغلام قد خاف معلّمه لأنّه كان به مفتونا لا يكفّ عنه نظرا، ولا يبصر غيره ولا يرى، وكان المعلّم وهو الذي راض جامح ذلك الغلام، وعلّمه أن يرمي بطرفه تلك السّهام، فانصرف عنه وهو يقول: [المنسرح]
أقصد حانوته فيغمزني ... أن لا تقف عندنا لتهتكنا
فإنّ هذا معلّمي رجل ... قد لاط قسطا من عمره وزنا
لا جمّل الله من معلّمه ... بالسّتر عرقا إن مات أو دفنا
علّمه صنعة يعيش بها ... معه، وأخرى بها أموت أنا
قلت، وقد سكّن (معه) في هذا البيت وهو معيب. وكان شيخنا شهاب الدين محمود رحمه الله يقول: قلّ أن نهضت قافية مقيّدة، أو عمّر بيت سكّنت فيه مع.
قلت: وفي قول شيخنا هذا مطلقا نظر، و (مع) ، الساكنة مع غير ضمير أخفّ منها ساكنة مع الضمير. ثمّ نرجع إلى تتمّة شعره فنقول، ومنه قوله: [الطويل]
ألقت هواي في هواكم فراضني ... فلم يبق لي نفس تخالف عن أمري
وقد كنت ذا صبر على ما ينوبني ... فعلّمني هجرانكم قلّة الصّبر
وقوله: [السريع]
لما بدا الشّعر على سالفيه ... سعى به من كان يسعى إليه
(177) ما عاينت من قبله مقلتي ... بدرا عراه النّقص من جانبيه
وقوله في الحشيشة: [الوافر](16/257)
إذا فرص بدت لك فانتهزها ... فأعمار السّرور بها قصار
وخذها من معنبرة بلون ... كلون الآس يلحقها اصفرار
تطوف على الأكفّ بغير كاس ... لها، وحياتها الحبّ الصغار
وودّع غيرها إن خفت عارا ... فحسوة غيرها ذل وعار
فلو أنّ الحشيش تزيد فهما ... لنال بفهمه الرّتب الحمار
وقوله: [السريع]
يعبث عجبا بقلوب الورى ... في الشّحّ بالوصل وبذل السّماح
يؤنس بالنرجس من يجتني ... فإن لوى أطعمه بالأقاح
وقوله في الأذريون، وأهل دمشق تسمّيه (الكركاش) : [الكامل]
انظر إلى الكركاش وهو محدّق ... كالتّبر محتاط عليه يدار
فكأنّه فم شادن متبسّم ... من فوق رأس لسانه دينار
وقوله: [السريع]
تبّا لحمّام نشبنا بها ... لم نر فيها خصلة صالحة
فبابها كالفحم لكنّها ... كالثّلج منها نقطة راسخة
والماء كالبولة لكنّه ... سخن غليظ سهك الرائحة «1»
فيها ضباب عاقد تغتدي ... أوجهنا في نقعه كالحة
والسّدر كالوحل على أرضها ... قد لزم الشّعر من البارحة
وما الذي يذهب غيّابه ... وليس فيه نقطة شارحة
وفيم أترف من أحذم ... علامة الشّرّ به لائحة(16/258)
تتلو علينا كلّما جئنا ... هـ نتلو سورة الفاتحة
وقوله: «1» [السريع]
نفّش غصن البان أذنابه ... واهتزّ عند الصّبح عجبا وفاح
وقال هل في الروض مثلي وقد ... عزوا إلى غصني قدود الملاح «2»
(178) فحدّق النرجس يهزا به ... وقال حقّا قلته أو مزاح؟!
قال له البان ألا تستحي ... ما هذه إلّا عيون وقاح «3»
وقوله: [الخفيف]
وعدت زورة إذا الليل جنّا ... فتجافى الكرى جفون المعنّى
وغدا بين خوفه والدّجى هل ... ل إليه الصباح أو هي أدنى
وقوله: [مجزوء الرجز]
ذو مقلة صحيحة ... ألحاظها منكسرة
كأنّها من فعله ... بصبّها معتذرة
أوصافه كاملة ... وفي الورى مختصرة
يا ربّ خذ رقيبه ... فهو أشدّ العشرة
وقوله: [الوافر]
لئن جحدتني العينان ظلما ... وجوب دمي فإنّ الخدّ يشهد
بخلت على الخليل بغير ذنب ... جناه بطيب مرشفك المبرّد(16/259)
وقوله في المائدة وهي الخونجاه: [مخلع البسيط]
وذات أصل لها زكيّ ... يصلح بين المغاضبين
تسعى على الرأس إن أتتنا ... طورا وطورا على اليدين
وقوله: [السريع]
وذات وجهين وما فيهما ... عين ولا أنف ولا حاجب
لها فم ليس له مدخل ... وهو لّما يسقونه شارب
ومنهم:
51- محمد بن العفيف، سليمان بن علي بن عبد الله بن علي، التلمسانيّ، أبو عبد الله، شمس الدين «13»
نسيم سرى، ونعيم جرى، وطيف لا بل أخفّ موقعا في الكرى، لم يأت إلّا بما خفّ على القلوب، وبرئ من العيوب، ورقّ شعره فكاد يشرب، ودقّ فلا غرو للقصب أن يرقص، وللحمام أن يطرب. ولزم طريقة دخل بها بلا استئذان، وولج القلوب ولم يقرع باب الآذان، وجاء بكلّ لطيف، وأجاد التورية والكلّ معها لفيف، وبرز على (179) أقرانه ففات الرّفقة، وملأ العين بما جاء به من الرّقّة، وكان لأهل عصره، فمن جاء على آثارهم افتتان بشعره، وافتنان فيه وفي ذكره، وخاصة أهل دمشق، فإنّه بين عمائم حياضهم ربّي، وفي كمائم رياضهم خبّي، حتّى تدفّق نهره، وأينع زهره، وكان يرى أنّهم جلدته، وأبناء بلدته، وإن كان قديمه من بلد سوى بلدهم، ولمولد غير مولدهم.
وقد أدركت جماعة من خلطائه لا يرون عليه تفضيل شاعر، ولا يروون له(16/260)
شعرا إلّا عظّموه كالمشاعر، ولا ينظرون له بيتا إلا كالبيت، ولا يقدّمون عليه سابقا، لو قلت: ولا امرأ القيس لما باليت. ومرّت له ولهم بالحمى أوقات لم يبق لهم من زمانها إلّا تذكّره، ولا من إحسانها إلّا ما تشكره. وأكثر شعره- لا بل كلّه- رشيق الألفاظ، سهل على الحفّاظ، لا يخلو من الأمثال العاميّة، وما تحلو به المذاهب الكلاميّة، فلهذا علق بكلّ خاطر، وولع به كلّ ذاكر، وعاجله أجله فاخترم، وأحرم أحبابه لذّة الحياة وحرم. ذكر شيخنا أبو حيّان وهو آخر من ذكره في مجاني العصر، وقال: مولده بالقاهرة في عشر جمادى الآخرة، سنة إحدى وستين وستمئة، ومما أنشد له قوله في طبّاخ: «1» [مجزوء الرمل]
ربّ طبّاخ مليح ... فاتر الطرف غرير
مالكي أصبح لكن ... شغّلوه بالقدور
وقوله: «2» [السريع]
أسير أجفان بخدّ أسيل ... كليم أحشاء بطرف كليل «3»
في حبّ من حظّي كشعر له ... لكن قصير ذا وهذا طويل «4»
ليس خليلا لي ولكنّه ... يضرم في الأحشاء نار الخليل «5»
يا ردفه جرت على خصره ... رفقا به ما أنت إلّا ثقيل
وقوله: «6» [الهزج](16/261)
وقد سوّد حظّي من ... ك يا أبهى الورى غرّة «1»
سواد الخال والعار ... ض والمقلة والطّرّة «2»
(180) قديم الهجر من لفتى ... قديم في الهوى هجره
رأينا من جفا وجنا ... ولكن زدت في كرّة «3»
فهل تسنح أو تس ... مح بالوصل ولو مرّة «4»
فقد أصبحت لا أمل ... ك من صبري ولا ذرّة
وقد صيّرني هجرك ... في كس أخت ما أكره «5»
عذيري فيه من قمر ... يريك بخدّه الزّهره
إذا قارن بالأكؤس ... إذ بشرتها ثغره «6»
أراك الذّهب المصري ... ي فوق الفضّة الفقرة
ومما أنشد له الفاضل أبو الصفا الصّفديّ قوله: «7» [الخفيف]
ومليح كالبدر زار بليل ... فجلا حسنه الدّجى إذ تجلّى «8»
وما درى منزلي ولكنّ قلبي ... بلهيب الجوى هداه ودلّا «9»(16/262)
وعجيب منه فقيه ذكيّ ... بمحلّ النزاع كيف استدلّا
وقوله: «1» [الكامل]
ولقد أتيت إلى جنابك قاضيا ... باللّثم للعتبات بعض الواجب «2»
وأتيت أقصد زورة أحيا بها ... فرددت يا عيني هناك بحاجب «3»
وقوله في رسّام: «4» [مجزوء الرجز]
قلت لرسّامكم ... بك الفؤاد مغرم «5»
قال متى أذيبه ... فقلت حين ترسم «6»
وقوله: «7» [من الرجز]
يا بأبي معاطف وأعين ... يصول منها رامح ونابل «8»
فهذه ذوابل نواضر ... وهذه نواظر ذوابل
وقوله: «9» [الطويل]
حللت بأحشاء لها منك قاتل ... فهل أنت منها نازل أم منازل «10»(16/263)
أرى الليل مذ حجّبت ما حال لونه ... على أنه بيني وبينك حائل
(181) أيسروا يا طلعة البدر طالع ... ومن شقوتي حظّ بخدّك نازل
ولو أنّ قسّا واصف منك وجنة ... لأعجزه نبت بها وهو باقل
وقوله: «1» [الطويل]
بلا غيبة للبدر وجهك أجمل ... وما أنا فيما قلته متقوّل
لحاظك أسياف ذكور فما لها ... كما زعموا مثل الأرامل تغزل
وما بال برهان العذار مسلّما ... ويلزمه دور وفيه تسلسل
ولا عيب عندي فيك إلا صبابة ... لديك بها كلّ امرئ متبدّل «2»
وعهدي أنّ الشمس بالصّحو آذنت ... وسكري أراه من محيّاك يقبل «3»
وقوله: «4» [السريع]
في غزلي من لحظ ذاك الغزال ... أخبار صبّ قتلته النّبال
غصن سقته أدمعي ثمّ ما ... أثمر لما مال إلّا الملال
وهبته ياقوت دمعي ولا ... يسمح لي مبسمه باللآل «5»
حلّ ثلاثا يوم حمّامه ... ذوائبا تعبق منها الغوال «6»
فقلت والقصد ذؤاباته ... واسهري في ذي الليالي الطّوال(16/264)
وقوله: «1» [الطويل]
وكم يتجافى خصره وهو ناحل ... وكم يتحالى ثغره وهو بارد «2»
وكم يدّعي صونا وهدب جفونه ... تفتّرها للعاشقين مواعد «3»
وقوله: «4» [الرجز]
مثل الغزال نظرة ولفتة ... من ذا رآه مقبلا ولا افتتن
أحسن خلق الله ثغرا وفما ... إن لم يكن أحقّ بالحسن فمن
وسنّ في شرع الهوى تسهّدي ... وحرّم الأجفان لذّات الوسن «5»
في ثغره وصدغه ووجهه ... الماء والخضرة والوجه الحسن «6»
وقوله: «7» [الوافر]
وبين الخدّ والشفتين خال ... كزنجيّ أتى روضا صباحا
(182) تحيّر في الرياض فليس يدري ... أيجني الورد أم يجني الأقاحا
وقوله: «8» [السريع]
كأنّ ذاك الخال لما غدا ... يلوح في سلسلة من عذار
أسيود يخدم في جنّة ... قيّده مولاه خوف الفرار(16/265)
قلت والمذكور له محاسن كثيرة سوى هذا، منها قوله في نحوي: «1» [السريع]
يا ربّ نحويّ له مبسم ... تقبيله غاية مطلوبي
قد صغّر الجوهر من ثغره ... لكنّه تصغير تحبيب
وقوله في مليح يعمل الكوافي اسمه علي: «2» [مخلع البسيط]
اسم حبيبي وما يعاني ... قد أظهرا لوعتي وحبّي «3»
قالوا: عليّا، فقلت: قدرا ... قالوا: كوافي، فقلت: قلبي «4»
وقوله: «5» [مجزوء الوافر]
عذار فيه قد عبثوا ... محبّوه وقد عنتوا
يخاف عيون واشيه ... فيمشي ثمّ يلتفت
وقوله: «6» [مجزوء الكامل]
إنّي لأشكو في الهوى ... ما راح يفعل خدّه
ما كان يعرف ما الجفا ... لكن تفتّح ورده
وقوله: «7» [الكامل](16/266)
بعث العتاب برقعة محمرّة ... جاءت تهدّدنا بفرط جفائه «1»
فسألتها عنه فقالت إنّه ... ذبح الوداد فكنت بعض دمائه «2»
وقوله: «3» [الكامل]
ما أنت عندي والقضي ... ب اللّدن في حال سوا «4»
هذاك حرّكه الهوا ... ء وأنت حرّكت الهوى
وقوله: «5» [الوافر]
جلا ثغرا وأطلع لي ثنايا ... يسوق بها إلى قلبي المنايا «6»
(183) وأنشد ثغره يبغي افتخارا ... أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا «7»
وقوله: «8» [الكامل]
لي من هواك بعيده وقريبه ... ولك الجمال بديعه وغريبه
يا من أعيذ جماله بجلاله ... حذرا عليه من العيون تصيبه
إن لم تكن عيني فإنّك نورها ... أو لم تكن قلبي فأنت حبيبه
هل حرمة أو رحمة لمتيّم ... قد قلّ فيك نصيره ونصيبه «9»(16/267)
لم يبق لي سرّ أقول تذيعه ... كلا ولا قلبا أقول تذيبه «1»
والنجم أقرب من لقاك مناله ... عندي وأبعد من رضاك مغيبه
والجوّ قد رقّت عليّ عيونه ... وجفونه وشماله وجنوبه «2»
هي مقلة سهم الفراق يصيبها ... ويسحّ وابل دمعها فيصوبه «3»
وقوله: «4» [الطويل]
دعاه ورقم الليل بالبرق مذهب ... هوى بك لبّاه الفؤاد المعذّب
بروحي يا طيف الحبيب محافظ ... على العهد، يدنو كيف شئت ويقرب «5»
ومن كلّما عاتبته رقّ قلبه ... وأقسم لا يجفو ولا يتجنّب «6»
يعلّمه فرط القساوة أهله ... ويعطفه الخلق الجميل فيغلب «7»
يشقّ جلابيب الدّجنّة زائري ... على رغم من يلحى ومن يترقّب
فأخجله مما أبثّ له الهوى ... ويخجلني من كثر ما يتأدّب «8»
فلو رمت أني عنه أثني عن الهوى ... غرامي لنادى لطفه أين تذهب «9»
وقوله: «10» [السريع](16/268)
أخجلت بالثّغر ثنايا الأقاح ... يا طرّة الليل ووجه الصّباح
وأعجمت أعينك السّحر مذ ... أعرب منهنّ صفاح فصاح «1»
فيا لها سودا مراضا غدت ... تسلّ للعشاق بيضا صحاح «2»
يا للهوى هل مسعد مغرما ... رأى حمام الأيك غنّى فناح «3»
(184) يا بانة مالت بأعطافه ... علّمتني كيف مهزّ الرّماح «4»
وأنت يا أسهم ألحاظه ... أثخنت والله فؤادي جراح
وقوله: «5» [المنسرح]
أوّل عهدي بالحبّ فيك غدا ... آخر عهدي بالصّبر والجلد
وأنت يا طرفه السّقيم أما ... ترحم ما قد حكاك من جسدي
يميل قلبي لرشف ريقته ... من أين للنار نسبة البرد
حسبي وحسب الهوى وحسبك ما ... يفعله الهجر بي فلا تزد
وقوله: «6» [الطويل]
تعالوا نعيد الوصل نحن وأنتم ... فلا رأي منا عند من دام صدّه «7»
ولا تفتحوا للعتب بابا فربّما ... يعزّ علينا بعد ذلك سدّه «8»(16/269)
ومنتقم مني وذنبي عنده ... مقالي وهذا الحرّ قلبي عبده
رعى الله ليلا زارني فيه والدّجى ... يلثّمه لولا تضوع ندّه
فلما بدا واشي الصّباح بوشيه ... ونيط علينا من ندى الجوّ برده «1»
ترقرق درّ الدمع في متن لحظه ... فحقّقت أن السيف فيه فرنده «2»
أقول لقلبي والغرام يقوده ... وسيف التجنّي والتّمنّي يقدّه
سأسري وجنح الليل يسطو ظلامه ... وأسقي وقلب الشمس يلمح وفده «3»
أروم بعزمي فوق ما دون نيله ... لواء المنايا خافق الظلّ بنده
ولا ذنب لي إلّا الكمال على الصّبا ... فمن لي بعيب أو بشيب أعدّه «4»
وقوله: «5» [الكامل]
ولقد أقول لصاحبيّ برملة ال ... جرعاء ما بين النقا والغار
حثّا النياق بنا تسير ونحن في ... قلب الدّجى أخفى من الأسرار «6»
لا تخد عنّكما المعاطف إنّها ... قد أنحلت سمر القنا الخطّار
وتوقيا تلك المحاسن إنّها ... نار القلوب وجنّة الأبصار
(185) وقوله: «7» [الوافر]
أما وتمايل الغصن النضير ... وحسن تلفّت الظّبي الغرير
وصدغ قد حكا لما تبدّى ... خيال الروض في صفو الغدير(16/270)
لقد نشطت لواحظه لقتلي ... بعزم وهي توصف بالفتور
كما جهلت ذوائبه غرامي ... ذهولا وهي توصف بالشّعور «1»
هلال في التباعد والتداني ... غزال في التلفّت والنفور
أعاين من محاسنه ودمعي ... طلوع الشمس في اليوم المطير
وقوله: «2» [مجزوء الرجز]
غادرني بغدره ... على هجير هجره
فلم يحرّك في الهوى ... لسانه بذكره
وطرفه الساحر إن ... شككتم في أمره «3»
كيف يذوق عاشق ... حلاوة في صبره
يا عاشقين حاذروا ... إذا وفى من غدره «4»
يريد أن يخرجكم ... من عقلكم بسحره
ومنهم:
52- عمرو بن مسعود بن عمرو الكتّاني «13»
المحّار، السرّاج، أبو حفص. هو السّراج المنير، والمحّار محاره، الدرّ خاطره، الحسن التصوير، والكتانيّ الذي دون صناعته قدر الحريريّ والحرير، الحلبيّ الذي لو تقدّم زمانه ابن حمدان لما طابت لأبي الطيّب عنده أردان، ولا كان له من الكنديّ أو نظرائه أخدان، ولقال بلدي أنا أولى به وهو أولى بي، وأنا أحقّ بذهبه(16/271)
وهو أحقّ بذهبي، وجاري ولا واحد جاء من تنوفة، وشاعر من حلب ولا شاعر من أهل الكوفة. وهو ممن اجتمعت به ورويت عنه ما تروي منه النّهلة، ولقطت من عجالته ما لا تحصّله المهلة. وكان قد لبس زيّ المتصوّفة، ونسك آخر عمره نسك أهل المعرفة، وكان جلّ أدبه الموشّحات والزّجل، وأجادهما أجل، وكان فيهما أجلّ، ومن شعره قوله يصف مرآة من سبج: [الوافر]
ومرآة من السّبج المحلّا ... بدت في راحة الملك الهمام
(186) تراءى وجهه فيها فقلنا ... أهذا البدر يجلى في الظلام
ومنه قوله: «1» [المنسرح]
رأيته في المنام معتنقي ... يا ليت ما في المنام لو كانا
ثم انثنى معرضا فواعجبي ... يهجرني نائما ويقظانا
وقوله: «2» [السريع]
بعثت نحوي المشط يا مالكي ... فكدت أن تسلبني روحي
وكيف لا تسلب روحي وقد ... بعثت منشورا لتسريحي
ومنه قوله في معالج مقيرة: «3» [الطويل]
بروحي أفدي في الأنام معالجا ... معاطفه أزهى من الغصن الغضّ
إذا ما امتطى لطفا مقيرة له ... وأقعدها واحمرّ سالفه الفضيّ
رأيت محيّاه وما في يمينه ... كشمس تجلّت دونها كرة الأرض(16/272)
ومنه قوله يصف الجوسق الذي بناه، وأظهر بالذّهب المموّه عن الأصل غناه: [الكامل]
لله جوسقك الرفيع محلّه ... طال المجرّة سقفه المرفوع
يغنيك عن زهر الربى إذهابه ... فلديك منه مربع وربيع
مختارة منه المحاسن كلّها ... فصفاته ما مثلها مجموع
ومنه قوله يصف طيب حماة، وما يرشف العاصي الجوسق من لماه، وينزلها لدمشق منزلة الضّرة، ويفضّلها على أكفافها المخضّرة: «1» [الكامل]
يا حبّذا وادي حماة وطيبه ... وطلاوة العاصي بها والجوسق
فاتت منازل جلّق فلحسنها ال ... شقراء تكبو خلفها والأبلق «2»
ومنه قوله وقد ناوله صاحب حماة قرص حلواء أو خشكنانكه: [مخلع البسيط]
يا ملكا جود راحتيه لم ... يحوج السائل السّؤالا
ما زلت تسمو في الجود حتّى ... أهديت لي الشمس والهلالا
(187) ومنه قوله: [السريع]
لنا مغنّ حسن صوته ... يطرب من لحنه العرب
يرقص من يسمعه طيبة ... وهكذا المرقص والمطرب
ومنه قوله في مركب: [السريع]
وأدهم أحسن شكل يرى ... قد راق حسنا وحلا منظرا(16/273)
يزيد عن مرّ نسيم الصّبا ... لطفا على الماء إذا ما سرى
أغرب ما فيه على حسنه ... رجاله تمشي به القهقرى
البرق لو جاراه قلنا انظروا ... كيف يعدّي الأدهم الأشقرا
ومنه قوله في وصف باب رخام مشحّم عليه جامة ذهب وحلق، من رآه قال سبحان من علّم الإنسان ما لم يعلم وأتقن ما خلق: [البسيط]
قالوا تشبّه ذا الباب الرّخام فما ... تقول في حسن هذا الجام والحلق
فقلت شمس عليها هالة طلعت ... تمزّق الغيم عنها حمرة الشّفق
ومنه قوله «1» : [الكامل]
قالوا هوى بابن الأمير جواده ... فقلوبنا كادت عليه تفطّر
فأجبتهم لا تعجبوا لوقوعه ... إنّ السّحاب إذا سرى يتقطّر
ومنه قوله: [السريع]
لو جاد لي باللثم تحت اللّثام ... غنيت عن شرب كؤوس المدام
عذاره أوضح عذري به ... لام، لمن عنّف فيه ولام
إذا رنا يخجل ريم الفلا ... وإن بدا يفضح بدر التّمام
أو انثنى قالت غصون النّقا ... لله ما أعدل هذا القوام
وقوله: [المنسرح]
إنّ بني مزهر وإن صغرت ... أقدارهم من أكابر الفجرة
لا يعرف الخير عندهم فلذا ... معرفة الخير عندهم نكرة
(188) إذا تأمّلتهم وجدت على ... وجوههم من مهانة قترة(16/274)
ترهقها ذلة اليهود وإش ... راك النّصارى وخسّة السّحرة
أبوهم مزهر فمذ نشأت ... فروعه ما رأوا لها ثمرة
ودوحة لا تظلّ صاحبها ... فلا سقى الله تلكم الشجرة
ومنه قوله: [الكامل]
أحببته ساجي اللواحظ أهيفا ... مرّ الجفا عذب اللّمى حلو الجنى
قالوا تهيم بحسنه فأجبتهم ... ماذا عليّ إذا عشقت الأحسنا
ومنه قوله في قنديل: «1» [البسيط]
يا حسن بهجة قنديل خلوت به ... والليل قد أسبلت منه ستائره
أضاء كالكوكب الدرّيّ متّقدا ... فراق باطنه نورا وظاهره
تزيده ظلمة الليل البهيم سنا ... كأنما الليل طرف وهو باصره
ومنه قوله في حمام بعض مقاصيده بطّالة: [السريع]
سقيا لحمّام الأمير التي ... رقّت بها من بعدها الحال
حلّ بها الفالج من بردها ... فجنبها الواحد بطّال
ومنه قوله في مليح اسمه شعبان: [السريع]
أحبّ شعبان وأرجو بأن ... أرزق في حبّي له صبرا
ما اتّفق الناس على نصفه ... إلّا وفيه الآية الكبرى
ومنه قوله في فوّارة ماء تبيض جؤجوا، وترقص لؤلؤا: [الوافر]
ومائسة القوام إذا تثنّت ... يروقك شكلها الحسن البديع
تريك من العيون لها قواما ... فتثنيه وسائره دموع(16/275)
ومنه قوله في مليح محموم، لازمت بدنه ثمّ قبّلت فمه: [السريع]
لا أحسد الناس على نعمة ... لكنني أحسد حمّاكا
أما كفاها أنّها عانقت ... قدّك حتّى قبّلت فاكا
(189) ومنه قوله في قريب منه: [الكامل]
قالوا حبيبك قد غدا ذا هزّة ... أتقول تلك عقوبة الهجران
فأجبتهم: حاشاه لكن الهوى ... أبدا يهزّ معاطف الأغصان
ومنه قوله في إبريق فخّار: «1» [البسيط]
يا حبّذا شكل إبريق تميل له ... منا القلوب وتصبو نحوه الحدق
يروق لي حين أجلوه وتعجبني ... منه محاسن ذاك الجسم والعنق «1»
كم قد شربت به ماء الحياة ولن ... ينالني منه لا غصّ ولا شرق
حتى غدا خجلا مما أقبّله ... فظلّ يرشح من أعطافه العرق
ومنه قوله في شخص من نحاس يجري منه الماء: [البسيط]
وصامت صامت موضوعه عجب ... فأمره مبهم المعنى وموضوح
له عيون بأعضاء يفجّرها ... ماء الحياة، وما في جسمه روح
ومنه قوله في مليح اسمه محمود: [السريع]
يقول لي منكر حالي به ... من لك في ذا الحيّ مقصود
فقلت لا تسأل عن مقصدي ... فيه فقصدي فيه محمود
ومنه قوله يشفع في مسجون اسمه كمال: [الوافر]
فقال أيرتجى منّي تمام ... أسرّ به وفي السّجن كمال(16/276)
ومنه قوله يذكر الشّتاء الكالح وثلجه المكفهرّ وثغره الفاتح: [البسيط]
يا شهر كانون أمرضت الغصون ومذ ... أمتّها لبست أنوارها حزنا
والمزن غسّلها من ماء أدمعه ... والثّلج حاك لها من نسجه كفنا
ومنه قوله: [المنسرح]
انظر إلى النهر في تسلسله ... وصفوه، قد وشا على السّمك
توهّم الرّيح صيدها فغدا ... ينسج متن الغدير كالشبّك
ومنه قوله في الياسمين وقد لاحت نجومه المشرقة، وبدت وكأنّه (190) على صدر الغواني في الأزر الخضر، صلبه المعلقة: [الوافر]
كأن الغصون من الياسمي ... ن وأزهاره حين يعلوه طيب
نساء من الروم هيف الخصو ... ر على صدر كلّ فتاة صليب
ومنه قوله في زهر الخوخ، وهو الدراقن: [الوافر]
وللزهريّ زهر راق لونا ... تجلّى في بياض واحمرار
كأن عيونه ترنو إلينا ... عيون حشوها أثر الخمار
وقوله، وقد دخل الملك المنصور من فامية إلى حماة، وتركه في مخيمه بها، وكانوا بها في حمى نرجس: [الطويل]
رحلت فأصبحت روضة النّرجس ال ... ذي عهدت بها الأزهار وهي بواسم
مقرّحة الأجفان خفّاقة الحشا ... تود اشتياقا لو بكتها الحمائم
ومنه قوله في مليح يعلوه صفرة ذهّبت أديمه الفضّيّ، ووشعت أصلها نسيمه الروضي: [الكامل]
قالوا: حبيبك أصفر فأجبتهم ... ما ذاك منقصة لفرط بهائه(16/277)
ولذاك إنّ الحسن رقّ بخدّه ... فأراك لون محبه في مائه
ومنه قوله في معذّر رآه في قباء أزرق كالبدر في الصحو أشرق، أو الشمس في غيم ذلك الاستبرق، إلا أن عارضه قد لوي ونام لما شرب من ماء خده وروي: [الهزج]
ولما لاح في الأزرق ... من مزروه المزري
بخدّ مشرق اللون ... عليه عارض ملوي
أرانا الشمس في الغيم ... وبدر التمّ في الصحو
ومنه قوله: [الطويل]
أرى لابن سعد لحية قد تكاثفت ... على وجهه واستقبلت غير مقبل
ودارت على أنف عظيم كأنه ... «كبير أناس في بجاد مزمّل» «1»
ومنه قوله في زامرة سوداء قبيحة: [الكامل]
(191) ولربّ زامرة تهيج بزمرها ... ريح البطون فليتها لم تزمر
شبّهت أنملها على مزمارها ... وسوادها الداجي القبيح المنظر
بخنافس قصدت كثيفا فاعتدت ... تدنو إليه على خيار الشنبر
ومنه قوله في أحدب يدعى الحسام: [المنسرح]
وأحدب أنكروا عليه وقد ... سمّى حساما وغير منكور
ما لقبوه الحسام عن سفه ... لو لم يروا قدّه القلا جوري
ومنه قوله في نجار مليح رآه بالمعرة: [الكامل]
قالوا المعرة قد غدت من فضلها ... يسعى إلى أبوابها وتزار(16/278)
وجبت زيارتها علينا عندما ... شغف القلوب حبيبها النجار
ومنه قوله يخاطب رجلا أهدى له زيتا: [الوافر]
أنور الدين يا مردي الأعادي ... بصارمه إذا اشتدّ الهياج
أتاني الزيت منك فزدت نورا ... ولولا النور ما عرف السراج
ومنه قوله من أبيات طارت في كل سماع، وعلقت بكل الأسماع، صنعت في موضع من الغناء، ما سمع منه أطيب، ولا هزّ المعاطف منه أطرب. طالما كانت لأغصان القدود مميلات، وقضيت بها ليال، وإنما العمر هاتيك الليلات: [البسيط]
ما بثّ شكواه لولا مسّه الألم ... ولا تأوّه لولا شفّه السقم
ولا توهم أنّ الدّمع مهجته ... أذابها الوجد حتى سال وهم دم
صبّ له مدمع صب يكفكفه ... فتستهل غواديه وتنسجم
أراد إخفاء ما يلقاه من ألم ... حتى لقد كان بالسلوان يتهم
ومنهم:
53- علي بن المظفر الكندي الوداعي «13»
شاعر له لسان لا ينبو له ضرب، ولا تخبو له نار حرب. أولع من النار بتخليد الفساد، ومن النار بتخليف الرماد. أفنى أعراق الأعراض قرضا وأنهك عظام العظام رضا. وتتبع المساوئ ودوّنها، والمخازي وسطّر أدونها. وخلّد القبائح وكتب، وأظهر الفضائح (192) وكذب. وولع بالكبراء ولع الخمر بالعقول، وعبث بالأمراء وكان لا يبقي فيما يقول. وكان ممن غالب صباه على تأديب(16/279)
نفسه فتأدب، ثم ما تأدب، وصفا منهله ثم تطحلب، لأنه أشغله بإفشاء المعايب، وإنشاء المثالب. وكتب أول حاله للصاحب عز الدين بن وداعة، ثم كان ينقل في الوظائف التي بها ينتفع، إلا أنه لا يرتفع. ثم استكتب بالبيرة، ثم بديوان الإنشاء بدمشق. بعد عطلة ضاق بها عطنا، وضاع فيها فهمه فحار لا يهتدي، ولا يأنس فطنا، فما صدر عنه ما يثبت، ولا ظهر ما يكتب له إلا ما يكبت. فما عدم من عزاء القديم امتهانا، ولا خلّد له بالديوان إلا أنه خلد فيه مهانا.
وكان ممن لا يؤخر في رجال الحديث، والقراءة علو رواية، وعلوم دراية، وتعاليق فيها بخطه، وكان غاية. وقرأت عليه بعض كتب الأدب، أول ما عقّت عني التمائم، ولبثت على رأسي العمائم. وكان سريع الإفهام سرى القدح في زناد الأفهام. وله تذكرة جمعها عدة أجزاء، وديوان شعر، أول ما بدأه بأعراض أصحابه الأعزاء، معما فيهما من محاسن أخر، ومعادن درر. ووقفهما ببعض الجهات، وملأهما حراما وحلالا، وبينهما شبهات. فانتدب قاضي القضاة نجم الدين، أبو العباس، أحمد بن صصري التغلبي، فكشط ما ضمهما من القبائح وتطهيرهما، وقد غمس فيهما يده في دماء تلك الذبائح، وها ديوانه الآن منقّى من ذلك الغلث، مبقى ما سوى ذلك العبث. أجل، إلا ما غمض على بديهة المعارف، وخفى بهرجه على بصيرة الصيارف. وكنت قد استعرت نسخة منه، فلما انقضت إفادتها، وطلب مني إعادتها، كتبت معها: [الطويل]
بعثت بديوان الوداعيّ مسرعا ... إليك وفي أثنائه الذمّ والمدح
حكى شجر الدفلاء شكلا ومخبرا ... فباطنه سمّ وظاهره سمح
وها أنا ذاكر من شعر المبتدع، الوداعي إلا أنه الدر الثمين لا الودع. فمنه(16/280)
قوله: [المجتث]
يا من يلوم كريما يهشّ للتعظيم ... ما يقبل النفخ إلا ظرف صحيح الأديم
(193) ومنه قوله: [مجزوء الكامل]
يا سائلي من أين تأكل ... هاك حالي عن يقين
إن الذي خلق الرّحى ... يأتي إليها بالطحين
ومنه قوله في نصراني مليح رآه سائحا، وكالظبي في جنبات الوادي سارحا: [المجتث]
وسائح وهواه في كل قلب مقيم ... مذ أشبه الظبي أضحى في كل واد يهيم
ومنه قوله: [السريع]
أشكو إلى الرحمن بوابكم ... وما أرى من طول تعميره
ملازم الباب مقيم به ... كأنه بعض مساميره
ومنه قوله وقد مرّ بالنّيرب فرأى تمايل غصونه ما أطرب: «1» [الطويل]
ويوم لنا بالنّير بين رقيقة ... حواشيه خال من رقيب يشينه
وقفت فسلمنا على الدّوح غدوة ... فردّت علينا بالرؤوس غصونه «2»
ومنه قوله: [السريع]
أما ترى الجامع في ليلة النص ... ف التي تزهى بأنوارها
قد وقّدوه فحكى روضة ... ذهبيّة أوراق أشجارها(16/281)
قلت: وقد ذكرت بهذين البيتين بيتين كنت قلتهما في هذا المعنى، ليلة نصف شعبان سنة تسع عشرة وسبعمائة بدمشق، ونحن بالجامع الأموي، وقد علقت مصابيح الوقود، كأنها خدود، وأقبل شاب ما طرّ شاربه، هو البدر التمام في تلك الليلة أو يقاربه، ثم طفق في الجامع يتمشى، ويأخذ بمجامع القلوب ولا يخشى، فقلت: [الطويل]
ولاحت مصابيح الوقود كأنها ... عيون رأت معنى الحبيب فحدّقت
وولّت تريد العود من خوف خدّه ... وقد سرقت منه الشعاع فعلّقت
عدنا إليه. ومنه قوله، وقد وكل السلطان ابن المقدسي، وهو ناصر الدين (194) محمد بن عبد الرحمن بن نوح، وكان من علمت فعلاته وعرفت عليه ولم يسرق عملاته: [مجزوء الكامل]
قل للمليك أمدّه ربّ العلى منه بروح
إن الذي وكّلته لا بالنصيح ولا الفصيح
وهو ابن نوح فاسأل القرآن عن عمل ابن نوح
ومنه قوله، وقد طلبت منهم بغال، ورميت عليهم جواري من سبي بيروت: [مجزوء الرمل]
أيها الكتّاب قد زال زمان الافتقار ... وغنينا واحتشمنا ببغال وجواري
ومنه قوله، وقد رفعت الديادب النار منذرين بالعدو، ثم أصبح الخبر ساكنا، والبلد آمنا، وقد خمدت جمرة ذلك الليل وأصبحت رمادا، وسطح بياض النهار وما رأوا في مساء تلك الليلة إلا سوادا: [مجزوء الرمل](16/282)
لا تخافوا رفع نار ... عندما لاح السواد
إنها جمرة ليل ... أصبحت وهي رماد
ومنه قوله، وقد اهتم المتحدث بالشام في توسعة الميدان، عند قدوم الملك الأشرف: [الكامل]
علم الأمير بأن سلطان الورى ... يأتي دمشق ويطلق الأموالا
فلأجل ذلك زاد في ميدانها ... ليكون أوسع للجواد مجالا
ومنه قوله، وقد أهدي قطرا: [المجتث]
أرسلت قطرا وسؤلي ... له قبول وعذر
ثم الأباليج يأتي ... وأول الغيث قطر
ومنه قوله، قد سبق الأعسر الأمراء في عمل ما خصّه من الميدان: [الكامل]
لقد جاد شمس الدين بالمال والقرى ... فليس له في حلبة الفضل لاحق
وأعجز في هذا البناء بسبقه ... وكلّ جواد في الميادين سابق
ومنه قوله في الصاحب محي الدين، محمد بن النحاس، أحد أئمة الحنفية، وكان له ولد اسمه يوسف أجاد: [الطويل]
(195) من مثل محي الدين دامت حياته ... إلى مذهب الدين الحنيفي يرشد
لقد أشبه النّعمان وهو حقيقة ... أبو يوسف في علمه ومحمد
ومنه قوله: [الطويل]
كفى أسفا أننا جميعا ببلدة ... لا نلتقي يوما ولا نتزاور
وما ذاك من بغض ولكن عيوننا ... على بعضنا من بعضنا تتغاير(16/283)
ومنه قوله: [مجزوء الكامل]
يفدي عدوّك سبعة ... ممن يحبّك في البرايا
وكذلك البقر التي ... في العيد تنحر للضحايا
ومنه قوله، وقد اجتاز في طريقه بجفان كرم: [الكامل]
لله كرم أصله وفروعه ... طابت وطالت فهو غير مذمّم
نصبت بمدرجة الطريق جفانه ... وكذاك عادات الكريم المطعم
ومنه قوله، وقد غنى الفصيح، ومال الشمع وطرب في جملة الجمع: [مجزوء الرمل]
وفصيح ما سمعنا ... لأغانيه مثالا
أطرب الحيّ إلى أن ... طرب الشمع فمالا
ومنه قوله: [مجزوء الكامل]
يوم يقول بشكله ... قوموا اعبدوا الله الأحد
قزح كمحراب بدا ... والبرق قنديل وقد
والرّعد فيه مسبّح ... حبّات سبحته البرد
ومنه قوله: [مجزوء الرمل]
أيها الزائر ربعي ... بعد هجر ونفور
ليس في الدنيا مكان ... يسع اليوم سروري
ومنه قوله: [مجزوء الوافر]
رمتني سود عينيه ... فأصمتني ولم تبطي
(196) وما في ذاك من بدع ... سهام الليل ما تخطي(16/284)
منه قوله، وأحسن كلّ الإحسان: [الوافر]
أبا أقضى القضاة ومن نداه ... له نشر يعطّر كلّ ناد
لقد جنّت دواتي من بياض ... فعوّذها بحرز من مداد
ومنه قوله: [السريع]
يا حسنه من حمدار لقد ... حارت عقول الناس في وصفه
كأنه من عظم أردافه ... قد حمل الكاره من خلفه
منه قوله، وتطارف: «1» [الطويل]
لنا صاحب قد هذّب الطبع شعره ... فأصبح عاصيه على فيه طيّعا
إذا خمّس الناس القصيد لحسنه ... فحقّ لشعر قاله أن يسبّعا
ومنه قوله: «2» [الطويل]
أتيت إلى البلقاء أبغي لقاكم ... فلم أركم فازداد شوقي وأشجاني
فقال لي الأقوام: من أنت راصد ... لرؤياه، قلت: الشمس. قالوا: بحسبان
ومنه قوله: [الخفيف]
إن هذا الفتى فتى سباني ... حسن نقش العذار في وجنتيه
يا نديمي في المدامة إني ... أشتهي أن أدقّ يوما عليه
ومنه قوله، قد طلب بخيل الحجر: [مجزوء الرمل]
حرت في أمري فدلّو ... ني وقولوا: أين أذهب
ومتى ينجو ضعيف ... وهو بالخيل يطلب(16/285)
ومنه قوله، وقد مرّ بباب عمّي الصاحب شرف الدين، رحمه الله، في الشتاء، فوجد كرمة هناك، لم ترم ورقها، ولا جرد الأجيرد رونقها: [البسيط]
قد أسقط البدر أوراق الغصون وفي ... أبواب دارك غصن يانع الورق
هذا يحقق عند الناس كلهم ... بأن ربعك من ريب المنون يقي
(197) ومنه قوله في مليح هرب فنطق على جناح الحمام الرسائلي برده: [الرجز]
وذي دلال أهيف كم ... سرّحوا من الحمام نوبة في ردّه
لأنها تعرفه من طول ما غنت ... على مائس غصن قدّه
ومنه قوله، وقد سمع قائلا يقول عنه: هذا رافضيّ، والقائل يعيش أبوه وجدّه، وهما شيخان: «1» [مجزوء الكامل]
قل للذي بالرّفض أت ... همني أضلّ الله قصده
أنا رافضيّ ألعن الشي ... خين أباه وجدّه
ومنه قوله: [الخفيف]
أنا كأس من المدامة فان ... كنت تفاحة من البستان
كنت ذوبا مثل العقيق ولكن ... جمدتني مخافة السلطان
ومنه قوله في كاتب مليح: [السريع]
اسمع حديثي ثم من بعده ... كن عائبي إن شئت أو عاتبي
أصبح جسمي قلما من ضنى ... وما براه غير ذا الكاتب(16/286)
ومنه قوله: «1» [البسيط]
قالوا: حبيبك قد دامت ملاحته ... وما أتاه عذار إن ذا عجب
فقلت: خدّاه تبر والعذار صدا ... وقد زعمتم بأن لا يصدأ الذهب
ومنه قوله: «2» [الخفيف]
لا أرى لفظ عارضيه قبيحا ... يا عذولا عن حبه ظلّ ينهى
وجهه روضة وليس عجيبا ... أنه يلقط البنفسج منها «3»
ومنه قوله: [الكامل]
أحببته رشأ عليه شقرة ... من أجلها ذهب العذار مفضض
قل للعواذل فيه هل أنكرتم ... أن البنفسج منه زهر أبيض
ومنه قوله في أعمى يرى بابنه: [الخفيف]
(198)
موسويّ الغرام يهوى بسمعي ... هـ ويشكو من رؤية العين ضرّا
يتوكّا على قضيب رطيب ... وله عنده مآرب أخرى
ومنه قوله: [الوافر]
ركبدار وجندار غواني ... ورئيس قرية وأمين خان
لئام أمهاتهم زوان ... وإلا أين أولاد الزواني
ومنهم:(16/287)
54- أحمد بن أبي المحاسن، يعقوب بن إبراهيم بن أبي نصر
الطيبي، الأسدي، أبو علي، شمس الدين، ردنه ينفح طيبا، وفنه بل فتنه يهتز رطيبا. جاء من بلاد الطيب مملوء الحقائب، موفور الركائب. يساجل بطيبه الأطايب، ويضمخ لمم المفارق عنبره الذائب، ويغلّف مسك نقشه رأس الطرس الشائب. يعرف نفسه الطيبي، ويغرق في مسكيّ شعاره الخطيبي، بدائع طيبيّ أخملت ذكر أبي الطيّب، وأذوت غرس ابن نباتة بتوالي غيثها الصّيّب، وجعلت ورد الأبيوردي لا يضر بجعلي، وزهر زهير المتقدم والمتأخر هذا جفّ وهذا بلي، بكلّ عقيلة طائره تمسي الغوالي نسال رياشها، وطائلة تضحي فتيت المسك فوق فراشها. نتيجة فكر تخرج اللآلي إذا جرت بحارها، ونبت قريحة تشيب نواصي المسك إذا وقدت بالمندل الرطب نارها. بديهة إذا وعتها المسامع انتشت، وإذا جازت بأودية الخواطر تضوع طيبا بطن نعمان إذ مشت، إلا أنها ذات أرج كقهوة الديرانيّ تعرف بشميمها، وزجاجة أبي الهندي ينمّ شذاها على نديمها، وروضة الصنوبري يفاوح مغضوض الحقائب مسكها، ومليحة الكندي قلتها وهي مسك هتكها، وكأس أبي نواس والنجم قد تصوّب، ومحبوبة امرئ القيس كلما جاء طارقا وجد بها طيبا وإن لم تطيّب. لو حلّت فيما سلف في المطيّبين من آل عبد مناف، لما استطاعت أن تتعاقد عليهم الأحلاف، ولا ذعنت اللعقة للتحكيم، وغمست أيديها في الطيب من جفنة أم حكيم.
ورد الطيبيّ هذا دمشق، ونزل بها على ابن عمّنا القاضي جمال الدين (199) أبي محمد، يوسف بن رزق الله العمري، واتصل به اتصال الطيّب باللمم، واتصف بصنائعه اتصاف الروض الأريج بالديم، وأوصله إلى والدي- رحمه الله- فاستكتبه في بعض الثغور، ولم ينتظر له الشغور، وأطلع كواكبه إلا أنها التي لا تغور. ثم نقله إلى طرابلس، فدام في كتاب الدرج بها حتى مات،(16/288)
وغابت شمسه فجاءت الظلمات، وكلّ كلمه طيب الأرج، إلا أن نظمه أعبق، ونوافحه في المسام أعلق، وشذاه من بلد الطيب حيث تشام أعرق.
وكان لا يزال مائلا بنشوة، ومائلا مع نسوة، وقائلا في ظل كرم أو قهوة، ومنجدبا بين مهبّ صبا أو صبوة. لم يتعظ بنذير المشيب، ولم ينقّ بياضه من دنس المعيب. مدمنا في الكؤوس، يحثّ أدوارها، ويحلّ من الدنان المشدودة المعاقد إزارها، ويصرف فيها دراهمه بالذهب، ويتلقاها له بالمبزل ساق توشّح بالمنديل حين وثب وبرهن لديها روحه، فيعجز عن فكاكها، ويدخل إليها فتصيده فواقع الحبب في شباكها، وكان على ما يصل إليه من غمرة هذه السكرة، ويقع عليه في مظنه ما يكره. لا يغيب له ذهن خاطر، ولا يغيم له أفق ماطر. وما عرف في عمره يوم صحو، ولا فرق له بين إثبات ومحو، حتى لقد حكى لي من كان يحضر عنده على تلك الحال، التي يعشى دونها طرف الأعشى، ويقلع الوليد ولا يخشى، وينكل ابن هرمة خوفا من أمير المدينة لا يغشى. لا يزيد ذهنه إلا حضورا، وفهمه إلا أن يقدح من ذات الشعاع نورا.
وأدبه الطيبي إلا أن يدير كأسا كان مزاجها كافورا، وكلمه الطيب إلا أن يفتح لمصعدها سماء السماع ومدامته العاطرة الأرج، إلا أن يتقسمها شعاع الشعاع وشجرته الفارسية إلا أن يتفتح وردها.
ونسبته الأسد إلا أن يهاجم وردها، وأنديته المنسوبة إلى الطيب، إلا أن يشبّ ندها ويشيب بأهواله ندها.
ومن بديعه الذي طار في كل جمع، وطاف بكأسه على كلّ سمع، كلمته نوبة مرج الصفر، حين نصر سلطاننا الملك الناصر على جيوش السلطان محمود غازان، وهي القصيدة التي أغنته أن يغزو، وتركته وما (200) شهد القتال بالأبطال يهزو. وهي الفائية الفائتة شأو كلّ قريحة، البائتة لا تني عن السّرى(16/289)
وركائب النجوم طليحة، المنقولة إلى أقصى البلاد، المحمولة على الرواة ورقاب الحسّاد. التي خلّت الدّرّ أصدافا، وحلت فاؤها فما تركت نطق كلّ شاعر همّ بأن ينطق بمعارضتها إلا فأفأ.
وكان سبب نظمه لها، أنه قيل له وهو على مجلس الشراب، وقد أخذ منه:
لقد أكثر الشعراء في وصف هذا اليوم، فلو عملت فيه. فأخذ دواة وقرطاسا وكتب لوقته هذه القصيدة عن آخرها. هذا ونجوم الكؤوس حوله سائرة، وأدوار الترك عليه دائرة، والخمر قد ضربت على رؤوس الشرب سرادقها، والعقول قد أنكرت في أفهام القوم حقائقها. ثم لم يزل يكتب والساقي بكأسه يصافحه ويحاسبه على نوبته ولا يسامحه، وهو على طلقه كأنه يقتدح الفهم من قدحه، ويلتقط الدرّ من حباب كؤوسه لمدحه، وهو يغالب النوم. فلما أكملها، سقط لجنبه ونام، والسّكر قد عجّل قضاء نحبه. فلما بشّر طائر الديك بالصباح، وهزّ لارتياحته به خافق الجناح، نهض به جلساؤه إلى الحمام، لغسل ظاهر دنس ذلك الإثام. فلما قضوا منه إربهم، وقاربوا منقلبهم، أذكروه بما كان منه، فأنكر أن يكون أجال في هذا فكرا، أو افترع خاطره عونا ولا بكرا. ثم لما رأى كلمة إجماعهم، وراب كذب شكّه نزاعهم، قال: دعوني أبادر هذه العورة البادية لأسترها، وهذه السّوءة الفاضحة لأقبرها. فكيف يكون عبث المخمور، وكلام من ضرب السكر بينه وبين عقله بسور. ثم أخذ في تعجيل الحميم، ومواثبة الخروج لتصحيح نتيجة فهمه السقيم، فخرج وخرجوا معه، لينظروا ما صنعه، فلما أتوا موضع منامه، ومصرع مدامه، أخرجوا تلك الورقة التي ضمّنت تلك الشذور قراطيسها، وقدحت من شرارة شعاع تلك البراح مقاييسها، فأوموا لها سجودا، ونكسوا رؤوسا، ومدوا إليها أيديهم ليتناولوها مما ادّخروه كؤوسا، ثم علموا أنها (201) آية أحمدية، جاءت ببقية ما جاءت به السّحرة لموسى، وهي: [البسيط](16/290)
برق الصّوارم والأبصار تختطف ... والنّقع يحكي سحابا بالدّما يكف
أحلى وأغلا وأعلى قيمة وسنا ... من برق ثغر الغواني حين ترتشف
وفي قدود القنا معنى شغفت به ... لا بالقدود التي قد زانها الهيف
ومن غدا بالخدود الحمر ذا كلف ... فإنني بخدود البيض لي كلف
ولامة الحرب في عينيّ أحسن من ... لام العذار الذي في الخد ينعطف
كلاهما زرد، هذا يقيك وذا ... يردي، فشأنهما في الفعل يختلف
والخيل في طلب الأوتار صاهلة ... ألذّ لحنا من الأوتار تأتلف
ما مجلس الشّرب والأرطال دائرة ... كموقف الحرب والأبطال تزدلف
هل دارع برداء الفخر مؤتزر ... كحاسر بشعار العار يلتحف؟
أو رامح سمقت في المجد همّته ... كأعزل بدنايا الهمّ يتّصف
لا تغبطنّ مضاما عيشه رغد ... واغبط أبيّا وإن أودى به الظلف
فالرزق من تحت ظل الرمح مقترن ... بالعزّ، والذلّ يأباه الفتى الصلف
لا عيش إلا لفتيان إذا انتدبوا ... ثاروا، وإن نهضوا في غمّة كشفوا
مستلئمين فلا جمّ ولا عزل ... يوم القراع ولا ميل ولا كشف
مقحّمين يخوضون الغمار إذا ... ما استرغبوا بأذى آذيّها اعتسفوا
ما استأكلوا الخبز بالجبن المذلّ ولا اس ... تسقوا ندى غير عين العجز بل صدقوا
يقي بهم ملّة الإسلام ناصرها ... كما يقي الدّرّة المكنونة الصّدف
قاموا لقوة دين الله ما وهنوا ... لما أصابهم فيه ولا ضعفوا
هم كسّروا الشّرك بالتوحيد إذ جبروا ... كسرا فلاحوا شموسا بعدما كشفوا
وجاهدوا في سبيل الله وانتصروا ... من بعد ظلم ومما شانهم أنفوا
وهاجروا وبحقّ جاهروا ونكوا ... في باطل دفعوه عندما قذفوا
لما أتتهم حشود الكفر يقدمهم ... رأس الضلال الذي في عقله جنف(16/291)
(202) وأضمروا النقض للميثاق إذ جنحوا ... للسلم وانقلبوا للغدر وانحرفوا
جاءوا فكلّ مقام ظلّ مضطربا ... منهم، وكلّ مقيم بات يرتجف
أبدوا، وقد أوردوا الخيل الفرات، لنا ... أن الذي يمموه الماء والعلف
ثم استجاشوا لنكث العهد فارتبعوا ... مرعى وخيما أراهم غبّ ما اعتلفوا
زاد التتار تبارا أن طغوا وبغوا ... فهم لكيدهم في قيدهم رسفوا
شاموا من الشام برقا من طماعية ... فطشّهم بغمام الغمّ إذ أزفوا
ظنوا السّراب شرابا فاستزلّهم ... غول الغوائل سقاهم غبّ ما اغترفوا
وجال مكرهم فيهم وحاق بهم ... وانهار من تحت ما قد أسّسوا الجرف
جاسوا خلال حمى الله المنيع وهل ... ترضى بلبس الحمير الروضة الأنف
داسوا بأنجاسهم أرضا مقدّسة ... فنفضتهم وهم في الرجس ما نظفوا
ويوم كوم بأرض العرض عارضهم ... من الرّدى عارض شؤبوبه التلف
لما أغاروا وغاروا راجعين وقد ... راعوا الرّعاء كدبت السّرح واختطفوا
سدّت مسالكهم بالسيف فافترقوا ... مجدّلين سدى من سوء ما اقترفوا
وكان فيه لهم وعظ ومزدجر ... لو أنهم عقلوا الأنباء أو عرفوا
وغرّهم نيلهم من حمص وهو لهم ... كالحبّ يصطاد منه الطائر الوجف
غابوا عن الرّشد إذ عاثوا وسرّهم ... ومن وراء السّرور الهمّ والأسف
لجّوا وعاموا من الطغيان في لجج ... إلى البحيرة فانصاعوا وما اغترفوا
وساقهم طمع في طيّه جزع ... وعاقهم شمس في ضمنه عجف
حتّى بدت راية الإسلام عالية ... والخيل جائلة من حولها تجف
يسعى بها ملك بالنصر مقترف ... بالناس مدّرع بالجود متّصف
ظلّ الإله وسلطان الأنام فتى ... برّ عطوف رحيم بالورى رؤف
محمد ناصر الدين الذي طفقت ... له السلاطين بالتقديم تعترف
سلالة الملك المنصور يخلفه ... بالعدل في ملكه يا حبذا الخلف(16/292)
(203)
قاد الجنود من الفسطاط حين طغى ... الطاغي وكاد عمود الملك ينحرف
بهمّة كالدراري وهي طالعة ... وعزمة كالمواضي وهي ترتهف
لقد غزا غزوة تحكي بطلعته ... غزاة بدر بلا ريب كما وصفوا
وافى طباق موافاة العدوّ ولو ... تواعدوا للقاء الخيل لاختلفوا
في فيلق تلبس الأرض الحديد به ... وتحجب الجوّ من آثاره السّجف
خيل لها طرف بالنيل متصل ... وبالفرات إذا امتدت لها طرف
وغلمة من كماة الحرب تحسبهم ... تحت الدّروع شموسا فوقها سدف
من كلّ أهيف بالخطّيّ معتقل ... فالرمح والقدّ منه اللام والألف
يحمي بصارمه ثغريه ذاك له ... ثغر الجهاد وهذا الثغر يرتشف
ففي اللقاء تراه باسلا خشنا ... وفي التلاقي على أعطافه ترف
رمى كتائب غازان بعسكره ال ... غازين إذ دلفوا بالبغي وازدلفوا
حمى حمى حوزة الإسلام ثم محا ... آثار ما شوّهوا فيها وما خسفوا
أتوا كراديس ترتجّ الجبال بهم ... كأنهم قطع الظلماء والكسف
ما زال خذلانهم في سيرهم خببا ... إلى مصارعهم يجري فلا يقف
حتى رأوا من جنود الله دونهم ... سدّ الحديد وبحر الموت فانصدفوا
وشاهدوا علم الإسلام مرتفعا ... بالعدل فاستيقنوا أن ليس ينصرف
لقّاهم الفيلق الجرّار فانكسروا ... خوف العوامل بالتأنيث وانصرفوا
يا مرج صفر بيّضت الوجوه كما ... فعلت من قبل والإسلام مؤتنف
للمؤمنين من الرحمن فيك بدا ... فتح فأنت بنور النصر ملتحف
أزهر روضك أزهى في تفتّحه ... أم يانعات رؤوس فيك تقتطف
غدران أرضك قد أضحت لواردها ... ممزوجة بدماء المغل تغترف
زلّت على كنف المصري أرجلهم ... فليس يدرون أنّى تؤكل الكتف(16/293)
راموا سهاما ولكن بالتراكش ... والقسيّ خيفة راميهم فهم هدف
(204) أووا إلى جبل لو كان يعصمهم ... من موج فوج المنايا حين تختطف
دارت عليهم من الشجعان دائرة ... فما نجا سالم منهم وقد زحفوا
ونكّسوا منهم الأعلام فانهزموا ... ونكّصوهم على الأعقاب فانقصفوا
فرّوا من السيف ملعونين حيث سروا ... وقتّلوا في البراري أينما ثقفوا
ففي جماجمهم بيض الظّبى زبر ... وفي كلا كلهم سمر القنا قصف
وما استقام لهم في أعوج نهج ... ولا أجارهم من مانع كنف
وأحرقوا بعد ما قد أغرقوا ورموا ... من القلال إلى الأوحال فانخسفوا
وملّت الأرض قتلاهم بما قذفت ... منهم وقد ضاق منها المهمه القذف
والطير والوحش قد عافت لحومهم ... ففي مراج الصواري منهم قرف
ردوا فكلّ طريق نحو أرضهم ... تدلّ جاهلها الأشلاء والجيف
وأدبروا فتولّى قطع دابرهم ... والحمد لله قوم للوغى ألفوا
ساقوهم فسقوا شطّ الفرات دما ... وطمّهم بعباب اليمّ فانحرفوا
وأصبحوا بعد، لا عين ولا أثر ... غير القلاع عليها منهم السّعف
يا برق بلّغ إلى غازان قصتهم ... وصف فغصّتهم من فوق ما تصف
فقلبه وجل من أجلهم قلق ... حتى يعود حزينا دمعه ذرف
بشّر بهلكهم ملك العراق لكي ... يعطيك حلوانها حلوان والنجف
وإن يسل عنهم قل قد تركتهم ... بالنخل صرعى فلا تمر ولا سعف
ما أنت كفء عروس الشام تخطبها ... جهلا وأنت إليها هائم دنف
قد مات قبلك آباء بحسرتها ... وكلهم مغرم مغرى بها كلف
إنّ الذي في جحيم النار مسكنه ... لا تستباح له الجنات والغرف(16/294)
وإن تعودوا بعد أسيافنا لكم ... ضربا إذا قابلتها رضّت الحجف
ذوقوا وبال تعدّيكم وبغيكم ... في أمركم ولكأس الخزي فارتشفوا
كذاك والج غاب الليث يحسبه ... قد غاب عنه بناب الليث يجترف
(205) فالحمد لله معطي النصر ناصره ... وكاشف الضّرّ حيث الحال ينكشف
قد أنجز الوعد في تصديق سيدنا ... محمد من به أضحى لنا الشرف
نبيّ سيف أتتنا الأنبياء به ... وبشّرتنا به التوراة والصحف
عليه من صلوات الله أكملها ... ومن هدايا تحيات الورى التحف
وكتبت هذه القصيدة بتمامها لإعجازها، ولأن حقيقة كلّ بديع في مجازها. وأما باقي شعره الطيبي، الذي نفح وانتشر طيبه، لأنه روض بات يجوده الغمام بما سفح، فقف قليلا تزود منه نفسا، وتشهد قبسا، ويجحد بعده في الكنوز ملتمسا، ومنه قوله: [البسيط]
ترنّم العود مسرورا ومن عجب ... سروره وهو في ضرب وتقييد
من أين للعود هذا الصوت تطربنا ... ألفاظه بأظاريف الأناشيد
أظنّ حين نشا في الدّوح علّمه ... سجع الحمائم ترجيع الأغاريد
ومنه قوله، وقد لبست الذمّة العمائم المصبغة: النصارى أزرق، واليهود أصفر، والسامرة أحمر: [البسيط]
تعجّبوا للنصارى واليهود معا ... والسّامريّين لما عمّموا الخرقا
كأنما بات بالأصباغ منسهلا ... نسر السماء فأضحى فوقهم درقا
ومنه قوله: [السريع]
النهر وافى شاهرا سيفه ... ولمعه يختلس الأعينا
فماجت البركة من خوفه ... وارتعدت وادرعت جوشنا(16/295)
ومنه قوله: [البسيط]
قامت تنبهني وسنى الجفون وقد ... رقّ النسيم ونامت أعين الرقبا
والليل قد مدّ سترا من ذوائبها ... والصبح من خدّها قد لاح ملتهبا
واستغربت راحتاها الرّاح حين رأت ... بنانها بشعاع الكأس مختضبا
ضنّ الزمان بما قد جاد به ... وعادة منه لي استرجاع ما وهبا
(206) ومنه قوله: [البسيط]
بناظري قمر اتبعته نظري ... مذ حلّ في خاطري قد زاد في خطري
تحت النقاب له بدر يقابله ... قد صار منزله في القلب كالقمر
ومنه قوله: [المتقارب]
أيا ناظري أنت سقت البلا ... لقلبي وذقت الهوى أوّلا
ويا قلب أبليتني بالغرام ... ومن ناظري كان أصل البلا
ومنه قوله: [الخفيف]
برزت في الكؤوس كالإبريز ... فأعادت مسرّتي بالبروز
قهوة فارسية من خبايا ... أردشير لبخله برويز
بنت كرم من عصر نعمان زفّت ... لابن ماء السماء غير نشوز
وجلاها زجاجها فأرانا ... جامد الماء ذائب الإبريز
وهي في حلّة السرور كميت ... تكتسي بالحباب حلية بوز
ارقني إنني أصبت بعين ... بالحميّا لا بالرّقى والحروز
أنا لا أرتوي بكأس وطاس ... فاسقنيها بالزّقّ والقطر ميز
اسقنيها حتى أموت بسكري ... وادع جمع القيان في تجهيزي
اسقنيها فالأرض تحكي عروسا ... تتجلّى في ملونات الخزوز(16/296)
اسقنيها مع الصبايا فإني ... أنا شيخ الغرام وهي عجوزي
ومنهم:
55- محمد بن محمد بن محمود أبو عبد الله، شهاب الدين «13»
عرف بابن دمرداش. عدل مات على الشهادة، وعاش مدرّعا بالزهادة، وكان في أول أمره على ما كان عليه آباؤه من معاناة الجندية، ومعاياة البروق بمخاصمة سيوفه (207) الهندية. خدم الملك المنصور صاحب حماة، واتخذه من نداماه، وأمطره بواكف نعماه، وأسرى إليه صباه ونعاماه. ثم كره حماة بعد صاحبها المنصور، وعاف موردها، واستنزر إثمدها، ولم ير بعده من يرى أن يكون له خديما، أو يعد له نديما. وطفق يقلب يديه، وصدره طافح، وقلبه لهمه مكافح، وحاله لا يلمّ شعثه، كأنه لمّة المحرم، وحظه لا يضيء، كأنه صحيفة المحرم، فخلع عن منكبه ذلك الرداء، وانتهى في معالجة نفسه إلى أن كوى ذلك الداء. وعاد إلى دمشق، وعانى بيع الكتب ومشتراها، وحصل منها الفرائد كما تراها. ثم فقد ما بيده، إلا ما حصله من ذلك الربح الظاهر، وحصنه حفظا في خزانة الخاطر. ثم استرزق بالعدالة بما يقسم له بين الشهود، ويقدر له من المتيسّر الموجود، غير منافس مثلهم في الجعالة، ولا لابسا خلق تلك الحالة، قانعا بما سمحت له به النفوس، وسنحت له ديم الكرم بغير عبوس.
وكان حقيقة تمنح جوهرا، وحقيبة تنفح عنبرا. ومن شعره المطرب نغمه،(16/297)
المطيب تفتيت المسك لممه، قوله مما أنشدنيه: [البسيط]
أحسن إلى الناس مهما دمت مقتدرا ... على الجميل ففعل الخير ينتهز
ولا تكن كأناس أخّروه إلى ... غد فلما أتاهم في غد عجزوا
وقوله مما أنشدنيه: «1» [الكامل]
ومهفهف الأعطاف معسول اللّمى ... كالغصن يعطفه النسيم إذا سرى
قال اسقني فأتيته بزجاجة ... ملئت قراحا وهو لاه لا يرى
وتأرّجت برضا به وأمدها ... من نار وجنته شعاعا أحمرا
ثم انثنى ثملا وقد أسكرته ... برضا به وبوجنتيه وما درى
وقوله مما أنشدنيه: «2» [الخفيف]
قال لي ساجي اللواحظ صف لي ... هيفي: قلت: يا رشيق القوام «3»
(208) لك قدّ لولا جوارح عيني ... ك تغنّت عليه ورق الحمام «4»
وقوله مما أنشدنيه: «5» [السريع]
بالله إن جزت وادي الأراك ... وقبّلت أغصانه الخضر فاك «6»
اهد إلى عبدك من بعضها ... فإنني والله مالي سواك
وقوله مما أنشدنيه: «7» [الطويل](16/298)
أقول لمسواك الحبيب لك الهنا ... برشف فم ما ناله ثغر عاشق
فقال وفي أحشائه لاعج الجوى ... مقالة صبّ للدّيار مفارق «1»
تذكرت أوطاني فقلبي كما ترى ... أعلّله بين العذيب وبارق
وقوله، وهو مما أنشدنيه: «2» [الطويل]
جيادك يا من طبّق الأرض عدله ... وحاز بأعلى الجدّ أعلى المناصب
إذا سابقتها في المهامه غرّة ... رياح الصّبا عادت لها كالجنائب «3»
ولو لم يكن في ظهرها كعبة المنى ... لما شبهت آثارها بالمحارب
وقوله: «4» [الطويل]
ولما التقينا بعد بين وفي الحشا ... لواعج شوق في الفؤاد تخيّم «5»
أراد اختباري بالحديث فما رأى ... سوى نظر فيه الجوى يتكلم
وقوله: «6» [الكامل]
حتّام لا تصل المدام فقد أتت ... لك في النسيم من الحبيب وعود «7»
والنهر من طرب يصفّق فرحة ... والغصن يرقص والرياض تميد
وقوله: «8» [الكامل](16/299)
قد صنت سرّ هواكم ضنّا به ... إنّ المتيّم بالهوى لضنين
فوشت به عيني ولم أك عالما ... من قبلها أنّ الوشاة عيون
وقوله: «1» [الطويل]
روى دمع عيني عن غرامي فأشكلا ... ولكنه ورّى الحديث فأشكلا
(209) وأسنده عن واقديّ أضالعي ... فأضحى صحيحا بالغرام معلّلا
وقوله: «2» [الكامل]
وافى النسيم وقد تحمّل منكم ... لطفا يقصّر فهمه عن علمه
وشكا السّقام وما درى ما قد حوى ... وأنا أحق من الرسول بقسمه
وقوله: «3» [الكامل]
إن طال ليلي بعدكم فلطوله ... عذر وذاك لما أقاسي منكم
لم تسر فيه نجومه لكنها ... وقفت لتسمع ما أحدّث عنكم
وقوله: «4» [الكامل]
عجبا لمشغوف يفوه بمدحكم ... ماذا يقول وما عساه يمدح «5»
والكون إمّا صامت فمعظّم ... حرماتكم أو ناطق فمسبّح
وقوله: «6» [المنسرح](16/300)
من لأسير أمست قرينته ... في الدّوح عن حاله تسائله «1»
فهو يغنّي مبدا الحزين لها ... وهي بأوراقها تراسله
وقوله: «2» [البسيط]
حتى إذا رقّ جلباب الدّجى وسرت ... من تحت أذياله مسكيّة النفس
تبسّم الصّبح إعجابا بخلوتنا ... ووصلنا الطاهر الخالي من الدّنس
وقوله: [السريع]
بالرّوح أفدي منطقيّا علا ... برتبة النحو على نشوه
منطقه العذب الشهيّ الذي ... قد جذب القلب إلى نحوه
وقوله: «3» [الكامل]
يا سيدي أوحشت قوما ما لهم ... عن حسن منظرك الجميل بديل
وتعلّلت شمس النهار فما لها ... من بعد بعدك بكرة وأصيل
وبكا السّحاب مساعدا لتفجّعي ... من طول هجرك والنسيم عليل
(210) وقوله: «4» [الكامل]
انظر إلى الأزهار تلق رؤوسها ... شابت وطفل ثمارها ما أدركا
وعبيرها قد ضاع من أكمامها ... وغدا بأذيال الصّبا متمسكا
وقوله: «5» [الطويل](16/301)
ولما أشارت بالبنان وودّعت ... وقد أظهرت للكاشحين تشهّدا
طفقنا نبوس الأرض نوهم أننا ... نصلّي الضحى خوفا عليها من العدى
وقوله: «1» [الكامل]
ما أبطأت أخبار من أحببته ... عن مسمعي بقدومه ورجوعه
إلّا جرى قلمي إليه حافيا ... وشكا إليه تشوقي بدموعه «2»
وقوله: «3» [الطويل]
يقولون شبّهت الغزال بأهيف ... وهذا دليل في المحبة واضح
ولو لم يكن لحظ الغزال كلحظه اح ... ورارا لما تاقت إليه الجوارح
وقوله: «4» [الطويل]
يقول لي الدولاب راض حبيبك ال ... ملول بما تهوى من الخير والنفع
فإني من عود خلقت وها أنا ... إذا مال عنّي الغصن أسقيه من دمعي
ومنهم:
56- محفوظ العراقي، رشيد الدين «13»
فحل لا يقرع له أنف، ولا يطمع أن يقاد بالعنف. قادر على الشعر ينظمه في الوقت الحاضر، ويرقمه كالروض الناضر، يدل على قوة لجتين، كأنما يهدر(16/302)
فيهما رعد، أو يشهر سيف وعيد لا وعد. بعارضة يلين لها الجماد.
ورد دمشق، ومدح والدي، رحمه الله، بقصيدة أحرقت قلب حاسده، وأشجت فؤاد معانده، وبات لها عدوه على شوك القتاد، وضده قد سلم إليه القياد، خلا رجل كانت منه نادرة غلط حملته على تفضيل رجل عليه، كلمة قالها بغير علم، وعثرة ما استقى لها عندي حلم، فمزّقت عرضه هجاء، وفرّقت أرضه أرجاء، فسلط (211) عليه ذلك الرجل بعض أقاربه، وقصد رفو عرضه الممزق بإبر عقاربه، فالتقفهم صلّه الأرقم، والتقمهم عقابه القشعم، وجاهرهم بالسوء من القول، وجاهدهم جهاد الفحل على الشوك.
وكان قد اجتمع رأي فضلاء العصر، كالإمامين: صدر الدين أبي عبد الله محمد بن الوكيل، وكمال الدين أبي المعالي محمد بن الزملكاني، والفاضل رئيس الكتاب كمال الدين أبي العباس أحمد بن العطار، على تفضيله وتقديمه في الشعر على أهل جيله.
ومن شعره في هجاء من هيّج حفيظته، وأوهج توقيد نار الغضب مغيظته، مما قاله ارتجالا في خصمه، وواجهه بنفث سمه، قوله: «1» [الخفيف]
ركب الله في فناء بني فع ... لان معنى النيران والحيّات «2»
أوجه القوم بالمكاره تحفى ... وفروج النساء بالشهوات «3»
حدثني ابن عمنا القاضي جمال الدين، أبو محمد، يوسف بن رزق الله العمري، وكان هذا الرشيد محفوظ خاصّا به، وخالصا لصاحبه، نزل عليه حال(16/303)
مقدمه، واصفا خالص خدمه، قال: حدثني الرشيد، ما سأذكر أنا معناه، وهو أنه لما مرّ بحماة، في مقدمه إلى دمشق، مدح طائفة من كبرائها المتّصلين بخدمة صاحبها الملك المظفر، منهم: ابن قرناص، كاتب سره، وصاحب أمره بأسره، وأراد منه أن يوصله إلى صاحبه لينشده مديحا عمله فيه، قاطع عليه الكرى، وأشبه به النجوم إلا في السّرى، حتى جاء به روضا ما سقته إلا سحب القرائح التي تشب لهبا، وتصب ذهبا، فعلّق أمله بالوعد ومنعه، فلم يصل إليه إلا فيما بعد. فلما رأى أن وعده لا يثمر، وأن قصده لا يظهر منه إلا خلاف ما يضمر، عدل إلى كستغدي أستاذ الدار «1» وكان ممن لا يخيّب المرجو، ولا يقطع رحم الأدب المرجو، لأخذه بحظّ من الفضائل لا تنقص، ولا يعرف الذهب ما لم يخلص، فلما أنزل به مقصده، أنشده: «2» [الكامل]
ولقد ركبت هجين عزم ساقه ... مني الرجاء إلى الأعزّ الأبلج «3»
(212) ملك توعّره جنود حوله ... كالروض بات مسيّجا بالعوسج
فلما دخل على الملك المظفر، أوصل إليه جليّة خبره، وأنشده البيتين بما فيهما من وخز إبره، وابن قرناص حاضر يسمع، ناطر يتوقع ما يصنع، فأمر بإحضاره، فأحضر في الحال، واستنشده البيتين، فقال: ولقد ركبت هجين عزم ساقه (البيت) ثم اهتدم البيت الثاني فقال: [الكامل]
ملك تزان به جنود حوله ... كالروض بات مسيجا ببنفسج «4»(16/304)
فقال له: ما هكذا قلت. فقال: قد كان ذاك قبل أن أحضر لديك، فأما بعد أن حضرت، فهو كما أنشدت بين يديك. فأسنى عطاءه من الذهب الخلاص، وأوسع ملامته ابن قرناص.
وحدثني أيضا عنه: أنه أتى حصن الأكراد مادحا نائبها، ومستقيا من أياديه سحائبها، فأخذ ابن الذهبي كاتب درجه القصيدة ليوصلها إليه، ثم عاد إليه، فأخبره أنها ضاعت من وسط يديه، فقال: [المنسرح]
لا الذهبيّ أسرى المديح ولا ... أعذبه منهلا وعذّبه
أهديت مدحي تبرا إليه فما ... ذهّبه بل عليّ أذهبه
وقوله، وقد رأى مشجر الفسيفساء بجامع دمشق: [الطويل]
ألم تر أشجارا بجامع جلّق ... حكت مثلها لو أنّ صانعها باق
نضارتها أن لا تداني فروعها ... بشمس ولا يسقي مغارسها ساق
وقوله: «1» [الخفيف]
فرّقت بيننا الحوادث لكن ... لي نفس إليكم أدنيها
فكأني في الودّ فارة مسك ... أفرغوها ونفحة الطيب فيها «2»
وقوله: [الخفيف]
هيّج البرق لوعة المشتاق ... بوميض لقلبه الخفّاق
هذه مزنة إليّ حدتها ... نسمة الصّبح من نواحي العراق
يا قساة القلوب رقّوا فإني ... لا غرامي فان ولا أنا باق
(213) هل لبؤس لاقيته من فراق ... ونعيم فارقته من تلاق(16/305)
ومنهم:
57- محمد بن سبط الحافظ، شمس الدين
ذكي الفطنة، زكي الفطرة، وقّاد القريحة، نقّاد المعاني الصحيحة، لطيف المحاضرة، خفيف المجالسة. يقع على نادر المعنى، لكنه ربما أتى بمساكن بلا مغنى، إذ كان مستوشل المواد، مستوحش الجواد، لا دربة له بممارسة، ولا رغبة تقدمت له في مدارسة، اعتمادا على ضياء حسه، وصفاء جوهر نفسه. مركب أعاريض الشعر، ولا يلحج في بحاره، ولا يدلج ليله قبل تبلج أسحاره. وخدم في الدواوين زمانا، ثم في الجيش بصفد خدمة أخذ بها الرامح من قلبه أمانا، وكان يجيد حلّ المترجم ويبيّن ما أسرّه قلم كاتبه وجمجم، بفهم إلى قراءته، يسارعه كأنه واضعه متى نظره قرأه لا يتوقف، كأنه هو الذي كتبه وسطره. ومن شعره: [الطويل]
وذي شنب مالت إلى فيه شمعة ... وعادت إلى رجليه عن شفتيه
وقالت: بدا من فيه شهد فهزّني ... بذكر لأوطاني فملت إليه
فحالت يد الأيام بيني وبينه ... فعفّرت أجفاني على قدميه
ومنهم:
58- محمد بن سباع الصائغ، الدمشقي، أبو يوسف، شمس الدين «13»
صائغ لا غشّ في ذهبه، ولا غلّ في أدبه، ولا غب لزيارة سحبه. قطف غضّ البلاغة، وجاء بالكلام كمال يقال: صاغه صياغة. وما كان ابن سباع إلا وهو شبل قسورة، ولا نعت بالشمس إلا لأن الليالي كانت به مقمرة.(16/306)
وهو ممن أخذت عنه العروض، وكان فيه إماما، وقطّعت بحوره لا أرد الماء إلا حماما. وتعلمت منه علم القوافي، وطرت في دقيقه وجليله بالقوادم والخوافي.
وكانت حانوته بقيسارية الصاغة بدمشق سوق ذهب وأدب، كلاهما إبريز، وهما ما هما وله فيهما التبريز. وله أوفر قسم من النحو والعربية والمقامات (214) الحريرية، وسائر المواد الأدبية. ومن أشعاره المولدة العربية الذهبية، قوله: [الكامل]
وتخيّروا تلك الحزون منازلا ... بالحزم للأمر الأشدّ الأصعب
ملأت خيامهم الجهات فلم يكد ... للقرب يفرق مضرب من مضرب
ومنه قوله يذكر حريق بلد أخذ منه الكفر: [الكامل]
طهّرتها من أهلها بدمائهم ... وجعلت باسمك ربعها مأنوسا
أمهرتها عزما ملأت به الدّنى ... ولقد ملكت كما بذلت نفيسا
ورميت فيها النار تطهيرا لها ... مثنى فمنها الشّرك عاد يؤوسا
فكأنّها والنّار في جنباتها ... نبت به الشّيطان غرّ مجوسا
وسلبتها مما حوته ذخائرا ... وجواهرا ونفائسا ونفوسا
وتركتهم برا وبحرا جيفة ... من بالقصور يظنها ناووسا
ومنه قوله في فتح عكا وصور: [الكامل]
قلقلت أرض الشام عند دخولها ... ركضا بجيش كالسحاب عرمرم
قد كان وجه الشمس غير مبرقع ... لولاهم والبدر غير ملثّم
فأريت عكاما بعمورية ... رأت الفوارس في الزمان الأقدم
فتح محيّا الدهر موسوم به ... وزمانه في دورة كالموسم
ما الرأي إلا عند قلب ثابت ... والسيف إلا في يمين مصمم
قد حزت صورا في تقضّي فتحها ... فبشكرك الإسلام رطب المبسم(16/307)
ما كان بينهما سوى يوم فذا ... سعد إليه كلّ سعد ينتمي
والجمع للأختين غير محلّل ... لكن بهذا الحال غير محرّم
ومنه قوله يصف قصيدة مطولة: [الكامل]
عجبا رأينا من تزيّد حسنها ... مع أنها زادت على التسعين
شغلت ذوي الأسماع في إنشادها ... مما حوته عن ابنة العشرين
(215) ومنه قوله، وهو مما ادّعاه سواه، وكان شيخنا أبو الثناء لا يبثّهما إلا لابن القماح: [الرجز]
لو تعلم الورق حنيني نحوكم ... لمزّقت من طرب أطواقها
ولو يذوق عاذلي صبابتي ... صبا معي، لكنه ما ذاقها
ومنهم:
59- عبد المجير، أحمد بن الحسين الخياط، مجير الدين
شاعر لا يقدر على مبالغه، ولا يعصى الحصا على ماضغه. قريحته مقتدرة، وفكرته مبتدرة، وخاطره السمح لا يقابله بالمعذرة. ولم يكن في سوق الشعر متكسبا، ولا بما يتسنّى من جوائزه متسببا، بل كان يكتفي بصناعة يده، وبضاعة شمم يكفى بها منه مسترفده، مع قليل مال يصلحه فينمي، ويستسفحه فيهمي، إلا أنه رزق خياط يجنيه من حرث إبرته، وتأييد بمقدار ما يبيعه من نظر مقلته، مع أنه بدا بناظره فخاطه بالإعجاب، وخاطه بكبرياء بلغت به العجب العجاب. ومن شعره السهل الذي لو دعي أجاب، قوله: [الكامل]
يغنيه عن بعث الكتائب كتبه ... وكأنما في كلّ سطر فيلق(16/308)
والمرء يفتن بابنه وبشعره ... وكلاهما شيء لعمرك يعشق
ورأيت بخط المجير المذكور فصلا أتبعه بشعر لخصتهما وهو: ولقد ورد على رجل من مصر يتعاطى أنه شاعر، ولم يكن خبيرا بما يحتاج إليه، بل كان نظّاما لحّانا، يخطئ الأوزان، ويخالف اللغة في غير مكان، فأصلحت من هذيانه على ما أفضى إليه حال لفظه، ونسقت له أساليب من كلامي، زيّنت بها قبح ما جاء به من بشاعة نظمه، وبرد سرده، ولم يخل من قصيده وضيعا ولا رفيعا، ولا عبدا ولا حرّا. وكل هذا وأنا أنظم له القصائد، وهو بحبالي الصائد، ثم ثلبني، فنقل إليّ، فقلت: [الوافر]
عتبت وقلت إني قيل عني ... مقال ما سمعنا منه أكذب
وإني قانع بقليل شكر ... فقل لي ما لكثر الذمّ أوجب
(216) ولا تعجب لقلب الخير سرّا ... فذمّك لي بظهر الغيب أعجب
وإن تر أنّ في عتبي صوابا ... فترك العتب منك عليّ أصوب
وقد قلت الذي عندي وهذا ... نهاية حالنا فاجنب أو اركب
ولم أسلفك إلا كلّ خير ... وإن تعتب فإنّي غير معتب
ومن شعره قوله: [المجتث]
صبح العوافي تنفّس ... في ليل سقمي وعسعس
وعاد نطق حياتي ... وكان بالموت أخرس
ونافس البرء سقمي ... فكان بالنفس أنفس
والموت لم ينج منه ... سمّ العرانين أخنس
وكل عال ونكس ... في هوّة الهلك ينكس
ومنه قوله: [المنسرح](16/309)
يدافع الموت في تقلّبه ... موج المنايا وسيلها دفع
وليس من تحت سبع أرقعة ... يبقى ذباب كلّا ولا سبع
ومنه قوله: [المنسرح]
سدّ عليّ النهيج والأرق ... وساقني في لجامه العرق
واتّسعت فيّ للردى سبل ... فيها تضيق الأنفاس لي طرق
وفي عروقي وأعظمي ودمي ... جرت خيول الحمام تستبق
أظلّ لا أطعم الطعام فإن ... طعمت منه أكاد أختنق
وفي سحاب الحياة بارقة ... في جوّ جوفي بالموت تأتلق
ولي بتقدير خالقي علق ... من حيث لا نطفة ولا علق
ومنه قوله في وزن درعية المعري التي أولها: هم الفوارس بات في إدراعها، «1» قصيدة منها: [الكامل]
ماذية لو أرسلت من خالق ... في سيله فاتته في إسراعها
(217) لو أن أرجل نملة دبّت على ... سربالها ما غاص طرف ذراعها
عاديّة تنبو الصوارم في الوغى ... عنها لرقّتها وغلظ طباعها
لو ألقيت في قفرة دويّة ... حام القطا طمعا بحومة قاعها
خصراء محكمة القتير لسردها ... حبك يضيع الفكر في أوضاعها
زغف دلاص ستر كلّ مقنع ... إن آذنت حرب بكشف قناعها
كم قطّعت بيض الظّبا بوصالها ... وتدافعت سمر القنا بدفاعها
وثوابت الخرصان لو قارعنها ... لتقصّفت وتقصّدت بقراعها(16/310)
لطفت على فرط الكثافة حلّة ... قد طرّزت بالبرق من تلماعها
سمح الزمان بحين عصر ولادها ... ومسامع الدنيا ثديّ رضاعها
ومنه قوله يصف مقتل أفعى: [الكامل]
نفر الحباب فخلت سيل الجدول ... متدفقا نحو الأباطح من عل
أو أسمرا متأطّرا يوم الوغى ... في كفّ مشبوح الذراع شمردل
يرنو بأخرز شبه جذوة قابس ... متوقدا في جنح ليل أليل
فهو الشجاع مدرّبا بإهابه ... فمسربل درعا وغير مسربل
وكأنما حدق الجراد لباسه ... أو رقش وشي فوق ردّ أسحل
بادرته بمهند ضمّ الصفا ... بفرنده يغري بضربة فيصل
وكأنه ليل سطا بسواده ... عند الصدام بياض صبح منجلي
متململا من فوق مفرش تربه ... يعلو أعالي رأسه بالأسفل
وكأنّما هو بالدماء مضمّخ ... ليل كقنو النخلة المتعثكل
تملو لهازمه لفرقة نفسه ... بتكشّر عن كلّ ناب أعصل
فقتلت منه أفعوانا قاتلا ... كم قد أصاب ضريبة في المقتل
ومنه قوله: [مجزوء الرمل]
أين من أعطافهم ... كانت تهزّ الأريحيّة
(218) وعلى الشعر يجازو ... ن الجوائز السنيّة
ذهبوا لم يبق في ... الدنيا منهم بقيّة
غبروا لذكر منهم ... عطّر أفواه البريّة
ومنه قوله: [المجتث]
لا ترفعنّ دنيّا ... فرفعه لك خفض(16/311)
ودسه حيث تراه ... بتركه فهو أرض
ومنه قوله: [الكامل]
لا شيء فوق الموت تألمه ... إلا إذا أضيافه ارتحلوا
لو أن كعب الجود عاصره ... بسماحه لم يضرب المثل
ومنه قوله في حائك صار خطيبا: [السريع]
وحائك صار خطيبا ومذ ... صار خطيبا قد بدا منصرما
ظنّ وقد صار على منبر ... بأنه قد صار فوق السما
وهو الذي من نفق في الثرى ... إلى الثريّا قد رقي سلّما
ومنه قوله، وقد ولي شمس الدين محمد بن الرزيز خطابة الجامع الكريمي بقبيبات دمشق، وقام شخص اسمه ابن العديسة واعظا: [المجتث]
في الدهر شيء عجيب ... مرآه يقذي اللواحظ
ابن الرزيز خطيب ... وابن العديسة واعظ
ومما أملانا من نثره قوله مع قصيدة كتب بها إلى بعض الرؤساء، وهو:
فأرسلتها كالمهدي قطرة إلى البحر المحيط، أو النافخ بغيه ليزيد بنفسه في الهواء البسيط.
ومنهم:
60- أحمد بن محمد بن سلمان بن حمائل، شهاب الدين، أبو جعفر «13»(16/312)
عرف بابن غانم. أي لا يصبر على ضيم، ولا يتغافل لمساورة أيم، بل أي بلد نبت به أرضها، ونبت له ممضّها، طلّقها طلاق البتات، وقوّض عنها (219) خيامه قبل البيات. جوّال آفاق، وجوّاب مهامه بلا رفاق. طار بغير جناح، واخترق حيث تهب الرياح.
وقد تقدم ذكر أخيه في الكتّاب في هذا الكتاب. وكان أبوهما ممن أحبّ له داعي الفلاح، وأجيل قلمه في سهام القداح، ثم غضب ابنه هذا عليه غضبة حملته على الاغتراب، وحلّقت به حيث لا يحلق الغراب. هذا وبدره ما اكتمل، وجلباب الورق على غصنه ما اشتمل. فأتى العراق في رفقة، سلكوا به السماوة، لا يصحبه إلا أبيض مسلول، ولا يؤنسه إلا أرقط زهلول، ولا يظلله إلا سمرة في يهماء، ولا برد إلا أداوة يترشف منها الماء. ونزل بها على خفاجة مخفيا لنفسه، مظهرا له أدب درسه، فلما تسمّى لهم واكتنى، وكتم من أمره معلنا- وكان العهد إذ ذاك قريبا بأخذ بغداد، وشتات شذاذ الخلافة في أقطار البلاد- ظنوه ابنا للمستعصم، كان قد فقد على الجسر، بعد اقتحام التتار شوارعها الفساح، والتهام أفواه قسيهم الفاغرة مضغ الأرواح، وأبناء الخلائق لديهم نهب صيح في حجراته، وهضب ذيد عن سمراته.
ولقد حكى لي أن هذا صار فيه عقد دينهم، وعقل يقينهم، فقدموه عليهم إماما، وسلموه لهم زماما، وإنه لم يفسدهم بكشف باطنه، وإخراج خبيئة من مواطنه. وأتى الملك الظاهر هذا البناء، فخاف منه فتقا لا يرقعه، وخرقا لا يجمعه، فكتب إلى ملك العرب عيسى بن مهنا يطلب منه إحضاره، ويوكل به انتظاره، فاستدرجه إليه، ثم بعث به حتى أقدمه عليه، فلما حضر بين يديه، تعرّف إليه بأبيه، وشهد له بعض من حضر، فسلّم وقد أهوى إليه الحجر، وأمر باستدعاء أبيه من دمشق، فلما وصل سلّم إليه، وسلّ من قنصة الموت وألقى(16/313)
لديه، وقيل له: لا بورك لك، ثم ردّ ضائعه عليه.
ثم إنه كتب الإنشاء في الممالك، وتنقل بمصر ودمشق، ثم أبى حمل المشق.
كان قد أفرد للكتابة في مجلس الوزارة بدمشق، والمتحدث إذ ذاك، الصاحب شمس الدين عبد الله المعروف بغبرال، فأمره يوما بكتابة كتاب، فضمنه شيئا (220) من الصناعة التي لا عهد بها لمن كتبت عنه، وقرأ ما فيها فلم يستبينه، فأنكر ما لم يحط به علمه، ولا تصوره فهمه، فسأله عن موضع منها كالمستفسر، فظنه كالمستنفر، فركب القفار يضربها أذرعا في أذرع، ويودع منها أربعا في أربع، وظنّ أنه قد تفلّت من يده تفلّت المملق من يد الغريم المقلق، وتقحّم مهالك بحار الرياح في قطعها، ومهاوي لا تكتحل جفن الغزالة، ينقعها بتلاعب يد الإقتار، ويقذف به في الفجاج البعيدة الأقطار، إلى أن نزل بالملك المؤيد صاحب اليمن، في بحبوحة مجد، وأرجوحة جد، وسعادة أراشت جناحه المحصوص، وأطارت طائره المقصوص.
ثم ضاقت به تلك الرحاب، ونغصت إليه تلك المحاب، لأمراض تناوبت بنيه، وأعراض هدّت مبانيه، فسيرهم من طريق لاقاهم إليه، إلى مكان لم يخلف لهم فيه موعدا، ولا تجاوزه مبعدا، إلى أن حلّ حضرة صنعاء متذمما بإمامها، وطالبا منه صنيعة يتمسك بذمامها، فوجد لديه إكراما، وحواليه لاقى كراما.
ثم وجه على طريق السراة ميمما مكة المعظمة، فوافاها والموسم قد أقمرت لياليه، ورقمت خدود الأيام غواليه، فحضر الموسم وشهد أيامه المعلومات، ولياليه الرافلة حلله المرقومات. وقد التقى كلّ ذي دين وماطله، وهدت به سنابك اليمن وأياطله، ثم قصد الباب الشريف النّاصري، فلقي برّا بحسن الخلف، وحلما لا يؤاخذ بما سلف، وأمر باستخدامه، ثم تنقل في مصره وشامه،(16/314)
وتنقل ببرّه وإنعامه.
ولما فوّض إلينا الأمر بالشام في أخريات شعبان، سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، أبى إلا أن يحفظ عهدنا، وأن لا يقيم بمصر بعدنا، فجاء على آثارنا مستصحبا لحال المودة، مقضيا معنا عمره إلى آخر مدة. ثم منعه مانع الهرم أن يعود معنا إلى مصر، في جمادى الأولى من السنة القابلة، حين قلدنا بها ثانيا، وقعد عجزا لا توانيا، لفتور عزم قيد خطاه، وفند رأيه لحلول الأجل فما تخطاه.
وبلغنا على الأثر أنه غلب عليه سوء مزاج، لم يفد فيه حسن (221) علاج، إمضاء لإرادة الله في خلقه، وإفضاء به إلى نهاية أجله ورزقه.
وكان فاضل بيته، ومستدرك فوته، ناقلة لغة، وعاقلة أدب، مع إلمام بطرف كل فضيلة، وطرف ودّ أوى به إلى ضوء كل قبيلة.
فأما الشعر، فكان نبعته التي قرع بها القرناء، وصنعته التي ما خلا بعده لمن عاناها إلا العناء.
وله طرائف وظرائف. حكى عنه قريبنا القاضي جمال الدين، أبو محمد، يوسف بن رزق الله العمري، قال: اجتمعت به يوما في سماع، فرقص الناس ثم جلسوا، فأقامهم شخص استمع هو ورجال مثله، عليهم سيماء البادية، وطال الحال في الوقوف، وشهاب الدين ساكت لا يتكلم، وساكن لا يتحرك، فقال له رجل على سبيل الهزء به: مالي أراك ساكنا كأنه يرجى إليك؟ فقال: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ
«1»(16/315)
وحكى عنه بعض أقاربه، أن الملك المنصور صاحب حماة، خرج إلى باب الشجريات بالمعرة، وشهاب الدين في صحبته، فاحتاج شهاب الدين إلى الخلاء، ولم يكن من رأيه دخول الخربشت، «2» وكان الفضاء مسدودا بالوطاق الظاهري، وهو إذ ذاك مخيم به، فصعد شهاب الدين إلى شجرة تين ليتخلّا، والملك المنصور يراه، ولم يعلم ما يصنع، فجهز شخصا لينظر ما يفعل، فقال: خذ! وسلح عليه، حتى ملأ وجهه وعينيه. فقال: ويلك، ما هذا؟ فقال: أطعمتك من التينة. فأتى الملك المنصور الخبر، وفهم الصورة، فانقلب يضحك حتى أغشي عليه.
وحكي أنه اجتمع يوما هو ونور الدين ابن هلال الدولة مقدم يمن بكفر عامر، في مجلس لهو فيه شيء من آلات الطرب، فأخذ شهاب الدين آلة منها ليضرب بها على سبيل العبث، وكان لا يعرف هذا، وابن هلال الدولة متهم بالرفض، فقال له ابن هلال الدولة: أحسنت، بالله سمّعنا غليظ ما نكره، فقال: رضي الله (222) عن أبي بكر وحكي عنه، ثم حكى هو لنا عن نفسه، أنه كان عند واحد الدهر القاضي كريم الدين عبد الكريم الناصري في خيمة جمع القرّاء بها بالقرافة، وأنه أوى إلى القاضي علاء الدين، علي بن الظاهر، وجلس إليه يحدثه، فبعث إليه بآخر هناك يعرف بالطواشي معاوية، يقول له: بقيت نوبتي، يعني قم تعال إليّ، وألحّ عليه. فقال له: ويلك! من يخلّي عليّا ويروح إلى معاوية؟ فيما أوردناه مقنع، وفي بعضه ممتع.
ومما أنشدنا من شعره تلفظا أو إجازة قوله: «1» [السريع]
والله ما أدعو على هاجري ... إلا بأن يمحن بالعشق(16/316)
حتى يرى مقدار ما قد جرى ... منه وما قد تمّ في حقي
وقوله: «2» [المجتث]
يا حسنها من رياض ... مثل النّضار نضاره
كالزهر زهرا وعنها ... ريح العبير عباره «1»
وقوله: «2» [مخلع البسيط]
طرفك هذا به فتور ... أضحى لقلبي به فنون
قد كنت لولاه في أمان ... لله ما تفعل العيون
وقوله: [الكامل]
يا نازحا عني بغير بعاد ... لولاك ما علق الهوى بفؤادي
أنت الذي أفردتني مني فلي ... بك شاغل عن مقصدي ومرادي
سهرت بحبك مقلتي فحلالها ... فيك السّهاد فلا وجدت رقادي
ورضيت ما ترضى فلو أقصيتني ... أيام عمري ما نقضت ودادي
أنت العزيز عليّ إن أشكو لك ال ... وجد الذي أهديته لفؤادي
وقوله: «3» [الخفيف]
أيّها اللائمي لأكلي كروشا ... أتقنوها في غاية الإتقان
لا تلمني على الكروش فحبي ... وطني من علائم الإيمان «4»(16/317)
وهو من قول النصير الحمامي، وقول النصير أحسن، وهو: [السريع]
(223)
رأيت شخصا آكلا كرشة ... وهو أخو ذوق وفيه فطن
وقال: ما زلت محبّا لها ... قلت: من الإيمان حبّ الوطن
وكذلك قوله، أعني أبا جعفر بن غانم: «1» [الخفيف]
ما اعتكاف الفقيه أخذا بأجر ... بل لحكم قضى به رمضان
هو شهر تغلّ فيه الشياطي ... ن ولا شكّ أنه شيطان
وقوله: [البسيط]
تعجّب الناس للبطيخ حين أتى ... لحين حين وإذ وافى بطاعون
وكيف لا يقطع الأعمار مقدمه ... وليس يؤكل إلا بالسكاكين
وقوله في مولود سمّي مباركا: [مجزوء الرجز]
تهنّ يا مباركا ... بالولد المبارك
بمن سمّوه أنسا ... لكونه ابن مالك
وقوله، مما كتب به إلى قاضي القضاة، جمال الدين ابن واصل، وقد أقعده عاقدا بحماة في مكتب فيه السيف علي بن المغيزل: «2» [مخلع البسيط]
مولاي قاضي القضاة يا من ... له على العبد ألف منّه
إليك أشكو قرين سوء ... بليت منه بألف محنه
شهرته بيننا اعتداء ... أغمده فالسيف سيف فتنه
وقوله في زركشي: [مجزوء الكامل](16/318)
بأبي أفدي زركشيا ... قد سبى كلّ الورى
عشق الشريط جماله ... فغدا نحيلا أصفرا
وقوله مناقضة للبيتين المشهورين، والذي قاله: [المتقارب]
تأمّل دمشق وجاور بها ... فقد زانها الجامع الجامع
فسرّ السرور به مودع ... وسعد السعود به طالع
وأما البيتان المنقوضان فيهما، فهما: [المتقارب]
(224) تجنّب دمشق ولا تأتها ... وإن شاقك الجامع الجامع
فسوق الفسوق به قائم ... وفجر الفجور به طالع
عدنا إلى تتمة ما نذكره له، فمنه قوله في مقصوص الشعر: «1» [البسيط]
صدغان كان فؤادي هائما بهما ... فكيف أسلو وكلّ الشعر أصداغ «2»
قالوا: ذؤابته مقصوصة حسدا ... فقلت: قاطعها للحسن صوّاغ
ومنه قوله، نقلته مما كتبه لي من شعره القاضي نجم الدين أحمد ابن أخيه، واستثبته في قوله، فقال: إنه سمع هذا من فيه، وهو: [الطويل]
أعاهد قلبي في اجتناب هواكم ... ويغلبني شوقي إليكم فأنكث
وأحلف لا واصلتكم ما بقيتم ... وأعلم أن الوصل خير فأحنث
ومنه قوله: «3» [الخفيف]
بأبي صائغ مليح التثني ... بقوام أزرى لغصن البان(16/319)
أمسك الكلبتين يا صاح فاعجب ... من غزال في كفّه كلبتان
وحكي أنه كان قد دعاه صاحب له ليضيفه، فلما جاءه قال له. اقلع قماشك واقعد عندنا اليوم. فلما قلع قماشه واطمأن، سرق جبّته وخبّأها على سبيل اللعب. ثم جاءه بصحن كبير مغطى، فلما كشفه لم يجد فيه إلا سبع حبات من القطائف في غاية الصغر. فقال: ويحك! ما هذه؟ فقال له: كل، فإن استطبتها زدناك. فلما أكلها لم يأته بشيء آخر، ثم أمره بالانصراف. فلما قام لينصرف، لم يجد جبّته، فسأل عنها. فقال له: أخذناها ثمن القطائف التي أكلتها.
فقال: «1» [مجزوء الرجز]
قل للذي ضيّفني ... في بيته سبع لقم «2»
ورام أخذ جبّتي ... هذا على الرطل بكم
قلت: وعلى طول مدته في ديوان الدرج، واسترزاقه بقلم الإنشاء، وما يتلاطم في حفظه من أمواج المراد، ما تعاظم إلا لديه من وافر الفضل (225) لا يذلّه في تنميق النثر، ولا في تحقيق طريق الكتابة، بل هو مخلّى فيها، ونفسه يركد ولا يهب، ويقعد ولا يقوم، حتى في كتب السفيل، لا يرضى منها له كتاب، ولا تحلّى بشيء مما عنده من الأدب، بل هي في معزل، والكتابة في مغزل، وقد سدّ بينهما باب، وضيّع خازنه المفتاح، حتى لا يفتح ذلك الباب.
انتهى كلامنا فيه.
وهذا آخر ما ذكرت من شعراء الجانب الشرقي، ممن ضمت حنايا القبور أسرارهم، وأخفت مغارب اللحود أقمارهم، ووسدهم التراب حشاياه، وكدّر(16/320)
لهم الدهر عشاياه، وصاد ورقهم الساجعة، بازيّ الحمام المطل، وشبرق ثوب الشفق بدمهم سبع منونهم المطل، وها هم الآن كما رأيتهم أرواحا، يتصوّر بالتمثيل عيانهم، وتفضّ من مدارج الصحف أكفانهم.
وها أنا الآن أذكر من بقي من شعراء الجانب الشرقي ممن هو حي موجود، هم على آثار سبقهم مجدون، ولسلف موتاهم ممدون، وما نحن إلا مثلهم، غير أننا أنخنا قليلا بعدهم وتقدموا. فنسأل الله أن يكشف غطاء قلوبنا، ويرشدنا لما فيه صلاح أمورنا، إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة.
فأمّا من وعدت بذكرهم من الأحياء الموجودين، فأقول وبالله التوفيق:
ومنهم:
61- عبد العزيز بن سرايا الحلّي، أبو الفضل، صفيّ الدين «13»
التاجر، ملء فكيه لسان، وحشو لحييه إحسان، وبين جنبيه بحر إلا أنه إنسان، ولا بس برديه شاعر ولكنه حسّان. وزن به بلديّه الحلي فخفّ راجح، وقرن به سلم فسلّم أن الخاسر غير رابح. لو نازع الحكميّ لحكم له عليه من أجمع، أو السّلميّ لعلم من منهما أشجع. وله شرف نفس يرى الجوزاء دون مرامه، والبدر أقلّ من تمامه. أخذ ثأر خاله وقد قتل قهرا بيده، وابتزّ دمه من مخالب الأسود قسرا بمهنده، ولم ينفق سوقه على السوق، ولا لبس عقائله إلا الحرير وحاشاه من السوق. ولم يتخذ من الشّعر سببا، ولا علق لأطماعه (226) بأوتاد طينا، ولا رضي لفواضله من فواصله مكسب، إلا ما جاء من عفو إنعام الملوك هنيئا بلا(16/321)
تعب، وهنيّا لم يستصعب. أو ما سامح به من حقوق متجره، ويصالح به على مالا يقوّم من جوهره. ووفد على سلطاننا متشرّفا بمدحه، تشوّفا إلى منحه، فأقبل عليه بفضله ووصله، ملء حقيبة رحله. ثم عاد إلى ماردين، مصاحبا لملوكها الكرام، مواظبا لهم دون سائر الندماء. وتردد إلى حماة، أيام الملك المؤيد عماد الدين، أبي الفداء إسماعيل، ثم أيام ابنه الأفضل. وما منهما إلا من كان يعدّ لوفوده الليالي، ويعدّ لوروده الذهب ثمنا للآلي. وهو اليوم باق يمتاح، وحي إليه كلّ قلب حيّ يرتاح. ومن شعره الغرد، وسلسله المطّرد قوله: «1» [الكامل]
لولاك ما نافقت أهل مودّتي ... وظللت فيك نفيس عمري أنفق
وصحبت قوما لست من نظرائهم ... فكأنّني في الطّرس سطر ملحّق
وقوله: «2» [الكامل]
وأغرّ أدهم ذي حجول أربع ... مبيضّها يزهو على مسودّه «3»
خلع الصّباح عليه سائل غرّة ... منه، وقمّصه الظّلام بجلده
قلق المراح، فإن تلاطم خطوه ... ظنّ المطارد أنّه في مهده
أرمي الحصى من حافريه بمثله ... وأروع ضوء الصّبح منه بضدّه
وقوله: «4» [الكامل](16/322)
عاتبته، فتضرّجت وجناته ... وازور ألحاظا وقطّب حاجبا
فأرابني الخدّ الكليم وطرفه ... ذو النّون إذ ذهب الغداة مغاضبا «5»
لا غرو إن وهب النّواظر حظوة ... من نوره ودعاه قلبي ناهبا «6»
فمواهب السّلطان قد كست الورى ... نعما وتدعوه القساور سالبا
ملك يرى تعب المكارم راحة ... ويعدّ راحات القراع متاعبا
لم تخل أرض من ثناه وإن خلت ... من ذكره ملئت قنا وقواضبا
(227) ترجى مواهبه ويرهب بطشه ... مثل الزّمان مسالما ومحاربا
كالسّيل يحمد منه عذبا واصلا ... ويعدّه قوم عذابا واصبا «1»
فإذا نظرت ندى يديه ورأيه ... لم تلف إلّا صائبا أو صائبا «2»
وقوله: «3» [الرمل]
شام برق الشّام صبحا، فصبا ... وترآه عشاء فعشا
لاح واللّيل به مكتهل ... وجنين الصّبح حمل في الحشا
وهلال الأفق يحكي قوسه ... جانب المرآة يبدو من غشا
وحكى المرّيخ في صبغته ... خدّ محبوب بلحظ خدشا
وسهيل مثل قلب خافق ... مكّن الرّعب به فارتعشا
والثّريّا سبعة قد أشبهت ... شكل لحيان بتخت نقشا
ووميض غادرت غرّته ... أدهم اللّيل صباحا أبرشا(16/323)
وقوله: «4» [البسيط]
والرّيح تجري رخاء فوق بحرتها ... وماؤها مطلق في زيّ مأسور
قد جمّعت جمع تصحيح جوانبها ... والماء يجمع فيها جمع تكسير
والرّيح ترقم في أمواجها شبكا ... والغيم يرسم أنواع التّصاوير «5»
والماء ما بين مصروف وممتنع ... والظّلّ ما بين ممدود ومقصور
والرّيح قد أطلقت فضل العنان به ... والغصن ما بين تقديم وتأخير
والنّرجس الغضّ لم تغضض نواظره ... فزهره بين منفض ومزرور
كأنّه ذهب من فوق أعمدة ... من الزّمرّد في أوراق كافور
والأقحوان زها بين البهار بها ... شبه الدّراهم ما بين الدّنانير
وزامر القوم يطوينا وينشرنا ... بالنّفخ في النّاي لا بالنّفخ في الصّور
وقد ترنّم شاد صوته غرد ... كأنّه ناطق من حلق شحرور
بشامخ الأنف قوّام على قدم ... يشكو الصّبابة عن أنفاس مهجور
(228) شكت إلى الصّحب أحشاه وأضلعه ... قرض المقاريض أو نشر المناشير «1»
والراقصات وقد مالت ذوائبها ... على خصور كأوساط الزّنانير
كأنّ في الشّيز يمناها إذا ضربت ... صبحا تقلقل فيه قلب ديجور «2»
ترعى الضّروب بكفّيها وأرجلها ... وتحفظ الأصل من نقص وتغيير
وتعرب الرّقص من لحن فتلحقه ... ما يلحق النّحو من حذف وتقدير
وحامل الكأس ساجي الطّرف ذو هيف ... صاحي اللّواحظ يثني عطف مخمور
يدير راحا يشبّ المزج جذوتها ... فلا يزيد لظاها غير تسعير
نارا بدت لكليم الوجد آنسها ... من جانب الكأس لا من جانب الطّور
وللأبارق عند المزج لجلجة ... كنطق مرتبك الألفاظ مذعور(16/324)
كأنّها وهي في الأكواب ساكبة ... طير تزقّ فراخا بالمناقير
أقول والرّاح قد أبدت فواقعها ... والكأس ينفث فيها نفث مصدور
أسأت يا مازج الكاسات حليتها ... وهل يتوّج ياقوت ببلّور
وقائل إذ رأى الجنّات عالية ... والحور مقصورة بين المقاصير
لمن ترى الملك بعد الله؟ قلت له ... مقال منبسط الآمال مسرور
لصاحب التّاج والقصر المشيد ومن ... أتى بعدل برحب الأرض منشور
فقال: تعني به كسرى؟ فقلت له: ... كسرى بن أرتق لا كسرى بن سابور
لا تفخر الشّمس إلّا أنّها لقب ... له، وشبه له في العزّ والنّور
رأت بنو أرتق نهج الرّشاد به ... وليس كلّ زناد في الدّجى يوري
كم عصبة مذبدا سوء الخلاف بها ... بادت بصارم عزم منه مشهور
مشوا كمشي القطا، حتى إذا حملوا ... ثقل القيود مشوا مشي العصافير
إن كان بالجوسق النّعمان ساد، فكم ... من جوسق لك بالشّعبين معمور «1»
في كلّ مستصعب الأرجاء ممتنع ... تبنى القناطير فيه بالقناطير
لا أدّعي العذر عن تأخير قصدكم ... ليس المحبّ على بعد بمعذور
(229) بل إن غدا طول بعدي عن جنابكم ... ذنبي العظيم فهذا المدح تكفيري
فاستجل بكر قريض لا صداق لها ... سوى القبول وودّ غير مكفور
على (أبي الطيّب) الكوفيّ مفخرها ... إذ لم أضع مسكها في مثل (كافور)
رقّت لتعرب عن رقّي لمجدكم ... حبّا وطالت لتمحو ذنب تقصيري
وقوله: «2» [الكامل](16/325)
يا من يعير الغصن لين قوامه ... ويغير بدر التّمّ عند كماله
ما حلّت الواشون ما عقد الهوى ... تفنى الليالي والغرام بحاله
وقوله: «7» [الكامل]
زوّجت أبكار الظّبا بنفوسهم ... وجعلت أطراف الرماح شهودا
كفروا فآمنت الرءوس لأنها ... خرّت لسيفك ركّعا وسجودا
وجرت على الخيل الدماء مذالة ... فكأنما كسيت بهنّ جلودا
بقساور قلّت عديدا في الوغى ... ومن الشجاعة أن تقلّ عديدا «1»
رفضوا الدروع عن الجسوم وأسبغوا ... فوق الجسوم من القلوب حديدا
وقوله: «2» [الوافر]
ومجلسنا الأنيق تضيء فيه ... أواني الرّاح من ورق وعين
فأطلقنا فم الإبريق فيه ... وبات الزّقّ مغلول اليدين
وشمعتنا شبيه سنان تبر ... تركّب في قناة من لجين
ونحن نزفّ أعياد النّصارى ... بشطّ محوّل والرّقمتين «3»
نوحّد راحنا من شرك ماء، ... ونولع في الهوى بالمذهبين
وورد كالمداهن من عقيق ... وقدّاح كأزرار اللّجين «4»
وقوله: «5» [الطويل]
وبكر فلاة لم تخف وطء طامث ... ولا افتضّها من قبل مهري ناكح
كشفت خمار الصّون عن حرّ وجهها ... ضحى، ولثام الصّبح في الشرق طائح
(230) وأنكحتها يقظان من نسل لاحق ... فأمست به مع عقمها وهي لاقح
من الشّهب في إدراكه الشّهب طامع ... فناظره نحو الكواكب طامح
أخوض به بحر الدّجى وهو راكد ... وأورده حوض الضّحى وهو طافح «6»(16/326)
وقوله: «1» [الكامل]
أهلا بها كالقضب في كثبانها ... جعلت شواظ النّار من تيجانها
باحت أسرّة وجهها بسرائر ... ضاقت صدور النّاس عن كتمانها
وقوله: «2» [السريع]
أهلا بشهب عند إشراقها ... يحكي الدّجى من نورها الواضح «3»
ينضب بحر اللّيل إذ تغتدي ... ناهلة من لجّه الطّافح
كأنّما إيماضها عزمة ... من عزمات الملك الصّالح
وقوله: «4» [الخفيف]
يا ضعيف الجفون أضعفت قلبا ... كان قبل الهوى قويّا مليّا
لا تحارب بناظريك فؤادي ... فضعيفان يغلبان قويّا
وقوله: «5» [السريع]
ما زال كحل النّوم في ناظري ... من قبل إعراضك والبين
حتى سرقت الغمض من مقلتي ... يا سارق الكحل من العين
وقوله: «6» [الوافر](16/327)
تنبّأ فيك قلبي فاسترابت ... به قوم وعمّهم الضّلال
وصدّهم الهوى أن يؤمنوا بي ... وقالوا: إن معجزه محال
فمذ سلّمت سلّمت البرايا ... إليّ، وقيل: كلّمه الغزال
وقوله: [السريع]
وربّ ليل خضت تيّاره ... بأدهم يسبق جري الرّياح
محجّل الأربع ذي غرّة ... ميمونة الطّلعة ذات اتّضاح
كأنّه قد شقّ بحر الدّجى ... وبعده خاض غدير الصّباح
(231)
لم تعلم الأبصار في جريه ... قادمة خفّت به أم جناح
وقوله: «1» [الوافر]
لحى الله الطّبيب لقد تعدّى ... وجاء لقلع ضرسك بالمحال
أعاق الظّبي في كلتا يديه ... وسلّط كلبتين على غزال
وقوله: «2» [السريع]
قلوبنا مودعة عندكم ... أمانة يعجز عن حملها
إن لم تصونوها بإحسانكم ... ردّوا الأمانات إلى أهلها «3»
وقوله: «4» [الوافر]
لعمرك ما تجافى الطّيف جفني ... لفقد الغمض إذ شطّ المزار «5»(16/328)
ولكن زارني من غير وعد ... على عجل فلم ير ما يزار
وقوله: «1» [مجزوء الكامل]
عاتبت من أهواه في ... هجري وأكثرت الملامه
فأجابني: أقللت حب ... بك لي فأبديت الجهامه
فأجبت: إنّ كرامتي ... فرض عليك إلى القيامه
فأجابني: من لا له ... حبّ فليس له كرامه «2»
وقوله: «3» [الوافر]
وساق من بني الأتراك طفل ... أتيه به على جمع الرّفاق
أملّكه قيادي وهو رقّي ... وأفديه بعيني وهو ساقي
وقوله: «4» [الوافر]
خفيّ الكيد تعرفه المنايا ... إذا ما أنكر السّيف النّجادا
ترى الأسياف قد مطرت نجيعا ... إذا أوداجه قطرت مدادا
وقوله: «5» [المتقارب]
ولا تطلبوا ما بأيدي الأنام ... تصيروا بذلك أعداءهم
(232) لذلك قد قال رب العباد ... ولا تسألوا الناس أشياءهم
وقوله: «6» [الكامل](16/329)
قال العذول: لم اعتزلت عن الورى ... وأقمت نفسك في المقام الأوهن «1»
ناديت طالب راحة، فأجابني ... أتعبتها بطلاب ما لم يمكن
وقوله: «2» [الكامل]
اسمع مخاطبة الجليس ولا تكن ... عجلا بنطقك قبلما تتفهّم
لم تعط مع أذنيك نطقا واحدا ... إلّا لتسمع ضعف ما تتكلّم
وقوله: «3» [السريع]
أنا الذي خالفت كلّ الورى ... في خبر أثبته الوقت
لما أتاني عمر زائرا ... أنمته ثمّ تنبّهت
وقوله: «4» [الخفيف]
ومليح له رقيب قبيح ... يتعنّى وغيره يتهنّى
وليس فيه معنى يقال ولكن ... هو عند النحاة جاء لمعنى
وقوله: «5» [الوافر]
عرضنا أنفسا عزّت لدينا ... عليكم فاستخفّ بها الهوان
ولو أنّا دفعناها لعزّت ... ولكن كلّ مجلوب مهان
وقوله: «6» [الوافر](16/330)
ويظهر منك زور وازورار ... فلي في عود صحبته الخيار
أتهجرني وما أسلفت ذنبا ... إذا اختلّ الخليل لغير ذنب
قلت: انظر إلى هذا الشعر ما أظرفه، وما أرقّ مزاج كأسه وألطفه. ولقد أحسن إذ قال: فلي في عود صحبته الخيار. إذ كان لا يعرف ما يلجأ إليه وقت الاضطرار، فإن المرء قد يهون عليه قدر البلوى قبل وقوعها، ثم لا يجدها من نفسه إذا وقعت. ولقد تطارف في قوله: «1» [الوافر]
(233) إذا صدّ الحبيب لغير ذنب ... وقاطعني وأعرض عن وصالي
أمثّله وأنكح عند صلحي ... بأير الفكر في ثقب الخيال
وقوله: «2» [الطويل]
تزوّج شيخ في جواري صبيّة ... فلم يستطع غشيانها حين جاءها
ولو أنني بادرتها لتركتها ... يرى قائم من دونها ما وراءها
وقوله في رجل اسمه أحمد، كان يرمى بابنة، وهو يدّعي حبّ غلام اسمه عمر: «3» [المتقارب]
توالت على أحمد ابنة ... فأقبل يشكو إليّ الألم
فقلت له: إنها فتنة ... فنبّه له فتنة ثم نم
وقوله في غلام اسمه لؤلؤ: «4» [الكامل](16/331)
وصفوك عندي بالجواد فلم أزل ... متعجّبا حتّى رأيتك تركب
وعجبت إذ سمّتك أمّك لؤلؤا ... فكأنها علمت بأنك تثقب
وقوله: «1» [الكامل]
وبه الجواري المنشآت كأنّها ... أعلام بيد أو فروع قنان
نهضت بأجنحة القلوع كأنّها ... عند المسير تهمّ بالطّيران
والماء يسرع في التّدفّق كلّما ... عجلت عليه يد النّسيم الواني
طورا كأسنمة القلاص وتارة ... متفتّل كأكارع الغزلان
ومنه قوله: [الكامل]
نسج الغبار على الجياد مدارعا ... موصولة بمدارع الفرسان
ودما بأذيال الدروع كأنّه ... حول الغدير شقائق النّعمان «2»
وفلك حدّ جموعهم بصوارم ... ككراك نافرة عن الأجفان
وقوله: «3» [الخفيف]
قيل إنّ العقيق يبطل السّح ... ر تختيمه لسر حقيقي «4»
فأرى مقلتيك تنفث سحرا ... وعلى فيك خاتم من عقيق
(234) وقوله: «5» [مخلع البسيط](16/332)
ورنّح الرّقص منه عطفا ... حفّ به اللطف والدخول
فعطفه داخل خفيف ... وردفه خارج ثقيل
وقوله: «1» [الخفيف]
حرّضوني على السلوّ وعابوا ... لك وجها به يعاب البدر
حاش لله ما لعذري وجه ... في التّسلّي ولا لوجهك عذر
وقوله: «2» [البسيط]
وقهوة كوميض البرق صافية ... كأنّها من أديم الشّمس قد رشحت
رقيقة الجرم يستخفي الزّجاج بها ... كأنّها دون جرم الكأس قد سفحت
باكرتها وعيون الشّهب قد غمضت ... خوف الصّباح وعين الشمس قد فتحت
وبشّرت بوفاة اللّيل ساجعة ... كأنّها في غدير الصّبح قد سبحت
مخضوبة الكفّ لا تنفكّ نائحة ... كأنّ أفراخها في كفّها ذبحت
ومنها قوله:
تلوي يداه صفاح الهند عن غضب ... حتى إذا ظفرت عن قدرة صفحت
ما إن تزال مقاليتا خزائنه ... لأنّها بوليد المال ما فرحت
أثنت عليه بنو الآمال حين غدا ... يعطي القرائح منهم فوق ما اقترحت «3»(16/333)
قالوا: وردنا نداه، قلت: عادته ... قالوا: وجادت يداه، قلت: ما برحت
وله في طلب ثأر خاله صفي الدين محاسن بن محاسن أشعار تحرّك بها القرائح، وتحرض على جمع ذلك الدم الطائح. وسآتي على بعض ينبئ عن الكل، ويظهر الكثر منه بالقل، وإن لم يكن كلّ ما أورد منها نادرا من شرط الاختيار، لتعلق بعض الساقط بالمختار، على أنه ليس في شعره ساقط، ولا في نجومه هابط.
فمنها قوله يخاطب أحد أعمامه عقيب واقعة جرت لهم بالعراق، وأجرت كلّ دم مهراق، وهو: «1» [البسيط]
(235) ما دام وعد الأماني غير منتجز ... فطول مكثك منسوب إلى العجز
هذي المغانم فامدد كفّ منتهب ... وفرصة الدّهر فاسبق سبق منتهز
واغز العدى قبل تغزونا جيوشهم ... إنّ الشّجاع إذا ملّ الغزاة غزي
والق العدوّ بجأش غير محترس ... من المنايا وجيش غير محترز
ما عذرنا وبنو الأعمام ليس بهم ... نقص ولا في صفاح الهند من عوز «2»
وكلّ ذي صمم في كفّ ذي همم ... وكلّ ذي ميس في كفّ ذي ميز
فاقمع بنا الضّدّ ما دامت أوامرنا ... مطاعة، ومعالينا على نشز
إنّ الولاية ثوب قد خصصت به ... جاءت كفافا فلم تفضل ولم تعز
ومنها ما كتبه إلى بعض الأصحاب يعتبه لتأخره عن المساعدة، وهو قوله: «3» [السريع](16/334)
وعدت جميلا وأخلفته ... وذلك بالحرّ لا يجمل
وقلت بأنّك لي ناصر ... إذا قابل الجحفل الجحفل
وكم قد نصرتك في معرك ... تحطّم فيه القنا الذّبّل
بذا يتفاوت قدر الرّجا ... ل فتعلم أيّهم الأكمل
كما قاله الصّقر في عزّة ... به حين فاخره البلبل
وقال: أراك جليس الملو ... ك ومن فوق أيديهم تحمل
وأنت كما علموا أخرس ... وعن بعض ما قلته تنكل
وأحبس مع أنّني ناطق ... وحالي عندهم مهمل «1»
فقال: صدقت ولكنّهم ... بذاك دروا أنّني الأفضل
لأنّي فعلت وما قلت قطّ ... وأنت تقول، ولا تفعل
ومنها قوله، وقد أخذ بثأره، وتقاضاه ببتّاره، وبرد غليله بأخذ دمه، وتخليق صدر السيف بعندمه، وانطفأ لاعج أواره، وسكن قلق جهد ولم يواره، وهو: «2» [البسيط]
(236) سل الرّماح العوالي عن معالينا ... واستشهد البيض هل خاب الرّجا فينا
وسائل العرب والأتراك ما فعلت ... في أرض قبر عبيد الله أيدينا
لمّا سعينا فما رقّت عزائمنا ... عمّا نروم ولا خابت مساعينا
يا يوم وقعة زوراء العراق وقد ... دنّا الأعادي كما كانوا يدينونا
بضمّر ما ربطناها مسوّمة ... إلّا لنغزو بها من بات يغزونا
وفتية إن نقل أصغوا مسامعهم ... لقولنا أو دعوناهم أجابونا
قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة ... يوما وإن حكّموا كانوا موازينا
إنّ الزّرازير لمّا قام قائمها ... توهّمت أنّها صارت شواهينا
بيادق ظفرت أيدي الرّخاخ بها ... ولو تركناهم صاروا فرازينا «3»(16/335)
ذلّوا بأسيافنا طول الزّمان فمذ ... تحكّموا أظهروا أحقادهم فينا
لم يغنهم مالنا عن نهب أنفسنا ... كأنّهم في أمان من تقاضينا
أخلوا المساجد من أشياخنا وبغوا ... حتى حملنا فأخلينا الدّواوينا
ثمّ انثنينا وقد ظلّت صوارمنا ... تميس عجبا وتهتزّ القنا لينا
وللدّماء على أثوابنا علق ... بنشره عن عبير المسك يغنينا
إنّا لقوم أبت أخلاقنا شرفا ... أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيض صنائعنا سود وقائعنا ... خضر مرابعنا حمر مواضينا
لا يظهر العجز منّا عن بلوغ منى ... ولو رأينا المنايا في أمانينا «1»
ما أعوزتنا فرامين نصول بها ... إلّا جعلنا مواضينا فرامينا «2»
نغشى الخطوب بأيدينا فندفعها ... وإن دهتنا دفعناها بآدينا «3»
ومن غرر محاسنه، ودرر قلائده، أرجوزته المزدوجة ذات التخميس، التي ضمنها رمي البندق، وذكر فيها طير الواجب، وهي: «4» [الرجز]
دارت على الدّوح سلاف القطر ... فرنحت أعطافه بالسّكر
ونبّه الورق نسيم الفجر ... فغرّدت فوق الغصون الخضر(16/336)
(237)
تغني عن العود وصوت الزّمر
تبسّمت مباسم الأزهار ... وأشرق النّوّار بالأنوار
وظلّ عقد الطّلّ في نثار ... وباكرتها ديم الأمطار
فكلّلت تيجانها بالدّرّ
قد أقبلت طلائع الغيوم ... إذ أذن الشّتاء بالقدوم
فمذ حداها سائق النّسيم ... جفّت ربى العقيق والغميم «5»
وباكرت أرض دياربكر
أما ترى الغيم الجديد قد أتى ... مبشّرا بالقرب من فصل الشّتا
فاعقر همومي بالعقار يا فتى ... فترك أيّام الهنا إلى متى؟
وإنّها محسوبة من عمري
فانهض لنهب فرصة الزمان ... فلست من فجواه في أمان
واشرب على النّايات والمثاني ... إنّ الخريف لربيع ثان «1»
كأنّه بالصّرع عيد النّحر
هذي الكراكي نحونا قد قدمت ... فاقدة لإلفها قد عدمت
لو علمت بما تلاقي ندمت ... فانظر إلى أخياطها قد نظمت «2»
شبه حروف نظمت في سطر
تذكّرت مربعها فشاقها ... فأقبلت حاملة أشواقها «3»(16/337)
تجيل في مطارها أحداقها ... تمدّ من حنينها أعناقها
لم تدر أنّ مدّها للجزر
يا سعد كن في حبّها مساعدي ... فإنّها مذ عشت من عوائدي
ولا تلم من بات فيها حاسدي ... فلو ترى طير عذار خالد
أقمت في حبّ العذار عذري
طير بقدر أنجم السّماء ... مختلف الأشكال والأسماء
إذا جلا الصّبح دجى الظّلماء ... يلوح من فوق طفيح الماء «1»
شبه نقوش خيّلت في ستر
في لجّة الأطيار كالعساكر ... فهنّ بين وارد وصادر «2»
جليلها ناء عن الأصاغر ... محدودة منذ عهود النّاصر
معدودة في أربع وعشر
(238) شبيطر ومرزم وكركي ... وصنف تمّ وإوزّ تركي «3»
ولغلغ يشبه لون المسك ... والكيّ والعنّاز يا ذا الشّكّ
ثمّ العقاب مقرن بالنّسر «4»
ويتبع الغرنوق صنف مبدع ... أنيسة إنسيّة إذ تصرع(16/338)
والصّوغ والحبرج فهي أجمع ... خمس وخمس كملت وأربع
كأنّها أيّام عمر البدر
فابكر إلى دجلة والأقطاع ... فإنّها من أحمد المساعي
واعجب لما فيها من الأنواع ... من سائر الجليل والمراعي
وضجّة الشّيق وصوت الخضر
ما بين تمّ ناهض وواضع ... وبين نسر طائر وواقع
وبين كيّ خارج وراجع ... ونهضة الطّير من المرابع «1»
كأنّها أمثال غيم تسري «2»
أما ترى الرّماة قد ترسّموا ... ولارتقاب الطّير قد تقسّموا
بالجفت قد تدرّعوا وعمّموا ... لّما على سفك دماها صمّموا
جاؤوا إليها في ثياب حمر
قد فزعوا عن كلّ عرب وعجم ... وأصبحوا بين الفيافي والأكم «3»
من كلّ نجم بالسّعود قد نجم ... وكلّ بدر بشهاب قد رجم
عن كلّ محنيّ شديد الظّهر
محنّية في رفعها قد أدمجت ... أدركها التّثقيف لّما عوّجت
قد كبست بيوتها وسرّجت ... كأنّها أهلّة قد أخرجت
بنادقا مثل النّجوم الزّهر
قد جوّدت أربابها متاعها ... وأتعبت في حزمها صنّاعها
وهذّبت رماتها طباعها ... إذا لمست خابرا أقطاعها
حسبتها ملمومة من صخر «4»(16/339)
إذا سمعت صرخة الجوارح ... تصبو إلى أصواتها جوارحي
وإن رأيت أجم البطائح ... ولم أكن ما بينها بطائح
يضيق عن حمل الهموم صدري
من لي بأنّي لا أراك سائحا ... (239) بين المرامي غاديا ورائحا «1»
لو كان لي دهري بذاك سامحا ... فالقرب عندي أن أبيت نازحا
أقطع في البيداء كلّ قفر
نذرت للنّفس إذا تمّ الهنا ... وزمّت العيس لإدراك المنى
أن أقرن العزّ لديها بالغنى ... فمذ رأت أنّ الرّحيل قد دنا «2»
فطالبتني بوفاء نذري
تقول لي لّما جفاني غمضي ... وأنكرت طول مقامي أرضي
وعاقني صرف الرّدى عن نهضي ... ما للّيالي أولعت بخفضي
كأنّها بعض حروف الجرّ
فامض ركاب العزم في البيداء ... وازور بالعيس عن الزّوراء «3»(16/340)
ولا تقم بالموصل الحدباء ... إنّ شهاب القلعة الشّهباء
يحرق شيطان صروف الدّهر
نجم به الأنام تستدلّ ... من عزّ في حماه لا يذلّ
في القرّ شمس والمصيف ظلّ ... وبل على العفاة مستهلّ
أغنى الأنام عن هتون القطر
وقال في الفهد: «1» [الرجز]
ويوم دجن معلم البردين ... سماؤه بالغيم في لونين
كأنّها وقد بدت للعين ... فيروزج يلمع باللّجين
قضيت فيه بالسّرور ديني ... وسرت أفلي مفرق الشّعبين
بأدهم محجّل الرّجلين ... سبط الأديم مطلق اليدين
خصب الغطاة ماحل الرّسغين ... وسرب وحش مذ بدا لعيني
عارضته في منتهى السّفحين ... بأرقط مخطّط الأذنين
ناتي الجبين أهرت الشّدقين ... أفطس سبط الشّعر صافي العين
ينظر في اللّيل بجمرتين ... ذي كحل سال من العينين
فخطّ لامين على الخدّين ... محدّد النّابين والظّفرين
كأنّما يكشر عن نصلين ... ليس لها عهد بضرب قين
(240) رقيق لحم الزّند والسّاقين ... ذي ذنب أملس غير شين
فخاتل السّرب بخطوتين ... وأردف الخطو بوثبتين
فكان فيها كغراب البين ... فرّقها قبل بلوغ الحين
ونال منها أعفر المتنين ... أجيد مصقول الإهاب زين
جدّله في ملتقى الصّفّين ... ولم يحل ما بينه وبيني
نلت بمهري وبه كفلين ... يالهما للصّيد عدّتين
لا يحسن اللهو بغير ذين
وقال في ذلك: «2» [الرجز](16/341)
وليلة في طول يوم العرض ... سماؤها من دكنه كالأرض
مخضت فيها العيش أيّ مخض ... وفزت فيها بالنّعيم المحض
وغضّ جفن الدّهر أيّ غضّ ... فبتّ من صروفه أستقضي
أرفع قدر عيشتي بالخفض ... لا أكحل الجفن بها بغمض
مع كلّ ساق كالقضيب الغضّ ... يدير راحا بالسّرور يقضي
ساطعة كالبرق عند الومض ... حتى إذا آن قضاء الفرض «1»
وشقّ جيب الفلق المبيضّ ... عرضت خيلي فأجدت عرضي
واخترت منها سابقا لي يرضي ... يفوت لمح الطّرف حين يمضي
كأنّما الأرض به في قبضي ... لا فرق بين طوله والعرض
جعلته وقاية لعرضي ... ثمّ غدوت لمرامي أقضي
من كلّ سرب شارد منقضّ ... بأرقط الظّهر صقيل بض
كسبج في ذهب مرفضّ ... أهرت رحب الصّدر نائي الغمض «2»
مستثقل الشّلو خفيف النّهض ... عريض بسط الكفّ عند القبض
مدرّب النّاب لغير عضّ ... منتصب الأذنين عند الرّكض «3»
فخاتل السّرب بغير وفض ... منخفضا للختل أيّ خفض «4»(16/342)
(241)
مصافحا بالبطن ظهر الأرض ... يجسّها بالكفّ جسّ النّبض
حتى إذا أمكن قرب البعض ... عاجلها كالكوكب المنقضّ
فعانق الأكبر عند النّهض ... عناق ذي حبّ لربّ بغض
فهاض منه العظم عند الهضّ ... ورضّ منه الصّدر أيّ رضّ «1»
فقمت أسعى خيفة أن يقضي ... خضّبت كفّي بالدم المرفضّ
أرضيته من نحره ببرض ... وعدت مسرورا بعيش مرض «2»
راض من الدّهر بما لي يرضي ... أغضّ عن زلّاته وأغضي
وقال فيه: «3» [الرجز]
وأهرت الشّدقين محبوك المطا ... محدّد الأنياب مرهوب السّطا «4»
أفطس تبري الإهاب أرقطا ... كلون تبر بمداد نقّطا
ألبسه الخالق حسنا مفرطا ... وخطّ في الخدّين منه خططا
مستثقل الجسم خفيف إن خطا ... مجرّب الإقدام مأمون الخطى
يسبق في إرساله كدر القطا ... أضحى على قنيصه مسلّطا
حتى إذا من العقال نشطا ... وفى لنا فعلا بما قد شرطا
قلت وقد بتّ به مغتبطا ... والشّلو من قنيصه معتبطا
بذاك أم بالخيل تعدو المرطى «5»
وقال يصف الكلب: «6» [الرجز]
وأخطل من الكلاب أعصل ... يخال مرحوضا وإن لم يغسل «7»(16/343)
أعصم مثل الفرس المحجّل ... مختصر الشّلو ثقيل المحمل
منفسح الهامة ناتي المقل ... آذانه كالسّوسن المهدّل
منسرح الزّور فسيح الكلكل ... منهضم الخصر عريض الكفل
ذي أيطل خال ومتن ممتلي ... خصيب أعلى العضد محل الأسفل
قصير عظم السّاعد المفتّل ... مقتصر الأيدي طويل الأرجل
(242) مزدحم الأطفار ثبت العضل ... ذي ذنب سبط قصير أفتل
أملس في دقّته كالمغزل ... يبيت غضبان إذا لم يرسل
قيد الأراوى وعقال الأيّل ... رعت به سرب الظباء الجفّل
فاعتصمت منه بأعلى الجبل ... حتى إذا انقضّ انقضاض الأجدل
فما ارتضى منها بدون الأوّل ... غادره مجندلا في الجندل
فظلّ صحبي في نعيم مقبل ... لهم غريض لحمه والشكر لي
وقال في صيد النعام: «1» [الرجز]
وربّ يوم أدكن القتام ... ممتزج الضّياء بالظّلام
سرنا به لقنص الآرام ... والصّبح قد طوّح باللّثام
كراقد هبّ من المنام ... بضمّر طامية الحوامي «2»
معتادة بالكرّ والإقدام ... تحجم في الحرب عن الإحجام
حتى إذا آن ظهور الجام ... والبرّ بالآل كبحر طام «3»(16/344)
عن لنا سرب من النّعام ... مشرفة الأعناق كالأعلام
فاغرة الأفواه للهيام ... كأينق فرّت من الزّمام «1»
وحش على مثنى من الأقدام ... مل طير تدعى وهي كالأنعام «2»
تطير بالأرجل في الموامي ... كأنّما أعناقها السّوامي «3»
أراقم قد قمن للخصام ... فحين همّ السّرب بانهزام
ألجمت القسيّ بالسّهام ... وأرسل النّبل كوبل هام
فعنّ رأل عارض أمامي ... كأنّما درّع بالظّلام
نيطت جناحاه بعنق سام ... كأنّها في حسن الالتئام
هاء شقيق وصلت بلام ... عارضته تحت العجاج السّامي
بسابق ينقضّ كالقطامي ... خلو العنان مفعم الحزام «4»
يكاد يلوي حلق اللّجام ... ذي كفل راب وشدق دام
(243) وصفحة ريّا ورسغ ظام ... فحين وافى عارضا قدامي
أثبتّ في كلكله سهامي ... فمرقت في اللّحم والعظام
فخرّ مصروعا على الرّغام ... قد ساقه الخوف إلى الحمام
فأعجب الصّحب به اهتمامي ... حتى اغتدى كلّ من الأقوام
يقول: لا شلّت يمين الرّامي
وقال يصف فرسا أدهم محجلا: «5» [البسيط](16/345)
وأدهم يقق التّحجيل ذي مرح ... يميس من عجبه كالشّارب الثّمل
مطهّم مشرف الأذنين تحسبه ... موكّلا بارتقاب السّمع عن زحل «1»
ركبت منه مطاليل تسير به ... كواكب تلحق المحمول بالحمل
إذا رميت سهامي فوق صهوته ... مرّت بهاديه وانحطّت على الكفل
قلت: وهذا معنى ظنّه أبا عذرته، وهو لابن السراج. ولقد اجتمعنا ليلة نحن، وهو عند شيخنا شهاب الدين محمود، ودار بيننا في هذا ما ليس هذا موضعه، إلّا أنه لم يسعه الجحود. عدنا إلى ذكره فنقول، وله: «2» [الكامل]
شكرتك عني شاردات قصائد ... بصنائع فاهت بشكر صنائع
تنفي الحداة بها عن الجفن الكرى ... وتخيط من طرب جفون السامع
وله: «3» [الوافر]
غدا رجب يؤمّن حين أدعو ... لمجدك أن يزيد به ارتقاء
أصمّ ظلّ مستمعا دعائي ... فها أنا أسمع الصّمّ الدّعاء
وله: «4» [الطويل]
قدمت، وقد لاح الهلال مبشّرا ... بعودك، إنّ السّعد فيه قرينه
ويخبر أنّ النّصر فيه مقدّر ... ألم تره قد لاح في الغرب نونه
وله: «5» [الكامل](16/346)
قوم يعزّون النّزيل، فطالما ... بخل الحيا، وأكفّهم لم تبخل «1»
(244) يفنى الزّمان وفيه رونق ذكرهم ... كبلى القميص، وفيه عرف المندل «2»
قلت: هذا هو العذب المنسجم الذي لا كلفة عليه، ولا تقعر فيه. قوي التركيب، حسن الأساليب، لا كما رغب فيه أهل العصر من حبّ اللين الذي لا يتماسك رغبة في التورية، التي لا تسع أفهامهم سواها من البديع، ولا تعرف غيره من الحسن.
عدنا إلى تتمة مختاره. ومنه على مذهب المديح، قوله: «3» [البسيط]
يقبّل الأرض عبد تحت ظلّكم ... عليكم بعد فضل الله يعتمد
ما دار ميّة من أسنى مطالبه ... يوما، وأنتم له العلياء والسّند
وله: «4» [الخفيف]
حرّضوني على السّلو وعابوا ... لك وجها به يعاب البدر
حاش لله ما لعذري وجه ... في التّسلّي ولا لوجهك عذر
وله: «5» [الطويل]
وخلّ دعاني للصّبوح أجبته ... وقلت له: أهلا وسهلا ومرحبا
وأبرزها صفراء تحسب كأسها ... غشاء من البلّور يحمل كهربا «6»(16/347)
وله: «1» [الطويل]
وراح لها طبع كعكس حروفها ... تصيّر ضيق الصدر من حرّها رحبا «2»
إذا لمعت في الليل غرّة وجهها ... تصيّر دهم الليل من نورها شهبا «3»
وله: «4» [الخفيف]
قد أتانا الربيع والزهر يبدي ... لهبا خلته مشاعل جمر
وبدا النرجس المحدّق يحكي ... شائبا فوق رأسه طاس تبر
وله: «5» [المديد]
وشدت في الدّوح صادحة ... بضروب السجع والملح
كلما ناحت على شجن ... خلتها غنّت على قدح
وله: «6» [الوافر]
وراح في لجين الكأس تحكي ... بصفرة لونها ذوب النّضار
(245) وقد عقد الحباب لها نطاقا ... لمعصم كأسها شبه السّوار
وله: «7» [البسيط](16/348)
قد مرّ لي ليلة بالدّير صالحة ... مع كلّ ذي طلعة بالبدر مشتبه
وقد عزمت بأن أغشاه ثانية ... فهل تعين على غيّ هممت به
وله: «1» [الوافر]
ولما شاقنا نظم بديع ... وقد أرخى المدام لنا نقابا
جعلنا الماء شاعرنا فلما ... جرت في فكره نظم الحبابا
وله: «2» [الخفيف]
إن أكن قد جنيت في السّكر ذنبا ... فاعف عنّي يا راحة الأرواح
أيّ عقل يبقى هناك لمثلي ... بين سكر الهوى وسكر الرّاح
قلت: وهذا وإن كان متداولا، قد ابتذلته الألسنة، فإنه عذب سائغ شرابه، لذيذ يطرب سماعه، يهز الأعطاف، ويحرك الجماد، وهكذا شأن كل كلمه، وجميع قوله، حتى تجربة قلمه. ومن بقية ما له قوله: «3» [المنسرح]
قد أضحك الرّوض مدمع السّحب ... وتوّج الزّهر عاطل القضب
وقهقه الورد للصّبا فغدا ... تملأ فاه قراضة الذّهب «4»
وأقبلت بالرّبيع محدقة ... كتائب لا تخلّ بالأدب
فغصنها قائم على قدم ... والكرم جاث له على الرّكب
وقوله: «5» [المتقارب](16/349)
وللنّرجس الغضّ ما بيننا ... وجوه بحضرتنا ناضره
كأن تحدّق أزهارها ... عيون إلى ربّها ناظره
وقوله: «1» [مخلع البسيط]
جدت بخطّ بغير وجه ... ذاك حال عليّ يبطي
وليس ذا مذهبي، ولكن ... أريد وجها بغير خطّ «2»
(246) وقوله: «3» [الطويل]
عذرتك إذ حالت خلائقك التي ... أطلت بها باعي وقصّرت آمالي
لأنّك دنياي التي هي فتنتي، ... فلا عجب ألّا تدوم على حال
وقوله: «4» [السريع]
يا مالكا أصبح لي صارما ... أعدّه يوم الوغى للضّراب
حاشاك أن ترضى بقول العدى ... سيفك هذا لا يفكّ القراب
وقوله: «5» [الخفيف]
يا مهيني عند المغيب ومبد ... مع حضوري خضوع عبد لمولى
لا تقم لي مع التّقاعد عنّي ... فقيام النّفوس بالودّ أولى
وقوله: «6» [الكامل](16/350)
حالي وحالك كالهلال وشمسه ... مذ أكسبته النّور في إشراقه
فإذا نأى عنها حظي بكماله ... وإذا دنا منها رمي بمحاقه
وقوله: «1» [الكامل]
لّما استعرت من المهذّب جوخة ... ولّى وأولاني جفا وصدودا
حاولتها عاريّة مردودة ... فرجعت منها عاريا مردودا
وقوله: «2» [الكامل]
إنّ البخيريّ مذ فارقتموه غدا ... يسفي الرّماد على كانونه الحرب
لو شئتم أنّه يمسي أبا لهب ... جاءت بغالكم حمّالة الحطب
وقوله: «3» [السريع]
سألتكم ردّ جوابي فكم ... يد لكم من قبلها عندي
فقلّدونا منّة واعجبوا ... من سائل يقنع بالرّدّ
وقوله: «4» [المتقارب]
تركت إجابة كتبي إليك ... لحقّ تشبّه بالباطل
(247)
لأنّي سألتك ردّ الجواب ... ولا تعرف الرّدّ للسّائل
وقوله: «5» [الخفيف](16/351)
كنت أخشى عذل العواذل حتى ... صرت مستثقلا لردّ جوابي
فتركت التّثقيل في بعث كتبي ... واستراحت عواذلي من عتابي
وقوله في ذم ماطل للوعود: «1» [البسيط]
لمّا تطاول بي إفراط مطلك لي ... وضاع وقتي بين العذر والعذل
أيقنت أن لست إنسانا لبطئك ذا ... لقوله خلق الإنسان من عجل
وقوله في طبيب يدعى إسحاق: «2» [الطويل]
مباضع إسحاق الطّبيب كأنّها ... لها بفناء العالمين كفيل
معوّدة ألّا تسلّ نصالها ... فتغمد حتى يستباح قتيل
وقوله: «3» [الكامل]
إني مدحتك كي أجيد قريحتي ... وعلمت أن المدح فيك يضيع
لكن رأيت المسك عند فساده ... يدنوه من بيت الخلا فيضوع «4»
وقوله: «5» [الكامل](16/352)
صدقوا بأنّ النّجم محتشم ... بالمال لا بالفضل والخطر
لكنّه مع فرط حشمته ... كقميص يوسف قدّ من دبر
قلت: هكذا فليكن التعريض الذي أسهل منه بري المدى، وقرض المقاريض على طول المدى. لقد أكل عرضه، وشرب ماء حياته، إذ عرّضه لهذا البلاء، ومزّقه كلّ ممزّق. وبمثل هذا تطيّر السّمع، ويضحك الأعداء.
عدنا إلى قوله ومنه: «1» [الخفيف]
طفلة غضّة الحياء من الدّل ... ل ولكن خدودها جمريّه
هي مع حسنها حريريّة ال ... جسم ولكن أشفارها صوفيّه
وهذا نظم مهزول، ومعنى مبذول، وللناس فيه شتى المحاسن.
عدنا (248) وقوله: «2» [الطويل]
وذات حر جادت به فصددتها ... وقلت لها مقصودي العجز لا الفرج
فدارت ودارت سوء خلقي بالرضى ... ولم يعل من فرط الحياء لها رهج
إذا ما دفعت الأير فيها تجشأت ... وذاك ضراط لم يتم له نضج
وقوله: «3» [الكامل]
ولقد تعاطيت اللواط فلم أجد ... علقا لأقسام الصناعة يكمل
بل ضاع بينهما الصواب فواسع ... يخرى عليّ وضيّق لا يدخل
وقوله: «4» [الطويل]
ولم أنس إذ أولجت في النجم فيشة ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل «5»(16/353)
فقلت لها مهلا إذا رمت عودة ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
فمثل هذا التضمين وإلا فلا، ومثل هذه التورية وإلا فدع.
عدنا، وقوله في عمر: «1» [السريع]
أنا الذي خالفت قول الورى ... في خبر أثبته الوقت
لما أتاني عمر زائرا ... أنمته ثم تنبّهت
وقوله: «2» [الكامل]
ولم أر كالمحبوب ليلة وصله ... وقد راضه لومي له وعتابيا
إذا كان غضبانا لقيني بوجهه ... وبالظهر يلقاني إذا كان راضيا
وقوله: «3» [الطويل]
تعلّمت فعل الخير من غير أهله، ... وهذّب نفسي فعلهم باختلافه
أرى ما يسوء النّفس من فعل جاهل، ... فآخذ في تأديبها بخلافه
قلت: وهذا مبتذل، إلّا أنه كما ابتذلت الشمس وهي محبوبة، ورزق النطاف وهي مشروبة، وخلاف النفس مشروع والحظ فيه، وللعلماء في النفس أقوال ليس هذا موضعها، ولا نرى في أفق الأدب (249) مطلعها.
عدنا إلى قوله، ومنه: «4» [المنسرح]
من لم تضمّ الضّيوف ساحته ... فستره أن تضمّه الحفره
ومن غدا عرضه المهلّب في النّا ... س غدا وجهه أبا صفره
وقوله: «5» [الكامل](16/354)
عجبا لفودي بعد فقد شبيبتي ... وكأنّ ضوء الشّيب فيه ظلام «1»
لّما نضت عنه اللّيالي صبغها ... خلعت عليه ضياءها الأيّام «2»
وقوله: «3» [السريع]
لا غرو إن قصّ جناحي الرّدى ... فعذره في فعله واضح
يضرب عن ذي النّقص صفحا ولا ... يقصّ إلّا الدّرهم الرّاجح
قلت: والأشبه بهذا أن يكون قول ملك متظلم أعيا لحاقه القرناء، وعنّى بعده الأمثال، فوقفوا وجرت سلاهبه، وتصنّعوا وأتت طبعا مواهبه، تلتهب ذكاؤه والخلق تغشاه، وينهب نائله والأسد تخشاه. رأى نفسه فوق الجوزاء، وخدين الشهب الأغراء. قد جعل للآمال مآلفا، وللآمال ملتفا. يسدي الرّفد إلى أربابه، ويحسب المجد من آرابه، فبلي بداهية الدهر، وشنعاء الحادث النكر، وقدم عليه من لا يدرك أدنى شوطه إذ يسعى على مهل، ولا تقمص بخلق جلبابه إلا إذا فضل. فلم يجد إلا أن تنفّس الصعداء، ويتحمل الداء. لا يقعده إذا بدر إلا سابق القدر، وإلا فهو أوثب من أرقم، وأمرّ إذا غضب من علقم. لو قد قام لاقتاد دهم الليل في رسنه، واخضرّ الشجر مخبلا بوسنه، ولكنه فردد لا يغالب، وسؤدد هدر ما ثمّ من به يطالب.
عدنا إليه. قال أيضا في البازي: «4» [الكامل]
قد ارتدى ذيل الصباح الأكهب ... والصّبح مثل الماء تحت الطّحلب «5»(16/355)
مثقّل الكفّ بباز أشهب ... منتصب القامة سامي المنكب
ذي عنق خصب ورأس مجدب ... عيونه مثل الجمان المذهب
(250) قد بدّلت من سبج بكهرب ... محدّد المنسر شين المخلب
حتف الحبارى وعقال الأرنب ... مهذّب الخلق قليل الغضب
يرتاح للعود وإن لم يطلب ... كفاضل حاول حفظ المنصب
وقال: «1» [الطويل]
سوابقنا والنّقع والسّمر والظّبى ... وأحسابنا والحلم والبأس والبشر
هبوب الصّبا واللّيل والبرق والقضا ... وشمس الضّحى والطّود والنار والبحر
وقوله، وفيه استخدامان: «2» [الطويل]
لئن لم أبرقع بالحيا وجه عفّتي ... فلا أشبهته راحتي في التّكرّم «3»
ولا كنت ممّن يكسر الجفن في الوغى ... إذا أنا لم أغضضه عن رأي محرم «4»
وقال: «5» [الكامل]
ولقد أسير على الضّلال ولم أقل ... أين الطّريق وإن كرهت ضلالي
وأعاف تسآل الدّليل ترفّعا ... عن أن يفوه فمي بلفظ سؤال
وقال: «6» [الطويل](16/356)
ولائي لآل المصطفى عقد مذهبي ... وقلبي من حبّ الصّحابة مفعم
وما أنا ممن يستجيز بحبّهم ... مسبّة أقوام عليهم تقدّموا
ولكنّني أعطي الفريقين حقّهم ... وربّي بحال الأفضليّة أعلم
فمن شاء تعويجي فإنّي معوّج ... ومن شاء تقويمي فإنّي مقوّم
وقال: «1» [الكامل]
لما رأت علياك أني كالذي ... أبدو فينقصني السقام الزائد
وافيتني ووفيت لي بمكارم ... فنداك لي صلة وأنت العائد
وقال: «2» [مجزوء الكامل]
ولقد ذكرت القرب منك ... وطيب أيّامي الخوالي
فطفقت أصفق راحتيّ ... وعند صفقتها مقالي:
(251) كيف السّبيل إلى سعا ... د ودونها قلل الجبال
وقال: «3» [الطويل]
وعود به عاد السّرور لأنّه ... حوى اللهو قدما وهو ريّان ناعم
يغرّب في تغريده وكأنّه ... يعيد لنا ما لقّنته الحمائم «4»
وقال: «5» [السريع](16/357)
عود حوى في الروض أعواده ... كلّ المعاني وهو رطب قويم «1»
فحاز شدو الورق في سجعه ... ورقّة الماء ولطف النّسيم
وقال في جملة وصف رسالة: «2» [المتقارب]
فكم بكر معنى حوى طرسها ... وإن كان في حسن لفظ عوان
إذا ما شققت صدور البيوت ... وجدت بهنّ قلوب المعاني
وقال من أبيات: «3» [الكامل]
وشدت فأيقظت الرقود بشدوها ... وأعارت الأيقاظ طيب رقودها
خود شدت بلسانها وبنانها ... حتى تشابه ضربها بنشيدها
وكأنّ نغمة عودها في صوتها ... وكأن رقّة صوتها في عودها
إنّي لأحسد عودها إن عانقت ... عطفيه أو ضمته بين نهودها
وأغار من لثم الكؤوس لثغرها ... وأذوب من لمس الحليّ لجيدها
وقال: «4» [الوافر](16/358)
ومجلس لذّة أمسى دجاه ... يضيء كأنّه صبح منير
تجمّع فيه مشموم وراح ... وأوتار وولدان وحور
تلذّذت الحواس الخمس فيه ... بخمس يستتمّ بها السّرور
فكان الضّمّ قسم اللّمس فيه ... وقسم الذّوق كاسات تدور
وللسّمع الأغاني والغواني ... لأعيننا وللشّمّ البخور
وقال في إبريق: «1» [الوافر]
(252)
وإبريق له بطن عجيب ... إذا ما أرسلت منه السّلاف «2»
كتمتام تلجلج في حديث ... يردّد لفظه والتاء قاف «3»
وقال في رواقص: «4» [البسيط]
بحر من الحسن لا ينجو الغريق به ... إذا تلاطم أعطاف بأعطاف
ما حركته نسيم الرّقص من مرح ... إلّا وماجت به أمواج أرداف
وقال: «5» [الوافر]
ليهنك أنّ لي ولدا وعبدا ... سواء في المقال وفي المقام
فهذا سابق من غير سين ... وهذا عاقل من غير لام
وقال في باب: «6» [المتقارب]
وباب إذا أمّه قاصد ... رآه من الغيث أدنى وأندى
له الفتح دأب ومن شأنه ... يردّ وقاصده لن يردّا
وقال في النيل: «7» [الطويل](16/359)
وفي النّيل إذ وفّى البسيطة حقّها ... وزاد على ما جاءه من صنائع
فما إن توفّى النّاس من منعم ... يشار إلى إنعامه بالأصابع
وقال: «1» [البسيط]
وكيف أنسى مليكا فضل أنعمه ... فرضي ونفلي في سرّي وإعلاني
جعلت نفسي كشطر اسمي لخدمته ... وكيف لا وهو عندي شطره الثّاني
وقال: «2» [الطويل]
أحنّ إليكم كلّما ذرّ شارق ... ويشتاق قلبي كلّما مرّ خاطف
واهتزّ من خفق النّسيم إذا سرى ... ولولاكم ما حرّكتني العواصف
وقال: «3» [الطويل]
رعى الله من فارقت يوم فراقهم ... حشاشة نفس ودّعت يوم ودّعوا
ومن ظعنت روحي وقد سار ظعنهم ... فلم أدر أيّ الظّاعنين أشيّع
(253) وقال: «4» [الخفيف]
يا قرير العيون رقّ لعين ... فجّرتها دموعها تفجيرا
لم تطلّق من بعدك الغمض إلّا ... لترى منك نظرة وسرورا
وقال: «5» [الكامل](16/360)
لي في ضميرك شاهد فيه غنى ... لك عن قراءة ما حوى قرطاسي
ولئن وقفت عليه معتبرا له ... ما في وقوفك ساعة من باس
وقال: «1» [الكامل]
ولقد ذكرتك والعجاج كأنّه ... ظلّ الغنيّ وسوء عيش المعسر
والشّوس بين مجدّل في جندل ... منّا وبين معفّر في معفر
فظنت أنّي في صباح مشرق ... بضياء وجهك أو مساء مقمر
وتعطّرت أرض الكفاح كأنّما ... فتقت لنا ريح الجلاد بعنبر
وقال: «2» [الكامل]
ولقد ذكرتك والجماجم وقّع ... تحت السّنابك والأكفّ تطير
والهام في أفق العجاجة حوّم ... فكأنّها فوق النّسور نسور
فاعتادني من طيب ذكرك نشوة ... وبدت عليّ بشاشة وسرور
فظننت أنّي في مجالس لذّتي ... والرّاح تجلى والكؤوس تدور
وقال: «3» [الكامل]
ولقد ذكرتك حين أنكرت الظّبى ... أغمادها وتعارفت في الهام
والنّبل من خلل العجاج كأنّه ... وبل تتابع من فروج غمام
فاستصغرت عيناني أفواج العدى ... وتتابع الأقدام في الإقدام
ووجّدت برد الأمن في حرّ الوغى ... والموت خلفي تارة وأمامي
وقال: «4» [السريع](16/361)
غارت وقد قلت لمسواكها: ... أراك تجني ريقها يا أراك
قالت: تمنّيت جنى ريقتي ... وفاز بالتّرشاف منها سواك
(254) وقال: «1» [الكامل]
يا من حمت عنّا مذاقة ريقها ... رفقا بقلب ليس فيه سواك
فلكم سألت الثّغر وصف رضابه ... فأبى وصرّح لي سفيه سواك
وقال: «2» [الخفيف]
قد شهدنا فعل البلى بمغاني ... ك ودمع الغيوم فيها سجام
واقترضنا منها الدّموع فقالت: ... كلّ قرض يجرّ نفعا حرام
قلت: لقد أتى من الفقه بهذه اللطيفة. فإن قيل: فما الذي جرّه البكاء من النفع؟ قلنا: أشياء، نحو سقيا المعاهد، وإطفاء حر الفؤاد الواقد، وتخفيف ثقل البكاء عن العيون التي كثر بكاؤها. وقد قال الأول: وأثقل محمول على العين ماؤها. وقد ذكرت بالدمع بيتين كنت قلتهما، وإن لم يكن معناهما من هذا في: [الخفيف]
عما جرى لي من دموع كأنهنّ اللآلي «3»
خففت وطأة الغرام ولكن ... غرقت في الجفون طيف الخيال
عدنا إليه. قال: «4» [من الهزج](16/362)
ألا يا مالك الرّ ... قّ من ملّكك الرّقّا
إذا لم تقض أن أسعد ... لا تقض بأن أشقى
تصدّق بالذي يفنى ... وخذ أجر الذي يبقى
وذكّر عطفك الميّا ... ل والرّدف بما ألقى
وقال: «1» [المجتث]
وجه من البدر أحلى ... ومنه بالمدح أحرى
طرفي به يتحلّى ... وخاطري يتحرّى «2»
بمنظر يتجلّى ... وناظر يتجرّى «3»
خدّ يقرّ بقتلي ... وردفه يتبرّى
وقال: «4» [الطويل]
ولم أنس إذ زار الحبيب بروضة ... وقد غفلت عنّا وشاة ولوّام(16/363)
وقد فرش الورد الخدود ونشّرت ... لمقدمه للسّوسن الغضّ أعلام
(255) أقول وطرف النّرجس الغضّ شاخص ... إلينا وللنمّام حولي إلمام
أيا ربّ! حتى في الحدائق أعين ... علينا وحتى في الرّياحين نمّام
قلت: وهكذا التورية، وبمثل هذا تضيء القريحة المورية. تأمل كيف بدأه:
أن الحبيب زاره بروضة، ثم ذكر مع كل من الزهر ما يناسبه ويدنو منه ويقاربه، حتى إذا انقضى من هذا أربه، عاد إلى مناسبة تتمة البيت الأول، وقد قال فيه:
وقد غفلت عنا وشاة ولوّام، ليستوفي معنى البيت الذي بنى عليه، فتظلّم من الحدائق، إذ لها أعين، وفيها نمّام، يعني النرجس والنمّام، وهذا في غاية التمام.
وقال: «1» [المتقارب]
رعى الله ليلتنا بالحمى ... وأمواه أعينه الزّاخره
وقد زين حسن سماء الغصون ... بأنجم أزهاره الزّاهره «2»
وللنّرجس الغضّ ما بيننا ... وجوه بحضرتنا ناضره
كأنّ تحدّق أزهارها ... عيون إلى ربّها ناظره
وقال: «3» [مخلع البسيط]
قال الحيا للنّسيم لمّا ... ظلّ به الزّهر في اشتغال
وضاع نشر الرّياض حتى ... تعطّرت بردة الشّمال
أما ترى الأرض كيف تثني ... عليّ منها لسان حالي
فاعجب لإقرارها بفضلي ... وسكرها بي وشكرها لي
وقال: «4» [الخفيف]
خلياني أجرّ فضل برودي ... راتعا في رياض عين البرود
كم بها من بديع زهر أنيق ... كفصول منظومة وعقود
زنبق بين قضب آس وبان ... وأقاح ونرجس وورود
كجبين وعارض وقوام ... وثغور وأعين وخدود
وقال يعاتب من اعتذر بالثلج: «5» [المنسرح](16/364)
(256) عذرك بالثلج عن زيارتنا ... مبدولة باؤه من الكاف
والغير لما أراد زورتنا ... سعى إلينا من نشره حافي
وعندك المال والرجال وما ... في تاسع النحل وافر واف
بل أبدلت ذلك الولاية يا ... أحمد لما وليت بالقاف
قوله: تاسع النحل وافر واف: أراد بذلك قوله تعالى «وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها»
«1»
وكتب مع طبق حلاوة أهداه مع غلام: «2» [الرجز]
عبدك قد أرسل أدنى خدمة ... إليك يا من بالجميل قد سبق
فانظر بعين الجبر أو عين الرّضا ... نحو غلام وكتاب وطبق «3»
وقال ملغزا في القوس: «4» [الطويل](16/365)
وما اسم تراه في البروج وإنما ... يحلّ به المرّيخ دون الكواكب
إذا قدّر الباري عليه مصيبة ... عدته وحلّت في صدور الكتائب
ولاجسم إلا فيه يدرك قلبه ... ويدركه في قلبه كلّ طالب
قلت: وقوله: وإنما يحل به المريخ دون الكواكب، أراد به نصل السهم أو السهم، إذ كان من شأنهما القتل، وهو من طبيعة المريخ كما يزعم أهل النجابة.
أو ليلطخه بالدماء، فإذا نظر، كان المريخ بحمرته واشتعاله. وهو إذا صحّ على هذا، لا يصحّ على ظاهره، إذ كانت القوس محلا لكلّ من السبعة السّيّارة، وهو بيت المشتري، فلا وجه لتخصيص المريخ به. وفي جملة على المعنيين اللذين أرادهما نظر.
وقال في السهم: «1» [الطويل]
وأهيف منسوب إلى التّرك أصله ... رشيق براه ربّه وهو راشق
يقرّب من أفواههم وهو فاجر ... ويرسل في أعراضهم وهو مارق
يبيت عديم النفع وهو مواصل ... ويرضيك في الأفعال وهو مفارق
إذا اعتبروا أفعاله فهو طائر ... وإن نسبوه فهو بالنّبت لاحق
وقال فيه: «2» [الطويل]
وأهيف ماض في الأمور مسدّد ... إذا رام قصدا لا يميل عن القصد
(257) ينضنض مثل الأفعوان لسانه ... لشدّة ما لاقى من الحرّ والبرد «3»
تقرّبه الأملاك وهو ممانع ... ويجهد في تقريبه غاية الجهد
إذا صحّفوه مرة كان بينهم ... وإن تركوه كان منهم على بعد
وقال في قلم: «4» [الطويل]
وأخرس بادي النطق حلو فؤاده ... حليف ضنى يبكي وما هو عاشق
يشقّ مرارا رأسه وهو طيّع ... ويقطع أحيانا وما هو سارق
إذا أرسل البيض الصّفاح لعادة ... يتابع طورا أمره ويفارق
يحاجى به ما ناطق وهو صامت ... يرى ساكتا والسيف عن فيه ناطق «5»(16/366)
وقال في الدواة والقلم: «1» [الطويل]
وما اسمان كلّ صالح لقرينه ... إذا اتّفقا يستصغر الصّارم العضب
وقد وجدا في الذّكر أوّل سورة ... ولولاهما لم يوجد الذكر والكتب
فهذا له قلب وما حلّ جسمه ... وهذا له جسم وليس له قلب
وقال في الخطّ: «2» [مجزوء الكامل]
ومعلّق في قنّب طورا وطورا في حرير ... ولقد تراه مسلسلا بيد الإمارة والصدور
ولقد يكون على الجباه وفي البطون وفي الظهور ... ويرى بأعضاد الرجال وفوق أجنحة الطيور(16/367)
قلت: وهذا شعر بديع، ونظم صنيع، ونمط عال رفيع، لا يقدر عليه كل قائل، ولا يحظى معه معارض بطائل. ألا ترى كيف وصف الخط وافتتحه بقوله:
ومعلق! وانظر هذه التورية ما أتمّها وأحسنها وأقواها وأمكنها. ثمّ أتى في البيت كله باستخدام معنوي إذ قال: في قنّب طورا وطورا في حرير! وظاهره على مجرى اللغز، يوهم أنّ شيئا له جسم، علق بخيط حرير، أو حبل قنب، وباطنه يريد الورق. وهو يصنع من هذين (258) حيث يعهد الشاعر. وهو إذا حمل على كل من المعنيين صح، وكان تماما موفيا بالمراد. وكذلك قوله في البيت الثاني: ولقد تراه مسلسلا. يجري مجرى قوله: ومعلق. فأما البيت الثالث، فمعناه أكثر من لفظه، وتفهمه أكبر من حفظه. فأما كونه جعله يكون معلقا على الجباه، فهو ما يكتب من التمائم والعوذ، وما هو من هذا النوع. وأما قوله:
وفي البطون وفي الظهور، فكذا يكتب: تارة في بطون الأوراق، وتارة في ظهورها. وهو مع كونه أتى فيه بالحقيقة، لم يعدم فيه رونق المجاز. والبيت الرابع نوع منه آخر. وقوله: وفوق أجنحة الطيور، هو ما يكتب في صغار البطائق على هوادي الحمام الرسائلي. فانظر إلى محاسن ما أتى به، واعجب لإيجازه.
عدنا إليه. قال في دود القز: «1» [الطويل]
وما حيوان عكسه مثل طرده ... له جسد سبط وليس له قلب
ضعيف وكم أغنت مجاجة ريقه ... فقيرا به أمسى ومربعه خصب
يرى من خشاش الأرض طورا وتارة ... من الطير لكن دونه تسبل الحجب
شقيّ لنفع الغير يسجن نفسه ... وليس له في السجن أكل ولا شرب
وقال في العود: «2» [السريع](16/368)
وأعجميّ أخرس ناطق ... له لسان مستطاب الكلام
مناجيا في الحجر أربابه ... طورا وفي البيت العتيق الحرام
قلت: ولله مذهبه في هذين البيتين، لو وصف هذا الألمعي العود بأطيب من نغمه وأرجه. وقوله: أعجمي، وصفا له، قول صدق، إذ العود الشجر أعجم لا ينطق، والعود عود الطرب من وضع الأعاجم. ولسان العود هو الذي يحرك به الوتر. وقوله مستطاب الكلام وهو طربه. وقد أتبعه بقوله: ساجيا في الحجر ربّا له، لأنه كان كأنّه يناجي ربه، وهو الضارب به. وقوله: وفي البيت العتيق الحرام، هو العود الهندي. يقال: إن عهد البيت الحرام زاده الله شرفا منه. فاعرف لهذا الرجل حقه، واعلم حذقه.
عدنا (259) إلى بقية مختاره. قال في الحشيشة يحسّن قبيحها، ويدّعي تفريحها: «1» [الوافر]
تغانى بالحشيش عن الرّحيق ... وبالورق الجديد عن العتيق
وبالخضراء عن حمراء صرف ... وكم بين الزّمرّد والعقيق
وقال أيضا فيها: «2» [البسيط]
في الكيس لي عوض عمّا حوى الكاس ... وفي القراطيس عمّا ضمّت الطّاس
وبالجديد غرامي لا معتّقة ... وسواسها في صدور النّاس خنّاس
مدامة ما لها في الرّأس وشوشة ... تطغي النّفوس ولا في الصّدر وسواس
ولا تكلّف نفسا غير طاقتها ... ولا يخاف بها ضرّ وإفلاس
كم بين خمر يخاف الحدّ شاربها ... وخمرة ما على شرّابها باس
ولا نبيت إذا شئنا نعاقرها ... لنا على الباب حفّاظ وحرّاس
حوض الدّواة لها جان ومزودها ... دنّ وكاساتها ظفر وقرطاس
وقال أيضا: «3» [السريع]
في الكيس لا في الكأس لي قهوة ... من ذوقها أسكر أو شمّها
لم ينه نصّ الذّكر عنها ولا ... أجمع في الشّرع على ذمّها
ظاهرة النّفع لها نشوة ... تستنقذ الأنفس من همّها
فشكرها أكثر من سكرها ... ونفعها أكثر من إثمها
وقال: «4» [السريع](16/369)
جاءت بوجه بين قرطين ... شبيه بدر بين نجمين
فامتدت الأعين منا إلى ... عينين منها تحت نونين
قالت لكي تعبث بي لا تكن ... للنّفس نونا بعد ميمين
فقلت إن عارضتني بعدها ... قطعت سينا بين كافين
وقال: «1» [المنسرح]
عنّفتها إذ فست على ذكري ... وهو لعمري في غاية الكبر
(260) قالت دع اللوم والعتاب فلو ... دفعت هذا في است البعير خري
لو أن ضعفيه جاء من قبل ... ما كان عندي لذاك من أثر
لكنه مع جفاء جثّته ... صال فقدّ القميص من دبر
قلت: فشيخي قد قال مبتدئا ... وذاك في العلم صادق النظر
الأير للجحر حربة خلقت ... لو كان للكس كان كالطّبر
وقال: «2» [الطويل]
وذات حر جادت به فصددتها ... وقلت لها مقصودي العجز لا الفرج
فدارت ودارت سوء خلقي بالرضى ... وفي قلبها مما تكابده رهج
وظلّت تقاسي من فعالي شدّة ... ولم يعل من فرط الحياء لها رهج
إذا ما دفعت الأير فيه تجشّأت ... وذاك ضراط لم يتمّ له نضج
وقال: «3» [المنسرح](16/370)
ولي غلام كالنجم طلعته ... أخدمه وهو بعض خدّامي
تراه خلفي طول النّهار فإن ... دجا لنا الليل صار قدّامي
جعلته في الحضور مع سفري ... كفروة الحارث بن همّام
وقال: «1» [الوافر]
وليلة عانقت كفّاي بدرا ... كأنّ ضياء مبسمه نجوم
لثمت الثغر منه فقام أيري ... فعنّفني وأقبل لي يلوم
وأسكتني الحياء فقال أيري ... أقم عذري فإنّ اللوم لوم
أيقدر من له عقل ولبّ ... ومعرفة يراك ولا يقوم
وقال: «2» [السريع]
قالوا اخضب الشّيب فقلت اقصروا ... فإنّ قصد الصّدق من شيمتي
فكيف أرضى بعد ذا أنّني ... أوّل ما أكذب في لحيتي
وقال يعتب ابن المعتز عن قوله: «3» [المتقارب](16/371)
(261) ونحن ورثنا ثياب النبي ... ي فكم تجذبون بأذيالها
لكم رحم يا بني بنته ... ولكن بنو العم أولى بها
ومنها:
قتلنا أمية في دارها ... ونحن أحقّ بأسلابها
إذا ما دنوتم تلقيتم ... زبونا أقرت بجلّابها
وقوله: [المتقارب]
وقلت ورثنا ثياب النّبي ... ي فكم تجذبون بأهدابها
وعندك لا يورث الأنبياء ... فكيف حظيتم بأثوابها
أجدّك يرضى بما قلته ... وما كان يوما بمرتابها
وإذ جعل الأمر شورى لها ... فهل كان من بعض أربابها «1»
وقولك أنتم بنو بنته، ... ولكن بنو العمّ أولى بها
بنو البنت أيضا بنو عمّه ... وذلك أدنى لأنسابها
وقلت بأنّكم القاتلو ... ن أسود أميّة في غابها
ولولا سيوف أبي مسلم ... لعزّت على جهد طلّابها
وقال: «2» [الرجز](16/372)
انهض فهذا النّجم في الغرب سقط ... والشّيب في فود الظّلام قد وخط
والصّبح قد مدّ إلى نحر الدّجى ... يدا بها درّ النّجوم تلتقط
وألهب الإصباح أذيال الدّجى ... بشمعة من الشّعاع لم تقطّ
وضجّت الأطيار في أوراقها ... لّما رأت سيف الصّباح مخترط
وقام من فوق الجدار هاتف ... متوّج الهامة ذو فرع قطط
يخبّر الرّاقد أنّ نومه ... عند انتباه جدّه من الغلط
والبدر قد صار هلالا ناحلا ... في آخر الشّهر وبالصّبح اختلط
كأنّه قوس لجين موتر ... واللّيل زنجيّ عليه قد ضبط
(262) وفي يديه للثّريّا ندب ... يزيد فردا واحدا عن النّمط
فأيّ عذر للرّماة والدّجى ... قد عدّ في سلك الرّماة وانخرط
أما ترى الغيم الجديد مقبلا ... قد مدّ في الأفق رداه فانبسط
يلمع ضوء البرق في حافاته ... كأنّ في الجوّ صفاحا تخترط
وأظهر الخريف من أزهاره ... أضعاف ما أخفى الرّبيع إذ شحط
ولان عطف الرّيح في هبوبها ... والطّلّ من بعد الهجير قد سقط
والشّمس في الميزان موزون بها ... قسط النّهار بعد ما كان قسط
وأرسلت جبال دربند لنا ... رسلا صبا القلب إليها وانبسط
من الكراكي الخزريّات التي ... تقدم والبعض ببعض مرتبط
كأنّها إذ تابعت صفوفها ... ركائب عنها الرّحال لم تحط
إذا وعاها سمع ذي صبابة ... مثلي، تقاضاه الغرام ونشط «1»
فقم بنا نرفل في ثوب الصّبى ... إنّ الرّضى بتركه عين السّخط
والتقط اللّذة حيث أمكنت ... فإنّما اللّذّات في الدّهر لقط
إنّ الشّباب زائر مودّع ... لا يستطاع ردّه إذا فرط
أما ترى الكركيّ في الجوّ وقد ... نغّم في أفق السّماء ولغط
أنساه حبّ دجلة وطيبها ... مواطنا قد زقّ فيها ولقط
فجاء يهدي نفسه وما درى ... أنّ الرّدي قرينه حيث سقط
فابرز قسيّا من كمنداناتها ... إنّ الجياد للحروب ترتبط
من كلّ سبط من هدايا واسط ... جعد التّلاع منه في الكعب نقط «2»
أصلحه الصالح باجتهاده ... فكلّ ذي لبّ له فيه غبط «3»(16/373)
وما أضاع الحزم عند حزمها ... بل جاوز القيظ وللفصل ضبط «1»
حتى إذا حرّ حزيران خبا ... وتمّ تموز وآب وشحط
وجاء أيلول بحرّ فاتر ... في نضج تعديل الثّمار ما فرط
(263)
أبرز ما أحرز من آلاته ... وحلّ من ذاك المتاع ما ربط
ومدّ للصنعة كفّ أوحد ... منزّه عن الفساد والغلط
وظلّ يستقري بلاغ عودها ... فسبّر الأطراف واختار الوسط «2»
وجوّد التّدقيق في لحامها ... فأسقط الكرشات منه والسّقط «3»
ولم يزل ينقلها مراتبا ... تلزم في صنعته وتشترط(16/374)
فعند ما أفضت إلى تطهيرها ... صحّح دارات البيوت والنّقط
حتى إذا قمّصها بدهنها ... جاءت من الصّحّة في أحلى نمط
كأنّها النّونات في تعريقها ... يعرج منها بندق مثل النّقط
مثل السّوار في يد الرّامي فلو ... شاء طواها وحواها في سفط
لو يقذف اليمّ بها مالكها ... ما انتقض العود ولا الزّور انكشط
كأنّما بندقها نيازك ... أو من يد الرّامي إلى الطّير خطط
من كلّ محني البيوت مدمج ... ما أخطأ الباري به ولا فرط
كأنّه لام عليها ألف ... وقال قوم: إنّها اللّام فقط
فاجل قذى عيوننا ببرزة ... تنفي عن القلب الهموم والقنط
فما رأت من بعد هور بابل ... ومائه التّيّار عيشا يغتبط
ونحن في مروجه في نشوة ... عند التّحرّي في الوقوف للخطط
من كلّ مقبول المقال صادق ... قد قبض القوس وللنّفس بسط
يقدمنا فيها قديم حاذق ... لا كسل يشينه ولا شطط «1»
يحكم فينا حكم داود فلا ... ينظر منّا خارجا عمّا شرط
لا يشبك الأسباق من جفّته ... ولم يكن مثل القرلّي في النّمط «2»
إذا رأى الشرّ تعلّى وإذا ... لاح له الخير تدلّى وهبط «3»
ما نغم المزهر والدّفّ إذا ... فصّل أدوار الضّروب وضبط
أطيب من تدفدف التّمّ إذا ... دقّ على القبض الجناح وخبط
(264) والطّير شتّى في نواحيه فذا ... قد اكتسى الرّيش وهذا قد شمط
وذاك يرعى في شواطيه وذا ... على الرّوابي قد تحصّى ولقط
فمن جليل واجب تعداده ... ومن مراع عدّها لا يشترط
يعرج منّا نحوها بنادق ... لم ينج منها من تعلّى واختبط
فمن كسير في العباب عائم ... ومن ذبيح بالدّماء يعتبط
وقال، وورّى وكأن قصده كان طلب الدّرياقين: «4» [الخفيف](16/375)
قيل لي تعشق الصّحابة طرّا ... أم تفرّدت منهم بفريق
فوصفت الجميع وصفا إذا ضوّ ... ع أزرى بكلّ مسك سحيق
قيل هذي الصّفات والكلّ كالدّر ... ياق يشفي من كلّ داء وثيق
فإلى من تميل؟ قلت إلى الأر ... بع لا سيّما إلى الفاروق
وقال في السلطان وقد لعب بالكرة: «1» [الكامل]
ملك يروّض فوق طرف قارع ... كرة بجو كان حكاه ضبابا
وكأنّ بدرا في سماء راكبا ... برقا يزحزح بالهلال شهابا «2»
وقال في أدهم ذي حجول: «3» [الكامل]
ولقد أروح إلى القنيص وأغتدي ... في متن أدهم كالظّلام محجّل
رام الصّباح من الدّجى استنقاذه ... حسدا فلم يظفر بغير الأرجل
فكأنّه صبغ الشبيبة هابه ... وخط المشيب فجاءه من أسفل
وقوله: «4» [الكامل]
لا غرو أن يصلى الفؤاد لبعدكم ... نارا تؤجّجها يد التّذكار
قلبي إذا غبتم يصوّر شخصكم ... فيه وكلّ مصوّر في النّار
وقوله: «5» [الكامل]
ولما سطرت الطرس شوّهت لفظه ... وجئت بما شاهدت من لحنه عمدا
عساك ترى عيبا به فتردّ لي ... جوابا لأنّ العيب قد يوجب الرّدّا
(265) وقوله: «6» [الطويل](16/376)
لئن سلّ الزّمان لنا مناصل ... فصنع الودّ عندي غير ناصل
فإن يك قد تأخّر عنك سعيي ... فإني بالدعاء لكم مواصل
ولم تثن النّوى أوتاد ودّي ... بأسباب القطيعة والفواصل
وإنّي إن وصفت لكم ودادي ... كأنّي طالب تحصيل حاصل
وقوله يصف غلاما تركيا على فرس يرمي الظباء بالسّهام: «1» [الطويل]
وظبي بقفر فوق طرف مفوّق ... بقوس رمى في النّقع وحشا بأسهم
كبدر بأفق فوق برق بكفّه ... هلال رمى الليل جنّا بأنجم
وقال في فرس: «2» [الوافر]
وعادية إلى الغارات ضبحا ... تريك لقدح حافرها التهابا
كأنّ الصّبح ألبسها حجولا ... وجنح اللّيل قمّصها إهابا
جواد في الجبال تخال وعلا ... وفي الفلوات تحسبها عقابا
إذا ما سابقتها الرّيح فرّت ... وأبقت في يد الرّيح الترابا
وقال: «3» [الطويل]
وإنّي لألهو بالمدام وإنّها ... لمورد حزم إن فعلت ومصدر
ويطربني في مجلس الأنس بيننا ... أنابيب في أجوافها الرّيح تصفر
ودهم بأيدي الغانيات تقعقعت ... مفاصلها من هول ما هي تنظر
وصفر جفون ما بكت بمدامع ... ولكنّها روح تذوب وتقطر
وأشمط محنيّ الضّلوع على الضّنى ... به الضّرّ إلّا أنّه يتستّر «4»(16/377)
إذا انجاب ستر اللّيل ظلّت ضلوعه ... مجرّدة تضحى لديك وتخصر
وقال: «1» [السريع]
قد نشر الزّنبق أعلامه ... وقال: كلّ الزّهر في خدمتي
لو لم أكن في الحسن سلطانه ... ما رفعت من دونه رايتي
(266) فقهقه الورد به هازئا ... وقال: ما تحذر من سطوتي
وقال للسّوسن: ماذا الذي ... يقوله الأشيب في حضرتي
فامتعض الزّنبق من قوله ... وقال للأزهار: يا صحبتي «2»(16/378)
يكون هذا الحسن بي محدقا ... ويضحك الورد على شيبتي
قلت: وهذا قول يقطر ظرافة ويحسن، وإن كان حديث خرافة.
وهذا آخر ما اخترت من جميع ديوانه، وبديع ما ضمنه من الفريد في صوانه. وقد وقفت عليه، وكله ناطق بصنيعه، مذهب بشعاع توشيعه. ولم اقتصر على هذا لأن بمثله يكتفى، وإنما أقللت للقناعة، وأتيت من عينه بمقدار ما تعرف به بقية البضاعة. وقد وقفت له على نثر لا يقاس بنظمه، وإن كان الكلّ درّ، ولا يقاربه، وكلّ منهما يسر، وإنما هو في طبقة هذا الشعر حيث ترى، وأين الثريّا من الثّرى. وقد كان كتب إليّ كتابا وددت لو حضرني لآتي به، وإن كنت جدّ ضنين وأسمح به، وإن كان لا يسمح بالثمين.
ومنهم:
62- محمد بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن الحنفي
الفقيه العدل، الأديب، الشاعر. أبو عبد الله شمس الدين الخياط الدمشقي.
قادر أتى بما لم تستطعه الأوائل، ولم تطعه إلّا قسرا أنداد الفضائل، لا يجيء البحر له إلى كعب، ولا يحاول إلّا النجوم، لا يعجزه مرامها الصّعب. وكان خصم نفسه في الأدب، يدرس فنونه النافعة، ويغرس أفنانه اليانعة. فاحتذى مفارق الرءوس وانتعل، وعرفت الرّجال بغيرهم وعرف بما فعل، سدّ الفجاج على المعائب، وعدّ صفو المزن رنقا بالشوائب. وله قصائد أدرك منها ما رامه ابن الروميّ في مطوّلاته، وتمّ لأبي تمام في تطوّلاته، وفات حوليّات زهير بن أبي سلمى، وخوليّات ابن العبد، وطرف طرفة أعمى، وما منها إلّا ألحق بالسّبع(16/379)
الطّوال، وحاربت في جوّ النّسور العوال، فكأنها كانت لتلك القصائد كامنة، لتلك (267) السبع المعلّقات ثامنة، بل ما أتت بعد تلك السبع الشّداد، إلّا كالعام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، ومنه يجنون ويهصرون. وله قطع تقطع كلّ أجدع، وتقرّع كلّ حميّ أنفه لا يجدع. فيومه يومان، وطعمه طعمان، بكلّ كلمة هي إبر النّحل أو مشاره، وفخر الدهر أو عاره، تلعّبا بالكلام كيف شاء صرفه، ومن شاء وضعه به أو شرّفه، فطالما أوقد حائن وهدف عرّضه لرميه فدفع بيديه حدّ المدى، ووضع إصبعيه في فم الرّدى، على أنّه خير أخ في الشدائد، وأعظم مقاوم لسمّ الليالي الأساود، وكلمه لا يغشى بوارقها بالسّحب، ولا ثلاث رودها إلّا بالرّماح منصلة بالشّهب. ومن شعره المحرّك للأطراب، المبيّض لقادمة الليل والفجر في آخره كما شاب جناح الغراب، قوله: [السريع]
كم نلت في الأسفار من شدّة ... لم تحص في عدّ ولم تحصر
فهذه عين وذا محجر ... والموت بين العين والمحجر
ومنه قوله: [السريع]
ديار مصر جنّة فتّحت ... أبوابها في الحسن للمبصر
وغير بدع أنّها جنّة ... ونيلها جار من الكوثر
ومنه قوله: [الطويل]
شكت زوجة القاضي من الطّلق شدّة ... فنال الإمام الهمّ وهو همام
فقلت له صبرا جميلا فربّما ... يكون مع الطّلق الشديد غلام
ومنه قوله: [الوافر]
وما طلبي الشهادة خوف نقص ... على مالي ولا طمع الزّيادة
ولكنّي لإسلامي وديني ... وتوحيدي حرصت على الشّهادة(16/380)
ومنه قوله: [الطويل]
تهنّ فلان الدين شهرا مباركا ... فصب لك فيه بالعلاء المكارم
(268) وإن تك قد باشرت في يوم موسم ... فسائر أيام الكرام مواسم
ومنه قوله: [السريع]
الحبس حبس النّفس عن قصدها ... وإنّما نقمته نعمة
لا سيّما إن كان أعجوبة ... كثرة ناموس بلا حرمة
ومنه قوله: [السريع]
مولاي سيف الدين يا من له ... أصل زكيّ في انتساب الملوك
أسمعتني وعد ديوك وقد ... أكلت كفّي قبل أكل الديوك
ومنه قوله وقد ردّد مقصود المعنى وزاده: [السريع]
كم ليلة بالبرد قضّيتها ... في شدّة والعين لم تهجع
وليس لي أكل سوى راحتي ... وليس لي شرب سوى أدمعي
ومنه قوله: [السريع]
حفيت من طول طوافي على ... بشر لأحظى بالنّدى الوافي
فاعجب لعكس الحال ما بيننا ... هذاك بشر وأنا الحافي
ومنه قوله: [الطويل]
إلى كم أمنّي النّفس في طلب الغنى ... أقول عسى ينزاح فقري وربّما
وما العار إلّا أن أرى عاريا وما ... عليّ كما قالوا سوى مطر السّما
ومنه قوله: [الوافر](16/381)
عجبت من الزمان ومن بنيه ... ورفضهم الأهاجي والمدائح
أروح على منازلهم وأغدو ... وليس أشمّ للجدوى روائح
ومنه قوله: [الكامل]
يا سيّدي قد طال مكث قصيدتي ... وأعيذ سيّدنا من النّسيان
إن كان في يوم المعاد إجازة ... أمّلتها من كفّة الميزان
ومنه قوله [الكامل]
(269) رقب الهلال الناس واجتهدوا فلم ... تره العيون وكفّها عنه العمى
لا غرو إن خفي الهلال عن الورى ... ورآه في الأرض ابن ناطور السّما
ومنه قوله: [الطويل]
يقولون في سمّ الخياط قناعة ... فلا ترم شكر العيش في القنع بالدمّ
فقلت لهم إنّي أخاف من الرّدى ... ولا آمل البقيا ورزقي من سمّ
ومنه قوله: [مخلع البسيط]
يا سيّدا لم يزل بحمدي ... بين بني جنسه محلّا
أسلفتني موعدا جميلا ... فاسمح بإنجازه وإلّا
ومنه قوله: [البسيط]
قالوا تردّد فبيت المال فيه غنى ... لكلّ مشتمل بالفقر محروم
فحين وافيته لم ألق فيه سوى ... مسوّدات لتأخير وتقديم
فيه صناديق أوراق بلا ورق ... قد أوسقوها بتحديد المراسيم
قبض وصرف ومردود وفذلكة ... بلا حساب وتخريج لمعلوم
فاحذر إذا جزت بيت المال فهو بلا ... لام وفيه مخاريم بلا ميم(16/382)
ومنه قوله: [السريع]
وقيّم مغرى بسفك الدّما ... كلّ سليم بيديه سليم
صعقت خوفا منه لّما غدا ... في كفّه موسى ورأسي الكليم
ومنه قوله: [السريع]
إن تهجروا الخياط عمدا فما ... له إلى غيركم هجرة
يقصّ أخباركم ناقلا ... حديثكم بالخيط والإبرة
ومنه قوله: [الوافر]
أرى المحبوب يفعل كلّ ذنب ... ويغضب والهوى أمر عجيب
وأسأله الرّضى والذنب منه ... كأنّي من إساءته أتوب
(270) ومنه قوله: [السريع]
لم أنس والمحبوب في مجلسي ... كالبدر يسقيني كؤوس الرحيق
يجمع لي ضدّين من عارض ... له جديد ومدام عتيق
ومنه قوله: [مخلع البسيط]
عذار حبّي دقيق معنى ... تجلّ من حسنه الصفات
حلا لرائيه وهو نبت ... هذا هو السّكّر النبات
ومنه قوله: [السريع]
خلّفت بالشام حبيبي وقد ... يمّمت مصرا لغنى طارق
والأرض قد طالت فلا تبعدي ... بالله يا مصر على عاشق
ومنه قوله: [الوافر](16/383)
صبرت على صروف الدهر حتّى ... رماني من هويت بسهم صدّ
وأسقمني بهجران طويل ... وقال دواؤه بالوصل عندي
ومنه قوله: [البسيط]
سار الحبيب بقلبي يوم ودّعني ... ولم يدع لي صبرا ساعة البين
وقال إن كنت مشتاقا إلى نظري ... أجر المدامع حمرا قلت: من عيني
ومنه قوله: [البسيط]
قلبي شكا حبّ خياط يمزّقه ... فكيف من قلق لي فيه تثبيت
قد كفّ عن غيري طرفه ونمنم لي ... خدا كأنّ عذارا فيه تنبيت
ومنه قوله: [الطويل]
لربوتنا واد حوى كلّ بهجة ... فعيش الورى يحلو لديه ويعذب
يروق لنا الأنهار تحت حنكه ... فلا عجب أنّا نخوض ونلعب
ومنه قوله: [مجزوء الخفيف]
ربّ علق عيوبه ... عدد الرّمل والحصا
(271) يأخذ الأير ضاحكا ... ثمّ يبكي على الخصا
ومنه قوله: [السريع]
يا من على عينيه شعريّة ... قد أضرمت في القلب نار الغرام
يشبه بدرا طالعا نصفه ... ونصفه الآخر تحت الغمام
ومنه قوله: [السريع]
لا تحسبوا شطبا على خدّه ... قد لاح من فعل سيوف الجنون(16/384)
وإنّما من رقّة خدّه ... قد أثّرت فيه لحاظ العيون
ومنه قوله: [السريع]
قد طال فكري في القريض الذي ... من نفعه لست على طائل
أقرّني زورا فصرت امرأ ... صاحب ديوان بلا حاصل
ومنه قوله: [الخفيف]
لي بأرض الشام شرّ مقام ... لا مكاني يرجّى ولا إمكاني
أسهر الليل في مكابدة الشّع ... ر وأبكي النّهار للحرمان
ومنه قوله: [الخفيف]
قل لمن حضّنى على الدين أقصر ... عن ملامي فليس لي تقصير
لا تسلني عن الصّلاة فبيتي ... مسجد غير أنّه مهجور
ومنهم:
63- حسن بن علي العزّي
ابن نفسه، وصاحب يومه لا أمسه، يعرف بالزعاري، نسبة إلى غور زعر، لا إلى الكلاب، وإن كان قد فغر فمه فأشبهها، وغرّ بأنّه بشر إلّا أنه سوّد صورته وشوّهها. أعقل منه سكان المارستان، وآمن عاقبة منه حنش البستان، وأقلّ غيبة منه وجوه أهل البهتان، وأملك منه لشهوته الحمار، شمّ بولة الأتان. لا دين يرجع إليه، ولا عقل يرد عليه، ولا محتسب يقيم عليه (272) الحدّ، ويمسك يديه، بعقيدة لا يغسل السيف عارها، ولا يواري الليل عوارها، أثقل من منّ، وأشحذ من مسنّ، وأبغض من مساء رقيب، وأشأم من صباح ذيب، وأقدر من قمل، وأحرص من نمل، وأسقط من الذّباب، وأسمج من الذّئاب. بعرض أسرع(16/385)
تفطّرا من الزّجاج، وآكل للقدر من الدّجاج. لا له زاجر يردعه، ولا أمر من العفاف يسعه، يطير مع كلّ ناعق، ويعوي لكلّ ناهق، إذا شعر نبح، وإذا أنشد كبح. يتهادى إلى كلّ مجلس كأنّه زلزلة، ويتباذى وما حرج من الخطوة الحاضرة قدر أنمله. على أنّه حام تتحامى صرحه الذّئاب، ويعرف فضله على كثير ممّن لبس الثياب. يرعى العظام ولا يلج بيت جاره إلّا أنّه يسعى حول الخيام، ذو حميّة ما شهد شبهها يوم الكلاب، وحفيظة ما عرف مثلها لبني كلاب، ببصر حديد، وساعد شديد، وفطنة لو تقيّد بها علم الطّبّ أو تنحّل علم أبقراط فصار الأكحل لا يخاف الغارة الشعرى ولا يهاب في السماء العوا. لا يزال في الحيّ منه طائف يسعى، ومقدام الأسد إذا أقعى، تتوقّى الأعداء من كلبه، وتتطاول الرءوس ولا تصل إلى ذنبه. فاتك أخلا رامة من ظباتها السوانح، وسبق بطشه الجوارح. إذا رأته كلاب الحيّ بصبصت أذنابها، وأكرمت مقدمه كأنّها تعرف أنسابها. إذا نبذت له الحصاة ينزو لوقعها، وينبو لسمعتها. وله خطّ يروق وشي قلمه، ويطول بعصيّ يراعه كأنّما يهش بها على غنمه. هذا مع رجوعه إلى أكرومته وعفافه، وقنعه بقليل الذّمّ بلغه، واللحم موفر لأضيافه، وعدم تهافته على آمال تتنافس طلابها، ودنيا تزاحم منها على جيفة وتهارش كلابها.
وحكى لي من لا أتّهمه، ممن كان يصحبه ويلزمه، (273) ويبيت عنده ولا يضجره ولا يبرمه، أنّه كان ينام عنده الليلة الطويلة بتمامها، ويصبح النّهار ويتضحّى وهو نائم، فإذا حضر الغداء، أنبهه فقعد فأكل، لا يغسل وجها ولا يدا، ولا يقف مع أمر كأنّه خلق سدى، ما استيقظ وتوضّا، ولا صلى سنة ولا فرضا، هذا مع إصرار لا يهمّه منه لبس القبائح، ولا يخيفه تشيع الفضائح، ولا يضرّه أن يبيت جسمه سماط السّياط، وعرضه قرى القوابح. وعلى هذا فهو شاعر يملأ السمع عجبا، ويهزّ الجماد طربا، لا يفوته صيد معنى شارد، ولا ليل(16/386)
يسهره لراقد. بديهة في التحصيل اعتادها، وقدرة على صيد شوارد المعاني لا ينكر له إذا صادها. عجبا له وهو في هذا النّسب العريق، والمشابهة في التخلّق والتخليق، كيف خالف عادة مثله في الوفاء، وكيف حمد من نوعه كلّ مضمر، ووصف وهو بالجفاء، إلّا أنّ محاسن شعره نطقت، ويد المعرفة به سبقت، وله حقّ الصّحبة التي كانت إنفاقا، فليتها لا كانت ولا أنفقت. ومن بدائعه قوله فيما كتب به إليّ: [الكامل]
أبدا يجدّد لي الحمام إذا شدا ... ذكراك في الليل البهيم إذا هدى
يا غصن بان طار قلبي نحوه ... شوقا فبلّ جناحه قطر النّدى
أترى دمي في وجنتيك فإنّني ... عاينت خدّك لا يزال مورّدا
أم نار حسنك أوقدت في صحنه ... فوضعت قلبي منه خالا أسودا
عقد الجفون بكلّ نجم طالع ... طرف يطالعني على بعد المدى
شرقت به عين وغصّ بشخصه ... صدري وضمّ عليّ وارده يدا
ثمّ انتضته يد الفراق بيقظة ... من مقلتيّ وكان فيها مغمدا
منها:
نجل الخليفة من قريش والذي ... حاز المفاخر طارفا أو متلدا
سلك الطريق إلى عديّ جدّه ... في المجد والحسب الصريح فما عدا
(274) وجلت مخايله الرئاسة إذ نضا ... عنه الغمامة ثمّ لاث السؤددا
أورى زناد الدين بعد خموده ... حينا ونار الجاهليّة أخمدا
وعصى دعاء اللات بعد بلوغه ... وأطاع في الله النبيّ محمّدا
بنيت معاليه على قصد القنا ال ... خطّيّ إذ سلك الطريق الأقصدا
وأقام أعمدة المآثر وارتقى ... درج المعالي في السّيادة مصعدا
وأحلّ أسرار الممالك صدره ... فحنت أضالعه عليه تودّدا(16/387)
فلو استطاع الماردون لوحيه ... سمعا علوا صرحا إليه ممرّدا
لكنّهم منعوا برجم شهابه ... أن يقعدوا للسّمع منه مقعدا
وقوله من أخرى كتب بها إليّ: [الطويل]
عفا بعدهم بطن العقيق فلعلع ... فوادي الغضا فالمنحنى فطويلع
منازل عفّاها البلى فتأبّدت ... معالمها بعد النّوى فهي بلقع
هي الدار يصبيني صباها ولم يزل ... تجرّعن فيها الأمرين أجرع
وزعني بها الصبر الجميل عن الأسى ... دموع على ليل الصّدود توزع
سقى الله أيامي بها وإن انقضت ... مراجعتي فيها لمن ليس يرجع
وحيّ لياليّ التي زالت المنى ... وقد زلن والأيّام تعطي وتمنع
ومنها:
فساروا بمثل الشّمس حطّت لثامها ... وكم دون تلك الشّمس بدر مقنّع
لوت جيدها فيما ترى العين دمية ... تحاط بألحاظ الكماة وتمنع
يراقبنا فيها غيور كأنّما ... ترى الشّمس منها بين قرنيه تطلع
إذا زلّ عنها سجنها أحدقت به ... لواحظ قد غطّت عليهنّ أدمع
يشقّ إليها الدّمع وهي سريعة ... يشقّ عليها والقنا وهي شرّع
ومنها:
شهاب يضيء الخطب رأيا مهذّبا ... عليه الحسام الهندوانيّ يطبع
(275) سليل أبي حفص إلى مثل هديه ... وآثاره في صالح الذّكر ينزع
فتى عدويّ يجبن السيل دونه ... إذا همّ ناجاه فؤاد مشيّع
إذا ناب خطب ناب فيه عن القنا ... يراع له أنف الكريهة يجدع
وألفاظ حرّ حرّة لا يديرها ... خداع إذا مرّت وذو الحرب يخدع
يصيح على الأعداء في كلّ بقعة ... غراب لها بالطّرس والنّقس أبقع «1»(16/388)
وقوله من أخرى كتب بها إليّ: [الوافر]
سقى عهد الحمى صوب العهاد ... بكلّ أجشّ منفتق المزاد
كأن حبيك ريّقه إذا ما ... تراكم قطره رجلا جراد
يفضّ عراه لمع البرق فيه ... كما هتك الدّجى شرر الزّناد
فيسرق منه أجفان الخزامى ... ندى كالدّمع في الأجفان بادي
فلو أنّ الجماد يطيق شكرا ... له لنطقن ألسنة الجماد
حيا يحيى موات التّرب منه ... بنفث الرّوح أفواه الغوادي
ثرى دار وجدت بها شجوني ... ولكنّي عدمت بها فؤادي
منازل باعدت ما بين قلبي ... وسلواني وجفني والرّقاد
يعارض ذكرها ريقي فتشجى ... لهاتي منه بالعذب البراد
ويبرأ من نسيم المسك أنفي ... إذا هبّت صبا تلك البلاد
منها:
إذا الحلماء والفصحاء جاؤوا ... وجيء بهم لإسداء الأيادي
فمن قيس بن عاصم وابن قيس ... ومن قسّ بن ساعدة الإيادي
ذكرتك يا ابن فضل الله ذكرى ... علا هي والكواكب في عداد
وقد نوّهت باسمي فهو فرد ... أجوز به النّجوم علي انفرادي
وألبسني احتفالك بي رداء ... خلعن عليه أفئدة العباد
وقد أوطأت آثاري أناسا ... على آثارهم وطء الجياد(16/389)
(276) فكنت لهم عليانا ودوني ... إذا ما حاولوا خرط القتاد
وقوله من أخرى كتب بها إليّ: [الكامل]
أطروق طيف من خيالك عائد ... يعنى بوسنان اللواحظ هاجد
قطع السماوة بعد هدء قائما ... بالودّ في حفظ العهود لقاعد
ومن العجائب أن تحسّ دنوّه ... بعد الجفاء لنازح متباعد
أصبو إليه ودون منهل ثغره ... ما دون مورد كلّ عذب بارد
خفقان ألوية ولمع أسنّة ... زرق تفارط في أنامل ذائد
للماء تحت طلا لهى وضاءة ال ... خدّ المورّد تحت فرع وارد
منها:
برّاق ثغر الجود يشعر نشره ... بالرّيّ أشعار الغمام الرّاعد
وترى السكينة في خفافي عطفه ... كالصّفو في ماء الغدير الرّاكد
يسطو فيبرأ تاج كلّ مملّك ... لسطا يديه من بنان العاقد
وإذا اجتنى للجود ناط يمينه ... بالنيّرات إلى يمين القاصد
وتظلّ تحسده الملوك فإنّني ... لأرى الملوك على نداه حواسدي
أطناب عزّيه على هام السّهى ... موصولة من عزمه بقواعد
يتعثّر الخطب المفاجئ بينها ... ويقيل عثرة كلّ حدّ صاعد
وقوله مضمّنا: [الكامل]
أفديه أغيد شعره وجبينه ... نور تلألأ في ظلام داجي
والفرق بين الشّعر فوق جبينه ... عريان يمشي في الدّجى بسراج
وقوله: [الرجز](16/390)
قد بعتهم قلبي يوم بينهم ... بضمّة التوديع وهو محترق
ولم أجد من بعدها لردّه ... وجها، وكان الرّدّ لو لم نفترق
وقوله: [المتقارب]
(277) أتى ابن نباتة ديوانه ... يوقّع والجهل قد أوقعه
فلمّا تصدّر لم يدر ما ... يصدّر في الكتب المصفعة
فقالوا حمار وهذا الجمود ... يدلّ على أنّه بردعه
وقوله: [المتقارب]
أرى ابن نباتة لما غدا ... يعرّض في كتبه بي غوى
فإن كنت كلبا فقد حمّلوا ... على عرسه كلّ كلب عوى
وقوله: [المنسرح]
كأنّما الورد حمرة وندى خدّ مليح أبكاه توبيخ ... فانظر إليه في أفق مجلسنا كواكبا كلّهنّ مرّيخ
وقوله: [البسيط]
يا سيّدي أهل دار الطّعم قد كذبوا ... حتى عليّ بوعد غير منضبط
فاعلم على كلّ حال أنّهم سقط ... لا يفلحون فلا تغترّ بالسّقط
وقوله في يوم ثلج: [الطويل]
كأنّ مغاني جلّق حين أشرفت ... وقد عمّ منها الثلج بكلّ طريق
كواعب قامت في انتظار لزائر ... يبسطن لممشاه ثياب دبيقي
وقوله: [الوافر](16/391)
بدا والليل مضموم الجناح ... بريق مثل منبلج الصباح
سريع الومض في وطفاء تشكو ... تثاقل خطوها هيم البطاح
أصاخ لها الثرى وقد ارجحنّت ... وشافه وقعها ثغر الأقاحي
فأولد بطن ذاك السّفح زهرا ... كواعبه التقين على سفاح
فمن قان يخال دما وزاه ... أغرّ كأنّه بيض الأداحي
كأنّ المزن والأغصان خيل ... عطفن على الرّبى بكؤوس راح
فوا لهفيّ من جفن وثغر ... رقيق الخصر مجدول الوشاح
(278) أغنّ إذا نضا برديه لاحت ... معاذير المتيّم للّواحي
شكا خدّاه من طرفي جراحا ... وقلبي منهما دامي الجراح
فلم أر مثل ناظره وقلبي ... وكلّ منهما شاكي السّلاح
ومن قصيدة: [الطويل]
سرى ونقاب اللّيل بالفجر قد حطّا ... وخطّت يد الإصباح في فوده وخطا
وقد شغلت أيدي الضّحى بنجومه ... أناملها يلقطن جوهرها لقطا
وألقت خواتيم الثّريّا اليد الّتي ... لها فكّت الجوزاء من أذنها القرطا
وشقّت على اللّيل البهيم ابتسامة ... من الصّبح شقّت عن ترائبه مرطا
وخادع مطرود الكرى كلّ ناظر ... وسدّ عن الرّمل أبرده الأرطى «1»
خيال إذا أدنته من كبدي المنى ... شفاها فقد يدنو المراد وإن شطّا
خليليّ ما أولاكما بتحيّة ... تردّ إلى من شطّ إن جئتما الشّطّا
يذاد لها ماء الفرات إذا انتهت ... إلى كبد تشتاق من عاته السّقطا «2»(16/392)
ومن قصيدة: [الكامل]
لله مطّلعون من قلل الحمى ... تدنيهم الذّكرى وإن لم يسعفوا
بين البروق ثغورهم تجلو الدّجى ... ومع الشّموس وجوههم تستشرف
أنكرت منزلهم بعيني والحشا ... يدريه للشّعف القديم ويعرف
ومن قصيدة: [الكامل]
غادي الدّيار فناج فيها فعلنا ... وشكا الذي نشكو الحمائم موهنا
صبّ بكى إثر الخليط وعاقه ... أن يستقلّ وراءهم فرط الضّنى
زالت حمولهم وفيها أنفس ... قد أبدلوها بالضّلوع المنحنى
لله ما سترت غمائم خمرهم ... من أقمر تبدو فيحجبها السّنا
هي والبدور على قوالب أفرغت ... لكن أرى الآدى إلينا الأحسنا
بانوا وأتبعهم فؤادي حسرة ... يستصحب الأكباد فيها الأعينا
(279) يتلفّتون إلى قتيل نواهم ... وهم الظّباء وأيّ ظبي ما دنا
ويلينهم مرّ النّسيم لطافة ... وهم الغصون وأيّ غصن ما انثنى
واها لها ولكلّ غصن ليّن ... لو ضمّ منه الصّدر قلبا ليّنا
وقوله: [الخفيف]
ومليح ما زال طاير عقلي ... واقفا في الهوى على غصن قدّه
ضمّ نبت الشّقيق زهرا وكانت ... علّة الضّمّ أنّه جنس خدّه
وقوله: [الكامل]
أعطى أزمّته الصّبا والشّمالا ... وانقاد أدهم بالبروق محجّلا
غيث قفا إثر الكواكب ذيله ... فعفا وأرسلها سحائب جفّلا
ما قبّلت منه الكمائم هيدبا ... إلّا وقد حسبته كمّا مسبلا(16/393)
لبست له الغدر الدّروع وقد رأت ... برقا يهزّ على الأبيرق منصلا
وقوله: [الوافر]
جرت كبدي مع الدمع المندّي ... حواشي وحشتي غبّ العقاب
فكانا لؤلؤا رطبا أضيفت ... فرائده إلى ذهب مذاب
فيالك حلية لوفزت منها ... بشيء لافتديت به شبابي
وقوله: [الوافر]
حبست الدمع ثمّ جعلت جفني ... سياجا ما له عنه انفراج
فما زلتم بجودكم إلى أن ... تجرّى الدّمع وانخرق السّياج
وقوله: [المتقارب]
وأغيد ألثغ خاطبته ... وقد أبدل السّين في اللفظ ثا
فقلت له زر فقال الرقي ... ب أراه مع الصّبح قد غلثا
فقلت أرى جبلا لا يرق ... فؤادك لي قال لي قد رثا
وقوله: [السريع]
كأنّما طابعه المشتهى ... من تحت تلك الشّفة الزاهرة
(280) مركز بيكار الجمال الذي ... صحّح وضع الطلعة الباهرة
فاعجب لأيدي الحسن إذ قرّرت ... مركزه في طرف الدائرة
وقوله: [الرمل]
أعجب ما في مجلس اللهو جري ... من أدمع الرّاووق لمّا انسكبت
لم تزل البطّة في قهقهة مم ... ما بيننا تضحك حتى انقلبت
وقوله: [السريع]
أنا القليل العقل في خرقي الذي ... أهلكه في كلف المشارب «1»(16/394)
ما نلت من تضييع موجودي سوى ... تصفية الكاسات في شواربي
وقوله: [مخلع البسيط]
قالت وقد أنكرت سقامي ... لم أر ذا السّقم يوم بينك
لكن أصابتك عين غيري ... فقلت لا عين غير عينك
وقوله: [الطويل]
جرت من بعيد الدار لي نفحة الصّبا ... فقد أقبلت حسرى من السّير ظالعة
ومن عرق مبلولة الجيب بالنّدى ... ومن تعب أنفاسها متتابعة
وقوله: [الكامل]
لي عند مشتجر الرّياح إذا التقى ال ... جمعان واستنّ الجياد الضّمّر
وتراكمت سحب المنايا واعتلى ... في الجوّ من وقع السّنابك عثير
وانهلّ من زرق الأسنّة فوق مغ ... برّ التّراب دم عبيط أحمر
وعلى الثرى من كلّ شهم أروع ... ثوب بتفضيل المنون مشهّر
من أبيض في مفرقيه أبيض ... أو أسمر في جانبيه أسمر
قلب تخيّلك الظنون له فما ... تصبيه حادثة ولا تتغيّر
وقوله: [المتقارب]
فتنت بأسمر حلو اللّمى ... لسلوانه الصّبّ لم يستطع(16/395)
(281) يقطّع قلبي وما رقّ لي ... ودمعي يرقّ وما ينقطع
وقوله: [الطويل]
لقد نبتت في الصّالحيّة دوحة ... من العزّ يحلو لي جناها ويعذب
فطاب لدى قاضي القضاة محلّها ... وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب
وقوله: [الكامل]
ركب البريد سواي نحو قمامة ... للرّزق كابن نباتة النّجّام
وأتوا وأجربة البريد وراءهم ... وأتيت لا خلفي ولا قدّامي
وقوله: [الوافر]
توهّم إذ رأى حبّا يحاكي ... على شفتيه درّا في عقيق
فقلت له وحقّك ليس هذا ... سوى حبب على كأس الرّحيق
وقوله: [مجزوء الرمل]
يا فم المعشوق سبحا ... ن الذي زانك زينا
قد تحلّيت بدرّ ... فتحيّيت إلينا
وقوله: [الطويل]
أتى سرطان الشّام مصر مهاجرا ... ليلجأ في النّيل السّعيد إلى جرف
فإن منعوه النّيل خوف نجاسة ... فقل نهر قلّوط عليه إلى الأنف
ومنهم:
64- ألطنبغا العلمي الجاولي، أبو جعفر، علاء الدين «13»(16/396)
هو اليوم واحد في جنسه، لا أعرف له ثانيا، ولا لفضله مدانيا. يتبارى سيفه وذهنه، ويتجارى جواده وخاطره، وكلاهما يحرز له رهنه. لو اجتمع هو والفارابيّ في مجلس ابن حمدان، لأراه بمعانيه كيف الطّرب. أو جاوره الجوهريّ لقيل له لقد حكيت ولكن فاتك النّسب. أو جالسه أيدمر السّنائي لاستمدّ من موادّه الغزيرة. أو وقف على ديوانه ابن العديم، لأقرّ بأنّه فخر التّرك لا مولى وزير الجزيرة.
لقد أسمع من كلمه ما رقّ كأسه حتى شرب، ونفح من شذاه ما سلّم به إلى أنّ جياد المسك (282) ما كان من بلاد الترك قد جلب. فيا له فارس جواد وإجادة، أصبح فيهما بلا نظير، وبلغ منهما غاية كلّ مضمار وغاية كلّ ضمير.
وأتى بالدّرّ كأنّه مبسمه، أو من فلول سيفه لما اخترطه.
هذا وقد طبع على سجايا لو تمثّلت كالزّجاج لشفّت. ومرايا لو قلقل طوارق الليل لكنّت شيمة ممازجة، وسجيّة كريمة. تحلّى بملابسها، وأحسن ما فيها أنّها تركيّة ساذجة.
ومن شعره الفائق قوله: «1» [البسيط]
سبّح فقد لاح برق الثّغر بالبرد ... واستسق كفّ الطّلا من كفّ ذي ميد
ستعرب اللّفظ للأتراك نسبته ... له على كلّ صبّ صولة الأسد
يا عاذلي خلّني فالحسن قلّده ... عقدا من الدّرّ لا حبلا من المسد
ويل لمن لا مني فيه ومقلته ... نفّاثة النّيل لا نفّاثة العقد
وقوله: «2» [الكامل]
خود زها فوق المراشف خالها ... ولئن فتنت به فلست ألام
فكأنّ مبسمها وأسود خالها ... مسك على كأس الرّحيق ختام
وقوله: «3» [المجتث]
وبارد الثغر حلو ... بمرشف فيه حوّة
وخصره في انتحال ... يبدي من الضّعف قوّة
وقوله: «4» [الخفيف](16/397)
ردفه زاد في الثّقالة حتّى ... أقعد الخصر والقوام السّويّا
نهض الخصر والقوام وقاما ... وضعيفان يغلبان قويّا
وقوله: «1» [الطويل]
تخاطبني خود فأبدي تصامما ... فتكثر تكرار الخطاب وتجهر
فأصغي لها أذنا وأظهر عجمة ... لكيما أرى درّا من الدّرّ ينثر
وقوله: [البسيط]
قال النّحاة بأنّ الاسم عندهم ... غير المسمّى وهذا القول مردود
الاسم عين المسمّى والدّليل على ... ما قلت أنّ شهاب الدين محمود
وقوله: «2» [الوافر](16/398)
(283) وصالك والثّريّا في قران ... وهجرك والجفا فرسا رهان
فديتك ما حفظت لشؤم بختي ... من القرآن إلّا لن تراني
وقوله: [الكامل]
وكأنّ عارضه تسلسل دورة ... وحلا مراشف ثغره من شهده
نمل سعى يبغي ضريب رضابه ... لكن توقّف من تصرّم خدّه
وقوله: [الكامل]
بالرّعب أحضر الخدود وشاربه ... فليهن بالرّيق المعسّل شاربه
سلطان عشق كلّما كلّمته ... يزور ناظره ويقسو حاجبه
وقوله: [الطويل]
وقالوا عذار الخدّ فيه صبابة ... وإنّ به كلّ الجمال يتمّ
وقوله: [المتقارب]
عذارك والخدّ قد أظهرا ... جميع الذي فيهما يرمز
وأنّى يصان الهوى فيهما ... وهذا ينمّ وذا يغمز
وقوله: [الخفيف]
شغف الطّرف والعذار بخدّ ... فيه ماء وجمر نار يشبّ
كلّما احمرّ خجلة وحياء ... ينعس الطّرف والعذار يذبّ
وقوله: [الكامل]
نقلوا الهوى عنّي وقد شاع الخبر ... حتى درى بصبابتي كلّ البشر(16/399)
إنّ العيون الضيّقات فتنّني ... لا الأعين النّجل التي فيها الحور
يا من يعرّض للهلال فؤاده ... من سطوة الأتراك الحذر الحذر
قوم إذا رقّوا يروقوا في الوفا ... فإذا قسوا قاسا محبّهم الخطر
لا يعرفون سوى السّهام ورشقها ... إمّا بأيديهم وإمّا بالنّظر
عند الجلاد ضراغم لكنّهم ... في مجلس اللذّات زهر أو زهر
من كلّ ريّان القوام مهفهف ... يختال في حلل الملاحة والخفر
(284) من آل خاقان كلفت بحبّه ... زنجيّ لحظ والحواجب والشّعر
لّما بدا للناس قالوا إنّ ذا ... ملك أتى بالحسن ما هذا بشر
وقوله: [المديد]
مت شهيدا في غزال ألوف ... ليّن الأعطاف غير عطوف
خدّه دون ظبا مقلتيه ... جنّة تحت ظلال السّيوف
وقوله: [الكامل]
وإذا بليت من الهموم بلسعة ... فاجعل سلافك عاجلا درياقها
لم يظلموا راووقها في صلبه ... فلقد أباح دماءها وأراقها
وقوله: [الطويل]
بكت عندما عانقتها يوم ودّعت ... فقالت: لقد زاد البعاد وأفرطا
فو الله لا أدري ألؤلؤ دمعها ... أم العقد من ذاك العناق تفرّطا
وقوله: [الكامل]
سفرت عن الوجه المنير نقابها ... واستقبلت قمر الدّجى فتشابها
حتى إذا حاشى الرّقيب تبرقعت ... شمس غدا ذاك النقاب حجابها(16/400)
لم أنسها يوم الوداع وقد دعت ... دمعا يكلّل خدّها فأجابها
فكأنّه درّ على ديباجة ... أو روضة طلّ السّماء أصابها
خافت غداة البين من رقبائها ... لّما رأت بلّ الدموع نقابها
زجرت دموعا مثل لؤلؤ ثغرها ... حتى حسبنا كلّلت أهدابها
وقوله: [المتقارب]
خذوا حذركم من سيوف المقل ... فليس لكم بسطاها قبل
وقوا أنفسا إن رمت أسهما ... فما هي إلّا سهام الأجل
وإن نفثت سحرها أورنت ... فليس تفيد الرّقي والحيل
فهل لدمي آخذ من رشا ... يصول ولا يختشي إن قتل
(285) وقوله: [الكامل]
وسرت سيوفك في الكماة كما سرت ... سنة الكرى في مقلة النّوّام
لا يشعرون إذا قطعت رقابهم ... لولا التحاق الهام بالأقدام
وقوله: [الخفيف]
وكأنّ الكماة صرعى مدام ... رقدوا من ظباك لا إغفاء
إذ سقتهم سيوفك البيض كأسا ... فتراهم صرعى تفانوا دماء
ومنهم:
65- سليمان بن داود بن سليمان بن محمّد بن عبد الحقّ، الحنفيّ، أبو الربيع، صدر الدين
من بيت فقه وقضاء، وعلم كأحسن وجوه الكواكب الوضاء. تفقّه على مذهب الإمام أبي حنيفة، ويغلب على ظنّي أنّه لم يعلق في المدارس بوظيفة.
وجاس خلال البلاد، وجاز على ملوك المغل ثمّ عاد. ووصل مع رسل جاءت منهم مشاركا في الرّسالة، مشارا إليه بينهم بالجلالة. ما الأري «1» المشار إلّا مذاقه، ولا النّهار المنير إلّا إشراقه، ولا سلاف العقار إلّا ما أسمع، ولا البدور الكوامل إلّا ما أطلع، ولا العراب الأتراب إلّا ما أبدى من بنيّات فكره فجلا أو أكنّ فبرقع.
وهو في كلّ فنونه مبرّز، ولعيونه محرز. حاز البيان بحدّه، وملك منه ملكا سليمانيّا لا ينبغي لأحد من بعده، بقريحة عرفت بالسماح حتى لوم حاتم، وتصرّفت في ملك البيان تصرّف سليمان وقلمه الخاتم، لقدرة طبّ «2» بها فخر(16/401)
العقود، وتصرّف بها تصرّف سليمان بن داود. لم يبق عروض حتى زخر له بحره، ولا سرّ بلاغة حتى ضمّ عليه صدره، ولا تفنّن أهل غرب أو شرق حتى جمع، وتفنّن فيه حتى قصر دونه كلّ طمع، مما ينافس فيه البديع، ويجانس وشي صنعاء حسنه الصّنيع، وينشر ملاءات الحبر من فكره السحابيّ أبو الربيع، مما تقذف به السّفن والرّكاب، وتجري الريح بأمره مسخّرة حيث أصاب، لمحاسن أبعد فيها وأبدع، وظلّ بها كلّ من حضر مجلسه السّليمانيّ وكأنه الهدهد يسجد ويركع. هذا ونشره يلوح على الأسارير، وندى وجهه تخوضه (286) العيون ثم تقول إنّه صرح ممرّد من قوارير.
ومن شعره الذي يروق، ودرّه الذي يفوق، قوله: [الوافر]
أروم وصاله فيصدّ قلبي ... بلحظ قد حمى رشف الثّنايا
فبين لحاظ عينيه وقلبي ... وبين الوصل معترك المنايا
وقوله: [المتقارب]
ولما انقضى وقت توديعها ... عشيّة بين وجدّ السّفر
وقفت بجسم يريها السّها ... وسارت بوجه يريني القمر «1»(16/402)
وقوله: [الرمل]
حظّ عينيّ من الدّنيا القذى ... وفؤادي حظّه منها الأذى
ولكم حاولت فيها راحة ... ما أراد الله إلّا هكذا
وقوله: [السريع]
لمّا بدا في خدّه عارض ... وشاق طرفي نبته الأخضر
أمطر أجفاني مستقبلا ... فقلت هذا عارض ممطر
وقوله: [الخفيف]
إن بدا لي وتبت عن شرب راحي ... ودعاني إليه دفّ وعود
فأدر يا نديم كأس مدامي ... وعليّ الضّمان أنّي أعود
وقوله: [مخلع البسيط]
عطشت في مجلس وفيه ... ساق كريم يدير خمرا
سقيت لما عطشت كأسا ... يا ليتني لو عطشت أخرى
وقوله: [الطويل]
تعشّقته ظبيا فنمّ عذاره ... فناديت يا قلبي خلصت من السّبي
فقال أتسلو عند نبت عذاره ... ألم تدر أنّ المسك ينبت في الظّبي
وقوله: [مجزوء الكامل]
من يكن أعمى أصمّا ... يدخل الحان جهارا
(287) يسمع الحان تتلى ... وترى النّاس سكارى
وقوله: [الطويل]
بدا الشّعر في الخدّ الذي كان مشتهى ... فأخفى عن المعشوق حالي وما يخفى
لقد كانت الأرداف بالأمس روضة ... من الورد وهي اليوم موردة الحلفا «1»(16/403)
وقوله: [المجتث]
أهوى رشا غريرا ... لم يبق فيّ بقيا
من مهجتي ودمعي ... رعيا له وسقيا
وقوله: [الخفيف]
يا رسول الحبيب غث مستهاما ... مغرما يعشق الغرام ديانه
حدّث الخائف الكئيب من الهج ... ر فهو ممّن يرى الحديث أمانه
وقوله: [الطويل]
أناديك موسى إذ رأيتك واردا ... ومقتبسا نارا وقد قيل لا ولا
أيا قابسا خذ من فؤادي جذوة ... ويا واردا رد من دموعي منهلا
وقوله: [مخلع البسيط]
قل للذي حين رام رزقا ... بكلّ مالا يليق لاذا(16/404)
أقصر عناء ونم قريرا ... فالرّزق يأتي بدون هذا
وقوله: [الطويل]
وقائلة يوم الوداع أرى دما ... تفيض به عيناك قلت لا أدري
ألم تعلمي أنّ الفؤاد لبيننا ... يذوب وأنّ العين لا بدّ أن تجري
وقوله: [الكامل]
وإلام أمنحك الوداد سجيّة ... وأبوء بالحرمان منك وبالأذى
ويلومني فيك العذول وليس لي ... دمع يعي، وإلى متى تبقى كذا
وقوله، مما كتبه إليّ: [الطويل]
نشأت شهاب الدين بالعلم والحجا ... وفقت الورى فضلا وعلما وسؤددا
(288) شهاب العلا قد كان قبلك في العلا ... شهاب ومحمود وقد جئت أحمدا
وقوله: [السريع]
ضيّعت أموالي في سائب ... يظهر لي بالودّ كالصّاحب
لّما انتهى مالي انتهى ودّه ... واضيعة الأموال في السّائب
وقوله: [الطويل]
يقول نديمي عن نصوح بكفّه ... لقد فضح الصّهبا وجلّ عن الخبث
فقلت هو المطبوخ من جسد لها ... ألم تره قد صار منها على الثّلث
وقوله: [الطويل]
أقول لثغري والحبيب رضابه ... مدامي، ونقلي لثم أيد وأرجل
أيا ثغر قبّل جيده وجبينه ... تنقّل فلذّات الهوى في التّنقّل(16/405)
وقوله: [الطويل]
وساحر طرف عقرب فوق صدغه ... تدبّ إلى قلبي ولم أملك الدّفعا
وحيّة شعر خلفها نحو مهجتي ... يخيّل لي من سحرها أنّها تسعى
وقوله: [مجزوء الكامل]
لما حكى برق النّقا ... لمعان ثغرك إذ سرى
نقل الغمام إليك عن ... دمعي الحديث كما جرى
وقوله: [مجزوء الكامل]
قد كنت أحسب بعدكم ... حتى توخّيت السّرى
وظننت دمعي بعدكم ... يجري دما وكذا جرى
ومنهم:
66- سليمان بن أبي داود
علم الدين، صاحب الديوان. العلم الفرد، الذي ساد ذكره وساد الشّكر شكره، وسال بذائب النّضار فكره، وسام الدّر الغالي فهان لديه قدره، وولي المناصب السلطانية، وكان صدر رتبها، وسرّ كتبها، ورأس دواوينها، وأساس قوانينها، وآس دوحها الخضر، وورد (289) أفانينها.
وتقدّمت له خدمة لقرا سنقر المنصوري، حلّ فيها عنده المحلّ الجليل، وصحبه بها مدّة، وفارقه على وجه جميل، وكان معه حيث رجع عن قصد الحجّ، موجّها إلى البريّة، وأخبرني أنّه وصل معه إلى الفرات، ثم رجع بإذنه، حيث خلّاه صاحبه، وتغلغل ووطئ ذلك البساط، وتوغّل وأتى الباب الشّريف الناصريّ، فعرف وفاءه لصاحبه، وقيامه له من حسن الصّحبة بواجبه، واتّخذه(16/406)
موضع المعوّل، والوفاء الذي شكر بدونه السموأل، وهو أقدر النّاس على نظم، وأسرع فيه تقريبا لفهم، ومنه قوله: [مجزوء الرجز]
قلت له: كم تشتكي ... أتشتهي خذ واتّكي
فقال: لا. قلت له: ... لا تشتهي وتشتكي
وقوله في زوجة له ماتت، وكانت لخلائقه قد واتت، ثمّ مضت كأنها ما أصبحت عنده، ولا باتت، فجرحه مصابها، وجرّعه صابها، فواصل حزن قلبه قطيعتها، وأنطق لسان شكواه فجيعتها: [الطويل]
أقول لقلبي حين غيبها الثّرى ... تسلّ فكلّ للمنيّة صائر
وفي كلّ شيء للفتى ألف حيلة ... ولا حيلة فيمن حوته المقابر
وقوله: [الكامل]
قالت وقد راودتها عن حالة ... يا جارتي لا تسألي عمّا جرى
إنّي بليت بعاشق في أيره ... كبر بلا فلس ويطلب من ورا
وقوله: [الطويل]
وبي رشأ ريحان خطّ عذاره ... مسلسله حول الحواشي محقّق
على وجنة قد ورّد الورد لونها ... وقلب شقيق الروض منه مشقّق
ومنهم:
67- يحيى بن محمّد بن زكريا، العامريّ
الخبّاز في التنّور. وهو شاعر عطّل الخبّاز البلديّ فنّه، وأنف أن يكون من الخبز أرزي خدنه، وسجر التنّور وأوقده ذهنه، بقريحة محصّلة لم تتّكل، على حاصل ابن القمّاح، ولا قنعت بمدّ (290) ابن خضير الحوراني، لما تشكّله على الألواح. ما قدح خاطره المتوقّد إلّا مثل هذا الفكر المسجور، ولا استمرئ فكره المتدفّق إلّا قيل جاء أمر الله وفار التّنّور. تتحاشد عليه المسامع تحاشد الطّبون «1» وتتحاسد تحاسد نظرائه في الزّبون. تدرك فطرته المعاني بخرصها، وتودّ الشمس لو جرّت ناره إلى قرصها. تودّ فحمة الليل لو أنّها في تنّوره أحرقت، وعنبرة الصّدغ لو استدارت بوجوه أرغفته التي أشرقت، بتصرّف لا تتلوّم به الأعذار، ومعنى يخرج من فكره وله الغداة نوار، إلى خطّ كأنّه رغيفه على الألواح له من الشّونيز «2» عذار. فلو رآه ابن الروميّ لعدل عن مدح صانع(16/407)
الرّقاق، وقطع له دونه بالاستحقاق، ولراسله ابن المعتزّ في تشبيهه السّوقي، وقدّمه على تشبيهه الملوكي، لبديهته التي في مثل اللمح بالبصر، وصناعته التي بينما هو متجمّع لها كأنّها كرة إذا بها قوراء كالقمر، وسرعته التي مقدار ما تنداح دائرة في صفحة الماء تلتقي فيه بالحجر.
ومن شعره قوله: [الطويل]
كأنّ هلال الصّبح والشهب حوله ... مليك عليه الخاصكيّة تحدق
ولفّ الثريّا قصة رفعت له ... عليها لسان الصّبح بالبشر ينطق
وقوله: [الكامل]
زهر السّفر جل بالجميل رأيته ... قد فاق زهر اللّوز في الأوصاف
هذا ينثّر للنّسيم دراهما ... ونثار ذا بخفائف الأنصاف
وقوله: [الطويل](16/408)
ولم أنس زهر اللّوز عند عشيّة ... وقد ميّلت ريح الصّبا لين أعطافه
طربنا لتغريد الحمائم فوقه ... فنقّط وجه الأرض من جملة أنصافه
وقوله: [الكامل]
أين السيوف من العيون نسلّها ... غلظا وإن كانت بصقل تلمع
إنّ السيوف قواطع بصقالها ... إلّا العيون إذا تصدّت تقطع
وقوله: [الطويل]
ولّما رأى حبّي سقامي يزيدني ... فقال: إلى كم ذا المقال يزيد
(291) فقلت: وهل لي صحّة وسلامة ... وجفناك مرضى إن ذا لبعيد
وقوله: [السريع]
قلت لمن ينتف أصداغه ... لا يكره الريحان حول الشقيق
واعتق لشعر الذّقن من نتفها ... فالشيخ سنّيّ يحبّ العتيق
وقوله من قصيد: [الكامل]
والياسمين كأنّه من فضّة ... قد صيغ للنّدمان كالصّلبان
ولأجل ذا قد غرّد الشّحرور في ... حلل السّواد كحلية الرّهبان
وقوله: [البسيط]
بادر إلى فرص اللّذّات في الغلس ... واجل المدامة تغنينا عن القبس
فمسكة الليل قد فتّت نوافجها ... على الرياض فأهدت أطيب النّفس «1»
ووجه روضك بسّام ونرجسه ... محدّق الطّرف لا يخشى من النّعس(16/409)
وإن رأيت النّدى في الأقحوان بدا ... فنزّه الطّرف بين الثّغر واللّعس
وقوله: [الكامل]
لا تعجبوا لسرور من أحببته ... ودمي عليه في المحبّة يسفك
فدم الشقيق يسيل من وجناته ... وبجنبه ثغر الأقاحي يضحك
وقوله في مثاقف: [المتقارب]
لئن شبّهوا قدّه بالغصون ... أو الوجه بالبدر خافوا عليه
وأخطا المشبّه في حقّ من ... غدا الغصن والبدر في قبضتيه
وقوله: [الطويل]
تتيّمت زهر اللوز من أجل سبقه ... يخبّرنا إنّ الرّبيع لقادم
وأعجب ما عاينته منه أنّه ... يقطّع من أعضائه وهو باسم
وقوله في أقطع: [الطويل]
وبي أقطع ما زال يسخو بماله ... ومن قاصديه قطّ ما ردّ سائل
(292) تناهت يداه فاستطال عطاؤها ... وعند التّناهي يقصر المتطاول
وقوله مضمّنا: [الوافر]
أحبّ الجحر دون الكسّ قصدا ... ولا أبغي على ذاك ازديادا
ولي نفس تحلّ بي الرّوابي ... وتأنف أن يحلّ بي الوهادا
وقوله: [السريع]
باكر عروس الرّوض واستجلها ... وطلّق الحزن ثلاثا بتات
بقهوة حلّت لنا كلّما ... حلّت لآلي القطر جيد النبات(16/410)
وقوله: [الكامل]
ومعقرب الأصداغ أسبل برقعا ... فسبا لكلّ معقرب ومبرقع
قالت لواحظه لطالب قبلة ... في خدّه لا تخش قلب البرقع
وقوله: [الوافر]
بعيشك هاتها صفراء صرفا ... صباحا واطّرح قول النّصوح
فهذي الشمس قد بزغت بعين ... تغامزنا على شرب الصّبوح
وقوله: [الكامل]
اشرب على الغيم الجديد عتيقا ... وانظر بكأسك لؤلؤا وعقيقا
واطف اللهيب بكأس راحك ساعة ... واحرق همومك بالرّحيق حريقا
والحق صبوحك بالغبوق لذاذة ... ما العيش إلّا صبحة وغبوقا
من كفّ ساق صاغه منشيه من ... لطف فلم تنظر لديه عقوقا
ساق أبعناه العقول بكأسه ... فأقام فينا للمسرّة سوقا
ثمل المعاطف قدّه من لينه ... رشق القلوب به فصار رشيقا
وشققت ثوب تصبّري من خدّه ... لّما له صار الشقيق شقيقا
شرقت لرؤيته العيون بدمعها ... وجرت دما لما رأته شريقا
وبريقه زاد الحميّا رقّة ... وبشعره زاد البروق بريقا
(293)
خرست أساوره وأنّ وشاحه ... فتخاله قلبا عليه خفوقا
أرخى ذوائبه وقال أبينهم ... فرق فقلت له أراك دقيقا
يجفو الصّديق صديقه في مثله ... ولطالما هجر الصّديق صديقا
قد جاز في حدّ الملاحة مثلما ... فضل المؤيّد جاوز العيّوقا
ومنهم
68- محمّد بن عليّ، الحمويّ
المعروف بالشت.. «1»
ومنهم:
69- عمر بن المظفّر بن عمر بن محمّد بن أبي الفوارس بن عليّ، الورديّ، أبو حفص، زين الدين «13»
أحد القضاة ببلاد حلب، وفي ذلك قال: «2» [الكامل]
قد قيل لي قاض وأيّ فضيلة ... لاسم هو المستثقل المنقوص «3»(16/411)
قلت: وهذا الورديّ ذو أدب. حسبك ما تشمّ من شذاه، وتضمّ من ورده تحت قطر نداه. وأقمت قبل تمام هذا التأليف مدّة أسأل عنه الرّكبان، وأتطلّبه حتى جاءني منه أوائل ورد في أواخر شعبان، فتحرّجت بمراهقة الصيام من إدارة كؤوسه، وتحجّرت في كتمانه خوفا أن يجعل رمضان نهار أكله بشعشعة شموسه، وقلت لسابق سحابه: أمسك عنانك الصيّب، ولمورد ورده من أين لك هذا النّفس الطّيّب، ونظرت إلى مدبجه، وقلت: إنّك للعلم الفرد، ثم التفتّ إلى أرجه، وقلت: وإنّك ماء الورد إن ذهب الورد. وتحيّرت هل هو مما أنبتت حلب أو نصيبين، وهل هو مما شحّ به الشّجر أو درّ من دارين. ورأيت ما ينسب إلى الخدّ الورديّ في ديباجته، وإلى المدام الورديّ في زجاجته. لا بل هو الورد على رغم(16/412)
المنكر، وهو المضاعف حسنه إن كرّر. ثمّ قدمت حلب فأتاني، وعرض عليّ من شعره كلّ غضّ القطاف، ورديّ العطاف، لا يشكّك فيه الممتري (294) ، ولا يرتاب قبل جفاف النّدى عن الورق أنّه الورد الطّري، فاجتنيت به الورد من غصنيه، واجتلبت الورد لكنّه مما لا يعدّه مرتبط الجياد في حصنيه، واجتبيت الورد إلّا أنّه الأسد المتعقع زئير لسنه، واجتليت الورد إلّا أنّه العنبر الورد في يد مختزنه، وكدت أستخرج منه ماء الورد إلّا أنه قد أعرق، وتكلّل منه بالجوهر مثل لؤلؤ الطّلّ المفرّق، وقلت بوركت من ورديّ يعير ثغور العذارى عقوده المجوهرة، وورد منسوب في نصيب نصيبين لا قطعت أيدي الحوادث من أنسابه شجرة، وظللت أنشدها ويجتهد الحسود فلا يقدر يجحدها، وطفقت أقلّب جنيّه الورديّ، وأقبّل شفاه ورده، والساقي يتوهّم فيقول تارة: دع قدحي. وتارة يقول:
خلّ خدّي، وأجتني باكورته من فرعه المنتمي إلى علي، وأنشر نشره ورياحه تضرّ حاسده الجعليّ. ولو عاصره ابن قلاقس وعقل، لقال: دعني أتستّر بورقي، وأختبيء من الأرض في نفقي، وأسرق من وشيه الورديّ خضرة سرقي. ولما أدّعى- وقال الحقّ- بنفسج صبحي، ووردة شفقي، ولو جاء بكيرا في أوّل الأوان لما وسم الأبيوردي في اسمه بالزّيادة، ولا كان إلّا عبده أبو عبادة، ولكان صنو الصنوبريّ لا بل أبان عجزه على التّحقيق، وقصوره في وصف الرّوض الأنيق، وعرّفه- وقد ضيّع عمره في وصف الرّوض وشقيقه- بأنّ ساعة من الورد بعمر الشّقيق.
وهو ممّن ضرب إلى الفقه بعرق، وظهر له في النّحو حذق. وولي القضاء وهو له مستحقّ. ومن شعره الذي يقرّ له الكلام الحرّ بالبرق، وتسأله القرائح المماتنة الرّفق، ما أثبته له الفاضل أبو الصفاء خليل الصّفّديّ. ومن خطّه نقلت، وفي أثنائه أبيات لأبي الصفاء ذكرها، واعترض بمثل أثناء الوشاح المفصّل دررها، كان قد أنشدها لقاضينا الورديّ، فأخذ معناها قسرا، وركّبها في صورة أخرى، إلّا أنه استزار منها حلم الطّيف، وأكرم ملقيها لمّا أتته من حلب إلى دمشق، وقال يا كرام الورد ضيف، ومما ذكر للوردي قوله المستدعي يحثّ كؤوس المدام، وكيف (295) لا، وهي أيّام الورد في غبوق الغمام. فمنه قوله: «1» [الكامل]
أتظنّني أصغي إلى اللوّام ... في حبّ من ذلّي بها إكرامي
فبقدّها وبخدّها وبثغرها ... غصن وتفاح وحبّ غمام
لما تبدّت بين أتراب ومن ... سحب البراقع لاح بدر تمام «2»
ناديت يا قلبي ويا طرفي معا ... أنا قد وقعت ففارقا بسلام «3»(16/413)
وقوله: «1» [الخفيف]
سل وميض البروق عن خفقاني ... وعليل النّسيم عن جثماني
ولهيب الهجير عن نار قلبي ... وخفيّ الخيال عن أجفاني
وقوله: «2» [الكامل]
إن عاد لمع البرق يخبر عنكم ... وأتى القبول مبشّرا بقبولي
فلأقدحنّ البرق من نار الحشا ... ولأخلعنّ على النّجوم نحولي
وقوله: «3» [الوافر]
وسود صيّرتها السّود بيضا ... فلا تطلب من الأيّام بيضا
فبعد السّود ترجو البيض ظلما ... وقد سلّت عليها السّود بيضا
وقوله: «4» [البسيط]
انهلّ أدمعها درّا وفي فمها ... درّ وبينهما فرق وتمثال
لأنّ ذا جامد في الثغر منتظم ... وذاك منتثر في الخدّ سيّال
وقوله: «5» [الخفيف](16/414)
جاءنا الورد في بديع زمان ... فقطعناه في منى وأمان
ونهبنا فيه لذيذ وصال ... وهتكنا فيه عروس الدّنان
وغلطنا فيه ببعض ليال ... فخلطنا شعبان في رمضان
وقوله: «1» [الكامل]
أنّى لورقاء الغضا تشكو النّوى ... وغدت مضاجعة قضيب البان
فلو طوّقت جيدا وقد خضبت يدا ... وشدت بألحان على عيدان
وقوله: «2» [الكامل]
ومرنّح الأعطاف مهضوم الحشا ... يهتزّ من هيف بلين قوام
نمّ العذار على صحيفة خدّه ... أنا خائف من فتنة النّمّام
(296) وقوله: «3» [البسيط]
أحاط بالخال فوق الخدّ عذاره ... لّما تكوّن في نور ونيران
مكان عابد نار فوق وجنته ... وقد غدا راهبا في دير شعران
وقوله: «4» [البسيط]
لّما رأوا حسن شامات بوجنته ... وقد نما حولها خاف من الزّغب
قالوا لقد شان شامات له شعر ... فقلت والله ذا من أفحش الكذب
لكنّها نفحات المسك قد نثرت ... وصيغ منثور ذاك المسك بالذّهب
وقوله: «5» [البسيط](16/415)
زهت عقارب أصداغ له مسخت ... في نار وجنته نملا وما احترقت
حتى إذا اجتمعت عادت بوجنته ... حبّات مسك على خدّيه واخترقت
وقوله: «1» [البسيط]
قد خطّ في خدّه من زغب ... فقال لي عاذلي هل عنه سلوان
أما ترى نمّ نبت فوق وجنته ... فقلت ما نمّه زور وبهتان
وإنّما كتبت كلّ المحاسن في ... صحيفة الخدّ والسّطران عنوان
وقوله: «2» [البسيط]
لا تحسبوا شعرا من فوق وجنته ... يشين خدّا صقيلا راق منظره
لكنّه سلّ من أجفان مقلته ... سيفا فمثّل في الخدّين جوهره
وقوله: «3» [البسيط]
كأنّ عارضه في الخدّ حين نما ... خفيّ غيم بدا في جانب الشّفق
أو عنبر الخال فوق الخدّ محترق ... دخّانه قد علا في خدّه الشّرق
وقوله: «4» [الرمل]
بي من لو قال لي مبسمه ... ادن والثم غرت أن ألثمه
غاب عن عيني نهارا كاملا ... ليتني أعلم من علّمه
وقوله: «5» [المجتث](16/416)
إن جزت سلعا فسل عن ... ظبي من الظّبي أحسن
(297) مكّنته من فؤادي ... ومهجتي فتمكّن «1»
لا تطلبوا فيه صبري ... فالصّبر أوهى وأوهن «2»
أفنيت فيه وجودي ... ولست أسمع ممّن
وقوله: «3» [السريع]
علقت أعرابيّة ريقها ... شهد ولي فيها عذاب مذاب «4»
طرفي بها نبهان والرأس من ... شيبان والعذال فيها كلاب «5»
وقوله: «6» [المتقارب]
وأفشيت سرّي إلى صاحبي ... فعدت له طول دهري ذليلا «7»
فوا أسفا كيف أودعته ... ليوم العداوة سيفا صقيلا
وقوله: «8» [مجزوء الرجز]
أنتم أحبّائي وقد ... فعلتم فعل العدى
حتّى تركتم خبري ... للعاشقين مبتدا «9»(16/417)
وقوله: «1» [السريع]
إذا مضى للمرء من عمره ... خمسون عاش العيشة السيّئة
وإن شكا قال له دهره ... أجمل فلي عندك نصف المئة «2»
وقوله: «3» [الرمل]
جاءنا ملتثما مكتتما ... فدعوناه لأكل وعجبنا
مدّ في السّفرة كفّا ترفا ... فحسبنا أنّ في السّفرة جبنا
وقوله: «4» [مجزوء الرجز]
قلت وقد عانقته ... عندي من الصّبح قلق
قال: وهل يحسدنا ... قلت: نعم: قال: انفلق
وقوله: «5» [السريع]
بالله يا معشر أصحابي ... اغتنموا علمي وآدابي
فالشّيب قد حلّ رأسي وقد ... أقسم ما يرحل إلّا بي
وقوله: «6» [الوافر](16/418)
وكنت إذا رأيت ولو عجوزا ... يبادر بالقيام على الحرارة
(298) فأصبح لا يقوم لبدر تمّ ... كأنّ النّحس قد ولي الوزارة
وقوله: «1» [المنسرح]
رامت وصالي فقلت لي شغل ... عن كلّ خود تريد تلقاني
قالت: كأنّ الخدود كاسدة ... قلت: كثيرا لقلّة القاني
وقوله: «2» [مجزوء الرجز]
لا تصحبنّ أعورا ... وإن تناهى زينه
لو كان فيه راحة ... ما فارقته عينه
وقوله: «3» [مجزوء الكامل]
لّما شتت عيني ولم ... ترفق لتوديع الفتى
أدنيتها من خدّه ... والنار فاكهة الشّتا
وقوله: «4» [السريع]
لما رأى الزهر الشقيق انثنى ... منهزما لم يستطع لمحه
وقال من جاء؟ فقلنا له: ... «جاء شقيق عارضا رمحه» «5»
وقوله: «6» [السريع](16/419)
من كان مردودا بعيب فقد ... ردّتني الغيد بعيبين
الرأس واللّحية شابا معا ... عاقبني الدّهر بشيبين
وقوله: «1» [مجزوء الرمل]
دهرنا أضحى ضنينا ... باللّقا حتى ضنينا
يا ليالي الوصل عودي ... واجمعينا أجمعينا
وقوله: «2» [الرجز]
أنتم أحبّائي وقد ... فعلتم فعل العدى
حتى تركتم خبري ... في العالمين مبتدا «3»
وقوله: «4» [السريع]
وتاجر شاهدت عشّاقه ... والحرب فيما بينهم سائر «5»
قال: علام اقتتلوا هكذا ... قلت: على عينك يا تاجر
وقوله: «6» [الكامل]
مرض الفؤاد وصحّ ودّي فيكم ... وأقام تذكاري وجفني نازح «7»
إنسان عيني كم سهاد كم بكا ... «يا أيّها الإنسان إنّك كادح» «8»
وقوله: «9» [البسيط](16/420)
يعيب شعري أقوام وأعذرهم ... فإنّ شعري ورديّ وهم جعل
شعري وإن كان سهلا فهو ذو ثقل ... على حسودي فهو السّهل والجبل(16/421)
(299) وقوله: «1» [مجزوء الرمل]
العروضيّ فلان ... أن بدت منه هنات
فله جدّات سوء ... فاعلات فاعلات «2»
وقوله: «3» [السريع]
مرّت نساء كالظّبا خلفها ... أدهم يحميها عن الكيد
قالوا لما يصلح؟ قلت الظّبا ... للصّيد، والأدهم للقيد
وقوله وزاده: «4» [البسيط]
ديار مصر هي الدّنيا وساكنها ... هم الأنام فقابلهم بتقبيلي «5»
يا من يباهي ببغداد ودجلتها ... مصر مقدّمة والسّرح للنيل «6»(16/422)
آخر السّفر السادس عشر من كتاب مسالك الأبصار. ويتلوه- إن شاء الله- في السابع عشر. ثمّ لم يبق إلّا ذكر الشّعراء بالجانب الغربيّ.
الحمد لله وحده، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمّد، خاتم النبيّين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالعه وانتفع منه: يحيى بن محمد بن الحسين المدني
طالعه أفقر العباد: حليم البغدادي سنة 1209
طالعه أفقر عباد الله ربّي: أحمد خليل الشافعي
عفا الله تعالى عنهم سنة 834
المصادر والمراجع
1- التذكرة الفخرية. الإربلي. حققها نوري القيسي وحاتم الضامن. المجمع العلمي العراقي. بغداد 1984 م.
2- تهذيب تاريخ دمشق. عبد القادر بدران. دار المسيرة. بيروت 1399 هـ 1979 م.(16/423)
3- خريدة القصر وجريدة العصر. العماد الأصفهاني.
- قسم الشام. حققه شكري فيصل. مجمع اللغة العربية. دمشق 1375- 1384 هـ 1955- 1964 م.
- قسم العراق. حققه محمد بهجت الأثري. المجمع العلمي العراقي. بغداد 1375- 1398 هـ 1955- 1978 م.
- قسم فارس. حققه عدنان محمد آل طعمة. وزارة الثقافة. طهران 1420 هـ 1999 م.
4- الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة. ابن حجر العسقلاني. دار الجيل.
بيروت 1965 م.
5- دمية القصر وعصرة أهل العصر. الباخرزي حققه محمد ألتونجي. بدون تاريخ ومكان طبع.
6- ديوان ابن الرومي. حققه حسين نصار. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
القاهرة 1974- 1981 م.
7- ديوان ابن الساعاتي. حققه أنيس المقدسي. الجامعة الإمريكية. بيروت 1939 م.
8- ديوان ابن الظهير الإربلي. حققه ناظم رشيد جامعة الموصل 1988 م.
9- ديوان ابن عنين. حققه خليل مردم. دار صادر. بيروت. د. ت.
10- ديوان ابن الوردي. حققه أحمد فوزي الهيب. دار القلم. الكويت 1407 هـ 1986 م.
11- ديوان الأعشى. حققه محمد محمد حسين. دار النهضة العربية.(16/424)
بيروت 1974 م.
12- ديوان التلعفري. صححه محمد سليم الأنسي. المطبعة الأدبية.
بيروت 1310 هـ.
13- ديوان الحاجري. مطبعة فكري. القاهرة 1280 هـ
14- ديوان أسامة بن منقذ. حققه هاشم مناع. دار المنار. دبي 1417 هـ 1996 م.
15- ديوان سبط ابن التعاويذي. دار صادر. بيروت 1967 م.
16- ديوان الشاب الظريف. حققه شاكر هادي شكر. مطبعة النجف.
النجف 1967 م.
17- ديوان الصرصري. حققه مخيمر صالح. جامعة اليرموك. إربد 1990 م.
18- ديوان صفي الدين الحلي. حققه محمد حوّر. المؤسسة العربية للدراسات. بيروت 2000 م.
19- ديوان عفيف الدين التلمساني. حققه يوسف زيدان. أخبار اليوم.
الإسكندرية 1989 م.
20- ديوان فتيان الشاغوري. حققه أحمد الجندي. مجمع اللغة العربية.
دمشق 1387 هـ 1967 م.
21- ديوان المتنبي. دار صادر. بيروت 1958 م.
22- الروضتين في أخبار الدولتين. شهاب الدين المقدسي. دار الجيل.
بيروت. د. ت.(16/425)
23- سبط ابن التعاويذي- حياته وشعره. نوري شاكر الآلوسي. مطبعة الأزهر. بغداد 1975 م.
24- سقط الزند. أبو العلاء المعري. دار الحياة. بيروت 1965 م.
25- صفي الدين الحلي- حياته وآثاره وشعره. محمد حوّر. دار الفكر.(16/426)
بيروت 1410 هـ 1990 م.
26- فوات الوفيات. ابن شاكر الكتبي. حققه إحسان عباس. دار الثقافة.
بيروت 1973 م.
27- مختار ديوان أيدمر المحيوي. دار الكتب المصرية. القاهرة 1931 م.
28- معجم الأدباء. ياقوت الحموي. حققه إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي. بيروت 1993 م.
29- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. ابن تغري بردي. وزارة الثقافة.
القاهرة. د. ت.
30- النكت العصرية في أخبار الوزارة المصرية. عمارة اليمني. مكتبة مدبولي. القاهرة. ط ر 2 1411 هـ 1991/م.
31- الوافي بالوفيات. الصفدي. فسبادن 1962- 1998 م.
32- وفيات الأعيان. ابن خلكان. حققه إحسان عباس. دار صادر. بيروت 1398 هـ 1978 م.
المحتوى
- تقديم 5
- صور الصفحات الأولى والأخيرة من المخطوط 7
1- حكينا البغدادي 13
2- ابن جارية القصار 20(16/427)
3- ابن سيار الهروي 22
4- عيسى البزاز 24
5- أسامة بن منقذ 25
6- أبو الحسن بن منقذ 42
7- علي بن مقلد 43
8- مرشد بن علي 44
9- ميد بن مالك 44
10- ابن أبي العلاء 45
11- أبو الفتح بن منقذ 46
12- نصر بن علي 46
13- مرهف بن أسامة 47
14- عبد الرزاق بن أبي حصين 48
15- أبو العلاء بن أبي الندى 49
16- محمد بن حيدر البغدادي 52
17- سبط ابن التعاويذي 53
18- ابن المعلم الواسطي 64
19- عمارة اليمني 77
20- ابن الساعاتي 98(16/428)
21- ابن عنين 102
22- إسحاق بن أبي البقاء 120
23- سليمان بن العجمي 121
24- محيي الدين بن زيلاق 122
25- ابن الهيذام الموصلي 130
26- ابن الحلاوي 130
27- ظهير الدين الإربلي 135
28- ابن الصفار 139
29- التلعفري 144
30- نجم الدين القمراوي 154
31- فتيان الشاغوري 155
32- عفيف الدين التلمساني 156
33- محمد بن سوار 156
34- نجم الدين الحلي 159
35- ابن نجم الموصلي 161
36- أيدمر المحيوي 161
37- سعد الدين بن عربي 163
38- أبو عبد الله الكردي 170(16/429)
39- بدر الدين الذهبي 170
40- محمد بن الخضر الطبري 183
41- نور الدين الأسعردي 185
42- جمال الدين الأموي 187
43- الصرصري 188
44- الحاجري 195
45- ابن تميم الإسعردي 204
46- الأمير السليماني 232
47- الحسام الأحدب 241
48- عبد الله الأنصاري 246
49- الحافظ اليغموري 249
50- جوبان القواس 251
51- الشاب الظريف 260
52- السراج المحار 271
53- علاء الدين الوداعي 279
54- شمس الدين الطيبي 288
55- شهاب الدين ابن دمرداش 297
56- محفوظ العراقي 302(16/430)
57- شمس الدين الحافظ 306
58- شمس الدين الصائغ 306(16/431)
[الجزء التاسع عشر]
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
كلّفنى المجمع الثقافي مشكورا، بتحقيق الجزء التاسع عشر من كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، للقاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى ابن فضل الله العمري، وزوّدني بنسخة فريدة من مخطوطة هذا الجزء. وتم الاتفاق بيني وبين المجمع بتاريخ 23 من جمادى الأولى سنة 1421 هـ الموافق 23/8/2000 م، على أن تكون المدة المقررة للانتهاء من التحقيق سنة واحدة، وقد انتهيت من التحقيق بتاريخ 15/4/2001 م.
وقبل أن أتحدث عن المخطوطة أرى من المستحسن أن أذكر شيئا مقتضبا عن مؤلفها، وأجتزئ بما جاء مختصرا عنه في الوافي بالوفيات للصفدي. قال:
أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري، القاضي شهاب الدين أبو العباس، هو الامام الفاضل البليغ المفوّه الحافظ حجّة الكتّاب، إمام أهل الأدب، أحد رجالات الزمان كتابة وترسلا، يتوقد ذكاء وفطنة، ولا يعتقد أن بينه وبين القاضي الفاضل من جاء مثله، فقد رزقه الله أربعة أشياء قلما تجتمع في غيره وهي: الحافظة والذاكرة والذكاء وحسن القريحة في النظم والنثر.
وكان ذا معرفة دقيقة بتاريخ المغول من لدن جنكزخان وهلمّ جرّا، وإماما في معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم ومواقع البلدان، ولد بدمشق ثالث شوال سنة سبعمائة، وأخذ العلم عن كبار رجال العصر، وله مصنفات كثيرة أشهرها (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) ، يقع في عشرين مجلدا.(19/9)
وقد أطنب الصفدي في ترجمته له، وذكر الكثير من صفاته وأحواله وكان له معه مكاتبات.
وتوفي الشهاب يوم عرفة سنة تسع وأربعين وسبعمائة «1» .
تقع المخطوطة في (371) صفحة، وتشتمل على أربع وعشرين ترجمة تبدأ بترجمة الشاعر السراج الورّاق، واستغرقت هذه الترجمة مئتين وخمس صفحات، وهي أطول التراجم. وقد عمد ابن فضل الله- على ما يبدو- إلى ديوان الشاعر فاختار منه ما شاء مرتبا على حسب القوافي. اختار مقطوعات كما اختار قصائد ورسائل، ومن الطريف أن أطول قصيدة اختارها له كانت في رثاء حمار.
وتلي هذه الترجمة اثنتان وعشرون ترجمة لعدد من الأدباء والشعراء كانت تتراوح هذه التراجم بين صفحة واحدة أو صفحات. وتنتهي المخطوطة بترجمة ابن نباتة المصري وهي أطول التراجم بعد ترجمة الورّاق، فقد استغرقت مائة وثلاث عشرة صفحة، اختار للشاعر قصائد ومقطوعات ولكنه لم يلتزم بإيرادها كما جاءت متسلسلة في الديوان، كالذي فعله في ترجمة السراج.
المخطوطة كتبها ناسخ واحد، وهذا واضح في الخط في عامتها، إلا في صفحة واحدة فقد كانت بخط مغاير تكاد كلماتها تكون مندمجة، حتى ليصعب فكّ الكثير من كلماتها، وقد بذلت الكثير من الجهد في سبيل معرفة ما جاء فيها، وتركت مالم يتيسر لي قراءته، ولهذا أثبت صورة، الصفحة هذه لعل أحدا يستطيع قراءة ما لم يتسنّ لي قراءته.(19/10)
في صفحة العنوان طرر وتملكات وكلها لا تكاد تتبين كلماتها. كتبت تراجم المخطوطة بخط النسخ فيما كتب الشعر بخط الثلث. وأسطرها تختلف في أعدادها بحسب نوع الشعر المتمثل به، فإذا كان المختار قصيدة فالأسطر تكون أكثر عددا مما هو عليه إذا كان المختار مقطوعة- وتركت في المخطوطة فراغات كثيرة تتراوح بين الأسطر والصفحة وكأنها مواضع لبقايا ترجمة أو لترجمة ساقطة، وقد أشرت إلى ذلك في أماكن ورودها.
وفي ترجمة ابن نباتة لم يذكر فيها سوى اسمه واسم أبيه وجده. لم تقابل النسخة على نسخة أخرى، وهناك تعليقات في حواشيها أكثرها استحسان لشعر الشاعر المتمثل بشعره وخاصة شعر السراج الوراق وابن نباتة وهي تعليقات ليست بذات قيمة يمكن أن يفيد منها المحقق.
لم يلتزم ابن فضل الله في إيراد التراجم بحسب تسلسلها التاريخي أو الأبجدي ولم يذكر تواريخ مواليد أصحابها ولا وفياتهم، وكان يكتفي بسرد أخبار عنهم أو أوصاف لهم، بأسلوب مسجع، لا يخلو من مبالغة ومن تكلف أحيانا. وعلى الرغم من صحة ما كان يرويه من أخبار وأحاديث، فإنه كان غير دقيق في بعضها الآخر.
ولم يقتصر على إيراد الشعر وإنما كان يذكر ما للمترجم من رسائل أيضا.
وقد تيسر لي أن أقف على سبع عشرة ترجمة في مصادر شتى فأثبت ما كان مبترا في النسخة أو فارغا فيها.
أما ما جاء في هذه المخطوطة من أمور وعلامات فيمكن إجماله فيما يأتي:-
1- جمال خط الناسخ وضوحه.(19/11)
2- ضبط ما جاء في المخطوطة شعرا ونثرا.
3- شيوع الأخطاء: من تحريف وتصحيف ونحو وإملاء.
4- سقوط كلمات من النصوص.
5- اختلال الأوزان العروضية.
6- كتابة كل بيتين بيتا واحدا.
7- وضع حاء صغيرة تحت الحاء الكبيرة.
8- وضع صاد صغيرة تحت الصاد الكبيرة.
9- وضع ألف (1) تحت الحروف المعجمة كالجيم والخاء والضاد بدل النقطة.
10- إهمال نقاط الكثير جدا من الحروف.
11- شطب أو ضرب عدد كثير من المقطوعات أو أبيات من القصائد.
12- انطماس عدد من الكلمات وخاصة ما جاء في الحواشي.
13- وضع ثلاث نقاط على هذا النحو ... بين كل فقرة وأخرى.
14- كتابة: أرى- أرا، الكرى- الكرا.....
15- في ترجمة من كانت لهم تراجم في مصادر أخرى، وفي ترجمة ابن نباتة يمكن القول إن هناك مقابلة بين هذه التراجم والمصادر الأخرى، وبخاصة ترجمة ابن نباتة، حيث كان لديوان الشاعر غير المحقق أثر في تصحيح الكثير مما وقع في المخطوطة من هفوات. أما نصوص السراج الوراق وهي أطول النصوص فليس هناك مصدر آخر يمكن أن يكون نسخة أخرى.
16- كثرة التضمين والاقتباس لدى الشعراء.(19/12)
17- خلو النسخة من ذكر اسم ناسخها أو تاريخ النسخ.
وأما عملي في التحقيق فيتلخص فيما يأتي:
1- تصحيح ما وقع من أخطاء مختلفة في النصوص من تصحيف وتحريف ونحو وإملاء.
2- تقويم ما وقع من اختلال في الأوزان.
3- وضع أسماء للبحور.
4- ضبط النصوص التي لم تضبط.
5- التعريف بالكثير مما ورد من أسماء وحوادث أو نقص في التراجم.
6- تخريج النصوص من أشعار وآيات وأمثال ومنها الأشعار المضمنة.
7- شرح ما بدا لي أنه محتاج إلى الشرح من الألفاظ.
8- كثرة التقديرات لما سقط من كلمات وخاصة الشعر.
9- استشارة عدد من المختصين في عدد من الحوادث والأسماء الواردة في النصوص.
10- ترك ما لم يتيسر لي تقويمه من أوزان أو قراءته من كلمات وهو قليل جدا بالقياس إلى ضخامة ما في المخطوطة من نصوص.
11- إسقاط بعض حروف الكلمات المكشوفة وإبقاء ما يدل عليها لدى القرّاء المتمرسين مراعاة للآداب.
12- استعنت بحواشي النجوم الزاهرة في شرح عدد من المصطلحات أو الأسماء، لأنها حواش حديثة.(19/13)
13- لكثرة الأسماء وتشابهها في الكنى والألقاب حتى ليجعل البت فيها غير دقيق، استعنت بكلمة (لعل أو لعله) حذرا من الوقوع في الخطأ.
14- رمزت للمخطوطة بالحرف (م) ولديوا ابن نباتة بالحرف (د) .
وبعد:
فإن التحقيق عمل علمي وأخلاقي لا يقدره إلا من يمارسه ويعانيه، وهو على ما فيه من حلاوة التقويم ولذته، ولا يخلو من مرارة العناء وبذل الجهد الجهيد، وقد بذلت ما في الطاقة في سبيل تقويم نص تعرّض إلى ما تعرّض إليه من شيوع الآفات، وجهل النساخ، وانفراد النسخة وحواشي الكتاب شهيد على هذا الجهد المبذول.
ومن الله التوفيق(19/14)
بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى الله توكلت ومنهم
1- السّراج الورّاق: «1»(19/15)
سراج ما برح لسانه يلهج، وإحسانه في تجلية الظّلم ينهج، طارت أجنحة ضرمه بالسّمعه، وتوقّد منه السّراج وقد شرقت بالبكاء الشّمعه.
وكان في شعراء ذلك العصر على توقّد جمهرتهم، وتوقّي نيران أسرتهم، هو المغشىّ ناره دون القبيله، والمشكور بما يعاب به غيره من طول الفتيله، ولم نطمع تلك الرّياح الهوابّ في إمالة شعلته، ولا في إماتة مصباحه، ظمآن بغلّته «1» ، وكان لو قدح به زند الفجر لأنار، أو استصبح «2» به اللّيل لما ميّزت ساعاته من(19/16)
النهار، أو شبّت بناره الرّياض لعمّمت كلّ منابتها بالنّوّار «1» ، أو قذفت بها الحياض لتممّت للقرى «2» بها مواقد النار، وكم له من بيت يؤسّسه، (ومشكاة يكاد زيتها يضيء، ولو لم تمسسه (نار) «3» .
لو استضاء بسراجه ابن المعتز «4» لما سمح بعاريته للصباح، أو التّنوخيّ «5» لما(19/17)
(....) «1» لبريق الصّفاح، أو الإسكندريّ «2» لما عدل عن البحر إلى الخلج، ولا وجد غنى عنه من قال: (الرمل)
إنّ بيتا أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السّرج «3»
بل لو عنّ ذكراه لابن أبي الخصال «4» ، لعلم أنّه ما أخصب، أو(19/18)
الجزريّ «1» لما لقي الكباش بقرن أعضب «2» ، بل لو لم يخيّم على معاصره ابن الخيمىّ «3» ، لما عاج معاجا، ولا ظنّ أنّ برق الجزع «4» ، وإن أوفى إمداده، ولا يقال إنّه راق إلّا وفي الورّاق ما فيه وزياده.(19/19)
وكان هو والجزّار «1» فرسي رهان وقبسي نار، لا يسكت لهما لسان، يتناقضان تناقض الفرزدق «2» وجرير «3» ، ويتعارضان تعارض ابن القيسرانيّ «4»(19/20)
وابن منير «1» ، يطلعان طلوع الشّمس والقمر المنير، ويقولان قول الانصار، منّا أمير ومنكم أمير «2» .
وكان شعراء ذلك الصّدر معهما في المطارحة على حسب الاتّفاق، وما يقدّر لكلّ واحد منهم من الاتّفاق، إلّا أنّ الحلبة «3» كانت تخلى لهذين الفحلين وهما لا يبقيان، والأرض لا تسعهما، ومرج البحرين يلتقيان «4» ، إلّا أنّ أبا الحسين الجزّار (ممن ذبح معه بسكينه، وعرف قدر مسكينه) «5» . وأصبح به لا يعرف شحمه من ورمه، ولا يرى معه 7 لّا قطعة لحم، ممّا علق على وضمه «6» ، لا تضيء مع سراجه شمسه، ولا يمتدّ مع جوده «7» نفسه.
وكتب الورّاق لوالي مصر الدّرج «8» ، وقطف من ثمر الإنشاء إلّا أنّه ما تعلّق(19/21)
(إذا سلك سبيله) «1» إلّا بفج «2» .
فأمّا نظمه فهو السّلوك «3» ، ورقمه «4» ، لم يزل لكبراء الوزراء والملوك.
وجمع شعره بنفسه، وجاء يزيد على ألف ورقة، والمختار من هذه الطبقة قوله: (كامل) - 1-
1- شجّت جبين مدامها بالماء ... فبنانها منها خضيب دماء
2- زمّت أشعتها «5» الدّجى فمضى وقد ... سلب الحباب قلادة الجوزاء
3- وبدت على وجنات «6» من طافت بها ... فرأيت جذوة مارج في ماء
4- حمراء تسكر من جفون مديرها ... ما أشبه الحمراء بالحوراء
- 1- كررت الأبيات مع زيادة بيت في الرقم (29)(19/22)
- 2- «1» 4/أ (و) قوله: (وافر)
1- سألتهم وقد حثّوا المطايا ... قفوا شيئا «2» فساروا حيث شاؤوا
2- وما عطفوا عليّ وهم غصون ... ولا التفتوا إليّ وهم ظباء
- 3- (و) قوله: (كامل)
1- يا ربّ صن وجهي عن الكرماء ... فضلا عن الحاجات للؤماء
2- فلقد رأيت القوم جفّوا أيديا ... حتّى كأن لم يخلقوا من ماء
- 4- «3» وقوله: (سريع)
1- يا بني الآداب قد مات الرّجا ... وقد اشتدت وعزّ النّجباء
- 2-
- 4-(19/23)
2- سفن الآمال في بحر المنى «1» ... وحلت «2» منّا فأين الرّؤساء؟
- 5- وقوله: (وافر)
1- كفى ضعفاء مصر ظالميها ... وأورد عدله ذيبا وشاء
2- وأظهر فيه سرّا من عليّ ... أضاء لنا ومن يخفي ذكاء «3»
3- ولم نعجب لفيض النّيل «4» إني ... وإبراهيم علّمه الوفاء
- 6- «5» وقوله: (كامل)
1- ولقد أدام الصّاحب بن محمّد ... بذل القرى فى القفرة البيداء
- 5-
- 6-(19/24)
2- ولو أنّ فيها حاتما «1» منع القرى ... وغدا ابن مامة باخلا بالماء
5/ب و (قوله) «2» (متقارب)
1- تجلّى لنا البدر في خلعة ... لفاض عليها السّنا والسّناء «3»
2- من الفاختيات «4» لمّا بدت ... بها طلعة البدر كانت سماء
- 7-(19/25)
- 8- وقوله: (وافر)
1- أمولانا الأمير وأنت سمح ... يجيب نداك من قبل النّداء
2- لقد برد الهواء عليّ فارحم ... فما حال السّراج مع الهواء؟
- 9- وقوله: (كامل)
1- يدعو الضّيوف بألسن من ناره ... يمسي «1» الكريم بها مجاب دعاء
2- يمحو سواد اللّيل ألوية لها ... حمر تسير أمام كلّ لواء
3- يأوي لها يمن وقيس راية ... حمراء تصدر «2» عن يد بيضاء
6/أ 4-
فبأيّ قدح نرتقي لعلائه ... ما أبعد الشّعرى «3» من الشّعراء
- 10- وقوله: (كامل)
1- يا واهب «4» الصّلحاء من دعواته ... فوق الذي يحوي مجاب دعائها
- 9-
- 10-(19/26)
2- سالت لك الرّحمن في جنح الدّجى ... تحت المسوح «1» السّود من ظلمائها
- 11- 7/ب وقوله: (كامل)
1- ما رثّ لا وأبيك عهد زنادي ... بل عزّ عنك وعن أبيك عزائي
2- أجري الدّموع على الدّموع وذو الأسى ... من طالب العبرات بالإبطاء
3- إن كان دمع العين لم يبلغ دمي ... فوراء شهب الدمع جمر دماء
4- ما صان أحمد «2» ماله عن سائل ... فيصون ما في جفنه من ماء
5- ولطالما جلّى سواد مطالب ... جود ابن موسى ذي اليد البيضاء
6- ولكم أبى «3» في الجود معنى قد شأى ... معنا به وطوى حديث الطّائي «4»
- 11-(19/27)
- 12- وقوله: (رجز)
1- عندي منديل إذا غسّلته ... غسّلت ماء جاريا بماء
8/أ
2- لا أستطيع نشره مخافة ... عليه من غائلة «1» الهواء
- 13- وقوله: (كامل)
1- من كلّ خوّاض الغمار «2» بلأمة ... نسجت عليه من حباب الماء
2- وكأنّه ويداه في مجذافه «3» ... رام الطّعان بصعدة «4» سمراء
3- وتخال جلسته على كرسيّه ... للجذف فوق طمرّة «5» جرداء
- 12-
- 13-(19/28)
- 14- وقوله: (كامل)
1- شكواك من ألم المفاصل للّذي ... حمّلتها للمجد من أعباء
2- تقف البحار ولم تقف فارفق بها ... أو لم تكن عضوا من الأعضاء؟
- 15- «1» وقوله: (كامل)
1- ما حلّ عزمي مثل عقد قبائه ... بدر «2» يعدّ البدر من رقبائه «3»
2- يحلو مقبّله وبرد رضابه ... (كالأقحوان غداة غبّ سمائه)
3- يتشبّه الغصن الرّطيب «4» بقدّه ... يا غصن فاتك لست من نظرائه
- 16- و (قوله) : (طويل)
1- تواضع عن مقداره وهو مرتق ... كذا البدر يدني النّور منه اعتلاؤه
2- أبيّ غدت آباؤه من علمتم ... ألا حبّذا آباؤه وإباؤه
- 15-(19/29)
- 17- وقوله: (وافر)
1- بكلتا الخلعتين «1» لك الهناء ... هما تشريف ملكك والشّفاء
2- فبرد أنت تبليه «2» وبرد ... له فتملّه ولك البقاء
- 18- وقوله: (الخفيف)
1- جاذبت نسمة الصّباح ردائي ... عبثا جدّ في الهوى منه دائي
2- وأذاعت سرّ الرّياض وهل يكت ... سم بين النّسيم والآناء «3»
3- باكرتها غمامة شقّت الجي ... ب وجادت بدمعة الثّكلاء
4- فثغور الكمام «4» ذات ابتسام ... وجفون الغمام ذات بكاء
- 19- وقوله: (رمل)
1- نفد «5» الزّيت الذي جدت به ... لسراج لك وقّاد الذّكاء
- 17-
- 18-
- 19-(19/30)
2- ذي لسان لك رطب بالذي ... طاب من حمد وشكر وثناء
12/أ
3- وهو أمسى في ذراكم «1» آمنا ... من هوى يغدو عليه أو هواء
4- غير أنّ السّرج «2» تحتاج إلى ... أن يزاد الزّيت في ليل الشّتاء
- 20- وقوله: (وافر)
1- وسهّل حظّه رزقا عسيرا ... أراح به فؤادي من عنائه
2- وعاد لي الرّصاص به لجينا «3» ... فأصل سعادتي من كيميائه
- 21- «4» وقوله: (الخفيف)
1- رفضوا الشّعر جهدهم ورقوه ... بينهم بالهوان والازدراء
2- فلو انّ الكتاب «5» كان بأيدي ... هم محوا منه سورة الشّعراء
- 20-
- 21-(19/31)
- 22- وقوله: (وافر)
1- أرى إنجاز وعدك قد تمادى ... وطال مغيبه فمتى اللّقاء
2- وما زالت وعودك كالأعادي ... قصار العمر دام لك البقاء
- 23- وقوله: (مجزوء الرمل)
1- خطّ في خدّك لام ... كدجى فوق ضياء
2- ظنّها من ظنّها آ ... خر وجدي وعنائي
3- وهي لو ينحون ما أن ... حوه لام الابتداء «1»
- 24- 13/ب وقوله: (كامل)
1- قف نبك أبيات القريض فإنّها ... أقوت وكم حرست من الإقواء «2»
2- ولقد يقلّ لها بأن تبلي دما ... محضا لو حشتها من الكرماء
- 23-
- 24-(19/32)
- 25- وقوله يرثي خادما لابن صندل الزّمام «1» : (كامل)
1- عمر المعمّر والصّغير سواء ... والموت داء ليس منه دواء
2- وإذا الرّدى جذب الزّحام وسيرنا ... متواصل فمناخنا «2» البيداء
3- جادت بهاء الدّين صندل ديمة ... وطفاء «3» تقفو إثرها وطفاء
4- ذا صندل «4» فوق الرءوس مكانه ... لم لا وفيه للرؤوس شفاء
- 26- وقوله: (خفيف)
1- نام من نام وانفردت بهمّي ... أين أهلي يا ليل والأصدقاء؟
2- ما أظنّ الصّباح حيّا فيرجى ... لك يا ليل في الصّباح البقاء
- 25-(19/33)
- 27- وقوله: (متقارب)
1- ذاك الأمير الذي مثله ... أحقّ وأولى بعقد اللّواء «1»
2- وإنّك أفرسها فارسا ... إذا ضاق بالخيل صدر الفضاء
3- وبدّلت البيض أغمادها ... بسود النّواصي «2» وحمر الدّماء
4- وأثمرت السّمر هام الكماة ... وعاجلنها بأوان الجناء «3»
5- وشمّرت «4» الحرب عن ساقها ... وقد سحب النّقع فضل الرّداء
14/أ
6- ومحمرّ بيضك فوق الرّءوس ... شقائق قد نبتت فوق ماء
- 28- وقوله: (خفيف)
1- أنمت طرفي قريرا منك في دعة ... لموعد قد كفاني شرّ أعدائي
- 27-(19/34)
2- وقد أتى ضامن الشّختور «1» ملتمسا ... إنجاز وعدك يا ألفين مولائي
3- ومنزلي حفّه بحران دونكم ... وما ادّعيت لكم مشيا «2» على الماء
- 29- «3» وقوله: (كامل)
1- شجّت جبين مدامها بالماء ... فبنانها منها خضيب دماء
2- وجلت مخدّرة الدّنان فدنّها ... من كفّها عذراء من عذراء
3- هزمت أشعّتها الدّجى فمضى وقد ... غنم «4» الحباب قلادة الجوزاء
4- وجنت على وجنات من طاقت بها ... فرأيت نارا أضرمت في ماء
5- حمراء تسكر من جفون مديرها ... ما أشبه الحمراء بالحوراء
- 28-
- 29-(19/35)
- 30- (وقوله) (خفيف)
1- يا ربيع العفاة هذا الشّتاء ... من تولّى «1» شبابه والفتاء
2- وتولّت من كلّ أفق رياح ... تتّقيها قبل السّراج ذكاء
3- سرقوا لي في ليلة العيد ديكا ... (هو للعيش) «2» والعيون سواء
4- سرقوه وخلّفوا الفحم والثّل ... ج فحسبي مصيبة بلياء «3»
5- قد مضى العيد مثلما جا ... ء لا قلاء «4» عندي فيه ولا شواء
6- منذ عام وبّيته (و) له «5» قب ... ل غذائي غذاؤه والعشاء
- 31- وقوله: (خفيف)
1- دعوة (لي) «6» في النّحو قد جمعتنا ... حلقة ثمّ فرّقتنا السّماء
- 30-
- 31-(19/36)
2- فوهت حجّة «1» المبرّد فيها ... والكسائىّ راح والفرّاء
- 32- وقوله: (متقارب)
1- يكافيك «2» عنّي إله السّماء ... فأدّى جميلك فوق الثّناء
2- رأيت سراجا خبا نوره ... فبادرت إنجاده بالضّياء
- 33- وقوله: (مجزوء الرمل)
1- بك نور الدّين «3» أضحى ... مشرقا وجه رجائي
- 32-
- 33-(19/37)
2- أبلغ القاضي نور ال ... دّين شكري وثنائي
3- وأنا اليوم سراج ... وهو نوري وضيائي
- 34- وقوله: (الوافر)
1- وذى رمد «1» ثناني دون سعى ... لبابك بالثّناء وبالهناء
17/ب
2- وأرجو أن يعود ضياء عيني ... لها فيمدّها نور الضّياء
- 35- وقوله: (وافر)
1- أمولانا ضياء الدّين «2» دم لي ... وعش طول الزّمان بلا انتهاء
2- فلولا أنت ما أغنيت شيئا «3» ... وما يغني السّراج بلا ضياء
- 34-
- 35-(19/38)
- 36- وقوله: (بسيط)
1- لم أنس إذ ودّعتني وهي باكية ... وبالحشا ما بخدّيها من اللهب
2- فأرسلت لؤلؤا رطبا تكفكفه ... من فوق مختضب قان لمختضب
3- وبشّرتني بلقيا الطّيف قلت ومن ... ينام قالت لقد أجملت «1» في الطّلب
4- إن كنت سالبة عينيك نومهما ... فقد أمنّ على المسلوب بالسّلب «2»
- 37- 21/ب وقوله: (خفيف)
1- عرف الموت قدر من هو طالب ... فألحّت صروفه والنّوائب
2- وأتى راجيا لبابك علما ... أنّ راجيك ليس يرجع خائب
3- قد أصمّ «3» النّاعي بك اليوم حتّى ... «4» رجبا فاسمه الأصمّ مناسب
4- ولئن متّ فيه فالآن لا ... يختلف النّاس في انقطاع الرّغائب «5»
5- كنت عبد الوهّاب من أنعم اللّ ... هـ علينا ومن أجلّ المواهب
6- كنت كالبدر طالعا في دجى الخط ... ب ولا بدّ أن يرى البدر غائب
- 36-
- 37-(19/39)
7- قل لأبنائه وصدرهم الصّد ... ر وأصباهم له حكم شائب
8- إن هوى من سمائكم بدرها التّ ... مّ» فما عطّلت وأنتم كواكب
- 38- 22/أوقوله: ويعرض (لمحامعه) (كذا) سيف الدين ابن اسباسلار «2» (بسيط)
1- السّيف خلفي فعذرا إن جرحت إذا ... عمّا يليق بأمثالي من الأدب
2- وقد تحقّق قربي من جنابكم ... والقرب منه لعمري أعظم القرب
23/ب
3- ولم أجد خشبا يدنو السّراج له ... قبلي وكم أتت الأشياء بالعجب
4- وفي يديك «3» أمان لا جتماعهما ... لخائب الجمع بين النّار والخشب
- 38-(19/40)
- 39- وقوله يهنئ حاجا ركب البحر: (طويل)
1- مساع «1» غدت في الله تنضى ركابها ... فأنجح منها عزمها وإيابها
2- وداعية للشّوق نحو مناسك «2» ... شفاء العيون الرّمد منها ترابها
3- ركبت إليها الهول في كلّ لجّة «3» ... كأنّ ندا كفّيك فيضا عبابها
4- وقد حجبت وجه الفضاء كأنّما ... جوانبها موصولة وسحابها
5- كأنّ اخضرار اللّجّ ضاهى سماءه ... وجارى عليها الجاريات «4» شهابها
6- كأنّ قلاع الفلك مدّت بجوّه ... جناحا به يبغي السّماء عقابها «5»
7- فتلك وسفن البرّ «6» تخترق الفلا ... ولا لجّ إلّا أن يلوح سرابها
8- كأنّ السّرى يقتات منها غواربا «7» ... برى النّيّ «8» منها نأيها واغترابها
9- تفاءلت خيرا وهي تدمى مناسما «9» ... بأنّ علامات «10» السّرور خضابها
10- وطامسة الأعلام يوحش ذئبها ... بها ويهاب الاغتراب غرابها
- 39-(19/41)
11- مموّهة «1» الآثار عن كلّ سالك ... يسير بقلب الجيش وهو يهابها
12- كأنّ الدّجى لم يسر فيها نجومها ... ولا خطّ «2» عن شمس النّهار نقابها
13- فمازلت حتّى نلت مارمت من قبا «3» ... وبشّرت هذي يثرب «4» وقبابها
- 40- 24/أقوله: في عزّ الدين بن مقدام بن الزبير: «5» (بسيط) 25/ب
- 40-(19/42)
1- للصّاحب النّدب «1» عزّ لا يبيد فقل ... عزّ يدوم وإقبال لصاحبه
2- إذا الأباعد أعداها «2» الوزير علا ... (حقّا) فلم لا تراها في أقاربه
3- في قبعتي اليوم دهر يا بني أسد ... قد كان أروغ عنّي من ثعالبه
4- ومذ رآني يتيما تحت رايتكم ... فما نوى ليّ شرّا من نوائبه
5- علوتم رتبة تختال من فرح ... والطّرف «3» يمرح مختالا براكبه
6- قد قدّم الله مقداما «4» وأوطأه ... ما مهّدته المعالي من مراتبه
7- وجاء يتلو المجلّي «5» في يدي كرم ... تأخّر النّاس عن أدنى مواهبه
8- أغرّ يهديك لألاء بغرّته «6» ... والخطب أغطش ليلا من غياهبه
- 41- وقوله: (سريع)
1- لي مطبخ راجع عصر الصّبا ... وطيبه من عصرك المذهب «7»
- 41-(19/43)
2- بيّضت وجهي حين سوّدته ... إذ بات ضيفي وهو لم يسغب «1»
- 42- وقوله: (طويل)
1- منازلهم جادتك غرّ السّحائب ... وجرّت بمغناك الصّبا ذيل ساحب
2- وليل به قد عاجلتني يد السّرى ... وقد كان من طول بطيء الكواكب
3- وللذّكر مسك من معاقرة الكرى ... أقرّ وساد الهام فوق الغوارب
4- سروا لغناهم طالبين فعرّجوا ... على ابن عليّ «2» منتهى كلّ طالب
26/أ
5- علمنا يقينا بالتّجارب شأنه ... وما توضح «3» الأشياء مثل التّجارب
- 42-(19/44)
- 43- وقوله: (الرمل)
1- صاح قم إنّ نسيم الصّبح هب ... وقضيب الدّوح خفّاق العذب «1»
2- فاصطبح مشمولة «2» كاساتها ... جمعت للماء شملا باللهب
3- لا تدع لذّة يوم لغد ... قبل عود الدّهر فيما قد وهب
4- وتغنّى الطّير فالأزهار قد ... شقّت الأكمام من فرط الطّرب
- 44- وقوله (كامل)
1- جاءت بأنواع النّوى فمجلبب «3» ... أدبا وعار ما له جلباب
2- وعلى النّفير «4» لمرّها أثر عفا ... فهدي إليه الحائرين ذباب
3- وإذا رجعت إلى الصّحيح فإنّه ... عتب وعيشك ليس فيه سباب
4- وإذا تباعدت الجسوم فودّنا ... باق ونحن على النّوى أحباب
- 43-
- 44-(19/45)
- 45- 27/ب و (قوله) (مخلع البسيط)
1- آن لمن ودّع الشّبابا ... أن يدع الكأس والشّرابا
2- عنيّ بالرّاح يا نديمي ... فالشّيب قد اغلظ الخطابا
3- أطار بازي «1» المشيب قسرا ... عن لمّتي ذلك الغرابا
4- وما المداجاة «2» لي بخلق ... فكيف أستحسن الخضابا؟
5- ربّ زمان ركبت فيه ... لهوي وقد خفّ لي ركابا
6- أمتعني والشّباب غضّ ... بكل ما لذّ لي وطابا
7- يأتي صبوحي «3» على غبوقي ... واللّيل لم ينزع الإهابا
8- وسوءة سؤءة لعصر ... أصفر «4» من خيره الوطابا
9- وما عتابي لغير حظّي ... لو أنّه يسمع العتابا
- 46- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- بين اللّواحظ والقلوب ... لا تنطفى نار الحروب
- 45-(19/46)
2- وهناك ليث الغاب يح ... ذر فتكة الرّشأ «1» الرّبيب
3- وأنا الجريح بلحظ من ... تلقاه ذا خلّ خضيب
4- يخفى دمي ولقلّما ... تخفى إشارات المريب «2»
- 47- وقوله: يعزّي من غرق في النيل: (سريع)
1- من صفة الجوهر أن يرسبا ... فما الذي أوجب أن تعجبا؟
28/أ
2- إنّ الرّدى غاص على درّة ... عزّت على غير الرّدى مطلبا
3- وغال بحر النّيل أجزى ندا ... منه وقل أجدى وقل أعذبا
4- ويكمد «3» الأنداد كم بينهم ... تحاسد أوجب ما أوجبا!
5- أين وفاء النيل «4» أم ليس ذا ... زمانه شاء الفتى أو أبى
6- وقد أراه لاطما وجهه ... للغدر ما أقبحه مركبا
- 46-
- 47-(19/47)
7- هل نافس الرّجّاف «1» في درّة ... فكان ما أخرجه أغربا
8- بدا على صفحته أوّلا ... كالسّيف أبدى رونقا «2» مذهبا
9- حتّى إذا ما غاص قال الورى ... مجرة «3» قد غيّبت كوكبا
- 48- وقوله: (طويل)
1- لكلّ فؤاد من هواك نصيب ... فأنت إلى كلّ القلوب حبيب
2- تواردت العشّاق فيك فكلهم ... بكلّك مسلوب الفؤاد كئيب
3- ولكنّني فقت الجميع صبابة ... فلم يك لي في العاشقين ضريب
4- وما حدّثتني النّفس عنك بسلوة ... كأنّ الهوى منّي عليّ رقيب
5- تمثلّك الذّكرى لقلبي وناظري ... فأغدو وكلّي أعين وقلوب
6- غدا السّلم ما بين الغرام ومهجتي ... وبين جفوني والمنام حروب «4»
- 49- 29/ب وقوله (بسيط)
1- يا سيّد الأمراء العبد منتظر ... جود المليك ومولانا هو السّبب
- 48-(19/48)
2- والانتظار بقلبي ناره التهبت «1» ... قل في سراج بنار الوعد يلتهب
- 50- وقوله: (الوافر)
1- قطائفك «2» التي رقت جسوما ... لماضغها كما فتّت قلوبا
2- كغيم رقّ لكن فيه قطر ... غدا المرعى الجديب به خصيبا
3- فجاءت وهي غرقى راسبات ... ولم تنكر مع الغرق الرّسوبا
4- لئن رقّت لابسها «3» وحلّت ... لعظم محلّها الصّدر الرّحيبا
- 51- وقوله: (طويل)
1- رقيت «4» من الشّكوى بنعمة طالب ... فأنت لبّرد البرء أكرم ساحب
2- وما رقيت شكوى الكرام بمثلها ... إذا ما أصاخوا «5» منصت من لراغب
- 49-
- 50-
- 51-(19/49)
3- بك اليوم صحّت مهجة المجد والعلا ... وصحّت ظنون فيك غير كواذب
4- ولاحت على وجه المكارم نضرة «1» ... ومن قبلها أبدت لنا لون شاحب
5- خذوا بنصيب معشر الوفد من هنا ... يغبّر «2» حثوا في وجوه النّوائب
6- وهبّوا فقدنا داكم من بيمينه ... ندى ملك الآمال رقّ «3» المواهب
31/ب
7- هو الخصر «4» الجمّ الجدّى الخضر الندا ... إذا لم يبلّ البحر غلّة شارب
8- بني الحسن العلياء قرّت لديكم ... ولم تلق حبلا دونكم فوق غارب «5»
9- وأوضحتم بالبدر في كلّ منهج ... خفّي وبالبرهان سبل المذاهب
10- وأيامكم بيض تشفّ «6» كأنّما ... أفضتم عليها مالكم من مناقب
11- إليك إمام العصر مدحة صادق ... ثناء وودّا فيهما غير كاذب
12- يهنّيك إن أغنيت «7» بالسّقم صحّة ... وأجرا هما لا شكّ خير العواقب(19/50)
- 52- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- مملوك مولانا السّرا ... ج بقلبه يذكي «1» اللهيب
2- قد ساوأته كفيت من ... هنّ الحوادث والخطوب
- 53 وقوله يهنئ الصاحب عليّا «2» وقد رمى البندق «3» (السريع)
1- ما أجدر الصّالح بالواجب ... وما أحقّ السّيف بالضّارب
- 52-
- 53-(19/51)
2- يخدم سعد المشتري «1» قوسه ... في طالع منها ومن غارب
3- ترنّ إذ ترنو بعين لها ... ما دونها للشّمس من حاجب
4- هذا وسعد الذّابح «2» المقتفي ... لأمره فى البندق الصّائب
5- فاز وليّ العهد بالمطلب ال ... أسنى وحقّ الطّالب الغالب
6- رقى ولو حاول نسر السّما ... لما نجا من طينة «3» اللّازب
7- جدّ إلى أن جدّل الطّائر ال ... هاوي هوى كالكوكب الثّاقب
8- حتّى إذا مسّ الثّرى واجبا ... قام بلال فيه بالواجب
9- والملك الصّالح قد جدّ في ... الملك وما من جدّ كاللاعب
10- قد رفع الله عليّا فما ... ترى له في الأرض من ناصب «4»
- 54- وقوله: (طويل)
1- إذا جدت فيها قالت السّحب غيرة ... تأنّ فإنّ السّيل قد بلغ الزّبى «5»
- 54-(19/52)
2- ومن قصّرت عنه البحار تأخّرت ... خطى الغيث «1» عنه شاء ذلك أو أبى
3- دعوا الفجر في ديناكم لسميّه ... فمنذ ثوى في ظلّه ما تغرّبا
4- وإلّا فروموا شأوه إن قدرتم ... ومن ذا الذي يبغي على الشهب منصبا
5- وما حجب الأملاك تالله مثله ... فلا زال عن عين الخطوب محجّبا
- 55- 33/ب وقوله: (كامل)
1- الخبز فتّ «2» وزبدنا قد ذابا ... فاهمع بقطرك لا عدمت سحابا
2- أو بالقطارة «3» أو فعجّل مرسلا ... فالعيش أصبح بعد حلو صابا
3- والجرّ «4» لست أحبّه في موعد ... ما طال شيء في الوعود فطابا
4- أمطر نواحينا التى قد أجدبت ... وندا يديك بكلّ قطر صابا «5»
- 56- وقوله: (طويل)
1- سلام عليّ الصّدر الذي عنده قلبي ... وحبّي له دأبي كما دأبه حبّي
- 55-(19/53)
2- وعند غلامي وهو عيسى لعبده ... أبي الدّرّ ياقوت هوى الواله الصّب
3- وقد سامه «1» التّكبيس يطلب ختله ... كما يختل الذّئب الغزال من السّرب
4- ولبّسه «2» عيسى فراعته آية ... أرته عصا موسى فخاب من الضّرب
5- ومرّ ولو كان استقرّ مكانه ... لقد كان محمولا على مركب صعب
6- وأقبل مذعورا وقال بعثتني ... لصدر على الأعجاز أصبح ذا نصب «3»
7- وقال رأت عيني ثلاثة أرجل ... وواحدة منهنّ مشؤومة الكعب
8- إذا كبسته راحتاي تحرّكت ... وقامت على ساق كوصفك للحرب
9- إلى معدن الياقوت كان سلوكها ... وما فكّرت في بعد أرض ولا قرب
10- وفي النّظم للياقوت فهي بصيرة ... وكم عانت الأحجار بالحلّ والثّقب
11- فلا هديت رجل «4» تروم بوطئها ... مدائن لوط وهي في الجانب الغربي
12- وسل عدنا عن زفّة «5» طار ذكرها ... لثاو وسار في السّنين وفي الرّكب
13- وقد زفّ في ضوء من الشّمع أسود ... حكى وحكت ليلا ترصّع بالشّهب
14- بدا اللّيل فيها والنّهار لأعين ... رأت عجبا لا يلصق الهدب بالهدب
15- وقد نزل العاج في آبنوسة «6» ... له حيّة رقطاء تنهشّ في القلب
- 56-(19/54)
- 57- وقوله: (بسيط)
1- لا غرو «1» أن صغرت عن قدرك الرّتب ... وقبلها قصرت عن شأوك الشّهب
2- ما فاتك الدّهر شيء فات ذا أمل ... أدركت والقوم قد أعياهم الطّلب
3- كم عظّمتك ملوك الأرض واعترفت ... بأنّها قصّرت من بعض ما يجب
4- وكان ذاك لأسباب يمتّ بها ... لا خير في رفع قدر ماله سبب
5- ألبست مصرا جمالا كان قد سلبت ... قدما وما يتساوى اللّبس والسّلب
6- فما تراقص هذا النّيل عن عبث ... وإنّما خفّ مسرورا به الطّرب
7- قد ضمّ حلمك برّيها فلا عجب ... هب أنّ ذا جلّق «2» أو أنّ ذا حلب
8- أحييت ذكر ملوك كان فخرهم ... أن خلّفوك فهم باقون ما ذهبوا
- 57-(19/55)
- 58- وقوله: (خفيف)
1- قد تغنى لكم أغنّ «1» دعاه ... من رآه ربّ الغزال الرّبيب
35/ب
2- زيّنتّه جراحة فيه وفي الخ ... دّ توخّت ثاراتها في القلوب
3- وجرى ذلك الغناء على حم ... رة فيه فضمّخته بطيب
4- حبّذا ليلة على النّيل قمرا ... ء تعرّت من (لونها) «2» الغرّبيب
5- أحذرتم (منّي) «3» نميمة واش ... أم خشيتم منّي اطّلاع رقيب
6- أم نعاسي حتّى ينام المعنّى ... طمعا أو تطلّعا للذّهيب؟ «4»
7- أدبيب واللّيل من طرب ش ... قّ عن الصّبح داجيات الجيوب
8- عدّة قد عرفتها أنا بالتّق ... ليد لا عن علم ولا تجريب
9- قد يجيد الطّبيب معرفة الدّا ... ء وما حلّ قطّ جسم الطّبيب
- 58-(19/56)
- 59- 36/أوقوله: (طويل)
1- هوى من سماء المجد للأرض كوكب ... فحقّ العلا تبكي عليه وتندب
2- تراه رأى أنّ التّواضع شيمة «1» ... بها قد سما فوق السّماك له أب
3- فأمّ الثّرى عن قدره متنزّلا ... بغرّة «2» طفل لم يرضه التّدرّب
- 60- وقوله: (خفيف)
1- وبيان لمثله يرفع القل ... ب حجابا وينتح السّمع بابا
2- ذو معان تزفّ في حلل الألف ... اظ فيها كواعبا أترابا «3»
3- بلغت من بلاغة أشرف الغاي ... ات لمّا تطاولت أنسابا
- 61- وقوله: (كامل)
1- أبا المظفّر «4» ما ظفرت بنعمة ... إلّا وجدتك فاتحا لي بابها
- 59-
- 60-
- 61-(19/57)
2- وإليك أنهي قصّة لا سيرة ... بذيول فضلك أعلقت أسبابها
3- فافرج مضيق الكرب عن فرجته «1» ... أفنت لدى الشّيخ الكبير شبابها
4- أفنيت جدّتها وما خان الصّبا ... أقرانها كلّا ولا أترابها
5- ولطالما سترت قبيح ملابسي ... من قبل ما هتك الزّمان حجابها
6- وغدت تقيم لي المحافل خدمة ... جعلت عبيدا لي بها أربابها
7- فاغنم ثنائي عاجلا وثناءها ... واربح ثوابي آجلا وثوابها
8- واجعل لها بدلا وعطفك سابق ... توكيدها ومحقّق إعرابها
- 62- 38/أوقوله: (وافر)
1- مدحنا هم بسحت «2» عن ... محال واهي السّبب
- 62-(19/58)
2- فإن تسأل بناوبهم ... وصلانا (هم) «1» من العجب
3- فأكّالون للسّحت ... وسمّاعون للكذب
- 63- وقوله: (كامل)
1- مولاي فخر الدّين «2» دعوة خادم ... منّي إليك وذاك بعض الواجب
2- الدّولة الغرّاء عين زمانها ... إذ زانها منك الإله بحاجب
- 64- وقوله: (سريع)
1- دعت لك الشّيخة طول الدّجى ... ووجّهت وجها إلى ربّها
2- وطاب قلبي بدعاء التي ... حلاوة الإيمان في قلبها
- 63-(19/59)
- 65- وقوله: (الوافر)
1- نأى بي عن موارده زماني ... فأرسل لي نداه مع السّحاب
2- ولم أر قبل جود يديه جودا ... أتاني طارقا بالخير بابي
3- وكان الفأر فارقنا وغنّى ... برغمي عن منازلتي اغترابي
4- وكيف يقيم في بيت طوانا ... طوانا عنده طيّ الكتاب
5- ويحسبنا فوارس إذ يرانا ... بساحته نحوم على اللّباب
39/ب
6- وقد بعث الأمير لنا مغلّا «1» ... به قد فكّ أغلال الرّقاب
7- ولمّا غاب شمس الدّين «2» عنّي ... دعاني الظّنّ فيه لارتيابي
- 65-(19/60)
8- وبتّ أقول قمح أم شعير ... فبادرني عطاؤك بالجواب
9- وجاء البرّ برّا لؤلؤيا ... يباهي العقد في جيد الكعاب
10- فزار الضّيف بعد جفاء ربعي ... وأيقن طارقي خصب الجناب
- 66- 40/أوقوله: (كامل)
1- الغوث «1» قد أكل الصيّام ثيابي ... وأخاف أكل تسخّطي لثوابي
2- قد بعت ما كنت اشتريت وأصعب الآ ... لام بيعي في الشّتاء جبابي «2»
3- هذا وقد هجمت عليّ جيوشه ... تنجرّ «3» أطلابا على أطلاب
4- فبباطني ألم الخواء «4» وظاهري ... ألم الهواء فلا تسل عمّا بي
- 66-(19/61)
5- فأشدّ من هذا ندائي معلنا ... لنداء الأمير فلا يردّ جوابي
- 67- وقوله: في السّمك المعروف باللّبيس: (متقارب)
1- لبيس اللّبيس طعام «1» يعاب ... وقد صدقت لهجة العائب
2- ندمت لملقاه شاكي السّلاح «2» ... له شوكتا طاعن ضارب
3- فآكل كفّي مع لحمه ... وأنتف مع شوله شاربي
- 68- «3» وقوله: (رجز)
1- ومن رآني والحمار مركبي ... وزرقتي للرّوم عرق قد ضرب
2- قال إذا أبصر شخصي مقبلا «4» ... لا فارس الخيل ولا وجه العرب
- 67-
- 68-(19/62)
- 69- وقوله: (بسيط)
1- إذا تفكّرت في حظّي وجودك لا ... أنفك من عجب إلّا إلى عجب
41/ب
2- وجملة الأمر أنّي متّ من ظمأ ... إلى نداك وقد أجملت في الطّلب
- 70- وقوله: (كامل)
1- ولربّ ذي لؤم غلطت بقصده ... فرجعت عنه كما تسوّل خائبا
2- وذممت عنّي فعله وشكرته ... لمّا رجعت على يديه تائبا
- 71- وقوله: (سريع)
1- وباخل أطعمني «1» بشره ... وغرّني بالبارق الخلّب «2»
2- لو قلت يا أبخل من مادر «3» ... لقال يا أطمع من أشعب
- 71-(19/63)
- 72- 42/أوقوله: (سريع)
1- أبدى لنا لمّا بدا قرعة «1» ... يحار فى تشبيهها القلب
2- قالوا فهل تشبه يقطينة «2» ... فقلت لو كان لها لبّ
- 73- وقوله: (كامل)
1- ما حيلتي والقوم أصبح دأبهم ... أن يرفضوا الأدباء والآدابا
2- كرهوا المديح وأنكروا جلّابه «3» ... لو ذوّبوه وجدتهم جلّابا
- 74- وقوله: (طويل)
1- وكلّ كتاب لي إلى من بأرضها ... سلامي عليكم فيه قبل خطابه
- 73-(19/64)
2- وذكركم لي في أواخر كتبكم ... كما يجلس المحقور حيث انتهى به
- 75- «1» 43/ب وقوله: (وافر)
1- يروم حياته ما بين قوم ... لقاء الموت عندهم الأديب «2»
2- وربّ الشّعر «3» ممقوت بغيض ... ولو وافى به لهم حبيب «4»
- 76- وقوله: (مجتث)
1- عاتبته بدر تمّ ... قد أطلضعته جيوبه
2- يقلّه غصن بان ... لدن المهزّ «5» رطيبه
3- في ليلة غاب عنها ... واشي الحمى ورقيبه
4- يمسّ كفّي بجسم ... يكاد لمسي يذيبه
- 75-
- 76-(19/65)
5- وقال رفقا بخصر ... في السّقم أنت نسيبه
6- فقلت قد غاب عنّي ... فأين أين يصيبه
7- فقال لي هازئا بي ... من غاب غاب نصيبه؟
- 77- وقوله: (مخلع البسيط)
1- من عادة الجوهر الرّسوب ... فما لأكبادنا تذوب؟
2- من ذا رأى درّة سواها ... أكثر أصدافها القلوب
- 78- وقوله: (كامل)
1- أبا الحسين «1» سقاك وابل ديمة «2» ... ثكلاء قد شقّت عليك جيوبها
2- حقّ القبائل أن تعزّي طيّبا ... إذ أنت حاتمها «3» وأنت حبيبها «4»
- 79- 44/أوقوله: (سريع)
1- ببابك الرّحب سراج غدا ... في قلبه للشّوق أذكى «5» لهيب
- 78-
- 79-(19/66)
2- متّبعا من قال من قبله ... (وإنّما اللّيل نهار الأديب) «1»
- 80- وقوله: (متقارب)
1- أيا سيّد الوزراء استمع «2» ... لقصّة شكواي وانظر ما بي
2- فراتب عبدك في أمره ... جرى فيه ما لا جرى في حسابي
3- وكان رسولي بخطّ الوزير ... يوجّه ملتمسا للجواب
4- فو الله ما آمنوا بالرّسول ... وتالله ما صدّقوا بالكتاب «3»
- 81- وقوله: (طويل)
1- أرى عنب البستان قد آن أكله ... وأصبح أحلى ما يذاق وأطيبا
2- وقد لبست أوراقه الخضر صفرة ... يصوغ لك العنقود درّا مذهّبا
3- ولي منك رسم «4» عند إدراك قطفه ... لنا مأكلا ما لم تبح منه مشربا
- 80-
- 81-(19/67)
4- وقد رضع العصفور منه ثديّه ... وما الكرم للعصفور أمّا ولا أبا
5- وإن زاد عن هذا تربّيت» حبّه ... وعبدك لا يختار شيئا مزبّبا
- 82- وقوله: (كامل)
1- حتّى متى أجد الأمير مجّبا ... أنّى أتيت وتارة هو راكب
45/ب
2- ومن العجائب أنّه مع عدله ... لي مثل هذا العذر وهو العاتب
- 83- «2» وقوله: (سريع)
1- عشقت من ريقته قرقف «3» ... وما له إذ ذاك من شارب
2- قلندرىّ «4» حلقوا حاجبا ... له كنون الخطّ من حاجب
- 83-(19/68)
3- سلطان حسن زاد في عدله ... فاختار أن يبقى بلا حاجب
- 84- وقوله: (متقارب)
1- لقد سمع الله والكاتبان «1» ... ما قال في عرضي «2» الكاتب
- 84-(19/69)
2- وما ضرّني ما يقول العدوّ ... إذا ردّ غيبتي الصّاحب «1»
- 85- وقوله: (رمل)
1- وأناس غرّني ظاهرهم «2» ... وجوى باطنهم كلّ معيبه
2- أخطأت عيني في نقدهم ... أيقظ الله لهم عينا مصيبه «3»
- 86- 46/أوقوله (طويل)
1- أيذلّ رسلي في اقتضاء وعوده ... وأقرب ممّا أرتجيه الكواكب
2- وأفضي «4» إليه قاصدا بعد قاصد ... كما بدّلت تحت البريد «5» الجنائب
3- ولو سار ومض البرق والرّيح عنده ... لكلّا وكلّا ليس يدرك «6» كاذب
- 85-
- 86-(19/70)
- 87- وقوله: (خفيف)
1- لم أودّع من سار في دعة اللّ ... هـ وقلبي يسير تحت ركابه
2- وسقى الله داره حيث ما حلّ ... وحلّ الحيا «1» جنوب سحابه
- 88- وقوله: (وافر)
1- ومتّصل الجدال بغير علم ... جهول بالسّؤال وبالجواب
2- يكون معي الصّواب ولم يسلّم ... ولو أنّي يكون معي الصّوابي
- 89- 47/ب وقوله: (سريع)
1- أساءت الحمّى ولكنّها لي ... أحسنت في ذكري التّوبه
2- ترجع لي روحي إذا ودّعت ... فتنثني مسرعة الأوبه
3- ولي طبيب قال لا تخشها ... فقلت لم تشهد معي النّوبه
- 90- وقوله: (طويل)
1- أقول لعذّالي ولم يعرفوا الهوى ... ولا ألفوا ماذا العناء من الحبّ
- 87-(19/71)
2- عشقت ولي قلب وقد ذهبوا به ... فلو رمت سلوانا سلوت بلا قلب
- 91- 48/أوقوله: (مجتث)
1- سكر الولاية يلهي ... يا صاح عن كلّ صاحب
2- وغاية السّكر صحو ... وللمبادي عواقب
- 92- وقوله: (المجتث)
1- عالجته بثناء ... ثمّ انتقلت لعتبي
2- فلم يفد ذا ولا ذا ... والكيّ آخر طبّي «1»
- 93- «2» 49/ب وقوله: (سريع)
1- هززته بالمدح جهدي فما اهتز ... ونادى النّاس «3» كم تتعب
2- فقلت «4» أرجو زبدة قيل لي ... فاتك أين اللّبن الطّيّب
- 92-
- 93-(19/72)
- 94- 50/أوقوله: (خفيف)
1- أيّها الفاضل الأديب يمينا ... لم يكن في مودّتي ما يريب
2- لا تصدّق فيّ العدوّ فمن دون ... ك عندي ولم أبالغ حبيب
- 95- وقوله: (سريع)
1- لمّا تمثّلت بقولي له ... ما ضاع حقّ خلفه طالب
2- أجاب ما مدحي حقّ ولا ... ناسبني ذا المثل السّائب «1»
3- كذبت في وعدي كذا أنت في ... مدحي كلانا مفتر «2» كاذب
- 96- «3» وقوله: (طويل)
1- أرى الثّغر بسّاما بذكرك عاطرا ... تبضّع منه الدّرّ والمسك جالب
2- أقمت منار العدل فوق مناره ... فلاذت بحقويه «4» النّجوم الثّواقب
- 95-
- 96-(19/73)
3- ويّمه «1» من في البسطين سالك ... فحاد وملّاح وماش وراكب
4- وأوردت ليث الغاب والأسد مشرعا «2» ... غدا جانحا في السّلم فيه المحارب
5- فما رعدت فيه لظبي فرائص «3» ... ولا نشبت فيه لليث مخالب
51/ب
6- إذا ناطق سمّاك فالماء جامد ... لموقعه في القلب والصّخر ذائب
7- وما ذاك إلّا أنّه خاف ربّه ... وهاب فكلّ خائف منه هائب
8- تدرّع ثوب الهول واللّيل يافع ... وشابت «4» به فوداه واللّيل شائب
9- وأصبح مطلوبا من الدّهر خائفا ... وكيف له بالأمن والدّهر طالب
10- إذا أنت جار لابن باخل «5» فاعتصم ... بأروع لم تطرق حماه النوائب
11- وناد بناد للأمير محمّد ... ألا من يغالي في العلا ويغالب «6»
12- وصف أمويّا ما لوى المطل وعده ... وأنّى وجدّاه لؤي وغالب «7»(19/74)
13- ودلّ على آبائه بإبائه ... وبالفرع تستفرى «1» الأصول الأطايب
14- وقد ساد حتّى أولّيه بمجده ... فها عبد شمس «2» منهم اسم مناسب
15- وكم مشكلات قد جلاها وكيف لا ... يخلّى بضوء الشّمس وهي غياهب»
16- وسوق عكاظ «4» ربعه وهو قسّه «5» ... وها نحن ألقتنا إليه السّباسب «6»
17- وآداب درس ثمّ نفس حواهما ... فقد ناسبت تلك المالي المناسب
18- وكم حكم تأتي بها وعجائب ... بها تأنس الأفهام وهي غرائب
19- كأنّا نرى الإسكندر «7» الآن قاطنا ... ببلدته أو أرسطاليس «8» نائب(19/75)
- 97- 52/أوقوله: (وافر)
1- وعيشك لم أكد أسلوه كبشا ... يطول عليه نوحي وانتحابي
2- وقد أعلنته علفا تماما ... فحاول شحمه شقّ الوهاب «1»
3- فهدّوا حائطا أخذوه منه ... وعنه يضيق مشكل كلّ باب
4- فإن لم أوت من ذنب فإنّي ... أمنت من الكلاب بني الكلاب
5- وحظّي قد كبا بي دون حظّي ... بعيد النّحر من أكل الكباب «2»
6- فأنعشه الوزير فقام يسعى ... بكبش خلّقت «3» منه رحابي
- 98- وقوله: (طويل)
1- شرثبت على ورد وخدّ مدامة ... كلونهما إنّ الشّكول أقارب
2- ثلاثة أصناف من الورد جمّعت ... لديّ فمنها جامدان وذائب
- 99- وقوله: (بسيط)
1- وكنت إن ن.. ت «4» تلقاني أخا فرح ... بادي النّشاط كثير اللهو واللّعب
- 97-
- 99-(19/76)
2- فصرت إن ن ... ت ألقى بعده ألما ... وأدرك النّقص في العينين والرّكب
3- فويحها لذّة كمّ أعقبت ندما ... كواجد لذّة من حكّة الجرب
- 100- وقوله: (طويل)
1- وما لي بعد الله غيرك ملجأ ... ألوذ به في كلّ ما أتطّلب
2- ولا سعي لي إلّا لبابك إنّه ... لراجيه باب للنّجاح مجرّب
- 101- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- لا ذنب عندي لليتي ... م إذا نحت «1» به المطالب
2- الذّنب ذنبي غير أنّ ... ي منه معتذر وتائب
- 102- 53/ب وقوله: (متقارب)
1- تعوّذت مذ كنت خبر «2» القلوب ... وكفّ الخطوب وكشف الكروب
2- ولي كرمة «3» خفّفت حملها ... فيا ليتني مثلها في الذّنوب
- 101-
- 102-(19/77)
- 103- وقوله: (خفيف)
1- هزئت بي عند ابتدار مشيبي ... يوم قالت كالسّائل المسروب «1»
2- نزل الشّيب أين قلت على الرأس ... فقالت هذا وقار المشيب
- 104- 54/أوقوله: (مجزوء الرمل)
1- نفق «2» الإكديش يا منتخب ... وعلى الحزن ألبّ اللّبب «3»
2- وخلا منه لجام معرق «4» ... كاد أن يقطر منه الذّهب
3- وخبا البرق الذي يا طالما ... بات في آثاره يلتهب
4- وخلا منه برغمي موكب ... زانه زينة أفق كوكب
5- تستعير الخيل من آدابه ... ومليح في الجياد الأدب
6- وترى الفارس في صهوته «5» ... شأنه العجب به والعجب
- 103-
- 104-(19/78)
7- يدرك المطلوب أنّى رامه ... وهو لا يدرك أنّى يطلب
8- وإذا صلّ لجام لك في ... رأسه هزّك منه الطّرب
9- وجرى الشّطّار «1» منه سلبا ... هو منه جلده والذّنب
- 105- وقوله: (سريع)
1- ردّت إليّ المصطكي «2» نهضة ... عهدى بها طوّلت الغيبه
2- فهلّلت جاريتي كيف لا ... والمصطكي وافقت الشّيبه
- 106- وقوله: (كامل)
1- يا طالب الأبكار إنّي أعزل ... لا رمح لي كي أستعدّ لحربها
2- فاقطع بصحّة ما ذكرت فإنّها ... جاءت سليمانا «3» بخاتم ربّها
- 105-
- 106-(19/79)
- 107- 55/ب وقوله: (بسيط)
1- تبكي المروءة شمسا كم جلا كربا ... ولم يزل مشرقا بالبشر أو غربا
2- وقد بكينا دما نبدي به شنقا ... بعد الغروب فناعي «1» الشّمس ما كذبا
3- وعمر نوح «2» وعمر الطّفل غايته ... إلى نتهاء فدع عن نفسك التّعبا
4- وقد كفانا بشمس الدّين «3» موعظة ... لو كان يتّعظ الباقي بمن ذهبا
- 108- وقوله: (كامل)
1- يقبّل كفّك كانتجاع «4» سحاب ... فأغث بغيثك منزلي ورحابي
2- وانظر إليّ فإنّني في عسرة ... أكل الصّيام بها أعزّ ثيابي
- 109- وقوله: (طويل)
1- أمولاي قد ضمّنت قول كثيّر ... وعندي ما يلهيه عن حبّ عزّة
- 107-
- 108-(19/80)
2- وقد كنت في شغلين لكنّ واحدا ... رمتني فيه الحادثات فأصمت «1»
3- وكنت لدى رجلين: رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت
4- وإن لم تداركني «2» بخير فإنّني ... أخاف على الأخرى التي حلّ بالتي
- 110- وقوله: (رمل)
1- قال خذها من يدي تشبه ما ... في فمي قلت: ولا كلّ الصّفات
2- فجلا من «3» كأسها القار كما ... شقّ نور الصّبح جيب الظلمات
3- وسقانيها وقد كلّ الدّجى ... فهو نحو الغرب داني الخطوات
57/ب
4- يا نديميّ خذاها من يديّ ... فمر ركّب في صدر قناة
5- لست أنساه وقد حيّا بها ... قهوة «4» تجمع لذّات الحياة
- 111-
1- يا وزيرا هو أعلى ال ... نّاس مقدارا وبيته
2- ومسيحيّ نوال «5» ... طالما أنشر ميته
- 109-
- 110-
- 111-(19/81)
3- قسما لم أنو في قص ... دك إلّا ما نويته
4- طلبا كاد السّراج ال ... يوم يفني فيه زيته
- 112- 58/أوقوله: (مجزوء الرجز)
1- أحسنت لولا عائق ... وقعت في ورطته «1»
2- من ناصر الدّين «2» الذي ... رحت على سلّته
- 113- وقوله: (كامل)
1- الأمن في العرفات حطّك الذي ... قدّمت فالق الأمن في العرفات
2- وابشر فإنّك في الدّارين في ... ما تشتهي من أرفع الدّرجات
- 112-(19/82)
- 114- وقوله: (طويل)
1- مسامعهم صمّ إذا سئلوا النّدا ... وألسنهم عن منطق الخير صمّت
2- وأيديهم جفّت وإنّ تعجّبي ... لأظفارها مع لبسها كيف تنبت
- 115- «1» وقوله: (طويل)
1- ثلاثة أيّام قطعت لطولها ... ثلاث شديدات من السّنوات
2- حجبن محيّا الصّاحب ابن محمّد «2» ... ليجمع بين الحسن والحسنات
- 116- «3» 59/ب وقوله: (رجز)
1- تنسيك عرقوبا «4» له قواعد ... عن منهج القول الصّحيح نكّبت
- 115-
- 116-(19/83)
2- لا تبن آمالا عليها إنّها ... واهية الأسّ وقد تعرقبت
- 117- وقوله: (كامل)
1- سعى ببابك لا أخلّ بفرضه ... إلّا لأنّي قد رميت بجمرة «1»
2- فاعجب لحظّ ساق قبل الحجّ لي ... رمي الجمار «2» وعند حالي وقفتي
- 118- «3» وقوله: (هزج)
1- رأت حالي وقد حالت ... وقد غال الصّبا فوت «4»
2- فقالت إذ تشاجرنا ... ولم يخفض لنا صوت
3- أشيخ مفلس يهوى ... ويعشق فاتك الفوت
- 117-
- 118-(19/84)
4- فلا خير ولا مير ... ولا أ ... «1» رفذا موت
- 119- «2» وقوله: (كامل)
1- قالوا وقد ضاعت جميع مصالحي ... لهموم نفس ليت لا حمّلتها
2- قد كان عندك يا فلان صريمة «3» ... فأجبتهم بعت الحمار وبعتها
- 120- «4» وقوله: (سريع)
1- رزقت بنتا ليتها لم تكن ... في ليلة كالدّهر قضّيتها
2- وقيل ما سمّيتها قلت لو ... بكيت «5» منها كنت سمّيتها
- 119-
- 120-(19/85)
- 121- 60/أوقوله: (سريع)
1- لا تنكري صمتي فإنّ الذي ... قارب ورد الموت كالميّت
2- مذ أسرج «1» الأشهب يا هذه ... من لمّتي ألجمت عن حجّتي
- 122- «2» وقوله: (رمل)
1- أطنبوا في عرفات وغدوا ... يتعاطون له حسن الصّفات
2- ثمّ قالوا لي «3» هل وافقتنا ... قلت عندي وقفة في عرفات
- 123- وقوله: (سريع)
1- يا عمر الخير «4» أعني فقد ... هنّأت بالشّعر وعزّيت
- 121-
- 122-
- 123-(19/86)
2- وارحم سراجا قد خلا فهو لا ... فتيلة فيها «1» ولا زيت
- 124- وقوله: (وافر)
1- أتاج الدّين «2» كنت محلّ قصدي ... لمن كفل النّجاح لكلّ راج
2- جعلتك لي السّفير إلى وزير ... إلى معناه يلجأ كلّ لاج
3- عروس أنت أولى من جلاها ... وهل تجلى العروس بغير تاج؟
4- وقد أرسلتها عذراء بكرا ... لكفء وجهه يجلو الدّياجي
- 125- وقوله: (طويل)
1- يهنّأ مولانا الوزير بخلعة ... يلوح بها كالبدر بين دياجي
2- وشمل بتاج الدّين «3» نظّم عقده ... فكانا على الإسلام خير سياج
3- ولم تر عيني مثلها اليوم خلعة ... تسرّ وليّا أو تسوء مداجي
4- ولمّا رأت قدر الوزارة دونه ... أتته كما تأتى الملوك بتاج
- 124-
- 125-(19/87)
- 126- 61/ب وقوله: (كامل)
1- وصلت مقدّمة لها غرر المعا ... ني الزّاهرات الباهرات نتاج
2- كالرّوضة الغنّاء «1» ضاحك زهرها ... من جود كفّك عارض ثجّاج «2» «3»
3- حلّت بنادي الصّاحب ابن محمّد «4» ... فهي العروس ومن جلاها التّاج
4- بهرت «5» أشعتها فلا شمس الضّحى ... شمس الضّحاء ولا السّراج سراج
- 127- وقوله: (رمل)
1- صدقوا قد نظروا الورد مسيّج ... هل رأوه في عذار من بنفسج؟
2- عشق النّاس ولا مثل الذي ... همت وجدا فيه فانظر وتفرّج «6»
3- من رأى بدرا وغصنا ونقا «7» ... قد تجلّى وتثنّى وترجرج
- 126-
- 127-(19/88)
4- وجهه نسخة حسن حرّرت «1» ... ولها من عارض سطر يخرّج
5- ذو وشاح «2» مثل قلبي قلق «3» ... وإزار «4» مثل صدري منه يحرج
6- وأصمّ فتحت أسماعه ... بقواف كم بها يفتح مرتج «5»
7- قال شعر لك أم درّ على ... أنّه أبهى من الدّرّ وأبهج
8- قلت: تاج الدّين «6» فيه وصفه ... قال: هذا ملك الشّعر المتوّج
- 128- وقوله: (بسيط)
1- قد كنت في شدّة بالأمس قد عرضت ... فلم أبت أو أتى من عندك الفرج
2- وجاء صدر حكى صدر الوزير به ... تنسى الهموم التي في الصّدر تعتلج «7»
3- ومن شمائل «8» مولانا حلاوته ... ومن ثنائي عليه الطّيب والأرج
- 128-(19/89)
- 129- «1» وقوله: (وافر)
1- بكتبك راج لي أملي وقصدي ... وفي يدك النّجاح لكلّ راج
62/أ
2- ولولا أنت لم يرفع مناري ... ولا عرف الورى قدر السّراج
- 130- وقوله: (متقارب)
1- أفيّ تنظم ألغازكم ... وفيّ تخلد تلك الأهاجي
2- لينبيك «2» أنيّ أبو زيدها ... وما للسّروجيّ ما للسّراج
- 129-
- 130-(19/90)
- 131- «1» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- يا سيّدي خذ بالدّجاج ... فالنّار في قلب السّراج
2- لا سيّما وقد ابتدأ ... ت ولم يجب قصدا لراجي
- 132- وقوله: (خفيف)
1- ما علينا ضوء وقد أبطأ الشّم ... ع فقوّض بنا خيام الدّياجي
2- وتدارك منّا عليه ظلاما ... لم يكد ينجلي بنور السّراج
- 133- وقوله: (وافر)
1- كمال الدّين «2» صفحا عن مسئ ... عديم الصّبر منحرف المزاج
- 131-
- 133-(19/91)
2- فسامحني على ما كان منّي ... فما تخفاك لبلبة السّراج
- 134- وقوله: (طويل)
1- لقد نسيت عهدى أناس تبدّلوا ... وقد بدّلوا عذبا حلا بأجاج «1»
63/ب
2- تعامو أو غضّوا دون شخصي أعينا ... فما لهم من حاجة بسراج
- 135- وقوله: (خفيف)
1- بلّغتني أضعاف ما أنا راجي ... وأتاحت «2» مسرّتي وابتهاجي
2- يا فتى ينشئ الرّياض على الطّر ... س «3» بكفّ كالعارض الثّجّاج
3- فعلت بالعقول ما تفعل الصّه ... باء «4» صرفا ما لينّت بمزاج
- 134-
- 135-(19/92)
4- ومعان تضيء في أسود النّف ... س كشهب قد أشرقت في الدّياجي
5- قد أعارت ضياءها ألق الشّم ... س فماذا يجدي ضياء السّراج
6- ووردنا نميرها الصّافي العذ ... ب وجئنا له بمدّ أجاج «1»
7- وبإدراجها جواهر جلّت «2» ... عن دسوت الورّاق والأدراج
- 136- وقوله: (طويل)
1- يخاطبني قم فاقض حقّي مثله ... وإلا فمن عيبي وسبّي ما تنجو
2- وما أحد لابن الوجيه «3» بلا حق ... إذا امتدّ شوط في المكارم أو نهج
- 137- «4» وقوله: (رجز)
1- لمّا «5» رأيت البدر والشّمس «6» معا ... وقد انجلت دونهما الدّياجي
- 136-
- 137-(19/93)
2- حقرت نفسي ومضيت هاربا ... وقلت ماذا موضع السّراج
- 138- وقوله: (وافر)
1- بهاء الدّين «1» والدّنيا هناء ... بعيد طير أسعده سوانح «2»
2- نداك به نواحر للضّحايا ... وسعدك فيه للأعداء ذابح
- 139- 64/أوقوله: (وافر)
1- واهنأ بعيدك خاضبا «3» ... بالجزر «4» أفنية «5» البطاح «6»
- 138-
- 139-(19/94)
2- بصوارم مثل الشّقي ... ق جعلتها بعد الأقاحي «1»
- 140- وقوله: يمدح عزّ الدين بن مقدام بن عيسى «2» (وافر)
1- وميض البرق أم ثغر يلوح ... ونشر «3» المسك أم شنب «4» يفوح
2- أعاذل قد نصحت وليس وجدي ... بوجد يستشار له نصيح
3- أيخرق «5» خدّها منّي خيالا ... كليم القلب ناظره الذّبيح
4- مذقت «6» الدّمع بالدّم في هواها ... وخلف مدامعى ودّ صريح
5- ولست أعاف ورد الموت فيها ... ومعروف ابن عيسى لي مسيح
6- إذا استنجدت مقداما لأمر ... فنم والخطب ناظره طموح
7- يعاقب ماله من غير جرم ... وعمّا يجرم الجاني صفوح
8- فحرس المال يشكي «7» من يديه ... ولا عتب على شاك يصيح
9- لعزّ الدّين مقدام بن عيسى ... خلائق كلّها حسن مليح
10- سكون يرجح الأجبال وزنا ... وميّاد إذا تلي المديح
- 140-(19/95)
11- غدا تعبا بأعباء المعالي ... وما حمل المعالي مستريح
12- يشحّ بعرضه ويدرّ جودا ... ألا يا حبّذا السّمح الشّحيح
- 141- وقوله: (وافر)
1- ولي رزق يكدّره لئام ... ذبابهم يحطّ على جراحي
2- إذا وعدوا فلا سلموا فكلّ ... مسيلمة «1» يحدّث عن سجاح «2»
- 142- وقوله: (طويل)
1- أمولاي فتح الدّين «3» دعوة خادم ... يرى قدرك العالي يجلّ عن المدح
- 141-
- 142-(19/96)
2- له بلغة في الرزق أغلق بابها ... فيمّم باب الفتح في طلب الفتح
- 143- وقوله: (طويل)
1- ثناه إلى أوطانه شوق نازح ... ونار جوى تنبثّ بين الجوانح «1»
2- حليف غرام يستغشّ نصيحه ... وليس عذول في الغرام بناصح
3- ويشتاق من أعلام وجرة «2» منزلا ... غدت أسده طوع الظّباء السّوانح
4- أغار عليهم من ضميري فيا له ... هوى رابني حتّى اتّهمت جوارحي «3»
- 143-(19/97)
- 144- 67/ب وقوله: (خفيف)
1- عد لأوطان دولة لا أراها اللّ ... هـ من رأيك السّعيد انتزاحا «1»
2- سقتها نحوها غنائم من خي ... ل ومال سدّ الفيافي «2» الفياحا
- 145- وقوله: (خفيف)
1- عزمة صحّ فألها بالنّجاح ... بين ذي مخلب وذات جناح
2- من فهود ومن صقور حداها ... يمّها «3» في غدوّها والرّواح
3- أرسلتها سعادة الملك الصّا ... لح «4» فاستقبلت وجوه الصّلاح
4- ملك ضرّج الثّرى من دماء ... خلت زنكها «5» خدود الملاح
5- كلّ يوم من صيده عيد نحر ... في وحوش وفي عدى كالأضاحي
6- عوّد الخيل يوم صيد تصدا ... هـ ويوما تكنيه أمر الكفاح
- 144-
- 145-(19/98)
7- ضمّر دون سوطها يلهب البر ... ق وتشكو الكلال «1» هوج الرّياح
8- فهي قيد «2» الظّباء في كلّ قفر ... لم تفتها مثل القضاء المتاح
9- وضوار تودّ أنفسها من ... جدّة لو نزت على الأشباح
10- ما رأتها الوحوش إلا وقالت ... لا تحيدي فما لنا من براح
11- من مهاة ومن فرى «3» وغزال ... طال منها نواحها في النّواحي
12- مغنم قد أحلّه الله واللّ ... هـ تعالى من رازق فتّاح
- 146- 68/أوقوله: (بسيط)
1- يا طيب شربي «4» بأوقات الأصيل وقد ... تداول الشّرب أقداحا فأقداحا
2- شربتها وكأنّ الغرب نادمني ... فبات يشرب شمسا تشبه الرّاحا
3- ثمّ اصطبحنا فدرّت من أبارقها ... والشّمس من شرقها فارتحت وارتاحا
- 147- «5» وقوله: (طويل)
1- وصلت غبوقي بالصّبوح «6» وإنّما ... حياتي غبوق مسعد وصبوح
- 146-
- 147-(19/99)
2- ونبّهت عيداني ولم تعبث الصّبا «1» ... بعود «2» ولم ينطق عليه صدوح «3»
3- كأني سلبت الدّيك في الكأس عينه ... فقام مروعا من كراه يصيح
- 148- وقوله: (بسيط)
1- ما بعد قربك للآمال منتزح ... ولا على الدّهر بعد اليوم مقترح
2- قد يسّر الله منّا ما نسرّ به ... فراح كلّ فؤاد حظّه الفرح
3- لم يخف للرّشد منهاج على أحد ... والبدر يشرق والبرهان يتّضح
4- وللنّسيم شذى ما كنت أعهده ... لو لم يهبّ الشّذى الحضريّ «4» والمدح
5- بيوسف «5» وأخيه مصر باسمة ... وقد ثنى معطفيها «6» الدّلّ والمرح
- 148-(19/100)
6- الباذلين لما تحوي أكفّهما ... والعرض خلف حجاب ليس يلتمح
7- من معشر كسيوف الهند مضلتة «1» ... لكن يداوون يوم العفو ما جرحوا
8- هم غرّة في جبين الدّهر واضحة «2» ... من غير سوء ولكن غيرهم وضح
9- لهم مناقب «3» في سلك العلى نظمت ... وأصبحت هي ما بين الورى سبح
- 149- وقوله: (كامل)
1- قد كدت أقطع يوم عيدى طاويا ... وأعيش دون النّاس بالتّسبيح
2- وأريق من ندمي دمي إذ تنقضي ... أيام تشريق «4» بلا تشريح
3- وسرت أرائح من شرائح «5» جيرة ... يؤذي سراجا كان تحت الرّيح
4- لولا ابن عبد الظاهر الفتح الذي ... وافاني هينا من نداه «6» فتوحي «7»
- 149-(19/101)
- 150- 70/أوقوله: (وافر)
1- أعيذك أن أراك بعين شاك ... قذى «1» رمد مع القلب الجريح
2- وأرجو صحّتي لأراك إذ لا ... تقابل أنت إلّا بالصّحيح
- 151- «2» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- مالي نسيت وكنت من ... محفوظكم كالفاتحه
2- وغدت تكبلني «3» القري ... نة وهي عنكم نازحه
3- لكن بعيد الودّ ح ... قّ يد بطيب الرّائحه «4»
- 150-
- 151-(19/102)
- 152- وقوله: (سريع)
1- نجلّك «1» القابل للمدح ... يبشّر القائل بالنّجح
2- ورأس مالي حسن ظني ولا ... بدّ لرأس المال من ربح
- 153- وقوله: (سريع)
1- تخلو همومي بي وأخلو بها ... طول ليال ما لها من صباح
2- طار الكرى عن وكره والدّجى ... غرابه فيه مهيض «2» الجناح
3- ولو سألت اللّيل عن صبحه ... لقال ألهته الوجوه الصّباح
4- وقال سامرت نجوم السّما ... مذ غرّبت عنك بدور السّماح
- 154- وقوله: (متقارب)
1- إذا ما استعنت على حاجة ... بوجهك هذا الصّبيح المليح
2- تيّقنت فها حصول النّجاح ... وصحّح ظني الحديث الصّحيح
- 152-
- 153-(19/103)
- 155- وقوله: (سريع)
1- أنهي لمولاي الذي حلّ بي ... من ألم قد قال لي لا براح
71/ب
2- ولا أطيل القول منه وقد ... سلّ قوى جسمي جميعا وراح
- 156- «1» وقوله: (سريع)
1- يا لحظة أثخنت قلبي جراح ... كأنّ قتلي لك أمر مباح
2- يا مهج العشّاق ماذا جنت ... عليك في الحبّ عيون الملاح
3- غرتك من أجفانها فترة ... وكيف يغترّ بلين الصّفاح؟ «2»
4- أما على ألحاظ من قتلنا ... من قود «3» أو حرج «4» أو جناح؟ «5»
5- لاقى الدّجى من شعره بالدّجى ... والصّبح من طلعته بالصّباح
6- وزار والنّجم قصير الخطى ... في السّير والنّسر «6» مهيض الجناح
- 156-(19/104)
- 157- وقوله: (هزج)
1- زففت البكر من مدحي ... لمن يهجى ولا يمدح
2- وقد عادت بخاتمها ... وذاك البعل ما أفلح
- 158- «1» وقوله: (وافر)
1- أعد مدحي عليّ وخذ سواه ... فقد أتعبتني يا مستريح
2- ولا تغضب إذا أنشدت يوما ... سواه وقيل لي هذا الصّحيح
- 159- وقوله: (مجزوء الرجز)
1- قنطرة قد بنيت ... وصوّرت من الملح
2- يكاد من يبصرها ... يطير عجبا وفرح
3- قد كملت أوصافها ... من كلّ حسن مقترح
4- كأنّما ارتفاعها ... في ذروة قوس قزح «2»
- 159-(19/105)
- 160- 72/أوقوله: (وافر)
1- لمن أشكو لمن والنّاس سمح ... فقير أو غنيّ غير سمح
2- فلم أبلغ بمدحى رأس مالي ... فلست مصدّعا رأسي بمدح
- 161- وقوله: (كامل)
1- بينا أفارق رجفة مرهوبة ... لاقيت من أخرى فراق الرّوح
73/ب
2- فإذا انقضت هذى تراءت هذه ... كترادف الأمواج يوم الرّيح
- 162- وقوله: (رمل)
1- نحن نفديك من السّوء فعش ... تصحب الصّيحة العمر الفسيحا
2- وإن استقللت أن تفدى بنا ... فبكبش قد فدى الله الذّبيحا «1»
- 162-(19/106)
- 163- وقوله: (مجزوء الرجز)
1- لمّا تجلّى وجه من ... أهواه جنّ الكاشح «1»
2- فقلت هذا الوجه عذ ... ري قال عذر واضح
- 164- وقوله: (كامل)
1- بك قد تيمّنت «2» الملوك الصّيد «3» ... إذ حيث سرت تيسّر المقصود
2- يخفي بياض الثّلج عنك مسالكا ... كانت كفايتها اللّيالي السّود
3- وبدا جبينك في الدّجى فكأنّه ... فيهنّ من فلق «4» الصّباح عمود
4- ما بين أودية وبين شواهق ... للخيل منحدر بها وصعود
5- قد أقسمت أكوارها «5» وسروجها ... لا سار في ظهر بمثلك عود
- 163-
- 164-(19/107)
- 165- وقوله: (طويل)
1- وما لي والإسهاب وهي مناقب ... بأيسرها يننى الكلام وينند
2- ولكن تولاني وفي الحسن «1» واله ... يقوم بسكري إن غدا السّكر يتعد
3- صفات عليّ «2» فى بنيه تدلنا ... على كرم أدّاه للفرع محتد
74/أ
4- هم القوم أمّا دينهم فمشدّد ... متين وأمّا مجدهم فمشيّد «3»
5- يزيدون حسّادا على النّعم التي ... تزيد ألا إنّ الكريم محسّد
6- ترجّيهم حلما وتخشاهم «4» سطا ... وعند المواضي الصّفح والحدّ يوجد
- 166- وقوله: (بسيط)
1- حاشى يدا كم لها في العالمين يد ... ومن صنائع شتّى ما لها عدد
2- وفي الطّلوع لها فأل وما برحت ... فوق الغمام ولم يدرك لها أمد
3- ومذ شكت فأخوها البحر من فلق ... يلوح قبل أبيب «5» فوقه الزّبد
- 165-
- 166-(19/108)
4- زيد تشرّف منكم بالجوار علا ... قدرا وهذا قياس راح يطّرد
- 167- وقوله يذكر الجامع بدير الطين «1» (طويل)
1- بنيتم على تقوى من الله مسجدا ... وخير مباني العابدين المساجد
2- فقل في طراز «2» معلم فوق بركة ... على حسنه الزّاهي لها البحر حاسد
3- لها حلل شتّى ولكن طرازها ... من الجامع المعمور بالله واحد
4- هو الجامع الإحسان والحسن والذي ... أقرّ له زيد وعمرو وخالد «3»
5- وقد صافحت شهب الدّجى شرفاته» ... فما هي بين الشّهب إلّا فراقد
- 167-(19/109)
6- وقد أرشد الجيران «1» عالي مناره ... فلا حائر عنه ولا عنه حائد
7- ونالت نواقيس الدّيارات وجمة «2» ... وخوف فلم يمدد إليهن ساعد
8- تبكّى عليهنّ البطاريق في الدّجى ... وهنّ لديهم ملقيات كواسد
9- (بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد) «3»
- 168- «4» 75/ب وقوله (طويل)
1- ودائرة في الأرض لا تطعم الكرى ... لها مقلة كلّا ولا تشتكي السّهدا
2- لها حافر يحفى وينعل تارة ... وقد ينتهي قربا وقد ينتهى بعدا
3- وتبدي فما رحبا يقبّل بعضه ... وريقته تهدي لأكبادنا بردا
4- ويمتاحها منّا مقيم وسائر ... فتوسع ذا جودا وتوسع ذا رفدا
5- وقد أخذت فيها الشيّاطين حظّها ... فذا هابط غورا وذا صاعد نجدا
- 169- 76/أوقوله: (رجز)
1- وفاتك بجرح سيف لحظه ... مجرّدا من جفنه ومغمدا
- 168-(19/110)
2- خاف على خدّيه من لحاظه ... فبات في عذاره مزرّدا «1»
- 170- وقوله: (رمل)
1- إنّ عيني وهي عضو دنف «2» ... ما على من كابدته «3» جلدا
2- ما كفاها بعدها عنك إلى ... أن دهاها وكفيت الرّمدا
- 171- وقوله: (رمل)
1- هربت هرّة بيتي يوم عيدى ... فانظروا هل تمّ هذا السّعيد «4»
2- وازدرتني إذ رأت لي مطبخا ... أبيض اللّون كقرطاس الوليد
3- ووجوها من عيالي أصبحت ... غير بيض وقدورا «5» غير سود
4- أفلا تمعن عنّا هربا ... ولو أنّا موثقوها «6» بالقيود
- 169-
- 170-
- 171-(19/111)
5- أين أعياديّ واللّحم بها ... يشتوي بين غريض «1» وقديد «2»
6- وأضاحيّ التي من دمها ... ظالما ضرّجت خدّا للصعيد «3»
7- تلك أيّامي التي قاد لها ... جود شمس الدّين «4» يا أيّام عودي
- 172- 77/ب وله يرثي حمارا: (وافر)
1- برغمي إن خلت منه المذاود «5» ... وراحت عطّلا منه القلائد
2- وغودرت الأعنّة «6» ملقيات ... بلا كفّ يحاذيها «7» وساعد
3- خلت منه مراغته «8» وكانت ... تعشّره «9» (وتألفه) الملابد «10»
4- تدمّث «11» تحت جنبيه الحشايا «12» ... وتلقى تحت خدّيه الوسائد
5- وأوحش طابقا «13» ما زال يمضي ... لديه والرّياح به رواكد
- 172-(19/112)
6- وأثّر سيره في كلّ سير ... وخدّه ما ضغيه «1» في الحدائد
7- وما ثنت الصّرائم «2» منه رأسا ... ولا ردّته- حاشاك- المقاود
8- وكابدت البرادع «3» فقد حزم «4» ... فوا أسفي لمفقود وفاقد
9- غدت خلف السّوابق بالمنايا ... ولم تفت المنايا من مطارد
10- أنصّ «5» زناقه فالخيل عطل ... وجاد بنفسه أفديه جائد
11- هي الأيّام تصدع كلّ قلب ... وهل يبقى على الأيّام خالد
12- وأدركت المنون أبا زياد ... وكان البرق دون نداه قاعد
13- يسير ووطؤه فى السّهل سهل ... كما يطأ الجلامد بالجلامد
14- بأربعة الأهلّة سمّروها ... على إيماض برق بالفراقد
15- إذا ضرب اللّجام له وغنّى ... فدع عنك الأساحق «6» والمعابد «7»(19/113)
16- يقارن بالحباق «1» له نهاقا ... هما شيئان والسّمعان واحد
17- رنا «2» فرثا «3» بأ ... ر قبل عين ... وشيطان الحمير نقيب مارد
78/أ
18- «4» ومزوزر «5» في سمعيه تلقى ... فراح يقيم خمسا غير ساجد
19- تخاف الأتن «6» منه شقّ ميم ... لها ويراعه في الصّاد زاهده
20- وما أدري له من أين هذا ... بلى أدري وقد تعدي العوائد
21- سبال «7» أبو الحسين «8» له عذار ... وحبّك للعذار للعذار عليك شاهد
22- ولو زينت محاسنه بنتف ... وحلق لم تجد كأساك «9» واحد
23- يحطّم منه ثغرا لا نيابا ... ولا أنياب فيه ولا زوائد
24- وكنت مزاحما «10» منه بشيخ ... يشقّ به المحافل والمحاشد
25- نجوب به البلاد فمستقيم ... وهاو تارة فيها وصاعد(19/114)
26- وليس يهوله أمد «1» بعيد ... ولو أقحمته دربند آمد
27- وكم من ليلة في الخان قامت ... به في عانة «2» الحمر العرابد
28- وسقّط من أتان ثمّ خلّى ... وأحبل حائلا بين المساهد «3»
29- وكم كسرت أساطين «4» عليه ... وعند الن.. اك كم هانت شدائد
30- تكسّر وهو مشغول مكّب ... على أكفالها وعلى المذاود
31- وكم قلب المرابط في ربيع ... وأيقظ في دجاها كلّ هاجد
79/ب
32- فمن سبب «5» يراجفه «6» وودّ «7» ... يشعّبه «8» ويقطع منه زائد
33- ولم لا والخليل غلام يحيى ... يعاني ذا ويرغم من يعاند
34- هو الغاوي «9» ولا عجب لفاو ... ويتبع شاعرا جمّ الفوائد
35- لو أنّ ابن الحسين «10» رأى أباه ... لقد ألقى إليه بالمقالد(19/115)
36- فذا لا ذاك إن أنصفت حكما ... ضجيع الجود منه أيّ ماجد
37- وأولى أن يقول أزائر يا ... خيال طرقتني أم أنت عائد
38- ودع عنك الوليد «1» فنكر هذا ... إذا أنكرت أنتج للولائد
39- وإن حسنت قصائد من حبيب «2» ... فدا حسن التصايد والمقاصد
40- لو الفتح بن خاقان «3» رآه ... لقلّد من محاسنه القلائد(19/116)
41- ولو يحيا كشاجم «1» كان عبدا ... ليحيى في مصنّفه الفوائد
42- ولو وقعت شوارده إليه ... لزان بها المصايد والمطارد
43- ومن لأبي نواس «2» لو رآها ... مفاخرة كبت بها الحواسد
44- وميّز قول تلك وذاك فيها ... وتفضيل الجراء «3» على الجرائد «4»
45- ستاك أبا زياد كلّ جون «5» ... ملثّ القطر «6» مرتجز «7» الرّواعد(19/117)
46- تشقّ عليك من حرق جيوبا ... وإن أحسست منها القلب بارد
47- ولو بالغت قلت يمين يحيى «1» ... ولكني على هاتيك حاسد
- 173- وقوله: (طويل)
1- أمولاي فخر الدّين «2» عمّرت منزلي ... وعمّرت من ذهني سراجا موقدا
80/أ
2- بعثت بقمح لؤلؤى نثرته ... فخذ من ثنائي جوهرا متنضّدا
3- وقد كان لي بيت من الفار مقفر «3» ... فلمّا عمرت البيت جاءته حشّدا
4- وطابت «4» لنا طابونة شاب فودها ... فعاودها عصر الشّباب كما بدا
- 173-(19/118)
- 174- وقوله: (بسيط)
1- من يحفظ الفيل «1» بعد الشّبل والأسد ... هيهات والموت لا يبقي على أحد
2- من يجمع الشّمل من يرضي العشيرة من ... يجلو الضّرورة من يهدى إلى الرشد
3- لم يبق فوق بسيط الأرض من أحد ... إلا ثنته حزينا صبحة الأحد
4- وجدّدت لي في يوم الخميس أسى ... لم يجر «2» مشبهه يوما على أحد
5- ما أغفل النّاس عن هذا وكم نظروا ... في والد عبرا شتّى وفي ولد
6- أجدّ فقد ابن موسى «3» مثل والده ... فياله كمدا وافى على كمد
7- لو كنت بالجانب الغربيّ حين قضى «4» ... فيه ابن موسى لناديت الحمام قد «5»
8- ما بعده غاية يا موت تطلبها ... وصلت للشّهب فى ترقاك فاتئد
9- يزيد في كلّ يوم علم تجربة ... حتّى أتيح له يوم بغير غد «6»
10- سقى الحيايا بني يغمور «7» أعظمكم ... فطالما جدتم والغيث لم يجد
- 174-(19/119)
- 175- 81/ب وقوله: (طويل)
1- وكانت لك الدّنيا فعشت سعيدا ... وأومت لك الأخرى فمتّ شهيدا
2- رأى اليمن العزم الذي كنت شاهرا ... ففلّ لقيس عسكرا «1» وحشودا
3- لعرضك تعلو راية يمنيّة ... تنير وجوها للحوادث سودا
4- وأوديت قيسيّ الملابس من دم ... جرى فأبى دمع العيون جمودا
5- كذلك يكسو نفسه كلّ صارم ... يمان فسل هاما به ووريدا
- 176- 81/ب وقوله: (مجزوء الرجز)
1- لو وجد اللّائم بعض ما وجد ... في الحبّ ما فنّده «2» هذا الفند
2- يسومه «3» صبرا وما أبقى الهوى ... تالله لا صبرا له ولا جلد
3- سل بي وقد حمّ «4» الفراق موقفا ... ألزم فيه كبدا منّي بيد
4- يضمّنا طيب عناق ضيقه ... قد ألف الرّوجين منّا في جسد
5- كدنا وقد رقّ العتاب بيننا ... نحلّ من عزم الفراق ما انعقد
- 175-
- 176-(19/120)
6- إنّ ابن موسى «1» فى الكرام واحد ... أعيذه بقل هو الله أحد
7- تلا أباه في العلا وحبّذا ... كيف جرى ذاك القياس واطّرد
8- ما أجدر «2» الفرع بسرّ أصله ... وأخلق «3» الشّبل بأخلاق الأسد
82/أ
9- من آل يغمور الذين مجدهم ... تشابه الوالد فيه والولد
10- قل لحسود قد عوى سماءهم ... لما رأى شهابهم وقد وقد «4»
11- لا تعبأ «5» الأسد بذؤبان الفلا ... إذا عوت فكيف تعبا بالنّقد «6»
12- سل بهم ليل القتام «7» إذ دجا ... وسمرهم توقظ أجفان الزّرد
13- وبيضهم عارية لكنّها ... من الجساد «8» قد تبدّت في جسد
14- مخضرّة محمّرة كأنها ... آس عذار من شقيق فوق خد
- 177- وقوله: (رجز)
1- سطّرها المملوك وهو أضرمد ... يخال أنّ الصّبح ليل أسود(19/121)
2- يمسي بليل العاشقين دمعة ... لا تنتهى، ومقلة لا ترقد
3- كلّ على إنسان عيني «1» عطفت ... كأنّ إنساني لديها ولد
4- وقوعد البرّ فطام ناظري ... منها فهل ينجز ذاك الموعد
5- وهل لطبّ المصر منّي راحة ... فكلّهم في تعب منكّد
6- ملّوا إليّ البرّ والبحر معا ... ذا مزبل «2» الطّرق وهذا مزبد
7- بل سئموا السّخرة «3» لا كاغدة «4» ... فيها من الورّاق ما ينتقد
8- ولو أتى فيهم حنين لم يرح ... إلا بخفّيه وذا مطّرد «5»
9- سعيدهم بالمدح موعود معي ... وذو الشّقاء بالهجا «6» مهدّد
10- وعوّدى ملّوا وشرّ الدّاء أن ... تعيا الأساة وتملّ العوّد
11- ولم يكن مطل الطّبيب عادتي ... وإنّما العزيز ما لا يوجد
- 178- 83/ب وقوله: (متقارب)
1- أيا ربّ من ظنّني عاجزا ... عن القول والقول عندي عتيد «7»
- 177-
- 178-(19/122)
2- يراني في الحلم عن جهله ... معاوية «1» وهو فيه يزيد «2»
- 179- وقوله في رثاء صندل الزّمام: «3» (طويل)
1- وكان سداد «4» الباب عن مسلك الهوى ... وصاحب رأي كم هدى بسداده
2- وسترا على السّتر الرّفيع بهاؤه ... به ويزين السيف حسن نجاده
3- وقالوا المقاصيريّ في وصف صندل ... لفأل جرى بالسّعد قبل ولاده
4- وكانت مقاصير الجنان محلّه ... وساد وقد أمست مقرّ وساده
5- ولمّا غدا إنسان عين زمانه ... بدا النّور شفّافا لنا في سواده
6- وبيّض إسلام النّجاشيّ وجهه ... وقيصر داج وجهه بعناده
- 180- وقوله: (كامل)
1- أصبحت رجسا للئام من الورى ... ولظالم يبغي عليّ ومعتد
- 179-(19/123)
2- وأظنّهم لم يسمعوا بمدائح ... خلّدتها في أحمد بن محمّد «1»
- 181- 84/أوقوله: (مجزوء الكامل)
1- النّار في كبد السّرا ... ج «2» وقلب إبراهيم جدّا
2- شوقا إلى المولى الوزي ... ر سقى العهاد لديه عهدا
3- ويزيد إبراهيم نا ... ري عند بثّ «3» الوجد وقدا
4- لكنّها يوم السّلا ... م على الوزير تكون بردا
- 180-
- 181-(19/124)
- 182- «1» وقوله: (مجزوء الرجز)
1- ناديت يا سيف فما ... أجاب حرفا للنّدا
2- أندب سيفا مغمدا ... في لحده مجرّدا «2»
- 183- «3» وقوله: (منسرح)
1- جاء عذار الذي أهيم به ... فجدّد «4» الوجد أيّ تجديد
2- وظنّه آخر الغرام به ... مفنّد جاهل بمقصودي
3- وما درى أنّ لام عارضه ... لام ابتداء ولام توكيد «5»
- 184- وقوله: (مجزوء الرمل)
1- منزلي في ذلك البرّ ... وفي ذا البرّ زادي
2- ولتفريطىّ ما أبقي ... ت شيئا للمعاد
- 182-
- 183-(19/125)
- 185- وقوله: (بسيط)
1- هبني سراجا طوال «1» اللّيل توقده ... هل ذلك الزّيت يكفيه مع الأبد
2- جدّد تفقّده كيما تراه غدا ... رطب اللّسان «2» بشكر غير مفتقد
- 186- وقوله: (خفيف)
1- للطّواشي الرّشيد «3» بركة ماء ... زيّنتها دساتر «4» كالهّود
2- صيغ فيها صوالج «5» من لجين ... كانعطاف الأصداغ فوق الخدود
3- وتدانت منها الأعالي فقامت ... خيمة في الهوا بغير عمود
- 185-
- 186-(19/126)
85/ب
4- يا لها خيمة لطيب مقام ... لا لتجهيز عسكر وجنود
5- ولديها ليثان قد جحدا خو ... ف سطاه إذ فاق بأس الأسود
6- ليس فيما رأيت أحسن منها ... غير خلق من الشّهاب رشيد
- 187- وقوله: (مجزوء الرمل)
1- يخرج الطّيب سهلا ... من يد تسدي النّدا
2- والذي يخبث لا ي ... خرج إلّا نكدا
- 188- وقوله: (سريع)
1- لي فقير وهو أغنى الورى ... بالحسن جلّت قدرة الواحد
2- قلت له لمّا بدا وانثنى ... كالبدر فوق الغصن المائد
3- قف نتنادم ساعة قال لي ... تقول يا ورّاق بالشّاهد
4- قلت وللقاضي فنادى إذا ... ما بيننا للودّ من عاقد
- 189- وقوله: (مجزوء الرمل)
1- لست أنسى لمشيبي ... يده البيضاء عندي
2- مؤنسي باقي عمري ... وضجيعي عند لحدي(19/127)
- 190- وقوله: (وافر)
1- أبا العبّاس تاج الدّين أحمد «1» ... دعوتك في مهمّ قد تجدّد
2- أرى بصري وإن أضحى صحيحا ... له فيما أرى نظرات أرمد
3- كأنّ الشّيب يسرق نور عيني ... فينقص ذا إذا ماذا يزيّد
4- وفي كحل الوزير شفاء عيني ... ولو نوّلت «2» منه حمل مرود
5- وليس قليله عندي قليلا ... وإعطاء القليل فما تعوّد «3»
- 191- 86/أوقوله: (كامل)
1- وصلت ضحيّتك التى أرسلتها ... ووصولها أنّى «4» بقيت معاد
2- ولسوف تلقى كلّ أضحيّة غدا ... ما تلتقيه عداك والحسّاد
- 190-
- 191-(19/128)
- 192- وقوله: (متقارب)
1- أأفرح بابن أتى والمشي ... ب بيّض «1» فودى بعد السّواد
2-وماذا أقول لأهل العقول ... إذا ما زرعت أوان الحصاد؟
- 193- وقوله: (بسيط)
1- كانت سطورك ترياقا «2» لقيت بها ... ذاك الشّجاع «3» فعاد السّم لي شهدا
2- وكان غايتها أرجوه كفّ أذى ... فأتبع الكفّ بالإحسان منه يدا
- 194- وقوله: (رمل)
1- ولئيم جئته في حاجة ... فتأمّى وتأبّى «4» وتمردك «5»
2- ودعالي أنا جهرا وهو لو ... كان سرّا قلت سرّا أنت وحدك
3- قال لا أحوجك الله إلى ... سفلة «6» قلت له آمين بعدك
- 192-
- 193-
- 194-(19/129)
- 195- وقوله: (مجتث)
1- خفّفت عنك زمانا ... لأن أنقّل «1» قصدا
2- وقد خلعت حياء ... أمالني عنك صدّا
3- وما أجاور «2» بحرا ... من راحتيك وأصدا
- 196- وقوله: (متقارب)
1- أغرى اهتمامك يا أمجد ... فقدري من غيظها تزبد
2- وصومي والبرد قد أقبلا ... ومطبخنا فيها أرمد
- 197- 87/ب وقوله: (كامل)
1- مولاي لاقتني الخطوب بأوجه ... صلبت وظنّي أنّها جلمود «3»
2- هيهات بل هي من حديد لم تكن ... لتلين لي ولو أنّني داود «4»
- 195-
- 197-(19/130)
- 198- وقوله: (خفيف)
1- لم يعدني محمّد «1» مذ تشكّيت ... وكم جئته وحاشاه عائد
2- وهو لا ينكر السّراج وكم ض ... مّهما في المساء وقت واحد
- 199- وقوله: (مجزوء الوافر)
1- وقالوا امدح فلان الدّي ... ن فهو اليوم مقصود
2- وما في ذاك من بأس ... فقلت لهم ولا جود
- 200- وقوله «2» : (كامل)
1- خدمي علما ذا البيت تشهد لي بها ... عصر الشّباب وأين ذاك الشّاهد
- 198-
- 200-(19/131)
- 201- «1» وقوله: (بسيط)
1- ما كان رأيك محمودا بمدحته ... فقلت بل كان رأيي فيه محمود
2- ووجّهه شاهد ينبيك عن خبري ... والباء في خبري ليست بموجود
- 202- وقوله: (سريع)
1- قد عقد الإفلاس لي توبة ... ما خلتها من قبله تنعقد
2- وقد كفاني واعظا زاجرا ... أنّ من العفّة ما لا نجد
3- وجاء شيبي ليزيد الجفا ... فقلت يكفي ما جرى لا تزد
- 203- 88/أوقوله: (سريع)
1- كن قاطعا من قطع القدّه «2» ... وسلّ عنه النّفس بالوحده
2- لا تمخضن «3» فكرك في مدحه ... فذاك من لا عنده زبده «4»
- 201-
- 203-(19/132)
- 204- 89/ب وقوله: (رمل)
1- نجل شمس الدّين «1» من أنعامه ... وهو في المهد به جيدي مقلّد
2- فمتى خفت الأذى من زمني ... قلت في وقع الأذى يا لمحمّد
- 205- 90/أوقوله: (متقارب)
1- أيّا خاضب الشّيب حتّى متى ... تسوّده وهو يستعبدك
2- وما حاجة لشباب غدت ... تسوّد وجهك فيه يدك
- 206- وقوله: (كامل)
1- أبناظري «2» في حبّ من أحببته ... هاك الدّليل وما أراك تعاند
2- الصّبح طلعته وهذا واضح ... واللّيل طرّته وهذا وارد
- 207- وقوله: (بسيط)
1- وقائل عهده بالنّاس مذ زمن ... وقد رآني غريب الدّار في بلدي
- 204-
- 206-(19/133)
91/ب
2- ما فطّروك بهذا الصّوم قلت له ... ما فطّروني ولكن فطّروا كبدي
- 208- وقوله: (منسرح)
1- وغادة بالحساب عالمة ... لذهنها في الحساب تسديد
2- ما رضيت مذ خدمتها عملي ... لأنّه ليس فيه تجويد
3- قلت لها فاستو فيه فابتسمت ... وماس منها بالعجب أملود «1»
- 209- وقوله: (خفيف)
1- صارأ ... ري دجاجة تخصن البي ... ض برغمي وعن قليل ينادي
2- الملاح الملاح ويلي عليه ... والملاح الملاح جلّ مرادي
- 210- «2» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- حاشاك ترضى للرّجا ... ء خلوة من فائده
2- لا الأنزروت «3» به بعث ... ت ولا دعاء الوالده
- 208-
- 210-(19/134)
- 211- «1» وقوله: (طويل)
1- وقفت بأطلال الأحبّة سائلا ... ودمعي يسقي ثمّ عهدا ومعهدا
2- ومن عجب إنّي أودّ ديارهم «2» ... وحظّي منها حين أسألها الصّدى
- 212- وقوله: (طويل)
1- إذا ثبتت بين القلوب مودّة ... فلا تخش من نقض بنقل الحواسد
92/أ
2- وما حاجة أدلي إليك بحجّة ... وقلبك للورّاق أعدل شاهد
- 213- وقوله: (بسيط)
1- قواي تضعف عن همّ خصصت به ... فكيف أحمله مع همّ أولادي
2- ومن شكا ألما يؤذيه في كبد ... فإنّ شكواي من آلام أولادي(19/135)
- 214- «1» وقوله: (مجزوء الرمل)
1- فابق مجد الدّين «2» عن مج ... دك يهوي «3» الفرقد
2- وتصدّق بوفاء الكي ... ل فهو المقصد
3- ووفاء النيل «4» مذجا ... ريته لا يجحد
4- وهو ثان لك قد ن ... صّ على ذا المفرد
- 215- وقوله: (بسيط)
1- لي من أبيك سقاه الغيث ماطره ... مكارم لست أنساها إلى الأبد
2- ولي غريم غدا كالذّئب يختلني ... وما درى أنّ خلفي سطوة الأسد
- 216- وقوله: (كامل)
1- مولاي شمس الدّين «5» يا من ضوؤه ... بخلاف ضوء الشمس يشفي الأرمدا
- 214-
- 216-(19/136)
2- وكّلت عيني بالطّريق لموعد ... قدّمته لا زلت تنجز موعدا
3- ولقد جلبت لها الضّياء بهمّة ... جلبت لها من أصفهان «1» الإثمدا «2»
- 217- 93/ب وقوله: (كامل)
1- أمطهّر بن الطّاهر بن مناسب ... رفعت على قمم الكواكب مجدها
2- امدد يدا لي بالكساء فإنّ لي ... رجلا تؤمّل في كسائك حدّها
- 218- وقوله: (طويل)
1- إذا أنا يممّت الوزير بمدحة «3» ... تيقّنت عقباها «4» الجوائز والرّفدا
2- وخفت إذا أنشدته حذق «5» نقده «6» ... فأرجو له نقدا وأخشى له نقدا
- 218-(19/137)
- 219- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- يا كاتبا أحيا البلا ... غة منشئا أو منشدا
2- فلذاك لم يبعث «1» من ال ... فضلاء بالمحنى سدى
- 220- وقوله: (خفيف)
1- لم يعدني محمّد «2» مذ تشكّيت ... وكم جئته وحاشاه عائد
2- وهو لا ينكر السّراج وكم ض ... مّهما في المساء وقت واحد
- 221- وقوله: (طويل)
1- وأذكرنني أيّام صيدك نزهة ... تقوم لها أيّام دهري وتقعد
2- مطارد وحش أو مطار عصائب «3» ... من الطّير خدّ الأرض منها تورّد
3- تباري لها خيل الوزير صقوره ... وأسهمه علوا إلى الجوّ تصعد
- 219-
- 220-
- 221-(19/138)
4- ليهنك للطّير انقضاض إلى الثّرى ... وللخيل مرقى في الهواء ومصعد
5- فلا تنكرن حاليهما في مواقف ... هنالك فيهنّ الجوارح «1» تشهد
- 222- وقوله: (وافر)
1- ذكرت بنيّ والأهوال بيني ... وبينهم وأهواء الأعادي
94/أ
2- فياربّ العباد أجر طريدا ... ببابك فرّ من جور «2» العباد
3- تشفّع بالرّسول أجلّ خلق ... يقوم غدا شفيعا في المعاد «3»
4- أناخ رجاءه بحمى عزيز ... ومدّ يد السّؤال إلى جواد
- 223- وقوله: (خفيف)
1- طال إصغاء مسمعي للوساد ... طول ليلي أطال ذيل السّواد
2- وكأنّ الصّباح مات وقد سنّ ... ت «4» عليه النّجوم لبس الحداد
- 222-
- 223-(19/139)
- 224- وقوله: (وافر)
1- وجارية ظنناها غلاما ... بفترة مقلة ونشاط قدّ
2- رآها الشّيخ فانبعثت قواه ... وبشّر بالشّباب المستجدّ
3- وأتبع ردفها نظرا فقالت ... أظنّ الشّيخ من أكناف «1» نجد
- 225- وقوله: (طويل)
1- ومملوكة لي كلّما رمت وطأها ... أقبّلها شرطا عليّ مؤكّدا
2- ولم تبد لي ثغرا نقيّا «2» مفلّجا «3» ... فأعذر أو خدّا أسيلا «4» مورّدا
3- ولكن ردا «5» ما اعتدت شيئا ألفته ... وكلّ امرئ جار على ما تعوّدا
4- فوجهي على وجه لها كلّ ليلة ... ويوم إذا جوا «6» إنّ ذا نافعي غدا
5- وغسلي لا من وطئها بل لوطبها «7» ... ترى كلّ يوم ذاك منّي مجدّدا
6- وما يعدم الواطي لها منه حملها ... وإن كان حملا ليس يعقب مولدا
7- وها هي في عشر الثمانين وهي لا ... تردّ مع الأيمان من لامس يدا
- 224-
- 225-(19/140)
- 226- 95/ب وقوله: (متقارب)
1- سألت (صديقا) «1» بأمر الورى ... خبيرا بصيرا بطرق الهدى
2- أغيض النّدا من أكفّ لهم ... فجاوبني منشئا منشدا
3- إذا غيض طوفان «2» نوح «3» فما ... تعجّبنا أن يغيض النّدا
- 227- وقوله: (بسيط)
1- صار الثّلاثا «4» ليوم السّبت أفّ «5» على ... حظّي فأفّ فما حقّى أرددها
2- ألهاني الهمّ عن نعتي وأفّ بها ... ما زال يطفى سراج اللّيل موقدها
- 226-
- 227-(19/141)
- 228- وقوله: (سريع)
1- مولاي فخر الدّين «1» أرسلتها ... أشكر للصّاحب «2» فيها يدا
2- فاقصد بها عنيّ أبوابه ... دامت مدى الدّهر لنا مقصدا
- 229- 96/أوقوله- ويورّي بثابت الكسككائي وليس في القاهرة إذ ذاك من يعملها سواه-: (خفيف)
1- جاءني القمح تلوه «3» ثمن اللّح ... م فعيدى لا شكّ عيد سعيد
2- وطبخت الكسكاك «4» من ذا وهذا ... فأنا اليوم ثابت ويزيد
- 230- وقوله: (مجتث)
1- لي عادة من أيادي ... ك يا لها من عوائد
2- فعد بها فلحالي من ... ها طبيب وعائد
- 228-
- 229-(19/142)
- 231- وقوله: (متقارب)
1- وقد كنت في عنفوان «1» الشّباب ... أوافق أيرى على ما يحب
2- فأعتبه «2» وهو لا يرعوي «3» ... وأجذبه وهو لا ينجذب
97/ب
3- ووالى جفاه وولّى قفاه ... وما في يدي درّة «4» المحتسب «5»
- 232- وقوله: (طويل)
1- أمولاي هذا مادح وابن مادح ... أتى فيك يرجو ماجدا وابن ماجد
2- ويسأل إنجازا لوعدك إنّ من ... شعار الكريم الحرّ صدق المواعد
3- فأمر لعمّال الصّناعة إنّما ... صناعتهم في المطل رفع القواعد
- 233- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- ولسانه قد كلّ حت ... ى قلّ منه كلّ شاحذ «6»
- 231-
- 233-(19/143)
2- وبعذره إذ لم يجد ... للقول نهجا «1» قطّ نافذ
3- وبحقّه وهو المز ... يّف «2» أن يخاف من الجهابذ «3»
4- هبني اجترأت فأين من ... شوك القنا شوك القنافذ
- 234- وقوله: (كامل)
1- شمس كما قد تعلمون مقرنز «4» ... جعل السّها «5» من نظمه أفلاذا «6»
2- وله أشار ابن الحسين «7» بقوله ... (أمساور أم قرن شمس هذا) «8»
- 235- وقوله: (طويل)
1- أمولاي عزّ الدّين «9» كم قال شاعر ... خليليّ مسرورا بها متلذّذا
- 234-
- 235-(19/144)
2- وأنت وفخر الدّين «1» أدعو كما معا ... خليلىّ لا بل سيّديّ وفوق ذا
98/أ
3- وبينكما ما خاب قصد مؤمّل ... وبيتكما الدّارىّ «2» كالمسك والشّذا
- 236- وقوله: (متقارب)
1- شكوت لها لهبا في الحشى ... فقالت وكلّ سراج كذا
2- فقلت ولم تبعيدني إذا ... فقالت بنارك أخشى الأذى
- 237- وقوله يهنئ بخلعة زرقاء: (بسيط)
1- وخلعة إن بدت لون السّماء لنا ... فقد بدا منك ما يزهى على القمر
2- قالت سعادة مولانا لصانعها ... دعها سمائية تمضي على قدر
- 238- وقوله: (مجزوء الوافر)
1- وخفت عليه من نظري ... ففاض الدّمع وابتدرا
2- ولم يظفر بحلو العي ... ش من لا يلعق الصّبرا «3»
- 238-(19/145)
- 239- 99/ب وقوله: (طويل)
1- رأيت بني الدّنيا وحاشاك أصبحوا ... ولم يجر منهم للنّدى أحد ذكرا
2- تريني وجوها لم تنلها معاولي ... فقدت وجوها أستلين بها الصّخرا
- 240- «1» 100/أوقوله: (خفيف)
1- أنا من أين والعمارة من أي ... ن لقد دقّ «2» معصمي «3» عن سواري
2- كلّ يوم أقول قد تبت عنها ... لو تهيّت «4» إرادة الأقدار
3- آفة «5» الدّرهم العمارة عافى اللّ ... هـ منها وآفة الدّينار
4- وهي تشلي «6» الحسّاد حتّى يثوروا ... أو يثيروا بسعيهم كلّ نار
5- ويقولوا في الدّار مطلب مال ... كذبوا أيّ مهلك «7» في الدّار
6- ونزاع الجيران ذا الباب بابي ... وطريقي وذا الجدار جداري
- 240-(19/146)
7- كلّ يوم كأنّني أنا والبنّاء ... ء حلفا شكيّة ونفار «1»
8- حيث يأتي وخلفه كلّ نغّا ... ص «2» من الطّين مكتس وهو عار
9- واحد منهم يرتّب «3» للما ... ء ولم يدر غير كسر الجرار «4»
10- والذي منهم يرتّب للطّي ... ن قصاراه ثمّ كسر القصاري «5»
11- وإذا ما قاموا لنصب الأسافي ... ل تقضّى «6» في النّصب نصف النّهار
12- وأقاموا الحديث بينهم واند ... فعوا في غرائب الأخبار
13- وترى كلّهم مشيرا بكفّي ... هـ فيمضي نهارنا في النثار «7»
14- كسروا الطّوبة «8» الطّويلة والصّغر ... ى لديه مطروحة في انكسار
15- ذا وبطر «9» النّشّار أصلحك اللّ ... هـ فلا تنس قصّة النّشّار
16- ويراني منه على الجمر غيظا ... وهو لاه بالبرد في المنشار
17- وقدوم «10» يسنّ «11» شهرا ولا يق ... طع شبرا كأنّه أفكاري
18- ولعمري الحدّاد أنحس منه ... أحاشي الأديب عبد الباري(19/147)
19- وحديث المبلّطين «1» كفاني ... منه ذا الاسم فاقتنع باحتضاري «2»
- 241- 103/ب وقوله في طرد: (طويل)
1- نصف «3» شهبا قد أرسلتها أهلّة ... براحة بدر عنه تجلى الدّياجر
2- وكم طير ماء في الرّياض له دم ... تضاهيه من حمر الشّقائق زاهر
3- وفي كلّ يوم للوحوش مصارع «4» ... بأشلائها «5» تقتات تلك العساكر
4- ومن دمها للأرض خدّ مضرّج ... يهيم به قلب ويفتن ناظر
5- كأنّ مليك الأرض خيّم عندها ... وضحّى وهاتيك البقاع مجازر «6»
- 242- وقوله: (طويل)
1- سروا وكأنّ اللّيل من بطء سيره ... وداني خطاه بالنّجوم مسمّر «7»
- 241-
- 242-(19/148)
2- ولاذت سيوف بالغمود وقد رأت ... قلوب رجال في الحديد تؤثّر
3- رجال على خلق من الغيث ركّبوا ... وأسد على خلق من الناس صوّروا
- 243- وقوله: (سريع)
1- ترى النّدامى حول حيطانها ... صرعى وما ذاقوا ولا قطره
2- ومرّة من طول ما عمرت ... كنّي إبليس أبا مرّه
- 244- 104/أوقوله: (خفيف)
1- إن مددت الغطاء «1» لي مدّ ورش «2» ... ليس هذا عليّ بالمقصور
2- دمت لي نافعا كما أنا راج ... عاصما لي من فجأة المحذور
- 245- وقوله: (كامل)
1- إنّي وإن كنتم تروني عندكم ... وترون من أقوالي التّحريرا «3»
- 244-
- 245-(19/149)
2- أجد الوزارة فيك يا ابن محمّد «1» ... حقّا يحقّ وفي سواكم زورا
- 246- وقوله: (رجز)
1- بي رمد جاء كلمح بالبصر ... بما دهي والحال أدهى «2» وأمر
2- وأشتهي الكحال «3» يأتي في البكر ... وهو معي معيّن من السّخر «4»
3- يأتي وفيه من مقاساتي «5» ضجر ... ترميني الأنفاس منه بالشّرر
4- إن قلت من أين يقول من سقر «6» ... والله ما بينكم إلّا سفر «7»
5- كم جئته من الحديث بسمر ... فقال ما يؤذيكم إلا الهذر «8»
6- والله ما يتمّ هذا في البشر ... وما رأينا عاقلا قطّ فشر «9»
7- كم قلت لا تأخذها إلا حجر ... فقال لي مجاوبا ويا عمر
8- لا تدخل الحمّام إلا في سحر ... ومن غريب ما أتاكم بخبر
- 246-(19/150)
9- بي حدّة في العين ليست في الأثر «1» ... فاعتبروا «2» فإنّما الدّنيا عبر
- 247- «3» 106/أوقوله: (مجزوء الرجز)
1- وهذه صحيفة ... بأدمعي مسطّره
2- وإنّما سوادها ... حداد عين لم تره
3- يا علم «4» الدّين الذي ... أخلاقه مطهّره
- 247-(19/151)
4- ويا كريم الفرع وال ... فرع دليل الشّجره(19/152)
5- لا أنس لا أنس وقد ... أدار راحا عطره
6- كأنّها في كأسها ... ياقوتة مجوهره(19/153)
- 248- وقوله: (كامل)
1- عند الخدود دمي فهل لي ثائر ... يا للرّجال وحيّ ليلى عامر
2- وبأرضهم سمر الرّماح عواطف ... مسّاسة «1» وظبا «2» الصّفاح «3» بواتر
3- ومتى رأيت هناك ظبيا راتعا ... فقتيله في الحبّ ليث خادر
4- ووراء دمعي للدّيار دمي ولا ... حذر «4» وللأطلال منه ذخائر
- 249- وقوله: (خفيف)
1- منعتني من الوداع أمور ... نا في بعض بعضها معذور
2- وكفاكم منها إذا قيل لم لا ... جاء قال المحتجّ شيخ كبير
3- ومضاف لذاك ضعف وعجز ... وحمار ما كاد تحتي يسير
4- كلّما رضته بشعري نادى ... أنا ما لي والشّعر ابن الشّعير «5»
5- وحمته منّي دمامل ألقت ... ني «6» فما لي عن الفراش مسير
- 248-
- 249-(19/154)
6- كلّ قاس عليّ كالدّهر مالا ... ن وهيهات أن تلين الصّخور «1»
7- وعلى بابه المراهم «2» لم يؤ ... ذن لها والحجاب ثمّ عسير
8- مغلق الباب ما تلا سورة الفت ... ح «3» وقاف «4» ض دونه والطّور «5»
9- وتراني في اللّيل يرتقب الفج ... ر وقد حال دونه الدّيجور «6»
10- وأشدّ الآلام ليل طويل ... ما له آخر وجفن قصير
- 250- 110/أوقوله في فروة كسيها: (بسيط)
1- كسوتني فروة «7» فرّ الشّتاء بها ... عنّى وولّى كما ولّت جموع تتر «8»
2- تودّ شهب الدّياجي لو تلوح بها ... سوداء كاللّيل أهداها إليّ قمر
3- كنت المبرّد «9» لولاها وقد جعل ال ... فرّاء لي رابطا كالمسك أو خبر
- 250-(19/155)
4- إذا خطرت بها في معشر دهشوا ... وقال قائلهم من ذا الأمير عبر
5- بطوق «1» سمّورة «2» كادت محاسنه ... تكون للورق «3» في أفنانهنّ سمر
6- إن شبّ عمرو عن الطّوق الذي زعموا ... فقل وقد شبّ في طوق الوزير عمر
- 251- وقوله: (متقارب)
1- وأنظم فيك العقود «4» التي ... يغوص عليهنّ فكري البحارا
2- إليك غدا رافعا شكره ... سراج له قد رفعت المنارا
3- وتبدي لسانا غدت ناره ... لعرض حسودك ترمي الشّرارا
- 252- وقوله: (طويل)
1- وهاتفة «5» نبّهتها بعد ما ونت «6» ... من النوح واكتنّت «7» أراك «8» الحمى وكرا
2- بكت لو بكت مثلي بدمعة عاشق ... وهيهات فيض الدّمع مرتبة أخرى
- 251-
- 252-(19/156)
3- وقد ضمّنا إذ ذاك ضيق عناقنا ... وكم ضمّ غصن ذابل غصنا نضرا
111/ب
4- يظنون أنّ الخدر «1» يحجب وجهها ... وضوء محيّاها «2» الذي يحجب الخدرا
- 253- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- لله يمناك التي ... كم كان لي فيها يسار
2- أخذت من الأيّام لي ... ثأرا فما جرحي جبار «3»
- 254- وقوله: (كامل)
1- ما عائق المتقدّمين إلى الرّدى ... إلّا انتظار اللاحق المتأخر
2- لا يطمعنكم إن أنا خوا «4» برهة «5» ... فأمامهم سفر ليوم المحشر
3- وكأنّني بخيامهم قد قوّضت ... فتأهبا «6» للرّحلتين «7» وشمّر «8»
112/أ
4- هو مورد راع العباد وربّما ... كانوا أشدّ تروّعا للمصدر
- 253-
- 254-(19/157)
- 255- وقوله: (كامل)
1- يا أيّها الملك الذي أيّامه ... حلم وجفن السّيف فيها ساهر
2- والضّارب الأقران «1» أوّل ضربة ... هي من حياة من اتّقاها آخر
- 256- 113/ب وقوله: (سريع)
1- يا من شكا لي أنّ في صدره ... قلبا وحاشاه على الجمر
2- النّار في قلب السّراج الذي ... لهيبه يعلو إلى الفجر
- 257- 114/أوقوله: (طويل)
1- تقول وعيد النّحر أقبل والورى ... ضحاياهم جاءت منازلهم تترى «2»
2- ومطبخنا قد شاب من طول عطلة ... بها ما رفعنا فوق كانونه «3» قدرا
3- ولم تر سكينا تحدّ ولا رأت ... شرائي لفحم كان أوّل ما يشرى
4- ولا وجدت ريح الأبازير «4» لا ولا ... رأت عينها للملح «5» عينا «6» ولا أثرا
- 255-
- 257-(19/158)
5- أراك معيري سكتة عن ضحيّة ... بها سنّة المختار ما برحت تجرى
6- فقلت لها هذا مع اليسر فاعذري «1» ... وحقّك فى الإعسار أن تبسطي عذرا
- 258- وقوله: (بسيط)
1- لولا الحطيئة هاجاني لقال وما ... عليه في الحقّ من عاب ولا عار
2- (دع المكارم لم ترحل لبغيتها ... وابعد فإنك أنت الجائع العاري) «2»
- 259- وقوله: (طويل)
1- وقد طاف في الدّنيا أريج ثنائه ... فإن لم يكن خضرا فإنّ ابنه الخضر «3»
- 258-
- 259-(19/159)
- 260- وقوله: (طويل)
1- وما ضرّه شنّ «1» صغير وقد سرى ... إلى بابه من كلّ قطر كبيره
2- على صهوات «2» الخيل مرباه «3» مذنشا ... إذا ربّ «4» طفلا مهده وسريره
- 261- وقوله: (وافر)
1- يخاف التّبر «5» سطوة راحتيه ... ولون الخائف المرتاع أصفر
2- يقصّر آل برمك «6» عن نداه ... فنعماهم لذي نعماه تكفر
3- له فضل لنا فيه ربيع ... وبحر ندى وما أرضى بجعفر
- 260-
- 261-(19/160)
- 262- وقوله: (طويل)
1- ولم أر كالكسكاك «1» إذ راق دهنه ... ولاح له نشر وفاح له نشر
2- وما عدل الطّبّاخ فيه وجوره ... هو العدل فافهم ما تضمّنه «2» الشّعر
3- وتسعة أعشار لعمرك لحمة ... وما فيه من برّ لعمري ولا عشر
- 263- 117/ب وقوله: (بسيط)
1- وقد رأت مصر أيّام الخصيب «3» به ... وسرّها قائم منه ومنتظر
2- ولا بن هانيه «4» مدح سوف يتبعه ... عبد الوزير ومولى جوده عمر
- 262-
- 263-(19/161)
- 264- وقوله: (الخفيف)
1- أيّ عيد مضى ومملوكك الو ... رّاق فيه لم يلتق الجزّارا
2- شاب فودى ومطبخي وفؤادي ... فغدا ليلنا الجميع نهارا
3- والضّحايا تساق إلّا إلينا ... فكأنّا كنّا به كفّارا
4- ومتى ما دعوت جود كريم ... لم يزده الدّعاء إلّا فرارا
5- فقد وري تنزّلت بعد ما كن ... ت لها أنت رافعا أقدارا
6- لم يقم في السّواد منها خطيب ... يذكر النّاس جنّة أو نارا
7- لا ولا زخرف «1» الدّماء بأرضي ... فتريني بوجنتيها احمرارا
8- لا ولا سورة الدّخان «2» تلتها ... برمة «3» لي قد أصبحت أعشارا «4»
- 265- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- والشّعر ليس للابس ... من نسجه يوما شعار «5»
2- يلقى «6» فلا يهدى كذا ... لك لا يباع ولا يعار
- 264-
- 265-(19/162)
3- وأرى الكبار في الهمو ... م لمن له مثلي صغار
4- وأبو الهنات «1» أبو البنا ... ت ومن له أيضا حمار
5- ومضى الشّعير فليس يل ... حق بالحياة له غبار
6- والقرط «2» عزّ «3» فقرط مار ... ية غدا منه يغار
7- والقمح جلّ عن الحدي ... ث فخوضنا فيه فشار «4»
- 266- 118/أوقوله: (بسيط)
1- ولي صغيران أعرى من سيوف وغى ... في كفّ ذي حنق قد حثّه النّار
2- كسوتني وكسوت العرس أمّهما ... بيضاء تشرق فيها منك أنوار
3- عمّت بفضلك من في الدّار أجمعهم ... حتىّ تناول منها حظّه الجار(19/163)
- 267- وقوله: (سريع)
1- واجعل لهذا آخرا إنّه ... لا شيء إلّا وله آخر
119/ب
2- وقد تناسى الناس بي أشعبا «1» ... وسار باسمي المثل السّائر
- 268- وقوله: (طويل)
1- سقاها فهل أبصرت شمسا منيرة ... يحثك في جنح الظّلام بها بدر
2- ولمّا بدت من فيه هامت بلثمه ... فنظّم من ثغر الحباب لها ثغر
3- ولمّا اجتلينا ثغره وحبابها ... ومبسمه لم نستبن أيّها الدّرّ
4- من التّرك فتّاك اللّحاظ إذا رنا «2» ... ومال بعطفيه فما البيض والسمر
5- غزاني وما أضمرت حربا لحبّه ... فأوّل ما ولّى سلوّي «3» والصّبر
6- يكاد لفرط اللّين ينقدّ قدّه ... فهل جسمه ماء وهل قلبه صخر؟
- 267-
- 268-(19/164)
- 269- وقوله: (طويل)
1- سلام كأنفاس الصّبا مست الرّبى ... بأذيالها فاستيقظت أعين الزّهر
120/أ
2- وغضّ لها كالنّرجس الفضيّ ناظر ... يكفكف في أجفانه أدمع القطر
3- وقبّل خدّ الورد وهو بكمّه «1» ... أقاح ومن دمع الحيا باسم الثّغر
4- وقد أظهر النّمّام «2» سرّ هواهما ... وليس مع النّمّام ستر على سرّ
5- ولؤلؤ طلّ لاح في كلّ زهرة ... ما لاح عقد من فتاة على نحر
6- وقام خطيب الرّعد بين ملابس ... من السّحب سود فانبرى دمعها يجرى
- 270- وقوله:
يخاطب التلعفري «3» ويعرّض ... باشتغاله عن غشيانهم بما كان مغرى
- 269-
- 270-(19/165)
به من القمار (رجز) 121/ب
1- وأرسلوها يققا «1» أو ظلما «2» ... عليّ في جنح الدّجى المعتكر «3»
2- تسوّد أو تبيّض لونا واحدا ... كاللّيل طورا والصّباح النّيّر
3- وكم حرام وحرام وقعا ... عليّ من وقت العشا «4» للسّحر
4- وهي متى ترمى على تربيعها «5» ... مذ خرجت سريعة كالأكر «6»
5- تدور حتى تنتهي لمغرمي «7» ... فتحتبي «8» في جلسة «9» الموقّر
6- أفّ لها أفّ لها من أعظم ... بالية «10» فيها بلاء1»
البشر
7- غالت فتى الخيّاط أو أصبح في ... أضيق عيش من خروق الإبر
8- وليس للورّاق معها حجّة ... فاعطف علينا يا فتى التّلعفري(19/166)
- 271- وقوله: (بسيط)
1- هل تعلم النّاس أنّي في صيامي قد ... صبوت عشقا إلى بيضاء كالقمر
2- حوراء تنظر في المرآة طلعتها ... يا هذه ليس هذا الجنس للبشر
3- وربّما قليت «1» منّي وموضعها ... أدنى لقلبي من سمعي ومن بصري
4- وصائن في إزار صان بهجتها ... فقلت ليس يصان الحسن بالأزر
5- باتت وعيشك في صدري فما برحت ... من العشاء على حكمي إلى سحر
6- أشكو لها نار قلبي وهي شاكية ... أضعافها وكلانا صادق الخبر
7- وأستبيح حماها غير مقترف ... ذنبا من الله في ورد ولا صدر «2»
8- حتّى إذا ثوّب «3» الدّاعي نهضت وقد ... خفنا نميمة «4» طيب فوقها عطر
122/أ
9- فلا غدا «5» القطر مغناها ومنزلها ... لا بل أقول غداها وابل المطر
10- ولا لحى «6» الله من يدني زيارتها ... منّي فما فيه من وزر «7» ولا خطر «8»
- 271-(19/167)
- 272- وقوله: (كامل)
1- وتدرّعوا «1» فوق الدّروع قلوبهم ... والسّمر شهب في النّحور تغور
2- ومثقّف «2» شرب الدّماء وهزّ من ... أعطافه فكأنّه مخمور
- 273- وقوله: (سريع)
1- ولي حمار قطعتي «3» في الدّرى ... قد أشبهت قطعته في الحمير
2- مشكّل «4» من همّة بالطّوى «5» ... مشكل من شوقه للشّعير
123/ب
3- إذا مشى الخطوة أو دونها ... أقول سبحان اللّطيف الخبير
- 274- وقوله: يخاطب ابن الخليلي «6» : (بسيط) - 272-
- 273-
- 274-(19/168)
1- قد أصلح الجوع بين القطّ والفار ... عندي لإدباري حظّي أيّ إدبار
2- ورقّ هذا لذا من سقمه فهما ... كعاشق وخيال نحوه ساري
3- وفي الشّدائد ما ينسي الحقود وما ... يثني الحسود إلى حبّ وإيثار
4- فلو رأيتهما شاهدت من عجب ... ألا رأيت ولم تسمع بأخبار
5- هذا على مطبخي المبرود في حرق ... وذا على مخزني المكنوس في نار(19/169)
6- وما بي القطّ همّ الفار أذهلني ... عنه وضاعف منه شغل أفكاري
7- ما كاد يعثر وفي داري لشقوته «1» ... بقمحة لا ولا الأهلون في الدّار
8- وليس في دار دنياهم ذخيرتهم ... ودار أخراهم إلّا الفتى الدّاري «2»
- 275- وقوله: (طويل)
1- إذا ضنّ عنّي باخل بعطائه ... فقد قلّد «3» الإحسان من حيث لا يدري
2- ولم يتكلّف كاهلي «4» حمل منّه «5» ... له لا ولا نطقي بحمد ولا شكر
- 276- وقوله: (بسيط)
1- فليت شيبي فيما اسودّ من صحفي ... وليت حظّي فيما ابيضّ من شعري
- 275-(19/170)
- 277- 124/أوقوله: (بسيط)
1- عبّادة النّاس إنّ الدّار قد فعلت ... كناية منهم عن ربّة الدّار
2- وداركم قال عنها النّاس قد رجمت ... والرّجم «1» حدّ «2» وما يخفى على الدّار
- 278- «3» وقوله: (مجزوء الرجز)
1- أنشدني شعرا به ... ظننت فاه مبعرا
2- وقال لي كيف ترى ... قلت أرى مثل الخرا
3- فقال لى اسمع غيره «4» ... قلت كفى ما قد جرى
- 279- وقوله: (سريع)
1- تأنّ للظّالم واصبر له ... ودعه فالدّهر له ثايره «5»
2- وإن تكن دنياه أملت له ... فلم تكن دنيا بلا آخره
- 277-
- 278-
- 279-(19/171)
- 280- وقوله: (سريع)
1- ثمّ أتاه شيبه جملة ... فأثلجت لحيته صدره
- 281- «1» وقوله: (مخلع البسيط)
1- يمنعني باخل وسمح ... وليس لي منهما نصير
2- وغايتي أن ألوم حظّي ... وحظّي الحائط القصير
- 282- وقوله: (بسيط)
1- صفت خواطر مدّاح صفت لهم ... موارد الجود من قوم بهم ذكروا
2- وأيقظتهم أياديهم فسار لهم ... مدح تحلّت به الأيّام والسّير
125/ب
3- ولو رأوا من رأينا قال قائلهم ... لو أنّهم ضربوا بالسّيف ما شعروا
- 283- وقوله: (منسرح)
1- أرّقني دمّل وأقلقني ... فما لليلي وماله فجر
- 281-(19/172)
2- حتّى لقد يعجب السّمندل من ... بقاء جسمي وحشو «1» محمّر
- 284- «2» وقوله: (الخفيف)
1- كلّ قلب عليّ كالصّخر ما لا ... ن وهيهات أن تلين الصّخور
2- مغلق الباب ما تلا سورة الفت ... ح وقاف من دونه والطّور
- 285- «3»
1- وكان النّاس إذ مدحوا أثابوا ... وللكرماء بالمدح افتخار
2- وكان العذر في وقت ووقت ... فصرنا لا عطاء ولا اعتذار
- 283-
- 284-
- 285-(19/173)
- 286- وقوله: (بسيط)
1- لكم أياد عذاب لي مواردها ... والوفد «1» منهنّ بين الورد والصّدر
2- والبرد يمنعني منها على ظمأي ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر «2»
- 287- وقوله: (سريع)
1- يا جامع المال توقّع له ... ما جمّع الدّمل إلّا انفجر
2- كم يعظ الدّهر وأنت امرؤ ... قلبك في قسوته كالحجر
- 288- وقوله: (طويل)
1- وأسمر يحكي الأسمر اللّدن «3» قدّه ... ويغدو له الغصن النّضير «4» نظيرا «5»
2- له وجنة بل جنّة زاد حسنها ... عذارا «6» فصارت جنّة وحريرا
- 286-
- 288-(19/174)
- 289- 126/أوقوله: (سريع)
1- إنّ ثلاثة صحبت ثلاثة ... أعبت علاج بدوها والحضر
2- عداوة مع حسد وفاقة ... مع كسل وعلّة مع كبر
- 290- وقوله: (سريع)
1- يا نابش الشّرّ علينا أفق ... وخف إذا بعثر ما في القبور «1»
2- وقل لمن يجنف «2» في أمره ... (ألا إلى الله تصير الأمور)
- 291- وقوله: (طويل)
1- وعدت بزيت ثمّ أخلفت موعدي ... وأنت بإخلاف الوعود جدير
2- وقلت الذي عندي غليظ مدوّر ... وإخراج هذا من يديك عسير
- 292- وقوله: (متقارب)
1- إذا قال لي قائل كيف أنت ... أقول رخيصا فمن يشتري
- 290-(19/175)
2- ومن يرغب اليوم في مدحة ... ولو سمعت من فم البحتري «1»
127/ب
3- وإن حرّموني على مدحهم ... فتلك عقوبة من يفتري
- 293- وقوله: (كامل)
1- أمّا السّماح فقد مضى وقد انقضى ... فتسلّ عنه ولا تسل عن خيره
2- واسكت إذا خاض الورى في ذكره ... (حتّى يخوضوا في حديث غيره) «2»
- 294- وقوله: (طويل)
1- ومن فرط فقري واحتياجي بعدكم ... وبذل محيّا بالحياء مستّر
2- أكلت حمارا طالما قدر ركبته ... كأني لم أسمع بأخبار خيبر «3»
- 292-
- 293-
- 294-(19/176)
- 295- 128/أوقوله: (متقارب)
1- وبتنا سراجين في مدحه ... كلانا يؤجّج في القلب نارا
- 296- وقوله: (وافر)
1- مبادي الشّعر في حكم «1» وفخر ... ووصف الخود «2» والظّبي الغرير «3»
2- وآخره سؤال وابتذال ... ومدح للجليل وللحقير
3- كماش في المطالب منتهاه ... وغايته إلى نبش القبور
- 297- وقوله: (خفيف)
1- وجواد تهزّه نغمة السّا ... ئل هزّ النّسيم أعطاف ناضر
2- قلت عذري باد فقال مجيبا ... هو باد فابشر وجودي حاضر
- 298- وقوله: (طويل)
1- أرى القوم قد ملّوا السّماحة والنّدى ... وكم بين معذور إلى غير معذور
2- وربّ سراج ضاع بين بيوتهم ... فبات بلا زيت وباتوا بلا نور
- 296-(19/177)
- 299- وقوله: (مجزوء الرجز)
1- كم لك معنى مرّ بال ... دّهر كلمح بالبصر
2- ألبسته اللّفظ فلا ... طول به ولا قصر
- 300- وقوله: (طويل)
1- طلبت جوادا فامتدحت مبلّدا «1» ... حمارا فألجاني لبيع حماري
2- فأنزلني الحرمان دار ندامة ... وأنزل أشعاري بدار بوار «2»
- 301- وقوله: (طويل)
1- بدأت بمعروف فأتمم لتجتلي «3» ... أهلّته في الأفق وهي بدور
129/ب
2- وشيّد بناء المكرمات وأعلها ... قصورا فما يعزى «4» إليك قصور «5»
- 300-
- 301-(19/178)
- 302- وقوله: (طويل)
1- وتحتك برذون يظلّ بظلّه ... صقور تأيّا «1» موته ونسور
2- لسائره «2» لولا ضلوع تخالها ... فخاخا «3» لها منصوبة «4» فتطير
3- يرى أنّ للّطاحون «5» آخر أمره ... ويعلم أنّ الدّائرات تدور «6»
- 303- وقوله: (طويل)
1- وأهيف مثل الرّمح عانقت قدّه ... غداة وداع والمراقب ينظر
2- ولم أخش طعنا للوشاة بقولهم ... وفي راحتي من قدّه اللّدن أسمر
- 304- وقوله: (كامل)
1- أشغال مولانا الوزير كثيرة ... وحوائجي «7» أبدا إليه أكثر
2- وأقول قد أضجرته فيقول لي ... علياؤه ربّ العلا لا يضجر
- 302-
- 304-(19/179)
- 305- وقوله: (خفيف)
1- وتجلّى جبينها في دجى اللّي ... ل فخلناه من سناه نهارا
2- فبهذا من حار قد أرشدته ... وبهذا من أرشدته حارا
- 306- وقوله: (كامل)
1- إنّ الحوائج لا تكون هنيئة ... حتّى تكون قصيرة الأعمار
- 307- وقوله: (خفيف)
1- غيّرتك الأيّام سبحان من لا ... يعتريه «1» عن حاله التّغيير
2- وتطاولت «2» فوق قدرك والأ ... قدار «3» تجري والدّائرات تدور
130/أ
3- وتخازرت «4» لي بمؤخر عين ... لك والله ناقد ونصير
4- وتصاممت «5» عن سؤال وقد أ ... مّل في القبر منكر ونكير»
- 307-(19/180)
5- ينصف «1» الدّهر منك إن غرّك «2» الدّه ... ر وأغراك «3» والحياة غرور «4»
- 308- وقوله: (مجزوء الرجز)
1- بان عليّ الكبر ... وغيّرتني الغير
2- وصار من ينظرني ... يقول هذا عمر
3- أين اهتزار كالقضي ... ب اللّدن حين أخطر «5»
4- وقولهم عند الصّبا ... تالله ماذا بشر
5- تقوّس الظهر وما ... غير العصا لي وتر «6»
6- وليس لي من الغوا ... ني «7» اليوم سهم «8» يذكر
- 309- وقوله: (متقارب)
1- أرتني هنا «9» يملأ الرّاحتين ... وأخفي هنا لي فرط الصّغر
2- وظلّت تقول لأترابها ... يريني السّها وأريه القمر «10»
- 308-
- 309-(19/181)
- 310- «1» 131/ب وقوله: (مخلع البسيط)
1- أرسل لي ابن الوحيد «2» لمّا ... مرضت بالأمس جام سكّر
2- ومدحة لي بخطّه لي ... فقلت ذا سكّر مكرّر
3- حلّى وحلّى فمي وجيدي ... عقد شراب «3» وعقد «4» جوهر
- 310-(19/182)
- 311- وقوله: (مجزوء الرمل)
1- ولقد نزّهتهم فو ... قك في ماء وخضره
2- فغدا جلدك لا أثوا ... به في الشّمس عصره «1»
3- ورأينا جسمك الأب ... يض قد شرّب حمره
4- وسمعناهم يقولو ... ن الأمير اليوم زفره «2»
- 312- وقوله: (كامل)
1- منّا المدائح والمنائح «3» منكم ... كلّ بما يعزى إليه جدير
- 313- وقوله: (كامل)
1- وإذا جليت «4» اليوم درّ مدائحي ... جلبت «5» لأسواق بغير تجار «6»
2- فيحلّني الحرمان دار ندامة ... ويحلّها الخسران دار بوار
- 311-
- 312-
- 313-(19/183)
- 314- «1» 132/أوقوله: (طويل)
1- وعمّرت في الإسلام فازددت بهجة ... ونورا كذا يبدو السّراج المعمّر
2- وعمّم رأسي الشّيب نورا فسرّني «2» ... وما ساءني أنّ السّراج منوّر
- 315- وقوله: (خفيف)
1- نقّر «3» الأغبياء عنّي شعري ... مثل ما نقّر الغوانيّ شعري
2- وابلائي «4» من قدرة لي قلّت ... فلهذا قد قلّ في النّاس قدري
- 316- وقوله: (طويل)
1- ولي قلم في عصركم جفّ «5» ريقه «6» ... ويكفيه من دنياه نغبة «7» طائر
- 314-
- 315-
- 316-(19/184)
- 317- «1» وقوله: (مخلع البسيط)
1- كم قطع الجود من لسان ... قلّد «2» من نظمه النّحورا
133/ب
2- وها أنا «3» شاعر سراج ... فاقطع لساني أزدك نورا
- 318- وقوله: (متقارب)
1- إذا يئس المرء من أ ... ره ... رأت عرسه اليأس من غيره
2- ومن كان في سنّه طاعنا ... فقد عدم الطّعن في غيره
- 319- وقوله: (طويل)
1- وأفرغ شيء قلبها ونطاقها» ... وأملأ شيء قلبها «5» وسوارها
- 317-
- 319-(19/185)
- 320- وقوله: (خفيف)
1- كم يريد الخبّاز يرفع رطلي «1» ... وأرجّي بالنّصب «2» مشي أموري
2- وإلى كم شرائي بالجرّ «3» منه ... وانصرافي بخاطر «4» مكسور
- 321- وقوله: (طويل)
1- ترهّبت «5» لمّا أن غدا اللّحم غاليا ... ورهّبت عرسي فهي لا تتزفر «6»
2- ومن طرفيها تشتهي اللّحم شهوة ... وللنيّ والمطبوخ منّي تعذّر
- 322- وقوله: (متقارب)
1- معاد «7» الحديث معادي فلا ... تكرّر حديثا ولو كان سكّر
- 320-
- 321-
- 322-(19/186)
2- فإن فتح السّمع بابا له ... وعاودت ألفيت بابا مكسّر
- 323- 134/أوقوله: (بسيط)
1- قالوا اتّخذه لؤلؤا كحلا يفيدك في ... ما أنت شاك لنا من ظاهر البصر
2- وقيل خذه بلا ثقب فقلت لهم ... هذا يوافق ضعف العين والأثر
- 324- وقوله: (كامل)
1- طوت الزّيارة عند ما ... رأضت المشيب طوى الزّياره
2- فبقيت أهرب وهي تل ... في جارة من بعد جاره
3- وتقول يا ستّي «1» استري ... حي لا سراج ولا مناره
- 324-(19/187)
- 325- وقوله: (طويل)
1- أمولاي بدر الدّين «1» أنت بدأتني ... بفضل به أصبحت مستوجبا شكري
2- ولكنّه يحتاج منك تتمّة ... ومن هو أولى بالتّمام من البدر
- 326- 135/ب وقوله: (مجزوء الرمل)
1- كان أ ... را صار سيرا ... يجلد الأكساس سخره
2- أفلا ينفرن منّي ... ومعي شيب ودرّه
- 327- وقوله: (مجزوء الرمل)
1- أنكروا المعروف حتّى ... صار بين القوم منكر
2- وتناسوه فدع ذك ... رك شيئا ليس يذكر
- 325-(19/188)
- 328- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- تدنو القلوب من القلو ... ب وإن تباعدت الدّيار
2- وبذا قنعت «1» من الأحبّ ... ة لا أزور ولا أزار
- 329- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- قالت نعبّئ «2» حاجة ال ... حمّام قلت جرت هزاهز «3»
2- بيني وبينك بالعدا ... وة جار سوء لي مبارز
- 330- 136/أوقوله: (مجتث)
1- كن لي جوابا فلفظي ... إليك لفظ وجيز
2- والورد عندي ضيف ... والورد ضيف عزيز
3- وفي يمني كوب ... وفي يساري كوز «4»
- 328-
- 329-
- 330-(19/189)
4- فزر صحيح مزاج «1» ... وما خفتك الرّموز
- 331- وقوله: (طويل)
1- أقول ومولانا المبارز ناصرى ... ألا يا صروف الدّهر هل من مبارز
- 332- 137/ب وقوله: (سريع)
1- يا ربّ لا تشمت «2» بنا حمزه ... وقفّز «3» النيل لنا قفزه «4»
2- ولا تذفنا العجز والذّلّ لل ... خبّاز يا ذا الحول «5» والعزّه
3- وكلّ خزّان أذقه من ال ... عمود في قلب له وكزه «6»
4- وكلّما زدت لنا إصبعا ... كان له في عينه وخزه «7»
- 332-(19/190)
5- حتّى نرى هامدة «1» الأرض قد ... أضحت بما أنزلت مهتزّه
- 333- 138/أوقوله (وافر)
1- أعزّ الدّين «2» دمت أعزّ حصن ... لمن يأوي له وأجلّ كنز
2- إذا ذلّ الحريص لأخذ رزق ... أخذناه وأنت لنا بعزّ
- 334- وقوله: (وافر)
1- فينظرني من الحمّى جميعا ... بجملتها «3» وقد حمي الوطيس «4»
2- ولي سنة أكابدها فتمضي ... وتأتي وهي ساخطة عبوس
139/ب
3- إذا ما أقلعت عنّي بريح ... طياب «5» ردّها الرّيح المريس «6»
4- فقد ملّ الطّبيب وملّ أهلي ... وملّتني المضاجعة العروس
5- وقالت راهبا قد صرت قل لي ... فقلت نعم وفي بيتي حبيس
- 333-
- 334-(19/191)
- 335- وقوله: (كامل)
1- البس شفاءك فهو خير لباس «1» ... واسلم سلمت لنائل ولباس
2- واعلم بأنّ الله جلّ جلاله ... ما كان بالنّاسي دعاء النّاس
- 336- 140/أوقوله: (كامل)
1- أنت ابن حمدان «2» الذي آدابه ... يعزى ابن حمدان لها وفراسه
2- والشّاعر الكنديّ» لولا فخره ... بك يا ابن حمدان لنكّس راسه
- 335-
- 336-(19/192)
- 337- 140/أوقوله: (رمل)
1- ومقال لو مددتم باعها ... لتناولتم بها النّجم جلوسا
2- وأياد أطلقت فينا النّدى ... بعد ما كان في الأيدي حبيسا
- 338- 141/ب وقوله: (طويل)
1- يمينا لقد سرّ الإمام ابن إدريس «1» ... جلوسك في يوم الخميس لتدريس
2- وتشييد «2» ما قد كان جدّك بانيا ... هناك من التّقوى على خير تأسيس
3- وهل صائب «3» أولى من الغيث بالرّبى ... وهل صائل «4» أولى من اللّيث «5» بالخيس «6»
4- لعمري قد كانت منازل عزّكم ... لما عدمت تالله من علمك الطّوسي «7»
- 338-(19/193)
5- ركبت إليها في خميس مبارك ... وللعلم أعلام رفعن على الروس
6- وصلت بسيف الحقّ في كلّ بدعة «1» ... فمكّنت جند الله من جند إبليس
- 339- 142/أوقوله: في دواة من الفولاذ مذهبة (كامل) أعطاها الملك المنصور «2» لفتح الدين بن عبد الظاهر «3»
1- شهدت دواة الفتح ساعة فتحها ... أنّ الحديد منافع للنّاس
- 339-(19/194)
2- ولجنسها البأس الشّديد وهذه ... فضلت عليه بالنّدى والباس
3- تقف الصّوارم «1» وهي جالسة لها ... شرف القيام وسؤدد «2» الجلاس
4- تلهي بجوهرها وجوهر لفظه ... ثغر المليحة عن حباب الكاس
5- وبها تحلّت حلّة «3» شرفت بها ... كم لابس أضحى جمال لباس
6- علق النّضار «4» بها وقد رقّت له ... فاعجب لقاسية ترقّ لقاس
7- هنديّة عبقت «5» لنا أنفاسها ... وجرى لها ذكره مع الأنفاس
8- وأثابها «6» المنصور للمهدي إذا ... هملت سوادا من بني العبّاس
9- والنّور في ذاك السّواد كأنّما ... نظرت إليك بعين ذات كناس «7»
- 340- 143/ب وقوله: (بسيط)
1- رددت فيّ بذاك الملتقى نفسا ... وكنت في مأتم «8» صيّرته عرسا
2- ورحت أتلو ألم نشرح «9» ووجهك لي ... قد بشّ لا وجه من أتلو له عبسا «10»
- 340-(19/195)
3- وكان قلبي يشكو طول وحشته ... صدري وقد قرّ في صدري وقد أنسا
4- وراقه لؤلؤ رطب يفيض به ... نحر يرى كلّ نحر دونه يبسا
5- وإن نظرت لروض فوق مهرقه «1» ... فانظر لغيث حيا من كفّه انبجسا «2»
- 341- وقوله: (بسيط)
1- تردّدي «3» اليوم للخبّاز يشغلني ... عن التّردّد والتّرداد للنّاس
2- ما ليس لي بدّ «4» منه كلّ شارقة ... أسعى إليه على العينين والرّاس
3- طورا بنقد وطورا بالرّهو ... ن وطورا بالنّسيئة «5» ممن ليس بالناس
4- وعطلتي «6» أنا قد دامت فلا عمل ... إلا ضراس أهلي أو لأضراسي
- 342- وقوله: (لغز في السهام) (وافر)
1- أتعرف إخوة شهدوا حروبا ... عراة والكماة لهم كناس
2- لهم بيت رفيع شاركته ... والاسم «7» قبيلة سادوا وساسوا
- 341-
- 242-(19/196)
3- إذا أثبتهم بالنّقل فيه ... نفاهم عنه من يدك القياس
- 343- وقوله: (متقارب)
1- ولست أريد شفيعا إليك «1» ... ونفسك يا أكرم النّاس نفسك
- 344- وقوله: (كامل)
1- من لم يمدّ نداه ليّ براحة ... ألزمت رجلي عنه قيد الياس «2»
2- ولقد يقلّ لمن سعى ليّ برّه ... سعيي على عيني إليه وراسي
- 345- وقوله: (مجزوء الرمل)
1- لاح بدر يتجلّى ... وتثنّى غصن آس
2- قلت ما تبرح نشوا ... ن بلا خمر وكاس
3- قال لي ريقة ثغري ... خمرة من بيت راس»
- 344-
- 345-(19/197)
- 346- 146/أوقوله: (كامل)
1- لا أجحد «1» المنن «2» التي تلدّتم ... جيدي ولا أنسى ولا أتناسى
2- وتجوب كتبكم البلاد ولا أرى ... ودّي يساوي عندكم قرطاسا
- 347- وقوله: (كامل)
1- تخفون عنّي ما يزوّر حاسد ... عنّي ويظهر لي من الإتعاس «3»
2- وإذا سمحتم بالعتاب سمعته ... خبرا يطيح «4» على لسان النّاس
- 346-
- 347-(19/198)
- 348-
1- ورجلي على قدر الكساء مددتها ... كذاك يدي أيضا تمدّ لكيسي
- 349- «1» وقوله: (خفيف)
1- فرغ الشّعر والشّعير فلاحا ... لي برغمي ولا حماريّ ماشي
2- لا تكرب انني سراج وحولي ... من للهموم مثل الفراشى
- 350- وقوله: (مجزوء الخفيف)
1- ظلّ عيشي على الحما ... رة عيشا منغّصا
2- دائما جائيا سدى ... وكذا عادة الخصى
- 351- 147/ب وقوله: (مجزوء الوافر)
1- لشأني قصّة «2» رفعت ... فبادر واغنم الفرصه
2- ضميرى لا تقدّره ... ضمير الشّأن والقصّة
- 349-
- 351-(19/199)
- 352- وقوله: (بسيط)
1- يا قبحها من عجوز صدرها قفص ... وثغرها أسود والشّعر ذو برص «1»
2- قالت لقد طار قلبي اليوم من فرح ... فقلت كيف يطير الطّير من قفص
- 353- وقوله: (كامل)
1- أنت المهنّا بالسّلامة والهنا ... إن عمّنا فله لديك تخصّص
2- سلم الذي كلّ الأنام تحبّه ... لكنّ مولانا المحبّ المخلص
- 354- وقوله: (كامل)
1- من أعلقته للجفون حبائل ... متيّقن أن ليس منها مخلص
2- يا معشر العذّال لست بصابر ... عنهم ولا سال لهم فتربّصوا «2»
- 352-
- 354-(19/200)
- 355- وقوله: وقد بعث إليه بكبش للأضاحي: (منسرح)
1- لله من أملحين مذ وصلا ... وصلت حبلي بحبل أغراضي
2- فلو نمى «1» للجزّار أمرهما ... صرنا لوالي البلاد والقاضي
- 356- وقوله: (رمل)
1- ذكر المشتاق عهدا قد مضى ... بارق من نحو نجد أومضا
148/أ
2- ونسيم شبّ «2» نيران الجوى ... في حشاه بعد جيران الغضا
3- وأخو الوجد «3» بمعتلّ الصّبا ... ربّما استشفى فزاد المرضا
4- والهوى العذريّ عذر فسح «4» ... يتلقّى كلّ شيء بالرّضا
- 357- وقوله: (كامل)
1- من ظنّ أنّ السّيف يغمد صارما ... ما زال في أيدي الممالك منتضى «5»
- 355-
- 356-
- 357-(19/201)
2- ولئن مضى لسبيله فبحقّه من ... صارم يثنى عليه إذا مضى
- 358- وقوله: (طويل)
1- وما منّة الخبّاز عندى قليلة ... لقرضي «1» منه وهو في عسرتى يغضي «2»
2- وقد كنت مثل اللّيث آكل «3» فريستي ... وقد صرت مثل الفار آكل بالقرض «4»
- 359- «5» وقوله: (طويل)
1- وكم سيّد يستوجب الرّفع قدره ... غدا شاكيا من لحن «6» أيّامه خفضا
2- ومستثقل «7» يدعى رئيسا لقومه ... كذاك الخصى تدعى رئيسا من الأعضا
- 358-
- 359-(19/202)
- 360- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- يا معرضا «1» عنّي أص ... رّح لا أقول معرّضا
2- لو كنت عندي مقبلا ... ما كنت عندي معرضا
- 361- «2» وقوله: (سريع)
1- حجابه قد زاد في عرضه ... مع وجه بوّاب طويل بغيض
149/ب
2- فإن دفعنا ووقعنا له ... فقد وقعنا في الطّويل العريض «3»
- 362- وقوله: (خفيف)
1- لك في المجد نسبة وانتماء ... وبناء باق بغير انتقاض
2- وإذا المجد كان عوني على المر ... ء تقاضيته «4» بترك التّقاضي
- 360-
- 361-
- 362-(19/203)
- 363- وقوله: (مجزوء الرجز)
1- وساقط الهمّة في ... حكم الوداد قاسط «1»
2- وهو على فرط السّقو ... ط مائل كالحائط
- 364- وقوله: (متقارب)
1- وقالوا تعرقب «2» في وعده ... وقد كان في نفسه ساقطا
2- فقلت صدقتم وما منتم «3» ... فما زلت أعرفه حائطا
- 365- وقوله: (طويل)
1- فداؤك من يشكو إلى الله نزلة «4» ... ذكرت بها ما أنزل من حظّي
2- وفي كلّ عضو لي لسان شكاية ... يحدّث بالمعنى فيغني «5» عن اللّفظ
- 363-
- 364-
- 365-(19/204)
- 366- 150/أوقوله: (متقارب)
1- يقاسي الأديب الأديم «1» الذي ... تكاد الجبال له تخضع
2- ويبرز في يوم نوروزه «2» ... فما يستريح له أخدع «3»
3- ولو رام حلّ قفا نفسه ... لما كان فيه له موضع
4- وأصحابه كلّ عبل «4» الذّراع ... أصابع راحته أذرع
5- كثير مداعبة للصّديق ... بما تحت جمّته مولع
6- فليس لراحته حابس ... ولكنّ صاحبه الأقرع «5»
- 367- 151/ب وقوله: (رمل)
1- لاح في زرقائها بدرا منيرا ... في سماء فتفاءل بالطّلوع
2- وبدت بيضاؤها فابيضّ منها ... طرف «6» شأن «7» خلف محمّر الدّموع
- 366-
- 367-(19/205)
- 368- وقوله: (متقارب)
1- ولم ير في مجلس شاعران ... ولا ثالثا ضمّهم موضع
2- كأنّا مصادر «1» عند الورى ... فليس تثنّى ولا تجمع
- 369- وقوله: (سريع)
1- منيّتها «2» منزلة قد علت ... وانحطّ عنها الفلك السّابع «3»
2- طالعها «4» أسعد شيء يرى ... وأنت فيها ذلك الطّالع
- 368-
- 369-(19/206)
- 370- وقوله: (طويل)
1- ويوم سموم «1» خلت أنّ نسيمه ... ذوات سموم «2» للقلوب لواذغ «3»
2- ظللت به أشكو معالجة الصّدى ... وكوزي ملآن ومائي فارغ
- 371- وقوله: (طويل)
1- أمولاي لا زالت أعاديك في عمى ... ونجمك في أفق السّعادة بازغا «4»
152/أ
2- ولا زلت توليني أياديك منعما ... بأخذي ملآنا وردّي فارغا
- 372- وقوله: (بسيط)
1- ولي عليه أدام الله دولته ... رسم سفرت «5» به والوقت قد أزفا «6»
- 370-
- 371-
- 372-(19/207)
2- والمنحل «1» الآن قد غنّى فأرقصني ... أو قال من قال إنّ الشّيخ قد خرفا
3- والقمح أعشق منه أسمرا ذهبيّ الل ... ون صيّرني شوقي له دنفا «2»
4- ولو رأيت بدور التّمّ طالعة ... وددتها أصبحت في قفّتي «3» رغفا
- 373- وقوله: (طويل)
1- ولي خدم «4» سطّرتها قبل هذه ... ولم يأت عنها بالجواب مشرّف «5»
2- فكن ذاكري بالغيب فيمن ذكرته ... فلي عندك العين «6» الذي ليس تطرف
- 374- وقوله: (وافر)
1- أيا ملكا تزفّ له القوافي ... عرائس من خصائصها الزّفاف
2- أتيتك والجمال «7» بمد حتينا ... وكان لنا اختلاف وأتلاف
- 373-
- 374-(19/208)
3- وكان على الرّوّي لنا اتّفاق ... وعند الوزن كان لنا اختلاف
- 375- وقوله: (كامل)
1- ومبخّل بالمال قلت لعلّه ... يندى «1» وظنّي فيه ظن مخلف
2- جمع الدّراهم «2» ليس جمع سلامة ... فأجابني لكنّه لا يصرف
- 376- وقوله: (منسرح)
1- وسائل عن قصيدة عبقت ... بالعلم «3» الفرد روضة أنفا «4»
2- وصفت فيها علوّ همّته ... وهل ينال السّماء من وصفا؟
153/ب
3- يقول لي سائلي رأيت بها ... مسامع القوم حلّيت شنفا «5»
4- فمن جلاها على الأمير بأل ... حان تلاها الحمام إذ هتفا
5- قلت له ابن الوحيد «6» منشدها ... فقال لي حسبها به شرفا
- 375-
- 376-(19/209)
- 377- وقوله: (متقارب)
1- بدا ملك الحسن بين الملاح ... وقال على طاعتى فاحلف
2- ومن مقلتيه وخطّ العذار ... حلفت على السّيف والمصحف
- 378- وقوله: (بسيط)
1- أخذوا بأطراف الأصابع حاجتي ... وكذا يكون تهاون الأطراف
2- لهفي على القوم الكرام فإنّهم ... تحت القبور جواهر الأصداف
- 379- وقوله: (كامل)
1- لي مذ نأيت أسى ولي أسف ... لا ذقت أنت أسى ولا أسفا
2- وأودّ ستر الشّمس أمكنني ... كيما أجدّ فأبلغ الشّرفا
- 380- وقوله: (كامل)
1- مولاي هل صدر الكتاب الأشرف ... فلعبد مولانا إليه تشوّف «1»
2- وإذا الجواب أتى لكم فيه وقد ... وقد السّراج وشمسه لا تكسف
- 380-(19/210)
- 381- وقوله: (بسيط)
1- وقد تشبه الحالة الأخرى وبينهما ... إذا تأمّلت فرق عن سواك خفي
2- فربّما صفّق المسرور من طرب ... وربّما صفّق المحزون من أسف
- 382- 154/أوقوله: يصف قلما في يد ابن الزّبير الوزير «1» (كامل)
1- قلم الوزير هو الشّقيق «2» لبيضه «3» ... والبيض في علق «4» النّفوس شقيق
- 382-(19/211)
2- كالحية النّضناض «1» إلّا أنّه ... يشفي للسع «2» الدّهر منه الرّيق
3- حبسته أنملك الكرام عن الخنا «3» ... وسعى إلى الحسنات وهو طليق
4- وجرى على ميدان طرسك سابقا ... لكنّه مع ذهنك المسبوق
5- لا كالذي بالغيّ «4» آلم جيده ... صم الثلاث كأنّه مخنوق
6- يوحي إلينا عن ضميرك سامع ... منه أصمّ وآخر منطيق
7- فهو المسوّد والمسود بالذي ... يثني المحقّ على ثناه حقيق
8- أكرم به قلما يغوث وغيره ... عند الحوائج لا يزال يعوق
9- ملكت رقيقا منه كفّ مفوّه «5» ... للسانه حرّ الكلام «6» رقيق
10- رقم «7» السّطور على الطّروس بأرقم «8» ... رتق «9» البنان لسانه المفتوق «10»
11- مشق «11» الحروف وهزّ من أعطافه ... فسباك «12» منه الماشق الممشوق
12- ثمل «13» القوام «14» كأنّ نقش دواته ... قار «15» وقد صحبته منه رحيق «16»
13- عجبا لصفرة جسمه ويسقمه ... كالعاشقين وإنّه المعشوق(19/212)
14- خذ من يراع «1» الخطّ معنى في يرا ... ع الحظّ قد نزعت «2» إليه عروق
15- أثناء مولانا الوزير بفرقه «3» ... أم مسكة «4» أم بين ذين فروق
16- هيهات فاق المسك طيب ثنائه ... فلذاك راح المسك وهو سحيق «5»
155/ب
17- يا سائلي عن كعبة حجّي لها ... أنا كعبتي بيت بناه عتيق «6»
18- كن زائرا بالصّدق فيه ذوي الهوى ... ولك الزّبير وصهره «7» الصّدّيق
19- ومقصّر عن شأوه قلت اتّئد ... إنّ الذي زحم الخضمّ غريق
- 383- وقوله: يصف سيلا أخذ الأزواد «8» (رجز)
1- حلم الوزير أحمد «9» أفرط أو ... تهجّم السّيل على وطاقه
- 383-(19/213)
2- وليس يخفى السّيل أنّ كفّه ... قادرة ثمّ على إغراقه
3- لكنّه زار حماه طارقا ... وعادة السّمح قري «1» طرّاقه
4- فبات في أزواده محكّما ... وزاد حتّى زاد في استغراقه «2»
5- ولو أتاه في النّدي «3» محاربا ... ما قدر الغيث على لحاقه
6- أقد رأى الغيث أبرّ نائلا ... منه وأحلى منه في مذاقه
7- وفارق المجموع إلّا فخره ... حاشاه أن يرغب في فراقه
- 384- وقوله: (بسيط)
1- خذ في مدائح لابن الموصلي «4» تهزّ ال ... سموصليّ ابن إبراهيم إسحاقا «5»
2- تطوى «6» على نشر أوصاف له صحف ... سلني بهنّ تسل بالصحف ورّاقا
- 384-(19/214)
- 385- 156/أوقوله: (كامل)
1- أنساكم إن كنت أنساكم وما ... حلفت بمثل يمينيّ العشّاق
2- رقّ النّسيم لما شكوت وبات مح ... ترقا عليّ البارق «1» الخفّاق «2»
3- طيّبتم الدّنيا ثناء عاطرا ... للمسك من نفحاته استنشاق
4- وملأتم صحف الزّمان محامدا «3» ... وعن الصّحائف يسأل الورّاق
- 386- وقوله: (كامل)
1- طلبت ضحيّتها فقلت مغالطا ... هو موسم الجزّار لا الورّاق «4»
2- قالت فيا ورّاق لا وصل إذا ... سيفكّ هذا القول منك لصاقي
3- حتّام تعمل لي دسوتا «5» لم تزل ... مصقولة «6» بخديعة ونفاق
4- وإلام تكسر «7» لي أجلّ دفاتر ليس لي ... من حاصل فيها ولا من باق
5- قلت البياض أجلّ لون فاسألي ... قالت ولا هذا على الإطلاق
- 385-
- 386-(19/215)
- 387- 157/ب وقوله وقد بعث كبشا له ليرتع «1» (طويل)
1- بعثت به نضوا «2» إليك كأنّه ... خيال لليلى آخر اللّيل طارق
2- براه «3» الضّنى حتّى ظننّاه «4» أنّه ... تحمّل كلّ السّقم عن كلّ عاشق
3- يرى القرط «5» مثل القرط في أذن غادة «6» ... فيعدو بقلب خافق دون خافق
4- خفيّ عن الأبصار لولا نواحه «7» ... على القول «8» ما حدّته «9» عين لرامق «10»
5- له نصف ذاك البيت إذ كان كلّه ... حليف الضّنى ما فيه قوت «11» لناسق
- 387-(19/216)
- 388- وقوله: (منسرح)
1- ولا تقل كم كذا تواصلني ... على ممرّ الأيّام أوراق
2- فإنّني شاعر وذو طمع ... وكاتب فارغ وورّاق
- 389- وقوله: (كامل)
1- أرسلت عنّي النّرجس الغضّ الذي ... بفتوره تتشبّه الأحداق
2- لتكون لي عينا على من لم يجد ... شوقا إليّ ومن غدا يشتاق
3- وبنفسج يحكي بزرقة لونه ... عينا فذاك بنورها الورّاق «1»
- 390- وقوله: (كامل)
1- ويهزّأ عطاف الكرام كأنّما ... صبحوا «2» بكاسات المدام دهاقا
2- وشدا «3» الصّحائف كالرّياض بذكره ... وعن الصّحائف فاسألوا الورّاقا
- 389-
- 390-(19/217)
- 391- «1» 158/أوقوله: (متقارب)
1- وقد خجل الورد مذغبت عنّا ... وكاد يكون شقيق «2» الشّقيق
2- فبادر إلينا فدتك النّفوس ... فلم يخف عنك انتظار المشوق
3- فللباب آذان سوساتنا ... وأعين نرجسنا للطّريق
- 392- وقوله: (طويل)
1- أعنّي برأي صائبات سهامه ... إذا أخطأ «3» الأغراض «4» كلّ تفوّق «5»
2- فما عدم التّفويق «6» من كان عونه ... على نائبات الدّهر رأي موفّق
- 393- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- عوفيت من جرب به ... صرت المنقّب «7» والممزّق «8»
- 391-
- 392-
- 393-(19/218)
2- وأحكّ ليلي بالمرا ... فق واليدين ولست ألحق
3- عريان كالعود اليب ... يس وإنّما جفني مؤرّق
4- وكأنّ جسمى من دمي ... بأظافرى الرّكن «1» المخلّق «2»(19/219)
- 394- وقوله: (متقارب)
1- شكار قد آليت عيني فداه ... فقلب المتيّم قلب شفيق
2- وقال أمنت بشعريتي ... وبيني وبينكم ستر رقيق
3- وما سرد داود «1» منى يقيك ... وأنت بأسهم لحظي رشيق
- 395- وقوله: (كامل)
1- وفتى يقول أنا الجواد وما له ... جود وأحسبه يبرّ ويصدق
2- أبدا تراه هاربا من طالب ... فهو الجواد «2» لأنّه لا يلحق
- 394-
- 395-(19/220)
- 396- وقوله: (منسرح)
1- قرنت بالجمعة افتقادك لي ... أخذا بحقّ الحنوّ والشّفقه
2- فلا عد مناك واجدا أبدا ... تجمع بين الصّلاة والصّدقه
- 397- وقوله: (متقارب)
1- وقدر طبيخي لأجل العيال «1» ... يخاف على السّفن فيها الغرق
2- وإن زاد طار «2» يزد كوز زير «3» ... فليس بضائرنا من طرق
3- وكم مرّة ضجّ منّي الطّبيخ ... بتلك الزّيادة حتّى مرق «4»
4- وخفت لغرقي من النّيل أن ... يقال بنار السّراج احترق
- 398- وقوله: (كامل)
1- قال الوشاة وكنت نكّرت «5» اسم من ... أهوى لآمن مؤلم التّعنيف «6»
- 397-
- 398-(19/221)
2- ألف القوام ولام خطّ عذاره ... دلا عليه بآلة التّعريف
- 399- وقوله: (كامل)
1- قابلت منها روضة أدبيّة ... قبّلت منها كلّ حسن يعشق
2- وفررت بالنّظم المحيط بجانبي ... من لجّها والبيت حولي خندق
- 400- «1» وقوله: (كامل)
1- واخجلتي وصحائفي سود غدا ... وصحائف الأبرار في إشراق «2»
2- وتوقعي لموبّخ لي قائل ... أكذا تكون صحائف الورّاق «3»
- 401- وقوله: (سريع)
1- يا ربّ مغرور بدنياه ما ... وقت له آخذة باركه
2- صفت له الدّنيا فلمّا طغى ... صفّت «4» له وانقلبت ضاحكه
- 400-
- 401-(19/222)
- 402- 160/أوقوله: (مجتث)
1- كم درهم بات يشكو ... من طول سجن لديكا
2- وقال تالله باللّ ... هـ خلّني من يديكا
- 403- وقوله: (كامل)
1- ما أنصف الصّحنين منّي واصف ... عجلت بديهة فكرة «1» المتوالي «2»
2- لم يهد ملك الصّين أحسن منهما ... أخوين كالقمرين عند كمال
3- أرز تجاوره هريسة «3» فستق ... كالخدّ حفّ بعارض «4» سبّال «5»
4- ويروقني مع ذا وذا سنبوسج «6» ... حلو الضّمير مرقّق السّربال
5- عجبا له كلّ الأنام تحبّه ... وله من الأقوام شخص قال
- 403-(19/223)
- 404- وقوله: (طويل)
1- أعيذ «1» كمال الدّين «2» من شرّ حادث ... يميّل عنّا وجهه وهو مقبل
2- ونفديه بالأقمار فهي لنعته ... وباسم أبيه تستدير فتكمل
- 405- وقوله: يشكو دمّلا: (كامل)
1- مولاي أقسم لم تعد في منزلي ... من جمرة في العيد إلا دمّلي
2- حوشيت من قاس كأنّ الدّهر قد ... أعداه غلظته «3» وقد أهداه لي
161/ب
3- وألدّ «4» ذي حنق «5» عليّ كأنّما ... تغلي عداوة صدره في مرجل «6»
4- وله وليس له فم أكل به ... لي شاغل عن مشرب أو مأكل
5- ويقول هذا جمرة «7» ويقول هذا شقف ... ة «8» والقول قول الأوّل
6- وإذا توقّد في سراج جمرة ... قبلي فتلك مزية للمشعل
- 404-
- 405-(19/224)
7- أترى كبرت وزدت أيضا رتبة ... فجمعت حظّ المهتدي والمطلي «1»
8- ولقد بليت به عذوّا بات في ... جلدي فرّق لمن بذلك قد بلي
9- ويظلّ يجمع ثمّ يجمع وهو من ... حسد عليّ وفرط غيظ ممتلي
- 406- وقوله: (بسيط)
1- كم شدّة جاء في أعقابها فرج ... عن فجره انشق ليل الحادث الجلل «2»
2- وكم جلا الله من غمّاء «3» أدركها ... بلطفه «4» لا بحول «5» المرء والحيل
3- وهمّة ليس يثنيها رفاهية «6» ... عن المعالي بحبّ الأين «7» والكسل
4- لا يدرك المجد إلا كلّ مدّلج «8» ... يدري ويعلم أنّ العزّ في النّقل «9»
5- سمح متى بلغت برقا أسرّته «10» ... جاءت يداه مجرّ «11» العارض الهطل
- 406-(19/225)
- 407- وقوله: (رمل)
1- بلبلت «1» مقلته عقلي وقد ... سحرته فأرتني بابلا «2»
2- طرفه والقدّ كادا مهجة ... وافق النّاظر فيها القابلا «3»
- 408- وقوله: (طويل)
1- وألبست الأطلال بعدك وحشة ... وكيف يكون الغمد فارقه النّصل
2- فما الدّار دار وهي منك خليّة ... ولا صحبها صحب ولا أهلها أهل
162/أ
3- تبدّلت الأسحار «4» فيها هواجرا «5» ... وأصبح نارا عندها الماء والظّلّ
4- فروع ذوت لّما ذويت وإنّما ... يكون بقاء الفرع ما بقي الأصل
- 407-
- 408-(19/226)
- 409- وقال يداعب شخصا كان اشترى جارية تسمّى (زبيدة) من سيّد لها جميل الوجه يسمّى (فخر الدين عثمان) ، وحملت سيّدها المشتري لها على زيارته بها عند سيّدها الأول، واسم المشتري لها (النجم) (بسيط)
1- ذابت زبيدة من شوق لسيّدها ... عثمان والنجم بالنّيران مشتعل
2- وما تلام ونيل الفخر يعجبها ... وبالزّيارة لم يبرح لها شغل
3- فقل لطائر قد أتاه بها ... (ويلي عليك وويلي منك يا رجل) «1»
4- لو كنت يا سطل «2» ذا أذن تصيخ «3» إلى ... عذل «4» عذلتك لو يجدي «5» لك العذل
5- تقود ظبية آرام «6» إلى أسد ... لولا التّقى لمضت «7» أنيابه العظل «8»
6- ومن ترى ذلك الوجه الجميل ولا ... تودّ من قبحك المشهور تنفصل
7- هذي بثينة «9» والمجنون «10» قائدها ... إلى جميل أجاد المخّ يا جمل
- 409-(19/227)
8- وهبه عفّ أما تبقى محاسنها ... في قلبه يا لكاع الوقت يا زحل
9- أفّ لعقلك يا متبوع إنّك ذو ... رأس خفيف وذاك الطّود والجبل
10- والويل ويلك إن ذاقت عسيلته ... وبات يجتمعان الزّبد والعسل
11- لأنشدنّك إذ ودّعتها سفها ... (ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل)
12- وإن تكن ذاك أعشى كنت أنت إذا ... أعمى فلا اتّضحت يوما لك السّبل
- 410- 163/ب وقوله: (مجتث)
1- قطائف الحشو قالت ... لأختها في المقالي «1»
2- كلّ الورى لي محبّ ... بحيث ما لي قال «2»
3- فجاوبتها بنضج ... وحدّة في المقال
4- الدّست لي أنا وحدي ... فسلّمي لي حالي «3»
5- وإن تحلّى «4» بنا الصّد ... رحلي ذات الحجال «5»
6- أين اللّجين من التّب ... ر «6» قيمة عند حال «7»
- 410-(19/228)
- 411- وقوله: (كامل)
1- حجبت شعاع الشّمس فاحترقت جوى ... ومع العشيّة أقبلت تتطفّل «1»
2- حتّى لقد رقّ النّسيم لها وقد ... صبغت بصفرة من يردّ فيخجل
3- فثنى لها الأغصان فانفرجت لها ... طرق فكان لها بهنّ توصّل
4- فدنت وأزعجها الرّحيل فودّعت ... ولها التفات من اشتهى لا يرحل
5- حتّى إذا ما الشّمس هوّم «2» جفنها ... ورنا من الظّلماء طرف أكحل
6- زار الحبيب فكأنّ يومي والدّجى ... ما منهما إلّا أغرّ «3» محجّل «4»
- 411-(19/229)
- 412- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- قالت وقد هاجرتها «1» ... في الصّوم أفّ عليك بعلا «2»
2- كانت عليك وظيفة «3» ... صيّرتها في الصّوم بقلا «4»
3- فأجبتها ذاك المدلّل ... صار منكوسا مدلّى
4- وعهدته رمحا أش ... قّ به الدّروع فصار حبلا
- 413- وقوله: (رمل)
1- زدت فيها زادك الله علا ... عمر بدر التّمّ لمّا كملا
2- وهي في السّبعين مثلي ولها ... بهجة البكر إذا ما تجتلى «5»
- 414- 164/أوقوله: (طويل)
1- دعوني ك ... البيت ممّا لزمته ... وإن كان ك ... البيت عنّي بمعزل «6»
- 412-
- 413-
- 414-(19/230)
2- ولو كنت ذا رمح لعاودت طعنه ... وكيف بعودات الطّعان لأعزل «1»
- 415- وقوله: (طويل)
1- وكنت على وعد من الطّيف برهة ... فلّما بدا لي بعد مطل «2» بدا له
2- وأعرض إعراض الحبيب كأنّني ... أرى مثله في طيفه وملاله «3»
3- وولّى ودمعي خلفه وهو لا يرى ... كعادته في الحبّ لا لي ولا له
- 416- وقوله: (وافر)
1- وأصيد «4» ظلّ يدرك يوم صيد ... طرائده «5» بجرد «6» كالسّعالي «7»
2- فإن عبقت لنا يمناه مسكا ... (فإنّ المسك بعض دم الغزال) «8»
- 415-
- 416-(19/231)
- 417- وقوله: (سريع)
1- وشعره قال لعشّاقه ... لا تنسبوا ذلك إلا لي
2- فصدّقوه أنّه مرسل «1» ... أرسل من شنف لخلخال «2»
- 418- وقوله: (كامل)
1- ولقيت عنتر «3» إذ منيت بفاصد «4» ... ذي ريشة سقطت عليّ كيذبل «5»
2- ولو اهتدى للعرق لم يقنع به ... إذ كان لا يرضيه غير المقتل «6»
- 417-
- 418-(19/232)
- 419- وقوله: (كامل)
1- قالت أراك قد انحني ... ت فقلت من غير «1» اللّيالي
2- قد كنت سهما في اليمي ... ن فصرت سهما في الشّمال
- 420- 165/ب وقوله: (مخلع البسيط)
1- ويوم قيظ أذاب جسمي ... والماء لم يشف لي غليلا «2»
2- قد صحّ موت النّسيم فيه ... وكان عهدي به عليلا «3»
- 421- وقوله: (طويل)
1- وخادعتني عن صاحب الشّعرة التي ... بدت علما من تحتها الرّمح مائلا
2- وتلك التي تدني السّعادة للفتى ... فصدّق بها من كان في النّاس قائلا
3- إذا أقبلت جاءت تقاد» بشعرة ... وإن أدبرت ولّت تقدّ السّلاسلا «5»
- 419-
- 420-
- 421-(19/233)
- 422- وقوله: يشكر ابن الخليلى «1» لكبش أهداه له في الأضحى (مخلع البسيط)
1- يا ابن الخليليّ لا عدمنا ... منك جميلا على جميل
2- بعثت في العيد لي بكبش ... كأنّه في إهاب «2» فيل
3- فبيتنا بيت لحم «3» ... لمّا اتّجهنا إلى الخليلي «4»
- 423- وقوله: (رمل)
1- جرّد اللحظ فكم في كبدي ... وفؤادي منه جرح ما اندمل «5»
- 422-
- 423-(19/234)
2- وجرى دمعي دما نصّ «1» على ... أنّني من بعض قتلاه ودل
2- وأتى يكثر عذلي لائمي ... قلت دعني سبق السّيف العذل «2»
- 424- «3» وقوله: (وافر)
1- وجاز اني على شعر بشعر ... وعوّضني المحال عن المحال
2- ولست ألومه فيما أتاه ... لعادته قديما بالبدال
- 425- وقوله: (كامل)
1- قالت جمعت لفاقة «4» كسلا ... فانهض وقم وادأب «5» لهمّ العائله
166/أ
2- فأجبت هل تدرين لي سببا فقا ... لت لا ولا وتدا وهذى الفاصله «6»
- 424-
- 425-(19/235)
- 426- وقوله: يخاطب ابن الخليلي «1» (وافر)
1- عسى خبر «2» من الإنجاز شاف ... لمبتدأ من الوعد الجميل
2- فعلم النّحو دان «3» لسيبويه «4» ... وكان الأصل فيه للخليل «5»
- 426-(19/236)
- 427- وقوله: (طويل)
1- وفي الروضة الغنّاء أصبحت مثنيا ... عليك وأنفاس الرّياض رسيل «1»
2- وأمسيت أدعو واثقا بإجابتي ... لأنيّ أدعو والنّسيم قبول «2»
- 428- وقوله: (مخلع البسيط)
1- وسائل قال لي ومثلي ... يرجع في مثل ذا لنقله «3»
2- لم حرّم الشعر قلت حتى ... يقاد قسرا «4» لغير أهله
- 429- وقوله: (طويل)
1- وكم ذدت «5» آمالي وقد ذبت خجلة ... وإحسانك الدّاعي لإفراط إذلالي
- 427-
- 428-
- 429-(19/237)
2- وقالت لنا بالفتح قال من اسمه ... سعيد فقم نغنم «1» فقمت على فالي «2»
- 430- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- أطوى الزّيارة عنك مع ... شوقي وحملي عنك كلّي
167/ب
2- وأنا السّراج ومن يح ... سّ الرّيح في الأقوام مثلي
- 431- وقوله: (مجتث)
1- جنونه بغناه ... عليه لا شكّ قد دل
2- يد عن الجود غلّت «3» ... له ووعد مسلسل «4»
- 432- «5» وقوله: (طويل)
1- رزيّة فتح الدّين سدّ بها الفضا ... علينا وماتت حين مات الفضائل
- 431-
- 432-(19/238)
2- وقد قيل سعد الدّين «1» وافق موته ... فقلت وسعد كلّها والقبائل
- 433- وقوله: (مجتث)
1- أجبتني خلف خطّي ... وذا فصفع «2» يجمّل
2- فجرّس «3» الآن مدحي ... هذا جزا «4» من تقوّل «5»
- 433-(19/239)
- 434- وقوله: (طويل)
1- ولم أدر إلا عند أخذي مضجعي ... وقد سدّ ليلي دون أبوابك السّبلا
2- فبتّ أقاسي ليلة نابغيّة «1» ... بها النّوم لم يعقد «2» جفوني ولا خلّى
3- فدع مقلتي تلقى الرّدى مطمئنة ... فقد جعلت بالسّهد والدّمع لي شغلا
- 435- «3» وقوله: (سريع)
1- خرجت من بيتي سراجا وقد ... عدت من الأمطار قنديلا «4»
2- فالحمد لله الذي شكره ... به لساني عاد مبلولا
- 434-
- 435-(19/240)
- 436- وقوله: (سريع)
1- كلّفتني ما لم أطق في الصبّا ... فكيف والشّيب بفودي نزيل
2- والشّعر لا بيع ولا حلّة «1» ... ولا سراج منه يسوى «2» فتيل «3»
3- والنّاس في أوسع عيد وقد ... يشكو الطّبيب اليوم شكو العليل
4- وهرّتي قد هويت هجرتي ... إذ نارنا في العيد نار الخليل «4»
5- فمر تقيّ الدّين «5» في طبخنا ... نسعى فقصد الصّلح قصد جميل
6- ونعم من وكّله هيّنا ... (وحسبنا الله ونعم الوكيل) «6»
- 436-(19/241)
- 437- وقوله: (خفيف)
1- سيّدى سيّد الأفاضل تاج ال ... دّين «1» سطّرتها «2» عليك مدلّا «3»
2- منهيا زفرة اشتياقي إلى اللّح ... م ولا زفرة ببيتيّ أصلا
3- وغدت هرّتي تهرّ من الغي ... ظ وحيلي «4» وحيلها قد تخلّى «5»
4- ومحلّي «6» ما فيه نافخ نار ... وفؤادي بناره يتقلّى «7»
- 438- وقوله: (سريع)
1- عاف (نعم) حبّا (للا) سفلة ... أطربني فيه الذي قالا
2- تربية الخدّام هذا بلا ... شكّ فما يخرج عن لا لا
- 439- 169/أوقوله: مما كتب إلى الصاحب تاج الدين بن حنا «8» وقد بعث له طيورا ليذبحها بدلا من ديوك كانت عنده. (متقارب) - 437-
- 439-(19/242)
1- فديت الدّيوك بذبح «1» عظيم ... وأنقذتهم من عذاب أليم
2- فناري لهم مثل نار الخليل «2» ... ونارك لي مثل نار الكليم «3»
3- وذو العرف تالله في جنّة ... فكن واثقا بالأمان العظيم
4- لقد صفّقوا طربا بالجناح ... كتصفيق شاد بصوت رخيم
5- مشوا كالطّواويس في ملبس «4» ... بهىّ «5» البرود بهيج «6» الرّقوم «7»
6- وجادت بهم راحة كالغمام ... فجاءت بأحسن روض وسيم
7- وكم أيقظوا نائما بالأذان ... غدا بجلاء الظّلام البهيم «8»
8- كأني أشاهدهم كالقضاة ... لسمت «9» عليهم كسمت الحليم
9- وإلا أزمّة دار غدت ... بهم حرما أمنا «10» للحريم(19/243)
10- ونعم الفداء لهم قد بعثت ... من الفائقات «1» ذوات الشّحوم
11- أعدن الشّباب إلى مطبخي ... وقد كان شاب بحمل الهموم
12- وعادت قدوري زنجيّة ... فأعجب بزنجية عند روم «2»
13- وطال لسان لناري به ... خصمت خطوبا غدت من خصوم «3»
170/أ
15- وأمسيت ضيفك في منزلي ... ومن فيه ضيف يضيف الكريم
16- وقد أنبتت صدقات الوزير ... لهم ما لهم من دم أو لحوم
- 440- وقوله: (رمل)
1- ليت من أسبل «4» من شعر ظلاما ... حطّ من أبهى من البدر لثاما
2- ابن ستّ وثمان يا له ... قمرا أطلعه الحسن تماما
3- هزّ عطفا ونضا «5» طرفا فما ... أنذر الرّمح وما أمضى حساما
- 440-(19/244)
4- ورضاب الثّغر لم أظفر به ... هنّأ الله أراكا وبشاما «1»
5- لم يجد غير فؤادي هدفا ... عند ما فوّق من لحظ سهاما
6- أيّها اللائم لا ملت إلى ... قول من عنّف في الحبّ ولا ما
7- لا ومن صيّر نيران العدا ... لي بإبراهيم «2» بردا وسلاما
8- إنّ إبراهيم أضحى آمنا ... كلّ من حلّ له منّا مقاما
9- قف بناديه المرجّى وقفة ... وادع في طاعته الخطب غلاما
- 441- 171/ب وقوله: (كامل)
1- لله بركتك التي حسنت ... نظرا لوجهك حين تبتسم
2- حكت السّماء ووردها شفق ... ونجومها أضيافه وهم
3- وكأنّما السّبعان قد جمدا ... من خوف بأسك حين تنتقم
4- والماء من فم ذا وذاك حكى ... سيفين سلا والسّيوف دم
5- وصوالج في فضّة سبكت «3» ... للماء دون طلوعها الدّيم
6- وكأنّما أيّا منا حلل «4» ... نشرت «5» ويومك ذا لها علم
- 441-(19/245)
- 442- وقوله: (كامل)
1- ورعيت «1» هذا الجيش منك بناظر ... ما كاد يهمل رعيه بمنام
2- ورددت للأقلام أمر سيوفه ... فأقرّت الأسياف للأقلام
- 443- 172/أوقوله: (طويل)
1- قف العيس «2» إن وافيت تلك المعالما «3» ... وقوف محبّ بات بالشّوق عالما
2- وروّ ثراها بالمدامع «4» إنّها ... لتحسد أجفاني عليها الغمائما
3- وما أنا بالنّاسي عهودا تقدّمت ... ولا معهدا لي بالحمى متقادما
4- خليليّ إن لم تسعداني على الهوى ... فلا تلزماني أن أخيب اللّوائما
- 444- وقوله: (طويل)
1- أشاقك برق بات طرفك «5» شائمه «6» ... فأرسل دمعا لا تغبّ غمائمه «7»
- 242-
- 443-
- 444-(19/246)
2- سل الدّار عن أقمارها ولربّما ... سألت عن الشيء الذي أنت عالمه
3- ودونك فاستنشق صبا مسّ ذيلها ... لواحظ زهر قد تنبّه نائمه
4- سقى الغيث أيّامي هناك فإنّها ... وسل زمني أعياده ومواسمه
5- وشرب كرام للصّبوح دعوتهم ... وغمد الدّجى لم يشتهر «1» منه صارمه
6- دعوتهم والدّيك لم ينع ليله ... ولا نهضت بالنّسر فيه قوادمه
7- إلى بنت كرم «2» كاتم «3» الدّهر أمرها ... بنيه رجاء في خليل تنادمه
8- وكنت امرأ ما ضاق صدر احتماله ... بذنب صديق لا أريد أقاومه
9- ولو شئت لا ستنجدت عزمة «4» جلدك «5» ... وحاربت دهرا لا أزال أسالمه
- 445- وقوله: (طويل)
1- نعاوده لحدا بكته الغمائم ... وشقّت عليه للّرياض كمائم(19/247)
2- يجدّد حزني أنّه اليوم راحل ... وصوم عدمنا برّه وهو قادم
3- وكم مكرمات للوزير محمّد «1» ... على شاطئيها حاتم الجود حائم «2»
173/ب
4- أتربته جاورت فخرين منهما ... تساجل «3» أعراب علا وأعاجم
5- وإنّ عليّا «4» طوّل الله عمره ... وعمر بنيه للثّواب لغانم
6- وإنّ له في كلّ أجر أجلّه «5» ... ولا مثل هذا الأجر والله عالم
7- ولا مثله في الصّبر عنه وانما ... (على قدر أهل العزم تأتي العزائم) «6»
- 446- وقوله: (طويل)
1- وأصبح بيتي بالحلاوات عاطرا ... كأنّا فتقتا «7» للرّياض كمائما
2- وقد رقصت إذ طاب وقتي شيختي ... وبات مريد الشّيخة الليل قائما
- 445-
- 446-(19/248)
- 447- وقوله يخاطب رجلا يعرف بالبحر: (طويل)
1- لك الفضل إذ نوهت في بلدى باسمى ... وقد كنت إذ ذكّرتها دارس الرّسم
2- أبيت وقد خاطبتني عن تواضع ... رفعت به قدر السّراج إلى النّجم
- 448- وقوله: (بسيط)
1- ما هان دمعي حتّى هان فيه دمي ... فدع ملامك لي في الحبّ أو فلم
2- أشكو السّقام وما تشكوه مقلته ... مرضى الجفون معاناة من الألم
- 449- وقوله: (طويل)
1- تيمّن «1» بياسين فحسبك باسمه ... شفاء إذا ما انفكّ وانكسر العظم
2- أقال «2» لرجلي عثرة ولربّما ... يزلّ الفتى يوما ويهفو «3» به الحلم
3- فيبرئ من آيات ياسين أصله ... فلا ألم بي بعد ذاك ولا سقم
- 450- 174/أوقوله: (وافر)
1- أرحتك واسترحت من الملام ... ومن عذل يطيل مدى الكلام
- 449-(19/249)
2- وكنت أجيد عشق الظّبي ألمى «1» ... سقيم المقلتين بلا سقام
3- تقول أفرّ من رضوان «2» أم ذا ... له حسن سوى حسن الأنام
4- فما تمّ الجمال لغير هذا ... ولا وأبيك للقمر التّمام
5- وليلة زارني واللّيل ملق ... على الآفاق أردية الظّلام
6- وكاد الصّبح لا يبدو حياء ... فأبداه بما تحت اللّثام
7- هم قالوا المدام رضاب فيه ... ومن أعطاك يا كأس المدام
- 451- وقوله: (طويل)
1- أآل تميم «3» إنّ حزني بعده ... لتنسي به الأيام حزن متمّم
2- وإن حملوا بالصّالحية «4» قبره ... فدمعي له سفح بسفح المقطّم
- 450-
- 451-(19/250)
- 452- وقوله: (متقارب)
1- فضضت «1» عن الدّنّ «2» مسك «3» الختام «4» ... وراضعت «5» شربي بعد الفطام
2- وكيف ثبوتي على توبة ... وقد هزم الفطر شهر الصّيام؟
175/ب
3- ولاح هلال الدّجى قادما ... بقايا محيّاه تحت اللّثام
4- فقم نصطبحها سلافا «6» لها ... دبيب تسارقه «7» في الفطام
5- يطوف بها بابليّ اللّحاظ ... سكرنا بعينيه قبل المدام
6- جنيت «8» على خصره ما جنته ... عليّ لواحظه من سقام
7- صبوت له «9» وزمان الصّبا ... له في النّضارة عمر الغلام
- 452-(19/251)
8- رعى الله عهدا مضى للشّباب ... وإن لم يراع لنا من ذمام
9- وأبقى لنا خلدك الفائزيّ «1» ... وأبقى به طيب ذكر الكرام
- 453- وقوله: (كامل)
1- أعدت معاطفك القنا فتعوّما ... وبلونه أعدى مراشفك اللّمى
2- إن كان جفنك كاتما من لحظه ... سيفا فمن أجرى بوجنتك الدّما
3- بيضاء يلتبس الأقاح بثغرها ... فتزيل عنك اللّبس أن تتبسّما
4- هات الحديث عن الأراك فإنّ في ... أنفاسه ما لم يكن ليكتما
5- صبحته ريقتها فهزّ غصونه ... ودرى الحمام بسكره فترنّما
6- أشكو السّقام وجفنها لي هازئ ... لو كان سقمى سقمه لتألّما
7- أشتاق طيفك وهو مثلك في الجنا ... علّمته هجراننا فتعلّما
8- لا أنت لي تعطي «2» ولا هو في الكرى ... ليت الوشاة مضوا بحظّي منكما
- 453-(19/252)
- 454- وقوله: مزدوجة طردية (رجز)
1- لا تأخذن عنها السّروج «1» واللّجم «2» ... ودم على حبّ طراد «3» الخيل دم
176/أ
2- وانهض بها والصّبح في حجابه «4» ... كالسّيف ما جرد من قرابه «5»
3- سوابق «6» قبّ «7» البطون ضمّرا ... خلعن ليلا ولبسن عثيرا
4- من أدهم «8» محجّل أغرّ ... كاللّيل خاض في غدير الفجر
5- وأشهب «9» كأنّه شهاب ... له مضاء وله التهاب
6- وأحمر يخرج كالشّرار ... لا يصطلي البرق له بنار
7- وأصفر كذائب «10» من ذهب ... قد حلّيت غرّته بكوكب
8- مالي ووصف الخلق والشّباب ... ووصفها في الحسن فوق الدّاب
- 454-(19/253)
9- تنسيك حسن الخلق بالخلائق ... لاحتة «1» بأعوج «2» ولاحق «3»
10- كواكب بالنقع «4» لاحت في غسق «5» ... كما بدت من الدّماء في شنق
11- أعارها والصّبح ما تنفّسا ... أبلج «6» يذكي «7» من جبين قبسا
12- أبيض كالسّيف الصّقيل أزهر «8» ... يثني عليه أبيض وأسمر «9»
13- غزا وقاد الجيش في عصر الصّبا ... وهذّب «10» الكهل وراض «11» الأشيبا
14- وجاءها كنسر «12» في المفارق ... كلّ قنيص حطّه من حالق
15- وغارة بغارة ألحقها ... وهنا «13» وأعطى المرهفات «14» حقّها
16- وكم له من غارة شعواء «15» ... والشّمس ذات مقلة عشواء «16»(19/254)
17- أخلى بها الجوّ من الطّيور ... والقفر من عفراء «1» أو يعفور «2»
18- كم بزّ «3» روضا وغديرا طائرا ... بجارح «4» جدّ لها «5» كسائرا «6»
177/ب
19- حوّم حتى صار جار النّجم ... وانقضّ يهوي كشهاب الرّجم «7»
20- فانقضّ للأرض بغيظ وحنق «8» ... والخيل تحذوه «9» بركض وعنق «10»
21- فكم رأينا من بنات ماء «11» ... مضرّجات ثمّ «12» بالدّماء
22- ومن بلا شين «13» ومن كراكي ... من صائح في كفّه وباكي
23- والرّوض جذلان به مبتسم ... وللشّقيق فيه قد جنّ الدّم
24- وطالما صفّقت الغدران ... من طرب وماست الأغصان(19/255)
25- حتى إذا قضى هناك الأربا «1» ... واشتاق سفحي «2» حاجر «3» والرّبربا «4»
26- وادّكر الأجراع «5» والكثبانا «6» ... فراح يثني نحوها العنانا
27- فأرسل التّيهم «7» والطّاوى «8» الحشا ... والجوّ ما قلّص عنه الغبشا «9»
28- حتّى أحسّ الظّبي في بيدائه ... سوط عذاب صبّ من سمائه
29- وطالبا بالموت من ورائه ... وفارسا «10» يجري على غلوائه «11»
30- فالظّبي والشّاهين «12» والكلب معا ... والطّرف «13» قد فاتوا الرّياح الأربعا(19/256)
31- من كلّ خفّاق الجناح أجدل «1» ... كالصّخرة الصّمّاء حطّت من عل
32- حديد قلب وحديد البصر «2» ... ومخلب «3» ماضي الشّبا «4» ومنسر «5»
33- مهذّب مؤدّب مدرّب ... مزاحم نجم السّما بمنكب
34- وكلّ مجدول «6» القرى «7» مضمّر ... كأنّه أنبوبة من أسمر
35- مهما رأت عيناه كان في يده ... ولم يرع سرب «8» القطامن مرقده
36- ونحن في الأسفار من عياله «9» ... نبيت مغمورين من أفضاله
37- والأرض خجلى خدّها مضرّج ... من دم قتلى ليس فيها حرج «10»
178/أ
38- ونحن في الحرب من النّظّاره «11» ... نزهتنا في موكب الوزاره
39- وصيدنا نحن من المقالي «12» ... نجزى عن الفعال بالمقال
40- في ظلّ من دام علينا ظلّه ... ولا عدانا وبله «13» وطلّه «14»(19/257)
41- فعرض «1» من أصبح من حسّاده ... كثوب طاهية «2» دجى سواده
42- وما رأينا سفرة كمثلها ... نثني بفضل الله ثمّ فضلها
43- ولا رأينا كالوزير صاحبا «3» ... سهّل أخلاقا ولان جانبا
44- دام ودام الصّاحب المؤيّد ... أخوه زين الوزراء أحمد(19/258)
- 455- وقوله: وقد أهدى إليه علم الدين «1» خلعة وتفصيلة «2» وأترجّا (طويل)
1- رفلت «3» بها في حلّة علميّة «4» ... خلالك «5» فيها أعجزت كلّ راقم
2- وتفصيلة كادت تكون لرقّة ... ولين أراها من ثياب الأراقم
3- ويانع أترجّ كأنّ نسيمه ... ثناؤك إذ لا يستطاع لكاتم
4- جسوم لجين في غلائل «6» عسجد ... وأنمل حسّاب بغير معاصم
5- وقالوا لقد جاءت إليك هنيئة ... فقلت كذا تأتي هديّة حاتم «7»
- 456- وقوله: (متقارب)
1- توجّه لومي على لائمي ... وقد مست كالغصن النّاعم
179/ب
2- وقام بعذري فيك العذار ... وما النّاس إلّا مع القائم
- 455-(19/259)
- 457- وقوله: (كامل)
1- قلبي لفقدك يا خليل كليم «1» ... برّد حشاي فأنت إبراهيم
2- دمعي وصبري إذ مقامك في الثّرى ... هذا وهذا زمزم «2» وحطيم «3»
- 458- وقوله: فى إزار أهدي له: (خفيف)
1- من صفات الكريم ستر الحريم ... فلك الله من جواد كريم
2- شدّ أزري «4» وصان أهلي إزار ... كسجاياك «5» رقّ أو كالنّسيم
3- أرسلته إليّ بيض أيادي ... ك فجلّى سواد حظّي البهيم «6»
4- وأتاني وما سألت ولا استسق ... يت جودا هذي «7» صفات الغيوم
- 457-
- 458-(19/260)
- 459- وقوله: يشكو الحمىّ على طريقة أبي الطيب «1» ، ووزن قصيدته ورويّها «2» (خفيف)
1- وزائرة وليس بها احتشام «3» ... تزور ضحى وتطرق في الظّلام
2- بها عهد «4» وليس بها عقاف ... عن الشّيخ الكبير ولا الغلام
3- إذا طرقت أعاذ الله منها ... سلوت عن الكرائم «5» والكرام
4- لها في ظاهري برد وحرّ ... بقلبي والفتور ففي عظامي
5- تلهوج «6» نارها لحمي طعاما ... وتشرب من دمي صرف المدام
6- وأصوات الغناء لها أنيني ... فما تنفكّ من هذا المقام
7- تجافتني «7» على شيبي وضعفي ... وقد أعييت ربّات الخيام
8- إذا ما فارقتني غسلّتني ... لأني قد وصلت إلى حمامي
- 459-(19/261)
- 460- 180/أوقوله: يصف مسيرا عاجلا (وافر)
1- أبا لملك السّليمانيّ «1» فيها ... ركبتت الرّيح خافقة «2» الزّمام «3»
2- فكان بها مساؤك عند مصر ... وكان بها صباحك بالشّام
- 461- وقوله: (طويل)
1- ولست بناس من سطورك روضة ... غمامتها كفّ كشفت بها العمى
2- فها أنا بين الخطّ واللّفظ أجتلي «4» ... محاسن تهدي العمي أو تسمع الصّمّا
- 462- وقوله: (طويل)
1- وأقبلت قبل العيد والعيد عارف ... ومعترف أنّ المهمّ المقدّم
2- يمينك أبهى بهجة من هلاله ... وخمسك لا عشر من الشّهر يلثم
- 460-
- 461-(19/262)
3- وما أنت إلا رحمة الله ساقها ... إلى بلد عاداتها بك تزحم
4- يمينا لأنت البدر معنى وصورة ... ولولا اعتقادي ذا لما كنت أقسم
- 463- وقوله: (كامل)
1- أمسي بخصرك في ضناه قسيما ... وأشدّ ما أعدى السّقيم سقيما
2- وأظنّ جفنك قد تحكّم فيهما ... فلقد أجاد وصحّح التقسيما
3- أكتمتنا فيه المدام ونفحة ال ... مسواك تظهر سرّه المكتوما
4- ولقد وجدنا ذاك من أنفاسه ... إذ ما وجدت سوى الأراك نديما
5- الجيد أغيد «1» واللّحاظ كحيلة ... يا للمها ماذا سلبت الرّيما
6- خفقان قرطك في فؤادي لو رمى ... بخفوقه برق الدّجى ما شيما
7- وأنا الذي حكمته في مهجتي ... ونسيت عمرا «2» فيك والتحكيما
- 464- 181/ب وقوله: (وافر)
1- جرت من بعد ساداتي أمور ... غدت عجبا تسطّر في الأنام
- 463-(19/263)
2- فما غلت البطالة لي لأنّي ... عرفت بها الكرام من اللّئام
- 465- وقوله: (مديد)
1- لي على خدّ الحبيب دم ... فإلى من فيه أحتكم
2- ما أبرّي «1» منه ناظره ... وهو بالعشّاق متّهم
- 466- وقوله: (بسيط)
1- لو أنني بتّ ضيفا لابن زائدة «2» ... معن لما زاد معنا عنك في الكرم
2- بشاشة وحديثا ممتمعا «3» وقرى ... سررت طرفي وسمعي وفمي
- 467- وقوله: (سريع)
1- مذ رقّ ذاك الخصر من ظالمي ... رجوت منه رقّة الرّاحم
- 465-
- 466-(19/264)
2- ومذ تشكّى جور «1» أردافه «2» ... أشفقت أن أدعو على ظالمي
- 468- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- سبق السّراج إلى امتدا ... حك كلّ من يتقدّمه
2- وسناك مسرجة لبا ... بك والمهابة تلجمه
3- لكن توقد ذهنه ... ما كاد شيء يفحمه «3»
- 469- وقوله: (طويل)
1- ظننت جنيّ الورد حمرة خدّه ... كما ظنّه قوم شقيقا وعندما «4»
2- وما ذاك إلّا أنّ سيف جفونه ... بوجنته من مهجتي تقطر الدّما
- 470- وقوله: (طويل)
1- وذى دمّل كالدّهر شدّة قسوة ... منيع حجاب عن بلوغ المراهم
- 467-
- 468-
- 469-(19/265)
2- عسا «1» وقسا حتّى كأنّ مجسّه «2» ... يمين بخيل ظنّ «3» أو قلب ظالم
- 471- 183/ب وقوله: (خفيف)
1- قلت قومي لعلّنا ننسج العي ... ش فقالت وللكلام كلام
2- لحمة «4» الوصل ها هي وهي من غز ... ل جفوني فأين منك القيام
- 472- وقوله: (كامل)
1- ولربّ جمع من عداك لقيته ... فلقيت جمعا ليس منك بسالم
2- ولّوا وقد ولّيت سيفك أمرهم ... فحسمت داءهم «5» بوال صارم «6»
- 473- 184/أوقوله: يصف هاجرة. (طويل)
1- وهاجرة أذكت على السّفر «7» جذوة «8» ... أعوّذ من رمضائها «9» كلّ مسلم
- 470-
- 471-
- 472-
- 473-(19/266)
2- غدا الماء فيها كالحميم «1» لشارب ... وبرد الصّبا فيها كفج «2» جهنم
3- إذا «3» الشّمس كالدّينار يسهل صرفه ... بدارة ظلّ قدر دارة «4» درهم
- 474- وقوله: (رمل)
1- حصل العزّ لها مذ خطبت ... منك لا نعدمك عزّا دائما
2- وبصدر الدّين «5» ملّيت ولا ... زلت تحوى منه صدرا سالما
- 475- وقوله: (منسرح)
1- وربّ شخصين قطّ ما اجتمعا ... إلا على هرت «6» غائب فهما
2- ما مرّ يوم إلا وعندهما ... لحم رجال أو يولغان «7» دما
- 474-
- 475-(19/267)
- 476- 185/ب وقوله: (خفيف)
1- صيتكم نار في الظّلام يكفّي «1» ... كرما من قراكم وكرامه
2- خبزكم طبّب حلال لقد طا ... ب وطبتم وأصلكم من علامه
- 477- «2» وقوله: (خفيف)
1- وباخل يشنأ «3» الأضياف حلّ به ... ضيف من الصّفع نزّال على القمم
2- ساءلته ما الذي تشكو «4» فأنشدني ... (ضيف ألمّ برأسي غير محتشم)
- 478- وقوله: (منسرح)
1- قد كتبوا عنك ما تصنّفه ... قال الأديب المحرّر الفهم
- 476-
- 477-(19/268)
2- وصحّفوا قال قاد سيّدنا ... وذاك شيء جرى به القلم «1»
- 479- وقوله: (خفيف)
1- ورقيع يأبى السّلام «2» علينا ... لا مشيرا به ولا متكلّم
2- قلت سلّم إذا مررت بقوم ... فهو الشّرع قال لي لا أسلّم
- 480- 186/أوقوله: (منسرح)
1- كان متاعي «3» إذا استعنت به ... في حاجة أعجزت ذوي الهمم
2- قام بأمري وقد قعدت به ... ونمت عن حاجتي ولم ينم
- 481- وقوله: (رجز)
1- درهمهم على الدّوام يحرم ... 2- تقطع يا هذا بذا وتجرم
3- فمدحهم لزوم ما لا يلزم
- 478-
- 479-
- 480-(19/269)
- 482- وقوله: (بسيط)
1- أهديت لي عنبا سرّ الفؤاد به ... كأنّه ابنة «1» إذ زانها القدم «2»
2- وغير بدع إذا أهديته كرما «3» ... يوما ودارك فيها الكرم والكرم
- 483- «4» وقوله: (رمل)
1- أيّها السّائل عنّي إنّني ... قد تحامى الجود عنّي واعتصم
2- عزّ من أمدحه في رجب ... فأنا الأخرس والشّهر الأصم
- 484- وقوله: (مجتث)
1- نادى رجائي نداه ... فكان عنه أصمّا
2- وما ألوم أصمّا ... في قصده كنت أعمى
- 482-
- 483-(19/270)
- 485- وقوله: (وافر)
1- لبست مدائحي قبل التّمائم ... وقبل المدح أرضعت المكارم
2- وفي المهد انتجعنا منك كفّا ... كفانا منّها منن الغمائم
3- وهزّك مدحنا من جانبيه ... فلم تك عن جوارحنا بنائم
4- وقبّلنا يمينك ثمّ لم لا ... تقبّل وهي قبلة كل لا ثم
- 486- 187/ب وقوله: (سريع)
1- جدّد سرورا بالشّراب القديم ... واشرب هنيئا واسقني يا نديم
2- وهاتها كالشّمس قد أشرقت ... من دنّها في جنح ليل بهيم
3- في رقّة الماء ولكن لها ... توقّد النّار وبرد النّسيم
- 487- وقوله: (خفيف)
1- أوجبت وحشة الذّنوب أنفباضي ... عن سؤالي لكنّ ربّي كريم
2- ولئن كنت غارقا في ذنوبي ... هي كالبحر فهو برّ رحيم
- 488- وقوله: (طويل)
1- علمت زكيّ الدين أنّي مطالب ... بدين ولم لا وهو وعد كريم(19/271)
2- فقلّد صنيعا واغتنم من مدائحي ... فلابدّ «1» ما دنسّتها «2» بلئيم
- 489- وقوله: (متقارب)
1- أقمت المطامع من نومها ... ونمت فمن ذا بهذا حكم
2- وحاشاك تسمع في مثلها ... (فنبّه لها عمرا ثمّ نم) «3»
- 490- 188/أوقوله: (خفيف)
1- ما مع الخبز فضلة للإدام «4» ... فاقنعي واقطعي حديث الملام
2- بشّرينا بسلّة الخبز حبلى ... وافرجي من رغفانها بغلام
3- رقّصيه مربرب «5» الخدّ بادي ... الحسن يجلو وجها كبدر التّمام
- 488-
- 489-
- 490-(19/272)
4- فهو يغنيك عن سواه ولا ... يغنيك عنه شيء وذوقي كلامي
5- ودعينا عن الإدام وعدّي ... القدر أمّا قد آذنت بالفطام
- 491-
1- بادر العشر عشر كفّيك لثما ... وتمنّى هلاله منك تمّا
2- ورأى الملك مطلعا منك نورا ... كم جلا نوره ظلاما وظلما
3- فبدا حاجبا لديك وما أس ... عد من ينتمي لبابك نجما
- 492- وقوله: (متقارب)
1- أمير له طلعة طالما ... بدت قمرا تحت ليل التّمام
2- يطاعن بالرأي قبل السّنان ... ويضرب بالعزم قبل الحسام
3- ويقتادها ضمّرا كالّرياح ... حشي البرق من خلفها في ضرام
4- يطير بها العزم دون السّياط ... ويمسكها «1» الزّجر «2» دون اللّجام
5- وننسب تهذيب تأديبهنّ ... لتهذيب فرسانهنّ الكرام
- 493- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- إنّ الدّراهم مسّها ... ألم يشقّ على الكرام
- 492-(19/273)
2- الضّرب «1» أوّل أمرها ... والحبس في أيدي اللّئام
- 494- 189/ب وقوله: (مجزوء الكامل)
1-ماذا على شؤم الدّرا ... هم من مقاساة الأنام
2- ولخوفها من ذا وذا ... ك تفرّ من أيدى الكرام
- 495- 190/أوقوله: (بسيط)
1- بقيت في كلّ يوم كم أروح وكم ... أغدو وملّ المكاري «2» كم يردّني
2- ولا أزاد على التّقار «3» عندكم ... كأنّني جئتكم رأسا بلا بدن
- 496- وقوله: (كامل)
1- لم يسر بينهم الخيال لغيرة ... هجرت مخافتها المنام عيون
- 493-
- 495-(19/274)
2- ولربّما ركب المهاول «1» طارقا ... والصّبح طفل تارة وجنين
- 497- 191/ب وقوله: (رجز)
1- إنّ فتوحا جامع شمل الفتن ... أقود للعاصي «2» الحرون «3» من رسن «4»
2- كم ورد الماء لديه ورعى ... حشيشة في بيته ظبى أغن
3- ونزهة الفسّاق في بيته (ذا) «5» ... والماء والخضرة والوجه الحسن
- 498- وقوله: (سريع)
1- إذا رأت شيبي على صدرها ... أذكرها القطن ولون الكفن
2- وبين فخذيها ترى ميتا ... مصبّرا «6» من مدّة ما اندفن
- 496-
- 497-
- 498-(19/275)
- 499- وقوله: (بسيط)
1- كانون «1» مطبخنا في العيد كانون ... والهرّ فيه على ما فيه مأمون
2- فما شكا زفرة «2» كالعاشقين ولا ... تخضّبت بنجيع فيه سكّين
3- ولا هدت ناره السّاري «3» ولا رفعت ... قدر ولا نصبت فيه مواعين
4- ولا ألمّ بنا الجرّار «4» فيه ولا ... دين البراهمة «5» الواهي لنا دين
- 500- وقوله: (بسيط)
1- وربّ سمراء «6» كالسّمراء قامتها ... ما أخطأت شبها في اللّون واللّين
- 499-
- 500-(19/276)
2- لقد سبى «1» حسنها عقلي ولي كبد ... أعيذ فاطرها «2» منها بياسين «3»
- 501- 192/أوقوله (سريع)
1- ابعث بذى قرنين «4» من لي به ... ومن لأهلي أو لجيراني
2- أملح «5» أغدو يوم عيد به ... مقرّبا «6» أعظم قربان
3- ويتبع الجزّار حكمي فلا ... يلقاني الدّهر بعصيان «7»
4- يرفع لي قدرا «8» وقدرا بها ... نصب «9» خواني «10» بين إخوان
5- ويرفع المطبخ لي راية ... قيسيّة «11» من لونها القاني «12»
- 501-(19/277)
- 502- وقوله: يذكر انيفا (سريع)
1- رأيت أنف ابن خنفر «1» وقد ... تطاولت أجناب حيطانه
2- أنف أبو الهول «2» على جرمه ... محتقر في جنب بنيانه
3- وهو كسبع الحوض في فتحه ... فاه وفي إعلان أجفانه
4- ويكمل التّشبيه فيه إذا ... غرّق في الماء إلى آذانه «3»
- 503- وقوله: (منسرح)
1- يا ساعة البين قد نسيت بما ... كابدته منك لذّة الزّمن
2- قد ظعن الرّكب بالجمال وبال ... حسن وعدنا بالشّوق والحزن
- 502-(19/278)
- 504- وقوله: (سريع)
1- هزّوا قدودا وانتضوا «1» أعينا ... وعطّلوا البيض وسمر القنا
193/ب
2- خادعننا يوما وقلن الذي ... عندكم «2» دون الذي عندنا
3- تشكون سقما ولنا أعين ... لو نطقت قالت بكم ما بنا
4- قلنا فتشكو غير ذا قلن ما ... كلّ هواكم قسمة بيننا
5- يا ربّة الخال أما يجتلى ... شقيق خدّيك أما يجتنى
6- قالت أبا لخال توهّمته ... شقائقا «3» فاتك ماها هنا
7- خديّ ورد ريقتي ماؤه ... قلت سلي من ذاق أو من جنى
- 505- وقوله: (كامل)
1- هم فارقوك وهذه الأوطان ... ولهنّ باقي الدّمع كان يصان
2- فاسق المعاهد «4» وارع خفّهم وإن ... نقضوا عهودك غادرين وخانوا
- 504-
- 505-(19/279)
3- لا تدخروا «1» الأجفان بعد فراقهم ... فلأي معنى تذخر الأجفان
4- ولو أنّهم رفعوا البراقع «2» لم يكن ... ليضلّ تحت دجنّة حيران
- 506- 194/أوقوله: (بسيط)
1- ابعث إليّ بمشط من شبيبته «3» ... يدلي بقوّة تركيب وأسنان
2- فأنت تمسك إمساكا بمعرفة ... كما تسرّح تسريحا بإحسان «4»
- 507- «5» وقوله: (مخلع البسيط)
1- أثنى عليّ الورى بأنّي ... لم أهج شخصا ولو هجاني «6»
2- فقلت لا خير في سراج ... إن لم يكن دافئ اللّسان
- 506-
- 507-(19/280)
- 508- «1» وقوله: (مجتث)
1- ما زلت رطب «2» لسان ... بشكر أهل الزّمان
2- وللسّراج بقاء ... ما دام رطب اللّسان
- 509- وقوله: (مجزوء الرمل)
1- بتّ أشكو سقم جسمى ... لسقيم المقلتين
2- قال لي يكفيك أن ... أصبحت عندي مثل عيني
- 510- 195/ب وقوله (مجزوء الخفيف)
1- وقهوة «3» سبقت ك ... لّ مدّة وأوان «4»
2- عجبت منها تسمّى ... مع ذاك بنت الدّنان «5»
3- ولو كنوها «6» بحقّ ... لقيل أمّ الزّمان
- 508-
- 510-(19/281)
- 511- وقوله (كامل)
1- لي في دواة الفتح «1» أحسن مدحة ... بفنونها لذوي العقول فنون
2- تالله لو فطن الحديد لبعض ما ... أنا ناظم فيه لكان يلين
- 512- وقوله يتشكّى ركوب المحارة «2» : (بسيط)
1- أشدّ رأسي ووسطي في المحارة من ... هزّ لها فكأني قصّ كان «3»
2- فأسأل الله ربّ العرش يبدلني ... من المحارة تسريحا بإحسان
- 513- وقوله (وافر)
1- رأيت قطوف «4» عفوك دانيات ... فنحن مع المدى نجني «5» ونجني
- 511-
- 512-
- 513-(19/282)
196/أ
2- وكم بات المسيء قرير عين ... وسيفك إذ حلمت «1» قرير جفن
- 514- وقوله (متقارب)
1- إذا جدّد الله سبحانه ... لكم نعمة عمّت المسلمينا
2- فلا عدم الملك نصرا عزيزا ... ولا عدم الدّين فتحا مبينا
- 515- وقوله (رجز)
1- طلبت من عندك أصلا طيّبا ... فقلت لي طلبت ما لا يمكن
2- انظر إلى فعلي فأصلي مثله ... فقلت هذا العذر عذر بيّن
- 516- «2» وقوله (بسيط)
1- وقائل قال لي لمّا أن رأى قلقي ... من انتظاري لآمال تمنّينا «3»
- 516-(19/283)
2- عواقب الصّبر فيما قال أكثرهم ... محمودة «1» قلت أخشى أن تخرّينا
- 517- وقوله (طويل)
1- رسولي شيطان خبير مجرّب ... ولم ينخدع مذ كنت يوما ولا كانا
2- ولكنّه الشّيطان ذلّ ولم يحر ... لديك جوابا «2» إذ رآكا سليمانا
- 518- وقوله (مجزوء الرمل)
1- نظرت من خلل «3» السّج ... ف «4» كشمس من دجون
2- فرنت لي بفتور ... ورمتني بفتون
3- وعلينا رقباء ... هجروا نوم العيون
4- فتطارحنا «5» هوانا ... برسالات الجفون
5- وزنينا بعيون ... ورجمنا «6» بظنون
- 517-
- 518-(19/284)
- 519- وقوله (مجزوء الكامل)
1- ما كدت تكحل أرقدا ... خبثا لتحرمه الوسن
197/ب
2- إلا الغسيل على الغسيل ... كذا على مرّ الزّمن
3- حتّى تقول لك اللآمة ... ما خرجت عن اللّبن
- 520- وقوله (مجزوء الرمل)
1- أنا تبر فوق خصر ... صار لي حليا وزينا
2- قالت الأعين «1» لي ضق ... ت وضيّقت علينا
3- لست منّا قلت من قا ... ل أليس التّبر عينا
- 521- وقوله (خفيف)
1- لم أنل في الشّباب ما نلته عن ... د مشيبي من افتراع «2» المعاني
2- كلّ بكر ما افتضّها من فحول الشّ ... عر عندي يا ليت ذا في الغواني
- 520-
- 521-(19/285)
- 522- «1» وقوله (خفيف)
1- أخذت بحبل من حبال محمّد «2» ... أمنت به من طارق الحدثان
2- أمسكتني أمس بالمعروف لا عدمت ... حالاك واليوم تسريحي بإحسان «3»
- 523- وقوله: (وافر)
1- شكا رمدا فقلت عيناه كلّت ... لواحظه من الفتكات فينا
2- وقالوا سيف مقلته تصدّى «4» ... فقلت نعم لقتل العاشقينا
- 524- 198/أوقوله: (طويل)
1- رأت صبرك الأقدار في كلّ حادث ... عظيم وجاءت بالحقير وهانا
2- وقد تصبر الأبطال للبيض والقنا ... وتألم من قرص البعوضة أحيانا
- 522-
- 523-(19/286)
- 525- وقوله: (خفيف)
1- زاد نطحا «1» كمّا تكبّش «2» واغت ... رّ بدهر كم قد أباد القرونا «3»
2- وتناسى يوما عظيما ترى ال ... قرناء «4» تقضي «5» الجمّاء «6» فيه الدّيونا
- 526- وقوله: (طويل)
1- وكم صاح في الأبطال هل من مبارز ... فأخرس كلّ عن إجبابته أنا
2- وكلّمهم بالسّمهريّة «7» والظّبا ... وما كلّم الأبطال إلّا وبيّنا
3- فغنّوا جوابا والسّوابغ «8» فوقهم ... مجاوبة وقع الصّوارم والقنا
4- فأنطق أفواه الجراح وقد حكت ... بها فضلات من مواضيه السّنا
- 525-
- 526-(19/287)
- 527- وقوله: (خفيف)
1- ضاع في موسم «1» الوقود «2» سراجي ... طالما ضاء والزّمان زمان
2- كان رطب اللّسان بين كرام ... عنه ما جفّ من نداهم بنان
3- وهو الآن يعرك «3» الأذن «4» إنّي ... طال منه إلى المديح لسان
- 528- وقوله: (وافر)
1- له كفّ أهان المال فيها ... فأقسم لا أقام على الهوان
2- ومن يمناه لا من شعب كسرى ... دنانير تفرّ من البنان «5»
3- ومذ بنيت على الفتح استمرّت ... عليه ولا مغيّر للمباني
199/ب
4- وما مع جوده للمال سكنى «6» ... هناك وكيف يجمع ساكنان
- 527-
- 528-(19/288)
- 529- وقوله: (مجتث)
1- قد كان يوصف نظمي ... قدما «1» بسحر البيان
2- فمذ منعت جوابي ... عنه لأمر عناني
3- علمت أن صحّ منه ... باب لعقد اللّسان «2»
- 530- «3» وقوله: (طويل)
1- إذا بحت بالشّكوى عنيت معاشرا ... بلا راحة في مدحهم أتعبوا ذهني
2- يريدونني رطب اللّسان ومن رأى ... سراجا غدا رطب اللّسان بلا دهن
- 531- وقوله: (كامل)
1- ما النّاس بالصّور التي شاهدتهم ... منهم ولكن خلفهنّ معاني
2- فاخبر معانيهم ودع صورا لهم ... كي لا تكون كعابد الأوثان «4»
- 529-
- 530-
- 531-(19/289)
- 532- وقوله: (كامل)
1- نصب العداوة «1» حاسدوك فأعتبوا «2» ... خزيا «3» لألسنهم وخفض الشان «4»
200/أ
2- فمتى أراهم قدموا ورءوسهم ... مرفوعة بعوامل المرّان «5» «6»
- 533- وقوله: (بسيط)
1- أنضيت «7» هرّتي الغضبى وجدياني «8» ... وأهل بيتي وأضيافي وجيراني
2- وأطلقت يدك العلياء ألسنهم ... بالشّكر عن ألسن طالت لنيران
3- دعتهم بلسان بعد لكنتها «9» ... إلى خوان كما شاؤوا وإخوان
4- ومطبخي بعد ما قد شاب «10» آب له ... زمانه بشباب منه فينان «11»
- 532-
- 533-(19/290)
5- وكان يشكو انحطاطا للقدور فقد ... علت كوانينها عن قدر كيوان «1»
6- إن رحّلت عن أثافيها «2» فقد رجعت ... تلك الأماني سروجا تحت فرسان
7- وأقبلت في سواد مقبل ذكرت ... به رواة القوافي بيت حسان «3»
8- وكنت من وحشتي للحم مذ زمن ... داري كدير ومن فيها كرهبان
9- وكان غاية قصدي أن أبدّل من ... لفظ الأديب بأن أدعى بحوبان «4»
10- ومن غرامي بذى قرنين أنظره ... إنّي أخاطب في مدحي بقرنان «5»
11- فبينما أنا في هذا ومشبهه ... إذا ندا الصّاحب المخدوم ناداني
12- وساق أملح «6» لي في العين أملح من ... حوراء قد جمعت حسنا لإحسان
13- لولاه في العيد ما مدّت إلى حمل «7» ... يدي وكيف وما مدّت لميزان
14- يكاد يخدعني لولا معي قرم «8» ... يكاد يذبح أولادي بأسنان(19/291)
15- فما درى أو «1» جعلت الأرض من دمه ... يحمرّ من خجل خدّ لها قان «2»
16- وبزّ «3» عنه إهاب كان ممتلئا ... شحما ولحما كدرّ فوق مرجان «4»
201/ب
17- وأشرقت كيواقيت «5» مجامرنا «6» ... وبعضها سبج «7» من سيل أدهان
18- ثمّ انتقاها «8» لألوان معجّلة ... وفي غد قد تواعدنا لألوان
وحكى أنه بات ليلة بدمشق والفاضل شرف الدّين القيسرانيّ «9» فى طبقة عالية، ترى النجوم دون منالها، وتقصّر البروج عن مثالها، وقد (نحت) «10» في العلوّ كأنّما تحاول ثأرا عند بعض الكواكب، وتطاول كافرها جهد الرّاكب، فأتاه زائر من النّجم فأمره بالصّعود لها، فلم يطق فقال
- 534-(19/292)
- 534- السّراج: (خفيف)
1- شكر الله ليلة طالما كن ... ت حريصا مدى الزّمان عليها
2- رفعتني إلى حمى الشّرف الأع ... لى فجاوزت صاعدا فرقديها «1»
202/أ
3- وبحسبي منها بلوغ مقال ... عجز النّجم من طلوع إليها
- 535- وقوله: (متقارب)
1- وقد كنت أعزل «2» عنها وفي ... جوانحها النّار من عزليه
2- تذوب لقطرة ماء عسى ... يكون لعلّتها مطفيه
3- إلى أن كبرت وبان الشّباب ... وصار قواي إلى التّخليه «3»
4- وأصبح رمحي حبلا به ... رجعت من الطّعن للتّدليه «4»
5- وولّيت ظهري لها في الفراش ... فصاحت من النّار يا ويليه
6- تكفّرت «5» بالعزل فيما مضى ... وها أنا أكفر «6» بالتّوليه
- 535-(19/293)
- 536- وقوله: (خفيف)
1- وفتى أبخر «1» تستّر بالصّم ... ت وكان الحديث قد شاع عنه
2- قلت للقوم عند ما سدّ فاه ... مستريح» ومستراح منه
- 537- وقوله: (مجتث)
1- السّرّ عندى حبيب ... أضمّ صدري عليه
2- وغيرتي لي تأبى «3» ... وصول غيري إليه
- 538- «4» وقوله: (وافر)
1- أعدّ مدحا كذبت عليك فيه ... وقد عاقبت «5» بالحرمان عنه
2- ولكنّي سأصدق فيك قولا ... فلا يصعب عليك الحقّ منه
- 536-
- 537-
- 538-(19/294)
- 539- وقوله: (منسرح)
1- إن عزّ بالمال معشر ومشت ... أحوال قوم بالمال والجاه
2- فنحن لله ثمّ أنت لنا ... والنّاس قالوا الكمال لله «1»
- 540- «2» وقوله: «3» (كامل)
1- ومهفهف «4» عنّى يميل ولم يمل ... يوما إليّ فقلت من فرط الجوى «5»
2- لم لا تميل إليّ يا غصن النّقا ... فأجاب كيف وأنت من قتلى الهوى «6»
- 541- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- قل للوزير «7» عليّ يا اب ... ن محمّد وهو الوليّ
2- من ذا أحقّ بأن يزور النّ ... بيل غيرك يا عليّ
- 539-
- 540-
- 541-(19/295)
3- وكلاكما جار «1» ول ... كن أنت للجار الوفيّ
- 542- وقوله: (متقارب)
1- أقول وكفّي على خصرها ... تطوف وقد كاد يخفى عليّ
2- أخذت عليك عهود الهوى ... وما في يدي منك يا خصر شي
- 543- «2» 204/أوقوله: (خفيف)
1- بأبي أهيف القوام تميل البي ... ض والسّمر والغصون إليه
2- كلّفوني من قدّه حفظ خصر «3» ... ضاع منّى فكم أدور عليه
- 544- وقوله: (طويل)
1- إذا أوترت قوس السّحاب وفوّقت ... سهام الحيا للحلي سحّت راميها «4»
- 543-
- 544-(19/296)
2- وإن أشبهت ألوانها زهر الرّبا ... عرفت لتلك القوس قدرة باريها «1»
- 545- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- مولاي زين الدّين «2» سد ... ت بحسن أخلاق رضيّه
2- فبقيت لي يا من قنا ... ديلي به أبدا مضيّه
وهذا آخر ما وقع عليه الاختيار من شعره، وأمّا نثره فهو أقلّ بضاعته، وأسهل صناعته، ومنه:
- 546- ما كتبه إلى بعض أصحابه:
وهي أنّ الدّويرة «3» على ما أنهاه، وربّما قصدت أن تكون فداه، قد ملّت دعامها «4» من طول الوقوف، وكلّت نفثة جدرانها من حمل السّقوف، وعزم
- 545-
- 546-(19/297)
جمعها على أن ينقضّ، وكلّ جدار يريد أضن ينقضّ، ومولانا مسئول في تجديد المراسم، وأولى من فكّ أسرى منها وأسر الدّعائم.
- 547- وقوله وقد بعث إليه ابن حنّا الوزير «1» بمأكل «2» فصادف وصولها وصول طوائف من الفقراء إليه: (رمل)
1- كان عندي فقراء أحمديّه ... عمّهم جود الأيادي العلويّه
2- وسعوديّون قد أسعدهم ... وبّهم بالمكرمات الصّالحيّه
يا مولانا سيّد الوزراء، وكهف الفقراء، أكل والله طعامك الأبرار «3» وأفطر على معروفك من لا نوى الإفطار، وصلّت عليك ملائكة السّماء البررة الأطهار.
المملوك يقسم بالله لقد صادف المأكول الشّريف من فضلّه المملوك على الطّوائف المذكورة (وعربهم) «4» وعمّهم كثر الطّعام، وبركة سيّد الصلحاء الكرام، وما رأى النّاس صائما أبرّ بهذا الإيثار «5» ، ولا اقتفى أحد في المكارم هذه الآثار، الحمد لله (طيّبات «6» إلى «7» من الدّعاء المقبول في، وأعلا مناقبه الشّريفة من (اعتر) «8» والجنة) .
- 547-(19/298)
- 548- 205/ب وقوله:
وقف المملوك موقف الإجلال لقدرها والإخلال بالعجز عن شكرها، واجتلى الأنوار «1» من زهرها وزهره، وألهاه نسج الجوى عن الحريريّ ومقاماته «2» ، والخوارزمي ومصنفاته «3» ، والعتّابي ومذهباته «4» ، وكأنّ رياض سطري «5» - 548-(19/299)
نسجت غلى منوال «1» سطوره، وأسرجت أنوارها من ضياء وجهه ونوره، وأجرى أنهارها جريان يمينه، مع صفاء ضميره، فنشرت باباتها العيويّة «2» ، ولثمت آثار يده الموسوية «3» ، وآمنت بموجزات معجزاتها المحمديّة «4» ، وأءنت من يميني اليسار «5» ، وباعدت بينها وبين الإعسار «6» ، وجمعت بين المعلّى «7» والرّقيب «8» من سهام الأيسار «9» ، كما جمعت بين الفضل والإفضال، ومحاسن القول والأفعال، فراح مفضولا بها اليسان «10» ، ومعمودا «11» ببدائهما «12» عماد(19/300)
أصفهان «1» ، ومعمودا ببدائها عماد همذان) «2» .
- 549- وقوله يصف شعرا وسكّرا أهداهما إليه أبو الحسين الجزّار «3» عند ولادة ولده محمّد «4»
ويهنّئ ورود ما سمحت به الأنامل الكريمة من درّها «5» الذي ملأ الوطاب ودرّها الذي ملك الرّقاب، وكلتا الصّنيعتين «6» حلا موقعها، وعلا مصطنعها،
- 549-(19/301)
وبكلتيهما «1» النّسب العالي، والثّمن الغالي، فلا خلت الآفاق من فوائده، ولا عطلّت «2» الأعناق من فرائده «3» ، فلقد استنطق «4» بحمده، حتّى الوليد بمهده، وقد تفاءلت بهديه يحيى «5» ، فقلت يهدى وتحيا. وكانت أبياتك أولى بتمامه، وهباتك «6» أوّل مغانمه، وقد جدّد المملوك السّؤال في تشريف مولانا بكرائمه، كما شرّف بمكارمه، ورأيه أعلى.
- 550- وحكي أنّ ابن اسباسلار «7» والي مصر قد طلع في ذكره دمّل أطال ليلة، وقصّر بطول القعود ذيله، فكفّ من جماحه «8» الطّمع، وفرّق شمل مسرّاته بما جمع، فأتاه الطّبيب والألم قد أوسعه فوق جهده وحمّله (يبس) «9» الصاحب في رقعة من خلده، فأمره بتجنّب الزّفر، وزجره عن أمور لو انزجر، فبعث إلى
- 550-(19/302)
أبي الحسين الجزّار «1» في عمل مزوّرات «2» له، فعمل منها أنواعا منوّعة، وبعث بها فجاءت إليه مسرعة، وكتب إليه معها رقعة المقصود منها «3» :
وما علم المملوك ما تجدّد من حديث ذلك الشّخص الذي شكا ألم تاجه «4» وورم أوداجه، وانحراف مزاجه، وعجز ممرضيه عن مداواته وعلاجه. وظاهر الحال أنّ الذي أحدّ بأسه، وآلم رأسه، كونه تقاوى «5» وتسلّط وترك الحمية وخلّط، فلو أنّه لزم من الأغذية ما اعتاده، وجرى من الرّياضة والتّورّع «6» على ما جرت به العاده؛ لما ضعفت قواه، ولا تعذّر دواه، ولا رجع بعد فطره يصوم ولا استغنى بالمزوّرات عن الألية «7» واللّحوم، ولا عدم الرّاحة من الرّاحة باللّمس، ولا افتقر لمباشرة البدر والشّمس، فالله تعالى يبقيه لأولئك القوم، ويمتعه بالعافية قبل دخول شهر الصّوم.
- 551- 207/ب فأمر السراج بإجابته فكتب:(19/303)
وصلت الأواني العطرات، والألوان التي أزرت «1» بالحبرات «2» والحقائق على الحقائق لا المزوّرات، فلفت «3» مطعما، وشفت ألما، ووفّرت لكلّ حاسة من الحسن أسهما لمسا ومذاقا، ونظرا وانتشاقا ووصفا لها يعلق بالنفس اعتلاقا، سلم كشاجم «4» الظّرف لطاهيها، والوصف لمهديها، ونمّت على المخفيّة أفاويها فلم تكد تخفيها، فجرى الماء في ذلك الذي تعلمه، وشفي ألمه، وعادت شهوته إليه ونهمه «5» ، وقام من الصّحة على ساق، وتشوّق الزّفر واشتاق، وإليكم هذا الحديث يساق، وقد دعت الحاجة إليه في إليه، واعتمدت عليه في نيل البغيه «6» ، ونادته بالاسمث واللّقب والكنية، فطالما فضلت عنده اللّوايا «7» ، ووجدت في زواياه منها خبايا، وقبلت منها على (لله) «8» تقادم وهدايا، فليعجّل بذلك قبل الصّوم، وليلزم حالته الوسطى «9» (بين اليقظة والنّوم، وإن شكّ في صحّة المريض، وتوقف عن (ش: فحصره) «10» المستريض،- 551-(19/304)
فلينعم بجس نبضه، وبسط كفّه عليه وقبضه، صرف الله عنه الشّكّ باليقين، ولا زال بغير حجب بينه وبين ما يحبه يقين) .
- 552- (وكتب «1» إلى ابن الخويي «2» القاضي وهو بدمشق وقد بعث إليه بكتاب ونفقة) :
ويهنئ ورود المشرّف لقدره، والمشنّف «3» سمعه بدرّه، المنثور لذهنه وفكره، المنوّه «4» بعد الخمول بذكره، متضمّنا من الصّدقات العميمة، والبركات العظيمة، والصّلات «5» الجسيمة، ما أعجز كاهل الشّكر عن حمله، بل حمل أقلّه، ومساعى الكرماء أن يهتدوا السبيل من سبله، ودواعى البلغاء أن يأتوا- 552-(19/305)
بسورة من مثله، فقبّل مواقع القلم، ولقي به فرسان الكلام فألقوا السّلم، واهتدوا بمعانيه الشّهابيه في جنح الظّلم، كاهتداء السّفر بالفلم «1» وفيه وفيه ولا أو فيه، وهو لم يكن إلا التّنبيه، على الاجتماع بخدمة القاضي النّبيه، فحمدت طريقا هدى، وبسطت للقبض الدّاخل يدا، وقلت لي البشرى اجتماع تولّدا، فلله كتاب تضمّن وقد، وهي التي بتحقيقها «2» حقّ للسّراج أن وقد «3» ، وخالط لسانه لسان الميزان، فأثّزن وانتقد، وقد كان الإفلاس سقى «4» بينهما بالنّمائم «5» ، فأنفق الصلح يد الدّراهم، واندمل «6» من الجراح ما لا يندمل بالمراهم، ولا زالت الأيادي الشّهابيّة «7» تصلح من الأيام ما فسد، وتتقن من بضائع الأدب ما كسد، وتقوم في مصالح أهله مقام الرّوح للجسد.
208/أومنهم:
2- أحمد بن أبي الفرج بن عبد الله الشّافعىّ: الدّين «8» أبو عبد الله:
فقيه لا يطاق معه نهوض، وشاعر لا يركب معه عروض، طالما سلك البحور،(19/306)
وسلك الدّرر للنّحور، إلى علم بالعربيّة، وفهم في اللّطائف الأدبيّة، وإمعان واف، لأوزان وقواف، بمعرفة لو فطن لها الخليل بن «1» أحمد، لأجراه مجرى والده وترك طريف «2» ما عنده لتالده «3» .
ومن شعره قوله في شيخنا قاضي القضاة أبي عبد الله بن جماعة «4» وكان قد عزم على الحجّ، فلمّا ركب بغلته سقط عن ظهرها فوقعت عمامته وانكشف رأسه.
- 553- وقوله: (كامل)
1- بشراك يا قاضي القضاة بحجّة ... تكسوك من حلل الكمال لبوسا
2- قد شاقك الإحرام لمّا شقته ... فأبى يقبّل رأسك المحروسا(19/307)
ومنهم:
3- عبد الله بن عليّ بن منجد، تقىّ الدّين أبو محمّد السّروجئّ:
- 553-(19/308)
قيس «1» هوى وغرام، وقيس «2» جوى وضرام، من الفقهاء الفضلاء، والأكابر ذوي القدر والولاء، بدع «3» فضائل، وطلع «4» كلّ طائل وكان من الدّنيا متقلّلا، وعلى الآخرة مقبلا. وكان يسكن الحسينيّة «5» ، وهي أجلّ حواضر القاهرة، وبوادي حضرتها الزّاهره وكان يقول: هي وادي الغزلان، ويهيم بظبائها، ويصف بهم أسقامه التي أعيت على أطبّائها، ولا يزال يميل به هوى كلّ قضيب، ويصرعه لحظ كلّ حبيب، بوجد لو لامس الصّخر للآن، وحبّ تساوى فيه السّرّ والإعلان.
- 554- ومن شعره قوله: «6» (بسيط)
1- يا ريّس «7» الوصل أدركني فقد وصلت ... مراكب الحبّ في بحري وأشواقي
- 554- المقطوعة في فوات الوفيات 2/200.(19/309)
2- ولي بضاعة شعر ضاع أكثرها ... وقد بدا ذا الهوى يستغرق الباقي «1»
209/ب ومنهم:
4- الحسن بن عمر بن سالم، النّقّاش الأسطرلابيّ، زكيّ الدّين:
وأثنى عليه شيخنا أبو حيان «2» بالعلم والأدب، وشعره يدلّ على كثرة ما له من الدّأب، وله ما يهزّ هزّة الرّاح، ويبثّ في القلوب الأفراح.(19/310)
- 555- ومن شعره قوله: (بسيط)
1- الحرّ بالبرّ والإحسان تملكه ... والنّذل بالصّدّ أفعالا وأخلاقا
2- يزداد لؤما إذا ما زدته كرما ... كالنّفط يزداد بالتّكريم إحراقا
ومنهم:
5- محمّد بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل أبو عبد الله:
شاعر له براعه، وساحر نفث «1» في براعه «2» ، طلع كلّ شرف «3» ، وأخذ بكلّ طرف «4» ؛ لفضل قدّ فيه باعه، وملك حرّ الكلام واشتراه وباعه.
- 556- ومن شعره قوله: (طويل) - 555-
1- أحبّتنا بنتم فبان تصبّري ... وذقت عذابا لا يجدّ لواصف «5»
في الحاشية: أبو محمد، اطلع بآدابه النجوم وسيّرها، ووقّت لها المواقيت وصيّرها ولم يقنع بالدرر وأسلاكها حتى طلع إلى الدّراري في أفلاكها، فنسب المشارق والمغارب ...
(كلمات غير مقروءة في حدود أربع كلمات) .
- 556-(19/311)
2- وقد كنت أدري أنّ في البين آهة ... ولكنّما التّجريب فوق المعارف
ومنهم:
6- ضياء بن عبد الكريم بن حاتم الأنصاريّ وجيه الدّين أبو الحسن: «1»(19/312)
بزغ «1» من قحطان، ونزغ «2» حيث لا (تمتد له) «3» أشطان «4» . من أصل معرق «5» ، ودوح «6» في الإسلام مورق «7» . أتى بالحسن، ووانى طوع إرادته اللّسن «8» ، إلا أنّه مقلّ، وتقليله على كثيره يستدلّ.
- 557- «9» ومن شعره قوله: (طويل)
1- بروحي معشوق الجمال «10» فما له ... شبيه ولا في حبّه «11» لي لائم
2- تثنّى فمات الغصن من حسد له ... ألم تره ناحت عليه الحمائم
- 557-(19/313)
210/أومنهم:
7- موسى بن عليّ بن موسى بن يوسف الزّرزاريّ، شرف الدّين أبو عمران «1»(19/314)
شاعر نوؤه «1» مطير، وضوؤه يكاد يستطير «2» ، وذكاؤه فوق ذكاء «3» اتّقادا، ومثل عين الشّمس لا تكتحل رقادا.
- 558- ومن شعره «4» قوله: (طويل)
تواضع «5» كالنّجم استبان لناظر ... على صفحات الماء وهو رفيع
2- ولم يك «6» كالدّخّان يرفع نفسه ... إلى طبقات الجوّ وهو وضيع
هكذا ذكرها أبو حيّان وأنشد كالدّخّان مشددة.
ومنهم:
8- أحمد بن محمّد «7» عبد المجيد بن صاعد الخزرجيّ، نجم الدّين أبو العبّاس ابن الوزير عزّ الدّين:
- 558-(19/315)
قبس أضاء وأرى، ومضى ففرى «1» ، وجنى الثّمار وقد وشج «2» في عرق الثّرى، سؤدده «3» قديم، ومحتده «4» اليمنيّ لفخار قيس قسيم «5» ، ببيت يبيت وهو للنّجم نزيل وسمير.
وتقول به الخزرج للأوس:
(منّا أمير ومنكم أمير) «6» . وقد ذكره شيخنا أبو حيّان، وكان لا يزال في الأحيان.
وله غرر لا تخفى محاسن أهلّتها، ولا يكاثر على قلّتها.
ومما أنشد له:
- 559- «7» قوله: (طويل)
1- رأيت الفتى أهواه «8» يبكي فسرّني ... وقلت لما قد نالني يتوجّع
- 560-(19/316)
211/ب
2- وما ذاك منه رحمة غير أنّه ... سقى طرفه والسّيف يسقى «1» فيقطع
ومنهم:
9- علىّ بن أحمد بن الحسين «2» الأصفونيّ «3» علاء الدّين أبو الحسن:
-(19/317)
من بيت طلع في الوزارة نجمه، وتدفّق في جانب الملك يمّه «1» ، وكان هو من خيار أبنائه، وأركان بنائه، كان بالأدب مليّا «2» ومن ذوى السّمات والأسماء عليّا.
- 560- ومن شعره «3» : قوله: (كامل)
1- وقل المتيّم جاءكم مستغفرا ... ومن الأحبّة يعرف الغفران
2- فإذا تصالحت القلوب على الوفا ... فخذوا الفؤاد فإنّه شكران «4»
- 560-(19/318)
ومنهم:
10- إسماعيل بن أحمد «1» بن إسماعيل(19/319)
القوصيّ «1» ، جلال الدّين أبو الطّاهر:
ناجذ «2» أدب مفترّ «3» ، ورائد»
كنف «5» مخضرّ، وكان صادق الوفاء، صادع «6» الصّباح بلا خفاء، من نبعة «7» الشّعراء، وبرعة «8» أهل الأدب بغير مراء «9» ، يقول للمعنى اصحب شئت أو أبيت، وللشعر أخل فأنا الذي رفع قواعد البيت «10» .
أثبت اسمه شيخنا أبو حيان وذكره، وأثنى عليه وشكره، وكان لا ينال أدنى سبقه، ولا تثبت عين لسنا برقه.(19/320)
ووقفت له أيّام مقامي بمصر على شعر كثير لا يحضرني فيه الآن إلا ما قطفته «1» من مجاني «2» الهصر «3» ، ومنه:
- 561- «4» 212/أقوله: (وافر)
1- أقول ومدمعي قد جال «5» بيني ... وبين أحبّتي يوم العتاب
2- رددتم سائل الأجفان نهرا ... تعثّر «6» وهو يجري في الثّياب
- 562- «7» وقوله: (وافر)
1- غزال كم غزا قلبي بعضب ... يجرّده وليس له حمائل
2- وضاع «8» تمسكي بالنّد فيه ... وضاع المسك من تلك الغلائل
- 561-
- 562-(19/321)
ومنهم:
11- محمد بن «1» الشّرف القدسيّ الكاتب «2» :(19/322)
تائه يخبط «1» في عشواء «2» ، ويخلط في نطق وعواء، بين رشد وتضليل، وتحريم وتحليل. وكتب الإنشاء مصرا وشاما، وجلا وجوه المعاني وساما، فجاءت حالية التّرائب «3» ، (وحاوية للغرائب، تسحر كأنّ سفور الحور في جنّاتها، كان يطوي الضّلوع للدّين ويحنو ولم يكن) «4» .
وخدم الشّجاعيّ وكان لديه أثيرا، وقليله عنده كثيرا، ثم سقط من عينه سقوط الدّمع، وقطّ «5» في مجلسه قطّ الشّمع وذلك بدمشق عند ظهوره على فساد معتقده، وبيان بهرجه «6» في يد منتقده. وكان على ما فيه من قبيح المعائب، وخلق السّوء الذي لا يؤنّبه الصّريح المكاتب، مفرى بحبّ الكيمياء ومعاناة عملها، ومعاداة ما له في صحبة أملها.
وقد خمّس ديوان الشّذور، ورجع بالخيبة رجعة الملوم المغدور. وحكى غير واحد، منهم والدي وشيخنا أبو الثناء محمود الكاتب «7»(19/325)
213/ب وابن البيّع «1» ، وعلىّ بن حمزة النّقيب «2» ، وغيرهم: أنّه كان- والله يعفو عنه- مغرى بتربية صغار الأطفال، والميل إليهم والتخلّق بأخلاقهم، حتّى كان يربّي جرى «3» الكلاب العكليّة من الطّرقات، ويحملهنّ تحت ثيابه،(19/326)
لإرضاء الصّغار، ومن هذا ومثله، ممّا لو قذف في البحر لنجّسه، أو جلّل به النّهار لأدمسه «1» هذا أكثره حكوه من عظيم استهتاره «2» ، وقبيح اشتهاره، مع فضل في الأدب، وحظّ ما مثله حظّ من كتب، ولا سيّما التعليق الذي كأنّه سلاسل الذّهب «3» ومن شعره:
- 563- «4» قوله: (طويل)
1- عجبت له إذ دام توريد خدّه ... وما الورد في حال على الغصن دائم
2- وأعجب من ذا أنّ حيّة شعره ... تجول على أعطافه وهو سالم
- 564- وقوله في بعض الفتوحات: (وافر)
1- وما زال الحمام ينوح فيها ... إلى أن صار موضعه الحمام
- 563-(19/327)
2- وظنّوا أنّهم قوم عظام «1» ... فهاهم في جوانبها عظام
3- أرى أسوارها سجدت لخوف ... ولكن فاتها فيك السّلام
214/أومنهم «2» :
12- السّيّد الشّريف الجعفريّ الحاكم بإخميم «3»
. ذكره السّراج الورّاق في مختصر «4» ديوانه، ولم يعرّفه باسم ولا لقب، ولا بجدّ ولا باب. وإنّما حسبك منه ما شهد به الأدب، وعرف ثناؤه وهو في مجمر «5» البروق نشب «6» ، ذكر الورّاق أنّ هذا السّيد الجعفريّ كتب إليه:
- 564-(19/328)
- 565- وقوله: (كامل)
1- لك عزمة ماثورة عمريّة ... كالسّيف أصلت «1» في يمين المنتضي «2»
2- ويد إذا خطّت بنقش أسود ... في طرسها جاءت بفضل أبيض
- 566- 215/ب وقال إنّه أجابه: (كامل)
1- ما الرّوض بين مفتّق «3» ومنمنم «4» ... من زهره ومذهّب ومفضّض
2- بكت السّحاب له وشقّت جيبها «5» ... والبرق مبتسم بثغر مومض
3- واحمرّ خدّ الأرض فيه خجلة ... من لحظ نرجسه المريض الممرض «6»
4- يوما بأحسن من سطور صاغها ... فكر الشّريف فعدّ «7» عن شعر الرّضي «8»
- 565-
- 566-(19/329)
5- من كلّ بيت جعفريّ «1» ساده ... كالجعفريّ وما بنى لم ينقض «2»
قلت (وأظن هذا الشريف هو الذي عناه السراج وكتب إليه يقول (سريع) «3»
- 567- وقوله:
1- وحاسد ما رقّ لمّا رأى ... لي حالة ما معها بقيا
2- قال وإنّ الحقّ في قوله ... يكفيه أن يحيا له يحيى
نقلتهما من خط السّراج من ديوانه، وقد قال فيما إنّهما في مدح الشّريف جمال الدّين يحيى بن الجعفرىّ رحمه الله- ثمّ ذكرهما)(19/330)
216/أومنهم
13- ... «1» مجد الدين ... «2» عرف بابن الجبّاب «3» :
سليل أماجد، ورسيل «4» أوّل مبكّر إلى المساجد، من قوم كانوا للزمان أمارا، وللرّكبان «5» أسمارا «6» ، وللمعتفي «7» مزنا «8» ، وللمعتدي حزنا، وتأخّرت منه قنّة»
من شواهقهم «10» ، ولمعة من شوارقهم، يضيء الدّجى، (ويقرّ الحلم(19/331)
والحجى) «1» ، إذ كان من تلك البقيّة، وابن جلا «2» الطّالع من كلّ ثنيّه «3» ، دينار من ألوف، وزبرة «4» من سيوف.
ذكره «5» السّراج الورّاق في غير موضع من ديوانه «6» ، والكتاب يعرف بعنوانه.
قال السّراج الورّاق: كنت طلبت من القاضي الرئيسي مجد الدّين ابن الجبّاب قربة عند توجّهي إلى الحجاز الشّريف، فبعث بها «7» وكتب إليّ:
- 568- وقوله: (كامل)
1- يا شاعرا ما الأحنف «8» المشهور في ... حلم يقاس به وليس معاويه
- 568-(19/332)
2- أصبحت محتاجا لفاضل قرية ... هذا وكم من فاضل لك راويه «1»
فأجبته:
- 569- وقاله: (كامل)
1- قل للفتى السّعديّ أفضل من له ... في الصّدفتين «2» قرينة «3» أو قافيه
2- من ذا يجاري فيك بحرا زاخرا ... صارت به السّبع البحار ثمانيه
3- أنا عنه راوية وحمّاد «4» له ... خلّفت حمّادا يسير ورائيه
ومنهم:
14- أحمد بن نصر الله «5» بن باتكين المصرىّ القاهرىّ محيي الدّين أبو العباس:
- 569-(19/333)
217/أملأ العيان «1» ، وجاء على فترة «2» بمعجز البيان، فأطلع الألفاظ غرّا، وأطمع كلّ أديب قال لعلّ له عذرا، وظلّ يعاطي «3» كؤوس الأدب معاطاة الرّاح،(19/334)
ويدافع على «1» عيونه «2» دفاع الرّاح، فكلف «3» به كلف ذوي الغرام، وشغف «4» به شغف الرّوض بالغمام، فحاز «5» منه الاقتراح، وجاز «6» الغايات فحطّ «7» الرقّ «8» عنه واستراح. وكان ذهنه يتوقّد الضّرام، وجفنه يتجنّب الكرى الحلال تجنّب الحرام، وتدفّق خاطره بالمعاني التي فجّرها «9» وتوقّد بالنّار التى سجّرها «10» ، وتفنّن بالفنون التي ما كان لأقلام البلغاء أن تنبت شجرها.
وقد حكي أنّه كان على قدمه الثّابتة في الأدب، وتقدّمه في فنّه الذي زمّ «11» إليه ركائب «12» الطلب، ربمّا أخطأ الوزن في مواضع وخرج عنه من غير موانع.
وحكى السّراج الورّاق أنّه انتقد عليه وزن الكامل فبلغ ذلك ابن باتكين، فكتب:(19/335)
- 570- «1» إليه: (كامل)
1- يا جابرا كسر الضّعيف بطوله «2» ... ومصحّحا معلول كلّ سقيم
2- لا تعجبن إن تبد منّي توبة ... عن وزن بحر الكامل الموسوم
3- لا زلت تستر كلّ عيب ظاهر ... منّي وتأسو «3» داميات كلومي
- 571- فأجابه: (كامل)
1- باكرتني «4» بخميلة «5» مطويّة «6» ... يسري لها أرج «7» بكلّ نسيم
2- فشكرت من أنفاسها أدبيّة ... ذهبيّة في وشيها المرقوم
3- ووردت بحرا كاملا من كامل ... ترك الخليل «8» يجنّ قلب كليم
- 570-
- 571-
- 572- «1»(19/336)
1- يا جفن مقلته سكرت فعربد «1» ... كيف اشتهيت على «2» فؤادي المكمد «3»
2- من لم يبت بعذاب حبّك قلبه ... متنعّما لا فاز فيك بموعد
3- لاموا على ظمأي إليك ولو دروا ... في ماء خدّك ما حلاوة موردي
4- وجه كما سفر الصّباح وحوله ... حسنا بقايا جنح ليل أسود «4»
- 573- «5» وقوله: (بسيط)
- 573-(19/338)
1- أقسمت بالله وآياته ... يمين برّ صادق في اليمين «1»
2- لو زدت قلبي فوق ذا من أذى ... ما كنت عندي غير عيني اليمين
- 574- «2» وكتب إليه أبو الحسين ملغزا في الشّطرنج: (وافر)
1- وما شيء له نفس ونفس «3» ... ويؤكل عظمه ويحكّ جلده
2- يودّ به الفتى إدراك سؤل «4» ... وقد يلقى به ما لا يودّه
3- ويأخذ «5» منه أكثره بحقّ ... ولكن عند آخره يردّه
- 574-(19/339)
- 575- «1» فكتب ابن باتكين جوابه: (وافر)
1- لقد أهديت لي شعرا بديعا ... يضلّ عن اللّبيب لديه رشده
- 575-(19/340)
2- به ضدان مقتتلان وهنا ... ويصطحبان في نطع يمدّه
3- هما ضدان من زنج وروم ... يقاتل كلّ قرن فيه ضدّه
4- تقوم الحرب فيه كلّ وقت ... ولا تكفي من الوقعات جنده
5- ويشتدّ القتال به طويلا ... ويحكم بالأصاغر فيه عقده
6- ويقتل ملكه في كلّ حين ... ويبعثه النّشاط فيستردّه
7- وما ينجي الهمام به حسام ... وقد نجّى من الآفات شدّه
218/أومنهم:(19/341)
15- الشّهاب الأعزازيّ «1»
وهو أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم بن عبد العزيز «2» شهاب الدّين أبو العبّاس:
عود الأدب ونبعته، وصيت الذّكاء وسمعته، وكان حسّان قول، وإحسان طول يسحر ببيان كلم «3» بوالغ «4» ، وسنان كلوم في دم والغ «5» . وهو جملة إحسان، وجبلّة «6» كلام خلق للسان، بفكر يقذف بحره العنبر «7» ، ولا يحدّث(19/342)
فيه إلا عن برّ «1» ، ولم يبرح شهابا يتوقّد فرقدا «2» ويتضرّم موقدا، بصدر رحيب، وبرّأ من كلّ رقيب، إلى أن بعد منه ما اقترب، ودانى شهابه المغيب فغرّب.
أصله من عزاز، وسكن القاهرة المعزيّة «3» وتمطّر «4» في عنان صباه المطريّة «5»(19/343)
والحزيّة «1» ، ولم يفت منذ كان فتى رافلا «2» في بردها الممصّر «3» ، وراقلا «4» في بلدها الذي أعجز كسرى وقيصر، وكان بقيساريّة (جهاركس) «5» في قطانها «6» التجار، وسكانها بالأبحار، والناس تنتابه «7» ، وآونة عتبه وآونة إعتابه «8» ، وكان(19/344)
يبيع البزّ «1» ، ويعيب الأماعز، ومكانه نادي حسب، وبادى فضل حاضر ومكتسب، يغشاه «2» أكابر الفضلا، وذوو المآثر من الأجلاء، فأمّا الأدباء فكان عكاظ «3» سوقهم، وغاية سبوقهم «4» ، وعزّت به عزاز، ورفلت القاهرة في ثوب لها منه طراز «5» جالس بها الملوك وحاضرها، وجانس «6» باديها وحاضرها، فزهت به مناظرها، وبهت «7» بأدبه مناظرها «8» .
سألت شيخنا أبا الثّناء «9» ، فقال: كان قويّ التّراكيب، صحيح الأساليب.
قلت: وكان مظهرا للأعاجيب، ومظهرا لأبكار «10» من الجآذر في زيّ الأعاريب «11» .(19/345)
وكتب إلى شيخنا أبي الثّناء يهنئه بطبقة كان بناها بحارة (زويلة) «1» رفع سمكها «2» ، (ورصّع في عنق الجوزاء «3» سلكها، وجلا عقلتها «4» الحاليه، وطاول بها القصور فتضاءلت لطبقتها العاليه) «5» .
- 576- وقوله: (طويل)
1- سلام على تلك المحاسن والحلي ... وتلك السّجايا «6» الغرّ والخلق العذب
2- سلام محبّ تطّبيه «7» صبابة «8» ... إليك على بعد من الدّار أو قرب
- 576-(19/346)
3- أيا عمر الحمرات «1» والمدرك العلى ... بمنصبه العالي ومنزله الرّحب
4- أبثّك ما بي من هوى منك زائد ... وشوق قنوط «2» بالملامة والعتب
219/ب
5- عهدتك سمحا بالتّواصل واللّقا ... فصرت ضنينا «3» بالرّسائل والكتب
6- وما لي ذنب «4» أستحق به الجفا ... وإن كان لي ذنب فحبكم ذنبي
7- وما ازددت عندي جفوة بعد جفوة ... وحقّك إلا ازددت حبّا على حبّي
8- أيا طيفه زرني ليسكن مضجعي ... ويا شخصه عدني لتطفى لظى «5» كربي «6»
9- ويا بارقات من رباه ألا أو مضي ... ويا نسمات من حماه ألا هبّي
10- فتى كفّه تهمي ونعماه تبتدي ... وألفاظه تسبي وآدابه تصبي «7»
11- أنمّ من الرّيحان والبان ذكره ... وأذكى «8» من الجاديّ «9» بالمندل «10» الرّطب
12- له كلمات نشرها «11» ومذاقها ... كراح النّدامى أو كريحانة الشّرب
13- ألذّ إلى الأجفان من سنة «12» الكرى ... وأسحر للألباب من حدق السّرب «13»(19/347)
14- شجاع القوافي مائل ببداهة ... يروح بلا طعن ويغدو بلا ضرب
15- إذا حاك شعرا أو رواه محرّرا ... فمن أحمد الكنديّ «1» أو عامر الشّعبي
16- سقى الله مصرا ما سقى عذب «2» الحمى ... ولا أخطأتها صيّبات «3» من السّحب
17- ولا برحت مخضلّة الدّوح والثّرى ... معنبرة «4» الأرجاء مسكية التّرب
18- أحنّ إلى أطلالها وربوعها ... وما دارها داري ولا شعبها «5» شعبي
19- ولكن لمن قد حلّها وثوى بها ... وإن غاب عن عيني فمازال عن قلبي
20- سأشكر منه نعمة عمريّة ... وعارفة حسبي صنائعها حسبي
21- وأذكر أيّاما له ولياليا ... رأيت بهنّ السّرج «6» أذكى من الشهب(19/348)
- 577- فأجابه: (طويل)
1- لقد باكرتني روضة أدبيّة ... هززت بها أعطافنا هزّة القضب «1»
2- وأغنيتني عن كلّ غنّاء «2» بالتي ... سقتها يمين منك أندى من السّحب
220/أ
3- لثمت بها للورد خدّا مضرّجا ... عليه سقيط «3» الطّلّ كاللّؤلؤ الرّطب
4- وقبّلت ثغر الأقحوان مفلّجا «4» ... فأطفأت حرّ القلب بالبارد العذب
5- وغازلت لحظ النّرجس الغضّ خاليا ... وللسّحب هدب منه نيطت «5» إلى هدب
6- فمن أنبت الأزهار فوق مهارق «6» ... سواك ومن ذا أنشأ الرّوض في الكتب
7- وأعطش ليل النّفس تشرق تحته ... معان إذا استجليت أبهى «7» من الشّهب
8- لقد راق لي ما راق من حسن لفظها ... كما رقّ لي ما راق من ذلك القلب
9- ألذّ لجفن المستهام من الكرى ... وأعذب في قلب المحبّ من الحبّ
10- وأطيب من ليل تنفّس «8» صبحه ... من الرّاح والرّيحان للفتية الشّرب
- 577-(19/349)
11- وقام ينادي للصّبوح بسحرة «1» ... غلام يغنّي للفتاة ألا هبّي
12- وغنّى عليها جائل» من وشاحها ... على الصّمت من خلخالها ومن القلب
«3»
13- وطاف براح لونها من خدوده ... ورقّتها في الكأس من دمعة الصّبّ
14- وأطيب من ذا ساعة أجتلي بها ... محيّا شهاب الدّين محترق الحجب
15- وتشنيف سمعي منه بالدّرر التي ... عندها درّ التّرائب في التّرب
16- ولا اختار إلا شعب أحمد دونهم ... وناهيك «4» للآداب والعلم من شعب
17- ومن أحمد الكنديّ «5» إذ قال أحمد ... فريضا فأعيا قالة العجم والعرب
18- وقصّد «6» أحيانا ووشّح «7» تارة ... ليطلع في شرق شهابا وفي غرب
19- إليك شهاب الدّين «8» عذري فإنّ لي ... عوائق تلهيني عن الأكل والشّرب
20- وحسبك منّي حسبك اليوم «9» خجلتي ... لديك وحسبي فيك فرط الحيا حسبي(19/350)
21- وعادتك الحسنى إذا لم أزر تزر ... فنحن سواء لا محالة في الذّنب
221/ب
22- فزرني وهب عيني برؤياك حظّها ... كما نال قلبي منك يا ساكنا قلبي
- 578- (وكتب إلى السّراج الورّاق) «1» (كامل)
1- قسما بوجهك إنّه الوجه المضى ... وبحسن خلقك إنّه الخلق الرّضى
2- وبحود راحتك التي نعماؤها ... للمعتفي ونوالها للمنفض «2»
3- وبذكرك الحسن الجميل وفضلك ال ... غمر «3» الذي «4» بقليله لم أنهض
4- إني على العهد الذي أسبابه ... لم تنصرم «5» وبناؤه لم ينقض
5- يا فاقدا لم يخف عن لحظاته ... أمر المحبّ من الحسود المبغض
6- نبئت أنّك معرض «6» متعرّض «7» ... روحي فداء المعرض المتعرّض
- 578-(19/351)
7- وأتت خيولك بالعتاب سوابقا ... تردي «1» وخيلي قبلها لم تركض
8- فعجبت من حظّي لمثلي أسود ... وخجلت من عرض لمثلك أبيض
9- فابعث كتابك ضامنا عنك الرّضا ... ممّا سمعت وداوني يا ممرضي
10- فمدامعي لم تنبجس «2» حتى أرى ... منك الرّضا ونواظري لم تغمض
11- ضلّ امرؤ بسوى سراج الدّين «3» في ... جنح الحواري يهتدي أو يستضي(19/352)
- 579- «1» فأجابه: (أي السراج الوراق) (كامل)
1- حبل المودّة بيننا لم ينقض ... سخط الحسود بذاك منّا أو رضي
2- فلئن تعرّض أو تعرّض ناقل ... فالويل للمتعرّض المتعرّض
3- ثبتت لديّ كما لديك مودّة ... تدلي إليك بحجّة لم تدحض «2»
4- وبها اكتفيت فقد دعيت المكتفي ... وبها استضأت وقد دعيت المستضي
5- قسما شهاب الدّين «3» بالبشر الذي ... من غير وجهك ما أراه بمومض
222/أ
6- وبراحة بسوى النّدى لم تنبسط «4» ... يوما وعن غير الخنا «5» لم تقبض
7- إنّي على ودّ يزيدك صحّة ... من (دونه) «6» ألم العتاب الممرض
8- ولقد بعثت خميلة أغنيتني ... من زهرها بمذهّب ومفضّض
9- وأريتني آثار كفّك في النّدى ... يا فخر روّيها الطّروس وروّض «7»
10- ومن الغلام فقد أطاعك بين ... أمران المجد وبين حنك المحمض «8»
- 579-(19/353)
وكان السّراج الورّاق قد عمل قصيدة في الملك المظفر «1» صاحب حماة فأنشدها له بحضور العزازيّ في مناظر الشّرف الأعلى المطلّ على بركة الفيل «2» ، وهي قصيدة سيّارة، منها «3» : (البسيط)
1- إليك بالإذن صار الناس والجود ... فلا عدمنا فقيدا فيك موجود
2- وللرّبيع لسان ظلّ ينشدنا ... النّبت «4» أغيد والسّلطان محمود
3- وأقبل الغيث منه حاجبا ملكا ... كم شاع يوما «5» له بالنّصر مشهود
4- والنّيل كم حسد القاضي على ملك ... تصوّر الجود فيه بل هو الجود
5- ملك يصدّ بنعماه القلوب على ... ما هذّبته به آباؤه الصّيد
6- فيا لجدود العوالي والجدود معا ... لواؤه حيث حلّ النّجم معقود
7- له شريعة عدل عندها شرع ... أسد الفلا والمها والشّاء «6» والسّيد «7»
8- يا ناظم الطّعن في لبّات «8» حسّده ... كصنعة «9» ما خلا من نظمه جيد
9- لقد أتيت بها جهد المقلّ «10» ولل ... سّاري بها ومقيم الدّار تغريد
- 580-(19/354)
فلّما انصرف كتب إلى العزازيّ يشكر حسن صنعه إليه، وجميل ثنائه عليه وهي «1» :
- 581- (طويل)
1- وقد كنت دهرا للمروءة «2» ناشدا «3» ... أسائل عنها من أغار وأنجدا «4»
223/ب
2- وأسمع عنها ما يشوق ولا أرى ... إلى أن رأت عيني العزازيّ أحمدا
3- فراش جناحي «5» نحو ملك متوّج ... تخرّ له الأفلاك «6» ما لاح سجّدا
4- وأنشدته في حضرة الملك قاعدا ... وودّ ابن أوس «7» ثمّ لو قام منشدا
5- ولا بيت إلا والشّهاب (معزّز) «8» ... يقول أعد فالعود ما زال أحمدا
- 581-(19/355)
6- وأردف «1» لي النّعمى بنعمى مشافها ... (بها) «2» الأفضل الملك الجواد ممجّدا
7- فأنشدت كالحال التي قد تقدّمت ... وعاد شهاب الدّين يثني كما بدا
8- يقول كذا فلينظم الشّعر ناظم ... ويأتي به الأملاك مثنى وموحدا
9- فحدّثت نفسي بالغنى غير كاذب ... لأنّ بني أيّوب «3» هم منبع النّدا
10- ولم تر عيني شاعرا «4» ودّ شاعرا ... لذا ولذا ما شاد «5» هذا الفتى سدى
11- فعاش شهاب الدّين يفدى بحبّهم ... وبينهم «6» والعبد من جملة الفدا
- 582- فأجابه العزازيّ: (طويل)
1- لقد باكرتني روضة أدبيّة ... تغنّى بها طير الثّناء وغرّدا
2- فبتّ وقد هشّ «7» الخليل بوصلها ... وأرشقني «8» منها الأراك (المبرّدا)
3- أقبّل منها مبسما طاب موردا ... كما قبّل المشتاق خدّا مورّدا
- 582-(19/356)
4- أيأتي بها شيخ الفضائل فاضلا ... (سديد) «1» القوافي زاخرا «2» ومقصّدا
5- أرى عمرا «3» أولى الكرامة أحمدا «4» ... ومن غيره أولى «5» بإكرام أحمدا
6- سراج «6» هدى الله الشّهاب «7» بنوره ... ولولاه في نهج البلاغة ما اهتدى
7- تكاد العذارى يتخذن قلائدا ... منظمة من شعره لو تجيّدا
224/أ
8- أترجو بناتي «8» لحاقا نساءه «9» ... وأبناؤه قد أحرزت قصب المدى «10»
9- وهل يرتجي غير المظفّر «11» نازح ... وقد أشبه المنصور «12» بأسا وسؤددا
10- فأدنى سراج الدّين مستمعا له ... فأنسى حبيبا «13» حين أنشا وأنشدا
11- وساقط ذاك الدّرّ من لهواته «14» ... نظيما «15» ولولا نظمه «16» لتبدّدا
12- ورنّح أعطاف النّدامى ولم يدر ... منه لكن ثناء مجدّدا «17»(19/357)
13- وقمنا ووجهي للسّفارة «1» أبيض ... بمن ساد في نظم القريض «2» وسوّدا «3»
14- وأعرفه أسخى الملوك شمائلا ... وأسمحهم نفسا وأبسطهم يدا
15- ولكن هي الأوراق «4» يحرمها الفتى ... قريبا ويجني زهرها المرء مبعدا
16- فلا تيأس المدّاح من صدقاته ... فإن فات يوما جوده لم يفت غدا
- 583- ومن شعره قوله: (خفيف)
1- وحديث كأنّه قطع الرّو ... ض سقتها دموع وبل وطلّ
2- وعتاب أرقّ من بسمة الفج ... ر تمنّت ما هنّ: «5» ماء وظلّ
- 584- «6» وقوله: (سريع)
1- مذ فرّ منّي الصّبر في حكمه ... حكى عليه مدمعي ما جرى
2- أباح قتلي في الهوى «7» عامدا ... وصاح كم من عاشق في الورى
3- رميته في أسر حبّي ومن ... أجفان عينيه أخذن الكرى
- 583-
- 584-(19/358)
- 585- وقوله (مجزوء المتقارب)
1- أقام لعشّاقه ... على حكم مشتاقه
225/ب
2- وهذا دليل على ... مكارم أخلاقه
3- هلال بدا طالعا ... بأفلاك «1» أطواقه «2»
4- وهلال السّماء ... يخرّ لإشراقه
5- حمى آس «3» أصداغه ... بنرجس أحداقه
6- وقال فخلنا القضيب ... يميل بأوراقه
- 586- وقوله (سريع)
1- هل حكم ينصفني فهو لي ... مصارع يصرع أسد الشّرى
- 587- وقوله: (سريع)
1- إن أقبلوا من بين تلك السّتور ... وأقبلوا فوق القدود الشّعور
- 585-(19/359)
2- فقل شموس أشرقت في الدّجى ... وقل غصون أثمرت بالبدور
3- نواعس الأجفان بيض الطّلى «1» ... نواعم الأبدان هيف الخصور
4- كأنّما أدمع عشّاقهم ... قد نظموها دررا في النّحور
5- يا كحلا حلّ بألحاظهم ... جرت كما جار علي الفتور
6- وأنت يا نرجس أحداقهم ... شاركت في قتلي أقاح الثغور
- 588- وقوله: (سريع)
- يا خصره الدّارس أشكوك ما ... حمّلته من ردفه العامر
2- يا أيّها الفاحم من شعره ... لله كم أفحمت من شاعر
- 589- وقوله: (خفيف)
1- ما علينا إذا التثمنا خدودا ... قد كسا الحسن فوقها أنوافا «2»
226/أ
2- واقتطفنا واوا وراء ودالا ... وشممنا ميما وسينا «3» وكافا
- 587-
- 589-(19/360)
- 590- «1» وقوله (كامل)
1- ما عذر مثلك والرّكاب تساق ... ألا تفيض بدمعه «2» الآفاق
2- فأذل مصونات «3» الدّموع فإنّما ... هي سنّة قد سنّها العشّاق
3- ولربّ دمع خان بعد وفائه ... مذ حان من ذاك الفريق فراق
4- ووراء ذيّاك الكثيب «4» منيزل ... لعبت بقلبك نحوه الأشواق
5- خذ أيمن الوادي فكم من عاشق ... فتكت به من سربه الأحداق «5»
6- واحفظ فؤادك إنّ هفا برق الحمى «6» ... أو هبّ منه نسيمه الخفّاق
- 591- وقوله: (خفيف)
1- أيّها المستبيح قتلي خف اللّ ... هـ وانه عينيك للدّم المستحله «7»
- 590-
- 591-(19/361)
2- وأبن لي بأي ذنب تقلّد «1» ... ت دمي عامدا وأيّة زلّه
3- يا نحيف القوام من غير ضعف ... وسقيم الجفون من غير علّه
4- بأبي منك وجنة لدم العشّ ... اق فيها شواهد وأدلّه
5- كتب الحسن فوقها سورة النّم ... ل وكانت للعاشقين مضلّه
6- مشكلات حروفها وهي لا تك ... تب إلا بنقطة وبشكله
7- بدر تمّ يلوح في فلك الح ... سن فيكسو البدور نقص الأهلّه
8- وإذا «2» خطا فبانة حقف «3» ... وإذا ما عطا «4» فجؤذر رمله
9- لو بدا للحسان تحت الأكالي ... ل «5» تهتكن من ستور الأكلّه «6»
10- قلت لّما بدا لعيني يا مو ... لاي (إنّ لي) «7» حاجة وهي سهله
227/ب
11- قال صفها فقلت قد شرحتها ... لك في الخدّ أدمعي المستهله «8»
12- قال لي قبلة أظنّك تعني ... قلت لم بعدها أجل هي قبله
13- فتصدّق بها لتطفي أواما «9» ... قد أذاب الحشا وتبرد علّه(19/362)
14- فإلى برد فيك واحرّ قلبا «1» ... هـ ومن لي من برد فيك بنهله «2»
15- أترى يسمح الزّمان بلقيا ... ك وهل يغلط الرّقيب بغفله
16- كم أمنّي بوصلك القلب في السّ ... رّ وفي الجهر والأمانيّ ضلّه «3»
17- وألاقي الأشجان مكثرة في ... ك بنفس من العزاء مقلّه
18- أنا أشكو لعزّة منك ما أل ... بستني الحبّ من خضوع وذلّه
19- لي دمع أجاد «4» في الخدّ ما خ ... طّ ولم لا يجيد وهو ابن مقله «5»
20- وفؤاد مقلقل «6» وضلوع ... واهيات ومهجة «7» مضمحلّه «8»
21- يا نبيّ الجمال في أمّة العشّ ... اق لا تجعل الملالة «9» ملّه «10»
22- وترفّق بأمّة جعلت ح ... بّك دينا (لنا) «11» ووجهك قبله(19/363)
23- أطرق «1» الغصن مذ خطرت حياء ... واعترى البدر مذ تبدّيت خجله
24- قسما لا سلوت عنك ولو ذب ... ت سقاما أو صرت في الحبّ مثله «2»
25- كيف أسلوك والملاحة تجلو ... ك لعيني في حلّة بعد حلّه
- 592- وقوله: (سريع)
1- أثنت على عطفيه لّما انثنى ... معاطف البان وسمر القنا
2- غصن نقا ينبت في خدّه ... أزاهر للحسن لا تجتنى
3- يعطيك من أحداقه نرجسا ... غضّا ومن أصداغه سوسنا «3»
228/أ
4- فهو هلال طالع إن بدا ... وهو غزال راتع إن رنا
5- لله ما أفتك ألحاظه ... في مهج الخلق وما أفتنا
6- يا ردفه رفقا على خصره ... فقد تشكّى بلسان الضّنى «4»
- 592-(19/364)
- 593- وقوله: (متقارب)
1- إذا ما رنا ناظرا أو جلا ... جبينا وهزّ قواما رطيبا
2- فلا تلتفت لالتفات الغزال ... وذمّ الهلال وسبّ القضيبا
- 594- وقوله: (بسيط)
1- لو كنت تقبلني عبدا بلا ثمن ... رأيتها منّة من أعظم المنن
2- يا معرضا عن عتابي في محبّته ... كمثل إعراض أجفاني عن الوسن
3- صف لي المنام فإنّي لست أعرفه ... كلا ولم أره يوما ولم يرني
4- ولم يمرّ له شخص على بصري ... لكن أحاديثه مرّت على أذني
- 595- وقوله: (بسيط)
1- إن لم أمت في هوى الأجفان والمقل ... فوا حيائي من العشّاق وا خجلي
2- ما أطيب الموت في عشق الملاح كذا ... لا سيّما بسيوف الأعين النّجل
3- يا صاحبيّ إذا ما «1» متّ بينكما ... دون الشّهيين: ورد الخدّ والقبل
4- فاستغفرا لي وقولا عاشق غزل ... قضى صريع القدود الهيف والمقل
5- راش الفتور له سهما فأخطأه ... حتّى أتيح له سهم من الكحل
- 595-(19/365)
6- وللعيون اللّواتي هنّ من أسد ... إلى القلوب سهام هنّ من ثعل «1»
- 596- وقوله: (خفيف)
1- قال لي من أحبّه عند لثمي ... وجنات يحدّث الورد عنها
229/ب
2- خلّ عنّي أما شبعت فنادي ... ت الحياة يشبع منها؟
- 597- وقوله (مجتث)
1- يا راشق «2» القلب مني «3» ... أصبت فاكفف سهامك
2- ويا كثير التّجني ... قطعت حتّى سلامك
3- وخنت ذمّة «4» صبّ ... ما خان قطّ ذمامك
4- فاردد عليّ منامي ... فلا سلبت منامك «5»
- 597-(19/366)
5- فمن رأى سوء حالي ... بكى عليّ ولامك
6- فلو أردت حياتي ... لما هززت قوامك
7- بمن أحلّك قلبي ... ارفع قليلا لثامك
8- وابسم لعلّي أحيا ... إذا رأيت ابتسامك
9- يا خدّه ما أحيلى «1» ... للعاشقين التثامك
10- بكيت دالا وميما ... لمّا تأمّلت لامك
- 598- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- غضبان جاد بوعده ... وطوى مسافات «2» بعده
2- فرشفت خمرة ريقه ... وقطفت وردة خدّه
3- وشفيت حرّ جوانحي ... برضاب فيه وبرده
4- ولقد نعمت بوصله ... ولكم شقيت بصدّه
5- مذهزّ بانة عطفه ... وثنى أراكة قدّه
6- شهد القضيب بفضله ... وكفت شهادة ضدّه
- 598-(19/367)
- 599- «1» 230/أوقوله: (خفيف)
1- بدويّ كم حدّثت مقلتاه ... عاشقا عن مقاتل الفرسان
2- ذو محيّا يصبح يا لهلال «2» ... ولحاظ تصيح يا لسنان «3»
- 600- «4» وقوله: (خفيف)
1- ما يقول الهاجون في شيخ سوء ... راجح الجهل ناقص المقدار
2- شان تلعفرا «5» فأضحت به أل ... أم أرض نعم وأخبث دار
3- ذو محيّا في غاية القبح ما ير ... خي عليه الحياء فضل خمار «6»
4- فلكم جاء لابسا ثوب عاب «7» ... ولكم راح ساحبا ثوب عار
- 599-
- 600-(19/368)
5- بين ميمي مهانة ومساو ... ثمّ قافي قيادة وقمار «1»
- 601- وقوله ملغزا في هنات «2»
1- ولله ممشوق «3» القوام أطعته ... وعاصيت في حبي له كلّ لائم
2- له شفة العنّاب في رشفاتها ... شفاء «4» وروي «5» للقلوب الحوائم «6»
3- كأنّ الغواني إذ ترشفن ريقه ... وقبّلنه قلّدنه بالمباسم «7»
4- تبدّى لنا في حلّة عسجديّة ... عليها طراز رقّ من درّ ناظم
5- ووافى كخود «8» أقبلت في حليّها ... وشمس تجلّت بالنجوم العواتم
6- فأثبت فيه لحظه كلّ ناظر ... ومال الى تقبيله كلّ لاثم
7- مسرّة قلبي أن يكون مجالسي ... وقرّة عيني «9» أن يبيت منادمي
8- إذا صحّفوه كان شيمة ماجد ... وتصحيفه الثاني سجيّة آثم
9- وإن حذفوا منه أخير حروفه ... فقل في سرور مقبل لك دائم
231/ب
10- يذكّرني فقد الشّيبة عكسه ... قدود العذارى أو غناء الحمائم
- 601-(19/369)
- 602- وقوله: (منسرح)
1- قام يروم الطّهور «1» فانحسر الم ... ئزر عن أبيض له يقق
2- فمدّ سقرا «2» عليه من سبح ال ... شّعر وغطّى الصّباح بالغسق «3»
3- فخلت بدرا يلوح في ظلمة اللّ ... يل وغصنا يميس «4» في الورق
- 603- «5» وقوله في مليح مصارع (سريع)
1- هل حكم ينصفني من هوى ... مصارع يصرع أسد الشّرى
2- مذفرّ منّي الصّبر في حبّه ... حكى عليه مدمعي ما جرى
3- أباح قتلي في الهوي عامدا ... وصاح كم من عاشق في الورى
4- رميته في أسر حبّي ومن ... أجفان عينيه أخذت الكرى
- 602-
- 603-(19/370)
- 604- وقوله: ممّا يكتب على حياصة «1» : (خفيف)
1- ما علوت الخصور حتّى تبوأ «2» ... ت من السّقم مقعدي ومكاني
2- وصبرت الصّبر الشّديد على البر ... د وذقت العذاب بالنّيران
3- وكأنّي أعلنت أو بحت بالسّ ... رّ فكفّوا كما رأيت لساني
- 605- وقوله في القوس والنّشّاب «3» ملغزا: (خفيف)
1- ها عجوز كبيرة بلغت عم ... را «4» طويلا وتتّقيها «5» الرجال
2- قد علا جسمها صفار «6» ولم تش ... ك سقاما ولا عراها هزال
- 604-
- 605-(19/371)
3- ولها في البنين سهم وقسم ... وبنوها كبار قدر نبال «1»
4- وأراها لم يشبهوها ففي الأ «2» ... مّ اعوجاج وفي البنين اعتدال
- 606- «3» 232/أوقوله ملغزا في شبابة: (وافر)
1- وما صفراء شاحبة ولكن ... يزيّنها «4» النّضارة والشّباب
2- مكتّبة وليس لها بنان «5» ... منقّبة وليس لها نقاب
3- تصيخ «6» لها إذا قبّلت فاها ... أحاديثا تلذّ وتستطاب
4- ويحلو المدح والتّشبيب فيها ... وما هي لا سعاد ولا الرّباب «7»
- 606-(19/372)
- 607- (وقوله) : (بسيط)
1- مهاجري في الهوى من غير ما سبب ... ها قد جعلت دموع العين أنصاري
2- لئن قطعت عن الأجفان راتبها «1» ... من الكرى فلها من دمعها جاري»
- 607-(19/373)
- 608- (وقوله) : (مخلع البسيط)
1- ما هزّ أعطافه النّسيم ... إلّا انثنى قدّه القويم
2- بدر له من ذؤابتيه «1» ... ليل ومن ثغره نجوم
3- إذا تثنّى قدّه فغصن ... وإن لوى جيده فريم
4- إن كان جسمي به سقيما ... فإنّ سقمي به جسيم «2»
233/ب ومنهم:
16- أحمد بن شهاب البغداديّ «3»
. وحكى شيخنا أبو الثّناء الحلبيّ «4» قال: جلس إليّ ابن البغداديّ ثمّ أخذ ورقة وكتب فيها:
- 609- وقوله: (خفيف)
1- قد عرفنا الذّهاب لا شكّ فيه ... فعن العود بعده خبّراني
- 608-(19/374)
2- هل تعود الأرواح في الجسم أم بال ... عكس أم لا رجوع أم يرجعان
ثمّ ناولتها «1» فقطعت قوله: (يرجعان) ، وأعطيتها له، واقتصرت عليها في جوابه، فبهت وسكت، كأنما ألقمته حجرا.
ومن محاسن شعره:
- 610- قوله: (طويل)
1- حججت إليه «2» والعذول يحجني «3» ... عليه فكان العذل رنّة «4» حادي «5»
2- فأحرقت لكن مقلتي سنة الكرى ... وطفت ولكن حوله بودادي «6»
- 611- وقال:
(بسيط)
1- لو كان (شرب) «7» حرام كالنّبيذ له ... ريح لعزّ وجود الزّاهد الصّاحي
- 609-
- 610-
- 611-(19/375)
234/أومنهم:
17- عبد الرّحيم بن محمد بن يوسف السّمهوديّ الخطيب «1» :(19/376)
ذكره الأتفوهي «1» وقال: قال: حضر إليّ بعض أصحابي وسألني أن أمضي معه إلى زوجته لأصلح بينهما، فمضيت معه، فشكت زوجته من سوء خلقه، وقالت: انظر ما فعل بي، ضربني وكسر معصمي، ثمّ كشفت عن معصم كأنّه البلّور فقلت: (بسيط)
- 612- «2» وقوله: (بسيط)
1- قالت وقد كشفت عن سرّ معصمها ... انظر إلى فعل من قد جار وابتدعا
2- فما رأيت به للكسر من أثر ... بلى رأيت عمود الصّبح منصدعا
- 612-(19/378)
234/أومنهم:
18- ابن دانيال:
ورد «1» في النّوادر «2» ، وشبل سريع البوادر «3» ، ألطف مذهبا من ابن حجّاج «4» وأحسن مذهبا من أبي الزّجّاج «5» ، بتنذير أعمرت من سدير(19/379)
بشار «1» وأقرب ممّا يعدّ الهبّارية «2» في قلب الأشهار. ولم ير مثله الهرواني في منامه، ولا نادم بمثله الحورانيّ على مدامه، بسرعة جواب لا يعدّ قريعه «3» القاضي ابن قريعه «4» ، ولا فتح على مثله (عينا) «5» ، أبو(19/380)
العيناء «1» أخلق معه ثوب أبي خليل ممّا يرقّع، وسئم من سؤال الأدب ممّا يشنّع. روى خبر طريّ، ونسى خبر أبي الشّمقمق مع البحتريّ «2» . وكان ممن(19/381)
يورده الملك الصالح «1» ابن المنصور بودّه، وجرى على هذا الطّلق «2» سلّار «3» من بعده، وله معهما حكايات مضحكة، ليس هذا موضع مجونها، ولا مجمع شجونها. وكان على هذا ممن له صناعة في الكحل يد على كلّ عين، وميل لو منّا لأرى به من فرسخين. كلّ هذا لطلاوة «4» محاضرّه، وأجوبة حاضره، وطبّ للبس الأجسام ملابس صحتها، وأدب سلب الرّياض أريج نفحتها.
235/ب- 613- وحكى لي النّقيب عليّ بن حمزة «5» أنه كان قد أمر بقطع رواتب الناس من
- 613-(19/382)
اللّحم، فقطع لابن دانيال، ممن قطع، فدخل على الملك الصّالح وهو يتعارج، فقال: ما بك يا بن دانيال؟ فقال: قطع لحم، وكان هناك شاب قد جاء يشكو على النّاس أنّهم أمسكوه وفعلوا به القبيح، فقال ذاك الشّاب بالله جئت تشكو من قطع لحم، فقال له إي والله كما جئت تشكو من تقطيع تين «1» ، فضحك الملك الصّالح «2» وكلّ من حضره.
- 614- وحكى لي أن (حنّا) «3» أخا «4» سلار كان قد حصل له رمد شديد فطلب سلّار ابن دانيال وأمره بملازمته ومعالجته، فلازمه حتّى أفاق، وركب ومشى، ولم يعط ابن دانيال شيئا، فأتى ابن دانيال إلى مجلس سلّار ودخل على سبيل الاتّفاق، فنظر سلّار إلى ابن دانيال وقال له: أين الخلعة «5» ؟ قال: أيّ خلعة،
- 604-(19/383)
فقال: أيّ شيء أعطاك الأمير وأشار إلى أخيه (حنّا) ، فقال ابن دانيال:
- 615- (وافر)
1- إذا كان الأمير أخا (ضنينا) «1» ... فكيف تكون أحوال الحكيم
فضحك سلّار ومن حضره، ولام أخاه، وقال له: مثل هذا ما يعامل هذه المعاملة، وأمر له بألف درهم، أعطيت لابن دانيال
- 616- وحكي أنّ ابن دانيال دخل مجلس الوزير ابن الخليليّ «2» فجلس إلى جانب ابن المجبي البغداديّ «3» ، ثمّ أخرج من كمّه منديلا فيه قرعة «4» فقدّمها لابن- 605-
- 606-(19/384)
البغداديّ، فأخذها وشمّها، ثمّ التفت إلى ابن دانيال وقال: عثّرك «1» الله ما جيتها «2» حتّى صلحت «3» بها عميرة «4» ، فضحك من حضر، واستحيا ابن دانيال.
- 617- وحكي أنّه لمّا ولي علم الدّين سنجر «5» الخياط ولاية القاهرة حضر النّاس ليهنئوه، وابن دانيال فيهم، فأحضرت خلعته فلبسها وقام يتعمّم، وأكثر من وضع أصابعه على لفّات العمامة لإصلاحها وتعديلها فبقي كأنّه يفتّش على شيء فقال ابن دانيال «6» ...
236/أوحكي أنّ نصرانيا قطع زنّاره في مجلس فيه ابن سعيد «7» ، فاقترح العمل في ذلك.
- 617-(19/385)
- 618- «1» فقال: (مديد)
1- قطعوا زنّاره «2» فغدا ... بعد جمع الشّمل مفترقا
2- أتراه حين بات على ... خصره من رتبة قلقا
3- سرق الخصر الخفيّ فقد «3» ... بات مقطوعا بما سرقا
- 619- فلمّا فرّغت هذه الأبيات سمع ابن دانيال قال: (رمل)
- 618-(19/386)
1- حسدوا زنّاره في ضمّه ... دونهم ما عا (ده) «1» عنه سنين
2- فغدا يشدو لدى إسلامه ... ارحموا من كان أحظى العاشقين
وقد يذكر الشّيء بمثله أو بضدّه، وبهذا ذكرت قول حسن بن الأنصاريّ المصريّ (1) :
- 620- وقوله: (خفيف)
1- شدّ زناره فلله ماذا ... حلّ فيه من كلّ معنى لطيف
2- قاد بين الكثيب والغصن حتّى ... غرس الفسق «2» في ضمير العفيف
وحكي أنّه علق بهوى أنحله، وأمطره بسواكب دمعه حتّى أمحله، (فأ) نشد عن حاله:
- 621- «3» فقال: (متقارب)
1- محبّ غدا جسمه ناحلا «4» ... يكاد لفرط الضّنى أن يذوبا
- 619-
- 620-
- 621-(19/387)
2- ورقّ فلو حركته الصّبا ... لصار نسيما وعادت قضيبا «1»
وحكي أنّه حضر مرّة عند بعض الولاة، وقد أحضر لصّ سرق فلمّا قدّم إلى الوالي أخرج يديه فإذا هما مقطوعتان، وجعل يقول: من لا له يد كيف يسرق؟!، فقال ابن دانيال:
- 622- «2» وقوله: (مجزوء الرجز)
1- وأقطع قلت له ... هل «3» أنت لصّ أوحد
2- فقال هذي صنعة ... لم يبق لي فيها يد
- 622-(19/388)
وحكي أنّ السّراج الورّاق «1» شكا رمدا، ثمّ شفي، ثمّ عاوده حتى كاد يذهب نور 237/ب السّراج وينطفئ، فعاوده الشّريف القدسيّ «2» ، وقد شكا مثله رمدة كادت تذهب بعينيه «3» فأعطاه ابن دانيال كحلا جلا سيف بصره، وقوّى صحّة نظره، فوصفه للسّراج، ليستهدي منه نورا، ويحدث به لإنسان عينه سرورا، فبعث إلى ابن دانيال في طلبه، فجهّز إليه به، فلمّا جلا أكثر رمده، ودنا بجفنه أن ينتضي مهنده: كتب إليه:
- 623- وقوله: (مجزوء الكامل)
1- يا واحدا في الجود لا ... يثنيه «4» قول ثاني
2- قد جدت لي باللّؤلؤ ... يّ ثنّه بالأصفهاني «5»
ثمّ كتب إليه بعده:
مولاي حسبي من الوسائل طلبي الأصفهاني من الفاضل، فبعث إليه ابن دانيال به وكتب معه ليقرأ عليه:
- 623-(19/389)
- 624- «1» وقوله: (خفيف)
1- قل لعين الأماثل «2» الأعيان «3» ... وسواد الإنسان «4» للإنسان «5»
2- يا سراجا «6» أسنى من الشّمس والشّم ... س سراج قد جاء في القرآن
3- خذه كحلا مثل «7» السّيوف فريدا «8» ... وصقالا يروق في الأجفان
4- حجر «9» كسرة أحدّ من الإكس ... ر «10» فعلا في العين أو في العيان
5- ألف عين تقيمها حبّة من ... هـ قياسا يصحّ «11» بالبرهان
6- إن يعظّم «12» مثاله في حجاز ... كان هذا معظّما في أصفهان
فكتب إليه السّراج حين تمّ له العافية والابتهاج:
- 624-(19/390)
- 625- وقوله: (خفيف)
1- أيّها الفاضل «1» الذي قصّر الفا ... ضل عن صنعتيه «2» والأصفهاني «3»
2- والذي تنشئ الرّياض على مه ... رقه «4» هاطلات تلك البنان
3- وصلتني منهنّ باسمة الأز ... هار تفترّ عن شبيب «5» المعاني
- 625-(19/391)
4- تتحف «1» الرّوضة التي أنا فيها ... بأفانين الرّوح «2» والرّيحان «3»
5- ويضاهي موارد «4» النّيل فيها ... كلّ صاف من ماء ذاك البنان
6- ولدى قربها بخفّة (ذي) «5» العي ... ن فلله أنت من إنسان
7- بان لي في فرندها ألق «6» الشّم ... س الذي قد علا على كيوان
8- شمس فضل قد وافق الشّرف الأ ... على «7» قرينا أسعد بذاك القران «8»
9- فأضاءت مذاهبي بعد ما أل ... زمني الدّهر موقف الحيران
10- ولقد جئت قرّة لعيون ... سلمت أن تعدّ في العميان
وحكي: أنّه حضر مجلس الملك الصّالح «9» وحوله من الغلمان الأتراك شبيبة «10» ، اختلفت قدودهم، وأيتلف «11» خدودهم، ونسبت إليهم ظباء(19/392)
رامة «1» ، ونسبت الى لحاظهم كلّ ظلامة «2» ، وكان فيهم من قدّه كأنّه الرّمح في التقريب، ومن قصر وهو كأنّه الغصن الرّطيب، ومنهما شباب معتدل القامة، زاد عليهما حسنا وأبى أن يكون رمحا أو غصنا، فقال له الملك الصّالح: أيّ الثلاثة أعلق بقلبك، وأليك «3» بحبك:
- 626- «4» فقال: (طويل)
1- أيا سائلي عن قدّ محبوبي الذي ... فتنت به وجدا وتهت غراما «5»
2- رأى قصر «6» الأغصان ثمّ رأى القنا ... طوالا فأضحى بين ذاك قواما
وحكي أنّه كان بينه وبين الوطواط «7» ما يكون بين الأدباء، ولا يخلو منه
- 626-(19/393)
داب «1» بين الأحبّاء، فعرضت للوطواط رمدة تكدّر بها صفيحه «2» ، وتثنّى له فيها صريحة «3» ، فقيل له: لو طلبت ابن دانيال، فقال: ذاك لا يسمح بذرّة، يعني من كحله، فبلغ ابن دانيال،
- 627- «4» فقال: 239/أ (طويل)
1- ولم أقطع الوطواط بخلا بكحله ... ولا أنا من يعييه «5» يوما تردّد
2- ولكنّه ينبو «6» عن الشّمس طرفه ... وكيف به لي قدرة وهو أرمد
- 628- ومن شعره: (كامل)
1- ولربّ قائلة أما من رحلة ... تمشي وقد أعسرت منها موسرا
2- سر كالهلال كماله في سيره ... والماء أعذب ما يكون إذا جراى
3- فأجبتها سيري ومكثي واحد ... النّحس نحس منجدا ومغوّرا
4- إنّ المدائن وهي أوسع بقعة ... ضاقت عليّ فكيف أرحل للقرى
- 627-(19/394)
5- فلأصبرنّ على الزّمان وإنّني ... لأخو الشّقاء صبرت أم لم أصبرا «1»
- 629- وقوله: (طويل)
1- أحمّل شيبي صبغة بعد صبغة ... وصبغة ربّ العرش أحسن صبغة
2- وحاولت «2» أن يخفى مشيبي فما اختفى ... ويكفيك أنّي كاذب خوف لحيتي
- 620- وقوله: (خفيف)
1- يا نديميّ باكرا الخمّارا ... واشرباها صهبا «3» ء صرفا عقارا
2- ألبستها الرّهبان ثوبا من القا ... ر لأنّ السّواد يكسو القفارا
- 621- «4» وقوله: (وافر)
1- بليت بضيّق الأنفاس قاس ... فدمعي وهو جار فيه جاري
- 628-
- 629-
- 630-(19/395)
2- وكم في الأرض من حسن ولكن ... عليك لشقوتي «1» وقع اختياري
- 632- «2» وقوله: (وافر) 240/أ
1- خفيت عن العيون «3» فلن تراني ... وعشقك في الحقيقة قد براني «4»
2- عيانا ما أشاهد «5» أم مناما ... لقد أفسدت من وله «6» عياني
- 633- «7» وقوله: (كامل)
1- حيث اتّجهت فلي إليك تطلّع ... ولشمس وجهك في ضميري مطلع
2- (يا) «8» موضع «9» الوجناء «10» عندى لم يكن ... أبدا لغيرك في فؤادي موضع
- 631-
- 632-
- 633-(19/396)
3- إن كنت يمّمت الحجاز فمقلتي ... وادي العقيق «1» ودمع عيني ينبع «2»
4- قد كنت أحسب «3» قبل تشييعي «4» لكم ... أنّي لقلبي في الحمول «5» أشيّع
5- تبدو البلاقع «6» منكم مأهولة ... ودياركم لمّا رحلتم بلقع
- 634- وقوله: (كامل)
1- لو لم يكن قلبي بحبّك مبتلى ... ما بات طرفي بالسّهاد موكّلا
2- يا من أطعت له الغرام تولّها ... وعصيت من وجدي عليه العذّلا
3- انظر ترى ربع المسرّة ما خلا ... يا هاجري والعيش بعدك ما حلا
4- أنت الذي أكّدت أسباب الهوى ... وتركتني بعد المودّة مهملا
5- وجعلت ما بين التواصل فترة ... وبعثت دمعي للعواذل مرسلا
6- ويلاه «7» من وجدي عليك وآه من ... شوقي إليك فقلت لم لا تفعلا «8»
7- ما ضرّ لو أحييتني بتحيّة ... أو أن تمنّيني الوصال تعلّلا «9»
- 634-(19/397)
8- أمعذّبي بدلاله وملاله ... آمنت مثلي بالجفا أن يبتلى
9- يا سائلي عن حبّه في حيّه «1» ... ونحول جسمي والضّنا يكفي البلا
- 635- «2» وقوله: (مجزوء الرجز)
1- لا ودخان المشعل ... وضوئه المشتعل «3»
2- يزهى «4» بنار رفعت «5» ... مثل اللّواء المسبل «6»
3- مشاعل «7» كأنّها ... لينوفر «8» ذو خصل «9»
4- وكم هدتنا تائها ... في جنح ليل أليل
5- هذا وكم حشّ نزح ... نا أرضه بالمعول
6- ففعلنا في جوفه ... فعل دواء المسهل «10»
7- صنعتنا محمودة ... وهو كبطن ممتلي «11»
- 635-(19/398)
8- وكم نقمنا لحدود «1» ... الله من ذي الحيل
9- تدبّ «2» مثل النّمل في ... البيت على تمهّل
10- من كلّ لصّ طارق «3» ... مثل البلاء النازل
11- أدخل في الضّيق بها ... من نفس متّصل «4»
12- حتى إذا ما زلّ ذي ... ل ستره المنسدل «5»
13- تمسكه فيغتدي ... كالفرس المشكّل»
- 636- وقوله: (مجزوء الخفيف)
1- أين من كان أيره ... قائما يملأ الفضا
2- لا يرى ردّ سائل ... رحم الله من مضى
- 637- وقوله: (خفيف)
1- قل لغصن الأراك ويحك تحكي ... قدّ محبوبتي «7» ولم تخش منّي
- 637-(19/399)
2- أنا لولا غفلت عنها فماست «1» ... ما تعلّمت أنت منها التّثنّي
- 638- «2» 242/أوقوله: (خفيف)
1- كلّ صعب على رضاكم يهون ... وجفوني بمن هويت جنون «3»
2- يعجب الصّبر من تصبّر «4» قلبي ... واحتمالي فما «5» رأته العيون
3- جلدي مفرم بتمزيق جلدي «6» ... وجفوني لها السّيوف «7» جفون «8»
- 639- «9» وقوله: (طويل)
1- أيا سائلي عن قدّ محبوبي الذي ... به همت وجدا في الهوى وغراما «10»
2- أبى قصر الأغصان ثمّ رأى القنا ... طوالا فأضحى بين ذاك قواما
- 638-
- 639-(19/400)
- 640- «1» وقوله: (طويل)
1- عجبت وشأن الحبّ غير عجيب ... إذا مات بالأشواق كلّ غريب
2- تباعدت الأجسام منّا وإنّما ... لنا جامع من تربة وقلوب «2»
3- لنا كلّ يوم منزل نزعة النّوى «3» ... وقرب خليط «4» وهو غير قريب «5»
4- كأني من كلّ البلاد فمدمعي ... على كلّ باد أو فراق حبيب «6»
5- على أنّني لولا اغترابي لم أطب «7» ... وما عاقل في بلدة بغريب
- 641- «8» وقوله: (خفيف)
1- كلّ حيّ إلى الممات يصير ... ما له ساعة النزاع «9» نظير «10»
2- والسعيد الذي يرى طرق الرش ... د بعين اليقين وهو بصير
- 640-
- 641-(19/401)
- 642- ومن نثره:
وما هذا من أهل الملام «1» ، وما لجرح بميّت بإيلام «2» ؛ لأنه شيخ كبير، وأحول بنصف ضرير «3» ، قد بلغ من التّغفّل والنّسيان إلى غاية صار بها حمارا في صورة إنسان.
- 643- 243/ب وقوله يصف امرأة قبيحة:
من الدّواهي «4» بأنف كأنف الحمل «5» ، وشفاتير «6» مثل شفاتير الجمل، بأجفان مكحّلة بالعمش «7» ، وخدود مضمّخة بالنّمش «8» وأسنان مثل أسنان- 642-
- 643-(19/402)
المفتاح، ونكهة «1» تفوح من المستراح.
- 644- وقوله:
وقد بحث بلسانه في الطّبيعة بحثا شافيا «2» حتّي علم أنّ الياقوت من الجزع «3» ، وأنّ القرطم «4» من الطّلع، وأنّ الخلّ من النّارنج، وأنّ القطائف «5» من الإسفنج «6» ، وأنّ الشمع من الشّحم، وأنّ الزّفت من الفحم، وأنّ الحرير من الأرجوان، وأنّ السّمسم من الباذنجان، فهو أوّل ناقل عن باقل «7» ، وأحسن من محا نوادر جحا «8» ، أجهل من تولس، وأشأم من طولس. فله من الحمار أذنه،
- 644-(19/403)
ومن التّيس ذهنه، ومن الثور قرنه، فما يفرق بين الخشب والقصب، ولا يميّز بين الفضّة والذهب، ولا يعرف النّار إلا بإحراقها، ولا السّلحة «1» إلا بمذاقها. ولو ختموا جانب الكنيف به ما قربته بنات وردان «2» . طالما تشمّس بالقمر، وتعشّى في السّحر، وفتح رجليه لسقوط الكواكب، وعلم زيادة النّيل في ظهور المراكب، يمضغ «3» من اللّقمة قطعة من لسانه، ويؤذّن ثمّ يمشي ليسمع أين بلغ طرف أذانه، ينام وهو قائم، ويمشى وهو نائم.
- 645- «4» وقال ملغزا في السّر موزة «5» : (طويل)
1- وجارية هيفاء قمشوقة القدّ ... لها وجنة أبهى احمرارا من الورد
2- من اليمنيّات «6» التي حرّ «7» وجهها ... يفوق صقالا صفحة الصّارم الهندي
- 645-(19/404)
3- وثيقة حبل الوصل منذ وطئتها ... فلست أراه قطّ منتقض «1» العهد
4- ومن عجب «2» أنّي إذا ما وطئتها ... تئنّ أنينا دونه أنّة الوجد «3»(19/405)
244/أومنهم:
19- الشّريف ابن الضّياء القناويّ:
وهو تقيّ الدّين أبو عبد الله محمد بن جعفر ابن محمّد بن عبد الرّحيم الحسينيّ، وهو من ولد جعفر الصّادق رضي الله عنه:
حدّثني عنه الأديب ابن نباته «1» ، وأراني إنباته «2» . وشعره ناطق بمبلغ فضله، ومستودع ورده العذب وظلّه، ينطق بلسان فصيح، وبيان صحيح، وإحسان. 245/ب لا غرو أن يجري فيه جواده على أعراقه «3» ، ويباهي في مصره نسيبه الرّضيّ «4» في عراقه.
ومن شعره ممّا أنشدني في شيخ مطيلس «5» :(19/406)
- 646- «1» قوله: (مجزوء الرجز)
1- يا من رأى الشّيخ الذي ... كالعين إذ نعرفه
2- وظهرها حديثه ... ورأسها رفرفه «2»
- 647- وله في الشقيق: (متقارب)
1- أتتك الشّقيقة في نكتة «3» ... ولون يدلّ بحسن غريب
- 646-
- 647-(19/407)
2- كخال بأسفل خدّ المليح ... وكالشّمس عند ابتداء الغروب
246/أومنهم:
20- شافع بن عليّ بن عبّاس الكاتب: ناصر الدّين أبو عليّ
قريب منّي عند الظّاهر، ونسيب ذلك العنصر الطّاهر، كان من أعيان كتّاب الإنشاء، والمستقى «1» من قليب لا يحتاج إلى طول الرّثاء، ثمّ أصيب بسهم وقع في عينه فأذهب نورها، وأطبق عليها من الأجفان بثورها «2» .(19/408)
والنّظم أكثر بضاعته، وأكبر صناعته. وكتب إليّ وأنا بمصر، ولم يقدّر لي به اجتماع، وإنّما أروي عنه ما كان «1»
- 648- ومنه شعره قوله: (طويل)
1- عهدت لأنعام الملوك تنوّعا «2» ... إذا «3» لجميل القصد من برّها تجري
2- فما نالهم في ذا الزّمان تسافل «4» ... إلى أن غدوا بخلا كسيحون «5» في الجرّ
- 649- «6» وقوله: (في الوطواط الكتبى) «7» (خفيف)
1- كم على درهم يلوح حراما ... يا لئيم الطباع سرّا تواطى «8»
2- دائما في الظّلام تمشي مع النا ... س وهذى عوائد الوطواط «9»
- 648-
- 649-(19/409)
- 650- «1» وقوله فيه (أي الوطواط) (سريع)
1- قالوا ترى الوطواط في شدّة ... من تعب الكدّ وفي ويل
2- فقلت هذا دأبه دائما ... يسعى من اللّيل إلى اللّيل
- 651- وقوله: (مخلع البسيط)
1- عابوا على الظّاهر احتفالا ... بزّتك سبع به يراع
2- فقلت كفّوا ولا تعيبوا ... من بعده غابت السّباع
- 652- قلت «2» لي مثل هذا في امرأة اسمها غزالة، صار لها شأن وشفاعة مقبولة:
(وافر)
1- رأيت غزالة مهما أرادت ... من الأشياء كان بلا محاله
247/ب
2- لقد غابت سباع الحيّ عنّا ... فلا عجب إذا لعبت غزاله
عدنا إلى شعره ومنه:
- 650-
- 652-(19/410)
- 653- قوله: (كامل)
1- وافى رياؤك مبدعا أقوالا ... ومحققا بعزائه أثقالا
2- ونعيته «1» فنعيته «2» بمحاسن ... أو ضحت فيها من علاه خصالا «3»
- 654- وقوله: (كامل)
1- إنّ البطاركة «4» الذين تصرّمت «5» ... نيران موطئهم على الأحداق
2- خرقوا «6» شريعة «7» هدنة عمريّة ... فجزوا على الإخراق «8» بالإخراق
- 653-
- 654-(19/411)
- 655- وقوله: (مجزوء الرجز)
1- من بعد أهل القلع «1» ... هجرت طيب المضجع
2- وجدت «2» فيه بالذي ... أملكه من أدمعي
3- قوم لهم في خاطري ... أغلى وأعلى موضع
4- أنّى اتّجهت لم يزل ... حديثهم معى معي
- 656- وقوله: (طويل)
1- أهيل النّقا كدّرتم العيش فاعطفوا ... ولا تجعلوا سلم الوداد بكم حربا
2- إلى كم أقاسي لوعة «3» في هواكم ... ولا ذنب إلا أن شغفت بكم حبّا «4»
3- ألا ترحموا «5» أن تحرموا الصّبّ زورة ... وأنتم كما شاء الولاء ذوو القربى
4- ترى تجمع الأيّام بيني وبينكم ... وأشفي فؤادي إن ظفرت بكم عتبا
- 657- وقوله: (بسيط)
1- قالوا نرى ابن فلان الدّين ذا غلط ... كأنّه من جبال الصّمّ منحوت
- 655-
- 656-(19/412)
248/أ
2- قلت أما قد غدا للقوت «1» يخزنه ... وخازن القوت فيما قيل ممقوت
- 658- وقوله: (طويل)
1- أشاد «2» بجسمي آخذا منه سوسه «3» ... رفيق «4» بها من جدّة «5» العمر يؤيس
2- فقلت أما أصبحت كالغصن ذاويا ... وذاوي غصون الدّوح حقا يسوّس «6»
- 659- وقوله: (سريع)
1- سألت من أعجبني جرمه «7» ... فى بثّه «8» الأقوال والأفعالا
2- فقلت ما وضعك يا ذا الفتى ... فلم يجبني بسوى لا لا
- 657-
- 658-
- 659-(19/413)
- 660- وقوله: (كامل)
1- ويلاه من حزني عليه وإنّه ... حزن طويل «1» ما له من آخر
2- قد كان تمّ براعة وبلاغة ... والبدر ينقص في التّمام الباهر
3- مولاي عزّ أباه فيه فإنّه ... أولى بها من غائب (أو حاضر) «2»
4- واندبه عند ضريحه متفضلا ... واذكر له فعل الزّمان الغادر
قد مات ملء الصدر وانقطعت إلى ... أو طان................ .. «3»
- 661- وقوله: (طويل)
1- تشوّقت للأهرام «4» من عظم «5» وصفها ... وإعجاب ما أبداه في وصفها الشّعر
2- فصرت إليها كي أحقّق خبرها ... فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر «6»
- 660-
- 661-(19/414)
- 662- وقوله: (مجنث)
1- لدمع عيني تراكم «1» ... إذ فاتها أن تراكم «1»
2- عودوا «3» وعودوا «3» عليلا ... أضناه طول جفاكم
249/ب
3- لا تحسبوا أنّ قلبي ... والله يهوى سواكم
4- رقّوا عليّ ومنّوا «5» ... ولو بلثم ثراكم
ومن نثره وهو أقلّ صناعته، وأكسد بضاعته
- 663- قوله:
وهو فتح قلعة، المتينة «6» الأسباب «7» ، المتوارية من أسوارها ما منع حجاب، الشّامخ على السّحب أنف تساميها، الفائت «8» النجوم بما أو تيته من تباهيها «9» ، إلّا الله سبحانه أذلّها إلى أن قبّلت «10» بين يدي ركابنا الشّريف- 662-
- 663-(19/415)
الثّرى. وأراك معالمه «1» بثباتنا «2» وو ثباتنا «3» . إلى أن أصبحت خاوية على عروشها «4» ، فلا أذن تسمع، ولا عين ترى، فأحدقنا بها «5» إحداق الخاتم بالخنصر «6» ، والدّملج بالسّاعد، وحسبنا بالمواياه «7» الغرض في خصرها من شاهد، فلم يزل يراوحها «8» بالعزائم «9» ويغاديها «10» ، ويسمعها الصّرخة فالصّرخة بألسنة المجانيق «11» تناديها، إلى أن أزلنا بتكاتف «12» السّتائر «13» أستارها، وتسوّرنا أسوارها، وهتكنا حريمها، واسترققنا «14» جريمها «15» فليأخذ حظّه من البشرى، وليقدّر لها حقّها بالسّجود لله حمدا وشكرا.(19/416)
- 664- وقوله:
فبادرنا القوم وأحطنا بهم إحاطة الدّائرة بقطبها «1» ، والأجفان بهدبها، وأخذت السّيوف حظّها منهم لا منّا، ونهبت الأرماح لحومهم، والسبب «2» ...
فيهم سنّا، ولم تدع منهم من لاذ بالفرار حتى أدركناه، ولا معلا «3» غرّته العافية بزعمه حتى رغمه أهلكناه.
- 655- وقوله معارضا لتاج الدّين ابن الأثير «4» في منشور»
صاحب كان معتقلا- 664-
- 665-(19/417)
وأطلق وهو:
وما أحقّ وصف مناقبه «1» بالأطياب «2» ، وأجلّها من صحف تحويله «3» بمحلّ الإعجاب، وأبهر «4» أنواره الشّمسيّة لولا اكتساؤه برقيق غيم التّعويق والحجاب، كم قضت آدابه لأولياء الدّولة بالواجب، وكم رأيت 250/أوجوهها باسفار ... «5» وأمّا الذي قاله ابن الأثير فمنه قوله:
وكان فلان ممّن قضى من حقوق الوفاء للسّلف واجبا، وحلّ من الدّولة محلّ العين، وإن سمّي حاجبا «6» .
- 666- عدنا إلى قول أبي «7» شافع، ومنه في ذكر وفاء النّيل «8» :
والذي ينهيه «9» لعلمه أنّ الله سبحانه منّ بنعمته في مجرى النّيل وكم به منّ، وجاد بوابله وطلّه كما في الظّنّ وما ضنّ «10» ، وزادا إلى أن ملأ أوطابه بما
- 666-(19/418)
يحسن تأثيره من زاد، وبدا بالرّحمة وأعاد، ووفى بميعاده، إنّ الله لا يخلف الميعاد «1» ، فلو رآه سيّدنا وقد طفا «2» ونهج «3» ، وجاء بالرّجاء ورجج «4» وبلغت أياديه النّافعة الباقعة «5» فوق إمكانها، وأمنت الأمّة في أوان الاحتياج وما أحسن الأشياء في أوانها.. الصّامت النّاطق، الفائق «6» الرّائق «7» ، العامل المعمول، النّاقل المنقول، الكافل «8» المكفول، الباذل المبذول، قد اتّسقت «9» عقود تأثيراته مع تناقص هذه الأحوال، وأمّن على صدق عزائمه مع تغاير هذه الأقوال. إن عجّل لا يكبو «10» ، وإن صوفحت الصّفائح لا ينبو «11» يجري جواد تجويده ما وجد من الطّرس أرضا، ويجول في ميدانها بمبدع التّنميق «12» طولا وعرضا.(19/419)
- 667- وقوله:
قد جعل الله العلماء ورثة الأنبياء كما ورد. وأوضحوا المذاهب «1» المذهبة، والحقوق التي هي للأماطيل «2» مذهبة «3» ، كالإمام الشافعي رضي الله عنه «4» ؛ فإنّه قام «5» الشّريعة المحمّدية أتمّ قيام، وشهر «6» لها بذكره، وذكره «7» وذوو الساسي «8» من النّاس نيام وأوى بني القلم الشّريف من تأليفه إلى أحنى أمّ وأشفقها، وأرفدها وأرفقها، وأدرّها للعلم ضرعا، وأخصبها مرعى، وأتمّها 251/ب عقلا وشرعا. وكانت مصر قد شرفت «9» منه بأشرف نزيل، وأجلّ خليل، وأقام إلى أن حارحا تقى «10» ويصيد، ويبدى ويعيد،- 667-(19/420)
ويقمع «1» المريد «2» ، ويمدّ المريد «3» ، ويجلس بجامع عمر «4» بن العاص، الذي هو كما نعت [تاج الجوامع] «5» ويحلّ منه بأشرف المرابع «6» وهو راويه الكريم منسحب عليها، وهلمّ جرا. ونسبتها إليه مستمرّة، وبه أعلى الله بها قدرا، فلهذا لا يحلّ بصدرها إلّا من العقد على أهلّيه «7» الاجتماع، ومن إذا بحثت في مسألة من مسائله هزّ الأعطاف وشنّف الأسماع، ومن درب «8»(19/421)
ودرّب «1» وأعرب «2» وأعرب «3» . وكان فلان قد أخذ من مذهب هذا الإمام بنصيب وأيّ نصيب، وأنصف «4» من آرائه، وكانت كلّها صائبة بالرأي المصيب، وأفنى عمره على طول شقّته «5» فى العلم، وتحصيل فنونه، وحيازة أبكاره وعونه، فقوبلت جلالة قدره بما يجب لها من هذه المنزلة، حتّى حلّ أكثر منها وأجلّها، وولي وكانوا أحقّ بها وأهلها.
- 658- وقوله:
صدرت معلمة «6» بصحّة المزاج الفلاني من الألباب الذي حمّت له الأرواح، وحقّ لها أن تحمّ، وضمّت الجوارح على مثل جمر الغضا «7» ، ويعذرها أن تضمّ. هذا على خفّة زورتها «8» ، وضآلة زورتها، ولكنها ثقلت على القلوب، وإن خفّت وعفّت «9» معالم الأجسام، وإن عفّت «10» ، وأو كفت «11» الدّموع وإن
- 668-(19/422)
كفت «1» ، إلّا أنّها والحمد لله ما ألمّت «2» حتى أقلعت، ولا سلّمت حتى ودّعت وجاءت الصحّة، ووافت «3» المحنة «4» ، وأذهب الباس «5» ربّ النّاس وسرّ حتى سرير الملك، وقد افترش صهوة صحّته، وابتهل سرير التّمرّض «6» ، إذا كان الانفصال على خير من فرش فرشته.
فالحياة ساجدة، والألسنة في شكر النّعمة جاهدة، والأعين قريرة، والقلوب مسرورة. 252/أوالصّدور منشرحة «7» والخواطر «8» منفسحة، وعقود التّهاني منسقة، وأعنّة الجياد بيمين اليمن مطلقة، وأركان المعاهد مخلّقة ولا أقول وغير مخلّقة «9» .(19/423)
253/ب ومنهم:
21- ابن الجبّاس الدّمياطيّ: وهو أحمد بن منصور بن أسطوراس:(19/424)
خطيب الورّادة «1» من منازل الرّمل، وكان يتردّد إليّ، ويتجدّد عرض ما عنده عليّ، وكان قليل المادّه، جميل الجادّه «2» ، يظفر «3» بمحبّات المعاني، ويكسيها «4» في أجلّ المعاني «5» ، وكان كافا للسانه، مظهرا لإحسانه، مقبلا على شانه، فما أهمّه لا يعلق (به) «6» مذمّة.
وقصيدته التي وصف فيها الموز لا تطاول «7» ذيولها، ولا تعارض سيولها، أبدع فيها كلّ الإبداع، وأبعد منها الابتداع «8» ومن المختار منها:
- 669- «9» قوله: (منسرح)
1- كأنّما الموز في عراجنه «10» ... وقد بدا يانعا على شجره
- 669-(19/425)
2- فروع «1» شعر برأس غانية ... عقصن «2» من بعد ضمّ منتشره «3»
3- كأنّ من ضمّه وعقّصه ... أرسل شرّابة «4» على أثره «5»
4- وفي اعتدال الخريف أحسن ما ... يرقل مثل الرّداح «6» في أزره «7» «8»
5- كأنّ أشجاره وقد نشرت ... ظلال أوراقه «9» على ثمره(19/426)
6- حاملة طفلها على يدها ... تظلّه «1» بالخمار من شعره
7- كأنّما ساقه الصّقيل وقد ... بدت عليه نقوش معتبره «2»
8- ساق عروس أميط «3» مئزرها ... فبان وشيء الخضاب في حبره «4» «5»
9- تصاغ من جدول خلاخلها ... فينجلي «6» والنّثار من زهره
10- حدائق خفّقت «7» سناجقها ... كأنّه «8» الجيش أمّ في زمره
11- زها «9» فراق العيون منظره ... فما تملّ العيون من نظره(19/427)
12- وكلّ آياته فباهرة «1» ... تبين في ورده وفي صدره
254/أ
13- كأنّما عمره القصير حكى ... زمان وصل الحبيب في قصره
14- كأنّ عرجونه المشيب أتى ... يخبر أن خانه انقضا عمره
15- كأنّه البدر في الكمال وقد ... أصيب بالخسف في سنا قمره
16- كأنّه بعد قطعه وقد اصف ... رّ لما نال من أذى حجره «2»
17- متيّم قد أذابه كمد ... يبيت من وجده على خطره «3»
18- معلّق بالرّجاء ظاهره ... يخبر عمّا أجنّ «4» من خبره «5»
19- يطيب ريحا ويستلذّ جنى ... على أذى زاد فوق مصطبره «6»
20- كأنّه الحرّ حال محنته «7» ... يزيد «8» صبرا على أذى ضرره(19/428)
- 670- «1» وقوله وقد أصمّ «2» : (مجزوء الكامل)
1- إن قلّ سمعى إنّ لي ... فهما يوفّر «3» منه قسم
2- يدني إليّ مقاصدي ... ويروقك الرّمح الأصمّ «4»
3- ولربّ ذي سمع بعي ... د الفهم عيّ «5» النّطق فدم «6»
4- زادوا على عيب التّصا ... مم إنّهم صمّ وبكم «7»
- 671- «8» وقوله في رمّانة: (كامل)
1- كتمت هوى قد لجّ «9» في أشجانها ... وحشت حشاها من لظى نيرانها
- 670-
- 671-(19/429)
2- فتشقّقت من حبّها عن حبّها ... وجدا وقد أبدى خفا «1» كتمانها
3- رمّانة ترمي لها أيدي النّدى ... من بعد ما رمّت «2» على أغصانها
4- فاعجب وقد بكت الدّموع عقائقا «3» ... لا من محاجرها «4» ولا أغصانها «5»
255/ب ومنهم:
22- محمّد بن محمد المعروف بابن الحبلى «6» الفرجوطيّ:
أنشد له الاتفوهي قوله:(19/430)
- 672- «1»
1- انظر إلى النّبق «2» في الأغصان منتظما ... والشّمس «3» قد شرعت «4» تجلوه في القضب
2- تراه فيما تراه من تصوّره ... يحكي جلاجل «5» قد صيغت من الذّهب
- 672-(19/431)
256/أ
23- ومنهم «1» ممن هو من أدباء هذا الزّمان، ونادرة هذا العصر والأوان الشّيخ عزّ الدّين ابن الموصليّ
ناظر ألفاظ تغني عن الحلل والحليّ، يهيم للاسحار بعذوبة أشعاره البديعه، ويخطف الأبصار ببوارق تبيهته السّريعه، يتيم درر مبتكره، ونافث سحر ببيان يبطل به كيد السّحره (يعاهد) للصنعة اللّطيفه، ويأتي في معانيها بكلّ لمعة ظريفه، بقريحة «2» أينعت بالتريض، وروّيّة روت وروّت «3» ، فهذا الرّاكب لغير البحر الطّويل العريض، يسلك البديع والقوافي مطلقه، فيمطر صيّب أدب أغدق من السّحائب الغدقه «4» على أنّه لم يشغل دابه من هذه الفنون، وطلّقها من ذهنه (للافرقتا) على سبيل المجون، بل إنّما هو من أهل العلماء شريف، واللّغة والتّصريف، وله في التّفسير أياد، وما يحتاج إليه فيه يشهد له إتقانه للحاضر والبادي، وله الرّحلة في الحديث المنوّر، والمحبّة في البيت المعمّر (يشكر بهرله) ريقه التي حلّت بالفضائل، ولهذا ما شهدت له بأن ليس(19/432)
له مماثل، (نبرامعى) كشف له من العلوم اللّدنية «1» ، والمناهج السّنيّه، وهو لعمر «2» أكثر من الوصف، ونهج ألفاظه تعذب المدام، ويكدّ الوصف.
258/أومنهم:
24- محمد بن محمد بن محمد بن نباتة جمال الدين «3»(19/433)
- 673- «1» 259/ب وقوله: (طويل)
1- صحا القلب لولا نسمة تتخطر ... ولمعة برق بالفضا تتسعّر
2- وذكر جبين المالكيّة إن بدا ... هلال الدّجى والشّيء بالشّيء يذكر
3- سقى الله أكناف الغضا «2» سبل «3» الحيا «4» ... وإن كنت أسقى أدمعا تتحدّر
- 673-(19/434)
4- وعيشا نضا عنه الزّمان بياضه ... وخلّفه في الرّأس يزهى «1» ويزهر
5- تغيّر ذاك اللّدن مع «2» من أحبّه ... (ومن ذا الذي لا يعزّ لا يتغيّر)
6- وكان الصّبا ليلا وكنت كحالم ... فيا أسفي والشّيب كالصّبح يسفر «3»
7- يعلّلني «4» تحت العمامة «5» كتمه ... فيعتاد قلبي حسرة حين أحسر «6»
8- وينكرني ليلي وما خلت أنّه ... إذا وضع المرء العمامة ينكر
9- ألا في سبيل الله صوم عن الصبّا ... وقلب على عهد الحسان يفطّر «7»
10- تذكّرت أيام الوصال «8» فأشهب ... من الدّمع في ميدان خدّي وأحمر
11- إذا لم تفض عيني العقيق «9» فلا رأت ... منازله «10» بالوصل تبهى وتبهر
12- وإن لم تواصل غادة السفح «11» مقلتي ... فلا عادها عيش بمغناه «12» أخضر(19/435)
13- ليالي تجني «1» الحسن في أوجه الدّمى ... وتجني «1» على أجسامها حين تنظر
14- يؤثّر في خدّ المليحة لحظها ... وإن كان في ميثاقها «3» لا يؤثّر
15- رأيت الصّبا ممّا يكفّر «4» للفتى ... ذنوبا إذا كان المشيب يكفّر «4»
16- إذا حلّ مبيضّ المشيب بعارض «6» ... فما هو إلّا للمدامع ممطر
17- كأنّي لم أتبع صبا وصبابة ... خليع العدار «7» حيث ما همت أعذر
18- ولم أطرق «8» الحيّ الخصيب زمانه ... يقابلني زهر «9» لديك ومزهر «10»
260/أ
19- وغيداء «11» أمّا جفنها فمؤنث ... كليل «12» وأمّا لحظها فمذكّر
20- يروقك جمع الحسن «13» في لحظاتها ... على أنّه بالطّرف جمع مكسّر «14»
21- من الغيد تحتفّ «15» الظّبا لحجابها «16» ... ولكنّها كالبدر في الماء يظهر
22- يشفّ وراء «17» الحشر فيّة خدّها ... كما شفّ من دون الزّجاجة مسكر
23- ولا عيب فيها غير سحر جونها ... وأحبب بها سحّارة حين تسحر(19/436)
24- إذا جرّدت من بردها فهي عبلة «1» ... وإن جرّدت ألحاظها فهي عنتر
«2»
25- إذا خطرت في الرّوض طاب كلاهما ... فلم يدر من أزهى وأشهى وأعطر
26- خليليّ كم روض نزلت فناءه «3» ... وفيه ربيع للنزيل وجعفر
27- وفارقته والطّير صافر «4» به «5» ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر «6»
28- إلى أعين بالماء نضّاخة «7» الصّفا ... إذا سدّ فيها منخر «8» جاش «9» منخر
29- نداماي من خود «10» وراح وفتية «11» ... (ثلاث شخوص كاعبان ومعصر «12» )
30- قضيت لبانات الشّبيبة والهوى ... وطوّلت حتى آن «13» أنّي أقصر(19/437)
31- وربّ طموح «1» العزم أدماء «2» جسرة «3» ... يظلّ بها عزمي على البيد يجسر
32- طوت بذراعي وخدها «4» شقّة «5» الفلا ... ونجم الثريّا «6» في دجى اللّيل يشبر «7»
33- ومدّ جناحي ظلّها ألق الضّحى ... فشدّت كما شدّ «8» النّعام المنفّر «9»
34- بصمّ الحصى ترمي الحداة كأنّما ... تغار على محبوبها حين يذكر
35- إذا ما حروف العين خطّت بقفرة ... غدت موضع العنوان والعيش أسطر
36- فلله حرف «10» لا ترام كأنّها ... لو سك السّرى حرف «10» لدى البيد مضمر
37- تخطّت بنا روض الشام إلى حمى ... به روضة ريّا الجنان ومنبر
261/ب
38- إلى حرم الأمن المنيع جواره ... إذا ظلّت الأصوات بالرّوع تجأر «12»
39- إلى من هو التّبر الخلاص لناقد ... غداة الثّنا والصّفوة المتحيّر
40- نبيّ أتمّ الله صورة فخره ... وآدم في فخاره يتصوّر
41- نظيم العلا والأفق ما مدّ طرسه ... ولا فقر «13» الزّهر الكواكب ينثر(19/438)
42- ولا لعصا الجوزاء في الشّهب آية ... تجرّ «1» الدّجى من تحتها يتفجّر
43- نبيّ له مجد قديم وسؤدد ... صميم «2» وأخبار تجلّ ومخبر «3»
44- تحزّم «4» جبريل لخدمة وحيه ... وأقبل عيسى بالبشارة يجهر «5»
45- فمن ذا يضاهيه «6» وجبريل خادم ... لمقدمه الغالي وعيسى مبشّر
46- تهاوى لمأتاه «7» النّجوم كأنّما ... تشافه بالخدّ الثرى وتعفّر «8»
47- وينضب «9» طام «10» من بحيرة ساوة «11» ... ولم لا وقد وافت بكفيه أبحر
48- نبيّ له الحوضان هذا أصابع ... تفيض وهذا في القيامة كوثر «12»
49- وعن جاهه الناران هذي بفارس «13» ... تبوخ «14» وهذي في غد حين تحشر(19/439)
50- إذا ما تشفّعنا «1» به كفّ غيظها ... وقالت عبارات الصّراط لنا اعبروا
51- تنقّل نورا بين أصلاب «2» سادة ... فلله منه في سما «3» الفضل نيّر «4»
52- به أيّد الطّهر الخليلي «5» فانتحت «6» ... يداه على الأصنام «7» تغزو وتكسر
53- ومن أجله جيء الذّبيحان بالفدا ... وصين دم «8» بين الدّماء مطهّر
54- ولمّا أراد الله إظهار دينه ... بدا قمرا والشّرك «9» كاللّيل يكفر
55- فجلّى الدّجى واستوثق الدّين واضحا ... وقام بنصر الله داع مظفّر
56- مخوف «10» السّطا «11» بالرّعب ينصر والظّبا ... وداني الحيا في اليسر والعسر يهمر(19/440)
262/أ
57- عزائم من لا يختشي «1» يوم غزوه ... ردى وعطا من ليس للفقر يحذر
58- علا عن محاكاة «2» الغمام بفضله ... وكيف يحاكيه الخديم «3» المسخّر
59- تظلّله «4» وقت المسير وتارة ... يشير إليها بالبنان فتمطر
60- ألم تر أنّ القظر في الغيم فارس ... إذا برزت آلاؤه «5» يتقطّر «6»
61- هو البحر فيّاض الموارد للورى ... ولكنّه العذب الذي لا يكدّر
62- فمن لي بلفظ جوهريّ قصائد ... تنظّم حتّى يمدح «7» البحر جوهر
63- وهيهات أن تحصى بتقدير مادح ... مناقب في الذّكر الحكيم تقرّر «8»
64- إذا شعراء الذّكر قامت بمدحه ... فما قدر ما تنشي الأنام وتشعر «9»
65- نبيّ زكا «10» أصلا وفرعا وأقبلت ... إليه أصول في الثّرى تتجرّر
66- وخاطبه وحش المهامه «11» آنسا ... إليه وما عن ذلك الحسن ينفر «12»(19/441)
67- له راحة فيها على البأس والنّدى ... دلائل حقّ في الجهاد «1» تؤثّر
68- فبينا العصا فيها وريق «2» قضيبها ... إذا هو مشحوذ «3» الغرارين «4» أبتر «5»
69- كذا فلتكن في شكرها وصفاتها ... يد بين أوصاف البنين تشكر
70- سخت ومحت شكوى قتادة «6» فاغتدت ... بها العين تجري «7» أو بها العين تخبر
71- لعمري لقد سادت صفات محمّد ... كذاك النّجوم الزّاهرات تسيّر
72- أرى معجز الرّسل انطوي «8» بانطوائهم ... ومعجزه حتّى القيامة ينشر
73- كبير فخار الذّكر في الخلق كلّ ما ... تلا قارئ أو قيل الله أكبر
74- هو المرتقي السّبع الطّباق «9» إلى مدى ... لجبريل «10» عنه موقف متأخّر
75- هو الثّابت العليا على كلّ مرسل ... بحيث له في حضرة «11» القدس محضر(19/442)
263/ب
76- هو المصطفى والمقتفى «1» لا مناره ... يحطّ ولا أنواره تتكوّر «2»
77- إليك رسول الله مدّت مطالبي ... على أنّها أضحت على الغور «3» تقصر
78- خلقت شفيعا «4» للأنام مشفّعا ... فرجواك في الدّارين أجدى «5» وأجدر «6»
79- ولي حالتا دنيا وأخرى أراهما ... يمران بي في عيشة تتمرّد «7»
80- حياة ولكن بين ذلّ وغربة ... فلا العزّ يستحلى «8» ولا البين يفتر «9»
81- وعزم على الأخرى يهمّ «10» نهوضه ... ولكنّه بالذّنب كالظّهر موقر «11»
82- تصبّرت في هذا وذاك كأنّني ... من العجز والبؤسى «12» قتيل مصبّر
83- وها أنا قد بلّغت «13» عذري قاصدا ... وأيقنت أنّ النّجح لا يتعذّر(19/443)
84- عليك سلام الله في كلّ منزل ... تعبّر «1» عن سرّ الجنان وتعبر
85- وآلك والصّحب الذين عليهم ... تحلّ «2» حبى «3» مدح ويعقد خنصر
86- بجاهك عند الله أقبلت لائذا «4» ... فكثّرت حاجاتي وجاهك «5» أكثر
87- ونظّمت شعري فيك تزهى قصيدة ... على كلّ ذي «6» بيت من الشّعر يعمر «7»
88- معظّمة المعنى تكرّر «8» لفظها ... فيحلو نباتيّ «9» الكلام المكرّر
89- دنت عن صفات الفضل منك وإنّها ... لتفضل ما قالته طيّ وبحتر «10»
90- وما ضرّها إذ كان نشر نسيمها ... رخاء «11» إذا ما لم يكن فيه صرصر «12»
- 674- «13» وقوله: (كامل)
- 674-(19/444)
1- حمت الخدود بناظر فتّان ... أو ما سمعت شقائق النّعمان «1»
2- وتبسّمت من لؤلؤ متمتع «2» ... تبكي العيون عليه بالمرجان
3- غيداء أستجلي البدور لوجهها ... إذ ليس خظّي منه غير عيان
264/أ
4- تركيّة للقان «3» ينسب خدّها ... وا صبوتي منها بخد قان
5- خدّ يريك تنعّما بتلهّب «4» ... يا من رأى الجنّات في النّيران
6- ومحاسن تزهى «5» وتخلف عهدها ... وكذا يكون الرّوض ذا ألوان
7- كالجنّة الزّهراء إلّا أنّ لي ... من أدمعي فيها حميما «6» آن «7»
8- ترنو لواحظها على عشّاقها «8» ... فتصول بالأسياف في الأجفان(19/445)
9- ويهزّ حلو قوامها مرح «1» الصّبا ... هزّ الكماة عوالي «2» المرّان
10- إن صدّها عنّي المشيب فطالما ... عطفت شمائلها بما أرضاني
11- وبلغت مالا سوّلته «3» شبيبتي ... وفعلت مالا ظنّه شيطاني
12- وجنيت من ثمر الذّنوب تعمّدا ... لّما رأيت العفو حظّ الجاني
13- وحلبت هذا الدّهر أشطر «4» عيشه ... فوجدت زبدتها متاعا «5» فاني «6»
14- ملك ترنحت «7» المنابر باسمه ... حتى ادّكرن معاهد الأغصان
15- بادي الوقار إذا احتبى وحبا النّدى ... أبصرت سير السّيل من ثهلان «8»
16- قامت بسؤدده مآثر بيته ... وعلى العماد إقامة البنيان
17- قسما بمن أعلى وأعلن مجده ... وأفاض أنعمه بكلّ مكان
18- ما حاد عني «9» الفقر حتى صحت في ... مدحي أنا بالله والسلطان(19/446)
19- فوجدت للنّعماء «1» ملء مآربي «2» ... ووجدت للأوصاف ملء لساني
20- ومدحت من نشرت مدائح مجده ... ذكري فلو لم يعطني لكفاني
21- ملكا أبرّ «3» على الأولى متأخرا ... عنهم كبسم الله والعنوان «4»
22- تعب الأنامل «5» لا يغبّ نواله ... إنّ العلى والمجد للتعبان «6»
265/ب
23- أعطى وقد منع الغمام وأرشدت ... آراؤه والنّجم كالحيران
24- واعتادت الهيجاء منه غضنفرا «7» ... سار من اليزنىّ في خفّان «8»
25- تتآلف «9» العقبان «10» فوق رماحه ... إلف الحمام على فروع البان
26- ويصحّ علم الكيمياء لبيضه «11» ... فترى اللّجين يعود كالعقيان(19/447)
27- ويقول فيض فعاله ومقاله ... مرج «1» التّقى بحرين يلتقيان
28- يا مشتري «2» بلغ الثّناء بماله ... هنّئت مرتبة على كيوان
29- صانت يداك عن الأنام وسائلي ... وثنى حماك عن البلاد عناني
30- فمحوت إلّا عن ثناك خواطري ... ونفضت إلّا من نداك «3» بناني
31- وتركت مدح العالمين وذمّهم ... وشغلت من هذا «4» النّدى في شاني «5»
32- وأقمت متّصل الرّجاء بواحد ... لم يختلف في الفضل منه اثنان
33- متسلسل الكلمات في أوصافه ... متقيّدا بصنائع الإحسان
34- لا يعدم الدّهر الأخير بدائعا ... تنثال «6» بين سماحة «7» وبيان
35- أمتار بالمكيال «8» فضل هباته ... وأبيحه الأقداح بالأوزان(19/448)
- 675- وقوله: (بسيط)
1- أهلا بطيف على الجرعاء «1» مختلس «2» ... والفجر في سحر كالثّغر في لعس «3»
- 675-(19/449)
2- والنجم في الأفق الغربيّ منحدر ... كشعلة سقطت من كفّ مقتبس «1»
3- يا حبّذا زمن الجرعاء من زمن ... كلّ اللّيالي فيه ليلة العرس
4- وحبّذا العيش مع هيفاء لو ظهرت ... للبدر لم يزه أو للغصن لم يمس
5- خود لها مثل ما في الظّبى من ملح «2» ... وليس للظّبي ما فيها من الأنس «3»
266/أ
6- محروسة بشعاع البيض ملتمعا ... ونور ذاك المحيّا آية «4» الحرس
7- يسعى ورا لحظها قلبي ومن عجب ... سعي الطّريدة في آثار مفترس
8- ليت العذول على مرأى محاسنها ... لو كان ثنّى عمى عينيه بالخرس «5»
9- إنّي وإن طويت في القلب غلته «6» ... لمحوج العيس «7» طيّ الضّوء والغلس «8»
10- سفينة ليس تجري بي إلى بخل «9» ... (إنّ السّفينة لا تجري على اليبس)
11- تؤم «10» باب ابن أيّوب «11» إذا اعتكرت «12» ... سود الخطوب كما يؤتمّ بالقبس(19/450)
12- المانح الرّفد أفنانا «1» مهدّلة «2» ... فما يردّ جناها كفّ ملتمس
13- والرّافع البخل في الدّنيا وساكنها ... بجود كفّيه رفع الماء للبجس «3»
14- محا المؤيّد بؤس المقترين «4» فما ... تكاد تظفر جدواه بمبتئس
15- واستأنس النّاس جدوى ملكه فرووا ... عن مالك «5» خبر العليا وعن أنس «6»
16- ملك يقاس «7» حجاريه بسؤدده ... إذا يقايس عير الدّار «8» بالفرس
17- وينتهى لضحى بشر مؤمّله ... إذا انتهى من بني الدّنيا إلى عبس
18- مظفّر الجدّ مشّاء على جدد «9» ... من حمله «10» اللّدن أو من حربه الشّرس(19/451)
19- يخفي اللها «1» ودنانير الصّلات بها ... تكاد تضرب للأسماع بالجرس
20- وينشر العلم لا قول بمختلف ... إذا رواه «2» ولا معنى بملتبس «3»
21- ويشبع الأمر آراء مسدّدة «4» ... تمضي وتدفع صدر الحادث الشّكس «5»
22- تكون كالعضب «6» أحيانا وآونة ... تكون من وقعات العضب كالترّس «7»
23- لو باشر الأفق يوما يمن «8» طلعته ... لما سمعت بنجم ثمّ «9» منتحس «10»
24- ولو تولّت حزون «11» الأرض راحته ... لم يبق في الأرض صلد «12» غير منبجس
267/ب
25- من مبلغ قومي الزّاكي «13» نجارهم «14» ... أنّي اعتزيت إلى جمّ «15» العلى ندس «16»
26- مجدّدا لي في أمداحه نسبا ... أبرّ من نسب في التّرب مندرس «17»
27- ما زلت أخبر ممدوحا وأهجره ... حتى اعتلقت «18» بحبل محصد «19» المرس «20»
28- وطاهر الخيم «21» لا تخلى «22» خلائقه ... على الملال ولا تطوى على الدّنس(19/452)
29- ما شمت بارق جدواه فأخلفني ... ولا عهدت إلى معروفه فنسي
30- تلك العلى لابن حمدان «1» على حلب ... ولابن عمّار شأو فى طرابلس «2»
31- ما ضرّني إن تولوا وهو مرتقب ... وخاس «3» عهد الغوادى «4» وهو لم يخس
32- يا بن الملوك الأولى خذها عروس ثنا ... مصرّية المنتمى غربيّة النّفس
33- الله أكبر صاغ الحقّ مادحكم ... كأنّه ناطق من حضرة «5» القدس
- 676- وقوله: (خفيف)
1- قام يرنو «6» بمقلة كحلاء ... علّمتني الجنون بالسّوداء «7»
- 676-(19/453)
2- رشأ دبّ في سوالفه «1» النّم ... ل فحارت خواطر «2» الشّعراء
3- عذلوني على هواه فأغروا ... فهواه نصب «3» على الإغراء
4- من معيني على لواعج «4» حبّ ... تتلظّى من أدمعي بالماء
5- وحبيب «5» لديّ يفعل بالقل ... ب فعال الأعداء بالأعداء
6- يتثنّى كقامة الغصن اللّد ... ن ويعطو كالظّبية الأدماء «6»
7- يا شبيبة الغصون رفقا بصبّ ... نائح في الهوى مع الورقاء
8- يذكر العهد بالعقيق فيبكي ... لهواه بدمعة حمراء
9- يا لها دمعة على الخدّ حمرا «7» ... ء بدت من سوداء في حمراء
268/أ
10- فكأني حملت رنك «8» ابن أيّو ... ب «9» على وجنتي لفرط ولائي(19/454)
11- ملك حافظ المناقب تروي ... راحتاه عن واصل وعطاء «1»
12- في معاليه للمديح اجتماع ... كأبي جاد «2» في اجتماع الهجاء
13- خلّ كعبا «3» ورم نداه فما كع ... ب العطايا ورأسها بالسّواء
14- وارج وعد المنى لديه فإسما ... عيل «4» ما زال معدنا «5» للوفاء
15- ما لكفّيه في الثّراء هدوّ ... فهو فيه كسابح في ماء
16- جمّعت في فنائه الخيل والإب ... ل وفودا أكرم به من وفاء «6»(19/455)
17- لو سكتنا عن مدحه مدحته ... بصهيل من حوله ورغاء «1»
18- همّة حازت السّماك فلم يع ... بأ مداها بالحاسد العوّاء»
19- وندى يخجل السّحاب فيمشي ... من ورا جوده على استحياء
20- طال بيت الفخار منه على الشّع ... ر فماذا يقول بيت الثّناء
21- شرف في تواضع ونوال ... في اعتذار وهيبة في حياء
22- يا مليكا علا على الشّمس حتّى ... عمّ إحسانه عموم الضّياء
23- صنت لفظي عن الأنام وكفّي ... فحرام نداهم وثنائي «3»
24- وسقتني مياه جودك سقيا ... رفعتني على ابن ماء السّماء «4»
25- فابق عالي المحلّ داني العطايا ... قاهر اليأس طاهر الأنباء «5»
26- يتمنّى حسودك «6» العيش حتّى ... أتمنّى له امتداد البقاء(19/456)
- 677- «1» وقوله: (طويل)
1- تصرّمت «2» الأيّام دون وصالك ... فمن شافعي في الحبّ يا ابنة مالك
269/ب
2- وكان «3» الكرى يدني خيالك وانقضى ... فلا منك تنويل «4» ولا من خيالك
3- رويدك «5» قد أوثقت بالهمّ مهجتي ... عليك فماذا يبتغى بملالك
4- أفي كلّ يوم لي إليك مطالب ... ولكنّها محفوفة بمطالك «6»
5- وغيران «7» قد مدّ الحجاب من الظّبا ... وقد كان يكفيه حجاب دلالك
6- فتنت بخال فوق خدّك صانه ... أبوك فويلي من أبيك وخالك
7- وعاينت منك الشّمس بعدا وبهجة ... فيا عجبا من وابق «8» بحبالك
- 677-(19/457)
8- هجرت وما فاز المحبّ بزورة ... فديتك زوري واهجري بعد ذلك
9- لي الله طرفا «1» كلّ ما جرّ طرفه ... إلى الحسن ألقى عروة المتماسك «2»
10- تأبط شرّا «3» من أذى الوجد وانثنى ... (كثير الهوى شتى النّوى والمسالك)
11- قفي تنطريه في لظى البيد تابعا ... سراك وإلا في رماد ديارك
12- سقى الله أكناف الدّيار هوامعا ... تبيت بها الأزهار غرّ ضواحك «4»
13- كأنّ يد الملك «5» المؤيد جادها ... فأسفر نوّار «6» الرّبا عن سبائك «7»
14- مليك إلى مغناه تستبق المنى ... مسابقة الحجّاج نحو المسالك «8»(19/458)
15- له شيم تحصي المدائح وصفها ... إذا أحصيت زهر النّجوم الشّوابك «1»
16- وفي الأرض أخبار له ومآثر ... تسير سرى الأسمار «2» بين الملائك
17- حمى الأرض من آرائه وسيوفه ... بكلّ مضيء في دجى اللّيل فاتك
18- وسكّنها «3» حتّى لو اختار لم تمس ... غصون النّقا تحت الرّياح السّواهك «4»
19- مهيب السّطا هامي العطا سامق العلى «5» ... جليّ الحلا كشّاف ليل المعارك
20- تولّى فيا عجز الأكاسرة «6» الأولى ... وجاد فقلنا يا حياء البرمك «7»
21- وشاركه العافون في ذات ماله ... وليس له في مجده من مشارك
22- كريم يجيل «8» الرأي فعلا ومنطقا ... فلا يرتضي غير الدّراري «9» السّوامك «10»(19/459)
23- كعوب القنا عجبا براحته التي ... يروّي نداها مشرعات «1» طوالك
24- إذا هزّ منها الملك «2» كعبا مثقّفا ... فيالك من كعب عليه مبارك
25- وإن جرّ فى صون «3» الثغور رؤوسها ... جلت قلح الأعدا جلاء المساوك
26- ولله من أقلام علم بكفّه ... سوالب ألباب الرّجال سوالك «4»
27- كأنّ معانيها كواعب تتكي «5» ... على حبك الأدراج «6» فوق أرائك
28- كأنّ بياض الطّرس بين سطورها ... أياديه في طيّ السّنين الحوالك
29- أمسدي «7» الأيادي البيض دعوة ظافر ... لديك على رغم الزّمان المماحك «8»
30- عطفت على حالي بنظرة ساتر «9» ... وقد مدّ فيها الدّهر راحة هاتك
31- فدونك من مدحي اجتهاد مقصر ... تداركت من أحواله شلو «10» هالك
32- تملّكه الهمّ المبرّح «11» برهة ... إلى أن محار رضوان «12» سطوة «13» مالك(19/460)
- 678- وقوله: (بسيط)
1- نفس عن الحبّ ما أعفت «1» وما غفلت ... بأيّ ذنب وقاك الله قد قتلت
2- وعين صبّ إلى مرآك قد لمحت ... كفى من الدّمع والتّسهيد «2» ما حملت
3- دعها وقد مدمعها الجاري فقد لقيت ... ما قدّمت «3» من أذى قلبي وما عملت
4- أفديك من ناشط الأجفان في تلفي ... والسّحر يوهم طرفي أنّها كسلت
5- وأوضح «4» الحسن لو شاءت ذوائبه ... في الأفق وصل دجى الظّلماء لاتصلت
6- معسّل «5» بنعاس في لواحظه ... أما تراها إلى كلّ القلوب حلت «6»
271/ب
7- من لي بألحاظ ظبى تدّعى كسلا ... وكم ثياب ضنى حاكت وكم غزلت
8- وسمرة فوق خدّيه ومرشفه «7» ... هذي روّت مجانيها وذي ذبلت
9- أما كفاني تكحيل الجفون أسى ... حتّى المراشف أيضا باللّمى كحلت
10- لو ذقت برد رضاب تحت مبسمها ... يا حار «8» ما لمت أغصاني التي ذبلت
- 678-(19/461)
11- أستودع الله أعطافا شوت «1» كبدي ... وكلّما رمت تجديد الوصال قلت «2»
12- ومهجة لي كم ألقت بمسمعها ... إلى الملام فلا والله ما قبلت
13- كأنّ عيني إذا رفضّت «3» مدامعها ... عن المؤيد أو صوب «4» الحيا نقلت
14- ملك له في الوغى والسّلم بسط يد ... مأثورة الفضل إن صالت «5» وإن وصلت «6»
15- تعطى الألوف إذا جادت لمطّلب ... ومثل أعدادها تردي إذا قتلت
16- في كلّ نهج «7» وموماة «8» ركاب سرى ... لولا ابن أيّوب ما شدّت ولا رحلت
17- إن تغش أبواب مغناه التي فتحت ... وطال ما بالعطايا «9» والنّدى قفلت
18- سل عن عطاياه تسأل كلّ وافدة «10» ... من المدائح فازت قبل ما سألت
19- فضل أبرّ فوّفى الحمد غايته ... وراحة فعلت كلّ النّدى فعلت
20- وسيرة عدلت «11» في الخلق قاطبة ... مع أنّها عن سبيل الحقّ ما عدلت «11»(19/462)
21- هذي السّيادة تعلو كلّما اتّضعت «1» ... وأنمل الفضل تهمي كلّما عذلت
22- أنّى يقايس بالأنواء نائله ... وهي التي باحمرار البرق قد خجلت
23- جادت يداه بلا منّ ينغّصها ... والمنّ قد يصحب الأنواء «2» إن نزلت
24- وزاد بالجود ما شادت أوائله ... وتلك قد تهدم «3» البنيان «4» إن هطلت
25- لا شيء «5» أليق من مرأى أنامله ... إذا تأمّلت أمريها التي كفلت «6»
272/أ
26- تخطّ بالرّمح في الأجساد صائلة ... وتطعن «7» العسر «8» بالأقلام إن بذلت
27- لو قيل إنّ شموس الصّحو خافية ... ما قال عنها عدوّ إنّها بخلت
28- يمّمه والسّحب عقم واخش سطوته ... والخيل من سلب «9» الهيجاء «10» قد نسلت «11»(19/463)
29- ذاك الكريم الذي يجدي مدائحنا ... وكان يكفي من الجدوى إذا قبلت «1»
30- من مبلغ الأهل أنّي ضيف أنعمه ... وأنّ كفيّ على الآمال قد حصلت
31- عزيمة السّعي ما خابت وسائلها ... وآية المنطق السّحّار ما بطلت
32- بسل على النّاس «2» أمداحي التي اشتهرت ... فإنّها في معاني مجده، اشتغلت
33- أما ووصف ابن شاد قد سما وعلا ... والله لا قصّرت «3» عيني ولا سفلت
34- لا نسأل الله إلا أن تدوم لنا ... لا أن تزاد معاليه «4» فقد كملت
- 679- «5» وقوله: (كامل)
1- عوّذت «6» شعرك بالظّلام وما وسق «7» ... وسناك بالقمر المنير إذا اتّسق «8»
2- آها لها من طلعة في طرّة ... لاحت فلا لاح الصّباح ولا الغسق
3- وهلال تمّ طالع في سعده ... لكنّ نجم حشاي فيه قد «9» احترق
- 679-(19/464)
4- رشأ وجدت العذل فيه باطلا ... لمّا وجدت بمقلتيه السّحر حق
5- زعم المشنّع «1» أنّني واصلته ... ليت المشنّع عن تواصلنا صدق
6- بأبي الذي أجريت أحمر أدمعي ... في حبّه فإذا ابتغى أمدا سبق
7- ما للجوانح «2» والبكاء تطابقا ... هذي مقيّدة وذاك قد انطلق
8- قم يا غلام وهاتها في حبّه ... صفراء مشرقة كما وضح الشّفق
9- هذي الحمائم في منابر أيكها ... تملي الغنا «3» والطّلّ يكتب في الورق
273/ب
10- والقضب تخفق «4» للسّلام رؤوسها ... والزّهر يرفع زائريه على الحدق
11- فعسى تجدّد لي زمان تواصل ... قد كان في اللّذّات معنى مسترق «5»
12- لا تسمعنّ بأنّ قلبي قد سلا ... ذاك الزّمان فذاك قول مختلق «6»
13- تتخالف الأخبار لكنّ النّدى ... خبر عن الملك المؤيّد «7» متّفق
14- ملك خزائن ماله وعداته ... تشكو «8» التّفرّق كلّ يوم والفرق «9»
15- البحر في كفيّه أو في صدره ... فانهل وإن ناويته «10» فاخش الغرق(19/465)
16- ذاك الذي بالناس يفدى مشخصه ... ويعاذ في ظلم الحوادث بالفلق «1»
17- للسّيف في يمنى يديه «2» جدول ... فلذا يفيض على جوانبه العلق «3»
18- وبكفّه القلم الذي لا يشتكي ... فتق «4» الأمور لفضله إلّا رتق «5»
19- تجري البحار ولو رمى بجرابه «6» ... لانشقّ ذاك البحر غيظا «7» وانفلق «8»
20- فيه مآرب للعلوم وللندّى ... إن «9» فاض راق وإن أفاض «10» القول رق
21- كالغصن يستحلى «11» سنا أزهاره ... ويجود بالثّمر الجنيّ وينتشق «12»
22- فاز امرؤ ألقى يمين رجائه ... لمقام إسماعيل «13» يوما واعتلق «14»
23- المرتجى «15» والأفق محجوب الحيا ... والملتجا والدّهر مرهوب الحنق
24- لله كم خضعت لعليا مجده ... رأس وكانت ذات صويل لم تطق «16»
25- سارت سيادته وأمعن «17» شوطها ... فغدت على الأعناق واصلة العنق «18»(19/466)
26- وأراد أن يجري إلى غاياته ... صوب الحيا فلذاك ألجمه «1» العرق
27- النّصر والدّنيا الخصيبة والهدى ... إن صال أو بذل الصّنائع أو نطق
28- لاقيته فشفى رجاي وعانقت ... كفاي من جدواه أطيب معتنق
274/أ
29- وروائح المعروف لا تخفى على ... حال فشمّوا من أناملي العبق «2»
30- يا أيّها الملك المؤيّد دعوة ... تذر العداة بغيظها تشكو الحرق
31- واصلت «3» قصدي باللها وقطعت ما ... بيني وبين بني الزّمان من العلق «4»
32- فلأشكرنّ جميل ما أوليتني ... شكر الرّياض الزّهر للماء الغدق «5»
33- بمدائح أهّلني لنظامها ... فغدت محرّرة وعنقي مسترق «6»
34- درر خدمت بها علاك «7» وإنّما ... عطفت «8» على درر العلى عطف النّسق(19/467)
- 680- «1» وقوله: (بسيط)
1- لام العذار أطالت فيك تسهيدي ... كأنّها لغرامي لام توكيد «2»
2- وخلف وعدك خلق منك أعرفه ... فليت كان التّجافي «3» منك موعودي
3- يا من أفنّد في وجدي عليه فما ... أبقى «4» الأسى فيّ ما يصغى لتفنيد
4- عاب العدا منك أصداغا مجعّدة ... عيب المقصّر عن نيل العناقيد
5- وعقد بند «5» على خصر رجعت به ... ذا ناظر بنجوم اللّيل معقود
6- كأنّه تحت وجدان» القبا «7» عدم ... وا حيرتي بين معدوم وموجود
7- ردّ الجفاء سؤالي فيك أجمعه ... فما لسائل دمعي غير مردود
8- لقد خضعت إلى وجدي كما خضعت ... إلى المؤيّد أعناق الصّناديد «8»
- 680-(19/468)
9- داعي «1» المقاصد في علم وفي كرم ... إلى اللّقاء «1» مليّ الفضل مقصود
10- تسري سفين الأماني نحو منزله ... فتستوي من أياديه على الجودي «3»
11- ذاك الذي أسعدت أعمارنا يده ... فما نفكّر في حكم المواليد «4»
12- ملك إذا تليت أوصاف سؤدده ... ألقى السّراة «5» إليه بالمقاليد «6»
275/ب
13- ذو العلم قلّد طلّاب الهدى مننا ... حتى وصفناه في علم «7» وتقليد «8»
14- والجود راش «9» ذوي الجدوى وطرّقهم ... فما يزالون في سجع وتغريد
15- والجيش قد ألفت بالنّسر رايته ... تآلف الطّرف في مغزاه «10» بالسّيد
16- يبدو وقد سخّر الله العباد له ... والطير «11» والوحش في الآفاق والبيد
17- حتّى يقول مواليه وحاسده ... هذا ابن أيّوب أم هذا ابن داود «12»(19/469)
18- لأشكر المدح «1» الحسنى وقد قرنت ... بشاهد من معاليه ومشهود
19- أغنى العباد فلولا ناهيات «2» تقى «3» ... أستغفر الله سموه بمعبود
20- وواصل الحرب حتى كلّ معركة ... كأنّها بيت معنى ذات ترديد «4»
21- يهدي الرّماح قدودا ذات منعطف «5» ... والمرهفات خدودا ذات توريد
22- إذا انتشى من دم الأرواح «6» صارمه ... رمى العدى بشديد السّطو عربيد «7»
23- وإن أفاض حديثا أو نوال يد ... وردت من حالتيه خير مورود «8»
24- جواهرا لا يحدّ الوصف غايتها ... فاعجب لجوهر شيء غير محدود
25- وأنعما دأبها إسداء «9» بكر «10» يد ... لكنهنّ أياد ذات توليد «11»
26- لو أنّ للبحر جدواه أفاض «12» على ... وجه الثّرى بنفيس «13» العقد منضود «14»
27- ولو أمرّ على جلد «15» الصّفا يده ... لأنبت العشب عنها كلّ جلمود(19/470)
28- يا حبّذا الملك السّارى على شيم ... يروي وينقل عن آبائه «1» الصّيد
29- أدنيت من نار فكري عود نبعته «2» ... عند الثّناء ففاحت نفحة العود
30- نعم العماد لراج مدّ رغبته ... فمدّ نحو لقاها طرف معمود «3»
31- يمّمت في حال مرحوم منازله ... ثمّ انثنيت وحالي حال محسود
276/أ
32- ورحت أنقل عن أيّوب أنعمه ... نحو الصّلات فمن عطف وتوكيد «4»
33- إن شئت تنظر في زهر الرّبى مطرا ... فانظر نوال يديه في أناشيدي
34- وإن أردت عيانا أو محادثة ... فاهرع «5» إلى سندي «6» واسمع أسانيدي
35- يا من تحلّيت عن ألفاظه وندى ... كفّيه حلية فضل ذات تجديد
36- إن كان لفظك شبه القرط «7» في أذني ... فإنّ جدواك مثل العقد في جيدي
- 681- «8» وقوله: (كامل)
1- بالغت في شجني «9» وفي تعذيبي ... ومع الأذى أفديك من محبوب
- 681-(19/471)
2- يا قاسيا هلا تعلّم قلبه ... لين الصّبا من جسمه المشروب «1»
3- آها لورد فوق خدّك أحمر ... لو أنّ ذاك الورد كان نصيبي
4- ولواحظ ترث الملاحة في الظّبا ... إرث السّماحة في بني أيّوب
5- بعثت بنو أيّوب «2» أموات الرّجا ... وأتت بحارهم بكلّ عجيب
6- وبملكهم رفع الهدى أعلامه ... وحمى سرادق بيته المنصوب
7- وإلى عمادهم انتهت علياؤهم ... وإلى العلاء قد انتهت لنجيب
8- ملكت «3» بأدنى سطوه ونواله ... أنسى ندى هرم «4» وبأس شبيب
9- الجود ملء أنامل والعلم مل ... ء مسامع والعزّ ملء قلوب
10- ألفت بأنبوب البراعة والقنا ... يمناه يوم ندى ويوم حروب(19/472)
11- فإذا نظرت «1» وجدت أرزاق الورى ... ودم العداة تفيض «2» من أنبوب
12- كم مدحة لي صغتها وأثابها ... فزهت على التّفضيض والتّذهيب
13- وتعوّدت في كلّ مصر عنده ... مرعى يقابل جدبها بخصيب «3»
277/ب
14- يا ربّ بشر منه طائي النّدى «4» ... لاقى مدائحنا لقاء حبيب «5»
- 682- «6» وقوله: (طويل)
1- ألا من لمسلوب الفؤاد رهينه ... معنّى بمحجوب الوداد ضنينه
2- تجلّده شكّ إذا لام «7» لائم ... ولكنّ «8» ذاك الوجد عقد «9» يقينه «10»
3- وفي قلبه داء دفين من الأسى ... فلا غرو «11» أن نبكي «12» لأجل دفينه «13»
- 682-(19/473)
4- وظبي له في أسرة التّرك نسبة ... وفي الهند معنى من مضاء جفونه
5- من الطّالبي «1» كتم الغرام صببانة «2» ... وأحسن بمكتوم الغرام مصونه
6- كتمت الهوى في عشقه متفلسفا «3» ... فأصبح عشقي قائلا بكمونه «4»
7- وعاينت في خده خطّ عذاره ... فأقسمت في صحف الجمال بنونه
8- يحنّ له قلبي فلله من رأى ... حمى يتبع الغادين رجع حنينه «5»
9- برغمي طرف غاب عنه عريزه ... فعوّده ماء «6» البكا بمهينه
10- روى «7» بمعين الدّمع طرفي فأسمعوا ... حديث جوى قلبي من ابن معينه
11- وإنّي لجلد في ممارسة «8» الهوى ... مدلّ «9» بمهديّ الولاء أمينه
12- يقوم بنصري في الصّبابة عون من ... أقام ابن أيّوب عمادا لدينه
13- ملك تولى الفضل بعد ضياعه ... وهذّب هذا الدهر بعد جنونه «10»
14- ومدّ يمينا يعذر البحر والحيا ... إذا حلفا يوم النّدى بيمينه
15- أخو صدقات يقدر المدح قدره ... فما يشترى «11» في المدح غير ثمينه(19/474)
16- وما ذاك «1» حاج للثّناء وإنّما ... سجيّة فيّاض الغمام هتونه «2»
17- شج «3» في العلا «4» والعلم والبأس والندى ... فلله ما أحلى حديث شجونه
278/أ
18- له منزل تهوي المقاصد نحوه ... هويّ حمام الأيك نحو وكونه «5»
19- إذا طلب الملك المؤيّد معسر «6» ... أتى بشره «7» في وجهه كضمينه
20- عجبت لبشر ضامن الوجه إذ غدا ... يطالبه عافي النّدى بديونه
21- وأروع «8» يهتزّ الزّمان لأمره ... وما الطّود أرسى جانبا من سكونه
22- كثير السّرى ما بين مشتجر القنا «9» ... فيالك ليثا سائرا في عرينه
23- يلاقي العدا يوم الوغى متبسما ... كأنّك قد لا قيته بخدينه «10»
24- وتلهيه في الهيجاء رنّة قوسه ... إذا وتر «11» ألهى امرأ برنينه(19/475)
25- ولو شاء أغناه عن الجيش ذكره ... وربّ حسام هازم بطنينه
26- أيا ملجأ «1» أغنى عن الغيث جوده ... وأغنته حو مات «2» الوغى عن حصونه
27- بك ارتدّ مشكوّ الزّمان عن الأذى ... وأطلق أبناء المنى من سجونه
28- وقد كان ذا همز «3» يحاذر فانتهى ... إلى مدّة بعد الإباء ولينه
29- وكم لك عندي من ندى يفضل الثّنا ... ويحلف أنّ الشّعر غير قرينه
30- إذا قلت قد قابلته بقصيدة ... بدا غيره مستظهرا بكمينه «4»
31- فدونك جهدا «5» من قريحة مادح ... يقابل أبكار الصّلات «6» بعونه
32- رأى أنّك البحر الذي طاب ورده ... فجاءك من نظم القريض بنونه «7»
- 683- «8» وقوله: (كامل)
1- لولا معاني السّحر من لحظاتها ... ما طال تردادي إلى أبياتها
2- ولما وقفت على الدّيار مناديا ... قلبي المتيّم من ورا حجراتها
3- دار عرفت الوجد منذ أتيتها ... زمن الوصال فليتني لم آتها
- 683-(19/476)
279/ب
4- حيث الظّبا «1» وكواعب وحدائق ... أنّى التفت وقعت في جنباتها «2»
5- والرّاح هادية السّرور إلى الحشا ... مثل الكواكب في أكفّ سقاتها
6- لا تظلم «3» الأحزان في آيامها ... أو ما ترى كسرى على كاساتها
7- كم ليلة عاطيت «4» صورته طلا ... كادت تحرّك معطفيه بذاتها
8- فلئن بكيت فإنّ هذا الدّمع من ... ذاك الحباب يفيض من جنباتها
9- مالي ومال اللهو «5» بعد مفارق ... قد نفّرت «6» غربانها ببزاتها
10- والشيب فى فودي يخطّ أهلّة ... معنى المنون يلوح في نوناتها «7»
11- سقيا لروضات الشّباب وإن جنت ... هذى القلوب «8» على قلوب جناتها
12- ولدولة الملك المؤيّد إنّها ... جمعت فنون المدح بعد شتاتها
13- ملك ليمناه عوائد أنعم ... ألفت نحاة «9» الجود فيض صلاتها
14- ما قال إلّا في مبادرة العطا ... وتناول الأمداح هاك وهاتها «10»(19/477)
15- أكرم بساحته التي لا صدح «1» من ... ورق الثّنا إلّا على روضاتها
16- غذّى الرّجاء نباتها فانظر لها ... وشّاه من مدح فم ابن نباتها «2»
17- واهرع إلى الشخص الذي قد ألّفت ... كلّ القلوب له على رغباتها «3»
18- وإذا حلى الملك المؤيّد أشرقت ... فاخشع لما تمليه من آياتها
19- شرف يحار النجم دون مناله «4» ... ولها يضيع الغيث في قطراتها
20- لم يكف إن جلّى الخطوب عن الورى ... حتى جلا بعلومه «5» جهلاتها
21- لله فيه سريرة «6» مكنونة ... فصفاتها الإعياء «7» دون «8» صفاتها
22- لا تطلبنّ من القرائح حصر ما ... أفضي إليه وعدّ «9» عن إعناتها «10»
280/أ
23- ركعت لذكراه الحروف فلم تكد ... تتبيّن الألفاظ «11» من دالاتها(19/478)
24- وتقشعت «1» أنواء كلّ غمامة ... وهباته تجري على عاداتها
25- يا ابن المملوك الناشرين لبيتهم ... سيرا تبيّض من وجوه رواتها
26- متّ القصير «2» إلى يديك بمنّة ... إذ كان صنع الجود من لذّاتها
27- وصبت إلى لقياك غير ملومة ... نفس رأت جدواك أصل حياتها
28- لا تعتب «3» الأيّام كيف تقلّبت ... بالقاطنين وأنت من حسناتها
- 684- «4» وقوله: (بسيط)
1- لثمت ثغر عذولي حين سمّاك ... فلذّ حتى كأني لاثم فاك
2- حبا لذكراك في سمعي وفي خلدي «5» ... هذا وإن جرحت في القلب ذكراك
3- تيهي وصدّي إذا ما شئت واحتكمي ... على النفوس فإنّ الحسن ولاك
4- وطوّلي من عذابي «6» في هواك عسى ... يطول في الحشر إيقافي وإيّاك
5- في فيك خمر وفي عطف الصّباميد ... فما تثنّيك إلا من ثناياك
6- وما بليت «7» لكوني فيك ذا تلف ... إلّا لكون سعير القلب مأواك
- 684-(19/479)
7- يا أدمعا لي قد أنفقتها سرفا ... ما كان عن ذا الوفا والبرّ أغناك
8- ويا مديرة صدغيها كقبلتها «1» ... لقد غدت أوجه العشّاق ترضاك
9- مهما سلونا فلا نسلو ليالينا ... وما نسينا فلا والله ينساك «2»
10- نكاد نلقاك بالذكرى إذا خطرت ... كأنّما اسمك يا سعدى «3» مسمّاك
11- ونشتكي الطير نعّابا «4» بفرقتنا ... وما طيور النّدى إلّا مطاياك
12- لقد عرفناك «5» أياما وداومنا ... شجو فيا ليت أنّا لا عرفناك
281/ب
13- نرعى عهودك في حلّ ومرتحل «6» ... رعي ابن أيّوب حال اللّائذ «7» الشاكي
14- العالم الملك السيّار سؤدده ... في الأرض سير الدّراري بين أفلاك
15- ذاك الذي قالت العليا لأنعمه ... لا أصغر الله في الأحوال ممساك
16- له أحاديث تغني كلّ مجدبة ... عن الحيا وتجلّي كلّ أحلاك «8»
17- ما بين خيط الدّجى «9» والبدر واضحة ... كأنّها درر من بين أسلاك
18- كافاك يا دولة الملك المؤيّد عن ... برّ البرّية من للفضل أعطاك(19/480)
19- لك الفتوّة «1» والفتوى محرّرة ... لله ماذا على الحالين أفتاك
20- أحييت ما مات من علم ومن كرم ... فزادك الله من فضل وحيّاك
21-ماذا يجمّع «2» ما جمّعت من شرف ... في الخافقين ومن يسعى كمسعاك
22- أنسى المؤيّد أخبار الأولى سلفوا «3» ... في الملك ما بين فتّاك وفتّاك «4»
23- ذى الرأي يشكو «5» السلاح الجمّ حدّته ... لذاك يسمى السّلاح الجمّ بالشّاكي
24- والمكرمات التي افترّت مباسمها ... والغيث بالرّعد يبدي شهقة الباكي
25- قل للبدور استجني «6» في الغمام فقد ... محاسنا ابن عليّ «7» حسن مسراك
26- إن ادّعيت من النشر المطيف به «8» ... غيظا فقد ثبتت في الوجه دعواك
27- يا أيّها الملك المدلول قاصده ... وضدّه نحو ستّار وهتّاك
28- لو أدركتك بنو العبّاس فانتصرت «9» ... بمقدم «10» في ظلام الخطب ضحّاك
29- مظفّر الجدّ من حظّ ومن نسب ... مبصّر بخفيّ الرّشد مدراك
30- وحّدته في الورى بالقصد وارتفعت ... وسائلي فيه عن زيغ «11» وإشراك «12»(19/481)
31- ما عارضت يد أمداحي مواهبه ... إلّا رجعت بصفو المغنم الزّاكي
282/أ
32- إنّ الكرام إذا حاولت صيدهم ... كانت بيوت المعالي مثل أشراك «1»
33- سقيا لدنياك لآكفّ بخائبة ... فيها لديك ولا وصف بأفّاك «2»
34- من كان في خيفة «3» الإنفاق يمسكها ... فأنت تنفقها من خوف إمساك
- 685- «4» وقوله: (طويل)
1- عذيري من ساجي اللّواحظ أغيد ... يصول بأسياف الجفون ولا يد
2- غزال يناجيني بلفظ معرّب ... ولكنّه يسطو بلحظ مهنّد
3- وقدّ روت عن لينه واعتداله ... صحاح العوالي مسندا بعد مسند
- 685-(19/482)
4- إذا قعدت أردافه قام عطفه ... فيا طول شجوي من متيم ومقعد
5- يخيّل لي أني له لست عاشقا ... لأن ليس لي في عشقه «1» من مفنّد «2»
6- ولولا الهوى ما بتّ بالدمع غارقا ... عليه وأشكو للورى علّة «3» الصّدي
7- وربّ مدام من يديه شربتها ... معتّقة «4» تدعى «5» لعيش مجدّد
8- (إذا جئته تعشو إلى ضوء كأسه ... تجد خير نار عندها خير موقد) «6»
9- كأنّ سنا راووقها «7» وصبيبها «8» ... حبال شعاع الشّمس تفتل باليد
10- كأنّ بقايا ما مضى من كؤوسها «9» ... أساور «10» تبر في معاصم خرّد
11- سقى الغيث عني ذلك الشخص إنّه ... مضى شبه غصن البانة المتأوّد «11»
12- وفرّق إلّا مقلتي وسهادها ... وجمّع إلّا مهجتي وتجلّدي «12»
13- فلا غزل إلّا له من قصيدة ... ولا مدح إلّا للمليك المؤيّد(19/483)
14- مليك رأى أن لا مباري في العلا ... فظلّ «1» يباري سؤدد اليوم بالغد
15- لو اختصمت أهل المكارم في الندى ... لقال مقال الحقّ ملكي وفي يدي «2»
283/ب
16- كذلك فليحفظ تراث جدوده ... مليك بنى فوق الأساس الموطّد «3»
17- يؤمّ حماه طالب بعد طالب ... فذو القصد يستحذي «4» وهو «5» الدهر يفتدي «6» «7»
18- ولا عيب فيه غير إسراف «8» بذله «9» ... وأنّ مدى علياه غير محدّد «10»
19- تجول ثغور اللثم في عتباته «11» ... كما جال عقد في ترائب أجيد
20- رعى الله أيّام المؤيّد إنها ... أحقّ وأولى بالثناء المؤيّد
21- حمت وهمت فالناس ما بين هاجد «12» ... أمانا وداع «13» في الدّجى متهجّد «14»(19/484)
22- وما عرفت يومي ندى وشجاعة ... بإخلاف «1» موعود ولا متوعّد «2»
23- دع المبتغي نحو المكارم «3» شافعا ... وجئه فقيرا بالرّجاء المجرّد
24- هنالك تلقى نعمة «4» بعد نعمة ... لداعي النّدى مثل النّداء المؤكّد
25- ومبيّض آثار الصّنائع أخمدت «5» ... مناقبه أيّام كلّ مسوّد
26- إذا شام رأيا في الملمّات ردّها «6» ... بأفتك من مرّ الزّمان «7» وأكيد
27- ولم تزل الهيجاء أثنى مقامها ... عليه بألفاظ الوشيج «8» المقصّد «9» «10»
28- أيا ملكا في منّه وعقابه ... حياة لمعتدّ وموت لمعتدي «11»
29- إليك سلكت الخلق سمحا وباخلا ... وجبت الموامي «12» فدفدا «13» بعد فدفد
30- فوفّيتني وعد الأماني وإنّها ... سجيّة إسماعيل «14» في صدق موعد(19/485)
31- وجاد بك الدّهر البخيل وربمّا ... تدفّق «1» عذب الماء من قلب جلمد
32- فياليت قومي يعلمون بأنني ... تعجّلت «2» من نعماك أضعاف مقصدي
33- وجمّلت «3» فيك الشّعر حتى نظمته ... فما البيت إلّا مثل قصر مشيّد
34- وأخملت أرباب القريض كأنني ... أدرت على أسماعهم كأس مرقد
284/أ
35- فلا زلت مخدوم المقام مخلّدا ... ومن يكتسب هذا الثّناء «4» يخلّد
36- شكرتك حتى لم تدع لي لفظة ... وكدت بأن أشكوك في كلّ مشهد
37- لأنّك قد أوهيت «5» جهدي باللها ... وأنسيتني أهلي وكثّرت «6» حسّدي
- 686- «7» وقوله: (كامل)
1- أخفي الأسى ولسان سقمي يعلن ... وأردّ ما بي والسّقام يبرهن»
- 686-(19/486)
2- وتظلّ تعدى الغانيات مدامعي ... فمدامعي كعهودها تتلوّن
3- بأبي التي «1» أسكنتها في خاطري ... فسرت فسار مع النّزيل «2» المسكن
4- لمياء «3» لي دين على ميعادها ... مع أنّ قلبي عندها مسترهن
5- تبدي اللآلئ منطقا وتبسّما ... فكأنّ فاها للآلئ معدن
6- ويلومني فيها خليّ ما درى ... ألشّمس «4» أم تلك المليحة أزين؟ «5»
7- يا لائمي انظر حسن تلك وهذه ... وادفع ملامك بالتي هي أحسن
8- كيف التصبّر عن سعاد وحسنها ... كالفضل في الملك المؤيّد بيّن
9- ملك على عهد المعالي ثابت ... لكنّه في فضله متقنن
10- بينا يرى بحر العلوم إذا به ... بحر النّدى فحديثه متشجن «6»
11- ظعن «7» الكرام الأولون وأقبلت ... أيامه فكأنّهم لم يظعنوا
12- لم يبق لولا جوده ومقالنا ... مال يكال ولا يقال «8» فيوزن
13- من أين للآمال مثل مقامه ... الروض «9» أفيح والغمائم هتّن «10»(19/487)
14- خذ عن عواليه «1» أحاديث الوغى ... فحديثها عن راحتيه يعنعن «2»
15- شرف القتيل بسيفه فقتيله «3» ... في الجوّ ما بين الحواصل «4» يدفن
16- فتطابقت أفعاله لعفاته ... فالكيس «5» يهزل والحقائب «6» تسمن
285/ب
17- فضل يموت «7» به الحسود تحسّرا ... فكأنّه بثيابه متكفّن
18- ما ضرّ معشر «8» حاسديه لو أنهم ... فطنوا ليسر «9» الله فيه وأذعنوا
19- الله قدّر والعزائم «10» أنّهم ... يتحارفون «11» وأنّه يتسلطن «12»
20- يا ابن الملوك إذا دعاهم مقتر ... لانوا وإن دعيت نزال «13» اخشو شنوا «14»
21- نسب كصدر الرّمح إلّا أنّه ... عند المحامد ليس فيه مطعن(19/488)
22- لله دهرك إنّه الدهر الذي ... سيء الكفور به وسرّ المؤمن
23- شيدت بإسماعيل «1» أركان العلا ... فإليه يلتجئ الرّجاء ويركن «2»
24- ودعا ندى ابن عليّ «3» كلّ مودّة ... حتى استوى الشّيعيّ والمتسنن
25- فليعذر المدّاح فيه فإنّهم ... بالعجز عن أدنى المدى قد أيقنوا
26- عنت «4» القرائح عن بلوغ صفاته ... وتسترت خلف الشّفاه الألسن
- 677- «5» وقوله: (طويل)
1- أجبت منادي الحبّ من قبل ما دعا ... فإن شئتما لوما وإن شئتما دعا
2- لي الله قلبا صيّر الوجد شرعة ... عليه وجفنا صيّر الدّمع مشرعا «6» »
3- كنانة «8» لحظ خلّفتني من الهنا ... قصيّا وفكري للهموم مجمّعا
4- وسالف عهد بالعقيق ذكرته ... فعاد بدرّ المدمعين مرصّعا
- 687-(19/489)
5- يخوّفني بالسّقم لاح «1» وليت من ... عناني «2» أبقى فيّ للسّقم موضعا
6- بليت فلو رامتني العين ما رأت ... ولو أنّ فكري عارض «3» السّمع ما وعى
7- وربّ زمان كان لي فيه مالك ... حبيب سقى منه الفراق بما سعى «4»
8- (فلّما تفرّقنا كأنّي ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا) «5»
286/أ
9- من الغيد لو كان الملاح قصيدة ... لكان سنا خدّيه للشّمس مطلعا
10- أدار عليّ الدّمع كأسا وطال ما ... أدار عليّ البابليّ «6» المشعشعا «7»
11- كأنّ التلاقي كان وفرا «8» تسرّعت ... أيادي ابن شاد «9» فيه حتى تضعضعا
12- إذا لم يكن في الغيث للعام نجعة «10» ... فحسبك بالملك المؤيّد منجعا
13- مليك أعاد الشّعر سوقا بدهره ... فجئت إلى أبوابه متبضعا «11»
14- فو الله «12» لولا باعث من مديحه ... لأصبح بيت الشّعر عندي بلقعا «13»
15- أتعذل أقلام المدائح إن غدت ... له سجّدا لا للأنام وركّعا(19/490)
16- فدت «1» طلعة البدر المنير أبا الفدا ... وإن كان أعلى من فداها وأرفعا
17- ألم تر أنّا قد سلونا بأرضه ... مرادا لنا في أرض مصر ومربعا
18- إذا ابن تقيّ الدّين «2» جاد بنانه «3» ... علينا فلا مدّت يد النيل إصبعا
19- أما والذي أنشا «4» الغمام وكفّه ... وجاد وقد ملّ الغمام فأقلعا
20- لقد سمعت للأولين فضائل ... ولكنّ لهذا الفضل ما جاز «5» مسمعا
21- سخاء كما ترجى السّحائب «6» حفّلا «7» ... وبأس كما تنضى الصّواعق لمّعا
22- وعلم ملأنا صحفنا «8» من فنونه ... فكانت على الأيام بردا موشّعا «9»
23- وذكر له في كلّ قلب محبّة ... على ابن عليّ «10» يعذر المتشيّعا «11»
24- له الله ما أزكاه في الملك نبعة ... وأعذب من سقي «12» المكارم منبعا
25- هو الملك أغنى ماء وجهي وصانه ... فإن تقصر الأمداح لا يقصر «13» الدّعا
26- غدت كلّ عام لي إليه وفادة ... فيا حبّذا من أجل لقياه كلّ عا «14»(19/491)
27- وطوّقت تطويق الحمام بجوده ... فلا عجبا «1» لي أن أحوم «2» وأسجعا
287/ب
28- قضى الله إلا أن يقوم لقاصد ... بغرض فإن لم يلق فرضا «3» تطوّعا
29- حلفت لقد ضاع الثنا عند غيره ... ضياعا وأمّا عنده فتضوّعا «4»
- 688- «5» وقوله: (بسيط)
1- يا شاهر اللّحظ حبي فيك مشهور ... وكاسر «6» الطرف قلبي منك مكسور
2- أمرت لحظك أن يسطو على كبدي ... يا صدق من قال إنّ السيف مأمور
3- وجاوب الدّمع ثغرا منك متّسقا ... فبيننا الدّرّ منظوم ومنثور
4- لا تجعل اسمي للعذّال منتصبا ... فما لتعريف وجدي فيه تنكير «7»
5- ولا توال أذى قلبي لتهدمه ... فإنّه منزل بالودّ معمور
6- هل عند منظرك الشّفاف جوهرة ... إنّي إليه فقير اللّحظ مضرور «8»
- 688-(19/492)
7- أو عند مبسمك الغرّار «1» بارقة ... إنّي بموعد صبري فيه مغرور
8- أقسمت بالعارض المسكيّ «2» أنّ به ... للمقسمين كتاب الحسن مسطور
9- لقد تغيّر «3» عهد الحال من جسدي ... وما لحال عهودي فيك تغيير
10- حبي ومدح ابن شاه شاه «4» من قدم ... كلاهما في حديث الدّهر مأثور
11- أنشا المؤيّد ألفاظي وأنشرها ... فحبّذا منشر «5» فيها ومنشور «6»
12- ملك إذا شمت برقا من أسرّته ... علمت أنّ مراد القصد ممطور
13- مكمّل الذّات زاكي الأصل طاهره ... فعنده الفضل مسموع ومنظور
14- أقام للملك آراء معظّمة ... لشبهها في بروج اليمن «7» تسيير
15- وقام عنه لسان الجود ينشدنا ... زوروا «8» فما الظّنّ فيه كالورى زور
16- هو الذي «9» للثّنا من نحو دولته ... وللجوائز مرفوع ومجرور(19/493)
288/أ
17- وللعلوم تصانيف «1» بدت فغدت ... نعم السّوار على الإسلام والسّور
18- قد أثّرت ما يسرّ الدّين أحرفها ... وللحروف كما قد قيل تأثير
19- في كفّه قلم صان الحمى فله «2» ... مال على صفحات الحمد منثور
20- وصارم في ظلام النقع «3» تحسبه ... برقا يشقّ به في الأفق ديجور
21- تفدي البريّة إن قلّوا وإن كثروا ... أبا الفداء فثمّ الفضل والخير
22- مدّت إلى مجده الأمداح واقتصرت ... فاعجب لممدود شيء وهو مقصور «4»
23- وسرّها من أب وابن قد اجتمعا ... مؤيّد يتلقّاها ومنصور «5»
24- يا مالكا أشرقت أيامه وزهت ... رياضها فتجلّى النّور والنّور
25- هنئت عيدا له منك اعتياد هنا ... فالصّبح مبتهج واللّيل مسرور
26- فطّرت فيه الورى واللّفظ متّفق «6» ... للوفد فطر وللحسّاد تفطير
27- كأنّ شكل هلال العيد في يده ... قوس على مهج الأضداد موتور «7»
28- أو مخلب مدّه نسر السماء لهم ... فكلّ طائر قلب منه مذعور(19/494)
29- أو منجل لحصاد «1» القوم منعطف ... أو خنجر مرهف النّصلين «2» مطرور «3»
30- أو نعل تبر أجادت في هديّته ... إلى جوار ابن أيّوب المقادير «4»
31- أو حاجب أشمط «5» ينبي «6» بأنّ له ... عمرا له في ظلال الملك تعمير
32- أو زورق جاء فيه العيد منحدرا ... حيث الدّجى كعباب «7» البحر مسجور «8»
33- أو لا فقل شفة للكأس مائلة ... تذكّر العيش إنّ العيش مذكور
34- أو لا فقطعة قيد فكّ عن بشر ... أخنى «9» الصّيام عليه فهو مأسور
35- أو لا فنصف سوار قام يطرحه ... كفّ الدّجى حين عمّته التباشير «10»
289/ب
36- أو لا فمن رمضان النون قط سقطت ... لمّا مضى وهو من شوّال «11» محصور
37- فانعم به «12» وبأمداح مشعشعة «13» ... مديرها في صباح الفطر مبرور(19/495)
38- قالت وما كذبت رؤيا محاسنها ... قبول غيري على الأملاك محظور
39- بعض الورى شاعر فاسمع مدائحه ... وبعضهم مثل ما قد قيل شعرور «1»
- 679- «2» وقوله: (سريع)
1- لا تسألوا في الحبّ عن شاني ... فقد كفى تعبير أجفاني
2- هويت من طلعته روضة ... ففاضت العين بغدران
- 689-(19/496)
3- غصن من البان إذا ما انثنى ... أبصرت فيه ألف بستان
4- أشبهت في حبيه «1» ورق الحمى ... فكلنا نبكي على البان
5- بالرّوح أفدي وجنتي مالك ... كأنّه من حور رضوان «2»
6- فرّ عن الجنّات من تيهه ... وعذّب «3» القلب بنيران
7- ظبي إلى القان «4» له نسبة ... واحربا «5» في خدّه القاني
8- تقول لي نشطة «6» أعطافه ... ضلّ الذي بالرّمح حاكاني
9- حلوان من عطفيّ قد أينعا ... فكيف تحكيها بمرّان
10- يا فارع الفكرة من شقوتي ... يعينني من فيك أشقاني
11- لا وندى ابن الأفضل «7» المرتجى ... لا نكثت «8» بيعة أشجاني
12- ذاك الذي أنقذني جوده ... من مخلب الدّهر فأحياني
13- ولم يزل تنويه «9» تنويله «10» ... حتى حمى وجهي وأغناني
14- قالت لآمالي يداه انفذي ... لا تنفذني إلّا بسلطان(19/497)
290/أ
15- أفضي لإسماعيل «1» بيت العلا ... فشاد منه أيّ أركان
16- مؤيّد تفتح «2» يوم الوغى ... في مدحه ألسن خرسان «3»
17- ذو راحة بالبذل تعبانة ... وما العلا إلّا لتعبان
18- تجني على المال وتجني الثنا ... يا حبّذا المجتنى «4» والجاني
19- كيف على كفيه يظما لرّجا «5» ... ما بين سيحان «6» وجيحان «7»
20- أكرم به في الدّهر من واحد «8» ... لم يختلف في فضله اثنان
21- يلقاك من علياه أو علمه ... بملء أبصار وأذهان(19/498)
22- باسط «1» كفّيه لطلابه ... فهو الورى وهي البسيطان «2»
23- له إذا حاولت نهب اللها ... خزائن ليست بخزّان
24- للجود في أمثالها «3» مثل ما ... في قصتي عبس وذبيان
25- أصبحت من غلمان أبوابه ... والسّعد من جملة غلماني «4»
26- أطوي على محض «5» الولا مهجتي ... وأنشر المدح بتبيان
27- فكلّ أبياتي في مدحه «6» ... أبيات سلمان «7» وحسّان «8»
28- يا ربّ هبه عمر نوح «9» فقد ... جاء من الجود بطوفان «10»(19/499)
- 690- «1» وقوله:
1- ما ضرّ من لم يجد في الحبّ تعذيبي ... لو كان يرفع عنّي هم «2» تأنيبي
2- أشكو إلى الله عذّالا أكابدهم ... وما يزيدون قلبي غير تشبيب
3- وخاطرا غنت «3» الأشواق تعجبه ... سوالف التّرك في عطف الأعاريب
4- كأنني لوجوه «4» الترك معتكف «5» ... ما بين أصداغ شعر كالمحاريب «6»
291/ب
5- لا يقرب الصّبر قلبي أو يفارقه ... كأنّه المال في كفّ ابن أيّوب «7»
6- لولا ابن أيّوب ما سرنا لمغترب ... في المكرمات ولا فزنا بمرغوب
7- دعا المؤيّد بالترغيب قاصده ... فلو تأخّر استدعى «8» بترهيب
- 690-(19/500)
8- ملك إذا مرّ يوم لا عفاة به ... فليس ذلك من ملك بمحسوب «1»
9- للجود والعلم أقلام براحته ... تجري المقاصد منها تحت مكتوب
10- مجموعة فيه «2» أخبار الأولى سلفوا «3» ... كما تترجم أخبار بتبويب «4»
11- إذا تسابق للعلياء ذو خطر «5» ... معى فأدرك تبعيدا بتغريب
12- وإن أمال إلى الهيجاء صدر قنا «6» ... أجرى دماء الأعادي بالأنابيب
13- قد أقسم الجود لا ينفكّ عن يده ... إمّا لعا فيه أو للنسر والذّيب
14- أمّا حماه فقد أضحى «7» بدولته ... ملاذ كلّ قصيّ الدّار محروب «8»
15- غريبة الباب تقري «9» من ألمّ بها ... فخلّ بغداد «10» وانزل بابها النّوبي «11»
16- وانعم بوعد الأماني عند رؤيته ... فإنّ ذلك وعد غير مكذوب
17- وا عجب لأنمل جود قطّ «12» ما سئمت ... إنّ البحار لآباء الأعاجيب
18- كلّ العفاة عبيد في صنائعه ... ودار كلّ عدوّ دار ملحوب «13»(19/501)
19- يا مانحي مننا من بعدها منن ... كالماء يتبع «1» مسكوبا بمسكوب
20- من كان يلزم ممدوحا على غرر «2» ... فما لزمتك إلا بعد تجريب
21- أنت الذي نبّهت فكري مدائحه ... ودرّبتني والأشيا بتدريب «3»
22- حتى أقمت قرير العين في دعة «4» ... وذكر مدحك في الآفاق يسرى «5» بي
23- مدح تغار «6» لمسود المداد به ... (حمر الحلى والمطايا والجلابيب)
292/أ
24- ألفاظه عن شرا «7» كافور «8» غالية ... لما تضمّن في الألفاظ من طيب
- 691- «9» وقوله: (خفيف)
1- يوم صحو فاجعله لي يوم سكر ... وأدر لي كأسي رضاب وحمر
2- واسقني في منازلي مثل خلقي ... بيدي هاجري «10» يغنّي بشعري
- 691-(19/502)
3- حبّذا روضة وظلّ ونهر ... كعذار على لمى فوق ثغر «1»
4- ومليح يقول حسن حلاه ... اعملوا ما أردتم أهل بدر
5- جفن عينيه فاتر مستحيّ «2» ... إنّما خدّه المشعشع جمري
6- وغرامي العذريّ ذنب لديه ... وعجيب يكون ذنبي عذري «3»
7- هاتها من يديه «4» عذراء تجلى ... لنداماي في قلائد درّ
8- ليت شعري وللسرور «5» انتهاء ... أيّ شيء يعوقنا ليت شعري
9- زمن الأنس قائم بالتهاني ... ونوال الملك المؤيّد يسري
10- ملك باهر المكارم يروي ... وجه لقياه عن عطاء بن بشر «6»
11- زرت أبوابه فقرّب شخصي ... ومحا «7» عبرتي ونوّه ذكري
12- ونحا لي من المكارم نحوا ... صانني عن لقاء زيد وعمرو «8»
13- وتفنّنت في مفاوضة «9» الشّ ... كر إلى أن أعيى «10» التطوّل «11» شكري
14- أريحيّ «12» من الملوك أريب ... فائض البحر ذو عجائب كثر(19/503)
15- ربّ خلق أرقّ من أدمع الخن ... سا «1» وقلب يوم الوغى مثل صخر «2»
16- يقسم الدّهر من سطاه بليل ... ومن المنظر البهيّ بفجر
17- كلّ أيامنا مواسم فضل ... في ذرا «3» بابه وأعياد فطر
293/ب
18- فإذا لاح وجهه في ذوي القص ... د بعيد فاضت يداه بعشر
19- سمّه في الضمير إن ذقت «4» عسرا ... وعليّ الضّمان إنك تثري «5»
20- والقه للعلوم أو للعطايا ... تلق ملكا يقري «6» الضيوف ويقري
21- طوت العسر ثمّ فاضت «7» لهاه «8» ... فنعمنا بذات طيّ ونشر
22- يا مليك النّوال والعلم لازل ... ت سريّ «9» الثناء في كلّ قطر(19/504)
23- حمّلتك العلا شؤونا فألفت «1» ... آل أيّوب دائما آل صبر
- 692- «2» وقوله: (طويل)
1- إذا ظفرت يوما بقربكم المنى ... فلست أبالي من ترحّل أودنا «3»
2- ولعت بعشقي فيكم فتأكّدت «4» ... قضاياه فاستولى فأصبح ديدنا
3- أحبابنا إن عفتم السفح منزلا ... وأخليتم من جانب الجزع «5» موطنا
4- فقد حزتم دمعي عقيقا ومهجتي ... غضى وسكنتم من ضلوعي «6» منحنى «7»
5- وأرسلتم ضيف الخيال «8» لمقلة ... إذا ما أتاها استصحب السهد ضيفنا
6- وكم فيكم يوم الوداع لشقوتي ... هلال سما غصن زها رشأ رنا
7- إذا شمت تحت الحاجبين جفونه ... أرى السّحر منها قاب قوسين «9» قد دنا
- 692-(19/505)
8- أما والذي لو شاء قصّر بينهم ... فلم يبعث «1» الطّيف المردّد بيننا
9- لقد خلقت للعشق فيكم جوانحي ... كما خلق الملك المؤيّد للثنا
10- مليك له في العلم والجود همّة ... ترى المال في الإقتار «2» والعيش في العنا «3»
11- بنى رتبا قد أعرب المدح ذكرها ... فيا عجبا من معرب كيف يبتنى
12- وأولى النّدى حتى اقتنى الحمد مخلصا ... فأكرم بما أولى وأعظم بما اقتنى
294/أ
13- وجلّى ثغور «4» الدّين من قلح العدى ... ولم لا وقد جرّ الأراك من القنا
14- يكاد يعدّ النبل في حومة «5» الوغى ... أقاحا وأطراف الأسنّة سوسنا
15- أخو فعلات تردع «6» الخطب «7» بائنا ... إلى كلمات تنفث «8» السّحر بيّنا «9»
16- لئن أجريت «10» ذكري المعادن إنّني ... أرى أرضه للعلم والجود معدنا
17- خليليّ هل هذا حماة «11» محلّه ... فعوجا على الأرض التي تنبت الهنا
18- فلا جلّق «12» بالسهم تمنع قاصدا ... ولا حلب الشّهباء تلبس جوشنا(19/506)
19- غننت «1» بجدواه فأطربني الغنى «2» ... ولا عجبا «3» أن يطرب المرء بالغنا
20- ولا عيب فيه غير أني قصدته ... فأنستني الأيام أهلا وموطنا
21- تعلّمت أنواع الكلام برفده ... فأصبحت أعلى الناس شعرا وأحسنا
22- إذا قيل من ربّ المكارم «4» في الوغى ... أقل «5» هو أو ربّ القريض أقل أنا
- 693- «6» وقوله: (مجزوء الرجز)
1- هنّ الوجوه الناضره ... عيني إليها ناظره
2- آها لها عينا على ... تلك الأزاهر «7» ماطره
3- رقب الوشاة جفونها ... فإذا هم بالسّاهره
4- من لي بغزلان على ... سفح المحصّب «8» نافره
- 693-(19/507)
5- ومعاطف «1» مثل الغصو ... ن سبت حشاي الطائره
6- يا صاح علّل مهجتي ... بسنا الكؤوس الدّائره
7- واحرق بلمع «2» شعاعها ... هذى اللّيالي الكافره
8- وانظر لساعات النها ... ر بجنح ليل سائره
9- من كفّ مهضوم الحشا ... مثل المهاة الخادره «3»
10- رامي النواظر والقلو ... ب بهاجر «4» وبهاجره
11- ذي مقلة تلقى الضّرا ... غم بالجفون الكاسره
295/ب
12- تردي «5» وأنت تحبها ... وكذا تكون السّاحره
13- أحيت وأردت بالفتو ... ر وباللّحاظ الشّاطره «6»
14- كيد المؤيّد باليرا ... ع وبالسيوف البانزه
15- ذات الحروف مجيرة ... وشبا الأسنّة «7» جائره
16- أكرم بصنع يد لها ... هذي الأيادي الفاخره
17- محمرّة الآفاق في ... يوم الوغى «8» والنائره «9»(19/508)
18- فشعاع تبر صاعد ... ودماء قوم مائره «1»
19- وتبسّم مع ذا وذا ... يرع «2» الخطوب الكاشره
20- وتفنّن في العلم يق ... دح «3» بين ذاك خواطره
21- عن كفّه أو صدره ... تروي البحار الزّاخره
22- لا يهمل «4» الدّنيا ولا ... ينسى حقوق الآخره
23- يا أيّها الملك الذي ... ردّ الحقائب شاكره
24- وسما بهمّته على ... غرر النجوم الزّاهره
25- حتى انتقى من زهرها ... هذي الخلال الباهره
26- سقيا «5» لدهرك إنه ... دهر الأيادي الوافره
27- مترادف «6» لذوي الرّجا ... بهباته المتواتره «7»
28- لولاك ما أمست قري ... حتي الكليلة «8» شاعره
29- أنت الذي روّت غما ... ئمه رباي العاطره
30- وأبحتني بحر النّدى ... حتّى نظمت «9» جواهره
31- لا غرو إن سلّيت عن ... بلدي حشاي الذّاكره(19/509)
32- فلقد وجدت ديار مل ... كك «1» بالسّعادة عامره
33- قهرت حماة «2» لي العدى ... فحماة عندي القاهره
- 694- «3» وقوله: (بسيط)
1- عوّض بكأسي ما أتلفت من نشبي «4» ... فالكأس من فضّة والرّاح من ذهب
2- واخطب إلى الشّرب أمّ الدّهر «5» إن نسبت ... أخت المسرّة «6» واللهو انية العنب «7»
- 694-(19/510)
3- عذراء تنجز ميعاد «1» السّرور فما ... تومي «2» إليك بكفّ غير مختضب
4- مصونة تجعل الأستار «3» ظاهرة ... وجنّة تتلقّى العين باللهب
5- خفّت فلو لم تدرها «4» كفّ حاملها ... دارت بلا حامل في مجلس الطّرب
6- يا حبّذا الرّاح للأفواه سائرة ... تفضي «5» بسعد سراها أنجم الحبب «6»
7- علقته من بني الأتراك مقتربا ... من خاطري وهو منّي غير مقترب
296/أ
8- حمّالة الحلي والدّيباج «7» قامته ... تبّت «8» غصون الرّبا حمّالة الحطب
9- يا تالي «9» العذل كتبا في لواحظه ... (السّيف أصدق أنباء من الكتب)
10- جادت جفوني بمحمرّ الدّموع له ... جود المؤيّد للعافين بالذّهب
11- ملك تدلّك في العليا شمائله «10» ... على شمائل آباء له نجب «11»(19/511)
12- محجّب العزّ عن خلق يحاوله «1» ... وجود كفّيه باد غير محتجب
13- قد أتعب السّيف من طول القراع به ... فالسّيف في راحة منه وفي تعب
14- هذا «2» وللحلم معنى من خلائقه ... لا تستطيل إليها فطنة «3» الغضب
15- يفضى عن السبب المردى «4» بصاحبه ... عفوا ويعطي العطا جمّا «5» بلا سبب
16- ويحفظ الدّين بالعلم الذي اتّضحت ... ألفاظه فيه حفظ الأفق بالشّهب
17- ذاك الكريم الذي لو لم يجد لكفت ... مدائح فيه عند الله كالقرب «6»
18- نوع من الصّدق مرفوع المنار غدا ... في الصّالحات من الأعمال والكتب «7»
19- وواهب لو غفلنا عن تطلّبه ... لجاءنا جوده الفيّاض «8» في الطّلب
20- أسدى الرّغائب «9» حتى ما يشاركه ... في لفظها غير هذا الشّهر من رجب «10» «11»
21- واعتاد أن يهب الآلاف عاجلة ... فإن سرى «12» لألوف الحرب لم يهب
22- كم غارة عن حمى الإسلام كفكفها «13» ... بالضّرب والطّعن «14» أو بالرّعب والرّهب «15»
23- وغاية جاز في آفاقها صعدا «16» ... كأنّما هو للإسراع في صبب(19/512)
24- يا ابن الملوك الأولى لولا مهابتهم ... وجودهم لم يطع دهر ولم يطب «1»
25- الجائدين «2» بما نالت عزائمهم ... والطّاعنين الأعادي بالقنا السّلب «3»
26- والشّائدين «4» على كيوان بيت علا ... تغيب زهر الدّراري وهو لم يغب
497/ب
27- بيت من الفخر شادوه على عمد ... وبالمجرّة مدّوه على طنب «5»
28- لله أنت فما تصغي إلى عذل ... يوم النّوال ولا تلوي «6» على نشب
29- أنشأت للشّعر أسبابا يقال بها ... وهل تنظّم أشعار بلا سبب
30- فلا برحت برئ الفضل من دنس ... والعيش من رونق «7» والمجد من ريب «8»(19/513)
31- أنت الذي أنقذتني من يدي زمني ... يداه من غير إشرافي «1» على العطب «2»
32- فإن يكن بعض أمداح الورى كذبا ... فإنّ مدحك تكفير «3» من الكذب
- 695- «4» وقوله: (سريع)
1- مبلبل «5» الأصداغ والطّره ... ومرسل اللّحظ على فتره
2- أرخى على أعطافه شعرة ... قد جذبتني فيه للحسره
3- فاعجب لمن جار عليه الضّنى ... حتى غدت «6» تجذبه شعره
4- واحربا من رشأ خاذل ... مالي على عشقته نصره «7»
5- مهفهف تعرف من «8» جفنه ... علامة التأنيث بالكسره
6- ذو طلعة تعلو على المشترى ... وغرّة تزهو «9» على الزّهره
- 695-(19/514)
7- ومقلة دعجاء «1» ضاقت فما»
تشبع من يقنع بالنّظره
8- عشقته حلوا على مثله ... يطاع في الغيّ أبو مرّه «3»
9- لولا دجى طرّته لم أبت ... سهران لا أجر «4» ولا أجره «5»
10- يبدو كتاب الحسن في وجهه ... فأقرأ العشق من الطّرّه
11- يا ابن أمير الحرب يوم الوغى «6» ... كم لك في العشّاق من إمره «7»
12- إليك يشكو المرء أشجانه ... ولا بن شاد «8» يشتكي دهره
298/أ
13- الملك العالم والضّيغم ال ... باسل والمنفرد «9» القدره
14- ربّ العطايا عن غنى قاصر ... والحلم كلّ الحلم عن قدره
15- سبحان من صوّره خالصا ... ما شيب «10» من أخلاقه ذرّه
16- من آل مروان ويمناه في ... حبّ العطايا من بني عذره «11»(19/515)
17- حروفا تعطف يسر الفتى ... فهي حروف العطف لليسره
18- وسيفها ممتزج بالدّما ... مزح بياض الخدّ بالحمره
19- إذا مضى في الدّرع إفرنده ... عجبت للمرّيخ «1» في النّثره «2»
20- أكرم بإسماعيل «3» من سائد ... أركان بيت الملك عن خبره
21- ذي السّلم لا تعبا له ديمة ... والحرب لا تصلى «4» له جمره
22- معطي جواد الخيل للمقتفي ... وخلفه الصّرّة «5» كالمهره
23- دع حاتما «6» يفخر في قومه ... بنحره البكرة «7» لا البدره «8»(19/516)
24- هذا الذي يروي حديث الثنا ... من شخصه «1» الباهر «2» عن قرّه «3»
25- للخلق والخلق على وجهه ... نوران ردّا نظر الإمره «4»
26- إن كان ذو النورين «5» فضلا فكم ... جهّز من جيش ذوي العسره
27- يا ملكا يلقى المنى والعدى ... بضعف ما ترضى وما تكره
28- وقّرتني عن أهل دهري «6» فلا ... والله ما لي فيهم فكره(19/517)
29- إلى أياديك انتهى مطلبي ... فيالها فيحاء «1» مخضرّه
30- كذا مدى الأيام في نعمة ... باسمة الأحوال «2» مفترّه
31- في كلّ وجه قد تيممته ... سعادة واضحة الغرّه
- 696- «3» وقوله: (كامل)
1- صيّرت نومي مثل عطفك نافرا ... وتركت عزمي مثل جفنك فاترا
2- وسكنت قلبا طار فيك مسرّة ... أرأيت وكرا «4» قطّ أصبح طائرا
3- يا مخربا «5» ربع السّلوّ جعلتني ... أدعو بأنساب الصّبابة عامرا «6»
4- ويطيع قلبي حكم لحظك في الهوى ... يا للكليم «7» غدا يطيع السّاحرا
- 696-(19/518)
5- رفقا بقلب في الصّبابة والأسى ... صيّرته مثلا فأصبح سائرا «1»
6- ومسهّد يشكو العثار «2» دموعه ... بما سلكن على هواك محاجرا «3»
7- ما بال مقلتك الضّعيفة لم تزل ... وسنى «4» وطرفي ليس يبرح ساهرا
8- خلقت بلا شكّ لإجلاب الأسى «5» ... ويد المؤيّد للنّوال بلا مرا
9- من مبلغ الملك المؤيّد أنّني ... لولاه ما سمّيت نفسي شاعرا
10- ملك ابن أيّوب الثناء بنائل ... أضحى على حمل المغائر صايرا «6»
11- وتملكته سماحة وحماسة ... جعلا له في كلّ ناد ذاكرا
12- فإذا سخا «7» ملأ الدّيار عوارفا «8» ... وإذا غزا ملأ القفار عساكرا(19/519)
13- وإذا سطا جعل الحديد قلائدا ... وإذا عفا قلب الحديد جواهرا «1»
14- بينا الأسير لديه راكب أدهم «2» ... حتى غدا بالعفو أدهم ضامرا
15- تمحو ظلام اللّيل بيض سيوفه ... مذ قيل إنّ اللّيل يسمى كافرا
16- ويتابع «3» المنن التي ما عيبها ... إلّا رجوع الوصف عنها قاصرا
17- يا ابن الملوك المالئين فجاجها «4» ... مدحا منظّمة الحلى «5» ومآثرا
18- من كلّ ذي عرض يصفّى جوهرا «6» ... فاعجب لأغراض تكون جواهرا
300/أ
19- شكرا لشخصك ما أبرّ ممدّحا ... وأعزّ منتصرا وأحكم قادرا «7»
20- حمّلتني النّعمى إلى أن لم أبن ... من نقلهنّ أشاكيا «8» أم شاكرا
21- ونعم شكرت مواهبا لك حلوة ... حتى شققت «9» من العداة مرائرا
22- لا غرو أن عمر البيوت معانيا ... عاف عمرت له البيوت ذخائرا(19/520)
- 697- «1» وقوله: (بسيط)
1- أودت فعالك يا أسما «2» بأحشائي ... وا حيرتي بين أفعال وأسماء
2- إن كان قلبك صخرا «3» عن قساوته ... فإنّ طرف المعنّى «4» طرف خنساء
3- ويح المعنّى الذي أضرمت «5» خاطره ... ماذا يكابد من أهوال أهواء
4- قامت قيامة قلبي في هواك فإن ... أسكت فقد شهدت في السّقم «6» أعضائي
5- يا صاحبيّ أقلّا من ملامكما ... ولا تزيدا بتكرار الأسى دائي «7»
6- هذي الرّياض عن الأزهار باسمة ... كما تبسّم عجبا ثغر لمياء
7- والأرض ناطقة عن صنع بارئها ... إلى الورى وعجيب نطق خرساء
8- فما يصدّكما والحال «8» داعية ... عن شرب فاقعة «9» للهمّ صفراء
- 697-(19/521)
9- راحا غريت «1» بزيّاها ومشربها ... حتى انتصبت إليها نصب «2» إغراء
10- من الكميت «3» التي تجري بصاحبها ... جري الرّهان إلى غايات سرّاء
11- من كفّ أغيد يحسوها «4» مقهقهة «5» ... كما تأوّد غصن تحت ورقاء
12- حسبي من الله غفر للذنوب ومن ... نعمى المؤيّد «6» تجديد لنعمائي
13- ملك يقيّد بالإحسان «7» وفد رجا ... وبالظّبا والعوالي وفد هيجاء
301/ب
14- ذا بالنّضار وهذا بالحديد فما ... ينفكّ آسر أحباب وأعداء
15- داع لجود يد بيضاء ما برحت ... تقضي على كلّ صفراء «8» وبيضاء
16- يدافع النّكبات الموعدات لنا ... حتى الرّياح فما تسري بنكباء
17- ويوقد الله نورا من سعادته ... فكيف تطمع «9» حسّاد بإطفاء
18- لو جاورت آل ذبيان «10» حماه لما ... ذمّوا العواقب من حالات غبراء(19/522)
19- ولو حمى حمل الأبراج «1» دع حملا ... يوم الهباءة «2» لم يقصد بدهياء
20- ولو رجا المشتري إدراك غايته ... لدافعته عصا في كفّ جوزاء
21- ما زال يرفع إسماعيل «3» بيت على ... حتى استوت غايتا نسل وآباء
22- مصرّف الفكر في حبّ العلوم فما ... يشقى «4» بسعدى ولا يروى بظمياء
23- له بدائع لفظ صادفت كرما ... كأنّهن نجوم ذات أنواء
24- وأنمل في الوغى والسّلم كاتبة ... إمّا بأسمر نضو «5» أو بسمراء «6»
25- تكلّفت كلّ عام سحب راحته ... عن البريّة إشباعي وإروائي
26- فما أبالي إذا استكثرت عائلة ... وقد كفى همّ إصباحي وإمسائي
27- نظمت ديوان شعر فيه واتخذت ... عليّ كتّابه ديوان إعطاء «7»(19/523)
28- وعاد قول البرايا عند دولته «1» ... أشهى وأشهر ألقابي وأسمائي
29- محرّر اللّفظ لكن غرّ أنعمه ... قد صيّرتني من بعض الأرقّاء «2»
30- أعطى الزّكاة وقدما كنت آخذها ... يا قرب ما بين إقتارى وإثرائي
31- شكرا لوجناء «3» سارت بي إلى ملك ... لولاه لم يطو نظمي سمعة الطائي «4»
32- عال عن الوصف إلا أنّ أنعمه ... لأجل قلبي «5» تلقاني بإصغاء
302/أ
33- يا جابر القلب خذها مدحة سلمت ... فبيت حاسدها أولى بإقواء «6»
34- مشت على مستحب الهمز مصمية «7» ... نبالها كلّ همّاز ومشّاء
35- بيوت نظم هي الجنّات معجبة ... كأنّ في كلّ بيت وجه حوراء
- 698- «8» وقوله: (مجزوء الرمل)
1- لا وخمر بابليّه ... في ثنايا «9» لؤلؤيّه
- 698-(19/524)
2- لا رقا «1» سفح «2» دموعي ... في هوى تلك الثّنيّه «3»
3- ربع سلواني خراب ... وشجوني عامريّه
4- حربي من ذات حسن ... باسم تبكي البريّه
5- غادة يروي لماها ... عن صحاح جوهريّه «4»
6- من بيوت الترك ترمي ... عن قسي «5» حاجبيّه
7- رحّلتني عن سلويّ ... بلغات فارسيّه
8- لست أرضى يا عذولي ... في هواها بالتّقيّه «6»
9- ولقد أبذل روحي ... في معانيها السّنيّه
10- لم أخف في عبلة السا ... ق وغاها «7» العنتريّه «8» «9»(19/525)
11- لا ولا أخشى من الدّن ... يا عواديها الجريّه «1»
12- حجبتني يد اسما ... عيل «2» من كلّ بليّه «3»
13- ملك أغنى بجدوا ... هـ «4» عن السّحب المليّه «5»
14- حاتميّ «6» الكفّ يثني ... من أذى الدّهر عديّه «7»
15- معرق الآباء باهي «8» الشّ ... خص وضاح السّجيّه
16- قد رعى الله ببقيا ... ملكه هذي الرّعيّه
17- حبّذا بحر بكفّي ... هـ الأماني والمنيّه
18- ذو حسام يكشف الخط ... ب برؤياه المضيّه
19- عادل يقسم من نا ... زله «9» قسم السّويّه
20- شرّف الأسياف حتى ... سميّت بالمشرفيّه
21- ويراع ناحل الج ... سم له نفس قويّه(19/526)
22- ساهر في ظلم الح ... بر «1» لتأمين البريّه
23- جامع في الجود والع ... لم صفات كوكبيّه
24- هكذا تبنى المعالي ... بمزايا هندسيّه
25- يا مليكا خصّه اللّ ... هـ بأوصاف سنيّه
26- لك عندي صدقات ... وإفادات خفيّه «2»
27- تقتضي المدح وإن كا ... نت عن المدح غنيّه
28- فابق مخدوم السّجايا ... بسجايا عنبريّه
303/ب
29- واصل الملك بأسبا ... ب السّعود الأبديّه
- 699- «3» وقوله: (خفيف)
1- والذي زاد مقلتيك اقتدارا ... ما أظنّ الوشاة إلّا غيارى «4»
2- بهم مثل ما بنا من جفون ... ساجيات «5» تهتّك الأستارا
- 699-(19/527)
3- كلّما جال طرفها ترك الخل ... ق «1» سكارى وما هم بسكارى
4- يا غزالا رنا وغصنا تثنّى ... وهلالا سما وصبحا أنارا «2»
5- كان دمعي على هواك لجينا ... فأحالته نار قلبي نضارا
6- حلية لا أعيرها لمحبّ ... شغل الحليّ أهله أن يعارا
7- ما لقلبي الكليم «3» ضلّ وقد آ ... نس من جانب السّوالف نارا
8- لك جيد ومقلة تركا الظاهر ... بي لفرط الحياء يأوي القفارا
9- وثنايا أخذن في ريقها الخم ... ر وأعطين للقلوب الخمارا «4»
10- عاطرات الشّميم «5» تحسب فيه ... نّ شذا «6» من ثنا ابن شاد «7» معارا
11- المليك المؤيّد اللازم السؤ ... دد إن حلّ «8» أو سار سارا
12- والجواد الذي حبا المال حتى ... كاد يحبو الأعمال والأعمارا
13- أعدل المالكين حكما فما يظ ... لم «9» إلّا العداة والدّينارا
14- فاح ذكرا وفاض في الخلق برّا «10» ... فحمدنا الرّياض والأزهارا(19/528)
15- ليس فيه عيب سوى أنّ إحسا ... ن يديه تستعبد «1» الأحرارا
16- لم يزل جوده يجور على الما ... ل إلى أن كسا «2» النّضار اصفرارا
17- البدار البدار نحو نداه «3» ... فإذا صال فالفرار الفرارا
304/أ
18- مثل ماء السّماء خلفا وخلقا «4» ... وابن ماء السّما «5» على واقتدارا
19- كلّما استغفر «6» الرّجا من سواه ... أرسلت كفّه النّدى مدرارا «7»
20- وإذا شبّت الوغى فكأنّ السّ ... يف من بأسه استعار استعارا «8»
21- ذو حسام مدرّب لم يدع في ... جانب الشّام للعدى ديّارا «9»
22- أعجل الكافرين بالفتك عن أن ... يلدوا فيه فاجرا كفّارا
23- يا مليكا أحيى الثنا والعطايا ... فجلبنا لسوقه «10» الأشعارا
24- وتلقى بضائع القصد والحم ... د فجئنا إلى حماه «11» تجارا(19/529)
25- أسأل الله أن يزيدك فضلا ... وسموّا على الورى وفخارا
26- صنتني من أذى «1» الزّمان وقد حا ... ول حربي واستكبر «2» استكبارا
27- وانبرى «3» غيثك الهتون بجدوى ... علّمتني مدائحا لا تبارى
28- ما مددنا لك اليمين ابتغاء ... للعطايا إلّا شكرنا اليسارا
- 700- «4» وقوله: (بسيط)
1- في مرشفيه «5» سلاف الرّاح من عصره ... وبعطفيه قوام البان من هصره
2- وفي ابتسام ثناياه ومنطقه ... من نظّم الدّرّ أسلاكا ومن نثره
3- ظبي قضى كلّ زيد في محبته ... وما قضى من ليالي وصله وطره
4- مطابق الوصف في مرأى ومختبر ... فالخدّ سهل وأبواب الرّضا عسره «6»
5- إذا انثنى سمّيت أعطافه «7» غصنا ... عليه من كلّ حسن باهر زهره
6- ذاك الذي خجلت أجفان مقلته ... من القلوب وراحت «8» وهي منكسره
- 700-(19/530)
7- بينا يرى جنّة في العين مونقة «1» ... حتى يرى جذوة في القلب مستعره
305/ب
8- كيف الخلاص لمطويّ على شجن ... وقد تمالت عليه أعين سحره «2»
9- تغزو لواحظها في المسلمين كما ... تغزو سيوف عماد الدين «3» في الكفره
10- ملك إذا نظرت عين «4» الحياء له ... لم يدفع الجود رؤياها إذا نظره
11- مؤيّد النعت والأفكار «5» ذو شيم ... لباسه لبرود الحمد معتجره «6»
12- يضيء حسنا وتبدي كفّه «7» كرما ... فما ترى بدره حتى ترى بدره
13- إذا تأمّلت بشرا منه مقتبلا ... عرفت من مبتداه في النّدى خبره
14- لو أنّ للغيث جزءا من مكارمه ... لم يهمل الغيث في سقيا الثّرى «8» مدره «9»
15- لا عيب فيه أدام الله دولته ... إلّا عزائم مجد عندهنّ شره «10»
16- وفكرة في العلى «11» والعلم دائبة ... ليست على أمد في الفضل مقتصره
17- طالت إلى الأفق فاستنقت «12» دراريه ... وغاصت البحر حتى استخرجت درره(19/531)
18- آها لها فكرة «1» حدّت بمعرفة ... تحديد ربّ من الألفاظ بالنكره
19- وهمّة في سماء العزّ واضحة ... كأنّما الشّمس من نيرانها شرره
20- تباشر الحرب هولا وهي سافرة ... وتمنح المال جودا وهي محتقره
21- يا حبّذا منه في عين الثّنا رجل ... شاف إذا النّاس في عين الثناء مره «2»
22- أبهى وأبهر ما يلقاك منظره ... إذا نظرت على وجه الوغى قتره «3»
23- والبيض «4» محنية الأضلاع من قرم «5» ... على الطّلا وقدود السّمر «6» منتظره
24- والطّرف قد نبتت بالنّبل جلدته ... كأنّه بين أنهار الدّما شجره
25- مناقب ما تولّى الخبر أحرفها ... إلّا حسبت على عطف العلى خبره
26- أقول للمدح اللّاتي أنظّمها ... ردّي حماه على اسم الله مبتدره
306/أ
27- ما يخذل الله أوصافا ولا كلما ... بين المؤيّد والمنصور «7» منتصره
28- أضحى المؤيّد والأملاك «8» واسطة ... بين الأصول وبين النّسل مفتخره
29- ذاك الذي سيّرت «9» رؤيا محاسنه ... ذنب الزّمان فما يشكو امرؤ ضرره(19/532)
30- مهما أراه رفيع الذّكر ممتدحا ... فكلّ سيئة للدّهر مغتفره
31- يا ابن الملوك قضوا أوقات ملكهم ... سديدة وتقضّوا «1» سادة برره
32- كم سفرة لي إلى مغناك فائزة ... أغفت لهاك يدي فيها عن السّفره «2»
33- ومدحة لي قد أيمنت طائرها ... حيث المدائح في أرض الغنى طيره «3»
34- فعش ودم لبني الآمال ذا رتب ... عليّة ويد في الفضل مقتدره
35- يا ربّ أفنان «4» مدح فيك قد سطرت ... فأصبح الجود في أوراقها ثمره
- 701- «5» وقوله: (طويل)
- 701-(19/533)
1- حلفت بما يملا النّديم «1» وما يملي ... لقد صان ذاك الحسن سمعي عن العذل
2- إذا كان كلّ الناس مشتغلا به ... فمن عاذلي فيه إذا كان من شغلي «2»
3- بروحي فتّان اللّواحظ طالب ... كرى مقلتي يوم النّدى «3» زدته عقلي
4- من المغل «4» أشكو نحوه ألم الهوى «5» ... وطبّ الهوى عندي كما قيل بالمغلي
5- أعيذ سناه والعذار وريقه ... بما قد أتى في النّون والنّمل والنّحل «6»
6- وأصبو إلى السّحر الذي في جفونه ... وإن كنت أدري أنّه جالب قتلي
.(19/534)
7- وأملأ أوصال الدّروج رسائلا ... فيبخل عنّي بالجواب من الوصل «1»
8- ويعجبني رمل المنجّم «2» باسمه ... وما ذاك إلّا حبّ من حلّ في الرّمل
9- يعلّلني مسرى الرّياح وطالما ... تعلّلت العشّاق بالرّيح من قبلي
307/ب
10- إذا سحبت جدوى «3» المؤيّد ذيلها ... تغطّي فخار الفضل في ذلك الفضل
11- مليك إذا رمنا مديح جلاله ... فأقلامنا تجري وأوصافه تملي
13- مجدّد أيام المدائح والنّدى ... وأدفع «4» أيام الشكاية «5» والأزل «6»
14- وباعثها للحرب جردا «7» سوابحا «8» ... كأنّ دم الأعداء «9» من تحتها يغلي
15- إذا حفيت فوق الجسوم تعوّضت ... بكلّ جبين كالهلال عن النّعل
16- إذا ما دعته الحرب يا قاتل العدى ... بدا فدعاه الجود يا قاتل المحل «10»(19/535)
17- يقدّم في أهل العلا شرف اسمه ... كما قدّم الاسم النحاة على الفعل
18- وتخدمه حتى النجوم محبّة ... ومن أجل ذا تعزى النجوم «1» إلى عقل
19- هو المرتقي فوق السّها بعزائم ... درت كيف ترقى للفخار وتستعلي
20- تفرّد لولا ناصر الدّين «2» بالعلا ... فيا حبّذا أنس الغضنفر بالشبل
21- هو النجل «3» يروي عن أبيه شمائلا ... وعن جدّه «4» والسابقين من الأهل
22- حوى الدّهر من مرآه «5» أشرف «6» نسخة ... فقابلها يوم المفاخر بالأصل
23- كأنك يا ظلّ العفاة بشخصه ... تسابقك العليا مسابقة الظّلّ «7»(19/536)
24- مشيلك «1» في يومي وغىّ ومكارم ... فقد «2» قمت أياما كثيرا بلا مثل
25- وملتقيا منّي مدائح عدّدت ... فرائدها «3» ليقا مقامك من قبل
26- أصوغ له منها فألحق نسله ... فأجمع بين الأب «4» والجدّ والنجل
27- فديتك ملكا في نداه وبشره ... غمام لمستجد وضوء لمستجلي «5»
28- تخيّرته دون الأنام ولذّ لي ... به بدل البعض الجميل من الكلّ
308/أ
29- وأنزلت آمالي لديه وإنّه ... لأكرم من آل المهلّب «6» في محل «7»
30- تفصّح لفظي مجزلات هباته ... فيحسن مدحي للجزيلة «8» بالجزل «9» «10»(19/537)
31- سقى الله أيام المؤيّد بالهنا ... إذا ما سقى الأيام بالطّلّ والوبل
32- لقد أمّنتنا من أذى كلّ حادث ... وقد فرّغتنا للتنعّم والدّلّ «1»
33- فلا جائر فينا سوى ساق غادة ... ولا ظالم إلّا من الأعين النّجل
- 702- «2» وقوله: (كامل)
1- تحلو «3» الثّغور بذكرك المتردّد ... حتى أهمّ بلثم ثغر مفنّدي
2- وأراك تتهمني «4» بصبر لم يكن ... يا متهمي هلّا وصالك منجدي
3- آها لمقلتك الكحيلة إنّها ... نهبت سويدا «5» كلّ قلب مكمد «6»
4- تلك التي في السّكر «7» فيها حانة ... قالت لحسنك في الخلائق عربد
5- دعجاء ساحرة لأنّ لحاظها ... تفري «8» جوانحنا بسيف فعمد
6- حظّي من الدّنيا هواي بجفنها ... يا شقوتي منها بحظّ أسود
7- عجبي «9» لوجهك وهو أبهى كوكب ... كم ذا يحار عليه عقل المهتدي
- 702-(19/538)
8- ولخدّك القاضي بمنع زكاته ... عنّي وقد أثرت يداه بسجد «1»
9- من لي بيوم من وصالك ممكن ... ولو أنّه يوم الحمام بلا غد
10- رفقا بناظري القريح فقد جرى ... ما قد كفى من عبرة «2» وتسهّد
11- وحشاشة «3» لم يبق فيها للأسى ... والهمّ إلّا نبذة «4» وكأن قد
12- هذى يدي في الحبّ إنك قاتلي ... طوع الغرام وإنّ حسنك لا يدي «5»
13- لو كان غير الحبّ كان مؤيّدا ... بمقام منصور اللّقاء مؤيّد
309/ب
14- ملك تصدّى للوفود بمنزل ... يردى بلثم ترابه قلب الصّدي «6»
15- متنوّع الآلاء أغنى بالنّدى ... وسطا فكفّ «7» المعتفي والمعتدي
16- وسرت لهاه لكلّ قاطن منزل ... سير الخيال «8» إلى جفون الهجّد
17- لو كان للأمواه جود بنانه ... لطوت ركاب «9» السّفن عرض الفدفد
18- ولو أنّ راحته تمرّ على الصّفا ... لارتاح للمعروف قلب الجلمد(19/539)
19- كان النّدى في آل برمك يدّعى ... فإذا به في الملك منه واليد «1»
20- لا تستقرّ بكفّه أمواله ... فكأنها نوم بمقلة أرمد
21- حبّا لإسداء الصّنائع والندى ... وهوى بأبكار العلى والسّؤدد
22- قضّت «2» مكارمه مآرب حبّه ... فلو أنّ قاصده درى لم يحمد
23- وحمى فجاج الأرض منه بهمّة «3» ... قالت لجفن السّيف دونك فارقد
24- كم أنشرت جدواه فينا حاتما «4» ... ولكم كفانا بأسه دهرا عدي «5»
25- ما لابن شاد «6» في العلى ندّ وسل ... عمّا ادّعيت سنا الكواكب تشهد
26- بين المكارم والعلوم فلا ترى ... بحماه إلّا سائلا أو مقتدي
27- أقواله للمجتبي ونكاله «7» ... للمجتري «8» ونواله للمجتدي
28- في كلّ عام لي إليه وفادة ... تغني قصيدي «9» عن سواه ومقصدي
29- نعم المليك متى ينادى في الورى ... لعلى فيا لك من منادى «10» مفرد
30- واصلت قولي في ثناه وحبّذا «11» ... متوحّد يثني على متوحّد
31- إن لم يكن هذا الحمى العالي فمن ... لنظام هذا اللّؤلؤ المتبدّد(19/540)
32- يا أيّها الملك المهنّى دهره ... صم ألف صوم بالهناء وعيّد
310/أ
33- واملك من العمر المؤيّد خلعة «1» ... ما تنتهي في العين حتى تبتدي
- 703- «2» وقوله: (طويل)
1- أمنزل ذات الخال حيّيت منزلا ... وإن كان قلبي فيك بالحزن «3» مبتلى «4»
2- لك الله قلبا لا يزال مقيّدا ... بوجد ودمعا «5» لا يزال مسلسلا
3- يعبّر عن سرّ الهوى وأضيعه ... فيا لك دمعا معربا صار مهملا «6»
311/ب
4- كفى حزني «7» أن لا أراقب لمحة ... ولا أنظر اللّذّات إلّا تخيّلا
- 703-(19/541)
5- وما أستزير «1» الطّين خوف فراقه ... لما ذقت من طعم التفرّق أوّلا
6- وأقسم لو جاد الخيال بزورة ... لصادف باب الجفن بالفتح مقفلا
7- وأغيد قد أنضى عذولي «2» ذكره ... فقل في أسى أضنى «3» محبّا وعذّلا
8- غرير رنت أجفانه ووصفته ... فراح كلانا في الهوى «4» متغزّلا
9- بليت به ساجي الجفون «5» كليلها ... وما زال تعذيب الكليلة أطولا
10- إذا ما بدا أوصال أو ماس «6» أو رنا ... فما البدر والخطيّ واللّيث والطّلا «7»
11- وقالوا أتحكيه الغزالة في الضحى ... فقلت ولا لحظ الغزالة في الفلا
12- تبارك من في الحسن مكّن شخصه ... ومكّن إسماعيل من رتب العلى «8»(19/542)
13- مليك هوى شأو الكواكب قاعدا ... وجاوز غايات (الكواكب منزلا) «1»
14- يقولون أعدى باليمين يساره ... فقلت فمن أعدى «2» الذي جاد أوّلا
15- ومن في المعالي قد تقدّم ورده ... أجل إنّها عادات آبائه الألى
16- أخو كرم «3» تبغي العواذل عطفه ... فتلقاه «4» أندى ما يكون معذّلا
17- له راحة ضمّت يراعا ومرهفا ... كأنّهما زاداه في الكفّ أنملا «5»
18- يراع» إذا مدّته يمناه للنّدى ... رأيت عباب البحر قد مدّ جدولا «7»
19- وسيفا كأنّ القين «8» سوّاه «9» جذوة ... فلو لم يعاهد «10» بالطّلا «11» لتأكلا
20- مضى وحسام الرأى والذهن قبله ... إذا طرقا الأقران في الطّيف جدّلا «12»
21- ألا ربّ شأو رامه فتسهّلت ... ذراه وصعب راضه «13» فتذلّلا
22- وجيش كأنّ الأفق يلبس نقعه ... رداء بأطراف الأسنّة مخملا «14»(19/543)
314/أ
23- رماه بعزم فانجلت «1» ظلماته ... ولو رامة الصّبح المنير لما انجلى
24- وبيداء مقفار «2» إليه قطعتها ... فلاقيت معلوما وفارقت مجهلا
25- وقضيّت في ظلّ النّعيم لياليا ... لو انتفضت «3» كانت كواعب تجتلى «4»
26- لبابك يا ابن المالكين بعثتها ... أو من مدح عن الغير جفّلا «5»
27- شببت لها فكري ففاحت «6» حروفها ... كأني قد دخّنت «7» في الطّرس مندلا «8»
28- وأنت الذي أسعفتني فصنعتها ... ولولا الحيا «9» ما أصبح التّرب مبقلا «10»
29- وأعتقت رقّي من خمول وفاقة «11» ... فحزت ولا قلبي «12» وللمعتق الولا
30- بقيت لهذا الدّهر تبسط إن أسا ... يديك فما ينفكّ أن يتنصّلا «13»
31- حلفت يمينا ليس مثلك في الورى ... فما شرع «14» المفتون أنّ أتحلّلا(19/544)
- 704- «1» وقوله: (بسيط)
1- نجم تولّد بين الشّمس «2» والأسد ... هنّئت بالوالد الأزكى وبالولد
2- ودام ملكك مضروبا سرادقه «3» ... على ضروب التّهاني آخر الأبد
3- يا حبّذا الملك قد مدّت سعادته ... ما شئت من عضد سام إلى عضد
4- وحبّذا بيت إسماعيل «4» مرتفعا ... على قواعد أمست جمّة العمد
5- جاء البشير بنجل النجل مقتبلا ... فيالها من يد موصولة بيد
6- فرع من الدّوحة العلياء مطّلع ... مع أنّه من ثمار القلب والكبد
7- مدّت إليه المعالي كفّ حاضنة «5» ... وضمّه الملك ضمّ الرّوح بالجسد
8- وماست السّمر بالإعجاب وابتسمت ... بيض لسّيوف وقرّت أعين الزّرد
9- وغرّدت بأغانيها القسيّ على ... أو تارهنّ غناء الطّائر الغرد
313/ب
10- واستشرف «6» القلم العالي للثم يد ... عريقة سوف تعلو فوق كلّ يد
11- واختالت الخيل من زهو فوقّرها «7» ... ما سوف تحمل من عزم ومن جلد
- 704-(19/545)
12- كأنّني بفتى المنصور «1» ممتطيا ... جيادها الغرّ في فرسانه النّجد
13- نحو الغزاة ونحو الصّيد يعملها ... إمّا الطّراد «2» وإمّا لذّة الطّرد
14- لله كوكب سعد في سماء على ... لو حلّ في الأفق لم يظلم «3» على أحد
15- له مخايل من مجد تكلّمنا ... في مهده بلسان الحلم والرّشد
16- تكاد تنضو وشاحيه حمائله ... وينزع «4» الذّرع عنه القمط «5» من جسد
17- عصائب الملك «6» أولى من عصائبه «7» ... فهنّ من غيرة في زي مرتعد
18- يا آل أيّوب «8» بشراكم بوجه فتى ... مظفّر الجدّ طلّاع على نجد «9»
19- يروي حديث المعالي عن أب فأب ... رواية «10» التبر في ألحاظ منتقد
20- هذا المؤيّد صان الله دولته ... قلّ في مناقبه الحسنى وزد وزد «11»
21- ملك له في ظلال العزّ منزلة ... ترنو إلى الفلك السّيّار من صعد «12»
22- محكّم الأمر للأقلام في يده ... وللسّيوف مقام الرّكّع السّجد «13»(19/546)
23- وناشر بنداه كلّ قافية ... (أخنى عليها الذي أخنى لبد) «1»
24- ذاك الذي في حماة «2» نبع أنعمه ... وقلب حسّاده للهمّ في صفد «3»
25- حدّثت في فضله «4» ثمّ استندت له ... فلا عدمت أحاديثي ولا سندي
26- وقمت أكسو بنيه من مدائحه ... ما يرفل الملك في أثوابه الجدد
27- الحمد لله أحياني وأمهلني ... حتى بلغت بعمري أكرم الأمد
28- الجدّ والأبّ والابن امتدحت فيا ... فوزي بها كلّها أحلى من الشّهد «5»
29- كأنّما الملك المنصور واسطة ... وليس في العقد درّ غير منفرد
30- ذو الجود والبأس في يومي ندى وردى ... ما بين منسجم طورا ومتّقد
314/أ
31- والسّيف والرّمح لا يهوى لغيرهما ... لمعا من الثغر «6» أو نوعا من الغيد
32- ونبعة الملك قد طالت وقد رسخت ... فالناس في ظلّها «7» في عيشة رغد
33- هنئت يا ابن عليّ في الفخار بها ... ومن بنيك «8» بمنصور ومعتضد
34- لولا مديحك ما اخترت القريض ولا ... والله مادار في فكري ولا خلدي
35- سددت رأيا حباك العزّ متّضحا ... فزادك الله من عزّ ومن سدد(19/547)
- 705- «1» وقوله: (طويل)
1- سرى طيفها حيث العواذل هجّع ... فنمّ علينا نشره المتضوّع
2- وبات يعاطيني الأحاديث في دجى ... كأنّ الثّريّا فيه كأس مرصّع
3- أجيراننا حيّى الرّبيع دياركم ... وإن لم يكن فيها لطرفي مربع
4- شكوت إلى سفح النّقا طول نأيكم ... وسفح النّقا بالنأي مثلي مروّع «2»
5- ولا بدّ من شكوى إلى ذي ضرورة «3» ... يواسيك «4» أو يسليك «5» أو يتوجّع «6»
6- فديت حبيبا قد خلا منه ناظري «7» ... ولم يخل منه في فؤادي موضع
7- مقيم بأكناف الفضا وهي مهجة ... وإلّا بوادي المنحنى وهي أضلع
- 705-(19/548)
8- أطال حجاب الصّدّ «1» بيني وبينه ... فمقلتي الجوزا «2» ودمعي ينبع
9- لئن عرضت من دون رؤيته الفلا ... فياربّ روض ضمّنا فيه مجمع
10- محلّ ترى فيه جوامع لذّة ... بها تخطب الأطيار والقضب تركع
11- قرانا «3» به نحو الهنا وملابس»
تجرّ وأيد بالمدامة ترفع
12- وقد أمّنتنا دولة شاذويّة «5» ... فما تختشي «6» اللأوا «7» ولا نتخشع «8»
13- مدائحها تمحو الأثام ورفدها «9» ... يعوّض عن وفر الغنى ما نضيّع
14- رعى الله أيام المؤيّد إننا ... وجدنا بها أهل المقاصد قد رعوا «10»
315/ب
15- مليك له في الجود صنع تأنقت ... معانيه «11» حتّى خلته يتصنّع
16- وعلياء لو أنّا وضعنا حديثها ... وجدنا سناها فوق ما كان يوضع
17- مذال الغنى لو حاولت كفّ سارق ... خزائنه ما كان في الشّرع تقطع «12»
18- أرانا طباق المال والمجد في الورى ... فذلك مبذول وهذا ممنّع
19- وجانس ما بين القراءة والقرى ... فللجود منه والإجادة مطلع(19/549)
20- توقّد ذهنا واستفاض مكارما ... فأعلم أنّ الشّهب بالغيث تهمع
21- وصان فجاج الملك بأسا وهيبة ... فلا جانب «1» إلّا لدى الروّض يرتع «2»
22- عزيمة وضّاح الخلائق أروع ... إذا قيل وضّاح الخلائق أروع «3»
23- تفرّق بالحمر القصار «4» يمينه ... لما راح بالسّمر الطّوال يجمّع
24- ولا عيب في أخلاقه غير أنّه ... إذا عذلوه في النّدى ليس يرجع
25- له كلّ يوم في السّيادة والعلى ... أحاديث تملي المادحين فتبدع
26- إذا دعت الحرب العوان «5» حسامه ... جلا أفقها والرّمح بالسّنّ «6» يقرع «7»
27- وإن مشت الآمال نحو جنابه «8» ... رأت جود كفّيه لها كيف يهرع
28- ولا تفتخر «9» من نيل مصر أصابع ... فما النّيل إلّا من يمينك إصبع
29- أيا ملكا لّما دعته ضراعتي ... تيقّنت أنّ الدّهر لي سوف يضرع
30- قصدتك ظمآنا فجدت بزاخر «10» ... أشقّ كما قد قيل فيه وأذرع
31- وفي بعض ما أسديت قنع وإنّما ... فتى كنت مرمى ظنّه ليس يقنع «11»(19/550)
32- لك الله ما أزكى وأشرف همّة ... وأحسن في العليا «1» بما يتنوّع
33- مديحك فرض لازم لي دينه ... ومدح بني العليا سواك تطوّع
- 706- «2» وقوله: (طويل)
1- وغيداء يعزى طرفها لكنانة «3» ... ومعطفها «4» الميّاد يعزى إلى النّضر «5»
2- حمت ثغرها عن راشف بلحاظها ... كذاك سيوف الهند تحمي حمى الثّغر
3- كأنّ جفوني حين تسفح بالبكا ... على حبّها كفّ المؤيّد بالتّبر
- 706-(19/551)
4- رعى الله أيام المؤيّد إنّها ... ولا برحت فينا مواسم للدّهر
5- مليك تساوى علمه ونواله ... كأنّهما بحران جاءا على بحر
6- مليك العلى بشراك بالعيد مقبلا ... وبشرى الورى من بحر «1» كفّك بالعشر
7- وهنّئت بالفطر الذي قام ناحرا «2» ... عداتك حتى أشكل «3» الفطر بالنّحر
- 707- «4» وقوله: (كامل)
1- أهوى بمرشفه «5» إليّ وقال: ها «6» ... ويلاه من رشأ أطاع وقالها
2- وأمالت الكاسات معطف «7» قدّه ... بقصاص ما قد كان قبل أمالها
3- فمصصت «8» من رشفاته معسولها ... وضممت من أعطافه عسّالها
4- وظفرت في اليقظات «9» منه بخلوة ... ما كنت آمل في المنام خيالها
5- ولربّما أهدى بكأس مدامة ... لولاه ما حملت يدي جريالها «10»
6- طبخت بنار خدوده في كفّه ... فقبلتها وشربت منها حلالها «11»
- 707-(19/552)
7- حتى إذا هوت النجوم وأطفأت ... في الصّبح أنفاس النّسيم ذبالها «1»
8- ولّى وأسأر «2» في الجوانح حسرة ... لو شاء عائذ وصله لأزالها
9- ومضى بشمس محاسن لولا الهوى «3» ... ما كنت أمسك في الوفاء حبالها
10- ومن البليّة عذّل قد ضمّنت ... ثقل «4» الكلام مقالها وفعالها
317/ب
11- يا ليت أرض العاذلين تزلزلت ... أو ليتها لا أخرجت أثقالها
12- والنّجم من كأس الحبيب وخدّه ... لا زاغ «5» فكري عن هواه ولا لها «6»
13- بأبي «7» بديع الحسن ناء شخصه ... سلب الكواكب حسنها ومثالها «8»
14- متلوّن الأخلاق إلّا أنّها ... لشقاوتي ليست تملّ ملالها
15- لو ذاق حالة مهجتي ما راعني ... دعه يروع ولا يقاسي حالها
16- هي مهجة «9» ليست تجاور «10» صبرها ... كيد المؤيّد لا تجاور مالها
17- جادت يد الملك المؤيّد جود من ... لم تخش بسطة «11» كفّه إقلالها(19/553)
18- يا عاذل الملك المؤيّد في النّدى ... هي صبوة «1» قد أتعبت عذّالها
19- وشمائل مدّت يمين مكارم ... لم ترض أن يدعى الغمام شمالها
20- سبقت سواك «2» عفاتها وتعمّقت ... في الجود حتى سابقت آمالها
21- ما لابن شاد «3» في العلى مثل فدع ... علياه تضرب في الورى أمثالها
22- رقمت بنو «4» أيّوب نسخة أصلها ... وأتى فكان تمامها وكمالها
23- ملك تطاولت المطالب نحوه ... لكنّه بأقل طول نالها «5»
24- متطابق النّعماء صانت كفّه ... سرح «6» القريض وشرّدت أموالها
25- أخذت براءتها «7» العفاة بدهره ... ممّا تخاف وقسّمت أنفالها «8»
26- نعماه فى عصب «9» قلائد حليها ... فإذا بغت عصب غدت أغلالها
27- يا ربّ مكرمة وربّ كريهة ... أضحى معيد حياتها قتّالها
28- ومسائل في العلم أشكل أمرها ... حلّا وحلّ لطالب إشكالها
29- بيراع سيف أو بسيف يراعة ... فضل الأمور جلادها وجدالها(19/554)
30- قل للمثّل «1» فى البسيطة وصفه ... دع سحبها وبحارها وجبالها
318/أ
31- هاتيك أمثلة دنت عن قدره ... فاطلب لهاتيك الصّفات مثالها
32- لحماك يا ابن المالكين ترقّبت «2» ... فكر الرّجا رقبى العيون هلالها
33- أمّا حماة فنعم دار سيادة ... نصبت «3» بمدرجة «4» الطّريق جلالها «5»
34- يسعى لمكّة وافد ولأرضها ... ولنعم أرضا وافد يسعى لها
35- هاتيك قبلة من يروم رشادها ... وحماه قبلة من يروم نوالها
36- في كلّ حول حالها «6» لي معجب ... لله ما أشهى إذا أحوالها
37- شكرت لهاك فما أشكّ بأنني ... ثقّلت وهي مطيقة أثقالها
38- أغنيتني عن كلّ ذى مال فلم ... أفتح يدا لسوى نداك ولا لها
39- وكفيتني حتى قفوت «7» معاشرا ... كثر النّدى فاستكثرت أطفالها(19/555)
40- أيّام مالي غير قصدك حيلة ... تنجي وتنجح في الورى بطّالها «1»
41- لا زلت مقصود الحمى بقصائد ... أصبحت عصمة أمرها وثمالها «2»
42- لولاك لم يخطر ببالي نظمها ... لا والذي يلقاك أنعم بالها
43- سألت روايات النّدى فتأخّرت ... عنها الورى وأجزت أنت سؤالها
- 708- «3» وقوله: (بسيط)
1- يا صاحيّ أرانا الدّهر شوّالا ... فبادرا وانصبا باللّذّة «4» الحالا
2- واستعطفا بالطّلا حلو الدّلال به ... منّا عبيد ومن ألفاظه لا لا «5»
3- لا تحذرا مع عفو الله موبقة «6» ... تحصى ولا مع ندى السّلطان إقلالا
4- جاد المؤيّد حتى كدت أحسبه ... مع فضل فطنته لا يعرف المالا
5- ولا كحلت بمرأى مثله بصري ... هذا وقد جبت ظهر الأرض أميالا
6- فليهنه من هلال العيد مقترب «7» ... يدنو ليركع إعظاما وإجلالا
- 708-(19/556)
7- حتى ترى نونه من فرط خدمتها ... تودّ لو صيّرت لي أفقها دالا
- 709- «1» وقوله: (خفيف) 319/ب
1- ما يقول المقام أيّده اللّ ... هـ ولا زال بالسّعود «2» يحوز
2- في وليّ «3» ببابه ترك الخ ... لق ووافى «4» يجوز أم لا يجوز
- 710- «5» وقوله: (بسيط)
1- يا جوهر الفضل إن عدّت فرائده «6» ... حاشا (لمثلك) «7» أن يشكو من العرض «8» «9»
2- لا ردّ سهمك عن نحر العداة ولا ... نالوا من السّهم ماراموا من الغرض
3- صحّت بصحّتك الدّنيا فليس لها «10» ... غير الذي في جفون الغيد من مرض
- 709-
- 710- ا(19/557)
- 711- «1» وقوله: (كامل)
1- هنّئت شهرا بالسّعادة مقبلا ... يا من أفاض على الورى نعماءه
2- أسمعته فيك النّداء «2» مخبّرا ... فانظر لمن سمع الأصمّ ثناءه
- 712- «3» وقوله: (طويل)
1- أيا ملكا أيّامه الغرّ كلّها ... مواسم تلقى النّاس باليمن والغرّ «4»
2- تهنّ بعيد النّحر وابق ممتّعا ... بأمثاله سامي العلى نافذ الأمر
3- تقلّدنا فيه قلائد أنعم ... وأحسن ما تبدو القلائد في النّحر
- 713- «5» وقوله: (كامل)
1- يا أيّها الملك الذي كلّ الرّجا ... والرّوع بين يراعه وحسامه
2- هنّئت عاما «6» مثل طرف سابق ... يسعى به المخدوم نحو مرامه «7»
- 711-
- 712- ا
- 713-(19/558)
3- جمع الثّريّا والهلال وإنّما ... وافى إليك بسرجه ولجامه
- 714- «1» 320/أ (قوله) : (متقارب)
1- كفاني المؤيّد عتب الزّمان ... وأنقدني من إسار «2» الشّقا
2- فكان ولائي له مخلصا ... لأنّ الولاء لمن أعتقا
- 715- «3» وقوله: (كامل)
1- أمّا حماة فعيش ساكنها ... صفو وكلّ زمانه سحر
2- إسكندر «4» الأيام مالكها ... بدليل أنّ وزيره الخضر «5»
- 716- «6» وقوله: (كامل) - 714-
- 715-
- 706-(19/559)
1- هنّئت يا ملك السّماحة «1» والنهى «2» ... شهرا يزورك بالهنا معتادا
2- تسدي «3» به مننا وتكبت «4» حسّدا «5» ... فتفطّر «6» الأفواه والأكبادا
- 717- «7» وقوله: (كامل)
1- أقسمت ما الملك المؤيّد في الورى ... إلّا الحقيقة والكرام مجاز «8»
2- هو كعبة للجود ما بين الورى «9» ... منها وبين الطّالبين حجاز
- 718- «10» وقوله: (كامل)
1- يفديك «11» من لك في حشاه مودّة ... فإذن أجلّ العالمين لك الفدا
2- وعداك أرضى أن تعيش فإنّها ... ببقاك في عيش أمرّ من الرّدى
- 717-
- 718-(19/560)
- 719- «1» وقوله: (بسيط)
1- يا أيّها الملك المربي «2» برؤيته ... عن كلّ فضل سمعناه عن الأول «3»
2- كم جملة وصلت لي من نداك وكم ... تفصيلة «4» ألبستني أجمل الحلل
3- لقد غدت فكر الأمداح حائرة «5» ... بين التفاصيل من نعماك والجمل
- 720- «6» 341/ب وقوله: (رمل)
1- يا مليكا تنظر الشّهب «7» له ... مثل ما ينظر للشّهب الورى
2- دم كذا في كلّ وقت سامعا ... مدحا تعني «8» مداها الفكرا
3- كلّما أوردت «9» منها قصصا ... حرجت منها صدور «10» الشّعرا
- 719-
- 720-(19/561)
- 721- «1» وقوله: (بسيط)
1- فتحت للناس أبواب المقاصد لا ... تعطّلت من حماك الرّحب أبواب
2- هذا له سبب فيما يحاوله ... وذا له من مقال الشّعر أسباب
- 722- «2» وقوله: (سريع)
1- لا تقيسوا ابن سنان في النّدى ... بابن أيّوب قياسا «3» منخرم
2- فرق ما «4» بينهما متّضح ... أين من جود فتى جود هرم
- 723- «5» وقوله: (بسيط)
1- فديت من آل أيّوب لنا ملكا ... سار من الشّيم «6» العليا على جدد
- 721-
- 722-
- 723-(19/562)
2- حدّثت عن فضله ثمّ استندت له ... فلا عدمت أحاديثي ولا سندي «1»
- 724- «2» وقوله: (كامل)
1- يا مجلس ابن عليّ «3» حيّتك الصّبا ... وسقى مرابعك الغمام الهامع
2- صفّت بك الأغصان صفّ جماعة ... فالغصن «4» إمّا قائم أو راكع
3- ورقى إليك الطّير» منبر أيكة ... فعلمت أنّك للمسرّة جامع
- 725- «6» وقوله: (طويل)
1- رعى الله بحرا فوق أرجاء بحره «7» ... تكاد تحاكي «8» بسط «9» يمناه بالنّدى
2- وتبدو كما هبّ النّسيم كمبرد ... فلا غرو أن تجلو «10» عن المهج الصّدى
- 724-
- 725-(19/563)
- 726- «1» 322/أوقوله: (سريع)
1- لله تصنيف «2» له رونق ... كرونق الحبّات «3» في عقدها
2- كادت تصانيف الورى عنده ... تموت للهيبة في جلدها
- 727- «4» وقوله: (بسيط)
1- يا أقرب الناس من مدح ومن كرم ... وأبعد الناس من عاب ومن عار
2- أقسمت لولا أياديك التي اشتهرت ... ناداني الزّمن المودي بأشعاري
- 726-
- 727-(19/564)
3- (دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الجائع العاري)
- 728- «1» وقوله: (خفيف)
1- سر على اليمن والسّعادة يا من ... شيّد الله بالمعالي «2» مكانه
2- أنت سهم الله «3» ما كان يخلي ... منه أو طان مصر وهي كنانه
- 729- «4» وقوله: (خفيف)
1- يا مليكا به عن الدّهر يرضى ... وبآرائه الخطوب تراض «5»
2- بالهنا والسّعود مقدمك الزّ ... ائد عمّا تمنّت الأغراض
3- سبقتك الأخبار تنفح «6» روضا ... ثمّ وافى غمامك الفيّاض
4- ما رأينا من قبلها غيث عام ... سبقته إلى القدوم الرّياض
- 528-
- 729-(19/565)
- 730- «1» وقوله: (طويل)
1- على اليمن والنّعمى قدومك إنّه ... قدوم الحيا السّاري إلى كلّ ظمآن
2- وعودك للأوطان من مصر فائزا ... بملك ومن أرض الحجاز بغفران
3- حلفت بدهر أنت غوث عفاته ... لقد نقدت «2» فيه العفاة بسلطان
- 731- «3» 323/ب وقوله: (طويل)
1- ألا في سبيل الله نصل عزائم ... وعلم غدا في باطن التّرب مغمدا
- 730-
- 731-(19/566)
2- على الرّغم منّا أن خبا منه رونق ... وجاوبنا من حول تربته الصّدى
- 732- «1» وقوله: (طويل)
1- لعمري قد «2» أقحمت «3» بالفضل منطقي ... وقد كنت ذا نطق وفضل بيان
2- وحرّكت «4» ميزاني فأثنى لسانه ... فلا زلت مشكورا بكلّ لسان
- شاهنشاه بن أيوب بن شادي.
وكان والده الملك المؤيد قد سمّاه في حياته الملك المنصور، فلما توفي والده في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، ورسم له السلطان الملك الناصر بمكان أبيه سماه الأفضل. وكان إنسانا حسنا يعطي العطاء الوافي الوافر، وكان أبوه أسعد منه، وما زال مروى مدة حياته. وكان قد نسك في وقت وجلس على الصوف والتزم بأن لا يسمع الشعر، ثم ترك ذلك وجلس على الحرير وسمع الشعر. رآه الصفدي وولاه نظر المدرسة التقوية بدمشق وسمع كلامه فما كان يخلو من استشهاد بشعر مطبوع، أو مثل مشهور، حضر إلى دمشق في أوائل شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وقد رسم السلطان الملك الأشرف علاء الدين كجك ابن السلطان الملك الناصر بحضوره إلى دمشق ليكون بها مقيما أمير مائة رأس الميسرة، فركب بها موكبين وحصل له قولنج أعقب بصرع فتوفي ليلة الثلاثاء حادي عشر الشهر المذكور، فرثاه شاعره وشاعر أبيه من قبله جمال الدين محمد بن نباتة، كما رثاه علي بن مقاتل الحموي بعدة مرات. الوافي بالوفيات 2/224 والنجوم الزاهرة 9/100 والسلوك 2/615، وخزانة الأدب 10
- 732-(19/567)
- 733- «1» وقوله: (مخلع البسيط)
1- أشكو إلى الله ما أقاسي ... من شدّة الفقر والهوان
2- أصبحت من ذلّة وعري ... مافيّ داف سوى لساني
- 734- «2» وقوله: (منسرح)
1- أهواه لدن القوام منعطفا ... يسلّ من مقلتيه سّيفين
2- وهبت قلبي له فقال عسى ... نومك أيضا فقلت من عيني
- 735- «3» وقوله: (طويل)
1- أتيتك يا أزكى البريّة «4» جامعا ... لأمرين في يوم من الدّهر وافد
2- هنى وعزا «5» لا عتب فيه لأنّني ... أهنّي بعشر إذ أعزّي بواحد
- 733-
- 734-
- 735-(19/568)
- 736- «1» وقوله: (خفيف)
1- عاد غيث الورى فأهلا وسهلا ... لا عدمنا مرعى لديك وظلّا
2- سيف ملك يثني الزّمان عليه ... حبّذا بالثّناء سيف محلّى
3- يا أشدّ الورى بعادا وهجرا ... وأجلّ الورى قدوما ووصلا
- 737- «2» 324/أوقوله: (متقارب)
1- أيا صاحب النّعم الباهرات «3» ... إليك بعثت مقالي النّظيم
2- وأهديت منه يتيم العقود «4» ... وحاشاك تكسر قلب اليتيم
- 738- «5» وقوله: (سريع)
1- مبقّل «6» الوجه أدار الطّلا ... فقال لي في حبّها عاتبني «7»
- 736-
- 737-
- 738-(19/569)
2- عن أحمر المشروب ما تنتهي «1» ... قلت ولا عن أخضر «2» الشارب
- 739- «3» وقوله: (وافر)
1- وكنت أظنّ في كبري صلاحا ... يكفّر زلّة السّنّ الصّغير
2- فلمّا أن كبرت ازددت نحسا «4» ... فقل ما شئت في النّحس الكبير
- 740- «5» وقوله: (كامل)
1- ما بال ليلي لا يسير كأنّما ... وقفت كواكبه من الإعياء
2- وكأنّما كيوان في آفاقه ... أعمى يسائل عن عصا الجوزاء
- 739-
- 740-(19/570)
- 741- «1» وقوله: (وافر)
1- تحمّل حيث «2» كنت صداع قصدي ... فقصد سواك مالا يستطاع
2- إذا ما كنت للرّؤساء رأسا ... فلا تنكر إذا حصل الصّداع «3»
- 742- «4» وقوله: (سريع)
1- قلت وقد أقبل في أحمر ... وشعره المسبل «5» كالحندس «6»
2- يا عجبا للشّمس شمس الضّحى ... طالعة باللّيل «7» في أطلس «8»
- 743- «9» 325/ب وقوله: (متقارب)
1- تصدّق برفد «10» على السّائلي ... ن ما دام يمكن «11» رفد جميل «12»
- 741-
- 742-
- 743-(19/571)
2- ولا تأمننّ عروض «1» الزّمان ... فإنّ الزّمان فعول فعول
- 744- «2» وقوله: (طويل)
1- تركت للفظ الحاجبيّة رونقا ... له لا لألفاظ الأوائل تقبل
2- إذا كتب النّحو استمالت عيوننا ... أبينا وقلنا الحاجبيّة أوّل
- 745- «3» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- لمّا تبدّى في الحني ... ن «4» تحاربت كبدي وعيني
2- فاعجب لها من غرّة «5» ... جاءت ببدر «6» في حنين «7»
- 744-
- 745-(19/572)
- 746- «1» وقوله: (طويل)
1- تداينت من زيد فلما صرفته «2» ... بنعماك أضحى عمرو نحوي قاصدا
2- وما ضرّني دين وفعلك سالم ... يصرّف لي «3» زيدا وعمرا وخالدا
- 747- «4» وقوله: (بسيط)
1- قضى وما قضيت منكم لبانات ... متيّم عبثت فيه الصّبابات
- 746-
- 747-(19/573)
2- ما فاض من جفنه يوم الرّحيل دم ... إلّا وفي قلبه منكم جراحات
3- أحبابنا كلّ عضو في محبّتكم ... كليم وجد فهل للوصل ميقات «1»
4- غبتم فغابت مسرّات القلوب فما ... أنتم برغمي «2» ولا تلك المسرّات
5- يا حبّذا في الصّبا عنكم شفاء «3» هوى ... وفي بروق الغضى منكم إشارات
6- وحبّذا زمن اللهو الذي انقرضت ... أوقاته الغرّ والأعوام ساعات «4»
7- أيام ما شعر البين المشتّ «5» بنا ... ولا خلت من معاني «6» الأنس أبيات
326/أ
8- حيث الشباب قضاياه منفّذة ... وحيث لي في الذي أهوى ولايات «7»
9- وربّ حانة خمّار طرقت ولا ... حانت ولا طرقت للقصف «8» حانات «9»
10- سبقت قاصد مغناها وكنت فتى ... إلى المدام له بالسّبق عادات
11- أعشو إلى ديرها الأقصى وقد لمعت ... تحت الدّجى فكأنّ الدّير مشكاة «10»(19/574)
12- وأكشف الحجب عنها وهي صافية ... لم يبق في دنّها إلّا صبابات
13- راح زحفت على جيش الهموم بها ... حتى كأنّ سنا الأكواب رايات «1»
14- مصونة السّرّ «2» ماتت دون غايتها ... حاجات قوم وللحاجات أوقات
15- تجول حول أوانيها أشعّتها ... كأنّما هي للكاسات كاسات
16- كأنّها في أكفّ الطائفين «3» بها ... نار تطوف بها في الأرض جنّات
17- من كلّ أغيد في دينار وجنته ... توزّعت في قلوب الناس حبّات
18- مسلسل «4» الصّدغ طوع الوصل منعطف ... كأنّ أصداغه للعطف واوات
19- ترنّحت «5» وهي في كفيه من طرب ... حتى لقد رقصت تلك الزّجاجات
20- وقمت أشرب من فيه وخمرته ... شربا تشنّ «6» به في العقل غارات
21- وينزل اللّثم خدّيه فينشدها ... هي المنازل لي فيها علامات
22- سقيا لتلك اللّييلات «7» التي سلفت ... فإنّما العمر هاتيك اللّييلات
23- غنّت لها كلّ أوقات السّرور كما ... غنّت لفضل كمال الدّين سادات «8»
24- حبر «9» رأينا يقين الجود من يده ... وأكثر الجود في الدّنيا حكايات(19/575)
25- سما على الخلق فاستسقوا «1» مواهبه ... لا غرو أن تسقي الأرض السماوات
26- واستأنف «2» الناس للأيام طيب ثنا ... من بعد ما كثرت فيها الشّكايات
327/ب
27- لا يختشي فوت جدوى «3» كفّه بشر ... كأنّ جدواه أرزاق وأوقات «4»
28- ولا تزحزح عن فضل شمائله ... كأنّها لبدور الفضل هالات «5»
29- يا شاكي الدّهر يمّمه وقد غفرت ... من حول أبوابه للدّهر زلات
30- ويا أخا السّعي في علم وفي كرم ... هذي الهدايا وهاتيك الهديّات «6»
31- لا تطلبنّ من الأيام مشبهه ... ففي طلابك للأيام إعنات «7»
32- ولا تصخ «8» لأحاديث الذين مضوا ... ألوى «9» العنان بما تملي الرّوايات
33- طالع فتاويه «10» واستنزل فتوّته ... تلق الإفادات تتلوها الإفادات
34- وخبّر الوصل 1» في فضل لصاحبه ... تكاد تنطق بالوصف الجمادات(19/576)
35- حامي الذّمار «1» بأقلام لها مدد «2» ... من الهدى واسمه في الطّرس مدّات
36- قديمة تمنع الإسلام من خطر ... فاعجب لها ألفات وهي لامات
37- تعلّمت بأس آساد وجود حيا «3» ... منذ اغتدت وهي للآساد غايات
38- وعوّدت قتل ذي زيغ «4» وذي خطل «5» ... كأنها من كسير «6» الحظّ فضلات
39- وجاورت يد ذاك البحر فابتسمت ... هنالك الكلمات والجوهريات
40- أغرّ يهوى معاد «7» القول فيه إذا ... قيل المعادات وأخبار معادات
41- في كلّ معنى دروس «8» من فوائده ... ومن يودئ نعماه إعادات
42- صلّى وراء أياديه الحيا «9» فعلى ... تلك الأيادي من السّحب التّحيّات
43- وصدّ عمّا يروم اللّوم نائله ... فلا تفيد «10» ولا تجدي الملامات
44- يرام تأخير جدواه وهمّته ... بقول إيها «11» وللتأخير آفات
45- من معشر نجب ماتوا وتحسبهم ... للمكرمات وطيب الذّكر ما ماتوا(19/577)
328/أ
46- ممدّحين لهم في كلّ شارقة ... برّ وبين خبايا اللّيل «1» إخبات «2»
47- بيت أتمّته «3» أوصاف الكمال كما ... تمّت بقافية المنظوم أبيات
48- ما روضة قلّدت أجياد «4» سوسنها ... من السّحاب عقود لؤلويات
49- وخطّت الريح خطا في مناهلها ... كأنّ قطر الغوادي فيه جريات «5»
50- يرقى الحمام المصافي دوحها فلها ... خلف السّتور على العيدان رنّات
51- يوما بأبهج «6» من أخلاقه سيرا «7» ... أيّام تنكر أخلاق سريّات «8»
52- ولا النّجوم بأنأى من مواطئه «9» ... أيام تقتصر الأيدي العليّات
53- قدر علا فرأى في كلّ شمس ضحى ... جماله فكأنّ الشّمس مرآة
54- وهمّة ذكرها سام وأنعمها ... فحيثما كنت أنهار وجنّات «10»
55- يا ابن المدائح إن يمدح «11» سواك بها ... فتلك فيهم عوار مستردات(19/578)
56- الله جارفك من عين الزّمان «1» لقد ... تجمّعت للمعالي فيك أشتات
57- جاورت بابك فاستصلحت لي زمني ... حتى وفى «2» وانقضت تلك العداوات
58- ولاطفتني اللّيالي فهي «3» حينئذ ... من بعد أهلي عمّات وخالات
59- ونطّقتني الأيادي بالعيون ثنا ... فللكواكب «4» كالآذان إنصات
60- خذها عروسا لها في كلّ جارحة «5» ... لواحظ وكؤوس بابليّات
61- أوردت سؤددك الأعلى مواردها ... وللسّها في مجرّ الأفق «6» عبّات «7»
62- نعم الفتى أنت يستصفى «8» الكلام له ... حتى تسير له في العقل سورات «9»
63- ويطرب المدح فيه حين أذكره «10» ... كأنّ منتصب الأقلام نايات
64- ما بعد غيثك غيث يستجاد «11» ولا ... من بعد إثبات قولي فيك إثبات(19/579)
329/ب
65- حزت المحامد حتى ما لذي شرف ... من صورة الحمد لا جسم ولا ذات
- 748- «1» وقوله: (سريع)
1- في دعة الله وفي حفظه ... مسراك والعود بعزم نجيح
2- لو جاز أن تسلك «2» أجفاننا ... إذا فرشنا كلّ جفن قريح «3»
3- لكنّها بالبعد معتلّة ... وأنت لا تسلك غير الصحيح
- 748-(19/580)
- 749- «1» وقوله: (كامل)
1- يا هاجرين ترفّقوا بمتيّم ... ذي مدمع سار ووجد قاطن «2»
2- لسع الجفاء حشاه وهو يرومكم ... حقا لقد أمسى سليم الباطن
- 750- «3» وقوله: (بسيط)
1- لله خال على خدّ الحبيب له ... في العاشقين كما شاء الهوى عبث
2- أورثته حبّة القلب القتيل به ... وكان عهدي أنّ الخال «4» لا يرث
- 751- «5» وقوله: (سريع)
1- وأغيد ينهب أرواحنا ... ووجهه كالرّوض بسّام
- 749-
- 750-
- 751-(19/581)
2- تنمّ «1» خدّاه بقتل الورى ... فخدّه ورد ونمّام
- 752- «2» وقوله: (كامل)
1- وبمهجتي رشأ يميس قوامه ... فكأنّه نشوان من شفتيه
2- شغف العذار بخدّه ورآه قد ... نعست لواحظه «3» فدبّ عليه
- 753- «4» وقوله: (مخلع البسيط)
1- واحربا من هوى رشيق ... معذّر كالقضيب «5» مائل
330/أ
2- عذاره لا يغيث دمعي «6» ... وسائل «7» لا يجيب سائل
- 752-
- 753-(19/582)
- 754- «1» وقوله: (وافر)
1- عجبت لحاسد أضناه أمري ... وحمّلني لهذا الأمر همّه
2- كلانا فائض الأجفان مهما ... بكى حنقا «2» بكيت عليه رحمه
- 755- «3» وقوله: (سريع)
1- زد كلّ يوم في العلى رفعة ... وليصنع الحاسد ما يصنع
2- الدّهر نحويّ كما ينبغي ... يدوي الذي يخفض أو يرفع
- 754-
- 755-(19/583)
- 756- «1» وقوله: (كامل)
1- لم أنس موقفنا بكاظمة «2» ... والعيش مثل اللّيل «3» مسدد
2- والدّمع ينشد في مسائله ... (هل للطّلول «4» لسائل ردّ)
- 757- «5» وقوله: (طويل)
1- بقيت مدى الدّنيا جمالا لدولة ... لها منك شهم في اللّقا ورئيس
- 756-
- 757-(19/584)
2- تسوق لها غرّ الفتوح «1» جنائبا ... وأوّل هاتيك الجنائب سيس «2»
- 758- «3» وقوله: (كامل)
1- رحلت إليك ركائب ومدائح ... فإليك يقصد «4» راغب ويقصّد
2- وزهت بك الأرض التي أوليتها «5» ... من بعد ما أمست بغيرك تكمد «6»
3- وإذا نظرت إلى البقاع «7» وجدتها ... تشقى كما تشقى الرّجال وتسعد
- 758-(19/585)
- 759- «1» وقوله: (بسيط)
1- سقيا لدهري إذ أعصي الملام وإذ ... أبغي المدام بتكبير «2» وتغليس «3»
331/ب
2- وأبذل التّبر في صفراء صافية ... كأنّ في الكأس ما قد كان في الكيس
- 760- «4» وقوله: (منسرح)
1- قد لقّبوا الرّاح بالعجوز وما ... تخرج ألقابهم عن العاده
2- ألا نت الغادة التي اجتمعت «5» ... فصحّ أنّ العجوز قوّاده
- 759-
- 760-(19/586)
- 761- «1» وقوله: (طويل)
1- بروحي نديم تشهد الرّاح أنّه ... قضى العمر باللّذات وهو خبير
2- تذكّر مزج الكأس عند وفاته ... فأوصى لها بالثلث وهو كثير
- 762- «2» وقوله: (مخلع البسيط)
1- تهنّ يا مجزل العطايا ... قدوم شهر له طلاوه
«3»
2- حلا وأثنى عليك صدقا ... فهو إذا صادق الحلاوه
- 763- «4» وقوله: (خفيف)
1- لك يا أزرق اللّواحظ مرأى ... قمريّ أضحى على الخلق رتيها
2- يا لها من سوالف وخدود ... ليس تحت الزّرقاء أحسن منها
- 761-
- 762-
- 763-(19/587)
- 764- «1» وقوله: (كامل)
1- قلم العذار بوجنتيك جرى ... وبسيف لحظك هان كلّ «2» دم
2- فاحكم على مهج الأنام «3» فقد ... أصبحت ربّ السّيف والقلم
- 765- «4» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- يا قلب أنت ومهجتي «5» ... متحاربان كما أرى
2- هاتيك تمنعك الرّقا ... د وأنت تمنعها الكرى «6»
332/أ
3- وأنا الذي قاسيت بي ... نكما العذاب الأكبرا
4- كفّا المدامع والأسى ... فلقد كفى ما قد جرى
- 764-
- 765-(19/588)
- 766- «1» وقوله: (متقارب)
1- أيا سيّدى أنّني قد عييت ... عن أن أشابه أهل الكرم «2»
2- فأرسلته مثل نهدّ «3» الشباب ... وودّي لو كان نهد الهرم
- 767- «4» وقوله: (بسيط)
1- شكرا لأنعم مولانا التي فضلت ... جهد الثّناء فأبدي وجه معترف
2- لو لم أكن للغنى أبغي تطلّبها ... طلبتها كونها نوعا من الشّرف
- 768- «5» وقوله: (خفيف)
1- لا تسل عن حديث دمعي لمّا ... ظعن الرّكب «6» واستقلّ «7» الفريق «8»
- 766-
- 767-
- 768-(19/589)
2- لوّنته وأمطرته جون ... خرّ «1» منها «2» الوادي وسال العقيق
- 769- «3» وقوله: (طويل)
1- تمتعت يا أ ... رى بغانية لها ... أمام وخلف طيّب ملتقاهما
2- حللت بهذا حلّة ثمّ خلّة ... بهذا فطاب الواديان «4» كلاهما
- 770-»
وقوله: (كامل)
1- يا ناظرا شجر النفوس بجامع ... جمعت مطالعه برؤيته الهنا
2- لو تعلم الشّجر التي قابلتها ... مدّت محيّية «6» إليك الأغصنا
- 769-
- 770-(19/590)
- 771- «1» وقوله: (سريع)
1- جفاني الدّرهم من بعدكم ... فبيتكم يفضي «2» إلى بيته
2- والذّهب المذكور لي مدّة ... ما وقعت (عيني) «3» على عينه
- 772- «4» وقوله: (منسرح) 333/ب
1- أصبحت يا مالكي تفيض «5» ندى ... ديناره منجح لأوطاري
2- إذا رويت الثّناء متّصلا ... أرويه عن مالك بن دينار «6»
- 771-
- 772-(19/591)
- 773- «1» وقوله: (بسيط)
1- كلّ يهنيك «2» بالتشريف محتفلا ... يا من بأيامه المعروف معروف
2- لكنّني بك أختار الهناء له ... فإنّ قدرك بالتشريف تشريف «3»
- 774- «4» وقوله: (كامل)
1- دع من شفيع صحبة ما أذنبت ... واهنأ بمحبوب الجمال بديع
2- وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع
- 775- «5» وقوله: (خفيف)
1- قالت البيض حين شبت تغزّل «6» ... وترحّل عن ودّنا بسلام
- 773-
- 774-
- 775-(19/592)
2- ما رأينا المشيب إلّا كثلج «1» ... أبيض بارد قليل المقام
- 776- «2» وقوله: (كامل)
1- من كان من هفواته «3» متنصّلا ... في باب عزّكم فما أتنصّل «4»
2- أظهرت إذ أذنبت فضل حلومكم ... فأنا امرؤ بذنوبه يتوسّل «5»
- 777- «6» وقوله: (رمل)
1- كان لي عبد «7» يسمّى فرجا ... نصب «8» الغير «9» عليه الشّبكا
2- وأنا اليوم كما تبصرني ... ليس عندي فرج «10» إلّا البكا
- 776-
- 777-(19/593)
- 778- «1» وقوله: (بسيط)
1- حازت صفات «2» عليّ «3» في الورى رتبا ... تظلّمت من ثناها الأنجم الزّهر
334/أ
2- أما ترى ما تشكّى «4» من أنامله ... عطارد وادّعى في وجهه القمر
- 779- «5» وقوله: (طويل)
1- وردت على الباب الجماليّ قاصدا ... فجاد ولاقى مقصدي بأياد
- 778-
- 779-(19/594)
2- ولي فرس قد بات ضيفا لطرفه ... فبات كلانا وهو ضيف جواد «1»
- 780- «2» وقوله: (طويل)
1- أهمّ بتسطير الذي أنا واجد ... إليك فيمحو «3» دمع عيني أفكاري «4»
2- فيا عجبا للدّمع بثّ سرائرا ... لغيري ودمعي مانعي بثّ أسراري
- 781- «5» وقوله: (كامل)
1- أفدي سطورا من كتابك أقبلت ... بعد الجفاء وآذنت برجوع
2- قبّلتها فاحمرّ نقش حروفها ... فكأنّني رمّلتها «6» بدموعي «7»
- 782- وقوله: (طويل)
1- أتى الملبس الصوف الذي قد بعثته ... لجبري يا أندى الأنام وتشريفي
- 780-
- 781-
- 782-(19/595)
2- فقابله الشّكران: شكر قصائدي ... وسجعي والشكران ما عادة «1» الصوفي «2»
- 773- «3» وقوله: (طويل)
1- يا ربّ لصّ سالب ناهب ... وهو من الحسن مليّ غني «4»
2- يرنو إلى سرب الظّبا لحظه ... فيسرق الكحل من الأعين «5»
- 784- «6» وقوله: (وافر)
1- مرضت فعادني أزكى البرايا ... وأغنى عن مراض الودّ «7» حادوا
- 783-
- 784-(19/596)
2- رأوا أنّي إلى الأجداث «1» ماض ... فقالوا كلّ ماض لا يعاد
- 785- «2» 335/ب وقوله: (وافر)
1- لقد عدناكم لّما مرضتم ... فلا «3» والله ما وافيتمونا
2- أقيموا في ضناكم أو أفيقوا ... فإن عدنا فإنّا ظالمونا
- 786- «4» وقوله: (متقارب)
1- ولمّا رنت لي ألحاظه ... رفعت بتكبيري الصّوت رفعا «5»
2- فيا لك في الحسن من شافع «6» ... تبدّى غزالا فكبّرت سبعا
- 785-
- 786-(19/597)
- 787- «1» وقوله: (بسيط)
1- وأغيد كلّ شيء فيه «2» يعجبني ... كأنّما هو مخلوق على شرطي
2- أجفانه السّود لا تخطى «3» إذا رشقت ... سهامها وسهام اللّيل ما تخطى
- 788- «4» وقوله: (سريع)
1- يا ربّ إنّ ابني وشعري كما ... تراهما في حالة حائله «5»
2- الشّعر محتاج إلى قابل «6» ... والابن محتاج إلى قابله «7»
- 787-
- 788-(19/598)
- 789- «1» وقوله: (سريع)
1- يا راحلا من بعد ما أقبلت ... مخايل للخير مرجوّه
2- لم تكتمل حولا وأورثتني ... ضعفا فلا حول ولا قوّه
- 790- «2» وقوله: (متقارب)
1- فأت عن محبيه أعطافه ... وأمسوا إلى الطّيف يستطلعون
2- فهاهم «3» قيام لفرط الأسى ... قليلا من اللّيل ما يهجعون
- 791- «4» 336/أوقوله: (كامل)
1- الله جارك إنّ دمعي جاري ... يا موحش الأوطان والأوطار
- 789-
- 790-
- 791-(19/599)
2- لمّا سكنت من التّراب حديقة «1» ... فاضت عليك العين بالأنهار
3- شتّان ما حالي وحالك أنت «2» في ... غرف الجنان ومهجتي في النار
4- خفّ النّجا بك يا بنيّ إلى السّرى ... فسبقتني وثقلت بالأوزار
5- ليت الرّدى إذ لم يدعك أهاب بي ... حتى ندوم معا على مضمار
6- ليت اللّقا «3» الجارى تمهّل ورده ... حتّى حسبت عواقب الإصدار
7- ما كنت إلّا مثل لمحة بارق ... ولّى وأغرى الجفن بالإمطار «4»
8- أبكيك ما بكت الحمام هديلها ... وأحنّ ما حنّت إلى الأوكار
9- أبكي «5» بمحمرّ الدّموع وإنّما ... تبكي العيون نظيرها بنضار
10- قالوا صغيرا قلت إنّ «6» وربّما ... كانت به الحسرات غير صغار
11- وأحقّ بالأحزان ماض لم يسئ ... بيد ولا لسن «7» ولا إضمار
12- نائي اللّقا وحماه أقرب مطرحا «8» ... يا بعد مجتمع وقرب مزار(19/600)
13- لهفي لغصن راقني بنباته ... لو أمهلته التّرب للإثمار
14- لهفي لجوهرة خفت «1» فكأنّني ... حجّبها «2» من أدمعي ببحار
15- لهفي لسار حار فيه تجلّدي ... وا حيرتي بالكوكب السّيّار «3»
16- سكن الثّرى فكأنه سكن الحشا ... من فرط ما اشتغلت «4» به أفكاري
17- أعزز عليّ بأنّ ضيف مسامعي ... لم يحظ من ذاك اللّسان بقاري «5»
18- أعزز عليّ بأن رحلت ولم تخض ... أقدام فكرك أبحر الأشعار
19- أعزز عليّ بأن رفقت «6» على الرّدى ... وعليك من دمعي كدرّ نثار
337/ب
20- أبنيّ إن تكس التراب فإنّه ... غايات أجمعنا وليس بعار «7»
21- ما في زمانك ما يسرّ مؤمّلا ... فاذهب كما ذهب الخيال الساري
22- لو أنّ أخباري إليك توصّلت ... لبكيت في الجنّات من أخباري
23- أحزان مدكّر «8» ووحشة مفرد ... ومقام مضيعة وذلّ جوار(19/601)
24- أبنيّ قد وقفت عليّ حوادث ... فوقفن «1» من طلل على آثار
25- ومضى البياض من الحياة وطيبها ... لكنّه أبقته فوق عذاري
26- نم وادعا فلقد تقرّح ناظري ... سهرا ونامت أعين السّمّار
27- أرعى النجوم وكلّ ذيل ظلامه «2» ... متشبّث بالنجم في مسمار
28- خلع الصّباح على المجرّة سجفه ... أم قسّمت شمس النّهار دراري
29- أم غاب مع طفلي «3» أخير دجنّتي ... لا كوكبي فيها ولا أسحاري
30- تبا لعادية «4» الزّمان على الفتى ... ولقد حذرت وما أفاد حذاري
31- وحويت دينارا لوجهك فانتحى «5» ... صرف المنون وراح بالدّينار
32- أبنيّ إنّي قد كنزتك في الثّرى ... فانفع أباك بساعة الإقتار
33- إن تسقه في الحشر شربة كوثر ... فلقد سقتك جفونه بغزار «6»
34- أبنيّ إن تبعد فإنّ مدى اللّقا ... بيني وبينك مسرع التّيار «7»
35- كيف الحياة وقد دفنت جوانحي ... ما بين أنجاد إلى أغوار
36- وحوى بنيّ تراب مصر وجلّق «8» ... كالغيم مرتكما «9» على أقمار(19/602)
37- طرقت على تلك العيون طارق ... وطرت على تلك الجسوم طوارى
38- وبدت لدى «1» البيدا مطيّ قبورهم ... علما بأنّهم على أسفار
338/أ
39- قسما بمن جعل الفناء مسافة ... إنّا على خطر من الأخطار
40- نجلو عواقب أمرنا بقرائح ... فطن «2» ونسلك مسلك الأغمار «3» «4»
41- قل للذين تقدّمت أمثالهم ... أين الفرار ولات حين فرار
42- ما بين أشهب «5» للظّلام معاود ... ركضا وأدهم «6» للدّجى كرّار
43- يطأ الصغير ومن يعمّر يلتحق ... وعليه من شيب كنقع غبار
44- ما لي وعتب الشهب في تقديرها ... ولقد تصاب الشهب بالأقدار
45- لا عقرب «7» الفلك اللّسوب من الردى ... تنجو «8» ولا أسد البروج «9» الضاري
46- يرمي الهلالف بقوسه أرواحنا ... ولقد يصاب القوس بالأوتار
47- كتب الفناء على الشواهد حجّة ... غنيت عن الإقرار والإنكار
48- فلتظهر الفطن الثّواقب «10» عجزها ... فظهوره سرّ من الأسرار
49- وليصطبر متفجّع فلربّما ... فقد المنى ومثوبة «11» الصّبّار(19/603)
50- أين الملوك المرفلون «1» إلى العلى ... عثروا إلى الأجداث أيّ عثار
51- كانوا جبالا لا ترام فأصبحوا ... بيد الرّدى حفنات ترب هار «2»
52- أين الكماة إذا العجاجة أظلمت ... قدحوا القسىّ وناضلوا بشرار «3»
53- سلموا على عطب «4» الوغى ودجابهم ... داجي المنون إلى محلّ بوار «5»
54- أين الأصاغر في المهود كأنما ... ضمّت كمائمها على أزهار
55- خلط الحمام جسومهم ولحومهم «6» ... حتّى تساوي الدّرّ بالأحجار
56- فلئن صبرت ففي الأولى متصبّر ... ولئن بدا جزعي فعن أعذار «7»
57- درّت عليك من الغمام مراضع ... وتكنفتك «8» من النجوم جوار
339/ب
58- تسقي ثراك وليس ذاك بنافعي ... لكن أغالط مهجتي وأداري
- 792- «9» وقوله: (سريع)
1- لا أظلم الشّيب فمن قبله ... لم يك لي في طيب عيش نصيب
- 792-(19/604)
2- كلّا ولا قبل سواد الصّبا ... كأنّما أبيض خدّي مشيب
- 793- «1» وقوله: (بسيط)
1- قالوا عهدناك ذا شعر نلذّ به ... ما باله قد تولّى حسنه الآتي
2- فقلت من كثر ما أشكو به ضررا ... والشّعر يفسده كثر الضّرورات
- 794- «2» وقوله: (متقارب)
1- بعثت بهث واثقا أنّ لي ... شفاعة ذى أمل نافعث
2- ولا شيء أحسن من مالك ... تجود يداه على شافع «3»
- 795- «4» وقوله: (خفيف)
1- أيّها العاذل الغبيّ تأمّل ... من غدا في صفاته القلب ذائب
2- وتعجّب لطرّة وجبين ... إنّ في اللّيل والنّهار عجائب
- 793-
- 794-
- 795-(19/605)
- 796- «1» وقوله: (سريع)
1- تناسبت فيمن تعشّقته ... ثلاثة تعجب كلّ البشر
2- من مقلة سهم ومن حاجب ... قوس «2» ومن نغمة صوت وتر
- 797- «3» وقوله: (وافر)
1- وغانية يرافقني «4» إذا ما ... صبوت لها ذو والعقل السّليم
2- وأعذر إن بكيت على رياض «5» ... بكاء البحتريّ «6» على نسيم
- 796-
- 797-(19/606)
- 798- «1» 340/أوقوله: (بسيط)
1- وصارم كعباب الموج ملتمع ... يكاد يفرق رائيه ويحترق
2- لمّا غدا جدولا تسقى المنون به ... أضحى يشفّ على حافاته العلق
- 799- «2» وقوله: (كامل)
1- يا ربّ ليل بتّه متنعّما ... برشيقة تغني بردف مثقل
2- أ ... ى بجانب ك.. ها في حجرها ... عرف المحلّ فبات دون المنزل
- 800- «3» وقوله: (رمل)
1- سيّدي قد كلّضفتني زوجتي ... حلقا فانظر إلى حالي الأشق
2- كنت في الشّعر أكدّي برهة ... وأنا اليوم أكدّي في الحلق
- 798-
- 799-
- 800-(19/607)
- 801- «1» وقوله: (بسيط)
1- أشكو السّقام وتشكو مثله امرأتي ... فنحن في الفرش والأعضاء نرتجّ «2»
2- نفسان والعظم في نطع يجمّعنا ... كأنّما نحن في التمثيل شطرنج «3»
- 802- «4» وقوله: (بسيط)
1- قد أمكنت فرص اللّذات فانتهز ... وسامحتك وعود العيش «5» فانتجز «6»
2- روض يزفّ «7» ومعشوق وكأس طلا ... فقد ظفرت «8» بعيش غير ذي عوز
3- أما ترى الرّاح يهدي «9» صفو مزنتها ... غيم الزّجاج إلى أرض الحشا الجرز «10»
- 801-
- 802-(19/608)
4- وحامل الرّاح «1» قد جاز الغرام به ... قلبي ولولا فتاوى الحبّ لم يجز
5- والزّهر قد نفحت في الأفق نسمته ... نفح الثّناء عليكم يا بني اللّكز «2»
6- أنتم قياس «3» إذا أجرى الورى نسبا ... للجود عدّ إلى أيديكم وعزي
341/ب
7- نعم المفيدون للطّلاب «4» ما سألوا ... والآخذون من الهلاك «5» بالحجز «6»
8- والجاعلون معاني المجد واضحة ... بين الأنام وكان المجد كاللّغز
9- لم يبق بين بني الدّنيا وبينكم ... إلّا مشابه بين الدّرّ والخرز
10- دلّ العلاء على إيضاح سؤددكم ... دلالة القبس الموفي على نشز «7»
11- ذو الجود والبأس من يعرض لسطوته ... يهلك ومن يرج «8» نعمى كفّه يفز
12- وشائد البيت لا حقّ بمطّرح ... للقاصدين ولا فكر بمكتنز «9»
13- أمّا النّدى فندى غرّ نخادعه ... والعزم عزم سديد «10» الرأي محترز «11»(19/609)
14- جدوى على إثر جدوى غير قاصرة ... كالسّيل محتفز في إثر محتفز
15- لو نازعته بيوت الأوّلين على ... لصيّر الصّدر منها موضع العجز
16- غزا إلى الجيش منصور اللّوا ودنا ... جيش السّؤال إلى أمواله فغزي
17- يا ماجدا نال من حمد ومن شرف ... ما لم ينل آل حمدان «1» ولم تحز «2»
18- تقاصر الشعر عن علياك من خجل ... حتى البسيط «3» تماما آخر الرّجز «4»
19- وما وفتك الطّوال المسهبات «5» ثنا ... فكيف نبغى وفاء الحقّ بالوجز «6»(19/610)
- 803- «1» وقوله: (سريع)
1- أفديه أعمى مغمدا لحظه ... ليرتعي «2» في خدّه الوردي
2- تمكّنت عيناي من وجهه ... فقلت هذى جنّة الخلد
- 804- «3» وقوله: (طويل)
1- بروحي مكفوف اللّواحظ لم يدع ... سبيلا إلى صبر يفوز بخيره
2- سوالفه تغني الورى جلّ طرفه «4» ... (ومن لم يمت بالسيف مات بغيره)
- 803-
- 804-(19/611)
- 805- «1» 342/أوقوله: (خفيف)
1- أيّ شيء يا سيّدي يبلغ «2» النا ... س ويصطادهم بكلّ مكان
2- وهو ذو حافر يسير ويسري ... كلّ وقت وليس بالحيوان
3- ملحد لا يزال في شرعة «3» الدّي ... ن وإن كان ليس بالإنسان
- 806- «4» وقوله: (كامل)
1- يا صاحبا لي إن يغب فعهوده ... لم تنس حيث تناست الأحباب
2- أرسلت تمرا بل نوى فقبلته ... بيد الوداد وما عليك عتاب
3- وإذا تباعدت الجسوم فؤدّنا ... باق ونحن على النّوى «5» أحباب
- 805-
- 806-(19/612)
- 807-»
وقوله: (رجز)
1- يا تاركين للمحبّ أدمعا ... قد وقّع «2» الحزن له إطلاقها
2- والذّاريات «3» من دموعي حلفة «4» ... ما نقضت أيدى النّوى ميثاقها
3- (لو حنّت الورق حنيني «5» بعدكم ... لمزّقت من أسف أطواقها
4- ولو غدت تحكي على الأغصان ما ... في كبدي لأحرقت أوراقها. «6»
- 808- «7» وقوله: (بسيط)
1- أحرجت قلبي «8» الذي صيّرته وطنا ... أيام لم تك ذا زيغ وذا عوج
2- فكدت بالرّغم أخلي منك جانبه ... خوفا عليك من المستوطن الحرج «9»
- 807-
- 808-(19/613)
- 809- «1» وقوله: (سريع)
1- يقول بيت المال لّما رأى ... تدبير مولانا الجليّ «2» الجليل
2- الله أعطاني وكيلا رضى ... فحسبي الله ونعم الوكيل «3»
- 810- «4» 343/ب وقوله: (مجزوء الكامل)
1- زادت أصابع «5» نيلنا ... وطمت «6» فأكمدت «7» الأعادي
2- وأتت بكلّ جميلة «8» ... ماذي أصابع ذي أياد
- 809-
- 810-(19/614)
- 811- «1» وقوله: (طويل)
1- وأغيد يشكو خصره لؤم ردفه «2» ... ويمسي بليل الشّعر وهو يعاتبه
2- تشبّع «3» ذا شحما وذا بات جائعا ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه
- 812- «4» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- لهفى على فرسي الذي ... أضحى قريح المقلتين
2- يكبو «5» فأملك «6» رقّه ... فمعثّر في الحالتين
- 813- «7» وقوله: (منسرح)
1- سقيا لأيامي التي سلفت «8» ... ما بين ذاك النّعيم والمرح
- 811-
- 812-
- 813-(19/615)
2- لا يترك الدّهر عن يدي قدحا «1» ... كأنّي صورة على قدح
- 814- «2» وقوله: (منسرح)
1- نقطة خال ووجنة جعلا «3» ... في اللهو لي بعد توبتي غبطه «4»
2- فيا لها وجنة «5» معشّقة ... صرت عليها أقول بالنّقطه
- 815- «6» وقوله: (سريع)
1- لو ساعدتني حالة كان لي ... بالقوم في المسعى لكم أسوه «7»
2- حتى ترى عيني مقام العلى ... وكعبة المعروف في الكسوه «8»
- 814-
- 815-(19/616)
- 816- «1» وقوله: (كامل)
1- هنّيئتها خلعا تذكّر من رأى ... نعماءك الخضراء «2» والعرض النّقي
2- كنت الأحقّ بأن تهنّئ لبسها ... فملابس التّقوى أحقّ بها التّقي
- 817- «3» وقوله: (رمل)
1- سيّدى أصبحت مقروح الحشا ... وبشيّ اللّحم في ذا اليوم عان «4»
2- زخرف الألفاظ قد أرسلته ... فعسى تملأ بيتي بالدّخان
- 816-
- 817-(19/617)
- 818- «1» وقوله: (مجتث)
1- لي صديق «2» يسوءني ... ما يقاسي من الألم
2- كيف تخفى «3» شجونه ... وهي نار على علم «4»
- 809- «5» وقوله: (طويل)
1- رأيت فتى من باب دارك طالعا ... فأذكرني بيتا قديما شجانيا
2- (خليليّ لا والله ما أملك «6» البكا ... إذا علم من أرض نجد بداليا)
- 820- «7» وقوله: (سريع)
1- حمّلت قلبي فيك ما لم يكن ... يحمله قلب وجثمان
2- وعدت تعبانا «8» بحملي له ... وحامل الحامل تعبان
- 818-
- 819-
- 820-(19/618)
- 821- «1» وقوله: (كامل)
1- لفلان «2» في الديوان صورة حاضر ... فكأنّه «3» من جملة الغيّاب
2- لم يدر ما مخرومة وجريدة «4» ... سبحان رازقه بغير حساب
- 822- «5» وقوله: (بسيط)
1- يا مشتكي الهمّ دعه وانتظر فرجا ... ودار وقتك من حين إلى حين
345/ب
2- ولا تعاند إذا أصبحت في كدر ... فإنّما أنت من ماء ومن طين
- 821-
- 822-(19/619)
- 823- «1» وقوله: (طويل)
1- أيا سيّدى إن لم تكن منك زورة «2» ... فنظم كأمثال العقود النّفائس «3»
2- يهاب ابن قادوس «4» اقتحام بحوره ... ويقلى لعجز دونه ابن قلاقس
- 823-(19/620)
- 824- «1» وقوله: (خفيف)
1- ربّ سوداء مقلة هيّجت لي ... داء وجد أعظم به من داء «2»
2- ليت رمان صدرها كان يجنى ... فهو بعض الدّوا من السّوداء
- 825- «3» وقوله: (كامل)
1- رقّ النّسيم كرقّتي من بعدكم ... فكأنّفه في حبكم نتغاير «4»
2- ووعدت بالسّلوان واش «5» عابكم ... فكأنّنا في كذبنا نتخاير «6»
- 826- «7» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- أفدي حبيبا ليس لي ... في حسنه الفتّان لائم
- 824-
- 825-
- 826-(19/621)
2- سبحان مالي خدّه ... تبرا وصائغ فيه خاتم
- 827- «1» وقوله: (رجز)
1- جاء الطّواشيّ «2» بها نصفّية ... كأنّها الصّبح إذا تبلّجا
2- مستورة بذيله فحبّذا ... طرّة صبح «3» تحت أذيال الدّجى
- 828- «4» وقوله: (طويل)
1- أحاشيك يا نجل الوزارة من أذى ... تمكّن في أسرارنا «5» والجوانح
2- دفنت النّوى والتمر فيمن تحبه «6» ... ودفن النّوى يا ميّ إحدى الفضائح
-
متنبها وكأنه ... لفتور ذاك اللحظ نائم
أشكو ذوائب شعره ... شكوى السليم إلى الأراقم
- 827-
- 828-(19/622)
- 829- «1» 346/أوقوله: (طويل)
1- بروحي مشروط «2» على الخدّ أسمر ... دنا ووفى بعد التّجنّب والسّخط
2- وقال على اللّثم اشترطنا «3» فلا تزد ... فقبّلته ألفا على ذلك الشّرط
- 830- «4» وقوله: (بسيط)
1- أهدي لبابك أوراقا ملفّقة «5» ... من حظّه منك إرفاد وإرفاق «6»
2- غرس «7» لنعماك سامح جهد قدرته ... إن لم يكن ثمر منه فأوراق
- 831- «8» وقوله: (خفيف)
1- يا خليلا جعلته العين والقل ... ب وملّكته ذخائر حبي «9»
- 829-
- 830-
- 831-(19/623)
2- لا عجيب إذا جلبت لي الضّ ... رّ «1» فهذي عادات عيني وقلبي
- 832- «2» وقوله: (منسرح)
1- كلّ فعال العلاء تعجبني «3» ... كأنّني بالعلاء مفتون
2- يحمض «4» بالمطل حلو موعده ... فوعده سكّر وليمون
- 833- «5» وقوله: (مخلع البسيط)
1- حلا ثنائي على عليّ «6» ... كما حلا جوده المواتي
فرحت ذا سكّر بياض «7» ... وراح ذا سكّر نباتي «8»
- 832-
- 833-(19/624)
- 834- «1» وقوله: (بسيط)
1- يا دهر رفقا فما أبقيت لي أملا ... من ثروة «2» أتمنّاها ولا جذل «3»
2- قطعت باليأس آمالي لديك فقد ... (تركتني أصحب الدّنيا بلا أمل) «4»
- 835- «5» 347/ب وقوله: (طويل)
1- ألا ربّ يوم والظّبا حول دارها ... تصفّ «6» على أيدي الكماة وتزهر
2- (وقفت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدّار من فرط الصّبابة أنظر) «7»
- 836- «8» وقوله: (طويل)
1- كذا أبدا يا أرفع الناس همّة ... غوادي «9» النّدى من راحتيك غزار
- 834-
- 835-
- 836-(19/625)
2- أقدّم أطراسا وتمنح أنعما ... فمنّي أوراق ومنك ثمار
- 837- «1» وقوله: (طويل)
1- إليك ابن عبّاس سرى حامل الرّجا ... فأغنيت «2» من فقري وآمنت من باس
2- وفي بابك العالي «3» تفسّرت المنى ... ومن أين للتفسير مثل ابن عبّاس «4»
- 838- «5» وقوله: (طويل)
1- ظمئت «6» إلى تقبيل كفّ كريمة ... تكاد بها الأقلام تعشب «7» باللّمس
2- وأرمد عينيّ التسهّد والبكى ... وحسبك أنّي لا أرى بهجة الشمس
- 837-
- 838-(19/626)
- 839- «1» وقوله: (بسيط)
1- أحسن بسابغة «2» التحجيل «3» سابقة ... فما لها من جياد الخيل أشباه
2- تغدو حوافرها للصّخر ماضغة ... كأنّ آثارها في الصّخر أفواه
- 840- «4» وقوله: (طويل)
1- فقدت من الخلّان قوما سألتهم ... دوام الوفا إنّ الوفا لقليل «5»
2- (وإنّ افتقادى واحدا بعد واحد ... دليل على أن لا يدوم خليل) «6»
- 839-
- 840-(19/627)
- 841- «1» وقوله: (طويل)
1- وقالوا أحاطت ذقنه «2» بخدوده ... ووجدك لا ينفكّ يذكر حسنه
348/أ
2- فقلت نعم ضيف «3» بقلبي نازل ... أعظّم مثواه وأكرم ذقنه
- 842- «4» وقوله: (كامل)
1- للعبد عندكم رسوم «5» مكارم ... إن أقصيت فنداكم يدنيها
2- وكفاكم أنّ الغيوث إذا همت ... تمحو الرّسوم وغيثكم ينشيها
- 843- «6» وقوله: (طويل)
1- أسرّت إلى سمعي غداة ترحّلت ... حديثا إلى حفظ العهود يشير
- 841-
- 842-
- 843-(19/628)
2- وهيّج عندى قرب خدّى لخدّها ... بكى فتلاقى روضة وغدير
- 844- «1» وقوله: (كامل)
1- سل عن مقامي والرّءوس حوائم «2» ... تحت العجاجة والنّسور وقوع
2- والمرهفات على الجسوم شوابك ... حتى كأنّ المرهفات دروع «3»
3- هل أكشف الغمّى ووجهي مسفر «4» ... فأروق عادية الوغى وأروع
- 845- «5» وقوله: (كامل)
1- لله ترخيم بجامع جلّف ... متناسب التجنيس والتّقسيم «6»
- 844-
- 845-(19/629)
2- بزيادة التحسين خالف قول من ... قد قال إنّ النقص في التّرخيم «1» «2»
- 836- «3» وقوله: (وافر)
1- قفا زيد لقد جرّبت منّي ... أنامل كالسّياط ذوات حوم
2- كأنّك سيف زيد الخيل «4» عندي «5» ... أحادثه بصقل «6» كلّ يوم
- 847- «7» وقوله: (بسيط)
1- أفدي غزالا من الأتراك قد جمعت ... في حسنه من معاني الحسن أشتات
- 846-
- 847-(19/630)
349/ب
2- عيناه منصوبة للقلب غالبة ... والخدّ فيه لقتل النفس شامات «1»
- 848- «2» وقوله: (طويل)
1- أمولاي لا زالت مساعيك للعلى ... وكفّك للجدوى ورأيك للحزم
2- مضى السّلف الأزكى وأبقاك للندى ... فلله ما أبقى الوليّ «3» من الوسمي «4»
- 848-(19/631)
- 849- «1» وقوله: (سريع)
1- تبسّم الشيب بذقن الفتى ... يوجب سحّ الدّمع من جفنه
2- حسب الفتى بعد الصّبا ذلّة ... أن يضحك الشيب على ذقنه
- 850- «2» وقوله: (رمل)
1- قال لي خلّي تزوّج تسترح ... من أذى الفقر «3» وتستغني يقينا
2- قلت دع نصحك إنّي «4» رجل ... لم أضع بين ظهور المسلمينا
- 851- «5» وقوله: (رمل)
1- شكر الله أياديك «6» التى ... عاجلت قصدي بأنواع الهبات «7»
- 849-
- 850-
- 851-(19/632)
2- أنت بالمعروف قد أحييتني «1» ... وكذا الشمس حياة للنبات
- 852- «2» وقوله: (بسيط)
1- يا قلب غرّك محبوب كلفت به ... حتى طمعت بوصل دونه الخطر
2- وسرت تطلب لقياه ولا عجب ... (ما أنت أوّل سار غرّه قمر) «3»
- 853- «4» وقوله: (وافر)
1- شهاب الدّين يا غيث «5» الموالي ... ومن حاز الثنا والفضل كلّه
- 852-
- 853-(19/633)
2- أغث قوما «1» إلى البطيخ «2» أمسوا ... صياما يسألون عن الأهلّه
- 854- «3» 350/أوقوله: (رمل)
1- سائلي عن شرح حالي بعد من ... خلّفوني مفردا بين الورى
2- لا أرى العمر يساوي حبّة ... بعد «4» حبّات قلوب في الثّرى
- 855- «5» وقوله: (رمل)
1- ربّ نحويّ بدا فى خدّه ... عارض كاللام ما أعلى وأسنى
2- قلت ما هذا السّواد المنتهي «6» ... قال حرف جاء في الحسن لمعنى
- 854-
- 855-(19/634)
- 856- «1» وقوله: (منسرح)
1- أصبحت يا سيّدي ويا سندي ... أقصّ في أمر بغلتي القصصا
2- بالأمس كانت لفرط سرعتها ... طيرا وفي اليوم أصبحت قفصا «2»
- 857- «3» وقوله: (طويل)
1- أجيراننا حيّى دياركم الحيا ... وطاف عليها للغمائم ساقي
2- فقد أنفد «4» التوديع حاصل أدمعي ... ولم يبق منه للمنازل باقي
- 858- «5» وقوله: (طويل)
1- قفا فاعجبا من هامل الغيث إنّه ... لأحسن شيء يعجب العين والفكرا
- 856-
- 857-
- 858-(19/635)
2- تمدّ» على الآفاق بيض خيوطه ... فينسج منها للثرى حلّة خضرا
- 859- «2» وقوله: (خفيف)
1- ليت شعري إلى متى أتشكّى ... سفرا ماله ولو متّ آخر
2- بطن ساري الوحوش قبري «3» فما أب ... رح في الموت والحياة مسافر
- 860- «4» وقوله: (سريع)
1- طلّقت أبكار القوافي التي ... كم معها في بيت شعر أويت
2- فلا وقت كان للشعر «5» لا ... يجمعنا من بعد ذا سقف بيت
- 859-
- 860-(19/636)
- 861- «1» وقوله: (متقارب)
1- جواب أتاني في ساعة ... يدلّ على نفث صلّ اليراعه «2»
2- ومن عجب الدّهر أنّي به ... لذذت على أنّه سمّ ساعه «3»
- 862- «4» وقوله: (سريع)
1- لا واخذ «5» الله غزال التّقا ... أىّ عنا أبقى على العاشق
2- ما بين حجل ووشاح بدا ... فراح «6» بالصّامت «7» والنّاطق «8»
- 861-
- 862-(19/637)
- 863- «1» وقوله: (وافر)
1- عدمت محمّدا «2» أيّام أرجو ... نداه على الزّمان وأستجير
2- فإن تحجب محاسنه بلحد ... ففي أفق السّماء لها مسير
3- تقول لروحه الأفلاك أهلا ... لنا زمن «3» على هذا ندور
- 864- «4» وقوله: (مخلع البسيط)
1- نظمت للصاحب «5» المرجّى ... رائية كالجمان يلقط
2- نروم «6» من برّه نقوطا «7» ... والحكم للرّاء أن تنقّط
- 863-
- 864-(19/638)
- 865- «1» وقوله: (طويل)
1- عليّ ديون من ثنا لم أقم بها ... فيا عجبا لي في ازديادي «2» من الفضل
2- وأعجب من ذا أن شمسك أشرقت «3» ... وها أنا منها حيثما كنت في ظلّ
- 866- «4» 352/أوقوله: (بسيط)
1- هنّئت عاما سعيد الوجه ترقبه ... هلاله «5» خير مأمول ومرتقب
2- بدا لتحصد أعمار العداة به ... كأنّه منجل قد صيغ من ذهب «6»
- 865-
- 866-(19/639)
- 867- «1» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- يا حبّذا خدّ الحبي ... ب وقد «2» أضاء شريقه
2- إن لم يكن في الحسن نف ... س الرّوض فهو شقيقه
- 868- «3» وقوله: (منسرح)
1- يا واصف الخيل بالكميت وبال ... نّهد «4» أرحني من طول وسواسي «5»
2- لو (كنت) «6» تحت الدّجى تشاهدني ... لا ستحسنت مقلتاك أفراسي
3- لا نهد إلّا من صدر غانية ... ولا كميتا «7» إلّا من الكاس
- 867-
- 868-(19/640)
- 869- «1» وقوله: (كامل)
1- يا سائلي رتبة الحليّ «2» في ... نظم القريض وراضيا بي أحكم
2- للشعر حليّان ذلك «3» راجح ... ولّى الزّمان «4» به وهذا قيّم
- 870- «5» وقوله: (مخلع البسيط)
1- دعوا «6» شبيه الغزال يرمي ... في مهجتي بالنفار جمرا
- 869-
- 870-(19/641)
2- تالله «1» لا فاتني لقاه ... وعين كيسي عليه حمرا
- 871- «2» وقوله: (متقارب)
1- أمولاي ما اسم جليّ إذا ... تعوّض «3» عن حرفه الأوّل
2- لك الوصف من شخصه سالما ... فإن قلعت عينه قلت لي
- 872- «4» وقوله: (متقارب)
1- عهدت فؤادي ملآن من ... شجون فلا موضع لازدياد
353/ب
2- إلى أن تعشّقت حلو الحليّ ... وللحلو زاوية في الفؤاد «5»
- 871-
- 872-(19/642)
- 873- «1» وقوله: (كامل)
1- بشرى سمائكم «2» بطلعة فرقد ... يومي إليها بالسّعود بنانها
2- إنّ المنابر أورقت بأكفّكم ... فتكاثرت من نسلكم أغصانها
- 874- «3» وقوله: (طويل)
1- حمى الله شمس المكرمات «4» من الأذى ... ولا نظرت عيناي يوم مغيبه
2- لقد أبقت الأيام منه لأهلها ... بقية صافي المزن غير مشوبه
3- كأنّ سجاياه اللطيفة قهوة ... حباب حميّاها بياض مسيبه
- 873-
- 874-(19/643)
- 875- «1» وقوله: (منسرح)
1- قام غلام الأمير يحسب في ... يوم طهور «2» البنين طاووسا
2- فأنزل الحاضرون من شبق «3» ... وعاد ذاك الطّهور تنجيسا
- 876- «4» 354/أوقوله: (كامل)
1- يا حسن كتّاب الحساب وخلفهم ... غلمانهم بدفاتر وتعابي «5»
2- كم قد رجوت وطا «6» حساب مثلهم ... فلقيته لكن بغير حساب «7»
- 875-
- 876-(19/644)
- 877- «1» وقوله: (بسيط)
1- لا يبرح الناس في محل وفي شظف «2» ... حتّى يجدّد لي في وجهه سفر
2- هناك تلقى غوادي المزن هاطلة ... الحمد لله بي يستنزل المطر
- 878- «3» وقوله: (خفيف)
1- وصلتنا ديوك برّك تزهى «4» ... بوجوه جميلة مستجاده
2- كلّ عرف «5» يروق حسنا وإني ... أرتجي أن تكون عرفا وعاده
- 879- «6» وقوله: (بسيط)
1- قل للرئيس جمال الدّين» لا برحت ... هباته كلّ وقت ذات أساس «8»
- 877-
- 878-
- 879-(19/645)
2- واصل رجائي بعرف «1» الدّيك مقتبلا ... (لن يذهب العرف عند الله والناس) «2»
- 880- «3» 355/ب وقوله: (خفيف)
1- كلّ شهر لنا هلال جديد ... مبرز للفناء كلّ مصون
2- يقرأ الناظر المفكّر فيه ... فوق طرس السماء نون المنون
- 881- «4» وقوله: (رمل)
1- بين أجفان ابن عمرو وسواد «5» ... دائر في كلّ «6» عقل بخمر
2- كلّما طاف على الصّبّ غنّى ... اسقنيها يا سواد بن عمرو
- 780-
- 781-(19/646)
- 882- «1» وقوله: (هزج)
1- تركت المال والجاه «2» ... لأهل المال والقدره «3»
2- فحسبي من حمى كرّ «4» ... وحسبي من غنى كسره «5»
- 883- «6» وقوله: (خفيف)
1- يا سراة الشآم أشكو إليكم ... أرض قلّ «7» فلاحها للرّجاء
2- وإذا قلّت الفلاحة في الأر ... ض فعتب الفتى على الرّؤوساء
- 884- «8» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- يا شهد «9» لا والله أق ... نع «10» أن أعاود قبلتك
- 882-
- 883-
- 884-(19/647)
2- ما أنت «1» عندي شهدة «2» ... حتى أذوق عسيلتك
- 885- «3» وقوله: (مجتث)
1- إذا نظرت كتابا ... فاضت دموعي الهوامي
2- نعم فما الكتب عندي ... إلّا قبور الكرام
- 886- «4» وقوله: (كامل)
1- يا ربّ أسألك الغنى «5» من معشر «6» ... غضبوا وكافوا «7» بالجفاء تودّدي «8»
356/أ
2- قالوا كرهنا منه مدّ لسانه ... والله ما كرهوا سوى مدّ اليد
- 885-
- 886-(19/648)
- 887- «1» وقوله: (طويل)
1- يقولون من وطء «2» النساء خف العمى ... فقلت دعوا قصدي فما فيه من شين
2- إذا كان شفر العين دون محلّها ... فعندى أنا الأشفار خير «3» من العين
- 888- «4» وقوله: (كامل)
1- سلبت محاسنك الغزال صفاته ... حتى تحيّر كلّ ظبي فيكا
2- لك جيده ولحاظه ونفاره ... وغدا تصير قرونه لأبيكا
- 889- «5» وقوله: (خفيف)
1- ومليح إذا نظرت إليه ... قلت ملك» له الملاح رعايا
- 887-
- 888-
- 889-(19/649)
2- ركّب الله في معانيه ملحا «1» ... فهو يشوي به كبود البرايا
- 890- «2» وقوله: (طويل)
1- فدى لابن ريّان «3» الكرام لأنه ... أخو منن روّى بها كلّ ظمآن
2- إذا جال فكرى فى تسرّع جوده ... تقول القوافي إنّه من سليمان «4»
- 890-(19/650)
- 891- «1» وقوله: (بسيط)
1- عرّج على حرم المحبوب منتصبا ... لقبلة «2» الهمّ واعذرني على سهري
2- وانظر إلى الخال دون الثغر «3» فوق لمى «4» ... تجد بلالا «5» يراعي الصّبح في السّحر
- 892- «6» وقوله: (كامل)
1- شكرا تقيّ الدّين «7» «8» للمنن التي ... رقّت على عافي حماك ظلاله «9»
- 891-
- 892-(19/651)
2- لله أنت فقد وصلت إلى مدى ... في الفضل أعيى السائدين مناله «1»
357/ب
3- وغدوت وجها مثل خالك في الورى ... يا حبّذا وجه الزّمان وخاله «2»
- 893- «3» وقوله: (متقارب)
1- تسلّى فؤادي بعد الجوى «4» ... ونامت جفوني بعد الأرق
2- وزدتم «5» شجوني إلى أن مضت «6» ... كما حمّص الشيء حتى احترق
- 894- «7» وقوله: (كامل)
1- ربع لعزّة صامت لا يفهم ... وقلوبنا في رسمه تتكلّم
- 893-
- 894-(19/652)
2- لو لم تعفّ «1» حماه غرّ سحائب ... تهمي لعفّته دموع سجّم «2» «3»
- 895- «4» وقوله: (طويل)
1- لوالد الممدوح مرأى مبارك ... ولولاك في عليائه لم يشارك
2- فإن ترو أخبار التقى عنك والعلى ... فإنّك عبد الله ابن المبارك «5»
- 896- «6» وقوله: (طويل)
1- رعى الله نعماك «7» التي من أقلّها ... قطائف «8» في طيّ النّوال لها نشر «9»
- 895-
- 896-(19/653)
2- أمدّ لها كفيّ فيهتزّ «1» فرحة ... (كما انتفض العصفور بلّله القطر)
- 897- «2» وقوله: (مخلع البسيط)
1- رأيت في جلّق غزالا ... تحار في حسنه العيون
2- فقلت ما الاسم قال موسى ... قلت هنا تحلق الذّقون
- 898- «3» وقوله: (مجزوء الرمل)
1- سائلي عن شرح حالي ... كيف حال الضّعفاء
2- فرط إسهال وفقر ... إنّ ذا حال خراء
- 899- «4» 358/أوقوله: (طويل)
1- تشبّهت بالغدران والنقش روضها «5» ... فأصبحت ملهى الناظر المتوسّم «6»
- 897-
- 898-
- 899-(19/654)
2- وأنبتّ بالتطعيم أشجار فضّة ... ومن أحسن الأشجار كلّ المطعّم «1»
- 900- «2» وقوله: (طويل)
1- ولم أنسه كالغصن تمطره «3» الحيا ... على إثر «4» حمّام وتعطفه الصّبا
2- تلثّم بالمنديل أبيض ساذجا «5» ... فصار بضوء الخدّ أحمر مذهبا
- 901- «6» وقوله: (متقارب)
1- وأشهب «7» أعجبني حسنه ... ومثل محاسنه يعجب
2- وقد عنبر «8» النقع أعطافه ... فيا حبّذا العنبر الأشهب
- 900-
- 901-(19/655)
- 902- «1» وقوله: (كامل)
1- هنّئت بالعيد السّعيد ولا تسل ... في يومه عن همّي المتغلّب «2»
2- أجري الدّموع دما وآكل في أسى ... لحمي كأنّي فيه قد ضحّيت بي
- 903- «3» وقوله: (كامل)
1- أهواه معسول الرّضاب منعّما ... ولكم يعذّبني «4» الهوى بمنعّم
2- يا قلب هذا شعره وجفونه ... صبرا على هذا السّواد الأعظم
- 904- «5» وقوله: (متقارب)
1- أيا ابن نباتة جار الزّمان ... وزلت وزالت قوى همّتك
2- وقد كنت ذا خدمة «6» وانقضت ... فلا أوحش الله من خدمتك
- 902-
- 903-
- 904-(19/656)
- 905- «1» 359/ب وقوله: (رجز)
1- وقائل لي عندما عدت إلى ... قاضي القضاة بعد طول مسرى
2- أهد له مدحا جميلا ودعا ... قلت نعم كلاهما وتمرا
- 906- «2» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- يا حبّذا الظّبي الذي ... قد كان يعتمد النّفارا
2- عاينت صدغ صفاته ... فجعلت خاتمه سوارا
- 907- «3» وقوله: (سريع)
1- سافرت للساحل مستبضعا «4» ... حمدا وقصدا حسن الجملة
- 905-
- 906-
- 907-(19/657)
2- فيا له من متجر «1» وافر ... ما نفقت «2» فيه سوى بغلتي
- 908- «3» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- كان لي مال ولبس ... قبل تهيامي وسكري
2- فسبكت المال طاسا ... وصبغت اللّبس خمري
- 909- «4» وقوله: (خفيف)
1- وصديق أنشدته لي بي ... تين حوت في الصّداع معنى بديعا
2- فادّعاها لأجنبيّ ولو كا ... ن ادّعاها لخاف أمرا شنيعا
- 908-
- 909-(19/658)
- 910- «1» وقوله: (كامل)
1- كم ذا عليك جوانحي تتلهّب ... يا جنّة فيها المحبّ معذّب
2- آها لصبّ فيك يعجبه الجوى ... حتّى دماء دموعه تتصبّب
- 911- «2» وقوله: (منسرح)
1- أشكو إلى الله ما أكابد من ... دمامل مسّني بها الضّرّ»
360/أ
2- في اللّيل عندي من حالها سشبه «4» ... فما لليلي ولا لها فجر
- 910-
- 911-(19/659)
- 912- «1» وقوله: (كامل)
1- انظر إلى الزّهر الذي شاق «2» الورى ... خبرا بآفاق «3» البلاد ومخبرا «4»
2- رقمت ثياب غصونه إبر الحيا ... والرّقم أحسن ما يكون مزهّرا
- 913- «5» وقوله: (متقارب)
1- أمط بالدّواء ثياب الأذى ... وطب بالرّواح «6» به والغدوّ
2- وكرّر أحاديث بيت الخلا ... ولكن على رغم أنف العدوّ
- 914- «7» وقوله: (طويل)
1- لعمرك ما خدّ الحبيب معذّر ... ولكن بمسودّ النّواظر جالي
- 912-
- 913-
- 914-(19/660)
2- سمت نحوه الأبصار «1» حتّى كأنّها ... بناريّة من هنّا وهنّ صوالي «2»
- 915- «3» وقوله: (منسرح)
1- أقبل عند القدوم «4» يسألني ... من أيّ أرضيك نلت إيثارا «5»
2- قلت من الذّ ... ك ما رأى «6» بصري ... خيرا ولكن رأيت منقارا
- 916- «7» وقوله: (طويل)
1- إذا كنتم لا تذكرون قضيتي ... وتأبون «8» منّي ساعة أن أذكّرا
2- صدقتم بأنّ الحال «9» تمشي إليكم ... ولكنّه الحبّال «10» يمشي إلى ورا
- 915-
- 916-(19/661)
- 917- «1» وقوله: (طويل)
1- هنيئا لك الحجّ الشريف وحبّذا ... بك الرّبع مأهول المنازل والدهر
2- كذا فليعد من عاد مقبول حجة ... له الذّكر في كلّ المنازل والأجر
361/ب
3- يحنّ اشتياقا نحو رؤيته الصّفا «2» ... ويملأ دمعا بعد فرقته الحجر «3»
- 918- «4» وقوله: (خفيف)
1- وبديع الجمال لم ير طرفي ... مثل أعطافه ولا طرف غيري
- 917-
- 918-(19/662)
2- كلّما حدت عن هواه أتاني ... سهم ألحاظه كسهم النّميري
- 919- «1» وقوله: (رمل)
1- قالت الناس فلان قد مضى «2» ... بعد مسّ «3» الفقر ذا مال عريض
2- لا وعليائك ما عندي ما ... يدخل الوزن سوى نظم القريض
- 920- «4» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- كانت للفظي رقّة ... بخل الزّمان «5» بما استحقّت
- 919-
- 920-(19/663)
2- فصرفتها عن فكرتي «1» ... وقطفتها من حيث رقّت
- 921- «2» وقوله: (وافر)
1- أجزت لهم رواية ما أشاروا ... إليه بمقتضى الشّرط العزيز
2- إجازة مادح مثن عليهم ... فيا عجبا لممدوح «3» مجيز
- 922- «4» وقوله: (متقارب)
1- عملت لمن جود أقلامه ... ربيع ومنطقه بارع
2- إذا أطلع «5» الخطّ رمّلته «6» ... فيا حبّذا الرّمل «7» والطّالع «8»
- 921-
- 922-(19/664)
- 923- «1» وقوله: (كامل)
1- آها لصبّ يوم جدّ رحيلكم ... تعبان بين الوجد واللّوّام
2- يخفي بكمّيه ملوّن أدمع ... وكأنّها الأزهار في الأكمام
- 924- «2» 362/أوقوله: (كامل)
1- إنّي أغار من المدام إذا ... لثم امرؤ في الكأس مبسمها
2- فلذا بنصل الحاء أذبحها ... خنقا وأشرب في الدّجى دمها
- 925- «3» وقوله: (خفيف) - 923-
- 924-
- 925-(19/665)
1- إنّ سجّادتي الحقيرة قدرا ... لم يفتها من بابك «1» التعظيم
2- شرفت إذ سعت إليك فأمست ... وعليها الصّلاة والتّسليم
- 926- «2» وقوله: (كامل)
1- ومسموع لفظك في القلوب ممكّن ... فى الحبّ فوق تمكّن الملحوظ
2- حفظت فوائده وضاع نسيمه ... فاعجب له من ضائع محفوظ
-
أيا حسنها سجادة سندسية ... يرى للتقى والزهد فيها توسّم
إذا ما رآها الناسكون ذوو الحجا ... أمامهم صلوا عليها وسلّموا
ومن هنا أخذ الشيخ جمال الدين بن نباتة وقال: عبد العزيز الأنصاري: جاء في خزانة الأدب:
356:
(وهذه زاوية اخترتها من ديوان الشيخ الإمام العلامة شيخ الشيوخ عبد العزيز الأنصاري الحموي، سقى الله ثراه. أما بعد حمدا لله الذي أطلعنا من زوايا الأدب على خبايا، وأرشدنا بمشايخ شيوخه إلى سلوك ما فيه من المزايا، والصلاة والسلام على نبيه الذي اختاره فكان نعم المختار، وعلى آله وصحبه المنتظمين في سلك هذا الاختيار، فقد انتهى ما أوردته منوعا في التورية، من الحلاوات القاهرية، وقد تعين أن أفكه المتأمل بعد ذلك بالفواكه الشامية، واقتطفت له من فروع شيخ الشيوخ ما يظهر به مزية الثمرات الحموية، وقدرة السلطنة في الأدب وناهيك بالسلطنة الشيخية، فاخترت من أبيات قصائده) . ومواصيل مقاطيعه ما يحلو بها التشبيب، وسميته (زاوية شيخ الشيوخ) علما بأنها زاوية يتأهل بها الغريب، والله تعالى يجعلنا ممن تخير العمل الصالح فأحسن، وسمع القول فاتبع منه الأحسن، فمن ذلك قوله) . وتمثل له بعدد من أبيات قصائده.
- 926-(19/666)
- 927- «1» وقوله: (كامل)
1- علّقتها غيداء حالية الطّلا «2» ... تجني «3» على فضل المحبّ وقلبه
2- بخلت بلؤلؤ ثغرها عن لاثم ... فتطوّقت «4» بمثال ما بخلت به
- 928- «5» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- يفديك عبد مودّة ... أسليته عن أهله
2- وكتبت «6» عهدة «7» رقّه ... بالمكرمات فحلّه
- 927-
- 928-(19/667)
- 929- «1» وقوله: (وافر)
1- شربت منكرّش «2» الندماء حتفا «3» ... فلا موتي على هذا الطّريق
2- ثكلتهم أما علموا بأنّي ... خليع «4» أشتهي شرب العتيق
- 930- «5» وقوله: (طويل)
1- أقيما فروض الدّمع فالوقت وقتها ... لشمس ضحى يا ناظريّ ندبتها «6»
363/ب
2- ولا تبخلا عنّي بإنفاق أدمع «7» ... ملوّنة أكوي بها إن كنزتها
3- أغائبة «8» عني وفي القلب «9» شخصها ... كأنّي من عيني لقلبي نقلتها
4- يقولون كم تجري لجارية بكى ... وما علموا النّعمى التي قد فقدتها
- 929-
- 930-(19/668)
5- ملكت جهاتي الست «1» فيك محبّة ... فأنت من النفس الشجيّة «2» ستها «3» «4»
6- ألا في سبيل الله شمس محاسن ... وإن لم تكن شمس النهار فأختها
7- تعرفتها دهرا يسيرا وأعقبت ... دوام الأسى يا ليتني لا عرفتها
8- وقال أناس إنّ في الدمع راحة ... وتلك لعمري راحة قد نكرتها «5»
9- هل الدّمع إلّا مهجة» قد أذبتها ... عليك وإلّا هجعة قد غسلتها
10- نصبت جفوني بعد بعدك للدّجى ... وأما أحاديث الكرى فرفعتها
11- وقال زماني هاك بعد تنعّم ... كؤوس الأسى والحزن ملأى فقلت ها
12- بكيتك للحسن الذي قد شهدته ... وللشّيم الغرّ التي قد عهدتها
13- وروضة لحد حلّها غصن قامة ... لعمرى لقد طابت وقد طاب نبتها
14- وحزن فلاة يممته وإنّما ... ديار الظبا «7» حزن الفلاة ومرتها «8» «9»(19/669)
15- كلانا طريح «1» الجسم بال ولو درت ... إذا ندبتني في الثّرى من ندبتها
16- بروحي من أخفي إذا زرت قبرها ... جواي ولو أعلمتها لعففتها «2»
17- خبيّة «3» حسن كنت مغتبطا بها ... ولكن برغمي في التراب دفنتها
18- وآنسة قد كان حسن عطفها «4» ... فلم يبق لي إلّا نداها «5» ونعتها
19- أنادي ثرى الحسناء والترب بيننا ... وعزّ على سمع المتيّم صمتها «6»
20- كفى حزنا أن لا معين على الأسى ... سوى أنّه «7» تحت الظلام بعثتها
364/أ
21- وتمنيق «8» ألفاظ عليك رقيقة ... كأنّي من نثر الدّموع نظمتها
22- قضيت «9» فما في العيش بعدك لذّة ... ولا في أمان لو لقيت بلغتها
23- سلام على الدّنيا فقد رحل الذي ... تطلّبتها من أجله وأردتها(19/670)
- 921- «1» وقوله: (بسيط)
1- حاشاك من وحشة تحت الثرى وبلى ... يا سائرا صرت في حزني له مثلا «2»
2- سقيا لقربك والأيام عاطفة ... والقلب يسحب أذيال الهنا جذلا
3- والسّمع قد صمّ عن نجوى «3» عواذله ... وسيف لحظك «4» عندي يسبق العذلا
4- حيث التبسّم طلّاع الثّنية «5» من ... فرط السرور ونشر «6» الطلعة ابن جلا
5- فبينما أنا معطوف على سكن «7» ... حتى تحرّكت الأيام فانتقلا
6- أشكو إلى الله بينا لا انقضاء له ... ورحلة للنّوى لا تشبه الرّحلا «8»
7- بينا أرى فيه للنعش انبعاث سرى ... لا ناقة للسّرى فيه ولا جملا «9»
- 931-(19/671)
8- لهفي عليك وهل لهفي «1» بنافعة ... إذا تحدّر دمع العين وانهملا
9- لم يترك الدّهر من أوقات منتظري ... إلّا أواخر «2» عمر «3» تندب الأولا
10- وتربة يتلقّى الحزن زائزها ... كأنّما تنبت «4» التّبريح والوجلا
11- حديثة الظهر إلّا أنّ باطنها ... قد استجنّ «5» جناب «6» الرّوضة «7» الخضلا
12- أستوقف الجسد المضنى لأندبها ... يا من رأى نادبا يستوقف الطّلا
13- متيّما نصلت فودا شبيبته ... وقلبه من حداد الحزن ما نصلا
14- يا غائبا ذهبت أيدي الحمام به ... بعدا ليومك ماذا بالحشا فعلا
15- إن ينأ شخصك إنّي بعد فرقته ... أدنى وأيسر ما قاسيت ما قتلا
365/3
16- أو ينقضي للمنايا بيننا شغل ... فقد تركن لقلبي «8» بالأسى شغلا
17- آها لقطف معان منك «9» ذي نسق ... جعلت من بعده نار الأسى بدلا
18- هلّا بغيرك ألقى الموت جانبه ... لقد تألّق فيك الموت واحتفلا(19/672)
19- هلّا قضى غصنك الزّاهي شبيبته ... فما ترعرع حتى قيل قد ذبلا
20- أفدي الذي كان لي عيشا أقرّ به «1» ... فما أبالي أجاد العيش أم بخلا
21- دعا التّجلّد صبري يوم رحلته ... فقلت لا ودعا سقمي فقلت هلا
22- سقم ملكت به معنى النّحول فإن ... جاء الخلال «2» بسقم جاء منتحلا
23- ومقلة قد طغى إنسان ناظرها ... وكان «3» أكثر شيء بالبكا جدلا «4»
24- لا نلت قربك فى دار «5» النعيم غدا ... إن كان قلبي المعنّى عن هواك سلا
25- يا منية الصّبّ أمّا ثكل مهجته ... فقد أقام وأمّا صبرها فجلا «6»
26- سقي ضريحك رضوان ولا برحت «7» ... ركائب السّحب في أقطاره ذللا «8»
27- ما أحسن العيش في عيني وأنت به ... أمّا وأنت بأكناف «9» التّراب فلا(19/673)
- 932- «1» وقوله: (طويل)
1- هجرت بديع القول هجر المباين ... فلا بالمعاني «2» لا ولا بالمعاين
2- وكيف أعاني سجعة أو قرينة ... وقد فقدت منّي أجلّ القرائن «3»
3- ثوت في مهاوي «4» الترب كالتبر خالصا ... فحقّقت أنّ التّرب بعض المعادن
4- فو الله ما أدري لحسن خلائق ... تسحّ جفوني أم لخلق محاسن
5- دفنتك يا شخص الحبيب ولو بدا «5» ... لعينيك حالي خلت «6» أنك دافني
6- كلانا على الأيام بال وإنّما «7» ... أشدّ البلا «8» بين الحشا كلّ كامن
366/أ
7- إلى الله أشكو يوم فقدك إنه ... عليّ ليوم الحشر يوم التغابن «9»
8- فقدتك والسّرّا وقلبي والصّبا ... فيالك من فقد لفقد مقارن «10»
- 932-(19/674)
9- وكنت أخاف البين قبلك والنوى ... فأصبحت لا آسى على إثر بائن «1»
10- كأنك بادرت الرّحيل تخوّفا ... عليّ من الحسن الذي هو فاتني
11- فديتك من لي من سناك بلمحة ... وينزل بي من بعدها كلّ كائن
12- أأنسى قواما ثقّف «2» الحسن رمحه ... فما فيه من عيب يعدّ لطاعن
13- ووجها حكى من حسنه «3» كلّ مقمر ... ولحظا روى عن طرفه كلّ شادن
14- فوا أسفا حتى أو سّد في الثّرى ... ويدني الرّدى منّا مقيما لظاعن
15- ويا ليت شعري في القيامة هل أرى ... محاسنها ما بين تلك المواطن
16- رشاقة ذاك الخطّ «4» فوق سراطه ... ودينار ذاك الخدّ بين الموازن «5»
17- سقتك غوادي المزن إنىّ ظاميء ... إلى القرب طوعا «6» للزمان المحارن «7»
18- شكرت زمانا جار بعد «8» أحبتي ... وبالغ في العدوى وبثّ الضغائن
19- فلو طاب طابت «9» لي حياتي بعدهم ... وكنت ألاقيهم بطلعة خائن(19/675)
- 933- «1» وقوله: (طويل)
1- سقى الله جسما منك أودى «2» به الثّرى ... وأودى بعينيّ البكا والتسهّد
2- وقد كان مسلولا يهيّج حسرتي ... فكيف به تحت الثّرى وهو مغمد
- 934- «3» وقوله: (طويل)
1- أتاركة بالحزن قلبي مقيّدا ... ودمعي على الخدّين وهو طليق
2- يقولون قد أخلقت جفنك بالبكى ... نعم إنّ جفني بالبكاء خليق
367/ب
3- دعوا الدّمع «4» للجفن القريح مؤاخيا ... فإنّي فقدت الخدّ وهو شقيق
- 933-
- 934-(19/676)
- 935- «1» وقوله: (طويل)
1- رعى الله للعلياء قطب «2» سيادة ... يدور عليه كلّ علم وسؤدد
2- متى جئت موسى «3» شائما نار ذهنه ... (تجد خير نار عندها خير موقد)
- 936- «4» وقوله: (متقارب)
1- تنطقني مكرمات الجمال ... فتدعو «5» اللّسان إلى مدحه
- 935-
- 936-(19/677)
2- وأجلب «1» نظمي ونثري له ... فأروي الصحيحين «2» من صدحه «3»
- 937- «4» وقوله: (خفيف)
1- بقّلت وجنة المليح وقد ولّ ... ى زمان الصّبا «5» الذي كنت أملك
2- يا عذار المليح دعني فإنّي ... لست في ذا الزّمان من خلّ بقلك
- 937-(19/678)
- 938- «1» وقوله: (وافر)
1- فديت مؤذّنا تصبو إليه ... بجامع جلّق منّا النفوس
2- لقد زفّ الزّمان به مليحا ... تكاد بأن تعانقه العروس
- 929- «2» وقوله: (وافر)
1- فلان الدّين قد أعليت قدري ... وصحّ إلى مودّتك انتسابي
2- ألم ترني بلغت الأفق حتى ... بعثت لك الهلال مع الشهاب «3»
- 940- «4» وقوله: (خفيف)
1- يا كريما قد طابق الاسم بالفع ... ل وأنسى في الفضل كلّ كريم «5»
- 938-
- 939-
- 940-(19/679)
2- لا تخف نبوة «1» الحوادث فاللّ ... هـ كريم يحبّ كلّ كريم
- 941- «2» 368/أوقوله: (خفيف)
1- آه كم ذا يسوؤني جرب «3» الج ... سم وكم ذا حالي به معدوق «4»
2- خلق الناس كلّهم من تراب ... وكأنّي من الحصى مخلوق
- 942- «5» وقوله: (متقارب)
1- أقول لمن يتشكّى الخطوب ... ويحذر من موبقات الصّروف
2- عليك بأبواب سيف العلا «6» ... ملاذ الفقير وأمن المخوف
3- تجد ظلّه جنّة والجنان ... بلا شكّ تحت ظلال السيوف
- 941-
- 942-(19/680)
- 943- «1» وقوله: (كامل)
1- أفدي مليحا في النصارى «2» لم أزل ... طول الزّمان عليه في وسواس «3»
2- قالوا أتقطعه «4» كثيرا قلت من ... راحات قلب المرء قطع الياس
- 944- «5» وقوله: (منسرح)
1- وصاحب ساءني «6» تعشّقه ... لشاحب الوجنتين حوران «7»
2- لو كنت في اللّيل ناظرا لهما ... قلت شهاب في ظهر شيطان «8»
- 945- «9» وقوله: (مخلع البسيط)
1- مرآتك العقل كلّ وقت ... تريك من نفسك الخطايا «10»
- 943-
- 944-
- 945-(19/681)
2- فلا تحكّم هواك فيها ... إنّ الهوى يصدئ «1» المرايا
- 946- «2» وقوله: (متقارب)
1- أسفت لشاشي «3» الذي قد مضى ... وفاز به سارق حاشه
2- وو الله ما بي ممّا جرى ... سوى قولهم صفعوا شاشه
- 946-(19/682)
- 947- «1» 369/ب وقوله: (بسيط)
1- أستودع الله أحبابي الذين نأوا ... وخلّفوني في نيران تبريح
2- أستنشق الريح من تلقاء أرضهم ... لقد قنعت من الأحباب بالريح
- 948- «2» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- أولاد مولانا بهم ... تزهى «3» المحافل والمشاهد
2- مثل السيوف «4» مهيبة ... لكنّ سيف الله خالد «5»
- 947-
- 948-(19/683)
- 949- «1» وقوله: (مجزوء الكامل)
1- بالله ربّك يا شتا ... ء تحوّلي عنّا وجوزي «2»
2- فلقد طربت إلى المصي ... ف ووقته الحسن العزيز
3- ومللت من بول الحيا ... وقرفت «3» من ريح العجوز «4»
- 950- «5» وقوله: (سريع)
1-ماذا أقول اليوم إن أكثر ال ... عالم عن جودك تسآلي «6»
2- وقيل قد أجدى «7» المديح الذي ... حبّرته في مجده العالي
3- إن قلت لا كذّبني الناس أو ... قلت نعم كذّبني حالي
- 949-
- 950-(19/684)
- 951- «1» وقوله: (مخلع البسيط)
1- يا خيبة العاذل الذي قد ... أطال «2» في العذل واستطالا «3»
2- عذّبني ثمّ قال تسلو «4» ... عن حبّ ماما فقلت لا لا
- 952- «5» وقوله: (كامل)
1- هنّئت بالعيد السعيد ودمت ذا ... نعم لها في القاصدين غمائم
370/أ
2- لله ما أشهى بك الدّنيا وما ... أهنا زمانا «6» أنت فيه سالم
3- الشّام منزلنا وأنت ملاذنا ... دار مباركة وعزّ دائم
- 951-
- 952-(19/685)
- 953- «1» وقوله: (هزج)
1- لقد أصبحت في حال ... يرقّ لمثله الحجر
2- مشيب بعد فقريد ... فلا عين ولا أثر «2»
- 954- «3» وقوله: (طويل)
1- رأيتك صدر الدّين «4» غيث مكارم ... فعرّضت آمالي إلى طلب القطر «5»
2- وأمّلت أن تجلى عليّ كنافة ... وأحسن ما تجلى الكنافة بالقطر «6»
- 953-
- 954-(19/686)
- 955- «1» وقوله: (بسيط)
1- شكرا لبرّك يا غيث العفاة ولا ... زالت مدائحك العلياء تنتخب «2»
2- قد جدت بالقطر حتى زدت في طمع ... (وأوّل الغيث قطر ثمّ ينسكب) «3»
- 956- «4» وقوله: (كامل)
1- أفدي غزالا من بني الأتراك في ... أيّ امرئ بسهام لحظ لم يصل
2- في خدّه ألف ولام كلّما ... رشق الورى قالت مقال الترك إل
- 957- «5» وقوله: (خفيف)
1- أسفي للدراهم الحلبيّا ... ت فقد أقرحت «6» حشاي وطرفي
- 955-
- 956-
- 957-(19/687)
2- أكلتني كفّي عليها مرارا ... وعليها أصبحت آكل كفّي
3- وتحيّرت بين أمرين شكوى ... كدّرت عيشتي وفقر يصفّي «1» «2»(19/688)
الفهرس
مقدمة 9
1- السراج الوراق 15
2- أحمد بن أبي الفرج 306
3- عبد الله بن علي بن منجد 308
4- الحسن بن عمر بن سالم، الأسطرلابي 310
5- محمد بن عمر بن أبي بكر 311
6- ضياء بن عبد الكريك 312
7- موسى بن علي بن موسى 314
8- أحمد بن محمد بن عبد المجيد 315
9- على بن أحمد بن الحسين الأصفوني 317
10- إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل القوصي 319
11- محمد بن الشرف القدسي الكاتب 322
12- السيد الشريف الجعفري 328
13- مجد الدين (ابن الجباب) 331
14- أحمد بن نصر الله بن باتكين 333
15- الشهاب الأعزازي 341
16- أحمد بن شهاب البغدادي 374(19/689)
17- عبد الرحيم بن محمد بن يوسف السمهودي 376
18- ابن دانيال 379
19- الشريف ابن الضياء القناوي 406
20- شافع بن علي بن عباس الكاتب 408
21- ابن الجباس الدمياطي 424
22- محمد بن محمد الفرجوطي 430
23- الشيخ عز الدين بن الموصلي 432
24- محمد بن محمد بن نباتة 433(19/690)
مصادر التحقيق
- القرآن الكريم.
- أبحاث في الشعر العربي تأليف د: يونس أحمد السامرائي- الموصل 1989.
- أبو العتاهية- أشعاره وأخباره تح.. د. شكرى فيصل، دمشق 1384 هـ 1965 م.
- أخبار البحتري- لأبي بكر الصولي. ط (1) . دمشق 1378 هـ- 1958 م.
- أشعار أبي الشيص: جمعها وحققها عبد الله الجبوري 1387 هـ- 1967 م.
- الأعلام- لخير الدين الزركلي- ط (2) بيروت 1942 م.
- أعيان العصر وأعوان النصر- لصلاح الدين خليل الصفدي. تح/ د. على أبو زيد وجماعة. بيروت ط (1) 1418 هـ- 1998 م.
- أمالي القالي- بيروت.
- أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء- الأب لويس شيخو اليسوعي ط (1) بيروت.
- البحترى في سامراء حتى نهاية عصر المتوكل. يونس أحمد السامرائي بغداد 1970 م.
- تاج العروس. للزبيدي- طبعة الكويت.
- تاريخ بغداد- للخطيب البغدادي- بيروت.
- تاريخ الخلفاء للسيوطي. تح/ محمد محيي الدين عبد الحميد. ط (2) .
1378 هـ- 1959 م.(19/691)
- التنبيه على حدوث التصحيف تأليف حمزة بن حسن الأصفهاني. تح/ الشيخ محمد حسن آل ياسين بغداد ط (1) 1387 هـ- 1967 م.
- التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق- الدكتور زكي مبارك- بيروت.
- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب- للثعالبي- تح/ محمد أبو الفضل ابراهيم مصر 1384 هـ- 1965 م.
- ثمرات الأوصاف المنشور على هامش المستطرف للأبشيهي- القاهرة.
- جامع الدروس العربية/ تأليف الشيخ مصطفى الغلاييني- بيروت. ط (12) 1393 هـ- 1973 م.
- جمهزة أنساب العرب/ لابن حزم الأندلسي- تحقيق عبد السلام هارون 1382- 1962 م
- جمهرة خطب العرب تأليف أحمد زكي صفوت. ط (1) 1985 م- بيروت.
- حسن التوصل إلى صناعة الترسل- لشهاب الدين محمود الحلبي. تحقيق ودراسة: أكرم عثمان يوسف. بغداد 1980 م.
- حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة- تأليف السيوطي- مصر
- الحلبة في أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام للصاحبي التاجي تح/ د. حاتم صالح الضامن، مجلة المجمع العلمي العراقي ج 1 م 34، 1403 هـ- 1983 م.
- حلية الكميت- للفواجي- مصر 1357 هـ- 1938 م.
- الحماسة البصرية- للبصري- بيروت.(19/692)
- خزانة الأدب لابن حجة الحموي- بيروت.
- خطط المقريزي- للمقريزي- القاهرة 1270 هـ-.
- خلاصة الأثر للمحبي- بيروت.
- الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني تح/ محمد سيد جاد الحق- القاهرة.
- ديوان الأعشى الكبير- ميمون بن قيس شرح وتعليق د. م محمد حسين القاهرة.
- ديوان ابن سناء الملك تح/ محمد ابراهيم نصر. د: حسين نصار القاهرة.
1388 هـ- 1969 م
- ديوان ابن نباتة السعدي تح/ عبد الأمير مهدي الطائي بغداد 1977 م
- ديوان ابن نباتة المصرى- بيروت.
- ديوان أبي نواس. تح/ أحمد عبد المجيد الغزالي- بيروت.
- ديوان البحتري تح/ حسن كامل الصيرفي- القاهرة 1963 م.
- ديوان تأبط شرا: تح/ علي ذو الفقار شاكر دار المغرب الإسلامي 1984 م
- ديوان الحطيئة تر/ نعمان أمين طه- مصر 1958 م.
- ديوان الحطيئة من رواية ابن حبيب عن ابن الأعرابي وأبي عمرو الشيباني- بيروت.
- ديوان الشريف الرضي- بيروت.
- ديوان الصبابة لابن أبي حجلة المطبوع في أعقاب تزيين الأسواق لداود الأنطاكي. ط (1) 1972 م بيروت.(19/693)
- ديوان كثير عزة. تح/ د. إحسان عباس بيروت- 1971 م.
- ديوان المتنبي- العكبري- بيروت 1397 هـ- 1978 م.
- ديوان مجنون ليلى تح/ عبد الستار فراج- القاهرة.
- ديوان مجنون ليلى جمع وترتيب أبي بكر الوالي- تح/ جلال الدين الحلبي، مصر- 1358 هـ- 1934 م.
- ريحانة الألباب للخفاجي- ط (2) القاهرة 1386- 1967 م.
- سامراء في أدب القرن الثالث الهجري- يونس أحمد السامرائي- بغداد 1968 م.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب/ لابن العماد الحنبلي بيروت 1399 هـ- 1979 م.
- شرح ابن عقيل تح/ محمد محيي الدين عبد الحميد- القاهرة 1370 هـ- 1951 م
- شرح تحفة الخليل في العروض والقوافي- تأليف: عبد الحميد الراضي، بغداد: 1388 هـ- 1968 م
- شرح ديوان المتنبي لأبي العلاء المعري (معجز أحمد) تح/ د: عبد المجيد دياب. القاهرة.
- شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري تر/ عبد الرحمن البرقوقي. دار الأندلس 1980 م.
- شرح ديوان كعب بن زهير- القاهرة- 1369 هـ- 1950 م.(19/694)
- شرح المفصل لابن يعيش- القاهرة.
- شعر ابن المعتز دراسة وتحقيق: د: يونس أحمد السامرائي بغداد- 1978 م.
- شفاء الغليل للخفاجي تح/ محمد عبد المنعم خفاجي ط (1) 1371 هـ- 1952 م.
- صبح الأعشى في صناعة الإنشاء لقلقشندي- مصور طبعة دار الكتب.
- الطالع السعيد للأدفوي تح/ سعد محمد حسن القاهرة 1966.
- العبر في خبر من غبر/ للحافظ الذهبي تح/ صلاح الدين المنجد- الكويت 1963 م.
- العمدة لابن رشيق. تح/ محمد محيي الدين عبد الحميد ط (2) مصر 1383 هـ- 1962 م.
- عيون التواريخ لابن شاكر الكتبي تح/ نبيلة عبد المنعم- بغداد 1991 م.
- الغيث المسجم في شرح لامية العجم/ للصفدي ط (1) 1305 هـ-.
- فهرست ابن خير الأشبيلى- تح/ فرنسثكه قداره زيدين- بيروت.
- فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي. تح/ د. إحسان عباس- بيروت.
- القاموس المحيط- للفيروزآبادي.
- كتاب أسماء خيل العرب وفرسانها- لابن الأعرابي تح/ د. نوري حمودي القيسي، د: حاتم صالح الضامن- بغداد 1405 هـ- 1985 م
- كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي تح/ محمد مصطفى زيادة ط (2) 1957 القاهرة.(19/695)
- كتاب عقود الجمان/ للزركشي مخطوطة مصورة في مكتبة د: ناظم رشيد.
- كتاب اللمع في العربية لابن جني تح/ فائز فارس ط (1) الأردن 1409 هـ- 1988 م.
- الكشاف/ للزمخشري- بيروت.
- الألفاظ الفارسية المعرّبة تأليف ادي شير بيروت 1908.
- اللسان/ لابن منظور.
- مالك ومتمم ابنا نويرة اليربوعي تأليف ابتسام مرهون الصفار بغداد 1968 م.
- مجمع الأمثال للميداني تح/ محمد محيي الدين عبد الحميد. ط (2) القاهرة 1379 هـ- 1959 م
- مختار الحكم ومحاسن الكلم/ لأبي الوفاء المبشر بن فاتك.
تح/ د: عبد الرحمن بدوي- القاهرة. ط (2) 1980 م.
- المختار من شعر ابن دانيال للصفدي تح/ محمد نايف الدليمي الموصل 1399 هـ- 1979 م.
- مراصد الأطلاع لابن عبد الحق- تح/ علي محمد البجاوي- القاهرة ط (1) 1373 هـ- 1954 م.
- المستطرف في كل فن مستظرف للأبشيهي- القاهرة.
- المستقصى في أمثال العرب/ للزمخشري- بيروت.
- معجم البلدان/ لياقوت الحموي- بيروت.
- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وضعه: محمد فؤاد عبد الباقي-(19/696)
القاهرة.
- المعجم الوسيط. القاهرة.
- المعرّب للجواليقي تح/ أحمد محمد شاكر ط (2) القاهرة 1389 هـ- 1969 م.
- مغني اللبيب تح/ محمد محي الدين عبد الحميد.
- المفصل في تاريخ الأدب العربي تأليف أحمد الإسكندري وجماعة/ القاهرة 1936 م.
- المقتصب من كتاب جمهرة النسب لياقوت الحموي. تح/ د: ناجي حسن
ط (1) الدار العربية للموسوعات.
- الملل والنحل للشهرستاني ط (2) - القاهرة.
- المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي لابن تغري بردي تح/ د: نبيل محمد عبد العزيز 1988.
- نهاية الأرب/ للنويري مصور طبعة دار الكتب المصرية.
- الوافي بالوفيات للصفدي- بيروت.
- وفيات الأعيان/ لابن خلّكان تر/ د: إحسان عباس بيروت
- يتيمة الدهر للثعالبي ط (2) القاهرة 1375 هـ- 1956 م.(19/697)
[الجزء الثانى والعشرون]
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وعلى آله وصحبه وحزبه وجنده.
أما بعد فهذا هو الجزء الثاني والعشرون من كتاب (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) الذي ألفه القاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى المعروف بابن فضل الله العمري المتوفى سنة 749 هـ، ليكمل به صورة المعرفة الإنسانية كما تبدت لمثقفي عصره، جغرافية وتاريخا ومجتمعا وطبيعة. وقد اختص هذا الجزء بالبحث في أنواع النباتات والمعادن والأحجار التي وجدت على الأرض، من حيث أسماؤها وصفاتها وأماكن وجودها وخواصها وما إلى ذلك من شؤون.
اعتمد ابن فضل الله في تأليفه هذا الجزء على كتابين اثنين، هما:
1- الجامع لمفردات الأدوية والأغذية. تأليف ضياء الدين عبد الله بن أحمد المالقي النباتي المعروف بابن البيطار، المتوفى سنة 646 هـ، ويقع الكتاب في أربعة أجزاء، ويمثل موسوعة ضخمة ضمت آلاف المواد الخاصة بالنبات والأحجار مما كان يدخل في نطاق الطب.
2- عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات. تأليف القاضي زكريا بن محمد ابن محمود القزويني الأنصاري، المتوفى سنة 682 هـ.
ولنا أن نلاحظ أن ابن فضل الله العمري لم يلزم نفسه بالأخذ بجميع ما ورد في هذين الكتابين من مواد مختلفة، وإنما انتقى ما شاء له أن ينتقي من هذه المواد، على وفق ما رآه مهما منها. ورتب كلا مما انتقاه من مواد نباتية أو أحجار على حروف الهجاء.
كما أنه اختصر المادة التي انتقاها، غير ملزم نفسه بضوابط محددة في هذا(22/5)
الاختصار، وبخاصة مما نقله من ط. فحذف في أحيان كثيرة أسماء عدد من مصادره، وأسقط الأسماء الثانوية لبعض المواد مكتفيا بالاسم الرئيسي حسب، وأغفل ذكر تفاصيل كثيرة تتصل بالفوائد الطبية المعزوة للمادة موضوعة البحث، كما سكت أحيانا عن ذكر تفاصيل المواقع الجغرافية التي وجد فيها النبات أو الحجر.
وصف مخطوطة الكتاب
تتألف مخطوطة هذا الجزء من (مسالك الأبصار) من قطعتين، كتب كلا منهما ناسخ مختلف، وهما:
أ- قطعة من مجموعة في مكتبة (روان كوشكي) في طوب قابي سرابي بإستانبول، تحت العدد 1668 (وتشغل القطعة الأوراق 170 ب- 201 ب من المجموعة) وهي بخط نسخ متقن، مضبوط بالشكل، تتألف من 56 صفحة، في كل منها 27 سطرا، أولها بسملة، لكنها ناقصة من أولها، لأنها تبتدىء فجأة في الكلام على (الكزبرة) ، وفي الواقع فإن هذه القطعة لا تزيد على أن تكون تكملة للمخطوطة التي ألفت الجزء الحادي والعشرين من (مسالك الأبصار) والتي يشغل قسم النبات منها الأوراق 86- 340، وسبب هذا القطع في مادة المخطوطة الواحدة، أن ناسخها أضاف بسملة وعبارة (رب يسر) التي اعتاد الناسخون، أحيانا، وضعها في أول ما يكتبون. ومما يلفت النظر أن هذا الناسخ ختم هذه القطعة بثمانية أبيات كافية في مدح من نسخت لأجله هذه القطعة، وذيلها الناسخ بعبارة تشير إلى وقت فراغه منها، وهو «نهار الأحد، في العشر الأواخر من شهر صفر الخير، من شهور السنة الحادية عشرة بعد الألف» . ومما زاد من أهمية هذه القطعة ما احتوت عليه من صور توضيحية دقيقة للنباتات التي(22/6)
جرى الكلام عليها، وهي دقة مشهودة تدل على مهارة مصورها الذي لا ندري ما إذا كان الناسخ نفسه أو شخص آخر من معاصريه له دراية بفن الرسم. ويبلغ عدد هذه الصور 76 صورة، وآخر سبع منها رسمت منفردة على صفحتين مستقلتين، وثمة بياضان تركا دون تصوير، والظاهر أن مصور النسخة أغفلهما لسبب لا نعرفه وضع الصورتين المناسبتين فيهما.
ب- قطعة من مجموعة في مكتبة أحمد الثالث في طوب قابي سراي بإستانبول، تحت العدد 2798/14، (الصفحات 12- 171) كتبت بخط نسخ معتاد، غير مضبوط بالشكل، وتخلو من رسوم توضيحية، تتألف من 159 صفحة، في كل منها 23 سطرا، وهي تكمل، بصفحة مباشرة، ما انتهى إليه ناسخ القطعة السابق، والقطعة تامة من آخرها، وإن لم يذكر الناسخ اسمه وتاريخ نسخه كما فعل ناسخ القطعة الأولى. وكان الأستاذ فؤاد سزكين قد عثر على هاتين القطعتين في مجموعتين خطيتين مختلفتين في طوب قابي بإستانبول، فقام بالجمع بينهما في مجلد واحد بوصفهما يمثلان الجزء الثاني والعشرين من كتاب مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري، وصدر هذا الجزء عن معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية التابع لجامعة فرانكفورت بألمانيا سنة 1409 هـ/ 1989 م.
منهجنا في التحقيق
1- اعتمدنا لغرض المقابلة النسخة المطبوعة من (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) ، وقد أشرف على طباعتها إبراهيم عبد الغفار الدسوقي، ومراجعة أبي العينين أفندي أحمد، وجرى طبعها في بولاق بمصر سنة 1291 هـ.
والتماسا للاختصار فقد رمزنا لها بالحرف (ط) في إشاراتنا المتكررة في هذا الكتاب. كما اعتمدنا من كتاب (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) النسخة المطبوعة على هامش كتاب (حياة الحيوان الكبرى) بجزأيه، وقد طبعت(22/7)
في مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1954. ورمزنا لها حيثما تكررت الإشارة إليها بالحرف (ق) .
2- قابلنا نص المخطوط على المصدرين المذكورين، مثبتين الاختلافات بينهما أينما وقعت، فلاحظنا ثمة اختلافات كثيرة بينما أثبته المؤلف وبين ما هو موجود في النسخة المطبوعة من ابن البيطار، وهي اختلافات لا يمكن تفسيرها إلّا بأن المؤلف اعتمد نسخة لم يرها طابعو الكتاب، وحاولنا معرفة أيّ من النسختين هي أولى بالترجيح، لكننا لم نجد الأمر ميسرا، لأن ما ينقله المؤلف من نسخته يكون أكثر توفيقا في مرات عديدة، بينما يكون الأصل أدعى للقبول في مرات أخرى، وهكذا فإننا سعينا إلى الأخذ بما وافق المصادر الأخرى التي ذكرت اللفظ، إن كان اسما لنبات أو حجر أو غير ذلك، وبخاصة حين يقارب أحد اللفظين الأصل الأول الذي أخذ منه اسم المادة، إن كان يونانيا أو فارسيا أو غير ذلك. وحينما وجدنا الأصل الأول لا يوافق أيا من اللفظين، علمنا أن كليهما لم ينج من آفة التحريف والتصحيف فأثبتنا ذلك الأصل بديلا للفظ الذي أورده المؤلف، مع تنبيه القارئ إلى الصورة التي كان عليها اللفظ، وما أصابه من تغيير في النسخة المطبوعة من ابن البيطار، ليطمئن بنفسه إلى صحة ما أثبتناه. ونحن نعتقد أن قيمة كتاب ابن فضل الله العمري تكمن- في الأكثر- في أنه نقل، أو اقتبس، من نسخة هي أدق من النسخة المطبوعة. ويزيد هذا الرأي أهمية أن المطبوعة خلت من أي تحقيق، سوى أن الناشر أثبت في بعض الهوامش بعض الاختلافات الواردة في نسخة أخرى كانت لديه، وربما وافقت هذه الاختلافات ما أثبته العمري من نسخته، مما دل على أن النسخة التي اعتمدت في طبع الكتاب لم تكن هي الأكثر دقة على كل حال. ومن المؤسف أن هذا الناشر، لم يصف للقارئ ما اعتمده من نسخ، كما تقتضي(22/8)
قواعد تحقيق المخطوطات عادة، فلم يعد ممكنا ترجيح النسخة الأم، أو الأدعى بالثقة. وينطبق هذا على النسخة المطبوعة من عجائب المخلوقات إلى حد كبير.
3- أكملنا في حالات ضرورية ما سقط من المخطوط، ووجدناه في أصوله.
وأثبتنا ذلك في مواضعه.
4- عرفنا باختصار بالمواد التي أوردها المؤلف، وبالمواقع، وأعلام الناس، مع أن هذه المواد منقولة من المصدرين المشار إليهما، ولما كان هذا يعني أن تتجاوز مهمتنا تحقيق الكتاب، إلى تحقيق أصوله، فإننا لم نقابل هذه الأصول على مصادرها الأولى، إلّا حينما وجدنا ذلك ضروريا لفهم النص. وأثبتنا كل ذلك في حواش مناسبة.
5- شرحنا الكثير من المصطلحات والألفاظ، بالرجوع إلى معاجم اللغة، وإلى الكتب الباحثة في علمي النبات والأحجار، وكتب الأدوية المفردة التي تكثر فيها تلك المصطلحات والألفاظ.
6- أثبتنا، لإتمام الفائدة، الأسماء العلمية لكل نبات، حتى يمكن للباحثين اليوم الإفادة مما احتواه هذا الكتاب من معرفة تراكمت عبر القرون، كما أثبتنا الأسماء الحديثة للأحجار، وتركيبها الجزئي للغرض نفسه.
7- لما كان معظم الكتاب غير مشكول، فقد عمدنا إلى ضبط معظم الأسماء والمصطلحات والألفاظ بالشكل حيثما أمكن ذلك، وذلك بالرجوع إلى المصادر التراثية الأخرى، أو بمقابلتها على طريقة تلفظها في الأصول الأعجمية التي أخذت منها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الدكتور عماد عبد السلام رؤوف(22/9)
الورقة الأولى من المخطوط(22/11)
الورقة الثانية من المخطوط(22/12)
مخطوطة ما قبل الأخيرة(22/13)
الورقة الأخيرة من المخطوط(22/14)
[النباتات]
كزبرة
معروفة «1» قال ابن البيطار «2» : تبرّد، وإذا تضمّد بها مع الخبز أو السّويق أبرأ الحمرة «3» والنّملة «4» ، وإذا تضمّد بها مع العسل والزيت أبرأ الشرا «5» وورم البيضتين الحار والنار الفارسي «6» ، وإذا تضمّد بها مع دقيق الباقلّى حلّل الخنازير «7» والجراحات، وبزره إذا شرب منه [شيء] يسير بالمستحح «8» أخرج الدّود الطوال، وولّد المني، وإذا شرب منه شيء كثير خلط الذهن فيتحرّز من إدمانه. وماء الكزبرة إذا خلط بالإسفيداج «9» أو المرداسنج «10»
ودهن الورد «11»
ولطّخ على الأورام الملتهبة الظاهرة في الجلد نفع منها.
والكزبرة تنفع من الدوار الكائن عن بخار مراري أو بلغمي، وتولّد ظلمة البصر أكلا، وتنفع من الخفقان شرابا. والكزبرة اليابسة لها خاصيّة في تقوية(22/15)
القلب وتفريحه وخصوصا في المزاج الحار، وتعينها عطرها وقبضها.
والكزبرة قاطعة للدم إذا شرب منها مثقالان أو بثلاث أواق من [ماء] «1»
لسان الحمل «2»
مقصورا «3»
غير مقلي. والرطبة منها إذا مضغت نفعت السّلاق «4»
الكائن في الفم، والرّطبة منها نافعة من هيجان المرّة الصفراء إذا أكلت. ومن وجد في معدته التهابا، فأكلها رطبة بالخل، أو بماء الرمان الحامض، نفعته. وخاصيتها النفع من الشرا «5»
الظاهري في الفم واللسان إذا تمضمض بها أو دلكت به، واليابسة إن قليت عقلت البطن وقطعت الدم شربا وذرورا على موضع النزف. والكزبرة تمنع البخار أن يصعد إلى الرأس، ولذلك تخلط في طعام صاحب الصّرع الذي من بخار يرتفع من المعدة، وإذا نقعت اليابسة وشرب ماؤها بسكّر قطع الإنعاظ الشديد ويبس المني، وكذلك إن استفّ «6»
مع السكر.
والكزبرة الرطبة «7»
حارة تعقل، وتسكّن الجشأ الحامض، إذا أكلت في آخر الطعام، وتجلب النوم. وإذا قطّرت عصارة الكزبرة في العين، مع لبن امرأة، سكّنت الضّربان الشديد. وورق الكزبرة إذا ضمّدت به العين(22/16)
قطع انصباب المواد إليها. والكزبرة الرطبة تمنع الرّعاف «1»
إذا قطّر منها أو تنشق»
ماؤها.
والكزبرة توقف الطعام في المعدة زمانا طويلا، فتنفع لذلك أصحاب زلق الأمعاء والإسهال ومن لا تحتوي معدته على الطعام، وخاصة إذا أكلت مع الخل والسّماق. والكزبرة اليابسة تطيل تلبث الطعام في المعدة [ولذلك ينبغي أن تكثر في طعام] «3»
من يقيئ الطعام وتطرح معها الأفاويه المسخّنة الملطّفة ولا سيما الفلفل، وليقلّل منها في طعام من به ربو، ويحتاج إلى أن ينفث شيئا من صدره. ومن تعتريه البلادة وأمراض باردة في الدماغ فلا يكثرون منه [ولا ينفردون به] «4»
بل يطرحون معه التوابل الملطّفة المسخّنة.
وماء الكزبرة الرطبة إذا طبخت به الدجاج المسمّنة كانت أمراقها نافعة من حرقة المثانة. وبزرها اليابس ينفع من الوسواس الحار السبب شربا، وماؤها يقطع الرّعاف تقطيرا في الأنف إذا حلّ فيه يسير كافور، وهو حبّتان في مقدار درهم من الماء. والكزبرة تورث الغمّ والغثى، وهي سمّ مجمّد «5» .
والكزبرة الرطبة تعلّق على فخذ المرأة العسيرة الولادة فإنها تلد بسرعة. وإن شرب من عصير الكزبرة الرطبة أربع أواق «6»
قتلت. وإذا شرب، غلّظ الصوت، وعرض منه جنون، وحال شبيهة بحال السّكارى وكلامهم سفه وقلّة حياء،(22/17)
ورائحة الكزبرة تفوح من جميع أبدانهم، فليدهنوا بدهن السوسن «1»
الصّرف ساذجا، أو مع أفسنتين «2»
، وينفعهم أيضا البيض يفقس في إناء ويصب عليه ماء الملح ويتحسّى، أو يطعموا مرق الدجاج أو بط الغالب عليه الملوحة، وبعد أن يطعموا ذلك يسقوا عليه شرابا صرفا قويا قليلا فإن كفّاهم وإلّا سقوا الشراب بالدارصيني «3»
، وأعطوا الفلفل بالشراب، وأفضل ما عولج به شاربها القيء بماء الشّبت «4»
المطبوخ ودهن الخل وشرب السمن والطلاء.
كزبرة الثّعلب
قال الغافقي «5»
: هو نبات له خيطان دقاق مزوّاة، منبسط على الأرض، لونها إلى الحمرة الدموية كثيرة «6»
، وعليها ورق صغير مرصّف من الجانبين، مشرّف «7»
الجوانب تشريفا متقاربا، ألوانه إلى الحمرة والسواد، وله ساق رقيقة قائمة مدوّرة، على طرفها رأس في قدر الأنملة من الإبهام، صنوبري الشكل فيه زهر دقيق، لونه إلى الحمرة، وبزره دقيق، ونباته الجبال.(22/18)
قال ابن البيطار: إذا نقّع هذا النبات وشرب ماؤه عرض منه [حالة] «1»
شبيهة بالسّكر مع اختناق وخشونة في الحلق والصدر، وعلاج من عرض له ذلك القيء يطبخ الشّبت والزيت ويسقى بعد ذلك دهنا. وربّ العنب وعصارته يكتحل بها مع السّكّر فيشفي من الغشاء [في العين] ويحد البصر وتذهب غشاوته، وإذا دق ورقها يابسا، وشوي كبد التّيس ولتّ في سحيقه وأكل سخنا وفعل ذلك مرارا أبرأ الغشا.
ويقال: إن هذا النبات يشفي من الخنازير.
كشوت
هو «2»
نبات محبّب، مقطوع الأصل، أصفر اللون، ويتعلق بالنبات مثال الخيوط، ويشرب من ماء النبات الذي يتعلّق به، ولا أصل له في الأرض، ولا ورق له، في أطراف فروعه ثمر لطاف.
ويكثر في الكروم، ويسمو وتشتبك «3»
فروعه.(22/19)
قال ابن البيطار: يجعل في الشراب فيشدّه «1»
ويعجل به السّكر، ويدبغ المعدة، ويقوّي الكبد، ويفتح السّدد التي في الكبد والطحال، [و] يخرج الفضول العفنة من العروق والأوراد، وينفع من الحمّيات المتقادمة، ويليّن الطبيعة ولا سيما ماؤه. وهو صالح للحمّيات العارضة للصبيان إذا شرب مع السّكنجبين «2»
، وإن أكثر منه ثقل في المعدة وخاصة إسهال المرّة الصفراء. ويؤخذ من مائه نصف رطل مغلي أو غير مغلي بوزن عشرة دراهم سكّرا سليمانيا، وإذا شرب عصيره رطبا مع سكّر طبرزد نفع من اليرقان، وينقّي البدن.
والكشوت ينقّي الأوساخ عن بطن الجنين، وينفع من المغص، ويحتمل به فينقص نزف الدم، والمغلي منه يعقل [البطن] «3»
ويقطع سيلان الرّحم، وإن نقع من غير طبخ كان أعون على الإسهال، وان طبخ كان أكثر تفتيحا للسدد.
وشرب عصارته وبزره يفعلان ما يفعل نقيعه وطبيخه. وإذا غسل بطبيخه أو بعصارته اليد والرّجل نفع من النّقرس وأوجاع المفاصل، وإذا وضع مع أدوية الجرب قوّى فعلها. وينفع ماؤه من الحمّيات المركبة من البلغم والصفراء، وغذاؤه ليس بالرديء. وكامخ الكشوت جيد للمعدة ولا سيما إذا جعل معه الأنيسون وبزر الكرفس أو الرازيانج «4» .
كمأة «5»
قال ديسقوريدوس: هو أصل مستدير لا ورق له ولا ساق، ولونه إلى الحمرة،(22/20)
يوجد في فصل الربيع، ويؤكل نيّئا ومطبوخا.
قال ابن البيطار: والكمأة يورث عسر البول والقولنج. والكمأة يهيّج منها الذّبحة فقهم بطبيخ الشبت، وأعطهم رماد الكرم بسكنجبين، أو أعطه مثقالين ذرق الدجاج بالسكنجبين ليقيّأ به. والكمأة الحمراء قاتلة. والكمأة تورث ثقلا في المعدة وتولد السدد أكلا، وماؤها يجلو البصر كحلا. والكمأة تورث السّكتة والفالج ووجع المعدة، فينبغي أن تقشّر وتنقّي تنقية كثيرة ليصل إليها [الماء] ويخرج غلظها، ويسلقها بالماء والملح والفودنج «1» والسّذاب «2» سلقا بليغا ويؤكل بالزيت الرّكابي والمرّي والصعتر «3» والفلفل والحليب. واليابس منها أبطأ في المعدة وأكثر ضررا، فينبغي أن يجاد إنقاعها وأن تدفن في الطين الحر يوما وليلة، وتستعمل بعد الغسل لتعمل الرطوبة فيها من الماء وتكون شبيهة بالطريّة، ويشرب بعدها النبيذ المعسّل الصّرف الشديد. ويؤخذ الترياق والزنجبيل «4» المربّى والمسحوق، فإدمان أكلها والإكثار منها يولّد البلغم والبهق الأبيض خاصة، وثقل اللسان وضعف المعدة. وينبغي أن تؤكل بالمري «5» ، وإن سلقت بالماء وطبخت بالزيت وطيبت بالأفاويه الحارة كالفلفل والدار صيني ذهب عنها توليدها البلاغم اللزجة؛ وان سلقت بالملح والصّعتر والمري قلّ ذلك منها أيضا،(22/21)
وإن كبّبت (أو كردبت) «1» فلتؤكل بالمري والفلفل. والمشوي أيضا منها في بطون الجداء والحملان اكتست من شحومها ما تصلح به بعض الصلاح، لكن الأجود أن تؤكل بالفلفل والملح، ويشرح منها مواضع بالسكين ويجعل فيها من الزيت والفلفل قبل ذلك. واختلاطها باللحم ليس بصالح، وينبغي أن لا تؤكل فيه، وليتجنب شرب الماء القراح بعدها.
ومن خواص الكمأة أن من أكلها ولدغه شيء من ذوات السموم، والكمأة في معدته، مات ولم يخلصه دواء البتة. وماء الكمأة من أصلح الأدوية للعين إذا ربي به الإثمد واكتحل به، ويقوي أجفان العين، ويزيد في الروح الباصرة، ويدفع نزول الماء عنها.
والكمأة اليابسة إذا سحقت، وعجنت بماء، وخضّبت به الرأس، (6) نفع من الصلع العارض قبل وقته فجرّبه، فإذا جفّفت وسحقت وعجنت بغراء السمك محلولا في خلّ نفعت من قبله الصبيان المعائية، ومن نتوء سررهم ومن الفتوق المتولّدة عليهم، مجرّب.
كمافيطوس «2»
ومعناه صنوبر الأرض «3» . قال ديسقوريدوس في الثالثة «4» : هو من النبات(22/22)
المستأنف كونه في كل عام، وقد يسعى في الأرض في نباته إلى الانحناء ما هو.
وله ورق شبيه بورق الصغير من حي العالم «1» إلّا أنه أدق منه، وفيه رطوبة تدبق باليد، وعليه زغب كثيف، وورقه كثيف على أغصانه، ورائحته شبيهة برائحة الصّنوبر، وله زهر دقيق أصفر، وأصول كأصول فنحوريون «2» .
قال ابن البيطار: ينقّي ويفتح ويجلو الأعضاء الباطنة، وهو من أنفع الأدوية لمن به يرقان ولمن يحدث في كبده السدد. ويحدر الطمث إذا شرب مع العسل، وإذا احتمل من أسفل، ويدر البول. وبعضهم يشفى منه لوجع الورك بعد طبخه بماء العسل، وما دام طريّا فهو يقدر أن يلزق ويدمل الجراحات المتعفنة ويحلل الصلابة التي تكون في اليدين. وإذا شرب من ورقه مع الشراب سبعة أيام متوالية أبرأ عرق النّسا. ويسقى منه أيضا لعلّة الكبد ووجع الكلى والمغص، ويسقى طبخه لضرر السم خانق النمر «3» ، ويهيأ منه لهذه العلة ضماد متّخذ من طبيخه مخلوط بسويق فينتفع به. وإذا سحق وخلط بالتين «4» وهيئ(22/23)
منه حب وأخذ حلّ الطبيعة، وإذا أخذ بتوبال النحاس والراتنج وشرب أسهل الفضول من الرّحم. وإذا وضع على الثدي الجاسية «1» حلل جساها، وإذا تضمد به مع العسل ألزق الجراحات ومنع النملة أن تسعى في البدن. وهو يسهل بلغما غليظا، وهو أصناف، فليعلم.
كمادريوس «2»
ومعناه بلّوط الأرض «3» . قال ديسقوريدوس في الثالثة: ينبت في أماكن خشنة صخرية، طوله نحو من شبر، وورقه صغار شبيه في شكله وتشريفه «4» بورق البلوط، مر الطعم، وزهره إلى لون الفرفير «5» . وينبغي أن تجمع العشبة وثمرتها فيها بعد.
قال ابن البيطار: يذوّب الطحال، ويدر الطّمث والبول، ويقطع الأخلاط الغليظة، وينقّي السدد الحادثة في الأعضاء الباطنة. وإذا شرب طريا أو مطبوخا (7) بالماء نفع من شدخ العضل والسعال، وجسا الطحال، وعسر البول وابتداء الاستسقاء، ويحدر الجنين. وإذا شرب بالخمر حلّل ورم الطحال، وإذا شرب بالشراب أو تضمد به كان صالحا لنهش الهوام. ويمكن أن يسحق ويعجن ويستعمل للعلل المذكورة.
وإذا خلط بالعسل نقّى القروح المزمنة، وإذا سحق وخلط بشراب واكتحل به(22/24)
أبرأ قرحة العين التي يقال لها أخيلوس «1» وهو النّاصور.
وإذا دق ووضع على الطحال أضمره. وشربه يذهب اليرقان، وإذا طبخ بماء قليل وزيت وشرب ثلاثة أيام متوالية على الريق، كل يوم ثلاث أواق فاترا، نفع [من] «2» الحصى نفعا عجيبا. وينفع من الأوجاع المزمنة العارضة في نواحي الصدر والرئة إذا سحق وشرب منه ثلاثة أيام معجونا بجلّاب «3» أو بعسل، ومقدار الشرب منه لذلك ثلاثة دراهم. وشراب الكمادريوس مسخّن محلّل، ينفع من التشنج واليرقان، والنفخ الذي يكون في الرحم، ومن بطء الهضم وابتداء الاستسقاء.
كمّون «4»
معروف. قال ابن البيطار: وإنما يستعمل منه بزره، وقوته في إدرار البول وطرح الرياح وإذهاب النفخ، ويسخن ويجفف، وإذا طبخ بالزيت واحتقن به مع دقيق الشعير وافق المغص والنفخ. ويسقى بخل ممزوج بالماء لعسر النفس الذي ينتصب فيه. ويسقى بالشراب لنهش الهوام. وينفع من ورم الأنثيين مخلوطا بالزيت ودقيق الباقلّى أو بقيروطي «5» ووضع «6» عليها. ويقطع سيلان الرطوبات(22/25)
المزمنة من الرحم، ويقطع الرّعاف إذا قرّب مسحوقا من الأنف مخلوطا بخل، ويصفّر البدن إذا شرب منه أو تلطخ به. وهو عدة أصناف والفارسي أقوى من غيره.
وإذا مضغ مع الملح، وقطّر ريقه على الجرب «1» والسّبل «2» المكشوطة والظّفرة «3» ، منع اللصق. والكرماني يعقل، والنّبطي يسهّل، والنّبطي هو الموجود في سائر المواضع. وإن قلي الكمّون وأنقع في الخل عقل الطبيعة المستطلقة من الرطوبة. وينفع من الريح الغليظ، ويجفف المعدة ويصلح الكبد. وإذا احتملته المرأة مع زيت عتيق قطع كثرة الحيض، وإذا نقع في الخل، «4» وجفف وسحق، وتمودي على أخذه سفوفا، قطع شهوة الطين «5» وأشباهها. وإذا مضغ بالملح وابتلع قطع سيلان اللّعاب.(22/26)
والكمّون البرّي بزره أشد حرافة من الكمون البستاني، ويشرب من بزره للمغص والنفخ، وإذا شرب بالشراب وافق ضرر ذوات [السموم] «1» من الهوام، والبلّة العارضة في المعدة «2» . وإذا خلط بزيت وعسل وتضمد [.....] لوّن الدم العارض تحت العين.
كندس «3»
قال إسحاق «4» : الكندس عروق نبات، داخله أصفر وخارجه أسود، ونباته يسمى الحرشف، [.....] ولون ورقه أرقط ببياض وخضرة، والمستعمل منه العروق، ويجمع في [يونيه] «5» ، وهو شديد الحرارة.
قال ابن البيطار: وخاصيته قطع البلغم والمرّة الغليظة، ويحلل [الرياح] «6» من الخياشيم، وهو شديد الحرارة، وفي شربه خطر عظيم، ومقدار الشربة منه ليتقيأ به من دانق إلى أربعة دوانيق «7» [مسحوقا] منخولا [ومذافا] بصفرة ثلاث بيضات قد [شويت] «8» شيّا لم ينضج، وفيها رقّة مع ما قد أغلي فيه عدس وشعير مرضوضان مقشوران مقدار نصف رطل فإنه يقيّئ قيئا جيدا. وإذا(22/27)
سحق الكندس ونفخ في الأنف هيّج العطاس وينزّل البول والحيض.
وهو من الأدوية القتّالة إن لم ترفق به، ويجفف الحلق، ويهيج وجع البطن.
وينبغي أن يسقى اللبن ودهن الخل. وهو جيد للعشاء «1» جدا، وكان رجل لا يبصر الكواكب ولا القمر بالليل فاستعط بمثل عدسة كندسا بدهن بنفسج فرأى الكواكب بعض الرؤية في أول ليلة وفي الثانية برأ البتّة، وجرّبه غيره «2» أيضا.
وإذا كان الولد ميتا لثلاثة أشهر، أو لأربعة، يسحق الكندس في عسل، ويتخذ منه فتيلة، واحتملتها المرأة فأنها تلقيه. ولا يستعط به في القيظ ولا في الصيف فأنه ينشف الرطوبة، وإنما يستعط به في الخريف والشتاء والربيع. [و] إذا عجن الكندس بالخل وطلي به البهق وتمودي عليه أزاله، وإذا أغلي في الخل وضرب بدهن الورد نفع الحكّة، وإذا سحق وصيّر في خرقة واشتم عطّس ونقّى الدماغ [ونبّه] «3» المصروعين والمفلوجين، وأعان بالعطاس على دفع المشيمة. وإذا شرب منه وزن ربع درهم أو نحوه بالسّكنجبين والماء الحار قيّأ بلغما لزجا. وإذا اختلط بالزّفت، ووضع على(22/28)
القوباء «1» العتيقة، وتمودي عليه قلعها، وهو ينفع من الخشم بفتح سدد المصفاة بقوته.
لبلاب «2»
قال ديسقوريدوس في الرابعة: هو نبات له ورق وقضبان طوال يتعلق بما قرب منها من النباتات، وينبت في السّياجات وأمرجة «3» الكروم (9) ، وينبت أيضا بين زروع الحنطة، وله نور شبيه بقمع أبيض يغلفه غلف صغار «4» ، فيه حب صغار أسود وأحمر.
قال ابن البيطار: قوته قوة محلّلة، إذا شرب عصارة أوراقه أسهلت البطن، واللبلاب يسهّل باللزوجة التي فيه، ويخرج الصفراء، ويسهّل برفق إذا خلط بالسّكّر. وإن أردت تقوّيه وزدت فيه من فلوس الخيار شنبر «5» محلولا بالماء المغلي.
وليس ينبغي أن تشرب ماء اللبلاب مغلّيا لأنه إذا غلي ذهبت لزوجته التي يسهّل الطبيعة بها، وانكسرت قوته، والشرب(22/29)
منه رطل مع عشرين درهما من السّكر. وينفع من السعال إذا كان من حبس الطبيعة، وينفع من القولنج الذي يكون من خلط حار، ويحلّل أورام المفاصل والأحشاء إذا استعمل مع فلوس الخيار شنبر، وإن طبخ ماؤه، قلّ إسهاله، وكان أكثر تفتيحا للسدد؛ وهو نافع من الحمّى الصّالبة «1» .
لبسان «2»
قال الغافقي: زعم بعض الأطباء أنه الخردل البرّي «3» ، وهي بقلة تشبه الخردل في الصّفة فقط، وليست من حرارة الخردل في شيء، وتسمى باللطينية أخشنيه.
وقال ديسقوريدوس في الثانية: هي بقلة معروفة برّية أكنز غذاء، وأحسن وأجود للمعدة من الحماض «4» ، وقد تطبخ وتؤكل.
قال جالينوس في السابعة: أما على سبيل الطعام فهو يولّد خلطا رديئا «5» ، وأما على سبيل الدواء فأنه إذا ضمّد به كان له جلاء وتحليل.
وقال الشريف «6» : اللّبسان إذا طبخ، وجلس في طبيخه الأطفال الذين لا(22/30)
يمشون لضعف عصبهم وبرده «1» ، أعانهم على المشي. وبزره إذا سحق وعجن بلين «2» ولطخ به الوجه أذهب كلفه وحسّنه وورّده وأذهب نمشه وبرشه، وإذا صنع من بزره لعوق وأخذ على الريق، نفع من السعال المزمن، وإذا شرب بالطّلا نفع من الحصى.
لحية التّيس «3»
قال أبو حنيفة: يسمى أذناب «4» الخيل، وهي بقلة جعدة، ورقها مثل ورق الكرّاث، ولا يرتفع ارتفاع ورق الكراث، ولكن يتسطح؛ والناس يأكلونها ويتداوون بعصيرها.
قال ابن البيطار: هذا النبات هو لحية التّيس على الحقيقة، وهو معروف بهذا الاسم عند العرب وعند أهل الشام والمشرق وديار بكر أيضا، وقد ينبت منه شيء ببلاد الفيّوم من أعمال مصر. وأما الدواء الذي سمّاه حنين في كتاب جالينوس وديسقوريدس لحية التّيس وليس هو هذا الدواء المذكور قبل، ولا من أنواعه، ولا بينهما نسبة، لا في ورد ولا في صدر، بل هو دواء غيره، وهو المسمى باليونانية قسوس «5» ، ونحن «6» متّبعون حنينا في ذلك إذا كان هذا هو المقصود في كتب الأطباء بهذا الاسم. وهذا النبات الذي سماه حنين لحية التّيس هو المعروف (10) عند عامّتنا بالأندلس بالشقواص وهو مشهور بما ذكرته.(22/31)
قال ديسقوريدوس في الأولى:
قسوس شجرة صغيرة، تنبت في أماكن صخرية، وهي كثيرة الأغصان، ولها ورق مستدير صلب عليه زغب شبيه بالجلّنار، والأنثى زهره أبيض. أما ورقه الغض فإذا سحق وجفّف وقبض [تجفيفا ويبسا بلغ به أن] أدمل الجراحات «1» . وزهرته أقوى من ورقه حتى إن من شرب شيئا منها مع شراب أبرأت ما يكون به من قروح الأمعاء وضعف المعدة، وإذا اتّخذ منها ضماد نفعت الجراحات المتعفنة، وقوة الزهرة قابضة. وإذا شرب مسحوقا بشراب قابض نفع من اختلاف الدم وضعف البطن.
وإذا تضمد به منع القروح الخبيثة أن تسعى في البدن، وإذا خلط بزيت عذب وثوم أبرأ حرق النار والقروح المزمنة.
لسان الحمل «2»
قال ديسقوريدوس في الثانية: هو صنفان كبير وصغير، فالصغير له ورق أصفر وأدق وأشد ملوسة من ورق الكبير، وله ساق مزّواة مائلة إلى الأرض، وزهر أصفر وبزر على طرف الساق، والكبير أخشن أغصانا من الصغير، عريض الورق، يشبه إلى البقول التي يتغدى بها، وله ساق مزّواة إلى الحمرة، طولها ذراع، عليها بزر دقاق في شكلها من وسطها إلى أعلاها، وله أصول رخوة عليها زغب(22/32)
أبيض، غلظها غلظ إصبع، ويكون في الآجام والسّياجات «1» والمواضع الرطبة.
قال ابن البيطار: ينفع القروح الرديئة في الأمعاء، وذلك أنه يقطع الدم ويطفئ اللهيب والتّوقّد ويدمل النواسير وسائر القروح الرطبة. ويستعمل أصل هذا النبات في مداواة وجع الأسنان، يعطي صاحب الوجع أصله ليمضغه، ويطبخ الأصل أيضا بالماء ويعطى فيتمضمض به.
وأما في مداواة سدد الكبد والكلف فإنّا نستعمل بزره أكثر من ثمره. ولورق لسان الحمل قوة قابضة مجفّفة، وإذا تضمد به وافق القروح الخبيثة، (والقروح التي تسيل إليها المواد) «2» ، والقروح الوسخة، ومن به داء الفيل، وقطع سيلان الدم ومنع القروح الخبيثة، والنار الفارسية، والنملة، والبثور، من أن تسري في البدن. وهي تبرئ وتدمل القروح المزمنة والقروح الخبيثة، ويلزق الجراحات العميقة بطراوتها، وإذا تضمد به مع (11) الملح نفع من عضّة الكلب وحرق النار والأورام والخنازير ونواسير العين وورم اللوزتين.(22/33)
وإذا طبخ هذا البقل وأكل بملح وخل وافق قرحة الأمعاء والإسهال المزمن، ويطبخ مع العدس بدل السلق ويؤكل، وقد يعطى مسلوقا للمحبونين «1» حبنا لحميا، ويقطع المصروعين ومن به ربو، وإذا تمضمض بالورق دائما أبرأ قروح الفم، وإذا خلط بالطين المسمى قيموليا «2» أو بإسفيداج الرصاص أبرأ الحمرة، وإذا حقنت به النواسير جففها. وإذا قطر في الأذن الموجعة نفع وجعها، وإذا ديف بعصارته الشيافات «3» وقطّر في العين نفع من الرمد، وينفع اللثة المسترخية والدامية.
وإذا شرب نفع من نفث الدم، وما فيه من الآلات وقرحة الأمعاء، وقد يحمل في صوفة لوجع الرحم الذي يعرض فيه اختناق ولسيلان الفضول من الرحم. وثمره إذا شرب قطع الفضول السائلة إلى البطن، ونفث الدم من الصدر، وما فيه. وإذا شرب ثلاثة أصول من أصول لسان الحمل بأربع أواق ونصف شرابا ممزوجا بمثله ماء نفع من حمّى الغب «4» . وإذا شرب أربعة أصول نفعت من حمى الربع، وقد يشرب الأصل والورق بالطلا لأوجاع الكلى والمثانة. ومن الناس من يعلق الأصول في رقاب من بهم الخنازير يريدون بذلك تحليلها. وشرب ماؤه مغليا مصفّى ينفع من استطلاق البطن عن حر يستدعي شرب ماء كثير فيفسد لذلك الهضم ويليّن الطبيعة، أو من خلط صفراوي.(22/34)
لسان الثور «1»
قال ديسقوريدوس في الرابعة: هو نبات خشن أسود يشبه ورقه في شكله ألسن البقر.
قال ابن البيطار: إذا طبخ في الشراب وشرب أحدث لشاربه سرورا. وينفع من به سعال من خشونة قصبة الرئة والحنجرة إذا طبخ بالعسل. وخاصته في تفريح القلب وتقويته عظيمة، ويعينها ما فيه من إسهال السوداء الرقيق [فينقّي] بذلك جوهر الروح، ودم القلب، ويلين الطبيعة، ويعين على إحدار الأخلاط المحترقة، وينفع من السوداء المتولدة عن خلط صفراوي، ويسكّن جميع أعراضها من الوسواس والخفقان والفزع وحديث النفس. وإذا أحرق ورقه نفع رخاوة اللثة والقلاع «2» ، وخاصة في أفواه الصبيان والحرارة التي في الفم.
لوبيا «3»
معروفة، قال ابن البيطار: يدر الحيض إذا صير معها القنّة «4» ودهن النّاردين «5» ،(22/35)
تولّد البلغم الرديء، فإن أكلها بخردل منع ضررها، والأحمر أجودها، والأبيض غليظ عسر الانهضام ويعين على هضمه أكله بالمري والزيت والكمون حارا، وأن لا يؤكل (12) قشره الخارج. وأما بطنه فأحمد أكله أن يؤكل بالملح والفلفل والصعتر ليعين على هضمه ويشرب عليه نبيذ صلب صرف، والمربّى منه بالخل قليل الرطوبة بطيء الهضم من أجل يبس الخل، وهو أقل نفخا من الباقلّى، وهو جيد للصدر والرئة.
وأما الأحمر منه المطبوخ فيه [ف] ينقّي دم النفاس ويخرج الأجنة الميتة والمشيمة وهو يغثي ويبخر الرأس [و] ليس بصالح للمعدة، وينبغي أن يؤكل بالخل والخردل والسذاب والمري، فالخل يمنع تبخيره إلى الرأس و [وتوليده] الغثى، والخردل والمري يطيبانه ويسرعان إخراجه ويذهبان بما فيه من تقلب المعدة، والسذاب يكثر نفخه.
لوسيماخوس «1»
قال ديسقوريدوس في الرابعة: هو نبات له قضبان نحو من ذراع، رقاق شبيهة بقضبان الثمنش من النبات، معقّدة وعند كل عقدة ورق نابت «2» شبيه بورق الخلاف، قابض في المذاق، وزهره أحمر شبيه بالذهب في لونه، وينبت في(22/36)
الآجام وعند المياه.
قال ابن البيطار: يدمل الجراحات، ويقطع الرّعاف إذا ضمد به، ويقطع كل دم ينبعث من حيث كان [من] نفس جرمه وعصارته، إلّا أن عصارته أبلغ فعلا منه. ومتى شرب أو احتقن به شفى قروح الأمعاء، ونفع من نفث الدم من الصدر، وقرحة الأمعاء، شرابا أو محتقنا به، وإذا احتملته المرأة قطع سيلان الرطوبات المزمنة من الرحم دما كان أو غيره، وإذا شد المنخران بهذا النبات قطع الرّعاف، وإذا وضع على الجراحات ألحمها وقطع عنها نزف الدم، وإذا دخّن به طرد الهوام وقتل الفار (13) .
لوف «1»
اللوف ثلاثة أصناف: صنف يسمى دراقيطن «2» ومعناه لون الحيّة، لأن ساقه يشبه لون الحيّة في نفسه ونعومته، وهو اللوف السّبط، ويسمى بالأندلس غرغيته «3» ، وبعض العلماء يسمونه الصّرّاخة، لزعمهم أن له صوتا يسمع منه في(22/37)
يوم المهرجان، وهو يوم العنصرة؛ ويقولون إن من سمعه يموت في سنته تلك.
والصنف الثاني يسمى أأرن ويسمى [بالبربرية] «1» أيرني، ويسمى صارة «2» ، وهو اللوف الجعد. والثالث يسمى أأريصارن، وهو الدّويرة أيضا.
قال ديسقوريدس في الثانية: دراقيطون «3» ، وهو الفيلجوش «4» ، ومعناه آذان الفيل. له ورق شبيه بورق النبات المسمى قسوس «5» ، في لونه فيرفرية وآثار مختلفة الألوان، وهو مثل عصا في غلظه، وله في طرف الساق شبيه بعنقود، أول ما يظهر لونه أبيض شبيه بلون الخشخاش فإذا نضج كان لونه شبيها بلون الزعفران، يلذع اللسان. وأصله إلى الاستدارة أقرب، وعليه قشر رقيق، وينبت في أماكن ظليلة رطبة.
قال ابن البيطار: أصل اللوف ينقّي ويفتح السّدد من الكبد والطحال والكليتين، لأنه يلطّف الأخلاط الغليظة اللّزجة. وهو نافع للجراحات الرديئة، يجلوها وينقيها، وينفع من العلل المحتاجة إلى الجلاء. وإذا طلي بالخل قلع «6» البهق، وورقه قوته هذه القوة بعينها، وبزره أقوى من ورقه ومن أصله، وهو يشفي السّراطين وأورام المنخرين التي يسميها الأطباء الكثيرة الأرجل، وهي نواصير «7» الأنف.(22/38)
وعصارة اللوف تنقّي الأثر الحادث في العين عن قرحة، وثمره إذا أخرج ماؤه وخلط بالزيت وقطّر في الأنف أذهب اللحم الزائد في الأنف والسرطان. وإذا شرب من ثمره نحو ثلاثين حبّة بخل ممزوج بماء أسقط الجنين، ويقال إن المرأة إذا علقت واشتمّت رائحة هذا النبات عند ذبول زهره أسقطت. وأصله مسخن ينفع من عسر النفس الذي يحدث فيه الانتصاب، ومن الوهن العارض في العضل والسعال والنّزلة.
وإذا طبخ أو شوي وأكل وحده أو بعسل يسهل خروج الرطوبات من الصدر، وقد يجفّف ويدق ويخلط بعسل ويلعق فيدر البول، وإذا شرب بشراب حرّك شهوة الجماع، وإذا خلط بالدواء الذي يقال لها القير «1» أو عسل، وصيّر بمنزلة المرهم نقّى القروح الخبيثة وأدملها، وقد يعمل منه شيافات للنواصير وإخراج الأجنّة.
ويقال: إن أصله إن ذلك به أحد بدنه لم تنهشه أفعى، وإذا دق وخلط بخل ولطخ به البهق قلعه، وورقه إذا دق وضمّد به الجراحات الطرية بدل الفتل (14) وافقها، وإذا طبخ بالشراب ووضع على الشقاق العارض من البرد وافقه، والجبن إذا لفّ فيه لا يدوّد. وأما الأصل [ف] وافق القرحة في العين، وقد يؤخذ الأصل(22/39)
مطبوخا رطبا. وينبغي أن تجمع الأصول أيام الحصاد وتغسل وتقطّع وتشك في خيوط كتان وتجفّف في الظّل. وأصل اللّوف رطبا يغلى في دهن نوى المشمش حتى يحترق وتطلى به البواسير الظاهرة [ف] يقلعها ويحمل في صوفه أيضا للباطنة. وقد يقطّع صغارا وينقع في شراب يوما وليلة ثم يمسك ما أمكن في الدّبر فإنه نافع من البواسير، وهو عجيب في ذلك إلّا أنه صعب. وإذا بخّرت البواسير بأصل اللّوف جفّفها.
ولأصل اللوف في النفع من داء الشّوكة «1» فعل عجيب إذا طلي به مع دهن بنفسج مسخّن. وإذا سحق مع الدهن وطليت به أطراف المجذوم أوقف التآكل، وإن أديم الطلاء عليها أبرأها، وإذا سقي مع الدهن العتيق شفى من الدماميل.
لينابوطس «2»
نبات ذو أصناف، ومعناه الكندريات لأجل رائحة الكندر «3» الموجودة فيها، فاشتق هذا الاسم من لينانو الذي هو الكندر.
وزعم ابن جلجل «4» : أنه الإكليل الجبلي المعروف عند أهل الأندلس باكليل النّفساء، وهذا غلط محض، وتابعه جماعة ممن أتى بعده، مثل الشريف(22/40)
الإدريسي، فإنه لما ذكر الإكليل الجبلي في مفرداته تكلم فيه على أنواع اللينايوطس على أنها الإكليل، وهذا تخبيط وعدم تحقيق في النقل.
واللينابوطس بأنواع جميعه هو من أنواع الكلوخ «1» .
قال ديسقوريدوس في الثالثة:
لينابوطس هو ذو أصناف منه صنف له ثمر يقال له فجرو «2» ويسمى زاه «3» ، وله ورق يشبه ماراثون إلّا أنه أعرض منه وأغلظ، منبسط على الأرض باستدارة، طيب الرائحة، و [له] ساق طولها نحو ذراع، فيها أغصان كثيرة، وعلى أطرافها أكلّة فيها ثمر كبير أبيض مستدير، وفيه زوايا. حرّيف «4» في طعمه شبيه الراتينج، وإذا مضغ حدّ «5» اللسان، وله عرق أبيض يشبه رائحته رائحته رائحة الكندر. ومنه صنف آخر بزره عريض أسود طيب الرائحة، وليس له حذو، وله عرق ظاهره أسود وباطنه أبيض. ومنه صنف لا ينبت له ساق ولا زهر ولا بزر.(22/41)
وينبت اللينانوطس في مواضع صخرية وأماكن وعرة، (أما في بلاد المغرب فأكثر ما يكون بالسواحل، ويسمى عندهم الزبطور الساحلي الشعراوي) «1» .
قال ابن البيطار: عصارة حشيشه وأصوله (15) إذا خلط كل منهما بالعسل يشفي من ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة الغليظة.
وأما الذي يطبخ فيه النوع الذي يتخذ منه الإكليل، فإنه إذا شرب أصحاب اليرقان منه نفعهم، وإذا تضمّد به مدقوقا قطع سيلان الدم من البواسير، وسكن الورم الحار في المقعدة والبواسير الناتئة، وأنضج الخنازير والأورام العسرة النضج.
وأصوله (إذا استعملت يابسة) «2» مع العسل فينقي القروح ويشرب بالخمر فيبرىء المغص، ويوافق نهش الهوام ويدرّ البول والطمث. وإذا تضمد بها رطبة حلّلت الأورام البلغمية. وماء الأصل منه وغير الأصل إذا خلط بعسل واكتحل به أحدّ البصر، وثمره إذا شرب فعل ذلك، وإذا شرب بالفلفل والشراب نفع من الصرع وأوجاع الصدر المزمنة واليرقان، وإذا تمسّح به مع الزيت أدّر العرق، وإذا دقّ وخلط بدقيق الشّيلم «3» والخل وتضمد به وافق شدخ العضل وأطرافها، ويخلط بخل ثقيف «4» فينقي البهق.
وينبغي أن لا يستعمل للدّبيلات «5» بزر اللينابوطس المسمى فجرو، ولكن بزر الآخر، لأن الفجرو حرّيف يخشّن الحلق، وإذا خلط الفجرو بأشياء يغسل بها الرأس ويذر عليه ويترك ثلاثة أيام ويغسل بعد ذلك، فيوافق بعد ذلك العيون(22/42)
التي ينصب إليها الفضول.
ماهوبدانه «1»
ومعناه القائم بنفسه، لأنه يقوم بنفسه في الأسهال، ويسمى في الأندلس طارطقة «2» وسيسبان، وعند أطباء المشرق والهند يعرف بحب الملوك. قال ديسقوريدوس في الرابعة «3» : لاروليس «4» هو نبات يعده بعض الناس من أصناف اليتوع «5» ، له ساق طولها نحو ذراع جوفاء [في] غلظ إصبع، وفي طرف الساق شعب، ومن الورق ما هو على الساق ففيه طول، يشبه «6» ورق اللوز وأشد ملاسة، وأما الورق الذي على الشعب فأصغر منه يشبه ورق الزّراوند الطويل «7» ، وله حمل على أطراف الشعب مستدير كأنه حب الكبر «8» ، وفي جوفه ثلاث حبات تفرّق بعضها من بعض بغلف هي فيها، والحب أكبر من حب الكرسنة «9» ، وإذا قشر كان أبيض، وهو حلو الطعام، وهو مملوء لبنا مثل اليتوع.
قال ابن البيطار: إذا أخذ من بزره سبع أو ثمان عددا، وعمل منه، وشرب أو(22/43)
مضغ، وشرب بعده ماء بارد، أسهل بلغما ومرّة وكيموسا مائيا. ولبنه إذا شرب كما يشرب لبن اليتوع فعل ذلك. ويطبخ ورق هذا النبات مع الدجاج، أو مع بعض البقول، ويؤكل فيفعل ذلك؛ وإذا شرب من بزره وزن درهمين أسهل البلغم والصفراء أو الأخلاط الغليظة والماء وقيّأ بقوة، وإذا (16) ابتلع كان إسهاله ألين، وإن أجيد مضغه كان أقوى. والإسهال به ينفع من أوجاع المفاصل والنّقرس وعرق النّسا والاستسقاء والقولنج، وهو مضر بفم المعدة ويولد الغشي، وينفع من وجع الظهر. ويجب أن لا يشربه إلا من كان قوي المعدة.
ماهيزهره «1»
قال ابن البيطار: بحثت عن اسم هذا الدواء وحقيقته مشرّقا ومغرّبا فلم أقف له على حقيقة أكثر مما أني رأيت أهل الشام والمشرق أيضا يستعملون مكانه قشر أصل الدواء المعروف بالبوصير، ويسمونه بهذا الأسم، وقد ذكرته في الباء.
وأهل المغرب والأندلس يعرفونه بسيكران «2» الحوت «3» ، وبالبرشكوا أيضا، وهو ثلاثة أنواع: نوعين جبليين ونوع بستاني، والنوعان الجبليان هما المستعملان،(22/44)
وهما في جبال الشام كلها، وهي تنفع أوجاع المفاصل ولمن أصابه تشبّك في أصابعه، وإنما ينفع اللحاء [الذي هو] خارج «1» الأغصان. وذكر أنها إذا صيّرت في غدير فيه ماء وسمك، وخلط بذلك الماء أسكر السمك. ومقدار الشرب منه مع السّكر مثقال، فإن طبخ مع غيره من الأدوية في مطبوخ فالشربة منه درهمان أو ثلاثة، وهو جيد للنقرس ووجع الورك والظّهر.
مازريون «2»
قال ديسقوريدوس في الرابعة: حامالا «3» ، أو «4» هو تمنيش «5» صغير، يستعمل في وقود النار، وله أغصان طولها شبر وورق شبيه بورق الزيتون إلّا أنه أدق منه، وهو مر متكاثف يلذغ اللسان ويخدره.
قال ابن البيطار: ورقه يسهل بلغما ولا سيما أن خلط بجزء منه جزءان «6» أفسنتين، وعجن بعسل أو ماء، وعمل منه حب، واستعمل. والحب المتّخذ منه(22/45)
إذا شرب لم يذب «1» في الجوف وخرج في البراز. وإذا دق ورقه ناعما، وعجن بالعسل، نقّى القروح الوسخة، وقلع الخشكريشة «2» .
وهو حار يابس يأكل الرطوبة من الكبد والجسد، ويسرع إلى شاربه الاستسقاء. وإذا سقي منه إنسان من غير أن يصلح اعتراه غم وكرب شديد، وربما قيّأ شاربه وأسهله جميعا، وربما دفعت الطبيعة بأحدهما دون الآخر. وإذا سقيته إنسانا من غير أن يصلحه أخلفه شيئا مثل غسالة المعي، أو مثل عجين الدقيق، وإنما ذلك من حمله على المعى الحمل «3» يجردها. وأصحاب الرطوبات أكثر احتمالا لشربه من أصحاب الحرارات، والمشايخ أحمل لشربه من الشباب والمكتهلين.
وإذا أردت إصلاح المازريون فاعمد إلى أصلح جنسه وهو أعرضهما وأطولهما ورقا، فأنقعه صحيحا في خل ثقيف يومين وليلتين، وغيّر له الخل مرتين أو ثلاثا، ثم صب الخل، واغسله بالماء العذب مرتين أو ثلاثا، وجففه في الظل أو في الشمس إن لم يسرع جفافه في الظل، ثم دقّه دقّا ناعما فيه بعض الجراشة ولتّه بدهن اللوز الحلو، ودهن البنفسج، أو دهن الخل. وإن أحببت (17) أن تخلطه بما يصلحه، فاخلطه بالزبد والأفتيمون «4» والهليلج الأصفر «5» والورد ورب السوس والكمّون الكرماني والملح الهندي، فإنه حينئذ يكون دواء موافقا للمرّة السوداء ويخرجها بالإسهال، وينفع من وجع البلغم. وإن عالجت به(22/46)
الماء الأصفر فاخلطه بعد تبريده بما ذكرنا بأصل السوسن الآسمانجوني»
وتوبال النحاس «2» والأسارون «3» والمر الصافي والسكبينج «4» والملح الهندي والهليلج الأصفر وبزر الكرفس البستاني وعصارة الغافت «5» وعصارة الأفسنتين وسنبل الطيب «6» والمصطكي وأسقهما عنب الثعلب «7» والرازيانج «8» المعصور المصفّى.
وإن كانت الطبيعة شديدة فزد من الخيار شنبر مع ماء البقول فإنه يسهل الماء الأصفر. وإن شئت جعلته حبّا أو أقراصا، غير أنه يسقى من كان قويا ولا يحتمله الضعفاء ولا من سقطت قواه، ولا المحرورون، ولا يسقى في الزمان الحار ولا في البلاد الحارة، والشرب منه مدبرا [في] القوي الصحيح نصف درهم إلى دانقين.(22/47)
وأما المرضى فعلى قدر قواهم، وأما أصحاب الماء فالشّرب منه للقوي من أربع حبات إلى ست حبات. والمازريون يفسد مزاج الجوف، وإن نقّع في الخل ووضع على الطحال أذبله. ويصلح بأن يطبخ منه أوقية بثلاثة أرطال حتى يسقى الثلث ويمرّس ويصفّى، ويصب عليه أوقية دهن لوز حلو، ويطبخ أيضا حتى يذهب الماء ويبقى الدهن، ويشرب الدهن ما بين وزن درهم إلى خمسة دراهم.
ويتّخذ من المازريون شراب وقت ما يزهر ينفع من به استسقاء ووجع الكبد، ومن له الوجع الذي يقال له الأعياء، وقد ينقي النّفساء التي يعسر تنقيتها.
ماميثا «1»
قال ابن البيطار: قال أبو العباس النباتي «2» : ويقال مميثا. والاسمان مشهوران عند أكثر الناس. ووصفها ديسقورديدوس بصفتها، وذكر أنها تغش بالخشخاش السواحلي لغلط كثير من الناس فيها، أو كلاما هذا معناه.
وقال ابن البيطار: وقد رأيت الماميثا بالشام على ما وصفت، ورأيت منها نوعا صغيرا ينبت بين الصخور الجبلية. وأهل حلب يستعملونه في علاج العين، ويسميها بعضهم بالحضض، على أن الحضض معلوم عندهم، والأطباء أجمعون قد ذكروا الماميثا في كتبهم، ولم يصفها أحد منهم في كتابه بصفتها اتكالا على الصفة التي وصفها بها ديسقورديدوس في كتابه أو غير ذلك، إلا أن إسحاق بن(22/48)
عمران الإفريقي «1» من المتأخرين فإنه وصفها.
وهي بأفريقية معروفة الصفة، وأهل البلاد يسمون بزرها بالسمسم الأسود، والسمسم في الحقيقة غيرها. وقد رأيته في الحقيقة ورأيتها ولا شبه بينهما، وقد تكون الماميثا ببلاد الأندلس (18) بجهة لبلة «2» وقرطبة وما والاها [ا] وبغرناطة «3» على الصفة أيضا، وهي في الصورة النبتة المعروفة بإشبيلية مميثا سواء بسواء، إلّا أن زهر هذا النوع يكون في البر منه ما يكون فيه نكتة إلى الحمرة، ومنه ما لا نكتة فيه، والصورة الصورة.
وأما الذي يستعمل بإشبيلية، فصحّ لي بالعمل والخبر، وطول المزاولة، أن الصالحين فيما مضى ازدرعوه في البساتين مما جلب إليهم من السواحل البحرية من بزر الخشخاش الساحلي «4» ، وذلك لظنهم في الخشخاش المذكور أنه الماميثا، والأمر بخلاف ظنّهم. وبحث في ذلك المتقدمون والمتأخرون، وجرى الغلط(22/49)
إلى هذه الغاية.
على أني رأيت أبا الحسن مولى الحرة «1» - رحمه الله- كان ممن له تحقيق بهذا الشأن قد ظنّ أن الماميثا الإشبيلية المزروعة في البساتين مميثا صحيحة. وقد كنت أنا أظن ذلك قبل «2» ، وجعل الفرق بين الخشخاش الساحلي وبين الماميثا الإشبيلية النكتة النعمانية الموجودة في ورق الخشخاش الساحلي، وقال: إن هذا الفرق بين الماميثا البستانية- على ظنّه- وبين الخشخاش المقرّن، وهذا الفرق ليس بصحيح، فإن الخشخاش الساحلي، وإن كان كما قال، فإن منه في السواحل أيضا ما لا نكتة فيه، وزهره كله أصفر، وكذلك تجد الماميثا المحققة «3» أيضا النابتة في البراري في زهرها المنكّت وغير المنكّت، لكن الفرق الثالث الذي لا يشكل ولا يحتاج معه إلى فرق آخر.
وقد خفي على من مضى من الأطباء المحدثين، فلم يعلمه كثير من المتأخرين أن الخشخاش الساحلي فيه «4» الحبّة المنكّتة وغير المنكتة.
والماميثا المحققة النابتة في البر مستأنفة الكون، في كل سنة تتحطم عيدانها في الصيف، والمزروع من الخشخاش الساحلي بالبساتين المسمى ماميثا عند أهل إشبيلية، فإن الذي ينبت منه على الأصل تتحطم أغصانه وتبقى أرومته، ينبت منها في العام «5» المقبل فاعلم ذلك وتحققه، فقد أوضحت لك القول في هذا الدواء الكثير المنافع العظيم الفائدة في علاج العين وغيره.(22/50)
وليعلم أن الخشخاش المقرّن [والماميثا] «1» لا فرق بينهما في صورة الورق والزهر والثمر ولون الصفرة التي في الأصل، إلّا أن ما أنبأتك به أولى وأحرى من اختصاص الماميثا بالبراري والأرض الطيبة، واختصاص الخشخاش بالسواحل البحرية برمليها وحجريها «2» . وكذلك قد أعلمتك أيضا أن ما الماميثا ما يكون في أسفل ورقه نكتة لكنه اللون، ومنه ما لا نكتة فيه، وكذلك الخشخاش أعلمتك (19) أنه قد يكون من أنواع الخشخاش ما يشبه الماميثا [إلّا] «3» أن زهر هذا لونه أحمر وشنفته «4» قائمة، فصار فيها خشونة بخلاف شنفة الخشخاش المقرّن.
وأما الماميثا فإن زهرتها معوجّة كالقرون، وهذا النوع من الخشخاش الأحمر، وقد ذكره ديسقوريدوس في الرابعة، وقد بينا ذلك في موضعه من كتابنا وبالله التوفيق.
قال ديسقوريدوس في الثالثة «5» : الماميثا نبات ينبت في المدينة التي يقال لها منبج «6» وغيرها، ورقه شبيه بورق الخشخاش المقرّن إلّا أن فيه رطوبة تعلق باليد، وهو قريب من الأرض، ثقيل الرائحة مرّ الطعم، كثير الماء، ولون الماء شبيه بلون الزّعفران.(22/51)
قال ابن البيطار «1» : وهو دواء كثير المنافع للعين، يبرّد تبريدا بيّنا، ويشفي العلل المعروفة بالحمرة «2» إذا لم تكن قوية، وأهل بلاده يصيّرونه في قدر نحاس ويسخّنونه في تنّور ليس بمفرط الحرارة إلى أن يضمر، ويدقّونه ويخرجون ماءه، ويستعمل في الأكحال في ابتداء العلل لبرده.
وهو قابض جيد للأورام الحارة وحرق النار إذا طلي به، وإذا عجن بماء ورقه دقيق الشعير سكّن أورام «3» الحمرة وحللها في الابتداء، وسكّن أوجاع الفلغموني «4» ، وإذا حلّت عصارته بخل نفعت طلاء على الصدغين من الصداع الصفراوي، وإذا حلّت العصارة في ماء الورد نفع من القلاع في أفواه الصبيان.
وجباه الصبيان إذا طليت به قطعت انصباب المواد إلى أعينهم. وعصارة الزهر إذا لم تحرق في الطبخ وأحكمت صنعتها تنفع من الدّمعة وتقوّي العين، وتنفع «5» في آخر الرمد. وحب الماميثا صغير أسود يؤكل وتسمّن به النّساء، [و] يبرئ به الحمرة الشديدة وورم السّرّة وورم النّفاس.
ماش «6»
معروف كنبات اللوبيا. قال ابن البيطار: الماش ليس بنافخ، ويؤكل، والخلط(22/52)
الذي يولّده محمود، وإن ضمّدت به الأعضاء الواهنة نفعها وسكّن وجعها [لا سيما] «1» إذا عجن بالمطبوخ والزعفران والمر. وأحمد المعالجة به في الصيف أو في المزاج الحار والوجع الحار. وإن أراد مريد إذهاب ضرره، ويلين به الطبيعة، فليطبخه بماء القرطم «2» ودهن اللّوز الحلو، إذا لم يكن هناك حمى صفراوية أو ورم، فإن كان هناك حمى حارة فاطبخه مع البقلة الحمقاء «3» والخس والسّرمق «4» وشعير مرضوض. وإن احتجت أن تعقل البطن فتلقيه بقشره، ويطبخ بالماء، ويصب ماؤه، ثم تطبخه مع البقلة المدعوّة الحمّاض «5» ، ويصير معه ماء الرمان والسّمّاق والزيت الأنفاق «6» ، وإذا صنع به هكذا عقل وسكّن الحرارة، فإن كره الزيت صيّر مكانه دهن اللوز الحلو. والماش يسكّن المرة وينقص الباه وإذا استعمله المحرورون لم يحتج إلى إصلاح ولا كانت فيه مضرّة تدفع.(22/53)
وأما (20) المبرودون، ومن تعتريه الرياح، فتدفع مضرته بالجوارشن «1» الكمّوني، وأكله بالخردل، وماؤه يليّن البطن، والحسو المتّخذ منه ينفع السعال والنزلات.
وهو ينفع المحمومين. وإذا طبخ بالخل نفع من الجرب المتقرح.
مثنان «2»
قال ديسقوريدوس في الرابعة: ثومالا، أو من الناس من يسميه قورغن «3» .
وهو نبات يخرج قضبانا كثيرة حسانا، وورقه يدبّق باليد. وهو لزج يدبق بالمضغ، وله زهر أبيض. وفيما بين الزهر ثمر صغير شبيه بحب الآس مائل إلى الاستدارة، وهو في ابتداء كونه أخضر، وقشره صلب أسود، وداخله أبيض.
قال ابن البيطار: يسهل البطن رطوبة مائية ومرّة وبلغما إذا شرب من حبه عشرون حبة عددا، وإذا شرب وحده حرق الجلد. وينبغي أن يشرب مع الدقيق أو السّويق أو في حبة عنب، أو يزدرد ملطخا بعسل مطبوخ. وقد تلطخ الأبدان، التي يعسر عرقها، بلطوخ يعمل من هذا الحب مسحوقا مخلوطا بنطرون وخل.
وورق هذا النبات الذي يسمى خاصة قيارون يجمع أوان الحصاد، ويجفّف في الفيء ويرفع. وإن احتيج أن يسقى منه فيدق ويخرج ما فيه من الشظايا. وإذا ذرّ منه مقدار أكسوثافن «4» في شراب ممزوج بالماء أسهل رطوبة مائية، وإذا خلط(22/54)
بطبيخ العدس أو الفول المسحوق أسهل إسهالا لينا. وقد يخزن «1» مسحوقا بعصارة الحصرم مصنوعا أقراصا. وهو رديء للمعدة، وإذا احتمل قتل الجنين.
وذكر الرازي في الحاوي «2» : إن هذا هو الحبّة المسماة كرمدانه. وقال: إن النساء يستعملن هذه الحبة لتسخين الفروج. والكرمدانه تسهّل البلغم الغليظ وتمنع من أبخرة الدواء المرتفعة إلى الرأس وأبخرة السوداء، وتقيئ. وهو دواء قتّال إن أكثر منه، لأنه يسحج المعى، ويلهب المخرج، ولا يحتمله إلّا الأقوياء الغلاظ الطبائع، ويعالج به البرص. وأصله إذا طبخ بالزيت ولطخ به الجرب والقوابي والقروح في الرأس نفعها.
قال ابن البيطار: ومن المثنان صنف آخر متخذ من قشرة أرسان الدواب، وهو بغزّة والدّاروم «3» كثير جدا، [و] في تلك الرمال وبرقة أكثر. إذا قطعت من ورقه وأغصانه شيئا أراق لبنا، وإذا أصلح ورقه بإنقاعه في الخل، وجفف في الظل، وخلط بدهن لوز وعسل، وأخذ منه درهم، أسهل الديدان وحب القرع وكيموسا مائيا، وهو جيد في علاج المستسقين. وإن طبخ منه وزن خمسة(22/55)
دراهم مع أوقية زبيب منقى من عجمه في رطل ماء، إلى أن ينقص الثلثان، ثم صفي، ويلقى عليه درهم دهن لوز حلو وقيراط صمغ عربي، ثم شرب الكل أسهل البلغم الخام، وأسهل (21) الدود الصغار. وإذا صنع من قشر أغصانه فتل ودسّت في الجراحات والخنازير كانت لها علاجا موافقا. وإذا سحق ورقه وخلط مع مرهم الأكلة أبرأها ونفع منها.
مخلّصة «1»
قال أبو عبيد البكري: هي أصناف، صنف يطلع فروعا؛ ورقه على مقدار ورقة الكرفس إلّا أنه ألين. وكل ورقة منه مشقّقة شقوقا كثيرة، فإذا طلع الفرع ونما دقت الأوراق وصارت على شكل ورق الكتّان، والفرع أخضر أملس يطلع في استقبال القيظ، نوارا أزرق منكوسا كأنه المحاجم. وصنف آخر مثله سواء إلّا أن بزره بين الزّرقة والحمرة منكوس أيضا. وصنف آخر صغير ينبت في الرمل، وورقه هدب ونواره أبيض فيه صفرة، ومذاقته كلها مرّة.
قال ابن البيطار: ذكر جماعة ممن يوثق بهم أنه سقي من هذه الشجرة، وأمرهم بأخذ الأفاعي بأيديهم والتعرض لنهشها، ففعلوا ذلك، ولم يضرّهم سمها، فلما أتى عليهم حول، لسع أحدهم، فأحس بدبيب السم في جسده، فجاء إلى الذي سقاه ذلك، فسقاه شربة أخرى، فعاد إلى ما كان عليه من قلة الاكتراث بلسعها، فعلم بذلك أن نفعها وقوّتها تلبث في الجسم ويمنع فعل السم حولا كاملا. ويسقى منها للمنهوش أو الملدوغ وزن درهم بزيت، مجرّبة في ذلك.
قال: وحشيشة أخرى تعرف بالمشرق، وخاصة بحرّان (والرّها) «2» ، تعرف(22/56)
بالكنيفشة يشرب منها نصف درهم ويتعرض شاربها للسع العقارب فلا يضره ذلك، ولا يجد للسعها ألما البتة حولا كاملا، كما ذكره في المخلّصة. وهي كثيرة بظاهر غزة إلى بلد الخليل، وبجبل بيت المقدس منها كثير أيضا.
مزرنجوش «1»
و [ويقال] «2» مرزجوش ومزدقوش أيضا. وهو فارسي، واسمه بالعربية السّمسق والعنقز «3» . قال ديسقوريدوس: الذي يؤتى به من قبرس «4» والمصري دونه في الجودة، وتسميه أهل صقلية «5» أمراقن «6» ، (ويوجد ببغداد وما والاها إلى المشرق) «7» . وهو نبات كثير الأغصان، ينبسط على الأرض في نباته، له(22/57)
ورق مستدير له زغب. وهو طيب الرائحة جدا، مسخّن، وقد يستعمل في الأكاليل.
قال ابن البيطار «1» : إذا شرب طبيخه وافق ابتداء الاستسقاء وعسر البول والمغس. وإذا استعمل ورقه يابسا مع العسل ذهب بأثر الدم العارض تحت العين.
وإذا احتمل أدرّ الطّمث ويتضمد به بالخل للسعة العقرب. وقد يعجن بقيروطي، ويوضع على التواء العصب وعلى الأورام البلغمية، وقد يتضمد به مع المغرة «2» لأورام العين الحارة. ويقع في أخلاط الذهن المذهب للإعياء، والمراهم المليّنة، ليسخّن به. وهو نافع من (22) الأوجاع العارضة من البرد والرطوبة والصداع المتولد منهما، والشقيقة الحادثة من السوداء والبلغم إذا غلي وصبّ ماؤه على الرأس ثم ورقه.
والمرزنجوش محمود الفعل في علّة اللّقوة «3» ، وهو فيها أكثر فعلا من النمّام «4» . ويفتح سدد الرأس والمنخرين شما ونطولا «5» ، وخاصة إذا دقّ وصيّر ماؤه في محجمة بعد الفراغ من الحجامة، وصير على العنق، ذهب بالآثار البيض الكائنة من الشّرط. وإذا خلط ماؤه بالأدوية التي تحد البصر، والتي تجفف، ابتداء الماء النازل في العين قوّاها، وإذا درس ورقه الرطب، ووضع على(22/58)
التهيج الريحي أو البلغمي، حلّله. وإذا (درس ورقه الرطب بالملح) «1» والكمّون وأكل، نفع من الفواق «2» البارد، والخفقان المتولد عن خلط لزج في فم المعدة.
وإذا خلط وطبخ مع التربد «3» والزبيب نفع من خفقان النقرس، ومن المالنخوليا المعائية «4» . وهو يسخّن المعدة والأحشاء، ويحلّل النفخ والسدد، ويدر البول إدرارا قويا، ويجفف رطوبات المعدة والمعى. وإذا مضغ بالملح وابتلع قلع سيلان اللعاب. وإذا عجنت به الأدوية النافعة من كثرة النزلات الموضوعة على مقدم الدماغ قوّى فعلها. وإذا درس مع لحم الربيب «5» ، ووضع على نتوء الخصيتين، أزاله إذا كان الورم هادئا، وإن كان شديد الحرارة رطبا فبالخل. ومتى استعط بمائه مع شيئ من العسل نقّى الدماغ من الأخلاط الباردة، وسخّنه، وإذا شمّ على النبيذ أسرع السّكر لما فيه من الحر والتفتيح.
مرو «6»
قال صاحب الفلاحة «7» : المرو سبعة أصناف، فمنها المرماحوز «8» وهو(22/59)
أجودها وأنفعها للجوف وأكثرها دخولا في الأدوية، والثاني بعده التالي له في المنفعة مرو يعلونة «1» ، والثالث مرو أطوس، والرابع مرو ماهان، والخامس مرو مريدان، والسادس مرو الهوم، والسابع مرو كلايل، وهو أصغرها نباتا وأقلها دخولا في الأدوية. وكلها تتشابه في الصورة إلّا أن المرماحوز أشرفها وأنفعها، ويرتفع من الأرض شبرا وزيادة، وساقه خشبي، وعروقه [نابتة متقاربة] «2» قريب من مقدار فرعه، ويتفرع ورقه على ذلك الساق بشيء يمتد منه إلى الورقة. وريح ورقه طيب قليلا، وطعمه مر فيه أدنى بشاعة. ويبزر في طرفه [بزر] يلتقط في تموز كبزر الكتان، وفي ورقه أدنى تحديد في رأسها، منكسر الخضرة نحو [السلق و] «3» الآس.
ومن أصناف المرو ثلاثة ورقها مدور، أحدها ورقه كورق الخبّازي إلّا أن فيه تشريفا، وآخر أصغر منه، وآخر ورقه كورق الكبر «4» ، والآخر يشبه ورقة ورق اللبلاب وهو أصغر منه.
قال (23) ابن البيطار «5» هو سبعة أصناف مرو، جميعها تنضج الأورام الصلبة والدماميل والجراحات، وهو يصلح للمعدة الضعيفة والكبد، مزيل [ضرر] الرطوبات وفساد المزاج، مذهب للرياح أكثر من كل شيء، ويزيل الضعف العارض من سوء المزاج العارض بسبب كثرة الأكل وكثرة شرب الماء البارد. وإذا أدمن المستسقي اقتماح «6» وزن درهمين في كل يوم من ورقها(22/60)
وبزرها، مع مثله سكّرا على الريق، جفّف الماء وأخرجه بالبول والعرق دائما. ومنه صنف يقال له المرماحوز ينفع من الخفقان الكائن في القلب من السوداء، مفتح لسدد الرأس، وينفع الرحم والنساء الحوامل إذا شرب بالشراب، لا سيما إذا كانت العلة من برد، وهو أجود شيء [نفعا من الأوجاع] «1» .
والمرو على كثرة أنواعه واختلافه ينفع المرطوبين ومن به بلغم، وإن كثر شمّه على النبيذ أسكر وصدّع، وإن نقع في الشراب وشرب أسكر سكرا شديدا. وبزر المرو إذا قلي عقل البطن وقوّى الأمعاء، وإن لم يقل أسهل، وكذلك حال البزور اللعابية.
والنوع المسمى منه المرو الأبيض معتدل مفرح، وجميع أصنافه مفش «2» ، محلل للنفخ والبلغم، مفتح للسدد البارد حيث كانت.
ويقطّر ماؤه مع اللبن في الأذن الوجعة. وسائر المرو تنفع [للسدد] البارد [ة] «3» ، وتقوّي المعدة، وتفتح سدد الأحشاء، وتنشّف رطوبة المعدة، وتقوي الأمعاء.
وإذا افترش ورقه الغض في الحمام الحار ورقد عليه صاحب الأوجاع والرياح الجائلة في الأعضاء نفعها، وكان أبلغ دواء في ذلك.(22/61)
مزمار الراعي «1»
قال ديسقوريدوس في الثالثة العمآه: أو من الناس من يسميه طاما شوينون «2» . وهو نبات له ورق شبيه بورق لسان الحمل، إلّا أنه أدق منه، وهي منحنية إلى الأرض، و [لها] ساق دقيقة ساذجة طولها ذراع، وعلى طرفها رأس شبيه برأس العمود الذي يسمى جيدرا «3» ، وله زهر أبيض إلى الصفرة، دقاق، وأصوله شبيهة بأصول الخربق «4» الأسود، دقاق طيبة الرائحة جدا، حرّيفة، فيها رطوبة يسيرة، يدبق باليد. وهذا النبات ينبت في (24) أماكن مائية.
قال ابن البيطار: وقال جالينوس في السادسة «5» : جرّبت منه أنه يفتت الحصى المتولّد في الكليتين إذا طبخ وشرب ماؤه، وذلك لأن قوته تجلو.
قال ديسقوريدوس «6» : وإذا شرب من أصله مقدار درخمي واحدا أو اثنين مع شراب وافق من شرب [سم] «7» الأرنب البحري «8» ،(22/62)
وسم الضفدع الذي يقال له قونوس «1» ، وضرر الأفيون. وإذا شرب وحده أو مع جرمسا «2» ، وله مالدوقوا «3» سكّن المغص، ونفع من قرحة الأمعاء، ويوافق شدخ العضل وأوجاع الأرحام. وإذا شرب هذا النبات عقل البطن وأدر الطّمث. وإذا ضمّدت به الأورام البلغمية سكّنها.
وقال ابن سينا: ينفع من الأورام «4» الرخوة والثقيلة في الأحشاء.
نانخواه «5»
هو نوع من الكمّون «6» . وهو اسم فارسي. قال أمين الدولة «7» : معناه طالب الخبز «8» ، كأنه يشهي الطعام إذا ألقي على الأرغفة قبل اختبازها.
قال ديسقوريدوس في الثالثة: أآمتي وهو النانخواه، ومن الناس من سماه باسليقون قومنون، ومعناه الكمّون الملوكي. ومنهم من زعم أنه الكمون الكرماني. وبزر النانخواه معروف، وهو أصغر من الكمون بكثير، ويختار منه ما كان نقيا ولم يكن فيه شبيه بالنخالة.
قال ابن البيطار: أكثر ما يستعمل من هذا النبات بزره خاصة. وهو يدر البول ويحلل، وقوته مسخّنة مليّنة للبدن، مجففة، تصلح إذا شرب بالشراب(22/63)
للمغص وعسر البول ونهش الهوام. وقد يدر الطمث، ويخلط بالأدوية المدرة للبول التي تقع في أخلاطها التداريج «1» لتضاد عسر البول. وإذا خلط بالعسل وتضمد به قلع كمية الدم العارضة تحت العين. وإذا شرب أو تلطّخ به، حال لون البدن إلى الصفرة. وإذا تدّخن به مع الزفت والراتينج نقى الرحم. وطبيخه يحل النفخ، وحبّه يذهب المليلة «2» والحمّيات العتيقة. وطبيخه يصب على لسع العقرب فيسكن الوجع على المكان، ويقطع القيح «3» الذي في الصدر والمعدة، ويسكّن الرياح، ويهضم الطعام. [وهو] جيد لوجع الفؤاد والغثيان، ويقلب النفس، ومن لا يجد طعم الطعام، ويسخّن المعدة والكبد شربا، وينقّي الكلى والمثانة، ويذهب الحصاة، ويخرج الدود وحب القرع أكلا بالعسل.
وإذا سحقت وعجنت بعسل، وطلي بها الوجع أو أي عضو، كان حللت ورمه، وإذا خلطت بالطفل كانت في ذلك أبلغ. وإذا حقنت بها الرحم نقّته وجفّفت رطوباته وحسّنت رائحته.
وإذا وضعت في الأدوية المسهلة نفعت الذي يعتريهم بها أمغاص، وإذا طلي (25) بالنانخواه على الوجه أذهبت البثور الملينة. وإذا دقّت مع الجوز المحرّق وأكلت، نفعت من الزحير. وإذا خلطت بالأدوية النافعة من البهق والبرص قوّت منافعها وزادت في تأثيرها.(22/64)
ناركيوا «1»
يقال على زمان «2» السعالي بالفارسية. وهو صنف من الخشخاش الأسود، وقيل إن النّاركيوا هو الخشخاش كلّه بأصنافه، وقيل هو الخشخاش الأسود. وفي مفردات الشريف «3» : الناركيوا بالفارسية نبات أغفل ذكره ديسقوريدوس.
وذكره في كتاب الأدوية المنتخب من الفلاحة النبطية «4» ، وقال: هو نبات ينبت في شطوط الأنهار ومواضع مجمع المياه وفي المواضع الندية الظليلة، ينبت بنفسه، ويرتفع عن الأرض نحو القامة، وله ورق كورق الزيتون، ولكنه أصغر منه، و [هو] ناعم ليّن اللمس، وأغصانه صلبة جدا، وله زهر يظهر في الربيع كالورد الخيري «5» ، يخلفه ثمر كالبندق في جوفها حب أسود كأنه الفلفل، أدكن اللون.
قال ابن البيطار: قشر هذا النبات إذا(22/65)
نزع عن أغصانه وجفف وسحق وذرّ على القروح الجاسية حلّلها، لا سيما إذا دهنت بالزيت، ثم ذرّ بعد ذلك. وإذا بخّر بأغصان هذه الشجرة بحملها وورقها وأغصانها وجميع رمادها، وصنع منه نؤورة، وخلط مع زرنيخ، وطلي به الشعر النابت على البدن أسقطه وخيا «1» وأبطأ نباته كثيرا، وإذا طلي به على الكلف والنمش أذهبه، وقد يفعل الرّماد وحده ذلك من غير زرنيخ. وإذا طبخ ورقه وسقي أصحاب البلغم والريح الغليظة أخرج ذلك من المعى والمعدة. وبزره أقوى من ورقه، وإن شرب حبّه مدقوقا معجونا بالعسل أذهب المليلة «2» ونفع أصحاب الحمى من السوداء والبلغم المحترق.
نرجس «3»
قال ديسقوريدوس في الرابعة: هو نبات له ورق شبيه بورق الكرّاث إلّا أنها أدق وأصغر بكثير، وله ساق جوفاء ليس عليها ورق، طولها أكثر من شبر، وعليها زهر أبيض مستدير شبيه بالبلبوس «4» ، وثمرة سوداء كأنها في غشاء مستطيل. وأجود ما ينبت في مواضع جبلية، وهو طيب الرائحة جدا.
قال ابن البيطار: أصل النرجس قوته قوة مجففة يلحم الجراحات العظيمة، ويلحم القطع الحادث في الوترات، وفيه شيء يجلو ويحدث، وإذا أكل أصل النرجس مسلوقا أو شرب هيّج القيء، وإذا استعمل مع العسل مسحوقا وافق حرق النار، وإذا تضمد به ألزق الجراحات العارضة للأعصاب، وإذا سحق وخلط (26) بالعسل وتضمد به نفع من انفتال الأوتار التي في العقبين والأوجاع(22/66)
المزمنة العارضة في المفاصل، وإذا خلط البزر الذي يقال له فيديوس «1» والخل نقّى البهق والكلف، وإذا خلط بالكرسنة «2» والعسل نقّى أوساخ القروح وفجّر الدبيلات العسرة النضج.
ويتضمد به مع دقيق الشيلم «3» فيخرج السّلّي «4» وما أشبهه. وإذا شمّ نفع من وجع الرأس الكائن من البلغم والمرة السوداء، ويفتح سدد الرأس، وشمّه ينفع الزكام البارد، وفيه تحليل قوي، وبصله يجفّف وينقّي وينضج ويسيّل القيح من القروح ويجففها.
وإذا شرب منه مثقالان بعسل قيّأ، ويقتل الحيّات في البطن، وزهره معتدل محل، ويصدع رؤوس المحرورين إذا شم.
وأصله نافع من داء الثعلب «5» طلاء بخلّ، وإذا شرب منه مثقالان بعسل أسقط الأجنة الأحياء والموتى، وإذا نقعت ثلاثة من أصوله في لبن حليب يوما وليلة، ثم أخرجت وسحقت، وطلي بها دكن العينين دون الرأس، وضمد به، أقامه وفعل معه فعلا عجيبا. وإذا دلك القضيب بأصله ساذجا زاد في غلظه كثيرا. وبزره إذا سحق وخلط بخل وطلي به أذهب الكلف والنمش والبهق.(22/67)
نسرين «1»
قال إسحاق بن عمران: النسرين نوّار أبيض، وهو ورد برّي يشبه الورد، وسماه بعض الناس وردا صينيا. وأكثر ما يوجد مع الورد الأبيض، وهو قريب القوة من الياسمين.
قال ابن البيطار: نافع لأصحاب البلغم، ومن كان بارد المزاج، وإذا سحق شيء منه وذرّ على الثياب والبدن طيبّها «2» . ولنباته كلها [قوة] «3» منقّية لطيفة الأجزاء، وهي في زهره أكثر، سيّما إذا كان يابسا، حتى إنه يدر الطّمث ويقتل الأجنة ويخرجها. وإن خلط به ماء حتى تكثر قوته صلح أيضا في الأورام الحارة سيما التي تكون في (27) الرحم. وأصوله أيضا لها قوة قريبة من هذه القوة إلّا أنها أغلظ أجزاء وأكثر أرضية.
وهو يحلّل الأورام الجاسية إذا صيّر عليها مع الخل، وإذا دق وطلي به على الآثار في الوجه والكلف قلعها، وإذا جفّف وشرب منه نصف مثقال أياما «4» متوالية منع إسراع الشيب. وينفع من برد العصب، ويقتل الديدان في الأذن، وينفع من الطنين والدّوي فيها، وينفع من وجع الأسنان، والبري منه تلطخ به الجبهة ويسكّن الصداع وأصنافه، ويفتح سدد المنخرين، وينفع من أورام الحلق واللوزتين. وإذا أخذ منه أربع درخميات(22/68)
سكّن القيء والفواق، وخصوصا البري. وهو نافع لأصحاب المرة السوداء الكائنة عن عفن البلغم، وقد يسخّن الدماغ ويقوّيه، ويقوّي القلب إذا أديم إشمامه، ويحلّل الرياح الكائنة في الصدر والرأس ويخرجها بالعطاس. وإذا تدلّك به في الحمّام مسحوقا طيّب البشرة والعرق.
نعنع «1»
معروف «2» . قال ابن البيطار: يحرّك الجماع، ومن الناس من يدقه ويضعه مع دقيق الشعير على الجراحات والدبيلات فينفعها. وإذا شربت عصارته مع الخل قطعت نفث الدم. وهو يقتل الدود الطّوال، ويحرّك شهوة الجماع، وإذا شربت طاقتان أو ثلاث بماء رمّان حامض سكّن الفواق والغثي والهيضة. وإذا تضمد به مع السّويق حلّل الدبيلات، وإذا وضع على الجبهة سكّن الصداع، وإذا تضمد به مع السّويق حلّل الدبيلات، وإذا وضع على الجبهة سكّن الصداع، وإذا استعمل للثدي التي ورمت من تعقّد اللبن فيها سكّن ورمها، وإذا تضمد [به] «3» مع الملح نفع من عضّة الكلب، وإذا خلطت عصارته بماء القراطن «4» وافق وجع الأذن، وإذا احتملته المرأة قبل الجماع منع الحمل، وإذا دلك به اللسان الخشن لانت خشونته، وإذا دلكت منه طاقتان أو ثلاث في اللبن حفظه من التّجبن.
وهو جيد للمعدة، طيّب الطعم، يدخل في التوابل، وإذا مضغ نفع من وجع الأضراس، وإذا مضغ ووضع على لسعة العقرب نفع منه، وإذا سعط منه صاحب الخنازير الظاهرة في العنق ثلاث مرات بوزن دانق من عصارته مع دهن نفع منها.
وينفع أصحاب البواسير ضمادا بورقه، وهو أنجح دواء له، وإذا درس مع النّعنع(22/69)
لحم الرّبيب، ووضع «1» على حساء الأنثيين أضمرها وسكن وجعها. وإذا ضرب مع الخل نفع من أضراره بالعصب وبفم المعدة لإضعافه لعصبها، ويحل نفخ المعدة ويبرئها ويسكن وجعها ويبعث شهوتها ويسخنها، ويوافق المعدة أكلا وضمادا، ويقطع القيء البلغمي الحادث عن ضعف فم المعدة. وإذا مضغ مع شيء من عود أو مصطكي بهذا النحو أيضا ينفع من الفواق والخفقان.
وهو من الأدوية المقوية للقلب، وإذا وضع في أدوية الصدر نفع من وجع الجنبين، وسهّل النفث، وإذا عجنت (28) بمائه الأضمدة الماسكة للطبيعة قوّى فعلها جدا، وإذا درست أوراقه الغضّة مع أطعمة اللبن نفع من ضررها. وعصارته مع مسحج «2» ينفع من عسر الولادة، وإذا دق ورقه مع ملح أندراني «3» وخلط ووضع على كل دمل يطلع في البدن من خلط غليظ أبرأه، وهو مخصوص بالنفع من عضّة الكلب الكلب، وهو مقوّ للمعدة يعين على قوة الهضم ويحرّك الحشا، ولقواه خاصية في التفريح.(22/70)
نمّام «1»
وهو الرّيحان المعروف. قال ابن البيطار: قوته حارة تدر الطّمث والبول، ومنه غير بستاني، أقوى وأسخن من البستاني، وأصلح في أعمال الطب، يدر الطمث والبول، وينفع [من] المغص وأوجاع العضل وترض «2» أطرافها وورم الكبد الحار، ويوافق الهوام. وإذا شرب أو تضمد به أو طبخ بالخل وصيّر معه دهن ورد وصبّ على الرأس سكّن الصداع. ويوافق المرض الذي يقال له ليثرغس «3» ، والذي يقال له فرانيطس «4» . وإذا شرب منه أربع درخميات بخل سكّن قيء الدم. وهو يقاوم العفونات، ويقتل القمل، وينفع الأورام الباردة، ومن الفلغموني الشديد الصلابة، وينفع [من] الديدان، وحب القرع، ويخرج الجنين الميّت وخصوصا البري منه. وإذا عدّل حر النّمّام ويبسه بدهن البنفسج ونفثت عطريته ونفوذه كان نافعا في تعديل مزاج الروح التي في الدماغ، وخاصة إذا كان بلغمي المزاج، وحينئذ لا يحتاج أن يعدّل. والنّمّام يطيّب رائحة شعر الرأس والذقن إذا طلي به بعد الحمّام، وينفع السدد المتولدة من الكيموسات الغليظة في الدماغ، وسدد المنخرين. وخاصته النفع من لسع الزّنبور إذا شرب منه مثقال بسكنجبين.(22/71)
نيلوفر «1»
قال أمين الدولة: هو اسم فارسي معناه النّيلي الأجنحة، والنيلي الأرياش، وربما سمي بالسريانية ما معناه كرنب الماء «2» .
قال ديسقوريدوس في الثالثة «3» : هو نبات ينبت في الآجام والمياه القائمة، وله ورق شبيه بورق النبات الذي يقال له قنوريون «4» إلا أنه أصغر منه وأطول بشيء يسير، وقد يظهر على الماء، ومنه ما يكون داخل الماء، وله «5» ورق كبير من أصل واحد، وزهر أبيض شبيه السوسن «6» ، وسطه زعفراني اللون، إذا طرح زهره كان مستديرا شبيها بالتفاحة حتى في الشكل أو الخشخاشة «7» ، وفيه بزر أسود عريض مرّ لزج، وله ساق ملساء ليست بغليظة، شبيهة بساق النبات الذي يقال له قينوريون، وأصل أسود خشن شبيه بالجزر (من الأعمدة) «8» ، يقطع في الخريف.
ومتى شرب الأصل نفع من الإسهال المزمن وقرحة الأمعاء وحلل ورم الطحال.
وقد يتضمد به لوجع المقعدة ووجع المثانة، وإذا خلط بالماء وصيّر (29) على البهق ذهب به، وإذا خلط بالزفت وصير على داء الثعلب أبرأه، وقد يشرب أيضا(22/72)
للاحتلام فيسكّنه، وإذا أدمن أحد شربه أياما أضعف ذكره، وبزره أيضا يفعل ما يفعله الأصل في هذه الأشياء جميعا. وقد يكون من هذا النبات صنف آخر له ورق، وأصل أبيض وزهره أصفر مساو لورق الورد.
أصل هذا النبات وبزره إذا شربا بالشراب الأسود نفعا من سيلان الرطوبة المزمنة في الرحم. وأصل هذا النبات وبزره قوتهما تجفّف بلا لذع، فهو لذلك يحبس البطن، ويقطع سيلان المني ودروره الكائن باحتلام أو غيره على وجه الإفراط، وينفع قروح الأمعاء، وما كان منه أبيض الأصل فهو أقوى من الأسود، حتى إنه يقطع النزف الحادث للنساء، والأبيض والأسود فيهما قوة تجلو ويشفيان البهق وداء الثعلب، وإذا عولج بهما البهق عجنا بالماء، وإذا عولج بهما داء الثعلب عجنا بالزّفت الرطب، وإلّا نفع في هاتين العلّتين النوع الذي بصله أسود، كما أن النوع الذي أصله أبيض أنفع لتلك «1» العلل الأخر.
وزهره ينوّم ويسكّن الصداع إلّا أنه يضعف. وبزره نافع لوجع المثانة، وكذلك أصله، وشرابه شديد التطفئة «2» ، نافع من الحمّيات الحارة.
والنيلوفر يقرب في أحكامه من الكافور، إلّا أنه رطب، ورطوبته لقوته وكثرة البرودة التي تقاربه «3» تحدث في جوهر الروح الذي في الدماغ كلالا، إلّا أن(22/73)
يكون محتاجا إلى ترطيب وتبريد لتعديل. وأما الروح الذي في القلب فيشبه أن لا ينفعل عن المعني الضار الذي فيه انفعال الروح الذي في الدماغ حتى يفوته منفعته، بل خاصيته التي في عطريته تقوي الروح التي في القلب، ويكون ضرره ورطوبته إلى حد ما يعدل بالزعفران والدارصيني.
والنيلوفر يذهب بالسهر الكائن من الحرارة. وشراب النيلوفر صالح للسعال والأوجاع التي في الجنب والرئة والصدر، ويليّن الطبيعة ويبرّد. وهو أكثر ترطيبا من البنفسج، ولا يضر بالمعدة إضرار البنفسج.
هايسمونا «1»
قال صاحب الفلاحة النبطية: هو نبات لا ورق له، يمتد ويعلو رأسه، وعلى قضبانه لزوجة كثيرة على زغب ظاهر عليها، ولهذه القضبان أصول مثل البطيخ الصغار شديدة التدوير كأنها مخروطة، وتحتها عروق تمتد في الأرض مقدار شبر، وهو مما يلي الأصل غليظ ثم يرق فيكون آخره كالشّعر، وليس لأصله عرق غير هذا الواحد، والعرق أسود من حد الأصل إلى آخره، والأصل عليه قشر أغبر إلى السواد، غليظ خشن، فإذا قشّر ظهر داخله أبيض.
قال ابن البيطار: يؤكل أصله وفروعه (30) مطبوخة مطيبة بالزيت والخل والمري «2» ، وقد تضاف أصوله(22/74)
إلى قضبانه ويسلق بالماء والملح مرة وبالماء وحده مرة ثانية، ثم يجفف ويطحن ويخلط معه شيء من دقيق شعير، ويتخذ منه خبز على الطابق. وهو يعين على الجماع، متى أكل إنسان خبزه مع شحم وجامع زوجته ولدت له ولدا ذكرا، مجرب مشهور، ويكون المولود جميلا، صحيح الجسم، كامل الهيئة بإذن الله عز وجل. وأكل خبزه سبعة أيام متوالية يقوّي الظهر ويشدّه، ويقوّي القلب، ويحفظ قوة البدن حفظا بليغا، وينفع من السعال أكله نيّا ومطبوخا. وإذا طبخ بماء، وجلس فيه الصبيان الذين لا يطيقون المشي، أنهضهم وشد أعصابهم.
هليون «1»
هو الأسفراج «2» عند أهل الأندلس والمغرب أيضا، ومنه بستاني يتّخذ في البساتين في الديار المصرية، وقد نقل إلى سائر البلاد. ورقه كورق الشّب ولا شوك له البتّة، وله بزر مدور أخضر يسودّ ويحمرّ، وفي جوفه ثلاث حبّات كأنها حب النيل صلبة، ومنه كثير الشوك، وهو الذي يسمى بعجمية الأندلس أسرعين «3» .
قال ابن البيطار: يفتح السدد للكبد والكليتين، وبخاصة أصلها وبزرها، ويشفي من وجع الأسنان لأنها تجفف من غير أن يسخن، وإذا سلق سلقة خفيفة وأكل، ليّن وأدرّ البول. وإذا طبخت أصوله، وشرب طبيخه، نفع من عسر البول واليرقان وعرق النّسا ووجع المعى. وإذا طبخت بالشراب نفع طبيخها من نهش الرتيلاء «4» . وإذا تمضمض بطبيخها على موضع السّن الآلمة نفع من ألمها. وبزره(22/75)
إذا شرب فعل ما يفعل الأصل. ويقال إن الكلاب إذا شربت طبيخه قتلها، وزعموا أن قرون الكباش إذا قطعت وطمرت في التراب ينبت الهليون.
وهو مغيّر لرائحة البول، زائد في الباه، مفتّح للسدد في الكبد والكلى، نافع من وجع الظهر [و] من الريح والبلغم، والنفع من القولنج، وإن أكثر منه غثى، ويسخّن الكلى والمثانة وينفع من تقطير البول من برودة المشايخ، ووجع الورك العتيق، ويصلح الصدر والرئة. وليس بجيد للمعدة بل يغثي، ولا سيما إذا لم يسلق. ولا يصلحه المبرودون، والمحرورون [أن] «1» يأكلوه بعد سلقه وتمقيره «2» بالخل والمري. والمحرور يطرح منه في المضيرة ونحوها، وأما المطحن والعجّة منه فيشرب عليه المحرورون السكنجبين، ومن ليس بمحرور فلا بأس عليه منه. وإذا أكل بعد الطعام (31) غذّى أكثر منه قبل الطعام، وهو حسن التغذية، حميد التنمية، يلطّف ويهضم سريعا. والبستاني أعدلها رطوبة وأكثرها غذاء، والبرّي أكثر يبسا وجفافا، والصّخري أقلّها رطوبة وهو أقواها جلاء من غير إسخان بيّن ولا تبريد ظاهر. ويدر الطّمث ماؤه، وبزره يفتّت حصا المثانة والكليتين إذا شرب مع العسل وشيء من دهن البلسان. وأكله يحد البصر، وينفع ابتداء نزول الماء في العين، وإدمان أكله يهيّج الأوجاع كلها، وإذا(22/76)
سحق أصله ووضع في أصل الضّرس الوجع- وإن كان فاسدا- قلعه، وإن كان متماسكا يسكّن وجعه، وإن علّق أصل الهليون يابسا على الضرس الوجع قلعه بلا وجع. وأصله ينفع طبيخه من وجع الظهر [المتولد] «1» من البلغم إذا أدمن عليه، مفردا، ومع العسل والسكر، ومع بزر البطيخ، وحينئذ يوصل أقوى الأدوية النافعة من علل المثانة توصيلا بالغا، وينفع وجع الخاصرة [إذا كان] «2» من سدد الكلى، أو [في] مجاري البول. وطبيخ أصوله يزيد في الباه، وينقع في الخل لوجع الأسنان. وبزره يدر الطّمث حمولا، ويفتح سدد الطحال شربا، والهليون نفسه إن أكل نيّئا على الرّيق فتّت الحصاة، ونفع علل المثانة والكلى، وإدمان أكله يهيّج وجع المفاصل.
هندبا «3»
هي صنفان برّية وبستانية، وصنف ثالث يسمى خندريلي «4» ، وهو قريب منه يشبه بعضه بعضا. قال ابن البيطار: البستاني تبريده أكثر من تبريد البرّي وكلاهما طعمه قابض، وإذا أكلت مطبوخة عقلت البطن، وخاصّة البرّي منها، فإنها أشد عقلا للطبيعة. وإذا أكلت نفعت ضعف المعدة والقلب وإذا تضمد بها وحدها مع السّويق سكّنت الالتهاب العارض للمعدة. ويستعمل منها ضماد(22/77)
للخفقان، وينفع من النقرس ومن أورام العين الحارة إذا خلطت مع السويق والخل، وإذا تضمد بها مع أصولها نفع من لسعة العقرب، وإذا خلطت بالسّرمق «1» نفعت من الحمرة. وماؤها إذا خلط بإسفيداج الرصاص وخلّ، كان منه لطوخ لمن احتاج إلى التبريد «2» [الشديد] .
والهندبا تقوّي (32) المعدة، وتفتح السدد في الكبد والطحال، وتطفىء حرارة الدم والصفراء، وتجلو ما في المعدة، وتنفع الكبد حارّها وباردها، ولا توافق أصحاب السعال ولا المبرودين «3» ، وتنفع إذا استعملت بالخل بعد الفصد والحجامة تفتح سدد الكبد، وتنقي مجاري الكلى. وإذا عصر ماؤه وأغلي ونزعت رغوته وشرب بسكنجبين فتح السدد، ونقى الرطوبات العفنة، ونفع من الحمّيات المتطاولة، وهو جيد الكيموس. وأصله ينفع من لسعة العقرب، وإذا عصر ماؤه وأغلي وصفّي نفع من الأورام، وإن جعل مع غيره من البقول الملائمة له مثل الرازيانج والكشوت كان فعله في الأدوية المذكورة أبين، وإن طلي ماؤه على الأورام من خارج البدن نفعها وبردّها.
وماء الهندبا [إذا] يحل فيه الخيار شنبر، ويتغرغر به، ينفع من أورام الحلق.(22/78)
والهندبا البرّي وهو الطّرخشقوق «1» ، ويشرب فينفع لسع العقارب والزّنبور والحيّات وحمّى الرّبع «2» . ويكتحل بماء ورقه فينفع من الغشاء، ويدخل ورقه في الترياقات، وينفع إذا سحق من الحمّيات، والذي يقل شربه للماء. وهو أقوى من الهندبا في جميع أفعاله، وينفع نفث الدم، ويقطع العطش، ويشهّي الأكل، وينفع من الاستسقاء، ويقوّي القلب إذا شرب أو تضمد به، ويقاوم أكثر السموم، وينفع الحرارات، وخاصة إذا اعتصر ماؤه وصب عليه الزيت وتحسّي، فإنه يخلّص من الأدوية القتالة كلها، ويعقب صلاحا تاما. ولبنه يجلو بياض العين، وينفع من الحمى المطبقة.
هيوفاريقون «3»
قال ديسقوريدوس في الثالثة: أوفاريقون «4» ، ويسمّى أندروسامن «5» ويسمى قوريون، ويسمى حاما نيطس «6» لمشاكلة رائحة بزره رائحة الراتينج الذي هو صمغ الصنوبر، ونيطس «7» هو الصنوبر، [و] هو تمنش، يستعمل في وقود النار، له ورق كورق السذاب، وطوله نحو من شبر، ولونه أحمر كالدم، وله(22/79)
زهر أبيض كالخيري الأبيض، وبزره في غلف «1» ، مستطيل مدور في عظم حبّة الشعير، ولون البزر أسود، وله رائحة كرائحة الراتينج، ينبت في أماكن خشنة وعرة.
قال ابن البيطار «2» : يسخّن ويجفّف ويدر الطّمث والبول، وإذا أردنا أن نسقي منه من يحتاجه سقيناه من ثمرته كما هي، ولا يقتصر على بزره وحده. وإذا اتّخذ من ورقه ضمادا، وضمدت به مواضع حرق النار والقروح، أصارها إلى الالتحام والاندمال. وإن جفّف ودق ونثر شفى القروح المترّهلة والعفنة، ويشفي وجع الورك. وإذا شرب بزره بالشراب أذهب حمّى الرّبع. وإذا شرب أربعين يوما متوالية أبرأ عرق النّسا. وإذا تضمد بورقة وبزره أبرأ حرق النار، ويفتح السدد. وشرب ورقه ينفع من النّقرس نفعا بيّنا
ومنه صنف أعظم من الأول، وأكثر أغصانا، ولونه أحمر قان، وزهره (33) أصفر، إذا شرب من بزره شيء بقوطولين «3» من [الشراب الذي يقال له] «4» أدرومالي نفع من عرق النّساء، وأسهل وأخرج المرّة. وينبغي أن يدمن أخذه من به عرق النّساء إلى أن يخرج من العلة. وإذا تضمد بهذا النبات كان صالحا لحرق(22/80)
النار. ومنه صنف له بزر إذا شرب بالشراب نفع من الكزاز وتهيأ منه. ومن التربة مسوح نافع من الفالج الذي تميل فيه الرقبة إلى خلف وعرق النّسا.
وجّ «1»
قال ديسقوريدوس في الأولى: أفورون «2» ورقه شبيه بورق الإيرسا «3» غير أنه أرق وأطول. وأصوله مشتبكة بعضها على بعض معوجّة، وفي ظاهرها عقد لونها إلى البياض.
قال ابن البيطار: المستعمل منه أصله فقط، وقوته حادّة، وجوهره لطيف، يدر البول، وينفع صلابة الطحال، ويجلو ويلطف ما يحدث من الغلظ في الطبقة القريبة من العين، وأنفع ما يكون منه لهذا عصارة أصله، وإذا سلق ماؤه أدرّ البول، ونفع من أوجاع الجنب والصدر والكبد والمغص وشدخ العضل، ويحلل ورم الطحال، وينفع من تقطير البول، ومن نهش الهوام، ويجلس في مائه لأوجاع الأرحام.
وعصارة أصل الوج تجلو ظلمة البصر. والوج ينفع من وجع الأسنان ومن السحج الكائن من البرد شربا، ويجفّف المفاصل الرّطبة، ويصفي اللون، ويزيد في(22/81)
الباه. والوج جيّد لثقل اللسان، وينفع من البهق والبرص، وينفع من التشنج نطولا ومشروبا، وينفع من بياض العين وخاصة عصارته، وينفع من الفتق، وينفع وجع المعى، ويسخّن المعدة، ويحلل ما يتولد فيها من البلغم، ويسخّن الدّم البلغمي، ويتمادى عليه، فينفع العصب ويسخنه. وينفع المفلوجين والمجذومين، وإذا أمسك في الفم ينفع من لثغة اللسان من البلغم، وخاصة طرد الرياح، وتنقية المعدة، وتقوية الكبد.
ورد
معروف. هو صنفان أبيض وأحمر، يقال فيه أسود بالعراق، والورد اليابس أشد قبضا من الطري، وينبغي أن يؤخذ من الطري وتقرض أطرافه البيض بمقراض، ويدقّ الباقي ويعصر وتسحق عصارته في الظل على صلاية إلى أن يثخن ويخزن لتلطخ به العين. وقد يجفّف الورد في الظل ويحرك كثيرا لئلا يتكرح. وعصارة الورد اليابس إذا طبخ بشراب كان صالحا لوجع الرأس والعين والأذن واللّثة إذا تمضمض به، والمقعدة إذا لطخ بها بريشة، وللرحم وللمعى المستقيم. وأن طبخ ودق ولم يعصر وضمد به الأورام الحارة في المراق «1» ونفعها، ونفع من الحمرة وبله المعدة. وقد يقع اليابس في أخلاط القمح والذرائر وأدوية الجراحات والمعجونات. وقد يحرق ويستعمل في الإكحال المحسّنة لهدب العين (34) .
وأما البزور التي في وسط الورد فإذا ذرّ يابسا على اللثة التي نقضت إليها المواد «2» كان صالحا. وإذا شربت أقماع الورد قطعت الإسهال ونفث الدم،(22/82)
ويقوّي الأعضاء هو وماؤه ودهنه، ويبرّد أنواع اللهيب الكائنة في الرأس، ولا سيما الأحمر منه، والأبيض دون ذلك.
والورد جيد للمعدة، والكبد، يفتح السدد من الكبد الحارة، جيد للحلق إذا طبخ مع العسل وتغرغر به، ويهيج العطاس لمن كان حار الدماغ والمعدة، ويسكّن الحمّى ويهيّج الزكام. والنوم عليه يقطع الباه، ويسهل إسهالا كثيرا، وهو مفتّح جدا، ويسكّن حركة الصفراء. ويقال إنه يقطع الثآليل كلها إذا استعمل مسحوقا. وينفع من القروح السحجة بين الأفخاذ والمغابن «1» ، وينبت اللحم في القروح العتيقة. وادّعى قوم أنه يخرج الشوك والسلّي مسحوقا ضمادا. وطبيخ يابسه صالح لغلظ الجفون، وهو بعطريته ملائم لجوهر الروح، وخصوصا إذا سخّن مزاجه فينفعه ببرده ويمسّه بقبضه. وكذلك هو نافع من الغشي والخفقان الحارّين إذا تجرع ماؤه يسيرا، وهو نافع للأحشاء.
والورد ينفع القلاع والبثر في الفم. وإذا ربّب الورد بالعسل جلا ما في المعدة من البلغم وأذهب العفونات من المعدة والأحشاء، وإذا ربّب بالسكر فعل دون ذلك. والجلنجبين «2» صالح للمعدة التي فيها رطوبة إذا أخذ على الريق وأجيد مضغه وشرب عليه الماء الحار، ولا ينبغي أن يأخذه من يجد حرارة والتهابا- وخاصة في القيظ- فإنه يسخّن ويعطش إلّا أن يكون سكريا. وإذا ضمدت العين بورقه الطري نفع من انصباب المواد إليها، وإذا(22/83)
طبخ طريّا كان أو يابسا وضمدت به العين نفع من الرمد وسكن وجعه، ولا سيما إن جعل معه شيء من الحلبة. وإذا سحق الورد اليابس جدا وذرّ في فراش المجدورين والمحصوبين «1» نفعهم جدا وخفف قروحهم بصنع ذلك عند سيلان المواد من قروحهم ونضجها.
وشراب الورد المكرّر يطلق الطبيعة بأخلاط صفراوية، وينفع الحمّيات الصفراوية. وشراب الورد كيف كان إذا تمودي عليه قوّى الأعضاء الباطنة كلها إذا شرب بالماء عند العطش، وإذا اتخذ الجلاب بماء الورد والسّكّر الطّبرزد نفع من الحمى الحارة والعطش والتهاب المعدة.
ياسمين «2»
معروف، وألوانه معروفة. قال ابن البيطار: قوته حارة تنفع المشايخ ومن مزاجه بارد، ويصلح لوجع الرأس الكائن من البلغم والسوداء الحادثة عن عفنة «3» ، جيد لوجع الرأس من برد ورياح غليظة، ويقوّي الدماغ، ويحلّل الرطوبات البلغمية، (35)(22/84)
وينفع من اللّقوة ومن الشقيقة. وإذا دق رطبا ويابسا ووضع على الكلف أذهبه، والأصفر منه محلّل مسخّن لكل عضو بارد، ونافع للمزكومين، مصدّع للمحرورين. ويصلح استعمال دهنه في الشتاء، وإذا سحق زهره وشرب ثلاثة أيام من مائه كل يوم مقدار أوقية قطع نزف الأرحام، مجرّب. وإذا سحق يابسا وذرّ على الشعر الأسود بيّضه.
يبروح «1»
قال ديسقوريدوس في الرابعة: هو صنفان أحدهما يعرف بالأنثى ولونه إلى السواد، ويقال له يرنوفس أي الخنثى «2» ، في ورقه مشاكلة لورق الخس إلّا أنه أدق من ورق الخس وأصغر، وهو زهم ثقيل الرائحة، ينبسط على وجه الأرض.
وعند الورق ثمر شبيه بالغبيراء وهو اللّفاح، طيّب الرائحة، وفيه حب شبيه بحب الكمّثرى، وله أصول صالحة العظم، اثنان أو ثلاثة، يتصل بعضها ببعض، ظاهرها أسود وباطنها أبيض وعليها قشر غليظ. وهذا الصنف من اليبروح لا يكون له ساق.
والصنف الآخر يعرف بالذّكر، وهو أبيض، يقال له: موريون، وله ورق ملس كبار عراض، شبيه بورق السّلق. ولونه ولفاحه ضعف لفاح الصنف الأول، ولونه يشبه لون الزّعفران، طيّب الرائحة مع ثقل، ويأكله الرّعاة فيعرض لهم سبات يسير. وله أصل شبيه بالأول إلّا أنه أكبر منه وأشد بياضا، وليس له ساق أيضا.(22/85)
ومنه صنف آخر له ساق، ويذكر إن شاء الله تعالى في الكلام عليه.
قال ابن البيطار: يطبخ أصل اليبروح بشراب إلى أن يذهب الثّلث ويصفّى ويرفع، ويأخذ منه مقدار أوثولوس «1» ، ويستعمل للسهر، فيسكّن الأوجاع.
وإذا أردت أن يبطل حس من احتاج إلى أن يقطع منه عضو، أو احتاج إلى الكي، بأن يشرب من هذا الدواء مقدار أوثولوسين «2» بماء لقراطن «3» قيأ بلغما ومرّة كما يفعل الحربق. وإن أخذ مقدارا أكثر قتل. وقد يقع في أدوية العين والأدوية المسكنة للأوجاع والفرزجات «4» المليّنة، فإن أخذ منها قدر نصف أوثولوس واحتمل أدرّ الطمث وأخرج الجنين، وإذا صيّر في المقعدة في شكل الفتيلة أقامت، وإذا طبخ الأصل مع العاج مقدار ست ساعات ليّنه أيّ شكل أردت أن تشكّله.
وورقه إذا تضمّد به طريا مع السويق وافق الأورام العارضة في العين، والأورام الحارة العارضة للقروح. ويحلّل الأورام الجاسية والدبيلات والخنازير والجراحات.
وإذا دلك به البرش «5» وما (36) أشبهه دلكا رقيقا خمسة أيام أو ستة ذهب به غير أن يقرح الموضع، ويجفّف الورق ويستعمل لما يستعمل فيه. وهو رطب وإذا دق الأصل دقا ناعما وخلط بالخل أبرأ [القروح من] «6» الحمرة، وإذا خلط بالعسل والزيت كان صالحا للسع الهوام، وإذا خلط بالماء حلل الخنازير(22/86)
والجراحات، وإذا خلط بالسويق سكّن وجع المفاصل. ويهيأ منه شراب بقشر الأصل ويسقى منه ثلاث أوثولوسات من به حاجه أن يقطع منه عضو أو يكوى، فإنه إذا شربه لم يحس بالألم للسّبات العارض له.
ولفاح هذا الأصل إذا أكل واستنشقت رائحته عرض منها سبات، وكذلك يعرض من عصارته إذا أكثر منها السكتة. وبزر اللفاح إذا شرب نقّى الرحم، وإذا خلط بكبريت «1» لم تمسه النار واحتمل قطع نزف الدم من الرحم. واللفاح يثقل الرأس ويسبت، وإن أكل غثى وقيّأ وأسبت، وربما قتل. وأكلت منه جارية خمس لفاحات فسقطت مغشيا عليها واحمرت، فصبّ عليها رجل ماء الثلج على رأسها حتى أفاقت. ومن الناس من يشرب أصله ليسمّنه فيصير بحال من خرج من الحمّام أو شرب شرابا كثيرا من حمرة الوجه والبدن وانتفاخهما. واللفاح يسكّن الصداع المتولّد من الدم الحار والمرة، مخدّر إن أكل أو شم، وإن أكثر من أكله عرض منه الاختناق وحمرة الوجه وإذهاب العقل. وينفع منه أن يسقوا سمنا وعسلا ودهنا ويقيئوا، وقيل علاجه التقيؤ بالأفسنتين المطبوخ بالماء والعسل(22/87)
وأكل الفلفل وشرب الجندبادستر «1» والسذاب والخردل.
يتّوع «2»
قال الرازي: كل ما كان له لبن حار يقرح البدن مثل السّقمونيا «3» والشّبرم «4» واللاعية «5» فهو المسمى باليتّوع.
وقال ديسقوريدوس في الرابعة: طينومالص «6» هو نبات يقال إنه سبعة أصناف، منه صنف معروف بالذكر، يقال له خاراقياس «7» ويسمى قوميطس «8» ، ويسمّى أمغطاليطس، ويسمى قوبيوص «9» . ومنه صنف آخر معروف بالأنثى ويقال له لينيطس «10» ، ويسمى قاروبيطس «11» . ومنه صنف آخر يسمى فاراليوص «12» ، ويسمى طينومالص «13» ، ويسمى متقن. ومنه(22/88)
صنف آخر يقال له أسوسيرينون «1» . ومنه صنف يقال له فوقارساس «2» . ومنه صنف يعرف بديدروس «3» . ومنه صنف يعرف بقلاطويلص «4» . فالصنف (37) الأول المسمى خارقياس «5» المعروف بالذكر «6» له قضبان طولها أكثر من ذراع وفي لونها حمرة مملوءة من لبن حاد وورق على القضبان يشبه ورق الزيتون إلّا أنه أطول منه وأدق، وأصل [غليظ] «7» خشبي، وعلى أطراف القضبان جمّة من قضبان دقاق شبيهة بقضبان الإذخر «8» ، وعلى أطرافها رؤوس إلى التجويف [شبيهة بالصنف الذي يقال له نواليس] «9» ، وفي هذه الرءوس ثمرة هذا النبات، وينبت في أماكن خشنة ومواضع جبلية.
قال ابن البيطار «10» : وجميع أنواعه قوتها قوة حادة حارة وفيها مرارة، وأقوى شيء فيها لبنها وبعده بزرها وورقها، وفي أصولها شيء من هذه «11»(22/89)
القوى وليس ذلك في الجميع متساويا «1» ، فأصول اليتوع إذا طحنت بالخل أذهبت وجع الأسنان وشفته، ولا سيما الوجع الحادث في الأسنان المتآكلة. ولبن اليتوع قوته أشد، ولهذا يوضع في جوف السن المأكول، فأما سائر الفم فإنه إن قرّب إلى موضع منه أحرقه على المكان وأحدث فيه قرحة، وإذا وضع لبن اليتوع على موضع من البدن فيه شعر حلق الشعر، ولكنه لشدة قوته يخلط معه زيت، وإن فعل ذلك مرارا كثيرة بطلت به أصول الشعر، ولم ينبت، لأنها تحترق ويصير ذلك الموضع أو البدن إن طلي به عديم الشعر. وبسبب هذه القوة يقلع الثآليل المتعلقة والمنكوسة والخيلان «2» واللحم الزائد النابت إلى جانب الأظفار (والتوت) «3» ويجلو القوابي والجرب، لأن فيه قوة تجلو المكان بمرارته. وبسبب شدة إسخانه يمكن فيه أن يبرئ القروح المتآكلة والقروح الحمريّة والقروح المتعفنة متى استعمل في الوقت الذي ينتفع به فيه وبالمقدار النافع منه، وبهذه القوة صار لبن اليتوع يقلع الصلابة التي تكون حول النواصير. والورق والبزر يستعمله الناس في صيد السمك الذي يكون في ماء قائم مجتمع أيّما كان لأن السمك يصير بذلك إلى حال سكر يطفو فوق الماء.(22/90)
ينبوت «1»
هو عند أهل الشام المعروف بخرنوب المعزى. قال أبو حنيفة «2» : هو ضربان أحدهما هذا، وهو الشّوك القصار الذي يسمى الخرنوب النّبطي، له ثمر [ة مدورة] كأنه تفاحة فيها حب أحمر، وهو عاقل للبطن، يتداوى به. والضرب الثاني شجرة عظيمة تكون مثل شجرة التفاح. ورقها أصغر من ورق التفاح، ولها ثمرة أصغر من الزّعرور، سوداء شديدة السواد، شديدة الحلاوة، ولها عجمة توضع في الموازين وهي تشبه الينبوتة في كل شيء إلّا أنها أصغر ثمرة، وهي عالية كبيرة، والأولى تنفرش على الأرض، ولها شوك. وقد يستوقد به الناس إذا لم يجدوا غيره.
وقال في موضع آخر: هو الخرنوب النبطي، وهو هذا الشوك الذي يستوقد به، يرتفع قدر الذراع، ذو (38) أفنان وحمل أحمر خفيف كأنه تفاح يشبع ولا يؤكل إلّا في المجهدة ويسمى الفس، وفيه حب صلب زلال مثل حب الخرنوب الشامي إلّا أنها أصغر منه.
وقال الرازي: الينبوت بارد يابس يمنع الخلفة إذا شرب ماؤه. وقال عيسى ابن(22/91)
ماسة «1» : الخرنوب النبطي ينبغي أن يؤكل منه ويفرط إذا أفرط الطّمث. وقيل إن قشره يفتّت الأسنان العفنة، وينفع من وجعها ويقلعها بلا حديد «2» .
قال ابن البيطار: قد كثر اختلاف الأطباء والعشّابين في الينبوت، فمنهم من زعم أنه شوك القتاد وليس ذلك بصحيح، لأن شوك القتاد هي شجرة الكثيراء.
وقال الرازي في الحاوي «3» : إن الينبوت هو شجرة الحاج «4» ولم يصب في ذلك، لأن شجرة الحاج «5» هو العاقول. وقال الرازي في الكافي «6» : إن الينبوت هو العوسج، وقال في موضع آخر: قيل إنه القوشيرا «7» وهو الطّباق بالعربية، ومن أجل ذلك ما نسوا ما قاله ديسقوريدوس وجالينوس في الدواء المسمى قوشيرا وهو الطّباق للينبوت، وهذا كله غلط عظيم، والصحيح فيه ما قاله أبو حنيفة في الينبوت، ولا يلتفت إلى قول غيره فيه.(22/92)
(وأما الشرقي فمنه أبو فانس «1» وهو الغاسول الرومي. قال ابن البيطار: شاهدت نباته ونبات الدواء الذي يذكر بعده ببلاد أنطاليا، ورأيت أهل تلك البلاد يغسلون بأصولها الثياب، كما يفعل أهل الشام بأصول العرطنيثا.
قال ديسقوريدوس في الرابعة «2» : ومن الناس من يسميه أبو فانس «3» وهو شيء تقصر به الثياب، وهو نبات ينبت على ساحل البحر ومواضع رطبة «4» ، و [هو] هش، ويستعمل في وقود النار؛ وهو نبات مخصّب وله ورق صغار شبيه بورق الزيتون والبن، وفيها بين الورق شوك يابس لونه إلى البياض مر «5» ، يفرق بعضه عن بعض، وزهر شبيه بزهر قسوس «6» كأنه عناقيد يتراكم بعضه على (39) بعض إلا أنه أصغر، وهو ليّن، وفي لونه شيء من الحمرة مع البياض، وأصل غليظ مملوء دمعة «7» مر «8» الطعم، وتستخرج دمعته مثلما تستخرج دمعة نامسيا «9» ، وقد تخزن الدمعة وحدها، وتخزن أيضا مخلوطة بدقيق الكرسنة.
وتخزن «10» والدمعة وحدها إذا أخذ منها مقدار أوثولوس أسهلت البطن مرارا وبلغما ورطوبة مائية.(22/93)
وأما المخلوطة بالكرسنة فإنه يؤخذ منه مقدار أربع أوثولوسات بالشراب المسمى ماء لقراطن، وقد يؤخذ أيضا من هذا النبات كما هو بأصله فيجفّف ويدق ويعطى منه مدقوقا مع نصف قوطولي «1» من الشراب المسمى مالقراطن، وقد يستخرج أيضا عصارته من أصل هذا النبات مثلما يستخرج من نافسيا، ويعطي منه للإسهال مقدار درخمي.
وأما أبو قسطس «2» فإنه نبات ينبت في الأماكن التي ينبت فيها أبوفايس «3» ، وهو صنف أيضا من الشوك الذي تقصر به الثياب، وهو نبات لاط مع الأرض «4» ، [له] رؤوس رخوة ورؤوس صغار فقط، وليس له زهر ولا ساق، وله أصل غليظ ليّن. فخذ ورق هذا النبات ورؤوسه وأصله، واستخرج عصارتها، ثم جفّفها وأعط منها مقدار ثلاث أوثولوسات مع الشراب الذي يقال له مالقراطن من أردت «5» أن تسهّل بدنه رطوبة مائية وبلغمية؛ والإسهال بها يوافق خاصة من كان به عسر النفس الذي يحتاج معه الانتصاب والصرع وأوجاع الأعصاب) «6» .(22/94)
أسترغار «1»
تأويله بالفارسية شوك «2» الجمال. قال ديسقوريدوس في الثالثة: هو أصل نبات البلاد التي يقال له لينوي، شبيه بأصل الأنجدان «3» .
وقال ابن عبدون «4» : هو أصل نبات ينبت بخراسان، يطبخ مع اللحم بحسب التوابل، ويشبه الأنجدان.
وقال مسيح «5» : وقوة الاسترغار أحرّ وأيبس من الأنجدان وأبطا في المعدة وأقل هضما للطعام من أصل الأنجدان، وأصل الأنجدان أحدّ منه، وخاصة أن يغثي ويقيئ بتلذيعه(22/95)
للمعدة إذا أكثر منه. وينبغي أن يستعمل منه خلّه، ولا يتعرض بجسمه.
وقال البصري «1» : خاصة الاسترغار النفع من حمى الرّبع، الكائنة من عفونة البلغم، والقول في قوّته مثل القول في الأنجدان.
وقال الرازي «2» : الاسترغار المحلّل لا يخلو من إسخان وهو يغشي ويهيج شهوة الطعام. وقال غيره: والكامخ (40) المتّخذ منه يهضم الطعام ويفتّق الشهوة.
وقال ابن رضوان «3» في حانوت الطبيب «4» : الاشترغاز «5» يسخّن المعدة ويجلو الرطوبات منها، فيجود «6» بذلك الاستمراء للأطعمة، ويدفع مضار السموم، وإذا جعل في الخل صيّره قريبا من خل العنصل.
وقال ابن سينا «7» : خل الاشترغاز جيد للمعدة ينقّيها ويقويها.(22/96)
بيش «1»
قال ابن سمجون «2» : البيش ينبت ببلاد الصين بقرب السّند، ببلد يقال لها هلاهل، لا يوجد بشيء من الأرض إلّا هناك، ويقوم نبته على ساق ويعلو قدر ذراع، وورقه يشبه ورق الخس والهندبا، ويؤكل وهو أخضر بتلك البلاد، وإذا يبس كان من أقوات أهل ذلك البلد ولم يضرّهم، فإذا بعد عن بلد السند ولو بمائة ذراع وأكله آكل مات من ساعته.
قال حبيش «3» : ينبت في أقاصي الهند ويقتل الناس كثيره وقليله، ولا يقتل صنفا واحدا من الحيوان، ويرعاه طائر يقال له السّلوى «4» ، ويأكله الفأر فيسمن عليه.
وقال عيسى بن علي «5» : البيش ثلاثة ألوان، فلون يشبه القرون التي توجد في السّنبل الهندي، عليه بياض كأنه سحيق الطلق «6» أو الكافور، وله بصيص، وله عود كقدر نصف الإصبع، ولون آخر أغبر يضرب إلى صفرة منقّط بسواد(22/97)
يشبه عروق الماميران «1» ، ولون آخر عود طويل معقّد كأنه أصول «2» القصب الفارسي كقدر الإصبع، ولونه يضرب إلى الصفرة، وهو أرداها وأخثها، وهو حار جدا، وإذا طلي على ظاهر الجسد أكل اللحم، وإذا سقي منه زنة نصف مثقال قتل شاربه ونفخ جسمه، وهو أسرع نفوذا في البدن من سم الأفاعي والحيّات.
وقال أهرن القس «3» :
البيش أسرع الأشياء قتلا، وربما صرع ريحه من يشمّه من غير أن يشربه، وربما جعل من عصيره على النشّابة «4» ثم رمي بها فلا تصيب إنسانا إلا قتلته. وعلامة من شربه أن تورم شفتاه ولسانه ويصرع مكانه، وقلّ من رأينا يفلت منه، وربما أخذه الدوار والصرع فالغمرة والغشي والرّعاف أو يقتله فجأة.(22/98)
وقال الرازي «1» : من شرب البيش أخذه الدوار والصرع وتجحظ عيناه، فينبغي أن يقيّأ مرات بعد أن يسقى في كل يوم طبيخ بزر السّلجم بسمن البقر العتيق، فإذا تقيأ مرات طبخ البلّوط بالشراب، وسقي منه أربع أواق «2» مع نصف درهم من دواء المسك، وقد يسحق فيه قيراط مسك فائق. ومما يعظّم نفعه سمن البقر والبازهر الأحمر والأصفر الخالص الممتحن وترياق الأفاعي والمثروديطوس «3» . وقد ذكر عدة من القدماء أن أصول الكبر كالبازهر للبيش.
وقال ابن سينا «4» : البيش حار في الغاية من الحرارة واليبوسة، (40) يذهب بالبرص طلاء، وكذلك إن شرب من معجونه الذي نفع فيه وهو البزرجلي «5» ، وكذلك ينفع من الجذام، وترياقه فأرة البيش وهي فأرة تغتذي به.
بيش موش بيشا «6»
قال ابن سينا: هي حشيشة تنبت مع البيش، وأي بيش جاورها لم يثمر، وهي أعظم ترياق للبيش، ولها جميع المنافع التي للبيش في البرص والجذام، وهي ترياق لكل سم من الأفاعي والحيات والله أعلم.
تنبل «7»
قال أبو حنيفة: هو من اليقطين، ينبت نبات اللوبيا، ويرتقي في الشجر أو ما(22/99)
ينصب له، وهو مما يزدرع ازدراعا بأطراف بلاد العرب من نواحي عمان، وطعم ورقه طعم القرنفل، ورائحته طيبة، والناس يمضغون ورقه فينتفعون به في أفواههم.
وقال المسعودي «1» : ورق التانبول كصغار ورق الأترج عطري، إذا مضغ طيّب النكهة وأزال الرطوبة المؤذية منها، ويشهّي الطعام، ويبعث على الباه، وحمّر الأسنان، وأحدث في النفس طربا وأريحية، وقوّى البدن.
وقال الغافقي: له قوة قابضة مجفّفة، ولذلك يمنع من النزف وورم اللهاة، ويلصق الجراحات، ويقطع الدم السائل منها.
وقال ماسرجويه «2» : فيه حدّة، ويمضغه أهل الهند فيقوّي اللثّة والأسنان والمعدة، [ويقوي الكبد] «3» .
وقال الشريف «4» : التنبل حار في الأولى يابس في الثانية، يجفّف بلة المعدة ويقوي الكبد الضعيفة ويقوي الغمور «5» . وإذا أكل ورقه وشرب بعده الماء طيّب النفس، وأذهب الوحشة ومازج العقل قليلا. وأهل الهند يستعملونه بدلا من الخمر، يأخذونه بعد أطعمتهم، فيفرح نفوسهم ويذهب بأحزانهم، وأكلهم له على هذه الصّفة: إذا أحب الرجل أكله أخذ الورقة ومعها زنة ربع درهم(22/100)
كلسا «1» وقطعة قرنفل «2» . ومتى لم يؤخذ الكلس معه لم يحس طعمه ولم يخامر العقل، وآكله يجد عند أكله منه سرورا وطيب النفس، ويتم الانتعاش عنه بعطريته وتفريح آكله، وينشو قليلا، وهو خمر أهل الهند، وهو بها كثير مشهور.
وقال الرازي: وبدله وزنه قرنفل يابس.
قال ابن البيطار: التنبل قليل ما يجلب إلينا من بلاده لأن ورقه إذا جفّ يضمحل ويتلاشى، وإنما يتحفظ ما يجلب منه لبلاد اليمن وغيره إذا جني من شجره وحفظ (41) بعسل، وقد غلط من ظن أن ورق التنبل هو هذا الورق الموجود اليوم بأيدينا، الشبيه بورق الغار في شكله ورائحته، وهو معروف عند أهل التبصرة من باعة العطر بورق القماري، لأنه يجلب من بلاد يقال لها القمر «3» فيما أخبرت به الأطباء، ومن الأطباء في زماننا من يعتقد أن هذا الورق المذكور هو ورق السادج الهندي، ويستعمله مكانه، وهو خطأ.
تربد «4»
قال أبو العباس الحمصي «5» : التربد بالعراق، وعلى الصفة التي يجلب إلينا،(22/101)
وهو إليهم مجلوب أيضا من وادي خراسان وما هناك. وأخبرني الثقة العارف بالعقاقير أبو علي البلغاري ببغداد، أنه بحث عنه في البلاد الخراسانية عن صفته وهيئته وورقه، فأخبره الجلّابون له أن ورقه على هيئة ورق اللبلاب الكبير إلا أنه محدد الأطراف، له ساق قائمة وأصوله طوال على الصورة المجلوبة، وهم يقطعونه وهو أخضر قطعا على القدر الموجود.
وذكر لي الثقة: أن كل ما يجلب من التربد في البحر يسرع إليه التآكل بخلاف المجلوب منه في البر. ولما كان المتأخرون من المتطببين لم يبحثوا عن صفته وذكروه مهملا في كتبهم وجد المدلّسون السبيل إلى تدليسه بغير ما نوع من الكلوخ «1» واليتوع «2» وغير ذلك مما يجب التوقف فيه والحذر منه.
قال ابن ماسويه «3» في إصلاح الأدوية المسهلة «4» : خاصة التربد إصلاح البلغم إلّا أنه يورث البشاعة في النفس لفظاعة مطعمه، وإن أراد مريد أخذه فليتقدم قبل ذلك في إصلاحه فيلتّه بدهن اللوز الحلو فإنه يمنع ضرره، ثم يأخذه. والمختار منه ما كان حديثا جوفه شديد البياض، أملس الظاهر، دقيق العيدان غير متآكل، ليس بذي شظايا. والشّربة منه ما بين درهم إلى درهمين.
وقال حبيش «5» : أجوده ما كان أبيض «6» في لونه، ملتفا في شكله مثل(22/102)
أنابيب القصب، ودق جسمه وأنبوبه، فإذا كسرته أسرع إلى التفتيت ولم يكن غليظا رزينا، وإذا سحقته أسرع إلى ذلك وكان عند السّحق أبيض، وما كان على خلاف ذلك فلا خير فيه.
والتّربد إذا طال عليه الزمان عمل فيه القادح كما يفعل في الخشب فيضعف فعله، والدليل على ذلك أنه تراه مثقبا كأنه ثقب رأس إبرة، وإصلاحه أن يحك قشره الخارج الرقيق حتى يبلغ إلى البياض، ويدق وينخل، فإن استعمل في المعجونات الكبار نخل بحريرة، وإن استعمل في الأدوية المسهلة مثل الحب والمطبوخ نخل بشيء واسع ليكون فيه جراشة يسيرة فلا يلزق بخمل المعدة. وإن استعمل لمن به بلغم لزج في معدته دقّه ونخله ليلزق بالبلغم فيقلعه. وقدر الشربة منه من درهم إلى درهمين، وإن طبخ مع الأدوية فوزن أربعة دراهم.
ولا ينبغي (42) أن يستعمل منه إلّا الأبيض السليم من السّوس، وشرّه المستاس، فإنه مؤذ لفم المعدة ومكرب معطّش غير مسهل. والمختار منه يخرج البلغم اللزج وينقي المعدة وطبقاتها منه. وينفع من أوجاع المفاصل والعضل المتولّد من البلغم، ويخرج الخلط الفاعل لها وينقّي الأرحام تنقية بالغة مشروبا ومحتقنا به ويفتح سددها، وينفع من أوجاعها عند إقبال الحيض. وينفع [من](22/103)
أوجاع المعدة والظهر «1» وتنقيته للدماغ من البلغم ينفع من الفالج والصّرع، وبذلك ينفع من النزلات والسعال المتولد عن رطوبات في فم المعدة، ومن علامته أنه لا يسكن عنهم حتى يتقيّأوا «2» طعامهم أو يتقيّأوا خلطا لزجا. وإذا خلط بالكابلي «3» كان دواء نافعا للمصروعين. وقال بعض الأطباء: وبدل التربد إذا عدم ولم يوجد وزنه من قشور أصل التوت والله أعلم.
حزاء «4»
قال أبو العباس النباتي: الحزاء اسم لنبتة جزرّية الورق إلى البياض [ما هي] جزري الشكل إلى الطول، في طعمه يسير حرافة، وساقه في غلظ الإصبع يتفرق في أعلاه [إلى] أغصان دقاق متشعبة عن أكلّة كزبرية الشكل إلى الصفرة، يشابه أكلّة الجزر البري «5» ، يخلف بزرا لاطئا عدسي الشكل مع طول، حريف الطعم فيه عطرية، وطعم ورقه وأصله طعم الجزر والرازيانج معا بيسير حرافة. رأيته بأرض بابل من أعمال قرى الكوفة، ورأيت البزر منه ببغداد معروف بهذا الاسم.
قال الرازي في [دفع مضار] الأغذية «6» : يسخّن المعدة ويهضم الطعام، ويطرد الرياح الغليظة، وينفع أصحاب البلغم وأصحاب الجشأ الحامض، فإن أخذه المحرورون فليشربوا عليه سويقا وسكّرا.(22/104)
وقال ابن ماسويه: هو نافع من لسع الهوام، ويدر البول، ويعطّش كثيرا.
وقال البصري «1» : كامخ الحزاء رديء للرأس «2» ، [و] يورث السدد ويصلح لبرد المعدة والبخر ونتن الفم، ويهيّج المرار، ويظهر الجرب والبثر في البدن.
ومن الحزاء صنف آخر.
قال الغافقي: بقلة ورقها مثل ورق الكرفس أو ورق الكمّون، ولها أصل كالجزر، ويظهر منه شيء على الأرض، تنبت مسلطحة ثم تتشعب أغصانها إذا استلقت. قال صاحب الفلاحة: الحزاء بقلة ورقها دقاق متفرّق ومتشعب، فيه ورق الجزر يطلع كالكرفس من أصله. وفي طعمه حرافة وحدّة طيّبة غير مكروهة، يضرب طعمها إلى شبه طعم الرازيانج، وهي هشّة ليس فيها شيء من اللزوجة، مستطابة، ولها في رؤوسها بزر أخضر طيب الريح والطعم طارد للرياح جيد للمعدة. وهي مسخّنة إسخانا يسيرا على مزاج الكبد البارد لهضم الطعام، ويزيل الخمار ويصلح مزاج البدن والأحشاء (43) ، ويزيل «3» إدمانها الصفرة من الوجه وسائر البدن، ويفتح سدد الكبد والطحال؛ وتشوبها قبض مع عطرية، ويسخّن الكلى ويسمنّها، وتنقي المياه ومجاري البول، وتشفي من الرياح «4» وتنفع الدماغ(22/105)
وتحلل منه الرطوبات، وهي أشد الأشياء موافقة للبواسير وتنفع من نتوئها «1» ، وتسكن وجعها بالتضميد وإدمان أكلها.
ريباس «2»
ليس منه شيء لا بالمغرب ولا بالأندلس البتة، وهو كثير بالشام وبالبلاد الشمالية. وهو كأضلاع السّلق، ولها خشونة. قال إسحاق بن عمران: بقلة ذات عساليج «3» غضّة، حمراء إلى الخضرة، ولها ورق كبار عراض مدوّر، طعم عساليجها حلو بحموضة، وهو بارد يابس في الدرجة الثانية، ويدل على ذلك حموضته وقبضه، فلذلك صار مقوّيا للمعدة دابغا لها وقاطعا للعطش والقيء.
وربّ الريباس صالح للخفقان والقيء والإسهال الكائن من الصفراء، مقو للمعدة مشّه للطعام. وربّه فيه حلاوة وحموضة غير مضر منه، وإنما يستخرج من عسالة «4» هذه البقلة بأن تدق وتعصر وتطبخ حتى يصير له قوام وهو بارد يابس.(22/106)
وقال سندشهار «1» : جيد للبواسير وللخمار أكلا.
وقال المنصوري: «2» ينبت في الجبال الباردة المفردة ذات الثلوج، وهو جيد للحصبة والجدري والطاعون، وربّه مثل ربّ حماض الأترج.
وقال الشريف: إدمان أكله يبرئ من كثرة الدماميل.
وقال الرازي: ويطفئ الصفراء والدم.
وقال ابن سينا «3» : عصارته يحد البصر كحلا، وهو نافع من الوباء «4» .
سنبل «5»
هو ثلاثة أنواع، هندي ورومي وجبلي. قال ديسقوريدوس في الأولى:
ناردوس «6» وهو الناردين، وهو جنسان أحدهما يقال له الهندي، والآخر يقال له السوري، لا لأنه يوجد بسوريا «7» بل لأن (44) الجبل الذي وجد فيه ما يلي(22/107)
سوريا. ومنه ما يلي بلاد الهند، وأجود السوري ما كان حديثا جدا، وافر الجمّة، أشقر طيب الرائحة، وفيه رائحة السّعد. سنبلته صغيرة، يجفف اللسان ويمكث طيب رائحة الفم إذا مضغ طويلا.
وأما الذي يقال له الهندي فمنه ما يسمى غنغيطس «1» باسم نهر يجري إلى جانب الجبل الذي ينبت بالقرب منه، وهو أضعف قوة لرطوبة الأماكن التي ينبت فيها، وهو أطوله وأكثره سنبلا، ويخرج سنبله من أصل واحد، وجمام «2» سنبله وافرة، ويلتف بعضه ببعض، زهم الرائحة. ومنه ما هو داخل الجبل، وهو خير من الذي وصفنا وأطيب رائحة، قصير السنبل، ورائحته شبيهة برائحة السّعد، كما وصفنا في الناردين السوري.
وقد يوجد نبات يسمى ناردين سقاريطيقي باسم الأماكن النابت فيها، كثير السّنبل، أشد بياضا من الذي وصفنا، وربما كان في وسطه ساق رائحته كرائحة البيش، فينبغي أن يرفض هذا النوع. وربما بيع الناردين وقد نقع في الماء، ويستدل على ذلك ببياض السنبل. وقد ينبغي أن ينقّى عند الحاجة إليه إن كان في أصوله شيء من الطين وينخل ويؤخذ ترابه فإنه يصلح لغسل اليد.(22/108)
قال ابن البيطار: ينفع الكبد وفم المعدة إذا شرب، وإذا وضع من خارج ويدر البول ويشفي اللذع الحادث في المعدة ويجفّف المواد المنصبّة إلى المعدة والأمعاء والمواد المجتمعة في الرأس والصدر. وإذا شرب عقل البطن، وإذا عمل منه فرزجة «1» واحتملتها المرأة، قطعت النزف، وجففت الرطوبات السائلة من القروح. وإذا شرب بماء بارد سكّن الغثيان ونفع من الخفقان والنفخ، ومن اعتلت كبده ومن به يرقان ومن كانت بكلاه علّة. وإذا طبخ بالماء، وتكمد به النساء وهنّ جلوس فيه، أبرأهن من الأورام الحادة العارضة في الأرحام. وهو صالح لسقوط الأشفار لقبضه وإنباته إياها، وقد يدر على الأجساد لكثرة العرق، ويقع في أخلاط بعض الأدوية المعجونة، ويحتاج إليه في أدوية العين؛ وقد يستحق ويعجن بالخمر في إناء جديد ليس بمقيّر، واستعمل في أدوية العين. والسنبل الرومي وهو المنتجوشة «2» إذا شرب بخمر نفع من أورام الطحال وأوجاع المثانة والكلى ونهش الهوام، ويقع في أخلاط المراهم وأشربة ولطوخات حارة. والشراب الذي يتخذ بالسنبل الرومي وهو المنتجوشة وبالسادج «3» فإنه يشرب منه مقدار قراثوس «4» ممزوجا بثلاثة أضعافه، فإنه ينفع من العلل التي تكون في الكلى واليرقان وعلل الكبد وعسر البول وفساد اللون وعلل المعدة.
والسنبل يفتح لسدد الرأس، مذكّي الذهن مقوّ للمعدة والكبد، مسخن لها ولسائر الأعضاء، محسّن للّون ويذهب بعسر النفس، وينفع من الاستسقاء(22/109)
اللحمي «1» منفعة بالغة، ويمسك الطبيعة ويقوي القوة الماسكة في داخل البدن كله، ويقطع القيء البلغمي، ويحلل الرياح المتولدة في المعدة.
قال ديسقوريدوس: وصفة شرابه أن يؤخذ أصل السنبل البري- وهو طري- فيسحق وينخل ويلقى منه ثمانية مثاقيل في مقدار كوز من العصير ويترك شهرين فينفع من علل الكبد وعسر البول وعلل المعدة والنفخ.
طاليسفر «2»
قال الغافقي: هو الداركيشت «3» ، وأكثر الناس على أنه البسباسة، ولست أرى ذلك صحيحا. وحنين يسميه ماقوقي «4» .
وزعم ابن جلجل «5» : أنه لسان العصافير. وقيل إنه عروق العشبة التي يعلق بها دود الحرير. وقال ديسقوريدوس: هو قشر نبات يؤتى به من بلاد الهند، لونه إلى الشّقرة، غليظ قابض جدا، وقد يشرب لنفث الدم وقرحة الأمعاء وسيلان الفضول إلى البطن، ويجفف ويقبض وينفع من الاستطلاق، وخاصة النفع من البواسير والأرواح «6» الظاهرة،(22/110)
وينفع من وجع الأسنان إذا طبخ بالخل، وماؤه المطبوخ فيه ينفع القلاع الأبيض إذا أمسك في الفم.
قرنفل «1»
قال إسحاق بن عمران: القرنفل أصل وعيدان وثمر، يؤتى به من بلاد الهند، وفيه العيدان وفيه الرءوس ذوات الشعب، وهو أجوده وأجوده أصهبه، ومنه دقاق وجلال «2» ، والمقطوع يقطع سلس البول والتقطير عن برد، ويسخّن أرحام النساء، وإن أرادت المرأة أن تحمل شربت في كل طهر نصف درهم قرنفلا، وإن أرادت أن لا تحمل تأخذ كل يوم حبّة قرنفل ذكر فتزدرها.
وأن شرب من القرنفل نصف (46) درهم مسحوقا مع لبن حليب على الريق قوى على الجماع. ويستعمل في الأدوية والطبيخ، وينفع أصحاب السوداء ويطيب النفس ويفرحها وينقي القيء والغثيان. ويستعمل في الأكحال التي تحد البصر ويذهب الغشاوة وينفع السبل، ويشجّع القلب، ويقوّي المعدة والكبد والأعضاء الباطنة وينقي البلل(22/111)
العارض فيها، ويعين على الهضم ويطرد الرياح المتولدة عن فضول الغذاء في المعدة. ويقوّي اللثة ويطيّب النّكهة ويسخّن الكبد والمعدة، ويزيل قرع المتلحن «1» ، وينفع زلق الأمعاء عن رطوبات باردة، وينفع الاستسقاء اللّحمي، ويقوي الدماغ ويسخّنه، ويزيد في الجماع كيفما استعمل.
كاشم رومي «2»
قال ديسقوريدوس: ينبت في البلاد المجاورة لكيش «3» ، ويسمى عندهم قامافس «4» ، وينبت في الجبال الشاهقة الخشنة الظليلة بالأشجار، وخاصة المواضع المجوفة، وله ساق صغير رقيق شبيه بساق الشّبت ذو عقد، عليه ورق كورق إكليل الملك «5» إلّا أنه أنعم منه. طيّب الرائحة، والورق الذي عند أعلى الساق أدق من سائر العروق وأكثر تشقّقا، وعلى طرف الساق إكليل فيه ثمر أسود مصمت إلى الطول، يشبه بزر الرازيانج «6» ، حرّيف المذاق، فيه عطرية، وله أصل أبيض طيب الرائحة.
قال ابن البيطار: أصله وبزره يسخنان ويحدران الطّمث، ويدران البول، ويطردان الرياح، ويحللان النفخ، ويهضمان الغذاء، وينفعان أوجاع الجوف والأورام البلغمية، وخاصة العارضة في المعدة، ولسع الهوام. وإذا احتملت المرأة(22/112)
أصله أدرّ الطمث والبول. وينفع من السدد العارضة في الكبد.
ويسقي منه درهم بشراب ممزوج للحيّات في البطن للمستسقين درهمين بماء حار. والكاشم يعين على تلطيف اللحوم الغليظة إذا استعمل مع الخل، ولذلك يستعملونه في التهرية «1» كثيرا.
ولا يتولد منه كثير إسخان إذا وقع مع الخل، وخاصة إذا بردت مرقته وانحل بخاره، وأما وهو حار فيسخن بحرارته ويصدع أصحاب الرءوس الحارة صداعا غير دائم، بل يسكن سريعا بشم ماء الورد والكافور.
كنهان «2»
بالفارسية. قال في الفلاحة»
: ورقها يشبه ورق الحبّة الخضراء، ولونها وحدّتها مثلها، ولها أغصان تتفرع على ساق خشن غليظ ويعرق عروقا طوالا، وصورتها كشجرة صغيرة، ويزرعها أهل بلد نينوى بابل «4» وهي أصغر من شجرة الخضراء وأرطب ورقا وأغصانا.(22/113)
قال ابن البيطار «1» : خاصيته عجيبة لطرد العقارب حتى لا يكاد يرى عقرب واحدة في الموضع الذي يكون فيه. قال: وقد أخذنا من ورقها فطرحناه في طشت «2» ، وأخذنا ثلاث عقارب فألقيناها «3» على الورق (47) فنفرت نفورا عظيما، وجعل بعضهن ينهش بعضا ثم كففن عن الحركة ودبّين. وقد يدخلها الأطباء في الضمادات المسخّنة، وإذا أكثر شمّها وجد منها رائحة الدّخان. وهي تؤكل وتسخّن البدن شديدا إذا أكثر منها، وتسخن الكبد والطحال.
وخشيزق «4»
قال الغافقي: قيل إنه نبات يشبه الأفسنتين الرومي «5» ، أصفر اللون، سهك «6» الرائحة، يؤتى به من (جزائر) «7» خراسان، ويعرف بالحشيشة(22/114)
الخراسانية. أجودها ما كانت خضراء وطعمها مر ورائحتها ساطعة. وهي حارة يابسة، تخرج الدود وحب القرع بحرارتها. وقال غيره: هو شيح خراسان، وبدله- إذا عدم- شيح أرمني. والشربة منه مثقال.
وأما الغربي فمنه أآطريلال «1» هذا اسم بربري وتأويله رجل الطير، ويعرف في الديار المصرية برجل الغراب، وبعضهم يعرفه بحرز الشيطان أيضا. وهو نبات يشبه الشّبت في ساقه وحمّته وأصله، غير أن حمّة الشّبت زهرها أصفر وهذا النبت زهره أبيض، ويعقد حبّا على هيئة ما صغر من حب المقدونس، أو كبزر النبات الذي يعرف بمصر أيضا بالأخلّة، غير أنه أطول منه قليلا وفيه حرارة وحرافة ويبس، وعند ذوقه يحلو اللسان. وهو حار يابس في آخر الثالثة، وبزره هو المستعمل منه خاصة في المداواة. ينفع من البهق والوضح «2» نفعا بينا شربا.
وأول ما ظهرت منفعة هذا الدواء (48) واشهرت بالمغرب الأوسط من قبيلة من البربر تعرف ببني وجهان من أعمال بجاية «3» ، وكان الناس يقصدونهم للمداواة، وكانوا يضنّون بها ويخفونها عن الناس ولا يعلمونها إلا خلفا عن سلف، إلى أن أظهر الله سبحانه تبارك وتعالى عليها بعض الناس فعرفها وعرّفها لغيره فانتشر ذكرها، وعرف بين الناس عظيم نفعها.(22/115)
وهي تستعمل على أنحاء شتى، فمنهم من يسقي منه بمفرده، ومنهم من يخلطه بوزن درهم منه ووزن ربع درهم عاقر قرحا «1» ، يسحق الجميع ويلعق بعسل نحل، ويقعد الشارب له في شمس حارة مكشوف المواضع البرصة «2» للشمس ساعة أو ساعتين حتى يعرق، فإن الطبيعة تدفع الدواء بإذن خالقها- جلّ وتعالى- إلى سطح البدن فيصل إلى المواضع البرصة فينفّطها ويقرحها ولا يصيب لك سائر البدن السليم من ذلك المرض أصلا، فإذا تفقأت تلك النّفّاطات وسال منها ماء أبيض إلى الصفرة قليلا فيترك شربها إلى أن تندمل تلك القروح، ويبدو لك تغير لون البرص الأبيض إلى لون الجلد الطبيعي، وخاصة ما كان من هذا المرض في المواضع اللّحمية، فإنه أقرب إلى المداواة وأسهل انفعالا منه مما يكون في مواضع عرية من اللحم، وقد جرّبته غير ما مرة، فحمدت أثره في هذا المرض، وهو سر عجيب فيه. وقد رأيت تأثيره مختلفا. ففي بعض يسرع انفعاله في أول دفعة من شربة أو شربتين أيضا، وفي بعض أكثر من ذلك، ولا يزال يسقى العليل منه كما قدمنا آنفا، ويقعد في الشمس مرة وثانية وثالثة، إلى أن ينفعل بدنه ويتبين لك صلاحه. وخير أوقات شربه بعد ما يجب تقديمه من استفراغ الخلط الموجب لهذا المرض في أيام الصيف، أو وقت تكون الشمس فيه حارة.(22/116)
وقال الشريف «1» : بزر الحشيشة المسماة أآطريلال إذا أخذ منه جزء ونصف ومن سلخ الحيّة وورق السذاب جزء جزء، [و] يسحق الجميع ويسف منه خمسة أيام في كل يوم ثلاثة دراهم بشراب عنب ينقّي من البرص، مجرب، لا سيما إذا وقف شاربه في الشمس حتى يعرق.
وإذا سحق بزر هذه الحشيشة ونخل وعجن بعسل منزوع الرّغوة ويستعمل لعوقا وشرب منه كل يوم مثقالان بماء حار خمسة عشر [يوما] متوالية أذهب البرص لا محالة. وإن سحق هذا البزر ونفخ في الأنف أسقط الجنين. قال الزهراوي «2» : بزر هذه الحشيشة ينفع المغس «3» شربا.
قال ابن البيطار «4» : وزعم الشريف أن أآطريلال هذا هو بزر أحد النبات المسمى باليونانية دوقس «5» ، وليس هو كذلك فاعلمه. وقالت جماعة من أهل(22/117)
صناعتنا أيضا: إنه بزر النبات المسمى رعي الإبل، وعندي فيه نظر، لأن ديسقوريدوس يقول في رعي الإبل أن ساقه مزوّى «1» ، والحشيشة المسماة أآطريلال (49) ساقها مدوّر فلينظر ذلك.
أرجيقنه «2»
قال أبو العباس النباتي «3» : الأرجيقنة هو المعروف عند (النباتيين) «4» والصباغين بالأرجيقن، يجلب إليهم بالمغرب من أجواز «5» بجّاية، وأطيبه عندهم ما كان من سطيف «6» ، وهو معروف بأفريقية أيضا. وجرّب منه النفع من الاستسقاء، ويذهب اليرقان مطبوخا بالزبيب ومعجونا بالعسل. وهو دواء مألوف طعمه بيسير مرارة يشبه طعم أصل الحرشف بعض شبه، وكذلك يشبه أيضا بعض شبه للنبات المعروف عند الشّجّارين بالأرز في هيئة أصوله وورقه وزهره وطعمه، إلا أن ورق الأرجيقن يميل إلى البياض وهو أرغب. ومنه ما هو صغير «7» مقطّع الورق إلا أنه أعرض [منه] قليلا. ويخرج في تضاعيف الورق ساق قصيرة في أعلاها رؤوس مستديرة عليها زهر أبيض «8» يشاكل في هيئتها وقدرها رؤوس العصفر البرّي والزّهر، ولها شوك قليل ليّن.(22/118)
قال الشريف: هو بارد يابس، إذا شرب من ماء طبيخه كانت له قوة تجلو وتنقّي أوساخ البدن، وإن شرب منه ثلاثة أيام متوالية، في كل يوم نصف رطل نفع من اليرقان، مجرّب، وإذا عجن بماء طبيخه دقيق الشعير وضمّدت به الأورام الحارة نفع منها «1» منفعة بليغة.
أنتلة سوداء «2»
هي الجذوار الأندلسي، من الأسماء العجمية بالأندلس. وهو نبات له ورق شبيه بورق النبات الذي يعرفه عامة أهل المغرب [ي] خير من ألف، وهو كزبرة الثعلب. منابته الجبال، وله أصول كثيرة ومخرجها من أصل واحد، كالتي للخثنى»
إلّا أنها أصغر بكثير. وسماه إسحاق بن عمران بلّوط الأرض. ولونه(22/119)
إلى السواد، وطعمه يشبه طعم نوى الخوخ مرارة مع عفوصة يسيرة.
قال ابن الكتاني «1» : أخبرني من أثق به أن في ثغر سرقسطة حشيشان يخيّل لمن رآهما أن منبتهما واحد من أصل واحد لشدة تقاربهما، لا تكاد تنبت إلّا مزدوجة، إحداهما تسمى الطرّارة، وهي من السموم (50) القاتلة، والأخرى تسمى الأنتلة، وهي درياق عجيب يقوم مقام الترياق الفاروق «2» ، ولا سيما في أوجاع البطن وأوجاع الأرحام، وقد جرّبناها في ذلك. قال: فربما رعت الأغنام الحشيشة السّمية لأنها حلوة والأخرى مرّة، فإذا أحسّت بسمها أسرعت إلى الحشيشة الثانية وهي الأنتله فرعت منها فتخلصت من ذلك.
ومن أصناف الأنتله نبات تسميه عامة الأندلس بالفيهق وهو تمنش، ورقه يشبه ورق السّنا «3» ، ولونه أصفر وفي رائحته عطرية مع حدّة يسيرة، والمستعمل منه المورق خاصة. وهو حار يابس، يحلّل النفخ، ويطرد الرياح، ويسكّن أوجاع الجوف الباردة، وينفع من لسع الهوام كلها.(22/120)
قال أندراسيون «1» : هو النبات المسمى باللّطينية، وهي [ب] عجمية الأندلس، يريطور وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
أوقيموبداس «2»
ومعناه الشبيه بالباذروج «3» ، وهذا النبات معروف عند الشجّارين بأفريقية باللّسعة، [و] كثيرا ما ينبت عندهم بجبل ماكوض. قال ابن البيطار «4» : ومن هناك جمعته أيام كنت بها.
قال ديسقوريدوس في الرابعة: ومن الناس من يسميه أخيون وقد يسمونه أيضا فيلاطاريون «5» . وهو نبات له ورق شبيه بورق الباذروج وأغصان طولها نحو من شبر عليها زغب، وغلف شبيهة بغلف البنج، مملوءة بزرا أسود «6» يشبه الشونيز «7» . قال: وبزر هذا(22/121)
النبات إذا شرب بالشراب أبرأ من نهش الأفاعي ونهش سائر ذوات السموم، وقد يسقى منه بالمر والفلفل «1» من به عرق النسا، وله أصل دقيق لا ينتفع به أصلا.
سقولوفندريون «2»
يعرفه شجّارو الأندلس بالعقربان، وباعة العطر بالديار المصرية بكف النّسر.
قال ديقوريدوس في الثالثة: له ورق شبيه بالدّود الذي يقال له أسقولوفندريا، كثيرا منبتة من أصل واحد، وينبت من صخور مبنية بحصا ظليلة «3» . ولا ساق له ولا زهر ولا ثمرة، وورقه مشرف مثل البسبايج «4» ، والناحية السفلى عليها زغبة والناحية العليا خضراء.
قال جالينوس في السادسة «5» : هذه (51) الحشيشة لطيفة ولكنها ليست حارة، ولذلك صارت تفتت الحصى التي تكون في الكلى، وتحلّل صلابة الطّحال.
وقال ديسقوريدوس «6» : وإذا طبخ بخل وشرب أربعين يوما حلّل ورم الطّحال. وينبغي أيضا أن يضمد به الطحال وقد سحق وخلط بشراب، وهو نافع(22/122)
في تقطير البول والفواق واليرقان، ويفتّت الحصا الذي يكون في المثانة. وقد يظن قوم أنه يمنع من الحبل إذا علق وحده أو مع طحال بغل. ويزعم من يظن هذا الظن أن من يستعمله لمنع الحبل أن يعلقه في يوم لم يكن في ليلته الماضية قمر والله أعلم.
سليخة «1»
قال ديسقوريدوس في الأولى: مساو «2» هي السليخة أصناف كثيرة تكون في بلاد المغرب، ولها ساق غليظة القشر، وورق يشبه ورق السّوسن المسمى أيرسا «3» ، وأجودها الياقوتي الحسن اللون الشبيه بلون البسذ «4» ، دقيق الشّعب، أملس طويل، غليظ الأنابيب، ممتلئ، يلذع اللسان ويقبضه، عطر الرائحة، يشبه رائحة الخمر. ويسميه أهل الأندلس أآخوا «5» ، ويسميه تجّار الإسكندرية(22/123)
داقيطس «1» ، ويفوقه صنف آخر أسود، وفيه فرفيرية، يقال له خربز «2» ، ويشبه رائحة الورد، نافع جدا. والصنف الثالث بعد هذين يقال له نقطس «3» .
والأصناف الباقية رذلة، وهي سود كريهة الرائحة، دقيقة القشر. ويدل من طعمه أنه ليس بحريف ولا عطر، وقشره لاحق بشحمه، وقد يكون من الرّذل ما لونه أبيض أحرف، ويشبه رائحة الكرّاث، وما كان دقيق الأنبوبة.
قال جالينوس في الرابعة «4» : هذا دواء يجفّف ويسخّن في الدرجة الثالثة، وهو مع هذا كثير اللطافة، وفي طعمه حرافة كثيرة وقبض يسير، فهو لهذه الخصال كلها يقطع ويحلّل ما في البدن من الفضول وفيه مع هذا تقوية للأعضاء، وهو نافع من احتباس الطّمث إذا كان لا يدر ويستفرغ بالمقدار الكافي بسبب كثرة الأخلاط الزائدة وغلظها.
وقال ديسقوريدوس:
السّليخة مسخّنة ميبّسة مدرّة(22/124)
للبول، قابضة قبضا رقيقا، وهي صالحة إذا خلطت بالعسل ولطخ بها الرطوبة اللّينة [التي تكون في الوجه] «1» قلعتها، وتدر الطّمث، وتنفع من نهش الأفعى إذا شربت، ومن الأورام الحارة كلها العارضة في الجوف إذا شربت، ومن أوجاع الكلى، وتنفع من اتّساع الرّحم إذا جلس النساء في مائها وتدخنّ بها، فإن لم يوجد سليخة جعل بدلها من الأدوية من الدارصيني ضعف ما يجعل منها. وهي كثيرة المنافع جدا. وقال ابن سينا «2» : تحلل الرياح الغليظة، وفيها قبض قليل مع حرافة أكثر، ولطافته يسيرة، وهو يقطع الحرافة، وبقبضه يعين القابضة، وبتحليله يعين المسهلة «3» . وبما فيه من التحليل والقبض واللّطافة يقوّي الأعضاء.
وقال مهراريس «4» : يطرح (53) الولد بقوة قوية. وقال في التجربتين «5» :
يسخّن الأعضاء الباطنة ويفتح سددها، ويسقط الأجنة الأحياء والموتى والمشيمة، وينفع من أوجاع الصدر والجنبين «6» المتولّد عن أخلاط لزجة، أو عن نفاخ غليظة، ويسهّل النّفث. وإذا دهن به الرّحم نقته من الرطوبات الفاسدة العفنة، وحسنّت رائحته. ويجب أن يضاف إليها في أدوية الصدر عرق السّوس، وإذا وضعت على مقدّم الدماغ منثورة بعد السّحق أو ضمادا نفعت من النزلات.
عاقر قرحا «7»
قال ديسقوريدوس في الثالثة: قوريون هو نبات له ساق وورق كالدّوقو «8»(22/125)
[الذي ليس ببستاني أو النبات الذي يقال له] «1» ماراين «2» ، وإكليل يشبه إكليل الشّبت، وزهر كالشعر، وعرق في غلظ إصبع الإبهام.
قال ابن البيطار: العاقر قرحا نبات مشهور ويسمى بالبربرية بيغدست، وهو خلاف ما ذكره ديسقوريدوس هنا وفسّرته التراجمة بالعاقر قرحا، نبات لا يعرف اليوم بغير بلاد المغرب خاصة، ومنها يحمل إلى سائر البلاد، وأول ما وقفت عليه، وشاهدت نباته بأعمال إفريقية بظاهر مدينة قسنطينة «3» بالجانب القبلي منها، بموضع يعرف بضيعة لواتة «4» ، ومن هناك جمعته، وعرّفني به بعض العربان. وهو نبات يشبه في شكله وقضبانه وزهره وورقه البابونج «5» الأبيض الزّهر المعروف بمصر بالكركاش، إلا أن قضبان العاقر قرحا عليها زغب أبيض، وهي ممتدة على وجه الأرض، وهي كثيرة، مخرجها من أصل واحد على قضيب منه رأس مدوّر كشكل رأس البابونج المذكور، أصفر الوسط وله أسنان دائرة بالوسط منها، باطنها مما يلي الأرض أحمر، وظاهرها إلى فوق أبيض، وله أصل في طول فتر، في غلظ إصبع حار حرّيف محرق، فهذه صفة العاقر قرحا على الحقيقة. فأما الدواء الذي ذكره ديسقوريدوس، وسماه قوريون «6» ، وفسّرته التراجمة بالعاقر قرحا فهو دواء اليوم أيضا، معروف عند أهل صناعتنا بدمشق بعود القرح الجبلي، ويعرفون الباغندست بعود القرح المغربي. وهذا الدواء(22/126)
المعروف بعود القرح الجبلي معروف كثيرا بأرض الشام، يشبه نباته ما عظم من نبات الرازيانج، وله ثمر. وقد رأيته وجمعته بظاهر دمشق في رأس وادي بردا «1» بموضع [يعرف] ببابل «2» السوق على يسرى الطريق وأنت طالب الزبداني، على الصورة الذي وصفه به ديسقوريدوس فاعلم ذلك فإني قد عرفته وتحققت أمره والحمد لله على ذلك.
وقال جالينوس في الثامنة: أكثر ما يستعمل من هذا أصله، خاصته وقوته محرقة، ولذلك صار يسكّن وجع الأسنان من البرد، وينفع من النافض (54) والاقشعرار الكائن بأذوار إذا دلك به البدن كله قبل نوبة الحمى مع زيت. وينفع من به خدر في أعضائه، ومن به استرخاء قد أزمنه.
وقال ديسقوريدوس: يحذو «3» اللسان إذا ذيق حذوا شديدا، ويجلب بلغما، فلذلك إذا طبخ بالخل وتمضمض به نفع من وجع الأسنان. وإذا سحق وخلط بزيت وتمسّح به أدرّ العرق، ونفع من الكزاز «4» إذا كان يعرض للإنسان كثيرا.(22/127)
ويوافق الأعضاء التي قد غلب عليها البرد، والتي قد فسد حسّها وحركتها ونفعها نفعا بيّنا.
وقال ابن سينا «1» : هو شديد التفتيح لسدد المصفاة والخشم، وإذا طبخ بالخل وأمسك في الفم شدّ الأسنان المتحركة.
وقال في التجربتين: إذا دقّ وذرّ على مقدّم الدماغ سخّنه، ونفع من توالي النزلات والمفلوجين والمصروعين الذين صرعهم من خلط غليظ في الدماغ. وإذا مضغ مع المصطكي «2» جلب بلغما كثيرا لزجا. وإذا أخذ منه معجونا بعسل لعقا ذوّب بلغم المعدة، ويزيد في الجماع، وفي أمزجة المبردين والمرطوبين جدا. وإذا سحق وخلط بدقيق الفول وملئت به خريطة وحصل فيهما الذّكر مع الأنثيين «3» ويتركان كذلك يوما كاملا أعان على الجماع للمبرودين، ولا سيما لمن يجد في أنثييه بردا ظاهرا.
وقال إسحاق بن عمران «4» : إذا طبخ بالخل وتمضمض به نفع من سقوط اللهاة واسترخاء اللّسان العارض من البلغم.
قال الشريف «5» : إذا خلط بكثيراء ولطخ على (55) الكلف جلاه.
وقال أبو الصّلت «6» : إذا شرب منه وزن درهمين أسهل البلغم. قال(22/128)
الشريف: دهنه ينفع من اللّقوة والاسترخاء والفالج وإذا دهن به القضيب قبل الجماع بعث على الشهوة وأعان على سرعة الإنزال، وصفة دهنه يدق من أصله قدر أوقية ويطبخ في رطل ماء حتى يرجع إلى أوقيتين ويلقى عليه مثلهما زيتا، ويطبخ الجميع حتى ينضب الماء ويبقى الزيت، ثم يصفّى ويرفع لوقت الحاجة إليه. وقال الغافقي: إذا دق وعجن بالعسل نفع من الصرع ونيئه يفعل ذلك أيضا.
فروقوديلاون
هو الشوك المعروف بالتّميق والمتميّط أيضا ببلاد الأندلس، ويعرف أيضا برعي الحمير. قال ديسقوريدوس في الثالثة: هو نبات يشبه الخامالاون الأسود وينبت في جبال ذوات شجر ملتفّ، وله أصل طويل خفيف إلى العرض ورائحته كرائحة الحرف. وأصله إذا طبخ بالماء وشرب أحدث رعافا شديدا، وقد ينفع المطحولين نفعا شافيا بيّنا. قال جالينوس في السابعة: هو نبات حرّيف عطري ويحدر الطمث وقوته حادة تحلل وتخفف والعصارة المتخذة من قضيبه وبزره كذلك نافع لمن به علّة في كليتيه، وأما أصله فينفع في نفث الصدر والبلغم(22/129)
منفعة قوية، وذلك لأنه أقلّ حدّة وحرافة من بزره، وليس هو بدونه من المرارة، وهو يرعف وينفع من القولنج.
فشغ «1»
هي الريّولة «2» بعجمية الأندلس، وثمرها الأحمر المعروف عند عامة المغرب بحب النّعام.
قال ديسقوريدوس في الرابعة: فليقص «3» طراخيا، ومعناه الحشيشة «4» ، نبات له ورق كورق [النبات الذي يسمى] ناره لوماين «5» ، وقضبان كثيرة دقيقة مشوّكة مثل شوك العلّيق «6» ، ويلتف على ما قرب منه ويبسط في العلو أو في الأسفل، وله حمل كالعناقيد إذا نضج كان لونه أحمر ويلذع اللسان لذعا يسيرا، وأصل غليظ صلب. وينبت في آجام ومواضع حسنة.
قال جالينوس في السابعة: وورقه يجد من يذوقه حدّة وحرافة، ومن استعمله أسخنه.(22/130)
وقال ديسقوريدوس: ورقه وثمره ينفعان من الأدوية القتّالة إذا تقدم شربه عليها، ويأمن بعد أن يشربه منها، وإن فرك وبلعه الطفل لم يضره دواء قاتل، ويستعمل في بازهرات «1» السموم. وأما فليقص ليا «2» ومعناه الأملس، فشبيه بنبات قسوس «3» لكنه ألين منه، وله قضبان مثل مليقص «4» الخشنة إلّا أنها ليست مشوّكة [وهي] ملس، ويلتف بما قرب منها «5» ، وله ثمر كالترمس «6» أسود صغير، وزهره كبير أبيض مستدير في الشجرة كلها. وقد يعمل من هذا النبات أكواخ في الصيف ويطرح في الخريف ورقه. وقيل إنه إن أخذ من ثمره وثمر دروقيون «7» من كل واحد ثلاث أولوسات «8» وخلطا «9» وشربا فإنه يعرض منهما أحلام كثيرة مشوشة.(22/131)
قرثمن «1»
يعرف بمالقة «2» من بلاد الأندلس بقرن الأيل «3» .
قال ديسقوريدوس في الثانية: هو نبات حسن، طوله نحو ذراع، ينبت بين الصخور في سواحل البحر، وورقه حسن الاجتماع غير متفرّق، وفيه لزوجة، ولونه إلى البياض، وورقه كورق البقلة الحمقاء «4» إلّا أنه أكبر منه وأطول وأعرض، وطعمه إلى الملوحة، وزهره أبيض، وحمل يشبه نورلينا قوطس «5» ، رخو طيّب الرائحة، مستدير. إذا جف يقلع ويظهر من جوفه بزر يشبه الحنطة أحمر وأبيض، وله في أصله ثلاثة عروق أو أربعة غليظة كالإصبع، طيب الرائحة طيب الطعم.
وقال في الفلاحة «6» : ومنه [صنف] ثان أكثر ارتفاعا من الأول، وأغصانه أكثر من أغصانه وورقه كورق الباذروج، وهو أصغر بكثير، وكلاهما مجتمع الورق (56) كثير الأغصان، وأغصانها تتشظّى كالقصب إذا جفّت، وثمره كالأول إلّا أنه مستطيل، وزهرهما واحد.(22/132)
وقال جالينوس: هذا مالح الطعم وفيه مرارة، ولذلك صارت قوته تجلو وتجفّف، إلّا أنه فيهما ضعيف.
وقال ديسقوريدوس: وإذا طبخ الثمر والورق والأصل بشراب وشرب، نفع من عسر البول واليرقان، ويدر الطّمث. ويؤكل مطبوخا وغير مطبوخ، وقد يعمل بالماء والملح، والله أعلم.
كبيكج «1»
هو كف السّبع عند شجّاري الأندلس، وتعرفه أهل مصر بالتازه غللت «2» وهو اسم بربري. قال ديسقوريدوس في الثانية: بطراخيون «3» ، ومن الناس من يسميه سالس أغريلي «4» ، وهو أصناف كثيرة، وقوته حارة مقرّحة جدا. ومنه صنف يشبه ورقه ورق الكزبرة إلّا أنه أعرض منه، ولونه إلى البياض، وفيه رطوبة لزجة وزهر أصفر، وربما كان لونه إلى الفرفيرية. وله ساق ليس بغليظ، طوله نحو ذراع، وأصل صغير أبيض مرّ الطعم، ويتشعب منه كشعب الخربق، وينبت(22/133)
بالقرب من المياه الجارية. ومنه صنف حرّيف جدا. وصنف ثالث صغير جدا رديء الرائحة، وزهره شبيه بلون الذهب. وصنف رابع يشبه الثالث إلّا أن لون زهره كاللبن.
قال جالينوس في السادسة: أنواع هذا النبات أربعة، وكلها قوية جاذبة حرّيفة شديدة، حتى إذا وضعت من خارج أحدثت قروحا مع وجع. وأما إن استعملها الإنسان بقدر فإنها تقلع الجرب في العلّة التي يتقشّر معها الجلد والأظفار التي يظهر فيها البياض، ويحلّل الآثار، وينثر الثآليل المتعلقة والمركوزة التي يحدث فيها إذا لقيها برد الهواء وجع شبيه بقرص النّمل. وينفع من داء الثعلب إذا وضعت عليه مدة يسيرة، وذلك أنها إن أبطأت وطال مكثها، كشطت الجلد، وأحدثت في الموضع قرحة، وهذه الأفعال كلها أفعال ورق هذه الأنواع وقضبانها «1» ، «2» ما دامت طرية، فإن هي وضعت من خارج كالضّماد قرحت، وأما أصلها إن هو(22/134)
جفّف صار دواء نافعا لتحريك العطاس كمثل جميع الأدوية التي تسخن إسخانا قويا، وتجفف وتنفع أيضا من وجع الأسنان، مع أنها تفتتها لأنه يجفف تجفيفا قويا. وبالجملة أنواع الكبيكج كلها، مع أصولها وقضبانها وورقها، يسخن ويجفف أسخانا وتجفيفا.
وقال ديسقوريدوس: وإذا تضمد بأغصانه وورقه طرية أقرحت بألم ولذلك يقلع تقشير الأظفار والجرب والنّمش والثآليل المسماة افروحودس. وإذا تضمد به وقتا يسيرا لداء الثعلب قلعه، وإذا طبخه وصب طبيخه فاترا على الشقاق العارض من البرد نفع منه. وأصله إذا جفّف ودق ناعما وقرب من المنخرين حرّك العطاس. وإذا علّق في الرّقبة خفّف من وجع الأسنان ولكنه يفتتها.
لوسيماخيوس «1»
يعرفه بعض شجّاري الأندلس بالقصب الذهبي، وبالخويخة تصغير خوخة، وخوخ الماء أيضا، وبعود الريح أيضا. قال ديسقوريدوس في الرابعة: «2» هو(22/135)
نبات له قضبان نحو من ذراع وأكثر، رقاق شبيهة بقضبان التمنش من النبات، معقّدة، وعند كل عقدة ورق ثابت شبيه بورق الخلاف «1» ، قابض في المذاق، وزهر أحمر شبيه بالذهب في لونه. وينبت في الآجام وعند المياه. وقال جالينوس في السابعة: الأغلب على طعم هذا الدواء الطعم القابض، ولهذا يدمل الجراحات، ويقطع الرعاف إذا ظهر به، وهو مع هذا يقطع كل دم من حيث كان [من] نفس جرمه وعصارته، إلا أن عصارته أبلغ فعلا منه، ولذلك صار متى شرب ومتى احتقن به (63) شفى قروح الأمعاء. وهو أيضا ينفع لمن ينفث الدم. وقال ديسقوريدوس: وعصارة ورق هذا النبات توافق بقبضها نفث الدم من الصدر وقرحة الأمعاء، مشروبة كانت أو محتقنا بها. وإذا احتملته المرأة قطع سيلان الرطوبات المزمنة دما كان أو غيره من الرحم. وإذا سدّ المنخران بهذا النبات قطع الرّعاف، وإذا وضع على الجراحات ألحمها وقطع عنها نزف الدم، وإذا دخن به خرج له دخان حاد جدا، حتى إنه يبلغ من حدّته أن يطرد الهوام ويقتل الفأر.
مورفا «2»
قال الغافقي: هو نبات ينبت كثيرا ببلاد البربر وببلاد السودان، وقد ينبت أيضا بغرب الأندلس بجهة شبانيا، وهي إشبيلية، وأهل هذه البلاد هم الذين يسمونه المورفا، والبربر يسمونه أيضا أيسمامن، ومن الناس من يسميه سنبلا بريا، وقوم يظنون أنه المرو «3» وذلك غلط منهم. وهو نبات صغير له ورق ثلاث(22/136)
أو أربع، يخرج من أصل واحد، صغار طوال متشقّقة، تشبه ورق المرو في تشققها، وفيه ملاسة، وله سويقة مدوّرة في غلظ الميل، يعلو نحو شبر، عليها جمّة صغيرة مثل جمّة الثوم، فيها نوى أبيض مائل إلى الحمرة قليلا، ولها أصل في غلظ الخنصر، أبيض لزج طيّب الرائحة جدا، فيها حرافة يسيرة، ويتحول إلى طعم الزّنجبيل، إلّا أنه أقل حرارة، ويستعمل في لخالخ الطّيب «1» ، ويشفي الأوجاع وأرياح البلغم، ويحل [القولنج الرّيحي ويزيد في الباه] «2»
يربطون «3»
اسم لطني «4» ، وهو بعجمية الأندلس واليونانية بوقادابق. قال ديسقوريدوس في الثالثة: هو نبات له ساق رقيق شبيه بساق الرازيانج، وله جمّة وافرة متكاتفة على الأصل، وزهر لونه أصفر وأصل أسود، ثقيل الرائحة، عليه رطوبة، وينبت في جبال مظللة بالشجر. وقد يشرط الأصل بسكّين وهو طري وتستخرج الرطوبة التي فيه وتوضع في ظل، لأن قوتها تضعف في الشمس، وفي وقت ما تخرج الرطوبة يعرض لمن يتولى ذلك صداع (64) وظلمة في البصر، إلّا أن تتقدم فليطخ «5» منخريه بدهن ورد، ويضع على رأسه أيضا منه. وإذا استخرجت من الأصل لم ينتفع به حينئذ، وقد يستخرج أيضا رطوبة عصارة الأصل كما يستخرج رطوبة أصل السروح «6» إلا أن فعل العصارة أضعف من(22/137)
فعل الرطوبة التي تستخرج بالشّرط، وفعلها في الإنسان إذا استعملها أكثر تحليلا وأسرعه، وربما أصيب صمغه لاصقة بالأرض «1» . والأغصان شبيهة بالكندر.
وأجود ما يكون من دمعة هذا النبات ما كانت ثقيلة الرائحة، في لونها حمرة، تلذع اللّسان في الذوق.
وقال جالينوس في الثامنة: أكثر ما يستعمل من هذا النبات أصله خاصّة، وقد يستعمل لبنه وعصارته، وجميع هذه نوع واحد بعينه، إلّا أن لبنه أكثر قوة من الجميع وذلك أن يسخّن إسخانا شديدا ويحلّل، من أجل ذلك صار الناس ينتفعون منه، بأنه ينفع من علل العصب. وهو نافع أيضا من العلل الحادثة في الصدر والرئة من قبل أخلاط لزجة إذا ورد إلى داخل البدن بالشراب، وإذا بخّر به العليل واستنشق رائحته التي ترتفع بالنار، وذلك أنه يقطع ويلطّف.
وإذا وضع أيضا في الموضع المأكول من الأسنان سكّن وجعها مرارا كثيرا من ساعته لتلطيفه وإسخانه. وهو أيضا يشفي الطحال الصلب لأنه يقطع الأخلاط الغليظة ويحللها ويلطّفها. وأما أصلها فقد يمكن فيه أن يستعمل في هذه الوجوه كلها وإذا وضع على عظم يريد أن يسقط قشرته براها منه وأسقطها سريعا، وذلك لأنه يجفّف تجفيفا قويا شديدا، إلا أن هذا الأصل أقل إسخانا من لبنه، وهو نافع أيضا للقروح الخبيثة الرديئة إذا جفّف وسحق ونثر عليها، وذلك أنه ينقّيها ويملأها ويدملها.
وقال ديسقوريدوس: دمعته إذا طلي به الرأس بالخل ودهن الورد وافقت المرض الذي يقال له (65) لترغس «2» ، والمرض الذي يقال له فرانيطس «3»(22/138)
والسّدد والصرع والصداع المزمن والفالج العارض ببطلان حس بعض الأعضاء وحركتها، وعرق النّساء، ومن كان به اصمصوص «1» . وبالجملة إذا تمسّح بها بالخل والزيت وافقت الأعصاب، وقد تستنشق رائحتها للوجع من وجع الأرحام والسبات «2» . وإذا تدخّن بها طردت الهوام، وإذا خلطت بدهن ورد وقطّرت في الأذن وافقت وجعها، وإذا وضعت في التآكل العارض في الضرس نفعته، وإذا استعملت بالبيض كانت نافعة للسّعال، وتوافق عسر البول والمغص والنّفخ، وتليّن الطبيعة تليينا رقيقا، وتليّن أورام الطحال، وتنفع منفعة عظيمة في عسر الولادة. وإذا شربت نفعت من وجع المثانة والكلى والتمدد العارض فيها، وقد تفتح فم الرّحم، وقد ينتفع بالأصل في كلما ينتفع فيه بالرطوبة، وإذا شرب طبيخه إلّا أنه أضعف فعلا من الرطوبة، وإذا دقّ بالأصل وهو يابس وسحق سحقا ناعما وعولجت به القروح نقّى وسخها، ونقّى قشور العظام منها، وأدمل القروح العتيقة. وقد يخلط في المراهم والقيروطات «3» المسخّنة. وينبغي أن تختار منه ما كان حديثا وليس بمتآكل، صلب، ساطع الرائحة، وقد تحلّل رطوبته بلوز مرّ وسذّاب أو خبز حار، ويستعمل فيما يشرب.
وقال في التجربتين: أصله يذهب كل رائحة منتنة من أي موضع كانت، وكذلك ينفع من الوباء الحادث من الملاحم، وينفع من ضروب الوباء كلها بقطعه الروائح الصاعدة من أجساد الموتى، ويسهل الطلق مبخرا به الأنف. وفي رائحته إكراب النفوس في أصحاب الأمزجة الضعيفة الحرارة، فيجنب تبخرهم، أو يقترن به ما يدفع ذلك. وإذا أحرق وخلط بالزّفت والسّمن وطليت به قروح الرأس اليابسة والرّطبة جفّفها، وإذا قطّرت دمعته المستخرجة بالنار في الأذن فتحت(22/139)
سددها، ونفعت من ثقل السّمع. وإذا أحرق (66) وعجن بخل نفع من السّعفة.
وإذا استنشق دخّانه نفع من النّزلات منفعة بالغة، وفتح سدد الخياشيم، وجفّف رطوبة الدماغ، ونفع من جميع أنواع الوباء منفعة بالغة بإصلاحه الهواء. وإذا سحق أصله وذرّ، أو حشي به الجراحات العسرة الاندمال من سوء مزاج رطب أدملها.
بربه شانه «1»
ومعناه بعجمية الأندلس العشبة الصحيحة، وهو له نبات له ورق في طول ذراع أو أكثر، وعرضه دون الشّبر، وهو مشقّق، مشرّف «2» جعد، أملس، أخضر إلى السواد بريق. وهو كثير نابت من الأصل، وأطرافه منحنية مائلة إلى الأرض وله ساق خارجة من بين الورق في غلظ الإبهام، طويلة مدوّرة جوفاء، عليها ورق صغار من نصفها إلى أعلاها، فيها تشويك، وفيما بينها غلف كثيرة بعضها فوق بعض في شكل مناقير البط، عليها زهر فرفيري مائل إلى البياض، وداخله ثمر كالبلّوط مملوء رطوبة لزجة، وله أصل طويل معقد رخو يشبه أصل الخطمي، مملوء رطوبة لزجة، غائر في الأرض، فيه شيء من حلاوة مع حرارة قوية كقوة الهمن «3» الأبيض، يزيد في الباه، ويبرد الرحم إذا نتأ «4» ، ويبرئ من فسخ العضل، ويخصب البدن، ويدر البول، وينفع من وجع الخاصرة والمثانة.
وبعض الناس يسمّي هذا النبات عشبة النّجار، ونباته في المواضع الرطبة من الجبال والخنادق، وقد يتخذه بعض الناس في البساتين والمنازل. وقد يبيع الشجّارون بالأندلس أصل هذا النبات على أنه الهمن الأبيض لقربه منه، ويظنون(22/140)
أن قوته كقوته. وأما المصري فمنه أفيون، وهو لبن الخشخاش الأسود «1» . قال التميمي: لم يعرف على حقيقته في البلدان الشرقية ولا الغربية أيضا إلّا بديار مصر، وخاصة بالصعيد، فإنه به يستخرج، ومنه يحمل إلى سائر البلدان.
قال ديسقوريدوس: وصمغة هذا الخشخاش (67) وعصارته تبرّد أشد من تبريد البزر وتغلظ وتجفف، فإذا أخذ منه شيء مقدار الكرسنة سكّن الأوجاع وأرفر «2» وأنضج، ونفع من السّعال المزمن. وإذا أخذ منه شيء كثير أنام نوما شديد الاستغراق جدا مثل ما يعرض للذين بهم المرض الذي يقال له لتبرعن «3» ثم يقتل. وإذا خلط بدهن اللوز والزعفران والمر وقطّر في الأذن كان صالحا لأوجاعها. وإذا خلط بلبن امرأة وزعفران كان صالحا للنقرس. وإذا خلط بدهن ورد ودهن به الرأس كان صالحا للصداع. وإذا خلط بصفرة بيض مشوي وزعفران كان صالحا للنقرس. وإذا احتمل في المقعدة فتيلة أرقد. وأجود ما يكون من صمغه ما كان كثيفا رزينا وكانت رائحته سبت «4» من الطعم هيّن الذّوب بالماء، أملس أبيض ليس بخشن ولا محبّب، ولا يجمد إذا أذيف بالمامرّ «5» . وإذا وضع في الشمس ذاب، وإذا قرّب من السراج أوقد، ولم يكن لهب النار فيه لهيب مظلم، وإذا أطفئ كانت رائحته قوية.
وقد يغش بأن يخلط فيه ساق ماميثا «6» أو عصارة ورق الخس البري، أو(22/141)
بصمغ. والذي يغش بساق ماميثا إذا أذيف بالماء كان في رائحته شيء شبيه برائحة الزّعفران. والذي يغش بعصارة الخس البري إذا أذيف بالماء كانت رائحته ضعيفة، وكان حسنا في اللمس. والذي يغش بالصمغ ضعيف القوة صافي اللون. ومن الناس من يبلغ به الخبث أن يغشه بالشحم. وقد يغلى على حرقه إلى أن يلين، ويميل لونه إلى الحمرة الياقوتية، ويستعمل في الأكحال.
ودياغورس «1» يحكي أن سيسراطيس «2» ما كان يستعمله في علاج الرّمد ولا في وجع الأذن لأنه كان عنده أن يضعف البصر ويسبت. واندراآس «3» يزعم أنه لولا يغش لكان يعمى الذين يكتحلون به. ومستديمس «4» يزعم أن ينتفع برائحته لينوّم فقط، وأما (68) سائر الأشياء فإنه ضار. ولقد- لعمري- غلطوا، ما نعرفه بالتجارب يدل على حقيقة ما أخبرنا من فعله، والأفيون هكذا يستخرج. ومن الناس من يأخذ رؤوس الخشخاش وورقه ويدقّها ويستخرج عصارتها بلولب وجباب «5» ، وتصير العصارة في صلّاية «6» ويسحقها، ثم يعمل منها أقراصا، ويسمى هذا الصنف من الأفيون ميوفنوبنون، وهو أضعف قوة من الأفيون. وللأفيون الذي هو صمغه الخشخاش. هكذا يستخرج إذا حضر الوقت الذي يجف فيه الندى الذي على النبات من النهار، فينبغي أن يشق بسكين حول رأس الخشخاشة المشعب شقا رقيقا بقدر ما ينثقب ويشرط جوانب(22/142)
الخشخاشة شرطا ابتداؤه من هذا الشق مارا على أسفله، ولا يعمق الشرط فينفذ.
وتؤخذ الصمغة بالإصبع وتجمع في صدفة، فإذا جمعت فينبغي أن تترك وقتا ما ثم يعاد إليها، ويجمع ما يظهر أيضا في ذلك الثاني ويجمع. وينبغي أن تؤخذ هذه الصمغة وتسحق على صلاية ويعمل منها أقراص وتخزن.
وقال ابن سينا: «1» الأفيون فيه تجفيف للقروح، وشربه مما يبطل الفهم والذهن، وإذا شرب وحده من غير جندبادستر «2» أبطل الهضم جدا.
وقال ابن زهر «3» في خواصه: الأفيون إن حل بخل وطلي به أنف الحمار دمعت عيناه وأخذه النهيق.
وقال الرازي: يقتل منه وزن درهمين فصاعدا، ومن سقيه عرض له الكزاز والسبات، وربما عرضت له خلول شديدة في بدنه، وشم من نكهته رائحة الأفيون. وربما شمّ ذلك من رائحة بدنه كلها إذا حكّه، وربما غارت عيناه «4» وانعقد لسانه وتكمد أطرافه وأظفاره وينصب منه العرق البارد ويتشنج بأخرة عند قرب الموت. وإذا «5» . وأخص العلامات به السّبات واشتمام رائحة الأفيون من بدنه.
وقال ديسقوريدوس: وينفعهم من القيء شرب الدهن، والحقن الحارة، وشرب السّكنجبين مع الملح، أو شرب العسل مع دهن ورد يغلى وطلاء صرف(22/143)
كثير من أفسنتين ودار صيني، مع خل مغلي وبورق مع ماء فوتنج مع بزر الفيجن البري وهو السّذاب مع فلفل، وطلاء وحناء وفلفل مع جنديادستر وسكنجبين وصعتر وفوتنج مطبوخ مع طلاء. وينبغي أن يوقظه بأدوية ويدنيها من منخريه، ويحمّه بماء سخن، ويكمد به جسده، لكثرة الحكة التي يجدها. ومن بعد الاستحمام ينبغي أن يستعمل الأمراق الدسمة بالشراب أو الطلاء، ويدره ثلاثة امثا [له] بزر بنج، وضعفه من بزر اللفاح، أو قشر عروقه، أو عصارة.
بشنين «1»
قال ديسقوريدوس في الرابعة: لوطوس «2» الذي يكون بمصر ينبت في الماء إذا أطبق على أرض مصر. وهو نبات له ساق كساق الباقلّى، وزهر أبيض شبيه بالشّعر.
ويقال: إنه ينبسط إذا طلعت الشمس وينقبض إذا غربت، وإن رأسه إذا غربت غاص في الماء، وإذا ظهرت ظهر على الماء، ورأسه يشبه العظيمة «3» من رؤوس الخشخاش. وفي الرأس بزر شبيه بالجاورس، ويجففه أهل مصر ويطبخونه ويعملون منه خبزا. وله أصل شبيه بالسفرجلة. ويؤكل نيّئا ومطبوخا، وطعمه مطبوخا يشبه طعم صفرة البيض.
وقال ابن البيطار: البشنين كثير الوجود بالديار المصرية، معروف بها جدا، إذا أطبق عليها ماء النيل كأنه [و] نبات النّيلوفر سواء «4» ، وهو عندهم صنفان،(22/144)
منه ما يسمى الخنزيري «1» ، والآخر يسمى الأعرابي، وهو أفضل عندهم وأجود، ويصنع من زهره دهن، كما يتخذ دهن السوسن والنيلوفر. وهو عندهم محمود في البرسام سعوطا به مجرب، وأما أصله فيعرف بالبيارون. وأصل الأعرابي أفضل أيضا، وأصل النوع الآخر «2» وفيهما أدنى عطرية، وفيهما شبه من رائحة السعد، ويطبخ مع اللحم فيأتي في لونه شبه صفرة البيض التي يميل إلى يسير بياض، وفي طعمه وفيه بعض مشابهة بطعم الكمأة إلا أنه يميل إلى الحرارة يسيرا. وقيل إنه يزيد في الباه، ويسخّن المعدة، ويقطع الزّحير.
وقال ابن رضوان في مفرداته «3» : (70) يقوي المعدة، وقد اعتبرته فوجدته غذاء ليس بالرديء.
صام ثوما «4»
اسم سرياني، وهو الطّرنشول «5» بعجمية الأندلس، ويعرف بالديار المصرية بحشيشة العقرب، وبالعنبر أيضا. وهو بها كثير، ينبت في المقابر «6» وينبت كثيرا ببركة الفيل من القاهرة ومصر إذا جف عنهما الماء.
وقال ديسقوريدوس في آخر الرابعة: غينتو طرونيون طوماغا «7» ومعناه(22/145)
المستحيل المتغير المنتقل مع الشمس، ومعنى طوماغا «1» الكبير. ومن الناس من يسميه سقرسوس «2» ومعناه ذنب العقرب، وسموه [بهذا الاسم] لشكل زهره، وهو نبات له ورق يشبه ورق الباذروج إلا أنه أكثر زغبا منه وأميل إلى السواد.
وله ثلاثة قضبان، وأربعة نابتة من أصل يتشعب منها شعب كثيرة. وعلى طرف هذا النبات زهر أبيض، مائل إلى الحمرة، منجعي «3» مثل العقرب، وأصل دقيق لا ينتفع به في الطب. وينبت في مواضع خشنة، وإذا أخذ منه مقدار حزمة واحدة وطبخ بالماء وشرب أسهل البطن بلغما ومرة، وإذا شرب بالشراب، أو تضمد به، وافق الملسوعين من العقارب. ومن الناس من يعلق على من لسعته العقرب أصل هذا النبات لتسكين الوجع.
وقد يقول بعض الناس: إنه إن أخذ من ثمر هذا النبات أربع حبّات، وشرب بالشراب قبل أخذ حمى الرّبع بساعة، ذهبت. وإنه إن أخذ منه ثلاث حبات ذهبت [مثل الحمى] «4» المثلّثة، وإذا تضمد به جفف الثآليل التي تسمى مرسيا «5» ، والمسمى أفروخوروذن «6» ، واللحم الزائد المسمى ثومن، وما يظهر في الجلد ويسمى أسقطيدس. وورق هذا النبات يضمد به النقرس ولالتواء العصب والأورام العارضة في حجب أدمعة الصبيان والأورام سويا فينتفع به وإذا احتمل مسحوقا أدر الطمث وأحدر الجنين وأما الصغير فهو نبات ينبت عند المياه(22/146)
القائمة وله ورق شبيه بورق النبات الذي قبله غير أنه أشد استدارة منه وثمره مستدير معلق مثل الثآليل المسماة أفروخودوس. ولهذا (71) النبات إذا شرب مع ثمره، ومع النطرون، ومع الزوفا «1» والحرف «2» والماء، يخرج الدود [المسمى] حب القرع والدود المستبطن «3» . وإذا تضمد به مع الملح قلع الثآليل المسماة أفروخوروذن «4» .
قضّاب «5»
قال في كتاب الرّحلة: والقضاب اسم عربي، وله قاف مضمومة، ثم ضاد معجمة مفتوحة مشدّدة، ثم ألف، ثم باء موحدة، اسم لنوع من عصا الراعي بأرض مصر، وقضبانه طوال، وتحمر إذا جفت، وهو أكثر حطب الأفران بمصر والقاهرة.
قال ابن البيطار: القضاب بالديار المصرية ليس هو عصا الراعي كما ذكر بعض الناس، بل هو النبات المذكور في أول المقالة الرابعة من ديسقوريدوس المسمى باليونانية فلطماطس «6» .
قال ديسقوريدوس: من الناس من يسميه مرسينه بداس «7» ، ومعناه الشبيه(22/147)
بالآس، ومنهم من يسميه بولوغيداس «1» ومعناه الشبيه بعصا الراعي. وهو نبات ينبت على وجه الأرض، وله قضبان طوال رقاق تشبه قضبان الإذخر، وورق صغار كورق الغار، غير أنه أصغر منه بكثير. إذا شرب ورق هذا النبات مع قضبانه بالشراب قطع الإسهال وينفع من قرحة الأمعاء. وإذا خلط باللبن ودهن الحناء واحتملته المرأة أبرأ أوجاع الأرحام، وإذا مضغ سكّن وجع الأسنان، وإذا وضع على شيء من ذوات السموم نفع منها. وقد يقال: إنه إذا شرب بالخل نفع من نهشة الثعبان. وينبت في أرض متعطلة من العمارة.
وقال جالينوس في السابعة: وأما الدواء المسمى قلياطس ويسمى الشبيه بالغار، ويسمى الشبيه بالآس، ويسمى الشبيه بالبطباط «2» ، فليس بحاد حرّيف، [و] لا هو محرق، بل هو نافع من استطلاق البطن وقروح الأمعاء إذا شرب بشراب، وإذا مضغ يسكّن وجع الأسنان، وإذا احتمل من أسفل نفع من وجع الأورام.
كتّان «3»
قال أبو حنيفة «4» (72) : الكتّان مفتوح الكاف مشدّد التاء وهو معروف.
وقال بولس «5» : إذا أحرق الكتان نفسه يكون له دخان لطيف يفتح سدد(22/148)
الزّكام، ويصلح الرحم الذي يتقلّص ويصير «1» إلى فوق.
وقال ماسرجويه «2» : والثياب تختلف قواها بقدر الأصل التي تصنع منه، وثياب الكتان معتدلة في الحر والبرد والرطوبة واليبس، وهي أجدى أن تستعمل في الدواء وخاصة للقروح فإنها تجففها وتنشف البلة والعرق من الجسد.
وقال عيسى بن ماسه «3» والرازي: الكتان أبرد الملابس على البدن وأقلها لزوقا به وتعلقا، ولذلك هو أقلها احتمالا «4» ، ومن أراد ضمار بدنه فليشعره في الشتاء الجديد الناعم، وفي الصيف الغسيل الناعم، وإن أراد استبقاه، فبالعكس، لأنه ليس يلصق بدنه جدا فيحميه، وهو أفضل لملابسة «5» الأبدان من ثياب القطن.
وأما بزره فقال جالينوس في السابعة: بزر الكتان إن أكل وحده ولّد نفخة، ولو كان مقلوا، وإذا كان ذلك فهو يمتلئ من الرطوبة الزائدة الداخلة في جنس الفضول بحسب ذلك، وهو مع هذا حار في الدرجة الأولى، وسط فيما بين الرطوبة واليبس.
وقال في كتاب أغذيته: بزر الكتّان رديء للمعدة عسر الانهضام، والذي يناله البدن منه من الغذاء مقدار يسير، وليس لنا بذلك أن نمدحه ولا أن نذمه في إطلاق البطن، ويخالطه أيضا شيء يسير من القوة المدرّة للبول، وإذا أكله(22/149)
إنسان بعد أن يقلى كان حابسا للبطن. وأهل القرى المصرية كثيرا [ما] يستعملونه بعد أن يقلوه ويطبخوه «1» بالعسل.
وقال ديسقوريدوس في الثانية: بزر الكتان قوته شبيه بقوة الحلبة، وإذا خلط نيئا بالعسل والزيت والماء حلّل الأورام الحارة وليّنها، ظاهرة كانت أو باطنة. وإذا تضمد به مع النطرون قلع الكلف والبثر اللبني. وإذا خلط بالماء حلّل الأورام العارضة في أصول الأذن والأورام الصلبة. وإذا طبخ مع الشراب (73) قلع النملة والصنف من القروح السهرة «2» ، وإذا خلط به جزء مساو له من الحرف ومع العسل نفع من تشقق الأظفار وتقشرها، وإذا خلط بالعسل والفلفل واستعمل بدل الناطف وأكثر منه حرك شهوة الجماع. وقد يحقن بطبيخه للذع المعى «3» والرحم ولإخراج الفضول. وإذا جلس النساء في طبيخه نفع من الأورام العارضة في الأرحام، كما ينفع طبيخ الحلبة «4» .
وقال أبو جريج «5» : إنه نافع لقروح الكلى والمثانة، وينضج الجراحات، [و] إذا «6» ضمدت به الأظفار المبيضة مع الموم «7» والعسل أصلحهما، وهذا الفعل خاصية. وهو زائد في المني، نافع من وجع الصدر.(22/150)
وقال ماسرجويه: طبيخ بزر الكتان يضرب مع الدهن ويحقن به لقروح الأمعاء فيعظم نفعه.
وقال الرازي: هو جيد لتسكين الوجع واللذع. وقال الإسرائيلي «1» : إذا خلط بالبورق والرماد وعمل منه ضماد أقلع الثآليل. وقال الشريف: إذا سحق وعجن بماء حار وخضب به الرأس ثلاث ليال نفع من الصداع الحار، وبدله مثله حلبة.
وقال الغافقي: بزر الكتان يجلو وينضج وينفع من وجع الرئة إذا شرب منه وزن ثلاثة دراهم، ويسكّن الأوجاع قريبا من تسكين البابونج. وهو رديء للبصر وضماده ينضج الأورام ويحللها، وينفع من القوباء والقروح.
كصنثيون «2»
هو الباذنجان البري، ورأيته بالديار المصرية بظاهر قليوب في البركة التي قبل الضيعة التي قبل مناقع الكتان من الجانب القبلي. قال ديسقوريدوس في الرابعة: هو نبات في أرضين وغدران قد جفّت، وله ساق طوله نحو ذراع، عليه رطوبة تدبق باليد مزوّاة «3» ، ويتشعب منه شعب كثيرة، وله ورق يشبه السّربج «4» منقسم ورائحة هذا النبات شبيهة برائحة الحرف، وله ثمر مستدير في(22/151)
قدر زيتونة عظيمة مشوّكة شبيهة (74) بجوز الدلب «1» تتعلق بالثياب إذا ماستها «2» . قال جالينوس في السابعة: بزر هذا النبات قوته محللة.
قال ديسقوريدوس: وثمره إذا جني قبل أن يستحكم جفافه ودق ورفع في إناء من خزف، ثم أخذ منه مقدار طروملين «3» ، وأذيب بماء فاتر، وضمّد به الشعر، وقد تقدم ذلك غسله بالنطرون أفاد الشعر شقرة. ومن الناس من يدقه ثم يخلطه بشراب ثم يرفعه، وقد تضمد بالثمر الأورام البلغمية.
وقال الشريف: زعم قوم أن ورقه إذا جفّف وسحق واكتحل به لبياض العين نفع بإذن الله.
قال ابن البيطار: كحلت به أناسا كثيرة فرأيته يحد البصر ويحدر الدموع.
نهاية.(22/152)
[الكلام على المعادن] «1»
فنقول لابد من تقديم مقدمة قبل الكلام على المعادن تكون كالتوطئة لما سنتكلم عنه من بعد.
لا شك أن الأجسام المتولدة إما أن تكون نامية أو لا تكون، فإن لم تكن فهي المعدنيات، وإن كانت نامية فإما أن يكون لها قوة الحس والحركة أو لا؛ فإن لم تكن فهي النبات، وإن كانت فهي الحيوان.
وزعم كثير من الحكماء أن أول ما يستحيل إليه الأركان الأبخرة والعصارات، والبخار هو ما يصعد من لطائف مياه البحار والآبار والآجام من تسخين الشمس، والعصارات تنجلب في باطن الأرض من مياه الأمطار، وتختلط بالأجزاء الأرضية وتغلظ، وتنضجها الحرارة المستنبطة في عمق الأرض فتصيرها مادة للمعادن والنبات والحيوان، وقد مضى بعض ترتيب ذلك، وهي متصلة بعضها ببعض بترتيب عجيب ونظام بديع لا يعقله إلا العالمون بالله. فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
فأول مراتب الكائنات تراب وآخرها نفس ظاهرة مليكة، فالمعادن أولها متصل بالتراب والماء، وآخرها بالنبات، متصل أوله بالمعادن وآخره بالحيوان، والحيوان متصل أوله بالنبات وآخره (75) بالإنسان [والإنسان] متصل أوله بالحيوان وآخره بالملائكة.
بيان ذلك: إن أول المعادن هو الجص، [والجص] مما يلي التراب أو الملح، [والملح] مما يلي الماء. والجص تراب رملي حصل به بلل من الأمطار فانعقد فصار جصا، والملح ما امتزج بأجزاء سبخة من الأرض فانعقد ملحا، وآخر المعادن مما يلي النبات الكمأة وما شاكلها، وهو يتكون في التراب كالمعدن وينبت في مواضع ندية أيام الربيع من الأمطار وأصوات الرعد كما ينبت النبات، ففيها شبه(22/155)
من المعدنيات لكونها لا ورق لها ولا ثمر، وتشبه النبات لكونها نامية كما ينمو النبات.
وأما النبات فأوله متصل بالمعدنيات وآخره بالحيوان، أما أوّله وأدونه مما يلي التراب فخضراء الدمن والكمأة، وآخرها وأشرفها مما يلي الحيوان النخل لأن خضراء الدمن ليس إلا غبار يتلبد من الأرض، تصيبها بلل الأمطار، فتصبح بالغدوات خضراء كأنها حشيش. فإذا أصابها حر الشمس جفّت، ثم تصبح من الغد مثل ذلك من نداوة الليل وطيب النسيم. ولا تنبت الكمأة ولا خضراء الدمن إلا في زمن الربيع، فأحدهما نبات معدني، والثاني معدن نباتي. وأما النخلة فإن أحوالها مباينة لأحوال النبات لأن أشخاص الفحولة منه مباينة لأشخاص الإناث، ولفحولته في إناثه لقاح كما في الحيوان، وإذا قطع رأس النخلة يبست وبطل نموها كالحيوان. وبهذا الاعتبار، وما تقدم في صفة النخلة، وكونها تشبه الآدمي من الوجوه المتعددة المتقدمة، بأن النخلة نبات حيواني.
وأما الحيوان فأوله يشبه النبات، لأن أدنى الحيوان ما ليست له إلّا حاسة واحدة من الحواس الخمس، وهي اللمس، [و] هو الحيوان المسمى بالحلزون وهو دودة في جوف أنبوبة حجرية توجد في السواحل، وتلك الدودة تخرج نصف بدنها من جوف تلك الأنبوبة وتنشط يمنة ويسرة تطلب مادة تتغذى بها، فإذا أحست برطوبة أو لين انبسطت، وإن أحست (76) بصلابة انقبضت ودخلت في جوف الأنبوبة حذرا من مؤذ لجسمها، وليس لها سمع ولا بصر ولا ذوق ولا شم إلا اللمس فقط، وهذا حال أكثر الديدان المتولد [ة] من الطين، فهذا حيوان نباتي لأنه ينبت جسمه كما ينبت النبات.
وأما مرتبة الحيوان الذي يلي الإنسان فالقرد، لأن شكل جسده قريب من جسد الإنسان، ونفسه تحاكي أفعال النفوس الإنسانية؛ وكذلك الفرس الجواد،(22/156)
فإن الخيل الأصايل لها ذكاء وحسن أدب وكرم أخلاق، فربما لا تروث ما دام الملك راكبا عليها، ولها إقدام في الهيجاء وصبر على الطعن. وكذلك الفيل فإنه يفهم الخطاب، ويمتثل الأمر والنهي على ما سبق وصفه «1» كالإنسان العاقل.
وأما مرتبة الإنسانية التي تلي الحيوان، فإن أدنى مرتبة الإنسان رتبة الذين لا يعلمون من الأمور إلا المحسوسات، ولا يرغبون إلا في زينة الدنيا ولذاتها من الأكل والشرب والنكاح. قال تعالى في تشبيههم بالحيوان (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) فهم يرتعون في الدنيا كالخنازير والحمر، ويدخرون ما يحتاجون إليه كالنمل، ويتهارشون على حطام الدنيا كالكلاب على الجيف، فهؤلاء وإن كانت صورهم صور الإنسان فإن أفعال نفوسهم حيوانية.
وأما مرتبة الإنسان «2» التي تلي الملائكة، فهي مرتبة الذين انتبهت نفوسهم من الغفلة، وانفتحت منهم أعين البصيرة حتى نظرت بأنوار قلوبها ما غاب عن حواسها، وشاهدت بصفاء جواهرها عالم الأرواح الملائكة، وتبين لها سرورهم ونعيمهم، فرغبت في ذلك، وزهدت في نعيم الدنيا، وأقبلت على تحصيل الآخرة، فهم من أصناف الملائكة مع خلطتهم لأبناء جنسهم من الآدميين، فإذا علمت هذه المقدمة وفهمتها علمت أن ذلك بتقدير حكيم عليم، رتبها ترتيبا حكيما، وأبرزها إبرازا عليما، ذلك تقدير العزيز العليم.
أما أقسام المعدنيات (77) فهي كما ذكرنا أجسام متولدة من الأبخرة والأدخنة المحتبسة في الأرض إذا اختلطت على ضروب من الاختلاطات، مختلفة في الكم والكيف؛ وهي إما قوية التركيب أو ضعيفة التركيب. والقوية التركيب إما متطرفة وغير متطرفة؛ والمتطرفة هي الأجساد السبعة التي يقال لها(22/157)
الفلزات، وهي الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد والأسرب والخارصيني؛ وغير المنطرقة فقد يكون في غاية اللين كالزئبق، وقد تكون في غاية الصلابة كالياقوت. وهي إما تنحل بالرطوبات، وهي الأجسام الملحية كالزاج والنوشاذر، وإما أن لا تنحل فهي الأجسام الدهنية كالزرنيخ والكبريت.
والأجساد السبعة إنما تتولد من اختلاط الزئبق والكبريت على اختلاف اختلاطهما في الكم والكيف. والزئبق يتولد من أجزاء مائية أرضية، فإذا أنضجتها الحرارة القوية صار كالدهن. وأما الأجسام الصلبة الشفافة فإنها تتولد من مياه عذبة وقفت في معادنها بين الحجارة الصلدة زمانا طويلا حتى غلظت وصفت وأنضجتها الحرارة في المعدن بطول مكثها، وأما غير الشفافة فمن الماء والطين إذا امتزجا وكانت فيهما لزوجة وأثرت فيهما حرارة الشمس في المدة الطويلة. وأما الأجسام المنحلة بالرطوبات فمن مياه مختلطة بأجزاء أرضية محترقة يابسة اختلاطا شديدا.
وأما الأجسام الدهنية فمن الرطوبات المحتقنة في باطن الأرض إذا احتوت عليها حرارة المعدن حتى تحللت واختلطت بتربة البقاع فازدادت غلظا وصارت كالدهن.
وزعموا أن الذهب لا يتولد إلا في البراري الرّملة والجبال والأحجار الرخوة، وأما الفضة والنحاس والحديد وأمثالها فإنها لا تتولد إلا في أجواف الجبال والأحجار المختلطة بالتراب اللين. والكبريت لا يتولد إلا في الأراضي الندية والرطوبات الدهنية والأملاح فيتولد في الأراضي السبخة والبقاع المالحة. والجص (78) لا يكون إلا في الأراضي اللينة السبخة. والأسفيداج لا ينعقد إلا في الأرض الرملة المختلط ترابها بالجص. والزاجات والشبوب لا تتكون إلا في التراب العفن الناشف، وعلى هذا القياس حكم سائر الجواهر والأحجار، وكل واحد منهما ببقعة من البقاع، وتولد من خواص تلك البقعة. وهي مع كثرة أفرادها داخلة تحت ثلاثة أنواع، الفلزات والأحجار والأجسام الدهنية. فلنأت بالكلام(22/158)
في كل نوع منها مبسوطا إن شاء الله تعالى.
تنبيه! اعلم أن السياق الذي بنينا عليه هذا الكتاب من النسبة إلى المشترك والمختص، بين المشرق والمغرب، متعذر تحقيق النسبة فيه على ما أصلناه؛ وذلك لأن من المعلوم أن المعدن مغيب تحت الأرض لا يظهر للعين الباصرة إلا بعد البحث، وما ظهر من المعادن وعلم به الناس إنما كان على سبيل الاتفاق أو البحث من أهل ذلك الموضع، والاحتمال واقع في غير تلك الأرض أن يكون بها مثل ذلك المعدن لكنه لم يظهر في الخارج، فحينئذ يكون الكل مشتركا إلا ما ظهر من الأحجار على وجه الأرض. وهاهنا ينبغي أن نذكر أصلا لذلك على حسب ما ظهر لئلّا يخل بقاعة السياق، وأيضا فإن تقسيم المعادن إلى ما ذكرناه تخل به التفرقة فلا يحصل الغرض، فنقول: إن الذي اشتهر أن الياقوت والماس واللعل والعقيق والفنزوح «1» والجزع واللازورد والفيروزج شرقي، وأن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والقصدير والزئبق والزبرجد والدهنج عربي «2» ، وأن الزمرد «3» مصري.
وأما الأحجار فغالبها مشتركة، مع وجود الاشتراك في غالب ما ذكر عند البحث والنظر، فليعلم ذلك وحينئذ نبدأ ونقول:
النوع الأول: الفلزات
زعموا أن تولدها من اختلاط الزئبق والكبريت، إن كان الزئبق والكبريت (79) صافيين واختلطا اختلاطا تاما، وشرب الكبريت رطوبة الزئبق كما تشرب الأرض نداوة الماء، وكانت فيه قوة صباغة ومقدارها متناسبان،(22/159)
وحرارة المعدن تنضجهما على اعتدال، ولم يعرض لها عارض من البرد واليبس قبل إنضاجهما، فينعقد ذلك على طول الزمان ذهبا إبريزا. وإن كان الزئبق والكبريت صافيين، وأنضج الكبريت والزئبق إنضاجا تاما، وكان الكبريت أبيض، انعقد ذلك فضة. وإن وصل إليه قبل استعمال النضج برد عاقد يولد الخارصيني. وإن كان الزئبق صافيا والكبريت رديئا، وفيه قوة محرقة، تولّد النحاس. وإن كان الكبريت غير جيد المخالطة مع الزئبق، تولد الرصاص. وإن كان الزئبق والكبريت رديئين، وكان الزئبق أرضيا متخلخلا، والكبريت محترقا، تولد الحديد. وإن كانا مع رداءتهما ضعيفي التركيب، تولد الأسرب. فبسبب هذا «1» الاختلاف في الاختلاطات اختلفت أجناس الجواهر المعدنية، وهي العوارض التي تعرض لكيفيتها مفرطة أو قاصرة، ودل على ذلك كله تجربة أهل الصناعة.
ولنذكر بعض ما ذكر في كل واحد منها وعجيب خواصها.
الذهب
حار «2» لطيف، أشد «3» اختلاط الأجزاء به الترابية والمائية، والترابية لا تحترق بالنار، لأن النار لا تقدر على تفريق أجزائه؛ ولا يبلى بالتراب، ولا يصدى على طول الزمان. وهو لين أصفر برّاق حلو الطعم طيب الرائحة، ثقيل رزين «4» . أما صفرة لونه فمن ناريته، ولينه من دهنيته، وبريقه من صفاء مائيته، وثقله من ترابيته «5» .(22/160)
وهو أشرف نعم الله تعالى على عباده، إذ به قوام أمور الدنيا ونظام أحوال الخلق، لاضطرارهم إليه في حاجاتهم، فإن كل إنسان محتاج إلى أعيان كثيرة من مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه وسائر حاجاته، ولعله [لا] «1» يملك ما يستغني عنه كمن يملك (80) الثياب، فلا بد من متوسط يرغب فيه كل أحد، فخلق الله الدراهم والدنانير متوسطين الأشياء حتى يبذلا «2» في مقابلة كل شيء، ويبذل في مقابلتهما كل شيء، كالقاضيين بين الناس يقضيان حوائج كل من لقيهما. ولهذه العلة فخّم الله تعالى أمر كنزهما وإخفائهما، فقال وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ
«3» الآيات. لأن المقصود منها تداولها بين الناس لقضاء حوائجهم، فمن كنزهما فقد أبطل الحكمة التي خلقا لها.
وذكر بعض العلماء أن عزة الذهب ليس لقلة وجوده فإن الذهب أكثر من النحاس والحديد، وكيف لا؟ وأنه دائما يستخرج من المعادن ولا يتطرق إليه القوى والتلف بخلاف النحاس والحديد، فإنهما يتلفان بطول المكث، بل السبب في ذلك أن من ظفر بشيء منه دفنه، فالذي تحت الأرض أكثر من الذي يتعامل عليه الناس.
ومن خواصه ما ذكر أرسطاطاليس أنه يقوي القلب، ويدفع الصرع إن علق على إنسان، ويمنع الفزع؛ ومن اكتحل بميل ذهب جلا عينيه وقواها، وحسّن النظر؛ وإن ثقبت شحمة الأذن بإبرة من ذهب لم يلتحم، وأن كوي به مكان جرح لم ينفط «4» وبرأ سريعا.
وقال ابن سينا «5» : إمساكه في الفم يزيل البخر، وينفع من أوجاع القلب والخفقان وحديث النفس.(22/161)
قال ابن البيطار «1» : معتدل لطيف، سحالته تدخل في الأدوية السوداوية، وأفضل الكي وأسرعه برءا ما كان بمكوى ذهب، وإمساكه في الفم يزيل البخر «2» ، وتدخل سحالته في أدوية داء الثعلب وداء الحية طلاء وفي مشروباته؛ ويقوى العين كحلا، وينفع من أوجاع القلب والخفقان وحديث النفس وخبثها «3» . وأن كويت به مقادم أجنحة الحمام ألفت أبراجها. وإن طرح منه وزن حبتين في وزن عشرة أرطال زئبق غاص إلى قعره، وإن طرح في هذا القدر ما به درهم أو غيرها من الأجساد الثقيلة (81) عام فوقه ولم ينزل فيه. وإن ثقبت شحمة الأذن بإبرة ذهب لم تلتحم، وإن علق الإبريز منه على صبي لم يفزع ولم يصرع، مجرب. وإن لبس منه خاتما من في إصبعه داحس «4» خفّف وجعه، مجرب.
الفضة
أقرب «5» الفلزات إلى الذهب، ولولا البرد الذي أصابها قبل النضج لكادت أن تكون ذهبا، وهي تحترق بالنار، وتبلى في التراب بطول الزمان.
(قال أرسطو: إن للفضة وسخا بخلاف الذهب) «6» ، وإذا أصابتها رائحة الزئبق والرصاص تكسرت عند الطّرق، وإن أصابتها رائحة الكبريت اسودّت.(22/162)
ومن خواصها تقطيع الرطوبات اللزجة إذا خلطت سحالتها بالأدوية المشروبة.
وتنفع أيضا من البخر، وهي نافعة جدا للحكة والجرب وعسر البول، وتدخل في أدوية الخفقان، وتنفع من الزئبق طلاء لدفع البواسير «1» .
قال ابن البيطار: والشرب في آنية الفضة يسرع السّكر. وإن سحلت الفضة وخلطت بالأدوية المشروبة نفعت من كثرة الرطوبات من البلغم اللزج ومن العلل الكائنة من العفونة، وذكر نحو ما تقدم.
النّحاس
قريب «2» من الفضة، ليس بينهما تباين إلّا في الحمرة واليبس؛ أما حمرته فمن كثرة حرارته الكبريتية، وأما يبسه وغلظه ووسخه فغلظ مادته، فمن قدر على تبييضه وتبيينه فقد ظفر بحاجته.
قال أرسطو: أصناف النحاس كثيرة، أجودها الشديد الحمرة، وأردأها المشوب بالسواد. وإذا أدني النحاس من الحموضات أخرج زنجارا؛ ومن اتخذ من النحاس آنية ليأكل فيها أطعمة، إن فعل، فإنه يتولد في جسمه أمراض صعبة لا دواء لها كداء الفيل والسرطان ووجع الكبد والطحال وفساد المزاج، لا سيما إن أكل فيها الحموضات، أو شرب فيها الشراب، أو أكل فيها الحلواء، وإن نزل المأكول فيها يوما وليلة كان أسرع للقتل.
وقال ابن البيطار «3» : حذّر الحكماء كثيرا من الأكل والشرب في آنية(22/163)
النحاس، وخاصة (82) ما فيه [حلاوة أو] «1» حموضة أو دسومة، لما يعرض لمزيد من ذلك من داء الفيل والسرطان [والنحاس] «2» ووجع الكبد والطحال وفساد المزاج. وقد تسحق الأكحال المائعة في صلّاية «3» من نحاس بفهر من نحاس فتوافق غلظ الأجفان والجرب ويقوى العين وتجفف رطوبتها وتحد النظر. قال وأما النحاس المحرق وهو الروسختج فيقبض ويجفف ويلطف ويشد ويجذب، وينقّي القروح ويدملها، ويجلي العين، وينقص غشاوة اللحم الزائد، ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار في البدن، و [إذا] يشرب ب [الشراب الذي يقال له] «4» أدرومالي «5» ، أو يلعق بالعسل، هيّج القيء.
الحديد
تولده كتولد الأجساد المذكورة، إلا أنه بعيد عن الاعتدال لكدرة مادته الكبريتية والزئبقية، وسواد لونه لإفراط حرارته، وهو [أكثر] فوائد «6» من جميع الفلزات وإن كان أقل ثمنا، ولذلك منّ الله تعالى به على عباده حيث قال وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ
«7» . قيل ما من صنعة إلا وللحديد في أدواتها مدخل.(22/164)
وهو ثلاثة أصناف: الشّابورقان والأنيث والذّكر «1» ، فالشابورقان هو الفولاذ المعدني «2» ، ومن خواصه العجيبة ما ذكر أرسطو «3» : أن برادة الحديد إذا علقت على إنسان يغط في نومه فإنه يزول عنه ذلك «4» .
قال غيره «5» من استصحب شيئا من الحديد قوّى قلبه، ودفع عنه المخاوف والأفكار الرديئة، ويسر النفس ويطرد عنه الأحلام الرديئة، ويزيد هيبته في أعين الناس.
وصدأه يأكل أوساخ العين اكتحالا، ويبرئ الرّمد وجرب الأجفان والسّبل، وينفع النقرس. وإن احتمل من صدأه نفع البواسير. والماء المطفأ «6» فيه الحديد ينفع من أورام الطحال وضعف المعدة. وإن أخذ مسمار وحمي الحديد إذا طفئ بالماء والخمر، وشرب ذلك «7» الماء، أو ذلك الخمر، وافق الإسهال المزمن وقرحة الأمعاء وورم الطحال والهيضة واسترخاء المعدة.
والماء الذي يطفئ فيه الحدادون الحديد (83) المحمى يسقى لمن يخاف من الماء عضة الكلب، من غير أن يعلم، فإنه أنفع دواء في ذلك. وينفع المعدة التي فسدت من قبل المرة، ويهيّج الباه، وينفع المبطونين «8» .(22/165)
وإذا ألقيت برادة الحديد في شراب مسموم مصّت كل ما فيه من السم، ولم يضر ذلك الشراب أحدا. ومن سقي سحالة الفولاذ فينبغي أن يسقى من حجر المغناطيس درهمين بالماء البارد، فإنه يجمعه ويخرجه من البطن. ويعرض لمن سقي برادة الحديد وجع في البطن ويبس في الفم ولهيب وصداع. وينبغي أن يسقى اللبن الحليب مع بعض المسهلات القوية، ثم يسقى السمن والزبد إلى أن تسكن تلك الأعراض.
وزنجار الحديد قابض فإذا احتملته المرأة قطع نزف الدم، وإذا شرب منع الحمل، وإذا خلط بالخل ولطخ على الحمرة المنتشرة والبثور أبرأها [سريعا] «1» .
وينفع من الداحس والظفرة وخشونة الجفون والبواسير النابتة في المقعدة، ويشد اللثة. وإذا لطخ على النقرس نفع منه، وينبت الشعر في [المواضع التي استولى عليها] «2» داء الثعلب.
الرصاص
قال أرسطو «3» : إنه ضد الفضة، دخلت في مادته ثلاث آفات: نتن الرائحة، والرخاوة، والصرير، فدخلت في مادته عليه هذه الآفات في بطن الأرض، كما دخلت على الجنين في بطن أمه. وقال «4» : من اتخذ منه طوقا وطوّق به شجرة عند أصلها من الأرض لم يسقط من ثمرتها شيء، ويزيد فيها. ومن شدّ منه صفيحة على البطن أو الظهر سكن عنه الإنعاظ والاحتلام. وإن ألقي منه شيء في القدر لا ينضج اللحم.(22/166)
والرصاص يذوب من حرارة الشمس، ويدلك الرصاص بالملح والدهن دلكا قويا، ويؤخذ السواد الحاصل منه، ويطلى به السيف، فإنه لا يصدأ.
قال ابن البيطار «1» : قوة الرصاص المغسول قابضة مبرّدة مغرية ملينة، وقد يملأ القروح الغائرة، لحما ويقطع سيلان الرطوبات إلى العين، ويذهب اللحم الزائد في القروح ونزف الدم. وإذا خلط بدهن الورد صلح للقروح العارضة في المقعدة والبواسير (84) التي يخرج منها الدم، والقروح التي يعسر اندمالها، والقروح الخبيثة. وفعله شبيه بفعل التوتيا «2» . وإذا كان الرصاص على وجهه ودلك على لدغ العقرب البحري، وتنين البحر، نفع منها.
وقوة الرصاص غير المغسول شبيهة بقوة المغسول، إلا أنها أشد وأفضل. وإذا لطخ الإصبع بدهن أو شحم ودلك به رصاص ولطخ به الحاجبان قوّى شعرهما وكثّرهما ومنع من انتثاره.
والرصاص المحرّق يصلح الجراحات والقروح إذا وقع في المراهم، ويوافق قروح العين إذا وقع في أدويتها. ومن لبس خاتما منه نقص بدنه. وإن طرح في القدر قطعة رصاص لم ينضج اللحم ولو أوقد عليه لمدة، وإن اتخذ منه طوق لشجرة وطوقت به زاد ثمرها ولم يسقط منه شيء «3» وإن دهن ذلك الرصاص [بدهن] حتى يصدأ، ثم أخذ ذلك الدهن وطلى به حديدا لم يصدأ.
الأسرب «4»
تولده كتولد الرصاص، وهو صنف رديء منه، لأن مادته أكثر وسخا. ومن(22/167)
خاصيته تكليس الذهب وتسكين «1» فإن الماس إذا وضعته على السّندان وضربته بالمطرقة لا ينكسر، ويدخل إما في السندان أو في المطرقة؛ ولو وضعته على الأسرب تكسر بأدنى ضربة «2» .
قال الشيخ الرئيس «3» : يتخذ من الأسرب صحيفة، وتشد على الخنازير والغدد «4» وقروح المفاصل تذوبها، وتشد منها صحيفة على البطن تسكن قوة الباه. ويمنع الاحتلام المتواتر.
الخارصيني «5»
تولده كتولد الأجساد المذكورة، ومعدنه بأرض الصين، ولونه أسود يضرب إلى الحمرة، يتخذ منه النصول فتكون مضرتها عظيمة، لا سيما إذا أسقيت السم. ويتخذ منه كلاليب فتصطاد بها الحيتان العظيمة لأنها إذا تشبثت «6» بشيء لا تنفصل منه إلا بعد تعب وشدة، ويتخذ منه مرآة ينتفع بها صاحب اللقوة إذا جلس في بيت مظلم وأدام النظر إليها، فإنها أنفع ما يعالج به صاحب اللقوة. ويتخذ منه منقاش ينتف به الشعر، ويدهن موضعه، ويداوم على ذلك مرارا، فإنه لا ينبت الشعر أبدا (85) .(22/168)
النوع الثاني في الأحجار «1»
وهي أجسام متولدة من مياه الأمطار والأنداء التي احتبست في جوف الأرض إن كانت شفافة، أو من امتزاج الماء بالأرض إن كان في الأرض لزوجة وأثرت فيها حرارة الشمس تأثيرا شديدا.
أما القسم الأول، فاعلم أنه إذا احتبست مياه الأمطار والأنداء في المغارات والكهوف والأهوية «2» ، ولا يخالطها شيء من الأجزاء الأرضية، وأثرت فيها حرارة المعدن، وطال وقوفها هناك، فإنها تزداد صفاء وثقلا وغلظا فتنعقد منها الأحجار الصلبة التي لا تتأثر من الماء والنار، كأنواع اليواقيت وما شاكلها؛ فذهب قوم إلى أن اختلاف ألوانها بسبب حرارة المعدن وكثرتها وقلتها، وذهب آخرون إلى أن ذلك بحسب أنوار الكواكب إلى أن يدل على ذلك النوع من الجواهر ومطارح شعاعاتها على تلك الأماكن، فزعموا أن السواد لزحل، والخضرة للمشتري، والحمرة للمرّيخ، والصفرة للشمس، والزرقة للزهرة، والمتلون لعطارد، والأبيض للقمر.
وأما القسم الثاني، فيتولد من امتزاج الماء والأرض إذا كانت فيها لزوجة، وأثرت فيها حرارة الشمس مدة طويلة، كما ترى أن النار إذا أثرت في اللبن كيف تصلّبه وتصيره آجرا، فإن الآجر صنف من الحجر تختلف باختلاف أماكنها، فإن كانت في بقاع سبخة تولدت منها أنواع الأملاح والبوارق والشبوب «3» ، وإن كانت في بقاع وأماكن غضّة «4» رطبة تولد فيها أنواع الزاجات الأحمر والأصفر(22/169)
والأخضر، وإن كانت في بقاع ترابية وطين حر انعقد حجرا مطلقا. وقد ينعقد الحجر في بعض المواضع من الماء، أو من خاصية ذلك الموضع. «1» وترى في بعض المواضع أن الماء (86) يتقاطر من السقف فإن أخذ قبل أن يقع على الأرض يبقى ماء، وإن نزل حتى يقع على الأرض فإنه يصير حجرا صلدا، فعلم أن في ذلك الموضع خاصية في عقد ذلك الماء حجرا.
وحكي أن في بعض المواضع مسخ الله الحيوان والنبات حجرا صلدا، وأخبر عن ذلك المسافرون، ورأوه عيانا، فجاز أن يكون بهذا الطريق، وهو أن الله تعالى أفاض على تلك الأرض قوة عند غضبها لغضبه عليهم- سبحانه- فظهرت تلك القوة من جوف الأرض إلى وجهها، فصيّرت كل شيء فيه مائية حجرا صلدا ليكون عبرة للحاضرين وتذكرة للغائبين، وأثرا لسخط الله وغضبه على العاصين.
وحكى الشيخ الرئيس «2» : أنه كان على الجبل الذي بجاجرم «3» فرأى جردقا «4» من الخبز أطرافها ناتئة ووسطها مقعّر، كما يكون بجرادق الخبز، وعلى ظهرها خطوط كما يكون للخبز من آثار شق التنور، فبواسطة هذه العلامات يغلب على الظن ولا شك الناظر إليه إن كان خبزا فمسخه الله حجرا. فالجواهر(22/170)
المعدنية كثيرة لا يعرف الناس منها إلا القليل، ولا بد من إيراد ما وصلت القدرة الإنسانية إليه على قدر التحصيل، وما ذاك من عجائب صنع الله فيه إلا القليل، فنقول:
إن الأحجار- كما قلنا- منها ما هو صلب لا يذوب بالنار، ولا يعمل فيه الفؤوس، كأصناف اليواقيت، ومنها ما هو تراب رخو يذوب في الماء كالأملاح والزّاجات، ومنها ما هو نبات كالمرجان «1» ، ومنها ما يخرج من الحيوان كالدّر واللآلئ، ومنها ما يتولد في الهواء كأحجار الصواعق، ومنها ما ينعقد في الأرض بواسطة الماء للعلل المذكورة أولا، ومنها ما هو مصنوع كإقليميا «2» الذهب والفضة والزنجفر والزنجار، ومنها ما بينهما ألفة كالذهب والماس، فإن الماس إذا قرب من الذهب تشبث به حتى إنه يقال أن الماس لا يوجد إلّا في معادن الذهب، ومنهما ما بينهما مجاذبة شديدة (87) حتى إن كل واحد منهما يجذب الآخر إليه كالعاشق والمعشوق، كالحديد والمغناطيس، فإن بين هذين المعدنين ميلا شديدا، فإذا شمّ أحدهما رائحة الآخر سرى إليه وأمسكه إمساكا شديدا، ولم يفارقه إلا بجاذب يجذبه، ومنهما ما بينهما مخالفة كالسنبادج وسائر الأحجار، فإنه يحكها ويجعلها ملساء، وكالأسرب والماس فإن الماس يقهر سائر الأحجار، والأسرب يقهره، ومنها ما فيه قوة منظفة كالنوشاذر فإنه ينظف سائر الأحجار من الوسخ، وجميع ما قلناه ليس جامعا لخواص الأحجار ولكن أوردناه على سبيل التعجب والمثال ليكون لحكمة الله تعالى في إيجاده الوجود على سبيل الأنموذج، وإلّا فالأمر أعظم مما ذكر، وإلا فما وصل الناس كلهم إلّا إلى قليل من كثير، وهذا حين نذكر الأحجار مرتبة على حروف المعجم على ما(22/171)
وصلت قدرتنا إليه.
إثمد «1»
قال أرسطو: هو حجر له أصناف كثيرة، وأجود أصنافه الأصفهاني «2» ، وهو حجر يخالطه الرصاص، وينفع العيون اكتحالا ويحسّنها، ويدفع عنها نزول الماء، ويقوي أعصابها، ويدفع عنها كثيرا من الآفات والأوجاع، سيما للعجائز والمشايخ الذين ضعفت أبصارهم. عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن [هـ] قال: عليكم بالإثمد فإنه ينبت الشعر، ويحد البصر «3» ) . وإذا جعل مع الإثمد شيء من المسك فإنه يكون غاية. وقيل إنه ينفع من حرق النار طلاء بالشحم.
قال ابن البيطار: هو حجر الكحل الأسود، قوته مغرية قابضة مبردة، ويذهب باللحم الزائد في القروح ويدملها، وينقي أوساخها وأوساخ قروح العين، ويقطع الرّعاف العارض من الحجب التي فوق الدماغ «4» . وإذا خلط ببعض الشحوم الطرية، ولطخ على حرق النار، لم تعرض فيه الخشكريشة «5» من قروح النار.
والإثمد يقوي أعصاب العين، ويدفع الآفات عنها، (88) وإذا لم تعتده «6» العين وكحلت منه رمدت وقذيت، وينفع العجائز والمشايخ الذين ضعفت أبصارهم من الكبر إذا جعل معه شيء من المسك. وينفع من الحرارة والرطوبة(22/172)
العارضة للعين كحلا. ويقطع سيلان دم الطمث إذا احتمل به. ويجفف القروح في مثل الذكر والأعضاء اليابسة المزاج.
أرميون «1»
هو حجر يوجد بأرض الروم مخمّسا، فإذا كسّرته قطعا كثيرة لا يكون شيء منها إلا مخمسا؛ من اكتحل منه لا يصيبه رمد البتّة، ومن استصحبه أكسبه هيبة في أعين الناس، (وهو حجر أبيض مخطط بخطوط زرق) «2» .
إسفيداج «3»
هو رماد الرصاص القلعي والآنك، ينفع من الرمد إذا خلط بأدوية العين، وإذا أفرط حرقه صار إسرنجا «4» ، والإسفيداج الرصاصي إذا دلك به لسعة العقرب أو لدغة التنين، بريّا كان أو بحريا، نفع. ورائحته عند إحراقه مضرة جدا.
(قال بليناس «5» في كتاب الخواص) «6» : إن نقعت الإسفيداج مع شيء من قثاء الحمار في ماء وملح، ورشت به البيت، خرجت عنه جميع البراغيث «7» .(22/173)
وقال أرسطو «1» : الإسفيداج الذي يوجد في الأسرب إذا سحق بالخل صلح لبياض عيون الناس إذا كان حادثا «2» ، ويأكل اللحم العفن، وينبت اللحم الطري إن اتخذت منه المراهم، وينفع من حرق النار إذا طلي ببعض الأدهان، ولا يكاد موضع الحرق يستحيل إلى البياض بل يبقى على لون الجسد.
قال أرسطو: إنه يوجد في معادن الزرنيخ. من أخذ من هذا الإسفيداج وكلسطه «3» حتى يبيض ويصير إسفيداجا، وألقى منه مثقالا على خمسين مثقالا من النحاس الأحمر، فإنه يبيضه ويلين جسمه. وهو إذا خلط مع الكلس حلق الشعر، وهو في الحدّة أقوى من الزرنيخ. وإذا سحق وطلي به الورم سكّنه.
وقال ابن البيطار: قوته مبردة مغرية ملينة تملأ القروح لحما مطلقا وتقلع اللحم الزائد في القروح قلعا رقيقا (89) وتدملها إذا وقع في القيروطي «4» [والمراهم التي يقال لها لسار «4» أو في [بعض] «5» الأقراص، وهو من الأدوية القتالة.
والإسفيداج يصلح لبياض عيون الحيوان الحادثة عن الأوجاع «6» ، وينفع القروح التي يكون فيها إذا خلط بنطرون، وينفع الجروح إذا صنعت منه المراهم، ويأكل اللحم المتغير، وينبت اللحم الجيد، وينفع من حرق النار إذا طلي ببعض الأدهان، ولا يستحيل موضع الحرق إلى البياض. وإذا حلّ بخل وطليت به الجبهة(22/174)
نفع من الصداع، وإذا خلط بهما دهن ورد كان أنجح. وينفع من رمد العين ضمادا من خارج أو مستعملا مع الأدوية المقطرة فيها. وإذا غسل غسلا بليغا بالماء العذب ثم سقي بماء الورد أياما متوالية في شمس حارة نفع وحده من الرمد الحار. وإذا اكتحل به أو حلّ في لبن النساء أو رقيق البيض وقطّر في العين، وإذا حلّ في ماء عنب الثعلب أو ما أشبهه نفع من الحمرة ومن حرق النار والماء والأورام الحارة كلها.
ومن شرب الإسفيداج يعرف من لونه، لأنه يبيض الحنك واللثة واللسان، ويعتري منه الفواق والسعال ويبس اللسان، ويبرد الدماغ ويعرّق ويسبّت ويكسل ويرخّي. وينتفع من شربه بالعسل بالماء المطبوخ بالتين والخيار «1» ولبن حار أو سمسم مقشور، مع طلاء أو رماد الكرم، أو زهر الأقحوان، أو زهر السّوسن المسمى إيرسا. وينفعهم أيضا شرب حب الخوخ بطبيخ دهن السوسن أو شرب الكندر أو شرب صمغ الأجاص، أو الرطوبة التي تكون في شجرة النبق، كل واحد من هذه بماء فاتر، ويتقيأون «2» بعد شرب كل واحد مما ذكرنا.
وينفعهم أيضا شرب عصارة ثافسيا «3» ولبن السّقمونيا «4» إذا شرب مع ماء العسل. وقد ذكرنا أن الإسفيداج إذا أحرق واستحال صار منه [خبث الرصاص] «5» .(22/175)
الإسرنج «1»
وهو نافع أيضا من الجراح إذا خلط بالمراهم، وإذا غلي بالزيت أو ببعض الأدهان الطيبة، وصيّر منه مرهم. وهو مجفف لازوقي، ينقّي القروح، ويذهب باللحم المتغير (90) . وإذا احتقن به مع شحم أو ماء لسان الحمل نفع قروح الأمعاء، وإذا طبخ بالزيت مرهما أنبت اللحم في الجراحات ونقّاها من الوضر «2» .
إقليميا الذهب «3»
قال أرسطو: الذهب إذا خلط بغيره من الأحجار، ثم أدخل النار للخلاص، خلص جسمه، ثم علاه حجر مشوب بسواد، وبعضه على لون الزجاج، وهو الحجر المسمى إقليميا الذهب. ينفع من وجع العين، ويذهب عنها البياض الحادث فيها، وينفع من البلة التي تنحدر من العين.
وقال غيره: ينفع من ابتداء نزول الماء في العين، ويدمل القروح الخبيثة وينقّي أوساخها، ويأكل لحومها الزائدة، ويجففها بغير لذغ.
إقليميا الفضة
قال أرسطو: إن الفضة إذا دخلت النار للخلاص لتتخلص من الأجساد التي خالطتها ثم يعلوها جسم يسمى إقليميا الفضة، وهو نافع من القروح والجرب(22/176)
والسّعفة «1» طلاء مع بعض الأدهان.
وقال غيره: إنه ينفع من وجع العين ذرورا، وإذا جعلته في المراهم ينبت اللحم في الجراحات.
أكتمكت «2»
هو حجر هندي، يعرف بحجر الولادة، ويسمى حجر العقاب، وحجر النسر؛ إذا حركته سمعت لحجر آخر في جوفه حركة. وهو يسهل الولادة وما عرف ذلك إلا من النسور، لأن الأنثى منها إذا أرادت البيض، واشتد عليها ذلك، أتى الذكر بهذا الحجر وجعله تحتها، فيسهل البيض عليها ويذهب الوجع عنها، وكذلك يفعل بالنساء وسائر الحيوان فيسهل الولادة عليهن «3» . وإذا جعل في صرة وشدّ على فخذ المرأة الحامل أسرعت الولادة، مجرب «4» . وكذلك إن علّق في جلد أديم «5» وشدّ على الساق اليسرى سهل الولادة. ويسحق أيضا ويطرح في لبن النساء ويغمس فيه صوفة، وتحملها المرأد التي لا تحبل، فتحبل بإذن الله عز وجل.
ويمنع الإسقاط وخروج الأجنة قبل كمالها، ويجعل في جلد خروف رائحته ذكية ويلزم به العانة والحقوين إلى وقت الولادة، وعند التمخض (91) للطّلق يرفع عن المرأة وإلّا انصدعت في الولادة.
ومن خواص هذا الحجر أنه إذا أمسكه مخاصم في يمينه لم يغلبه خصم،(22/177)
وإن علق على شجر تسقط حملها لم يسقط.
بادزهر «1»
ألوانه كثيرة، وتفسيره حجر السم، وأجوده الأصفر ثم الأغبر. وقيل: إنه يوجد بمعادن الزّمرّد.
قال ابن البيطار: وقال بعض أطبائنا البادزهر يقال على معنيين، يقال على كل شيء يمنع «2» من شيء آخر ويقاوم قوته ويدفع ضرره بخاصية فيه. ويقال على حجر معلوم ذي عين قائمة، ينفع بحمله جوهره من السموم الحارة والباردة إذا شرب أو علّق.
وقال أرسطاطاليس: ألوان حجر البادزهر كثيرة، فمنه الأصفر والأغبر والمنكّت والمشرب بخضرة والمشرب ببياض، وأجوده الأصفر، ثم الأغبر، وما أتي به من خراسان؛ وهناك يسمى بالبادزهر وتفسيره حجر السم، ومعادنه ببلاد الصين وببلاد الهند والمشرق. وله في شبهه أحجار كثيرة ليست لها خصوصيته، ولا تدانيه في شيء من فعله، من ذلك العبوري «3» والمرمري، وحجر لا يحك عنه شيئا، وقد يغالط به كثيرا، وهو ليّن المجسّة، غير مفرط، وحرارته غير مفرطة، دقيق المذاهب.
خاصته: النفع من السموم الحيوانية والنباتية، ومن عض الهوام ولدغها ونهشها. وإذا شرب منه مسحوقا أو مسحولا وزن اثنتي عشرة شعيرة خلّص من(22/178)
الموت، وأخرج السم بالعرق والرشح. وإن تقلد منه إنسان، أو تختم به، ثم وضع ذلك الخاتم على موضع لدغ العقرب والهوام والطيارات ذوات السموم، مثل الذراريح والزنابير، نفع منها نفعا بليغا. وإن سحق ونثر على موضع لسع الهوام الأرضية حين تلسع أو تنهش اجتذب السم بالرشح، وإن عفن الموضع قبل أن يتدارك بالدواء، ثم نثر عليه من هذا الحجر، وهو مسحوق، أبرأه. وإن أمر هذا الحجر على خمسة «1» العقرب بطل لسعها. وإن سحق منه وزن (92) شعيرتين وذيف بالماء، وصب في أفواه الأفاعي والحيات، خنقها وماتت.
وقال الرازي: البادزهر حجر أصفر، رخو، لا طعم له، ينفع من السموم؛ وقد رأيت منه مقاومة عجيبة لدفع ضرر اليبس، وكان هذا الذي رأيته إلى الصفرة والبياض، وكان مع ذلك رخوا، منه مشظيا كشظى الشب اليماني «2» . وإني رأيت من هذا الحجر في قوته ومقاومته اليبس ما لم أر مثله من الأدوية المفردة ولا الترياقات المركبة أصلا.
وقال [أحمد بن] «3» يوسف «4» : هو نافع من سم العقرب إذا لبس في خاتم ذهب، ونقشت فيه صورة عقرب، والقمر في العقرب في وتد من الطالع، ثم طبع به في كندر ممضوغ، والقمر في العقرب.
وقال عطارد بن محمد «5» : حجر البادزهر إذا وضع قبالة الشمس عرق وسال(22/179)
منه الماء. وهو نافع من تلهب الحمى الشديدة والرمد إذا امتص عرقه، وإذا سقي منه ضعيف القلب من شدة الهم مقدار سدس مثقال نفعه وقوى قلبه.
وقال ابن جميع «1» : والحيواني منه وهو الموجود في قلوب الأيائل أفضل من جميع هذه الأصناف، حتى إنه إذا حل بالماء على مسن، وسقي منه كل يوم وزن نصف دانق للصحيح على طريق الاستعداد، والتقدم بالحوطة، قاوم السموم القتالة وحفظ من مضارها، ولم تخش منه غائلة ولا إثارة وخلط. حام، (كما خشي من الإبروديطوش «2» ) «3» ، ولا يضر بالمحرورين ولا المنحفين، لأنه إنما يفعل ذلك بخاصية جوهره.
باهت «4»
هو حجر أبيض على لون المرقشيثا «5» البيضاء، يتلالأ حسنا إذا وقع نظر الإنسان عليه يضحك حتى يموت. وزعموا أنه مغناطيس الإنسان، وله قصة في(22/180)
مدينة النحاس، وهو أن من علاها يضحك وينجذب إلى داخلها. وذكروا أن في وسط هذه المدينة عمودا «1» من حجر باهت من علاها يجذبه إليه. وزعموا أن من وقع نظره على هذا الحجر يغلبه الضحك، (93) . وزعموا أن طائرا يقال له الفرفير أصغر من العصفور، ولونه أسود وله طوق أحمر، وعيناه حمراوان، ورجلاه كذلك، زعموا أنه إذا وقع على هذا الحجر بطل تأثيره وفعله.
بسّد
هو «2» أصل المرجان، ينبت في البحر. وهو حجر ينبت كما ينبت الشجر في البر، وهو أبيض وأحمر وأصفر وأسود. ينفع من نزف الدم، ويقوّي العين اكتحالا، وينشف الرطوبات الفضلية، ويقوّي القلب، وينفع من عسر البول.
وإذا علّق على المصروع نفعه نفعا بيّنا، والأولى أن يعلّق في رقبته.
وقال ابن البيطار «3» : هو المرجان. قوته قابضة مبردة باعتدال، [وقد] يقلع اللحم الزائد في القروح، ويجلو آثار قروح العين، و [قد] يملأ القروح العميقة لحما، وينفع من نفث الدم، ويوافق من به عسر البول، وإذا شرب بالملء حلل ورم الطحال. ومنه صنف أسود اللون قوته مثل قوته «4» .(22/181)
والبسّد والمرجان حجر واحد، غير أن المرجان أصل والبسد فرع. والبسد والمرجان يدخلان في الأكحال فينفعان من وجع العيون، ويذهبان الرطوبة منها إذا اكتحل بهما، ويجعلان في الأدوية التي تحل دم القلب الجامد، فينفعان من ذلك.
ويقوي العين بالجلاء، خصوصا محرقا مغسولا. ويصلح الدمعة، ويعين على النفث، وكذلك الأسود، لا سيما محرقه المغسول.
وهو من الأدوية المقوّية «1» للقلب، النافعة من الخفقان، وفيه تفريح بخاصية فيه بعينها تنشيه وتمتّنه «2» بقبضه. وهو حابس للدم، ويصلح لمن به دوسنطاريا، وتجلو الأسنان جلاء صالحا. وإن علّق البسد في عنق المصروع أو في رجل المنقرس نفعهما، وإن استيك به قطع الحفر من الأسنان، وقوى اللثة. وإن أخذ من البسّد المحرق وزن ثلاثة دوانيق، فخلط معه دانق ونصف من الصمغ العربي، وعجنا ببياض البيض، وشرب بالماء البارد، نفع من نفث الدم؛ فإذا خلط البسد المحرق بالأدوية التي تحبس الدم من أي (94) عضو ينبعث، قواها وأعانها على حبسه.
وينفع في أدوية العين مسحوقا للبثور والجلاء في مثل الظفرة وما أشبهها. وإذا سحق وقطّر في الأذن مذابا بدهن بلسان نفع من الطرش.
بلّور «3»
قال أرسطو: البلور نوع من الزجاج إلّا أنه أصلب، وهو مجتمع الجسم في المعدن، بخلاف الزجاج، فإنه متفرق الجسم يجمع بالمغنيسيا. والبلور أحسن أنواع الزجاج، وأشد صلابة، وأحسن بياضا، وأشد صفاء؛ ويصنع بأنواع الياقوت فيشبه الياقوت. والملوك يتخذون منه أواني بناء على أن لها فوائد. وإذا قابل(22/182)
البلور الشمس، وأدنيت منه خرقة سوداء، أو قطن، تأخذ منه النار، ومن أراد أن يشعل من ذلك النار فعل.
ومن البلور نوع آخر أقل صفاء من الأول، وأشد صلابة، وإذا نظرت إليه حسبته ملحا، وإذا قرعت بهذا الحجر الحديد المسقّى خرجت النار بسهولة، وذلك مقدحة غلمان الملوك.
وقيل: إن البلور الأغبر إذا علق على من به وجع الضرس سكن.
بورق «1»
أجزاء سبخة كالملح «2» ، إلا أن البورق أقوى. وأنواعه كثيرة كالنطرون وهو الأرمني «3» ، وبورق الصاغة، وهو شبيه بالنورة، والتّنكار.
قالوا: إنه يجلب من بلاد الهند، من الأرض التي يحرق فيها الموتى، وهذا عزيز كثير الفائدة، وبورق الخبازين، والبورق الراوندي يميل إلى الحمرة، والبورق الكرماني، والبورق المغربي.
قالوا: يحصل من شجر الغرب، ومن خواصه أنه يطلى على الكلف في الحمام ويصبر عليه زمانا فإنه يزيله. وإذا تشبث العلق بحلق إنسان، فيخلط البورق بالخل، ويتغرغر به، يسقط في الحال. وإذا قلب الخل على البورق وترك البيض فيه، فإنه يصلق.
وقال أرسطو: البورق أنواع كثيرة، منها ما يتكون في الماء الجاري، ومنها ما(22/183)
يتكون من الحجر في معدنه، ومنها أبيض وأحمر وأغبر وألوان كثيرة «1» ، فإذا جعلته في إناء وصببت عليه خلا حامضا غلى غليانا شديدا من غير نار.
والبورق (95) يذيب الأجساد كلها ويليّنها للسبك، ويمنع منها حرق النار ويسرع انحلالها.
وقال غيره: البورق «2» ينفع الجرب والبرص طلاء، وينضج الدماميل، وينفع الصمم، ويضمد به الاستسقاء مع التين، ويجلو البياض العتيق من العين، ويمنع من الحمى التي تنوب بأدوار. [و] إذا مرّخ به البدن قتل الدود بسرعة، والإكثار من أكله يسوّد البدن.
وقال الشيخ الرئيس: إنه يرق الشعر نثرا عليه، وإذا ضمّد به جذب الدم إلى ظاهر البدن، ويحسّن اللون، وينفع من الهزال؛ وكثرة أكله ربما يسوّد اللون، وينفع من الحزاز «3» .
وقال ابن البيطار «4» : البورق جامد مجتمع، وهو الذي يستعمله الناس في كل يوم ليغسلوا به أبدانهم في الحمام لأنه له قوة تجلو، فهذه بها يغسل الوسخ ويشفى الحكة لأنه يحلل الرطوبات الصديدية التي تحدث عنها تلك الحكة.
والبورق الإفريقي «5» متى لم يضطرنا إليه أمر شديد لا يعطاه الإنسان يزدرده، لأنه يغثي ويهيج القيء. وقد يستعمله قوم في مداواة من أكل فطرا فخنقه. والبورق المحرّق وغير المحرق يستعمله أيضا في مداواة هذا الاختناق.(22/184)
والنطرون وإن كان من جنس البورق فله أفاعيل غير أفاعيل البورق «1» .
قال «2» : ومن البورق صنف يقال له النطرون يؤتى به من الواحات، وهو ضربان أحمر وأبيض. وقوة النطرون وقوة الدواء الذي يقال له أقرويطون «3» شبيهان بقوة الملح، إلا أن النطرون يفضل عليه بأن يسكن المغس إذا سحق مع الكمون وشرب مع أدرمالي، أو ببعض الأدوية التي تحلل الرياح، مثل طبيخ الزوفا أو السذّاب أو الشبث، وقد يخلط ببعض الأدهان ويتمسح به لبعض الحميات الآخذة بأدوار قبل وقت أخذها، ويكون بالقرب من النار، ويخلط في بعض المراهم المحللة والجاذبة والمتخذة للجرب المتقرح والحكة والبرص. وإذا خلط بالماء والخمر (96) وقطر في الأذن أبرأها من أوجاعها، ومن شدة الريح العارض فيها، ومن الدوي «4» والرطوبة السائلة منها. وإن خلط بالخل وقطّر فيها نقى وسخها. وإذا خلط بشحم الحمار مع الخل أو شحم الخنزير أبرأ من عضة الكلب. وإذا خلط بصمغ البطم فتح أفواه الدماميل. ويضمد به مع التين من به استسقاء. وإذا اكتحل به مع العسل أحدّ البصر، وإذا شرب بالخل مع الماء نفع من مضرة الفطر القتال. وإذا شرب مع الماء نفع من مضرة [الضرب من] الذراريح «5» . وإذا شرب مع الأنجدان «6» نفع من مضرة دم الثور «7» . ويعمل منه ضماد نافع للهزال، ويخلط بقيروطي، ويضمد به، ينفع الفالج الذي يميل الرقبة إلى خلف في انحطاط العلة(22/185)
والتواء العصب. ويخلط بالعجين ويخبز لمن عرض له استرخاء في لسانه.
والنطرون نافع لأرحام النساء اللواتي في أرحامهن رطوبات ينشفها ويقويها إذا استرخت [أعضاؤها] .
والبورق إذا سحق وذرّ على الشعر الغليظ أرقّه. وهو نافع أصحاب البلغم.
والبورق يقع في بعض الحبوب المسهلة والمعجونات والحقن، ومقدار ما يلقى منه في الحقن ليسهل الطبيعة وزن درهمين. وإذا طلي الجسد من خارج بالبورق الأرمني مع دهن البابونج عرّق البدن. وإذا سحق مع خل خمر وتغرغر به أسقط العلق المتعلق في الحلق، وإذا تضمد به جذب الدم إلى ظاهر البدن، فيحسن؛ لكنه ربما سود كثرة أكله اللون، وينفع من الحزاز في الرأس غسلا به، ويشرب مع بعض الأدوية القاتلة للدود فيخرجها. «1» وكذلك إذا مسح به البطن والسرة، ويجلس بقرب النار فيقتلها، فبهذا ومثله يفوق الملح.
وهو رديء للمعدة مفسد لها، ورغوته مع العسل ينقي ويفتح، وينفع من الصمم في الأذن قطورا. وإذا سحق منه درهمان بثلاثة دراهم دهن زنبق، ويدلك به الذكر، وتلطخ به (97) المذاكير، فإنه أقوى ما يهيج به الإنعاظ. وإذا أنعم سحقه وأذيف بعسل وطلي به القضيب والشّرج والعانة أنعظ إنعاظا مضجرا.
وإذا أخذ منه نصف أوقية وحل في نصف رطل ماء على نار هادئة، وخلط معها إذا انحلت أربع أواقي زيت عذب، واستعمل شربا في علة القولنج الحادث للسبّاكين في معادن الفضة [ينفعهم] ، «2» مجرب.(22/186)
بيجادر «1»
قال أرسطو: إنه حجر أحمر اللون، وحمرته غير حمرة الياقوت، ومعدنه بلاد المشرق، فإذا أخرج من معدنه أصابته ظلمة، وإذا قطعه الصّنّاع زال نوره وحسنه، فمن تختم به وزن عشرين شعيرة يدفع عنه الأحلام الرديئة المفزعة، ومن أدمن النظر إليه وهو مستقبل الشمس فإنه يقل نور عينيه.
تدمر «2»
قال أرسطو: إنه حجر يوجد بأرض المغرب على شاطئ البحر، وليس يوجد إلا في هذا الموضع. وهو حجر أبيض مثل الرخام، وخاصيته أن الإنسان إذا شمه جمد دمه، ومات من ساعته.
تراب صيدا
وهو تراب الجبر «3» يحتفر عليه [من مفازة] في بعض ضياع صيدا في معادن، مجرب في النفع من كسر العظام، ويجبرها في أسرع وقت، لا يشبهه في ذلك غيره. إذا شرب منه وزن مثقال مسحوقا في بيض نيمرشت «4» ، وإذا شربه المصدوع دفعته الطبيعة بإذن خالقها جل وتعالى إلى ذلك الموضع المصدوع فتجبره وتلحمه سريعا، وهذا مجرّب.(22/187)
تراب الشاردة «1»
وهي جزيرة من جزائر [بحر] الروم، له خاصية في قتل العلق المتعلّق بالحلق عجيبة، وإذا أخذ منه يسير وحلّ في ماء، وقطّر في أنف المعلوق، أسقط العلق للوقت من حلقه، حتى إن شعير هذه الجزيرة الذي يزرع فيها إذا علق على رأس الدابة المعلوقة أسقط علقها، مجرب.
قال ابن البيطار: ويوجد أيضا في جزيرة (98) في أقاصي بحر شرق الأندلس «2» ، وليس فيها شيء من الهوام ولا من الوحش البري أعادها الله إلى الإسلام بكرمه وقدرته.
تنكار «3»
قال أرسطو: هو حجر من جنس الملح، يوجد فيه طعم البورق. ومعدنه ساحل البحر، وهو يعين على سبك الذهب ويلينه، وينفع من تآكل الأسنان، ويسكن ويقتل دودها، ويسكن ضربانها، ويجلوها. وله في تسكين وجع الأسنان خاصية عجيبة.
وقال ابن البيطار كذلك، لكنه قال: وتستعمله الصاغة لأنه يعين على سبك الذهب ويلينه، ويسبكه في رفق، ولا يحمل النار على جسم الذهب إذا كان معه.(22/188)
توبال «1»
قال ابن البيطار: قال ديسقوريدوس في الخامسة: ما كان منه من النحاس في الأتون، وفي الغيران التي يقلع منها النحاس الأحمر بقبرس، وما كان منه من المعادن القبرسية فهو جيد ثخين، يقال له أمنيطس. وأما توبال النحاس الأبيض، فإنه رقيق ضعيف القوة، ونحن نرذّل هذا الصنف من التوبال، ونختار منه ما كان لونه براقا ثخينا في لونه حمرة، وإذا رشّ عليه الخل تزنجر.
والتوبال يقبض ويعصر ويلطف ويعفن، ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار، ويدمل القروح. وإذا شرب بالشراب الذي يقال له ماء لقراطن أسهل كيموسا مائيا، ونفع من الحبن لأنه ينزل الماء.
ومن الناس من يسقيه بعد أن يعجنه بدقيق الحنطة، يعمل منه حبا، ويسقى منه. وقد يقع في أخلاط أدوية العين، ويجفف القروح الحادثة في العين، ويحلل الخشونة العارضة في الجفون، وقد يغسل على هذه الصفة: ينقى منه نصف من «2» ، ويلقى في صلّاية مجوفة، ويصب عليه من ماء المطر، ويحرك تحريكا شديدا حتى يرسب التوبال من ماء المطر مقدار قواثوس «3» واحدة، ثم يدلك على الصلاية بالراحة دلكا شديدا (99) فإذا بدت تظهر منه لزوجة يصب عليه(22/189)
من الماء قليلا قليلا «1» إلى ست قوانوسات، ويدلك دلكا شديدا، ثم يؤخذ التوبال ويدلك على جانب الصلاية دلكا شديدا، ثم يعصر من الماء ويؤخذ ماؤه، ويوضع في حق نحاس أحمر، فإن هذا الماء هو قلب التوبال ولطيفه وقوته الذي يصلح للاستعمال في أدوية العين. فأما باقيه فضعيف القوة، وينبغي أيضا أن يغسل ثانية ويدلك، حتى لا يبقى فيه شيء من اللزوجة، ثم يغطى بخرقة يومين ولا يحرك، وبعد اليومين يصب عليه الماء، ويجفف ويترك في حق نحاس أحمر.
وقال جالينوس في التاسعة «2» : قوة توبال النحاس قوة لطيفة ألطف من قوة النحاس المحرق، وألطف أيضا من قشور النحاس، ولذلك صار خفيفا بأن يكون الشياف الواقع فيه يجلو ويقلع من الأجفان الخشونة الكبيرة، التي يقال لها باليونانية سوقوسمن. «3»
وقال ابن سرابيون «4» : توبال النحاس القبرسي إذا أخذ منه نصف مثقال، وخلط مع علك الأنباط «5» مثقال، وأخذ وعمل منه حب أسهل البلغم بقوة.
قال: ويجب أن يتحسّى بعد قليل خلا «6» لئلا يقذفه.(22/190)
توتيا «1»
قال ابن وافد «2» : التوتيا منها ما يكون في المعادن، ومنها ما يكون في الأتانين التي يسبك فيها النحاس، كما يكون الإقليميا، وهي المسماة باليونانية بمقولس «3» . أما المعدنية فهي ثلاثة أجناس، منها بيضاء، ومنها خضراء، ومنها صفراء تشرب بحمرة. ومعادنها على سواحل بحر الهند والسند وأجودها [البيضاء] «4» التي يراها الناظر كأن عليها ملحا، وبعدها الصفراء. فأما الخضراء فإن فيها جروشة، وهي مثقبة ويؤتى بها من الصين. والبيضاء ألطف أجناس التوتيا، والخضراء أغلظها.
وأما التي في الأتانين، فقال ديسقوريدوس في الخامسة: بمقولس وهو التوتيا، وهو صنفان: أحدهما شديد البياض خفيف جدا، والآخر دونه في ذلك، وأجودها (100) ما كان من قبرس. وإذا خلط بالخل فاحت منه رائحة النحاس، وكان لونه شبيها بلون الهواء. وقد يغش المتخذ من جلود البقر وبتراب البحر وبالتين الفج «5» محروقا ويابسا.(22/191)
وقال جالينوس في التاسعة: التوتيا إذا غسل صار منه دواء أشد تجفيفا من كل شيء، مجفف من غير أن يلذع، فهو كذلك موافق نافع للقروح السّرطانية ولغيرها من القروح الخبيثة. وقد يخلط أيضا في الشيافات التي يعالج بها العين إذا كان يتحدر إليها شيء من المواد، وفي الأدوية التي يداوى بها النفاخات الحادثة في العين، أو في المذاكير والعانة.
وقال في الميامر «1» : التوتيا المغسولة تجفف الرطوبات السائلة إلى العين، وتمنعها من النفوذ والمرور في نفس طبقات العين.
وقال الرازي «2» : جيدة لتقوية العين قاطعة للصنان، وبدل التوتيا إذا عدمت وزنه من الشاذنة «3» ، ونصف وزنه من التوبال.
جالب النوم «4»
قال أرسطو «5» : هو حجر شديد الحمرة، صافي اللون، يرى بالنهار كأنه يخرج منه شبه البخار، وبالليل يسطع ضوؤه حتى يضيء به كل ما حوله؛ فلو علّق منه على إنسان ولو قدر درهمين أورثه نوما ثقيلا، وإن جعل تحت رأس نائم لا يستيقظ حتى يحول رأسه. وإن طليت به موضع الحمرة أبراها بإذن الله تعالى.(22/192)
جبسين «1»
هو الجصّ، يخلط في الأدوية اليابسة التي تنفع من انفجار الدم، لأنه إن استعمل وحده صار عندما يجمد صلبا حجريا، فيخلط معه بياض البيض الرقيق الذي يستعمل في مداواة العين، ويخلط معه أيضا غبار الرّحا المجتمع من دقيق الحنطة على حيطان بيوت الرحا. وينبغي أن يوجد الضماد المتخذ على هذه الصفة في وبر الأرنب البري، أو في شيء آخر ليّن على ذلك المثال.
وإذا أحرق الجبسين كان في اللطافة والتجفيف أكثر منه إذا لم يحرق، ويكون أيضا مائعا (101) دافعا، ولا سيما إذا عجن بالخل.
والجبسين له قوة قابضة مغرية، يقطع نزف الدم، ويمنع العرق. وإذا شرب قتل بالخنق، وإذا عجن بالخل وطلي على الرأس حبس الرعاف، وتطلى به الجبهة أو يغلّف به الرأس فيحبس الرعاف، لا سيما مع الطين الأرمني والعدس والهوقسطيداس بماء الآس وقليل خل، وتخلط ببياض البيض لئلّا يتحجر، ويوضع على الرمد الدموي. وإذا شرب الجبسين تحجّر في البطن، وعرض منه خناق. وكذلك ينبغي أن يستعمل في علاج من شربه ما يستعمل في علاج من شرب الفطر «2» ، ويعرض لشاربه يبس شديد في الفم وخناق وجحوظ العينين مع نسيان، فإن لم يتدارك العلاج هلك.(22/193)
جزع «1»
قال أرسطو: الجزع أنواع كثيرة، وهو حجر يؤتى به من الصين أو اليمن، واليمني أحسن. وهو حجر ذو ألوان كثيرة، سواد وبياض؛ وأهل الصين يكرهون أن يقربوا معدنه، وإنما استخرجه من معدنه قوم مارتون «2» لا معاش لهم غير ذلك، ويبيعونه في غير بلاد الصين. وأما أهل اليمن فإن ملوكهم لا يرون أخذ شيء منه ولا يدخل خزائنهم، ولا يتختمون به ولا يتقلدونه، فمن فعل كثرت همومه وغمومه، ويرى أحلاما مخوفة رديئة، ويعسر عليه قضاء حوائجه ولا يفلح لابسه في الأمور كلها، وإن علق على صبي كثر سيلان لعابه وكثر بكاؤه وفزعه، ومن سحق منه شيئا وشربه قلّ نومه وكثر فزعه وساء خلقه وثقل لسانه.
وإن سحق وجلي به الياقوت حسّنه وصيره مشرقا منيرا.
وقال غيره: إذا أدمن النظر إليه أورث الهم وضيق الصدر. وإذا وضع بين قوم ولا علم لهم به وقعت بينهم عداوة شديدة، ويبقى ما دام ذلك الفص بينهم وإن علّق على المرأة سهلت ولادتها، وإن وضع بقربها خفف وجعها بإذن الله تعالى.(22/194)
جمست «1»
قال الكندي (102) في كتاب الأحجار «2» : أما الجمست فهو حجر بنفسجي، وصبغه مركب من حمرة وردية «3» وسماوية. وهو حجر كانت العرب تستحسنه وتزين به آلاتها. ومعدنه من القرية التي يقال لها الصفراء «4» على مسيرة ثلاثة أيام من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، أعظم ما يخرج منه قدر الرطل أو ما قرب من ذلك فيما أخبر به من يعالجه، وأما نحن فلم نر منه شيئا عظيما؛ وعلاجه في قطعه وجلائه علاج الزّمرد «5» .
زعموا أن من شرب من إناء منه لم يسكن بعد أن يكون الإناء كبيرا، ولابسه يأمن من النّقرس، ومن وضعه تحت وسادته أمن من الأحلام السيئة بإذن الله تعالى.(22/195)
جوزجندم «1»
كلمة فارسية، ويقال جوزكندم، ويقال له شحم الأرض، ويعرف بالرّقّة «2» بخرء «3» الحمام، وهو تربة العسل عند أهل شرق الأندلس «4» .
قال إسحاق بن عمران: هي تربة متحببة كالحمّص، بيضاء إلى الصّفرة، وهي التي يبتل بها العسل، ويقال لها التّربة.
قال ابن جلجل: ويربو بها العسل حتى تصير الأوقية منه إذا ربب رطلا، وتغثي [وتقيئ] «5» إذا شربت وحدها.
وقال الرازي: حار رطب، يزيد في المني، ويسمن، ويمنع الطين أكلا.
وقال علي بن ربن «6» : يهيج الباه.
وفي كتاب الطلسمات: هذه التربة تسمى بالرقة خرء الحمام وببغداد جوزجندم. إذا طرح منها ربع كيلجة في عشرة أرطال عسل، وثلثين رطل ماء حار، وضرب ناعما، وغطى رأس الإناء أدرك شرابا من ساعته.
وقال بولس «7» : له قوة مطفئة.(22/196)
وقال ابن سينا: فيه قوة منقية، وذلك أنه يبرئ من القوباء، ويطفئ الحرارة ويقطع الدم والنزف.
حجر «1»
قال بليناس: إذا كان الجمل كثير الرغاء، وشد في ذنبه حجر، فإنه لا يرغو البتة.
وقال صاحب الفلاحة: الحجر الذي لقبه خلفه إذا علقته على شجرة يكثر ثمرتها ولا يصيب ثمارها آفة ولا شيء من الآفات.
حجر أبيض «2»
قال أرسطو: إذا كان الحجر أبيض، فحكّيته «3» (103) فخرج محكّه أصفر، فمن استصحبه فإذا تكلم بشيء صادقا أو كاذبا قبل، وإن خرج محكه أحمر فكل شيء يفعله أو يقوله يقع سريعا، وإن خرج أغبر، على لون الأرض، فكل من استعان به في شيء من علمه يقع له ويصح، وما قال يسمع منه، وإن خرج محكه إسمانجونيا فلا يزال من استصحبه طيب النفس، وإن خرج محكه أخضر فإن علق على بستان أسرع خروج غرسه وتعظم أشجاره سريعا، وإن خرج أسود أبرأ من السم القاتل ومن لسع الحية والعقرب، إذا سقي من حكة أو من علق عليه.(22/197)
حجر الباه
قال أرسطو «1» : إن الإسكندر أصاب بأفريقية معدن هذا الحجر، وخاصيته أنه إذا أدني من الإنسان أو الحيوان اشتهى الجماع فمنع الناس من حمله إلى معسكره مخافة افتضاح النساء؛ وكسر بعض هذه الأحجار فوجد في جوفه عقربا وصورتها في جانبي الحجر، فمن أمسك من هذا الحجر تحت لسانه أمن العطش.
وبأرض مصر حجر من شدّه على ظهره ثارت به شهوة الوقاع وقويت، ولا تزال تقوى حتى ينحيه.
حجر النحر
قال أرسطو «2» : هذا الحجر يوجد على سواحل البحر، يتولد من لطيف أجزاء الأرض وبخار البحر. وهو حجر أسود، حسن «3» المجس، مثل الرحا إلا أنه خفيف، لا يغوص في الماء. وخاصيته أنه إذا استصحبه إنسان وركب البحر أمن من الغرق، وإذا ألقي في القدر وأوقد تحتها لا يسخن البتة.
حجر البحيرة
قال جالينوس في التاسعة «4» : هي حجارة سود دقاق، إن وضعت على النار تولد منها لهب يسير. توجد في بلاد الغور، وذلك التل المحيط بالبحيرة من شرقها حيث يكون قفر اليهود. استعملته أنا في مداواة الأمراض التي تتولد عن الريح في الركبتين، وإذا كان برؤهما يعسر، بأن يخلط مع المراهم، قد جربتها في ذلك فنفعت، حتى قد وقعت منه بذلك؛ وخلطته أيضا في المراهم المسماة(22/198)
بارياس (104) فصارت أشد تجفيفا ونفعا وبرءا تاما والله أعلم.
حجر البرام «1»
إذا سحق واستن به كان نافعا للأسنان مبيضا لها.
حجر البسر
قال أبو العباس الحافظ: يقال بالباء المضموم والسين والراء؛ اسم لحجر أبيض على شكل ما عظم من الدر الكبير، وينفع من الحصى، يوجد في بحر الحجاز.
وزعم قومه أنه يدر البول إذا علّق على موضع المثانة من خارج، ويقوي القلب.
ومنه ما يكون إلى الزرقة، ويوجد ببحر جدة، متكونا في صدفة كبيرة مستديرة على شكل الصدف المعروف بالحافز إلا أنه أكثف منه بكثير.
حجر البقر «2»
ويقال له بالديار المصرية خرزة البقر، وأهل المغرب والأندلس يسمونها بالورس، وهو على الحقيقة غيرها «3» .
قال ابن البيطار: قال بعض علماء هذا الحجر: يوجد في مرارة البقر عند امتلاء القمر، وهو حجر ذو طبقات، مدور صلب، لونه مائل إلى الصّفرة، وكثيرا ما يستعمله النساء بالديار المصرية للسّمنة، بأن تشرب المرأة منه وزن حبتين في الحمّام، أو عند خروجها من الحمّام، بجلّاب «4» ، ثم تتحسّى في إثره مرق(22/199)
دجاجة سمينة مصلوقة «1» ، وهذا مجرب عندهم في أمر السّمنة.
وقال غيره: هو شيء يتكون في مرارة البقر رطوبة لدنة تجمد وتخرج من المرارة، وهي لزجة لدنة في لدونة «2» مخ البيض المطبوخ، ثم تجف وتصلب حين تصير في قوام النّورة المكلسة تتهيأ عندما تفرك بالأصابع؛ وقد يكون من هذه الرطوبة ما إذا جف كان فيه بعض صلابة، تشبه بذلك بعض الحجارة السريعة التفتت، ولهذا سماه المترجمون بحجر البقر.
وقال الغافقي: وزعم بعض الأطباء أنه حار يابس في الدرجة الرابعة، وقد نفع في أكحال العين، فيحد البصر.
وزعم بعضهم: أنه إذا سحق وطلي به بماء بعض البقول على الحمرة والنّملة يقع، وأظنه النملة الساعية «3» وشبهها من القروح، وإذا سقط منه مقدار (105) عدسة مع ماء أصول السلق، نفع من نزول الماء في العين.
وزعم بعضهم: أنه إذا سحق وعجن بشراب وطلي به موضع البياض خرج الشعر أسود، وقال بعضهم: إنما يكون ذلك في علّة داء الثعلب والبرص، وأما في الشعر الأبيض فلا.
حجر أحمر «4»
قال أرسطو: إذا كان الحجر أحمر فحكّيته «5» فخرج محكه أبيض فمن استصحبه نجح في كل شيء يعمله. وإذا كان أسود فكلما أحدثته به نفسه قدر(22/200)
عليه. وإن كان أصفر فمن ربطه على عضده أحبه كل من نظر إليه، وإن كان أغبر، فكلما دخل في عمل نجح فيه. وإن كان أخضر منع وصول السلاح إلى حامله.
حجر الحبارى «1»
هو حجر يوجد في حوصلة الحبارى، يشد على إنسان فلا يحتلم ما دام عليه، وإن كان به إسهال ينقطع.
حجر الحبش «2»
يجلب من بلاد الحبشة، يضرب إلى الصفرة، حكاكته لاذعة للسان، ينقي غشاوة العين، وينفع آثار القروح.
حجر الحصاة «3»
قال أرسطو: هو حجر فيه رخاوة يخرج بأرض المغرب، ترمي به الأمواج إلى الساحل، فيوجد كأنه الفلك التي تغزل بها النساء. إذا شرب من هذا الحجر وزن عشر حبّات فتت حصى المثانة بإذن الله تعالى.
حجر الحمّام
قال الغافقي «4» : الحجر المتولد في قدور الحمامات، إذا عمل منه ضماد، وجعل على السرطان عند ابتدائه أذهبه، وهو أقوى ما يعالج به السرطان المتولد في الرحم.(22/201)
حجر الحوت
قال الغافقي «1» : هو حجر يوجد في رأس حوت، يقوم مقام دماغه. وهو أبيض، صلب، يشرب فيفتت الحصى المتولد في الكليتين. وفعله على ما ذكرت الأوائل في ذلك قوي جدا.
حجر الحيّة
يقال له بالفارسية مهرمار»
. في حجم بندقة صغيرة، توجد على رأس بعض الحيات. وخاصيته أن العضو الملدوغ يوضع في اللبن الحليب، أو الماء الحار، ويلقى هذا الحجر فيه فإنه يلتصق بموضع (106) اللدغ ويستخرج منه السم.
وقال الشيخ الرئيس «3» : إنه ينفع من نهش الحيات تعليقا على المنهوش.
وقال ديسقوريدوس في الخامسة «4» : هو فيما زعم بعض الناس صنف من الحجارة الذي يقال له تاسفس «5» ، أي الزّبرجد. ومنه ما هو صلب أسود اللون، ومنه مثل الحجر القمري، ومنه شيء رمادي اللون فقط، ومنه ما في كل واحد منه ثلاثة «6» خطوط بيض؛ وكل هذه الأصناف إذا علقت على البدن نفعت من نهشة الأفعى والصداع، وأما الذي فيه الخطوط فإنه يقال إنه ينفع من المرض الذي(22/202)
يقال له ليترغش «1» ومن الصداع.
قال جالينوس «2» : أخبرني رجل صدوق موثوق به أنه ينفع من نهش الأفاعي إذا علق.
حجر أخضر «3»
قال أرسطو «4» : إذا كان الحجر أخضر فخرج محكّه أبيض، فمن أمسكه معه، وغرس شجرة، أو زرع زرعا، ودفن هذه الحجر معه في خرقة أو قطنة نبت أحسن النبات. وإن خرج أسود فمن أمسكه معه حصل له خير كثير، وإن خرج أصفر فكل دواء يعطيه إنسانا يوافقه. وإن خرج أحمر أكرمه كل من رآه، وبذل له ما يريد من ماله، وإن خرج أغبر فإنه لا يعالج مريضا إلا ويبرأ.
حجر الخطّاف «5»
حجران يوجدان في عشّه «6» ، أحدهما أحمر، والآخر أبيض؛ فإن علّق الأحمر على من يفزع في نومه يدفع ذلك عنه، وإن علق الأبيض على من به صرع يزول صرعه.(22/203)
حجر أرمني «1»
فيه أدنى لازوردية (ورملية) «2» ، وربما يستعمله النقّاشون بدل اللازورد، وهو ليّن المس، يسهل السوداء إسهالا قويا.
ومن خواصه مغسوله لا يغثي «3» وغير المغسول منه يغثي.
قال ابن البيطار: ويسهل السوداء إسهالا أقوى من اللازورد، وقد اقتصر عليه، وترك الخربق «4» الأسود لما ظفر به لأمراض السوداء، وهو يقوي القلب من الخلط الأسود.
حجر الرّحاء «5»
قال ابن سينا «6» : بخار الخل منه يمنع النزف ويمنع الأورام الحارة.
وقال في كتاب العجائب «7» : يشد (107) على المرأة من الأسفل «8» فلا(22/204)
يسقط جنينها وينحى عنها [الطلق] عند الوضع [لكيلا] «1» تعسر ولادتها.
وإذا رش عليه الخل بعد أن يحمى ويجلس [عليه] قطع [البواسير و] رمي الدم ويحلل الأورام الحارة.
حجر إسفنج
قال الشيخ الرئيس «2» : الإسفنج جسم رخو بحري متخلخل كاللبد، ويقال إنه حيوان يتحرك في الماء، ويتشبث بما يلصق به «3» . يوجد فيه حجر خاصيته تفتيت الحصى من المثانة. وهو حجر عزيز جدا.
وقال ابن البيطار «4» : الحجر الموجود «5» في الإسفنج إذا شربت بالخمر فتت الحصى المتولد في المثانة، وقيل «6» : إنها لا تبلغ ذلك بل تفتت الحصى المتولد في الكليتين.
حجر آسمانجوني «7»
قال أرسطو «8» : إذا كان الحجر آسمانجونيا، [فحككته] فخرج محكه أبيض، فمن حمله صار مزّاحا، وطاب خلقه، وشفاه من الجرب. وإن خرج محكه أسود فمن حمله لم ينجح له عمل. وإن خرج أصفر فهو صالح لكل عمل، وإن طرح(22/205)
في بئر أو نهر قل ماؤها، وربما انقطع. وإن خرج أحمر رأى حامله كل خير. وإن خرج أخضر واستصحبه أحد فلا يزرع زرعا إلا وينبت أحسن نبات. وإن خرج أصفر نجح كل عمل يعمله بإذن الله تعالى.
حجر أسود
قال أرسطو «1» : إذا كان الحجر أسود فحكّيته «2» فخرج محكّه أبيض نفع من سم الحية والعقرب، وإذا شرب الملدوغ محكه وعلق عليه الحجر. وإن خرج أصفر فمن حمله لم يعي كثيرا، والذي هو في منزله يصح أهله من الأدواء والأمراض، وإن خرج أسود فمن صحبه قضيت حوائجه وزاد عقله، وإن خرج أخضر لم تلسع الهوام حامله بإذن الله.
حجر السامور «3»
حجر يقطع الأحجار كلها! ذكر أن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام لما أراد بناء بيت المقدس أمر الشياطين بقلع الأحجار، فشكا الناس من صوت قطع الأحجار، فجمع سليمان علماء بني إسرائيل وعفاريت الجن، وقال: هل تعلمون شيئا يقطع الأحجار بلا صوت؟ قالوا: يا نبي الله! ما لنا بذلك من علم غير أن ماردا لم يدخل في طاعتك يقال له صخر ربما يكون عنده علم. فأمر سليمان بإحضاره في قصة طويلة (108) ، فقال: يا نبي الله! أعلم حجرا له هذه الخاصية، ولكن لا أعرف مكانه، وعندي حيلة في تحصيله، عليّ بعش العقاب(22/206)
وبيضها، فجاء بها العفاريت سريعا، فدعا بجام «1» من قوارير شديد الصفاء، غليظه؛ وجعل وكر العقاب فيه، وتركه في مكانه، فعادت العقاب إلى وكرها فوجدته مغطى، فضربته بمخلبها فلم يعمل فيه شيئا، فطارت وعادت إليه من الغد وفي منقارها حجر، فألقته على الجام فانشق نصفين من غير صوت، فدعا سليمان العقاب، وقال: أخبرني عن الموضع الذي حملت منه هذا الحجر. فقال:
يا نبي الله، من جبل بالمغرب يسمى السامور، فبعث سليمان الجن فحملوا إليه مقدار كفايته، فكان بعد ذلك يقطع الأحجار ولا يسمع لها صوت.
حجر السلوان»
يشرب للسلو، مجرب. ولأمراض كثيرة، ومنه نوع قاتل.
حجر السّم «3»
حجر كالجزع، لكنه ليس بجزع. يوجد بخزائن الملوك. خاصيته: أنه يتحرك عند حضور السم.
حكى الوزير نظام الملك الحسن بن علي «4» - قدس الله روحه- في كتابه سير الملوك: أن سليمان بن عبد الملك قال ذات يوم: مملكتي ليست تقصر عن مملكة سليمان بن داود عليهما السلام، إلّا أن الله سخّر له الجن والريح والطير؛ وليس لأحد من الملوك على وجه الأرض مثل مالي من الأموال والعدة.
فقال بعض الحاضرين: أهم شيء يحتاج [إليه] الملوك ليس عندك يا أمير المؤمنين.(22/207)
فقال: وما هو؟
قال: وزير يكون وزيرا ابن وزير كما أنك خليفة بن خليفة بن خليفة.
فقال: هل تعرف وزيرا هذه صفته؟
فقال: نعم جعفر بن برمك، فإنه ورث الوزارة أبا عن جد إلى زمن أزدشير، ولهم كتب مصنفة في الوزارة يعلمونها لهم، لا يصلح لوزارتك غيره.
فكتب سليمان إلى والي بلخ وأمره بإرسال جعفر إلى دمشق بالإعزاز والتجمّل، وإن احتاج إلى مائة ألف دينار.
فلما وصل إلى دمشق، ودخل على سليمان وقبّل الأرض، رأى سليمان صورته فاستحسنها، (109) وتحرك له، وأمره بالجلوس بين يديه؛ فما كان إلا يسيرا حتى عبس سليمان وجهه، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله! قم من عندي، فأقامه الحاجب، وخرج به من عنده.
ولم يعرف أحد سبب ذلك، حتى خلا سليمان بندمائه، فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين! طلبت جعفر من خراسان بإعزاز فلما حضر أبعدته!
قال: لولا أنه جاء من أرض بعيدة لضربت عنقه، لأنه حضر بين يدي ومعه السم القاتل.
قال ذاك القائل: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أكشف هذا؟ فأذن له، فذهب إلى جعفر، وقال: إنك لما حضرت عند أمير المؤمنين كان معك شيء من السم؟
قال: نعم! وهو معي الآن تحت فص خاتمي هذا، لأن آبائي احتملوا من الملوك مشاقّ كثيرة لما طلبوا منهم الأموال وعذبوهم بأنواع العذاب، فإني خشيت أن أكلف شيئا مما كلفوا أولئك ولا يكون لي به طاقة، فعند ذلك أمص خاتمي هذا واستريح من إهانتهم وعذابهم.(22/208)
فرجع النديم إلى سليمان وأخبره بما سمع من جعفر، فتعجب سليمان من حزمه وفطنته ونظره في العواقب، فأمر بإحضاره مرة أخرى بطريق الإجلال، وأقعده إلى جنبه، وخلع عليه خلعة الوزارة، ووضع الدواة بين يديه، حتى وقع بحضور سليمان عدة توقيعات.
فلما أتى على ذلك مدة وانبسط جعفر في خدمة سليمان سأله في بعض الأيام، وقال: كيف عرف أمير المؤمنين السم مع العبد؟ فقال له: معي خرزتان شبيهتان بالجزع لا أفارقهما أبدا، من خاصيتهما أنهما يتحركان من السم إذا حضرتا في مكان فيه سم، فلما دخلت عليّ تحركتا، وحين قعدت بين يديّ اضطربتا، فكانت تقع إحداهما على الأخرى، فلما قمت من عندي سكنتا. ثم أخرجهما وعرضهما على جعفر، وكانتا خرزتين كالجزع.
قلت «1» : أما هذا جعفر بن برمك فمنكور عندي، وإنما جعفر هو ابن يحيى ابن خالد بن برمك، ولم يكن تلك الأيام أبوه موجودا فضلا (110) عنه.
والمشهور أن خالد بن برمك هو الذي خدم بني أمية.
وأما هذا الحجر فلا نعرفه في زماننا، وإنما المشهور أن قرنا يعرف بالخرتون «2» هو الذي يتحرك للسموم.
وحكى لي والدي: أنه رأى في يد إسماعيل بن العلم ناظر الصاغة نصاب سكين منه. وحكى: أنه كان نصاب سكين عند الصاحب تاج الدين بن حنا.(22/209)
وقلت مرة لفرج الله بن صغير الطبيب: ما هو حجر السم؟ فقال هو البادزهر الحيواني لأنه يخلص من السم بإذن الله.
حجر بارقي «1»
وجد في ذخائر المصريين، وله خواص عجيبة، [ومن خواصه] إن وضع على من به استسقاء يمصّ الماء من بطنه حتى يبرأ بإذن الله تعالى.
حجر بولس «2»
يغلى بزيت، ويدهن بالزيت بدن التّعب «3» فيذهب الإعياء بإذن الله.
حجر الأثداء «4»
يقبض ويجفف ويجلو ظلمة البصر، وإذا خلط بالماء ولطخ به الثدي والحصى والقروح سكّن الأورام العارضة لها، وينقي الحدقة، ويشفي الأورام الحارة في الثديين والأنثيين إذا ذيف بالماء.
حجر الدجاج «5»
يوجد في قانصة الدجاج، وهو حجر أسمانجوني، إذا شد على المصروع يزول عنه الصرع، ويزيد في قوة الباه إذا علق على الإنسان، وينفع من العين السوء، ويترك تحت رأس الإنسان أو الصبي فلا يفزع في نومه.(22/210)
حجر الديك «1»
يوجد في بطون الدّيكة، قدر الباقلاء أو أصغر، ينفع من العطش الشديد إذا غسل بالماء، ويدفع أحزان النفس وهمومها.
حجر أصفر
قال أرسطو «2» : إذا كان الحجر أصفر فحكّيته «3» فخرج أبيض، أو سحق فخرجت سحاقه بيضا، فإن سحق على اسم إنسان واكتحل به أحبّه ذلك الإنسان وأشفق عليه، وكل شيء يطلبه من الناس يحصل له، وإن كان محكه أخضر فأي شيء وضع عليه من الأعمال نفعه، وإن كان أحمر لقّن جوابه عن كل شيء يسأل عنه، وإن خرج أسود فمن أخذه وذكر اسم من يريده يتبعه ولا ينقطع ما دام الحجر معه.
حجر أغبر
قال أرسطو «4» : إذا كان الحجر أغبر (111) فخرج محكّه أبيض، واكتحل به على اسم إنسان أحبه، وإن كان أسود، أكرمه الناس. وإذا اكتحل به النساء أحبهن أزواجهن ولم يعصوا لهن أمرا. وإن خرج أصفر أثنى على حامله كل من يراه، وإن خرج أحمر فحيثما ذهب بسط عليه الرزق والمعاش، وإن خرج فإذا جلس إلى قوم أكرموه، وإن خرج أسمانجونيا فإنه يعد حكيما حامله وإن لم يكن كذلك.(22/211)
حجر حبشي «1»
[صنف من الزّبرجد] «2» إذا حكّ صار لونه شبيها بلون اللبن، يلذع اللسان لذعا شديدا. وله قوة منقّية، وقد يجلو ظلمة البصر، ويستعمل في المواضع المحتاجة إلى الجلاء والتنقية، وإذا كان في العين انتشار الحدقة فيظلم لها البصر من غير أن يكون هناك ورم حار، والأثر القريب العهد- أعني البياض الحادث قريبا- فهذا الحجر شأنه أن يلطّف كل شيء ويرققه. وهو يجلو ويذهب الظفرة الحادثة إذا لم تكن صلبة.
حجر خزفي «3»
يستعمل مكان القيشور «4» في قلع الشعر، وإذا حكّ منه مقدار درهمين وشرب بالخمر قطع الطّمث، وإن شربت المرأة منه مقدار درهمين بعد التطهر من العلّة في كل يوم أربع «5» مرات لم تعلق. وإذا خلط بالعسل ووضع على الأثداء الوارمة، وعلى القروح الخبيثة، سكّن ورم الشدي، ومنع القروح الخبيثة من الانتشار.
حجر الشياطين «6»
قال أرسطو: إنه حجر أحمر اللون، أملس، لونه لون الياقوت، وكسره كسر الياقوت، وليس له شفاف. إذا غمسته في الماء اصفرّ مثل الزرنيخ، وإذا كلس(22/212)
ثلاث مرات احمرّ وصار مثل الزّنجفر «1» . وإن ألقي جزء منه على أربعة «2» أجزاء من فضة صبغها ذهبا «3» أحمر بإذن الله تعالى.
حجر الصرف
من أرض كرمان، ويسمى أيضا حجر الحمار، يسقى من أضرّ به النبيذ أو أصابه صداع الحمار يستريح في الحال، وربما يحل ويكتب كما يكتب الزنجفر.
ولونه أحمر مائل إلى السواد.
حجر الصنوبر «4»
قال أرسطو «5» : حجر (112) الصنوبر صالح لدفع اليرقان، يؤخذ بالحيلة من عش الخطاف.
وقال غيره: الحيلة في ذلك أن تؤخذ فراخ الخطاف وتطلى بالزعفران، وتترك مكانها، فإذا عادت أمها ترى عليها الصفرة، فتحسب أن به اليرقان، فتأتي بهذا الحجر، وتدلك به الفرخ، وتتركه في العش.
حجر عاجي
قال الشيخ الرئيس «6» : يمنع نزف الدم من الجراحات والقروح.(22/213)
حجر غاغاطيس «1»
ينسب إلى واد في الشام يسمى الآن وادي جهنم «2» .
إذا وضع على النار فاحت منه رائحة القرن المحرق. المختار منه ما كان سريع الالتهاب، ورائحته تشبه رائحة القفر إذا بخّر به صرع من به صرع، وأنعش المرأة من الغثى العارض لها من وجع الأرحام. وإذا دخن [به] طرد الهوام، ونفع من أخلاط أدوية النقرس «3» .
حجر عراقي «4»
خاصيته النفع من البياض في القرنيّة، بأن يحد على مسن أخضر بلبن امرأة ترضع ولدا بكر أبويه، وينقي من وجع الكلى، ويبرئ من النسمة، ويسهل النفس (العسر) «5» .
حجر عسلي
قال الشيخ الرئيس «6» : إنه حجر حكاكته مفرطة الحلاوة. وهو في قوة الشادنج «7» ، والشادنج يذر على اللحم يضمره، ويدمل قروح العين، خصوصا(22/214)
ببياض البيض، ويحفظ صحة العين، ويمنع الدم المنبعث في القروح.
قال ابن البيطار «1» : وهو شبيه في جميع حالاته بالحجر اللبني.
حجر العقاب «2»
حجر يشبه نوى التمر هندي «3» ، إذا حرّك يسمع منه صوت، وإذا كسر لا يرى فيه شيء. يوجد في عش العقاب «4» ، (والعقاب) «5» يجلبه من أرض الهند.
وإذا قصد الإنسان عشه يأخذ هذا الحجر ويرميه إليه ليأخذه، ويرجع كأنه عرف أن قصدهم إياه لهذا الحجر. وإذا علّق هذه الحجارة على من عسرت ولادتها وضعت. ومن جعله تحت لسانه يغلب الخصم في المقاولة، ويقضي حوائجه.
وربما يوجد هذا الحجر في عشّ النسر أيضا.
حجر فرامي «6»
منف «7» لجميع الحيوان المساب. وينفع من وجع الرحم، ويعلق على المصروعين (113) فينفعهم، وإذا رش عليه الماء التهب، وإذا صبّ عليه من الزيت انطفأ، ولا نفع له في الطب، خلا أنه نتن الرائحة يطرد الهوام إذا بخّر به.(22/215)
حجر الفأر «1»
يوجد بأرض المغرب يشبه الفأر، يتركه الناس في بيوتهم يجتمع عليه الفأر بحيث يسهل أخذها، والناس هناك يدفعون الفأر بهذا الحجر، لأن تلك الأرض خالية من السنانير.
حجر قبطي «2»
هو بمصر، يستعمله القصّارون في تبييض الثياب. وهو رخو ينماع سريعا مع الماء. ويوافق نفث الدم، والإسهال المزمن، ووجع المثانة إذا شرب بالماء، وإذا احتملته المرأة نفع من الطمث الدائم، ونفع في أدوية العين المغرية لأنه يملأ القروح ويقطع السيلان منها. وإذا خلط بقيروطي نفع من انتشار القروح الخبيثة، ويدمل الجراحات الحادثة في الأبدان الرخصة اللحم.
حجر القمر
ويقال أيضا «3» : بزاق القمر «4» . وهو حجر خفيف، خاصيته أن يشفي من الصرع إذا علق على المصروع، وإذا علق على الشجر.
وقال غيره: إنه حجر عسلي اللون، شفّاف، في وسطه من داخله بياض يزداد بزيادة القمر وينقص بنقصانه، ويخفى عن المحاق.(22/216)
وعند الهند حجر إذا خسف القمر يقطر منه ماء، يقال حجر القمر.
وقال ابن البيطار «1» : قد يحك ويسقى ما يحك منه من به صرع، وقد يلبسه النساء في التعويذ ويقال إنه إذا علق على الشجر ولد فيها الثمر.
حجر القير
قال أرسطو «2» : هذا الحجر بأرض المغرب بقرب المدينة «3» التي بناها الإسكندر. وهو أسود في لون القير، إذا لمسه لامس أصابه خشونة، وإذا ألقي جزء منه على ألف جزء من القير غلى كما يغلي على النار، وإذا ألقي في عين [الماء] «4» الجاري المسرع [في جريانه] حاد عنه الماء.
حجر القيء «5»
هذا الحجر يوجد بأرض مصر. إذا أخذ الإنسان بيده غلبه الغشى وتقيأ جميع ما في بطنه بحيث «6» لو لم يلقه لخيف عليه التلف.
حجر الكرك «7»
يقذف به بحر الهند، ونساء (113) الهند ورجالهم يتختّمون به، ونساؤهم يتسورون به. ويزعم أهل السند والهند أن خاصة هذا الحجر دفع السحر وإبطاله(22/217)
ودفع العين ونظر العدو. وإذا سحق واكتحل به جلا بياض العين حديثه وقديمه ومحا آثار القرحات وقلعها وأزالها.
ويقول [أهل] الهند: إن من تختم بفص منه قلّ الكذب عليه، وأحبه كل من يراه. وفعله إذا اكتحل به محمود حسن، وملوك الهند والسند يتخذون منه أواني وأقداحا يستعملونها في مجالسهم، ويشربون بها ويزعمون أنه يدفع الشر «1» والصخب من مجالسهم، وأنه يزيد في أفراحهم، ويجلب لهم السرور.
وإذا سحق واستيك به بيّض الأسنان ونقّاها من القلح والحفر والأعراض العارضة للأسنان. والهند والسند يعلقونه في شعورهم وشعور نسائهم، ويزعمون أنه يطيل الشعر، ويخرطون منها خرزا يلبسونها فيأتي في كبار اللؤلؤ البراق الكثير الماء، ويكتسب الرجال بلبس هذا الحجر الحظوة عند نسائهم.
وقال أرسطو: هو حجر أبيض إذا خرج من الحرص «2» يشبه العاج، يؤتى به من ساحل السند؛ ينفع لحكة العين اكتحالا، وأهل السند والهند يتختمون به لدفع العين والسحر والشياطين. وكانت الفلاسفة تضعه عندهم كيلا تقربهم الأرواح المؤذية «3» .
حجر الكلب «4»
يوجد في الكلاب صنف إذا رمي بالأحجار وثب إليها وعضّها وأمسكها في فيه. وللسّحرة في هذا الحجر سر عجيب في التباغض، وهو أن يأخذ حجارة(22/218)
سبعة باسم من يريد تباغضهما، ويقصد بهما إلى الكلب، فيرمي بها واحدا واحدا، ويؤخذ من تلك الأحجار اثنان وترمى في الماء الذي يشربون منه، فإنه يقضي عجبا في التباغض. وإذا طرح في برج حمام طرد منه ما اجتمع فيه منها؛ وإن طرح في شراب وقع الشر بين كل من يشرب منه وعربدوا.
حجر لبني «1»
إذا حك خرج منه شبيه باللبن، وإذا اكتحل به وافق سيلان الفضول إلى العين.
والقروح العارضة فيها، (115) وإذا احتيج إلى استعماله سحق بالماء وتصير عصارته في حق من رصاص وترفع لما فيها من التدبق «2» .
حجر المثانة «3»
هو الحجر الذي يتولد في مثانة الإنسان، إذا اكتحل به مسحوقا فإنه يزيل بياض العين.
حجر مشقّق «4»
أجوده ما كان سريع التفتت والتشقق، قوته شبيهة بقوة الشادنج، إلا أنها أضعف منها. ويذاف بلبن امرأة فيملأ القروح العميقة في العين، ويعمل عملا قويا إذا عولج به انخراق «5» العين ونتوئها، والخشونة العارضة في الجفون.(22/219)
حجر المطر «1»
يجلب من بلاد الترك، وهو أصناف بألوان مختلفة. إذا وضع شيء منه على الماء تغيم الجو وتمطر مطرا خفيفا، وربما يقع الثلج أو البرد.
ولقد حكى من شاهد هذا أنه كان في مجلس عماد الدين الساوي الوزير، وجرى ذكر هذا الحجر، فأنكر ذلك بعض الحاضرين، فقال الوزير اطلبوا فلانا، فحضر رجل تركي، فقال له بلغة الترك: اعمل لنا يب «2» ! فدعا بطاس وجعل فيها ماء وألقى فيها حجرا، فما كان إلا يسيرا حتى رأينا غيما مقطعا ونزل منه المطر.
حجر النار
هو حجر الزّناد. وهو أنواع، متى»
علّق على فخذ المرأة عند الولادة مشدودا في خرقة سهلت ولادتها بإذن الله، وينزع بعد الولادة مسرعا. وإذا سحق، وصيّر غبارا، وذرّ منه في الخنازير، جففها وأنقاها وألحم أجزاءها «4» .
وكذلك يفعل إذا ذرّ على القروح «5» العسرة الاندمال [في] أي مكان كانت.
حجر الناقة «6»
يوجد هذا الحجر في الموضع الذي تتمرغ فيه الناقة، فإن ترك هذا الحجر على(22/220)
خوان فكل من أكل عليه لم يجد طعم المأكول ما دام ذلك الحجر على الخوان، وإن علق على العاشق الهائم فإنه يسلو في الحال ويزول عنه الهيجان والمقة «1» .
حجر الإنسان
قال أرسطو: إذا سحق هذا الحجر مع الكحل فإنه يقطع البياض من العين إذا اكتحل به.
حجر هندي
(116) قال أرسطو «2» : هو حجر متخلخل الجسم مثقب كله، منه أبيض وأصفر خفيف الجسم إذا وضع على بطن المستسقي، فإنه ينزع منه الأصفر ويشفيه. وإذا وزن ذلك الحجر يوجد فيه ذلك الماء وإن سحق وطلي به الموضع الذي لا ينبت عليه الشعر [أنبت] نباتا حسنا بإذن الله تعالى.
حجر يهودي «3»
قال الشيخ الرئيس: هو حجر كالجوز الصغير، على طول يسير، تقطعه خطوط تأتي من طرفه، وخطوط أخرى معارضة له متوازية، فتتقاطع. وربما يكون مدورا ومفرطحا، زيتوني الشكل، ينفع من حصى الكلى والمثانة شربا.
وينفع من عسر البول وضعف المعدة وسقوط الشهوة.(22/221)
وقال غيره: يوجد على طرف بحر مرباط حجر يتحرك جميع الأيام غير يوم السبت، فلذلك سمي حجر اليهود.
ومن خاصته أنه يلقى في الماء ويشرب فإنه يفتت حصى المثانة، ولو ترك عدد كثير منها في موضع زمانا، ثم يرجع إليها بعد الأربعين، فإنه يجدها قد زاد عددها.
وقال بعض العلماء: هو زيتون بني إسرائيل بأرض حطين من صفد.
قال ابن البيطار «1» : هو ينماع بالماء، لا طعم له، إذا أخذ منه مقدار حمصة وحك على مسن الماء كما يحك الشيافة، وشرب بثلث أونولوسات ماء حارا، نفع من عسر البول وفتت الحصى المتولد في المثانة؛ وهو ينفع الحصى المتولد في الكليتين أكثر.
حجر يتولد في الماء الراكد «2»
قال أرسطو: هذا الحجر يسحق ويسعط به، ينفع من الصّرع والجنون بإذن الله تعالى.
حجر يقوم على الماء وضدّه
قال أرسطو: هذا الحجر خفيف الجسم، يقوم على الماء، وإذا كان الليل خرج أكثر جسمه حتى لا يبقى منه في الماء إلا القليل، وإذا كان وقت طلوع الشمس أخذ في الغوص قليلا قليلا حتى لا تبلغه أثر الشمس، ثم يقف، فإذا أخذت الشمس تغيب قليلا قليلا حتى إذا غابت، استوى على وجه الماء، فمن أخذ(22/222)
هذا (117) الحجر وعلقه على الخيل لم تصهل. وإن علق على شيء من الحيوان لم يصح حتى ينزع منه. وكان الإسكندر إذا أراد أن يوقع بعدوه بياتا علق من هذا الحجر على خيل معسكره فلم يسمع لخيلهم صهيل حتى يوافيهم.
وأما ضده، فقال أرسطو: هذا الحجر، والحجر السابق، في موضع واحد، وهذا خلاف الأول، لأنه إذا بدأت الشمس تطلع بدأ يخرج قليلا قليلا حتى يقف على وجه الماء؛ وفي أيام الغيم التي تظهر فيها الشمس مرة وتغيب أخرى، لا يزال هذا الحجر يطفو ويرسب، وخاصيته ضد الحجر الأول إذا علق على الخيل لم تسكت من الصهيل ليلا ونهارا.
خبث الطين وغيره
قال أرسطو: إن الطين إذا عمل منه آنية أو قوالب للبناء ثم أدخل النار فإنه يسكب شيئا مثل العسل ثم يتحجر، فليستعمل في الأصباغ. والصباغون يسودون به الثياب بعد ما ينقعونه في الخل وهو نافع لدبر الدواب إذا سحق عليها.
قال ابن البيطار «1» : كل خبث يجفّف تجفيفا شديدا، وخبث الحديد أشد تجفيفا؛ وإن سحقته مع خل الخمر وطبخته صار منه دواء يجفف القيح الجاري من الأذن زمانا طويلا.
وخبث الفضة يخلط في المراهم التي تجفف وتختم القروح.
وخبث النحاس يغسل كما يغسل النحاس المحرّق، وقوته شبيهة بقوته إلا أنه أضعف من النحاس المحرق.(22/223)
وإذا شرب خبث الحديد بالسكنجبين منع مضرة الدواء القتال خانق النمر «1» .
وخبث الرصاص أشد قبضا، وخبث الحديد يحلل الأورام الحارة، وينفع من خشونة الجفن، ويقوي المعدة، وينشف الفضلة، ويذهب باسترخائها إذا سقي في نبيذ عتيق، أو شرب بالطلاء. ويمنع نزف البواسير، وخصوصا إذا نقع في نبيذ. ويمنع الحبل، ويقطع نزف الحيض.
وخبث الحديد يزيد في الباه، ويحلل ورم الطحال. وإذا دق وغسل عشرين مرة (118) أو أكثر، وجعل في قدر، وجعل عليه من الزيت العذب ما يعمره بثلاثة أصابع، ويطبخ حتى يذهب الثلث، ويجعل فيه أوقية من خزف مدقوق منخول، ولعق منه كل غداة، فإنه يصفي اللون، ويذهب بفضول البدن.
خرسواسون «2»
قال أرسطو: هذا الحجر يكون أصفر وأحمر وأخضر وأسود، وأحمده ما كان فيه هذه الألوان الأربعة، فالأصفر يوجد في معدن الذهب والفضة؛ والأحمر يكون بلون الياقوت، ولكن ليس فيه شفاف الياقوت، ويوجد في معدن الذهب وحده، والأخضر يوجد في معدن النحاس، والأسود في معدن الفضة، وأفضل هذه الأنواع ما يكون فيه ذهب وفضة ونحاس، فيكون متولدا من بخار هذه الأجساد، فإذا سحق منه سبع شعيرات، وسقي بمرارة ديك، أفرق، ولطخ به مواضع العظم المعوج رده إلى الاستواء. وإذا طرح عليه وزن سبع شعيرات من الزئبق المكلس، وألقي على النحاس، فإنه يبيضه ويذهب برائحته، ويصيره فضة بإذن الله.(22/224)
خزف «1»
قوة الخزف تجلو وتجفف، وخاصة خزف التنور، لأنه قد ناله [من السّجر] «2» يبس أكثر ولهذا صار يقع في المراهم، ويكون المرهم الذي يقع فيه دواء نافعا في ختم الجراحات وإدمالها. وإذا خلط بالخل وتلطخ [به] نفع من الحكّة والبثور، ونفع من النقرس، ويخلط بقيروطي فيحلل [الأورام الجاسية المسماة] «3» الخنازير، ويجفف من غير لذع، وينفع من القروح المترهلة، وقروح الأعضاء اليابسة المزاج، ومن انسلاخ الجلد؛ ويجلو الأسنان.
خماهان «4»
وهو الصندل الحديدي، وهو قسم من الحديد. وهو حجر أسود حالك، كثير الماء «5» ، شفاف، ثقيل، بارد المزاج؛ وهو صنفان: ذكر وأنثى، فالذكر يخرج محكه أصفر كلون الزرنيخ، والأنثى يخرج محكه أحمر شديد الحمرة، وخاصة محكه «6» أنه إذا طلي منه ما يخرج على الورم والحمرة بريشة، نفع وفشّ الأورام، وأطفأ الحرارة، وسكن الضربان، وكلاهما (119) إذا حكا نفع ما يخرج من محكهما لهذه العلل [الحادثة] الدموية والصفراوية، غير أن ما يخرج من محك(22/225)
الأنثى أشد تبريدا أو تسكينا من محك الذكر. وقد يحك على المسن ويحجر به العينان عند الورم الكائن في الأرماد الحارة. ومحكه ينفع من وجع البطن الهائج من قبل مغس، أو من قبل شرب المسهل. وإذا لعق محكه من أضرّ به شرب النبيذ الصّرف أذهب ذلك عنه. وقيل إنه هذا هو حجر الصرف المقدم ذكره والله أعلم.
خصية إبليس
قال أرسطو «1» : هو حجر يوجد بأرض الصين من صحبه لا يدور اللص حوله، ولا حول متاع فيه ذلك الحجر، ويزيد حامله وقارا في أعين الناس.
خوساي «2»
هو خبث الحديد وقد تقدم.
خوص «3»
قال أرسطو: هو حجر أصفر اللون، مشرّب ببياض وخضرة، وهو خفيف لين المجس. معدنه ناحية المغرب، وخاصته أنه ينفع من لسع الهوام وجميع ذوات السموم بإذن الله تعالى.
درّ
قال البحر الخضم أرسطو «4» : أن البحر المسمى أوقيانوس هو البحر المحيط بالدنيا، ويتصل به البحر المسلوك، يضرب في أوقات فصل الربيع من هبوب(22/226)
الرياح فيهيج هيجانا شديدا، فيطلبه أرسطوروس وهو الصدف في هذا الوقت، ولا يطلب أرسطوروس أوقيانوس إلا في ريح عطوس، وهي التي تلقح البحر، فإذا أصفقته ريح عطوس ارتفع الصدف من قعر البحر الذي يسلكه الناس، وهيجت الريح أمواج أوقيانوس، فيقع في البحر المسلوك منه رشاشات فيلقمه الصدف كما يلقم الرحم النّطفة، ثم يرجع الصدف إلى أسفل البحر فتتركب تلك النطفة من الماء واللحم في جوف الصدف؛ فربما وقع في فمها قطعة كبيرة فينعقد درّة كبيرة، وربما وقع صغيرة فينعقد أجزاء صغارا، كما ترى في أكثر الأصداف. ثم أن الصدفة إذا وقعت في فمها القطرة خرجت من قعر الماء إلى ظاهره عند هبوب الشمال وطلوع الشمس وغروبها، (120) ولا يخرج في وسط النهار فإن شدة الحر ووهج البحار يفسد الدر. وإذا خرجت الصدفة انفتح ماؤها ليقع الريح الشمال على الدر، فينعقد من أثر الشمال وحرارة الشمس كما ينعقد الجنين في الرحم من حرارتها.
ثم إن جوف الصدف إن خلا من الماء المر يكون الدر في غاية الصفاء والجلاء وحسن الهيئة. وإن خالط جوف الصدف شيء من الماء المر فإن الدر يكون أصفر اللون، أو كدرا غير مهندم، وكذلك إن استقبل الصدف الهواء في غير هذين الوقتين كانت الدّرّة كدرة. وإذا كان فيها دودة أو كانت مجوفة غير مصمتة كان سببها استقبال الصدف للهواء الرديء، وهو الليل وأنصاف النهار.
ثم إن الصدف إذا تجسد الدر في جوفها تجسدا مستويا، هبط إلى قعر البحر حتى يرسخ فيه ويتشعب منه العروق فيه، ويصير نباتا بعد أن كان حيوانا ذا نفس، بفعل الله خالقها وخالق كل شيء. فإن تركت مدة طويلة تغيرت وفسدت مثل الثمر في الشجرة إذا لم يقطف وقت بلوغها فإنها يذهب «1» حسن لونها، وطيب طعمها.(22/227)
وقال غيره: إن في بحر أوقيانوس ماء لزجا شبيها بالزئبق، فالقطرة التي يتولد منها الدر من رشاشات ذلك الماء، فإذا تمّ الدر في جوف ذلك الصدف ينتقل إلى موضع آخر وينبت في ذلك الموضع، فإذا انتقل الصدف من موضعه إلى موضع آخر من البحرين يهنئ الناس بعضهم بعضا بوصول الصدف.
والغواص إذا نزل لإخراجه يقلعه من الأرض، فما أخرج لوقته يبقى طريا صقيلا، وما أخرج قبل وقته أو بعده لا يبقى على لونه بل يتغير.
قال في كتاب الأحجار «1» : الدر طبعه الاعتدال في الحر والبرد واليبوسة والرطوبة؛ ويجب أن تختار منه ما كان زيتونا ليست فيه خشونة ولا تضريس، متناسب الأجزاء، مشرق اللون جدا.
وأصناف هذا الحجر ثلاثة، وهو نوع واحد، وذلك در وجوهر (121) ولؤلؤ.
ولهذا الحجر أشباه قلائل تقارب لونه وجسمه ولا تبلغ مبلغه. والفرق بينه وبين أشباهه بالنظر إليه وشديدة البياض «2» مع درّية المخبر.
وحجر الدر يؤتى به من بلاد بحر الظلم، من أقصى بلاد العراق والهند. ومنه يمني، وهو أخف وزنا ولونا «3» من العراقي، وأطفأ نورا، وأجرس جسما «4» .
قال أرسطو «5» : من خاصة الدر أنه ينفع لدفع الخفقان والخوف والفزع اللذين يعرضان من المرة السوداء، ويصفي دم القلب، وإنما تخلطه الأطباء بالأدوية لهذا المعنى، ويستعملونه في الأكحال ليشد أعصاب العين. ومن وقف(22/228)
على جعل الدر واللآلئ ماء رجرجا فإنه إذا طلي به البياض الذي يكون في الجسد كالبرص أذهبه بأول مرة.
وقال في خواص الأحجار «1» : من حكّه وطلى به موضع البرص والبياض في البدن أزاله ليومه وأذهبه بإذن الله تعالى. وإن سحق منه شيئا لم يمسه الحديد مع شراب الحماض نفع من خفقان القلب وضعفه، ورجفان الفؤاد، والفزع الذي يعرض من استيلاء المرة السوداء. وإذا جعل في الأكحال من المذكور أيضا نفع من البخار العارض، وقوى منظرها، وقوى أعضاءها من الاسترخاء. ومن تسعط من مائه بعد حله، أذهب بالصداع الذي يكون من قبل العين. وأيضا فإن الإكثار من شربه يصفي دم القلب.
وقال ابن البيطار: ينفع ظلمة العين وبياضها ووسخها، ويدخل في الأدوية التي تحبس الدم، ويجلو الأسنان، وخاصة النفع من خفقان القلب والخوف والفزع الذي يكون من السوداء، ويجفف رطوبة العين. ومن حل الدر حتى يصير ماء رجرجا، وطلى به بياض البرص، أذهبه في أول طلية يطليه به. ومن كان به صداع قبل انتشار أعصاب العين، وسعط بذلك الماء، أذهب عنه ما به وشفاه في أول سعطة.
وحلّه بأن يسحق ويلث بماء حماض الأترج، ويجعل في إناء حتى يغمره، (122) ويعلق في دن فيه خل، ويدفن الدن في زبل رطب أربعة عشر يوما، فإنه ينحل؛ وإمساكه في الفم يقوي القلب عموما.(22/229)
دهنج «1»
قال أرسطو «2» : إنه حجر أخضر في لون الزبرجد، لين المس» .
قال هرمس «4» : إنه يتولد من معدن النحاس، وذلك أن النحاس في معدنه إذا طبخته بخارات الأرض، ارتفع منه دخان من كبريت الأرض الذي يتولد فيها، فيرتفع ذلك البخار، ويتكاتف بضم بعضه إلى بعض، فإذا ضربه وعقده وصيّره حجرا يكون دهنجا.
وهو أجناس كثيرة، الأخضر الشديد الخضرة، والموشّى، وعلى لون ريش الطاووس. وربما توجد هذه الألوان في حجر واحد، فيخرطه الخرّاط فيخرج فيه ألوان كثيرة.
ونسبة الدهنج إلى النحاس كنسبة الزبرجد إلى الذهب، فإنهما يتولدان من بخار معدنهما. وهو حجر يصفو بصفاء الجو «5» ، ويتكدر بكدورته، (ويصفو أيضا بالغدوات والعشيات) «6» .
وقال هرمس: إن هذا الحجر طبعه النداوة والبرد، ويجب أن يكون المختار منه(22/230)
ما كان فرنديا، أخضر شديد الخضرة، بصّاصا، شرقا «1» ، معرّق اللون، سبط الجسم، ليس فيه تحجير ولا جروشة «2» . إذا حكّ على مرآة حديد ومسح، رؤي مكان أثره ومحكه شيئا شبيها بالنحاس.
وأصناف هذا الحجر ستة، وهو نوع واحد، أخضر شديد الخضرة، وريحاني، وزمرّدي، وشيء منه مائل إلى البياض. وهو يوجد في جبال بحر النعام، وفي أعالي جبال الطور، ومنه ما يؤتى به من بلاد الصين والتركمان.
وإن سحق وأذيف بمسك وأسعط [به] مصروع لا يعرف حاله ثلاث مرات، وبخّر، فإنه يبرأ. ومن كان على بصره بياض حادث، فحك منه على حجر المسن شيئا، وأدمن الاكتحال به مرارا بميل ذهب خالص، جلا البياض عن نظره. ومن حك منه على مسن بخل خمر، وشربه من به الطحال الكبير، بماء الكراث، نفعه.
وقال صاحب العجائب «3» : ومن خواصه أنه إذا مسح به لدغ العقرب سكن وجعه، ومن سقي منه (123) عمل فيه السم، (وإن أخذ من الزبانات في الباقلى خمسة أو سبعة، وشدخت بالدهنج، ووضعت على لسع الزنبور، فيزول ألمه في الحال) «4» . وإن سحق منه شيء بالخل، وطليت به القوابي، ذهبت.
وينفع من سعفة الرأس، وقرون البدن جميعا. ويدخل في أدوية العين ويشد أوصالها. وإن طلي بحكاكته بياض البرص أزاله، وإن علّق على إنسان يغلبه قوة الباه، أو يزيد على ما كان عليه.(22/231)
وقال ابن البيطار: إن سقي من سحالته أو محكه شارب السم نفعه، وإن سقيته «1» لمن لم يشرب سما كان سما مفرطا ينفط «2» الأمعاء، ويلهب البدن، فإما يبرأ أو يعفن فلا يكاد يبرأ سريعا. ومصّ مائه «3» بعد إمساكه في الفم رديء لمن فعله، وإذا مسح به موضع لدغ العقرب سكّنه، وإذا سحق منه شيء وذيف بالخل ودلك به القوابي الحادثة من السوداء ذهب بها ويذهب السعفة في الرأس وجميع الجسد، وإذا سحق وأذيف بمسك، فهو أجود أدوية الصرع، لمن يصرع ولا يعرف حاله، يسعط منه ثلاث مرات، ويبخر به، فيبرأ.
ديفروحس «4»
هو ثلاثة «5» أصناف، يختار منه ما كان في طعمه شيء من طعم النحاس، وطعم الزنجار، وكان قابضا، يجفف «6» اللسان، [فهو] دواء نافع للجراحات الخبيثة الرديئة، نافع في علاج القروح في الفم، إذا استعمل وحده، أو مع العسل المنزوع الرغوة. وينفع في مداواة الخوانيق إذا استعمل بعد ما منع وقطع ما كان يجري وينصب إلى تلك الأعضاء. وقد استعمل لما قطعت اللهاة فدواؤها به «7» ساعة قطعها، وأعيد مرارا إلى أن اندملت «8» . وهو دواء يدمل ويختم [إدمالا وختما شديدا] «9» وينفع من هذا العضو خاصة في جميع الأعضاء التي تحدث(22/232)
فيها الجراحات. وينفع القروح الحادثة في الدبر. واستعماله في هذه الأعضاء مثل استعماله في الفم، وقوته تجلو وتقلع «1» اللحم الزائد في القروح. ويدمل القروح الخبيثة المنتشرة في البدن. (124) وإذا خلط بصمغ البطم أو بقيروطي حلل الأورام الدبيلات، وينشف قروح الرأس الرطبة. ويسحق بالخل ويطلى به الجرب والحكة فيبرئها. وإذا سحق ونثر على الشعر الغليظ دقّقه وليّنه.
ديماطي «2»
قال أرسطو: إنه حجر أسود جدا مثل السخام. يوجد في البحار إذا أحرق وسحق مع الزئبق عقده، وإذا طرح على الطّلق «3» وعرض على النار، صيّره ماء رجراجا.
رخام
حجر أبيض معروف.
قال أرسطو: إذا أردت [أن] لا تحبل المرأة فاسقها وزن درهم رخاما مسحوقا.
وقال بليناس في كتاب الخواص «4» : وقد يوجد في الرخام دود فيؤخذ منها اثنان أو ثلاثة وتشد في خرقة وتعلق على عضد المرأة فإنها لا تحبل.
وقال ابن البيطار «5» : المخصوص منه باسم الرخام ما كان أبيض، وأما الأصفر(22/233)
والأسود وغيره «1» ، فكلها داخلة في جنس الأحجار. بارد يابس إذا شرب منه ثلاثة أيام، كل يوم مثقال، مسحوقا معجونا بعسل نفع من كثرة الدمامل عن هيجان الدم. وإذا أحرق وسحق وذرّ على الجراحات بدمها قطع دمها وحيا ومنع ورمها.
والرخام الذي على القبور، المكتوب عليها التواريخ، إن سحق منه إنسان شيئا على اسم من يعشقه وشربه نسيه وسلاه، وإذا سحق جزء منه بجزء قرن ماعز [محرق] «2» ، وطلي به حديد، ثم حمي في النار، وسقي في ماء وملح، كان منه حديد ذكر.
رمل «3»
الرمل الذي على ساحل البحر، إذا حمي بحرارة الشمس وانطمر فيه الرّطب البدن جففها. وينبغي أن تطمر «4» الأعضاء كلها خلا الرأس، وقد يقلى وتكمد به الأعضاء مكان الجاورس «5» ومكان الملح.
وهو مجفف اللحم المترهل الشبيه بالماء، إذا صير فيه صاحب هذه العلة، والرمل سخن، حتى يغطيه كله.(22/234)
زاجات «1»
يتولد جميع أصناف الزاجات من أجزاء أرضية محرقة، ومن أجزاء مائية، إذا خلط بعضها ببعض اختلاطا شديدا، وبسبب الحرارة الزائدة (125) التي توجد في دخانيتها، إذا اختلطت بالأجزاء المائية، تحدث فيها دهنية، فتصير قابلة للذوبان، ولهذه يوجد في الزجاج ملحية كبريتية وحجرية، فمن حيث وجد في الأجزاء المائية والأجزاء الأرضية المحترقة وجد فيها ملحية؛ من حيث إن الحرارة أنضجتها، حتى حدثت فيها دهنية، وجدت فيها كبريتية؛ ومن حيث إن الماء والتراب انعقد بحرارة الشمس وجد فيها حجرية.
وأما اختلاف ألوان الزاجات بحسب اختلاف المعادن، فما كان في معدنه قوة الحديد أغلب والحمرة والصفرة غلبتا عليه، وإن كان في معدنه قوة النحاس فالغالب عليه الخضرة. ومنهم من قال: تتولد الزاجات من الزئبق الميت، والكبريت الأخضر، وألوانها الأحمر والأصفر والأسود والأبيض. أما الأبيض فيسمى السوري «2» وهو أعز الأنواع، يجلب من نواحي قبرس، والأخضر يسمى القلقطار «3» والقلقند «4» ، وهو حلو الطعم، والأصفر زاج الحبر، وهو إذا كسر وسطه كالصمغ «5» ، وهذا أجود الأنواع، وزاج الصباغين والأساكفة، والذي تظهر فيه عيون. وأحسن الأنواع الأبيض الشب الذي يجلب من بلاد جيلان»
وطبرستان وأرض اليمن.(22/235)
قال: وخاصية الزاج أن ينفع من السّعفة والجرب «1» والناصور والرعاف وتآكل اللسان، وإذا بخّر بالزاج هرب من رائحته الذباب والفأر «2» .
وقال ابن البيطار، وأطال في وصف أصنافه ومعادنه، وقال «3» : أما السوري «4» وهو الزاج الأحمر زهم الريح يغثي ويقيئ. قال: وأما القلقديس والقلقيت ففيه قبض شديد، يخالطه حرارة ليست باليسيرة، وهذا يدل على أنه يجفف اللحم الزائد الرطب أكثر من سائر الأدوية الأخرى، فيفني رطوبة هذا اللحم بحرارته، ويجمع جوهره بقبضه، ويخرج شيئا من ذلك اللحم، ويشد ويصلب جميع الجوهر (126) اللحمي، ويجمعه إلى نفسه. والقلقطار فيه قبض وحدّة، ويبلغ من شدة حرارته أنه يحرق اللحم، ويحدث فيه قشرة محرقة. وإذا أحرق هذا الدواء فتلذيعه يكون أقل، ونقص تجفيفه أيضا نقصا ليس باليسير إذا أحرق، وكذلك القلقطار المحرق، أفضل وأجود مما لم يحرق.
والزاج الأخضر والقلقطار يذوّبان اللحم، وينحلان كلاهما إذا طبخا بالنار.
والزاج الأحمر لا يذوب ولا ينحل. وأما المليطرنا «5» وهو صنف من الزاج يجمد فوق المعادن، فهو يقبض قبضا شديدا مع أنه يلطف أكثر من جميع الأدوية القابضة، ويبرئ وجع الأسنان والأضراس والأسنان المتحركة. وإذا احتقن به مع الخمر نفع من عرق النسا، ويخلط بالماء، ويلطخ به البثور «6» اللبنية «7» ، فيذهب(22/236)
به. ويدخل في الأدوية المسوّدة للشعر.
والقلقنت «1» يقلع الآثار، وإذا ابتلع منه مقدار درهمين أو لعق بعسل قتل الدود الذي يقال له حب القرع، ويشرب بالماء فيحرك القيء. ويبلغ من مضرة الفطر القتال. وإذا أذيف وشرّب به صوفة وعصر وقطر في الأنف نقّى الرأس.
والقلقطار له قوة قابضة محرقة، ينقّي العيون والمآقي، وقد يصلح للحمرة والنملة. وإذا خلط بالكرّاث قطع نزف الدم من الرحم، وقطع الرعاف. وإذا استعمل يابسا نفع من أورام اللثة والقروح الخبيثة فيها، ومن ورم النّغانغ «2» . وإذا أحرق وسحق واكتحل به مع العسل نفع من غلظ الجفون وخشونتها. وإذا عملت منه فتيلة وأدخلت في النواصير «3» قلعتها.
والزاج المصري [فإنه] «4» في كلّما استعمل أقوى من القبرصي، ما خلا أمراض العين، فإنه في علاجها أضعف من القبرسي «5» بكثير. وخاصة القلقطار الأخضر إذا أخذ مع السّورنجان «6» ، ووضع تحت اللسان، نفع من الضفدع.
والقيروطي المتخذ منه، وخصوصا الأحمر، ينفع من الآكلة في الفم والأنف وقروحهما. وشربه مجفف (127) لديه، وربما قتل، ويقطع الدم المنبعث من ظاهر البدن، كما هو محرق وهو أقوى فيه. ويجب أن لا يكثر منه متى كانت(22/237)
الجراحات كبارا، وأن لا يوضع على جراحات العصب بوجه، فإنه يحدث التشنج، ولا سيما في العصب القليل اللحم في مثل عصب الصّدغين والحاجب، وينفع في سائر الأدوية النافعة من الحكّة والجرب.
وأجناس الزاجات كلها تنفع من الدم السائل فتقطعه من البدن والجراحات والرّعاف، غير أنه يسوّد أماكن الجراحات، ويفسد الأعصاب، ويشدد الأماكن المسترخية. وإذا أدمن الاغتسال في ماء الزاج أورث الحمّيات الطويلة.
وذكر في كتاب العجائب «1» : إن القلقنت يلقى في الماء، ويرش به البيت، يموت ما في البيت من البق والبرغوث من رائحته. وينبغي أن يضم إليه الكبريت والشونيز «2» فيكون أقوى فعلا، ويقتل الفأر أيضا. وإذا دلك به السن فإنه يبقى فيه قوة عجيبة في استخدام ما يجد به وحلقه الشعر، وإذا دلك به منخر إنسان فإنه لا ينام أبدا حتى يلطخ موضعه بزيت، فإنه يذهب عنه ذلك.
زبد البحر «3»
قال الشيخ الرئيس «4» : زبد البحر منه فطري «5» ينفع في حلق «6» الشعر، وينفع من البهق. ومنه إسفنجي شديد الجلاء للأسنان، ومنه وردي نافع للنّقرس والطحال والاستسقاء.(22/238)
وقال غيره: ينفع من داء الثعلب مع النطرون والخل. ومن عجيب خواصه أنه ينبت الشعر وهو يحلقه أيضا، وينفع من البهق والكلف والآثار، ويجلو الأسنان، وينفع من الخنازير والاستسقاء وعسر البول. وزعم بعضهم أن زبد البحر إذا علّق على من أضر بها الطّلق سهلت ولادتها، وإذا ألقي منه درهم على عشرة أرطال من الماء المالح بعد ما يغلى غليانا شديدا فيصير عذبا.
وقال ابن البيطار «1» : هو أصناف خمسة أحدها كثيف شكله شكل الإسفنجة، وهو رزين زهم الرائحة. والثاني (128) شبيه بظفرة العين، رائحته كريهة كرائحة الطّحلب. والثالث يشبه شكل الدّود، وفي لونه فرفيرية «2» .
والرابع يشبه الصوف الوسخ مجوّف، خفيف. والخامس شبيه بالفطر وليس له رائحة، وظاهره أملس، وهذا النوع [أحدّ] «3» من سائر أنواعه، حتى إنه يحلق الشعر. والنوعان الأولان ينفعان من الجرب والقوابي والبهق والعلّة التي يتقشر معها الجلد، ويصفيان البشرة لاعتدال قوتهما، ويستعملان فيما يغتسل فيه النساء وينقين أبدانهن، ويقلعان البثور اللبنية والنمش والكلف والبرص والآثار العارضة في الوجه وفي سائر البدن. والصنف الثالث يصلح لمن به عسر البول، وينفع من الحصى والرمل في المثانة، ووجع الكلى والاستسقاء ووجع الطحال، وإذا خلط محرقا بالخمر ولطخ به داء الثعلب أبرأه. والصنفان الباقيان يقبضان اللسان ويستعملان فيما يجلو وينقّي ويجلو الأسنان وينبت الشعر إذا خلط بالملح.
قال: والنوع الذي هو الآخر ليس يجلو ما يجده من الوسخ وغيره في ظاهر(22/239)
الجلد فقط، بل يقشّر الجلد نفسه ويكشطه ويغوص فيه حتى يحدث القروح.
زبد البحيرة «1»
يصلح لقلع الجرب المتقرح والكلف والقوابي والبثور اللبنية وعرق النّسا، وينقل المزاج الرديء العارض للأعضاء إلى المزاج الجيد، ويجلو البصر، وينفع من ورم الثديين إذا طليت به مدقوقا مذافا بماء.
زجاج «2»
قال أرسطو: الزجاج أنواع كثيرة، منه متحجر، ومنه رمل، يوقد تحته ويرمى عليه حجر المغنيسيا «3» فيجتمع جسده «4» بالرصاصية التي فيه. وقد يتّخذ من الحصى والقلي «5» المطحونين يسبك في قبّة مصنوعة لذلك، ويوقد عليه كثيرا حتى يختلط ويجري. والزجاج إذا أصابته النار ثم أخرج إلى الهواء من غير أن يدخّن يتكسر ولا ينتفع به. وهو يتلون بألوان كثيرة لأنه من ألين الأحجار، ويعد في الأحجار كالمائق «6» بين الناس (129) لأنه يميل إلى كل صبغ يصبغ به، وهو يخرج اللحم.
وقال الشيخ الرئيس «7» : يجلو الأسنان وينبت الشّعر إذا طلي بدهن(22/240)
الزّنبق «1» ، ويجلو العين ويذهب ببياضها. وقال بليناس في كتاب الخواص: إذا سحقت الزجاج وألقيته في قنينة فيها ماء وخمر، فإن الماء ينفصل فيها عن الخمر، وهو عجيب جدا سهل التجربة.
وقال ابن البيطار «2» : الزجاج يفتّت الحصى المتولد في المثانة تفتيتا شديدا إذا شرب بشراب أبيض رقيق. والزجاج المحرّق يجفف من غير لذع. والزجاج يدخل في أكحال العين، ويقلع الحزاز، ويبسط اللحية والشعر كله، ويجلو الأسنان، وينبت الشعر إذا طلى بدهن زنبق، ويجلو العين ويذهب ببياضها.
والمحرّق نافع جدا لحصى المثانة والكلية إذا سقي بشراب، ورماد الزجاج أجود.
زرنيخ «3»
قال أرسطو: هو حجر معروف، ألوانه كثيرة، فمنه أحمر، ومنه أصفر، ومنه أغبر. فأما الأحمر والأصفر فهما ذهبية المنظر، إذا جمع مع الكلس حلق الشعر، وهو سم قاتل. ومن كلّس الزرنيخ حتى يبيضّ وسبك النحاس وألقى عليه شيئا من البورق، بيّضه وذهب برائحته النتنة. وإذا حرق بالنار، ودلك به الأسنان أذهب بحفرها ونفعها.
وقال غيره «4» : الزرنيخ يجعل على الجراحات والسّعفة والجرب الرطب ينفع من جميع ذلك. وإذا جعل مع شيء من الزيت قتل القمل، وإذا جعل مع دهن الورد نفع البواسير، وإذا طلى الإنسان به بدنه لإزالة الشعر حدث به كلف فليطل بعده بالأرز والمعصفر يدفع غائلته. والزرنيخ الأصفر يقتل الذباب برائحته فإن(22/241)
جعل في دبس أو نحوه ليأكله مات هو.
وقال ابن البيطار «1» : قوته قوة محرقة محرّقا كان أو غير محرّق، ومتى أحرق صار ألطف ما كان، والناس يستعملونه في حلق الشعر من طريق أنه يحرقه، وإن طال مكثه أحرق البدن أيضا. وقوته معفنة منضجة مفتحة منقية للصديد، يلذع لذعا شديدا، ويقلع اللحم الزائد في القروح، ويحلق الشعر. وقوة الزرنيخ الأحمر مثل قوة الأصفر، وإذا خلط بالراتينج أبرأ داء الثعلب، وإذا خلط بالزفت قلع الآثار البيض في الأظفار، وإذا خلط بالزيت ودهن به نفع من القمل، وإذا خلط بالشحم طلى الجراحات. ويوافق قروح الأنف وسائر القروح، وإذا خلط بدهن ورد، وافق البثور والبواسير النابتة في المقعدة. ويخلط بادرومالي «2» ويسقى لمن في صدره قيح مجتمع فينتفع به، ويدّخن به مع الراتينج ويجتذب دخانه بإنبوبة من قصب في الفم للسعال المزمن، ويلعق بالعسل فيصفّي الصوت، ويخلط بالراتينج ويعمل منه حب ويسقى من به ربو وعسر نفس، فينتفع به.
ومنه صنف أبيض قاتل. والأصفر جيد للضرب بالعصا والسياط والخدوش، وإذا طلي به آثار الدم الميت أذهبها، وإذا سحق الزرنيخ الأصفر وجعل في اللبن لم تقع عليه ذبابة إلّا ماتت. والأحمر إذا طلي به تحت الإبط بعد أن يعجن بعصارة البنج الأخضر وينتف الشعر من الإبط لم ينبت فيه شعر أبدا.
والقيروطي المتخذ من الزرنيخ الأحمر نافع لقروح الفم والأنف والأكلة فيهما، وإذا خلط بوزنه من الجير قبل طفيه وعجنا بعسل أو بماء الصابون وأحرقا في أنبوب قصب نفع من الآكلة ومن حفر اللثة ومأكلها. وإذا خلط منه اليسير(22/242)
بسائر أدوية اللثة أنبت اللحم الناقص منها، وإذا عجن بمثله لب الجوز واللوز وقلب الصنوبر أو الميعة ووضع من مجموعها في النار مقدار نصف درهم وابتلع دخانه من أنبوب نفع من السعال البارد وأبرأه، ومن الربو وضيق النفس إذا قدمت هذه الأعراض وتوالى التدخين به أياما على الريق حتى يبدو تأثيره. وينبغي أن يتحسّى على إثر استعماله [حساء] متخذا من لوز حلو ونخالة بزبد لئلا يضر الأعضاء التي يمر عليها. ومن (131) سقي الزرنيخ المضعف حدث له مغس شديد وقروح في الأمعاء فليشرب ماء حارا مع جلاب مرات كثيرة حتى ينغسل أكثره، ثم يسقى ماء الأرز وماء الشعير ونحوهما مما ينفع قروح الأمعاء ويحتقن بها، فإن حدث عنها سعال مؤذ عولج بالأشياء اللينة.
زفت
هو أقرب إلى الحجر من النبات فلهذا ذكرنا [هـ] هنا. قال ابن البيطار:
ويسخن [أكثر مما يجفف] «1» وفيه شيء من اللطافة بها ينفع من به ربو، ولمن يقذف المرّة «2» . وحسب من يعالج به أن يلعق منه مقدار قواثوس «3» واحد، وهو أوقية ونصف، بعسل.
والزفت الرطب يصلح الأدوية القتالة، وإذا لعق منه أوقية ونصف بعسل كان صالحا لمن به قرحة في رئته، ولمن في صدره ورئته قيح، وللسعال والربو. وإذا تحنّك به [بالعسل] كان صالحا لورم العضل عن جنبي طرف الحلقوم والمريء ولورم اللهاة والورم المسمى خناقا. وإذا استعمل بدهن لوز نفع الآذان التي تسيل(22/243)
منها الرطوبة. وإذا تضمد به بملح مسحوق كان صالحا لنهش الهوام، وإذا خلط به من الموم جزءا مساويا له قلع الآثار البيض في الأظفار، وقلع القوابي، وحلّل الجراحات الصلبة، وصلابة الرحم والمقعدة. وإذا طبخ بدقيق شعير وبول صبي فتّح الخنازير. وإذا خلط بالكبريت أو بقشر التوتيا «1» والنخالة ولطخ به النّملة منعها أن تسعى في البدن. وإذا خلط بدقاق الكندر ومرّ ألحم القروح العميقة، وإذا لطخ به مفردا على الرّجل والمقعدة وافق الشقاق الذي فيها. وإذا خلط بالعسل نقّى الجراحات والقروح، وبنى فيها اللحم. وإذا خلط بالزيت والعسل قلع الخشكريشة من القروح التي تسمى الحمر «2» والقروح العميقة. وينتفع به لعلل المعدة والكبد. وإذا أعطي منه أوقية واحدة فعل مثل ذلك وينتفع به، وإذا خلط في المراهم العفنة والزفت اليابس [فإن] «3» قوته مليّنة مفتّحة محلّلة للجراحات، ويبني اللحم في (132) القروح، وينتفع به في مراهم الجراحات.
والنوعان من الزفت يدبغان «4» الأظفار إذا حدث فيهما البياض عند ما يخلطان من الشحم، ويذهبان القوابي، وينضجان الأورام الصلبة التي لا تنضح إذا وقعا في الأضمدة وأقواهما في ذلك كله الزفت الرطب، واليابس في هذه الخصال قليل الغناء، وهو في إدمال مواضع الضرب أدمل وأنفع. ويكون من الزفت الرطب شيء يقال له قسالاون وهو دهن إذا نزعت عنه مائيته كما يظهر ماء الجبن على الجبن. ويجمع في طبخ الزفت على الزفت بأن يعلق صوف نقي(22/244)
على الزفت فإذا ابتلّ من البخار المتصاعد يعصر في الإناء، ولا يزال يفعل ذلك والزفت يطبخ فينفع مما ينفع منه الزفت. وإذا تضمد به مع دقيق الشعير أنبت الشعر في داء الثعلب. والقسالاون والزفت الرطب يبريان قروح المواشي وجربها إذا لطخت عليها، وينفعان لتمدد الأعصاب والأوتار، ولعرق النّسا. وقد يجمع من الزفت الرطب دخان قوته حارة قابضة مثل قوة دخان الكندر. وينبغي أن يستعمل في الأكحال التي تحسّن هدب العين، وفي الأكحال واللطوخات النافعة لنبات الأشفار المتناثرة والعيون من ضعفها ودمعتها وقروحها. وإذا احتقن بالزفت الرطب نفع من سم العقرب وحيا، وإذا حلق وسط رأس من ابتلع علقة ودهن الموضع المحلوق بقطران أخرج العلقة وحيا، مجرّب.
زفتي
قال أرسطو: إنه حجر أسود مثل الزفت، إذا كسرته انكسر مثل الزجاج، يوجد ببجاية «1» المغرب. خاصته «2» أنه إذا سحق واستعط بالدهن يذهب بالجذام والماء الأصفر، ويفجّر الجراحات.(22/245)
زمرّد
ويقال أيضا زبرجد «1» . قال أرسطو «2» : هو حجر يتكون في معادن الذهب، أخضر اللون شديد الخضرة شفّاف، وأشده خضرة أحمده وأصفاه جوهرا من كمده في الخاصية والعلاج.
وقال في كتاب الأحجار «3» : (133) إن حجر الزبرجد طبعه اليبس والبرد، ويجب أن تختار منه ما كان أخضر شديد الخضرة وفي لون الكرّاث الصافي، متناسب الأجزاء ليست فيه كدورة، مشرق اللون.
وأصناف هذا الحجر ثلاثة وهي «4» : نوع واحد أخضر شديد الخضرة، وأسود، وأصفر. ولهذا الحجر أشباه كثيرة تقارب لونه وجسمه ولا تبلغ منفعته، والفرق بينهما أن الزبرجد إذا طرح في الماء ردّ الماء إلى لونه، وإن مسح به على مسيل دم من البدن قطعه، وأشباهه لا تفعل هذا الفعل. ويؤتى به من بلاد الهند، ومن صعيد مصر، ومن بلاد أطراعلا «5» ، ومن جزائر قبرص. قال «6» : ومن خواصه أنه يشرب للسع الهوام ونهشها ومن السم القاتل، وذلك إذا سحل منه(22/246)
وزن ثلاث شعيرات أو شعيرتين «1» قبل أن يبلغ منه السم فشربها فإنه يخلّصه من الموت. وإذا أدمن النظر إليه أذهب كلال البصر. ومن تقلد به أو تختّم أذهب عنه الصرع، وكان واقيا له من الأذى، جالبا له كل مسرّة، ولأجل ذلك فإن الملوك تعلّق الزمرد على أولادهم وأهاليهم ليدفعوا بذلك داء الصرع. وإن سحق بعسل ودهن ورد ولطخ به الرأس سكّن الصداع القوي، وإن قطّر من مائه في الأذن الوجعة أسكنها، وإن علّق على من به نفث الدم أذهب عنه ذلك. قال ابن ماسويه: جربته كذلك فوجدته حقا «2» .
وقال الرازي «3» : الزمرد الفائق إذا وقعت عليه عين الأفعى سالت من وقتها.
قال ابن البيطار «4» : الزمرد الفائق حجران لهما اسمان وهما جنس واحد.
جبل الزمرد من جبال البجاة موصول بالمقطّم جبل مصر خاصة «5» . قال: ومن شرب من سحالته وزن ثمان شعيرات قبل أن يعمل فيه السم خلّصه من الموت، ولم يسقط شعره، ولم ينسلخ جلده. وهو نافع من الجذام إن شربت حكاكته، وإذا سحق وخلط بأدوية السعفة العسرة البرء نفعها نفعا بينا. وذكر في خواصه نحو ما (134) تقدم.(22/247)
زنجار «1»
قال أرسطو «2» : هو حجر يستخرج من النحاس والصّفر بالخل، ويدخل في كثير من أدوية العين كالسلاق والجرب ورفع الأجفان عند استرخائها «3» . وفيه قوة السم إذا شرب، وهو يبرئ النواصير إذا حشّيت به، ويأكل اللحم الميت من الجراح. وقال غيره: هو معدني ومعمول، فالمعدني يتولد من معادن النحاس، وهو ينفع [إذا خلط معه شيئ يسير] «4» من القيروطي للجرب والبهق والبرص.
إذا نفخ في الأنف نفع من نتنها ولكن بعد أن يملأ الفم ماء لئلا يصل إلى الحلق، وينفع لبياض العين مع أدويته، وينفع البواسير.
وقال الشيخ الرئيس «5» : هو تكريج النحاس «6» بأن تكب آنية على أخرى فيها خل. وينفع من البواسير بأن يتخذ منه، ومن الأشق، «7» فتائل، وتحشى به البواسير.
وقال ابن البيطار «8» : له كيفية حادة، وهو يحلل أو ينقص اللحم ويأكله(22/248)
نقطة «1» سوداء، نقص سوادها. والأصفر منه أقل صبرا على النار من الأحمر، فأما الكحلي فلا صبر له على النار البتة. وجميع أنواع اليواقيت لا تعمل فيها المبارد [الفولاذ] «2» . ويقال إن الياقوت يمنع جمود الدم إذا علّق [على من به ذلك] «3» .
وقال في كتاب الأحجار: (200) إن الياقوت طبعه الحرارة واليبس، ويجب أن يختار منه ما كان مشرق اللون، شديد الصبغ جدا، متناسب الأجزاء، ليست فيه كدورة ولا نكتة ولا زجاجية ولا تضريس. وأصنافه خمسة، أحمر ورماني وأصفر وأكحل وأبيض. ولهذا الحجر أشباه كثيرة تقارب لونه وجنسه، ولكن ليس تبلغ مبلغه، والفرق بينه وبين أشباهه أن الياقوت إذا دخل النار ازداد حسنا، ولم تضره النار شيئا. وإن سحل بالمبارد، لم تؤثر فيه، وأشباهه ليست كذلك.
وذكر أرسطاطاليس في بعض كتبه: إن من الياقوت ما يكون أخضر، وطبعه مثل طبعهم، وفعله مثل فعلهم، ويؤتى [به] من أقصى جبال الهند.
وقال الشيخ الرئيس في كتابه الأدوية القلبية: أما طبعه فيشبه أن يكون معتدلا. وأما خاصيته في تفريح القلب وتقويته، ومقاومة السموم، فأمر عظيم.
ويشبه أن تكون هذه الخاصية قوة غير مقتصرة على جزء فيه، بل فائضة منه، كفيضانها من المغناطيس في جذبه الحديد من بعيد.
قال: ومما يقنع به في هذا الباب في أمر الياقوت، أنه يبعد أن نقول «4» إنّ(22/249)
من لبن امرأة، وقطرة من عسل غير مدخر، ثم يسحق ذلك في الصلاية بالفهر حتى يثخن ويسود، فإذا اكتحلت به العين أحدّ النظر وجلا الغشاوة وقلع البياض. (والزنجار المتخذ بالنوشادر والشب والخل إذا سحق ونفخ في الأنف وملئ الفم ماء لئلا يصل إلى الحلق فإنه ينفع من نتن الأنف) «1» ومن القروح الملتهبة الرديئة فيه. والزنجار إذا خالطه أدوية الرأس الشّهدية والمتعفنة نفع منها.
وإذا خلط بأدوية العين النافعة من الظفرة والسبل «2» وبياض العين والمحدّة للبصر والمجففة لرطوباته فعل فعلا عجيبا. وإذا عجن مع العسل أو طبخ به مع الخل نفع من قروح الأعضاء اليابسة المزاج كلها، كقروح الفم وبثوره، واسترخاء اللثة، وقروح الأنف والأذن.
وعلى الجملة فهو مضر في كل ما ذكرنا متى لم يجعل منه المقدار القصد بحسب المزاج وبحسب العلل المعالجة، فيجب أن يتفقد فعله في كل مرة، ويزداد فيه أو ينقص بحسب ما يظهر منه.
زنجفر «3»
قال أرسطو: إن الزئبق إذا طبخ في الزجاج على النار واستوثق من رأس الآنية كيلا يطير الزئبق حدث «4» الزنجفر واستحال بياضه إلى الصفرة «5» حتى يصير(22/250)
كأحمر شيء يكون، فإن انشقّت هذه الآنية وأصاب بدن صاحبها شيء من الزئبق أو من دخانه صار مرضا صعبا وربما يقتل. وقال غيره: إن من الزنجفر معدنيا ومصنوعا، فالمعدني يتولد من إسالة شيء من الكبريت إلى معدن الزئبق فيستحيل زنجفرا، والمصنوع ما ذكره أرسطو.
وهو يدمل الجراحات، وينبت اللحم في القروح، وينفع من حرق النار، وتآكل الأسنان. وهو من السموم (136) القاتلة.
وقال ابن البيطار: قوة [الزنجفر] حادة شبيهة بقوة الشاذنج «1» ، وفيه قبض ويصلح للاستعمال في أدوية العين، ويقطع الدم، ويخلط بالقيروطي فيبرئ حرق النار والبثور، ويدمل الجراحات، وينبت اللحم في القروح، ويمنع تآكل الأسنان.
ويقع في المراهم المدملة والقروح العفنة، ويستعمل ذرورا على الآكلة «2» ، وعلى كل ما فيه من القروح عفونة.
زهرة الملح «3»
قوته تحلل تحليلا شديدا، يصلح للقروح الخبيثة، والآكلة، والقروح التي تتقشر، والرطوبة السائلة من الأذن، والغشاوة التي في البصر، والآثار العارضة عن اندمال القروح في العين. ويقع في أخلاط بعض المراهم والأدوية، والأدهان ليصبغها، مثل دهن الورد. ويدر العرق، وإذا شرب بالخمر والماء أسهل البطن.(22/251)
وهو رديء للمعدة، ويقع في أدهان الإعياء، وفيما يدلك به البدن ليرقق به الشعر. وهو في الحدة والتلذيع مثل الملح.
زهرة النحاس
قابضة، تنقص اللحم الزائد، وتحلل الأورام، وتجلو غشاوة البصر مع لذع شديد. و [إذا] يشرب منها مقدار أربعة «1» أوثولوسات أسهل كيموسا غليظا، ويذيب اللحم الزائد في باطن الأنف وفي المقعدة، وإذا خلطت بالخمر أذهبت البثر. وما كان من زهرة النحاس أبيض وسحق ونفخ بمنفخة في الأذن نفع من الصمم المزمن، وإذا خلط بالعسل وتضمد به حلل أورام اللهاة والنغانغ. وزهرة النحاس ألطف من النحاس المحرّق، وهو منقّ غسّال محلّل لخشونة الأجفان، وهو من الأدوية المدملة المنشّفة النافعة من القروح الخبيثة والقروح العفنة.
زنوس
قال أرسطو: هذا الحجر يوجد بقرب البحر الخضم الأخضر «2» . من خواصه:
أن الإنسان إذا تختّم به كان يزول عنه الهم والغم بإذن الله.
شادروان «3»
قال ابن وافد «4» : (137) معناه بالفارسية سواد العصاة. وهو شيء أسود(22/252)
يصبغ به العود بعمان، ويدخل في الطيوب والغوالي «1» ولا رائحة له.
وقال التميمي «2» : هو شيء شبيه بالصمغ الأسود، شديد سواد اللون مثل حصى السبج «3» ، يكون في التجويفات الترابية الكائنة في أصول أشجار الحور «4» الكبار العتيقة التي قدّمت ونجرت أصولها، فإذا قطعت الشجرة وجد الشاذروان في دواخل تلك التجويفات. والنحر الجيد إذا كسرته كان له بصيص، فإذا أنقعته في الماء الحار انحل، ويؤدّي لونه محلولا إلى الشّقرة، ويشبه كسره كسر الأقاقيا صافيا بصّاصا، وفي طعمه يسير مرارة. وإذا سحق منه وزن درهم وشرب بماء لسان الحمل قطع نفث الدم وحبس الطبيعة وقطع الإسهال، وذلك لأن فيه قبضا وتغرية. وقد يدخل في السفوفات الحابسة للدم في كثير من الأضمدة القابضة الممسكة القاطعة لانبعاث الدم من الأعضاء. وإذا تحملته المرأة في فرجها «5» بعد عجنه بالخل قطع النزف وقوى عروق الرحم وأوردتها، وكذلك إذا سقي بعصير لسان الحمل، وإذا حقنت الرحم به أيضا، وقد يحل الأخضر منه في ماء ورق الآس، وزن مثقالين، ويسكب عليه من دهن الآس وزن ثلاثة دراهم أو خمسة وتغلّف به المرأة شعرها إذا كان يتساقط. ويسقى أصول الشعر به محلولا بماء الآس فيقوّي أصول الشعر ويمنعه من السقوط والتناثر.
وقال الرازي في الحاوي «6» : ينفع من ورم الخصى والذّكر، إذا طلي عليهما(22/253)
بخل خمر. وقال ديغورس «1» : خاصته تقوية الشعر.
سبج «2»
قال أرسطو: هو حجر يؤتى به من الهند، وهو أسود شديد السواد، برّاق شديد البريق، رخو ينكسر سريعا من بين الأحجار، وإذا أصاب الإنسان ضعف في بصره من الكبر نفعه دوام النظر إليه، وكذلك ينفع لمن بدا الماء في عينيه، وعلامته رؤية دخان قدّام عينيه، أو شبه ذبّان (138) يطير قدّام عينيه، فيديم النظر في السبج، فيدفع ذلك عنه بإذن الله. ومن لبس منه خاتما أمن غائلة عين السوء.
وقال غيره: إذا نظر الشيخ إلى السبج أحدّ نظره، وإن سحق واكتحل جلا البصر، وإذا علّق على الرأس نفع من الصداع.
سرطان بحري «3»
قال ابن سينا «4» : إذا قيل سرطان بحري فليس نعني به كل سرطان في البحر،(22/254)
بل ضرب منه خاص، حجري الأعضاء كلها.
وقال التميمي في كتاب المرشد «1» : هذا السرطان مستحجر بارد، ليس في الدرجة الثالثة بل أزيد، ويدخل في الاكحال محرقا وغير محرق، والمحرق أفضل وأقوى لفعله. وفيه أيضا قبض وجلاء، ينشّف الرطوبات المنصبة إلى طبقات العين، وفيه تقوية لطبقاتها وعضلاتها وأعصابها، ويزيد في جلاء العين، وإذا حرق بالنار زاد لطافة وتقوية.
وقال ابن التلميذ «2» : يستعمل هذا السرطان في المركبات البيمارستانية في الكحل العزيزي، وفي أخلاط التوتيا الهندي.
وقال المجوسي «3» : يجلو آثار العين من القروح «4» ، ويحد البصر، ويجلو الأسنان إذا سحق واستن به.
قال ابن البيطار: يقال إنه يكون سرطانا في البحر ببلاد الصين، فإذا خرج من البحر ولقيه الهواء تصلّب وتحجّر مكانه، وكذلك تجده سرطانا مكملا خلقته «5» ، حجريا، ولم يذكره ديسقوريدوس ولا جالينوس في بسائطهما البتة.
وأما الحيوان الذي سماه حنين في مفردات جالينوس بالسرطان البحري فليس هو بسرطان كما قال، وإنما هي السمكة المسماة بالرومية سبتا «6» ، وهي معروفة(22/255)
مذكورة، وتعرف في بعض سواحل البحر بالقنّاطة «1» بالقاف والنون المشددة، وتؤكل مشوية ومطبوخة، ويستعمل منها في الطب خزفتها التي في باطنها وهي الخزفة المعروفة عند الأطباء بلسان البحر فافهمه.
سلسيس
قال أرسطو: هذا الحجر خفيف متخلخل، إذا لمسته ظننت أن الريح تخرج منه، وإذا عصفت الريح على (139) أهل البحر وأقبلت الأمواج ومرّ ماء البحر منصرفا مع الريح، أقبل هذا الحجر مع الريح والماء، فمن استصحب من هذا الحجر ولو وزن قيراط وأقل، لم يظفر به عدو أبدا.
سنباذج «2»
قال إسحاق بن عمران: قال أرسطاطاليس: طبع حجر السّنباذج البرد في الدرجة الثانية، واليبس في الدرجة الثالثة. ومعدنه في جزائر بحر الصين. وهو حجر كأنه مجتمع من رمل خشن، ويكون [منه] «3» حجارة متجسّدة كبار وصغار. وخاصته أنه إذا سحق فالسحق كان أكثر عملا منه إذا كان عليه تخشنه، ويأكل أجسام الأحجار إذا حكّت به يابسا ومرطبا بالماء، والمرطب بالماء أكثر فعلا، وفيه جلاء شديد وتنقية للأسنان، وله حدة يسيرة، ويستعمل في الأدوية(22/256)
المحرقة والمجففة والمبرئة لترهل اللثة وتغير الأسنان. وإن أحرق بالنار وسحق وألقي على القروح والبثور والعفن الذي قد طال مكثه أبرأه. وقال جالينوس في التاسعة: قوته تجلو جلاء شديدا، والدليل على ذلك أن النقّاشين والخرّاطين يستعملونه في المواضع التي يحتاجون معها إلى ذلك، وقد جرّبناه نحن «1» في أنه ينقّي الأسنان ويجلوها. وفيه قوة حادة ولذلك صار بعض الناس يخلط منه في الأدوية المجفّفة التي تنقّي اللّثة المترهلة. وقال ديسقوريدوس في الخامسة: هو حجر يستعمله نقّاشو الخواتم في جلاء الفصوص، وقد يخلط في أخلاط المراهم المعفنة والمحرقة، وينفع اللّثة المسترخية، ويجلو الأسنان. قال ابن البيطار: زعم ابن وافد في مفرداته أن حجر السّنباذج هو حجر الماس، وأضاف ما قاله ديسقوريدوس وجالينوس في السنباذج إلى قول غيرهما في الماس، ولم يعلم- رحمه الله- أن حجر الماس لم يذكره ديسقوريدوس ولا جالينوس.
شاذنه وشاذنج وحجر الدم «2»
قال ديسقوريدس في الخامسة: أجود ما يكون منه ما كان سريع التفتت إذا قيس على غيره من الشاذنة، وما كان صلبا مشبع «3» اللون مستوي (140) الأجزاء، وليس فيه شيء من وسخ، وليس فيه عروق. وقال جالينوس في التاسعة:
الشاذنة تخلط في أشياف العين، [وقد تقدر أن] «4» وحده في مداواة خشونة الأجفان، فإن كانت الخشونة مع أورام حارة فحل الشاذنة وأذفها بالماء المذاف فيه(22/257)
الحجر، وزد في ثخنه دائما، واجعله في آخر الأمر من الثخن في حد يحمل على الميل، وأكحل به العين من تحت الجفن، أو يقلب الجفن وتكحله به. وهذا الحجر إذا حك على المسن نفع من نفث الدم ومن جميع القروح، فإن سحق يابسا حتى يصير كالغبار ضمر القروح التي ينبت فيها اللحم الزائد. وإذا قطّر محكوكا بالميل أدمل وختم القروح. وقال ديسقوريدوس: وقوة الشاذنة قابضة مسخنة إسخانا ملطفا، يجلو الآثار التي في العين، ويذهب بالخشونة التي في الجفون إذا خلط بالعسل، وإذا خلط بلبن امرأة نفع من الرمد والدموع والحرق التي تعرض في العين المدمية إذا طلي به. وقد يشرب بالخمر لعسر البول والطمث، ويشرب ماء الرمانين «1» لنفث الدم. ويعمل منه أشيافات إذا خلط بأقاقيا صالحة لأمراض العين والجرب فيها، وقد يحرق كما يحرق غالب الأحجار، ولكن مقدار إحراقه إلى أن يصير وسطا في الخفّة، وشبيها بالتفاحات.
شبّ «2»
قال ديسقوريدوس في الخامسة: أصنافه كلها إلّا القليل توجد في معادن بأعيانها بمصر، ومنها ما يكون باليمن ونينوى وأرمينية، والمستعمل منها في الطب ثلاثة، أحدها المستدير، والثاني الرطب، وأجودها المشقّق. وأجوده ما كان حديثا أبيض شديد البياض شديد الحموضة ليس فيه حجارة، [مثل الذي يقال طرحيلي] «3» ومعناه الشعري، ويكون بمصر. ويوجد صنف من الحجارة تشبهه جدا ويفرق بينهما أن الحجر لا يقبض والشب يقبض. وأما المستدير [ف] ينبغي(22/258)
ألا يستعمل، ويستدل عليه من شكله لأنه مستدير بالطبع. ومنه شبيه بالتوتيا لونه (141) إلى البياض يقبض قبضا قويا وبه شيء من صفرة ذهبية، وليس فيه شيء من الحجارة، سريع التفتت، وليكن من مصر.
وأما الصنف الرطب فينبغي أن تختار منه ما كان صافيا شبيها باللبن، متساوي الأجزاء، كل أجزائه رطبة سيّالة، ليس فيها حجارة، وتفوح منه حرارة رائحة نارية. وقوة هذه الأصناف مسخّنة قابضة تجلو غشاوة البصر، وتقلع البثور اللبنية، وتذيب اللحم الزائد في الجفون. وينبغي أن يعلم أن الشب المشقق هو أقوى من المستدير، وقد تحرق هذه الأصناف وتشوى كما يفعل بالقلقطار، وقد يمنع القروح الخبيثة من الانتشار، ويقطع نزف الدم ويشد اللّثة التي يسيل منها اللعاب. وإذا خلط بالخل أمسك الأسنان المتحركة، وإذا خلط بالعسل نفع من القلاع، وإذا خلط بالحشيشة المسماة برشان داروا «1» ، وأنفع من البهق «2» ومن سيلان المواد التي في الأذن. وإذا طبخ بورق الكرم وماء العسل وافق الجرب المتقرح. وإذا خلط بالماء، وصب على الحكّة والآثار البيض في الأظفار والداحس «3» والشقاق العارض من البرد، نفع. وإذا خلط بدردي «4» الخل «5» مع جزء مساو له من العفص نفع من الآكلة «6» . وإذا خلط جزء منه وجزء من الملح،(22/259)
نفع من القروح الخبيثة المنتشرة. وإذا لطخ على الرأس بماء الزّفت قلع النخالة، وإذا لطخ بالماء قتل القمل والصّئبان، ونفع من حرق النار. وقد يلطخ به الأورام البلغمية والآباط المريحة فيقطع رائحتها. وإذا صير منه في فم الرحم بصوفة قبل الجماع قطع نزف الدم، وقطع الحبل، وقد يخرج الجنين. وهو صالح لورم اللثة واللهاة والنغانغ والفم، وقد يصلح لأوجاع الأذن وأوجاع القروح والأنثيين.
وقال جالينوس في التاسعة «1» : فيه قبض كثير جدا، وجوهره غليظ إلّا أنه ألطف ما فيه الشب المعروف باليماني، وبعده المستدير. وأما (142) الرطب والصفائحي فشديد الغلظ. قال الرازي في خواصه: إذا طرح الشب في الماء الكدر والنبيذ صفّاه وروّقه في أسرع زمان وأقربه.
وقال في كتابه في الأدوية الموجودة: إذا وضع الشب تحت الوسادة أذهب الفزع والغطيط الكائن في النوم. وقال أرسطو: هذا الحجر حجر أبيض مشوب بعضه بشيء من الحمرة، إذا أراد الصباغون صبغ شيء من الثياب غمسوه في الشب قبل أن يغمسوه في الصبغ، فإن الصبغ لا يفارقه أبدا، أو يدخل أيضا في عمل الصنعة لتنقية الجسد وصبغه. قال: وذكر أن الشب اليماني يقطر من جبل اليمن، وهو ماء فإذا صار إلى الأرض استحال شبّا، يمنع من كل نفث دم وقذفه، وهو مع دردي الخل يجفف القروح العسرة المتآكلة، وطبيخه يتمضمض به، ينفع من وجع الأسنان والحمّيات العفنة خصوصا في الصبيان.(22/260)
شك «1»
هو التراب الهالك عند أهل العراق، وهو سم الفأر أيضا، وعند أهل المغرب رهج الفأر. قال الرازي في خواصه «2» : الشك شيء يؤتى به من خراسان من معادن الفضة، وهو نوعان أبيض وأصفر. إن جعل في عجين، وجعل في زيت، وأكل منه الفأر، مات ومات كذلك كل فأرة تجد ريح تلك الفأرة حتى يمتن أجمع، وهو صحيح، وقد وقفت عليه. وقال في المنصوري «3» : الزنجفر والشك يعرض من شربهما مثل ما يعرض من الزئبق المقتول إلا أن الشك قوي جدا قاتل لا يتخلص منه، وعلاجه مثل «4» علاج من سقي الزئبق المقتول.
سنج
قال التميمي في المرشد «5» : هو الحلزون الكبار البحري المتقرّن الجوانب، وهو نوع من الحلزون، عظيم غليظ الوسط، مستدق الطرفين، مملوء الجوانب بقرون له ثابتة، وجوفه خال، وقد يجلب من بلاد الهند، وبحر الحبش، وبحر اليمن. ولون باطنه (143) أبيض غليظ الجسم، وربما يعلو ظاهره صفرة ورقطة. وزعموا أن البحر يقذف به مع الزّلف «6» وقد يوجد في بعضه حيوان لزج على شكل البزّاقات «7»(22/261)
يسمى الحلزون، وهو إذا أحرق يدخل في كثير من أكحال العين الجاسية في كثير من أشيافاتها وأدويتها وتحجيراتها، وذلك أنه إذا حرق وسحق وأنعم سحقه وغسل واكتحل به غير محرق كان أقوى لجلائة، وإذا اكتحل به محرقا كان أقوى لتنشيفه وتجفيفه، وإن غسل بعد إحراقه كان تنشيفه من غير لذغ، وقد يقوّي حسن البصر، وينشف رطوبة البيضة. وفيه قوتان نشافة وجلاية.
صدف «1»
حجر معروف، منه ما يتكون في الماء العذب وهو أجود، ومنه ما يتكون في الماء الملح. قال ابن البيطار «2» : ليس يستعمل الصدف غير محرق، فإذا أحرق صار يجفّف تجفيفا بليغا. وينبغي أن يسحق سحقا ناعما، وهذا باب عام لجميع الأشياء التي جوهرها حجري، وإذا استعملت وحدها كانت نافعة للجراحات الخبيثة لأنها تجفّف من غير لذع، فإن عجنت بخل أو عسل أو بشراب نفعت الجراحات المتعفنة. أما الصدف الذي داخله الحيوان المسمى أو سطراون فقوتها مثل هذه إلا أنه ألطف في جميع هذه الأجزاء، فإذا أحرقت سلخت ذلك عنها بالإحراق وصار لها قوة مخالفة لهذه، فإن غسل بعد الحرق وصارت غسالتها تسخّن إسخانا لطيفا حتى ربما يحدث عفونة ويصير الباقي أرضيا لا يلذع، وهذا يكون نافعا للجراحات الرّطبة لأنه يبني اللحم فيها ويختمها. وخزفة أو سطراون خاصة إذا أحرقت تستعمل في مداواة الجراحات الغائرة العتيقة التي يعسر نبات اللحم فيها بسبب مائية تنصب إليها، وفي جراحات قد صارت نواصير وغارت،(22/262)
فيضع حولها من خارج «الخم» خنزير عتيق، ونصنع في نفس الجراحات من داخل الأشياء التي تبني اللحم في (144) هذه القروح ورماد أوسطراون وفروفس وفرفروا، يجلو ويبرق الأسنان، لا بقوة فقط لكن بخشونة أيضا، ولكن يضطر في هذه المواضع إلى سحقها كثيرا، وإن خلط معها الملح، كان جلاؤها أقوى، حتى يجفف اللثة المترهلة، وينفع الجراحات المتعفنة.
وأما امنافس، وأجوده ما كان من نيطس، فإذا أحرق فعل مثل ما يفعل فروفس وإذا غسل مثلما يغسل الرصاص، وافق أوجاع العين؛ وإذا خلط مع العسل أذاب غلظ الجفون، وجلا بياض العين، وسائر ما يظلم البصر، ولحم الصدف الداخل، يوضع على عضة الكلب الكلب فينفع منها.
وأما الطلينس فإذا أكل طريا لين البطن ولا سيما مرقه. وأما ما كان منه عتيقا وأحرق وخلط بقطران وسحق وقطّر على الجفون لم يدع الشعرة أن تنبت في العين.
وصدف الفرفير إذا طبخ، وأدهن به، أمسك الشعر المتساقط وأنبته، وإذا شربت بخل أدملت ورم الطحال. وإذا بخر به وافق النساء اللواتي عرض لهن اختناق من وجع الأرحام، وإخراج المشيمة.
قال أرسطو: خاصته أنه يجذب السلى والعظام، ويسكن وجع النقرس والمفاصل إذا ضمد به، وإذا سحق بالخل قطع الرعاف، وإذا أخذ منه قطعة صافية، وتشد في خرقة تعلق على الصبي، فإن أسنانه تنبت بلا وجع.
صدف البواسير
قال في كتاب الرحلة «1» : هو نوع من الصدف يوجد كثيرا في ساحل بحر(22/263)
القلزم وغيره من أماكن أخر من بحر الحجاز، جرّب منه النفع من البواسير، دخّنه من أسفل، فيسقطها ويحرق أيضا، ويعجن بعسل فيقطع الثآليل، وينفع من الزحير أيضا. وشكلها شكل ما عظم من الحلزون الكبير، لكنها ذات طبقات، وهي كريهة، لونها فرفيري، يميل لونها إلى السلوان «1» .
قال ابن البيطار: تعرف هذه الصدفة بالقلزم بالركبة.
صمغ البلاط
(145) قال ديسقوريدوس في الخامسة «2» : ليثرقلا «3» ومعناه غراء الحجر، وهو شيء يعمل من الرخام، ومن الحجر الذي من بلاد دوسا «4» ، إذا خلط بالغراء المتخذ من جلود البقر بقي كالحجر. وقد ينتفع به في إلزاق الشعر النابت في العين.
وقال سليمان «5» بن حسان: وزعم غير ديسقوريدوس أنه إذا ذرّ على الجراحات بدمها، ألحمها ومنعها من القيح. وهو يصلح القروح الرطبة، وهو معدوم جدا، قليل الوجود، وأكثر ما يكون ببلاد الروم، ويوجد منه شيء قديم لا يعرف كثير من الناس مصنوع هو أم مخلوق، لشدة جهلهم، وقلة معرفتهم به.
طارد النوم
قال أرسطو «6» : هذا الحجر أبيض إلى السواد، ثقيل الوزن جدا، في وزن(22/264)
الرصاص، وفي مسّه خشونة، وربما يكون على لون الطحال. من أخذ منه وزن عشر حبات أو أقل، وعلّقه على إنسان، لا ينام ليلا ولا نهارا، يبقى شاخصا لا يطبق أجفانه، ولا يحس بتعب السهر، بخلاف من سهر ليلا، فإنه يصيبه بسبب ذلك تعب وكلال؛ وإذا نزع هذا الحجر من ذلك الإنسان يبقى أيضا بعد نزع الحجر أياما قليل النوم. وإذا سعط المجذوم وزن ثمان شعيرات من هذا الحجر، برأ بإذن الله تعالى.
طاليقون
هو نحاس طرحت عليه الأدوية حتى صار صلبا، ويسمى بالعجمية هفتجوش. قال أرسطو: هذا من جنس النحاس، غير أنهم ألقوا عليه الأدوية الحادة «1» حتى أحدثت فيه سمّية، فإذا جرح «2» الحيوان، أو خالط لحمه أضرّ به.
ويتخذ منه صنانير للسمك الكبار العظيمة في البحر، فلا تخلص السمك منه إذا نشبت به، وإن عظم خلق الحوت وصغرت الصنارة، لما في الطاليقون من شدة وجع يناله من سمه. ومن أصابه اللقوة فأدخل بيتا لا يرى فيه الضوء، ويديم النظر في مرآة الطاليقون أمن فساد اللقوة. ومن حمّى الطاليقون، وغمسه في ماء، لم يقرب ذلك الماء شيء من الذباب. وإذا حمّى الطاليقون، وغمسه في ماء، لم يقرب ذلك الماء شيء من الذباب. وإذا لطخ الطاليقون (146) بالعسل، وترك في الشمس لم تقربه ذبابة. ومن اتخذ من الطاليقون منقاشا، ونتف به الشعر مرة بعد أخرى، في أي موضع كان، لم ينبت بعد ذلك أبدا.
وقال محمد بن علي «3» : الطاليقون نحاس يدبّر بتوبال النحاس المنقّع في أبوال البقر وماء الأشنان الرطب، فيحدث فيه سمية حادة قوية.(22/265)
وقال غيره «1» : هو صنف من أصناف النحاس الأصفر، والفرق بينه وبين أنواع الأصفر، أن هذا وحده إذا حمّي في النار، وضرب عند خروجه من النار، تمدد وصار أصفر، وينكسر حتى يبرد.
طلق «2»
قال محمد بن عبدون: الطلق حجر براق، يتحلل إذا دقّ إلى طاقات صغار دقاق، ويعمل منه مضاوئ الحمامات «3» ، يقوم مقام الزجاج، ويسمى كوكب الأرض، وعرق العروس.
وقال الرازي في كتاب المدخل العليمي «4» : الطّلق بأنواع بحري ومائي وجبلي، وهو يتصفح إذا دقّ صفائح بيضا دقاقا لها بصيص وبريق.
وقال في كتاب علل المعادن: الطلق جنسان جنس متصفح، وجنس من حجارة، ويكون بقبرص.
وقال ديسقوريدوس: الطلق حجر بقبرص يشبه الشب اليماني يتشظى، ويتفسخ شظايا فسخا، ويلقى ذلك الفسخ في النار، ويلهب ويخرج متقدا، إلا أنه لا يحترق.
وقال الغافقي: هذا الجنس هو الجبسين، وهو الطلق الأندلسي.(22/266)
وقال علي بن محمد: الطلق ثلاثة أصناف، يماني وهندي وأندلسي، فاليماني أرفعها، والأندلسي أوضعها، والهندي معتدل بينهما. فأما اليمني فهو صفائح دقاق مثل صفائح الفضة، غير أن لونها لون الصدف. والهندي مثله لكونه في الفعل دونه. والأندلسي يتصفح أيضا غير أنه غليظ متجبس «1» ، ويعرف بعرق العروس.
وقال أرسطوطاليس: خاصته أنه لو دقّه الداق بالحديد والمطارق والهاون، فكل شيء يدق فيه الأجسام لم يعمل فيه شيئا، وإن أمرّ عليه حجر الماس كسره كسرا صحيحا كما وصفنا، وليس له حيلة يسحق (147) بها إلا بأن يجعل معه أحجار صغار، ويجعل في مسح شعر أو ثوب خشن جدا، ثم يحرك مع تلك الأحجار دائما حتى يتحنت جسمه، ويأكله أولا فأولا.
وقال علي بن محمد: حلّ الطلق أن يجعل في خرقة مع حصوات، ويدخل في الماء الفاتر، ثم يحرك برفق حتى ينحل ويخرج من الخرقة في الماء، ثم يصفى عنه الماء، ويترك في الشمس حتى يجف، ويبقى في أسفل الإناء كالدقيق المطحون.
وقال الرازي: يطلى بالطلق المواضع التي تدني من النار كي لا يعمل النار فيها.
وقال ابن سينا: قال بعضهم في سقيه خطر، لما فيه من تشبثه شظايا المعدة وخملها «2» ، وبالحلق والمري.
وهو بارد في الأولى، يابس في الثانية، قابض حابس للدم، وينفع من أورام الثديين، والمذاكير، وخلف الأذنين، وسائر اللحم الرخو ابتداء، ويحبس نفث الدم من الصدر بماء لسان الحمل وطلاء. وينفع من دوسنطاريا.(22/267)
وقال الغافقي: جيد للقروح التي تهيج بأطراف المجذومين، ينقيها ويجبرها.
وقال أرسطو «1» : هو حجر شريف، يلقى على الرصاص والنحاس والحديد فيجعلها فضة بإذن الله تعالى.
وقال الإسكندر: إنا لما علمنا أن الذهب يحتاج إلى لون له بريق، فلوناه بالطلق. وهو يدخل في كثير من العلاجات الطبية والطّلسم والتبريح.
طوسوطوس «2»
قال أرسطو «3» : هذا الحجر تولده في معدن الفضة والنحاس «4» وهو حجر أخضر فيه طبع الدهنج والتوتيا لما ذكرنا أن التوتيا لا يكون إلا في معدن الفضة؛ والدهنج لا يكون إلا في معدن النحاس وخاصيته أنه إذا نقع في ماء وشرب يقتل وقد فعل هذا قوم بعسكر الإسكندر نقب مثانتهم فماتوا، وهو يفعل فعل الدهنج، وإن ألقي في الكحل ذهب بالبياض العتيق، وإن لم يكن البياض عتيقا أضر بالعين.
طين مختوم
لم يتكلم عليه أحد كجالينوس فإنه قال في التاسعة: الطين المختوم المجلوب من جزيرة (248) لميوس «5» ويسمى مغرة طينية «6» ، ويسمى خواتيم طينية(22/268)
بسبب الطابع الذي تطبعه به المرأة الموكلة بالهيكل المنسوب إلى أنطامس «1» ، فإن هذه المرأة تأخذ هذا الطين بضرب من الإجلال والإكرام من غير ذبيحة، لكنها تقرّب قرابين توصلها «2» إلى ذلك الموضع، ثم تأتي بما تأخذه من ذلك التراب إلى المدينة فتبله بالماء وتعمل منه طينا رقيقا، ولا تزال تضربه ضربا شديدا، ثم تدعه بعد ذلك، حتى يرسب، فإذا رسب صبّت ما فوقه من الماء، وتأخذ ما منه سمين لزج، وتترك ما [هو] حجري رملي مما لا ينتفع به. ثم إنها تجففه حتى يصير كالشمع اللين، وتجعله قطعا صغارا وتختمها بخاتم منقوش عليه صورة أنطامس، وتضعها في الظل حتى تجف، فيصير منها هذا الدواء المعروف عند جميع الأطباء بالخواتيم اللمنية، وهي «3» خواتيم البحيرة، والطين المختوم للخاتم الذي يطبع به، وبالمغرة للونه؛ والفرق بينهما أنه لا يلطخ يد من [يقلبه و] «4» يمسه كالمغرة.
وذلك التل المأخوذ منه التراب المذكور أحمر اللون، وليس فيه شجر ولا نبات ولا حجارة سوى التربة وحدها، وهي ثلاثة أصناف: أحدها هذا، ولا يقربه سوى تلك المرأة، والثاني المغرة وهي التي يستعملها النجارون في ضرب الخيط على الخشب، والثالث تراب أرض ذلك التل، وهو تراب يجلو، ويستعمله كثير ممن يغسل الكتان والثياب.
قال جالينوس «5» : فلما قرأت كتاب ديسقوريدوس، وكتب غيره، ووجدت(22/269)
فيها أنه يخلط في ذلك المذكور دم التيوس، تاقت نفسي إلى مباشرة ذلك بأن أعرف مقدار الخلط، كما دعتني إلى السفر إلى قبرص بسبب المحتفرات هناك، والى [الغور ب] «1» فلسطين بسبب قفر اليهود وغيره، مما هناك من الأشياء التي تحتاج إلى المباشرة والنظر، فلم أكسل عن السير إلى جزيرة لميوس «2» . فلما خرجت من أنطاكيا، ووصلت «3» إلى ماقدونيا، ثم انحدرت (149) إلى البحر القريب منها «4» ثم بعد ذلك وصلت إلى قاسوس «5» نحوا من مائتي ميل، ثم إلى جزيرة لميوس نحوا من سبعمائة ميل «6» . ثم رجعت إلى إسكندرية نحو سبعمائة «7» ميل أخرى، ثم رجعت إلي اسكندرية ولم أذكر ذلك جزافا، بل غرضي أنه إذا أراد أحد أن يسافر إلى ذلك المكان «8» ليستعد له عدته «9» .
وفي الوقت الذي وصلت فيه إلى الجزيرة المذكورة، خرجت مع المرأة المذكورة إلى التل المذكور، فألقت هناك عددا معلوما من الحنطة والشعير، وفعلت أشياء أخر كعادتهم في دينهم، ثم حملت من التربة وقر عجلة كما هي وصارت بها(22/270)
إلى المدينة، وعجنت ذلك الطين، وعملت منه طينا مختوما على العادة. فلما نظرت إلى ذلك، رأيت أن أسأل: هل كان فيما مضى من الدهور أحد خلط في هذا الطين دم التيوس أو المعز؟ فلما سألت ضحك مني جميع من سمع سؤالي ذلك وأنكروه إنكارا عظيما.
ثم أحضر لي رجل من أهل تلك الجزيرة كتابا وضعه رجل كان في بلدهم من قديم الدهر، يذكر فيه وجوه استعمال هذا الطين المذكور ومنافعه، فدعاني ذلك الاجتهاد في تجربة هذا الدواء، وترك التكاسل عنه، وأخذت منه عشرين ألف قرص مختوم؛ وكان ذلك الرجل يداوي به الجراحات فيدملها، والقروح العتيقة العسرة الاندمال، ويداوي به نهش الأفاعي وغيرها من الهوام. وكان يسقي من يخاف عليه أن يسقى شيئا من الأدوية القتالة، ويسقى منه بعد شرب السم فينفعه. وكان يزعم أن الدواء المتخذ بحب الغار هو الذي يقع فيه الطين المختوم مقدارا ليس باليسير، قد امتحنه فوجده يهيج القيء إذا شربه الإنسان والسم الذي يتناوله في معدته بعد. ثم جربت أنا أيضا ذلك فيمن شرب أرنبا بحريا، وفيمن شرب الدراريج، بالحدس مني عليهم أنهم قد شربوه، فتقيؤا من ساعتهم السم كله من بعد شربهم الطين المختوم. (150) وقد يعرض لهم شيء من الأعراض اللاحقة لمن يتناول أرنبا بحريا أو دراريج، ولما تقيؤا تبين في القيء ما كان قد شربوه من الأدوية القتالة.
ولم يكن عندي علم من الدواء المتخذ بحب الغار «1» في الطين المختوم، هل معه دفع الأدوية القتالة؟ وقد ضمن ذلك الرجل المذكور عن تجربة له. وزعم أيضا أنه سقي من قد عضه الكلب الكلب بشراب ممزوج؛ وكان يزعم أنه يطلى على(22/271)
القرحة الحادثة عن العضة من هذا الطين إذا أذيف بالخل الثقيف. وكذلك زعم أنه إذا أذيف بالخل يشفي نهش الهوام بعد أن يوضع من فوقه، أو يطلى به ورق بعض العقاقير، التي قوتها تضاد العفونة، وخاصة ورق سقرديون وورق القنطريون الدقيق وورق الفراسيون.
وأما الجراحات الخبيثة المتعفنة فإنا لما استعملنا في مداواتها هذا «1» الطين المختوم، نفعها نفعا بينا. وينبغي أن يكون استعماله بحسب رداءة الجراحة وخبثها، لأن الجراحة المنتنة المترهّلة الوسخة جدا يحتمل أن يطلى عليها الطين المختوم مذافا بخل ثقيف، ثخنه، مثل ثخن الطين المبلول، على مثال ما تداف الأقرصة المسماة بولويداس، وأقرصة قاسيون، وأقرصة أندرون «2» وغيرها، فإنها لما كانت تجفف تجفيفا شديدا، صارت تنفع الجراحات الخبيثة، لذلك بعد أن تذاف، إما بشراب حلو، أو بعقيد العنب، أو بالشراب المعسّل، أو بالأبيض أو بالأحمر، على حسب ما تدعو الحاجة إليه، وعلى هذا المثال يكون هذا الطين المختوم فيذاف بكل واحد من هذه الأنواع، فيكون منه دواء نافع في إلزاق الجراحات الطرية والمتقادمة والخبيثة والعسرة الاندمال.
وقال ديسقوريدوس في الخامسة: هذه التربة تستخرج من معادن ذاهبة في الأرض تشبه السّرب «3» ، وتخلط بدم عنز، والناس (151) الذين هناك يطبعونها بخاتم فيه تمثال عنز، يسمونه سفراحيس «4» ، ومعناه علامة الخاتم في الشيء المختوم. وإذا شرب ففيه قوة يضاد بها الأدوية القتالة؛ له مضادة قوية، وإذا تقدم(22/272)
شربه وشرب الدواء القتال أخرجه بالقيء. ويوافق لدغ ذوات السموم القاتلة من الحيوان ونهشها. وقد نفع في أخلاط بعض الأدوية المركبة.
وقال ابن سينا في الأدوية القلبية: الطين المختوم معتدل المزاج في الحر والبرد، ومشاكل لمزاج الإنسان إلا أن يبسه أكثر من رطوبته، وفيه رطوبة شديدة الامتزاج باليبوسة، فلذلك فيه لزوجة وتغرية، لأن اليبوسة فيه أكثر، ففيه مع ذلك نشف، وفيه خاصية عجيبة في تقوية القلب وتفريحه، ويخرج إلى حد الترياقية المطلقة حتى يقاوم السموم كلها. وإذا شرب بعد السم أو قبله حمل الطبيعة على قذفه؛ ويشبه أن يكون خاصية تنوير الروح وتعديله، ويعينها ما فيه من اللزوجة والقبض، فيزيد الروح مع ذلك متانة، فيجتمع إلى التفريح التقوية.
وقال ماسرجويه: إذا سحق وخلط بالخل ودهن الورد والماء البارد وطلي على الورم الحار نفعه وأبرأه، ويحبس الدم من حيث خرج.
وقال مسيح: وينفع شرب سحيقه، [وشرب نقيعه] «1» وينفع من الوباء في زمنه.
وقال: الخوزي «2» أجوده «3» الذي ريحه مثل ريح الشبث «4» ، وإذا ذرّ به على فم الجرح السائل منه الدم قطعه.
وقال بولس: إذا حقن به الدوسنطاريا المتآكل بعد أن يغسل المعي قبل ذلك بماء العسل، ثم بماء مالح، أبراه.(22/273)
طين مصر «1»
وهو الأبليز «2» . قال جالينوس: وطين الأرض الشمسية الدسمة، فإني رأيت أهل الإسكندرية ومصر يستعملونه، ولقد رأيت بإسكندرية مطحولين ومستسقين كثيرا يستعملون طين أرض مصر، وخلق كثير يطلون (152) منه على سوقهم وأفخاذهم وسواعدهم وأعضادهم وظهورهم وأضلاعهم فينتفعون به منفعة بينة، ولذلك ينفع الأورام العتيقة والمترهلة الرخوة. وإني لأعرف قوما ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم من أسفل فانتفعوا بهذا الطلاء نفعا بينا، وقوم آخرون شفوا بهذا الطين أوجاعا مزمنة كانت متمكنة من بعض الأعضاء تمكنا شديدا فبرأت وذهبت أصلا.
وقال ديسقوريدوس في الخامسة: كل أصناف الطين التي تستعمل في الطب لها قوة تقبض، وتنفع «3» في التبريد والتّغرية، وتختلف بأن لكل واحد منها خاصية في المنفعة [من] شيء دون شيء آخر، قد ينفع منه غيره من جنسه.
ومنها صنف يقال له أرطوماس «4» ، ومعناه طين الأرض المحروثة. وهذا(22/274)
الصنف منه شيء أبيض شديد البياض فيه خطوط، وفيه شيء كلون الرماد، وهو أجوده إذا كان لينا جدا، وإذا حل على شيء من النحاس خرج شبيها بلون الزنجار؛ وقد يغسل مثل ما يغسل إسفيداج الرصاص على هذه الصفة، فيدق ويسحق، ويصب عليه ماء، ويفعل به ذلك النهار كله، فإذا كان بالعشي ترك حتى يصفو الماء، فإذا كان في السحر صفا الماء عنه وسحق الطين في الشمس وعمل أقراصا، وإلّا فليؤخذ أمثال الحمص، ويصير في إناء فخار مثقب بثقب كثيرة، ويسد فمه، ويستوثق منه، ويصير في جمر، ويروح عليه دائما، فإذا صار لون الطين كالرماد الأسود، رفع عن النار.
قال جالينوس ما معناه: إنه ينفع جدا للقروح التي لا تجيب إلى نبات اللحم فيها بسهولة لعسر اندمالها؛ وهو نوعان: رمادي وأبيض، وأجوده الرمادي.
وقال ديسقوريدوس: وقوته قابضة مبردة ملينة تليينا يسيرا، يملأ القروح لحما، ويلزق الجراحات في أول أمرها ويدملها.
طين شاموس «1»
قال ديسقوريدوس: ومنه صنف يقال له (153) صاماعي ومعناه طين شاموس. وينبغي أن يختار منه ما كان أبيض، مفرط البياض، خفيفا. وإذا ألصق باللسان كان كالدّبق، وإذا بل بالماء انماع، وكان لينا سريع التفتت مثل قولوريون، فإنه صنفان: أحدهما ما وصفناه، والآخر يسمى أسطو أي الكوكب، وهو كوكب الأرض؛ وكوكب شاموس «2» ، وهو ذو صفائح، كثيف، بمنزلة المسن.(22/275)
وقال جالينوس: نحن نستعمل النوع المسمى كوكب شاموس في مداواة نفث الدم حيث كان، وفي مداواة قروح الأمعاء من قبل أن تتعفن، بأن تحقن به بعد غسل القرحة بماء العسل الذي له فضل صروفة، أي قليل الماء، ثم ماء الملح بعد ذلك. ثم يحقن بماء لسان الحمل «1» ويسقى منه أيضا بخل ممزوج مزاجا كثير الماء، وهو نافع للأورام الحارة، ولا سيما إذا كانت الأعضاء لها فضل رطوبة، وكانت رخوة بمنزلة الثديين والبيضتين وجميع اللحم الرخو المعروف بالغدد. وإذا عرض ذلك فاستعمل هذا الطين من بعد أن تسحقه وتعجنه بالماء، ثم تخلط معه من دهن الورد الفائق بمقدار ما يمنع الدواء المخلوط من أن يجف، فينفع الأورام الحارة وأورام الحالبين عند ابتدائها، والنزلة التي تنصب إلى الرجلين في علل النقرس، وبالجملة في جميع المواضع التي تريد أن تبردها تبريدا معتدلا وتسكنها.
قال ديسقوريدوس: وقوة هذا الطين في حرقه وغسله شبيه بطين أرطياس «2» . وقد يقطع نفث الدم ويسقى بجلنار الرمان البري للطمث «3» الدائم. وإذا خلط بالماء ودهن الورد ولطخت به الخصى والثدي الوارمة ورما حارا، سكن ورمها. وقد يقطع العرق، وإذا شرب بالخمر نفع من نهش الهوام، ومن الأدوية القتالة. وقد يوجد في شامنا «4» حجرا تستعمله الصاغة في التمليس، وأجوده الأبيض الصلب، وقوته قابضة مبردة، وينفع شربا من وجع المعدة، وقد يغلظ الحواس. (154) وينفع من البياض، والقروح العارضة في(22/276)
العين، إذا استعمل في اللبن.
وقيل: إنه إذا علّق على المرأة الحامل الماخض «1» أسرع ولادها، وعلى الحامل منعها إسقاط الجنين.
طين جزيرة المصطكي «2»
قال ديسقوريدوس: وينبغي أن يختار منه الأبيض المائل إلى لون الرماد، وهو رقيق ذو صفائح وقطع مختلفة الأشكال. وقوته تشبه قوة الطين المسمى ساماعا «3» . وقد يغسل به في الحمام مكان النطرون. والطين المسمى ساليوما «4» يفعل فعل الطين المسمى حيّا «5» ، وأجوده الشديد البياض السريع التفتت، وإذا بلّ أسرع التفتت وانماع سريعا.
وقال جالينوس التربة المنسوبة إلى ساليوما «6» والى كيوس «7» فيها قوة تجلو جلاء يسيرا، ولذلك كانت تستعمل في العين على وجهين، وهما من أفضل الأدوية للقروح الحادثة عن حرق النار، وهما ينقصان عن طين شاموس «8» من طريق أنهما لا ينفعان الأورام الحارة التي تكون في اليدين والقدمين والبيضتين(22/277)
مثل ذلك.
طين قيموليا «1»
قال ديسقوريدوس: هو نوعان أحدهما أبيض والآخر فيه فرفيرية، وهو دسم، وإذا لمس كان بارد المجسة، وهو أجود النوعين.
وقال جالينوس: قوته مركبة، لأن فيه بردا وتحليلا، ولذلك إذا غسل خرج عنه [هذا] الجزء من التحليل «2» وإلّا فعل بالقوتين كلتيهما. وإذا خلط بخل وطلي على [موضع] حرق النار نفع من ساعته، وإن كان الخل ثقيفا «3» جدا فيخلط معه ما يعتدل حمضه. وكذلك كل طين خفيف الوزن، يعني نافع لحرق النار، ومانع من أن يحدث فيه نفاخات.
وقال ديسقوريدوس: وإذا ذيف كلا النوعين بخل، ولطخ به الأورام العارضة في أصول الأذنين وسائر الجراحات حللها؛ وقد يحلل كل واحد منهما الأورام الجاسية العارضة في الأنثيين وجميع أعضاء البدن والحمرة. وبالجملة ما كان من هذا الطين خالصا فإنه كثير المنافع.
وقال (155) ابن حسان «4» : أهل البصرة يسمون طين قيموليا الطين الحر، وأصنافه كثيرة، ومنه الأرمني، ومنه سجلماسي «5» ، وأندلسي، والأرمني، لم نره بعد، وهو أجوده كله، وبعده السجلماسي، وهو أفضل في العلاج من(22/278)
الأندلسي، وهو أبيض شديد البياض، صلب الجرم، مكتنز الأجزاء، لا ينكسر بسرعة، ولا ينحل بالماء إلا بعد برهة، غير أنه إذا انحل ففيه من اللزوجة أكثر مما في غيره. والأندلسي صنفان: أبيض وأسود، والأبيض الشديد البياض هو المستعمل في العلاج، والأسود رديء لا يتصرّف في شيء [منه] .
وقال محمد بن عبدون «1» : الطين الحر هو الطين العلك الخالص من الرمل والحجارة.
وقال علي بن محمد: الطين الحر هو الخالص من الرمل، وربما خص بهذا الاسم طين سيراف «2» لنقائه وتداخل أجزائه، وهو طين عفص «3» شديد الرطوبة، لونه أخضر شنع الخضرة أكثر من الطفل، قريب من خضرة الزنجار، وإذا دخّن بقشور اللوز ليؤكل، احمرّ لونه، وطاب طعمه، وقل ما يؤكل غير مدّخن.
وقال علي بن رزين «4» : الطين الحر بارد يابس في اعتدال جيد لجميع أنواع الحرارة إذا نقع ووضع على موضعها.
وقال في كتاب الجوهرة: الطين الحر يطلى بالخل على لسعة الزنابير فيسكّنه.
وقال ابن سمجون: قال بعض الأطباء: وبدل طين قيموليا، إذا عدم، وزنه من طين مصر.(22/279)
قال ديسقوريدوس: ومن أصنافه صنف يقال له سليس عمى «1» ، وهو باليونانية الطين الحامي «2» ، ويشبه لون الطين المسمى أرطيوناس «3» ، وهو عظيم المدر، بارد المجس؛ وإذا لزق باللسان تعلق به. وهو مثل العسل، وقوته كقوة قيموليا، لكنه أضعف منه قليلا. ومن الناس من يدلس به الطين المسمى أرطوناس «4» .
وقال جالينوس: قوته كقوة القيموليا، ولونه بعيد من لونه، لأنه أسود مثل الطين الكرمي، وله (156) من اللزوجة مثلما لطين شاموس أو أكثر.
قال ديسقوريدوس: والطين الذي في حيطان الأتانين، الذي قد اشتد واحمر، قوته مثل قوة خزف التنور.
ومنه صنف يقال له مليلياعي، ولونه شبيه بالرماد، وفيه خشونة، وإذا فرك بالأصابع يسمع له صرير مثلما يعرض من القيشور إذا فرك. وقوته تشبه قوة الشّب، لكنه أضعف؛ ويستدل على ذلك من مذاقه، وقد يجفف اللسان قليلا.
وهو ينقي وسخ البشرة، ويجلو ظاهر البدن، ويحسن اللون، ويبرق الشعر، ويقلع البهق والجرب المتقرح. ويستعمله المصورون في الأصباغ ليطول مكثها في الصور، ولا يندرس سريعا. وينبغي أن يختار من جميع أصناف الطين ما ليس فيه حجارة، وكان قريب العهد بالمعدن الذي خرج منه، وكان لينا سريع التفتت والانمياع، وإذا خلط بشيء من الرطوبات انماع.
قال جالينوس: وأما الطين المجلوب من إقريطش، فيشبه أنواع الطين، لكنه(22/280)
أضعف منها بكثير، والأكثر فيه الحر الهوائي، وفيه جلاء، ولذلك صار تجلى به آنية الفضة إذا اتسخت، فبهذه الأشياء ينبغي أن تستعمل هذه التربة في الأشياء التي تجلو.
طين كرمي «1»
قال ديسقوريدوس: ومن الطين صنف يقال له أناليطس «2» ومعناه الكرمي، ويسمى قومانيطس «3» ومعناه الدواء، ويختار منه [ما كان منه] أسود اللون، الشبيه بالفحم المستطيل، وفيه من شكل الحطب المشقق صغارا، ومتساوي الصقال، ليس يبطئ بالانمياع إذا سحق وصب عليه ماء، فأما ما كان منه أبيض رمادا بالانمياع فينبغي أن يعلم أنه رديء.
قال جالينوس: سميت هذه التربة كرمية «4» لأنها تصلح لغارس الكروم وذلك أنها إذا طليت على الأعضاء من الكرم قتلت الدود «5» الذي يتولد في مبدأ الربيع عندما يورق الكرم، فيأكل عين الكرم (157) ويفسده، فيطلي الفلاحون هذه التربة عند أصول تلك العيون، ويسمونها تربة كرمية، وتراب دوائي، وقتلها هذا الدود يدل على مقدار ما فيها من قوة هذا الدواء، وهي بعيدة جدا من جميع الأنواع الأخر من أنواع الأرض التي تستعمل في علاج الطب، لأنها قريبة من جوهر الأحجار.
وقال ديسقوريدوس: وقوة هذا الطين قابضة ملينة مبردة، وقد يستعمل في(22/281)
الأكحال التي تنبت الأشفار، وفي موضع الشعر، وقد يلطخ به الكرم حين يبتدئ نبات ورقه وأغصانه ليمنع الدود أن يأكله ويقتله.
طين أرمني «1»
قال جالينوس: الطين الأرمني يجلب من أرمينية القريبة من قبادوقيا «2» .
وهو طين يابس جدا، يضرب لونه إلى الصفرة، ويسحق بسهولة كما يسحق النؤورة، ولا يوجد فيه شيء من الرمل، وفيه من الاستواء والملاسة «3» وعدم الحجارة الصغار مثل ما في النؤورة والطين المعروف بكوكب الأرض، لكن كوكب الأرض أخف منه، فهو أشد اكتنازا منه، وليس فيه من الهوائية مثلما لكوكب الأرض، ولذلك يخيل لمن نظر إليه أنه حجر، وكان [الرجل] «4» الذي أعطانا إياه في الطاعون والوباء «5» يسميه «6» حجرا ولا يسميه طينا لثقله واكتنازه.
(ويستنقع بالرطوبة التي تصب عليه) «7» ، وهو نافع جدا للقروح الحادثة في الأمعاء، ولاستطلاق البطن، ولنفث الدم، ونزف الطمث، ونوازل الرأس، والقروح المتعفنة في الفم. وينفع من ينحدر من رأسه إلى الصدر مادة نفعا عظيما، ولذلك صار عظيم المنفعة لمن يضيق عليه نفسه من قبل هذا السبب ضيقا متواليا. وينفع أصحاب السّل، وذلك أن يجفف الجرح الذي في رئتهم،(22/282)
حتى لا يسعلوا بعد ذلك، إلا أن يقع في تدبيرهم خطأ عظيم، ويتغير الهواء دفعه إلى حالة رديئة، والذين إذا أصابهم الربو وضيق النفس مرارا متوالية في هذا الموتان العظيم، (158) لما شربوا من هذا الدواء برأوا بسرعة. وأما من لم ينفعهم ذلك شيئا فكلهم ماتوا ولم ينتفع أحد منهم بشيء آخر مما عولجوا به.
وهذا الطين يشرب مع شراب لطيف رقيق القوام، وممزوج مزاجا معتدلا متى لم يكن العليل محموما، وكانت حمّاه يسيرة أما إذا كانت الحمّى شديدة فالشراب ممزوج مزاجا مكسورا بالماء؛ على أن الحمّيات التي تكون في وقت الموتان لا تكون صعبة ولا شديدة. فأما الجراحات التي تحتاج إلى تجفيف فلا أحتاج أن أصف قوة نفع هذا الطين وفعله فيها.
وقال إسحاق بن عمران: الطين الأرمني لونه أحمر إلى السواد، طيب الرائحة، ومذاقته ترابية، وله تعلق باللسان، وهو بارد يابس في الأولى. ينفع أصحاب الطواعين إذا شرب منه أو طلي عليها، وبدله وزنه من الطين الحجازي المسمى بالأندلس الخيار «1» .
وقال الدمشقي «2» : يخرج من المقعدة قشور البواسير، ويجبر الكسر.
وقال غيره: أجوده المورّد الناعم. والطين اللامي قريب منه في الفعل، وهو نافع من كسر العظام إذا طلي عليها بالأقاقيا «3» .(22/283)
طين نيسابوري
وهو طين الأكل. قال ابن سمجون: قال الرازي: الطين المتنقل به هو الطين النّيسابوري.
وقال ثابت بن محمد: الطين النيسابوري من الطين الحر، ولونه أبيض شديد البياض في لون إسفيداج الرصاص، لين المذاق، يلين الفم من شدة لينه؛ وفي طعمه ملوحة، فإذا دخّن نقصت ملوحته وطاب طعمه. ومن الناس من يصوّله ويعجنه بماء الورد المفتوق «1» وبشيء من الكافور، ويتخذ منه أقراصا وطيورا وتماثيل. وقوم آخرون «2» يصنعونه بالمسك والكافور وغيرهما من الطيب، حتى يأخذ ريحه، ويتنقلون به على الشراب فيطيّب النكهة، ويسكن ثوران المعدة.
وقال محمد بن زكريا [الرازي] : وطين الأكل بارد مقوّ للمعدة، يذهب بالغثي.
وقال في دفع (159) مضار الأغذية «3» : الطين النيسابوري المتنقل به يذهب بالغثى ووخامة الأطعمة الحلوة والدسمة، إذا أخذ منه بعد الطعام شيء يسير، لا سيما إن كان مربى بالأشنان والورد والسعد والإذخر «4» والكبابة «5» والقاقلة «6» .(22/284)
وينبغي أن يجتنب الطين أصحاب الأكباد الضعيفة المجاري، ومن يتولد الحصى في كلاهم، وهم أصحاب الأجساد النحيفة السمر أو الصفر أو الخضر.
وقال في مقالته في الطين: الطين النيسابوري خاصيته يشد «1» فم المعدة، وينفع من الغثى والهيضة، ومن يتقيأ «2» طعامه دائما وهو رهل المعدة، ويكثر سيلان الريق من فمه في حال النوم، ومن به الشهوة الكلبية مع انطلاق الطبيعة.
قال «3» : وقد خلصت به رجلا من هيضة صعبة شديدة، وكان قد أشرف منها لشدة القيء وتواتره على الهلاك، وبدأ به التشنج، ولم ينفع فيه دواء، بأن سحقت منه وتعمدت لموضع المقلو والسواد والملح وزن ثلاثين درهما «4» فسقيته إياها ثلاث مرات، مرتين بماء التفاح المز «5» ومرة بطبيخ السعد، فسكن عنه غثيه وكربه أسرع تسكين. وأعجب من ذلك أنه قوّاه وبسطه حتى كأنه قد غذّاه.
واعتمدت أيضا عليه في علاج الممعودين «6» ، ولعلّ من يعتريه غثى وكرب عقيب طعامه، وأشرت على من يعتريه ذلك أن يتناول منه قليلا بعد طعامه، فكان يسكّن عنهم وخامة الطعام ورعدة المعدة والتّشوّف إما إلى القيء، وإما إلى نزول الطعام إلى أسفل البطن، لأنه يخصف المعدة ويشد أعاليها، حتى يجف بسرعة، ويبطل الغثى والكرب. وعالجت به أيضا قوما كانوا يتأذون كثيرا بكثرة سيلان اللعاب، وجماعة من أصحاب الشهوة الكلبية فبرءوا برءا تاما.(22/285)
عقيق «1»
قال أرسطاطاليس «2» : العقيق أجناس كثيرة، ومعادنه كثيرة، وأجوده ما يجلب من اليمن وسواحل بحر رومية (160) ، (وقد يوجد على ساحل البحر بالأردن) «3» ، وأحسنه ما اشتدت حمرته وأشرق لونه.
وفي العقيق جنس أقلها إشراقا وحسنا كلون الماء المتحلّب من اللحم إذا ألقى عليها الملح، وفيه خطوط بيض خفيفة، فمن تختّم به سكّن روعه عند الخصام، وانقطع عنه خروج الدم من أي موضع كان، وخاصة في النساء [اللواتي يدمنّ الطمث] «4» . ومن دلك أسنانه بنحاتته أذهب الصدأ والحفر عنها، وبيّضها، ومنع الأسنان أن يخرج من أصولها الدم.
وقال غيره: محرّقه يمسك الأسنان المتحركة ويثبتها «5» ، ويقوي العين والقلب وينفع من الخفقان.(22/286)
وقال في كتاب الأحجار «1» : إن الحجر- أعني العقيق- طبعه حار رطب، مائل إلى [لون] الدم، والمختار منه ما كان أحمر شديد الحمرة، أو أصفر معرق بحمرة لون غسالة اللحم، شرق اللون، ليس فيه كدورة ولا نكتة، صقل الوجه.
وأصنافه ثلاثة وهو نوع واحد، أحمر وأصفر وأسود. ولهذا الحجر أشباه كثيرة تقارب لونه وجسمه، ولكن ليس تبلغ مبلغه، والفرق بينه وبين أشباهه أن هذا الحجر في جسده شعرة ملتفة كشعرة العود، وإن دخل إلى النار خرج أبيض، ومتى نثر على الجراح التي تنزف الدم قطعه، ويزداد في النار حسنا حتى يبيض.
وإن ألقي إلى الوزن كان خفيف الوزن، وسائر الأحجار ليست كذلك، ولا تفعل كذلك.
ويؤتى بهذا الحجر من بلاد رومية واليمن وحضرموت. وخاصيته أن لابسه تسكن حدة غضبه منه، ويكون سليم الصدر، غير حنق ولا غضوب عند الخصام، هادئ الروع.
أما الذي منه على غسالة اللحم، وفيه خطوط بيض خفيفة «2» فلابسه ينقطع عنه نزف الدم والرعاف وسيل الجراح، وأي امرأة لبسته انقطع طمثها. ومن دلك أسنانه بسحالته نفع حفرها، وجلا صداها، ومنع خروج الدم من أصولها. ومن لبس من أصفره حجرا، أكان امرأة أو صبيا أو رجلا، كان محفوظا. ومن سحل منه شيئا وألقاه في دهن زئبق، مع شيء من مسك وشيء من كافور قد سم «3» ، ثم أدهن به، ودخل على سلطان، كان له قبول بليغ، ولا يراه أحد إلا أحبه الحب الشديد وهابه.(22/287)
قلت: روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال (من تختم بالعقيق لم يزل في بركة «1» ) «2» . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال (تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر) «3» .
عنبر «4»
قال ابن حسان: هو شيء يخرج من قعر البحر فيأكله بعض دواب البحر لدسومته، فيقذفه رجيعا، فيوجد كالخشب العظام، والحجارة الكبار، دسم خوار [دهني] ، يطفو على الماء، فيدفعه «5» الريح إلى الساحل، أو يبقى طافيا، فيأخذه رجال السفن. ومنه ما لونه إلى السواد جاف، قليل النداوة، عطر الرائحة، يقوي القلب والدماغ، نافع من الفالج واللقوة والبلغم الغليظ. وهو سيد الطّيب، واختباره بالنار.
وقال ابن سينا: العنبر فيما نظن طين يخرج من عين في البحر، والذي قال إنه زبد البحر أو روث دابة بعيد. وأجوده الأشهب القوي السلاهطي «6» ، ثم الأزرق ثم الأصفر، وأردؤه الأسود. ويغش من الجبس «7» والشمع واللادن «8» والمندل «9»(22/288)
وهو صفة الأسود الرديء.
قال: وكثيرا ما يوجد في أجواف السّمك التي تأكله وتموت. وهو حار يابس حار في الثانية، ويابس في الأولى، ينفع المشايخ بلطف تسخينه. ومن المندل «1» صنف يخضّب اليد، ولسع نصول الخضاب، وينفع الدماغ والحواس.
وقال في الأدوية القلبية: فيه متانة ولزوجة، وخاصية شديدة في التقوية والتفريح «2» معا، تعينها العطرية القوية، فلذلك هو مقو لجوهر كل روح في الأعضاء الرئيسة، مكثر له وأشد اعتدالا من المسك. [وقد عرفت موجب الخصال التي هي] «3» عطرية مع تلطيف ومتانة ولزوجة.
وقال ابن رضوان: العنبر نافع من أوجاع الباردة، ومن الرياح الغليظة العارضة في المعي، ومن السدد إذا شرب وإذا طلي به من خارج، ومن الشقيقة والصداع الكائن عن برد، وإذا تبخر به، وإذا طلي. ويقوّي الأعضاء، ويقاوم (162) الهواء المحدث للموتان إذا أدمن شربه، والبخور منه.
وقال التميمي: وقد تضمد به المفاصل المنصب إليها الرطوبات ورياح البلغم فينفع نفعا بينا ويقوي رباطاتها ويحلل ما انصب إليها من الرطوبة، وقد يسعط منه محلولا ببعض الأدهان المسخّنة كدهن المزرنجوش «4» أو دهن البابونج أو دهن الأقحوان أو دهن الجماجم، فيحلل علل الدماغ الكبار العارضة من البلغم والرياح، ويفتح ما عرض في لفائفه من السّدد، ويقويه على دفع الأبخرة والرطوبة(22/289)
المتراقية إليه. وتتخذ «1» منه شمامات على مثال التفاح، يشمها من عرض له الفالج واللقوة والكزاز، فينفعهم. ويدخل في كثير من المعاجن الكبار والجوارشنات «2» الملوكية.
وقال في التجربتين: دخنته نافعة من النزلات الباردة، مقوية للدماغ، وإذا حل في دهن البان نفع جميع أوجاع العصب والخدر «3» . إذا دهن به فقار الظّهر. وهو مقو لفم المعدة إذا غمّست فيه قطنة ووضعت عليها. وينفع من استطلاق البطن المتولد عن برد وعن ضعف المعدة إذا أكل. وبالجملة فهو مقو للأعضاء العصبية كلها. وإن طرح منه شيء في قدح شراب وشربه سكر سريعا.
عنبري «4»
قال أرسطو: هذا الحجر يضرب لونه إلى الغبرة والخضرة التي ليست بالمشرقة، وفيه نقط سود وصفر وبيض، يشم منه رائحة العنبر؛ وإن ملوكنا استحسنوه فاتخذوا منه أواني كثيرة واشتهوا طيبها. وأول من استخرج هذا الحجر إبليس اللعين، لأن من أدمن الشرب فيه أورثه العلل السّوداوية، فيحتاج إلى علاج شديد وتعب، كما أصاب هؤلاء الملوك، حتى عن الشرب منها نهيناهم وعالجناهم من الأمراض التي أصابتهم.
فرسلوس «5»
قال أرسطو: هو حجر يوجد في الظلمات أخرجه الإسكندر وكان في خزائنه(22/290)
وهو حجر أسود ثقيل الجسم إذا وقع في النار تلاشى واضمحل وإذا طرح على الزئبق (163) وعرض النار عقد الريبق وضبط بعضه بعضا فيصير جسدا واحدا فضة لينة يصبر على النار وطرق المطارق وإذا علق على إنسان لا يزال يتكلم بالحكمة ولا ينسى ذكر الله تعالى وإذا جامع زوجته وعليه هذا الحجر رزق ولدا ميمونا حكيما وينفع أيضا من عين السوء وإذا سحق بلبن البقر وطلي به موضع البرص برئ بإذن الله تعالى.
قرطاسيا «1»
قال أرسطو: هو حجر يوجد في أسافل الجبال الشواهق، إذا كان الليل أشعل كالسراج، فإذا سحق بماء الكرفس صار سما قاتلا لجميع الحيوانات، نعوذ بالله منه!.
فيروزج «2»
قال في كتاب الأحجار: الفيروزج حجر أخضر تشوبه زرقة، يصفو لونه مع صفاء الجو، ويتكدر بكدورته، في جسمه رخاوة. ومعدنه بأرض خراسان، وينفع العيون إذا سحق مع الأكحال؛ وليس من لباس الملوك، لأنه ينقص من هيبتهم.
وقال ابن ماسويه «3» : بارد يابس، يجلب من نيسابور، القطعة من درهم إلى(22/291)
خمسة أساتير «1» ، يدخل في الكيمياء وأدوية العين، وإذا سحق وشرب نفع من لسع العقارب.
وقال ديسقوريدوس في الخامسة «2» : إذا شرب نفع من لسع الهوام والقروح العارضة في الجوف، ويقبض نتوء الحدقة، وينفع من غشاوة البصر، ويجمع حجب العين المحترقة «3» .
وقال جالينوس في التاسعة: وقد وثق الناس بأنه إذا شرب نفع من لسعة العقرب. ومنه نوع يقال له التيفاشي «4» : يجلب من معدن بجبل نيسابور، ومنه يحمل إلى سائر البلدان. ومنه نوع آخر [يوجد بنيسابور] «5» ، إلا أن النيسابوري خير منه، ونوعاه سحاقي ولحمي «6» ، والخالص منه هو العتيق السحاقي، وأجوده الأزرق، الصافي اللون المشرق الصفاء، الشديد الصقال، المستوي الصبغ، وأكثر ما يكون فصوصا.
وذكر الكندي أنه رأى حجرا منه زنته أوقية ونصف، وهو يقبل «7» الجلاء أكثر من اللازورد، ويحسن صفاؤه (164) عليه، وإذا أصابه شيء من الدهن غيّر لونه، وكذلك العرق يفسده ويطفئ لونه بالكلية، وكذلك المسك إذا باشره.(22/292)
وذكر أرسطاطاليس: أن كل حجر يستحيل عن لونه فهو رديء للابسه.
وروي عن جعفر الصادق- عليه السلام-: ما افتقرت يد تختمت بفيروزج «1» .
فيلقوس «2»
قال أرسطو: تفسير فيلقوس المتلون بألوان كثيرة. وهذا الحجر يتلون في يوم واحد، فيكون تارة أحمر، وتارة أخضر، وتارة أصفر، ولا يزال يتلون بالأصباغ، فإذا كان الليل لمع بضوئه كالمرآة. والإسكندر لما ظفر بهذا الحجر في معدنه أمر أعوانه بحمل شيء كثير منه، ففعلوا، فلما كان الليل أخذهم الرجم من كل ناحية، لا يرون من يفعل ذلك، فتوهموا أن هذه الأحجار تغلب عليها الشياطين، وفيها خاصية لا يجوز أن يعرفها الأنس؛ فأمر الإسكندر بإمساكها، فما مر بها بموضع إلا وهرب الجن منه، وما كان يقربها شيء من السباع والهوام، فجعلها في خزائنه.
فيهار «3»
قال أرسطو: هو حجر يوجد بناحية المشرق في معدن الذهب، لونه لون الياقوت الأحمر، يشف كالزجاج. خاصيته أنه يدفع غائلة السحر عن حامله، وإذا سقي منه وزن شعيرتين أزال الخبل والجنون بإذن الله.(22/293)
قرياطيسون «1»
قال أرسطو: هو حجر يوجد بأرض الهند، خاصيته أنه ينفع من سيلان الدم، وإن مسك في الفم، ووضع على الأخدعين «2» المحاجم «3» لم يخرج من الدم شيء أصلا.
قروم «4»
قال أرسطو: هذا حجر يخرج من بحر يدعى القروم «5» ، يخرجه الغواصون، وهو حجر متلون بالبياض والحمرة والصفرة والخضرة والدّكنة. وخاصيته أنه إذا علق على إنسان تكلم بالصواب والصدق، وهربت منه الشياطين! وإذا شرب منه وزن شعيرة مسحوقا بشيء من العود، نفع من أوجاع المفاصل والعظام (والعروق) «6» .
قفر «7»
ويقال كفر اليهود «8» . قال التميمي في المرشد: فأما القفر اليهودي فقد يختص به أحد النوعين من القفر المستخرجين من بحيرة يهودا، وهي البحيرة المنتنة «9» التي في عمل فلسطين، بالقرب من البيت المقدس، التي هي فيما بين(22/294)
الغورين، غور زغر «1» وغور أريحا. وهو القفر المحتفر عليه، المستخرج من برية ساحل هذه البحيرة، وهو أفضل نوعي القفر اليهودي. وهذا الصنف هو الذي يدخل في أخلاط الترياق الأكبر المسمى بالفاروق، والمعول عليه، وذلك لأن القفر اليهودي المسمى بتلك الناحية الخمر، لأجل أنه يخمّرون به كرومهم.
ومعنى التخمير أن تحل «2» أحد «3» نوعي هذا القفر المستخرج من هذه البحيرة بالزيت، فإذا زبّروا كرومهم، أي قنّبوها «4» عند نفس الكرم، وبرزت عبوته، أخذوا هذا القفر المحلول في الزيت، ثم جاءوا إلى كل عين من عيون الكرم، فيغمسون «5» في ذلك القفر المحلول بالزيت، عمودا «6» في غلظ الخنصر، ثم حكوا به تلك العين أو تحتها بالقرب منها «7» ، فجعله «8» دائرة على ساق الغصن والقضيب أو ساق الكرم، ليمنع الدود من الترقي إلى عيون الكرم وأكلها؛ فإذا فعلوا ذلك سلمت لهم كرومهم من فساد الدود، وإن هم أغفلوا ذلك صعد الدود إلى عيون الكرم فرعاها وأفسد الثمر والورق جميعا؛ فمن القفر اليهودي هذا الصنف المحتفر عليه، المسمى بالشام أقرطايون «9» .
ومنه صنف ترمي به البحيرة في الأيام الشاتية إلى ساحلها، وهو في منظره(22/295)
أحسن لونا من أقرطايون، وأشد بصيصا وبريقا، وأشد رائحة [وذلك أن رائحة هذا الصنف الذي ترمى به البحيرة] «1» كرائحة النّفط الشديد الرائحة، ينبع من قرار هذه البحيرة، ويخرج من عيون الصخور التي في قرارها، كما ينبع العنبر في قرار البحر، ويركب بعضه بعضا، فإذا كان في أيام الشتاء، واشتدت الرياح، وكثرت الأمواج، وكبر «2» البحر، واشتدت حركته، انقلع ذلك القفر الجامد اللاصق بالصخور، فيطفو فوق وجه الماء، فترمي به الريح إلى (166) ساحل البحيرة. وليس للقفر اليهودي في جميع بلدان الأرض معدن غير هذه البحيرة.
وأما الصنف المسمى أقرطايون «3» ، وهو القفر اليهودي بالحقيقة، فإنه يحتفر عليه في ساحل البحيرة المنتنة بالقرب من الماء، ومن تكسر أمواجها نحوا من ذراع أو ذراعين من الأرض، فيجدونه مجتمعا في بطن الأرض، متولدا في نفس تلك البرية قطعا مختلطا بالملح والحصى والتربة، فيجمعون معه شيئا كثيرا، ويصفّونه بما فيه من الحصى والتراب بالنار والماء الحار كمثل ما يصفى الشمع والزفت «4» . ثم يستخرجونه بعد التصفية، فيأتي لونه مطفأ كمدا، ليس له شديدة بصيص القفر الذي ترمي به البحيرة، وليس له أيضا روائح النفط الموجود فيما يرمى به، بل تكون رائحة هذا الذي يحتفرون عليه ويصفونه تضرب إلى رائحة القير «5» العراقي.
وقال ديسقوريدوس في الأولى: القفر اليهودي بعضه أجود من بعض، وأجود القفر ما كان لونه شبيها بلون الفرفير، برّاقا، قوي الرائحة، رزينا؛ والأسود(22/296)