معلومة وفي أيام الفاكهة ما يشترون به بطيخا ومشمشا وتوتا ولما فرغ من بنائها استدعى إليها من دمشق الفقيه الإمام برهان الدين أبا الحسن البلخي الذي قام بإبطال النداء بحي علي خير العمل في الأذان بحلب بأمر نور الدين الشهيد وبرهان الدين أحمد بن علي الأصولي السلفي ليجعله نائبا عن البرهان البلخي فامتنع فطلبه ثانيا فأجابه بكتاب افتتحه بالبسملة ثم بقوله:
ولو قلت طأ في النار أعلم أنه ... رضى لك أو مدن لنا من وصالك
لقدمت رجلي نحوها فوطئتها ... هدى منك لي أو ضلة من ضلالك
ولم يزل نائبا إلى أن مات فتولى التدريس بعده الامام الفاضل رضي الدين محمد بن محمد أبو عبد الله السرخسي كان قدم حلب فولاه محمود زنكي التدريس وكان في لسانه لكنة فتعصب عليه جماعة من الفقهاء الحنفية فصغروا أمره عند نور الدين فمات يوم الجمعة آخر جمعة من رجب سنة 571 فتولى مكانه إسماعيل الحنفي الغزنوي البلقي وكان بالموصل ثم وليه صاحب التصانيف البديعة في أحكام الشريعة علاء الدين ثم وليه الإمام افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل صاحب الرواية العالية الفاخرة والدراية الزاهية الزاهره شرح الجامع الكبير شرحا لطيفا مستوفيا وقام بما شرط ثم وليه العلامة تاج الدين أبو المعالي وكان جامعا بين العلم والكرم خلع في يوم تدريسه عشرين خلعة على من حضر درسه من متميزي الفقهاء واستمر مدرسا إلى أن مات فوليه الإمام العلامة كمال الدين أبو القاسم قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن أبي جرادة المعروف بابن العديم ولم يزل المدرسون يتنقلون بها إلى أن آلت إلى محب الدين بن الشحنة.
قال ابن شداد في ذكر ما كانت الأمم السابقة تعظمه من الأماكن بمدينة حلب يقال إنه كان بحلب نيف وسبعون هيكلا للنصارى منها الهيكل المعظم عندهم الذي بنته هيلانة أم قسطنطين وهي التي بنت كنائس الشام كلها وبيت المقدس وهذا الهيكل كان في كنيستها العظمى التي هي الآن المدرسة الحلاوية المتقدم ذكرها وكان لهذه الكنيسة بيت مذبح في موضع حمام موغان والدار التي كانت تعرف بدار كوره وكلاهما من إنشاء ذكاء الدين الذي كان متوليا على حلب سنة 292 وكان بين هذا المذبح والكنيسة ساباط معقود البناء تحت الأرض يخرج منه إلى المذبح وكان النصارى يعظمون هذا المذبح ويقصدونه من سائر(2/169)
البلاد وقد صار حمام موغان حماما للهيكل وكان حوله قريب من مائتي قلاية تنظر إليه وكان في وسطه كرسي ارتفاعه أحد عشر ذراعا من الرخام الملكي الأبيض وذكر ابن شراره النصراني في تاريخه أن المسيح عليه السلام جلس عليه وقيل جلس موضعه لما دخل حلب وذكروا أيضا أن جماعة من الحواريين دخلوا الهيكل وكان في ابتداء الزمان معبدا لعباد النار ثم صار إلى اليهود وكانوا يزورنه ثم صار إلى النصارى ثم صار إلى المسلمين وذكروا أيضا أنه كان لهذا الهيكل قس يقال له برسوما تعظمه النصارى وتحمل إليه الصدقات من سائر الأقاليم قالوا وسبب تعظيمهم إياه أنه حصل في أيام الروم وباء في حلب فلم يسلم منهم غيره.
الكلام على تشخيصها في الحالة الحاضرة
هي الآن عمارة واسعة بابها موجه شرقا كان مكتوبا فوقه (بسم الله الرحمن الرحيم من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. جدد هذه المدرسة البنية السعيدة المباركة وأنشأها مدرسة للفقهاء على مذهب الامام أبي حنيفة رضى الله عنه مولانا الأمير الأسفهسلار «1» الأجل السيد الكبير الملك العالم العارف العادل المجاهد المؤيد المنصور المظفر الأغر الكامل مؤيد الدين ومظهر الملة الإسلامية بسيفه صفي الأنام بنصره قسيم الدولة وعماد ما اختاره الأنام رضي الخلافة تاج الملوك والسلاطين وجلالها حافظ بلاد المسلمين شمس المعالي وفلكها قاهر المشركين وقامع الملحدين وقاتل الكفرة والمشركين.... أبو القاسم محمود زنكي ابن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين على يد عبد الصمد الطرسوسي الفقير لرحمة الله في شوال سنة 543) وعلى حجرة النجف:
وأخلص أحمد في الخير فعلا ... وظل لكل محمدة يروم
وجدد باب مدرسة تسامت ... فخارا إذ بها تتلى العلوم
وأحيا رسمها العالي فأرخ ... جزاه ربنا خيرا يدوم
سنة 1140
ولهذا الباب عتبة طول فضائها 3 ع و 9 ط وعرضه 2 ع و 7 ط ثم تدخل من الباب(2/170)
إلى دهليز طول فضائه 11 ع و 7 ط وعرضه 3 ع و 3 ط وينضم إلى طول الدهليز من جهته الجنوبية جهة زائدة على جهته الشمالية ذراع و 19 ط وهي مع الجهة الجنوبية المذكورة تتألف من عرض بنية فيها محل للتدريس وميضأة المدرسة وحجرة في جانبها أما صحن المدرسة السماوي فطوله من الجنوب إلى الشمال 38 ع و 12 ط وعرضه 26 ع وتنخفض أرض الصحن من تجاه الدهليز عن أرض الزقاق الكائن تجاه باب المدرسة 2 ع و 12 ط ثم إن الجهة الغربية من هذا الصحن تشتمل من جهتها الشمالية على إيوان طول فضائه 9 ع و 15 ط وعرضه 6 ع و 13 ط وفيه محراب فتحته 1 ع و 16 ط وتقعيره 1 ع و 7 ط مخشب ظاهره وباطنه بخشب مصنع جميل منقوش حفرا بنقوش لم تر العين أجمل منها مكتوب على دائرة ما صورته (بسم الله الرحمن الرحيم جدد هذا المحراب في أيام مولانا السلطان الملك الغازي المجاهد المرابط المؤيد المنصور الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين منصف المظلوم من الظالمين رافع ألوية العدل في العالمين قامع الكفرة والملحدين أبي المظفر يوسف بن محمد ناصر أمير المؤمنين خلد الله ملكه وأعز أنصاره وأعلا رايته وأنار برهانه بولاية الفقير إلى رحمة الله تعالى عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد ابن أبي جرادة غفر الله له ولوالديه سنة 643) ومكتوب تحت سقف المحراب (صنعة أبي الجيش محمد ابن الحراني) وتحته (نجارة العبد الفقير إلى رحمة ربه ... ) وفي جانب الإيوان من جنوبه قبلية المدرسة وهي عمارة قديمة يظهر أنها من عمارة الروم وطول فضائها من الشمال إلى الجنوب 27 ع وعرضها 11 ع و 4 ط وسقفها قبة في طرفيها قبو مشادة على أربع قناطر تحت رجلي كل قنطرتين عمود من الرخام الأصفر البعاديني محيطه 2 ع و 6 ط وطول الظاهر منه 4 ع و 8 ط وفوقه قاعدة من الحجر الأحمر السماقي مؤزرة بتأزير عديمة النظير في زاوية من زواياها دائرة منقوش فيها صورة صليب ثم أنه يوجد في الجهة الغربية من هذه القبلية مكان شبيه بالإيوان يقال أنه كان هو الهيكل الغربي طول فضائه 15 ع و 18 ط وعرضه 10 و 4 ط وسقفه قبة نصف دائرة مرفوعة على ستة عواميد من العواميد المتقدم ذكرها وفي الجانب الشمالي والجنوبي من هذا المكان إيوانان طول فضاء كل واحد منهما من الغرب إلى الشرق 5 ع و 21 ط وعرضه 3 ع و 13 ط والذي يظهر أن الجهة الشرقية من هذه القبلية كانت مثل جهتها الغربية أي أنها كانت مشتملة على مكان شبيه بالإيوان في جانبيه إيوانان أيضا ويوجد في جنوبي هذه القبلية محراب وباب هذه القبلية من ظاهره جميل مبني بالرخام الأصفر(2/171)
والأسود. مكتوب في أعلاه (بسم الله الرحمن الرحيم جددت هذه المدرسة المباركة في أيام مولانا السلطان الأعظم والخاقان المكرم الأكرم مالك رقاب الأمم سلطان العرب والعجم مولانا السلطان الغازي محمد خان ابن السلطان إبراهيم خان أعز الله أنصاره بإشارة الدستور المكرم المشير المفخم نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالرأي الصائب متمم مهام الأنام بالفكر الثاقب الوزير أبو النور محمد باشا حافظ الديار الحلبية حفظه الله سنة 1071) .
وكان في هذه القبلية مغارة تعرف بالخشخاشة «1» معدة لدفن الموتى فهدمها أحد المتولين على المدرسة في أيامنا وملأها ترابا أما الجهة الجنوبية من الصحن فهي جدار يلوح عليه أثر القدم في وسطه محراب وفي أعلاه منافذ مسدودة كأنها تشرف على خان محمد باشا النيشانجي المعروف الآن بخان الحبال وهذه الجهة كانت محل قبلية الجامع التي هي من تأسيس المسلمين وأما الجهة الشرقية ففيها محل للتدريس والميضأة كما تقدم ذكره وقد جدد محل التدريس متولي المدرسة ومدرسها الأسبق حضرة العالم الفاضل الشيخ مصطفى ابن الشيخ محمد ابن الشيخ مصطفى طلس.
ويقال إن هذا المحل كان فيه الهيكل الشرقي وطول هذه البنية 24 ع و 15 ط ويوجد في الدهليز على يمنة الداخل باب دار في العلو تابعة وقف المدرسة ويوجد في بقية الجهة الشرقية في جانب الدهليز على يمنة الداخل حجرة هي إحدى الحجرات الثمانية الشمالية والثانية في الإيوان السالف ذكره والحجرة الأخيرة من الجهة الشمالية فيما يلي الإيوان يوجد في صدرها خزانة يظهر أنها في سرداب ولعله هو السرداب الذي كان متصلا من الهيكل إلى المذبح المتقدم ذكرهما ثم أنه يوجد في الجهة المشالية من السماوي حوض مربع فوق عشر بعشر يجري إليه الماء فائضا من حوض في الجامع الكبير ويوجد فوق الحجرات الست وفوق ما وراءها من الأرض داران لكل منهما باب على حدته في الجهة الشمالية الكائن فيها الحجرات المذكورة.(2/172)
الكلام على أوقافها
إن الكلام على أوقافها مفصلا مما يطول شرحه بحيث لو ذكرنا كل مسقف أو أرض وأتبعناهما بحدودهما لاستغرق ذلك مجلدا على حدته ولذا اكتفينا بإيراد إجمال في هذا المعنى استخلصناه من دفترين وقعا إلينا مفتتح أحدهما بما نصه.. بيان أحكار بيوت ودكاكين وبساتين أوقاف المدرسة الحلاوية الكائنة بمدينة حلب بمعرفة ذخر الفضلاء والمدرسين مولانا محمد أفندي الكشاف بحلب وتخمين الحاج فتح الله ابن الحاج المعمار السلطاني بحلب وجماعة من المسلمين أهل الخبرة والوقوف وحرر في أوائل ربيع الثاني سنة 1079 مختتم بقوله (صورة الدفتر السلطاني بالتوقيع الرفيع الخاقاني نقلت عن أصل صحيح من غير تعلل ولا ترجيح بعد ما عرضت عليّ وقوبلت لديّ وأنا الفقير إليه تعالى نقيب زاده السيد محمد سعيد الحجازي المولى خلافة محكمة الشافعية بحلب الشهباء) وأما الدفتر الآخر فمفتتح بقوله (بيان إيراد المدرسة الحلاوية في حلب سنة 1219) ثم إن كلا من الدفترين ذكر كل عقار وأرض على حدتهما وأتبع كل واحد منهما بأجرته أو حكره السنوي ونوع النقد في ذلك كله الكسر العثماني وهاك خلاصة ما فيها فأقول: المفهوم منهما أن أوقاف المدرسة الحلاوية أربع دور، يدخل إليها من صحن المدرسة لأنها في علو حجراتها ثلاث منها في الصف الشمالي وواحدة في الصف القبلي قلت الدار الكائنة في الصف القبلي دائرة لا أثر لها وجميع الصف الغربي من سوق البودقجية والمسامرية المتصل به وبعض دكاكين من سوق النحاسين وست في سوق الذراع وخان قرب باب المقام وعشر دكاكين وفرن وبيت قهوة وعشر دور وغير ذلك مما يبلغ 94 بابا في محلة باب المقام ومحلة جامع عبيس.
قلت: جميع هذه العقارات الآن مملوكة للغير وعليها أحكار معينة ولم يبق جاريا منها في الوقف سوى بضع دكاكين في سوق المسامرية وجميع قرية فركيا في جبل الزاوية ومزرعة تل عامود قرب قرية تركمان وقرية شغيدله قرب قرية عبطين وقرية أراضي تادف ومزارع تجاه مناشر الزبل خارج باب الفرج (هي التي كانت تعرف بتلات باب الفرج وقد نسفت هذه التلال وعمرت دورا وحوانيت وفتح فيها جادة تعد في الرتبة الأولى من جادات حلب) وأما الأحكار فهي حكر دكان في سوق المسامرية في الصف الغربي ودكان في قفاها الصف القبلي من سوق الحبال وفي زابوق سوق الحبال ودكان تحاذيه في الصف المرقوم وخان محمد(2/173)
باشا النيشانجي وخان البنادقة الجاري في أوقاف جامع العدلية ودكاكين في سوق الأروام وجنينة في الكلاسة ظاهر حلب جارية في وقف بني الكوراني وجنينة ابن الزائغ الحاج حجازي في المحلة المذكورة وجنينة بنت السحار في هذه المحلة وقهوة ابن علوان مع دكاكين في قربها في سوق السقطية ودكان قرب باب سوق الطرابيشية بالصف القبلي وثلاث دكاكين بالصف القبلي من السوق المذكور وجميع الدور والدكاكين والقيصريات والمصابغ والمساجد الجوامع والكنائس والأبنية كلية كانت أو جزئية الكائنة في المحلة الجديدة وما اتصل بها أو قاربها من المحلات والأزقة والشوارع كالصليبة والشمالي وبوابة أم بطرس وزقاق البالي والنازوك وزنده والزقاق التحتاني والمبلط والعطوي الكبير والصغير وزقاق الأربعين والغوري والغطاس والكعكه وعبد الحي وعبد الرحيم وتدريبة عبد الحي ومحلة الأكراد والهزازه والتومايات وساحة التنانير والزقاق الصغير وزقاق مردجان وزقاق المملكات وزقاق بانقوس وزقاق عريان والشابورة والقير والشوربجي وغير ذلك من الأزقة والبوابات.
وجميع قطع الأراضي الثلاث المتلاصقات الشهيرات بتلال باب الفرج المحدودات قبلة بالطريق العام وشرقا كذلك ويليه الخانات الجاريات بوقف الحاج عبد القادر أفندين الجابري وشريكه السنيور موسى وتمامه ببوابة القصب وتمامه الآخر بمحلة الصليبة ومحلة التومايات وشمالا بقبور النصارى وغربا ببعض قبور النصارى وتمامه بأرض جارية بأرض المشنقة الجارية بوقف المدرسة التي نحن في صددها وتمامه الآخر بتربة المسلمين المعروفة بالعبارة والفاصل بينهما الطريق وتمامه الآخر ببستان الكلاب الجاري بوقف بوينى إكرى محمد باشا والفاصل بينهما الطريق وقلت إن هذه التلال هي التي كانت تعرف بمناشر الزبل لأنها كان ينشر عليها زبل حمام الواساني والأبرية والبيلوني والجديدة والتل والقواس وبهرام والقاضي وغيرها من الحمامات وهذه التلال الثلاث كان استولى عليها جماعة فاستخلصها منهم المتولي الشيخ مصطفى بعد محاكمة يطول شرحها استمرت نحو عشرة أعوام ثم حكرها بأجرة معجلة ومؤجلة فكان يصرف المعجلة على شراء عقارات يقفها على المدرسة كما سنبينه قريبا وقد عمر منها فيها اثنتي عشرة حجرة ورواقا عظيما في جنوبي المدرسة كان قبله رواق اندثر منذ مائة سنة وأعلى أرض المدرسة وجدد بلاطها وأجرى غير ذلك من الإصلاح في هذا الوقف رحمه الله وأما النفقات المشروطة حسبما اطلعت عليه من الدفتر الطغرائي المؤرخ في شعبان سنة 1189 فهي أربعة عثمانيات للمدرس وثلاثة للجابي وثمانية لثمانية(2/174)
طلاب وثلاثة للأمام وأربعة للكاتب واثنان للفراش يوميا وللقناواتي ثلاثة عشر في كل شهر ووظيفة المتولي حسبية فجملة النفقات شهريا ألف ومائة واثنا عشر عثمانيا.
أما الأوقاف الجديدة التي وقفت على هذه المدرسة فقد حرر بها أحد عشر كتابا.
الأول: الواقف فيه (مصطفى بن محمد بن مصطفى) طلس. وقف دارا في محلة البندرة في زقاق الجرن الأسود ودارا في محلة جب أسد الله في زقاق عقيبة الياسمين ودارا ودكانا في الشمالي من المحلة الجديدة وربع قاسارية ابن ميرو في محلة باب قنسرين ودكانا ودارا في محلة جب أسد الله ودارا في محلة الجلوم ودكانين في محلة ابن يعقوب في بانقوسا ودكانا في محلة خراب خان ودكانين في القصيلة ودكانين في محلة الأكراد ودكانين في سوق أبي ركاب ونصف دكان في سوق الصابون ودكانا في سوق البادستان ودارا داخل المدرسة الحلوية: تاريخ هذا الكتاب 6 ربيع الأول سنة 313.
الثاني: الواقف فيه ورثة الشيخ مصطفى المتقدم ذكره أقروا لدى الحاكم الشرعي بأن الموقوف الآتي ذكره كان مورثهم اشتراه من مال الوقف للوقف وهو بناء خمس عشرة دكانا متصلة ببعضها في سوق المسامرية باتصال المدرسة الحلوية وثلث فرن في ساحة التنانير في المغربلية تاريخ هذا الكتاب 8 محرم سنة 1322.
الثالث: الواقف فيه الشيخ محمد ابن الشيخ مصطفى المتقدم ذكره: وقف أبنية الدور الأربع المتصلات ببعضهن في محلة التلل تاريخه 7 جمادى الأولى سنة 1319.
الرابع: الواقف فيه الشيخ محمد المومى إليه. وقف دكاكين في سوق الطاربيشية إحداهما في الصف القبلي والأخرى في الصف الشمالي ودارا في زقاق الشيخ غريب من محلة المرعشي تاريخها 3 محرم سنة 1321.
الخامس: الواقف فيه الشيخ محمد المذكور. وقف بناء دار في محلة التلل. تاريخه 28 شوال سنة 1325.
السادس: الواقف فيه الشيخ محمد أيضا. وقف دارا عليا في خان الحبال من محلة جب أسد الله. تاريخه 9 محرم سنة 1326.
السابع: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ مصطفى المتقدم ذكره. وقف(2/175)
دارين في بستان كل آب. تاريخه 17 جمادى الأولى سنة 1336.
الثامن: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب وقف بناء دكان لها بابان في سوق المسامرية تاريخه 19 جمادى الأولى سنة 1336.
التاسع: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب وقف بناء دارين متلاصقتين في كرم حجازي من محلة العزيزية وربع دكان في سوق الصابون. تاريخه 23 رمضان سنة 1336.
العاشر: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب. وقف بناء دار في الكرم المذكور. تاريخه 12 ذي العقدة سنة 1336.
الحادي عشر: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب. وقف بناء دار في محلة التلل المذكورة. تاريخه 27 ربيع الثاني سنة 1337.
هذا وإن المدرسة بعد أن أشرفت على الخراب ولم يبق لها من ريع أوقافها سوى ما يقدر بعشر ذهبات أصبحت الآن غلة وقفها تقدر بألف ذهب عثماني وزيادة وذلك بسعي مدرسها ومتوليها الشيخ مصطفى وولديه المومى إليهم وبعناية القدرة الإلهية التي حببت إلى قلوب الناس البناء في الأراضي الموقوفة على هذه المدرسة وهي مناشر الزبل وأراضي المشنقة التي عهدناها ميدانا لسباق الخيل ليس لها قيمة ولا يلتفت إليها أحد فأصبحت الآن من أهم البقاع التي تعمر فيها الدور والمنازل وبلغ البدل المعجل للذراع منها ذهبين عثمانيين فسبحان القدير الذي يحي الأرض بعد موتها.
بقية آثارها
مسجد صغير موجه شمالا في جانب الفرن الكائن في الزقاق النازل من سوق سويقة حاتم الآخذ إلى المفارق الأربعة تجاه طلعة العقبة ومسجد الأستاذ المرحوم الشيخ حسن أفندي ابن الشيخ طه أفندي الكيالي سعى بتعميره فنسب إليه وكان يعرف بمسجد المعراوي وهو في أول طلعة العقبة قرب المفارق الأربعة المتقدم ذكرها. وزاوية البيلوني صغيرة معطلة يسكنها بعض الفقراء أنشأها أحد بني البيلوني ووقف (الشيخ فتح الله بن محمود بن محمد البيلوني) وقفا هو حمام موغان المعروف بحمام البيلوني وقد هدمته الحكومة في سنة 1337 توسعة للطريق ثم في هذه السنة وهي سنة 1341 شرعت مديرية الأوقاف تبني على ما(2/176)
فضل من عرصته حوانيت عظيمة تؤجر بأضعاف ما كان يؤجر به الحمام المذكور.
ومن جملة أوقاف بني البيلوني أيضا دكان على باب الجامع الكبير من جهة النحاسين وعدة دور في هذه المحلة وشرط هذا الوقف لزاويته بعد انقراض ذريته وقد وقف على هذه الزاوية جميع كتبه والمفهوم من كتاب وقفه أن جده لأمه هو الشيخ (موسى ابن الشيخ الريحاوي) قلت قد ضاعت الكتب وصارت أكثر الدور ملكا ويوجد في دهليز الزاوية المذكورة الداخل حجرة فيها قبر الشيخ فتح الله المذكور، مسجد شريف في زقاق البيلوني في الصف الموجه غربا خراب معطل، ومسجد اليتامى المحول عن أصل قديم ملاصق أقميم حمام البيلوني وهو مسجد صغير كان خربا فعمر سنة 1310 واستخرج منه ثلاث دكاكين وقفت عليه وصارت تجبى عن يد محاسبة الأوقاف بحلب.
ثم في سنة 1340 هدمت مديرية الأوقاف هذا المسجد وأنشأت على أرضه حوانيت عظيمة بنت فوقها مسجدا عوض المسجد المذكور، ومسجد (الشيخ شريف) الأعرج نسب إليه لأنه كان يربي فيه الأطفال وهو مسجد قديم عامر مشتمل على قبلية عامرة إلا أنه معطل من الصلوات لخلو جواره من السكان المسلمين وهو في شمالي خان أبرك المعروف بخان القصابية وبابه في الصف الغربي على جادة المخازن والخانات، وجامع بش قبه قرب جب أسد الله وسمي بهذا الاسم لأن سقف قبليته مشتمل على خمس قباب وهو جامع عامر حافل له بابان أحدهما جنوبي والآخر شمالي وكان يعرف قديما بجامع الحوارنه والظاهر أنه من مباني القرن العاشر وقد وقف عليه السيد إبراهيم ابن السيد جمال الدين الهاشمي أحد أعيان المملكة الحلبية سنة 999 دارا بزقاق هذا الجامع وأخرى في زقاق الحكيم وأخرى في زقاق ابن الموصل ودارا ومربعا على قبة إيوان الواقف ودارا في زقاق قيس وكلها في المحلة وهذا الجامع الآن عامر تقام فيه الجهرية، وجامع القصر في رأس سوق باب الجنان على يسرة السالك إلى الباب عامر تقام فيه الصلوات والجمعة وهو صغير قديم رأيت له ذكرا في كتاب وقف الشهابي أحمد بن الزيني عمر المرداسي الشافعي الموقوف سنة 866 وزاوية محي الدين بقربه من جهة الغرب، والجامع العمري في باب الجنان وأظنه كان داخل السور بدليل الحجر الموجود في جداره من غربيه وهو جدار السور والحجر مكتوب فيه (جدد هذا البرج المبارك السلطان المالك الملك قانصوه الغوري عز نصره بتولي المقر السيفي برسباي الأشرفي نائب القلعة بحلب المحروسة سنة 920) وكل هذه المساجد لها من الأوقاف(2/177)
ما يقوم بكفايتها، ومسجد في بوابة قيس له دكان في سوق الصيلة، والجاولية في جانب عقيبة الياسمين بناها محمود بن عفيف الدين سنة 566 وأول من درس بها أبو بكر بن أحمد الكاساني صاحب كتاب البدائع وهي مدرسة واسعة لكنها معطلة وكانت أشرفت على الخراب وكادت تكون تل تراب.
ثم في سنة 1300 عمر فيها بضع حجرات وتركت وهي مشروطة على الحنفية وشرط واقفها لمدرسها كفايته وكفاية عياله والآن يسكنها بعض الفقراء وأوقافها مزرعة تل عنب من عزاز وفدانان ونصف من أطعانا من عزاز ونصف مزرعة (لفحار) من عمل معرة مصرين وبستان بأصفرا ظاهر حلب شماليها وحصة من قرية المحطبه من عزاز وثلث طاحون الحارثي خارج باب أنطاكية وغير ذلك من الأراضي وقد ضاعت كلها ولم يبق لها سوى قليل من أراض تجبى من قبل المالية وفيها من الزيارات، زيارة الشيخ محمد التنبي على الجادة شرقي بوابة قيس، وزيارة الشيخ علي الجاولي تجاه مدرسته.
ومن السبلان، قسطل أبي خشبة قرب سوق باب الجنان من شرقيه وهو آخر ما ينتهي إليه ماء فرض برد بك وأظنه من آثار المرحوم رجب باشا صاحب السراي المشهورة، وقسطل تجاه جب أسد الله، وسبيل في جدار جامع بش قبه شرقي بابه الشمالي مشروط له في كل يوم 24 عثمانيا في وقفية شريفة بنت عبد القادر أفندي حجازي المؤرخة سنة 1120 وهو وقف عظيم شرطته بعد انقراض ذريتها لأموي حلب، وقسطل القهوة المعلقة في جانب بيت قنصلية فرانسه جنوبي بابه، وسبيل البيلوني في حائط حمامه الشمالي، وسبيل (لويس فيلكروز) على باب خانه.
وفيها من الخانات، خان القصابية وكان يعرف بخان أبرك مكتوب على بابه ... (أنشأ هذا الخان المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قانصوه الغوري عز نصره المقر الأشرفي عين مقدمي الألوف بالديار المصرية وشاد الشراب خانات الشريفة بها ونائب القلعة الحلبية المنصورة المحروسة أعز الله أنصاره ابتغاء لوجه الله تعالى ومن تعرض إليه كان الله ورسوله خصمه وذلك في شعبان المكرم سنة 916) والظاهر أن هذا الخان عمر على أن يكون وقفا على أبناء السبيل فلم يتم للواقف ما أراد فإن غرفه وخلواته الآن يملكها الناس ويبتاعونها من بعضهم بصكوك فيما بينهم دون اطلاع الحكومة ولا أخذ وثيقة منها وهو خان عظيم يضاهي محلة وتجاه هذا الخان، أوتيل جبل لبنان ومنها، خان(2/178)
الحبالين في سوق القطن وهو من إنشاء محمد باشا الذي جدد الميضأة الكائنة في جنوبي الحلاوية وكانت عمارته سنة 1003 كما هو مسطور على بابه، وخان الحرير الموجه شرقا وخان الجاكي تجاهه، وخان (لويس بن فيلروس) ، وخان السيد قرب وخان السيد قرب باب الجنان وخان ميسر أنشأه الحاج محمد والحاج أحمد ابنا (عبد القادر بن عمر ميسر) في حدود سنة 1330 وهو خان جميل عظيم ويعرف أيضا بخان البنك لأن المصرف العثماني فيه وخان باقي جاويش واقفه الحاج عبيد الله ابن الحاج أحمد ابن الحاج إبراهيم غنام سنة 1160 شرط أن تقسم غلة وقفه ثلاثة أقسام قسم لنفسه ولعقبه من بعده وقسمان لمؤذن الجامع الكبير وعشرة قراء تجاه حضرة زكريا عليه السلام، وخان دار كوره كان مما وقفه الحاج زين الدين ابن الحاج رجب ابن الخواجه الكبير الحاج جمال الدين عبد الله الخواجكي ووقف معه قاسارية تحت القلعة قبلي أقميم حمام الناصري (حمام اللبابيدية) وشرط فيه أن يفرق عشرة دراهم فضية على مؤذن في جامع الخواجكي خاصبك ببانقوسا كل شهر وذلك في سنة 877 وخان الصوفي تجاه خان دار كوره وكان مما وقفه أحمد ابن الزيني عمر المرداسي سنة 866 وكل هذه الخانات عامرة بالتجار والتجارة كل خان منها يضاهي محلة وفي هذه المحلة قاسارية قرب خان أبرك كانت مما وقفته فاطمة بنت قاضي القضاة عفيف الدين محمد ابن القاضي علاء الدين سنة 966 وفيها مداران، وفرن، وقهوتان.
تنبيه: في هذه المحلة كان قصر مرتضى الدولة وهو أبو نصر بن لؤلؤ أحد موالي بني حمدان وقد تداعى هذا القصر للخراب وبني مكانه دور خربت ثم آلت لعلم الدين قيصر الظاهري فهدمها وبنى فيها قيسارية وصهاريج للزيت وحوانيت انتقلت إلى ورثته ثم انتقل بعضها إلى ملك بدر الدين الخازندار الظاهري سنة 672 ولم يبق من آثار هذا القصر سوى بستان صغير يعرف في زماننا بجنينة شمس لؤلؤ جارية في وقف بني السفاح. والأسر الشهيرة في هذه المحلة هي أسرة بني غنام ووجيهها السيد عبد الرحمن وأسرة آل طلس والدور العظام فيها دور بني البيلوني ودور بني غنام.(2/179)
محلة سويقة حاتم (د) عدد بيوتها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 313/423/736/المسلمون 33/30/63/الروم/ الكاثوليك 16/26/42/الأرمن 7/6/13/الروم 262/479/841/المجموع حدها قبلة الجلوم الكبرى وغربا جب أسد الله وشمالا الدباغة العتيقة وشرقا سويقة علي وهي من أشهر حارات حلب وأعمرها وماؤها في آبار وحياض من قناة حلب إلا أن مناخها ليس بجيد لتزاحم مبانيها وكانت هذه المحلة تسمى السهيلية وكانت السكنى فيها مرغوبة لقربها من الجامع الكبير.
آثارها
الجامع الكبير الأموي
خلاصة ما قاله قدماء المؤرخين في جامع حلب. قالوا كان موضع الجامع في أيام الروم بستانا للحلوية ولما فتح المسلمون حلب صالحوا أهلها على موضع الجامع وكانت الجهة الشمالية منه مقبرة للحلوية المذكورة وكان في أول أمره يضاهي جامع دمشق في الزخرفة والرخام والفسيفساء والتأنق ويقال إن سليمان بن عبد الملك هو الذي بناه ليضاهي به ما عمله أخوه الوليد في جامع دمشق وقيل إنه من بناء الوليد أيضا لأنه نقل إليه آلة كنيسة(2/180)
قورص «1» وكانت من عجائب الدنيا حتى قيل إن ملك الروم بذل في ثلاثة أعمدة كانت فيها سبعين ألف دينار للوليد فلم يسمح له بها وقيل إن بني العباس نقضوا ما كان فيه من الزخارف والآلات ونقلوه إلى جامع الأنبار لما نقضوا آثار بني أمية من بلاد الشام وعفوها ولم يزل على هذه الصفة حتى دخل نيقفور حلب سنة 351 وأحرقها وأحرق جامعها ورحل عنها وعاد سيف الدولة إليها فرم بعض المسجد المذكور ثم لما تولى ولده سعد الدولة بنى فيه قرعويه قبة الفوراة التي في وسطه طول كل عمود منها سبعة أشبار وفي هذه القبة جرن رخام أبيض في غاية الكبر والحسن يقال أنه كان مذبحا في بعض الكنائس التي بحلب وفي حافة الجرن مكتوب (هذا ما أمر بعمله قرعويه غلام سيف الدولة ابن حمدان في سنة 354) .
وبنى فيه الجهة الشرقية القضاة بنو عمّار الذين كانوا أصحاب طرابلس الشام فلما كانت ليلة الأربعاء سابع وعشرين شوال سنة 564 في أيام نور الدين بن زنكي أحرقته الإسماعيلية «2» مع الأسواق التي حوله فاجتهد نور الدين بعمارته وقطع الأعمدة الصفر من بعادين ونقل إليه عمد سور قنسرين لأن العمد التي كانت فيه قد تفطرت من الحريق وكانت قواعد العمد في صحن الجامع مع شيء من الرءوس وهي في أرضه فجمعت وبنى بعضها فوق بعض في الغربية التي فيه وكان الصف القبلي من الشرقية التي في قبلي الجامع الآن الملاصقة سوق البز عن يمين الداخل من الباب القبلي سوقا موقوفا على الجامع ولم يكن المسجد على التربيع فأحب نور الدين أن يجعله مربعا فاستفتى في ذلك الفقيه علاء الدين أبا الفتح عبد الرحمن بن محمود الغزنوي فأفتاه بجوازه فنقض السوق المذكور وأضافه إلى الجامع فاتسع به وحسن مرآه.
وفي سنة 679 هـ أحرقه صاحب سيس «3» فلما كان قرا سنقر نائب حلب عمره بتولي القاضي شمس الدين بن صقر الحلبي وفرغ منه في رجب سنة 684 هـ ويقال إن الحائط الشمالي من القبلية التي تلي الصحن كان إذ ذاك من بقايا عمارة نور الدين وفي(2/181)
سنة 824 هـ وقعت الغربية وكان سقفها جملونا خشبا فعزم الأمير يشبك اليوسفي نائب حلب على عمارتها قبوا وشرع في ذلك ثم توفى فعمرت من مال الجامع وعقد سقفها قبوا وكان في صحن الجامع صهريج واسع عظيم جدا يحكى أن السبب في عمارته هو أنه كان بعض السلف من أهل حلب متوليا على أوقافه بحلب فأتاه انسان لا يعرفه فطرق عليه الباب ليلا ودفع له ألف دينار وقال له إصرفها في جهة بر، فأخذها وخطر له أن يصرفها في عمارة مصنع يخزن فيه الماء من القناة فإن منابع حلب مالحة وكان العدو يطرق مدينة حلب كثيرا فإذا قطع عنها ماء القناة تضرر أهلها فرأى أن يعمل مصنعا في صحن الجامع المذكور مدفونا تحت أرضه فشرع في ذلك وحفر حفيرة عظيمة واسعة واشترى الحجارة والكلس وعقد المصنع وفرغ الذهب المحمول إليه فضاق صدره واضطرب مدة في إتمام المشروع فطرق عليه الباب الطارق الأول ودفع له ألف دينار أخرى وقال له أتمم عملك فأخذها وأتم العمل وجاء المصنع واسعا متقنا بحيث كان يكفي السقائين والناس ولا يفرغ من الماء فجعل أهل حلب يطعنون على المتولي المذكور ويقولون إنه أضاع من مال الوقف جملة في عمارة مصنع فطلب منه الحاكم الحساب فرفعه إليه ولم يذكر فيه درهما واحدا في نفقات المصنع المذكور فسأله عن نفقة المصنع فأخبره بالقصة.
ويقال إن هذا المتولي هو ابن الأيسر ويحكى أن هذا المصنع وجد في حفرته تمثال أسد من حجر قد وضع مستقبلا بوجهه القبلة، قال ابن الخطيب: «وهذا المصنع اليوم مردوم» ، وفي سنة 482 كان تأسيس منارة الجامع وعمرت على يد القاضي أبي الحسن محمد بن يحيى بن محمد الخشاب عوضا عن منارة كانت قبلها وكان بحلب معبد للنار قديم قد تحول إلى أن صار أتون حمام فأخذ القاضي حجارته لعمارة هذه المنارة فوشى به بعض حساده لأمير البلد قسيم الدولة فاستحضره وقال له قد هدمت معبدا هو ملكي فقال أيها الأمير كان معبدا للنار وقد صار معبدا يذكر عليه اسم الله تعالى وقد كتبت اسمك عليه وجعلت الثواب لك فإن رسمت أن أغرم ثمن الحجارة ويكون الثواب لي فعلت فأعجب الأمير كلامه واستصوب رأيه.
وقيل إن المنارة أسست في زمن سابق محمود بن صالح على يد القاضي المذكور والمعمار الذي بناها من سرمين وبلغ بأساسها إلى الماء وعقد حجارتها بكلاليب الحديد والرصاص وأتمها في أيام قسيم الدولة آق سنقر وطول هذه المنارة إلى الدرابزين بذراع اليد سبعة وتسعون(2/182)
ذراعا وعدد مراقيها مائة وأربع وسبعون درجة ولما كانت ليلة الاثنين ثاني عشر شوال سنة 575 زلزلت حلب زلزلة عظيمة هدمت أكثر دورها وأهلكت جماعة من أهلها وحركت المنارة فدفعت هلالا كان على رأسها مقدار ستمائة قدم وشققت ولما استولى التتار على حلب في عاشر صفر سنة 658 دخل صاحب سيس إلى الجامع وقتل خلقا كثيرا وأحرق الجاني القبلية منه وأخذ الحريق قبلة وغربا إلى المدرسة الحلاوية واحترق سوق البزازين فعرف عماد الدين القزويني هولاكو ما اعتمده السيسيون من إحراق الجامع وتركهم كنائس النصارى فأمر هولاكو برفع ذلك وأطفئت النار بسبب مطر صادف وقوعه في تلك الأثناء ثم اعتنى نور الدين يوسف بن أبي بكر عبد الرحمن السلماسي الصوفي بتنظيف الجامع ودفن ما كان فيه من قتلى المسلمين في جباب كانت بالجامع للغلة في شماليه ولما مات عز الدين أحمد الكتبجي أي الكتبي خرج عن جميع ماله فقبضه أخوه وتصدق ببعضه وعمر حائط الجامع منه فأنفق عشرين ألف درهم منها ثمانية عشر لبنائه وألفان لحصره ومصابيحه ولما ملك السلطان الملك الظاهر حلب أمر بتكليس الحائط القبلي وكذا الغربي من جهة صحن الجامع وعمل له سقفا متقنا وكان المحراب الأصفر يعرف بمحراب الحنابلة والمحراب الكبير الكائن في يمين الحضرة ويسار المنبر مختصا بالشافعية والمحراب الغربي الكائن في أواخر قبلية الحنفية مختصا بالحنفية ومحراب الغربية مختصا بالمالكية وفي سنة 931 أمر القاضي عبيد الله بن محمد بن يعقوب أن يصلي الحنفي بالمحراب الكبير ثم يصلي الشافعي بعده وكان يوجد على الباب الشمالي من الجامع مارستان «1» ينسب إلى ابن خرخاز وله بوابة عظيمة وقد أغلق بابه وأدخل في الدور المجاورة له (أظنه الآن مدرسة موقوفة على إمام الأحناف بالجامع وتعرف بدار الكحالة) .
حالته الحاضرة: موقع الجامع في غربي القلعة بينها وبينه مسيرة نصف ميل تقريبا على خط مستقيم وهو عمارة عظيمة طولها من الغرب إلى الشرق مع ثخانة جدران الجهتين الخاصتين بها مائة وثلاثون ذراعا وعرضها كذلك من الجنوب إلى الشمال مائة واحد عشر ذراعا واثنا عشر قيراطا فإذا ضربت ذرع الطول والعرض ببعضهما يبلغ المجموع أربعة عشر ألفا وأربعمائة وخمسة وتسعين ذراعا مربعا ثم إن هذه العمارة لها أربعة أبواب.(2/183)
أولها: موجه قبلة ويعرف بباب النحاسين لأنه كان يخرج منه إلى سوق النحاسين الكائن في قبليه وعلى يمنة الداخل إلى هذا الباب سوق باعة النعال والمعروف بسوق القوافين وعلى يسار الداخل سوق باعة حبال القنب المعروف بسوق الحبالين وهذان السوقان ملاصقان ظهر الجامع وترتفع أرض الزقاق الكائنة تجاه هذا الباب عن أرض صحن الجامع ذراعين.
الباب الثاني: موجه شرقا ويعرف بباب سوق الطيبية لأنه يخرج منه إليه وعلى يمين الداخل منه سوق الصرمايتية ويعرف بسوق المروبصين وكان يعرف قديما بسوق الطواقين وعلى يساره سوق إستانبول الجديد ويعرف أيضا بسوق الصياغين وترتفع أرض الزقاق الكائنة تجاه هذا الباب عن أرض صحن الجامع ثلاثة أذرع وتسعة قراريط.
الباب الثالث: متجه إلى الشمال ويعرف بباب الجراكسية قد اكتنفه من جانبيه دور تابعة حارة سويقة حاتم ويرتفع زقاقه عن أرض صحن الجامع ذراعين وسبعة عشر قيراطا مكتوب في أعلاه (إنشاء الملك المظفر في عصر السلطان مراد خان عزّ نصره) مكتوب تحته:
حضرة الباشا سميّ المرتضى ... نسل الوند ملاذ القاصدين
جدد الجامع من غير ريا ... مخلصا لله رب العالمين
ولهذا في الورى تاريخه ... صار حقا نعم أجر العاملين
الباب الرابع: موجه غربا ويعرف بباب المسامرية لأن في حضرته الحدادين الذين يصنعون المسامير وتجاه هذا الباب باب المدرسة الحلاوية ليس بينهما سوى عرض الطريق وليس على يمين هذا الباب سوق إنما اتصل بيمينه جداره الخالي من الدكاكين وتجاه هذا الجدار صف من الدكاكين يطلق عليها سوق المسامرية وكان يعرف قديما بسوق السلاح ثم بسوق المتعة وعلى يسار الباب المذكور دكاكين تابعة حارة سويقة حاتم وترتفع أرض صحن الجامع ذراعا وخمسة قراريط ثم إن هذا الجامع المعمور قد اشتمل داخله على أربع جهات في كل منها عمارة نورد بها كلاما على حدته فنقول: الجهة الأولى جنوبيه تتجه إلى الشمال وظهرها لصيق سوق الحبالين والقوافين المتقدم ذكرهما يستوعب هذه الجهة من أولها إلى آخرها قبلية السادة الحنفية والشافعية البالغ طولهما مائة وثلاثين ذراعا سوى(2/184)
ثخانة جداريهما الشرقي والغربي يفصل بينهما ممر من الباب القبلي إلى صحن سقفهما قبو عظيم محمول على ثمانين عضادة مصطفة من الغرب إلى الشرق أربعة صفوف كل صف منها عشرون عضادة مربعة محيط كل واحدة منها 5 ع و 8 ط وتبعد عن التي تليها من صفها 5 ع و 2 ط وبعد ما بين العضادتين من الصف الأول قبالة وجه المصلي وبين العضادة التي تليها من الصف الثاني 5 ع و 14 ط وما بينها من الصف الثاني وما يليها من الصف الثالث 5 ع و 6 ط وما بينها وبين ما يليها من الصف الرابع 6 ع و 15 ط.
والأول من هذه الصفوف الملتصقة ظهور عضاداته بجدار القبلية الذي يوجه المصلي وجهه إليه بين العضادة الرابعة والخامسة منه محراب كان مختصا بالحنفية ويعرف في زماننا بمحراب العلمين لأن على جانبيه علمين من أعلام الطريق وبين العضادة السادسة والسابعة مقصورة الوالي وهي حجرة مكشوفة من الخشب المصنع يرقى إليها بدرجتين مكتوب على بابها (بسم الله الرحمن الرحيم جددت هذه المقصورة في أيام مولانا السلطان الملك الناصر عماد الدنيا والدين محمد خلد الله ملكه) وقد جدد في هذه المقصورة خزانة مملوءة من الكتب وقفها على الجامع محمود أفندي ابن الحاج أحمد الجزار ابن عبد الرحمن آغا السياف وفي سنة 1336 هدمت هذه المقصورة وألحقت بأرض القبلية فصارت من جملتها: مكتوب في أعلى الجدار ما بين العضادة السابعة والثامنة ما صورته (جددت هذه المقصورة المباركة في أيام المقر العالي المولوي الملكي الشمسي قرا سنقر المنصوري كافل المملكة الحلبية عز نصره) ويوجد فيما بين العضادة الثامنة والتاسعة حجرة سعتها من الداخل نحو ذراعين في مثلهما وكان لها باب ينفذ من سوق الحبالين المتقدم ذكره فكان الوالي أو الخطيب يدخل منه إلى الحجرة كيلا يتخطى رقاب الناس ثم في حدود سنة 1260 سد هذا الباب وبقي للحجرة باب واحد يلي القبلية وهذا الباب عضادتاه ونجفته من خشب مصنع جميل جدا دائرة عليه كتابة في البسملة وآية الكرسي وغلق هذا الباب فيه رقاع من نوع الرقاع الموجودة في المنبر الآتي ذكرها وفي أعلى نجفة الباب مكتوب (جددت هذه المقصورة في أيام مولانا السلطان الملك الصالح عماد الدنيا والدين أبي الفدا يلبغا بن محمد بإشارة المقر الأشرف العالي المولوي السيفي يلبغا كافل المملكة الثانية الحلبية عز نصره سنة 746) .
وبعد بضعة أذرع من هذه الحجرة يكون المنبر ومحله ما بين العضادة التاسعة والعاشرة وهو من الخشب المصنع الجميل العديم النظير في مساجد حلب قد اشتمل على رقاع مخمسة(2/185)
ومسدسة محيطها بضعة قراريط بديعة صنعة التبخير قد نزل فيها قطع رقاق من العاج والصفر الذي يلمع كأنه الذهب ومن جملة خشب هذا المنبر الأبنوس المشهور وارتفاعه عن أرض القبلية إلى كرسيه الذي هو بعد آخر درجة منه 3 ع و 12 ط ثم تكون قبته وقد كتب على تاج بابه (عمل في أيام مولانا السلطان الملك الناصر أبي الفتح محمد عز نصره) وتحت هذا (عمل العبد الفقير إلى رحمة الله محمد بن علي الموصلي) وعلى مصراعيه (بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن عثمان الحداد) وعلى صدر معبره (أمر بعمله المقر العالي الأمير الشمسي قرا سنقر الجو كندار الملكي المنصوري عز نصره) وكان هذا المنبر صنع مع منبر نظيره حمل إلى بيت المقدس بعد أن فتحت القدس على يد المرحوم السلطان صلاح الدين ويوسف بن أيوب) ثم يلي المنبر المحراب الكبير الذي كان مختصا بالشافعية ويعرف الآن بمحراب الحنفية ومحله فيما بين العضادتين المذكورتين وسعة فتحته عرضا 2 ع و 4 ط وهو من الحجر الأصفر البعاديني مكتوب عليه (أمر بعمارته بعد حريقه مولانا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاون) وعلى جانبيه (بالإشارة العالية المولية الأميرية الشمسية قرا سنقر الجو كندار الملكي المنصور كافل المملكة بحلب المحروسة أدامه الله وحرسه في رجب سنة 684) وتجاه المحراب تقريبا توجد السدة مكتوب على بابها بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل المملكة الحلبية أعز الله أنصاره بإشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره.
الحضرة النبوية: محلها فيما بين العضادة العاشرة والحادية عشرة من الصف الأول في حجرة مربعة تبلغ 4 ع وفي مثلها تقريبا يصعد إليها من أرض القبلية بدرجة واحدة سقفها قبة لها على سطح الجامع كوات بشبكات من الحديد وفي قاعدة القبة شبكة كالسقف مفتوحة من النحاس بعيون مربعة تبلغ واحدتها ثلاثة قراريط في مثلها ترتفع عن أرض الحجرة نحو ثمانية أذرع وجدران الحجرة الثلاثة التي هي الغربي والشرقي والجنوبي المقابل وجه المصلى ظهارتها من أرض الحجرة إلى الشبكة المذكورة مبنية بأجمل أنواع الخزف المعروف بالقاشاني وباب هذه الحجرة وهي الجهة الرابعة منها قنطرة مشادة عالية حجارتها سود وصفر محمولة على عمودين عظيمين وارتفاعها من ختمها إلى أرض القبلية ثمانية أذرع في عرض أربعة أذرع وهذه القنطرة العظيمة مع العمودين المحمولة عليهما لها غلق يستوعبها من أرض الحجرة إلى ختم القنطرة من نحاس أصفر مشبك ببعضه على شكل مربع وهو من رأس العمودين(2/186)
إلى أرض الحجرة ذو مصراعين يفتح ويغلق وسعة عيون شبكاته قيراطان في مثلهما ومن رأس العمودين إلى ختم القنطرة واحدة لا تفتح ولا تغلق وسعة عيون شبكاته قيراط واحد في مثله وفي جانب كل من العمودين المذكورين لمعة ظهارتها من الخزف القاشاني المذكور مكتوب على زنار شبكة الباب شعر تركي لنابي الشاعر المشهور ذكره في ديوانه آخر مصراع منه يبلغ بالجمل 1120 هو تاريخ تجديد المرقد الشريف.
أما صندوق الجرن الشريف فهو في وسط الحجرة من الخشب على صفة ضريح عليه كسوة من مخمل مزركش بالقصب الفضي فيه بعض سورة مريم وهذه الكسوة أنعم بها المرحوم السلطان عبد العزيز خان سنة 1291 وكان قبلها كسوة سرقت قديمة بالية وضعت سنة 1232 على إثر كسوة سرقت في السنة المذكورة وهذه الكسوة التي هي قبل الكسوة الحاضرة أرسلت إلى إستانبول ووضعت هناك في محل الآثار القديمة وعلى هذه الكسوة الجديدة فوق سنام الضريح عدة شالات ثمينة عجمية وهندية ومما يوجد في الحضرة مصحف شريف مكتوب على قفا أول صفحة منه (هذا المصحف الشريف بقلم المغيرة بن شعبة الصحابي رضي الله عنه بخط كوفي) ومكتوب تحتها (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين يقول كاتب هذه الأحرف حسين بن علي الشهير بابن البجاقجي الحلبي الحنفي بأنه وقف هذا المصحف الشريف بالجامع الكبير بحلب المحروسة ابتغاء لوجه الله تعالى وصلى الله على محمد وآله تحريرا في أواخر صفر الخير سنة 1064) على أن خط هذا المصحف مغربي لا كوفي ولا دليل فيه يدل على أنه خط المغيرة ابن شعبة ويوجد في الحضرة عدة مصاحف بخطوط إستانبولية معتبرة وغيرها مع نسخة من صحيح البخاري خطية وعشرة قناديل فضة صغار وقنديلان كبيران من الفضة وقنديل ذهب وشمعدان فضة وقمقم ومبخرة فضة وغير ذلك من البلور والسجادات والبقج والشالات.
الدفين بهذه الحضرة: قال ابن شداد وابن الشحنة وابن الخطيب نقلا عن تاريخ ابن العظيمي أنه في سنة 435 ظهر ببعلبك في حجر منقور رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فنقل إلى حمص ثم منها إلى مدينة حلب في هذه السنة ودفن بهذا المقام (يعنون المقام الأعلى في القلعة) في جرن من الرخام الأبيض ووضع في خزانة إلى جانب المحراب وأغلقت ووضع عليها ستر يصونها قال ابن الخطيب: وهو في هذا اليوم في التحتاني في القلعة. وقال علي بن(2/187)
أبي بكر الهروي في كتابه الاشارات: إن في قلعة حلب في مقام إبراهيم عليه السلام صندوقا فيه قطعة من رأس يحيى ظهر في سنة 434 ثم قال ابن الشحنة نقلا عن ابن بطلان: ولما احترق المقام في حادثة التتار سنة 659 عمد سيف الدولة أبو بكر بن إيليا الشحنة بالقلعة المذكورة والناظر على الذخائر وشرف الدين أبو حامد بن النجيب الدمشقي الأصل الحلبي المولد إلى رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فنقلاه من القلعة إلى المسجد الجامع بحلب ودفناه غربي المنبر وقيل شرقيه وعمل له مقصورة وهو يزار.
قلت: هذه الحكاية لا تنطبق على ما قاله ابن الخطيب من أن الرأس الشريف في المقام التحتاني في أيامه التي هي القرن التاسع إذ مقتضى الحكاية المذكورة التي حكاها ابن الشحنة عن ابن بطلان أن الرأس الشريف في الجامع الكبير قبل ابن الخطيب بنحو مائتي سنة والأغرب من هذا ما ذكره ابن الوردي في تاريخه حيث قال وفي سنة 738 في صفر توفى بدر الدين محمد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي ناظر الأوقاف بحلب وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالأموي شرقي المحراب الكبير لأنه سمع أن بمكانه رأس زكريا عليه السلام فارتاب في ذلك فأقدم على فتح الباب المذكور بعد أن نهى عنه فوجد باب عليه تأزير رخام أبيض ووجد فيه تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة فرفعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهرب الحاضرون هيبة لها ورد التابوت بغطائه إلى موضعه وسد عليه الباب ووضعت خزانة المصحف الشريف على الباب وقد أثرت هذه الهيبة بالناظر المذكور وابتلى بالصرع إلى أن عض على لسانه فقطع ومات. اه. كلام ابن الوردي، فهذه الحكاية تفيد صراحة بأن المدفون بالجامع هو رأس زكريا عليه السلام لا يحيى مع أن كلام المتقدمين يدل على أن المدفون هو رأس يحيى وذكر المرادي في ترجمة علي بن شداد بن علي أنه في سنة 1120 ظهر في بعض جدران الجامع صندوق من مرمر مطبق ملحوم بالرصاص مكتوب عليه هذا عضو من أعضاء نبي الله زكريا عليه السلام فاتخذوا له هناك في ناحية القبلية في حجرة قبرا في مكانه الآن وحمل الصندوق إليه جميع العلماء والصالحين بالاحترام والتعظيم والتكبير وجدد عليه المرقد. اه. كلام المرادي وهو يؤيد ما قاله ابن الوردي وعليه الشهرة في زماننا وعلى كل حال فليس يخلو الجامع من أثر شريف نبوي جدير أن تفتخر حلب بوجوده ويوجد بين العضادتين الحادية عشرة والثانية عشرة من الصف الثاني مقصورة تعرف من قديم الزمان بمقصورة القاضي مكتوب عليها (جددت(2/188)
هذه المقصورة المباركة في أيام المقر العالي المولوي الملكي الشمسي قرا سنقر المنصوري كافل المملكة الحلبية شمس الدين قرا سنقر الجوكندار) وبهذه العضادة التي هي العضادة الثانية عشرة من الصفوف الأربعة تنتهي قبلية الحنفية وطولها 72 ع و 16 ط سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضها 23 ع و 9 ط سوى ثخانة عضادات الصف الأول وبين العضادة الثانية عشرة والثالثة عشرة من الصفوف الأربعة يكون دهليز الباب الجنوبي المتقدم ذكره وهو الباب الأول وفي شرقي هذا الدهليز وغربيه من آخره باب القبلية الحنفية وباب القبلية الشافعية.
وفي آخره يكون الباب الكبير الذي ينفذ إلى صحن الجامع وفي شرقي هذا الباب تكون قبلية الشافعية وطولها 45 ع و 16 ط سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضها كعرض قبلية الحنفية ومبداها من العضادة الثالثة عشرة من الصفوف الأربعة وتنتهي بالعضادة العشرين من الصفوف المذكورة ولا يوجد في هذه القبلية من الآثار سوى المحراب الأصفر المختص في زماننا بالشافعية ومحله بنيت العضادة السادسة عشرة والعضادة السابعة عشرة. ثم إنه يوجد في قبلية الحنفية ست عضادات مربعة هي من جملة الثمانين لكنها أغلظ من قبلية العضادات إذ أن محيط كل واحدة منها 6 ع و 12 ط، وبعد ما بين الواحدة والتي تليها من صفها 5 ع و 18 ط وهي العضادة العاشرة والحادية عشرة من الصفوف الثلاثة وقد عقد عليها في الصف الثاني والثالث قبة ويوجد فيما بين العضادة التاسعة والعاشرة من الصف الثالث سدة محمولة على أربعة أعمدة من الخشب مكتوب على بابها (بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل الممالك الحلبية أعز الله أنصاره بإشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره) وقد بدل شكلها بعد ذلك ورفعت الأعمدة من تحتها وحملت على أسطوانات من الحديد مغروسة في الجدار والصف الرابع من صفوف العضادات يوجد بين كل عضادتين منه في قبلية الحنفية والشافعية باب واسع له غلق ينتهي إلى قاعدة قنطرته ثم تكون شبكة جميلة الصنعة من الخشب ويوجد فيما بين التاسعة والعاشرة من هذا الصف باب صغير بالنسبة إلى بقية الأبواب مبني من ظاهره مما يلي الصحن بحجارة صفر وسود له تاج وشرافة قد كتب بأعلى جانبه على يمنة الداخل (جدد هذا الحائط في دولة السلطان مراد خان (ابن أحمد خان عز نصره) وعلى يسرة الداخل (بإشارة الصدر الأعظم خسرو باشا يسر الله له من الخيرات ما يشا) وعلى الجبهة بين هاتين الكتابتين:(2/189)
لقد كان محمود المآثر ماجدا ... وبابا لفعل المكرمات ومعدنا
بنى جامع الشهباء لله مخلصا ... وطالب رضوان من الله موقنا
فعوضه الله الكريم بفضله ... قصورا بجناب النعيم ومسكنا
بدولة ظلّ الله سلطان عصره ... سليل بني عثمان ذي المجد والثنا
مراد سلاطين الوجود ومن غدا ... مقام حماه كعبة الجود مأمنا
فطوبى له فيما بناه مؤرخا ... بنى المسجد المشهور محمود محسنا
ومكتوب تحت الجبهة المذكورة فوق نجفة الباب:
من بنى معبدا ... فاز بظل ممدود
رحم الرحمن أرخ ... صاحب الخير محمود
وفي كل من جانبي هذا الباب شباك وراءه مصطبة يرقى إليها من أرض القبلية بدرجتين معدتين للصلاة وجلوس بعض الوعاظ وفي سنة 1340 جعل أحد الشباكين المذكورين بابا إلى صحن الجامع يدخل منه الوالي توا ليصلي على المصطبة التي وراءه لأنها صارت مختصة بالوالي وأركان الولاية ثم إن كلا من قبلية الحنفية والشافعية قد قطعتا طولا شطرين بقاطع من الخشب المعمول شعرية ارتفاعه نحو 3 ع وفيه عدة أبواب يدخل منها إلى الشقة الداخلة مكتوب بالدهان على الباب الكائن تحت السدة (بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل الممالك الحلبية أعز الله أنصاره باشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره) وعلى الباب الذي يليه غربا (الحمد لله الذي جعل أحياء هذا الجامع المعظم على أيادي الكرام من سكان حلب الشهباء ليجزيهم أحسن ما عملوا في سنة 1110) .
وفي سنة 1170 وعلى الباب الذي يليه ما معناه (إن أحياء الجامع كان على يد عثمان باشا سنة 1152 ثم في سنة 1326 رفع هذا القاطع من القبليتين وصارت كل واحدة منهما شقة واحدة ويوجد مبنيا في أعلى الزاوية الكائنة في الجهة الغربية من جدار قبلية الحنفية الذي يلي صحن الجامع حجرتان سوداوان كل واحدة منهما في طول 5 ط ومثلها عرضا يقال أن أصلهما من الكعبة المكرمة ويوجد في آخر قبلية الحنفية أيضا من جهتها الغربية الشمالية قسطل له مباذل معد للوضوء لكنه غير مستعمل والجهة الشرقية من هذا الجامع المتجهة إلى الغرب رواق طوله 36 ع سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضه كذلك 17 ع(2/190)
وسقفه قبو محمول على عضادات تشاكل عضادات الجهة الجنوبية المتقدم ذكرها وبين كل عضادتين من الصف الأخير منها الملاصقة ظهورها جدار الجامع الكائن وراءه سوق الصياغين حجرة مبنية بالحجارة معدة لجلوس بعض المدرسين والأئمة والموظفين بالجامع وفي جداره الجنوبي محراب في يمينه باب يدخل منه إلى قبلية الشافعية وفي يسار المحراب حجرة يسكنها بعض المدرسين وفي جداره الشمالي باب صغير ينفذ منه إلى دهليز الباب الثاني المتجه إلى الشرق وفي الزاوية الموجهة إلى الغرب من هذا الرأس حجرة يسكنها الميقاتي وعرض الدهليز كعرض ما بين العضادتين وطوله كعرض هذا الرواق وترتفع أرض هذا الرواق عن أرض صحن الجامع 16 ط ويصعد إلى هذا الرواق من وسطه مما يلي صحن الجامع بثلاث درجات الثانية منها محزوزة من جنوبيها إلى شماليها حزا مستقيما متى بلغته الشمس أذن الظهر قيل إن الخضر عليه السلام هو الذي حزها والصحيح أن الذي حزها هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الحنبلي الميقاتي وعرض الدرجة الأولى من هذه الدرجات 1 ع و 16 ط وطولها من الغرب إلى الشرق 1 ع و 22 ط وثخانتها 5 ط وفضلتها عن التي فوقها 11 ط وعرض التي فوقها 23 ط وطولها ذراع و 22 ط وثخانتها خمسة قراريط ونصف القيراط والحجازية مصلى طوله من الشمال إلى الجنوب 29 ع و 6 ط سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضه كذلك 18 ع وفيه من آخر جهته الغربية عطفة طولها من الجنوب إلى الشمال 14 ع و 17 ط وعرضها 6 ط و 12 ط وهذا المصلى يشتمل في جهته الشمالية على حوض طوله من الشرق إلى الغرب 7 ع و 5 ط وعرضه 5 ع و 23 ط وعمقه 14 ط جدد من مال الجامع سنة 1304 وجدد فيها تدفيف هذا المصلى جميعه وفي غربيه حوض آخر لخزن الماء وقد وجد تحت حفير الحوضين رمم أموات نقل منها مقدار أربعة أحمال إلى مقبرة العبارة خارج باب الفرج ووراء الحوض الصغير حجرة قديمة فيها رمم سد بابها بما فيها وصار الحوض المذكور قدامها والظاهر أن هذه الرمم هي رمم القتلى في حادثة تمرلنك كما أشرنا إليها في خبر حادثته وكان قبل هذا الحوض حوض في وسط هذا المصلى مساحته عشر بعشر بذراع اليد جدده أحد تجار حلب المعروف (بمحمد شيخ ابن عبد الوهاب السعديه) وكان في محله بركة صغيرة مدورة محيطها نحو 8 ع كانت خاصة بالشرب ثم في سنة 1326 أزيل هذا الحوض وجعل بدله حوض مستور يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل وهذا المصلى يدخل إليه من بابين أحدهما في جانب دهليز الباب الثاني للجامع موجه غربا وثانيهما موجه غربا في صدر الرواق الشمالي الموجه جنوبا(2/191)
وفي يمين الداخل من هذا الباب شباكان لعطفة المصلى المذكور مطلان على هذا الرواق.
والجهة الثالثة الشمالية المتجهة إلى الجنوب رواق طول فضائه 74 ع و 9 ط وعرضه كذلك 14 ع و 21 ط وسقفه قبو محمول على عضادات محيط واحدتها وبعد ما بينها قريب من محيط عضادات القبلية وبعد ما بينها. وبين كل عضادتين من الصف الملاصق جداره الشمالي مما يليه حجرة من الخشب يسكنها خدمة الجامع وبين العضادة العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة من هذا الصف قسطل مختص بالوضوء له مباذل وهذا القسطل حادث عمره زين الدين الذي فرش أرض الجامع بالرخام كما سيأتي بيانه وبين العضادة الثانية والثالثة من هذا الصف أيضا يكون باب دار القراءة العشائرية الآتي ذكرها وفي يمين القسطل المتقدم ذكره حجر مكتوب فيه (أمر بإنشائه مولانا المقام الأعظم السلطان الملك الظاهر أبو سعيد برقوق عز نصره في أيام المقر السيفي تغرى بردى كافل المملكة الحلبية عز نصره بتولي العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى حمزة الجعفري الحنفي في شهور سنة 777) وتحت الحجر المذكور أثر باب مسدود كان يخرج منه إلى الميضأة ويوجد بين العضادة السادسة والعضادة السابعة من الصف الثالث الذي يلي صحن الجامع إذا عددت عضاداته من جهته الغربية حجرة لها شبكة من الخشب إلى الرواق وأخرى إلى صحن الجامع فيها صهريج يأتي إليه الماء من قناة حلب وينتفع به حين انقطاع ماء القناة لتصليحها وفي الرأس الشرقي الموجه غربا من هذا الرواق باب الحجازية المتقدم ذكرها وفي الرأس الغربي منه باب إلى دهليز الباب الشمالي الذي هو الباب الثالث وطول هذا الدهليز كعرض الرواق وعرضه كبعد ما بين عضادتين وفي زلزلة سنة 1237 سقط الحائط القبلي مما يلي الصحن من هذا الرواق ولم يبق منه سوى قليل في جانبه الغربي فبناه متولي الجامع إذ ذاك وهو أحمد بك آل إبراهيم باشا قطار اغاسي «1» متسلم البلد وكان يتولى الجامع من كان يتسلم البلد ولما بناه لم يعد إليه شرفاته المعروفة بالسجق وكان فوق سطح حجرة الصهريج المذكور قبة تقرأ فيها الأوامر والفرامين السلطانية فلم يعدها أيضا.
ومحل منارة هذا الجامع في أواخر الصحن المتجه إلى الجنوب من جهة غربيه لها باب صغير وهي مربعة الشكل يبلغ محيطها 21 ع و 21 ط إذا ذرعت من أسفلها مما يلي سطح(2/192)
الرواق وارتفاعها من أرض الجامع إلى موقف المؤذن 52 ع و 6 ومحيط مكبسها 14 ع و 21 ط وارتفاعها من موقف المؤذن إلى ختم القبة من الداخل 17 ع وموقف المؤذن مربع أيضا يبلغ 6 ع و 9 ط طولا في مثلها عرضا عدا الشرفات المتعلقة في حوافيه التي يبلغ عرضها نحو 4 ط وإذا نزلت من باب المنارة وتوجهت غربا إلى الغرب دخلت في دهليز الباب الرابع من أبواب الجامع وهناك حجرة عظيمة يسكنها بعض شيوخ الجامع وكان فوق سطح هذا الدهليز حجرة يسكنها بعض المدرسين يرقى إليها بدرج بابه في جانب الحجرة الأولى المذكورة.
والجهة الرابعة من هذا الجامع متجهة إلى الشرق وهو أيضا رواق فضاءه 53 ع و 17 ط وعرضه كذلك 6 ع و 22 ط وسقفه قبو محمول على عضادات محيط واحدتها وبعد ما بينها وبين التي تليها كمحيط وبعد عضادات القبلية تقريبا وارتفاع أرضه عن أرض صحن الجامع 17 ط ويوجد فيما بين كل عضادتين من عضادات الصف الملاصق الجدار الغربي منه حجرة من خشب يسكنها خدمة الجامع ومؤذنوه وفي الجدار القبلي منه باب قبلية الحنفية وفي جانب هذا الباب مما يلي الرواق على يمنة الداخل محراب وفي رأسه الشمالي باب ينفذ منه إلى دهليز الباب الرابع المتقدم ذكره وكان تجديد هذا الرواق من مال الجامع سنة 1302 لأنه كان قد توهن وأشرف على السقوط فهدم وجدد: مكتوب في حجر مرصوف في وسط جداره مما يلي صحن الجامع (جدد هذا الإيوان بأمر وإرادة أمير المؤمنين حضرة مولانا السلطان الأعظم الغازي عبد الحميد خان الثاني عز نصره بسعي والي الولاية المشير الأفخم السيد حسين جميل باشا أدام الله إجلاله سنة 1302) ثم إن ارتفاع جدران الأروقة وجدار القبليتين والحجازية عن أرض الجامع إلى السطح 10 ع و 18 ط ولم يدخل في هذا الذرع حافية هذه الجدران التي يبلغ ارتفاعها عن السطح 31 ط تقريبا.
وصحن الجامع يبلغ طوله من الغرب إلى الشرق 98 ع و 5 ط وعرضه 60 ع و 18 ط وهذه المسافة كلها قد فرشت بالرخام الأصفر الذي يتخلله بلاط أسود على صفة جميلة من النقش إذا نظرت إليه أول وهلة تظنه كتابة كوفية مع أنها ليست كذلك والأروقة مفروشة بالبلاط الأصفر فقط وكان تبليط الصحن والأروقة على هذه الصفة سنة 1042 تبرع به رجل من الأعيان اسمه زين الدين بك لم أظفر له بترجمة إنما رأيت في بعض المجاميع(2/193)
أبياتا منسوبة للشيخ وفا العرضي ضمنها تاريخ التبليط سنة 1042 عن يد المذكور فأثبتها وهي:
قد زان زين الدين ماجد عصره ... آثار خير للقيامة باقيه
أنشا لجامعنا الكبير بلاطه ... لله مولاه بنفس راضية
وبنى له الحوضين يجري منهما ... للمسلمين عيون ماء صافيه
هذا له يوم الحساب ذخيرة ... وذخائر الأعمال تبقى زاكيه
لقبولها نادى البشير مؤرخا ... صدقات زين الدين يهنا جاريه
ورأيت لبعضهم:
صاحب الخيرات زين الدين بك ... مذ تحقق أن إلى الله المصير
أسبل الخيرات في شهبائنا ... جاره الرحمن من حر السعير
زين الجامع في ترخيمه ... جاء في تاريخه خير كبير
ثم إن صحن الجامع يشتمل على حوض مدور عليه قبة من الخشب مضلع اثني عشر ضلعا محيطه 8 ع و 15 ط وارتفاعه من أرض بالوعة الدائرة به إلى شفته العليا 2 ع ووسط هذا الحوض قطعة واحدة وعلى حوض في شمالي الحوض المذكور بينهما ممر فقط مسدس الشكل يرتفع عن بالوعته الدائرة به 1 ع و 12 ط وثخانته 16 ط ومحيطه 27 ع و 18 ط وسقفه قبة محمولة على ستة عواميد طول الظاهر من كل واحد منها 3 ع و 14 ط وطول ما ظهر منها وما بطن 5 ع و 2 ط ومحيط كل واحد من العمودين الكائنين في الجهة القبلية من الحوض 1 ع و 14 ط والموجهين غربا 1 ع و 23 ط والموجهين شرقا 1 ع و 20 ط وفي وسط هذا الحوض جرن مرمر مضلع مدور محيطه نحو 6 ع أظنه هو الذي كان يعرف بالفوارة التي أسسها قرعويه غلام سيف الدولة كما سبقت الإشارة إليه وفي سنة 1302 هدمت القبة لتوهنها فعمرت من مال الجامع وطلب مني تاريخ يكتب على رفرف القبة فقلت:
قد شاد هذا الحوض بعد توهن ... ملك بما يرضى الإله خبير
عبد الحميد العادل الغازي أمير ... المؤمنين له الثنا الموفور
من آل عثمان الألى شاد العلى ... للمسلمين لواهم المنصور(2/194)
وبسعي والينا جميل من غدا ... يحيي المحامد سعيه المشكور
هو قطب دائرة الوزارة وهو في ... رتب الفضائل والفخار مشير
لما تكامل حسنه أرخته ... حوض به للعالمين طهور
ويشتمل صحن الجامع أيضا على محراب في جانب الباب الصغير الذي هو أحد أبواب قبلية الحنفية مما يلي الصحن يقف به الإمام في الأوقات الجهرية في الصيف وتجاه هذا المحراب مصطبة طولها من الشرق إلى الغرب 6 ع و 1 ط وعرضها 4 ع و 16 ط وارتفاع أرضها عن أرض صحن الجامع 1 ع و 5 ط ولها درابزين من الحجر وهي معدة لوقوف المؤذنين عوضا عن السدة ويشتمل أيضا على عمود من الحجر الأسود محيطه 2 ع و 8 ط وطول الظاهر منه 5 ع و 14 ط وفي رأسه شبه قفص من أطواق حديدية تعلق بها القناديل قيل إن نور الدين زنكي كان يحرق به العود البخور في المواسم الدينية وتزعم العامة أن هذا العمود كان شجرة اختبأ فيها زكريا عليه السلام حينما أراد اليهود قتله فقفلت عليه وخرج ذيله من طرفها فعلمت به اليهود وأرادوا نشرها فاستحالت حجرا ويشتمل صحن الجامع أيضا على بسيط لمعرفة وقت الظهر والعصر وضعه على نفقة البلدية (عبد الحميد دده ابن حسن بن عمر الحلبي) في حدود سنة 1300 كما تكلمنا عليه في ترجمة المذكور وهذا البسيط الآن مغلق بغطاء من النحاس لا ينتفع به ويشتمل صحن الجامع أيضا على بئر كبيرة معطلة تعرف بالدولاب عليها طابق من الحجر ومحلها في شمالي الصحن إلى غربيه يقال إنها كانت دولابا يسقى منه الجامع حينما كان بستانا وكان البلاط في قرب هذا البئر قد توهن فقلع للتصليح فخرج تحته قطعة أرض مفروشة بالفصوص المعروفة بالفسيفساء فاستبدل منها على أن أرض الجامع كانت مفروشة بالبلاط المتقدم ذكره أو على أن القطعة المذكورة كانت مجلسا في قرب الدولاب والله أعلم ويقال إن فم المصنع الكبير المتقدم ذكره في كلام قدماء المؤرخين كائن تحت درجات الرواق الموجه غربا التي يؤذن الظهر على حز الثانية منها كما أسلفناه ويوجد في صحن الجامع أيضا صفة أولها من تجاه باب الحجازية الموجه غربا الكائن في جانب دهليز الباب الثاني.
وفي الزاوية الغربية من هذه الصفة تجاه الباب المذكور حجرة مرصوفة في هذه الزاوية يقال إن عمر بن عبد العزيز كان يجلس عليها ويشارف عملة الجامع وقت عمارته وكان في وجه جدار قبلية الشافعية مما يلي الصحن ووجه جدار الرواق الشرقي الموجه غربا كتابات(2/195)
كثيرة منقوشة في الحجر هي صور فرامين «1» وأوامر كفال «2» حلب أيام الدولة الجر كسية أثبتنا جميعها في باب الحوادث ملحقة بسني تواريخها ثم في سنة 1291 أمر الوالي محمد رشدي باشا الشرواني بنحت وجه الجدران المذكورة ليعود إليها بهاؤها فنحتت وزالت تلك الكتابات وفي سنة 1259 جدد تبليط أسطحة الجامع من غلة أوقافه والناس يمشون في صحن الجامع والأروقة حفاة يخلعون نعالهم متى دخلوا أحد أبوابه.
دار القرآن العشائرية: هي في غربي الرواق المتجه إلى الجنوب عمرها علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد الإمام علاء الدين أبو الحسن ابن الشيخ بدر الدين أبي عبد الله ابن عشائر الحلبي الشافعي المتوفي سنة 788 وهي دار يدخل إليها من باب موجه شمالا كائن في بوابة تجاه المدرسة الشرفية قد اشتملت على إيوان في جهتها الشرقية موجه غربا وعلى غرفة في جهتها الغربية في طول 8 ع وعرض 4 ع مركبة فوق دهليز بوابة في الزقاق المذكور يرقى إليها بدرج في شرقي الدار مارا على سطح الإيوان المذكور وفي جهتها الشرقية قاعة عظيمة مفروشة بالبلاط الأصفر سقفها قبة عالية في وسطها بئر ولها شباك وثلاثة منافذ على صحن الدار ولها باب عظيم جميل على الرواق الشمالي من الجامع الكبير الأموي طول القاعة 12 ع و 15 ط وعرضها 10 ع و 10 ط وكانت تعرف بقاعة الحيشية نسبة إلى أبي بكر ابن محمد ابن أبي بكر الحيشي والظاهر من ترجمة المذكور أن بابها المفتوح إلى الرواق الشمالي من الجامع حادث وأنه كان في محله شباك كما أن هذه الدار لم تكن باقية على حقيقتها بل هي مأخوذ منها إلى البيوت المجاورة لها والله أعلم.
ولهذه القاعة مدرس يدرس في كل يوم له راتب شهري قدره مائة وخمسون قرشا وقد تواتر عندنا أن قريتي كرت وخيام في قضاء عينتاب موقوفتان على الدار المذكورة تصرف غلتهما على تعميرها وترميمها وعلى راتب المدرس وهما جاريتان الآن تحت تولية المتولي على وقف بيت الخطيب ولا نعلم واقفهما هل هو من بيت بني العشائر أم من بيت الخطيب أم من بيت الشيخ عبد الوهاب العرضي ويوجد في شرقي القاعة باب مسدود ينفذ منه إلى دار في جوارها يدعيها جماعة إنها وقف عليهم لأنهم من نسل الشيخ عبد الوهاب العرضي(2/196)
الذي جعل القاعة سكنا له كما يفهم من ترجمته وبعض الناس يزعم أن الدار المذكورة وقف على القاعة والحقيقة مجهولة ورأيت في السجل كتاب وقف حافل وقفت فيه بانيها علاء الدين المتقدم ذكره شيئا كثيرا على الدار المذكورة سنة 786.
أما مرتبات الجامع فهي: ثلاثة عشر ألفا وستمائة قرش أميرية باعتبار الذهب العثماني 100 قرش في كل شهر منها ألفان ومائة وأربعون قرشا تصرف للمدرسين وعددهم اثنا عشر وألفان وتسعون قرشا للمحدثين وعددهم ستة وعشرون وألف وسبعمائة وخمسة وسبعون قرشا للقراء والحفظة وعددهم سبعة عشر وألف وسبعمائة قرش للأئمة وعددهم أحد عشر للحنفي والشافعي ومنهم إمام قرية بنش وللخطباء وعددهم سبعة منهم خطيب جامع بنش وخطيب دارة عزة وألف وخمسة وسبعون قرشا للمؤذنين وعددهم أربعة عشر وألفان وستمائة وستون قرشا للخدمة وعددهم ثلاثون وباقي المبلغ المذكور يصرف على بقية لوازم الجامع وأقل راتب خمسة عشر قرشا وأكثره ثلاثمائة قرش سوى راتب نائب المتولي فإنه خمسمائة قرش ولشهر رمضان نفقات خصوصية قدرها ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعون قرشا ونفقات المولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ألف ومائة وخمسة وعشرون قرشا تنفق على الأشربة الحلوة والحلاوي وأجرة قارىء المولد والعشر ومنشد القصيدة والنفقات المتفرقة السنوية قدرها خمسة آلاف وخمسمائة وثمانية قروش تنفق على تنوير الجامع والمكانس والحصر وغير ذلك وقيمة الشمع العسلي الذي يحرق بالجامع أيضا سنويا ثمانمائة قرش فإذا ضربت رواتب الموظفين في اثني عشر شهرا بلغت مائة وثلاثة وستين ألفا ومائتي قرش فإذا جمعت هذا المبلغ إلى بقية النفقات المذكورة بعدها بلغت مائة وأربعة وسبعين ألفا ومائة وثلاثة وسبعين قرشا.
وكانت رواتب الموظفين المذكورين سنة 1272 شهريا سبعة ألاف وخمسمائة وثمانية وسبعين قرشا وربع القرش كما يستفاد من دفتر اطلعت عليه ولم تكن فيه مقادير رواتب الموظفين متناسبة مع بعضها فقد كان يوجد بينهم موظف بالتدريس راتبه الشهري خمسة قروش ونصف القرش وموظف آخر مثله راتبه الشهري ثلاثمائة قرش ولا يوجد في هذا الدفتر راتب شهري أكثر من ثلاثمائة قرش ولا أقل من أربعة قروش ونصف القرش وهي وظيفة أحد الخطباء ثم عدلت المرتبات في السنة المذكورة فبلغت في الشهر ثلاثة عشر ألفا وخمسمائة قرش ثم عدلت مرة أخرى فاستقرت على ما قدمناه وفي سنة 1242 كانت(2/197)
المرتبات الشهرية كلها ثلاثمائة وواحدا وسبعين قرشا وثلاثة أرباع القرش وزيادة شهر رمضان مائتي قرش وفي أيام ولاية عصمت باشا سنة 1276 تقريبا كتب إلى الباب الرابع العالي بقطع الوظائف كلها إلا ما لا بد منه وذلك بقصد جعلها منتظمة لأن أكثر الموظفين لم يكن ذا براءة بل كان الموظف يأخذ مرتبه بأمر المتولي فاستمرت مقطوعة إلى آخر أيام ثريا باشا في ولايته الأولى فعادت مرتبة على ما هي عليه الآن وقد زيد في بعضها ونقص من بعض ووظف من لم يكن له حق سابق.
أوقاف الجامع: أراض ومسقفات والأراضي منها قرى من أعمال حلب ومنها أراض في نواحي مدينة حلب فالقرى تبلغ نيفا وعشرين قرية تجبى من قبل الحكومة ولسنا نعرف منها سوى القليل وهو حصة من قرية بنش من عمل إدلب وأخرى من دارة عزة من عمل جبل سمعان وأما الأراضي التي في نواحي حلب فكلها خارج باب قنسرين إلى جسر الحاج وهي عشر كدنات خارج محلة المغاير محدودة قبلة باصطاب «1» الخيل وغربا بحد المحلة المذكورة وشمالا بالتلة السوداء وشرقا بدار الشيخ أزرق وثمان كدنات محلها ظهر إصطاب الخيل محدودة قبلة وغربا بالمقبرة التابعة محلة المغاير وشمالا بدار المرأة سالمة وشرقا بجورة الفردوس وكدنتان محلهما بين الدربين تجاه الرام بالقرب من مزار أسد الدين حدهما قبلة جسر الحاج وغربا أرض العليقة وشمالا الرام وشرقا الطريق ونصف كدنة محلها أسفل مأذنة أسد الدين محدودة قبلة بدور المغاير وغربا بالطريق وشمالا دور محلة الكلاسه وشرقا بكرم الحلاق وكدنات خارج باب قنسرين تعرف بأرض الدوار محدودة قبلة بأرض الفلاحة وغربا بالطريق وشمالا بمقبرة الشيخ نمير وشرقا بخندق باب المقام.
وأما المسقفات فقد قرأت في الدفتر المتقدم ذكره أن جميع الأسواق المحيطة بالجامع وكثيرا من أسواق المدينة القريبة من الجامع وقف عليه لكن الذي يجبى في زماننا من المسقفات لجهة الجامع هو سوق الصاغة وسوق الطواقين المحيطين بالجامع من جهته الشرقية سوى بضع دكاكين منهما فإنها مملوكة للغير وأكثر سوق الطيبية الكائن في شرقي الجامع أيضا يجبى لجهة الجامع وسوق الحبالين في جنوبي الجامع سوى بضع دكاكين منه وكان يجبي هذه المسقفات متولي الجامع المعروف باسم قائمقام أي نائب المتولي الذي هو السلطان(2/198)
ثم في سنة 1289 قام بعض الموظفين بالجامع والتمس من الحكومة أن تأخذ هذه المسقفات من المتولي وتدخلها في قلم محاسبة الولاية لتجبى بمعرفتها لأن المتولي يضيع غلتها فأجابت الحكومة إلى ذلك وصارت المحاسبة تجبي غلاتها تارة بواسطة ضامن يعرف بالملتزم وأخرى تجبيها مباشرة دون تضمين وكانت غلتها قبل الحرب العامة لا تزيد على ألف ذهب عثماني أما بعد هذه الحرب فقد أصبحت غلتها تربو على ألفي ذهب.
وللجامع أراض غير الأراضي التي تقدم ذكرها كان يؤخذ عليها أحكار معلومة محررة في الدفتر السابق ذكره فآثرت ذكرها أيضا وهي حكر أراضي أوقاف المدرسة الرضائية المعروفة بالعثمانية ثلاثة عشر قرشا وحكر بستان القبار ستة قروش ونصف وحكر أرض طاحون عريبه خمسة عشر قرشا وحكر أراضي خمس دكاكين جارية في وقف الجزماتي خمسة وثلاثون قرشا ونصف القرش وحكر مصبغة جارية في ملك ابن سويد في باب أنطاكية ستة قروش وحكر بستان الكشيفي خمسة وأربعون قرشا وحكر دكاكين في سوق الصاغة عشرة قروش ودكان في سوق العطارين ستة ودار قبالة طاحون عريبه ستة ودكان في سوق العطارين ستة وطاحون في السهلة اثنا عشر قرشا ودكان في الصاغة اثنا عشر ودكان في آخر القوافين ستة وطابونة شيخ الحارة اثنا عشر قرشا ودكان في جانبها ستة قروش ودكان في جانب جامع بانقوسا ستة ودكان خارج باب النصر عند سبيل محرم ستة وقاعة الساعاتي في خان القصابية ثلاثة قروش وجنينة الحصرم خارج باب أنطاكية ستة وجنينة العوفي وحكر سوق الذراع وحكر دكاكين في سوق الصياغ ستة قروش وثلاثة أرباع القرش ودكان أخرى فيه حكرها اثنا عشر قرشا وحكر خان العفص وهو جنينة الشيخ طه قرب الدباغة اثنا عشر قرشا والحكر المرتب على العادلية ستة قروش وثلاث بارات وبستان الشاهبندر اثنا عشر وحكر بستان الكلاب اثنا عشر وحكر التكية المولوية العتيقة اثنا عشر وسوق الجوخ القديم (الجاري الآن بتصرف بني الكتخدا) اثنا عشر قرشا وأرض اصطاب الخيل والتلة السوداء وكنز الشحادة خارج باب قنسرين خمسمائة قرش وأرض تجاه بستان حجازي إلى قبور النصارى إلى بستان القبار مع نصف التلة مائتا قرش والحكر المرتب على وقف إبراهيم خان اثنان وثلاثون قرشا وبستان اليهودية وقطعة أرض تجاهه وحكر قيصرية الحكاكين وحكر سوق القوافين وهو تسع وأربعون دكانا أربعمائة قرش تقريبا أقل ما على الدكان ستة قروش وأكثره اثنا عشر قرشا تقريبا معظم هذه الأوقاف من آثار نور الدين(2/199)
محمود بن زنكي منها ما وقفه على الجامع ومنها ما وقفه على البيمارستان النوري الكائن تجاه مزار ومسجد الشيخ عبد الله في محلة الجلوم الكبرى بحلب ومنها ما وقفه على مشهد الحسين في سفح جبل الجوشن ومن أوقافه أيضا جميع المزارع المعروفة بمزارع أبي فضلون في جهة مقر الأنبياء خارج باب النيرب وهي ثلاثمائة وثمان عشرة كدنة كلها الآن في أيدي جماعة يطول بيان أسمائهم ويوجد في تلك الجهة أيضا نحو ثلاثة وخمسين بستان فستق في أيدي جماعة على كل حصة منها حكر سنوي معلوم وجميع ذلك من أوقاف نور الدين رحمه الله.
ورأيت في سجل مديرية الأوقاف صورة كتاب وقف هذا الجامع فأوردت هنا خلاصته أوله بعد البسملة: بسم الله المستوقف على سائر المستوقفين وهي خطبة طويلة ثم أن متولي الجامع إذ ذاك مصلح الدين بن مصطفى بك ابن عبد الله ادعى لدى الحاكم الشرعي وهو قاضي حلب محمد ابن المعمار إسحاق بأن الواقف سليمان بن عبد الملك بن مروان هو الذي بنى هذا الجامع ووقف عليه أوقافا عظيمة ثم بتوالي الأدهار والأعصار ضاعت تلك الأوقاف ونشأ بعدها الأوقاف الآتي بيانها ثم أثبت دعواه بشهود شهدوا تواترا يزيد عددهم على عشرين كلهم ثقاة علماء وإن وجوه البر التي تصرف عليها غلتها جار عليها التعامل القديم وحينئذ حكم القاضي بصحة الدعوى وتسجيل تلك الأوقاف بتاريخ غرة جمادى الأولى سنة 924 والأوقاف المذكورة هي 18 دكانا في سوق الصياغين والخياطين والقلانسيين خياطي القلنسوة المعروفة بكوف بحلب و 27 دكانا في السوق المذكور وغير ذلك من دكاكين هذا السوق التي تستوعب أكثره وبعض سوق الحرير وسوق زكريا وسوق الإسكافية وثمانية حوانيت في سوق السقطية وغير ذلك من الأسواق التي ذكرناها سابقا وبستان الأكشافي وجنينة المالح خارج باب الجنان وثلاثة أرباع قرية دارة عزة وكفرتين في جبل سمعان وعدة فدادين في قرية مجاورة لها وقرية حيلونة وأراض فسيحة من قرية كفر حمره وأخرى بعزاز وفدان في طعمع وآخر في جبرين وعدة فدادين في ناحية سرمين معروفة بوقف عبد الرحمن ومقاطعة في سوق العطارين ليشبك ومقاطعة سوق الدهشة والصابون لقيصر وجانيك ومقاطعة الحوانيت من أوقاف تمرتاش بك بسوق الأبارين ومقاطعة عرصة حوانيت سوق النحاسين لابن خطيب الناصرية ومقاطعة سوق السقطية لكمال الدين ابن بر مقسون ومقاطعة إصطبل بسوق حاتم في جنب المدرسة الرواحية وغير ذلك من المقاطعات(2/200)
التي يطول شرحها ومقاطعة أراضي مقر الأنبياء وقد شهدوا بأن غلته تصرف لجماعة بأيديهم براءات من أهل العلم والقرآن وغيرهما وهم سبعة نفر من العلماء الشافعية ورجل فاضل حنفي ورجلان مالكي وحنبلي يدرسون في الجامع في الأوقات المعتادة وواحد وعشرون محدثا وأربعة عشر قارئا وثمانية قراء يقرون بالدور المعتاد وخمسة عشر مؤذنا وغير ذلك من الخدمة والموقتين والمبخرين وثلاثة جباة وأربعة كتاب يكتبون الدخل والخرج ومعماران ومتول وناظر وخطيب والقاضي الناظر وسبعة أئمة واحد أصيل والباقي فروعه.
أما مطاهر الجامع فهي أربع:
الأولى: محلها الصف الغربي من سوق المسامرية غربي الجامع وجنوبي الحلاوية على مقربة منها وقد ذكرها ابن شداد في الكلام على تقسيم قناة حلب كما ألمعنا إليه هناك وهي مطهرة الجامع الأصلية وكانت أشرفت على الخراب واتفق أن محمد باشا المعروف بالنيشانجي عمر بالقرب منها خانا فأدخلها في بناء الخان وعمر عوضها المطهرة الحالية: مكتوب فوق نجف بابها (جدد هذا المكان صاحب الخيرات محمد باشا نشانجي بمعرفة فرهاد جاويش سنة 1003) والمشهور أن لها نحو ثلاث دكاكين موقوفة عليها وكانت تجبى مع وقف الجامع ثم لما وضعت الحكومة يدها على وقف الجامع بقيت الدكاكين المذكورة في يد بعض الناس يجبيها ويصرف الحكومة يدها على وقف الجامع بقيت الدكاكين المذكورة في يد بعض الناس يجبيها ويصرف غلتها عليها ويدخل إلى هذه المطهرة من دهليز ذو ثنيتين طول الأولى 10 ع وعرضها 1 ع و 8 ط وطول الثانية 8 ع و 12 ط وعرضها 2 ع وصحنها مربع يبلغ أحد عشر ذراعا في مثلها ويدخل في هذه المسافة مساحة الأخلية والمغطس الكائن في شماليها ويشتمل صحنها على حوض مغطى يؤخذ ماؤه بواسطة مباذل وسقفها قبة عالية.
الثانية: هي الكائنة في الباب الشمالي للجامع وهي التي أنشأها (سيياي بن عبد الله الجركسي) كافل حلب في حدود التسعمائة وكان غرضه من إنشائها أن ينتفع بها أيضا من بات في الجامع وهي تشتمل على بضعة عشر خلاء في آخر جهتها الشرقية قسطل مستور يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل في أسفله وبابها في الدهليز الخارجي للباب الشمالي المذكور وسقفها قبة والنفقة عليها من وقف الجامع وهي أعمر مطهراته وكان لها باب يفتح إلى الرواق الشمالي المتجه إلى الجنوب في الجامع كما أشرنا إليه في الكلام على هذا الرواق وقد سد منذ عهد قديم.(2/201)
الثالثة: في الصف الشمالي الموجه قبلة من سوق الطيبيه وهي مطهرة عظيمة سقفها قبة متهدمة وفي وسطها حوض مغلق يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل ينفق عليها من غلة دكان بقربها ويقال إنها من آثار أزدمر صاحب خان الصابون.
الرابعة: في أوائل سوق العطارين على يسرة الداخل إليه من جنوبيه مكتوب على بابها (جدده الفقير إليه تعالى مجد الدين الحنفي بتاريخ ربيع الأول سنة 890 وهي مطهرة كبيرة لها حق من ماء القناة وفيها مغطس وسقفها قبو مكشوف وسطه وكانت عطلت وأغلق بابها منذ ثلاثين سنة لأنبعاث الروائح الكريهة منها ثم في سنة 1325 أهتم رجل من التجار المحسنين بتحويلها إلى مسجد فصرف عليها مبلغا وجعلها مسجدا تصلى فيه السرية والمشهور أن لها ثلاث دكاكين في سوق الضرب وهي مربعة الشكل تبلغ عشرة أذرع في مثلها.
تنبيه: في هذه السنة وهي سنة 1341 سعى مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي بإحداث سبيل في جانب باب الجامع في رأس الرواق المتجه إلى الشرق يرفع إليه الماء بواسطة مضخة من قسطل وراء حائط الجامع تجاه باب المدرسة الحلوية يجري فيه ماء عين التل وهو سبيل جميل المنظر بديع الصنعة يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل تصب في كؤوس جميلة نظيفة.
المدرسة الشرقية
الشافعية أنشأها الشيخ الإمام شرف الدين أبو طالب (عبد الرحمن العجمي) وزوجته وأقاربه وصرف على عمارتها ما ينيف عن أربع مائة ألف كذا قال ابن شداد وكان بشماليها قبل فتنة تيمور صندوق من الخشب يسع مكاكيك «1» من الحنطة، ذكر أقارب واقفها أنه أنفق ملئه دراهم برسم مؤنة الخضر لطعام الفقراء قال الذهبي في هذه المدرسة: هي حسنة مليحة غاية بالارتفاع وحسن البناء والصنعة وبوابتها لم ينسج على مثالها وإيوانها فرد في بابه ومحرابها غاية في الجودة ورخام أرضها محكم وبركتها من أعاجيب الدنيا عشرة أحجار مركبة في بعضها تركيبا غريبا وعمقها قامة وبسطة وكان يأتي إليها الماء في زمن واقفها من دولاب تجاه باب المدرسة الكبير وصنع لها واقفها سربا لأجل الخلاء من المدرسة إلى(2/202)
خارج البلدة لا يشاركه أحد فيه وهي مبنية بالحجارة الهرقلية واسم معلم بنائها مكتوب على محرابها وهو (أبو بكر النصيفه) .
واسم النحات مكتوب على بابها واسمه أبو الثناء بن ياقوت وصنع لها طرازا على حائطها الأعظم ليكتب عليه ما أراد وكذلك على إيوانها فلم يتفق ذلك لأن واقفها اخترمته المنية ولم يكملها وكانت مدة عمارتها أربعين سنة وكان بها ثلاثة أدوار من الخلاوي المحكمة البناء والأبواب والخزاين وبها بأعلى الإيوان مع أعلى حاصلها المعروف بالمغارة قاعة مليحة للمدرس ولهذه القاعة باب للإيوان وآخر لصحن المدرسة وبصدر هذا الإيوان بادهنج «1» له ثلاثة أبواب وفيها بئران وصهريجان وعلى بئر منها قنطرة من الحديد عجيبة الصنعة كتب عليها (وقف هذه القنطرة واقف هذه المدرسة عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن العجمي على مصالح الجب في شهر ربيع الأول سنة 640 واسم صانعها علي بن أبي بكر بن مسلم وعليها خط بالكوفي لم أتمكن من قراءته. وإلى جانب هذه المدرسة تربة الواقف دفن فيها بوصيته ولها وقف على حدته وإلى جانب قبلية هذه المدرسة مسجد قديم عمره الواقف وفتح له بابا آخر إلى قبلية مدرسته.
وإلى جانب هذا المسجد بيت كان إصطبلا للعجول التي كانت تجر الحجارة إلى المدرسة وكان الواقف إذا عاقه في طريق العجول بناء اشتراه من أهله وهدمه وكان تخشيب هذه المدرسة كالأبواب وغيرها من عجائب صنعة التبخير وقد وقف واقفها على مدرسته كتبا نفيسة من كل فن ووقف لها أوقافا عظيمة من جملتها القرشية في طريق مسكنة وحصة من قرية دادحين وشرط أن لا يتعرض لناظرها وإن اعترض أحد عليه يغلق بابها ويعود وقفها لأهله وقد شرط لها مؤذنين على بابها وشرط لهم حصة من قرية حريبل وكان لها باب من جنوبيها إلى بيوت الخطيب هاشم وقد درس بها العلماء ورحل إليها للأخذ عنهم الحفاظ المشهورون كشيخ الإسلام ابن حجر وشمس الدين ابن ناصر الدين. قلت هذه المدرسة الآن مشرفة على الخراب قد عمر في مكان إيوانها مكتب للأطفال من وقف أحمد موتياب باشا كما ألمعنا إلى ذلك في الكلام على معارف حلب ولم يبق بها سوى المسجد المتقدم ذكره والقبلية بجانبه وهي متشعثة البناء وأما بركتها فلم تزل موجودة إلا أنها مختلفة الوضع عديمة(2/203)
النفع خالية من الماء والدولاب الذي كان يؤخذ منه الماء إلى هذه البركة قد جهل محله ودخل في خان تجاهها لبعض التجار ولم يزل يوجد فيها بعض خلاو يسكنها الفقراء وقنطرة الحديد على بئرها سرقت من عهد غير بعيد ومطهرتها مائلة للخراب قال ابن شداد وإذا تذكرت ما كانت عليه هذه المدرسة من كثرة الفضلاء وتردادهم إليها للعلوم والفنون وما هي عليه الآن تذكرت قول الشاعر:
هذي منازل قوم قد عهدتهم ... في ظل عيش رغيد ماله خطر
صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا ... إلى القبور فلا عين ولا أثر
وقد عزم مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي على أن يقتطع من جهتها المتجهة إلى الغرب وجهتها الأخرى المتجهة إلى الشمال قطعة يبني عليها مخازن وحوانيت ذات أجرة وافرة.
وفقه الله لذلك وجزاه خيرا.
الخانقاه الزينية
محلها في رأس زقاق الفرن وكان يعرف هذا الزقاق بدرب السيد حمزة أنشأها (مظفر الدين كوكبوري) المتوفي سنة 630 وفي سنة 796 وقف عليها الزيني عمر عدة مزارع وكانت هذه الخانقاه معمورة مشهورة جدا أما الآن فقد استولى الجيران عليها وركبوا ظهرها وأغلق بابها وكادت تكون مجهولة العين.
زاوية بيت الكيالي
هي الآن زاوية عامرة وللناس اعتقاد حسن بمن دفن فيها فيقصدونها للاستشفاء من الأدواء وينذرون لها النذور. وهي سماوي يبلغ خمسة عشر ذراعا في مثلها تقريبا في غربيه قبور أساتذة الطريق من هذا البيت وفي جنوبيه إيوان بجانبه حجرتان وفي شرقي شماليه قبلية معدة للصلاة وإقامة الذكر. وفي جنوبي القبلية حجرة فيها ضريح (عبد الجواد بن أحمد الكيالي) واقف القبلية. ثم جاء ولده الشيخ علي فضم إليها بقية الزاوية سنة 1202: مكتوب على بابها بعد البسملة:
ضريح أبي الجود الرفاعيّ نسبة ... عبيد الجواد القطب فرد زمانه(2/204)
هو السيد الكيال دونك رمسه ... أضاء على الشهباء وقت بيانه
وليّ كبير نسل آل محمد ... ينال به ذو الخوف كل أمانه
لقد أظهر القبر المقدس نجله ... على له المقدار أكرم بشأنه
يدوم له الاقدام والسعد والهنا ... عطاء من المولى بجود امتنانه
فبشراه إذ تم البناء مؤرخا ... يطيب لذكر الله حال مكانه
ومكتوب على شباك خلوة الضريح مما يلي صحن الزاوية:
جدث عليه مهابة ووقار ... وجلالة تغشى لها الأبصار
إذ كان روضة سيد لجماله ... بمقامه تتلألأ الأنوار
كم من كرامات له قد شوهدت ... للناظرين وكم بدت أنوار
سبيل الجزماتي
محله في رأس البوابة المنسوبة إليه أنشأه (أحمد بن خليل الخباز التونسي) المعروف بالجزماتي سنة 1186 وقد وقف عليه خمس دكاكين بسوق البوادقجية قرب الجامع الكبير وواحدة قرب دار الوكالة داخل باب الجنان وواحدة بزابوق سوق البالستان و 2 في سوق الصياغ قرب الجامع الكبير و 2 في سوق العقادين قرب الجامع الكبير و 4 بسوق القوافين و 2 بالسوق المذكور و 2 بسوق داخل باب النصر و 1 بسوق المراياتية داخل باب الحديد و 1 بسوق بحسيتا و 1 بسوق البياضة و 2 بسوق زقاق المنزول في البياضة و 2 بسوق السويقة قرب قهوة نور العين و 1 بسوق داخل باب النصر قرب الخندق و 2 بسوق خارج باب بانقوسا قرب قسطل الجاويش فالجملة 29 دكانا.
شروطه
شرط أن يصرف كل يوم من الأقجيات «1» 30 لعشرة قراء كل واحد منهم يقرأ جزءا في سبيله المذكور و 40 تدفع عن أحكار الدكاكين المذكورة و 3 إلى نقطجي على القراء وعليه أن يقرأ كل يوم جمعة سورة الكهف في سبيله و 3 لرجل يقرأ فيه الدلائل في يوم(2/205)
الجمعة و 12 لخادمه ومحافظ أدواته و 5 للجابي و 30 لشعال قناديل السبيل و 3 قيمة زيت له و 3 لتصليح الطاسات والزناجير «1» والسطل و 3 لبقية لوازمه و 8 للمتولي وما فضل بعد ذلك فإلى أولاده ومن بعدهم فإلى عتقائه الذكور ثم الاناث ثم الحرمين.
بقية آثار هذه المحلة
زاوية في زقاق فرن جقجوقة في شمالي صفة يقال لها الجعفرية نسبة إلى حمزة الجعفري أنشأها سنة 796 كما يفهم من الحجر الكائن فوق شباكها مما يلي الجادة وكان هذا الشباك هو الباب وهي الآن عبارة عن صحن يبلغ عشرة أذرع في مثلها في جنوبيه إيوان في صدره محراب ليس إلا، مدرسة تعرف بالأرغونية على يمين السالك بعد أن يجتاز سبيل الجزماتي في الجادة الآخذة إلى سوق هذه المحلة الكائن في شمالي الجامع الكبير ولهذه المدرسة باب عظيم إلا أنها ليست بذات بال قد اشتملت على مخدعين يسكنهما بعض الفقراء وعلى قبلية في غربيها متهدمة وفي هذه السنة وهي سنة 1341 هدما هذه المدرسة عن آخرها وبني في محلها حوانيت عظيمة وبني فوقها شبه مدرسة وذلك بسعي مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي، مدرسة تجاه زاوية بيت الكيال متهدمة مغلقة الباب لم يشتهر لها في أيامنا اسم يسكنها بعض الفقراء، مسجد في رأس زقاق الزهراوي الجنوبي، مسجد في زقاق الزهراوي من آثار بني زهير تعلم فيه الأطفال، دار الحديث تجاه مسجد البكفالوني بميلة إلى الغرب أنشأها المتولي على وقف (أحمد موتياب باشا) الجندي سنة 1311 بدل دار الحديث التي شرطها في كتاب وقفه وقد كتب على بابها:
أعد لأحمد الجندي أجرا ... عطاء الله مولانا المغيث
فقد رفعت بشرط منه دار ... مشيدة بإنشاء حديث
فبادر إن ترم فوزا وأرخ ... مقاما طيبه نشر الحديث
سبيل قسطل محله في الصف الشمالي شرقي القهوة الكائنة في السوق الكائن في شمالي الجامع الكبير، وسبيل قسطل في زقاق الفرن، وسبيل قسطل تجاه سبيل الجزماتي من غربيه داخل في وقفه، وسبيل قسطل في فم زقاق الزهراوي.(2/206)
تنبيه: لفقراء هذه المحلة وقف وقفه كور وزير المتوفى سنة 1155 وهو فرن جقجوقة ودار في شماليه ودار في بوابة النقلى ودكان في أواخر سوق الصابون ودكان تجاه الواساني شرقي فندق خان الصابون المعروف بالأوتيل وأخرى في شرقيها على جادة السوق وفي المحلة غير ذلك من الآثار الدينية والعلمية المعطلة التي استولى الناس عليها ودخلت في دورهم.
مكتب للأيتام من إنشاء الشيخ شرف الدين (عبد الرحمن العجمي) صاحب المدرسة الشرفية المتقدم ذكرها وكان محل هذا المكتب تجاه باب المدرسة والآن صار في محله دار مملوكة، وفيها بيمارستان على باب الجامع الكبير الشمالي وينسب لابن خرخاز ولما تعطل صار يجلس فيه الكحالون فعرف بدار الكحالة وهو من آثار دولة الأتراك وهو الآن محل يسكنه إمام الأحناف في الأموي ولم يبق فيه سوى ثلاث مخادع صغيرة لا يعبأ بها ومنها المدرسة الرواحية كانت مدرسة مشهورة شافعية أنشأها زكي الدين أبو القاسم هبة الله ابن عبد الواحد بن رواحة الحموي سنة 622 وشرط أن لا يتولاها حاكم ولا متصرف وأن يكون مدرسها عالما بالخلاف العالي والنازل وقد تولاها فحول العلماء والأفاضل إلى أن انهدمت في حادثة تمرلنك ثم رممت ثم استولى عليها الناس وأدخلوها في دورهم وهي قرب المدرسة الشرفية من شماليها بينهما الطريق وكان وقفها حصة من تل عرن من عمل الجبول قدرها 14 فدانا وأخرى من قرية تفيحين وأخرى من قرية مشقانين وكان في قرب المدرسة الرواحية خانقاه تعرف بالشمسية جهل الآن محلها: والأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل الجمالي وأسرة الخانجي وكانتا من الأسر العلمية التجارية وأسرة آل الميسر وأسرة آل السباعي وأسرة آل الجزماتي من التجار وأسرة آل الكيالي وفيها العلماء والأدباء وأولو الوجاهة وسنتكلم على بعض هذه الأسر في مقدمة باب التراجم. اه. الكلام على هذه المحلة.(2/207)
محلة الكلاسة (خ) عدد بيوتها 353
يحدها قبلة وغربا الفلاة وشرقا مقبرة الكليماتي المعروفة بالكليباتي وهو كليب العابد وشمالا بالبساتين وحارة جسر السلاحف المعروفة بالوراقة. عدد سكانها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 1582/1839/3421/كلهم/ مسلمون وقد تجدد في جنوبيها منازل كثيرة لم تدخل في عدد بيوتها وهي محلة جيدة الهواء ماء آبارها قليل الملوحة يستعمل ويشرب حين فقد الماء العذب عمقها أربعة أبواع وماؤها العذب الجاري يأتي إليها في قناة رأسها تجاه الكتاب وبستان إبراهيم آغا. وقد تقدم الكلام عليها في الكلام على قناة حلب. وسميت هذه المحلة بالكلاسة لأن فيها أتانين الكلس وهي تبلغ اثني عشر أتونا وأكثر سكانها يعانون حرفة الكلس وقطع الحجارة من مقاطعها ونحتها وبناءها وكانت أتانين الكلس قبل القرن السابع في شمالي حلب قرب مقابر اليهود وكان اسم هذه المحلة قبل القرن المذكور الحاضر السليماني وكان فيها قصر بناه سليمان بن عبد الملك في أيام ولايته وقد تأنق في بنايته وزخرفه وإليه صار ينسب هذا الحاضر وكان قبل ذلك يعرف بحاضر كلب يجمع أصنافا من العرب من تنوخ وغيرهم وكان فيه بعد أن فتح المسلمون حلب مائة وعشرة مساجد. ذكر ذلك ابن العديم قال: وكان لها وال مستقل وفيها عدة أسواق.
آثارها
جامع الشيخ عبد الرحيم المصري أنشأه الحاج أبو بكر المصري سنة 859 وجدد فيه حفيدة عبد الرحيم بعض جهات فنسب إليه وهو جامع معمور بالشعائر وله من الأوقاف(2/208)
ما يقوم بلوازمه وفي سنة 1274 اشترى الشيخ محمد خير الدين ابن الشيخ (أحمد الهبراوي) دارا وسع ببعضها صحن الجامع وأنشأ ببقيتها تكية غربي جنوبيه باتصال قبليته وأعدها لإقامة أذكار خلفاء الأسرة الهبراوية المتصدين للإرشاد في هذا الجامع الجاري تحت توليتهم وقد وقف الحاج خليفة بن محمد ابن الحاج محمود المعروف بابن الجربان من أهل محلة الكلاسة بستانا وكرما في أرض الأنصاري سنة 1131 ويعرف بوقف بيت صهريج شرطه بعد انقراض ذريته للجامع المذكور وللقسطل الآتي ذكره في آخر الكلام على هذه المحلة.
بقية آثارها
مسجد الشيخ حسن الراعي مستعمل زاوية لأحد خلفاء الأسرة الهبراوية وجدد فيه أحدهم سنة 1311 إيوانا جميلا، ومسجد الشيخ شهاب الدين تجاه البوابة الصغيرة على الجادة الكبرى أنشئ في القرن التاسع وفيه مزار لبعض أهل الله، ومسجد الزقاق العالي أنشئ جديدا وتربة الشيخ صانط، ومسجد أبي الرجاء في المقبرة جنوبي المحلة وهو صحن صغير في جنوبيه قبلية وفي شرقيها حجرة فيها مدفن الشيخ أبي الرجاء مكتوب على باب حجرة الضريح إنها عمرت سنة 694 وعلى باب المسجد (أمر بعمارة هذا المسجد المبارك في أيام مولانا السلطان الملك العزيز غياث الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبي المظفر محمد ابن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب خلد الله ملكه العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى علي ابن أبي الرجاء في مستهل رمضان سنة 666) .
قلت: هذه العمارة كانت مدرسة تدعى بالمدرسة العلائية نسبة لمنشئها علاء الدين علي ابن أبي الرجاء شادّ ديوان الملكة ضيفة خاتون ابنة الملك العادل صاحبة الفردوس، وجامع حسان يعرف بجامع السلطان خارج المحلة في جنوبيها بميلة إلى الشرق قديم أنشأه سنة 606 علي بن سليمان بن حيدر وجدده أهل المحلة سنة 1299 وهو جامع فسيح نير، وفي هذه المحلة سبيل عليه عمارة أنشأه (محمد راجي بن محمد علي بيازيد) سنة 1259، وفيها قسطل ينزل إليه بدركات قديم عمر سنة 420 وله دكان في المحلة وحصة من طاحون الحاج.
ومما يلحق بهذه المحلة مشهد محسن ومشهد الحسين. فأما مشهد محسن فيعرف بمشهد الدكة ومشهد الطرح وهو غربي حلب سمي بهذا الاسم لأن سيف الدولة بن حمدان كان(2/209)
له دكة على الجبل المطل على موضع المشهد يجلس عليها لينظر إلى حلبة السباق فإنها كانت تقام بين يديه هناك وعن تاريخ ابن أبي طي أن مشهد الدكة ظهر في سنة 351 وأن سبب ظهوره هو أن سيف الدولة كان في إحدى مناظره التي بداره خارج المدينة فرأى نورا ينزل على مكان المشهد وتكرر ذلك فركب بنفسه إلى ذلك المكان وحفره فوجد حجرا عليه كتابة «هذا قبر المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب» فجمع سيف الدولة العلويين وسألهم هل كان للحسين ولد اسمه المحسن فقال بعضهم ما بلغنا ذلك وإنما بلغنا أن فاطمة كانت حاملا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم في بطنك محسن فلما كان يوم البيعة هجموا على بيتها لإخراج علي إلى البيعة فأحدجت وفي صحة هذا نظر. وقال بعضهم إن سبي نساء الحسين لما مروا بهن على هذا المكان طرحت بعض نسائه هذا الولد فإنا نروي عن آبائنا أن هذا المكان سمى بجوشن لأن شمر ابن ذي جوشن نزل عليه بالسبي والرءوس وكان معدنا يستخرج منه الصفر وإن أهل المعدن فرحوا بالسبي فدعت عليهم زينب بنت الحسين ففسد ذلك المعدن فقال سيف الدولة «هذا الموضع قد أذن الله بإعماره فأنا أعمره على اسم أهل البيت» .
قال ابن أبي طي: ولحقت هذا المشهد وهو عليه باب صغير وحجر أسود تحت قنطرته مكتوب عليها بخط أهل الكوفة كتابة عريضة «عمر هذا المكان المشهد المبارك ابتغاء لوجه الله وقربة إليه على اسم مولانا المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب» الأمير الأجل سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان وذكر التاريخ المتقدم. ثم قال: وفي أيام بني مرداس بنى المصنع الشمالي من المشهد ثم بنى قسيم الدولة آق سنقر سنة 582 في ظاهره قبلي المشهد مصنعا للماء وكتب عليه اسمه وبنى الحائط القبلي وكان قد وقع ووقف عليه رحا جندبات وعمل للضريح طوقا وعرائش من فضة وجعل عليه غشاء ثم بنى نور الدين في صحنه صهريجا وميضأة فيها بيوت كثيرة ينتفع بها المقيمون فيه وهدم الرئيس صفي الدين طارو بن علي النابلسي رئيس حلب المعروف بابن الطريرة بابه الذي بناه سيف الدولة ورفعه وحسنه ولما مات ولي الدين أبو القاسم علي رئيس حلب وهو ابن أخي صفي الدين المتقدم ذكره دفن إلى جانب المصنع ونقض أيضا باب المصنع الذي عليه اسم قسيم الدولة وبناه وكتب عليه اسمه وذلك في سنة 613 وكان في المكان المذكور بين الجبل والمشهد ضريح كبير ذكر أنه ضريح إبراهيم الممدوح المنتقل من العراق إلى حلب والله أعلم.(2/210)
ثم في أيام الملك الظاهر غياث الدين غازي بن صلاح الدين يوسف وقع الحائط الشمالي فأمر ببنائه. وفي أيام الناصر يوسف بن عبد العزيز محمد ابن الظاهر وقع الحائط القبلي فأمر ببنائه وعمل الروشن الدائر بقاعة الصحن. ولما ملك التتار حلب قصدوا هذا المشهد ونهبوا ما كان فيه من الأواني والبسط وخربوا الضريح والجدار ونقضوا الأبواب فلما ملك السلطان الملك الظاهر حلب أمر بإصلاح المشهد ورمه وجعل فيه إماما وقيما ومؤذنا.
وأما مشهد الحسين فهو في سفح جبل الجوشن وعن يحيى ابن أبي طي في تاريخه أن راعيا يسمى عبد الله يسكن في درب المغاربة كان يخرج كل يوم يرعى غنمه فأتفق أنه نام يوما بعد صلاة الظهر في المكان الذي بني فيه المشهد فرأى كأن رجلا أخرج نصفه من شقيق الجبل المطل على المكان ومد يده إلى أسفل الوادي وأخذ عنزا فقال له يا مولاي لأي شيء أخذت العنز وليست لك فقال قل لأهل حلب يعمروا في هذا المكان مشهدا ويسموه مشهد الحسين فقال إنهم لا يرجعون إلى قولي فقال قل لهم يحفروا هناك ورمى بالعنز من يده إلى المكان الذي أشار إليه فاستيقظ الراعي فرأى العنز قد غاصت قوائمها في المكان فجذبها فظهر الماء من المكان فدخل حلب ووقف على باب الجامع القبلي وحدّث بما رأى فخرج جماعة من أهل البلد إلى المكان الذي ظهرت فيه العين وهو في غاية الصلابة بحيث لا تعمل فيه المعاول وكان فيه معدن النحاس قديما فخطوا المشهد المذكور.
قال ابن أبي طي: ومقتضى هذه الحكاية أن هذا المكان هو المشهد المعروف بمشهد النقطة وهو قبلي المشهد المعروف بمشهد الحسين وهو إلى الخراب أقرب وأما مشهد الحسين فهو عامر آهل مسكون قال وتولى عمارته الحاج أبو النصر ابن الطباخ وكان ذلك في أيام الملك الصالح ابن الملك العادل نور الدين وكان الأمير محمود بن الختلو إذ ذاك شحنة حلب فساعدهم في بنائه ولما شرعوا في البناء جاء الحائط قصيرا فلم يرض بذلك الشيخ إبراهيم بن شداد وعلاه من ماله وتعاضد الناس في البناء فكان كل أهل حرفة يفرض على نفسه عمل يوم وفرض أهل الأسواق عليهم دراهم تصرف في المؤن والكلف وبنى الإيوان الذي في صدره الحاج أبو غانم ابن سويق من ماله فجاء قصيرا فهدمه الرئيس صفي الدين طارو ابن علي النابلسي ورفع بناءه وانتهت عمارته في سنة 585.
ولما ملك الظاهر غازي حلب اهتم به ووقف عليه رحى تعرف بالكاملية وفوض النظر فيه إلى نقيب الأشراف الإمام شمس الدين ابن أبي علي الحسين والقاضي بهاء الدين بن(2/211)
أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب. ولما ملك ولده العزيز استأذنه القاضي بهاء الدين في ابتناء حرم إلى جانبه وبيوت يأوى إليها من انقطع إلى هذا المشهد فأذن له فشرع في بنائه واستولى التتار على حلب قبل أن يتم ودخلوا إلى هذا المشهد ونهبوا ما كان الناس قد وضعوا عليه من الستور والبسط والفرش والأواني النحاس والقناديل الذهب والفضة والشمع وكان شيئا كثيرا وشعثوا بناءه ونقضوا أبوابه. ولما ملك الظاهر جدد ذلك ورمه. اه.
قلت: الذي فهمته من عبارة ابن أبي طي على ما فيها من الاضطراب أن المشهد الذي نسميه الآن بالشيخ محسن بتشديد السين هو مشهد الدكة وأن الذي نسميه هو مشهد الحسين يؤيد هذا الكتابة الموجودة في صدر إيوان المشهد وهي (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمل هذا الإيوان المبارك العبد الفقير إلى رحمة الله أبو غانم بن أبي الفضل عيسى البزاز الحلبي رحمه الله وذلك في شهور سنة 579) فهذه الكتابة ربما تعضد قول ابن أبي طي (وبنى الإيوان الذي في صدره الحاج أبو غانم سويق) على أن مشهد الشيخ محسن لا إيوان فيه. ومعلوم أن كلا من المشهدين قائم على سفح جبل الجوشن بينهما مسافة غلوة بالقبلي منهما الشيخ محسن والشمالي المشهد ويؤخذ من كلام ابن أبي طي أنه كان يوجد بينهما مشهد آخر يعرف بمشهد النقطة وهو مما لا أثر له قلت ذكر أن سبب بناء مشهد النقطة هو أن رأس الحسين لما وصلوا به إلى هذا الجبل وضعوه على الأرض فقطرت منه قطرة دم فوق صخرة بني الحلبيون عليها هذا المشهد وسمي مشهد النقطة. ولعل هذه الصخرة نقلت من هذا المشهد بعد خرابه إلى محراب مشهد الحسين فبنى عليها.
وكان هذا المشهد مهملا ثم منذ نصف قرن أخذت تقام فيه يوم عاشوراء حفلة دينية تتلى فيها قصة المولد النبوي ويطبخ فيه طعام الحبوب وغيره من الأطعمة الفاخرة ويجلس على موائدها المدعوون من رجال الحكومة والعلماء والأعيان والوجهاء وفي اليوم السابع والعشرين من رجب تتلى قصة المعراج ويفرق على الحاضرين المذكورين الملبس وغيره من أنواع الحلوى اليابسة وفي سنة 1302 جددت فيه الجهة الشمالية من القبلية وبعد بضع سنين أهدى السلطان عبد الحميد ستارا حريريا مزركشا بآيات قرآنية وضع على المحراب وفرشت أرض قبلته بالطنافس الجميلة وجدد ترخيم أرض الصحن ورتب له إمام ومؤذن وخادم وموظفون يقرءون كل يوم أجزاء شريفة والنفقات على ذلك كله من صندوق أملاك(2/212)
السلطان عبد الحميد في حلب. وبعد الانقلاب الدستوري العثماني أهملت هذه الحفلات وأبطلت الشعائر وفي أيام الحرب العامة استعمل مستودعا للذخائر الحربية النارية واستمر على ذلك إلى أواخر سنة 1337 وذلك حين خروج الانكليز من حلب ودخول الفرنسيس إليها وكان الحرس الذين يحرسونه من قبل الانكليز قد انصرفوا عنه فهجم عليه جماعة من رعاع الناس وغوغائهم ونهبوا ما فيه من الذخائر والسلاح وبينما كان بعض أولئك الغوغاء يعالج قنبلة لإستخراج ما فيها من البارود إذ أورت نارا فلم يشعر إلّا وقد انفجرت وسرت منها النار بأسرع من لمح البصر إلى غيرها من الأعتاد النارية المتفرقعة فانفجرت جميعها انفجار بركان عظيم سمع له دوي من بعد ساعات وشعرنا ونحن في منازلنا بحلب كأن الأرض قد تزلزلت مصحوبة بدوي كهزيم الرعد القاصف وقد تهدم بنيان هذا المشهد كله سوى قليل منه وتطايرت أنقاضه في الهواء وسقط بعضها على ما فيه من الذعار والشطار فهلكوا عن آخرهم ويقدر عددهم بثلاثين انسانا على أقل تقدير أخرج بعضهم من تحت الردم أمواتا وترك الباقون فيه خشية أن يفاجئ الباحثين عنهم انفجار ما بقي من الذخائر النارية.
هذا وإن أوقاف هذا المسجد أراض عشرية تكلمنا عليها في مقدمة الكتاب في فصل تكلمنا فيه عادات الحلبين المسلمين التابعة الأشهر القمرية والأشهر الشمسية فراجعها ولأحمد أفندي وبهاء الدين أفندي الزهراوي وقف عظيم جعلا نهايته إلى هذا المشهد تاريخه 1064: كان مكتوبا في جبهة إيوان هذا المشهد: بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم صل على محمد المصطفى وعلى المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى والحسين الشهيد وعلى زين العادين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلى الرضى ولد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري ومولانا محمد بن الحسن القائم بأمر الله تعالى. وعلى رأس المحراب صنعه أبو عبد الله وأبو الرجاء ابنا يحيى الكناني. وعلى نجفة الباب الداخلي المؤدي إلى الصحن: (بسم الله الرحمن الرحيم عمر مشهد مولانا الحسين بن على ابن أبي طالب عليهما السلام في أيام دولة مولانا الملك الظاهر العالم العادل سلطان الإسلام والمسلمين سيد الملوك والسلاطين أبي المظفر الغازي ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب ناصر أمير المؤمنين سنة 572) . وعلى دهليز الباب بعد البسملة: (اللهم صل على محمد النبي وعلى الوصي والحسن المسموم والحسين الشهيد المظلوم وعلى زين العابدين ومحمد الباقر علم الدين وجعفر الصادق الأمين وموسى الكاظم الوفي وعلى الطاهر الرضى ومحمد(2/213)
البر التقي وعلى الهادي النقي والحسن العسكري وصاحب الزمان الحجة المهدي واغفر لمن سعى في هذا المشهد بنفسه ورأيه وماله) . وعلى نجفة الباب في ثلاث أنصاف دوائر:
(اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد وسلم. وارض اللهم عن سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وارض اللهم عن أصحاب رسول الله أجمعين) .
قلت: المفهوم مما كتب على جبهة الإيوان وعلى دهليز الباب أن الساعين في بناء هذا المشهد شيعة إمامية اثنا عشرية مع أن الذي أمر ببنائه وهو الملك الظاهر غازي سنّي ابن سني. فلعل الذي حمله على بنائه مجرد مواساة للشيعة واسترضاء لهم ليكونوا من نصرائه أو ليكفي شرهم فقد كان الشيعة في حلب تلك الأثناء مرهوبي الجانب. والمفهوم من قصة مشهد النقطة أنه كان بين مشهد الحسين ومشهد الشيخ محسن عين ماء بني في مكانها مشهد النقطة المذكور وهي الآن مما لا أثر له ولعلها كانت فنضبت والله أعلم. أما مشهد الشيخ محسن فهو ما زال معمورا ولكن شعائره مهملة وقبل بضع سنين رخمت أرضه وأجريت فيه بعض المرمات. مكتوب على بابه بعد البسملة (جدد عمارته في دولة مولانا الملك الظاهر غياث الدنيا والدين ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب الفقير إلى رحمة الله تعالى..) وعلى حائط القبلية (بسم الله أمر بعمارة هذا الموضع المبارك مولانا السلطان الملك الظاهر غياث الدنيا والدين أبو المظفر الغازي ابن يوسف خلد الله ملكه سنة 609) ولحسن أفندي ابن أحمد أفندي الكواكبي وقف كبير شرط فيه لهذا المشهد في كل سنة 186 قرشا لأربعة قراء و 12 لخادمه و 15 لطبخ طعام الحبوب يوم عاشوراء تاريخ هذا الوقف سنة 1220.
ومما يلحق بهذه المحلة أيضا مشهد في قرية الأنصاري التي كانت تسمى ياروقية قال الهروي في كتاب الاشارات: في هذا المشهد قبر عبد الله الأنصاري كما ذكروا. وقال ابن العديم نقلا عن والده: إن امرأة من نساء أمراء الياروقية «1» رأت في المنام قائلا يقول ههنا قبر الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبشوا فوجدوا قبرا فبنوا عليه مشهدا ثم دثر فجددته نيلوفر عتيقة الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن حيدر ولما تولى معتقها سنة 622 انقطعت إليه ولما استولى التتار على حلب دخل هذا المشهد في جملة(2/214)
ما تشعث من أبنية حلب ولما ولى نيابة حلب الأمير سيف الدين قصروه سنة 830 شرع بتوسيع هذا المشهد وبناه بالحجارة الكبار وعقد على الضريح قبة ووسع الصحن وبنى له بابا حسنا بالحجارة الكبار وجعل شماليه إيوانا بشبابيك مطلة إلى جهة الشمال ولما توفيت ابنته دفنها هناك على يمنة الداخل بالقرب من الباب وعقد عليه قبة ووقف عليه وقفا وسبب اعتنائه بهذا المشهد أنه كان قدم إلى حلب قبل ذلك وهو خاصكي بتقليد نائبها فاعتراه قبل دخوله البلد وجع شديد وكانت عادة من يرد من الخاصكية إلى حلب أن يبيت هناك ليدخل البلد بكرة النهار فبات تلك الليلة وهو في غاية الألم فرأى في منامه إن صاحب الضريح وهو شيخ حسن الشكل مسح عليه ودعا له وبشره بأنه يصير نائب هذه البلدة فأصبح معافى وعاهد الله أنه إن ولي حلب أن يجدد بناء هذا المكان ففعل وقف له وقفا.
وهذا المشهد الآن يعرف بسعد الأنصاري في قرية الأنصاري. قال ابن الشحنة: ولا أعرف المستند في ذلك إلا أن يكون الاشتباه فإن الجبل الذي هو تجاه هذا الجبل من جهة الشرق والقبلة عليه مشهد يقال له مشهد سعد الأنصاري (في قرية الشيخ سعيد) . وكان هذا المشهد صغيرا جدا وبه صريح صغير فلما ولى نيابة حلب الأمير خيري بك الطويل وسع هذا المشهد وبنى به دارا وقبلية وإيوانا وقبة فيها شبابيك مطلة غربا وقبلة وشمالا ووسع الصحن وبنى له بابا حسنا ومنارة ووقف عليه وصار يخرج إليه في كل سنة ويقرئ به قصة المولد الشريف ويحضر معه الأمراء والأكابر وأعيان البلد.
ومن المشاهد أيضا المشهد الأحمر وهو في رأس جبل الجوشن يقصده أهل البلد في مهماتهم ويدعون فيه فيستجاب لهم وهو قبلي المشهد المتقدم ذكره بينهما رمية حجر وقد بنى فيه بعض أهل البلد قبة جليلة عالية البناء وبنى فيها صهريجا. قلت: مشهد الأنصاري ومشهد الشيخ سعيد ما زالا باقيين معروفين أحدهما في قرية الأنصاري والآخر في قرية الشيخ سعيد أما المشهد الأحمر فلا أثر له ولا يعرفه أحد منا ولا حدثنا به أحد شيوخنا.
تنبيه: كان يوجد قرب مشهد محسن مدرسة تعرف بمدرسة النقيب متاخمة دار المعز وهي غاية في العمارة يقال لها تاج حلب وكانت كثيرة المساكن والمنافع وهي منتزه حلب وفيها بئر ماء يستقي منه من صحنها ومن درجها ومن أعلاها ولها صف خلاوي في أعلاها وتجاهها رواق وبه قناطر مطلة على قويق وحلب وبساتينها وكانت غاية في السعة والإتقان والزخرفة(2/215)
وهي الآن مما لا يعرف مكانها والنقيب المنسوبة إليه هو (النقيب الإمام الشريف المرتضى) . ومما كان يوجد في شمالي الفيض مدرسة تعرف بالمدرسة الدقاقية أنشأها مهذب الدين أبو الحسن علي بن عبد الله ابن الدقاق في حدود سنة 600 وهي الآن غير معروفة.
وفي المشهد وخارجه عدة قبور لبني الزهراء نقباء حلب وأشرافها منها قبر أبي المكارم حمزة الذي تكلمنا عليه في ترجمة أحمد بن عبد الله بن حمزة فراجعه. وفي هذه المحلة أعني محلة الكلاسة أسرة آل الهبراوي وهم وجهاء المحلة ومرشدوها وفيهم العالم والأديب والتاجر وقد ترجمنا عدة رجال منهم في باب التراجم. اه. الكلام على محلة الكلاسة.(2/216)
حارة المغاير (خ) عدد بيوتها 100
هذه المحلة في جنوبي البلدة إلى الغرب يحيط بها الفلاة من كل جهة وهي قريبة من مغاير الحوار خارج باب قنسرين في غربيها وأكثر سكانها يعانون صنعة حبال القنب وعمل المكانس عددهم.
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 403/332/735/كلهم/ مسلمون لا آثار فيها سوى جامع ومسجد لا يستحقان الذكر وقسطل يهبط إليه ببضع وعشرين درجة مكتوب على حجر في صدره بعد البسملة (إن الأبرار يشربون إلى قوله تعالى تفجيرا.
أنشأ هذا السبيل المبارك العبد الفقير إليه تعالى الحاج عبد الله ابن الحاج حسن بن العاجي غفر الله له ولوالديه في أيام السلطان الأمجد أبي المكارم السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم خان خلد الله ملكه) . ماء هذه المحلة من آبار عميقة ماء بعضها نبع وماء بعضها الآخر من قناة الكلاسة المتقدم ذكرها وهي جيدة الهواء جميلة المناظر والمغاير التي في شرقيها واسعة يقال إنها متصلة بمغاير حارة المعادي التي سنتكلم عليها.(2/217)
حارة الفردوس (خ) عدد بيوتها 15
محلها خارج باب المقام عدد سكانها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 42/50/92/كلهم/ مسلمون محل هذه الحارة في جنوبي المعادي منقطعة عنها وكانت بعد القرن السادس من أعمر محلات حلب وأعظمها آثارا دينية كالمساجد والمدارس والربط والزوايا والترب.
آثارها
تربة بني الشحنة: شمالي الفردوس وهي قبة عامرة لها باب موجه شمالا مكتوب عليه البيتان المشهوران اللذان أولهما إذا أمسى فراشي من تراب إلخ وفي جهتها الجنوبية محراب حسن من النحيت وفي وسطها قبور لبني الشحنة.
عمارة ضيفة خاتون بنت الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد زوجة الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب والدة الملك العزيز ابن الملك الظاهر بنتها جامعا ومدرسة وتربة ورباطا سنة 633 ووقفت عليها أوقافا عظيمة جميعها أراض من جملتها قرية كفر زيتا وثلث طاحون من النهريات وجامعها حافل عظيم متقن البناء واسع الأرجاء معدود في حلب من الآثار القديمة العظيمة يقصده السواح لما اشتمل عليه من عظمة البناء وضخامة الحجارة والأعمدة وبداعة الطراز صحنه يبلغ ستين ذراعا في مثلها تقريبا وفيه حوض واسع جميل الصنعة على شاكلة حوض السلطانية وفي شماليه إيوان كسروي وعلى جانبيه المدرسة والمطبخ وفي شرقي الصحن وغربيه الرباط والتربة كلاهما الآن مملوءان من قبور جماعة لا تعرف تراجمهم وفي جنوبي الصحن قبلية واسعة على طول الصحن في عرض نحو ثلاثين(2/218)
ذراعا ومنبر هذا الجامع حادث جدد بعد واقفته ومن أجمل ما فيه المحراب فإنه عديم النظير لما اشتمل عليه من حسن الصنعة والنقوش والإتقان والإحكام فيه عدة ألواح من حجر اليشم النادر الوجود وهذه اللفظة فارسية أصلها أشباد جشم قال ابن العديم وهو من أعاجيب الدنيا يرى الناظر إليه وجهه فيه من صفاء معدنه وفي شرقي القبلية حجرة مقتطعة منها فيها قبران يزعمون أن الشمالي منهما مدفون فيه سيدنا علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه حتى إنه مكتوب على رقعة في ثوب الضريح هذا قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نقل صندوقه سيف الدولة أيام دولته من النجف سنة 317.
وهذا كذب ظاهر فقد نص المؤرخون على أن قبر علي رضي الله عنه خفي لا يعرف موضعه. ومنهم من قال إنه دفن في دار الإمارة في الكوفة وأخفي قبره كي لا ينبشه الخوارج.
وقيل حملوه على جمل ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هم في السير ليلا إذ ندّ الجمل الذي هو عليه فلم يدروا أين ذهب ولم يقدر على رده أحد فلذلك، يقول غلاة الشيعة إنه في السحاب وقيل وقع في بلاد طيىء فأخذوه ودفنوه. وقيل: كان أوصى أن يخفى قبره كيلا يمثل به بنو أمية لعلمه أن الأمر لهم على أن مجيء سيف الدولة إلى حلب كان سنة 333 فكيف يأتي بالصندوق من النجف إلى حلب قبل مجيئه إليها. ثم إن عمارة الفردوس كما قال ابن شداد بناؤها عظيم مرتفع بالحجارة الهرقلية وهي كثيرة الأماكن وبها خشخاشة للموتى وبركة ماء تشبه بركة الظاهرية يأتي إليها الماء من بستانها من دولاب خارجها وفي جانب هذا البستان إيوان عظيم بالحجارة العظيمة وفي هذه المدرسة أعمدة ضخمة من الرخام الأصفر ملقاة في صحنها وفيها قاعة عظيمة لمدرسها وللمدرسة من جهاتها الأربع مناظر وشبابيك إلى بستانها وفيها إيوان مكتوب عليه في طرازه وطرازها (لله در أقوام إذا جن عليهم الليل سمعت لهم أنين الخائف وإذا أصبحوا رأيت عليهم تغير ألوان:
إذا ما الليل أقبل كابدوه ... ويسفر عنهم وهم ركوع
أطار الشوق نومهمو فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا خشوع
أجسادهم تصبر على التعبد وأقدامهم ليلها مقيمة على التهجد لا يرد لهم صوت ولا دعا تراهم في ليلهم سجدا ركعا قد ناداهم المنادي وأطربهم الشادي:
يا رجال الليل جدوا ... رب صوت لا يرد(2/219)
ما يقوم الليل إلا ... من له حزم وجد
لو أرادوا في ليلتهم ساعة أن يناموا أقلقهم الشوق إليه فقاموا وجذبهم الوجد والغرام فهاموا وأنشدهم مريد الحضرة وبثهم وحملهم على المناجاة وحثهم:
حثوا مطاياكم وجدوا ... إن كان لي في القلوب وجد
قد آن أن تظهر الخبايا ... وتنشر الصحف فاستعدوا
الفرش مشتاقة إليهم والوسائد متأسفة عليهم النوم قرم إلى عيونهم والراحة مرتاحة إلى جنوبهم الليل عندهم أجل الأوقات في المراتب ومسامرهم عند تهجدهم يرعى الكواكب:
وزارني طيفك حتى إذا ... أراد أن يمضي علقت به
فليت ليلي لم يزل سرمدا ... والصبح لم أنظر إلى كوكبه
هجروا المنام في الظلام وقلدوا بطول المقام وناجوا ربهم بأطيب كلام وأنسوا بقرب الملك العلام لو احتجبوا عنه في ليلهم لذابوا ولو تغيبوا عنه لحظة لما طابوا يديمون التهجد إلى السحر ويتوقعون ثمر اليقظة والسهر. بلغنا أن الله تبارك وتعالى يتجلى للمحبين فيقول لهم: من أنا. فيقولون: أنت مالك رقابنا فيقول: أنتم أحبتي أنتم أهل ولايتي وعنايتي ها وجهي فشاهدوه ها كلامي فاسمعوه ها كأسي فاشربوه وسقاهم ربهم شرابا طهورا إذا شربوا طابوا ثم طربوا إذا طربوا قاموا إذا قاموا هاموا إذا هاموا طاشوا إذا طاشوا عاشوا لما حملت ريح الصبا قميص يوسف لم يفضض ختامه إلا يعقوب ما عرفه أهل كنعان ومن عندهم خرج ولا يهودا وهو الحامل. اه. ومكتوب على الباب سطر جيد جدا مدحه الشعراء وهو (أمرت بإنشائه ضيفة خاتون في أيام السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن السلطان الملك الظاهري غازي بتولي عبد المحسن العزيزي الناصري في سنة 633) ومن جملته:
يطاف عليهم بصحاف من ذهب
ومما قاله فيه الشعراء:
في باب فردوس حلب ... سطر من الدر عجب
فيه صحاف من ذهب ... هن صحاف من ذهب(2/220)
ومما يلحق بهذه المحلة عمارة الهروي: محلها في جنوبي الفردوس بميلة إلى الشرق على بعد غلوة منه أنشأها الشيخ أبو الحسن (علي بن أبي بكر الهروي) السائح ثم في فتنة التتار خرب بعضها ولم يبق بها ساكن وخرب وقفها لأنه كان سوقا بالحاضر وهي الآن خراب لم يبق فيها سوى حجرة الضريح التي على مثال الكعبة وجميع حجارتها مكتوبة حكما ومواعظ وغير ذلك وقد رأيت في كتاب الإشارات في معرفة الزيارات لصاحب هذا القبر صورة ما كتبه على تربته فأحببت نقله. قال رحمه [الله] : نسخة ما على تربة العبد الفقير إلى الله تعالى مؤلف هذا الكتاب (كتاب الاشارات) وهي التي أنشأها لنفسه ظاهر محروسة حلب على الجادة الآخذة إلى محروسة دمشق على نهر غربي هذه التربة منقورة في الصخرة ما هذه صورته (بسم الله الرحمن الرحيم سبحان مشتت العباد في البلاد وقاسم الأرزاق سير قوما إلى الآجال وقوما إلى الأرزاق هذه تربة العبد الفقير الغريب الوحيد علي بن أبي بكر الهروي عاش غريبا ومات وحيدا لا صديق يرثيه ولا خليل يبكيه ولا أهل يزورونه ولا إخوان يقصدونه ولا ولد يطلبه ولا زوجة تندبه آنس الله وحدته ورحم غربته وهو القائل سلكت القفار وطفت الديار وركبت البحار ورأيت الآثار وسافرت البلاد وعاشرت العباد فلم أر صديقا ولا رفيقا موافقا فمن قرأ هذا الخط فلا يغتر بأحد قط:
طفت البلاد مشارقا ومغاربا ... ولكم صحبت لسائح وحبيس
ورأيت كل عجيبة وغريبة ... ولقيت هولا في رخاء وبؤسي
أصبحت من تحت الثرى في وحدة ... أرجو إلهي أن يكون أنيسي
(وعليه) بنوا وعلوا ومضوا وخلوا (وعليه) لا ذاك دام ولا ذا يدوم (وعليه) كن من الفراق على حذر (وعليه) هذا الوداع فمتى الاجتماع (وعليه) السلامة في الوحدة والراحة في العزلة (وعلى الجانب الشمالي) لا مفر مما قضاه ولا مهرب مما أمضاه فالسعيد من سلم إليه وتوكل عليه، (وعلى الجانب الشرقي) ما هذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم هذه تربة العبد الفقير إلى رحمة ربه علي بن أبي بكر الهروي وهو القائل ابن آدم دع الاحتيال فما يدوم حال ولا تغالب التقدير فلن يفيد التدبير ولا تحرص على جمع مال يتنقل إلى غيرك من لا ينفعك شكره ويبقى عليك وزره (وعلى عضادة الباب) ما هذه صورته بسم الله الرحمن الرحيم ما مر الزمان على شيء إلا غيره ولا على حي إلّا قبره ولا رفيع إلّا وضعه ولا على قوي إلّا وضعضعه (وعلى الباب) بسم الله الرحمن الرحيم عمر هذه التربة لنفسه(2/221)
العبد الفقير إلى رحمة ربه علي بن أبي بكر الهروي تقبل الله منه ورحمه ورحم المسلمين وذلك في سنة اثنتين وستمائة (وداخل الباب) الطمع يذل الأنفس العزيزة ويستخدم العقول الشريفة (وعلى القبر) بسم الله الرحمن الرحيم إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم هذا قبر الشيخ علي بن أبي بكر الهروي رضي الله عنه ورحمه ورحم جميع المسلمين. (وعلى فرشة اللحد) بسم الله الرحمن الرحيم إلهي ليس لي عمل أتقرب به إليك ولا حسنة أدل بها عليك غير فقري وفاقتي وذلي ووحدتي فأرحم غربتي وكن أنيسي في حفرتي فقد التجأت إليك وتوكلت عليك وأنت أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
(وعلى القبة) الآيتان آخر سورة لقمان وآخر سورة البقرة (وعلى القبر بعد البسملة) يا باقي ارحم الفاني يا حي ارحم الميت يا عزيز ارحم الذليل يا قادر ارحم العاجز (وعليه) اللهم إني ضيفك ونزيلك وفي جوارك وفي حرمك وأنت أولى من أكرم ضيفه ورحم جاره وأجار نزيله فمن غير تربتي أو بدل حفرتي فأنت خصمه يا رب استعنت بك عليه يا رب يا مغيث أنت الله (وعلى أبواب حرم التربة) ما صورته منقورا في الصخر على باب منها داو أمراضك ودع اعتراضك (وعلى آخر) كم ذا العنا ومصيرك إلى الفنا (وعلى آخر) الدنيا مزبلة (وعلى آخر) لو أراد الله بخيرك ما تعبت لغيرك (وعلى آخر) الحذر لا ينفع القدر (وعلى آخر) لو رأيت ما اقتنيت (وعلى آخر) في الموت كفاية (وعلى آخر) الأجل أصدق من الأمل (وعلى آخر) دع الارتياب فمصيرك إلى التراب (وعلى آخر) اتق الله يكفك الله (وعلى آخر) انظر في عيب نفسك ودع أبناء جنسك (وعلى الطهارة) لو تفكرت ما افتخرت (وعلى الحمام) طهارة الجسد إزالة الحسد (وعلى آخر) يا أشعب لمن تتعب (وعلى آخر) ما انتظارك والقبر دارك (وعلى أبواب الرباط وهي المدرسة التي أنشأها لصيق هذه التربة) (وعلى باب منها) استعد للرحيل فقد بقي القليل (وعلى آخر) الحسد يضر بصاحبه (وعلى آخر) الاحتمال موت حاضر (وعلى آخر) اللذة في الخمول (وعلى آخر) العزلة مركب السلامة (وعلى آخر) دعهم واحذرهم (وعلى آخر) من زهد في الدنيا قل تعبه (وعلى آخر) عز القانع وذل الطامع (وعلى آخر) الورع زمام العمل (وعلى آخر) زينة العلم العمل (وعلى آخر) الراحة في الوحدة (وعلى آخر) فرّ من الخلق فرارك من الأسد (وعلى آخر) انتفع بالناس انتفاعك بالنار تنج منهم (وعلى آخر) دع الترهات واستعد للممات (وعلى الطهارة) بيت المال في بيت الماء (وعلى باب التربة) عمر هذه التربة لنفسه العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى علي بن أبي بكر الهروي(2/222)
وذلك في سنة اثنتين وستمائة (وعلى البئر التي ظهرت في هذه التربة ونسبت إلى إبراهيم الخليل) أظهر الله هذه البئر المباركة سنة اثنتين وستمائة.
بقية آثار هذه المحلة
في جنوبي هذه المحلة خان منقور في الحوار ينزل إليه بدرجات يقال له خان النقر «1» وهو صحن مربع يبلغ أربعين ع في مثلها تقريبا في جهاته الأربع أروقة نافذة إلى بعضها شبيهة بالأروقة المقبوة بالحجارة وكان يضرب المثل في حلب بكثرة دخل هذا الخان وأما الآن فهو معطل وصحنه بستان يشتمل على شجر التين والفستق وكان على مقربة من هذا الخان مدرسة يقال لها الجمالية محلها الآن تل من تراب وهي تنسب لمنشئها جمال الدولة إقبال الظاهري عتيق ضيقة خاتون وفي تلك الجهات أيضا عمارة يسمونها الدرويشية أظنها تربة وهي مشرفة على الخراب أنشأها الملك الناصر سنة 621.(2/223)
محلة المقامات (خ) عدد بيوتها 86
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 337/336/673/كلهم مسلمون وهي بين حارة المعادي والفردوس الأولى في شماليها والثانية في جنوبيها سميت مقامات لكثرة ما اشتملت عليه من الترب والمدافن ومقامات الصالحين كما سنبينه.
آثارها
التربة الكمالية محلها في كرم الحشاش شرقي هذه المحلة بينها وبين تربة السفيري الكرم المذكور وجادة الصالحين وهي صحن واسع وقبلية في غربيها قبر كمال الدين الدمنهوري وهو الذي بناها بعد حادثة تيمور وفيها إيوان مدفون فيه خديجة بنت الباني المذكور وهي مشرفة على الخراب يسكنها بعض الفقراء، جامع قراسنقر هو جامع المحلة الكبير كان في الأصل رباطا بناه (قراسنقر الجو كندار المنصوري) وهو صحن متسع مشتمل على أروقة وله بابان واحد من شماليه وآخر من غربيه وقبلية مبنية بالحجارة العظيمة كأنها حصن في غربيها قبر مكتوب عليه (هذه تربة العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير شمس الدين قراسنقر الجوكندار المنصوري توفى في الليلة المسفرة عن الخميس سلخ جمادى الأخيرة سنة 709 غفر الله له ولوالديه) هذه التربة كانت تعرف بالمهمازية في شرقيها قبر آخر مكتوب عليه (هذا قبر المقر المرحوم السيفي قتمر المنصوري مولانا الملك الآمر بحلب المحروسة كان توفى إلى رحمة الله تعالى في يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة الحرام سنة 770) وفي الجانب الشرقي من باب الجامع الشمالي جرنان عظيمان مدفون بعضهما في الأرض أحدهما أسود والآخر أصفر مكتوب على الجدار فوقهما بعد(2/224)
البسملة (أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك المولى الأمير الكبير المجاهد المرابط الخاضع لربه المنان المفتقر إلى عفو الله والرضوان شمس الدنيا والدين (قرا سنقر الجو كندار المنصوري الناصري نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة أثابه الله تعالى وضاعت له الحسنات وجعل زخره الباقيات الصالحات كتب في المحرم سنة 703 من الهجرة النبوية) .
تربة شهاب الدين الأدرعي وهي غربي الجادة إيوان كسروي في جانبه الشرقي قبة معتبرة قائمة على جدران جميلة البناء وراء هذه القبة من شرقيها قبر «أحمد بن حمدان شهاب الدين الأدرعي» صاحب التربة مكتوب على نصبة قبره:
تعاهد قبور الصالحين مسلّما ... بحسن اعتقاد وانقياد مع الأدب
وصاحب هذا القبر أتحفه دائما ... بخير دعاء فهو مما له وجب
فهذا الإمام الأدرعي أحمد الذي ... سما وإلى حمدان حقا قد انتسب
وهذا أبو العباس يعرف كنية ... وهذا شهاب الدين يشهر باللقب
لقد ساد أهل العصر علما وعفة ... وزان بلاد الشام لا سيما حلب
فمولده قد كان في عام وارث ... ومدرجه لله صحبته قرب
وتجديد هذا القبر في السنة التي ... بخمسين بعد الألف فيما يلي رجب
وفيها من الأمراء «عبد الله بن إبراهيم بن أحمد» وراء هذه التربة من غربيها تربة أخرى جميلة فيها قبلية في شرقيها بعض قبور وفي شرقي الجادة تربة حافلة لها شبابيك مطلة على الجادة مبنية بحجارة جميلة بديعة التركيب والنقش وفي تربة «عثمان بن أحمد بن أحمد بن أغلبك» لا أثر لقبره في داخلها مع أنه مدفون فيها كما ستراه في ترجمته وهي الآن مشرفة على الخراب يسكنها بعض الفقراء وفي غربي الجادة قسطل سعى بعمارته الحاج صديق أفندي ابن عبد الحميد الجابري سنة 1285.
وفي غربيه سبيل صهريج يجري إليه الماء من هذا القسطل، وفي الجهة الجنوبية الشرقية من المحلة مدرسة تعرف بالظاهرية ذكرها ابن شداد في باب المدارس الشافعية في ظاهر حلب وقال أنشأها السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي صاحب حلب وانتهت عمارتها سنة 616 وشرطها للشافعية ووقف عليها نصف سوق الظاهرية شركة جقمق ولها غالب(2/225)
قرية عين رزه من عمل الباب، وأنشأ إلى جانبها تربة أرصدها ليدفن فيها من يموت من الملوك والأمراء.
هذه المدرسة حافلة جدا عظيمة الباب واسعة الرحاب شبيهة بالمدرسة السلطانية الكائنة تجاه باب القلعة كأنما أفرغتا في قالب واحد سوى أن السلطانية أصغر منها وفي شمالي صحنها حوض كبير جميل الصنعة لا يهتدي إلى تركيبه إلا الحذاق وفيها نحو عشرين حجرة للمجاورين ما بين عليا وسفلى وقبليتها طويلة عريضة ولها محراب جميل الصنعة تجاه قبليتها رواق عال وكلها متوهنة المباني وبعضها يسكنها بعض الفقراء والتربة التي في جانبها دثرت ولم يبق منها سوى محراب وصارت شبه دار يسكنها بعض الفقراء وكان يوجد قرب هذه المدرسة مسجد، ورباط، وتربة عمرت في أيام الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز كما يدل عليه كتابة على حجرة وجدتها مكسورة قطعتين مرصوفتين في عضادتي باب التربة الظاهرية وصورة الكتابة (بعد البسملة إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلّا الله) إلخ. عمر هذا المسجد المبارك والرباط والتربة المباركة في دولة مولانا السلطان ابن السلطان الملك الناصر أبي المحاسن يوسف أدام الله أيامه ونشر في الخافقين أعلامه على يد أضعف خلق الله تعالى وأحوجهم إلى مغفرة ربه الرحيم العبد الفقير إلى عفو ربه عبد الكريم عفا الله تعالى عنهم: وفي الجهة الغربية من المدرسة الظاهرية صهريجان يجري الماء إليهما من قسطل صديق أفندي المتقدم ذكره، وعلى غربي الجادة إيوان في صدره محراب مكتوب على أعلاه بعد البسملة إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر أنشأ هذا المكان الفقير لعفو الله على نية الصلاة وشرط أن لا يدفن في هذا الإيوان ميت ومن دفن ميتا كان خصمه الله وتم بتاريخ سنة 911 وفي شرقي الجادة سبيل صهريج مبني فوقه باب أنشأه الحاج ياسين ابن السيد أحمد جاسر سنة 1285.
تنبيه: في هذه الحارة كثير من الترب والمدارس والمزارات فمن ذلك تربة ابن الصاحب بالقرب من الظاهرية من شماليها بينهما تربة بني سوادة وكانوا شيعة، وتربة ابن الصاحب أنشأها الأمير شهاب الدين أحمد بن يعقوب الصاحب والتربة القليجية وتربة شمس الدين ابن العجمي وتربة أيدمر الظاهري العزيزي الناصري والي حلب وقفها في ثاني شهر ربيع الأول سنة 618 ولها وقف بقرية دارة عزة، وتربة (موسى الحاجب) قرب باب المقام أنشأها موسى بن عبد الله الناصري في حدود سنة 750 وزاوية الحاج بلاط دوادار الحاج إينال(2/226)
كافل حلب وهي زاوية وتربة ومدرسة وقف عليها ربع سوق الملح وربع قرية معرة دبسه ونصف باسوفان من جبل سمعان وحصة من النيرب قرب حلب، والخلاصة أن هذه المحلة كانت كثيرة المدارس والترب والمساجد والربط بحيث لا يخلو منها بقعة إلا وفيها أثر من ذلك غير أنه لم يبق من تلك الآثار سوى ما أفردناه بالذكر مع كونه مشرفا على الخراب والبقية خربت وخفي مكانها وصار في محلاتها بساتين الفستق والتين وكان كثير من تلك الترب مدافن لملوك حلب وأمرائها وحكامها حتى إني شاهدت عدة قبور في تلك البساتين أصحابها ملوك قد اتخذت معالف للدواب ومنها ما هو مطمور في التراب لا يظهر منه سوى قليل من نصباته ومنها ما اتخذ في جانبه مرحاض تتطرق إليه الأقذار ومنها ما نبت في حويضه شجرة فستق عظيمة ومنها ما هو في أرض قفراء تسفى عليه الرياح فسبحان من أسكنهم هذه القبور بعد القصور وحكم عليهم بالعدم وتفرد بالكبرياء والقدم وجعلهم عبرة لأولي الأبصار.(2/227)
محلة المعادي (خ) عدد بيوتها 109
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 444/441/885/كلهم مسلمون هي منفصلة عن البلدة واقعة تجاه باب المقام من ظاهره محاطة بالبرية.
آثارها
جامع المعادي
في جنوبي باب المقام وهو جامعها الكبير له بابان أحدهما من شماليه والآخر من شرقيه وله منارة وفي صحنه حوض فوق عشر بعشر عمره الحاج (عبد القادر بن عمر بن سليم) وقبلية واسعة بالجملة لكنها دون كفاية أهل المحلة خصوصا في الجمعة والعيدين ويوجد وراء قبليته في جنوبيها ساحة مستطيلة في غربيها ثلاثة قبور وله وقف جزىء وفي جانب باب هذا الجامع من شرقيه باب مسدود عليه حجرة مكتوب فوقها «جدد هذا السبيل المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى كمال الدين ابن الدغيم ووقف عليه جميع الدكان الكائنة في رأس سوق محلة القلعة المعروفة ... وجعل دخلها للقنوي سنة 904.
تربة الشيخ علي شاتيلا
هي تربة «خيري بك ابن عبد الله الجركسي» صحن واسع فيه عدة قبور من جملتها قبر الشيخ علي المجذوب والمعروف بشاتيلا وهي قبة عالية مبنية بالرخام الأصفر من غربيها شباكان مطلان على الطريق مكتوب فوقهما بعد البسملة «أنشأ هذه التربة المباركة المقر الأشرفي الكريم العالي المولوي الكافلي السيفي خاير بك الأشرفي كافل الممالك الحلبية(2/228)
المحروسة أعز الله تعالى أنصاره بتاريخ شهر ربيع الأول عام 920» والشيخ علي شاتيلا المذكور مجذوب معتقد ينقل عنه عدة كرامات في حياته ومماته وقبره تجاه قبة التربة المذكورة في شماليها وكانت وفاته سنة 1163.
المدرسة البولادية
محلها الصف الموجه غربا من الجادة وهي الآن معطلة مائلة للدثور يسكن قبليتها بعض الفقراء.
بقية آثار هذه المحلة
سبيل صهريج في حضرة جامع المعادي أنشأه «الحاج علي ابن الحاج عبد الله بن محمد علي بيازيد» ، وسبيل الشاوي نسبة «لرجل من خيار أهل المحلة اسمه حسين بن محمد بن حسن الشاوي أنشأه سنة 1288» ، قسطل البولادية لصيقها من جنوبيها موجه غربا، وسبيل ملاصق تربة خيري بك من شرقيها موجه شرقا عمرته إحدى الخواتين سنة 1030، وفيها قهوة واحدة بحضرة جامعها ومن آثار هذه المحلة الخفية مغارة يهبط إليها من فوهة في جبانة الشعلة قرب قبر الشيخ قاسم الخاني في شمالي مقبرة السفيري إلى الشرق وهي مغارة شاسعة لا يكاد يدرك منتهاها وقد نزلناه وصحبنا معنا عدة مصابيح وسرنا فيها من شماليها حتى وصلنا إلى تحت دور حارة المعادي ووجدنا آبار الدور قد اخترقت سقفها ثم أرضها وثخانة سقفها نحو ثمانية أبواع ولما أدركنا العياء من كثرة سيرنا فيها عدنا لنخرج منها ونحن بضعة أشخاص منهم من نزل إليها مرارا فضللنا الطريق عدة مرات والظاهر أن هذه المغارة وما شاكلها من المغائر حارة المغاير كانت مقالع للحوار الذي كانت تبنى به مباني حلب كلها أو بعضها كما هو الحال الآن في مباني عينتاب وأورفه وغيرهما من البلاد التي كانت تتبع ولاية حلب والله أعلم.(2/229)
محلة جسر السلاحف وتعرف بالوراقة (خ) عدد بيوتها 70
يحدها قبلة حارة الكلاسة وشرقا حارة العقبة وشمالا حارة العينين وغربا نهر قويق عدد سكانها 545 منهم 281 ذكرا و 264 أنثى كلهم مسلمون وهي حارة معرضة للغرق حين طغيان نهر قويق وتمتد من باب الجنان إلى باب أنطاكية فالجهة الشرقية من هذه الجادة على ضفة النهر كلها خانات معدة لبيع الغلات وفيها يكون طاحون عريبة والغربية الكائنة على حافة النهر أيضا تشتمل على دور وحوانيت ولا آثار في هذه المحلة سوى مسجد واحد ويلحق بها مسجد في أواسط الجادة الممتدة من باب أنطاكية إلى جسر الدباغة على يسرة المتوجه إلى الجسر وهو من آثار المرحوم محمد باشا المعروف وقفه بإبراهيم خان وسنتكلم على هذا الوقف ويعرف الآن بمسجد الدباغة له منارة مربعة الشكل مبنية بالحجارة الهرقلية معطل عن الشعائر يسكنه بعض الفقراء ومسجد في قرب جسر الدباغة على طرفه الشرقي يعرف بمسجد أولاد أبي بكر له من الأوقاف كفايته وتصلى فيه السرية وكان يعرف بمسجد الفوعي فاضل غلة وقفه مشروطة للإشراف وسبيل في سوق باب أنطاكية تجاه حمام الويوضي وحمام الويوضي هذا جار نصفه في وقف جامع الزينبية الكائن في محلة الفرافرة وتقدم الكلام عليه قيل إن هذه المحلة كان فيها عدد كبير من المعامل التي تصنع الورق الذي كان لا يضاهيه في جودته ما يعمل منه في غير حلب كما يدل على ذلك وجود كتب مخطوطة قديمة اطلعنا عليها في بعض المكتبات الحلبية القديمة ولأجل هذا سميت هذه المحلة باسمها الحالي.(2/230)
محلة الشماعين (خ) عدد بيوتها 98
عدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 359/245/604/المسلمون 16/21/37/الروم الكاثوليك 3/-/ 3/الأرمن الكاثوليك 17/13/30/الأرمن 1/-/-/ البروتستان 396/279/675/المجموع هذه المحلة غربي البلدة وراء نهر قويق يحدها قبلة حارة القوانصه وشرقا الكتاب وشمالا تربة الشيخ اللطيفي وغربا البرية والشماعون المضافة إليهم هذه المحلة جماعة كانوا يصنعون فيها الشمع الشحمي المشهور وفيها من الآثار جامع المطغاني وهو زاوية للشيخ محمد الأطغاني البسطامي بناها الخواجه حسين بن مصطفى وجماعة من التجار في حدود 700 وكان الأطغاني أولا يذكر مع جماعته في مسجد كان باتصال الزاوية وفي فتنة تيمور خرب بعض هذه الزاوية وسلمت قبتها فرمها الخواجه عبد الرحمن البلدي وعمر بها إيوانا ودخل نصف المسجد الذي كان يذكر فيه الشيخ أولا في هذا الإيوان ونصفه خارج الإيوان من جهة التربة والزاوية مختصة بجماعة الطريقة البسطامية وكان يتصدى فيها للإرشاد الشيخ حسين البسطامي تلميذ عبد الله البسطامي أحد مشاهير الزهاد.(2/231)
بقية آثارها
جامع الصفي: في بستان الشهبندر لا أثر له وكان هذا البستان من أوقاف خالصه عثمان فدخل بما فيه تحت يد أحد أغنياء اليهود بطريق الأجارتين وفي هذه المحلة قسطل واحد يعرف بقسطل الشربجي يهبط إليه ببضع عشرة دركة ويلحق بهذه المحلة خانقاه كانت تعرف بالسحلولية لا أثر لها الآن كان محلها على شاطىء نهر قويق قرب بستان حجازي أنشأها رجل يدعى الشقيره من مباشري حلب جعلها منتزها ولم يقفها فوصلت إلى كافل حماة الأسعردي فوقفها على عبد الرحمن بن سحلول وبنى محرابا وجعل لها خلاوي برسم الفقراء وأقام لها منارة وشرط لها مدرسا على المذهب الشافعي وكان ابن سحلول المذكور أميرا رئيسا توفى سنة 782 ودفن خارج الخانقاه وكان من جملة أوقافها حصة بقرية كفر متعلا وحصة بحمام أنطاكية وحصة بخان خارج باب أنطاكية بحلب وكانت هذه الخانقاه مشهورة في وقتها بالانتظام واطعام الطعام والعلماء والأفاضل يقصدون زيارة مشايخها لطلاقة أيديهم وحسن مكانتهم ولم تزل كذلك إلى أن كانت حادثة تيمور لنك فهدمت وتفرقت حجارتها وأصبحت أثرا بعد عين.
ومن الأماكن الملحقة بهذه المحلة أيضا زاوية الشيخ خضر تجاه بستان الكتاب من شماليه الغربي في جنوبي بستان إبراهيم آغا لا أثر لها الآن أنشأها الرئيس بدر الدين بن زهره منتزها وحين عمارتها أخرج من أرضها أمواتا منهم امرأة بنقشها لأنها كانت مقبرة فرفع فيه قصة منظومة على لسان الأموات إلى السلطان ثم انتقلت بعد ذلك إلى العجمي زين الدين ثم اغتصبها منه جلبان كافل حلب وجعلها زاوية في حدود سنة 770 وشرطها للأحمدية والأدهمية بشرط أن يضاف من نزلها من الطوائف الثلاث ثلاثة أيام وكانت زاوية حافلة بها حوض ليس في حلب مثله في السعة ثم تشعثت في حادثة تيمور فرمها إقباي مملوك المؤيد ووقف عليها وقفا في أنطاكية ثم تقلبت عليها الأيام واستعملت تكية للسادة المولوية واستمرت كذلك إلى حدود الألف وحينئذ أعتيض عنها بتكية المولوية الحاضرة ومن ذلك الوقت أخذت بالخراب ونقلت حجارتها شيئا فشيئا حتى غابت أطلالها.
وفي (سنة 1312) قام النزاع بين شيخ المولوية وبين متولي المدرسة الرضائية في أرضها كل يدّعي إنها من جملة أوقافه ثم انتهى النزاع بدخولها إلى يد متولي الرضائية وقد حكر(2/232)
بعضها إلى أحد تجار اليهود وبنى فيه دارا جميلة ويلحق بهذه المحلة أيضا خانقاه الدورية قرب الزاوية المتقدم ذكرها على شاطىء نهر قويق تجاه الناعورة وكانت لطيفة مفروشة بالرخام ولها مناظر على نهر قويق وهي مما لا أثر له الآن أنشأها الخواجه شمس الدين محمد بن جمال الدين يوسف الشهير بالدوري أحد أفراد التجار بحلب في القرن الثامن ووقفها على ولي الله شمس الدين والأطغاني وعلى من يخلفه بعده ووقف عليها والد الواقف وقفا يقوم بكفايتها.
بقية آثار المحلة
كان بقرب هذه الخانقاه، قرب المقبرة، مسجد تسكنه الطائفة الأدهمية لا أثر له الآن وكان على باب هذا المسجد عمارة فيها بئر يستقي منها الناس لا أثر لها الآن.(2/233)
محلة العينين (خ) عدد بيوتها2 G 05
يحدها قبلة بستان الكشيفي وشرقا نهر قويق وتمامه البساتين وشمالا نهر قويق وغربا حارة القوانصه ويقال أن العينين محرفة عن العنين وقيل عن عينين من الماء كانتا في هذه المحلة، عدد سكانها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 756/808/1564/المسلمون 6/2/8/الروم الكاثوليك 49/50/99/الروم 1/4/5/الموارنة 812/764/1676/المجموع
آثارها
جامع الشيخ طوغان على الجادة ومسجد الشيخ إسكندر والمسجد الجديد قربه ومسجد على رأس باب الجنان على يسرة الداخل إلى البلدة وهو زاوية للقادرية تنسب إلى الأمير جلبان أنشأها في حدود 770 وقسطل زعيبان في سوق هذه المحلة ولكل أثر منها من الأوقاف ما يقوم بضرورياته وحمام طوغان قرب جسر باب الجنان وكان وقفا على جامع المهمندار وعدة خانات معدة لربط الدواب وبيع الخضر والبقول ومال القبان ويلحق بهذه المحلة تكية الطريقة المولوية المعروفة باسم مولى خان نسبة إلى عظيم أساتذتها مولانا جلال الدين الرومي صاحب كتاب المثنوي ابن بهاء الدين البلخي الصديقي النسب وهو ابن أخت السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه الذي ورد ذكره في كلامنا على أسباب قيام جنكز خان على الإسلام.(2/234)
هذه التكية خارج باب الفرج على يسرة الجادة الكبرى الآخذة منه إلى نهر قويق وهي من أعظم تكايا الطريقة المولوية وأجملها موقعا وأنزهها منظرا وأمتنها بناء وأوسعها فناء وأكثرها أوقافا وهي تشتمل على خلوات سفلى قديمة يسكنها الأستاذ والدراويش وعليا حديثة تسكنها أسرة الأستاذ أنشأها أستاذها السابق عامل جلبي وفي جهتها الموجهة إلى الجنوب سبيل ماء تشرب منه المارة من خارجها وله مدخل على يمين الداخل إليها من بابها وباتصال السبيل في أعلاه غرف معدة لجلوس الأستاذ وضيوفه أنشأها عامل جلبي المذكور وفي جهتها الموجهة إلى الغرب عمارة قديمة كانت مطبخا للدراويش ومكانا يعرف باصطلاحهم باسم ميدان أو باسم سماحخانه يقام فيه السماح المعروف عند الناس باسم الفتلة اتخذ هذا المكان عامل جلبي سنة 1315 مسجدا جامعا وفي جنوبي جهتها الموجهة إلى الشمال مقبرة فسيحة فيها عدة أضرحة لأساتذة الطريقة ووجهاء الموظفين في الحكومة ويلي هذه المقبرة من غربيها الميدان الكبير الذي أنشأه عبد الغني دده في حدود سنة 1250 أنفق عليه مبلغا عظيما جمعه باسم إعانة من وجهاء الدولة العثمانية وعظمائها في إستانبول وهو ميدان حافل عظيم يشتمل على مصلى ومحل سماح ومقاصير عليا بعضها مستور يجلس فيه النساء للنظارة إلى السماح وفي جنوبي الميدان إلى الشرق حجرة فيها مكتبة التكية وضريح عبد الغني دده ونائبه يمن أفندي وفي غربي الميدان خارجا عنه عمارة تعرف بالمطبخ أنشأها عامل جلبي في حدود سنة 1320 وفي جهة الصحن إلى الجنوب دكة مرخمة للصلاة في صدرها سلسبيل حسن المنظر بديع الصنعة ينحدر منه الماء إلى مجرى لطيف يصب في حوض مكشوف تجاه الدكة مساحته أكثر من عشرة أذرع في مثلها كان الماء يجري إلى هذا السلسبيل من ساقية يصب فيها الماء من ناعورة كانت في غربي التكية أحدثها على نهر قويق أحد أساتذة التكية مضاهاة لناعورة كانت ترفع الماء قديما من هذا النهر إلى الخانقاه الخضرية التي أسلفنا الكلام عليها في محلة الشماعين ثم في حدود سنة 1320 تحطمت الناعورة وأبطلت وأعتيض عنها بدولاب في أواسط صحن التكية تديره دابة ويجري ماؤه إلى الحوض المذكور وباقي مرافق التكية وفي سنة 1339 هدمت إدارة الأمور الصحية هذا الحوض دفعا للتلويث وأعتيض عنه بحوض مستور يأخذ المتوضؤون ماءه من مباذل في أسفله وبحوض آخر مثله قرب الدولاب: باقي سماوي التكية حديقتان فيهما أنواع الأزهار والأشجار.(2/235)
والمفهوم من كتاب سفينة الطائفة المولوية التركي العبارة أن الذي أنشأ هذه التكية اثنان ميرزا فولاد وميرزا علوان وهما فارسيان من وجهاء أتباع إسماعيل شاه الصفوي الذي كان السلطان سليم العثماني حاربه وكسر جيشه فهرب المذكوران من الشاه ولا ذا بالسلطان وتوطنا حلب وسلكا طريقة أهل السنة وكأنهما تأكيدا لبراءتهما من التشيع لازما أحد مشايخ الطريقة المولوية المعروف باسم سلطان ديوان محمد أفندي وأخذا عنه هذه الطريقة وعمرا بالاشتراك هذه التكية من مالهما وكان في محلها تل من التراب حوله عرصات فسيحة اشترياها من ذويها ووقفاها على التكية ثم سعيا لدى الأستاذ الكبير على هذه الطريقة القاطن في مدينة قونيه المعروف بملا خوند كار بتعيين أحمد مقري دده أستاذا لهذه التكية وهو كلزي الأصل وكان من مريدي الشيخ (أحمد القاري) ، حكي عنه في كتاب سماع خانه أدب التركي العبارة أنه كان من شعراء أساتذة هذه الطريقة وأنه كان في مبدأ أمره من كبار أغنياء مدينة كلز ففرق أمواله على الفقراء وتجرد عن الدنيا وسلك هذه الطريقة.
وقد اطلعت على رقعة مستخرجة من سجل هذه التكية ذكر فيها أسماء من تصدى لمشيختها منذ تأسيسها حتى الآن فقال: كان أستاذها سنة 937 مقري أحمد دده وسنة 994 شاطر دده وسنة 1062 حسن دده وسنة 1065 حسن دده الآخر وسنة 1120 موسى دده المدفون في مدخل بابها الحالي وسنة 1126 عمر دده ابن عثمان بن محمد حسام الدين المولوي وسنة 1139 محمد دده وسنة 1134 حسن دده الآخر وسنة 1172 مصطفى دده وسنة 1187 محمد علي دده (جد أساتذة تكية الشيخ أبي بكر الوفائي) وسنة 1219 (عبد الغني دده) وسنة 1298 واجد دده وسنة 1309 عامل جلبي وسنة 1326 سعد الدين جلبي وسنة 1327 أحمد رامز دده وسنة 1338 سعد الدين جلبي أستاذها الحالي.
تنبيه: هذه الطريقة تسمى الطريقة الصديقية نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه مؤسسها بهاء الدين البلخي المتقدم ذكره ولعل غرضه من تأسيسها كان مبنيا على مضاهاة الطريقة القلندرية وغيرها من الطرائق التي ابتدعها طوائف الشيعة باسم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولما انتقل بهاء الدين إلى قونية وحظي عند الدولة السلجوقية على ما حكيناه في أخبار جنكز خان السلطان بنى له علاء الدين السلجوقي التكية المشهورة في قونية وكثرت أتباعه ومريدوه ولما ترعرع ولده مولانا جلال الدين الرومي صاحب كتاب(2/236)
المثنوي الشهير ازداد إقبال الناس عليه وعظم اعتقادهم به وصار هو صاحب الحل والعقد في الدولة السلجوقية.
ولما مات علاء الدين السلجوقي عن غير وارث يصلح للقيام بالسلطنة بعده نادى جلال الدين باسم الأمير عثمان الغازي الذي تنتسب إليه أسرة الملوك العثمانيين فسلطنه وقلده بيده سيف السلطنة وصار ذلك سنة متبعة في ملوك آل عثمان كل من تولى منهم السلطنة يقلده سيفها خليفة هذه الطريقة إلى أن أبطلها المرحوم السلطان عبد الحميد خان الثاني ومن ذلك الوقت صار يسمى كل واحد من خلفاء جلال الدين ملا خوند كار أي شيخ السلطان:
هذه الطريقة لم تعرف في حلب إلا بعد استيلاء الدولة العثمانية عليها وهي تضارع من بعض الوجوه الرهبانية لأن من أصولها وحدة حال مريديها وانقطاعهم إلى العبادة وشدة الفناء في الله والتواضع والخضوع المفرط ولا سيما إلى أساتذتهم وهم يسمون دراويش واحدهم درويش تحريف در بيش كلمة مركبة من در (في) وبيش (طرف) والمراد منهما المنزوون إلى طرف ولهذا ترى تكاياهم في معتزل عن الناس خارج البلدة كالأديرة: على أن الكثير منها كان سببا لتشريف البقاع التي تكون في جوارها فتنشأ العمارات وتعود مأنوسة بالناس هذه الطريقة لو أضيف إلى أصولها بعض تعاليم علمية فيستفيد منهم العالم الإسلامي فوائد يضيق المقام عن بيانها:. اه. الكلام على محلة العينين.(2/237)
محلة القوانصة (خ) عدد بيوتها 144
هذه المحلة يحدها قبلة جنينة العودي الجارية في أوقاف الحاج موسى الأميري وشرقا السوق الفاصل بينها وبين محلة العينين وشمالا المشارقة. عدد نفوسها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 585/631/1216/مسلمون
آثارها
جامع الشيخ جلال الدين وقسطله في السوق ولهما من الأوقاف ما يقوم بضرورياتهما ليس إلّا.(2/238)
محلة المشارقة (خ) عدد بيوتها 83
قبلة جنينة العودي المتقدم ذكرها. وشرقا محلة القوانصة. وشمالا الطريق السالك المؤدي إلى حارة الجميلية وغربا أرض جارية في وقف جامع البواكب وتعرف بأرض البيدر، عدد نفوسها:
الذكور 390 والإناث 374 فالمجموع 764 نسمة كلهم مسلمون من جملة سكان هذه المحلة جماعة يعانون سياسة القرود والأدباب والحمير والماعز ويعلمونها بعض الألعاب للأسترزاق.
آثارها
جامع البواكب، ومسجد الشيخ عثمان وفيه زيارته، زيارة سري الدين الأسدي وهي من الآثار العامرة في أيام دولة الأتراك وسري الدين هذا هو غير سري الدين السقطي المشهور.(2/239)
محلة الكتّاب
يحدها قبلة حارة الشماعين وشرقا نهر القويق وشمالا كذلك وغربا البرية. عدد نفوسها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 30/21/51/المسلمون 6/-/ 6/الروم الكاثوليك 8/8/16/الأرمن الكاثوليك 4/2/6/الأرمن 14/10/24/اللاتين 5/2/7/الكلدان 4/-/ 4/السريان 11/9/20/الموارنة 82/52/134/المجموع لا يوجد فيها من الآثار سوى كنيسة تابعة الرهبنة الفرنسيسكانية لأنها محلة غير قديمة.(2/240)
الجميلية (خ) عدد بيوتها2 G 20
عدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 523/270/253/المسلمون 1332/700/632/اليهود 65/35/30/الروم الكاثوليك 8/5/3/الأرمن الكاثوليك 28/15/13/السريان الكاثوليك 7/6/1/الروم 17/12/5/الأرمن 14/8/6/الموارنة 3/2/1/اللاتين 1/-/ 1/البروتستان 450/-/ 450/الأجانب 340/-/ 340/مهاجرو ماردين 2788/1053/1735/المجموع هذه الخطة أسست سنة 1300 وعرفت بالجميلية نسبة إلى المرحوم جميل باشا الذي أسست في أيامه واسمها في سجلات الحكومة (سليمية) نسبة إلى سليم أفندي ابن السلطان عبد الحميد خان ثاني. أول بناء أسس في هذه الخطة المكتب الإعدادي المعروف الآن بالمكتب السلطاني ثم بنى فيها جميل باشا قصره تجاه دار المعلمات الكائنة في جنينة بيت(2/241)
الناقوس وهو أول قصر بني في هذه الخطة والقصر الثاني قصر المرحوم علي باشا المشتمل على حديقة واسعة تجاه المكتب السلطاني في شماليه ثم تتابعت المباني والقصور حتى بلغت الآن العدد الذي ذكرناه وأصبحت هذه الخطة من أجمل محلات حلب وأوسعها شوارع ومهايع وأجودها هواء وبناء.
تعتبر أرضها من شماليها من خط النصيبي ومن قبليها من أرض الحلبة بفتح الحاء التي تسمى أيضا أرض العقيقة لاحمرار تربتها أو لأن الشقيق يغلب على نباتها أيام الربيع فتبدو للعين من بعد كأنها قطعة عقيق حمراء وهي واقعة غربي مدينة حلب في واد وراء جبل الجوشن وجبل قطيش من شرقيهما يحدها قبلة نهر الفيض وغربا الجبلان المذكوران وشمالا الجادة الكبرى الآخذة إلى محطة الشام. والمفهوم من كتب التواريخ الحلبية وبعض قصائد أبي الطيب المتنبي أن قصر سيف الدولة ابن حمدان كان في هذه الأرض وإن قسما عظيما منها كان مشتملا على عدة مدارس وحمامات ومنازل مما لم يبق له أثر ولا يدل عينه خبر وإن هذا الوادي سمي أرض الحلبة لأن سيف الدولة كان يجري فيه سباق الخيل. ماء هذه المحلة فيه ملوحة يسيرة وبعض أجزاء من تراكيب الحديد وفي كثير من بيوتها صهاريج يجمع فيها الماء من المطر. وكلما اقتربت إلى جهتها الجنوبية كانت الآبار فيها عميقة وربما صادف البئر بقعة صخرية لا يتوصل فيها إلى منبع الماء إلا بعد مشقة وصرف مبلغ يربو على مائة ذهب عثماني. وعمق البئر يتراوح بين عشرة أبواع إلى عشرين باعا. كانت هذه المحلة في نشأتها الأولى أيام دولة السلطان عبد الحميد خان ثاني مختصة بسكنى الأغراب من الموظفين بالحكومة والمنفيين من قبل هذا السلطان، وكان الحلبيون يتحامون السكنى فيها للخوف من اللصوص لبعدها وانقطاعها عن المدينة.
وبعد الانقلاب الدستوري العثماني وإطلاق سراح المنفيين تهافت الحلبيون على السكنى فيها لزوال الخوف بسبب اتصالها بالبلدة ولبناء مخفر فيها للشرطة. وكان الذراع المربع من أرض هذه المحلة يباع بقرش إلى عشرة قروش على تقدير الذهب العثماني بمائة وخمسة وعشرين قرشا فصار الآن يباع من نصف ذهب إلى ذهب تام أكبر آفات هذه المحلة كثرة البعوض المنبعث عن الكنف «1» إذ لا مصارف جارية لقاذوراتها ولأن قسم الفيض من نهر قويق ينقطع عنه الماء في أواخر فصل الربيع فيبقى مستنقعا ينشأ منه البعوض. أما آثار هذه المحلة(2/242)
فهي المكتب الإعدادي الذي أسس فيها سنة 1300 وانتهت عمارته سنة 1316 وهو مكتب عظيم لا يضاهيه في البلاد العثمانية غير إستانبول مكتب بسعته وكثرة غرفه وحسن هندامه وانتظامه أحاط به من جهاته الثلاث فسحات عظيمة منها ما هو بستان يسقى من دولابه معد لزرع الخضر والبقول ومنها ما هو ميدان يقيم فيه التلامذة ألعابا ترييضية. مساحة عرصته تزيد على ستين ألف ذراع مربع وهي محتكرة من وقف المدرسة الرضائية المعروفة بالعثمانية تدفع عنها جهة المعارف إلى متولي المدرسة مؤجلة مبلغا معلوما.
وقد بلغت النفقة على بنائه زهاء عشرين ألف ذهب عثماني في تلك الأيام لا جرم أن لو كان بناؤه في هذه الأيام لبلغت ثمانين ألف ذهب. إدارة هذا المكتب ومكتب دار المعلمين والمعلمات الآتي ذكره واحدة وتلامذتهما ذكورا وإناثا يبلغ عددهم أربعمائة منهم ثمانون تلميذا ليليون والباقون نهاريون فالليليون من طلبة المكتب الإعدادي يقدم لهم طعام الفطور والغداء والعشاء ويؤخذ من واحدهم في السنة سبعة آلاف وخمسمائة قرش على حساب الذهب العثماني مائتين وثمانين قرشا ومنهم من لا يؤخذ منه شيء إذا كان فقيرا والنهاريون يقدم لهم طعام الغداء فقط ويؤخذ من واحدهم في السنة خمسمائة قرش والفقير منهم يقبل مجانا، وهو يقبل طلبة الملل الثلاث غير أن طلبة المسلمين فيه أكثر من غيرهم. وهو معدود من المكاتب الثانوية التجهيزية فالعلوم التي تقرأ فيه هي العلوم التي تقرأ في تلك المكاتب.
وهو مكتب ناجح منتظم الأحوال سيما في أيام نظارة مفتش المعارف الشاب النجيب النبيه الأديب جميل بك ابن العالم العامل الشيخ عبد القادر الشهير بالدهان. كما أن مدير هذا المكتب السيد الماجد توفيق بك آل الجابري حقيق بالثناء الجزيل لما يبديه من العناية والاهتمام في ترقية هذا المكتب وتحسين أحواله.
ومن الآثار العظيمة المستحدثة في هذه المحلة جامع الحميدي
أنشأه المغفور له السيد (عبد الرحمن زكي باشا آل المدرس) وهو جامع حافل على طراز جامع المدرسة الرضائية إلا أنه أصغر منه وأنشأ في صحنه بعض حجرات لإقامة أرباب الشعائر وعمل له منبرا لإقامة صلاة الجمعة والعيدين غير أن هذا المنبر بقي معطلا بلا خطيب(2/243)
مدة إحدى عشرة سنة لعدم صدور الإذن السلطاني بالخطبة فيه جريا على ما كان معتادا عليه السلطان عبد الحميد من عدم إعطاء الإذن بالخطب الدينية على المنابر المستحدثة إلى أن كتب عبد الرحمن زكي باشا الواقف المشار إليه إلى السيد الفاضل محمد بهاء الدين بك الأميري يلتمس منه السعي بالحصول على إذن سلطاني بالخطبة في جامعه المذكور وكان محمد بهاء الدين بك أحد المبعوثين عن حلب في إستانبول فسعى بذلك وحصل على إرادة سلطانية بإقامة الخطبة في هذا الجامع.
وكان أخي بشير هو الذي عينه الواقف خطيبا فيه فخطب مدة ثم أنابني عنه فقمت بالخطبة مدة ثم تركتها لبعد الجامع فوكل غيري ولم تزل الخطبة وبقية الشعائر تقام فيه.
ولما عزم الواقف على تسجيل وقف هذا الجامع كلفني إنشاء خطبة لكتاب هذا الوقف فقلت بعد البسملة حمدا لمن وقف أهل السبق في عنايته على شروط محبته وولائه. وألهمهم العمل بمقتضاها فحازوا شرف قربه واصطفائه. وأمدهم بالتوفيق فانتهجوا مناهج أحبابه وأوليائه. وأعد لهم الهداية إلى سواء الطريق فابتهجوا بالوقوف على مجالي جلاله وبهائه.
أولئك الذين أدناهم مولاهم إلى حضرته. وأولاهم ما أولاهم من رضائه وخيرته. وسجل ما وقفوه من الإخلاص على مرضاته في ديوان أهل ولايته وصفوته. فنالوا منه العطاء الأوسع. ونزلوا من حظائر قدسه المحل الأرفع. حيث بسط لهم الدنيا موائد نعمته. ومهد للقائهم في الآخرى مهاد كرامته ورحمته. فعاشوا مغتبطين بفضل هباته. وقضوا فائزين بمشاهدة كريم ذاته. لا يحزنهم الفزع الأكبر يوم القيامة: ولا تلحقهم فيه حسرة ولا ندامة.
وصلاة وسلاما على الشافع المشفع. المنزل عليه في محكم الذكر في بيوت أذن الله أن ترفع.
القائل لما أسس مسجده الأنوار. هذا الحمال لا جمال خيبر. هذا أبر ربنا وأطهر. وعلى آله بدور التمام. ومصابيح الظلام. وأصحابه الأعلام هداة الأنام. وحفظة الأحكام.
وقدوة الحكام. وسلم تسليما كثيرا: أما بعد فإن إنشاء مساجد المسلمين. ومعابد الموحدين من أسنى ما يتقرب به المتقربون. وأسمى ما يتوصل بواسطته المتوصلون. كيف لا وهي الأماكن المطهّرة. والبقاع المقدسة المنورة. التي يوجه بها المصلى وجهة قصده مخلصا إلى مولى الملك والملكوت صاحب العزة والكبرياء والجبروت فيؤدي فيها الصلاة التي هي مفتاح الفلاح وعنوان النجاح وتنويها بعظيم فضل عمار المساجد. الذين أخلصوا لله المآرب والمقاصد.(2/244)
أنزل الله في كتابه العزيز والذهب الإبريز على قلب إمام المرسلين وسيد الأولين والآخرين إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين. وقال السيد الأعظم والكنز المطلسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة.
وقال سيد الأنام عليه الصلاة والسلام من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة إلخ وقف عبد الرحمن زكي باشا في هذا الكتاب جميع بناء الجامع على عرصة محتكرة من وقف جامع بواكب مساحتها 1460 ذراعا مربعا أجرتها المؤجلة السنوية 73 قرشا يشتمل هذا الجامع على قبلية وعلى رواق ومنارة وثلاث حجرات صغيرة ورابعة كبيرة تعلم فيها الأطفال وقسطل يملأ من جب بواسطة مضخة وعلى ثلاث أخلية وفي جانب هذا الجامع سبيل يملأ من ماء المطر حد ذلك قبلة طريق عام وإليه الباب الصغير أحد بابي الجامع وشرقا طريق وإليه باب الجامع وباب السبيل وغربا العرصة الجارية باستحكار الواقف ووقف عليه أبنية أربع دور متصلات ببعضها قرب الجامع من قبليه حدها قبلة جنينة موقوفة على الجامع أيضا وشرقا طريق سالك وغربا دار جارية بملك أحمد بك أخي الواقف وشمالا طريق سالك ودارا في هذه المحلة أيضا حدها قبلة عرصة جارية باستحكار الواقف وشرقا العرصة المتقدم ذكرها وشمالا دار شاكر أفندي الجراح وغربا طريق سالك وبناء وغراس الجنينة التي تقدم ذكرها وإصطبلا في جوارها.
شروطه
شرط هذا الوقف لنفسه مدة حياته ثم من بعده فعلى الجامع على أن يبدأ المتولي عليه بتعميره وترميمه بعد دفع الأحكار وما فضل بعد ذلك يدفع في كل شهر 150 قرشا للإمام في جامعه و 120 لمؤذن فيه حسن الصوت و 50 لخطيبه و 120 لخادمه وبوابه و 50 لمعلم أطفال في مكتبه و 20 لقارىء سورة الكهف على سدة القبلية جهرا قبل صلاة الجمعة و 20 لقارىء دلائل الخيرات ومشارق الأنوار يوم الجمعة في أي مكان تيسر وأن يشتري المتولي القدر الكافي من الزيت والقناديل والبسط والأباريق وباقي اللوازم و 130 قرشا كل شهر يأخذها المتولي لنفسه وفي كل سنة 500 قرش يشتري بها المتولي خاما وطرابيش ونعالا يفرقها على فقراء أيتام مكتبه فإن لم يوجد فيه يتيم فقير يصرف هذا المبلغ لفقراء أرحام الواقف وما فضل بعد ذلك من الغلة يشتري به عقار أو تبنى به الجنينة ويلحق ذلك(2/245)
بالوقف وشرط تولية وقفه هذا لنفسه مدة حياته ثم من بعده فعلى ابنه محمد فؤاد بك ثم من بعده فعلى ما سيحدثه الله للواقف من الأولاد ثم من بعدهم فعلى الأرشد فالأرشد من أولاد أولاد الواقف الذكور المتولدين من الظهور ثم على الأرشد فالأرشد من أولاد أولاد إلخ تاريخ الكتاب 18 ذي العقدة سنة 1318 ومن الآثار العظيمة المستحدثة في هذه الخطة مستشفى مار لويس أحد ملوك فرنسا أسسته رهبنة مار يوسف في حدود سنة 1325 وقبل أن يتم بناؤه حدثت الحرب العامة فوضعت العسكرية التركية يدها عليه وأتمت فيه بناء عدة جهات واستخدمته في مصالحها ولما انتهت الحرب عاد إلى تصرف الرهبنة المذكورة فأتمت نواقصه واستعملته فيما بني من أجله. محله في شمالي الجامع الحميدي على مقربة منه وهو مستشفى عظيم لا نظير له في ديارنا بعد مستشفى الرمضانية العسكري والدخول إليه بأجرة زهيدة والفقراء يدخلون إليه مجانا وفيه أطباء وجراحون ماهرون.
ومن الآثار في هذه المحلة أيضا: محطة السكة الحديدية المعروفة بمحطة الشام محلها في غربي هذه الخطة تمتد من الجنوب إلى الشمال مسافة كيلومتر وراء جبل قطيش المتصل بجبل الجوشن من شماليه وهي محطة عظيمة ذات غرف ومقاصير وأبهاء وأهراء ومعامل ومصانع قد أنبض فيها بئر واسعة ماؤها النبع على أحسن ما يكون من العذوبة والصفاء.
هذه المحطة هي السبب الأعظم في ترقي قيم الأرض في محلة الجميلية وإقبال الناس على تعمير المنازل فيها. وكانت الجهات القريبة منها قفرا منقطعا يلجأ إليه اللصوص ويباع الجريب منها المساوي 1600 ذراع مربع بخمسمائة قرش. أما الآن فإن الذراع المربع الواحد يباع في قرب المحطة بذهب عثماني إلى خمس ذهبات. وقد تكلمنا على تأسيس هذه المحطة في حوادث سنة 1323 وسنة 1324 فراجعها.
ومن الآثار المستحدثة في هذه المحلة: مكتب دار المعلمات محله في جنينة بيت الناقوس تجاه قصر جميل باشا كانت أنشأتها البلدية لسكنى ولاة حلب في حدود سنة 1311 وهي دار عظيمة ذات طبقات عليا وسفلى مشتملة على حمام لطيف قد أحاط بها حديقة فسيحة وكان ولاة حلب أيام الدولة العثمانية يسكنون فيها بأجرة زهيدة يدفعونها إلى جهة البلدية لكن يكلفونها من الإصلاحات ما تزيد نفقته على أجرتها أضعافا مضاعفة. ثم في أيام الحرب العامة اشترتها جهة العسكرية من البلدية وتنازلت بها إلى المعارف فجعلتها دار معلمات(2/246)
باسم سليمان الحلبي وهي ما زالت دار معلمات حتى الآن تحت إدارة مدير المكتب السلطاني.
ومن الآثار في هذه المحلة: الميتم الإسلامي. محله في جنوبي دار المعلمات في دار بيت الناقوس جار في تصرف البلدية وكان افتتاحه في غير هذا المحل سنة 1336 تجمع له النفقات من أهل الخير ثم في سنة 1339 نقل إلى هذا المحل وخصص له مبلغ من صندوق البلدية وآخر من صندوق الحكومة وله مدير ولجنة خصوصية تقوم بتدبير شؤونه وجمع باقي نفقاته من الفطرة وجلود الأضاحي وما تسمح به نفوس أهل الخير. عدد الأيتام فيه 180 يتيما يقدم لهم الطعام والكسوة والفرش للمنامة ويعلمون فيه مبادئ الكتابة والحساب والأخلاق والآداب والعلوم الدينية والعربية. ومن الآثار الجاري إنشاؤها في هذه المحلة كنيسة لليهود عمر منها قسم صغير وفي عزمهم أن يتوسعوا بتعميرها تدريجا والنفقات عليها تجمع من الطائفة الموسوية وستكون بعد انتهاء عمارتها كنيسة حافلة. وللموسويين في هذه المحلة خمسة منازل اتخذت كنائس وقتيا يقيمون فيها شعائر دينهم. وفيها منزل مستأجر مستعمل فرعا من مدرسة إليانس التي تقوم بإسعافها وإكمال نفقاتها جمعية حبراه في باريس وهي مدرسة ناحجة محلها في المدينة منازل تستأجرها لها مفتوحة أبوابها للملل الثلاث إلا أن أكثر تلامذتها موسويون ثم مسلمون وأحسن ما يبرع به طلبتها اللغة الفرنسية وهي نهارية فقط لا طعام فيها تأخذ من التلامذة أجرة زهيدة والفقير منهم تقبله مجانا يزيد عدد طلبتها الذكور والإناث في جميع فروعها على خمسمائة طالب وطالبة.
تنبيه: في هذه المحلة خان جار في تصرف بيت نحمات أحد وجهاء اليهود وهو خان كبير مشتمل على أروقة عظيمة ومخازن واسعة وسماوي فسيح كان بناؤه سنة 1300 وكان مشتركا بين (حسام الدين أفندي القدسي) وبين الخواجه عزرا نحمات ثم اختص به عزرا وحده. وفي هذه المحلة ثلاثة أفران ويعمر فيها الآن فرن رابع. والأسر الشهيرة في هذه المحلة بعض أسرة آل الجابري وآل المدرس والجزماتي وميسر وفنصة من الأسر الإسلامية وآل كوهن ونحمات وصفرا وساسون وديان وشعيو وشماع ودويك وجمال وشامه وشلم وبيجوتو وبيجو من الأسر الموسوية. والدور العظام في هذه المحلة هي دور هذه الأسر.(2/247)
محلة قارلق (خ) عدد بيوتها2 G 25
هذه المحلة في شرقي البلدة خارج باب بنقوسا يحدّها قبلة حارة تاتارلر «1» والفرايين التحتاني وغربا الدلالين وشمالا برية الصفا وشرقا البرية. وكلمة قارلق تركية معناها المثلجة فكأن موضعها كانت تعمل فيها المثالج وسكانها 2368 منهم 1106 ذكور و 1264 إناث كلهم مسلمون.
آثارها
جامع قارلق فسيح عامر في جنوبي صحنه قبلية جميلة جددت سنة 1307 وفي غربي القبلية زاوية أنشأها أحد أغنياء المحلة سنة 1207 وفي شرقي الشمالي من الصحن قسطل عميق واسع يجري ماؤه دائما. وفي غربي الشمالي منارة جميلة المنظر في أسفلها حجر مكتوب في بعد البسملة (أنشأ هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير الأمير سيف الدين اسم بك أمير دوا دار المقام العالي المولوي المخدومي السيفي ... كافل المملكة الحلبية المحروسة في غرة صفر الخير من شهور سنة إحدى وسبعين وسبعمائة) يقال إن الذي أنشأ الجامع اسم بك المذكور والذي عمر المنارة أخوه أسن بك ولهذا الجامع من الأوقاف ما تبلغ غلته نحو عشرين ألف قرش سنويا.
بقية آثارها
مسجد الطيبي في الزقاق المنسوب إليه، زاوية الحربلي في زقاق الشيخ على ابن الشيخ أحمد الحربلي أنشأها سنة 1312 الشيخ علي المذكور. زاوية الشيخ طه بطيخ أنشئت في(2/248)
حدود سنة 1280، سبيل الملك الظاهر بيبرس في سوق قارلق على الجادة في الصف الشمالي قيل لما أنشأه في هذه البقعة كانت برية لم يكن فيها عمارة، سبيل ملاصق جامع قارلق من جهة شماليه موجه غربا وفيها مداران وفرن وقهوة وخانان لربط الدواب.
تنبيه: الأسر الشهيرة القدية المحترمة في هذه المحلة أسرة الحربلي وأسرة البابنسي وأسرة كعدان. والدور العظام في هذه المحلة دار عبد الله بك البابنسي الشهير زعيم الفتنة المعروفة باسم قومة حلب.(2/249)
محلة تاتارلر (خ) عدد بيوتها 125 وعدد سكانها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 399/452/851/المسلمون 69/76/145/الروم الكاثوليك 468/528/996/المجموع ليس فيها من الآثار سوى مسجدين يقال لأحدهما مسجد الشيخ جوهر في زقاق هاشم آغا وللآخر مسجد البوابة الصغيرة كلاهما في جنوبي المحلة موجهان شمالا ولهما وقف واحد مشترك بينهما يبلغ ريعه سنويا نحو ستة آلاف قرش وفيها شبه تكية يقال لها تكية الحدادا في قبلي المحلة موجهة شرقا معطلة فيها مزار للشيخ الحداد وفيها فرن واحد.(2/250)
محلة الدلالين (خ) عدد بيوتها 195 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 794/902/1656/المسلمون 15/27/42/الروم الكاثوليك 809/929/1738/المجموع يحدها قبلة الفرايين التحتاني وشرقا قارلق وشمالا البرية وغربا المشاطية.
آثارها
جامع الأحمدي
كان مسجدا قديما مائلا إلى الخراب ثم في سنة 1294 وسعه وزاد فيه زاوية وعمل له قسطلا للوضوء السيد الفاضل الشيخ (أحمد بن أحمد بن عبد القادر) الصديق. وهذه خلاصة كتاب وقفه الذي وقفه عليه أوله بعد البسملة (الحمد لله الذي وقف جناته على من حبس نفسه لمرضاته إلخ) . ثم وقف جميع الأرض الكائنة في هذه المحلة الملاصقة هذا الجامع التي طولها من الشمال إلى الجنوب ستة عشر وعرضها اثنا عشر ذراعا الكائنة في جنوبي الدكان الجارية وفي وقف الجامع والسبيل وغربي الجامع وشرقي الطريق ووقف معها البناء الذي بناه فيها وجعل ما سامت منها للمسجد القديم جامعا وما زاد منها عن مساحة المسجد زاوية للخلوتية أي أن الرأس الغربي من قبلية الجامع من طرفيه الجنوبي والشمالي علاوة هي الزاوية ووقف البناء الذي بناه فوق بعض الزاوية من الجهة الشمالية وجعله زاوية(2/251)
ومدرسة لتدريس العلوم وقراءة ختم الخواجكان النقشبندي. ووقف في هذه المدرسة مكتبة حافلة تشتمل على عدد عظيم من الكتب المسطرة في العلوم والفنون العقلية والنقلية مشترطا عدم إخراج كتاب إلا لأعقابه وأعقاب أخيه الشيخ عبد القادر إن كانوا طلبة وأن تكون تحت يد من يكون متوليا على هذا الوقف. وبانقراض العقبين المذكورين وخراب المدرسة الزاوية تؤخذ الكتب لمكتبة الحرم المكي. وشرط النظر على الزاويتين والحصة المسامتة للجامع القديم والمكتبة لخليفته الشيخ محمد بن يوسف بن موسى الشويحنة وأذن له أن يخرج ما شاء من الكتب لينتفع به من طلبه وأن لا يبقى الكتاب خارجا عن المدرسة أكثر من ثلاثين يوما وإن مشيخة الخلوتية في الزاوية التحتانية للشيخ محمد المذكور وبعده فإلى من يخلفه وهكذا من يكون بعده واحدا بعد واحد. وبانقطاع الخلافة يعود أمرها لأرشد أولاد الواقف الذكور. وبانقراضهم فلمن يكون متوليا على الوقف أهلا للإمامة وبعده فلمن يراه الحاكم أهلا للإمامة المذكورة من أهل حلب إلى آخر ما شرط.(2/252)
محلة الصفا (خ) عدد بيوتها 85
هذه المحلة جديدة في شرقي الرباط العسكري سكانها أخلاط من عرب البقارة وغيرهم وكان أكثرهم فيها تحت بيوت الشعر وعددهم 322 منهم 129 ذكر و 193 أنثى وليس فيها شيء من الآثار سوى مسجد صغير له على بابه دكان موقوفة من أهل الخير.
محلة المشاطية (خ) عدد بيوتها 73
يحدها قبلة وشرقا محلة الفرايين التحتاني وشمالا محلة الدلالين وغربا الملندي عدد نفوسها ذكورا 287 وإناثا 261 فالمجموع 548 كلهم مسلمون.
آثارها
جامع المشاطية مشهور قديم يبلغ صحنه ثلاثين ذراعا في مثلها تقريبا. في شماليه مصيف للصلاة كان مسجدا عمره الحاج محرم بن فتح الله سنة 1131 وفي جنوبيه قبلية واسعة بنسبة الصحن في غربيها مزار الشيخ سعد اليماني. وفي شرقي الصحن رواق فيه حجرتان تجاههما قبر إبراهيم المشاطي وفي غربيه زاوية يقيم فيها الأذكار خلفاء الشيخ سعد من بني الناشد وفي غربيه شبه حجازية للصلاة فيها حوض. غلة وقفه في السنة نحو عشرة آلاف قرش. وفي هذه المحلة أيضا سبيل الحاج محرم المذكور محله ساحة المشاطية موجه قبلة وفيها خان يعرف بخان الجلبي أنشأه الحاج عبد القادر الجلبي طه زاده سنة 1301 يوافقها من الجمل هذه الشطرة وهي (خان سما سعدا بعبد القادر) وهو من بيتين طلبا مني مكتوبين على بابه. وفيها خان آخر يعرف بخان التكمجي ومدار وفرن.(2/253)
محلة الفرايين الفوقاني (خ) عدد بيوتها 70
يحدّها قبلة الفرايين التحتاني وشرقا محلة قاضي عسكر ومحلة تاتارلر وشمالا محلة الدلالين وغربا المشاطية. عدد سكانها 275 ذكرا و 273 أنثى جملتهم 548 نسمة كلهم مسلمون. ليس فيها من الآثار سوى مسجد قاسم النونو مكتوب على حجر فوق شباك مدفن فيه مطل على الجادة من شرقيه (هذا المسجد المبارك عمره العبد الفقير المحتاج إلى رحمة الله تعالى الحاج علي بن محمد غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين في سلخ شهر ذي القعدة سنة 770) .
محلة الفرايين التحتاني (خ) عدد بيوتها 74
يحدها قبلة محلة قاضي عسكر وشرقا محلة تاتارلر وشمالا محلة الفرايين الفوقاني وغربا قاضي عسكر وحمزه بك: عدد سكانها 287 ذكرا و 316 أنثى جملتهم 623 نسمة كلهم مسلمون. ليس فيها من الآثار سوى مسجد علم الشرق. وجيه هذه المحلة الحاج شاهين الختام.(2/254)
محلة شاكر آغا (خ) عدد بيوتها 107
يحدها قبلة حارة الأبراج وشرقا صاجليخان الفوقاني وشمالا حمزه بك وغربا جقور جق، عدد سكانها 330 ذكرا و 330 أنثى جملتهم 660 نسمة كلهم مسلمون.
آثارها جامع شاكر آغا وهو عامر وله من الأوقاف كفايته وسبيل شاكر آغا وفيها مدار واحد وفرن يعرف بفرن ميريك.
محلة حمزه بك (خ) عدد بيوتها 131
يحدها قبلة حارة شاكر آغا وقاضي عسكر وشرقا قاضي عسكر والفرايين التحتاني وشمالا المشاطية وغربا شاكر آغا وابن يعقوب. عدد سكانها 525 ذكرا و 524 أنثى جملتهم 1049 نسمة كلهم مسلمون.
آثارها
مسجد حمزة بك ويعرف قديما بمسجد باباجان في أواسط المحلة. والمسجد الصغير ويعرف قديما بمسجد محمد الباش في زقاق بيت البيطار. أوقافهما مشتركة تقوم بضرورياتهما.
وسبيل قرب مسجد حمزة بك متصل به من غربيه، وسبيل آخر في زقاق حمزة بك قرب دار الحاج أحمد العزيزي.(2/255)
محلة ابن يعقوب (خ) عدد بيوتها 167
ويقال لها حارة الصغار تسمية لها باسم أحد أزقتها. حدّها قبلة سوق بانقوسا وشرقا القوزلية وشمالا برية إعرابي وغربا الشميصاتية: عدد نفوسها ذكورا 541 وإناثا 563 جملتهم 1104 كلهم مسلمون.
آثارها
مسجد الحمداوي في سوق بانقوسا في الصف الموجه شمالا، ومسجد الطبقة في سوق بانقوسا تجاه زقاق الصغار، وجامع المصلى في ورشة الفعول في السوق المذكور، ومسجد في طليعة اعرابي وآخر في زقاق الصغار، وقسطل الجاويش في بانقوسا ينزل إليه بخمس وثلاثين درجة مكتوب عليه (أنشأ هذا السبيل المبارك العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى حمزة الجعفري في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق ناصر أمير المؤمنين سنة 792) وفي غربي جامع المصلى إلى شماليه سبيل رقبان ومكتب فوقه وقفهما الحاج حسن بن الحاج حسن بن رقبان سنة 981 ووقف لهما جميع الحمام المعروف به الكائن قرب سبيله وجميع الدكاكين الثمان المتلاصقات في المحلة وثمانية مخازن راكبة على الدكاكين كل يوم ستة أجزاء بعد صلاة الفجر ستة قراء يدفع لهم في الشهر مائة وثمانون قطعة فضية ولعشرين من أيتام الفقراء مائتا قطعة ولمربي الأيتام في مكتبه ستون ولبوابه ثلاثون وللمتولي وللجابي ستون ولأحكار الوقف عشرون وما فضل بعد ذلك يشتري بنصفه خبز جيد يفرق على الأيتام والنصف الآخر يدفع للفقراء من ذريته وعتقائه وشرط التولية بعده لأعقابه وبانقراضهم فلقاضي حلب. اه. وفي هذه المحلة الحمام المذكور وثلاث خانات لبيع الغلات ومدار واحد وثلاثة أفران.(2/256)
والأسر الشهيرة في هذه المحلة: أسرة آل الزرقا وجيهها عالم حلب وفقيهها الأوحد أستاذنا الشيخ (محمد بن عثمان الزرقا) ، وأسرة آل النعساني المتصل نسبهم بولي الله الشيخ رسلان ووجيه هذه الأسرة الأديب الناظم الناثر الأستاذ (بدر الدين النعساني) ، وأسرة بني القباني المنتسبين إلى بيت منقار ووجيه هذه الأسرة الأديب (السيد الحاج ربيع) .(2/257)
محلة البلاط التحتاني (خ) عدد بيوتها 146
وتعرف بالقطانة. حدّها قبلة البرّية. وحارة تلعران وغربا محلة الضوضو وشمالا البلاط الفوقاني وشرقا البرية المعروفة بتربة لالا. عدد سكانها ذكورا 517 وإناثا 533 فالمجموع 1050 كلهم مسلمون.
آثارها
جامع القطانة شرقي الساحة طول سماويه 30 ذراعا في مثلها عرضا تقريبا في جنوبيه قبلية لها منبر وفي سنة 1305 زيد في قبليته زيادة من وصية أهل الخير وفي غربي الصحن قبلية أخرى تصلى فيها السرية ويقام فيها ذكر وعلى بابه منارة وله من الأوقاف ما يقوم بكفايته..
ومن آثار هذه المحلة مقام الشيخ بلال: محله في جنوبي هذه المحلة وراءه البريّة وهو ساحة فسيحة في شرقيها الجنوبي بنية عامرة بالحجارة الهرقلية في صدرها الجنوبي محراب وفي شماليها قبر الشيخ بلال. وفي السجل أن مزرعة تربة لالا المحدودة قبلة بالعمود ومقر الأنبياء شرقي حلب في ظاهرها وشرقا بأراضي نيرب حلب وأراضي بتياس وشمالا بأراضي باب الله وبتياس وغربا بالدرب الأبيض وجدار البلد والحجر الأسود وقفها بما فيها السيد شمس الدين محمد هلال أفندي الطيار الكيلاني ابن السيد عز الدين أحمد أفندي ابن السيد محمد الطيار الكيلاني المنسوب إلى قطب العارفين الشيخ فخر الدين الأمير ابن الغوث الطاهر محيي الدين السيد عبد القادر الكيلاني سنة 880، وشرط أن يصرف ثلاثة أرباع غلتها على ذريته والربع الرابع على قبره وقبر والده وعلى مقبرتهم بزاويتهم المذكورة المعروفة بزاوية الشيخ بلال الحبشي.(2/258)
بقية آثارها
في وسط ساحة القطانة صهريج سبيل، وفي جنوبيها قسطل ينزل إليه بدرجات هجر وأخذ ماؤه للصهريج المذكور في أوائل القرن الثاني عشر تقريبا، وفي هذه المحلة مدار واحد.(2/259)
محلة خان السبيل (خ) عدد بيوتها 67
يحدها قبلة حارة ابن نصير وشرقا جب قرمان وشمالا جقور جق وسوق بانقوسا وغربا خندق بالوجه عدد سكانها 285 ذكور و 306 إناث جملتهم 591 نسمة كلهم مسلمون.
آثارها
جامع بانقوسا
هذا الجامع شهير كبير معمور تقام فيه الشعائر في الأوقات الخمس لا سيما في وقت السحر فإنه لا يضاهيه بحلب جامع في ذلك الوقت من جهة قراءة الأوراد وكثرة المصلين ولما كان الحاج (صالح بن مرعي بن حسن الملاح) قيما عليه أثر فيه أثارا حسنة فرمّه وفرشه بالبلاط وزاد في أوقافه. في صدر قبليته من شرقيها إثر باب عال مكتوب على نجفته (أنشأ ... الفقير إلى رحمة ربه أحمد بن موسى السعدي على مذهب.... الفقراء الأفاقية بتاريخ شهور سنة 828) والظاهر أنه كان باب مدرسة. ويوجد في شرقي محرابه خزانة مغلقة على حجر مرصوف مدور يبلغ قطره نصف ذراع محاطا ببيتين صورتهما:
لأصابع المختار في هذا الحجر ... آثار خيرات تعاين بالبصر
فالثم مواضع كفه إن كنت من ... أهل المحبة مرتج كلأ الضرر
وعلى الباب الخارجي الموجه غربا الذي يدخل منه إلى الفسحة التي ينزل منها إلى الميضأة (أنشأ هذا المعروف المقر الأشرفي العالي المولوي المخدومي السيفي الآمر كافل المملكة الحلبية المحروسة يلبغا الناصري عز نصره سنة 788) فالظاهر أنه أراد بالمعروف هو الفسحة المذكورة وتحويلها إلى الميضأة وفتح باب لها، وفي شمالي الرواق الغربي من الصحن قبر كتب عليه فوق سنامه: (يا حضرة نبي الله بانقوس على نبينا وعليه أفضل الصلاة(2/260)
والسلام قد أخبر بهذا العلامة المحدث الرباني الشيخ مرتضى اليماني شارح الإحياء والقاموس. قال شيخنا العلامة الشيخ أحمد بن التكمجي نزيل مصر إن الشيخ مرتضى إمام في علم التاريخ) . أقول: الشيخ مرتضى هذا هو الإمام العلامة محمد الشهير بمرتضى الزبيدي بحر العلوم ومعدن المنطوق والمفهوم المتوفى في القاهرة سنة 1205 هـ وقد ترجمه الجبرتي في تاريخ مصر بما لا مزيد عليه. وترجمه أيضا علي مبارك باشا في كتابه الخطط المصرية في الصحيفة 94 من الجزء الثالث من المجلد الأول من النسخة التي طبعت سنة 1306 في مطبعة بولاق الكبيرة الأميرية.
لا أدري أين قال مرتضى الدين إن بنقوسا المذكور نبي ولا نعلم نبيا اسمه بنقوسا. وقد راجعت في القاموس ما كتبه في كلمة بناقيس فرأيت الشارح قد استدركت على الفيروزابادي بانقوسا وقال: هو جبل في ظاهر حلب وأنشد أبيات البحتري (أقام كل ملثّ القطر رجاس إلخ) وقد ذكرناها فيما مدحت به حلب. فلو كان الشيخ مرتضى هو القائل بأن بانقوسا اسم نبي لكان ذكره لها هنا أولى من ذكرها بغير موضع لأنه كان يجعلها استدراكا على صاحب القاموس كما جرت عادته. ويزعم كثير من الناس أن لفظة بانقوسا أصلها بان قوسها أي ظهر قوسها ويحكون في ذلك حكاية لم نرها في كتاب ولا ديوان. والذي يظهر لي أن هذه اللفظة إن كانت عربية فهي مأخوذة من بناقيس وهي ما طلع من مستدير البطيخ واحدة بنقوس بالضم وبناقيس الطرثوث شيء صغير ينبت معه أول ما يرى كما قاله الشيخ مرتضى وذلك لأن بنقوسا جبل مستدير يتراءى للمقبل على حلب قبل سائر جبالها لما كانت أشجاره قائمة حينما كانت مخشبة لحلب كما ذكره صاحب كنوز الذهب وغيره وكما تدل عليه أشعار البحتري والصنوبري وعبارات المؤرخين الذين تكلموا على الحروب التي وقعت بين سيف الدولة وكافور الإخشيدي وكيف كان كافور يقطع شجر بنقوسا. وإن كانت هذه اللفظة غير عربية وهو الصحيح فالأولى أن تكون سريانية وأصلها بيت نقوشا أي بيت الناقوس فحذفت الياء والتاء من بيت كما هي قاعدة التعريب من السريانية كبحسيتا وباصفره وقلبت الشين سينا كما هي القاعدة أيضا كقنسرين فصارت بنقوسا فالظاهر أنها كانت موضع الناقوس أيام سكنى الكلدان في هذه البلدة هذا إذا كان أصل هذه الكلمة سريانية فإن كانت غير سريانية فالأولى أن يكون أصلها تركي محرفة عن كلمتين هما (بيك قوزه) تقرأ الكاف نونا. ومعنى الأولى ألف والثانية جوزة أي شجرة جوز وذلك لأن هذا(2/261)
السمت كان قبل تعميره بستانا يشتمل على ألف شجرة جوز أو يكون المراد من الألف مجرد الكثرة كما جرى الأتراك على المراد من هذه اللفظة في كثير من تعبيراتهم كقولهم (بيك ياشا) أي ليحيى كثيرا وقولهم (بيك دره دن صو كترمك) يريدون كثرة الأعذار الواهية والظاهر إن هذا السمت عرف بهذا الاسم في أيام دولة بني طولون إذ أنهم أول قوم من الأتراك الذين حكموا حلب بعد فتحها.
يؤيد ذلك أن لفظة بنقوسا لم نرها في شيء من النظم والنثر أقدم من كلام البحتري الشاعر الذي استغرقت حياته جميع أيام الدولة المذكورة. ومما يؤيد أن أصل هذه اللفظة تركي وجود أكثر أسماء محلات تلك الجهة تركية مثل قارلق والقزليه وتاتارلر وجقورجق وصاجليخان والشميصاتية وزعم بعضهم أن لفظة بنقوسا تركية محرفة عن (بيك كوز) أي ألف عين أو ألف غرفة أو عن (بيك قوس) أي ألف قنطرة وكل ذلك بعيد عن الصواب لأنه لا يوجد في هذه المحلة عين واحدة فضلا عن ألف ولأن ألف الغرفة أو ألف القوس يقتضيان أن تكون هذه المحلة عرفت بهذا الاسم بعد تعميرها وذلك في أوائل القرن السابع وقد علمت أنها معروفة بالاسم المذكور في أيام بني طولون والوليد الشاعر البحتري وذلك في القرن الثالث. هذا ما يظهر لي في تحقيق هذه اللفظة والله أعلم. رأيت لوقف هذا الجامع كتابا آثرت نشر خلاصته وهي بعد البسملة (الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلخ وقف محمد خاص بك جامعه المشهور بظاهر حلب في محلة بانقوسا المشتمل على رواق في جهته الشرقية فيه مدرسة فيها حجرتان وجب ماء ومدفن وفي جانبها الشرقي سبع دكاكين وفي جهتها الغربية رواق وميضأة يهبط إليها بدركات فيها حوض وللجامع بابان أحدهما في جهته الغربية والثاني في جهته الشمالية يدخل إليه بدهليز على جانبه دكاكين ومخزن وقف على الجامع وفي جهته الجنوبية قبلية وراءها دار محمص البن وفي جهته الشمالية أيضا سبع حجرات ومنارة الجامع وثمان حجرات معدات للفقراء والمساكين ووراء هذه الحجرات إحدى عشرة دكانا ومخزنان للجامع وفي وسط الجامع حوض يهبط إليه بدركات ووقف له أيضا دارا في محلة الأكراد وثلاث دكاكين شرقي خندق الروم وغربيها الطريق ونصف قرية عجار في بلد عزاز وجميع قرية الصفيف في العمق التابعة أنطاكية وثمانية قراريط من أربعة وعشرين قيراطا من قرية حارم من أعمال قلعة حارم وثمانية قراريط من قرية عين زيادة في ناحية جبل سمعان وستة قراريط من قرية الفاتكية في قضاء أنطاكية.(2/262)
وشرط أن تصرف غلة هذا الوقف على تعمير الجامع وترميمه وشعائره كوظيفة الإمام والخطيب والخادم والمؤذن ومدرس بعد صلاة الجمعة وآخر يدرس في مدرسة جامعه المذكور كل يوم وستة يقرءون ستة أجزاء ليلة الجمعة في حضور المتولي وإن أجور هؤلاء الموظفين يدفعها لهم المتولي على حسب الزمان وأسوة الأمثال إلا القراء الستة فقد شرط لهم في كل شهر عشرين درهما من الفضة تقسم بينهم على السوية وشرط أن يفرّق في كل يوم جمعة على الفقراء والمساكين أربع أقق خبز وأن يكون المتولي من أولاد الواقف الصلبيين والعزل والنصب بيده وعين له عشر غلة الوقف وأن ما فضل من الغلة بعد التعمير والترميم والوظائف ونفقات الجامع يكون لأولاد الواقف من صلبه فإذا انقرضوا فلأولاد البطون وتكون التولية حينئذ على أرشدهم تحريرا في محرم سنة 768، أقول: الذي يظهر من ذكر محمص البن أن كتاب الوقف هذا قد كتب مرة أخرى في غير أيام الواقف ووضع في ذيله تاريخ الوقفية الأولى وذلك لأن استعمال قهوة البن في حلب كان بعد استعمالها في اليمن ضرورة وهي لم تظهر في اليمن إلّا في أوائل القرن التاسع كما ستعرفه وعلى ذلك نورد نبذة في الكلام على القهوة على طريق الفكاهة قال بعض العلماء: القهوة مشتقة من الإقهاء وهو الاجتواء أي الكراهة أو من الإقهاء بمعنى الإقعاد وبعضهم يكسر قافها فرقا بينها وبين قهوة الخمر.
واختلف العلماء في حلها وحرمتها والأطباء في نفعها وضرها. والصحيح أنها حلال ما لم تجرّ إلى محرّم كشربها بالدور أو بيوت القهاوي المشتملة على الأمور المحرمة شرعا وإنها معينة على السهر مساعدة على الهضم منعشة للقوى مذهبة للصداع إذا شربت قليلا مضرة إذا شربت كثيرا وأول ظهورها في بلاد الحبشة وما والاها غير معلوم وأما في اليمن فكان ظهورها في أوائل القرن التاسع عن يد الشيخ جمال الدين بن عبد الله العالم الولي ولكن التواتر على أنها ظهرت هناك على يد الشيخ علي بن عمر الشاذلي وأنها كانت قبلا من الكفتة وهي الورق المسمى بالقات لا من البن ولا من قشره ثم أن شجرة البن تنبت باليمن في كورتين منها فوق الجبال التي تعلو زبيدا في مقابلة بيت الفقيه وشجرها مغروس على خطوط مستقيمة وتستمر آخذة بالكبر إلى ثلاثين سنة وغاية ما تبلغ في الارتفاع إلى ثمانية أذرع وزهرها أبيض ويخرج ورق الزهر مثنى وثلاث وهو أكبر ورقا من زهر الكريز وثمرها شبيه بثمره وفي وقت خضرته يكون عفصا بمرارة فإذا احمر يكون في طعم اللبن الحامض وعند(2/263)
إدراكه يكون أحمر يضرب للسواد كالوشنة لا فرق بينهما سوى الطعم والرائحة وشكل الجوزة المنقسمة إلى فلقتين ويجمع قبل استوائه وينشر فوق أسطحة مستوية فينشق ويسود لونه ثم يدش على الأرحية ثم يخلص من قشره بالتذرية وهذا هو البن الذي يباع في جهات الدنيا وأما ما يبقى على أصوله حتى يتم استواؤه فلا يحتاج إلى الدش بل يفصل من قشره باليد وينشف كالزبيب وأهل اليمن يغلونه ويستعملون منقوعه مبردا في الصيف وهو نافع للصحة وهذا النوع يبقى في اليمن ولا يخرج منها إلى غيرها ويكون غالي القيمة وأحسن البن ما كان فيه غلظة مع الخضرة والقشر الذي تكلمنا عليه حار رطب في الأولى والشراب المصنوع منه أن يشرب صيفا يرهل البطن وشربه ينعش القلب ويزيل الثقل والفتور الحاصل في الصباح والأحسن في قلي الحب عدم الجور عليه لئلا تضيع خاصيته وشرب القهوة بعد الأكل بساعة نافع للهضم والزكام وألم الرأس وفي كل سنة يخرج من بلاد العرب ثمانون ألف طرد من البن منها إلى جدة أربعون ألف طرد والباقي إلى البصرة وغيرها والطرد ثلاثة قناطير كل قنطار مائة رطل كل رطل ألف درهم وكان دخولها في بلاد الروم ولا سيما قسطنطينية سنة 962 وأول استكشافها سنة 656 وأما أول استعمالها في اليمن فقد كان ابتداء القرن التاسع كما سبق ذكره. اه.
بقية آثارها
مسجد الأرمنازي وزاوية بيت خير الله ومسجد الغزولي ومسجد الدرج وسبيل تجاهه بميلة إلى الشمال وسبيل في زقاق بيت حيدر وفيها مصبنتان وخانان وأربعة مدر وفرنان وحمام سوق الغزل وكانت من أوقاف إخلاص. ومن الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل الملاح ووجيهها بل هو أحد وجهاء حلب وعين أعيانها المحترمين محمد مرعي باشا بن صالح بن مرعي. والدور العظام في هذه المحلة هي دور هذه الأسرة. اه..(2/264)
محلة جقور جق (خ) عدد بيوتها 48
يحدها قبلة وشرقا حارة الأبراج وخان السبيل وشمالا سوق بانقوسا ولفظة جقور جق تركية معناها الجورة الصغيرة والعامة يسمونها سقرجق. عدد سكانها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 172/181/343/المسلمون 12/13/25/الروم الكاثوليك 184/194/378/المجموع ليس فيها من الآثار سوى مسجد الشيخ عثمان وفيه مزاره وقسطل عميق في سوق بانقوسا قرب خان الدبس والخان المذكور وهو خان قديم قيل كان بناؤه لأبناء السبيل قبل أن تعمر هذه المحلات. والروم الكاثوليك في هذه المحلة كانوا يسمون باسم البسارنة.
وفي حدود سنة 1325 أخذوا ينتقلون منها إلى محلات النصارى حتى لم يبق منهم أحد في المحلة المذكورة.
محلة صاجليخان الفوقاني (خ) عدد بيوتها 148
يحدها قبلة صاجليخان التحتاني وغربا حارة الأبراج وشمالا قاضي عسكر وشرقا المقبرة وعدد سكانها 567 ذكرا 655 أنثى فجملتهم 1231 نسمة كلهم مسلمون وصاجليخان كلمة تركية معناها خان أبي الشعر وهذه المحلة تعرف أيضا باسم هارون دده. ليس فيها آثار سوى مسجد فيه مزار هارون دده ومسجد جب الخواجا وقسطل بجانب مسجد هارون دده وسبيل في زقاق الطبالين.(2/265)
محلة البلاط الفوقاني (خ) عدد بيوتها2 G 9
حدّها قبلة بالبلاط التحتاني وشرقا البرية المعروفة بتربة لالا وشمالا صاجليخان التحتاني وغربا محلة الضوضو. عدد سكانها 347 ذكرا و 376 أنثى فالجملة 723 نسمة كلهم مسلمون.
آثارها
جامع البلاط الفوقاني فسيح طول صحنه خمسون ع في مثلها تقريبا. مفروش بالرخام يمشي فيه الناس حفاة وله بابان شمالي وهو الكبير وغربي وهو الصغير وفي شمالي الصحن رواق وفي جنوبيه قبلية واسعة جميلة وفي شرقيه حوض منخفض عن أرضه قليلا وعلى الباب الشمالي منارة صغيرة وفي شرقي قبليته مدفن فيه بعض قبور وفي شمالي جداره الشرقي طاقة يقولون إن تحتها قبورا عظيمة منها قبر رجل اسمه الشيخ ندى يعتقده أهل المحلة ويزعم بعضهم أنه من الصحابة وهذا الجامع بناه الحاج سالم ابن البلاط ووقف له سنة 1061 وقفا يشتمل على دور وأراض وبساتين ومن جملته أرض الحمام المعروف باسم الواقف في حضرة جامعه بالمحلة وشرط أن يكون الموظفون فيه من ذريته وقد تغيرت معالم الحمام وصار حوانيت ينفشون فيها الصوف ويعملونه لبابيد وفي جانب هذه الحوانيت من شرقيها صهريج سبيل تجاهها من جنوبيها الغربي على الطريق صهريج آخر ليس له خرزة ولا عليه بناء وفي هذه المحلة فرن واحد.(2/266)
محلة جب قرمان (خ) عدد بيوتها 133
قبلة الضوضو. وشرقا صاجليخان التحتاني. وشمالا الأبراج وغربا ابن نصير. وعدد نفوسها 545 ذكرا و 559 أنثى فالمجموع 1104 كلهم مسلمون.
آثارها
جامع البكره جي فسيح مفروشة أرضه بالرخام له باب موجه إلى الشرق وآخر موجه إلى الغرب. وفي شمالي الصحن رواق مملوك ظهره لدار جارية في وقف الجامع وفي غربيه رواق فيه قسطل في أسفله مبازل وفيه حجرة تعلم فيها الأطفال وفي شرقيه مصلى للصيف وفي جنوبيه قبلية واسعة. وعلى بابه منارة جميلة. وأوقافه تبلغ سنويا نحو عشرين ألف قرش نصفها للجامع السليماني الآتي ذكره في محلة الضوضو.
بقية آثارها
مسجد اسمه المسجد الصغير محله في زقاق بيت جونا، وفيها بحضرة جامع البكره جي في رأس الزقاق الكائن تجاه باب الجامع الغربي على يسرة الداخل إلى الزقاق سبيل صهريج عليه عمارة يسمونه سبيل بيت الخواتمي، وفيها أيضا خان قرمان، وقرب جامع البكره جي مزار يسمونه مزار الشيخ القرماني وفيها مداران وفرن.(2/267)
محلة صاجليخان التحتاني (خ) عدد بيوتها 125
وتعرف أيضا بآغاجق يحدها قبلة محلة الضوضو وشرقا البرية المعروفة بتربة لالا وشمالا صاجليخان الفوقاني وغربا جب قرمان عدد سكانها 491 ذكرا و 525 أنثى فالمجموع 1106 كلهم مسلمون.
آثارها
جامع آغاجق
عمر سنة 993 اسم بانيه مكتوب على باب قبلية الجامع لم أتمكن من قراءة جميع ما كتب عليها وهو جامع جميل لطيف فسيح في جنوبيه رواق عال له قباب على أعمدة من الرخام الأصفر داخله قبلية وفي شرقي الصحن حوض ينزل إليه بدرجات يجري إليه الماء من قناة حلب وفوق باب هذا الحوض قبر يقال إنه قبر عبد الواقف ويحيط بالقبلية شرقا وجنوبا ساحة كانت جنينة للجامع على نسق الجوامع الرومية فيها بعض قبور وفوق باب الجامع منارة لطيفة وآغاجق كلمة تركية معناها الآغا الصغير وأهل المحلة يزعمون أن أصلها آغا جوق أي كثير ويحكون في ذلك حكاية خلاصتها أن باني الجامع عمره من ثمن حنطة كانت في مخزن موكل به عبد الواقف فكان كلما سأل عبده عن مقدار ما بقى منها يقول له آغاجوق إلى أن كاد يكمل عمل جامعه من ثمنها وفي بعض الأيام جاء إليها فرأها قليلة جدا فعلم أن الله قد بارك له فيها غير أنها بعد نظره بقليل نفذت فعلم أن البركة قد ذهبت عنها، هذا الجامع له وقف قائم بكفايته.
بقية آثارها
فيها سبيل عليه بناء قريب من الجامع السليماني على الجادة وفيها خان يعرف بالباكية.(2/268)
محلة تلعران (خ) عدد بيوتها 112
وعدد سكانها 426 ذكرا و 522 أنثى فالمجموع 948 نسمة كلهم مسلمون. محل هذه الحارة شرقي برية المسلخ يحدها قبلة محلة محمد بك المعروفة أيضا بالتكاشرة وشرقا البلاط التحتاني وتمامه زاوية الشيخ بلال وشمالا الشيخ محمد الضوضو.
آثارها
جامع برسين
محله في الزقاق المنسوب إليه غربي الحارة وهو أكبر مساجدها صحنه في طول 17 ع في مثلها عرضا في شماليه دكة فيها عدة قبور وفي شرقيه الشمالي باب ميضأته يهبط إليها بدركات وفيها حوض يبلغ بضعة ع طولا في مثلها عرضا يجري إليه الماء من قناة حلب وفي شرقيه الجنوبي إيوان فيه قبر من المرمر مكتوب على نصبتيه إنه قبر منشئ هذا الجامع وفي الجهة الجنوبية قبلية الجامع في طول 17 وعرض 11 ذراعا تقريبا في جنوبيها حجرتان إحداهما على يمين المنبر والأخرى على يساره سقفهما قبو وقبة محمولان على عضادات وعمودين من الحجر الأسود وللجامع بابان أحدهما موجه شرقا فوقه منارة وهو المستعمل والثاني موجه غربا يفتح في بعض الأحيان. منشئ هذا الجامع الحاج حسين بن برسين سنة 1095 ووقف عليه وقفا عظيما شرط فضلته لذريته تبلغ غلته الآن بضعة وعشرين ألف قرش سنويا والمتولي على هذا الجامع وأوقافه الآن الحاج محمد علي بن محمد برسين والناظر عليه ولده الشاب النجيب الشيخ محمد ناجي وهو صارف قصارى جهده إلى إعمار الجامع وأوقافه وإصلاح أحوالهما. وفقه الله.(2/269)
جامع ساحة حمد: محله في زقاق الشيخ جنيد له قبلية تبلغ خمسة عشر ذراعا طولا تقريبا وصحنه بنسبة قبليته سعة في شرقيه حجرة ومدفن فيه قبر رجل يقال له الشيخ حمد ووقفه دار ودكانان في المحلة يبلغ ريعها سنويا ألفي قرش تقريبا وتقام فيه الخمس.
مسجد الحاج حمدو بن أبي دان: مسجد صغير سمح الرجل المذكور بأرضه وبعض نفقاته منذ بضعة عشر عاما وله أنوال في دكان بجانبه وقف عليه.
بقية آثارها
سبيل صهريج يعرف بسبيل الساحة له في المحلة دكان وقف عليه. والأسر الشهيرة المحترمة في هذه المحلة أسرة آل ناصر آغا لها منزل يستقبل الضيوف والمسافرين ومن وجائها الشيخ أحمد ابن الشيخ (علي بن محمد بن محمد) وهو الآن من أعضاء بلدية حلب وأحد أعضاء لجنة الأوقاف. اه.(2/270)
محلة الضوضو (خ)
يحدها قبلة تلعران والصفصافة. وشرقا البلاط التحتاني والفوقاني وشمالا صاجليخان التحتاني وتمامه جب قرمان وابن نصير المشهورة بجب القبة غربا خندق بالوج وفي غربي هذه المحلة الساحة المعروفة ببرية المسلخ القديم وهي الآن سوق الجمال والغنم عدد دور هذه المحلة 125 وعدد سكانها 566 ذكرا و 615 أنثى فالمجموع 1181 نسمة كلهم مسلمون.
آثارها
الجامع السليماني
في شمالي المحلة منسوب إلى الحاج سليمان الأيوبي بانيه سنة 783 وهو جامع عامر نير فسيح مفروش صحنه بالرخام طوله 50 ع في مثلها عرضا تقريبا في غربيه تجاه بابه الغربي حوض يجري إليه الماء من قناة حلب ينزل إليه ببضع عشرة دركة كأنه في مغارة وفي شمالي الصحن مدفون في غربيه الجنوبي قبر أبي الواقف وفيه عدة قبور وفي جانب المدفن من شرقيه حجرة تعلم فيها الأطفال وفي جنوبي الصحن قبلية جميلة عامرة على طول الجامع في عرض عشرين ذراعا تقريبا وفي شرقيه دكة للصلاة صيفا وله بابان غربي فوقه منارة جميلة وفي جنوبيه رواق صغير وشمالي ينفذ إلى محلة صاجليخان وأوقافه مشتركة مع أوقاف جامع البكره جي الذي تقدم ذكرها في الكلام عليه، مسجد مقر الأنبياء في سوق المحلة عمره رجل يقال له شمس الدين سنة 685 وهو مسجد صغير وسعت قبليته في حدود سنة 1290 على يد متوليه وزاد في أوقافه حتى بلغت غلتها الآن نحو عشرة آلاف قرش في السنة.
مسجد الظالع: محله شرقي برية المسلخ إلى الشمال بناه المحسن الشهير (محمد بن احمود الظالع النجدي) في رجب سنة 1300 وعملت له بيتين يكتبان على بابه جاءت(2/271)
فيهما شطرة التاريخ (أنشأ المسجد في شهر رجب) وهو مسجد متسع مشتمل على قبلية وحجرة تقام فيه الصلوات الخمس وبقية الكلام عليه في ترجمة صاحبه.
بقية آثار هذه المحلة
يوجد قبلي هذه المحلة قبة على قارعة الطريق فيها دفين يسمونه الشيخ محمد الضوضو يعتقد به أهل المحلة ويروون فيه كرامات وينذرون له الزيت، وفي شمالي برية المسلخ قبر يسمونه قبر الترمذي يزعم بعضهم أنه الترمذي المحدث الشهير وبعضهم يقول إنه الترمذي الحكيم. والصحيح أنه لا هذا ولا هذا لأن تاريخ وفاته المفهوم من قبره متأخر عن وفاة الاثنين.
وأهل المحبة يعتقدون به وينذرون له الزيت. والمشهور عندهم أن الخيول وغيرها من الدواب إذا اعتراها مرض المغص المعروف بالمغلة وطيف بها حول هذا القبر سبعة أشواط برأت من مرضها. وفي سنة 1299 عمر حوله دائر له باب على القبلة وفي هذه المحلة مدار واحد، وفرن واحد، وثلاث خانات أحدها لبيع الفواكه والسمن والصوف ومال القبان والآخران لنزل القوافل والمسافرين، وفيها ستة بيوت قهاوي واحد في سوق المحلة والخمسة في برية المسلخ ومما يلحق بهذه المحلة مشهد في شرقي صحرائها في بساتين الفستق بين حلب والنيرب يقال له قرنيبا قال بعضهم كان يعرف قديما بمقر الأنبياء فحرفته العامة وسبب بناء هذا المشهد أن شيخا من أهل منبج رأى في حلمه عدة مرار كان علي ابن أبي طالب مرّ يصلي فيه وأنه قال له قل لقسيم الدولة يبني على هذه الربوة مشهدا فقال الشيخ لعلي ما علامة ذلك قال أن تكشف الأرض فتظهر أنها مفروشة بالرخام المفصص وفيها محراب وقبر على جانبه فيه بعض ولدى فقص الشيخ ذلك على قسيم الدولة فكشف الأرض ورأى الأمارات فبنى على تلك الربوة مشهدا ووقف عليه وقفا وحكى غير أن النبي صلى الله عليه وسلم رؤي يصلي فيه مع جماعة من الأنبياء. أقول لا أدري ما وجه تسمية هذه الربوة بمقر الأنبياء إذ لم نعلم أن نبيين أو أكثر استقروا به إلا أن يكون ذلك أخذا من الرؤيا في الرواية الأخيرة.
ولعل كلمة قرنيبا محرفة عن قرنبى بوزن فعنلى وهي دويبة قدر الجعل إذا لمست انكمشت على نفسها وصارت شبه حمصة وعلى كل حال فإن موضع هذا المشهد مفرح نزه له مناظر جميلة يقصده الناس في فصل الربيع لحسن مناظره وكثرة أزهاره وتغريد أطياره.(2/272)
محلة السخانة ومحلة البقارة (خ)
حدّها قبلة البرية وشرقا محلة كتان وغربا برية الشيخ جاكير وشمالا سور باب النيرب عدد دور الأولى 122 ونفوسها 586 وذكرا و 578 أنثى فالمجموع 1064، وعدد دور الثانية 52 ونفوسها ذكورا 100 وإناثا 152 فالمجموع 252 كلهم مسلمون: حارة البقارة لا آثار فيها وأما السخانة فآثارها: جامع السخانة في الزقاق الضيق على الجادة يقول أهل المحلة إنه عمري وهو صغير الصحن وفيه حوض يبلغ بضعة أذرع في مثلها وفي غربيه قبلية وله منارة تقام فيه الصلوات والجمعة وله وقف قائم بكفايته وفي جنوبي الصحن صهريج وعلى الباب صهريج وقسطل يجري إليه الماء من داخله، مسجد يوسف الآغا هو مسجد قديم جدد قبليته بعد الثلاثمائة والألف يوسف آغا المذكور فنسب إليه ومحله في جنوبي المحلة مجاور بساتين الفستق وهو ساحة واسعة في طرفها قبلية صغيرة وحجرة بقدرها تعلم فيها الأطفال.(2/273)
محلة محمد بك (خ)
وتعرف أيضا بالتكاشرة محلها خارج باب النيرب وعدد دورها 243 وعدد ذكورها 1016 وإناثها 1094 فالمجموع 2110 نسمات كلهم مسلمون حدها قبلة الجادة الكبرى التي لا نظير لها عندنا في العرض والاستقامة التي أولها سوق باب النيرب آخذة شرقا حتى تنتهي إلى بوابة الملك وشرقا البرية وغربا القصيلة وشمالا الشيخ بلال الحبشي وتمامه محلة تلعران والصفصافة.
آثارها
جامع الطرنطائية ومدرسته
محلها في زقاق المدرسة المنسوب إليها غربي قسطل علي بك الكائن شمالي الجادة الكبرى على يمين الداخل من بوابة الملك وهي مدرسة حافلة عامرة متقنة البناء كأنها حصن تشتمل في شرقيها وغربيها على أربعين حجرة عليا وسفلى وفي جنوبيها قبلة تقام فيها الصلوات والجمعة وفي شماليها محل واسع تقام فيه الأذكار كأنه كان محلا للتدريس وفي وسط صحنها حوض تحت الأرض يجري إليه الماء من القناة دائما ولها فوق زاويتها الشرقية الشمالية منارة صغيرة ويوجد على يمنة الداخل من بابها الموجه غربا حجرة فيها قبر له ضريح على رأسه خوذة حديد عليها دوران من الشاش الأخضر يقولون إن المدفون فيه رجل كان يحب الجهاد فكان في أكثر أوقاته لابسا أهبة الحرب يقال له الشيخ أويس أبو طاسة. المدرسة منسوبة إلى (طرنطاي الأمير سيف الدين) وهو الذي جدد بها ووقف عليها وقفا وأما الذي أنشأها وأنشأ الجامع فهو السيد عفيف الدين بن محمد شمس الدين وذلك في سنة 785. أوقافها عشرية مضبوطة يؤخذ منها مقطوعا ما لا يكاد يقوم بكفايتها وهي الآن معطلة ليس فيها مجاور ولا مدرس.. غير أنه تقام في مسجدها الصلاة والأذكار قد اتخذها زاوية العالم العامل الشيخ محي الدين البادنجكي وخلفاؤه من بعده وهو ينتسب إلى ولي الله الشيخ نبهان الجبريني(2/274)
فحجرات المدرسة المذكورة لا تسكن إلا في أيام الخلوة الأربعينية يختلي بها مريدو الخلفاء المذكورين.
قسطل علي بك
تقدم لنا ذكر محله وهو من أشهر قساطل حلب يجري إليه الماء دائما من قناة خاصة به ويجري فائضه إلى آبار وحياض في المحلة يستقي منها أهلها وقد عهدنا أن أكثر الجمال التي تدخل إلى حلب ترد عليه للشرب يزعم بعض النسوة أن الاغتسال فيه ثلاثة سبوت في تموز قبل الفجر يخلص الجسم من الأمراض في بقية السنة وهو قسطل قديم مكتوب عليه (أنشأ هذا السبيل المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قانصوه الغوري عز نصره ابتغاء لوجه الله تعالى علي بك السيفي المولوي في شوال سنة خمس عشرة وتسعمائة) وعلى كل من جانبيه دائرة مكتوب فيها (عز لمولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري عز نصره) .
جامع قرمط
ويعرف أيضا بجامع عفان على الجادة في الصف الموجه إلى الشمال صحنه يبلغ خمسين ع في أربعين تقريبا في غربيه ميضأة بجانبها حجرة وفي شماليه قبلية بنسبة الصحن تقام فيها الصلوات والجمعة وفي جنوبيه مصيف في صدره محراب يقال إنه هو قبليته القديمة وله منارة صغيرة وهو جامع قديم جدد سنة 1237 وله وقف قائم بكفايته ولا أعرف المنسوب إليه ورأيت في السجل أنه في سنة 1263 وقف الحاج عبد الله بن علي المشنوق وقفا حافلا شرط فيه قراء في هذا الجامع وإن وقفه بعد انقراض ذريته يؤول للجامع المذكور. ثم في سنة 1280 وقف وقفا آخر شرط فيه الشرط الأخير.
جامع شبارق
في جانب قسطله على الجادة في الصف الموجه جنوبا صحنه أربعون ع في مثلها تقريبا وفي شرقيه الشمالي صحن آخر فيه حوض مربع يبلغ بضعة أذرع في مثلها وفي جنوبي الصحن الأول قبلية وفي شماليه حجرة تعلم فيها الأطفال كان تجديد هذا الجامع سنة 1257، يوجد على جانبي بابه مما يلي الجادة سبيلان، وفي غربيه الشمالي قسطل يعرف بقسطل(2/275)
شبارق ومنشئه هو منشئ هذا القسطل مكتوب في أعلى صدر القسطل (أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك المقر الأشرفي العالي المولوي المالك المخدومي الكافل السيفي يلبغا الصالحي كافل المملكة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره من ماله ابتغاء لوجه الله تعالى ليقيه العطش الأكبر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. في ربيع الأول سنة 746 بنظر الفقير إلى الله تعالى إبراهيم بن محمد الحراث عفى الله عنه) قلت: يلبغا هذا هو (يلبغا اليحياوي الأمير سيف الدين) .
مسجد البدوي
ويعرف أيضا بمسجد الشيخ ضاهر على الجادة في الصف الموجه إلى الشمال يبلغ صحنه خمسين ع في مثلها تقريبا في غربيه قبلية تجاهها مما يلي الصحن بعض قبور وفي جنوبيه مصيف وفي شرقيه الشمالي ميضأته.
زاوية الشيخ حيدر
في الزقاق المنسوب إليها الكائن في الصف الجنوبي من الجادة يبلغ صحنها 50 ذراعا في 40 تقريبا في شرقيه دكة فيها قبور وفي جنوبيه قبلية واسعة لها باب جميل وفي حضرة باب هذه الزاوية في الزقاق قسطل الشيخ حيدر وهو أحد مشايخ الطرائق العلية اتخذ الزاوية محلا لأذكاره فنسبت إليه وإلا فباني هذه الزاوية والقسطل هو (قطليجا الحموي) شرع ببنائهما ومات قبل إكمالهما فأكملهما الأمير (ظاز بن عبد الله الناصري) مكتوب على الزاوية (أنشأ هذه الزاوية المباركة المقر الكريم العالي السيفي قطليجا والمقر الأشرف الكريم طاز كافل المملكة الحلبية سنة 757 وفي أعلى صدر القسطل الآخر (لقطليجا) وهو كلتاجو والظاهر أن أحد الاسمين محرف عن الآخر.
جامع التوبة
بضم التاء وهي شجر ذكر التين. وكان فيه شجرة توب عظيمة أضيف الجامع إليها والناس يلفظون هذه الكلمة بفتح التاء ويحكون في ذلك كلاما غير مستند إلى أصل، هذا المسجد قديم محلة في الصف الجنوبي من سوق باب النيرب والخندق محيط به من غربيه(2/276)
وجنوبيه وهو صحن واسع يبلغ ثلاثين ذراعا في مثلها تقريبا وفيه حوض مربع فوق عشر بعشر جدده متولي الجامع (علي بن محمد النيرباني) وقد نقله من شماليه معيدا إياه إلى محله الحالي وكان صغيرا نقل إلى محله الحالي من دهليز الجامع وقد نقل إليه الميضأة وفي شمالي الجامع شمالية للصلاة كانت هي قبلية الجامع وكان لها باب على الميضأة ثم في سنة 1180 بنيت في جهته الجنوبية قبليته الحالية وهي صفان طول الأول 15 ذراعا والثاني 18 ذراعا في عرض أحد عشر ذراعا تقريبا وفيها المحراب والسدة وفي شرقيها بعض حجرات وفي غربيها الشمالي قبلية أخرى في جنوبيها باب مغلق ينفذ إلى مدفن سماوي له باب على الخندق:
مكتوب على الباب المغلق (أنشأ هذا الجامع المبارك الفقير إلى الله تعالى الشيخ محمد المعصراني في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر جقمق عز نصره سنة 846) فالظاهر أن منشئ هذا الجامع هو هذا الرجل وأن ما بناه هو الشمالية والمدفن والميضأة ثم في سنة 1180 أنشئت قبليته الحاضرة وفي سنة 1311 سدت أبواب الشمالية مما يلي الصحن وفتح لها باب على الدهليز وكتب عليه:
الزم التقوى تنل كل الأمل ... وبها تنجو إذا حان الأجل
مذ بنى مسجدنا أرخ وصف ... فاز من أخلص لله العمل
وعلى حجرة مرصوفة في جدار القبلية مما يلي الصحن:
لم تزل رحمة الإله على من ... بالتقى يعمر المساجد فضلا
إذ به جامع الفضائل لما ... شاده مخلصا تسامى محلا
قلت لما جنى المبرة أرخ ... عمل صالح له الخير دلّا
سنة 1180
هذا الجامع من أعمر جوامع حلب لا تكاد تنقطع منه العبادة لا ليلا ولا نهارا ويقال إن منارته كانت على بابه الذي يلي السوق الموجه شمالا ثم هدمت وعمرت له منارة جديدة يصعد إليها من دهليزه، دخل وقفه الآن قائم بكفايته، وفي سنة 1300 فرش صحنه بالرخام والناس تمشي فيه حفاة والمشهور أن محرابه أصاب به بانيه عين القبلة. قسطل قرمط في حضرة جامعه والظاهر أن منشئه هو منشئ جامع قرمط المتقدم ذكره في السنة التي جدد بها الجامع أيضا. سبيل صهريج يقال له سبيل أبي دلوين على الجادة في الصف الموجه جنوبا(2/277)
غربي الزقاق المنسوب إليه، سبيل العطار صهريج عليه بناء في رأس بوابة القرباط تجاه حمام برسين أنشأه أحمد بن حسن العطار وشرط له الكفاية وجزءا من القرآن في كل يوم في وقف محمد بن محمد ابن الحاج مصطفى والحاج يوسف آغا ابن الحاج مصطفى آغا ابن يوسف أفندي عربي كاتبي وهو خمس دكاكين متلاصقات في الصف الشرقي في سوق سويقة علي وقفاه بتاريخ 12 محرم سنة 1204 وشرطا فيه قراء ولإمام العثمانية قروش معلومة في وقف المرأة الحاجة فاطمة بنت شريف آغا القرنة الموقوف سنة 1306 وفي هذه المحلة مداران وثلاثة أفران وأربعة خانات اثنان معاطن للإبل واثنان للغلات والخان الكائن في زقاق القرباط أنشأه المرحوم محمد أسعد باشا ابن (علي بن سعيد الجابري) وأوصى أن يكون بعضه وقفا على مدرسته التي أنشأها في مسجد الدليواتي في محلة الفرافرة المتقدم ذكرها وحمام برسين وقهوة شعبان في سوق باب النيرب.
تنبيه: الأسر الشهيرة في هذه المحلة هي بيت أبي الكنج ووجيهها حماده بن كنجو وهو صاحب منزل وكان جده الصعب مقوم الحاج ومن هذه الأسر بيت الصعب ووجيهها خيرو بن محمد الصعب وفيها بيت الحواضرة وأصلهم من قرية الحاضر ووجيهها الآن فارس ابن الحاج ناجي معروف بالسخاء وقرى الضيوف وفيها بيت التلاليني ووجيهها الحاج يوسف ابن الحاج حمدو سخي شهير في محله. ومن وجهاء المحلة عبد الفتاح البيطار وبيت برّي ووجيهه فارس بن حمود بري.
يلحق بهذه المحلة مقبرة الشيخ جاكير وهي أعظم مقبرة في حلب تتصل بمقبرة السفيري لا تقل مساحتها عن ثلاثة كيلومتر مربع.
حارة كتان (خ)
قبلة بساتين الفستق وغربا حارة السخانة وشمالا بادنجك ومحمد بك وشرقا البرية عدد دورها 46 ونفوسها ذكورا 173 وإناثا 195 فالمجموع 368 نسمة كلهم مسلمون.
فيها مسجد واحد يبلغ صحنه خمسة عشر ع في مثلها تقريبا في وسطه حوض يجري إليه ماء القناة من فائض حوض جامع بادنجك وفي جنوبيه قبلية بنسبة صحنه.(2/278)
محلة بادنجك (خ)
محلها في جنوبي الجادة الكبرى التابعة جادة محمد بك يحدها قبلة جنينة معروفة وحارة كتان وغربا السخانة وشمالا الجادة وشرقا البرية واسمها هذا محرف عن ميدان جك لفظة تركية معناها الميدان الصغير كأنها سميت بهذا الاسم لميدان صغير في حضرة جامعها عدد دورها 92 ونفوسها ذكورا 437 وإناثا 428 فالمجموع 865 نسمة كلهم مسلمون.
وفيها من الآثار جامع بادنجك في الزقاق المنسوب إليه يبلغ صحنه 15 عشر ع في مثلها تقريبا في وسطه حوض مساحته بضعة أذرع يجري إليه الماء من فائض قسطل علي بك وفي شمالي الصحن رواق وفي جنوبيه قبلية فيها منبر وفي غربيها كوة نافذة إلى حجرة مهدوم سقفها مدفون فيها واقف الجامع واسمه يعقوب بن يغمور وهو المكتوب على نجفة باب القبلية وكانت عمارته في أواسط القرن الحادي عشر ولهذا الجامع منارة ومنبر وله من الأوقاف دار في المحلة. وفيها أيضا جامع يقال له مسجد الكسيح في غربي المحلة صغير تقام فيه السرية لا يعرف له وقف. قسطل الجوره في شمالي الميدان ينزل إليه بدركات يجري إليه ماء القناة من فائض قسطل علي بك.(2/279)
محلة الصفصافة (خ)
خارج باب النيرب عدد دورها 138 ونفوسها 471 ذكرا و 518 أنثى فالمجموع 989 نسمة كلهم مسلمون يحدها قبلة سوق باب النيرب التابع محلة محمد بك وشرقا إلى الجنوب محمد بك وإلى الشمال تلعران وشمالا برية المسلخ التابعة محلة الضوضو وغربا الخندق.
آثارها
مسجد خال من البناء فيه بعض قبور يقال له مسجد زكريا محله الصف الموجه شرقا في أواسط الجادة الممتدة من سوق باب النيرب إلى برية المسلخ ومسجد الكوجك واسع الصحن فيه بعض قبور أيضا في جنوبيه قبلية تبلغ بضعة عشر ذراعا طولا وبضعة أذرع تقريبا وفي شماليه حجرة تعلم فيها الأطفال وهو متوهن جدا تقام فيه بعض الصلوات محله في رأس هذا الصف مما يلي برية المسلخ على الجادة المذكورة. وفيها سبيل صهريج له خزانة في الجدار تجاه مسجد زكريا على الجادة المذكورة يعرف بسبيل الحاج عبدو الخوجه لأنه هو الذي أنشأه في حدود سنة 1300 وفيها خانان أحدهما للقوافل والمسافرين والثاني تباع فيه المأكولات محله جنوبي برية المسلخ وكلاهما أنشئا سنة 1309 وقهوتان في عطفة سوق باب النيرب حادثتان أيضا إحداهما في الصف المتجه إلى الشرق من إنشاء المرحوم الشيخ (مصطفى بن محمد بن مصطفى طلس) والأخرى متجهة إلى الغرب مما أنشأه المرحوم السيد أحمد ابن السيد (محمد راجي ابن السيد علي بيازيد) .(2/280)
محلة الدحدالة (د)
داخل باب النيرب عدد دورها 28 ونفوسها 90 ذكرا و 118 أنثى فالمجموع 208 كلهم مسلمون حدها قبلة الجادة الآتي ذكرها في حارة البستان وشرقا الخندق وشمالا حارة الطونبغا وغربا حارة البستان.
آثارها
تربة العلمي صحن يبلغ بضعة عشر ذراعا في مثلها تقريبا لها دهليز على يمنة الداخل فيه حجرة فيها ضريح العلمي وعلى يسرة الداخل حجرة وفي شمالي الصحن رواق فيه بضع حجرات متهدمة يسكنها بعض الفقراء وفي شماليه قبلية تصلى فيها الجهرية وفي شمالي الصحن إلى غربيه منارة مربعة الشكل وكان بناء هذه التربة سنة 604 وهي معدودة من مدارس الشافعية وكان لها أوقاف وافرة من جملتها قرية دير القاق وقرية الجبول في قضاء الجبول والباب وثلث مشانترة وثلث حول أربعة قراريط من أرض حريتان في قضاء جبل سمعان ومزرعة باصفره الكائنة فيما بين جسر الناعورة «1» وجسر المعزى «2» خارج حلب وكلها ضائعة. وأما أوقافها الآن فهي ثلاثة عشر قيراطا ونصف القيراط من دار في المحلة ونصف دار في محلة البستان في بوابة تجاه القسطل والنصف الآخر من هذه الدار وقف على جامع الطنبغا في ساحة الملح وقفها عليهما مناصفة سنة 1285 عائشة بنت الحاج سليم ابن الحاج حسن البابي ويتبع هذه المحلة خان على الجادة لصيق باب النيرب قرب المخفرة أنشئ في حدود سنة 1290 معد لبيع الغلات.(2/281)
محلة البستان (د)
داخل باب النيرب عدد دورها 84 ونفوسها 262 ذكرا وإناثا 348 فالمجموع 610 كلهم مسلمون يحدها قبلة الجادة الكبرى الممتدة من باب النيرب إلى سوق القصيلة التابعة حارة الأعجام وغربا حارة الأعجام وشمالا حارة الطونبغا وشرقا الدحدالة.
آثارها
مسجد تقام فيه الجهرية يبلغ طول صحنه عشرين ذراعا في عرض عشرة أذرع تقريبا في وسطه حديقة في غربيها صهريج وفي شماليه مصلى صيفي على طول الجامع في عرض عشرة أذرع تقريبا وفي جنوبيه قبلية في طول بضعة عشر ذراعا وعرض بضعة أذرع تقريبا وفي دهليزه على يسرة الداخل حجرة أرضها قبو معقود على قسطل ينزل إليه ببضع عشرة درجة وهما في شمالي المحلة وللمسجد ثلاث دور في المحلة يبلغ ريعها سنويا عشرين ذهبا عثمانيا وللقسطل دار في أواسط الحارة على الجادة في الصف الموجه غربا يبلغ ريعها سنويا نحو خمس ذهبات في أواخر جنوبي هذه المحلة على الصف المذكور سبيل صهريج عليه بناء عمره (محمد شيخ بن عبد الوهاب) .
تنبيه: الأسر القديمة التي كانت في هذه المحلة أسرة آل القرنة وكانت بالغة حد الإفراط من الثروة والغنى. جدّها الأعلى وفد على حلب من مدينة القرنة الكائنة في العراق. وأسرة آل الموقّت التي آخر وجيه منها (محمد وفا ابن الحاج أحمد) . وأسرة آل عيسى وجدهم الأعلى من كبار رؤساء الإنكشارية. وأسرة آل بيازيد التي ترجمنا منها عدة رجال وكانت من أعظم الأسر التجارية في حلب وكان منزلهم في هذه المحلة مفتوح الأبواب ينزل فيه عظماء الناس ووزراء الدولة وكبار الموظفين الغرباء وآخر من أدركناه من وجهاء هذه الأسرة (محمد بشير ابن الحاج علي) وأصل هذه الأسرة من بلدة تدمر. والدور العظام في هذه المحلة هي الدور المنسوبة إلى الأسر المذكورة وكلها الآن متوهنة وبعضها متداع إلى الخراب ومنها ما جعل خانا تباع فيه الغلات.(2/282)
محلة الأعجام (د) عدد بيوتها 108
يحدها قبلة حارة القصيلة وحارة داخل باب النيرب وشرقا وشمالا حارة البستان وحارة الطنبغا المعروفة وغربا داخل باب النيرب والفلاة المعروفة بسوق الجمعة وعدد سكانها 918 منهم 437 ذكرا و 481 أنثى كلهم مسلمون.
آثارها
جامع الأطروش
ابتدأ بأساسه (آق بغا الأطروشي) نائب حلب ثم دمشق سنة 801، وكان مكانه سوق الغنم وبنى حيطانه وقطع له عمدا من الرخام البعاديني الأصفر وهي أعمدة عظيمة، وبنى له تربة داخل الجامع ووقف عليه أوقافا ثم صرف عن نيابة حلب وانتقل إلى طرابلس ودمشق ثم عاد إلى حلب ثانيا ومات بها سنة 806 قبل أن تكمل عمارة الجامع المذكور فكملها (دمر داش) نائب حلب ووقف عليه وقفا حافلا منه 5 مخازن قربه ومخزنان في بابه الشمالي وآخران تحت حجراته وقاسرية قدامه و 7 مخازن تجاه باب القلعة و 14 في سوق القشاشين ودكاكين في سوق البرادعية شرقي الجامع و 22 في السوق المذكور و 3 في سوق السقطية ودكان في سويقة علي و 7 في سوق السلاح و 5 في سوق الأبارين و 5 في سوق السقطية و 36 في سوق البسط وفدان في قرية تل نصيبين في جبل سمعان وأراضي بقرية معرة مصرين «1» في قضاء سرمين ونصف آسياب خارج باب أنطاكية بحلب وكان هذا الجامع يعرف مرة بجامع الأطروشي وأخرى بجامع تمرتاش وهو جامع حسن وبه كانت تصلى نواب حلب العيدين وكانوا قديما يصلونهما بجامع الطنبغا. اه. وهو جامع(2/283)
حافل عظيم يبلغ طول قبليته سبعين ذراعا في عرض بضعة وعشرين ذراعا قد انفرد بعدة محاسن لم أرها في غيره منها الأعمدة التي بنى سقف قبليته عليها إذ لا نظير لها في الغلظ والطول ومنها محرابه الذي يستغرق المحاسن ببداعة حجره وصناعته ومنها رقاع من الفسيفساء في أعلى جبهة محرابه تراها لإتقانها وحسن صناعتها كأنما بنيت من عهد قريب ومنها منبره الذي بني كله من الحجر المرمر على أجمل طرز وأبدع شكل ومنها جهة جداره الغربي مما يلي الجادة فأنه قد اشتمل على بابه الأول وعدة شبابيك قد حف بها من صنعة البناء والنقوش ما يدهش النظر وفي شمالي هذه الجهة تكون منارته العظيمة ذات الموقفين غير أن أعلاهما لا يستعمل للتأذين لإنهدام مكبسه وخلوه عن الدربزين. ويوجد لهذا الجامع باب آخر في جهته الشمالية موجه شمالا.
وفي غربي هذا الباب داخل الصحن تربة الواقف آق بغا وفيها قبره وقبر آخر توفى صاحبه في السنة التي توفى بها آق بغا وهي سنة 806 وهذا الجامع الآن قد انهدمت قبليته وسرقت حجارته وتداعى كله للخراب وله من الأوقاف ما يبلغ ريعه سنويا عشرين ذهبا عثمانيا وكان شرط له محب الدين بن محمد الشحنة في كتاب وقفه المؤرخ سنة 854 مؤذنا وشرط في هذا الكتاب عدة خيرات لتربته التي شرع بعمارتها قرب الأنصاري وللمدرسة التي سينشئها قرب داره وللسبيل الذي سينشئه برأس الدرب تجاه القلعة وكانت داره في شمالي المدرسة السلطانية وأكثر وقف هذا الجامع في هذا الخراب حوالي السلطانية وهو دور وحمام وخانات ومن جملة ما كان قرب جامع الأطروشي سوق البادستان وكان هناك معظم أوقاف الحاج أمير يونس ابن الأمير أحمد الناصري ابن الأمير محمد الحطب. وله في غير هذا الموضع أوقاف منها قاسارية في محلة المرعشي في جنوبي الخندق وشرط أن يفرق ثلث ريع هذا الوقف على جامع المهمندار وتاريخ كتاب وقفه هذا سنة 1105 وكان يوجد قرب جامع الأطروشي زاوية تغري ويرمش كافل حلب تمت سنة 841. مكتوب على باب جامع الأطروش الموجه شمالا (عمر هذا الجامع المبرور ابتغاء لوجه الله تعالى المقر الأشرف العالي المولوي العالمي العادلي المخدومي الكافلي السيفي دمرداش الناصري مولانا ملك الأمراء كافل المملكتين الشريفيتين الحلبية والطرابلسية أعز الله أنصاره وضاعف اقتداره بمحمد وآله بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى يوسف الأشرفي وكان الفراغ منه بشهر شعبان المكرم سنة 812) وفي أسفل المئذنة (أنشأه العبد الفقير إلى الله تعالى آق بغا الظاهري غفر له) ومن الحكايات(2/284)
المشهورة عن هذا الجامع أنه كان يوجد في كوة منه مرآة ينظر فيها من له غائب عن وطنه فيراه على الصورة التي هو عليها. وفي يوم ما جاء أرنودي له غائب فنظر إلى المرآة فرآه ميتا قد حمل على النعش ليقبر فثار غضبه وفي الحال أطلق عياره الناري على المرآة فحطمها وبطل هذا الطلسم. قلت: هذه الحكاية من جملة الخرافات.
مسجد أشق تمر
محله داخل باب النيرب قرب سوق القصيلة على يمنة السالك إليه ويعرف الآن بجامع السكاكيني. وكان أنشأه (أشق تمر) نائب حلب سنة 776 وأنشأ بقربه حماما وفرنا وخانا ومعصرة وحوانيت وقفها عليه وعلى تربته التي أنشأها ظاهر حلب في باب المقام على يمنة الخارج من المدينة وهي تربة عظيمة واسعة لها بوابة من الحجر النحيت الأبيض ذات عقد مصلب له ثلاث قناطر ومساطب رخام أصفر داخلها مدفن معقود عليه قبة كبيرة وله حوش كبيرة وبها بركة كبيرة مرخمة الدائر يصل إليها الماء من القناة في صدر هذا الحوش إيوان كبير ذو شبابيك أحدها مطل على قسطل كبير يجري إليه الماء من فائض البركة وأما المسجد المذكور فإن (محمد راجي ابن محمد علي بيازيد) جدد سقف قبليته وأنشأ في شماليه بضع حجرات برسم مجاورين لطلب العلم ووظف والدي بالتدريس وأقبل عليه الطلبة إقبالا زائدا وانتفعوا به في هذه المدرسة انتفاعا عظيما ونشأ منهم عدة علماء ذكرنا بعضهم في باب التراجم وكان في عزم المرحوم محمد راجي أن يقف لهذا المسجد ومدرسته وقفا يقوم بكفايتهما فأعجلته المنية قبل إدراك الأمنية وبعد وفاة والدي بطلت المدرسة وصارت حجراتها مسكنا للفقراء وعاد المسجد إلى فقره واحتياجه. ولم يكن لخطيبه وإمامه سوى قليل من المعاش لأن ريعه لا يزيد على ستمائة قرش في السنة. وأما أوقافه القديمة التي وقفها عليه منشئه أشق تمر المتقدم ذكرها فقد استولى عليها الناس وجرت في أملاكهم وأشرف الجامع على الخراب ثم آلت خطابته إلى الهمام الفاضل الشيخ عبد اللطيف ابن المرحوم العالم الحافظ الشيخ محمد البشير بالخياط الطيب فصرف عنايته لإعماره واستخراج له من محاسبة الأوقاف مبلغا صرفه على مرمته وإحياء شعائره وتصدى فيه لإرشاد أهل تلك المحلات فعاد للجامع والمدرسة شيء من رونقهما القديمين جزاه الله خيرا.(2/285)
بقية آثارها
يوجد في هذه المحلة في سوق القصيلة في غربي الصف الموجه إلى الجنوب جامع تقام فيه الجمعة والسرية له من الأوقاف كفايته، وفي أواسط حارة الأعجام مسجد ينسب إلى محلة الأعجام، وفي رأس سوق القصيلة من غربيه سبيل أبي زيد، وعلى الجادة النازلة من باب النيرب في الصف القبلي منها تجاه باب حارة البستان بميلة إلى الغرب سبيل عليه بناء في جانبه مدفن ينسب للشيخ بلال وفي قرب جامع الأطروش سبيل عليه بناء أنشأته فاطمة بنت شريف آغا القرنة سنة 1315 وقفت عليه دارا في محلة البياضة وفي جدار أشق تمر قسطل معطل من آثار صاحب الجامع وفيها حمام عاشق تحريف أشق تمر المتقدم ذكره، ومداران، وثلاثة أفران، وقهوتان، وثلاث خانات لبيع الغلات.(2/286)
محلة داخل باب المقام (د) عدد بيوتها 151
ذكورها 634 وإناثها 621 فالجملة 1255 كلهم مسلمون يبتدئ خطها من جنوبي المحلة من الخندق تجاه الباب آخذا إلى الشرق مقدار غلوة ثم ينعطف شمالا مارا من وراء حارة الحوارنة حتى يجتاز من وراء سبيل البيك مقدار غلوة ثم ينعطف إلى الغرب ويأخذ الجادة الكبرى بصفيها وينعطف إلى الجنوب سائرا حتى يصل إلى باب المقام.
آثارها
المسجد العمري
المضاف إلى أصلان في زقاق الحوارنة صغير تصلى فيه الجهرية ومدرسة بيت العقاد ملاصقة سبيل البيك من شرقيه وهي مدرسة عظيمة واسعة وتعرف أيضا بمدرسة الدفتردار وكانت معطلة متوهنة يسكنها جماعة من البيت المذكور ثم صرفت عليها محاسبة الأوقاف مبلغا رمتها وعينت لها مدرسا. ومسجد الأربعين محله في دهليز باب المقام تصلى فيه السرية ويقام فيه ذكر يوم الأحد. وسبيل البيك نسبة إلى أحمد بك ابن إبراهيم باشا وهو سبيل حافل له شباك كبير على الجادة الكبرى وآخر على زقاق الحوارنة وفي وسطه الصهريج العظيم الذي يستقى منه: مكتوب على جانبي شباكه المطل على الجادة (بسم الله الحمد لله الذي أنشأ هذا السبيل على يد الأمير الجليل أحمد بك أفندي إبراهيم باشا زاده الله الحسنى وزيادة سنة 1243) وفي جانبيها إيضا:
لصاحب هذا الخير أجر محدد ... بناه لوجه الله والخير يحمد
وقد تمّ بنيانا وحسنا فأرّخوا: ... سبيل يجازى خيره مير أحمد
سنة 1243(2/287)
سبيل أصلان
ملاصق مسجده من شرقيه موجه جنوبا وهو صهريج وسبيل باب المقام لصيق قهوة الحصري من شماليها وهو صهريج أيضا عمرته امرأة وقسطل باب المقام لصيقه من شماليه ينزل إليه ببضع دركات وهو قديم مكتوب في صدره (أنشأ هذا السبيل المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه واقتداره في كفالة المقر الأشرف قصروه كافل الممالك الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره المقر السيفي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة أعز الله أنصاره في العشر الأول من شهر ذي القعدة سنة 831.
بقية آثارها
خان الدرج على الجادة موجه غربا تباع فيه الغلات وآثار عمارته وحسن بنيانه وإتقانه وتركيبه يدل على أنه كان دارا عظيمة والمشهور عند أهل المحلة أنه كان دار رئيس الحوارنة وهم طائفة من الناس تكلمنا عليهم في حوادث سنة 885 وخان حسين الشاوي على الجادة موجه شرقا تباع فيه الغلات وحمام الصالحية تجاه سبيل البيك المتقدم ذكره مكتوب على بابها:
أنعم بحمام مبانيها زهيّه ... وقد ازدهت حسنا معانيها البهيّه
كتب السعود لوارديها أرخوا ... ببنائها هذا نعيم الصالحيه
سنة 1122
رأيت في السجل أن هذا الحمام مما وقفه الحاج علي بن محمد بن أحمد البولادي وأحمد ابن الحاج حسين بن أحمد المعروف بابن الخليفة وشرطا غلته على خيرات من جملتها أجزاء شريفة في مدرسة الدفتردار المتقدم ذكرها ثم في المسجد العمري المعروف بأصلان السالف ذكره وهذا الحمام من إنشاء (أزدمر بن عبد الله الجركسي) في حدود سنة 890. في هذه المحلة فرن واحد في حضرة باب المقام ومدار تجاه قهوة الحصري وآخر متداع للخراب على الجادة موجه غربا ونحو خمسة عشر نولا وقهوتان إحداهما تعرف بقهوة الحصري على الجادة شمالي بوابة السقائين وجنوبي زقاق الحوارنة والثانية تعرف بقهوة الشرباتي.(2/288)
تنبيه: مما يضاف إلى هذه المحلة مقبرة الصالحين وتعرف بمقبرة الخليل لأنه يوجد فيها مشهد للخليل فيه قدم من الحجر ينسب إليه وفي هذا المشهد جماعة من العلماء والصلحاء ذكرهم الشيخ وفا الرفاعي في منظومته مع من ذكرهم من العلماء والصلحاه المدفونين في هذه المقبرة وهي من أشرف مقابر حلب وكان في الدرب الواصل من باب المقام إلى مقام الخليل عدة ترب ومدارس منها تربة القليجية ومنها تربة موسى الحاجب قرب باب المقام لها بوابة عظيمة وإلى جانبها حوض ماؤه من قناة حلب أنشأها موسى بن عبد الله الناصري نائب السلطنة بالبيرة ثم حاجب حلب وكان ذا فضل وكرم وسياسة توفي في البيرة سنة 756 ونقل إلى تربته بحلب ومشهد الخليل المذكور يعرف أيضا بمقام إبراهيم عليه السلام وقد أنشأ فيه خانقاها الأمير مجد الدين أبو بكر محمد بن الداية وهي الآن مشرفة على الخراب ولها منارة على باب المقام معطلة مائلة للسقوط وغلق الباب حجر أسود واحد وفي شرقي صحن الخانقاه مغارة تسمى مغارة الأربعين وفي جنوبي الصحن حرم للصلاة في جانبه حجرة في صدرها محراب في أسفل صدره صخرة ناتئة يقال إنها هي الصخرة التي جلس عليها إبراهيم الخليل عليه السلام مستقبلا حلب حين فارقها كأنه يودعها ويتأسف على فراقها وفي هذا المسجد من جهة الشمال قبر الإمام علاء الدين أبي بكر القاشاني الحنفي وقبر امرأته فاطمة بنت شيخه علاء الدين السمرقندي. وفي قبلي المسجد مقبرة جليلة فيها جماعة من الأخيار منهم الأصولي برهان الدين البلخي وكان شيخ الحنفية في عصره ومنهم الزاهد العابد الحسين بن عبد الله بن حمزة الصوفي القدسي وتجاه الخليل تربة بني العشائر.(2/289)
المغازلة أو محلة جامع بزة (د) عدد بيوتها 142
عدد سكان هذه المحلة 511 ذكرا و 573 أنثى مجموعهم 1084 نسمة كلهم مسلمون والمغازلة تحريف المغازلي نسبة إلى الشيخ محمد المغازل الآتي ذكره وبزة إما أن تكون محرفة عن البز وهو القماش أضيفت المحلة إليه لكثرة ما يوجد فيها من نسج الأقمشة أو هو لفظ تركي معناه نحن ولا أدري حينئذ ما سبب إضافة المحلة إليه. ولعل الذي بنى جامعها كان تركيا يعرف بهذه اللفظة. هذه المحلة يبتدئ خطها من غربيها بميلة إلى الشمال بحمام الحمداني المعروف الآن بحمام ساحة بزة مارا شرقا إلى الجنوب حتى يتصل بخندق قلعة الشريف ثم بخندق المغازلة يفصل بين هذين الخندقين جدار قديم من السور ثم يمشي إلى باب المقام ومنه ينعطف شمالا إلى الجادة وراء جادة باب المقام من غربيها حتى يتصل بالحمام المذكور. هذه المحلة طيبة المناخ مع كثرة قاذوراتها لها حق وافر من قناة حلب التي يصعد ماؤها في بعض المواضع منها نحو ثلاثة أذرع عن وجه الأرض.
آثارها
مسجد صغير في زقاق المحبك غربي قسطل المغازلة تقام فيه الجهرية ومسجد الشيخ محمد المغازلي في زقاق الجبل شرقي زقاق المحبك وهو مسجد فسيح في صحنه حجرة تعلم فيها الأطفال وفيه قبلية جميلة لكنها محتاجة للترميم وفي غربيها ضريح من الرخام الأصفر يقولون أن الدفين فيه رجل يقال له الشيخ محمد المغازلي منقوش على نصبتي القبر نظم ونثر يفهم منهما أن صاحب القبر اسمه درويش وأنه كان حسيبا نسيبا من بيت ثروة وغنى مات في شرخ شبابه عام 1045. مكتوب على باب هذه القبلية شعر يفهم منه أن باني هذا المسجد ومؤسسه رجل من الأشراف يقال له صلاح الدين أنشأه سنة 1046.
جامع بيز أو جامع عبيس أو جامع بزة وهو أعظم مساجد هذه المحلة محله في الجادة(2/290)
الكبرى الممتدة من ساحة بزة إلى باب المقام على الصف الموجه إلى الجنوب وهو واسع الصحن في وسطه حوض كبير مساحته فوق عشر بعشر وفي شرقيه مكتب تعلم فيه الأطفال وله قبلية عظيمة ومنارة فوق بابه تقام فيه الصلوات والجمعة وأوقافه قائمة بكفايته.
سبلانها
قسطل قديم في زقاق المحبك المتقدم ذكره يهبط إليه ببضع دركات وفي جانب حوضه من غربيه صهريج كبير ينسب إلى السجان وله خيرات مشروطة في وقفه، وسبيل الحاج خليل الشربجي في زقاق بيت المعصراني قرب جامع بز في جنوبيه وسبيل ملاصق باب الجامع المذكور من غربيه مكتوب على نجفة شباكه أنه من إنشاء أهل الخير سنة 1116 وتاريخه بالجمل (وماء شرابه تسنيم) وسبيل محمد آغا الجاويش الصباهي في جادة المغازلة غربي جامع بز تجاهه دكان وقف عليه ومحمد آغا المذكور من مماليك المرحوم السلطان محمد خان العثماني وكانت وفاته في حدود سنة 1295 وعمر سبيله المذكور سنة 1272.
يوجد في هذه المحلة ثلاث كرخانات لطبع المناديل وأربع قاساريات لحياكة الأقمشة الأولى قبالة جامع بز فيها نحو عشرين نولا وتعرف بقاسارية بيت الألجاتي والثانية ملاصقة لها من جنوبيها فيها خمسة أنوال والثالثة على الجادة في سوق المحلة وتنسب لأمين أفندي العطار وفيها أربعة أنوال والرابعة في زقاق المداراتي وفيها ثلاثة أنوال وفي المحلة فرن واحد جنوبي جامعها جار في أوقافه (غريبة) يوجد في زقاق الركبي من هذه المحلة غربي جامعها الكبير بضع عشرة دارا متلاصقة ببعضها يقال إنها كانت تنفذ إلى بعضها بأبواب باقية آثارها إلى الآن والمشهور عند ذويها أن سبب هذا هو استيلاء الخوف في الأجيال القديمة وعدم الأمن فكان أهلها يسهرون عند بعضهم ليلا دون أن يخرجوا إلى الأزقة حذرا من أن يتعرض إليهم أحد.
تنبيه: كان يوجد في هذه المحلة غربي جنينة الفريق مسجد ينسب إلى ناصر الدين محمد بك ابن برهان وتربة مطلة على المسجد من انشائه أيضا، ومن جملة أوقافه حمام بمحلة الجرن الأسود يعرف بالواقف وكان قديما يعرف بحمام الذهب وفرن بالمحلة المذكورة ودار قرب المدرسة الصاحبية والمفهوم من كتاب هذا الوقف أنه كان يوجد عند جامع الطواشي محكمة تعرف بمحكمة جبل سمعان وهذا الوقف كبير أكثره مسقفات موقوفة على المسجد(2/291)
المذكور تاريخه سنة 931 وكان قرب سراي إسماعيل باشا مسجد يقال له مسجد عبد الغفار شرطت له خديجة بنت عبد الله بن عبد المنان معتقة إسماعيل باشا ربع غلة وقفها بعد انقراض ذريتها وكان يوجد في سراي إسماعيل باشا جامع يعرف بالروضة أنشأته الحاجة عفيفة بنت الحاج محمد آغا أبازه ابن عبد الله آغا يشتمل على ثلاثين حجرة وقد وقف عليه ولدها الحاج إسماعيل باشا والي حلب بن عثمان باشا وقفا عظيما شرط فيه لكل مجاور شيئا معلوما وشرط أمورا كثيرة تشاكل ما شرطه عثمان باشا الدروكي في وقفه لجامعه الرضائية المتقدم ذكره ووقف إسماعيل باشا عبارة عن قاسارية عظيمة وثمان عشرة دكانا وبستان في محلة بزة تاريخه سنة 1164 وكان يوجد في هذه المحلة مدرستان إحداهما تدعى المجدية الداخلية ومحلها داخل بوابة النبي والأخرى تدعى المجدية البرانية خارج البوابة المذكورة نسبة إلى مجد الدين ابن الداية وكلاهما مما لا أثر له الآن.
أما مسجد عبد الغفار فهو باق لكنه مشرف على الخراب وأما مسجد الروضة فلا أثر له كما أن سراي إسماعيل باشا أصبحت قاعا صفصفا ثم في الأيام الأخيرة عمر في طرف منها بعض دور صغيرة وعمر في قسمها الأعظم دار عظيمة ذات جنينة واسعة تشتمل على دولاب وعدة حياض تملأ منه. عمرها السيد عبد الرحمن ابن الحاج أحمد الجوبي وقد جعل فيها دارا للضيوف والزائرين الذين يعد لهم من القرى والإكرام ما يدل على رحب صدره وفرط سخائه والأسر القديمة في هذه المحلة هي أسرة الجوبي والدار المذكورة هي الدار العظيمة في هذه المحلة ليس إلّا.(2/292)
محلة داخل باب النيرب (د) عدد بيوتها 52
ذكورها 209 وإناثها 203 فالجملة 412 نسمة كلهم مسلمون يبتدئ خطها من شماليها بجنينة الفريق مارا منها وراء حمام الذهب إلى سوق القصيلة إلى وراء جامع الطواشي إلى جادة باب المقام حتى يتصل بخان العرصة.
آثارها
مسجد زقاق النخلة صغير جدده الحاج (عبد القادر بن عمر بن سليم) تقام فيه الجهرية.
جامع الطواشي
محل هذا الجامع في رأس الجادة الكبرى الآخذة إلى باب المقام على يمنة المتوجه فيها جنوبا وهو جامع حافل متسع الصحن والقبلية مشتمل على أروقة في جهاته الثلاث وعلى حوض فوق عشر بعشر وله بابان أحدهما على الجادة المذكورة والثاني في غربيه على الجادة الآخذة إلى ساحة بزه وله منارة وتقام فيه الصلوات والجمعة والذي أنشأه صفي الدين جوهر العلائي الطواشي في أواسط القرن الثامن ثم جدده ووسعه (سعد الله بن علي بن عثمان) الملطي. مكتوب على بابه الشرقي (بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ هذا الجامع العبد الفقير إلى الله تعالى صفي الدين جوهر بن عبد الله الطواشي ثم جدده الفقير إلى الله الحاج سعد الله ابن الحاج علي ابن الفخري عثمان الملطي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين بتاريخ سنة 944) أقول هذا الجامع الآن محتاج للتعمير والترميم وغلة أوقافه غير وافية وكان يوجد باتصاله زاوية يقال لها الجايية نسبة إلى الجاي أمير السلاح في أيام (إشقتمر المارديني) وكان باقيا لها باب مكتوب عليه (أمر بعمارة هذه الزاوية مولانا المقر الكريم المولوي(2/293)
الملكي المخدومي الأعظمي السيفي الجاي أمير السلاح الأشرفي أعزّ الله أنصاره وأعلى مقامه وجعلها مأوى للفقراء المترددين والصلحاء الواردين وشرط أن تقام فيها صلاة الجمعة والعيدين وذلك في شهر ربيع الأول سنة 744) . وكان في شماليه أي شمالي جامع الطواشي مدرسة أخرى تعرف بالصاحبية أنشأها القاضي بهاء الدين أبو المحاسن (يوسف بن رافع بن تميم المعروف بابن شداد) في سنة 601 وتجاه هذه المدرسة كان يوجد مدرسة لنور الدين زنكي ثم عمر القاضي بهاء الدين في جوار مدرسته دارا للحديث وجعل بين المكانين تربة أعدها لنفسه فدفن فيها بعد وفاته ويوجد في جنوبي الجامع المذكور مدفن لسعد الله الملطي المتقدم ذكره وهو مدفون فيه وفي قرب هذا المدفن أيضا مدفن يعرف بالزعتري وسبيلان أحدهما يعرف بالزعتري والآخر ببركات وقسطل ملاصق جامع الطواشي من شماليه من إنشاء صفي الدين جوهر منشئ الجامع المذكور كما يفهم من كتابة محررة في صدره وقد وقفت خديجة بنت عبد الله بن عبد المنان معتقة إسماعيل باشا وقفا كله بساتين وشرطت أن تقسم غلته بعد انقراض ذريتها بين جامع الطواشي ومسجد عبد الغفار قرب سراي إسماعيل باشا وجامع منكلي بغا والفقراء وذلك في 10 شوال سنة 1189 وشرط الزيني فرج بن العلاء والصارمي إبراهيم ابن القاشاني في وقفيتهما محدثا في جامع الطواشي في الأشهر الثلاثة له 400 درهم فضة في كل سنة وآخر في بقية السنة له 440 في السنة وثلاثة قراء وخادما.
بقية آثارها
فيها لبيع الغلات على الجادة في الصف الموجه شرقا خان يقال له خان العرصة في شماليه خان ينسب للدلال باشي «1» تجاهه خان ينسب للبيلماني في شماليه خان يعرف بالقبو تجاهه خان يعرف بالقهوة وفيها مصبغتان ومصبنة تنسب لبيت الحلاج على الجادة موجهة إلى الغرب وقاسارية كبيرة جدا مختصة بأنوال النسج واقعة على الجادة موجهة غربا وبيت قهوة تجاه جامع الطواشي كان يجتمع فيها الحماماتية ويتفاوضون بأحوال مهنتهم الخبيثة وفيها حمام واحد يعرف بحمام الذهبي إضافة إلى ولي مدفون في حجرة متصلة بالحمام من شماليه الشرقي(2/294)
لها شباك على الجادة زعم البعض أنه هو شمس الدين بن محمد بن أحمد عثمان بن قايماز الذهبي الدمشقي المحدث الكبير المؤرخ صاحب كتاب تاريخ الإسلام وكتاب الموت وما بعده المتوفى في دمشق سنة 748 كما ذكره ابن الوردي في حوادث السنة المذكورة ثم أن هذا الحمام عرف بحمام ناصر الدين بك لأنه داخل في أوقافه وكانت المحلة الموجود فيها الحمام تعرف بمحلة الجرن الأسود قلت: وهو الآن جار بأوقاف الحرمين الشريفين وعلى أرضه حكر يدفع إلى متولي وقف ناصر الدين.(2/295)
محلة الطنبغا (د) عدد بيوتها 172
يحدها قبلة حارة البستان والدحداله وغربا الفلاة المعروفة باسم سوق الجمعة وشمالا حارة أغليبك وشرقا خندق البلدة وتعرف أيضا بالمزوق. عدد سكانها 1431 نسمة منهم 700 ذكر و 731 أنثى كلهم مسلمون.
آثارها
جامع الساحة
وهو جامع الطنبغا الصالحي نائب حلب ثم دمشق سنة 723 وكان محله يعرف بالميدان الأسود وهو أول جامع بني بحلب بعد الجامع الكبير داخل سورها على كتف خندق الروم يشتمل على محاسن كثيرة له بابان أحدهما غربي يستطرق منه إلى صحن الجامع وهو بابه الكبير بجانبه ميضأة كبيرة النفع والآخر شرقي صغير يستطرق منه بواسطة جسر إلى ظاهر البلد وقد ركب عليه الطنبغا باب قلعة النقير لما فتحها وأخربها وهذه المحلة تنسب إليه لأنها عمرت بسبب جامعه وقد جلب له العمد العظيمة التي تضاهي عمد جامع الأطروش من قورس ووقف عليه أوقافا كثيرة بالبر والمدينة ولما كمل بناؤه كان افتتاحه يوم الجمعة فخطب فيه (حسن بدر الدين بن محمد بن حبيب) وقرأ في خطبته الحديث المتسلسل بالأولية مناسبة وتبركا وهو أول حديث قرىء بهذا الجامع وفيه يقول:
في حلب دار القرى جامع ... أنشأه الطنبغا الصالحي
رحب الذرى يبدو لمن أمّه ... لطف معاني حسنه الواضح
مرتفع الرايات يروي الظما ... من مائه بالشارب السارح
يهدي المصلي في ظلام الدجى ... من نوره باللامع اللامح(2/296)
من حوله الروض يروى الورى ... من زهره بالفائق الفائح
لله بانيه الذي خصه ... بالروح للغادي وللرائح
ويوجد باتصال هذا الجامع من شماليه مكان عظيم كان يخزن به الملح والآن يستعمل لطبع المناديل. قال ابن الشحنة: أظنه كان خانقاه للمسجد المذكور وكان المتولي يأخذ أجرته ويصرفها على المرتزقة. قلت: هذا الجامع شبيه بجامع آقبغا بعظمته وإتقان عمارته إلا أنه الآن متوهن محتاج للترميم وأوقافه مضبوطة إلى جهة إدارة الأوقاف وله منها شيء معين في السنة يقوم بضرورياته. مكتوب على بابه (أنشأ هذا الجامع المبارك الفقير إلى الله تعالى المقر الأشرف العالي العلائي الطنبغا الناصري في أيام دولة مولانا السلطان الملك الناصر محمد عز نصره في شهور سنة 718) .
بقية آثارها
تربة الطنبغا في زقاق ضمامة اللؤلؤ وتعرف الآن بالمدرسة بناها الطنبغا المذكور وكانت تربة حافلة لم يبق منها الآن سوى رسم قبلية في جنوبيها محراب ليس إلّا. قد استولى عليها الناس وجعلت بيتا. قال ابن الشحنة وذكر لي أن بها قبرا لأحد أولياء الله تعالى. مسجد في زقاق وزاوية أبي الجدائل في حارة المزوق أيضا وهي عامرة بالأذكار أستاذها الشيخ عبد السلام ابن الأستاذ الشيخ سالم خليفة أبي الجدائل. ذكر إسماعيل صادق بن كمال باشا شيخ الحرمين في كتابه الذي ألفه في مناقب الأولياء والصالحين أن أبا الجدائل هذا هو الشيخ محمود وأنه كان منزويا عن الناس وله عدة كرامات توفي سنة 1271 وهو مدفون في زاويته التي وقفها سنة 1271 وشرطها لخلفائه. اه.
يوجد قرب هذه الزاوية سبيل وبئر على كل منهما قنطرة في جنوبي ساحة الملح ومما يلحق بهذه المحلة حمام اللبابيدية مما أنشأه الأمير (يلبغا الناصري) المتوفي سنة 893 فهو يعرف في الكتب التاريخية بحمام الناصري محله على حافة خندق القلعة في سوق الدواب تجاه برج القلعة الجنوبي وهو حمام عظيم متقن البناء قد عمر حائط بابه بالحجارة السود والصفر صفا صفا. تدلك فيه الآن اللبابيد ويملكه بعض الناس بطريق الإجارتين. وفي جنوبي هذا الحمام تربة (أرغون الدوادار الناصري) المتوفي سنة 731 وهو مدفون بها وتعرف(2/297)
في زماننا بتربة الشيخ قويق وقد تكلمنا على أسباب تسميتها بهذا الاسم في الكلام على نهر قويق وهي الآن متداعية للخراب. وكان في هذه المحلة قرب الحمام المذكور مدرسة للحنفية اسمها الشهابية وأخرى اسمها القلقاسية وقف كل منهم أربعة أفدان من الملوحة. والأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل الخياط المعروفة أيضا بأسرة بيت الطبيب وجيهها الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ محمد الذي ألمعنا إليه في الكلام على جامع أشق تمر ومنها أسرة خلفاء الشيخ أبي الجدائل ووجيهها الخليفة في زاويتهم الأستاذ الشيخ عبد السلام المتقدم ذكره.(2/298)
محلة أوغلبك (د) عدد بيوتها 99
يحدّها قبلة وغربا محلة الطنبغا وشرقا خندق الروم وشمالا محلة البياضة وهي محلة مرتفعة جيدة الماء والهواء يجري الماء إلى آبارها من قناة حلب في أنفاق عظيمة فيلطف ويطيب ويبرد. سميت بمحلة أو غلبك نسبة إلى (عثمان بن أحمد أو غلبك) وتعرف أيضا بمحلة باب الأحمر لأنه يخرج منه إلى الأراضي الحمر إحدى نواحي حلب عدد سكانها 771 منهم 354 ذكرا والباقون وهم 417 أنثى.
آثارها
جامع أوغلبك
المعروف بجامع باب الأحمر تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة والعيدين، أنشأه الأمير عثمان المذكور سنة 885 ووقف عليه أوقافا جليلة في حلب وغيرها جميعها مضبوطة لجهة إدارة الأوقاف وهي تنفق عليه قدر كفايته.
الزاوية الصيادية
بدأ بتأسيسها السيد الشيخ (محمد أبو الهدى ابن الشيخ حسن وادي) الصيادي سنة 1295 ثم تتابع فيها البناء حتى كملت سنة 1327 وهي زاوية حافلة كثيرة الغرف والمقاصير جميلة المناظر في غربي قبليتها ضريح الأستاذ الشيخ حسن وادي. وكان لها باب من داخل محلة أوغلبك ثم هدم هذا الباب وأبطل وفتح لها باب تحت القلعة على شفير الخندق قرب باب محلة الطنبغا.(2/299)
بقية آثارها
سبيل قرب باب هذه المحلة النافذ إلى ساحة الملح وحمام باب الأحمر أنشأه الأمير (عثمان المذكور) وسبيل خارج باب المحلة النافذ إلى محلة البياضة يقال له سبيل الحسبي في حدود سنة 1280 عمر فوقه قصرا له ومسجد السروة في ظهر السبيل المذكور يقال إنه من آثار بني الحسبي وله أوقافهم عدة شروط على الخيرات والقراء.
تنبيه: الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة بني الصياد ووجيهها السيد الشيخ عبد الرزاق أستاذ التكية الصيادية السالفة الذكر ونقيب أشراف حلب وهو ابن السيد حسن وادي الصيادي دفين التكية المذكورة. وأسرة بني الحلاج وأسرة بني قناعة وأسرة بني عيسى والدور العظام في هذه المحلة هي الدور المنسوبة إلى هذه الأسر.(2/300)
محلة البياضة عدد بيوتها2 G 60
يحدّها قبلة أوغلبك والطنبغا وشرقا خندق الروم وشمالا الجبيلة وغربا خندق القلعة ومستدام بك ويقال إنها سميت بهذا الاسم لأنها كانت تشتمل على خان مختص ببيع البيض وآثاره باقية في سوقها حتى الآن وقيل لأن أرضها كانت حوارا أبيض وعلى هذا يجب أن تلفظ بتخفيف الياء وهي من أعمر محلات حلب وأجودها ماء وهواء عدد سكانها 390 ذكرا و 999 أنثى فجملتهم 1289 نسمة كلهم مسلمون.
آثارها
جامع الحموي أنشأه الحاج محمد بن داود النوري بضم النون المغربي سنة 968 وهو المدفون في شرقيه ثم في سنة 1183 جدده ووسعه الحاج (حسن بن عبد الرحمن الحموي) وعمر له منارة وأحدث فيه خطبة وشرط له عدة خيرات وهو الآن جامع معمور بالشعائر فسيح الصحن في شماليه دكة واسعة راكب بعضها على فرن جار في أوقافه. وفي شرقي هذه الدكة حجرتان جميلتان غير مسكونتين في أكثر الأوقات وكانت ميضأته في غربي الدكة المذكورة. ثم في حدود سنة 1285 أخرجت إلى ظاهره على بابه في رأس درجه عن يمين الداخل إليه. وقد حكينا خبر انقضاض الصاعقة على منارة هذا الجامع فيما حكيناه من حوادث سنة 1292 فراجعها.
جامع الصروي
محله في شمالي سوق البياضة مكتوب على بابه بعد البسملة (إنما يعمر مساجد الله إلخ) أنشأ هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى الحاج ناصر الدين بن محمد بن بدر الدين بتلنك الصروي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين في شهور سنة 780) أقول كان هذا الجامع(2/301)
صغيرا ليس فيه سوى قبلية وصحن ضيق ثم في حدود سنة 920 أنشأ تتمته التي هي المدرسة الآن (علي بن سعيد الملطي) وجعل بها إماما ومدرسا وطلبة في حجراتها ووقف عليها أوقافا جيدة وكتبا جمة وأعدّ بها مدفنا له وهي الآن معطلة عن الطلبة وأما أرباب الشعائر كالإمام والخطيب والمدرس فإنهم يأخذون معينهم من الأوقاف الأميرية لأن وقفها ضبط إليها.
مسجد الخواجه سعد الله الملطي
محله في شرقي الجادة تجاه القسطل الطويل أنشأه (سعد الله بن علي بن عثمان الملطي) المتوفى سنة 946 وأنشأ تجاهه قسطلا يهبط إليه ببضع وعشرين درجة يعرف في زماننا بقسطل الطويل وأنشأ فوق هذا القسطل مكتبا لتعليم الصبيان وقف على ذلك أوقافا حسنة ومسجده الآن معمور بالشعائر وأما المكتب فمعطل والقسطل يستقي منه سكان المحلة وللخواجه أحمد بن تيمور الملطي وقف كبير هو طاحون عين اللبن وحمام ودكاكين في عينتاب وحمام الخواجه في سوق الهواء بحلب وطاحون عين مبارك في ظاهر حلب شرط فيه عدة خيرات لأطفال مكتبه وغيرهم تاريخ وقفه 846.
التكية الإخلاصية
محلها تجاه جامع الصروي بميلة إلى الشمال منسوبة إلى الشيخ (إخلاص الخلوتي نزيل حلب) المتوفي سنة 1074، عمرها له الوزير الأعظم محمد باشا الأرنؤد وهي زاوية جميلة وقف عليها وقفا عظيما تعمل فيها في زماننا الخلوة الرفاعية في فصل الربيع قال أبو الوفا العرضي في معادن الذهب ما حاصله إن الشيخ إخلاص كان له في كل سنة في فصل الشتاء خلوة عامة يجتمع إليها المريدون فيصومون ثلاثة ويأكلون عند المساء مقدار أوقيتين من الحريرة ورغيفا من الخبز أكثر من أوقية ولا يشربون الماء القراح بل يشربون القهوة ويستمرون في الذكر والعبادة آناء الليل وأطراف النهار وباقي الأيام يقومون سحرا ويتهجّدون على قدر طاقتهم ثم يأخذون في الذكر إلى وقت الأسفار ثم يصلون الصبح ويقرءون الأوراد إلى ارتفاع الشمس فيصلون الإشراق. اه. مكتوب على باب قبليتها:
لك الحمد يا من أرشد الخلق للهدى ... وسيّر في بحر التقى كل غواص(2/302)
وأرسل للشهبا الوزير محمدا ... فأسدى بها المعروف للعام والخاص
وأنشأ فيها مسجدا دام عامرا ... بذكر وتوحيد مدى الزمن القاصي
وأخلص في إنشائه متضرعا ... إلى ربه العافي عن المذنب العاصي
وقال لسان الحال إذ تم أرخوا ... بنى مسجدا لله داعي باخلاص
أقول: محمد باشا هذا لم يكن واليا في حلب إنما حضر إليها لإصلاح بعض أحوالها وأمر بعمارة هذه الزاوية من ماله فعمرت في غيابه عن حلب وكتب له بنجازها فأمر بشراء أملاك وقفها عليها.
بقية آثار هذه المحلة
مكتب الحموي «1» أنشأه الحاج محمد بن داود المغربي سنة 968 وجدده ووقف عليه الحاج (حسن بن عبد الرحمن الحموي) وهو تجاه جامعه، سبيل الحموي في جنوبي جامعه تجاه بوابة الحموي أنشأه الحاج حسن المذكور وفي غربي هذا السبيل تربة الحموي فيها بعض قبور لا أعرف من هو الذي بناها وهي مشرفة على الخراب، مسجد السنكري في زقاق السنكري في شرقي المحلة قرب باب بالوجه «2» الذي هو أحد أبواب حلب، قسطل السعدي تحت جامع الصروي أنشأه (علي بن سعيد الملطي) المتقدم ذكره، مسجد زقاق الدولاب أي دولاب حمام نفيس المعروف بحمام البياضة، سبيل في شمالي باب تكية إخلاص، جب سبيل في زقاق الجذبة داخل زقاق القسطل الطويل أنشأه (أحمد بن محمد بن صالح الجذبة) وفي المحلة مصبنة الحموي قرب جامعه وهي جارية في وقفه وقاسارية الدولاب قرب قبو المسلاتية، وقاسرية الشهبندر قرب جامع الصروي من شماليه، وفرنان، ومداران، وقهوة، وحمام يعرف بحمام البياضة تجاه جامع الصروى بميلة إلى الجنوب وهو مما أنشأه جمال الدين أبو المحاسن ابن الزيني نفيس بن عبد الصمد أحد أعيان الخواجكية في وقته بحلب سنة 854 وكان من جملة أوقافه على تربته النفيسية الآتي ذكرها في محلة مستادم بك «3» .(2/303)
تنبيه: الأسر الشهيرة في هذه المحلة- أسرة آل الرفاعي التي منها يكون خلفاء التكية الإخلاصية الرفاعية بالتسلسل عن جدهم الأعلى (محمد وفا بن محمد بن عمر) وأسرة آل الغوري المنسوبة إلى المرحوم السلطان قانصوه الغوري وأسرة آل سلطان وأسرة آل الحموي الذين جدهم الأعلى (حسن بن عبد الرحمن الحموي) صاحب الوقف على الجامع المتقدم ذكره في هذه المحلة. وأسرة آل الكوراني الذين منهم (صلاح الدين) . وأسرة آل الحسبي المنتسبين إلى (عبد الله بن محمد حجازي) والدور العظام في هذه المحلة هي الدور المنسوبة إلى هذه الأسر. اه..(2/304)
محلة مستدام بك عدد بيوتها 95
يحدّها قبلة البياضة والجبيلة وشمالا شاهين بك والجبيلة وغربا شاهين بك والفرافرة.
عدد سكانها 402 ذكرا و 459 أنثى فجملتهم 861 نسمة كلهم مسلمون. هذه المحلة كانت تسمى حارة البستان، وأما نسبتها إلى مستدام بك فحادث بحدوث تعميره جامع النفيسية الآتي ذكره.
آثارها
جامع المستدامية
في شمالي المحلة كان يعرف بالنفيسية والدمغانية والبيازيدية أنشأه نفيس جمال الدين أبو المحاسن بن الزيني بن عبد الصمد أحد أعيان الخواجكية في وقته بمدينة حلب وأنشأ في داخله تربة لنفسه ودفن بها وشرط لها في وقفه عدة خيرات وكانت وفاته سنة 854، ثم في سنة 920 وقف ابن ابنه محمد بن ناصر الدين وقفا حافلا شرطه بعد انقراض ذريته على تربة جده. ثم إن مستدام بك ابن عبد السلام أحد عتقاء السلطان قانصوه الغوري وقف وقفا كبيرا شرط فيه عدة خيرات ولهذا الجامع وغيره وهذه خلاصتها:
وقف مدارا في ظاهر باب النيرب وآخر تحت القلعة وستة عشر قيراطا من طاحون أرتاح في العمق ونصف جنينة زقاق المسك بحلب وبناء حانوتين بصليبة بانقوسا وثلاث حوانيت في السوق الصغير في محلة خراب خان وبناء حانوت بسوق الخريزاتية وبناء حانوت في الصف الشمالي من العطارين ومما هو جار في أوقاف هذا المسجد بستان في ناحية اليهوديات يعرف باسم بستان مصطفى آغا وهو بستان عظيم يؤجر من جهة إدارة الأوقاف بنيف ومائتي ذهب عثماني.(2/305)
شروطه
شرط في كل سنة 100 دينار لتقي يحج عنه نافلة و 100 أخرى لتقي يحج عنه فريضة و 100 تصرف على طعام الصائمين الفقراء في رمضان و 50 فيما يترتب على فقراء محلة أوغلبك من العوارض السلطانية و 50 فيما يترتب على فقراء محلة الجبيلة كذلك و 100 على كسوة العاجزين والأرامل في العيدين وشرط التولية بعده لذريته وبانقراضهم يلحق وقفه بوقف المرحوم السلطان قانصوه الغوري بحلب الموقوف على الحرمين وبيت المقدس والخليل وعلى عتقائه الموجودين وأعقابهم وتوزع غلته كما توزع غلة وقف الغوري ويعطي متولي وقف الغوري حينئذ 60 دينارا في السنة تحريرا في سنة 1020.
ثم زاد شروطا أخرى وهي أن يعطي في كل سنة 50 دينارا لفقراء مكة ترسل مع حامل الصرة المقدمة من وقف السلطان الغوري في ولاية حلب و 50 لفقراء المدينة كذلك و 50 لفقراء بيت المقدس والخليل و 20 ثمن الحنطة وزيت للمجاورين بمزار نبي الله بلوقيا و 80 ثمن حنطة وزيت وعدس للتكية المولوية خارج حلب في غربيها و 25 لأربعة قراء في جامع النفيسية الذي جدده وعمل فيه مدرسا و 20 لمؤذنين فيه و 10 لفراشه وشعاله وخادمه و 21 لخطيبه وإمامه ومدرسه و 10 لزيته وشمعه و 5 لحصره وبسطه و 2 لشمع مجاوريه تحريرا في سنة 1021 ثم وقف خمسة آلاف دينار علاوة على خمسة عشر ألف دينارا كان وقفها قبلا وشرط أن يصرف من غلة وقفه وربح الدنانير في كل سنة 62 دينارا لعشرة قراء علاوة على العشرين قارئا الذين شرطهم في جامعه قبلا و 10 لمؤذن ثالث وأن يصرف في كل يوم 10 عثمانيات لواعظ في جامعه يومي الجمعة والاثنين و 360 عثمانيا في السنة لثلاثة رجال يقرأ أحدهم سورة ياسين بعد الصبح والثاني سورة عم بعد الظهر والثالث سورة الملك بعد العشاء و 260 عثمانيا لخطيب جامعه بأرتاح و 360 لإمامه و 300 لمؤذنه و 360 لفراشه و 360 لزيته و 360 لحصره و 360 لإمام مسجد سويقة حاتم قرب الدباغة العتيقة ويعرف بمسجد شمعون و 75 دينارا في السنة لحصر جامع أموي حلب وإذا كان مستغنيا عنها يشتري بها زيت له و 52 دينارا لدرويش مولوي يكون خادما في الأموي المذكور و 100 دينار إلى متولي وقفه علاوة على ما شرط له قبلا تحريرا في سنة 1022: أقول هذا الجامع الآن معمور بذكر الله تعالى إلا أن مدرسته معطلة عن(2/306)
الطلبة يسكن حجراتها بعض الفقراء كما أن أكثر شروطه مهملة وقد دخل وقفه في إدارة الأوقاف الأميرية والتربة التي أنشأها نفيس ما زالت موجودة في شرقيه إلا أنها مائلة للخراب لم يبق منها سوى الحجرة المدفون بها نفيس المذكور.
المدرسة الرحيمية
وقفتها الشريفة رحمة بنت عبد القادر بن أحمد بك مدرسة ولها وقف جزئي لا يكاد يقوم بكفايتها تاريخ كتابه سنة 1156 وهي الآن عامرة مدرسها الفقيه النبيه الفاضل المدقق الشيخ إبراهيم ابن علامة عصره المرحوم الشيخ (عبد السلام بن محمد بن عبد الكريم) والطلبة يترددون على هذه المدرسة للأخذ عنه وهو باذل قصارى جهده بإعمارها وإحياء شعائرها.
بقية آثار هذه المحلة
مسجد بلبان تجاه حمام بلبان مسجد الأكنجي أي المسلاتي في الزقاق النازل من قبو المسلاتيه إلى حمام بلبان على يسار السالك: سبيل البلباني وزيارته لصيق مسجد الأكنجي:
قسطل الأكنجي تجاه مسجده بميلة إلى الشرق: سبيل المستدامية في شرقي جامعها مكتب المستدامية قرب جامعها في جنوبيه ميضأة المستدامية لصيق مكتبها من شماليه: سبيل الشيخ إبراهيم مؤذن جامع مستدام بك في الجادة النازلة من الجبيلة إلى جامع المستدامية في الصف الموجه شرقا أنشأ السبيل المذكور سنة 1305 وشرط له كفايته من ريع دار وراءه وقفها على ذريته وكان يوجد في هذه المحلة قرب جامع مستدام بك مدرسة تعرف بالمظفرية واقفها رجل صوفي مدفون في الجبيلة.(2/307)
محلة شاهين بك عدد بيوتها 82
يحدها قبلة وشرقا مستدام بك وشمالا مقبرة الجبيلة وغربا محلة الفرافرة: عدد سكانها 719 الذكور 326 والإناث 393 كلهم مسلمون. هواء هذه المحلة وماؤها كمحلة الجبيلة الآتي ذكرها.
آثارها
المسجد العمري
كان فوق قسطل العوينة وهو مسجد لطيف مشتمل على قبلية تعلم فيها الأطفال مبنية على قبو معقود فوق طريق العوينة وفي سنة 1313 هدم المسجد والقبلية توسعة للشارع المار من تحت المسجد الآخذ إلى الخندق الرومي المتخذ شارعا أعظم في هذه السنة ولهذا المسجد من الريع ما يقوم بضرورياته وهو مسجد قديم جدا جدد عدة مرات وكان آخر من جدده سنة 1142 صاحب الاسم المذكور في الشعر الذي كان مكتوبا على بابه وهو:
إن عثمان قطب أفق المعالي ... نجل شيخ الإسلام رفق الله
قد بنى مسجدا ونال ثوابا ... ضافي الأجر ليس بالمتناهي
شاد أركانه بتاريخ بيت ... فيه بشرى تجل عن أشباه
إنما يعمر مساجد الله من ... آمن بالله نص قول الله
ثم إن دائرة البلدية عمرت عوض هذا المسجد مسجدا قرب باب دار الحكومة على صفه مشتملا على حجرة لتعليم الأطفال وعلى قبلية للصلاة: ومن آثار مسجد هذه المحلة مسجد شاهين بك في جادتها العامة من الصف الموجه قبلة ووراء مقبرة الجبيلة وفي غربي هذا المسجد باتصاله قسطل شاهين بك يهبط إليه بدركات ومنها تكية القرقلر وهي تكية(2/308)
عامرة وأوقافها وافرة وهي مبنية فوق مغارة الأربعين التي ذكرناها في ترجمة محمد البغدادي فراجعها وفي مسودة تاريخ ابن الملا إن في داخل باب الأربعين المدرسة المقدمية بالقرب من حارة الفرافرة تجاه قسطل الملك العادل غياث الدين وداخلها رباط للقلندرية «1» احتوى عليه الشيخ إبراهيم الأرمنازي ظلما وفي قرب قسطل شاهين بك مسجد صغير على الجادة المذكورة وفي هذه المحلة في الصف الموجه شمالا وكل من المسجدين والقسطل له من الأوقاف كفايته وفي هذه المحلة قسطل العوينة وكان تحت المسجد العمري المتقدم ذكره أما الآن فقد نقل إلى غربي الجادة الجديدة وغير طرزه وانخفض موضعه وصارت شفته مسامتة وجه الأرض وكانت مرتفعة عنها زهاء ذراع ونصف وكان بقرب القسطل القديم عن شماليه مدار وراءه فرن هدما توسعة للطريق المذكور ولم يبق في المحلة سوى مدارين على جادتها العامة وكان على يمنة السالك في الجادة الجديدة الآخذة من قسطل العوينة إلى الخندق في أواسطها عين ماء ضمن كهف في جبل الحوار قد ردمت في عمل الجادة ولم يبق لها أثر وأظنها هي العين التي صغر لفظها ونسبت إليها الجهة قال المرادي في ترجمة المرحوم عثمان باشا صاحب المدرسة الرضائية بحلب وشرقي دار المترجم العين المعروفة بالعوينة يقصدها المرضى يوم السبت قبل طلوع الشمس فيغتسلون بها ولها ذكر في الخواصات التي بحلب قلت قد بطلت هذه العادة وعادت نسيا منسيا وفي هذه المحلة دار الحكومة المعروفة بالسراي وهي بناء فسيح ضخم يشتمل على دوائر الملكية والعدلية ودار البريد والبرق والبلدية وثلاثة حبوس ودار العدلية مما أسسه أحد أغنياء اليهود ثم آلت لبني الجلبي ثم اشتراها المرحوم إبراهيم باشا المصري من بني الجلبي بأربعين ألف قرش وجعلها محلا لسكناه ثم صارت محلا لسكنى الولاة العثمانيين وفي حدود سنة 1391 جعلت دارا للعدلية وصار الولاة يسكنون في دور يستأجرونها من أهلها.
والخلاصة أن دار الحكومة التي يطلق عليها الآن سراي الحكومة عبارة عن دور متعددة متصلة ببعضها قد جعلت دارا واحدة ذات غرف ومقاصير وأبهاء خصص كل مكان منها بقسم من الحكومة الملكية والعدلية والضابطة والسجناء ومجموع ذلك يضاهي محلة عظيمة «2» .(2/309)
محلة الجبيلة (د) عدد بيوتها 137
يحدها قبلة حارة البياضة وشرقا خندق البلدة الذي صار الآن شارعها الأعظم وشمالا حارة خان السبيل وغربا شاهين بك ومستدام بك: عدد سكانها 1058 الذكور 516 والإناث 542 كلهم مسلمون، والجبيلة تصغير جبلة والمراد بها المقبرة لأن شرقيها ناشز كالجبل الصغير أو هي الكلتاوية الكبرى وما جاورها فإن تلك البقعة عالية كالجبل الصغير وعلى كل فإطلاق اسم الجبيلة على كل المحلة مجاز من باب إطلاق اسم الجزء على الكل ومن الناس من يسمي هذه المحلة بالجبيل تصغير جبل وهي محلة مرتفعة طيبة الماء والهواء وماؤها المعين يستقى بجبل طوله عشرة إلى خمسة عشر باعا وشرب أهلها من آبار يجري إليها الماء من قناة حلب.
آثارها
المدرسة الكلتاوية «1»
قرب باب القناة «2» على نشز من الأرض عن يسرة الداخل إلى المدينة بناها الأمير طقتمر الكلتاوي المتوفى سنة 787 وهو مدفون فيها وبنى إلى جانبها دارا كبيرة واسعة مرخمة وجعل تحتها إصطبلات واسعة ظاهرها حوانيت ووقف الجميع وأوقافا كثيرة على المدرسة وشرط أن يكون مدرسها وطلبتها على المذهب الحنفي. أقول: هذه المدرسة قد تغيرت رسومها وانطمست معالمها ولم يبق منها في هذه الأيام سوى ساحة محاطة بأربعة جدران يبلغ طولها 50 ذراعا في عرض 30 وفي جنوبها قبلية صغيرة تقام فيها الجهرية وجميع أوقافها(2/310)
مضبوطة ولها في السنة من جهة محاسبة الأوقاف 750 قرشا تصرف على شعائرها ودار الواقف داثرة لا عين لها ولا أثر ويوجد الآن في جانب المدرسة مقبرة للمحلة وعدة دور حقيرة لها ملاك معلومون وموضع هذه المدرسة من أنزه ما يكون في مدينة حلب داخل سورها لأنه نشز من الأرض يسامت قلعة حلب مقبل على المدينة وبرها إقبال الوجه على المرآة وهذه البقعة تعرف بالكلتاوية الكبرى وعلى صفها من جنوبها وشمالها ربوتان تعرف كل واحدة منهما بالكلتاوية الصغرى وأهل الكلتاوية الكبرى يستقون من آبارها ماء فيه ملوحة قليلة يصعد على وجه الأرض بحلب طوله ثمانية إلى خمسة عشر باعا وفي سنة 1270 هـ أحدث في هذا الزقاق الحاج محمد بن أحمد قازان والحاج عبد القادر بن محمد شيخ القهواتية صهريجا يجري إليه الماء من قناة حلب جعلاه سبيلا ووقفا عليه دارا ملاصقة له وفي الكلتاوية الصغرى الشمالية مكان يعرف بالأتابكية نسبة إلى عبد الله طغريل شهاب الدين الأتابك عتيق الملك الظاهر غياث الدين غازي نائب السلطنة بالقلعة الجبلية ومدبر الدولة بعد وفاة معتقه والمكان المذكور عبارة عن عمارة مبنية بالحجارة الهرقلية العظيمة وله باب عظيم موجه جنوبا قد نقش على نجفته بعد البسملة (هذا ما تقدم بإنشائه العبد الفقير لرحمة الله وكرمه الشاكر.... سعيد طغريل عبد الله الملكي الظاهري.... تقام فيه الصلوات الخمس وفي أوقاتها ويسكنه المدرس والفقهاء الحنفية على ما شرط في كتاب الوقف وإن قدر الله وفاته خارج مدينة حلب وقبر في الموضع المعد له ولابنه المقر المولوي الأعظم على ما شرط فلا يحق لأحد تغييره عما وضع له فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم وذلك في شهور سنة 620) أقول صحن هذا المكان يبلغ ثلاثين ذراعا في مثلها تقريبا وفي شرقيه قبلية رممت جديدا في جنوبيها قبر يقال إن الدفين فيه السيد علي الجواد ابن الإمام الباقر وفي شمالي الصحن بيت يسكنه أحد مشايخ الطرق ولم نطلع على وقف لهذا المحل.
يوجد تحت هذه العمارة مسجد تقام فيه الصلوات الخمس على يسرة الداخل من باب القناة يقال له مسجد الزركشي نسبة إلى رجل مدفون فيه معروف بالزركشي وهو غير شارح البخاري المشهور وليس لنا علم بترجمته ولا بتاريخ وفاته، وهذا المسجد عبارة عن قبلية فقط ليس له صحن وبعض سقف هذه القبلية قبة مبنية من الحجر على صفة مضلعة جميلة الصنعة.(2/311)
في السوق من الصف الموجه شرقا تجاه الكلتاوية الشمالية سبيل مكتوب على قنطرة بابه (فاعل هذا الخير الحاج عمر الطباخ تابع أحمد باشا) وقفه مخزن داخله ودكان في جانبه. وفي الجادة الآخذة من السوق إلى داخل المحلة على يمنة الداخل إليها قسطل منقور في الحوار يقال له قسطل الشعارة وهو من آثار (أحمد بن محمد الحلبي المشهور بابن مهان) المتوفي سنة 939 بذل على حفره وعمله 300 دينار وجعل في أعلاه بعض حجرات منقورة في الجبل برسم بعض الطلبة فلما سكن بها بعضهم أتلفت عليه كتبه بالرطوبة فتركها ولم يسكنها أحد بعده وفي الجدار الكائن على يسرة النازل إلى هذا القسطل مدفن فيه الواقف المذكور وفي شرقي هذا القسطل مدرسة العجمي وهي من إنشاء شمس الدين أبي بكر أحمد ابن أبي صالح عبد الرحيم ابن العجمي أنشأها سنة 595 وأنشأ فيها تربة وشرطها للشافعية والمالكية وقد زحف عليها الجيران بجيوش تعديهم فلم يبق منها سوى صحن تربة وشرطها للشافعية والمالكية وقد زحف عليها الجيران بجيوش تعديهم فلم يبق منها سوى صحن صغير وقبلية حقيرة وخلت من حجرات الطلبة وضاعت أوقافها إلّا قليلا تتداوله أيدي المتولين ويتصرفون فيه كما يريدون. وفي هذه المدرسة حجرة فيها ضريح رجل من العلماء المحدثين يقال له أبو ذر هو (أحمد بن إبراهيم) المحدث المؤرخ صاحب كنوز الذهب في تاريخ حلب المعروف بسبط بني العجمي وهذه المدرسة تقام فيها الجهرية وصلاة الجمعة والعيدين.
ومن آثار هذه المحلة مسجد أبي الشامات في الشارع المنسوب إليه تقام فيه الجهرية وتعلم فيه الأطفال وله من الريع كفايته ومنها مسجد بالجبيلة الصغرى وتربة أنشأهما إسكندر بن محمد بن محمد التركماني الحلبي المشهور بابن إيجق المتوفي سنة 897 ولم أعرف محلهما ومنها سبيل على باب مقبرة الجبيلة الشرقي لم أقف على خبر صاحبه وفي هذه المحلة عدة مزارات منها مزار الشيخ صامت في غربي مدرسة الكلتاوية الكبرى المتقدم ذكرها وفي مقبرة الجبيلة قبور جماعة من الأولياء والصالحين والعلماء منهم الحافظ أبو الحسن علي بن سليمان المرادي أحد الأولياء المكاشفين والأستاذ عبد الله بن علوان والشيخ أبو الحسن علي بن يوسف القاسمي والشيخ عبد الحق المغربي وغيرهم.(2/312)
محلة قاضي عسكر (خ) عدد بيوتها 73
يحدها قبلة وشرقا البرية وشمالا حارة المشاطية وحمزة بك وغربا حمزة بك عدد سكانها 649 نسمة، منهم 311 ذكرا و 338 أنثى كلهم مسلمون.
آثارها
جامع قاضي عسكر، فسيح جميل عامر بذكر الله تعالى تاريخ إنشائه بالجمل (مطالع النور جامع التقوى) سنة 1068، وفيها المسجد الصغير قرب علم الشرق، وسبيل في غربي جامع قاضي عسكر وقسطل عميق في غربيه، وفرنان، ومداران وثلاثة أتانين كلس ويلحق بهذه المحلة مقبرة قاضي عسكر وهي مقبرة فسيحة ويضاف إليها مذبح المواشي المعروف بالمسلخ وهو في البرية شرقي هذه المحلة.
تنبيه: الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل حمزة وهم أهل منزل معد لاستقبال الضيوف والمسافرين ووجيه هذه الأسرة السيد الفاضل الشيخ وحيد أحد أعضاء محكمة الحقوق وهو من الموصوفين بحسن الأخلاق والعفة والاستقامة.(2/313)
محلة ابن نصير (خ) عدد بيوتها 59
يحدها قبلة برية المسلخ التابعة حارة الضوضو وشرقا جادة جب قرمان وشمالا حارة خان السبيل وغربا خندق بالوج عدد سكانها 237 ذكرا و 280 أنثى جملتهم 517 نسمة كلهم مسلمون، ليس فيها من الآثار سوى مسجد ابن نصير، وسبيل جب القبة وهو بئر عليه قبة جميلة الصنعة، وفيها خمسة خانات للغلات وربط الدواب، ومدار واحد.
محلة الأبراج (خ) عدد بيوتها 94
يحدها قبلة جب قرمان وشرقا صاجليخان الفوقاني المعروف بهارون دده وغربا خان السبيل وشمالا شاكر آغا عدد سكانها 395 ذكرا و 432 أنثى جملتهم 827 نسمة كلهم مسلمون. ليس فيها من الآثار سوى مسجد الأبراج.(2/314)
محلة الشميصاتية (خ)
وتعرف أيضا بحارة سوق الدجاج حدها قبلة سوق بانقوسا وشرقا حارة ابن يعقوب وشمالا برية تربة الأعرابي وغربا حارة عنتر وهي خارج باب القناة ولفظة الشميصاتية محرفة عن (سميزاتلى) كلمة تركية معناها ذات اللحم السمين وكأن موضع هذه المحلة كان مكانا يباع فيه لحم الأغنام الجيدة عدد دورها 186 وعدد سكانها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 678/657/1335/مسلمون 5/7/12/روم كاثوليك 1/1/2/أرمن كاثوليك 7/5/12/روم 1/1/2/أرمن 692/671/1363/المجموع
أما آثارها فهي جامع الحدادين
هذا الجامع قديم جدا زعم بعض الناس أنه بنى لثمانين من الهجرة والدليل قائم على خلافه فإن جميع المحلات التي هي خارج الباب القناة حادثة في حدود القرن السابع وكان محلها قبل ذلك بساتين حتى إن بانقوسا كانت مخشبة لحلب كما صرح بذلك أبو ذر في تاريخه وقد نسب هذا الجامع للحدادين لأنهم كانوا يوجدون في السوق الذي على بابه وقيل نسبة للشيخ الحدادي الفقيه صاحب الجوهرة لأنه مدفون فيه وقيل المدفون فيه هو الشيخ الحداوي نسبة إلى حدة محل معروف بين جده ومكة المكرمة والله أعلم وعلى كل فهو جامع عظيم(2/315)
معمور بذكر الله تعالى واسع الصحن والقبلية له بابان أحدهما موجه شرقا ومنه ينفذ إلى سوق الدجاج والآخر موجه غربا وفي شمالي صحنه ثلاث حجرات وعند الباب الموجه غربا حجرة كبيرة وله منارة تحتها حجرة وكان في وسط صحنه حوض بني أو جدد سنة 1247 وكان على ظهره مصطبة فنقل إلى جهته الغربية وراء الباب الغربي سنة 1304 وعمل على ظهر مصطبة وأمام الباب الغربي ميضأة ينزل إليها بدرجات فيها مغسل وحوض يأتي إليه الماء من الجامع وفي سنة 1311 جددت جهة قبليته مما يلي الصحن وطلب مني تاريخ لها فقلت:
جهة لها بعد الدثور تجدد ... لا زال فيها ذو المعارج يعبد
لما تكامل حسنها أرخته ... هذا جدار بالبهاء مشيد
ولهذا الجامع من الأوقاف ما يبلغ ريعه في السنة نحو مائة ذهب عثماني.
بقية آثارها
مسجد صغير يعرف بالماملي محله طليعة الماملي عامر تقام فيه الجهرية وله في المحلة خمس دور يبلغ ريعها نحو ثلاثين ذهبا عثمانيا، وفي جادة سوق الدجاج مزار رجل من الصلحاء يقال له الشيخ إبراهيم الجركسي، في شرقي القشلة مزار قديم يعرف بمزار الشيخ إعرابي مشتمل على مسجد صغير وصحن واسع فيه عدة أضرحة لأسرة آل خير الله وفيه أيضا قبور بعض الأغنياء والمسجد معطل، وتجاه هذا المزار سبيل صهريج عليه بناء متهدم، وفي حارة سوق الدجاج في الجهة الموجهة قبلة قسطل يقال له قسطل العقرب تحريف الأقرب ينزل إليه بدرجات قديم له وقف يبلغ ريعه في السنة نحو 40 ذهبا جدد فوقه سنة 1277 مكتب لتعليم الأطفال.
الرباط العسكري المعروف بالقشلة
كان يعرف محله بالجبل الأحمر أسسه المرحوم إبراهيم باشا المصري سنة 1248 وذلك بعد دخوله إلى حلب وقيل إنه أسس قبله من قبل الدولة العثمانية وهو أتمه وعلى كل فإنه في سنة استيلائه على حلب شرع يهتم بعمارته فأمر بهدم ما أبقته الزلزلة من مباني القلعة(2/316)
وهدم كل بناء في البلدة مشرف على الخراب ليس لأحد فيه حق التصرف كالمساجد والزوايا والمدارس القديمة فهدم من ذلك شيء كثير ونقلت أنقاضه إلى هذا الرباط وحمل الناس على العمل به طوعا وكرها إلى أن كملت عمارته في غضون ثلاثة أعوام وهو بالحقيقة حصن حصين لا نظير له في معظم الممالك العثمانية من جهة تسلط موقعه على البلدة ومن جهة سعته وكثرة حجراته وقد عهدنا أرض صحنه كثيرة الصخور البارزة وقد دام الاهتمام بقطعها مدة طويلة حتى استقامت أرضه.
وفي حدود سنة 1297 ابتدأ العمل بتجديد بعض جهاته وتعميرها على النسق الجديد وكانت قبل ذلك بناء ذا طبقتين سفلى وعليا سقفهما خشب فشرعوا في السنة المذكورة بتعمير هاتين الطبقتين عمارة جميلة ذات أروقة عظيمة وأبواب واسعة وغرف جميلة وقصور بارزة وجعلوا سقف ذلك كله أزجا من الحجر الذي نقل إليها من أنقاض القلعة وأسوار البلدة وكملت جهاته الشرقية والجنوبية والشمالية وعمر فيه فرن ورحى ووضعت فيه آلة للعجين تدور بالدواب وبنى فيه مكان لنسج الأقمشة التي يحتاج إليها الجند ومكان لعمل الأحذية فصار كأنه بلدة صغيرة مستقلة له بابان جنوبي لجهة البلدة وشمالي إلى البرية طوله من الجنوب إلى الشمال من ظاهره ثلاثمائة وأربعون ذراعا وعرضه من الشرق إلى الغرب كذلك مائة وتسعون ذراعا تقريبا ومساحته 64700 ذراعا وقد اشتهر هذا الرباط «1» باسم الشيخ يبرق وهو رجل من الصالحين مدفون في زاوية يدخل إليها من أواسط الجهة الغربية من هذا الرباط وكانت زاوية عظيمة أنشأها السلطان الملك الظاهر خشقدم بتولي الشيخ محمد خادم الشيخ يبرق وفوض أمرها إليه وبقي بقية يسيرة من عمارتها ومات السلطان ولم تكمل وكان بها شبابيك من النحاس الأصفر المحكم الصناعة وهي وقف على أهل الطريقة الأحمدية ثم تهدم بناؤها وكاد يبقى أثرا بعد عين واستمر كذلك إلى سنة 1239 وفيها جددها والي حلب محمد أمين وحيد باشا المكتوب اسمه على بابها عمرها عمارة متقنة وجعلها زاوية ومسجدا ورفع لها منارة ثم في حدود سنة 1290 نقل إلى جامعها منبر جامع المقام الأسفل في القلعة وصارت تقام فيه صلاة الجمعة والعيدين. في غربي الجامع إلى شماليه قبة فيها قبر الشيخ يبرق وتجاه باب الجامع قبر كتب على سنامه (هذا ضريح المرحوم الشيخ علي ابن الشيخ مصطفى شيخ التكية البراقية انتقل بالوفاة إلى رحمة الله سنة 1180)(2/317)
في غربي الجامع إلى جنوبيه قبة فيها دولاب يجري ماؤه إلى حوض متصل بالجامع من غربيه وإلى قسطل في جنوبي الرباط وفي شمالي الجامع إلى الغرب عمارة واسعة لخزن البارود وعتاد الحرب يسمونها جبخانة وتجاه الباب الجنوبي من الرباط إستحاكم عمل بستانا للرباط طوله 190 ذراعا وعرضه 50 تقريبا وفي شمالي الرباط في البرية على بعد غلوة منه رحى تدور بالهواء من إنشاء المرحوم إبراهيم باشا المصري كانت معطلة فصلحت سنة 1295 ثم عطلت. ظفرت بكتاب وقف زاوية الشيخ يبرق فأحببت إثبات صورته هنا كما هي بالحرف إلا ما لابد من حذفه وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين: الحمد لله الذي جعل القربات لاكتساب الدرجات داعية. ويسر أسباب النجاة لمن له بصيرة وأذن واعية. ووفق من أحبه فلم ينس له نصيبه من هذه الدنيا الفانية. وتزود منها لسفره البعيد شوقا إلى جنة عالية قطوفها دانية. وتبع قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد يدعو له فنهض إلى العمل بنية غير وانية. وقدم على الكل الصدقة الجارية. نحمده على أن وقفنا لنعمه الغزيرة وندبنا إلى تحصيل حسان الحسنات الأثيرة.
فقال في محكم آياته التي بخير الدنيا والآخرة منيرة. من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تمحو من السيئات مسطورا وتكتب من الحسنات سطورا. وتسقي قائلها كأسا كان مزاجها كافورا. وأشهد أن محمدا عبد ورسوله أرسله شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. وصلى الله على مولانا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
صلاة دائمة إلى يوم قيام الأشهاد بكرة وأصيلا. أما بعد فهذا مكتوب شرعي معتبر محرر مرعي مضمونه إنه وكل مولانا المقام الشريف الإمام السلطان الملك الظاهر سلطان الإسلام والمسلمين. محي السنة في العالمين. منصف المظلوم من الظالمين. قاتل الكفرة والمشركين.
مبيد الطغاة والمارقين. قاهر الخوارج والمتمردين. جامع كلمة الإيمان. قامع عبدة ...
وارث الملك سيد ملوك العرب والعجم والترك ظل الله الوارف رحمته للبادي والعاكف.
وناصر دينه الذي قطعت الآراء بتفضيله ولا مخالف. ملك البرين والبحرين. خادم الحرمين الشريفين. أبو سعيد خوش قدم خلد الله تعالى ملكه ونصره. وكبت عدوه وقهره.
وجدد له في كل وقت نصرا. وملكه بساط الأرض برا وبحرا. هو مولانا المقر المولوي(2/318)
العالمي المدبري المشيري المفيدي الأصيلي اليميمني العريقي الأشرفي نخبة الملوك اختيار السلاطين. محب العلماء كهف الفقراء والمساكين أبو عمر بن موسى ابن الجناب المرحوم نوري أبي الحسن علي الأنصاري عظم الله تعالى شأنه ورفع محله الشريف وصانه وكيل مولانا المقام الشريف المنوه باسمه الشريف نصره الله سبحانه نصرا عزيزا وفتح له فتحا مبينا ووكيل بيت المال المعمور الملكي الظاهري المشار إليه أعلاه في الوقف على زاوية الشيخ الصالح الورع الزاهد العابد الناسك شمس الدين محمد بن أحمد بن محمود الرفاعي الأحمدي المعروف بالشيخ يبرق على ما رغب في ابتياعه من بيت المال المعمور وتقويم ذلك ووقفه عليها بمقضى الخط الشريف وهي نصف قرية كفر دريان من حارم وجميع الحصة التي قدرها ثمانية أسهم من 24 سهما شائعا من جميع أراضي قرية معراتا من حارم ولكاملها حدود أربع من القبلة قرية كفر بطره والفاصل بينهما عين علي التل من جهة الشرق ومن الشرق قرية بابليت والفاصل بينهما طريق سالك وتمامه قرية كفر شيد والفاصل بينهما طريق سالك وتمامه قرية كفر شيد والفاصل بينهما أشجار زند في ثلاثة مواضع ورصيف ينزل إلى الوادي ثم شجر زعرور ثم اجتماع النهرين ثم جبل بلان فيه الصخور المنقوشة ومن الشمال قرية الحديدي والفاصل بينهما جبل لقلب الماء ومن الغرب أراضي قرية كفر دار والفاصل بينهما تل حجارة وتمامه شجر زيتون على طريق السالك وجميع الحصة التي قدرها النصف كاملا اثنا عشر سهما من أصل أربعة وعشرين سهما هي جميع أراضي قرية كفر دريان من حارم ولكاملها حدود أربع فمن القبلة أراضي قرية ماعز والفاصل بينهما الوادي ومن الشرق سرفود وسرمدا والفاصل بينهما سلسلة وشمالا أرض بايطه والفاصل بينهما الجبل ومن الغرب بايعيان والفاصل طريق سالك وجميع الحصة الشائعة وقدرها النصف كاملا اثنا عشر سهما من أصل أربعة وعشرين سهما هي جميع القرية وأراضيها المعروفة بعليصه من إعزاز ولكاملها حدود أربع من القبلة مزرعة تل الشعير ومن الشرق كذلك وتمامه مزرعة بعنديد ومن الشمال أرض مزرعة البريج وتمامه مزرعة نابل وتمام الحد الشمالي أرض حاسين وطاحونها ومن الغرب مزرعة فافين وجميع الحصة التي قدرها تسعة أسهم من أصل أربعة وعشرين سهما وهي الربع والثمن من مزرعة طومان من الباب ولكاملها حدود أربع من القبلة أرض مزرعة القبيبات والفاصل بينهما أرض مجمع النهور ووادي الحيات هو من جملة أراضي طومان ومن الشرق أرض قرية عين برزة والفاصل بينهما الجب المعروف بالرومي بأعلاه رجم حجارة وتمامه أرض قرية البيرة والفاصل بينهما تربة الشهيد ومن الشمال أرض مزرعة وادي(2/319)
التين والفاصل طريق سالك آخذ إلى تادف وتمام الحد الشمالي أرض مزرعة البسلية والفاصل قناة مزرعة طومان ومن الغرب مزرعة دير قاق والفاصل رابية وتمام الحد العين والفاصل الجبل وجميع الحصة التي قدرها الثمن ثلاثة أسهم من أصل أربعة وعشرين سهما من أراضي قرية تلتانة القبلية ومزرعتها المعروفة بالديباجية من إعزاز ولكاملها حدود أربع من القبلة أراضي مزرعة عبلة والفاصل سلسلة حجارة ومن الشرق أرض مزرعة الدوير والفاصل جبل برجوم ومن الشمال أراضي مزرعة تلتانة الشمالية وأراضي الغور والفاصل بين تلتانة الشمالية وتلتانة القبلية سلسلة حجارة ورجمان من الحجر وآثار معصرة ورجم حجارة مستديرة صفة مصلى والفاصل بين الغور وتلتانة القبلية سلسلة حجارة ورجوم صخر منقور يجتمع فيه ماء المطر في الشتاء يسمى برام ومن الغرب أراضي مزرعة التويس والفاصل رجم حجارة وجميع الحصة التي قدرها ربع وثمن فدان من جملة أراضي قرية أطعانا من إعزاز ولكاملها حدود أربع من القبلة أرض مزرعة البريج والفاصل جبل وتل صوص وتمامه أرض قرية جوبه والفاصل سلسلة حجارة ومقطع حوارة ومن الشرق أرض تل عين والفاصل رجم صغير يعرف برجم المقسم وتمامه مزرعة عبلة ومن الشمال أراضي مزرعة عبلة والفاصل أصيار وتمام الحد الشمالي أراضي مزرعة كتيان والفاصل طريق آخذ إلى سروج المضيق ومن الغرب أراضي سروج المضيق والفاصل سلسلة حجارة والحجر المعروف بحجر الدريجات وتمامه أراضي مزرعة قرامل والفاصل سلسلة حجارة وتمام الحد الغربي أرض مزرعة بابل والفاصل تل صوصو وجميع الحصة التي قدرها الثلث ثمانية أسهم من أصل أربعة وعشرين سهما هي جميع القرية وأراضيها المعروفة بمعراتا الخشب من الجومة وشهرتها تغني عن تحديدها وجميع القرية وأراضيها المعروفة بقرية كدلج وتعرف بقرية ماجق من تل صوص وجميع الحصة الشائعة التي قدرها الثلث ثمانية أسهم من أصل أربعة وعشرين سهما هي جميع القرية وأراضيها المعروفة بقرية كجك كسرى وللقريتين المذكورتين شهرة في موضعهما تدل عليهما وتغني عن تحديدهما فالذي وقفه الجناب الشريف مولانا المقر المولوي السلطاني الملكي الظاهري السيفي أعلاه الله تعالى بحقوق ذلك كله وطرقه وأراضيه وسهله ووعره وأقاصيه وأدانيه ومسارحه ومراعيه ومغره وصهاريجه بكل حقوق ذلك وداخل الحد وخارجه معروف به ومنسوب إليه من سائر الحقوق الواجبة وقفا صحيحا شرعيا وحبسا مخلدا مؤبدا مرعيا متصلا للإبتداء والوسط والانتهاء فابتدأ ما شرطه ووقفه على مصالح الزاوية الكائنة بخارج حلب المحروسة ببانقوسة بحارة ابن ماجة التي آنسها المرحوم الشيخ يبرق(2/320)
ووقفها معبدا لله سبحانه وتعالى فيها الصلوات والذكر والعبادات ويأوى إليها الفقراء من أمة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم المشتملة على حوش سماوي به بيتان وصهريجان وبئر ماء معين وبئر ماء من قناة حلب بسربس وبغل يدور به ويسقي به أشجار الزاوية وتعين سبيل المسلمين وغير ذلك وحرم مشتمل على بوابة مقنطرة وبوابة مربعة وأربعة أواوين متقابلات وأربع خلاوي سفلية وخلوة علوية بدرج وسقف معلق من نحيت ومحراب وقبة ومائة قنديل بسلاسل نحاس وأعلام وسرج وشبابيك حديد وأبواب ومنافع ولكاملها حدود أربع من القبلة مقام سيدي الشيخ أغلغان خليفة الشيخ يبرق وأخيه الشيخ محمد البراقي وقبره من حجر مكتوب عليه آية الكرسي ويليه ساحة سماوية وشرقا أراضي كشف وتمامه بئر ماء وشمالا أرض خال عن الغراس ذرعها ثمانون ذراعا بالذراع النجاري وغربا طريق سالك وإليه يفتح أغلاق الزاوية المباركة وما فيها من الفرش والتنوير وسماط في ليالي الجمعة وغير ذلك للفقراء الساكنين فيها من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وشرط الواقف أسبغ الله سبحانه فضله عليه أن يبدأ المتولي من ريعه بعمارته وما فيه النماء ومصالح الزاوية النفيسة والعمارة الأنيسة حرست آثارها عن الدروس وحفظت أنجمها عن الطموس وما فضل بعد ذلك من ريع الوقف فيصرفه في مصالح الزاوية والفقراء وتنوير القناديل وغير ذلك من لوازم أمور الزاوية وإطعام الفقراء الساكنين بها وما فضل من ذلك يدفعه لأولاد الشيخ المنوه بذكره يستوي فيه الذكور والإناث قرنا بعد قرن ونسلا بعد آخر فمن فعل خلاف ذلك فالله طليبه وحسيبه وآخذه إليه ومخاصم به لديه يوم الطامة يوم الآزفة يوم التناد يوم عطش الأكباد يوم تبيض وجوه الأتقياء الأبرار وتسود وجوه الأشقياء الفجار يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار يوم يتجلى فيه الجبار لعباده المصطفين الأخيار ويجزيهم جنات تجري من تحتها الأنهار فنعم عقبى الدار وكتب ما هو الواقع في الثامن من شهر رجب الفرد من شهور سنة إحدى وسبعين وستمائة. وفي هذه المحلة حمامان أحدهما يقال له حمام الأفندي جار في أوقاف التكية المولوية والآخر يقال له الحمام الجديد عمره خاص بك ابن يوسف سنة 810 ووقفه على الخيرات وفيها أربعة مدر وخان يعرف بخان سنو يقال إنه كان في محله المحكمة الشرعية الشافعية وفيها خان آخر اسمه خان الزهر.(2/321)
تنبيه: يلحق بهذه المحلة مقبرة إعرابي وتربته التي ألمعنا إليها في الكلام على هذه المحلة ويلحق بها أيضا قرية بابلي المعروفة الآن ببستان الخربة الجاري في أملاك ورثة المرحوم (محمد أفندي الجابري) وهو يشتمل على مسجد كان هو مسجد القرية قبل خرابها وله عدة أوقاف منها ما وقفته الحاجة زليخا بنت الحاج أحمد ابن الحاج خير الدين وهو ست كدنات من ستة بساتين متصلات ببعضها وهي في مزرعة كوكرد ظاهر حلب والخرائر بسهم الغول والدكة وسهم الحاج علي وكلها في مزرعة البريكات تاريخ كتاب وقفها سنة 1159.
ويلحق بهذه المحلة مشهد الشيخ فارس وقد تكلمنا عليه في ترجمة (أبي بكر النصيفة) فراجعه.(2/322)
محلة الملندي (خ)
يحدها قبلة حارة المشاطية وشرقا حارة الدلالين وشمالا برية إعرابي وغربا حارة ابن يعقوب عدد بيوتها 111 ونفوسها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 422/459/881/مسلمون 12/11/23/روم كاثوليك 434/470/904/المجموع
آثارها
مسجد الملندي وفيه مزار للملندي وسبيل صهريج عليه بناء يعرف بسبيل سيف الدين داخل الحارة ومزار سيف الدين هذا داخل دار مملوكة وسبيل الملندي في سوق المشاطية صهريج عليه بناء وخان يعرف بخان البصل لبيع الغلات وخانان لربط الدواب.(2/323)
محلة أغير (خ) عدد بيوتها 313
يحدها قبلة حارة الماجي وكوجك كلاسه وشرقا وشمالا البرية وغربا العاشور. ولفظة أغير محرفة عن آق يول وهي كلمة تركية مركبة من كلمتين آق معناها الأبيض ويول معناها الطريق وتركيبها العربي الدرب الأبيض وسميت هذه المحلة بهذا الاسم لأنها كانت قبل عمرانها طريقا أبيض من الحوار وقيل أصل أغير آغايولى أي طريق الآغا والمراد به أمير سكان تلك المحلات من الأتراك وهي محلة مرتفعة جيدة المناخ كثيرة الماء يجري إليها من قناة حلب والغالب على أهلها الثروة وأكثر باعة الفحم وتجاره في حلب من أهل هذه المحلة وهم يشاركون الأكراد ويجلبون بواسطتهم المبالغ الوافرة من الفحم وهم أهل عصبية وكلمة نافذة أما عدد سكان هذه المحلة فهم:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 661/676/1337/مسلمون 409/371/780/روم كاثوليك 117/104/221/أرمن 12/9/21/روم 19/19/38/أرمن 14/7/21/لاتين 1/2/3/كلدان 107/95/202/سريان 58/42/100/موارنة 2823 المجموع(2/324)
آثارها
تكية بابا بيرام
خارج المحلة في شماليها تجاه المقبرة وهي تكية قديمة مشروطة لأهل الطريقة القلندرية عمرت سنة 764 وبابا بيرام هو أحد مشاهير مشايخ هذه الطريقة توفي في السنة المذكورة ودفن في شمالي هذه التكية وعمل على قبره حجرة وكتب على بابها هذا مشهد قطب العارفين بيرام بابا ابن الخواجه أحمد اليسوي ابن يوسف الهمداني انتقل في سنة 764 ورأيت في جانب قبره شمعدانا من النحاس الأصفر منقوشا بعض كلمات بقلم فضى منها (اللهم أبد وخلد دولة السلطان الأعظم والخاقان الأعدل أبو النصر سلطان بهادر) ورأيت أيضا فرمانا من أحد سلاطين العراق الحيدرية مذيلا بتوقيع السلطان حسن الطويل محررا باللغة الفارسية فآثرت تعريبه وإثباته وهو «المقر الحكم ميرزا أبو النصر بهادر» وبعد هذه العبارة (حالا شيخ تكية بابا بيرام) وبعدها. قد أمرنا الدرويش محمد بالرجوع إلى ما عيناه به من طعام الفقراء القلندرية ورفقناه بالدرويش عيسى ليكونا يدا واحدة في حسن القيام ويمن التوجه والسعي كي تدوم الخانقاه معمورة كما كانت ويبقى الفقراء والدراويش محفوظين في الأمان ويكونا كالأخوين في خدمتها فاسعوا باكتساب مرضاتنا ولا تخرجوا عن حدود إشارتنا واعتمدوا على آثار تحريرنا الواصل إليكم المؤرخ في غرة محرم الحرام سنة 877 الختم «الواثق بالملك الرحمن حسن بن علي بن عثمان» ومكتوب على باب التكية «هذه تكية باب بيرام اليسوى أنشأها على ضريحه ملك العراقين وخرسان وفارس جنتمكان السلطان حسن بن علي شاه ابن عثمان خان عليهما رحمة الرحمن في محرم سنة 871» أقول هذه التكية الآن معمورة وهي عبارة عن صحن واسع يبلغ خمسين ذراعا في مثلها تقريبا حجرتان في جنوبيه قبلية يسمونها الميدان وهي محل إقامة الذكر جددت سنة 1046 وفي غربيها حجرتان للدراويش وفي شرقيها بيت لجلوس الشيخ وفي شماليها صفة فيها بعض القبور في غربيها عرصة فيها أشجار وشرب التكية من دولاب في هذه العرصة ماؤه من قناة حلب يأتي في سرداب رأسه من قناة بردبك وللتكية من الأوقاف مزرعة قرية عندان وقليل من الحوانيت في حلب وتبلغ غلة وقفها زهاء خمسة عشر ألف قرش وكان الذي يتولى هذه التكية ووقفها ومشيختها دروايش الطريقة القلندرية فكان أمرها مهملا عند الحلبيين لا يتردد إليها سوى قليل منهم ثم في سنة 1220 اتصل ببعض شيوخها (هاشم ابن الحاج يوسف الكلاسي) وصار بينهما(2/325)
مصاهرة ثم تولى هاشم أمر التكية وبعد وفاته آلت مشيختها لأولاده الذين منهم المرحوم (الشيخ عبد الحميد دده) ففرغ المشيخة على ابن بنته الذي هو شيخها المتوفي هذه السنة وهي سنة 1341.
واعلم أن طائفة القلندرية تنسب إلى الشيخ جمال الدين محمد الساوجي الزاهد قدم دمشق وقرأ القرآن والعلم وسكن بجبل قاسيون بزاوية الشيخ عثمان الرومي وصلى بالشيخ عثمان مدة ثم حصل له زهد وفراغ من الدنيا فترك الزاوية والمجلس وأقام بمقبرة باب الصغير قرب موضع القبة التي بنيت لأصحابه وبقي مدة مديدة في قبة زينب بنت زين العابدين فاجتمع فيها بالجلال الدر كزيني والشيخ عثمان كوهي الفارسي الذي دفن بالقنوات بمكان القلندرية ثم أن الساوجي حلق وجهه ورأسه فانطلى على أولئك حاله فوافقوه وحلقوا ثم فتش أصحاب الشيخ عثمان الرومي على الساوجي فوجدوه فسبوه وقبحوا فعله فلم ينطق بشيء ولا رد عليهم ثم اشتهر وتبعه جماعة وحلقوا وذلك في حدود سنة 620 ثم ليس دلق الشعر وسافر إلى دمياط فأنكروا حاله وزيه المنافي للشرع فبقى بينهم ساعة مطرقا ثم رفع رأسه وإذا هو بشيبة كبيرة بيضاء فاعتقدوه وافتتنوا به حتى قيل إن قاضي دمياط وأولاده وجماعة حلقوا لحاهم وصحبوه ثم توفي في دمياط ودفن بها وقبره مشهور وذكر ابن إسرائيل الشاعر أن هذه الطائفة ظهرت بدمشق بعد سنة 610 والله أعلم.
ومن آثار هذه المحلة: مدفن يقال له مشهد الصوفية في جنوبي التكية المتقدم ذكرها باتصاله جدد بابه الشيخ عبد الحميد المذكور آنفا سنة 1297 وفيه عدة قبور منها قبر الشيخ محمد بن قاسم بن أوس الصوفي الأربلي ورأيت فرمانا مذيلا بتوقيع صورته (الواثق بالملك الظاهر عبده إسماعيل الملك الظاهر) تاريخه سنة 808 وهو يتضمن أن ثلاثة أرباع قرية تل حبش وقف على هذه التربة. ومن آثار هذه المحلة جامعها الشهير وهو جامع الأجه بك أنشأه المذكور في حدود سنة 966 وأنشأ تحته قسطلا عمل له مجرى وحول إليه ماء القسطل الأسود الآتي ذكره ثم أعاد فائضه إلى القسطل الأسود في مجرى وحول إليه ماء القسطل الأسود الآتي ذكره ثم أعاد فائضه إلى القسطل الأسود في مجرى جدده وهو جامع فسيح عال يصعد إليه بدرجات وله منارة ومحله قرب السوق الجنوبي من المحلة في شرقي الجادة وله من الأوقاف ما يقوم بكفايته وفي زلزال سنة 1237 انهدم معظمه وجدد من أوقافه بمعونة من أهل الخير وهو جامع المحلة.
ومن آثارها أيضا مسجد التينة وهو من أقدم مساجد هذه المحلة وله من الأوقاف كفايته(2/326)
وهو في غربي المحلة ويقال أن بانيه هو خالد ابن أبي بكر ابن محمد ابن العالم المشهور بالولاية الشيخ عبس الريحاوي السرجي الصوفي الخرقة نزيل حلب وبيت الطباخ الآن ينتسبون إليه وإن قدوم خالد من سرجه إلى حلب كان في أواخر القرن التاسع وقد توطن هذه المحلة وهو أول من عمر بها وكانت قبل ذلك برية. ومن آثارها أيضا القسطل الأسود لحجرة سوداء مبنية فيه وهو قسطل قديم جدا كان موجودا قبل عمران المحلة حتى قيل أنه كان يسمى قسطل المرجه لما كان يوجد حوله من المرج المنبسط أيام كان موضع هذه المحلة برية وكان مجرى هذا القسطل مختصا به ثم حوله ألاجه بك إلى قسطله كما تقدمت الإشارة إليه.
وفي جانب هذا القسطل مسجد كان قبلا مصلى مكشوفا ثم عمره أهل الخير. وفي السوق الجنوبي من هذه المحلة زاوية يفتح بابها إلى الغرب تعرف بزاوية المصريين لها قبلية تعلم فيها الأطفال ولا يعلم لها وقف. وفي هذا السوق أيضا سبيل ينسب لبيت الوتار له من الأوقاف كفايته. ومما يلحق بهذه المحلة مسجد البختي وهو خارج بابها في البرية شرقي تكية بابا بيرم إلى الشمال بينهما قدر غلوة والمشهور أنه من آثار المرحوم السلطان الملك الظاهر البندقداري وكان أشرف على الخراب وكادت تنطمس معالمه إلى أن أمر بعمارته السلطان عبد الحميد خان الثاني وعمل له منبرا ومنارة وصارت تقام فيه الجمعة إلا أنه ليس له من الريع شيء معلوم وقد كتب على بابه بعد انتهاء عمارته تاريخ من نظم أخي الشيخ بشير رحمه الله:
انظر إلى آثار رحمة ربنا ... أحيا الموات وعاد بالإحسان
وإلى صنيع مليكنا الغازي الذي ... سعد الزمان به وكل مكان
فلأمة المختار جدد جامعا ... حتى تقام عبادة الرحمن
فلتغتبط إذ أرخوه بعيدها ... قد شاده الملك الحميد الثاني
والجهة التي يوجد فيها مسجد البختي كانت تسمى الرمادة وكانت محلة كبيرة كالمدينة متصلة بها وقد ذكر فيها عن ابن شداد أنها كانت تشتمل على 34 مسجدا ومن آثار هذه المحلة مسجد قديم داثر في جنوبي جامع ألاجه بك يعرف بمسجد بلنكو وقيل هو مسجد بكتوت سعى بتعميره أهل الخير. وفي هذه المحلة أربعة بيوت قهاوي ومداران وثلاثة أفران وخمسة خانات وحمام جار بأوقاف ابن عيد. وذكر ابن الحنبلي في تاريخه در الحبب في ترجمة (عز الدين بن يوسف الكردي) أن داخل محلة آق يول حوض كبير من آثار عز الدين المذكور ومحله هو القسطل الأسود الذي تكلمنا عليه.(2/327)
حارة الألماجي (خ) عدد بيوتها 108
يحدها قبلة تراب الغربا وشرقا الماوردي وشمالا أقيول وكوجك كلاسه وغربا قسطل المشط والشرعسوس عدد سكانها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 203/210/413/مسلمون 175/146/321/روم كاثوليك 50/35/85/أرمن كاثوليك 14/18/32/روم 26/33/58/أرمن 4/2/6/بروتستان 4/9/13/لاتين 6/7/13/كلدان 66/55/121/سريان 25/14/39/موارنة 573/528/1101/المجموع
آثارها
جامع الميداني
أكبر جوامع هذه المحلة تقام فيه الصلوات والجمعة وهو جامع واسع معمور يوجد في دهليزه مدفن فيه مزار ولي اسمه الشيخ عبد الله وباني هذا الجامع هو (حسين بن محمد(2/328)
الحلبي الشهير بابن الميداني) لأن أباه كان قيم الميدان الأخضر المتوفي سنة 934 وقد وقف على جامعه هذا أوقافا جليلة وعمر له حوضا في داخله وآخر على بابه وكانت منارة الجامع فوق الحوض الخارجي فلما آلت إمامة الجامع وتوليته إلى العارف بالله (محمد بن خليل المعروف بابن قنبر) المتوفي سنة 961 رأى المنارة قد اختل نظامها فنقضها دورا إلى أن انتهى بها ثم أمر المعمار أن يبنيها دورا إلى تمامها داخل الجامع تجاه باب قبليته. وهو الآن عامر الشعائر وله من الأوقاف ما يقوم بضرورياته ولكنه متوهن البناء محتاج للترميم. وفي سنة 1324 سخر الله له أناسا من أهل الخير فسعوا بجمع إعانة من المسلمين صرفوها على توسيع حوضه وتجديد بابه وفي سنة 1221 وقف الحاج عبد الرزاق ملحيس ثلاث دور ودكان شرطها بعد انقراض ذريته لهذا الجامع.
ومن آثار هذه المحلة: مسجد سيه جان «1» في زقاقه أنشأه الخواجه أحمد وجدده ابن ابنه الحاج أحمد ناصر الدين ابن الشيخ إسحاق المعروف بابن سيه جان وشرط له عدة خيرات في وقف كبير وقفه عليه سنة 985 وهو الآن معمور بذكر الله تعالى تقام فيه الصلوات الجهرية وتتلى فيه ربعة بعد صلاة الصبح وهي مما شرطه الواقف المذكور. وهناك عدة شروط خيرية معطلة والوقف لم يبق على حالته بل لعبت به أيدي المغتصبين والمتغلبين.
ومن الآثار في هذه المحلة، مسجد الفرّاء المتخذ زاوية لخلفاء الشيخ الأنجق وهو مسجد أنشئ في حدود الألف وله من الأوقاف كفايته وقد وقف عليه سنة 1201 علي بن إبراهيم ابن الحاج طه المشهدي وقفا حافلا شرط أن يصرف من غلته في كل شهر 15 قرشا إلى 30 قارئا يختمون القرآن في كل يوم بعد صلاة الصبح في المسجد الزاوية المذكور وشرط نصف القرش في كل شهر لنقطه جي وهو الإمام وقرشا للجابي وما فضل بعد التعمير والترميم يصرف في وجوه البر والصدقات ومن جملتها طعام للمختلين خلوة الأربعينية في المسجد الزاوية المذكورة وشرط التولية على وقفه هذا لنفسه مدة حياته وبعده لأولاده ثم لأعقابه وأنسالهم فإذا انقرضوا فلشيخ الزاوية وإذا انهدم المسجد فتنقل القراء لجامع قسطل الحرامي ويتولى الوقف إمام جامع قسطل الحرامي وهو النقطه جي وبانهدامه يتولى الوقف حاكم الشرع بحلب. في هذه المحلة حمام يعرف بحمام الألماجي تجاه مسجد الفرا بميلة إلى(2/329)
الشمال وهو أي الحمام وقاسارية في حارة المحب مما وقفه سنة 955 وسنة 992 الحاج بدر الدين ابن الخواجكي الكبير العريقي الصارمي ابن الحاج رجب بن حميد وشرط في وقفه هذا أن يدفع في كل شهر من العثمانيات 60 لقارئين يقرآن ما تيسر من القرآن في تربة والده بمحلة البندرة و 30 للمتولي ويعمل في كل سنة خمسون رطلا من السميد أقراصا بالسمن والعسل وتفرق على الفقراء ويشتري في عيد الأضحى عدة أضاحي. ومن الآثار في هذه المحلة أيضا مسجد قرب باب محلة الشرعسوس من شرقيه يقال له مسجد الفتال له من الأوقاف كفايته وتقام فيه الجهرية. وفي هذه المحلة أربعة قساطل وهي قسطل الميداني تجاه جامعه وقسطل البازرباشي وقسطل الفرا تجاه مسجده على صف الحمام وقسطل الفتال شرقي مسجده وفيها فرنان ومدار وعدة قياصر.(2/330)
حارة الشرعسوس (خ) عدد بيوتها 99
يحدها قبلة الألماجي وحارة قسطل المشط وشرقا الألماجي وشمالا قسطل الحرامي وغربا حارة البساتنه وعدد سكانها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 55/53/108/المسلمون 196/190/386/الروم الكاثوليك 92/88/180/الأرمن الكاثوليك 9/3/12/الروم 4/1/5/الأرمن 4/1/5/البروتستانت 12/9/21/اللاتين 66/44/110/السريان 9/19/28/المورانة 855/المجموع لا أعرف وجه تسمية هذه المحلة بهذا الاسم قيل هو محرف عن كلمة شريعتلى أي المتشرع والصحيح أن هذه اللفظة كانت تطلق على جميع المحلات الكائنة بين أقيول وساحة التنانير. وأما آثار هذه المحلة فهي قسطل في وسطها يعرف بها. وذكر في بعض الأوراق السلطانية بقسطل بنقوس ولا يعلم له وقف، وفيها أيضا مسجد يعرف بزاوية الشيخ عبد الله محله شمالي المحلة تصلى فيه الجهرية ولا يعلم له وقف. وفيها كنيسة قرب المسجد المذكور لطائفة الروم الكاثوليك بنيت في حدود سنة 1250 على اسم القديس جرجس المعروف بالمار جرجس يزوره جميع طوائف النصارى في يوم معلوم من نيسان وينذرون له النذور وبعض النساء يمشين إليه حفاة.(2/331)
حارة قسطل المشط (خ) عدد بيوتها 53
يحدها قبلة حارة جسر الكعكة وشرقا الألماجي والقواس وشمالا الشرعسوس والبساتنه وغربا حارة الأكراد وعدد سكانها:
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 98/116/214/المسلمون 29/42/71/الروم الكاثوليك 23/18/41/الأرمن الكاثوليك 15/13/28/الروم 16/10/26/الأرمن 3/2/5/البروتستان 2/1/3/اللاتين 14/8/22/السريان 15/10/25/الموارنة 435/المجموع لا يوجد في هذه المحلة من الآثار الخيرية سوى قسطل المشط الذي تضاف المحلة إليه ولا يعرف له وقف ومسجد قسطل المشط تجاهه وله من الوقف ما يقوم بضرورياته وباني المسجد والقسطل واحد وفي المسجد تقام الصلوات الخمس وهو مشتمل على حوض استحدث سنة 1312 من وصية امرأة من المسلمين مكتوب على باب القبلية ما صورته:
بنى قاسم بن المشط أكرم ماجد ... ومن يرتقى العليا به والمكارم
بصدق لوجه الله أشرف مسجد ... ومن يفعل الخيرات فالله عالم(2/332)
وهذا له عند الكريم ذخيرة ... وأعظم أجر للقيامة دائم
دليل قبول الخير جاء مؤرخا ... بنى مسجد التقوى وللدين قاسم
1047
وفي غربي هذا المسجد داخل المحلة مغار كبير يؤجر للفتالين وتؤخذ غلته للمسجد.
وفي شهر رجب سنة 1313 أحدثت في هذا المسجد منبرا وحصلت على إذن الحاكم الشرعي بإقامة الجمعة فيه.(2/333)
حارة البساتنة (خ) عدد بيوتها 90
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 248/240/488/مسلمون 57/58/115/روم كاثوليك 47/45/92/أرمن كاثوليك 11/13/24/روم 13/9/22/أرمن 7/8/15/كلدان 38/41/79/سريان 14/18/32/موارنة 867/المجموع يحدها قبلة حارة قسطل المشط وشرقا الشرعسوس وشمالا قسطل الحرمي وغربا حارة الأكراد: لا آثار فيها سوى مسجد على الجادة في الصف المتجه إلى الشرق يقال له مسجد قنبر لا نعرف له ترجمة أوقافه دار في المحلة وحصة من بستان في النهريات يبلغ ريعهما السنوي خمسين ذهبا عثمانيا تقريبا ويقال أن له غير ذلك من الأوقاف غير إننا لا نعرفها. وفي هذه المحلة حمام يعرف بحمام البساتنه وهو قديم وكان جاريا في أملاك السلطان عبد الحميد خان الثاني وبعد الانقلاب الدستوري العثماني الحق بالأملاك الأميرية. وفي هذه المحلة عدة بيوت يعاني أهلها سياسة المعزى وهم يعرفون بالمعازة وكل دار قريبة من دورهم يكون فيها الهواء أوخم والبعوض أكثر. وفيها مدار واحد وعدة مصانع لنسيج الأقمشة. وفي هذه المحلة من مهاجري الأرمن وغيرهم ضعفا أهلها الوطنيين.(2/334)
محلة قسطل الحرامي (خ) عدد بيوتها 316 وعدد سكانها الوطنيين
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 285/275/560/مسلمون 688/652/1340/روم كاثوليك 296/244/540/أرمن كاثوليك 32/26/58/روم 45/31/76/أرمن 14/14/28/لاتين 7/3/10/كلدان 182/120/302/سريان 114/111/225/موارنة 3139/المجموع حد هذه المحلة قبلة حارة البساتنه وشرقا أغيور وشمالا مقبرة جب النور وغربا الغطاس وهي محلة عظيمة ومهاجرو الأرمن فيها يبلغ عددهم أضعاف المواطنين. أعظم أثر فيها جامع بردبك المعروف بجامع قسطل الحرامي أو الحرمي. وهو جامع واسع عظيم معمور الشعائر واسع القبلية والصحن في جهته المتجهة إلى الغرب حجرة جميلة لجلوس الإمام في شماليها ميضأة يجري إليها الماء دائما وفي جهته المتجهة إلى الجنوب رواق في شرقيه حجرة واسعة سقفها قبة تعلم فيها الأطفال مكتوب على بابها ما يفهم منه أنها بنيت سنة 897 وفي غربي الرواق قبر كتب على نصبة رأسه: هذا قبر المرحوم بردبك التاجر الشهير ابن عبد الله(2/335)
منشئ القسطل ومجري ماءها تغمده الله برحمته. وعلى نصبة الرجل توفي إلى رحمة الله تعالى في شهر رمضان المعظم سنة 897 من الهجرة. وعلى صدر القبر:
تعاظم بي ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
ولما دنت وفاتي وحانت منيتي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلما
وعلى باب الجامع تحت منارته مما يلي الجادة: في أيام المقر الكريم السيفي أزدمر مولانا ... ملك الأمراء كافل حلب المحروسة جدد هذه المنارة ... بردبك تاجر المماليك السلطانية أثابه الله الجنة بتاريخ شهر رجب سنة 896، وعلى باب القبلية:
جدد حقا مخلصا ... معبدنا الزاكي حسن
يا محسنا بالخير دم ... مانح الخير الحسن
سنة 1132
وعلى طراز المحراب داخلا (آية الكرسي) وعلى دائر قنطرته (البسملة ثم الآية ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) وعلى قنطرته:
قد أذن الله برفع بيته ... للذكر بالآصال والاشراق
قد وعد الحسنى عليه أرخوا ... فحسن جدد خيرا باقي
سنة 1133
هذا المحراب من المحاريب التي انفردت بين محاريب جوامع مدينة حلب بالجمال وبداعة الصنعة وحسن الخطوط والنقوش وجوهر الحجر وهو محراب المدرسة الرمضانية التي نتكلم عليها قريبا نقل إلى هذا الجامع سنة 1133. قلت المفهوم مما كتب على باب الجامع تحت منارته إن هذا الجامع قديم لا يعرف من أنشأه وأن بردبك إنما جدد منارته وأنشأ فيه مكتبا وجر إليه الماء من قناة حلب بقناة خاصة، وعلى باب الجامع قسطل يجري إليه الماء دائما من قسطل وراءه في غربي الجامع كلاهما من إنشاء بردبك. ومن الآثار القديمة في هذه المحلة مكان شبيه بالبستان يبلغ طوله 60 ع في عرض 50 تقريبا له باب صغير مهجور متجه إلى الجنوب داخل دار صغيرة قد كتب على نجفته ما يفهم منه أن هذا المحل أنشئ في أيام السلطان الملك الظاهر خشقدم وله باب آخر مستعمل يفتح إلى الجادة متجه إلى(2/336)
الشرق يظهر أنه حادث وفي هذا المحل حوض كبير يجري إليه الماء من فائض قسطل بردبك الذي على باب الجامع وفي شماليه الشرقي قبر كتب على صدر نصبته يا زائرا قبري بالله ترحم عليّ. واقرأ القرآن عندي. صدقة منك إليّ (وعلى النصبة الأخرى) كم وقفت حول قبر وأنا مثلك حي. لا تأمن من الدنيا. إنما الدنيا كفي. وعلى نصبة الرأس (إلى) - (الله) : هذا ضريح المهدي المرحوم شرف الدين حسن المشهدي. (وعلى النصبة الأخرى) في شهر شوال المبارك سنة 865. وعلى سنام القبر يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان إلخ الآية. والظاهر أن هذا المحلة كان تربة وكان فيه عدة قبور باق أثر بعضها.
وفي غربي هذه التربة مسجد لا نعرف له ترجمة في هذه المحلة أيضا جامع يعرف بجامع الابن قديم فوق بابه منارة بناها ثلاثة أخوة وهم حسين وشهاب الدين أحمد وعلاء الدين أولاد الحاج ناصر الدين محمد ابن كونج السارين أحد أمراء حلب والمشهور بين أهل المحلة أن منشئ هذا الجامع هو ابن منشئ جامع قسطل الحرامي ولهذا اشتهر اسمه عندهم بجامع الابن. في صحن هذا الجامع حوض يهبط إليه بدركات يجزى إليه الماء دائما من قناة بردبك ثم يجري منه الماء إلى قسطل محلة الشرعسوس ومنه إلى قسطل المشط. وفي هذه المحلة أيضا مسجد تقام فيه الجهرية يقال له مسجد العاشور لأنه في زقاق العاشور مكتوب في جانب محرابه الصيفي «جدد هذا المسجد المبارك الحاج رسول ابن الحاج علاء الدين الشهير بابن الرسول الكائن بزقاق المزرعة ابتغاء لوجه الله تعالى وذلك بتاريخ شهر رجب سنة 929» وفيها أيضا زاوية تعرف بزاوية الشيخ جاكير مشرفة على الخراب. وفيها مخفرة للشرطة في حضرة جامع قسطل الحرمي وخان تباع فيها الغلة أنشأه (عطاء الله بن عبد الرحمن آل المدرس) في حدود سنة 1300 وخان آخر مستعمل الآن من قبل بلدية حلب مستودعا للمواد الملتهبة أنشأه في حدود هذا التاريخ أحد تجار النصارى. وفيها 13 مدارا وعدة قياصر لنسج الأقمشة وفي أحد المدر مطحنة تدور بقوة الغاز الفقير تستعمل لطحن الحبوب وعمل الجليد.
تنبيه: يلحق بهذه المحلة قسطل الرمضانية وهو مما أنشأه بردبك في حدود سنة 890 يجري إليه الماء من قناة بردبك التي رأسها من قناة حلب الكبرى عند القبر الطويل فيخرج من جنوبي قناة بردبك هذه فرع يجري إلى بستان الأقباعي المعروف بجنينة يمش ثم يخرج من شماليه فرع إلى تكية الشيخ بابا بيرم ثم من شماليه أيضا فرع إلى قسطل الرمضانية ومنه يؤخذ(2/337)
مجرى مغتصب إلى مستشفى الرمضانية المتقدم ذكره ويجري من هذا المجرى ماء يصب في بستان الرمضانية عصبا ثم يصب ماء أصل مجرى قناة بردبك في جرن قرب جامع قسطل الحرمي يسمى المقسم فيخرج منه فرعان (أحدهما) يجري إلى جامع الابن ومنه إلى قسطل الشرعسوس ومنه إلى قسطل الفتال ومنه إلى قسطل نازي ويخرج فرع آخر من قسطل الشرعسوس ينتهي إلى قسطل المشط ومنه إلى جامع قسطل المشط و (الآخر) يجري إلى جرن آخر يسمى المقسم الثاني يخرج منه أربعة فروع.
أولها: يجري إلى جامع بشير باشا ومنه إلى قسطل السلطان تحت برج الساعة في حضرة باب الفرج ومنه إلى قسطل المصابن ومنه إلى قسطل أبي خشبة في سوق باب الجنان قرب خان الزيت.
وثانيها: يجري إلى جامع شرف ومنه إلى قسطل جامع شرف ومنه إلى قسطل رجب باشا ومنه إلى قسطل محلة بحسيتا ومنه إلى سبيل الألتنجي.
وثالثها: إلى جادة التدريبة ومنها إلى سبيل محلة الشمالي ومنه إلى حمام بهرام.
ورابعها: إلى جامع الحرمي ومنه إلى حمام البساتنه ومن جامع الحرمي يخرج فرع آخر إلى قسطل جامع الحرمي الكائن على بابه ومنه إلى تربة المعظم ويخرج من قسطل جامع الحرمي فرع آخر إلى مسجد خير الله ومنه إلى قسطل الأكراد ومنه إلى قسطل جادة التدريبة.
تنبيه: كان يوجد تجاه قسطل الرمضانية مدرسة أنشأها أحد أمراء الأسرة الرمضانية التي عددناها في جملة الدول التي لها علاقة بحلب غير أن هذه المدرسة بعد انقراض الدولة الرمضانية أهملت وعطلت شعائرها ثم أخذت بالخراب فنقل محرابها إلى جامع قسطل الحرمي الذي تكلمنا عليه ونقلت منارتها إلى تكية الشيخ أبي بكر الوفائي وزالت معالم المدرسة عن آخرها وصارت من جملة بستان يجري في تصرف أشخاص معلومين. وهو البستان الكائن في غربي المستشفى العسكري المعروف بمستشفى الرمضانية الآتي ذكره وفي شرقي شمالي هذا البستان قبر على ضريحه كتابة لم أتمكن من قراءتها. ومما يلحق بهذه الملحة المستشفى العسكري الكائن في غربي تكية الشيخ أبي بكر الوفائي بينهما عرض الطريق.(2/338)
هذا المستشفى أنشأه المرحوم إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر حينما استولى على حلب وباقي البلاد السورية وقد حمل الناس على العمل به طوعا وكرها ونقل حجارته من القلعة وأسوار البلدة وغيرها من المباني القديمة المتداعية إلى الخراب. ثم في أيام الدولة العثمانية أنشئ تجاهه في غربيه حديقة تسقى من دولاب في جنوبيه متصل به عذب يجري ماؤه إليه من قسطل الرمضانية ثم في أيام الحرب العامة زيد في هذه الحديقة زيادة عظيمة أصبحت بستانا كبيرا وعمر في أطرافها عدة خلاوي على طرز جميل زيدت بها غرف المستشفى فصار من أعظم مستشفيات سوريا بسعته وكثرة غرفه وخلواته وبستانه وحسن موقعه ولطف مناظره وله في جهته الجنوبية حمام كان يفتح في بعض الأحيان إلى الناس غير العساكر. أما الآن فقد هجر واستعمل محلا للأعتاد العسكرية وأثقالها وكانت أسطحة هذا المستشفى مفروشة بالقرميد الذي كان يصنع في معمل مبني في شماله ثم في الأيام الأخيرة رفع القرميد وفرش بدله بنوع من الصفيح. اه.(2/339)
حارة زقاق الأربعين (خ) عدد بيوتها 91 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 16/13/39/مسلمون 184/174/348/روم كاثوليك 16/24/40/أرمن كاثوليك 4/2/6/روم 5/5/10/لاتين 11/18/29/سريان 6/6/12/كلدان 232/252/484/المجموع يحدها قبلة حارة عبد الرحيم وشمالا الهزازة وغربا عبد الحي وشرقا محلة الأكراد. يقال إن هذه المحلة مما أسس في أيام السلطان سليم خان العثماني بعد استيلائه على حلب أحضر إليها أربعين أسرة من المسيحيين ليقوي بهم تجارة حلب على ما ذكرناه في المقدمة في الكلام على النصارى فبنت تلك الأسر في هذا الموضع أربعين دارا اتخذوها لسكناهم وسميت المحلة بعددهم. لا آثار خيرية في هذه المحلة.(2/340)
حارة بيت محب (خ) عدد بيوتها 47 عدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 29/42/71/مسلمون 80/95/175/روم كاثوليك 17/27/44/أرمن كاثوليك 16/8/24/روم 13/14/27/أرمن 15/9/24/سريان 18/15/33/موارنة 188/210/398/المجموع يحدها قبلة وغربا المبلط التابع العطوي ومحلة المغربلية وشرقا المغربلية وشمالا عبد الرحيم. عرفت هذه المحلة بأسرة قديمة كانت تسمى بيت محب الدين لم يبق منهم أحد يعرف. والمحلة قد تعرف الآن باسم بيت العقيلية. لا أثر خيري فيها سوى زاوية العقيلية وهي زاوية عامرة وأوقافها وافرة أشرنا إلى الكثير منها في جدول الأوقاف الآتي بيانه.
على أن هذه الزاوية لم أر لها ذكرا في التاريخ سوى ما حكيناه في ترجمة (عثمان بن عبد الرحمن العقيلي) والأسر الشهيرة القديمة في هذه المحلة أسرة آل العقيلي ووجيهها الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ أحمد الحافظ العقيلي رئيس كتاب المحكمة الشرعية الآن وأخوه الطبيب النطاسي السيد عبد القادر وأسرة بني الزنابيلي ووجيهها السيد شريف وأسرة آل والي ووجيهها السيد عبد الله. وفيها ثلاث قاساريات لنسج الأقمشة إحداها من وقف الزاوية المذكورة والأخرى من أوقاف المدرسة العثمانية والثالثة من وقف بني السياف.(2/341)
حارة ترب الغرباء (خ) عدد بيوتها 58 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 14/24/38/مسلمون 109/106/215/روم كاثوليك 66/56/122/أرمن كاثوليك 19/17/36/روم 66/62/129/أرمن 8/4/12/بروتستان 4/4/8/لاتين 4/4/8/كلدان 35/32/67/سريان 21/25/46/موارنة 346/335/681/المجموع يحدها قبلة وشرقا المرعشلي وشمالا وغربا الماوردي والألمه جي جي كان موضع هذه المحلة تربة تعرف باسم تربة الغرباء كأنها كانت مختصة بدفن أمواتهم ثم هجرت وفي حدود القرن الثامن أخذت تعمر فيها المباني وعلى التمادي عظمت وصارت محلة ولم يبق من أرضها سوى فسحة صغيرة فيها بعض القبور وإليها يفتح أحد بابي كنيسة الرهبنة اليسوعية الآتي ذكرها في الكلام على محلة القواس.(2/342)
آثارها
تكية اسمها تكية المخملجي قرب جادة العريان الكبرى تشتمل على قبلية وبعض حجرات أنشئت سنة 643 يأوي إليها بعض الأسر الفقيرة ولا نعلم لها وقفا ولها إمام يدفع معلومه من جهة محاسبة الأوقاف. مسجد الشيخ وفا في رأس زقاق ابن أبي عطى مما يلي جادة قسطل الجورة وهو مسجد قديم أنشئ في القرن الحادي عشر معطل عن الشعائر يسكنه بعض الفقراء له دكان وقف عليه يتناول أجرتها دراويش تكية الشيخ أبي بكر الوفائي.
ومن آثار المحلة مكان في شرق كنيسة الرهبنة اليسوعية يقال له مسجد نور الدين كان معطلا عن الشعائر مائلا إلى الخراب فسعى في هذه السنة وهي سنة 1341 بتجديده جماعة من أهل الخير واستخرجوا من جنوبه الشرقي فرنا وقفوه عليه. والظاهر أن باني القسطل هو باني هذا المسجد. وقد طلب مني تاريخ تجديده ليكتب على بابه فقلت.
باسم الكريم الذي جلت مواهبه ... وسعي أصحاب خيرات وإحسان
عادت لمسجد نور الدين بهجته ... من بعد وهن فأضحى عالي الشان
واستخرج الفرن من شرقيه وغدا ... عليه وقفا صحيحا طول أزمان
نادى الإله الألى كانوا لذا سببا ... جزاؤكم كان في التاريخ غفراني
كتبت هذه الأبيات على حجرة فوق بابه.
قسطل ترب الغرباء في جنوبي مسجد نور الدين المذكور أنشئ في سنة 808 وجدده أحد بني قطار اغاسي سنة 1243 ووقف عليه دكانين. وراء هذا القسطل مدفن فيه بعض القبور يعرف باسم مدفن الملك المظفر على بابه إلى الجنوب غرفة مغلقة مرفوع على بابها راية مكتوب عليها (هذا قبر ولي الله الشيخ غريب) . في هذه المحلة كنيسة للسريان اليعاقبة وأخرى للأرمن البروتستانت وهي دار استعملت كنيسة سنة 1284 هـ و 1867 م وفيها قسطل الجورة وقاسارية أخرى كبيرة وستة مدر وخان لدق القماش.(2/343)
حارة المرعشلي (خ) عدد بيوتها 77 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 98/103/201/مسلمون 46/45/91/روم كاثوليك 46/56/102/أرمن كاثوليك 25/52/77/روم 143/94/137/أرمن 1/1/2/كلدان 17/24/41/سريان 4/4/8/موارنة 370/379/755/المجموع يحدها قبلة جانب من الخندق المتوسط بين باب النصر وباب الحديد وشرقا حارة قسطل الجورة المعروفة أيضا بالعريان وغربا حارة الطبلة وشمالا ترب الغربا والعريان وهي محلة ذات جادة فسيحة جيدة المناخ ماؤها من قناة حلب يجري إليه بواسطة فرض خاص سميت بالمرعشلي نسبة إلى صاحب القبر الموجود في مسجدها الآتي ذكره.
آثارها
مسجد المرعشلي
في أواسط المحلة في الصف الموجه إلى الشمال على الجادة وهو مسجد تقام فيه الصلوات(2/344)
الخمس وكان مشرفا على الخراب فرمه جماعة من أهل الخير وعمر فيه سنة 1301 منبر للجمعة والعيدين ورفع له منارة فوق بابه وظهر له بعض أحكار من عرصات في قربه إلا أن المنبر بقي غير مستعمل لعدم صدور إرادة سنية تأذن باستعماله. في هذا المسجد حوض ماء جار دائما يهبط إليه بأربع دركات طول المسجد 13 ع وعرضه 10 وفيه حجرة كبيرة فوق الحوض وطول قبليته 25 ع وعرضها 6 ع وفي غربي القبلية قبر الشيخ عمر المرعشي مكتوب عليه ما يفيد أن وفاة صاحبه كانت في أواخر ذي القعدة سنة 1084 ويذكر أن هذا الحوض لما عمر سنة 1302 خرج في حفرته حجرة مكتوب عليها ما معناه إن الذي أنشأ هذا المسجد هو الشيخ ناصر الدين المرعشلي سنة 644 وإنه عاش 95 سنة. ولما رمم المسجد سنة 1301 استخرج من سماويه بحكم فتوى شريفه ثلاث دكاكين جعلت وقفا عليه.
بقية آثارها
سبيل قبالة باب المسجد المذكور وآخر في جانب خان أوج خان من غربيه وماء كلا السبيلين من قناة يجري ماؤها دائما يتناول باليد وفيها ثلاثة خانات للغلات منها خان أوج خان عرف بهذا الاسم لاشتماله على ثلاثة خانات تتصل ببعضها وهو خان قديم على بابه نقوش حجرية بديعة. وفيها حمام جار بناؤه في ملك بني زبيدة يعرف بحمام أوج خان ومصبنة منقوش على بابها (باسم الله تيمنا بذكره الكريم وهو حسبنا ونعم الوكيل سنة 1250) وفيها قاسارية تجاه أوج خان تشتمل على 55 نولا وبيت قهوة يعرف بقهوة البلور لها بابان أحدهما على جادة المحلة والآخر على جادة الخندق الكبرى جارية بملك ورثة السيد مصطفى غنام. وفي حضرة باب النصر من هذه المحلة سبيل كان يعرف بسبيل محرم عمارة فوقها مكتب لتعليم الأطفال هدمته البلدية سنة 1338 توسعة للطريق. وفيها سوق لعمل النحاس يشتمل على نحو مائة دكان وهو سوق النحاسين الجديد وكان سوق النحاسين قبلا في سوق حمام النحاسين المعروف قديما بحمام الست الجاري بأوقاف جامع خسرو باشا وقد اعتاد صناع النحاس في السوق الجديد من مسلمين ونصارى حينما يشرع مؤذن مسجد المرعشلي بأذان الظهر والعصر على أن يقفوا عن العمل ويضعوا مطارقهم حتى يفرغ المؤذن احتراما لذكر الله تعالى وهي عادة حسنة.(2/345)
حارة جقور قسطل (خ) عدد بيوتها 68 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 126/305/431/مسلمون 57/45/102/روم كاثوليك 32/31/63/أرمن كاثوليك 18/11/29/روم 26/19/45/أرمن 4/6/10/لاتين 3/4/7/كلدان 41/46/77/سريان 5/2/7/موارنة 771/312/459/المجموع يحدها قبلة الخندق وشرقا خراب خان وشمالا الماوردي وغربا المرعشلي: هذه المحلة تعرف أيضا بالعريان وكلمة جقور قسطل تركية معناها قسطل الجورة سميت بهذا الاسم لوجود قسطل عميق فيها يهبط إليه بدركات وعرفت بالعريان نسبة إلى الشيخ العرياني المدفون في المسجد المنسوب إليه وهي محلة فسيحة جيدة المناخ يمر فيها شارع عظيم ومعظم مائها من قناة حلب وماء آبارها النبع لذيذ قليل الملوحة قريب المنال.(2/346)
آثارها
فهي مسجد العريان قبلي المحلة له شبابيك مطلة على الخندق وأخرى مطلة على جادة العريان وهو مسجد جميل تقام فيه الصلوات الخمس طول قبليته 13 ع وعرضها 8 ع وطول سماويه نحو 20 ع في عرض 5 ع وفي غربيه حجرتان إحداهما معدة للإمام والأخرى لتربية الأطفال وفي شماليه حجرة فيها ضريح للشيخ العرياني وهو رجل يعتقده أهل المحلة ويقولون عرف بالعريان لأنه كان في أكثر أوقاته يغلب عليه الحال فيتجرد من ثيابه. وفي قرب الضريح بئر يصب فيه الماء في أبازن تشرب منها السابلة وفي شرقي السماوي قبر (الشيخ أحمد العبه جي) وفوق باب المسجد منارة صغيرة وله من الأوقاف أربع دور ودكان في المحلة يبلغ ريعها سنويا نحو 70 ذهبا. وفي هذه المحلة قسطل عميق فيه ميضأة ومغتسل يجري إليه الماء من قناة المرعشلي وهو قسطل قديم جدده جماعة من أهل الخير سنة 1306 وفيها قاسارية لنسج الأقمشة تعرف بقاسارية كاتو وخان تباع فيه الغلات جار في أملاك بني الدلال باشي مأخوذ من الخندق وقسطل أنشأه بدر الدين السوسي سنة 1276 قيل لما أنشأه كان عمره خمس عشرة سنة فمات ولم يكمله فاكملته عمة له وهو مدفون بجامع الشيخ قاسم النجار وسبيل أنشأه ابن كردو سنة 1226 وجدده أصحاب الخير وفيها حمام قرب بانقوسا وسبيل شهير يعرف بسبيل محرم له دكانان في قربه وقف عليه. وكان يوجد في قبلي هذه المحلة على شفير الخندق مدرسة للحنفية تعرف بمدرسة ذي القدرية أنشأها الأمير ناصر الدين محمد بك بن ذي القدر وقرر فيها الشيخ شهاب الدين المرعشلي.(2/347)
حارة الماوردي (خ) عدد بيوتها 74 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 98/101/199/مسلمون 73/60/133/روم كاثوليك 21/15/36/أرمن كاثوليك 5/7/12/روم 20/24/44/أرمن 2/1/3/لاتين 2/1/3/كلدان 31/26/57/سريان 3/2/5/موارنة 255/237/492/المجموع يحدها قبلة ترب الغربا وشرقا وشمالا أقيول وغربا الألمه جي. لا آثار فيها سوى مسجد كرمنجك معمور بالأوقاف الجهرية له دار وقف عليه وفيها قسطل في رأس زقاق ابن أبي عطي يعرف بقسطل الماوردي.(2/348)
حارة خراب خان (خ) عدد بيوتها 86 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 257/261/518/مسلمون 38/25/63/روم كاثوليك 13/12/25/أرمن كاثوليك 4/12/16/روم 9/3/12/أرمن 3/3/6/بروتستان 4/7/11/سريان 327/323/651/المجموع حدها قبلة محلة جقور قسطل وشمالا جادة السوق الصغير وشرقا السوق المذكور وغربا زقاق العنكبوت ومحلة الماوردي وهي محلة مرتفعة متوسطة المناخ أكثر مائها معين على عمق بضعة أبواع. أما آثارها فهي جامع خراب خان ويسمى جامع (الشيخ قاسم النجار) وهو جامع قديم تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين وله منارة فوق بابه، طول قبليته 430 وعرضها 47. مكتوب على منبره إنه من إنشاء الشيخ قاسم المذكور سنة 1112 وفي صحن هذا الجامع عدة قبور منها قبر الشيخ قاسم النجار وفيه أيضا تجاه القبلية ميضأة يهبط إليها ببضع عشرة دركة يجري إليها الماء من قناة حلب وأهل المحلة يقولون إن الذي أنشأها رجل يقال له الحاج إبراهيم العنبرجي سنة 1272. ولهذا الجامع من الأوقاف ما فيه كفايته والمتولون عليه جماعة من بني الحريري القاطنين في حماه.(2/349)
تنبيه: الظاهر أن الذي أنشأ هذا الجامع هو أحد هذه الأسرة بدليل ما هو مكتوب في صدر ميضأته الأصلية الخارجة عنه على بابه من شرقيه إلى الجنوب وهي ميضأة «1» عميقة يهبط إليها ببضع وعشرين درجة مكتوب في صدرها (أنشأ هذا السبيل المبارك الأجل الحاج محمد المقري المتوفي إلى رحمة الله تعالى ابن الحاج رجب والد المتوفي محمد وله من العمر تسع عشرة سنة جده أمير حاج الحريري السيواسي وذلك في تاريخ شهور سنة 765 والحمد لله.
بقية آثار المحلة
مدفن الشيخ خليل الرام حمداني في زقاق تجاه باب مسجد الشيخ قاسم يعتقده أهل المحلة ويزورونه وينذرون له قناديل تسرج عند ضريحه ويقولون أنه من ذرية الجيلي وأن وفاته كانت في القرن التاسع وقد رم مكانه أحد المنسوبين إلى الطريق سنة 1304 واتخذه مكانا للذكر والرقية ويقال إن الشيخ كان في حال حياته أنشأ في السوق الصغير سبيلا تهدم بعد وفاته ثم في سنة 1302 أخرج منه أهل المحلة دكانا يصرفون ريعها على السبيل والمزار المذكورين. في هذه المحلة ثلاثة مدر وثلاثة خانات لبيع الفحم والحطب أحدها جار في أملاك بني الدلال باشي والثاني جار في وقف قسطل الجيش المعروف أيضا بقسطل الجحاش وثالثها في وقف بني البيرقدار. وفيها أربعة بيوت قهاوي وقاساريتان في إحداهما 31 نولا وفي الثانية 9 أنوال وفيها مصبغتان إحداهما لصبغ الحرير والأخرى كبيرة تصبغ فيها أنواع البز.(2/350)
حارة عنتر (خ) عدد بيوتها 65 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 164/146/130/مسلمون 1/11/21/روم كاثوليك 5/3/8/أرمن كاثوليك 161/178/334/المجموع يحدها قبلة الشميصاتية وشرقا الرباط العسكري وشمالا أقيول وغربا جادة أقيول. من آثارها قسطل الزيتون وجامع وراءه وهما من إنشاء (الست حلب بنت عثمان بن أحمد أغليبك) . ومسجد يقال له المسجد الجديد تقام فيه الصلوات والجمعة وقسطل البيرقدار ومسجد على جادة أقيول في الصف الموجه إلى الشرق قبلية ليس لها سماوي. وفي هذه المحلة عدة مصابغ وأماكن لنسج الأقمشة.(2/351)
حارة النوحية (خ) عدد بيوتها 66 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 262/238/500/مسلمون 9/10/19/روم كاثوليك 9/6/15/أرمن كاثوليك 4/2/6/سريان 284/256/540/المجموع يحدها قبلة حارة عنتر وشرقا الرباط العسكري الكبير المعروف باسم الشيخ يبرق وشمالا وغربا محلة أقيول. وهي محلة مرتفعة جدا جيدة المناخ. فيها مسجد واحد تقام فيه الصلوات الخمس طول قبليته 11 ع وعرضها 6 ع له من الأوقاف ما يقوم بكفايته.(2/352)
حارة الشيخ أبي بكر وجبل الغزالات (خ)
عدد بيوتها 15 وعدد سكانها 105 الذكور منهم 48 والإناث 57 نسمة كلهم مسلمون. هذه المحلة عبارة عن تكية الشيخ أبي بكر الوفائي وما في ضمنها من البيوت وعن ثلاث دور في جبل الغزالات. أما التكية فقد كان تأسيسها في القرن العاشر عن يد (أحمد بن عمر القاري على التل الوسطاني المعروف عند الأتراك باسم (أورته تبه) لوقوعه بين جبل الغزالات وجبل العظام والتكية عامرة آهلة يسكن في دور منها دراويش الطريقة الوفائية «1» وهم يملكون هذه الدور ويتناولون ريع وقف التكية رواتب لأن كل واحد منهم له وظيفة في التكية وقد تكلمنا على باقي شؤونها في ترجمة الشيخ أحمد القاري فراجعه. كان ولاة حلب من الدولة العثمانية يقيمون في هذه التكية منذ نشأتها الأولى إلى أواسط القرن الثالث عشر تحصنا من هجمات اليكيجرية «2» وعاديات أرباب الصيال في تلك الأيام وكان كثير من الولاة يعتنون بشأن التكية ويحيرص كل واحد منهم على أن يبقى له فيها أثرا ولهذا ترى فيها بعض أبنية جميلة تستحق الذكر على أن أحسن ما فيها قاعة كانت ظهارتها من الخزف القاشاني قد لعبت بها أيدي الناهبين والمحراب القائم في حجرة الضريح الذي لم يزل باقيا حتى الآن. ولها على بابها منارة كانت للمدرسة الرمضانية فنقلت منها بعد خرابها إلى التكية.
وفي حدود سنة 1315 بنى أحد التجار في ظاهر التكية من جنوبها دارا وقصرا ثم تبعه تاجرا آخر فبنى دارا أخرى وهرع الناس إلى احتكار عرصات خارج التكية جارية في أوقافها غير إنهم لم يبنوا فوقها حتى الآن مع أن موضعها عال جميل المناظر جيد المناخ.
وفي حدود سنة 1330 قررت مصلحة الصحية في حلب منع دفن الأموات في مقابر المسيحيين المتصلة بمحلة العزيزية فاعتاضوا عنها ببقعة من أرض بعيدة عن البلدة تعرف بحوش(2/353)
البدوية جارية في وقف التكية المذكورة ثم في أثناء الحرب العامة اتخذ الألمان منها أيضا قطعة جعلوها مقبرة لأمواتهم ثم حذا حذوهم الإنكليز ثم الفرنسيين منهم من دفع قيمتها المقدرة إلى متولي التكية ومنهم من لم يدفع شيئا حتى الآن. أما الدور الثلاث في جبل الغزالات فقد كان بناؤها في سنة 1279 كما نوهنا بذكرها في حوادث هذه السنة من باب الحوادث.
وقد أشرفت الآن على الدثور وخلت من السكان. وفي حدود سنة 1325 احتكر محمد أسعد باشا ابن (محمد علي) الجابري على سفح هذا الجبل من غربيه عرصة واسعة من وقف التكية المذكورة تبلغ مساحتها نحو ثلاثين ألف ذراع معماري دفع بدل حكرها المعجل نحو 200 ذهب عثماني فبنى عليها حائطا وحفر فيها دولابا عمل في جانبه حوضا وعمر دارا لسكنى الفلاحين وقصرا شامخا لسكناه كثير الغرف واسع الخلوات صرف عليه زهاء عشرة آلاف ذهب عثماني.
ولما كانت الحرب العامة تسلط على هذا القصر وباقي المباني الداخلة في هذه العرصة الشطار والدعار فاستلوا كثيرا من أخشابه ودفوفه وأصبح غير صالح للسكنى. وفي سنة 1340 آجرها الورثة من مهاجرة الأرمن فأجروا عليها بعض الإصلاح واتخذوها محلا لسكناهم. الغزالات يلفظها الناس بتشديد الزاي والصواب تخفيفها فقد أضيف إليها الجبل لأنه كان يوجد فيه عدة كنس «1» تقتنص منه الغزلان. مما يضاف إلى هذه المحلة مستودعان لحفظ الأعتاد الحربية النارية في شرقي تكية الشيخ أبي بكر إلى الجنوب يبعدان عنها مسافة ميل أو أكثر أحدها أنشئ من قبل العسكرية العثمانية في حدود سنة 1310 والآخر أنشئ من قبل العسكرية الألمانية في حدود سنة 1325 وكلاهما مما انهدم بانفجار ما فهي من الأعتاد على إثر انسحاب الأتراك والألمان من حلب. يلحق بهذه المحلة أيضا الميدان الأخضر في شمالي حلب ويعرف عند الأتراك باسم (كوك ميداني) أي ميدان المرجة لانبساط المروج الطبيعية عليه وكان ميدانا واسعا فسيحا تخيم فيه جنود الدول حين شخوصهم إلى الحروب ويسرحون فيه أنعامهم وخيولهم للرعي وكان المرحوم السلطان نور الدين بن زنكي يلعب بالكرة والصولجان صحبة أتابكه صلاح الدين حتى إنه كان له قيم خاص به يسمى قيم الميدان ثم بعد دخول العثمانيين إلى حلب احتكرت المسافات الواسعة من أطرافه وغرست حدائق وبساتين حتى لم يبق منه الآن سوى مسافة لا تزيد(2/354)
مساحتها على ميل مربع قد اشتملت في أواسطها على عين جارية. وفي سنة 1280 خطر لوالي حلب ثريا باشا أن يجعل هذا الميدان منتزها عاما فبنى في جنوبيه على ربوة منه بيت قهوة وعمل في وسطه شبه برج من الأخشاب ليقف عليه أصحاب الموسيقى والمطربون فأقبل الناس عليه للإنشراح والانبساط مدة ثم أهملوه لبعده وعلى تمادي الأيام خرب بيت القهوة وسرقت أخشاب البرج وعاد قفرا كما كان غير أنه لم يزل معدودا من جملة منتزهات حلب يقصده بعض الناس أحيانا للإنشراح بمروجه وعين الماء التي فيه.
وفي حدود سنة 1307 بنت مصلحة الزراعة في جنوبه مكانا سمته نموذج الزراعة أحضرت إليه أوائل الزراعة الغربية على الطراز الحديث فلم تنجح لضيق الأرض عن استعمالها فانتقلت منه إلى قرية المسلمية واستعمل محلها مكانا لسياسة الحيوانات اللبنية سمته سودخانه أي دار اللبن وجلبت إليه أحسن أنواع البقر وشرع الموظفون فيه يعملون من ألبانها أنواع الجبن والزبدة وأقبل كبار الموظفين على شرائهما إقبالا زائدا لرخصهما ولذتهما غير أنه لم يمض على ذلك غير قليل حتى أهمل وأقفر المكان. وفي أثناء الحرب العامة صدر أمر القائد جمال باشا بأن يبنى في شمالي الميدان مكان يجعل دارا للمعلمين فاهتمت جهة العسكرية بتنفيذ أمره وجمعت له البنائين والحجارين من الجنود وشرعوا بالعمل ثم أضيف إليهم جماعة من مهاجرة الأرمن وغيرهم وجعلت أجرة العامل يوميا رغيفين من الخبز فهرع إلى العمل بهذه العمارة خلق كثير رغبة بهذه الأجرة الزهيدة التي كانت في ذلك الوقت تخلص العامل من مخالب الموت جوعا فما مضى غير أشهر حتى انتهى جل العمل وجاء المكان على غاية ما يرام من حسن البناء وكثرة الخلوات والأبهاء وحينئذ وقعت الهدنة وانسحبت الجنود التركية والألمانية من حلب وسادت فيها الفوضى فقصده الدعار ونهبوا أخشابه وحدائده وأصبح مأوى للصوص وهو ما زال على هذه الحالة حتى الآن.
ومما يلحق بهذه المحلة العين البيضاء التي يجري ماؤها إلى المستودع الملحق بحارة الهزازة الذي تكلمنا عليه في المحلة المذكورة. هذه العين شمال الميدان تبعد عنه ربع ساعة وعن حلب نصف ساعة. وكان الأغراب الموظفون يشربون من مائها كيلا يوسموا بحبة حلب فكان الماء ينقل إلى الحكومة وكان ملء تنكة غاز البترول «1» من هذا الماء يباع بقرش(2/355)
ونصف ثم إن بعض السقائين الذين يعانون نقل هذا الماء أخذوا يملأون آنيتهم من مياه آبار في حلب ويبيعونها على إنها من ماء العين البيضاء فشعرت الحكومة بذلك وحينئذ عينت البلدية قيما خصوصيا يقيم نهارا ويأخذ من السقائين عن كل تنكة يملأونها من ماء العين نصف قرش ويسد ثقبها بشمع عليه طابعا خصوصيا منعا للغش. ولما انتبه الناس إلى رداءة قناة حلب وصار الكثير منهم يتحامى ماءها ويرغب أن يكون شربه من ماء العين البيضاء رأت البلدية أن تعتني بهذه العين فوسعت ينابيعها وبنت لها حوضا مسقوفا يؤخذ منه الماء بواسطة مجرى في أسفله دفعا لدخول الدواب إلى غدير العين وتلويث مائها بروثهم، إلى أن كانت الحرب العامة وحدثت قلة المياه سنة 1335 وجفت أكثر آبار البلدة ولقي الناس من قلة الماء شدة وأصبحت العسكرية في حاجة عظيمة إليه فاهتم القائد العام جمال باشا بجر ماء هذه العين إلى البلدة فمد منها إلى الميدان الأخضر كيزانا «1» خزفية وعمل في هذه المسافة حوضين عظيمين يصب الماء لسقاية الجنود والدواب على أن يصرف ما فاض عن الحوض الثاني إلى البلدة فلم ينجح هذا العمل لأن كيزان الخزف قد عجزت عن تحمل ثقل الماء فتشققت وجرى الماء منها هدرا وحينئذ أحضر كيزانا من الحديد في قطر سبعة قراريط ومدها من العين إلى مستودع الماء الذي سلف الكلام عليه في محلة الهزازة وبنى في جانب العين بيتا لوضع محرك يدور بقوة الغاز الفقير وسلط قوته على مضخة لرفع الماء بها من العين ودفعه إلى المستودع المذكور فروى العطاش وأزال تلك الغائلة العظيمة في مدة لا تزيد على شهرين. هذه العين تسمى العين البيضاء والعين الأخرى التي في شماليها على مقربة منها تسمى عين التل عكس المتبادر إلى الذهن فإن التل وراء العين الأولى فهي أولى أن تسمى عين التل. وعين التل هذه قديمة ورد ذكرها في أشعار الصنوبري مشيرا إلى أنه يوجد عليها عمارة فيها مسجد. قلت لم تزل على ما كانت عليه.
في هذه السنة حررت مصلحة النافعة عين الميدان ومدت منها كيزانا حديدية إلى حوض بني في ظاهر محلة الطونبغا يصب فيه الماء بواسطة مضخة تدفعه بقوة محرك وذلك قصد إيصال ماء نظيف إلى جميع محلات حلب التي لم يزل بعضها محروما من هذا الماء لقلته.(2/356)
حارة النيال (خ) عدد بيوتها 95 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 14/16/30/إسلام 115/116/231/روم كاثوليك 33/14/74/أرمن كاثوليك 14/17/31/سريان كاثوليك 12/9/21/روم 40/42/82/أرمن 22/21/43/سريان 30/30/60/موارنة 1/3/4/كلدان 20/25/45/لاتين- 1/1/بروتستان 301/321/622/المجموع هذه المحلة حدثت في حدود سنة 1295 وهي تنسب إلى السيد محمد ابن السيد عمر الشهير بالنيال أحد الموظفين في حكومة حلب أيام الدولة العثمانية وكان يجري في أملاكه بستان صغير في تلك الجهة أنشأ أحفاده في طرف منه دارا لهم يسكنونها في حدود السنة المذكورة فاستلفتوا بهذه الدار أنظار الناس إلى البناء في ذلك البستان وشرعوا يشترون منهم العرصات ويبنونها دورا وتتابع العمل إلى أن استغرق العمار البستان وسرى إلى ما جاوره(2/357)
من الأراضي حتى أصبحت الآن محلة عظيمة ذات شوارع واسعة وأبنية ضخمة قد اشتملت على عدة خانات وحوانيت وبيوت قهاوي وصارت تعد في الدرجة الثالثة من العمران وحسن المباني. وهي واقعة في شمالي ضاحية البلدة إلى الشرق يحدها قبلة حارة الهزازة وشرقا حارة الحميدية الآتية الذكر وشمالا الجادة الآخذة إلى جسر الصيرفي.(2/358)
الحميدية (خ) عدد بيوتها 509 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 871/949/1820/روم كاثوليك 366/374/740/أرمن كاثوليك 253/252/495/سريان كاثوليك 85/72/157/روم 145/105/250/أرمن 28/27/55/سريان 144/162/306/موارنة 47/42/89/كلدان 46/52/98/لاتين 22/11/33/بروتستان 2007/2036/4043/المجموع هذه المحلة خططت في حدود سنة 1305 وسميت الحميدية نسبة إلى السلطان عبد الحميد خان الثاني العثماني وفي حدود سنة 1325 خطط في قربها محلة سميت الجابرية نسبة إلى أحد بني الجابري الذي كان يتصرف بأرضها وقد أضيف إلى المحلة الأولى، حدها قبلة حارة قسطل الحرامي، وشرقا حارة الشيخ أبي بكر الوفائي وشمالا كرم النصار وبساتين تلك الناحية، وغربا حارة النيال. لا آثار خيرية في هذه المحلة.(2/359)
حارة السليمانية عدد بيوتها 76 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 169/161/330/روم كاثوليك 63/59/122/أرمن كاثوليك 43/28/71/سريان كاثوليك 42/30/72/روم 2/2/4/أرمن 15/11/26/سريان 33/38/71/موارنة 4/1/5/كلدان 11/14/25/لاتين 328/344/726/المجموع يحدها قبلة حارة النيال ومقابر اليهود، وشرقا الحميدية والجابرية وشمالا جسر الصيرفي وغربا نهر قويق. أسست هذه المحلة سنة 1313 وهي تعرف باسم سليمان جلبي صاحب بستان كان في جهة منها. وقد تعرف باسم حارة الخياط والمراد به المحامي الشهير جرجي بن سمعان خياط الحلبي المولد المنشأ الموصلي الأصل فقد كان البستان المذكور جاريا في تصرفه وكان يبيع الذراع منه إلى الفقراء ببضعة قروش ويقسط مجموع القيمة عليهم إلى عدة سنين ويجري معهم من التساهل مالا يفعله غيره. وقد صارت الآن محلة عظيمة تشتمل على أفران وحوانيت وفي سنة 1339 فتحت فيها جادة عظيمة لا نظير لها في جواد حلب من جهة عرضها وما تؤدي إليه من بساتين حلب ومنتزهاتها.(2/360)
حارة الأكراد (خ) عدد بيوتها 101 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 43/45/88/مسلمون 192/189/381/روم كاثوليك 130/147/277/أرمن كاثوليك 15/13/28/روم 12/39/51/أرمن 11/13/24/لاتين 3/4/7/سريان 120/126/246/موارنة 575/629/1204/المجموع حدها قبلة جسر الكعكة وشرقا قسطل الحرامي وشمالا الحميدية وغربا زقاق الأربعين.
آثارها
مسجد خير الله تقام فيه الجهرية له سماوية في طول 25 ع وعرض 8 ع تقريبا في جنوبه قبلية في جنوبه قبلية على طول السماوي في عرضه وفي شماليه حجرتان بينهما رواق وله من الأوقاف كفايته وهو والقسطل الذي على بابه مما أنشئ في أواخر أيام الدولة الجر كسية وكل من المسجد والقسطل يجري إليه الماء من قناة بردبك على الوجه الذي أسلفنا بيانه في الكلام على محلة قسطل الحرامي. وفي هذه المحلة قسطل يقال له قسطل التدريبة مما أنشئ في سنة 1159 يجري إليه الماء من القناة المذكورة.(2/361)
جسر الكعكة (خ) عدد بيوتها 50 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 9/9/18/مسلمون 90/96/186/روم كاثوليك 62/50/112/أرمن كاثوليك 15/9/24/روم 8/4/12/أرمن 1/4/5/لاتين 7/6/13/كلدان 48/40/88/سريان 26/16/42/موارنة 256/234/500/المجموع يحدها قبلة حارة الطبلة وشرقا قسطل المشط وشمالا حارة الأكراد وغربا عبد الرحيم سميت بهذا الاسم لأنه يوجد في نقطة منها بالوعة تنصب إليها أربعة أسربة لها غطاء من الحجر مستدير مخرق الوسط كأنه كعكة. لا أثر خيري في هذه المحلة سوى مسجد قديم مهجور مائل إلى الخراب يسمى المسجد العمري.(2/362)
حارة الطبلة (خ) عدد بيوتها 56 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 62/66/123/مسلمون 39/46/85/روم كاثوليك 43/40/83/أرمن كاثوليك 8/9/17/روم 39/31/70/أرمن 9/6/15/بروتستان 3/2/5/لاتين 27/33/60/سريان 16/12/28/موارنة 247/240/487/المجموع يحدها قبلة محلة داخل باب النصر والعطوي الكبير وشرقا محلة المرعشلي وشمالا محلة القواس وغربا محلة المغربلية وساحة التنانير التابعة لها.(2/363)
آثارها
جامع الزكي
قديم أنشئ في حدود سنة 700 طول صحنه من الجنوب إلى الشمال نحو 40 ع وعرضه نحو 25 ع وطول قبليته 25 ع في 15 ع تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين. في غربيه رواق في صدره محراب مكتوب على جبهة الرواق. جدد هذا المكان المبارك الفقير إليه تعالى الحاج محي الدين ابن الحاج عبد القادر محب في غرة شهر رجب الفرد سنة 1137 وفي هذا الرواق بعض حجرات يسكنها الفقراء وفي الجهة الموجهة إلى الجنوب من الصحن حجرات أيضا يسكنها أرباب الشعائر وفي وسط الصحن حوض يجري إليه الماء من قناة حلب وللجامع بابان موجهان إلى الغرب فوق الجنوبي منهما منارة وفي غربي جنوبي الصحن ميضأة يدخل إليها من الباب الشمالي ومن صحن الجامع. ونسبة هذا الجامع آل الزكي حادثة وليس الزكي صاحبه وإنما كان أحد مشايخ الطرق العلية يقيم فيه أذكاره فنسب إليه وهو السيد عمر ابن الشيخ أحمد بن محمد الشهير بابن الزكي المتوفي سنة 946 أما بانيه فهو علي بن سعيد بن سعيد الزيني أحد الأمراء في حلب أيام دولة الأتراك المماليك في حدود سنة 700 وقد وقف عليه أوقافا جليلة ضاع معظمها وبقي منها ما يقوم بضرورياته. في شرقي صحن الجامع قبلية أخرى واسعة تعرف بالشمالية أنشأها حجيج الناصري أمير عرب في حدود سنة 972 وقد اشترى لها عرصة من خان في شرقيها يعرف الآن باسم (أوج خان) وعمرها ووقف لها أوقافا جليلة في حلب وأنطاكية وغيرها فضاعت تلك الأوقاف ولم يبق منها الآن سوى حانوتين قرب هذا الجامع وحصة من طاحون في أنطاكية وقد دخل ذلك في إدارة محاسبة الأوقاف في حلب.
ومن الآثار في هذه المحلة أيضا زاوية الشيخ البعاج «1» وهي قرب حمام القواس وكانت أشرفت على الخراب فجددها المتولي عليها الشيخ محمد هاشم ابن الحاج عبد الوهاب الوفائي المتصل نسبه بالشيخ عمر البعاج صاحب هذه الزاوية وقد كتب على حجرة في واجهة(2/364)
القبلية مما يلي صحن الزاوية. قد أنشأ وعمر هذه الزاوية والمسجد في داخلها أحد علماء القرن التاسع قطب العارفين الحسيب النسيب الشيخ عمر الوفائي الحسيني الشهير بالبعاج المدفون هو وابنه العالم الفاضل الشيخ محمد شمس الدين في حرمهما كما أن مرقد حفيديه الشيخ أبي الوفا والشيخ أحمد في سماويهما وتعلم ترجمة الجميع من كتاب در الحبب لابن الحنبلي وكتاب معادن الذهب للشيخ وفا العرضي وقد جددها أحد أعقاب منشئهما محمد هاشم ابن الحاج عبد الوهاب الوفائي مصادفا لذنبه تاريخ (غفرانه) سنة 1336 أقول السيد محمد هاشم هذا هو المتولي على هذه الزاوية وعلى جامع الزكي المتقدم ذكره وهو من خيرة الرجال يحفظ القرآن الكريم بإتقان ويعتني بإعمار الجامع والزاوية المذكورين ويلازم الصلاة في أوقاتها ولا ينفك عن التمسك بذيل الأمانة والاستقامة. ومن آثار هذه المحلة. مسجد الشيخ صالح الكيلاني مكتوب على قنطرة بابه (الله عوني جابري ميسر عبد القادر) وهو معطل عن الشعائر والغالب على الظن أنه تربة. في هذه المحلة حمام القواس من وقف حسين باشا البابي وعدة مصانع لنسج الأقمشة وعدة خانات لنزل المسافرين وربط الدواب وبيع الأخشاب والدفوف.(2/365)
محلة القواس (خ) عدد بيوتها 49 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 21/28/49/مسلمون 91/81/172/روم كاثوليك 66/55/121/أرمن كاثوليك 5/2/7/روم 31/24/55/أرمن 3/1/4/بروتستان 1/3/4/لاتين 3/2/5/كلدان 47/47/94/سريان 13/10/23/موارنة 281/253/534/المجموع يحدها قبلة حارة الطبلة وشرقا ترب الغرباء وشمالا قسطل المشط وغربا عبد الرحيم.
ليس فيها من الآثار سوى مسجد يعرف بمسجد السيدا بابه متجه إلى الغرب على الجادة العظمى وهو مسجد معطل عن الشعائر له قبلية متوهنة وصحن صغير وله على بابه دكان مستخرجة منه وفي هذه المحلة زقاق عظيم غير نافذ فيه معظم دور هذه المحلة يعرف بزقاق السيدا ويظن كثير من الناس أنه محلة مستقلة وليس كذلك. ومما يلحق بهذه المحلة.(2/366)
كنيسة الرهبنة اليسوعية
في شرقي هذه المحلة على حدود محلة ترب الغرباء وهي كنيسة عظيمة ذات غرف وأبهاء وبستان لطيف مبنية على أرض محتكرة من وقف جامع الميداني بدىء بتأسيسها في سنة 1879 م سنة 1297 هـ عن يد الراهب يوسف روز اليسوعي رئيس الدعاة اليسوعيين في حلب بناها على اسم القديس أغناطيوس دي لويولا. طول معبدها 25 ع وعرضه 12 وارتفاعه 18 مترا وهو معبد مستوفي شروط العبادة حسب الديانة المسيحية ومن جملة مشتملات هذه الكنيسة مدرسة كانت قبل الحرب تعلم فيها الأولاد من الطبقة الوسطى ثم في أثناء الحرب أقفلت وبعد أن وضعت الحرب أوزارها مست الحاجة إلى أن تجعل مدرسة تجهيزية عليا يتلقى فيها الشبان العلوم التي لا يستغنى عنها في سبيل الوصول إلى المراتب الرفيعة من العلوم والفنون ففتحت سنة 1920 م سنة 1339 هـ فأقبل عليها من أنهى دروسه في مدارس حلب ورغب أن يحصل على ما هو أسمى منها. والعلوم التي تتلقى فيها هي علم البيان والبلاغة في العربية والإفرنسية والحساب والجبر والهندسة والكيميا والفيزيكا «1» والتاريخ والجغرافية والترجمة وعدد تلامذتها الآن 45 وهم من نخبة الشبان والنوابغ منهم تمتحنهم لجنة مؤلفة من الحكومة قوامها علماء وطنيون وفرنسيون فإذا نجحوا بامتحانهم فإنهم يعطون شهادة تخولهم حق الدخول إلى مدارس الطب والهندسة والحقوق والزراعة وغيرها في فرنسا وبيروت. على أن الدخول إلى هذه المدرسة بأجرة طفيفة وهي نهارية فقط. ليس لهذه الكنيسة من الأوقاف سوى دارين تبلغ غلتهما في السنة ستين ذهبا.(2/367)
حارة المغربلية (خ) عدد بيوتها 57 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 88/83/171/مسلمون 21/23/44/روم كاثوليك 25/25/60/أرمن كاثوليك 20/16/36/روم 33/19/52/أرمن 2/3/5/بروتستان 1/3/4/لاتين 6/4/10/كلدان 22/40/62/سريان 12/7/19/موارنة 240/322/463/المجموع يحدها قبلة حارة الطبلة، شرقا وشمالا عبد الرحيم وغربا بيت محب لا أثر فيها سوى مسجد الشيخ عبد الله الأكحل تصلى فيه الجهرية وهو قديم بني في حدود سنة 890 والمتولون عليه من أسرة آل الحريري في حلب وله من الأوقاف ما يقوم بكفايته.(2/368)
حارة العطوي الكبير (خ) عدد بيوتها 7759 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 6/6/12/مسلمون 139/147/276/روم كاثوليك 56/49/105/أرمن كاثوليك 17/17/34/روم 41/35/76/أرمن 6/6/12/لاتين 76/60/136/سريان 34/34/68/موارنة 375/254/729/المجموع حدّها قبلة خندق العطوي الذي أصبح الآن من أعمر جادات حلب وأكثرها حوانيت ومخازن وخانات وشرقا محلة داخل باب النصر والمرعشلي وشمالا المغربلية وبيت محب وغربا الصليبة. لا آثار فيها سوى مسجد في جانبه قسطل مائلان إلى الخراب وقد رممت إدارة الأوقاف المسجد ورتبت له إماما.(2/369)
العطوي الصغير (خ) عدد بيوتها 97 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 9/14/223/مسلمون 25/27/52/روم كاثوليك 28/30/58/أرمن كاثوليك 27/15/42/أرمن-/ 1/1/لاتين 1/1/2/كلدان 20/26/46/سريان 7/3/10/موارنة 117/117/234/المجموع حدها قبلة خندق العطوي المتقدم ذكره شرقا المرعشلي غربا وشمالا العطوي الكبير فيها مسجد صغير مهجور مشرف على الخراب.(2/370)
حارة عبد الرحيم (خ) عدد بيوتها 80 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 86/80/166/مسلمون 96/108/204/روم كاثوليك 57/76/133/أرمن كاثوليك 17/23/40/روم 36/28/64/أرمن 6/11/17/لاتين 5/2/7/كلدان 92/78/170/سريان 33/31/54/موارنة 418/437/855/المجموع يحدها قبلة حارة الطبلة وشرقا حارة جسر الكعكة وشمالا حارة الأربعين وغربا حارة بالي برغل. لا أثر فيها سوى مسجد صغير متوهن يعرف بمسجد القدومي. وفيها مكان واسع يعرف بقاسارية البطرك يشتغل فيه بنسج السجاد. اه.(2/371)
حارة عبد الحي (خ) عدد بيوتها 48 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 6/12/17/مسلمون 95/90/185/روم كاثوليك 45/54/103/أرمن كاثوليك 28/33/61/روم 4/3/137/أرمن 14/24/38/سريان 7/13/20/موارنة 203/822/432/المجموع يحدها قبلة حارة العطوي الكبير، وشرقا بالي برغل، وشمالا الهزازة وحارة الأربعين، وغربا الصليبة والتومايات.
آثارها
جامع شرف
هو جامع فسيح جميل معمور بالشعائر تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين أنشئ في أيام دولة السلطان قانصوه الغوري فقد كتب على بابه ما صورته (عمر هذا المكان المبارك في أيام وسعد مولانا الظاهر الملك الأشرف قانصوه الغوري) هـ. في(2/372)
غربي الجامع حجرة تشتمل على حوض كتب على بابها بعد البسملة قال الله تعالى في كتابه العزيز وهو أصدق القائلين وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وقال النبي المكرم والرسول المعظم صلّى الله عليه وسلّم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى رمضان سنة 1200.
وفي هذه المحلة مدرسة إناث تحت إدارة راهبات يسوعية يعلمن فيها اللغة العربية والفرنسية وبعض أشغال يدوية. اه.(2/373)
حارة الهزّازة (خ) عدد بيوتها 135 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 123/116/239/مسلمون 296/294/593/روم كاثوليك 114/113/227/أرمن كاثوليك 32/20/52/روم 2/7/9/أرمن 4/3/7/لاتين 69/52/121/سريان 182/182/364/موارنة 825/787/1612/المجموع يحدها قبلة عبد الحي والتومايات، وشرقا الغطاس، وغربا الصليبة الصغرى وشمالا مقبرة السيد علي والنيال. ليس فيها من الآثار سوى مسجد الشيخ عبد الله وهو مسجد صغير تقام فيه الجهرية، وكان تخطيط هذه المحلة في أواخر أيام الملوك الجراكسة كما يستفاد من كلام بعض الكتب التاريخية الحلبية. يلحق بهذه المحلة مستودع ماء عين التل وهو مكان فسيح لا بناء فيه من قبل يبلغ نحو عشرة آلاف ذراع مربع استوهبه من أصحابه جمال باشا القائد العام في الحرب العامة على سوريا وعمر فيه حوضا كبيرا «1» ذا أروقة مسقوفة بازج عظيمة(2/374)
يصب فيها ماء عين التل ومنه تتفرع الأقنية الحديدية إلى المباذل المتفرقة في محلات حلب ويجري منه أيضا قناة كبيرة حديدية يرفع فيها الماء بواسطة محرك ناري تصب في حوض العوينة قرب مقبرة الجبيلة الذي تتفرع منه أيضا أقنية لسقاية بعض المحلات الجنوبية من مدينة حلب: كان تأسيس الحوض الأول الملحق بحارة الهزازة 1335 ذكرنا خبر إجراء الماء في حوادث السنة المذكورة من باب الحوادث.(2/375)
حارة الغطاس (خ) عدد بيوتها 13 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 41/33/74/روم كاثوليك 15/4/19/أرمن كاثوليك 21/14/37/روم 1/-/ 1/لاتين 2/2/4/سريان 37/35/72/موارنة 117/90/207/المجموع يحدها قبلة الأكراد، وشرقا قسطل الحرامي وشمالا مقبرة السيد علي، وغربا محلة الهزازة. لا آثار خيرية في هذه المحلة. ويلحق بها مقبرة السيد علي الهمداني «1» وهي مقبرة فسيحة واسعة تنسب إلى (علي ابن السيد علاء الدين العجمي) وهو مدفون في قبة في هذه المقبرة. وكان جيران هذه المقبرة زحفوا عليها وأخذوا عدة عرصات منها وأدخلوها إلى بيوتهم وبعضهم فتح عليها باب داره واستطرق فيها إلى ظاهرها وفي سنة 1209 قام عليهم أصحاب القبور ومنعوهم عن تعديهم وباعوا بعض قطع منها وصرفوا أثمانها على سياج أداروه عليها وعملوا ضمنها بيتا لسكنى التربى وفتحوا لها بابين كتب على أحدهما من نظمي هذه الأبيات:(2/376)
بالرحمة فاضت مقبرة ... إذ للهمداني نسبوها
غصب الجيران لها طرفا ... وبنوه بيوتا سكنوها
فأتاهم أهل الحق وما ... برحوا عنها أو هدموها
غرموا لهم مائتي ذهب ... وعلى ذا الدائر صرفوها
منذ كملت قال مؤرخه ... أهل الخيرات أحاطوها(2/377)
حارة التومايات (خ) عدد بيوتها 86 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 122/116/226/روم كاثوليك 78/111/189/أرمن كاثوليك 6/7/13/روم 7/-/ 7/أرمن-/ 1/1/بروتستان 4/5/9/لاتين 31/52/83/سريان 81/62/143/موارنة 329/382/711/المجموع يحدها قبلة الصليبة الكبرى، وشرقا الهزازة، وشمالا وغربا الصليبة الصغرى.
والتومايات محرفة عن تومى هداية اسم رجل شهير كان يسكن هذه المحلة كما يستفاد من حجة شرعية قديمة وقيل إنه كان يوجد فيها عدة رجال تسموا بهذا الاسم فسميت المحلة بمجموع أسمائهم. لا آثار إسلامية في هذه المحلة. أما الآثار المسيحية فيها فهي:
كنيسة طائفة الأرمن الكاثوليك
لم نظفر بما يدلنا على وجود كنيسة لهذه الطائفة قبل سنة 1247 هـ 1831 م أما بعدها فإن أبناء الطائفة لما كثر عددهم سعى مطرانها إبراهيم كوبه لى بإيجاد معبد يختص(2/378)
بالطائفة فاشترى من بولس بن بطرس قره اللى دارا في هذه البوابة وكانت تعرف بحارة الإفرنجية، ثم في أيام المطران باسيلوس عيواظ اتخذت الدار كنيسة على اسم السيدة مريم المعونات وحينئذ عرفت البوابة ببوابة الكنيسة. طول هذه الكنيسة 32 وعرضها 16 مترا منقسمة إلى ثلاثة أواوين حملت قناطرها وقبابها على أعمدة من المرمر الأصفر في صدرها خوروس «1» مرتفع يشتمل على ثلاثة مذابح. وهي ذات مرافق ومنافع كسكرستيا «2» ودار لسكنى مطران الطائفة. ولها من الأوقاف ما يقوم ريعه بضرورياتها ومرتبات موظفيها.
أما وجود طائفة الأرمن الكاثوليك في حلب فقد ذكر بعضهم أنه قديم بدليل وجود بعض أسر أرمنية كاثوليكية مضى عليها في حلب نحو أربعمائة سنة أي منذ حدود سنة 930 هـ 1523 م. قلت إذا كان هذا القول صحيحا فإن تلك الأسر تكون قد أخذت الكثلكة عن الموارنة أو عن الصليبيين حينما كانوا في سوريا أو إنها كانت كاثوليكية قبل أن تتوطن حلب وإلا فإن الكثلكة لم تنتشر في حلب إلا بعد سنة 1036 هـ 1626 م فقد جاء في كتاب عناية الرحمن إن أول من افتتح رسالة الكثلكة في حلب هم الرهبان الكبوشيون في هذه السنة، ثم الكرمليون في سنة 1078 هـ 1667 م ثم اليسوعيون إلخ.
وكان يسوس هذه الطائفة دينيا أحد الرهبان المعين وكيلا بطرير كيا يساعده بعض الكهنة في الخدمة الروحية إلى سنة 1122 هـ 1710 م وحينئذ ترأس على الطائفة المطران أبريهام أرزيتيان ومنه تسلسلت هذه الوظيفة حتى اتصلت بنيافة مطران الطائفة الحالي حضرة أوغسطنوس صائغ.
أما فروع الطائفة مدنيا فقد كانت بيد رئيس الأرمن الغريغوريين الذي كان وحده معترفا به من قبل الحكومة العثمانية إلى سنة 1245 هـ 1829 م وفيها صدر فرمان شاهاني يقضي باستقلال بطريرك هذه الطائفة بشؤونها المدنية وانفكاكها عن بطريركية الأرمن الغريغوريين. لهذه الطائفة أربع مدارس وميتم واحد: فالمدرسة الأولى يدخلها أبناء الطائفة مجانا: أسست سنة 1260 هـ 1844 م في عهد رياسة المطران باسيليوس عيواظ. تدرس فيها اللغة العربية والفرنسية والأرمنية والعلوم الدينية المسيحية ومبادئ بقية العلوم العمرانية.
عدد تلامذتها نحو 400 ومحلها في بوابة السيسي من هذه المحلة.(2/379)
والمدرسة الثانية مدرسة كبرى للذكور أنشأها حضرة أوغسطنوس صائغ سنة 1322 هـ 1904 م في حارة الصليبة الصغرى عدد تلامذتها نحو 500 وهي مفتوحة الأبواب للعموم ويوجد فيها نحو 80 تلميذا من أولاد المسلمين وهي مدرسة تجهيزية ثانوية تدرس فيها اللغة العربية والفرنسية والأرمنية والإنكليزية مع العلوم الدينية المسيحية وغيرها وهي تأخذ على التعليم أجرة معلومة: المدرسة الثالثة مدرسة كبرى للإناث أنشئت سنة 1315 هـ 1897 م في عهد رياسة المطران غريغوروس بليط تحت إدارة راهبات أرمنيات تدرس فيها اللغات وبقية العلوم والفنون التي تدرس في المدرسة الثانية وتعلم فيها الأشغال اليدوية يؤخذ فيها على التعليم أجرة معلومة: محلها الصليبة ولها مدخل من الصليبة الصغرى التي سيأتي الكلام عليها وهذه المدرسة تضم إليها نحو 200 تلميذة. المدرسة الرابعة مدرسة إناث أنشئت سنة 1337 هـ 1918 م على عهد مطران الطائفة الحالي أو غسطنوس صائغ تحت إدارة راهبات أرمنيات كاثوليكية تدرس فيها العلوم الدينية المسيحية والابتدائية وتعلم فيها الأشغال اليدوية والدخول إليها مجانا وهي تضم نحو 30 يتيمة. أما دار مطران هذه الطائفة فقد كان بناؤها سنة 1256 هـ 1840 م في عهد رياسة المطران باسيليوس عيواظ.(2/380)
حارة الصليبة (خ) عدد بيوتها 139 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 199/221/420/روم كاثوليك 89/105/191/أرمن كاثوليك 4/8/12/روم 93/37/130/أرمن 3/15/18/لاتين 70/63/133/سريان كاثوليك 100/133/233/موارنة 555/582/1137/المجموع هذه المحلة في شمالي البلدة إلى الغرب يحدها قبلة جادة بوابة القصب التي في غربيها مزار السهروردي «1» الذي عمر واتخذ محلا لإدارة البرق والبريد، وشرقا حارة الشمالي، وشمالا حارة التومايات، وغربا شارع التلل التابع حارة الصليبة الصغرى. كان يطلق على هذه المحلة وحدها اسم الجديدة بالتصغير ثم صار الناس يطلقون هذا الاسم على محلة الشمالي وبالي برغل والتومايات ويسمون الجديده الحقيقية (الصليبة) .(2/381)
هذه المحلة حادثة في حلب ليس لها ذكر في تواريخها وهي خاصة بسكنى المسيحيين على أننا لم نظفر بقول صريح يعين السنة التي أسست فيها. وغاية ما أمكننا استقصاؤه في هذا الباب ما استدللنا منه على أن هذه المحلة كان تأسيسها في أثناء القرن الخامس عشر م أي في القرن التاسع هـ أواخر أيام الدولة الجركسية المصرية بعد حادثة تيمور لنك فقد نقل صاحب كتاب عناية الرحمن حاشية من كتاب ديني محفوظ في مكتبة الموارنة تدل صراحة على أن كنيسة الموارنة كانت موجودة في هذه المحلة سنة 895 هـ 1489 م وحاشية أخرى محررة على كتاب عربي محفوظ في خزانة الواتكان «1» في رومية العظمى تحت عدد (141) يفهم منه صراحة أن هذه المحلة كانت موجودة في سنة 911 هـ 1505 م.
في هذه المحلة عدة دور عظام ذات بهاء وجمال يدلان على ثروة أهلها وعلى ما كانت عليه تجار حلب من النجاح والرباح والغبطة ورخاء المعيشة في ذلك العهد. وهي محلة جيدة الهواء لنظافتها وجفافها لخلوها من مياه جارية فإن الماء الذي يشربه أهلها هو ماء الصهاريج المحرز من المطر والماء الذي يستعملونه في باقي شؤونهم هو ماء الآبار المعينة فإن كل دار من دورها لا تخلو على الغالب من صهريج وبئر ماء معين. ومما كادت تنفرد به هذه المحلة هو أنه في كل دار من دورها على الأكثر مغارة محفورة في الحوار لا يكاد يستغنى عنها في تبريد الفاكهة وحفظ المؤونات التي يفسدها الحر. وقد عهدنا أن هذه المحلة هي المحلة الوحيدة التي يسكنها أعيان المسيحيين ووجهاؤهم ثم لما أسست محلة العزيزية ومحلة الصليبة الصغرى أخذ أولئك الأعيان والوجهاء يتحولون منها إلى المحلتين المذكورتين أسرة بعد أسرة حتى لم يبق منهم الآن في هذه المحلة غير القليل وأصبح معظم سكانها الآن من الأغراب ومهاجري الأرمن وغيرهم. ومن الأسر القديمة المسيحية الحلبية الشهيرة الباقية في هذه المحلة أسرة بني سابا عائدة وأسرة بني جنيدر وأسرة بني الضاهر.
آثارها
لا يوجد في هذه المحلة أثر إسلامي البتة. فأما آثار المسيحيين فيها فكثيرة بعضها قديم بقدم المحلة وبعضها وهو الأقل حديث، بعد ذلك فلم يذكر في تاريخ قبل هذا وهو كنيسة الروم الكاثوليك وكنيسة الأرمن الكاثوليك. والآثار القديمة التي لها ذكر في التاريخ خمس(2/382)
كنائس: كنيسة الروم الأرثوذكس وكنيسة الموارنة وكنيستا الأرمن وكنيسة السريان.
بنيت هذه الكنائس الخمس بعد ما اختطت المحلة في هذه البقعة بقليل يؤيد ذلك ما حكاه صاحب كتاب عناية الرحمن عن السائح الروماني بطرس دي لافالي الذي دخل إلى حلب سنة 1035 هـ 1652 م حيث قال. زرت محلة المسيحيين بحلب فإذا هي في بقعة خارج سور المدينة قيل لها الجديدة لاستحداثها وكنائسها قريبة منها، وهي أربع كنائس متجاورة في بقعة واحدة ولجميعها فناء واحد ومدخل واحد عام فللأرمن كنيستان إحداهما على اسم الأربعين شهيدا والأخرى على اسم العذراء. وللروم كنيسة على اسم نقولا وللموارنة كنيسة واحدة على اسم مار الياس النبي. أما كنيسة السريان ويسميها العامة كنيسة ستنا مريم فمنفردة وقد ألفيتها أجمل وأوسع من سواها وفيها يقيم بطريركهم (بطرس هدايا) . اه.
كنيسة الروم الأرثوذكس
محل هذه الكنيسة في شرقي جنوب الرحبة التي هي مدخل مشاع بين الكنائس الأربع المتقدم ذكرها في عبارة السائح المذكور. على أن هذه الكنيسة بنيت حينما أتى الملكيون حلب في أواخر القرن الخامس عشر وقد دثرت بعد ذلك وأقيم في محلها على أطلالها كنيسة جديدة سعى بعمارتها المطران كيرللس القبرصي المتوفي سنة 1861 م 1278 هـ بناها على اسم انتقال السيدة العذراء. طولها 35 وعرضها نحو 22 وارتفاعها 5 أمتار تقريبا وهيكلها يرتفع عن الأرض قليلا قد حمل على أربعة أعمدة من الحجر الأصفر البعاديني الذي انفردت به مقالع حجارة حلب مطوقة هذه العمد من أعلاها بأطواق من النحاس الأصفر على طرز جميل. أوقاف هذه الكنيسة إحدى وثلاثون دارا متفرقة في أنحاء شتى من البلد وعشرون دكانا في جوار دار المطران الكائنة في سوق جادة الياسمين من هذه المحلة وخارجها يبلغ ريع هذه الأوقاف في السنة نحو ألفي ذهب عثماني.
هذه الطائفة لم تزل على المذهب الأرثوذكسي حتى قام مطرانا عليها أفتيميوس الرابع الساقزي في حدود سنة 1042 هـ 1632 م فاستدعى الرهبان البابويين إلى دمشق وفتح لهم مدرسة وقيل إن الذي فعل ذلك هو البطريرك نيوفيطوس الساقزي صحب معه أولئك الرهبان من وطنه وجعلهم أساتذة معلمين في مدارس دمشق ثم انتشروا في حلب وصيدا(2/383)
ومركز ولاية سوريا في ذلك التاريخ وغيرهما من مدن سوريا وشرعوا يدعون إلى الكثلكة في هذه البلاد سرا وعلنا حتى كثرت أتباعهم واستفحل أمرهم ونجم عن ذلك النزاع والشقاق بين أشياعهم وبين أبناء الطائفة الأرثوذكسية وكان يساعدهم قناصل دولة النمسا ثم قناصل دولة فرنسة في حلب وسفيرهما في إستانبول ويبذلون لهم أنواع المعونات وكانت الحكومة العثمانية تساعد الأرتودكسيين لأسباب لا تخفى واستمر ذلك زمنا طويلا حتى آل الأمر إلى ما أثبتناه في حوادث سنة 1234 هـ 1815 م.
يلحق بهذه الكنيسة مدرستان نهاريتان إحداهما للذكور والأخرى للإناث كل واحدة منهما تضم إليها نحو 200 تلميذ والدخول إليهما مجانا وأبوابهما مفتوحة للعموم إلا أنه لا يوجد فيهما سوى أبناء الطائفة وكل واحدة منهما يشتمل على قسم من الحضانة، والعلوم التي تلقى فيهما مبادئ العلوم الدينية المسيحية واللغة العربية والفرنسية واليونانية ولهذه الكنيسة مكتبة تضم إليها نحو 500 مجلد في علوم شتى أكثرها مطبوع باللغة اليونانية وباقيها باللغة الفرنسية وفيها عدة كتب مخطوطة باللغة العربية. منها نسخة إنجيل طبعت في مطبعة هذه الطائفة في حلب سنة 1126 هـ 1706 م وفي المطبعة التي تكلمنا عليها في المقدمة في الفصل الذي عقدناه في الكلام على مكتبات حلب وللطائفة أيضا ميتم يضم إليه نحو ثلاثين يتيما. و (قلايتها) «1» وهي دار المطران في سوق هذه المحلة تجاه قلاية السريان بميلة إلى الغرب مستحدثة بنيت بسعى المطران كيرللس سنة 1267 هـ 1859 م على أثر قلاية أصيبت بحريق. من أدباء هذه الطائفة الأحياء الأرشمندريت إيليا إسطفان والخوري كيرللس وغيرهما.
كنيسة الأرمن
للأرمن كنيستان يدخل إليهما من الرحبة المذكورة في عبارة السائح المتقدم ذكرها.
فالكنيسة الأولى حادثة بحدوث هذه المحلة بناها على اسم العذراء رجل من أغنياء الأرمن اسمه قوجه مقصود سنة 860 هـ 1455 م مدخل هذه الكنيسة كما قلنا من الرحبة السالف بيانها وبابها متجه إلى جهة الغرب بين باب كنيسة الروم وباب كنيسة الموارنة الآتي ذكرها(2/384)
والكنيسة الثانية يدخل إليها من الرحبة السالفة الذكر بابها متجه إلى الجنوب وهي كنيسة واسعة بنيت علاوة على معبد قديم مبني على اسم الأربعين شهيدا وسيأتي الكلام عليه.
محل جرن المعمودية في هذه العلاوة محمول سقفه على عمودين من الحجر الأصفر البعاديني قاعدتهما من هذا الحجر أيضا إلا أن فيها من النقوش ما يشهد ببراعة صانعهما.
وفي الجدار المتجه إلى الجنوب من هذه الكنيسة المضافة لوح مفتوح من القماش الكثيف الملون طوله نحو أربعة أمتار في عرض مثلها قد مثل فيها صاحبها الموقف للمناقشة بالحساب يوم الآخرة فرسم عليها صور أشخاص منضمين إلى بعضهم زرافات ووحدانا كأنهم يتسارون ويتحدثون في أمور هامة وفي أسفل القطعة صف من صور أشخاص منضمين إلى بعضهم مثنى وثلاث قد وقف على رؤوس بعضهم الشيطان والتف على بعضهم الآخر أفاع عظيمة تنهش لحومهم وقد كتب تحت كل زمرة منهم عبارة تفصح عن نوع معصيتهم التي يعاقبون من أجلها فكتب تحت صورة زمرة منها (هؤلاء الظلمة) وتحت أخرى (هؤلاء المتكلمون في أعراض الناس) وتحت أخرى (هؤلاء القتلة) وتحت أخرى (هؤلاء السراق) وتحت أخرى (هؤلاء المتكبرون) إلخ ثم كتب في أسفل اللوح هذه العبارة (وكان المجتهد بعمل هذه الدينونة المكرمة المقدسي كركور الشماع ابن المقدسي كرابيد بالمقام الكهنة المسيحيين إلى كنيسة الأربعين شاهد المعظمين في مدينة حلب المحروسة، فيسأل كل من نظرها يترحم علي والديه ويطلب له المغفرة من الله تعالى وذلك بتاريخ سنة 1708 المسيحية صورها بيده الخاطئة قسيس نعمة الله ابن خوري يوسف المصور وابنه حانينا فيسأل كل من نظرها يدعي لهما بالغفران وذلك في تاريخ 7216 لأبينا آدم عليه أفضل التحية والسلام) .
ومن الصور الموجودة في هذه الكنيسة صورة العذراء جالسة في حجرها طفلها المسيح عليه السلام يرضع وابن خالته يحيى يقبله وهي تنظر إليهما وهذه الصورة تعد من العاديات العظيمة القيمة لإحكام صنعها الذي يتنافس فيه المشتغلون بصنعة التصوير ويقال إنها لولا طمس في طرفها لكانت قيمتها لا تقل عن 1500 ذهب. أما المعبد القديم الذي تقدم ذكره ووعدنا بالكلام عليه فهو عبارة عن غرفة في الشرق الجنوبي من هذه الكنيسة طولها عشرة أذرع في عرض سبعة تقريبا في صدرها الشرقي شبه هيكل يصعد إليه بدرجة في أطراف هذه الغرفة عدة قبور كتب على نصبة أحدها بالأرمنية ما معناه أن صاحب هذا(2/385)
القبر كاتوغكس بدروس القلقلي (نسبة إلى أبي قلقل «1» ناحية في شرقي منبج) المتوفي سنة 1017 هـ 1608 م وعلى نصبة أخرى أنه قبر المطران سركيس المتوفي سنة 986 هـ 1578 م: يقول كهنة الأرمن أن هذه الغرفة هي معبد قديم للأرمن مضى على إنشائه نحو من 700 سنة مستدلين على صحة دعواهم هذه بما ورد عندهم في كتبهم التاريخية في أخبار حروب الصليبيين من أن بعض كهنة الصليبيين يقول في كتاب له أنه حينما كان الصليبيون يحاصرون مدينة حلب كان هو وجماعة معه يؤدون واجباتهم الدينية في معبد للأرمن يبعد عن مدينة حلب مسافة نصف ساعة يكون قبالة باب النصر على خط مستقيم.
مكتوب على حجر بين بابي هذه الكنيسة ما معناه أنها جددت للمرة الثانية سنة 856 هـ 1452 م في أيام كاتوغكس الكلزي.
ويقول كهنة هذه الطائفة أن هذا المعبد وسع وجعل على ما هو عليه الآن في سنة 1049 هـ 1639 م عن يد رجل من وجهاء الأرمن اسمه بدروس العجمي أحد موظفي دائرة الجمرك في حلب بعد أن أخذ إذنا بذلك من السلطان مراد خان العثماني حينما مر من حلب في السنة المذكورة متوجها إلى العراق لغزو العجم وذلك أنه عمل للسلطان ضيافة حافلة تليق به وأنه قدم إلى مائدته التي جلس عليها جميع أنواع الأطعمة في صحون من الخزف الصيني الذي يندر وجوده في غير بيته وإنه بعد أن انتهى السلطان من طعامه أو عز بدروس إلى خدمه بأن يكسروا جميع هذه الآنية الصينية الثمينة فلما أمعنوا بكسرها اغتاظ السلطان من عملهم هذا وسأل بدروس عن سبب كسرها فأجابه بقوله إنها لم يبق لها من لزوم عندي إذ لا يوجد لديّ انسان مثل سيدي يستحق أن يتناول فيها الطعام وقد أعددتها لسيدي خاصة فنالت بذلك غاية الشرف فسر السلطان من كلامه وقال له ماذا تحب أكافئك به على الإخلاص أجابه أحب أن تأذن لي يا مولاي ببناء علاوة «2» أضيفها إلى معبد الأرمن القديم لأن كنيستهم صغيرة لا تكفيهم لإقامة شعائرهم فأذن له بذلك وعمر هذا المحل وأضافه إلى المعبد المذكور. يؤخذ مما كتب على الحجر السالف الذكر أن هذه العلاوة جددت للمرة الثالثة سنة 1268 هـ 1869 م في أيام المطران مكرديج وعهد كاتوغكوس كيراكوس الثاني.(2/386)
لهذه الكنيسة مكتبة مشحونة بالكتب التاريخية والدينية باللغة الأرمنية بينها نسخة إنجيل مخطوطة تحت عدد (15) حررت في حلب فيها صور مرسومة باليد بمداد ذهبي غاية بالجمال مما يبدل على أن صنعة التصوير كانت راقية في حلب تاريخها سنة 680 هـ 1281 م. لهذه الطائفة في حلب سبع مدارس نهاريات تضم إليها في هذه الأوقات نحو 1200 تلميذا ما بين ذكر وأنثى ولهم ميتم فيه نحو 1200 يتيم ينفق عليهم من صدقات الطائفة ولكنيستهم المذكورة وقف كان يبلغ ريعه سنويا نحو 400 ذهب عثماني وفي سنة 1320 هـ 1902 م تعين الخوري أروتين ياسايان وكيل مطران على طائفة الأرمن في حلب فاجتهد في إعمار وقف الطائفة وبنى لها في أرض المشنقة أبنية عظيمة فصار ريع الوقف يبلغ في السنة نحو 700 ذهب ومما يلحق بهذه الكنيسة مكان في شرقيها شبيه بخان متوهن له مدخل على شارع التلل يسمونه بلغتهم (هيكدون) وهو مركز للمقادسة منهم أنشئ سنة 947 هـ 1540 م.
كنيسة طائفة الروم الكاثوليك
هي كنيسة حادثة كاتدرائية كبرى أنشأتها الطائفة في أيام المطران غريغوريوس شاهيات الحلبي على اسم سيدة النياح سنة 1260 هـ 1849 م ثم رممت في أيام المطران ديمتريوس الأنطاكي الحلبي قيل وكان الناظر على ترميمها جبرائيل حنا صائغ أحد وجهاء الطائفة:
مكتوب على جدار الكنيسة فوق باب معبدها (قد رممت هذه الكنيسة بعد حريقها بأمر مليكنا المعظم السلطان عبد الحميد خان حفظه الله في رياسة المطران دي متريوس سنة 1296 هـ 1852 م. طول معبدها 52 وعرضه 33 ع والايقونسطاس «1» المصنوع من المرمر البديع أنشئ بسعي المطران بولس حاتم الحلبي وهو عبارة عن جبهة الهيكل مصورة بالنقوش المعمارية الحلبية الجميلة التي يندر وجودها مثلها في سوريا: هذه الطائفة أكبر الطوائف الكاثوليكية في حلب وتسمى أيضا الطائفة الرومية الملكية ويقال أن أصلها في سوريا من الغسانيين الذين تمسكوا بمسيحيتهم في بلاد حوران ثم انتشرت فروعهم في بلاد سوريا وقد خرج منها بطاركة كثيرون منهم غبطة البطريرك كيرلس جحى الحلبي والبطريرك ديمتريوس قاضي الدمشقي الذي كان مطرانا على حلب.(2/387)
استمرت أبناء هذه الطائفة في حلب ناعمة البال على أحسن حال إلى أواسط القرن الثامن عشر مسيحية ثم عرض لها من الكوائن والشؤون ما كانت عقباه حادثة سنة 1234 هـ 1818 م وحينئذ اضطرتها الحالة إلى العزلة ومغادرة الكنيسة والقلاية القديمتين مع أوقافها وصارت أساقفتها تقطن جبل لبنان في أكثر الأوقات ويقيمون عنهم في حلب أفراد فيها لكل طائفة مطرانا وكنيسة كما حكينا ذلك في حوادث السنة المذكورة فنالت هذه الطائفة قسطها من الاستقلال القديم بسعي البطريرك مكسيموس مظلوم الحلبي على ما هو مستفاض معلوم. وكان تمام هذا الأمر لها ولغيرها من الطوائف المسيحية القاطنة في الممالك العثمانية في أيام السلطان عبد المجيد خان العثماني وحظيت منه الطائفة ببراءة عالية تؤيد لها حق الاستقلال. ومن ذلك الوقت بدأت تقوم بشعائر دينها بكل حرية وصارت أساقفتها تقطن في حلب وكان أولهم المطران غريغوريوس شاهيات السابق الذكر.
أما أوقاف هذه الكنيسة فيسيرة بالنسبة إلى عدد نفوسها وهي لا تكاد تقوم بنفقاتها ولذلك أسباب تاريخية لا محل لذكرها هنا. وللطائفة مدرستان ناجحتان إحداهما في هذه المحلة في شمالي بوابة القصب أسسها المطران كيرللس جحى سنة 1304 هـ 1886 م على اسم مارنقولا وهي تجهيزية مختصة بالذكور داخلية ونصف داخلية ذات دارين عظيمتين جميلتين تضم إليها نحو 400 تلميذ قد فتحت أبوابها للعموم فيها نحو 70 تلميذا من المسلمين تتلقى فيها اللغة العربية بفروعها والفرنسية والإنكليزية والحساب والجغرافيا والموسيقى وغير ذلك من العلوم والفنون التي تؤهل الطالب إلى الدخول في المدارس العالية. والمدرسة الأخرى في محلة الشرعسوس قرب كنيسة القديس جاورجيوس وهي قديمة يرتقي تاريخ وجودها إلى عهد وجود كنيسة الشرعسوس وكان يناؤها على اسم مارجرجس وهي مختصة بالذكور مفتوحة الأبواب للعموم تضم إليها نحو 250 تلميذا يتلقون فيها اللغة العربية والفرنسية والحساب والدخول إليها مجانا. ولهذه الطائفة مدرسة ثالثة في محلة الصليبة الكبرى مختصة بالإناث أسسها المطران بولس حاتم الحلبي السالف الذكر سنة 1282 هـ 1865 م ثم إن غبطة المطران ديمتريوس القاضي الدمشقي البطريرك الحالي فوض أمر التعليم في هذه المدرسة إلى راهبات القديس يوسف وألحقها بمدرسة الذكور الكبرى ثم إن نيافة المطران الحالي مكاريوس سابا عائدة أفردها ووسع نطاقها ووضعها تحت إدارة راهبات بيزانسون اللواتي سعى حضرته بمجيئهن إلى حلب وهي مدرسة ناحجة.(2/388)
وللطائفة ميتم على اسم سيدة لورد يضم نحو 65 يتيما يتعلمون فيه اللغة العربية والفرنسية والحساب وبعض الصنائع اليدوية. وهو مما أسسه نيافة المطران مكاريوس المومى إليه. أما دار مطران هذه الطائفة فهي عبارة عن دارين جميلتين وقفهما أبناء الطائفة لسكنى المطران في أواسط القرن الثامن عشر وكان المطران في ذلك الوقت لا يأتي إلى حلب إلا إذا ساعدته الفرصة. ومما يضاف إلى رعاية مطران هذه الطائفة النادي الكاثوليكي المشاع بين جميع طوائف الكاثوليك أسسه حضرة المطران الحالي مع نخبة من الشبيبة الكاثوليكية سنة 1338 هـ 1919 م والغرض منه السعي في نشر العلوم والآداب بين الشبيبة المسيحية وهو على غاية ما يرام من التقدم والنجاح. في هذه الطائفة نبغاء في العلوم والأدب نوهنا بذكرهم في باب التراجم.
كنيسة الطائفة المارونية
ومن الآثار القديمة المسيحية في هذه المحلة كنيسة الطائفة المارونية وكانت قبلا في المكان المستعمل الآن محلا لمطبعة هذه الطائفة يدخل إليها من الرحبة التي ورد ذكرها في عبارة السائح الروماني المتقدم ذكرها وهو مكان فسيح جميل بقي كنيسة للطائفة إلى سنة 1290 هـ 1873 م وفيها اهتم بتأسيس الكنيسة الكاتدرائية على اسم القديس إلياس الحي (الخضر) المطران يوسف مطر الحلبي وحذا حذوه لإتمام هذا المشروع المطران بولس حكيم الحلبي وحضرة القس جرجس منش الوكيل الأسقفي وقد قام هذا بحفلة افتتاحها سنة 1310 هـ 1892 م وشاد المطران يوسف دياب هيكلها الكبير وشرع بتبليطها يوسف أندريا أحد وجهاء الطائفة وجدد قبتها حضرة المطران ميخائيل الحلبي مطران الطائفة الحالي سنة 1333 هـ 1914 م. وهي مبنية على الطرز الروماني شبيهة بكنيسة مريم الكبرى في مدينة رومية العظمى: طول معبدها 2 1/41 وعرضه 2 1/19 وارتفاعه 15 وطول ساحتها بما فيه الأدراج 2 1/17 وعرضها 18 مترا. وهذه الكنيسة بالحقيقة تعد في مقدمة كنائس الطوائف المسيحية في حلب لسعتها وضخامة أبنيتها وإتقان عمارتها على أن العمل في بنائها لم ينقطع منذ تاريخ تأسيسها حتى الآن وهي تابعة محلة التومايات على إننا رأينا عدها من آثار هذه المحلة أقرب للصواب.(2/389)
أما دار المطران وهي قرب كنيسة الطائفة القديمة التي هي الآن دار طباعة فقد أنشأها المطران (جرمانوس فرحات) وهو أول أساقفة الطائفة الحلبيين وذلك في حدود سنة 1138 هـ 1725 م وهي دار جميلة عامرة. ولهذه الطائفة مدرسة مختصة بالذكور قديمة العهد عني بإنشائها أسطفان الدويهي اللبناني سنة 1077 هـ 1666 م كانت تلقى فيها اللغة السريانية والعربية والإيطالية واللاتينية وتخرج فيها الجم الغفير من نوابغ المسيحيين ثم انحطت عن مقامها في أواخر القرن الثامن عشر حتى اهتم بشأنها المطران يوسف مطر فعادت إلى نجاحها مدة قليلة ثم أقفلت إلى أن سعى بافتتاحها نيافة المطران ميخائيل أخرس مطران الطائفة الحالي وجعلها مجانية لتدريس أولاد الطائفة الفقراء يدرسون فيها اللغة العربية والفرنسية والسريانية: وللطائفة أيضا مدرسة إناث سعى باقتتاحها حضرة المطران الحالي وفي سنة 1333 هـ 1914 م اهتم بشأنها واستحضر إليها معلمات ماهرات يعلمن فيها اللغة الإنكليزية والفرنسية والتصوير والبيانو وتدبير المنزل وإدارة مدرسة للصنائع فأقبلت عليها الطالبات إقبالا زائدا غير إنها لم تلبث غير قليل حتى حدثت الحرب العالمية فأقفلت الحكومة المدرسة.
ومما هو جار تحت رعاية مطران هذه الطائفة مطبعة قديمة العهد أسسها المطران يوسف مطر سنة 1274 هـ 1857 م وهي ثاني مطبعة وجدت في حلب بعد مطبعة طائفة الروم الأرتودكس السالفة الذكر اهتم بشأنها المطران يوسف دياب فأحضر إليها مطبعة كبيرة من معمل مارينوني ثم خلفه حضرة مطران الطائفة الحالي فبذل عنايته في تنظيم شؤونها حتى أصبحت الآن من أهم مطابع حلب وأغناها حروفا وأدوات وقد تولى إدارتها عدة رجال يجتهدون بتقدمها ونجاحها آخرهم مديرها الحالي الخواجه سليم مطر الذي لا يألو جهدا في تنظيم أحوالها وتفوقها على غيرها من بقية مطابع حلب وهو ابن أخي المطران يوسف السابق الذكر. وقد طبع فيها عدد كبير من الكتب الدينية المسيحية والعلوم العربية وغيرها من الكتب الأدبية والسالنامات والرزنامات ودفاتر دوائر الحكومة ونشراتها السنوية والشهرية والسجلات والرسائل التي يطول الكلام عليها، محل هذه المطبعة في هذه المحلة كنيسة الطائفة القديمة التي ألمعنا بذكرها في مقدمة الكلام على هذه الطائفة. يوجد في قاعة دار المطران مكتبة حافلة تعد في المرتبة الأولى من مكتبات المسيحيين في حلب وهي قديمة العهد أنشأها المطران جرمانوس فرحات وخدمها خلفاؤه من بعده وهي تشتمل على(2/390)
نحو ألف مجلد في لغات مختلفة وعلوم شتى بينها كتب مخطوطة عربية أهمها شرح المقامات للشريشي وشرح الألفية للمطرزي وشرح ألفية ابن مالك لابن المنصف ودمية القصر للباخرزي ومناهج العبر للوطواطي ودمى القصر لابن طالو الدمشقي وواقعات المفتين لعبد القادر بن يوسف ودعوة الأطباء لابن بطلان البغدادي وغير ذلك يلحق برعاية مطران هذه الطائفة كنيسة سيدة مونليجون في محلة الحميدية على طريق المستشفى العسكري أنشأها نيافة المطران الحالي سنة 1326 هـ 1908 م حينما كان كاهنا وجعلها وقفا على الملة المارونية مساحتها ألف ذراع مربع. وكنيسة مار أنطونيوس الكبير كان اشتراها المطران بولس حكيم وتبرع بقسم كبير من قيمتها آل غنطوزي دي كوبا وحولت في وقت الحرب العالمية إلى مأوى للفقراء لشدة احتياجهم إليها.
تنبيه: مما يدل على أن الطائفة المارونية كانت في سنة 107 هـ 725 م ظاهرة في عالم الوجود ما ذكره التلمحري البعقوبي من الخلاف بين الموارنة والملكية على الكنيسة الكاتدرائية الكبرى في هذه السنة. وعلى وجودها في كورة حلب في أواخر القرن 494 هـ 11 م ما رواه توما الكفرطابي في كتابه الذي عنوانه (المقالات العشر) من أنه كان أسقف كورة حلب في ذلك التاريخ. وعلى وجودها في مدينة حلب في سنة 895 هـ 1489 م ما ذكر في حاشية على كتاب ديني مسيحي محفوظ في المكتبة السالفة الذكر تحت عدد 705 من أن طائفة الموارنة دخلت حلب في السنة المذكورة على أن هذه الطائفة في حلب ورد عليها في القرن السادس عشر عدد عظيم من قرى جبل لبنان فزاد عدد أبنائها وكان يتولاها في ذلك التاريخ أساقفة لبنانيون يتعهدونها حين الحاجة. وكانت في التاريخ المعروف بالقرون المتأخرة هي الطائفة الكاثوليكية الوحيدة المساعدة على انتشار الكثلكة الأمر الذي احتملت من أجله مشقات لا تحصى.
كنيسة السريان الكاثوليك
هذه الكنيسة هي إحدى الكنائس الخمس القديمة التي جاء ذكرها في عبارة السائح الروماني وهي لم تزل في محلها منفردة عن بقية الكنائس الأربع التي تجمعها رحبة واحدة.
على أن انفرادها وحدها في محلها وتفوقها بجمالها وسعتها في ذلك العصر على بقية الكنائس لابد وأن يكون لحكمة اكتسبها هذا الامتياز ولعل السبب في ذلك هو أن السريان أتوا(2/391)
حلب قيل غيرهم فأفرد لهم محل خصوصي أنشأوا فيه كنيستهم وقد قدموا من دمشق وحمص وحماه وتوابعها ومن ماردين وبقية الجزيرة بين النهرين والعراق: محل هذه الكنيسة في أواسط سوق محلة الجديدة المعروق بسوق بوابة الياسمين الذي تباع فيه بضائع النساء الكائن مدخله تجاه قسطل بشير باشا في الصف الموجه إلى الجنوب تجاه كنيسة الروم الأرتودكس بميلة إلى الشرق. وهي كنيسة عامرة جميلة طولها 32 وعرضها 16 مترا بنيت في هذه المحلة على اسم السيدة العذراء في حدود سنة 916 هـ 1510 م ثم جددت في سنة 1269 هـ 1852 م على أثر حريق أصابها. ودار مطران هذه الطائفة متصلة بالكنيسة من غربيها وهي دار جميلة ذات إيوان جميل.
ومما هو داخل في رعاية مطرانها مدرسة كبرى تجهيزية للذكور تأخذ على التعليم أجرة زهيدة تضم إليها 160 تلميذا هي في صدر حارة الحصرم من هذه المحلة وكانت تعرف بدار بني صادر وهي من أشهر الدور اشترتها من ريع أوقافها سوى ثلاثة أسهم منها كانت في ملك الحصيف المحامي الشهير (جرجي بن سمعان خياط) الموصلي الأصل الحلبي المولد والمنشأ فإنه تبرع بها على الطائفة ثم وقفت الدار واتخذت مدرسة. ومدرسة أخرى للذكور مجانية تضم إليها 120 تلميذا ومدرسة للإناث تضم إليها 150 تلميذة يجمع 36 يتيما أما أوقاف هذه الكنيسة فهي وافية غير عقاراته مبعثرة في أنحاء البلدة قد وهن أكثرها وانحط شرف مواقعها فانتبه إلى هذا الأمر نيافة المطران جبرائيل تبوني الموصلي مطرانها الحالي وشرع يبيع العقارات المذكورة بمسوغ شرعي ويصرف أثمانها على إحداث أبنية جديدة ذات ريع وافر في أجمل بقعة من محلة العزيزية في حلب وبعد أن يتم له بناء ما أراد في هذه البقعة يزداد ريع هذا الوقف زيادة عظيمة يثبت له فيها الفضل على هذه الطائفة. يلحق بهذه المحلة مكان البرق والبريد بني في فسحة قديمة خربة في طرفها الجنوبي مزار يحيى السهروردي المقتول سنة 578 وقد وضعت إدارة المعارف يدها على هذه الخربة وعمرتها مكانا للإستغلال وأبقت الغرفة التي فيها مزار السهروردي وعملت فوقها مسجدا ثم أجرت ذلك إلى إدارة البرق والبريد وكان انتهاء العمل منها في حدود سنة 1325.(2/392)
حارة الصليبة الصغرى (خ) عدد بيوتها 266 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 44/63/115/مسلمون 215/217/2/روم كاثوليك 114/131/245/أرمن كاثوليك 75/66/141/سريان كاثوليك 31/32/63/روم 112/117/229/أرمن 23/27/50/سريان 97/102/199/موارنة 45/52/97/كلدان 40/48/88/لاتين 11/15/25/برتستان 200/300/500/يهود 1017/1169/2186/المجموع شرع الناس يبنون في هذه المحلة في حدود سنة 1300 هـ 1882 م وعرفت أولا بمحلة التلل لأن محلها كان تلالا تعرف بمناشر الزبل وهي وقف المدرسة الحلوية كما ألمعنا إلى ذلك في الكلام على هذه المدرسة وكانت الحكومة العثمانية تلحقها في سجلاتها بحارة الصليبة ثم أفردتها عنها وسمتها باسم كوجك صليبه أي الصليبة الصغرى. والذي اسلفت(2/393)
أنظار الناس إلى البناء في موضعها قربه إلى المحلة العزيزية حتى كأنهما بعد أن اتصلا ببعضها محلة واحدة. حد هذه المحلة جادة الناعورة الأخذ إلى جسر الناعورة الكائن في جنوبي بستان الشاهبندر وغربا زقاق الصفي المار في شرقي البستان المذكور والفاصل بينه وبني بستان كل آب وشمالا حارة العزيزية وجادة الجسر الجديد الآخذة إلى محطة الشام وشرقا الجادة الفاصلة بينها وبين الصليبية الآخذة إلى برج الساعة في حضرة باب الفرج. والأراضي التي قامت فيها هذه المحلة هي أراضي بستان كل آب المعروف ببستان الكلاب وأراضي التلال المتقدم ذكرها وبعض أراض تجاور هذا البستان.
أهم المباني في هذه المحلة دار (جرجي بن سمعان خياط «1» ) السالف الذكر وهي دار عظيمة غرف ومقاصير عليا وسفلى جميلة المناظر فخمة المباني اتخذت في إبان الحرب العامة مركزا للضباط العثمانيين ثم منزلا للضباط الإنكليز ثم ميتما للفرنسيين ثم محلا لإقامة بعض رجالهم ولها مدخلان قبلي نافذ إلى جادة الناعورة المتقدم ذكره وشمالي نافذ إلى جادة آخذة إلى أوتيل بارون «2» الشهير. ومن الأبنية العظيمة في هذه المحلة أيضا عمارة نصري البلدي وهي عبارة عن قصر ذي خمس طبقات ومنها أوتيل عبد الله صلاحية وشريكه صائم الدهر ويعرف بأوتيل روض الفرج وأوتيل السيد حسني السباعي ويعرف بأوتيل إمريكا ويوجد في جهة بستان كل آب منها غير ذلك من الفنادق والمطاعم والخانات المستعملة لربط الدواب وحفظ العربات والسيارات وبيوت القهاوي والحانات والملاهي ومراسح التمثيل والخيالات المتحركة والمراقص وحوانيت الحدادين والنجارين الذين يعنون بصنع العربات ويصلحون السيارات وغير ذلك من الأماكن العامة التي لا توجد في غير هذه المحلة.
تنبيه: من الأسر المسيحية القديمة الشهيرة القاطنة في هذه المحلة أسرة بني سالم وهو الجد الأعلى لهذه الأسرة يقال إنه عرف في زمانه بهذه الاسم لأنه وحده سلم من فتك التتار الذين استأصلوا المسيحيين في حلب. ومن الأسر المسيحية في هذه المحلة أيضا أسرة يوسف وحنا أندريا وأسرة بني المراش وبني الحجاز وبني الكداني وبني الحكيم وإليهم ينسب الخان الكائن في هذه المحلة. اه.(2/394)
حارة بالي برغل (خ) عدد بيوتها 32 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 1/2/3/مسلمون 29/49/78/روم كاثوليك 31/41/72/أرمن كاثوليك 17/13/30/روم 1/3/4/أرمن 4/11/15/لاتين-/ 1/1/كلدان 22/16/38/سريان 10/4/14/موارنة 115/140/255/المجموع يحدها، قبلة ابن محب، وشرقا عبد الرحيم، وشمالا عبد الحي، وغربا الشمالي وبالي برغل كلمة تركية معناها برغل بعسل.(2/395)
محلة العزيزية (خ) عدد بيوتها2 G 05
هذه المحلة في الشمال الغربي من حلب حدها قبلة الجادة العامة الآخذة إلى محطة الشام شرقا مقبرة اللاتين ومقابر المسيحيين ومحلة الصليبة الصغرى وشمالا بستان القبار وبستان الريحاوي وغربا بستان الحجازي وبستان كور مصري وبستان العويجة.
كانت هذه المحلة صحراء واسعة عهدنا أن في موضع منها يعرف بأرض المشنقة كان يجري سباق الخيل في فصل الربيع وكان الجبل الواقع في الشمال منها المطل على نهر قويق الراكب عليه طاحون الطبقة الجاري في وقف المدرسة العثمانية موضعا يتفسح فيه النساء في فصل الربيع وكان الانسان لا يجسر على المرور في تلك الجهات بعد غروب الشمس خوفا من اللصوص وقطاع الطريق ثم في حدود سنة 1285 هـ 1868 م فتحت الحكومة في مدينة حلب مكتبا لتعليم الناشئة بعض صنائع يدوية كالخياطة والحياكة سمته (إصلاحخانه) فأرادت أن ترصد له جهة دخل يقوم بما تصرفه على إنشائه ولوازمه فأعلنت بأنها تبيع الجبل المطل على النهر وكان يعرف بجبل النهر وهو في ذلك الوقت من الأراضي الأميرية الموات التي لا يتصرف بها أحد فأقبل على شرائه جماعة من تجار المسيحيين واشتروه بقيمة زهيدة إذ لا يرغب بشرائه غيرهم ثم اقتسموه فيما بينهم فكانت قيمة الذراع المربع منه لا تزيد على القرش والقرشين.
ثم بدأ فيه بناء الدور والمنازل وتتابع العمران وأصبحت السكنى في هذه المحلة عند المسيحيين عادة متبعة فلم يمض غير قليل من الزمن حتى ازدحمت المباني في تلك العرصات الفسيحة ولم يبق شيء من أرض جبل النهر فمال الناس إلى البناء والغراس في أراض من البساتين المجاورة كبستان الحجازي وبستان مصري وبستان القبار وغيرها وامتد العمار إلى أرض المشنقة الجاري نصفها في أوقاف الحلوية وإلى بعض عرصات من أوقاف الجامع الكبير واتصلت هذه المحلة من بعض جهاتها بالحارات القديمة من حلب وأصبحت كأنها بلدة(2/396)
مستقلة تعتبر من أعظم محلات حلب وأوسعها شوارع وأفخمها منازل قد اشتملت على دور عظام تجمع بين الطرز القديم وبين الطراز الجديد فترى الدار فيها ذات قصور فخمة مطلة على الشوارع الواسعة والجواد الفسيحة وعلى حوش خاص بها ذي حديقة ومرافق وكثير من دورها ذو طبقات ثلاث يسكن في كل واحدة منها عائلة كبيرة وهي الآن خاصة بسكنى المسيحيين من أعيان وتجار وفيها بعض أسر من أعيان المسلمين.
وعدد سكانها الآن
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 18/25/43/إسلام 145/167/312/روم كاثوليك 83/74/157/أرمن كاثوليك 90/88/178/سريان كاثوليك 23/9/32/أرمن 34/44/78/روم 3/2/5/سريان 73/98/171/موارنة 30/38/68/كلدان 18/18/36/لاتين 9/6/15/برتستان 526/569/1095/المجموع
آثارها
كنيسة الطائفة الكلدانية
أنشئت في سنة 1293 هـ 1886 م على اسم القديسين الرسولين بطرس وبولس في أيام الخوري بطرس رسام وكان معظم النفقات عليها من قبل البطريركية وباقي النفقة مما(2/397)
تبرع به أبناء الطائفة ورخم أرضها رزق الله دالاتي. مساحتها ستمائة ذراع معماري. وهي الآن كنيسة عامرة يعتني بشأنها حضرة الخوري ميخائيل شعيا نائب بطريرك الطائفة.
مدرسة الراهبات مار يوسف
هي من رهبنة (دي لا باريسيون) حضرت إلى حلب سنة 1272 هـ 1855 م وهي التي أسست المكتب الكائن في شمالي جامع العدلية الذي أشرنا إليه في الكلام على محلة الجلوم الكبرى وهو ليس له علاقة بكنيسة الرهبنة الفرنسيسكانية خلاف ما توهمناه هناك بل هو تابع هذه الرهبنة المستقلة. وقد أسست رهبنة ما يوسف هذه عدة مكاتب في محلة الصليبة وغيرها. ثم في سنة 1327 هـ 1907 م أسست مدرستها الكبرى في محلة العزيزية على اسم (جاندارك) . ولما حدثت الحرب العامة رحلت راهباتها مع من رحل من الأجانب ووضعت العسكرية التركية يدها عليها واستعملتها مستشفى ثم لما وقفت رحى الحرب عادت إليها الراهبات واستعملتها فيما أسست من أجله. وهي مدرسة فسيحة جميلة كثيرة الغرف والمقاصير وكانت قبل دارا ذات حديقة فاشترتها الرهبنة من ذويها وأضافت إليها بناية عظيمة فأصبحت من أجمل مباني هذه المحلة. تضم إليها نحو 300 تلميذة ما بين نهارية وليلية بأجرة معلومة يتلقين فيها اللغة العربية والفرنسية والإنكليزية والتاريخ والجغرافية والبيانو والموسيقى.
تنبيه: مؤسس هذه الرهبنة مير (الأم) (إيميلي دي يالار) في مدينة مرسيليا وأول رئيسة منها حضرت إلى حلب مير (روزالي إستفانلى) في حدود سنة 1272 هـ 1855 م والتي سعت بتأسيس هذه المدرسة وتوسيعها مير (بلاسيت كوله) وهي رئيستها الحالية.
مدرسة الرهبنة البيضاء
هذه الرهبنة تعرف بالرهبنة البيضاء لاستعمالها الثياب البيضاء وهي تعرف أيضا باسم الرهبنة الفرنسيسكانية ميسيونير دوماري: أسستها هيلانة دوشابوته دونوفل المولودة في بلدة باط من بريطانيا سنة 1255 هـ 1839 م ولما صارت راهبة دعيت باسم مير (ماري دولابسيون) : محل هذه المدرسة في هذه الحارة عبارة عن دار عظيمة تتصرف بها هذه(2/398)
الرهبنة بطريق الإجارة أسستها مدرسة سنة 1338 هـ 1919 م على اسم (قلب يسوع الأقدس) وهي نهارية وليلية تأخذ من التلمذة أجرة معلومة تتلقى التلميذات فيها فيها ما يتلقين في المدرسة التي ذكرت قبلها ومدة التعليم فيها إحدى عشرة سنة.
تنبيه: أكبر محلات هذه الرهبنة في مدينة باريس ولها نحو مائتي محل في الشرق والغرب ويبلغ عدد راهباتها نحوا من أربعة آلاف.
كنيسة اللاتين «1»
محل الكنيسة في مقبرة المسيحيين وهي مما له علاقة بالرهبنة الفرنسيسكانية وكان تأسيسها عن يد هذه الرهبنة وهي كنيسة صغيرة غاية ما يقصد منها الصلاة على أموات اللاتين وغيرهم من المسيحيين.
بقية آثار هذه المحلة
مستشفى الطبيب أنطونيان الذي أنشأه المذكور على عرصة اشتراها من وقف الجامع الكبير وهو مستشفى عظيم ربما لا يكون له نظير في مدينة حلب من جهة متانة بنائه وكثرة غرفه وحسن هندامه وتوفر أدواته وهو خاص بالمتطببين عند هذا الطبيب الذي له الشهرة الأولى بين أطباء حلب وجراحيها. ومن آثار هذه المحلة المنتزه العام المعروف بالمنشية المشتمل على أزهار بديعة وأشجار جبلية متنوعة وعلى حوض صناعي على مثال حوض طبيعي مثل به مضيق الدردنيل قام في جهة منه شبه جبل صغير ينبع منه الماء بطريقة صناعية كأنه يتفجر من عين طبيعية أنشئ في سنة 1318 هـ 1900 م بسعى (جرجي بن سمعان خياط) الموصلي الأصل الحلبي المولد والمنشأ وهو الذي سعى بجمع النفقة عليه من أهل هذه المحلة وتبرع من ماله بثلاثمائة ذهب عثماني صرفت عليه أيضا وقد أقيم بجانبه مخفر جميل بنى على نفقة أهل المحلة وتبرعت بمفروشاته الست كليلية حرم جرجي المومى إليه وهي من أسرة بني الخوري فكافأتها الحكومة على ذلك بوسام الشفقة. وكان زعيم إنشاء المنتزه والمخفر علي محسن باشا الذي نوهنا بذكره في حوادث 1319.(2/399)
ويلحق بهذه المحلة منتزه السبيل ومخفر عسكري تجاهه في شرقيه والرباط العسكري على قمة جبل البختي تجاه السبيل ومحطة سكة حديد بغداد في أرض الخناقية. أما منتزه السبيل فقد بدأت البلدية بتعميره في باحة السقاية القديمة المعروفة باسم سبيل الدراويش سنة 1314 هـ وكان القسم الأعظم من عرصته جاريا في تصرف جرجي السالف الذكر فتبرع بما هو متصرف به من هذه العرصة وبنت البلدية عليها سياجا عظيما وعمرت على ظهر السبيل في رأسي دكته غرفتين جميلتين وملأت باحته بالغراس المتنوع من أشجار وأزهار وعملت في أواسطه حوضا صناعيا يمثل حوضا طبيعيا يجري إليه الماء من بئر في قربه يرفع منه الماء بواسطة دولاب أمير كاني يدور بالهواء وصرفت على بقية شؤونه زهاء عشرة آلاف ذهب عثماني وهي لم تزل تصرف عليه المبالغ الباهظة التي تزيد على ريعه أضعافا مضاعفة.
وهو بالحقيقة منتزه جميل لا يكاد يوجد له نظير في غير حلب ولكن بعده عن المدينة قلل فيه رغبة الناس. وقد اتخذ الآن محل للعب بصيد الحمام والناس يقبلون عليه في فصل الصيف مساء ويسهرون في فسحاته الجميلة مع أسرهم.
وأما المخفر فقد كان تأسيسه سنة 1316 هـ لحراسة هذا المنتزه وأما الرباط فقد بدىء بتأسيسه سنة 1330 هـ وهو رباط حافل عديم النظير إلا أنه قبل أن يتم حدثت الحرب العامة ثم حين إنجلاء الأتراك عن حلب هجم عليه الغوغاء والأوباش فاستلوا أخشابه وحديده وأصبح معدوم الفائدة ولما دخلت الحكومة المنتدبة إلى حلب أجرت عليه بعض التصليح واستعملته مركزا لجنودها وهو لم يزل غير تام، وأما محطة سكة بغداد التي ذكرنا خبرها في حوادث سنة 1330 فقد بدىء بتأسيسها سنة 1328 وهي محطة عظيمة معدودة من نوع المحطات المعروفة باسم (غار) . ولما كانت الحرب العامة هجم عليها في أثناء انسحاب الحرس منها الشطار والدعار فاستلوا ما فيها من الأخشاب وحطموا غالب زجاجها وأوهوا الكثير من مبانيها ثم لما دخلت الجنود الإنكليزية حلب عنوا بإصلاح شيء منها وتلتهم جنود الحكومة المنتدبة فأتموا إصلاحها وعادت إلى ما كانت عليه.
تنبيه: من الأسر المسيحية القديمة الشهيرة في هذه المحلة أسرة بني الحمصي وبني غزالة وبني العجوري وكان عمل العمائم العجورية مختصا بهم وبني العبه جي وبني الكورنلي وبني الخوري وبني الشعراوي وبني الخياط الذي ينتسب إليها جرجي بن سمعان السالف الذكر وبني الأخرس وبني شلحت وبني الأسود وإليهم ينسب خان هذه المحلة. والدور العظام فيها هي الدور المنسوبة إلى هذه الأسر.(2/400)
حارة الشمالي (خ) عدد بيوتها 29 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 4/3/7/مسلمون 49/57/106/روم كاثوليك 33/29/62/أرمن كاثوليك 6/5/11/روم 11/11/22/أرمن 1/3/4/لاتين 1/1/2/كلدان 27/23/50/سريان 15/11/26/موارنة 147/143/210/المجموع يحدها قبلة العطوي الكبير وشرقا حارة بالي برغل وشمالا حارة الهزازة والتومايات وغربا الصليبة الكبرى.
آثارها
لا يوجد في هذه المحلة من الآثار الخيرية سوى آثار ابشير مصطفى باشا ابن عبد المنان وهي جامعه الكائن في سوق هذه المحلة في الصف الموجه إلى الشرق وهو جامع عامر تقام فيه السرية والمكتب الموجود فيه خال من الأطفال وإليك من كتاب وقفه خلاصة معربة(2/401)
يعرف منها معظم ما اشتملت عليه هذه المحلة من الأبنية الخيرية وغيرها والكتاب المذكور محرر باللغة التركية وهو مفتتح بقوله بعد البسملة: أما بعد ذكر جميلي سبق إذن وزير عاليشان إلخ: وقف مسجده المعروف في محلة الجديدة بعد أن بناه على عرصة احتكرها من أوقاف الحلوية بالوجه الشرعي ووقف في هذا المسجد على سطحه مكتبا لتربية الأطفال وعمر مجرى الماء الممتد من قسطل الحرامي الواصل إليه الماء من طريق برد بك إلى قسطل السلطان في حضرة باب الفرج (هو الآن تحت برج الساعة) وقد حول الطريق المذكور عن مجراه القديم دفعا لضرر كان يحصل منه للناس وأخذ منه الماء لعمارته وشرط له من غلة وقفه القدر اللازم لتعميره وترميمه ووقف أيضا قسطلا تحت درج المكتب المذكور وأجرى كثيرا من التعمير والترميم على خان طومان قرب حلب الذي هو من خانات السبل وأجرى إليه الماء من العين المباركة على مسافة ثلاثمائة ذراع وجدد فيه عدة حجرات وعمر مسجده وفرشه وجدد على بابه دكاكين وشرط لمسجده ما يلزمه من الزيت والحصر ولحوضه ما يلزمه من التعمير والترميم ووقف باتصال جامعه من جهة الشرق في محلة الجديدة بحلب سوقا يعرف بسوق النوال ودكاكين ودكان طبيب أخرى باتصاله وقاسرية تشتمل على 13 حجرة فوقانية وعلى 14 حجرة تحتانية وعلى رحبة وبئر ماء معين ووقف باتصالها محلا لبيع السمن والعسل يشتمل على أربعة مخازن عليا وسفلى وعلى جب ماء معين ودكانا مضافة إلى المحل المذكور وثلاثة عشر دكانا وجميع الخان المعروف بخان العرصة المعد لبيع الحبوب ووقف في الجهة الموجهة إلى الغرب قاسريتين مشتملتين على 28 حجرة عليا وسفلى وعلى حوض سماوي وحب ماء معين ووقف مصبغة وفي جانبها دكانا وفرنا ووقف في الجهة الموجهة إلى الجنوب بيت قهوة مرفوعا سقفه على سبعة أعمدة من الرخام ولها ساحة سماوية فيها حوضان كبير وصغير لها 14 شباكا وقاسرية أخرى تنتهي بمسجده تشتمل على 27 حجرة عليا وسفلى يشتغل فيها دولاب الحرير (دواره) وتنسج فيها الأقمشة كالمخمل والأطلس وأجرى إليها الماء من فائض مسجده ووقف 16 دكانا على باب القهوة والقاسرية.
هذه العمارة يحدها قبلة عمارة المرحوم بهرام باشا يفصل بينهما الطريق وشرقا الطريق النافذ المعروف بالشمالي وشمالا الساحة وغربا طريق نافذ وزقاق الكنيسة تجاه قسطل الماء والفرن ووقف في مدينة توقات خانا لأبناء السبيل معروفا به وعمر حوضا معروفا به في قرية توقات من ملحقات القضاء المذكور ووقف هناك طاحونا على فقراء الحرمين.(2/402)
شروطه
شرط أن تكون النظارة على وقفه هذا لمن يكون شيخ الإسلام في الآستانة وأن يكون له في مقابل نظره 50 سكة حسنة سنويا من غلة الوقف بعد ترميمة وتعميره. وشرط التولية على وقفه لمن يكون نقيب الأشراف بحلب وشرط له يوميا 20 أقجه «1» ، وأن يدفع في كل يوم 10 أقجيات لكاتب يضبط دخل الوقف وخرجه و 5 لجاب و 3 لأمين صندوق و 8 لإمام مسجده وأقجه واحدة لحافظ يقرأ سورة ياسين في مسجده كل يوم بعد صلاة الصبح وأخرى لحافظ يقرأ سورة عم في مسجده بعد صلاة العصر وأخرى لحافظ يقرأ سورة تبارك بعد صلاة العشاء و 8 لمؤذنين حسنى الصوت و 2 لخادم وفراش وأقجه واحدة لشعال و 2 لكل واحد من عشرة قراء يقرءون عشرة أجزاء في مسجده كل يوم بعد صلاة العصر ويهدون ثواب ذلك على الطريقة المعروفة و 5 لعالم عامل يقرأ في مسجده في الأشهر الحرم العلوم النقلية والعقلية و 5 لحافظ يعلم الأطفال في مكتبه و 1800 أقجه تقسم في اليوم السابع والعشرين من رمضان على أطفال مكتبه بالسوية و 2 لقنوي يسوق الماء إلى مباني الوقف المذكور و 2 لسقاء يخدم سبيله في خانه المذكور و 20 لقنوي يسوق الماء إلى حوض خان طومان.
وشرط وللسيد عبد الكافي الزنابيلي الساكن في محروسة حلب وظيفة قدرها في كل يوم عشرون أقجه وبعد وفاته فلأولاده وأولاد أولاده وأولاد أولاد أولاده ما تعاقبوا وتناسلوا بطنا بعد بطن وبعد انقراضهم يقبض المتولي الوظيفة المذكورة ويجعلها في مصارف الوقف وعشرة قروش لكل واحد من ثلاثين شخصا يختمون كل يوم ختما شريفا في الحرم النبوي وعشرة قروش سنويا لرجل يدعو بعد الختم وأخرى لخادم وأخرى لفاتح الأجزاء و 6 قروش لكل واحد من ثلاثين شخصا يختمون بالحرم النبوي كل يوم ختما ويكررون كلمة التوحيد ألف مرة و 6 قروش لمراقب على القراء والذاكرين يحسب أيام انقطاعهم عن الحضور بلا عذر شرعي و 10 قروش لكل واحد من عشرة أشخاص يقرأ كل واحد منهم جزءا شريفا في مسجد سيدنا عمر رضي الله عنه و 100 قرش للأغوات الخدمة في الروضة المطهرة و 40 لأئمة الحرم النبوي و 30 لمؤذنيه و 10 لرئيسهم و 60 لفراشيه و 20 لخادم يوظف(2/403)
في الروضة المطهرة و 10 قروش لناظر يوزع هذه المبالغ على ذويها أو ترسل هذه المبالغ مع رجل من قصاد بيت الله الحرام تقي ورع لتسلم إلى أصحابها بمحضر من شيخ الحرم وحاكمه الشرعي ويحرر بذلك دفتر يختمانه ويدفع لشيخ الحرم عشرة من السكة الحسنة ولحاكمه مثلها و 10 قروش لكل واحد منهم من ثلاثين شخصا يقرءون كل يوم في الحرم المكي ختما شريفا و 30 قرشا لصاحب مفتاح الكعبة المعظمة من بني قريش و 30 قرشا لخطباء الحرم المكي و 10 قروش لنقطه جي الختم وأخرى لخادم الربعة و 5 قروش لكل واحد من خمسة أشخاص يكررون كلمة التوحيد في الحرم المكي كل يوم ألف مرة و 10 لناظر على هؤلاء الموظفين و 10 قروش لخطيب مقام إبراهيم عليه السلام و 10 لخدمة زمزم يسقون بها ماء للحجاج و 10 لبوابي الحرم و 10 لرئيس البوابين و 5 لشعال الحرم و 10 قروش لإمام وخطيب وخادم مسجد مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم و 10 لإمام وخطيب وخادم مسجد خديجة الكبرى و 5 لخدمة المحل الذي كان المعراج النبوي منه و 5 قروش لخدمة دار الخضر و 10 لخدمة المحل الذي ولد فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومثلها لخدمة محل ولادة عمر القاروق رضي الله عنه ومثلها لخدمة المحل الذي ولد فيه عثمان رضي الله عنه و 5 لخدمة المحل الذي ولد فيه علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه و 5 قروش لخدمة دكان أبي بكر الصديق و 5 لخدمة مرقد خديجة الكبرى المعروف بالمعلى و 5 لخدمة مقام المعبد الذي صلى فيه عليه السلام ركعتين حين عوده من الحج و 5 لخدمة المكان الذي نزلت فيه لإيلاف قريش و 10 قروش لإمام وخطيب مسجد الخفيف و 10 لإمام وخطيب مسجد مزدلفة و 10 لإمام وخطيب مسجد إبراهيم في عرفات و 10 لخدمة الحجرات الثلاث في منى و 5 قروش لخدمة المحل الذي نزلت فيه والمرسلات قرب مسجد الخفيف و 5 لخدمة المقام الذي انشق فيه القمر في جبل أبي قبيس و 5 لخدمة الصفا والمروة و 20 قرشا للشيخ عبد الرحمن المغربي في مكة المكرمة. ترسل هذه المبالغ مع رجل دين أمين من الحجاج وتوزع على أصحابها على النسق الذي سبق بيانه في توزيع الخيرات المشروطة في الحرم النبوي ويدفع لحاكم مكة 15 سكة حسنة ومثلها لشيخ الحرم المكي وما فضل بعد ذلك من غلة وقفه يوزع ثلثه على فقراء مكة وثلثه الآخر على فقراء المدينة. حرر هذا الكتاب بعد التسجيل الشرعي في اليوم الخامس عشر من شوال سنة 1046 هـ:
هذا المسجد أوقافه ما زالا معمورين وريع هذا الوقف آخذ بالزيادة يوما فيوما وربما يبلغ سنويا في هذه السنين ألفي ذهب عثماني وزيادة.(2/404)
كوجك كلاسه (خ) عدد بيوتها 24 وعدد سكانها
الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 22/28/50/مسلمون 18/20/38/روم كاثوليك 18/9/27/أرمن كاثوليك 7/9/16/روم 41/20/61/أرمن 18/16/34/سريان-/ 1/1/موارنة 124/103/227/المجموع يحدها قبلة حارة الماوردي وشرقا الجادة الفاصلة بينهما وغربا حارة الألمه جي «1» وشمالا أقيو.
لا يوجد في هذه المحلة من الآثار سوى مسجد واحد معمور قليلا في شرقيه شبه قبلية تعلم فيه الأطفال ويقال له مسجد المحتسب وفي غرب هذا المسجد مسجد آخر لا يوجد فيه شيء عامر سوى محرابه وبقيته تل ويعرف بمسجد الروضة وله في غربيه دكان يستهلك غلتها بعض جيرانه وكوجك كلاسه معناها الكلاسة الصغرى ولا أعرف وجه تسمية هذه المحلة بهذا الاسم.(2/405)
حارة القصيلة (خ) عدد بيوتها2 G 93
محلها بين باب المقام وبين باب النيرب يحدها قبلة وشرقا الخندق وغربا حارة داخل باب المقام وحارة داخل باب النيرب وشمالا سوق القصيلة ثم الجادة الممتدة منه إلى باب النيرب عدد سكانها الذكور 1190 والإناث 1236 والمجموع 2426 نسمة كلهم مسلمون.
آثارها
جامع الساحة التحتاني
تجاه قسطلها المشهور وهو عبارة عن سماوي يبلغ 20 ذراع في مثلها في غربيه الشمالي حوض يهبط إليه بدركات تزيد مساحته على عشر بعشر أنشئ من وصية بعض أهل الخير سنة 1304 هـ وفي غربيه مصلى صيفي في صدره محراب وفي جنوبيه قبلية لها منبر وعلى بابه منارة وهو عامر تصلى فيه الجهرية والجمعة والأعياد وله في المحلة دور ودكاكين يبلغ ريعها في السنة نحو 30 ذهبا عثمانيا تقريبا والمشهور بين أهل المحلة أن هذا الجامع عمري بدليل وجود منارته فوق بابه زاعمين إن كل جامع منارته فوق بابه عمري وهو زعم باطل فإن كثيرا من المساجد منارته فوق بابه وهو حادث بعد زمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. على أن هذه المحلة كلها من جملة المحلات التي حدثت أيام المرحوم نور الدين ابن زنكي حين جعل لسور البلدة القديم فصيلا فحصل حينئذ بين السورين ميدان فسيح دعي إذ ذاك الميدان الأسود ثم على تمادي الأيام عمر فيه عدة محلات من جملتها هذه المحلة. وربما كان موضع هذه المحلة يزرع شعيرا لرعي الدواب في أيام الربيع فكان يسمى القصيلة أي(2/406)
الأرض المزروعة شعيرا على ما هو معروف عند الحلبيين ثم عمرت هذه المحلة وبقي هذا الاسم علما عليها ويحتمل أن تكون كلمة قصيلة محرفة عن فصيلة بالفاء لأن محلها بالفضاء بين السور القديم والفصيل. والغالب على ظني أن إنشاء هذا الجامع كان في سنة 910 وهي السنة التي أنشئ فيها القسطل الكائن تجاهه كما تدل عليه الكتابة المنقوشة في صدره وإن منشئهما واحد كما جرت بذلك عادة أهل الخير عندنا في حلب من أن أحدهم إذا أنشأ معبدا فالغالب أن يوجد ضمنه أو خارجه حوضا أو قسطلا يجري ماؤهما من قناة حلب تتميما للأنتفاع بخيره وتيسيرا على المصلين.
مسجد الساحة الفوقاني: محلة الساحة المذكورة وهو أوسع من الذي قبله لكنه دونه في العمار ولا تصلى فيه سوى الجهرية وغلة وقفه نحو عشر ذهبات تقريبا.
مسجد الشيخ عمر سم الموت: ويعرف بمسجد الجنينة لأنه تجاه أحد بابي جنينة القصيلة من جهة جنوبها يفصل بينهما الطريق الآخذ إلى جهة الحوارنة وكان محل هذا المسجد تلا من التراب فرأى الشيخ عمر المذكور وهو رجل صالح في منامه قائلا يقول له يوجد في هذا التل مسجد قديم فلما استيقظ حفر شيئا من التراب فظهر له أثر محراب فاهتم بعمارة المسجد وحصل له من أولي الخير مبلغا صرفه عليه وأخذ عمودي مرمر جميلين كانا في محراب داخل الجنينة المذكورة فوضعهما في محراب المسجد المذكور وعمر فيه حوضا أجرى إليه الماء من دولاب الجنينة بالتماس من أصحابها وتم ذلك له في حدود سنة 1287 وهو الآن عامر تقام فيه الجهرية وقد وقف عليه أهل الخير ما يقوم بكفايته.
سبلانها
يوجد فيها تجاه جامع الساحة التحتانية قسطل يهبط إليه ببضع دركات عمر سنة 910 هـ كما أشرنا إلى ذلك في الكلام على الجامع الكائن تجاهه ثم جدده سنة 1133 هـ الوزير الكبير رجب باشا صاحب قسطل الميدان الأخضر وسراي بحسيتا. مكتوب على حجرة في قنطرة هذا القسطل: جدد هذا القسطل المبارك صاحب الخيرات الوزير الكبير رجب باشا سنة 1133 هـ. ويلاصق هذا القسطل من جنوبه سبيل صهريج عليه بناء حافل والصهريج واسع عظيم يجري إليه الماء من القسطل أنشأه (محمد علي بيازيد) سنة 1246 هـ ويلاصق مسجد الساحة الفوقانية من شماليه سبيل صهريج عليه عمارة أيضا(2/407)
أنشأه (محمد راجي بن محمد علي) المذكور في حدود سنة 1265 هـ وتجاه هذا المسجد قسطل يهبط إليه ببضع عشرة دركة أنشئ سنة 910 هـ وجدده رجب باشا سنة 1133 هـ ويوجد في أسفل هذا القسطل بجانبي حوضه خروق في الجدار نافذة إلى مغارات واسعة بعيدة ربما اتصلت بمغارات حارة المغاير المتقدم ذكرها وفي زقاق بيت باقو من هذه المحلة سبيل صهريج عليه بناء عمره (محمد بشير أفندي ابن محمد علي بيازيد) وفي هذه المحلة ثلاث مدارات وعدة أفران أقدمها فرن جار في وقف كوجك علي آغا.(2/408)
حارة القرباط (خ) عدد بيوتها 79 وعدد سكانها 392
الذكور منهم 180 والإناث 312 كلهم مسلمون. هذه المحلة في شرقي جامع التوبة بينهما مسافة غلوة والأتراك يسمون أهلها قبطا وهم بالحقيقة من عرق هندي ولغتهم الخاصة بهم شبيهة ببعض لغات الهنود. وهم مسلمون يقومون بشعائر الدين الإسلامي بتمامها فيصومون ويصلون ويحجون ويتصدقون ويوجد الكثير من أسرهم في هذه المحلة من يسكن في بيت من الشعر وصنعتهم الوحيدة عمل المناخل والغرابيل ورقم الطبول والدفوف والكوبات «1» من أذناب الخيل وجلود الدواب الميتة فمتى هلكت دابة عند أحد في أي ناحية من نواحي البلدة لا تلبث غير قليل حتى يحضروا سراعا فيسلخون أديمها ويسحبون إلى محل القاذورات فيطرحونها فيه وربما أخذ بعضهم شيئا من لحمها فطبخه وأكله وهم يتاجرون بجلود الدواب الميتة وفيهم الأغنياء وأهل اليسار وقد اشتهر منهم عدة رجال بالثقافة ومهارة الرمي والاصطياد بالرصاص والمشهور عنهم أن لغتهم واحدة في جميع أطراف الدنيا بحيث يتفاهم بها الشرقي والغربي منهم تفاهما لا يعتريه نقصان وإنهم متى توطنوا بلدا دانوا بدين العنصر الغالب عليه. على أن الجهل مستول عليهم وشحهم مما يضرب به المثل عندنا لشديد الحرص كأنك قرباطي. على أنه يوجد في بعضهم من السخاء ما لا يوجد في كثير من الأغنياء.(2/409)
حارة البقّارة (خ) وعدد بيوتها 70
عدد سكانها نحو 350 ما بين ذكر وأنثى محلها في جنوبي حارة القرباط إلى الشرق وليس فيها شيء من الآثار الخيرية. البقارة اسم عشيرة كبيرة تعاني سياسة البقر وتربيتها غير أن أهل هذه المحلة خليط من الأعراب والقرويين يعانون الفلح والزرع وتربية المواشي وغيرها من الأعمال الزراعية.
تنبيه: في قرب هذه المحلة شبه زاوية تعرف بمزار الشيخ جاكير لها شيء من الأوقاف وأهل تلك المحلات يعتقدون به اعتقادا زائدا وينذرون له النذور ويقرءون عند الموالد ويفرقون في حضرته الأطعمة ويحلفون به عند ضريحه المظنونين والمتهمين فلا يجسر أحد على الحلف به باطلا لاعتقاده حينئذ أنه لا بد وأن ينكب بجسمه أو ماله أو ولده ويحكون في هذا المعنى حكايات كثيرة مستفاضة فيما بينهم. طالما بحثنا عن ترجمة هذا الوالي فلم نظفر لها بأثر ولا وقفنا له على خبر.(2/410)
حارة أعراب المشارقة
هذه المحلة في ظاهر محلة المشارقة من جهة الغرب شرقي مقبرة الشيخ ثدلب «1» عدد بيوتها 39 وعدد سكانها 71 ما بين ذكر وأنثى وهم خليط من العرب وقرباط العجم بعضهم يسكن بيوتا من الشعر والبعض الآخر يسكن بيوتا مبنية بالحجر والمدر: وفي هذه السنة وهي سنة 1341 أنشأ مهاجرو الأرمن في ضاحية حلب من شماليها بيوتا من الخشب واللبن يربو عددها على الألف وذلك في الفضاء الممتد من قرب دير الرهبنة الفرنسيسكانية إلى الميدان الأخضر.
هذا آخر ما سطره يراع التحرير في الكلام على أسوار مدينة حلب وأبوابها وقلعتها وما اشتملت عليه كل محلة من محلاتها من المباني الدينية والآثار الخيرية والمعاهد العلمية غير مول جهدا في استيعاب ما جل منها وما قل ولا وان عن بيان اسم صاحبها وذكر تاريخ حدوثها على قدر ما وصلت إليه يد الاستطاعة وما بلغه رائد البحث والاستقصاء فيما لم أره مسطورا في كتاب تاريخي قبل كتابي فكان معظم ما أثبته في هذا الباب مبتكرا غير محبر ولا منقول عن كتب منضدة في جانبي لا يكلفني النقل منها سوى مد يدي إليها بل كنت أسعى إلى كشف غوامض الكثير منها سعيا حثيثا وأقطع المسافات البعيدة وأمضى في إزالة الغشاوة عنه الأوقاف الوفيرة غير مستعين بأحد سوى ما استمده من القدرة الصمدانية وأعول عليه من التوفيق الإلهي. فعلى من وجد في كتابي هذا نقصا أو خللا أن يعذرني ويعاملني بما يوحي إليه ضميره ويسدل الستر عليه والله ولي التوفيق وهو الملاذ والملجأ في السعة والضيق.(2/411)
الأوقاف الإسلامية
وإليك نبذة مفيدة في الكلام على الأوقاف نجعلها ختام هذا الباب فنقول: أقدم من ينسب إليه الوقف سيدنا إبراهيم الخليل صلوات الله عليه ويقال إنه كان في أول أمره يبذل قراه للضيوف وصدقاته للفقراء ثم أحب أن يتناول بره من يأتي بعده فأوحي إليه بإجراء عمل الوقف فأنشأ كثيرا من الآثار الخيرية في بلاد العرب لم تزل تعرف بأوقاف خليل الرحمن حتى الآن منها وهو أعظمها وأشرفها بيت الله المعظم الذي هو قبلة جميع الموحدين ومن آثاره في مدينة حلب المقام الأسفل في قلعتها ومقام الخليل الذي تكلمنا عليه في محلة باب المقام والبئر التي اختار الهروي أن تكون عمارته في جوارها ثم أن عظماء الأمم السالفة اقتدت بالخليل فأنشأت الكثير من الآثار الخيرية التي ينتفع منها على الدوام والاستمرار ثم جاء الإسلام فتلقى هذه الطريقة بالقبول ورغب فيها الرسول عليه الصلاة والسلام مؤيدا ترغيبه بالعمل فوقف الحوائط السبعة ووقف سيدنا عمر ابن الخطاب أرضا في خيبر كان يعدها من أنفس ماله واقتدى بهما الآل الكرام والصحابة الأعلام فلم يبق أحد من المهاجرين والأنصار له مال إلا ووقفه. وحذا حذوهم الخلفاء الأمويون والعباسيون وجميع ملوك المسلمين ووزرائهم واقتفى أثرهم في ذلك السلاطين العثمانيون فأربوا على الأولين والآخرين بكثرة أوقافهم في مدينة إستنابول وغيرها أما أول وقف كان في مدينة حلب بعد الفتح الإسلامي فهو المسجد العمري الذي عرف بعد بالمسجد الغضائري كما نوهنا بذكره في الكلام على محلة العقبة ثم الجامع الكبير الأموي الذي أفضنا بذكره في الكلام على محلة سويقة حاتم ثم تتابعت الأوقاف في مدينة حلب حتى أصبحت من أكثر البلاد العثمانية أوقافا بحيث صارت تدعى حلب الوقف وهذا ما يدل على علو شأنها وعظيم اعتبارها في القرون الماضية التي هي بعد القرن الرابع ومن أعظم أسباب كثرة أوقافها استعداد مبانيها للبقاء مدة طويلة وتوفر الفتوحات في جهاتها الشمالية وخراب قنسرين فعظمت تجارتها ومعارفها وكثرت(2/412)
فيها الخانات والمدارس لكثرة التجار والطلاب المترددين إليها وتوفر فيها عدد المساجد والمباني الدينية وعظمت ثروة أهلها لما اتصفوا به من العلم ومعرفة التجارة والمهارة في الصنائع فأخذت تكثر فيها الأوقاف المتنوعة بين أهلي وخيري حتى كادت تكون نصف عقارات حلب وأراضيها وقفا على أنه قد فقد من أوقافها في السنين الأخيرة شيء كثير بسبب الدثور أو استيلاء الناس عليه وجعلهم إياه ملكا وأخذه بالإجارتين وتلاعب المتولين بالعقارات وجعلها في يد الأغيار كالملك المطلق بدعوى أنها في أيديهم بطريق المرصد المعروف عندنا بالرقبية «1» وكتلاعبهم أيضا بما في أيديهم من الأوقاف باستبدال عقار بآخر لمنافعهم الذاتية فيستبدلون النفيس بالخسيس والغالي بالرخيص واعلم أن الوقف المشروط للذرية من أحسن الذرائع لطول بقاء شهرة الأسرة واحترام ذراريها وطيب معاشها على شرط أن يكون ريعه منحصرا بأرشد أولاد الواقف أو بطبقة من أولاده الذكور الصلبيين الذين لم تتشعب فروعهم فإن عظماء الإنكليز لا يحصرون ثروتهم بالابن البكر إلا ابتغاء بقاء شهرة الأسرة وحفظ شرفها ولذا ترى في هذه الأمة أسرا مضى على جدها الأعلى مئات من السنين وشهرتها باقية وثروتها متوفرة ومجدها مؤثل كما أنه يوجد عندنا بعض أسر من مرتزقة الأوقاف ساعدتهم الصدف فنالوا هذه المزية وبقي شرفهم متوفرا منذ عدة قرون. فأحسن بالوقف الجاري على هذا الشرط من خير جار ومقصد معقول لولا ما ينشأ عنه في بعض الذريات شيء من الجهل والبطالة والانهماك بالملذات وما يحدث بسببه بين الأقارب من النزاع والشقاق وتفرق الكلمة واستحكام عرى النفور والبغضاء. والأمر الغريب أن كثيرا من الوقوف عندنا اشترط واقفوها أن تكون غلتها مطلقة يتناولها كل من يوجد من ذرية الواقف ذكرا كان أم أنثى سواء كان من أبناء الذكور أم من أبناء الإناث. وبعد أن مضى على ابتداء هكذا أوقاف نحو مائتي سنة مثلا كثرت ذرية الواقف وتشعبت وبلغ عددها على المنوال المذكور زهاء ثلاثة آلاف نسمة فصار يلحق كل واحد من هؤلاء المستحقين من ريع الوقف بضعة قروش في السنة ولصعوبة جمعهم وتوزيع كل حق على مستحقه أو لعدم سؤال المستحق عن حقه إما لجهله به أو لعلمه بأن حقه لا يجديه نفعا ولا يسد له عوزا يستأثر المتولي بجميع الريع ويدلي ببعضه إلى المرتشين ويصرف باقيه في شهواته وهوى نفسه وشيطانه(2/413)
وربما أنكر أن هذا الجمهور من ذرية الواقف فيتعذر عليهم إثبات أنسابهم ويستأثر المتولي بريع الوقف.
أما الوقوف الخيرية أي الموقوفة على وجوه البر والخير فإنها نعم العون على تعمير الأوطان وتوفير شرفها وعلو شأنها وذلك كالوقوف المرصدة على أبناء السبيل والعجزة والأيتام والفقراء أو على العلماء العاملين والمرشدين الكاملين والطلبة والمتعلمين أو على وظيفة دينية بشرط أن لا ينال المعين من ريع الوقف إلا من صدق عليه شرطه وشمله تعريفه وإلا كانت الوقوف الخيرية أشد ضررا على الأمة من الوقوف الأهلية.
الأوقاف وأقسامها وإدارتها
الأوقاف الإسلامية عندنا على قسمين:
أحدهما: تقوم مديرية الأوقاف بتوزيع غلته فقط على مستحقيها وهو الأوقاف الإعشارية والموقوف فيها أراض زراعية أكثرها يعتبر من قبيل المخصصات لعدم تحقق صحة وقفه وقليل منها ما هو وقف صحيح. القائم بجباية غلات هذا القسم والإشراف عليه منذ أيام الحكومة العثمانية جهة المالية الأميرية وكانت تدفع مديرية الأوقاف صافي محاصيلها بالغا ما بلغ فتوزعه المديرية على مستحقيه ثم منذ نصف قرن خمست إدارة المالية غلات هذه الأوقاف أي حسبت غلة كل وقف منها مدة خمس سنوات ثم خلطتها ببعضها وقسمت مجموعها على خمسة وصارت تدفع في كل سنة إلى المديرية المذكورة حاصل القسمة مبلغا مقطوعا زادت غلة الوقف عليه أو نقصت عنه.
والقسم الثاني: تقوم مديرية الأوقاف بالإشراف عليه وجباية غلاته وتوزيعها على مستحقيها وهو الأوقاف المستغنى عنها والأوقاف المضبوطة والأوقاف الملحقة والأوقاف المضبوطة الإدارة وبعض الأوقاف المستثناة وبعض أوقاف العوارض والأوقاف ذات الإجارتين وبعض الأوقاف ذات الإجارة «1» الواحدة ووقف الكدك والأحكار الوقفية:
لكل واحد من هذه الأنواع الوقفية حد وتعريف محرر في كتاب (إتحاف الأخلاف) في أحكام الأوقاف الذي نقلناه من اللغة التركية إلى اللغة العربية: وهناك أوقاف كثيرة تقوم(2/414)
بإدارتها مديرية الأوقاف وهي أوقاف المساجد والمعاهد العلمية والمباني الخيرية التي ليس لها كتاب وقف معمول به شرعا وكان يقوم بإدارتها متولون أكثرهم غير محسنين في إدارتهم فوضعت مديرية الأوقاف يدها عليها ووحدت غلاتها وصارت تدفع إلى كل مسجد ومعهد قدر كفايته زاد وقفه عليها أو نقص عنها «1» .
كان الكثير من المسقفات الموقوفة الجارية إدارتها تحت نظارة مديرية الأوقاف قد أشرف على الخراب لعدم وجود غلة تفي بتعميره وكان يوجد بين هذه المسقفات عدد عظيم من المساجد والمدارس التي شرفت بقاعها وحف بها العمران من كل جانب وساعدت مساحاتها على استخراج حوانيت منها ذات غلات وافرة تفي بعمارتها وإحياء شعائرها ويبقى منها فضلة عظيمة غير إن الحكم الشرعي في المذهب الحنفي وهو (ما كان موقوفا للعبادة لا يجوز جعله مستغلا) كان يغل أيدي المديرين عن أخذ شيء من تلك المباني وجعله للاستغلال فاستمر خرابا يبابا حتى تولى إدارة الأوقاف في مدينة حلب السيد يحيى الكيالي فاهتم بشأنها ونظر إلى ما هو الأنفع والأصلح لها فاستخرج منها حوانيت ذات ريع وافر يزيد على ريعها السابق أضعافا مضاعفة بحيث يقوم بكفايتها ويبقى منه فضلة عظيمة مستندا في عمله هذا على فتوى شريفة أفتي بها بعض علماء المذهب الحنبلي على أنه لم يهمل غيرها من المسقفات التي شرفت بقاعها وأصبحت حرية بالاستثمار فهو يبذل جهده بإعمارها وجعلها في المرتبة الأولى من المسقفات التي تعطي ريعا يربو على ريعها السابق عشرين ضعفا وزيادة لا جرم أن هذا الجد إذا استمر في مسقفات الأوقاف الخيرية المندرسة مدة سنتين فقط فإن ريعها يكفي بلا ريب لأن يعود على الوطن العزيز بفوائد تجل عن الأحصاء كإحداث كلية كبرى وافتتاح مياتم ودور صنائع تعد من الرتبة الأولى بين أنواعها.
الكلام على كتابي وقف إبراهيم خان وعلاء الدين بن سليمان بك ذي القدري.
نورد هنا خلاصة كتابي هذين الوقفين كنموذج من الأوقاف الخيرية المختصة بالخيرات تنويها بشرف واقفيهما وتخصيصا لهما بالذكر إذ كانا جديرين أن يعتبرا في أول مراتب الأوقاف في البلاد العربية بل في سائر الأقطار الممالك الإسلامية لعظمهما ووفرة خيراتهما وإخلاص واقفيهما اللذين لم يشترطا لجهتهما أقل شيء من ريعهما فأولهما وقف المرحوم(2/415)
محمد باشا ابن جمال الدين سنان ويعرف عندنا بوقف إبراهيم خان نسبة إلى صاحب الطغراء الآتي ذكرها فيه على إنني طالما بحثت عن نسخة كتاب هذا الوقف فلم أظفر بها إلى أن يسرها لي المولى بطريق الصدفة وهي النسخة الأولى المحررة في زمن الواقف وقد رسم على ظهر أول صحيفة منها طغراء السلطان محمد ابن السلطان إبراهيم خان متوجة بعدة تواقيع من أفاضل قضاة تلك الأيام منها توقيع صورته بعد البسملة (شرعي يقضي بمقتضاه ويعمل بما حواه كتبه أبو السعود الحقير عفي عنه) وتوقيع آخر صورته (وضح ما فيه لدي وصح ما يحويه بين يدي من أصل الوقف وفروعه وشرائطه وضوابطه وإني حكمت بصحته ولزومه في خصوصه وعمومه: وأنا الفقير الشيخ عبد القادر بن عبد الرحيم المؤيدي القاضي بالعساكر المصورة بولاية روم إيلي) . قيل إن صاحب التوقيع الأول هو أبو السعود صاحب التفسير وصاحب التوقيع الثاني ابن صاحب الفتاوي المؤيدية والله أعلم.
هذا وإن كتاب هذا الوقف مؤلف باللغة التركية مفتتح بقوله «أما بعد ذكر جميلي إلخ» فأخذت منه خلاصة عربتها وأثبتها هنا على طولها لعدم خلوها عن الفائدة. وهاك بيانها- أنشأ الواقف رحمه الله جامعا قرب قلعة بياس ومسجدا في محلة الدباغة العتيقة بحلب كان يعرف قديما بالمسجد العمري وخانا كبيرا في محلة الجلوم الكبرى بحلب (هو خان الكمرك القديم الشهير) ومسجدا في وسطه تحته حوض وخانا في رأس باب أنطاكية بحلب وتجاهه مسجدا تحته حوض ومسجدا على الباب الشرقي من الدباغة التي بناها خارج باب أنطاكية في حلب ودار تعليم في الشبيكة من مكة المكرمة ومكتبا وخانقاها في حضرة مسجده في بياس ودار شفاء في السوق الشامي من مكة المكرمة وعمارة (مكان للمسافرين) ومطبخا عند جامعه المذكور شرطها لعامة الفقراء والغرباء والمساكين والمسافرين وأنشأ عددا وافرا من الحياض في كثير من البلاد الإسلامية وحفر عدة آبار في الشوارع والطرقات يطول الكلام عنها واشترى بئر النبي وبئر الخاتم من الآبار النبوية في جنوبي مسجد قبا ظاهر المدينة المنورة وأصلح مجرى ماء المدينة المنورة وظهر في ظاهر المدينة عين ماء معين أجرى ماءها للعين الزرقاء واستلمه من مدرسة المرحومة خاصكي سلطان وأجراه في قناة مستقلة إلى داخل المدينة المنورة وأخذ منه مقدارا لحمام أنشأه هناك ومقدارا آخر لعين تعرف بالواقف وصرف بقيته إلى سبيل معلوم أنشأه هناك أيضا ووضع سقاية بباب الرحمة من الحرم النبوي وأجرى لمبانيه في بياس ماء يصب في حوض قربها وأنشأ(2/416)
في حلب خان الكمرك السابق ذكره مشتملا على 50 مخزنا سفليا و 77 علويا وعلى بابه قاعة فسيحة فيها (4) مخازن وفيه إصطبل فوقه قاسارية تشتمل على 23 مخزنا.
وأنشأ على الأسواق المتصلة بالخان من شرقيه وشماليه قاسارية تشتمل على (54) مخزنا وعلى سوق السقطية الذي أنشأه مكانا يشتمل على ميدان فيه (15) مخزنا وإصطبل وأنشأ باتصال الخان سوقا مشتملا على (120) دكانا فجملة المخادع عدا الخان وإصطبله (344) مخدعا ما بين دكان ومخزن وميدان وإصطبل وقد اشتملت هذه المباني على (13) قبة شاهقة تحت كل واحدة منها رحبة فسيحة واشترى ووقف سوق الدهشة وهو (88) دكانا وفي محلة جامع الأطروش قاسارية فيها (20) مخزنا سفليا و (17) مخزنا علويا وفيها بئر ماء واشترى ووقف في هذه المحلة مصبغة وفرنا وفي سوق الدجاج في محلة الملندي خانا ينسب للمرعشي فيه (29) مخزنا علويا و (7) مخازن سفلية وإهرائين و (10) دكاكين استخرجت من جداره الغربي وفي الصف الشرقي من سوق العبه جيه دكانين وفي سوق الهوى فرنا و (3) دكاكين و (6) حجرات عليا وإصطبلا تجاهها وأنشأ الواقف سوق القطن قرب الخان الكبير على سبع قناطر واشترى في سوق السقطية دكانا وحانوتين متلاصقين في سوق بنقوسا ودكانا قرب خانه الكبير من غربيه وبيت قهوة قربه أيضا.
وأنشأ في محلة الدباغة العتيقة بناء داخله مخزنان ودكان وإصطبل وبئر ومداران وبنى في هذه المحلة أيضا مكانا فيه فرن وبئر وأحدث فيها دكانا ومكانا فيه مخزنان ودكان ومعصرة فيها بئر واشترى أيضا بستانا يعرف ببستان اليهود واشترى في محلة الشميصاتية قرب بنقوسا دارا وفي محلة جسر السلاحف على نهر قويق دار دباغة فيها (53) دكانا سفلى و (58) مخزنا عاليا وفي بابها الشمالي دكانان وفيها ساقية وحوش وبنى في باب أنطاكية بحلب حمامين أحدهما مختص بالدباغين في شماليه خمس دكاكين وخمس حجرات عليا وفي شرقيه أربع دكاكين وفرن عليه أربع حجرات يتصل بالحمام روشن عال وفي أسفله فرن لخبز المبسوس وفي حوش هذه المباني عدة أشجار توت وحوض ودولاب للحمام والحمام الآخر في رأس الباب المذكور وأنشأ هناك أيضا خانا فيه أربعون مخزنا سفلي وخمسة وخمسون عليا وإصطبل عليه واحد وثلاثون مخزنا وعلى باب الخان قبة تحتها أربعة مخازن وأربع دكاكين وفي وسط الخان حوض عليه قصر مربع وفي ظاهر الخان باتصاله تسع عشر دكانا تجاهها تسع وعشرون دكانا وفي شماليه سبع دكاكين وفي جنوبه أربع دكاكين أخرى فالجملة (30) حجرة(2/417)
و (63) دكانا وأنشأ هناك خانا آخر لبيع الغلات طوله 80 ذراعا وعرضه 20 وفيه بئر ماء وفي جنوبه (4) دكاكين وفي شماليه حجرة سفلى حد ذلك من شرقيه سور حلب وشماليه جامع زغلي وغربيه نهر قويق واشترى في دار الدباغة المذكورة على نهر قويق مدارا وطاحونين و (3) مخازن وبستانا بين مبانيه المذكورة يعرف ببستان الجحاش وبستانا آخر مفرزا قبلا من بستان الجحاش واشترى هناك أيضا خانا صغيرا فيه (44) حجرة عليا وسفلى وإصطبل وآخر فيه قاعة عليا داخلها حجرتان وثلاثة أواوين ورحبة فيها حوض.
هذا ما أنشأه الواقف وما اشتراه في مدينة حلب وأما ما استحدثه في مدينة أنطاكية فهو: سوق البزازين وفيه مائة دكان ودكان وتجاه بابه دكانان واستحدث في محلة ابن دبوس بأنطاكية خانا فيه (22) مخزنا سفلي و (28) مخزنا عليا وفيه إصطبل وفي بابه دكانان وأنشأ حماما قرب الميدان وأربعة طواحين قرب جسر أنطاكية تعرف بالمعالي وجلتك وبالقلاغي ومصبنة في محلة الشيخ واستحدث في مدينة البيره (بيره جك) سوق البزازين وله ثلاثة أبواب من الحديد وفيه (90) دكانا واشترى (13) قيراطا من قرية بسين المقدرة بأربعة وعشرين قيراطا وفي من أعمال قضاء جبل سمعان وقرية سور تبه في ناحية عزاز فيها عدة بيوت وحمام وبستان وبضع إصطبلات و (53) بقرة متنوعة يحد هذه القرية من شماليها مزرعة موقوفة على مقام نبي الله داود الكائن بها واشترى (18) قيراطا من القرية المروانية المقدرة بأربعة وعشرين قيراطا في ناحية عزاز وقرية المحمدية في ناحية الجوم في القضاء المذكور ونصف قرية إيران بناري من أعمال روم قلعه و (14) قيراطا من (24) هي رومداولك في القضاء المذكور وسدس قرية هند من أعمال دير كوش ونصف قرية الزنبقية في ناحية القصير من أعمال حلب ومزرعة البلوط في الناحية المذكورة ومزرعة أترون من مضافات الجبل الأقرع ومزرعة عرابه وقرية غشوم ونصف قرية تفتناز في قضاء سرمين و (5) أسهم من 24 هي قرية تعوم وثلث قرية معصران في قضاء المعرة ومصبنة في قرية إدلب الكبرى «1» في قضاء سرمين وثلاثة طواحين على نهر الساجور في خط قرية الهارونية في ناحية منبج وخمسة طواحين على نهر حلب في خط قرية شاهين في قضاء عزاز وعرصتين لبيع الغلات في مدينة عينتاب ومزرعة ملك في ناحية حصن منصور في قضاء مرعش ومزرعتي أرز على نهر جار قرب مدينة طرسوس وطاحونا في قرية ندل(2/418)
من توابع قضاء بقراص قرب قلعة بياس وآخر في قرية ديراز شهر قرب مدينة قنق من أعمال أضنه ومزرعة أرز قرب هذا الطاحون وطاحونا في قرية كجبك قرب مدينة قنق ومزرعة أرز قرب قرية جوكمز زمنلو في ناحية عزر في لواء عزر ومزرعة مركز ومزرعة جاني ومزرعة صاري أغاج في الناحية المذكورة ومزرعة أغيسناس ومزرعة أو شناك ومزرعة بلاسكوجه ومزرعة سكرجك ومزرعة باد قتل ومزرعة بكجير ومزرعة بش أولوق ومزرعة باغر ساجق ومزرعة شوغلان في دربيساك قرب بياس و (48) دكانا وأفرانا قرب قلعة بياس وحماما في القلعة ومنزلا في لواء عزر وأسكلة قرب بياس وقرية وادي الزيارة في قضاء حصن الأكراد من أعمال لواء حمص وقرية تعزيز في القضاء المذكور وقرية جرينه في قضاء حماه ومزرعة المعلقية في القضاء المذكور وستة طواحين عندها على نهر العاصي وأرضين على العاصي في قرية جرينه وثلاثة طواحين على نهر العاصي في رأس الجسر في القرية المذكورة وأراضي على نهر العاصي في رأس الجسر في القرية المذكورة وأراضي على نهر العاصي مشتملة على (17) بستانا قرب قرية دحسيس وأرضا أخرى فيها (12) بستانا ودولابان وتعرف بزوردنيح وجزيرة في وسط نهر العاصي في القضاء المذكور وطاحونا بين حماه والظاهرية وقرية قبابرية في قضاء حمص وطاحونا يقال له الجديد في ظاهر حمص وزور الظاهرية في قضاء شيزر وطاحون جسر ابن منقذ في القضاء المذكور و 19 من 24 من قرية سقلبية في القضاء المذكور.
ومن أوقافه في طرابلس الشام مخازن (4) في شاطيء البحر وطاحون في محلة التبانه بناه جديدا بدور النهر داخل طرابلس ومصبنة السعدي وأربعون حجرة عليا وسفلى في محلة اليهود ودار في محلة الحجارين وطاحون دقيق وزيت في مزرعة أودى في قضاء طرابلس وأراض في الناحية المذكورة وطاحونتان وعدة أشجار زيتون في مزرعة كفور وخان جديد في محلة البحر على شاطئه في صيدا و (16) قيراطا من (24) من قرية جلجوانية في قضاء نابلس وطاحون في القرية المذكورة ومسلخ وكرشيخانه ودار صباغة في محلة دار الأمارة في مدينة دمشق وتشتمل على (47) مخزنا علويا و (15) دكانا سفلى وعلى طاحون وقيسارية في محلة باب الفرج وطاحون في قرية بر الياس في ناحية البقاع في قضاء بعلبك وقربة كفر لاكف في ناحية جيدرو قرب قضاء حوران وقرية العونية في القضاء المذكور وقرية قراد وقرية الزمرين وخمسة قراريط ونصف من قرية منتحه من ناحية جيدرو(2/419)
و (5) قراريط من (24) في قرية صرخد في ناحية بني مالك في قضاء حوران وثمن قرية خيره من أعمال حوران وثلث قرية جريا في ناحية جولان وقيراطان من (24) في قرية ديدى في القضاء المذكور و (8) قراريط من (24) في مزرعة دير الصبح وحديقة في قبلي مسجد قبا خارج المدينة المنورة وفي البستان بئر النبي وبئر الخاتم ويتصل بهذا البستان نخيل بئر النبي ونخيل الشلا ونخيل الدهشمية ودار في حارة الخط في المدينة المنورة وأربعة بيوت متلاصقات في الحارة المذكورة وحمام بناه داخل سور المدينة المنورة يعرف بالواقف وسبع دكاكين وعين وسبيل ينسب للواقف وحمام في مكة المكرمة بناها الواقف غربي باب عمر وبنى ثلاثة بيوت قرب الحمام المذكور وعشر دكاكين تحت دار الشفاء التي بناها الواقف ودكان تجاه دار الشفاء وأربع قبليها وله في مكة غير ذلك من الدكاكين والبيوت التي يطول شرحها.
شروط الوقف
شرط متوليا يوميته (50) أقجه وإذا اجتهد بزيادة ريع الوقف مائة ألف أقجة عن السنة الماضية تزاد يوميته (5) وإذا زاده أكثر من ذلك تزاد يوميته أقجة وشرط أن يكون لهذا المتولي كاتب يوميته (30) أقجة وأن ينصب كاتب آخر لأوقافه بحلب وأنطاكية والبيره والهارونية وقلعة الروم وعينتاب يوميته (6) أقجايات وأن يكون لأوقافه في سلميه وحمص وحماه وشيزر كاتب يوميته (4) وكاتب لأوقافه في طرابلس يوميته (4) وكاتب للجلجوليه والطواحين يوميته (5) وكاتب لأوقافه في مكة يوميته (10) وجاب لأوقافه بحلب وفي باب أنطاكية بحلب وجاب لكل وقف من أوقافه في أنطاكية والبيره والهارونية وروم قلعه وعينتاب يومية كل واحد من هؤلاء الجباة (5) وجاب لمزارع الرز في طرسوس يوميته (5) وجاب لمزارعه في جهات بياس يوميته (5) وجاب لأوقافه في حمص وحماه وشيزر وسلميه يوميته (6) وجاب لأوقافه في طرابلس يوميته (5) وجاب لقرية الجلجوليه وبقية أعمالها يوميته (5) وجاب لأوقافه في دمشق يوميته (7) وجاب لأوقافه في المدينة المنورة يوميته (5) وجاب لأوقافه في مكة يوميته (5) .
وشرط أن يجري المتولي الحساب في كل سنة ويعطى من ريع الوقف ديون المقاطعات وحقوق الإجارات ويعمر الوقف ويرمه وإذا لزم عمل يقدره أهل الخبرة والوقوف ثم يقوم(2/420)
بالعمل بعد إخراج إرادة سنية ثم يعطى من غلة الوقف رواتب الموظفين ويصرف منه على الخيرات والحسنات التي اشترطها الواقف في مكة المكرمة والمدينة المنورة وحلب وبياس وما فضل بعد ذلك يضعه في كيس ويختم عليه ويرسله إلى ناظر الأوقاف في قسطنطينية وأن يكون نصب الموظفين وعزلهم في يده سوى مرتزقة الحرمين الشريفين ففي يد الشيخ الحرم والحاكم بهما وأن يعين لجامعه في بياس خطيب يوميته (8) أقجايات وإمامان لكل واحد منهما (6) وعليهما أن يقرءا على التناوب سورة ياسين بعد صلاة الصبح وسورة عم بعد صلاة العصر وسورة تبارك بعد صلاة العشاء وثلاثة مؤذنين يومية كل واحد من الاثنين (2) ويومية الثالث (7) وقيمان لكل واحد منهما (5) بشرط أن يلاحظا المصاحف الشريفة وفراش يوميته (3) وشعال يوميته (4) وميقاتي يوميته (3) وأربعة يقرءون يوم الجمعة بالمقابلة يومية كل واحد (2) وأن يكون الخطيب رئيسهم وهو يقرأ عشرا من القرآن الكريم يوميته (3) ومعرف يوميته (2) وأن يقرأ في جامعه كل يوم ختم نصفه بعد صلاة الصبح ونصفه بعد صلاة العصر ويدفع عن كل جزء في اليوم (2) وقراء هذا الختم من خدمة الجامع وشرط لهذا الجامع من الزيت والشمع والحصر والقناديل القدر الذي يراه المتولي.
وشرط للجامع العمري الذي بناه بحلب إماما يوميته (5) ومؤذنا يوميته (3) وفراشا وقيما وشعالا يوميته (2) وشرط له في السنة (180) ثمن شمع وزيت وقناديل وحصر وأن يجتمع فيه وقت السحر ثلاثون قارئا يختمون ختما شريفا يومية كل واحد منهم (2) وأن يعين منهم رئيس يعرف بالنقطه جي وخادم أجزاء يومية كل واحد (1) وإمام لجامعه في خان الكمرك في الجلوم يوميته (5) ومؤذن يوميته (3) بشرط أن يقوم بخدمة الجامع أيضا ويصرف لهذا المسجد كل سنة (180) ثمن حصر وزيت وقناديل وأن يعين للمسجد الفوقاني تجاه خان الكمرك المذكور إمام يوميته (3) ومؤذن وخادم يوميته (2) وأن يصرف له كل سنة (60) ثمن زيت وحصر وأن يعين لمسجد الدباغة إمام يوميته (2) ومؤذن وخادم يوميته (2) ويصرف له كل سنة (100) ثمن حصر وزيت وشمع وشرط للخانقاه في بياس مرشدا يوميته (20) بشرط أن يعظ الناس مرتين في الأسبوع وأن تكون يومية كل مجاور في حجراتها (2) وأن يسكن المرشد في دار بناها الواقف قرب الخانقاه وشرط لمكتبه معلما يوميته (5) وخادما لعمارته عارفا بأقدار الناس ومنازلهم يوميته (6)(2/421)
ووكيلا عالما بالبيع والشراء يوميته (6) وكاتبا يوميته (3) وأمينين على الكلار «بيت المؤنة» يومية الأول (5) والثاني (3) وإذا انحلت وظيفة أحدهما عين الثاني بدله وعين بدل الثاني واحد من الخارج وكاتب كلار يوميته (3) وثلاثة طباخين حاذقين يومية أحدهم (5) والثاني (4) والثالث (3) وثلاثة خبازين يومية الأول (5) والثاني (4) والثالث (3) ومتى انخلت وظيفة الأعلى من هؤلاء الطباخين يعين فيها من دونه وشرط متعمدا يوميته (2) وخمسة خدام للمطبخ يومية كل (2) وخادما لجلي المواعين يوميته (2) واثنين لتنقية الرز والقمح يومية كل أقجة ونصف ورجلا يقوم بخدمة الطاحون والفرن يوميته (4) وكيالا للرز والحبوب في عمارته يوميته (5) وحمالا للحم يوميته (2) وثلاثة فراشين في عمارته يومية كل (4) وخادما لقاعتها يوميته (4) وفراشا لحرم جامعه يوميته (3) وآخر للمطبخ والفرن يوميته (2) وكناسين يومية كل (4) وبوابين اثنين يومية كل (4) وقنويا يوميته (4) ومرمما لرصاص الأسطحة يوميته (2) .
وشرط أن يقدم لكل مسافر نزل في عمارته طاسان من الطعام ورغيفان وأن يوضع لكل مسافر ينزل في قاعة عمارته صينية فيها الطاسان والرغيفان وأن يشتري للأطعمة المذكورة كل يوم (40) أقه من لحم الغنم وخمس كيلات من الدقيق المنخول ويكون الطعام مرتين في اليوم مرة في الصباح ومرة في المساء ويكون طعام الصباح مركبا من كيلتين من الرز وأقة ونصف من الملح ومثلها من البصل ومثلها من الحمص وهكذا طعام المساء في كل يوم خميس تطبخ أطعمة حلوة وأطعمة دسمة لذيذة وطبيخ الرز يركب من 10 إلى 20 أقة من الرز النقي و 3 إلى 7 أقق سمن عربي وتطبخ معه الحلوى المعروفة باسم زرده تتركب من 10 إلى 15 أقة رز نقي و 10 إلى 15 أقة عسل مصفى و 300 درهم سمنا وخمسة دراهم زعفران وفي الأسبوع الآخر يطبخ الطعام المعروف باسم زيرباج يتركب من (5) أقق نشا و (4) أقق عسلا و (2) و (5) دراهم زعفران وشرط للأطعمة كل يوم (5) دراهم فلفلا وأن يعطى كل ليلة لكل مسافر شمعة ولكل خادم من خدام عمارته طاسة ورغيفان ويكون عدد الظروف والأواني في العمارة من طاسات وكفات وقدور منوطا برأي أهل الخبرة ومتى فقد منها شيء يعيده المتولي وأن يشعل منها في الجهة اللازمة قناديل ينصب لها شعال يوميته (3) .(2/422)
وشرط أن يكون مرجع جميع الموظفين ومسائل الوقف إلى المتولي على أوقافه بحلب وشرط ثلاثين قارئا يختمون كل يوم ختما في أموي دمشق يومية كل واحد منهم (2) وشرط لقناديله في كل سنة قنطارين من الزيت وأن يعين مدرس في الروضة المطهرة يقرأ التفسير والحديث يدفع له في السنة مائة فلوري ومثلها لطلبته ومثلها لمدرس يشتغل بالفروع الحنفية في الحرم النبوي ومثلها لطلبته ومثلها لمدرس يشتغل بالفروع الشافعية ومثلها لطلبته ومثلها لمدرس يشتغل بالقراءات السبع ومثلها لطلبته ويدفع في السنة 12 فلوريا لخطيب الروضة و 20 لفراش الحرم و 12 لكل واحد من ثلاثين قارئا يختمون القرآن كل يوم ختمة شريفة و 5 للداعي بعد ختمهم ولمن يسمع الفاتحة 6 ويعين ثلاثون رجلا صالحا يكررون كلمة التوحيد في اليوم ألف مرة في موضع قريب من قراء الأجزاء لكل واحد منهم في السنة 9 فلوريات ولخادم سجتهم 6 فلوريات إلى غير ذلك من الشروط والخيرات التي اشترطها في المدينة المنورة ومكة المكرمة مما يطول شرحه وفي هذا القدر كفاية وبلاغ:
تاريخ هذا الكتاب أوائل جمادى الأولى سنة 982 وقد حرر في دار السعادة وأما الوقف الثاني فهو وقف علاء الدولة بن سليمان بك ابن محمد بك ابن ناصر بن زين الدين بن ذوي القدرية وقد افتتح كتابه بالبسملة بقوله:
الحمد لله على ما أنعم متمم الأخلاق والشيم إلخ وقف فيه العمارة مع بيوتها وحجراتها وإصطبلها للواردين المسافرين من الفقراء والعلماء والمشايخ وهي مدينة مرعش يحدها قبلة الجامع الكبير وشرقا الطريق وشمالا وغربا النهر ووقف لها جميع الحوانيت غربي خان الواقف وجميع قرية هبور المعروفة بكنجوز مع مزارعها وجزية رؤوس أهلها وكرومها وجميع أراضي «كبك سازي» وجميع المزارع المدعوة «أكوز ألاكي» التي مبدأها من قرية طوت وآخرها قيصي بادام كدوكي إلى ملتقى ماء «صارى قبا» مع ما وراء كناس. ومنها إلى الطريق العام السهل ومنها إلى بلان ترلا «بيلان ... » ومنها إلى قره جه ويران ومنها إلى طريق عينتاب إلى قرية جليك ومنها إلى قرية موسى ومنها إلى حصار جق ومنها إلى قره طوت المزبور وجميع المزرعة المسماة (جومان الاكى) وعشرة أشرفيات من جزية أهل قرية قلعة الزيتون وجميع أرض الكرم ومائة من غراس الزيتون المسمى بيك باغي في الجانب الشرقي من قلعة الزيتون مع جزية الذمى الساكن في القلعة المذكورة لإصلاح شأن الكروم وجميع نهر الرز المسمى بيكبولي من توابع كوكر جنلبك ونصق قرية بلاس من توابع قيصرية ونصف مزرعتها(2/423)
وهي كوك آين مع حدودها ورسومها وما يتبعها من الحقوق الديوانية وما يحصل من هذه الأوقاف يصرفه الشيخ لعمارته المذكورة المعدة لنزل الصادرين والواردين والمسافرين والعلماء والفقهاء والطلبة المشتغلين الساكنين في العمارة والمدارس المنسوبة للواقف بمدينة مرعش يصرف ذلك بمعرفة المتولي على العمارة فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إلخ.
ووقف على جهة التدريس بجامعه المذكور جميع مزارع هيك تبه مع حقوقها وبعض الأراضي المسماة قازمه بورني قرب قرية أونكود وجميع الطاحون في إيمالو والطاحون في مدينة مرعش المسمى شاكرد أوغلي وجميع قرية قزان تبه مع جزية أهلها ومزارعها ومائة وعشرين أشرفيا من ساقية الرز الجسرية الجيحانية وعمر الجامع العتيق في محلة قونيولي من مرعش وجعله وقفا على جده سليمان بك ابن ناصر الدين محمد ذو القدر وأول ما صلى به بعد إكماله صلاة الجمعة ثم الصلوات الخمس ووقف على إمامه طاحونا في قرية أوزون أولوق وأرضا خالية الإمام والخطيب والمؤذن والقيم والفراش والشعال والحصر والبسط وسائر مصالح الجامع ووقف لذلك أيضا قرية بنارباشي مع لواحقها التي تنتهي إلى مرعش وتسمى (سنيورى طوشان تبه سي) مع كوستان وإلى (جاي قلا) مع قنديل وإلى (آق دره) مع قنديل تبه ومزرعة بيك هبوري ومزرعة أمرد الاقي مع ييرجه كدوكي في يكيجه قلعه وأراضي مزرعة كيراردلي في كفر ونصف بزستان مرعش وتسع عشرة دكانا في سوق مرعش وقرية أركلوجه في أيا قلوجه أولوق من توابع مرعش وقرية موصال ألاكي من أعمال أندرين ومزرعة باشي قوفش وأما للوميدان وقملاق وبيرجلى من توابع يكيجه قلعه ومزرعة علي قياسى من توابع زيتون وبنى الواقف أيضا باتصال الجامع المذكور في شماليه المدرسة البغدادية ووقف عليها جزية يكيجه قلعه وقرية بلانقوز ومزرعة حسن تبه سي قرب أونكود وساقية رز وطاحونين في القرية المذكورة وعشر دكاكين غربي بزستان مرعش وجزية جماعة خلفوا من أحياء مرعش مع عادة أغنامها وسائر الرسوم الواردة لطلبة هذه المدرسة واثنتي عشرة دكانا في سوق كفشكار جيان (الأساكفه) في مدينة مرعش تقسم أجورها في رأس كل شهر بين الطلبة باعتبار أعلى ووسط وأدنى يأخذ الأعلى والوسط منهم ثلث السهم والأدنى نصف السهم وبنى الواقف في مدينة مرعش أيضا مدرسة طاش مع مسجد يصلي فيه طلبة المدرسة وأهل المحلة ووقف لإمام المسجد طاحونا في جانبها الشرقي ووقف للمدرسة(2/424)
قرية دنك من قرى أهل الذمة مع سائر حقوقها على وجه «السربست» «1» .
ووقف لها أيضا طاحونا في القرية المذكورة وعين لها ساقية من نهر آق صو يزرع بزستان مرعش لطلبة هذه المدرسة بحيث يقسم الربع بينهم أثلاثا على اعتبار الأعلى والوسط والأدنى وعمر الواقف مدرسة جده ناصر الدين محمد ذو القادر المسماة مدرسة قاضي في محلة بكتوتي بمرعش ووقف لها قرية كوكرجنلك في ناحية أبلستين التي أحياها الواقف لأنه بنى فيها أربعين دارا للسكنى مع مائة ثور لحراثة أراضي الرز وقد جعلها كلها وقفا على روح جده المذكور ووقف لهذه المدرسة أيضا ساقية جاغرغان وناحية قره حائط ووقف لها أيضا مزرعة عين العروس في أبلستين وجماعة بكتوتلى مع الأكراد الذين هم فيها ومع عادة أغنامها ورسومها ووقف لمدرسة شمسه خاتون في محلة الخاتونية قسط حمام الخاتونية قرب سوق مرعش وثماني دكاكين باتصاله وست دكاكين قرب السوق ونصف طاحون جومان بنارى وأراضي معلومة الحدود قرب بستان الحاج علي وكرما بقلعة فرنوس ونصف قرية الزور مع قرية زيللوخان من توابع كوكرجنلك وكرما في مزرعة خاتونية تابع عين العروس وطاحونا مع بستان وأرض في قربه ووقف لقارىء الجزء لروح شمسه خاتون نصف قرية جولب أكيز تابع تبك ووقف زاوية السيد مظلوم في قبلية الجامع المذكور مع مطبخها وما يتعلق بها ووقف لها مزرعة إيواجق وحيارجق ويدى أولق وبوغون أولق وطيش بوداق وطوموز جاغردان والماجق جميعها في جبل بلكيلك قوشاغي وحد هذا الجبل قبلة الطريق العام المار من أقجه خان إلى جبل أرسلانلو وشمالا كذلك بالطريق العام المار من جبل هوطو إلى خرابة الهارونية وشرقا طوموز جاغردان كدوكي وغربا دلبنديقاسي وما بين هذه الحدود الأربعة من المزارع والجبال كلها وقف على هذه الزاوية ومزرعة صاري مصطكى وبادملوجه خرطلاب من توابع جاموشل وكربان سراي قرب مرعش وأراضي خالية بينها وبين بزستان مرعش وشرط أن يطبخ في الزاوية المذكورة طعام للفقراء واليتامى والمسافرين وقت الضحى وبعد العصر ويكون ذلك بنظارة المتولي ووقف لزاوية بوم دده في مرعش خمس عشرة دكانا بالجانب الشرقي في البزستان في مرعش متصلات بالزاوية المذكورة.(2/425)
ووقف لها أراضي في أطرافها ومزرعة إسكى جنار وطاحونا في ناحية أرطل ووقف لزاوية أمت دده في جاملو سبيل من أعمال مرعش قرية عين البلوط وثلث يشيل ساري من توابع قره حائط ووقف لزاوية عثمان دده في قرية دبك إيركي تلك القرية ونهر دبك إيركي ووقف لزاوية قزل برك نصف تلك القرية وشرط أن تصرف غلتها إلى الواردين على الزاوية ووقف لزاوية الجزلي علال تلك القرية ولزاوية قره دده المعروفة باسم علي بك زاويه سي مزرعة الحث الحصار وأراضي في كوط الحث ولزاوية مهربان وجامعها مزرعة مهربان في ناحية بزارجق ووقف لجامعها خاصة غير ذلك من القرى والأراضي ووقف لزاوية أرلفان حاجي دده في قاية قلان طاحونا راكبا على نهر أغجه صو وبعض الأراضي ولزاوية عيسى بابا في مرعش عدة كروم وبساتين ولزاوية أموزي كجلي في مرعش خانا قرب الزاوية وأراضي ودكاكين الخواجه جكم ولزاوية جومان بابا في مرعش طاحون بارسلانلو دكرماني في قرية مرعش وكرما ملاصقا للزاوية وأراضي بقربها ولزاوية سعد الدين العزيزي قرب مرعش أراضي قرب الزاوية المذكورة وكرما متصلا بها وطاحونا في ناحية كمر وأراضي بقربه وعمر في أبلستين جامعها الكبير وبنى البزازيه والحوانيت وأنشأ الزاوية الباباشيته ونصب لها مدرسا وإماما وشيخا ووقف للمدرس نصف مزرعة أوزون أيوكي من عمل أبلستين وطاحونا وحصة معينة من قرية كرون مع جزية أهلها ورسومها وعين للطلبة أربعة طواحين.
ووقف على الإمام والمؤذن حصة معينة من قرية كورون مع جزية أهلها ورسومها ووقف لقارىء الجزء ألف درهم من جزية قرية جوغلوخان ووقف لشيخ الزاوية الهابائية جميع قرية خاتون مع جزيتها وحقوقها الشرعية وطاحونا في مزرعة القرية ونصف قرية كثير مع حقوقها وطاحونين آخرين في الدرب ووقف على الزاوية أيضا جميع الأراضي الكائنة بقربها وجدد الواقف مكان أبيه سليمان بك ابن ناصر الدين في مزار أهل الكهف مع مسجد ومدرسة ووقف لها قرية بنارباشي ونصف قرية أفسوس وغيرها وبنى جامعا حافلا في مدينة عينتاب ووقف له أوقافا وافرة في عينتاب ووقف له أوقافا وافرة في عينتاب وغيرها ووقف على مدرسة الأمير ناصر الدين محمد بن ذي القادر في عينتاب ووقف في مدينة أنطاكية عين ماء ووقف غير ذلك من الجوامع والمساجد والزوايا والمدارس في مرعش وأبلستين وغيرها ووقف لها من الأوقاف ما يطول شرحه وشرط لها كثيرا من الخيرات والمبرات وجعل(2/426)
التولية بعده لأصلح وأرشد أولاده وكان الحاكم بصحة هذه الأوقاف عبد الغني بن يوسف بن بكثوم الحنفي قاضي العسكر القادري. والشهود: على الواقف وحكم القاضي هم عبد الرحيم بن أمت وأمر الله بن بكثوم وإمام الواقف محمد بن إسرافيل وعلى فقيه ابن خليل ولطف الله ابن ديوان وصاري بك ابن كونداز وعلي بك بيشان وغيرهم. تاريخ كتاب الوقف محرم سنة 906 هـ.
قلت: الظاهر أن الواقف رحمه الله تعالى شعر بقرب انحلال دولته عن يد المرحوم السلطان سليم خان العثماني فعجل هذه الأوقاف لتكون له ولمن بعده من أعقابه عونا على معاشهم فإن الواقف رحمه الله قتل سنة 922 عن يد الوزير سنان بك العثماني وأخذت دولته بالانحلال من بعده إلى أن تلاشت عن آخرها سنة 928 ودخلت في السلطنة العثمانية وقد أطلعنا على عدة أوقاف شرطها وأقفوها بعد انقراض ذريتهم إلى مكة أو المدينة أو بعض المساجد والجوامع أو الفقراء. فانقرضت الذرية وآلت بمقتضى شرط واقفها ما اشترطها له إلا أن يد المتغلبين وضعت عليها وصارت تتصرف بها طبق إرادتها ووفق مشيئتها فقصدا للتنبيه إلى ذلك أملا أن يسخر الله إناسا لإنقاذ الأوقاف المذكورة من أيدي المتغلبين استخرجنا من سجلات المحكمة الشرعية الجدول الآتي ذكره المشتمل على الإشارة إلى أكثر الأوقاف الموقوفة بعد القرن العاشر والمشهور أن سجلات المحكمة الشرعية المحررة قبل هذا التاريخ مفقودة من المحكمة الشرعية بسبب حريق طرأ على المحكمة في ذلك التاريخ.
على أن السجلات التي تجددت بعد الألف يوجد في كثير منها تشويش واضطراب وتقديم في صكوكها وتأخير وربما يوجد فيها كثير من السجلات قد فقد منها عدة وقفيات خانتها أيدي الأمناء الذين يتولون حفظها ومن جملة السجلات المضطربة نحو عشر مجلدات تتضمن صكوكا مختلفات التاريخ بحيث يوجد فيها تباين فاحش يوجب عدم اعتبارها شرعا أما دائرة الأوقاف فيوجد فيها عدة دفاتر قد جمعت فيها الوقفيات من أيدي الناس فهي غير معول عليها شرعا وها نحن الآن شارعون برسم جدول يتضمن. الإشارة إلى كل ما ظفرنا به بعد الاستقصاء في سجلات المحكمة الشرعية المصانة المعمول بها شرعا ثم نتبعه بجدول آخر نشير به إلى الوقفيات التي ظفرنا بها في السجلات المختلفة المتقدم ذكرها ثم نثلث بجدول نشير به إلى ما في دفاتر دائرة الأوقاف من الوقفيات وقد اصطلحنا على أن نبدأ من الوقفية بتاريخها ثم باسم واقفها ثم ببيان نوع الوقف هل هو مسقفات أم أراض(2/427)
مغروسة ثم ببيان مرتبة الوقف أي عظمه معتبرين الأوقاف في ذلك على سبع مراتب مشيرين إلى الأكبر منها برقم (1) وإلى الذي يليه برقم (2) ثم وثم إلى رقم (7) ثم ببيان الموقوف عليه ثم ببيان مآل الوقف وقد اصطلحنا بالإشارة إلى هذه الأمور وغيرها على رموز يأتي بيانها استغناء عن التكرار وجعلنا جدول كل مجلد من السجلات مستقلا وحده راسمين في صدر جدوله بيان تاريخ أول صك منه وتاريخ آخر صك وهذه هي الرموز الموعود بذكرها «1» .
ع مسقفات- ر أراض- عر مسقفات وأراض- مح محلة- ج جامع- م مسجد- ز زاوية- تك تكية- س سبيل- ق فقراء- حن حرمين- حم حرم مكة- حد حرم المدينة- مد مدرسة- ذ ذرية- خ خيرات- ط قسطل.
جميع الرموز التي بعد رمز المحلة أي من الجيم إلى آخر الرموز حيث ذكرت مجردة عن الفاء كما هي مذكورة هنا فالإشارة بها إلى الموقوف عليه في الدرجة الأولى وحيث اقترنت بالفاء فالإشارة بها إلى الموقوف عليه في الدرجة الثانية بالنسبة إلى ما قبله فإذا قلت مثلا ذ فحم فق حلب فكأني أقول الموقوف عليه ذرية الواقف فإذا انقرضوا عن آخرهم عاد الوقف إلى الحرم المكي فإذا انقطع الطريق والعياذ بالله تعالى عاد الوقف إلى فقراء حلب وقد تصفحت في استقصاء هذه الوقفيات نحو مائة مجلد من سجلات المحكمة الشرعية فليعذرني الواقف منها على سهو أن تقصير فإن العصمة لله وحده وهذا أوان الشروع بالمقصود:
من محرم 990 إلى رجب منها «2»
(990) الشيخ محمود بن محمد البيلوني ع- 7- ذ فم البيلوني فق.
(990) جمال الدين بن محمد الكردي ع- 7- ذ فق حلب.
(990) يوسف بن أحمد عر- 5- ذوخ في أموي حلب.(2/428)
من شوال 995 إلى رجب 999 (996) ناصر الدين بن الشمالى ع- 4- حن فق حلب.
(996) فتح الله بن يونس جربوع ع- 7- حن فق حلب.
(996) مصطفى بن إيدى ع- 6- م العمري في القلعه فحن فق حلب.
(996) إسماعيل آغا بن عبد الله ع- 6- خ في القلعة فحن فق.
من شعبان 998 إلى ج 999 (999) سليمان بن يوسف العمري عر- 5- ذفم العمري في القلعة.
من صفر 1032 إلى شعبان منها (1032) عبد الرحمن البتروني ع- 7- ذ فحن.
من صفر 1033 إلى رجب 1034 (867) علي بن أحمد أقبغا الشيباني عر- 2- ذ فط الواقف في مح الجلوم وغير ذلك فق حلب.
ج 1033 إلى شعبان 1039 (1039) نازين بنت عبد الله ع- 7- عتقاؤه فحن (1039) بنت الشيخ علي الخياط ع- 7- ذ فحن.
من محرم 1046 إلى ذي 1046 (1046) أحمد الجوبي عر- 3- ذ فعتقاؤه فحن فق (1046) درويش جاويش ر- 7- ز الكلنشيه.
من رجب 1035 إلى رمضان 1046 (1047) أبو الجود بن عبد الرحمن البتروني ع- 7- ذ فحن فق حلب(2/429)
(1043) حليه بنت حافظ ع- 7- ج الكبير في قلعة حلب (1045) يعقوب ابن يونس ع- 7- كسابقه.
ج 1050 ر 1051 (1050) حليمه بنت عبد القادر ع- 7- م العمري في باب المقام (1050) حسن بن ناصر القواس حن فق حلب.
ر 1050 شوال 1052 (1052) قتلى المسيحي ع- 7- ق النصارى.
ذى 1054 ص 1055 (1055) ناصر الدين بك ع- 5- خ بداره ومسجد في ساحة بزه وق حن.
و1058 ص 1059 (1058) سليمان بن يوسف ع- 3- خ في تك الكلشنيه فحن (1058) علي علوان بن محيى الدين ع- 7- ذ فحد.
ذى 1071 محرم 1074 (1071) قدملى بنت أبي طالب وفاطمة ع- 3- ذ فق الكلشنية فق حلب (1072) حسين بن حسين الكواكبي ع- 6- خ في الكلشنية فق (1072) فرح بنت تاج الدين الكوراني ع- 5- ذ فحن.
محرم 1067 رجب 1072 (1067) محمد آغا بن محمود دوزدار ع- 7- خ في قلعة حلب.
شعبان 1072 رجب 1075 (1074) جاملة بنت شعبان ع- 7- ذ فحن فق حلب (1074) أحمد بن إبراهيم ع- 7- خ.(2/430)
و 1073 محرم 1075 (1073) درويش بن محمد الأصيل ع- 7- ج العمري في سوق الكميني فق فحن (1073) شرف بنت عبد الرحمن ر- 7- ذ وحن فق حلب (1073) شرف بنت عبد الرحمن ر- 7- ز الرام حمداني (1073) الحاجه ليلى بنت علي الأصيل ر- 7- ذ فحن فق حلب (1074) عايشة بنت ياسين ع- 7- دراها.
جا 1095 ج 1097 (1075) فاطمة بنت عبد القادر ر- ج- المشاطية.
محرم 1098 ر 1099 (1099) نور الدين بن فتح الله ر- 7- س قرب الشيخ نمير.
رمضان 1111 شوال 1112 (1110) حسين بن محمد قرمده ر- 7- ذوخ.
رمضان 1123 ص 1126 (1124) إسماعيل بن محمد الأقصاصي ع- 6- ذوخ فج خاصبك.
(1124) يحيى بن إبراهيم وفائي- 7- ذفم العمري بزقاق الكعكة.
(1124) عبد الرحيم بن الحاج خلفه ع- 7- ذ فج عبد الرحيم في محلة الكلاسه فق (1124) درويش بن نعمه عر- 6- ذ فحن.
ذا 1129 رمضان 1131 (1131) عفيفه بنت محمد ع- 6- خ فق.
(1131) عفيفه بنت محمد ع- 7- خ تكية القرقلار فق الطريق بحلب (1121) عفيفه بنت محمد ع- 7- خ في تكية الكلشنيه فق محلة داخل باب النيرب.(2/431)
سنة 1130- 1139 (1130) مصطفى ابن البستاني الخربابيدي ر- 7- م بنى البعوه في الجلوم الكبرى (1131) وسيله بنت عبد الله ع- 7- خ في ج الكبير (1131) عثمان ابن عبد الرحمن بن عثمان ع- 5- خ في العثمانية (1131) إبراهيم بن علي ع- 7- س الواقف الملاصق إكريجه محراب في بنقوسا (1131) عثمان وأخوه ابنا محمد درويش ع- 7- ج الكازرانيه في محلة العقبه (1131) حسين بن محمد ع- 7- س الواقف بتربة الناعوره ظاهر حلب فق.
ج 1131 ذى 1133 (1131) أمينه بنت إبراهيم ع- 6- ذ فحن (1131) عائشة بنت إبراهيم ع- 7- إمام حجازية أموي حلب (1131) زيدان بن حسن فراع- 7- ذ فج أموي حلب (1131) رجب باشا ابن رجب بن حسن ع- 7- ذ فج المشاطيه (1131) إخلاص بن حسن وزوجته آمنة ع- 7- م تجاه حمام الغزل (1131) شمونه بن سليمان ع- 7- ذ فكنيسة السريان (1131) محمد ابن أبي بكر الوفائي ع- 4 ذ فخ فج أموي حلب (1131) يوسف بن إبراهيم ع- 6- ذ فج الميداني (1131) محمد بن عبد النبي ع- 7 سبيله في بحسيتا قرب جامعها (1131) عبد الحي بن عبد الله ع- 7- خ (1131) الحاجة رابية بنت رجب آغا الكلاري ع- 6- ذ فحن (1132) عبد الوهاب الحريري ع- 7- خ (1132) إسماعيل بن عبد الله الصباغ ع- 5- ط الحجارين (1133) عائشة بنت إبراهيم جاويش ع- 7- خ (1133) آسيا بنت محمد الموصلي ع- 7- ذ وخ على سبيلها فق المحلة (1133) عبيد بن معتوق ر- 6 مصالح م القدومي في محلة عبد الرحيم.
را 1135 شوال 1137 (1135) عبد الحي وأبوه عبد الله ع- 7 (1136) قروسين بنت حنا ع- 7- ق كنيسة الروم (1136) شمونه ع كنيسة السريان (1137) فتح الله(2/432)
ع- 7- ق كنيسة الروم (1137) مصطفى بن عبد اللطيف الخواجكي ع- 3- ذ فزا النسيمي.
و1135 ذى 1137 (1135) مترح بنت مصطفى عران ع- ذ فخ (1135) فاطمة بنت عبد الكريم حماده ع- 7- خ.
(1135) فاطمة بنت عبد الكريم حماده ع- 7- خ فم عبسى فحن.
(1137) شريفة بنت أحمد عر- ذ فق حن فأموي حلب.
(1137) سعده بنت عبد الرحيم ع- ذ فق حن فزا عبد الرحيم.
را 1138 ر 1142 (1138) رومية بنت يوسف بك ع- ذ (1138) عزيزه بنت مصور ع- 7 كنيسة الروم (1138) فاطمة بنت علي ع- 7- ذ فحن.
(1138) نعمه ولد أصلان ع كنيسة الروم بحلب (1137) باكيه بنت يوسف ع- 7- ذوخ فس قرب البختي (1138) عطا بن عقيل بن عبد النبي ع- 7- ذ فج شرف (1138) عائشة بنت علي نعمه في ع- 6 قراء في س تربة الكليباتي (1138) قدسية بنت سليمان ع- 7 كنيسة السريان بحلب (1139) صفيه بنت عبد الوهاب ع- 6- خ علي ذ ومرقد زكريا (1139) عبد القادر بن أحمد بك روحي عر- 3 ذ وخ في أموي حلب وحن (1139) محمود بن خليل ع- 7- ذ فم الشيخ جاكير (1139) بوليس ولد حنا ع- 7- كنيسة الموارنه (1140) عجميه وبرباره بنتا عبد الأحد ع- 7 كنيسة السريان بحلب (1140) رضى ابن أبي بكر حجيج ع- 4 ذ وس الواقف في محلة أقيول فحن فق حلب.
(1140) أبراهام ولد خليفة اليهودي ع- 7 ذ وكنيسة اليهود بحلب (1140) داود ولد مصر شد ع- 7 ذ وكنيسة السريان (1140) حنه بنت موسى ع- 7 ذ وكنيسة السريان (1141) فاتى بنت مصطفى طه زاده ع- 6 حن فق حلب (1141) عبد الله بن عبد العزيز قصبجي ع- 7 ذ وخ في ط تجاه ج السفاحيه (1141) عبد الوهاب بن مصطفى العمادي عر- 2 ذ وخ فج أموي حلب وم(2/433)
بلوقيا والقلعه (1141) كريمة بنت مصطفى طه زاع- 4 ذ وخ في مدفن عمر أفندي طه زاده.
من جا 1139 إلى جا 1143 (1140) نصر بن نصير بن نصر الصحصاح ع- 6 ذ حلب (1140) عثمان ابن علي وزوجته فاطمه عز الدين ع- 6 م كجك بخشي في تاتار (1139) أحمد بن حسين ابن أبي يزيد ر- 7 ج قاضي عسكر وم محمد أفندي فق المحلة (1142) جمعه ابن جمعه بن بكر ع- 7 خ في ج المشاطيه (1143) أرسان قطان ع- 6 س يوسف العريان في محلة جقور قسطل فحن.
من رجب 1141 إلى را 1144 (1142) إبراهيم بن خليل ع- 7 س سوق محلة محمد بك.
(1142) فاطمة بنت عبد الكريم ع- 7 ذ فحن فق.
(1142) بجان بنت ملكون ع- 7 كنيسة دير مار يعقوب.
(1143) فاطمة بنت حامد ع- 7 ج محلة باب الجنان.
من محرم 1151 إلى ذي القعدة منها في هذا الجزء وقفيات عثمان باشا وقد أثبتنا خلاصتها في الكلام على مدرسته في محلة باب النصر.
من ص 1147 إلى ص 1153 (1147) حسن بن حسين الجزماتي ع- س في المشاطية.
(1148) تقلا بنت يوسف ع- 7 كنيسة السريان بحلب.
(1148) محمد خليل غنام ع- 7 ذوق فق (1149) صالح الحواري وبنته فاطمه عر- 7 ذوق (1149) الشيخ طه اليوسفي بن مصطفى ع- 6 خ في ج أموي حلب وج أوغليبك وج الصغير في سوق القصيلة وز الهلالية فذ فحن فق (1149) نسليخان بنت أحمد ع- ذ فخ (1105) حسب الله بن محمد ذ فق محلة أو غليبك(2/434)
(1150) بكري بن سليمان المكحول ر- 7 ذ وج قارلق فج المذكور.
(1151) أبو بكر بن قاسم ر- 7 تك الشيخ أبي بكر بحلب كتاب هذا الوقف أرجوزه (1152) إبراهيم بن سليمان بن يوسف بك- ر 7 ذ فج بردبك وج الابن (1153) فاطمه بنت أحمد ع- 7 ذ فق حن.
من ص 1152 إلى را 1154 (1152) حسن بن ياسين قباني- 5 ذ فحن فق حلب.
(1152) صالح بن محمد عفان ع- 7 ذ فمصالح محلة البساتنه.
(1153) محمد بن خليل الغنا ع- 7 ذ فخ.
من محرم الحرام 1149 إلى ج 1154 (1149) فاطمه بنت مصطفى الزريدي ع- 7 زا الهلاليه وخ.
من محرم 1151 إلى ذي القعدة منه في هذا الجزء أيضا وقفيات المرحوم عثمان باشا صاحب المدرسة الرضائية.
من شوال 1153 إلى ج 155 (1153) سلحدار يعقوب باشا ع- 6 تك النسيمي فج الكبير.
(1154) سلحدار يعقوب باشا ع- س بمحلة باب النيرب.
ر 1153 إلى شعبان 1157 (1152) قاسم بن محمد ع- 7 ذ فمدرس خاص بك وغيره فق.
(1154) محمد بن نصر ع- 7 ج الفستقيه في محلة السخانه.
(1155) محمد بن عبد الكريم منصور ع- 7 م السليمانيه ودولاب الشيخ أبي بكر وإمام تركانجك (1155) يوسف الصانع بن مصطفى ع- 7 س الواقف بسوق البياضه فق (1155) رحمه بنت شرف الدين ع- 7 تك أبي بكر الوفائي فق (1155) زاهده بنت سعد الدين ع- 7 م محلة الدلالين (1155) نعمه وأخواه(2/435)
أبناء يعقوب ع- 7 ق كنيسة السريان (1155) عبد القادر بن رجب الدهان ر- 7 ذ فحن فق (1156) ياسين بن منصور ر- 7 خ في ج قسطل الحرامي (1155) عبد الرحمن بن عبد القادر حطب ع- 7 ج قسطل الحمي (1156) عائشه بنت محمد ع- 7 ذ فج مروان في بنقوسه فحن (1156) فاطمه بنت الدرويش حسن ع- 7 تكية الشيخ أبي بكر فق.
(1156) حسين باشا ابن حسن البابي عر 3 ذ وخ في ج الحدادين وج تركمانجق فق (1156) شريف بن عبد الوهاب العمادي ع 7 خ في ج قرية بابلي (1157) عثمان وأحمد بن حيدر ع 7 م وس قره باش في سوق الصغير فحن فق.
(1157) عبد القادر بن رجب الدهان عر 7 خ.
من ذي سنة 1155 إلى را 1159 (1155) أحمد الصائغ بن البطال ع- 7 ذ فحن (1156) محمد القباني ع- 7 ذ فحن (1158) عثمان وأحمد بن حيدر ع- 7 زا الهلالية فق (1158) عثمان وأحمد بن حيدر ع- 7 ذ فق محلة الجلوم (1158) مهنا بن محمود الجوخى ع- 7 ذ فق حن.
من ذا سنة 1153 إلى ج سنة 1158 (1158) صفيه بنت أحمد ع- 7 مصالح محلة الشيخ بلال فق المحلة.
من ر سنة 1157 إلى محرم سنة 1158 (1157) ملا محمد بن مصطفى العينتابي ر- 7 ذ فج أموي حلب فق (1157) مصطفى بن محمود العينتابي عر- 5 ذ فحن فق محلة بعينتاب.
ج 1158 شوال 1159 (1159) حسن بن رمضان العطار ع- 7 ذ فحن (1159) سليمان بن هاشم عر- 5 خ فج بردبك.(2/436)
ص 1158 ر 1159 (1158) رجب بن مراد ع- 6 ذ وط ترب الغربا فحن فج أموي حلب ففقرائها (1158) صالحة بنت صالح قضيب البان ع- 7 ذ فحن فق (1159) أحمد ابن الحاج أمير ع- 6 ترب الغربا وذ فس بلابان (1159) حسين باشا البابي عر- 5 ذ فج الحدادين (1159) أحمد ابن الحاج أمير ع- 7 مصالح بئر جب القبه.
ذى 1155 جا 1159 (1157) حسب الله بن محمد ع- 6 ذ وخ فق محلة أوغليبك.
(1158) عبيد بن محمد ملقي ع- 7 خ في ج الآجه بك فق المحلة (1158) محمد بن أحمد أبو أحمد أبو زيد ع- 5 ذ فق محلة ط الماوردي (1157) ياسين بن منصور عر- ذ فحن (1158) عبد القادر شريف ع- 7 خ في دار الواقف باب النصر.
(1157) محمد بن عبد الجليل عر- 6 ذ فج بنقوسه (1158) محمد بن أحمد أبو زيد عر- 5 ذ فق محلة ط الماوردي.
شعبان 1157 ر 1160 (1159) أحمد ابن أبي السعود الكواكبي عر- 4 ذ فج أبي يحيى.
را 1161 رجب 1162 (1161) محمد بن يحيى جباره ع- 5 خ في ج العمري تجاه باب الجنان فأقرب ج إليه وغيره (1162) سالمه بنت شاهين ع- 7 خ فق المحلة (1162) فخرى وأمهان بنات محمد ع- 7 ذ فج العمري بقلعة حلب (1162) رحمة بنت زبيدى ر- 7 زا الهلالية فق حن.
ر 1160 ذى 1162 (1160) عبيد الله بن أحمد ع- 6 ذ فخ في ج أموي حلب.(2/437)
(1160) كاترين بنت جبرائيل ع- 7 ق الروم بدير الجمره في طرابلس الشام (1161) محمد بن كمال الدين الرام حمداني ع- 5 ذ فحن فق (1162) نعامه بنت عز الدين ع- 7 ج بلابان خارج باب أنطاكية ويعرف بجامع الحدادين (1162) حسن ابن أبي بكر النجار ع- 7 خ فق محلة الشريعتلى.
شعبان 1159 رجب 1163 (1159) زليخا بنت أحمد خير الدين عر- 6 خ وج بابلي فحن فق حلب (1161) محمد بن علي ع تك أبي بكر الوفائي (1161) آسية بنت حسين جاويش ع- 7 خ (1161) طيبه بنت رجب ع- 7 م مح الدلالين (1161) عبد اللطيف ابن علي القنواتي ع- 7 ذو مصالح مح النوحيه (1162) فاطمه بنت حسين ع- 7 ذ فمجاوري المدرسة الشعبانية فق حلب (1162) فاطمة بنت الحاج موسى- 7 ذ فق حن فق حلب (1162) علي البصير بن عبد القادر ع- 5 خ في ج الحريري في مح خراب خان (1162) نسلى خان بنت الحاج بكداش مهملات ع- 5 خ وج ق الحرمي فحن (1163) طيبه بنت سلامه ع- 7 م العنابه في مح بن يعقوب فق مح (1163) عازار ولد فضول ع- 7 ذ فكنيسة الروم بحلب.
ج 1159 را 1163 (1159) أحمد باشا والي حلب بن جعفر آغا ع- 5 ذ وخ في ج الأصغر (1159) أحمد باشا المذكور ع- 7 ذ فحن (1160) أحمد باشا المذكور عر- 7 ذ فج الأصغر (1160) أحمد باشا المذكور- 5 ذ فحن (902) الزينى سالم ر- 7 ذ فحن.
ص 1163 شعبان 1164 (1163) فاطمه بنت رمضان ع- 7 ذ فج أبي يحيى في الجلوم فق (1163) أبو بكر بن محمد السرميني ع- 3 ذ فق مح العقبه (1164) هبة الله بنت يوسف المفتي ع- 7 ذ فق حلب (1164) صالحه بنت حسين أميري ع- 6 خ في س الصالحيه في مح المصابن (1164) محمد بن عمر قشعم ع- 7 ج المشاطيه وسبيله في المحلة.(2/438)
جا 1160 را 1165 (1166) أبو بكر بن أحمد الصباغ ع- 6 خ (1166) حمود بن إبراهيم شبه ر- 7 ج عبد الغني في مح الكلاسه (1161) أمهان بنت حسب الله ع- 5 ذ فق مح أوغليبك (1161) ليلى بنت أحمد الرزاز ع- 7 خ (1162) آمنة بنت يوسف ع- 7 ذ فم الشيخ عبد الله بالهزازه (1163) علي بن ياسين ع- 7 رواق جامع بحسيتا (1163) عبد الرحيم بن محمد ع- 7 خ (1163) حجازي بن صالح الصابوني ع- 6 ذ فج أموي حلب وج الكلاسه وحن (1163) نور الشرف بنت عبد الحميد ع- 7 ذ فق مح العقبه (1163) شرفخان بنت حسن ع- 7 ذ فق مح العقبه. (1163) الشيخ عبد الله بن الدكمه جي ع- 7 فحن فق قلعة حلب (1163) رحمة بنت عبد القادر بك ع- 7 خ (1163) طيبه بنت عبد القادر ع- 5 ذ فحن (1164) آمنة بنت علي ع- 7 ج بن يعقوب بمحلة ميدانجك فق المحلة (1164) كوهر بنت حجازي ع- 7 ذ فم الخواجه سعد الله وقسطله تجاه المسجد (1164) عبد الحي بن محمد ع- 7 ج أموي حلب (1164) طيبه بنت عبد القادر ع- 7 ذ فج بردبك.
رجب 1163 ر 1165 (1163) الحاجة ساتجار بنت فتحي ع- 7 خ (1163) رحمة بنت مزرا ع- 7 خ في ج الميداني (1164) آسيا بنت حسين آغا ع- 7 ذ فق (1164) محمد بن خليل جبريني ر- 5 ذ فخ على أقاربه فق (1165) الحاج إخلاص بن محمد ع- 7 ذ فج خاص بك فحن فق (1164) عبد القادر بن محمد ع- 7 خ في مح الجبيله (1165) محمد بن خليل جبريني عر- 4 ذ فخ فق (1165) محمد بن عمر شاهين ع- 7 م بخشى بك وم تاتارلر.
ج 1165 ص 1167 (1165) هاشم بن محرم 1165 ع- 7 خ في م درويش باشا في محلة النوحيه (1165) زمزم بنت إبراهيم ع- 7 فج سعد الله وط فحن (1166) حسين بن(2/439)
شرف الدين ر- 7 زا الشيخ أبي بكر (1166) محمد شيخ أفندي بن خليل ر- 7 ذ فج في م ما جه (1166) ليلى مصطفى ع- 7 ج ألاجه بك في أقيول.
ر 1165 ذا 1167 (1165) مصطفى بن شعبان ع- 7 م الشيخ حسن السرميني في محلة العقبه (1165) حسن بن أحمد ورفقاه ر- 7 م دوغان في مح العينين فق (1165) شرمخان بنت عمر ع- 7 خ في س سوق الدهشة (1166) عائشة بنت مصطفى الإدلبي ع- 7 ذ (1166) سيده بنت نصري ع- 7 كنيسة الروم بحلب (1166) عفيفه بنت محرم ع- 7 ذ فزيارة الشيخ شهاب فق محلة الكلاسه (1167) رحمه بنت البشناق ع- 7 ذ فخ في ج السروه فق حن (1167) صفيه بنت رجب الإسكاف ع- 7 تك الأربعين فق.
ص 1167 شعبان 1168 (1167) أحمد بن عبد القادر ع- 7 ج الأجه بك فق أقيول (1167) زليخا بنت أحمد ر- 6 ذ فق (1167) خضير بن إبراهيم ع- 5 ذ فج الميداني فالمدينة فق (1167) أسما بنت بكداش ع- 7 م مالك باشا بالفرايين.
رجب 1167 ص 1169 (1168) أحمد بن أمين ع- 4 ذ فج الكبير وج البلاد (1168) عبد الوهاب ابن محمد شريف ع- 7 ذ فحن فج الكبير فق (1168) الحاجه وضحه بنت حمزه آغا عر- 3 ذ وخ في حن (1169) علي بن عبد الله معتق إسماعيل أمير ع- 5 في الحجازية.
ص 1166 ذا 1170 (1166) رحمة بنت عبد القادر بك ع- 7 مدرس مدرستها في مح مستدام بك فحن فق (1166) أبو بكر بن مصطفى الكلزي ر- 7 ذ فحن فق كلز (1166) الحاجه قمر بنت الحاج عمر ع- 7 خ (1167) نعمة الله عمر للبقى ع- 6 ذ(2/440)
فعتقائه فق محلة سويقة علي (1167) خديجه بنت أبي بكر المعرى ع- 7 تك النسيمي فق مح جب أسد الله (1167) خضر بن محمد ع- 7 خ (1168) عمر ابن أبي بكر الطباخ ع- 6 س ومكتب داخل باب بنقوسه فق محلة الجبيلة (1168) الحاج ناصر بن عبد الباقي ع- 5 ذ فق مح المصابن.
جا 1169 ذى 1170 (1170) إسماعيل بن يوسف الحموي ع- 7 ج بردبك.
شوال 1168 ر 1172 (1169) يوسف بن الدرويش أحمد ع- 7 م ألاجه بك فق المحلة.
(1169) شرفخان بنت حسن عر- 5 خ وذ فخ في ج المشاطيه (1169) مرتضى بن عبد القادر ع- 7 مصالح محلة الحجاج.
(1169) حسين ابن أبي بكر ع- 7 م ألاجه بك في أقيول فق المحلة (1170) علي بن أحمد كاتب الجزيه ع- 6 ذ فخ في ج ألاجه بك وتك الشيخ أبي بكر فق أقيول وط الحرمي (1170) ليلى بنت مصطفى جاويش ع- 7 ذ فج ألاجه بك (1170) ياسين بن جمعه ع- 5 ذ وخ فم الدلالين فق المحلة (1171) أبو بكر ابن عبود البيطار ع- 7 ذ وخ على سبيله في قارلق (1171) عبد الرحمن بن فتحي الزنابيلي ع- 7 ذ فحن فق حلب (1170) موسى بن إبراهيم غنام عر- 6 ذ فحن فق الحسين (1171) عبد الرحمن بن فتح الزنابيلي ع- 7 ذ فحن فق حلب (1171) أحمد بن عبد القادر ع- 7 خ في ج ألاجه بك فحن (1171) محمد بن إبراهيم غنام عر- 4 ذ فم ماجه في مح البلاط ظاهر حلب.
رجب 1171 ص 1173 (1171) يحيى بن عبد الحميد ع- 7 ذ فحن فق حلب (1172) فاطمه وآمنة بنات رجب ع- 6 ذ فج ط الحرمي (1172) إبراهيم ابن علي الدر كزنلي ع وكتب 7 ذ وخ في ج الكبير.(2/441)
محرم 1172 شوال 1173 (1172) زليخا بنت عبد الله ع- 7 حن فق مح تاتارلر (1172) مصطفى بن محمد ع- 7 م الأصفر داخل سوق باب الجنان فزا أبي السماع في محلة جب أسد الله (1172) عبد الرحيم بن محمد شيخ الشيوخ ع- 7 ذ فمسجد الأشرفية فق أشراف حلب (1172) علي وعبد الله ابنا قاسم غريب ع- 7 ج التوبة فس تجاهه فق محلة كتان.
ج 1172 ص 1174 (1172) ليلى بنت مصطفى جاويش ع- 7 خ (1172) أحمد ابن عبد القادر الزيتوني ع- 6 د فج ألاجه بك فق المحلة (1173) صالحه بنت عمر أفندي طه زاده ع- 7 خ في مدفن عمر أفندي (1173) عبد الحي بن عبد الله عزو ع- 7 ج بردبك فق الشريعتلي (1173) أحمد بن عبد الرحمن زقزوق ع- 7 تك أبي بكر.
ذا 1173 ذى 1175 (1173) عبد القادر بن محمد مهملات ع- 6 م خير الله في مح الأكراد (1174) عبد الله بن محمد هيكل ورفقاه ع- 7 مصالح مح الدباغة العتيقة (1174) يحيى بن بكري ع- 7 مصالح ط تدريبة العطار (1174) أحمد بن علي القاضي ر- 7 ذ فحن (1174) بكري الحلواني بن علي ع- 6 ذ فج خاص بك فحن فق حلب (1175) رابية بنت محمد صادق ع- 7 ذ فمؤذني ج الكبير.
ص 1174 ص 1176 (1174) الحاج عبد الملك بن حجازي عر- 5 ذ فحن وتك أبي بكر وق مح مستدام بك: وللمذكور وقف آخر في التاريخ المذكور ذ فج بانقوسا وق مح الجبيله وله وقف آخر في هذا التاريخ 6 ذ فحن وق مح الجبيلة.
(1175) عبد الله بن أحمد ع- 7 م الشيخه صبحه دم بغجلك في مح تاتارلر فق المحله (1175) حسن بن عبد الله البخشي ع- ذ فق مح باب قنسرين (1176) خديجه بنت أحمد ع- 7 خ.(2/442)
ج 1174 ذى 1177 (1174) حنا ولد تادرس الطبيب ع 7 ذ فق كنيسية الروم بحلب (1174) ناصر ابن يوسف عيسى ع- 7 طعامية فقراء تك بابا بيرم فق هذه الطائفة (1174) حسن ابن عبد الله ع 5 ذ فم تركمانجك بالماوردي فحن فق المح (1175) فاطمه بنت أحمد ع- 7 ذ فحن فق.
(1175) أمين وزوجته صالحه ع 7 ذ فخ في ج ط الحرامي فق المحله.
(1177) خديجه بنت إبراهيم عروق ع 7 ذ فزا العقيلية فق حلب.
شعبان 1176 ذى 1177 (1177) صالحه بنت زين الدين ع 7 م بني الربيعه وط باتصاله فم سويقة الحجارين فحن فق حلب.
رجب 1176 ربيع الأول 1179 (1177) محمد صالح بن عبد المنان الأسلمى ع 7 ج الرومي فق مح ساحة بزا (1177) عائشة بنت محمد ع 7 ج القصب في سوق الضرب فق مح البلاط (1177) مصطفى بن عبد الفتاح الحمصي ع 7 هو في حمص ذ فحن (1177) خديجه بنت يوسف المغربي ع 7 ق مح سويقة حاتم (1177) رقية بنت حسب الله ع 7 خ في ج الكبير (1178) رقية المذكوره ع 7 ذ فتك القرقلار (1178) عطاء الله بن محمد الخياط ع 7 ثمن عود يوقد أمام مرقد زكريا بحلب (1178) محمد حسن بن عبد الله البخشي ع 7 ذ فق مح باب قنسرين (1178) زمزم بنت جودى العطار ع 7 ط البندره وط داخل باب النصر (1178) عبد الله وحسن بن أسعد الموقع ع 7 ذ فق مح الطبله (1178) المذكورين ع- 7 ذ فق مح داخل باب النصر (1178) محمد بن حسين باشا الأرنوط- ر في سلقين 7 ذ فج سلقين (1178) ياسين بن سعيد بكداش العطار ع 7 ج المناركه في مح القصيلة.(2/443)
ر 1178 ذا 1179 (1178) أحمد بن طه أفندي ع- 6 ذ فق مح أوغليبك (1179) فاطمة بنت محمد الزنابيلي ع- ذ فحن فق (1179) عبد الحي بن عبد الله عزو ع- ذ فحن فق (1179) يحيى بن الشيخ باكير ع- 7 م الشيخ خير الله فحن فق.
ذي 1178 ذي 1180 (1180) إسماعيل بن عبد الله عفش ع- 3 ذ فج سليمان في مح دكاكين حجاج وج البكره جي فق المح.
ذي 1180 را 1182 (1180) زمزم بنت أحمد الغطاس ر- ذ فتك الشيخ أبي بكر فق مح الشيخ إعرابي (1180) عبد اللطيف بن محمد البسنه لى ر- ذ فكسابقه (1171) عبيد وعلي ابنا قاسم عريب ع- زا الشيخ جاكير فذ الشيخ أحمد جاكير الكتان (1181) مريم بنت عبد الله ع- 8 ج بردبك فق مح المرعشلي (1181) حسين بن علي ع 7 زا الشيخ جاكير فذريته فق مح محمد بك (1181) فاطمة بنت علي بركات ع- 7 كسابقه (1180) حسين بن علي كسابقه (1182) جمعه بن محمد كسابقه (1182) حنا الطبيب ولد تادوس ع 7 فق كنيسة الروم.
را 1180 را 1182 (1183) حسن بن عبد الرحمن بنى ع 3 ذ وخ في ج النوري فعتقاؤه (1183) محمد حموي ذ فج الحموي المعروف بالنوري.
شوال 1179 شعبان 1184 (1180) عابده بنت محمد العداس ع- 7 خ (1180) نعمة الله بن عمر لبق ع 5 ذ فعتقاؤه فق مح سويقة على وج الحيات (1180) إبراهيم بن عبد الله شحود ع 7 تك المولوية فخ (1180) عائشة بنت إسماعيل زماج ع 7 ج الشيخ يعقوب خارج باب النيرب (1181) يونس بن إبراهيم الحافظ ع 6 ذ فمجاوري الشعبانية (1182)(2/444)
عبد القادر الحلاق ع 6 ذ فج الميداني (1182) عائشة بنت حسن النقطه جي ع 7 ذ فحن فق مح الفرافره (1183) عائشة بنت حسن النقطه جي كسابقه (1183) ياسين بن ناصيف ع 7 س مح أوغليبك فق المح (1184) يحيى بن عمر الشلهومي ع 5 خ في ج الحاج موسى.
را 1182 محرم 1185 (1182) عائشة بنت حسن النقطه جي ع 7 خ فحن فق حلب.
(1182) بكري بن رستم ع 7 م مح الشيخ عربي فق حلب.
(1183) أحمد آغا بن محمد آغا ع 7 ذ فم العمري في مح الجبيلة.
(1183) أمهان بنت إسماعيل ع- 7 خ.
رمضان 1172 ر 1187 (1044) الحاجه قمر ع 7 ذ فخ في ج مستدام بك (1183) فاطمة بنت محمد رمضان ع 7 ذ وخ فج مح الكلاسه.
ج 1185 محرم 1187 (1186) عزت قاضين بنت شاهين ع 5 حافظ مكتبة الرضائية (1184) يحيى ابن عمر الشلهومي ع 5 ذ فخ في ج الحاج موسى (1186) مصطفى بن عبد الرحمن ترلماز ع 5 خ في ج الحاج موسى (1186) عمر بن محمد جباره ع 5 خ في ج البكره جي.
رجب 1185 ص 1187 (1187) فاطمه بنت عبد الله عسكر ع 7 ح في س المغربلية فأهل المح (1186) أبو بكر بن عبد القادر النجار ر- 7 ذ فج بردبك فق مح قسطل الحرمي (1186) مكيه بنت حجازي ر- خ (1186) فاطمة بنت دالي أحمد ع 7 ج خاص بك فق المح (1187) عفيفه بنت أحمد ع 7 خ على س برأس زقاق محلة ابن يعقوب.(2/445)
محرم 1185 جا 1190 (1185) رابيه بنت مصطفى البابي عزا الهلالية فق مح الجلوم.
(1185) عبد الرزاق بن أشرف ع 7 ذ فج الطواشي فق مح باب النيرب (1187) بريخان بنت محمد شماع ع 7 ذ وخ (1187) بريخان بنت محفوظ ع 7 ق قمامة القدس (1187) عبد القادر بن عبد الكريم ع 6 خ في زا العقيلية فج الزكي (1187) صالح ابن قبلان حمدون ع 7 ذ فق مج باب قنسرين (1187) عائشة بنت محمد ع 7 ذ فزا العقيلية فق الزقاق الشمالي.
(1187) صفيه بنت محمد الأنطاكي ع 5 مجرى طريق ماء ج الزخرية في أنطاكية بمحلة حلاب النحله (1187) عبد الرحمن بن صالح الحداد الأبرادي ع 6 س م القصب في سوق الضرب من إنشاء الواقف فق مح البياضه (1187) عبد الوهاب بن عبد القادر ع 6 خ في تك الأربعين.
(1187) صفيه بنت محمد الأنطاكي عر- 3 ذ فج الزخرية وخ فيه في أنطاكية (1188) محمد حسن بن عبد الله البخشي ع- 7 خ.
(1188) عبد القادر بن محمد جباره ر- 7 ذ فحن (1188) عرابي بن إبراهيم ر- ذ فحن (1188) عبد القادر بن مصطفى الأصيل ع- 7 ذ فج مح سويقه على فق المح (1188) زينب بنت محمد النحوي ع 7 ثلاثة قساطل بمحلة الفرافره وعجائز خانقاه وخ (1189) عائشة بنت عبد القادر الخال ع 5 خ (1189) صفيه بنت حسب الله ع 5 خ (1189) فأتى بنت أحمد الدهان ع 7 ذ فزا العقيلية فق مح سويقة الحجارين (1189) عبد الرحمن بن مصطفى ع ذ فالشعبانيه والمهمندار والعقيلية (1189) مصطفى بن محمد جاويش عر- 7 ذ فحن فق حلب (1190) أحمد بن قاسم ع 5 ج الزينبية وج السيدة وج الحيات.
محرم 1188 جا 1190 (1189) صالحه بنت علي ع 7 خ في ج المشاطيه (1187) طيبه بنت على ع 7 ذ فق مح حمزه بك (1187) كلثوم بنت مصطفى ع 7 ج المشاطيه.(2/446)
رجب 1190 جا 1192 (1191) أحمد بن عبد القادر الزيتوني ع 7 ذ فحن فق مح أقيول (1191) المذكور كسابقه (1192) مصطفى الحلاق بن محمد عوده ع 7 ذ فزا العقيلية فحن فق زقاق الأربعين.
ج 1189 را 1192 (1189) عبد القادر بن عبد الوهاب ع 7 ج بني المحب في زقاقه.
(1189) خليل الإعزازي ع- 7 خ وفق حلب (1190) أبو بكر بن أويس ع 5 ثلاثون قارئا بمقام الأربعين بمحلة العقبه (1191) خديجه بنت عبد الكريم ع- 7 ذ وخ فحن.
جا 1190 شعبان 1193 (1191) حجازي بن نعمة الله الأبري ع 7 خ في دار الواقف داخل باب النصر (1191) عبد الرحمن بن إسماعيل السخني ع 7 س السخانه فق المح (1191) أحمد خنكرلي ع 5 خ في ج الزينبية (1191) عبد الله بن نعمة الأبري ع 6 خ في ج أموي حلب (1191) أحمد بن محمد الحلوي ع 7 ذ فج القرناصية فق محلة داخل باب النصر (1191) عبد القادر بن عبد الوهاب شريف ع 6 ذ فق محلة الفرافره (1191) شرف ابن إبراهيم ع 7 ذ فج الكبير (1191) عمر بن مصطفى الأبري ع 7 شيخ مشايخ العقيلية (1191) نعمة بن مصطفى الأبري ع 6 خ في دار حجازي أفندي وخ في ز العقيلية (1192) فاطمة بنت شاهين حلاق ع 7 خ وذ (1193) مروه خان بنت محمد أمير ع 7 ذ فخطيب ج السباغين في مح سويقة علي (1193) علي بن إبراهيم المشهدي ع 5 ذ فم خير الله في مح الأكراد فق المحلة.
را 1192 را 1194 (1192) كاتري بنت حنا ع 7 دير يعقوب بالقدس (1193) طيبه بنت عثمان ع 5 ذ وخ في الحن (1192) محمد هلال ابن أبي بكر ع 7 ذ فزا الهلالية فحن فق(2/447)
الجلوم (1193) يوسف ولد فرنسيس ع 7 ق كنيسة الموارنة بحلب.
جا 1192 شوال 1194 (1192) رحمة بنت إبراهيم ر- 7 ذ فحن فق مج قاضي عسكر (1192) عبد الله شهبندر ع 7 ذ فج ألاجه بك في أقيول (1193) سعدية بنت أحمد ر- 6 ج المشاطية (1194) عبد الله بن محمد جمعه ع 7 ذ فق حن فق مح خرابخان.
ر 1195 جا 1197 (1195) رقيه بنت أحمد ع 7 ذ فج الكبير فحن فق.
ر 1195 محرم 1196 (1195) علي بن محمد البصراوي ع 7 ذ فق مج بن يعقوب.
ر 1195 شوال 1196 (1195) فاطمه بنت محمد ع 7 تك الأربعين فق حلب (1196) أحمد بن سليمان الإعزازي ع 7 ذ فق الخانقاه بمح الفرافره.
جا 1196 ص 1197 (1196) آمنة بنت محمد ع 7 ذ فحن فق مح الكلاسه.
ذى 1196 جا 1198 (1197) حسين بن محمد البازرباشي ع 6 ذ فحن فق (1197) مصطفى الترجمان ع 6 في زا العقيلية (1198) يوسف بن مصطفى عربي كاتبي ع 6 زا الهلالية وتك النسيمي وتك اليماني فق (1198) أحمد بن قاسم ع 6 ثم يلحق بوقفه الأول (1198) عطاء الله بن محمد الخياط ع 7 خ وط بمح سويقة على فق المح.
ذى 1193 ص 1198 (1193) مريم بنت عبد الله الوراق ع 7 ط في أسفل أوطه أبري زاده في الفرافره(2/448)
فم متصل بداره (1194) عفيفه بنت أسعد ع 7 ذ فج الكبير فزا العقيلية فق حلب (1194) علي بن داود الحافظ ع 7 ذ فق مح الجلوم (1194) عبد الله بن محمد ع 7 ذ فمصالح م البندره فق.
(1195) إبراهيم بن عبد الوهاب الأبري ع 7 ذ فق مح الفرافره.
(1195) زينب بنت إبراهيم آغا رامي عر- 5 ذ وخ في الزينبيه فوقف زوجها محمد آغا خنكرلى (1196) عبد الرحمن بن عبد القادر ع 8 خ في ج أوغليبك (1196) فرج ولد إلياس ع 7 ق كنيسة الموارنة فق الطائفة (1197) عطاء الله بن محمد الخياط ع 3 ذ وخ على ق المدينة وط قرب حمام البيلوني من إنشاء الواقف فمصالح مساجد حلب التي لا وقف لها (1197) المذكور ع 7 ذ فملحق بوقفه الثاني.
(1197) جعفر بن محمد البازرباشي ع 6 ذ فق حن فق المح.
(1197) عبد الكريم بن محمد الحريري ع 7 خ في زا العقيلية.
ذى 1197 محرم 1199 (1197) حسين بن محمد البازرباشي ع 6 ذ فق مح الألمه جي.
(1198) علي بن علي الأنجق ذ فق مح البساتنه (1199) محمد بن عبد الرزاق الشعباني ع 2 ذ وخ في سجن باب قنسرين وخانقاه الفرافره وغيرها (1109) خديجه بنت يوسف العثماني ع 5 خ في ج الحاج موسى وغيره (1199) مصطفى بن أحمد الجابري عر- 3 ذ فزا القادرية فق حن فق المحلات الأربع خارج باب الجنان.
شوال 1199 را 1200 (1200) أمة الله بنت مصطفى أمها أخت عثمان باشا ع 5 ذ فج العثمانية بشروط واقفه (1200) الحاجه صالحه بنت محمد الطيبي ع 5 ذ فج الحاج موسى (1199) عبد القادر بن خليل قطرميز ع 7 ذ فزا العقيلية فق المسلمين.
ر 1200 را 1201 (1200) رقيه بنت علي بن محمد ع 7 خ (1200) محمد ويوسف ابنا محمد ع 7 إمام ج الكلاسه (1200) خديجه بنت عبد الرحمن زوجة إسماعيل باشا- ر 5(2/449)
ذ فخ فق (1201) عبد الرحمن بن عبد الكريم كوجك ع 5 ذ فج قرطه فق مج محمد بك (1201) محمد نوري بن فيض الله قاضي حلب ع 7 س في سوييقة على بحلب (1201) حامده قادين بنت مصطفى آغا كوجك- ع 5 ذ فق مح ساحة بزه (1201) نفيسه بنت عبد الله ع 7 ذ فمجرى ماء ج شرف فق الشابوره في الهزازه (1201) المذكوره كسابقه (1201) عبد الله بن عبد القادر الجابري ذ فجهات مذكورة في وقف أبيهما (1201) مصطفى بن خضر بن محمد ع 7 ذ فق الطريقة العقيلية (1201) آمنة بنت الحاج موسى ع 7 في ج والدها وغيره.
را 1201 را 1202 (1201) فاطمه بنت إبراهيم الغوري ع 7 ذ وخ فملحق بوقف الغوري (1201) أحمد بن قاسم الخطيب ع 7 ذ فملحق بوقفه المؤرخ في 1183 (1201) زمزم بنت إبراهيم الغوري ع 7 ذ فحن فق حلب.
(1202) أحمد بن سليمان ع 7 خانقاه الناصري في محلة الفرافره فق المح (1202) ياسين بن عبد الله التوتنجي ع 7 ذ فتك النسيمي فق الفرافره.
را 1201 ر 1203 (1201) آمنة بنت الحاج عبد القادر قابل ع 6 خ في خانقاه الفرافره وغيرها (1201) عائشة بنت أبي بكر غنام ع 7 فج الفستقية في مح العقبة فق المح (1201) عبد القادر بن حسن الحموي ع 6 ذ فج النوري في مح البياضة فق المح (1201) أحمد ابن أبي بكر الجوربجي وأخوه وأخته محمد وعفيفه- ع 6 قراء (1202) فاطمه بنت ناصر العثماني المذكورة- ع 7 فحن فق حلب (1202) المذكورة ع 7 ذ وخ في ج الكبير وغيره (1202) نفيسة بنت عبد الله ع 7 فج ذ شرف (1203) عمر السراج بن سليمان الكلسي ع 7 ذ فج شرف فق المح.
ص 1202 محرم 1204 (1202) محمد بن أحمد عربي كاتبي ع 6 فج الكبير فق مح سويقة حاتم (1202) خليل ابن أبي بكر العزازي ع 7 إمام ج الحرامي ومؤذنه وخادمه ومتوليه (1203) علي(2/450)
ابن مراد بن علي الأشقر ع 7 خ وج قارلق (1203) مصطفى بن يوسف سعاد ع 7 خ في ج الكبير بقلعة حلب.
ربيع الثاني 1204 ربيع الأول 1205 (1204) آمنة بنت عبد الجواد الكيالي ع 7 خ وذ فوقف الحارة.
(1205) فاطمه بنت مصطفى عطاء الله ع 7 م الشيخ صالح الكيلاني خارج باب النصر (1205) أحمد بن أحمد السردار ع 7 تك الشيخ أحمد البراقي فق مح الشيخ براق (1205) خديجه بنت عبد الله ع 7 ذ فم الكختلي في باب قنسرين فق المح (1205) المذكور ذ فج الكبير فق مح سويقة حاتم.
ر 1203 را 1206 (1203) صالح بن حسين ع 7 طريق ماء ط رجب باشا في مح القصيلة فم البشرى في المح فق (1204) الشيخ علي وإسحاق ابنا عبد الجواد الكيالي ع 5 زاويتهم (1204) محمد بن مصطفى بك كنج علي باشا- ع 7 م الأعجام وم القصيلة وتربي الواقف خارج باب المقام بحلب.
ربيع الثاني 1205 ربيع الثاني 1206 (1206) محمد بن عمر الرفاعي ع 7 ذ فم الأكراد (1206) فاطمه بنت حجازي غنام ع 6 خ في مقام الأربعين في ذيل العقبه.
شوال 1203 ر 1206 (1204) أحمد بن عثمان ع 7 ذ فتك النسيمي فج الزينبية فق مح الفرافره (1203) منصور بن مصطفى القادري ع 5 خ هي المنصورية (1203) أحمد بن عمر ع 5 ذ فزا الصالحية فق المح (1203) عفيفه بنت أحمد آغا ع 7 خ فق حلب (1203) آمنة بنت عبد الله ع 7 ذ فق حلب (1203) صفيه بنت عبد القادر ع 5 خ حن وحلب (1206) لوسيه بنت خجادور ع 7 كنيسة برباره بجبل كسروان فق الدير فق أرمن حلب (1200) علي بن مصطفى بن عبد الله ع 7 ذ فق حلب- (1200)(2/451)
جرجس ولد إلياس ع 7 كنيسة الموارنة بحلب فق الطائفة- (1200) فرج الله ولد إلياس ع 7 كنيسة الموارنة فق الطائفة.
محرم 1204 رجب 1207 (1204) يوسف بن مصطفى عربي كاتبي ع 7 خ في زا الهلالية.
(1204) المذكور ع 7 في س ملاصق ج التوبة (1204) المذكور خ في ج الكبير وغيره (1204) عبد القادر أبلق بن حسن إقبال ع 6 ج الشيخ داود بمح المعادي (1204) خديجه بنت علي ع 7 خ (1204) سلمه بنت محمد الموصلي ع- 5 ذ فحن فق المح (1204) حسن الصباغ بن محمد المغايري ع 7 ذ فحن (1204) خديجه بنت محمد الصوفي ع 7 خ (1204) عبد القادر بن عبد الوهاب شريف ع 7 ذ وخ (1207) عثمان باشا ابن أبي بكر آغا ر- 7 مزار أخته في ج أرمناز وج المذكور (1207) أسما بنت حسن الزيات ع 7 م الفرا بمج الألمه جي (1207) أحمد آغا درويش ر 5 ج السلطان سليمان في قصبة بيلان (1207) عايشه بنت حسن بن رمضان ع 7 ذ فالخانقاه الناصرية فق مح سويقة علي.
ر 1207 را 1208 (1207) حسن بن عبد الرحيم خطيب وإمام جامع شرف- ع 7 ذ وخ في زا العقيلية (1207) صالح بن أحمد النقانقي ع 7 إمام ج العثمانية فذريته فم خير الله فق (1207) المذكور ذ فم السلمانية في السوق الصغير فق مح البساتنه (1208) آمنة بنت عبد القادر النشار ع 5 زا الحلوية في المصابن فق.
را 1208 شوال منها (1208) أحمد بن رجب المعراوي ع 7 خليفة القادرية فزا الصالحية.
(1208) خديجه بنت يوسف العثماني ع 5 خ وحن وط بمح جب أسد الله وخانقاه الجلوم والحبس فيلحق بوقف الحاج موسى.(2/452)
شوال 1208 شعبان 1209 (1209) كريمه بنت إبراهيم ع 7 خ في م الفرا فق المح (1209) شريفه بنت عبد الرحيم الحبال ع 7 ذ فق (1209) المذكوره كسابقه.
(1209) عمر بن عبد القادر قديد أله جاتي- ع 7 ذ فزا العقيلية.
شعبان 1209 را 1210 (1209) عمر بن عبد القادر أله جاتي ع 7 فزا العقيلية فق (1209) إسماعيل ابن محمد مواهب ع 7 خلفاء المواهبيه فملحق بوقف حوا بنت عمر- (1210) مريم بنت حنا بنا ع 7 دير مار حنا بجبل كسروان فق طائفة الروم (1210) عطاء الله بن محمد عطاء الله عر- ذ فم مح جب أسد الله وباب قنسرين فق (1210) زمزم بنت يحيى بك ع 6 م خير الله بمح الأكراد.
صفر 1206 محرم 1210 (1206) خديجة بنت عقيل ع 7 خ في زا الأنجق بمح ألمه جي.
(1206) محمد علي وأحمد ابنا هاشم الأغيورلي الألاجاتي ع 7 خ.
(1207) عفيفه بنت حجازي غنام ع 7 ذ وخ فقناة حلب فحن فق.
(1208) مريم بنت ناصر الدين ع 7 ج عبد الرحيم في الكلاسه فحن فق (1208) عبد القادر بن ملا مصطفى ع 5 خ في الحجازية بج الكبير.
ر 1210 را 1211 (1210) عايشه بنت الحاج ياسين ع 7 ذ فق المح (1211) عبد الرحمن بن محمد الموقت ع 7 خ في ج أوغليبك فأقرب ج إليه.
رجب 1207 صفر 1211 (1207) إبراهيم بن وليد قاسم ع 7 ذ فإمام ج عبد الرحيم بالكلاسه.
(1208) زمزم بنت الشيخ محمد أفندي عر- 6 ذ فالثلث لم إعرابي والثلثان لج الحدادين فحن (1207) يوسف آغا بن محمد عرب كاتبي- ع 5 زا العقيلية وخ(2/453)
في ج الكبير وغيره (1208) المذكور زا الهلالية فق المحلة (1209) عبد الرحيم بن عبد الوهاب الحمصي ع 4 مقام عبد الرحمن بن عون فق حن (1207) عفيفه بنت يوسف السرميني ع 7 ذ فق البيمارستان النوري في الجلوم الكبرى فق المج.
(1207) شرف بنت مصطفى الطيبي ع 7 م سعد الله في مح الشريعتلي.
ر 1211 شعبان 1212 (1212) إبراهيم وعبد القادر ابنا حسن الشامي- ع 7 خ (1211) شريف ابن حسن البابي ع 7 م بنى البابي في مح الماوردي (1212) خديجه بنت عمر النقانقي ع 7 ملحق بوقفها تاريخ 1211 (1212) حنيفة بنت عبد الله معتقة محمد آغا حنكاري ع 7 ذ ثم يلحق بوقف زينب تاريخ 1195.
صفر 1211 جا 1213 (1211) عبد القادر بن عبد الوهاب شريف ع 7 ذ فم ملاصق دار العمادي في الفرافره فق المح (1211) رقية بنت أمين القنواتي ع 7 ذ فج الميداني فق مح الألماجي (1212) علي بن ياسين صرماياتي ع 7 خ في دكان الواقف في الجراكسيه وس في الدكان فج شمعون فحن فق الدباغة العتيقة (1212) علي بن إبراهيم المشهدي ع 7 ذ فزا الشيخ سعد في مح الشريعتلي فق المح (1212) عطاء الله بن الدرويش عر 3 ذ فتك الشيخ أبي بكر فق باب قنسرين (1212) محمد بن عبد القادر قيسون ع 7 ذ فزا عمر آغا في شابورة الأكراد فحن فق مح الشريعتلي.
(1212) آمنة بنت صالح الجوبي ع 7 الهلالية فحن فق مح الجلوم (1212) فاطمه بنت محمد المداري ع 5 ذ وخ في س بحسيتا.
(1212) عايشه بنت عمر البنى ع 7 د فط السردار في مح جب أسد الله قرب خان الحرير بحلب فق المح.
محرم 1210 محرم 1213 (1212) أحمد بن إبراهيم خطاب ع 7 جب في مح تلعران فم ونس في هذه المح.(2/454)
ج 1213 ذي الحجة 1214 (1213) خديجه بنت محمد علوش ع 7 ذ فزا الهلالية فحن فق مح باب النيرب.
ربيع الثاني 1214 شوال 1215 (1214) طيبه بنت ياسين الصابوني ع 7 زا الأنجق فق مح الأبراج.
(1215) رحمه بنت حسين رمضان ع 7 فق خانقاه الناصري فج سيجر.
شوال 1212 ر 1214 (1212) جبرائيل ولد إلياس كنيدر ع 7 ق كنيسة الموارنة بحلب فق الطائفة (1214) آمنة وفاطمه بنات صالح نعمه ع 7 تك أبي ذر في الجبيله فق المح.
جا 1210 1215 (1210) عطاء الله الجابي ابن محمد ع 7 ج العمري في القصيلة.
(1210) محمد بن بكري الشيخه وعايشه ع 7 جب ساحة حمد فق.
(1214) آمنة بنت الحاج أرسلان ع 7 م ط المشط.
شعبان 1213 ج 1216 (1214) زينب بنت سعيد ع 7 خ (1215) عثمان بن مصطفى صيرفي ع 7 ذ فج أغاجه بك فق المح (1216) زمزم بنت ياسين ع 7 ذ فج الطون بغا (1216) مصطفى بن محمد ع 7 ذ فحن فق جب أسد الله (1216) موسى بن عبد القادر كنعان ع 7 خ.
ر 1217 رمضان منها (1217) عمر الخفاف بن عبد الله ع 7 ذ فمد الأحمدية فق الجلوم.
(1217) شرف بنت علي بن منصور ع 5 ذ فمد الأشرفية.(2/455)
شوال 1217 را 1218 (1217) عبد الرزاق بن عبد الله جعاره ر 7 ج بنقوسا وج حمام الغزل فق المح- (1218) إبراهيم بن محمد الخانجي ع 5 ذ وخ فق حد فق مج سويقة حاتم (1218) زينب بنت محمد الزنابيلي ع 7 وقف زوجها إبراهيم الخانجي (1218) أحمد ابن محمد الخانجي ع 7 ذ فق حد فق مح سويقة حاتم.
ربيع الثاني 1218 محرم 1219 (1218) نفيسه بنت محمد بن مصطفى البنى ع 5 ذ وخ في الحجازية فحن فق (1218) عاشور بن عابدين ع 7 ج السخانه فق المح.
(1218) المذكور ع 7 ذ فج التوبة خارج باب النيرب (1218) محمد بن أحمد ابن جعفر ع 7 خ وس مح صاجليخان فق (1218) عايشه بنت أبي بكر غنام ع 7 ذ فحن فق مح جب أسد الله (1218) محمد بن محمد الخيمي ع 7 ذ فس في زقاق المزوق فج ساحة الملح فق.
(1218) عاقلة بنت أحمد أفندي كواكبي ع 7 ذ فج أبي يحيى في الجلوم فق المح- (1218) برباره بنت بطرس فانوس ع 7 دير الأرمن الكاثوليك في جبل كسروان فق الطائفة- (1218) تريزيه بنت جرجس ع 7 دير الزمار في جبل كسروان فق الطائفة.
ربيع الثاني 1218 جمادى الأولى 1219 (1219) أمة الله بنت أمين ع 7 م في الجلوم فق المح (1225) مكيه بنت محمد آغا والي ع 7 م حيدر في مح الأبراج.
ربيع الثاني 1219 شوال منها (1219) حسن دهده شيخ تكية بابا بيرم ع 5 تكية بابا بيرم وله وقف آخر.
ربيع الأول 1215 صفر 1219 (1215) أنطون ولد جرجس قنديل ع 7 كنيسة زمار في جبل كسروان فق أرمن(2/456)
حلب (1215) حسن بن محفوظ ع 7 س ط البقره وم الغندوره في قلعة الشريف (1215) عايشه بنت أحمد ع 7 س قرية بابلي وجامعها فق القرية (1216) أبو بكر ابن عبد الله ميري ع 7 خ في أوطة الواقف بمح باب قنسرين (1219) فاطمه بنت إسماعيل أسود ع 7 ذ وخ (1219) فاطمه بنت مصطفى بطحيش ع 7 حن فق المح.
ربيع الثاني 1219 ذي الحجة 1220 (1220) صفيه بنت يوسف الصابوني ذ تك المنصوريه في الفرافره.
(1220) فاطمه بنت عطاء الله الجابي ع 6 تك بابا بيرم (1220) سالمه بنت مصطفى الزبيدي ر 7 زا الهلالية (1220) محمد بن عبد العزيز عزو ع 7 ذ وخ فق المسلمين.
ذي القعده 1220 جمادى الأولى 1221 (1221) مروم بنت عمر أفندي طه زاده ع 5 قراء في مدفن والدها (1221) زليخا بنت صادق طه زاده ع 6 ذ وخ (1221) عبد الرحمن آغا خنكارلي ع 6 ذ وخ (1221) محمد بن أحمد جزماتي ر 7 ذ فق الحرمين فق مح سويقة حاتم بحلب (1221) آمنة بنت أحمد الجزماتي ع 7 قراء في س الجزماتي وق حن فق سويقة حاتم (1221) مصطفى بن أحمد الجزماتي ر 7 قراء في س الجزماتي فق حن فق المح.
ربيع الثاني 1221 شعبان منها (1221) إسبير بنت عبد الله ع 7 ذ فحن.
رجب 1221 جمادى الثانية 1222 (1221) رقيه بنت الحاج عبد الرحمن ع 7 الشيخ عبد الرحمن العقيلي وذريته فط المغربلية فق زقاق ابن مشط (1222) محمد بن مصطفى المعصراني ع 7 قراء في ج بنقوسا (1221) الشيخ هاشم بن يوسف ع 4 ذ فقراء في ج الحاج موسى فق (1222) فاطمه بنت عبد الواحد أمير زاده ع 5 ذ ومصالح زا النسيمي فق حلب (1222) عايشه بنت عبد الرحمن شراباتي ع 7 ذوم خير الله في مح الأكراد فق المح (1222) إبراهيم(2/457)
ابن خضر الكامجي ع 7 قراء فج بنقوسا فق مح ابن نصير (1222) صفيه بنت إبراهيم ع 7 شيخ العقيلية بحلب فق حلب (1222) صالحه بنت محمد ع 7 شيخ زا سعد اليماني فج المشاطية فق المح (1222) طوبي بنت عبد الله ع 5 زا النسيمي فق المسلمين.
ذي الحجة 1222 منه (1222) آمنة بنت مصطفى جريك ع 7 ج التوبة فق المح (1222) آمنة بنت محمد فرحات ع 7 ج آسن بك في قارلق وج الأحمدي في الدلالين فق المح (1222) خديجه بنت إبراهيم آغا ع 7 ج مج بنقوسا وج الحدادين فق المح.
ذي الحجة 1222 رجب 1223 (1222) شرف بنت الحاج عمر جراب ع 7 مد الطرنطائية فجامعها فق المح (1223) محمد بن حسن السعديه ع 7 خ وزا السعدية وطريق مائها (1223) صفية بنت محمد البنى ع 7 خ (1223) عايشه بنت عبد اللطيف وغزاله بنت طه ع 7 ج التوبة فق المج (1223) آمنة بنت محمد ع 7 خ في ج التوبة فق المح (1223) زينب بنت بكر آغا يكن ع 5 خ في دار الواقفة.
ذي القعدة 1219 جمادى الثانية 1223 (1220) حجازي بن عبد الباقي الإدلبي ع 6 ذ وخ في ج الطواشي قق حن (1228) عبد الرزاق بن عبد الله حوكان ع 7 ذ فج بانقوسا فق المح.
ذي الحجة 1220 محرم 1223 (1221) علي بن إبراهيم المشهدي ذ فم زا الأنجق بمح ألماجي قط الحرامي (1222) محمد طالب مكناس عيد ع 7 زا الفرا فمسجده فق المح (1222) عبد الرزاق بن خضور ع 7 ق مح الهزازه (1222) مصطفى بن عبد الرحمن أبري ع 7 ذ وخ في خانقاه الناصرية فق المح (1222) صالحه بنت محمد بازرباشي ع 7 ذ فخ وج ط الحرامي وج الكبير في بنقوسا فق مح الماجي (1222) فاطمه بنت قاسم ع 6 ذ وخ في ج ط الحرامي (1222) زليخا بنت أمين الحفار ع 7 ذ فق مح الشيباني (1222) آمنة بنت محمد ع 7 ذ فس الحاج عمر الطباخ فم أبي ذر فق المح وخ.(2/458)
(1222) زليخا بنت أمين الحفار ع 7 ذ فمد أبي ذر فق المح وخ.
(1222) زمزم بنت يوسف ع 6 تك المولوية فق مح المصابن.
(1222) عايشه بنت عبد القادر الغزولى ع 7 ذ فق مح سويقة حاتم وخ- (1222) المذكوره كسابقه (1222) آمنة بنت عبد الوهاب الشيخ سعد ع 7 زا الهلالية فج التوبة فق مح الواقف (1222) بمحمد بن بكري الحبال ع 7 ج عبد الرحيم وج المغاير الفوقاني فق المح (1222) أحمد الدرويش الخروجي ع 7 ذ فم الدباغة العتيقة فق (1222) زليخا بنت عبد الله زين الدين ر 7 ج قرية بابلي وط القرية وفقرائها (1222) طه بن عبد الله اليسقى ع 7 ذ فج قسطل بن مشط فحن فق.
شعبان 1123 رجب 1224 (1223) طيبه بنت أحمد الشامي ع 7 ج سليمان بمح صاجليخان الفوقاني فق المح (1223) عمر الحبال بن يحيى عر 5 ذ وج المغاير فق المح.
رمضان 1225 رجب 1228 (1223) محمد بن باكير بن جمعه آغا ع 7 س الواقف بمح ساحة بزه.
(1228) نفيسه بنت أحمد موصليه ع 7 ذ فج بلبان.
محرم 1219 شعبان 1224 (1219) عايشه بنت أسعد ع 7 ذ فج الموازيني بساحة بزه فق المح.
(1219) طه بن عثمان العقاد وزوجته فاطمه ع 4 ذ فمرقد زكريا وبلوقيا وج بزه فحن- (1221) المذكوره صهريج مح المغازله (1221) عبد الرزاق بن عثمان ملحيس ع 5 ذ فج الميداني فق المسلمين (1218) إبراهيم بن عبد القادر أمير زاده ع 7 ذ فج الحاج موسى (1076) بوينى أكرى محمد باشا الصدر الأسبق ع 3 ذ فخ في ج الكبير.
رجب 1224 صفر 1225 (1224) حسن ده ده بن عمر ع 7 تك بابا بيرم (1224) فاطمه بنت قاسم(2/459)
ع 6 في م المصلي في بنقوسا وغيره- (1224) نصر الله ولد أنطون حوا ع 7 كنيسة الموارنه فق الطائفة- (1224) حنا ولد إلياس كنادر كسابقه- (1224) يوسف ولد عبد الله الفجال كسابقه.
(1224) جرمانوس ولد أنطون حوا كسابقه- (1224) حنا ولد جبور فراري كسابقه- (1224) مريم بنت بشاره الطرابلسي كسابقه (1225) نائله بنت مصطفى المهردار ع 5 خ (1225) عبد الرحمن بن.... ع 5 خ (1224) محمد شريف الحريري ع 7 ج شرف فق الحسين.
ربيع الأول 1225 رجب 1225 (1225) فاطمه بنت ياسين آغا الدرويش ع 7 تك النسيمي فق المح.
(1224) عفيفه بنت قاسم الجبريني ع 7 ذ فج ألماجي فحن فق المح.
(1225) طيبه بنت حسن بن أحمد ع 7 ط السليمانية فمسجدها فق المح (1225) ياسين بن عبد الله الإدلبي ع 5 ذ فج بنقوسا فق مح خان السبيل.
شعبان 1223 صفر 1225 (1223) مصطفى بن يوسف الزيتوني ع 4 فج مح النوحيه وج الزيتون وج الميداني فق مح النوحيه ومح الزيتون (1223) عبد الفتاح بن يوسف الدهنه ع 7 خ (1225) محمد بن حسن السرميني ع 7 خ في زا الهلالية فج العمري بالجلوم.
محرم 1223 شعبان 1225 (1223) عايشة بنت الحريتاني ع 7 ذ فزا الشيخ جاكير بمح الشريعتلي فق المح- (1224) يوسف بن جرجس ع 7 دير الزمار بجبل كسروان فق الأرمن بحلب- (1224) عبد القادر بن عيسى الغزال ع 7 ج بانقوسا وج الحدادين فق الشميصاتية (1224) صالحه بنت عبد الله ع 7 ذ فم الشيخ صالح بساحة الجمال فزا الأنجق فق (1225) عايشه بنت محمد المحضر ع 7 زا الهلالية وج عبد الرحيم في الكلاسه وزا العقيلية فق.(2/460)
شوال 1225 محرم 1226 (1225) أسما بنت علي باشا ر 7 ذ فق الحن فق مح الفرافره (1225) مريم بنت علي بن سليمان ع 7 خ في ج قاضي عسكر (1226) شرف بنت أحمد بن صالح ع 7 خ في م صاجليخان.
شعبان 1226 جمادى الأولى 1226 (1226) قاسم بن علي فنصه ع 2 ذ فج البهراميه فق الجلوم وزا الهلالية.
ربيع الثاني 1226 رجب منها (1226) طه بن عثمان السجان ع 4 ذ وخ في م المغازله ثم يلحق بوقفه تاريخ 1219 (1226) المذكور ع 5 كسابقه (1226) محمد بن عبد الرزاق ع 7 ذ وخ في م الفرا فق المح (1226) المذكور كسابقه.
(1226) كاترينا وأختها بنات يوسف دياب ع 4 فقراء كنيسة الموارنة فق حلب.
شوال 1226 صفر 1227 (1185) منور ومرمره بنتا حسن جلبي بش قبة بمح جب أسد الله فحن (1226) عايشه بنت طه النقانقي ع 7 خ وتعمير طريق ماء ج الزكي (1217) عايشه بنت محمد الجهجاه ع 7 خ (1226) أحمد بن علي بن صالح ر 7 ذ وخ فج الألماجي فحن (1137) طاهر بن علي بن سعيد ر 6 ج السفاح.
جمادى الثانية 1227 ذي الحجة منها (1227) الحجه خضره بنت محمد علي ناصر ع 7 إمام ج السخانه فق المح (1227) المذكوره ع 7 إمام ج التوبة فق مج خارج باب (1227) خديجه بنت عمر خانطوماني ع 7 ذ فج الكبير فقناة حلب فق مح المصابن (1227) فاطمه بنت حسين الحكيم ع 7 ذ فج بردبك فق مح البساتنه (1227) سعيد ابن أبي بكر المسلاتي عر 5 ذ مج بنقوسا (1227) فاطمه بنت الحاج محمد ر 7 ذ فج بنقوسا فق مح بنقوسا.(2/461)
ذي القعده 1227 ربيع الثاني 1228 (1151) زينب بنت أحمد ابن الكوراني عر 5 ذ فج الرومي في مح باب قنسرين فق حلب.
ربيع الأول 1228 جمادى الثانية منها (1228) محمد عارف بن عبد القادر الجابري ع 6 خ في زا النسيمي فق مح الفرافره (1228) فاطمه بنت قاسم الجندي ع 7 ذ فزا الشيخ عبد الجواد الكيالي فق المح.
رجب 1229 جمادى الثانية منها (1229) عبد الكريم بن وزان الحرير ع 4 ذ وخ فحن وج زكريا وج بلوقيا (1229) محمد بن أحمد القحطاني ع 7 ذ وج سيتا والعمري فالجامعين فق المح (1229) فاطمه بنت أحمد ع 7 ذ فم عفان بمح محمد بك فق المح (1229) زينب بنت أحمد ع 7 خ وجب م عفان فق المح.
(1229) روح الحياة ر 6 خ في ج قصبة دير كوش (1229) محمد بن حجازي ششمان ع 7 الشيخ قاسم بمحلة خرابخان فالسبيل.
(1229) المذكور ع 7 ج الميداني فط الملاصق له (1229) المذكور ع 7 ج السليمانية فق المح (1229) المذكور ع 7 ج الحدادين فط الأقرب فق المح (1229) مريم بنت حسين ع 7 خ فيج الفرا.
(1229) موسى بن حمزه الحلاق ع 7 س دلى محمود فج الحدادين فق (1229) مصطفى بن علي ع 7 ج خاص بك فق المح (1229) محمد بن الحلوي ورفقاه ع 7 ذ فزا الحلوية فحن فق المح (1229) المذكور كسابقه (1229) المذكور كسابقه (1229) أحمد القصيري بن إسماعيل ع 7 زا الهلالية فق الجلوم (1229) فاطمه بنت عمر ع 7 ج خاص بك فط الأقرب (1229) مصطفى بن عبد الرحمن أبري ع 7 خ (1229) المذكور ذ فق خانقاه الناصرية فق المح (1229) عبد القادر بن مصطفى الجابري ر 7 بابلي وهو ط عصمت بك وج القرية- (1229) المذكور مدرسة الرضائية وخ فيها فق حلب.(2/462)
رجب 1229 صفر 1230 (1229) مريم بنت محمد الزنابيلي ع 7 ذ وخ فج ألماجي فحن فق المح.
(1229) حليمه بنت بنبر ع 7 م مقر الأنبياء بمح الضوضو فق المح.
(1230) فاطمه بنت عبد الله عزو ع 7 خ (1230) عايشه ع 5 كسابقه.
محرم 1230 شعبان منها (1230) نعوم بن أنطون غضبان ع 4 دير جبل كسروان فق الروم بحلب (1230) آسيا بنت عبد الله الدباغ ع 6 ذ وخ في ج الحاج موسى فق ذرية الحاج موسى فق حلب (1230) زبيده بنت أبي بكر يكن ع 7 ج الرضائية- (1230) حسيده بنت كسبار ع 7 فق الأرمن بدير الزمار فق الأرمن- (1030) أندراوس ولد حنا كسابقه (1230) علي بن ياسين صلاح الدين ع 7 س في الجديده متصل بقاسارية الشمالي فق بحسيتا.
صفر 1231 جمادى الثانية منها (1231) القس يوسف ولد جربوع ع 7 كنيسة السريان بحلب.
(1231) مريم بنت جرجس التركماني (الموقوف جرخ) على دير الزمار فق الأرمن- (1231) حنا بنت بطرس سمعان كسابقه.
(1231) صالحه بنت عبد القادر ع 7 ج بنقوسا فق الشميصاتيه.
(1231) عبد القادر بن مصطفى شهبندر ع 7 ذ فج الزينبية فق البياضه (1231) آمنة بنت محمد ع 7 خطيب ج قارلق فق المح.
شعبان 1230 صفر 1231 (1230) الحاجه زمزم بنت الشيخ حسن ع 7 مصالح م سلامش العادلي في مح الفرايين فق- (1230) مريم بنت فرج الله نجم ع 7 ق ديري مار حنا بجبل كسروان فق الروم بحلب- (1230) كتر بنت إلياس قصاب كسابقه (1231) قاسم بن علي فنصه ع 7 ذ فج بهرام باشا فق مح الجلوم.(2/463)
رجب 1231 محرم 1232 (1231) سيده بنت عبد العزيز ع 7 ق كنيسة السريان بحلب.
(1231) عايشه بنت الجبوقجي ع 6 ذ فق ذرية الحاج موسى.
محرم 1232 جمادى الأولى منها (1232) عايشه بنت عبد الله عبد الحي ع 7 فم خير الله بمح الأكراد.
(1232) رجب بن عبد الله الضابط ع 7 ذ فرا النسيمي (1232) مصطفى إبراهيم كوجك ع 7 تك النسيمي- (1232) مريم بنت توما أعرج ع 7 نصارى الروم بحلب.
صفر 1233 جمادى الثانية منها (1233) ياسين بن حسين الكتبجي ع 7 ج سيتا فق المح (1232) عبد الرحمن بن الحريري ع 7 خ في زا العقيلية وج في الجديده (1233) مصطفى بن محمد سعيد آغا ع 5 ذ فز دوقه كين فق مح ساحة بزه وخ.
(1233) دير كيورك ولد دير مار كار ع 7 ق كنيسة الأرمن بحلب (1233) عايشه بنت علي حجازي ع 7 خ في ج بزى فق المح.
رجب 1232 صفر 1233 (1230) الشيخ إبراهيم الهلالي ع 7 زا الهلالية فق مح البستان بحلب.
رجب 1233 محرم 1234 (1233) مصطفى بن صادق نوايى ع 7 خ في ج الكبير فق المسلمين.
(1233) فاطمه بنت مصطفى ع 7 ذ فق الحن فق جقوجق.
(1233) فاطمه بنت مصطفى العبه جي ع 7 خ في ج مح الأكراد وج المشاطيه فق المح.(2/464)
رجب 1234 شوال 1234 (1234) عايشه بنت عبد الله عزو ع 7 خ في زا خير الله بمح الأكراد فاحدم المح (1234) شرف بنت أحمد الشربجي ع 7 ج البكره جي.
(1234) كسابقه ج السليمانية بالضوضو فق المح (1234) فاطمه بنت عبد القادر فنيش ع 7 جب قرمان فق المح (1234) كسابقه ج البكره جي.
(1235) آمنة بن عبد القادر فتحي ع 7 م الأيوبية بمح البلاط.
(1235) برباره بنت جرجس أستاد ع 7 كنيسة السريان بحلب.
جمادى الثانية 1236 (1236) شروف بنت مصطفى الجابري ع 5 ذ فق مح المصابن.
شوال 1235 جمادى الثانية 1236 (1236) خديجه بنت محمد بن محمد ع 7 ذ فج أوغليبك.
محرم 1237 جمادى الثانية منها (1237) شرف بنت محمد بن حسين ورفقاه ع 7 زا الشيخ يوسف القرلقي (1237) فاطمه بنت مصطفى الحمصاني ع 4 ذ فج بانقوسا.
(1237) أحمد بن مصطفى المعصراني ع 7 ذ وخ فج الكبير في بانقوسا.
شعبان 1240 رجب منها (1240) إسماعيل آغا بن عبد الرحمن شريف ع 3 ذ وخ في ج القرناصيه فج الكبير (1240) محمد بن مشمشان ع 7 خ وس تجاه ج الحيات وزا المنصورية (1240) يوسف بن مصطفى الشعال ع 7 ج الحدادين في بنقوسا فحن فق.
رمضان 1240 ربيع الثاني 1241 (1240) صالحه بنت رسلان ورفقاها ع 7 ذ فج الميداني (1240) إسماعيل بن(2/465)
عبد الرحمن شريف ع 7 خ في القرناصيه ثم يلحق بالوقف السابق.
رمضان 1242 محرم 1243 (1242) مريم بنت كسبار نرسيس ع 7 كنيسة الأرمن بحلب.
(1242) آمنة بنت صالح البويضاتي ع 7 ج بنقوسا وج الحدادين فق مح بنقوسا (1242) إسماعيل بن عبد الرحمن شريف ع 5 ملحق بأوقافه (1243) أحمد بن علي الشلهومي ع 6 ذ فزا العقيلية فحن فق (1242) حسن بن خليل المعري ع 5 ذ فزا الهلالية وزا الصالحية فق المسلمين (1242) بكري بن إبراهيم الشربجي ع 7 ج الكبير فحن فق حلب (1242) علي بن مصطفى بن محمد ع 7 ذ فج ط الزيتون فق المح (1242) رقيه بنت أحمد الزيك ع 7 إمام ج ط الحرامي فحن (1242) مصطفى ابن طه الدلال باشي وأخته أسما ع 7 م النوري بمح الفرافره فحن فق (1242) عمر ابن عبد الرحمن ملحيس كسابقه.
محرم 1243 جمادى الأول منها (1243) شرف بنت عبد اللطيف هيكل ع 7 في دار الواقف وغيرها (1243) إسماعيل بن إسماعيل المرعشي ع 7 ذ وم اليروه بمح الفرافره فق خان السبيل.
شعبان 1244 ذي الحجة منها (1244) حنا السيوفي ع 7 كنيسة الأرمن بحلب (1244) أحمد بك ابن إبراهيم باشا ع 6 سبيله في جادة باب المقام.
رجب 1245 صفر 1246 (1245) عايشه بنت يحيى العلاك ع 7 ج العريان فق (1246) آسيا بنت محمد زينو ع 7 ذ فج الميداني فق المح- (1246) مريم بنت جبرا نحاس ع 7 دير السريان الكاثوليك بجبل كسروان فق الطائفة بحلب- (1246) مرغريتا بنت نعمة الله بلدي ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1246) أنطون ولد يوسف باسيل ع 7 كسابقه.(2/466)
(1246) أمرتا بنت نعمه شعراوي كسابقه- (1246) نصري ولد عبد الله وأخوه كسابقه (1246) عايشه بنت محمد على المنلا ع 7 زا الشيخ سعد اليماني فج المشاطيه فحن- (1246) وأنيس ولد أوهان السيوفي ع 7 كنيسة الأرمن بحلب (1246) عبد الوهاب بن عبد الرحمن ع 7 ميضأة سوق الطيبيه فتك الصالحيه.
صفر 1248 جمادى الثانية منها (1248) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 إمام م الشيخ على الهندي فق مح داخل باب النصر (1248) شرف بنت محمد القليعة ع 7 ج المشاطيه وشيخ القادرية فيه وس بمح الزبالين فق مح المشاطيه.
(1248) مريم بنت خليل أشكجي ع 5 ذ فج عثمان باشا ومد الشعبانية وم في الفرافره فق المح (1248) شرف بنت محمد القليعة ع 7 ج المشاطيه وشيخ القادرية فيه وس بمح الزبالين فق مح المشاطيه.
(1248) مريم بنت خليل أشكجي ع 5 ذ فج عثمان باشا ومد الشعبانية وم في الفرافره فق المح (1248) فاطمه والحاجه نائله بنتا أحمد آغا شريف ع 5 م الشيخ علي الهندي فيلحق بوقف إسماعيل شريف.
(1248) آمنة بنت أحمد ع 7 ج البلاط وهو وقف ثبت ضمن دعوى (1248) عفيفه بنت مصطفى ع 7 شيخ تك الصالحيه.
(1248) ميخائيل ولد أنطون مشتى ع 7 ق كنيسة الموارنه فق النصارى.
ذي القعدة 1248 شوال 1249 (1248) إبراهيم بن عبد الله السياف عر 3 ذ وخ في مد السيافية فق.
(1248) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 م الشيخ علي الهندي.
(1249) صوفيا بنت يوسف حكيم ع 7 ق الموارنه بحلب.
(1249) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ملحق بوقفها السابق.
(1249) المذكوره كسابقه- (1249) أنطون ولد جرجس ع 7 ق السريان- (1249) حسيده بنت فرج الله كسابقه- (1249) المذكوره كسابقه- (1249) يوسف وأخته غره ابنا أنطون طارو ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب.(2/467)
شوال 1249 جمادى الثانية 1250 (1249) آمنة بنت بنت عبد الرحمن شريف ع 7 م الشيخ علي الهندي فق المح (1249) عبد الكريم بن هاشم البغدادي ع 3 خ على قبر الواقف في دمشق وفي المدينة المنورة (1250) محمد زين بن عمر عباس وأخوه ع 7 م علم الشرق فق حلب (1250) شريف بن ياسين ع 7 ج العمري خارج سوق الجنان وس ملاصق للدكان الموقوفة فق (1250) إبراهيم آغا ابن عبد الله آالسياف ع 5 ذ فق حلب وخ في م طيلون (1250) جورجي بن يوسف بصال ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب (1250) نفيسه بنت حميده الموصلية ع 7 فج بلبان وخ في فق حلب (1250) المطران غريغوريوس ديمتري شاهيات ع 7 الروم الكاثوليك بحلب (1250) مرتا بنت قسطنطين فتال ع 7 جبل كسروان (1250) كتر بنت قسطنطين فتال كسابقه (1250) أنطون ولد جبره مارديني ع 7 ق السريان بحلب (1250) يوسف ولد يغيا أصلان وأخته مريم ع 7 ق الأرمن الكاثوليك- (1250) أنطون ولد يوسف باصيل ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1250) مريم بنت فرنسيس فقير ع 7 ق الأرمن الكاثوليك- (1250) سوسان بنت أنطون كسابقه.
(1250) أحمد بن عبد الله جابري ع 6 ذ وخ فحن فق جب أسد الله والمصابن- (1250) سيده بنت إليان عجاقه ع 7 السريان الكاثوليك بحلب (1250) محمد عارف بن عبد القادر جابري وزوجته نفيسه بنت عبد القادر باقي عر 5 ذ وس الواقف بمح الدباغة العتيقة وخ في ج الكبير فق حلب (1250) محمد بن أحمد ربيع ع 7 م د س باباجان في محله حمزه بك فق المح- (1250) مريم بنت حنا صباغ ع 7 ق السريان بحلب.
شوال 1252 جمادى الثانية 1253 (1252) سالمه بنت نصري صعب ع 7 ق الروم بحلب (1253) حامده بنت أحمد آغا القلعة ع 7 م الشيخ على داخل باب النصر فق.
(1253) فاطمه بنت عبد القادر قبا سفر ع 7 بابا جان بحمزه بك.
(1253) نفيسه بنت مصطفى نوايى ع 7 زا الأنجق في مح ألماجي فق المح(2/468)
(1253) علويه بنت أحمد ع 7 ج بزى فق المح (1253) أحمد بن مصطفى المصبني ورفقاه ع 7 زا القرلقي فج قارلق فج الحاج موسى فق المح (1253) مرعي وأخوه بن عمر الملاح ع 7 ج الحدادين فج بنقوسا فق المح 1253 كسابقه.
سنة 1255 (1255) صالح بن أحمد الصابوني ع 7 ذ فم الشيخ صالح الكيلاني بمح الطبله وم ابن مشط وقسطله وس دار الواقف بمح ط المشط فق المح (1255) محمد ياسين صفر ع 7 تك المولوية فحن- (1255) أنطون ولد جبرا عجور ورفقاه ع 7 ق نصارى الروم الكاثوليك بحلب.
(1255) يوسف ولد نعوم وكيل ع 7 كسابقه (1117) محمد بن حسن بن محمد الكلاسي ر 7 ذ فحن فق المح (1156) رحمه بنت عبد القادر بك عر 3 مدرستها في مح مستدام بك- (1255) سوسان بنت جبرا خياط ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب (1255) محمد بن حماده ع 7 م الشيخ دوغان بمح العينين فج العمري تجاه باب الجنان.
(1256) عايشه بنت محمد العلاك عر 7 ذ فج بنقوسا فق المسلمين.
(1256) عبد الرحمن بن إبراهيم خانجي ع 7 ذ فج الماجي فق مكه.
(1256) فتح الله ولد جرجي طباخ ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب- (1256) فتح الله ولد أنطون شعراوي ق الروم الكاثوليك بحلب.
(1256) محمد وفا بن محمد الرفاعي ع 7 ذ فتكية الشيخ شراب فتك الإخلاصية فم خير الله بمح الأكراد فق المحلة- (1256) سوسه بنت عبد الله غزاله ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب (1256) زبيده بنت إسماعيل ع 7 ج بندى.
صفر 1257 ربيع الأول 1258 (1257) مصطفى بن خليل رستم ع 7 ج الحاج عثمان قرب حمام رقبان فج المصلي في بنقوسا فق المح- (1257) غريغوروس ديمتري ع 7 ق الروم الكاثوليك(2/469)
(1257) عبد الرحمن بن عبد الله خادم الشيخ جاكير ع 7 ذ فزا الشيخ جاكير فق المح (1253) محمد الصباغ بن القلعه جي وأخوه ر 7 ج شرف فق المح.
رمضان 1258 ربيع الأول 1259 (1258) ترزيا بنت جرجس ع 7 ق السريان.
جمادى الثانية 1262 (1262) كتر بنت جبرا نقاش ع 6 ق الروم الكاثوليك بحلب.
ذي الحجة 1261 ربيع الأول 1262 (1262) المطران ديمتري ولد حنا ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب.
رجب 1263 ذي القعده 1263 (1263) محمد علي بن عبد القادر جركسي ع 7 خ- (1263) بطماز ولد شكري جروه ع 7 ق السريان (1263) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 ذ فق حلب- (1263) بطماز جروه ع 7 ق السريان بحلب (1263) حمزه المالكي الجعفري ر 7 مد الجعفرية في مح السويقة بحلب.
ذي القعدة 1263 رمضان 1264 (1264) وانيس وكركور ع 7 دير كسروان (1264) مصطفى بن محمد الشربجي ر 5 زا الكيالية فحن فق (1264) محمد أمين دده بن يوسف البوشي ع 6 تك المولوية بكلز فتك قونية- (1264) مريم بنت أبراهام خاراتي ع 7 الروم الكاثوليك- (1264) جرجس ولد أنطون حمصي كسابقه- (1264) خوري ولد توما كسابقه.
(1264) يوسف ولد نعمان كسابقه (1264) حميده بنت صالح العطري ع 4 ذ وخ وزا الكيالية (1264) عبد الرحمن بن محمد المحلول ع 7 م ميرو فق مح باب قسرين (1264) عبد القادر بن أحمد غنام الوكيل عن آمنة بنت عبد الرحمن آغا شريف(2/470)
ع 5 ذ فق حلب (1264) نفيسه بنت علي عويله ع 7 خ (1264) آمنة بنت صالح الغزال ع 7 ج الشيخ شاتيلا بالمعادي.
شعبان 1264 جمادى الثانية 1265 (1264) آمنة بنت محمد مخلوطه ع 6 ذ فج مقر الأنبياء فق مح الضوضو.
(1264) أسعد بن عبد القادر جابري ع 7 م نبي الله كالب فامين فتوى حلب (1265) خليل كامل باشا والي حلب ع 7 م كالب فق مح ساحة بزه (1265) علي بن خليل كامل باشا: الموقوف ثلاثة مصاحف على ج الحاج موسى ومدرسة الصلاحية ومدفن نبي الله كالب.
(1265) المذكور: الموقوف أربعة مصاحف في ج بنقوسا وم العمري (1265) المذكور الموقوف مصحف واحد في مدرسة السيافية (1265) مصطفى بن خليل كيلارجي وأخوه ع 7 خ (1264) عايشه بنت محمد المداري ر 5 ج الزكي وج المطعاني في الشماعين وج جلال الدين في القوانصه وج الجانبولاط في البندره فق (1265) أحمد عطا بك الطيار مدير مال حلب: الموقوف صحيح البخاري في ج الكبير (1264) حفصه وعاتكه بنتا حسين الجزماتي ع 7 ذ فس الجزماتي فزا الكيالية فحن فق المح (1265) أمين بن يوسف البوسني ر 7 ذ فتك المولوية بحلب فقونية فق المولوية (1265) نفيسه بنت ياسين صفر ر 5 ذ فكسابقه- (1265) القس أنطانيوس ولد نعوم التركماني ع 7 دير ميخائيل بكسروان فروم حلب (1265) صالح بن تاج الدين ع 6 ذ وخ في مكة والمدينة فحن فق (1265) عمر بن محمد العطار ع 6 ذ فج التوبه فق المح (1265) عايشه بنت عبد الله الحلاج ع 6 س في صليبة الجلوم وخ فيه فمد الإسماعيلية فق حلب (1264) حفصه وعايشه بنتا حسين الجزماتي ع 7 ذ فس الجزماتي فزا الكيالية فحن فق حلب (1265) خليل بن عبد الله الجابري ع 5 ذ وخ فالقساطل والمساجد المحتاجة.
جمادى الثانية 1265 ذي القعده 1266 (1265) نعوم ولد أنطون ورفقاه ع 7 طائفة السريان الكاثوليك بحلب (1266) إبراهيم بن محمود حريري ع 7 مكتب زا السعدية ومصالح مسجدها فق- (1266)(2/471)
سركيس ولد إصطفان ع 7 ق الأرمن في أنطاكية- (1266) تودوري ولد يوسف صباغ ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1266) ولد يوسف خياط كسابقه.
(1266) فاطمه بنت أحمد عيد ع 7 زا سعد اليماني فج المشاطيه فحن فق المح (1266) مصطفى بن علي التاتار ع 7 زا السعدية ومسجدها ومكتبها- (1266) يوسف ولد يوسف البراتلي ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1266) غره بنت أنطون أيوب ع 7 ذ فق الأرمن الكاثوليك- (1266) صبره بنت مخول ع 7 ذ فق الروم الكاثوليك.
جمادى الثانية 1266 جمادى الأولى 1267 (1266) أبو بكر بن أحمد القلعه جي 7 م بلبان فق مح مستدام بك.
(1266) غره بنت فريج دبسيه ومدول عمادى ع 7 الروم الكاثوليك (1267) أسعد بن عبد القادر الجابري عر 2 ذ وخ فق حلب.
(1267) آمنة بنت طالب الفاخوري ع 7 ج الدباغة العتيقة فق المح.
(1267) محمد بن مصطفى الرواس ع 7 ج بنقوسا فق المح.
جمادى الثانية 1267 جمادى الأولى 1268 (1268) فتح الله ولد يوسف دياب ورفقاه ع 7 ق الموارنه بحلب (1268) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 ملحق بأوقافها الخمسة تاريخ 1259 و 1260 و 1262 و 1263 و 1264.
جمادى الأولى 1268 رمضان منها (1201) فاطمه بنت إسماعيل الحجار ع 7 خ في ج الكبير.
(1268) عبد الغني دده بن علي ع 5 ق تك المولوية في أنطاكية ثم في حلب فتك جلال الدين الرومي في مدينة قونية فق مولوية حلب- (1268) غره بنت يوسف كحال ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب- (1268) مدول بنت أنطون جبلي ع 7 كسابقه (1267) عايشه بنت عثمان الفتال ع ذ فم العمري في جسر الكعكه فق مح ط الحافظ (1268) عبد الغني دده ع 5 تربة تك مولوية حلب فتك قونيه فق مولوية(2/472)
حلب- (1268) فتح الله ولد شكري ع 7 الأرمن الكاثوليك- (1268) ترزيا بنت رفول شبشول ع 7 ق الموارنه بحلب.
رمضان 1268 جمادى الأولى 1269 (1268) ميخائيل ولد يوسف فرا ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب (1268) عايشه بنت عبد الرحمن ع 7 ذ فج قلسون فق المح- (1269) موسى بن جرجي هندي ع 7 ق السريان بحلب. (1269) رأفت سليمان باشا ع 7 ج الكبير في البيره فج آخر فيها.
جمادى الأولى 1269 ربيع الثاني منها (1269) صالح بن مرعي الملاج ع 7 مكتب بمح خان السبيل.
جمادى الأولى 1269 ربيع الأول 1270 (1269) شرف بنت محمد علي ع 7 ج ألاجه بك فق المح (1269) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 ملحق بأوقافها السابقة.
ربيع الأول 1270 جمادى الأولى منها (1270) عمر بن بكري الجابري ر 6 ذ فملحق بوقفه تاريخ 1267.
(1269) يوسف بن محمد بكتاش ع 7 ط الأقرب فق المح.
(1269) خديجه بنت قاسم البابللي ع 7 زا سعد اليماني وجامعه وذ فق المح (1270) عمر بن بكري الجابري ر 6 ملحق بوقفه تاريخ 1267.
(1270) فاطمه بنت أحمد المعصراين عر 5 خ (1270) رقيه بنت محمد كرزون ع 7 ذ فج شاكر وزا الكيالي وزا اليماني فق- (1270) كتر بنت نعمان فرا ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بدير زمار- (1270) متري ولد جورجي شامي ع 7 الروم الكاثوليك بحلب (1270) عايشه بنت رشيد البابي ع 7 م بلبان.(2/473)
جمادى الثانية 1270 محرم 1271 (1270) محمد قاظان ورفيقه ع 7 س مح الكلتاوية فق المح- (1270) نعوم ولد قندلفت ع 7 ذ فق الروم الكاثوليك بحلب (1270) عايشه بنت محمد المداري عر 5 خ وذ (1270) مريم بنت أحمد الإخلاصي ع 7 خ في م سعد الله الملطي في البياضه (1270) حسين بن محمد البغدادي ع 7 ذ فج التوبة فق محمد بك- (1270) جبرا ولد يوسف سائس ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب (1271) فاطمه بنت عبد الرحيم كسار ع 7 ج القصيله تجاه القسطل في محلة القصيلة.
(1271) فاطمه بنت يوسف جمال ع 7 ذ وخ فحن فق المسلمين.
(1271) كتر بنت يوسف هب الريح ع 7 طائفة الموارنة بحلب.
(1271) محمد حميد بن صالح العطري ملحق بوقفه السابق.
جمادى الثانية 1271 رمضان 1272 (1271) عاتكة بنت نعمان شريف ع 6 خ (1271) محمود بن رشيد ع 7 زاويته وهي داره في المزوق (1271) صالح بن أحمد ألاجاتي ع 7 م سعد الله في مح الشريعتلي فحن فق- (1271) رينه بنت أنطون صباغ ع 7 ق السريان الكاثوليك- (1271) أفرام ولد جرجي مداراتيع 7 ق دير جبل كسروان.
شوال 1272 جمادى الثانية 1273 (1273) سوسان بنت عبد الله رباط ع 7 ذ فق السريان الكاثوليك بحلب (1273) آمنة بنت عبد القادر عردوك ع 7 ذ فم الكيلاني بمح الطبله فق المح (1273) مريم بنت حسين ع 7 ج الساحة في القصيلة فم الفوقاني (1272) ألف بنت مصطفى ع 7 ذ فحن فق حلب- (1273) ميخائيل ولد نعمه كبه وزوجته مريم ع 7 طائفة الروم الكاثوليك بحلب- (1273) خليل ولد جرجي ع 7 الروم الكاثوليك بحلب- (1273) عبد الله ولد إلياس وزوجته سيده كسابقه (1273) مريم بنت شريف بيري ع 7 م ملاصق لاوطة البيري في الجلوم فق المح.
(1273) عبد الرؤوف بن عبد الوهاب القسطلي ع 7 ذ فج الابن فق المح(2/474)
(1273) عبد الله بن صالح سلطان عر 5 ذ فج النوري في البياضة فق المح (1273) طيبه بنت عبد الله النحاس ع 7 م الصغير في جب قرمان فق المح (1273) آمنة بنت محمد الحنون ع 7 ج الميداني فق المح.
(1273) كول قرار الجركسية المعتقة ع 7 م أزدمر بسويقة علي فخ.
(1273) عبد الوهاب بن مصطفى السمان عر 5 ذ فج التوبة وج التون فق المح (1272) مصطفى بن أحمد الفحام ع 7 خ في ج بحسيتا وغيره (1273) خديجه بنت أحمد البابنسي ع 7 خ في زا القارلقي فق.
(1271) أحمد بن درويش القصاب ع 7 خ في م الشيخ إسكندر فج موغان فق المسلمين (1271) المذكور كسابقه- (1273) ميخائيل ولد حنا ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1273) مريم بنت جرجي ماردوس كسابقه- (1273) ديمتري ولد حنا أنطاكي كسابقه.
(1273) المذكور كسابقه (1272) أسعد بن عبد القادر جابري ع 7 ملحق بوقفه الكبير (1271) رحمه بنت طالب الرواس ع 7 ذ فج ط الحرامي فق المح (1021) مستدام بك (1022) المذكور (1022) المذكور (1020) المذكور- (1271) مريم بنت يوسف سمان ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب- (1271) لوسيا بنت إلياس إسلامبولي كسابقه (1274) خديجه بنت حجازي ع 7 خ في ج المشاطيه.
ذي القعدة 1273 محرم 1275 (1273) خديجه بنت حسين البابنسي ع 7 زا القرلقي فج قارلق فق المح- (1273) حنا ولد ميخائيل أصلانع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1273) مريم بنت جرجي كسابقه- (1273) ديمتروس ولد حنا ع 5 كسابقه (1274) خديجه بنت حجازي البابللي ع 7 ج المشاطيه وشيخ الزاوية (....) مدول بنت إلياس ع 7 دير كسروان فسريان حلب (879) زين العابدين بن حسن ر 3 ذ فالحرم النبوي.
(1169) عطاء الله بن محمد الخياط ر 5 خ في ج الكريميه.
(1274) مريم بنت ميخائيل ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب.(2/475)
(1274) مريم بنت موسى الصباغ كسابقه- (1274) سيده بنت جرجي طيار كسابقه (1274) زينب بنت محمد شريف جمالي ع 7 خ في الحجازية فحن فق (1264) فاطمه بنت محمد المعموري ع 6 خ (1274) أسما بنت إبراهيم بجك ع 5 ذ فزا الكيالي فق الحن.
(1274) فاطمه بنت عبد الرحيم أبو الكنج ع 7 ط البقرة في قلعة الشريف- (1274) يوسف ولد أكوبجيان الكورنلي ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب (1274) أحمد بن عبد القادر بن عبد الباقي ع 2 ذ فزا الصالحيه وم الشيخ عبد الله فق المح- (1275) رفول ولد جبرا ظريف ع 7 دير كسروان فق- (1275) يوسف ولد الكسان كسابقه.
ذي القعدة 1274 شوال 1275 (1275) إلياس ولد متري شاهيات ورفيقه ع 7 ق الروم الكاثوليك في دير مار ميخائيل في جبل كسروان فق الطائفة بحلب.
(1275) رمضان بن نبهان تلقراحيه ع 7 ج الحدادين فق حلب.
(1275) عايشه بنت محمد ناصر النيرباني ع 7 ذ فق حلب.
(1275) بنبه بنت عبد الله زوجة أحمد أفندي القدسي ع 7 مد الصلاحيه فق حن (1275) غره بنت جرجي شلحت ع 7 ق السريان الكاثوليك بدير كسروان (1275) عبد القادر بن أحمد غنام ع 7 ذ فحن فم العمري قرب كنيسة اليهود فأقرب ج فق الجلوم (1275) أحمد بن عبد الرحمن السياف ع 3 ذ وخ الهلالية وخ فق الجلوم (1275) محمد ديب بن عبد الله الصائغ ع 7 ج بزى فق المح.
ذي القعدة 1275 شعبان 1276 (1275) كسبار ولد كرابيت ورفيقه ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب- (1275) خوري جرجس ولد ميخائيل شلحت ع 7 كسابقه- (1275) مريم بنت حنا بليط كسابقه- (1276) شكري ولد خوري سابا ع 7 دير الحمره في الجبل التابع لحماه فق روم حلب- (1276) مريم بنت حنا بليط ع 7 الأرمن الكاثوليك ودير زمار (1295) محمد بن إبراهيم آغا السياف ع 4 ذ فق حلب وخ(2/476)
في م طليون (1273) محمد بن محمد الكيلاني مفتي حماه عر 2 ذ فج الشيخ إبراهيم في الحاضر وج درايزون في الحاضر وج الشيخ علوان في العليليات وج الربط تجاه حمام الدرويشية وج الأحدب وج العتال في الباشوره وح الدنوك في محلة الحوارنه فذرية الكيلاني بحماه فق حماه (1276) نفيسه بنت بكري الشربجي ع 7 م المزوق وذ فالحجرة النبوية.
(1276) ترزيا بنت جرجي ع 7 ق قسيس الموارنه فق الطائفة (1276) حاج عبد القادر غنام ذ وخ.
شعبان 1276 شوال منها (1276) محمد بن عبد الله كسار ع 7 ج ألاجه بك فق المح- (1276) مرتا بنت يوسف بلوص ع 7 م الروم الكاثوليك بحلب- (1276) كتر بنت إلياس حاتم ع 7 الروم الكاثوليك بحلب (1276) مريم بنت شكري حكيم ع 7 الأرمن الكاثوليك بحلب (1276) طه بن علي الكيالي ع 3 ذ فزا الكيال فق المح- (1276) مريم بنت إلياس يوسف عريس ع 7 الأرمن الكاثوليك بحلب (1286) علي بن أحمد الشعباني ع 7 ذ وخ في ج بحسيتا فق (1276) عايشه بنت قاسم فنصه ع 7 خ.
رمضان 1278 شوال منها (1278) فاطمه بنت عبد الله بن عبد المنان ع 7 ذ فج القدوري فج العمري تجاه كنيسة اليهود فالمساجد الفقيرة (1278) عمر بن طه السواح ع 7 ذ فحن فق المح (1278) آسيا بنت إبراهيم آغا متسلم عينتاب ع 6 ذ فق الحن مح ساحة بزه- (1278) زبيده بنت عبد الله الفردوسي ع 7 م تاتالر وم آخر في المح فق المدينة (1278) عايشه بنت محمد البازرباشي ر 6 خ في ج الميداني ففي أقرب جامع.
ذي القعدة 1279 جمادى الثانية 1280 (1279) شكر الله ولد جبرا ناقوس ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب (1280) أسما بنت محمد راغب ع 7 ذ فج السفاحية وخ فق (1280) إحسان الدين بن عبد الرحمن مدرس الموقوف نقود خ في زا الهلالية- (1280) غره بنت أنطون فارس(2/477)
ع 7 ق القس من طائفة الموارنه- (1280) غره بنت جرجي بليط ع 7 الروم الكاثوليك بحلب- (1280) فرنسيس ولد جرجي ع 7 الأرمن الكاثوليك بحلب.
ذي القعدة 1280 رمضان 1281 (1281) صالح بن مرعي الملاح ع 7 ج بنقوسا فق المح- (1281) سوسان بنت ميخائيل نصره ع 7 ق الروم الكاثوليك (1281) أحمد بن عبد القادر باقي ع 4 ملحق بوقفه الأول (1281) زبيده بنت موسى الخاراتي ع 7 ذ فزا الكيالي فق حلب (1281) حفصه بنت عبد الله القصاب ع 7 زا القارلقي فزا الجيلي ببغداد فق حن- (1281) خليل ولد جرجس طيارة ع 7 ق الأرمن بحلب- (1281) مريم بنت نعوم لاذقاني ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1281) كتر بنت يوسف زرزور ع 7 ق الأرمن بحلب (1281) زكي بك بن محمد شريف بك ع 7 خ في ج الزينبية وج الكبير وج الشعبانية- (1281) مريم بنت إنطانيوس أستاد ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب (1835) إقبال بن عبد الله متولي الحجر ع 3 ذ وخ في ج بنقوسا والحرم النبوي والمسجد الأقصى فق- (1281) سوسان بنت جبرا سيقان ع 7 ق الأرمن الكاثوليك (1281) عبد الغني دده بن علي البوش ع 5 ذ فتك المولوية (1281) سعده بنت حسن العلواني ع 7 ج بواكب في المشارقة فج جلال الدين في القوانصه فأقرب ج فق مح المشارقة (1281) مصطفى بن حجازي الخلوه ع 7 مدرسة الشعبانية فق حلب.
ذي القعدة 1282 شوال 1283 (1282) خديجه بنت حجازي الغزال ع 7 ج المشاطيه فزا اليماني فحن.
(1283) الناصري محمد الشهير بحجيج ع 7 خ في الزكي وذ فحن.
(1283) أبو بكر بن مصطفى الشهاب البابي ر 6 المدرسة والمسجد من إنشاء الواقف في الباب فحن فق الباب- (1283) غره بنت إلياس شامي ع 7 طائفة الموارنه.(2/478)
ذي القعدة 1281 صفر 1282 (1281) آمنة بنت أحمد الحموية ع 7 زا القارلقي فزا الجبلي ببغداد فق حلب (1281) رقيه بنت عمر قهواتي ع 7 خ (1282) عايشه بنت موسى الكردي ع 7 خ في م القدوري وغيره (1282) مصطفى بن طالب الشاوي ع 7 الأحمدي في الدلالين فق المح- (1282) كتر بنت عبد الله ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب (1282) محمد شيخ السعديه بن عبد الوهاب ع 5 ذ فج السكاكيني فج حارة البستان فق المح.
(1282) عبد الغني دده ع 7 تربة في السماح خانه فق حضرة جلال الدين- (1282) مريم بنت إنطانيوس أستاد ع 7 طائفة السريان الكاثوليك (1282) يوسف ابن أحمد حسبي ع 6 ذ وس الحسبي فم السروه وم أوغليبك فق المح (1282) زبيده بنت سعيد الجزماتي ع 7 خ (1282) فاطمه بنت أحمد شريف ع 4 خ وذ فق حلب.
(1282) عايشه بنت محمد سلطان ع 5 خ وذ فق حلب (1282) أحمد بن محمد الجذبة ع 6 خ في م سعد الله (1282) محمد بن محمد سلطان ع 7 خ- (1282) كتر بنت حنا بكماز ع 7 طائفة الموارنه.
ذي القعدة 1283 صفر 1285 (1283) زينب بنت محمد علي البرنجي ع 7 زا الهلالية فق مح الجلوم (1284) خديجه بنت محمد صالح التربي ع 7 م جب الحلو في مح الشماعين فج جلال الدين وغيره (1284) عايشه بنت محمد أمين الميسر ورفقاها ع 7 ج المصلى فق مح ابن يعقوب (1283) أحمد بن عبد القادر باقي ع 7 ملحق بوقفه السابق- (1284) مريم بنت يوسف هندي ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب (1285) عايشه بنت سليم البابي ع 7 العلمية وج الطونبغا فمجاوري المدرسة السيافية فق مح البستان.
ذي القعده 1286 شوال 1288 (1286) جرجس ولد يوسف ع 7 الروم الكاثوليك.
(1288) ترزيا بنت جرجس عداد ع 7 ق الموارنه بحلب.
(1287) صوفيا بنت جورجي إدلبي ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب-(2/479)
(1288) مريم بنت نصري ديمتري ع 7 كسابقه.
(1288) غره بنت يوسف سكياس ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب- (1288) هيلانه بنت خاج أنكيل ع 7 ق الروم بحلب.
(1288) فاطمه بنت محمد مشمشان ع 7 ذ فزا سعد الله بمح الشريعتلي فج ط الحرامي (1288) عبد القادر بن أحمد غنام ع 7 ذ فم غنام تجاه داره فق المح وله في هذا السجل ثلاثة أوقاف آخر ملحقة بوقفه السابق.
رجب 1290 ذي القعدة 1292 (1290) جرجي ولد مدول وكتر أولاد إبراهيم كلال ع 7 كنيسة جرجس في مح الشرعسوس- (1290) سوسان بنت ميخائيل طرابلسي ع 7 كسابقه (1290) آمنة بنت ناصر القراشقلي ع 7 خ.
(1290) هبة الله بنت أحمد باقي ع 6 ذ وخ في ج البهرامية فق.
(1290) عايشه بنت الحاج يونس يونسو ع 7 مدرسة الطرنطائية فق مح محمد بك (1289) محمد هلال بن عبد القادر الأزون ع 7 ج حمزه بك فق المح (1291) عايشه بنت عمر قرقلار ع 7 خ في مدرسة العثمانية فتك القرقلار فق المح (1289) محمد هلال بن عبد القادر الأزون ع 7 ج التوبة فق مح محمد بك (1291) آمنة بتن سراج طالب الكلزي ع 7 خ في تك الشيخ الترابي (1291) نفيسه بنت ياسين صفر عرتك المولوية في أنطاكية فتك مولوية حلب- (1292) صوفيا بنت جرجس إدلبي ع 7 ق الروم الكاثوليك (1292) سرور بن محمد صالح الحموي ع 7 ذ فج الحموي فق مح البياضة (791) محمد خاص بك ع 4 ذ وخ فج خاص بك (1292) فاطمه بنت عبد الرحمن فنصه ع 7 ذ فق حلب (1292) خالد بن بكري شهواني ع 5 ذ وخ في مقر الأنبياء وغيره.
ذي الحجة 1292 جمادى الأولى 1294 (1293) إلياس ولد عبد الله فجله ع 7 ذ فق السريان الكاثوليك بحلب- (1294) مريم بنت عبد الله طنوز ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب (1293) عبد القادر بن أحمد غنام ع 4 ذ فم الواقف في البندره فق (1294) المذكور ع 7(2/480)
كسابقه- (1294) ميخائيل ولد نصري دب ع 7 ق الروم الكاثوليك- (1294) كتر بنت نعوم سنكي ع 7 ق رهبان الروم الكاثوليك الحلبيين في جبل كسروان- (1294) الخوري بولص ولد عيسى الصباغ ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب- (1294) كتر بنت نعوم سنكي ع 7 ق الرهبان الكاثوليك (1294) أحمد بن أحمد الصديق الموقوف كتب في ج الأحمدي وزايته (1295) مريم بنت عبد الرزاق الخانجي ورفقاها ع 7 ذ فج قاضي عسكر وج باباجان وج محلة محلة شاكر آغا فق (1295) آمنة بنت علي عرب ع 7 ج الساحة الفوقاني فج الجنينة فج الساحة التحتاني فق مح القصيلة (1294) صفيه بنت أحمد حسبي ع 6 ذ فج النوري فق مح البياضة- (1295) غره بنت يوسف شماس ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب- (1295) جرجس ولد إلياس خوام ع 7 ق رهبان الروم الكاثوليك بجبل كسروان.
ربيع الثاني 1295 محرم 1296 (1295) علي بك ابن عبد القادر بك ع 7 ذ فحن فق حلب (1295) مصطفى ابن إسماعيل صفر عر 3 ذ فج أفيول فق المح- (1592) إلياس ولد يوسف خوام ع 7 الروم الكاثوليك بحلب (1295) زليخا بنت عبد القادر كيال عر 5 خ (1295) عبد الله بن محمد أبري ع 7 ذ فق مح داخل باب النصر.
محرم 1296 ذي القعدة 1297 (1296) بطرس راهب ولد ميخائيل ع 7 رهبان الروم الكاثوليك بجبل كسروان فرهبان هذه الطائفة بحلب- (1296) أنطون ولد يوسف بهار ع 7 كسابقه- (1296) ميخائيل ولد نصري دب ع 7 كسابقه (1296) حسينه بنت عبد الله الجابري ر 6 ط صديق أفندي في المقامات فم مح العينين ملاصق نهر قويق فالنارنجيه فق المسلمين في سويقة علي (1296) شريف بن محمد لبنيه ع 5 ج البكرجي فق جب قرمان (1296) محمد بن الدهان الموقوف نقود ألف قرش على إمام مح المزوق فق مح البستان (1296) عايشه بنت محمد الماملي ع 5 ذ فج ألاجه بك فق الحن فق أقيول (1296) طالب بن رسول المزيك ع 7 زا الشيخ جاكير فق حلب- (1296) القس حنا ولد جبرا إستانبوليه ع 6 رهبان الروم الكاثوليك الحلبيين بجبل لبنان فق الطائفة بحلب(2/481)
(1296) فاطمه بنت أبي بكر الجزماتي ع 6 ذ فخ- (1296) كتر بنت جبرائيل ناقوس ع 7 ق رهبان اليسوعيين (1296) كلفدان بئرها في باب أنطاكية لصيق الكمالية وط مح المقامات وصهريجان قربه والفضلة للفقراء (1297) عايشه بنت محمد الماملي ع 7 ذ فج ألاجه بك فق أقيول (1296) حليمه بنت محمود حبو ع 7 زا هارون دده فق مح صاجليخان الفوقاني- (1297) نصري ولد بطرس اليان ع 5 ق الروم الكاثوليك بحلب (1297) مصطفى بن إسماعيل صفر عر 4 ذ فج ألاجه بك فق أقيول- (1297) صدقه ولد موسى اليهودي ع 7 ق اليهود (1297) فاطمه بنت محمد آغا رستم ع 7 ذ فق مح المصابن- (1297) مريم بنت فتح الله وأخواتها ع 4 ق الروم الكاثوليك (1297) عبد الحميد دده ع 5 ق تك بابا بيرام فق حلب (1297) محمد علي بن ياسين جركس ع 7 شيخ القادرية يح قرط بك فالجامع المذكور فحن فق المح.
وهذا جدول الوقفيات الموجودة في السجلات المشوشة التاريخ.
[الوقفيات الموجودة في السجلات]
السجل الأول
(1099) عبد الله بن عبد الله الأسلمي ع 7 ذ فحن فق.
السجل الثاني
(1017) الحاج رضوان بن عبد الله التاجر ع 7 ذ فحن فق- (1017) يحيى بن يوسف الزنات السلقيني عر 7 ج الكبير في سلقين (1007) أحمد بن حسن ع 7 م زكريا في محلة السويقة.
(1007) سليمان بن شمس البغدادي الطباخ ع 7 الحن فق- (1016) عصيص النصراني ولد قور يك ع 7 جب ماء كنيسة النصارى بمح الجديدة (1017) ظريفه بنت نور الدين الطرابلسي ع 7 الحن فق (1017) أنس بنت صلاح الدين الأعمى ورفقاها ع 7 فق الحن فق حلب (1017) زينل بك بن علي مشد قناة حلب ع 7 ذ فحن فق.
(1017) يحيى ابن الشيخ عبد الرزاق بن علم ع 6 م زا ابن علم فق حلب (1017) أحمد بن محمود الطحان و 7 ذ فحن فق (1017) جان حبيب بنت عبد(2/482)
الله ع 7 الحن فق (1017) مصطفى آغا بن عبد الله ر 7 مزار الشيخ أبي بكر فق حلب (1017) أحمد بن خضر ع 7 ذ فحن فق حلب (1017) مستدام بك بن عبد الله ع 6 خ في النفيسية.
(1002) صدر الدين المرطاني ع 7 م قرب حمام أوغليبك فحن فق.
(1002) حليمه بنت أحمد عر 6 ذ فحن فق حلب (995) فاطمه بنت عز الدين ع 7 ذ فحن فق حلب (1016) محمد بن يوسف الدروكي ر 7 خ (1017) علي بن حمزه السرميني ورفقاه ع 7 ط علي بك فق.
السجل الثالث
(1167) أحمد بن إبراهيم بيان ع 7 ذ فج مح الشميصاتية فق.
(1135) محمد بن عبد الحموي ع 7 ذ فج شرف (1149) أعمام بنت درويش ع 7 ذ وخ في ج برد بك فج بردبك فق حلب (1189) خديجه بنت عبد المنان ر 7 ذ فج الطواشي ومنكلي بغا فق (1165) علي بن عبد الله الزنجي ر 6 ذ فحن (1183) أحمد بن قاسم ع 7 ذ فج الزينبية والحيات وج السيدة (1183) المذكور ع 6 ذ فط المغربلية وتراب الغربا الجاري منه الماء إلى الزاوية العنبرية وط داخل باب النصر غربي قيصرية العجمي.
السجل الرابع
(1118) مرمره بنت خليل بيطار ع 7 ذ فخ (1118) إبراهيم جاويش ع 7 س السنان في قارلق- (1118) كور كيز ولد عبد الكريم ع 7 كنيسة السريان بحلب- (1118) إلياس ولد حنا كسابقه- (1118) فرج ولد عبد الله كسابقه.
(1181) أبو بكر بن حسن النجار ع 7 ذ فتك الشيخ أبي بكر.
(1125) أطاناسيوس ع 7 ق النصارى.
السجل الخامس
(1198) عطا الله بن محمد الخياط ع 3 ذ فمساجد حلب الفقيرة.(2/483)
(1199) آمنة بنت الشيخ إسماعيل ع 7 فج آغا جق فق حلب (1199) صفيه بنت سعيد ع 7 ق مح جقورط (1199) محمد بن حسب الله ع 7 خ (1204) أبو بكر بن محمد خليفه ع 7 خ في مدرسة العقاد في مح الحوارنة (1204) أحمد بن مصطفى ع 7 خ في ج قاضي عسكر وس محلتها (1204) محمد بن محمد بن محمد الجيمي ع 7 خ في س المزوق فم المزوق (1204) فاطمه بنت ياسين القطنجي ع 7 خ في ج العقيلية في زقاق بنقوس فأقرب م للدار الموقوفة ولها في هذا السجل وقفان آخران مؤرخان بالتاريخ المذكور.
(1205) صالحه بنت يوسف العطار ع 7 خ في زا العشائرية فج الكبير (1203) سعيد آغا بن مصطفى ع 5 خ في حرم المدينة المنورة فخ في حلب (1010) رقيه بنت الحاج أمير آغا ع 5 ذ فخ في ج النوري بمح البياضة (1010) أمين آغا بن إبراهيم قلاقسز ع 5 ذ فج النوري (1010) خديجه بنت بال بن محمد ع 7 خ (1010) مريم بنت مصطفى القرباطي ع 7 خ ومتولي م عفان المعروف بمسجد حسن بك.
السجل السادس
(1163) شهباز بنت عبد الله الخطيب ع 7 ذ فج ط الحرامي وج سعد الله في مح الشريعتلي (1163) علي بن خليل جورباجي ع 4 ذ وخ فج الكبير فق حلب (1163) فيض الله بك ابن عارفي أحمد باشا ع 6 مج منكلي بغا ع (1162) فاطمه بنت باكير بن ناصر ع 7 خ (1162) نسليخان بنت مكتايش ع 7 خ في م خير الله في مح الأكراد بحلب.
السجل السابع
(1192) مريم بنت أحمد ع 7 ذ فق حلب (1193) حوى بنت عمر العطار ع 3 ذ وخ فشيخ الحلوية وفقراؤها (1194) رابعه بنت حسين ع 7 ذ وخ (1194) صفيه بنت إبراهيم الدوري ع 7 ذ فج الكلاسه لصيق دكان الواقفة (1195) عبدي باشا ع 6 تك الشيخ محمد ترابي (1193) محمد بن أحمد المعرتمصريني ع 6 ذ فحن.
(1194) فرج الله ولد سركيس ع 7 كنيسة الموارنة بحلب.(2/484)
(1194) الشيخ محمد ترابي ع 7 زاوية فج الكبير (1195) عبدي باشا ع 7 خ في م بلوقيا وج الكبير فق حلب (1192) محمد آغا بن علي أمين دفتر السباهيه ع 6 ذ وخ (1192) ميخائيل ولد منصور ع 7 رهبان دير ماري حنا في جبل كسروان.
(1171) أحمد باشا ابن الحاج أمير ع 6 مصالح سبيله (1178) مريم بنت أصلان ابن عمر ع 7 تك الشيخ أبي بكر.
السجل الثامن
(1130) مروه بنت عبد الرحيم المصري ر 5 ذ فحن (1135) عايشه بنت مصطفى ر 7 خ (1135) حسن بن مصطفى باشا ع 7 ط الحجارين (1201) نفيسه بنت عبد الله ع 6 خ في ج شرف في الجديده فق (1137) عثمان أفندي بن عبد الرحمن باشا ابن عثمان آغا ع 4 ذ وخ في ج العثمانية.
السجل التاسع
(1009) شاه بنده بن قيلديز ع 7 ذ فق حن فق حلب (995) محمد بن الخناجري السرميني ع 7 حن (995) فرح بنت الحاج موسى ع 7 م سعد الله في البياضه (1065) عطا الله باشا ابن يوسف بن خشان ع 6 ذو دولاب وط في الأنصاري الموقوف عليهما أيضا من قبل أبشير باشا 900 قطعة فضية (1065) أيوب وإخوته أبناء رجب باشا الموقوف دراهم تعمر بربعها دراهم في باب قنسرين (1066) أحمد وبهاء الدين ابنا إبراهيم الزهراوي ع 5 ذ وخ في ج الكبير فمشهد كربلا ومشهد الحسين بحلب فق حلب.
السجل العاشر
(913) شرف الدين أيوب بن يونس الصابوني ر ع ذ فق حلب.
(956) محمد بن أحمد ع 7 ذ فإمام ج الخسروية (974) حسن جاوش بن سليمان ع 7 ذ فحن فق حلب (974) فاطمه بنت محمد المرعشلي ع 7 ذ فحن فق حلب (974) فضل بن محمد ر 7 حن فق حلب.(2/485)
(974) حسن بن عبد العزيز سخان الموقوف دراهم (974) حسن بن سلامة ع 7 ذ فمقام الخليل (971) علي بك المعروف بابن عيد ع 7 ذ فحن فق.
وهذا بيان ما هو محرر في سجلات الأوقاف من الوقفيات
(1250) إبراهيم بن عبد الله السياف عر 6 م طليون فذ (1003) زوجة منصور حطب عر 6 الزينبية (1189) خديجه بنت عبد المنان عر 6 ذ فج الطواشي وج عبد الغفار (1167) زليخا بنت أحمد البابللي ر 6 ذ فحن (1167) حسين بن ناصر البابللي ر 6 ذ فحن زليخا بنت أحمد البابللي ر 5 ج في قرية بابلي فحن (1076) بويني أكري محمد باشا ر 5 ذ وخ فحن (1141) عبد الوهاب عمادي عر 5 ذ وخ فج في القلعة وج بلوقيا (1020) مستدام بك ابن عبد الله ع 4 ذ وخ فوقف الغوري (1021) المذكور عر 4 خ (1022) المذكور عر 4 جامعه وخ (981) حسن بن حسن رقبان ع 5 خ (786) علي شهاب الدين عشائر عر 2 ذ ودار القراءة فحن (1186) أحمد بن خليل الجزماتي ع 6 وذ فحن (862) عبد الكريم الخوافي عر 5 ج الكريمية فحن (922) شمس الدين منقار عر 5 ذ وخ فق حلب.
(1177) الحاج موسى عر- 1 ذو جامعه فحن (890) زين الدين المعري ر 4 ذ فحن (1172) عبد القادر العثماني ع 5 س في سويقة علي (1201) علي بن إبراهيم المشهدي ع 5 زا الأنجق (867) فرج القاشاني عر 4 ذ وخ في ج الطواشي فق (1205) قطلو بك خزينة دار ع 6 ذ وس قرب خان الزيت (863) محمود متولي الحجر ر 3 ذ فحن.
(864) المذكور كسابقه (1077) أحمد باشا المرعشلي عر 4 ذ وخ فق (1193) موسى بن عمر العطار ع 6 ذ وخ فزا الصالحية.
(1208) آمنة بنت النشار ع 7 زا الصالحية.
(1229) آمنة بنت محمد المواهبي ع 7 زا الصالحية فحن (1131) .
(1121) فاطمه بنت أبي بكر الكردي ع 7 ذ فزا الصالحية.
(1209) إسماعيل بن أحمد المواهبي ع 7 زا الصالحية فوقف المرأة حوى (1203)(2/486)
عفيفه بنت أحمد ع 7 خ (1231) قاسم فنصه ع 3 ذ فج البهرامية (1226) المذكور ع 3 ذ وخ فج البهرامية (937) شهاب الدين بن عبد الله عر 5 ذ وخ فج الزكي (1159) ياسين بن منصور ر 5 ذ فحن (1122) آمنة بنت عبد الوهاب ع 7 زا الهلالية.
(1232) إبراهيم بن محمود ع 7 كسابقه فق حارة البستان.
(1168) يوسف بن مصطفى الصباغ ع 7 كسابقه فحن (1286) يوسف بن مصطفى عربي كاتبي ع 7 كسابقه (854) محمد بن محب الدين الشحنة عر 3 ذ وخ فاعلم حنفي في حلب (1216) حسين بن صالح قباني ر 5 ذ وخ فج الأربعين في العقبه (810) ضاحي بك ابن يوسف ع 7 خ فق (854) محمد بن محب الدين الشحنه ع 5 ذ.
(877) المذكور ر 5 كسابقه (1041) فتح الله بن محمود البيلوني ع 4 ذ وخ فزا البيلوني (920) عمر ابن الأعدل ابن العجمي عر 6 ذ فق (615) محمد بن أحمد الأغزيليه عر 5 ذ فق (563) عبد الرحيم بن عبد الرحمن ر 6 ذ (855) أحمد ابن أحمد العجمي ر 6 ذ وخ.
(836) خضر بن عبد الله الجركسي عر 5 ذ فحن (1062) سالم البلاط عر 6 ذ وج البلاط (855) محمد العجمي عر 6 ذ (681) عبد الرحمن بن عبد الرحمن ر 6 ذ (1244) آمنة بنت موسى الأرمنازي ع 7 ج بحسيتا فق (1244) شرف بنت أحمد ع 7 كسابقه.
(1175) محمد بن عبد الرحمن ع 7 كسابقه (1165) عبد الرحمن باشا عر 2 ذ فحن (1167) حجازي بن غنام ع 4 ذ وخ فق مح جب أسد الله (1180) عبد الرحمن قصار ع 7 م خير الله في مح الأكراد فق.
(1186) خليل بن بكري عزازي ع 7 كسابقه (1189) محمد إدلبي عر 6 كسابقه (1210) زمزم بنت أحمد ع 7 كسابقه.
(1211) محمد بن عبد الرحمن ع 7 كسابقه (1160) عبد الله بن إبراهيم ع 7(2/487)
ذ وخ (1163) أبو بكر غنام السرميني ع 6 ذ فق العقبة وس قدام قهوة باب أنطاكية (1174) عبد الملك عاشوري عر 6 ذ فج بنقوسا ومصالح مح الجبيلة (1174) المذكور عر 6 ذ فحن وفق الجبيلة.
(1164) محمد الجبريني عر 5 ذ وخ (1245) علي رضا باشا ع 6 زا الشيخ تراب فم خير الله (1197) عيسى أميري زاده عر 5 خ في ج والده فحن (1217) مريم بنت محمد الزنابيلي ع 6 ذ فق المدينة المنورة.
(1151) يوسف بن إبراهيم ع 5 ذ مج الميداني وس للواقف في سوق بنقوسا (1141) الحاجه سعاده بنت محمد عر 5 خ في ج الشعبانية فق (1220) حسن أفندي الكواكبي عر 2 ذ وخ فج أبي يحيى فق المح.
(1229) عبد الكريم الوزان ع 4 خ فج الكبير وج بلوقيا فق.
(1201) علي بن عبد الله ع 7 كسابقه (920) محمد بن جمال الدين نفيس ر 2 ذ فج مستدام بك (854) جمال الدين نفيس ر 6 ذ فج مستدام بك (813) محمد الناصر ابن الصاحب عر 2 ذ وم الصاجيه ورباطه ومكتبه وعتقاه (833) محمد ابن الخطيب الناصري عر 2 ذ وج الحيات فحن (567) محمد بن إلياس أرتق عر 3 ذ فحن.
(992) رجب بن حميد ع 5 ذ وخ فحن (1120) عبد القادر جبريني ر 4 ذ فحن (1175) أبو بكر الدبوسي ع 4 خ (867) أقبغا الشيباني عر 2 ذ وخ فق (976) درويش بن رجب بن محمد ر 7 ذ فق (1045) محمد باشا ع 5 بك الإخلاصية والشيخ أبي بكر.
(1221) شرف وفاطمه بنتا عبد الله ع 6 زا العقيلية فق (1189) عبد الحي عزو ع 6 ذ وخ فحن (1220) محمد بن عبد العزيز عزو ع 6 ذ وخ فزا العقيلية (1189) عبد العزيز بن عبد الحي ع 7 ذ وخ في زا العقيلية فج شرف فحن (1230) فاطمه بنت عبد الله عزو ع 7 زاوية العقيلية فجامع شرف (1157) حسين باشا البابي عر 5 ذ وخ فج الحدادين وج تركمانجك (1165) صارى عبد الرحمن باشا عر 5 ج الرحمن في نيكده وذ (1077) البستاني عر 6 زا العدوله في زقاق بنقوس فق (1186)(2/488)
مريم بنت محمد الصابوني ع 7 زا العقيلية (1192) مصطفى الحلاق ع 7 ذ فزا العقيلية (1191) عمر أبري ع 7 زا العقيلية.
(1197) محمد العبه جي ع 7 زا العقيلية (1188) زينب بنت محمد المنجد ع 7 زا العقيلية وغيرها (1176) محمد الحرمي كسابقه.
(1197) عبد الرحيم الحريري كسابقه (1201) مصطفى بن خضر كسابقه (1201) محمد شريف الحريري كسابقه (1207) حسن الخطيب كسابقه (1225) صالح السمان كسابقه (1201) عبد القادر القفال كسابقه (1159) أحمد أفندي الكواكبي عر 5 ذ فج أبي يحيى.
(1160) المذكور كسابقه (1167) المذكور ذ وخ في ج أبي يحيى فج أبي يحيى (925) جمال الدين التادفي عر 4 ذ وخ في خانقاه أم الملك السعيد على حافة الخندق تحت القلعة غربيها (1157) عبد القادر الدهان ع 7 ذ فحن فق حلب (1155) عبد القادر الدهان عر 6 ذ فحن فق حلب (1249) عبد الرحمن البغدادي عر 3 خ (1880) أمير جايى عر 4 ذ فحن (911) إبراهيم بن خطط ع 5 خ وذ فج الصروي فحن (1064) أبشير مصطفى باشا ع 4 جامعه وألحن (1242) إسماعيل آغا شريف ع 3 ذ والقرناصية فج الكبير (1197) أمة الله يكن ع 6 ج العثمانية (1300) علي آغا يكن كسابقه (1230) زبيده يكن كسابقه (1223) المذكورة كسابقه (1133) مصطفى الشمرجي عر 6 ذ فحن فق حلب (1167) خضر صائم الدهر ذ فج الميداني.
(1026) حسن المقاطعه جي عر 5 ذ فحن (1184) يحيى الشلهومي ع 5 خ في ج الحاج موسى (1227) سعيد المسلاتي ر 6 ذ فج بانقوسا فق المح (1227) زوجة سعيد المسلاتي ر 7 كسابقه (1030) كمال الدين البستاني عر 7 ذ فحن (853) الزيني عبد الرحمن ر 6 ذ فإمام م علم الدين في قلفة الشريف إنشاء الحاج يوسف التل عراني فحن.
(1199) محمد طالب العثماني ع 2 ذ فخ في ج الحاج موسى.
(1141) عمر أفندي طه زاده ع 4 مدفنه في الجلوم فذ وخانقاهات في حلب(2/489)
(1178) أحمد بن طه عر 1 ذ وخ في مدرسته (1187) خديجه بنت مصطفى سمان ع 7 إمام ج شرف وخ فيه فحن فق.
(1243) عايشه وفاطمه بنات عبد القادر ع 7 مجرى ماء ج شرف فحن (1167) نعمة الله ملقي ع 6 ذ فحن فق سويقة علي (1107) سليمان آغا ع 6 م في صاجليخان (1131) محمد الوفائي ع 3 ذ فج الكبير (1147) تاج الشرف ع 3 ذ فج الكبير (1169) على معتق إسماعيل آغا ع 3 خ في ج الكبير وغيره (1163) فاطمه الحلبية ع 5 ذ فج الأطروش فحن (897) محمد بن دغيم ع 4 ذ فخ بالسفاحية.
(1113) أسد ابن العجان عر 4 ذ فحن (1125) خليل عواد ع 5 خ.
(1187) عبد الرحمن الأبرادي ع 6 سبيله في سوق الضرب فم القصب بالسوق المذكور فق محلة البياضة (818) بدر الدين التاجر عر 6 زا بالجلوم وذ وحم (1004) موتياب أحمد باشا ع 3 ذ وخ.
(992) زوجته همايون خاتون ع 5 خ (1185) عبد القادر أمير زاده ع 4 مكتبه والصالحية فذ (1183) حسن الحموي ع 4 خ في ج الحموي وذ (881) شمس الدين ولي ر 6 ذ فحن (1092) حسين برسين ع 5 ذ وجامعه (1223) مصطفى الزيتوني ع 5 ذ فج الحدادين.
(1116) نعمة الله جلبي ر 7 ذ فحن فق (1031) عبد الله بن محمود ر 5 سبيله في بحسيتا وخ فذ (1210) عائشة الجبقجي ر 7 ذ وخ فحن.
(1221) عائشة المذكورة ع 6 ذ فق (1230) عائشة الدباغ ع 4 ذ وخ فق الحاج موسى فق (1200) صالحه الطيبي ع 5 ذ وخ فج الحاج موسى (1153) عبد الرحمن إمام الأموي ع 7 ذ فزا الهلالية والطرنطائية والكيالية والمشاطية (1221) مصطفى زعفرانجي ع 7 ذ.
(1156) رحمة ع 4 مدرستها الرحيمية (1234) عائشه عزو ع 7 خ في زا خير الله (1232) عائشه المذكورة ع 7 ذ وخ في زا خير الله.
(1228) علي بن أحمد ع 7 ذ فقراء في ج المهمندار (1232) عبد الرحمن حريري(2/490)
ع 6 ذ وخ فحن (1163) علي بن خليل جوربه جي ع 5 ذ فج الكبير (1241) إسماعيل الطيبي ع 7 خ (1191) عبد الله الأبري ع 7 خ (944) الحاج سلطان تيماري عر 5 إمام م الفرايين وغيره فذ.
(1234) رقيه بنت سعيد الطيبي ع 6 زا العقيلية فق (1152) عبد الوهاب عمادي ر 6 ذ فج الكبير (1223) يوسف الزيتوني ع 4 ذ فم أقيول والحدادين والزيتون ونوحيه (1240) محمد مشمشان ع 7 س تجاه جامع الحيات (1186) محمد جباره ع 7 س ملاصق ج البكره جي (1204) علي البولادي ع 6 م أصلان بمح الحوارنه فحن (1255) إبراهيم العرياني ع 6 ذ (1203) محمد السراج وزوجته ع 7 ذ فج شرف (1203) فاطمه بنت حسين عر 6 ذ فتك أبي بكر الوفائي (1216) المذكورة ع 7 ذ فق مح البساتنه (1227) المذكورة ع 7 ذ فج ط الحرمي (1256) شرف بنت أحمد علاك عر 7 ذ فج بانقوسا (1116) إسماعيل فنصه ر 5 ذ فحن فق مح الجلوم.
(1154) سليمان الحافظ ع 7 ذ (868) محمد بن الزيني ر 6 ذ.
(1163) شهناز خاتون ع 7 ذ فحن (1214) بنت سعيد ع 7 خ فج قسطل الحرمي (1197) مصطفى آغا الترجمان ع 7 خ فذ فط في رأس زقاق المغربلية (1187) عايشه بنت محمد باشا ع 7 ذ فزا العقيلية فق (1209) عمر الأجاتي ع 7 ذ فزا العقيلية فق (1085) الحاج محفوظ 7 ر ذ فق (1073) محمد بن خير الدين 7 ر ذ فق (1168) أحمد بن أمير ع 6 ذ فج الكبير وخ (1291) محمد آغا حنكاري ع 5 خ (1229) الشيخ أحمد القصيري ع 7 زوجته (1201) كوسا السيد علي المشهدي ع 4 الأنجق فق ط الحرمي (1204) الحاج أبو بكر الحبال ع 6 قراء في مدرسة عبد الغفار في الحوارنه فم ملوقيا.
(1191) أحمد الزيتوني ع 5 ذ فخ في ج الأجه بك في أقيول.
(1091) سنان باشا ع 5 ذ فحن (1195) إبراهيم الأبري ع 7 ذ فق مح الفرافره (1188) محمد النجار ع 4 ذ فج بالبندره وفق العقيلية.(2/491)
(827) أحمد ابن السفاح ع 3 مدرسته وجامعه (1132) أحمد النقانقي ع 7 خ (1129) أسعد بن محفوظ ع 4 ذ وخ (1157) عبد القادر الدهان ع 7 خ (1210) عطاء الله الجابي عر 4 ذ فمساجد جب أسد الله وباب قنسرين (833) محمد القباني ع 5 ذ فحن.
(1219) فاطمه نت إسماعيل أسود ع 7 ذ فحن (1178) محمد باشا الأرناوط ر 7 ذ فج في قصبة حارم (1208) عبد القادر بن علاء الدين ع 5 خ (1128) أبو بكر النجار عر 5 ذ فتك الوفائية (966) فاطمه بنت عفيف الدين عر 4 ذ فحن (803) محمد الزيني ر 4 خ فذ فحن (916) شمس الدين صدقه ع 7 ذ فحد (1234) رقيه بنت سعيد الطيبي ع 6 خ فزا العقيلية (1216) طالب الحريري ع 7 ذ فج شرف (1216) زليخا حموي ع 7 خ وذ فج الحموي (1216) ليلى الحموي ع 7 خ وذ وزا العقيلية (1225) ليلى الحموي ع 7 خ وذ فزا العقيلية.
(833) السيفي عبد الله عر 4 ذ فق الحن (1231) كريمه خاتون عر 6 ذ فحن فج الكبير فق (875) المقر الأشرفي أنيال ر 4 ذ فق.
(1262) محمد بن بعد الله ر 7 ذ (1162) محمد بن إبراهيم باشا ر 7 ذ وخ فحن فق الكلاسه (867) عمر بن جكجوك ر 5 ذ.
(1145) عايشه الداديخى ع 7 خ فق (1225) محمد علي الجركس ع 7 خ (715) أحمد بن حمزة الزهراوي عر 2 ذ وخ (810) محمد بن زهرا الحسيني ر 4 ذ فالمشهد (1205) فاطمه بنت عطاء الله ع 7 م الشيخ صالح الكيلاني في المعربلية (1064) أحمد أفندي الزهراوي عر 3 ذ فمشهد الحسين ومحسن وكربلا (1216) محمد شريف البيري ع 5 ذ فزا الهلالية والعقيلية والمواهبي (985) الوزير مصطفى لالا باشا عر 2 ذ وخ فحن فج الكبير (1189) عايشه بنت عبد القادر ع 7 خ.
(1216) صفية قمري ع 5 فالزوايا الثلاث وخ (685) يوسف العباسي صاحب شيزر را ذ فق (1151) زينب كوراني عر 5 ذ فج الرومي (1177) حسن بن عبد الله البخشي ع 5 ذ فق مح باب قنسرين.
(1202) أسعد الوفائي ع 7 خ في ج الزكي (1264) محمد أمين دده ع 7(2/492)
تك المولوية في كلس (987) الشيخ عيسى الكيلاني ر 5 مزار الشيخ ياعو فذ (862) السيفي طوغ ر 5 ذ فحم (890) علاء الدين بن الأمير على ر 7 ذ فحن (933) رستم باشا ر 6 ذ وخ فحن.
(922) المرحوم السلطان سليم خان ر 5 ذ محيى الدين وأولاده في عينتاب فحن (906) علي قليج بن عبد الله الظاهري ر 5 ذ فحن.
(673) ضيفه خاتون ر 3 ج الفردوس (953) يحيى بن موسى الأريحاوي عر 4 ذ فج أبي الدرجين (989) موسى بن يحيى الأريحاوي عر 5 ذ وج أبي الدرجين وفق (868) الزيني عمر ر 5 ذ وخ.
(926) أبو بكر مغلطاي ر 6 ذ فمقام الخليل في القلعة وج الكبير وحن (881) رجب الخواجكي ر 5 فحن (876) سراي خاتون ر 4 حن وم العمري في القلعة (1079) محمد بن حسب الله ع 7 ذ وخ في ج الحموي والسروه (1264) حميدة العطري ع 5 ذ فزا الكيال.
(869) شهاب الدين بن أحمد وأخوه وابنه ر 3 ذ فحن (931) ناصر الدين بك عر 1 ذ وخ فمسجده (796) الزيني عمر ر 6 زا الزينية (1258) عايشه بنت عبد القادر ع 7 ذ (1222) عايشه بنت عبد القادر ر 6 ذ فق مح سويقة حاتم (834) أحمد المحبي وولده علي ر 4 ذا بقرية مرعيان وذ (1207) عفيفه بنت حجازي غنام ع 5 ذ فقناة حلب (876) الناصري محمد بن إبراهيم الحرمي عر 2 ذ وم بالصليبه وخ فحن (1246) محمود بن عبد الرحمن طيبي ع 7 ميضأة سوق الطيبه فتك الصالحية (806) أبو سعيد لولو ع 6 ذ فحن.
(906) فتح الله بن عبد الكريم عر 4 خ في عينتاب وذ (884) محمد حماده ر 7 ذ فحن (877) زين الدين الخواجكي عر 4 ذ وخ بم الخواجكي في بنقوسا فحد (1187) يوسف بن علي السرميني ع 6 خ في زا الكمالية (811) السيد حمزه ر 5 مدرسته في القرب من أموي حلب وذ (825) طقتمر الكلتاوي عر 4 مدرسته (1166) أحمد جابري ع 6 ذ وخ فحن (903) بير حسن صدقه ر 5 خ وذ فحن.
(1145) مصطفى الشمره جي عر 5 ذ فحن (1105) يونس الحطبي عر 4(2/493)
ذ فحن وج المهمندار (1209) صالحه بنت البازرباشي ع 7 ذ فج قسطل الحرمي وج بنقوسا (1222) كسابقه (1197) حسين بن البازرباشي ع 5 ذ فحن (1139) عبد القادر بك في سلقين عر 5 ذ فحن.
(814) محمد الحويري ر 7 زاوية قرب كرى في معاملة شيزر فحن.
(1149) خالصه عثمان عر 1 ذ وخ فحن (1134) أبشير آغا في إدلب ر 7 م في المح الغربية (1157) حسب الله أفندي ع 5 ذ وخ فق مح أوغليبك (1245) شرف بنت مصطفى جابري ع 5 ذ فق مح المصابن (1250) محمد شريف بن ياسين ع 7 ج العمري وس خارج باب الجنان (681) عبد الرحمن علوان ر 5 زاويته فذريته فق.
(1128) الحاج موسى ابن الترزي ع 7 خ (1147) ناجية خاتون ع 7 خ وذ فحن (827) محمد بن أحمد الأشرفي عر 4 شرقية ج الزكي وذ فحن (909) محمد بن عثمان أوغليبك عر 4 خ وذ فحن.
(1054) عبد السلام بن فتح الله ع 6 ذ فحن (1168) محمد أمين وعمر ومراد في كلس ع 6 ذ فج البلاط وج الكبير في حلب (1199) عايشه بنت قاسم أمير ع 4 ذ فج الحاج موسى (985) أحمد بن ناصر الدين سيه جان ع 3 ذ ومكتبه وجامعه وج الميداني فحن (1189) زينب بنت الحاج موسى أمير ع 7 خ (1122) زليخا بنت خير الدين ع 7 خ في س وج بابللي (1195) رقيه بنت أحمد بن محمد ع 7 ذ فج الكبير فحن (1140) إسماعيل آغا الإسلامبولى ع 7 خ وقراء في ج الحرمي (1121) محمد في إدلب ع 7 ج جبلاذ وج الحمصي في إدلب (929) تقي الدين بن غفيل المنبجي عر 4 زا في منبج (879) زين الدين الخواجكي عر 4 ذ فحن (1275) عبد القادر بن قليو عر 5 ذ فخانقاه في الفرافره وفق المح (1201) عبد الله الجابري عر 5 ذ وط في سويقة على فخ (1241) عايشه بنت عبد القادر غزولي ع 7 ذ فق المح (974) محمد بن زين الدين ع 4 ذ فج الزكي (1120) شريفه بنت عبد القادر حجازي ع 3 ذ وخ فحن فج الكبير (846) أحمد بن تيمور بن سعيد الملطي عر 3 ذ وخ ومكتبه (939) فتح المرعشي عر 3 ذ وخ ( ... ) محب الدين أجار 4 (930)(2/494)
يحيى بن أجاره ذ وتربته (1131) محمد بن الجربان ر 6 ذ وخ فج عبد الرحيم في الكلاسه (1168) وضحه خانم ع 2 ذ وخ فحن (783) أبو بكر الكيكلدي ر 4 ذ وخ (865) عماد الدين الكيكلدي ر 4 ذ وخ (911) السلطان قانصوه الغوري را ذ وخ (1221) عبد الرزاق ملحيس ع 7 ذ وخ فج الميداني (1134) أسما بنت علي باشا عر 6 ذ فحن (1271) حسن البغدادي ر 7 ذ فج التوبة (1248) (1248) (1249) (1249) (1249) آمنة بنت عبد الرحمن شريف م الهندي في الفرافره (1259) (1260) (1262) (1264) (1268) (1269) المذكوره ذ (1265) ذي الحياة عتيقة إسماعيل شريف ع 7 ذ (1225) نائله بنت مصطفى مهردار ع 6 خ (1201) خالده بنت مصطفى كوجك على ع 5 ذ فحن (1203) سعيد بن كوجك على ع 5 خ فحن (1133) مصطفى بن كوجك على ع 5 ذ وزا الصالحية (1200) خديجه زوجة إسماعيل باشا ر 7 ذ (972) زين الدين ابن حسن العجمي عر 4 م القصب والمارستان النوري وذ فحن (1279) أسما بنت معلم القفل ع 7 خ وزا الكيالية (1151) جانبولات باشا في كلس عر 5 جامعه في كلس (1270) محمد قاظان ورفيقه ع 7 بئر في الكلتاوية (1265) صالح العطار ع 7 سبيله في باب النيرب وذ فج التوبة (1165) المذكور ع 5 ذ (962) محمد سعدي الأنبالي ع 4 ذ فحن (881) شمس الدين دغيم عر 2 ذ فق الباب (1277) رقيه بنت عبد الله في عينتاب ر 6 خ وذ ( ... ) أحمد الخانجي ع 6 ذ وخ فحن فق (....)
عبد الله المالندي عر 5 ذ وخ (1093) ناجية بنت نور الله الكوراني ع 7 ذ فحن فق (1154) نعمة الله بنت رجب ورفيقتها ع 7 ذ فحن فق (976) درويش بن محمد وأخوه عر 6 ذ فحن (1144) سراج حسن بن عابدين في عينتاب ذ (1110) الخواجه بهادر في كلس ر 7 ذ فحن (1229) عبد الكريم وزان الحرير ع 5 ذ وخ فحن وم بلوقيا (1189) خديجه بنت عبد المنان معتقة إسماعيل ر 4 ذ فج الطواشي وج الرومي وق (1020) يوسف مزيك ر 7 ذ فحن (928) شمس الدين محمد ورفيقه عر 6 ذ فحن ( ... ) علاء الدين بن المعلم ناصر الدين ر 7 ذ فحن (1119) شرف الدين البواطي ع 6 ذ فق مح الطونبغا (1271) عاتكه بنت نعمان شريف ع 6 خ (1274) أحمد أفندي ع 4 ذ وخ في مساجد مح المصابن فزا الصالحية (1168) ناصر آغا باقي ع 5 ذ فحن (1014) أحمد القادري الوفائي ر 5 تك أبي بكر الوفائي (1218) عايشه(2/495)
بنت أبي بكر غنام ع 6 ذ فحن (1133) عثمان بن أحمد عر 4 جامعه ومدرسته في عينتاب فحن (913) يونس الخواجكي ر 4 ذ وخ (1236) شرف بنت مصطفى جابري ع 4 ذ فق مح المصابن (1224) عفيف بن قاسم الجبريني ع 6 ذ فج الماجي (1163) أبو بكر غنام ع 4 ذ وخ فق.
(1281) عبد الغني دده عر 4 تك المولوية (1128) محمد ويوسف غربي كاتبي ع 6 ج التوبة فق مح باب النيرب (1291) آمنة بنت السراج الكلسي ع 7 شيخ زا شيخ تراب (1274) زينب بنت محمد الجمالي ع 7 قراء في الحجازية (1282) خديجه بنت عبد الله القصيري ع 7 ج الطونبغا وم العلمية فمجاوري المدرسة السيافية فق مح البستان.
(1290) سرور حموي ع 7 ذ فج الحموي (1076) بويني اكرى محمد باشا عر 4 ذ وخ فق الحد (790) الشيخ محمد البزاز عر 4 وخ فزا البزازية (1212) عطاء الله الجابي عر 4 ذ وخ فتك الشيخ أبي بكر (1289) عبد الغني دده مولوية أنطاكية فتك قونيه فق الحن (1199) عطاء الله بن محمد ع 2 ذ فمساجد حلب التي ليس لها أوقاف (1226) مصطفى بن شريف سمان ع 7 ذ فج شرف (1290) هبة الله بنت محمد باقي ع 7 خ فق سويقة حاتم (1176) هاشم بن أحمد البغدادي ع 6 ذ فق مح باب قنسرين (1113) أسد بن محمد جورباجي ر 5 ذ فحن (1183) أحمد أفندي قاوقجي ع 7 ذ وخ فج الزينبية وج الحيات وج السيدة في باب سراي حلب.
(1178) المذكور ع 6 ذ فالجوامع المذكورة (1190) المذكور ع 6 ذ وخ في م أصلان (1198) المذكور ع 6 ذ (1190) عفيفه بنت عبد القادر ع 6 ذ فم أصلان (1201) أحمد أفندي قاوقجي ع 7 ذ.
(1094) حسن بك بن رجب ع 4 ذ فحن (1260) حفظه بنت أقنجي ع 7 ذ (1250) نفيسه بنت عبد القادر باقي ع 6 ذ وخ في س العدسات (1219) الحاج طه سبحان ع 4 ذ فج الكبير وحن (1163) أحمد بن إبراهيم سياف ع 7 ذ فج مح الشميصاتيه (1260) حفظه بنت التونجي ع 7 ذ فحن (1136) عبد القادر أفندي الكيلاني عر 3 ذ فحن (1189) عايشه بنت قاسم أمير زاده ع 5 ذ وخ فحن(2/496)
(1274) أسما بنت أبحاهيم بجك ع 5 ذ وخ فزا الكيال (1294) الشيخ أحمد أفندي الصديق و 7 زاويته المعروفة بالمسجد الأحمدي (1234) الحاج أسد الله عر 5 ذ فتك الشيخ أبي بكر (1126) المذكور ع 7 خ.
(1278) الحاجه آسيه بنت إبراهيم ع 7 فحن فق مح ساحة بزه.
(1295) زليخا بنت عبد القادر كيالي عر 4 خ (1395) الشيخ محمد بن شريف رزاز (نقود) على إمام ج الرومي (1295) عبد الله أبري ع 6 ذ فسكنى فقراء محلة داخل باب النصر (1199) شرف بنت الحاج حسن عر 6 ذ وخ (1162) عفيفه بنت محمد أبازه عر 3 ذوم الروضة في سراي إسماعيل باشا (1196) محمد قرنه (نقود على إمام محلة المزوق فق مح البستان (872) عبد السلام ناصري عر 5 ذ فحن (971) علي بك بن عيد ع 5 ذ وخ وج بيكون في مح أقيول فحن (2294) الشيخ تراب ع 7 تكيته (880) صالح بن أحمد عرب ر 3 ذ وخ في زا لالا فحن ( ... ) جامع المهمندار ع 3 ذ وخ (893) الأرجحي ر 6 خ (896) أحمد بن محمد الأرجحي ر 6 ذ فحن (1282) هاشم بن محمد بيازيد ع 7 ذ فج مح البستان وج السكاكيني (893) الأمير مقبل بن عبد الله عر 5 ذ وخ فحن (1120) حسن بن علي افتخار عر 6 ذ فتك الشيخ أبي بكر (1128) المذكور ع 7 خ سكان داره الموقوفة (1106) أبو بكر حسن النجار عر 6 ذ فتك الشيخ أبي بكر (929) عقيل المنبجي عر 3 زاويته في منبج (1126) طه بن عثمان ع 5 داخل في وقفه السابق وج المغازلة (1292) خالد بن بكري بن جنيد ع 4 ذ وخ في م مقر الأنبياء فق (1212) حنيفه زوجة الخنكارلي عر 6 ذ فوقف زوجها (913) شرف الدين يوسف العادلي الخواجكي ر 6 ذ فحن فق (913) المذكور كسابقه (1214) زمزم بنت قاسم بن عبد الله ع 7 فم أبي ذر في الجبيلة (1275) أحمد آغا السياف ع 7 ذ وخ لتعمير منزله (1279) عبد القادر غنام ع 7 مسجده وسبيله (1278) فاطمه بنت عبد المنان ع 5 فم غنام وخ (1275) عبد القادر غنام ع 5 ذ فق المدينة (1293) عبد القادر غنام ع 5 فمسجده (1276) المذكور ع 5 ذ فالمساجد والجوامع (990) شهاب الدين عمر ع 5 ذ فحن (1166) عمر بك ابن الحاج سليمان ع 6 ذ (1229) آمنة وفاطمه بنتا المواهبي ع 6 ذ فسجادة القادرية من طرقية الخاني (1248) محمد بن عبد القادر(2/497)
عليقه ع 7 ذ وخ في زا المشاطية وسبيلها فج المشاطية (1169) علي الأميري معتق بنت الأميري ع 2 خ فق يثررب (1217) شرف بنت علي بن منصور ع 5 ذ وخ فمدرسة الشرقية (1261) عبد الغني دده ع 7 خ (1201) نفيسه بنت عبد الله ع 7 خ في ج شرف الدين في ساحة الجديدة وصهريج الحريري فق المح المسلمين (1282) يوسف الحسبي ع 7 سبيله وذ فم السروه وج أوغلبك (1298) هاشم بن محمد بيازيد ع 7 ذ فج الكريمية وحن (1298) الشيخ حسن أفندي وادي ع 7 زاويته (1193) حوى بنت عمر العطار ع 6 ذ وخ فالصالحية (1209) إسماعيل بن محمد المواهبي ع 7 الصالحية ثم يلحق بوقف حوى (1231) فاطمه بنت بكري الكردي ع 7 أبو اليمن شويخه فالصالحية فق الحن (1228) صندل آغا بن عبد الكريم ع 6 فق تك المولوية فالشيخ صالح سلطان وأولاده (1288) عبد القادر غنام ع 6 ذ وخ فمسجده (1288) المذكور كسابقه (1255) إسماعيل بن محمد علي بك أنطرمه لي ع 4 مدرسته (1218) محمد علي بن الحاج حجازي ع 6 ذ فج التوبة (1223) عمر الحبال ع 7 ذ فق الح المغازله (1270) فاطمه بنت أحمد المعصراني ع 7 خ (1274) المذكور كسابقه (1265) آمنة بنت خالد ع 7 ج الطرنطائية (1298) درويش بن ناصر عر 6 ج الطرنطائية (1298) آمنة بنت طالب ع 7 ج بادنجك فق مح محمد بك (1290) عايشة بنت يونس بكري ع 7 شيخ زاوية الطرنطائية فمدرستها (1277) خديجه بنت إبراهيم ع 7 ذ فزا العقيلية (1187) عبد الله وحسب الله موقع ع 7 ذ فق مح باب النصر (1178) المذكورين كسابقه (1226) عايشه بنت طه النقانقي ع 7 خ ودرب ماء ج الزكي فق مح باب النصر (1176) محمد بن حسن حريري ع 7 خ وزا العقيلية (1231) عبد القادر شيخبندر ع 7 ذ فج الزينبية (1256) بكري الأرمنازي ر 7 عبد القادر كيال وابنه طه وأعقابهما فزاوية الكيال (1256) يوسف بن باكير الأرمنازي ر 7 عبد الجليل وإسماعيل كيال وأعقابهما فزاوية الكيال (1264) مصطفى بن محرم العنبرجي ر 5 كسابقه (1204) آمنة بنت عبد الجواد كيال ع 6 خ في زا الكيال (1168) عبد الوهاب شريف ع 7 ذ فحن (1167) المذكور ع 7 خ (1299) خليل بن عبد الكريم عقاد ع 7 ج الأربعين في العقبة فق (1206) فاطمه بنت حجازي غنام ع 7 خ (1208) أحمد بن رجب المعرواي ع 7 ذ فشيخ الصالحية.(2/498)
(1271) وحيد بن محمود جمال ع 7 ذ فق الحن (1279) مصطفى بن محمد الزهراوي ع 5 خ في الحجازية وج الكبير فق (1168) أحمد بن أمير ع 6 ذ فج البلاط وج الكبير (1191) آمنة بنت أحمد الجوخه جي ع 7 ذفق الحن (1296) شريف ابن محمد لبنيه ع 5 ج البكره جي فق المح (1276) إسماعيل بن عبد الجواد كيال عر 4 ذ فزا الكيال (1277) محمد بن مصطفى علبي عر 4 ملحق بوقفه الآخر.
(1256) وفا بن محمد الرفاعي ع 7 ذ فزا الشيخ تراب (1222) زليخا بنت أمين الحفار ع 7 ذ وخ فق مح البستان (1263) فاطمه بنت محمد الفحام ع 7 خ (1131) محمد وعبد الرحمن ابنا بكر ع 7 س في مح سويقة علي وخ فيه (1230) علي بن ياسين ع 7 س في الجديده.
(1204) علي بن عبد الجواد ع 7 خ (1276) رشيد بن أحمد شريفه ع 6 خ في الشعبانية (1218) إبراهيم أمير زاده ع 6 خ.
(902) الزينبي سالم بن سالم ر 6 ذ (1204) ملا أحمد بن مصطفى ع 5 خ في ج قاضي عسكر وس في محلته (1300) محمد صديق بن عبد الحميد الجابري ع 7 مد النارنجية فأقرب جامع إليها (1185) عثمان معتق علي آغا أميري ع 7 خ (1144) عبد الوهاب عمادى عر 5 ذ.
(1274) صفيه بنت محمد حسبي ع 7 ذ فج الحموي (852) عمر بن موسى ابن علي المهمندار ع 6 ذ فج المهمندار (1040) فاطمة بنت محمد ع 7 ذ (1206) عفيفه بنت عبد الرحيم ع 7 خ في ج بردبك.
(963) محمد باشا دوقه كين عر 1 جامعه في حلب وأركلى وذ.
(1185) عبد القادر بن حسين أميري ع 6 سبيله ومكتبه (1306) الشيخ محمد ابن محمد كحيل ر 7 ذ فج الإسماعيلية (1133) عبد الله بن محمود الرهاوي ع 7 خ وذ (835) إقبال بن عبد عبد الله بن متولي الحجر ع 2 ذ فم المدينة ومكة والقدس (1212) صالح بن محمد قطان ع 7 عبد القادر الرفاعي وأعقابه فم خير الله (1141) عبد الله بن عبد العزيز ع 5 خ (1275) بنبة بنت عبد الله بن عبد المنان ع 6 مد الصلاحية.(2/499)
(1282) عايشه بنت موسى الكردي ع 6 خ في م القدروي.
(1202) محمد بن يحيى نقيب ع 5 خ في ج قسطل الحرامي.
(1175) محمد بن قاسم وزوجته صالحه ع 7 ذ فخ في ج قسطل الحرامي (1282) أحمد بن محمد جنديه ع 7 خ في م سعد الله الملطي (1189) صفيه بنت حسب الله ع 7 خ (966) نور الدين بن عمر العزيزي ع 7 ذ فحن (1305) محيي الدين بن سعد البادنجكي ع 6 ذ فزا الطرانطائية (1306) فاطمه بنت شريف قرنه ر 7 خ في سر القرنه في سوق باب (1307) محمد رأفت بن أحمد المدني ع 7 ذ.
(1303) عايشه بنت رجب ع 6 ذ فق مح الأكراد (1264) حميده بن صالح العطار ع 6 ذ فق مح الأكراد (1264) حميده بن صالح العطار ع 6 ذ فزا الكيال (1263) عبد الله بن علي المشتوق عر 6 ذ فج قرمط (1194) عبد الله بن محمد جمعه ز 7 ذ فق فق الحن (999) عثمان بن أحمد علبي عر 3 ذ فق الحن (1162) محمد بن كمال الدين رام حمداني ع 5 ذ (1171) عبد الرحمن فتحي زنابيلي ع 7 ذ فق مح الطبله (1286) ياسين بن صالح طيبي ع 7 زا سعد اليماني فج المشاطيه (1304) صالح بن محمد جاوش ع 7 س في ج الترسوسي (1274) علي بن يحيى الصرماياتي ع 7 ذ (1267) أسعد أفندي الجابري عر 4 ذ وخ (1270) المذكور 7 ذ وخ (1272) المذكور خ في م أزدمر وغيره (1195) عبدي باشا ع 7 خ في ج الكبير وج بلوقيا (1306) محمد بن بكري «نقود» 7 خ في اليشبكية.
(1198) يحيى بن درويش ع 6 ذ فق الشيخ أبي بكر وخانقاه الفرافره (868) محمد الزيني عمر ر 6 ذ فحن (1218) زينب بنت محمد زنابيلي ع 7 ذ فق المدينة المنورة (1297) حسن بك بن إبراهيم باشا عر 4 ذ وخ في ج القدوري فج أبي يحيى في الجلوم (1073) محمد ناصر الدين عر 5 ذ فق (1191) محمد بن كمال الدين رام حمداني ع 4 ذ فحن (1215) محمد بن ياسين بن مصطفى ع 6 ذ وخ فج الموازيني (1186) محمود جباره الأوسط ع 6 س في درب ج البكره جي وج البكره جي (1180) إسماعيل ابن عبد الله ع 4 ذ وخ فج البكره جي وج سليمان (1195) محمد بك بن عبدي باشا ع 5 زا الشيخ تراب (1131) عفيفه بنت محمد آغا ع 7 خ فج الطواشي (1289) حليمه بنت خليل ع 7 ذ فج الأصفر في الجلوم (1297) عبد الله بن محمد(2/500)
ع 6 ذ وخ (1148) مريم بنت خليل أشكجي ع 7 ذ فج العثمانية وج الشعبانية.
انتهى الجزء الثاني المشتمل على الباب الأول بعد المقدمة ويليه الجزء الثالث المشتمل على الباب الثاني في ذكر الدول التي تداولت مدينة حلب أو شيئا من مضافاتها والأمم التي توطنت في حلب وأصقاعها من قديم الزمان وحديثه. ثم أتبع ذلك بذكر ما كان من الحوادث والكوائن في زمن كل دولة وأمة وهو مفتتح بقولي:
الحمد لله الدائم الباقي، وكل ما سواه فان، المحيط واسع علمه بما يكون وما كان إلخ(2/501)
فهرست الجزء الثاني من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب
الموضوع الصفحة
مقدمة المؤلف 5
خلاصة ما قاله المتقدّمون في أسوار مدينة حلب وأبوابها وقلعتها 7
أسوار مدينة حلب 7
أبواب مدينة حلب 10
قلعة الشريف 12
خلاصة ما فهمناه من كلام المتقدّمين ودلّنا عليه الاستقصاء في أسوار حلب وأبوابها 13
هيئة السور والأبواب في زمن المؤلف 18
خندق البلدة 23
قلعة حلب 23
ما قاله المتقدّمون في قلعة حلب 23
الكلام على تشخيص القلعة وما آل إليه أمرها 29
بعض ما مدحت به القلعة 36
في معنى الحارة والخطّة 38
حارة الجلّوم الكبرى 39
حارة الجلّوم الصغرى 39
آثار الجلّوم الصغرى 40
جامع أبي يحيى 40(2/503)
الموضوع الصفحة
سبيل هبة الله الكواكبي، مدرسة الكواكبي، مسجد أبي النور 41
سبيل زهير آغا 41
آثار الجلّوم الكبرى 41
جامع البهرامية، وخلاصة كتاب وقفه 41
المدرسة الأحمدية وخلاصة كتاب وقفها 45
البيمارستان النوري وفيما كان بحلب من البيمارستانات 53
مسجد الشيخ عبد الله 54
مسجد أبي الدّرجين، التربة الخشابية 55
جامع الأصفر، سبيل الأصفر، الزاوية الهلالية 56
المدرسة المقدمية 57
مدفن الجلبي 58
الخانقاه الكاملية، سبيل الست منور،
مسجد خان الطاف، مدفن أحمد باشا مطاف 59
البزازية، مسجد في سوق الغزل، مسجد بني الحلفا 60
مسجد زقاق الشيخ نعسان، مسجد الحرام، مسجد تحت باب أنطاكية، مسجد القمري، المسجد العمري 61
مسجد جادة البرقة، مسجد الزيتونة، جامع الكميني 62
المدرسة اليشبكية، مسجد الشيخ معروف، كنيسة الرهبنة الفرنسيسكانية 63
سبلان هذه المحلّة 64
خاناتها وقياصرها (قيسارياتها) حماماتها 65
مدرها، أفرانها، كرخاناتها 66
بيوت القهوة فيها، بقية الآثار القديمة في هذه المحلة «حمام الزجاجين» ، المدرسة الزجاجية 67
الأسر الشهيرة في هذه المحلة 68(2/504)
الموضوع الصفحة
دورها العظام 69
محلة العقبة 70
آثارها: جامع التوتة، مسجد في رأس زقاق الخواجة 71
مسجد ديك العرش، مقام الأربعين، جامع القيقان 72
جامع الكيزواني، الزواية الكمالية، سبلان المحلّة 73
خاناتها وقاسارياتها وحمّاماتها ومدرها، الآثار المندرسة فيها 74
الأسر الشهيرة فيها والدور العظام 75
محلّة قلعة الشريف 76
آثارها: جامع العاشورية، مسجد الشيخ سعيد الأسمر 76
مسجد العلمي، مسجد الغندورة، مسجد الشيخ محمد التابتي، قسطل عين البقرة، سبيل الغندورة 77
محلّة داخل باب قنّسرين 78
آثارها: جامع الديري، مسجد الشيخ شريف، جامع الكختلي 78
جامع الكريمية، وخلاصة كتاب وقفه 79
مسجد الطرسوسي، المدرسة الأسدية، جامع صفي الدين 81
جامع الشيخ حمود، البيمارستان الكاملي 82
مسجد ميرو، مسجد داخل بوّابة خان القاضي 83
سبلان المحلة وقساطلها بقية مبانيها العظيمة، الأسر في هذه المحلة 84
محلة ساحة بزّة 86
آثارها: جامع البقّ، كلمة في البق، جامع الشيخ زين الدين 87
جامع منكلي بغا «المعروف بجامع الرومي» ، المسجد العمري، المدرسة الحدادية 88
المدرسة السفاحية، جامع العادلية وكتاب وقفه 89(2/505)
الموضوع الصفحة
المدرسة الأتابكية، مدفن كوهر ملك شاه 92
المدرسة الخسروية وخلاصة كتب وقفها 93
المدرسة الظاهرية الجوانية المعروفة بالمدرسة السلطانية 98
المدرسة الغوثية 99
مسجد النبي، ومدفن كالب بن يوفنا 100
عرصة الفراتي، مسجد زقاق النبي 102
مسجد الخريزاتي، جامع الموازيني (جامع تغري بردي) ، زاوية الأخضر 103
جامع الخيمي، جامع إسماعيل باشا، زاوية الشيخ تراب، المكتب الرشدي العسكري 104
سبلان المحلّة وقساطلها وخاناتها وقيسرياتها 105
حمّاماتها ومدرها وأفرانها وبيوت القهاوي فيها 106
الأسر الشهيرة في هذه المحلة 107
محلّة الفرافرة 108
آثارها: المدرسة الإسماعيلية 108
زاوية النسيمي، مسجد الشيخ فرج، المدرسة الحسامية 109
جامع الناصرية 110
العصرونية 111
المنصورية، وخلاصة كتاب وقفها 112
جامع الدّليواتي، مسجد أزدمر 113
مسجد الشاذلي، المدرسة الهاشمية، جامع الزينبية 114
خلاصة كتاب وقف الزينبية، الخانقاه الناصرية 115
المدرسة الشعبانية، وخلاصة كتاب وقفها 116
المدرسة السّيافية وخلاصة كتاب وقفها 117
مسجد الحريري، مسجد زقاق القنايات، مزار الشيخ عبد الله 120(2/506)
الموضوع الصفحة
سبيل الجالق، سبيل مؤيد بك، سبيل تجاه جامع الناصرية وغير ذلك، حمامات المحلة ومدرها وأفرانها والآثار المندرسة فيها 121
الأسر الشهيرة في هذه المحلة 122
محلة داخل باب النصر 123
المدرسة الرضائية وخلاصة كتب أوقافها الثمانية عشر 124
ماء هذه المدرسة ووقف المرحوم تقي الدين باشا 133
جامع المهمندار 134
المدرسة القرناصية، المسجد الذي يقال إنه عمري 135
مسجد الشيخ علي الهندي، مسجد المضماري، سبلان المحلة وقساطلها 136
الأسر الشهيرة فيها 137
محلّة سويقة علي 138
آثارها: جامع الحاج موسى وخلاصة كتاب وقفه 138
مسجد (مدرسة) النارنجية 145
جامع الفستق، المدرسة الجردكية 146
زاوية أصلان دده، مسجد معلّق، المدرسة الصلاحية 147
الزاوية الجوشنية 148
المسجد المعلق، مسجد إبراهيم خان، مسجد علي 149
مسجد خان الكتّان، مكتب الصاحبية، سبلان هذه المحلة، خانات هذه المحلة وبقية آثارها 150
حمّام الواساني، أسر هذه المحلة 151
محلة الدباغة العتيقة 152
جامع الدباغة، مسجد شمعون 152
مسجد البكفالوني 153
محلة البندرة 154(2/507)
الموضوع الصفحة
مسجد الحاج تقي الدين باشا، مسجد القدوري 154
المسجد العمري، المحكمة الشرعية 155
مسجد غنام وسبيله، وبقية سبلان هذه المحلة وغيرها من الآثار، دار الجانبلاط 156
محلة المصابن 158
الزاوية الصالحية 158
مسجد الشربجي، مسجد قسطل الحجارين، مسجد النحويّين، مسجد بوابة المصابن، المدرسة الشاذلية، مسجد الشيخ بدران، مكتب الأيتام وغيره 159
قسطل الحجارين، سبيل العداس، سبيل الأميري، سبيل يلبغا وقسطل أبي الدرجين والحمام الجديد، جادتان في هذه المحلة، أسر هذه المحلة 160
محلة بحسيتا 161
مسجد سيتا 161
الجامع العمري 162
المدرسة القرموطية، مسجد القرمانية، مسجد القطان، مسجد الشماع قسطل رجب باشا، قسطل السلطان 163
جنينة التوينة، برج الساعة، كنيس اليهود 164
أسر هذه المحلة 166
محلّة جب أسد الله 167
المدرسة الحلاوية 167
الكلام على تشخيصها في الحالة الحاضرة 170
أوقافها 173
بقية آثار هذه المحلة 176
حمام البيلوني المعروف بحمام موغان 176
جامع بش قبة، الجامع العمري 177
الجاولية، بقية آثار هذه المحلة وخاناتها 178(2/508)
الموضوع الصفحة
خان الصوفي، قصر مرتضى الدولة، وأسر هذه المحلة 179
محلة سويقة حاتم 180
الجامع الأموي الكبير، خلاصة ما قيل فيه، حالته الحاضرة، الحضرة النبوية، الدفين في هذه الحضرة وبقية الكلام على جهات الجامع 180
دار القرآن العشائرية 196
مرتبات الجامع 197
أوقافه 198
كتاب وقفه 200
مطاهر الجامع 201
المدرسة الشرفية 202
الخانقاه الزينبية 204
زاوية بيت الكيّالي 204
سبيل الجزماتي 205
الزاوية الجعفرية 206
المدرسة الأرغونية، مسجد في زقاق الزهراوي وغيره ودار الحديث وغيرها 206
المدرسة الرواحية، أسر هذه المحلة 207
محلة الكلاسة 208
جامع الشيخ عبد الرحيم 208
مسجد الشيخ حسن الراعي، مسجد الشيخ شهاب الدين وغيره، مسجد أبي الرجاء، جامع حسّان، مشهد الشيخ محسن ومشهد الحسين 209
مشهد عبد الله الأنصاري (أو: سعد الأنصاري) 214
مشهد الشيخ سعيد، الآثار المندرسة قرب مشهد الشيخ محسن، والأسر في هذه المحلة 215
حارة المغاير 217(2/509)
الموضوع الصفحة
حارة الفردوس 218
عمارة ضيفة خاتون 218
عمارة الهروي 221
بقية آثار هذه المحلة 223
حارة المقامات 224
آثارها وهي كثيرة 224
محلّة المعادي 228
جامعها وغيره، بقية آثارها ومغايرها 228
محلّة جسر السلاحف 230
محلة الشماعين وبقية آثارها 231
محلة العينين وآثارها 234
تكية مولى خان (المولى خانة) 234
محلة القوانصة 238
محلة المشارقة وآثارها 239
محلة الكتّاب وآثارها 240
محلة الجميلية وآثارها 241
المكتب الإعدادي 243
الجامع الحميدي وكتاب وقفه 243
مستشفى مارلويس ومحطة الشام، مكتب دار المعلمات 246
دار الأيتام، كنيس اليهود، بقية آثار هذه المحلّة وأسرها 247
محلة قارلق، وآثارها 248
محلة تاتارلر، وآثارها 250
محلة الدلالين 251
جامع الأحمدي وكتاب وقفه 251(2/510)
الموضوع الصفحة
محلة الصفا، محلّة المشاطية وآثارها 253
محلة الفرايين الفوقاني وآثارها 254
محلة الفرايين التحتاني 254
محلة شاكر آغا 255
محلة حمزة بك وآثارها 255
محلة ابن يعقوب، وآثارها وأسرها 256
محلّة البلّاط التحتاني وآثارها 258
محلة خان السبيل 260
جامع بانقوسا 260
قبر بانقوس 260
كلمة بانقوسا 262
كتاب وقف جامع بانقوسا 262
الكلام على قهوة البن 263
بقية آثار هذه المحلة وأسرها 264
محلة جقورجق 265
محلة صاجليخان الفوقاني 265
محلة البلّاط الفوقاني وآثارها 266
محلة جب قرمان وآثارها 267
محلة صاجليخان التحتاني وآثارها 268
محلة تلعران وآثارها 269
محلة الضّوضو وآثارها 271
محلة السخانة، ومحلة البقّارة 273
محلة محمد بك وآثارها 274
جامع الطرنطائية، قسطل علي بك، جامع قرمط، جامع شبارق، مدرسة البدوي، زاوية الشيخ حيدر، جامع التوبة 274(2/511)
الموضوع الصفحة
حارة كتّان وآثارها 278
محلة بادنجك وآثارها 279
محلة الصفصافة وآثارها 280
محلة الدحدالة وآثارها 281
محلة البستان وآثارها 282
محلة الأعجام وآثارها 283
جامع الأطروش 283
مسجد أشق تمر 285
بقية آثار المحلة 286
محلة داخل باب المقام وآثارها 287
مقبرة الصالحين 289
محلة المغازلة وآثارها 290
جامع بيز (بزة) 290
محلة داخل باب النيرب 293
جامع الطواشي وبقية آثارها 293
محلة ألطنبغا 296
جامع ألطنبغا (جامع الساحة) 296
بقية آثار المحلة، حمام الناصري، تربة أرغون الدودار الناصري، الأسر في هذه المحلة 297
محلة أوغلبك 298
جامع أوغلبك، الزاوية الصيّادية 299
بقية آثار هذه المحلة وأسرها 300
محلة البياضة وآثارها: 301
جامع الحموي، جامع الصروي 301(2/512)
الموضوع الصفحة
مسجد سعد الله الملطي، التكية الإخلاصية 302
بقية آثاره هذه المحلة وأسرها 303
محلة مستدام بك، جامع المستدامية وأوقافه 305
المدرسة الرحيمية وبقية آثار هذه المحلة 307
محلة شاهين بك 308
المسجد العمري وغيره، تكية القرقلار 308
عين العوينة، دار الحكومة 309
محلة الجبيلة وآثارها: 310
المدرسة الكلتاوية 310
الكلتاوية الصغرى والأتابكية 310
آثار هذه المحلة، مسجد إسكندر وتربته وغيرها 312
محلة قاضي عسكر وآثارها 313
جامع هذه المحلة، أسرها 313
محلة ابن نصير وآثارها 314
محلة الأبراج وآثارها 314
محلة الشميصاتية وآثارها: 315
جامع الحدادين 315
بقية آثارها، الرباط العسكري «القشلة» 316
زاوية الشيخ يبرق وكتاب وقفها 318
تربة اعرابي، قرية بابللى ومسجدها، مشهد الشيخ فارس 322
محلة الملندي 323
آثار هذه المحلة 323
محلة أغير 324
تكية بابا بيرام 325(2/513)
الموضوع الصفحة
طائفة القلندرية، مشهد الصوفية 326
جامع الأجه بك، مسجد التينة 326
القسطل الأسود 327
بقية آثار هذه المحلة، مسجد البختي 327
محلّة الرمادة 327
حارة الألماجي 328
جامع الميداني 328
مسجد سيه جان 329
مسجد الفرّاء، حمام الصارمي وقاساريته، بقية آثار هذه المحلة 329
حارة الشّرعسوس 331
كنيسة طائفة الروم الكاثوليك 331
حارة قسطل المشط 332
قسطل هذه المحلة ومسجدها 332
حارة البساتنة 334
مسجد قنبر 334
حمام البساتنة 334
محلة قسطل الحرامي 335
جامع بردبك 335
تربة شرف الدين، جامع الابن، مسجد العاشور 337
بقية آثار هذه المحلة: قسطل الرمضانية، قناة بردبك، الرمضانية، مستشفى الرمضانية العسكري 338
حارة زقاق الأربعين 340
حارة بيت محب 341
زاوية العقيلية 341(2/514)
الموضوع الصفحة
حارة ترب الغرباء وآثارها: 342
تكية المخملجي، مسجد الشيخ وفا، مسجد نور الدين، قسطل ترب الغرباء، كنيسة السريان اليعاقبة، كنيسة البروتستان 343
حارة المرعشلي 344
مسجد المرعشلي 344
بقية آثارها 345
حارة جقور قسطل 346
آثارها: مسجد العريان وغيره 347
حارة الماوردي وآثارها 348
حارة خراب خان: جامع الشيخ قاسم النجار 349
بقية آثار هذه المحلة 350
حارة عنتر 351
قسطل الزيتون 351
حارة النوحية وآثارها 352
حارة الشيخ أبي بكر وتكيته 353
مستودعات لحفظ الأعتاد الحربية، الميدان الأخضر 354
نموذج الزراعة، دار اللبن، دار المعلمين، العين البيضاء 355
عين التل، عين الميدان 356
حارة النيّال 357
حارة الحميدية 359
حارة السليمانية 360
حارة الأكراد 361
جسر الكعكة 362(2/515)
الموضوع الصفحة
حارة الطبلة 363
جامع الزكي، زاوية البعاج 364
بقية آثار هذه المحلة 365
محلّة القوّاس 366
مسجد السيدا 366
كنيسة الرهبنة اليسوعية 367
حارة المغربلية 368
مسجد الأكحل 368
حارة العطوي الكبير ومسجدها 369
حارة العطوي الصغير ومسجدها 370
حارة عبد الرحيم 371
حارة عبد الحي 372
جامع شرف 372
حارة الهزازة 374
مستودع ماء عين التل 374
حارة الغطاس 376
مقبرة الهمداني 376
حارة التومايات 378
كنيسة طائفة الأرمن الكاثوليك 378
حارة الصّليبة (الكبرى) 381
أسرها وآثارها 382
كنيسة الروم الأرثوذكس 383
كنيسة الأرمن 384(2/516)
الموضوع الصفحة
كنيسة طائفة الروم الكاثوليك 387
كنيسة الطائفة المارونية 389
الكلام على الموارنة 391
كنيسة السريان الكاثوليك 391
حارة الصليبة الصغرى 393
حارة بالي برغل 395
محلة العزيزية 396
كنيسة الطائفة الكلدانية 397
مدرسة الراهبات مار يوسف 398
مدرسة الرهبنة البيضاء 398
كلمات حول هذه الرهبنة 399
كنيسة اللاتين، مستشفى الطبيب أنطونيان والمنشية 399
المخفر العسكري، منتزه السبيل، الرباط العسكري 400
محطة بغداد، والأسر المسيحية 400
حارة الشمالي (الجديدة) 401
جامع ابشير مصطفى باشا وكتاب وقفه 401
كوجك كلاسة، مسجد المحتسب وغيره 405
حارة القصيلة وآثارها 406
حارة القرباط 409
حارة البقّارة 410
مزار الشيخ جاكير 410
حارة أعراب المشارقة 411
الأوقاف الإسلامية 412
الأوقاف الذرية والأوقاف الخيرية 414(2/517)
الموضوع الصفحة
الأوقاف وأقسامها وإدارتها 414
خلاصة كتاب وقف إبراهيم خان وعلاء الدين ذي القدري 415
خلاصة كتاب وقف علاء الدين 423
جدول مستخرج من سجلات المحكمة الشرعية يتضمن الإشارة إلى نحو 1300 كتاب وقف 427
الرموز المستعملة في الجدول الآنف الذكر 428
الجدول المستخرج من سجلات المحكمة الشرعية 428
جدول الوقفيّات الموجودة في السجلات المشوشة التاريخ 482
الوقفيات المحررة في سجلات إدارة الأوقاف 486
خاتمة هذا الجزء 501
الفهرس 503(2/518)
[الجزء الثالث]
كلمة لا بد منها
بهذا الجزء الثالث من «نهر الذهب» ينتهي الكتاب، وقد تأخر ظهوره قليلا بسبب عزم الناشر على طباعة الكتاب بطريقة التنضيد الضوئي بدلا من طريقة التصوير التي تبقي متن الكتاب كما كان عليه قبل سبعين سنة خلت. وهكذا قمت بتحقيق الجزء الأول ومراجعته والتعليق عليه. كما قام الدكتور شوقي شعث بمثل ذلك في الجزء الثاني، على ما تقتضيه الطرائق العلمية.
هذا، وقد تابعت العمل في هذا الجزء الثالث- الذي ينتهي به الكتاب- بالطريقة نفسها التي سرنا عليها في الجزءين السابقين، وحرصت على تقسيم المتن إلى فقرات رئيسية، وعلى الاهتمام بعلامات الترقيم في مواضعها المناسبة، لأن الكتاب أصلا يكاد يخلو منها.
وقد تكونت لديّ خلال ذلك جملة من الملاحظات المتعلقة بهذا الجزء خاصة. رأيت ذكرها ضروريا، وأنا أجملها فيما يلي:
1- يلاحظ القارئ ضخامة الجزء الثالث، بالقياس إلى سابقيه، وسبب ذلك أن المؤلف- رحمه الله- تحدث فيه عن تاريخ حلب والحوادث التي طرأت فيها منذ الفتح الإسلامي، سنة سنة، على طريقة الطبري وابن الأثير في تاريخيهما، حتى سنة 1338 هـ، الموافقة لسنة 1920 م. زد على ذلك أنّ المؤلف استطرد كثيرا إلى ذكر حوادث لا تتصل بتاريخ حلب، مثل كلامه على الإنكشارية، وأسباب الزلازل، والحرب العامة «الأولى» ، وتاريخ بني عثمان، والدولة الفرنسية. وكذلك إفاضته في الكلام على الحوادث التي عاصرها، أو كانت قريبة من عصره.
2- في هذا الجزء أغلاط مطبعية كثيرة، غير ما ذكره المؤلف في جدول إصلاح الغلط، المثبت في آخر الجزء. وبعضها كان ترخصا من المؤلف في الكتابة، وعدم الالتزام بطريقة واحدة في الرسم.(3/5)
وقد صححت الأغلاط المطبعية والإملائية كلها، ولكني لم أشر في الهوامش إلا إلى المهمّ منها. أما ما كان من أسلوب المؤلف في الكتابة، ومن لغته وإنشائه، فقد أبقيته كما هو؛ لأن المؤلف أشرف على طباعة الكتاب بنفسه فهو بمنزلة النسخة الخطية الخاصة به.
ولذا علقت على تلك المواضع، أو أشرت إليها، لئلّا يظن القارئ أنها أغلاط مطبعية.
ولم أبدّل في النص أو أتصرف فيه إلا إذا كان شعرا مضطرب الوزن، أو كان نثرا منقولا، أصابه التحريف أو النقص في النقل، فعندئذ أقوّم الوزن أو أصلح التحريف والنقص بعد العودة إلى المصدر الأصلي، مع الإشارة إلى ذلك في الهوامش. وقد وضعت بين مربعين ما زدته من أجل تقويم النص واستقامة التركيب.
3- ينفرد هذا الجزء الثالث بأن المؤلف أثبت فيه بعض الحواشي، وهي قليلة، فذيلتها بكلمة «المؤلف» لئلا تختلط بغيرها مراعاة للأمانة العلمية.
4- لا يلتزم المؤلف برسم واحد معتمد لأعلام المدن والأشخاص، أو للكلمات الأعجمية، فتقرأ في هذا الجزء مثلا: «الإنكشارية، واليكجرية» وهما اسمان، أو لفظان، لمسمّى واحد، وكذلك بلدة «أدنة» التركية، ترد عنده بعدة أشكال أخرى:
«أذنة، آذنة، أطنة ... » . ومثل ذلك: «الأرناووط، الأرناوود، الأرناود، الأرناوط» و «طولمبة، طلنبة» يعني المضخّة ... إلخ. وقد تركت ذلك كله على ما هو عليه واكتفيت بالإشارة إليه هنا، بغية الاختصار، وإزالة لما قد يعتري القارئ من شكّ أو التباس، إزاء تعدد الصور في رسم الكلمة الواحدة.
5- بعض الكلمات الغريبة- وهي قليلة جدا- كانت تتكرر في صفحات هذا الجزء، فكنت أعيد شرحها ثانية باختصار بدلا من الإحالة على صفحة سابقة، خدمة للقارىء المتعجّل.
تلك هي جملة الملاحظات التي بدت لي في هذا الجزء. والله الهادي إلى سواء السبيل.
حلب 5/12/1991 محمود فاخوري(3/6)
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الباقي وكل ما سواه فان، المحيط واسع عمله بما يكون، وما قد كان، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على خيرة بني الإنسان وتابعيهم بإحسان، ما توالى الجديدان وتعاقب الحدثان.
وبعد، فيقول العبد الفقير إلى الله كامل بن حسين بن محمد بن مصطفى الغزّي البالي الحلبي: هذا هو الجزء الثالث من كتابي (نهر الذهب في تاريخ حلب) وهو الجزء الضّامّ بين دفتيه الباب الثاني المخصص بذكر ما طرأ في مدينة حلب وبعض أعمالها وما نشأ فيهما من الحوادث والكوارث التي هي تنقّل الدول وتبدّل الحكام والحروب والزلازل والصواعق والحرائق والأوبئة والطواعين والفتن والقحط والغلاء والمجاعات، وغير ذلك من الكوائن والنوازل المعدودة من غرائب الأمور وعجائب المقدور.
افتتحت هذا الباب بإجمال أشرت به إلى الأمم التي أوطنت حلب وأصقاعها، والدول التي تولتها قبل الفتح الإسلامي. وأعقبته بإجمال آخر ألمعت به إلى الدول والرجال الذين تولوا حلب وحكموا فيها بعد الفتح. ثم أتيت بفصل ذكرت فيه خلاصة من خبر فتحها عن يد المسلمين. ثم أفضت بذكر ما كان فيها وفي بعض أعمالها من الحوادث في زمن كل دولة من الدول التي تولت أحكامها مرتبا إياها على السنين، بادئا بذكرها منذ سنة (16) هـ منتهيا منها بالسنة التي يصدّ فيها القلم عن شوطه صادّ محكم وقضاء محتّم.
وكنت أعددت لهذا الباب مسودة يربو مجموعها على ألفي صحيفة، نحوت بها منحى الإسهاب والإطناب، ثم عدلت عن هذا المنحى إلى سبيل الإيجاز والاختصار إرضاء لأكثر الناس الذين تميل رغباتهم إلى الوجازة وتملّ من الإطناب والإطالة. ومن الله أستجدي الإمداد وأستهدي بنور هدايته إلى سنن الرشاد والسداد.(3/7)
إجمال في ذكر الأمم التي أوطنت حلب وأصقاعها والدول التي تولتهما قبل الفتح الإسلامي
أول من أوطن هذا الصقع الآراميون، أي بنو آرام بن سام، وهم الكلدان ثم السريان.
وفي أثناء وجودهم في هذا الصقع كان فرار الخليل من النمرود فجاء إلى حلب وبقي فيها مدة ثم قصدت حلب إحدى طائفتي الحثيين، وهم من ولد حث بن كنعان، رابع أبناء حام، وكانوا يسكنون جبال أمانوس فتغلبوا على الآراميين وطردوهم من صقع حلب وأسسو في هذه النواحي مملكة قوية كادت تضاهي المملكة المصرية في وقتها.
والحثيّون مختلف في جنسيتهم: فالجراكسة يزعمون أنهم هم الحثيّون، وبعضهم يرى أنهم هم اللاتين، ومن الناس من يزعم أنهم عرق تاتاري. والله أعلم.
امتدت سطوة الحثيين إلى جميع سوريا والجزيرة وبلاد اليونان وآسيا الصغرى وبلاد إيطاليا وتغلبوا على مصر. ويقال إن الملوك الرعاة فيها كانوا منهم. ثم إن ملوك مصر تغلبوا على الحثّيين في هذه الجهات وملكوها منهم، وهم تدمس الأول وتدمس الثاني، وذلك قبل الهجرة المحمدية بنحو 3708 سنة، أو أقل بنحو 15 سنة. ومن آثار أولئك المصريين في حلب الحجر الأسود المحرر بقلم الهيروكليف بجدار جامع القيقان الذي أشرنا إليه في الكلام على محلة العقبة في الجزء الثاني.
ثم إن الحثيين حاربوا المصريين وأخرجوهم من حلب وأصقاعها، فمشى عليهم تدمس الثالث وملك منهم صقع حلب وغيرها من بلاد سوريا فصالحوه على ما ملكه من بلادهم.
وبقيت بأيديهم إلى أن نقضوا الصلح في أيام رعمسيس الثاني فقصدهم مع من اجتمع إليه من سكان سوريا وتألب عليه بقية ملوكها وحشدوا لقتاله جيشا جرارا كان منه مع ملك حلب فقط ثمانية عشر ألف مقاتل. ونشبت الحرب بين الفريقين قرب بحيرة قادس أو(3/9)
قدس، وهي بحيرة حمص، فكان الظفر لرعمسيس، وتمزق جيش الحثيين وغرق الكثير من حاميته. وكان من جملة الغرقى ملك حلب غير أنه نشل من الماء ونكس فعاودته الحياة.
ثم وقع الصلح بين الأمتين وبقي صقع حلب في يد الحثيين إلى أن اكتسح خلفاء موسى أريحا وسبوا وأحرقوا وخربوا ثم فتحوا عمان فارتفعت العماليق إلى أرض سوريا وهي قنسرين وتغلبوا على مدينة حلب واتخذوها حصنا لهم وما برحوا منها حتى قصدهم إيواب ابن سيرويا وزير داود وأخذها منهم، وذلك قبل الهجرة المحمدية بنحو 1665 أو أقل بنحو 42 سنة.
حكى بعض أحبار اليهود في كتاب له أنه وجد في قلعة حلب سنة 1220 هـ حجر مكتوب فيه بالعبرانية ما ترجمته: (أنا إيواب بن سيرويا أخذت هذه القلعة) .
لم تزل هذه الأصقاع تحت سلطة الفلسطينيين حتى أخرجهم منها ملوك بابل قبل الهجرة بنحو 1303 سنة. وعلى رأي فينكلار الألماني: بنحو 1476 سنة. وكانت هذه الأمة تعبد الأصنام وكان لهم في جبل سمعان صنم يعبدونه اسمه نبو (ذكرناه في الكلام على الملل والنحل في حلب وجهاتها قبل الفتح الإسلامي في الجزء الأول من المقدمة) .
وقرأت في كتاب «بابيلونيا وشيريا» لمؤلفه فينكلار الألماني أشهر علماء التاريخ، وكتابه هذا مطبوع باللغة الألمانية سنة 1892 م، أنه في سنة 854 ق. م خرج سلمناصر من نينوى وسار إلى وادي البليخ واستولى على ملك شيخ جمو الذي قتله شعبه لضعفه.
ولما بلغ سلمناصر الفرات اجتازه على سفينة من الجلود وأتى الموضع المعروف باسم سور أو تيراسباط، وهو على ضفة الفرات، فعقد هناك جمعية دعا إليها جميع الملوك الذين يدفعون إليه الجزية، وهم سنكار وأمير قاركمش وقوندابيسبى، وأمير كمخ وأرامي وأمير غوزي ولاللي وأمير ملتينه، وخيماني أمير دولة كبر، وكلبرودا أمير باتين وكركم التي عاصمتها مركاسى (مرعش) .
وبعد انقضاء هذه الجمعية فارق سلمناصر أو تيراسباط وقصد خلمن (حلب) ودخلها وقرب فيها الذبائح للوثن (رمن) وهو على رأي فينكلار معبود الحلبيين إذ ذاك.
ثم قال فينكلار: «قال بعض المؤرخين: كانت حلب في أيام الدولة البابلية مدينة تجارية حرة مستقلة، مستدلا على ذلك بعدم ورود ذكرها في الحروب التي نشبت بين(3/10)
البابلية وبين دول سيريا وفلسطين، وإن سبب استقلالها هو خطورة موقعها الجغرافي المتوسط بين آسيا الكبرى والصغرى فكانت مستقلة باتفاق سائر الدول.
وقال بعض المحققين: إن سوريا كانت في تلك الأيام ذات حضارة تفوق ما كانت عليه منها جميع المملكة الآشورية، مستدلا على ذلك بنقل الوثن (رمن) من سوريا إلى نينوى وعبادة أهلها إياه مع معبودهم الوطني. فلو لم تكن سوريا في ذلك الزمن أرقى من نينوى حضارة ومدينة وصناعة لما اختار أهل نينوى الوثن (رمن) ونقلوه إلى عاصمتهم واتخذوه معبودا لهم مع وجود معبودهم. واستدل بعض علماء التاريخ من الآثار العاديات على أن الوثن (رمن) هذا كان آله العواصف في سوريا وأنه سنة 2000 ق. م بني له هيكل في نينوى» . اه كلام فينكلار.
قلت: لم تزل حلب تحت سلطة البابليين حتى ملك الساسانيون في أيام الملك دارا «نينوى» وامتدت سطوتهم إلى سوريا وبقيت في أيديهم حتى أخذها منهم إسكندر المكدوني، وصارت حلب موطنا لليونانيين وأحسنوا إلى أهلها فتخلّقوا بأخلاقهم واعتنى اليونانيون بسورية الشمالية وجددوا فيها عدة بلدان كأنطاكية وأفامية والسويدية. ثم إن سليقوس نيكادور أحد ملوك اليونانيين لما استولى على أنطاكية بعد 21 سنة من جلوسه قبل الهجرة بنحو 945 سنة- جدد بناء مقدار النصف المتهدم من حلب، وهو الذي بنى القلعة على التل المشهور بإبراهيم الخليل، وأمر اليهود بأن يترددوا للتجارة إلى هذه البلدة ويقيموا فيها وفرض عليهم بعض الضرائب، فاستوطنوها وكثر عددهم فيها حتى بلغت مساحة دورهم مقدار نصف ساعة طولا وكان لهم فيها عدة معابد.
لم تزل حلب في حوزة اليونانيين إلى أن انتزعها منهم الرومان سنة 64 أو 65 ق. م، وملكوا معها سوريا وأنطاكية وجعلوا حلب عاصمة ملكهم. وقبل الهجرة المحمدية بنحو 498 سنة أمر الإيمبراطور تريان اللاتيني بضرب السكة بحلب، وكان مرسوما على أحد جانبيها صورته وعلى الجانب الآخر كلمة (برويا) . وقبل الهجرة بنحو 52 سنة حاربت الفرس الملك كيروليس الشرواني في أنطاكية وحلب وقنسرين ومنبج وأحرقوا منبج وأنطاكية وقنسرين.
أما حلب فقد كان فيها من قبل الملك كيروليس بطريق يقال له موغان (وإليه تنسب(3/11)
كنيسة موغان وحمام موغان في حلب) صالح الفرس على حلب بدراهم دفعها إليهم، ثم جدد الملك كيروليس ما تهدم من سورها وقت المحاربة وذلك من باب الجنان إلى باب النصر، وكان بناؤه من القرميد الغليظ. ولم تزل بأيدي الرومان حتى فتحت تحت راية المسلمين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(3/12)
إجمال في ذكر الدول والرجال الذين تولوا حلب بعد أن فتحها المسلمون
أول دولة حكمت حلب دولة عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، ثم بقية الراشدين ثم الدولة الأموية ثم المروانية ثم العباسية العراقية. ثم استقل بها أحمد بن طولون في سنة 264 واستمر بها هو وأعقابه من بعده إلى أن ضبطها منهم الأفشين. ثم عادت لبني طولون وكانوا هم والأفشين يخطبون باسم خلفاء الدولة العباسية العراقية. وفي سنة 286 عادت لحكم الدولة العباسية المذكورة. ثم في سنة 329 استولت عليها الدولة الإخشيدية فلم تطل مدتهم بها وانتقلت إلى الدولة الحمدانية سنة 333 ثم استولت عليها الدولة الإخشيدية مدة ثم عادت إلى سيف الدولة 336 وكانت الدولة الإخشيدية والحمدانية يخطبان فيها بأسماء خلفاء الدولة العباسية العراقية.
وفي أيام سيف الدولة استولى عليها الروم مدة قليلة ثم بارحوها وعاد إليها سيف الدولة.
ثم استولت عليها الدولة العلوية المصرية فلم تطل مدتها، وانتقلت منها إلى الدولة المرداسية سنة 414 وبعد مدة عادت لحكم الدولة العلوية المذكورة. ثم في سنة 433 عادت للمرداسيين. ثم في سنة 449 عادت للدولة العلوية. وفي سنة 452 رجعت للمرداسيين وخطبوا فيها باسم خلفاء الدولة العلوية المصرية. ثم في سنة 462 صاروا يخطبون باسم خلفاء الدولة العباسية العراقية. وفي سنة 473 دخلت تحت سلطة شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وفي سنة 478 اقتتل مسلم المذكور مع سليمان بن قطلمش السلجوقي صاحب قونيه، فانكسر مسلم وقتل وانهزم عسكره.
وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله مقدم الأحداث في حلب ورئيسها، فانفرد بها. وكان سالم بن مالك العقيلي بقلعتها وهو ابن عم مسلم المذكور، وكان أخو مسلم إبراهيم بن قريش محبوسا فقصده بنو عقيل وأخرجوه وملّكوه حلب.(3/13)
ثم دخلت تحت سلطة السلجوقية وأقاموا فيها عاملا من قبلهم (أقسنقر) جدّ نور الدين محمود زنكي. وفي سنة 490 كان واليها رضوان بن تتش السلجوقي، فخطب للمستعلي بأمر الله العلوي المصري أربع جمع ثم أعاد الخطبة باسم الخلافة العباسية العراقية. وفي سنة 511 دخلت في حوزة الدولة الأرتقية حكّام ماردين وهم من أتباع السلاجقة. ثم نزعت منهم إلى أقسنقر البرسقي صاحب الموصل سنة 515 واستناب بها ولده إلى سنة 522 وفيها استولت عليها الدولة الأتابكية الزنكية.
ثم في سنة 578 انتقلت إلى الدولة الأيوبية. ثم في سنة 657 استولى عليها التتر المنسوبون إلى جنكزخان ثم بارحوها. ثم عاودوها في سنة 658 ثم فارقوها. ودخلت بعدهم في دولة الأتراك مماليك الدولة الأيوبية. وفي سنة 892 استولت عليها الدولة الجركسية مماليك دولة الأتراك، واستمر فيها إلى سنة 922 وفيها دخلت في المملكة العثمانية القائمة على أنقاض أحد فروع الدولة السلجوقية.
وفي سنة 1014 عصي علي باشا الجانبولاد على الدولة العثمانية واستقل بحلب وغيرها سنتين ثم أخضعته الدولة واستردت ما كان استولى عليه من بلادها التي من جملتها حلب.
وفي سنة 1235 استولى عليها أهلها مدة أشهر ثم رجعت لحكم الدولة، وفي سنة 1248 استولى عليها مع غيرها إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر، واستمرت بأيدي المصريين إلى سنة 1255 وفيها عادت إلى الدولة العثمانية مع بقية ما أخذته منها خديوية مصر. وفي سنة 1266 استولى أهلها عليها عدة أيام ثم أعيدت إلى الدولة.
وفي سنة 1337 خرجت من حكم الدولة العثمانية ودخلت تحت حكم الدولة العربية الفيصلية المسيطرة على سوريا. وبعد سنة انضمت إلى الوحدة السورية تحت الانتداب الفرنسي.
خبر فتح حلب عن يد المسلمين
فتحت حلب في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15 من الهجرة النبوية أيام الخريف، سنة 633 ميلادية، عن يد خالد بن الوليد وأبي عبيدة رضي الله عنهما وكان فتحها صلحا وفتح قلعتها عنوة.(3/14)
قال الواقدي ما ملخصه: بعد أن صالح أهل قنسرين أبا عبيدة وخالدا على مال معيّن ودخلا قنسرين واختطّا بها مسجدا، بلغ ذلك أهل حلب فخافوا، وكان رئيسا عليهم «يوقنا» و «يوحنا» أخوان يسكنان القلعة، وكان أبوهما قبلهما يملك حلب إلى الفرات.
وكان هرقل ملك الروم يهابه لشجاعته ودهائه وقد انتزعه من رومية خوفا منه فجاء إلى العواصم واستخلص قلعة حلب لنفسه وحصّنها وسكنها. وكان ولده الصغير منزويا عن الرئاسة إلى الترهب، ولما بلغه خبر قدوم أبي عبيدة أشار على أخيه بالصلح فأبى إلا الحرب وسار بجيوشه الجرارة التي منها 12 ألف فارس إلى كفاح أبي عبيدة قبل أن يصل إلى حلب.
وكان أبو عبيدة بقنّسرين غير عالم بالحال قد جهز كعب بن ضمرة ومعه ألف فارس وسيّره إلى حلب لفتحها. فسار كعب حتى إذا صار على نحو ستة أميال من حلب دهمه يوقنا واشتعلت الحرب بينهما. وكان أبو عبيدة مشغولا مع مشايخ أهل حلب ورؤسائهم قدموا عليه إلى قنسرين يطلبون منه الصلح والأمان بعد أن سار يوقنا لقتاله وسلكوا إلى قنّسرين غير الطريق الذي سلكه يوقنا. ولما صالحهم أبو عبيدة وأمّنهم رجعوا إلى حلب.
وقبل أن يصلوها فشا خبر صلحهم حتى بلغ يوقنا وهو يحارب كعبا، وكعب في غاية القلق الضجر، وقد تلف من عسكره زهاء مائتي رجل من أعيان الصحابة. فلما سمع يوقنا خبر الصلح اضطرب جيشه وارتد على عقبه.
ثم إن أبا عبيدة لما أبطأ عليه خبر كعب نهض بعسكره يريد حلب وعلى المقدمة خالد ابن الوليد. فما كان غير قليل حتى أشرف على كعب وعلم بما دهمه ثم ساروا جميعا إلى حلب فرأوا يوقنا وجنوده قد أحدقوا بأهل البلد يريدون قتلهم وهم يقولون: ويلكم صالحتم العرب ونصرتموهم علينا. ثم أدخل يوقنا عبيده على أهل البلد وجعلوا يقتلونهم على فرشهم وأبواب منازلهم. فنظر يوحنا من القلعة إلى البلد ورأى القتل في أهله فعارض أخاه يوقنا فلم يفعل، فأغلظ له الكلام فغضب عليه وقتله.
وكانت رايات المسلمين قد أشرفت عليهم ولما سمع خالد ضجيج أهل البلد وبكاءهم قال لأبي عبيدة: هلك أهل ذمتك. وحمل على جماعة يوقنا فلم ينج منهم سوى من لجأ إلى القلعة. ودخل المسلمون حلب من باب أنطاكية وحفّوا حولهم بالتراس داخل الباب وبنوا ذلك المكان مسجدا.(3/15)
وكان يوقنا تحصن بالقلعة مع شرذمة من جنده واستعدوا للحصار ونصب المجانيق ونشر السلاح على الأسوار. ثم إن خالدا وأبا عبيدة سألا عن يوقنا فأخبرا بشأنه مع أخيه يوحنا وأنه قتله وألقاه في رأس سوق الساعة (محلة سوق الضرب) فكفنه أبو عبيدة وصلى عليه ودفنه في مقام إبراهيم (مقبرة الصالحين) .
ثم إن المسلمين جدّوا في حصار القلعة وشنّت غاراتهم في بقية البلاد إلى الفرات.
ثم زحفوا على القلعة فلم يفوزوا منها بطائل لحصانتها. وصادف الروم غرّة فهجموا على المسلمين ووضعوا السيف فيهم. ثم جدّ المسلمون في قتالهم فدحروا الروم واقتطعوا منهم زهاء مائة رومي. ثم خرج علّاقة المسلمين إلى وادي بطنان ليأخذوا الميرة منه وقد صالحهم أهله فاختار يوقنا ألفا من فرسانه وسيّرهم في الليل فالتقوا بالمسلمين قرب الصبح واقتتل الفريقان قتالا شديدا وقتل من المسلمين ثلاثون رجلا، كلهم من طيّئ وانهزم الباقون، وملكت الروم أثقالهم ومواشيهم، ثم عقروا المواشي وكمنوا في الجبل خوفا من المسلمين وقد عزموا على الرجوع إلى القلعة ليلا.
ولما رجع المسلمون إلى أبي عبيدة وأخبروه بما جرى سيّر لقتال الروم الكامنين خالدا ومعه بعض رجال صناديد، فسار إليهم وكمن لهم حتى خرجوا من مكمنهم في أوائل الليل فوثب خالد عليهم فدهشوا وولّوا منهزمين. وغنم المسلمون جميع أثقالهم ورجعوا إلى أبي عبيدة وقد انتبه لمكايد الروم وسدّ عليهم المسالك حول القلعة حتى لو طار طائر لاقتنصوه.
وأقام القوم على ذلك مدة حتى ضجر أبو عبيدة وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره الخبر ويستأذنه بالانصراف عن قلعة حلب لصعوبة مأخذها وقلة العسكر.
فبعث إليه عمر عصبة من حضرموت وأقاصي اليمن من همدان ومدان وسبأ ومأرب زهاء أربعمائة فارس وثلاثمائة مطية مردوفين، ومائة وأربعين ماشيا. فأخذ لهم من مال الصدقات سبعين بعيرا ليتعقبوا عليها وكتب إليه ينهاه عن الانصراف عن القلعة أو تسلّم إليه، وأن يبث الخيل في السهل والوعر والضيق والسّعة وأكناف الجبال والأودية، ويشنّ الغارات في حدود الغارات ويصالح من صالحه ويسالم من سالمه.
وكان من جملة هذه العصبة مولى من موالي بني طريف من ملوك كندة، يقال له(3/16)
دامس، ويكنى أبا الأهوال، كان أسود بصاصا كالنخلة السّحوقة «1» إذا ركب الفرس العالي تخطّ رجلاه بالأرض. وكان شجاعا قويا ذا حيلة وبراعة فطلب من أبي عبيدة أن يؤمّره على ثلاثين فارسا فأمّره. وقال له دامس: ترحل أنت بجيشك على فرسخ منا وتأمر جماعتك بقلة الحركة والاستتار ما استطاعوا، ويكون لك رجال ثقات يتجسّسون عن أخبارنا، فإذا بشّروك بظهورنا على أعدائنا «2» فتلحق بنا إن شاء الله تعالى.
فأجابه أبو عبيدة إلى ما طلب ونهض لوقته بجيشه وسار مسافة فرسخ كأنه يريد الانصراف. ونهض دامس بجماعته حتى أتوا كهفا في الجبل وكمنوا فيه ففرح الروم وظنوا أن المسلمين قد انصرفوا عن قتالهم وأرادوا أن ينزلوا من القلعة ويتبعوا المسلمين فنهاهم يوقنا. ولما كان الليل عمد دامس إلى جلد ماعز فألقاه على ظهره وأخرج كعكا يابسا وقال لأصحابه: اتبعوني. فسار نحو القلعة وأطار رجلين إلى أبي عبيدة ليبعث لهم الخيل عند طلوع الفجر. وصعد دامس ومن معه إلى الجبل تحت الظلام يمشي على أربع، وكلما أحس بشيء قرض في الكعك كأنه يقرض عظما، وأصحابه من ورائه يقفون أثره حتى لاصقوا السور، وكان الظلام شديدا، فأتى من السور مكانا قريبا قد نام حرسه واختار سبعة من رجاله أقوياء وجلس القرفصاء وأمر أحدهم أن يجلس على منكبيه ويعتمد بقوّته على الجدار، ففعل وأمر الثاني أن يفعل مثله.
ثم لم يزل يصعد واحدا بعد واحد إلى أن صعد الثامن فأمر أن يستوي قائما ثم أمر الثاني من تحته واحدا بعد واحد إلى أن قام هو، فإذا الثامن قد وصل إلى شرفة السور فتعلق بها واستوى على السور، فوجد حارس ذلك المكان نائما ثملا، فرماه إلى أصحابه ثم أدلى عمامته لصاحبه ونشله إليه ثم حذف لهما دامس حبلا وجعلوا ينشلون بعضهم إلى أن تكاملوا على السور، وكان آخرهم دامس، فاستبقاهم مكانهم وقصد بابي القلعة فرأى الحرس سكارى نائمين، ففتح البابين وتركهما مردودين وعاد إلى أصحابه وقد قرب الفجر، فأقام خمسة منهم على الباب وأرسل واحدا يستعجل خالدا، ومشى بالباقين نحو دار يوقنا، فصاحوا، وجاءتهم الأبطال وصاح يوقنا بأصحابه فأتوا من كل جانب وقاتلوا قتالا شديدا فلم يفدهم ذلك شيئا واشتبك الفريقان ببعضهما.(3/17)
وبينما هم في هذه المعمعة إذ دخل عليهم خالد بن الوليد في جيشه وحينئذ طلبت الروم الأمان. وكان قد وصل أيضا أبو عبيدة فأمّنهم. وأسلم يوقنا وجماعة من ساداتهم فردّ عليهم أموالهم وأهاليهم واستبقى الفلاحين وأخذ عليهم العهود ألّا يكونوا إلا مثل أهل الصلح والجزية وأخرجهم من القلعة وغنم المسلمون من القلعة ما لا يحصى. وأخذ الناس في حديث دامس وحيله وعجائبه وعالجوا جراحه الكثيرة حتى برئت. اه.
حوادث حلب أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
ولما كان أبو عبيدة في حلب نقض أهل قنّسرين، فردّ إليهم السمط بن الأسود الكندي فحصرهم ثم فتحها فوجد فيها بقرا وغنما فقسم بعضها فيمن حضر، وجعل الباقي في المغنم. وكان في حاضر قنسرين قديما بنو طيّئ، نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حين نزل الجبليين من نزل منهم فلما ورد أبو عبيدة عليهم أسلم بعضهم وصولح كثير منهم على الجزية. ثم أسلموا بعد ذلك بسنين إلا من شذّ منهم.
حاضر حلب:
وكان بقرب مدينة حلب حاضر يجمع أصنافا من العرب، من تنوخ وغيرهم، فصالحهم أبو عبيدة على الجزية ثم أسلموا وجرت بينهم وبين أهل حلب حرب أجلاهم فيها أهل حلب فانتقلوا إلى قنّسرين.
قال البلاذري ما خلاصته: كان بقرب حلب حاضر يدعى حاضر حلب، يجمع أصنافا من العرب من تنوخ وغيرهم. جاء أبو عبيدة بعد فتح قنسرين فصالح أهله على الجزية ثم أسلموا بعد ذلك، وكانوا مقيمين وأعقابهم به إلى بعيد وفاة أمير المؤمنين الرشيد. ثم إن أهل ذلك الحضر حاربوا أهل مدينة حلب وأرادوا إخراجهم عنها فكتب الهاشميون من أهلها إلى جميع من حولهم من قبائل العرب يستنجدونهم، فسارعوا إلى إنجادهم وأجلوا أهل الحاضر عنه وأخربوه، وتفرق أهله في البلاد، وذلك في فتنة الأمين بن الرشيد.
وقال ياقوت: والذي شاهدناه من حاضر حلب أنها محلة كبيرة كالمحلة العظيمة بظاهر حلب بين بنائها وسور المدينة رمية سهم من جهة القبلة والغرب، ويقال لها الحاضر السليمانية، ولا نعرف السليمانية، وأكثر سكانها تركمان مستعربة من أولاد الأجناد. وفيه(3/18)
جامع حسن منفرد تقام فيه الخطبة والجمعة والأسواق الكثيرة من كل ما يطلب، ولها وال يستقلّ بها.
أول مدربة في الإسلام:
وفي سنة 16 أدرب «1» خالد وعياض بن غنم. وهي أول مدربة كانت في الإسلام.
تأمير خالد:
ورجع خالد من مدربته، وأتته الإمارة من عمر رضي الله عنه على قنسرين. فأقام خالد أميرا من تحت يده، أبا عبيدة، عليها إلى سنة 17.
عزل خالد بن الوليد عن قنّسرين:
في سنة 17 عزل خالد عن قنّسرين لأنه تدلّك بدرديّ «2» الخمر وأسرف بإجازة الأشعث بن قيس.
أقول: أرى أن عزله كان من الخليفة سياسة، حينما رأى القلوب تميل إليه لشجاعته ودرايته وسخائه فخشي أن يستولي على أهواء الناس فتميل قلوبهم لاستخلافه فيحدث ما لا تحمد عقباه.
على أن ما أراه كاد يكون صريحا في كلام أمير المؤمنين حيث قال له مستعطفا: «يا خالد إنك عليّ لكريم وأنت إليّ لحبيب» . وكتب إلى الأمصار: «إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فخّموه وفتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع وألّا يكونوا بعرض فتنة» . اه.
كيف يكون عزله مسببا عن التدلّك بالدّرديّ؟ وهو جائز شرعا، وعن توسعه بإجازة الأشعث، وأمير المؤمنين يعلم أن ذلك من ماله وأن خالدا في منزلة من العفاف تجعله بعيدا عن الغلول، وعزة نفسه وتمسّكه في دينه يأبيان عليه أن يكون غالّا.(3/19)
خبر من جلدوا في الخمر:
في سنة 18 كتب أبو عبيدة إلى عمر كتابا يذكر فيه أن نفرا من المسلمين أصابوا الشراب فأمر بجلدهم فلم يعودوا إلى شربه.
طاعون عمواس:
فيها كان طاعون عمواس بالشام مات فيه خمسة وعشرون ألف صحابي. وهو أول طاعون بالإسلام، واستقام شهرا. ولما بلغ عمر رضي الله عنه خبر هذا الطاعون خشي منه على أبي عبيدة فكتب إليه يستقدمه، فلم يرض أبو عبيدة أن يفوز بنفسه ويترك جنده عرضة للطاعون، وكتب إلى عمر بهذا المعنى، فكتب إليه عمر بأن يرفع المسلمين عن تلك الأراضي، فرفعهم منها.
ثم طعن «1» رضي الله عنه وقد نزل الجابية وقبل أن يموت استخلف على الجيوش والعمال معاذ بن جبل فطعن ابنه عبد الرحمن ومات. ثم طعن معاذ براحته ومات. وكان أبو عبيدة قد استخلف على قنّسرين، حين طعن، عياضا «2» بن غنم، فأقره عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
خبر عام الرّمادة:
فيها أصاب الناس بالمدينة المنورة مجاعة عظيمة وقحط، وسفت الريح ترابا كالرماد واشتد الجوع حتى آوت الوحوش إلى الإنس. فكتب عمر إلى العمال يستمدهم لأهل المدينة، فكان أول من قدم عليه أبو عبيدة بأربعة آلاف راحلة طعام فولّاه قسمتها فيمن حول المدينة، فقسمها وانصرف إلى عمله.
بقية الحوادث في أيام سيدنا عمر:
وفي سنة 20 مات عياض بن غنم واستخلف عمر بن الخطاب بعده، على حمص وقنسرين، سعيد بن عامر بن جذيمة الجمحيّ، فمات فيها. وقيل مات سنة 19 وقيل(3/20)
سنة 21 وعلى كل فقد كان الأمير على دمشق وحوران وحمص وقنسرين والجزيرة في سنة 21 عمير بن سعد بن عبيد الأنصاريّ، وكان الأمير فيها- على البلقاء والأردن وفلسطين والسواحل وأنطاكية ومعرّة مصرين- معاوية.
أيام عثمان رضي الله عنه
وفي سنة 25 غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون بين أنطاكية وطرسوس خالية، فجعل عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة حتى انصرف. ثم غزا الصائفة يزيد ابن الحرّ العبسي وفعل فعل معاوية، وهدم الحصون إلى أنطاكية.
وفي سنة 26 غزا معاوية قنّسرين، وكان عمير بن سعد قد طال مرضه فاستعفى عثمان فأعفاه وضم حمص وقنّسرين إلى معاوية، فاجتمعت له في هذه السنة ولاية الشام كلها، فولّى معاوية على حمص عبد الرحمن بن خالد، وعلى قنّسرين حبيبا «1» بن مسلمة بن مالك الفهريّ.
أيام علي بن أبي طالب
وفي سنة 36 فرّق علي رضي الله عنه عمّاله على الأمصار، فبعث سهلا بن حنيف على الشام وكان معاوية متغلبا عليه، فلما وصل إلى تبوك لقيته خيل فقالوا له: من أنت؟
قال: أنا أمير. قالوا له: على أي شيء؟ قال: على الشام. قالوا: إن بعثك عثمان فحيّهلا بك «2» وإن كان غيره فارجع. قال: أوما سمعتم بالذي كان؟ يعني استشهاد عثمان.
قالوا: بلى. فرجع إلى عليّ.(3/21)
حوادث أيام بني أمية
أيام معاوية
سنة 42 مات حبيب بن مسلمة الفهري بأرمينية، وكان أميرا عليها لمعاوية.
قلت: أظن أن معاوية استعمل حبيبا هذا على أرمينية في هذه السنة وضم قنّسرين إلى حمص، وعاملها عبد الرحمن بن خالد. وهذا غير بعيد لأن الذي مصّر قنسرين يزيد ابن معاوية لا معاوية، إنما معاوية رتّب خراج قنسرين في هذه السنة أربعمائة ألف وخمسين ألف دينار، ورتّب حلب للخلفاء من بني أمية لمقامهم في الشام، وكون الولاة في أيامهم بمنزلة الشّرط لا يستقلّون بالأمور والحروب، وولاة الصوائف «1» ترد كل عام إلى دابق، وأقام منهم جماعة بنواحي حلب، منهم سليمان بن عبد الملك أقام بدابق حتى مات.
تجنيد قنّسرين وتسمية حلب بالعاصمة:
حكى الطبري في تاريخه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما عزم على فتح الشام سمّى لكل أمير أمّره على الجيوش كورة «2» ، فسمّى لأبي عبيدة كورة حمص وليزيد بن أبي سفيان كورة دمشق، ولشرحبيل بن حسنة كورة الأردن، ولعمرو بن العاص وعلقمة ابن محمد كورة فلسطين. فدلّ هذا على أن الشام لما كان بأيدي الروم كان منقسما إلى هذه الكور الأربع، وكانت قنّسرين مضافة إلى كورة حمص. اه.
ثم لم تزل الشام كذلك حتى ولي الخلافة يزيد بن معاوية فجعلها خمسة أجناد: جند فلسطين، وجند الأردن، وجند دمشق، وجند قنّسرين.(3/22)
قال ياقوت في معجمه: وسمي الجند جندا لأنه جمع كورة، والتجنيد التجميع، وقيل: سميت كل ناحية جندا لأنهم كانوا يقبضون فيه أعطياتهم، وكانت الجزيرة مع قنسرين جندا فأفردها عبد الملك وصارت الجزيرة جندا برأسه، وكان من جملة جند قنّسرين أنطاكية ومنبج وتوابعهما فلما استخلف الرشيد أفرد قنسرين بكورها فصيّرها جندا، وأفرد منبج ودلوك ورعبان وقورس وأنطاكية وتيزين، وما بين ذلك من الحصون، فسمّاها العواصم لأن المسلمين كانوا يعتصمون بها من العدو إذا انصرفوا من غزوهم. وجعل مدينة العواصم منبج وأسكنها عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في سنة 173 فبنى فيها أبنية مشهورة، وذكرها المتنبي في مدح سيف الدولة فقال:
لقد أوحشت أرض الشام طرّا «1» ... سلبت ربوعها ثوب البهاء
تنفّس، والعواصم منك عشر ... فيوجد «2» طيب ذلك في الهواء
قال ياقوت في موضع آخر: العاصم هو المانع، ومنه قوله تعالى لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ
وهو صفة، فلذلك دخله الألف واللام. والعواصم: حصون موانع، وولاية تحيط بها بين حلب وأنطاكية، كان قد بناها قوم واعتصموا بها من الأعداء، وأكثرها في الجبال. وربما دخل في هذا ثغور المصيّصة وطرسوس وتلك النواحي. وزعم بعضهم أن حلب ليست منها، بدليل قولهم: قنّسرين والعواصم، وحلب من أعمال قنّسرين، والشيء لا يعطف على نفسه.
عمّال قنّسرين وحمص من سنة 45 إلى سنة 59:
وفي سنة 45 توفي عبد الرحمن بن خالد عامل حمص وما والاها، وكان أهل الشام قد مالوا إليه فدس إليه معاوية سما فمات.
قلت: ومن هذه السنة إلى حدود سنة 86 لم أطلع على أسماء عمّال الخلفاء على قنّسرين وحمص، ولعل العمال عليهما في هذه المدة هم أمراء الصوائف والمشاتي، يخرجون إلى الروم ويرجعون إلى إحدى البلدتين بعد انقضاء غزوهم، فإن البلدتين من أعظم ثغور(3/23)
الروم، فلا يستبعد أن يكونا محل إقامة الأمراء المذكورين أيام تقاعدهم عن الغزوات، وأنهم كانوا يقومون بوظائف العمال في أثناء ذلك ويستخلفون إذا غزوا. ولما كان هذا من المحتمل عقلا أدرجت ضمن الحوادث أسماء الأمراء المذكورين في سني خروجهم إلى الغزوات إلى سنة 86 المذكورة. وعلى هذا المنوال رتبت ذكرهم في سنوية ولاية حلب المعروفة باسم السالنامة، فأقول:
في سنة 46 كان مشتى مالك بن عبد الله بأرض الروم ومثلها في سنة 47 وسنة 49 ولم يغز سنة 48 وفي سنة 50 كانت غزوة بسر بن أرطاة وسفيان بن عوف الأزدي بأرض الروم. وفي سنة 51 كان مشتى فضالة بن عبيد بأرض الروم، وغزوة بسر بن أرطاة الصائفة. وفي سنة 52 كانت غزوة سفيان بن عوف الروم وشتّى بأرضهم وتوفي بها، في قول، فاستخلف عبد الله بن سعد الفزاري. وقيل الذي شتّى بأرضهم هذه السنة بسر بن أرطاة ومعه سفيان المذكور. وعزا الصائفة محمد بن عبد الله الثقفي.
وفي سنة 53 كان مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم. وفي 54 كان مشتى محمد بن مالك بأرض الروم وصائفة معن بن يزيد السّلمي. وفي سنة 55 كان مشتى سعيد بن عوف، وقيل عمرو بن محرز، وقيل عبد الله بن قيس الفزاري، وقيل مالك بن عبد الله. وفي سنة 56 كان مشتى جناد بن أبي أمية، وقيل عبد الرحمن ابن مسعود، وقيل عياض بن الحرث. وفي سنة 57 كان مشتى عبد الله بن قيس. وفي سنة 58 غزا الروم مالك بن عبد الله الخثعمي «1» وفي سنة 59 كان مشتى عمر بن مرّة الجهني.
أيام يزيد بن معاوية
وصول رأس الحسين رضي الله عنه إلى حلب:
وفي سنة 61 قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلاء، واحتزّ رأسه الشريف شمر بن ذي الجوشن، وسار به وبمن معه من آل الحسين إلى يزيد في دمشق، فمر بطريقه(3/24)
على حلب ونزل به عند الجبل، غربيّ حلب، ووضعه على صخرة من صخراته فقطرت منه قطرة دم عمر على أثرها مشهد عرف بمشهد النقطة. وقد ألمعنا إلى ذلك في الكلام على المشهد في باب الآثار.
أيام معاوية بن يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان
غزوات بني أمية الروم وغير ذلك:
وفي سنة 66 كان على الشام عبد عبد الملك بن مروان. والظاهر أنه كان يقوم بإدارة البلاد الشامية بنفسه لضيق مملكته حينئذ، لوقوع أكثرها تحت يد المتغلبين. وفي سنة 73 غزا الروم صائفة محمد بن مروان، ومثلها في سنة 74 وسنة 75 و 76 و 77 غزا الروم صائفة الوليد بن عبد الملك. وفي سنة 78 أصاب أهل الشام طاعون شديد حتى كادوا يفنون فلم يغز تلك السنة أحد. قيل: وفيها أصاب الروم أهل أنطاكية وظفروا بهم. وفي سنة 81 سيّر عبد الملك بن مروان ابنه عبيد الله ففتح قاليقلا. وفي سنة 82 غزا محمد ابن مروان أرمينية. وفي سنة 85 غزا الروم مسلمة بن عبد الملك.
أيام الوليد بن عبد الملك
وفي سنة 87 غزا مسلمة المذكور الروم وفتح عدة حصون، وقيل هشام بن عبد الملك. وفي سنة 88 غزا مسلمة بن عبد الملك والعباس بن عبد الملك الروم وفتحوا الجزيرة وعدة حصون من عمورية، وغزا العباس الصائفة من ناحية البذندون. وفي سنة 90 غزا مسلمة الروم وفتح الحصون الخمسة التي بسورية. قال ابن العديم ما ملخصه:
إن الوليد بن عبد الملك لما ولي الخلافة سنة 86 أبقى محمد بن مروان على ولايته حتى عزله سنة 90 بأخيه مسلمة، فدخل مسلمة حرّان. وكان محمد بن مروان يتعمم وبيده المرآة فبلغه الخبر أن مسلمة يخطب على المنبر فارتعد وسقطت المرآة من يده وقال: هكذا تقوم الساعة بغتة؟ فقام ابن محمد للسيف يثب على مسلمة فقال له أبوه: مه يا بني ولّاه أخوه وولّاني أخي. وكان أكثر مقام مسلمة بالناعورة بنى فيها قصرا بالحجر الصّلد وحصنا(3/25)
بقى منه برج إلى زماننا (زمان ابن العديم) . قلت: ذكر ياقوت الناعورة فقال: الناعورة الدولاب، موضع بين حلب وبالس، فيه لمسلمة بن عبد الملك قصر من حجارة وماؤه من العيون وبينه وبين حلب ثمانية أميال. اه.
وفي سنة 91 غزا الصائفة عبد العزيز بن الوليد، ومقدّم الجيش مسلمة بن عبد الملك.
وفي سنة 92 غزا مسلمة بن عبد الملك الروم وفتح ثلاثة حصون. وفي سنة 93 غزاهم وفتح ماسيه وحصين الحديد وفيها كان الزلزال بالشام ودام أربعين يوما فخربت البلاد وكان معظم ذلك في أنطاكيّة. وفي سنة 95 انتقضت قنّسرين، وكان العباس بن الوليد يغزو الروم، ففتح هرقلة وغيرها وعاد إلى قنسرين وفتحها.
أيام سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز
وفي سنة 99 ولّى سليمان بن عبد الملك من قبله على الأحصّ هلالا بن عبد الأعلى ثم ولي عليها الوليد بن هشام المعيطي.
أيام يزيد بن عبد الملك وهشام أخيه
وفي سنة 101 عزل الوليد هذا من قبل يزيد بن عبد الملك لأنه كان مرائيا، وولّي على قنسرين الوليد بن القعقاع بن خليد العبسي. وقيل: الذي ولي العمل على قنسرين من قبل يزيد هو عبد الملك بن قعقاع بن خليد العبسي، وإليهم كان ينسب حيار بني عبس «1» ، وإلى أبيهم كانت تنسب «القعقاعية» قرية في بلد الغايا.
وفي سنة 108 كان طاعون شديد بالشام. وفي سنة 113 غزا معاوية بن هشام أرض الروم فرابط من ناحية مرعش ثم رجع. وفي سنة 115 وقع طاعون بالشام وسرى إلى العراق وامتد إلى السنة بعدها. وفي سنة 119 غزا الوليد بن القعقاع أرض الروم.
أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك
وفي سنة 125 ولّى الوليد الخليفة على قنّسرين مكان الوليد بن القعقاع يزيد بن عمر(3/26)
ابن هبيرة لوحشة بين الوليد الخليفة وبين بني القعقاع. وبعد أن عزله الخليفة بعث به إلى يزيد بن عمر بن هبيرة المذكور فعذبه وأهله حتى مات.
أيام يزيد الناقص بن الوليد بن عبد الملك وإبراهيم المخلوع ومروان بن محمد
وفي سنة 126 خرج يزيد الناقص على الوليد الخليفة، ووثب عليه فقتله وأخذ عامله في دمشق وسيّر أخاه مسرور بن الوليد إلى قنسرين. وقيل: سيّر أخاه بشر بن الوليد.
وفي سنة 127 قبض مروان بن محمد بن الحكم، الخليفة، على مسرور بن الوليد والي قنسرين وعلى أخيه بشر وقتلهما بحلب، وولي حلب وقنسرين عبد الملك بن الكوثر الغنوي.
وفي سنة 128 خرج على مروان الخليفة: سليمان بن هشام بن عبد الملك، فأمسكه مروان بخساف «1» واستباح عسكره، وفيها كان الحكم وعثمان ابنا الوليد بن يزيد محبوسين بقلعة قنّسرين، حبسهما أخوهما يزيد الناقص، فنهض إليهما عبد العزيز بن الحجاج ويزيد «2» ابن خالد القسري وقتلاهما وقتلا معهما يوسف بن عمر الثقفي، فقبض مروان على القاتلين المذكورين وصلبهما. وفي سنة 130 غزا الصائفة الوليد بن هشام فنزل العمق وبنى حصن مرعش.(3/27)
حوادث أيام الخلفاء العباسيين
أيام عبد الله السفاح
في ربيع الآخر سنة 132 بويع أبو العباس السفاح، واسمه عبد الله بن محمد بن علي.
فجهز عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس في جيش عظيم لقتال مروان بن محمد الخليفة الأموي، فالتقى معه بالزاب من أرض الموصل، فهزم مروان، وتبعه عبد الله بن علي حتى نزل بمنبج، فبعث إليه أهل حلب بالبيعة، وقلد عبد الله المذكور أخاه عبد الصمد حلب وقنسرين.
ثم سارا إلى حلب فبايعه أبو الورد مجزأة بن الكوثر بن زفر الكلابي، وكان من أصحاب مروان. ثم انصرف عبد الله من حلب وأرسل قائدا من قواده في مائة وخمسين فارسا إلى «الناعورة» ، وكان بها مسلمة بن عبد الملك وكان معه أهله، فاستجار مسلمة بأبى الورد الكلابي فلم يلتفت إليه، واغتاظ الكلابي وخرج من مزرعته «خساف» في عدّة من أهل بيته وخالف وبيّض (لبس البياض الذي هو شعار الأمويين) وقتل القائد ودعا أهل حلب وقنسرين لنقض البيعة العباسية فقصده من دمشق عبد الصمد في زهاء عشر «1» آلاف فارس، فقتل أبو الورد وانهزم أصحابه وأمّن عبد الله أهل حلب وقنّسرين فبايعوا وسوّدوا (لبسوا السواد الذي هو شعار العباسيين) .
وفي سنة 133 لبس الحمرة بحلب العباس بن محمد المعروف بالسفياني. وجده معاوية ابن أبي سفيان. فقصده من قبل السفاح العباسي عطاء العكي فانهزم السفياني وفتح العكي حلب عنوة ولم يبق فيها من الأمويين أحد. وفي هذه السنة تغلّب عبد الله بن محمد بن علي على حلب وقنّسرين وديار ربيعة ومضر وسائر الشام.(3/28)
أيام أبي جعفر المنصور
وفي سنة 137 ولّى عبد الله على حلب أبا عبد الله زفر بن عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي. وفيها سيّر المنصور أبا مسلم الخراساني لقتال عبد الله، فانتصر عليه أبو مسلم وكتب إليه المنصور بولاية الشام جميعه وحلب وقنسرين، وأن يقيم له نوابا في بلاده ففعل.
ثم استوحش المنصور من أبي مسلم فعزله وولّى على حلب وقنسرين وحمص صالحا بن علي بن عبد الله بن العباس، فنزل حلب وابتنى بها خارج باب النيرب قصرا بقرية بطياس، بالقرب من النيرب. قال ابن العديم: وآثاره باقية إلى الآن.
قلت: محل هذا القصر يعرف الآن بكرم القصر وهو بستان فستق مملوك لبعض الأهلين. اه.
قال ابن العديم: ومعظم أولاد صالح بن علي ولدوا ببطياس. وقد ذكره البحتري وغيره في أشعارهم. قلت: تقدم فيما جاء بمدح حلب شيء من ذلك. وفي سنة 139 غزا صالح بن علي الصائفة مع ابنه الفضل بأهل الشام وهي أول صائفة في خلافة بني العباس، وغزا مع صالح أختاه أم عيسى ولبانة بنتا علي، وكانتا نذرتا إن زال ملك بني أمية أن تجاهدا «1» في سبيل الله.
وفي سنة 141 خرج بحلب وحرّان قوم يقال لهم الراوندية، زعموا أنهم كالملائكة وصعدوا تلا بحلب وقد لبسوا الحرير فطاروا منه وكسروا وهلكوا. وفيها حج بالناس صالح ابن علي.
ضرب النقود في حلب:
وفي سنة 146 ضرب صالح بحلب سكّة «2» ، على أحد جانبيها: (ضرب هذا الفلس بمدينة حلب سنة 146) وعلى الجانب الآخر: (مما أمر به الأمير صالح بن علي أكرمه الله) .(3/29)
وفي سنة 152 مات صالح وتولى مكانه حلب وقنسرين ابنه الفضل، واختار العقبة فسكنها. وفي سنة 154 ولّى المنصور على حلب وقنسرين موسى بن سليمان الخراساني.
وفي سنة 157 ضرب السكة بقنسرين وعلى أحد جانبيها: (ضرب هذا الفلس بقنسرين سنة 157) وعلى الآخر: (مما أمر به الأمير موسى مولى أمير المؤمنين) . وفي سنة 162 خرج على الخليفة المهدي عبد السلام بن هاشم الخارجي فأرسل له المهدي جنودا كثيرة، فهرب منهم إلى قنسرين، فلحقوه وقتلوه فيها.
قدوم المهدي الخليفة إلى حلب
وفي سنة 163 قدم الخليفة المهديّ إلى حلب عازما على الغزو، فتلقاه العباس بن محمد والي الجزيرة وأنزله في عمله. ثم وصل المهدي إلى حلب ونزل بقصر بطياس، وولّى على حروب حلب وقنسرين والجزيرة وخراجها وصلاتها عليا بن سليمان بن علي بن عبد الله ابن العباس، وولّى حلب والشام جميعه هارون، وأمر كاتبه يحيى بن خالد أن يتولى ذلك كله بتدبيره. ثم عرض المهدي العسكر بحلب وأغزى ابنه هارون الروم.
قتل الزنادقة في حلب، ووصول رأس المقنع إليها:
في هذه السنة جمع محتسب حلب عبد الجبار الزنادقة من الأطراف إلى المهدي فقتلهم وقطع كتبهم بالسكاكين. ووصل إليه وهو بحلب رأس المقنّع وكان زنديقا مبتدعا، ظهر في خراسان سنة 159 واستغوى جماعة وكثرت أتباعه وعاثوا في الأرض فسادا إلى أن هلك في هذه السنة، وهي سنة 169.
أيام الهادي والرشيد
وفي سنة 173 ولّى الرشيد حلب وقنّسرين عبد الملك بن صالح بن علي، فأقام بمنبج وابتنى فيها قصرا لنفسه وبستانا إلى جانبه كان يعرف به. وقد سبق لنا في الكلام على منبج منادمة الرشيد مع عبد الملك حين زاره في قصره.(3/30)
عمّال حلب من سنة 175 إلى سنة 193:
وفي سنة 175 عزل الرشيد عبد الملك عن حلب وقنسرين وبعد سنة ولّى عليها سليمان ابن عيسى، ثم ولّى الشام جميعه موسى بن يحيى بن خالد. وفي سنة 178 ولّى الرشيد الشام جميعه جعفر بن يحيى بن خالد، فتوجه إليه سنة 180 واستخلف عليه عيسى بن العكّي.
وفي سنة 182 ولّى الرشيد حلب وقنسرين إسماعيل بن صالح بن علي، وأقطعه الحوانيت التي بباب أنطاكية إلى رأس الدلبة وكانت له، ثم عزله وولى مكانه عبد الملك بن صالح.
وفي سنة 187 بلغه عنه أنه يحدث نفسه بالخلافة فعزله وولى على حلب وقنسرين ابنه القاسم ابن الرشيد.
وفي سنة 188 رابط القاسم بن الرشيد بدابق. وفي سنة 190 خرج الروم إلى عين زربة والكنيسة السوداء وأغاروا، فاستنقذ أهل المصّيصة ما كان معهم من الغنيمة. وفي سنة 193 ولى الرشيد على حلب وقنسرين من قبل ابنه القاسم: خزيمة بن خازم، وفيها جعل الأمين مع أخيه القاسم قحافة بن أبي يزيد، وولى خزيمة بن خازم الجزيرة.
حوادث أيام الأمين في حلب
وفي سنة 194 عزل الأمين أخاه القاسم عن حلب وقنسرين والعواصم وسائر الأعمال وولاها خزيمة بن خازم. ثم في سنة 196 عزله وولى عليها عبد الملك بن صالح بن علي ثالثة. وفي ذي القعدة سنة 196 مات عبد الملك بن صالح بالرقة.
حوادث أيام المأمون في حلب
وفي سنة 197 ولّى المأمون خزيمة بن خازم حلب وقنسرين، وقيل الوليد بن طريف.
ثم ورقة بن عبد الملك ثم يزيد بن يزيد. وفي سنة 198 ولى المأمون حلب والشام جميعه طاهر بن الحسين. وفي سنة 206 ولى المأمون مصر والشام جميعه عبد الله بن طاهر.
وفي سنة 213 ولى المأمون حلب وقنسرين والعواصم والثغور ابنه العباس وأمر له بخمسمائة ألف درهم. وفي سنة 214 ولى المأمون حلب وقنسرين وبقية ما كان بيد ولده اسحاق(3/31)
ابن إبراهيم بن مصعب بن زريق، نيابة عن ولده العباس. ثم عزله في هذه السنة وولى ورقة الطريفي نيابة عن ولده العباس.
قدوم المأمون إلى حلب:
وفي سنة 215 قدم المأمون حلب للغزاة ونزل بدابق وولى حلب عيسى بن علي بن صالح نيابة عن ابنه العباس، وولى قضاء حلب عبيد بن جنّاد بن أعين مولى بني كلاب بعد أن امتنع عبيد عن القضاء وهدده المأمون. وفي سنة 218 أناب المأمون عن ابنه العباس عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح صاحب قصر بطياس.
حوادث أيام المعتصم بحلب
وفي سنة 223 كان المعتصم عائدا من غزاة الروم فقبض على العباس لما بلغه من عزمه على مخالفته. ثم استطعم العباس فأطعم طعاما كثيرا وحبس عنه الماء وأدرج في مسح فمات في منبج ودفن بها، وولى المعتصم حلب وقنّسرين حربهما وضياعهما، عبيد الله بن عبد العزيز. وفي سنة 225 ولى المعتصم الشام جميعه والجزيرة ومصر أشناس التركي، وكان نائب أشناس على حلب وقنسرين عبيد الله بن عبد العزيز.
وفي سنة 230 مات أشناس وولي حلب وقنسرين عبيد الله بن عبد العزيز. وبعده ولي عليهما وعلى العواصم في هذه السنة عبيد الله محمد بن صالح بن عبد الله بن صالح، فكانت سيرته غير محمودة وكان أحمر أشقر فلقب بالسمّاقة لشدة حمرته. ويقال إنه أول من أظهر البرطيل بالشام وأوقع عليه هذا الاسم، وكان يعرف بالرشوة يعطى على غير إكراه، وكان صموتا لا يسمع له كلام إلا بالأمر والنهي.
حوادث حلب أيام الواثق
وفي سنة 231 ولّى الواثق على الثغور والعواصم وأعمالها أحمد بن سعد بن مسلم ابن قتيبه وأمره بحضور الفداء مع خاقان وميخائيل صاحب الروم فأمضى الفداء في هذه(3/32)
السنة ثم غزا شاتيا، فأصاب الناس شدة فوجد الواثق عليه «1» وعزله، وولى على ما ذكر نصر بن حمزة الخزاعي.
حوادث حلب أيام المتوكل
وفي سنة 232 ولى المتوكل حلب وقنسرين والعواصم «الشارباميان» أحد قواد المتوكل، وكان الوالي على جند قنّسرين، من قبل الشارباميان، علي بن إسماعيل بن صالح ابن علي فكانت أيامه حسنة. ثم ولى الشارباميان مكانه عيسى بن عبيد الله بن عبد العزيز ابن الفضل. وفي سنة 235 ولّى المتوكل علي مظالم جند قنسرين والعواصم والنظر في أمور العمال طاهرا بن محمد بن إسماعيل بن صالح. ولما وافاه مرسوم الخليفة بالتولية كان في مرضه الذي مات فيه فولّى على قنسرين والعواصم والثغور وديار ربيعة ومضر والموصل، وغير ذلك، ابنه المنتصر بن المتوكل، فكانت الولاة تأتي من قبله وفيها أمر المتوكل أن يكتب إلى الآفاق بأن يؤمر أهل الذمة باستعمال الغيار «2» .
حادث غريب:
وفي سنة 242 وقع طائر أبيض دون الرّخمة على دلبة «3» بحلب لسبع مضين من رمضان، فصاح: يا معشر الناس، الله الله، أربعين مرة. ثم طار وعاد من الغد وصاح أربعين صوتا. فكتب صاحب البريد بذلك محضرا وأشهد فيه خمسمائة إنسان سمعوه. قال ابن العديم بعد أن حكى هذه الحادثة: ولا يبعد عندي أن تكون الدّلبة هي التي ينسب إليها رأس الدّلبة. قلت: كان محلها سوق الحمام.
وسمع في هذه السنة أصوات هائلة من السماء وتزلزلت نيسابور وتقلعت جبال من أصولها ونبع الماء من تحتها ووصلت الزلزلة إلى الشام والثغور.(3/33)
وفي سنة 245 كثرت الزلازل في الدنيا وتهدم من أنطاكية كثير من الدور وأبراج السور.
ولاة حلب أيام المنتصر والمستعين والمعتز
وفي سنة 247 ولّى المنتصر الثغر الشامي وصيفا التركي. وفي سنة 250 مات وصيف المذكور، وولّى المستعين حلب وقنسرين موسى بن بغا. وفي سنة 251 ولّى حلب والعواصم أبا تمام ميمون بن سليمان صدقة بن عبد الملك بن صالح. وفيها بويع المعتز بالله وامتنع عليه أهل حلب وأقاموا على الوفاء للمستعين فحاصرهم أحمد المولد فلم يجيبوا ثم أجابوا وبايعوا للمعتز.
وفي سنة 252 ولّى أحمد المولد على جند حلب وقنسرين والعواصم صالحا بن عبيد الله. وجده صاحب قصر بطياس. وفي سنة 253 ولي حلب وقنسرين والعواصم أبو تمام ميمون بن سليمان ثانية. وفي سنة 254 مات أبو تمام المذكور بالرقة وولى صالح بن وصيف، أحد قواد المعتز، على عمله أبا الساج ديوداد في ربيعها الأول. وفي سنة 255 تغلب أحمد بن عيسى بن شيخ علي الشامات.
أول العمال الأتراك في الشام:
وفي سنة 256 مات أحمد المذكور وولي الشام أحمد بن طولون مع أنطاكية وطرسوس وغيرهما من البلاد.
عمّال حلب أيام المعتمد
وفي سنة 258 عقد المعتمد لأخيه أبي أحمد، الملقب بالموفّق، على حلب وقنسرين والعواصم، فاستناب فيها «سيما الطويل» ، أحد قواد بني العباس ومواليهم، فابتنى بظاهر حلب عند باب أنطاكية دارا حسنة لها بستان كان يعرف ببستان الدار، وبهذه الدار سميت محلة باب أنطاكية «الدارين» تثنية دار، إحداهما هذه، والثانية دار بناها قبله محمد بن عبد الملك بن صالح. وإحدى الدارين تعرف بالسليمانية على حافة نهر قويق، وحاضر السليمانية يعرف بها وهو حاضر حلب.(3/34)
وجدد سيما الطويل الجسر الذي على نهر قويق قريبا من داره وركّب عليه بابا أخذه من قصر بعض الهاشميين بني صالح بحلب، يقال له قصر البنات، وبه كان يعرف بدرب البنات، والقصر يعرف بأمّ ولد اسمها «بنات» كانت لعبد الرحمن بن عبد الملك الهاشمي.
وسمى «سيما» باب الجسر المذكور باب السلامة. وفي سيما الطويل يقول البحتري شعرا:
فردّت إلى سيما الطويل أمورنا ... وسيما الرضى في كل أمر نحاوله «1»
حوادث أيام بني طولون:
وفي سنة 264 عصى أحمد بن طولون على مولاه أبي أحمد الموفق وأظهر خلعه ونزل إلى الشام، فجفل «2» منه سيما الطويل إلى أنطاكية فنزل عليها ابن طولون وحاصرها وفتحها عنوة وقتل «سيما» ، واستولى على حلب والشام. وفي سنة 265 توجه أحمد ابن طولون إلى مصر وولّى على حلب مملوكه لؤلؤا.
سنة 267 خبر الزلزلة:
فيها كانت زلزلة عظيمة بالشام ومصر والجزيرة وأفريقيا والأندلس، وكان قبلها هدّة عظيمة قوية. وفي سنة 268 خرج بكّار الصالحي، من ولد عبد الملك بن صالح، بين حلب وسلمية، ودعا لأبى أحمد الموفق، فوجه إليه لؤلؤ قائدا يقال له يوذر فأخفق سعيه.
ثم ظفر لؤلؤ ببكّار وقبض عليه سنة 268.
عصيان لؤلؤ على مولاه:
فيها عصى لؤلؤ على مولاه أحمد بن طولون، وكاتب أبا أحمد الموفق بالمسير إليه وقطع الدعاء لمولاه في مدنه جميعها: حلب وقنسرين وحمص وديار مضر، ووافقه أهل الثغور على ذلك وأخرجوا نواب مولاه منها. فوافاه مولاه من مصر سنة 269 في مئة ألف وقبض(3/35)
على حرمه وباع ولده، وكان لؤلؤ هرب إلى أبى أحمد الموفق.
قصد ابن طولون الثغور وموته:
في سنة 270 قصد ابن طولون الثغور فأغلقها أهلها في وجهه فعاد إلى أنطاكية ومرض.
وولى حلب عبد الله بن الفتح ثم شخص إلى مصر ومات بها. ثم ولّى ابنه أبو الجيش، خمارويه، أبا موسى محمد بن العباس الكلابي. ثم كاتب خمارويه أبا أحمد الموفق بأن يقره على حلب ومصر وسائر البلاد التي كانت في يد أبيه، ويدعى له على المنابر، فلم يجبه الموفق إلى ما طلب، فاستوحش خمارويه وولّى حلب القائد أحمد بن دوغباش عامل الرقة.
وفي هذه السنة تواقع إسحاق بن كنداج عامل الموصل والجزيرة للخليفة مع ابن دوغباش عامل حلب لخمارويه.
سنة 271 اتفاق إسحاق مع محمد بن ديوداد بن أبي الساج المعروف بالأفشين:
فيها طمع المذكوران في الشام، فسارا إليها باتفاق مع الموفق وملكا دمشق. وولى الموفق ابن ديوداد حلب وأعمالها. ثم قدم أحمد بن الموفق إلى حلب بجيشه الجرار فدخلها في ربيع الآخر منها، ثم سار إلى قنسرين وهي لأخي الفصيص التنوخي، وحاضر طيئ لطيئ، وعليها سور وقلعة. ثم سار إلى شيزر فكسر العسكر المقيم بها. ثم تواقع مع خمارويه على الطواحين قرب بلد الرملة، فكانت الغلبة أولا لابن الموفق، ثم انعكس الحال وكسر وتفرقت عساكره، وخرج عليه ابن ديوداد قبل وقعة الطواحين وجاء إلى حلب واستولى عليها ومعه إسحاق بن كنداج.
وفي سنة 273 نزل خمارويه إلى حلب وصالحه ابن ديوداد ودعا له على المنابر وحمل خمارويه لوجوه أصحاب ابن ديوداد مائتي ألف دينار، ولكاتبه نيفا وعشرين ألف دينار، ثم راسل خمارويه أبا أحمد الموفق فأجابه وأقره على ما بيده. وفي سنة 275 صعد خمارويه من الشام إلى مصر فعاد ابن ديوداد إلى فساده، فقصده خمارويه فهرب منه وعبر الفرات وخمارويه في طلبه، فهرب إلى الموفق بن المتوكل، فأحسن إليه. وفي سنة 276 ولى خمارويه حلب غلام أبيه طغج بن جفّ، والد الإخشيد.(3/36)
عود حلب إلى العباسين وحوادثهم فيها [أيام المعتضد] «1»
وفي سنة 286 قلّد المعتضد حلب وقنسرين ولده أبا محمد علي، وولى أبو محمد بن المعتضد من قبله على حلب ابنه الحسن بن محمد المعروف بكوره الخراساني، وإليه تنسب دار كوره داخل باب الجنان بحلب والحمام المجاورة لها، وكانت خربت ولم يبق منها أثر.
وكان كاتب محمد بن المعتضد يومئذ الحسين بن عمرو النصراني فقلده النظر في هذه النواحي.
وفي سنة 287 خرج وصيف خادم الأفشين على الخليفة المعتضد فضم المعتضد الثغور إلى «كوره» وكان قد أسر وصيفا المذكور وأتى به إلى حلب فأقام بها يومين، ووجد في بستان من بساتينها مالا أقرّ به وصيف أنه كان دفنه بذلك البستان أيام مولاه الأفشين، وقدره ستة وخمسون ألف دينار، فحمل إلى المعتضد.
حوادث أيام المكتفي
وفي سنة 289 صرف المكتفي الخليفة الحسن بن كوره عن ولاية حلب وولى عليها أحمد بن سهل النوتجاني، وذلك في جمادى الآخرة منها. ثم في سنة 290 صرفه عنها وولّى مكانه أبا الأغر خليفة بن المبارك السلمي، ووجّهه لمحاربة القرمطيّ «2» صاحب الخال، فإنه كان قد عاث في البلاد وغلب على حمص وحماة ومعرة النعمان وسلمية وقتل أهلها وسبى النساء والأطفال. فقدم أبو الأغر حلب في عشرة آلاف فارس، وأنفذ القرمطيّ سرية إلى حلب فخرج إليها أبو الأغر، إلى وادي بطنان، فكبسه غلام القرمطي وقتل عامة أصحابه، وسلم أبو الأغر في ألف رجل ولجأ إلى قرية من قرى حلب. وأقام القرامطة كالمحاصرين لحلب.
فلما كان يوم الجمعة سلخ «3» رمضان سنة 290 تسرع أهل حلب للخروج للقاء(3/37)
القرامطة فمنعوا، وكسروا قفل الباب وخرجوا، ووقعت الحرب بين الفريقين ونصر الله الحلبيين وأعانهم أبو الأغر، فقتل من القرامطة خلق كثير وعاد الحلبيون يوم عيد الفطر.
وفي سنة 290 ولى المكتفي حلب عيسى غلام النوشري، وفي آخر هذه السنة توجه عيسى إلى مصر لمحاربة الطولونية واستخلف على حلب ولده. ولما رجع إلى حلب صرفه المكتفي منها إلى مصر وولى حلب أبا الحسن ذكاء بن عبد الله الأعور سنة 292 وكان كريما يهب ويعطي، وإليه كانت تنسب دار ذكاء، وإلى جانبها دار حاجبه فيروز، انهدمت وصارت تلا نسفه الملك الظاهر وظهر في بقايا من الذخائر كالزئبق وغيره، وكان موضع سوق الصاغة، وكان وزير ذكاء وكاتبه أبا الحسن محمد بن عمر بن يحيى النّفري، وإليه كانت تنسب حمّام النّفري، وداره هي المدرسة النفرية.
حوادث أيام المقتدر
وفي سنة 295 عاثت بنو تميم في بلد حلب وأفسدوا فسادا عظيما وحاصروا ذكاء في حلب، فكتب المقتدر الخليفة إلى الحسين بن حمدان في إنجاد ذكاء في حلب، وكان ابن حمدان بالرحبة فسار إلى بني تميم ولقي منهم جماعة بخناصرة وأوقع بهم وأسر بعضهم، وانصرف ولم يجتمع بذكاء. وفي سنة 302 ولى المقتدر الشام ومصر مؤنسا الخادم نيابة عن ابنه أبي العباس بن المقتدر، فاستناب مؤنس الخادم عنه في حلب أبا العباس أحمد بن كيغلغ في هذه السنة، وهو الذي مدحه المتنبي بقوله (كم قتيل كما قتلت شهيد) «1» .
وكان أحمد المذكور أديبا ظريفا. ومن شعره قوله:
قلت له والجفون قرحى ... قد أقرح الدمع ما يليها:
ما لي في لوعتي شبيه ... قال: وأبصرت لي شبيها؟
ثم ولّى مؤنس الخادم على حلب في هذه السنة أبا قابوس محمودا بن جك الخراساني، وكان جبارا عنيدا منحرفا عن أهل البيت. وفي سنة 312 عزل مؤنس الخادم أبا قابوس، وولى مكانه وصيفا البكتمري الخادم. وفي سنة 316 عزل وصيفا وولّى مكانه هلالا ابن بدر أبا الفتح غلام المعتضد.(3/38)
وفي سنة 317 عزل هلالا وولى مكانه وصيفا، ثانية، فمات في حلب يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة منها، وكان كاتبه عبد الله والد أبي العباس أحمد بن عبد الله الشاعر المعروف بابن الكاتب. وفي سنة 318 ولى على حلب الأمير أحمد بن كيغلغ ثانية. وفي سنة 319 ولّى على حلب غلام مؤنس الخادم، وهو طريف بن عبد الله السبكري الخادم، وكان شهما كريما حاصر بعض حصون اللاذقية وقهر أهلها وأحضرهم معه إلى حلب مكرمين، وأضيفت إليه حمص مع حلب.
حوادث أيام القاهر
وفي سنة 321 قبض الخليفة القاهر مولاه مؤنس الخادم، وولى حلب ودمشق بشرى الخادم، فأقر بشرى طريفا على عمله وسار إلى حمص لقتال ابن طغج فكسر بشرى وأسر وخنق، ووصل الأمير ابن كيغلغ إلى حلب واتفق مع محمد بن طغج.
حوادث أيام الراضي الخليفة
وفي سنة 324 قلّد الراضي حلب وأعمالها بدرا الخرشني، فبلغ خبره طريفا وكانت حلب وأعمالها بيده فأنفذ صاحبا له إلى ابن مقلة ليتوسل له بتجديد العهد وبذل له عشرين ألف دينار، وكان الخرشني وصل إلى حلب فدافعه طريف رجاء أن يقضي أربه، فزحف الخرشني على طريف في أرض حلب فانهزم طريف. وتسلّم حلب الخرشني فأقام بها مدة ثم طلبه الخليفة فسار إليه واستناب طريفا وقلده حلب وأعمالها. وفي أواخر هذه السنة قلد الراضي أبا بكر الإخشيد محمدا بن طغج مصر وأعمالها مضافا إلى ما بيده من الشام.
وفي سنة 325 استناب الإخشيد بحلب أبا العباس أحمد بن سعيد بن العباس الكلابي، وفيها وردت بنو كلاب من نجد وأغاروا على المعرة وأسروا واليها وأكثر جنوده، فخرج إليهم أبو العباس والي حلب وخلص منهم والي المعرة.
وفي سنة 327 دخل حلب واليا عليها أبو بكر محمد بن رائق، وقيل كان دخوله إليها سنة 328 ولما وصل إليها استناب بها خاصة محمد بن يزداذ وسار لقتال الإخشيد، فهزم الإخشيد وسلّم دمشق إلى ابنه مزاحم. ثم جرى بين أبي بكر وبين الإخشيد وقعة ثانية(3/39)
في «الحفار» أسر فيها مزاحم، فرجع ابن رائق وخلّص ولده فقتل أخو الإخشيد فكفنه ابن رائق ووضعه في تابوت وبعث به إلى الإخشيد أخيه مع ابنه مزاحم الذي كان مأسورا وقال: ما أردت قتل هذا، وهذا ولدي لتقيده «1» به. فأحسن الإخشيد إلى محمد المذكور ورده على أبيه.
حوادث أيام المتقي
استيلاء الدولة الإخشيدية على حلب وحوادثهم فيها:
وفي سنة 329 سيّر الإخشيد كافورا من مصر ومعه عسكر ضخم، وفي مقدمته أبو المظفر مساور بن محمد الرومي. فوصل إلى حلب هو وكافور والتقيا مع محمد بن يزداذ والي حلب من قبل رائق، فكسراه وأسراه وأخذا منه حلب، وتولاها مساور بن محمد الرومي ممدوح المتنبي بقوله:
أمساور أم قرن شمس هذا ... أم ليث غاب يقدم الأستاذا «2»
يريد بالاستاذ كافورا. وإلى كسرة بن يزداذ أشار بقوله:
هبك ابن يزداذ حطمت وصحبه ... أترى الورى أضحوا بني يزداذا «3»
ومساور هذا هو صاحب الدار التي كانت تعرف بدار ابن الرومي بالزجّاجين بحلب، وتعرف أيضا بدار مستفاد، وهي شرقي المدرسة العمادية التي جددها سليمان بن عبد الجبار بن أرتق، وتنسب إلى بني العجمي.
ثم إن الإخشيد اتفق مع ابن رائق على أن يبقي بيد ابن رائق حمص وحلب ويحمل إلى الإخشيد مالا معلوما ويزوجه ابنته. وفي سنة 330 قتل أبو بكر بن رائق المذكور، وكان شهما مقداما سخيا لكنه عظيم الكبر مستبد برأيه غير موفق للصواب، وكان نائبه بحلب أحمد بن علي بن مقاتل ومعه مزاحم بن رائق.(3/40)
حوادث أيام المتّقي وابتداء أمر بني حمدان في حلب:
ولما قتل ابن رائق، كان أمير الأمراء، عند المتّقي الخليفة العباسي، ناصر الدولة بن حمدان، أخو سيف الدولة، فقلد ناصر الدولة ديار مضر عليا بن خلف وأنفذ معه عسكرا وكتب إلى يانس المؤنسي أن يعاضده وكان واليا على ديار مضر من قبل ناصر الدولة.
فسارا إلى أحمد بن مقاتل ومزاحم وانتصرا عليهما في وادي بطنان وملكا منهما حلب.
ثم إن عليا بن خلف سار إلى الإخشيد وصار وزيرا عنده، ثم عتا عليه فاعتقله الإخشيد ومات في حبسه. وبقي يانس واليا على حلب سنة 331 واتفق مع الإخشيد ودعا له على المنابر. وفي هذه السنة في ربيع الآخر منها وصل الروم إلى قرب حلب ونهبوا وخربوا البلاد وسبوا خمسة عشر «1» ألف نسمة.
سنة 332 وابتداء أمر بني حمدان في حلب وأعمالها:
وفي هذه السنة تقرر بين «تورون» أحد قواد الخليفة وبين ناصر الدولة بن حمدان أن يكون للأول أعمال البصرة وما إليها، وللثاني الموصل وأعمال الشام. فاستعمل ناصر الدولة على طريق الفرات وديار مضر، وجند قنسرين والعواصم وحمص، أبا بكر محمدا ابن علي بن مقاتل ثم استبدله بابن عمه أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان. فأقبل هذا من الموصل ومرّ في طريقه على الرّقّة، فمنعه أهلها فقاتلهم وظفر بهم وأحرق بعض البلدة وأسر أميرها محمد بن حبيب البلزمي. ثم سار إلى حلب، وكان فيها يانس المونسي وأحمد بن العباس الكلابي من قبل الإخشيد، فهربا إلى حمص. واستولى أبو عبد الله على هذه البلاد وأقام في حلب ووافاه الإخشيد أبو بكر محمد بن طغج فأجفل عنه أبو عبد الله إلى الرّقة لضعفه عن لقائه.(3/41)
حوادث أيام المتّقي بالله والمستكفي «1» بالله سنة 333
ولما وصل أبو عبد الله إلى الرقة وجد فيها الخليفة المتقي بالله فلم يأذن لأبي عبد الله بالدخول إليها، واستدعى المتّقي الإخشيد، فأتى إليه وأكرمه، كما أن الإخشيد برّه، ووصله، ثم كتب الخليفة له عهدا على الشام ومصر على أن يكون له ولابنه أبي القاسم أنوجور إلى ثلاثين سنة. وعاد الإخشيد إلى حلب.
استيلاء سيف الدولة على حلب
وفيها «2» سار الإخشيد إلى مصر، وولّى حلب أبا الفتح عثمان بن سعيد الكلابي.
فحسده إخوته الكلابيون واستدعوا سيف الدولة عليا بن حمدان ليولّوه على حلب. فقدم إليها سيف الدولة برضاء أخيه ناصر الدولة وقد عرف اختلاف الكلابيين وضعف أبي الفتح عن لقائه، فاستولى على حلب وهو الاستيلاء الأول في هذه السنة، ولم ير كيدا من الكلابيين ولا من غيرهم. ولما دخل إلى حلب عزل قاضيها ابن ماثل وولّى مكانه ابن الهيثم الرقّي، وكان ظالما يأخذ تركة من مات إلى سيف الدولة.
غزو سيف الدولة أرض الروم:
فيها غزا سيف الدولة أرض الروم فهتك بلد الصفصاف وعرسوس، وغنم وعاد.
قصد جيوش الإخشيد حلب واستيلاؤه عليها:
وما كاد سيف الدولة يستقر في حلب بعد عوده من غزو أرض الروم حتى بلغه زحف جيوش الإخشيد على حلب مع قائده وخادمه كافور ويانس المونسي، فبدرهما سيف الدولة وهما في الرّستن وأوقع بهما وبعساكرهما، وأسر منهم أربعة آلاف وغنم جميع ما معهما.
ثم أطلق الأسرى وتوجه إلى دمشق، ثم خرج منها إلى الأعراب، ولما عاد إليها منعه أهلها(3/42)
فبلغ الإخشيد ذلك فقصده فخام «1» سيف الدولة عن لقائه لقلة عسكره، لأن أكثرهم استأمن إلى الإخشيد. ثم تواقعا بأرض قنسرين فدارت الدائرة على سيف الدولة وولّى منهزما إلى الرقة، ودخل الإخشيد حلب وعاث أصحابه في نواحيها وقطعوا أشجارها الكثيرة وبالغوا بإيذاء الناس لميلهم إلى سيف الدولة.
سنة 334 عود سيف الدولة إلى حلب وهو الاستيلاء الثاني:
ثم في ربيع الأول من هذه السنة تقرر الصلح بين الأميرين على أن تكون حلب وحمص وأنطاكية لسيف الدولة، ودمشق للإخشيد، على أن يدفع عنها إلى سيف الدولة إتاوة سنوية «2» .
استيلاء سيف الدولة على دمشق:
ثم إن سيف الدولة اغتنم فرصة خلوّ دمشق من الحامية، لانسحاب جيوش كافور وأنوجور منها إلى مصر لكفاح المغربي الذي استولى عليها. فتوجه سيف الدولة إلى دمشق واستولى عليها. ثم تبين فيها لأهلها أمارات الطمع فكاتبوا كافورا فحضر إليهم ومعه أنوجور ابن الإخشيد.
سنة 335 حرب سيف الدولة مع كافور:
فتحارب في هذه السنة سيف الدولة في أكسال مع كافور، فانكسر سيف الدولة وولّى منهزما إلى حمص، فحشد وعاد إلى مرج عذراء وتواقع فيه مع كافور فانكسر أيضا وانهزم إلى الرقة. ودخل كافور إلى حلب وولّى عليها يانس المونسي.
الفداء بالثغور بين المسلمين والروم:
فيها كان الفداء بين المسلمين والروم على يد عامل سيف الدولة في الثغور، وكان عدد الأسرى 2480 وفضل للروم على المسلمين 230 أسيرا، فوفّاهم سيف الدولة من ماله.(3/43)
سنة 336:
وفي شهر ربيع الآخر من هذه السنة أقبل سيف الدولة إلى حلب وكبس يانس المونسي فانهزم إلى سرمين. فأرسل سيف الدولة إليه من يتعقبه فانهزم وحده إلى أخيه بميّافارقين.
ثم تجدد الصلح بين سيف الدولة وابن الإخشيد على الصفة التي كانت بينه وبين الإخشيد دون الإتاوة السنوية. واستقر سيف الدولة بحلب، وهو الاستيلاء الثالث، وعمر داره في أرض الحلبة وأجرى إليها الماء من قويق.
وفيها كان الغلاء بالشام وأكلت الحمير والهررة والصبيان، ومات خلق كثير.
سنة 337 غزو سيف الدولة الروم وانكساره وغير ذلك:
فيها غزا سيف الدولة الروم فانكسر، وأخذ الروم مرعش وأوقعوا بأهل طرسوس.
وفيها ملك سيف الدولة حصن برزيه. وفي ذلك يقول أبو الطيب «وفاؤكما كالرّبع أشجاه طاسمه» «1» . وفيها استنقذ سيف الدولة أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان لما أسره الخارجي الذي نجم في شعبان هذه السنة. وفي ذلك يقول أبو الطيب «إلام طماعية العاذل» «2» .
سنة 339 غزو سيف الدولة الروم:
فيها غزا سيف الدولة الروم وأوغل وفتح حصونا كثيرة وسبى وغنم. ثم أخذ الروم عليه المضايق فهلك من كان معه، ونجا سيف الدولة في عدد يسير.
سنة 340 موت يماك التركي:
فيها مات يماك التركي مملوك سيف الدولة وكان مقدم مماليكه، وكانوا أربعة آلاف مملوك شراء ماله. ورثاه أبو الطيب بقوله «لا يحزن الله الأمير فإنني» «3» .(3/44)
سنة 341 قصد الروم مدينة سروج:
فيها قصد الروم مدينة سروج وسبوا وغنموا وخربوا مساجدها وانصرفوا. فتبعهم سيف الدولة وظفر بهم وبنى مرعش. وفي ذلك يقول أبو الطيب «فديناك من ربع وإن زدتنا كربا» «1» .
مدّ نهر قويق:
وفي شتاء هذه السنة مدّ نهر قويق حتى أحاط بدار سيف الدولة، ودورها سبعة آلاف ذراع، وسماها السيفية. فخرج أبو الطيب من عنده فبلغ الماء إلى صدر فرسه فقال في ذلك الأرجوزة التي مطلعها: «حجّب ذا البحر بحار دونه» «2» .
سنة 342 خروج سيف الدولة إلى ديار مضر وإيقاعه بالدمستق، وأسره ابنه:
في حاشية من ديوان للمتنبي مخطوط، محفوظ عندي، ما صورته: «فيها رحل سيف الدولة من حلب إلى ديار مضر لاضطراب البلاد بها. فنزل حرّان فأخذ رهائن بني عقيل وقشير وعجلان، وحدث له بها رأي في الغزو فعبر الفرات إلى دلوك، إلى قنطرة صنجة، إلى درب القلّة، فشنّ الغارة على أرض عرقة وملطية، وعاد ليعبر الفرات من درب موازد فوجد العدو قد ضبطه عليه فرجع، وتبعه العدو فعطف عليه فقتل كثير من الأرمن. ورجع إلى ملطية وعبر قباقب، وهو نهر، حتى ورد المخاض على الفرات تحت حصن يعرف بالمنشار، فعبر إلى نهر هنريط وسمنين، ونزل بحصن الران، ورحل إلى سميساط فورد عليه بها من خبّره أن العدو في بلد المسلمين. فأسرع إلى دلوك وعبرها، فأدركه راجعا على جيحان فهزمه وأسر قسطنطين بن الدمستق، وجرح الدمستق في وجهه. وكان الإيقاع به يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول. فقال أبو الطيب يصف ما كان في جمادى الآخرة من هذه السنة «لياليّ بعد الظاعنين شكول» «3» .(3/45)
سنة 343 سير سيف الدولة إلى الحدث وإيقاعه بجيوش الدّمستق:
وفي الحاشية المذكورة ما صورته:
«في هذه السنة سار سيف الدولة نحو حصن الحدث لبنائها، وكان أهلها أسلموها بالأمان إلى الدمستق سنة 337 فنزلها سيف الدولة يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة من سنة 343 وبدأ في يومه فخطّ الأساس وحفر أوله بيده ابتغاء ما عند الله تعالى.
فلما كان يوم الجمعة نازله ابن النقاس، دمستق النصرانية، في نحو خمسين ألف فارس وراجل من جموع الروم والأرمن والروس والبلغر والصقلب والخزرية. ووقعت المصادمة يوم الاثنين انسلاخ جمادى الآخرة من أول النهار إلى وقت العصر، وإن سيف الدولة حمل عليه بنفسه في نحو خمسمائة من غلمانه وأصناف رجاله فقصد موكبه وهزمه وظفر به وقتل نحو ثلاثة آلاف رجل من مقاتلته وأسر خلقا من استخلاديّته وأراخيته، فقتل أكثرهم واستبقى البعض، وأسر نوذس الأعور بطريق سمنذوا والقنذوا، وهو صهر الدمستق على ابنته، وأسر ابن بنت الدمستق، وأقام على الحدث إلى أن بناها ووضع آخر شرافة منها بيده في يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب. فقال أبو الطيب في ذلك وأنشده إياها بعد الوقعة بالحدث: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» .
أقول: هذه النبذة ساقها العكبري في شرح هذه القصيدة مع تصرف قليل ببعض ألفاظها. وقد غلط ابن الأثير فذكر أسر ابن الدمستق في هذه الواقعة. ولعل الذي أوقعه بهذا الوهم قول المتنبي في هذه القصيدة:
وقد فجعته بابنه وابن صهره ... وبالصهر حملات الأمير الغواشم
على أن الفجع بابنه في هذا البيت لا يستلزم حصوله في هذه الوقعة، إنما هو إخبار عنه في الوقعة الأولى.
وقد غلط بعض المؤرخين في هاتين الوقعتين غلطتين، إحداهما: توهّمه أنهما وقعة واحدة، وثانيهما: فهمه من عبارة العكبري أنها أفادت أن ابن الدمستق أسر في هذه الوقعة.
مع أن عبارة العكبري لا يستفاد منها أنه أسر ولا قتل في هذه الوقعة كما يظهر ذلك بداهة(3/46)
لمن قرأها. على أن ذكر أسره في قصيدة المتنبي التي أنشدها في الوقعة الأولى صريح حيث يقول:
على قلب قسطنطين منه تعجّب ... وإن كان في ساقيه منه كبول «1»
إيقاع سيف الدولة ببني كلاب:
وفيها أحدث بنو كلاب حدثا بنواحي بالس «2» ، وسار سيف الدولة خلفهم فأدركهم بعد ليال على بعد 120 ميلا من حلب، فأوقع بهم ليلا فقتل وملك الحريم وأبقى وأحسن. فقال أبو الطيب «بغيرك راعيا عبث الذئاب «3» » .
سنة 344 ورود رسول ملك الروم:
في محرّم هذه السنة ورد على سيف الدولة فرسان طرسوس وأذنة والمصيصة ومعهم رسول ملك الروم في طلب الهدنة والفداء، فقال أبو الطيب «أراع كذا كلّ الأنام همام» «4» .
خروج سيف الدولة إلى الأعراب وإيقاعه بهم:
في الحاشية المذكورة ما خلاصته:
في هذه السنة تجمعت عامر بن صعصعة وعقيل وقشير والعجلان، أولاد كعب بن ربيعة بن عامر، بمروج سلمية وكلاب بن ربيعة ومن ضامّها، بماء يقال له الزرقاء بين خناصرة وسورية، وتشاكوا بما لحقهم من سيف الدولة وتضافروا على حربه وكانوا في كثرة من عددهم وعددهم، وقد زين لهم ذلك قواد من كعب كانوا في عسكر سيف الدولة، فركضوا على أعماله فقتلوا صاحبه بناحية زعرايا يعرف بالمربوع من بني تغلب(3/47)
وقتلوا الصباح بن عمارة والي قنّسرين.
ثم إن سيف الدولة اشتغل عن النهوض إليهم بوفود طرسوس فتمادت أيام مسيره وزاد ذلك في طمع البوادي. ثم قدّم مقدّمة إلى قنّسرين في يوم السبت لليلة خلت من صفر هذه السنة. فأقامت المقدمة أحد عشر يوما أملا أن ترعوي البادية فلم يرتدعوا. فبرز سيف الدولة إلى ضيعة يقال لها الراموسة على ميلين من حلب في يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر، وسار عنها في يوم الأربعاء فنزل تل ماسح وراح منه فاجتاز بمياه الحيار فطواها وتلقته مشيخة من بني كلاب وغيرهم فطرحوا نفوسهم بين يديه وسألوه قبول تسليمهم إليه.
وقصد سلمية فلما كان سحر يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من صفر تجمعت الأعراب، كعب ومن ضامّها من اليمن، في عدّتها وعدّتها، وحبسوا ظعنهم بماء يقال له حيران، على نحو مرحلة من سلمية، وبعضهم بماء يقال له القرقلس وراءه. ووافت خيولهم مشرفة على عسكر سيف الدولة من كل ناحية. فركب لهم ووقع الطراد فلم يمض إلا ساعات حتى ركب أكتافهم وولّوا واستحر القتل والأسر بآل المهيا ووجوه عقيل وقوادها، وأسر خويلد بن عوسجة بن منصور بن المهيا، وشداد النعمي، وجه بني نعمة. فأطلق جمعهم منّا عليهم مع عدد كبير وأسروا وأطلقوا، وقتل من جمعهم نيّفا وخمسين رجلا، وأخذ منهم نحو مائتي فرس، ودروع من كان عليها.
ورحل سيف الدولة ضحوة نهار الجمعة متبعا لهم فأسرعوا لترحيل بيوتهم فوافى ماء حيران بعد الظهر فوجد آثار جفلتهم، وسار إلى ماء القرقلس وأمر بالنزول عليه. ثم عنّ له رأي في اتّباعهم فرحل لوقته إلى ماء الغنثر يوم السبت النصف من صفر، وتسع بقين من حزيران، وقدّم خيلا فلحقت ما لهم وحازته، فنزل على الغنثر قبل نصف الليل وقد امتلأت الأرض من الأغنام والجمال والهوادج والرحال، وقد تفرقت خيولهم واشتبهت عليهم الطرق، فوقع أصحابه على عدة منهم فقتلوهم. وسار وقت السحر إلى تدمر فنزل ماء الجباه على سبعة وعشرين ميلا من الغنثر، وتفرقت خيله في طلب الفلول فساقت الماشية وقتلت عدّة، وسار سيف الدولة من تدمر نحو السماوة فقتل وأسر وصفح عما ملكه من الحريم، ثم رجع من السماوة شفقة عليهم من الاستئصال لأن الكثير منهم يموتون عطشا وجوعا. وقد قصد فريق منهم جهة القلمون مما يلي دمشق. ثم عاد سيف الدولة إلى(3/48)
معسكره ومر بطريقه على جماعة من تلك الجموع أسروا وعجزوا عن الهرب فبرّهم وزوّدهم. وأقام بتدمر يومين وبثّ الخيل ليتعرف أخبارهم فظفرت خيوله بمال منقطع وأقوام فصفح عنهم ورحل نحو أركة ثم نحو السخنة ثم نحو عرض والرصافة والرقة فتلقاه أهلها. ثم نحو حلب فوصل إليها يوم الجمعة لست خلون من شهر ربيع الأول من هذه السنة فقال أبو الطيب يمدحه ويذكر ما جرى: «تذكّرت ما بين العذيب وبارق» «1» .
مسير سيف الدولة إلى الدّمستق في حصن الحدث:
في جمادى الأولى من هذه السنة نهض سيف الدولة إلى الثغر لما ورد عليه من الدمستق وجيوش النصرانية قد نزلوا على حصن الحدث ونصبوا عليه مكايد، وقد أنجدهم ملكهم بأصناف العسكر من البلغر والروس والصقلب في عدد وعدد، فسار سيف الدولة من حلب فلما قرب من الحدث رحل العدو إلى حصن رعبان. وخرج أهل الحدث وأخذوا آلة سلاح العدو وأعدّوه في حصنهم، وعاد سيف الدولة إلى حلب فقال أبو الطيب «ذي المعالي فليعلون من تعالى» «2» .
أقول: ذكر العكبري أن هذه الحادثة كانت في سنة 340 وهو غلط والصواب أنها كانت في هذه السنة وهي سنة 344.
سنة 345 غزو سيف الدولة الروم:
في الحاشية المذكورة ما خلاصته:
أن سيف الدولة غزا من حلب ومعه أبو الطيب، وقد أعدّ الآلات لعبور أرسناس، فاجتاز بحصن الران ثم اجتاز بحيرة سمنين ثم بهنريط. وعبرت الروم والأرمن أرسناس وهو عظيم الجرية والبرد، فسبح الخيل حتى عبرته خلفهم إلى تل بطريق وهو مدينة لهم، فغرق جماعته وأحرق تل بطريق وقتل من وجد فيها. وأقام أياما وعقد بها سمريّات «3» ليعبر السبي(3/49)
فيها ثم أقفل، فاعترضه البطريق في الدرب بالجيش، وارتفع في ذلك الوقت سحاب عظيم وجاء مطر جود «1» ، ووقع القتال تحت المطر ومع البطريق نحو ثلاثة آلاف قوس، فابتلّت أوتار القسيّ فلم تنفع فانهزم أصحابه. ثم انهزم بعد أن قاتل وأبلى، وعلقت به الخيل فجعل يحمي نفسه حتى سلم.
واتصل بسيف الدولة خبر يانس، سبط الدمستق شمشقيق البطريق، في متابعته الغارة على أطراف ديار بكر وتقديره أنه آمن ببعد سيف الدولة. فسار سيف الدولة في يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من محرّم سنة 345 ولما وصل إلى حرّان لقيته وجوه بني نمير لائذين به وسألوه العفو عن كل شيء كان أنكره عليهم، فأجابهم إلى ذلك وتنكّب طرق الجادة وأخذ على حصن الران إلى حصن الحمة إلى حصن بارقبين، وجميعها له وفي يده، ودخل منه غازيا في يوم السبت لأربع بقين منه. وقد كان البطريق ومن تجمع إليه من البطارقة ورد الدرب للغارة على بلد آمد، فلما أشرف سيف الدولة ولّوا منهزمين ونزل سيف الدولة بشاطئ بحيرة سميساط وخيوله تركض وتأسر وتحرق وتسبي.
ثم سرى في يوم الأحد بغلامين من غلمانه إلى شط أرسناس وسار في أثرهما فنزل ضيعة تعرف بأنحى في لحف «2» حصن زياد. وعادت سريته غانمة سالمة. وبكّر فسار إلى شط أرسناس فنزل على حصن أشوان بإزاء مدينة يقال لها الأشكونية وهي مسكن البطريق وكان أخذ معه سفنا مخلّعة وأطوافا، فلما خيّم بشاطئ النهر يوم الاثنين لليلتين بقيتا من المحرم عبر بعض خيوله سابحة إلى ناحية الأشكونية فسبت وغنمت، وابتدأ بعمل السفن والأطواف ففرغ من عدّة منها في بقية يومه وباكر تعبير «3» الرجال فيها في يوم الخميس، فقصد مدينة تل البطريق فأحرقها وانكفأ إلى أخرى يقال لها أسفوان فألحقها بأختها، وشنّ الغارات في تلك الأطراف، وبلغ ذلك من الروم مبلغا عظيما وعاد إلى سواده وعسكره ظافرا غانما، ورحل يوم السبت لثلاث خلون من صفر فقصد بلدا يقال لها هورى فأحرقه وما اجتاز به من بلاد الروم وسبى وقتل.(3/50)
ورحل في يوم الأحد فنازل حصنا يقال له دارم وفيه مقاتلة للروم من يوم الثلاثاء إلى يوم الخميس حتى قارب فتحه، فبلغه تجمّع الروم في عددهم ومددهم وأخذهم الدروب وتقديرهم اعتراضه في يوم الجمعة فنزل منزلا ببطن سمنين بعد عبره عقبة هاموته وبكر في يوم السبت لعشر خلون من صفر قافلا إلى الدرب المعروف بدرب باقسايا. فلما توسط وظهرت قوافل أعدائه أنفذ إليهم من ناوشهم فاستظهر عليهم ثم كرّوا وصبروا. وأمر سيف الدولة بضرب خيمة بموضعه وصعد إلى جموعهم وهم عند أنفسهم مستظهرون في مواضعهم فخمل عليهم فولوا ووضع السيف فيهم فقتل فيما قتل أربعة آلاف رجل، منهم ابن بلنطس البطريق، وابن فشير فارس النصرانية، وزروان مرح قلزور وأرجوزان وعدد يطول ذكرهم وغنم الرجال ما يفوق الإحصاء من الدوابّ والبغال والحلي والديباج. وسار طالبا لفلّهم «1» في طبراش وصعوده وهبوطه واحتاج في بعضه إلى الترجل والمشي. وكان انصرافه عن الفل بعد العصر، وسار نحو آمد فدخلها في آخر نهار يوم الأحد لعشر خلون من صفر سنة 345 فأنشده أبو الطيب في آمد قصيدته التي مطلعها «الرأي قبل شجاعة الشجعان» «2» .
سنة 347 الزيادة في الأذان:
قال المقريزي في الخطط المصرية: أول من أذّن بالليل: «محمّد وعليّ خير البشر» :
الحسين، المعروف بأمير أشكنبة، ويقال أسكنبة، وهو اسم أعجمي معناه الكرش، وهو ابن علي بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وكان أول تأذينه بذلك في حلب أيام سيف الدولة سنة 347 ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه: «حيّ على خير العمل، ومحمد وعليّ خير البشر» إلى أيام نور الدين محمود زنكي. فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلوية استدعى أبا الحسن عليا بن الحسن بن محمد البلخي إليها فجاءه ومعه جماعة من الفقهاء وألقى بها الدروس، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء أن يصعدوا المنارة وقت الأذان، وقال لهم: مروهم أن يؤذّنوا الأذان الشرعي، ومن امتنع منهم كبّوه على رأسه. ففعلوا ما أمرهم به وبطلت هذه الزيادة.(3/51)
قلت: سيأتي ذكر هذا في حوادث سنة 543 وذكر ابن الوردي حادثة ابتداء الزيادة في الأذان سنة 369 أيام سعد الدولة أبي المعالي شريف بن سيف الدولة، لا في أيام أبيه، كما ذكره المقريزي، فليحرر.
أما زيادة الصلاة والسلام عقيب كل أذان فقد التزمت في حلب سنة 792 قال أبو ذر في تاريخه، في ترجمة الملك الظاهر برقوق الجهاركسي: وفي أيامه سنة 792 أحدثوا في حلب السلام على النبي عليه السلام عقيب كل أذان، ويقال إن ذلك عن أمره، وكان هذا قد أحدث في العام الأول. ثم قال: وأخبرني والدي أنهم كانوا يصلون على آدم عقيب الأذان، وسببه أن شخصا زعم أنه رأى في منامه آدم، فقال له: أنا أبو كم ولا تذكروني ولا تصلّون عليّ. فأخبر بذلك الحاكم فأمر بالصلاة عليه. اه.
سنة 348 غزو الروم طرسوس والرّها:
في هذه السنة غزت الروم طرسوس والرّها فقتلوا وسبوا وعادوا سالمين.
سنة 349 غزو سيف الدولة الروم:
فيها غزا سيف الدولة الروم فأبلى فيهم وفتح عدة حصون وسبى وأسر وغنم وبلغ خرشنة. ثم إن الروم أخذوا عليه المضايق واستردوا جميع ما معه ووضعوا السيف في أصحابه، وتخلص هو في ثلاثمائة رجل بعد جهد ومشقة. وفي ذلك يقول المتنبي «غيري بأكثر هذا الناس ينخدع» «1» .
الجليد والبرد:
وفيها جاء الجليد والبرد حتى جمد الفرات والقدور على النار، ويبس الزيتون في المعرة وكفر طاب. وفي سنة 350 خرج كمين من الروم على قفل «2» بين أنطاكية وطرسوس فأخذ الرجال وقتل كثيرا منهم، وكان معهم صاحب أنطاكية فتخلص منهم.(3/52)
سنة 351 استيلاء الروم على عين زربة:
فيها زحف الدمستق بجيوشه الجرارة على مدينة عين زربة، وتسلّمها من أهلها بعد أن أمّنهم، ثم غدر بهم فقتل الرجال والنساء والصبيان ومات كثير من أهلها في الطرقات، ونهب الروم جميع أموالهم واستولوا على أربعة وخمسين حصنا. ثم انصرف الدمستق على أن يعود بعد عيده، وخلّف جيشه بقيسارية. وكان ابن الزيات صاحب طرسوس خرج في أربعة آلاف طرسوسي، فقتل الدمستق أكثرهم وقتل أخا ابن الزيات.
فعاد ابن الزيات لطرسوس وكان قطع بها الخطبة لسيف الدولة فأعادها أهل البلد له وراسلوه وعلم ابن الزيات بذلك واشتد عليه هذا الأمر، فصعد إلى روشن «1» في داره وألقى منه نفسه إلى النهر تحته وغرق. وراسل أهل بغراص الدمستق وبذلوا له مائة ألف درهم فأقرهم وترك معارضتهم.
وفي هذه السنة أعاد سيف الدولة بناء عين زربة. وفيها بعد أن انصرف الدمستق إلى بلاده وقضى صومه وعيده بها، خرج إلى قيسارية جريدة ولم يعلم به سيف الدولة.
استيلاء الدمستق على حلب:
فتوجه الدمستق إلى حلب وكبسها، وقد أعجل الأمر سيف الدولة عن الجمع والاحتشاد فخرج إليه بمن معه فقاتله ولم يكن له به قبل لقلة عسكره، فقتل أكثرهم وقتل جميع أولاد داود بن حمدان، وانهزم سيف الدولة في نفر يسير، وظفر الدمستق بدار سيف الدولة المعروفة بالدارين «2» خارج حلب، فوجد فيها لسيف الدولة ثلاثمائة بدرة «3» دراهم، وأخذ له ألفا وأربعمائة بغل، وسلاحا لا يحصى، وخرب الدار وملك الحاضر وحاصر المدينة فقاتله أهلها من ثلمة من السور ثلمها الروم، فقتل من الروم خلق كثير وفي الليل عمر الحلبيون هذه الثلمة فتأخر الروم إلى جبل الجوشن «4» .
ثم إن رجال الشرطة قصدوا منازل التجار لينهبوها فلحق الناس أموالهم ليمنعوها وخلا(3/53)
السور منهم، فاغتنم الروم الفرصة وتسوروا ونزلوا وفتحوا الأبواب ودخلوا البلد بالسيف يقتلون من وجدوا حتى ضجروا وتعبوا. وكان في حلب ألف وأربعمائة أسير رومي، فخلصوهم وجمعوا السلاح وسبوا بضعة عشر ألف صبي وصبية وأخذوا من الأموال ما قدروا على حمله وأحرقوا المساجد والجامع الأعظم واحترق معه مكتبته التي كانت تشتمل على عشرة آلاف مجلد في فنون شتى. وكانت عدة عسكره في هذه الواقعة مائتي ألف رجل، منهم ثلاثون ألف مدرّع وثلاثون ألفا للهدم وإصلاح الطرقات وتنحية الثلوج عنها، وأربعة آلاف بغل تحمل الحسك «1» من الحديد.
ولما دخل الروم البلد قصد الناس القلعة فمن دخلها نجا بنفسه. وأقام الدمستق تسعة أيام وأراد الانصراف عن حلب، ثم بدا له أن ينزل على القلعة فأنفذ ابن أخت الملك وكان معه، وبقي الدمستق بعسكره على باب البلد، فتقدم المذكور ومعه سيفه وترسه وتبعه الروم. ولما قرب من باب القلعة ألقي عليه حجر فسقط ورمي بخشب فقتل، فأخذه أصحابه وعادوا إلى الدمستق فلما رآه قتيلا قتل جميع من كان معه من أسرى المسلمين وكانوا ألفا ومائتي أسير، وعاد إلى بلاده ولم يعترض لسواد حلب، وأمر أهله بالزراعة والعمارة ليعود إليه في العام الثاني.
وفي هذه السنة أسرت الروم أبا فراس الحمداني من منبج، وكان متقلدا لها.
امتناع أهل حران على عاملها:
وفي سنة 352 امتنع أهل حرّان على صاحبها هبة الله بن ناصر الدولة الحمداني، وكان متقلدا لها ولغيرها من ديار مضر من قبل عمه سيف الدولة، فعسفهم وظلمهم. وكان هبة الله عند عمه بحلب حين قيامهم على نوابه، فسار إليهم سيف الدولة وابن أخيه وحصروهم واقتتلوا أكثر من شهرين. ثم لما رأى سيف الدولة شدة الأمر أجابهم إلى ما طلبوا ودخل هبة الله البلد.(3/54)
الإيغال في بلاد الروم:
وفيها دخل أهل طرسوس بلاد الروم غزاة. ودخل أيضا «نجا» غلام سيف الدولة من درب آخر، فأوغل أهل طرسوس في بلاد الروم حتى دخلوا قونيه وعادوا. وكان سيف الدولة ينتظر الغزاة على رأس درب من تلك الدروب ولم يسر معهم لأنه كان مريضا ولما صحّ خاف هبة الله وهرب إلى حرّان وأشاع أن عمه مات وتحالف مع أهلها على الحرب والسلم، فأرسل سيف الدولة غلامه «نجا» إلى حرّان وهرب هبة الله إلى الموصل ونزل «نجا» على حرّان وقبض أهلها وصادرهم على ألف ألف درهم وشرط عليهم تأديتها بخمسة أيام بعد الضرب المبرّح بحضرة عيالاتهم وأهليهم، فباعوا ما يساوي دينارا بدرهم لعدم وجود من يشتري غير أصحاب «نجا» . ثم افترق أهل حرّان وبقيت بلا وال وسار «نجا» إلى ميّافارقين حيث كان سيف الدولة.
سنة 353 عصيان «نجا» على سيف الدولة:
فيها عصى «نجا» على سيف الدولة بطرا بما صار معه من الأموال التي أخذها من أهل حرّان، وانضم إليها ما أخذه بعد من أبي الورد المستولي على كثير من أرمينية حينما قصده «نجا» وقتله وأخذ أمواله وقلاعه وبلاده: خلاط، وملا ذكرد، وموش. فتمكن بهذه الأموال وأظهر العصيان على مولاه سيف الدولة، فقصده سيف الدولة ليقاتله على عصيانه فهرب منه واستولى سيف الدولة على بلاده ثم كاتبه يرغبه ويرهبه حتى حضر عنده فأكرمه وأعاده إلى مرتبته. ثم وثب عليه غلمان سيف الدولة لأنه تعرض إلى أحدهم، فقتلوه وطرحوه في مجرى الماء والأقذار إلى الغد ثم دفن.
سنة 354 استيلاء نقفور على المصيصة:
فيها حاصر نقفور ملك الروم المصيصة وفتحها عنوة، ثم رفع السيف عمن بقي من المسلمين ونقلهم إلى الروم وكانوا مائتي ألف، ثم أمّن أهلها وكان بها أربعون ألف فارس، وسار أهلها عنها في البر والبحر، وجهز معهم من يحميهم إلى أنطاكية، ولقيهم أهل أنطاكية بالبكاء والنحيب وكان في مقدمة الطرسوسيّين «1» رجل يقرأ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ(3/55)
بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
إلى قوله تعالى: رَبُّنَا اللَّهُ
«1» .
مخالفة أهل أنطاكية سيف الدولة:
وفيها أطاع أهل أنطاكية أحد مقدّمي الطرسوسيّين وخالفوا سيف الدولة. واسم المقدّم رشيق. فساروا إلى حلب وقاتلهم قرعويه غلام سيف الدولة وحاجبه وعامله بحلب، وكان سيف الدولة بميّافارقين فأرسل سيف الدولة عسكرا مع خادمه بشارة وقاتلا رشيقا، فقتل رشيق وهرب أصحابه إلى أنطاكية. ولما عاد سيف الدولة إلى حلب اجتمع على حربه ابن الأهوازي، رجل كان يضمن الأرحاء «2» بأنطاكية، وهو الذي كان أمدّ رشيقا بماله وزين له العصيان على سيف الدولة. وكان مع ابن الأهوازي في هذه الوقعة دزبر الديلمى خليفة رشيق، فقتل ابن الأهوازي ودزبر، وقتل من ولاتهما خلق كثير.
وفيها خرج مروان عامل سيف الدولة على السواحل وهو رجل من القرامطة كان استأمن إلى سيف الدولة فأمّنه واستعمله على السواحل، فلما تمكن قصد حمص وملكها وملك غيرها فسار إليه بدر، غلام قرعويه، وواقعه عدة وقعات. واتفق أن بدرا رمى مروان بنشّابة مسمومة وأن بدرا أسره أصحاب مروان، فخلص مروان من النشابة وقتل بدر. وبعد أيام مات مروان.
سنة 355 الفداء بين سيف الدولة وبين الروم:
فيها تم الفداء بين الروم وبين سيف الدولة، فسار سيف الدولة بالبطارقة الذين هم في أسره إلى الفداء ففدى بهم أبا فراس وغلامه روطاس وجماعة من أكابر الحلبيين. ولما لم يبق معه من الأسرى أحد اشترى الباقين، كل نفس باثنين وسبعين دينارا، حتى نفذ «3» ما معه من المال فاشترى الباقين ورهن عليهم بدنته الجوهر، المعدومة النظير. ثم لما لم يبق أحد من أسرى المسلمين كاتب نقفور الملك الرومي على الصلح. وهذه من محاسن سيف الدولة.(3/56)
سنة 356 وفاة سيف الدولة وبقية حوادث دولته في حلب:
فيها مات سيف الدولة بحلب ونقل إلى ميّافارقين. وهو أول من ملك حلب من بني حمدان، أخذها من ابن سعيد الكلابي نائب الإخشيد كما تقدم. وملك البلاد بعده ابنه أبو المعالي سعد الدولة شريف. وفي ربيع الآخر سنة 357 قتل الحارث أبو فراس الحمداني ابن عم سيف الدولة، كان مقيما بحمص فجرى بينه وبين أبي المعالي بن سيف الدولة وحشة وطلبه أبو المعالي فانحاز إلى «صدد» من قرى حمص فأرسل أبو المعالي عسكرا مع قرعويه إلى صدد وكبسوه وقتلوه.
وفي سنة 358 دخل ملك الروم الشام بلا ممانع، وسار إلى طرابلس وأحرق حمص وكان أهلها أخلوها. وأقام بالشام شهرين وأتى على الساحل نهبا وتخريبا وملك ثمانية عشر منبرا وعاد بالأسرى والأموال. وفيها استولى قرعويه على حلب وأخرج ابن أستاذه أبا المعالي فأقام عند والدته بميافارقين ثم بحماة. وفي سنة 359 ملك الروم أنطاكية بالسيف وقتلوا أهلها وسبوا عشرين ألف صبي وصبية وقصدوا حلب فتحصن قرعويه بالقلعة وملكوا المدينة، وكان أبو المعالي محاصرا حلب فتباعد عنهم. ثم حصروا القلعة فخرج إليهم جماعة من الحلبيين. وتوسطوا الصلح واستقر الأمر على هدنة مؤبدة على مال يحمله قرعويه إلى الروم وعلى ألّا يمكّن أهل القرى من الجلاء ليبتاع منهم الروم لوازمهم إذا مروا عليهم في الغزوات، وكان مع حلب حماه وحمص وكفر طاب والمعرة وأفامية وشيزر وما بين ذلك من الحصون والقرايا. وسلّم الحلبيون الرهائن إلى الروم وعاد الروم عن حلب وتسلمها المسلمون.
وفيها صالح قرعويه ابن أستاذه أبا المعالي وخطب له. وكان أبو المعالي بحمص وخطب هو وقرعويه بحلب للمعز العلوي صاحب مصر. وفي سنة 362 حدث في بلاد الشام زلزال هدم الحصون من أنطاكية وغيرها وهلك به خلق كثير. وفي سنة 366 قوي أمر بكجور بحلب، وكان استنابه مولاه قرعويه فاستفحل أمره وقبض على مولاه قرعويه وحبسه في القلعة. فكتب أهل حلب إلى أبي المعالي، وكان مقيما في حماة. فسار إلى حلب وحصر قلعتها أربعة أشهر ثم ترددت الرسل بين أبي المعالي وبكجور، واستقر الصلح بينهم على أن يكون بكجور أمينا ويوليه أبو المعالي حمص. فاستلم أبو المعالي القلعة وسيّر بكجور إلى حمص كما اتفقا.(3/57)
قلت: هذه الحادثة ذكرها في ذيل المختصر في حوادث سنة 365 وفي سنة 373 كتب بكجور إلى العزيز بمصر أن يوليه دمشق فأجابه. وتسلمها بكجور وانتقل إليها من حمص.
سنة 378 عصيان بكجور وقتله، ووفاة أبي المعالي:
في هذه السنة عصى بكجور بدمشق، وأرسل العزيز عسكر العزلة، فهرب منها ثم أمّنه العزيز. فسار بكجور إلى الرقة واستولى عليها. وفي سنة 381 سار بكجور من الرقة لقتال أبي المعالي بحلب. فاقتتلا قتالا شديدا وانكسر بكجور وهرب، ثم أخذ أسيرا في بعض بيوت العرب وأحضروه إلى أبي المعالي فقتله. ثم سار أبو المعالي إلى الرقة وبها أولاد بكجور وأمواله، فحصرها فاستأمنوا فأمنّهم وحلف ألّا يتعرض إليهم ولا إلى مالهم.
فسلّموه الرقة فغدر بهم وأخذ أموالهم وعاد إلى حلب فلحقه فالج في جنبه الأيمن فأحضر الطبيب ومد إليه يده اليسرى، فقال الطبيب: هات اليمنى، فقال: ما تركت لي اليمين يمينا. ومات بعد ثلاثة أيام في هذه السنة، وعهد إلى ولده أبي الفضائل وجعل مولاه لؤلؤا مدبّر أمره.
وفيها استضعف العزيز بالله- خليفة الفاطميين في مصر- أبا الفضائل وطمع في تملك حلب منه، فجهز بقيادة منجوتكين جيشا جرارا، فكتب أبو الفضائل إلى ملك الروم يستعينه على جيش العزيز فأقبل إليه أحد قواده في خمسين ألفا. ولما التقى الجيشان لم يثبت جيش الروم وشدد الجيش المصري الحصار على حلب حتى اضطر أبو الفضائل إلى طلب الصلح من منجوتكين فصالحه على مال دفعه. ولما وصل خبر الصلح إلى الخليفة لم يرضه ذلك وأمر منجوتكين أن يعود إلى حصار حلب فاضطر أبو الفضائل أن يعود إلى الاستنجاد بملك الروم فأقبل إليه بجيش عظيم أجفل منه جيش الخليفة إلى دمشق. ومرّ ملك الروم بحلب فتلقاه أبو الفضائل بالإكرام ثم سار ملك الروم إلى بلاد الشام فهدم وأحرق وسبى.
399 وفاة لؤلؤ وخلفه ابنه:
فيها توفي لؤلؤ مدبّر أمر أبي الفضائل، وخلفه مرتضى الدولة بن لؤلؤ، وكان ظالما.(3/58)
سنة 402 انقراض دولة بني حمدان من حلب:
في هذه السنة أغار صالح بن مرداس في 500 فارس على حلب وطالب مرتضى الدولة بجوائز الكلابيين مستضعفين إياه بسبب تسلط حكومة مصر عليه. فاحتال مرتضى الدولة على الكلابيين وأدخلهم إلى حلب وأغلق عليهم أبوابها وقتل منهم نحو 200 وأسر 120 بينهم صالح، وتزوج «جابرة» امرأة صالح بإكراه أهلها على زواجها. وقيل: بل أكره صالح على طلاقها.
ثم إن صالحا نقب حائط السجن وألقى نفسه من سور القلعة وهرب واجتمعت عليه بنو كلاب ونزلوا على قرية تل حاصد فألف مرتضى الدولة جندا من أهالي حلب، فيهم اليهود والنصارى وأخلاط من الناس، ووقعت المصادمة عند تل حاصد فانكسر جيش مرتضى الدولة وأسر وقيده صالح بالقيد الذي كان في رجله ثم افتدى نفسه بمال وعاد إلى حلب.
سنة 406 عصيان فتح على مولاه مرتضى الدولة:
فيها عصى فتح على مولاه مرتضى الدولة، وكاتب الحاكم وأظهر طاعته وخطب باسمه ولقب بمبارك الدولة، والتجأ مرتضى الدولة إلى الروم في أنطاكية.(3/59)
سنة 414 استيلاء المرداسيين على حلب
في هذه السنة ضعف أمر الدولة الفاطمية بمصر وطمع عرب البادية بالشام والجزيرة وتحالفوا على اقتسامهما فيما بينهم، على أن تكون حلب- إلى عانة- لصالح، والرملة إلى مصر لحسان بن مفرّج «1» الطائي، ودمشق وأعمالها إلى سنان بن عليان. فزحف صالح إلى حلب وقاتل عليها ابن ثعبان أو شعبان الكتامي، والي حلب من قبل المصريين، فاستولى صالح على حلب.
حوادث الدولة المرداسية في حلب سنة 415: دفن قاضي حلب حيّا:
في هذه السنة قبض صالح على قاضي حلب ابن أبي أسامة، ودفنه حيا في القلعة.
فقال بعضهم في ذلك:
وأد القضاة أشدّ من ... وأد البنات عمى وعيّا
أدفنت قاضي المسلمين م ... بقلعة الشهباء حيّا؟
سنة 416 إسناد صالح الوزارة إلى تاذرس النصراني:
فيها استوزر صالح بن مرداس تاذرس النصراني وكان عنده صاحب السيف والقلم.
سنة 418 خروج صالح إلى المعرة واجتماعه بأبي العلاء:
وفي هذه السنة خرج صالح إلى المعرة للإيقاع بأهلها لأنهم خربوا الماخور. فحضر إليهم صالح واعتقلهم وصادرهم واستدعى أبا العلاء إلى ظاهر المعرة. ومما خاطب به أبو العلاء صالحا قوله: مولانا السيد الأجل أسد الدولة ومقدّمها وناصحها، كالنهار الماتع(3/60)
اشتد هجيره وطاب إبراده، وكالسيف القاطع لان صفحه وخشن حدّاه، خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين. فقال صالح: قد وهبتهم لك أيها الشيخ. فقال أبو العلاء بعد ذلك في اللزوميات هذه الأبيات:
تغيّبت عن منزلي برهة ... ستير العيوب فقيد الحسد
فلما مضى العمر إلّا الأقلّ ... وحمّ لروحي فراق الجسد
بعثت شفيعا إلى صالح ... وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع منّي سجع الحمام ... وأسمع منه زئير الأسد
فلا يعجبنّي هذا النفاق ... فكم نفّقت محنة ما كسد
سنة 420 قتل صالح وولده الأصغر وولاية ابنه نصر حلب:
في هذه السنة جهز الظاهر صاحب مصر جيشا لقتال صالح صاحب حلب، وحسان صاحب الرملة. فاقتتلوا على الأردنّ عند طبرية وقتل صالح وولده وحمل رأسهما إلى مصر، ونجا ابنه نصر فحضر إلى حلب وملكها ولقب شبل الدولة.
وفي هذه السنة خرج الروم من أنطاكية للزحف على حلب، فحاربهم أهلها وهزموهم.
سنة 421 خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى حلب:
في هذه السنة خرج ملك الروم من القسطنطينية في ثلاثمائة ألف مقاتل، وقيل في ستمائة ألف، للزحف على الشام، معهم ملك البلغار وملك الروس والألمان والخزر والأرمن والبلجيك والفرنج. ولما اقتربوا من حلب لحقهم عطش شديد ووقع الخلف بين أمرائهم وملوكهم، فرحل الملك وتبعهم شبل الدولة والعرب وأهل السواد حتى الأرمن، يقتلون وينهبون حتى لم يسلم من أموالهم شيء، وأسر جماعة من أولاد ملوكهم. وكان اسم ملك الروم أرمانس. وفي ذلك يقول الأمير أبو الفتح بن أبي حصينة المعرّي قصيدة طويلة، أنشدها شبل الدولة بظاهر قنّسرين، مطلعها:
ديار الحيّ مقفرة يباب ... كأن رسوم دمنتها كتاب(3/61)
سنة 429 قتل شبل الدولة:
في هذه السنة زحف الدزبري (وهو قائد العلوي صاحب مصر) على حلب فتغلب عليها وقتل شبل الدولة.
سنة 433 موت الدزبري واستيلاء أبي علوان على حلب:
فيها مات الذزبري بحلب، فأسرع إليها أبو علوان، ثمال بن صالح المرداسي الملقب بمعز الدولة وملكها. وفيها نقل رأس يحيى عليه السلام من بعلبكّ إلى مقام إبراهيم في القلعة.
سنة 440 وصول عساكر مصر إلى حلب:
فيها وصلت عساكر مصر إلى حلب في جمع عظيم فخرج إليهم «ثمال» بجموعه وقاتلهم إلى الليل ثم عاد إلى المدينة. ثم في الغد والذي بعده خرج إليهم وقاتلهم فرحلوا عن حلب ولولا رحيلهم في تلك الليلة لأغرقهم المطر.
سنة 441 زحف المصريين على حلب:
فيها وصل عسكر من مصر إلى حلب بقيادة «رفق» فهزمهم الحلبيون وأسر رفق ومات عندهم.
سنة 449 تنازل ثمال عن حلب إلى المصريين:
فيها تنازل ثمال عن حلب إلى المصريين فسلموها إلى الحسن بن ملهم.
سنة 452 و 453 و 454:
فيها أساء ابن ملهم السيرة في أهل حلب فكاتبوا محمودا بن صالح المرداسي فحضر وتسلم حلب وسيّر المصريون إليها ناصر الدولة بن حمدان فجرح وأسر، واستتب ملك حلب وقلعتها لمحمود. وفي سنة 453 استولى ثمال على حلب مرة ثانية بمعاونة المصريين.
ثم في سنة 454 ملكها منه أخوه عطية فقصده ابن أخيه محمود بن نصر وغلبه عليها فملكها منه. وفيها جاءت برقة وتبعها صيحة سقط لها الناس لوجوههم، ومات فيها كثير من الطيور بمعرّة.(3/62)
وفي سنة 457 أقطعت معرة النعمان للملك هارون بن خان ملك الترك فيما وراء نهر جيحون، أخذها حربا وخراجا فأقام بها يسيرا ثم انتقل إلى حلب وولى المعرة الأمير فارس الدولة يانس الصالحي. وفي سنة 459 كان بالبلاد سوى الروم غلاء عظيم وموت لا سيما في حلب، فإنه مات فيها في رجب خاصة زهاء أربعة آلاف، ومات جماعة من ساداتها. وفي سنة 460 فتح من الإفرنج حصن أرتاح على يد الملك هارون بن خان، حاصره خمسة أشهر، وهو فتح عظيم كانت أعماله بمقدار أعمال الشام من الفرات إلى العاصي، إلى أفامية إلى باب أنطاكية، إلى الأثارب. وأحصى قوم المفقودين من الفرنج في هذه السنة إلى رمضانها في الدرب إلى أفامية قتلا وأسرا، فكانوا ثلاثمائة ألف.
وفي سنة 461 أخذ ملك الروم حصن منبج وشحنه رجالا وعدّة. ثم وقف على عزاز ساعة ورحل عنها، وفتك في جماعته الموت والغلاء فرجع خائبا. وفيها جمع قبطان أنطاكية وقسّها المعروف بالبخت جموعا وطلع إلى حصن أسقوبا من قرى المعرة، حسّن له ذلك قوم من بني ربيع من أهل «الجوزق» ، ففتحوه وقتلوا وأسروا رجاله وواليه نادر التركي.
فبلغ الخبر الأمير عز الدولة محمود بن نصر المرداسي وهو يسير في ميدان حلب فسار إليهم ولم يدخل حلب ومعه نحو خمسين ألفا من الترك والعرب، وأخذه من النصارى وقتل منهم ألفين وسبعمائة نفس. وهذا الحصن عمره حسين بن كامل بن سليمان العمري المرشدي الكلابي، ومعه جماعة من المعرة وكفر طاب وضياعهما في سنة 456 وأكمل عمارته بمدة يسيرة فتعجب الناس لسرعة عمارته.
ثم في سنة 461 اقترض محمود بن نصر المرداسي من الروم أربعة آلاف دينار ورهن ولده نصرا عليها وعلى هدم الحصن المذكور. فجمع الناس من المعرة وكفر طاب على هدمه وهدموه. فقال بعضهم:
وهدّوا بأيديهم حصنهم ... وأعينهم حزنا تدمع
عجبت لسرعة بنيانه ... ولكنّ تخريبه أسرع
وفي سنة 462 استولى الروم على منبج وقتلوا أهلها ونهبوها ثم رحلوا عنها لجوعهم.
وفي سنة 463 قطع محمود بن نصر المرداسي والي حلب خطبة المستنصر العلوي بمصر وخطب للقائم العباسي، فثار الشيعة في حلب ونهبوا حصر الجامع وقالوا: هذه حصر عليّ، فليأت أبو بكر بغيرها.(3/63)
وفيها وصل السلطان محمد ألب أرسلان إلى حلب فبذل له محمود بن نصر الطاعة ولم يطأ بساطه، فلم يرض ألب أرسلان بذلك، فدخل محمود ووالدته عليه فأحسن إليهما وأقرّ محمودا على حلب وشرط عليه إزالة أفعال الشيعة، فإن أكثر أهل حلب صاروا شيعة من وقت مجيء الفاطميين إليهم.
وفي سنة 467 مات محمود بن نصر المرداسي، وكان ظالما غاشما يصادر الناس وقد ملك بعده ابنه نصر فمدحه ابن حيّوس بقصيدة منها:
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ... فلا افترقت ما افترّ عن ناظر شفر
ومنها:
فجاد ابن نصر لي بألف تصرّمت ... وآلى عليهم أن سيخلفها نصر
فأجازه نصر بألف دينار في طبق فضة وقال: لو قال عوض «سيخلفها» :
«سيضعفها» لأضعفتها له.
وقد اجتمع الشعراء بباب نصر وامتدحوه وتأخرت صلته عنهم، وفيهم أبو الحسن أحمد بن محمد بن الزبيدة المعرّي الشاعر، فنظم أبياتا وسيّرها إلى نصر مطلعها:
على بابك المحروس منّا عصابة ... مفاليس فانظر في أمور المفاليس
وقد قنعت منك الجماعة كلّهم ... بعشر الذي أعطيته ابن حيّوس
وما بيننا هذا التفاوت كلّه ... ولكن سعيد لا يقاس بمنحوس
فأعطاهم مائة دينار وقال: والله لو قالوا: «بمثل الذي أعطيته ابن حيوس» لأعطيتهم مثله.
سنة 468 ملك نصر منبج وقتله في حلب:
في يوم عيد الفطر قتل نصر هذا وهو في أحسن زيّ، وكان الزمان ربيعا واحتفل الناس في الفطر وتجملوا بأفخر ملابسهم، ودخل ابن حيوس فأنشد نصرا قصيدة منها:
صفت نعمتان خصّتاك وعمّتا، ... حديثهما حتّى القيامة يؤثر(3/64)
فجلس نصر وشرب إلى العصر، وحمله السّكر على الخروج إلى التركمان في «الحاضر» «1» ، وهم الذين كانوا ملّكوا أباه حلب، فأراد نصر نهبهم، وحمل عليهم، فرماه تركيّ منهم في حلقه فقتله في اليوم المذكور وملك بعده حلب أخوه سابق.(3/65)
انقراض دولة بني مرداس، ودخول حلب تحت سلطة شرف الدولة، ثم حكم الشريف بها، ثم دخولها تحت سلطة الدولة السلجوقية وغير ذلك من الحوادث إلى سنة 491
وفي سنة 472 حصر حلب أبو المكارم شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران المقلد ابن المسيّب، صاحب الموصل. ودام حصاره لها إلى ابتداء سنة 473 وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله الحسيني الهاشمي، مقدّم الأحداث بحلب، هو رئيس المدينة، فتمكن وقويت يده وسلّم المدينة إلى أبي المكارم المذكور، فتسلمها ثم تسلم قلعتها واستنزل منها (سابقا، ووثّابا) ابني محمود المرداسي. وفيها كان انقراض ملك بني مرداس من حلب.
وفي سنة 477 سار سليمان بن قطلمش السلجوقي، صاحب قونيه وأقسراي وغيرهما، إلى الشام وملك أنطاكية بمخامرة الحاكم بها من جهة الروم، وكانت بيدهم من سنة 358 فافتتحها سليمان في هذه السنة. ولما سمع شرف الدولة صاحب الموصل وحلب بذلك أرسل إلى سليمان يطلب منه ما كان يحمله إليه أهل أنطاكية، فقال سليمان: كان ذلك على سبيل الجزية، ولم يعطه شيئا. ثم اقتتلا في الرابع والعشرين من صفر سنة 478 في طرف أعمال أنطاكية فانهزم عسكر شرف الدولة وقتل في المعركة بعد أن قتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلب. وعند ها انفرد الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله بولاية المدينة وسالم بن مالك العقيلي بقلعتها، فبنى الشريف قلعته خارج حلب في هذه السنة وسكنها خوفا على نفسه، ولما قتل شرف الدولة قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس فأخرجوه وملكوه.
ثم إن سليمان بن قطلمش أرسل إلى ابن الحتيتي العباسي مقدّم أهل حلب يطلب منه تسليم حلب إليه، فاستمهله ابن الحتيتي إلى أن يكاتب ملك شاه وأرسل ابن الحتيتي يستدعي تتش السلجوقي صاحب دمشق، فسار تتش إلى حلب وجرت بينه وبين ابن عمه سليمان(3/66)
ابن قطلمش وقعة انهزم فيها عسكر سليمان بن قطلمش وقتل سليمان نفسه وقيل قتل في المعركة. ومن المصادفة الغريبة أن سليمان هذا لما قتل نفسه لفّه تتش بكساء في صفر هذه السنة وأرسل به إلى ابن الحتيتي ليسلّم إليه حلب، نظير ما فعل المقتول سليمان المذكور بشرف الدولة في صفر السنة الماضية.
ولما وصلت جثة سليمان إلى ابن الحتيتي أجاب تتش بالمطاولة إلى أن يرسم ملك شاه في أمر حلب. فحاصر تتش حلب وملكها واستجار ابن الحتيتي بالأمير دانق بن أكسك، وكان من مقدّمي تتش فأجاره. وأما القلعة فكان بها، منذ قتل مسلم بن قريش، سالم بن مالك بن بدران ابن عم مسلم المقتول، فحاصر تتش القلعة سبعة عشر يوما ثم بلغه خبر وصول أخيه ملك شاه فرحل عن حلب.
وأما ملك شاه فإنه أقبل إلى حلب من أصفهان، لمكاتبة ابن الحتيتي له. وفتح في طريقه حرّان والرّها وكانت بيد الروم، وسار إلى قلعة جعبر، واسمها الدوسرية، وعرفت بجعبر سابق الدين القشيري، شيخ أعمى طال مكثه في هذه القلعة وكان يقطع الطريق هو وأولاده ويخيف السابلة فأمسكه السلطان ملك شاه وأمسك أولاده وملك منهم القلعة. ثم سار السلطان ملك شاه إلى منبج وملكها وسار إلى حلب وتسلمها وتسلّم قلعتها من سالم بن بدران العقيلي ابن عم شرف الدولة المقتول، وعوّض السلطان ملك شاه سالما عن قلعة حلب قلعة جعبر. ثم إن السلطان ملك شاه سار عن حلب واستخلف بها قسيم الدولة أقسنقر جد نور الدين زنكي الشهيد.
وفي سنة 481 سار أقسنقر صاحب حلب بعساكره إلى قلعة شيزر وفيها صاحبها نصر ابن علي بن منقذ وضيّق عليه ونهب الربض ثم صالحه وعاد إلى حلب.
وفي سنة 482 عمرت منارة جامع حلب وقام بعملها القاضي أبو الحسن بن الخشّاب، وكان بحلب بيت نار قديم ثم صار أتون حمّام، فأخذ ابن الخشاب حجارته وبنى بها المئذنة المذكورة، فسعى به بعض حساده إلى أقسنقر زاعما أن هذه الحجارة لبيت المال، فقال ابن الخشاب لأقسنقر: يا مولانا إني عملت بهذه الحجارة معبدا للمسلمين وكتبت عليه اسمك، فإن رسمت غرّمت ثمنها وكتبت عليها اسمي. فأجابه أقسنقر إلى إتمام مشروعه دون أن يغرّمه شيئا.(3/67)
وفي سنة 484 نزل أقسنقر مساعدا تتش صاحب دمشق- بأمر أخيه ملك شاه- على فتح حمص، فملك تتش حمص وعرقة وأفامية. وفيها كان بالشام وغيرها زلازل كثيرة ففارق الناس مساكنهم وانهدم بأنطاكية كثير من المساكن وهلك تحتها عالم كثير وخرب من سورها تسعون برجا.
وفي سنة 486 و 487 طلب تتش السلطنة لنفسه بعد أن توفي أخوه ملك شاه مقتولا في السنة قبلها. واتفق تتش مع أقسنقر صاحب حلب وخطب له باغي سيان صاحب أنطاكية، وبوزان صاحب الرها، وفتح- ومعه أقسنقر- نصيبين عنوة، وملك الموصل واستولى على ديار بكر وسار إلى أذربيجان وكان ابن أخيه بركياروق بن ملك شاه قد استولى على كثير منها، فلما علم أقسنقر أن ملك شاه له ولد يصلح للسلطنة تخلى عن تتش ولحق ببركياروق، فضعف تتش وعاد إلى الشام.
وكان أقسنقر قد جمع في الشام جموعا كثيرة وأمد بركياروق بالأمير كربغا، فاقتتل مع تتش عند نهر السبعين قريبا من تل السلطان، فانحاز بعض عساكر أقسنقر إلى تتش وانهزم الباقون، وثبت أقسنقر فأسر، فقال له تتش: لو ظفرت بي ماذا كنت تصنع؟
فقال: كنت أقتلك. فقتله صبرا وسار إلى حلب وملكها وأسر بوزان وقتله، وأسر كربغا وسجنه بحمص. واستولى على حرّان والرها ثم على البلاد الجزيرية.
ثم استناب على حلب أبا القاسم حسن بن علي الخوارزمي وسار لقتال ابن أخيه بركياروق فالتقيا بالري وقتل تتش في سنة 488 فجاء ولده رضوان إلى حلب ولحقه جماعة من قواد أبيه ولحقه أخوه دقاق وكان مع رضوان أخوان صغيران أبو طالب وبهرام وكلهم مع أبي القاسم نائب أبيهم في حلب كالضيوف وهو المستولي على البلد. ثم كبس رضوان أبا القاسم ليلا واحتاط عليه، ثم طيبّ قلبه فخطب لرضوان بحلب وكان مع رضوان باغي سيان صاحب أنطاكية، فسار باغي إلى أنطاكية ومعه أبو القاسم الخوارزمي. وأما دقاق أخو رضوان فكاتبه والي قلعة دمشق سرا ليملّكه دمشق فسار إليها وملكها واستقر رضوان في حلب بلا منازع.
وفي سنة 489 كان رئيس الأحداث بحلب رجلا يعرف بالمجنّ بركات بن فارس(3/68)
الفوعي، وكان في مبدأ أمره لصا محتالا. فاستتابه قسيم الدولة وولاه رياسة حلب فوشى بيوسف بن أبق فسلطه عليه فأخذه وقتله. ثم عصى المجنّ على الملك رضوان فحبسه ثم قتله بعد أن عذبه. وفيها اقتتل رضوان مع أخيه دقاق عند قنّسرين وانكسر دقاق وولى مهزوما.
وفي سنة 490 خطب رضوان في حلب للمستعلي بأمر الله العلوي المصري أربع جمع، ثم قطعها وأعاد الخطبة العباسية خوف العاقبة.(3/69)
وصول الفرنج الصليبيين أنطاكية وغيرها من بلاد حلب
للحروب الصليبية أسباب كثيرة وأخبار طوال يضيق كتابنا هذا عن استقصائها. وإنما نأتي منها هنا على ذكر نبذ يسيرة تتعلق بحلب وبعض أعمالها. فعلى من أحب الاطلاع على تفاصيل أخبار تلك الحروب الطاحنة- التي استغرق أمدها نحو مائتي سنة- أن يرجع إلى الكتب والأسفار المتداولة المؤلفة فيها خاصة بمختلف اللغات ما بين عربي وأعجمي، فنقول:
في سنة 491 وصل الإفرنج الصليبيون إلى أنطاكية وحصروها، وكان بها باغي سيان، فظهر له شجاعة عجيبة. ثم هجم الإفرنج على أنطاكية وأخذوها عنوة وقتلوا بها مقتلة عظيمة، وأجفل عنهم باغي في الليل. ثم في الصباح ندم على الهرب وتذكر أهله والمسلمين في أنطاكية، وغشي عليه من الأسف حتى عجز عن الركوب، فمر به أرمني يقطع الخشب فقطع رأسه وحمله إلى الإفرنج بأنطاكية. ولما شاع أخذ أنطاكية سار كربغا صاحب الموصل ومعه عساكره إلى مرج دابق، وجاء دقاق من دمشق وطغتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص، وغيرهم من الأمراء والعرب، وحصروا أنطاكية وتضايق الفرنج حتى طلبوا من كربغا أن يطلقهم فامتنع.
ثم إن كربغا أساء السيرة فيمن معه وخبثت نياتهم، وكان اشتد الخناق على الفرنج فخرجوا من أنطاكية واستماتوا في قتال المسلمين، فهرب المسلمون وقوي الفرنج بما غنموه من القوت والسلاح. وفي سنة 492 سار الفرنج الصليبيون إلى المعرة وملكوها وقتلوا فيها زهاء مائة ألف وسلبوا وأقاموا فيها أربعين يوما. وفي ذلك يقول بعض المعرّيين:
معرّة الأذكياء قد حردت ... عنّا، وحقّ المليحة الحرد
في يوم الاثنين كان موعدهم ... فما نجا من خميسهم أحد(3/70)
وفي سنة 493 كان الغلاء شديدا في حلب وفيها توجه الملك رضوان إلى الفرنج لقتالهم وإخراجهم من بلاد حلب، فكسر وعاد إلى حلب. وفي سنة 494 ملك الفرنج «سروج» من ديار الجزيرة وأكثروا قتلا وأسرا. وفي سنة 495 قتل الإسماعيلية فضل الله الزوزني قاضي حلب لأنه كان يندّد بمعتقدهم فأعاد رضوان القضاء إلى أبي غانم. وفيها أغار الفرنج على بلاد حلب الشمالية وعاثوا فيها فسادا وبلغوا «كفر لاثا» فكبسهم بنو عليم وظفروا بهم، وانجلى الفرنج عن بلاد حلب الغربية.
وفي سنة 496 أغار الفرنج على الرقّة وقلعة جعبر وبعض جهات الرها، فخرج إليهم معين الدولة سقمان وشمس الدولة جكرمش وأوقعا بهم وأجلياهم عن مواقعهم بعد أن فتكا بهم فتكا ذريعا. وفي سنة 497 أغار الفرنج على قلعة جعبر فساقوا المواشي وأسروا من وجدوا.
وكانت قلعة جعبر والرقة لسالم بن بدران سلمها إليه ملك شاه لما تسلم منه قلعة حلب كما مر. وفي سنة 498 تقاتل الملك رضوان صاحب حلب مع الفرنج عند يبرين، فانهزم المسلمون وقتل منهم وأسر، وملك الفرنج «أرتاح» .
وفي سنة 499 ملك الفرنج حصن أفامية. وفي سنة 504 ملك الفرنج حصن الأثارب، على ثلاثة فراسخ من حلب، وقتلوا فيه ألفي رجل وأسروا الباقي. ثم ملكوا «زردنا» ففعلوا كذلك وقصدوا منبج ومسكنة فوجدوهما خاليتين فعادوا. وصالح رضوان- صاحب حلب- الفرنج على اثنين وثلاثين ألف دينار يحملها لهم مع خيل وثياب.
وبذلت أصحاب البلاد للفرنج الأموال وخافوهم لأنهم لم يبق لهم ممانع عن البلاد، إذ الملوك السلجوقية مشغولون ببعضهم فصالحهم أهل صور على سبعة آلاف دينار، وابن منقذ صاحب شيزر على أربعة آلاف، والكردي- صاحب حماة- على ألفي دينار.
وفد من حلب إلى بغداد للاستغاثة بالخليفة وطلب النجدة منه على الصليبيين
ولما اشتد خطب الفرنج بالبلاد الشامية وعظمت شوكتهم سار جماعة من أهل حلب وساداتها إلى بغداد مستنفرين على الفرنج. فلما وردوا بغداد اجتمع معهم خلق كثير من الفقهاء وغيرهم وقصدوا جامع السلطان واستغاثوا ومنعوا الناس من صلاة الجمعة وكسروا المنبر. فوعدهم السلطان محمد بن بركياروق السلجوقي بإنفاذ العساكر للجهاد. فلما(3/71)
كانت الجمعة الثانية قصدوا جامع القصر بدار الخلافة ومعهم أهل بغداد فمنعهم صاحب الباب فغلبوه ودخلوا الجامع وكسروا شباك المقصورة والمنبر وبطلت الجمعة أيضا. فأرسل الخليفة إلى السلطان إشارة يأمره بالاهتمام بهذا الفتق ورتقه. فتقدم السلطان إلى من معه بالمسير إلى بلادهم والتجهز للجهاد، وسيّر ولده مسعودا مع الأمير مودود صاحب الموصل. وانقضت السنة.
وفي سنة 505 سارت العساكر التي جهزها السلطان لقتال الصليبيين بالشام. فساروا إلى سنجار وفتحوا عدة حصون وحصروا مدينة الرها. ثم رحلوا عنها ليطمع الفرنج ويعبروا إلى الفرات فيتمكن المسلمون منهم، فكان هذا خطأ من المسلمين لأن الفرنج لما عبروا الفرات جاؤوا بالميرة والقوت إلى أهل الرها فتقوّوا بعد أن ضعفوا وكاد المسلمون يأخذونهم. ثم إن الفرنج رجعوا إلى الشام وطرقوا أعمال حلب ونهبوا وأفسدوا وأسروا.
وسبب ذلك أن رضوان صاحب حلب لما عبر الفرنج إلى الجزيرة قام إلى ما أخذه الفرنج من أعمال حلب فاستعاد بعضه ونهب منهم وقتل، فلما عادوا قابلوه بعمله.
وأما العساكر السلطانية فإنهم لما سمعوا برجوع الفرنج إلى الشام رحلوا إلى الرها وحصروها فرأوها أمرا محكما قد قويت نفوس أهلها بالذخائر التي تركت عندهم، فلم يجد المسلمون فيها مطمعا، فرحلوا عنها وعبروا الفرات فحصروا قلعة تل باشر خمسة وأربعين يوما لم يقدروا عليها، فوصلوا إلى حلب فأغلق الملك رضوان أبواب البلد في وجوههم ولم يجتمع بهم، فرحلوا إلى المعرة. ثم خبثت نياتهم وتفرقوا ولم يحصل بهم الغرض.
سنة 507: وفاة رضوان وما جرى بعده
في هذه السنة مات الملك رضوان بن تتش السلجوقي صاحب حلب، وقام بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس وعمره ست عشرة سنة. وكان رضوان غير محمود السيرة قتل أخويه أبا طالب وبهرام، ولما ملك الأخرس استولى على الأمور لؤلؤ الخادم ولم يكن للأخرس معه إلا اسم السلطنة، ومعناه للؤلؤ. وسمي أخرس لحبسة «1» في لسانه. وقتل الأخرس(3/72)
أخويه كما فعل أبوه، وجرى على قاعدة أبيه في أمر الإسماعيلية وأعطاهم قلعة الشريف، فقبّح فعله القاضي ابن الخشاب وحمله على كبتهم وردعهم، فأجابه إلى ذلك وقتل منهم كثيرا في هذه السنة. وكانوا قد كثروا في حلب في أيام أبيه رضوان لأنه كان يستعين بهم لقلّة دينه حتى خافهم ابن بديع رئيس حلب وأعيان أهلها.
وممن قتل الأخرس من الإسماعيلية مقدّمهم أبو طاهر وعدّة جماعة من أصحابه، وأخذ أموال الباقين وأطلقهم فتفرقوا في البلاد. وفي سنة 508 قتل الأخرس بعض غلمانه بقلعة حلب وأقاموا أخاه السلطان شاه بتدبير لؤلؤ الخادم. وفيها كانت زلزلة شديدة بديار الجزيرة والشام وغيرها فخرّبت كثيرا من الرها وحرّان وسميساط ومسكنة وغيرها، وهلك خلق كثير تحت الردم.(3/73)
انتهاء الدولة السلجوقية بحلب ودخولها تحت سلطة بني أرتق وحوادثهم فيها، وهم من فروع الدولة السلجوقية
وفي سنة 511 قتل لؤلؤ الخادم، وكان قد حكم في دولة سلطان شاه ودولة أخيه الأخرس من قبله كما أراد، ثم عزم على أن يقتل سلطان شاه كما قتل أخاه من قبله، ففطن لذلك أصحاب سلطان شاه ورصدوا فرصة يقتلون بها لؤلؤا، حتى إذا خرج يوما إلى قلعة جعبر ليجتمع بالأمير سالم بن مالك العقيلي قصدوه وصاحوا: أرنب أرنب، وأوهموا أنهم يتصيدون ورموه بنشّاب فقتل وهو يبول عند قلعة نادر ونهبوا خزانته ثم استعيدت منهم. وولّي أتابكيّة «1» سلطان شاه: شمس الدين الخواجي ياروقطاش، وبقي شهرا وعزلوه وولّوا أبا المعالي بن المقلمي الدمشقي ثم عزلوه وصادروه. وكانوا خائفين من الفرنج فسلموا البلد إلى نجم الدين إيلغازي أرتق صاحب ماردين. ولما تسلمها لم يجد فيها مالا ولا ذخيرة لأن لؤلؤا الخادم كان قد فرّق الجميع فصادر إيلغازي جماعة من الخدم وصانع الفرنج وهادنهم وسار إلى ماردين وخلّف بحلب ابنه حسام الدين تمرتاش.
وفي سنة 513 سار الفرنج إلى نواحي حلب وملكوا بزاعة «2» وغيرها وخربوا بلد حلب ونازلوها، ولم يكن فيها من الذخائر ما يكفيها شهرا فخافهم أهلها وصانعوهم على أن يقاسموهم أملاكهم حتى الأملاك التي بباب حلب. ثم أرسل أهل حلب رسولا إلى بغداد يستغيثون ويطلبون النجدة فلم يغاثوا. وكان إيلغازي بماردين يجمع العساكر فسار إلى الفرنج والتقى بهم عند تل عفرين في نصف ربيعها الأول فهزمهم «3» وقتل منهم كثيرا، وممن قتل سرخال صاحب أنطاكية. وفتح عقيب الوقعة الأثارب وزردنا.(3/74)
وفي سنة 514 سار إيلغازي إلى الفرنج واقتتل معهم عند دانيث البقل، من بلد سرمين، وظفر بهم ثم اجتمع إيلغازي وأتابك طغتكين صاحب دمشق وحصروا الفرنج في معرّة قنسرين يوما وليلة، فضايقهم. ثم أفرج عنهم خوفا أن يستقتلوا ويخرجوا للمسلمين فيظفروا بهم. وكان إيلغازي يخاف من التركمان الذين يحاربون معه لأنهم كانوا يجتمعون للطمع، فيحضر أحدهم ومعه جراب «1» فيه دقيق وشاة ويعد ساعات الغنيمة، فإذا طال مقامهم تفرقوا، ولم يكن مع إيلغازي ما يفرقه فيهم.
وفي سنة 515 عصى سليمان بن إيلغازي على أبيه بحلب فبغته أبوه، وسمل عيني من حسّن له العصيان وقطع لسانه، وهو أمير اسمه ناصر، وكان التقطه أرتق والد إيلغازي ورباه. وقطع إيلغازي أطراف رجل حموي من بيت قرناص وسمل عينيه لأنه من جملة المزيّنين لولده العصيان. والحموي المذكور كان محسنا إليه إيلغازي ومرئّسه «2» على حلب، فجزاه بهذا الجزاء. ثم أراد إيلغازي أن يقتل ولده فمنعته رحمة الوالديّة فأفلته فهرب إلى دمشق. واستناب إيلغازي بحلب سليمان ابن أخيه عبد الجبار الملقب ببدر الدولة. وفي سنة 515 أغار الفرنج على حصن الأثارب وأسروا وغنموا. وفيها هدمت قلعة الشريف.
وفي سنة 516 بنيت مدرسة بحلب لأصحاب الشافعي، وهي مدرسة الزجاجية التي تكلمنا عليها في باب الآثار في الكلام على محلة الجلوم. وفي سنة 517 أغار الفرنج على حلب وأعمالها وعجز عن مقاومتهم بدر الدولة وسلمهم حصن الأثارب ليكفّوا عن بلاده ويهادنوه. فبعد ذلك استقام أمر الرعية بأعمال حلب وجلبت الأقوات وغيرها. ولما سمع بلك بهرام- ابن عم بدر الدولة- أن ابن عمه سلم الأثارب للفرنج سار من حرّان- وكان قد ملكها- إلى جهة حلب ونازلها في ربيع الأول منها وضايقها وأحرق زروعها فسلّمها والقلعة إليه ابن عمه بدر الدولة بالأمان في غرة جمادى الأولى منها.(3/75)
انتهاء دولة بني أرتق بحلب ودخولها في حوزة أقسنقر البرسقي صاحب الموصل، وحوادث أيامه فيها، وهو من رجال الدولة السلجوقية
وفي سنة 518 قبض بهرام الأرتقي على حسان البعلبكي صاحب منبج وملك منه منبج وحصر قلعتها، فأتاه سهم فقتله ولم يعرف الرامي وتفرق عسكره، وخلص حسان وعاد إلى منبج. وكان مع بلك بهرام ابن عمه حسام الدين تمرتاش صاحب ماردين، وهو ابن إيلغازي بن الأرتق، فحمل تمرتاش بلك بهرام إلى ظاهر حلب وتسلمها واستناب بها وعاد إلى ماردين وفيها اجتمعت الفرنج وانضم إليهم دبيس بن صدقة صاحب الحلّة، وهو شيعي، صحبهم أملا أن يستميل لنفسه أهل حلب لتوافقهم بالمذهب. فحاصروا حلب وأخذوا ببناء بيوت لهم بظاهرها فعظم ذلك على أهلها ولم ينجدهم صاحبها تمرتاش لإيثاره الرفاهية وأقاموا يزاحفون حلب ويقطعون الأشجار ويخربون المشاهد وينبشون القبور ويحرقون من فيها بعد أن نبشوا ضريح مشهد الدكّة «1» ولم يجدوا فيه شيئا فأحرقوه وعبثوا بالمصاحف واستخفّوا بها وسخروا من الإسلام وفعلوا غير ذلك من الفظائع التي نجلّ كتابنا عن ذكرها.
ولما اشتد الخطب على الحلبيين كاتبوا أقسنقر البرسقي صاحب الموصل فسار إليهم وخام الفرنج «2» ومن معهم عن حلب لقدوم البرسقي، وتسلّم حلب وقلعتها. وعلى أثر حادثة هذا الحصار عمد القاضي أبو الحسن بن يحيى بن الخشاب إلى أربع كنائس وصيرها مساجد وهي كنيسة هيلانة والحدادين وموغان والمقدمية. وبه كان انتهاء دولة بني أرتق من حلب.
وفي سنة 519 أخذ البرسقي كفر طاب من الفرنج ثم سار إلى عزاز فهزمته الفرنج(3/76)
وقتل من المسلمين خلق كثير، فرجع إلى حلب واستناب بها ولده عزّ الدين مسعود «1» ورحل إلى الموصل. وفي سنة 520 كان البرسقي يصلي الجمعة بجامع بالموصل إذ وثب عليه بضعة عشر رجلا من الإسماعيلية فقتلوه. وكان البرسقي مملوكا تركيا شجاعا ديّنا حسن السيرة. ولما سمع ابنه مسعود بمقتله في حلب فارقها وسار إلى الموصل واستقر بملكها.(3/77)
دخول حلب في حوزة الدولة الأتابكية وحوادثها فيها وهي من فروع الدولة السلجوقية
وفي سنة 522 في محرمها ملك أتابك عماد الدين زنكي مدينة حلب. وذلك أن البرسقي لما قتل وسار ابنه مسعود إلى الموصل، استناب بحلب قيماز ثم عزله بقتلغ «1» .
فلما قدم «قتلغ» من الموصل إلى حلب امتنع قيماز من تسليم حلب إليه وقال له: بيني وبين مسعود علامة لم أرها، ولا أسلّمك حلب إلا بها. وكانت العلامة بينهما صورة غزال وكان مسعود حسن التصوير. فعاد «قتلغ» لإحضار العلامة من مسعود فوجده قد مات، فرجع إلى حلب وعرّف الناس، بموت مسعود، فسلّم البلد إليه رئيسها فضائل ابن بديع وأطاعه المقدّمون واستنزلوا قيماز من القلعة وأعطوه ألف دينار، فتسلم القلعة في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 521 وبعد أيام ظهر منه جور وعسف عظيمان، ومدّ يده إلى الأموال- لا سيما التركات- وقرّب إليه الأشرار فنفرت منه القلوب.
وكان بالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار الأرتقي- الذي كان صاحبها قديما- فأطاعه أهل البلد وأقاموه واليا عليها ليلة الثلاثاء ثاني شوال سنة 521 وقبضوا على كل من كان بالبلد من أصحاب قتلغ- وكان أكثرهم يشربون في البلد صبيحة العيد- وزحفوا إلى القلعة فتحصن قتلغ فيها بمن معه، وحصروه ووصل إلى حلب حسان صاحب منبج، وحسن صاحب بزاعة لإصلاح الأمر فلم يصلح. وسمع الفرنج بذلك فتقدم جوسلين بعسكره إلى حلب فصونع بمال وانصرف عنها. ثم وصل صاحب أنطاكية في جمع من الفرنج فخندق الحلبيون حول القلعة ومنع عنها الداخل والخارج، وأشرف الناس على خطر عظيم إلى منتصف ذي الحجة سنة 521.(3/78)
وكان عماد الدين زنكي قد ملك الموصل والجزيرة وسيّر إلى حلب الأمير سنقردراز، والأمير حسن قراقوش ومعه توقيع عماد الدين بالشام، فأجابه أهل حلب وتقدم عسكر عماد الدين زنكي إلى سليمان وقتلغ بالمسير إلى عماد الدين زنكي فسارا إليه وهو بالموصل فأصلح بينهما ولم يردّ أحدهما إلى حلب. وكان قراقوش في مدة غيابهما كالوالي على حلب.
ثم إن عماد الدين زنكي سار إلى حلب وملك في طريقه منبج وبزاعة وطلع أهل حلب لتلقيه واستبشروا بقدومه ودخل حلب ورتب أمورها. ثم قبض على قتلغ وسلمه إلى ابن بديع فكحله فمات. وكان ملك عماد الدين زنكي لحلب وقلعتها في محرم سنة 522.
وفي سنة 524 جمع عماد الدين زنكي عساكره وسار من الموصل إلى الشام وقصد حصن الأثارب لشدة ضرره على المسلمين، فإن أهله الفرنج كانوا يقاسمون أهل حلب على جميع أعمالها الغربية، حتى على رحى بظاهر باب الجنان، بينها وبين سور حلب عرض الطريق، والغالب على الظن أنها رحى عربية. فنازل عماد الدين الحصن واجتمع عليه الفرنج، فارسهم وراجلهم، فرحل عماد الدين عن الأثارب إلى حيث اجتمع الفرنج والتقى بهم واقتتل معهم أشد قتال، فانتصر عليهم وانهزم الفرنج وأسر كثيرا من فرسانهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة بقيت منها عظام القتلى على سطح الأرض زمنا طويلا. ثم عاد المسلمون إلى حصن الأثارب وأخذوه عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وخرب عماد الدين ذلك الحصن من ذلك اليوم.
وفي سنة 530 سارت عساكر أسوار- نائب عماد الدين زنكي بحلب- ومعه عساكر حلب وحماه إلى بلاد الفرنج بنواحي اللاذقية، وأوقعوا بمن هناك من الفرنج وكسبوا من الجواري والمماليك والأسرى والدوابّ ما ملأ الشام من الغنائم وعادوا سالمين. وفي سنة 531 نازل عماد الدين حصن بعرين- وكان به الإفرنج- فضيق عليهم وطلب الفرنج منه الأمان فقرر عليهم تسليم الحصن وخمسين ألف دينار يحملونها إليه، فرضوا بذلك وأطلقهم وتسلم الحصن والدنانير. وكان عماد الدين مدة إقامته على الحصن المذكور قد استخلص المعرة وكفر طاب من الفرنج، وحضر أهل المعرة وطلبوا أملاكهم التي كانت لهم قبل أن يأخذ الإفرنج المعرة، فطلب عماد الدين منهم كتب أملاكهم، فذكروا أنها عدمت. فكشف في ديوان حلب عن الخراج وردّ كل ملك لصاحبه حسب مفهوم الديوان.(3/79)
وفي سنة 532 وصل الروم إلى بزاعة- وهي على ستة فراسخ من حلب- وحاصروها وملكوها بالأمان ثم غدروا بأهلها وقتلوا منهم وأسروا وسبوا وتنصّر قاضيها.
وجملة من تلف بها من أهلها أربعمائة نسمة. ثم رحل الروم إلى حلب ونزلوا على قويق وزحفوا على حلب، وجرى بين أهلها وبينهم قتال كثير قتل فيه من الروم بطريق كبير، وعادوا خاسرين وأقاموا ثلاثة أيام ورحلوا إلى الأثارب وملكوها وتركوا فيها سبايا بزاعة، وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم. وسار الروم جميعهم من الأثارب إلى شيزر فخرج أسوار- نائب زنكي بحلب- بمن معه وأوقع بمن في الأثارب من الروم فقتلهم وفك أسرى بزاعة وسباياها.
وفي سنة 533 جاءت زلزلة عظيمة بالشام والعراق وغيرهما من البلاد فخرّبت كثيرا وهلك تحت الردم عالم كثير، وهدمت الدور والمنازل، وتوالت بالشام وخرّبت كثيرا من البلاد لا سيما حلب، فإن أهلها فارقوا بيوتهم وخرجوا إلى الصحراء. ودامت من رابع صفر إلى تاسع عشره. وفي سنة 539 فتح أتابك عماد الدين زنكي مدينة الرّها واستردها من الفرنج الصليبيين مع غيرها من البلاد الجزرية، وكان فتحا عظيما. وفي سنة 541 قتل عماد الدين زنكي، قتله جماعة من مماليكه منازلا قلعة جعبر، ودفن بالرقة. ولما قتل كان ولده نور الدين محمود زنكي حاضرا عنده فأخذ خاتمه من إصبعه وجاء إلى حلب وملكها.
وفيها راسل جوسلين الفرنجيّ- صاحب تل باشروما جاورها- أهل الرها، وكلّهم من الأرمن، بأن يمتنعوا عن المسلمين ويسلموا البلد إليه، ففعلوا وملك جوسلين البلد دون القلعة. فأسرع نور الدين الرحيل إليه من حلب، ولما قارب الرها خرج منها جوسلين هاربا ودخلها نور الدين ونهبها وسبى أهلها فلم يبق منهم أحد. وفي سنة 542 دخل نور الدين صاحب حلب بلاد الفرنج وفتح منها مدينة أرتاح بالسيف وحصر مابولة وبصرفوت وكفر لاثا. وفي سنة 543 كان بين نور الدين وبين الفرنج مصاف بأرض يغرى من العمق، فانهزم الفرنج وقتل وأسر منهم جماعة كثيرة، وأرسل نور الدين إلى أخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل من الأسرى والغنيمة.
قال في الروضتين في أخبار الدولتين: وفي رجب هذه السنة ورد الخبر من ناحية حلب بأن صاحبها نور الدين أمر بإبطال: «حيّ على خير العمل» في أواخر تأذين الغداة،(3/80)
والتظاهر بسبّ الصحابة، وأنكر ذلك إنكارا شديدا وساعده على ذلك جماعة من أهل السنة بحلب. وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية وأهل التشييع وضاقت صدورهم به. اه وقد تقدم في هذا كلام في أيام سيف الدولة الحمداني.
وفي هذه السنة أيضا كان الغلاء العام من خراسان إلى العراق، إلى الشام، إلى بلاد المغرب.
سنة 544 حصر نور الدين قلعة حارم وغير ذلك:
فيها حصر نور الدين حصن حارم، فجمع البرنس صاحب أنطاكية الفرنج وسار إلى نور الدين فاقتتلوا وانتصر نور الدين وقتل البرنس وانهزم الفرنج وكثر فيهم القتل. وملك بعد البرنس ولده بيمند وهو طفل وتزوجت أمه بآخر تسمّى البرنس. ثم إن نور الدين غزاهم ثانية فقتل منهم كثيرا وأسر، وكان فيمن أسر: البرنس الثاني زوج أم بيمند. وفيها زلزلت الأرض زلزالا شديدا.
سنة 545 استيلاء نور الدين على أفامية:
فيها سار نور الدين إلى أفامية وحصر قلعتها وملكها من الفرنج، وكان الفرنج قد اجتمعوا وساروا لنور الدين ليرحّلوه عنها فملكها قبل وصولهم.
سنة 546 انهزام نور الدين وأسر حامل سلاحه ثم أسر جوسلين وغير ذلك:
فيها عزم نور الدين على قصد بلاد جوسلين أحد فرسان الفرنج ودهاتهم، فجمع جوسلين جموعا كثيرة وسار نحو نور الدين فهزمه وقتل وأسر من عسكره جمعا كثيرا، وكان من جملة الأسراء السلاح دار ومعه سلاح نور الدين. فأرسله جوسلين إلى مسعود ابن قلج أرسلان صاحب قونيه وأقسراي وقال: هذا سلاح زوج ابنتك، وسآتيك بما هو أعظم منه.
فعظم ذلك على نور الدين وهجر الملاذّ وفكر في أمر جوسلين وجمع التركمان وبذل لهم الوعود إن ظفروا به. فاتفق أن جوسلين طلع للصيد فكبسه التركمان وأمسكوه، فبذل لهم مالا فأجابوه إلى إطلاقه. فبلغ ذلك نور الدين وأرسل عسكرا كبسوا التركمان الذين(3/81)
عندهم جوسلين وأحضروه إلى حلب. ولما أسر جوسلين حبسه نور الدين في قلعة حلب وسار لفتح بلاده وقلاعه فملكها، وهي: تل باشر وعين تاب ودلوك وعزاز وتل خالد وقورس والراوندان وبرج الرصاص وحصن الباره وكفر سود وكفر لاثا ومرعش ونهر الجوز وغير ذلك. وفي هذه السنة حضر مجير الدين مع خواصه إلى حلب- وهو صاحب دمشق- ودخل على نور الدين وبذل له الطاعة فأكرمه نور الدين غاية الإكرام وأقامه نائبا عنه في دمشق، فرجع إليها مجير الدين فرحا مسرورا.
سنة 547 انكسار الفرنج عند دلوك:
فيها احتشد من الفرنج جيش كثيف وقصدوا نور الدين وهو ببلاد جوسلين ليمنعوه عن ملكها، فالتقوا به عند دلوك «1» وجرى بينه وبينهم قتال عنيف انتهى بانهزامهم، وقتل وأسر منهم عدد عظيم، وعاد نور الدين إلى دلوك فملكها.
سنة 549 ملك نور الدين دمشق وغيرها:
فيها كاتب نور الدين أهل دمشق واستمالهم بقصد أن يملكها خوفا عليها من الفرنج، لأنهم تغلبوا بتلك الناحية وأطلقوا من دمشق من أرادوا إطلاقه من النصارى. فسار نور الدين إلى دمشق وحاصرها ففتحت له من الباب الشرقي، وملكها وحصر مجير الدين صاحبها في قلعتها وبذل له اقطاعا، من جملته مدينة حمص، فسلم مجير الدين القلعة وسار إلى حمص فصرفه نور الدين عنها بمسكنة. وفيها ملك نور الدين قلعة تل باشر من الفرنج.
سنة 551 حصار نور الدين حارم ومصالحته الفرنج على نصف أعمالها:
في هذه السنة حاصر نور الدين قلعة حارم وضيّق عليها. فاجتمع الفرنج وساروا نحو نور الدين، فكتب إليهم بطريق الحصن يعرّفهم بقوة المسلمين ويقول لهم: إن لقيتموهم هزموكم وأخذوا حارم وغيرها، وإن حفظتم أنفسكم منهم قدرنا على الامتناع «2» . ففعل الفرنج ما أشار به عليهم وراسلوا نور الدين في الصلح، واستقر الأمر بينهم على مناصفة ولاية حارم بين الإفرنج وبين نور الدين.(3/82)
خبر الزلزال وغيره:
وفي سنة 552 في تاسع عشر صفر وافت زلزلة عظيمة، وتلاها عدة زلازل أثرت في حلب تأثيرا أزعج أهلها، وهدمت عدة حصون من حمص وحماة وكفر طاب وأفامية.
ولم يسلم من عطب هذه الزلازل في البلاد الشامية إلا النادر. وكان معظم هذه الزلازل بحماة ثم بحلب، وكان يتبع الزلزلة صيحات مختلفة كالرعود القاصفة، وقد هلك بها كثير من الخلق حتى حكي أن بعض المعلمين بحماة فارق المكتب لمهمّ فجاءت الزلزلة فأخربت الدور وسقط المكتب على الصبيان جميعهم. قال المعلم: فلم يأت أحد يسأل عن صبيّ كان في المكتب. وجملة من هلك في إحدى هذه الزلازل عشرة آلاف نسمة. وهلك أكثر بني منقذ تحت الردم بشيزر، وهم حكامها. فسار إليها نور الدين وملكها وفيها اهتم نور الدين بعمارة القلاع والأسوار التي هدمتها الزلزلة وأغار على الفرنج ليشغلهم عن قصد البلاد.
سنة 554 مرض نور الدين وغير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة مرض نور الدين مرضا شديدا أرجف بموته «1» بقلعة حلب. فجمع أخوه أمير ميران بن زنكي جمعا وحصر قلعة حلب. وكان شيركوه بحمص، وهو من أكبر أمراء نور الدين، فسار إلى دمشق ليستولي عليها وبها أخوه نجم الدين أيوب، فأنكر أيوب عليه ذلك وحسّن له الرجوع إلى حلب وقال له: إن كان نور الدين حيا خدمته وإن كان قد مات فأنا في دمشق، فافعل ما تريد. فعاد شيركوه إلى حلب مجدّا وجلس نور الدين في شبّاك يراه الناس، فلما رأوه تفرقوا عن أخيه أمير ميران واستقامت الأحوال.
أخبار الحوادث من سنة 555 إلى نهاية سنة 558:
في سنة 555 قصد «ربنلد» ملك إيطاليا البلاد التي استولى عليها نور الدين من جوسلين، ونهب فيها من يقطنها الأرمن والسريان، وعاد إلى أنطاكية. وقبل وصوله إليها خرج إليه مجد الدين نائب حلب وأخذه أسيرا وقيده وأحضره إلى حلب. وفي سنة 558 كان نور الدين نازلا في البقيعة تحت حصن الأكراد، فكبس عسكره الفرنج وهجموا(3/83)
على خيمته فركب نور الدين مسرعا وساق [فرسه] «1» ورجله في السنجة «2» ، فنزل كردي وقطعها، وقتل الكردي ونجا نور الدين فأحسن إلى مخلّفيه ووقف لهم أوقافا. ثم سار نور الدين إلى بحيرة حمص ونزل عليها وتلاحق به من سلم من المسلمين.
سنة 559 أخذ قلعة حارم:
فيها أخذ نور الدين قلعة حازم من الإفرنج وقتل وأسر منهم كثيرا. وكان من جملة الأسرى البرنس صاحب أنطاكية، والقومص صاحب طرابلس. وفيها سار نور الدين إلى بانياس وأخذها من الفرنج وكانت بأيديهم من سنة 543 وفي سنة 562 عصى غازي بن حسان صاحب منبج على نور الدين، فسير إليه عسكرا أخذوها منه وأقطعها نور الدين قطب الدين نيال بن حسان، أخا غازي المذكور، فبقي فيها إل أن أخذها منه صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 572.
وفي سنة 563 أقام نور الدين بقلعة الرها مدة ثم عاد منها إلى حلب وضربت خيمته في رأس الميدان الأخضر وكان مولعا بضرب الكرة وربما دخل الظلام فلعب بها بالشموع.
وكان صلاح الدين الأيوبي يركب بكرة كل يوم لخدمة نور الدين في لعب الكرة لأن صلاح الدين كان عارفا بآدابها.
وفي سنة 565 كانت زلزلة عظيمة خربت بلاد الشام لا سيما حلب، فقد فعلت بها ما لم تفعله بغيرها، وبلغ الرعب بمن نجا من أهلها كل مبلغ فكانوا لا يقدرون على أن يأتوا إلى بيوتهم السالمة خوفا من الزلزلة، فإنها عاودتهم غير مرة، ولا أن يقيموا بظاهر حلب خوفا من الفرنج. ثم إن نور الدين قام بعمارة القلاع والأسوار من غير حلب، وبعده جاء إلى حلب وباشر عمارتها بنفسه وكان يقف على البنائين بشخصه حتى أحكم عمارتها. وأما الفرنج فإن الزلزلة أثرت في بلادهم أشد تأثيرا من بلاد الإسلام فاجتهدوا في تعميرها واشتغل كل من المسلمين والفرنج بعمارة بلاده عن صاحبه.(3/84)
اتخاذ حمام الزاجل:
وفي سنة 567 أمر نور الدين باتخاذ الحمام الهوادي «1» التي تحمل البطائق وتطير بها إلى أوكارها. وكان سبب ذلك اتساع بلاده التي تستوعب ما بين النوبة إلى حد همذان ولا يتخللها سوى بلاد الفرنج، فربما نازلوا بعض الثغور ولا يصل خبرهم إلى نور الدين إلا وقد بلغوا الغرض. فحينئذ أمر بتعليم الحمام ورتّب لها ولمعلميها أرزاقا وافية، فوجد بها راحة كبيرة فإن الأخبار صارت تصل إليه بوقتها لأنه كان في كل ثغر رجال مرتبون ومعهم من حمام المدينة التي تجاورهم، فإذا رأوا أو سمعوا أمرا كتبوه لوقته وعلقوه على الطائر وسرّحوه إلى المدينة التي هو منها في ساعته فتنقل الرقعة منه إلى آخر، من البلد الذي يجاورهم في الجهة التي فيها نور الدين، وهكذا إلى أن تصل الأخبار. فانحفظت الثغور بذلك حتى إن طائفة من الفرنج نازلوا ثغرا لنور الدين فأتاه الخبر ليومه، فكتب إلى العساكر المجاورة لذلك الثغر فكبسوا العدو وظفروا به والفرنج آمنون لذلك، لبعد نور الدين عنهم. وهذه الطيور وصفها بعضهم بقوله: «الطيور ملائكة الملوك» يشير إلى أنها تنزل على الملوك من جو الهواء نزول الملائكة من السماء مع فرط ما فيها من الأمانة.
قلت: ولا أدري متى بطل استخدام الحمام من بلادنا، غير أن جاك سواري دي بورسلون ذكر في الصحيفة 1018 هـ من الجزء الأول من كتابه القاموس التجاري العام- في أثناء الكلام على تجارة حلب- أن من جملة ما امتاز به تجار حلب استخدامهم الحمام بنقل الأخبار إليهم من إسكندرونة. قال: وهي حمام يعانون تربيتها وتعليمها في بيوت مخصوصة من حلب وينقلونها إلى إسكندرونة بالأقفاص، فإذا حدث لديهم في إسكندرونة خبر مهمّ كتبوه في بطاقة وعلقوها في رقاب الحمام وسرّحوها نحو حلب، فتأتيها طلبا لفراخها في برهة ثلاث ساعات. اه. (وكان طبع قاموسه المذكور سنة 1723 م، وهي سنة 1136 هجرية) .
وفي سنة 568 فتح نور الدين مرعش وأخذ بهسنا. وفي سنة 569 توفي الملك العادل(3/85)
نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، صاحب الشام وديار الجزيرة وغيرها، وجلس مكانه على سرير الملك ابنه الملك الصالح إسماعيل، وكان لم يبلغ الحلم فتولى تربيته الأمير شمس الدين محمد بن المقدم.(3/86)
ملك صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق وغيرها
في سلخ ربيع الأول سنة 570 ملك صلاح الدين بن أيوب مدينة دمشق وحمص وحماة. وسببه أن شمس الدين بن الداية المقيم بحلب أرسل لسعد الدين كمشتكين دزدار «1» قلعة الموصل من قبل المرحوم نور الدين إلى الملك الصالح يستدعيه من دمشق إلى حلب لإخماد الفتن التي قامت في حلب بين الشيعة وأهل السنة، وليكون مقامه في حلب.
فسار الملك الصالح مع سعد الدين المذكور إلى حلب. ولما استقر بها قبض على شمس الدين ابن الداية الذي طلبه، وقبض على إخوته وعلى رئيس الشيعة ابن الخشاب وإخوته. واستبد سعد الدين كمشتكين بتدبير الملك الصالح فخافه أتابكه الأمير شمس الدين محمد بن المقدم وبقية الأمراء في دمشق وكاتبوا صلاح الدين بن أيوب صاحب مصر ليملّكوه دمشق، فأقبل إليهم على الفور وسلّموه إياها دون أدنى مشقة.
ولما سمع من في حلب أن دمشق صارت لصلاح الدين خافوا منه وأرسلوا يهددونه فلم يأبه بتهديدهم ونادى بعسكره بالاستعداد لقصد الشام الأسفل، ورحل متوجها إلى حمص فتسلمها ثم إلى حماة فأطاعه صاحبها جرديك، والتمس منه أن يكون واسطة صلح بينه وبين أهل حلب، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك فجدّ جرديك إلى حلب واجتمع بالملك الصالح والأمراء وأشار عليهم بصلح السلطان صلاح الدين، فاتهموه بالمخامرة معه «2» ، وحبسه سعد الدين كمشتكين مدبر الملك مع أولاد الداية المقدم ذكرهم، فبلغ الخبر السلطان وهو بحماة فرحل من وقته وسار إلى حلب ونزل على أنف جبل الجوشن فوق مشهد الدكّة «3» ثالث جمادى الآخرة، وامتدت عساكره من الخناقية إلى السعدي، فخاف الحلبيون أن يسلموه البلد كما فعل أهل دمشق فأمر الملك الصالح أن ينادى باجتماع(3/87)
الناس إلى ميدان باب العراق، فاجتمعوا حتى غص الميدان بالناس، فوقف الملك الصالح في رأس الميدان من الشمال وقال لهم: يا أهل حلب أنا ربيبكم ونزيلكم واللّاجئ إليكم، كبيركم عندي بمنزلة أبي، وشابّكم كأخي، وصغيركم كولدي.
وخنقته العبرة وعلا «1» نشيجه. فافتتن الناس وماجوا ورموا عمائمهم وضجوا بالبكاء والعويل، وقالوا: نحن عبيدك وعبيد أبيك، نقاتل بين يديك ونبذل أموالنا وأنفسنا لك. وأقبلوا على الدعاء والترحم على أبيه. وكان الشيعة منهم اشترطوا على الملك الصالح أن يعيد إليهم شرقيّة الجامع يصلّون فيها على قاعدتهم القديمة، وأن يجهر «بحيّ على خير العمل» والأذان «2» ، والتذكير في الأسواق وقدّام الجنائز بأسماء الائمة الاثني عشر، وأن يصلوا على أمواتهم خمس تكبيرات، وأن يكون عقود الأنكحة إلى الشريف الطاهر أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني، وأن تكون العصبية مرتفعة والناموس «3» وازعا لمن أراد الفتنة. وأشياء كثيرة اقترحوها مما كان أبطله نور الدين رحمه الله فأجابهم الملك الصالح إلى جميع ما طلبوا.
وأما السلطان صلاح الدين فإنه أرسل إلى حلب رسولا يعرّض بالصلح، فامتنع كمشتكين فاشتد السلطان حينئذ في قتال البلد. فتفاوض الملك الصالح وجماعته في إعمال الحيلة فقر رأيهم على أن يراسلوا سنانا صاحب الحشيشة- ويقال لهم الإسماعيلية والباطنية- في أن يدس إلى السلطان من يغتاله، ووعدوه على ذلك بأموال جمّة وعدّة من القرى. فجاء نفر من الإسماعيلية إلى جبل الجوشن واختلطوا بالعسكر، فعرفهم أحد من كان مجاورهم في بلادهم، فوثبوا عليه وقتلوه في موضعه، وجاء قوم للدفاع عنه فجرحوا بعضهم وقتلوا البعض. وبدر من الإسماعيلية أحدهم وبيده سكينة مشهورة ليقصد السلطان ويوقع به، فلما وصل إلى باب الخيمة اعترضه طغريل أمير جاندار فقتله، وطلب الباقون فقتلوا بعد أن قتلوا جماعة. فلما يئس»
الحلبيون من مرادهم في السلطان كاتبوا قمص الإفرنجي- صاحب طرابلس- وضمنوا له أشياء كثيرة متى رحل السلطان عن(3/88)
حلب، فأغار «قمص» على حمص وألجأ السلطان صلاح الدين أن يسير إليه فنكص «القومص» راجعا إلى بلاده. وتم الغرض من رحيل السلطان عن حلب.
ملك صلاح الدين بزاعة وعزاز ثم منازلته حلب:
في سنة 571 ملك صلاح الدين بزاعة، ثم نازل عزاز. وفي ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة وثب عليه من الإسماعيلية أحدهم في زي جندي من جند صلاح الدين، وضرب الإسماعيلي رأس السلطان بسكينة صدّتها صفائح الحديد المدفونة في رأسه لكنها لفحت خده فخدشته. فقوي قلب السلطان وحاش رأس الإسماعيلي «1» وجذبه إليه ووقع عليه وركبه، وأدركه سيف الدين بازكوح فأخذ حشاشة الإسماعيلي وبضعه. وجاء آخر فاعترضه أحد الأمراء وجرح الإسماعيلي- ومات بعد أيام- ثم جاء آخر فعانقه الأمير علي بن أبي الفوارس وضمه من تحت إبطيه وبقيت يد الإسماعيلي من وراء ويد الأمير من ورائه، لا يتمكن من الضرب. فنادى الأمير: اقتلوني معه فقد قتلني وأذهب قوتي. فطعنه ناصر الدين بن شيركوه بسيفه، وخرج آخر من الخيمة منهزما فثار عليه أهل السوق فقتلوه.
وبعد هذه النازلة رجع السلطان إلى خيمته خائفا مذعورا والدم يسيل من خدّه وأخذ بالتحرز من ذلك اليوم. ثم بعد أن تسلم السلطان قلعة عزاز بالأمان رحل عنها ونازل حلب في منتصف ذي الحجة وحصرها، وبها الملك الصالح الذي كان حالف السلطان صلاح الدين في السنة قبلها ثم نكث عن محالفته وحالف صاحب الموصل. فسار صلاح الدين لفتح بلاده ونازل حلب وبقي محاصرها إلى تمام السنة، ثم طلبوا منه الصلح فأجاب وأخرجوا إليه بنتا صغيرة لنور الدين فأكرمها وأعطاها شيئا كثيرا وقال لها: ما تريدين؟
فقالت: أريد عزاز. وكانوا علّموها ذلك، فسلّمها إليهم، واستقر الصلح ورحل السلطان صلاح الدين عن حلب في عاشر المحرم سنة 572.
وفي سنة 573 قبض الملك الصالح على سعد الدين كمشتكين أحد أمرائه لاستبداده بالأمور، وكانت حارم له فطلبها منه الملك الصالح فأبى فعذبه عذابا أليما حتى مات ولم يجبه لطلبه. ثم وصل الفرنج إلى حارم وحاصروها أربعة أشهر فأرسل الملك الصالح إليهم(3/89)
مالا وصرفهم عنها. أما أهلها فلم يزالوا ممتنعين عن الملك الصالح فحاصرهم وتسلّمها منهم.
وفي سنة 577 توفي الملك الصالح وكان أوصى بملك حلب إلى ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي- صاحب الموصل- فسار مسعود المذكور من الموصل إلى حلب وملكها فكاتبه أخوه عماد الدين بن مودود صاحب سنجار في أن يعطيه حلب ويأخذ منه سنجار، فأجابه وتسلم كل منهما بلد الآخر.
استيلاء السلطان صلاح الدين الأيوبي على حلب:
وفي سنة 578 سار السلطان صلاح الدين من مصر إلى الشام وقصد تل باشر وتسلمها، ثم عينتاب فحاصرها وتسلمها. ثم قصد حلب ونزل في صدر الميدان الأخضر في سادس عشر المحرم سنة 579 وسيّر المقاتلة يقاتلون ويباسطون عسكر حلب ببانقوسا وباب الجنان غدوة وعشية، وكان مع السلطان جيش ضخم. ولما تحقق عماد الدين بن مودود صاحب حلب أن ليس له قبل بالسلطان- وكان قد ضجر من اقتراح الأمراء عليه وجبههم إياه- أرسل إلى السلطان رسولا وهو حسام الدين طمان يلتمس منه إعادة بلاده عليه، وهو يسلم حلب إلى السلطان صلاح الدين. فأجاب السلطان إلى ذلك.
وفي يوم السبت ثامن عشر صفر منها نشر سنجق السلطان الأصفر على القلعة وضربت له البشائر. وفي ذلك الوقت باشر عماد الدين نقل أمتعته من القلعة ولم يترك بها شيئا وباع في السوق ما لم يقدر على حمله. وكان السلطان شرط على نفسه أنه ما يريد سوى الحجر، وأطلق السلطان لعماد الدين بغالا وخيلا وجمالا برسم حمل ما يحتاج إلى حمله.
وفي يوم الأحد تاسع عشر صفر اصطنع عماد الدين للسلطان في الميدان الأخضر دعوة حافلة سرّ منها السلطان سرورا زائدا. وبينما هو في غاية مسرته ولذته إذ أخبره شخص بموت أخيه «بوري» وكان جرح في أثناء محاصرة حلب. فلما علم السلطان بموته- وهو مسرور في الدعوة المذكورة- وجد عليه في قلبه «1» ولم يظهر الأسف والحزن وأمر بتجهيزه سرا لئلا يتكدر المدعوون، ودفن في مقام إبراهيم بظاهر حلب. ثم حمله إلى دمشق(3/90)
ودفنه بها. وبعد أن انقضت تعزية الناس للسلطان بأخيه خلع على الناس وفرّق في وجوه الحلبيين الأموال، وقدم لعماد الدين عشرين بقجة صفر، فيها مائة ثوب من العنّابي والأطلس والمعتّق والممرّس، وغير ذلك، وعشرة جلود قندس «1» ، وخمس خلع خاص برسمه ورسم ولده، ومائة قنباز ومائة كمّة، وحجرتين عربيتين بأداتهما، وبغلتين مسروجتين، وعشرة أكاديش «2» ، وخمس قطر بغال، وثلاث قطر جمال عربيات وقطار بخت «3» .
ولما فرغ السلطان من الهدية قدم الطعام فأكل عماد الدين ونهض للركوب، وخرج السلطان معه إلى قرب بابلّى وودعه. وسار عماد الدين لبلاده ورجع السلطان وصعد القلعة من باب الجبل، وسمع منه وهو يصعدها قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ
إلى آخر الآية. وقال: ولله ما سررت بفتح مدينة كسروري بهذه، وقد تبينت الآن أني أملك البلاد، وعلمت أن ملكي قد استقر وثبت. ثم صار إلى المقام وصلى ركعتين ثم عاد إلى المخيم في الميدان وأطلق المكوس والضرائب، وسامح بأموال عظيمة وجلس للهناء بفتح حلب، فهنأه جماعة من الشعراء بعدة قصائد ذكرها العماد صاحب كتاب الروضتين.
ومن عجيب الاتفاقات أن محيي الدين بن الزكي قاضي دمشق مدح السلطان بقصيدة منها قوله:
وفتحكم حلبا بالسيف في صفر ... مبشّر بفتوح القدس في رجب
فكان الأمر كما ذكر، فإن السلطان فتحت له القدس في رجب سنة 583.
فتح حارم وغير ذلك من الحوادث:
ثم إن السلطان طلب حارم من صاحبها سرخك- الذي كان ولاه الملك الصالح- فامتنع عليه وكاتب سرخك الفرنج، ففطن أهل حارم بذلك ووثبوا عليه وأمسكوه وسلّموا(3/91)
حارم إلى صلاح الدين، فتسلمها وقرر أمرها وأمر حلب وبلادها، وأقطع «عزاز» سليمان بن جندر أحد الأمراء، وجعل في حلب ولده الملك الظاهر. وسار عنها في غرة ربيع الأول من السنة المذكورة. وبعد مضي ستة أشهر طلب الملك العادل- وهو أخو السلطان صلاح الدين- أن يوليه على حلب فولاه عليها واستدعى ولده الملك الظاهر إلى دمشق فخرج من حلب في غاية الأسف عليها، فقد كان أحبها حبا شديدا ووافقه ماؤها وهواؤها. وكان خروجه منها واستلام عمّه لها في رمضان منها. وفي سنة 582 أخذ السلطان حلب من أخيه الملك العادل وأقطعه عنها حرّان والرّها وأعاد ابنه الملك الظاهر إليها.
استيلاء صلاح الدين على بيت المقدس وأخذه من حلب منبرا للمسجد الأقصى:
وفي سنة 583 في رجب فتح بيت المقدس على يد السلطان صلاح الدين، فدخلها ورتب أمورها وأعاد جامعها إلى ما كان عليه، ثم أمر أن يكتب إلى حلب بإحضار منبر كان هيّأه لبيت المقدس الملك العادل نور الدين محمود زنكي، اشتغله له نجار بحلب يعرف بالأختريني، من قرية أخترين، لا نظير له في البراعة والصنعة. فأحضر المنبر المذكور وجعل في الجامع الأقصى.
استيلاء الملك الظاهر على سرمينية من الفرنج واستيلاء أبيه على دربساك:
وفي سنة 584 أرسل السلطان ولده الملك الظاهر صاحب حلب إلى سرمينية فحصرها وضايقها وملكها من الفرنج، واستنزل أهلها على قطيعة قررها عليهم، وهدم الحصن وعفّى أثره، وأطلق جما غفيرا من أسرى المسلمين الذين كانوا بهذا الحصن وما جاوره من الحصون.
وفيها سار السلطان صلاح الدين فنزل على جسر الحديد بالقرب من أنطاكية فأقام عليه أياما حتى تلاحق به من تأخر من العسكر ثم سار إلى دربساك وحاصرها ثم تسلمها بالأمان على شرط أن يخرج منها أهلها بثيابهم فقط. ثم سار إلى بغراس وتسلمها على شرط دربساك. ثم أرسل بيمند صاحب أنطاكية الفرنجي يطلب منه الصلح بشرط أن يطلق كل(3/92)
أسير مسلم عنده، فأجابه السلطان لذلك وتهادنوا ثمانية أشهر.
وفي ثالث شعبان منها دخل السلطان حلب وسار منها إلى دمشق وجعل طريقه على قبر عمر بن عبد العزيز ليزوره. وفي سنة 587 قتل يحيى السّهرورديّ الفيلسوف بقلعة حلب على ما يذكر في ترجمته.(3/93)
وفاة صلاح الدين وولايات البلاد بعده وما كان من الحوادث إلى سنة 600
وفي سنة 589 توفي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بدمشق- على ما يذكر بترجمته- وترك سبعة عشر ولدا ذكرا وبنتا واحدة. وكان أكبر أولاده صاحب دمشق الملك الأفضل نور الدين علي، وكان الملك العزيز عثمان صاحب مصر أصغر منه، والملك الظاهر صاحب حلب أصغر منهما.
فاستقر بحلب- بعد وفاة السلطان صلاح الدين- ولده الملك الظاهر غياث الدين غازي. وبحماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم: الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين. وبحمص والرحبة وتدمر: شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي. وبشيزر: سابق الدين عثمان بن الداية. وبصهيون وحصن برزيه: أبو قبيس وناصر الدين بن كورس بن خمار دكين. وبتل باشر: بدر الدين دلارم بن بهاء الدين ياروق. وببعرين وكفر طاب وأفامية: عز الدين إبراهيم بن شمس الدين.
وفي سنة 596 كان الملك الأفضل والملك الظاهر محاصرين دمشق، وفيها الملك العادل ابن أيوب. ثم وقع بين الأفضل والظاهر وحشة أفضت إلى انصرافهما عن دمشق، وتوجه كل واحد منهما إلى مقرّه. وبعد أن انصرفا خرج الملك العادل في أثر الملك الأفضل ووقع بينهما مصافّ، انكسر فيه الملك الأفضل وأخذ منه الملك العادل مصر صلحا على أن يعوضه عنها ميّافارقين وغيرها. ولما استقر الملك العادل بالملك كاتبه ابن أخيه الملك الظاهر صاحب حلب وصالحه وخطب له بحلب وبلادها، وضرب السكّة باسمه. واشترط الملك العادل على الظاهر أن يكون خمسمائة فارس من خيار عسكر حلب في خدمة الملك العادل كلما خرج إلى البيكار. والتزم الظاهر بذلك.
وفي سنة 597 كان الملك الظاهر مجدّا في تحصين حلب خوفا من عمه الملك العادل.(3/94)
وفيها توفي عز الدين إبراهيم بن محمد وصارت بلاده بعده- وهي منبج وقلعة نجم وأفامية وكفر طاب- لأخيه شمس الدين عبد الملك. فسار إليه الملك الظاهر وملك منه منبج، وعصى عليه شمس الدين بالقلعة فحصره الملك الظاهر واستنزله بالأمان واعتقله وملك منه القلعة. ثم سار الملك الظاهر إلى قلعة نجم فملكها، وبها نائب شمس الدين المذكور. ثم أرسل الملك الظاهر إلى الملك المنصور صاحب حماة يبذل له منبج وقلعة نجم على أن يصير معه على عمه الملك العادل صاحب مصر، فاعتذر إليه صاحب حماة بيمين في عنقه للملك العادل على أن يواليه. فلما أيس منه سار إلى المعرة وأقطع بلادها واستولى على كفر طاب، وكانت لشمس الدين المتقدم ذكره.
ثم سار إلى أفامية وبها قراقوش نائب شمس الدين أيضا فلم يتيسر له تملكها، فرحل عنها وتوجه إلى حماة وحاصرها في اليوم السابع والعشرين من شعبان هذه السنة وبقي عليها إلى أيام من رمضان، وجرى بينه وبين الملك المنصور قتال شديد وجرح الملك الظاهر بسهم أصابه في ساقه، ثم صالح الظاهر المنصور على ثلاثين ألف دينار صوريّة ورحل عنها إلى دمشق وبها الملك المعظم بن الملك العادل فنازلها الظاهر وأخوه الملك الأفضل، وانضم إليهما عدة من أمراء الصالحية. واتفق الملكان الظاهر والأفضل على أنهما إذا فتحا دمشق يتسلمها الملك الأفضل، ثم يسيران معا إلى مصر ويأخذانها من الملك العادل ويتسلمها الملك الأفضل، وحينئذ يتسلم دمشق الملك الظاهر. ولما قرب على الملكين افتتاح دمشق حسد الملك الظاهر أخاه الأفضل على ملكها، ووقعت الوحشة بينهما وتفرق عسكرهما وأبطلا القتال وراسلا الملك العادل وصالحاه، ورحل كل منهما إلى مستقرّه وفيها كان بالجزيرة والشام والسواحل زلزلة عظيمة هدمت عدة مدن.
وفي سنة 598 خرب الملك الظاهر قلعة منبج خوفا من انتزاعها منه، وأقطع منبج عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن محمد بن أحمد المشطوب. وفيها أرسل قراقوش نائب شمس الدين بأفامية إلى الظاهر بتسليم أفامية بشرط أن يعطى شمس الدين اقطاعا يرضاه. فأقطعه الملك الظاهر الراوندان وكفر طاب ومفردة المعرة، وهو عشرون ضيعة معينة من بلاد المعرة، وتسلم أفامية. ثم عصى شمس الدين بالراوندان فسار إليه الظاهر وأخضعه.(3/95)
وفيها سار الملك العادل من دمشق ووصل إلى حماة ونزل على تل صفرون. وبلغ الظاهر وصوله إلى حماة بقصد حلب ومحاصرتها فاستعد للحصار وراسله وتم الصلح بينهما على أن يأخذ من الظاهر أماكن معلومة وتدفع لمن اختار الملك العادل.
وفي سنة 599 أخرج الملك العادل من مصر الملك المنصور محمد بن الملك العزيز إلى الشام فسار بوالدته وإخوته وأقام بحلب عند الملك الظاهر.
قصد ابن لاوون الأرمني أنطاكية وغير ذلك
وفي سنة 600 نازل ابن لاوون ملك الأرمن أنطاكية فتحرك الظاهر ووصل إلى حارم، فارتد ابن لاوون على عقبه. وفيها كانت زلزلة عظيمة عمّت مصر والشام والجزيرة وبلاد الروم وصقلية وقبرس والعراق وغيرها، وخرّبت سور مدينة صور.
وفي سنة 602 كثر فساد ابن ليون الأرمني صاحب الدروب في ولاية حلب، فنهب وخرب وأسر وسبى، فسار إليه الظاهر بجموع كثيرة وحصل بينهم عدة وقعات كانت عاقبتها وخيمة على عسكر المسلمين. ثم جدّ الظاهر في قتاله فهرب منه وتحصن بمساكنه من الجبال.
مجيء الملك الأشرف إلى حلب
وفي سنة 605 وصل إلى حلب الملك الأشرف موسى أخو الظاهر- وكان راجعا من دمشق إلى بلاده- فتلقاه الملك الظاهر بالترحاب وأنزله بالقلعة وبالغ في إكرامه وقام بجميع لوازمه ولوازم عسكره أتم قيام. وكان يحمل إليه في كل يوم خلعة كاملة وهي غلالة وقباء وسراويل وكمّة وفروة وسيف وحصان ومنطقة ومنديل وسكّين ودلكش، وخمس خلع لأصحابه. وأقام على ذلك خمسة وعشرين يوما، وقدم له تقدمة وهي مائة ألف درهم ومائة بقجة مع مائة مملوك، منها عشر بقج، في كل واحدة منها ثلاثة أثواب أطلس وثوبان خطاي، وعلى كل بقجة جلد قندس كبير. ومنها عشر في كل واحدة خمسة أثواب عنّابي بغدادي وموصلي، وعليها عشرة جلود قندس صغار. ومنها عشرون في كل واحدة خمس قطع مرسوسي وديبقي، ومنها أربعون في كل واحدة خمسة أقبية وخمس كمام. وحمل إليه خمسة حصن عربية بعدّتها وعشرين إكديشا، وأربعة قطر بغال وخمس بغلات فائقات(3/96)
بالسروج واللّجم، وقطارين من الجمالين. وخلع على أصحابه مائة وخمسين خلعة، وقاد أكثرهم بغلات وأكاديش. ثم سار الملك الأشرف إلى بلاده الشرقية. وفيها أمر الظاهر بإجراء القناة على ما تقدم بيانه في الكلام على القناة.
وفي سنة 606 نقض الظاهر الصلح مع الملك العادل. وفي سنة 608 أرسل الظاهر القاضي بهاء الدين بن شداد إلى الملك العادل يستعطفه ويخطب بنته ضيفة خاتون، فتزوجها الملك الظاهر وزالت الإحن بين الملكين. وفي سنة 609 في المحرّم عقد الظاهر على ضيفة خاتون، وكان المهر خمسين ألف دينار، وتوجهت من دمشق إلى حلب، واحتفل الظاهر لملتقاها وقدم لها أشياء كثيرة نفيسة. وفي سنة 610 ولد للظاهر من ضيفة خاتون ولده الملك العزيز غياث الدين محمد. وفي سنة 613 توفي الملك الظاهر. ولما اشتد به مرضه عهد بالملك بعده إلى ولده الصغير الذي ولد له من ضيفة خاتون بنت الملك العادل، وكان عمر الولد إذ ذاك ثلاثة أعوام، فجعل أتابكه ومربيه خادما روميا اسمه طغريل الطواشي، ولقبه شهاب الدين، وهو من خيار عباد الله، أحسن السيرة بعد وفاة الظاهر وعدل في الأحكام وأزال المكوس والضرائب التي كانت مرتبة في أيام الظاهر.
وفي سنة 615 قصد عز الدين كيكاوس بن كيخسرو- صاحب بلاد الروم- ولاية حلب. وسبب ذلك أنه كان بحلب رجلان يسعيان بالناس إلى الملك الظاهر فلما مات الظاهر أبعدهما طغريل، وكسد سوقهما وخشيا على نفسيهما من الناس فقصدا كيكاوس المذكور وزيّنا له قصد حلب. فعزم على ذلك وأشار عليه بعض أصحابه أن يصحب معه أحدا من بيت أيوب لأن أهل البلاد تحبهم فيسهل عليه مقصده، فصحب معه الملك الأفضل وسارا معا متفقين على أن ما يفتحانه من بلاد حلب يكون للملك الأفضل وما يفتحانه من بلاد الجزيرة يكون لكيكاوس. ولما وصلا إلى قلعة تل باشر وفتحاها أخذها كيكاوس لنفسه خلاف ما اتفقا عليه، فاشمأز الملك الأفضل وقال: هذا أول الغدر.
ثم فترت همته وتوانى عن المسير معه.
أما شهاب الدين طغريل فإنه لما بلغه تحرك كيكاوس المذكور كتب إلى الملك الأشرف ابن صلاح الدين- وكان صاحب الجزيرة- يستدعيه ليدين له بالطاعة ويخطب باسمه ويجعل السكة باسمه ويأخذ ما اختاره من أعمال حلب. فأجابه إلى ذلك وسار بعسكره(3/97)
لقتال كيكاوس، فلقي عسكر كيكاوس عند منبج واشتد القتال بينهم وانهزم عسكر كيكاوس وشتّت شملهم. وسار الملك الأشرف إلى قلعة تل باشر واستردها وأرسلت عساكر كيكاوس إلى حلب أسرى ودقّت البشائر. وفي سنة 616 كان الملك الأشرف بظاهر حلب يدبر أمرها ويرتب جنودها وإقطاعاتها.
وفي سنة 619 فوض طغريل مدير المملكة الحلبية أمر الشّغر وبكاس إلى الملك الصالح أحمد بن الملك الظاهر بن صلاح الدين، فسار الملك الصالح إليهما وملكهما وأضاف إليه الرّوج والمعرة ومصرين. وفي هذه السنة استفاض بحلب نبأ عظيم جدير أن يعدّ من الأقاصيص الخرافية، حكاه ياقوت في كتابه معجم البلدان في الكلام على كلّز. خلاصته:
أن أهل تلك الناحية شاهدوا هناك تنّينا «1» عظيما كالمنارة أسود اللون، ينساب على الأرض والنار تخرج من فيه ودبره، فأحرق عدة مزارع ونحو أربعمائة شجرة لوز وزيتون وبيوت وخرّكاهات «2» للتركمان. ومرّ كذلك نحو عشرة فراسخ ثم ظهرت سحابة رفعته حتى غاب عن العيون وقد لفّ بذنبه كلبا ينبح.
قلت: لعل التنين هشيم «3» ممتد على مسافة طويلة اشتعل ورآه الناس على بعد فحسبوه تنّينا، فإن اشتعال الكلأ اليابس كثير الوقوع، فقد حدث في سنة 1298 وأنا في مدينة «ويران شهر» اشتعال هشيم في صحراء الخابور استمر عدة أيام.
وفي سنة 620 وصل الملك الأشرف من مصر ومعه خلعة وسنجق سلطاني من أخيه الملك الكامل لابن أخيه الملك العزيز بن الملك الظاهر صاحب حلب، وعمره يومئذ عشر سنين. فخلع على الملك العزيز وأركبه في الدست. وفيها اتفق كبراء الدولة الحلبية مع الملك الأشرف على تخريب قلعة اللاذقية فأرسلوا عسكرا هدمها. وفي سنة 624 انتزع طغريل الشّغر وبكاس من الملك الصالح وعوّضه عنهما عينتاب والرواندان. وفيها ظفر جمع من التركمان بأطراف أعمال حلب بفارس مشهور من الفرنج الداويّة بأنطاكية فقتلوه فعلم الداويّة بذلك فساروا وكبسوا التركمان وقتلوا منهم وأسروا وغنموا من أموالهم. فبلغ ذلك(3/98)
طغريل فراسل الفرنج وتهددهم بقصد بلادهم. واتفق أن عسكر حلب قتلوا فارسين كبيرين من الداوية أيضا فأذعنوا بالصلح وردوا إلى التركمان كثيرا من أموالهم وحريمهم وأسراهم.
وفي سنة 626 أشخص الملك العزيز صاحب حلب إلى الملك الكامل- وكان بدمشق- يخطب بنته فاطمة خاتون التي هي من الست السوداء أم ولده أبي بكر العادل ابن الكامل. وفي سنة 627 ولد الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز صاحب حلب.
وفي سنة 628 قلّت الأمطار بديار الجزيرة والشام ولا سيما حلب وأعمالها، فإنها كانت قليلة جدا، وغلت الأسعار بالبلاد وكان أشدها غلاء حلب، فأخرج طغريل كثيرا وتصدّق بصدقات دارّة، وساس البلاد سياسة حسنة بحيث لم يظهر للغلاء أثر. وفيها قصد الفرنج الذين هم بالشام مدينة جبلة من المدن المضافة إلى حلب ودخلوها وأخذوا منها غنيمة وأسرى، فسيّر إليهم طغريل عسكرا استردها منهم وفك الأسرى.
وفي سنة 629 استقل الملك العزيز بن الملك الظاهر بملك حلب. وفيها وصلت زوجة الملك العزيز بنت الملك الكامل وكان يوم دخولها إلى حلب يوما مشهودا. وفي سنة 630 أخذ الملك العزيز شيزر، تسلّمها من شهاب الدين يوسف بن سابق الدين، وقد هنأه بها يحيى الخالد القيسراني بقوله:
يا ملكا عمّ أهل الأرض نائله ... وخص إحسانه الداني مع القاصي
لما رأت شيزر آيات نصرك في ... أرجائها ألقت العاصي إلى العاصي
وفي سنة 631 توفي شهاب الدين طغريل الطواشي أتابك حلب. وفي سنة 632 توفي الملك الظاهر داود صاحب البيرة ابن السلطان صلاح الدين، وملك البيرة ابن أخيه الملك العزيز صاحب حلب. وفي سنة 634 خرج الملك العزيز إلى حارم للصيد ورمى البندق واغتسل بماء بارد، فحمّ ودخل حلب وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة وشهورا، وكان حسن السيرة في الرعية وتقرر في الملك بعده ولده الملك الناصر يوسف وعمره نحو سبع سنين، وقام بتدبيره وبتدبير الدولة شمس الدين لؤلؤ الأرمني، وعز الدين عمر بن مجلي، وجمال الدولة إقبال الخاتوني. والمرجع في الأمور إلى والدة الملك العزيز ضيفة خاتون بنت الملك العادل.
وفيها توجه عسكر حلب مع الملك المعظم توران شاه عم الملك العزيز فحاصروا(3/99)
بغراس، وكان قد عمرها الفرنج الداويّة بعد ما فتحها صلاح الدين وخربها، وقد أشرف العسكر على أخذها ثم رحلوا عنها بسبب الهدنة مع صاحب أنطاكية. ثم إن الفرنج أغاروا على ربض دربساك وهي حينئذ لصاحب حلب، فوقع بهم الحلبيون وولّى الفرنج منهزمين وكثر فيهم القتل والأسر، وعاد عسكر حلب بالأسرى ورؤوس الفرنج. وكانت هذه الوقعة من أجل الوقائع.
وفي سنة 635 توفي الملك الكامل صاحب مصر ولما سمع الحلبيون بوفاته اتفقوا على أخذ المعرة وحماة من الملك المظفر صاحب حماة، وهو جد أبي الفداء المشهور صاحب التاريخ والجغرافية. وسبب ذلك أن الملك المظفر كان وافق الملك الكامل على قصد حلب فمشى عسكر حلب إلى المعرة وانتزعوها من يد الملك المظفر وحاصروا قلعتها ثم ساروا إلى حماة وحاصروها وبها الملك المظفر ونهب العسكر الحلبي بلاد حماة، واستمر الحصار على حماة حتى خرجت هذه السنة. وفيها عقد لسلطان الروم غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو على غازية خاتون بنت الملك العزيز صاحب حلب سابقا وهي صغيرة حينئذ. ثم عقد للملك الناصر يوسف بن الملك العزيز على أخت كيخسرو وهي ملكه خاتون بنت كيقباذ، وخطب لغياث الدين بحلب. وفي سنة 636 كتبت ضيفة خاتون صاحبة حلب بنت الملك العادل إلى عسكر حلب أن يرحلوا عن محاصرة حماة، فرحلوا عنها وكان قد طال حصارهم لها ولحقهم الضجر واستمرت المعرة في أيدي الحلبيين.
وفي سنة 638 نزل الملك الحافظ أرسلان شاه بن الملك العادل عن قلعة جعبر وبالس وسلّمها إلى أخته ضيفة خاتون صاحبة حلب وعوّضته عنها «عزاز» وبلادا معها تساوي ما نزل عنه. وسبب ذلك أن الملك الحافظ أصابه فالج فخشي على نفسه من تغلب أولاده فاقترب من حلب كيلا يمكنهم التعرض إليه.(3/100)
إجمال في الأتراك
نتكلم بهذا الإجمال على الأتراك لأن حلب دخلت تحت حكم الكثير من دولهم، كما علمت مما أسلفناه ومما نثبته بعد، فوجب أن نعرف شيئا من أحوالهم فنقول:
أجناس الترك ومساكنهم:
اتفقت كلمة أهل التاريخ على أن أجناس الترك أكثر أجناس العالم، وأن مساكنهم بلاد الشرق. منهم أمة تقطن فيما بين البحر المتجمد إلى أصفهان يقال لأولهم (ياقوت) ولأخرهم (تركمان) .
ومنهم أمم تقطن فيما بين سواحل (هوانغ هو) إلى أواسط روسيا في آسيا يقال لأولهم (يغور) ولأخرهم (تاتار) ثم الأتراك العثمانيون.
وأمم تقطن أواسط آسيا وشرقي أوروبا وكثير منهم من يعيش في ليتوانيا.
ويمكن أن تقسم هذه الأمم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شعوب شرقية، أي سكان شرقي آسيا.
القسم الثاني: وسطية.
القسم الثالث: غربية.
فالشعوب الشرقية يقال لهم (ياقوت) و (التاي) «1» ويقال لهم (يغور) و (بولو) و (تارانج) و (سبيريا) .
والشعوب الوسطية يقال لهم قيز غير وهم القازاق. وكلمة خير سز مأخوذة من هذه الكلمة و (أزبك) وهم من نسل أويغور المعروفين الآن في أوربا باسم (أوار) وهم(3/101)
يسكنون بلادا قريبة من ختن وكاشغر وتورقان وخاميل، جنوبي جبال هملايا، وهم يميلون إلى العثمانيين وإن كانوا منفكين عنهم. وكلمة «أويغور» اسم للصحراء المعروفة بآسيا العليا وتركستان هي المحاطة شرقا بالخطاي- وهي الصين الشمالي- وغربا بخوارزم وبحيرة آرال، وشمالا بسبيريا، وجنوبا بالتّبت وبخارى الكبرى، ولغة أويغور من لغة الأتراك الأصلية وتسمى جغتاي نسبة إلى جغتاي بن جنكزخان.
ومن الشعوب الوسطية أيضا: تاتار نهر (وولغا) و (باشقير) أو (باشقرد) تحريف (بوزقير) وهي البرية البيضاء. ومن تلك الشعوب أيضا (قاراجاي) و (جوواش) و (جرمش) وهي شعوب تحكمها الروس، نصارى ومسلمون ووثنيون. والشعوب الغربية يقال لهم تركمان و (أذربايجان) و (يوروك) .
تركستان وتاتارستان:
في كتاب تلفيق الأخبار أن القبائل المعروفة باسم تركستان وتاتارستان يحدّها شرقا مملكة الصين، وجنوبا ممالك الهند والفرس والروم والبحر الأسود، وشمالا منتهى المعمور، وغربا نهر الطونه ودنيستر وويستولة. على أن من كان من هذه القبائل في إقليم ما وراء النهر وفرغانة وكاشغر وتبت، وفي حدود الفرس والروم وأوربا، لم يزل يوجد فيهم طوائف رحالة نزالة، خصوصا من كان منهم باقيا في إقليمهم الأصلي المعروف باسم دشت قبجق، وهو المشهور بصحراء قزاق وقزغير، فهم حتى الآن في حالة البادية يسكنون خركاهات، أي خياما على هيئة قباب بيض مخروطة الشكل، قطر المتوسط منها ثمانية أذرع وارتفاعها ما بين سبعة أو ستة أذرع، مصنوعة من قضبان صلبة مشبكة ببعضها على طرز جميل مغشاة بلبد بيضاء متينة ملونة في كل قبة منها سرير مفروش بديع مزين بعظام الجمل على شكل جميل. وهي تقوّض في كل خمسة عشر يوما إلى ثلاثين يوما وتضرب في مروج يجاورها غدران، فما هي إلا رياض مزدانة بأنواع الزهور صحيحة الهواء لا يحسّ فيها بقمل ولا ببرغوث ولا نمل ولا بعوض ولا ذباب، كأنها نموذج من جنة الخلد تسمع في أشجارها تغريد الأطيار التي تسبح في غدرانها، فالنوم فيها لذيذ واليقظة ألذ وأجمل.
وسكان هذا الإقليم يعانون تربية المواشي كالغنم والبقر والجمال والخيل. وأعز ماشية عندهم الخيل لأنهم يتغذّون من لحمانها وألبانها. وهم على جانب عظيم من السخاء وقرى(3/102)
الضيوف والعطف على الفقراء. هذا مع تسلط الدولة الروسية عليهم واستئثارها بكثير من خيرات أراضيهم الخصبة دونهم، وسلبها منهم حقوقهم المدنية وحريتهم القومية والوطنية والشخصية، وتداخلها في معتقداتهم وعاداتهم وأخلاقهم بحيث ماتت هممهم وذهب نشاطهم وتساوت عندهم الحياة والممات.
كلمة تورك:
قال بعض الباحثين في طبقات الأمم: إن كلمة «تورك» مأخوذة من كلمة توكو وهي اسم أمم كانت في العصر السادس من الميلاد تسكن قرب (التاي) وحوالي أو يغور.
وإن هذه الأمة من نسل (هونغ نو) المذكورين في تواريخ الصين الذين كانوا قبل عصرين من الميلاد يشنون الغارات على ممالك الصين مدة أربعة قرون حتى اضطرت ملوك الصين إلى بناء السد الكبير. وإن أمة التوكو هذه أقامت في هذه المدة دولة عظيمة انقسمت بعد ذلك إلى قسمين: أحدهما التوكو، ومنها تناسل جميع أمم الترك. والقسم الآخر:
الأويغور، ومنها تناسلت أمم المجر، والفينوا وهم أهل فينلانديا.
لغة الأتراك:
لغة الأتراك ولغة المغول والفينوا: كل منهما متفرع من لغة التاتار الذين يقال لهم (أولو التاي) أي الخطاي، أو يقال لهم (توران) أو (أويغور) وهي قريبة من لغة التركمان.
وكانت هي لغة السلاجقة والعثمانيين وقد صارت الآن هي اللغة التركية. على أن الشبه بين لغة العرق التركي وبين لغة العرق المغولي بعيد، غير أن تشابه الأوصاف البدنية بينهما يدل على قربهما من بعضهما.
توران أو طوران:
الأتراك العثمانيون يقولون إنهم من أصل توراني، نسبة إلى توران وهو- كما قال صاحب تلفيق الأخبار، نقلا عن العمري- اسم مملكة الخواقين، كانت بيد أفراسياب التركي ملك الترك، وهي من نهر بلخ إلى مطلع الشمس على سمت الوسط فما أخذ عنه جنوبا كان بلاد الهند، وما أخذ عنه شمالا كان بلاد القفجق، والجراكسة والروس والماجار ومن جاورهم من طوائف الأمم المختلفة سكان الشمال. ويدخل في توران ممالك(3/103)
كثيرة وأمم مختلفة منها غزنة والباميان والغور وما وراء النهر وهو جيحون نحو بخارى وسمرقند والخجند والخوقند وغير ذلك. وبلاد تركستان وأستروشنة وفرغانة وبلاد صاغون وسرام وبلاد الخطا والمايغ إلى قراقوم، وهي قرية جنكزخان، وفيها كان مولده ومنشؤه، ثم ما وراء ذلك من بلاد الصين وصين الصين، كل هذه الممالك العظيمة: سلاطينها وملوكها مسلمون (أي في عصر العمري، المنقولة عنه هذه المقالة) .
أصل الأتراك ودياناتهم:
الأتراك من نسل يافث، وكانوا بادية رحّلا نزّلا يعيشون عيشة البدو ويأكلون الكلاب والفأر وما يجدونه من الصيد، ويدينون بالوثنية المعروفة باسم (بت برست) . ومنهم من يعبد النار، وبعضهم يعبد إلها في الشمس، ويسمون رهبانهم شامان. ومن هؤلاء بقية تقطن في شمال سبيريا والجزائر الملحقة بالمحيط الهادي. ورهبانهم يشدون في أوساطهم أذناب الخيل ويعلقون عليها الطبول أحيانا ليطردوا بها الشيطان على زعمهم، ويدّعون علم السحر ويعتقدون الجن والملائكة ويسمون أكبرهم الشيطان.
متى بدأ الدين الإسلامي ينتشر في الأتراك
لم أظفر بقول صريح يبين التاريخ الذي بدأ فيه بزوغ شمس الإسلام على عالم الأمم التركية. وأنا لا أستبعد أن يكون بدأ نجم الإسلام يسطع في سماء الممالك التركية منذ سنة 22 هـ في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك حينما فتحت قزوين وزنجان عن يد البراء بن عازب، وأذربيجان عن يد سماك بن خرشة الأنصاري، والباب عن يد عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي. ثم حينما غزا عبد الرحمن هذا بلنجر وهي المدينة البيضاء وراء الباب في بلاد الخزر- وقيل هي بلدة حاجي طرخان وهو الصحيح- غزاها عبد الرحمن بأمر الخليفة عمر ولم يجسر أحد من أهلها على لقائه فهربوا منه واعتصموا في الجبال وقالوا: ما اجترأ علينا إلا ومعه الملائكة تمنعهم من الموت.
ثم تتابعت غزوات المسلمين على الخزر والترك فتذامروا سنة 32 في خلافة عثمان رضي الله عنه وقالوا: كنا لا يقرن بنا أحد حتى جاءت هذه الأمة القليلة فصرنا لا نقوم لها.
فقال بعضهم: إن هؤلاء لا يموتون وما أصيب منهم أحد، فلهذا ظنوا أنهم لا يموتون.(3/104)
فقال بعضهم: أفلا تجرّبون؟ فكمنوا لهم في الغياض فمرّ بالكمين نفر من الجند فرموهم منها فقتلوهم.
قال ابن الأثير في كتابه «الكامل» : ثم غزا عبد الرحمن نحو بلنجر، وكان الترك قد اجتمعت مع الخزر فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا وقتل عبد الرحمن، فأخذ أهل بلنجر جسده وحملوه في تابوت فهم يستسقون به. وفي معجم البلدان أن الذي قتل في هذه الوقعة:
سليمان بن ربيعة الباهلي لا عبد الرحمن، فليحرّر. والقصة مذكورة في المعجم في الكلام على باب الأبواب.
وسطع نجم الإسلام في الأتراك أيضا حينما فتحت الجبال المحيطة بأرمينية، وقد قيل في أهلها إنهم استحلوا الإسلام وعدله، إذ من المستبعد عقلا أن يحترم أهل بلنجر جسد عبد الرحمن- أو سليمان على الرواية الأخرى- ويعتقدوا فيه البركة والكرامة ويضعوه في تابوت ويستسقوا به، وأن يكون أهل الجبال المحيطة بأرمينية قد استحلوا الإسلام وعدله وألّا يكون الإسلام خامر قلوب بعض أناس منهم طابت سرائرهم وصفت قرائحهم، وتنورت بصائرهم فميزوا الرشد من الغي واتضح لهم ما هم عليه من العمى وما عليه دين الإسلام من الهدى فاستهجنوا نحلتهم واستحسنوا ذلك الدين فقبلوه ودانوا به.
وأنا لا أدعي بأنهم في ذلك التاريخ ارتضوا هذا الدين ودخلوا فيه أفواجا، وإنما أقول:
إنه لا بد وأن يكون دخل فيه أفراد منهم فأخفوا إسلامهم حين لا يمكن إعلانه. على أن عدم تصريح المؤرخين ببدء انتشار الإسلام في الأمم التركية لا يستلزم عدم انتشاره فيهم في ذلك التاريخ، وإلا للزم ألّا يكون الإسلام انتشر إذ ذاك في الفرس أيضا لأن المؤرخين لم يصرحوا ببدئه فيهم ولا في غيرهم، كأنهم استغنوا عن ذلك لأن شيوع هذا الدين قديما في الأمم التي حاربها المسلمون كان معلوما بالضرورة، إذ كانت الدعوة إلى التدين بالإسلام أو بذل الجزية تتقدم كل مناجزة، فكانت الأمة التي يحاربها المسلمون لا تخلو عمن يرضى منها بالإسلام أو بالجزية فيقبل منه ويناجز الباقون من الأمة الذين لا يرضون بأحد الأمرين.
ومما يستبعده العقل أيضا أن تكون الأمم التركية خالية عمن اتبع هدى الإسلام واتخذه دينا في جميع الحروب التي أدار رحاها عليهم قتيبة بن مسلم وابنه مسلم ويزيد بن المهلب ومسلم بن سعيد الكلابي ونصر بن سيّار وغيرهم من قادة المسلمين، مع أنه لم يصرّح(3/105)
أحد من المؤرخين بإسلام أحد من الأتراك في أثناء جميع تلك الحروب.
هذا وإن كثيرين من الأتراك كانوا ينشؤون على دين الإسلام وهم مماليك الخلفاء والوزراء وأهل الوجاهة من المسلمين، وقد التفت إليهم الخلفاء العباسيون واعتنوا بشأنهم وأحلّوهم لديهم المنزلة العليا لما كانوا يرونه من شجاعتهم وصدقهم، حتى إن الخليفة المعتصم ومن بعده من الخلفاء صار لا يثق ولا يعتمد إلا على الجندي التركي. وقد بنى الخلفاء للأتراك بلدة خصوصية وصاروا يزوجون رجالهم بنسائهم ويدرّون عليهم الإنعامات، فنموا وكثروا ونالوا من الدولة العباسية الرتب العالية، ونشأ منهم رجال أولو كفاءة واقتدار فتولّوا باستعدادهم الولايات والإقطاعات، وشاع ذكرهم في الأقطار، وغبطهم إخوانهم الأتراك في أصقاعهم وشاهدوا حسن أحوالهم، وتحققوا بأن تدينهم بدين الإسلام هو الذي رفعهم إلى تلك المراتب العالية وبدّل ما كانوا عليه من الهمجية بالمدنية الحقّة والرقي إلى معارج الكمالات الإنسانية، فاعتقدوا صحة الإسلام وأقبلوا عليه يدخلون فيه أفواجا. وفي سنة 349 أسلم منهم دفعة واحدة نحو مائتي ألف خركاه «1» على ما ذكره ابن الأثير في كتابه الكامل في حوادث السنة المذكورة، وهو عدد عظيم لا شك. ولا ريب أنه لم يدخل «2» في الإسلام إلا اقتفاء لآثار غيره من قومه.
وذكر في تاريخ الدولة العثمانية- الذي ترجمه من النمسوية محمد عطاء الله أفندي أحد أفاضل الأتراك العثمانيين- أن سالور من أعقاب طاغ خان دان بدين الإسلام مع ألفي بيت من قومه بعد سنة 350 هـ وأن سالور تسمى من ذلك التاريخ بجناق خان، أو قره خان، وسمى من تبعه على الإسلام (تركمان) .
وقد يؤاخذ محمد عطا الله أفندي بعدم ذكره مائتي ألف بيت التي ذكر إسلامها ابن الأثير، واقتصاره على ذكر إسلام ألفي بيت، إلا أن يكون غلط في بيان العدد وظنه ألفي بيت. وهذا الاحتمال يصح فيما لو كان تاريخه الذي بينه موافقا للتاريخ الذي بينه ابن الأثير وليس الأمر كذلك كما علمت. كما أن ابن الأثير قد قصّر بالإفصاح عن اسم زعيم تلك الطوائف العظيمة التي أسلمت في التاريخ المذكور وعن بيان اسمها وسبب إسلامها. وذكر(3/106)
ابن الأثير في كتابه المذكور في حوادث سنة 351 أن طائفة من الأتراك نزلت في هذه السنة على بلاد الخزر فانتصر الخزر بأهل خوارزم فلم ينصروهم وقالوا لهم أنتم كفار فإن أسلمتم نصرناكم. فأسلموا إلا ملكهم، فنصرهم الخوارزميون وأزالوا الأتراك عنهم ثم أسلم ملكهم بعد ذلك.
قال محمد عطاء الله أفندي ما معناه: إن كلمة «تركمان» مركبة من «ترك إيمان» أو من «ترك مان» أي إنسان ترك، لأن «مان» معناه الإنسان، ونظيره: قره مان وششمان، أي «1» إنسان أسود وإنسان سمين.
ثم إن هؤلاء التركمان نزح بعضهم إلى غربي أرمنستان، والبعض الآخر إلى السواحل الشرقية من بحر خزر، وانقسموا إلى تركمان غربيين وإلى تركمان شرقيين، والمواضع التي أقاموا فيها تسمى اليوم بلاد التركمان. وقد خلف جناق خان ابنه موسى خان فنشأ على الإسلام واجتهد في رقيّ قومه وجمع إليه العلماء وأنشأ الجوامع والتكايا والمكاتب. اه كلام محمد عطاء الله أفندي.
قلت: ثم خلف موسى خان ابن عمه شهاب الدولة هارون بغرا خان بن سليمان إيلك خان، وكان خيّرا دينا يحب أن يكتب عنه: مولى رسول الله. وهو الذي استولى على بخارى من يد السلالة السامانية. وفي سنة 435 حارب إيلك خان الأتراك الباقين على الوثنية فأسلموا وضحّوا يوم عيد النحر بعشرين ألف رأس غنم، وكانوا عشرة آلاف خركاه وكانوا قبل الإسلام يطوفون البلاد بنواحي بلاد ساغون وكاشغر ويفسدون في الأرض، ولا يأوون المدن لخوفهم. فلما أسلموا أمنوا على أنفسهم فتفرقوا في البلاد ودخلوا مدنها.
قال ابن الشحنة ما ملخصه: وفي سنة 695 قدمت الفورانة إلى بلاد المسلمين هاربين من قازان بن أرغون بن بغا بن هلاكو، وكانوا نحو عشرة آلاف إنسان، فأنزلهم السلطان كتبغا بالساحل وأحسن إليهم لأنهم جاؤوا مسلمين وأعطاهم الإقطاعات. وسيأتي لنا أن سلجوق أسلم هو وقومه وأن أكثر أولاد جنكز خان وأحفاده أسلموا متتابعين وأسلم معهم(3/107)
أكثر شعوبهم. وسنذكر ذلك مفصلا في الفصل الآني الذي عقدناه في الكلام على جنكز خان.
والخلاصة أن الأتراك قد نشطوا إلى الإسلام منذ أوائل القرن الثاني إلى أواخر القرن السابع من الهجرة فدخلوا فيه أفواجا، ولم يبق منهم من لم يسلم سوى التاتار والخطاي في نواحي الصين، وسوى أمة ياقوت وجوواش المتقدم ذكرهما.(3/108)
السلاجقة والعثمانيون من أصل واحد
السلاجقة والعثمانيون ينتسبون إلى أب واحد وهو «أوغوز خان بن قره خاه» . وهو أول من وضع للأتراك قوانين واعتنى بمدينتهم. ومن جملة آثاره الهلال الذي هو شعار الدولة العثمانية، وكان العلم الذي يركز فيه الهلال يقال له «ماهجه توغ» أي العلم الهلالي، والعرب يسمونه «طوق» . وكان مرفوعا على أعالي دار الملك، في مدينة سراي، هلال من ذهب زنته قنطاران بالمصري. وكان أوغوز خان معاصرا لخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، وكان يدين بالوثنية ثم دان بدين إبراهيم وخرج على أبيه وحاربه مدة أربعين سنة.
ثم ترك مقر أبيه «قره قوم» وقيل «أور» وسار إلى الجنوب واستقر في مدينة (ياسي) أشهر مدن تركستان في ذلك الزمان، وهي البلدة التي ينسب إليها المرشد الشيخ أحمد الياسوي النقشبندي.
ثم إن أوغز خان عظم شأنه وامتدت فتوحاته من سيروم إلى بخارى فقسم مملكته بين أولاده الستة، وهم كون خان، وكوك خان، وآي خان، ويلديز خان، وطاغ خان، ودكز خان. وخرج أولاده مرة للصيد على نيّة أن يصطادوا شيئا يتفاءلون به على مستقبلهم، فظفروا بقوس وثلاثة أسهم فقدّموها إلى أبيهم، فأعطى الأسهم كوك خان ودكز خان، وأعطى القوس أولاده الآخرين، فأخذوه وكسروه ليقتسموه فيما بينهم، فسمى الأوّلين (أوجوق) أي الأسهم الثلاثة، وسمى الآخرين (بوزيجيلر) أي المخربين، وأعطى ميسرة جيشه الأولين، وميمنته الآخرين.
وبعد وفاته اقتسم أولاده مملكته فيما بينهم: فأخذ أصحاب الميسرة عشائر الأتراك الشرقيين، وأصحاب الميمنة عشائر الأتراك الغربيين. ويقال إن كل واحد من أولاده المذكورين ولد له أربعة أولاد وصار كل واحد منهم أبا عشيرة. فانقسم الأوغوزيون إلى أربع وعشرين عشيرة. ثم إن أمراء الميمنة المقيمين قبلا في تركستان استولوا على ما بين سيحون وجيحون في الغرب، وتقدموا إلى داخل المضايق حتى بلغوا نهر الطونة. وذكر(3/109)
مؤرخو الأتراك أن الملوك من الأغوزيين والسلاجقة والعثمانيين منسوبون إلى خانات الميمنة:
الأغوزيون من أعقاب طاغ خان، والسلاجقة من أعقاب دكز خان، والعثمانيون من أولاد كوك خان. وكان الأغوزيون قبل الإسلام يحاربون الأكاسرة، وبعده صاروا يحاربون خلفاء المسلمين إلى أن دانوا بدين الإسلام.
السلاجقة
الدولة السلجوقية تنسب إلى سلجوق بن تقاق، أي القوس الجديد. وكان تقاق شهما عاقلا، وكان مقدّم الأتراك الأوغوز عند ملك الترك بيغو، وقد أراد الملك أن يسير إلى بلاد الإسلام ليوقع بها فنهاه تقاق ووبخه وشج رأسه ثم اصطلح معه. وولد له سلجوق، ولما كبر قدمه ملك الترك لنجابته، ثم سعت به امرأة الملك إلى زوجها فخافه سلجوق وسار بجماعته ومن أطاعه من الجند من ديار الحرب إلى دار الإسلام فأسلموا جميعا واستمروا على غزو كفار الترك. وتوفي سلجوق عن 107 سنين من عمره وترك من الأولاد: أرسلان وميكائيل وموسى. ومن هؤلاء الأولاد وأعقابهم نشأت الدولة السلجوقية التي عم حكمها المملكة العباسية سوى قليل منها وامتد حكمها في العالم الإسلامي من حدود الصين إلى آخر حدود الشام مدة 270 سنة وذلك من سنة 419 إلى سنة 699 وقد تفرع منها فروع، بعضها من أصل آل سلجوق: وهي الفروع التي حكمت في كرمان وحلب ودمشق وبقية بلاد الشام والعراق وكردستان وآسيا الصغرى المعروفة بالأناضول وهي أطول الفروع عمرا. وبعضها متفرع عنها من مماليكها ووزرائها وهي عشرون فرعا أشهرها: الفرع الزنكي الذي منه نور الدين محمود زنكي، والأرتقيّة حكام ماردين وديار بكر، والخوارزمية حكام خوارزم. وقد امتد حكم هذا الفرع من سنة 498 إلى 703 ثم دخلت في حوزة العثمانيين وغيرهم.
جنكز خان
قال في كتاب تلفيق الأخبار وغيره ما خلاصته: لما مات كون خان بن أغوز خان خلفه أخوه آي خان. ثم خلف هذا يلدز خان أحد أحفاد أوغوز خان، ثم ولده نيكز خان، ثم ولده منكلي خان. ولما أسن هذا فوض أمر السلطنة إلى ولده إيل خان. جميع(3/110)
هذه الملوك تعد من ملوك المغل. وإن إيل خان هذا هو الذي تحارب مع ملوك التاتار وانجلى الحرب بينهم عن قتله وتشتت شمل أمة المغل وأسر التاتار ولده قيان وولدا آخر لأخي إيل خان اسمه نكوز، فهربا من الأسر مع زوجتهما ولجأ إلى الجبال ودخلا إليها من شعب «1» ضيق لا يمكن أن يسلكه سوى إنسان واحد، وداخل هذا الشعب فضاء واسع فيه مياه غزيرة ومروج واسعة وأشجار ملتفة. فأقاما هناك وتناسلا وكثرت أعقابهما حتى ضاق بهم ذلك الفضاء. وقد مضى عليهم مدة أربعمائة سنة وكانوا يتناقلون عن أسلافهم أن وراء هذا الشّعب ممالك واسعة كانت وطنهم، فعمدوا إلى مكان من الجبل فيه معدن الحديد والنحاس فجمعوا فيه الأحطاب وأضرموا فيها النار حتى ذاب ما فيها من الحديد والنحاس وانفتح الممر (وهذا هو السدّ على رأي بعضهم) فخرجوا من هذا الممر كالجراد المنتشر إلى فضاء واسع وملكهم يومئذ (برته جينه) من أعظم ملوك الأتراك المغل قوة وبأسا فتحارب مع التاتار هو وأعقابه من بعده أدهارا طويلة إلى أن كانت الغلبة للمغل على التاتار.
ولما آلت سلطنة المغل إلى يولدز خان بن منكلي خان بن تميرتاش خان- من نسل قيان المأسور الهارب ابن إيل خان- كان له ولدان فماتا وخلّف أحدهما ولدا اسمه (ديون بيان) وترك الآخر بنتا اسمها «ألان قوا» فتزوج ديون بيان ابنة عمه ألان قوا وتسلطن على المغل بعد جده. ثم مات ديون بيان فخطب زوجته كثيرون من كبراء قومها فلم تجبهم.
فزعم مؤرخو المغل بأن ألان قوا بينما كانت ذات ليلة نائمة مع طائفة من النساء إذ ظهر لها نور ساطع في خلاله شخص أبيض اللون مشرب بصفرة فلامسها- وقيل بل رأت النور فقط قد دخل فمها أو جيبها- فحملت منه وولدت ثلاثة أولاد، أحدهم بوزنجر خان وهو الجد الأعلى لجنكز خان وجميع خواقين التاتار والمغل. ويقال لذرية هؤلاء الأولاد الثلاثة (نيرون) أي الأصيل. والقازاق يسمون ذرية جنكز خان (آق سوياك) أي العظم الأبيض. ومن نسل بوزنجر خان بيسوكا خان والد جنكز خان وهو أكبر أولاده.
وكانت ولادة جنكز خان في غرة محرّم سنة 549 والطالع في الميزان والسبعة السيارة كلها مجتمعة في البروج المذكورة. ولما ولد كان كفّه مملوءا من الدم، فقال العراف:
سيكون سفّاكا للدماء، ويملك أكثر الربع المسكون. وسماه والده تموجين. ولما بلغ من(3/111)
العمر ثلاث عشرة سنة مات أبوه بيسكا، فتسلطن تموجين بعده إلا أن قبائل المغل استضعفته لصغر سنه فتفرقوا عنه، وقامت الفتن فيما بينهم. وتقلبت الأيام على تموجين وجرّعته مرارتها عدة مرات ثم ساعدته الأقدار وتغلب على من ناوأه من الأعداء والأغيار، وكسر أكبر أعدائه في ذلك الزمان وهو علي أونك خان، أكبر خواقين تركستان. ومن ذلك الوقت تلقب بلقب جنكز خان ومعناه ملك الملوك، وذلك في سنة 599 وكان بلغ من العمر 49 سنة وقد غلب على ممالك الخطا وألتون خان وكان خوارزم شاه محمد خان أوقع بهم وأضعفهم.
وغلب جنكز خان على الصين واستولت هيبته على القلوب وانتشر صيته في العالم، وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب وليس له قانون ولا كتاب شرعي، فأمر وزراءه وخواصّه أن يضعوا له خطا وكتابا قانونيا سماه «اليسق» ، من أحكامه: صلب السارق وخنق الزاني والاكتفاء بشهادة الواحد عليه، وأن الحقّ لمن سبق بالشكوى إلى الحكومة صادقا كان أم كاذبا، واستعباد الأحرار، وتوارث الفلاح، وتوريث نكاح الزوجة لأقارب الزوج، وعدم العدّة والاقتصار على زوجات معدودات، والعمل بقول الجواري والصبيان، وأخذ الجار بالجار، ومعاقبة البريء بالمجرم، ومنع عفو الحاكم وإن عفا المحكوم له، وغير ذلك.
أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية:
وأما أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية فهي أن السلطان محمد خوارزم شاه خالف الخليفة الناصر لدين الله وحاربه. وأراد الخليفة أن ينتقم منه فأرسل إلى جنكز خان يحرّضه على خوارزم شاه، غير أن جنكز خان لم يجب الخليفة لطلبه، لعهد سابق بينه وبين خوارزم شاه لم يرد نقضه، وذلك أنه لما ضخم ملكه واستولت على الأرض هيبته أراد أن يمضي باقي عمره بالراحة والدعة وأن يسالم من حوله من الملوك ويلتفت إلى تعمير ملكه ورفاهية رعيته. وكان يحب المسلمين ويعظم شعائر الدين الإسلامي، فأرسل في حدود سنة 612 رسلا إلى خوارزمشاه وهم محمود بلواج الخوارزمي، وعلي خواجه البخاري، ويوسف الانزاري، فعقدوا مع خوارزمشاه معاهدة وأسسوا بين المملكتين مودة ومحبة، ثم عادوا إلى جنكز خان فسرّ بما فعلوا. وبسبب ذلك لم يجب الخليفة على طلبه.
وبعد ثلاث سنوات على هذه المعاهدة قدم جماعة من بلاد جنكز خان إلى أنزار (بلدة(3/112)
بثغر بلاد خوارزمشاه فيها وال من قبله اسمه إينالجق، له قرابة من خوارزمشاه ثم غيّر اسمه وسماه غاير خان) فلما وصل التجار الجنكيزيّون إلى هذه البلدة وهم زهاء أربعمائة رجل، معهم الأموال الكثيرة، خاطب بعضهم غاير خان باسمه الأول لأنه لم يعرف أن اسمه قد تبدل، فغضب عليه غاير خان وعلى من معه وطمع فيما لديهم من الأموال، فأرسل إلى خوارزمشاه يقول له: ورد على ثغرنا من أطراف مملكة جنكز خان جواسيس بزيّ التجار.
فأمره بقتلهم، فقتلهم جميعا وكانوا مسلمين ولم يسلم منهم سوى واحد عاد إلى جنكز خان وأخبره بالحال، فأرسل جنكز خان يطلب من خوارزمشاه غاير خان ليقتصّ منه فقتل خوارزمشاه الرسول.
ولما علم بذلك جنكز اشتد غضبه وعزم على قصد خوارزمشاه فخرج أولا إلى فضاء واسع وصعد على تلّ وكشف رأسه ووضع خده على التراب وتضرع إلى الله تعالى وطلب منه النصر على خوارزمشاه. فعل ذلك مدة ثلاثة أيام حتى سمع صوت هاتف يبشره بنيل مراده. وهكذا كان دأبه كلما عزم على أمر يهمه. ولهذا يقول بعضهم إن جنكز كان مقرا بوجود الباري تعالى. ثم إن جنكز خان مشى على بلاد الإسلام واستولى على جنديسابور وأندر كان وبخارى وغيرها من بلاد فارس وتركستان، وأزال مملكة خوارزمشاه وشتّت شمله، فمات شرّ ميتة، وقتل وسبى وعظمت بليّته على الإسلام حتى قال بعضهم: ما دهي الإسلام بداهية أعظم منها. وذكر بعضهم أن جملة من قتل جنكز خان وولده هولاكو من المسلمين سبعة عشر ألف ألف نسمة.
ولما مات جنكز خان قام بعده حفيده هولاكو بن تولي خان بن جنكز خان واستولى على العراقين، وقوّض «1» الخلافة العباسية ببغداد، وملك الموصل وديار بكر والجزيرة والشام وغير ذلك من البلاد.
وذكر بعضهم لقيام جنكز خان على بلاد الإسلام، وتسلطه على خوارزمشاه وبلاده، سببا آخر روحانيا. وهو أن المولى بهاء الدين البلخي- والد المولى جلال الدين الرومي صاحب كتاب المثنوي «2» - كان ابن أخت السلطان خوارزمشاه، وكان مريدوه وأتباعه(3/113)
في طريقته لا يحصون كثرة، وكان فخر الدين الرازي صاحب التفسير الكبير ينكر على البهاء طريقته ومسلكه. فقال الفخر يوما لخوارزمشاه: إن لك اسم السلطنة ولابن أختك معناها. فاغتاظ خوارزمشاه من هذا الكلام وأرسل يقول لابن أخته: ليتفضل علينا مولانا باستلام الملك منا والجلوس مكاننا. ففهم البهاء المقصود من كلامه وقال للرسول: قل لمن أرسلك: نحن نذهب، ولكن يجيء مكاننا قوم آخرون ولا يتركون خوارزمشاه أيضا.
ثم خرج البهاء بأهله وعياله وكثير من أتباعه إلى بلاد الروم (برّ الأنضول) وتوطن في قونية، وأكرمه سلطانها علاء الدين السلجوقي. ثم كان ما كان من قيام جنكز خان على خوارزمشاه واستيلائه على بلاده بسبب انكسار قلب بهاء الدين وتأثره من خاله.
وهناك سبب آخر روحاني يذكرونه لمصيبة خوارزمشاه بحادثة جنكز خان: وهو أن تركان خاتون- أم السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه- كانت تحضر مجلس وعظ الشيخ مجد الدين البغدادي، وكان له أضداد يحسدونه على ذلك فأخبروا خوارزمشاه وهو سكران بأن والدته تزوجت بالشيخ مجد الدين فقال في الحال: ارموه في البحر، فرموه في جيحون. فلما بلغ خبره الشيخ نجم الدين البكري دعا على خوارزمشاه وخر ساجدا ثم رفع رأسه وحمد الله وقال: طلبت من الله دية ولدي مجد الدين فأعطاني ملك خوارزمشاه. ولما سمع بذلك خوارزمشاه- وكان قد صحا من سكره- ندم على ما فعل وسار حافيا مكشوف الرأس حاملا فوقه طستا مملوءا ذهبا، وقابل الشيخ في المسجد، ووقف في صفّ النعال وقال للشيخ: هذا الذهب دية مجد الدين وهذا السيف ورأسي إن أردت القصاص. فقال الشيخ نجم الدين: كان ذلك في الكتاب مسطورا، دية مجد الدين جميع ملكك ويذهب فيه رأسك ورؤوس كثيرين من الأكابر والأعيان ونحن على إثرك فرجع خوارزمشاه مغتما مكسوف البال. ثم كان من أمر جنكز خان ما كان.
هذا وإن جنكز خان- بعدما فعله ببلاد الإسلام من القتل والتخريب مدة سبع سنين- عاد إلى بلاده فمرّ في طريقه على بخارى وطلب من صدر جهان قاضي القضاة وشيخ الإسلام أن يرسل له عالما بشريعة المسلمين، فأرسل إليه اثنين من العلماء فسألهما جنكز خان عن حقيقة دين الإسلام فذكرا له الشهادتين والصلاة والصوم والحج والزكاة، فاستحسن الجميع وصدّق به، إلا أنه لما ذكرت له الكعبة باسم «بيت الله» قال: إن جميع الدنيا بيت الله وبيته لا يختص بمكان. ولما رجع الاثنان من عنده إلى شيخ الإسلام(3/114)
أخبراه بما كان من جنكز خان فحكم بإسلامه.
ثم مات جنكز خان عن ذرية كثيرة تبلغ أربعين ولدا ما بين ذكر وأنثى، إلا أن المعتبر من أولاده أربعة فقط وهم جوجى- والعرب يقولوه له طوشى أو دوشى- وجغتاي، وتولى، وأو كداي. وقبل وفاته قسم ملكه بينهم فأعطى «جوجى» دشت قفجق بأسرها وبلاد داغستان وخوارزم وبلغار وقسقسين والروس وسواحل البحر المحيط الغربي وما يؤمل أخذه إلى منتهى المعمور. وأعطى «جغطاي» بلاد إيغور وما وراء النهر بأسرها. وأعطى «تولى» خراسان وما يؤمل أخذه من ديار بكر والعراقين إلى منتهى حوافر خيولهم. وأعطى «أو كداي» بلاده الأصلية والخطا والصين إلى منتهى المعمور من طرف الشرق.
إسلام أولاد جنكز خان:
أول من أسلم من أولاد جغطاي بن جنكز خان: مبارك شاه بن قرا هلاكو، ثم أسلم بعده براق خان، ثم طرما شيرين خان. وأسلم بعده جميع أولاد جغطاي وسائر طوائف المغل والتاتار الغربيين بما وراء النهر. ثم أسلم توغلق تمير خان ببلاد كاشغر والمغل، وأسلم معه مائة وستون ألفا من المغل.
وفي سنة 694 أسلم محمود غازان خان وأسلم معه جميع قومه وسبعون ألفا وقيل أربعمائة ألف من أكابر المغل وأعيان التاتار. وكان جوجى مات قبل أبيه جنكز خان وآل ملكه إلى ولده أبي المعالي ناصر الدين السلطان بركه خان ابن جوجى بن جنكز خان وذلك في سنة 652.
وكان بركه خان اختار الإسلام دينا. وسبب إسلامه أن سيف الدين الباخرزي كان مقيما في بخارى فبعث إلى بركه خان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم. وبعث إليه كتابه بإطلاق يده في سائر أعماله بما شاء، فرد عليه كتابه ولم يقبله. فأعمل بركه الرحلة إلى لقائه فلم يأذن له في الدخول عليه حتى تطارح عليه أصحابه وسهّلوا الإذن لبركه فدخل عليه وجدّد إسلامه، وعاهد الشيخ على إظهاره فأنجز بركه وعده وحمل سائر قومه على الإسلام فأسلموا جميعا، واتخذ المساجد والمدارس في جميع بلاده، وقرّب العلماء والفقهاء ووصلهم، وكان يحملهم إليه من أقطار العالم الإسلامي ويبالغ بالإحسان إليهم.(3/115)
وروى غير واحد أن بركه خان هو أول من دخل في دين الإسلام من أعقاب جنكز خان، وأنه هو الذي أتم بناء بلدة سراي وكان أخوه باتو بدأ ببنائها وهي عاصمة دشت قفجق، ويقال عنها إنها هي البلدة المعروفة الآن باسم أردهان- المحرّفة عن أوردي خان- وكانت من أعظم المدن وضعا وأكثرها للخلق جمعا، مبنية على شط من نهر أتل (وولغا) الذي لا نظير له في العظم وعذوبة الماء، وهو قدر النيل ثلاث مرات وأكثر.
كان عند بركه خان وعند أوز بك خان- وجان بك بعده- العلامة فخر الدين الرازي، والشيخ سعد الدين التفتازاني، والشيخ جلال الدين شارح الحاجبية، وغيرهم من الفضلاء الحنفية والشافعية. وكانت بلدة سراي مجمع العلماء والأدباء. وكان انتهاء بنائها سنة 655 وابتداء خرابها عن يد تيمورلنك سنة 798.
ومن أعظم حسنات بركه خان وأكبر أياديه على الإسلام أنه قام على ابن عمه هولاكو الكافر الطاغية ينتقم منه مما فعله بالمسلمين والاستيلاء على بغداد وقتله الخليفة. فإن بركه خان أشهر عليه حربا طاحنة قصد إشغاله بها عن حرب المسلمين في البلاد الشامية فأهلك من جنود هولاكو مئات الألوف، وكسره كسرة شنيعة كانت هي السبب الحقيقي في انكسار جيوش هلاكو أيضا في الوقعة الشهيرة التي كانت بينهم وبين السلطان الملك الظاهر ببيرس سلطان مصر على عين جالوت، ولولا هذه الكسرة لكان هولاكو استولى على سائر بلاد الشام ومصر وغيرها وأباد العالم الإسلامي عن آخره.
وكان بين بركه خان والسلطان الملك الظاهر مكاتبات عديدة ومودة صادقة أكيدة.
ومن جملة ما وصل منه إلى الملك الظاهر كتاب مسهب يذكر فيه من أسلم من قبائل التاتار وعشائرهم وعظمائهم وذراريهم وحشمهم وجيوشهم الجرّارة. ثم يقول: هؤلاء أسلموا بأسرهم وقاموا بالفرائض والسنن والزكاة والغزو والجهاد في سبيل الله، وقالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وقرأنا: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون» الآية. فليعلم السلطان أني حاربت هولاكو الذي هو من لحمي ودمي لإعلاء كلمة الله العليا تعصبا لدين الإسلام لأنه باغ والباغي كافر بالله ورسوله إلخ ...
وتاريخ هذا الكتاب سنة 661 ومات هولاكو مقهورا من بركه خان في ربيع الأول(3/116)
سنة 663 وكان قد ارتدع قليلا عن أذيّة المسلمين وخفض من عداوتهم وقد خامر قلبه شيء من أحوال الدين الإسلامي وشاهد من جماعة الرفاعية بعض الكرامات، فأعطاهم ولده نكودار للتربية فأسلم على يدهم وتسمى أحمد وصار سلطانا بعد أخيه أبغا، وكتب إلى السلطان الملك الظاهر البندقداري كتابا مسهبا أخبره فيه بإسلامه وبغير ذلك من المسائل السياسية والدينية، وأجابه عنه السلطان بكتاب مسهب أيضا أثبتهما ابن العبري في كتابه مختصر الدول فليراجعه من أحب الاطلاع عليه. اه.
وكانت وفاة بركه خان سنة 665 وجميع سلسلة ملوك المغل الذين جلسوا على سرير السلطنة كانوا مسلمين إلا أنهم لم يكونوا مثل بركه خان في التعصب للدين والحرص على أحكامه، إلى أن جلس على كرسي سلطنة دشت قفجق السلطان الملك غياث الدين محمد أوز بك خان، وهو من أعقاب جوجى بن جنكز خان، وكان شابا حسن الصورة حسن الإسلام شجاعا قتل عددا عظيما من الأمراء والأعيان أهل البطش والاستبداد، وقتل كثيرا من الايغورية وهم البخشية، أي الكهنة والسحرة، وأظهر كلمة الإسلام، وكان جلوسه على سرير على سرير الملك في أواخر رمضان سنة 712 وكان يعد من الملوك السبعة الذين هم كبراء ملوك الدنيا وعظماؤهم، وكان عظيم المملكة شديد القوة قاهرا أهل القسطنطينية العظمى مجتهدا في جهادهم وبلاده متسعة والمؤرخون يطلقون عليها مملكة القريم وليست هي القريم وحدها وإنما من جملتها القريم والكفا والمجر وأوزاق وخوارزم وحاصرته سراي.
وجميع من كان في جواره من ملوك طوائف الجركس والروس واللاز كانوا كالرعايا له وكثيرا ما كان يسبي نساءهم وذراريهم ويحملها تجار الرقيق إلى أقطار الأرض ويبيعونها.
وكان بينه وبين ملوك مصر مراسلات حبّية، والرسل بينهما تتردد دائما، وهداياهما إلى بعضهما في تواصل مستمر. وكان ملوك الروس يقدمون إلى أزبك خان عبوديتهم ويهابونه ولا يخرجون عن أوامره، وكان هو الذي ينصب عليهم الكيناز ويعطيه منشور تملكه، ومتى أراد عزله عزله ونصب غيره وكان الكيناز عند الروس كالإمبراطور. وكان أزبك خان مع هذه السطوة يرفق بالروس ويحترم كهنتهم وقد ظل الروس تحت سلطة التاتار ملوك الدشت والقريم مدة 150 سنة إلى أن وقع الخلف بينهم ودخل بلادهم تيمورلنك واستولى على قسم عظيم منها وتفرقت كلمة ملوكهم واشتغلوا بقتال بعضهم، فاغتنم الروس هذه الفرصة وقاموا نحو بلاد الدشت فطمت بحار غلبتهم عليها وكادوا يعمّونها بالاستيلاء لولا(3/117)
أن بزغت في ذلك الوقت شمس الدولة العثمانية على العالم الإسلامي فوقفت تيار غلبة الروس عليه من جهة القفقاس، واستولت على كثير من بلاد خانات القريم المسلمين الذين هم من بقايا أعقاب جنكز خان.
ومن الملوك الجنكزية أو كداي خاقان بن جنكز خان جلس على سرير السلطنة في القريم سنة 626 وكان ملكا عادلا محبا للمسلمين، ولكنه كان كآبائه غير متدين. وفي أيام سلطنته وسلطنة من بعده من أولاد جنكز خان- مثل منكو خان وقبلاي خاقان- انتشر الإسلام في ممالك الصين قاطبة، ودامت قطعة الصين في تصرفهم إلى سنة 769 والجوامع الموجودة الآن في بيكين وغيرها من دواخل الصين بنيت في عصر أولئك الخواقين «1» وطائفة «دونكان» المسلمين من أهل الصين هم من الذين أسلموا في تلك المدة على أن معظم أهل الأصقاع التركية في القريم وغيرها ما زالوا من ذرية جنكز خان وأتباع أولاده وأعقابه وهم القزاق والتتار وبقية أصناف الترك الذين لم يزالوا على جانب عظيم من التمسك بالدين رغما عما تنصبه لهم روسيا من الغوائل والعراقل.
وخلاصة الكلام أن الإسلام بواسطة الخواقين الجنكزية قد امتد من الصين إلى بلاد الغرب وأنهم قد خدموا الإسلام خدمات يحق لها كل مدح وثناء ويجدر بها أن تكون كفارة عما صدر من جدهم الأعلى جنكز خان وهلاكو ابن ابنه في حق المسلمين مما هو محتم مقدور، وفي الكتاب محرر مسطور.
شجاعة الأتراك
اتفقت كلمة الباحثين في طبقات الأمم- وما يخص كل أمة من النعوت والطباع- على أن الأتراك موصوفون من قديم الزمان بالشجاعة والبطولة والفروسية ومعاناة الحروب ومعالجة آلاتها والصبر على ركوب الخيل والحذق بالرمي، وغير ذلك من الأمور التي يرافقها الظفر والغلبة على العدو مما لا يوجد إلا في الجندي التركي.
ونحن نأتي هنا بخلاصة في ذلك من رسالة للجاحظ، وكتاب تلفيق الأخبار، وغيرهما فنقول:(3/118)
من صفات الجندي التركي أنه يدور حول العسكر فوق الخيول ويحيط بعدوّه بأسرع ما يكون ويشتت شمله، لا يعرف الفرار فهو في الحرب طالب غير مطلوب. لا يغتر بعظم جثة الفرس بل هو ينتقي خيولا مدربة لا يسبقها غيرها يستنتجها عنده ويركبها وهي فلوّ «1» ويسميها بأسماء يناديها بها فتتبعه.
كل واحد من فرسان الأتراك فارس وسائس وبيطار وحدّاد وراع. وكل واحد منهم ماهر في هذه الصنائع لا يحتاج فيها إلى غيره. إذا اجتمعت قوة الجندي الفارسي والعراقي والخارجي في شخص واحد لا يعادل ذلك الشخص واحدا من الأتراك. الجيش التركي يقطع مسافة عشرين ميلا في زمن يقطع فيه غيره عشرة أميال، فإنه يفارق سائر العساكر ويميل إلى اليمين والشمال وينزل إلى بطون الأودية ويصعد إلى قمم الجبال ويصيد بهذه الكيفية الهاربين من أعدائه ولو كانوا من مشاهير الأبطال.
متى وقع اليأس من الصلح والمسالمة وتقرّر الحرب فإن الأتراك يدافعون عن أنفسهم بتحصين مواقعهم العسكرية ويبذلون في ذلك غاية جهدهم من غير أدنى فتور. ومن علو همتهم وصفاء مداركهم لا يخطر بخواطر أعدائهم انتهاز الفرصة عليهم أو التشبث بحيلة ما لإغفالهم «2» .
قال يزيد بن مزيد في وصف الأتراك: لا ثقلة لأبدان الأتراك على الفرس والأرض.
والتركي يدرك الشيء الذي يجيء من ورائه كما يدركه من أمامه، حال كون فرساننا لا يرون الذي يجيء من أمامهم. والجندي التركي يعدّنا صيدا ويعدّ نفسه أسدا وفرسه حيّة.
وإذا ألقي الجندي التركي في بئر مربوط اليد يخلّص نفسه منها من غير أن يتشبث بحيلة.
والجنود الترك يميلون بالطبع إلى الكفاف، ويرجحون ما ينالونه بسهولة على كل شيء سواه، ويحبون أن يكون قوتهم من الصيد وأموال الغنائم، ويثبتون فوق ظهور خيولهم طالبين أو مطلوبين من غير هرب ولا فرار.
قال ثمامة بن الأبرش «3» : حينما كنت أسيرا بأيدي الأتراك رأيت منهم لطفا وإكراما(3/119)
ورأيت أسبابهم مكملة. الجندي التركي لا يخاف قط بل هو يخيف غيره. والأتراك لا يطمعون في غير مطمع ولا يقعدون عن طلب شيء يريدون تحصيله فمتى حصلوه لا يضيعون شيئا منه. ويبذلون غاية جهدهم في أمر يقدرون عليه إلى أن ينالوه، وكل أمر لا يقدرون عليه لا يضيعون وقتهم في تحصيله. وهم لا ينامون إلا إذا غلبهم النوم ومع ذلك لا يكون نومهم ثقيلا بل هو خفيف جدا بحيث ينامون بالتيقظ والانتباه.
وقال ثمامة: رأيت مرة في بعض محاربة المأمون صفوف الخيل في طرفي الطريق:
في اليمين مائة خيل من الأتراك، وفي الشّمال مائة من الفرسان المختلطة منتظرين مجيء المأمون، وكان الوقت حارا وقد قرب نصف النهار واشتدت الحرارة، فنزل الفرسان المختلطة عن أفراسهم سوى ثلاثة أو أربعة منهم، ولم ينزل من الأتراك سوى ثلاثة أو أربعة.
قال الجاحظ ما خلاصته: والجندي التركي من أشد الناس تحملا للأسفار، وأصبرهم على قشف المعيشة وقلة النوم. يخرج غازيا أو مسافرا أو متباعدا في طلب الصيد فتتبعه رمكته وأفلاؤها «1» ، إن أعياه اصطياد الناس اصطاد الوحش، وإن احتاج إلى طعام فصد دابة من دوابّه وتغذى من دمها، وإن عطش حلب رمكة من رماكه، وإن أراح واحدة ركب أخرى من غير أن ينزل إلى الأرض. وليس أحد في الأرض يصبر عن اللحم كالتركي، وكذلك دابته تكتفي بأصول النبات والعشب والشجر لا يظلّها صاحبها من شمس ولا يكنّها «2» من برد. وهو أصبر من جميع أصناف العساكر على ركوب الخيل وقطع المسافات بحيث إذا طال السّرى «3» واشتد الحر أو البرد على بقية أجناس العساكر وأعياهم التعب- حتى صمتوا عن الكلام وتمنوا أن لو كانت الأرض تطوى لهم وأخذ كلّ واحد منهم يئنّ أنين المريض ويتداوى مما به بالتمطي والتضجع- ترى التركي في هذه الحالة وقد سار ضعف ما سار غيره، يرى قرب المنزل ظبيا أو ثعلبا أو غيره من الأوابد فيركض خلفه كأنه استأنف السير في ذلك الوقت. وإذا ازدحم الناس على مسلك واد أو قنطرة ضرب التركي بطن برذونه «4» فأقحمه النهر، أو الوادي، ثم طلع من الجانب(3/120)
الآخر كأنه كوكب. وإذا انتهى الجيش إلى عقبة ترك السير عليها وذهب في الجبل صعدا وتدلّى من موضع يعجز عنه الوعل «1» مع ما يبدو على محيّاه من النشاط والجد.
قال الجاحظ: والتركي يحب القتال طبعا وطلبا للغنم ثم لما دان بالإسلام صار يحب القتال طبعا وطلبا للغنيمة وتدينا ودفاعا عن الوطن فصار لا يباريه في الحرب أحد ولا يدانيه في الصبر على الحر والبرد وقشف المعيشة مدان.
حكى ثمامة بن الأبرش «2» قال: خرجت من بغداد فرأيت فصيلة من الفرسان الخراسانيين والأعراب وغيرهم قد عجزوا عن إمساك فرس ندّ «3» منهم فمر بهم فارس تركي راكب على فرس هزال ضعيف فلما رآهم عجزوا عن إمساكه تصدى هو له فشرعوا يضحكون عليه ويسخرون به قائلين: إن الأمر الذي قد عجز عنه هؤلاء الأسود كيف يقدر عليه هذا المسكين؟ فلم يمض غير قليل حتى أمسك الفرس مع قصر قامته وهزال فرسه وأسلمه إليهم، ومضى لسبيله غير ملتفت إلى دعائهم ولا إلى حسن ثنائهم ومكافأتهم، ولا متفاخرا إزاء احتقارهم إياه، كأنه لم يصدر منه شيء قط.
قلت: إن الجندي التركي الآن غير الجندي التركي في تلك الأزمان، غير أنه مع ذلك لم تزل له ميزة على سائر أجناس العساكر، فهو ما برح معروفا بالصبر على الحر والبرد وقشف العيشة ومعاناة مشاقّ السفر، والطاعة لقواده والجرأة على أعدائه، والقناعة بالزهيد من الأكل والشرب وقلة الهجوع. وحسبك شاهدا على تفوق الجندي التركي بمزاياه الجندية قول نابليون بنابرته: أعطوني الجندي التركي أفتح لكم الدنيا.
كنا نسمع من الجندي العربي في أثناء الحرب العامة تذمرا كثيرا وشكوى مرة من قلة الأكل والشرب ورداءة الطعام وظلم القادة ورداءة الكسوة وغير ذلك من المشقات التي يبديها لنا في صورة ينبو تحملها عن طوق البشر لأنها من المهلكات التي يحرم على الإنسان أن يلقي إليها بنفسه، وإن ذلك من أعظم الأعذار التي تبيح الهرب من الجندية.
أما الجندي التركي فإننا كنا نراه في تلك الحرب الضّروس في حالة مألوفة له غير مخالفة(3/121)
لعادته فلا يتذمر منها ولا يدعي ما يدعيه الجندي العربي من سوء الحالة، ولا يراها صالحة أن تكون عذرا يبيح له الهرب من الجندية.
تراه يهجم على عدوه الذي يمطره وابلا من الرصاص والقنابل وهو جائع عريان غير هيّاب ولا وجل، لا يحدث نفسه بمخالفة أمر قائده ولا بالهرب من الجندية مهما اقترب منه الخطر وحاق به الهلاك.
قيل: إن أول من مدح الترك وأثنى على شجاعتهم علي بن عباس الرومي في قوله:
إذا ثبتوا فحصن من حديد ... تخال عيوننا منه تحار
وإن برزوا فنيران تلظّى ... على الأعداء يضرمها استعار
وقال آخر في حق القفجق:
وفتية من كماة الترك ما تركت ... للرعد كبّاتهم صوتا ولا صيتا
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة ... حسنا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا
قال الجاحظ في آخر رسالته: وقد انتظمت للتركي جميع معدّات الحرب ففاق بها جميع الأمم، ومن حاز هذه المحاسن فقد حاز مزايا ينطوي تحتها الكرم وبعد الهمة وأصالة الرأي والفطنة والحكم والعزم والحزم والكتمان والثقافة والبصر في الخيل والسلاح والخبرة بالرجال والبلاد، إلى آخر ما يحتاج إليه المحارب من أساليب القيادة وتعبئة الجيوش والخدع الحربية.
معارف الأتراك
كل من كتب شيئا عن أحوال الأتراك أقرّ بشجاعتهم وشدة بأسهم، حتى قال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم: إن ملوك الترك يسمون ملوك السباع لما اتصفوا به من الشجاعة وشدة البأس. غير أن جميع من وصفهم بهذه الأوصاف وخصهم بتلك المزايا قد سكت عن بقية صفاتهم الحميدة ومنهم من عدّهم من الأمم التي لم تعن بالعلوم والفنون. وقد نشأ ذلك من عدم التدبر «1» والتبصر في أحوال هذه الأمة(3/122)
العظيمة وقلة استقصاء أخبارها من منابعها الحقيقية.
إن عدم اطلاع المؤرخين على ما للأتراك من المعارف والفنون ناشئ عن كون هذه الأمة كانت في الأزمان الغابرة أميّة، لا تعرف الكتابة ولا القراءة ولا يوجد عندها كتاب مدوّن ولا كتابة، وحسبنا دليلا على ذلك أن جنكز خان وضع لها كتابا في شريعة استنبطها وقلم اخترعه. ولو كان للأتراك قلم يكتبون به أو قانون يتعاملون بأحكامه لما احتاج جنكز خان إلى ما وضعه واخترعه من الكتاب والقلم اللذين ذكرناهما. ولا يستغرب ذلك فإن الأمة الجركسية التي قام منها عدة ملوك لم يكن لهم بلغتهم كتاب يقرءونه، ولا قلم يكتبون به.
إن من نظر إلى عظمة الأمم التركية، وما كان لها من الحكومات القاهرة في الصين والهند الفرس وبعض جهات أوربا، يضطره العقل إلى أن يقول: إن هكذا أمة لا يمكن أن تبلغ سطوتها هذا المبلغ العظيم دون أن يكون لها قدم راسخ في العلوم والفنون.
كيف لا يكون ذلك وقد اشتهر من فلاسفة الأتراك في أوربا الفيلسوف أنخرسيس الأسكتي التاتاري، المعاصر لسولون رئيس فلاسفة اليونان، كما حكى ذلك صاحب كتاب تلفيق الأخبار، قال: وسبب شهرة هذا الفيلسوف قدومه على أثينا واشتهاره بين أهلها دون غيره من فلاسفة الأتراك الذين لم يفارقوا أوطانهم ولا وضعوا في حكمهم وفلسفتهم كتابا، بل كانوا يتلقون الحكمة من بعضهم شفاها ويتناقلونها فيما بينهم تلقينا. هذا كله قبل أن يدينوا بالإسلام ويستنيروا بنوره ويتعلموا الكتابة والقراءة بالقلم العربي، فقد ظهر منهم بعد ذلك رجال أحرزوا القدح المعلّى والنصيب الأوفر في الفنون والعلوم من منطوق ومفهوم.
علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي
زعم بعض المتشيعين للأتراك، المتشبعين من موالاتهم ومحبتهم، أن طائفة عظيمة من علماء الإسلام وأئمة الدين السادة الأعلام هم من عرق تركي، وأن الحامل الذي كان يحمل أولئك الأعلام على وضع مؤلفاتهم الدينية باللغة العربية- مع أن لغتهم الأصلية تركية- أمران: أحدهما كون الدين الذي يضعون فيه مؤلفاتهم مستمدا «1» من مصدر عربي(3/123)
هو القرآن والحديث اللذان لا يمكن إدراك حقيقة مفاهيمها ولا يتسع البحث بهما لاستنباط الأحكام الشرعية منهما إلا بلغتهما التي ولدا فيها وسطّرا على مقتضى قواعدها وضوابطها.
والأمر الآخر كون اللغة التركية الأصلية المعبّر عنها باسم جغطاي أو باسم قفجق لغة ضيقة مضطربة القواعد، لا تصلح لأن تكون لغة علمية دينية وأدبية، أما بعد أن لطّفها العثمانيون وأدخلوا إليها ألوفا من الألفاظ العربية والفارسية، صارت حينئذ صالحة لأن يضع بها طائفة من العلماء العثمانيين مؤلفاتهم.
يقول أولئك المتشيعون: إن علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي، وإن كانت مؤلفاتهم باللغة العربية أو الفارسية، إلّا أن لغتهم التي كانوا يتفاهمون بها بين أهليهم وعوامّهم كانت هي اللغة التركية المعروفة باسم جغطاي، حتى إن سكان تركستان- الذي من جملته بخارى- ما برح أهلها «1» حتى الآن يتفاهمون بين أهليهم وعوامّهم بلغة جغطاي، وما زال أهل العلوم الدينية- الذين يقصدون بخارى من الأقطار التركية- يتلقون علومهم باللغة العربية ويتكلمون فيما بينهم بلغتهم التركية جغطاي أو قفجق.
وعليه فإن العلامة الزمخشري مثلا هو من عرق تركي بلا شك، لأنه من زمخشر «2» - إحدى قرى بخارى التي هي من أمهات تركستان- لكن أكثر مؤلفاته باللغة العربية. وله عدة مؤلفات باللغة الفارسية، وليس له شيء من المؤلفات باللغة التركية للسبب الذي ذكرناه. وهكذا يقال في العلماء الذين هم من عرق تركي ومؤلفاتهم باللغة العربية. وهاك أسماء بعض المشتهرين منهم على رأي المتشيعين المذكورين:
الرئيس- ولا أزيده مدحا على هذه اللفظة التي صارت علما عليه حيث أطلقت- وهو أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا. وتلميذ الرئيس بهمانيار. والإمام الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الذي قيل في كتابه «أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى» . والإمامان الحجّتان مسلم والترمذي صاحبا الصحيحين المنسوبين إليهما.
والإمام الحجّة العلامة محمود الزمخشري جار الله، صاحب الكشاف وغيره من المصنفات(3/124)
الشهيرة. والعلامة الأستاذ يوسف السكاك «1» صاحب مفتاح العلوم. وقد قيل فيه وفي الزمخشري: لولا الكوسج والأعرج لعرج القرآن كما نزل. يراد بالكوسج: السكاك»
وبالأعرج: الزمخشري. والإمام المطرّزي صاحب كتاب المغرب وغيره، وهو أحد تلامذة الزمخشري «3» . وناشر العلوم العربية الشيخ عبد القاهر «4» الجرجاني. وصدر الافاضل رشيد الدين الوطواطي «5» . وعبد الجبار التفتازاني. والإمام حجة الإسلام محمد الغزالي، الذي قيل في حق كتابه الإحياء: إذا فقدت كتب الشريعة أغنت «6» عنها الإحياء.
والعلامة صاحب التصانيف الكثيرة أبو حاتم محمد بن حبّان البخاري المعروف بغنجار البستي. والشيخ أبو الوليد أحمد بن أبي الرجا الأزداني، شيخ البخاري صاحب الصحيح.
وأبو محمد بن جرير الطبري صاحب «التفسير» و «التاريخ» المشهورين. وأبو بكر محمد ابن عبد الله الأوداني إمام أصحاب الشافعي في عصره. وأبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري صاحب كتاب الصحاح في اللغة. وأبو معشر البلخي- جعفر- من مهرة المنجمين، المشهور بالفلكي المتوفى سنة 272 وأبو نصر محمد بن محمد الفارابي الحكيم الفيلسوف صاحب التصانيف. في فنون الفلسفة والموسيقى. ونصر بن محمد الختلي شارح القدوري.
ومن أدبائهم المبرزين إبراهيم بن العباس الصولي، والصولي الشطرنجي، وغيرهم من العلماء الأعلام والأئمة الفضلاء الفخام الذين يضيق المقام عن ذكر أسمائهم. هذا كله عدا العلماء والفضلاء الذين نشؤوا في أحضان الدولة العثمانية وتخرجوا في مدارسها ومعاهدها العلمية كشمس الدين المعروف بابن كمال باشا، المشهور بمفتي الثّقلين المنسوب لأدرنة، وبها كانت وفاته سنة 940 وأبي السعود صاحب التفسير وناظم القصيدة المشهورة التي نوّه بذكرها الشهاب الخفاجي في كتابه «ريحانة الألبّاء» وأثبتها برمتها ومطلعها:
«أبعد سليمى بغية ومرام؟» وعلي أفندي الزنبيلي والأنقروي صاحب الفتاوي، وعلي أفندي صاحب الفتاوي الأخرى، والحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي صاحب كتاب(3/125)
كشف الظنون وغيره من المؤلفات الجليلة. وغيرهم ممن لا يساعدنا المقام على استقصاء أسمائهم.
على أن صاحب كتاب الشقائق النعمانية، وصاحب تاج التواريخ، وصاحب كتاب (أسامي) ، وصاحب كتاب قاموس الأعلام، وغيرهم من أدباء الأتراك وعلمائهم الذين ألفوا بالتاريخ، قد ذكروا في كتبهم طائفة صالحة من علماء الأتراك وأدبائهم الخريجين في مدارس الدولة العثمانية. فليراجع هذه الكتب من أحب الاطلاع على أولئك الفضلاء.
أقول: ما ذكره المتشيعون للأتراك من العلماء المتخرجين في مدارس الدولة العثمانية بأنهم أتراك فأمر مسلم به، وأما من ذكروه قبلهم من العلماء والفضلاء بأنهم من عرق تركي فليس يصح ذلك في جميعهم، ولنا فيه كلام في غير هذا الكتاب نورده حين الاقتضاء.
هذا آخر الإجمال الذي أوردناه استطرادا في الكلام على الأتراك.
ولنرجع إلى سرد الحوادث التي لها علاقة في حلب وملحقاتها فنقول:(3/126)
سنة 637 وفاة شيركوه
فيها توفي الملك المجاهد شيركوه صاحب حمص وقد استقام ملكا عليها 56 سنة واستقر بالملك بعده ابنه الملك المنصور إبراهيم.
سنة 638 وصول الخوارزمية إلى حلب وما جرى من الحوادث إلى سنة 641
الخوارزمية طائفة من المسلمين الساكنين في بلاد خوارزم، هربوا من بلادهم حينما استولى عليها جنكز خان وجاؤوا إلى هذه البلاد وقويت شوكتهم وملكوا بعض مدن وقصبات، وظاهرهم بعض ملوكها للاستعانة بهم على نواياه. وفي هذه السنة أعني سنة 638 سار الخوارزميون إلى حلب فخرج إليهم عسكرها مع الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين، ووقع بينهم القتال فانهزم الحلبيون وقتل منهم خلق كثير، منهم الملك الصالح ابن الملك الأفضل بن صلاح الدين، وأسر مقدّم الجيش الملك المعظم توران شاه المذكور.
واستولى الخوارزميون على أثقال الحلبيين وأسروا منهم عدّة وكانوا يقتلون الأسير ليشتري غيره نفسه منهم.
ثم نزل الخوارزميون على حيلان وكثر عيثهم «1» في بلاد حلب، وجفل أهل الحواضر والبلاد ودخلوا مدينة حلب واستعدوا للحصار، وارتكب الخوارزميون من الزنى والفواحش والقتل ما ارتكبه التتر في بلادهم. ثم ساروا إلى منبج وفعلوا فيها من القتل والنهب مثلما تقدم ذكره. ثم رجعوا إلى بلادهم وهي حرّان وما معها، بعد أن خربوا بلد حلب. ثم رحلوا من حرّان وقطعوا الفرات إلى الجبّول ثم إلى تل عزاز، ثم إلى سرمين ثم إلى المعرة، وهم ينهبون ما يجدونه.(3/127)
وكان قد وصل الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه- صاحب حمص- ومعه عسكر من عساكر الملك الصالح إسماعيل المستولي على دمشق نجدة للحلبيين، فاجتمع الحلبيون مع صاحب حمص وقصدوا الخوارزمية. واستمرت الخوارزمية على ما هم عليه من النهب حتى نزلوا على شيزر، ونزل عسكر حلب على تل السلطان. ثم رحلت الخوارزمية إلى جهة حماة ولم يتعرضوا إلى نهبها، لانتماء صاحبها الملك المظفر إلى الملك الصالح أيوب محالفهم. ثم سار الخوارزمية إلى سلمية ثم إلى الرصافة طالبين الرقة. وسار عسكر حلب من تل السلطان إليهم ولحقتهم العرب فأرمت الخوارزمية ما كان معهم من المكاسب وسيّبوا الأسارى.
ووصلت الخوارزمية إلى الفرات في أواخر شعبان هذه السنة، ولحقهم عسكر حلب وصاحب حمص قاطع صفين، فعمل لهم الخوارزمية ستائر ووقع القتال بينهم إلى الليل، فقطع الخوارزمية الفرات وساروا إلى حرّان وسار عسكر حلب إلى البيرة وقطعوا الفرات منها. وقصدها الخوارزمية والتقوا قريب الرها لتسع بقين من رمضان هذه السنة، فولى الخوارزمية منهزمين، وركب صاحب حمص وعسكر حلب أقفيتهم يقتلون ويأسرون إلى أن حال الليل بينهم. ثم سار عسكر حلب إلى حرّان فاستولى عليها وهربت الخوارزمية إلى بلد عانة، وبادر بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل إلى نصيبين ودارا- وكانتا للخوارزمية- فاستولى عليهما وخلّص من كان بهما من الأسرى، وكان منهم الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين، أسر في كسرة حلب. ثم استولى عسكر حلب على الرقة والرها وسروج ورأس العين وما مع ذلك.
ثم سار عسكر حلب ومعه نجدة وصلت إليه من الروم وحاصروا الملك المعظم بن الملك الصالح أيوب بآمد وتسلموها منه. وفي سنة 639 توفي الملك الحافظ بن الملك العادل بعزاز، وهي التي تعوّضها عن قلعة جعبر ونقل إلى حلب ودفن في الفردوس. وتسلم نواب الملك الناصر صاحب حلب قلعة عزاز وأعمالها. وفي سنة 640 كان بين الخوارزمية، ومعهم الملك المظفر غازي صاحب ميافارقين، وبين عسكر حلب ومعهم الملك المنصور صاحب حمص، مصافّ قرب الخابور عند المجدل في يوم الخميس لثلاث بقين من صفر.
فولى الملك المظفر والخوارزمية منهزمين أقبح هزيمة، ونهب منهم عسكر حلب شيئا كثيرا(3/128)
ونهبت وطاقات «1» الخوارزمية ونساؤهم أيضا. ونزل الملك المنصور في خيمة الملك المظفر، واحتوى على خزانته ووطاقه. ووصل عسكر حلب وصاحب حمص إلى حلب في مستهل جمادى الأولى مؤيدين منصورين.
وفيها توفيت ضيفه خاتون بنت الملك العادل ودفنت بقلعة حلب، وهي محل مولدها سنة 581 ولما توفيت كان عمر ولدها الناصر بن الملك العزيز نحو ثلاث عشرة سنة، فأشهد عليه أنه بلغ، واستلم زمام المملكة الحلبية، والمرجع في الأمور جمال الدين إقبال، الأسود الخصي الخاتوني.
وفي سنة 641 تحرك طائفة من التتر نحو بلاد حلب. ففي مختصر الدول لابن العبري أنه في هذه السنة غزا يساور نوين الشام ووصل إلى موضع يسمى حيلان على باب حلب وعاد عنها لحفى «2» أصاب خيول التتر، وأنه بعد ذلك اجتاز بملطية وخرب بلادها ورعى غلّاتها وبساتينها وكرومها وأخذ منها أموالا عظيمة حتى خشل النساء وصلبان البيع «3» ووجوه الأناجيل وآنية القدّاس المصنوعة من الذهب والفضة. ثم رحل عنها وطلب طبيبا يداويه في سحج «4» عرض له، فأخرج إليه والده وسار معه إلى خرتبرد فدبّره حتى برىء، ثم جاء ولم يطل المقام بملطية ورحل بأهله إلى أنطاكية فسكنوها، وأقحطت البلاد بعد ترحال التتر ووبئت الأرض فهلك عالم، وباع الناس أولادهم بأقراص الخبز. اه.
سرد الحوادث من سنة 641 إلى آخر سنة 656
في هذه السنة وهي سنة 641 سارت نجدة من حلب مع ناصح الدين الفارسي إلى صاحب الروم غياث الدين كيخسرو، واجتمعوا معه وقاتلوا التتر فلم ينجحوا. وفي سنة 644 كان الخوارزمية يحاصرون دمشق فسار إليهم الحلبيون ومعهم الملك المنصور، فانكسر الخوارزمية وقتل مقدّمهم بركه خان وحمل رأسه إلى حلب، وجاء الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبك مستجيرا بصاحب حلب الملك الناصر لأنه كان معتضدا مع الخوارزمية.(3/129)
وفي سنة 646 أرسل الملك الناصر صاحب حلب، وحاصر حمص وأخذها من الأشرف موسى وعوّضه عنها تل باشر مضافا لما بيده من الرحبة وتدمر. وفي سنة 647 وقع الحرب بين بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وبين عسكر الملك الناصر صاحب حلب بظاهر نصيبين وانهزمت المواصلة أقبح هزيمة، واستولى الحلبيون على أثقالهم وتسلموا نصيبين، ثم ساروا إلى دارا وتسلموها بعد حصار ثلاثة أشهر، ثم تسلموا قرقيسيا ثم عادوا إلى حلب.
وفي سنة 648 كاتب أمراء دمشق القيمرية بها الملك الناصر صاحب حلب ليسلموه دمشق، وذلك لأنهم أنفوا من أن يتسلطن عليهم امرأة وهي شجرة الدر زوجة الملك الصالح بعد وفاته بمصر. وكان صاحب مصر- وهو آخر الأيوبية- بها، فسار الناصر إلى دمشق وملكها لثمان بقين من ربيع الأول وعصت عليه بعلبكّ وعجلون وشميس، مدّة، ثم سلمت إليه. وبلغ ذلك أهل مصر فقبضوا على من بها من القيمرية وكلّ من اتّهم بالميل إلى الحلبيين. وفي منتصف رمضان منها سار الناصر صاحب حلب ودمشق إلى مصر ومعه من بني أيوب أهل بيته نحو العشرة وسائر عساكرهم، وخرج إليهم المصريون والتقوا بالعباسية وانكسر المصريون وخطب للناصر في تلك الجمعة بمصر وقلعة الجبل، ثم انعكس المقدور وكسر الشاميون وقتل عدة أمراء منهم.
وفي سنة 649 جهز الملك الناصر صاحب الشام عسكرا إلى غزة وخرج المصريون إلى السبائخ وأقاموا كذلك حتى خرجت السنة. وفي سنة 651 استقر الصلح بين الملك الناصر وبين البحرية بمصر، على أن يكون للمصريين إلى نهر الأردنّ، وللملك الناصر ما وراء ذلك. وكان واسطة الصلح بينهما نجم الدين الباذراني رسول الخليفة. وفي سنة 652 قدمت ملكة خاتون بنت كقباد ملك الروم إلى زوجها الملك الناصر صاحب الشام.
وفي سنة 653 مشى نجم الدين الباذراني في الصلح بين المصريين والشاميين، واتفق الحال أن يكون للملك الناصر الشام جميعه إلى العريش، ويكون الحد بئر القاضي- وهو بين الواردة والعريش- وبيد المعزّ أيبك الديار المصرية، ورجع كل لمحله.
وفي سنة 654 توجه كمال الدين بن العديم الحلبي رسولا من قبل الملك الناصر صاحب الشام إلى الخليفة المستعصم بتقدمة جليلة، وطلب الخدمة لمخدومه. ووصل شمس الدين(3/130)
سنقر الأقرع من مماليك المظفر غازي صاحب ميّافارقين من جهة المعزّ أيبك صاحب مصر إلى بغداد بتقدمة جليلة، وسعى بتعطيل خلعة الناصر. فتحيّر الخليفة برهة أيام، ثم أحضر سكينا من اليشم «1» كبيرة، وقال للوزير: أعط هذه السكين رسول صاحب الشام علامة على أن له خلعة عندي في غير هذا الوقت، أما الآن فلا يمكنني. فعاد كمال الدين بالسكّين بلا خلعة.
وفي سنة 655 وصل من الخليفة المستعصم الخلعة والطوق والتقليد إلى الملك الناصر صاحب الشام. وفي سنة 656 اشتد الوباء بالشام وخصوصا بدمشق حتى قلّ مغسّلو الموتى.
وصول التتر إلى حلب وما جرى عليها منهم
في سنة 657 تقدم هولاكو بن تولي بن جنكز خان إلى البلاد الشرقية ونازل الجزيرة وحرّان واستولى عليهما. ثم أرسل إلى الملك الناصر رسالة مسهبة يتهدده بها، أثبتها ابن العبرى في كتابه «مختصر الدول» وأجابه عليها الملك الناصر بجواب يظهر فيه القوة وعدم المبالاة، قرأته في رقعة مخطوطة عند صديقنا السيد محمد أسعد أفندي العينتابي. ولما اطلع عليه هولاكو أخذ منه الغيظ كل مأخذ وأمر ولده «أشموط» بالإغارة على الشام، فقطع الفرات في جمع كثيف ونزل على نهر الجوز وتل باشر ووصل خبره إلى حلب من البيرة، ونائب الملك الناصر في حلب الملك المعظم فخر الدين توران شاه، فجفل الناس من التتر إلى جهة دمشق، وعظم الخطب واحترز نواب حلب وجمعوا أهل الأطراف والحواضر في داخل البلد وكانت حلب في غاية الحصانة والقوة.
فلما كان العشر الأخير من ذي الحجة قصد التتر حلب ونزلوا على قرية يقال لها المسلميّة وامتدوا إلى حيلان، وسيّروا جماعة من عسكرهم أشرفوا على المدينة، فخرج عسكر حلب ومعهم جماعة من العوامّ والسوقة فأشرفوا على التتر وهم نازلون على هذه الأماكن وقد ركبوا جميعهم إرهابا للمسلمين. ولما تحقق المسلمون كثرتهم كرّوا راجعين إلى المدينة وتقدم الملك الأعظم بأن لا يخرج أحد بعد ذلك من المدينة. وفي الغد رحل التتر من منزلتهم(3/131)
يطلبون المدينة واجتمع عسكر المسلمين بالبواسير وميدان الحصى وأجالوا الرأي فيما يعتمدونه، فأشار عليهم الملك المعظم ألّا يخرجوا أصلا لكثرة التتر وقوتهم وضعف المسلمين عن لقائهم، فأبوا إلا الخروج إلى ظاهر البلد لئلا يطمع العدوّ فيهم.
فخرج العسكر إلى ظاهر البلد وخرج معهم العوام والسوقة واجتمعوا كلهم بجبل بانقوسا ووصل جمع التتر إلى أسفل الجبل وأوكبوا على القرية «1» المعروفة ببابليّ. فنزل جماعة من العسكر إليهم ليقاتلوهم فلما رآهم التتر اندفعوا بين أيديهم مكرا وخداعا فتبعوهم ساعة من النهار ثم كرّ التتر عليهم فولوا منهزمين إلى جهة البلد والتتر في إثرهم. فلما جاؤوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلهم طالبين البلد، فاختنق من المسلمين خلق كثير في أبواب البلد والتتر في أعقابهم فقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا ونازلوا المدينة في ذلك اليوم إلى آخره. ثم رحلوا طالبين عزاز فتسلموها بالأمان.
ولما بلغ الملك الناصر خبرهم وهو بدمشق أشخص كمال الدين بن العديم رسولا إلى الملك المنصور صاحب مصر يستنجده عليهم فرجع بالخيبة. وأما الملك الناصر فإنه خرج من دمشق إلى برزة في أواخر هذه السنة وجفل الناس بين يدي التتر، وسار من حماة إلى دمشق الملك المنصور صاحب حماة، ونزل مع الناصر ببرزة. وكان ببرزة بيبرس البندقداري صاحب الكرك، فاجتمع عند الملك الناصر ببرزة أمم عظيمة من العساكر والجفّال «2» ، غير أن الملك الناصر بلغه أن جماعة من مماليكه قاصدون اغتياله، فهرب إلى قلعة دمشق وخافه مماليكه فهربوا إلى جهة غزّة، وسار البندقداري معهم.
وأما التتر فإنهم في صفر سنة 658 عادوا إلى حلب، لأن هولاكو بن تولي بن جنكز خان كان قد عبر الفرات بجموعه ونازل حلب، وأرسل إلى الملك المعظم نائب حلب يقول له: إنكم تضعفون عن لقاء المغل ونحن قصدنا الملك الناصر والعساكر فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة «3» وبالقلعة شحنة ونتوجه نحن إلى العساكر، فإن كانت الكسرة على عسكر المسلمين كانت البلاد لنا وتكونوا قد حقنتم دماء المسلمين، وإن كانت الكسرة علينا كنتم(3/132)
مخيّرين في الشحنتين إن شئتم طردتموهما وإن شئتم قتلتموهما. فلم يجب الملك المعظم إلى ذلك وقال: ليس لكم عندنا إلا السيف. وكان رسول هولاكو في ذلك صاحب أرزن الروم، فتعجب هولاكو من هذا الجواب وتألم لما علم من هلاك أهل حلب بسبب ذلك.
ثم سار هولاكو وأحاط بحلب ثاني يوم من صفر وفي الغد هجم التتر على حلب وقتلوا من المسلمين جماعة كثيرة منهم أسد الدين بن الملك الزاهر بن صلاح الدين.
واشتدت مضايقة التتر للبلد وهجموا من عند حمّام حمدان في ذيل قلعة الشريف في يوم الأحد تاسع صفر وبذلوا السيف في المسلمين، وصعد خلق كثير إلى القلعة ودام القتل والنهب من نهار الأحد إلى يوم الجمعة، رابع عشر صفر، فأمر هولاكو برفع السيف ونودي بالأمان، ولم يسلم من أهالي حلب إلا من التجأ إلى دار شهاب الدين بن عمرون، ودار نجم الدين- أخي مردكين- ودار البازيار، ودار علم الدين قيصر الموصلي، والخانكاه «1» التي فيها زين الدين الصوفي، وكنيسة اليهود، وذلك لفرمانات كانت بأيدي المذكورين. وقيل إنه سلم بهذه الأماكن خمسون ألف نسمة.
ثم إن التتر نازلوا القلعة وحصروها وكان بها الملك المعظم ومن التجأ إليها من العسكر.
وفي أثناء محاصرتها وثب جماعة من أهلها على صفي الدين بن طرزة- رئيس حلب- وعلى نجم الدين بن عصرون، فقتلوهما لأنهم اتهموهما في المواطأة «2» مع التتر واستمر الحصار على القلعة واشتدت مضايقة التتر نحو شهرين ثم سلّمت بالأمان يوم الاثنين حادي عشر ربيع الأول. ولما نزل أهلها- وكان بها جماعة من البحرية الذين حبسهم الملك الناصر- سلّمهم هولاكو وباقي الترك إلى رجل من التتر يقال له سلطان جق، وهو رجل من أكابر القفجاق، هرب من التتر لما غلبوا على القفجاق وقدم إلى حلب فأحسن إليه الملك الناصر فلم تطب له تلك البلاد فعاد إلى التتر. وأما العوام والغرباء فإنهم نزلوا إلى أماكن الحمى المذكورة. وأمر هولاكو أن يمضي كل من سلم إلى داره وملكه وأن لا يعارض، وجعل النائب بحلب عماد الدين القزويني.
ووصل إلى هولاكو- وهو على حلب- صاحب حمص الملك الأشرف موسى بن(3/133)
إبراهيم بن شيركوه فأكرمه هولاكو وأعاد عليه حمص، وكان أخذها منه الملك الناصر وعوضه عنه تل باشر كما تقدم. وقدم عليه أيضا محيي الدين التركي نائب دمشق، فالتفت إليه وخلع عليه وولاه قضاء الشام. وقدم عليه أيضا جماعة من أكابر حماة وسلموه مفاتيح بلدهم فأمّنهم. ثم رحل هولاكو عن حلب إلى حارم وطلب تسليمها من أهلها فامتنعوا أن يسلموها لغير فخر الدين والي قلعة حلب، فأحضره هولاكو وسلموها إليه، فغضب هولاكو وأمر بهم فقتلوا عن آخرهم وسبى النساء. ثم رحل عنها إلى الشرق وأمر عماد الدين القزويني بالرحيل إلى بغداد وجعل مكانه بحلب رجلا أعجميا، وأمر هولاكو بخراب أسوار قلعة حلب وأسوار المدينة فخربت عن آخرها. وألقى السيسيون المنضمون إلى التتر النار في الجامع الكبير ثم في كنائس النصارى وقتلوا في الجامع خلقا كثيرا دفنوا في جباب كانت بالجامع، للغلّة، في شماليّه.
أما الملك الناصر فإنه لما بلغه أخذ حلب- وهو بدمشق هاربا من مماليكه كما تقدم- رحل من دمشق بمن معه من العساكر إلى جهة الديار المصرية ومعه الملك المنصور صاحب حماة، فأقام بنابلس أياما ورحل عنها إلى غزة فاصطلح مع مماليكه الذين كانوا أرادوا قتله ومع أخيه الملك الظاهر، ثم رحل غزّة إلى العريش لما بلغه أن التتر استولوا على نابلس أيضا.
وسيّر رسولا إلى الملك المظفر صاحب مصر يطلب منه المعاضدة على التتر. ثم سار الملك الناصر ومن معه إلى قطبة وبقي بها أياما خوفا من أن يدخل مصر فيقع القبض عليه، ففارقته العساكر والملك المنصور صاحب حماة إلى مصر وبقي معه جماعة يسيرة منهم أخوه الملك الظاهر والملك الصالح صاحب حمص وغيرهما، فسار بهم إلى جهة تيه بني إسرائيل.
وكان التتر في هذه المدة قد استولوا على دمشق وجميع الشام عدا غزّة فبقي الملك الناصر في التيه متحيرا إلى أن عزم على التوجه إلى الحجاز، وكان معه طبردار «1» له اسمه حسين الكردي فحسّن له المسير إلى التتر وقصد هولاكو، فاغتر بقوله ونزل ببركة زبر وسار حسين الكردي إلى كتبغا نائب هولاكو وعرفه بموضع الملك الناصر، فأرسل كتبغا إليه وقبض عليه وأحضره إلى عجلون، وكانت عاصية فأمرهم الملك الناصر بتسليمها فسلمت للتتر وهدمت. ثم إن كتبغا بعث بالملك الناصر إلى هولاكو فوصل إلى دمشق ثم إلى حماة ثم إلى حلب فلما عاينها الملك الناصر وما حل بها وبأهلها تضاعفت حسراته وأنشد:(3/134)
يعزّ علينا أن نرى ربعكم يبلى ... وكانت به آيات حسنكم تتلى
ثم سار إلى الأوردو- وكان بها هولاكو- فأقبل على الملك الناصر ووعده بردّ مملكته إلى ما كان عليه.
دخول حلب في حوزة دولة الأتراك المماليك وحوادثهم فيها
ثم إن الملك المظفر- مملوك المعز أيبك صاحب مصر- جهز جيشا كثيفا لإخراج التتر من الشام وقصدهم والتقى معهم في الغور عند عين جالوت التي هي بليدة بين بيسان ونابلس من فلسطين- وكانت وصلت إليهم الأخبار بانكسار جيوش هولاكو وهلاك معظمها بحرب ضروس دارت بينه وبين ابن عمه بركة خان، ففتّ ذلك في أعضادهم وهالههم الأمر فانهزموا من أمام جيش الملك المظفر أقبح هزيمة، وقتل منهم خلق كثير وهرب من سلم منهم لرؤوس الجبال، فتبعهم المسلمون وأفنوا أكثرهم وبعد أن دخل الملك المظفر دمشق ورتب أمورها جهز عسكرا إلى حلب لحفظها وفوّض نيابتها إلى الملك السعيد بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وهو أول نائب بحلب من قبل دولة الأتراك والمفهوم من تاريخ أبي ذرّ أن أول نائب بحلب من قبل الدولة المذكورة هو الملك الناصر صاحب الشام أولا.
وعلى كل فإن الملك السعيد لما جاء حلب نائبا سار سيرة رديئة وكان دأبه التحيل على أخذ المال من الرعية، فأبغضه العسكر لسوء فعله. وكان بلغه أن التتر ساروا إلى البيرة فجرد إليهم جماعة قليلة من جهة العسكر وقدم عليهم سابق الدين- أمير مجلس الناصر- فأشار كبراء العزيزية والناصرية بأن هذا غير موافق للمصلحة وأن هؤلاء الجماعة قليلون فيحصل الطمع بسببهم في البلاد. فلم يلتفت إلى ذلك وأصر على مسيرهم، فسار سابق الدين المذكور بمن معه حتى قارب البيرة فوقع عليهم التتر فهرب سابق الدين منهم ودخل البيرة بعد أن قتل غالب من كان معه. فازداد غيظ الأمراء على الملك السعيد، فاجتمعوا وقبضوا عليه ونهبوا وطاقه، وكان قد برز إلى بابلّي. ولما استولوا على خزانته لم يجدوا فيها طائلا فهددوه بالعذاب إن لم يقرّ لهم بالمال. فأقر لهم ونبش من تحت أشجار(3/135)
حائط في قرية بابلّي جملة من المال قيل كانت خمسين ألف دينار مصرية ففرّقت بالأمراء، وحمل الملك السعيد إلى الشّغر وبكاس معتقلا.
ثم اتفق الأمراء العزيزية والناصرية وقدّموا عليهم حسام الدين الجو كندار. ولما شاع بحلب أن التتر معاودون إليها خام «1» عنهم حسام الدين المذكور بمن معه من العساكر إلى جهة حماة. أما التتر فإنهم ساروا إلى حلب وعاودوها في أواخر هذه السنة أعني سنة 658 وكان مقدّم عسكر التتر بيدرا. فأجفل أهل حلب إلى البلاد القبلية وأخرج التتر من بقي من أهلها بعيالهم وأولادهم حافين مجرّدين إلى المحلّ المعروف بمقر الأنبياء، وبذلوا فيهم السيف فأفنوا أكثرهم وسلم القليل منهم. ثم تراجع من أفلت بأسوإ حال. ولما عاد كمال الدين عمر بن أحمد بن عبد العزيز إلى حلب بعد أن خربها التتر- وكان جافلا منهم- رأى أحوال حلب فقال في ذلك قصيدة، منها:
هو الدهر ما تبنيه كفّاك يهدم ... وإن رمت إنصافا لديه فتظلم
أباد ملوك الفرس جمعا وقيصرا ... وأصمت لدى فرسانها منه أسهم «2»
وأفنى بني أيوب مع كثر جمعهم ... وما منهم إلا مليك معظّم
وملك بنى العباس زال ولم يدع ... لهم أثرا من بعدهم وهم هم
وأعتابهم أضحت تداس، وعهدها ... تباس بأفواه الملوك وتلثم
وعن حلب ما شئت قل من عجائب ... أحلّ بها يا صاح، إن كنت تعلم
ومنها:
فيا لك من يوم شديد لغامه «3» ... وقد أصبحت فيه المساجد تهدم
وقد درست تلك المدارس وارتمت ... مصاحفها فوق الثرى وهي ضخّم
ولكنما لله في ذا مشيئة ... فيفعل فينا ما يشاء ويحكم
ولعمر [بن] إبراهيم الرّسعني «4» مقامة في هذه الحادثة أثبت بعضها ابن الوردي في كتابه(3/136)
تتمة المختصر المطبوع، فاستغنينا بذلك عن ذكرها هنا للاختصار.
وفي محرّم سنة 658 انكسر جيش التتر على حمص وحماة فأتى فلّهم إلى حلب وأخرجوا من فيها من الرجال والنساء ولم يبق إلا من اختفى، ثم قتلوا من كان في حلب من الغرباء فقتل منهم جماعة من أهلها ثم عدّوا من بقي من الحلبيين وأعادوهم إلى حلب وأحاطوا بها ومنعوا الخروج والدخول إليها. فغلت أسعار الأقوات غلوا فاحشا حتى بيعت التفاحة بخمسة دراهم، والبطّيخة بأربعين درهما، وأكل الناس الميتة سنة 659.
وذكر ابن العبري الملطي في تاريخه المدني السرياني أن أهل بعلبكّ خربوا سقف كنيسة السريان الحلبية، وكان هو مطرانها في هذه السنة وهي سنة (659) فاستحوذ عليه الجنون فذهب إلى هولاكو ملك الملوك فزجوّه في السجن في قلعة نجم. وهكذا ظلت طائفته الحلبية دون راع ولكنهم كانوا يجتمعون في بيعة الملكين فهجم عليهم التتر وقتلوهم وسبوهم. اه.
وقال صاحب كتاب عناية الرحمن ما خلاصته أنه في أواسط القرن الثالث عشر لم يرد من الآثار السريانية ذكر لأساقفة حلب حتى أواخر القرن الخامس عشر. قال: ولعل سبب ذلك هو أن هولاكو وخلفاءه أبادوا المسيحيين قاطبة من حلب ونواحيها ومن سوريا. اه. قلت: قدمنا ذكر هذه العبارة في الكلام على النصارى بعد الفتح الإسلامي فليراجع.
وفي هذه السنة وصل البرنلي إلى حلب وكان التتر قد رحلوا عنها. وحين قدوم البرنلي إليها كان بها فخر الدين الحمصي، جهزه إليها علاء الدين إيدكين البندقداري نائب السلطنة بدمشق للكشف على البيرة، فإن التتر كانوا قد نازلوها. فلما قدم البرنلي إلى حلب قال لفخر الدين: نحن في طاعة الملك الظاهر صاحب مصر فامض إليه واسأله أن يتركني ومن معي في هذا الطرف. فلما سار فخر الدين ليؤدي هذه الرسالة تمكن البرنلي واحتال على ما في حلب من الحواصل «1» واستبد بالأمر وجمع العربان والتركمان واستعد لقتال عسكر مصر، فالتقى الحمصي في الرمل مع جمال الدين المحمدي الصالحي متوجها لقتال البرنلي المذكور، فانضم إليه ولحق بهما علم الدين سنجر الحلبي ثم عز الدين الدمياطي، وساروا جميعا بمن معهم من العسكر إلى حلب وطردوا البرنلي عنها.(3/137)
وفيها قتل الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين الأيوبي، قتله- وأخاه وعدة أمراء- هولاكو في بلاد العجم لما بلغه خبر كسر عسكره بالشام وكانوا معتقلين معه.
وفي سنة 660 جهز الملك الظاهر عسكرا إلى حلب ومقدّمهم شمس الدين سنقر الرومي، فأمنت بلاد حلب وعادت إلى الصلاح. ثم تقدم الملك الظاهر إلى شمس الدين المذكور، وإلى الملك المنصور صاحب حماة وإلى الملك الأشرف صاحب حمص، أن يسيروا إلى أنطاكية وبلادها للإغارة عليها وإقلاق صاحبها البرنس بيمد، فساروا إليها ونهبوا بلادها وضايقوها. ثم عادوا فتوجهت العساكر صحبة شمس الدين سنقر الرومي إلى مصر ومعهم ما ينوف عن ثلاثمائة أسير.
مبايعة الخليفة في حلب:
وفي هذه السنة وهي سنة 660 قدم حلب أبو العباس أحمد بن علي الذي لقب الحاكم بأمر الله الأول- وكان غائبا وقت الفتنة ببغداد- فقدم حلب وبايعه بالخلافة كثير من الناس. ثم كاتب الملك الظاهر بيبرس فاستقدمه إلى مصر وبايعه، واستمر بها خليفة إلى أن توفي سنة 706 وفي سنة 663 أو التي بعدها أمسك الملك الظاهر زامل بن علي أمير العرب بمكاتبة عيسى بن المهنا.
استيلاء الملك الظاهر على يافا وأنطاكية وغيرها من البلاد الشامية:
في سنة 666 في مستهل جمادى الآخرة منها توجه الملك الظاهر من مصر إلى الشام وفتح يافا- في العشر الأوسط من الشهر- من الفرنج الصليبيين. ثم سار ونازل أنطاكية في مستهل رمضان وزحف إليها وملكها بالسيف يوم السبت رابع رمضان، وقتل وسبى وغنم وأسر منها شيئا عظيما، كانت للبرنس بيمند، وله معها طرابلس الشام، وكان بطرابلس لما فتحت أنطاكية. وفي ثالث عشر هذا الرمضان استولى الملك الظاهر على بغراس، وكانت خالية لانهزام أهلها منها عندما فتحت أنطاكية، فاستولى عليها وشحنها بالرجال والعدة.
وفي سنة 670 أغار التتر على عينتاب والرّوج وقميطون إلى قرب أفامية، ثم عادوا(3/138)
وقد وصل الملك الظاهر مع معسكره إلى حلب. وفي هذه السنة ملك التتر البيرة فقصدهم السلطان وأوقع بهم فقتل وأسر منهم عدد كبير. وفيها أوقع السلطان بطائفة من التتر كانوا على شاطىء الفرات. وفي سنة 673 قصد السلطان ابن هيثوم الأرمنيّ ملك سيس والمصيصة وفتك بالأرمن فتكا ذريعا وأحرق وسبى وهدم وكان فتحا عظيما، ثم عاد إلى الديار المصرية. وفي سنة 674 نازل التتر البيرة- واسم مقدّمهم أقطاي- فتوجه إليهم الملك الظاهر من دمشق فرحلوا عنها، وبلغه خبر رحيلهم وهو بالقطيفة فأتم السير إلى حلب ثم عاد إلى مصر.
وفي سنة 675 قدم أمراء الروم وفودا على الملك الظاهر وهم بيجار الرومي وولده بهادر وأحمد بن بهادر وغيرهم، فاجتمع بهم الملك الظاهر بحلب وأكرمهم وعاد إلى مصر.
وفي يوم الخميس العشرين من رمضان وصل الملك الظاهر لحلب وسار منها إلى النهر الأزرق ثم إلى أبلستين والتقى بجمع من التتر فانهزموا وقتل مقدمهم وغالب كبرائهم، وأسر منهم جماعة كثيرة من أمرائهم ومن جملتهم سيف الدين قلجق وسيف الدين أرسلان. ثم سار الملك الظاهر إلى قيسارية واستولى عليها وخطب له في منابرها ثم رحل عنها وحصل للعسكر شدة عظيمة من نفاذ «1» القوت والعلف حتى وصلوا إلى العمق، فأقاموا شهرا ورحلوا إلى دمشق. وفي سنة 678 عزل عن نيابة دمشق أيدمر أقوش الشمسي وولي نيابة السلطنة بحلب. وفي سنة 679 توفي أيدمر أقوش الشمسي نائب السلطنة بحلب، وولي مكانه علم الدين سنجر الباشغردي.
عود التتر إلى حلب:
وفي يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة من هذه السنة وصل من عساكر التتر طائفة عظيمة إلى حلب، وقتلوا من كان بها ظاهرا وسبوا وأحرقوا الجوامع المعتبرة ودار السلطان ودور الأمراء الكبار وأبدوا فسادا كبيرا. وكان أكثر من تخلف بحلب قد استتر في المغاير وغيرها. وأقاموا بحلب يومين على هذه الصورة. وفي يوم الثلاثاء ثالث وعشرين منه رحلوا عن حلب إلى بلادهم، وكان السلطان الملك المنصور سار إليهم من مصر ووصل إلى غزّة فلما سمع برجوعهم عاد إلى مصر. وفي سنة 681 ولّى السلطان مملوكه شمس(3/139)
الدين قراسنقر نيابة حلب، فسار إليها واستقر بها.
وفي سنة 682 كاتب الحكام بقلعة الكحنا قراسنقر نائب حلب وسلموها لعسكره وصارت من أعظم الثغور الإسلامية. وفي سنة 688 جمع تنقرا نائب التتر بملطية جمعا كثيرا وأغار على بلد كركور فجهز إليهم قراسنقر نائب حلب عسكرا وأمراء إلى بلاد الروم فوصلوا قلعة قراسار- وهي من أحصن القلاع- فحاولوها فيسّر الله فتحها عليهم، وأخذ النائب بها غرس الدين أسيرا وهو من أعيان أمراء المغل. ثم قصد العسكر قلعة زمطر ففتحوها عنوة وقتلوا من فيها من المقاتلة. ومن العجائب أن من سلم من هذه الوقعة من أعيان المغل وهرب التجأ إلى ملطية فنزلوا بدار كبيرة فسقطت عليهم فماتوا تحت الردم.
وفي سنة 690 كملت عمارة القلعة وكان قد شرع قراسنقر بعمارتها في أيام السلطان الملك المنصور فتمت في أيام الملك الأشرف فكتب اسمه عليها، وكان خربها هولاكو سنة 658 فلبثت خرابا نحو ثلاث وثلاثين سنة.
انقراض دولة الصليبيين من سوريا وفلسطين:
وفي هذه السنة أعني سنة 690 فتح الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور قلاوون مدينة عكا وأخذها من الصليبيين. وغنم منها ما لا يكاد يحصى. وقد ضعف أمر الصليبيين الذين هم بساحل سوريا فأخلوا صيدا وبيروت وصور وغيرها مما كان باقيا في أيديهم. وبذلك انتهت دولتهم من سوريا وسواحلها بعد أن كادوا يستولون على مصر.
وصول الملك الأشرف إلى حلب وفتحه قلعة الروم:
وفي سنة 691 وصل إلى حلب الملك الأشرف صاحب مصر ومعه جيش كبير من العساكر قاصدا فتح قلعة الروم من الأرمن. فسار إليها ونازلها ونصب عليها المجانيق ودام الحصار عليها حتى فتحت بالسيف يوم السبت حادي عشر رجب، وقتل من أهلها وسبى من ذراريها عدة كثيرة، واعتصم كتاغيكوس خليفة الأرمن فيها وغيره في القلعة، ثم طلبوا الأمان فأمنهم على أرواحهم خاصة وأن يكونوا أسرى عن آخرهم، ورتب السلطان علم الدين سنجر لتحصينها وإصلاحها وعاد إلى دمشق. وفي مرور السلطان من حلب عزل نائبها قراسنقر المنصوري وولّى مكانه سيف الدين بلبان المعروف بالطباخ، وكان نائب الفتوحات ومقامه بحصن الأكراد، فولّى مكانه عز الدين أيبك الخزندار المنصوري. وفي(3/140)
سنة 692 كتب الملك الأشرف لبعض عسكره بحمص، وإلى صاحب حماة وإلى عمه الملك الأفضل، بالمسير إلى حلب والمقام بها إرهابا للتتر. فساروا جميعا ودخلوا حلب يوم الثلاثاء تاسع وعشرين شعبان الموافق رابع شهر آب.
افتتاح بلاد سيس:
وفي سنة 697 قدم إلى حلب يكناس بدر الدين الفخري- أمير سلاح الملك الصالح- وتوجه إلى بلاد سيس، وصحبته الأمير علم الدين سنجر الدوادار وصاحب حماة ونائب صفد وعساكر مصر والشام، ومقدّم الجميع يكناس المذكور. فوصلوا إليها في رجب وشنوا عليها الغارات ونادوا في أطرافها بالثارات فأمروا وحكموا وأسروا وغنموا ونازلوا قلاعها وأخلوا من السكان بقاعها ولم يزالوا مقيمين عليها حتى أخذوا حموص وتل حمدون وسعلان والنفير وسودان ومرعش وما هو من جنوبي جيحان، ثم رجعوا إلى حلب فرحين مسرورين فأقاموا بها مدة ثم ساروا إلى أماكنهم.
عود التتر إلى حلب وما حدث فيها من سنة 697 إلى 713:
وفي سنة 698 قويت الأخبار بتحريك التتر نحو البلاد الشامية وجرد الملك المظفر عسكر حماة إلى حلب حتى وصل إلى المعرة، فبعث إليهم سيف الدين بلبان الطباخ نائب حلب كتابا بتراخي التتر فعادوا، ثم بعث إليهم كتابا آخر يستحثهم على الحضور فساروا إلى حلب ودخلوها في الثالث والعشرين من رمضان. ولما قويت هذه الأخبار استخرج السلطان من غالب الأغنياء بمصر والشام ثلث أموالهم لاستخدام المقاتلة.
وفي سنة 699 سار قازان بن أرغون بجموع عظيمة من المغل والكرج والمزندة وغيرهم وعبروا الفرات، ووصل بجموعه إلى حلب ثم إلى حماة ثم سار ونزل على وادي مجمع المروج، وسارت إليه عساكر السلطان الملك الناصر واشتبك القتال بين الفريقين، وتمت الهزيمة على المسلمين، واحتوى التتر على أثقالهم وتبعوا العساكر إلى غزة واستولوا على عدة بلاد أعظمها دمشق، واستمروا فيها إلى أن سمعوا برجوع عسكر مصر إليهم ففارقوها وساروا إلى الشرق. وفيها دخل قراسنقر إلى حلب نائبا بها عن السلطان.
وفي سنة 700 عاد التتر إلى الشام وخلت بلاد حلب وسار قراسنقر بعسكر حلب(3/141)
إلى حماة وأقام التتر ببلاد سرمين وتيزين والعمق وغيرها، ينهبون ويقتلون. وسارت إليهم العساكر، وصادف في هذه المدة تدارك الأمطار وكثرة الوحول بحيث عجز عسكر المسلمين عن الإقامة في تلك المحالّ لتعذر وصول القوت إليهم فرجع إلى مصر كما أتى، ودام التتر على إفسادهم في بلاد حلب نحو ثلاثة أشهر ثم ارتدوا على أعقابهم دون سبب يعلم. ورجع عسكر حلب مع قراسنقر إلى حلب وتراجعت الجفّال إلى أماكنهم. وفيها ألزم السلطان الملك الناصر محمد أهل الذمة أن يلبسوا الغيار، فلبس اليهود عمائم صفرا، والنصارى زرقا، والسامرة حمرا، بعد أن اجتهدوا في دفع ذلك ببذل الأموال لأرباب الدولة فما أفادهم.
وفي سنة 703 سارت عساكر مصر وحماة إلى حلب وانضم إليهم عسكرها، وقصدوا بلاد سيس وحاصروا تل حمدان وفتحوها بالأمان من أيدي الأرمن وهدموها إلى الأرض.
وفي سنة 705 في أوائل المحرّم المصادف عشرين من تموز أرسل قراسنقر نائب حلب مملوكه قشتمر إلى بلاد سيس، وكان المملوك المذكور أخرق سكّيرا، ففرّط في حفظ العسكر ولم يطالع العدو، فجمع صاحب سيس جموعا كثيرة من التتر والأرمن والفرنج وكبسوا قشتمر ومن معه، فولى الحلبيون منهزمين وتمكن التتر والأرمن منهم وأفنوا غالبهم. ومن سلم منهم اختفى في تلك الجبال، ولم يصل منهم إلى حلب إلا قليل حفاة عراة.
وفي سنة 710 ولي نيابة حلب سيف الدين قبجق عوضا عن قراسنقر، فلم تطل مدته بها ومات قبل انتهاء السنة وولى مكانه أسندمر، وولي نيابة السلطنة بالفتوحات بحلب جمال الدين أقوش الأفرم. ثم إن أسندمر المذكور استقر بحلب وصدر السلطان متوغر عليه لجرائم سبقت منه، فلم يشعر إلا ووصل إليه جمّ غفير من العساكر المصرية وعساكر حماة وحمص فقبضوا عليه وجهزوه إلى مصر مقيدا وضبط ماله إلى بيت المال، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر ذي الحجة.
وفي سنة 791 لما قبض على أسندمر سأل قراسنقر نائب دمشق من السلطان أن يعيده إلى نيابة حلب لتعوّده عليها، فرسم له بما طلب وحضر قراسنقر إلى حلب واستقر بها إلى أوائل شوال، واستأذن للحجاز فأذن له فخرج من حلب وأضمر في نفسه العصيان، واجتمع بأمير العرب مهنّا بن عيسى واتفقا على المشاققة. فبلغ السلطان ذلك فسيّر إلى(3/142)
قراسنقر ومهنا يطيّب خاطرهما، فلم يرجعا عن إصرارهما. فجرد إليهما عسكرا فخاما عن لقائه إلى جهة الفرات، وبقي العسكر بحلب والحاكم عليها المشدّون والنّظّار «1» وليس لها نائب.
وفي سنة 712 في العشر الأول من ربيع الأول وصل نائب السلطان إلى حلب وهو سيف الدين سودي الجمداري الأشرفي الناصري عوضا عن قراسنقر المذكور، وفيها قويت أخبار التتر وجفل أهل حلب وبلادها. وكان وصل إلى حلب- لمدافعتهم- الملك المؤيد أبو الفداء مع عساكره وعسكر دمشق، ثم وصل التتر إلى بلاد سيس والفرات.
فعندها رحل الأمير سيف الدين سودي مع العساكر إلى حماة ودخلها يوم السبت سابع رمضان وأقام بظاهر حماة ونزل بعض العسكر في الخانات. وكان البرد شديدا والجفّال قد ملؤوا البلد، وكان التتر نازلين على الرحبة مجدّين في حصارها. فلما طال حصارهم لها وقع بهم الغلاء ورحلوا عنها في السادس والعشرين رمضان، واستولى أهل الرحبة على آلات حصارهم، وعاد سودي نائب حلب بمن معه من العساكر الحلبية. وفي هذه السنة سعى سيف الدين سودي بجرّ ماء من نهر الساجور إلى نهر حلب، ففتح له مجرى أنفق عليه نحو ثمانمائة ألف درهم، نصفها من ماله والنصف الآخر من بيت المال. وقبل أن يتم العمل قيل له إن من يسعى بجرّ ماء من الساجور إلى قويق يموت بغتة، فترك العمل وذهب ما صرفه سدى.
وفي سنة 713 خرجت معرة النعمان من معاملات حماة وأضيفت إلى معاملات حلب.
وفي رجب سنة 714 توفي الأمير سيف الدين سودي نائب حلب، وكان مشكور السيرة وولي السلطان مكانه الأمير علاء الدين ألطونبغا الحاجب، فوصل إلى حلب في أوائل شعبان. وقد انتفعت حلب بهذا النائب وعمر جامعه بالميدان الأسود ونقل إليه أعمدة عظيمة من قورس. وعمرت بسبب هذا الجامع أماكن كثيرة وقد سبق الكلام عليه في محلة ألطونبغا في الجزء الثاني. وفي سنة 715 في شعبان سار شطر جيش حلب لحصار قلعة عرقينة- من أعمال آمد- فتسلموها بالأمان بلا كلفة وقتلوا بها طائفة وسلخ أخو مندوه وعلّق على القلعة. وأغار العسكر على قرى الأرمن والأكراد ورجعوا سالمين.(3/143)
وفي سنة 716 في نيسان ترادفت الأمطار في بلاد حلب وحماة وحمص وحملت السيول وغرقت ضيعة من بلاد حمص، ووقع مع المطر في بعض الجهات برد، الواحدة في حجم النارنجة، وصحبه شيء من السمك والضفادع وطمى السيل على الوهاد، وأغرق ما مر به وخرب كثيرا من الأماكن، وحمل عدة بيوت من العرب والتركمان والأكراد.
غزو بلاد سيس
وفي سنة 720 قدم على حلب عساكر دمشق وساروا جميعا صحبة ألطونبغا «1» نائب حلب- إلى بلاد سيس، واقتحموا نهر جيحان وكان زائدا، فغرق به بعض العساكر.
ثم نازلوا قلعة سيس وزحف العسكر حتى بلغ السور وغنموا منها وأتلفوا البلاد والزروع وساقوا المواشي- وكان شيئا كثيرا- ثم عادوا وقطعوا جيحان، وكان قد انحطّ، ودخلوا حلب وفي أواخر ربيع الآخر وسار كلّ لبلده.
وفي سنة 722 قدم إلى حلب عسكر مصر ودمشق والساحل وانضم إليهم عسكر حلب وساروا جميعا صحبة ألطنبغا «2» نائب حلب إلى إياس من بلاد سيس ونازلوها وملكوها بالسيف، وعصت عليهم القلعة أولا ثم هرب منها الأرمن وألقوا فيها النار، وملكها المسلمون وهدموا منها ما أمكنهم. وفي سنة 723 أجدبت الأرض من دمشق إلى حلب وانحبس المطر ولم ينبت إلا القليل، واستسقى الناس فلم يسقوا. وفي سنة 724 رسم السلطان بإبطال المكوس عن سائر أصناف الغلة بالشام فأبطلت وكان شيئا كثيرا.
وفي سنة 725 أفتى قاضي القضاة كمال الدين بن محمد بن علي الزملكاني بتحريم الاجتماع بمشهد روحين ودير الزربة وأشباههما ومنع من شدّ الرحال إليها، ونودي بذلك في المملكة الحلبية فإنه كان يشتمل على منكرات وبدع، وعملت في تحريم ذلك المقامة المشهدية.
وفي سنة 727 في آخر المحرم طلب ألطنبغا إلى الديار المصرية. ثم في صفر وصل إلى حلب مكانه الأمير سيف الدين أرغون الناصري. وفيها انتزع القاضي ابن الزملكاني كنيسة اليهود المجاورة للعصرونية. وقد تكلمنا على ذلك في ترجمته، وفي الكلام على اليهود في المقدمة.(3/144)
وفي سنة 731 نهار الأربعاء تاسع صفر، وصل نهر الساجور إلى حلب فزيد به نهر قويق بساقية بناها الأمير أرغون الدوادار، وكان يوم وصوله يوما مشهودا خرج لتلقّيه ملك الأمراء وسائر الناس مشاة مكبرين مهللين، وكان قبله الأمير سودي شرع بإجرائه إلى حلب فقيل له: من جرّه يموت في عامه، فتركه. وقيل مثل ذلك لأرغون فلم يلتفت إلى هذا القول فمات بعد أربعين يوما وذلك في ربيع الأول، وخرجت جنازته مكشوفة عليها كساء خلق من غير ندب ولا نياحة «1» ولا قطع شعر، ولا لبس جلّ، ولا تحويل سرج، طبق ما أوصى به، ودفن بسوق الخيل قبليّ القلعة وعملت له تربة حسنة سقفها السماء «2» . وقبره دارس. وكان متقنا لحفظ القرآن الكريم مثابرا عليه متشرعا في أحكامه كتب بخطه صحيح البخاري- بعد ما سمعه على الشيخ أبي العباس أحمد بن الشحنة الحجّار، وويزة بنت عمر أسعد النجا بمصر في سنة 715 بقراءة الشيخ أبي حيان- واقتنى الكتب النفيسة وكان فيه ديانة رحمه الله. وفي جمادى الأولى سنة 731 عاد الأمير علاء الدين ألطنبغا إلى نيابة حلب وفرح الناس به وأظهروا السرور.
وفي سنة 733 في خامس [عشر] «3» شعبان وصل حلب شادّا «4» : الأمير بدر الدين لؤلؤ القندشي وعلى يده تذاكر وصادر المباشرين وغيرهم ومنهم النقيب بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني، والقاضي جمال الدين بن ريان ناظر الجيش، وناصر الدين محمد بن قرناص عامل الجيش، وعمه المحبّي عامل المحلولات، وعدة ذوات من الحلبيين، واشتد به الخطب وانزعج الناس كلهم [حتى] البريئون، وقنت «5» الناس في الصلاة يدعون عليه وقال ابن الوردي فيه:
قلبي لعمر الله معلول ... بما جرى للناس مع لولو
يا ربّ قد شرّد عنّا الكرى ... سيف على العالم مسلول
وما لهذا السيف من مغمد ... سواك يا من لطفه سول(3/145)
لولو، هذا: كان مملوكا لقندش ضامن المكوس في حلب، ثم صار ضامن العداد، ثم صار منه ما صار وعزل ونقل إلى مصر، ففعل بها أعظم ما فعله بحلب، وعاقب حتى المخدّرات «1» .
وفي سنة 735 في شوال عاد عسكر حلب ونائبها من غزاة بلد سيس وقد خربوا بلد أدنة وطرسوس وأحرقوا الزرع واستاقوا المواشي، وأتوا بمائتين وأربعين أسيرا وما عدم منهم سوى شخص واحد غرق في النهر وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم. فلما علم أهل إياس بذلك أحاطوا بمن عندهم من المسلمين التجار البغاددة وغيرهم نحو ألف نسمة، وحبسوهم في خان وأحرقوهم، وقليل من نجا منهم، وذلك في يوم عيد الفطر، واحترق في حماة مائتان وخمسون حانوتا، واحترقت أنطاكية إلا القليل منها.
وفي سنة 736 وصل الأمير سيف الدين أبو بكر الباشري إلى حلب وصحب معه منها الرجال والصنّاع لعمارة قلعة جعبر، وكانت خربة من زمن هولاكو، وهي من أمنع القلاع. وقد لحق المملكة الحلبية وغيرها- بسبب عمارتها ونفوذ ماء الفرات إلى أسفل منها- كلفة كثيرة. وفي صفر طلب من البلاد الحلبية رجال للعمل بنهر قلعة جعبر ورسم أن يؤخذ من كل قرية نصف أهلها فخلت عدة ضياع بسبب ذلك. ثم طلب من أسواق حلب رجال استخرجت أموالهم، وتوجه نائب حلب إلى القلعة المذكورة مع قريب من عشرين ألف رجل.
وفي سنة 737 توفي الأمير الشاب الحسن جمال الدين خضر ابن ملك الأمراء علاء الدين ألطنبغا نائب حلب، ودفن بتربة حسنة بالمقام عملها له والده عند جامع المقام خارج حلب. وفي رمضان قدم إلى حلب أمراء من مصر ودمشق وطرابلس وحماة ومعهم عسكرهم والمقدّم على الكل ألطنبغا نائب حلب، ورحلوا إلى بلاد الأرمن وحاصروا ميناء إياس ثلاثة أيام. ثم قدم رسول الأرمن من دمشق بكتاب نائبها يتضمن طلب الكف عنهم على أن يسلموا البلاد والقلاع التي في شرقي نهر جيحان. فتسلموا منهم ذلك وهو ملك كبير وبلاد كثيرة: كالمصيصة وكوبرا والهارونية، وسرفند كار، وإياس ونجيمة والنقير، فخرب المسلمون برج إياس الذي في البحر واستنابوا في البلاد وعادوا منها في ذي الحجة.(3/146)
وفيها ورد الأمر بالسماح في جميع مراكز المملكة عما يؤخذ على الأغنام الدغالي»
الداخلة إلى حلب، وأن يقتصر بأخذ الرسم على الأغنام الكبار، وفيها وقف صلاح الدين يوسف ابن الأسعد الدواتدار «2» داره النفيسة بحلب- المعروفة أولا بدار ابن العديم- مدرسة على المذاهب الأربعة، وشرط تدريسها على القاضي الشافعي والقاضي الحنفي.
وفي سنة 738 في صفر توفي بدر الدين بن محمد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي ناظر الأوقاف بحلب. وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالأموي شرقيّ المحراب الكبير، لأنه سمع أنّ بمكانه رأس زكريا عليه السلام فارتاب في ذلك، فأقدم على فتح الباب بعد أن نهي عنه، فوجد بابا عليه تأزير رخام أبيض، ووجد فيه تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة. فرفعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهرب الحاضرون هيبة لها وردّ التابوت بغطائه إلى موضعه وسد عليه الباب، ووضعت خزانة المصحف الشريف على الباب وقد أثرت هذه الهيبة بالناظر المذكور وابتلي بالصرع إلى أن عض على لسانه فقطع ومات.
وفي العشر الأوسط من ربيع الآخر عزل ملك الأمراء علاء الدين ألطنبغا عن نيابة حلب. وفي العشر الأول من جمادى الأولى قدم إلى حلب الأمير سيف الدين طرغاي نائبا بها. وفي سنة 739 نادى مناد في جامع حلب وأسواقها- وقدامّه شادّ الوقف «3» بدر الدين تيليك الأسند من أمراء العشرات- بما صورته: «معاشر الفقهاء والمدرسين والمؤذنين وأرباب الوظائف الدينية، قد برز المرسوم العالي أن كل من قطع منكم وظيفته وغمز عليه، يستأهل ما يجري عليه» . فانكسرت لذلك قلوب الناس لأن هذا النداء يدل على بغض أهل العلم والدين. ثم نكب بدر الدين لكلمة صدرت منه وعقد له بدار العدل يوم العيد مجلس مشهور، وأفتى العلماء بتجديد إسلامه وعزله وضربه، فشمت به الناس.
وفي سنة 741 عزل طرغاي عن حلب وكان- على طمعه- يصلي ويتلو كثيرا.
وفيها وصل إلى حلب نائبا عليها طشتمر سيف الدين الناصري المعروف بحاجي خضر.(3/147)
وفيها وصل إلى حلب فيل وزرافة جهزهما الملك الناصر لصاحب ماردين. وفي سنة 742 نهب ألطنبغا مال طشتمر حاجي خضر نائب حلب لأنه لم يوافقه على رأيه في خلع السلطان، وهرب طشتمر المذكور إلى الروم وفيها عوقب بحلب لولو القندشي المكّاس المتقدم ذكره، وعذب بدار العدل حتى مات واستصفي وشمت به الناس.
وفي ذي الحجة وصل الأمير علاء الدين أيدغش الناصري إلى حلب نائبا في حشمة عظيمة، وخلع على كثير من الناس وأقام إلى صفر ثم نقل إلى نيابة دمشق وتأسف الحلبيون عليه. وفي هذه السنة وهي سنة 742 توفي أحد أمراء حلب، بدر الدين محمد بن الحاج أبي بكر، ودفن بجامعه الكائن قرب جسر الدباغة المعروف بمسجد أولاد أبي بكر. وقد أسلفنا الكلام عليه عند ذكر محلة حسر السلاحف من الجزء الثاني. وفي هذه السنة ولي حلب الأمير سيف الدين طقزتمر الحموي، ودخلها في عاشر صفر سنة 743 وفي رجب هذه السنة نقل طقزتمر إلى نيابة دمشق وولي مكانه حلب الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني.
وفيها وصل علاء الدين القرع إلى حلب قاضيا للشافعية. وأول درس ألقاه بالمدرسة قال فيه: «كتاب الطهارة باب الميّات» «1» ، بإبدال الهاء تاء، قال ابن الوردي: فقلت للحاضرين: لو كان باب الميّات لما وصل «القرع» إليه ولكنه باب الألوف. ثم قال القاضي:
قال الله تعالى: وجعلها كلمة باقية في عنقه، مكان «عقبه» ، فقال ابن الوردي: لا والله ولكنها في عنق من ولّاه. فاشتهر عن ابن الوردي هاتان التنديدتان في الآفاق.
وفيها توفي بحلب الشيخ كمال الدين المهمازي وكان مقبولا عند الملك الناصر ووقف عليه حمّام السلطان، وسلم إليه تربة ابن قره سنقر، وبه سميت هذه التربة. وفيها اعتقل القرع بقلعة حلب معزولا، ثم فك عنه الترسيم وسافر إلى القاهرة. وفيها توفي بحلب الحاج معتوق الدبيسري، وهو الذي عمر الجامع بطرف بانقوسا ودفن بتربة بجانب الجامع. وفي سنة 744 في صفر توفي الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني نائب حلب ودفن خارج باب المقام.(3/148)
تمزيق كتاب فصوص الحكم
قال ابن الوردي: وفيها مزّقنا كتاب «فصوص الحكم» بالمدرسة العصرونية بحلب عقيب الدرس وغسلناه- وهو من تصانيف ابن عربي- تنبيها على تحريم قنيته ومطالعته. وفي ربيع الأول وصل الأمير سيف الدين يلبغا اليحياوي نائبا إلى حلب وكان حسن السيرة، وفيها حاصر يلبغا نائب حلب زين الدين قراجا بن دلغادر التركماني بجبل الدلدل- وهذا الجبل ممتنع، موقعه في جانب جيحان- فلم ينل منه يلبغا طائلا بل قتل كثير من عسكره وأسر. واشتهر اسم زين الدين وعظم على الناس شرّه. وكانت هذه الحركة من يلبغا في غير محلها.
وفيها كانت الزلزلة العظيمة المزعجة العميمة، أخربت كثيرا من الأماكن ودخلت إلى مصر والشام، وتواتر بعدها الزلزال مدة فسكن الناس في الصحاري، وتشعّث في جامع حلب بعض الجهات وانفتحت منارته ثم التأمت، وتهدم كثير من القلاع والحصون، ومات تحت الردم خلق كثير وكاد الخراب يعم مدينة منبج. وفيها يقول ابن الوردي:
منبج أهلها حكوا دود قزّ ... عندهم تجعل البيوت قبورا
ربّ نعّمهم فقد ألفوا من ... شجر التوت جنة وحريرا
وقال أبو محمد الحسن بن حبيب الحلبي، فيمن خرج إلى برّ حلب خوفا من الزلزلة:
يا فرقة فرقوا وعن حلب نأوا ... وتباعدوا لما رأوا زلزالها
ما زلزلت شهباؤنا وتحرّكت ... إلا لتخرج عامدا أثقالها
وفي سنة 746 في ربيع الآخر نقل يلبغا نائب حلب إلى نيابة دمشق، وخلفه الأمير سيف الدين أرقطاي، فأبطل الخمور والفجور بعد اشتهارها، ورفع عن القرى الطّرح وكثيرا من المظالم، ورخّص السعر، وسرّ به الحلبيون. وفيها كتب على باب القلعة وغيرها من القلاع نقرا «1» في الحجر ما مضمونه مسامحة الجند بما كانوا يدفعونه لبيت المال بعد وفاة الجندي والأمير، وذلك علوفة أحد عشر يوما عن كل سنة أمضاها المتوفّى في الجندية، وهذا القدر هو التفاوت بين السنة الشمسية والقمرية. وهذه مسامحة بمال عظيم.(3/149)
وفي محرم سنة 747 طلب أرقطاي نائب حلب إلى مصر فسار إليها. وفي ربيع الأول وصل إلى حلب الأمير سيف الدين طقتمر الأحمدي نائبا عليها. ثم في رجب منها سافر إلى مصر لوحشة بينه وبين نائب دمشق لأنه لم يساعده على خلع السلطان الكامل صاحب مصر والشام. ثم في شعبان منها وصل إلى حلب نائبا عليها الأمير سيف الدين بيدمر البدري وكان عنده حدّة وقسوة: كرهت فتاة زوجها قبل أن يدخل عليها، فلقّنت كلمة الكفر لفسخ نكاحها، وهي لا تعلم معناها. فأمر بيدمر فقطعت أذناها وشعرها وعلّق ذلك على عنقها وشق أنفها وطيف بها على دابة بحلب وتيزين، وهي من أجمل البنات وأحياهن، فشق ذلك على الناس وعمل النساء عليها عزاء في كل ناحية حتى النساء اليهود وأنكرت القلوب قبح ذلك. قال ابن الوردي:
وضجّ الناس من بدر منير ... يطوف مشرّعا بين الرجال
ذكرت، ولا سواء، بها السبايا ... وقد طافوا بهن على الجمال
وفي محرّم سنة 748 وصل إلى حلب شهاب الدين بن أحمد بن الرياحي على قضاء المالكية بحلب، وهو أول مالكي استقضى بحلب. وفيها ظهر بين منبج والباب جراد عظيم صغير من بزر السنة الماضية، فخرج عسكر من حلب وخلق كثير من فلاحي النواحي الحلبية- نحو أربعة آلاف نفس- لقتله ودفنه، وقامت عندهم أسواق وصرفت من الرعية أموال. وهذه سنة ابتدأ بها ألطنبغا الحاجب من قبلهم. وفي المحرّم سافر الأمير ناصر الدين المحبّي من حلب بعسكر لتسكين فتنة ببلد شيزر بين العرب والأكراد، قتل فيها من الأكراد نحو خمسمائة نفس ونهبت أموال ودوابّ. وفيها ثار الأرمن في «إياس» فنكّل بهم أمير إياس حسام الدين الشيباني وأرسل من رؤوسهم إلى حلب.
وفي منتصف ربيع الأول سافر البدري نائب حلب إلى مصر معزولا. أنكروا عليه فعله في البنت المتقدم ذكرها وندم على ما فعل. وفيه وصل إلى حلب نائبا أرغون شاه الناصري في حشمة عظيمة. وفي ربيع الآخر قدم على كركر ولختا عصافير كالجراد المنتشر فسار الناس إلى شيل غلّات البذر وهذا ممّا «1» لم يسمع بمثله. وفيه وصل تقليد القاضي شرف الدين موسى بن فياض الحنبلي بقضاء الحنابلة بحلب، فصار القضاة أربعة. ولما بلغ(3/150)
بعض الظرفاء أن حلب تجدد بها قاضيان مالكي وحنبلي، أنشد قول الحريري في الملحة «1» :
ثم كلا النوعين جاء فضله ... منكّرا بعد تمام الجمله
وفي جمادى الآخرة نقل أرغون شاه نائب حلب إلى نيابة دمشق، وهو في غاية السطوة، مقدم على سفك الدماء بلا تثبّت، قتل في هذه المدة اليسيرة خلقا كثيرا ووسّط وسمّر «2» ، وقطع بدويا سبع قطع بمجرد الظن، وغضب على فرس له ثمينة «3» ، مرح بالعلافة فضربه حتى سقط، ثم قام فضربه حتى سقط. وهكذا عدة مرات حتى عجز عن القيام. فبكى الحاضرون على هذا الفرس فقيل فيه:
عقلت طرفك حتى ... أظهرت للناس عقلك «4»
لا كان دهر يولّي ... على بني الناس مثلك
وفي أواخر هذه السنة أعني 748 وصل إلى حلب نائبا فخر الدين إياز، نقل إليها من صفد، ثم في شوال منها إلى مصر معتقلا. وفي ذي الحجة وصل إلى حلب مكانه سيف الدين الحاج أرقطاي الناصري، ولما دخل إلى حلب أعفى الناس من زينة الأسواق لأنها تكررت حتى سمجت.
وفي شوال وصل إلى حلب- من قبل السلطان- أسود ليأخذ على كل رأس غنم تباع بحلب وحماة ودمشق درهما. فيوم وصوله إلى حلب وصل خبر قتل مرسله السلطان، فسرّ الناس بذلك. وفيها كان الغلاء بحلب وحماة ودمشق. وحلب أخفّ غلاء من غيرها، وأشدّه بدمشق، حتى انكشف الحال وجلا كثير من أهلها إلى حلب وغيرها، وصلت فيها غرارة الحبّ إلى ثلاثمائة درهم، وبيع البيض كل خمس بدرهم، واللحم: الرطل بخمسة دراهم وأكثر، والزيت: الرطل بستة أو سبعة. وفي العشر الأوسط من آذار في(3/151)
هذه السنة وقع بحلب وبلادها ثلج عظيم وتكرر، فأغاث الله به البلاد واطمأنّت قلوب العباد، وجاء عقيب غلاء الأسعار وقلة الأمطار. وفيها توفي الحاج إسماعيل بن عبد الرحمن العزازي، كان له منزلة عند ألطنبغا الحاجب نائب حلب، وبنى بعزاز مدرسة وساق إليها القناة الحلوة وانتفع الجامع وكثير من المساجد بهذه القناة. وله آثار غير ذلك.
وفي سنة 749 أسقط القاضي المالكي الرياحي بحلب تسعة من الشهود ضربة واحدة فاستهجن منه ذلك، وأعيدوا إلى عدالتهم ووظائفهم. وفيها قتل بحلب زنديقان أعجميان كانا مقيمين بدلوك. وفي ذي القعدة ظهر بمنبج- على قبر النبي متّى، وقبر حنظلة بن خويلد، أخي خديجة رضي الله عنها (وهذان القبران بمشهد النور خارج منبج) وعلى قبر الشيخ عقيل المنبجي، وعلى قبر الشيخ ينبوب، وهما داخل منبج، وعلى قبر الشيخ علي، وعلى مشهد المسيحات شمالي منبج- أنوار عظيمة، وصارت الأنوار تنتقل من قبر بعضهم إلى قبر بعض وتجتمع وتتراكم، ودام ذلك إلى ربع الليل حتى انتبه لذلك أهل منبج وكتب قاضيهم بذلك محضرا وجهزه إلى دار العدل بحلب.
طاعون كبير
وفيها كان الفناء العظيم والطاعون العميم الذي جاز البلاد والأمصار ولم يسمع به في سالف الأعصار وأخلى الديار والبيوت وأوقع الناس في علة السكوت. وكان إذا طعن به إنسان لا يعيش أكثر من ساعة رملية، وإذا عاين ذلك ودّع أصحابه وأغلق حانوته وحضّر قبره ومضى إلى بيته ومات. وقد بلغت عدّة الموتى في حلب في اليوم الواحد نحو خمسمائة، وبدمشق إلى أكثر من ألف، ومات بالديار المصرية في يوم واحد نحو العشرين ألفا. هكذا ورد الخبر واستمر نحو سنة وفني به من العالم نحو ثلثيهم. وفيه يقول ابن الوردي:
سألت بارىء النّسم «1» ... في رفع «2» طاعون صدم
فمن أحسّ بلع دم ... فقد أحسّ بالعدم(3/152)
وقد كثرت فيه أرزاق الجنائزية، فهم يلهون ويلعبون ويتقاعدون على الزبون، ولو رأيت بحلب الأعيان وهم يطالعون من كتب الطب الغوامض، ويكثرون في علاجه من أكل النواشف والحوامض، ويستعملون الطين الأرمني وقد بخّروا بيوتهم بالعنبر والكافور والصندل، وتختموا بالياقوت وجعلوا الخل والبصل من جملة الأدم والقوت. قيل: إن هذا الوباء ابتدأ من الظلمات قبل وصوله إلى حلب بخمسة عشر عاما، وهو سادس طاعون وقع في الإسلام، وعنه قيل: إنه الموتان الذي أنذر به عليه السلام.
وفي سنة 750 نقل الحاج أرقطاي الناصري إلى نيابة دمشق فخرج إليها فمات بعين المباركة وحمل إلى حلب ودفن بتربة سودي. وولي حلب قطليجا الحموي فمات بعد شهر من ولايته، فوليها بعده الأمير أرغون الكاملي. وفي سنة 751 كثر طغيان العرب والتركمان في بلد سنجار وتمادى بغيهم وفسادهم ونهبوا أموال التجار وقطعوا الطريق فركب إليهم الناصري نائب حماة مع العساكر الشامية وجدّ في حصارهم بقلعة سنجار حيث تحصنوا بها وضيّق عليهم إلى أن نفذ «1» زادهم وطلبوا الأمان فأمنوهم وأنزلوهم وانقطع فسادهم، وزيّنت حلب يوم قدوم الناصري منصورا عليهم مظفرا بهم. وفي سنة 752 ولي نيابة حلب الأمير سيف الدين بيبغاروس القاسمي.
وفي سنة 753 أظهر بيبغاروس العصيان وانضم إلى نائب صفد وحماة وطرابلس والأمير زين الدين قراجا بن دالغادر، وساروا إلى دمشق وحصروها إلى أن مشى عليهم الملك الصالح فساروا عنها إلى حلب. وفي هذه السنة ولي نيابة حلب ثانية سيف الدين أرغون الكاملي. وفيها في سلخ شعبان ورد على حلب نائب صفد وحماة وطرابلس- ومعهم عدة عربان وتركمان- وكانت خالية من العسكر والنوّاب، وذلك قبل أن يصل إليها نائبها أرغون الكاملي المذكور. وكان عسكر حلب في تجريدة «2» فنزل النواب المذكورون بظاهر حلب من جهة القلة وعسكرهم قد أحاطوا بهم. ثم زحفوا على المدينة فقتلوا جماعة من المسلمين وأشرفوا على فتح حلب ثم انصرفوا عنها وكانت عاقبة نائبي صفد وحماة القتل في دمشق، وعاقبة بيبغاروس القتل تحت قلعة حلب صبرا. وفيها ظهر شخص بحلب يعرف(3/153)
بوضاح الخياط وادعى النبوة وذكر أنه قيل له: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا.
فسجن واستتيب.
وفي سنة 754 توجه أرغون الكاملي نائب حلب مع العساكر الحلبية إلى مدينة البستان في طلب الأمير قراجا بن دلغادر مقدم التركمان، ليقبض عليه بسبب اتفاقه مع بيبغاروس، فلما وصلوا إليها وجدوها مقفرة خالية وقد انهزم قراجا المذكور، فجاسوا خلال الديار وهدموا الحصون والأسوار. وفي ذلك يقول ابن حبيب الحلبي مخاطبا لأرغون:
نازلت «أبلستين» يا ليث الشّرى ... ونزيلك التوفيق والتمكين
أقوت معالمها وأقفر أهلها ... وكذا ديار الظالمين تكون
ثم سار النائب المذكور يتتبع آثار المنهزمين حتى أدرك قراجا المذكور بأطراف الروم وقد التجأ إلى صاحبها، فأمسكه وجهزه إلى السلطان بمصر فقتله. وعاد أرغون إلى حلب.
وفي سنة 755 ولي نيابة حلب الأمير سيف الدين طاز الناصري فاعتقل بعد ثلاث سنين.
وفي سنة 758 مات أرغون الكاملي بالقدس الشريف، وهو صاحب المارستان بحلب داخل باب قنسرين، وقد وقف عليه قرية بنّش من الغربيات. وقد سبق الكلام عليه عند ذكر محلة باب قنسرين في الجزء الثاني. وفي سنة 759 ولي نيابة حلب سيف الدين منجك الناصري. ثم في هذه السنة وليها الأمير علاء الدين المارديني.
وفي سنة 760 اجتمع أولاد مهنّا ومن تبعهم من العرب، وانضم إليهم جمع من بني كلاب، وغزوا التركمان في العمق ونهبوا منهم ما يزيد على عشرين ألف بعير. وتواترت الحروب بينهم وانقطع الطريق واضطرب الناس. وفيها ولي نيابة حلب الأمير سيف الدين بكتمر المؤمني، ثم وليها الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي.
غزو بلاد سيس
وفي سنة 761 توجه النائب المذكور صحبة العساكر الحلبية لغزو بلاد سيس فوصلوا إليها ونازلوا أكثر مدنها وأسروا وغنموا. ثم أتوا إلى طرسوس المدفون بها عبد الله المأمون ابن هارون الرشيد ففتحوها من أيدي الأرمن ومهدوها وأصلحوا جوامعها وأخذوا ما وجدوا من الخيول والأسلحة. ثم دنوا من المصيصة- وهي بلدة قديمة يجري بوسطها(3/154)
نهر جيحان- فاستولوا عليها، ثم فتحوا عدة قلاع في تلك البقاع، ثم عادوا إلى حلب سالمين.
وفي هذه السنة ولي حلب الأمير شهاب الدين أحمد بن القشتمري. وفي سنة 762 وليها سيف الدين قطلوبغا الأحمدي. وفي سنة 763 وليها سيف الدين منكلي بغا الشمسي.
وفي هذه السنة ولي قضاء المالكية بحلب أحمد بن عبد الظاهر الدّميري عوضا عن القاضي شهاب الدين الرياحي، وبقي إلى أن توفي سنة 769 وفي سنة 764 وليها ثانية قطلوبغا الأحمدي المذكور فمات بها بعد ثلاثة أشهر. وفي سنة 765 وليها الأمير سيف الدين أشقتمر المارديني.
إبطال وكلاء الدعاوي
وفيها أمر السلطان الملك الأشرف بإبطال الوكلاء المتصرفين بأبواب مصر والشام لأنهم يتغلبون على الخصوم ويؤذونهم بما هو من كتب صناعتهم، ويقبلون على إبطال الحقوق بقواعد معلومة بينهم، ويلجئون موكليهم إلى الإنكار فقوبل المرسوم الشريف بالطاعة وبطل ما كانوا يعملون. وفي سنة 766 ولي حلب سيف الدين جرجى. وفي سنة 767 توجه المذكور ومعه العساكر إلى جزيرة من ديار بكر لمنازلة صاحبها الأمير خليل بن قراجا دلغادر «1» التركماني، وهي من أخصب الجزائر وأحسنها، وفيها قلعة أحكمها صاحبها.
فشرع جرجى في حصارها وتردد إليها مدة أربعة أشهر فلم يظفر منها بطائل. ثم إن صاحبها(3/155)
نزل بالأمان من السلطان وتوجه إلى الديار المصرية فقوبل بالإحسان.
وفي هذه السنة وهي سنة 767 توجه الأمير سيف الدين منكلي بغا- وهو أتابك الجيوش بالديار المصرية- وصحبته العساكر الحلبية إلى مدينة إياس حين بلغهم أن الإفرنج قصدوها في مائة قطعة من المراكب وأقبلوا عليها، فلما وصلوا وجدوهم قد برزوا إلى الساحل ودخلوا المدينة وانهزم أهلها ونهبوا الأمتعة والأقوات، فتقدمت العساكر لقتالهم ومحوا أثر من هجم على المدينة. وتواتر قدوم العساكر الإسلامية من القلاع وهرب الإفرنج إلى جهة البحر فأدركوا وقتل منهم جماعة وأخذت خيلهم وسلاحهم وتألم كل الإفرنج بسبب ذلك. واستمرت العساكر في إياس إلى أن يئسوا من عود الإفرنج. ثم رجعوا سالمين غانمين.
وفي سنة 768 ولي منكلي بغا نيابة حلب، وفيها تم بناء جامعه ونقش على بابه العبارة التي سبق ذكرها في الكلام عليه، عند ذكر محلة ساحة بزّة. وفي سنة 769 طمى نهر قويق وقلع الغراس وأخرب بيوتا كثيرة على شطه وأهلك عدة مواش، ووصل إلى أماكن لم يصل إليها فيما مضى من الأزمان. وفي سنة 769 ولي حلب علاء الدين طنبغا الطويل الناصري ومات مسموما في آخر هذه السنة، دسّ إليه السمّ السلطان لما بلغه أنه يحاول السلطنة.
وفي سنة 770 ولي حلب سيف الدين أسن بغا بن أبي بكر، ونقل إلى مصر بعد ستة أشهر. ووليها مكانه سيف الدين قشتمر المنصوري فقتل في أواخر هذه السنة بوقعة جرت بينه وبين العرب الكلابيين وغيرهم، حيث كثر فسادهم في البر وأخافوا السابلة ونهبوا عدة قبائل واستاقوا مواشيهم، فقصدهم قشتمر المذكور واشتبك الحرب بينهم وانجلى عن قتله وقتل ولده وتشتت شمل العسكر، واستولت العرب على سوادهم وقتلوا منهم جمعا كثيرا ومن سلم عاد إلى حلب بأسوإ حال. وفي سنة 771 ولي حلب سيف الدين أشقتمر المارديني.
وفي سنة 772 في جمادى الأولى ظهر في السماء نور ساطع في لون الشفق الأحمر وضحت به مفارق الطرق واستمر من أول الليل إلى قرب الثلث الأخير. وفي سنة 773 ولي حلب عز الدين أيدمر الدوادار الناصري، وفيها رسم الملك الأشرف شعبان أن كل(3/156)
شريف من أشراف الديار المصرية والشامية يسم عمامته بسمة خضراء، توقيرا لهم ورعاية لحرمتهم وحفظا لنسبهم، فقال في ذلك الشيخ أبو عبد الله المغربي، محمد بن جابر الهواري الأندلسي نزيل حلب:
جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لهم يشهر
نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر
وقال ابن حبيب:
ألا قل لمن يبغي ظهور سيادة ... تملّكها الزّهر الكرام بنو الزّهرا
لئن نصبوا للفخر أعلام خضرة ... فكم رفعوا للمجد ألوية حمرا
وقال محمد بن إبراهيم الدمشقي:
أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر كأعلام على الأشراف
والأشرف السلطان خصّهم بها ... شرفا لتعرفهم من الأطراف
وفي سنة 774 ولي حلب سيف الدين أشقتمر ثانية. وفيها وقع بالشام وبلاده طاعون بلغت فيه عدّة الموتى في اليوم نحو مائتي نفس. وفي سنة 775 ولي حلب سيف الدين بيدمر الخوارزمي، وبعد أربعة أشهر وليها مكانه سيف الدين أشقتمر ثالثة.
غزو سيس
وفي سنة 776 وردت المراسيم الشريفة السلطانية من قبل الملك الأشرف شعبان إلى نائب حلب أشقتمر بأن يغزو سيس ويستخلصها من يد الأرمن. فتوجه النائب صحبة العساكر الحلبية حتى وصلوا إليها ونازلوها واجتهدوا في حصارها، حتى طلب أهلها الأمان ودخلها المسلمون ورتبوا فيها نائب السلطان، وكان فتحا عظيما طال عهد المسلمين بمثله.
ثم رجع النائب المشار إليه إلى حلب ومعه تكفور صاحب سيس وجماعة من أمرائه وأجناده، فجهزهم إلى القاهرة حسب المرسوم السلطاني. وقد عظم هذا النائب بهذا الفتح وامتدحته الشعراء بما يطول شرحه.
وفي سنة 777 استمر الغلاء بالشام مبتدئا من سنة 776 ففتك بأهل حلب وأهلك(3/157)
كثيرا من الضعفاء. وقد بيع مكّوك القمح «1» بثلاثمائة درهم، ورطل الخبز بدرهمين.
فانكشف الستر وانهتك الحجاب وأقدم الناس على أكل الميتة والقطط والكلاب، وغلت جميع الأقوات والمطعومات، ووصلت إلى سعر لم يسمع بمثله. ولم يبرح الحال على ما ذكر حتى فرّج الله عن المخلوقات في أواخر السنة. وفي سنة 780 ولي حلب سيف الدين منكلي بغا الأحمدي البلدي، وعزل بعد خمسة أشهر وولي مكانه سيف الدين أشقتمر رابعة. وفي سنة 781 ولي حلب سيف الدين تمرباي التمرداشي وعزل في أواخرها.
قصد تمرباي سيس لردع التركمان:
وفيها توجه تمرباي المذكور صحبة العساكر الحلبية إلى جهة بلاد سيس لردع طائفة من التركمان عاثوا في تلك البلاد وأظهروا فيها الفساد. فلما وصل تمرباي إلى قرب مدينة إياس سمع به التركمان ففزعوا منه وهابوه وراسلوه بالأمان، وعاهدوه بالتوبة عن جميع أفعالهم الشنيعة وأرسلوا إليه جملة من أعيانهم وأمرائهم لعقد العهد، فلم يقبل منهم بل أمر باعتقالهم وركب إلى بيوتهم فسبى نساءهم وأخذ أموالهم وأخرب ديارهم. وعند ذلك تأثر التركمان واستوحشوا، وأعملوا الحيلة والخديعة وكمنوا للعسكر بمضيق هناك يقال له باب الملك على شاطىء البحر، وأوقعوا بهم وكسروهم كسرة شنيعة أتت على أكثرهم وأخذوا جميع ما معهم بعد أن فرقوهم شذر مذر. وكان ما أخذه التركمان من الحلبيين في هذه الوقعة ثلاثين ألف جمل بأحمالها، وثلاثة عشر ألفا من الخيل المسرجة وغير ذلك.
قلت: ولاية سيف الدين تمرباي المذكور على حلب ووقوع غزوته المذكورة أخذتهما من درّة الأسلاك في دولة الأتراك لابن حبيب الحلبي، ذكرهما في حوادث سنة 781 وذكرهما ابن الخطيب في حوادث 780 فليحرّر.
وفي أواخر سنة 781 ولي حلب سيف الدين منكلي بغا الأحمدي البلدي. وفي سنة 782 توفي منكلي بغا المذكور ودفن بتربة له صغيرة خارج باب المقام. وبعد سنين قليلة نبش ونقل إلى دمشق. وفي سنة 783 ولي حلب سيف الدين إينال اليوسفي.(3/158)
ردع خليل بن دلغادر:
وفيها توجه إينال اليوسفي المذكور بمن معه من النواب والعساكر إلى جهة خليل بن دلغادر وإخوته ومن معهم من التراكمين الذين تجاهروا بالعصيان ببلاد مرعش وما والاها، فوصلوا إليهم وأجلوهم عن ديارهم ونهبوا أموالهم وهزموهم وركبوا آثارهم إلى حدود الممالك العثمانية وأمّنوا السابلة من شرّهم. كل ذلك وبنو الغادر يكاتبون إينال وجماعته ويطلبون منهم الدخول في الطاعة، وإينال لا يلتفت إليهم، حتى ورد له المرسوم السلطاني بالعود إلى وطنه مع جماعته. وفي هذه السنة أيضا ولي حلب سيف الدين يلبغا الناصري عوضا عن إينال اليوسفي.
عزل القضاة الأربع:
وفي سنة 785 رفع كتاب من عامل حلب إلى القاهرة أن القضاة الأربعة في حلب تخاصموا وتشاتموا، وأرسل الأربعة كتبا تتضمن سب كل واحد منهم للآخر. فقال الملك الظاهر:
لا تحلّ تولية الفسّاق. وعزلهم.
الحرب مع ابن رمضان:
وفي هذه السنة تجاهر بالعصيان أحمد بن رمضان «1» التركماني أمير التركمان بأذنة وإياس وسيس. فتوجه إلى جهته يلبغا الناصري نائب حلب ومعه العساكر الحلبية وفرقة من العساكر الشامية، ومقدّمهم إينال اليوسفي وعسكر طرابلس ونائبها ونائب حماة بعسكرها، ونواب القلعة ومقدّمهم على الجميع يلبغا الناصري. ولما وصلت هذه الجموع إلى بلاد ابن رمضان(3/159)
أنزل الثقل يلبغا الناصري بباب إسكندرون وأبقى عنده الأمير جلبان الحاجب بحلب والأمير شجاع الدين خالد بن كليكلدي نقيب النقباء بحلب، وركب من ساعته بالعساكر جريدة «1» وقت العشاء فأصبح ثاني يوم قبل الظهر بالمصيصة فحشد التركمان واجتمعوا وتقاتلوا على الجسر فانكسر التركمان وتملك العسكر الجسر وأقام به إلى حين أن حضرت الأثقال وحضر مملوك نائب سيس وأخبر بأن سيده الكبير طشبغا أمسك إبراهيم بن رمضان أخا أحمد المذكور وأمه ونائبه.
فركب يلبغا الناصري مع عساكره جريدة إلى أذنة ليقرر أمرها، فاجتمع التركمان وحشدوا واستوحشوا لجماعتهم والتقوا مع الناصري في مكان وعر وتقاتلوا فانكسر العسكر وقلعت عين الناصري ووقع عن فرسه فعرفه شخص من التركمان فأخذه وآواه وأحسن إليه. فركبت العساكر الذين كانوا مع الأثقال ومن بقي منهم واجتازوا الجسر وباتوا بالقرب من إياس وأصبحوا عليها. ثم بعد يومين أخبروا أن الناصري حي قادم عليهم، فركبت العساكر وتلقوه وبه جراحات ولم يفقد من العساكر إلا القليل. وفي ساعة حضوره نادى بالركوب فركب العسكر وطردوا التركمان وقتلوا منهم جماعة. ثم انثنى نحو الباب الأسود وباتوا به حتى مضى الليل وحشد التركمان وجمعوا وجاؤوا من نحو الجبل عن يسار العسكر والرجّالة من وراء العسكر، وصار اللّجى من غربيّهم، فاشتبك بينهم القتال وكرّ الناصري بمن معه من العساكر على التركمان كرّة هائلة كسرهم بها وقتل منهم ما ينوف عن سبعمائة رجل.
ثم ركب الناصري وعساكره إلى بياس ونزلوا شط البحر واستمر القتال بينهم وبين التركمان ليلا ونهارا. وقد جاء الناصريّ نجدة من الأمير سودون صاحب الحجاب ونائب غيبته، فانكسر التركمان كسرة قبيحة وعولوا على الفرار، ورجع الناصري بمن معه إلى حلب. وفي سنة 787 أمسك الناصري وحبس بالإسكندرية، واستقر عوضه بحلب سودون المظفري وأساء السيرة في أهل حلب. وفي سنة 788 عصى أحمد المعروف بمنطاش بملطية واتفق مع مقدّم تيمورلنك فاستضعف السلطان سودون فعزله وأعاد الناصري إلى حلب. وفي سنة 789 توجه الناصري بعساكره إلى سيواس لإخضاع منطاش وصاحب(3/160)
سيواس ومن معهما من التتر، فكسر الناصري أولا ثم ثبت هو ونحو ألف جندي معه، وكسروا منطاش ومن معه وكانوا نحو عشرين ألفا. وفيها حدث في حلب وأنطاكية زلزلة عظيمة هلك تحت الردم في أنطاكية خلق كثير.
عصيان الناصري على السلطان
وفي أوائل سنة 791 عصى يلبغا الناصري وخرج عن طاعة السلطان فأرسل السلطان عسكرا لمحاربته، والتقى الجمعان بظاهر دمشق فانهزمت العساكر السلطانية وتبعهم يلبغا بمن معه إلى مصر وانحاز إليه أكثر الأمراء واختفى السلطان وطلب الأمان من يلبغا فأمنه، ثم قبض عليه وأرسله إلى الكرك مقيّدا وأعاد السلطان صالح حاجي كمشبغا الحموي الأمير سيف الدين.
قتال بين أهل بانقوسا وكمشبغا
وفي شوالها ظهر أحمد بن عمر بن محمد أبي الرضا شهاب الدين، أحد قضاة حلب السابقين في زمن الملك برقوق، وكان مستخفيا بحلب فاتفق مع أهل بانقوسا وبعض الأمراء وركبوا على كمشبغا الحموي نائب حلب، فقاتلهم ثلاثة أيام في البياضة وانتصر عليهم وأمسك القاضي وأخذ ماله وسيره معه إلى دمشق ومات في الطريق، كما سنحكيه في ترجمة القاضي المذكور. وسنة 792 أطلق الأمير كمشبغا نائب حلب الأمير طرنطاي الذي كان نائبا بدمشق، وبكلمس- أحد الأمراء المصريين- وكانا محبوسين بالقلعة من قبل يلبغا الناصري، وبعد أن أطلقهما اتفق على قتال البنقوسيين لأنهم كرهوا فعله هذا ولم يحبوا توليته على حلب لظلم سابق منه. فاستمر القتال بينه وبين البنقوسيين بالبياضة ثلاثة أيام ثم جدّ في قتالهم وقتل منهم جماعة، وبعدها استماتوا في قتاله وحاصروه في القلعة فلم يتمكنوا منه وبقي الحصار أربعة أشهر إلا يومين. ثم تصالحوا أياما قلائل. وجدّ القتال بينهم وظفر بهم وقتل من أعيانهم وجندهم جمعا كثيرا ونهب بانقوسا كما نهبها قبلا في غير هذه المرة.
وفيها نزل على حلب منطاش بمن معه من العساكر والعربان في نحو عشرين ألف مقاتل، فجدّوا بالحصار وقطعوا القناة بحلب واجتهدوا في قتال الحلبيين قريبا من عشرين يوما فلم ينجح سعيهم، وذلك لأن الأمير كمشبغا كان بنى بعض أسوار القلعة وأصلحها وعمل(3/161)
لها أبوابا ورمم أسوار حلب وأحكمها وكانت خرابا من زمن مجيء هولاكو بن جنكز خان.
قلت: منطاش المذكور أحد الأمراء الذين وافقوا يلبغا الناصري على خلع الملك الظاهر برقوق وإعادة الملك الصالح حاجي، ثم لما تغيرت نية الناصري على الملك الصالح ورجع الملك إلى الظاهر برقوق- كما تقدم- أظهر منطاش مخالفة الناصري لكونه صار من حزب برقوق، وسار إلى البلاد بالخراب والفساد وقصد دمشق وحمص وحماة وحلب وغير ذلك. وفي هذه السنة ولي نيابة حلب من قبل الظاهر برقوق الأمير سيف الدين قراد مرداش الأحمدي. وفي شوال سنة 793 وصل الظاهر برقوق إلى حلب بعد أن مر على دمشق وغيرها. وفي العشر الأخير من ذي القعدة من هذه السنة بلغ السلطان عن يلبغا الناصري أمور رديئة، أوجبت اعتقاله هو وجماعة من أصحابه ومماليكه فقتلهم في قلعة حلب. وفي مستهل ذي الحجة من هذه السنة ولّى السلطان نيابة حلب سيف الدين جلبان رأس نوبة الظاهري، وخرج من حلب عائدا إلى الديار المصرية ونزل على العين المباركة بظاهر حلب ثم سار منها إلى جهة منحاه.
القبض على منطاش وقتله:
وفي سنة 794 قبض الأمير محمد نعير بن مهنا أمير العرب على منطاش وكان السلطان وعده بنيابة إن قبض عليه، فأحضر منطاش إلى حلب وحبس بقلعتها ثم قتل بها بعد أن عذب وأرسل رأسه إلى مصر.
وباء عظيم:
وفي سنة 795 حصل بحلب فناء عظيم بلغت فيه الوفيات اليومية خمسمائة نسمة.
ثم تناقص في آخر السنة ومات فيه كثير من الأعيان والعلماء، وكان غالبا في الصغار.
قدوم السلطان إلى حلب لحرب تيمورلنك:
وفي سنة 796 بلغ السلطان الملك الظاهر برقوق أن تيمور تحرك نحو بلاده ووصل إلى الرها. فتوجه السلطان من مصر إلى جهة البلاد الشامية ووصل إلى حلب وأقام بها أربعين يوما ومهد أمور الملك ورجع إلى مقر سلطنته بمصر وصحب معه الأمير جلبان نائب(3/162)
حلب وولى مكانه الأمير سيف الدين تغري بردي صاحب جامع الموازيني الذي تكلمنا عليه في محلة ساحتبزّة في الجزء الثاني. وفي سنة 799 ولي نيابة حلب أرغون شاه، نقل إليها من طرابلس فبقي في حلب مدة قليلة ومات. وفي سنة 800 ولي نيابة حلب الأمير علاء الدين أقبغا الجمالي الهذباني ثم خرج على السلطان. وفي سنة 801 ولّى السلطان الملك الناصر أبو السعادة فرج نيابة حلب الأمير دمرداش المحمدي الخاصكي.
أول تحرش العثمانيين بالمملكة المصرية:
في هذه السنة 801 استولى السلطان بايزيد يلدم خان على ملطية، وتقدمت طلائع جيوشه إلى البستان للزحف على حلب. فاهتمت حكومة مصر بهذا الأمر وأعدت جيشا لكفاح السلطان با يزيد وقررت أن يؤخذ من الأملاك أجرة شهر تنفق على الجيش. ثم رجع السلطان إلى بلاده دون أن يحصل منه ضرر، فعدلت الحكومة المصرية عن إرسال جيشها.
اقتراب شرور تيمورلنك من حلب:
وفي سنة 802 قصدت طلائع جيش تمرلنك بغداد، فكسرهم سلطانها السلطان أحمد قان فصحبوا معهم قره يوسف بن محمد التركماني، صاحب ديار بكر وماردين وما والاهما، وقدموا حلب بمن معهم من العساكر ونزلوا على نهر الساجور، فخرج إليهم الأمير دمرداش نائب حلب واستنجد بالأمير دقماق نائب حماة، وتوجّها بعسكرهما إلى الساجور فالتقى الفريقان هناك واقتتلا قتالا شديدا انجلى عن كسر دمرداش، وأسر دقماق ونهب جميع ميرة «1» العسكر وخيوله وأثاثه وقماشه، وجفلت البلاد الحلبية، ورجع دمرداش في نحو عشرة أشخاص. ثم افتدى دقماق نفسه ولحق بمكانه.
إجمال في تمرلنك
هو تيمور بن طرغاي بن جغتاي. ونسبه بعضهم إلى جنكز خان من جهة النساء، وكان طويل القامة عريض الأطراف أبيض مشربا بحمرة أعرج اليمناوين، جبارا عنيدا قهر(3/163)
الملوك والجبابرة، وهو من غلاة الشيعة وكان في ابتداء أمره يقطع السبيل هو ورفقاء له فظفر بهم حاكم هراة «1» السلطان غياث الدين، فضرب تيمور وأمر بصلبه، فشفع به ولده وأخذه ووكل به من داوى جراحه حتى برىء وقربه إليه وزوّجه شقيقته. ثم إن تيمور غاضبها في بعض الأيام فقتلها وخرج على السلطان واستصفى ممالك ما وراء النهر ثم صاهر المغل وقصد مخدومه الملك غياث الدين ليدخل في طاعته فظفر به وقتله في الحبس جوعا لأنه حلف له ألّا يريق له دما. ثم عاد إلى خراسان ووضع السيف في أهل سجستان فأفناهم عن بكرة أبيهم، وخرب المدينة واستخلص جميع ممالك العجم، واستولى على بغداد وقتل أهلها وبنى من رؤوسهم مآذن، ولم يترك كبيرا ولا صغيرا ولا ذكرا ولا أنثى إلا قتله. ثم خرب المدينة بعد أن نهبها ثم مشى منها إلى الجزيرة وديار بكر وإلى الفرات.
واستعد الظاهر برقوق لمدافعته ونزل تيمور بالرها وأخذها ونهبها. وبلغه أن طقتمش خان سلطان دشت قفجق في جهات القريم قد وصل في جموع المغل إلى الأبواب فأحجم تيمورلنك وتأخر إلى قلاع الأكراد وأطراف بلاد الروم وأناخ على قره باغ ما بين أذربيجان والأبواب، ثم قوي على طقتمش وأخذ بلاده وانضمت جموع التتر إليه. ثم مشى على الهند واستولى عليها، وبلغه خبر وفاة الملك الظاهر برقوق ووفاة أحمد حاكم سيواس، فاستناب في الهند وقصد بلاد الإسلام فأتى بغداد وفتحها ثانيا وقصد سيواس وفتحها عنوة وحلف لأهلها أنه لا يريق لهم دما، فغدر بهم وألقى منهم في الحفر نحو ثلاثة آلاف إنسان.
ثم نهب البلد وخربها ومشى إلى بهسنى فحاصر قلعتها مدة طويلة وفتحها صلحا مع ما هو عليه من العتوّ والعناد. ولذلك سببان أحدهما متانة القلعة وحصانتها وثانيهما أن نائب قلعة المسلمين التي كانت تعرف بقلعة الروم- وهو الناصري محمد بن موسى بن شهري- كان يخرج للغارات على معسكر تيمور عندما كان مقيما على حصار قلعة بهنسى. وكان الناصري المذكور ذا قوة وشجاعة ورأي وتدبير، فلم يسع تيمور إلا الانصراف عن قلعة بهسنى إلى قلعة المسلمين فكاتب نائبها الناصري المذكور بقوله: إني أتيت من أقصى بلاد سمرقند ولم يقف أحد أمامي وسائر ملوك الأرض حضروا إليّ، وأنت سلّطت على جموعي من يشوّش عليهم ويقتل من ظفر بهم، والآن قد مشينا عليك(3/164)
بعساكرنا فإن أشفقت على نفسك ورعيّتك فاحضر إلينا لترى من الرحمة والشفقة ما لا مزيد عليه وإلا نزلنا عليك وخربنا بلدك، وقد قال تعالى إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ
فاستعدّ لما يحيط بك إن أبيت الحضور.
فلم يلتفت الناصري إلى كلامه وحبس رسوله. فمشى إليه تيمور وبرز له الناصري في أوائل عسكره وقاتله قتالا شديدا رأى فيه تيمور من الناصري شدة حزم، فرجع عن محاربته وأخذ في مخادعته فطلب منه الصلح وأن يرسل له مالا وخيلا فلم ينخدع وتنازل معه إلى أن طلب منه جانبا فلم يعطه، وعاد عنه تيمور خائبا وعساكر الناصري في أواخر عسكر تيمور قتلا ونهبا وأسرا مع أنهم كانوا زهاء ثمانمائة ألف عسكري. كل ذلك وباب قلعة الناصري لم يغلق يوما واحدا وفيه يقال:
هذا الأمير الذي صحّت مناقبه ... ليث الوغى عمّت الدنيا مفاخره
ولّى تمرلنك مكسورا أوائله ... منه فارا ومذعورا أواخره
كان الناصري من السلالة العمرية ذا مروءة وصدق ودين وعلم. ثم إن تيمور استولى على حلب ودمشق، وما بينهما على الوجه الذي نبسطه، ثم رجع إلى ممالك الروم فكاتب سلطانها السلطان با يزيد خان الغازي فلم يلتفت إلى كتابه وتوجه لقتاله وجمع العساكر على ميل من مدينة أنقرة، ونشبت الحرب بينهم وكانت وقعة عظيمة انكشفت عن أسر السلطان يلدرم با يزيد خان ولما أيقن بالهلاك قال لتيمور: أوصيك ألّا تترك التتر بهذه البلاد فإنهم يفسدونها وألّا تقتل رجال الأروام فإنهم ردء الإسلام، وألّا تخرب قلاع المسلمين، ولا تجلهم عن مواطنهم.
قال هذا وهو مكبل بقفص من حديد قد فغر الموت له فاه لابتلاع حياته بعد سويعات، فلم يذهله هذا الموقف الرهيب عن المحاماة عن رعيته، ولم تضطره الأثرة بروحه إلى التوسل بالدفاع عنها دون الدفاع عن رعاياه.
وقد قبل منه تيمور تلك الوصايا. وبعد سويعات توفي السلطان با يزيد في قفصه ورجع تيمور إلى بلاده فمرض في مدينة أنزار وجعل يشرب من عرق الخمر إلى أن تفتت كبده ومات في ليلة الأربعاء سابع عشر شعبان سنة 807 وحملوا عظامه إلى سمرقند وعمره فوق(3/165)
الثمانين، وخلّف ولدين أمير شاه وشاه رخ، ولم يكونا معه. فجلس على سرير الملك حفيده خليل بن أمير شاه، وكان أبوه واليا على ممالك تبريز فقتله قره يوسف حاكم أذربيجان ولما مات خليل المذكور تولّى الملك عمه الشاه رخ. ثم سطا على ملكهم الفاتحون وتلاشت دولتهم سوى بعض أعقاب لتيمور كانوا سلاطين في جهات من الهند.
والناس في أمر تيمور مختلفون: فمنهم من يعدّه كافرا باغيا لإفراطه بإراقة دماء المسلمين، وتسلّط جيوشه على نهب الأموال والأرواح وهتك الأعراض. ومنهم [من] يقول بإسلامه ويعدّه عاصيا ويكل أمره إلى الله تعالى. ومنهم من يزعم أنه مصلح كبير لم يقصد من غاراته على بلاد المسلمين غير ردع ملوك الإسلام وجهادهم كي يكفوا عن مظالمهم التي كانوا يعاملون بها رعاياهم، ويرعووا عن قتل بعضهم البعض، حتى إنني سمعت من بعض علماء الأتراك القاطنين في بخارى- وقد جمعتني وإياهم باخرة كنت ركبتها في سفري إلى جهات غزّة- أن عددا كبيرا من علماء تركستان وخواصهم يعدّون إيقاع تيمور بالبلاد الإسلامية جهادا مقدسا، ويعتقدون فيه الولاية والكرامة ويترضون عنه كما يترضون على أولياء الله وأصفيائه، وأن ما كان يصدر من جيوشه وعساكره من قتلهم البريئين وهتك أعراض المخدّرات لم يكن عن علم منه ولا رضاء به.
وقد وضع العلماء والمؤرخون كتبا قيمة وأخبارا طوالا في سيرة تيمور وترجمته، أكثرها مطبوع متداول، وأعمّها كتاب «عجائب المقدور في أخبار تيمور» لابن عربشاه. وقد اقتصرنا على ذكر هذه النبذة في الكلام عليه طلبا للإيجاز.
مجيء تيمور إلى حلب وما أحله فيها من الويل والصخب
هذه الحادثة من أعظم الحوادث التي دهت حلب قديما وحديثا وأضرّت بها ضررا مخلّدا، محت آثارها وأطفأت أنوارها وأخذ بها تيمور من الأموال وأفنى من النفوس، وأسر من العلماء وأرباب الحرف والصناعات ما لا تحصيه الأقلام ولا يعلم عدده إلا العليم العلام، وذلك أن تيمور بعد أن أقلع عن قلعة الروم- كما حكيناه- تقدّم إلى عينتاب فأجفل أهل القرى بين يديه وجفل أهل البلاد الحلبية. ثم اجتاز بمرج دابق، وفي يوم الخميس تاسع ربيع الأول سنة 803 نازل حلب، وكان نائبها المقرّ السيفي دمرداش الخاصكي(3/166)
وقد حضرت إليه عساكر الملكة الشامية كعسكر دمشق مع نائبها سودون، وعسكر طرابلس مع نائبها المقرّ السيفي شيخ الخاصكي، وعسكر حماة مع نائبها دقماق، وعسكر صفد وغزّة فاختلفت آراؤهم فمن قائل: ادخلوا المدينة وقاتلوا من الأسوار، وقائل:
اخرجوا إلى ظاهر البلد تلقاء العدو بالخيام.
فلما رأى نائب حلب اختلافهم أذن للناس في إخلائها والتوجه حيث شاؤوا، وكان نعم الرأي لو فعلوا، فلم يوافقوا على ذلك وضربوا خيامهم في ظاهر البلد تلقاء العدو، وحضر قاصد تيمورلنك فقتله نائب دمشق قبل أن يسمع كلامه، وبئسما فعل. ثم إن النواب ومعهم بعض العساكر والعامة خرجوا إلى جهة بابلّي تحت مشهد الشيخ فارس، وسمع بعضهم دمرداش وهو يقول للتتر: إنا إذا حملتم أنكسر، أو كلاما مثل هذا. ولما وقف الحلبيون والتقى الجيشان قرأ ابن القلعيني قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ
الآية وكان صيّتا. واستمر القتال يوم الخميس والجمعة.
ولما كان يوم السبت حادي عشر الشهر المذكور ركب تيمور وجمع وحشد، والفيلة تقاد بين يديه وهي ثمانية وثلاثون فيلا وزحف على حلب فانخذل دمرداش وانحاز إليه سرا يعلمه المخازي، وانهزم المسلمون بين أيدي التتر وجعلوا يلقون أنفسهم من الأسوار والخنادق، والتتر في أثرهم يقتلون ويأسرون وقد أحالت العساكر بالحوافر أجساد العامة، وجرى من دخول المنهزمين بالأبواب من فساد الأجساد وذهاب المهج ما أذهب العقول.
وأما سودون نائب دمشق فإنه قاتل على باب النيرب قتالا عظيما وحمل عليه معظم جيش تيمور وهو ثابت صابر، إلا أنه لما شاهد الغلبة دخل حلب. ودخلها جيش تيمور ينهبون الأموال ويحرقون المباني ويخربونها ويقتلون الكبار والصغار ويفتضّون الأبكار، ويأخذون المرأة ومعها ولدها الصغير على يدها فيلقونه من يدها ويفسقون بها. فلجأ النساء عند ذلك إلى الجامع الكبير ظنا منهنّ أن هذا يقيهنّ من أيدي الكفرة، وصارت المرأة تطلي وجهها بطين أو بشيء يشوّه محاسنها، فيأتي ذلك العلج إليها ويغسل وجهها ويتناولها ويتمسح بالأوراق الشريفة. ودام هذا الحال من يوم السبت إلى يوم الثلاثاء. ومع ذلك فإن طائفة من عساكر التتر لم يزالوا يشتغلون بنقب القلعة وبها جميع النواب وخواص الناس وأكثر أموالهم ونفائس أمتعتهم.(3/167)
وفي يوم الثلاثاء المذكور- وهو رابع عشر ربيع الأول- أخذ تيمور القلعة بالأمان، ونزل إليه دمرداش، وخلع تيمور عليه وصعدها في اليوم الثاني فدخل مقام الخليل وأسفّ رأسه «1» عند عتبته وقبّلها. ثم جلس في المقام وطلب علماء حلب وقضاتها، فحضر إليه القاضي شرف الدين موسى الأنصاري، والعلامة محب الدين بن الشحنة.
وكمال الدين بن العديم، وعلاء الدين أبي الحسن «2» علي بن خطيب الناصرية وغيرهم فوقفهم ساعة ثم أمر بجلوسهم وطلب من كان معه من أهل العلم وقال لأميرهم وهو المولى عبد الجبار ابن العلامة نعمان الدين الحنفي، وكان والده من العلماء المشهورين بسمرقند:
قل لهم إني سائلهم عن مسألة سألت عنها علماء سمرقند وبخارى وغيرهما من البلاد التي فتحتها، فلم يفصحوا عن جوابها فلا تكونوا مثلهم، ولا يجاوبني إلا أعلمكم وأفضلكم، وليعرف ما يتكلم فإني خالطت العلماء ولي بهم اختصاص وألفة، ولي في العلم طلب قديم.
قال ابن الشحنة: وكان بلغنا عنه أنه يعنّت العلماء في الأسئلة ويجعل ذلك سببا لقتلهم أو تعذيبهم، فقال القاضي شرف الدين عن ابن الشحنة: هذا شيخنا ومدرّس هذه البلاد وفقيهنا اسألوه والله المستعان. فقال عبد الجبار لابن الشحنة: سلطاننا يقول إنه بالأمس قتل منّا ومنكم فمن الشهيد: قتيلنا أم قتيلكم؟ فوجم الجميع وقالوا في أنفسهم: هذا الذي بلغنا عنه من التعنّت. فسكت القوم. قال ابن الشحنة: وفتح الله عليّ بجواب سريع بديع وقلت: هذا سؤال سئل عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأجاب عنه، وأنا مجيب بما أجاب به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال ابن الشّحنة: قال لي صاحبي القاضي شرف الدين بعد انقضاء الحادثة: والله العظيم، لما قلت: هذا سؤال سئل عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأجاب عنه، وإنك لمحدّث زماننا وعالمنا، قد اختل عقله. وهو معذور؛ فإن هذا سؤال لا يمكن الجواب عنه في مثل هذا المقام. ووقع في نفس عبد الجبار مثل ذلك، وألقى تيمور سمعه وبصره إلي، وقال لي:
عبد الجبار يسخر من كلامي كيف سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكيف أجاب؟ قلت: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إن الرجل يقاتل حميّة ويقاتل شجاعة ويقاتل ليعرف مكانه، فأيّنا في سبيل الله؟ فقال عليه السلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي(3/168)
العليا فهو في سبيل الله، ومن قاتل منّا لإعلاء كلمة الله فهو الشهيد. فقال تيمور: خوب.
وقال عبد الجبار: ما أحسن ما قلت. وانفتح باب المؤانسة، وقال تيمور: إني رجل نصف آدمي وقد أخذت بلاد كذا وكذا وعدد سائر ممالك العجم والعراق والهند وسائر بلاد التتر. فقلت: اجعل شكر هذه النعمة عفوك عن هذه الأمة ولا تقتل أحدا. فقال:
إني والله لم أقتل أحدا قصدا وإنما أنتم قتلتم أنفسكم في الأبواب، وو الله لا أقتل منكم أحدا وأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم.
وتكررت الأسئلة منه والأجوبة منّا، وطمع كل أحد من الفقهاء الحاضرين، وجعل يبادر إلى الجواب ويظن أنه في المدرسة، والقاضي شرف الذين ينهاهم ويقول: اسكتوا ليجاوب هذا الرجل فإنه يعرف ما يقول. يريد بالرجل ابن الشحنة. وآخر سؤال سأل عنه: ما تقولون في عليّ ومعاوية ويزيد؟ فأسرّ شرف الدين إلى ابن الشحنة- وكان إلى جانبه- أن أعرف كيف تجاوبه فإنه شيعي. فلم يفرغ ابن الشحنة من سماع كلام تيمور إلا وقد قال القاضى علم الدين بن القفصي الصيفي المالكي كلاما معناه أن عليا اجتهد وأصاب وله أجران، ومعاوية اجتهد وأخطأ وله أجر واحد. فتغيظ تيمور لذلك. ثم أجاب القاضي أبو البركات موسى الأنصاري الشافعي بأن معاوية لا يجوز لعنه لأنه صحابي.
فقال تمرلنك: ما حدّ الصحابي؟ فأجابه: إنّه «1» كل من رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال تمرلنك:
فاليهود والنصارى رأوه. فأجابه: بشرط أن يكون [الرّائي «2» ] مسلما. وأجاب شرف الدين أيضا بأني رأيت حاشية على بعض الكتب أنه يجوز لعن يزيد فقط. فتغيظ لذلك ووعدهم بالقتل وقال: علي على الحق ومعاوية ظالم ويزيد فاسق وأنتم حلبيون تبع لأهل دمشق، وهم يزيديون قتلوا الحسين.
فأخذ ابن الشحنة في ملاطفته بالاعتذار عن المالكي بأنه أجاب بشيء وجده في الكتاب لا يعرف معناه. قال في كنوز الذهب: فلم يقبل وقال: أريد منكم مالا وأنتم أعلم ببعضكم بعضا. فأخذوا الورقة وكتبوا فيها أسماء من عليهم المال، وقدر ما على كل واحد. وقصد بذلك أن يعلم درجتهم في المال. ثم أخذ بعد ذلك في مصادرة الناس وعقوبتهم. ثم إن(3/169)
تيمور عاد حلمه في ذلك المجلس. قال ابن الشحنة: وأخذ عبد الجبار يسأل مني ومن شرف الدين، فقال عن ابن الشحنة: هذا عالم مليح، وعن شرف الدين: هذا رجل فصيح. قال ابن الشحنة: فسألني تيمور لنك عن عمري فقلت: مولدي سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقد بلغت الآن أربعا وخمسين. وقال للقاضي شرف الدين: كم عمرك؟ قال:
أنا أكبر منه بسنة. فقال تيمور لنك: أنتم في عمر أولادي، أنا عمري اليوم بلغ خمسا وسبعين سنة.
وحضرت صلاة المغرب وأقيمت الصلاة وأمامنا عبد الجبار وصلّى تيمور لنك إلى جانبي قائما يركع ويسجد ثم تفرقنا. وفي اليوم الثاني غدر بكل من في القلعة وأخذ جميع ما كان فيها من الأموال والأقمشة والأمتعة مما لا يحصى. قال ابن الشحنة: أخبرني بعض كتابه أنه لم يكن أخذ من مدينة قطّ مثل ما أخذ من هذه القلعة ولا ما يقاربه، وعوقب غالب المسلمين بأنواع العقوبات وحبسوا بالقلعة ما بين مقيّد ومزنجر ومسجون ومرسم عليه. ونزل تيمور لنك من القلعة بدار النيابة وصنع وليمة على زي المغل ووقف سائر الملوك والنواب في خدمته وأدار عليهم كؤوس الخمر، والمسلمون في عقاب وعذاب وسبي وقتل وأسر، وجوامعهم ومساجدهم ومدارسهم وبيوتهم في هدم وحرق وتخريب ونبش إلى آخر ربيع الأول.
ثم طلبني ورفيقي القاضي شرف الدين وأعاد السؤال علينا فقلت له: الحق كان مع علي، وليس معاوية من الخلفاء، فإنه صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة. وقد تمت بعلي. فقال تيمور لنك: قل على عليّ الحق ومعاوية ظالم. فقلت:
قال صاحب الهداية: يجوز تقلّد القضاء من ولاة الجور، فإن كثيرا من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق لعلّي في نوبته. فانسرّ لذلك وطلب الأمراء الذين عينهم للإقامة بحلب وقال لهم: إن هذين الرجلين نزول عندكم بهذه البلدة فأحسنوا إليهما وإلى ألزامهما وأصحابهما ومن ينضم إليهما ولا تمكّنوا أحدا من أذيتهما ورتّبوا لهما علوفة ولا تدعوهما في القلعة بل اجعلوا إقامتهما بالمدرسة، يعني السلطانية التي تجاه القلعة. وفعلوا ما أوصاهم به إلا أنهم لم ينزلونا من القلعة، وقال لنا الذي ولي الحكم منهم بحلب الأمير موسى ابن الحاجب طغاي: إني أخاف عليكما، والذي فهمته من نسق تيمور أنه إذا أمر بسوء فعل بسرعة ولا محيد عنه، وإذا أمر بخير فالأمر فيه لمن وليه.(3/170)
وفي أول يوم من ربيع الآخر برز إلى ظاهر حلب متوجها نحو دمشق، وثاني يوم أرسل يطلب علماء البلد، فرحنا إليه والمسلمون في أمر مريج وقطع رؤوس، فقلنا: ما الخبر؟ فقيل: إن تيمور يطلب من عسكره رؤوسا من المسلمين على عادته التي كان يفعلها في البلاد التي أخذها. فلما وصلنا إليه أرسلنا رسولا يقول له: إننا قد حضرنا وهو حلف ألّا يقتل أحد منا صبرا. فعاد إليه ونحن ننظره وبين يديه لحم سليق في طبق يأكل منه، فتكلم معه يسيرا ثم جاء إلينا شخص بشيء من ذلك اللحم فلم نفرغ من أكله إلا وزعجة قائمة، وتيمور صوته عال، وساق شخصا هكذا وآخر هكذا وجاءنا أمير يعتذر ويقول:
إن سلطاننا لم يأمر باحضار رؤوس المسلمين وإنما أمر بقطع رؤوس القتلى وأن يجعل منه قبة إقامة لحرمته على جاري عادته، ففهموا عنه غير ما أراد وإنه قد أطلقكم فامضوا حيث شئتم.
قلت: وحكى القرماني عن بعض الثقات أنه شاهد بظاهر حلب قد بني شبه المآذن من رؤوس الرجال مرتفعة البناء، دورها نيّف وعشرون ذراعا وعلوّها في الهواء نحو عشرة أذرع بارزة وجوهها تسفي عليها الرياح وعدّتها عشرة. ثم قال ابن الشحنة: وركب تيمور لنك من ساعته وتوجه نحو دمشق فعدنا إلى القلعة ورأينا المصلحة في الإقامة بها.
وأخذ الأمير موسى في الإحسان إلينا وقبول شفاعتنا وتفقد أحوالنا مدة إقامته بحلب وقلعتها، وتأتينا الأخبار بأن السلطان الملك الناصر فرج قد نزل إلى دمشق وأنه كسر تيمور، ومرة نسمع بالعكس، إلى أن انجلت القضية عن توجه السلطان إلى مصر بعد أن قاتل تيمور قتالا شديدا أشرف منه تيمور على الكسرة والهزيمة.
ولما كان سابع عشر شعبان المعظم من السنة المذكورة وصل تيمور عائدا من الشام إلى الجبّول شرقي حلب ولم يدخل حلب بل أمر المقيمين بها من جهته بتخريب القلعة وإحراق المدينة ففعلوا ونزلوا من القلعة، وطلبني الأمير السيد عز الدين، وكان من أكبر أمرائه وقال: إن الأمير «تيمور قان» يسلم عليك ويقول: إن عنده مثلك كثيرا وهذه البلاد باب مكة وليس بها عالم فلتكن أنت بها، وقد رسم بإطلاقك ومن معك من القضاة، فاطلب من شئت وأكثر لأروح معكم إلى مشهد الحسين وأقيم عندكم حتى لا يبقى من عساكرنا أحد. وكان القاضي شرف الدين لا يفارقني، وطلبنا من تأخر من القضاة في القلعة واجتمع منا نحو ألفي مسلم، وتوجّهنا صحبة المشار إليه لمشهد الحسين وأقمنا به(3/171)
ننظر إلى حلب والنار تضرب في أرجائها. وبعد ثلاثة أيام لم يبق من التتر أحد ونزلنا إلى بيوتنا بالمدينة فاستوحشنا منها ولم يقدر أحد منا على الإقامة ببيته من النّتن والوحشة، ولم يمكن السلوك في الأزقة من ذلك، كما قال:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس، ولم يسمر بمكة سامر «1»
قال أبو ذر في تاريخه: وأما الجامع الكبير فكانت القتلى فيه من الباب الشرقي إلى البركة، وصار الناس يمشون على القتلى إلى بعد ذهاب هذه المحنة فدفنوا بالحجازية «2» من الجامع.
قال ابن خطيب الناصرية في تاريخه: وقال الشعراء في هذه الحادثة المدلهمة عدة قصائد، فمن ذلك ما قاله بعض أهل الأدب:
يا عين جودي بدمع منك منسكب ... طول الزمان على ما حلّ في حلب
من العدوّ الذي قد أمّ ساحتها ... ناح الغراب على ذاك الحمى الخرب
ويلاه ويلاه يا شهبا عليك وقد ... كسوتني ثوب حزن غير منسلب
من بعد ذاك العلا والعزّ قد حكمت ... بالذل فيك يد الأغيار والنّوب
وحين جاء قضاء الله ما دفعت ... عنك الجيوش ولا الشجعان بالقضب
وأصبح المغل حكّاما عليك ولم ... يرعوا لجارك ذي القربى ولا الجنب
وفرقوا أهلك السادات وانتشروا ... في كلّ قطر من الأقطار بالهرب
وبدّلوا من لباس اللين ذا خشن ... نعم، ومن راحة الأبدان بالتعب
وكلّ ما كان من مال لديك غدا ... في قبضة المغل بعد الورق والذهب
وخرّبوا ربعك المعمور حين غدوا ... يسعون في كل نحو منك بالنكب
وخرّقوا من بيوت الله معظمها ... وحرّقوا ما بها من أشرف الكتب
كذا بلادك أمست وهي خالية ... وأصبحت أهلها بالخوف والرعب
لكن مصيبتك الكبرى التي عظمت ... سبي الحريم ذوات الستر والحجب
من كل آنسة لا شمس تنظرها ... ولا يراها سوى أم لها وأب
يأتي إليها عدوّ الدين يفضحها ... ويجتليها على لاه ومرتقب(3/172)
غلّت يمينك يا من مدّها لسنا ... ذاك الجمال وشلّت منك بالعطب
ولا نقول سوى سبحان من نفذت ... أحكامه في الورى حقا بلا كذب
قضى وقدّر هذا الأمر من قدم ... بحكم عدل جرى في اللوح والكتب
فنسأل الله بالمختار سيدنا ... محمد ذي التقى والطهر والحسب
أن لا يرينا عدوا ليس يرحمنا ... ولا يعاملنا بالمقت والغضب
صلى عليه إله العرش خالقنا ... والآل والصحب سادات الورى النجب
قال ابن الشحنة: وكانت نواب الشام مع تيمور مأسورين فانفلتوا منه أول بأول.
وذكر في كنوز الذهب أن تيمور عرض أسرى بلد الشام ونواحيها فكانوا ثلاثمائة ألف أسير وستين ألف أسير. قال ابن الشحنة: وكان السيفي دمرداش الخاصكي حين انفلت منه من حماة- حال توجهه إلى نحو دمشق- توجّه نحو السلطان واتفق معه وجاءه تقليد شريف من السلطان باستمراره في نيابة حلب، فدخلها وأخذ في عمارتها ورمم دار النيابة وسكن بها وتراجعت الناس.
نزول أمير العرب على حلب
وفي هذه السنة نزل على حلب الأمير نعير بن جبار- أمير العرب- قاصدا إخراج الأمير دمرداش منها لوحشة سبقت بينهما. فحاصرها مدة أيام وضايقها. وغلا السعر وحصل لأهل حلب شدة عظيمة، وكان العسكر بحلب قليلا جدا فاستنجد الأمير دمرداش بأحمد بن رمضان أمير التركمان فلباه وأقبل إليه بخيله ورجله، وجاء حلب ودخلها من باب النصر وخرج من باب قنسرين لأن القتال بين الحلبيين وبين العرب كان فيما بين حلب وجبرين. فاشتد القتال بين الفريقين وأشرف الحلبيون والتركمان على النصرة فحال الليل بينهم، فرجع الحلبيون والتركمان إلى المدينة وعوّل نعير أمير العرب على الهزيمة. ولما أصبح الحلبيون والتركمان خرجا للقتال فلم يروا أحدا. فتتبع التركمان آثار العرب فلم يظفروا بهم غير أنهم صادفوا بعض أغنام استاقوها ودخلوا بها إلى حلب.
وفي سنة 804 ولي حلب دقماق عوضا عن دمرداش لأنه أظهر العصيان بحلب، فأرسل السلطان عسكرا مع دقماق وحاربه وقبض عليه وأرسله إلى القاهرة.(3/173)
وسنة 806 ولي حلب الأمير علاء الدين أقبغا الجمالي الهذباني، عائدا إليها، فأقام بها أربعين يوما ومات ودفن بتربة أنشأها بسوق الخيل. واستقر في نيابة حلب السيفي دمرداش عائدا إليها.
قتال فارس بن صاحب الباز
وفيها استفحل أمر فارس بن صاحب الباز التركماني- أمير التركمان- بناحية العمق فاستولى على أنطاكية والقصير ودركوش، فخرج إليه دمرداش ومعه العساكر الحلبية ووصل إلى جب الحيّات في العمق بين القصير وأنطاكية والتقى الفريقان هناك، فكسر الأمير دمرداش وقتل من عسكره وأمرائه جماعة وعاد إلى حلب بكرة عيد الأضحى، وقوي أمير التركمان جدا. ثم جمع دمرداش العسكر وتوجه إلى أنطاكية لقتاله، وكتب إلى الأمير علي باك بن دلغادر، وإلى أحمد بن رمضان مقدّمي التركمان في البلاد يستنجدهما عليه، فوافياه وهو على أنطاكية وابن صاحب الباز بها ومعه الأمير جكم. فأقام العسكر عليها مدة فلم يظفروا بطائل ورجعوا عنه خائبين.
واستفحل أمره وعظم خطره واستولى على البلاد الغربية بأسرها ووصل إلى جبل سمعان، وتوجه إليه من حلب جماعة أقاموا عنده لأجل إقطاعاتهم، واستولى على جانب من بلاد طرابلس كصهيون وصار له من باب الملك إلى صهيون وأطراف بلد سرمين.
وبقي نواب حلب ليس لهم حكم في تلك البلاد بالكلية وصاروا كالمحصورين، فإن هذه البلاد التي استولى عليها هي التي كانت عامرة من أعمال حلب وهي: أنطاكية والقصير والشّغر ودير كوش وحارم وبغراس والحلقة وسائر أعمالها وبرزيه وصهيون واللاذقية وجبلة وتلك النواحي، وعجز النواب عن دفعه، للخلف بينهم وقلة العساكر فيهم، وصار ابن صاحب الباز في عسكر عظيم إلى أن قدّر الله كسره على يد جكم حينما تولى نيابة حلب، فاستنقذ منه البلاد وأراح منه العباد، ثم تبعه إلى أنطاكية وقطع جسر الحديد ونزل شرقيّه واستمر يحاصره أياما، ثم شرع في حفر نهر لتحويل العاصي إليه ففر التركماني إلى جهة القصير، وتبعه الأمير «جكم» بمن معه حتى حاصره في قلعة هناك فطلب الأمان فأعطاه فنزل، ثم سلمه إلى عدو له فقتله. وكان على شجاعة عظيمة محبا للخير، بنى بحضرة سيدي حبيب النجار بأنطاكية مدرسة.(3/174)
قصد دمشوخجا بلد حلب
وفي هذه السنة أعني سنة 806 نزل على حلب دمشوخجا بن سالم التركماني- نائب قلعة جعبر- فأفسد القرى ونهبها وقطع السبل، وعاقب الرجال ببلد عزاز وارتكب أمورا عظيمة من المفاسد، ولم يأخذه رأفة على المسلمين. فقدم عليه عدوه نعير ابن جبار بن مهنا أمير العرب من ناحية الشرق، واشتبك القتال بينهما أياما فانتصر نعير عليه وفرق حزبه ونهب أمواله ومزقه كل ممزق. وكان دمشوخجا من المفسدين في الأرض رئيس اللصوص وقطاع الطريق، فأراح الله منه البلاد والعباد.
زلزال عظيم:
وفي صبيحة يوم الخميس عاشر شعبان من هذه السنة زلزلت حلب زلازل كثيرة، منها واحدة مزعجة أخربت كثيرا من الأماكن والمساجد بحلب، وأخربت كثيرا من مدينة الشّغر ولم يعهد من قديم الزمان زلزلة مثلها، فاجتمعت الفتن والزلازل.
تملك جكم:
وفي سنة 807 هرب «جكم» من السجن في قلعة دمشق وتوجه إلى حلب وأقام بها مدة يسيرة. فلما قويت شوكته قبض على دمرداش نائب حلب وعلى الحاجب وعلى نائب القلعة، وملك المدينة وقلعتها وقطع اسم الملك الناصر من الخطبة، وركب بشعار السلطنة، وباس له الأمراء الأرض بحلب وتلقب بالملك العادل.
تواتر الزلازل:
وفيها زلزلت حلب يوم الجمعة ثالث جمادى الأولى وقت الاستواء زلزلة عظيمة فزع الناس لها ولجؤوا إلى الله تعالى، ثم سكنت بعد لحظة. ثم زلزلت زلازل كثيرة في السنة المذكورة ولطف الله بعباده.
وفي سنة 808 ثار نائب القلعة بحلب والحاجب وجماعة من التركمان على «جكم» وأخرجوه من حلب، فبلغ السلطان ذلك وأرسل تقليدا إلى علان اليحياوي بنيابة حلب. وفي جمادى الآخرة أتى «جكم» وهجم على حلب وقتل دقماق المحمدي الذي كان نائبا بها قبلا ونهبها(3/175)
وملك قلعتها. وسمع السلطان ذلك فأرسل له تقليدا بنيابة حلب ونيابة طرابلس مضافة لنيابة حلب فعدّ ذلك من النوادر. وفي رمضان هذه السنة تحارب جكم مع الباز التركماني الذي سلف ذكره في حوادث سنة 806 فملك جكم جميع أمواله وقبض جكم على العجل ابن النعير أمير العرب بعد أن جرى بينهما مقتلة عظيمة عند قرية زيتان على النهر، وولى جكم على العرب ابن العجل.
أصل قبيلة آل المهنا:
كانت هذه القبيلة من العرب تعرف بآل المهنا، وينتهي نسبه إلى بدر بن ربيعة. وكانت مساكنهم صحراء حلب وحماة وبعض صحراء الخابور. وكانوا أولي شوكة وصولة، كثيرا ما كان نواب حلب وحماة ودمشق يستعينون بهم على من عاداهم فيجدون منهم قوة ونجدة فوق مأملهم. وقد ذكر ابن الخطيب عدة رجال منهم يستحقون الذكر لما عندهم من الشجاعة والكرم والشهامة.
وفي ذي القعدة من هذه السنة ولي حلب دمرداش عوضا عن جكم. وفي سنة 809 وصل السلطان إلى حلب وقرر في نيابتها جركس القاسمي، فلما خرج السلطان من حلب رجع «جكم» إليها وملكها وفرّ القاسمي. ثم ملك «جكم» دمشق وتلقب بالملك العادل. فعند ذلك تحرك عليه قره بلك نحو آمد فتبعه «جكم» في عسكر قليل ودخل مضيقا لا يسعه الفرار فيه، فسقط عن فرسه فقبض عليه بعض التركمان وقطع رأسه وجهزه إلى مصر.
قصد ابن دلغادر حلب:
وفي سنة 810 قدم إلى حلب علي بن خليل بن قراجا بن دلغادر، الشهير بعلي باك التركماني، أمير التركمان ببلاد مرعش وما والاها. قدم إليها لإنقاذ ولده المحبوس بقلعتها من قبل الأمير جكم فصادف وقت قدومه خلو حلب عن نائب، لأن نائبها جكم كان قد قتل ولم يقم مكانه نائب. ولما وصل ابن خليل إلى دابق سيّر إليه أهل حلب بالرجوع عنهم فطلب ولده منهم، ثم جاء إلى الميدان الأخضر شمالي حلب ونزل بمن معه من جموع التركمان الأزرعية والبياضية وغيرهم- وكانوا زهاء خمسة آلاف نفر- فخرج أهل حلب(3/176)
لقتاله وجرت بينهم وقعة انكسر بها أهل حلب ودخلوا البلد. واستمر يحاصر حلب وكان بالقلعة جماعة عصوا ووافقوا ابن خليل المذكور وجعل الحلبيون يقاتلون ابن خليل والتركمان خارج السور، ويقاتلون أهل القلعة داخله، وأهل القلعة يرمون الحلبيين. وأصر ابن خليل والتركمان على حصار حلب أياما فجهزوا إليه ولده فلم يفد شيئا ولم يزده إلا بغيا، فنهب القرى التي حول حلب وأفسد في البر فسادا كبيرا، ثم انتقل من الجهة الشمالية ونزل قبليّ حلب على السعدي وما حوله وجدّ في الحصار واشتد أهل حلب لقتاله ولم يكن عندهم من الجند سوى عشرين فارسا، وحصل لأهل حلب ضيق عظيم وطال عليهم ذلك نحو اثنين وأربعين يوما حتى فرج الله عليهم بقدوم نجدة لهم من طرف حماة وانهزم ابن خليل.
قتال أمير التركمان:
وفي هذه السنة ولي حلب تمربغا المشطوب. وفيها عظم شأن كردي باك أمير التركمان بالعمق، فتوجه لقتاله تمربغا المشطوب نائب حلب وقاتله أياما فانكسر ورجع خائبا.
وتمادى كردي باك في غلوائه حتى خرج عليه الملك المؤيد شيخ فقاتله بالقرب من بقراص- تحت جبل اللكام- فغلبه وكسره كسرة شنيعة وعاد المؤيد شيخ ظافرا غانما.
وفي ربيع الأول سنة 811 استقر في نيابة حلب الأمير دمرداش. وفي هذه المرة أكمل بناء جامع الأطروش الذي قدمنا ذكره في الكلام على محلة الأعجام من الجزء الثاني.
إبطال مكس البيض:
وفيها نقش على جدار الجامع الأموي ما صورته: «لما كان بتاريخ سنة 811 ورد المرسوم الكريم العالي المولوي كافل المملكة الحلبية الملك دمرداش بإبطال مكس البيض من المملكة الحلبية، وملعون ابن ملعون من يعيده ويجدده» .
وفي أوائل سنة 813 جاء إلى حلب شاهين بن عبد الله من قبل ملك الأمراء شيخ فنزل ببانقوسا يوم الجمعة وزحف على المدينة وبها نواب الأمير دمرداش وحاصرها إلى أن أخذها ثاني يوم نهار السبت في العشر الأول من المحرم، واستمر بها حاكما إلى العشر الأول من ربيع الأول من السنة المذكورة، فصالح شيخ الأمير نوروز وجاء نوروز إلى حلب(3/177)
من قبل شيخ لأنه ملك الشام جميعه. وكان سلطان مصر ولّى حلب نوروز المذكور سنة 812 إلا أنه لم يستطع أن يدخلها خوفا من شيخ. وفي ربيع الآخر من السنة المذكورة أعني سنة 813 قرر السلطان في نيابة حلب قرقماش بعد أن قهر شيخ ونوروز وغلبهما.
وفي ذي القعدة منها تصالح شيخ مع السلطان وتولى شيخ من قبل السلطان نيابة حلب، ونوروز نيابة دمشق. وفي ربيع الآخر سنة 814 اتفق شيخ ونوروز على العصيان وخرجا.
وفي سنة 815 وصل السلطان لدمشق لمحاربتهما وصار يطردهما من بلد إلى بلد، وكان مع هذا منغمرا في السكر فأعيت العسكر وشغبت عليه العامة وخلعوه وقتلوه في دمشق.
وكان في هذه البرهة قد ولي دمرداش حلب، فأتى إليها نوروز في الربيع الآخر وهرب منه دمرداش وعّين نوروز لنيابة حلب يشبك بن يزدمر. وكان بين نوروز وشيخ عهود، منها أن يكون شيخ أتابك العساكر بمصر، والخليفة هو السلطان، ونوروز هو نائب البلاد الشامية. ثم لما تسلطن شيخ وخان العهود أظهر نوروز العصيان فحاربه السلطان في دمشق وقتله وسار إلى حلب وولى نيابتها إينال الصصلاقي وذلك سنة 817 وفي سنة 818 أظهر العصيان نائب دمشق قاني باي، ووافقه الصصلاقي نائب حلب. فحضر السلطان إلى حلب وكان النائبان المذكوران فيها ففرا منه فتبعهما إلى العمق وقبض عليهما وذبحهما.
ثم ولى نيابة حلب أقباي الدوادار وذلك كله في السنة المذكورة.
وفي سنة 820 سافر نائب حلب «أقباي» إلى القاهرة وكان أشيع عنه العصيان ففرح به السلطان وقرره في نيابة دمشق وقرر في نيابة حلب الأمير قجقار القردمي. ثم في رجب هذه السنة تغير خاطر السلطان على قجقار القردمي فسجنه وقرر في نيابة حلب يشبك اليوسفي، وقرر في نيابة قلعتها شاهين الأعور شاوي. وفي هذه السنة قتل علي عماد الدين النسيمي بحلب. وقد تكلمنا عليه في باب التراجم.(3/178)
قصد قرا يوسف حلب
وفي سنة 821 قصد قرا يوسف التركماني- ملك بغداد- غزو قره بلك أحد أمراء التركمان في نواحي الموصل وما والاها، فجفل منه قرا بلك. وجاء الخبر إلى حلب فجفل أهلها. ثم إن قرا بلك قطع الفرات فساق خلفه قرا يوسف جريدة «1» وكبسه على عينتاب فنهبها وأحرقها. ووصل الخبر بذلك إلى حلب فخاف أهلها خوفا شديدا وخرجوا جرائد على وجوههم النساء والأولاد مشاة حفاة. ومنهم من اعتصم في القلعة وسير نائب حلب إلى السلطان يخبره بذلك فتهيأ السلطان لمدافعة قرا يوسف والتوجه إلى الشام. وأما قرا يوسف فإنه وصل بنفسه إلى ناحية تل باشر ووصل قسم من عسكره إلى حلب- وكانت خالية- فتلقاهم الأمير يشبك في شرقي بابلّي وهو في نحو أربعين فارسا وهم في نحو الخمسمائة، فنصر الله الأمير يشبك على عسكر قرا يوسف ورجع إلى حلب منصورا.
ثم أرسل قرا يوسف إلى حلب رسولا يقول لهم: إني لم أرد حلب وإنما أطلب قرا بلك.
فأخبره أهل حلب أن المذكور توجه من حلب منذ أيام، وعندها أقلع عن حلب ورجع الحلبيون إلى أوطانهم.
مجيء الأمراء إلى حلب وقتل يشبك اليوسفي
وفي سنة 823 دخل ألطنبغا القرشي الأمير يوسف حلب وصحبته عدة أمراء مظهرين أن السلطان جهزهم إليها لحفظ البلاد من قرا يوسف، لأن السلطان بلغه أن قرا يوسف جمع من العساكر ما لا يحصى وقصد محاربة نائب حلب. فاستوحش منهم يشبك اليوسفي نائب حلب وتحفظ منهم ولم يجسروا عليه. ولما كان يوم الخميس ثاني عشر المحرم سنة 824 ورد هجّان «2» وبيده كتاب يخبر بوفاة السلطان الملك المؤيد شيخ. فاضطرب ألطنبغا وجماعته وتوجهوا إلى جهة مصر وخرجوا من حلب من باب المقام، والأمير يشبك اليوسفي يراهم ولم يخرج لتوديعهم. ولما أبعدوا عن حلب قليلا ركب اليوسفي في أثرهم فلما بصروا به رجعوا عليه وتقاتلوا ساعة، فانتصر الأمير ألطنبغا وانكسر اليوسفي وقتل(3/179)
وجيء برأسه وعلق على باب القلعة. ومن العجيب أن السماط الذي أعده اليوسفي لغدائه صار غداء الأمير ألطنبغا وجماعته. واستقر ألطنبغا في نيابة حلب.
وفيها عزل ألطنبغا عن نيابة حلب ووليها إينال الجكمي. ثم في رجب منها وليها تغري ويردي. ثم في رابع ذي الحجة منها عزل تغري ويردي لأنه شاع عنه العصيان وولي نيابة حلب مكانه قان بك، فتسلم حلب في المحرم سنة 825 بعد أن حصل بينه بين تغري ويردي حرب شديدة وانكسر تغري ويردي وهرب. وفي سنة 826 ولي حلب جارقطلو.
وفي ربيع الآخر سنة 830 ولي نيابة حلب قصرو، وهو الذي احتفل بمشهد عبد الله الأنصاري الذي أسلفنا ذكره في الكلام على محلة الكلاسة في الجزء الثاني. وفي سنة 833 كان الوباء بحلب والشام ومصر وما بينهما، وتلف فيه خلق كثير وبلغت فيه الوفيات اليومية في مصر عشرة آلاف نسمة، ثم صرفه الله بفضله ولطفه.
وفي سنة 836 سار السلطان من الديار المصرية إلى الديار الشامية إلى حلب ودخلها في يوم مشهود، وخلع على القاضي محب الدين بن الشحنة وأقرّه في قضائه. ثم توجه نحو البيرة ونزل على آمد وجرى بينه وبين «قرا بلك» وقعة عظيمة. ثم بلغ السلطان أن قرا بلك سار إلى جهة حلب ليأخذها على حين غفلة من السلطان فجهز له عسكرا وأدركوه بالقرب من الفرات فحصل بينهم وقعة عظيمة ورجع قرا بلك وعاد السلطان.
وفي سنة 837 في رجب ولي حلب قرقماش الشعباني حاجب الحجاب. وفي سنة 839 ولي حلب إينال الجمكي ثانية ثم في رجبها وليها تغري ويرمش التركماني. وفي أواخر هذه السنة سار تغري ويرمش ومعه ثمانية مقدّمين «1» - وكان من جملتهم الأمير جقمق الذي صار بعد سلطانا- ساروا جميعا إلى طرد ابن دلغادر عن البلاد الحلبية، فطردوه ثم عادوا إلى حلب. ثم عاد الأمراء إلى الديار المصرية حسب المرسوم السلطاني.
وفي سنة 842 أظهر العصيان تغري ويرمش نائب حلب. وفي شعبانها ثار عليه أهل حلب ورجموه بالحجارة ونهبوه وأخرجوه. والسبب في ذلك أن تغري ويرمش حاصر القلعة واطلع على أن أهل حلب مائلون مع نائبها، فنادى مناديه بنهب البلد فثاروا عليه.
ثم في شوال سارت العساكر إلى حلب لقتال تغري ويرمش نائبها، فلما وصلوها وجدوه(3/180)
في جموع كثيرة من التركمان، فوقع بينهم مقتلة عظيمة. ثم قبض بعض التركمان الذين مع تغري ويرمش عليه وكاتبوا السلطان بذلك، فأمر بقتله فقتلوه وأرسلوا رأسه للقاهرة.
وفي شوال هذه السنة ولي حلب الأمير جلبان. ثم في سنة 843 وليها قانباي الحمزاوي ثم نقل منها إلى دمشق.
إبطال مكس الكتان وتكسير الخوابي
وفي سنة 846 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ سابع عشر ربيع الآخر سنة 846 ورد المرسوم الشريف السلطاني من الملك الظاهر جقمق- خلّد الله ملكه- بإبطال مكس الكتّان من خان الكتّان، وملعون من يجدده» . ونقش أيضا: «لما كان بتاريخ سابع وعشرين ربيع الآخر سنة 846 ورد المرسوم الشريف السلطاني من الملك الظاهر جقمق- خلد الله ملكه- بإبطال ما كان يؤخذ من أهل مدينة سرمين عن تكسير الخوابي إبطالا دائما ابتغاء لوجه الله تعالى، والله يجزيه الثواب العظيم» .
وفي سنة 849 ولي حلب تغري ويردي الجركسي. وفيها حدث بحلب طاعون عظيم لم تعلم وفياته اليومية. وفي سنة 851 تقرر في نيابة حلب آق ويردي الساقي الخاصكي، ثم استبدل بقان بك البهلوان فتوفي في ربيع الأول، وولي حلب برسباي الناصري فتوفي في جمادى الآخرة وولي حلب «تنم» . وفي سنة 852 أعيد قان باي الحمزاوي إلى نيابة حلب.
إبطال ما كان يؤخذ من الدلالين:
وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ جمادى الأولى سنة 852 ورد المرسوم من الدولة الشريفة العالية الظاهرية مولانا الملك جقمق- خلّد الله ملكه- كافل المملكة الحلبية المحروسة، أعز الله أنصاره، في إبطال ما كان يؤخذ ظلما من الدلالين في سوق الحراج وأن لا يتعرض لهم أحد من خلق الله. وملعون ابن ملعون من يجددها أو يعيدها أو يسعى بها» .
طاعون:
وفي مسودة كنوز الذهب ما خلاصته: في هذه السنة حدث في حلب وأطرافها طاعون(3/181)
سرت جراثيمه إلى غدير خندق القلعة فأفنى ما فيه من السمك، وطفت جثثه على وجه الماء، وفتك في المحلات الخارجة عن السور، لا سيما محلة الكلاسة وبانقوسا أكثر مما فتك في سكان غيرهما من محلات حلب الداخلية وكثرت الوفيات منه في القرى القريبة من حلب حتى نتن هواؤها وبلغت وفياته اليومية في حلب نحوا من خمسمائة نسمة.
إبطال مكس الزيتون من قرى عزاز:
وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ خامس شهر ربيع الأول سنة 857 رسم المقرّ الكريم العالي يوسف الخاقاني- بإشارة مخدومه المقرّ الكريم العالي السيفي المنصوري، مولانا الملك الآمر أعز الله أنصاره- بإبطال مكس الزيتون من قرى عزاز ومعاملتها وملعون ابن ملعون من يعيدها أو يجددها» .
وفي سنة 859 ولي حلب جانم الأشرفي.
احتفال الناس بماء السمرمر:
قال في مسودة كنوز الذهب ما خلاصته: في هذه السنة 859 احتفل الناس بوصول ماء السمرمر إلى حلب، أحضر إليها من عين ماء في واد من بلاد العجم وهو محفوظ في إبريق من الصفيح، فوضع على مئذنة جامع القلعة زعما بأنه يجلب طير السمرمر، الذي هو عدوّ الجراد. قلت: سيأتي لنا في حوادث سنة 964 ما فيه البيان لبطلان هذا الزعم.
وفي سنة 863 ولي حلب إينال اليشبكي.
طاعون جارف:
وفيها وقع طاعون بحلب أهلك الحرث والنسل، وأقفل دورا كثيرة ومحى عدة بيوت، وتوفي فيه حم غفير من العلماء والأعيان. ومات فيه بحلب وضواحيها زيادة عن مائتي ألف نسمة.
إبطال خانية قلعة القصير:
وفي سنة 864 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ سلخ شهر محرّم سنة 864 رسم حضرة مولانا السلطان الملك الأشرف إينال- خلد الله ملكه- بإبطال(3/182)
ما تجدّد على المصعة بقلعة القصير عن كل خانية عشرة دراهم وأن لا يؤخذ منهم سوى كل خانية درهم واحد، على جري عادتهم في الزمان القديم. وملعون ابن ملعون من جدد هذه المظلمة» .
وفي سنة 865 توفي إينال اليشبكي نائب حلب ووليها جاني بك التاجي.
إبطال مكس الزيت من قرى عزاز:
وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ سادس شهر ربيع الأول سنة 865 رسم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي السيفي- كافل المملكة الحلبية الشريفة المحروسة- بإبطال مكس الزيت من قرى عزاز وتوابعها وملعون ابن ملعون من يجدده إلى يوم الدين» .
وفي سنة 868 ولي حلب بردبك الجمدار. وفي سنة 871 ولي حلب يشبك البجاسي.
قتال أمراء ذي القدرية مع بعضهم:
وفي جمادى الآخرة سمع السلطان بمصر أن رستم بن دلغادر قد تحارب مع قريبه شاه سوار، كلاهما من أمراء الدولة الغادرية. فرسم السلطان أن يخرج عسكر حلب لمساعدة رستم، وهذا أول باب فتح للشر مع شاه سوار. وفي سنة 872 قويت شوكة شاه سوار فقصده عسكر الشام وحلب فكسرهم وقتل كثيرين من الأعيان واستولى على عدة مدن وقلاع. وفي جمادى الأولى ولي نائب حلب عائدا إليها بردبك الجمدار. وفي سنة 873 ولي حلب إينال الأشقر.
محاربة شاه سوار:
وفيها أمر السلطان أولاد الناس أن يخرجوا لمحاربة شاه سوار. لأنه عزم على أخذ حلب.
وأمر السلطان أن من لم يسافر لمحاربة شاه سوار فليحمل إلى بيت المال مائة دينار بدلا.
وفي شعبان هذه السنة سار العسكر من مصر لمحاربة شاه سوار، فلما وصلوا إلى حلب هرب منهم فتبعوه ودخلوا في مواضع ضيقة فخرج عليهم في سواده الأعظم وقتل منهم(3/183)
ومن أمرائهم ما لا يحصى، وكانت وقعة مشهورة. ثم رجع العسكر المصري في أسوأ حال.
وفي 874 ولي حلب قانصوه اليحياوي. وفي سنة 876 وصلت العساكر التي جهزها السلطان لمحاربة الشاه سوار فالتقوا معه وأخذوا منه عينتاب وغيرها. ثم في الآخرة التقوا معه ثانية وكسروه كسرة شنيعة حتى التجأ إلى قلعة زمنطوا فساروا إليه وحاصروه. ثم طلب أحد الأمراء ليخاطبه في الصلح فصعد إليه ومعه القاضي شمس الدين بن أجا، قاضي العسكر، وتكلما معه فيما قصد وضمنا له إن أصابه شيء. فلم ينزل فخرجا من عنده وأتيا المعسكر وضيقا عليه الحصار، فطلبهما ثانيا وتكلم معهما كلاما طويلا ونزل معهما، ثم غدر به نائب الشام وزنجره واستصفى بلاده وأمواله وسيّره معه إلى القاهرة، فشنقه السلطان مع عدة من أصحابه. وفي سنة 878 ولي حلب قايتباي الحمزاوي.
إبطال مكس السلاح وغيره:
وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ أول رجب الفرد سنة 878 رسم الكريم العالي السيفي خاير بك أمير السلاح المقر الكريم العالي السيفي قايتباي الحمزاوي- كافل المملكة الحلبية المحروسة- بإبطال مكس جميع السلاح في سوق السلاح. وملعون ابن ملعون من جدّد هذه المظلمة. ومن سعى بتجديدها كان الله ورسوله خصمه يوم القيامة» .
وفي سنة 882 نقش ما صورته أيضا: «الحمد لله، لما كان بتاريخ رجب سنة 882 رسم الأمير الشريف العالي المولوي الملكي الأشرفي قايتباي- خلّد الله ملكه وأدام اقتداره بمحمد وآله- بإبطال ما على الدباغين بدير كوش من المكس والمظلمة» .
ونقش أيضا ما صورته: «لما كان بتاريخ ثالث عشر ذي الحجة سنة 882 ورد المرسوم الشريف من حضرة مولانا المقرّ العالي السلطاني الملكي الظاهري قايتباي الحمزاوي- كافل المملكة المحروسة أعز الله أنصاره- بإبطال مكس الملح الداخل مدينة حلب وملعون ابن ملعون من يتعرض له أو يعيده» .
وفي سنة 884 ولي حلب أزدمر بن مزيد.(3/184)
البطش بالحوارنة:
وفي سنة 885 بطش الحوارنة ببعض أعوان أزدمر، فصار يتبعهم ليقتلهم. فحصروه مرة بدار العدل فخشي شيخهم ابن سيرك عاقبة أمرهم فأمرهم أن يطردوه بالسلاح والحجارة صورة، ففعلوا فهرب إلى دار العدل وقال لأزدمر: إن لم تنادهم بالأمان قتلوك وقتلوني ومتى اطمأنوا فتتبّع واقتل. فناداهم أزدمر بالأمان، ثم أمسك منهم بعد مدة طائفة وأمر بإحضارهم إليه في يوم الموكب حيث القضاة الأربعة حضور عنده، وذلك ليوهم أن قتلهم كان شرعا. فأحضروا إليه في اليوم المذكور وأمر الجلاد بقتل واحد منهم فضربت عنقه، وكان القضاة قد شعروا بخداعه فعارضوا بقتل البقية وحقنت دماؤهم.
والحوارنة المذكورون هم طائفة من عتاد الأبطال كانوا بالدولة الجركسية ذوي بطش وسفك لدماء أعوان الظلمة. وكانوا يقولون: نحن نقتل فلانا ونعطي ديته معلاقا «1» ، لأنهم كانوا قصّابين، أو من «2» ذريتهم ومساكنهم أطراف باب المقام وحارة القصيلة.
قلت: وإليهم تنسب حارة الحوارنة في ذلك السمت «3» . وفي هذه السنة ولي حلب ورديش أحد المقدّمين. وفي ذي الحجة منها ثار أهل حلب فقتلوا نائب قلعتها لمظالم أحدثها، وقتلوا معه حاجب الحجاب.
محاربة علي دولات:
وفي سنة 888 عين السلطان تجريدة لحلب لمحاربة علي دولات أخي شاه سوار بن دلغادر. ثم في سنة 889 عين السلطان تجريدة ثانية تقوية للعسكر، فإنه بلغه أن المرحوم سلطان بيازيد خان الثاني العثماني قد أمد علي دولات بالعساكر العثمانية. وهذا أول تحرك السلاطين العثمانيين على السلطنة الجركسية. وفي ربيع الأول وقع الحرب بين علي دولات والعساكر الجركسية فانكسر العسكر الجركس وقتل منهم مقتلة عظيمة. ثم في شعبان خرج إلى علي دولات ورديش نائب حلب وتحارب معه، فانكسر العسكر الجركسي وقتل(3/185)
ورديش وغيره من الأمراء. ثم خرج إلى علي دولات الأمير تمراز ومعه عدة أمراء، فتحاربوا معه وكسروه واستولوا على ما كان معه من الألوية العثمانية ودخلوا بها حلب. وفي ذي القعدة ولي حلب عائدا إليها أزدمر أمير مجلس.
استرضاء السلطان المصري السلطان العثماني:
وفي ذي الحجة اتفق رأي السلطان وأمرائه أن يرسلوا رسولا إلى السلطان العثماني لإزالة الوحشة بينهما. فأرسلوا تقليدا من الخليفة بأن يكون مقام السلطان على بلاد الروم وعلى ما سيفتحه الله على يده. وقد شاع أن سبب الفتنة بين السلطانين أن أحد ملوك الهند أرسل على يد بعض التجار إلى السلطان العثماني هدية حافلة، من جملتها خنجر قبضته مرصعة بالأحجار الكريمة، فلما وصل التاجر بالهدية إلى جدّة احتاط عليها عامل السلطان في جدّة وأرسلها إلى مخدومه السلطان الجركسي فاستحوذ عليها. فحقد السلطان العثماني عند ما بلغه ذلك، ثم أمد علي دولات بالعساكر وجرى ما تقدم ذكره. غير أن السلطان الجركسي بعد ذلك أرسل الهدية والخنجر إلى السلطان العثماني واعتذر منه. وقيل: السبب في ذلك أن السلطان قايتباي الجركسي آوى «جم» أخا السلطان بايزيد الثاني، وكان «جم» قد خرج على أخيه فحقد على السلطان قايتباي وكان من أمره ما كان.
الحرب بين العسكرين العثماني والمصري:
وفي سنة 891 في صفر وقع القتال بين العسكر السلطاني العثماني والمصري، فانكسر العسكر العثماني وقبض على أحمد بيك بن هرسك قاضي العسكر العثماني وعلى عدة أمراء معه وسيّروا إلى القاهرة.
إبطال إقامة المكّاسين:
وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ عشر من جمادى الأولى سنة 891 رسم بإشارة الكريم العالي المولوي المالكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي، كافل المملكة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره، بإبطال ما كان بمدينة حلب من إقامة المكّاسين. وملعون ابن ملعون من يجددها» .(3/186)
إبطال رسم الحنّة:
وفي سنة 893 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ رابع عشر شهر جمادى الآخرة سنة 893 رسم مولانا المقر العالي السلطان المالكي الظاهري قايتباي الحمزاوي، مولانا الملك الآمر كافل المملكة الحلبية أعز الله أنصاره، بإبطال ما كان يأخذ ناظر الحنّة من سوق الحنّاوية وملعون من يجدده» .
وفي هذه السنة خرجت تجريدة من مصر لم يخرج منها مثلها فوصلت إلى أذنة وشرعت في حصارها لاستردادها من يد ابن عثمان، فقتل من الفريقين ما لا يحصى وأخذ العسكر المصري أذنة بالأمان.
الصلح بين السلطانين:
وفي سنة 896 تم الصلح بين السلطان العثماني وبين المصري، وردّ العثماني جميع القلاع التي استولى عليها من المملكة المصرية، وأطلق المصري جميع أسراه. وفي شوال هذه السنة وقعت فتنة كبيرة بين أهل حلب وبين نائبها أزدمر، وقتل من مماليكه سبعة عشر مملوكا وقتل من الحلبيين خمسون رجلا، وأحرقوا جماعة من حاشية النائب، وكادت حلب تخرب عن آخرها لو لم يتدارك الأمر قانصوه الغوري صاحب الحجاب وقتئذ بحلب. وفي سنة 891 حدث طاعون عظيم بحلب لم تذكر وفياته. وفي سنة 899 توفي أزدمر نائب حلب ووليها مكانه إينال السلحدار، نقل إليها من طرابلس.
منع السقي من ماء الساجور:
وفي سنة 901 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ رابع جمادى الآخر سنة 901 ورد المرسوم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل المملكة الحلبية بأن لا يسقى من ماء الساجور الواصل إلى حلب زرع حاسين وفافين وملعون من يزرع على ماء الساجور زرعا» .
إبطال مكس القطن وغيره من المكوس:
وفي سنة 902 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ رجب الفرد سنة(3/187)
902 رسم الجناب العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل مملكة حلب المحروسة- أعز الله أنصاره- بإبطال ما كان يؤخذ من مكس القطن من سوق القطن وملعون بن ملعون من يجدد غيره» .
ونقش أيضا في السنة المذكورة أمر بإبطال مكس المسك والزعفران، وآخر بإبطال مكس السّماق من خان السماق، وآخر بإبطال ما هو معيّن عن ختم القماش العراقي والدمشقي والقدسي، وآخر بإبطال ما كان يؤخذ من وقف نهر الساجور الواصل إلى حلب. وصورة كل هذه الأوامر على المنوال السابق فلا حاجة إلى ذكر نصها.
وفي سنة 903 خرج آق بردي وهرب إلى دمشق وحاصرها ونهب ضياعها، ثم سار إلى حلب فنهب ضياعها وحاصرها نحوا من شهرين. فأراد إينال السلحدار صاحب حلب أن يسلمه المدينة فثار عليه أهلها ورجموه وطردوه عنها وحصنوها. فانضم إينال السلحدار نائب حلب إلى آق بردي وتوجّها إلى علي دولات والتجأ إليه. وفي ربيع الآخر من هذه السنة ولي حلب جان بلاط. وفي سنة 904 ولي حلب قصروه بن إينال.
حصار آق بردي حلب:
وفيها رجع «آق بردي» إلى حلب وحاصرها أشد المحاصرة وأحرق ما حولها من الضياع وأشرف على أخذ المدينة، ثم تم الصلح بينه وبين الأمراء الذين قدموا لمحاربته من مصر إلى حلب، وفيها ولي حلب دولات باي بن أركماس. وفي سنة 905 ولي حلب الأمير قرقماش بن ولي الدين. ثم في سنة 906 وليها أركماس بن ولي الدين. وفي سنة 908 ولي حلب سيباي بن عبد الله الجركسي المعروف بنائب سيس. وفي سنة 909 حاصر القلعة سيباي المذكور لوقوع وحشة بينه وبين نائب القلعة، وخرق المدرسة السلطانية من جهتين: جهة للدخول، وأخرى جعلها نصب القلعة، فلم يقدر عليها. وبلغ فعله هذا الغوري فتغير عليه ثم عفا عنه. وفي سنة 910 ولي حلب خير بك أخو قانصوه البرجي.
هجوم الشيعي على منلا عرب:
في سنة 915 قدم إلى حلب محمد بن عمر الأنطاكي الواعظ، المعروف بالروم بمنلا(3/188)
عرب، ووعظ في جامعها الأعظم. وكان كثير القدح في شاه إسماعيل سلطان تبريز وفي شيعته. فحضر في مجلس وعظه شيعي متسلح من أصحاب سفير العجم الوارد إلى الغوري صاحب مصر، جاء من عنده إلى حلب فهمّ الشيعي بإشهار السيف ليقتل الشيخ المذكور فعاجله الحلبيون وقتلوه وأحرقوه. فاضطرب السفير وعرض الحال على الغوري وسبقه خيري بك وعرض على الغوري أنّ قتله أحمد فتنة عظيمة أوقدها السفير. فطاب خاطر الغوري ورضي عن الشيخ.(3/189)
نبذة من الكلام على دولة الأتراك المعروفة أيضا بدولة الأملاك، وعلى دولة الجراكسة في مصر والشام
دولة الأتراك
أكثر ملوك هذه الدولة مماليك لصلاح الدين الأيوبي ولأولاده من بعده. وهم يعرفون بالمماليك البحرية نسبة إلى بحيرة في أراضي مصر. وكان الباعث على تمليكهم ضعف أعقاب صلاح الدين وبلوغ دولتهم طور الشيخوخة والهرم، وشيوع أخبار التتر الجنكزيين ووشك قصدهم بلاد الشام. فخشي أهل الحل والعقد من المصريين سوء المغبة وسلطنوا المعزّ عز الدين أيبك مملوك الملك الأشرف بن صلاح الدين، وذلك في سنة 648 فقتل سنة 655 وتسلطن ولده الملك المنصور نور الدين علي وقتل سنة 657 وتولى الملك بعده وزيره الملك المظفر قطمز المعزي وقتل سنة 658 وتولى الملك بعده الملك الظاهر بيبرس البندقداري العلائي ومات سنة 676 وتولى بعده ولده الملك السعيد محمد بركة خان وخلع نفسه سنة 678 وتولى بعده أخوه الملك العادل سلامش فخلع نفسه وخلفه الملك المنصور قلاوون الصالحي النجمي ومات سنة 689 وتولى بعده صلاح الدين خليل وقتل سنة 693 وقام بعده أخوه الملك الناصر وخلع في سنة 694 وخلفه الملك المنصور لاجين المنصوري وقتل سنة 698 وتولي بعده الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ثانية، وخلع نفسه سنة 708.
وقام بعده الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير، فقبض عليه بعد أحد عشر شهرا. وتسلطن بعده الملك الناصر محمد ثالثة ومات سنة 741 وتولى بعده ولده الملك المنصور أبو بكر فخلع سنة 842 وتولى بعده الملك الأشرف علاء الدين كوجك فخلع. وتولى بعده الملك الناصر شهاب الدين أحمد ومات سنة 743 وتسلطن بعده أخوه الملك الصالح عماد الدين(3/190)
إسماعيل ومات سنة 746 وخلفه أخوه الملك العادل شعبان ومات سنة 747 وقام بعده أخوه الملك المظفر زين الدين حاجي وقتل سنة 748 وخلفه أخوه الملك الناصر حسن، وخلع نفسه سنة 752 وتولى بعده الملك الصالح صالح بن الملك العادل محمد بن قلاوون، وفقد سنة 762.
وخلفه الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن محمد قلاوون، وخلع سنة 764 وخلفه الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر بن قلاوون وخنق سنة 777 وتولى بعده أخوه الملك الصالح حاجي وخلع سنة 784 وهو آخر ملوك دولة الأتراك المماليك، وبه كان انقراض دولتهم وكان ابتداؤها سنة 648 وانتهاؤها سنة 784 فكانت مدتها 136 سنة وعددهم 25 ملكا، وقد بلغت طور الشيخوخة والهرم واستفحل أمر مماليكهم الجراكسة ونبغ منهم رجال بالبطولة والشجاعة وجودة التدبير، فانتقلت الدولة إليهم وعرفت بدولة الجراكسة المماليك.
دولة الجراكسة
ابتدأ سلطان هذه الدولة في مصر والشام سنة 784 وانقرضت سنة 922 فكانت مدتها 138 وعدد ملوكها 23 أولهم السلطان الملك الظاهر سيف الدين برقوق بن نص العثماني الجركسي، تولى الملك سنة 784 ثم قبض عليه في سنة 791 ثم أعيد إلى السلطنة سنة 790 وفي سنة 801 تسلطن ولده الملك الناصر فرج. وفي سنة 808 تولى ولده المنصور عبد العزيز. ثم في سنة 815 أعيد والده الملك الناصر فرج فقتل، وأضيفت السلطنة إلى الخليفة المستعين بالله العباسي فجمع بين الخلافة والسلطنة ستة أشهر، ثم خلع منهما وتسلطن الملك المؤيد شيخ.
وفي سنة 820 حضر الملك المؤيد شيخ إلى حلب وأمر بعمارة سورها الجوّاني وكان خرب معظمه في حادثة تمرلنك. وقد جمع الملك المؤيد شيخ القضاة واستشارهم في أمر السور، وكان في ذلك خراب مساجد وجوامع وأسواق. قال علاء الدين بن خطيب الناصرية في تاريخه الدر المنتخب: فأشرت عليه ألّا يفعل فأصرّ على بناء السور الجوّاني ورسم به، ثم سافر نحو القاهرة ورسم بإخراج دراهم من حلب ومعاملتها وغيرها وجهز الدراهم لحلب لعمارة السور الجواني. فشرع بعمارته وعمر جانب كبير أشار به، ولما(3/191)
مات بطل العمل. مات الملك المؤيد شيخ سنة 824 فتسلطن بعده ولده الملك المظفر أحمد وقبض عليه في هذه السنة. وتسلطن بعده الملك الظاهر ططر فمات في هذه السنة أيضا.
وتسلطن بعده ولده الملك الصالح محمد وخلع سنة 825 وتسلطن بعده الملك الأشرف برسباي.
وفي سنة 841 عهد بالسلطنة إلى ولده الملك العزيز أبي المحاسن يوسف فخلع سنة 842 وخلفه الملك الظاهر أبو سعيد جقمق وخلع نفسه سنة 857 وتولى بعده ولده الملك المنصور عثمان. وخلع في هذه السنة وخلفه الملك الأشرف أبو النصر إينال. وفي سنة 865 خلع نفسه وعهد بالسلطنة إلى ولده الملك المؤيد أبي الفتح أحمد. فخلع في هذه السنة وتولى الملك بعده الملك الظاهر أبو سعيد خوشقدم وهو غير جركسي توفي سنة 872 وخلفه الملك الظاهر بلباي الأتابكي فخلع بعد مدة وتسلطن بعده الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا الأتابكي وخلع بعد شهرين، وولي الملك بعده أبو النصر قايتباي المحمودي الظاهري سنة 872 ومات سنة 891 فولي ولده الملك الناصر محمد بن قايتباي وقتل سنة 904 وولى مكانه خاله الملك الظاهر أبو سعيد قانصوه فاعتقل، وولي بعده صهره الملك الأشرف جانبلاط سنة 905 فقتل وتسلطن بعده الملك العادل طومان باي سنة 906 فقتل.
فتولى بعده الملك الأشرف قانصوه الغوري وهو آخر ملوك الدولة الجركسية ولما أراد المماليك أن يولوه السلطنة شرط عليهم ألّا يقتلوه إذا أرادوا غيره بل يعلموه بإرادتهم فيخلع نفسه متى شاؤوا. وقد بقي في السلطنة إلى سنة 922 وفيها كان مقتله في محاربة السلطان سليم العثماني على ما نبينه.
مقتل السلطان قانصوه الغوري واستيلاء السلطان سليم العثماني على مصر والشام:
في سنة 922 تقدم السلطان سليم العثماني بجيوشه إلى البلاد الشامية ليستولي عليها ويستخلصها من يد السلطان قانصوه الغوري. وقد اختلف في أسباب قيامه فقيل: هي أن السلطان سليم «1» لما غزا العجم مرّ بعساكره على البيرة فمنع علي دولات أهل مرعش(3/192)
من أين يبيعوا الأقوات عساكر سليم، وأباح لأهل مرعش أن ينهبوا أحمال أقوات العساكر العثمانية، فمات أكثرهم جوعا، فاستاء السلطان سليم من ذلك وكتب إلى الغوري يستأذنه بحرب علي دولات فكتب إليه بأنك إذا أمكنك أن تقتله فافعل. وكتب إلى علي دولات يحرّضه على السلطان سليم. وكان قصده من تحريض الطرفين أن يتخلص من أحد عدوّيه.
ففطن السلطان سليم لذلك وقصد حرب الغوري.
وقيل: إن السبب هو أن السلطان قانصوه أظهر أن مجيئه إلى حلب لم يقصد منه سوى إيقاع الصلح بين السلطان سليم وبين الشاه إسماعيل الصفوي. وقد كتب إلى الشاه مع رسول بعثه خفية كتابا يعده فيه بالنجدة على السلطان سليم. فوقع الكتاب بيد السلطان سليم وتجرد لمحاربة الغوري.
وقيل: إن مجيء السلطان سليم إلى هذه البلاد كان باستدعاء من أهلها تخلصا من الحكومة المصرية لما كانت تجريه على أهل هذه البلاد من العسف والظلم ومصادرة الأموال، حتى كثرت العوانية «1» لكثرة ما يصغى إليهم، وسلب كثير من الأغنياء أموالهم حتى عادوا فقراء. وكانت التركات تأخذها الحكومة وتبقي ورثة الميت فقراء. وقد أشار إلى هذه المظالم القرماني في تاريخه، والشيخ زنبل، ورضي الدين الحنبلي في كتابهما «2» ، وغيرهم من المؤرخين.
وقال بعض المفكرين من الأتراك: إن سبب مجيء السلطان سليم إلى البلاد الشامية والقطر المصري عارض، وإن السلطان سليم لم يكن في حملته هذه قاصدا فتح سورية، بل كان الغرض منها أن يقصد بها حرب الشاه إسماعيل ويزيل دولته ويستولي على مملكته لغرضين: أحدهما تخليص الناس من كفره وظلمه، وثانيهما- وهو المقصد الأعظم- فتح الطريق إلى الشرق الأقصى واستيلاؤه على ما فيه من الدويلات الإسلامية المتبعثرة، وجعل العالم الإسلامي جميعه تحت راية واحدة لا تقوى على تمزيقها عواصف الأيام والليالي مهما كانت عظيمة. هذا هو الذي كان يقصده من هذه الحملة وبقية الحملات التي كان(3/193)
يجهزها لغزو بلاد العجم. غير أنه لما تحقق أن السلطان الغوري حليف الشاه إسماعيل وظهيره، بدأبه قبل أن يبدأ بمقصده الأصلي لأنه عدّ سلطان مصر عقبة كؤودا «1» تعوق سيره إلى تلك البلاد. والله أعلم.
هذا وإن السلطان الغوري- قبل أن يخرج من مصر- أعدّ من جهاز السفر وآلات الحرب ولوازمه ما لم يسمع بمثله، بحيث كان عدد جيشه وعدد محاربيه يفوق عدد وعدّة الجيش العثماني أضعافا مضاعفة. ثم خرج السلطان الغوري من مصر- ومعه الخليفة والقضاة الأربع- يوم السبت 16 ربيع الآخر سنة 922 وكان معه 944 أميرا. وبينما هو في الطريق ورد عليه من نائب حلب خيري بك كتاب يقول فيه: إن ابن عثمان أرسل قاصدا ومعه كتاب لمولانا فأبقيت القاصد وأرسلت الكتاب. فلما فكّه السلطان وقرأه فإذا فيه عبارة حسنة وألفاظ رقيقة منها أنه أرسل يقول له: أنت والدي وأسألك الدعاء، وإني ما زحفت على بلاد علي دولات إلا بإذنك وإنه كان باغيا عليّ وهو الذي أثار الفتنة بين والدي والسلطان قايتباي حين جرى بينهما ما جرى، وإن البلاد التي أخذتها من علي دولات أعيدها لكم.
فانشرح الغوري وجماعته من هذا المكتوب واستبشروا بالصلح. وكان ذلك كله احتيالا من ابن عثمان. ثم ورد عليه من سيباي نائب دمشق كتاب آخر، فيه: إن العبد سمع بأن حضرة السلطان يريد السفر إلى قتال ابن عثمان، وإن المملوك يقوم بهذا الأمر وتمدّوه بالعساكر المنصورة، وإن خيري بك ملاح علينا، ومكاتيبه لا تنقطع من عند ابن عثمان في كل وقت. فلم يلتفت الغوري إلى مكتوب سيباي حذرا منه، لأنه كان له رمّال يقول له: يلي الحكم بعدك حرف السين فكان يحاذر من «سيباي» ظنا منه أنه هو المراد بالسين.
ولما دخل الغوري دمشق زيّنت له سبعة أيام، وفرش سيباي تحت حوافر فرسه شقق الحرير، وازدحمت عليه المماليك بسبب نثر الذهب والفضة. ثم رحل إلى حمص ومنها إلى حلب فدخلها يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة سنة 922 وكان دخوله إليها من باب المقام متوجها إلى الميدان الأخضر في موكب عظيم وأبهة زائدة، ومعه أمراؤه والقضاة(3/194)
الأربعة والخليفة المتوكل على الله العباسي، وجماعة من مشايخ الصوفية ذوي الأتباع ومعهم الأعلام، وخيري بك- كافل حلب- حامل بجانبه القبة والطير، فنزل بالميدان المذكور ثم حضرت إليه كفّال مملكته بعساكرها. ولما بلغ السلطان سليم «1» نزول الغوري إلى حلب عجب من ذلك وخفي عليه السبب، فأوفد على الغوري- لكشف خبره- قاضي عسكره زيرك زاده، وقراجا باشا، ومعهما هدية حافلة. ولما مثلا بين يديه سألهما عن السلطان سليم فقال له القاضي: هذا ولدك وتحت نظرك. فقال له الغوري: لولا أنه مثل ولدي ما جئت من مصر إلى هنا بأهل العلم حتى أصلح بينه وبين إسماعيل شاه، ثم أجزل عطاءه وصرفه.
ثم إن الغوري نادى بالرحيل لمقابلة السلطان سليم، ورحل في النصف الآخر من رجب من السنة المذكورة وقد أودع جميع أمواله وأموال أمرائه عند أهل حلب، وصحب معه قضاة حلب وجماعة من الصوفية ومعهم الربعات والأعلام، وأظهر أنه بصدد الإصلاح بين السلاطين. وكان الغوري قد أرسل مغلباي الدوادار قاصدا إلى السلطان سليم وصحبته عشرة عساكر من خيار عسكره لابسين أحسن الملابس وعلى رؤوسهم الخوذ، ومع مغلباي كتاب يتضمن طلب الصلح فيما بين السلطان سليم وشاه إسماعيل. فلما وصل القاصد المذكور إلى السلطان سليم ودخل عليه ومعه العساكر العشرة اغتاظ السلطان سليم وقال لمغلباي: ألم يكن عند أستاذك رجل من أهل العلم يرسله لنا؟ وإنما أرسلك بهؤلاء العشرة ليرعب بهم قلوب عسكري ويخوفهم، ولكن أنا أكيده بأعظم من هذا. ثم أمر بالعساكر العشرة فضربت رقابهم وحبس مغلباي. وبعد يومين أراد أن يلحقه بهم فشفع به متصرف عينتاب، فتركه حيا ولكنه حلق لحيته وأخلق ثيابه وأركبه على حمار معقور أعرج، وقال له: قل لأستاذك يجتهد جهده وأنا سائر إليه. ولم يقرأ كتاب الغوري لشدة غيظه.
ولما رجع مغلباي إلى الغوري على هذه الحالة عسر عليه ذلك وصمم على قتال السلطان سليم، وأمر كربتاي بأن يكشف خبر السلطان سليم ويرجع على الفور. فلما وصل كربتاي إلى قيصرية وجد أهلها قد قفلوا أبوابها وتأهبوا لقتال الجراكسة لما بلغهم عنهم ما فعلوه(3/195)
بحلب وأهلها، ووجد نائب عينتاب قد انحاز إلى السلطان سليم فرجع كربتاي وأخبر الغوري بعصيان قيصرية وعينتاب، وأن عسكر السلطان سليم قد أقبلت طلائعها. فارتج عسكر الجراكسة لمّا فشا فيهم هذا الخبر ووقع فيهم الخلل. وعند ذلك انتبه الغوري وجمع الأمراء والأعيان وتحالفوا على الصدق فيما بينهم، وقام من بينهم الأمير سيباي نائب دمشق وقبض على خيري بك نائب حلب وجرّه من طوقه بين يدي الغوري قال: يا مولانا إذا أردت الظفر بعدوك فاقتل هذا الخائن. فقام الأمير جانبردي الغزالي وقال: يا مولانا إن قتلته افتتن العسكر وقتل بعضهم بعضا وطمع العدوّ وضعفت شوكتكم. وكان هذا الكلام مكيدة من الغزالي.
ثم إن الغوري أمر أن ينادى بالرحيل والنزول على حيلان. وفي اليوم الحادي والعشرين رجب ركب الغوري وخرج من ميدان حلب وبات بمن معه في حيلان. وفي الغد أمر العسكر بالرحيل إلى مرج دابق حيث جعله موعدا للسلطان سليم. فرحلوا وأقاموا به.
فلما كان اليوم السابع والعشرين رجب لم يشعروا إلا وقد دهمتهم عساكر السلطان سليم.
وعندها ركب الغوري وصار يرتب العسكر بنفسه، وكان حوله أربعون مصحفا مغلفة بالحرير الأصفر على رؤوس جماعة من الأشراف، وفيهم مصحف بخط الإمام عثمان بن عفان (رضه) . وكان على الميمنة سيباي وعلى الميسرة خاير بك.
ثم التحم الفريقان للقتال فما كان غير ساعة حتى لاحت الغلبة على العثمانيين وأخذ الجراكسة منهم سبعة سناجق «1» . وكاد السلطان سليم يهرب أو يستأمن، غير أن الغوري أراد أن يمكر بالقرانصة الذين طالما حاول نكبتهم وهم جند الدولة العام، فنادى بمماليكه الجلبان (وهم عسكره الخاص) - الذين نوى في استحداثهم قهر القرانصة- أن يكفوا عن القتال ويتركوا القرانصة يقاتلون وحدهم. فكفّوا وقد شعر القرانصة بمكره فتغيرت نياتهم، وقد جدّ الجيش العثماني بإطلاق نيران المدافع فصارت تمطر على الجيوش المصرية وابلا من القنابل المهلكة فاضطربوا وخافوا وصاروا ينادون العثمانيين بأعلى أصواتهم: لسنا ممن كفر بالله حتى تحرقوننا «2» بالنار.(3/196)
وبينما هم في هذا الاضطراب والارتباك إذا بالسلطان سليم قد رمح بجواده وشق الصفوف وبيده سيف عمر بن الخطاب (رضه) ، وصاح في أمرائه صيحة ردوا بها على الجراكسة كالبحر إذا سال بعرض الوادي. وما زال السلطان سليم وعسكره سائرين حتى جاؤوا إلى صف الغوري، وهرب خاير بك والغزالي ومن معهما، ونادوا بأعلى أصواتهم- تجاه خيام الغوري- بأن السلطان سليما قد أحاط بكم والغوري قد قتل وانكسر وانكسرنا. فتبعهم الجلبان وتشتت العسكر وظنوا أن الغوري قتل حقا. وكان هذا الفعل من خاير بك وصاحبه مكيدة للغوري. أما الغوري فصار ينادي الهاربين: يا سادات! الشجاعة صبر ساعة. فلم يلتفتوا إليه. ولما تحقق الغوري أن الكسرة عليه نزل عليه خلط فالج أرخى حنكه، فطلب ماء فأتوا به فشرب قليلا وألفت فرسه ليهرب فسقط على الأرض وطلع الدم من فمه. فأمر الأمير علان عبدا من عبيده أن يقطع رأسه ويرميه في الجب خوفا من أن يظفر به السلطان سليم فيمثّل به في البلاد. ففعل العبد ما أمره به الأمير علان.
وقيل إن الغوري لما شعر بنزول الخطب مات فجأة فمرّ به بعض عسكر السلطان سليم فحز رأسه وأحضره إلى السلطان فأمر بقطع رأس هذا العسكري وقال له: ليس لك أن تدخل بين الملوك.
وعلى كل حال فلم يعلم للغوري خبر ولم يوقف له على أثر. ولما شاع خبر موت الغوري زحف عسكر السلطان سليم على من كان حول الغوري وقتلوا عدة أمراء من الجراكسة وغيرهم، وفقد المصحف العثماني ونهب عسكر الغوري وجلس السلطان سليم في مخيم الغوري وأخذ جميع ما فيه، وكان شيئا يفوق العدّ والإحصاء من الذهب والفضة والملبوس وغير ذلك، وهو كالقطرة من بحر بالنسبة لما أبقاه الغوري وأمراؤه عند أهل حلب. ثم إن السلطان سليمان بقي ليلة في مرج دابق وذهب أكثر عسكر الغوري قاصدين حلب فمنعهم أهلها لما قاسوه منهم عند مجيئهم.
وأما خاير بك فإنه دخل حلب وزيّن لمحمد بن الغوري- وكان أبقاه أبوه على خزائنه بقلعة حلب- أن يسافر بالعسكر إلى مصر ويتبوأ موضع أبيه ووعده المساعدة على ذلك. وكان هذا من خاير بك تمام المكيدة ليأخذ حلب إلى السلطان سليم بغير حرب.
فصدقه محمد بن الغوري وتوجه بالعسكر قاصدين مصر، وسار معه خاير بك. فلما وصلوا حماة بقي بها خاير بك وفارق محمد بن الغوري معتذرا له. وأما السلطان سليم(3/197)
خان فإنه سار من مرج دابق إلى حلب وخرج أهلها لملاقاته عند الميدان الأخضر، ومعهم العلماء والصلحاء حاملين المصاحف على رؤوسهم يستقبلونه ويهنّونه بالفتح ويسألونه الرفق والصفح فقابلهم بالجميل.
حوادث الدولة العثمانية في حلب:
ودخل السلطان حلب في رجب سنة 922 وتسلم قلعتها بالأمان وطلع إليها فرأى فيها ما أدهشه من الذهب والفضة وغيرهما. ثم جمع بأمره من تجار حلب مال كثير سموه «مال الأمان» وصاروا يبذلونه بطيب خاطرهم لخوفهم يومئذ على النفس. ولم يحصل بحلب- وجيشه مقيم عليها- من القحط أدنى شيء مع كثرة جيوشه. ورام منلا زيرك قاضي عسكره أن يعرض للسلطان في مدارس حلب لنزول العسكر، فلم يقبل منه السلطان عرضه بل أمرهم أن لا يبيت منهم بحلب ديّار. ثم برز أمره بالتفتيش على ودائع الجراكسة التي كانت عند بعض الناس فجمعوا منها ما لا يحصى واتهموا الأصيل صلاح الدين بن السفاح بشيء منها وعذبوه عليه. ولما كان يوم الجمعة نزل السلطان إلى الجامع الكبير وصلى فيه ودعا له الخطيب وسماه «حامي الحرمين» . ولما فرغ من صلاته أرسل إلى الخطيب يأمره بأن يبدل بعد هذا كلمة حامي «بخادم» ثم خلع عليه واستمرت عادة هذه الخلعة مع ولاة حلب إلى أواخر أيام العثمانيين في أول جمعة يصلونها بجامع حلب.
وكان إطلاق كلمة «خادم الحرمين الشريفين» على السلاطين العثمانيين لأول مرة في مدينة حلب. وقد سر السلطان سليم من هذه الكلمة وتفاءل بها خيرا. وقد بقي في حلب عشرين يوما وجعل عليها أحمد بن جعفر- المشهور بقراجا باشا- واليا، وكمال الدين ابن الحاج الياس الرومي الحنفي- المعروف بابن الجكمكجي- قاضيا. وأمر كريم جلبي عبد الله باشا زاده أن يحرر أملاك لوائها ليعين ضريبة الأملاك بموجبها. ثم رحل السلطان من حلب إلى دمشق في العشرين من شعبان فلما وصلها تلقّاه أهلها كما فعل الحلبيون، فأمّنهم وصلى بها الجمعة وتصدق بها سرا وعلنا. ثم حسّن له خاير بك أن يتوجه إلى مصر للاستيلاء عليها. فسار نحوها واستولى عليها في خبر يطول شرحه. ثم عاد إلى دمشق وأمر ببناء التكيّة الصالحية ثم إلى حلب إلا أنه نزل بمرج دابق وأقام به نحو شهرين ثم سار إلى تخته قسطنطينية.(3/198)
صلب حبيب بن عربو:
وفي هذه السنة صلب تحت القلعة الأمير حبيب بن عربو، من طائفة معتبرة من أمراء القصير، من أهل السنة والجماعة، لاتهامه بأنه جمع بين تسعة نسوة في آن واحد.
قتل طومان جماعة السلطان سليم:
وفي سنة 923 أرسل السلطان سليم خان جماعة من الأمراء والقضاة إلى طومان باي في مصر بالأمان فقتلهم عن آخرهم. وكان من جملتهم أبو بكر بن عبد البر بن محمد، ويتصل نسبه بمحب الدين بن الشحنة.
نفي جماعة من الحلبيين إلى طربزون «1» :
وفي سنة 925 ورد أمر السلطان لوالي حلب بسوق ستين رجلا من تجار حلب إلى طربزون، فحصل القبض عليهم في ليلة واحدة بحيث صاروا يأتون بالرجل وهو لا يشعر بما أريد فيه، ثم سيقوا إلى طرابزون. ثم ورد أمر آخر بنفي من في حلب من الأعاجم إلى القسطنطينية فسيقوا إليها. وبرز أمر آخر بسوق أهل بيوت القلعة لاتهامهم بأنهم أخفوا خزانة مال الغوري بعد ما كان السلطان أقر القلعيين على ما كانوا عليه من المكث فيها، فسيقوا إلى القسطنطينية أيضا.
الاستئذان عن عقود الأنكحة:
وفي هذه السنة صدرت أوامر القضاة إلى العلماء أن يأخذوا إذنا منهم إذا أرادوا عقد نكاح، وذلك بقصد أخذ رسوم معلومة جعلوها لصندوق المحكمة الشرعية.
هبوب عاصفة شديدة:
وفيها هبت ريح عاصفة ذهبت برأس منارة زاوية الاطغاني «2» ، وطرابزون جامع الصيفي وبعض حجارتها وتاج الشرافة الكائنة فوق باب قبلية جامع الأموي بحلب، وبعض(3/199)
جدران متوهنة. وقلبت كثيرا من الأشجار العظام ورفعت رجلا كان في الفلاة قدر ذراعين عن الأرض ثم ألقته في مكان آخر.
إشهار جان بردي العصيان وقتله:
وفي سنة 926 أشهر العصيان جان بردي الغزالي ابن عبد الله الجركسي، وكان واليا على دمشق من قبل الدولة العثمانية. وقد خلصه السلطان سليم من أيدي الغوريين وولاه دمشق فلم يظهر معه هذا المعروف العظيم، بل عندما توفي السلطان سليم وجلس مكانه ابنه السلطان سليمان نبذ العهود والمواثيق وتجاهر بالعصيان وتسلم قلعة دمشق. ثم وجه جماعة مع مملوكه قانصوه المقرفع فقبض على والي حمص وقتله. ثم دخل حماة وقد فرّ قاضيها وواليها إلى حلب، وأوقع الحمويّين في أمر مريج. ثم حضر جانبردي بنفسه وجمع من الأعراب والتركمان جمعا عظيما وأخذ في محاصرة حلب، وكان واليها قراجا باشا المتقدم ذكره.
فلم ينل من فعله هذا طائلا، وآل أمره إلى أن حزّ رأسه في سنة 927 في معركة كانت بينه وبين قراجا باشا المرسل بعسكره إليه قبلا. ولما حز رأسه اشترته زوجته بمال جزيل ودفنته.
عزل قراجا باشا عن حلب وبيان أغلاط في سالنامة سنة 1303:
وفي أواخر هذه السنة أعني سنة 926 عزل عن ولاية حلب قراجا باشا وأمره السلطان سليمان بسوق السفن إلى جهة بلغراد. فساقها وقتل على حصار بلغراد شهيدا سنة 928 ذكر هذا في درّ الحبب «1» .
تنبيه: لم نعلم من ولي حلب بعد قراجا باشا المذكور؟ وما ذكره في سالنامة الولاية المطبوعة في حلب سنة 1303 من أن الوالي بعده خسرو باشا سنة 952 فهو غلط محض «2» لما عرفت من أن قراجا باشا توفي في سنة 928 اللهم إلا أن تكون حلب بقيت بدون وال طول هذه المدة. على أن خسرو باشا نقل من ولاية حلب إلى مصر سنة 941 كما أفاده في درّ الحبب.(3/200)
واعلم أن مثل هذا الغلط الفاحش وقع كثيرا في السالنامة المذكورة، وفي ذكر أسماء الولاة العثمانيين، بحيث قدّم بعضهم على بعض، وذكر منهم من لم يتولّ حلب بالمدة «1» ، وأهمل من تولاها زمنا طويلا. ولهذا لم نعول عليها في ذكر الولاة إلا من لم نقدر على تحرير زمنه ذكرناه وعزوناه إليها لتكون العهدة عليها. وبعد أن حررنا أسماء الولاة على قدر ما في وسعنا صححنا جدول الولاة في سلنامة الولاية على مقتضى ما حررناه، وذلك منذ فتح حلب إلى يومنا هذا. ومن يراجع السالنامة المطبوعة سنة 1303 وما قبلها يظهر له ذلك جليا.
وفي سنة 930 حدث طاعون مهول لم يبق ولم يذر.
صلب نائب حلب أي قاضيها:
وفي سنة 931 دخل إلى حلب- مجتازا منها إلى آمد- إبراهيم باشا ابن عبد الله باشا الرومي، وأمر بصلب نائبها محمد بن حمزة لما بلغه عنه من الظلم والتجاهر بالرشوة وشرب الخمر وحضوره إلى المحكمة ورائحته مشمومة منه.
مقتل قرا قاضي:
في سنة 934 كان قرا قاضي علي بن أحمد علاء الدين الرومي متوليا على خطة تفتيش أوقاف حلب وأملاكها والنظر على الأموال السلطانية. فبالغ في جمعها وتثميرها حتى أخرج حكما سلطانيا بمنع توريث ذوي الأرحام من الشافعية بخصوصهم، وضبط التركة لبيت المال. وأراد أن يجعل ملح المملحة المضبوط لبيت المال أغلى من الفلفل، زاعما أن الناس أحوج إلى الملح منه، ومنع بيع حنطة كانت مخزونة للسلطان سليمان خان مع أن السنة كانت مجدبة والقحط والغلاء مستوليين.
ولما اجتمعت هذه الأسباب وأراد الله إنفاذ أمره فيه حضر لصلاة الجمعة خامس شعبان من السنة المذكورة في الجامع الكبير، فقام عليه غوغاء الناس وأسافلهم وكثر لغطهم فيه، ثم كبّروا ووثبوا عليه وقتلوه ضربا بالنعال ورجما بالحجارة وقتلوا معه أحمد بن أبي بكر الأصلي العريقي الحلبي لأنه كان يعضده في أعماله. ومن العجب أن قصابا شق بطن أحمد(3/201)
المذكور وأخذ من شحمه شيئا بيده والناس يرونه ولم يردعه أحد عن فعله. وقد سحبوه إلى تلة عائشة بالقرب من السفاحية ليحرقوه، فترامى عليه أهله وسحبوه وخلصوه. كما أن السفلة المذكورين جرّوا جثة قرا قاضي وجردوه من ثيابه ليحرقوه، فخلصه جماعة من أهل الخير وخبئوه في الميضأة إلى ثاني يوم ثم غسلوه ودفنوه.
ولما بلغت هذه الفعلة مسامع الدولة أرسلت للتفتيش على قاتليه- والانتقام منهم- عيسى باشا حفيد إبراهيم باشا المتقدم ذكره. وعندما قارب حلب حصل للناس فزع عظيم وقلق جسيم، وذلك أنه نزل بالميدان الأخضر في غرة محرم سنة 935 ودعا إليه سائر الأكابر والأعيان والتجّار وحبس مشايخ المحلات وأئمتها إلا من عصم الله. ثم أطلق الأئمة وقبض على بعض الموظفين بالجامع الكبير وشدد عليهم ووضع بعضهم في السلاسل وأخذ في الفحص عن المتهمين، فمنهم من أقرّوا ومنهم [من] «1» اضطرب، ومنهم من عرّاه ليضربه فلم يقرّ. ثم استخرج من السجلات أسماء آخرين وجمع المتهمين عن آخرهم وأمر بتقييد جميع الحاضرين من الخواص والعوام. ثم عفا عن الخواص إلا أنه لم يطلق منهم أحدا بل كلهم باتوا عنده في الميدان، ورجعت خيولهم إلى دورهم لا يدرون ما يفعل بهم.
ولم يزل العسكر متسلحين واقفين بين يديه حتى ظن أنه يضرب أعناق الجميع. وفي ثاني يوم أرسل شرذمة من العسكر إلى سجن حلب وأحضروا منه بضعا «2» وعشرين إنسانا من المتهمين بهذه الحادثة فقتلهم في نهار واحد وسجن الباقين. وبقي الأكابر من العلماء وغيرهم عنده إلى عصر اليوم الثاني وهم في وجل عظيم بحيث لا يجسر أحد من المتخلفين من أهل حلب على أن يأتي بخبر المرسم عليهم عنده أو يصل إليهم من بعيد. ثم أطلق طائفة منهم وأخرى من المتهمين وأبقى عنده العلماء ليلة ثانية لكن مع الإكرام والاحترام في الغداء والعشاء. ثم أمر أن يسجن في سجن القلعة وجامعها طائفة من العلماء وغيرهم بعد أن عيّن معهم طائفة من عسكره متسلحين، يسوقونهم إلى القلعة ما بين ماش مربوط اليدين وآخر مسلسل العنق على وجه، لا يعلمون عاقبة أمرهم، ثم كان مآله أن نفى أكثرهم إلى رودس وأقاموا بها أعواما حتى أطلق سراحهم بشفاعات وكفالات إلا البعض منهم.(3/202)
عيسى باشا وحالته:
وفي سنة 935 استقر عيسى باشا واليا في حلب، وكان عالما فاضلا في عدة فنون حتى في الطب إلا أنه كان عنده قوة غضبية بحيث إذا اشتد غضبه خمش يديه بيديه فأدماها.
وهو لا يشعر بذلك، فإذا سفك دم المغضوب عليه سكن ما به. وكان يعتاد لبس الثوب الأحمر يوم الغضب كما كان ذلك عادة لبعض المتقدمين من الجراكسة. ولم أعلم من تولى حلب بينه وبين قراجا باشا.
وفي سنة 939 حدث طاعون شديد أهلك خلقا كثيرا.
مجيء السلطان سليمان إلى حلب:
وفي سنة 940 عاد السلطان سليمان خان من فتح تبريز، ومرّ بطريقه على حلب وطاف على مزاراتها، وكان بركابه إبراهيم باشا الوزير الأعظم المتقدم ذكره. وفي سنة 941 نقل خسرو باشا من ولاية حلب إلى كفالة مصر، ولم أر من صرّح بتاريخ دخوله واليا على حلب. ويفهم من در الحبب أن والي حلب قبله موسى بك، المشهور بابن أسفنديار الخالدي «1» . وعلى هذا فيكون موسى بك بين خسرو باشا وبين عيسى باشا.
وفهم من در الحبب أيضا أن الوالي على حلب بعد خسرو باشا حسين بك. قال «2» :
«وكان كثير القتل بغير سجل شرعي، سفاكا للدماء على صورة قبيحة من تكسير الأطراف والإحراق بالنار والمحرق حيّ متناولا للرّشا «3» لا نفع له. توفي وهو وال على حلب في جمادى الأولى سنة 949 ودفن خارج الكلاسة» ، ولم أقف على من تولى حلب بعده إلى أن دخلها واليا مصطفى باشا البيوقلي، كما يأتي. وفي سنة 950 حدث طاعون جارف لم تعلم وفياته اليومية. وفي سنة 951 دخل حلب واليا عليها مصطفى بن بيوقلي باشا الرومي، فتتبع قطاع الطريق ليلا ونهارا بنفسه وعسكره، وأظهر سطوته في اللصوص وربما جاءه النذير عن طائفة من دعّار الأكراد وغيرهم من مكان كذا، فركب عليهم في الحال بثياب البذلة.(3/203)
حريق:
وفي هذه السنة وقع الحريق ليلا بالحوانيت الكائنة تجاه جامع الأطروش والسوق الذي وراءه. فحضر الوالي بنفسه ووقف ونادى مناديه ألّا يقرب الحوانيت إلا أربابها وقطع النار عنها. ثم نادى أن يرفع أهل حلب السقائف المعمولة من البواري «1» لسرعة عمل النار فيها وأن يعملوا السقائف من الخشب. ففعلوا وجدّد في أيامه سقائف لم تكن قبلا حتى ارتفع ثمن الخشب لكثرة العمل بحلب.
طاعون وغلاء وغيرهما:
وفي هذه السنة وقع طاعون جارف توفي فيه ما لا يحصى من الأشراف والأعيان والعلماء. وحصل مع هذا الطاعون غلاء عظيم. واحترق نهر قويق بحيث صار الناس يمرون به، وخاف الناس من اللصوص خوفا شديدا بسبب سطوة مصطفى باشا والي حلب، وقامت زوبعة عظيمة قصمت ظهور الناس رعبا. ووقع مطر غزير في عينتاب والناس في صلاة الجمعة فلم يشعروا إلا والسيول حفّت بهم وأغرقت كثيرا من بيوتهم.
وفي سنة 952 «2» قدم إلى حلب عمر بن محمد بن محمد الحصكفيّ الأصل متوجها إلى الباب العالي بقطعة من خشب، ذكر أنها من قدح النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأخبر أن القدح كان في بيت أبيه برمّته فأخذ منه السلطان الغوري نصفه وسيباي نائب دمشق ربعه وبقي منه ربع شرب به بعض أركان الدولة الرومية مستغيثا «3» به من فالج اعتراه فشفي، فأخذ منه قطعة ثمّ وثمّ «4» ، إلى أن بقي منه أحد عشر قيراطا طلبها من أبيه السلطان سليمان خان، فأرسلها معه بعد أن رفقه بحجة شاهدة بصحّة أنها من القدح الشريف. ودخل بها الشيخ المذكور إلى الحضرة السلطانية ثم عاد وهو منعم عليه ذاكرا أن ربع القدح الذي كان أخذه سيباي وصل إلى الخزائن المعمورة السليمانية، وجعل في رأس رايته التي تصحبه للجهاد.
وفي أثناء هذه السنة عزل عن ولاية حلب مصطفى باشا ووليها سنان باشا بن عبد الله الخادم الرومي، كان في أول أمره خادما عند السلطان سليم خان.(3/204)
توريث ذوي الأرحام من الشافعية:
وفي هذه السنة حكم قاضي حلب بتوريث ذوي الأرحام من الشافعية من مورثهم مخالفا للحكم السلطاني الذي أخرجه قرا قاضي المتقدم ذكره. وفي سنة 956 عاد السلطان سليمان خان من غزو بلاد العجم ودخل حلب وأمر بعمارة القسطل المنسوب إليه في ظاهر باب الفرج بحلب. وكان مع السلطان ولده جهانكر فمرض بحلب وتوفي بعد أيام من مرضه. فأمر والده بغسله فغسل وصلّي عليه تحت القلعة وأم بالناس إمام السلطان الذي كان معه، ثم ساروا بالنعش إلى الفردوس تفاؤلا بأن يسكنه الله جنة الفردوس، وهناك شقوا بطنه وجوفوه ودفنوا أمعاءه ووضعوه في صندوق، فساروا به إلى القسطنطينية فدفنوه بها.
قدوم كوهر ملكشاه إلى حلب:
وفي سنة 959 قدمت إلى حلب كوهر ملكشاه ابنة عائشة السلطانة بنت السلطان بيازيد خان، وكان قدومها من الحج الشريف على ولدها محمد باشا ابن توقه كين والي حلب، صاحب جامع العادلية. فخرج الحلبيون لملاقاتها وأدخلوها حلب في أبهة زائدة ومشهد عظيم. ثم توفيت في السنة نفسها «1» ودفنت ببيت اشتراه لها ولدها المذكور قرب السفاحية. ثم حصل بجواره بعد خرابه مسجد رتب فيه ثلاثون قارئا يقرءون في كل يوم ختمة، ولكل قارىء درهم.
والمفهوم من هذه الحادثة أن والي حلب في هذه السنة هو محمد باشا عادلي «2» وغلط في السالنامة المتقدم ذكرها، إذ ذكره في سنة 972 فإنه في هذه السنة لم يكن حيا، فضلا عن كونه واليا في حلب، فقد توفي بالروم سنة 964 كما نبّه على ذلك في در الحبب.
ولم أقف على من كان بينه وبين سنان باشا من الولاة، ولم أطلع على تاريخ انفصال سنان باشا وابتداء ولاية محمد باشا في حلب.
وفي سنة 960 ولي حلب بيربك بن خليل أخو قباد باشا الآتي ذكره قريبا. وفي سنة 961 ولي حلب قباد باشا بن خليل بن رمضان القرماني.(3/205)
طاعون:
وفي سنة 962 حدث طاعون جارف أهلك العباد وأطار الرقاد وتلف فيه ما لا يعدّ ولا يحصى. وقدر بعضهم أنه هلك فيه عشر سكان حلب.
إحضار ماء السمرمر إلى حلب:
وفي سنة 964 أرسل قباد باشا والي حلب رجلا أعجميا إلى ما وراء أصبهان لإحضار ماء السمرمر «1» إلى حلب بسبب جراد مهول كان بها، وحقيق عوده إليها. وحسّن قباد باشا لأرباب الأموال أن يجمعوا للرسول مالا فجمعوا له ما ينوف على مائتي دينار سلطاني، ودفعوا له بعضها ووعدوه بالباقي إذا عاد بالمراد. فذهب وعاد في سنته ومعه الماء فخرج الناس إلى لقائه ودخلوا به بالتهليل والتكبير.
ولما كان من تمام خاصّة هذا الماء ألّا يدخل تحت سقف- كما زعموا- كان مستصحبه إذا وصل إلى بلدة يسحبه بحبل من فوق بابها، حتى وصل إلى حلب، فسحب من فوق سور باب قنّسرين إلى أن أريد سحبه من أعلى سور القلعة فعارض دوز دارها «2» ومنع ذلك. وعندها وضعوه على قبة التكية الخسروية، وكان الجراد قد غرس في الأرض، فأخذت الحكومة بجمعه من أطراف حلب وهو كالذباب «3» فجمعوا منه- بضبط قاضي حلب- مائتي ألف كيل استانبولي، على كل بيت كيلان فيما زعموا، وألقوه في الحفر والآبار المهجورة. فلم يمض القليل من الزمان إلا وكبر ما بقي وزحف على البساتين، فحرّك الماء المذكور ليجيء السمرمر بتحريك الشيخ محمد الكواكبي ومعه مريدوه فلم يفد، فزعم الناس أن خاصيته انقطعت إذ لم يكن الوارد به من أهل الصلاح والشرط أن يكون منهم.
قلت: أدركنا في زماننا أن جماعة من الدراويش المنسوبين إلى الطريقة البكداشية يحضرون إلى البلاد الشامية في أكثر السنين التي يشيع فيها غرس الجراد، ويحضرون معهم(3/206)
أباريق من الصفيح ضمنها ماء السمرمر، فيعلقونها على جبهة منبر الجامع الكبير ويأخذون عليها من ولاة حلب عطية جرت العادة على أخذها منهم. وقد لاحظتها في سنين كثيرة فلم أر منها أقل فائدة.
غدر والي حلب بالحلبيين:
وفي هذه السنة أيضا انفصل قباد «1» باشا. فسرّ الناس بذلك سرورا عظيما إذ تخلصوا من ظلم صوباشيّه «2» . وأظهر واحد من الحلبيين لقاضي حلب أمرا بالتفتيش على الصوباشي المذكور، فأرسله القاضي مع الأمر صحبة المحضرباشي «3» إلى قباد باشا، وتبعه باقي المدعين على الصوباشي وجماعة من غوغاء الناس، ينتظرون ماذا يؤول إليه حال المتخاصمين، ووقفوا بباب دار الحكومة ودخل المدعي المذكور والمحضرباشي إلى قباد باشا، فأمسكه عنده يومين ثم جدع أنفه وأطلقه، وأظهر أن القاضي أشار إليه بذلك مع المحضرباشي، وأنه لو لم يفعل به ذلك لهجم الناس عليه وقتلوه كما قتلوا قرى قاضي السالف ذكره. ثم كتب قباد باشا إلى الباب العالي أن الحلبيين اجتمعوا متسلحين بباب الحكومة ليقتلوه ويدخلوا منزل الحضرة السلطانية الذي حلّ ركابها فيه قديما.
وأما قاضي حلب فإنه حامى عن الحلبيين وكتب عكس ما كتب الوالي، غير أن عرض الوالي وصل إلى الباب العالي قبل عرض القاضي، وشاع في حلب أنه سينفي منها جماعة إلى بغداد. ولما وصل عرض القاضي طلب المحضرباشي إلى الباب العالي، فأحضره القاضي لديه وأشهد على إقراره جماعة ثقات بأنه لم ير أحدا متسلحا بباب الحكومة. ثم توجه إلى الباب العالي وبرّأ الحلبيين عن تهمة قباد باشا ثم أمر الباب العالي فرهاد باشا أن يسير إلى حلب ويفحص عن حقيقة هذه المادة فحضر وفحصها من دوزدار القلعة وغيره، وظهر له أن الحلبيين مظلومون فيها.
وفي هذه السنة استقر فرهاد باشا واليا في حلب. وكان عادلا عفيفا ظريفا مطّرح الكلفة، له ولع بالحديث حتى إنه كان يقول: أنا أحفظ ثلاثمائة حديث. إلا أنه أكب(3/207)
على صنعة الكيمياء. ولما كان يوم الجمعة بعد دخوله إلى حلب صلى الجمعة بالجامع الكبير، وبعد فراغ الصلاة طلب الخطيب وأمره أن يذكر في الخطبة الحسن والحسين قبل الستة الباقين من العشرة فاضطرب الناس لذلك.
خروج الجراد:
وفي سنة 965 شاع أن الجراد خرج في بعض القرى فخرج بعض الناس لجمعه بأمر فرهاد باشا. وكان الناس في قحط عظيم وصل فيه رطل الخبز إلى عشرة دراهم. وبينما هم على هذه الحالة إذ نادى مناد من قبل الوالي بخروج أهل حلب إلى ظاهر المدينة لاستقبال ماء السمرمر فخرج الناس إلى قرية بابلّي ورجعوا كأنهم جراد منتشر مع الماء، فرفع إلى مئذنة القلعة دون أن يدخل تحت سقف لئلا تزول خاصيته، وبات أهل حلب في سرور عظيم. وبعد أيام ظهر الجراد في بعض معاملات حلب، فخرج الوالي بنفسه إليه وأخرج خلائق كثيرة ما بين عوامّ يجمعونه وخواص يناظرونهم. وبقي الجمع نحو أسبوع إلى أن دفنوا منه بالحفر والآبار ما لا يدخل تحت حصر، وانتفع الناس بذلك منفعة بالغة.
وفي سنة 967 ظهر جراد صغير في حلب العتيقة، فنادى القاضي أحمد بن محمود ابن عبد الله الخالدي بالصيام ثلاثة أيام والتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لرفعه، بعد أن خرج والي حلب فرهاد باشا إلى المكان الذي هو فيه، في خلائق من أهل حلب ونواحيها يزيدون على عشرة آلاف رجل، يجمعون الجراد في قلاع التوت والبسط ويدفنونه في الأرض بعد قتله. وبقوا هناك نصف شهر وهم في مسافة نصف يوم، وعندهم سوق وبينهم لهو ولعب. وبينما هم كذلك إذ مطرت السماء لا على ناحيتهم بل على ناحية حلب بردا كالبندق والعفص، وربما وقعت واحدة نحو وقية في ساعة كادت الصواعق تقع بها، فأتلف كثيرا من الخضر والبقول وما بدا انعقاده من الفواكه. وفي سنة 972 ولي حلب أرناود سنان باشا كما في حديقة الوزراء.
تنبيه: لم أظفر بمادة تسفر عن حوادث حلب من سنة 968 إلى سنة 988 أما ولاة حلب في هذه المدة فإني ذاكرها نقلا عن سالنامة الولاية، وإن كان بعضها خطأ فإن العهدة على مرتبها.
حرر في سالنامة سنة 1303 أن والي حلب سنة 973 عاد إلى محمد باشا وقد علمت(3/208)
ما فيه. قلت: ذكر المجبّي في الخلاصة أن حسن باشا ابن محمد باشا صرف من كفالة حلب إلى دمشق سنة 985 ولعل والي حلب سنة 987 ألوند علي باشا، كما يستفاد مما كتب على الباب الشمالي، أحد أبواب الجامع الكبير. وفهمت من كتاب وقف جامع البهرمية أن بهرام باشا كان واليا في حلب سنة 991 ولم أعلم متى عيّن ثم متى انقضت ولايته. اه.
قال في السالنامة المذكورة: وفي سنة 994 ولي حلب رضوان باشا. وفي سنة 995 حسن باشا. وفي سنة 999 الحاج أحمد باشا. وفي سنة 1002 محمد باشا. اه.
الشركة الشرقية في حلب:
قال في محلة المقتطف: وفي سنة 989 تشكلت الشركة الشرقية بأمر الملكة إليصابات الإنكليزية، وبعد ذلك بزمن يسير فتحت محلا للتجارة في حلب مع بلاد فارس والهند في الطريق البري، وعيّن للدولة الإنكليزية قنصل عرفه السلطان مراد خان الثالث. وكان في حلب وغيرها من الممالك العثمانية كثير من المحلات التجارية الفرنسوية. اه.
وفي سنة 1008 كانت وفاة «أحمد بن موتياب باشا» أمير الأمراء بحلب وواليها، ودفن بمحلة الجلوم.
حريق في حلب وفساد من العرب:
وفي إبّان ولاية «موتياب أحمد باشا «1» » وقع الحريق في سوق العطارين وذهب للناس أموال كثيرة. قيل: سببه أن بعضهم نسي في الكانون بعض النار. وقيل: إن جماعة الباشا فعلوا ذلك ليغرّموا الناس بالأموال. والأول أولى. وفي أيام هذا الوالي أيضا وقع من العرب فساد كثير لم يعهد مثله. وقد بنى الوالي المشار إليه مدرسة وشرط لمدرّسها في اليوم عشر قطع فضية، وقيل عشرين عثمانيا صحيحا، ورتب ثلاثين قارئا يختمون في كل يوم ختما، وبنى له مدفنا ووقف على ذلك خانا وبعض دكاكين. اه. ذكر ذلك كله الشيخ أبو الوفا العرضي في معادن الذهب، ولم يذكر متى ولي الباشا المذكور حلب، ولا عيّن مكان(3/209)
مدرسته وما وقفه عليها وعلى المدفن. وفي هذه السنة أعني سنة 1008 عين واليا على حلب أمير الأمراء الحاج إبراهيم باشا.
فتك إبراهيم باشا بالانكشارية وذكر شيء من فظائعهم:
وفي ربيعها الآخر فتك إبراهيم باشا بالانكشارية الدمشقيين، وكانوا قد استطالوا على فقراء حلب وأفحشوا في ظلم الرعايا جاعلين وسيلة ذلك تحصيل الأموال السلطانية فيتوصلون إلى أغراضهم الفاسدة، حتى تزوجوا النساء في حلب وصارت لهم قرى وأملاك. فعرض الوالي ذلك إلى السلطان فورد أمره بإجلائهم عن حلب إلى بلادهم دمشق، فأمرهم بالرحيل فلم يرحلوا وجمعوا جموعهم بالقصير واستعدوا للمحاربة ونهبوا الأموال، فتمكن إبراهيم باشا منهم وقتل سبعة عشر من أعيانهم ورفع رؤوسهم على الرماح.
ثم عرض على الدولة أن تجعل قولا- أي جيشا- لمدينة حلب، فلم تجبه، وعزل عن ولاية حلب في اليوم الحادي عشر شوال سنة 1009 صرح بعزله مصطفى نعيما في تاريخه «الروضتين» .
وبعد أن عزل إبراهيم باشا من ولاية حلب ولي مكانه علي باشا، وكانت الدولة استصوبت رأي إبراهيم باشا- الذي سبق ذكره- بتخصيص حلب بقسم من الجنود.
ولما دخل حلب علي باشا الجديد كتب «القول» الجديد ورتبه على هيئة «قول» الشام وغيرها فلم يجد ذلك نفعا، وزاد الدمشقيون في عتوّهم وغلوائهم وبقيت في أيديهم خدمة الدفتردار ودار الوكالة وأبواب قناصل الإفرنج. وكان من جملة أعمالهم الفظيعة أنهم يعطون مال السلطنة عن القرية ويأخذون من أهلها أضعافا مضاعفة، وتبقى أهل القرية جميعا خدمة لهم يأخذون منهم جميع محاصيلهم. ولما وصل ضررهم إلى هذه الرادة جمع علي باشا زعماءهم بمحضر من العلماء والأمراء وأمرهم بالخروج من حلب، ونادى الناس عليهم ألّا يستوطنوا بحلب. فخرجوا وقوي عليه الحلبيون وطردوهم وأساؤوا إليهم، حتى إنهم قتلوا منهم عسكريا.
فتوجه الدمشقيون إلى الشام وحشدوا وجمعوا واستعانوا ورجعوا إلى محاربة الحلبيين.
وفي أثناء غيابهم عيّن واليا على حلب بشير باشا، ثم سعى بولاية حلب شريف باشا كافل دمشق، فعيّنه إليها السردار حسن باشا ورفقه بعساكر دمشق وسيّره معهم إلى حلب.(3/210)
فوصل شريف باشا إليها ودخلها من باب المقام وخرج من باب بانقوسا إلى الميدان. فوجد بشير باشا والعساكر الحلبية ناصبين خيامهم هناك وهم على عزم التوجه إلى حسن باشا، السردار المذكور- وكان في دمشق- فنزل شريف باشا مع الدمشقيين في قرية بابلّي، وإذا بالمساء ورد تقرير بشير باشا بولاية حلب من جانب السردار المذكور متأخر التاريخ.
ففي اليوم الثاني وقعت محاربة عظيمة بين الأميرين واتخذ كل منهما متاريس وأمر بشير باشا بإطلاق المدافع من قلعة حلب على شريف محمد باشا والدمشقيين فتوقف شريف باشا عن المحاربة وارتحل بعسكره ليلا.
ولما وقعت هذه الفتنة عرض بشير باشا إلى حسن باشا السردار واقعة الحال وطلب منه الاستعفاء، فأجابه إلى ما طلب وأرسل إلى حلب متسلما من قبل شريف باشا. وكان الدمشقيون رجعوا إلى دمشق وتقوّوا وعادوا إلى حلب ومعهم نحو عشرة آلاف عسكري، ولم يكن عند الحلبيين سوى نحو ألف وخمسمائة عسكري، فخرج الحلبيون لمحاربة الدمشقيين وهم في قرية الراموسة، ودام الحرب بينهم من الصباح إلى قرب العصر، فانكسر الحلبيون ورجعوا وأكثرهم مثخن بالجراح. وفي الليل دخل الدمشقيون إلى المحلات الخارجة عن السور. فلما طلع النهار أغلق الحلبيون أبواب المدينة- سوى باب قنسرين- ووضعوا عليها المدافع. واتخذ الدمشقيون المتاريس عند باب النصر وباب بانقوسا وصاروا يرمون بعضهم بالمدافع. وفي كل ثلاثة أيام يخرج الحلبيون إلى جانب باب قنّسرين ويحاربون الدمشقيين. وقد خرج غالب أكابر حلب إلى القلعة خوفا من هجوم الدمشقيين على أسوار حلب. وكان معظم ذلك في شهر رمضان سنة 1010.
ولما قدم حلب يحيى أفندي ابن بستان- قاضيا عليها- أنزله الدمشقيون عندهم خارج البلد ونسبوا الحلبيين إلى العصيان على السلطان، فأحضر القاضي علماء حلب وأمراءها وكتبوا محضرا إلى حسين باشا الجانبلاط- كافل كلّز- يطلبون حضوره ليصلح بينهم وبين الدمشقيين. فحضر بعد ثلاثة أيام بعساكر كثيرة ودخل الجامع الكبير وأحضر العلماء والأعيان وقال: هذه فتنة لا تنطفىء إلا بقتل خليل كيخيه كبير «القول» الحلبي، ومحمد جاويش من الشوربجية، وجمال الدين منهم أيضا. فأبى الحلبيون أن يعطوا واحدا منهم، وطال الكلام وكثر اللغط حتى رضي الدمشقيون بوضع الثلاثة في القلعة ساعة من النهار إهانة لهم وإطفاء للفتنة. فرضي الحلبيون بذلك وحلفوا بالله على المصحف(3/211)
أن الدمشقيين الذين لهم دور في حلب يقيمون في دورهم، ومن لم يكن له دار منهم يرجع إلى وطنه.
ثم فتحوا باب الفرج لقضاء حوائج الدمشقيين ووقف به ثلاثون رجلا من «القول» الحلبي حرسا ورقباء على من دخله من الدمشقيين بسلاح. وفي ثالث يوم هجم الدمشقيون وقتلوا من كان بباب الفرج وأخذوا في نهب دار محمد جاويش المتقدم ذكره. فثار الحلبيون وخرجوا إلى القلعة. فأرسل يقول لهم حسين باشا الجانبلاط: كان عند الدمشقيين حرارة فانطفأت بنهب دار محمد جاويش وعفا الله عما مضى. فانخدع الحلبيون وسكنوا. أما الدمشقيون فإنهم زادوا في طغيانهم واستطالوا على نهب دور الحلبيين. ولما رأى حسين باشا أن الداء عضال ولّى إلى كلّز وقال: سلّط الله الكلاب على البقر. وأخذ الدمشقيون في محاصرة القلعة ووضعوا المتاريس في سوق السراجين، وكان الحلبيون يهجمون على الدمشقيين ويقتلون منهم. فدخل الدمشقيون ليلا من تحت القسطل المقارب لباب القلعة ووضعوا النفط والقطران وأحرقوا جسر باب القلعة. وعجز الحلبيون بعده من الوصول إلى الدمشقيين.
وفي غضون ذلك ورد حلب واليا عليها حسن باشا ابن علي باشا ألوند، فرشاه الدمشقيون بخمسين ألف قرش فأمر برفع القتال حتى يصدر أمر الدولة باستخدام أحد القولين في حلب. ثم لما نزل الحلبيون من القلعة ورأوا دورهم متهدمة وأموالهم منهوبة وأمارات الغدر تلوح على الدمشقيين، قالوا في أنفسهم: تغدّوا بهم قبل أن يتعشّوا بكم.
فهجموا عليهم وأثخنوهم بالجراح والقتل ثم وقع الفشل فيهم وعادوا إلى حصار قلعتهم، وشدد الدمشقيون الحصار عليهم حتى رضوا بترك الخدمة بالكلية إلى الدمشقيين. فرفع الدمشقيون عنهم الحصار وأمنّوهم إذا نزلوا. فانخدع الحلبيون ونزلوا من القلعة فلم يشعروا إلا والدمشقيون قد هجموا عليهم وأخذوا في قطع رؤوسهم بحضور الوالي والقاضي وهما ساكنان، حتى جمعوا من رؤوس الحلبيين مقدار القبة وكان ذلك في يوم عرفة من السنة المذكورة وهي سنة 1010 وصفا الوقت للدمشقيين، وأخذوا استخدام بيت القاضي وبيت الصّوباشي وبيت القنصل وبيت الدفتردار، واستولوا على حلب أكثر من استيلائهم الأول، وتزوجوا ببنات أعيان حلب، وعاد ظلمهم وعسفهم.(3/212)
وفي أوائل سنة 1011 قدم حلب واليا عليها نصوح باشا المشهور بناصيف باشا فأخذ يمهد أسباب إزالة ضرر الدمشقيين سرا ويستعدّ لكبتهم خفية، لأنهم صاروا أولي قوة ومنعة، وطغوا وبغوا وخافهم الكبير والصغير من أهل حلب، واستولوا على أكثر قراها بحيث قلّت الأموال السلطانية وصار أهل القرى كالأرقّاء لهم. ولما استحكم نصوح باشا من أمره واستعد لكبحهم أخذ في رفع أيديهم عن القرى وإجلائهم إلى بلادهم، وحصل بينه وبينهم وقعة عظيمة وكان مساعده عليهم حسين باشا كافل كلّز، ففروا بين يديه هاربين إلى حماة ثم جمعوا وحشدوا وجاؤوا إلى كلّز وحاصروها وخربوا ما حواليها من القرى كالباب وعزاز وقرى حلب ونهبوا الأموال وهتكوا النساء وافتضت عدة أبكار، ودخل بعض أشقيائهم بكلّز الحمّام وفعلوا أفاعيل جاهلية. ثم تلاقوا مع نصوح باشا وابن الجانبولاط خارج كلّز يوما واحدا ثم انهزموا وعادوا إلى دمشق.
ثم رجعوا إلى قرب حماة وتظاهروا بقطع الطريق وضربوا على حمص وحماة ضرائب من المال، واعترضوا القوافل وجرّموهم. فتقدم إليهم نصوح باشا وأطلق عليهم المدافع، فلم يكن غير ساعة حتى انهزموا وعادوا إلى دمشق ونهبوا قراها وعاثوا خلالها في الفساد.
وكان ذلك في سنة 1012 ولما استهلت سنة 1013 تفرقوا عن بعضهم لعجزهم وانقطع أمرهم عن حلب، وكفى الله المؤمنين القتال.
تبييض القلعة: وفي هذه السنة بيض نصوح باشا قلعة حلب وأجرى عليها بعض الترميم، فقال بعضهم مؤرخا:
يمينا قلعة الشهباء أضحت ... عروسا عرفها مسك يفوح
وقالت: أرّخوا، أعني بياضي ... فأرّخها مبيّضها نصوح
قيام نصوح باشا على حسين باشا الجانبولاط وما جرى بينهما:
ولما صفا الوقت لنصوح باشا والي حلب صار يشيع بين الناس أنه يريد قتل حسين باشا الجانبولاط والي كلّز زاعما أنه عاص على الدولة، مع أن حسين باشا المذكور لا يستحق من نصوح باشا هذا الجزاء بعد أن ساعده على انكشارية دمشق، وليس هو(3/213)
عاص «1» على الدولة- كما زعم نصوح باشا- بل كانت الدولة تراعيه نظرا لما عنده من الشهامة والشجاعة، وبقاؤه في كلّز واليا زمنا طويلا لا لعصيانه على الدولة إنما كانت الدولة ترى في عزله بعض الصعوبة، وتخشى من وقوع فتنة من عشيرة الجانبلاط إذا هي عزلته، فكانت تغضي عنه الطرف وتقنع منه بالمال وهو في غاية الطاعة. ولما بلغه تهديد نصوح باشا إياه أخذ في جمع العساكر فسمع بذلك نصوح باشا وخرج بعساكره جريدة إلى كلّز فقابله حسين باشا بعساكره الكثيرة وكسره كسرة شنيعة، وانهزم نصوح باشا في عسكر قليل إلى حلب.
وبعد أيام قلائل أخذ في الاستعداد ثانيا لمحاربة حسين باشا وبذل الأموال وحشد الأبطال. وبينما هو كذلك إذ ورد على حلب قبجي باشي من قبل السردار سنان باشا ابن جفال يخبر نصوح باشا بالأوامر السردارية أنه قد صار حسين باشا كافل الممالك الحلبية، وعزل نصوح باشا منها. فغضب لذلك نصوح باشا غضبا شديدا وامتنع عن تسليم حلب لحسين وقال: إذا ولّوا حلب عبدا أسود فإني أطيعه إلا ابن الجانبولاط. وكتب إلى الدولة أن أمراء العشائر لا تصلح أن تكون ولاة للدولة. فما مضى أسبوع إلا وقد أقبلت عساكر حسين باشا إلى قرية هيلانة فاستقبلهم نصوح باشا فانكسر وعاد إلى حلب.
ونزل حسين باشا مع عساكره في محلات حلب خارج السور، وأغلق نصوح باشا أبواب المدينة وسدّها بالأحجار وفتح باب قنّسرين وحرسه بعساكر وقفهم هناك، وقطع حسين باشا الماء عن حلب ومنع الميرة والطعام عن داخل حلب ونصب المتاريس على أسوار البلد، وحفّ نصوح باشا عساكره على الأسوار مع المدافع، وقام بين الفريقين حرب مهولة وأخذ حسين باشا في حفر اللّغوم والاحتيال على أخذ البلد، وأخذ نصوح في حفر السراديب لدفع اللغوم، وعمّ الحلبيين أنواع الكدر من المبيت على الأسوار وحفر السراديب ومصادرة الفقراء والأغنياء كل يوم لطعام السكبانية وعلافتهم «2» ، وإغلاق الدكاكين وتعطل الصناعات وحرق الأخشاب للطعام والقهوة بسبب قطع حسين الميرة حتى الحطب، ونزل البلاء من جانب السماء على حلب، فبيعت الحنطة: المكوك بمائة(3/214)
قرش ريالي، وجرّة الشيرج بثمانية قروش، ورطل لحم الخيل الكدش بنصف قرش، والتينة الواحدة بقطعة، وأوقية بزر البطيخ بأربع قطع. وأعظم من في البلد يجد أكل البصل والخل من أحسن الأطعمة. وكان بعضهم يأخذ الشمع الشحمي ويضعه في طعام الأرز والبرغل، وكانت العساكر لا تجد التبن بل كانوا يأخذون الحصر وينقعونها في الماء ويطعمونها للخيل.
وكان كل فقير يغرّم في اليوم قرشين والمتوسط عشرة والغني عشرين.
واستمر الحصار نحو أربعة أشهر، وأيام كل ذلك كان في سنة 1013 وبينما كان الحال كذلك إذ قدم إلى حلب قاضيا عليها السيد محمد المشهور بشريف أفندي، فنزل خارج المدينة وأخذ يسعى في الصلح فتم على يده، ولم يثق نصوح إلا بأيمان السّكبانية وعهودهم، فحلّفهم جميعا بالسيف على أن يكون آمنا على نفسه وأمواله، وأنه إذا تعرض لها حسين باشا يقاتلونه معه. ثم أمر القاضي نصوح باشا أن يذهب بنفسه إلى حسين ويصالحه فأجابه، وتوجه نصوح إلى منزل حسين فأكرمه وسقاه شربة سكّر بعد أن شرب منها حسين أمامه تأمينا له، فشرب نصوح ثم خرج من البلد بعساكره وطبوله وزموره دون أن يتعرض له أحد بسوء. واستولى حسين باشا على ولاية حلب وشحنها بالسكبانية وصادر الأغنياء والفقراء لأجل علوفتهم.
قتل حسين باشا:
وفي سادس عشر جمادى الآخرة سنة 1014 كانت كسرة الوزير سنان باشا ابن جفال ببلاد العجم، وكان قد أرسل إلى حسين باشا بالتوجه إليه ليكون معه في محاربتهم، فتثاقل حسين باشا عن التوجه وتباطأ. ولما رجع سنان باشا من الكسرة تلاقى مع حسين باشا في «وان» فاتهمه بالمخامرة على الدولة وخنقه في الحال وقطع رأسه. وكان ذلك في السنة المذكورة.
عصيان علي باشا على الدولة وما آل إليه أمره:
ولما سمعت عشيرته بحلب أنه قتل ظلما وعدوانا ثارت فيهم الحمية وقاموا على قدم وساق، لا سيما ابن أخي المقتول علي باشا، فإنه استشاط غضبا وتحرّق غيظا، وكان هو وكيل غيبة المقتول، فحشد إليه أخلاط الناس وغوغاءهم وتغلّب على حلب. ولما(3/215)
اتصل الخبر بالدولة أرادت أن تتدارك الخرق وتجبر الكسر، فأرسلت بمنشور إيالة حلب إلى علي باشا فازداد عتوا، وجمع جمعا عظيما من السّكبان حتى صار عنده ما يزيد على عشرة آلاف فارس، ومنع المال المرتّب عليه ونهب في تلك الأطراف، ودبّر على قتل والي حلب حسين باشا، وكان ولاه السلطان عليها لما بلغه خروج علي باشا عن الطاعة. وكان حسين باشا المذكور وصل إلى أذنة فأرسل علي باشا إلى حاكمها الخارجي أيضا المعروف بجمشيد أن يصنع لحسين باشا ضيافة ويقتله فيها، ففعل.
ونما خبره إلى الأقطار واستمر علي في حلب يظهر الشقاق إلى أن أرسل الأمير يوسف ابن سيفا صاحب عكا إلى باب السلطنة رسالة يطلب فيها أن يكون أميرا على عسكر الشام، والتزم بإزالة ابن الجانبولاط عن حلب. فجاءه الأمر على ما التزم. فجمع عساكره والتقى مع ابن الجانبولاط في قرب حماة فانكسر ابن سيفا، واستولى ابن الجانبولاط على أثقاله وفرّ ابن سيفا إلى دمشق. وسار ابن الجانبولاط إلى طرابلس واستولى عليها وضبط ما وجده فيها من الأموال. وفي يوم السبت من أواسط جمادى الآخرة سنة 1015 التقى ابن الجانبولاط بعسكره مع عساكر دمشق في وادي دمشق الغربي، فما مرّ مقدار جلسة خطيب إلا وانكسر عسكر دمشق وتقدم ابن الجانبولاط لنهب دمشق. ثم صالحوه على مائة وعشرين ألف قرش ورحل عنهم عائدا إلى حلب. وفي طريقه صالح ابن سيفا وصاهره ثم سار إلى حلب وجاءته الرسل من جانب السلطنة تقبّح عليه ما فعله بالشام، فكان تارة ينكر فعله وتارة يحيل الأمر على عسكر الشام. وشرع بسد الطرقات وبقتل من يعرف أنه سائر إلى طرف السلطنة، وأخاف الخلق ونفذ حكمه من آذنة إلى نواحي غزة.
وانقطعت أحكام السلطنة من البلاد المذكورة سنتين ووقعت الوحشة وانقطعت الطرقات، إلى أن أمر السلطان وزيره الأعظم قويجي مراد باشا السردار بالمسير إلى ابن الجانبولاط وغيره من العصاة في نواحي آذنة وسيواس وغيرهما. فخرج الوزير من «إسكدار» ومعه من العساكر الرومية ما يزيد على ثلاثمائة ألف، ما بين فارس وراجل.
فمر في طريقه على الخوارج المذكورين وأبادهم. ثم قصد جهة حلب ولما بلغ خبره مسامع ابن الجانبولاط وضع أثقاله بقلعة حلب وحصّن أسوار البلد وتأهب لملاقاة العساكر، وأرسل فرقة من أجناده لتحصين جبل بقراص ليمنعوا العساكر من المرور. غير أن مراد باشا لم يأت من هذا الطريق الضيق إنما أتى من جبل قاز فلم يشعر ابن الجانبولاط إلا وعساكر(3/216)
الوزير قد دهمته، وكان الحرب نهار الثلاثاء ثالث رجب سنة 1016 بأرض مرج دابق من أعمال قنّسرين، وكان مع ابن الجانبولاط من العسكر زهاء أربعين ألفا، وقد انضم إلى الوزير ذو الفقار رستم باشا حاكم مرعش ومعه عساكر ذي القدرية «1» . فلما اشتبك الحرب بين الفريقين كادت تكون الغلبة لابن الجانبولاط ثم عادت الكرة عليه وقتل من عسكره نحو سبعة وعشرين ألفا وولى منهزما لا يلوي على أحد حتى وصل إلى مسقط رأسه كلّز. فلم يقرّ له قرار فيها وجاء إلى حلب وصادر عدّة من أغنيائها وصعد القلعة ومعه بعض رؤساء عسكره فاستقام ليلة ونزل منها معوّلا على الفرار. فخرج من باب بانقوسا فصاحت عليه النساء من الأسطحة بالويل والثبور وعظائم الأمور وصرن يقذفن عليه القذر والنجاسات. وبعد أن خرج من حلب اختفى ببعض بساتينها.
أما مراد باشا فإنه في ثاني يوم من الوقعة توجه إلى حلب واجتاز بطريقه إلى كلّز للتفتيش على ابن الجانبلاط فلم يره، فضبط جميع أمواله لبيت المال، وتوجه منها إلى حلب فوصل إليها في التاسع عشر رجب وضرب خيامه في الميدان الأخضر، واستقبله أعيان البلدة ووجهاؤها وهنّؤوه بالظفر والنصر. ثم التفت الوزير إلى استخلاص القلعة من أيدي بعض أعوان الجانبولاط فرام محاصرتها، فتحقق من فيها بأن كل محصور مأخوذ فطلبوا من الوزير الأمان فأنزلهم بأمانه، وكانوا نحو ألف رجل وكان منهم نساء ابن الجانبولاط. فلما نزلوا بادروا إلى تقبيل ذيل الوزير فأشار إلى النساء أن يسكنّ في مكان معلوم، وفرق الرجال على أرباب المناصب، وطلع إلى القلعة ورأى فيها ما لا يدخل تحت الحصر من أموال ابن الجانبولاط فضبطه كله إلى بيت المال. ثم شرع يتجسس في حلب على الأشقياء وأتباعهم فقتل منهم جماعة، وقرر الراحة في حلب وولّى عليها حسين باشا وولّى قضاءها جشمي أفندي قاضي العسكر. ونظم أمور العسكر وأكمل الشتاء في حلب ثم أقلع عنها.
وأما ابن الحانبولاط فإنه هرب إلى ملطية ثم سار منها إلى الطويل الخارج على الدولة في بلاد الأناطولي، وأراد أن يتحد معه فقال له الطويل: أنا وإن كنت مسمّى بالعاصي لكني ما وصلت في العصيان إلى رتبتك. فرحل عنه بعد ثلاثة أيام وسار إلى العبد السعيد ومعه ابن قلندر، فتلقوه وعظموه وأرادوا أن يجعلوه رئيسا عليهم فشرط عليهم شروطا(3/217)
لم يقبلوها فخرج من عندهم وتوجه إلى «برصة» ودخلها ليلا واتصل بحاكمها وعرّفه بنفسه، فتحير منه وقال له: ما سبب وقوعك؟ فقال: ضجرت من العصيان، فأوصلني إلى السلطان. فوصله وسأله السلطان بقوله: ما سبب عصيانك؟ فقال ما أنا بعاص إنما اجتمعت عليّ فرق الأشقياء وما خلصت منهم إلا أن ألقيتهم في فم جنودك وفررت إليك فرار المذنبين، فإن عفوت فإنت أهل لذلك، وإن أخذت فحكمك الأقوى. فعفا عنه وأعطاه حكومة طمشوار داخل بلاد الروم، فبقي بها سنة ثم عاد إلى ديدنه الأول وتجاهر بالعصيان فبرز الأمر بقتله وأرسل رأسه إلى باب السلطنة، وكان ذلك في حدود 1020.
قال مصطفى نعيما الحلبي في تاريخ الروضتين: إن عشيرة الجانبولاط من عشائر الأكراد في سنجق كلّز في قرب حلب، وإن حسين باشا المقتول- عمّ علي باشا المذكور- هو أكبر رجالهم، وكانت له أعمال تستحق الذكر لأن الدولة العثمانية كانت تأمره بالسفر شرقا وغربا فيسرع الإجابة هو وعشيرته ويبلي في عدوها بلاء حسنا.
قلت: ذكر في «درّ الحبب» في ترجمة أحد أجداد المذكور- على ما أظن- أن أصل هذه العشيرة من جبال القصير وأنهم كانوا في مبدأ أمرهم منحرفين عن السنّة. ذكر في السالنامة أن الوالي في حلب سنة 1017 حسن باشا، والظاهر أنه تحريف حسين باشا الذي عينه مراد باشا السردار كما تقدم. وذكر في السالنامة أن الوالي على حلب في السنة المذكورة ملك محمد باشا.
قتل ملحد:
وفي سنة 1018 قتل في حلب أبو بكر الأرمنازي، شهد عليه جماعة بالكفر فضربت عنقه تحت القلعة، وجاء الناس بالنفط والقطران وحرقوه حتى صار رمادا. وفيها ولي حلب سنان كجك باشا. وفي سنة 1019 توفي سنان باشا المذكور بحلب. وفي أوائل سنة 1020 ولي حلب قره دده باشا. وفي سنة 1024 في شعبان وصل إلى حلب داماد محمد باشا الوزير الأعظم السردار متوجها إلى «وان» فبقي في الميدان هو وعسكره إلى انقضاء الشتاء. وفي ابتداء الربيع رحل عنها وكان ذلك في ربيع الآخر سنة 1025 وفيها ولي حلب كمكجي أحمد باشا. ثم في سنة 1026 وليها محمود باشا. ثم في سنة 1027 وليها قره اقش محمد باشا. ثم في سنة 1028 وليها حسن باشا. وفي سنة 1029 قدم(3/218)
حلب منفيا داماد محمد باشا المتقدم ذكره، فتوفي بها ودفن في تكية الشيخ أبي بكر. وفي سنة 1030 ولي حلب يوسف باشا. وفي سنة 1033 وليها كوسا مراد باشا.
شغب الإنكشارية:
وفي سنة 1035 طغت الإنكشارية في حلب وقد حضر إليها حافظ باشا، وكان في ديار بكر، فتواطئوا على قتل رئيس كتابهم مالقوج أفندي، فعوّل على الفرار وسعى في تهريبه من بين أيديهم أحمد آغا المعروف بقره مذاق من الرجال الأقدمين في الوجاق الواقفين أنفسهم في خدمة السلطان عثمان. فوثب الإنكشارية وحزّوا رأسه بالموسى وطرحوا جسده في مزبلة الخندق. وفيها أعني سنة 1035 ولي حلب مصطفى باشا. ووليها في سنة 1037 سليمان باشا. وفي سنة 1039 محمد باشا مرة ثانية. وفي سنة 1040 مرتضى نوغاي باشا. وفيها وصل إلى حلب السردار الأعظم محمد باشا فتلقاه واليها مرتضى نوغاي باشا إلى قرب قلعة بقراص، وعمل له ضيافة حافلة عند جسر مراد باشا. وبعد سبعة أيام من دخوله إلى حلب رتب في دار الحكومة ديوانا حضره أعيان البلدة وأركان استانبول وألقى خطابا بيّن فيه حسن قيام مرتضى نوغاي باشا بخدمة الدولة والملّة إلا أنه اتهمه بقصور كان منه في تأخير بعض جماعة أمر السلطان بقتلهم. ثم في الليلة الثالثة من مجيئه إلى حلب قتل رجلا أمر السلطان بقتله وأرسل رأسه إلى استانبول، ثم عزل نوغاي باشا عن حلب ووجه رتبة الوزارة إلى أحمد باشا أحد الأغوات السلحدارية، وجعله واليا في حلب.
وفي اليوم التاسع عشر من السنة المذكورة وصل إلى حلب أحمد باشا المذكور وتسلم زمام الأمور.
شغب الإنكشارية:
وفي عشرين شعبان اجتمعت الإنكشارية بوسيلة طلب أرزاقهم ورفضوا عدة مستخدمين، منهم آغاتهم محمد آغا الكوسه وكاتبهم وكتخداهم. ثم تجمهروا وهجموا على المأمورين المذكورين وقتلوا آغاتهم المذكور. ثم كفّ شرهم وقتل بعض زعمائهم ورد كيدهم في نحورهم.(3/219)
إبطال التدخين بالتبغ:
وفي سنة 1045 وردت الأوامر السلطانية المشددة بإبطال التدخين بنوعي التتن والتنباك ونودي على من يشربهما بجزاء القتل.
استطراد في الكلام على هذه الحشيشة:
قيل إن وصول هذه الحشيشة الخبيثة إلى البلاد الشامية كان في حدود سنة 1000 ويستدل القائل على ذلك ببيتين هما:
قال خلّي عن الدّخان أفدني ... هل له في كتابكم إيماء
قلت: ما فرط الكتاب بشيء ... ثم أرخت يوم تأتي السماء
جملة «يوم تأتي السماء» تبلغ بالجمّل (1000) أو (999) إذا لم تحسب الهمزة.
أما منشأ هذا النبات فهو جزيرة اسمها (تبغو) في أميركا أحضر بزره منها إلى بلاد البورتكيز بعض نوتية الإسبان، ثم نقل منها إلى فرنسا بواسطة رجل اسمه (ثيفت) فزرع في فرنسة إلا أن الناس لم يلتفتوا إليه لأن النساء تكره ريحته. وبعد عشرة أعوام قدم إلى فرنسة إلا أن الناس لم يلتفتوا إليه لأن النساء تكره ريحته. وبعد عشرة أعوام قدم إلى فرنسة سفير البورتكيز- واسمه يوحنا ثيكوت- وأهدى الملكة كاترينا شيئا من بزر هذا النبات، وزعم أن التدخين به له فوائد عجيبة. فأقبل الناس في فرنسة على استعماله وذلك في سنة 1560 من الموافقة سنة 968 هـ وسماه الناس حشيشة الملكة، أو حشيشة السفير، أو حشيشة الرئيس الأعظم، أو حشيشة الصليب، أو الحشيشة المقدسة. فلم ترق هذه الأسماء للرجل (ثيفت) واحتج على دار الفنون بتسميته باسم السفير دون اسمه مع كونه هو أول من أحضره إلى فرنسة. وحينئذ ألغى الفرنسويون اسمه ثيكوت وسموه تبغا باسم الجزيرة التي هي منشؤه. ثم حرف هذا الاسم إلى تباكو عند التليان وتبا عند الفرنسيس، وتوبوكو عند الإنكليز، والتبغ عند العرب، وتنباكو عند الفرس، وتوتون عند الأتراك، وتتن أو دخان عند عامة العرب. اه.
وفي سنة 1045 عزل عن حلب أحمد باشا ووليها يوسف باشا ابن أمير كونه، فأساء السيرة في أهل حلب واستنفر قلوبهم يصبروا له واضطربوا منه لأنه صادر كثيرين منهم، فسمعت الدولة بذلك وعزلته وأعادت أحمد باشا المتقدم ذكره. وكانت ولاية يوسف(3/220)
باشا لحلب شهرين. وفي سنة 1047 كان والي حلب بويني أكري محمد باشا صاحب الوقف المشهور به في حلب. وفي سنة 1048 في حادي عشر ربيعها الأول وصل إلى حلب السلطان مراد خان وبقي فيها ستة عشر يوما ثم رحل عنها إلى استانبول. وكان قدومه إلى حلب من بغداد. وفيها قتل في حلب عشرون شخصا أحس بهم الحاكم أنهم يشربون الدخان سرا.
وفي سنة 1050 ولي حلب حسين باشا نصوح باشا زاده. وفي سنة 1053 عزل عن حلب حسين باشا المذكور، وسبب عزله أنه صار ذا ثروة عظيمة فحسده بعض أقرانه وأشاع لدى الحضرة السلطانية بأنه عازم على العصيان فعزله عن حلب وجرى له بعد عزله مصافّ في قرب «أسكدار» مع العساكر السلطانية. انكسر عسكره وقتل. وولي حلب بعده سبارش باشا. فبقي في حلب أياما وأساء السيرة جدا حتى جهز الحلبيون وفدا إلى استانبول للشكاية عليه، فعزل عن حلب في رمضان هذه السنة، ووليها جعته لرلي عثمان باشا. وفي سنة (1054 هـ) قدم السلطان إبراهيم خان إلى أدرنة وولي حلب إبراهيم باشا سلحدار الخاصة.
فساد العرب والإيقاع بهم:
وفيها كثر فساد العرب في نواحي حلب وانقطعت السابلة، وكان أمير هؤلاء العرب المتمردة الأمير عساف، وكان له من قبل الدولة راتب معلوم. ولما زاد طغيانهم أراد إبراهيم باشا والي حلب أن يعمل الحيلة في القبض على عسّاف المذكور، وكان يريد أن يعزله عن إمرة العرب إلا أنه رأى ذلك لا يجديه نفعا فإن عسافا لا يعترف بالعزل في ذلك الحين.
ثم إن إبراهيم باشا خطر له أن يرسل إلى عساف رسولا يدعوه إلى ضيافة يصنعها له في حلب، فقال له الرسول: إن عرب البادية لا تأوي المدن بل ولا ما قاربها. فأمر إبراهيم باشا أن تصنع وليمة حافلة في قرب حلب على بعد خمس ساعات منها تقريبا. ثم سار الباشا إلى محل الضيافة بالمهمات والعساكر ومعه الهدايا، وأشاع أن هذه الوليمة مصنوعة إلى سلطان البر يعني به عسافا.
وكان الرسول قد سبق إلى الأمير عسّاف ودعاه إلى هذه الضيافة فأجابه إليها بعد أن استوثق منه على عدم الغدر، وعاد الرسول إلى ابراهيم باشا وأخبره وحذّره من الغدر بالأمير(3/221)
عساف في خصوص هذه الضيافة. وكان الأمير عساف قد تجهز للقدوم على هذه الضيافة ومعه جمّ غفير من العربان خوفا من أن يغدر به الباشا. ولما وصل إلى محل الضيافة غدر به الباشا وأراد أن يقتله، فاستدرك الفرط «1» وانفلت من قبضته وعاد إلى أشد ما كان عليه من الإفساد وقطع الطريق. ولما سمعت الدولة بغدر إبراهيم باشا وعدم وفائه وسوء تدبيره عزلته عن حلب وولّت مكانه درويش باشا المعزول عن ولاية بغداد. فقدم حلب وتلافى خطر العربان الذي كان من أهم الأمور في ذلك الزمان، وأرسل من قبله رسولا يدعو عسافا بالرفق واللين إلى طاعة السلطان، وجهز معه هدايا ثمينة لعساف. وكان الرسول في ذلك علي آغا كجك، جدّ مصطفى نعيما الحلبي صاحب تاريخ الروضتين (وجدّ الأسرة الشهيرة في حلب باسم راغب زاده القاطنة في محلة السفاحية) .
فوصل الرسول المذكور إلى عساف وبسط له الكلام وتلطف به ووبخه على عصيانه وعظّم من أمره وأمر هذه العشيرة المعروفة بعشيرة أبي ريش، وقال له: لا ينبغي ولا يليق بأدنى فرد من أفراد هذه العشيرة أن يشهر على السلطان العصيان. فأجابه عساف بقوله:
يا علي والله ما لي ذنب في هذا العمل وإنما الذنب فيه لإبراهيم باشا. ثم إن عسافا استدعى بثلاثة دروع كان لبسها في يوم الضيافة وصار يري علي آغا الثقوب التي حصلت من إطلاق الرصاص، وكانت إحدى الرصاصات قد ثقبت الدرع ووصلت إلى بدنه، فحلف له الأمير عساف أن جرح هذه الرصاصة بقي يبصق منه الدم شهرين. فسلّاه علي آغا وذكر له أن الدولة لم تعزل إبراهيم باشا إلا لما أجراه معك من الغدر. فرضي حينئذ عساف وتعهد لعلي آغا بالأمن والأمان، وأهداه مقدار عشرة خيول وجهز معه إلى الدولة عدة خيول وأعطاه حوالة على حلب بألفي ذهب للدولة.
وفي سنة 1056 ولي حلب ملك أحمد باشا كما يفهم من حديقة الوزراء. وفي شعبان سنة 1057 ولي حلب أحمد باشا الدباغ كتخدا موسى باشا. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب أبشير باشا، نقل إليها من دمشق فبقي بها أشهرا، ثم صرف عنها في أوائل سنة 1058 وولي مكانه موستاري مصطفى باشا. وفي ذي الحجة سنة 1060 ولي حلب أبشير باشا وهذه هي الولاية الثانية، ولم يتيسر له أن يتناول منشور الولاية إلا في أوائل سنة 1061(3/222)
وعند ما أخذه كان في استانبول فتوجه إلى حلب ودخلها في ربيع الأول من السنة المذكورة.
قال نعيما في وقائع سنة 1062 ما معناه: إن أبشير باشا كان في مبدأ أمره على جانب عظيم من الصلاح حتى كان يظن فيهه أنه ولي من أولياء الله تعالى، ومع هذا فقد كانت أتباعه غاية في الظلم والجور ولاقى الناس في زمانه من الجور والعسف ما لم تلقه في زمن غيره.
ثم إن أبشير باشا سرى مسرى أتباعه وشغب في جمع المال وصادر الناس، وساءت سيرته واشتهر ظلمه وانعكست أفكاره وصار يظهر منه حمق عجيب، وفشا الظلم في أيام ولايته الصدارة العظمى، وجارت الولاة ولاقت حلب من طيار باشا ظلما عريضا.
وفي سنة 1065 قتل أبشير باشا بعد أن ولي الصدارة، وكان على جانب عظيم من الغنى والثروة بحيث لم يكن له مثيل في عصره. ومع هذا فلم يبق له أثرا غير الوقف الذي أسلفنا ذكره في الكلام على محلة الشمالي من الجزء الثاني. ولم يزل أبشير باشا واليا بحلب حتى اجتمعت رجال الدولة على أن يكون صدرا أعظم وذلك في أواخر سنة 1064 ووافق السلطان على ذلك وأرسل إليه الختم مع أمنائه، فوصلوا إلى حلب في غرة محرم سنة 1065 وفي أواخر محرّم توجه إلى دار السعادة وتقلد منصب الصدارة، وعندما رحل من حلب ولي عليها مكانه مصطفى باشا طيار زاده بدراهم أخذها منه لنفسه ولغيره.
حصار السيد أحمد باشا حلب:
وفي سنة 1066 ولي الصدر الجديد حلب السيد أحمد باشا، وكان من المشهورين بالجور والظلم. فسمع به الحلبيون ولم يقبلوه وزادهم فيه بغضا مصطفى باشا والي حلب الذي لم يبرح منها، فإنه لما سمع بقدوم السيد أحمد باشا إلى حلب جمع إليه أعيان البلدة ورؤساءها وكبارها وصغارها وحذرهم من السيد أحمد باشا وخوّفهم من ظلمه وجوره ومصادرته الناس، وذكر لهم غير ذلك مما انطوى عليه من الأمور المنفّرة للقلوب. فنفروا من السيد أحمد باشا ووعدوه بالمساعدة والمعاضدة عليه. أما أحمد باشا فإنه أرسل متسلّما من طرفه إلى حلب فطرده الحلبيون عنها وشحنوا القلعة بالمهمات والعدّة والعدد واستعدوا لمدافعته أو تذهب أرواحهم. وكان أحمد باشا قد وصل إلى حلب فأخبره متسلّمه عن جميع ما فعله الحلبيون فغضب غضبا شديدا وحاصر حلب وقطع القناة وضايقها مضايقة شديدة وخرب أكثر مباني البلدة الخارجة عن السور وأحرق شيئا كثيرا من البساتين وكان(3/223)
يقاتل حلب قتال مكتف مؤنة الأكل والشرب وغيرهما، والحلبيون يقاتلونه قتال مضطر إلى شربة ماء فضلا عن الطعام.
وامتدت المحاصرة شهرين كاملين فاضطرب الحلبيون اضطرابا عظيما وقد أصبحت الأمور قوضى في حلب، وقام الدعّار ينهبون الدكاكين ويتعرضون لبعض البيوت، وكان رؤساء البلدة قد كتبوا إلى الدولة يلتمسون منها غير هذا الوالي ويشتكون من فعله معهم، فكتبت الدولة إليه تردعه عن هذا الفعل القبيح فلم يرتدع وزاد في طغيانه، فكتب الحلبيون إلى الدولة ثانيا يتضجرون منه ويرجون غيره. فكنت إليه الدولة بالانصراف عن حلب وولّته سيواس وولت حلب مرتضى باشا المنفصل عن بغداد. وفي نصف ربيع الآخر من سنة 1067 نقل مرتضى باشا إلى دمشق فامتنع أهلها من تسليمها إليه، فولّي ديار بكر وولّي حلب مكانه جلالي أبازه حسن باشا، وهو من أولاد السباهية، وكان ظالما غاشما وكان حاكم التركمان قبل أن يولى حلب.
وفي سنة 1068 خرج على الدولة أبازه حسن باشا ووافقه عدة ولاة. ثم اجتمعوا في صحراء قونيه وحشدوا إليهم عسكرا ضخما من مشاة وفرسان وعاثوا وأفسدوا وصادروا الغني والفقير، فتداركت الدولة ردعهم وولّت حلب أدرنه لى سوخته محمود باشا في السنة المذكورة، وطرد الحلبيون متسلم أبازه ومن معه من العساكر إلى خارج المدينة وتلقوا محمود باشا بالترحاب. ثم سيرت الدولة لردع أبازه وحزبه مرتضى باشا السردار وكان أبازه ومن معه في بلاد قونيه فقصدهم مرتضى باشا بعسكره ولما سمعوا بقدومه رجعوا نحو حلب وخيموا في عينتاب فوصل السردار إلى حلب وتوسط الصلح بين أبازه وجماعته وبين مرتضى، مفتي عينتاب، فحضر أبازه بمن معه إلى حلب لإتمام الصلح وعقد شروطه، فتمكن منهم السردار وقتلهم عن آخرهم داخل حمام في السراي وقطع رؤوسهم وحشاها تبنا وأرسلها إلى استانبول ورمى جثثهم أمام قسطل السلطان خارج باب الفرج. وممن قتل في هذه الوقعة أبازه حسن باشا وأحمد باشا ابن الطيار وأخوه مصطفى باشا، وصاري كنعان باشا وكتخدا مصطفى باشا وعبد الوهاب قاضي معسكر أبازه، وغيرهم ما ينوف عن ثلاثين رجلا. وكان قتلهم في سنة 1069 وكان معه السردار مرتضى باشا قوناقجي علي باشا، صحبه معه من الأناضول، وبعد قتل المذكورين ولاه حلب وعزل عنها سوخته محمود باشا المتقدم ذكره.(3/224)
وفي سنة 1070 ولي حلب خصكى محمد باشا وذلك بعد أن حصّلت الدولة منه سبعمائة كيس من الدراهم كانت في ذمته من مال بغداد ومصر، وكان ولي عليهما. وفي هذه السنة طغى نهر قويق وهطلت السماء بالمطر الغزير حتى طافت أكثر المحلات المجاورة للنهر وغرقت البساتين وتهدمت عدة بيوت داخل البلد وخارجها. وفي سنة 1071 عزل عن حلب خاصكى محمد باشا وأشخص إلى استانبول. وسبب عزله أنه غش سكة النقود التي كان يضربها بحلب وسعى في رواجها بين الناس، فتداولتها الأيدي وفشا الفساد وتعطلت التجارة واختل نظامها. فعرض الصدر الأعظم ذلك على مسامع السلطان فأمر بعزل الوالي المذكور وإحضاره إلى استانبول فعزل وأحضر. وفي عشرين شوال منها ضربت عنقه وعنق كتخدا كاتب ديوانه وصرّافه أمام قصر الموكب في استانبول. وفيها حصل غلاء كبير في حلب بيع فيه رطل الخبز بست بارات.
ذكر في سالنامة الولاية أن والي حلب في هذه السنة: أبو النور محمد باشا. ورأيت في بعض المجامع أن واليها في هذه السنة ميراخور يوسف باشا، وفي سنة 1075 صاري حسين باشا، وكان في هذه السنة مع المحاصرين قلعة قندية على ما حكاه راشد في تاريخه.
وفي سنة 1080 كان بحلب طاعون كبير، أحصى بعضهم الجنائز التي خرجت من باب المقام في أحد أيامه فقط فكانت ألف جنازة إلا واحدة، فعلق بعض الناس على باب المقام كلبا ليكون تمام الألف. وفيها ولي حلب إبراهيم باشا وكان يعرف بإبراهيم آغا وعين سلفه حسين باشا سر عسكر، وكان إبراهيم باشا مع المحاصرين قلعة قندية فأرسل إلى حلب متسلما كسلفه. ثم في أواخر هذه السنة ولي حلب حسين باشا سلحدار السلطان وولي سلفه مصر.
وفي أوائل ذي الحجة سنة 1082 ولي حلب قبلان مصطفى باشا وكان مع العساكر في محاربة القرم فعين متسلما من طرفه كأسلافه. وفي سنة 1083 عين سردارا أكرم علاوة على ولاية حلب. وفي سنة 1085 ولي حلب إبراهيم باشا نقل إليها من دمشق، وولى سلفه قبلان مصطفى باشا ديار بكر ولا أعرف متى عزل إبراهيم باشا المذكور عن حلب غير أن واليها في ابتداء سنة 1089 كان حسين باشا وكان ظالما غاشما. وفيها حررت بيوت الأشراف واليكجرية ولم أحقق عددهما. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب قره محمد باشا وكان يعرف بقره محمد بك.(3/225)
فساد العربان والتنكيل بهم:
وفي سنة 1093 كثر فساد العرب في برية دمشق وحلب، وعظم ضررهم وأفحشوا بالسلب والإغارة على القوافل حتى ضجت منهم الولايات، وصدرت أوامر الدولة إلى وإلى حلب ودمشق وبغداد وطرابلس أن يبذلوا جهدهم بالقبض على أميرهم ملحم. فعندها عزم قره محمد باشا والي حلب على أن يأخذ ملحما بالحيلة، فوسّط حاكم المعرة أخا شريف مكة بينه وبين ملحم، فاجتهد المذكور في إحضار ملحم إلى حلب وحلف له على أنه يطلب له العفو من السلطان ويجعله أميرا على العربان. وكان حاكم المعرة داهية وكان متهما بأنه يقاسم الأمير ملحما بالغنائم ويسعى له في بيع ما يلزمه منها، فأراد أن ينفي الظنة عن نفسه بمكيدة ملحم وسعى في إحضاره واجتهد غاية الجهد، إلى أن رضي معه ملحم للحضور بعد أن استوثق منه بالأيمان المغلظة. فحضر معه إلى قرية جبرين، وكان قد أرسل إلى الوالي يخبره بذلك، فأنفذ له الوالي خلعة وخيلا ليغريه بالدخول إلى حلب على أنه يحلف له فيها على ما تقدم.
فركب ملحم إلى حلب، ولحقه من عشيرته خمسون فارسا ينهونه عن الدخول إلى حلب وألحوا عليه بالرجوع، فقبل منهم ورجع إلى مخيمه، وقال لأخي الشريف المتقدم ذكره: لا سبيل إلى دخولي المدينة فإني آليت على نفسي ألّا أدخل بين الجدران وتحت السقوف لأنها تضيق صدري، فاذهب وقل للوالي إن كان يريد محالفتي فليأت إلى هنا.
ولما لم ينجح سعي أخي الشريف في إقناع ملحم رجع إلى الوالي وأخبره بما جرى، وحين رجوعه أصحبه ملحم باثنين من بني عمه وبمستشاره- وهو أعرابي طاعن في السن- فلما تمثلوا بين يدي الوالي قابلهم بالبشاشة وخلع عليهم وأحسن مثواهم، ثم أرسلهم إلى بيت أخي الشريف وركب في الليل سرا ومعه خمسمائة عسكري بالعدّة الكاملة وقصد مخيّم ملحم في جبرين وكان ملحم قد رحل من مخيمه وأبقى فيه خمسين من قومه، فحاربهم الوالي وبعد أن دافعوا عن أنفسهم دفاع الأبطال قتل بعضهم وأسر منهم ثمانية عشر وفر الباقون.
ثم استدل الوالي من الفلاحين على الأمير ملحم وتبع أثره إلى أن دهمه بغتة عند الصبح في واد بين جبلين بحيث لم يره الأمير إلا عند ما وصل إليه، وكان مع الأمير عدد يسير(3/226)
من جماعته، فأركن إلى الفرار وأراد أن يجتاز من نهر هناك فتوحلت به فرسه فتوكأ على رمحه لانتشالها من الوحل فانكسر الرمح. وكان الوالي قد أدركه والبندقية في يده وأحاطت به العسكر وقبضوا عليه وساقوه أسيرا إلى حلب، فكبلوه بالحديد ومن أسروا معه من قومه. ثم قتلوا الجميع صبرا سوى الأمير. وكانوا عندما يقتلون أحدهم يخرقون أكتافه ويغرسون فيها فتائل مشعلة مصنوعة من المرخ «1» والشمع ويطوفون به البلد ثم يقطعون رأسه ويرمون جثته في مستنقع الخندق. واتفق أن واحدا من هؤلاء الأسراء كان شاعرا عند الأمير ملحم لم يغمس يده في دم ولم يشنّ غارة قط، فبينما كانوا يطوفون به على تلك الحالة إذ لمح ضابطا سبقت له يد عنده فذكّره بها وقال له: إنني لم أكن لصا ولا قاطع طريق، إنما كنت شاعرا عند الأمير، فتضرع له الضابط عند الوالي وخلّصه من العقاب والقتل. ثم إن الوالي أرسل ملحما إلى أدرنة حيث كان السلطان إذا ذاك، فبعد أن نظر السلطان إلى ملحم مليا أمر بقتله وقد صعب ذلك على رجال الدولة لأنهم كانوا يرجون خلاصه والعفو عنه ليكون كافلا قمع غارات العرب حسب شجاعته المفرطة.
وفي هذه السنة أعني سنة 1093 كملت عمارة خان الوزير. وفيها نقل قره محمد باشا إلى ديار بكر ومحمود باشا والي ديار بكر إلى حلب. ثم في هذه السنة نفسها ورد الأمر إلى محمود باشا بالحضور إلى استانبول ليكون قائم مقام الصدارة في استانبول، وولي حلب قره بكر باشا. وفي سنة 1094 كان قره بكر باشا مع المجاهدين في بلاد بلغراد وله متسلم في حلب. وفي سنة 1096 ولي حلب مع السردارية مصطفى باشا قره حسين باشا وكان في حرب بلغراد فجعل متسلما في حلب. وفي سنة 1096 ولي حلب مع الوزارة إبراهيم باشا محافظ إيالة بدون، وكان مع المجاهدين في بلغراد فجعل متسلما في حلب.
غلاء، وقتل ابن حجازي:
وفي هذه السنة حصل غلاء بحلب وارتفع سعر اردبّ الحنطة إلى خمسة وعشرين قرشا.
فنادى المتسلم أن يباع الإردبّ «2» بخمسة قروش. وكان عبد الله بن محمد حجازي- نقيب الأشراف- قد ارتشى من المحتكرين بألف قرش على أن يباع الإردبّ بخمسة(3/227)
وعشرين قرشا. فلما نادى المتسلّم بما ذكر أسرّها له في نفسه. وبعد أيام قلائل دعا المتسلم إلى منزله وسقاه شرابا مسموما مات منه المتسلم بعد ثمانية أيام. فخرج ابن حجازي في جنازته إلى مقبرة الصالحين، وكان الناس قد سئموا من ابن حجازي لظلمه وجوره، فبينما هو منصرف من الجنازة إذ صاحت امرأة: هذا قاتل المتسلم. فتبعها رجل من العوام واتصل الصوت بالرجال والصبيان والنساء، وضربه رجل بحجر أصاب رأسه وعثرت به فرسه فانكب على وجهه، فهجم الناس عليه وقتلوه رجما بالحجارة في قرب المكان المعروف بقبّة الصوت شمالي مقبرة الصالحين، وذهب دمه هدرا وذلك في يوم الأربعاء سابع عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة.
وفي سنة 1097 ولي حلب عبدي باشا. وفيها حصل في حلب طاعون خفيف لم تطل مدته. وفيها شبّت النار بسوق بانقوسا، وامتد الحريق من باب بانقوسا إلى المكان المعروف بالورشة حتى أصبحت هذه المسافة من الجانبين رمادا. وفي سنة 1098 ولي حلب الوزير سباوش باشا وكان في محاربة القرم وله متسلم في حلب. وفيها صار الوزير سباوش باشا صدرا أعظم، وولي حلب عثمان باشا. وفي سنة 1100 احترق روشن القلعة «1» وكانت ساعة مفزعة جدا. ولا أعرف متى عزل عثمان باشا غير أن والي حلب سنة 1101 كان خليل باشا وكان مع العسكر في حصار قلعة شهر كوي وله متسلم في حلب. وفي سنة 1102 حصل بحلب طاعون عظيم بلغت فيه الوفيات اليومية نحو سبعمائة نسمة. وفي سنة 1104 ولي حلب جعفر باشا محافظ بغداد وله بحلب متسلم. ثم في هذه السنة وليها مكانه طورسون محمد باشا فعيّن له متسلما في حلب.
وضع حدّ لقرى المقاطعات:
وفي هذه السنة صدرت أوامر الدولة إلى ولاتها- في حلب ودمشق وديار بكر وماردين وأذنة وملطية وعينتاب وغير هذه الولايات من بقية الممالك العثمانية- أن تكون قرى المقاطعات الأميرية كالملك لذويها مدة حياتهم. ويجوز لمن أراد منهم بيع قرية من قراه ممن شاء فتوجه على المشتري بمنشور سلطاني، وإذا مات أحد منهم يقع ما يملكه منحلّا(3/228)
فيعرض للمزايدة العلنية وتقدم أولاد الميت على غيرهم إذا تساويا بالقيمة. وقد جعلت الدولة على كل قرية من القرى المذكورة مالا مقطوعا سنويا يأخذه صاحبها من أهل القرية على ثلاثة أقساط وكان هذا العمل من الدولة مساعدة عظيمة للفلاحين واستنفاذا لهم من الظلم والجور لأن أرباب المقاطعات كانوا يدفعون مقاطعاتهم في كل سنة التزاما لمن رغب ذلك منهم فيخرج الملتزم إلى القرية ويتسلط على أموال أهلها فلا يبقي ولا يذر.
وفي سنة 1107 ولي حلب ثانية جعفر باشا محافظ بلغراد، وعيّن سلفه طورسون محمد باشا إلى سيواس. وفي سنة 1108 ولي جعفر باشا محافظة طمشوار وولي حلب مكانه عثمان باشا قائم مقام استانبول. ثم في هذه السنة نفسها ولي حلب عثمان باشا والي دمشق وهو غير عثمان باشا القائم مقام.
غلاء عظيم:
وفيها كان الغلاء العظيم بحلب، وقلّت الأقوات، وصار الناس يزدحمون على الأفران لأخذ الخبز ازدحاما عظيما بحيث يؤذون بعضهم. فأمر الوالي بسدّ أبواب الأفران وأن يبقى فيها طاقة صغيرة يتناول الناس منها الخبز على قدر سدّ الرمق، فسمي «غلاء الطاقة» ، وامتد أربعة أشهر. وفي سنة 1109 عين عثمان باشا والي حلب لمحافظة قلعة الروملّي وولي حلب مكانه حسن باشا السلحدار قائم مقام أدرنة. وفي سنة 1110 في غرة شعبان منها أبطل قاضي حلب محمد بن عبد الغني بدعة قديمة، وهي أن مشايخ قرى جبل سمعان كانوا يجمعون بأمر نائب محكمة جبل سمعان من القرى في كل ثلاثة أشهر مبلغا من الدراهم يشترون به دجاجا يقدمونها إلى مطبخ قاضي حلب. وفي هذه السنة ولي حلب حسن باشا والي قرمان. ثم في سنة 1111 وليها علي باشا.
وفي سنة 1112 عين علي باشا لمحافظة البصرة وكان وقع فيها اختلال عظيم فسار إليها لإصلاح الخلل، وولي حلب يوسف باشا قائم مقام وفي جمادى الأولى سنة 1115 ولي حلب جور ليلى علي باشا السلحدار- وكان في أدرنة- فسافر إلى استانبول ليتناول منشور الولاية فولاه السلطان على عمل خاص به، وولى حلب مكانه محمد باشا الجركس متصرف لواء القدس الشريف وفي سنة 1116 ولي حلب الحاج قيران حسن باشا المعزول عن حانية وولي سلفه محمد باشا الجركس الرقة. ثم في هذه السنة ولي حلب أبازه سليمان(3/229)
باشا السلحدار وكان يعرف بسليمان آغا. وفي سنة 1117 ولي حلب إبراهيم باشا والي شهر زور وولي سلفه أبازه سليمان باشا أغربيوز. وفي سنة 1119 ولي حلب عبدي باشا والي سيواس وولي سلفه إبراهيم باشا أرضروم. وفي سنة 1120 ولي حلب تبراد محمد باشا الصدر السابق وولي سلفه عبدي باشا الأناطول. وفيها جدد مرقد نبي الله زكريا في أموي حلب. وفي شعبان سنة 1122 ولي حلب ثانية إبراهيم باشا السلحدار والي شهر زور.
وفي سنة 1125 ولي حلب والرقة معا طوبال يوسف باشا، وولّته الدولة عليهما ليتمكن من تنكيل نصوح باشا أمير الحاج لأنه كان عازما على مشاققة الدولة والخروج عليها. وفي أوائل سنة 1127 ولي حلب ثانية محمد باشا الجركس، ثم فيها طلب إلى استانبول وعين قائم مقام، وولي حلب علي باشا مقتول زاده وكان في استانبول فعين متسلما إلى حلب، وسافر هو للمحاربة في المورة بعد أن عين سردارا، وكان من معه في المحاربة عبد الرحمن آغا الحلبي باش جاويش، فأبلى هذا الرجل في العدو بلاء حسنا. وسمعت الدولة خبره فعينته واليا على حلب وولت سلفه علي باشا على الأناطول. وفي هذه السنة زحف على حلب من الشرق جراد عظيم أتلف الزروع وغلت الأسعار وعز القوت. وفي سنة 1128 ولي حلب مصطفى باشا وكان في محاربة المجر، فعين متسلما في حلب. ثم وليها في هذه السنة سليمان باشا السلحدار وهو الصدر الأسبق.
وفي سنة 1130 وليها عثمان باشا فسافر إلى أدرنة ومنها إلى موقع المحاربة في جهات صوفية وترك متسلما في حلب، وهو غير عثمان باشا صاحب المدرسة الرضائية المنسوبة إليه. وفي أوائل سنة 1131 ولي حلب موره لى علي باشا. وفيها وقع في حلب طاعون جارف أهلك خلقا كثيرا واستمر مدة على حذو واحد، واختبأ الوالي وحاشيته. وفي أواخر هذه السنة حوّل الوالي المذكور إلى محافظة قندية، وولي حلب رجب باشا وكان في دمشق أميرا على الحاج، وقد ضجر الدمشقيون من ظلمه وجوره، وهو صاحب السراي في محلة بحسيتا، والبستان الكائن في شرقي الميدان الأخضر المشهور ببستان الباشا، وحوض الماء الذي بجانب البستان من غربيه.
وفي سنة 1133 زاد طغيان العرب المعروفين بالعباسيين في صحراء حلب وكثر ضررهم(3/230)
على السابلة وعسر على الولاة ردعهم فعيّن الباب العالي حسن باشا والي بغداد رئيس عسكر إلى شهر زور والموصل وديار، وعيّن علي باشا مقتول زاده والي الرقة رئيس عسكر إلى حلب وقرمان. ثم أنفذت إلى هؤلاء الولاة الأوامر المؤكدة بشن الغارات ومتابعتها على العربان المذكورين، فتناوشتهم العساكر من كل جانب وأذاقوهم أنواع المعاطب والمصائب فكفّ ضررهم ومنع خطرهم. وفي هذه السنة وقع في حلب طاعون كبير لم تذكر وفياته.
وفيها ولي رجب باشا مصر القاهرة فسافر إليها وبقي بها أشهرا ولم يستقم أمره فأعيد إلى ولاية حلب وولي في غيبته عارف أحمد باشا رئيس الكتاب. وفي سنة 1135 أصيبت حلب بزلزلة مهولة دمرت أكثر بيوتها وقتلت كثيرين من أهلها.
وفي سنة 1136 ولي رجب باشا تفليس وولي حلب مكانه كورد إبراهيم باشا نقل إليها من طرابلس الشام. وفي سنة 1137 ولي حلب علي باشا بن نوح أفندي رئيس الحكماء متصرف أدرنة، وشرطت عليه الدولة في توليتها إياه حلب أن يسافر مع العسكر إلى الجهة الشرقية أي ناحية تبريز في بلاد العجم. وولي سلفه إبراهيم باشا لواء «خوى» على هذا الشرط أيضا. وفي سنة 1138 رأت الدولة من علي باشا ما سرّها في سفره إلى جهة العجم وفتح تبريز، فأنعمت عليه بالوزارة وولته إيالة الأناطول، وولت على حلب مكانه محمد باشا سلحدار، سلفه في إيالة الأناطول. وفي ثامن جمادى الأولى من هذه السنة ولي حلب ثانية عارفي أحمد باشا، نقل إليها من ولاية سيواس، وشرطت عليه الدولة أن يبذل الجهد في تنظيم حالة الموالي العربان في ضواحي حلب ويتكفل في محافظة ما حول الرقة والقدس الشريف، وعينت سلفه محمد باشا السلحدار سر عسكرا.
وفي سنة 1140 وفد على حلب من الشرق جراد كثير أتلف الزروع وغلت الأقوات وعزّت البقول والخضر. وفي أواسط محرم سنة 1141 ولي حلب علي باشا صهر الحضرة السلطانية. وفي سنة 1142 ولي حلب الوزير كوجك مصطفى باشا. وفي ربيع الآخر سنة 1143 وليها إبراهيم باشا والي أرزن الروم سابقا. وولي سلفه كوجك مصطفى باشا لواء إيج إيل. ولما ولي إبراهيم باشا المذكور ولاية حلب كان في استانبول، فاستثقل من بقائه بها الصدر الأعظم محمد باشا، واستحثّه على السفر إلى محله فعزم على ذلك وخرج من استانبول إلى اسكيدار بنيّة التوجه نحو حلب فاجتمع أكابر الدولة وأهل الديوان على أن يسند إليه منصب الصدارة وأجابهم السلطان على ذلك، وأرسل له ختم الصدارة وعين(3/231)
سلفه الصدر السابق محمد باشا واليا لحلب. وكان ذلك في اليوم الثالث عشر من رجب الفرد من السنة المذكورة. وفي هذه السنة تمت عمارة جامع الرضائية المعروف بالعثمانية وصار لذلك يوم مشهود. وفي شعبان سنة 1145 ولي محمد باشا ولاية ديار بكر. ولم أحقق من جاء بعده. وفيها وقع في حلب طاعون عظيم أقفل دورا كثيرة. وفي سنة 1146 نزلت صاعقة في بستان القبار وقتلت ثلاثة أشخاص.
غلاء شديد وقتل شيخ المداراتية:
وفي سنة 1147 كان الغلاء بحلب شديدا وهاج الناس وقاموا لنهب ما يرونه من الخبز في الأفران، وصادفوا خليلا المرادي شيخ المداراتية يقبض ثمن الطحين من الخبازين ومعه صرة دراهم، فطمعوا به ولحقوه لأخذها فأحس بمرادهم وحرّك دابته للهرب منهم، فلحقوه وأدركوه عند جامع قسطل الحرامي. ولما ضايقوه أراد الدخول للجامع ليحتمي به منهم، فمنعه قوّامه خوفا من أن يقتل فيسألوا عن دمه. فهرب إلى البرية فتبعوه وقتلوه رجما بالحجارة ولم يعلم قاتله. ثم في هذه السنة قدم إلى حلب واليا عليها أحمد باشا بولاد فاشتكى إليه أولاد خليل المقتول فأخذ بالفحص عن قاتليه ولم يظفر بهم، وآل أمره إلى أن أخذ جريمة وافرة من المحلة المذكورة. وفي سنة 1150 ولي حلب عثمان باشا المعروف بوقته بمحصّل حلب صاحب المدرسة الرضائية بحلب.
وصول سفير العجم إلى حلب:
وفي أوائل سنة 1135 ولي حلب يعقوب باشا وولي عثمان باشا أذنة. وفي شوال هذه السنة وصل إلى حلب سفير طهماس قولي المدعو بنادر شاه من مملكة إيران مجتازا منها إلى استانبول، واحتفلت له الدولة العثمانية إظهارا لأبهة السلطنة، ومعه تسعة أفيال على ظهورهم التخوت، فدخلوا من باب النيرب وشربوا من قسطل علي بك، وهم أمام السفير المذكور، كل هنيّة يقفون لسلامه، ويأمرهم الفيال فيطأطئون خراطيمهم حين السلام.
وكان يوم قدم سفير آخر من طهماس المذكور واجتاز بحلب عاشر شوال سنة 1145 لجمع الأسارى إلا أنه لم يكن بهذه الأبهة، وخرجت إليه نساء الأعاجم اللاتي أسرتهن الدولة العثمانية قبلا واستولدن في حلب وغيرها من الممالك المحروسة، فمنهن من أبى اتباعه ومنهن من تبعه لارتكاب القبائح علنا.(3/232)
النّزالة الإنكليزية في حلب:
وفي هذه السنة أعني سنة 1153 كانت النّزالة من الإنكليز في حلب. فكان لهم فيها قنصل وعشرة تجار وقسيس وكاتب أسرار وطبيب. وفي سنة 1155 ولي حلب حسين باشا. وفي هذه السنة كثر ظلم القاضي وتظاهر بالفسوق والرشوة فتألب عليه العامة وهجموا عليه وهو في المحكمة ورجموه ونهبوا المحكمة. وفي سنة 1156 وقع بحلب طاعون عظيم أهلك خلقا كثيرا، واشتد فساد العربان في البر. وفي ذي القعدة سنة 1157 ولي حلب الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق السر عسكر. وفي أوائل سنة 1158 قتل الباشا من اليكجرية «1» مقتلة عظيمة بسبب ظلمهم وفسقهم، وتحصن البهلوان في القلعة وبقي بها إلى أن ولي حلب علي باشا حكيم باشي زاده الصدر الأسبق، وهذه الولاية الثانية نقل إليها من بوسنة. وولى سلفه الحاج أحمد باشا إيالة الأناطول، فكان ذلك في هذه السنة أعني سنة 1158 ثم فيها أعيد لولاية حلب الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق لما ظهر للدولة من لزوم وجوده فيها لقمع العربان وتحرك العجم في ممالك إيران.
وفي شهر ذي الحجة سنة 1159 ولي حلب أحمد باشا كوبريلي زاده متصرف قندية، وولي سلفه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق قندية. وقبل أن ينتقل أحدهما لمحله الجديد صدرت إرادة سلطانية بإبقاء كل منهما في محله الأول، فبقي الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق في حلب، وبقي أحمد باشا كوبريلي زاده في قندية. وفي جمادى الآخرة سنة 1160 ولي حلب حسين باشا والي «وان» وولي سلفه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق ديار بكر.
وفي هذه السنة أمرت الدولة أن يجلب من أذنة إلى قلعة حلب ستون مدفعا. وفيها جاء إلى حلب «كور وزير» وقتل جمعا كثيرا من اليكجرية. ولم أحقق هل جاء كور وزير لقمع اليكجرية خاصة، أم جاء واليا في حلب بعد عزل واليها حسن باشا؟
وفي سنة 1161 كسفت الشمس بين الصلاتين إلى وقت الغروب وظهرت عدة نجوم.
وفي سنة 1161 ولي حلب إسماعيل باشا عثمان باشا زاده. وفي محرم سنة 1164 ولي حلب سعد الدين باشا ابن العظم، ونقل إليها من طرابلس الشام وولي سلفه إسماعيل باشا ولاية طرابلس المذكورة. وفي هذه السنة كان الغلاء بحلب شديدا حتى ثار الناس في يوم(3/233)
الجمعة وتعطلت الصلاة والأذان وطلعت النسوة إلى المآذن. وفي محرم سنة 1165 نقل سعد الدين باشا إلى صيدا ووليها على وجه المالكانه «1» ، وولي حلب مكانه السيد أحمد باشا والي صيدا وآغاة اليكجرية سابقا. ولما استقر بحلب أخذ بالظلم والجور وصادر كثيرين بلا حقّ، ونفى عددا وافرا من أعيان حلب إلى بيان لمعارضتهم إياه لظلمه، فاضطرب الحلبيون وحرروا به محضرا عاما إلى الدولة ذكروا فيه ظلمه وجوره والتمسوا تبديله ومجازاته، فأجابتهم الدولة إلى ما طلبوا وعزلته عن حلب وولته «القارص» تبعيدا له، وولّت حلب صاري عبد الرحمن باشا مير ميران، وذلك في شعبان السنة المذكورة. ثم في شوالها توفي عبد الرحمن باشا بحلب وعينت الدولة لتحرير تركته علي بك ميراخور مصطفى باشا زاده، وولّت حلب مكانه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق، نقل إليها من آذنة وهذه الولاية الرابعة.
وفي ثاني عشر شوال سنة 1166 توفي أحمد باشا بحلب وولي مكانه عبد الله باشا الصدر الأسبق. وفي أواخر سنة 1168 وليها راغب باشا العالم الكبير صاحب سفينة الراغب كما يفهم ذلك من تاريخ واصف. ثم في ربيع الأول سنة 1169 عين راغب باشا لمنصب الصدارة وجاءه ختمها إلى حلب، فسافر إلى استانبول. وولي حلب بعده أمير الحاج: الحاج أسعد باشا ابن إسماعيل باشا عظم زاده. ثم في سنة 1170 وليها عبدي باشا فراري. ثم في اليوم الثاني عشر رجب ولي حلب علي باشا قائم مقام الصدارة.
برد وغلاء:
وفي هذه السنة وقع في حلب برد شديد وجمد الماء واستقام الجليد من أول كانون الثاني إلى آخر آذار. وفيها كان الغلاء شديدا. وبيع شنبل «2» الحنطة فيه بعشرة قروش، والشعير بسبعة، والحمّص والعدس بستة، ورطل الدّبس بنصف القرش، والعسل بقرش وربع، والسمن بقرش وثلاثة أرباع، والخبز باثنتي عشرة بارة.
قال في السالنامة: إن والي حلب سنة 1171 حسين باشا عبد الجليل زاده. وهكذا(3/234)
رأيت في بعض المجاميع، لكن ذكر في حديقة الوزراء وفي تاريخ واصف أن واليها في السنة المذكورة محمد باشا محسن زاده، فلعله بدل واليان في هذه السنة.
وفي هذه السنة وقع في حلب كساد عظيم حتى لم يبق في المدينة سوى أربعة آلاف نول مشتغلا، وتعطل قدرها أضعافا مضاعفة. قال واصف: وفي شوال هذه السنة سافر محمد باشا والي حلب إلى استانبول ليكون زفافه على بنت السلطان. وفي عشرين من الشهر المذكور حول محمد باشا إلى ولاية ديار بكر وولي مكانه عبد الله باشا جتجي الصدر الأسبق ابن إبراهيم الحسيني الجرمكي، نسبة إلى جرمك، بليدة من أعمال ديار بكر، فوصل إلى حلب في محرم سنة 1172 ونزل بالميدان الأخضر ثم سافر إلى عينتاب وكلّز وعاد إلى حلب فعزل عنها إلى دمشق، وولي مكانه عبدي باشا فراري وهي الولاية الثانية.
غلاء عظيم:
وفيها اشتد الغلاء في ديار بكر وعم تلك الديار بل سرى إلى جميع البلاد، وبيع شنبل الحنطة بحلب بأحد عشر قرشا. وأما نواحي ديار بكر وأورفة وماردين فإنهم أكلوا الميتة بل أكل بعض الناس بعضهم. وثبت ذلك لدى الحاكم حتى إن قسطنطين الخوري الحلبي الطرابلسي ذكر في مجموع له أن جملة من مات جوعا في حلب (87) ألف إنسان منهم 12 ألفا نصارى و 5 آلاف يهودي والباقي مسلمون، سوى من ترك البلاد ونزح إلى غيرها. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب مصطفى باشا الوزير محصل التوقيع في موره سابقا. ثم في رجب سنة 1173 ولي حلب عبد الله باشا فراري وهي الولاية الثالثة.
زلزال مهول:
وفي فجر يوم الثلاثاء من ربيع الأول من هذه السنة، المصادف لابتداء كانون الأول، حصل زلزلة عمّت جميع البلاد الشامية بحلب ودمشق وحمص وحماة وأنطاكية وشيزر وحصن الأكراد، وجميع بلاد الساحل كصيدا وصفد وغزة والقدس، فخربت البلاد وتدحرجت الصخور من أعالي الجبال، وانفتحت في الأرض الأخاديد، ونضبت عيون وانفتح أخرى، واضطربت السفن في مياه عكا حتى زحف بعضها إلى البر وخرجت الأسماك إلى الرمل ونقل منه الناس ما لا يحصى، وكان هذا الزلزال أخف ما يكون في(3/235)
حلب. وقد اتصلت الزلازل في كل أسبوع مرتين وثلاثة إلى ليلة الاثنين سادس ربيع الثاني فزلزلت بعد العشاء المحالّ المذكورة بأسرها واستقامت بدمشق ثلاث درج، وخرب غالب دمشق وأنطاكية وصيدا وقلعة البريج.
ولم تزل الزلازل متصلة إلى انتهاء السنة المذكورة. ثم أعقبها بدمشق وقراها- وما والاها- طاعون جارف غمرت غالب مساجد دمشق التي هدمتها الزلزلة من وصايا الأموات في هذا الطاعون «1» وفي سنة 1174 توفي عبد الله باشا فراري في حلب ودفن بتكية الشيخ أبي بكر، ووليها مكانه بكر باشا وكان يعرف ببكر أفندي أمين المطبخ.
وفي سنة 1175 ولي حلب مصطفى باشا الصدر الأسبق وكان مقيما في مصر بلا منصب، وولي مصر بكر باشا والي حلب قبله، وفيها وقع بحلب طاعون شديد بلغت وفياته اليومية مائة وتسعين نسمة. وفي الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1177 أسند لمصطفى باشا منصب الصدارة فسافر إلى استانبول.
ولاية محمد باشا العظم حلب وإبطاله بدعة الدومان وغيرها:
وفي هذه السنة ولي حلب محمد باشا بن مصطفى باشا بن فارس بن إبراهيم، الشهير بعظم زاده، نقل إليها من ولاية طرابلس الشام ودخلها في رابع عشر شعبان. وكانت مجدبة فحصل بقدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ورفع عن أهلها من البدع ما كان ثلما في الإسلام. فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور، منها منكر كان حدث بها سنة 1171 وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلا ويجتمع بها أوباش الناس إلى أن زاد البلاء وفجرت النساء، مع ما انضم إلى ذلك من شرب الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد، فحانت منه التفاتة إلى ذلك فقصده متخفيا وأزاله في ثاني يوم، حيث نبه على الحانات ألّا تفتح ليلا.
ومن جملة ما رفع من المظالم بحلب أيضا بدعة الدومان عن حرفة الجزارين وكان حدوثه بحلب سنة 1161 والدومان اسم لمال يجمع من ظلامات متنوعة، يستدان من بعض الناس بأضعاف مضاعفة من الربا ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة. وطريقتهم(3/236)
في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء وأغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرءوس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبرا وقهرا. كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلّبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلا عن الفقراء وأعضل الداء. واتفق أنه في سنة ست وسبعين كان قاضيا بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة فلم تساعده الأقدار، فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها، وكتب عليهم صكوكا ووثائق وسجلها في قلعة حلب، فلما عزل عاد كل شيء إلى ما كان عليه. فلما كان أواخر محرم سنة 1178 قبض الوالي المذكور على رئيسهم المعروف بكاور حجي وقتله وأبطل تلك البدعة السيئة وصار لأهل حلب بذلك كمال الرفق والإحسان وامتدحه شعراؤها بعدة قصائد ذكر المرادي بعضها.
وفي جمادى الأولى سنة 1177 ولدت امرأة من عشيرة الموالي طفلين ملتصقين ببعضهما، شاهده ألوف من الناس، ثم مات أحدهما وعاش الآخر ساعتين ومات. وفي السنة المذكورة أعني سنة 1178 اجتمع أكابر أهل حلب وقدموا للدولة محضرا في سوء حال قاضيهم مصطفى أفندي ابن أحمد أفندي داماد، غير المذكور آنفا، وبينوا فيه ظلمه وحرصه وارتكابه، وبرهنوا على ذلك، فعزلته الدولة عن حلب ونفته إلى قونية. وفي شوال هذه السنة ولي حلب أحمد باشا مير ميران وسماه في تاريخ ابن ميرو «محمد باشا» وقال إنه حاز رتبة الوزارة في حلب لظفره بعصاة من أهل بياس. وقد ولي سلفه عظم زاده ولاية الرقة. وفي خامس ذي القعدة منها هجم خنزير بري على المدينة نهارا ولما دخلها اشتد عدوه ولم يزل هكذا حتى دخل الجامع الكبير والناس والكلاب يركضون وراءه فأغلقوا أبواب الجامع وعاجلوه برجم الحجارة حتى قتلوه.
وفي جمادى الآخرة سنة 1179 أنعم حضرة السلطان برتبة الوزارة على أحمد باشا والي حلب. وفيها كان الغلاء شديدا بحلب، بيع فيه رطل الخبز باثنتي عشرة بارة. وفي شوال سنة 1180 ولي حلب علي باشا كور أحمد باشا زاده.
نفي نقيب الأشراف محمد أفندي طه زاده:
وفي محرّم هذه السنة صدر الأمر السلطاني بنفي السيد محمد طه زاده نقيب أشراف حلب. وسبب ذلك أنه بقي زمنا طويلا في نقابة حلب واكتسب شهرة عظيمة واتسعت(3/237)
دنياه، وصار نافذ الكلمة مسموع الأمر رئيسا بين أقرانه، فاعتصب عليه عدة من رجال حلب وأعيانها ورؤسائها، وزعموا أنه طغى وبغى وجار وظلم وعاقب وعذّب وسلب الأموال بغير حق، وفعل ما لم يكن جائزا في الشرع المطهّر. وقدموا في هذه المثالب محضرا إلى الدولة يلتمسون فيه من عدلها عزله ومجازاته على فعله. فصادف هذا المحضر قبولا وعزلته الدولة ومحت اسمه من جريدة الموالي- وكان حائزا باية «1» إزمير- ونفته إلى أدرنة. ولما صدر الأمر بنفيه كان والده أحمد أفندي في استانبول فأخذ يدافع عن ولده حسب الشفقة الأبوية، ويقيم الحجة على أخصامه في دحض ما زعموه في ولده حتى خيف من وقوع فساد بينه وبينهم، فأمرت الدولة أن يلحق بولده وينفى إلى أدرنة. وقد رأيت في بعض المجاميع أنه استقام في المنفى ستة أعوام ونقل فيه إلى عدة بلدان كقبرص وغيرها.
وفي ذي القعدة من هذه السنة ولي حلب حمزة باشا السلحدار وفوضت إليه التحصيلات فكان بحلب واليا ومحصّلا، وولي سلفه علي باشا محافظة القارص. وفي شوال سنة 1181 ولي حلب باغلقجي زاده محمد أمين باشا. ثم في سنة 1182 ولي الصدارة وولي حلب مكانه رجب باشا. وفيها حصل وقعة عظيمة بين اليكجرية والدالاتية وخرب عدة محلات بهذه الوقعة. وفي سنة 1183 محت الدولة اسم رجب باشا من دفتر الوزارة ونفي إلى ديمتوقة. وسبب ذلك أنه لما دخل حلب استأجر دارا فسيحة وأسكنها خمسا وعشرين جارية واشتغل بهن ليله ونهاره، وأهمل أمر الحكومة وبقي الناس فوضى. وقد ولي حلب بعده محمد باشا أحمد باشا زاده متصرّف سلانيك سابقا. ثم بعد مدة قليلة نقل إلى محافظة ودين وولي حلب مكانه محمد باشا، نقل إليها من ولاية روملي.
فتنة بين الأشراف والإنكشارية:
وفيها حصل بين الأشراف واليكجرية وقعة عظيمة واشتد القتال والنهب، ونهبت قيسرية العرب تحت القلعة ونفيت عدة أشراف. وفي رمضانها المصادف لتموز وقع مطر غزير أخرب أماكن عديدة، من جملتها مكتب في محلة باحسيتا انهدم على عشرة أولاد من اليهود وحاخام وامرأة. وفي محرم سنة 1184 عين محمد باشا والي حلب سر عسكرا ووليها مكانه عبد الرحمن باشا فوصل إليها في رجب.(3/238)
فتنة بين الأشراف والدالاتية:
وفيها كانت الفتنة قائمة بين الأشراف والدالاتية، والأشراف هم الغالبون، فحاصر الوالي حلب وقطع القوافل عنها ثم دخلها وقت الفجر من باب قنّسرين، وهاج الأشراف وأطلقوا عليه الرصاص. وعظمت الفتنة بينهم وبين الدالاتية واستمر الحرب أربعا وعشرين ساعة ثم هرب الأشراف، وهجم الدالاتية على سوق الجمعة ونهبوا البيوت والدكاكين وقيسرية العرب وأحرقوا جملة من بيوتها. وقبض الوالي على نقيب الأشراف وحبسه ثم نفاه. وفي جمادى الآخرة منها اجتمع جم غفير من العلماء والعوامّ ودخلوا المحكمة الشرعية وطلبوا رفع بعض بدع وأمور منحرفة عن الدين، فأجيبوا إلى ما طلبوا. وفي سنة 1185 ولي حلب محمد باشا عظم زاده، وكان الأشراف في قيام وثورة فأغلقوا دونه أبواب حلب ومنعوه من الدخول إليها، واشتعلت نار الحرب بينهم نحوا من أربعين يوما. ثم في غرة ربيع الثاني منها وصل إليه المدد فغلبهم ودخل حلب وجازى المفسدين.
وفيها ولي حلب حسين باشا الداماد، ثم وليها في سنة 1186 الحاج عثمان باشا، وسنة 1188 محمد باشا. وفي سنة 1189 ولي حلب محمد باشا بن محمد عثمان بك زاده، وكان سكيرا فبقي بها أياما قلائل وحول عنها إلى ولاية الرقة، وولي حلب مكانه جتالجه لي علي باشا، وكان ظالما غاشما أضر بالناس ضررا فاحشا فتشكى منه الحلبيون إلى الدولة فأجابتهم بعزله عنهم وولّت حلب عزت باشا محافظ القارص. وفي ذي الحجة سنة 1991 تحول عزت باشا إلى متصرفية القدس، وإبراهيم باشا المير ميران متصرف القدس إلى حلب.
وفي محرم سنة 1193 المصادف كانون الأول وقع في حلب ثلج عظيم، واشتد البرد حتى تلف كثير من شجر الرمان والزيتون والتين. وفيها كان والي حلب مراد باشا ثم عزت باشا ثانية. وفيها اشتد الغلاء بحلب وبيع رطل الخبز بزلطه وهي ثلاثون بارة. وفي جمادى الأولى منها المصادف أيار وقع برد كثير، الواحدة منه في حجم الجوزة، فأتلف ثمر الشجر وبعض المزروعات.
وفي سنة 1194 ولي حلب عبدي باشا الكبير كما يستفاد من تاريخ جودت. وفي السالنامة أنه وليها في السنة الماضية. وسنة 1195 وليها يوسف باشا أكبر أولاد محمد باشا عظم زاده. وفي سنة 1196 وليها إبراهيم باشا ثم صرف عنها إلى القارص ووليها مكانه(3/239)
خزينه دار شاهين علي باشا. ثم في سنة 1197 وليها مصطفى باشا والي قرمان. وفي سنة 1198 وليها أحمد باشا متصرف لواء أوخري. وفي ثاني يوم من ربيع الأول سنة 1199 ولي حلب ثانية شاهين علي باشا ثم عبدي باشا. ثم في شوالها وليها أرحاجي مصطفى باشا.
وفي اليوم الرابع من شعبان هذه السنة، المصادف شهر تموز، في الساعة الثالثة منه كسفت الشمس وظهرت عدة نجوم وامتد كسوفها نحو ساعتين. وفي شوال سنة 1200 ولي حلب بطال حسين باشا ابن الحاج علي باشا والي إيالة أرضروم، وولي أرحاجي مصطفى باشا إيالة أرضروم.
غلاء عظيم:
وفي هذه السنة ابتدأ الغلاء في حلب لانقطاع المطر، ويبس نهر قويق ودام يبسه إلى الأربعينية، وغلت أسعار القوت أولا ثم فقدت من البلدة بالمرة، فاضطر الناس لأكل حب الخرّوب وحب القطن وعجو المشمش المرّ، يحلّونه ويأكلونه. ومن الناس من أكل الدفل الذي يخرج من النشاء المعروف بالدوسة. ومنهم من أكل أمعاء الحيوانات وأحشاءها.
وبيع شنبل الحنطة بخمسة وعشرين قرشا، ورطل الخبز بثلاث عشرة بارة إلى القرش، والزبيب بقرش، واللحم بقرش ونصف، والسمن بربع القرش.
وفي محرم سنة 1201 ولي حلب عثمان باشا محافظ أبرائيل وولي سلفه بطال حسين باشا دمشق الشام. وفيها وقع في حلب طاعون جارف هلك فيه خلق كثير. وفي سنة 1202 ولي حلب مير عبد الله باشا. وفي السالنامة أنه وليها في السنة قبلها وهو غلط.
وفي سنة 1204 ولي حلب كوسه مصطفى باشا. وفي رابع ذي القعدة سنة 1205 قام الحلبيون على الوالي وحاصروه في قصره أربعة أيام ثم في ثامن هذا الشهر أخرجوه من باب الفرج فأقام في ظاهر حلب، وكانت الدولة عينت مكانه سليمان باشا ترنج زاده.
فتن في عينتاب وكلّز:
وفي سنة 1206 كتبت الدولة إلى كوسه مصطفى باشا- المقيم في ظاهر حلب- أن يسيّر على نوري باشا بطال آغا زاده، وكان عاصيا على الدولة في عينتاب. وذلك أن نوري باشا كان من وجهاء عينتاب وبيده مقاطعتها فظلم وبغى، حتى اضطر أهل عينتاب إلى أن يستعينوا عليه بمحمد علي باشا طبان زاده متصرف كلّز، فدعوه إليهم وسلموه قيادتهم(3/240)
فهرب منه نوري باشا، واستقر هو في عينتاب وصفا له الوقت وسلك سنن من قبله من الظلم والعسف، حتى أسف الناس على نوري باشا. ولما عيل صبرهم منه هجموا على ولده الذي كان بيده مقاليد أموره وقتلوه شر قتلة وتخلصوا من جوره. ولما سمع بذلك نوري باشا اغتنم الفرصة وحشد أخلاطا من التركمان وقصد عينتاب وحصرها، وقطع طريق حلب وصار ينهب الأموال ويقتل النفوس.
واتصل خبره بالدوله فعينت درويش عبد الله بك عزت بك زاده، فمشى نحوه بالعساكر الوفيرة واتفق في هذه البرهة أن مر بتلك الأطراف ككى عبدي باشا قائد الجيش السلطاني وكان معزولا من مصر، فدخل عليه نوري باشا واستشفع به للدولة، فضمن له العفو بشرط أن يكون بمعيته. وكان عبد باشا متوجها إلى ديار بكر فتوجه نوري باشا معه وأقام بها إلى أن توفي عبدي باشا. وعندها خرج نوري باشا من ديار بكر وعاد إلى فساده وقصد عينتاب، واتفق مع زمرة السادات واستولى على اليكجرية وأحرق دورهم ونهب أموالهم، ثم حصن القلعة وأقام بها كالمتحصن لأنه خاف عاقبة فعله، إلى أن كتبت الدولة إلى كور مصطفى باشا بالمسير عليه في السنة المتقدم ذكرها، فتوجه نحوه وحاصره في القلعة خمسة أشهر إلى أن ظفر به وقتله مع جماعة من حاشيته وقطع رؤوسهم وأرسلها إلى حلب ومنها إلى استانبول. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب عثمان باشا. وفي سنة 1207 وقع في حلب قحط وغلاء.
صلح اليكجرية مع أهل حلب:
وفي سنة 1208 ولي حلب عبد الله باشا عظم زاده، وكانت شرور اليكجرية فيها قد عظمت، واستبدوا بالأمور حتى لم يبق للوالي حكم نافذ وكان ضعيفا. فولت الدولة حلب سليمان فيضي باشا وشرطت عليه إصلاح البلد من غير إقامة حرب. فحضر إلى حلب وأحضر إليه كبراء اليكجرية وتلطف بهم وعاهدوه على الراحة والسكون ونذر عليهم نذورا ثقيلة لأهل حلب إن نكثوا العهد، فلم يمض غير أيام قلائل إلا ونبذوا العهود وهجموا بلا سبب ظاهر على محمد أفندي غوري زاده وشتموه وضربوه ضربا مبرحا، وعادوا إلى ما كانوا عليه ومدوا أيديهم للأرزاق الواردة إلى حلب من خارجها، فخافهم الوالي وخرج إلى ظاهر حلب بوسيلة أنه يريد تبديل الهواء، ثم أرسل إليهم رجلا من خاصته ذا نجدة(3/241)
وشجاعة ورفقه بمباشر من زعماء اليكجرية وطلب منهم النذور التي نذروها أو يوقع بهم، وكتب إلى الدولة واقعة الحال. ثم في أواسط هذه السنة وقع الصلح وتمت الألفة بين أهل حلب واليكجرية.
تخفيض عدد تراجمة قناصل الدول الأجنبية:
وفي هذه السنة أيضا كتب سليمان فيضي باشا إلى الدولة أن قد بلغ عدد تراجمي القناصل في حلب نحو ألف وخمسمائة رجل. والسبب في ذلك أن الدولة سمحت لكل سفير في استانبول، ولكل قنصل خارجها، بشخص وترجمان استثنته من جميع التكاليف الأميرية. فانفتح بسبب ذلك باب لمن أراد الدخول في الترجمانية، حتى بلغ عدد من كان يلبس قلانس السّمّور «1» ألفا وخمسمائة، دخلوا بالخدعة والحيلة وامتنعوا عن دفع التكاليف الأميرية وكانوا تجارا، فعينت الدولة للفحص عنهم رجلا يقال له كسبي أفندي، فحضر إلى حلب وأحضرهم جميعا وراجع أسماءهم في سجل الترجمة فلم يظهر له غير ستة بحقّ، فحذف ما عداهم وأرسلهم لاستانبول للمجازاة بعد أن دفعوا له وللكمرجي ولمحصّل الأموال خمسة آلاف ذهب، وللوالي مثلها. فلم يقبلوها. وفي هذه السنة كانت وفاة سليمان فيضي باشا.
ولم أقف على من ولي حلب بعده إلى سنة 1211 وفيها وليها شريف باشا والي مرعش.
ثم في أواخرها وليها حقي باشا والي روم إيلي، فتحرك من مكانه إلى حلب وعبر في طريقه من معبر كليبولي. ولما قارب قرية سكود أفسد أتباعه وحاشيته الكثيرة مزروعات تلك القرية وأضروا ضررا فاحشا. فابتدر الناس هناك مدافعتهم بالتي هي أحسن فكرّ أتباع الوالي عليهم وأوسعوهم جراحا وقتلوا منهم عدة أشخاص. وعندها رفعوا أمرهم للدولة فأصغت إليهم وغضبت على حقي باشا ومحت اسمه من الوزارة، ونفي إلى جزيرة استانكوي. وولي حلب مكانه في أوائل سنة 1212 حسن باشا محافظ بندر. وبعد بضعة أشهر وليها درويش مصطفى باشا والي الروم إيلي.(3/242)
واقعة جامع الأطروش:
في رمضان هذه السنة عظمت الفتنة بين السادات واليكجرية في حلب، وجرى بينهما منازعة وقتال، وتغلّب اليكجرية على السادات فالتجؤوا إلى جامع الأطروش وحاصروا فيه، ومنع اليكجرية وصول الماء والقوت إليهم وشددوا عليهم الحصار، ونفذت «1» أقواتهم وعيل صبرهم وأشرفوا على الهلاك من الجوع والعطش، فاستأمنوا اليكجرية فأمّنوهم على أنفسهم وحلفوا لهم الأيمان المغلظة على ذلك. فوثق السادات منهم وفتحوا أبواب الجامع فما كان إلا أن هجم اليكجرية عليهم وفتكوا بهم قتلا وجرحا وسلبا وسبيا، والسادات يستجيرون بهم ويستغيثون بالنبي وآله فلا يلتفتون إليهم. وكانوا يقتلون السادات على أنحاء شتى: فمنهم من يقتلونه نحرا في عنقه، ومنهم من يبقرون بطنه، ومنهم من يفلقون بالسيف هامته، ومنهم من يذبحونه من قفاه أو من عنقه، ومنهم من يطرحونه في البئر أو في حفيرة حيا. وكان السيد يستغيث بشربة من الماء قبل أن يقتلوه، فلا يغيثوه بل يقتلوه «2» ظمآن. ومن الغريب أن يكجريا ظفر بأخيه السيد وأراد أن يقتله فاستغاث بشربة ماء قبل القتل، فبال في فمه وقتله.
جرى ذلك والوالي غائب عن حلب لمحاربة بعض الخوارج على الدولة. ولما اتصل الخبر بالدولة ولّت حلب شريف باشا والي مرعش- وهذه الولاية الثانية- فأسرع الكرّة إلى حلب وتدارك الحال وأطفأ نار الفتنة. وقد نظم شعراء العصر في هذه الوقعة عدة قصائد نعوا فيها السادات وهجوا اليكجرية. فمّما قاله الشيخ محمد وفا الرفاعي- من قصيدة- قوله:
كلّ المصائب قد تسلى نوائبها ... إلا التي ليس عنها الدهر سلوان
هي المصيبة في آل الرسول فكم ... سرى بأخبارها في الناس ركبان
من آل بيت رسول الله شرذمة ... من النوابغ أحداث وشبان
آووا لبعض بيوت الله من فرق ... من العدو، وللأعداء عدوان
فجاء قوم من الفجّار تقصدهم ... فآمنوهم، ولكن عهدهم خانوا(3/243)
وحالفوهم على فوز بأنفسهم ... لكنهم ما لهم عهد وأيمان
وكيف صحّ قديما عهد طائفة ... ضلّت وليس لهم في القلب إيمان
سلّوا عليهم سيوف البغي واقتحموا ... كما تهجّم جبّار وشيطان
وباشروا قتلهم بما بدا لهم ... فبعضهم ذابح، والبعض طعّان
أو باقر لبطون أو ممثّل أو ... ضرّاب سيف وفتّاك وفتان
أو مقتف إثر مهزوم ليقتله ... وقلبه لدماء الآل ظمآن
أو خائض بدماء القوم مفتخر ... بالسيف مستولع بالهتك ولهان
أو كاسر عظم مقتول وقاذفه ... كما تكسّر أصنام وأوثان
وكل هذا وآل البيت ما رفعت ... لهم عليهم يد والربّ ديّان
إن يستجيروا بجاه المصطفى شتموا ... أو بالصحابة سبّوا البيت، لا كانوا
أو يستغيثوا يغاثوا من دمائهم ... أو يستقيلوا الردى فالقلب صوّان
فلو سمعت عويل القوم من بعد ... إذ يستغيثوا لهدّت منك أركان
يا ربّ والدة كبّت على ولد ... فمزقوه، وما رقّوا وما لانوا
يا ربّ أرملة ريعت بصاحبها ... وحولها منه أيتام وصبيان
وهي طويلة. وقال محمد أفندي الخسرفّي في هذه الواقعة أيضا من قصيدة:
أهكذا تفعل الإسلام في نفر ... المصطفى حبّهم من قبل ما كانوا «1»
سلّوا عليهم سيوف الكيد وابتدروا ... سلبا وقتلا، وما دانوا وما لانوا
ماذا التباغض للأشراف مع حسد؟ ... هل جاءكم فيه قبل الآن قرآن؟
هل عندكم أنّ خير الخلق سامحكم ... أم عند ربّكم في ذاك غفران؟
هدرتمو دم أبناء الرسول فهل ... فرعون أوصاكم فيه وهامان؟
ومن دنا منكم لا عفو عندكم ... إذا قدرتم، ألا دنتم كما دانوا؟
يتّمتمو كلّ طفل لا لسان له ... كأن والده للهول نشآن
وكم مخدّرة للوجه حاسرة ... «2» يهتزّ من نوحها للعرش أركان
يزيد أوصاكم في ذاك يا سفل ... بموت نسل نبيّ، وهو ظمآن «3»(3/244)
وقال بعضهم في هذه الحادثة أيضا:
يا مصطفى إن القلوب منغّصه ... لبنيك في الشهباء حلّت منقصه
في جامع الأطروش سال نجيعهم ... فغدت به أرجاؤه متقمّصه
أدرك فجسم الدين أنهكه الضّنى ... وكوى بني السادات ابن الحمّصه
أقبل وقل للحربليّ: الحرب لي ... فأذق إلهي ذي العصابة مخمصه
أبدت إلى الأشراف شرّ خيانة ... وغدت إلى داعي الضلالة مخلصه
عهدت إليهم بالأمان وأصبحت ... أعلامها بيد الخداع منكّصه
يا سينها في النازعات أحلّه ال ... مولى وعمّهم العذاب وخصّصه
أدماء أعداء الإله ثمينة ... ودماء أبناء الرسول مرخّصه؟
فلأنت أولى بالجميع، وهذه ... شكواهم رفعت إليك ملخّصه
سفر المتطوعة من حلب إلى مصر لإخراج الفرنسيين منها:
في غرة جمادى الأولى سنة 1214 سافر سبعة آلاف فارس من يكجرية حلب مع أحد زعمائهم أحمد آغا حمّصة، وكان معهم اللواء الكبير، وتوجهوا إلى مصر لإخراج طائفة الفرنسيس منها. وفي غرة جمادى الأولى سنة 1215 سافر إبراهيم باشا قطاراغاسي- من عظماء رجال الدولة الحلبيين- إلى مصر لمحاربة الطائفة المذكورة، وخرج معه متطوعا نقيب الأشراف محمد قدسي أفندي، ومعه من الأشراف نحو أربعة آلاف رجل.
ثم في شهر ربيع الأول سنة 1216 زينت حلب سبعة أيام لرجوع مصر ليد الدولة العثمانية. وفي جمادى الثانية منها عاد إلى حلب قدسي أفندي ومعه الأشراف فزينت لقدومهم أيضا. وفي ذي القعدة منها- المصادف الليلة الخامسة عشرة من آذار- حدث بحلب زلزلة أخربت عدة أماكن من جملتها ست حجرات من خان اللبن. وفي الخامس والعشرين ذي الحجة منها المصادف اليوم السادس عشر من نيسان وصل إلى حلب إبراهيم باشا قطاراغاسي قافلا من مصر، وبعد برهة ولي حلب. وغلط في السالنامة إذ جعل ولايته حلب في سنة 1214 وفيها عمرت منارة جامع العدلية، وكانت هدمتها عاصفة خرجت في هذه السنة وهدمت معها عدة أبنية.(3/245)
إصلاح ذات البين بين اليكجرية والسادات:
وفي غرة محرم سنة 1217 قدم حلب يوسف باشا الوزير لحسم الفساد بين اليكجرية والسادات وكان كل منهما حنقا على الآخر. فأحضر الباشا المذكور وجهاء الأشراف وسردار حلب عبد الرحمن آغا التل ارفادي وأولاد الجانبلات وخطباء الجوامع والأعيان وإبراهيم باشا الوالي وأغوات اليكجرية، وأخذ من الطرفين عهودا ومواثيق على استمرار الصلح والسكون بينهم، ونذر على الأشراف ثلاثمائة كيس ومثلها على اليكجرية أن يدفعوها للحكومة إن ابتدأ أحدهم بما يخلّ بالراحة العمومية، وأخذ من الفريقين صكوكا على ذلك.
وفي محرّمها أيضا صدر أمر الدولة لوالي حلب أن ينفي ثلاثة وأربعين شخصا من زعماء اليكجرية، وأن يضبط منهم القلعة ويضع فيها مكانهم جماعة من الأرناوود ففعل.
وفي سنة 1218 ولي إبراهيم باشا قطاراغاسي إمارة الحاج مع إيالة دمشق وطرابلس، وولى ولده محمد بك حلب مع رتبة الوزارة. وفي محرّم سنة 1219 خرج إبراهيم باشا من حلب متوجها إلى دمشق لمباشرة وظيفته، وترك ولده محمد باشا واليا في حلب. وبعد ثلاثة أيام من خروجه قام الحلبيون وأشهروا العصيان على الوالي وأخرجوه من حلب.
وكانت الدولة في ذلك الوقت مرتبكة جدا لا يمكنها أن تسوق عسكرا لحلب ولا أن توافق الحلبيين على عزل الوالي الذي رفضوه صونا لشرفها. فرأت الأوفق بالحال أن ترسل من استانبول مباشرا خاصا «1» لصلاح ذات البين، وكتبت بمساعدته إلى أحد بني الجابري.
وفي سنة 1220 ولي حلب علاء الدين باشا وهو الذي أحدث مدافع رمضان والعيدين.
وفي سنة 1221 ولي حلب عثمان باشا ابن أحمد باشا الحلبي، وولي معها محافظة الحرمين الشريفين. غير أن حلب في ذلك الوقت كانت أحوالها مضطربة والفتن قائمة فيها على ساق وقدم، بحيث كانت النفقات اللازمة لإدارة الوالي يعسر عليه استحصالها، فضلا عن استحصال النفقات اللازمة لمحافظة الحرمين الشريفين اللذين كانا تحت خطر الوهابية ومهاجماتهم، ولذا سلخت عنه محافظة الحرمين وبقي واليا على حلب فقط.
وفي ثامن شوال سنة 1223 ولي حلب يوسف ضيا باشا الصدر الأسبق. ثم في أواسط سنة 1224 جاءه ختم الصدارة- وكان في جهة ملاطية- لردع بعض عشائر(3/246)
الأكراد، وكانت الدولة في ارتباك عظيم، داخلا من اليكجرية وخارجا من جهة روسية.
فأراد أن يستعفي من الصدارة لخطر موقعها إلا أنه خاف غضب السلطان فقبلها وسافر إلى استانبول. وفي الخامس من جمادى الأولى عيّن لولاية حلب- التي لم تزل بعهدته- سروري باشا مع رتبة الوزارة. وفي سنة 1226 ولي حلب راغب باشا. وفي سنة 1227 أنهى راغب باشا إلى الدولة بوجوب قتل أبي براق محمد باشا، وكان منفيا بحلب.
فصدر الأمر السلطاني بقتله فقتل. وسبب ذلك أنه أثار بعض الناس لإيقاع فتنة أملا أن يحصل على غرض يريده فلم ينجح.
ولاية محمد جلال الدين باشا ابن جوبان حلب، وما كان في أيام ولايته من الحوادث:
في سنة 1228 ولي حلب محمد جلال الدين باشا المعروف بابن جوبان. فوصل إلى حلب في اليوم السادس من رجب الفرد من هذه السنة، وكان اليكجرية في هيجان عظيم وقد طغوا وبغوا واستكبروا وعتوا على أن حالتهم هذه في حلب وغيرها من البلاد العثمانية منذ مئات من السنين كما ستقف عليه في الإجمال الذي نثبته في اليكجرية سنة 1241 وكانوا لعظمة سطوتهم وقوة عارضتهم يخيفون الولاة فكان معظم ولاة حلب ينزلون خارج البلدة، إما في تكية الشيخ أبي بكر أو في غيرها، خوفا من مهاجمات اليكجرية. ولهذا نزل محمد جلال الدين باشا حين قدومه إلى حلب في التكية المذكورة أسوة بالولاة السابقين.
كان اليكجرية يسمعون بهذا الوالي ويعرفون ما عنده من الشدة والصرامة على اليكجرية. فلما بلغهم خبر تعيينه واليا على حلب أخفوا ما كان عندهم من الحلي والأمتعة الثمينة عند التجار الأجانب وقناصل اليهود، فإن هذا الوالي كبقية الولاة أمثاله اعتادوا في معاقبة اليكجرية مصادرة الأغنياء منهم بالتعذيب ثم بالقتل. ولما وصل جلال الدين إلى حلب طاف في شوارعها ومعه الجلّاد وقطع رؤوس خمسة من اليكجرية إرهابا للنفوس.
ثم أظهر الاطمئنان وأقبل على الصيد والنزهة، وكان في صحبته رجل ذو حيلة ودهاء هو عنده كتخداه «1» فحسّن له قمع هؤلاء اليكجرية بإعمال الحيلة والخدعة بمباشرة الحرب(3/247)
والضرب. فعمل الوالي برأيه واختار واحدا من وجهاء اليكجرية ودعاه إليه بالرفق واللطف- وهو إبراهيم آغا ابن خلاص- وجعل كلما حضر عنده يكرمه ويتودد إليه ويدنيه من مجلسه ويعده بما يسرّه. وما زال يعامله هذه المعاملة الحبيّة حتى تأكد أن إبراهيم آغا أيقن أن محبة الوالي إياه محبة صادقة لا يشوبها غش ولا يشينها تدليس. وحينئذ عمل الوالي وليمة في تكية الشيخ أبي بكر دعا إليها بواسطة إبراهيم آغا ثمانية عشر شخصا من كبراء اليكجرية وزعمائهم، وصار كلما حضر واحد منهم يدخل إلى التكية على انفراده ويقطع رأسه ويوضع على طرف الحوض حتى أبادهم جميعا. وكان من جملتهم صفيّه وحبيبه إبراهيم آغا ابن خلاص.
ويحكى أن أحد المقتولين في هذه الوليمة الدموية كان ينصح إبراهيم آغا ويحذره من غدر الوالي، ويذكر له أن ما يراه منه من التودد والمحبة هو محض خداع وتغرير، فكان إبراهيم لا يلتفت إلى كلامه ويقول له: إن حضرة الوالي يحبني محبة خالصة. فلما كان يوم تلك الوليمة المشؤومة كان آخر من أدخل للتكية وقدم للقتل ذلك الناصح النبيه. وكان إبراهيم آغا واقفا بين يدي الوالي فأقبل ناصحه على الوالي وقبّل الأرض بين يديه وسأله:
هل في نيتك قتل هذا الحمار؟ وأشار إلى إبراهيم آغا، فأجابه الوالي بقوله (هاي هاي) أي نعم نعم، فقال له: أرجوك أن تقتله قبلي حتى أرى رأسه بين هذه الرءوس فيطيب طعم الموت عندي ثم تقتلني. فأمر الوالي بقطع رأس إبراهيم آغا فقطع ووضع على طرف الحوض، وحينئذ تقدم الناصح المذكور إلى الجلاد وقال له: الآن طاب الموت. ولوى عنقه فضربه. وكان آخر قتلاء هذه الضيافة الحافلة. ثم إن الوالي جعل يتتبع زعماء هذه الطائفة ويقتلهم بعد أن يصادر أموالهم بالتعذيب القاسي، حتى استقصى أكثرهم.
عزل قاضي حلب:
وفي أوائل جمادى الأولى من هذه السنة وهي سنة 1228 عزل قاضي حلب عزّت زاده دلى أمين أفندي. وسبب ذلك أنه كان يعامل أشراف البلدة ووجهاءها معاملة العامة، وربما عامل الوالي على هذا النمط. وكان الوالي يتحمله تكريما لعلمه وفضله ويصبر عليه لانقضاء مدته العرفية. لكنه لما كان في بعض الأيام نهر القاضي بالمفتي ووكزه في رأسه(3/248)
فسبّب فعله هذا لغطا بين الناس، فخاف الوالي من حدوث فتنة بين العلماء فأنهى به إلى الدولة فعزلته ونفته إلى طوسية.
طاعون جارف:
في ربيع الآخر سنة 1229 حصل في حلب طاعون جارف بلغت وفياته اليومية ثمانمائة إلى الألف من المسلمين، وأربعين إلى الستين من النصارى، وعشرين إلى ثلاثين من اليهود.
خروج مناد من قبل الحكومة:
وفيها خرج من قبل الحكومة مناد طاف في محلات حلب وهو ينادي بقوله: (يا أهل هذه المحلة إذا كان في محلتكم يكجري ولم تخبروا عنه فجزاؤكم خمسمائة كيس) . الكيس اسم لخمسمائة قرش.
ورود أمر سلطاني بقتل جماعة من زعماء اليكجرية:
وفيها ورد أمر سلطاني بقتل حسن آغا السيد خلاص، والحاج علي آغا البيلماني، والحاج محمد بن إبراهيم اشبيب، فقتلوا وبيعت أملاكهم بواسطة مأمور خصوصي ورد من الآستانة يقال له إبراهيم آغا سلحشور في الباب العالي. والحاج محمد المذكور هو والد محمد آغا بازو الذي من جملة أولاده الأحياء السيد محمد بازو أحد وجهاء محلة الجبيلة الآن.
وفي هذه السنة قتل أيضا أحمد آغا ابن عبد القادر حمّصة وإبراهيم آغا الحربلي- كلاهما من زعماء اليكجرية- والحاج عمر بن عيسى الجربان من شجعانهم، وبعد قتلهم بيعت أملاكهم.
أمر النصارى بالغيار:
وفي ثلاثين من ربيع الأول أمرت الحكومة النصارى أن يعتموا بعمائم سماوية اللون، وأن يلبسوا بأرجلهم النعال الحمر. وسبب ذلك أن كثيرين منهم كانوا يتزيّون بزيّ اليكجرية ليتسنى لهم التسلط على الناس كاليكجرية.(3/249)
تأديب حيدر آغا مرسل، وغيره من الخوارج:
وفي سنة 1231 صدرت أوامر الدولة بتأديب حيدر آغا مرسل، وطوبال علي، وسعيد آغا، وعمر آغا ابن عمو وغيرهم من الخوارج في بلاد البستان. ولما ساق نحوهم العسكر جلال الدين باشا والي حلب خام عن لقائه حيدر آغا وهرب إلى الرقة ووقع دخيلا عند عربانها. وأما طوبال علي آغا وسعيد آغا فإنهما فرّا إلى جهة الزور وقطعا طريق حلب، فاضطر جلال الدين باشا أن يخرج العسكر إلى أطراف البرية، غير أن طوبال وسعيد «1» تغيرت أفكارهما وتوجها مع الحجاج إلى المدينة المنورة واستغاثا بشيخ الحرم قاسم آغا، فرقّ لهما ووعدهما بالشفاعة عند الدولة، ثم استرحم من السلطنة العفو عنهما فأجيب إلى ما طلب بشرط أن يقيما في مصر، وفي خلال هذه السنة ولي حلب السيد أحمد باشا والي الأناطول وولي مكانه جلال الدين باشا.
وفي سنة 1232 كثر فساد الأعراب في جوار حلب وجهات ريحا وأنطاكية، وكان الأمير مهنّا البدوي هو الزعيم الأكبر على الأعراب، وقد فرض على كل داخل إلى أرضه مبلغا من النقود، وضرب على القرى المجاورة مضاربه جريمة سماها «الأخوّة» فكانت سببا لخراب عدة قرى وجلاء أهلها عنها. وتفاقم أمر هؤلاء الأعراب وتعطلت السبل وفقد الأمن. وذكر في الجزء الخامس من المجلد العاشر من محلة الجامعة الأميركية أن علي آغا رستم قتل ابن عمه واستولى على جسر الشغر واللاذقية، وصادر أغنياءهما حتى قنصلي بريطانيا وفرنسا. وكان اليكجرية في حلب مع هذه الحالة في قيام ومخالفة على الوالي.
وفي صفرها صدر أمر الدولة لوالي حلب السيد أحمد باشا أن يقصد الأعراب في الصحراء ويوقع بهم، وأنفذ إليهم كتخداه عثمان آغا ورفقه بمقدار وافر من العساكر، وكان العربان على ثمان عشرة ساعة عن حلب، فوصل إليهم وكسرهم وظفر منهم بأربعة وثلاثين شخصا قطع رؤوسهم وجهزها إلى استانبول. فسرت الدولة من ذلك وأرسلت لوالي حلب تشكّرا واستقلالا بولايته. وفيها أيضا ثارت عشيرة براق وهجموا على أطراف كلّز، فساق إليهم والي حلب وقاتلهم وظفر منهم ببضعة أشخاص قطع رؤوسهم وأرسلها لاستانبول. وفيها قدم نفر من يكجرية إدلب وقطعوا الطريق من جهة خان طومان، فظفر(3/250)
الوالي بهم وأرسلت منهم أربعة رؤوس إلى استانبول. وفي اليوم السابع من تشرين الثاني سنة 1816 م مسيحية- المصادفة هذه السنة- كسفت الشمس وقت الاستواء وبقيت مكسوفة نحو ساعتين وأظلم الأفق وظهر نجم الزهرة.
ولاية خورشيد باشا على حلب:
وفي اليوم الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة 1223 ولي حلب خورشيد باشا. وفي سنة 1224 هـ/ 1818 م قتلت الحكومة 17 شخصا من الروم الكاثوليك، وسريانيا، ومورانيا «1» . والسبب في ذلك أن الروم القديم كان لهم بحلب مطران هو المعترف به عند الدولة بالسيادة على جميع الروم القديم والكاثوليك، أسوة أمثاله من قديم الزمان، وكانت طغمة كهنوت الروم الكاثوليك تأنف من سيادته وتنقاد إليه انقياد مكره، وكانت كنيسة الملّتين في حلب واحدة.
فلما كانت السنة المذكورة استحصل المذكور من الدولة أمرا بنفي جميع كهنة الروم الكاثوليك إهانة لهم، وعندها امتعط «2» منه جميع طائفة الكاثوليك واحتشدوا، وكانوا زهاء سبعة آلاف شخص وهم أكثر عددا من طائفة الروم القديم. ثم ساروا يريدون الإيقاع بالمطران المذكور، ثم بدا لهم أن يحضروه إلى الوالي ويلتمسوا منه كفّ سلطته عليهم استنادا على أنه لا إكراه في الدين. وكان نمي الخبر إلى الوالي وهو في تكية الشيخ أبي بكر، فلما رأى جموع الكاثوليك مقبلين عليه إقبال هجوم وتألّب أمر أن يفرق جمعهم ويقتل منهم بعض أفراد تسكينا للفتنة. فنفذ أمره وفرق جمعهم وقتل منهم الأفراد المذكورون.
وبقيت سيادة مطارنة الروم على عموم الروم إلى أن دخل المصريون حلب فأفردوا لكل طائفة مطرانا وكنيسة. وبعدهم حذت الدولة العثمانية حذوهم واستمر الحال على هذا المنوال إلى يومنا هذا. هذه الحادثة مذكورة في كتاب عناية الرحمن مفصّلة فلتراجع.
حصار حلب المعروف بحصار خورشيد:
ألمعنا- فيما تقدم قريبا- عن حادثة قتل اليكجرية وتشتتهم في البلاد عن يد محمد(3/251)
جلال باشا جبار زاده، وأن حلب من ذلك اليوم أخذت بالسكون والراحة غير أنه لم يمض على تلك الحادثة زمن يسير إلا وقد اعتصب في حلب زمرة من السادات وأخذوا يدأبون بإخلال الراحة وانضباط البلد، ثم سولت لهم أنفسهم أن يقوموا على الحكومة ويخلعوا طاعتها. واستعدوا للقيام وكاتبوا جماعة اليكجرية الذين كانوا مشتتين في البلاد هربا من جبار زاده، فحضروا خفية ولازموا البيوت سرا، وقوي بهم حزب السادات وزادوا استعدادا وصاروا يتوقعون أدنى باعث للثورة.
فاتفق أن حاشية الوالي خورشيد كانت من أعظم الأسباب التي عجّلت قيام الثائرين، المترقبين أدنى فرصة تسنح لهم. وذلك أن الوالي المشار إليه كان على جانب عظيم من الصلاح والدين، وبالعكس حاشيته وجماعة دائرته فكان إمامه لا ينفك عن السكر إلا قليلا، وأما كتخداه سليمان بك فإنه يتناول المسكرات ليلا ونهارا وكثيرا ما كان يرى كالمجنون عند المساء لكثرة ما يشرب، فلربما كان يغضب على بعض أتباعه فيضربه بالبلطة أو بالخنجر في أي محل وقع الضرب، وكان يدور في شوارع حلب على هذه الحالة إلى نصف الليل.
وغضب مرة على رئيس ساسة الدواب وهدده بالضرب والقتل فخاف بقية السّاسة من شرّه وعولوا على الفرار وكان في الإصطبل عدد وافر من الخيول والبغال فعمد إليها سليمان بك وقطع مقادوها وقيودها واستنفرها إلى خارج الإصطبل فحصل بسببها غلغلة عظيمة في أسواق حلب. فهذه حالة الكتخدا، وأما بقية رجال الدائرة فإنهم كانوا على أشد انهماك من الفسق والارتشاء، وكان خورشيد باشا ليس عنده خبرهم بل كان يحسن ظنه بجميعهم.
كانت هذه الأحوال تزيد من الحاشية يوما فيوما والحلبيون المتعصبون في دينهم يزدادون نفورا إلى أن ثاروا بغتة في إحدى الليالي من محرّم سنة 1235 وكان الوالي في أطراف نهر الساجور يعاني مكاشفته لجرّه إلى نهر قويق، ومشوا نحو منزل الكتخدا المدكور فكبسوه وقتلوه، ثم انتقلوا منه إلى غيره من جماعة الدائرة المنهكمين في المعاصي وأعدموهم عن آخرهم، ثم التفتوا نحو عسكر الوالي وبغتوهم بالقتل. حتى إني رأيت في بعض المجاميع أن جملة من قتلوا من حاشية الوالي وأتباعه في تلك الليلة سبعة آلاف نسمة، وهو مبالغة فيما أظن. ثم إن هؤلاء الثائرين كبسوا بيت الإمام المتقدم ذكره فأخذوه مع جميع ما كان عنده من آلات اللهو واللعب وأدوات الفسق والفجور، وجاؤوا به إلى المحكمة الشرعية كأنه مشهّر، ونادوا القاضي قائلين وهم يشيرون إلى الإمام: يكفي أن تعلم بحالته استانبول(3/252)
فقط. فتلطف بهم القاضي واستعمل أنواع الحيل والمداهنة ودفع عنه هذه الجمهرة، ثم أحضر إليه جماعة من العلماء وذوي الوجاهة وسار معهم إلى خورشيد باشا في تكية الشيخ أبي بكر وأثبتوا لديه رضاهم ومزيد صداقتهم.
وكان خبر الحادثة نمي إليه «1» وعاد من سفره فابتدر في الحال قطع القناة عن حلب ومنع عنها دخول الميرة والأقوات، وشدد حصارها وكتب إلى المتسلّمين بأطراف حلب فأحضرهم مع عساكرهم وأطار المكاتيب لاسترجاع عسكر كان أرسله قبل بضعة أيام لجهة ديار بكر، وكتب لوالي سلانيك أن يرسل له ألفي عسكري موظف تخرج من ميناء اللاذقية. وحرّر واقعة الحال يعلم بها استانبول. فوصلت مكاتيبه إليها في اليوم الثامن عشر من محرّم. وبينهما كانت الدولة مشغولة بإطفاء نار الفتنة المشتعلة في ديار بكر في تلك الأيام إذ ورد إليها خبر حلب أيضا، فوقعت في حيرة عظيمة. ثم بدا لها أن تكتب لأبي بكر باشا متصرف قيصرية أن يسرع الكرّة مع مقدار يتداركه من العسكر لإعانة والي حلب، وكتبت إلى جلال الدين باشا جبار زاده- والي أطنة- بأن يخابر والي حلب ويعاونه حسب الإمكان، بحيث إذا لزم حضوره بنفسه لا يتأخر. وكتبت إلى جماعة من المدفعية وأصحاب العربات الذين أرسلتهم لإخضاع أهل بغداد أن يكونوا أعوانا لوالي حلب لأنهم لم يبق لسفرهم إلى بغداد لزوم، لرجوع السلام إليها.
أما خورشيد باشا فإنه كان وصل إليه المتسلمون الذين هم في أطرافه- كما تقدم- ثم وصل العسكر الذي أرسل لديار بكر، ثم عسكر الجبل والأرناووط ثم جلال الدين باشا ثم لطف الله باشا والي الرقة. فاشتدت قوته وقوي عزمه ومشى بالعساكر الوفيرة لمحاربة الحلبيين، والتقى الفريقان في محلة قسطل الحرامي خارج السور، واشتعلت نار الحرب فلم يمض غير ساعات إلا وتقهقر الحلبيون وولوا منهزمين إلى داخل البلد، واستمروا على تمردهم. وعندها اتفق رأي الوزراء الثلاثة على أن يدخلوا البلد جبرا، فرتبوا جيشا عظيما للهجوم على حلب في غرة ربيع الثاني. وفي سحرة يوم منه أطلقت المدافع على أسوار المدينة من عدة جوانب، وانفتح فيها بضع ثلمات هجم منها عسكر الجبل والأرناوط ودخلوا البلد، والتقى الفريقان في الأزقة والشوارع وجرت بينهما محاربة مهولة أريق فيها(3/253)
دماء كثيرة. ثم انجلت الوقعة عن كسرة الحلبيين وانهزامهم، ودخل الوزراء الثلاثة المدينة وضبطوها بعد أن دام حصارهم أياها نحوا من أربعة أشهر. وهو آخر حصار جرى على مدينة حلب إلى يومنا هذا، وقد ظفر الوزراء الثلاثة بسبعة من رؤساء الثائرين قطعوا رؤوسهم وجهزوها إلى استانبول مع تحرير مشترك منهم، فوصلت إلى الباب العالي في أوائل جمادى الأولى وصارت موجبة للمسرة الزائدة وأرسل لكل واحد من الوزراء فروة سمّور، ولخورشيد باشا خنجر مرصع.
غير أن هذه الحادثة كانت قد شاعت في استانبول وكثر بها لغط الناس، ودار على الألسن أن سببها ظلم حاشية خورشيد باشا وفسادهم. ولذا اضطرت الدولة لكشف الحقيقة وإزالة الشبهة، وعينت لذلك رجلا يقال له مصطفى نظيف أفندي كاملي زاده وأرسلته إلى حلب للتحقيق، فوصل إليها بعد أن ضبطها الوزراء بيومين، ونزل في محل قريب من تكية الشيخ أبي بكر، وكان بينه وبين خورشيد عداوة قديمة، فكتب للدولة أن سبب الحادثة المذكورة هو ظلم جماعة الوالي وارتكابهم الرشوة وانهماكهم في المعاصي وما في معنى ذلك. كما أن خورشيد باشا كتب للدولة بأن نظيف أفندي رجل مفسد محرك للسواكن، له أغراض فاسدة يحاول الوصول إليها بزمرة من المفسدين الذين يترددون إليه، وما في معناه. ولما وصل الكتابان للباب العالي رأوهما متضادين فنبذوهما ظهريا.
غريبة:
حكى شاني زاده في تاريخه- والعهدة عليه- قال: لما انتهت هذه الحادثة وصار الوالي يأمر بقتل الرجال، قياما بواجب السياسة، جاء أحد المأمورين في هذا الشأن إلى صالح آغا قوج متسلّم حلب من قبل الوالي وقال له: سيدي، مساء أمس الماضي تنازع أحد الفقراء الذين يصنعون الكراسي مع واحد من عساكر الدراويش المولوية بسبب مشلح، فحبس الفقير وعند المساء أدخل إلى محبس الدم وأصبح ميتا. وفي صبيحة هذا اليوم جاءت زوجته ومعها أربعة أيتام لباب الوالي وقدمت له عريضة تذكر فيها أنها محتاجة لعشاء ليلة فهي تسترحم أن يعطوها ما وجد على زوجها المقتول من الثياب لتبيعها وتنفقها على أيتامه.
فأخذت منها العريضة وقدّمتها للوالي، وعندما بينت له الكيفية أسف للغاية ورقّ للمرأة ورثى لحالها وأحسن إليها بنصف كيس من الذهب.(3/254)
أما صالح قوج فإنه لما سمع هذه الحكاية قال: هذا شيء عجيب، كيف يقتل هذا ظلما؟ والذين صدر الأمر بقتلهم ثلاثة أشخاص، والمدافع التي أطلقت بإعلان قتلهم ثلاثة، وجثث القتلى التي أصبحت مطروحة في خندق القلعة ثلاث! فإن كان هذا الرجل قتل غلطا وخطأ فإني أفحص عن الرجل الذي كان يستحق القتل وأوقع القبض عليه. مع أن هذا الظالم الماكر قتل في تلك الليلة أربعة أشخاص دون ذنب ولا جناية بدل أربعة أشخاص صدر الأمر بقتلهم، فرشوه وخلّى سبيلهم، وقتل عوضا عنهم من لا ذنب لهم وألقى جثثهم في خندق القلعة، كما أخبر بذلك من كان عالما بحقيقة الحال.
انتهى ملخصا من تاريخ جودت باشا، مع زيادة قليلة وقفت عليها في بعض المجاميع، وقد ذكر فيها أن زعماء الثائرين في هذه الحادثة هم من السادات وأن الصلح وقع أخيرا مع اليكجرية فقط بسبب مخامرة السادات عليهم، ولذا كان معظم من قتل في تلك الوقعة من السادات. قلت: هذه الحادثة كانت من أهم الحوادث التاريخية وأعظمها بحلب، حتى إني رأيت في بعض الفهارس الإفرنجية الواردة من باريس أنه يوجد في حانوت صاحبها كتاب مخطوط يشتمل على زهاء ثلاثمائة صحيفة، كله في خبر هذه الواقعة. وفي الحال كتبت في طلبه إلى باريز فرجع الجواب إليّ بأنه بيع قبل وصول كتابي.
وفي أواخر هذه السنة 1235 حول خورشيد باشا إلى إيالة المورة، وولي حلب مصطفى باشا البيلاني صاحب الحمّام المنسوب إليه في محلة الفرافرة تجاه مزار النسيمي بحلب، وهو الذي جدد هذا المزار، وزوجته ماهلقا مدفونة فيه، وهي صاحبة السبيل الكائن في أواخر سوق العبي في حضرة المفارق الأربعة. وفي سنة 1237 ولي حلب إبراهيم باشا.
الزلزلة الكبرى في حلب وأعمالها:
في نحو الساعة الثالثة من ليلة الأربعاء بعد العشاء الأخيرة ثامن وعشرين من شهر ذي القعدة من هذه السنة 1237 هـ الموافق آب سنة 1821 م زلزلت حلب زلزالا شديدا امتد حكم سلطانه الرهيب إلى مسافات بعيدة عن حلب، انتهت حدوده شمالا إلى مرعش، وجنوبا إلى حمص، وشرقا إلى الفرات، وغربا إلى إسكندرونة. زحفت جيوشه الجرارة إلى جميع هذه البلاد وما في ضواحيها وصحاريها من البلدان والقرى. وكان أعظمها مصيبة(3/255)
به وأشدها نكبة وبلاء مدينة حلب ثم أنطاكية وبلاد القصير الأعلى والأسفل.
حدثني الشيخ المعمّر محمد آغا مكانسي أحد أعيان حلب ووجهائها في القرن الثاني عشر المولود سنة 1202 والمتوفى سنة 1309- وكان دقيق الفكر حسن التعبير قوي الحافظة لا يشذّ عن ذهنه كلّي ولا جزئي من الحوادث والكوارث التي مرت عليه مدة حياته بعد طور طفوليته- وكنت أسمر عنده في مصيف منزله الكبير الكائن في محلة محمد بك، في ليلة من شهر تموز طاب نسيمها وسطع بدرها. وقد سألته عن أعظم فزعة عرته في حياته، بمناسبة حديث كان يحدثنا به عما قاساه من الأهوال والأخطار في بعض أسفاره إلى الحجاز حينما كان إسباهيا «1» يرافق ركب الحاج فقال مجيبا لي عن سؤالي: إن أعظم فزعة عرتني مدة حياتي فزعة ارتعدت لها فرائصي وأوقعتني في مهاوي اليأس من الحياة، كانت في ليلة الزلزلة الكبرى التي حدثت في سنة كذا (وذكر الليلة التي قدمنا ذكرها) .
ثم طفق يقص علينا نبأ تلك الحادثة فقال: بينما كنت جالسا في مصيف داري القديمة في ذلك الوقت أسمر مع جماعة من خلّاني وألتذ بمنادمتهم وحسن حديثهم- والنسيم البليل يحيينا بأنفاسه وينعشنا بلطيف هبوبه- إذ انقطع عنا بغتة واشتد الحر حتى شعرنا بضنك في صدورنا وضيق بأنفاسنا، وما مرّ علينا سوى نحو عشرين دقيقة في هذه الحالة المضنكة إلا وسطع في جو الفضاء ضوء أشرقت به الدنيا إشراقها بالشمس تتجلى في ذروة الفلك الأعلى، فرفعنا أبصارنا إلى العلاء فرأينا هذا النور الساطع صادرا من كوّة مفتوحة في كبد السماء كأنها نافذة من نوافذ جهنم، وما كدنا نرجع أبصارنا إلى الحضيض حتى أوقر أسماعنا دويّ كهزيم الرعد، وإذا بالأرض قد مادت بنا يمنة ويسرة والنجوم أخذت تتناثر وتتطاير في أفق السماء كشرر يتطاير من أتون. ثم انتفضت الأرض أربع مرات متوالية أزاحتنا عن مقاعدنا، فنهضنا على أقدامنا وما منّا أحد إلا وقد أحسّ بدنو أجله كأن السماء وقعت عليه، أو الأرض كادت تنخسف تحت قدميه. فصرنا نكرر الشهادتين ونضرع إلى الله تعالى بقولنا: يا لطيف، والجدران تتداعى وتخرّ السقوف وتتدهده الحجارة على الأرض فيسمع لها جلبة ودويّ تقشعر منهما النفوس. كل هذا جرى في برهة من الزمن لا تزيد على نصف دقيقة وقد اشتد غواش الناس وضجيجهم يستغيثون بالله، وعلا صراخ(3/256)
النساء وعويلهن، وطفقت الخلائق تركض إلى الصحراء وهم يتدافعون ويتزاحمون في الشوارع والأزقة هائمين على وجوههم، لا يلوي والد على ولد، كلّ يهرع مهرولا إلى ساحل السلامة يطلب النجاة لنفسه حتى كأن القيامة قد قامت وآذن حبل الحياة بالانصرام، وكان القتام شديدا حلك منه الظلام وحجب النجوم عن العيون.
أما الجماعة الذين كانوا يسمرون عندي فقد أسرعوا الكرّة إلى منازلهم ليتفقدوا أهلهم.
وأما أنا فقد كان أهلي حين وقوع هذا القضاء جالسين في صحن الدار، وكانت الدار فسيحة وجدرانها قصيرة لم يؤثر بها الزلزال ولا انهدم منها شيء، فجمعتهم في وسط الصحن وبتنا ليلتنا في قلق زائد، لأن الأرض كانت في كل برهة ترتجف وتختلج، ونحن نستغيث بالله ونتعوذ به من سخطه. فلما طلع الفجر أحضرنا جماعة من العتّالين فحمّلناهم من البيت ما يقوم بسدّ حاجاتنا من الفرش والمؤنة وخرجنا بالأهل والعيال إلى أحد بساتين الفستق التي في جوار محلتنا، وكان الناس قد خرجوا إليها في الليل وبات أكثرهم على الأرض بلا غطاء ولا وطاء. أما بقية جهات البلدة: فمن ناسها من خرج إلى البرية في جوار محلته، ومنهم من قصد الكروم والبساتين ثم تداركوا الخيم وبيوت الشعر. والأغنياء منهم عملوا بيوتا من الدفّ، ومنهم الفقراء الذي ظلوا تحت السماء بلا كنّ «1» ولا ملجأ.
واستمر الزلزال يتردد نحوا من أربعين يوما تارة خفيفا وأخرى شديدا.
وحين حدوث الزلزلة الأولى كان أكثر الناس على أسطحة منازلهم وفي فسحات دورهم جريا لعادتهم في موسم الصيف، فسلم بهذه الواسطة العدد الكبير من عطب الزلزلة، ولولا ذلك لكان السالم منهم قليلا. ومع هذا فقد مات تحت الردم في حلب زهاء خمس عشرة «2» ألف نسمة. وكان معظم تأثير الزلزلة في محلة اليهود والعقبة وسوق العطارين وأبراج القلعة وما اشتملت عليه من البيوت والمنازل، وما جاور القلعة من المباني التي كانت قائمة في ذلك الفضاء المعروف باسم (تحت القلعة) . قال: ومما يدل على شدة نفضات الزلزلة في أول مرة أن هلال مئذنة جامع العثمانية اندفع من محلّه وسقط على قبة القبلية فخرقها ووقع على أرض القبلية فحفرها.(3/257)
كان الناس يتكبدون مشقة زائدة وهم في الصحراء والبساتين بالحصول على الأقوات التي لم يبق الباعة لها سعرا محدودا، فإن كل واحد من باعة الخبز واللحم وغيرهما يبيع بضاعته بالثمن الذي تسنح له به الفرصة، وكان الدعّار والمتشردون يقصدون الدور والمنازل وينهبون ما فيها من الأثاث والمؤنات، فاضطر أهل كل محلة إلى أن يتعاونوا على إقامة حراس يحرسون أموالهم. وكانت جماعة الحكومة كالوالي والقاضي قد تركوا منازلهم وأقاموا في البرية تحت الخيام وبيوت الخشب، وشغلهم الخوف والفزع عن القيام بمباشرة وظائفهم.
فاختل نظام الحكومة وكثرت حوادث النهب والسلب.
أما جثث القتلى التي كانت تحت الردم فكان أهلها المتموّلون أخرجوهم على الفور ودفنوهم بثيابهم، وقد استخرج البعض منهم وفيهم رمق من الحياة فعاشوا، ومنهم من مات بعد ساعات، واستخرج بعض من خرّت عليهم السقوف أحياء لم يصابوا بشيء من الضرر لأن بعض السقوف انهدم جدارها الواحد فقط، فبقيت رؤوس الأخشاب الأخرى معلقة بالجدار الباقي فتكوّن منها وقاء لمن كان مقيما تحتها فسلم. أما الفقراء الذين لا مال عندهم فقد بقيت قتلاهم مدفونه تحت الردم في الخرابات الكبيرة فكانت هناك قبورهم إلى الأبد.
كانت الأرض في هذه المدة- وهي أربعون يوما- لا تنقطع حركتها، غير قليل، فكان الناس يحسّون من وقت إلى آخر برجفات تحت أقدامهم. وقد شاع أن قطعة كبيرة من الأرض في ناحية قرية الأثارب قد خسفت، ولهذا كان كثير من الناس لا ينفك عنهم الفزع والقلق لأنهم قد تسلط على واهمتهم بأن الأرض ربما خسفت بهم وإن كانوا آمنين من سقوط الجدران عليهم لإقامتهم في بيوت خشبية. وكانت السنة كثيرة البقول والفواكه قد أكثر الناس من أكلها فكثرت فيهم الأمراض، ومات منهم عدد كبير. وفي سنة 1238 ولي حلب ثانية مصطفى باشا البيلاني. وبعد أيام حول إلى محافظة لواء صيدا وبيروت وصفد، وولي حلب بهرام باشا والي الرقة إلحاقا.
مقتل نعمان أفندي ابن عبد الرحمن أفندي شريف:
في هذه السنة 1238 قتل نعمان أفندي. وسبب ذلك أن بهرام باشا لما قدم على حلب واليا عليها طلب من نعمان أفندي أن يقرضه مائتي ذهب إلى حين، فاعتذر له بضيق اليد،(3/258)
وسمع بذلك أحمد بك قطاراغاسي فأسرع الحضور إلى الوالي وأعطاه المائتي ذهب، فسر منه وقرّبه إليه وحقد على نعمان أفندي. ثم وشى واش بنعمان أفندي إلى السلطان بأنه يحاول إثارة فتنة بين الأشراف- وكان هو نقيبهم- وبين اليكجرية. فأصدر السلطان إلى بهرام أمرا باغتياله. فأرسل إليه يطلبه فامتثل الأمر وخرج من منزله قاصدا منزل الوالي وهو لا يعلم بما أضمر له. ولما وصل إلى منزل الوالي كانت الخيول واقفة بانتظاره، فأمره الوالي بركوب أحدها موهما إياه بأنه يريد قمع بعض الفلاحين في جهات كلّز لأنهم في صدد الفتنة. فسارت الخيول بهما وبمن معهما من الجند حتى وصلوا إلى قرية تل الشعير من أعمال كلّز وهناك نزل الوالي ومن معه- وكان وقت الظهر قد مضى- فابتدر نعمان أفندي أداء فريضة الصلاة فتوضأ ووقف يصلي فما شعر إلا وقد خرط في رقبته حبل معقود، واثنان يشدان طرفيه حتى زهقت نفسه. فتركوا جثته ملقاة في العراء، وعاد الوالي ومن معه إلى حلب. وشاع الخبر فخرج أهل نعمان أفندي وواروا جثته هناك.
وفي خامس جمادى الأولى من هذه السنة 1238 ولي حلب حسن باشا الدرنده لي، والي الأناضول. وفي الثالث والعشرين من رمضان سنة 1239 وليها محمد أمين وحيد باشا، وهو مولود في كلّز.
لقاح الجدري البقري:
في سنة 1240 وصل لقاح الجدري البقري إلى حلب عن يد طبيب من الفرنج المولودين في حلب اسمه منتوره، وأصله من إيطاليا. فلم يقبل أهل حلب على هذا اللقاح كما ينبغي إلا بعد دخول إبراهيم باشا المصري إلى حلب. وأصل هذا اللقاح كان ظهوره في البلاد العثمانية من الأناضول، اكتشف بواسطة الفلاحين الذين يقتنون البقر ويعانون حلبها. وفي سنة 1241 كان إلغاء حزب اليكجرية وانقراضهم.
نبذة في الكلام على هذه الطائفة
قال في دائرة المعارف وغيرها ما خلاصته: كانت عساكر الدولة العثمانية في بدء تأسيسها رجالا يتخذون القتال واسطة لاكتساب معايشهم، منتقلين بجميع ما لهم من المال والعيال عند الخروج للغارات والغزوات. ثم صار إذا حاربوا أياما قليلة ولم يفوزوا(3/259)
بسلب تبددوا وعسر جمعهم، فاضطرت الدولة في أيام السلطان أورخان بن عثمان إلى أن تستبدلهم بجنود لهم رواتب معلومة غير أنهم لم يمض عليهم غير سنيّات قليلة حتى تمردوا على السلطان أورخان، وربما قاتلوه إذا حملهم على أمر لا يريدونه. فبدا له حينئذ أن يقيم عسكرا من أولاد الأسراء الروم، وذلك بأن يفصلهم عن والديهم ويعلمهم العقائد الإسلامية ويمرّنهم على الحروب فيشبون على الغزو والجهاد. وبعد سنيّات قليلة تكوّن جيش من العسكر المذكور مؤلف من ألف رجل ما منهم إلا بطل صنديد. فأخذ السلطان أورخان ذلك الجيش إلى ولي الله الحاج بكطاش، وطلب منه أن يسمّيه ويدعو له فوضع يده على رأس جندي منه وقال: ليكن اسمه يكجريا. ثم قطع كمّ لبادته ووضعه على رأس ذلك الجندي ودعا لهذا الجيش بالفوز والظفر. ومعنى يكجري: العسكري الجديد فحرفته العامة إلى انكشاري.
ثم لما كثرت فتوحات السلطان مراد وكثر عدد الأسراء- حتى بيع الأسير بكأس من البوزة «1» - قال بعض العلماء: إن الحكم الشرعي بإعطاء خمس الغنيمة للسلطان يتناول الأشخاص أيضا، وإنه إذا جرى هذا الأمر يرتفع ثمن الأسراء ويزداد عدد اليكجرية بسرعة. فأعجب السلطان هذا الرأي وأمر بإجرائه. وقد جرى اصطلاحهم في ذلك الزمان على أن يقسموا أولئك الأولاد إلى أجواق يسمونهم عجم أوغلان، أي أولاد أعجام، ويعلمونهم القرآن الكريم ثم التمرن على الأشغال الشاقة، ثم يدخلونهم في السلك العسكري، وبعضهم يتخذون حرسا وأعوانا للسلطان. وينقسم هذا العسكر إلى أرط ثم إلى أوض (مفرده أوضة محرفة عن أوطاق معناه الحصن) ثم وجاقات. والأرطة مؤلفة من عشرة أشخاص. وبلغت في أيام السلطان محمد خان الرابع مئة وتسعين شخصا. ولهم قائد عام يعرف باسم آغا، له سلطة مطلقة على وجاقه وحقّ تأديب من أذنب من عساكره ورؤسائه بالحبس والضرب دون معارض.
وكان راتب الآغا في أول الأمر فوق أربعة آلاف قرش في الشهر، ثم زاد كثيرا.
وله أن يبقى في مأموريته ما لم يرتكب ذنبا يستحق به العزل، وإذا عزله السلطان ولم(3/260)
يقطع رأسه يجعله واليا في إحدى الإيالات كأنه منفي، وللمأمورين من هذا الوجاق ألقاب شتى: كشربجي باشي، وعشي باشي، وساقي آغاسي، وأوطه باشي، إلى غير ذلك مما يدل على أن أولئك الجنود كانوا عائشين من إنعامات السلطان وأنهم كأولاد له. وكانوا يحترمون القدور والمراجل التي توزع عليه بها تعييناتهم ويأخذونها معهم إلى الحروب فإذا خسروها عدّ ذلك عارا عليهم. ثم في أواخر أيامهم صاروا إذا أرادوا رفض أمر يضعونها أمام منازلهم مقلوبة علامة على العصيان، ولكل واحد منهم وشم خاص على يده اليسرى فوق الكوع مستدير، قطره نحو قيراط وربع بأحرف تدل على اسم صاحبه وسنّه، وتحته عدد فرقته. وإذا عجز أحدهم بسبب جراح أو كبر سنّ يعتزل وجاقه تحت اسم «متقاعد» ، ويعطى شهرية المتقاعدين ويؤذن له بالتروج.
وعلى هذه الترتيبات البسيطة امتدت فتوحات تلك الطائفة من أبواب برصة إلى أبواب فينّا، وحافظوا على ذلك النظام مدة خمسمائة سنة، حتى إنهم بعد أن صارت طريقتهم ثقيلة على البلاد والعباد وأوصلوا المملكة إلى أقصى درجات الانحطاط، كانوا لم يزالوا من الأمة كالروح من الجسد حتى كاد سقوطهم يتهدد وجودها، وهم- قبل اختلال نظامهم- أحسن جنود العالم ضبطا وانتظاما وأشدهم بأسا وإقداما.
وهاك نبذة في ذكر معركة من معاركهم، بها تعلم ما كانوا عليه من القوة والنجدة:
وهي أن السلطان با يزيد يلدرم خان سار في أيامه بعسكره الجرار المؤلف من اليكجرية وغيرهم إلى حدود هنكاريا قاصدا الاستظهار على أوربا بأسرها. وكان السلطان مراد خان الأول قد صادم عساكر الصّرب والبشناق بعساكره من اليكجرية فهزمهم وبدد شملهم، فألقي النفير العام في ممالك أوربا قاطبة أن النصرانية أمست في خطر التلاشي من مهاجمات المسلمين، وقامت دعاة النصرانية في كل صقع وإقليم يدعون بالغيرة الدينية، فأجاب الجميع صوت النفير وأخذت الأبطال تتهيأ للحرب، وأرسلت فرنسا وألمانيا أحسن رجالهما وخرجت فرسان مار يوحنا من حصونها في رودس، وثارت رجال هنكاريا بحمية لا مزيد عليها. ولم يمض إلا القليل حتى اجتمع عند الملك سيجسيمند مئة ألف مقاتل من الأبطال، وكان الجميع يمدون يد المساعدة في دفع العثمانيين عن بلادهم واستئصالهم عن آخرهم.
وكان السلطان با يزيد خان قد استعد لمقابلتهم وجمع نحو مائتي ألف مقاتل ونزل بهم(3/261)
متحصنا بالقرب من بيكويوليس. فلما أقبلت عساكر سيجسيمند على جيوش الإسلام ظنوا أن الغلبة سهلة عليهم جدا لأنهم رأوا تلك الجيوش خالية من كل ترتيب وإن كانت أسلحتهم كاملة. وكان يظن الناظر في اليكجرية أن ملابسهم الطويلة الواسعة تعوقهم عن خفة الحركة والرشاقة في استعمال الحراب، وعمائم الصباهية الكبيرة وقلانسهم الضخمة تزيد مناظرهم ضخامة في عين الناظر إليهم وتجعله يتهاون بمصادمتهم. فتقدم فرسان من فرنسا وأنشبوا الحرب مع فئة قليلة من اليكجرية لا يبلغ عددهم 4000 فبدد شملهم الفرسان وفتحوا فيهم طريقا ساروا منه إلى بقية جيش المسلمين المجتمع وراءهم، وإذا بجيش عرمرمي من الرجال الأشداء لا يلتفتون إلى الهاربين من عساكر تلك الشرذمة ولا يبالون بما وقع عليها من الكسرة، كأنهم الأسود ثباتا ومنظرا ينتظرون هجوم عساكر الأعداء عليهم فما كان غير قليل حتى سمع من عساكر المسلمين جلبة هائلة وفي أثرها ثارت اليكجرية على ذلك العدو فخام عن لقائهم فتبعوه وأعملوا فيه السيف ولم يفلت منه إلا الشريد الهارب، وقد جعل ذلك الظفر العظيم اسم اليكجرية مهيبا جدا في أوربا بأسرها.
وكانت طريقة اليكجرية في القتال أن يحيطوا صفوفهم بجيش من العساكر الجاهلة، ويفتحون بها باب الحرب ويشتغل بها العدو مدة ولا يتيسر له الوصول إلى معظم عساكرهم إلا بعد أن يكلّ من القتال، حتى إن تلك الجنود الجاهلة كانوا يملؤون بجثثها الخنادق، وربما جعلوها تلالا يتسلقون عليها إلى الحصون والقلاع التي يحاصرونها. ولما كان اليكجرية يباشرون الحروب دائما ويرزقون الفوز والظفر وينالون الغنائم العظيمة، داخلهم التيه والكبرياء وصاروا يعدّون أنفسهم هم المحامون عن بيضة الإسلام وحوزة الملك، والعلة الوحيدة لوجودهما. ثم تمادوا في غلوائهم حتى صاروا يتجاسرون على خلع الملوك وتبديل الوزراء وقد بالغ بعض سلاطين آل عثمان في تعظيمهم وإكرامهم، مستندا في ذلك إلى أنهم هم الذين شادوا الملك وبهم امتد في أوربا وآسيا وأفريقية وجزائر البحر حتى استحق مالكه أن يلقب بسلطان البرّين وخاقان البحرين.
ولما أحرزت المملكة هذه الشهرة العظيمة بواسطة اليكجرية ازدادوا عتوّا وتعديا وضعفت شجاعتهم وإقدامهم، وصاروا رعبا للسلاطين بعد أن كانوا رعبا للعدو، وصاروا يجاهرون بالعصيان لأدنى سبب حتى اضطر السلطان عثمان الثاني إلى العزم على ملاشاتهم، وأمر بجمع عساكر جديدة في آسيا وتعليمهم أصول الحرب الحديثة. فاستاء اليكجرية من(3/262)
ذلك وهاجوا واجتمعوا في ساحة آت ميدان وقلبوا مراجلهم أمام القشلة، وضربوا الطبول. فانزعج السلطان لذلك وأشاع بأنه كان يستعد للحج الشريف وأن العساكر التي أمر بجمعها في آسيا لم تكن إلا للمحافظة عليه في طريق الحج، وأمر بتجهيز سفن لأجل تلك الغاية. فلم يقنعهم هذا الاعتذار وقاموا قومة رجل واحد وقتلوا عددا عظيما من الحرس والحجاب وأفرجوا عن السلطان مصطفى وبايعوه وأزالوا السلطان عثمان.
وهكذا طغوا وبغوا وذاقوا لذة السلطة وحرصوا على إبقائها فيهم. وتاريخهم مدة قرنين بعد هذا العمل ليس هو إلا سلسلة متصلة مؤلفة من حلقات العصيان والتمرد والعبث بالنفوس الزكية، ثم صاروا يمتنعون عن الدخول في العسكرية إلا بالاسم ويؤذن لهم بالإقامة دائما كالمحافظين. ثم حصلوا على إذن بالتزوج والإقامة مع عيالهم، فاضطرتهم العيلة «1» إلى الدخول في التجارة والصنائع وأهملوا سيوفهم وبواريدهم ولم يبق بهم من صفات الجنود سوى المحافظة على أخذ رواتبهم في أوقاتها. ولم يكفهم ذلك حتى صاروا يأخذون مرتّبات لعيالهم، وقيدوا أسماء أولادهم في سلك الجنود الأمناء مستبدين لا يؤدون شيئا لخزينة الحكومة. وصار ينخرط في سلكهم جماهير غفيرة من الناس، وبعضهم ينفق مبالغ باهظة ليحرز شرف الانتظام في مسلكهم وأن يوشم على يده اليسرى بالوشم المتقدم ذكره، الذي كان صاحبه يستبد بجميع أعماله، صالحة كانت أم طالحة. وقد دخل في تلك الزمرة كثير من اليهود والنصارى طمعا في السلب والغنائم في أوقات العصيان. واستولى عليهم الكسل والجهل باستعمال السلاح حتى إن كثيرا منهم من يضع في البارودة الرصاص قبل البارود، وكثيرا منهم من يكون في المؤخرة ويطلق بارودته على من في المقدمة. وربما حاول قوّادهم ردعهم عن ذلك فيجيبونهم بقولهم: إن رصاصة اليكجري تعرف العدو من الصديق.
وقد انتشبت مرارا مقاتلات شديدة في أزقة القسطنطينية بينهم وبين الصباهية الذين كانوا أعداء لهم، فكانوا يطوفون في الأسواق وبين البيوت ويوسعون الناس ضربا وافتراء، ويسلبون ما صادفوه من الأمتعة ويرتكبون شرورا كثيرة ويسبون النساء والبنات من دون مانع ولا معارض. وكانت القسطنطينية بجملتها في قبضة يدهم يفعلون فيها ما يشاءون(3/263)
من دون حساب ولا عقاب، وإذا قدم مركب موسوق «1» حطبا أو فحما إلى الميناء يذهبون حالا إليه ويسمونه بسمة أرطتهم «2» ، إشعارا بأنه قد دخل تحت ظل حمايتهم وبأنه قد صار لهم حق بيعه وقبض ثمنه، وجميع الخضر الواردة إلى السوق تحت مطلق تصرفهم يبيعونها بما شاؤوا ويعطون أصحابها من الثمن ما سمحت به أنفسهم. وهم في كل يوم يذهبون جميعا باحتفال لأجل أخذ مرتّباتهم، ويتعدون في طريقهم على كل من صادفوه، وقائدهم يمشي أمامهم وبيده مغرفة ضخمة طولها ذراعان وهم يتبعونه حاملين مراجلهم العظيمة على عتلات ومعهم جمهور من المحافظين بأيديهم سياط ضخمة. فإذا اتفق أن أحدا لم يحد عن الطريق- الذي يمرّون فيه- حالما يسمع قولهم: صاغ (أي ظهرك أو احذر) فإن القائد يضربه بتلك المغرفة العظيمة فيرميه إلى الأرض، ثم يأتي أصحاب السياط ويوجعونه ضربا. وإذا رأى الحمّال منهم مع رجل رزمة يجبره أن يسلمه إياها لكي يحملها له، طالبا منه أن يدفع له الأجرة سلفا، التي ربما تساوي قيمتها. ثم بعد قبض الأجرة يسمح له بحملها إن شاء، بشرط أن يعطيه شيئا على ذلك.
وكان إذا بنى أحد بيتا يأتي إليه نجار من اليكجرية ويطرد نجّاريه، ثم يتمم هو العمل متى شاء، وبالطريقة التي يستحسنها. وكان الأمر والنهي في الدواوين والمحاكم والمأموريات بيد أولئك القوم العتاة في جميع بلاد المملكة العثمانية. وكانوا ينصبّون ويعزلون متى شاؤوا.
ولم تزل الأمور جارية على هذا المنوال حتى كادت المملكة تسقط تحت نير تلك القوة الهائلة التي كانت أوربا بأسرها ترتعد من مجرد ذكر اسمها.
وفي سنة 1208 ابتدأ السلطان سليم الثالث يتخذ عسكرا جديدا وسماه بالنظام الجديد.
فهاج اليكجرية ومن يتعصب إليهم، فاضطر السلطان إلى إرسال ما كان عنده من العسكر المذكور إلى آسيا ثم أرجعه إلى استانبول حينما اشتغلوا في الحرب خارجا مغتنما تلك الفرصة.
ولما أخذ هذا العسكر الجديد يزيد عدّة، قام الجميع عليه بصوت واحد مدّعين أن ذلك بدعة تضادّ الدين، فاضطره الأمر إلى التسليم لهم أيضا. ثم انتهز فرصة أخرى وأرجع النظام وجعل منه عسكرا محافظين على المدينة وأحضر من آسيا عساكر غير منتظمة لتكثير العدد.(3/264)
فأخذ اليكجرية في إضرام نيران الاختلاف بين عساكر النظام وتلك العساكر التي هي غير منتظمة، فحدثت حركة شديدة من بين الفريقين دارت فيها الدائرة على عساكر النظام فهربوا إلى القشل «1» ، وأما العساكر التي هي غير منتظمة فذهبوا إلى اليكجرية وأخرجوا المراجل المشهورة وجعلوها صفوفا في ساحة القشلة، فاجتمع جمهور من اليكجرية المستوطنين وثار معهم جمهور من رعاع المدينة وحينئذ لم يسع السلطان إلا الأمر بإبطال النظام. غير أن اليكجرية لم يرضوا إلا بخلعه وسجنه عند الحريم جزاء لما ابتدع في الإسلام من العادات والملابس الفرنجية على زعمهم، ونادوا باسم السلطان مصطفى. ولما أجلسوه على تخت السلطنة أصدر أمرا بإبطال النظام الجديد.
ثم في السنة التالية قام مصطفى باشا بيرقدار ووقف بعساكره على باب السرايا وطلب متهدّدا إرجاع السلطان سليم إلى تخت الملك. فلما رأى السلطان مصطفى ذلك الأمر خنق السلطان سليما وطرح جثته من كوة القصر إلى العصاة الذين كانوا محيطين بالسرايا.
فساءهم ذلك جدا وهجموا على السرايا وخلعوا السلطان مصطفى ووضعوه في السجن الذي كان فيه السلطان سليم، ونودي باسم السلطان محمود الثاني، وكان السلطان محمود يتردد دائما على السلطان سليم وهو في السجن، ويسرّ جدا بما كان يطلع عليه من تدابير ابن عمه بما يرجع المملكة العثمانية إلى ما كانت عليه من النجاح والسطوة، ولم يكن أقل بغضا منه لطريقة اليكجرية، وكان يحسب نفسه قادرا على قهرهم، فحلف مقسما أنه لا بد من أن يهلك تلك القوة الفظيعة التي كانت قابضة على زمام السلطنة بأيديها الخبيثة.
فتولى مصطفى باشا بيرقدار منصب الصدارة العظمى وأخذ ينتقم من أعداء السلطان سليم، وأما السلطان محمود فصرف همته في اتخاذ التدابير والوسائل اللازمة لقرض زمرة اليكجرية.
وبعد أن تسلح بفتوى من شيخ الإسلام أمر بإجراء نظام اليكجرية القديم بكل صرامة وتدقيق وإبطال علائق المتزوجين منهم، وإجبار المتزوجين بأن يتركوا حوانيتهم ويسكنوا في القشلة، ويتعلموا هناك فنون الحرب ويخضعوا لأصول طريقتهم.
فلما نشرت هذه الأوامر هاج اليكجرية وأظهروا العصيان في شهر رمضان وأضرموا النار في بيوت مجاورة لقصر الصدر الأعظم، فاحترق وهو نائم على سريره، ثم ساروا(3/265)
هاجمين على السرايا، حيث كان السلطان محمود، فجمع السلطان حالا الطّوبجية ومن عنده من العساكر الجديدة، وانتشب القتال بين الفريقين مدة يومين، وأصبحت المدينة في خطر عظيم من تلك النيران التي أضرمها اليكجرية. وكانت عساكر السلطان محمود قليلة ضعيفة ورعاع المدينة قد اتحدت مع اليكجرية والمتعصبون لهم يحركون العامة ويهيجونهم، فرأى السلطان أنه لم يبق له إلا وجه واحد للتخلص من أيدي أولئك القوم العصاة، وهو أن يقتل السلطان مصطفى فيبقى وحده من سلالة بني عثمان، ففعل ثم خرج ووقف وحده أمام ذلك الجمهور الهائج فلم يجسر أحد أن يمد إليه يدا، وسلم قواد العساكر الذين قاتلوا عنه في السرايا للعدو لكي ينتقموا منهم بحسب إرادتهم، وأقسم بأنه لا يجدد إلى الأبد ذلك النظام الجديد المكروه. وأجاب اليكجرية إلى كل ما طلبوه، وأطلق لهم العنان كجاري عادتهم حتى إنه قيّد اسمه يكجريا في إحدى أورطهم.
ومن ذلك الوقت وقع القضاء على اليكجرية لأن انقياد السلطان محمود وتسليمه لهم في كل شيء لم يكن إلا بقصد الغلبة عليهم، فأخذ من ذلك الوقت بعزم شديد يستخدم التدابير اللازمة المؤدية إلى المرغوب، ودام مدة ثمان عشرة سنة منتظرا الفرصة لتنكيس تلك السيطرة وإنقاذ السلطنة من مخالبها الحادة. وكان جماعة من الطّوبجيّة قد تعلموا من عدة سنين طريقة الإفرنج في استخدام المدافع، إلا أنهم لقلة عددهم وقصر معرفتهم في استعمال المدافع كان اليكجرية يزدرون بهم. وأما السلطان فكان يزيد عددهم ويقويهم شيئا فشيئا لكي يعتمد عليهم عند الاقتضاء. وفي تلك الأثناء حصلت حركة الأروام فصارت حجة لتعليم تلك الزمرة أصول العسكرية وزيادة عسكرهم، وكانوا شديدي البغضة لليكجرية، وكان السلطان لا يألو جهدا عن اتخاذ كل الوسائل لتقوية تلك الحماسة فيهم نحو اليكجرية.
وفي سنة 1241 بلغ عدد الطوبجية في القسطنطينية أربعة عشر ألفا، وكانوا جميعا خاضعين خضوعا تاما للسلطان، خبيرين بأمور الحرب، خلافا لليكجرية الذين كانوا دائما يجلبون عارا على الراية العثمانية بعدم انقيادهم إلى قوادهم عند القتال، ورغبتهم الوحشية في سفك الدماء والسلب عند الانتصار، وكانوا قد أغضبوا الناس بمظالمهم وتعدياتهم، والعلماء بإدعائهم السيادة عليهم، وقوادهم بما كانوا يبدونه من الجبن والتمرد على أوامرهم.
ولما ظهرت- من انتصارات عساكر إبراهيم باشا في حرب المورة- القوة التي يكسبها(3/266)
التعليم الإفرنجي العساكر، رأى السلطان محمود خان أن الوقت الذي كان ينتظره منذ سنين كثيرة قد أتى، وأنه قد حان الزمان الذي يجب فيه بأن يخلص من مخالب اليكجرية بإيجاد قوة جديدة منظمة كافية لدفع قوتهم وإنقاذ السلطنة منهم، وقادرة على المدافعة عن المملكة إذا مسّت الحاجة. وإذ كان لا بد له من التخلص قبلا من الارتباكات الخارجية، اضطره الحال للتسليم إلى طلب اقترحته روسيا، ولم يكن لها قصد بذلك إلا جعله وسيلة لإضرام نار الحرب بينها وبين الدولة العلية. ثم عقد مجلسا من رجال الدولة العظام لأجل النظر في قوة العسكر وإصلاح الأحوال وأخرج فتوى بجواز تزيّي جنود المسلمين بزي أهل الكتاب، وبأن يتخذوا ما لهم من العوائد فيستخدمونها لمدافعتهم ويقاتلونهم بسلاحهم.
وفيما كان المجلس ملتئما، قال رجل من أعضائه، وكان شيخا مسنا: إن اليكجرية أشبه بعجائز ذوات عجب، وقد علاهن الكبر يفتخرن كثيرا بما كان لهن من الجمال منذ سنين كثيرة. وقال آخر: إنهم لا يعتبرون الآن العلماء، مع أنهم كثيرا ما حاموا عنهم وساعدوهم. وقال آخر: إنهم طالما جلبوا العار على الراية العثمانية بواسطة تجاوزهم حدود الشريعة وعدم انقيادهم لأوامر السلطنة. فقر رأي ذلك المجلس على وجوب إصلاح أحوال العسكر، وحكم بأن يؤخذ رجال من كل فرقة من فرق اليكجرية ويجعلوا عسكرا جديدا وأن يكون لهم لباس خاص على نسق واحد وأن يتعلموا أصول الحرب على طريقة الإفرنج، مع المحافظة على الواجبات الدينية الإسلامية وعين ذلك المجلس مرتبات ذلك العسكر الجديد وكل ما يتعلق به من النظامات بكل تدقيق وتفصيل.
وبعد أن حكم شيخ الإسلام أن ذلك جائز شرعا تعهد المجلس بإجرائه بالفعل. ثم عرضت تلك الأحكام على قواد العساكر فقبلوها وختموا على تلك العهود، ولكن حالما ابتدأت الحكومة في إجراء ذلك النظام الجديد وتعليم ذلك العسكر الطريقة الإفرنجية استفاق اليكجرية من غفلتهم فجاهروا بالعصيان وصفوا المراجل كجاري العادة وأخذ أصحابهم والمتعصّبون لهم من رعاع الناس يتواردون إليهم من كل أطراف المدينة. وكان ذلك في اليوم الخامس من شهر حزيران سنة 1825 م مسيحية المصادفة سنة 1241 هـ وكانت الدراويش تتقدم تلك الجماهير وتهيجهم لمقاومة تلك البدع الجديدة الإفرنجية، وذهبوا بهم إلى منزل كبير اليكجرية قاصدين قتله فنجا من أيديهم، فنهبوا منزله ومنزل الصدر الأعظم فوقعت المدينة ثانيا في قبضة أيديهم.(3/267)
وأما السلطان محمود خان فإنه استحضر إلى سراياه جميع الطوبجية، وبعث رسولا إلى اليكجرية العصاة يأمرهم بإلقاء السلاح والتسليم فرفضوا الأوامر واستهزءوا بها. فجمع العلماء وأخبرهم بما كان فقالوا جميعا: إن اليكجرية هم أعداء الدين. فجلس السلطان تلك الليلة في السرايا في نفس الموضع والحالة التي جلس عليها منذ ثمان عشرة سنة، وكانت المدينة بأيدي جنود هائجة قد علا ضجيجهم إلى الجو وملؤوا الأسواق حتى وصلوا إلى باب السرايا وأخذوا يجلبون ويتهددون. وفي صباح اليوم السادس عشر من شهر حزيران من السنة المذكورة أخرج السلطان علم النبي صلّى الله عليه وسلّم من الخزينة وسار بكل جنوده إلى ساحة آت ميدان. وبعد تقديم الدعاء في جامع السلطان أحمد نشر هناك العلم الشريف فأخذت الجماهير تتقاطر إليه، ثم أخذت الجيوش تتقدم نحو اليكجرية وتدفعهم إلى الوراء، إلى أن وصلوا إلى تل مشرف على معسكرهم بقرب جامع السلطان محمود، وكنت ترى جماهير كثيرة من المسلمين يبادرن بسرعة إلى معسكر السلطان لأجل المدافعة عن العلم الشريف.
ثم ثار جماعة من الطوبجية نحو ساحة آت ميدان من دون مصادمة كثيرة، ولم يمض إلا القليل حتى أحاطت الجنود المظفرة بتلك الساحة الفسيحة من كل جهة، وجعلت المدافع على كل مرتفع وفي كل شارع مقابل ذلك الموضع.
وعند ذلك خرجت اليكجرية من القشل قاصدة الهجوم على عساكر السلطان فأرسل السلطان رسولا يأمر اليكجرية أن يسلموا، فقتلوا الرسول وللحال أشعلت الطوبجية المدافع وكان عددها مائة مدفع وأخذت تطلق الكرات والقنابل على ساحة آت ميدان والقشلة، فهجمت اليكجرية على الصفوف السلطانية فدفعتهم العسكر المظفرة دفعة هائلة وذبحوا منهم عددا غفيرا، فرجع من سلم هاربا إلى القشلة، وحينئذ تحولت المدافع نحو القشلة بأسرها، وأشعلت النار الدائمة فلعبت بالقشلة. فصرخ اليكجرية من داخلها طالبين العفو والرجمة فلم يلتفت إلى صراخهم، وذلك أن ألوفا من الشيوخ والنساء والعذارى طالما كانوا يصرخون إليهم في أيام سطوتهم طالبين الرحمة فلم يرحموهم ولا التفتوا إلى صراخهم.
ولم تزل المدافع تعج والبواريد ترسل الرصاص من دون انقطاع حتى سقطت حيطان القشلة إلى الداخل على من سلم فيها من نيران القتال فهلكوا عن آخرهم، ولم ينج أحد من جميع الذين كانوا قد وقفوا في تلك المعمعة لمحاربة سلطانهم وولي نعمتهم، فسحق ذلك العصيان سحقا فظيعا في أول ظهوره، ولكن لم يكن ذلك نهاية العمل لأنه كان لم يزل ألوف من(3/268)
اليكجرية باقين متفرقين في أماكن مختلفة من المدينة، وكانت الإيالات أيضا مملوءة منهم.
وفي اليوم الثاني خرج فرمان شريف بإبطال تلك الزمرة وملابسها ومصطلحاتها وقشلها حتى واسمها من كل المملكة، ونادى به المنادون. وهذه ترجمته: «بموجب حكم الكتاب والشريعة، إصلاحا لحال أمة محمد، وإحياء للدولة والدين، تلغى أرط اليكجرية من الآن وصاعدا وتبطل كليا. وبموجب اتفاق العامة مع جميع العلماء حرر أنفار عساكر محمدية منصورة مكان هؤلاء، وعلى أهل العرض بعد هذا أن يفتحوا دكاكينهم ويكونوا في أشغالهم ومكاسبهم» . اه.
فوقع الرعب على كل زمر اليكجرية وهربوا متبددين في كل صقع وناد. وكانت الحكومة تفتش عليهم في كل مكان من المملكة وتلقي القبض على كل من وجدته منهم وتعاقبهم بالقتل بالسيف أو بالخنق أو بالسجن أو النفي، بحسب أحوالهم وذنوبهم. وكنت ترى خليج قسطنطينية مملوءا من جثث القتلى الذين كانت تلقى فيه «1» . فبلغ عدد الذين قتلوا ثلاثين ألفا. وهكذا كانت نهاية هؤلاء العساكر المنكودة الحظ، والوبال الذي جلبه لنفسها بغيها وعدم مراعاتها النعمة. وقد أرخ بعضهم هذه الحادثة بقوله: غزاي أكبر، وذلك سنة 1241.
قلت: إن الفظائع التي كان اليكجرية يجرونها في استانبول، كانوا يجرونها بل أعظم منها في حلب وغيرها من البلاد الخارجة عن استانبول، فقد كانوا قابضين فيها على الحرف والصنائع، وكانوا يعاملون الناس بالجبروت والقسوة ويهينون الأشراف ويهتكون الأعراض. وكانت جميع الفتن والثورات في حلب- التي أسلفنا ذكرها- هم السبب الأعظم بإثارتها وكان زعماؤهم في الدرجة القصوى من الثراء والغنى، وهم على جانب عظيم من العتوّ والكبرياء. وكان ولاة حلب يعجزون عن إخضاعهم وردعهم إلا من لجأ منهم في قهرهم إلى الحيلة والخدعة معهم، كما فعل باستئصال عدد كبير من طواغيهم جلال الدين باشا. وكانوا يجرون في حلب من الفظائع والمخازي ما يقف اليراع خجلا عن تحريره وتسطيره: يهتكون شرف العذارى في حضور أوليائهم وفي منازلهم، ثم يبصقون بوجه الرجل ويأخذون منه ما يوجد عنده من النقود وما عند نسائه من الحلي، ويخرجون من(3/269)
بيته وهم يودعونه باللعن والشتائم. ومن فظائعهم أيضا أنهم كانوا يدخلون رأس الكلب في بطيخة خضراء فارغة ويرسلونه في الأسواق والشوارع، ووراءه واحد منهم ينادي بقوله: تنحّوا عن طريق السيّد (لأن السادة كانوا يلبسون في رؤوسهم العمائم الخضر) .
ومما كانوا مستولين عليه من الحرف والمهن حرفة اللحّامين، فقد كان معظمها في أيديهم، وكان الرجل لا يقدر أن يطبخ في بيته إلا نوع الطعام الذي يأمره به لحّامه، فلربما أمره عدة أيام بأن يطبخ نوعا واحدا من الطعام لأن اللحمة التي عند لحامه لا تصلح لغير ذلك النوع، ولا يستطيع الرجل أن يشتري من لحام آخر مطلوبه من اللحم، لأنه إذا فعل ذلك فربما يقضي لحامه عليه. فاتفق أن رجلا كان اسم لحامه رحمون آغا فكانت زوجة الرجل إذا سألته: ماذا نأكل في هذه الليلة؟ يجيبها بقوله: «الإرادة لرحمون آغا» .
فسارت هذه الكلمة مسير المثل في حلب يتمثل به من كانت إرادته تبعا لإرادة من هو أقوى منه.
والخلاصة أن الفظائع التي كانت تجريها هذه الطغمة الشريرة كثيرة جدا يحتاج استقصاؤها إلى مجلّد على حدته، وأن جميع ما كان يجريه عليهم الولاة من العقوبات والمصادرة والتعذيب قليل من كثير مما كانوا يستحقونه. فالحمد لله الذي أراح منهم البلاد والعباد.
انتهى ما قصدنا إلى إيراده من الكلام على أحوال الطائفة اليكجرية. ولنعد الآن إلى سرد الحوادث فنقول: في سنة 1242 ولي حلب سيروزي يوسف مخلص باشا ابن إسماعيل بك من أعيان سيروز. وفيها حدث بحلب طاعون جارف بلغ عدد وفياته اليومية نحو أربعمائة نسمة.
وفي سنة 1243 ولي حلب الصدر الأسبق رؤوف باشا. وقرأت في السجل المحفوظ في المحكمة الشرعية أنه في هذه السنة رفع مفتي حلب أحمد أفندي الجابري، ونقيب أشرافها عباس أفندي طه زاده- وغيرهما من وجهاء حلب- إلى الحاكم الشرعي أن بكير آغا ابن كعدان، وعبيد بن الجذبة وأتباعهما- وهم مصطفى وعواد وأحمد بن هاشم- عازمون على العود إلى حلب والإضرار بأهلها، فهم- أي المفتي ونقيب الأشراف ورفقاؤهما- يطلبون من الحاكم الشرعي أن يحكم بقتلهم: فأحضر الحاكم أهل المحلات(3/270)
ونبه عليهم بأن كل من وجد في محلته واحد من هؤلاء فعليه أن يدفع للخزينة العامرة 1500 قرش. اه وفي سنة 1244 ولي حلب علي رضا باشا.
مقتل أحمد بك قطاراغاسي:
في هذه السنة (1244) قتل أحمد بك ابن إبراهيم باشا أمير الحاج ووالي حلب سابقا.
وسبب قتله أن الدولة أرادت أن تستعين به على إخضاع عصابة من المتمردين عليها في جهات أرضروم، فكلفته الشخوص إليها مع مائة وخمسين شخصا من أتباعه (على أن تكون النفقة على هذه الحملة من ماله أسوة بغيره من وجهاء البلاد العثمانية الذين كانوا في تلك الأيام يساعدون الدولة على أعدائها فيجهزون إليهم الحملات على نفقاتهم) . ولما ورد هذا التكليف على أحمد بك اعتذر بانحراف صحته وطلب المهلة ريثما تعاوده صحته، وكتب على الفور إلى أخيه مصطفى بك المقيم في استانبول- وهو صاحب رتبة (ميراخور) - كتابا يذكر له فيه خبر هذا التكليف ويستشيره بالسفر إلى أرضروم. وأرسل الكتاب مع ساع خصوصي.
فكتب إليه أخوه في جوابه يحذره فيه من هذه السفرة، ويأمره بأن يماطل بالإجابة على قدر استطاعته. وأرسل له هذا الكتاب مع ساع خاصّ استحثّه على السرعة والاستعجال. ولما وصل الساعي إلى حلب سأل عن منزل أحمد بك فقيل له: هو في الفرافرة. فلما وصل الساعي إليها وقيل له: هذه هي محلة الفرافرة، رأى رجلا عليه سيماء العظمة واقفا بباب منزل فخم يحفّ به الخدم والحشم. فلم يشك بأنه هو صاحب الكتاب فقدمه إليه فتناوله منه وأعطاه جائزته وانصرف. ثم نظر ذلك الرجل في عنوان الكتاب فإذا هو لأحمد بك مرسل إليه من أخيه مصطفى بك. ففضّ ختامه وقرأ ما فيه، وكان هذا الرجل العظيم- الذي وقع الكتاب بيده غلطا- يوسف باشا شريف زاده، الذي كان يتحين الفرص ويرقب الدوائر تدور على أحمد بك الذي كان يوسف باشا لا يشك ولا يرتاب بأنه هو ذلك الواشي الذي كان سببا لاغتيال والده نعمان أفندي، الذي أسلفنا خبر خنقه في حوادث سنة 1238 وقد ظفر الآن يوسف باشا بضالته المنشودة وأيقن بأنه قد نال أمنيته التي هي أخذ الثأر من قاتل أبيه. فأسرع إلى منزل الوالي علي رضا باشا وقدم إليه ذلك الكتاب واستحثه على تقديمه إلى حضرة السلطان ليرى رأيه في أحمد بك(3/271)
وأخيه مصطفى بك. فما كان من الوالي سوى أن أرسل الكتاب مع ساع خاص إلى السلطان ولما قرأه السلطان استشاط غضبا وأصدر أمره إلى الوالي بقتل أحمد بك وتجهيز رأسه إليه بكل سرعة. ولما ورد هذا الأمر إلى الوالي كان أحمد بك متمارضا قد أقام في قصر بستان المفتي للاستشفاء بطيب هواه، ينتظر من أخيه جوابه عن كتابه وهو غافل عما خبأته له يد الأقدار.
وفي يوم الثلاثاء 27 ذي القعدة من هذه السنة أشاع الوالي أنه يقصد أن يعود أحمد بك. ثم توجه هو وأتباعه إلى بستان المفتي، وكان قد نمي خبر زيارته إلى أحمد بك، فخرج لاستقباله إلى باب القصر وتلقاه بالترحاب، وبعد أن جلس معه جلسة العائد للمريض وحادثه بلطيف عباراته ودعا له بالصحة والعافية نهض للانصراف، وتبعه أحمد بك ليشيّعه، وبينهم هو نازل على الدرج إذ أتته طلقة غدارة وتبعتها ثانية وثالثة فلم تخطىء رصاصاتهما جسمه فوقع قتيلا يتخبط بدمه. فتقدم أحد الرماة إلى جثته الهامدة وحز رأسه وبعد أن حشاه تبنا قدمه إلى الوالي الذي لم يتأخر لحظة واحدة عن إرساله إلى السلطان.
ولما وصل الرأس إلى السلطان أحضر مصطفى بك أخا المقتول وأطلعه على الكتاب وسأله عن كاتبه، فأقر بأنه خط يده، ثم أخرج له رأس أخيه وسأله: هل تعرف هذا الرأس؟
فأجاب: نعم هذا رأس أخي. وفي الحال التفت السلطان إلى الجلاد وأشار إليه بأن يقطع رأس مصطفى بك، فامتثل الأمر وقطع رأسه. ثم وضع الرأسان في كيس من البزّ ودفنا في حفرة واحدة.
وصدر أمر السلطان إلى والي حلب بمصادرة جميع أملاك الأخوين وأموالهما، وأن ينفي كل حالم من أولادهما وأتباعهما. فنفى من يصدق عليه أمر السلطان إلى جهات متعددة، ثم وضع أملاكهما في المزاد العلني فلم يرغب أحد بشرائها إما احتراما لأصحابها وإمّا تشاؤما «1» بها. وكان الحاج بكور آغا كتخدا الآتي ذكره قريبا قفل من بغداد وعزم على التوطن في حلب، وكان في الغاية القصوى من الثراء والغنى، فاشترى جميع أملاك الأخوين المومأ إليهما في حلب وخارجها. وكان من جملة تلك الأملاك الدور الكائنة في محلة الفرافرة، وهي دور عظيمة فخمة، كل دار منها تضاهي محلة لما اشتملت عليه من(3/272)
الأبهاء والمقاصير وكثرة الغرف والمرافق والحدائق ومتانة البناء وزخارف النقوش، وهي لم تزل تعدّ من بدائع الآثار البنائية القديمة التي يقصدها الأثريون للتفرج.
وبعد أن اشتراها الحاج بكور آغا وتصرف بها مدة من الزمن أعادها جميعها إلى ورثة الأخوين بالثمن الذي أخذها فعدّ ذلك منه شهامة وكرم أخلاق، وظهر للناس أنه لم يقصد من شرائها إلا حفظها لورثة الأخوين وإعادتها لهم حين سنوح الفرصة. ولم يبق له منها سوى داره المقيم بها الآن بعض فروع أعقابه. ومن غريب الاتفاق أنه كان لأحمد بك جارية كالحظيّة عنده، كانت تندد بالحاج بكور وتطعن به وتتحايل عليه لأنه حاز الزعامة لدى الولاة وصار نافذ الكلمة عندهم، فوقعت هذه المسكينة في قبضة الحاج بكور آغا، أخذها شراء مع جملة ما أخذه من تركة أحمد بك وجعلها خادمة في مطبخه بعد أن كانت حظية أعظم رجل في حلب يأتمر الخدم بأمرها ولا ترد لها كلمة.
سفر علي رضا باشا إلى بغداد:
وفي سنة 1246 تمرّد داود باشا والي بغداد على الدولة وخرج عن طاعتها. فأصدر السلطان أمره إلى علي رضا باشا بأن يكون واليا في بغداد، وشرط عليه أن يخضع واليها المتمرد وينكل به. فسافر إلى بغداد في أواخر هذه السنة وصحب معه (أبا بكر بن محمد ابن إبراهيم الكردي) أحد رجالات العمق وأمرائه، وجعله مستشارا له ووكيلا عنه في إدارة أمور الجيش وسماه كهيا أو كتخدا. ومن ذلك اليوم عرفت هذه الأسرة بآل الكتخدا.
وفي هذه السنة 1246 ولي حلب إينجه بيرقدار زاده محمد باشا. وفي سنة 1248 استولى على حلب إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر.
إجمال بهذه الأسرة:
لهذه الأسرة تاريخ حافل يسمى «المناقب الإبراهيمية» وهو مطبوع متداول استغنينا به عن إطالة الكلام في بيان أخبار هذه الأسرة واكتفينا بالإلماع إليها بهذا الإجمال فنقول:
إن الجد الأعلى لهذه الأسرة هو المرحوم محمد علي باشا، وأصله من مدينة قولة إحدى بلاد الأرناوود وبها كانت ولادته سنة 1183 ومات والده عنه وهو صغير فكفله أحد أصدقاء أبيه وأحسن تربيته، ونشأ على محبة الفوز والظفر بمقاصده وصحب الغزاة، واشتهر(3/273)
بين أقرانه بالحزم والعزم. ثم لما دخلت طائفة الفرنسيس مصر وألقت الدولة العثمانية النفير العام لإخراجها، كان من جملة من امتثل أمر الدولة ونهض من بلده متوجها إلى مصر، فدخلها وحارب الطائفة المذكورة في عدة وقائع واشتهر بالشجاعة وجودة الرأي ولما خرجت تلك الطائفة من مصر ولت عليها الدولة العثمانية محمد خسرو باشا، وكان محمد علي باشا قد استمال علماء مصر ووجهاءها فمالوا إليه وأظهروا له من المحبة ما أطمعه أن يكون واليا عليهم.
واتفق في ذلك الأثناء «1» أن محمد خسرو باشا جهز جيشا لقتال بقية المتمردين من المماليك حكام مصر، وكان محمد علي باشا من جملة ضباط ذلك الجيش. وبقضاء الله وقدره انكسر الجيش المذكور وتغلب المماليك، واتّهم القائد محمد علي باشا بممالأتهم ووشي به إلى الوالي، فقصد أن يوقع به غير أن محمد علي باشا فطن لما أراد وانضم إلى المماليك حذرا منه، وجرى بينه وبين الوالي وقعة كان هو الغالب فيها، ووقع الوالي بقبضته. واتصل الخبر بالسلطان سليم خان فعظم عليه الأمر وأرسل علي باشا ليتولى مكان خسرو باشا ويكبت العصاة. فلما وصل إلى مصر لم تدن له المماليك بل خلعوا طاعته وقتلوه، ثم وقع النزاع بين اثنين من رؤسائهما وكان لعسكر الأرناوط مال مكسور عند أحدهما فطالبوه به باتفاق مع محمد علي باشا وحصروه في داره عدة أيام، ثم سنحت له فرصة هرب بها إلى الصعيد وانحلّ عزم المماليك بعده، ولم يبق منهم إلا رئيس واحد. وكان محمد علي باشا قد استمال العلماء والرؤساء وأحبوه محبة مفرطة وأقاموه مقام الوالي على مصر، وأرسلوا محمد خسرو باشا إلى القسطنطينية وولوا مكانه رشيد باشا ولقبوه نائب السلطنة على مصر. ولم يمض إلا قليل من الزمان حتى مات الرئيس الذي بقي من المماليك وصفا الوقت لمحمد علي باشا وتولى مصر.
ولما سمع حضرة السلطان بهذا الأمر تكدر منه جدا وأمر في الحال مصطفى باشا قبطان أن يسير إلى مصر ويسلمها إلى من بقي من المماليك بشرط أن يدفعوا للدولة في كل سنة خمسة آلاف كيس، وأن يأمر محمد علي باشا بالتوجه إلى سلانيك. فلما وصل مصطفى باشا إلى مصر وعلم علماؤها ورؤساؤها بمراده اجتمعوا عنده وتلطفوا بتعريفه أنهم لا يرضون(3/274)
واليا عليهم إلا محمد علي باشا. فأجابهم إلى ما طلبوا وكتب بواقعة الحال إلى الباب العالي، وعندها صدرت الأوامر السلطانية بإقرار محمد علي باشا واليا على مصر بشروط معلومة وذلك في صفر سنة 1220 ولما تمكنت ولايته ورسخ قدمه بدأ ببقية المماليك فأبادهم ثم شرع بإصلاح أحوال مصر وإقليمها حتى استقام له ما أراد، وانتشرت فيها الصنائع والفنون وارتقت إلى أعلى ذروة في الكمال.
وأما سبب مسير ولده إبراهيم باشا إلى الديار الشامية: فهو أن عبد الله باشا والي عكّة لما أشهر العصيان على الدولة وأرسلت له درويش باشا وحاصره وضيق عليه، استغاث بمحمد علي باشا فشفع له عند الدولة وخلصه من عقابها. غير أنه بعد مدة يسيرة حجد معروفه وشرع يطعن به ويذكر مثالبه، فتكدر منه محمد باشا وكتب للدولة بعزله فلم تجبه. وعظم عليه ذلك فجهز ولده إبراهيم باشا لمحاربته فخرج من الإسكندرية في غرة جمادى الأولى سنة 1247 وفي خمسة أيام وصل إلى حيفا وخيّم بها وسيّر باقي الجيش برا إلى عكا، فوصلوها في عشرين تشرين الثاني سنة 1831 م وبعد بضعة أيام وصل إليها إبراهيم باشا وبنى تجاهها المتاريس وكاتب عبد الله باشا بالصلح فلم يفعل، وحينئذ أمر إبراهيم باشا بإطلاق المدافع على أسوار عكا وذلك في رابع يوم من رجب سنة 1247 وكتب للأمير بشير حاكم لبنان أن يحضر لمعاونته، فامتنع أولا ثم أجاب وحضر، فسرّ به إبراهيم باشا وأقره على حاكمية لبنان. وكان إبراهيم باشا قد أرسل أحد قواده لافتتاح بلاد الساحل فافتتحها.
ولما بلغت القضية مسامع الدولة العثمانية عظم عليها الأمر وكتبت لوالي حلب بيرقدار محمد باشا أن يجهز جيشا تحت قيادة حسين باشا لمحاربة إبراهيم باشا. فحصن حلب وجمع العساكر وتوجه إلى حمص في سبعة آلاف فارس من الأرناوود والهواري والعربان، وصحب معه أمين النزل يوسف باشا شريف زاده، السالف الذكر، ودخلها وحصّن قلعتها وعسكر في نواحيها ينتظر قدوم العساكر من دار السلطنة، وأرسل أمامه عثمان باشا مع أربعة آلاف مقاتل لمحاربة المصريين، فسار إليهم واستولى على اللاذقية وتقدم إلى جهة طرابلس والتقى بشرذمة من العساكر المصرية وكان مقدمتهم الأمير خليل بن الأمير شهاب، وجرت بينهم وقعة عظيمة انكشفت عن انهزام عثمان باشا. ولما بلغ إبراهيم باشا هذا الخبر وأن محمد باشا معسكر بحمص، مشى نحوه وترك نفرا من عسكره عند عكا وقد كاد أن يفتحها،(3/275)
فأدرك عثمان باشا في القصير وقد أمده محمد باشا، فاشتبك الحرب بينهما وانجلى عن كسرة عثمان باشا والتجأ إلى حمص، ورجع إبراهيم باشا إلى عكا وجدّ في حصارها حتى فتحها حربا في اليوم السابع والعشرين من ذي الحجة، ثم توجه إلى دمشق فوصلها في حزيران سنة 1248 هـ والتقاه واليها علي باشا الأسعد، وجرت بينهما وقعة انكسر فيها الوالي المشار إليه وعمد إلى الفرار ودخل إبراهيم باشا البلد واستولى عليها.
وكان في هذا الأثناء وصل إلى أنطاكية حسين باشا السردار الذي عينته الدولة مع عسكر ضخم لقتال إبراهيم باشا، وقد أرسل حسين باشا طليعة إلى حمص. وعلى بعد نصف مرحلة منها التقى الجيشان وشبت بينهما نار حرب هائلة انتهت بانتصار إبراهيم باشا ورجوع حسين باشا ومحمد باشا إلى حلب خائفين مذعورين، فدخلاها وجمعا الأعيان والوجهاء وطلبا منهم المدد فلم يجيبوهما، فرحلا عن حلب وقد تركا فيها أموالا وأمتعة لا تدخل تحت حصر، فنهبت جميعها ووقع الضعف فيمن معهما من العسكر فتبعهم أهل القرى وسلبوا أكثر ما كان معهم. وأما إبراهيم باشا فإنه بعد هذا الفوز توجه إلى حلب على طريق تل السلطان ودخلها بعد خروج الوزيرين المتقدم ذكرهما دون منازع ولا معارض، وذلك في ثامن يوم من صفر سنة 1248 الموافق اليوم السابع عشر من تموز سنة 1812 م فبقي بها مدة ثم نهض لقتال حسين باشا السردار وتوجه إلى جهة بيلان، وذلك في اليوم السابع والعشرين من صفر المذكور، وكان حسين باشا قد سد طريق الجبل على إبراهيم باشا فأرسل عسكرا صعدوه من جهة كلّز وأقام هو بواد قريب من الجبل.
ولما وصلت العساكر المذكورة والتقوا بعساكر حسين باشا علقت بينهم حرب شديدة كانت عاقبتها فوز إبراهيم وإقلاع حسين باشا إلى جهة قونيه ورجوع إبراهيم باشا إلى حلب.
وبعد مدة سافر منها إلى أدنة، وكانت قد سلمت إليه فخيم فيها بعسكره. ثم وردت له أوامر أبيه بالتقدم نحو قونية فامتثلها وشخص إلى قونية. وقبل دخوله إليها أخلاها أمين رؤوف باشا الصدر الأسبق، فاستولى عليها إبراهيم بغير منازع ولا معارض بعد أن جرى له في الطريق بعض وقائع. ثم في اليوم السابع والعشرين رجب علقت نار الحرب بين الفريقين وكان عسكر كل منهما وافرا جدا. وبعد وقعات تشيب ناصية الوليد انتهت الحال بنصر إبراهيم وأسر رشيد باشا الصدر. ولما تفاقم الأمر توسط سفير فرنسة بالصلح بين(3/276)
الدولة والمصريين على أن يكون لهم كريد وسورية وولاية أدنه. وعلى هذا استقر الحال ووقفت الحروب ورجع إبراهيم باشا إلى الديار الشامية.
ثم في سنة 1255 صدر الأمر السلطاني إلى حافظ باشا أن يسير إلى سورية ويستخلصها من المصريين، فامتثل وسافر إليها بسبعين ألف مقاتل. وسمع إبراهيم بقدومه فتقدم لملاقاته إلى «نزب» بأربعين ألف مقاتل وهناك التقى الجيشان وجرت بينهما معركة عظيمة أفضت إلى فوز إبراهيم وإنهزام حافظ باشا. وبعد هذه الواقعة خافت الدول الأجنبية سوء العاقبة وتداركت رتق هذا الفتق بإشارة الدولة العثمانية واتفقت إنكلترة والروس والنمسا وبروسة على إخراج المصريين من سوريا طوعا أو كرها، وأن لا يتركوا لهم سوى مصر وأقطارها مع قسم صغير من الديار الشامية وعقدوا على ذلك وثائق الاتفاق فيما بينهم بمدينة لندن عاصمة إنكلترا سنة 1840 م ثم كاتبوا الحضرة الخديوية بالتصديق على اتفاقهم فلم يقبل منهم، وعندها أشهروا الحرب عليه وأرسلت إنكلترا عمارة بحرية إلى سواحل سوريا فاستولت على جميعها وشحنتها بالمهمات، فضعف إبراهيم باشا عن مقاومتها وأوعز إلى عساكره بالهرب، فاجتمعوا إليه من سائر البلاد وتوجه بهم إلى جهة مصر من طريق البر لأن إنكلترا ربطت عليه المسالك البحرية، وقد نفذت «1» أقوات حاميته ومات منهم الكثيرون جوعا وأكلوا لحوم الخيل والبغال والحمير حتى أكارعها وأخسّ ما فيها. وفي قرب مدينة غزّة احترق بضع صناديق من البارود، وهلك بسببها عدد غير قليل من العساكر المرضى والنساء والأطفال الذين كانوا بمعية الجيش. ويروى أن هذه الحريق كانت مفتعلة «2» من إبراهيم ليخفف عنه الناس الذي أقلقوه بشكوى الجوع. والله أعلم.
حوادث حلب أيام إبراهيم باشا المصري
ولما دخل إبراهيم باشا إلى حلب- على ما تقدم ذكره- نزل في تكية الشيخ أبي بكر، وبعد بضعة أيام انتقل إلى منزل بني العادلي، فأقبل عليه قناصل الدول وأعيان البلدة يسلمون عليه ويهنّونه بالسلامة. فتلطف بهم وأعطاهم الأمان مما يخافون. وبعد بضعة(3/277)
أيام صار يقبل عليه أعيان البلاد الحلبية ويدخلون في طاعته. ثم شرع بتنظيم أمور حلب وبلادها، وعيّن لها متسلّما أحمد أفندي ابن عبد القادر أفندي حسبي زاده، ثم غضب عليه وضربه بالسياط فمات بعد يومين. وكان متسلما حلب- قبل دخول إبراهيم باشا- إبراهيم آغا سياف زاده، وعين في مكان حسبي زاده عبد الله بك البابنسي. وفي سنة 1249 رأى الحلبيون صرامته في أحكامه وشدته في انتقامه وعقوبته وشاهدوا ما يعامل به العسكري من الإهانة والشتم واللعن، فعزموا على مناضلته. واجتمع من زعمائهم جمّ غفير، منهم عيسى آغا وبكور آغا كعدان وأحمد بن هاشم ومحمد آغا حطب- وهم من بقايا زعماء اليكجرية- وعقدوا بينهم اتفاقا وكتبوا به ميثاقا ختموه، سوى قليل منهم. فاتصل الخبر بإبراهيم باشا بواسطة محمد آغا حطب، فقتل بعضهم ونفى الباقين وأمر بجمع السلاح من البلد، فجمع منه ما لا يحصى، وارتفع سعره حتى بيعت نصلة بندقية بثلاثمائة قرش. وفي هذه السنة أمر أيضا بجمع العسكر فثقل هذا الأمر على الناس لعدم اعتيادهم عليه وهرب منهم خلق كثير وتشتتوا في البراري، ومنهم من مات تحت المطر والجليد وأكلتهم الوحوش، وكانت تكبس البيوت ويؤخذ منها العسكر دون مراعاة شريف أو وضيع، حتى إن الأولاد الصغار كانوا يؤخذون ويدخلون المكتب ويكسون بملابس الجندية.
وفي سنة 1250 صار الشروع بتعمير الرباط الكبير المعروف بالشيخ يبرق، الذي أسلفنا الكلام عليه في محلة الشميصاتية من الجزء الثاني، ورباط آخر في نواحي الكلاسة شرقي مشهد الشيخ محسّن، وغير ذلك من المباني. وكانت الفعلة والنجارون والمجصّصون يقادون للعمل في هذه المحلات بالسلاسل ويساقون بالضرب والشتم، ويدفع لهم قليل من الأجرة، ومنهم من لا يعطى شيئا. وكان أكثر أنقاض هذه الأبنية وحجارتها من المساجد القديمة والجوامع المهجورة والخانات المهملة. وفي ابتداء رمضان سنة 1253 تجدد طلب العسكر واشتد التفتيش عليهم، حتى صارت النساء يحبسن في بيوت القهوة ويضربن الضرب المبرّح ليقررن عن رجالهن. فجمع مقدار وافر وبقي بعض أفراد لم يشددوا في طلبهم رعاية لرمضان. ثم في أول يوم من عيد الفطر صدرت الأوامر بإتمام جمع من بقي من العسكر، فذاقت الناس أمرّ من الصاب، وانقلب عيدهم مأتما. ثم في ثالث يوم من شوال ورد العفو عن بقية الأشخاص المرتبة على البلد. وفي اليوم الثامن عشر من شوال(3/278)
سنة 1254 وقع ثلج كثير سقط به مقدار نصف الشجر، وكان معظم ذلك في إدلب وريحا وأرمناز.
وفي غرة ذي الحجة توجه الاصباهية إلى استانبول من سائر البلاد الشامية بأمر المرحوم السلطان محمود خان. وفي اليوم الثالث عشر من هذا الشهر وقع القبض والتفتيش على أولاد المسلمين ليدخلوا في النظام العسكري، ومن لم يوجد منهم قبض على أبيه أو أمه أو زوجته وعذبوا إلى أن يحضر الرجل المطلوب. ومن هرب منهم أو أحجم عن السفر يجعل هدفا للرصاص في أرض عوّاد، فكان لا يخلو يوم من عسكري مقتول. وقد استصفت الجندية شبّان أهل حلب وملحقاتها، فلم يبق منهم سوى الكهول والعجزة ووقفت حركة الأشغال وعزّ القوت وتهتكت الحرائر في الحصول على ما يقيتهنّ. وفي اليوم الرابع عشر منه صدر الأمر بالعفو عن بقية المطلوبين. وفي هذه السنة كان الشتاء شديدا والأمطار غزيرة تعطّل بسببها أكثر العمران واستمرت نحو سبعة أشهر لم تنقطع إلا قليلا.
وفي غرة محرّم سنة 1255 خرج العسكر من حلب وبلادها إلى جهة الرّها لمحاربة حافظ باشا المرسل من قبل الدولة العثمانية، وصارت الأمتعة والميرة تنقل من حلب وغيرها إلى تلك الجهة. ثم كانت الوقعة بين الجيشين في المحل المعروف بنزب وقد مرّ خبرها.
وفي ليلة الأحد ثاني عشر شعبان زرق «1» بين العشاءين نجم غلب ضوءه القمر، واستمر شعاعه في السماء نحو عشر دقائق ثم أخذ في الذهاب نحو الجنوب. ثم في الليلة الرابعة عشر من الشهر المذكور وهي ليلة الثلاثاء رجفت الأرض رجفة قوية غير أنها لم يحصل منها ضرر. وفي سلخ رمضان سنة 1256- المصادف لليوم السابع والعشرين تشرين الأول سنة 1840 مسيحية- خرج العسكر المصري من حلب وبلادها وخلت الأرض منهم. وقدم على حلب الحاج يوسف باشا شريف زاده ومعه جماعة من الجند، فاستبشر الناس بقدومه، ثم قدم عليها من قبل الدولة العثمانية زكريا باشا مع عسكر كثير محافظة لها إلى أن يحضر الوالي الجديد. وبعد أيام قلائل حضر واليا عليها محمد أسعد باشا وأبقى عبد الله بك متسلّما. وقبل خروج إبراهيم باشا من بلادنا أمر بإحراق بعض البيوت الكبار(3/279)
لانحياز ذويها إلى الدولة العثمانية، من جملتها منزل يوسف باشا شريف، فقد احترق هذا المنزل كله وأصبح رمادا كأن لم يكن.
مجيء عسكر الأرناود إلى حلب:
وفي سنة 1257 وفد على حلب نحو ثلاثة آلاف من عسكر الأرناود، وكان قدومهم من بلاد أشقودرة، وقد جاؤوا إليها بإشارة من الدولة إرهابا للحلبيين لما كانت الدولة تتخيل منهم إحداث بعض الفتن، ومن ثم كانوا يفعلون أمورا فظيعة تدل على عتّوهم وتوحشهم ليعظموا في أعين الحلبيين، منها أنهم كانوا يخرجون الجرذان من المراحيض ويشوونها في الأتون ويأكلونها، وربما وضعوها في مقلاة السمك، وكانوا يأكلون الفأر وأجراء «1» الكلاب على هذا النسق. ومنها أنهم كانوا يفعلون الفاحشة والزنى بالعجائز والشيوخ. ولما تمادى فسادهم وضجر منهم الحلبيون قاموا عليهم وحصروهم في خان البيرقدار- بالقرب من السوق الصغير- وكثر إطلاق الرصاص من الطرفين. وخاف كبراء البلد من تفاقم الحال فحضر إليهم المتسلم عبد الله بك وأمرهم بالرحيل قبل أن يفتك بهم الحلبيون، فسمعوا مقاله وأقلعوا من حلب ليلا. وفي سنة 1258 ولي حلب محمد وجيهي باشا. ثم في سنة 1261 وليها عثمان باشا.
غلاء شديد:
وفيها كان الغلاء شديدا، بيع فيه شنبل الحنطة بمائة وخمسين قرشا. وكان قبل البيدر بخمسة وعشرين قرشا. وكان كلما اشتد البرد واقترب الشتاء تقلّ الأقوات من البلد حتى انعدمت، وهاج الناس وصاروا يأكلون الحشيش والعشب. ومع شدة الغلاء في الحبوب كانت بقية المأكولات رخيصة: فكانت قيمة رطل الأرز بثلاثة قروش وربع قرش، ورطل اللحم الخالص بسبعة قروش ونصف، ورطل التين بقرش ومثله الزبيب، ومائة الجوزة بثلاثين بارة. ولما اشتد الخناق بالناس ونفذت المؤنات أمر الوالي المحتكرين أن يفتحوا مخازنهم ويبيعوا ما فيها من الغلّة ففعلوا، واشتغلت الأفران وازدحم الناس عليها وبيع رطل الخبز فيها بثلاثة قروش ونصف. وبالجملة فإن الناس قاسوا شدة عظيمة في شتاء هذه السنة(3/280)
بحيث بيعت عدة بنات بأكلهن إلى أن أتى الحصاد وأقبل الخير. وكانت السنة مخصبة وبيع رطل الخبز بأربع وعشرين بارة وشنبل الحنطة بعشرين قرشا. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب مصطفى مظهر باشا الشيروزي.
وفي سنة 1263 حصل في حلب وباء عظيم وكثرت الوفيات حتى ضاق النهار على الجنائزية وصاروا يشتغلون في الليل، والتزم الناس البيوت خوفا من أن يدرك أحدهم الأجل وهو خارج عن بيته. وفي سنة 1264 ولي حلب كامل باشا وفيها حضر إلى حلب نامق باشا رئيس العسكر وأحصى عدد أهلها الذكور دون الإناث، فبلغ عددهم نحوا من ستين ألفا. وفي سنة 1265 وليها مصطفى ظريف باشا وفيها شحّت المياه وجفّ قويق وعين التل والعين البيضاء. ثم في شتائها وقع مطر غزير وطغى قويق وارتفع حتى غطّى قنطرة باب طاحون جبل النهر. وفي هذه السنة أسست دائرة إحصاء النفوس في حلب.
الفتنة المعروفة بقومة حلب:
هذه حادثة عظيمة لم يحدث بعدها من الثورات الأهلية في حلب أعظم منها. وكان حدوثها في عشية ليلة اليوم الثاني من عيد الأضحى سنة 1266 وامتدت وقائعها إلى نحو اليوم الخامس عشر من شهر محرم سنة 1267.
أسباب هذه الفتنة:
اختلف الناس في أسباب هذه الفتنة. فقال بعضهم: سببها فرس اغتصبها عبد الله بك البابنسي- متسلّم حلب- من يوسف باشا شريف زاده فقام أتباع الثاني على الأول للانتقام منه، وانتقلت القضية من طور خاص إلى طور عام، وجرى على مدينة حلب وأهلها ما جرى.
قلت: حدثني عبد القادر بك بن يوسف باشا المومأ إليه- وهو أدرى الناس بماجريات هذه الحادثة وأعظمهم وقوفا على أسرارها، لأن والده أحد بطلي روايتها كما ستعرفه- أن قصة الفرس كانت على غير هذه الصورة، وأن قضيتها لم تكن سببا لهذه الفتنة بل سببها الحقيقي غير هذا. قال: وأما قضية الفرس فحقيقتها أن عبد الله بك كان يملك فرسا أصيلا معدودا في وقته من عتاق الخيل يعرف باسم (صقلاوية ابن سودان)(3/281)
وكان علي بك- ابن أخي يوسف باشا- مولعا بالخيول الأصائل، فطلب من عمه أن يستخلص له هذا الفرس من عبد الله بك هبة أو شراء، فلم تسمح نفس عبد الله بك أن يهبه أو يبيعه كله بل وهب عليا نصفه وقاده إليه بطوعه ورضاه. وصادف إذ ذاك أن عباس باشا- الذي صار خديوي مصر بعد عمه إبراهيم باشا- كان مولعا بالخيول العربية، قد أرسل إلى سائر الجهات التي توجد فيها الخيول رسلا جمعوا له منها عددا عظيما حتى استصفى منها أجناسا كثيرة من عتاق الخيل في بلاد حلب وصحاريها، وكان عبد الله بك معروفا عند المصريين لأنه كان متسلم حلب أيام دولتهم فيها، فطلب رسول عباس من عبد الله بك فرسه الذي وهب نصفه لعلي بك، فطلب عبد الله بك من يوسف باشا- عمّ علي بك- أن يبيعه النصف الآخر من الفرس أو يهبه إياه فأخذه يوسف باشا من ابن أخيه وقدّمه إلى عبد الله بك بطوعه واختياره، وهو قدّمه إلى رسول عباس باشا هدية. فلما وصل إليه أنعم على عبد الله بك بسيف مرصع وعباءة وسرج مزركش. قال عبد القادر بك: وقد رأيت السرج المذكور تحت عبد الله بك وهو يتجول على فرسه في أثناء الحادثة التي نحن في صدد الكلام عليها.
قلت: وحدثني غير واحد في بيان أسباب هذه الفتنة حديثا طويلا خلاصته: أن عشيرة من عشائر البادية المخيمة في جهات الجبّول تمردت في هذه السنة 1266 على الحكومة وامتنعت عن أداء ما عليها من الضرائب فندب الوالي لإخضاعها يوسف باشا، وقصدها في عدد كبير من الجند والأتباع فلم يفلح وعاد بالفشل، فندب الوالي إليها عبد الله بك فقصدها وليس معه سوى ستة نفر من أتباعه، غير أنه ما كاد يصل إلى مضارب العشيرة حتى أحدق به رجالها وأنزلوه ومن معه عن خيولهم وشدوا وثائقهم وطرحوا الحديد في أرجلهم وعاملوهم معاملة الأسراء. واتصل الخبر بالوالي فأمر بتجهيز حملة قوية للتنكيل بتلك العشيرة وقبل أن تخرج الحملة من حلب نمي خبرها إلى العشيرة فارتاعت واضطربت فسكّن عبد الله بك روعها وقال لشيوخها: لا بأس عليكم فكّوا القيد عن كاتبي وأنا أكفيكم بطش هذه الحملة. ففكوا القيد عن كاتبه فأمره عبد الله بأن يكتب على لسانه إلى قائد الحملة كتابا أرسله مع ساع خصوصيّ يقول له فيه: إن العشيرة قد طاعت ودفعت ما عليها من المرتبات فلم يبق لتجريد الحملة عليها من لزوم.
ثم إن العشيرة فكت القيود عن عبد الله بك وعن أتباعه وتداركت جمع ما عليها من(3/282)
المرتبات وقدمتها إلى عبد الله بك، واعتذر شيوخها إليه عما أجروه معه ومع أتباعه من الأسر والتقييد وأفهموه أن السبب الذي حملهم على ذلك كتاب ورد إليهم من يوسف باشا قبل قدوم عبد الله عليهم يقول لهم فيه: إن عبد الله بك قادم عليكم ليخدعكم ويوقعكم في قبضة الحكومة لتنكّل بكم فاحذروا منه. ثم أبرزوا له الكتاب فقرأه كاتبه فوجد فحواه طبق ما قالوا. ثم إن عبد الله بك ودع العشيرة وقفل راجعا إلى حلب وقبل وصوله إليها خرج لاستقباله جمهور عظيم من زعماء محلة قارلق وأهلها الذين هم أتباعه، وآلوا عليه أن يدخل المدينة من باب النيرب، فدخل منه بهذه الأبهة الزائدة إرغاما لزعماء هذه المحلة الذين هم أتباع يوسف باشا، ومشى أمامه أتباعه وهم شاكو السلاح ينشدون الزّجلات الحماسية المشتملة على تهاني زعيمهم بعوده من سفره سالما غانما، وعلى التنديد بيوسف باشا وفشله في سفره والحط من كرامته. فشق ذلك على أتباعه وأضمروا في نفوسهم الشر لعبد الله بك. وبعد أيام تجمهروا في عشية الليلة المذكورة وقصدوا الإيقاع بعبد الله بك وجرى منهم ما جرى كما سنبينه قريبا.
قلت: هذه الحكاية تشتمل على عدة أمور يستبعدها العقل السليم:
(1) يستبعد العقل من يوسف باشا داهية عصره أن يطوّح بنفسه ويرسل هذا الكتاب إلى جماعة من العرب البسطاء الذين لا ينبغي للعاقل أن يأمنهم على سره لا سيما وقد سبق منه قصده إياهم للإيقاع بهم فكيف يتصور العقل ائتمانهم على كتابه وعدم إيصاله إلى الوالي الذي يكون أدنى جزائه عنده النفي؟
(2) يستبعد العقل أن يتجرأ أتباع يوسف باشا في ليلة الحادثة على الإيقاع بعبد الله بك وهم يعلمون أن أتباعه أكثر منهم عددا وأقوى شكيمة، وأن عرب البادية كلهم أنصاره وأعوانه.
(3) يستبعد العقل انتقال القضية فجأة من طور خاص وهو قصد الإيقاع بعبد الله بك إلى طور عام وهو تهديد سلامة البلد وإحداث ما كان فيها من الويل والنكد.
(4) يستبعد العقل أن يكون أتباع عبد الله بك الذين جاؤوا للدفاع عنه في تلك الليلة قد اتفقوا مع أعدائهم أتباع يوسف باشا في هذه البرهة من الزمن، وصاروا جميعا يدا واحدة بإثارة هذه الفتنة العامة على غير رضاء من عبد الله بك.(3/283)
السبب الحقيقي لهذه الكارثة:
إذا علمت هذا تبين لك أن السبب الحقيقي لهذه الفتنة العمياء غير قضية الفرس وغير حكاية العشيرة، بل السبب الصحيح أمر مستور دبّر بليل خفيّ على الناس في وقته فصاروا يرجمون به الظنون، وكلّ يتكهن عنه حسب عقليته وحسبما شاهده من ظواهر الماجريات دون البحث عن بواطنها.
إن السبب الحقيقي لهذه الكارثة قد بالغ من أوثق عقدته في ستره وإخفائه، وأسدل عليه حجبا كثيفة من الكتمان صونا لحياته، إذ لو كشف الستار عنه في تلك الأيام لما أحجمت الدولة قيد لحظة واحدة عن قتل ناسج برده ونافخ ناره. وإليك في بيان الحقيقة جملة استخلصتها من كلام المكانسي الذي كان في ذلك الزمن من خاصة الرجال المنتمين إلى يوسف باشا شريف، المخلصين في محبته والمطّلعين على أسراره.
قال: إن الدولة المصرية لما دخلت هذه البلاد أناطت متسلمية حلب بعبد الله بك البابنسي، وهو من قدماء اليكجرية وله أتباع كثيرة في حلب وبرّها، فكان عبد الله بك يأخذ المقاطعات الأميرية ويصرف أموالها على أتباعه وأعوانه من الحضر والبدو، والحكومة المصرية لا تعارضه في ذلك ولا تطالبه بأموال المقاطعات لعلمها بأن صرفها على أتباعه مما يعود نفعه إليها، فكأنها كانت تعتبر أتباعه كجند لها. ثم لما انسحبت الحكومة المصرية من حلب وعادت إليها الحكومة العثمانية أبقت متسلّميتها في عهدة عبد الله بك، فكان يأخذ المقاطعات ويصرف أموالها على أتباعه كما كان معتادا عليه في عهد الحكومة المصرية.
غير أن الحكومة العثمانية لما رسخ قدمها في حلب وغيرها من البلاد التي عادت إلى حكمها جعلت تطالب عبد الله بك وبقية رؤساء البلاد- ومنهم يوسف باشا- بما تأخر في ذممهم من أموال المقاطعات، وهي مبالغ طائلة تعدّ بألوف الألوف، وكان جل ثروات رؤساء البلاد مجموعة من تلك الأموال، وكان ولاة حلب يتقاضون الرؤساء هذه الأموال فيما طلونهم بأدائها فيتساهلون معهم ولا يشددون في طلبهم، إلى أن ولي حلب مصطفى ظريف باشا فرأى أن أموال المقاطعات المتأخرة في ذمم الرؤساء قد بلغت ألوفا مؤلفة، وأن الدولة في ذلك الحين على أشد الحاجة إلى المال فجعل الوالي يشدد على الرؤساء الطلب حتى بلغ من تشديده أن هددهم ببيع أملاكهم وحبسهم وكسر شرفهم. فاضطربوا وذلّت(3/284)
أنفسهم فمنهم من وفى شيئا من ديونه وعجز عن وفاء الباقي عليه، ومنهم من لم تسمح نفسه بوفاء ديونه التي تستغرق ثروته وهو يوسف باشا.
وأما عبد الله بك فقد كانت ديونه أكثر من ديون جميع المدينين لكنه ليس عنده ما يفي بعشرها، لأنه كان- كما قيل- نهابا وهابا. فاضطرته الحالة أن يستعين بذي رأي وتدبير على إيجاد وسيلة تدفع عنه هذه الغائلة، فلم يركفؤا لهذه المهمة غير يوسف باشا، فحضر إليه سرا وبعد أن تعاتبا وطرحا ما كان بينهما من التعاكس والتشاكس- اللذين تتطلب وحدة المصلحة طرحهما- تذاكرا في التماس وسيلة تدفع عنهما هذه المهمة المدلهمّة، فقر رأيهما على أن يدبرا إحداث ثورة إرهابية وقتية تضطر الوالي إلى أن يستعين بهما إلى إطفاء نائرتها، وعندها يرى من واجبه مسامحتهما بأموال المقاطعات المتأخرة بذمتهما. فقررا أن يذاع سرا بين الناس- بواسطة دهاة من سماسرتهما- تصميم الحكومة على أخذ عسكر بالقرعة، وإضافة ضريبة الأملاك المعروفة في تلك الأيام باسم (ترابيّة) وأن يجسّم ضرر هاتين البدعتين في أفكار العامة من أتباعهما تجسيما يحملهم على أن يثوروا في طلب رفضهما من تلقاء أنفسهم دون أن يدعوهم إلى الثورة أحد، تفاديا من وقوع تبعة الثورة على فرد معين.
قال المكانسي: وقد جرت هذه التدابير كلها من عبد الله بك ويوسف باشا على صورة خفية جدا، بحيث كان الثائرون أنفسهم لا يعرفون سببا لثورتهم سوى معارضتهم لتصميم الحكومة على أخذ القرعة وإضافة ضريبة الأملاك، وهم يجهلون كل الجهل اليد المحركة لثورتهم، وأن يوسف باشا وعبد الله بك لم يقصدا في تدبير ما دبّراه سوى ثورة بسيطة إرهابية لا تبلغ درجة التفاقم وتصل إلى الحد الذي وصلت إليه، ولو أنهما علما بما تجرّه هذه الثورة من الفظائع والمصائب وتعقبه من طائل المسؤولية، لما كانا اقترفاها، غير أنهما لما وصلت إلى ما وصلت إليه من الخطورة والتضخم لم يبق في قدرتهما منعها.
كيف كانت الثورة؟:
بعد عشاء الليلة الثانية من عيد الأضحى سنة 1266 تألب جماعة من العوامّ وزعمائهم في سوق باب النيرب، وعولوا على إحداث ثورة ضد الحكومة. وأول عمل باشروه أنهم قصدوا جماعة الدرك في مخفرة باب الحديد، وهددوهم بإطلاق عيارات نارية اضطرت(3/285)
جماعة الدرك إلى الهرب منهم والالتجاء إلى الرباط العسكري (القشلة) . ونمي الخبر إلى الوالي فحضر إلى محل الثوار بنفسه لإخماد ثورتهم، لكنه لما رأى جموعهم تجاه جامع التوبة، وما هم عليه من العربدة والهيجان وإطلاق الرصاص، هاله الخطب وانصرف عنهم ولسان حاله يقول: الهزيمة نصف الغنيمة. ولو أنه أظهر لهم الثبات وسطا عليهم بعض السطو لفلّت جموعهم وكفي شرّهم، لكنه لما قدم عليهم ظنوه هو ومن معه جماعة العسس «1» ، ولم يعلموا أنه هو الوالي إلا بعد انصرافه. فلما علموا بخوفه ورخاوته زاد شغبهم وقويت نفوسهم.
وفي نحو الساعة الثالثة من الليلة المذكورة مشوا بطبولهم وزمورهم إلى محلة الفرافرة ليوقعوا ببعض الأعيان لأنهم لم يدفعوا عنهم غائلة البدعتين المذكورتين، مع قدرتهم على دفعهما على زعمهم. وكان الأعيان قد بلغهم قيام هؤلاء الغوغاء فتركوا منازلهم والتجئوا إلى الرّباط العسكري. ولما وصل الثائرون إلى محلة الفرافرة لم يجدوا في منازل الأعيان سوى الحريم والخدم فرفعوا أصواتهم بالسب والشتم وأطلقوا بعض العيارات النارية، ثم توجهوا إلى محلة قارلق لمواجهة عبد الله بك ومطالبته بدفع البدعتين المذكورتين، لأنه هو متسلم البلد وهو المسؤول عن دفع الحيف والظلم عن أهلها. وبينما هم عند سبيل الدلي محمود في قرب بانقوسا إذ تقابلوا مع تقي الدين أفندي المدرس. حدثني خادمه محمد آغا الفراش- وقد وظف بعد فراشا في المدرسة العثمانية وكنت مجاورا فيها- أن الثائرين لما قبضوا على تقي الدين أفندي- قال: وكنت معه- أضجعوه إلى الأرض وأرادوا ذبحه، فقال بعضهم يحرم امتهان دم العالم وإراقته على الأرض كدم شاة. ثم تجرّد القائل من عباءته ومدّها تحت تقي الدين وقال: اذبحوه فوقها. وبينما هو يستعيث بهم ويطلب منهم الكفّ عنه إذ مرّ بهم الشيخ أحمد شنون- المعروف بالحجار- فتشفع به فعفوا عنه. قال خادمه محمد آغا: وقد أثر الرعب في تقي الدين حتى قطع نسله.
ثم إن الثوار أخذوا معهم تقي الدين إلى عبد الله بك ليرى رأيه فيه. فلما وصلوا إليه أنكر عليهم عملهم وبعث به إلى الرباط العسكري ومعه من يحفظه وقال عبد الله بك للثائرين: ماذا تريدون؟ فقالوا: لا نعطي عسكرا ولا ضريبة، وأنت في قدرتك إبطال(3/286)
هاتين البدعتين. فأجابهم بأن هذا مما أمرت به الدولة ولا قدرة لي على ردّه. فقالوا:
إذا نحن نحارب الدولة ونجبرها على إبطالهما. فقال لهم: أنتم قوم فجّار، اذهبوا عني حيث شئتم. وكان قد انضم إليهم أتباعه وأحزابه فقالوا له: نريد أن نقصد النصارى ونطلب منهم مالا نشتري به ذخيرة لأن النصارى يشاركوننا بالاستفادة من نتيجة قيامنا، فتسقط عنهم أيضا ضريبة الأملاك وغيرها من الضرائب التي تصمم الدولة على طرحها. فقال لهم: أنتم قوم أشرار اذهبوا عني حيث شئتم. فتوجهوا إلى جهة محلات النصارى وقد كثر جمعهم وانضم إليهم البدوي والقروي وعلت ضوضاؤهم وهم يضربون طبولهم وينشدون زجلاتهم ويرفعون أصواتهم بقولهم: (عسكر ما نعطي فردي ما نعطي) .
ولما وصلوا إلى محلة الألماجي والماوردي قصدوا بطريرك طائفة الروم مكسيموس مظلوم وأرادوا القبض عليه لأنه كان منذ أيام إبراهيم باشا المصري وما بعدها يدور أحيانا بشوارع حلب وهو راكب بأبهة زائدة وموكب حافل، يتلقى المسلمون منه ذلك كإرغام لهم وتعال عليهم، فكانوا ينقمون عليه هذا الصنيع ويحملونه منه على قصد إهانتهم. ولما أحسّ بقدوم الثائرين على محلته هرب منها إلى خان العلبية واختبأ عند بيت الركوبلي، ثم سافر من غده.
أما الثوار فقد أخذوا بإطلاق الرصاص وتكسير الأبواب والنهب في محلة الألماجي والماوردي إلى قرب طلوع الشمس ثم توجهوا إلى محلة الصليبة، وكان عبد الله بك قد أرسل إلى أكابرها يطلب منهم ألف ذهب عثماني بشرط ألّا يتعرض لهم أحد بسوء. فلم يجيبوه على طلبه وقالوا: إن أصابنا ضرر طلبنا تعويضه من الحكومة فعلام ندفع للثوار ألف ذهب؟
وحينئذ دخل الثوار إلى محلة الصليبة وشرعوا بتحطيم الأبواب والنهب، وكان أكثر أغنيائها قد تركوا بيوتهم وتحصنوا بالخانات مع عيالهم، ومنهم من أخذه لبيته بعض معارفه من المسلمين وحماه عنده، ومنهم من دعا إلى بيته بعض أصحابه من المسلمين ليحامي عنه، فسلمت بذلك بيوت كثيرة وسلم من كيد الثوار عدة جهات كحارة المحبّي والشرعسوس، لأن بعض سكانها كانوا من وجهاء المسلمين فدافعوا عن جيرانهم النصارى فلم يصب أحد منهم بسوء.
لم يزل النهب مستمرا ومتعاطوه في كثرة وازدياد حتى انضم إليهم الفلاح والبدوي ورعاع الناس من أهل حلب، وكان يتقدم الثائرين طبل لتجميع الناس إليهم فكانوا كلما مروا على رجل ولم يتبعهم أوسعوه ضربا وسبا. وأخبرني بعض تلامذة والدي أن والدي(3/287)
بينما كان واقفا على باب مسجد أشقتمر- المعروف بجامع السكاكيني- إذ مرت عليه شرذمة من الثوار فنادوه: «شيخ امشي معنا» . فقال لهم: اسبقوني حتى ألبس ثيابي وألحقكم. ثم دخل إلى الجامع وأغلق بابه ولم يخرج منه إلا بعد أيام. هذا وإن النهب لم يزل يجري أحكامه إلى اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة وكان البدوي قد ينهب الشيء من أثاث المنزل وهو لا يعرف ماذا يراد من استعماله. وصادف أن بدويا نهب ساعة دقاقة ظنها صندوقا فيه نقود، وبينما هو سائر بها إذ دقت الساعة فارتاع منها وحسب أن فيها جنيا فبصق عليها وطرحها إلى الأرض فتحطمت. ورأى بدوي في بعض البيوت كيسا فيه لؤلؤ ظنّه رزا فحمله فلما كان في أثناء الطريق ذاقه فلم تقطعه أسنانه فحسبه خرزا فرماه إلى الأرض فتبعثر وسحق تحت الأقدام.
في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة وقف النهب لأن الأعيان والحكومة أرسلوا إلى زعماء الثائرين يؤمنونهم مما يخافون، ويتعهدون لهم بما يطلبون. وفي اليوم الثالث عشر من هذا الشهر ترددت الرسل بين الطرفين واستقرت القاعدة على أن يكون عبد الله بك هو المفوض بالأمور، وأن تستثنى حلب من القرعة العسكرية ومن عدة ضرائب أميرية، وأن يسامح عبد الله بك ورفقاه من أموال المقاطعات المتأخرة في ذممهم، وأن لا يسترق النصارى الإماء والعبيد المسلمين، وأن يمتازوا عن المسلمين بعلامات فارقة، إلى غير ذلك من الطلبات والاقتراحات. والذي اضطر الحكومة أن تجيبهم إلى ما طلبوا خلوّ القلعة والرباط العسكري من الحامية، إذ لم يكن موجودا فيهما سوى مائتي جندي. وبعد أن استقر الصلح على الشروط المذكورة أقام الثوار سلطانا عليهم ابن حميدة، فجعل وزيره عبد الله بك وصار ابن حميدة يأمر وينهى كسلطان قاهر. وكان الأعيان والوجهاء قد نزلوا من الرباط إلى تكية بابا بيرم، وبقي الوالي في الرباط لشدة جبنه وخوفه.
ولم يقتل من النصارى في هذه الحادثة سوى خمسة نفر قتلوا لا عن قصد انتقام سوى واحد منهم: فالأول: القس جبرائيل الكلداني استمات على حفظ أمانات للكنيسة كانت عنده فقتل وأخذت الأمانات. الثاني: أخو القسيس السرياني، احترق في كنيسة السريان تبعا لها لأنها احترق معظمها. وكان المسبب بإحراقها شماس موكل بحفظ ما فيها من الآثار الفضية فسرقها وألقى النار في الكنيسة وادعى أن النار هي التي أتت على الآثار. الثالث:
رجل يقال له ابن القصاب، وهو الذي قتل عمدا لأنه كان يؤذي المسلمين بما كان يجريه(3/288)
من التيه والعجرفة والازدراء بهم وسبّهم وشتمهم، مستندا في ذلك على أنه كان من عساكر النمسا. الرابع والخامس: نعمة الله الحمصي وخادمه. أما نعمة الله فسبب قتله أن عبد الله بك حينما أرسل إلى أهل محلة الصليبة يطلب منهم ألف ذهب رضي أكثرهم بإعطاء هذا المبلغ وأرادوا تقديمه إليه فمنعهم عن ذلك نعمة الله، وأجاب رسل عبد الله بك بما تقدم بيانه. فقتل وقتل خادمه معه لمحاماته عنه.
بعد أن تم الصلح على الشروط المتقدم ذكرها كتب الوالي بالخبر مع بريد خاص إلى الآستانة. وكان قد أنفذ الرسل إلى حكام أنطاكية وأذنة وعينتاب وأغوات العمق يطلب منهم الإمداد وإرسال ما تيسر لهم من العساكر. فما مضى على ذلك سوى بضعة أيام حتى أخذت العساكر والمتطوعون من فرسان ومشاة يتواردون من الجهات المذكورة من جهة سيورك، فيدخلون القلعة والرباط خفية حتى اجتمع فيهما قوة كافية لخذل البغاة وكبتهم. وحينئذ كتب الوالي والأعيان إلى عبد الله بك بأن يحضر إلى دار الحكومة زعماء الثائرين ليعطيهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ويحرر أسماءهم في دفتر يرفعه إلى الدولة لتقرر كل واحد منهم بوظيفته ويستقر الحال على ذلك. فأجابهم عبد الله بك إلى هذا الطلب وعيّن لهم اليوم الذي يجمع فيه الزعماء المذكورون ويعمل فيه هذا العمل.
وكان الوالي والفريق عبد الكريم باشا انتخبا نحو مئة وخمسين عسكريا من ذوي البسالة والنجدة وسيّراهما «1» ليلا إلى دار بني الجلبي حيث كان يسكن الوالي، وهي اليوم تعرف بدار العدلية داخل دار الحكومة، فخبّأ العساكر المذكورين في تلك الدار وأمراهم متى جاءهم النذير أن يخرجوا بغتة ويحيطوا بكل من رأوه في دار الحكومة ويوقعوا القبض عليه ويسقوه «2» إلى الرباط العسكري. فلما كان الغد وهو يوم الثلاثاء رابع محرم الحرام سنة 1267 حضر الزعماء المذكورون إلى دار الحكومة ليأخذوا الأمان وتحرر أسماؤهم على الصفة المتقدم ذكرها. سرى الخبر إلى العساكر المخبوءة بدار بني الجلبي فأسرعوا الكرّة بأسلحتهم، ولم يشعر الزعماء إلا والعساكر قد أحاطت بهم وخالطتهم وأوقعت القبض عليهم ومشت بهم إلى الرّباط وأودعوهم فيه، وكان من جملتهم عبد الله بك. ولما اتصل الخبر(3/289)
بأتباعهم وحواشيهم وبقية أحزابهم قامت فيهم الحمية الجاهلية وهاجوا وماجوا وأخذوا يطلقون الرصاص على الرباط والقلعة، وذلك في صبيحة يوم الأربعاء خامس محرّم هذه السنة 1267 فقابلهم الجنود بإطلاق البنادق والمدافع واشتدت الحرب وكانت من الرباط أشد، وكلّ من الحصنين صوّب أفواه مدافعه على محلة النيرب ومحلة قارلق وبانقوسا.
وكان كثير من سكان هذه المحلات قد لجؤوا إلى المحلات الداخلة في البلد لأنهم لم يكونوا من حزب الثوار.
وما زال الحال سائرا على هذا المنوال إلى ظهيرة اليوم المذكور. ثم أخذت الحرب تخف حسب اشتداد الحرّ وبقي الحال هكذا إلى وقت العصر. وقد أظهر الجنود أنهم قد انكسروا لعلمهم أن الثائرين يقاتلون من غير رئيس يقدّم لهم الذخيرة من البارود والرصاص، فقصدوا بإظهار الكسرة أن يستصفوا ما عند الثوار من الذخيرة. وفي تلك الأثناء تسلّق جماعة من الثوار سطح الجامع الخسروي، وقلعوا ألواح الرصاص الذي صفحت به القبة ليصبوه بندقا. ولما كان بعد العصر سكن إطلاق الرصاص من الجانبين المتحاربين وعرض أعيان البلد الصلح عليهما فرضيا به. وقرأت في أحد مجاميع والدي أنه لما كان بعد غروب هذا اليوم (يوم الأربعاء) أقبلت العربان على حلب من فرق شتى كالعنزة والحديديين والبقّارة والعساسنة وغيرهم، ما ينوف على أربعة آلاف رجل نجدة للثوار، فقويت نفوس الثائرين ونكثوا عن الصلح.
وفي صبيحة الغد وهو يوم الخميس سادس محرم هذه السنة (1267) نشبت الحرب بين الفريقين وحمي وطيسها، وصبر كل منهما للآخر. واستمر الحال هكذا إلى وقت الظهر، فتقهقر الثوار ودهشت العربان ثم عوّلوا على الفرار، وانكسر الثائرون كسرة شنيعة وانحلّت جموعهم. فنزلت العساكر من الحصون في أثر الثوار وأسعرت النار في سوق بانقوسا وسوق باب النيرب وقارلق، فالتهمتها النار عن آخرها بعد أن غنم الجند أكثر ما فيها من الأموال والبضائع وألقوا النار في كثير من بيوت المنهزمين وقتلوا عددا كبيرا من الثائرين وغيرهم الذين لا دخل ولا تصنّع لهم بإحداث الفتنة. وكانوا يقتلون كل من صادفوه حتى العميان والأولاد الصغار. وهكذا أخذ المظلوم بجريمة الظالم. وهذا مصداق قوله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
. وكان أكثر القتل في رجال تلك المحلات ووقع القبض على كثير منهم وكسبت بيوتهم وبيوت أخر اختبئوا فيها داخل(3/290)
البلدة، وتبعتهم العساكر إلى القرى يقبضون عليهم وينكّلون بهم تنكيلا. اه.
قال صاحب كتاب «محررات نادرة» التركي العبارة ما خلاصته بعد التعريب: لما وصل خبر هذه الحادثة إلى استانبول انعقد في اليوم الخامس والعشرين من ذي الحجة هذه السنة 1266 مجلس خاص لتلافي ما يقتضيه الحال في هذه الحادثة. وبعد مفاوضة طويلة استقرّ رأي المجلس على إرسال أربعة كتائب (طوابير) من العساكر: اثنتين منهما من عساكر استانبول، واثنتين «1» من العساكر؛ لأنه لا يوجد سوى هذين العسكرين صالحا للإرسال إلى حلب، لأن جميع عساكر الدولة في ذلك الوقت كانت مشغولة بما هو أهم من هذا. ولما استقرّ رأي المجلس على إرسال تلك العساكر كانت بواخر الدولة المعدة لحمل العساكر والأعتاد الحربية مشغولة، بعضها مسافر وبعضها متصدّع، وقسم منها في محافظة المواني. فاضطرت الدولة أن تنتظر باخرة من بواخرها إلى أن حضرت فأرسلت فيها العساكر المذكورة ومعها ستة مدافع، وعزلت والي حلب ظريف باشا وعينت بدله محمد باشا القبرصي، وتوجه مع العساكر فوصل إلى حلب في محرّم سنة 1267 وكانت الأمور قد هدأت وشمل البغاة قد تشتّت.
ومع هذا فإن محمد باشا أخذ من يوم وصوله إلى حلب يستقصي حقائق الأمور ويفحص عن السبب والمتسبب، حتى ظهرت له جلية الحال فنفى نحو 800 شخص إلى جهات مختلفة- كعكّا وكريد وقبرص- وأمر بعقد مجلس خاص لتحصيل أموال النصارى وجعل رئيسه محمد آغا المكانسي، وأعلن أن المال المتحصّل يدفع لذويه بعد أن يبرهنوا عليه، وأن ما لم يتحصل من أموالهم تقدر له قيمة وتوزع على أهل البلد وتجمع منهم بواسطة الحكومة، كما أنها هي التي توزع القيمة على النصارى الذين لا تظهر أعيان ما نهب لهم من الأموال في هذه الفتنة. وبعد أن فرغ الوالي من تقرير هذه المهمة شرع بأخذ العسكر من ذوي الاختلال بلا قرعة، ثم شرع يأخذ العسكر بالقرعة الشرعية من عامة أهل البلدة، وهي أول قرعة كانت في حلب أيام الدولة العثمانية. وما زال الوالي يدبر أمور البلدة ويقطع دابر المفسدين حتى استتبّ الأمن وعادت المياه إلى مجاريها. اه.
قال شيخنا المكانسي: وقبل وصول محمد باشا القبرصي إلى حلب صدر أمر الدولة(3/291)
بإرسال ظريف باشا والي حلب وعبد الله بك البابنسي ومعه بعض أقاربه إلى استانبول، فأرسلوا إليها. وبينما هم في الطريق مات عبد الله بك مسموما، وقيل مات حتف أنفه.
ثم إن والي حلب الجديد نفى تقي الدين أفندي إلى القدس. وقبل وصوله إليها عفت الدولة عنه، فسار إلى الحجاز وحج وتوجه إلى استانبول واستقر في منصب إفتاء حلب، فعاد إليها. ونفى والي حلب أيضا يوسف باشا إلى قونية فسار إليها. ثم صدر العفو عنه فتوجه إلى استانبول ومنها إلى حلب. وقد حاز على رتبة مير ميران.
انتهى ما قصدنا إلى إيراده من أخبار فتنة حلب، وقد أسهبت الكلام عليها خلافا لما ألزمت به نفسي من الإيجاز في غيرها من الحوادث والكوارث؛ لأن هذه الفتنة الفاجعة آخر الفتن الأهلية في حلب، ولأن التحدث بها لا يزال يدور على الألسن بين حين وآخر لقرب عهدها بكثير من الناس الذين كان آباؤهم يحدثونهم بنتف من أخبارها وهم في توق شديد إلى سماعها مفصلا.
استطراد في الكلام على احترام رابطة اللسان ورابطة الجوار عند أمة العرب في جاهليتها وإسلاميتها
إن قيام الغوغاء في هذه الحادثة على النصارى- إخوانهم باللسان والجوار- مما لم يسبق له نظير من يوم فتح المسلمون مدينة حلب إلى يوم ظهور تلك الحادثة. فما كان قيامهم هذا بالحقيقة إلا نزعة شيطانية أثارها في أدمغتهم عاصفة الطيش والجهل، الذي «1» يأباها الدين وترفضها حقوق رابطة اللسان والجوار.
إن كل من يتصفح وجوه التاريخ ويستقصي أخبار العرب في جاهليتها وإسلاميتها يتضح له جليا أنه لا يوجد على وجه البسيطة أمة تضاهي أمة العرب من جهة احترامها الرابطة اللسانية وحقوق الجار:
الرابطة اللسانية:
أما الرابطة اللسانية فقد جعلتها الأمة العربية هي الجامعة الوحيدة للوحدة القومية التي(3/292)
تدعو الأمة إلى التحابب والتوادد والتناصر والتعاضد، بحيث يكون كل فرد من أفراد هذه الأمة راقدا بواسطة هذه الجامعة في مهاد الوفاق والوئام مع باقي إخوته العربيين مهما اختلفت مللهم ونحلهم. فقد يتجلى لك من ملامح وجوه التاريخ أن العرب المسيحيين والموسويين والوثنيين في البلدان والقرى والصحاري، من اليمن والحجاز والحيرة والعراق، والجزيرة والشام الجنوبية والشماليّة، كانوا في الأزمنة الغابرة راتعين مع بعضهم في بحبوحة الأمان والسلام على السواء، وكانوا لا يعرفون التعصب للدين ولا النعرة الدينية، بل كانت عصبياتهم لا تنعقد إلا للجنسية والحلف والولاء والجوار، كما أن الحرب التي تقع بينهم كانت لا تثور إلا بسبب التنافس على مادة الحياة والتنازع على الرئاسة، لا لاختلاف الملة والدين. فكانت قبيلة غسان مثلا فيها المسيحيّ والموسوي والوثني، تحارب قبيلة غفار التي يوجد فيها من الملل الثلاث لعداوة دنيوية أو تنافس قومي يقع بين القبيلتين ليس إلا.
ولم ينقل إلينا التاريخ أنه جرى بين أمتين عربيتين حرب أثارتها حمية دينية سوى الطفيف النادر الذي ربما كان سببه أمرا خارجيا عن العرب، صادرا بتحريض من جاورهم وملك السيادة عليهم من الأمتين الفارسية والرومية.
هكذا كانت الرابطة اللسانية مرعيّة عند الأمة العربية القحطانية والعدنانية. ثم لما جاء الإسلام بقيت هذه الرابطة محترمة بين العرب المسلمين وغيرهم، يعتمد العربي على العربي ويركن إليه لمجرد كونه عربيا، غير ناظر إلى ملّته ونحلته. حتى إن هذه العاطفة العالية كانت من جملة العواطف الشريفة التي تحلت بها شمائل النبي العربي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لما اضطهده قومه الأقربون حسدا وحرصا على الرئاسة اضطر إلى الهجرة عن وطنه والالتجاء إلى قوم آخرين يأوي إليهم ويستنصر بهم على أعدائه، فخيّر بالهجرة إلى البحرين أو المدينة أو قنّسرين، فقال: أوحي إليّ: أيّ الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك: المدينة والبحرين وقنّسرين.
ومعلوم أن هذه الجهات كانت مسكونة بالعرب، فالمدينة كانت مأوى أبناء قبيلة الأوس والخزرج، وكان يسكن في ضواحيها قبائل سليم وكلهم أهل أوثان، وكان القاطنون جهة البحرين بطونا من عبد القيس بن ربيعة وبكر بن وائل، ومنهم كان أمير هذه الجهة من قبل الدولة الفارسية- حين مجيء الإسلام- المنذر بن ساوى، من بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وكان فيهم النصراني والوثني. أما قنّسرين- وهي الآن قرية(3/293)
على مقربة من حلب وكانت بلدة عظيمة وإليها كان يضاف الجند فيقال جند قنّسرين- فقد كان في جهاتها كثير من القبائل العربية التي أشهرها تنوخ، وهم من ذرية النعمان الذي تضاف إليه المعرة، وكانوا نصارى. ولا ريب أن النبي لم يخيّر بالهجرة إلى إحدى هذه الجهات إلا لأن أهلها عرب يحدبون عليه وينصرونه على أعدائه قياما بحق الرابطة المرعيّة بينهم وهي وحدة اللسان.
وهكذا بقيت هذه الرابطة محترمة بين العرب بعد انتقال النبي من هذه الدار إلى دار القرار، فإن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه- الذي هو أعظم خلفاء الإسلام- احترم الرابطة اللسانية وبنى عليها صرح نجاحه فيما يتوخاه من مآربه ومقاصده، فأمر العرب المسلمين في مبدأ خلافته أن يبدؤوا بقصد العراق والشام دون غيرهما لأن فيهما عربا يتّحدون معهم وينصرونهم وإن كانوا على غير دينهم. وقد صدّقت الوقائع حسن رأيه وحققت الماجريات صحة تفرّسه، وذلك أن قائده الوليد بن عقبة لما قدم على عرب الجزيرة نهض معهم مسلمهم ونصرانيهم، واستخلصوا الجزيرة من الروم. ولما تقدم عبد الله بن المعتمّ «1» - قائد العرب المسلمين- إلى فتح تكريت والموصل انضم إليه عرب إياد وتغلب والنمر والشهارجة، وكلهم نصارى، فكان فتح هذين البلدين بواسطتهم. ولما قصد المثنى فتح البويب بعث إلى من يليه من العرب المنتصرة يستنصرهم، فوافى إليه منهم جمع عظيم، وكان فيمن جاءه أنس بن هلال النمري في جمع عظيم من النمر النصارى، وقالوا:
نقاتل مع قومنا. وقال المثنى لأنس: إنك امرؤ عربي وإن لم تكن على ديننا، فإذا حملت على مهران (وهو قائد من الفرس) فاحمل معي. فأجابه إلى ما طلب وحمل معه هو وقومه على مهران، وكان قاتل مهران غلاما نصرانيا قتله واستولى على فرسه. وحارب زبيد الطائي مع العرب في واقعة الجسر حتى قتل وكان نصرانيا.
وكثيرا ما كان عرب الشام والعراق عونا لإخوانهم العرب المسلمين في حروبهم يرشدونهم وينصحونهم ويحملون إليهم أخبار أعدائهم. من ذلك أن الوليد بن عقبة خرج غازيا إلى الروم فجاءه رجل من العرب النصارى وقال له: إني لست من دينكم ولكنني أنصح، للنسب، فالقوم يقاتلونكم إلى نصف النهار فإن رأوكم ضعفاء أفنوكم، وإن صبرتم(3/294)
هربوا وتركوكم. ومن هذا القبيل أن حمص بينما كانت في ذمة المسلمين إذ شغلوا عن حفظها فردّوا على أهلها ما كانوا أخذوه منهم من الجزية، فقال أهلها: لولاؤكم «1» وعدلكم أحبّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والضيم، ولندفعنّ جند هرقل عن المدينة معكم. على أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرف حق هؤلاء العرب النصارى وكافأهم على حسن صنيعهم ونصرتهم للمسلمين وعاملهم بكل رفق ومواساة. من ذلك أن الوليد بن عقبة أبى أن يقبل من تغلب إلا الإسلام فكتب إليه عمر بأن يتركهم وما يدينون به. وكان في تغلب عزّ وامتناع، وقد همّ بهم الوليد فخاف عمر أن يسطو عليهم فعزله وأمرّ عليهم فرات بن حيان. ولما همّ قواد المسلمين أن يضعوا الجزية على أهل الذمة- وفيهم جماعة من تغلب وإياد والنمر وهم نصارى- أبى هؤلاء الجزية. وبلغ عمر ذلك فاستشار أصحابه فقال له بعضهم: إنهم عرب يأنفون من الجزية. فوافق ذلك ما في نفسه، ففرض عليهم الصدقة كما تفرض على المسلمين.
هذه هي الرابطة القومية العربية وهذه حرمتها ورعايتها بين العرب في جاهليتهم وإسلاميتهم.
رابطة الجوار:
وأما رعايتهم حرمة الجوار ومحافظتهم على حقوق الجار مهما جار، فإن الرجل من العرب كان قبل الإسلام متى قبل جوار إنسان وجب عليه حميّة أن يجيره من عدوه ولو ضحّى عنه نفسه، وأن يفديه ولو بروحه ويقوم بحمايته من أعدائه مهما كانوا، ويصونه من كل غائلة ويسعفه بكل طلب. وحسبنا شاهدا على ما قلناه قصة الكلابي مع عمير ابن سلمّي. وخلاصتها أن رجلا من بني كلب كان جارا لعمير، وكان لعمير أخ اسمه «قرين» بغى على الكلابي فقتله، فجاء أخو الكلابي واستجار بقبر أبي عمير وطلب من عمير أن يقتصّ من أخيه قرين، فاجتهد عمير هو وقبيلته بالكلابي أن يقبل دية أخيه جميع ما تملكه القبيلة ويعفو عن قتل قرين، فلم يفعل، فقتل عمير أخاه قرينا بالكلابي وأنشد:
قتلنا أخانا للوفاء بجارنا ... وكان أبونا قد تجير مقابره(3/295)
وأنشدت أم قرين:
تعدّ معاذرا لا عذر فيها ... ومن يقتل أخاه فقد ألاما
هذا حال الجار عند العرب الجاهلية وهذه هي حرمة الجوار ورعايته فيما بينهم. ولما جاء الإسلام بقي الجوار محترما عند المسلمين، وأرشد النبي إلى احترامه بقوله: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه» . وقد قدمنا في الجزء الأول من هذا الكتاب «نبذة من حقوق الجوار» فراجعها تجد فيها ما يقنعك بأن الجوار عند المسلمين لا يقل احترامه عما كان عند العرب قبل إسلاميتهم.
رجعنا إلى سرد الحوادث:
وفي سنة 1268 ولي حلب عثمان نوري باشا.
النفير العام:
وفي سنة 1269 كان النفير العام في البلاد العثمانية لمحاربة المسكوب (الروس) . فخرج من حلب خمسمائة متطوع، وكان قائدهم علي بك بن سعيد أفندي شريف. ومن جملة المتطوعين المرحوم الشيخ علي بن محمد النيرباني، الشهير بابن ناصر آغا. وهذه الحرب هي المعروفة بحرب القريم، كانت الغلبة فيها للدولة العثمانية بمساعدة حليفتيها فرانسة وإنكلترا. وقد عاد المتطوعون بعد ستة أشهر ولم ينقص منهم غير القليل وكان من أعظم المشوقين إلى المتطوعين الحلبيين والدي كما أخبرني بذلك تلميذه الشيخ علي المومأ إليه.
وفي هذه السنة (1269) ولي حلب سليمان رأفت باشا بن مصطفى آغا، وكان لطيفا ظريفا محبا للعلماء والأدباء، ومدحه والدي بقصيدة أجازه عليها توجيه وظيفة التحديث عليه في أموي حلب.
وصول السكاير إلى حلب:
وفي سنة 1270 وصل إلى حلب استعمال التبغ باللفافات المعروفة بالسكاير، فأنكر الناس التدخين بها أولا ثم ألفها أكثرهم وهجروا التدخين بالقصبات المعروفة بالغليون.
وكانوا قبل ذلك يتغالون بالغلايين، والأكابر منهم يتخذونها من عود الياسمين، وربما بلغ(3/296)
طولها ثلاثة أذرع أو أكثر وكان الأغنياء وأولو الوجاهة من الناس يجعلون في فم القصبة حلمة عظيمة قد تكون قدر بيضة الحمام من الكهرباء يسمونها (أمزك) أو (طقم) وربما تبلغ قيمة البعض منها ألف قرش وزيادة، لأنها قد يكون بين قطعها خواتم مرصعة بالألماس والأحجار الكريمة، وكان لصنعة قصبات التدخين في حلب عدة حوانيت، واشتهر بهذه الصنعة عدة بيوت يعرف أحدها ببيت الجبوقجي، كما أن البوادق- التي يحرق فيها التبغ المدخّن بالغليون- كان لها عدة حوانيت يعرف أصحابها بالبوادقجية وهم يعملونها من الطين، ولأهلها براعة في عملها. وقد أشرنا إلى هاتين الحرفتين في الكلام على صنائع حلب من الجزء الأول من هذا الكتاب. وفي سنة 1271 ولي حلب إسماعيل رحمي باشا.
ظهور بقلة الطماطم في حلب:
في هذه السنة ظهر في حلب بقل عرف باسم (باذنجان أفرنجي) أو باسم (بنادورة) أحضر بزره من مصر أحد التجار وزرع في حلب فأنجب وأخصب، غير أن الحلبيين لم يألفوا أكله في أوائل ظهوره بل كان بعضهم ينفر منه، حتى إن بعض البسطاء كان إذا رآه أو ذكر في حضوره ينطق بالشهادتين توهما منه أنه من الخضر المحرّمة التي اخترعها الفرنج. وكان النادر من الناس إذا رضي بأكله يقتصر على الأخضر مطبوخا ويتحامى الناضج الأحمر منه زاعما أن هذا (وخم) مضرّ يسبب الأمراض. ثم على تمادي الأيام ألف للناس أكله وصاروا يتحامون الأخضر منه ولا يستعملونه إلا مخلّلا، وأقبلوا على استعمال الأحمر الناضج إقبالا زائدا حتى صاروا يعملون من عصيره دبسا يدخرونه للشتاء لتطبيب أطعمتهم التي لا تلذ في أذواقهم إلا بعد أن يضاف إليها شيء منه.
وفي سنة 1272 ولي حلب حمدي باشا فبقي فيها مدة وكثرت شكوى الناس منه، فندبت الدولة لفحص أحواله رجلا يقال له أمين أفندي محاسبه جي، فحضر إلى حلب وفحص أحواله فثبت لديه ظلمه وتجاوزه على أموال الدولة. فأنهى بعزله، فعزل وولى حلب مصطفى باشا الأشقودري. وفي سنة 1274 وليها الحاج محمد كامل باشا. وفي سنة 1275 وليها محمد رشيد باشا. وفي شتاء هذه السنة أثلجت السماء في حلب وضواحيها أربعين يوما، فخربت عدة بيوت ومات ما لا يحصى من الأغنام وتعطلت الطرق.(3/297)
قطع الماء عن قسطل الرمضانية:
وفي هذه السنة 1275 حكم بسدّ ثقوب مجرى برد بك إلى قسطل الرمضانية، وصدر بذلك حجة شرعية محررة صورتها في سجل المحكمة الشرعية المحرر على ظهره: «من سنة 1273 إلى 1275» . وفي سنة 1276 هـ ولي حلب إسماعيل باشا. ثم في سنة 1377 وليها عصمت باشا الشهير بدالي عصمت، وكان الناس يهابونه حتى الأجانب. وفي سنة 1278 وفد من الشرق جراد كثير واستمر يعيث ويفسد في حلب وبلادها إلى سنة ست وثمانين.
تمديد السلك التلغرافي:
في هذه السنة (1278) أو التي قبلها صار الشروع بتمديد السلك البرقي في حلب وبعض ملحقاتها. وكان البسطاء من الناس إذا قيل لهم إنه ينقل الأخبار من بلد إلى أخرى مهما كانت بعيدة بلحظة- كطرفة عين- ينكروا ذلك ويقولوا «1» : لا شك أن الذي ينقل هذا الخبر شيطان مارد منبث في التيّل «2» . وفي سنة 1279 ولي حلب ثريّى باشا.
بناء دور في جبل الغزالات:
وفيها أنشأ الوالي في قمة جبل الغزالات دارا ذات غرف كثيرة، وتبعه المرحوم الشيخ محمد بهاء الدين أفندي الرفاعي- مفتي حلب- فأنشأ في ذيل الجبل قصرا، وذو الكفل بك دفتردار الولاية فأنشأ في جواره دارا عظيمة. لم تزل أطلال هذه المنازل باقية حتى الآن.
وصول استعمال زيت البترول إلى حلب:
وفي سنة 1280 وصل إلى حلب استعمال زيت البترول- المعروف بالكاز- في المصابيح المعروفة باللّنبات واحدها (لنبة) . وقد تحامى الناس استعماله في أول ظهوره زاعمين أن ريحه يؤذي الصدر، وأن سطوع نوره يضر البصر، وكان من يستعمله من(3/298)
الناس يقتصد بصرفه جدا بحيث كان ملء (اللّنبة) منه يسهر عليها عدة ليال إلى منتصف الليل. وهو معذور بذلك فإن ضوء هذا المصباح مهما كان ضعيفا فهو أسطع بكثير من ضوء السراج والقنديل والشمع وغيرهما من الظروف التي يكون الاستصباح بها بواسطة زيت الزيتون. ولا شك أنه أقل ضررا من هذه الظروف التي ينبعث منها العثان والسّخام فيضرا بالصحة ويسوّدا المنزل وأثاثه ويضعفا «1» البصر وقد ظهرت للناس فوائد الكاز بعد مدة قليلة فعم استعماله وبطل استعمال جميع ظروف الاستصباح وتركت في زوايا الاهمال حتى أصبحت نسيا منسيا.
وفي هذه السنة (1280) حدث في حلب غلاء شديد وبرد قارس أدهش العقول.
وفي سنة 1281 ولي قضاء حلب قاض عرف عند الناس باسم (أبي دية) لأن يده مقطوعة من مفصل ذراعها. وكان ظالما منهمكا بالمعاصي متجاهرا بتناول الرشوة. وفي 24 جمادى الأولى من هذه السنة أبرقت السماء وأرعدت ثم قذفت بردا كبارا واحدته في حجم البيضة أو أكبر، واستمر نحو 15 دقيقة فهلك به ألوف من الطير وانكسر للناس من زجاج نوافذ البيوت ما قيمته خمسمائة ألف قرش، وكان من غريب أمره أنه لم يتجاوز مدينة حلب.
تشكيل لواء الزور:
وفي ابتداء فصل الربيع من هذه السنة توجه الوالي ثريّى باشا ومعه شرذمة من العساكر لردع الأعراب المتمردين على الدولة في جهة الزور، فأخضعهم وأجرى عليهم قوانين الدولة وعيّن عليهم قائم مقام وشكّل مصرفيّة الزور بالدير الحمراء، ورجع إلى حلب. وفي أواخر هذه السنة كثر تعسف القاضي أبي دية وضجر منه الناس، ورفعوا بسوء حاله محضرا إلى الدولة، فعزلته وولت مكانه عثمان أفندي وكان غاية بالصلاح. وفي سنة 1282 وفي المحرّم عاد الحاجّ من الحجاز، وأخبروا أنه مات هناك بالهواء الأصفر نحو مئة ألف نسمة.
وكان ابتداؤه في تلك البلاد يوم عيد الأضحى. ثم في هذه السنة وصل هذا المرض إلى حلب وكان معظم سطوته في ربيع الأول، وبلغت وفياته اليومية ثلاثمائة نسمة، وقد أصبت به ونجوت، وأصيبت والدتي فتوفيت. وكان الناس يدورون في الأزقّة ليلا ويستغيثون(3/299)
بالله ويخرج بعض القراء إلى المآذن ويقرءون سورة الدخان.
وفي سنة 1283 شكلت ولاية حلب وفيها حرّرت نفوس ولايتها. وفيها وليها جودت باشا صاحب التاريخ المشهور. وفي محرّم سنة 1284 صدرت الإرادة بتخفيض البدل العسكري إلى 80 ذهبا عثمانيا وكان مئة ذهب. وفيه قسمت الحكومة محلات حلب إلى اثنتي عشرة منطقة سمّت كل واحدة منها قولا ألفت له مجلسا من مختاريه واختياريته.
صدور جريدة الفرات:
في محرّم هذه السنة (1284) صدرت صحيفة الفرات الرسمية الأسبوعية باللغتين التركية والعربية. وهي أول جريدة صدرت في مدينة حلب. ثم صدر العدد الخمسون منها باللغات الثلاث التركية والعربية والأرمنية. ثم صدر العدد ال 101 باللغتين التركية والعربية فقط. وكان في بعض الآنات «1» يصدر لها ملحق تحت عنوان «علاوه فرات» أو «غدير الفرات» .
أسس هذه الصحيفة مكتوبيّ الولاية حالت بك، وهو الذي تولى تحريرها. واستمرت هذه الوظيفة تناط بمكتوبي الولاية يتناولون راتبهم الشهري عليها من ريع المطبعة. وأول مترجم لها من التركية إلى العربية (أحمد حمدي أفندي ابن محمد بن عبد المعطي زوين الحلبي) وكان أديبا شاعرا. وفي سنة (1290) هاجر إلى الحجاز. وتولى ترجمة الجريدة بعده (عبد القادر أفندي ابن تقي الدين أفندي) الذي تولى بعد الكتابة الثانية عند السلطان عبد الحميد خان الثاني. ثم تولى الترجمة بعده فقيد الوطن السيد الفاضل عبد الرحمن أفندي الكواكبي. ثم في حدود 1300 أنيطت هذه الوظيفة بي وبقيت في عهدتي نحو عشرين سنة، استقلت منها في خلالها عدة مرات، وكنت أعود إليها بطلب من المكتوبية سنة، استقلت منها في خلالها عدة مرات، وكنت أعود إليها بطلب من المكتوبية وإلحاحهم. وفي حدود سنة 1324 وكلت بها العالم الشيخ محمد خير الدين أفندي الحنيفي، فبقي قائما بها إلى أن ألغيت في أيام النفير العام سنة 1334 وآخر ما صدر منها العدد ال (2420) ثم صدر بعدها عوضا عنها جريدة عنوانها (حلب) وهي تصدر الآن باللغة العربية فقط، يتولى تحريرها الأديب الفاضل السيد محمد منير المدوّر البيروتي، وهو(3/300)
مدير مطبعتها أيضا. وقد دخلت غلّتها إلى مالية الدولة وصار مستخدموها يتناولون رواتبهم من صندوق المال العام بعد أن كانوا يتناولونها من صندوق المطبعة الخاص.
سالنامة الولاية:
كلمة سالنامة فارسية مركبة من كلمتين (سال) سنة و (نامه) ورقة. وقد تطلق على كتاب يصدر في آخر كل سنة يشتمل على إحصائيات الولاية المالية وغيرها، وعلى أسماء موظفيها وعلى بعض شؤون تاريخية سياسية ومدنية قديمة وحديثة تتعلق بمركز الولاية وبعض أعمالها، وعلى جغرافية الولاية وما فيها من الجبال والغابات والمعادن والبحيرات، وعلى غير ذلك من المسائل والمقاصد التي تفيد الراغب بالاطلاع على أحوال الولاية فائدة إجمالية لا يستغنى عنها. وقد دعيت في أول صدورها باسم (فهرست السنة) . ولعل تسميتها (سنوية الولاية) يكون موافقا. أول من أصدر هذا الكتاب في حلب حالت بك المكتوبي في هذه السنة (1284) وقد صدر المرة الأولى صغيرا وطبع على مطبعة الحجر وما زال يتّسع حجمه وتزاد مسائله إلى حدود سنة 1300 وإذ ذاك أنيط تحرير صحيفة الفرات بعارفي بك، أحد موظفي قلم المكتوبي الذي صار بعد رئيس الكتاب في مجلس إدارة الولاية. فاجتهد المومأ إليه بتوسيع السالنامة وتوفير أبحاثها، وطلب مني مساعدته على ذلك، وكنت وليت ترجمة صحيفة الفرات فبذلت جهدي في مساعدته وقدمت له عدة كتب تاريخية لاستخراج ما فيها من المسائل التي لها علاقة بحلب، فتوفرت فوائد السالنامة وعظم حجمها وصارت تصدر كل سنة مطبوعة بالحرف.
ثم في سنة 1304 تحوّل عارفي بك إلى جدّة قائم مقام عليها. وبقيت السالنامة تصدر تارة بترتيب مكتوبي الولاية وأخرى بترتيب صديقنا المحترم السيد أسعد بن ناجي أفندي إمام زاده، الشهير بالعينتابي، وكان قائما بوظيفة مديرية أوراق الولاية، وكان يحرر صحيفة الفرات في أكثر الآنات «1» بالنيابة عن المكتوبي. وفي أيام قيامه بترتيب السالنامة صححت منها جدول عمال حلب وكفّالها وولاتها بطلب منه، وكان فيه أغلاط كثيرة.
على أنه لم يزل يوجد فيه أغلاط أحدثتها أيدي عملة المطبعة، ولم تزل السالنامة تصدر(3/301)
إلى سنة 1326 وفي هذا التاريخ قلّت مداخيل المطبعة وعجزت عن النفقات المقتضية للسالنامة فأهملت وما زالت مهملة حتى الآن.
عارفي بك هذا أول من قال في السالنامة: إن نهر قويق سمي باسم قويق آغا الذي جرّه من منبعه إلى حلب. وقد آخذته بهذه الغلطة وشافهته بها حين مرّ من حلب متوجها إلى مرعش متصرفا في لوائها وقلت له: إن كلمة قويق محرفة عن قواق التي يطلقها الأتراك على شجر الحور، وإن هذا النهر سمي بنهر قويق لما يزرع عليه من هذا الشجر حتى إنه ليوجد في نفس مدينة عينتاب منتزه يعرف باسم (قواقلق) أي مزرعة الحور. فأقرّ رحمه الله بغلطه وصوّب رأيي فيما رأيته بهذه الكلمة.
غرائب الخلق:
في هذه السنة (1284) ولد في أنطاكية مولود برأسين، أحدهما بشعر وأذن وأنف وفم، والآخر بعين واحدة فقط. وقد ولد حيّا ومات بعد دقائق.
وفيها اهتمت الحكومة بجمع بزر الجراد من أطراف الولاية فجمعت منه نحو عشرين ألف شنبل، الشنبل وزن خمسين أقة. وقد وزعت على كل فرد مقدارا معلوما من البزر، وفتح لشرائه من التجار مسواق، فاشتغل الفقير وربح التاجر وخفّ الضرر في تلك السنة.
الشروع بفتح طريق إسكندرونة:
وفيها كان الشروع بتعبيد طريق إسكندرونة وقد فرض على كل ذكر بالغ عمل أربعة أيام إما بنفسه وإما ببدل نقدي عن كل يوم عشرة قروش. وكان ابتداء العمل به في اليوم الثاني عشر ربيع الأول تبركا وتيمنا. وحضر وقت الابتداء به عدة من أشياخ حلب وعلمائها وصلحائها ومن جملتهم العالم الكبير الشيخ أحمد الترمانيني، وهو أول من أعطى عن نفسه البدل النقدي أربعين قرشا فاستبشر الناس بنجاح المشروع فيه وتفاءلوا خيرا. وفي هيار هذه السنة اختنق تسعة حجارين من الملة المسيحية في مغارة البختي خارج حلب إلى شماليها وذلك أن المذكورين التجئوا من المطر إلى المغارة المذكورة فلم يشعروا إلا وقد كبسهم السيل فاختنقوا عن آخرهم.(3/302)
وفي ليلة الجمعة سابع وعشرين صفر منها المصادف حزيران الرومي تغير الجو في قصبة ريحا وبرد الهواء بردا شديدا لم يعهد مثله في الشتاء الشديد حتى اضطر الناس للتدثر بالملابس الشتوية وإيقاد النار في بيوتهم وفيها صدرت إرادة سنية بمنع زرع التبغ المعروف بالتوتن.
وفيها كان إخضاع الأعراب المتمردين على الدولة في صحراء حلب بعد مقاومة شديدة وكثرة القتل والأسر في رؤسائهم. وقد أخذت منهم قرعة شرعية واستفلحوا وعانوا الزرع والفلح. وفي ربيعها الثاني زينت البلدة زينة حافلة فرحا بعود المرحوم السلطان عبد العزيز خان من سياحته في أوروبا إلى العاصمة.
حريق أسواق حلب:
وفي الساعة السادسة من ليلة الأحد ثالث جمادى الأولى، المصادف الليلة الحادية والعشرين من آب سنة 1287 رومية، شبّت النار من دكان في وسط سوق الصاغة ولم يدركها رجال الدرك إلا وقد سرت إلى ما جاورها، ثم انتقلت إلى الأسواق المتصلة بذلك السوق فاستعرت والتهبت وانفتحت منها أبواب جهنم، وأخذ الناس يفرّغون حوانيتهم إلى الجامع الكبير حتى صار فيه تلال من الأرزاق ومنهم من لم يتمكن من تخليص رزقه.
وكان الدخان يعلو في الجو طبقات متراكما بعضه فوق بعض، أسود حالكا كأنه قطع السحاب المكفهرّ، وقد ارتفع من أسفله مارج النار يتلظى كالطّود العظيم الذي يسمع منه دوي وفرقعة تقشعر منها النفوس.
ولم تزل هذه النار الحاطمة في اضطرام وهيجان حتى أتت على سوق الصيّاغين والبزازين المعروف بسوق البالستان، مع جميع تشعباته وزواياه وخلاياه، وسوق العقّادين وسوق الطرابيشية وسوق القوّافين، وبعض سوق استانبول الكائن وراء شرقية الجامع الكبير.
وقد أحصي ما احترق من الحوانيت والدكاكين فكانت 323 دكانا وحرر ما احترق من الأموال المنقولة تقريبا فكان يساوي ما قيمته عشرة آلاف كيس (الكيس خمسمائة قرش) . ومن لطف الباري تعالى على عباده أن النار لم تصل إلى سوق العطارين، مع أنها لم يبق بينها وبينه إلا مسافة بضعة أذرع. ورأيت عند بني المركوبلي مكتوبا مذيلا بنحو مائتي توقيع من تجار الملل الثلاثة في حلب يتضمن عبارات الشكر من الخواجه نقولا(3/303)
المركوبلي على ما أبداه من الرأي والإشارة إلى هدم زابوقي «1» سوق الذراع وسوق الباطية لقطع الطريق على النار منعا لها من الوصول إلى سوق العطارين، فإنها لو اتصلت به لانعدمت حلب حرقا وهدما، لما اشتمل عليه هذا السوق من أنواع البضائع الملتهبة كالبارود والنفط والسّندروس «2» والزفت والقير وغير ذلك، بحيث كان فيه من هذه البضائع قناطير مقنطرة.
وقد اختلف الناس في أسباب هذا الحريق العظيم: فمنهم من قال إنه مفتعل من الحكومة بقصد التمكن بعده من توسيع هذه الأسواق لأنها كانت غاية في الضيق. ومنهم من زعم أن السبب نار تركها بعض الصاغة في كانونه، فطارت منها شرارة على مفرش فيها وعلقت «3» . والله أعلم بحقيقة الحال. وفي الساعة السابعة والدقيقة العاشرة من الليلة الخامسة عشرة من جمادى الأولى ابتدأ القمر بالخسوف وكمل انجلاؤه في الساعة العاشرة والدقيقة العاشرة. وفي هذه السنة كان تشكيل كثير من أقضية حلب وألويتها.
ميت عاش:
في رمضان هذه السنة توفي لرجل يقال له الشيخ محمد- من سكان محلة مستدام بك في حلب- ولد صغير عمره ثمانية أعوام، فجهز وحمل إلى المقبرة، وبينما الحمالون سائرون به لم يشعروا إلا وقد تحرك وأخذ بالبكاء. فرجعوا به إلى بيت أبيه وعاودته الصحة. وفيها كان الشتاء شديدا والمطر غزيرا، ولا سيما في شباط، فقد طغت فيه الأنهار وضجر الناس من كثرة المطر والثلج والجليد والبرد القارس. وفي أواخر محرّم سنة 1285 وصل إلى حلب واليا عليها ناشد باشا. وفي اليوم الرابع عشر صفر خرج الوالي مع الهيئة المرتبة لترميم القناة وكاشفوا أحوالها ورتبوا عملها. وقد تكلمنا على ما كان منه في قناة حلب عند الكلام عليها في الجزء الأول فراجعه.
وفيها صدرت إرادة سنية بجواز زرع التبغ بشرط أن يأخذ الزرّاع رخصة من إدارة الرسومات. وفيها أمر الوالي بتوسيع حجرة الميقاتي بإضافة حجرة أخرى إليها على باب(3/304)
الجامع من جهة سوق الطيبية، وأمر بجلب ساعة كبيرة توضع فيها. وفي جمادى الأولى أمر الوالي بتبديل سقوف أسواق حلب بالسقوف المعروفة بالجملون، وكانت قبلا من الحصر المنسوجة من البردي والقصب، كثيرة الاستعداد للالتهاب. فشرعوا بذلك مبتدئين من باب النصر. وفي هذا الشهر كان تعديل الأوزان ورسمها بطابع البلدية. وفيه كان افتتاح دار الإصلاح المعروفة باسم إصلاحخانة.
سفر الوالي إلى طريق إسكندرونة وما أجراه من الإصلاح:
وفي أواخر جمادى الثانية سافر الوالي لمشارفة طريق إسكندرونة. وفي التاسع والعشرين منه ورد منه إلى وكيله حسني باشا الفريق العسكري محرّرات، مثالها أن الطريق المذكور تبلغ مسافته 32 ساعة، وفيه عدة محلات تحتاج إلى جسور وخنادق، ومنها عفرين فإنه محتاج إلى جسر يعسر بناؤه. قال: ولذا عوّلنا على سلوك طريق آخر هو بالجانب الفوقاني من ذلك الطريق في مسافة 22 ساعة، ويكون تمديده من جهة قلعة الكوبة لي، وبسلوكه تقرب المسافة عشر ساعات ويكتفى بجسر جزئي على عفرين، ثم قال: ووجدت الجبل الكائن فوق خان العسل المتوسط بين عدة قرايا كالأثارب وإبزمو وتلعدة، على مسافة سبع ساعات من حلب، خاليا من الشجر، فحملنا أهل تلك القرى على غرسه بشجر التين والعنب والزيتون وأخذنا منهم كفلاء على ذلك. ووجدت إدارة الريحانية غير منظمة لخلوها عن مركز حكومة واستبداد أغواتها، فعزمنا على بناء مركز للحكومة في تلك الجهة ورفعنا عنها سلطة أغواتها وفرقنا أراضيها المملوكة لهم بحق عن غيرها، ومكنت الفقراء من العمل فيها.
وفي هذه السنة فرش مقدار كبير من أزقة حلب بالبلاط على نسق الجملون. وهذه أول مرة فرش فيها البلاط على هذه الصفة. وفي اليوم الثاني عشر من شعبان رجع الوالي إلى حلب. وفي شوالها بدأ الوالي أن يجعل «1» بعض الخرائب الكائنة تجاه باب القلعة منتزها عاما وأناط إجراء ذلك بحسني باشا. فغرست الأشجار وحوّط بدائر، وحفر لسقايته دولاب في شرقي باب القلعة على غلوة منه فلم يمض سنة إلا وتعطّل وأهمل وعاد كما كان. وفي(3/305)
الساعة التاسعة من الليلة الخامسة عشرة ذي «1» الحجة هطلت السماء في مرعش بالأمطار الغزيرة وأعقبها زلزال انهدم به هناك منزلان.
تولي الحكومة بريد إسكندرونة:
وفي اليوم الرابع عشر ذي القعدة أنيط البريد- الذي كان يتردد من حلب إلى إسكندرونة- بالحكومة العثمانية. وكان قبلا يسافر عن يد قنصل فرنسة المقيم في حلب. وفي ذي الحجة قصدت جماعة البغّالة- من الفرقة النظامية- الأعراب بسبب كثرة فسادهم، وأوقعت بعشيرة المهيد وهريب والشميلات والعجاجرة والسباعة. وكانت الوقعة في مفاوز الزور فانخذل الأعراب، واستولى العسكر على نحو عشرين ألف رأس غنم ومئة وخمسين جملا، وأتوا بها إلى حلب. وفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة 1386 سافر الوالي إلى جهة المعرة التي ألحقت في تلك الأيام بولاية حلب، فرتّب أمورها وكاشف قراها، وكانت قبلا ملحقة بولاية دمشق مضافة إلى حماة. وفي الساعة التاسعة من ليلة الاثنين، غرّة شوال المصادف اليوم الحادي والعشرين من كانون الأول سنة 1285 رومية حصل زلزلة بحلب مرتين من الشمال إلى الجنوب، فانهدم بها بعض جدران في ظاهر حلب مشرفة على الخراب، ولم يحدث منها ضرر غير ذلك. وفي هذه السنة ولي حلب درويش باشا.
ابتداء العمل في محلة العزيزية:
وفيها كان ابتداء تأسيس الأبنية في حارة العزيزية على جبل النهر. وسببها أنه لما فتحت دار الإصلاح المتقدم ذكرها أرادت الحكومة أن تجعل لها جهة دخل تقوم بالنفقات التي صرفت عليها، فباعت جبل النهر لجماعة من المسيحيين، وعمروه محلة لهم على نسق جديد من الأبنية وسعة الشوارع. وفي هذه السنة كان الجدب مستوليا على حلب وبرّها بحيث لم ينبت فيها حبّة ولا نزل من السماء قطرة، واشتد الغلاء حتى بيع رطل الخبز بتسعة قروش ونصف القرش، بدل قرش وربع القرش. واستمر هذا الحال إلى دخول سنة 1287.(3/306)
زلزلة أنطاكية:
في آذار الرومي هذه السنة (1287) في ضحوة يوم من أيامه زلزلت حلب زلزلة قوية بحيث أيقظت من كان نائما وسقط بها بعض شرفات من سور القلعة وعدة جدران متوهنة.
ولم يمض غير بضع ساعات حتى ورد من أنطاكية للوالي تلغراف يفيد أنه في الوقت المذكور حدث هناك زلزال قوي أتى على جميع أبنية أنطاكية، بحيث لم يبق منها إلا القليل النادر، فانهدمت البيوت والجوامع والخانات وبعض الحمّامات، ومات تحت الردم خلق كثير، والأحياء كلهم خرجوا على وجوههم إلى الصحراء ليس عندهم قوت ولا خيمة يأوون إليها مسلمين أنفسهم لحر الشمس وبرد الليل. ثم أخذ يتوارد من التجار وغيرهم المقيمين في أنطاكية تلغرافات، مثالها ما ذكر. فشاع الخبر عند الحلبيين فضجوا واضطربوا، وخرج كثير منهم إلى البساتين والبرية، فمنهم من ضرب خياما وأقام تحتها هو وأهله وولده، ومنهم من باشر عمل بيوت من الخشب ليقيم بها كذلك. ثم بعد ليلة أو ليلتين في أواسط الليل اهتزت الأرض مرة ثانية هزة خفيفة لم يحدث منها ضرر.
وهكذا استمر الحال في كل بضع ليال تهتزّ هزة خفيفة دون أن يحصل منها ضرر.
وكانت في أنطاكية كلما اهتزت أضرّت، حتى بقي أهلها في أسوأ حالة. وأخذت الحكومة تتدارك لهم الإعانة من القوت والخيم وأرسلت ذلك إليهم، إلى أن فرّج الله عن عباده، ودخل شهر نيسان وانقطع الزلزال واطمأن الناس ورجع أكثرهم إلى منازلهم وباشر أهل أنطاكية تعمير بيوتهم. وفي سنة 1288 ولي حلب ثريّى باشا ثانية. ثم في سنة 1289 وليها الحاج علي باشا، ثم سامح باشا. وفي سنة 1290 وليها كورد أحمد باشا. وفي سنة 1291 وليها رشدي باشا الشرواني، الصدر الأسبق، فلم يلبث غير تسعة أيام واليا وصرف عنها إلى ولاية الحجاز، وصحبني معه إماما. وولي حلب مكانه محمد رشيد باشا ثانية وكان وليها سنة 1275 وفي سنة 1292 وليها سامح باشا ثانية، ثم أسعد مخلص باشا.
انقضاض صاعقة:
وفي نيسان الرومي من هذه السنة انقضت صاعقة في محلة البياضة فقطّت «1» نحو(3/307)
النصف من منارة جامع الحموي، وكأنما انفصل منها شظيّة فصدمت جدار قبلية الجامع المذكور من أعلاه، فغاصت به وثقبته ثقبا منتظما، وخرجت من نجف الشباك وأصابت رجلا يصلي المغرب فقتلته دون أن يبقى لها أثر به، وأصابت رجلا في رجله فلم يمت لكنه بقي في رجله أثر كأنه كي نار. وكانت المنارة قد سقطت على سّواس مارا «1» من تحت القلعة فقتلته أيضا. وفي سنة 1293 ولي حلب أمين باشا وفيها حصل بحلب هيضة «2» ابتدأت من شعبان واستمرت إلى أواخر شوال وبلغت وفياتها اليومية مئة وخمسين نسمة.
وفي 27 ربيع الأول من هذه السنة خلع السلطان عبد العزيز وجلس مكانه السلطان مراد خان، فبقي سلطانا ثلاثة أشهر وثلاثة أيام، ثم خلع وجلس بدله على عرش السلطنة السلطان عبد الحميد خان الثاني. وفي محرّم سنة 1394 رفعت رتبة كامل باشا إلى الوزارة وعين واليا على قوصوه. وقبل أن يسافر إليها حوّل إلى ولاية حلب، فقدم عليها في اليوم ال 14 صفر واستقام بها سنتين وشهرا. ذكر ذلك في ترجمة حاله وغلط في السالنامة إذ ذكر ولايته سنة 1295 وقد اختارني إماما له في صلاة التراويح.
صدور جريدة في حلب:
وفيها صدر في حلب جريدة عربية عنوانها «الشهباء» لصاحب امتيازها السريّ الماجد الحاج هاشم العطار المعروف أيضا بالخراط. وقد تولى تحريرها الكاتب البارع المرحوم عبد الرحمن أفندي الكواكبي بمساعدة جماعة من أدباء حلب. غير أن الجريدة ما لبثت سوى أيام قلائل حتى أمر بإبطالها والي حلب كامل باشا المعروف بكراهية صحف الأخبار.
النفير العام:
في هذه السنة 1294 أعلنت الدولة العثمانية في بلادها النفير العام لمحاربة روسيا.
فحشدت العساكر من جميع بلادها، ومن جملتها حلب التي جندت منها عددا عظيما حتى كادت تخلو من الشبيبة. ولذا أصبحت الحكومة تخشى من قيام الغوغاء للنهب والسلب،(3/308)
فجعل كامل باشا شيخنا محمد آغا المكانسي كمتسلّم لحلب لأجل حفظها، فجمع محمد آغا عصابة من شبيبة محلة باب النيرب وجعل يطوف بهم ليلا في شوارع حلب ومحلاتها إلى أن انتهت الحرب، وعاد المتجندون إلى أوطانهم ولم يحصل في حلب ما يخل بالسلام.
شتاء شديد:
في سنة 1295 كان الشتاء شديدا وتوالى سقوط الثلج على حلب وأكثر أعمالها نحوا من أربعين يوما، حتى هجمت الظباء والذئاب على العمران وانقطعت الطرق والمواصلات ومات في البر عدة أوادم وهلك ألوف من الغنم والمواشي.
تشكيل عدلية حلب:
وفي هذه السنة (1295) شكلت عدلية حلب. وقد أسلفنا ذكر (محكمة البداية) في الجزء الأول من هذا الكتاب. وفي سنة 1296 ولي حلب غالب باشا ثم سعيد باشا.
غلاء شديد:
وفيها ارتفع سعر الحبّ في تشرين الأول، واستمر إلى حزيران، واشتد الغلاء وبيع رطل الخبز باثني عشر قرشا بدل قرش ونصف، وارتفع سعر بقية المأكولات على هذه النسبة كالرز والعدس والبرغل واللحم، فاضطرب الفقراء وثاروا في أحد الأيام، ومشى منهم جمهور إلى السوق الكبير المعروف باسم (المدينة) وأخذوا يتخطفون المأكولات من سوق العطارين، وبعض البضائع من بقية الأسواق، فأسرع الناس إلى إغلاق حوانيتهم وخيف من حدوث ثورة عامة. وكان الفريق على الجندية جميل باشا ابن نامق باشا، فنزل من الثكنة العسكرية مع ثلّة من الجنود وهددوا الثوار فارتاعوا وسكنت الثائرة.
وهذا أول عمل اشتهر به جميل باشا بين الحلبيّين فأحبوه ومالت نفوسهم إليه، وقدموا له محضرا عاما يتضمن طلبهم منه أن يكون واليا عليهم. وكان سعيد باشا يرى ولاية حلب دون مرتبته فكان قيامه بأمور الولاية قياما يصحبه سآمة وفتور. ثم لما علم بميل الناس إلى جميل باشا الفريق العسكري استقال من خدمته. وكان جميل باشا قد أرسل محضر أهل حلب- الناطق بطلبه واليا عليهم- إلى استانبول فقبله الباب العالي وجعله واليا على(3/309)
حلب علاوة على وظيفته الفريقية العسكرية، فجمع بين الوظيفتين وكان ذلك في سنة 1297.
صدور جريدة في حلب:
في هذه السنة صدر في حلب جريدة عنوانها (الاعتدال) أحد وجهيها عربي والآخر تركي، لصاحب امتيازها السيد هاشم الخراط السالف الذكر. وقد تولى تحريرها المرحوم عبد الرحمن أفندي الكواكبي وسعيد بك ابن علي باشا شريف، أحد أدباء حلب فلم تلبث الصحيفة غير قليل حتى أمر جميل باشا بتعطيلها.
حريق في مرعش:
في ليلة الجمعة ثالث شوال سنة (1301) شبت النار من أحد أفران مدينة مرعش وسرت إلى ما جاوره، وكان الهواء شديدا فقوي استعارها ولم تخمد إلا بعد أن التهمت ألفا ومائتي دكان، وأربعين دارا وخمسة جوامع وحماما وخانين والرباط العسكري ودائرة البلدية وقدرت قيمة ما أتت عليه هذه النار بمائة وخمسين ألف ذهب عثماني. وقد تدارك أهل حلب جمع إعانة وافرة لإسعاف المنكوبين من أهل مرعش بهذا الحريق.
سقوط نيزك من الجو:
في يوم الخميس ثالث عشر ذي الحجة من هذه السنة 1301 المصادف الحادي والعشرين أيلول سنة 1300 رومية، في رادة «1» الساعة الثانية عشرة منه صباحا، سقط حجر من الجو على تل قريب من قرية قره دينك في بعد خمس ساعات عن عينتاب، وعند سقوطه كان الجو خاليا من الغيم بالكلية والهواء معتدلا. وقبله بنحو عشر دقائق سمع له دوي شديد كأنه رعد قاصف، ولما سقط غاص في الأرض نحو نصف ذراع فلما أرادوا إخراجه على أثر سقوطه لم يتمكنوا من القبض عليه لشدة حرارته، فلمسه بعضهم بثوبه فأحرقه. وهو حجر أسود صلب شديد شكله على هيئة السلحفاة، وثقله نحو ألف وثمانمائة درهم. وقد أرسل من عينتاب إلى حلب، وشاهدته ثم أرسل إلى استانبول.(3/310)
فتح الجادة العظيمة:
وفي هذه السنة كان افتتاح الجادة العظيمة المعروفة بجادة باب الفرج بحلب. وكان في العزم أن يجعلوها مسامتة طريق العربية، مبتدئة من جسر الناعورة ثم تقطع بمرورها بستان الكلاب حتى تتصل بالخندق الكبير فتمتد مستقيمة إلى محلة العوينة، ومنها تنعطف حتى تنتهي إلى تجاه دار الحكومة. ثم إن هذا العزم لم يتيسر إنفاذه وفتحت الجادة المذكورة من جسر الناعورة إلى باب الفرج فقط.
وفي ليلة الأربعاء ثالث عشر صفر سنة 1302 المصادف اليوم الحادي والثلاثين من تشرين الأول سنة 1300 رومية هطلت السماء بالأمطار الغزيرة وانكفأت كأفواه القرب في جهات الجوم، ثم حملت على جسر عفرين فهدمت منه قنطرتين، وكان السيل قد اقتلع ألوفا من الشجر وساقها، وهدم طاحونين عن آخرهما، وأغرق شخصين وبعض جمال. وفي هذه الليلة أيضا حمل نهر الذهب وأغرق شخصين ومقدارا عظيما من الحبوب والأمتعة. ودخل السيل طاحونا في قرية من أعمال منبج يقال لها «عرب حسن» فهدمه عن آخره بعد أن اختطف منه سبعين عدلا من الدقيق والحبوب.
إنشاء جامع منبج:
في هذه السنة كمل تعمير الجامع الحميدي في قصبة منبج وكانت نفقاته من الخزينة الخاصة بالسلطان عبد الحميد خان الثاني، وتوجه للحضور في حفلة افتتاحه والي الولاية ورؤساء الحكومة وإدارة الجفتلك السلطاني، فاجتمع هناك جمّ غفير من الأكابر والأعيان وسكان القرى المجاورة، وأحرقت الملاعب الناريّة، ودارت كؤوس المرطبات. وفي اليوم الخامس والعشرين رمضان المصادف لمثله من حزيران سنة 1301 وقع مطر خفيف وانتشر معه جراد كثير من الشمال إلى الشرق، وهذا الجراد لم يزل يتردد على حلب وبلادها إلى سنة 1308 وفي ليلة السبت 28 صفر سنة 1303 المصادف الثالث والعشرين تشرين الثاني سنة 1301 رومية في رادة الساعة الخامسة منها، سطع شيء في السماء كالكوكب المحترق، ثم أخذت الكواكب الصغار تتطاير ألوفا، ثم انعكس الهواء بغتة واشتد إيماض البرق وانكفأت السحب كأفواه القرب. وفي شهر ربيع الأول سبق رديف ولاية حلب إلى جهة الروملّي الشرقي وقدره أحد عشر طابورا.(3/311)
تقديم كتاب المجلة إلى القاضي:
وفي اليوم 26 من هذا الشهر أهدى أعيان حلب من المسلمين والنصارى نسخة من كتاب مرآة المجلة إلى حسين توفيق أفندي، حاكم الشريعة الغراء في حلب، مكافأة له على عدله في أحكامه واستقامته وعفّته. وكان جلد هذه النسخة من المخمل الأحمر مزركشا بالقصب الذهبي، وفيه صورة قمر ونجمة مرصعة بالماس مكتوب تحتها بالزركشة هذه العبارة: «تهدى لحضرة الفقيه العلامة فضيلتلو حسين توفيق أفندي، حاكم الشريعة الغرّاء تذكرة من أهالي الشهباء لالتزامه جانب العدل والاستقامة في مدة مأموريته في حلب سنة 1303» .
وفي ربيع الآخر من هذه السنة كانت حفلة افتتاح طريق إسكندرونة. وفي غرة جمادى الأولى ورد وسام الامتياز من رتبة مدالية إلى والي الولاية جميل باشا مكافأة له على إكمال تمهيد طريق الإسكندرونة، فجرت له حفلة عظيمة في ذلك اليوم. وفي اليوم الثامن والعشرين رجب المصادف اليوم السابع عشر نيسان سنة 1302 رومية وقع في جهة قلعة الروم مطر شديد وبرد كبار، حصل منه سيل أتى على اثنتي عشرة قرية فهدمها، وأهلك سبعين رأسا من البقر وخمسة خيول، ومئة وأربعين من الغنم والمعز، وهدم ثمانية طواحين.
وفي شهر شعبان كان الشروع بتمهيد الطريق الكائن بين كلّز وطريق إسكندرونة وأوله من قرية قاطمة من أعمال كلّز.
عزل جميل باشا من حلب وما يتعلق به:
في يوم الثلاثاء ثالث وعشرين ذي الحجة سنة 1303 قدم إلى حلب صاحب بك رئيس دائرة المحاكمات في شورى الدولة، ومعه معاون مدعي العموم في تمييز شورى الدولة، وأحد كتاب محكمة تمييز الحقوق في دائرة العدلية. والسبب في قدومهم هو أن الوالي جميل باشا شدّد على جماعة من أغنياء حلب- ومن جملتهم آل الكتخدا- بطلب إعانة لتسديد بدل تحويلات الاستقراض الداخلي، فامتنعوا عن دفع المبلغ المطلوب منهم لأنه فوق ما طلب من أمثالهم، فتوصل بذلك لحبسهم وضيّق عليهم لغرض يقصده، فلم يفعلوا ورفعوا قصتهم إلى الباب العالي والسلطنة السنية، وورد الأمر بإطلاقهم فأطلقوا. ثم انضم إليهم عدة أفراد واسترحموا من الدولة أن تتكرم عليهم بإرسال حكم ينظر في أحوالهم مع الوالي،(3/312)
ويقف على حقيقة الظالم من المظلوم، فأجابت الدولة استرحامهم وصدرت إرادة سنية بإرسال «صاحب بك» ومن معه لأجل ما ذكر. ولما وصلوا إلى حلب أخذوا بتحقيق المسائل واستقصاء الأحوال، وأقبل المتظلمون عليهم يقدّمون إليهم اللوائح في ظلاماتهم إلى أن مضى عليهم شهران ولم يظهر أثر لفعلهم.
قصد زيرون اغتيال الوالي:
وفي يوم الثلاثاء سادس عشر صفر سنة 1304 وهو اليوم الحادي عشر تشرين الثاني سنة 1302 بينما كان الوالي متوجها من دار الحكومة إلى منزله في جنينة البلدية قرب العبارة، وذلك في الساعة الحادية عشرة ونصف مساء اليوم المذكور، إذ وثب عليه- وهو في ظاهر باب الفرج على بعد نحو مئة قدم منه- رجل يقال له زيرون جقماقيان المرعشي، وخاطبه بقوله: «قف كيف تتخلص مني؟» ثم أطلق عليه الرصاص من مسدس كان بيده فأخطأه، فأطلقه ثانية وثالثة فأخطأه أيضا. وكان قد هجم عليه ياور الوالي وجاويشيّته فقبضوا عليه وأرسلوه للسجن.
وذكر بعض من كان حاضرا هذه الحادثة أن زيرون المذكور لم يطلق الرصاص على الوالي، إنما الوالي لما رأى بيده المسدس خاف منه وأمر جنديا كان معه أن يطلق عليه الرصاص تهديدا له، ففعل فظن الناس أن الرصاص خرج من المسدس. قال: والدليل على ذلك أن جماعة الوالي لما أخذوا المسدس من زيرون وجدوا جميع عويناته مملوءة مع أنه لم تسنح له فرصة بإملائها.
أما السبب في وثوب هذا الرجل على الوالي فهو أنه كان أحد وكلاء الدعاوي في عدلية حلب، وكان مشهورا بالعلم والصدق والاستقامة، فصادف أن بعض الناس وكلّه في خصام بينه وبين الوالي فاغتاظ منه الوالي ومنعه من وكالة الدعاوي في حلب، فسافر إلى بلده مرعش فمنعه من وكالة الدعوى أيضا. فترك مرعش وسافر أنطاكية فكاتب الوالي الحكومة فيها بمنعه من الوكالات أيضا. ولما رأى هذا الرجل أن الأرض قد ضاقت عليه بما رحبت ولم يبق له وجه يسترزق به، خولط في عقله وزينت له الماليخوليا «1» أن يعترض(3/313)
للوالي ويهدده بالقتل لعله ينفك عنه. ففعل ذلك فأخفق سعيه واتسع الخرق عليه، لأنه بعد أن بقي مدة محبوسا في حلب نقل إلى دمشق وحكم عليه بالحبس مدة خمس عشرة سنة فمات محبوسا بعد ثلاث سنين من حبسه.
ثم إن الوالي بعد أن مرّت عليه هذه الحادثة في ذلك اليوم توجه إلى منزله وأقبل عليه الناس يهنّونه بالسلامة وأمر بإيقاع القبض على جماعة من الوجهاء كانوا يتصدون لمناضلته، وقد زعم أنهم هم الذين أغروا زيرون وحملوه على ما فعل. فوقع القبض عليهم في تلك الليلة وهم في منازلهم لم يبرحوا منها، لأنهم كانوا على غفلة لا يدرون الخبر، فأودعوا السجن وأمر الوالي بالتضييق عليهم وأن يوضع كل واحد منهم في حجرة على حدته، وأن لا يدخل إليه أحد من ظاهر السجن ولا من داخله ولا من رفقائه، ولا يمكّن من أداة كتابة ولا من أخذ خبر من ظاهر الحبس، لا كتابة ولا شفاها. فكان خدمة الحبس يشقّون رغيف الخبز المبعوث إلى المحبوسين المومأ إليهم خوفا من أن يكون فيه ورقة، ويفتشون جميع ما يدخل إليهم من الطعام والملبوس. وكان الوالي قد أحضر من الثكنة عساكر نظامية أمرهم بأن يقف على كل حجرة من حجر المحبوسين المذكورين جنديان متأبطان سيوفهما معتقلان بنادقهما.
ولما اطلع «صاحب بك» على هذه الأحوال عرف بها استانبول وأظهر أنه عازم على السفر من حلب لينظر ماذا يكون من الوالي. فسار إلى تكية المولوية لينام ليلته هناك ويتوجه من الصباح إلى جهة استانبول. فلما سمع الوالي خبر سفره ظنه صحيحا فاغتنم الفرصة وأمر بإحضار دوابّ المكارية «1» ليركب عليها المحبوسين وينفيهم، وحينئذ فهم «صاحب بك» نيته وأظهر أنه عدل عن السفر فتوقف الوالي عن نفي المشار إليهم، لكنه لم يبرح عن إصراره في حبسهم والتضييق عليهم، بل كان يزيدهم تضييقا يوما فيوما. فلما كان اليوم السابع من ربيع الأول من هذه السنة (1404) أبرق «صاحب بك» للدولة يقول:
أنا عازم على الشخوص لاستانبول لأنني لا أستطيع البقاء في بلدة لا يعرف فيها النظام ولا القانون. وأبرق قائد الجندية النظامية في النهار المذكور للدولة يقول ما معناه: إنني غير مسئول إذا حدث في حلب ما يخلّ بالسلام لأنني لم يبق لي نفوذ على القوة العسكرية.(3/314)
فلما اطّلعت الدولة على هاتين الرسالتين رأت أن الأمر قد أخذ بالتفاقم، وحينئذ اتفق رأي أولياء الأمور على تلافي القضية وصرف جميل باشا عن حلب، وأنفذت إلى شاكر باشا- أحد الفرقاء في دمشق- أن يسافر إلى حلب في أسرع مدة ويتسلم بها زمام العسكرية ويعرّف استانبول. فركب شاكر باشا في الحال وذلك في صباح اليوم الثامن من ربيع الأول وتوجه إلى جهة حلب، فوصلها بغتة عشية يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول، ونزل في رباط الشيخ يبرق رأسا وتسلّم زمام العسكرية وعرّف بذلك استانبول.
وكان الخبر بلغ جميل باشا فأمر العسكر الذين كانوا يحافظون المحابيس بالصعود إلى الرباط.
ثم في صبيحة يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الأول ورد التلغراف من استانبول بأن يكون جميل باشا واليا على ولاية الحجاز، وعثمان باشا والي الحجاز يكون واليا على حلب، ويكون شاكر باشا وكيلا عنه إلى أن يحضر الوالي. في الحال حضر وكيل الوالي المشار إليه وصاحب بك، وخلّيا سبيل المحبوسين، وبعد يومين ورد الأمر إلى جميل باشا بتعجيل الانصراف عن حلب، فبارحها يوم الخميس سادس وعشرين ربيع الأول متوجها إلى مكة المكرمة.
ثم في يوم الخميس تاسع عشر ربيع الثاني وصل إلى حلب عثمان باشا واليا عليها. وفي يوم الاثنين سابع جمادى الأولى أزمع صاحب بك الرحيل من حلب إلى استانبول، فأسف الناس على فراقه ودعوا بسلامته.
تأسيس محلة الجميلية:
وفي هذا الشهر ورد الإذن بإحداث محلة في أرض الحلبة، مما يلي طريق عربية إسكندرونة، وأن تسمى بمحلة السليميّة، نسبة إلى نجل السلطان عبد الحميد خان الثاني.
فأخذ الناس بشراء الأراضي هناك وتأسيس الدور. وكان قد أقيم بها قصران عظيمان في السنة الماضية، أحدهما لجميل باشا وثانيهما للمرحوم علي محسن باشا، القائد العام فوق العادة على حلب وأطنه وضواحيها. وهو أول قصر عمر في هذه المحلة. وفي هذا الشهر- أعني شهر جمادى الأولى- كان الشروع بتسليط ماء رأس العين إلى قصبة إسكندرونة، وهي على مقربة من إسكندرونة وتعرف باسم (بيكار باشي) فأجريت إلى الإسكندرونة بكيزان من الحديد وبنيت لها الحياض والقساطل، وكانت النفقة عليها من سكان إسكندرونة.(3/315)
التباس بين مولودين:
في شهر جمادى الثانية اتفق أن امرأتين من اليهود وضعتا في بيت وآن واحد طفلين ذكرين. وكانت القابلة ومن حضر من النسوة يشتغلن بأمهاتهما، فلما فرغن منهن وطلبت كل واحدة ولدها التبس عليهن تعيين كل ولد إلى أمه، ولم يظهر لهن ذلك إلا بعد مشقة زائدة.
وفي هذه السنة جمع مقدار وافر من بزر الجراد. وفي الساعة السابعة والدقيقة الخامسة عشرة من يوم السبت حادي وعشرين محرم سنة 1305 سادس والعشرين أيلول سنة 1303 رومية، وقع في حلب، وعينتاب وكلّز ومرعش، والبستان وأورفة وسروج، زلزال من الغرب إلى الشرق، وامتد نحو نصف دقيقة دون أن يحدث منه خطر. وفي هذا الوقت نفسه حصل زلزال شديد في بعض قرى عينتاب فهدمت عدة دور وهلك بها تحت الردم طفلان وبعض مواش. وفي أوائل صفر كان قدوم حسن باشا والي حلب وسفر سلفه عثمان باشا.
حريق في مرعش وبيادر حلب:
وفي السادس والعشرين حزيران سنة 1304 حدث في مرعش حريق عظيم قوّم ضرره باثني عشر ألف ذهب عثماني، التهمت ناره (520) دكانا و 21 دارا و 11 فرنا وقسما من جامع وخان وتكية المولوية بتمامها. وفي يوم الخميس 17 ذي القعدة و 14 تموز شبت النار في بيادر قارلق بحلب فأحرقت 217 بيدرا.
تفشّي حمى التيفوس في المحابيس:
وفي رجب الفرد سنة 1306 وشباط سنة 1304 فشا بالمحابيس في سجن الحكومة حمّى قتّالة يقال لها حمى تيفوس، وصار يموت بها كل يوم بضعة محبوسين. فعيّنت لهم الحكومة مستشفى في جبل الغزالات أفردتهم به. وبعد ثلاثة أشهر صرفها الله عنهم. وفي شهر ذي القعدة وحزيران شبّت النار في إحدى محلات مرعش ولم تخمد حتى أتت على عشرين دارا، وامرأة وطفل. وفي اليوم الحادي والعشرين رمضان سنة 1306 الثالث عشر أيار سنة 1305 بين الصلاتين، وقع في حلب وأطرافها مطر غزير يصحبه برق ورعد(3/316)
وصواعق وبرد كبار في شمالي حلب، حتى حملت السيول وساقت عدة مواش من بساتين حلب وأراضيها وأغرقت محلة الوراقة، واختنق بها بضعة أوادم.
وفي أوائل ربيع الثاني سنة 1307 المصادف شهر تشرين الثاني سنة 1305 ورد الأمر من النظارة الصحية بإقامة منطقة الحجر الصحي في حدود الولاية، مما يلي الموصل، لما شاع من ظهور الهيضة «1» في الموصل، فأقيمت المنطقة المذكورة في جهة الرّها وحرّان والبيرة والرقة خمسة عشر يوما على كل مارّ من هناك إذا لم يكن معه تذكرة مشعرة بنظافته.
وفي هذا الشهر قدم من استانبول إلى حلب الشيخ وفا ابن الشيخ بهاء الدين ابن الشيخ «محمد وفا الرفاعي» ومعه من حلية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شعرة أعطته إياها امرأة من أكابر نساء استانبول. فتلقاه الناس بالتكريم، ووضعت الشعرة في زاوية الشيخ تراب المتصلة بجامع خسرو باشا. وفي الساعة الثامنة بعد ظهيرة يوم الثلاثاء ثامن عشر شعبان المعظم من هذه السنة المصادف لليوم 27 آذار سنة 1306 بدأ المطر ينهلّ كأفواه القرب، واستمر بهذه القوة العظيمة إلى الساعة الأولى ليلا، حتى طافت الشوارع وبعض جوامع وحمّامات ودكاكين، وأغرق نحو ثلاثين حملا من الأرزّ والملح وغيرهما في خانات باب الجنان، وخسفت الأزقّة، وسقط صاعقة في محلة ساحة بزّة فصدّعت أربعة جدران.
وفي يوم الخميس 12 رمضان سنة 1307 وصل إلى حلب واليا عليها عارف باشا.
وفي صيف هذه السنة ظهر في حلب ونواحيها مرض وافد سماه الناس باسم «أبي الرّكب» وكان وفوده من الممالك الإفرنجية، وكانت أعراضه في حلب أن يبتدئ مع الإنسان بقشعريرة خفيفة تارة وسخونة أخرى، ثم تطبق السخونة ويلزم المريض الفراش، ويشتد معه وجع الرأس والصداع والغثيان بضعة أيام، ثم يشعر بوجع في مفاصله وفي ركبه إلى أن يمضي عليه نحو خمسة عشر يوما تقريبا، فينقه من مرضه. وفي شتاء هذه السنة أيضا انقلب هذا المرض إلى علّة سماها الناس «الفولانزا» وفدت من البلاد الإفرنجية، وهي نزلة صدرية شديدة يصحبها سخونة في الجسم، تستمر نحو عشرين يوما وتنتهي بالشفاء غالبا.(3/317)
وفي يوم الثلاثاء 29 شوال المصادف اليوم الخامس حزيران سنة 1306 في الساعة الرابعة والدقيقة الثالثة والثلاثين ابتدأت الشمس بالكسوف وانتهى الكسف في الساعة الخامسة والدقيقة الرابعة والثلاثين، وبدأ بالانجلاء في الساعة الخامسة والدقيقة الخامسة والثلاثين، فكانت مدة الكسوف من الابتداء إلى انتهاء الانجلاء ساعتين ودقيقتين، ومقدار ما انكسف من قرص الشمس تسع أصابع من اثنتي عشرة أصبعا.(3/318)
سنة 1308 هـ
في يوم الخميس 26 محرّم هذه السنة 29 آب سنة 1306 تواردت الأخبار من جهة مسكنة بأنه أصيب فيها بالهيضة خمسة عساكر بواسطة ثلاثة أفراد من البدو، وقدموا إلى مسكنة من بلد الجزيرة، المنتقل إليها هذا المرض من ديار بكر فبغداد فالبصرة فالهند. ثم في يوم السبت 28 محرم أصيب بالمرض المذكور بضعة أشخاص من النصارى في زقاق أبي ناصر في محلة قسطل الحرامي بحلب. وفي ثاني يوم مات أكثرهم فوضعت الحكومة الحجر على هذا الزقاق عشرة أيام، وفشا المرض في أنطاكية وحمص وحماة وكلّز وعينتاب والبيرة، ولم تزد وفياته اليومية على خمسين نسمة في حلب.
فاهتمت الحكومة بالأسباب التحفظية وبالغت بنظافة البلد، وحظرت بيع الخضر والبقول المضرة، ووضعت في عدة جهات داخل البلد مقدارا عظيما من الزبل اليابس.
ثم في الساعة الحادية عشرة من يوم الاثنين 28 ربيع الأول أمرت أن تضرم النار في هذا الزبل، فعلا الدخان إلى طبقات الجو وانتشر ريحه في جميع البلدة. وكان الغرض من ذلك تنقية الهواء به من المكروبات التي يزعم الأطباء أنها السبب في مرض الهيضة. ثم نبهت الحكومة على مختاري المحلات أن يحملوا كل ساكن في محلتهم على أن يبخّر بيته كل يوم بالقطران والكبريت، ويطرح في المراحيض مقدارا من الزاج والكلس، ويرشّ البيوت بروح الفحم، ويحرق عند باب داره مساء كل يوم مقدارا من الزبل. فامتثل البعض منهم الأمر، فلم يفد ذلك شيئا. إلى أن كان أواخر كانون الثاني تقلّص ظل هذا المرض الذي وقف دولاب التجارة ورفع أسعار العقاقير الافرنجية كالقينا وروح الفحم والكونياك، لانقطاع جلبها من أوروبا، لعدم مجيء البواخر إلى ميناء إسكندرونة بسبب الحجر الصحي المضروب فيما بين أنامور وإسكندرونة برا وبحرا. وكانت مدته خمسة أيام، واستمر ذلك إلى اليوم الثاني والعشرين من كانون الثاني، فألغي الحجر وعادت التجارة إلى ما كانت عليه، ورجع الناس من هربهم. على أن السبب الأعظم لتكرر هذا الداء الوبيل في حلب(3/319)
ماء قناتها ونهرها. يؤيد ذلك فتكه بسكان المحلات التي تشرب من ماء القناة والنهر أشدّ من فتكه فيمن يشرب من ماء غيرهما.
وفي آذار هذه السنة انجس المطر عن بلاد حلب، حتى عدم نصف الموسم. وفي شوال هذه السنة أعني 1308 المصادف شهر مايس، عادت الهيضة إلى حلب وأنطاكية والعمق، وضرب النطاق الصحي على حلب وبلادها. وفي رابع عشر مايس سنة 1307 وقع في البيرة برد واحدته في حجم البيضة واستمر سقوطه نحو ربع ساعة، فكسر زجاجات البيوت وأضرّ بالزروع وحمل سيله فاقتلع بلاط محلّة وادي جنك، وهدم بضعة جسور، ونحو عشرة بيوت، وقتل أربعة أوادم وأهلك مقدارا عظيما من الدوابّ والأمتعة. وفي هذا اليوم وقع نحو هذا في الحمّام الغربي وقرية أربه لي، من قضاء بيلان، فأتلف جميع الزروع، وانقضّت صاعقة فقتلت دابتين وإنسانا. وكذا وقع في عدة قرى من قضاء عينتاب فأتلف زروعها وهدم بيوتها وأهلك كثيرا من دوابها.
وفي حزيران هذه السنة كان الجراد في ولاية حلب كثيرا أكل فيها مبلغا عظيما من زروعها، فاجتمع في هذا العام الوباء على الناس والبرد والجراد على الزرع، فارتفعت أسعار القوت وتعطلت التجارة. وفي ذي الحجة من هذه السنة بعث قائمقام قضاء أنطاكية إلى ولاية حلب عاديّات وجدت قرب الجبل بالموضع المعروف هناك باسم «بين الخراب» يبعد عن أنطاكية مسافة ربع ساعة، وهي تمثال من الصّفر يمثل متصارعين، وشمعدان عليه صورة رأسين مقطوعين متصلين ببعضهما من طرفيهما. وقد فحصها بعض العارفين بالعاديّات فزعم أنها مضى على وجودها في الدنيا ثلاثة آلاف سنة، وقد أرسلت إلى نظارة المعارف.(3/320)
سنة 1309 هـ
في محرّم هذه السنة خفّت وطأة الهواء الأصفر في حلب وحارم وأنطاكية. بعد أن بلغت وفياتها اليومية في حلب مائة شخص وزيادة، ولكنها في هذا الشهر أيضا فشت في عينتاب وكلّز. وفي محرّم هذه السنة أيضا بوشر بستر مجرى المياه القذرة في الخندق الكبير، الذي صار جادة عامة بعد أن قطعت منه الأشجار وثقّف «1» بالتراب من باب حديد بانقوسا إلى حضرة مزار السهرودي. وفي هذا الشهر أيضا فشت علة الهيضة في أورفة فأخذت تحت المنطقة الصحية. ثم في شهر ربيع الأول فشت في إسكندرونة. وفي أواخر شهر رجب تقلص ظل الهيضة من سائر بلاد الولاية ورفع الحجر الصحي عنها. وفي آذار منها وصل إلى حلب جراد كثير طبّق السهل والجبل وملأ قناة حلب وأفسد ماءها، فطبّقتها البلدية بالحجارة الكبيرة من قرية هيلانة إلى قرب ناحية بعادين، منعا لسقوط الجراد فيها.
وقد ترك من القناة بعض مواضع مكشوفة للشرب والوضوء. وطول ما طبق منها ثلاثة عشر ألف ذراع معماري، وجمع من بزر الجراد- قبل أن ينقف- زهاء ستة ملايين أقّة.
وفي هذه السنة بلغت رسوم عدّ الغنم عن سنة 1308 رومية في ثلاثة عشر قضاء ملحقة بحلب (7193242) قرشا موزعا هذا المبلغ على رأس كل شاة ومعزى: ثلاثة قروش ونصف القرش عملة أميرية، سعر الذهب العثماني مئة قرش. وفي ذي القعدة من هذه السنة بوشر بتنظيم جادة الخندق من باب دار الحكومة إلى باب الفرج. وفيها فتح مستشفى الغرباء تحت القلعة قرب سوق الضرب، وسمي مستشفى الغرباء الحميدي، وفرش من أموال إعانة جمعت من أهل الخير. وفيها طبق كثير من مجاري المياه القذرة في حلب، وكانت مكشوفة تنبعث منها الروائح الكريهة وتشوه مناظر الشوارع.(3/321)
سنة 1310 هـ
في محرّم هذه السنة مات ولدان من أهل محلة أقيول، لأكلهما لب عجو المشمش، لسمّ يوجد فيه يقال له حامض الكيالوس. وفي صفر هذه السنة شرع بتعمير المدرسة الحلوية عن يد لجنة خصوصية بنقود مجموعة من أحكار أراضي التلل خارج باب الفرج، قرب السّهروردي. وكانت تعرف قبلا بمناشر الزبل، وهي من جملة أوقاف الحلوية التي وقفها نور الدين الشهيد، وكانت قبلا تلالا عظيمة كالجبال لا يشتريها أحد بقرش واحد.
فلما كثر الناس بحلب وانتشر الأمان خارج سورها أخذ الناس يشترون كل ذراع مربع من التلل المذكورة من متولي المدرسة بعشرين قرشا. ثم تصاعد السعر حتى بيع الذراع على طريقة التحكير الشرعية بذهبين عثمانيين، فأثرى وقف المدرسة المذكورة وكثرت عقاراته، وعمرت المدرسة ظاهرا وباطنا. ومن هذا التاريخ أخذت محلة التلل بالسعة والعمران حتى أصبحت في هذه الأيام من أجمل محلات حلب وألطفها موقعا وأغلاها قيمة.
وقد أسلفنا ذكرها في الكلام على محلة الصليبة الصغرى من الجزء الثاني.
وفي اليوم الخامس من شهر ربيع الأول حدث في سوق رأس الجسر من مدينة أنطاكية حريق أتى على 65 بناء ما بين دار ودكّان. وفيه أيضا كان ستة أشخاص من السامسونيين يشتغلن في طاحون في جهات كلّز أكلوا نباتا يعرف بالفطر فمات منهم ثلاثة. وفي رجب بوشر بتعمير مستودع لزيت البترول المعروف بالكاز في مدينة إسكندرونة. وفيها حول المكتب الإعدادي الملكي في حلب إلى ليلي فبلغت طلبته نيفا وثمانين. وفيها قبضت الحكومة على رجل يستخرج من قرية قرق مغارة (أربعين مغارة) ملح البارود فصادرته وحبسته.
وفي شعبان- المصادف شباط الرومي- حدث عدة هزات أرضية في حلب والرّها ومرعش والبستان وعينتاب والبيرة. وفيها ارتفع سعر التنباك بسبب دخوله تحت شركة الانحصار، فصار المدخنون بالماربيج يستعملون فيه بدل التنباك حب الرز وعرق السّوس، ويزعمون أنه يغني عن التنباك. فلم يقيموا على ذلك غير القليل ثم عادوا إلى التنباك.(3/322)
وفي ربيع هذه السنة كانت الأمطار كثيرة غزيرة في جميع الجهات، فكبست السيول بعض المنازل في الرّها وأنطاكية وغيرهما من البلدان، وطغت المياه على سهول العمق فأغرقت كثيرا من قراه، وكان ذلك ناشئا عن ضيق مصائد السمك المبنية في نهر العاصي، المعروفة في أنطاكية باسم (داليان) . وفيه قذف بحر السويدية قرب «الجوليك» حوتا عظيما طوله- عدا رأسه- ثلاثون ذراعا معماريا، فأخذ الأرمن هناك رأسه واستخرجوا منه مقدارا عظيما من الدهن. وفيها وزعت الحكومة على بعض الزراع حب ذرة صفراء وبيضاء أحضرت من أميركا قصد تجربة محصولها فلم تنجح.
وفي صيف هذه السنة في آب منه اشتد الحر في حلب حتى صعد الزئبق في مقياس السنتغراد في الظل الشمالي إلى الدرجة الأربعين. وفيها تواردت الأخبار من الرقّة بأنه فشا في غنم بعض قراها مرض سببه دودة في كبدها تحصل من رعيها حشيشة اسمها البور.
وفيها عاد لدين الإسلام عشيرة فلجلو في قضاء بازارجق، بعد أن صارت إباحية من الطائفة المعروفة باسم قزل باش (الرأس الأحمر) . وفي يوم الثلاثاء 15 جمادى الثانية وصل إلى حلب واليا عليها الحاج عثمان باشا، وهي ولايته الثانية، وكان كسيحا يحمل بين يدي الرجال ويوضع في عربته ويحمل منها إلى محل جلوسه. وهو من أعظم وزراء الدولة عند السلطان عبد الحميد، محبوبا لديه، لأنه هو الذي سعى بقتل بطل تركيا الفتاة مدحت باشا حينما كان محبوسا في الطائف، وعثمان باشا واليا في الحجاز. وكان هذا الوالي في منتهى درجات السخاء إلا أنه أيضا كان في منتهى درجات قبول الرشوة. وفيها نقل مركز قضاء جبل سمعان إلى قرية خان تومان.(3/323)
سنة 1311 هـ
في ربيع الثاني منها تم افتتاح جادة الخندق، وبدأ الناس يسيرون فيه بكل سهولة.
وكان هذا الخندق بستانا كما بينا ذلك في الكلام على أسوار حلب. وفيه تم بناء القنطرتين المضافتين إلى جسر الناعورة تعريضا له. وفيه ورد من قضاء إدلب أن رجلا في قرية «شلاية» في ناحية «ريحا» ذبح ماعزا مريضة وباع لحمها فكلّ من أكل منه مرض، ومنهم ثلاثة ماتوا. وفيها مدّ السلك البرقي من حلب إلى الرقة على طول 180 ميلا (كيلومتر) . وفيها وضع أساس مسجد وتكية في قرية «حيش» من أعمال قضاء المعرة لزعم مرقد لوليّ هناك اسمه علي خزام. وفيها أحدث في حلب مكتب للإناث تدفع نفقاته من جهة المعارف. وفيها مدّ السلك البرقي من حلب إلى دير الزور.(3/324)
سنة 1312 هـ
في سادس محرّمها توفي الشيخ حسن وادي، ودفن في حجرة غربي قبلية مسجد الزاوية تحت القلعة، قرب باب محلة ألطون بغا. وفي 11 محرّم منها ولي حلب حسن باشا الأشقودري ثانية. وفي جمادى الأولى منها المصادف تشرين الثاني سنة 1310 احترق سوق بيلان. وفيها كان تأليف كتائب الحميدية من عشائر البوادي مضاهاة لعساكر القوزاق عند الدولة الروسية لأنهم من عشائر بواديها. وفيها جعل مركز قضاء حارم في قرية كفر تخاريم تفاديا من وخامة هواء حارم وضيقها، ورغبة في جودة هواء كفر تخاريم وسعتها. وقد تعهد جماعة من أهلها أن يعمروا فيها من أموالهم دارا للحكومة ومستودعا للرديف ومحلا للتلغراف، فوفوا بوعدهم.
عصابات الأرمن:
وفيها استفاضت الأخبار من أنطاكية وإسكندرونة وجسر الشغر أن جماعة من عصابات الأرمن ظهروا في الجبال المتوسطة، بين ناحية السويدية في قضاء أنطاكية وبين ناحية أرسوز في قضاء إسكندرونة، وأنهم تحرشوا ببعض قرى المسلمين والمسيحيين وتعدّوا على أهلها.
فلم يلتفت الوالي- وهو حسن باشا الأشقودري- إلى هذه الأخبار وأراد أن يبقي هذه الحادثة في حيّز الكتمان لغرض لا نعلمه. ولكن هذه القضية لم تقف على حدّ يمكن كتمانها عنده فقد عادت تلك العصابة الأرمنية إلى تعدّيها واشتهر أمرها ثم تعلقت بشعف الجبال «1» وسلكت منها في الشعوب والمضايق حتى وصلت إلى الزيتون من أعمال مرعش.
ولما بلغ الحال هذا المبلغ لم يسع الوالي أن يتغاضى عنه، فندب للتحقيق عن هذه القضية رجالا من حلب أشخصهم إلى جهة السويدية، فتبين لهم أن جماعة من ناشئة الأرمن قدموا على ثغر السويدية من أميركا بقصد الترؤّس على طوائف الأرمن في البلاد العثمانية والقيام(3/325)
على الحكومة لينالوا الاستقلال، وأنهم- بعد أن أهاجوا الفتن والقلاقل في جهات السويدية وأضرموا فيها نار الثورة- تسلقوا الجبال وقصدوا جهة الزيتون ليجعلوها مقرا لحركاتهم الحربية. فلم ترق هذه الأخبار بعين الوالي بل مسخها وشوّه وجه حقيقتها وأذاعها في صحيفة الفرات. والظاهر أن الوالي كان يخشى أن يتطير السلطان منه لحدوث هذه المسألة في أيام ولايته.
ثم إنه لم يمض سوى مدة يسيرة حتى اشتهر الحال وظهر الاختلال في جهات الزيتون حيث انضم إلى تلك العصابة ألوف من الأرمن وثاروا بغتة، وكان من أمرهم ما سنذكره في حوادث السنة التالية. وكان سبب تفاقم أمرهم تغاضي حسن باشا الوالي عن أخبارهم في مبدأ أمرهم، ولذا نقم عليه السلطان وعزله عن ولايته فسافر إلى استانبول وبعد مدة وجيزة أدركته الوفاة. وفيها وضع في مسجد مشهد الحسين بحلب منبر وجرت فيه خطبة في الجمعة والعيدين. وفيها ظهرت علة الهواء الأصفر في حلب وبلغت أقصى وفياتها في اليوم نحو الثلاثين.(3/326)
سنة 1313 هـ
في شوّالها الموافق آذار سنة 1312 ورد من قضاء جسر الشّغر أن الغنم في الجبل الوسطاني قد فشا فيه مرض قتّال، سببه تراكم قراد على أديمه «1» . وبعد أن أشخص إلى تلك الجهة المأمور البيطري وفحص المرض قال: إن علاجه إزالة القراد على الدابة بالنظافة إن كان القراد قليلا، ومسحه بمزيج مركب من جزء من روح الترمنتينا وجزءين من الماء إن كان كثيرا. فاستعمل هذا العلاج ونجح. وفيها ورد من قضاء حارم أن بقرة لعثمان من أهل قرية «أفيز» ولدت عجلا ميتا له رأسان وأربع عيون وأربع آذان وفمان وأربع قوائم. وفيها- في ذي القعدة- وردت الأخبار من جهات السويدية وأنطاكية أن جمعا عظيما من الأرمن الأغراب وفدوا على السويدية وجبل موسى وما جاورهما من القرى الأرمنية، وانضم إليهم شرذمة من زعانف الأرمن الوطنيين، وأخذوا يعيثون بالأرض فسادا. فأشخص إليهم من مركز الولاية جماعة من الثقات للفحص عنهم والتنكيل بهم بعد أن يتبين لهم فساد طريقتهم، ففحصوا الحقيقة وتبين لهم أن تلك الطائفة ومن انحاز إليها هم من الثوار، فقبضوا على بعضهم وهرب البعض الآخر وتشتت شمل تلك العصابة.
وفي 11 جمادي الثاني «2» منها وصل إلى حلب واليا عليها مصطفى ذهني باشا، ثم عزل وولي حلب رائف باشا فوصل إليها في خامس شعبان منها.
تمرد الأرمن في الزيتون:
في شعبان من هذه السنة أيضا أخذت الأخبار تتوارد من الزيتون بأن الأرمن هناك تمردوا على الحكومة وشهروا السلاح على المسلمين وقتلوا وسبوا واستولوا على الثكنة العسكرية وفتكوا بالعسكر والضباط وقتلوا نساءهم وأطفالهم ومثلوا بهم تمثيلا فظيعا(3/327)