الطاطري: "ثقة"1. وقال أبو القاسم الطبراني: "من ثقات المسلمين"2. وذكره ابن حبان في (الثقات) 3 وقال: "يُعْتَبَرُ حديثه من غير رواية بقية ابن الوليد عنه". وقال ابن عديّ: "أرجو أنه لا بأس به"4. وقال الذهبي: "وهو متوسط، حسن الحديث"5.
فهذه أقوال موثقيه ومضعفيه بين أيدينا، والذي يظهر - والله أعلم - أن الرجل فيه ضعف يسير يجعل حديثه مقبولاً في المتابعات، ولذلك قال الذهبي رحمه الله: "متوسط، حسن الحديث". فحديثه بذلك يصلح للاعتبار به، فتكون هذه الطريق متابعةً صالحةً من يحيى بن سعيد لأخيه سعد بن سعيد.
وأما متابعة صفوان بن سليم لسعد بن سعيد: فقد أخرجها أبو داود في (سننه) 6، والحميدي في (مسنده) 7، وكذا الدارمي في (مسنده) 8، وابن حبان في (صحيحه) 9، كلهم من طريق:
عبد العزيز بن محمد، عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد
__________
1 تهذيب التهذيب: (7/94) .
2 المصدر السابق: (7/95) .
(7/271) .
4 الكامل: (5/357) .
5 الميزان: (3/28) .
(2/812) ح 2433. ك الصوم، باب في صوم ستة أيام من شوال.
(1/188) ح 381.
(1/353) ح 1761، باب صيام الستة من شوال.
9 الإحسان: (5/257) ح 3626.(2/388)
كليهما، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب به، وعند أبي داود والحميدي: "فَكَأَنَّمَا صَام الدَّهْرَ". وعند ابن ابن حبان والدارمي: "فذلك صيام الدَّهْرِ".
فهذه متابعة أخرى من صفوان بن سليم - وهو ثقة ثبت - لسعد ابن سعيد. والراوي عنه: هو الدراوردي، وَثَّقَهُ جماعة وَضَعَّفُهُ آخرون من قبل حفظه، وحديثه من كتابه أضبط من حديثه من حفظه، وأنكروا روايته عن عبد الله العمري1. وقال عنه الذهبي: "صدوق، من علماء المدينة، غيره أقوى منه"2. وقال مرة: "حديثه في دواوين الإسلام السِّتَّة، لكنَّ البُخَارِيَّ روى له مقروناً بشيخ آخر، وبكل حالٍ فحديثه وحديث ابن أبي حازم لا ينحط من مرتبة الحسن"3.
قلت: فمثله لا بأس به في المتابعات، فإن روايته لما يرويه الناس دليلُ حفظه وضبطه لهذا الْمَرْوِيِّ، فيكون هذا الإسناد حسناً على أقل تقدير.
وثمَّةَ متابعة ثالثة لسعد بن سعيد؛ إذ تابعه أخوه عبد ربه بن سعيد4، ذكر ذلك ابن القَيِّم رحمه الله، فقال: "رواه أحمد بن يوسف السُّلَمِي شيخ مسلم، وعقيل بن يحيى جميعاً عنه - يعني عبد الله بن يزيد
__________
1 انظر أقوال الأئمة فيه في: الميزان: (2/633) ، وتهذيب التهذيب: (6/354) .
2 الميزان: (2/633) .
3 سير أعلام النبلاء: (8/368) .
4 ابن قيس الأنصاري، أخو يحيى، المدني، ثقة، من الخامسة، مات سنة 139هـ/، وقيل: بعد ذلك/ ع. (التقريب 335) .(2/389)
المقرئ - عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً. وذكره ابن منده، وهو إسناد صحيح موافق لرواية الجماعة، ومقوّ لحديث صفوان بن سليم وسعد بن سعيد"1.
وقد رُوِيَ عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد موقوفاً على أبي أيوب، وسيأتي الكلام على ذلك عند مناقشة إعلاله بالاضطراب.
فهؤلاء الأربعة: سعد، ويحيى، وعبد ربه بنو سعد، وصفوان بن سليم، رووه كلهم: عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب، مما ينفي القول بتفرد "سَعْدٍ" به.
وقد ظهر مما تقدم أن هذه المتابعات صالحة لتقوية رواية سعد بن سعيد، وأن ما رُمِيَتْ به من الضَّعْفِ قد أجيب عنه، وقد أورد هذه المتابعات ابن القَيِّم رحمه الله، وناقشها وبين صلاحيتها لتعضيد رواية سعد، وقد نقلنا طرفاً من كلامه فيما سلف.
وأما قولهم بأنه حديث مضطرب الإسناد مُخْتَلِفٌ: فقد رواه أبو عبد الرحمن المقرئ، عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب موقوفاً. أخرجه النسائي في (الكبرى) 2.
وقد رُوِيَ من طريق: عثمان بن عمرو بن ساج، عن عمر بن ثابت، عن محمد بن المنكدر، عن أبي أيوب3.
قالوا: فهذا يدلُّ على أن طريق سعد بن سعيد غير متصلة؛
__________
1 تهذيب السنن: (3/312) .
(3/240) ح 2878.
3 انظر: علل الدارقطني: ج2 (ق 52/ب) .(2/390)
حيث أسقط منها "محمد بن المنكدر".
وقد رواه إسماعيل بن عَيَّاش، عن محمد بن أبي حميد، عن محمد بن المنكدر، عن أبي أيوب. قالوا: فدل ذلك على أن لرواية محمد بن المنكدر له عن أبي أيوب أصلاً.
وقد رواه أبو داود الطيالسي، عن ورقاء، عن سعد بن سعيد، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب. قالوا: وهذا اختلاف يوجب ضعف الحديث.
وقد نقل ابن القَيِّم كلامهم هذا، وأجاب عنه بما يلي:
أما عن كونه يُروَى موقوفاً، فقال: "فإما أن يقال: الرفع زيادة. وإما أن يقال: هو مخالفة، وعلى التقديرين: فالترجيح حاصلٌ بالكثرة والحفظ؛ فإن صفوان بن سليم ويحيى بن سعيد - وهما إمامان جليلان - وسعد بن سعيد - وهو ثقة محتجٌّ به في الصحيح - اتفقوا على رفعه، وهم أكثر وأحفظ".
قال: "على أن المقرئ - يعني راويه عن شعبة - لم يُتَّفَقْ عنه على وقفه، بل قد رواه أحمد بن يوسف السُّلمي شيخ مسلم، وعقيل بن يحيى جميعاً عنه، عن شعبة، عن عبدربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً، وذكره ابن منده، وهو إسناد صحيح".
قال: "وأيضاً فقد رواه محمد بن جعفر غندر، عن شعبة، عن ورقاء، عن سعد بن سعيد مرفوعاً كرواية الجماعة، وغندر أصحُّ الناس(2/391)
حديثاً في شعبة"1.
وأما رواية عثمان بن عمرو بن ساج2، وإدخاله "محمد بن المنكدر" بين عمر بن ثابت، وأبي أيوب، فأجاب عن ذلك ابن القَيِّم بقوله: "وأما حديث عثمان بن عمرو بن ساج: فقال أبو القاسم بن عساكر في (أطرافه) عقب روايتها: هذا خطأ، والصواب: عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب. من غير ذكر محمد بن المنكدر. وقد قال أبو حاتم الرازي: عثمان والوليد ابنا عمرو بن ساج يُكتبْ حديثهما ولا يحتجُّ بهما3. وقال النسائي: رأيت عنده كتباً في غير هذا، فإذا أحاديث شبه أحاديث محمد بن أبي حميد، فلا أدري: أكان سماعه من محمد أم من أولئك المشيخة؟ فإن كانت تلك الأحاديث أحاديثه عن أولئك المشيخة، ولم يكن سمعه من محمد، فهو ضعيف".
قال: "وأما رواية إسماعيل بن عياش له عن محمد بن أبي حميد4: فإسماعيل بن عياش ضعيف في الحجازيين، ومحمد بن أبي حميد: متفق على ضعفه ونكارة حديثه، وكأن ابن ساج سرق هذه الرواية من محمد بن أبي حميد، والغلط في زيادة محمد بن المنكدر منه".
__________
1 تهذيب السنن: (3/312) .
2 الجَزَرِي، مولى بني أمية، وقد يُنسبُ لجده، فيه ضعف، من التاسعة/ س. (التقريب 386) .
3 الجرح والتعديل: (3/1/162) .
4 واسم أبي حميد: إبراهيم، الزُّرَقِي، الأنصاري، أبو إبراهيم المدني، لقبه حماد، ضعيف، من السابعة/ ت ق. (التقريب 475) .(2/392)
ثم قال رحمه الله: "وأما رواية أبي داود الطيالسي: فمن رواية عبد الله بن عمران الأصبهاني1 عنه. قال ابن حبان: كان يُغْرِب2 وخالفه يونس بن حبيب3 فرواه عن أبي داود4، عن ورقاء بن عمر، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، موافقة لرواية الجماعة"5.
فظهر بذلك أن هذا الاختلاف غير مُؤَثِّر، وأن هذه الروايات لا تُقَاوِمُ رواية سعد بن سعيد - ومن تابعه - حتى تُعِلَّهَا.
وقد رَجَّحَ الدارقطني - أيضاً - رواية سعد بن سعيد، فإنه ساق الاختلاف في هذا الحديث، ثم قال: "والصواب حديث أبي أيوب" فساقه بإسناده إلى سفيان الثوري، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً. وأشار قبل ذلك إلى ترجيح هذه الرواية بقوله: "يرويه جماعة من الثقات الحفاظ عن سعد بن سعيد ... " فذكر من هؤلاء الحفاظ جملة6.
وأما قولهم بأنه حديث شاذ تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت، لم يروه عن
__________
1 نزيل الريِّ، صدوق، من كبار الحادية عشرة/ ق. (التقريب 316) .
2 ترجمه في الثقات: (8/359) . وهناك كلام محله بياض، فلعل هذه العبارة مما سقط منه.
3 راوي المسند عن الطيالسي.
4 في مسنده: (وتقدمت) .
5 تهذيب السنن: (3/313) .
6 انظر العلل: ج2 (ق52) .(2/393)
أبي أيوب غيره: فقد أجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - عن ذلك فقال: "ليس هذا من الشاذ الذي لا يُحْتجُّ به، وكثير من أحاديث الصحيحين بهذه المثابة، كحديث "الأعمال بالنيات"، تَفَرَّدَ علقمة بن وقاص به، وتفرد محمد بن إبراهيم التيمي به عنه، وتفرد يحيى بن سعيد به عن التيمي. وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: ليس الشاذ أن يَرْوِي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ: أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس.
وأيضاً: فليس هذا الأصل مما تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت، لرواية ثوبان وغيره له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تَرْجَمَ ابن حبان على ذلك في (صحيحه) فقال - بعد إخراجه حديث عمر بن ثابت -: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت، عن أبي أيوب. وذكر حديث ثوبان من رواية هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث الذَّمَارِي، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان"1.
وبعد، فقد ثبت أن هذا الحديث صحيح ثابت، معمول به عند جمهور الأمة، وكَفَى به صحَّةً أنَّ مُسْلِمَاً أودعه في (صحيحه) ، وقد صَحَّحَهُ - مع ذلك - جَمْعٌ من العلماءِ؛ فقال الترمذي: "حسن صحيح". وصَحَّحَهُ الدارقطني من طريق سعد بن سعيد كما مضى من كلامه. وقال
__________
1 تهذيب السنن: (3/313) .(2/394)
البغوي: "حديث صحيح"1. وقال النووي: "رواه أبو داود بإسناد صحيح"2. وقال ابن الملقن: "وقد روى هذا الحديث عن سعد بن سعيد ... عشرون رجلاً، أكثرهم ثقات حفاظ أثبات، وقد ذكرتُ كل ذلك عنهم موضحاً في: تخريجي لأحاديث الْمُهَذَّب، مع الجواب عَمَّنَ طَعَنَ في سعد بن سعيد، وأنه لم يتفرد به، وتُوبِعَ عليه، وذكرت له ثماني شواهد، وأجبتُ عن كلام ابن دحية الحافظ، فإنه طَعَنَ فيه، فَرَاجِعْهُ فإنه من الْمُهْمَّاتِ التي يُرْحَلُ إليها"3. وقال المناوي: "وَطَعَنَ فيه من لا علم عنده، وغره قول الترمذي: حسن، والكلام في راويه، وهو: سعد بن سعيد، واعتنى العراقيُّ بجمع طرقه، فأسنده عن بضعة وعشرين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد، كلهم حفاظ أثبات"4.
قال صاحب (تحفة الأحوذي) 5: "فإن قلتَ: كيف صَحَّحَ الترمذي حديث سعد بن سعيد المذكور، مع تصريحه بأنه قد تَكَلَّمَ فيه بعض أهل الحديث من قِبَل حفظه؟؟ قلتُ: الظاهر أنَّ تصحيحه لتعدد الطرق، وقد تَقَدَّمَ في المقدمة: أنَّه قد يصححُ الحديث لتعدد طرقه".
أما ابن القَيِّم رحمه الله: فإنه أَجَادَ وَأَفَاد في ردِّ العلل التي رُمِيَ بها هذا الحديث، كما تَقَدَّمَ كلامه في ذلك، ثم ساق جملة من الشواهد لهذا الحديث وتَكَلَّمَ عليها، فذكر منها حديث: ثوبان، وجابر، وأبي هريرة، وشداد بن أوس رضي الله عنهم6.
__________
1 شرح السُّنَّة: (6/331) .
2 المجموع: (6/347) .
3 البدر المنير: ج4 (ق336/أ) .
4 فيض القدير: (6/161) .
(3/468) .
6 انظر: تهذيب السنن: (3/309 - 310) .(2/395)
6- من كتاب الحج
1- باب الإهلال بعمرة من بيت المقدس
46- (1) عَنْ أُمِّ سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ أَحْرَمَ بعمرةٍ من بيتِ الْمَقْدِسِ، غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ". وفي لفظ: "كَانَت كفارةً لما قَبْلَهَا من الذُّنُوبِ".
قال ابن القَيِّم: " ... حديث لا يثبت، وقد اضطُرِبَ فيه إسناداً ومتناً اضطراباً شديداً"1.
وقال مرة: "قال غير واحد من الْحُفَّاظ: إسناده ليس بالقويِّ"2.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3 - ومن طريقه البيهقي4 - والدارقطني في (سننه) 5، والبخاري في (تاريخه) 6 من طرق عن:
ابن أبي فُدَيْك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يُحَنِّس7، عن
__________
1 زاد المعاد: (3/300 - 301) .
2 تهذيب السنن: (2/284) .
(2/355) ح 1741 ك المناسك، باب في المواقيت.
4 في سننه: (5/30) .
(2/283) ح 210 ك الحج، باب المواقيت.
(1/1/161) .
7 حجازي، مقبول، من السادسة/ م د. (التقريب 311) .(2/399)
يحيى بن أبي سفيان الأخنسي1، عن حكيمة بنت أمية2، عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها سمعتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أَهَلَّ بعمرة أو حَجَّةٍ من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه وما تَأَخَّرَ - أو وَجَبَتْ له الجنة -". وشكَّ عبد الله أيتهما قال. هذا لفظ أبي داود، وعند الدارقطني بدون شكٍّ "ووجبت"، وعند البخاريِّ "غُفِرَ ما تَقَدَّمَ من ذنبه" فقط.
قال ابن القَيِّم رحمه الله: " ... هذا هو الصواب بـ "أو"، وفي كثير من النسخ: "وَوَجبتْ" بالواو، وهو غلط"3.
ووقَعَ في رواية البخاريّ: "محمد بن عبد الرحمن بن يحنس" بدل "عبد الله بن عبد الرحمن" عند الباقين. قال الحافظ ابن حجر: "وكأن الذي في رواية البخاري أصحُّ"4.
وأخرجه الدارقطني في (سننه) 5، وابن حبان في (صحيحه) 6 من طريق:
محمد بن إسحاق، عن سليمان بن سُحَيْم7 عن يحيى الأخنسي،
__________
1 مستور، من السادسة، قد أرسل عن أبي هريرة وغيره/ د ق. (التقريب 591) .
2 ابن الأخنس، مقبولة، من الرابعة/ د ق. (التقريب 745) .
3 تهذيب السنن: (2/284) .
4 التلخيص الحبير: (2/230) .
(2/284) ح 212.
6 الإحسان: (6/5) ح 3693.
7 أبو أيوب المدني، صدوق، من الثالثة/ م د س ق. (التقريب 251) .(2/400)
عن حكيمة، عن أم سلمة مرفوعاً، ولفظه: "مَنْ أَهَلَّ بعمرةٍ من المسجد الأقصى، غُفِرَ له مَا تَقَدَّمَ من ذنبه" زاد ابن حبان: "فَرَكِبَتْ أُمُّ حكيم إلى بيت المقدس حَتَّى أَهَلَّتْ منه بعمرة".
ومن الطريق نفسه أخرجه ابن ماجه في (سننه) 1 فجعله: عن "سليمان بن سُحَيم، عن حكيمة بنت أمية"، بإسقاط "يحيى الأخنسي".
وأخرجه ابن ماجه أيضاً، من طريق ابن إسحاق، عن يحيى الأخنسي، عن حكيمة، عن أم سلمة، مرفوعاً، ولفظه: "مَنْ أَهَلَّ بعمرة من بيت المقدس، كانت كفارة لِمَا قبلها من الذنوب" 2.
وأخرجه أحمد في مسنده3 من طريق: ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة4، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعَة5، عن حكيمة، عن أم سلمة به.
وأخرجه الدارقطني في (سننه) 6 من طريق: الواقدي7، عن
__________
(2/999) ح 3001 ك المناسك، باب من أهل بعمرة من بيت المقدس.
2 سنن ابن ماجه: (2/999) ح 3002.
(6/299) .
4 ابن شرحبيل بن حسنة الكندي، أبو شرحبيل، المصري، ثقة، من الخامسة، مات سنة 136 هـ / ع. (التقريب 140) .
5 الأنصاري، المدني، ثقة، من الثالثة/ خ د س ق. (التقريب 311) .
(2/283) ح 211.
7 هو: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، المدني، القاضي، نزيل بغداد، متروك مع سعة علمه، من التاسعة، مات سنة 207هـ/ ق. (التقريب 498) .(2/401)
عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس، عن يحيى الأخنسي، عن أم حكيم، عن أم سلمة به.
وهذا الحديث ضعيف، مضطرب المتن والسند.
أما ضعفه: فقال الإمام البخاري: "لا يثبت" كذا نقل الذهبي1 وابن حجر2 أنه قال ذلك في (التاريخ) ، ولم أقف على هذه اللفظة فيه، والذي فيه قوله - بعد أن روى الحديث في ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن يحنس -: "ولا يُتَابع في هذا الحديث؛ لأنه وَقَّتَ ذا الحُلَيْفَةَ والجُحْفَةَ، وأهَلَّ عليه الصلاة والسلام - من ذي الحليفة"3. وقال الحافظ المنذري في كلامه على أحاديث المهذب: "حديث غريب"4. وأَعَلَّهُ ابن القَطَّان بجهالة أم حكيم، فقال: "لا يُعْرَفُ حالها"5. وقال الإمام النووي: "إسناده ليس بالقويِّ"6.
وَرَمَزَ له السيوطي بالضعف في (الجامع الصغير) 7. وقال الشيخ الألباني: "إسناده ضعيف"8.
__________
1 في الميزان: (3/622) .
2 في التلخيص الحبير: (2/230) .
3 التاريخ الكبير: (1/1/161) .
4 البدر المنير: ج 4 (ق365) .
5 بيان الوهم والإيهام: (5/731) .
6 المجموع: (7/179) .
7 مع فيض القدير: (6/91) ح 8544.
8 التعليق على المشكاة: (2/777) ح 2532.ذ(2/402)
وأما اضطرابه: فقد تَقَدَّمَ الاختلافُ في إسناده، وكذا اختلاف ألفاظه وتباينها، ولذلك قال الحافظ المنذري: "وقد اخْتَلَفَ الرواة في متنه وإسناده اختلافاً كثيراً"1. وقال الحافظ ابن كثير: "وفي حديث أمِّ سلمة هذا اضطراب". كذا نقله عنه الشوكاني في (نيل الأوطار) 2. ونقل ابن الملقن عن الدارقطني أنه أَعَلَّهُ بالاختلاف في إسناده، ثم قال: "وهو كما قال"3. وقد تَقَدَّمَ قول ابن الملقن رحمه الله: "وقد اضطرب فيه إسناداً ومتناً اضطراباً شديداً".
وقد أَوْرَدَهُ الشيخ الألباني في (السلسلة الضعيفة) 4 وبَيَّنَ ضَعْفَ سَنَدِهِ وأشار إلى اضطرابه، ثم تَعَقَّبَ المنذري في تصحيحه إياه فقال: "ثم إن المنذري كأنه نسي هذا - يعني إعلاله إياه بالاضطراب كما مضى - فقال في الترغيب والترهيب5: رواه ابن ماجه بإسناد صحيح! ". وذكره في (ضعيف الجامع) 6 (وضعيف سنن ابن ماجه) 7.
فَلَتَخَّصَ من ذلك: أنَّ هذا الحديثَ ضعيفٌ ومضطربٌ كما قال ابن القَيِّم رحمه الله.
__________
1 مختصر سنن أبي داود: (2/285) .
(5/25) .
3 البدر المنير: ج4 (ق365) .
(ح 211) .
(2/190) .
(ح 5358) .
(ح 646، 647) .(2/403)
2- باب لا تنتقب المرأة المحرمة
47- (2) حَدِيث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: "إِحْرَامُ الرَّجُلِ في رَأْسِهِ، وإحرامُ المرأةِ في وجهها".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (تهذيب السنن) 1 - في معرض ردِّه على القائلين بوجوب كشف المرأة المحرمة وجهها - ثم قال: "هذا الحديث لا أصل له، ولم يَرْوِهِ أحدٌ من أصحاب الكُتُبِ المعتمد عليها، ولا يُعرَفُ له إسناد، ولا تقوم به حُجَّةٌ، ولا يُترَكُ له الحديث الصحيح الدَّال على أن وجهها كبدنها، وأنه يَحْرُمُ عليها فيه ما أُعْدَّ للعضو؛ كالنِّقَابِ والبُرْقَع ونحوه، لا مُطْلَقُ السِّتْرِ كاليدين".
قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني في (سننه) 2، والطبراني في (الأوسط) 3، والبيهقي في (سننه) 4، والعقيلي في (الضعفاء) 5، وابن عديّ في (الكامل) 6، كلهم من طريق:
__________
(2/350) .
(2/294) ح 259.
3 انظر: مجمع البحرين: (ق74/ب) ك الحج، باب ما يلبس المحرم.
(5/47) .
(1/116) في ترجمة "أيوب بن محمد".
(1/349) في ترجمة "أيوب" أيضاً.(2/404)
عبد الله بن رجاء1، عن أيوب بن محمد2، عبد عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً، ولفظه: "ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها". وعند الطبراني وابن عدي: "حرم" بدل "إحرام".
وقد أخرجه الطبراني في (الكبير) 3 بالإسناد نفسه، لكن جعله موقوفاً، والظاهر أنه خطأ؛ لأن الإسناد هو نفسه إسناده في (الأوسط) ، من شيخ الطبراني إلى آخره، بالإضافة إلى اتفاق هؤلاء الجماعة على روايته بهذا الإسناد مرفوعاً.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث بعلتين:
1- الكلام في أيوب بن محمد اليمامي.
2- وأن الصواب فيه الوقف على ابن عمر.
أما العلة الأولى، وهي الكلام في أيوب بن محمد: فقال فيه ابن معين: "لا شيء"4. وسأله عند الدارمي؟ فقال: "شيخ يماميٌّ ضعيف"5.
__________
1 ابن عمر الغداني، بصري، صدوقٌ يَهِمُ قليلاً، من التاسعة، مات سنة 220هـ / خ خد س ق. (التقريب 302) .
2 أبو سهل العجلي، اليَّمَامي، لقبه: أبو الجمل. ضَعَّفَهُ جماعةٌ، وَوَثَّقَهُ بعضهم، وسيأتي كلام العلماء فيه مُفَصَّلاً.
ترجمته في: الجرح والتعديل: (1/1/257) ، والضعفاء للعقيلي: (1/116) ، والميزان: (1/292) .
(12/370) ح 13375.
4 الجرح والتعديل: (1/1/257) .
5 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص179) رقم 645.(2/405)
وقال أبو زرعة: "منكر الحديث"1. وقال العقيلي: "يَهِمُ في بعض حديثه"2. وقال ابن حبان: "كان قليلَ الحديث، ولكنه خالفَ النَّاس في كلِّ ما روى، فلا أدري: أكان يَتَعَمَّدُ، أو يقلبُ وهو لا يَعْلَم"3. وقال الدارقطني: "مجهول"4.
وقال أبو حاتم: "لا بأس به"5. وَوَثَّقَهُ يعقوبُ الفَسَويّ6.
والذي يظهر: رُجْحَان جانب الجرح على جانب التعديل في هذا الرجل، ولاسيما أن بعضهم قد بَيَّنَ سبب الجرح.
ولذلك فقد أَعَلَّ جماعة من أهل العلم هذا الحديث بأيوب هذا: فقال البيهقي: "وأيوب بن محمد أبو الجمل ضعيفٌ عند أهل العلم بالحديث، فقد ضَعَّفَهُ يحيى بن معين وغيره"7. وقال ابن القطان: "لا يصحّ"8، وقال الذهبي في (تهذيب سنن البيهقي) : "وفيه أيوب بن
__________
1 الجرح والتعديل: (1/1/257) .
2 الضعفاء: (1/116) .
3 المجروحين: (1/166) .
4 السنن: (1/149) .
5 الجرح والتعديل: (1/1/257) .
6 الميزان: (1/292) .
7 السنن: (5/47) .
8 بيان الوهم والإيهام: (5/730) .(2/406)
محمد أبو الجمل، ضَعَّفَهُ ابن معين، وغيره"1. وقال الهيثمي: "وفيه أيوب بن محمد اليمامي، وهو ضعيف"2،. وقال الحافظ ابن حجر: "وفي إسناده أيوب بن محمد أبو الجمل، وهو ضعيف"3.
وأما العلّة الثانية، وهي أنه يُروى موقوفاً، وأنه الصواب: فإن أيوب بن محمد هذا - مع ضعفه - قد خُولِفَ فيه: فأخرجه الدارقطني في (سننه) 4 - ومن طريقه البيهقي5 - من طريق: هشام بن حَسَّان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: "إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه".
وأخرجه العقيلي في (الضعفاء) 6، وابن حزم في (المحلى) 7 من طريق: سعيد بن منصور، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن عمر بالإسناد نفسه إلى ابن عمر قال: "الذِّقْنُ مِنَ الرأسِ فلا تُغَطِّهِ" وقال: "إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرَّجُلِ في رأسه".
فقد خالف سفيان بن عيينة، وهشام بن حسان أيوب بن محمد في رواية هذا الحديث، فروياه موقوفاً على ابن عمر من قوله.
وقد حَكَمَ الأئمة لرواية الوقف وحكموا على الرواية المرفوعة
__________
1 انظر: فيض القدير: (5/369) .
2 مجمع الزوائد: (3/219) .
3 التلخيص الحبير: (2/272) .
(2/294) ح 260.
5 في سننه: (5/47) .
(1/116) .
(7/92) .(2/407)
بالوهم، فقال العقيلي: "لا يُتَابع على رفعه، إنما هو موقوف"1. وقال الطبراني: "لم يرفعه عن عبيد الله بن عمر إلا أيوب، تَفَرَّدَ به عبد الله بن رجاء"2. وقال ابن عدي: "هذا الحديث لا أعلم يرفعه عن عبيد الله غير أبي الجمل هذا، وأبو الجمل لا أعرف له كثير شيء"3. وقال الدارقطني: "تَفَرَّدَ برفعه أيوب هذا، والصواب وقفه"4. وقال البيهقي: "المحفوظ موقوف"5. وقال الذهبي: "المحفوظ موقوف"6.
فَتَبَيَّنَ من ذلك: أن هذا الحديث لا يصحُّ رَفْعُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الصواب أنه من كلام ابن عمر رضي الله عنهما.
فإذا تقرر ذلك، فإننا لا نوافق ابن القَيِّم - رحمه الله - على قوله:
- إن الحديث لا أصل له، إلا أن يقصد: لا أصل له مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- وأنه لم يروه أحدٌ من أصحاب الكتب الْمُعْتَمَدِ عليها.
- وأنه لا يُعرف له إسناد.
فإنه قد ثَبَتَ من خلال هذه الدراسة خلاف ذلك، والله أعلم.
__________
1 الضعفاء: (1/116) .
2 مجمع البحرين: (ق 74/ب) .
3 الكامل: (1/349) .
4 التلخيص الحبير: (2/272) ، وفيض القدير: (5/369) .
5 السنن: (5/47) .
6 الميزان: (1/292) .(2/408)
3- باب لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين
48- (3) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّه سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى النَّساء في إِحْرَامِهِنَّ عن القُفَّازَينِ والنقابِ ... ". وفي رواية: "المحرمة لا تنتقب، ولا تلبس القفازين".
أورد ابن القَيِّم هذا الحديث مستدلاً به على القول بتحريم لبس القفازين للمحرمة، وَرَدَّ على من قَالَ بأنه معلولٌ بالوقفِ على ابن عمر1. وسيأتي.
هذا الحديث مداره على نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، واخْتُلِفَ فيه على نافع.
فأخرجه البخاري في (صحيحه) 2، والترمذي في (جامعه) 3، والنسائي في (سننه) 4، وأحمد في (مسنده) 5، والبيهقي في (السنن) 6، كلهم من طريق: الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجلٌ فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟
__________
1 تهذيب السنن: (2/351 - 352) .
2 ك جزاء الصيد، باب ما يُنْهَى من الطيب للمحرم ... ح 1838. (فتح الباري: 4/52) .
(3/185) ح 833، باب فيما لا يجوز للمحرم لبسه.
(5/133) باب النهي أن تنتقب المرأة الحرام.
(2/119) .
(5/46) .(2/409)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس، إلا أن يكون أحدٌ ليست له نعلان فليلبس الخفين، وليقطع أسفل من الكعبين. ولا تلبسوا شيئاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ1 ولا الوَرْسُ2. ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين". هذا لفظ البخاري، ولفظ الباقين بنحوه، إلا أن عندهم زيادة قوله: "ولا الخِفَاف ".
وأخرجه النسائي، والبيهقي في (سننيهما) 3 من طريق: موسى بن عقبة4، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً بنحو حديث الليث المتقدم، إلا أن البيهقي عنده زيادة أشار إليها، وهي: "وكان عبد الله بن عمر يأمر المرأة بِزَرِّ الجلباب إلى جبهتها". وهذا الإسناد صحيح، كما سيأتي من كلام العراقي رحمه الله.
وأخرجه أبو داود في (سننه) 5، وأحمد في (مسنده) 6، والحاكم في (المستدرك) 7 من طريق:
محمد بن إسحاق، حدثني نافع - كذا أبو داود والحاكم، وعند أحمد: عن نافع - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - "أنه سمع
__________
1 الزَّعْفَرَان: لَونٌ مَنَ الطِّيبِ تُصْبَغُ به الثِّيَابِ. (لسان العرب: ص1833) .
2 الوَرْسُ: نبت أصفر يصبغ به. (النهاية: 5/173) .
3 س: (5/135) باب النهي عن أن تلبس المحرمة القفازين، هق: (5/46) .
4 ابن أبي عيَّاش، الأسدي، مولى آل الزبير، ثقة فقيه، إمام في المغازي، من الخامسة، لم يصح أن ابن معين لَيَّنَهُ، مات سنة 141هـ / ع. (التقريب 552) .
(2/412) ح 1827، باب ما يلبس المحرم.
(2/32) .
(1/486) .(2/410)
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهنَّ عن: القفازين، والنقاب، وما مسَّ الورس والزعفران من الثياب، ولتلبسْ بعد ذلك ما أَحَبَّتْ من ألوان الثياب: معصفراً، أو خَزَّاً، أو حُلِّياً، أو سراويل، أو قميصاً، أو خُفَّاً". لفظ أبي داود، ولفظ الحاكم نحوه، لكن لفظ أحمد: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ينهى الناس إذا أحرموا عما يُكرَهُ لهم من الثياب ... وسمعته ينهى النساء عن القُفَّازِ، والنقاب، وما مسَّ الورس والزعفران من الثياب".
قال أبو عبد الله الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. وقال النووي: "رواه أبو داود بإسناد حسن، وهو من رواية محمد بن إسحاق صاحب المغازي، إلا أنه قال: حدثني نافع، عن ابن عمر، وأكثر ما أُنْكِرَ على ابن إسحاق التدليس، وإذا قال المدلس: حَدَّثَنِي، احْتُجَّ به على المذهب الصحيح المشهور"1. وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح"2.
وأخرجه أبو داود في (سننه) 3 من طريق: إبراهيم بن سعيد4، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الْمُحْرِمَةُ لا تنتقب ولا تلبس القفازين".
قال أبو داود: "إبراهيم بن سعيد المديني شيخ من أهل المدينة ليس
__________
1 المجموع: (7/232) .
2 مسند أحمد بتعليق أحمد شاكر: (6/332) ح 4740.
(2/412) ح 1826.
4 المدني، أبو إسحاق، مجهول الحال، من السابعة/ د. (التقريب 89) .(2/411)
له كبير حديث". وقال ابن عدي: "وهذا الحديث لا يُتَابَعُ إبراهيمُ هذا على رفعه، ورواه جماعة عن نافع، عن ابن عمر"1. قال الحافظ العراقي: " ... لكن رواه البيهقي من رواية فضيل بن سليمان، عن موسى بن عقبة، عن نافع - وقد تَقَدَّمَتْ هذه الرواية - ومن وراية جويرية عن نافع -وستأتي- وإسنادهما صحيح، ففيه ترجيحٌ لرواية إبراهيم بن سعيد، وَرَدٌّ لقول ابن عديٍّ: أنه تَفَرَّدَ برفعه"2.
وأخرجه البيهقي في (سننه) 3 من رواية: جويرية4، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث الليث عن نافع المتقدم، ورواه من طريق آخر عن جويرية مختصراً.
وقد تقدم قبل قليل تصحيح الحافظ العراقي لإسناد جويرية هذا.
فهؤلاء جميعاً: الليث بن سعد، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، وإبراهيم بن سعيد، وجويرية بن أسماء، رووه عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أشار البخاري - رحمه الله - إلى كلَِّ هذه الروايات عقب إخراجه من طريق الليث بن سعد الماضي.
ورواه مالك - رحمه الله - عن نافع، عن ابن عمر رضي الله
__________
1 الكامل: (1/257) .
2 طرح التثريب: (5/43) .
(5/47) .
4 ابن أسماء بن عبيد الضُّبَعي، البصري، صدوق، من السابعة، مات سنة 173هـ/ خ م د س ق. (التقريب 143) .(2/412)
عنهما - أنه كان يقول: "لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلتبس القفازين"1. هكذا موقوفاً على ابن عمر. وتابعه على وقفه: ليث بن أبي سليم، كما أشار إليه البخاري رحمه الله.
ورواه عبيد الله بن عمر العُمَري، عن نافع، فَفَصَلَ المرفوع عن الموقوف، أخرج ذلك ابن خزيمة في (صحيحه) 2، من حديث: بشر بن المفضل، عن عبد الله عن نافع، عن ابن عمر: أن رجلاً قال: يا رسول الله ماذا نلبس من الثياب إذا أحرمنا؟ فقال: "لا تلبسوا القُمُصَ ولا السراويلات، ولا البرانسَ، ولا العمائمَ، والا القلانسَ، ولا الخفافَ ... ". قال: وكان عبد الله يقول: "ولا تنقب المرأة، ولا تلبس القفازين".
فهذه أوجه رواية هذا الحديث عن نافع، رفعه بعضهم وهم الأكثر، ووقفه آخرون، وفصل عبيد الله العُمَرِي بين المرفوع والموقوف.
وقد أَعَلَّ قومٌ الرواية المرفوعة، وقالوا: إن قوله: "لا تنتقب المرأة ... " من قول ابن عمر، وقد أُدْرجَ في الحديث. قال ذلك: أبو علي الحافظ، كما نقله عنه الحاكم3. ووافق على دعوى الإدراج: الحافظ ابن حجر رحمه الله، فقال: " ... والغرض أن مالكاً اقتصر على الموقوف فقط، وفي ذلك تقوية لرواية عبيد الله، وظهر الإدراج في رواية غيره"4.
__________
1 الموطأ: (1/328) ح 15 ك الحج، باب تخمير المحرم وجهه.
(4/162) ح 2597، باب ذكر الثياب الذي زجر المحرم عن لبسها في الإحرام.
3 انظر: سنن البيهقي: (5/47) .
4 فتح الباري: (4/53) ، وانظر: (شرح الموطأ) للزرقاني: (2/233) .(2/413)
ولم يوافق ابن دقيق العيد على دعوى الإدراج، فقال معقباً على كلام أبي علي السالف: "وهذا يحتاج إلى دليل؛ فإنه خلاف الظاهر، وكأنه نَظَرَ إلى الاختلاف في رفعه ووقفه ... وهذا غير قادحٍ؛ فإنه يمكن أن يُفْتي الراوي بما يرويه". ثم استدلَّ - رحمه الله - على بطلان دعوى الإدراج بوجهين:
أحدهما: أنه ورد النهي عن لبس المحرمة النقاب والقفازين مفرداً، كما في رواية أبي داود المتقدمة من طريق "إبراهيم بن سعيد".
الثاني: أنه جاء النهي عن النقاب والقفازين مبدوءاً به الحديث - يعني رواية أبي داود من طريق محمد بن إسحاق - قال: "وهذا أيضاً يمنع الإدراج"1.
وقد أجاب الحافظ العراقي عن كلام ابن دقيق العيد هذا من وجهيه:
أما الوجه الأول: فإن حديث إبراهيم بن سعيد ضعيف، لجهالة إبراهيم. ولكنه يَتَقَوَّى ويزول تفرده بمتابعة من تابعه: كموسى بن عقبة، وجويرية.
وأما الوجه الثاني: فإن عبيد الله بن عمر أحفظ من ابن إسحاق، وقد فَصَلَ المرفوع عن الموقوف، فروايته أولى2.
__________
1 انظر كلام ابن دقيق العيد في: نصب الراية: (3/26 - 27) .
2 انظر: طرح التثريب: (5/43) .(2/414)
وقد ردَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - القولَ بإعلال هذا الحديث، وقال بأن إعلاله بالوقف باطلٌ؛ فإن البخاري وغيره قد رووه حديثاً واحداً متصلاً؛ والبخاري - رحمه الله - حَكَى الخلاف فيه، ومع ذلك لم يره مؤثراً في صحة الحديث، أو معللاً له1.
قلت: والجمع - في نظري - بين هذه الروايات أولى من إعلال بعضها؛ فإن إعلال الرواية المرفوعة يلزم منه تخطئة الثقات بدون دليل ظاهر.
فقد رواه جمعٌ من الثقات - وعلى رأسهم الليث بن سعد - عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً متصلاً بنهي النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن لبس البرانس والخفاف وغير ذلك، وأخرج البخاري - رحمه الله - هذه الرواية، وحكى وجوه الاختلاف الواقعة فيها، فلو كانت هذه الرواية المرفوعة معلولةً عنده لما أخرجها في الباب معتمداً عليها، ولَقَدَّمَ عليها الرواية الموقوفة.
وكذا صنع الإمام الترمذي رحمه الله، فإنه أخرجها كما أخرجها البخاري، ثم قال: "هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم". ولا أظن أنه قد خفي عليه ما علمه غيره، من كون هذه الجملة الأخيرة قد رُويت موقوفة.
وقال ابن عبد البر: "رَفْعُهُ صحيح عن ابن عمر"2.
__________
1 انظر: تهذيب السنن: (2/351 - 352) .
2 حكاه عنه أبو زرعة العراقي في (طرح التثريب) : (5/42) .(2/415)
وصححه الحاكم - كما تقدم - وحَسَّنَهُ النوويُّ، وقَوَّاهُ العراقي.
فلا مانع حينئذ من أن يكون ابن عمر - رضي الله عنهما - قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً بكامله، ثم أفتى مرةً بجزء منه، وهو ما يتعلق بالقفازين والنقاب للمرأة، فجاء بعضهم فظن أن هذا الذي أفتى به ابن عمر ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ففصله عن الشطر الأول من الحديث، وكلام ابن دقيق العيد يُشْعِرُ بشيء من هذا، ومع ذلك فلم يدخله الخطيب - رحمه الله - في كتابه في الْمُدْرَج.
فيترجح بذلك القول بصحة الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذهب إليه ابن القَيِّم رحمه الله، وأن إعلاله غير مقبول، والله أعلم.(2/416)
4- باب في إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي
49- (4) عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "هَذِهِ عُمْرَةُ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لم يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلَيُحِلَّ الحِلَّ كُلَّهُ، وقد دَخَلَتْ العمرةُ في الحَجِّ إلى يومِ القِيَامَةِ ".
قال أبو داود: "هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس".
50- (5) وعن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمروة، فقد حَلَّ، وهي عُمْرَةٌ ".
تناول ابن القَيِّم - رحمه الله - هذين الحديثين بالكلام، فقال: "وقوله: "دخلتِ العمرةُ في الحجِّ إلى يوم القيامةِ". لا ريب في أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل أحدٌ إنه من قول ابن عباس، وكذلك قوله: "هَذِه عمرةٌ تَمَتَّعْنَا بهَا ". وهذا لا يشكُّ فيه من له أدنى خبرة بالحديث".
ثم قال معلقاً على الحديث الثاني منهما:
"والتعليل الذي تَقَدَّمَ لأبي داود في قوله: "هذا حديث منكر". إنما هو لحديث عطاء هذا، عن ابن عباس يرفعه ... ؛ فإن هذا قول ابن عباس الثابت عنه بلا ريبٍ، رواه عنه أبو الشعثاء، وعطاء، وأنس بن سليم وغيرهم من كلامه، فانقلبَ على النَّاسخ، فَنَقَلَهُ إلى حديث(2/417)
مجاهد عن ابن عباس، وهو إلى جانبه، وهو حديثٌ صحيحٌ لا مَطْعَنَ فيه ولا عِلَّةَ، ولا يُعَلِّلُ أبو داود مِثْلَهُ، ولا مَنْ هو دون أبي داود، وقد اتَّفَقَ الأئمةُ الأثبات على رفعه"1.
قلت: أما حديث مجاهد، عن ابن عباس: فقد أخرجه مسلم في (صحيحه) 2، وأبو داود، والنسائي في (سننيهما) 3، وأحمد، والطيالسي، والدارمي في (مسانيدهم) 4، والطبراني في الكبير5، والبيهقي في (سننه) 6، من طرق: عن: شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس به.
وأخرجه الطبراني في (الكبير) 7 من طريق: أبي مريم، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "إنما جَعَلَهَا النبي صلى الله عليه وسلم عمرةً؛ فإنهم قدموا مكة قبل عرفة بأربع ليالٍ، فَكَرِهَ أن يمكث المسلمون أربع ليالِ لا يطوفون بالبيت، وعلم أنهم إذا طافوا بالبيت حلُّوا، إلا من كان ساق هدايا، فقال: "عمرةٌ استمتعنا بها - ثلاث مرات - ثم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة".
__________
1 تهذيب السنن: (2/314 - 316) .
(2/911) ح203 (1241) بابُ جواز العمرة في أشهر الحجِّ.
3 د: (2/387) ح1790 باب إفراد الحجِّ. س: (5/181) باب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي.
4 حم: (1/236، 341) . طس: (ح2642) . مي: (1/379) ح1863، باب من اعتمر في أشهر الحج.
(11/60) ح11045.
(5/18) .
(11/61) ح11046.(2/418)
وأخرجه الترمذي في (جامعه) 1 من طريق: يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مختصراً، ولفظه: "دخلت العمرة في الحجِّ إلى يوم القيامة ".
وأما طَعْنُ أبي داود في هذا الحديث، وقوله: "إنه منكرٌ، وأن الصحيح: موقوف على ابن عباس" فقد رده المنذري رحمه الله، فقال: "وفيما قاله أبو داود نظرٌ؛ وذلك أنه قد رواه: الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن المثني، ومحمد بن بشار، وعثمان بن أبي شيبة، عن محمد جعفر، عن شعبة مرفوعاً. ورواه أيضاً: يزيد بن هارون، ومعاذ بن معاذ العَنْبَريِّ، وأبو داود الطيالسي، وعمرو بن مرزوق، عن شعبة مرفوعاً، وتقصير من يُقَصِّرُ به من الرواةِ لا يُؤَثِّرُ فيما أَثْبَتَهُ الحُفَّاظ"2.
وقد ذهب ابن القَيِّم - كما مضى من كلامه - إلى أن تعليل أبي داود هذا إنما هو لحديث عطاء الذي بعده، وأن الناسخ نقله إلى هذا الحديث، ثم قال رحمه الله: "والمنذري - رحمه الله - رأى ذلك في السنن، فنقله كما وجده"3.
قلت: ويُقَوِّي ما ذهب إليه ابن القَيِّم: أنني لم أر - بعد البحث - أحداً نقل كلمة أبي داود هذه، مؤيداً لها أو منتقداً: كالمزي في (تحفة الأشراف) 4، وابن الأثير في (جامع الأصول) 5، ولا انتقده الدارقطنيُّ
__________
(3/262) ح932.
2 مختصر السنن: (2/314 - 315) .
3 تهذيب السنن: (2/316) .
(5/216) .
(3/136) .(2/419)
فيما تتبعه من أحاديث مسلم، ومثله لا يَسْكُتُ النسائيُّ عن ذكر عِلَّتَهُ وقد أخرجه، وكذا البيهقي فإنه عادةً ما يُنَاقِشُ مثل هذا، فالظاهر - والله أعلم - صِحَّة ما ذهب إليه ابن القَيِّم، وأن الحديث صحيح رفعه، ولا وجه لإعلاله.
ثم رأيت الحافظ ابن حجر - رحمه الله - يقول في (الدراية) 1: "رواته ثقات، إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه"! ولَعَلَّهُ بَنَى حكمه هذا على مقالة أبي داود المتقدمة، فإن كان الأمر كذلك فقد عُرِفَ ما فيها.
وأما الحديث الآخر الذي رواه عطاء، عن ابن عباس: فقد أخرجه أبو داود في (سننه) 2 من طريق: عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن النَّهَّاس3، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدم من كلام ابن القَيِّم أن إعلال أبي داود الماضي: إنما المقصود به حديث عطاء هذا.
وقد أَعَلَّ المنذري حديث عطاء هذا "بالنهاس"، فقال: "في إسناده النهاس بن قهم ... ولا يحتجُّ بحديث"4.
قلت: ولا يبعد أن يكون الخطأ في هذا الحديث منه، فقد قال عنه
__________
(2/34) ح 489.
(2/388) ح 1791.
3 ابن قهم، القيسي، أبو الخطاب، البصري، ضعيف، من السادسة/ بخ د ت ق. (التقريب 566) .
4 مختصر السنن: (2/315) .(2/420)
يحيى بن سعيد: " ... وكان يروي عن عطاء، عن ابن عباس أشياء منكرة"1.
فَتَلَخَّص من ذلك: صِحَّةَ حديث مجاهد، عن ابن عباس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا وجه للطَّعْنِ فيه، وأن حديث عطاء، عن ابن عباس ضعيف، والله أعلم.
__________
1 تهذيب التهذيب: (10/478) .(2/421)
5- باب من قال: كان الفسخ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة
51- (6) عن بلال بن الحارث رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله، أَرَأَيْتَ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى العُمْرَة، لنا خَاصَّةً أَمْ للنَّاسِ عَامَّةً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَلْ لَنَا خَاصَّة".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث ضمن أدلة القائلين بعدم جواز الفسخ، وأنه خَاص بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "هذا حديث لا يُكْتَب، ولا يُعارَضُ بمثله تلك الأساطين الثابتة".
ثم ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: "لا أقول به، لا يُعْرَف هذا الرجل، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف، ليس حديث بلال بن الحارث عندي يثبت"1.
ثم استدل على بطلان هذا الحديث: بأنه قد رُوِيَ عن النبي أنه قال: "دَخَلَتْ العمرةُ في الحجِّ إلى يوم القيامة ". فكيف يصحُّ عنه بعد ذلك أن يجعل الفسخ مختصاً بالصحابة؟ !.
قال: "فنحن نشهد بالله: أنَّ حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غلطٌ عليه، وكيف تُقَدَّمُ رواية بلال بن الحارث على روايات الثقات الأثبات، حَمَلَةِ العلم، الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف روايته؟! "2.
__________
1 زاد المعاد: (2/192) .
2 المصدر السابق: (2/193) .(2/422)
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في (سننهم) 1، وأحمد، والدارمي في (مسنديهما) 2، والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 3، والحاكم في (المستدرك) 4 من طرق، عن: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن5، عن الحارث بن بلال6، عن أبيه7، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وألفاظهم متقاربة بنحو ما سقناه أول الباب.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث بجهالة الحارث بن بلال؛ فإنه لم يرو عنه إلا ربيعة بن أبي عبد الرحمن وحده، ولم يُوَثَّقْ، ولذلك قال الإمام أحمد: "لا نعرف هذا الرجل، ولم يروه إلا الدراوردي، هذه الأحاديث أحب إليَّ"8. وقال الدارقطني - كما نقله عنه المنذري -: "تَفَرَّدَ به ربيعة بن
__________
1 د: (2/399) ح 1808 باب الرجل يهلُّ بالحجِّ ثم يجعلها عمرة. س: (5/179) باب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي. جه: (2/994) ح 2984 باب من قال: كان فسخ الحجِّ لهم خاصة. كلهم في ك الحج.
2 حم: (3/469) . مي: (1/378) ح 1862 باب في فسخ الحج.
3 قط: (2/241) ح 24. هق: (5/41) .
(3/517) .
5 التيمي مولاهم، أبو عثمان المدني، المعروف بـ "ربيعة الرأي"، واسم أبيه: فرُّوخ، ثقة فقيه مشهور، من الخامسة، مات سنة 136هـ على الصحيح/ ع. (التقريب207) .
6 ابن الحارث المزني، مدني، مقبول، من الثالثة/ د س ق. (التقريب 145) .
7 هو: بلال بن الحارث المزني، أبو عبد الرحمن المدني، صحابيُّ، مات سنة 60هـ/4. (التقريب 129) .
8 مسائل الإمام أحمد - لعبد الله: (ص204) .(2/423)
أبي عبد الرحمن، عن الحارث، عن أبيه. وتَفَرَّدَ به عبد العزيز الدراوردي عنه"1. وقال ابن حزم: "الحارث بن بلال مجهول، ولم يخرج أحدٌ هذا الخبر في صحيح الحديث ... "2. وقال المنذري: "والحارث: هو ابن بلال ابن الحارث، وهو شبه المجهول"3. وقال ابن القطان: "والحارث بن بلال لا يُعرف حاله"4. وقال الشيخ الألباني: "ضعيف"5.
وقد مَالَ النووي إلى تصحيحه، فقال: "إسناده صحيح إلا الحارث بن بلال، ولم أَرَ في الحارث جرحاً ولا تعديلاً، وقد رواه أبو داود ولم يُضَعِّفْهُ، وقد ذكرنا مَرَّاتٍ: أنه ما لم يضعفه أبو داود فهو حديث حسن عنده، إلا أن يوجد فيه ما يقتضي ضعفه"6.
قلت: وقد وُجدَ هنا ما يقتضي ضَعْفَهُ، وهو جهالة الحارث بن بلال كما تقدم.
ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثاً آخر استدلَّ به القائلون بخصوصية الفسخ بالصحابة وهو:
52- (7) حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: "كان فَسْخُ الحَجِّ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَنَا خَاصَّةً".
__________
1 مختصر السنن: (2/331) .
2 المحلى: (4/108) .
3 مختصر السنن: (2/331) .
4 بيان الوهم والإيهام: (3/468) .
5 ضعيف سنن ابن ماجه: (ح644) .
6 المجموع: (7/146) .(2/424)
ساق ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث من طريق الحُميدِي، قال: حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن المُرَقِّع1، عن أبي ذر به، ثم قال: "المرقع ليس ممن تقوم بروايته حُجَّةٌ، فضلاً عن أن يُقَدَّم على النصوص الصحيحة غير المدفوعة، وقد قال أحمد بن حنبل - وقد عُورِضَ بحديثه -: ومن المرقع الأسدي؟! "2.
قلت: هذا الحديث أخرجه الحميدي في (مسنده) 3 بالإسناد واللفظ اللذين ساقهما ابن القَيِّم رحمه الله، والمرقع الأسدي - راويه عن أبي ذرٍّ - لم أجد من ترجمه سوى ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 4، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ونقل عن أبيه قوله: "روى عن أبي ذر، روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وليث بن أبي سليم". لكن وَثَّقَهُ يحيى ابن سعيد الأنصاري.
فقد أخرجه البيهقي في (سننه) 5 من طريق الليث، عن يحيى بن سعيد، قال: حدثنا المرقع الأسدي - وكان رَجُلاً مَرْضيًّا- أن أبا ذر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كانت رخصة لنا، ليست لأحدٍ بعدنا" يعني: فسخ الحج بالعمرة. قال يحيى: "وحقق ذلك عندنا: أن أبا بكر،
__________
1 انظر: ترجمته في الجرح والتعديل: (4/1/418) .
2 زاد المعاد: (2/191) .
(1/73) ح 132.
(4/1/418) .
(5/41) .(2/425)
وعمر، وعثمان رضي الله عنهم لم ينقضوا الحج بعمرة، ولم يُرَخِّصُوا فيه لأحدٍ، وكانوا هم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما فعل في حجه ذلك ممن شهد بعضه".
ففي هذا الإسناد: شهادة يحيى بن سعيد الأنصاري للمرقع بأنه كان مرضياً، وفي هذه الشهادة ما يدفع قول ابن حزم عن المرقع: " ... وهو مجهول"1. فقد أَعَلَّ الحديث به، فلا شكَّ أنَّ من عَرَفَهُ حجة على من لم يعرفه.
ثم إن حديث أبي ذر هذا: أخرجه مسلم في (صحيحه) 2، ولكن بلفظ: "كانت المتعة في الحجِّ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ". وفي رواية: " لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة ". يعني: متعة النساء ومتعة الحج، والمراد بالمتعة في قوله هذا: متعة الفسخ، كما سيأتي من كلام النووي رحمه الله، فتكون هذه الرواية مؤيدة لرواية المرقع المتقدمة.
فهل تكون رواية أبي ذَرٍّ هذه حجة لمن ذهب إلى عدم جواز الفسخ، وأنه خاصٌّ بالصحابة؟؟
أجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - عن حديث أبي ذرٍّ هذا: بأنه - بعد تسليم صحته - رأي له رضي الله عنه، وقد عارضه قوله صلى الله عليه وسلم، وذلك في حديث جابر في صفة حجه صلى الله عليه وسلم، حين سأله سُرَاقَة بن مالك عن الفسخ بقوله:
__________
1 المحلى: (4/108) .
(2/897) ح 160 - 163.(2/426)
أَلِعَامِنَا هذا أم لأبدٍ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "بل لأبد أبد" 1. فتكون بذلك دعوى الاختصاص باطلة.
قال ابن القَيِّم: "وهذا أصحُّ سنداً من المرويِّ عن أبي ذر، وأولى أن يُؤْخَذَ به منه لو صحَّ عنه"2.
ثم ذهب ابن القَيِّم - رحمه الله - إلى أن حديث أبي ذر هذا - الذي فيه "أن المتعة كانت لهم خاصة " - إن أُرِيدَ به متعةُ الفسخ3 فإنه يحتمل وجوهاً ثلاثة:
أحدها: اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهذا الذي فَهِمَه من حرَّم الفسخ.
الثاني: اختصاص وجوب ذلك بالصحابة، فيكون واجباً في حقِّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجائزاً مُسْتَحَبَّاً في حقِّ باقي الأمة، وذهب إليه ابن تَيْمِيَّة رحمه الله، ولم يرضه ابن القَيِّم رحمه الله.
الثالث: أنه ليس لأحدٍ بعض الصحابة أن يبتدأ حجاً قارناً أو مفرداً بلا هدي، لأنه يحتاج معه إلى الفسخ، بل فرضٌ أن يفعل من بعد الصحابة ما أرشد إليه صلى الله عليه وسلم من القِرَان لمن ساق الهدي، والتمتع لمن لم يسقه.
__________
1 صحيح مسلم: (2/888) ح 147.
2 زاد المعاد: (2/191) .
3 قال النووي رحمه الله: " ... ليس مراد أبي ذر إبطال التمتع مطلقاً، بل مراده: فسخ الحج" (شرح مسلم: 8/203) .(2/427)
قال ابن القَيِّم: "وإذا تأملت هذين الاحتمالين الأخيرين: رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأَوَّلِ، أو مساويين له، وتسقط معارضة الأحاديث الثابتة الصريحة به جملة"1.
ثم أجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - على دعوى النَّسْخ: بأن الفسخ قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة عشر من الصحابة عَدَّهم، ثم عدَّ جملة من التابعين رووا ذلك عن هؤلاء الصحابة، ثم قال:
"فصار نقل كافة عن كافة، يوجبُ العِلْمَ، ومثل هذا لا يجوزُ نسخه إلا بما يَتَرَجَّحُ عليه أو يقاومه، فكيف يجوز دعوى نسخه بأحاديث لا تقاومه ولا تدانيه ولا تقاربه؟ وإنما هي بين مجهول رواتها، أو ضعفاء لا تقوم بهم حجة. وما صحَّ فيه: فهو رأي صاحب، قاله بِظَنِّهِ واجتهاده - وهو أصحُّ ما فيها - وهو قول أبي ذر: كانت المتعة لنا خاصة ... فلو كان ما قاله أبو ذر رواية صحيحة ثابتة مرفوعة، لكان نسخ هذه الأحاديث المتواترة به ممتنعاً، فكيف وإنما هو قوله؟؟ "2.
قلت: لعلَّ النفس تطمئن إلى حَمْلِ كلام أبي ذَرٍّ على خصوصية الوجوب، فمراده: أن وجوب الفسخ وتحتُّمه إِنَّمَا هو خاصُّ بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأما سائر الأمة: فالأمر في حقها على الجواز، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة كما مرَّ قبل قليل.
ولم يرضه ابن القَيِّم رحمه الله، بل قال: بوجوب الفسخ في
__________
1 زاد المعاد: (2/193 - 194) .
2 تهذيب السنن: (2/312) .(2/428)
حقِّ الأمة، فقال: "ونحن نُشْهِدُ الله علينا: أَنَّا لو أَحْرَمْنَا بحَج، لرأينا فرضاً علينا فسخه إلى عمرة تفادياً من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعاً لأمره"1.
وخلاصة البحث مع ابن القَيِّم في أحاديث الباب: أنه أورد في خصوصية الفسخ بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثين، وهما: حديث بلال بن الحارث، وحديث أبي ذر من رواية المرقع، ثم حكم على كلا الحديثين بالضعف.
والذي ظهر لي: أن ابن القَيِّم يُوَافَقُ على تضعيفه حديث بلال؛ لجهالة "الحارث بن بلال"، وأما حديث أبي ذر فلا نوافقه على ذلك؛ لانتفاء جهالة المرقع، ومتابعة إبراهيم التيمي، عن أبيه له في روايته عن أبي ذر عند مسلم.
ثم إنه لا تعارض بين رواية أبي ذرٍّ وبين سائر الروايات؛ وذلك بحمل رواية أبي ذرٍّ على خصوصية الوجوب كما مضى، وإلا فإن تقديم رواية جمهور الصحابة الذين رووا الفسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى، والله أعلم.
__________
1 زاد المعاد: (2/182) .(2/429)
6- باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس
53- (8) "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَدِّمَ ضَعَفَةَ أَهلِهِ ليلة العيد، وَأَمَرَهُم أن لا يَرْمُوا الجَمْرَةَ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ".
ساق ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث هكذا، ثم قال: "حديث صحيح، صَحَّحَهُ الترمذي وغيره"1.
قلت: هذا الحديث مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويرويه عن ابن عباس جماعة، أشهرهم ثلاثة:
أولهم: الحسن2 العُرَنِيُّ عن ابن عباس.
أخرجه أبو داود والنسائي في (سننيهما) 3، وأحمد والطيالسي في (مسنديهما) 4، وابن حبان في (صحيحه) 5، خمستهم من طريق: سفيان الثوري.
__________
1 زاد المعاد: (2/248) .
2 ابن عبد الله العُرَني، الكوفي، ثقة، أرسل عن ابن عباس، من الرابعة/ خ م د س ق. (التقريب 161) .
3 د: (2/480) ح 1940 ك المناسك، باب التعجيل من جمع. س: (5/270) ، ك الحج، باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس.
4 حم: (1/311، 343) . طس: (ح 2767) .
5 الإحسان: (6/67) ح 3858، باب الزجر عن رمي الجمار للحاج قبل طلوع الشمس.(2/430)
وأخرجه ابن ماجه في (سننه) 1، وأحمد في (مسنده) 2 كلاهما من طريق: مسعر وسفيان.
وأخرجه البيهقي في (سننه) 3 من طريق منصور. كلهم عن:
سلمة بن كهيل، عن الحسن العرنيّ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَدَّمَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أُغَيلِمة بني عبد المطلب على حمرات، فجعل يَلْطَحُ4 أفخاذنا ويقول: "أَبَيْنِيَّ! لا ترموا الجَمْرَةَ حتى تطلع الشمس".
هذا لفظ أبي داود، ولفظ الباقين قريب منه، إلا أن عند النسائي: "بَعَثنا" بدل "قَدَّمنا". وعند أحمد وابن ماجه زيادة، وهي قول ابن عباس رضي الله عنهما: "ولا إخَالُ يرميها حتى تطلع الشمس" زادها سفيان. وقد وقع عند الإمام أحمد في رواية سفيان ومسعر أن ذلك كان "بليل".
وهذا الإسناد رجاله ثقات، إلا أن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس، كما قال الإمام أحمد5، وقال يحيى بن معين: "صدوق ليس
__________
(2/1007) ح 3025 ك المناسك، باب من تقدم من جمع إلى منى لرمي الجمار؟.
(1/234) .
(5/132) باب الوقت المختار لرمي جمرة العقبة.
4 قال ابن الأثير: "اللَّطْحُ: الضربُ بالكفِّ، وليس بالشديد". (النهاية 4/250) .
وقد فَسَّرَه أبو داود عقب الحديث، فقال: "اللَّطْحُ: الضرب اللَّينُ".
5 المراسيل لابن أبي حاتم: (ص46) . وتهذيب التهذيب: (2/291) .(2/431)
به بأس، إنما يقال: إنه لم يسمع من ابن عباس"1.
وقد أشار المنذريُّ إلى هذه العلة في (مختصر السنن) 2، وقال الحافظ ابن حجر: "وفيه انقطاع"3. وسيأتي أن الحديث صحيح بطرقه.
الثاني: مقسم، عن ابن عباس.
أخرجه الترمذي في (جامعه) 4، وأحمد والطيالسي في (مسنديهما) 5 من طريق: المسعودي6.
والمسعوديُّ وإن كان قد اختلط، إلا أن الحديث عند الترمذي وأحمد من رواية وكيع عنه، وقد سمع منه قبل الاختلاط، كما نصَّ عليه الإمام أحمد7.
وأخرجه أحمد في (مسنده) 8 من طريق: الأعمش، وأبي
__________
1 تهذيب التهذيب: (2/291) .
(2/404) .
3 بلوغ المرام مع سبل السلام: (2/744) .
(3/231) ح 893، باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل.
5 حم: (1/344) . طس: (ح2703) .
6 هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي، المسعودي، صدوقٌ اخْتلطَ قبل موته، وضَابِطُه: أَنَّ مَنْ سِمِعِ منه بِبَغداد فبعد الاختلاط، من السابعة، مات سنة 160 هـ / خت 4. (التقريب 344) .
7 تهذيب التهذيب: (6/210) .
(1/326) .(2/432)
الأحوص، كلهم عن:
الحكم بن عتيبة1، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما به مختصراً، وعند الطيالسي: " ... فأتى على غُلَيْمٍ منهم فَحَرَّكَهُ برجله، وقال: لا تَرْمِ جمرة العقبة حتى تطلع الشمس".
قال أبو عيسى: "حديث حسن صحيح".
الثالث: عطاء2، عن ابن عباس.
أخرجه أبو داود والنسائي في (سننيهما) 3 من طريق:
حبيب بن أبي ثابت4، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَدِّمُ ضعفاء أهله بِغَلَسٍ، ويأمرهم: لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس". لفظ أبي داود، ولفظ النسائي بنحوه.
وفي هذا الإسناد عنعنة حبيب، وهو مُدَلِّس يُكثِرُ من التدليس5، فتكون هذه عِلَّة تمنع من صحة هذا السند.
__________
1 أبو محمد الكندي الكوفي، ثقة ثبت فقيه إلا أنه رُبَّمَا دَلَّسَ، من الخامسة، مات سنة 113 هـ أو بعدها/ ع. (التقريب 175) .
2 ابن أبي رباح، القرشي مولاهم، المكي، ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة 114 هـ وقيل: تَغَيَّرَ بآخره، ولم يكثر ذلك منه/ ع. (التقريب391) .
3 د: (2/481) ح 1941. س: (6/272) .
4 ابن دينار الأسدي مولاهم، أبو يحيى الكوفي، ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، من الثالثة، مات سنة 119 هـ / ع. (التقريب 150) .
5 وقد جعله ابن حجر في الطبقة الثالثة منهم، انظر: طبقات المدلسين: (ص84) .(2/433)
وبالنظر إلى هذه الطرق عن ابن عباس: نجد أن طريق المسعودي - ومن تابعه - عن الحكم، عن مقسم هو أحسنها، ولذلك فقد صححه الترمذي - كما مرَّ - والطريقان الآخران يشهدان له ويُقَوِّيَانه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وهو حديث حسن". ثم ساق هذه الطرق الثلاثة، ثم قال: "وهذه الطرق يُقَوِّي بعضها بعضاً، ومن ثمَّ صححه الترمذي وابن حبان"1. وقد صححه كذلك: الشيخ الألباني في (الإرواء) 2 وفي (صحيح ابن ماجه) 3.
ولذا فإن ابن القَيِّم - رحمه الله - قد أصاب في تصحيحه إياه، والله أعلم.
__________
1 فتح الباري: (3/528) .
(4/274 - 276) .
(ح 2451) .(2/434)
7- باب من قال بجواز رمي الجمرة قبل طلوعِ الشمس للعذر
54 - (9) عن عائشة رضي الله عنها: "أنه صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ بأمِّ سلمة ليلة النحر، فَرَمَتْ الجمرةَ قبل الفجر، ثُمَّ مَضَت فَأَفَاضَتْ ... " الحديث.
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث، وقال: "حديث منكرٌ، أنكره الإمام أحمد وغيره". ثم ساق كلام الإمام أحمد في ذلك.
قال: "وما يدل على إنكاره: أن فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي صلاة الصُّبْح يوم النَّحْر بمكة، وفي رواية: "توافيه بمكة " وكان يَومَها، فأحبَّ أن توافيه. وهذا من المحال قطعاً".
ثم استدلَّ على بطلانه أيضاً: بحديث عائشة في (الصحيحين) : "أن سودة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تَدْفَعَ قبله، فَأَذِنَ لها. قالت عائشة: "ولأن أكون استأذنتُ كما استأذنته سودة أحبَّ إليَّ من مفروح به". قال: "فهذا الحديث الصحيح يبين أن نساءَهُ - غير سودة - إنما دَفَعْنَ معه"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2، والحاكم في (المستدرك) 3، والبيهقي في (سننه) 4 من طريق:
__________
1 زاد المعاد: (2/248 - 252) . وانظر: تهذيب السنن: (2/404 - 405) .
(2/481) ح 1942، ك الحج، باب التعجيل من جمع.
(1/469) .
(5/133) .(2/435)
ابن أبي فُديك، عن الضحاك بن عثمان1، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أَرْسَلَ النبي صلى الله عليه وسلم بأمِّ سلمة ليلة النحر، فرمتْ الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ". تعني عندها. هذا لفظ أبي داود، ولفظ الباقيين مثله، إلا أن عند الحاكم: "وكان ذلك يوم الثاني الذي يكون عندها ... ". كذا رواه الضحاك عن هشام. قال أبو عبد الله الحاكم: "صحيح على شرطهما ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
ورواه أبو معاوية2، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها.
أخرجه من هذا الطريق: الإمام مسلم في كتاب (التمييز) 3، من طريق: يحيى بن يحيى، وأبي كريب، ومحمد بن حاتم، ثلاثتهم: عن أبي معاوية، بالإسناد إلى أم سلمة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة".
قال الإمام مسلم عقبه: "وهذا الخبر وَهْمٌ من أبي معاوية، لا من غيره، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ في حجته يوم النحر بالمزدلفة،
__________
1 ابن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي، أبو عثمان المدني، صدوقٌ يَهِمُ، من السابعة/ م 4. (التقريب 279) .
2 هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي، عَمِيَ وهو صغير، ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يَهِمُ في حديث غيره، من كبار التاسعة، مات سنة 195هـ، وقد رُمِيَ بالإرجاء / ع. (التقريب 475) .
(ص 186) .(2/436)
وتلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يأمر أم سلمة أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة، وهو حينئذ يصلي بالمزدلفة؟ " قال: "هذا خبر محال، ولكن الصحيح من روى هذا الخبر عن أبي معاوية، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة ... وإنما أفسد أبو معاوية معنى الحديث حين قال: توافي معه"1.
قلت: وهذه الرواية التي أشار مسلم إلى صحتها عن أبي معاوية: أخرجها البيهقي في (سننه) 2 من طريق: يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة به. بدون قوله "معه".
ورواه أسد بن موسى3، عن أبي معاوية بالإسناد نفسه، ولكن لفظه: "أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر أن توافي معه صلاة الصبح بمكة". هكذا بتقديم قوله: "يوم النحر". أخرجه هكذا الطحاوي في (شرح معاني الآثار) 4، ثم قال: "ففي هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم أمرها بما أمرها به من هذا يوم النحر، فذلك على صلاة الصبح في اليوم الذي بعد يوم النحر".
ولكن تعقبه البيهقي بقوله: "فتعلق به بعض من يدَّعي تصحيح الآثار على مذهبه، وزعم أنه إنما أمرها بذلك يوم النحر؛ لتوافي معه
__________
1 التمييز: (ص186) .
(5/133) .
3 ابن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي، أسد السنة، صدوق يُغْرِبُ، وفيه نصبٌ، من التاسعة، مات سنة 212هـ / خت د س. (التقريب 104) .
(2/218) .(2/437)
صلاة الصبح من غد يوم النحر بمكة ... وليس من الإنصاف أن تُتْرَكَ رواية الجمهور، ويُؤْخَذ برواية واحدٍ لم يكن عندهم بمصر بالحافظ جداً"1. يعني: أسد بن موسى.
وخالف هؤلاء جميعاً جماعة من أصحاب هشام، فرووه عنه، عن أبيه، عن أم سلمة مرسلاً.
أخرجه الطحاويُّ في (شرح المعاني) 2 من طريق: حماد بن سلمة، عن هشام، عن أبيه: "أَنَّ يومَ أُمِّ سلمة دَارَ إلى يوم النحر، فأمرها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلة جمع أن تُفيضَ، فَرَمَتْ جمرة العقبة، وصلت الفجر بمكة".
وأخرجه البيهقي في (سننه) 3 من طريق: داود بن عبد الرحمن العطَّار، والدراوردي، كلاهما عن هشام به، ولفظه: "دار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أُمِّ سَلَمَة يوم النَّحْرِ، فأمرها أن تُعَجِّلَ الإفاضة من جمع، حتى تأتي مكة فتصلي بها الصبح، وكان يومها فأحبَّ أن توافقه".
وأخرجه الإمام مسلم في كتاب (التمييز) 4 من طريق: الثوري، عن هشام به بنحو لفظ البيهقي، مختصراً.
وقد رواه وكيع، عن هشام، عن أبيه مرسلاً أيضاً، ولفظه: "أن
__________
1 معرفة السنن والآثار: (7/313) رقم 10170.
(2/218) .
(5/133) .
(ص 186) .(2/438)
النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ أُمَّ سلمة أن توافيه الصبح بمنىً". أخرجه مسلم في (التمييز) 1، وقال: "وَهِمَ فيه كنحو ما وَهِمَ فيه أبو معاوية ... وسبيل وكيع كسبيل أبي معاوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصبح يوم النحر بالمزدلفة، دون غيرها من الأماكن لا محالة".
فَتَلَخَّص من ذلك: أن هذا الحديث يُروى مرسلاً، ويروى متصلاً. ويُروى بلفظ: "توافي صلاة الصبح"، وبلفظ: "توافي معه صلاة الصبح"، وبلفظ: "توافيه صلاة الصبح".
أما من ناحية إسناده: فقد رَجَّحَ بعض الأئمة الرواية الْمُرْسَلَة، فقال الدارقطني - بعد أن أذكر الروايات المتصلة -: "وخالفهم أصحاب هشام الحفاظ عنه، رووه عن هشام، عن أبيه مرسلاً، وهو الصحيح"2.
وَقَوَّى البيهقي - رحمه الله - الراوية المتصلة بقوله: "وَصَلَ أبو معاوية هذا الحديث عن هشام، وأبو معاوية حجة قد أجمع الحفاظ على قبول ما ينفرد به، ثم قد وَصَلَهُ الضَّحَاكُ بن عثمان، وهو من الثقات الأثبات"3.
ثم ساق - رحمه الله - رواية الضحاك بن عثمان بإسناده، ثم قال: "إسنادٌ صحيح لا عار فيه".
__________
(ص 187) .
2 علل الدارقطني: ج5 (ق122/أ) .
3 معرفة السنن والآثار: (7/316) رقم 10181.(2/439)
ثم قال - مُوَفِّقَاً بين الرواية المتصلة والمرسلة -: "وكأنَّ عروة حمله من الوجهين جميعاً، فكان هشام يرسله مرةً ويُسْنِده أخرى، وهذه عادتهم في الرواية"1.
وصَحَّحَ النووي رواية أبي داود المتصلة أيضاً، فقال: "إسناد صحيح على شرط مسلم"2.
قلت: فعلى كلام البيهقي هذا لا تكون الرواية المتصلة معلولة، وهو ظاهر صنيع الإمام مسلم رحمه الله، فإنه لما رواه على الوجهين لم ير الرواية المتصلة معلولة من جهة إسنادها، وإنما تَكَلَّمَ في متنها فقط.
وأما من ناحية المتن: فقد أنكروا رواية أبي معاوية وقوله: "أمرها أن توافيه" وكذلك: "توافي معه"، وقد تقدم كلام الإمام مسلم - رحمه الله - في ذلك، وأنه رَجَّحَ رواية أبي معاوية التي فيها "توافي " فقط.
وقد نقل ابن القَيِّم - رحمه الله - عن الأثرم أَنَّ الإمام أحمد أَنْكَرَ هذه الرواية وقال: " ... النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر وقت الصبح ما يصنع بمكة؟! " ينكر ذلك. قال: فجئت إلى يحيى بن سعيد، فسألته، فقال: عن هشام، عن أبيه: أمرها أن توافي، وليس: توافيه. قال: وبين ذين فرق. قال: "وقال لي يحيى: سل عبد الرحمن عنه - يعني ابن مهدي - فسألته، فقال: هكذا سفيان عن هشام، عن أبيه"3.
__________
1 المعرفة: (7/317) رقم 10183.
2 المجموع: (8/132) .
3 زاد المعاد: (2/249 - 250) .(2/440)
فإذا علمنا هذا، فَإِنَّ حكم ابن القَيِّم - رحمه الله - على الحديث كُلِّهِ بالنَّكَارَةِ غير مُسَلَّم، واستدلاله لذلك بكلام الإمام أحمد لا يساعده؛ لأنَّ الإمام أحمد - كما مضى - قد أنكر هذه اللفظة فقط، وهو الذي قاله الإمام مسلم أيضاً، وأوضح البيهقي - رحمه الله - ذلك يقوله: "وأما ما ذُكِرَ من حكاية أحمد: فإنما أُنكرَ قوله: "توافي معه صلاة الصبح"؛ إذ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وقت صلاة الصبح"1.
وأما استدلاله على بطلانه بحديث عائشة في (الصحيحين) : أن سودة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تدفع قبله، فأَذِنَ لها، وحَبَسَ باقي نسائه حتى دفعن بدفعه:
أقول: ليس في هذا دليل على عدم خروج أم سلمة رضي الله عنها بليلٍ، بل ذكرت عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث من استأذن النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه، وهي سودة، ولم تذكر التي أمرها بالخروج، وهي أم سلمة رضي الله عنها، ولذلك قالت عائشة: "ولأن أكون استأذنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة ... ".
وما يقال في أم سلمة، يقال في أم حبيبة رضي الله عنهن؛ فإنه قد ثبت في (صحيح مسلم) 2 "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمعٍ بليلٍ" فهذا
__________
1 معرفة السنن والآثار: (7/316) رقم 10180.
(2/940) ح 1292.(2/441)
يردُّ على قول ابن القَيِّم رحمه الله: " ... أن نساءه - غير سودة - دَفَعْنَ معه". فعندي - والله أعلم - أن قول عائشة رضي الله عنها: "وحبسنا حتى أصبحنا، فَدَفَعْنَا بِدَفْعِهِ" يعني: ما عدا من بَعَثَ بهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، وما عدا من استأذنته.
ولذلك فإن ابن القَيِّم - رحمه الله - اضطر إلى أن يقول في حديث أم حبيبة: "انفرد به مسلم، فإن كان محفوظاً، فهي إذن من الضَّعَفَةِ التي قَدَّمَها"1.
فَتَلَخَّص من هذا: أن حديث إرسال أمِّ سلمة - رضي الله عنها - ورميها الجمرة بليل، حديث صحيح، صححه الأئمة: مسلم، والحاكم، والبيهقي، والنووي. وأن الذي أنكره الإمام أحمد هو لفظة واحدة فقط، وهي قوله: "توافي معه" أو "توافيه". وأما حكم ابن التركماني2 عليه بالاضطراب، ومتابعة الشيخ الألباني له3، فإنه لا دليل عليه، وأن ما ذُكر فيه من اختلاف ليس مما يوجب سقوطه.
ثم إنَّ ابن القَيِّم نفسه عاد بعد ذلك فقال: "ثُمَّ تَأَمَّلْنَا، فإذا لا تعارض بين هذه الأحاديث؛ فإنه أمر الصبيان ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس فإنه لا عذر لهم في تقديم الرمي، أما من قَدَّمَهُ من النساء: فَرَمَيْنَ قبل طلوع الشمس للعذر، والخوف عليهنَّ من مزاحمة
__________
1 زاد المعاد: (2/251) .
2 في الجوهر النقي: (5/132) .
3 في إرواء الغليل: (4/279) .(2/442)
الناس وحَطْمِهِم. وهذا الذي دَلَّت عليه السنة: جواز الرمي قبل طلوع الشمس للعذر: بمرض، أو كِبَرٍ يشقُّ عليه مزاحمة الناس لأجله، وأما القادر الصحيح، فلا يجوز له ذلك"1.
قلت: وعلى هذا فإنه يُقال في أم سلمة - رضي الله عنها - ما قاله ابن القَيِّم نفسه في أم حبيبة: من أنها من الضَّعَفَةِ الذين قَدَّمَهُم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النحر، فرموا بليل، وبهذا تتفق الأحاديث ولا يضرب بعضها بعضاً، ويكون هذا التوفيق والجمع من ابن القَيِّم بين هذه النصوص هو المعتمد، ويُحْمَل إنكاره لحديث تقديم أم سلمة - رضي الله عنها - على ما جاء فيه من قوله: "أن توافي معه صلاة الصبح"، لما تقدم بيانه.
ومن الأحاديث الواردة في الرمي قبل طلوع الشمس، حديث:
55- (10) عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمَر نِسَاءَهُ أن يَخْرُجْنَ من جَمْعٍ ليلة جمع، فيرمينَ الجَمْرَةَ، ثم تُصْبِحُ في مَنْزِلِهَا". وكانت تصنع ذلك حتى ماتت.
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث عند كلامه على دفع النبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة، ورميه جمرة العقبة، وأن نساءه دفعن معه، ما عدا سودة رضي الله عنها، فإنها استأذنت أن تدفع قبله.
وقد أورد - رحمه الله - حديث عائشة هذا حُجَّةً للمخالفين، ثم قال: "يَرُدُّهُ محمد بن حميد أحد رواته، كَذ َّبَهُ غير واحد. ويَرُدُّهُ أيضاً:
__________
1 زاد المعاد: (2/252) .(2/443)
حَدِيثُهَا الذي في (الصحيحين) وقولها: وَدِدت أني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما استأذنته سودة"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني في (سننه) 2 من طريق:
محمد بن حميد3، عن هارون بن المغيرة، عن عبد الله بن يعلى الطائفي، عن عطاء، عن عائشة بنت طلحة، عن خالتها عائشة - رضي الله عنهما - به، وفي آخره قول عطاء: "ولم أزلْ أفعله".
ومحمد بن حُمَيْد ضَعَّفَهُ الجمهور، وكذبه: أبو زرعة، وابن خراش، والنسائي4. وكان الإمام أحمد حسن الرأي فيه، وكذا ابن معين، لكن قال أبو علي النيسابوري: "قلتُ لابن خزيمة: لو حَدَّثَ الأستاذ عن محمد بن حميد؛ فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه؟ فقال: إنه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلاً". كذا في (تهذيب التهذيب) 5، وأما في (الميزان) 6: "لو أخذت الإسناد ... " بدل "لو حَدَّثَ الأستاذ"! ولعله تصحيف.
ومما يدلُّ على أن هذا الحديث قد يكون من مناكيره: ما رواه ابن
__________
1 زاد المعاد: (2/250 - 251) .
(2/273) ح 175.
3 ابن حيَّان الرازي، حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة، مات سنة 248 هـ / د ت ق. (التقريب 475) .
4 انظر: الميزان: (3/530) ، وتهذيب التهذيب: (9/130 - 131) .
(9/131) .
(3/530) .(2/444)
أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 1 بسنده إلى محمد بن عيسى بن الدامغاني، أنه قال: "لما مات هارون بن المغيرة، سألت محمد بن حميد أن يُخْرِجَ إليَّ جميع ما سمع منه، فأخرج إليَّ جُزَازَات، فأحصيت جميع ما فيه: ثلثمائة ونيفاً وستين حديثاً". قال جعفر بن محمد بن حماد - راوي هذه الحكاية عن ابن الدامغاني -: "وأخرج ابن حميد عن هارون بعد: بضعة عشر ألف حديث".
وهذا الحديث من رواية محمد بن حميد، عن هارون بن المغيرة هذا، وقد كان ابن حميد يسرق الحديث، ويأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض2، فلا يبعد أن يكون هذا الحديث وَقَعَ فيه شيء من ذلك.
ومما يدل على نكارته أيضاً: ما أشار إليه ابن القَيِّم - رحمه الله - من أنها - رضي الله عنها - كانت تقول: " ... فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة، أحب إليَّ من مفروح به"3. فهذا ظاهر في أنها دفعت بدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فَتَلَخَّص: أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ؛ لضعف إسناده، ونكارة متنه، فَيَتَرَجَّحُ اختيارُ ابن القَيِّم - رحمه الله - في ردِّهِ، والله أعلم.
__________
(3/2/233) .
2 انظر: الميزان: (3/530) .
3 أخرجه البخاري في (صحيحه) : ك الحج، باب من قَدَّمَ ضعفةَ أهله بليلٍ ح 1681 (فتح الباري 3/527) .(2/445)
8 ـ باب من قال بجواز التضحية ثلاثة أيام بعد النحر
...
8 - باب من قال بجواز التضحية ثلاثة أيام بعد يوم النحر
56- (11) حديث: "كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ ".
أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث مستدلاً به للمذهب القائل بأن أيام النحر: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده، وَرَجَّحَ هذا المذهب، لكنه قال عن هذا الحديث: "لكنَّ الحديث منقطع لا يثبت وصله".
ثم عاد فقال - في معرض ترجيحه هذا المذهب -: "وَرُوِيَ من وجهين مختلفين - يَشَدُّ أحدهما الآخر - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل مني منحر، وكلُّ أيام التشريق ذبحٌ ". وَرُوِىَ من حديث جبير بن مطعم - يعني الماضي - وفيه انقطاع، ومن حديث أسامة بن زيد، عن عطاء، عن جابر. قال يعقوب بن سفيان: أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون"1.
قلت: هذا الحديث الذي أورده ابن القَيِّم - رحمه الله - حاكماً بانقطاعه: أخرجه أحمد في (مسنده) 2، والبيهقي في (سننه) 3، من طريق:
أبي المغيرة4، عن سعيد بن عبد العزيز5، عن سليمان بن
__________
1 زاد المعاد: (2/318 - 319) .
(4/82) .
(9/295) .
4 هو: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني، الحمصي، ثقة، من التاسعة، مات سنة212هـ/ ع. (التقريب 360) .
5 التنوخي، الدمشقي، ثقة إمام، سَوَّاهُ أحمد بالأوزاعي، وقَدَّمَهُ أبو مسهر، لكنه اختلط في آخر أمره، من السابعة، مات سنة 167هـ/ بخ م 4. (التقريب238) .(2/446)
موسى1، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كلُّ عرفات موقف، وارفعوا عن بطن عُرَنَة. وكل مزدلفة موقفٌ، وارفعوا عن مُحَسِّر. وكل فِجَاجِ مني منحر، وكلُّ أيام التشريق ذبحٌ". ثم ساقه الإمام أحمد من طريق: أبي اليمان، عن سعيد بن عبد العزيز، بإسناده مثله.
وهذا الإسناد منقطع كما قال ابن القَيِّم رحمه الله؛ فإنَّ سليمان ابن موسى لم يدرك جبير بن مُطْعِم، قال البخاري: "سليمان لم يدرك أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "2. وقال ابن كثير - وعنه نقل صاحب (نصب الراية) 3 -: "هكذا رواه أحمد، وهو منقطع؛ فإن سليمان بن موسى الأشدق لم يدرك جبير بن مطعم". وقال البيهقي عقب روايته: "وهو مرسل". ونقل النووي في (شرح المهذب) 4 إعلال البيهقي له، وأَقَرَّهُ. وقال الحافظ ابن حجر: "في سنده انقطاع"5.
قلت: وقد رُوي عن سليمان من وجه آخر ظاهره الاتصال، فقد أخرجه البزار في (مسنده) 6، وابن حبان في (صحيحه) 7، وابن
__________
1 الأموي مولاهم، الدمشقي، الأَشْدَق، صدوق فقيه، في حديثه بعض لين، وخولط قبل موته بقليل، من الخامسة/ م 4. (التقريب 255) .
2 علل الترمذي: (1/313) ، باب زكاة العسل.
(3/61) .
(8/287) .
5 فتح الباري: (10/8) .
6 انظر: كشف الأستار: (2/27) ح رقم 1126. باب: عرفة كلها موقف.
7 الإحسان: (6/62) ح 3843.(2/447)
عديّ في (الكامل) 1 كلهم من طريق: عبد الملك بن عبد العزيز2، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن عبد الرحمن بن أبي الحسين، عن جبير رضي الله عنه به مرفوعاً.
ولكنَّ هذا الإسناد منقطع أيضاً، حكم عليه بذلك البزار رحمه الله، فقال: " ... ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم، وإنما ذكرنا هذا الحديث لأنَّا لا نحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في: "كل أيام التشريق ذبح". إلا في هذا الحديث، فكذلك ذكرناه، وبَيَّنَا العلة فيه"3.
وقد أخرجه الطبراني في (معجمه الكبير) 4، والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 5 من طرق، عن: سويد بن عبد العزيز6، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن نافع بن جبير7، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، ولفظه عند الدارقطني والبيهقي مختصر، كما أورده ابن القَيِّم أول الباب.
__________
(3/1119) في ترجمة "سليمان بن موسى".
2 القشيري، النسائي، أبو نصر التمَّار، ثقة عابد، من صغار التاسعة، مات سنة 228هـ / م س. (التقريب 363) .
3 انظر: نصب الراية: (3/61) .
(2/144) ح 1583.
5 قط: (4/284) ح 47. هق: (9/296) .
6 ابن نمير، السُّلَمِي مولاهم، الدمشقي، وقيل أصله حمصي، وقيل غير ذلك، ضعيف، من كبار التاسعة، مات سنة 194هـ، ت ق. (التقريب 260) .
7 ابن مطعم النوفلي، أبو محمد وأبو عبد الله، المدني، ثقة فاضل، من الثالثة، مات سنة 99هـ / ع. (التقريب 558) .(2/448)
وقد أشار البزار - رحمه الله - إلى رواية سويد هذه عقب إخراجه رواية عبد الرحمن بن أبي حسين المتقدمة، فقال: "ورواه سويد بن عبد العزيز، فقال فيه: عن نافع بن جبير، عن أبيه، وهو رجلٌ ليس بالحافظ، ولا يُحْتَجُّ به إذا انفرد بحديث، وحديث ابن أبي حسين هو الصواب ... "1. وأَعَلَّهُ البيهقي بسويد أيضاً، فقال: "ورواه سويد بن عبد العزيز، وهو ضعيف عند بعض أهل النقل ... "2. وتَعَقَّبَهُ ابن التركماني، فقال: "هو ضعيف عند كلهم أو أكثرهم"3.
وبذلك يكون حديث سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى دائراً بين الضعف والانقطاع، ولكن أشار الحافظ ابن حجر إلى أنه ورد موصولاً من وجه آخر، فقال: "ووصله الدارقطني، ورجاله ثقات"4.
قلت: لعله يشير بذلك إلى ما أخرجه الدارقطني في (سننه) 5- ومن طريقه البيهقي6 - من طريق: أبي معيد7، عن سليمان ابن موسى، عن عمرو بن دينار، عن جبير بن مطعم به.
__________
1 نصب الراية: (3/61) ، وانظر كشف الأستار: (2/27) فقد أورده مختصراً.
2 السنن: (9/296) .
3 الجوهر النقي: (9/296) .
4 فتح الباري: (10/8) .
(4/284) ح 49.
6 السنن: (9/296) .
7 حفص بن غيلان، وهو بكنيته أشهر، شامي، صدوقٌ فقيهٌ، رُميَ بالقَدَرِ، من الثامنة/ س ق. (التقريب 174) .(2/449)
وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، إلا أبا معيد، فإنه تَكَلَّمَ فيه بعضهم، ولكنه صدوقٌ، وقد وثقه الأكثرون1، فحديثه لا ينزل عن درجة الحسن، وقد وَثَّقَ ابن حجر - رحمه الله - رجال هذا الإسناد2 كما مضى.
وقد أشار الزيلعي في (نصب الراية) 3 إلى أن الطبراني أخرجه في (مسند الشاميين) ، من طريق أبي معيد، عن سليمان بن موسى، عن محمد ابن المنكدر، عن جبير به، فيكون هذا طريقاً آخر لهذا الحديث، فيثبتُ بذلك اتِّصَالُهُ من طريق سليمان بن موسى إلى جبير بن مطعم رضي الله عنه، وتنتفي عنه بذلك عِلَّةُ الانقطاع التي أشار إليها ابن القَيِّم رحمه الله.
وأما قول ابن القَيِّم رحمه الله: " روي من وجهين مختلفين يشدُّ أحدهما الآخر ... " ثم ذِكْرُهُ رواية جبير بن مطعم، ورواية جابر رضي الله عنهما: فإن كان يقصد أن حديث جابر يشدُّ حديث جبير، فإنه لا يتم له الاستشهاد به؛ لأن حديث جابر رضي الله عنه ليس فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "وكل أيام التشريق ذبح ". وإنما لفظه - كما أخرجه أبو داود4 وغيره - أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر".
أما إن كان قصده: مجيء حديث جبير بن مطعم نفسه من وجه
__________
1 انظر: تهذيب التهذيب: (2/418 - 419) .
2 إن كان هذا هو الإسناد الذي أراده بقوله: "وصله الدارقطني ... ".
(3/61) ، ولم أقف عليه في (مسند الشاميين) بعد البحث.
(2/478) ح 1937.(2/450)
آخر- كما تقدم في كلام ابن حجر - فقد حصل المقصود وهو: تقوية رواية جبير المنقطعة.
هذا، وقد صحح الهيثمي إسناد حديث جبير، فقال: "رجاله موثوقون"1. - يريد رجال أحمد والطبراني - ورَمَزَ له السيوطي بالصحة2. وَأَقَرَّهُ الشيخ الألباني في (صحيح الجامع الصغير) 3.
فَتَلَخَّص من ذلك: ثبوت حديث جبير بن مطعم هذا، وانتفاءُ ما أَعَلَّهُ به ابن القَيِّم من الانقطاع، وذلك بوروده من وجه آخر متصلاً، وتصحيح الأئمة له.
على أنَّ كلام ابن القَيِّم - رحمه الله - الظاهر منه مَيْلُهُ إلى تقوية الحديث بمجيئه من وجه آخر، كما تقدم من كلامه.
__________
1 مجمع الزوائد: (3/251) .
2 الجامع الصغير مع فيض القدير: (5/27) ح 6331.
(ح 4537) .(2/451)
9- باب ما يستحب من ذبح صاحب النسيكة نسيكته بيده، وجواز الاستنابة فيه
57- (12) عن علي صلى الله عليه وسلم قال: "لمَّا نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدْنَهُ، فَنَحَرَ ثلاثين بيده، وَأَمَرَنِي فنحرت سَائِرَهَا ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث، وعزاه لأحمد وأبي داود، ثُمَّ قال: "هَذَا غلط، انقلب على الراوي؛ فإن الذي نَحَرَ ثلاثين: هو عليٌّ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نحر سبعاً بيده لم يشاهده عليٌّ ولا جابر، ثم نَحَرَ ثلاثاً وستين أخرى، فَبَقِيَ من المائة ثلاثون، فَنَحَرَهَا عليٌّ، فانقلب على الراوي عدد ما نَحَرَهُ عليٌّ بما نحره النبي صلى الله عليه وسلم "1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2، وأحمد في (مسنده) 3 - وأخرجه البيهقي في (سننه) 4 من طريق أبي داود - كلهم من طريق:
محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نَجِيحٍ5، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي رضي الله عنه به. وعند الإمام أحمد زيادة، وهي قوله: " ... وقال: اقسم
__________
1 زاد المعاد: (2/260) .
(2/369) ح 1764 ك الحج، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبْلُغَ.
(1/159) .
(5/238) .
5 هو: عبد الله بن أبي نجيح - واسم أبي نجيح: يسار - المَكِّي،، أبو يسار، الثقفي، ثقة رُمِيَ بالقدر، وَرُبَّمَا دَلَّسَ، من السادسة، مات سنة 131 هـ / ع. (التقريب326) .(2/452)
لُحُومَهَا بين الناس وجُلُودَهَا وجِلالها، ولا تُعْطِيَّنَّ جَازِرَاً منها شيئاً".
وهذا الحديث معلول بأمور، وهي:
أولاً: عنعنة ابن إسحاق وهو مُدَلِّس، فإنه لا يُقْبَلُ منه إلا ما صرح فيه بالسماع1.
ثانياً: أن سفيان الثوري رواه عن ابن أبي نجيح بالإسناد السابق، فلم يذكر فيه ما جاء في رواية ابن إسحاق، ولكن فيه قول علي رضي الله عنه: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فَقَمْتُ على البُدْنِ، فأمرني فقسمت لحومها، ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها ". أخرجه البخاري في (صحيحه) 2.
وقد سبق أن رواية أحمد عن ابن إسحاق فيها زيادة، وهي: أمْرُهُ له بقسمة لحومها وجلالها، فَيُخْشَى أن يكون دخل لابن إسحاق حديث في حديث، فالله أعلم.
ثالثاً: وهو ما ذكره ابن القَيِّم رحمه الله، فإن حديث جابر في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم فيه قوله: " ... ثم انصرف إلى الْمَنْحَر، فَنَحَر ثلاثاً وستين بيده، ثم أَعْطَى عَلِيَّاً فَنَحَرَ مَا غَبَر" 3. أخرجه مسلم في (صحيحه) 4.
وقد قَدَّم البيهقي - رحمه الله - رواية مسلم؛ فإنه أخرجها في
__________
1 انظر: طبقات المدلسين: (ص132) .
2 ك الحج، باب لا يعطى الجزار من الهَدْي شيئاً. ح 1716. (فتح الباري 3/555) .
3 غَبَر: بَقِيَ. (المصباح المنير 2/442) .
(2/886) . ح 147، ك الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.(2/453)
(السنن) 1، ثم أخرج رواية ابن إسحاق بعدها، ثم قال: "كذا رواه محمد ابن إسحاق، ورواية جعفر أصحُّ" يعني التي في (مسلم) عن جابر.
وكذا قَدَّمَها الحافظ ابن حجر رحمه الله؛ فإنه قال - بعد أن ساق رواية ابن إسحاق -: "وأصحُّ منه ما وقع عند مسلم". فساق حديث جابر، ثم حاول الجمع بين هذه الرواية ورواية ابن إسحاق، فقال: "والجمع بينه وبين رواية ابن إسحاق: أنه صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثين، ثم أمر علياً أن ينحر سبعاً وثلاثين مثلاً، ثم نحر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وثلاثين". قال: "فإنْ سَاغَ هذا الجمعُ، وإلا فما في الصحيح أصحُّ"2.
أما ابن القَيِّم رحمه الله، فقد ذهب إلى وقوع القلب في حديث ابن إسحاق كما تقدم كلامه في ذلك، وأن الصواب رواية مسلم التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثاً وستين بيده، مع نحره صلى الله عليه وسلم سبع بُدْنٍ قياماً، كما في حديث أنس3 رضي الله عنه فيصير مجموع ما نحره صلى الله عليه وسلم سبعين بدنة. لا أن علياً هو الذي نحر هذا العدد.
وهذا المسلك من ابن القَيِّم - رحمه الله - قويٌّ في تقديم ما في الصحيح وردِّ ما عداه.
وعلى كل حال، فإن رواية ابن إسحاق شاذَّةٌ لمخالفتها رواية
__________
(5/238) .
2 فتح الباري: (3/555 - 556) .
3 وهو جزء من حديث يَصِفُ فيه أنس رضي الله عنه حَجَّةَ النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه البخاري في (صحيحه) ك الحج، باب نحر البدن قائمة. ح1714 (فتح الباري 3/554) .(2/454)
جابر في (صحيح مسلم) ، مع ضَعْفِ إسنادها كما تقدم، وقد رَجَّحَ رواية الصحيح: البيهقي، ثم ابن حجر رحمهما الله، كما تقدم، والله أعلم.(2/455)
10- باب ما جاء في طواف الإفاضة
58- (13) عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: "أَنَّ النَّبِي أَخَّرَ طَوافَهُ يوم النَّحْرِ إلى اللَّيل". وفي لفظ: "طَوافَ الزِّيَارَة".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث، وتحسين الترمذي له، ثم قال: "وهذا الحديث غَلَطٌ بَيِّنٌ، خلاف المعلوم من فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم الذي لا يَشُكُّ فيه أهل العلم بحَجَّتِه"1.
ثم ذكر - رحمه الله - كلام البخاري في إعلاله بعدم سماع أبي الزبير من عائشة، وكلام ابن القطان في إعلاله بتدليس أبي الزبير وقد عنعنه، ثم قال: "ويدل على غلط أبي الزبير عن عائشة: أن أبا سلمة بن عبد الرحمن روى عن عائشة، أنها قالت: حَجَجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَفَضْنَا يومَ النحر"2.
وقال مرة: "هذا الحديث وَهْمٌ؛ فإن المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم: أنه إنما طاف طواف الإفاضة نهاراً بعد الزوال، كما قاله جابر، وعبد الله بن عمر، وعائشة. وهذا أمرٌ لا يرتاب فيه أهل العلم بالحديث"3.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
__________
1 زاد المعاد: (2 / 275 - 276) .
2 زاد المعاد: (2/277) .
3 تهذيب السنن: (2/428) .(2/456)
ماجه في (سننهم) 1، وأحمد في (مسنده) 2، والبيهقي في (سننه) 3، من طرق، عن:
سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن عائشة وابن عباس - رضي الله عنها - به.
وعَلَّقَهُ البخاري في (صحيحه) 4، فقال: "وقال أبو الزبير، عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: أَخَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة إلى الليل".
قال أبو عيسى الترمذي: "حديث حسن صحيح". وفي بعض نسخه: "حسن"5.
ولكن هذا الحديث أُعِلَّ بعلل - كما تقدم في كلام ابن القَيِّم رحمه الله - منها:
أولاً: انقطاعه بين أبي الزبير وعائشة، وقيل: ابن عباس أيضاً:
فقد سأل الترمذي البخاريَّ عنه، فقال له: أبو الزبير سمع عائشة
__________
1 د: (2/509) ح2000 باب الإفاضة في الحج. ت: (3/253) ح920 باب ما جاء في طواف الزيارة بالليل. س: في (الكبرى) (4/218) ح4155. جه: (2/1017) ح3059 باب زيارة البيت. كلهم في ك الحج.
(1/288، 309) ، (6/215) .
(5/144) .
4 ك الحج، باب الزيارة يوم النحر. (فتح الباري 3/567) .
5 تحفة الأشراف: (5/237) .(2/457)
وابن عباس؟ قال: "أما ابن عباس فنعم، وإن في سماعه من عائشة نظراً"1. وقال أبو حاتم: "أبو الزبير رأي ابن عباس رؤية، ولم يسمع من عائشة"2. وقال ابن عيينة: "يقولون: أبو الزبير المكي لم يسمع من ابن عباس"3 قال العلائي - عقب نقله كلام هؤلاء الأئمة -: "حديثه عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة في صحيح مسلم"4.
قلت: ولكنَّ هذا على قاعدة مسلم المعروفة، وهي: اكتفاؤه في السند المعنعن بإمكان اللقاء دون ثبوته، وهذا - على فرض قبوله - يكون في غير المدلسين، أما إذا كان المُعَنْعِنُ مُدَلِّسَاً، فإنهم لم يختلفوا في عدم قبول ما عنعنه، وإنما الخلاف في قبول عنعنة المدلس إذا كان ممن عُلِمَ لقاؤه بمن عنعن عنه. وأبو الزبير من المدلسين المشهورين بذلك، فتكون هذه علة أخرى في الحديث، وهي:
ثانياً: عنعنة أبي الزبير وهو مُدَلِّسٌ: وقد أَعَلَّهُ بذلك جماعة، فقال ابن حزم - رحمه الله - بعد أن ذكر تدليس أبي الزبير-: "ولسنا نحتجُّ من حديثه إلا بما فيه بيان أنه سمعه، وليس في هذا بيان سماعه منهما"5. وقال ابن القطان: "عندي أن هذا الحديث ليس بصحيح، إنما طاف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ نهاراً، وإنما اختلفوا: هل صلى الظهر بمكة أو
__________
1 علل الترمذي: (1/388) .
2 المراسيل لابن أبي حاتم: (ص193) .
3 المصدر السابق.
4 جامع التحصيل: (ص 330) .
5 حجة الوداع: (ص211 - 212) .(2/458)
رجع إلى منىً فصلى الظهر بها بعد أن فرغ من طوافه؟ ... وجابر يقول: إنه صلى الظهر بمكة، وهو ظاهر حديث عائشة من غير رواية أبي الزبير هذه ... وهو شيء لم يرو إلا من هذا الطريق، وأبو الزبير مُدَلِّسٌ، ولم يذكر هاهنا سماعاً من عائشة"1.
وتعقب الحافظ العراقي الترمذي في تحسينه إياه: بأنه معلول بعنعنة أبي الزبير2. وأعله الشيخ الألباني - أيضاً - بعنعنة أبي الزبير وهو مدلس3.
ثالثاً: أن هذا الحديث قد عارضه ما هو أصح منه وأثبت: وذلك من حديث جابر، وابن عمر، ومن حديث عائشة نفسها، كما تقدم ذكر ذلك عن ابن القَيِّم رحمه الله.
قال النووي رحمه الله: " ... إن روايات جابر، وابن عمر، وأم سلمة عن عائشة: أصحُّ وأشهرُ وأكثر رواة، فوجب تقديمها، ولهذا رواها مسلم في صحيحه دون حديث أبي الزبير وغيره"4.
وحديث ابن عمر المشار إليه: أخرجه مسلم في (صحيحه) 5 من طريق: نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَفَاضَ يوم النَّحْرِ، ثم رجع فصلى الظهر بمنى".
__________
1 بيان الوهم والإيهام: (5/64) ح 2305.
2 شرح الترمذي: ج3 (ق 156/ أ) .
3 إرواء الغليل: (4/265) .
4 المجموع: (8/160) .
(2/950) ح 335 (1308) .(2/459)
وأما حديث جابر: فهو ضمن حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قوله: " ... ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر ... ". وهو في (صحيح مسلم) 1 أيضاً.
وأما حديث عائشة: فقد أخرجه البخاري في (صحيحه) 2 من طريق: أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها رضي الله عنها، أنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأفضنا يوم النحر ... ".
فهذه الأحاديث الصحيحة عارضت حديث أبي الزبير المتقدم، وفي جميعها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض نهاراً.
وقد ذهب البعض إلى الجمع بين هذه الأحاديث، فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ... فَيُحْمَلُ حديث جابر وابن عمر على اليوم الأول، وحديث ابن عباس هذا على بقية الأيام"3.
وتعقبه الشيخ الألباني، فقال: "وهذا التأويل ممكن بناءً على اللفظ الذي عند البخاري: "أَخَّرَ الزيارة إلى الليل". وأما الألفاظ الأخرى فهي تأبى ذلك؛ لأنها صريحة في أنه طواف الإفاضة في اليوم الأول، يوم النحر"4.
وسبق ابن حجر إلى محاولة الجمع أيضاً: النوويُّ رحمه الله، فقال في جوابه عن هذه الأحاديث: " ... أن يُتَأَوَّلَ قوله: "أَخَّرَ طواف يوم
__________
(2/892) .
2 ك الحج، باب الزيارة يوم النحر ح 1733.
3 فتح الباري: (3/567) .
4 إرواء الغليل: (4/264) .(2/460)
النحر إلى الليل". أي: طواف نسائه، ولابدَّ من التأويل للجمع بين الأحاديث"1.
قلت: بل الجمع غير لازم هنا، ويَتَعَيَّنُ الترجيح؛ لأن المعارض لهذه الأحاديث الصحيحة ضعيف لا يقاومها، قال الشيخ الألباني رحمه الله: "ولذلك فلا بد من الترجيح، ومما لا شكَّ فيه أن حديث ابن عمر أصحُّ من هذا، مع ما له من الشاهدين من حديث جابر، وعائشة نفسها"2.
فَتَلَخَّص من ذلك: أن حديث أبي الزبير، عن عائشة وابن عباس: حديث ضعيف، ومع ضعفه فقد عارضته الأحاديث الصحيحة الصريحة في طوافه صلى الله عليه وسلم طواف الزيارة نهاراً، فوجب تقديم هذه الأحاديث على هذا الضعيف، وهذا ما اختاره ابن القَيِّم رحمه الله، وهو الصواب، والله أعلم.
__________
1 المجموع: (8/160) .
2 إرواء الغليل: (4/264) .(2/461)
11- باب الشرب من ماء زمزم
59 - (14) عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَه ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وقد ضَعَّفَ هذا الحديث طائفة بعبد الله بن المُؤَمَّل راويه عن محمد بن المنكدر، وقد روينا عن عبد الله بن المبارك: أنه لَمَّا حجَّ أتى زمزم، فقال: اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، عن نَبَيِّكَ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماء زمزم لما شُرِبَ له " وإني أشربه لظمأ يوم القيامة، وابن أبي الموالي ثقة، فالحديث إذن حسن، وقد صححه بعضهم، وجعله بعضهم موضوعاً، وكلا القولين فيه مجازفة"1.
قلت: هذا الحديث يُروى عن جابر رضي الله عنه من طريقين:
الطريق الأول: أخرجه ابن ماجه في (سننه) 2، وأحمد في (مسنده) 3 والطبراني في (الأوسط) 4، والبيهقي في (سننه) 5، والعقيلي
__________
1 زاد المعاد: (4/392 - 393) .
(2/1018) ح 3062، ك المناسك، باب الشرب من زمزم.
(3/357، 372) .
(1/469) ح 853.
(5/148) .(2/462)
في (الضعفاء) 1، والخطيب في (تاريخ بغداد) 2 من طرق، عن: عبد الله بن المُؤَمَّل3، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه به.
وهذا الإسناد ضعيف؛ لضعف عبد الله بن المُؤَمَّل، وبه ضعفه ابن القطان4، وضعفه - أيضاً - النووي في (المجموع) 5.
وقال العقيلي: "لا يُتابع عليه". وكذا قال ابن حبان في (المجروحين) 6. وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا عبد الله بن المُؤَمَّل". وقال البيهقي عقب إخراجه: "تَفَرَّدَ به عبد الله بن المُؤَمَّل".
قلت: أما تضعيفه بابن المُؤَمَّل: فنعم، وأما القول بأنه تَفَرَّدَ به: فلا؛ فقد تابعه إبراهيم بن طهمان7، كما نَبَّهَ على ذلك صاحب (الجوهر النقي) 8 فقال - متعقباً البيهقي -: "قلت: لم ينفرد به، بل
__________
(2/303) .
(3/179) في ترجمة محمد بن القاسم المدائني.
3 ابن وهب الله، المخزومي، المكي، ضعيف الحديث، من السابعة، مات سنة 160هـ / بخ ت ق. (التقريب 325) .
4 بيان الوهم والإيهام: (3/478) ح 1243.
(8/198) .
(2/28) .
7 الخراساني، أبو سعيد، سكن نيسابور، ثم مكة، ثقةٌ يُغْرِبُ، وتُكِلِّمَ فيه للإِرْجَاءِ، ويقال: رجع عنه، من السابعة، مات سنة 168هـ / ع. (التقريب90) .
(5/148) .(2/463)
تابعه إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، كذا أورده البيهقي نفسه فيما بعد، في باب الرخصة في الخروج بماء زمزم".
والحديث في (سنن البيهقي) 1 من طريق: أحمد بن إسحاق البغدادي، عن معاذ بن نجدة، عن خَلاَّد بن يحيى، قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، وفيه قصة.
وأعلَّ الحافظ ابن حجر - رحمه الله - هذه المتابعة لابن المُؤَمَّل، فقال: "ولا يصحُّ عن إبراهيم ... إنما سمعه إبراهيم من ابن المُؤَمَّل"2.
وتعقبه الشيخ الألباني فقال: "ولا أدري من أين أخذ الحافظ هذا التعليل، فلو اقتصر على قوله: لا يصح عن إبراهيم. لكان مما لا غُبَارَ عليه"3.
وأَعَلَّهَا الشيخ الألباني - رحمه الله - بجهالة أحمد بن إسحاق البغدادي4. لكنه قال مرةً: "إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات"5!
وأعلَّ ابن القطان هذا الحديث بعنعنة أبي الزبير، فقال: "تدليس أبي الزبير معلوم"6. فَتَعَقَّبَهُ ابن الملقن في (البدر المنير) 7 بقوله: "قلت: قد
__________
(5/202) .
2 التلخيص الحبير: (2/268) .
3 إرواء الغليل: (4/321) .
4 المصدر السابق.
5 السلسلة الصحيحة: (2/573) ح 883.
6 بيان الوهم والإيهام: (3/478) ح 1243.
7 ج 4 (ق 412) نسخة أحمد الثالث. وانظر: التلخيص الحبير (2/268) .(2/464)
صَرَّحَ بالتحديث في رواية ابن ماجه، وكذا البيهقي في باب الرخصة في الخروج بماء زمزم".
لكن تَعَقَّبَ ذلك الشيخ الألباني، فقال عن طريق ابن ماجه هذه: "لكنها رواية شاذة غير محفوظة، تَفَرَّدَ بها هشام بن عَمَّار ... وهشام فيه ضَعْفٌ ... والوليد بن مسلم مُدَلِّسٌ ولم يُصَرِّحْ بسماعه من ابن المُؤَمَّل1. وقد خالفه رواة الطرق الأخرى، وهم ستة، فقالوا: عن أبي الزبير، عن جابر. فروايتهم هي الصواب"2.
قلت: فإن سُلِّمَ تَعَقُّبُ الشيخ الألباني هذا، فتبقى عنعنة أبي الزبير علة أخرى في هذا الطريق كما قال ابن القطان.
هذا ما يتعلق بالكلام عن الطريق الأول عن جابر، وقد ظهر ما فيه.
الطريق الثاني: أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) 3 في ترجمة عبد الله بن المبارك بسنده إلى سويد بن سعيد4 قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى منه شَرْبَةً، ثم استقبل الكعبة، ثم قال:
__________
1 وإنما قال: "قال عبد الله بن المُؤَمَّل" (سنن ابن ماجه 2/1018) .
2 إرواء الغليل: (4/322) .
(10/166) .
4 ابن سهل الهروي الأصل، ثم الحدثاني، ويقال له: الأنباري، أبو محمد، صَدُوقٌ في نفسه، إلا أنه عَمِيَ فَصَارَ يَتَلَقَّن ما ليس من حديثه فَأَفْحَشَ فيه ابن معين القول، من قدماء العاشرة، مات سنة 240هـ / م ق. (التقريب ص 260) .(2/465)
اللهم إن ابن أبي الموالي1 حدثنا عن محمد بن المنكدر، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماء زمزم لما شُرِبَ له". وهذا أَشْرَبُهُ لعطش القيامة. ثم شَرِبَه.
وأخرجه البيهقي في (شعب الإيمان) 2 وقال: "غريب، تَفَرَّدَ به سويد" ونقل ذلك عنه ابن حجر في (التلخيص الحبير) 3 ثم قال عن سويد: "وهو ضعيف جداً، وإن كان مسلمٌ قد أخرج له في المتابعات ... " إلى أن قال: "وقد خَلَّطَ في هذا الإسناد، وأخطأ فيه عن ابن المبارك، وإنما رواه ابن المبارك، عن ابن المُؤَمَّل، عن أبي الزبير، كذلك رويناه في (فوائد أبي بكر ابن المقري) من طريق صحيحة، فَجَعَلَه سويد: عن ابن أبي الموالي، عن ابن المنكدر. واغْتَرَّ الحافظ شرف الدين الدمياطي بظاهر هذا الإسناد، فحكم بأنه على رسم الصحيح؛ لأن ابن أبي الموالي انفرد به البخاريّ، وسويداً انفرد به مسلمٌ، وغفل عن أن مسلماً إنما أخرج لسويد ما توبع عليه، لا ما انفرد به، فضلاً عما خُولف فيه".
وقد رُوِيَ هذا الحديث عن ابن عباس، لكنه شديد الضَّعْفِ، بل باطل، كما سيأتي بيانه، فقد أخرجه: الدارقطني في (سننه) 4 عن:
__________
1 عبد الرحمن بن أبي الموالي - واسمه: زيد، وقيل: أبو الموالي جده- أبو محمد، مولى آل عليّ، صدوق رُبَّمَا أخطأ، من السابعة، مات سنة 173هـ / خ 4. (التقريب ص351) .
(8/67) ح 3833.
(2/268) وانظر أيضاً: فتح الباري (3/493) .
(2/289) ح238.(2/466)
عمر بن الحسن بن علي. والحاكم في (المستدرك) 1 عن: علي بن حمشاد العدل، كلاهما عن: محمد بن هشام بن عيسى المروزي، ثنا محمد بن الحبيب الجارودي، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال سول الله صلى الله عليه وسلم: "مَاءُ زَمْزَم لما شُرِبَ له، إن شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي به شفاكَ الله، وإن شربته لِشِبَعِكَ أشبعك الله به، وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه الله. وهي هَزْمَة2 جبريل، وسُقْيَا الله إسماعيل". هذا لفظ الدارقطني. وعند الحاكم: "وإن شربته مستعيذاً عاذك الله" بدل: "وإن شربته لشبعك ... ". وليس عنده: "وهي هزمة جبريل ... ".
قال أبو عبد الله الحاكم - عقب إخراجه -: "هذا حديث صحيح الإسناد إن سَلِم من الجارودي، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
وهذا الحديث له ثلاث علل - كما قال الشيخ الألباني3رحمه الله -:
العلة الأولى: أن محمد بن حبيب الجارودي أخطأ فيه عن ابن عيينة فجعله موصولاً مسنداً، وغيره جعله عن ابن عيينة عن مجاهد قوله،
__________
(1/473) .
2 الهَزْمَةُ: النقرة في الصدر، وفي التفاحة إذا غمزتها بيدك، وهزمت البئر: حفرتها. والمراد بهزمة جبريل: أنه ضربها برجله فنبع الماء. (النهاية 5/263) .
3 في إرواء الغليل: (4/329 - 333) ح 1126.(2/467)
قال ابن حجر: "والجارودي صدوق، إلا أن روايته شاذة، فقد رواه حُفَّاظُ أصحاب ابن عيينة: الحميدي، وابن أبي عمر، وغيرهما عن أبن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله"1.
وقال الحافظ الذهبي في ترجمة الجارودي هذا: "أتى بخبر باطلٍ اتُّهِمَ بسنده"2.
العلة الثانية: جهالة محمد بن هشام المروزي راويه عن الجارودي، قال ابن القطان: "لا يُعرف حاله"3.
العلة الثالثة: ضعف عمر بن الحسن الأشناني، شيخ الدارقطني في هذا الخبر. قال الذهبي في ترجمته في (الميزان) 4: "صاحب بلايا" ثم ساق هذا الحديث من طريق الدارقطني، ثم قال: "وابن حبيب - يعني الجارودي - صدوقٌ، فآفة هذا هو عمر، فلقد أَثِمَ الدارقطني بسكوته عنه، فإنه بهذا الإسناد باطلٌ، ما رواه ابن عيينة قطُّ، بل المعروف حديث عبد الله بن المُؤَمَّل، عن أبي الزبير، عن جابر مختصراً".
قال الشيخ الألباني رحمه الله: "وجملة القول: أن الحديث بالزيادة التي عند الدارقطني موضوعٌ؛ لتفرد هذا الأشناني به، وهو بدونها باطلٌ؛ لخطأ الجارودي في رفعه، والصواب: وقفه على مجاهد. ولئن قيل: إنه لا
__________
1 التلخيص الحبير: (2/268) .
2 الميزان: (3/508) .
3 البدر المنير: ج 4 (ق 412) .
(3/185) .(2/468)
يُقَالُ من قِبَلِ الرأي فهو في حكم المرفوع؟ فإن سُلِّمَ هذا، فهو في حكم المرسل، وهو ضعيف"1.
وقد جعله السخاوي شاهداً لحديث جابر المتقدم2، فتعقبه الشيخ الألباني بقوله: "ولكنه عندي ضعيف جداً فلا يصلح شاهداً، بل قال فيه الذهبي: خبر باطل"3.
ولحديث جابر شاهدٌ آخر عن معاوية رضي الله عنه موقوفٌ عليه، أشار إليه السخاوي في (المقاصد الحسنة) 4 فقال - بعد أن ساق حديث جابر وابن عباس الماضيين -: "وأحسن من هذا كله عند شيخنا: ما أخرجه الفاكهي، من رواية ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: لما حجَّ معاوية فحججنا معه، فلما طافَ بالبيت ... " فذكره، وفيه أن معاوية أمر بدلوٍ من زمزم، فشربه، ثم قال: "زمزم شفاء، وهي لما شُرِبَ له". قال السخاوي: "بل قال شيخنا: إنه حسن مع كونه موقوفاً. وأفرد فيه جزءاً".
قلت: ومما يشهد لمعناه: حديث أبي ذر رضي الله عنه يرفعه: "إنها مباركة وهي طعام طُعْمٍ، وشفاء سُقْمٍ". واستشهد به ابن حجر للحديث المتقدم5، وهو في (مسند الطيالسي) 6.
__________
1 إرواء الغليل: (4/332) .
2 المقاصد الحسنة: (ح 928) .
3 إرواء الغليل: (4/324) .
(ص 568) .
5 كما في المقاصد الحسنة (ص 568) .
(ح 457) .(2/469)
فالحاصل: أن هذا الحديث يَتَقَوَّى بمجموع هذه الطرق، فيكون حسناً لغيره، لا لذاته كما يفهم من كلام ابن القَيِّم رحمه الله1؛ إذ إنَّ طُرُقَهُ كلها لم تَسْلَم من الضَّعْفِ.
وحَسَّنَه الحافظ المنذري في (كلامه على أحاديث المهذب) 2. وقال الحافظ ابن حجر: "ومرتبة هذا الحديث: أنه باجتماع هذه الطرق يصلح للاحتجاج به"3. وقال مرة: "غريب، حسنٌ بشواهده"4.
بقي التنبيه على أمرٍ وقع لابن القَيِّم رحمه الله، وهو قوله في هذا الحديث: "وقد ضَعَّفَ هذا الحديث طائفة بعبد الله بن المُؤَمَّل راويه عن محمد بن المنكدر". كذا قال، وقد عُلِمَ مما سبق أنَّ ابن المُؤَمَّل إنما يرويه عن أبي الزبير، وأن الذي رواه عن ابن المنكدر هو ابن أبي الموالي.
__________
1 وانظر: إرواء الغليل: (4/324) .
2 أفاد ذلك ابن الملقن - رحمه الله - في (البدر المنير) : ج4 (ق 412) .
3 المقاصد الحسنة: (ص 568) .
4 فيض القدير: (5/404) .(2/470)
12- باب فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - فضلَ مكة، والبيت الحرام، وأنه أَفْضَلُ بقاع الأرض على الإطلاق، فقال: "وَثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، ففي (سنن النسائي) ، و (المسند) بإسناد صحيح، عن:
60 - (15) عبد الله بن الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "صلاة في مَسْجِدي هذا أفضل من أَلف صلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إلا المسجدَ الحرامَ، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مَسْجِدي هذا بمائة صلاةٍ ". ورواه ابن حبان في صحيحه1.
قلت: هذا الحديث أخرجه: أحمد في (مسنده) 2، وابن حبان في (صحيحه) 3، والبيهقي في (سننه) 4، وابن عبد البر في (التمهيد) 5، كلهم من طريق: حَمَّاد بن زيد، عن حبيب الْمُعَلَّم6.
__________
1 زاد المعاد: (1/48) .
(4/5) .
3 الإحسان: (3/71) ح 1618.
(5/246) .
(6/25) .
6 أبو محمد البصري، مولى معقل بن يسار، اختلف في اسم أبيه، فقيل: زائدة، وقيل: زيد، صدوق، من السادسة، مات سنة 130 هـ / ع. (التقريب 152) .(2/471)
وأخرجه الطيالسي في (مسنده) 1 عن: الربيع بن صبيح2. كلاهما - حبيب والربيع - عن:
عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم به، ووقع عند الطيالسي قول عطاء: "بينما ابن الزبير يخطبنا إذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " الحديث، قال عطاء في آخره: "فكأنه مائة ألف". وعند ابن حبان: "وَصَلاةٌ في ذاكَ أَفْضَل من مائةِ صلاةٍ في هذا ".
وعزاه الهيثمي في (مجمع الزوائد) 3 لأحمد، والطبراني، والبزار، وأما ما قاله ابن القَيِّم - رحمه الله - من أن هذا الحديث في (سنن النسائي) فإنني لم أقف عليه فيه بعد البحث، ولا هو في (السنن الكبرى) له فيما بحثت، ولم يذكره المزيُّ في (تحفة الأشراف) في مسند ابن الزبير، فلعله سبق قلم من ابن القَيِّم رحمه الله.
وإسناد هؤلاء الجماعة - ما عدا الطيالسي - صحيح على شرط الشيخين، وإلى ذلك أشار الهيثمي رحمه الله، فقال: "ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح"4.
ولكن رُوِيَ هذا الحديث عن عطاء من وجهٍ آخر موقوفاً على
__________
1 ح (1367) .
2 السَّعْدِي، البصري، صدوق سيء الحفظ، وكان عابداً مجاهداً، من السابعة، مات سنة 160هـ / خت ت ق. (التقريب 206) .
(4/4 - 5) .
4 مجمع الزوائد: (4/4-5) .(2/472)
ابن الزبير، أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 1 عن: ابن جريج. وابن عبد البر في (التمهيد) 2 من طريق: حجاج بن أرطاة3، كلاهما عن: عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن الزبير موقوفاً عليه. ولفظ عبد الرزاق: عن عطاء، أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر: "صلاة في المسجد الحرام خيرٌ من مائة صلاة فيما سواه من المساجد". قال: ولم يُسَمِّ مسجد المدينة، فَيُخَيَّلُ إليَّ أَنَّمَا يريد مسجد المدينة. ولفظ ابن عبد البر: "الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بمائة ضِعْفٍ". قال عطاء: فنظرنا في ذلك، فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف ضِعْفٍ.
قال ابن عبد البر: "هكذا رواه عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن الزبير، واخْتُلِفَ في رفعه عن عطاء ... وَمَنْ رَفَعَهُ عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أحفظ وأثبت من جهة النقل. وهو أيضاً صحيح في النظر؛ لأنَّ مثله لا يُدْرَكُ بالرأي، ولا بد فيه من التوقيف، فلهذا قلنا: إن مَنْ رَفَعَهُ أولى، مع شهادة أئمة الحديث لِلَّذي رفعه بالحفظ والثقة"4. وقال أيضاً: "ولكن الحديث لم يُقِمْهُ ولا جَوَّدَهُ إلا حبيب المعلم، عن عطاء، أقام إسناده، وجود لفظه"5. وقال: "فأسند حبيب المعلم هذا الحديث وَجَوَّدَهُ،
__________
(5/121) ح 9133.
(6/23) .
3 ابن ثور بن هبيرة، النخعي، أبو أرطاة الكوفي، القاضي، أحد الفقهاء، صدوق كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات 145هـ/ بخ م4. (التقريب 152) .
4 التمهيد: (6/23) .
5 المصدر السابق: (6/ 24) .(2/473)
ولم يُخَلِّطْ في لفظه ولا معناه، وكان ثقة"1. ثم أخذ في نقل أقوال الأئمة في توثيق حبيب. ثم قال: "ولم يُرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهٍ قَوىٍّ ولا ضعيف، ما يعارض هذا الحديث، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم. وهو حديث ثابت لا مطعن فيه لأحدٍ، إلا لِمُتَعَسِّفٍ لا يُعَرَّجُ على قوله في حبيب المعلم ... وقد رواه الحجاح بن أرطاة، عن عطاء، مثل رواية حبيب المعلم سواء"2.
قلت: وقد تابعَ حبيباً على رفعه الربيع بن صبيح، كما تقدم عند الطيالسي، ومع ذلك، فإنه لا يمتنع أن يكون رُوِيَ عن ابن الزبير على الوجهين، فمع أنه كان عنده مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه كان ربما لا يرفعه، وبخاصة أنه قاله في خطبة له على المنبر، وإلا فإنه مما لا مجال فيه للرأي، ولابدَّ فيه من توقيف كما تقدم في كلام ابن عبد البر رحمه الله. ويؤكده: أن حجاج بن أرطاة قد روى المرفوع أيضاً، فدلَّ ذلك على أن الحديث عن ابن الزبير على الوجهين.
فَتَلَخَّص من ذلك: أن الحديث صحيح الإسناد، كما قال ابن القَيِّم رحمه الله، ولا مطعن لأحدٍ فيه، وما رُوي من ذلك موقوفاً على ابن الزبير لا يُعَلُّ به المرفوع، فإما الجمع بينهما، أو ترجيح المرفوع، وهو ظاهرٌ، والله تعالى أعلم.
__________
1 التمهيد: (6/25) .
2 المصدر السابق: (6/26) .(2/474)
من كتاب الجهاد
1 ـ باب ما جاء في حلية السيف
...
1 - باب ما جاء فِي حلية السيف
61- (1) عن أنس رضي الله عنه، أنه قال: "كانت قَبِيعَةُ1 سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة".
حَكَمَ جماعة من الحفاظ بعدم صحة هذا الحديث مسنداً، وأن الصواب فيه: عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن البصري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
وقد استعرض ابن القَيِّم - رحمه الله - بعض أقوالهم، ثم قال: "والصواب أن حديث قتادة، عن أنس محفوظ من رواية الثقات الضابطين المتثبتين: جرير بن حازم وهمام، عن قتادة، عن أنس. والذي رواه عن: قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن مرسلاً: هو هشام الدستوائي، وهشام وإن كان مقدماً في أصحاب قتادة، فليس هَمَّام وجرير إذا اتَّفَقَا بدونه"2.
قلت: هذا الحديث أخرجه: أبو داود في (سننه) 3 من طريق: مسلم بن إبراهيم. والترمذي في: (جامعه) 4، وفي (الشمائل) 5 من
__________
1 القَبِيعَةُ: بفتح القاف، وكسر الباء: هي التي تكون على رأس قائم السيف. وقيل: ما تحت شاربي السيف. (النهاية: 4/7) .
2 تهذيب السنن: (3/404) .
(3/68) ح 2583 ك الجهاد، باب في السيف يُحَلَّى.
(4/201) ح 1691.
(ص 101) ح 99 باب ما جاء في صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.(2/477)
طريق: وهب بن جرير. والدارمي في (مسنده) 1 من طريق: أبي النعمان. والبيهقي في (سننه) 2 من طريق: سهل بن بَكَّار، كُلُّهم عن:
جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه به.
قال أبو عيسى الترمذي: "حديث حسن غريب".
وقد تابع جريراً على روايته هذه: هَمَّام بن يحيى، فأخرجه النسائي في (سننه) 3 من طريق: عمرو بن عاصم4، عن: همام وجرير، كلاهما عن: قتادة به، ولفظه: " كان نَعْلُ5 سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة، وقبيعة سيفه فضة، وما بين ذلك حِلَقُ فضة".
هكذا رواه جرير وهمام، عن قتادة، عن أنس مرفوعاً. ورواه هشام الدستوائي عن قتادة على خلاف ذلك:
فأخرجه: أبو داود في (سننه) 6 - ومن طريقه: البيهقي7 - والترمذي في (الشمائل) 8 من طريق: معاذ بن هشام. وأخرجه النسائي
__________
(2/140) ح 2461. ك السير، باب في قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(4/143) .
(8/219) ك الزينة، باب حلية السيف.
4 ابن عبيد الله الكلابي القيسي، أبو عثمان البصري، صدوقٌ في حفظهِ شَيء، من صغار التاسعة، مات سنة 213 هـ / ع. (التقريب 423) .
5 نَعْل السيف: الحديدة التي تكون في أسفل القِرَابِ. (النهاية 5/82) .
(3/69) ح 2584.
7 السنن: (4/143) .
(ص 101) ح 100.(2/478)
في (سننه) 1 من طريق: يزيد بن زريع2، كلاهما عن: هشام الدستوائي، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن3، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
وقد حَكَمَ الأئمة للرواية الُمُرْسَلة على الأخرى، فقال أبو داود: "أقوى هذه الأحاديث: حديث سعيد بن أبي الحسن، والباقية ضعاف"4. وقال النسائي: "هذا حديث منكر - يعني المتصل- والصواب: قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن"5. وفي (علل أحمد) 6: قال عبد الله: "حدثني أبي، عن عفان، قال: جاء أبو جُزَيّ7 إلى جرير بن حازم يشفع لإنسان يُحَدِّثُه، فقال جرير: حدثنا قتادة، عن أنس قال: "كانت قبيعة ... "، قال أبو جُزَيّ: كَذَبَ والله، ما حدثناه قتادة إلا عن سعيد بن أبي الحسن. قال أبي: وهو قول أبي جُزَيّ". يعني أصاب، وأخطأ جرير.
فهذه متابعة من أبي جُزَيّ لهشام الدستوائي، وأشار إلى روايته
__________
(8/219) .
2 البصري، أبو معاوية، ثقةٌ ثبت، من الثامنة، مات سنة 182هـ /ع. (التقريب601) .
3 البصري، أخو الحسن، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة 100 هـ/ ع. (التقريب234) .
4 السنن: (3/69) .
5 تحفة الأشراف: (1/301) .
(1/86) .
7 هو: نصر بن طريف، الباهلي، البصري، القَصَّاب، ضَعَّفَهُ غيرُ واحدٍ، واتَّهَمه آخرون بالكذب.
له ترجمة في: الجرح والتعديل: (4/1/466) ، والميزان: (4/251) .(2/479)
هذه: الدارقطني في (علله) 1، وأيد الإمام أحمد - رحمه الله - رواية الإرسال، وصَدَّقَ أبا جُزَيّ في قوله.
وقال الدارمي - عقب روايته -: "هشام الدستوائي خالفه ... وزعم الناس أنه هو المحفوظ". وقال أبو بكر البزار: "إنما يُرْوَى عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن مرسلاً، وهو الصواب"2. وقال الدارقطني: "اخْتُلِفَ فيه على قتادة ... ورواه هشام الدستوائي، ونصر بن طريف: عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن مرسلاً، وهو الصواب"3. وقال البيهقي: "تَفَرَّدَ به جرير بن حازم، عن قتادة ... والحديث معلول". ثم ذكر المرسل وقال: "وهو المحفوظ"4.
وقد تَقَدَّمَ أن جريراً لم ينفرد بذلك، وإنما تابعه: هَمَّامُ بن يحيى، كما عند النسائي رحمه الله، وَقَدَّمَ المرسل أيضاً: الحافظ المنذري، وقال: "إنه الصواب". كما نقله عنه صاحب (البدر المنير) 5.
وعند النظر، نجدُ أن الراجح ما رَجَّحَهُ هؤلاء الأئمة رحمهم الله؛ فإن جريراً في حديثه عن قتادة ضعف، قال عبد الله بن الإمام أحمد: "سألت ابن معين عنه؟ فقال: ليس به بأس. فقلت: إنه يحدث عن قتادة، عن أنس أحاديث مناكير. فقال: ليس بشيء، هو عن
__________
1 ج 4 (ق30/أ) .
2 البدر المنير: (2/464) .
3 علل الدارقطني: ج4 (ق 30/أ) .
4 سنن البيهقي: (4/143) .
(2/465) .(2/480)
قتادة ضعيف"1. وقال الميموني عن أحمد: "كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس، يوقف أشياء، ويسند أشياء"2. وقال الأثرم عن أحمد: "كان يُحَدِّثُ بالتوهم أشياء عن قتادة يُسْنِدُها، بواطيل"3. وقال ابن عدي: " ... هو مستقيم الحديث صالحٌ فيه، إلا روايته عن قتادة، فإنه يروي عنه أشياء لا يرويها غيره"4. وقال الذهبي: "وفي الجملة: لجرير، عن قتادة أحاديث منكرة"5.
فالغالب - والله أعلم - أن الخطأ في ذلك من جرير، وأنه أخطأ فيه عن قتادة، وقد تقدم أن أبا جُزَيّ كَذَّبَه لما حَدَّثَ به أمامه عن: قتادة، عن أنس، وَصَوَّبَ الإمام أحمد أبا جُزَيّ في ذلك كما مضى.
فإن قِيْلَ: قد تَابَعَهُ همام بن يحيى، عن قتادة؟ قيل: همامٌ وإن كان ثقة، فإنه ربما وَهِمَ، وَتَكَلَّمَ بعضهم في حفظه. وهو وإن كان ثبتاً في قتادة، فليس هو مثل هشام الدستوائي فيه6، حتى إن شعبة - على جلالته، وفضله، وحفظه لحديث قتادة - يقول: "هشام الدستوائي أعلم بقتادة، وأكثر مجالسة له مني"7. ولما ذكر عليُّ بن المديني أصحاب قتادة، قال: "كان هشام أرواهم عنه ... "8.
__________
1 تهذيب التهذيب: (2/70) .
2 المصدر السابق: (2/72) .
3 شرح علل الترمذي: (ص365) .
4 الكامل: (2/130) .
5 الميزان: (1/393) .
6 انظر: تهذيب التهذيب: (11/68 - 70) .
7 شرح علل الترمذي: (ص364) .
8 تهذيب التهذيب: (11/69) .(2/481)
ومع ذلك، فقد تَفَرَّدَ عن همام: عمرو بن عاصم القيسي، وفي حفظه شيء1، وسأل الآجريُّ أبا داود عنه؟ فقال: "لا أنشط لحديثه". ثم سأله عنه وعن الحوضي في هَمَّام؟ فقدم الحوضي2.
وما دام الرَّجل - أعني عمرو بن عاصم - بهذه المثابة، فلا يبعد أن يكون وَهِمَ فيه على همام بن يحيى، ولذلك قال الإمام النسائي: "وما رواه عن همام غير عمرو بن عاصم"3.
فالحاصل: أن هذا الحديث وَصَلَهُ عن قتادة، عن أنس: جرير ابن حازم، وتابعه عليه همام بن يحيى. وخالفهم في ذلك: هشام الدستوائي، فرواه عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن مرسلاً، وهو الراجح.
فإذا تقرر ذلك، فإن ما قاله ابن القَيِّم - رحمه الله - من تقوية الرواية الموصولة، غير مُسَلَّمٍ، لما تَقَدَّمَ.
ومع ذلك، فقد روي هذا الحديث من طريق أبي أمامة بن سهل، ومزيدة العصري وغيرهما4، مما يقوى حديث أنس المتصل، ويثبت أن له أصلاً، والله أعلم.
__________
1 كما تقدم في ترجمة ابن حجر له، وانظر: تهذيب التهذيب: (8/58) .
2 سؤالات الآجري لأبي داود: (ص236 - 237) .
3 انظر: تحفة الأشراف: (1/301) .
4 انظر تفصيل ذلك في: التلخيص الحبير: (1/52) ح 50.(2/482)
8 - من كتاب الجنائز
1- باب في الغسل من غسل الميت
62- (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ غَسَّلَ الْمَيْتَ فَلَيَغْتَسلْ، ومن حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث، ونقل عن الشافعي التوقف عن تصحيحه، وعن أبي داود إعلاله، ثم ذكر للحديث أَحَدَ عَشَرَ طَرِيقَاً، ثم قال: "وهذه الطُّرُقُ تدلُّ على أن الحديث محفوظ"1.
قلت: هذا الحديث يُروى عن أبي هريرة من طرق:
الطريق الأول: عن أبي صالح السَّمَّان، عن أبي هريرة. أخرجه البيهقي في (سننه) 2 من طريق: القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح به.
وأخرجه الترمذي في (جامعه) 3، وابن ماجه في (سننه) 4، والبيهقي5 من طريق: سهيل بن أبي صالح6، عن أبيه7، عن أبي هريرة
__________
1 تهذيب السنن: (4/305-306) .
(1/300) .
(3/309) ح 993 ك الجنائز، باب الغسل من غسل الميت.
(1/470) ح 1463، ك الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت.
(1/300) .
6 أبو يزيد المدني، صدوقٌ تَغَيَّر حِفْظُهُ بآخره، روى له البخاري مقروناً وتعليقاً، من السادسة، مات في خلافة المنصور/ ع. (التقريب 259) .
7 أبو صالح، ذكوان السَّمان الزيَّات، ثقة ثبت ... من الثالثة، مات سنة 101هـ/ ع. (التقريب 203) .(2/485)
به، ولفظ الترمذي والبيهقي: "مِنْ غُسْلِهِ الغُسْلُ. ومن حَمْلِهِ الوضوءُ" يعني الميت، أما ابن ماجه فلفظه: "مَنْ غَسَّلَ مَيِتاً فليغتسل". رواه عن سهيل هكذا جماعة، منهم: حماد بن سلمة، ووهيب، وزهير بن محمد، وعبد العزيز بن المختار وغيرهم1، وخالفهم سفيان بن عيينة، فرواه عن: سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن إسحاق2 مولى زائدة، عن أبي هريرة به. أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والبيهقي4 كذلك.
"وخالفهم إسماعيل بن جعفر فرواه عن سهيل عن أبيه، عن إسحاق مولى زائدة، عن أبي هريرة موقوفاً"5، كما قال الدارقطني رحمه الله.
وهذه الطريق أعلت بالانقطاع، والوقف، والاضطراب.
أما الانقطاع: فقد أشار أبو داود إليه فقال: "أدخل أبو صالح بينه وبين أبي هريرة في هذا الحديث - يعني إسحاق مولى زائدة -". وقال الشافعي: "وإنما لم يقو عندي: أنه يروى عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. ويدخل بعض الحفاظ بين أبي صالح وبين أبي هريرة:
__________
1 انظر: علل الدارقطني: ج 3 (ق 180) ، وسنن البيهقي: (1/301) .
2 والد عمر، قال العِجْلِي: هو إسحاق بن عبد الله، ثقة، من الثالثة / ر م د س. (التقريب 104) .
(3/512) ح 3162 ك الجنائز، باب في الغسل من غسل الميت.
(1/301) .
5 العلل: (ج3 ق180) .(2/486)
إسحاق مولى زائدة، فيدل على أن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة"1. وأعله ابن دقيق العيد بذلك أيضاً2. وقال ابن حجر: "وهو معلول، لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة"3.
وأما الوقف: فقد مضى أنه يُروى عن سهيل، عن أبيه، عن إسحاق، عن أبي هريرة موقوفاً عليه4. وكأن البخاري - رحمه الله - أعله بذلك، فقال لما سأله عنه الترمذي: "روى بعضهم عن سهيل بن أبي صالح، عن إسحاق مولى زائدة، عن أبي هريرة موقوفاً"5. ورجح البيهقي وقفه كما سيأتي من كلامه.
وأما اضطرابه: فقد قال به الدارقطني، فبعد أن حكى أوجه الاختلاف فيه قال: "ويشبه أن يكون سهيل كان يضطرب فيه"6.
وقد يُجاب عن هذه العلل، فيقال: أما انقطاعه: فإنه لا مانع أن يكون أبو صالح سمعه من أبي هريرة، ومن إسحاق عن أبي هريرة، فرواه على الوجهين جميعاً، وقد علق الشافعي - رحمه الله - الحكم بصحته على معرفة حال إسحاق، فقال: "وإنما منعني عن إيجاب الغسل من غسل الميت: أن في إسناده رجلاً لم أقع
__________
1 الجوهر النقي: (1/301) .
2 التلخيص الحبير: (1/137) .
3 فتح الباري: (3/127) .
4 وانظر سنن البيهقي: (1/301) .
5 علل الترمذي: (1/402) .
6 علل الدارقطني: ج 3 (ق180) .(2/487)
من معرفة من ثَبَّتَ حديثه - إلى يومي - على ما يقنعني، فإن وجدت من يقنعني، فإن وجدت من يقنعني أوجبته ... "1.
قال ابن حجر: "إسحاق مولى زائدة: أخرج له مسلم، فينبغي أن يصحح الحديث"2.
وأما الوقف: فيمكن أن يقال: إن الرفع زيادة من ثقة وهي مقبولة، ولا سيما أن الذين رفعوه أكثر عدداً. ولكن مع ذلك كله يخشى من احتمال كونه مضطرباً كما حكم به الدارقطني رحمه الله، فالله أعلم.
الطريق الثاني: رواه بن أبي ذئب، عن صالح3 مولى التوأمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. أخرجه: أحمد والطيالسي في (مسنديهما) 4، والخطيب في (موضح أوهام الجمع والتفريق) 5. والبيهقي في (سننه) 6 من طريق الطيالسي.
وقد أَعَلَّ البيهقي7، ثم ابن الجوزي8 هذا الطريق بـ"صالح
__________
1 سنن البيهقي: (1/302) .
2 التلخيص الحبير: (1/137) .
3 ابن نبهان المدني، صدوق اختلط، قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه: كابن أبي ذئب وابن جريج، من الرابعة ... / د ت ق. (التقريب 274) .
4 حم: (2/433، 454، 472) . طس: (ح2314) .
(2/172) .
(1/303) .
7 السنن: (1/303) .
8 العلل المتناهية: (1/378) .(2/488)
مولى التوأمة"، فقال البيهقي: "صالح مولى التوأمة ليس بالقوي".
قلت: وصالح هذا فيه ضعف، واختلاط، فقد ضعفه: يحيى القطان1، ومالك2، وابن معين3 في رواية، وأبو زرعة، وأبو حاتم4، والنسائي5. ووثقه أحمد6، وابن معين7 في رواية، والعجلي8. فالرجل بهذه المثابة "صدوق" كما حكم به الذهبي9 وابن حجر.
وأما اختلاطه: فقد مَيَّزَ جماعة من الحفاظ حديثه القديم، وحكموا بصحة رواية من روى عنه قبل الاختلاط، منهم: علي بن المديني، وابن معين، والجوزجاني، وابن عدي10. وابن أبي ذئب ممن سمع منه قديماً، فيكون حديثه عنه صحيحاً، ولذلك ردَّ ابن التركماني على البيهقي تضعيفه11.
__________
1 انظر: تهذيب التهذيب (4/405) .
2 الجرح والتعديل: (2/1/417) .
3 المصدر السابق: (2/1/418) .
4 المصدر السابق.
5 الضعفاء: (ص57) .
6 تهذيب التهذيب: (4/405) .
7 تاريخ الدوري: (2/266) .
8 الثقات بترتيب الهيثمي: (ص227) .
9 المغني: (1/305) .
10 انظر: الكواكب النيرات: (ص261) .
11 الجوهر النقي: (1/302) .(2/489)
الطريق الثالث: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به. أخرجه البيهقي في (سننه) 1 من طريق: ابن لهيعة، عن حنين بن أبي حكيم، عن صفوان بن أبي سليم، عن أبي سلمة به. ثم قال: "ابن لهيعة وحنين لا يحتج بهما".
قلت: وهذا قد صَحَّحَ الأئِمَّةُ وَقْفَهُ، فقال أبو حاتم - وقد سئل عنه -: "هو موقوف عن أبي هريرة، لا يرفعه الثقات"2. وقال ابن دقيق العيد: "وأما رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: فإسناد حسن، إلا أن الحفاظ من أصحاب محمد بن عمرو رووه عنه موقوفاً"3. وأخرج البيهقي الرواية الموقوفة من طريق: عبد الوهاب بن عطاء، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة به، ثم قال: "هذا هو الصحيح: موقوفاً على أبي هريرة، كما أشار إليه البخاري"4.
الطريق الرابع: عن عمرو بن عمير5، عن أبي هريرة. أخرجه أبو داود في (سننه) 6 – ومن طريقه البيهقي في (سننه) 7 - من طريق: القاسم بن عباس، عن عمرو بن عمير به.
وهذا الطريق ضعيف؛ فإن عمرو بن عمير "مجهول" كما حكم
__________
(1/302) .
2 علل ابن أبي حاتم: (1/351) .
3 التلخيص الحبير: (1/137) .
4 سنن البيهقي: (1/302) .
5 الحجازي، مجهول، من الثالثة/ د. (التقريب 425) .
(3/511) ح 3161.
(1/303) .(2/490)
بذلك ابن القطان وابن حجر1 رحمهما الله. وبهذا أعله البيهقي، فقال: "عمرو بن عمير إنما يعرف بهذا الحديث، وليس بالمشهور". قال ذلك في (سننه) .
الطريق الخامس: عن أبي إسحاق، عن أبي هريرة به. أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 2 - ومن طريقه أحمد3 - من طريق: يحيى بن أبي كثير، عن رجل يقال له: أبو إسحاق، عن أبي هريرة به، وليس فيه الوضوء من حمله. وأخرجه أحمد في (مسنده) 4 من طريق: يحيى، عن رجل من بني ليث، عن أبي إسحاق به.
ويروى هذا عن: أبي إسحاق، عن أبيه، عن حذيفة، أخرجه البيهقي في (سننه) 5، وذكر اختلافاً فيه، ثم قال: "والمشهور: عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب الأسدي، عن علي رضي الله عنه".
وقد روى هذا الحديث من طرق أخرى غير ما ذكرنا، واستوعبها البيهقي في (سننه) 6، ثم قال: "الروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة غير قوية، لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم، والصحيح: عن أبي هريرة من قوله، موقوفاً غير مرفوع". وقد تقدم معنا ترجيح البخاري
__________
1 انظر: تهذيب التهذيب: (8/84) .
(3/407) ح 6110.
3 المسند: (2/280) .
(2/280) .
(1/304) .
(1/300 - 304) .(2/491)
وأبي حاتم الوقف في بعض طرقه.
وأكثر العلماء على ضَعْفِ هذا الحديث كما قال الزيلعي1، والمناوي2 وغيرهما، وقال الإمام أحمد، وعلي بن المديني، ومحمد بن يحيى الذُّهَلي، وابن المنذر وغيرهم: إنه لا يثبت في هذا الباب شيء3. وقد تقدم طرف من أقوال العلماء في تضعيف هذا الحديث، وضعفه أيضاً: ابن الجوزي4، والنووي5.
لكن ذهب جماعةٌ إلى صِحَّتِهِ، وآخرون إلى حُسْنِهِ: فَحَسَّنَه الترمذي، وصححه ابن حبان، وابن حزم6، وقال ابن دقيق العيد: "وفي الجملة: هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسناً"7. وقال الذهبي في (مختصر البيهقي) 8: "طرقُ هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء، ولم يُعِلُّوها بالوقف، بل قَدَّمُوا رواية الرفع". وجعله البغوي من قسم الحسن في (مصابيحه) وتبعه التبريزي في (المشكاة) 9 ورجح ابن
__________
1 نصب الراية: (2/282) .
2 فيض القدير: (6/185) .
3 انظر: علل الترمذي: (1/402) ، وسنن البيهقي: (1/301) ، والتلخيص الحبير: (1/137) .
4 العلل المتناهية: (1/378 - 379) .
5 المجموع: (5/138) .
6 المحلى: (2/35) .
7 التلخيص الحبير: (1/137) .
8 التلخيص الحبير: (1/137) .
(1/169) ح 541.(2/492)
حجر تصحيح بعض طرقه1. وَحَسَّنَهُ الحافظ السيوطي2. وصححه الشيخ الألباني3.
وقد ذهب ابن القَيِّم - رحمه الله - إلى القول بأن الحديث بمجموع طرقه محفوظٌ، ولعلَّ هذا هو ما تطمئن إليه النفس، ولا سيما أن طرق هذا الحديث قد تعدَّدت، مما يجعل الحديث لا يقل عن درجة الحسن.
وقد ذهب أبو داود - رحمه الله - إلى أن هذا الحديث منسوخ، لكنه لم يذكر لنا ناسخه، ولا رأيت من قال بقوله.
وقد ذهب الأكثرون - كما نقل ابن القَيِّم4 - إلى عدم وجوب الغسل من غسل الميت، ونقل الإمام أبو داود عن الإمام أحمد أنه يجزئه الوضوء5. وقال الخطابي: "ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب"6. وقال: "وقد يحتمل أن يكون المعني فيه: أن غاسل الميت لا يكاد يأمن أن يصيبه نَضْحٌ من رشاش الغسول، وربما كان على بدن الميت نجاسة. فإذا أصابه نَضْحُهُ - وهو لا يعلم مكانه - كان عليه غسل جميع البدن، ليكون الماء قد أتى على الموضع الذي أصابه النجس من بدنه"7.
__________
1 التلخيص الحبير: (1/137) .
2 كما في فيض القدير مع الجامع الصغير: (6/185) .
3 انظر: إرواء الغليل: (1/173) ، وصحيح ابن ماجه: (ح 1195) ، وصحيح الجامع: (ح6402) ، والتعليق على المشكاة: (1/169) ح 541.
4 تهذيب السنن: (4/306) .
5 سنن أبي داود: (3/512) .
6 معالم السنن: (4/305) .
7 المصدر السابق.(2/493)
2- باب ما جاء في المشي خلف الجنازة
63- (2) حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "الجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ، لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا".
ذكر ابن القَيِّم هذا الحديث، وقال: "ضعيف"1. وقد أورده - رحمه الله - دليلاً للقائلين بالمشي خلف الجنازة.
قلتُ: الحديث بهذا اللفظ المختصر أخرجه ابن ماجه في (سننه) 2 ولفظه: "الجنازةُ متبوعة وليست بتابعة، ليس معها من تقدمها ".
ولكن أخرجه بأطول من هذا: أبو داود في (سننه) 3، والترمذي في (جامعه) 4، وأحمد في (مسنده) 5، والبيهقي في (سننه) 6، كلهم من طريق:
يحيى بن عبد الله7 التيمي، عن أبي ماجد8، عن عبد الله بن مسعودرضي الله عنه، أنه قال: سألنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن المشي مع الجنازة؟ فقال: "ما دُوْنَ
__________
1 تهذيب السنن: (4/316) .
(1/476) ح 1484 ك الجنائز، باب المشي أمام الجنازة.
(3/525) ح 3184 ك الجنائز، باب الإسراع بالجنازة.
(3/323) ح 1011، ك الجنائز، باب ما جاء في المشي خلف الجنازة.
(1/394، 415، 419، 432) .
(4/25) .
7 ابن الحارث، الجَابِر - قيل: كان يُجَبِّرُ الأعضاء - أبو الحارث الكوفي، لَيِّنُ الحديث، من السادسة، وروايته عن المقدام مرسلة / د ت ق (التقريب 592) .
8 ويقال: أبو ماجدة، قيل: اسمه عائذ بن نضلة، مجهولٌ، لم يرو عنه غير يحيى الجابر، من الثانية/ د ت ق. (التقريب 670) .(2/494)
الخبب1، إن يكن خيراً تعجل إليه، وإن يكن غير ذلك فَبُعْدَاً لأهل النار، والجنازة متبوعة ولا تُتْبَعُ، ليس معها من تَقَدَّمَهَا". هذا لفظ أبي داود، ولفظ الباقين نحو، إلا أن الترمذي عنده: "سألنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن السير خلف الجنازة" وفيه: "وليس منا من تقدمها". والعبارة الأخيرة كذا هي عند أحمد في موضعين2. وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف) 3 مختصراً كلفظ ابن ماجه المتقدم، لكن فيه سؤال ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث ضعيفٌ، ضَعَّفَهُ جماعة من العلماء، فقال الترمذي: "هذا حديث لا يُعْرَف من حديث عبد الله بن مسعود إلا من هذا الوجه. سمعت محمد بن إسماعيل يُضَعِّفُ حديث أبي ماجد لهذا. وقال محمد: قال الحميدي: قال ابن عيينة: قيل ليحيى: من أبو ماجد هذا؟ قال: طائر طار فحدثنا"4. وفي (علله) 5 أنه سأل البخاريَّ عنه؟ فقال: "أبو ماجد منكر الحديث" وضَعَّفَهُ جداً. وقال أبو داود: "وهو ضعيف، هو يحيى بن عبد الله، وهو يحيى الجابر ... أبو ماجدة هذا لا يُعْرف". وقال البيهقي: "أبو ماجد مجهولٌ، ويحيى الجابر: ضَعَّفَهُ جماعة من أهل النقل"6. وَضَعَّفَهُ المنذري - أيضاً - في (مختصر السنن) 7. وقال ابن
__________
1 الخَبَبَ: ضَرْبٌ من العَدْو، وقيل: هو مثل الرَّمَل، وقيل: الخبب السرعة. (لسان العرب ص 1085) .
2 المسند: (1/394، 415) .
(3/446) ح 6265.
4 جامع الترمذي: (3/323) .
(1/407) .
6 السنن: (5/25) .
(4/318 - 319) .(2/495)
الملقن: "هو حديث واهٍ لأجل يحيى الجابر، وأبي ماجدة"1 ثم نقل كلام أئمة الجرح والتعديل فيهما. وَضَعَّفَهُ الشيخ الألباني2 أيضاً.
فيتلخص: أن هذا الحديث ضعيفٌ كما قال ابن القَيِّم رحمه الله؛ لاتفاقهم على جهالة أبي ماجد، وضَعْفِ يحيى الجابر، والله أعلم.
__________
1 البدر المنير: ج 4 (ق 27/أ) نسخة أحمد الثالث.
2 ضعيف سنن ابن ماجه: (ح 324) .(2/496)
3- باب ما جاء في القيام للجنازة
64- (3) حديث البراء بن عازب: "خَرَجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازةِ رجل من الأَنْصَارِ، فانتهينا إلى القبر، وَلَمَّا يُلْحَد بعدُ، فجلسَ النبي صلى الله عليه وسلم، وَجَلَسْنَا مَعَهُ".
قال ابن القَيِّم: "وهو حديث صحيح"1. ثم تَعَرَّضَ له بعد ذلك، ودفع عنه بعض ما رُمِيَ به من علل2. وقال مرة: "وهو صحيح، صححه جماعة من الحفاظ"3.
وقد استَدَلَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - بهذا الحديث على أن السُّنَّة لِمُتَّبِع الجنازة ألاَّ يجلس حتى توضع، وأن المراد: وضعها على الأرض، فقال: "ويدلُّ على أنَّ المراد بالوضع الوضع بالأرض عن الأعناق: حديث البراء ... " فساقه.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 4، وأحمد والطيالسي في (مسنديهما) 5، والحاكم في (المستدرك) 6، أربعتهم من طريق: الأعمش.
__________
1 تهذيب السنن: (4/311) .
2 المصدر السابق: (4/337) .
3 اجتماع الجيوش الإسلامية: (ص58) .
(3/546) ح 3212 باب الجلوس عند القبر.
5 حم: (4/287) . طس: (ح 753) .
(1/37 - 38) .(2/497)
وأخرجه النسائي وابن ماجه في (سننيهما) 1، والحاكم - أيضاً - في (مستدركه) 2، ثلاثتهم من طريق: عمرو بن قيس3.
وأخرجه ابن ماجه والحاكم4، من طريق: يونس بن خباب5 كُلُّهم عن:
المنهال بن عمرو6، عن زاذان7، عن البراء بن عازب رضي الله عنه به.
وألفاظهم متفاوتة، وعند بعضهم ما ليس عند الآخر.
قال أبو عبد الله الحاكم عقبه: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا جميعاً بالمنهال بن عمرو، وزاذان أبي عمر الكندي"8.
__________
1 س: (4/78) باب الوقوف للجنائز. جه: (1/494) ح 1549، باب ما جاء في الجلوس في المقابر.
(1/40) .
3 الملائي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة متقن عابد، من السادسة، مات سنة بضع وأربعين/ بخ م 4. (التقريب 426) .
4 جه: (1/494) ح 1548. كم: (1/39) .
5 الأُسَيِّدي مولاهم، الكوفي، صدوقٌ يخطئ وَرُمِيَ بالرفض، من السادسة/بخ4. (التقريب 613) .
6 الأسدي، مولاهم، الكوفي، صدوق رُبَّما وَهِمَ، من الخامسة/خ4. (التقريب547) .
7 أبو عمر، الكندي، البزاز، ويكنى أبا عبد الله أيضاً، صدوق يرسل، وفيه شيعية، من الثانية، مات سنة 82هـ / بخ م 4. (التقريب 213) .
8 المستدرك: (1/39) .(2/498)
وليس كما قال رحمه الله؛ فإن المنهال احتجَّ به البخاري وحده، وزاذان احتجَّ به مسلم وحده، فكيف يكون على شرطهما؟!
وقد أَعَلَّهُ ابن حبان - رحمه الله - في (صحيحه) 1 فقال: " ... وزاذان لم يسمعه من البراء، فلذلك لم أخرجه".
وقد نقل ابن القَيِّم ذلك عن ابن حبان، ثم قال: "وهذه العلة فاسدة؛ فإن زاذان قال: سمعت البراء بن عازب ... ذكره أبو عوانة في صحيحه".
قلتُ: ورواية الحاكم - أيضاً - فيها التصريح بسماعه منه.
وقد أَعَلَّهُ ابن حزم بعلة أخرى، وهي ضعف المنهال بن عمرو2.
ونقل ابن القَيِّم ذلك عنه، ثم قال: "وهي علة فاسدة؛ فإن المنهال ثقة صدوق"3.
قلتُ: قد وثقه جماعة، وغاية ما قيل فيه: أنهم سمعوا صوت طنبور من بيته، ولم يقبل العلماء جَرْحَهُ بذلك، واحتجَّ به البخاري في (صحيحه) 4.
__________
1 انظر: الإحسان: (5/48) .
2 تهذيب التهذيب: (10/320) .
3 تهذيب السنن: (4/337) .
4 تنظر ترجمته في: الميزان: (4/192) ، وتهذيب التهذيب: (10/319) ، وهدي الساري: (ص446) .(2/499)
وَدَفَعَ ابن القطان القول بتضعيف الحديث بالمنهال بن عمرو، ونقل عن بعض الأئمة توثيقه، ثم قال - رداً على من ضَعَّفَ المنهال بن عمرو بسماع صوت طنبور من بيته -: "فهذا - كما ترى - التعسف فيه ظاهرٌ، ولا أعلم لهذا الحديث عِلَّةً غير ما ذكرت، فاعلمه"1.
وألزم عبد الحق بقبول هذا الحديث، فقال رحمه الله: "وسكت عنه، ولم يبين أنه من رواية المنهال، فكان هذا منه قبولاً له"2.
فثبت بذلك صحَّةُ هذا الحديث - كما حكم ابن القَيِّم رحمه الله - أو حُسْنُهُ على أقل تقدير، وأن ما ضُعِّفَ به لا ينهض، وحينئذ يَسْلَمُ لابن القَيِّم - رحمه الله - الاستدلال به على جلوس مُتَّبَعِ الجنازة بمجرد وضعها على الأرض، واستدل به ابن حجر على ذلك أيضاً، بعد أن نقل عن أبي عوانة أنه صححه3.
ثم أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - بعد ذلك حديثاً للقائلين بأن المراد: الوضع في اللَّحْدِ، وهو:
65- (4) حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: "كَانَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُومُ فِي الْجنازة حتى تُوضعَ في اللَّحْدِ ".
قال ابن القَيِّم: "لكن في إسناده بشر بن رافع". ثم نقل أقوال الأئمة: الترمذي، والبخاري، وأحمد، وابن معين، والنسائي، وابن
__________
1 بيان الوهم والإيهام: (3/362 - 363) ح 1107.
2 بيان الوهم والإيهام: (3/362) .
3 التلخيص الحبير: (2/112) .(2/500)
حبان في تضعيف بشر هذا1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه في (سننهم) 2، والبيهقي في (سننه) 3، والحازمي في (الاعتبار) 4، كلهم من طريق:
بشر بن رافع5، عن عبد الله بن سليمان بن جنادة بن أبي أمية6، عن أبيه7، عن جده8، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد، فمرَّ به حبر من اليهود، فقال: هكذا نفعل. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "اجلسوا، خالفوهم". هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي وابن ماجه مثله، إلا أنه ليس عندهما قوله: "اجلسوا"، ولفظ البيهقي كأبي داود.
__________
1 زاد المعاد: (1/518 - 519) .
2 د: (3/520) ح 3176. ت: (3/331) ح1020. جه: (1/493) ح 1545. كلهم في ك الجنائز، وعند د، جه: باب القيام للجنازة، وعند ت: باب الجلوس قبل أن توضع.
(4/28) .
(ص 131) باب النهي عن الجلوس حتى توضع الجنازة ...
5 الحارثي، أبو الأسباط النجراني، فقيه ضعيف الحديث، من السابعة/ بخ د ت ق. (التقريب 123) .
6 الأزدي، ضعيف، من السادسة/ د ت ق. (التقريب 306) .
7 هو: سليمان بن جنادة، منكر الحديث، من السادسة/ د ت ق. (التقريب 250) .
8 جنادة بن أبي أمية، يقال: اسم أبيه كبير، مختلف في صحبته، فقال العجلي: "تابعي ثقة"، والحق أنهما اثنان، صحابيُّ وتابعيُّ، متفقان في الاسم وكنية الأب / ع. (التقريب142) .(2/501)
قلتُ: وهذا الحديث ضعيف، ضَعَّفَهُ غير واحدٍ من العلماء، فقال البخاري: "منكر"1. ونقل عنه العقيلي قوله - في ترجمة سليمان ابن جنادة -: "لم يُتَابَعْ في هذا"2. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وبشر بن رافع ليس بالقويِّ في الحديث". وقال الحازمي: " ... ولو صحَّ لكان صريحاً في النسخ"3. وقال ابن الملقن: "وإسناد هذا ضعيف، فيه: بشر بن رافع، وليس بحجة، عن: ابن جنادة، وفيه نظر، كما قال البخاري ... "4. وقال ابن حجر: "إسناده ضعيف"5.
والحديث ليس ضعيفاً بسبب بشر بن رافع وحده، كما هو ظاهر كلام ابن القَيِّم السالف، بل شَيْخُهُ، وشيخُ شيخِهِ - أيضاً - ضعيفان.
أما شيخه عبد الله بن سليمان بن جنادة: فقال عنه البخاري: "فيه نظر"6. وسكت ابن أبي حاتم عنه7. أما ابن حبان فقد ذكره في (الثقات) 8 وقال: "يعتبر حديثه من غير رواية بشر عنه".
قلت: والرجلُ في عداد المجهولين؛ فإنه لم يرو عنه أحد غيرُ
__________
1 الضعفاء الصغير: (ص108) ، والتاريخ الكبير: (2/2/6) .
2 ضعفاء العقيلي: (2/122) .
3 الاعتبار: (ص131) .
4 البدر المنير: ج4 (ق 26/ب) . نسخة أحمد الثالث.
5 التلخيص الحبير: (2/112) .
6 التاريخ الكبير: (3/1/108) .
7 الجرح والتعديل: (2/2/75) .
(8/337) .(2/502)
بشر بن رافع، ولم يوثقه أحد غير ابن حبان، ولذلك فقد قال عنه الذهبي: "لا يُدْرَى من هو"1. وسبق قول ابن حجر فيه: "ضعيف".
وأما شيخ شيخه سليمان بن جنادة، أبو عبد الله الماضي ذكره: فقال أبو حاتم: "منكر الحديث"2. وَضَعَّفَهُ البخاري3، والعقيلي4. وقال ابن حبان: "منكر الحديث، فلست أدري البلية في روايته منه أو من بشر بن رافع؛ لأن بشر بن رافع ليس بشيء في الحديث ... على أنه يجب التَّنَكُّبُ عن روايته على الأحوال"5.
قلت: فإذا كان هذا هو حال هذا الإسناد، فإن الاقتصار على تضعيفه بـ"بشر بن رافع" وحده فيه نظر.
ومع ضعف هذا الحديث الظاهر، فإن الشيخ الألباني -رحمه الله- قد حَسَّنَهُ6، ولا أدري ما وجه تحسينه له؟
فتلخص من ذلك: أنَّ الصَّواب فِي قوله صلى الله عليه وسلم: "حَتَّى تُوضَعَ " أي: بالأرض. وأنَّ مَا جَاء من أن المراد: الوضع في اللَّحد: ضَعِيف لا يثبت، وهذا ما قرره ابن القَيِّم - رحمه الله - في دراسته هذه، فأصاب.
__________
1 الميزان: (2/432) .
2 الجرح والتعديل: (2/1/105) .
3 الضعفاء الصغير: (ص108) .
4 الضعفاء: (2/122) .
5 المجروحين: (1/329) .
6 صحيح سنن ابن ماجه: (ح 1256) .(2/503)
4- باب الصلاة على الجنازة في المسجد
66- (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلا شَيْءَ لَهُ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث، ونقل أن الإمام أحمد ضَعَّفَهُ: بأنه مما تفرد به صالح مولى التوأمة، وكذا البيهقي، وأنه قَدَّمَ عليه حديث عائشة رضي الله عنها في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد، حيث إنها احتجت عليهم بذلك لما أنكروا عليها إدخالها جنازة سعد بن أبي وقاص إلى المسجد للصلاة عليها.
ثم قرَّرَ ابن القَيِّم أن صالحاً ثقة في نفسه، إلا أنه اختلطَ أخيراً، فمن سَمِعَ منه قبل الاختلاط فهو حُجَّةٌ، وابن أبي ذئب - راوي الحديث عنه - ممن سَمِعَ منه قبل اختلاطه، ولذلك فإن هذا الحديث حسن، ولا معنى لتضعيفه ما دام من رواية ابن أبي ذئب1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2 من طريق: يحيى وابن ماجه في (سننه) 3، وأحمد في (المسند) 4، والبيهقي في (السنن) 5 من طريق: وكيع. وأخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 6 من طريق: معمر،
__________
1 زاد المعاد: (1/500 - 501) . وانظر: تهذيب السنن: (4/325) .
(3/531) ح 3191 ك الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد.
(1/486) ح 1517.
(2/444) .
(4/52) .
(3/527) ح 6579.(2/504)
والثوري كليهما، ومن طريقه أخرجه البيهقي1. وأخرجه الطيالسي في (مسنده) 2. وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) 3 من طريق: الثوري وحده، وأخرجه ابن حبان في (المجروحين) 4، وابن الجوزي في (العلل المتناهية) 5 من طريق: علي بن الجعد، كلهم عن:
ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
وقد اختلفت ألفاظهم في هذا الحديث: ففي رواية أبي داود التي بين أيدينا: "فلا شيء عليه". ونقل ابن القَيِّم عن الخطيب أنه قال في روايته لكتاب السنن: "في الأصل: فلا شيء عليه، وغيره يرويه: فلا شيء له". ولفظ ابن ماجه وأحمد: "فليس له شيء" وأما رواية الباقين فلفظها: "فلا شيء له ".
وعند الطيالسي زيادة وهي: "قال صالح: وأدركتُ رجالاً ممن أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر إذا جاءوا فلم يجدوا إلا أن يُصَلُّوا في المسجد، رجعوا فلم يصلوا". وهي عند البيهقي لكن لفظها: "فرأيت الجنازة توضع في المسجد، فرأيت أبا هريرة إذا لم يجد موضعاً إلا في المسجد، انصرف ولم يصل عليها".
وقد ضَعَّفَ جماعة هذا الحديث: فقال ابن ماجه عقب إخراجه:
__________
1 السنن: (4/52) .
(ح 2310) .
(7/93) .
(1/366) .
(1/414) ح 696.(2/505)
"حديث عائشة أقوى" يعني: في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء في المسجد. وقال ابن حبان: "هذا خبرٌ باطلٌ، كيف يخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُصَلِّي في المسجد على الجنازة لا شيء له من الأجر، ثم يُصَلِّي هو على سهيل بن بيضاء في المسجد؟ "1.
وقال البيهقي: "وهو مِمَّا يُعَدُّ في أَفراد صالح، وحديث عائشة رضي الله عنها أصحُّ منه، وصالح مولى التوأمة مختلف في عدالته، كان مالك بن أنس يجرحه"2. وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصحُّ، وصالح قد كَذَّبَه مالك ... "3. وقال النووي: "ضعيف باتفاق الحُفَّاظِ، وممن نصَّ على ضعفه: الإمام أحمد، وأبو بكر بن المنذر، والبيهقي وآخرون ... "4.
قلت: وبالنظر إلى كلام الْمُضَعِّفِينَ لهذا الحديث نجدُ أنهم اعتمدوا في تضعيفه على أمرين:
الأول: ضعفُ صالح مولى التوأمة، وقد تَفَرَّدَ بذلك.
الثاني: مخالفةُ هذه الرواية لما ثبت في (صحيح مسلم) من حديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى على ابن بيضاء في المسجد".
__________
1 المجروحين: (1/366) .
2 السنن: (4/52) .
3 العلل المتناهية: (1/414) .
4 المجموع: (5/162) .(2/506)
فأما صالح: فإنه قد وثقه جماعة، وضَعَّفَهُ آخرون1. وغاية ما رَمَوهُ به: أنه اختلط قبل موته، لكن مَيَّزَ الأئمة النُّقَّادُ بين سماع من سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فقال علي بن المديني: "صالح ثقة، إلا أنه خَرِفَ وكَبِرَ، فَسَمِعَ منه قومٌ وهو خرف كبير، فكان سَمَاعهم ليس بصحيح، سفيان الثوري ممن سمع منه بعد ما خرف، وكان ابن أبي ذئب قد سمع منه قبل أن يخرف"2. وقال أحمد بن أبي مريم عن يحيى بن معين: "ثقة حجة. فقلت له: إن مالكاً تركه. فقال: إن مالكاً إنما أدركه بعد أن خرف ... لكنَّ ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف"3. وقال الجوزجاني: "تَغَيَّرَ أخيراً، فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لِسِنِّه وسماعه القديم، وأما الثوري فَجَالَسَهُ بعد التغير"4.
فهذا كلام هؤلاء الأئمة في أنَّ ابن أبي ذئب ممن سمع منه قديماً قبل الاختلاط، وقال ابن عديّ - بعد أن ذكر قدم سماع ابن أبي ذئب منه -: "ولا أعرف له حديثاً منكراً إذا روى عنه ثقة، وإنما البلاء ممن دون ابن أبي ذئب ... وصالح مولى التوأمة: لا بأس برواياته وحديثه"5.
قلت: وهذا الحديث من رواية ابن أبي ذئب عن صالح، فلا مجال حينئذ للطعن فيه باختلاط صالح، ولذلك فقد ساق الذهبي هذا
__________
1 انظر: تهذيب التهذيب: (4/405 - 407) .
2 سؤالات ابن أبي شيبة لعلي بن المديني: (ص86) .
3 الميزان: (2/303) .
4 أحوال الرجال: (ص 144) .
5 الكامل: (4/1375 - 1376) .(2/507)
الحديث وغيره في ترجمة صالح من طريق ابن أبي ذئب عنه، ثم قال: "فهذه الأحاديث صحاح عند ابن معين على ما قال"1.
وأما معارضة هذا الحديث لحديث عائشة السابق: فيمكن الجواب عن ذلك بأجوبة:
- منها: أن نُسَخَ أبي داود المعتمدة فيها: "فلا شيء عليه"، وبعضهم: "فليس له شيء "، وبعضهم: " فليس به شيء "، وعلى هذا: لا دلالة فيه على كراهية ذلك. أجاب بذلك النووي2.
قلت: لكن كيف برواية الجماعة الباقين، وهي: "فلا شيء له"، وفي رواية: "فليس له شيء "، فهذا يعكر على هذا الجواب. ويعكر عليه أيضاً: قول صالح عقب روايته هذا الحديث: "فرأيت الجنازة توضع في المسجد، فرأيت أبا هريرة إذا لم يجد موضعاً إلا في المسجد، انصرف ولم يصل عليها". وقد سبق ذلك في رواية البيهقي، وأبي داود الطيالسي، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه راوي هذا الحديث يفعل ذلك، فلا بدَّ أنه قد ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم كراهة ذلك، وحينئذ فلا وجه لردِّ رواية: "فلا شيء له".
- ومن هذه الأجوبة: أن لفظة: "لا شيء له" يجب حملها على: "فلا شيء عليه" جمعاً بين الروايات، وقد جاء مثل ذلك في القرآن، كقوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7] أي: فعليها. قاله النووي3.
__________
1 الميزان: (2/304) .
2 المجموع: (5/162) .
3 المجموع: (5/162) .(2/508)
- وأجاب الخطابي بجواب آخر، فقال: "وقد يكون معناه - إن ثبت الحديث - متأولاً على نقصان الأجر؛ وذلك أن من صلى عليها في المسجد، فإن الغالب أنه ينصرف إلى أهله ولا يشهد دفنه، وأن من سعى إلى الجَبَّان فَصَلَّى عليها بحضرة المقابر شهد دفنه، فأحرز أجر القيراطين ... فصار الذي يصلي عليها في المسجد منقوص الأجر بالإضافة إلى من صَلَّى عليها براً"1. وقال مثله النووي رحمه الله، وزاد: "فيكون التقدير: فلا أجر كامل له"2.
قلتُ: ولعلَّ هذا الجواب الأخير هو أَقْرَبُهَا، فيكون الأصل في الصلاة على الجنازة أن تكون خارج المسجد، وأنه الأفضل، وأن الصلاة عليها في المسجد جائزة، وإن كانت دون الأولى، وقد أشار إلى شيء من ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله، فإنه عند شرحه لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة زنيا، فأمر بهما فرجما قريباً من موضع الجنائز عند المسجد" قال رحمه الله: "دلَّ حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان مُعَدٌّ للصلاة عليها، فقد يستفاد منه: أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمرٍ عارض، أو لبيان الجواز"3. وفي إنكار الصحابة - رضوان الله عليهم - على عائشة إدخالها جنازة سعد بن أبي وقاص إلى المسجد للصلاة عليها، دليل على عدم وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، وإلا لما خفي عليهم.
__________
1 معالم السنن: (4/325) .
2 المجموع: (5/162) .
3 فتح الباري: (3/199) .(2/509)
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن حديث أبي هريرة هذا - من رواية صالح مولى التوأمة - حديث حسن على أقل أحواله، كما حكم عليه بذلك ابن القَيِّم رحمه الله، وأن القول بضعفه مَبْنِيٌّ على الطعنِ في صالح، وقد عُلِمَ ما فيه.
على أنه لا تنافي بينه وبين جواز الصلاة على الجنازة في المسجد على الوجه المتقدم، والله أعلم.(2/510)
5 - باب ما جاء في الصلاة على الطفل
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الصلاة على الطفل، فصحَّ عنه أنه قال: 67- (6) "الطِّفْلُ يُصَلَّى عليه" 1.
قلت: هذا جزء من حديثٍ يُروى عن: زياد بن جبير بن حَيَّة2، عن أبيه3، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، واختلف فيه على زياد بن جبير:
فأخرجه: الترمذي والنسائي وابن ماجه في (سننهم) 4، وأحمد في (مسنده) 5 والطبراني في (الكبير) 6، وابن حبان في (صحيحه) 7، والحاكم في (المستدرك) 8، كلهم من طريق:
__________
1 زاد المعاد: (1/513) .
2 ابن مسعود بن مُعَتِّب الثفي، البصري، ثقةٌ وكان يُرْسِل، من الثالثة/ ع. (التقريب 218) .
3 جبير بن حية بن مسعود الثقفي، ابن أخي عروة بن مسعود، ثقةٌ جليل، من الثالثة، مات في خلافة عبد الملك بن مروان/ خ 4. (التقريب 138) .
4 ت: (3/340) ح 1031، باب الصلاة على الأطفال. س: (4/56) ، باب مكان الماشي من الجنازة. جه: (1/483) ح 1507، باب الصلاة على الطفل. ثلاثتهم في كتاب الجنائز.
(4/247، 252) .
(20/430) ح 1045.
7 الإحسان: (5/22) ح 3038.
(1/355، 363) .(2/511)
سعيد بن عبيد الله1، عن عمه زياد بن جبير، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الراكب خَلْفَ الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفلُ يُصَلَّى عليه". هذا لفظ الترمذي، ومثله: أحمد والنسائي، والطبراني، وابن حبان، وأما لفظ ابن ماجه فمختصر، وهو الذي ساقه ابن القَيِّم رحمه الله، وأما لفظ الحاكم: "الماشي أمام الجنازة، والراكب خلفها، والطفل يصلى عليه".
وأخرجه النسائي2 مرة عن: سعيد بن عبيد الله وأخيه المغيرة بن عبيد الله3، كلاهما عن: زياد بن جبير به، ولفظه كلفظه الماضي.
هكذا رواه هؤلاء من طريق سعيد بن عبيد الله - وأخيه في رواية النسائي - عن زياد بن جبير مجزوماً برفعه.
وأخرجه: أبو داود في (سننه) 4، والطبراني في (الكبير) 5، والحاكم في (المستدرك) 6، والبيهقي في (سننه) 7 كلهم من طريق:
__________
1 ابن جبير بن حَيَّة، الثقفي، الجبيري، بصري، صدوق رُبَّمَا وهم، من السادسة/ خ ت س ق. (التقريب 239) .
2 السنن: (4/55) .
3 ابن جبير بن حية/ الثقفي، مقبولٌ، من السابعة/ س. (التقريب 543) .
(3/522) ح 3180، باب المشي أمام الجنازة.
(20/430) ح 1042.
(1/363) .
(4/8) .(2/512)
يونس بن عبيد1، عن زياد بن جبير، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة- قال يونس: وأحسب أن أهل زياد أخبروني أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم- قال: "الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها، والسِّقْط2 يُصَلَّى عليه، ويُدْعَى لوالديه بالمغفرة والرحمة". هذا سياق أبي داود ومثله سياق الطبراني إسناداً ومتناً. وأما الحاكم فلفظه مثل أبي داود لكن فيه: " ... ويدعى لوالديه بالعافية والرحمة". وأما إسناده، ففيه قول يونس: "وحدثني بعض أهله أنه رفعه" هكذا بدون شك. قال إبراهيم بن أبي طالب - شيخ شيخ الحاكم في هذا الإسناد -: "قول يونس بن عبيد: حدثني بعض أهله أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: رواية ليونس بن عبيد، عن سعيد بن عبيد الله بن جبير ... ".
ورواية يونس بن عبيد هذه: أخرجها الطبراني في (الكبير) 3 من غير شك في رفعها، وذلك من طريق: عبد الله بن بكر4، ثنا يونس بن عبيد، عن زياد، عن أبيه، عن المغيرة مرفوعاً: "الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء، والطفل يُصَلَّى عليه".
ورواه الثوري عن يونس بن عبيد فلم يرفعه، أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 5.
__________
1 ابن دينار العبدي، أبو عبيد البصري، ثقة ثبت فاضل ورع، من الخامسة، مات سنة 139 هـ / ع. (التقريب 613) .
2 بالكسر والفتح والضم - والكسر أكثرها -: الولد الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه. (النهاية 2/378) .
(20/430) ح 1044.
4 ابن عبد الله، الْمُزَنِي، البصري، صدوقٌ، من السابعة/ د س ق. (التقريب297) .
(3/531) ح 6602.(2/513)
وأخرجه: أحمد والطيالسي في (مسنديهما) 1 من طريق: المبارك بن فضالة2، عن زياد بن جبير، عن أبيه، عن المغيرة مرفوعاً، ووقع عند الطيالسي قول المبارك: "ولا أراه إلا مرفوعاً" أما عند أحمد فقد جزم برفعه.
وقد صحح هذا الحديث جماعة؛ فقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وقال الإمام أحمد بن حنبل - فيما رواه أحمد بن أبي عبدة عنه -: "صحيح مرفوع"3. وقال أبو عبد الله الحاكم: "صحيح على شرط البخاريِّ، ولم يُخَرِّجَاهُ". ووافقه الذهبي رحمه الله. وصححه ابن دقيق العيد؛ فإنه أورده في كتابه (الاقتراح) 4 في القسم الخاص بالأحاديث التي رواها قومٌ خَرَّجَ عنهم البخاري دون مسلم. هذا مع تصحيح ابن حبان له؛ إذ أخرجه في (صحيحه) كما مرَّ، وصححه - أيضاً - الشيخ الألباني5 رحمه الله.
وأما ما وقع في بعض طرقه من الشكِّ في رفعه: فإن ذلك لا يَضُرُّهُ؛ إذ إن ذلك وقع في رواية يونس بن عبيد وحده، ومع هذا فقد اخْتُلِفَ عليه في ذلك، فقد رواه عنه عبد الله بن بكر بدون شك، كما مضى عند الطبراني.
__________
1 حم: (4/248) . طس: (ح702) .
2 أبو فضالة البصري، صدوق يُدَلِّسُ ويُسَوِّي، من السادسة، مت سنة 136هـ على الصحيح/ خت د ت ق. (التقريب 519) .
3 زاد المعاد: (1/513) .
(ص 479) ح 27 من القسم المذكور.
5 صحيح ابن ماجه: (ح 1224) .(2/514)
وأما رواية الثوري له موقوفاً: فقد خالفه جماعة عن يونس بن عبيد، منهم: عبد الله بن بكر المزني الماضي ذكره، وذكر الدارقطني: أن ابن عُلَيَّةَ، وعنبسة بن عبد الواحد روياه عن يونس مرفوعاً1. هذا مع اتفاق سعيد بن عبيد الله الثقفي، وأخيه المغيرة، والمبارك بن فضالة على رفعه كما مرَّ في تخريج الحديث، فهذا العدد الكثير أولى أن تكون روايتهم محفوظة، هذا إذا لم نقل: إن الرفع زيادة، وقد أتى بها ثقات، فهي مقبولة.
وبهذا يتبين أن ترجيح الإمام الدارقطني في (علله) 2 رواية الوقف، الراجح خلافه.
ويَتَلَخَّصَ من ذلك: أن الحديث صحيح ثابت، وأنه لا مَطْعَنَ فيه، وبذلك يكون ابن القَيِّم - رحمه الله - قد أصاب في تصحيحه إياه، والاستدلال به على مشروعية الصلاة على الطفل.
68- (7) عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أنه قال: صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم، ومات وهو ابن ستة عشر شهراً، وقال: "إِنَّ في الجَنَّة مُرْضِعَاً تُتِمُّ رِضَاعَهُ، وهو صِدِّيقٌ ".
قال ابن القَيِّم: "هذا حديث لا يثبت؛ لأنه من رواية جابر الجُعْفِي، ولا يحتجُّ بحديثه، ولكن هذا الحديث مع مرسل البَهيّ،
__________
1 علل الدارقطني: ج2 (ق 104) .
2 ج2 (ق 104) .(2/515)
وعطاء، والشعبي، يُقَوِّي بعضها بعضاً"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أحمد في (مسنده) 2، والبيهقي في (سننه) 3 من طريق:
إسرائيل، عن جابر الجعفي، عن عامر الشعبي، عن البراء بن عازب رضي الله عنه به.
وهذا الإسناد ضعيف بجابر الجعفي كما قال ابن القَيِّم رحمه الله، وضَعَّفَهُ به المنذري4 أيضاً، ثم نقل كلام البيهقي في اعتضاد هذا الحديث بالمراسيل السابقة، قال: "وفيه نظر".
قلت: وقد رُوي مسنداً من غير طريق البراء، فَرُوِيَ عن: ابن عباس، وأنس، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، ذكر ذلك الزيلعي في (نصب الراية) 5.
أما حديث ابن عباس: فأخرجه ابن ماجه في (سننه) 6 من
__________
1 تحفة المودود: (ص 108) . وقد ذكر - رحمه الله - هذه المراسيل، ونقل عن البيهقي قوله: "هذه الآثار وإن كانت مراسيل، فهي تشبه الموصول، ويشد بعضها بعضاً". وانظر كلام البيهقي هذا في (سننه) (4/9) .
(4/283) .
(4/9) .
4 مختصر السنن: (4/323-324) .
(2/279-280) .
(1/484) ح1511 ك الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ...(2/516)
طريق: إبراهيم بن عثمان1، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صَلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "إن له مرضعاً في الجنة، ولو عاش لكان صِدِّيقَاً نَبِيَّاً، ولو عاش لَعُتِقَتْ أخواله القبط، وما اسْتُرِقَّ قبطيُّ".
قال البوصيري: "هذا إسناد ضعيف لضعف إبراهيم بن عثمان، أبو شيبة"2. وقال الحافظ ابن حجر: "أخرجه ابن ماجه ... بسند ضعيف"3.
وأما حديث أنس: فرواه أبو يعلى في (مسنده) 4 من طريق: يونس بن بكير، عن محمد بن عبيد الله5، عن عطاء، عن أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى على إبراهيم، فَكَبَّرَ عليه أربعاً". وَضَعَّفَهُ الهيثمي بمحمد بن عبيد الله العَرْزَمي6.
وأما حديث أبي سعيد: فأخرجه البزار في (مسنده) 7 من طريق:
__________
1 العبسي، أبو شيبة الكوفي، قاضي واسط، متروكُ الحديث، من السابعة، مات سنة 169 هـ / ت ق. (التقريب 92) .
2 مصباح الزجاجة: (2/33) .
3 الدراية: (1/235) ، وانظر الإصابة: (1/94) .
(6/335) ح 3660.
5 ابن أبي سليمان العرزمي، الفَزَاري، أبو عبد الرحمن الكوفي، متروك، من السادسة، مات سنة بضع وخمسين/ ت ق. (التقريب 494) .
6 مجمع الزوائد: (3/35) .
7 المصدر السابق.(2/517)
عبد الرحمن بن مالك بن مغول1، عن الجُرَيرِي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ حديث أنس الماضي. وَضَعَّفَهُ الهيثمي2 بعبد الرحمن بن مالك، فإنه متروك الحديث. وَضَعَّفَهُ به ابن حجر أيضاً3.
قلتُ: فهذه المسانيد الثلاثة شديدة الضَّعْفِ؛ فإن إسناد كلِّ واحد منها لا يخلو من متروك، فيكون الاعتماد في ذلك على تلك المراسيل التي مضى ذكرها، فإنها - كما قال البيهقي وابن القَيِّم - إذا انضمت إلى مسند البراء بن عازب رضي الله عنه، قَوَّى كل منهما الآخر.
ومما يقوي ذلك أيضاً: أن الجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى على ابنه إبراهيم، قال ابن عبد البر: "وصَلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكَبَّرَ أربعاً. هذا قول جمهور أهل العلم، وهو الصحيح" 4. وقال النووي: "الذي ذهب إليه الجمهور: أنه صَلَّى عليه، وكبر عليه أربع تكبيرات" 5.
وقال الخطابي - عقب ذكره مرسل عطاء -: "وهذا أولى الأمرين"6. وقال البيهقي: "وقد أثبتوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه
__________
1 قال أحمد والدارقطني: "متروك". وكَذَّبَه أبو داود. وقال النسائي: ليس بثقة. (الميزان 2/584) .
2 مجمع الزوائد: (3/35) .
3 الإصابة: (1/94) .
4 الاستيعاب: (1/45) .
5 الإصابة: (1/94) .
6 معالم السنن: (4/323) .(2/518)
إبراهيم، وذلك أولى من رواية من روى: أنه لم يُصَلِّ عليه"1.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: ثبوت صلاته صلى الله عليه وسلم على الأطفال، وأن ذلك كان هديه، وكذلك ثبوت صلاته على ابنه إبراهيم عليه السلام، وهذا هو الذي اختاره ابن القَيِّم رحمه الله، والله أعلم.
__________
1 سنن البيهقي: (4/9) .(2/519)
6- باب ما جاء في الصلاة على الشهداء
تناول ابن القَيِّم - رحمه الله - قضية الصلاة على الشهيد، وقَرَّرَ أَنَّ أَصحَّ الأقوال في ذلك: التخيير بين الصلاة على الشهداء وتركها، وذلك لمجيء الأخبار بكل واحد من الأمرين.
ومن هذه الأحاديث التي بحثها في هذا الموضوع:
69 - (8) حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى حَمْزَة، فَكَبَّرَ سَبعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَلَم يُؤت بقتيل إلا صَلَّى عليه معه، حتى صَلَّى عليه اثنتين وسبعين صلاةً".
ساق ابن القَيِّم هذا الحديث من رواية: ابن إسحاق، عن رجل من أصحابه، عن مقسم، عن ابن عباس به، ثم قال: "ولكنَّ هذا الحديث له ثلاث عللٍ:
- إحداها: أن ابن إسحاق عنعنه، ولم يذكر فيه سماعاً.
- الثانية: أنه رواه عمن لم يُسَمِّه.
- الثالثة: أن هذا قد رُوِيَ من حديث الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، والحسن لا يحتجُّ به ... "1.
قلت: حديثُ ابن إسحاق هذا أورده ابن هشام في (السيرة
__________
1 تهذيب السنن: (4/295) .(2/520)
النبوية) 1 فقال: "وقال ابن إسحاق: وَحَدَّثَنِي من لا أَتَّهِمُ، عن مِقْسم مولى عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس قال: " أَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزةَ فَسُجِّي2 ببردةٍ، ثم صلى عليه ... " الحديث.
وأخرجه البيهقي في (سننه) 3 من طريق ابن إسحاق قال: حدثني رجلٌ من أصحابي ... الحديث.
وإلى مناقشة العلل التي ذكرها ابن القَيِّم رحمه الله:
أما قوله:"إن ابن إسحاق عنعنه ... " فليس كذلك، بل صَرَّحَ فيه ابن إسحاق بالتحديث كما في (السيرة) ، وكذا الرواية عند البيهقي مُصَرَّحٌ فيها بالتحديث، وروايته هي التي ساقها ابن القَيِّم، وحينئذ تنتفي عنه شبهة التدليس.
وأما قوله:"إنه رواه عمن لم يسمعه": فنعم، قال البيهقي عقب إخراجه: "وهذا ضعيف، ومحمد بن إسحاق بن يسار إذا لم يذكر اسم من حَدَّثَ عنه لم يُفْرَحْ به"4.
وأما العلة الثالثة، وهي قوله: "إن هذا رُوِيَ من حديث الحسن ابن عمارة ... " إلخ: فقد أشار البيهقي إلى هذه العلة أيضاً5.
__________
(2/97) .
2 أي: غُطِّي.
(4/13) .
4 السنن: (4/13) .
5 المصدر السابق.(2/521)
ولعلَّ هناك وجهاً للربط بين رواية ابن إسحاق، وبين رواية الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم، وهو ما ذكره السهيلي في (الروض الأنف) 1 - مُعَقِّبَاً على رواية ابن إسحاق - فقال: "قول ابن إسحاق في هذا الحديث: حَدَّثَنِي من لا أَتَّهِم. إن كان هو الحسن بن عمارة - كما قاله بعضهم - فهو ضعيف بإجماع أهل الحديث، وإن كان غيره، فهو مجهول ... ".
وقال الحافظ ابن حجر: "والحامل للسهيلي على ذلك: ما وقع في مقدمة مسلم2، عن شعبة: أن الحسن بن عمارة حَدَّثَهُ عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى على قتلى أحد. فسألت الحكم؟ فقال: لم يصلِّ عليهم"3.
ولكن على كلام السهيلي هذا يكون ابن إسحاق قد أَبْهَمَ الحسن ابن عمارة، وأسقط من الإسناد "الحكم بن عتيبة".
ولكن لحديث ابن عباس هذا طرقاً أخرى قد يَتَقَوَّى بها، من هذه الطرق:
1- ما أخرجه ابن ماجه في (سننه) 4، والحاكم في (المستدرك) 5، والبيهقي في (سننه) 6 من طريق: أبي بكر بن عياش7،
__________
(6/43) .
2 صحيح مسلم: (1/23 - 24) والقصة فيه بأطول من هذا.
3 التلخيص الحبير: (2/117) .
(1/485) ح 1513 ك الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم.
(3/197 - 198) .
(4/12) .
7 ابن سالم الأسدي، الكوفي، المقري، الحنَّاط، مشهور بكنيته، والأصحُّ: أنها اسمه، ثقة عابد إلا أنه لما كَبِرَ ساءَ حفظه، وكِتَابُهُ صحيحٌ، من السابعة، مات سنة194هـ/ع. (التقريب624) .(2/522)
عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أُتِيَ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فَجَعَلَ يُصَلِّي على عشرة عشرة، وحمزة هو كما هو، يُرفَعُونَ وهو كما هو موضوع". هذا لفظ ابن ماجه، وهو عند الحاكم والبيهقي بأطول من هذا، وفيه قصة صفية وبحثها يوم أحد عن حمزة رضي الله عنه.
وأورد ابن القَيِّم هذا الطريق قبل طريق ابن إسحاق السابق، وعزاه إلى البيهقي، ثم نقل قوله في أبي بكر ويزيد، فقال: "لا يحفظ إلا من حديثهما، وكانا غير حافظين". وسكت عنه الحاكم، فتعقبه الذهبي بقوله: "ليسا بمعتمدين" وقال ابن حجر في (التلخيص) 1: "ويزيد فيه ضعف يسير".
وقال الحافظ البوصيري: "هذا إسناد صحيح"2. كذا قال!
والذي يظهر عند النظر في هذا الإسناد: أن رَدَّهُ بأبي بكر بن عياش غير سائغ؛ فإن الرجل ثقة، إلا أنه قد ساء حفظه لما كَبِرَ، ولعلَّ القول فيه ما قاله ابن حبان رحمه الله: "والصواب في أمره: مُجَانَبةُ ما عُلِمَ أنه أخطأ فيه، والاحتجاج بما يرويه سواء وافق الثقات أو خالفهم؛ لأنه داخل في جملة أهل العدالة ... "3.
قلت: وأما القول بالاحتجاج بما خالف فيه الثقات: فغير مقبول؛ لأنه حينئذٍ يكون من قبيل الشاذ.
__________
(2/117) .
2 مصباح الزجاجة: (2/34) .
3 الثقات: (7/670) .(2/523)
وأما يزيد بن أبي زياد: فإنه ضعيف، ولكن لا يصلُ به الضعف إلى مرتبة من يُطْرَحُ حديثه بالكلية؛ لأن ضَعْفَهُ يسير كما قال ابن حجر1. ولذلك قال ابن عبد الهادي - في معرض رده على ابن الجوزي في تضعيفه هذا الحديث -: "وهو ممن يُكْتَبُ حديثه على لينه، وقد روى له مسلم مقروناً بغيره ... وقال أبو داود: لا أعلم أحداً ترك حديثه"2.
فإذا تَبَيَّنَ ذلك، فإن هذا الإسناد مما يَصْلُحُ في المتابعات، ويعتضد بانضمام غيره إليه، وأما قول البوصيري: "صحيح" فإنه لا يخفى ما فيه.
2- ما أخرجه الدارقطني في (سننه) 3 من طريق: إسماعيل بن عياش، عن عبد الملك بن أبي عتيبة أو غيره، عن الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما به، وفيه: "أَنَّه صَلَّى عليه سبعين صلاة، وأَنه كَبَّرَ عليه عشراً". قال الدارقطني عقبه: "لم يروه غير إسماعيل بن عياش، وهو مضطرب الحديث عن غير الشاميين".
وقد روي من وجه آخر عن: الحكم، عن مجاهد. أشار إلى ذلك الزيلعي في (نصب الراية) 4 فقال: "رواه الإمام أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي في (سننه) عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس به، ولفظه كلفظ رواية الدارقطني الماضية.
__________
1 التلخيص الحبير: (2/117) .
2 نصب الراية: (2/311) .
(4/118) ح 47.
(2/311) .(2/524)
وفي إسناده "الحسن بن عمارة" وهو ضعيف بالاتفاق.
3- ما أخرجه الدارقطني - أيضاً - في (سننه) 1 من حديث: عبد العزيز بن عمران2، عن أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس به.
قال الدارقطني عقبة: "عبد العزيز بن عمران ضعيف".
فهذه الطرق الثلاث: أحسنها الطريق الأول، من رواية أبي بكر ابن عَيَّاش، فيكون مقوياً لطريق ابن إسحاق المتقدم.
وهناك شاهدٌ مرسل لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو:
70- (9) حديث أبي مالك الغفاري، أنه قال: "كَانَ قَتْلَى أُحُد يؤتى منهم بتسعةٍ وعاشرهم حمزة، فَيُصَلِّي عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يُحْمَلُون، ثم يُؤْتَى بتسعةٍ فَيُصَلِّي عليهم وحمزة مكانه، حتى صَلَّى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث، ثم قال: " هذا مرسل صحيح"3. ثم نقل عن البيهقي قوله: "هو أصحُ ما في الباب".
__________
(4/116) ح 42.
2 المدني، الأعرج، يُعرف: بابن أبي ثابت، متروكٌ، احْتَرَقَتْ كُتبه فَحَدَّثَ من حِفِظهِ فاشتَدَّ غَلَطُهُ، من الثامنة، مات سنة 197 هـ / ت. (التقريب 358) .
3 تهذيب السنن: (4/295) .(2/525)
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (المراسيل) 1 من طريق: سليمان بن كثير، عن حصين بن عبد الرحمن2، عن أبي مالك3، وفيه: "فَصَلَّى عليهم سبع صلوات، حتى صَلَّى على سبعين رجلاً، منهم حمزة في كل صلاة صَلاّها".
وأخرجه الدارقطني في (سننه) 4 من طريق: شعبة، عن حصين به. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "رجاله ثقات"5. وتقدم قول البيهقي6 فيه، وتصحيح ابن القَيِّم - رحمه الله - إياه.
وفي مقابلة هذه الأحاديث يأتي حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ عليهم7. وظاهر صنيع ابن القَيِّم أنه يذهب إلى هذا الحديث ويقول به، وأما الأحاديث التي مَرَّتْ في الصلاة على حمزة وسائر شهداء أحد: فإن ابن القَيِّم - رحمه الله - لا يثبتها، بل يختار ضعفها، وذلك أنه قال: "والذي يظهر من أمر شهداء أحد: أنه لم يصلِّ عليهم عند الدَّفْن، وقد قُتِلَ معه بأحدٍ سبعون نفساً، فلا يجوز أن تَخْفَى الصلاة عليهم،
__________
(ص 306) ح 427، (ص 310) ح 435.
2 السُّلَمي، أبو الهذيل الكوفي.
3 واسمه: غزوان، مشهور بكنيته، ثقةٌ، من الثالثة/ خت د ت س. (التقريب 442) .
(2/78) ح9.
5 التلخيص الحبير: (2/117) .
6 انظر: السنن: (4/12) .
7 أخرجه البخاري في صحيحه: ك الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، ح 1343. (فتح الباري 3/209) ، وانظر بعده: ح 1347.(2/526)
وحديث جابر في ترك الصلاة عليهم صحيح صريح، وأبوه عبد الله أحد القتلى يومئذ، فله من الخبرة ما ليس لغيره"1.
وقال مرة: " ... شهيد المعركة لا يُصَلَّى عليه؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ على شهداء أُحُد ... فإن قيل: فقد ثبت في (الصحيحين) 2 من حديث عقبة بن عامر، أن النبي صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يوماً، فَصَلَّى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر ... قيل: أما صلاته عليهم، فكانت بعد ثمان سنين من قتلهم قرب موته، كَالْمُوَدِّعِ لهم ... فهذه كانت توديعاً منه لهم، لا أنها سُنَّة الصلاة على الميت، ولو كان ذلك كذلك لم يؤخرها ثمان سنين"3.
لكن كيف يستقيم هذا مع اختياره الذي صَدَّرَنَا به هذا البحث إذ يقول: "فأصح الأقوال: أنهم لا يُغَسَّلُون، ويُخَيَّرُ في الصلاة عليهم، وبهذا تتفق جميع الأحاديث"4. فلعله - رحمه الله - يرى الصلاة عليهم بعد دفنهم كما هو ظاهر حديث عقبة بن عامر الماضي قبل قليل؟
وحيث اختلفت الأحاديث الواردة في هذا الباب؛ فوردت
__________
1 تهذيب السنن: (4/296) .
2 خ: ك المغازي، باب أحد جبل يحبنا ونحبه (فتح الباري 7/377) ح 4085. م: (4/1795) ح 2296، ك الفضائل، باب إثبات حوض نبينا عليه الصلاة والسلام.
3 زاد المعاد: (3/217) .
4 تهذيب السنن: (4/296) .(2/527)
أحاديث تثبت الصلاة على الشهداء، وأخرى تنفي ذلك، فإن الروايات المثبتة تقدم على الروايات النافية؛ لأن الحجة للمثبت على النافي، حيث إن معه زيادة علم، فالذي تطمئن إليه النفس بعد هذا: جواز الصلاة على الشهداء لورود النصوص بذلك، فإذا لم يُصَلّ عليهم فلا حرج، والله أعلم.(2/528)
7- باب ما جاء في تلقين الميت بعد دفنه
71- (10) عن أبي أمامة مرفوعاً: "إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَانِكُم فَسَوَّيْتُم التَّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلَيْقُم أحدُكُم عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ ثم لْيَقُلْ: يا فلان بن فلانة، فَإِنَّه يَسْمَعُهُ ولا يُجِيبُ، ثُمَّ يقول: يا فلان بن فلانة، فَإِنَّهُ يَسْتَوي قَاعِدَاً، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فَإِنَّه يقول: أَرْشِدْنَا رَحِمَكَ الله. وَلَكِن لا تَشْعُرُون، فَلْيَقُل: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيه من الدنيا: شَهادةَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللهَ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِالله رَبَّاً، وبِالإسْلام دِيْنَاً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالقرآن إِمَامَاً، فَإِن مُنْكَرَاً وَنَكِيراً يَأْخُذُ كلُّ واحدٍ منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا، ما نَقْعُدُ عند من قد لُقِّنَ حُجَّته، فيكونُ الله حجيجه دونهما". فقال رجل: يا رسول الله! فإن لم يعرف أُمَّهُ؟ قال: "ينسبه إلى حواءَ: يا فلان بن حواء ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: " ... فهذا حديث لا يصحُّ رفعه، ولكن قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فهذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت ... ؟ فقال: ما رأيت أحداً فعل هذا إلا أهل الشام، حين مات أبو المغيرة، جاء إنسان فقال ذلك، وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم، عن أشياخهم، أنهم كانوا يفعلونه، وكان ابن عياش يروي فيه. قلت: يريد حديث إسماعيل بن عياش هذا الذي رواه الطبراني عن أي أمامة"1.
__________
1 زاد المعاد: (1/522 - 523) .(2/529)
وقال مرةً: "حديث ضعيف"1.
وقال مرةً: "ضعيف باتِّفَاقِ أهل العلم بالحديث"2.
وقال مَرةً: " ... لا تقوم به حُجَّة"3.
قلت: هذا الحديث أخرجه الطبراني في (أكبر معاجمه) 4، وفي (الدعاء) 5 له من طريق:
محمد بن إبراهيم بن العلاء، عن إسماعيل بن عيَّاش6، عن عبد الله ابن محمد القرشي، عن يحيى بن أبي كثير، عن سعيد بن عبد الله الأودي، أنه قال: شهدت أبا أمامة رضي الله عنه وهو في النَّزْع قال: إذا أنا متٌُّ فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله: "إذا مات أحدٌ ... " الحديث.
وهذا الإسناد ضعيف، وفيه مجاهيل؛ فإنَّ محمد بن إبراهيم بن العلاء: هو الحمصي الزبيدي، ذكره الذهبي في (الميزان) 7 وقال: "قال محمد بن عوف: كان يَسْرِقُ الحديث". وعبد الله بن محمد القرشي لم أقف له على ترجمة.
__________
1 الروح: (ص 16) .
2 تحفة المودود: (ص149) .
3 تهذيب السنن: (7/250) .
(8/298) ح 7979.
(3/1367) ح 1214.
6 أبو عتبة الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده، مُخَلِّطٌ في غيرهم، من الثامنة، مات سنة 181هـ أو 182هـ/ ي 4. (التقريب 109) .
(3/447) .(2/530)
وأما سعيد بن عبد الله الأودي: فهكذا وقع عند الطبراني في كتابيه، وقال بعضهم: سعيد الأزدي1، وأشار المنذري إلى الخلاف في اسمه، فقال في الجزء الذي صَنَّفَهُ في التلقين - ونقل عنه ابن الملقن في (البدر المنير) 2-: "قال أبو نعيم الحدَّاد: هذا حديث غريب من حديث حماد بن زيد، ولم أكتبه إلا من حديث سعيد الأزدي، وقال ابن أبي حاتم3: سعيد الأزدي، عن أبي أمامة الباهلي ... ". وقال المنذري: "هكذا قال: الأزدي، ووقع في روايتنا: الأودي، وهو في معنى المجهول".
فإن كان هو الأزدي: فقد بَيَّضَ له ابن أبي حاتم، وإن كان الأودي: فإنه أيضاً لا يُعْرَف، ولذلك قال الهيثمي رحمه الله - ووقع عنده: الأودي -: "رواه الطبراني في الكبير، وف إسناده جماعة لم أعرفهم"4.
وأورده الشيخ الألباني في (السلسلة الضعيفة) 5 من طريق آخر، فقال: "أخرجه القاضي الخُلعي في الفوائد (55/2) عن: أبي الدرداء هاشم بن محمد الأنصاري، ثنا عتبة بن السكن، عن أبي زكريا، عن جابر بن سعيد الأزدي، قال: دخلت على أبي أمامة وهو في النَّزْع ... " الحديث.
فهذا قولٌ ثالت في اسم الراوي عن أبي أمامة، وأخشى أن يكون
__________
1 انظر: التلخيص الحبير: (2/136) .
2 ج 4 (ق 50/ب) .
3 انظر: الجرح والتعديل: (2/1/76) .
4 مجمع الزوائد: (3/45) .
5 ح (599) .(2/531)
حصل تصحيف في إسناد الخُلعي هذا، ويكون صوابه: جابر عن سعيد الأزدي، فيكون هو نفسه "سعيد الأزدي" المذكور سابقاً؟ فالله أعلم.
قال الشيخ الألباني عقب سياقه هذا الإسناد: "وهذا إسناد ضعيف جداً، لم أعرف أحداً منهم غير عتبة بن السكن، قال الدارقطني: متروكُ الحديث. وقال البيهقي: واهٍ، منسوب إلى الوضع. ثم أورد كلام الهيثمي السالف وقال: فاختلف في اسم الراوي عن أبي أمامة ... ".
وقد ضَعَّفَ هذا الحديث جماعة من الأئمة: فتقدم قول أبي نعيم الحداد أنه حديث غريب. وقال ابن الصلاح وقد سئل عنه: "ليس إسناده بالقائم"1. وقال النووي: "إسناده ضعيف"2. وقال الحافظ العراقيُّ في تخريج الإحياء3:" ... الطبراني هكذا بإسناد ضعيف". ونقل ابن علان في شرح الأذكار4 عن ابن حجر أنه قال: "حديث غريب، وسند الحديث من الطريقين ضعيف جداً". وقال رحمه الله في فتح الباري5:"سنده ضعيفٌ جداً". وقال الصَنْعَانِي: "ويَتَحَصَّل من كلام أئمة التحقيق: أنه حديث ضعيفٌ، والعملُ به بدعةٌ، ولا يُغْتَرُّ بكثرة من يفعله"6. وقال الشيخ الألباني: "وجملة القول: أن الحديث منكرٌ عندي، إن لم يكن موضوعاً"7.
__________
1 الأذكار للنووي: (ص138) .
2 المجموع: (5/257) .
(4/420) .
(4/196) .
(10/563) .
6 سبل السلام: (2/157) .
7 السلسلة الضعيفة: (2/65) .(2/532)
ومع ذلك فقد حاول جماعة تقوية هذا الحديث، فقال ابن الملقن: "إسناده لا أعلم به بأساً"1. ثم ذكر له جملة من الشواهد "يعتضد بها" - ولم أر في واحدٍ منها ما يصلح شاهداً لهذا الحديث، وسأشير إلى شيء منها- وقال الحافظ ابن حجر: "إسناده صالح، وقد قَوَّاهُ الضياء في أحكامه ... "2 ولا أدري ما هذا من الحافظ رحمه الله؟ فقد نقلنا قبل قليل تضعيفه إياه في تخريجه لأذكار النووي، فلعله هنا تبع صاحب الأصل (البدر المنير) فنقل تصحيحه إسناده دون أن يتعقبه؟ فالله أعلم.
وأما ابن الصلاح رحمه الله، فإنه مع تضعيفه إياه قال: "ولكن اعتضد بشواهد، وبعمل أهل الشام به قديماً"3. وقال النووي: "فهذا وإن كان ضعيفاً فيستأنس به، وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد اعتضد بشواهد من الأحاديث ... "4. فذكر بعضها.
أما عن الشواهد التي ذكروها لهذا الحديث:
- فمنها: حديث " ... واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل".
- ومنها: حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه قال: "إذا دفنتموني أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم،
__________
1 البدر المنير: ج 4 (ق50/ب) .
2 التلخيص الحبير: (2/135 - 136) .
3 الأذكار للنووي: (ص138) .
4 المجموع: (5/257 - 258) .(2/533)
وأعلم ماذا أراجع رسل ربي". أخرجه مسلم في (صحيحه) 1.
- ومنها: ما رواه سعيد بن منصور من طريق: راشد بن سعد، وضمرة بن حبيب وغيرهما، قالوا: "إذا سُوِّي على الميت قبره وانصرف الناس عنه، كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن لا إله إلا الله. ثلاث مرات، قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونَبِيِّ محمد، ثُمَّ يَنْصَرِف"2. إلى غير ذلك من الشواهد التي ساقوها.
وهذه الشواهد كما نرى كلها موقوفات، والمرفوع منها ليس فيه سوى الدعاء للميت بالتثبيت والمغفرة، وهذا لا علاقة له بالتلقين المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة، قال الشيخ الألباني: "واعلم أنه ليس للحديث ما يَشْهَدُ له، وكلُّ ما ذكره البعض إنما هو أثرٌ موقوفٌ على بعض التابعين الشاميين، لا يصلح شاهداً للمرفوع، بل هو يُعِلُّه، وينزل به من الرفع إلى الوقف ... على أنه شاهد قاصر"3. يشير إلى أثر سعيد بن منصور السابق.
قلت: فإذا كان هذا هو حال هذا الأثر، الذي هو أقرب ما يكون إلى حديث أبي أمامة، فكيف ببقية هذه الشواهد التي لا صلة لها بلفظ الحديث؟
__________
(1/112) ح 192 (121) وهو جزء من حديث طويل.
2 التلخيص الحبير: (2/136) .
3 السلسلة الضعيفة: (2/65) .(2/534)
وأما قول النوويِّ: إن ذلك من فضائل الأعمال التي يُتَسَامَحُ فيها: فإنه مردود، قال الشيخ الألباني: "ولا يرد هنا ما اشتهر من القول بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؛ فإن هذا محله فيما ثبت مشروعيته بالكتاب أو السنة الصحيحة، وأما ما ليس كذلك فلا يجوز العمل فيه بالحديث الضعيف؛ لأنه تشريع، ولا يجوز ذلك بالحديث الضعيف، لأنه لا يفيد إلا الظن المرجوح اتفاقاً، فكيف يجوز العمل بمثله"1.
وأما الذين قَوَّوه بعمل الناس إلى يومنا هذا، كقول ابن الصلاح: "ولكن اعتضد بشواهد، وبعمل أهل الشام قديماً": فلا شكَّ أن العمل الذي يُعَوَّلَ عليه، ويُجعل الحديث بمقتضاه مقبولاً، هو عمل العلماء، وليس عمل كل أحد. ثم إنَّ أهل الشام وحدهم لا يمثلون الأمة كلها - أو علماء الأمة - حَتَّى يُجعل عملهم حجةً على الأمة. هذا بالإضافة إلى شِدَّة ضعفِ هذا الحديث، وجهالة رواته، وإنكار أكثر العلماء له، حتى قال الشيخ الألباني: "منكر ... إن لم يكن موضوعاً". وكم من حديث ضعيف لا يثبت قد عمل به عاملون، فهل يلزم من هذا أن تُتَّخَذَ البدع ديناً بحجة أن الناس يعملونها؟؟ كلاَّ، ففيما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم كفايةٌ.
ثم إن ابن القَيِّم - رحمه الله - قد قال نحواً من ذلك!! فإنه وإن ضَعَّفَ الحديث كما مضى، إلا أنه قال في كتابه (الروح) 2: "فهذا الحديث وإن لم يثبت، فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار: كافٍ في العمل به ... "!
__________
1 السلسلة الضعيفة: (2/65) .
(ص 16) .(2/535)
كذا قال ابن القَيِّم رحمه الله، مع أنه يَنْفِي أن يكون ذلك من هَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول في (زاد المعاد) 1: "ولم يكن - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - يجلس عند القبر، ولا يُلَقِّنُ الميت كما يفعله الناس اليوم". مع ما تقدم من تضعيفه لهذا الحديث، فلعله كان يقول به أولاً ثم رجع عنه، فالله أعلم.
فالخير كل الخير في اتِّبَاع هَدْيِه صلى الله عليه وسلم في الفِعْلِ والتَّرْكِ، وما أحسن ما قال الصنعاني رحمه الله: "ويَتَحَصَّل من كلام أئمة التحقيق: أنه حديث ضعيف، والعملُ به بدعة، ولا يُغْتَرُّ بكثرة من يفعله"2. والله أعلم.
__________
(1/522) .
2 سبل السلام: (2/157) .(2/536)
9- من كتاب النكاح
1- باب في البكر لا تزوج إلا برضاها
72- (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ جَاريةً بِكْرَاً أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وِهِي كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النبي صلى الله عليه وسلم".
أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث مستدلاً به على أن البكر البالغ لا تجبر على النكاح، ولا تُزَوَّج إلا برضاها.
وقد ردَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - على من أَعَلَّ هذا الحديث بالإرسال، فقال: "وليس رواية هذا الحديث مرسلة بعِلَّةٍ فيه؛ فإنه قد رُوِيَ مسنداً ومرسلاً، فإن قلنا بقول الفقهاء: إن الاتصال زيادة، ومن وصله مُقَدَّمٌ على من أرسله: فظاهر، وهذا تصرفهم في غالب الأحاديث، فما بال هذا خرج عن حكم أمثاله؟
وإِنْ حَكَمْنَا بالإرسال - كقول كثير من الْمُحَدِّثِين - فهذا مرسل قويٌّ قد عَضَّدَتْهُ الآثار الصحيحة الصريحة، والقياس، وقواعد الشرع ... فَيَتَعَيَّنُ القول به"1.
وفد فَصَّلَ القول فيه بأكثر من ذلك في (تهذيب السنن) 2، وسيأتي ذكر كلامه في ذلك إن شاء الله.
__________
1 زاد المعاد: (5/96 - 97) .
(3/40 - 42) .(2/539)
والحديث المذكور أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في (سننهم) 1، وأحمد في (مسنده) 2، والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 3، كُلُّهم من طريق:
حسين بن محمد4، عن جرير بن حازم، عن أيوب5، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما به، باللفظ الذي تَقَدَّمَ. وفي رواية للدارقطني: "أَنَّ جَارِيَةً بِكْرَاً أَنْكَحَهَا أبوهَا وهي كارهة، فَخَيَّرَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقد خُولِفَ جرير بن حازم في إسناد هذا الحديث، خالفه: حماد ابن زيد، وابن علية، فروياه عن: أيوب، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
أخرج حديث حماد: أبو داود في (سننه) 6 - ومن طريقه البيهقي7-:
__________
1 د: (2/576) ك النكاح، باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها. س: في الكبرى: (5/176) ح 5366 ك النكاح. جه: (1/603) ح 1875 ك النكاح، باب من زَوَّجَ ابنته وهي كارهة.
(1/273) .
3 قط: (3/234) ح 56. هق: (7/117) .
4 ابن بهرام، التميمي، أبو أحمد - أو أبو عليُّ - المَرُّوذي، نزيل بغداد، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة 213هـ / ع. (التقريب 168) .
5 هو السختياني.
(2/577) ح 2097.
(7/117) .(2/540)
حدثنا محمد بن عبيد1، حدثنا حماد بن زيد به.
وأما رواية ابن علية: فقد أشار إليها أبو حاتم2 رحمه الله.
وقد رَجَّحَ الأئمة رواية الإرسال، وحكموا على الرواية المتصلة بالخطأ، فسأل ابن أبي حاتم أباه عنه؟ فقال: "هذا خطأ، إنما هو كما رواه الثقات: عن أيوب، عن عكرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلٌ - منهم: ابن عُلَيَّة، وحماد بن زيد - أن رجلاً تزوج، وهو الصحيح. قلت: الوَهْمُ ممن هو؟ قال: من حسين ينبغي أن يكون، فإنه لم يرو عن جرير غيره"3. وقال أبو زرعة: "حديث أيوب ليس هو بصحيح"4.
وكأنَّ أبا داود - رحمه الله - يُرَجِّحُ إرساله أيضاً؛ فإنه بعد أن أخرج الموصول، أعقبه الرواية المرسلة من طريق حماد، ثم قال: "وكذلك رواه الناس: مرسلاً، معروف". وقال البيهقي: "أخطأ فيه جرير بن حازم على أيوب السختياني، والمحفوظ: عن أيوب، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً".
لكن هل يُسَلَّمُ الحكم للمرسل، وتكون بذلك الرواية الْمُتَّصِلَةُ معلولة؟ نَازَعَ في ذلك جماعة - منهم ابن القَيِّم رحمه الله، كما تقدم - فحكموا بصحة رواية من وصله، وسيأتي كلامهم.
__________
1 ابن حَسَّاب، الغبري، البصري، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة 238هـ / م د س. (التقريب 495) .
2 علل ابن أبي حاتم: (1/417) .
3 المصدر السابق.
4 المصدر السابق.(2/541)
وكان من جواب ابن القَيِّم - رحمه الله - على هذا القول - وبخاصة مقالة البيهقي - أن قال: "وعلى طريقة البيهقي، وأكثر الفقهاء، وجميع أهل الأصول: هذا حديث صحيح؛ لأن جرير بن حازم ثقة ثبت، وقد وَصَلَهُ، وهم يقولون: زيادة الثقة مقبولة. فما بالها تُقْبَلُ في موضع - بل في أكثر المواضع التي توافقُ مذهب المقلد - وَتُرَدُّ في موضع يخالفه؟! وقد قَبلُوا زيادة الثقة في أكثر من مائتين من الأحاديث: رفعاً ووصلاً، وزيادة لفظ ونحوه".
قال: "هذا لو انفرد به جرير، فكيف وقد تابعه على رفعه عن أيوب: زيد بن حبان، ذكره ابن ماجه في سننه"1.
قلت: أما متابعة زيد بن حبان2 هذه: فقد أخرجها النسائي، وابن ماجه في (سننيهما) 3، كلاهما من طريق: مُعَمَّر بن سليمان الرَّقِي4، عن زيد بن حبان به، وقد أشار إلى هذه الرواية: الدارقطني - رحمه الله - في (سننه) 5.
__________
1 تهذيب السنن: (3/40) .
2 الرَّقِي، كوفي الأصل، مولى ربيعة، صدوق كثير الخطأ، وتَغَيَّر بآخره، من السابعة، مات سنة 158 هـ / س ق. (التقريب 222) .
3 س: في الكبرى: (5/177) ح 5367. جه: (1/603) ح 1875 مكرر.
4 أبو عبد الله، ثقة فاضل، أخطأ الأزدي في تليينه، وأخطأ من زعم أن البخاري أخرج له، من التاسعة، مات سنة 191هـ / ت س ق. (التقريب 541) .
(3/235) ح 57.(2/542)
وزيد بن حبان هذا: قد اختلف الأئمة فيه، فقال الإمام أحمد: "تركنا حديثه"1. وقال ابن معين: "لا شيء"2. ومرة قال: "ثقة"3. وقال أبو حاتم: "تركنا حديثه"4. وضعفه الدارقطني5. وقال ابن عدي: "لا أرى برواياته بأساً، يحمل بعضها بعضهاً"6. وقال ابن حبان: "كان ممن يخطئ كثيراً، حتى خرج عن حدِّ الاحتجاج به إذا انفرد"7. ومع ذلك فقد ذكره في (الثقات) ! 8.
وإضافة إلى ذلك، فإنه قد تَغَيَّرَ بآخره، لكنَّ معمراً الرقي - راوي هذا الحديث عنه - قال: "حدثنا زيد بن حبان قبل أن يفسد"9.
وعلى كل حال، فإن الذي يظهر: ترجيح جانب الجرح في حقه، وقد أورد ابن حبان هذا الحديث في ترجمته من (المجروحين) ، بعد أن حكم بعدم قبول ما انفرد به.
وقد رُوِيَ هذا الحديث عن زيد بن حبان، عن أيوب على وجه آخر، فأخرجه الدارقطني في (سننه) 10 من طريق: معمر بن سليمان
__________
1 تهذيب التهذيب: (3/405) .
2 الجرح والتعديل: (1/2/561) .
3 عزاه في الميزان: (2/101) ، والتهذيب: (3/405) لرواية الدارمي عن، يحيى، ولم أجده فيه.
4 الجرح والتعديل: (1/2/561) .
5 تهذيب التهذيب: (3/405) .
6 الكامل: (3/205) .
7 المجروحين: (1/311) .
(6/317) .
9 الجرح والتعديل: (1/2/561) .
10 (3/235) ح 57.(2/543)
الرقي، عن زيد بن حبان، عن أيوب، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال: "أَنْكَحَ رَجُلٌ من بني المنذر ابنته وهي كارهة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فردَّ نكاحها". فجعل فيه "يحيى بن أبي كثير" مكان "عكرمة"، و"وأبا سلمة" مكان "ابن عباس". وليس فيه أن المرأة كانت بكراً. فَيُخْشَى أن يكون هذا من الاضطراب في حديث حبان، وإذا كان كذلك، فإنه لا يصلح متابعاً لجرير بن حازم في هذا الحديث؛ لأنه - مع كونه كثير الخطأ - قد يكون اضطرب فيه، فالله أعلم.
وثمة متابعة أخرى لجرير بن حازم، إذ تابعه الثوري عن أيوب، أخرج ذلك الدارقطني في (سننه) 1، من طريق: أيوب بن سويد2، عن سفيان الثوري، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رجلاً زَوَّجَ ابنته وهي كارهة، ففرق بينهما".
وأيوب بن سويد: ضَعَّفَه الجمهور3، وتكلموا في حفظه، ومع ضعفه: فقد خولف - أيضاً - في هذا الحديث، قال الدارقطني: "وغيره يرسله عن الثوري، عن أيوب، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح مرسل"4.
وقد رُوِيَ عن الثوري من وجه آخر موصولاً، ولا يصحُّ أيضاً؛
__________
(3/235) ح 58.
2 الرملي، أبو مسعود الحِمْيَرِي، السَّيباني، صدوق يخطئ، من التاسعة، مات سنة 293هـ / د ت ق. (التقريب 118) .
3 انظر: تهذيب التهذيب: (1/405 - 406) .
4 سنن الدارقطني: (3/235) .(2/544)
فأخرجه الدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 1 من طريق: عبد الملك بن عبد الرحمن2 الذماري، عن الثوري، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّ نكاح بكرٍ وثيبٍ، أنكحهما أبوهما وهما كارهتان، فردَّ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحهما".
قال الدارقطني عقبه: "هذا وهمٌ من الذماري، وتَفَرَّدَ بهذا الإسناد، والصواب: عن يحيى بن أبي كثير، عن المهاجر، عن عكرمة مرسلٌ، وَهِمَ فيه الذماري عن الثوري، وليس بقويٍّ". ثم ساقه بإسناده إلى محمد بن كثير3، عن سفيان، عن هشام الدستوائي، عن يحيى، عن المهاجر، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء4.
قال البيهقي في (سننه) 5 - بعد نقله كلام الدارقطني -: "هو في جامع الثوري: عن الثوري - كما ذكره أبو الحسن الدارقطني رحمه الله - مرسلاً، وكذلك رواه عامة أصحابه عنه، وكذلك رواه غير الثوري عن هشام".
__________
1 قط: (3/234) ح 53. هق: (7/117) .
2 ابن هشام، أبو هشام الذَّماري، الأبْنَاوي، صدوقٌ كان يُصَحِّفُ، من التاسعة/د س. (التقريب 363) .
3 العبدي، البصري، ثقة لم يُصِبْ من ضَعَّفَهُ، من كبار العاشرة، مات سنة 223هـ/ع. (التقريب 504) .
4 سنن الدارقطني: (3/234) ح 55.
(7/117) .(2/545)
قلت: فهذا محمد بن كثير العبدي - وهو ثقة - قد خالف الذماري عن سفيان، فجاء به مرسلاً، وهكذا يرويه أصحاب الثوري عنه، كما قال البيهقي رحمه الله - والدارقطني قبله - وإذا كان كذلك: فإن رواية الثوري هذه لا تَصْلُحُ لمتابعة رواية جرير بن حازم أيضاً؛ إذ إن الصواب عن الثوري فيها: مرسلٌ، فتوافق رواية الجماعة الذين جاءوا به عن أيوب، عن عكرمة مرسلاً.
وأما ما تقدم في كلام أبي حاتم - رحمه الله - من أن الوهم فيه من حسين بن محمد: فقد رَدَّهُ الخطيب البغدادي رحمه الله، فنقل عنه ابن عبد الهادي قوله:"قد رواه سليمان بن حرب، عن جرير بن حازم -أيضاً- كما رواه حسين، فبرئت عهدته، وزالت تبعته"1. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لا يمتنع أن يكون الوهم فيه من جرير بن حازم، وأن يكون قد أخطأ فيه، كما تقدم في كلام البيهقي رحمه الله.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث لا يصحُّ متصلاً، وأن إرساله هو الصواب، كما قال: أبو داود، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والدارقطني، والبيهقي رحمهم الله تعالى.
وقد ذهب بعض الأئمة إلى صحة الحديث، فقال ابن القطان: "حديث صحيح"2. وذهب ابن التركماني إلى أن وصله زيادة من ثقة، فلا يضرُّ إرسال من أرسله، هذا مع المتابعات التي وُجِدَتْ له3. وقال
__________
1 نصب الراية: (3/190) .
2 المصدر السابق.
3 الجوهر النقي: (7/117) .(2/546)
الحافظ ابن حجر: "رجاله ثقات ... وأما الطَّعْنُ في الحديث فلا معنى له؛ فإن طرقه يُقَوِّي بعضها بعضاً"1. وقال في (عون المعبود) 2: "الحديث قويٌّ حسنٌ".
وقد ذهب البيهقي رحمه الله - على فرض صحة الحديث - إلى تأويله، فقال: "وإن صحَّ ذلك، فكأنه كان وَضَعَهَا في غير كفوٍ، فَخَيَّرَهَ النبي صلى الله عليه وسلم"3. وأَيَّدَه ابن حجر، فقال: "وهذا الجواب هو المعتمد، فإنها واقعة عين، فلا يثبت الحكم فيها تعميماً"4.
لكن ردَّ الصنعاني هذا التأويل، فقال: "كلام هذين الإمامين محاماة عن كلام الشافعي ومذهبهم، وإلا فتأويل البيهقي لا دليل عليه، فلو كان كما قال لذكرته المرأة ... وقول المصنف - يعني ابن حجر - إنها واقعة عين: كلام غير صحيح، بل حُكْمٌ عامٌ لعموم عِلَّتِه، فأينما وُجِدت الكراهية ثبت الحكم"5. وقال صاحب (عون المعبود) 6: "ما قاله البيهقي هو تأويل فاسد".
وإذ قد آل الأمر إلى ثبوت المرسل في ذلك دون سواه، فإنه كما قال ابن القَيِّم رحمه الله:" ... مرسلٌ قويٌّ، قد عضدته الآثار
__________
1 فتح الباري: (9/196) ، وانظر: التلخيص الحبير: (3/161) .
(6/223) .
3 سنن البيهقي: (7/118) .
4 فتح الباري: (9/196) .
5 سبل السلام: (3/160) .
(6/223) .(2/547)
الصحيحة الصريحة، والقياس، وقواعد الشَّرْع ... فيتعين القول به"1.
ثم أخذ - رحمه الله - في تقرير ذلك وبيانه، وأن هذا الحُكْمَ2 موافق لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في قول: " ... والبكر تُسْتَأَذَنُ في نفسها" 3. قال رحمه الله: "وهذا أمرٌ مُؤَكَّدٌ؛ لأنه وَرَدَ بصيغة الخبر الدال على تحقق المُخْبَرِ به، وثبوته ولزومه".
قلت: وعلى هذا يُحْمَل كلام من صححه من الأئمة.
ثم بَيَّنَ أن هذا الحكم موافق - أيضاً - لنهيه صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "لا تنكحُ البكْرُ حَتَّى تُستأذن" 4. قال رحمه الله: "فأمرٌ، ونَهْيٌ، وحكمٌ بالتخيير، وهذا إثبات للحكم بأبلغ الطُّرقِ"5.
ثم أخذ في تقرير كون هذا الحكم موافق لقواعد الشريعة، فأجاد وأفاد رحمه الله.
ومع هذا فإنَّ المسلك الذي سلكه ابن القَيِّم - رحمه الله - من القول بصِحَّةِ هذا الحديث متصلاً، فيه نظر؛ لضعف طرقه، ورجحان
__________
1 زاد المعاد: (5/97) .
2 وهو: تخييرُ البِكْرِ التي زَوَّجَهَا وليها وهي كارهة.
3 أخرجه مسلم في الصحيح: (2/1037) ح 1421 ك النكاح، باب استئذان الثيب ... والبكر بالسكوت.
4 أخرجه البخاري في الصحيح: ك النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، ح 5136، (فتح الباري: 9/191) ، ومسلم: (ح1419) .
5 زاد المعاد: (5/97) .(2/548)
المرسل عليه، ولذا فإنَّ المصير إلى اختياره الآخر هو المتعين، وهو: الأخذُ بالمرسل بعد اعتضاده بنصوص أخرى صحيحة، وبقواعد الشريعة، والله أعلم.(2/549)
2- باب ما جاء في العزل
73- (2) عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إِنَّ لِيَ جَارِيَة وَأَنَا أَعْزِلُ1 عَنْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أن تَحْمِلَ، وَأَنَا أُرْيدُ ما يريد الرِّجَال، وإِنَّ اليهودَ تُحَدِّثُ أنَّ العَزْلَ الْمُوْؤُدَةُ الصَّغْرَى؟ قال: "كَذَبَتِ يهودُ، لو أراد اللهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ".
أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (زاد المعاد) 2 محتجاً به على جواز العزل، وقد ساقه بإسناد أبي داود إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ثم قال:"وَحَسْبُكَ بهذا الإسناد صحَّةً، فَكُلُّهم ثقات حُفَّاظٌ".
ثم ذكر - رحمه الله - أن بعضهم أَعَلَّهُ بالاضطراب، وأخذ في الجواب عن ذلك بما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
قلت: هذا الحديث مداره على يحيى بن أبي كثير، واخْتُلِفَ عليه على أوجه:
الوجه الأول: أخرجه أبو داود في (سننه) 3 من طريق: أبان بن
__________
1 عَزَلَ الْمُجَاِمُع: إذا قَارَبَ من الإنزال، فَنَزَعَ وأَمْنَى خارج الفَرْجِ. (المصباح المنير 2/408) .
(5/144) .
(2/623) ح 2171. ك النكاح، باب ما جاء في العزل.(2/550)
يزيد1. وأحمد في (مسنده) 2، والنسائي في (عشرة النساء) 3 كلاهما من طريق: هشام الدستوائي.
وأخرجاه أيضاً - أعني أحمد4 والنسائي5 - في الكتابين المذكورين: من طريق: علي بن المبارك6. وأخرجه النسائي - وحده – في (عشرة النساء) 7 - أيضاً - من طريق: أبي إسماعيل القَنَّاد8، كلهم عن: يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان9، عن رفاعة10 - وقيل: عن أبي رفاعة، وقيل: عن أبي مُطيع بن رفاعة، وقيل: عن أبي مُطيع بن عوف أحد بني رفاعة بن الحارث، وقيل: عن أبي مُطيع
__________
1 العطار البصري، أبو يزيد، ثقة له أفراد، من السابعة، مات في حدود سنة160هـ/ خ م د ت س. (التقريب 87) .
(3/51، 53) .
(ص 171) ح 194 باب العزل.
4 المسند: (3/33) .
5 عشرة النساء: (ح 195، 196) .
6 الهُنائي، ثقة، كان له عن يحيى بن أبي كثير كتابان، أحدهما سماع، والآخر إرسال، فحديث الكوفيين عنه فيه شيء، من كبار السابعة/ ع. (التقريب 404) .
(ح197) .
8 هو: إبراهيم بن عبد الملك البصري، صدوق في حفظه شيء، من السابعة/ ت س. (التقريب 91) .
9 العَامِرِي - عامر قريش - المدني، ثقة، من الثالثة/ ع. (التقريب 492) .
10 مقبول، من الثالثة/ د. (التقريب 210) .(2/551)
فقط - عن أبي سعيد - رضي الله عنه به. واللفظ المثبت هو لفظ أبي داود، وألفاظ الباقين نحوه، وعند بعضهم: "لو أراد الله خَلْقَهُ، لم تستطعْ رَدَّهُ".
وهذا الإسناد صَحَّحَّه ابن القَيِّم كما تقدَّم، وقال عن رواته: "كلهم ثقات حفاظ". وقال الحافظ ابن حجر: "رجاله ثقات"! 1 وصَحَّحَّه الشيخ الألباني أيضاً!! 2.
وفي تصحيحهم له نظر؛ لأن رفاعة - أو أبا رفاعة - المذكور في إسناده مجهول؛ فإنه لم يرو عنه أحدٌ إلا محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ولم أجدْ فيه توثيقاً لأحدٍ بعد البحث، وقد ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 3، فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذا البخاري في (التاريخ الكبير) 4، فلم يزيدوا على أن ذكروا الاختلاف الواقع في اسمه، ولذلك قال الذهبي رحمه الله: "لا يُعْرَفْ"5. وتقدم فيه قول ابن حجر: "مقبول". يعني حيث يُتابع، ولم يتابعه أحدٌ هنا، فيكون لَيِّن الحديث على هذا.
هذا فيما يتعلق بحال رفاعة، وأما ما وقع من الاختلاف في اسمه، فقال ابن القَيِّم: "ويبقى الاختلاف في اسم أبي رفاعة ... وهذا لا يَضُرُّ مع العلم بحال رفاعة"6 ولكن رَجَّحَ البخاري - رحمه الله - أنه
__________
1 بلوغ المرام مع شرحه سبل السلام: (3/191) ح 12.
2 آداب الزفاف: (ص 131) .
3 كتاب الكنى: (4/2/31) .
(4/2/31) .
5 الميزان: (4/574) ، والمغني: (2/808) .
6 زاد المعاد: (5/144) .(2/552)
"أبو مطيع"، قال: "وهذا أصحُّ"1.
فقد تَبَيَّنَ لنا مما سبق أن جهالة رفاعة هذا تمنع من تصحيح هذا الإسناد.
وأما الوجه الثاني من وجوه اختلاف على يحيى بن أبي كثير: فأخرجه الترمذي في (جامعه) 2، والنسائي في (عشرة النساء) 3، وعبد الرزاق في (المصنف) 4، كلهم عن: معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر رضي الله عنه بنحو حديث أبي سعيد المتقدم.
قال أبو عيسى الترمذي: "حديث جابر حديث حسن صحيح، وقد رُوِيَ عنه من غير وجه". وسُئِلَ أبو حاتم - رحمه الله - عن حديث جابر هذا من رواية معمر، وعن حديث أبي سعيد المتقدم من رواية هشام الدستوائي وغيره؟ فقال: "حديث هشام الدستوائي أشبه من حديث معمر"5.
وهناك وجهٌ ثالث عن يحيى بن أبي كثير أيضاً: أخرجه النسائي في (عشرة النساء) 6 من طريق: المعتمر بن سليمان، عن أبي عامر7، عن
__________
1 التاريخ الكبير (كتاب الكنى) : (4/2/31) .
(3/433) ح 1136. ك النكاح، باب ما جاء في العزل.
(ح193) .
(7/140) ح 12550.
5 علل ابن أبي حاتم: (1/437) ح 1314.
(ح 198) .
7 هو: صالح بن رستم المُزَني مولاهم، الخَزَّاز، البصري، صدوقٌ كثيرُ الخطأِ، من السادسة، مات سنة 152هـ / خت م 4. (التقريب 272) .(2/553)
يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن اليهود تقول: إن العزل هو الموؤدة الصغرى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبتْ يهود، لو أردَ الله خَلْقَهَا، لَمْ تستطعْ عزلها".
وأبو عامر المذكور في إسناد هذا الحديث تَكَلَّمَ فيه جماعةٌ، وَوَثقَهُ آخرون1، لكن تابعه في شيخ شيخه: أبو بدر شجاع بن الوليد2، فرواه عن: محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مختصراً، أخرجه البيهقي في (سننه) 3.
وهذا الإسناد لا بأس به في المتابعات، وقد حَسَّنَهُ الشيخ الألباني4 رحمه الله.
وقد أعلَّ بعضهم هذا الحديث بالاضطراب، كما أشار إلى ذلك ابن القَيِّم رحمه الله، ولعل المقصود هو المنذري رحمه الله، فإنه قال: "اختلف على يحيى بن أبي كثير فيه: فقيل فيه: عنه، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله ... ، وقيل فيه: عن رفاعة ... ، وقيل: عن أبي مطيع به رفاعة، وقيل فيه: عن أبي رفاعة"5.
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وهذا لا يَقْدَحُ في الحديث؛ فإنه
__________
1 انظر: تهذيب التهذيب: (4/391) .
2 ابن قيس السَّكُوني، الكوفي، صدوق وَرِعٌ له أوهامٌ، من التاسعة، مات سنة 204هـ/ ع. (التقريب 264) .
(7/230) .
4 آداب الزفاف: (ص131) .
5 مختصر السنن: (3/86) .(2/554)
يكون عند يحيى: عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر. وعنده: عن ابن ثوبان، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - كذا قال ابن القَيِّم - وعنده: عن ابن ثوبان عن رفاعة، عن أبي سعيد، ويبقى الاختلاف في اسم أبي رفاعة ... "1.
والذي يظهر - والله أعلم - رجحان ما ذهب إليه أبو حاتم من تقديم رواية هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير بسنده إلى أبي سعيد؛ فقد تابع هشاماً على هذه الرواية ثلاثة، وخالفهم جميعاً معمر فجعله عن جابر. ولكن يبقى هذا الإسناد معلولاً بجهالة رفاعة كما تقدم.
وكأنَّ الحافظ ابن حجر - رحمه الله - مال إلى اختيار أبي حاتم، فإنه أجاب عن القائلين باضطرابه قائلاً: "وَرُدَّ بأن الاختلاف إنما يقدح حيث لا يقوى بعض الوجوه، فمتى قَوِيَ بعضها عُمِلَ به، وهو هنا كذلك"2.
فيكون الاعتماد إذن على حديث أبي سعيد هذا، وما فيه من ضَعْفٍ في إسناده: فإنه يَتَقَوَّى بحديث أبي هريرة السالف - وهو الوجه الثالث من وجوه رواية الحديث عن يحيى بن أبي كثير -، فهو شاهدٌ قويٌّ له، وقد تقدم أن إسناده حسنٌ. ويتقوى كذلك بسائر الأحاديث الواردة في جواز العزل، وعدم النهي عنه.
__________
1 زاد المعاد: (5/144) .
2 فتح الباري: (9/309) .(2/555)
فَيَتَلَخَّصُ من ذلك: أن ابن القَيِّم - رحمه الله - لم يُصبْ في تصحيحه إسناد حديث أبي سعيد، لِمَا تََقَدَّمَ، وما ذهب إليه من التوفيق والجمع بين الروايات المختلفة عن يحيى بن أبي كثير فيه نظرٌ؛ إذ تبين رُجْحَانُ رواية أبي سعيد على غيرها، والله أعلم.(2/556)
المجلد الثالث
الباب الثالث: دراسة جملة من الأحاديث المختارة مما تكلم عليه ابن القيم
من كتاب الطلاق
1 ـ باب ما جاء في المحلل والمحلل له
...
10- من كتاب الطلاق
1 - باب ما جاء في المحلّل والمحلّل له
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله – حديث لعن الْمُحَلِّلَ والْمُحَلَّلَ لَهُ عن جماعة من الصحابة، منهم:
74 - (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَعَنَ الله الْمُحَلِّلَ والْمُحَلَّلَ لَهُ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "رواه الإمام أحمد بإسناد رجاله كلهم ثقات"1. وقال مرة: "إسناده حسن"2. ومرة قال: "إسناد جيد"3ونقل عن البخاري أنه حكم بحُسْنِهِ.
قلت: هذا الحديث أخرجه أحمد في (مسنده) 4، وابن أبي شيبة في (مصنفه) 5، وابن الجارود في (المنتقى) 6، والبيهقي في (سننه) 7، والترمذي في (العلل) 8، كلهم من طريق:
__________
1 إغاثة اللهفان: (1/270) .
2 زاد المعاد: (5/109) .
3 إعلاء الموقعين: (3/44) .
(2/323) .
(4/296) ك النكاح، باب الرجل يطلق امرأته، فيتزوجها رجل ليحلها له.
(ح 684) .
(7/208) .
(1/437) ، باب ما جاء في الْمُحَلِّلَ والْمُحَلَّلَ لَهُ.(3/7)
عبد الله بن جعفر1، عن عثمان بن محمد2، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. وقد وقع عند أحمد والترمذي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ"، أما ابن الجارود والبيهقي فعندهما: "لعن الله ... ".
قال الترمذي: "سألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسنٌ، وعبد الله بن جعفر المخرمي صدوق ثقةٌ، وعثمان بن محمد الأخنس ثقة"3. وقال الزيلعي: "عبد الله بن جعفر: وَثَّقَهُ أحمد، وابن المديني، وابن معين، وغيرهم، وأخرج له مسلم في صحيحه. وعثمان بن محمد الأخنس: وثقه ابن معين، وسعيد المقبري: متفق عليه، فالحديث صحيح"4. وقال الحافظ ابن حجر: "رجاله مُوَثَّقُون"5.
وقد نقل ابن القَيِّم عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: "إسناد جيد"6.
قلت: وعثمان بن الأخنس هذا وثقه أيضاً: ابن حبان7، لكن قال
__________
1 ابن عبد الرحمن بن المِسْوَر بن مخرمة، أبو محمد المدني، الْمَخْرَمِي، ليس به بأسٌ، من الثامنة، مات سنة 170هـ/ خت م 4. (التقريب 298) .
2 هو: الثقفي الأخنسي.
3 علل الترمذي: (1/437) .
4 نصب الراية: (3/240) .
5 الدراية: (2/73) ح 577.
6 إعلام الموقعين: (3/45) .
7 الثقات: (7/203) .(3/8)
عليُّ بن المديني: "روى عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أحاديث مناكير"1. وليس هذا من روايته عن ابن المسيب، وقد تَقَدَّمَ توثيق ابن معين، والبخاري له، فحديثه صالح إن شاء الله.
وأما قول ابن حبان: "يُعتبر حديثه من غير رواية المخرمي عنه؛ لأنًَّ المخرمي ليس بشيء في الحديث"2: فإنه قول عجيب، فإن عبد الله ابن جعفر المخرمي وَثَّقَهُ جماعةٌ وأثنوا عليه، منهم: أحمد، والنسائي، وأبو حاتم، وابن معين، وابن المديني، والعجلي، وابن خراش، والترمذي، والبرقي، والحاكم، مع ما تقدم من توثيق البخاري - رحمه الله - له. وانفرد ابن حبان بمقالته هذه، وزاد فقال: "كان كثير الوَهْمِ في الأخبار، حتى يروي عن الثقات ما لا يُشْبِه حديث الأثبات ... "3. كذا قال رحمه الله! ولذلك قال ابن حجر مُعَقِّباً على مقالته هذه: "وكأنه أراد غيره فالتبس عليه"4.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث حسنٌ على أقل أحواله، وأن إسناده جَيِّدٌ لا غبار عليه، كما حكم بذلك ابن القَيِّم رحمه الله.
وقد رُوِيَ هذا الحديث على وجه آخر، ذكره ابن أبي حاتم في
__________
1 تهذيب التهذيب: (7/152) .
2 الثقات: (7/203) .
3 المجروحين: (2/27) .
4 تهذيب التهذيب: (5/173) .(3/9)
(علله) 1من طريق: مروان الطَّاطري، عن عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن سعيد المقبري به، قال أبو حاتم: "إنما هو: عبد الله بن جعفر، عن عثمان الأخنسي". يعني الإسناد الماضي.
ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثاً آخر:
75 - (2) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَلا أُخْبِرُكُم بالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "هُو الْمُحَلِّلَ. لعن الله الْمُحَلِّلَ والْمُحَلَّلَ لَهُ".
ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - أن هذا الحديث أُعِلَّ بثلاث عللٍ، وهي:
1- ضَعْفُ مِشْرَح بن هاعان، ضَعَّفَهُ ابن حبان.
2- عدمُ سماع اللَّيْثِ بن سعد هذا الحديث من مِشْرَح بن هاعان.
3- إنكارهم هذا الحديث على عثمان بن صالح، راويه عن الليث بن سعد.
ثم أخذ ابن القَيِّم - رحمه الله - في الجواب عن هذه العلل واحدةً واحدةً، حتى أتى عليها2.
وقال مرة: "رواه ابن ماجه بإسناد رجاله كُلُّهم موثوقون، لم يُجْرَح واحدٌ منهم"3.
__________
(1/413) ح 1237.
2 إعلام الموقعين: (3/45 - 46) .
3 إغاثة اللهفان: (1/270) .(3/10)
وهناك علة رابعة أُعِلَّ بها حديث عقبة هذا، ولم يذكرها ابن القَيِّم رحمه الله، وسيأتي التنبيه عليها إن شاء الله.
قلت: هذا الحديث أخرجه: ابن ماجه في (سننه) 1، والحاكم في (المستدرك) 2، والبيهقي في (سننه) 3، من طريق: عثمان بن صالح4.
وأخرجه: الطبراني في (معجمه الكبير) 5، والدارقطني في (سننه) 6، والحاكم في (المستدرك) 7 - وعنه البيهقي8- من طريق: أبي صالح9كاتب الليث، كلاهما عن:
الليث بن سعد، عن مشرح بن هاعان10، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعاً باللفظ المتقدم.
__________
(1/623) ح 1936 ك النكاح، باب المحلل والمحلل له.
(2/198) .
(7/208) .
4 ابن صفوان السَّهْمي مولاهم، أبو يحيى المصري، صدوق، من كبار العاشرة، وقد ثَبَتَ عنه أنه قال: رأيت صحابياً من الجِنِّ، مات سنة 219هـ/ خ س ق. (التقريب 384) .
(17/299) ح 825.
(3/251) ح 28.
(2/199) .
8 السنن: (7/208) .
9 هو: عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني، أبو صالح المصري، صدوقٌ كثيرُ الغلط، ثَبْتٌ في كتابه، وكانت فيه غَفْلَةٌ، من العاشرة، مات سنة 222هـ / خت د ت ق. (التقريب 308) .
10 المعافري، المصري، أبو مصعب، مقبولٌ، من الرابعة، مات سنة 128هـ / عخ د ت ق. (التقريب 532) .(3/11)
وإلى مناقشة العلل التي أُعلَّ بها هذا الحديث:
أما ضَعْفُ مِشْرَح بن هاعان: فقد أجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - عن ذلك بقوله:
"قال محمد بن عبد الواحد المقدسي: مشرح قد وَثَّقَهُ يحيى بن معين ... وابن معين أعلم بالرِّجَال من ابن حبان". ثم قال: "وهو صدوق عند الحفاظ، لم يتهمه أحدٌ ألبتة، ولا أَطْلَقَ عليه أحدٌ من أهل الحديث - قطُّ - أنه ضعيفٌ، ولا ضَعَّفَهُ ابن حبان، وإنما قال: يَروي عن عقبة بن عامر مناكير لا يتابعُ عليها، فالصَّواب ترك ما انفردَ به1. وانفرد ابن حبان من بين أهل الحديث بهذا القول فيه"2.
قلت: وإضافة إلى توثيق ابن معين3له: فقد وَثَّقَهُ العجلي، فقال: "مصري تابعي ثقة"4. وقال الإمام أحمد: "معروف"5ولم يزد. وقال ابن عديّ: "لا بأس به"6. وقال عثمان الدارمي: "صدوق"7. وَوَثَّقَهُ ابن القطان8. وقال الذهبي: "ثقة"9. ومرة قال: "صدوق"10. وَوَثَّقَهُ
__________
1 المجروحين: (3/28) .
2 إعلام الموقعين: (3/45) .
3 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص204) رقم 755.
4 تاريخ الثقات: (ص429) .
5 الجرح والتعديل: (4/1/431 - 432) .
6 الكامل: (6/470) .
7 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص 204) رقم 755.
8 بيان الوهم والإيهام: (3/504) .
9 الكاشف: (3/129) .
10 الميزان: (4/117) .، والمغني: (2/659) .(3/12)
الحافظ ابن حجر1رحمه الله. وقال الشيخ الألباني: "والمتقرر فيه: أنه حسن الحديث"2.
وقد تَكَلَّمَ فيه: عثمان الدارمي، فقال - عقب نقله توثيق ابن معين له -: "ومشرح ليس بذاك"3. وقد سبق قوله فيه: "صدوق".
فظهر بذلك أنَّ مِشْرحاً هذا لم يضعفه أحدٌ من أهل الشأن، بل الأمر على خلاف ذلك، وانفراد ابن حبان بالكلام فيه لا يوهنه، بل هو صدوق عند الأكثرين، نعم: ليس هو في الدرجة العليا من التوثيق، ومع ذلك فإن حديثه لا يقلُّ عن درجة الحسن، كما قَرَّرَهُ الشيخ الألباني.
وأما العلة الثانية: وهي عدم سماع الليث هذا الحديث من مشرح: فقد أعله بذلك البخاري، ويحيى بن عبد الله بن بكير. أما كلام البخاري فقد نقله ابن القَيِّم، وهو في (علل الترمذي) 4، إذا سأله عنه الترمذي؟، فقال: "عبد الله بن صالح - أحدُ رواته عن الليث - لم يكن أخرجه في أيامنا، ما أرى الليث سمعه من مشرح بن هاعان؛ لأن حيوة روى عن: بكر بن عمرو، عن مشرح". وأما ابن بكير، فإنه لَمَّا ذكره له أبو زرعة قال: "لم يسمعْ الليث من مشرح شيئاً، ولا روى عنه شيئاً"5.
__________
1 فإنه قال عنه: "رواته موثوقون". (الدراية 2/73) .
2 إرواء الغليل: (6/310) .
3 تاريخ الدارمي: (ص 204) رقم 755.
(1/438) .
5 علل ابن أبي حاتم: (1/411) .(3/13)
وقد أجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - عن كلام البخاري، فقال: "فعبد الله بن صالح قد صَرَّحَ بأنه سمعه من الليث، وكونه لم يخرجه وقتَ اجتماع البخاري به لا يَضُرُّهُ شَيئاً"1.
وأما قول البخاري: إن حيوة بروي عن بكر بن عمرو، عن مشرح: فقال ابن القَيِّم: "يريد به أن حيوة من أقران الليث أو أكبر منه، وإنما روى عن بكر بن عمرو عن مشرح، وهذا تعليل قوي، ويؤكده أن الليث قال: قال مشرح، ولم يقل: حدثنا". قال: "وليس بلازم؛ فإن الليث كان معاصراً لمشرح، وهو في بلده، وطلبُ الليثِ العلمَ وجمعهُ لم يمنعه ألا يسمع من مشرح حديثه عن عقبة بن عامر، وهو معه في البلد"2.
كذا قال ابن القَيِّم رحمه الله، وفاته أن الليث صَرَّحَ بسماعه من مشرح، وبتحديث مشرح له، ففي رواية ابن ماجه قوله: "قال لي مشرح". وفي رواية الحاكم: "سمعت مشرح بن هاعان"، وقول الراوي: (قال لي) في منزلة قوله: (حدثنا) .
وقد أجاب الأئمة بذلك، وأولهم الحاكم: فإنه بعد أن أخرج رواية عثمان بن صالح، عن الليث، قال: "وقد ذكر أبو صالح - كاتب الليث - عن ليث سماعه من مشرح بن هاعان". فساقه بإسناده. وقال
__________
1 إعلام الموقعين: (3/45 - 46) .
2 المصدر السابق: (3/46) .(3/14)
الزيلعي - رداً على ما نقله أبو زرعة عن ابن بكير -: "قوله في الإسناد: قال لي أبو مصعب: يردُّ ذلك"1. وقال ابن حجر: "ووقع التصريح بسماعه في رواية الحاكم، وفي رواية ابن ماجه عن الليث: قال لي مشرح"2.
وأما العلة الثالثة، وهي إنكارهم هذا الحديث على عثمان بن صالح: فقد أجاب عنه ابن القَيِّم بما نقله عن شيخه ابن تيمية رحمهما الله، حيث قال: "وإنكار من أنكر هذا الحديث على عثمان غير جيد، وإنما هو لِتَوَهُّمِ انفراده به عن الليث، وظنهم أنه لعله أخطأ فيه، حيث لم يبلغهم عن غيره من أصحاب الليث، كما قد يتوهم بعض من يكتب الحديث: أن الحديث إذا انفرد به عن الرجل من ليس بالمشهور من أصحابه، كان ذلك شذوذاً فيه وعلة قادحة، وهذا لا يَتَوَجَّهُ هاهنا لوجهين:
أحدهما: أنه قد تَابَعَهُ عليه أبو صالح - كاتب الليث - عنه ...
الثاني: أن عثمان بن صالح هذا المصري نفسه روى عنه البخاري في (صحيحه) ، وروى عنه ابن معين، وأبو حاتم الرازي، وقال: هو شيخ صالحٌ سليمٌ التَأْدِيَةِ. قيل له: كان يُلَقَّن؟ قال: لا. ومن كان بهذه
__________
1 نصب الراية: (3/239) .
2 التلخيص الحبير: (3/ 171) .(3/15)
المثابة، كان ما ينفرد به حُجَّةً، وإنما الشاذ ما خالف به الثقات، لا ما انفرد به عنهم، فكيف إذا تابعه مثل أبي صالح، وهو كاتب الليث، وأكثر الناس حديثاً عنه؟ وهو ثقة أيضاً، وإن كان قد وقع في بعض حديثه غلط"1.
فهذا فيما يتعلق بجواب ابن القَيِّم وغيره من الأئمة على هذه العلل.
وأما العلة التي لم يتعرض لها ابن القَيِّم: فهي ما نقله أبو زرعة الرازي، عن يحيى بن عبد الله بن بكير، أنه قال: " ... لم يسمع الليث من مشرح شيئاً ... وإنما حدثني الليث بن سعد بهذا الحديث: عن سليمان بن عبد الرحمن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم". يعني مرسلاً، قال أبو زرعة: "والصواب عندي: حديث يحيى"2. يعني ابن بكير.
قلت: أما القول بعدم سماع الليث من مشرح شيئاً، فقد تقدم ما فيه، وأن الليث صَرَّحَ بتحديث مشرح له، وسماعه منه.
وأما هذه الرواية المرسلة: فابن بكير أثبت من غيره في الليث، بل قال ابن عدي: "أثبت الناس فيه"3. ومع ذلك فإن رواية عثمان بن صالح له عن: الليث، عن مشرح، عن عقبة. ومتابعة أبي صالح له على هذه الرواية، يجعل من الصعب الحكم على روايتهما - وقد تتابعا - بالخطأ،
__________
1 إعلام الموقعين: (3/46) .
2 علل ابن أبي حاتم: (1/411) .
3 كما في تهذيب التهذيب: (11/238) .(3/16)
وعلى ذلك: فيحتمل أنه يُروى عن الليث على الوجهين:
وقد يُقال أيضاً: لعل عثمان بن صالح، وأبا صالح كاتب الليث قد وقع لهما خطأ في هذا الحديث.
فإن صحَّ هذا الاحتمال الأخير، وقيل: إن الصواب في هذا الحديث الإرسال، فإن ذلك لا يضرُّ، ويعتضد - حينئذ - بما تقدم من مسند أبي هريرة وغيره من الأحاديث الواردة في هذا المعني.
ولذلك فقد صححه بعض الأئمة، وحَسَّنَهُ آخرون، قال الحاكم: "حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. وصححه الزيلعي من طريق ابن ماجه1. وقال عبد الحق: "إسناده حسن"2. ووافقه ابن القطان، لكن قال: "ولم يبينْ المانع من صِحَّتِهِ"3. وقال ابن تيمية رحمه الله: "حديث جيد، وإسناده حسن"4. وحَسَّنَهُ ابن الملقن5.
فالذي يطمئن إليه القلب: أن هذا الحديث حسنٌ إن سَلِمَ من علة الإرسال، فإن التصقت به هذه العلة، فإنه يعتضد بشواهد عديدة في هذا الباب، وبذلك يكون ابن القَيِّم - رحمه الله - قد أصاب في تقوية هذا الحديث ودفع العلل عنه، والله أعلم.
__________
1 نصب الراية: (3/239) .
2 المصدر السابق.
3 بيان الوهم والإيهام: (3/504) .
4 إعلام الموقعين: (3/46) .
5 البدر المنير: ج 5 (ق 220/أ) .(3/17)
2- باب المبتوتة: هل تجب لها السكنى والنفقة؟
76 - (3) قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: "إِنَّمَا النَّفَقَةُ والسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ".
ذهب ابن القَيِّم إلى أن المبتوتة لا نفقة لها ولا سُكْنى، مُسْتَدِلاً بهذا الحديث، فقال: "وروى النسائي في سننه هذا الحديثَ بطرقه وألفاظه، وفي بعضها - بإسناد صحيح لا مَطْعَنَ فيه -: فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما النفقة والسُّكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة". ورواه الدارقطني، وقال: فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، وقال: "إنما السُّكنى والنفقة لمن يملك الرجعة". وروى النسائي - أيضاً - هذا اللفظ، وإسنادهما صحيح"1.
قلت: هذا الحديث الذي ذكره ابن القَيِّم - رحمه الله - مداره على الشعبي، عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
ويرويه عن الشعبي جماعةٌ:
فأخرجه الدارقطني في (سننه) 2، والخطيب في (الفصل للوصل
__________
1 زاد المعاد: (5/525 - 526) .
(4/23) ح 67.(3/18)
المدرج في النقل) 1، كلاهما من طريق: يعقوب بن إبراهيم2.
وأخرجه الطبراني في (الكبير) 3من طريق: أبي عبيد القاسم بن سلاَّم4. كلاهما عن:
هشيم بن بشير5، عن: سَيَّار6، وحصين7، ومغيرة8، وأشعث9، وداود10، ومجالد، وإسماعيل بن أبي خالد11، كُلُّهم عن:
__________
(2/860) ح 110.
2 ابن كثير بن زيد بن أفلح العَبْدِي مولاهم، أبو سيف الدَّوْرَقي، ثقة، من العاشرة، مات سنة 252هـ، وكان من الحفاظ/ ع. (التقريب 607) .
(24/379) ح 938.
4 البغدادي، ثقةٌ فاضلٌ، مُصَنِّفٌ، من العاشرة، مات سنة 224هـ / خت د ت. (التقريب 450) .
5 ابن القاسم بن دينار السُّلَمِي، أبو معاوية، الواسطي، ثِقَةٌ ثَبْتٌ كثير التدليس والإرسال الخفيِّ، من السابعة، مات سنة 183هـ/ ع. (التقريب 574) .
6 ابن أبي سَيَّار العنزي، ثقةٌ، وليس هو الذي يروي عن طارق بن شهاب، من السادسة، مات سنة 122هـ/ ع. (التقريب 262) .
7 ابن عبد الرحمن السلمي، أبو الهذيل الكوفي.
8 ابن مقسم الضَّبيّ مولاهم، أبو هشام الكوفي، الأعمى، ثقةٌ متقن، إلا أنه كان يُدَلِّس، ولاسيما عن إبراهيم، من السادسة، مات سنة 136هـ/ع. (التقريب 543) .
9 ابن سوَّار الكندي، النجار، الأفرق، الأثرم، صاحب التوابيت، قاضي الأهواز، ضعيف، من السادسة، مات سنة 136هـ/ بخ م ت س ق. (التقريب 113) .
10 هو: ابن أبي هند القشيري.
11 الأحمسي مولاهم، البجلي، ثقةٌ ثبت، من الرابعة، مات سنة 146هـ/ ع. (التقريب 107) .(3/19)
الشعبيِّ قال: دخلت على فاطمة بنت قيس، فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: طَلَّقَهَا زوجها ألبتة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، وقال: "إِنَّمَا السّكْنَى والنَّفَقَة لِمَن يَمْلِكُ الرَّجعة". هذا سياق الدارقطني، ولفظ الباقين بنحوه.
وقد ضَعَّفَ الأئمة هذه الزيادة، وَوَهَّمُوا فيها مجالد بن سعيد، وأنه انفرد بها دون هؤلاء الجماعة الذين رووه عن الشعبي، وإن شاركوا مجالداً في روايته للحديث كما مضى.
قال الخطيب البغدادي: "أدرج يعقوب بن إبراهيم الدورقي رواية هذا الحديث، أو أدرجه هشيم له لما حَدَّثَ به، وذلك أن قوله: "إِنَّمَا السُّكْنَى والنَّفَقة لِمَن يَمْلِكُ الرَّجعة" لم يَذْكُرْهُ واحد من الجماعة الْمُسَمَّين عن الشعبي، إلا مجالد بن سعيد وحده"1
ومما استدلوا به على انفراد مجالد بذلك:
أولاً: أنَّ هذا الحديث يُروى عن هشيم بالإسناد السابق بعينه، وليس فيه هذه الزيادة. أخرج ذلك: مسلم في (صحيحه) 2: حدثني زهير ابن حرب، وأحمد في (مسنده) 3، كلاهما عن: هشيم، عن الجماعة الْمُسَمَّين قبل، عن الشعبي، عن فاطمة بالحديث السابق.
__________
1 الفصل للوصل المدرج في النقل: (2/860) ح 110 - 1.
(2/1117) ح 1480 (42) . ك الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها.
(6/416) .(3/20)
ثانياً: أنَّ الحسن بن عرفة1رواه عن هشيم، عن هؤلاء النفر، عن الشعبي، عن فاطمة به، فَمَيَّزَ هذه الكلمات، وبَيَّنَ أنها عن مجالد وحده دون باقي الجماعة، أخرج ذلك ونبه عليه: الدارقطني في (سننه) 2، والخطيب في (الفصل) 3. فقال الدارقطني - عقب إخراجه رواية يعقوب بن إبراهيم المتقدم ذكرها -: "خالفه الحسن بن عرفة، جَعَل آخر الحديث عن مجالد وحده، عن الشعبي". ثم ساقه بإسناده إلى الحسن بن عرفة، بالإسناد السابق، وفي آخره: "قال هشيم: قال مجالد في حديثه: إنما السكنى والنفقة لمن كان لها على زوجها الرجعة".
ثالثاً: وُجدت هذه الرواية بهذه الزيادة عن مجالد وحده، غير مقرون مع الجماعة الماضي ذكرهم، وذلك من رواية جماعة عنه، منهم: شعبة، ويحيى القطان، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وعبدة بن سليمان، وسعيد بن يزيد البجلي، ثم هشيم نفسه.
أخرج الحميدي في (مسنده) 4 رواية ابن عيينة، وأخرج الإمام أحمد في (مسنده) 5 رواية هشيم، وأخرج هو6والخطيب في (الفصل)
__________
1 ابن يزيد العبدي، أبو علي البغدادي، صدوق، من العاشرة، مات سنة 257هـ/ ت س ق. (التقريب 162) .
(4/24) ح 68.
(ص 816) .
(1/176) ح 363.
(6/415) .
6 مسند أحمد: (6/416) .
(ص 815) .(3/21)
رواية عبدة بن سليمان، وأخرج الطبراني في (الكبير) 1 رواية حماد بن زيد، ورواية شعبة، وأخرج كذلك رواية سعيد البجلي2، وأخرج الإمام أحمد رواية يحيى القطان3، كلهم عن: مجالد بن سعيد، عن الشعبي، فذكر الحديث بطوله، وفي بعض ألفاظه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "انظري يا ابنة آل قيس: إنما النفقة السكنى ... " 4.
قال ابن القطان رحمه الله - بعد أن ساق روايتي سفيان بن عيينة، وعبدة بن سليمان -: "فهذه رواية مجالد، وإذا قُرِنَ بالجماعة تَوَّهم من يراه أن الزيادة المذكورة من رواية جميعهم، وقد تَبَيَّنَ أنهم لم يرووها، ولهشيم في التدليس صنعة محذورة في مثل هذا ... "5.
ثم قال رحمه الله: "وإذا قد تَبَيَّنَتْ رواية الجماعة دون الزيادة، ورواية مجالد دونهم بالزيادة: تَحَقَّقَ فيها الرَّيْب، ووجب لها الضَّعْفُ بضعفِ مجالد المنفرد بها"6.
ومع ذلك فقد وُجدت لمجالد متابعات على روايته الحديث بهذه الزيادة، فمن هذه المتابعات:
__________
(24/379) ح 936، 937.
2 المعجم الكبير: (24/382) ح 948.
3 المسند: (6/373، 416 - 417) .
4 لفظ رواية يحيى عند أحمد.
5 بيان الوهم والإيهام: (4/476) .
6 بيان الوهم والإيهام: (4/477) .(3/22)
1- ما أخرجه النسائي في (سننه) 1من طريق: سعيد بن يزيد2الأحمسي، حدثنا الشعبي، حدثتني فاطمة بنت قيس به.
وهذه الرواية هي التي أشار إليها ابن القَيِّم رحمه الله، وصحح إسنادها، وسبق نقل كلامه أول البحث.
ورواه قاسم بن أصبغ بالإسناد نفسه، كما نقل ذلك عنه ابن القطان3.
وسعيد بن يزيد هذا: قال فيه أبو حاتم: "شيخ، يروى عنه"4. وقال ابن معين: "ثقة"5. وذكره ابن حبان في (الثقات) 6. وَضَعَّفَهُ ابن القطان، فقال: "لم تثبت عدالته"7. وَأَقَرَّهُ الذهبي8على ذلك، ولم ينقل فيه توثيق ابن معين، ونقل عن أبي حاتم كلمة "شيخ"فقط، فكأنه يختار ضعفه؟ وقال الحافظ ابن حجر: "وقد تابع بعض الرواة ... مجالداً، لكنه أضعف منه"9. فلا أدري: هل يقصد سعيد بن يزيد هذا، أم غيره؟
__________
(6/144) ك الطلاق، باب الرخصة في التطليق بثلاث مجتمعة.
2 البَّجَلي، ثم الأحمسي، الكوفي، صدوق، من السابعة/ س. (التقريب 242) .
3 بيان الوهم والإيهام: (4/477) .
4 الجرح والتعديل: (2/1/74) .
5 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/209) .
(6/373) .
7 بيان الوهم والإيهام: (4/477) .
8 الميزان: (2/163) .
9 فتح الباري: (9/480) .(3/23)
وعلى كل حال، فالذي يظهر من حال الرجل أنه إلى التوثيق أقرب منه إلى التضعيف، نعم ليس هو الدرجة العليا من التوثيق، كما يُشعر به كلام أبي حاتم، ولكنه - مع ذلك - لا يخرج عن كونه صدوقاً يُعتبر بحديثه ويستشهد به.
لكن أشار الحافظ الذهبي إلى إعلال هذه المتابعة، فقال في ترجمته: " ... عن الشعبي بحديث فاطمة في المبتوتة ... أتى في الحديث بألفاظ قد اختلف في ثبوتها"1. وتقدم كلام ابن حجر قبل قليل في غَمْزِ هذه المتابعة - إن كان يعنيها -.
2- ما أخرجه الطبراني في (الكبير) 2من طريق: أبي نعيم، عن زكريا ابن أبي زائدة3، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس بنحو ما تقدم.
وزكريا هذا وإن كان ثقة، فإنه مدلس، وقد أكثر منه عن الشعبي خاصةً، كما قال أبو زرعة: "صويلح، يُدَلِّس كثيراً عن الشعبي"4. وقال أبو حاتم: "لين الحديث، كان يُدَلِّس ... ويقال: إن المسائل التي يرويها زكريا لم يسمعها من عامر - يعني الشعبي - إنما أخذها من أبي حريز"5.
__________
1 الميزان: (2/163) .
(24/378) ح 935.
3 ابن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي، أبو يحيى الكوفي، ثقة، وكان يُدَلِّس، وسماعه من أبي إسحاق بآخرة، من السادسة، مات سنة 147هـ أو غيرها/ ع. (التقريب 216) .
4 الجرح والتعديل: (1/2/594) .
5 المصدر السابق.(3/24)
ورماه بالتدليس غير هؤلاء1.
قلت: وقد عَنْعَنَ زكريا في هذا الإسناد، فاحتمال تدليسه قويٌّ، وبخاصة أن روايته هنا عن الشعبي.
فهذا هو حال هذه المتابعة، ولكنها إذا ضُمَّتْ إلى طرق هذا الحديث، فإنها تصلح لتقويته.
3- وثمة متابعة ثالثة، وهي من رواية: جابر الجعفي، عن الشعبي به، أخرجه الدارقطني في (سننه) 2. وجابر مكشوف الحال، لا يحتجُّ بمثله.
فيبقى من هذه المتابعات: رواية سعيد الأحمسي، ورواية زكريا ابن أبي زائدة، وهما وإن كانتا لا تخلوان من ضعف، فإنهما قد تصلحان لتقوية حديث مجالد في إثبات هذه الزيادة، فينتفي بذلك القول بتفرد مجالد برفع هذه الزيادة.
ولعلَّ ذلك ما يوضح وجه تصحيح ابن القَيِّم - رحمه الله - للحديث بهذه الزيادة، ولو جُعل من قبيل الحسنِ لكان أنسب، والله أعلم.
__________
1 انظر: طبقات المدلسين: (ص62) ، وتهذيب التهذيب: (3/330) .
(4/22) ح 62.(3/25)
3- باب من قال: إن لها السكنى والنفقة
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - حديث عمر رضي الله عنه في الإنكار على فاطمة بنت قيس، وهو:
77- (4) عن عمر رضي الله عنه، أنه قال - لما ذُكِرَ له قول فاطمة -: "لا نترك كتاب الله، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة، قال الله عزوجل: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] .
قال ابن القَيِّم: "قد أعَاذَ الله أمير المؤمنين من هذا الكلام الباطل، الذي لا يصحُّ عنه أبداً. قال الإمام أحمد: لا يصحُّ ذلك عن عمر"1.
وقال مرة: "ولم يصح عن عمر أنه قال: لا ندعُ كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة؛ فإن أحمد أنكره، وقال: أما هذا فلا، ولكن قال: لا نقبل في ديننا قول امرأة"2.
قلت: هذا الحديث يُروى من حديث: الأسود بن يزيد3، عن
__________
1 زاد المعاد: (5/539) .
2 تهذيب السنن: (3/191) .
3 ابن قيس النخعي، أبو عمرو، أو أبو عبد الرحمن، ومخضرم، ثقةٌ مكثرٌ فقيهٌ، من الثانية، مات سنة 74 أو 75هـ / ع. (التقريب 111) .(3/26)
عمر رضي الله عنه، ورواه عن الأسود جماعة:
فأخرجه مسلم في (صحيحه) 1، وأبو داود في (سننه) 2، والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 3 من طريق: أبي أحمد الزبيري4عن عَمَّار بن رُزَيق5، عن أبي إسحاق6، عن الأسود بن يزيد به. وفيه قول أبي إسحاق: كنت مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم، فَحَدَّثَ الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة. ثم أخذ الأسود كَفّاً من حصى فحصبه به، فقال: ويلك! تُحَدِّثُ بمثل هذا؟! قال عمر ... فذكره. هذا سياق مسلم.
وخالف أبا أحمد الزبيري: يحيى بن آدم، فرواه عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الأسود به، فلم يذكر فيه: "وَسُنَّةَ نَبيِّنَا". أخرجه
__________
(2/1118) ح 1480 (46) . ك الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها.
(2/717) ح 2291. ك الطلاق، باب من أنكر ذلك على فاطمة.
3 قط: (4/25) ح 70. هق: (7/475) .
4 هو: محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي، الكوفي، ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة 203هـ/ ع. (التقريب 487) .
5 الضَّبّي، أو التميمي، أبو الأحوص الكوفي، لا بأس به، من الثامنة، مات سنة 159هـ/ م د س ق. (التقريب 407) .
6 هو السَّبِيعي.(3/27)
الدارقطني في (سننه) 1من طريق يحيى، وقال عقبه: " ... وهذا أصحُّ من الذي قبله؛ لأنَّ هذا الكلام لا يثبت، ويحيى بن آدم أحفظ من أبي أحمد الزبيري وأثبت منه، والله أعلم". وقال - رحمه الله - في (العلل) 2: "وكذلك رواه يحيى بن آدم - وهو أحفظ من أبي أحمد الزبيري وأثبت منه - عن عمار بن رزيق ... لم يقل فيه: "وَسُنَّةَ نَبيِّنَا". وهو الصواب".
وذكر الدارقطني أيضاً: أَنَّ قبيصة3 قد تابع يحيى بن آدم على روايته، ثم ساقه بإسناده إلى قبيصة بمثل قول يحيى بن آدم سواء.
هذا ما يتعلق برواية أبي إسحاق السبيعي عن الأسود.
وقد روى من حديث: الأعمش، عن إبراهيم4، عن الأسود به. رواه عن الأعمش جماعة، منهم: أسباط بن محمد، ومحمد بن فضيل5، وحفص بن غياث6.
__________
(4/25) ح 71.
(2/141) .
3 ابن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي.
4 هو: النخعي.
5 ابن غزوان، الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، رُمي بالتشيع، مات سنة 195هـ/ ع. (التقريب 502) .
6 ابن طلق بن معاوية النخعي، أبو عمر الكوفي، ثقةٌ فقيه تَغَيَّرَ حفظه قليلاً في الآخر، مات سنة 194 أو 195هـ/ ع. التقريب (173) .(3/28)
فأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) 1من طريق: حفص بن غياث، ومحمد بن فضيل، كلاهما عن: الأعمش به، ولفظه عن عمر: "لا نُجِيز قول المرأة في دين الله، المطلقة ثلاثاً لها السكنى والنفقة".
وأخرجه الدارقطني في (سننه) 2 - ومن طريقه البيهقي3- من طريق: محمد بن فضيل، عن الأعمش به، ولفظه عن عمر رضي الله عنه: "لا نَدَعُ كتاب الله لقول امرأة لعلها نَسِيَتْ".
وأخرجه الدارقطني - أيضاً - في (سننه) 4من طريق: أسباط بن محمد ومحمد بن فضيل، كلاهما عن الأعمش به، ولفظه كالذي قبله.
هكذا رواه هؤلاء عن الأعمش، عن إبراهيم بدون زيادة قوله: "وَسُنَّةَ نَبيِّنَا".
وذكر الدارقطني - رحمه الله - أنه اخْتُلِفَ فيه على حفص بن غياث عن الأعمش، فرواه طلق بن غنام عن حفص، عن الأعمش، فقال فيه: "وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا". فَوَهِمَ على حفص في ذلك؛ لأن الذين رووه عن حفص بدون هذه الزيادة أثبت منه وأحفظ5.
__________
(5/146) .
(4/24) ح 69.
(7/475) .
(4/27) ح 75.
5 علل الدارقطني: (2/141) .(3/29)
وقد رُوِيَ عن إبراهيم، عن الأسود من غير طريق الأعمش، فأخرجه الدارقطني في (سننه) 1 من طريق: أشعث بن سَوَّار، عن الحكم وحماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر رضي الله عنه به، وفيه الزيادة المذكورة.
قال الدارقطني - رحمه الله - عقبه: "أشعث بن سَوَّار ضعيف الحديث، ورواه الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، ولم يقل: "وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا" ... والأعمش أثبت من أشعث وأحفظ منه".
وقال في (علله) 2: "وليست هذه اللفظة التي ذكرت فيه محفوظة، وهي قوله: "وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا"؛ لأن جماعة من الثقات رووه عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، أن عمر قال: لا نجيز في ديننا قول امرأة. ولم يقولوا فيه: وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا".
فهذه طرق هذا الحديث إلى الأسود بن يزيد، وقد بَيَّنَ الدارقطني - رحمه الله - أن الصواب فيها عدم ذكر قوله "وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا"، وكذا لم يصححه الإمام أحمد رحمه الله، فقد سأله عنه أبو داود فقال: "قلت: يصحُّ هذا عن عمر رضي الله عنه؟ قال: لا"3. وقد أشار ابن القَيِّم - رحمه الله - إلى كلام الإمام أحمد هذا، كما تقدم نقله عنه أول البحث.
فتلخص من ذلك: أن الصواب ما اختاره ابن القَيِّم - رحمه الله -
__________
(4/27) ح 74.
(2/141) .
3 مسائل أبي داود للإمام أحمد: (ص 184) .(3/30)
من عدم صحَّة ذلك عن عمر رضي الله عنه، وأن الصواب في ذلك عن عمر قوله: "لا نجيز قول المرأة في دين الله". وعلى فرض ثبوت اللفظ الأول عن عمر رضي الله عنه، فإن الصواب فيه: "لا ندع كتاب ربنا" وأما قوله: "وسنة نَبيِّنَا" فلم يثبت ذلك عنه، والله أعلم.(3/31)
4- باب في عدة أم الولد
78- (5) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه قال: "لا تَلْبِسُوا عَلَيْنَا سُنَّة نَبِيِّنَا، عِدَّةُ المتوفى عنها: أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً" يعني أم الولد.
استدل بهذا الحديث من ذهب إلى أن عدة أم الولد هي عدة الحُرَّة، وقد استعرض ابن القَيِّم - رحمه الله - الأقوال في المسألة، ثم بَيَّنَ أن الصواب من ذلك: أنها تعتد بحيضة واحدةٍ؛ فإن هذا إنما هو لمجرد الاستبراء لزوال الملك عن الرقبة، فلذلك كان كسائر استبراءات المعتقات، والمسبيات، والمملوكات، ثُمَّ أَخَذَ في بيان ضَعْفِ حديث عمرو بن العاص، فَذَكَرَ أن فيه عللاً:
أحدها: انقطاعه بين قبيصة بن ذؤيب وعمرو بن العاص؛ فإنه لم يسمع منه.
ثانيها: أن الصواب فيه الوقف على عمرو بن العاص.
ثالثها: اضطرابه، فقد رُوِيَ عن عمرو بن العاص على ثلاثة أوجه1.
قلت: هذا الحديث أخرجه: أبو داود، وابن ماجه في (سننيهما) 2، وابن أبي شيبة في (مصنفه) 3- ومن طريقه: ابن حبان في
__________
1 زاد المعاد: (5/721 - 723) ، وانظر تهذيب السنن: (3/203 - 204) .
2 د: (2/730) ح 2308. جه: (1/673) ح 2083، كلاهما في: ك الطلاق، باب عدة أم الولد.
(5/162) ك الطلاق، باب ما قالوا في عدة أم الولد.(3/32)
(صحيحه) 1، وابن الجارود في (المنتقى) 2 - والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، كلهم من طريق:
سعيد بن أبي عروبة، عن مطر بن طهمان5، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب6، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه به. واللفظ المتقدم لفظ أبي داود، ولفظ ابن أبي شيبة، وابن حبان، وابن الجارود: "لا تلبسوا علينا سنة نبينا، عدة أم الولد عدة المتوفى عنها زوجها". وليس عند ابن الجارود كلمة: "زوجها". ووقع عند ابن ماجه: "لا تُفْسِدُوا علينا سنة نبينا، عدة أم الولد أربعة أشهر وعشراً".
وقد ضُعِّفَ هذا الإسناد من أجل مطر بن طهمان، فقال المنذري: "وفي إسناده مطر بن طهمان أو رجاء الورَّاق، وقد ضعفه غير واحد"7.
__________
1 الإحسان: (6/250) ح 4286.
2 ح (769) .
3 قط: (3/309) ح 246. هق: (7/447 - 448) .
(2/209) .
5 الوَرَّاق، أبو رجاء السُّلَمِي مولاهم، الخراساني، سكن البصرة، صدوقٌ كثيرُ الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، من السادسة، مات سنة 125هـ، ويقال: 129هـ/ خت م 4. (التقريب 534) .
6 ابن حلحلة الخُزَاعي، أبو سعيد أو أبو إسحاق، المدني، نزيل دمشق، من أولاد الصحابة، وله رؤية، مات سنة بضع وثمانين/ ع. (التقريب 453) .
7 مختصر السنن: (3/205) .(3/33)
ولم يوافق ابن القَيِّم - رحمه الله - على تضعيف الحديث به، فإنه نقل أقوال بعض العلماء في تضعيفه، ثم قال: "وبعد، فهو ثقة، قال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث. وذكره ابن حبان في كتاب (الثقات) ، واحتجَّ به مسلم، فلا وجه لِضَعْفِ الحديثِ به"1.
والحقُّ: أن مطراً هذا قد ضَعَّفَهُ الأكثرون، واحتمله بعضهم، ولا يصل بحالٍ إلى رتبة الثقة، كما قال ابن القَيِّم، فقد شَبَّهَهُ يحيى القطان بابن أبي ليلى في سوء الحفظ، ووافقه على ذلك الإمام أحمد2. وضَعَّفَهُ غير واحد من الأئمة في عطاء خاصة3. وقال ابن سعد: "كان فيه ضَعفٌ في الحديث"4. وقال النسائي: "ليس بالقويّ"5. وقال أبو داود: "ليس هو عندي بحجة، ولا يُقْطَعُ به في حديث إذا اختلف"6. وسئل عنه أبو زرعة، فقال: "صالح". قال ابن أبي حاتم: "كأنه لَيَّنَ أمره"7. وقال ابن حبان: "ربما أخطأ"8.
__________
1 زاد المعاد: (5/722) .
2 تهذيب التهذيب: (10/168) .
3 تهذيب التهذيب: (10/168) .
4 تهذيب التهذيب: (10/169) .
5 الضعفاء والمتروكين: (ص98) .
6 تهذيب التهذيب: (10/169) .
7 الجرح والتعديل: (4/1/288) .
8 الثقات: (5/435) .(3/34)
فهذه أقوال مُضَعِّفِيهِ، وقد وَثَّقَهُ آخرون: فقال ابن معين1، وأبو زرعة2: "صالح". وقال أبو حاتم: "صالح الحديث"3. وقال العجلي: "صدوق"4. وقال مرة: "لا بأس به"5. وقال البزار: "ليس به بأس ... ولا نعلم أحداً ترك حديثه"6. وقال السَّاجي: "صدوق يهم"7. وقال الذهبي: "ثقة تابعيّ"8. وقال مرة: " ... من رجال مسلم، حسن الحديث"9.
فَتَبَيَّنَ من هذه الأقوال: أن الرَّجُل وإن ضَعَّفَهُ جماعة، إلا أن مثله تُحْتَمَلُ روايته، وبخاصة إذا تابعه غيره، ممن هو مثله أو أعلى رتبة، أما إذا خالف وانفرد: فالتوقف فيه أولى، كما ذهب أبو داود - رحمه الله - إلى ذلك؛ فإنه كان كثير الخطأ والوهم، سيئ الحفظ، يَتَّضِحُ ذلك من وضع يحيى القطان، والإمام أحمد له في مرتبة ابن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ جداً. وأما كونه من رجال مسلم: فقد جعله الحاكم ممن أخرج لهم مسلم
__________
1 تهذيب التهذيب: (10/168) .
2 الجرح والتعديل: (4/1/288) .
3 المصدر السابق.
4 تاريخ الثقات - ترتيب الهيثمي: (ص430) .
5 تاريخ الثقات - ترتيب الهيثمي: (ص430) .
6 تهذيب التهذيب: (10/168 - 169) .
7 المصدر السابق: (10/169) .
8 المغني: (2/662) .
9 الميزان: (4/127) .(3/35)
في المتابعات دون الأصول1.
ولم ينفرد به مطرٌ هذا، وإنما تابعه قتادة، فأخرجه الإمام أحمد في (مسنده) 2، والبيهقي في (سننه) 3 من طريق: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة بالإسناد الماضي، ولفظه بنحو ما تقدم.
وأخرجه الدارقطني في (سننه) 4 من طريق: سعيد، عن قتادة ومطر بن طهمان، كلاهما عن رجاء به. قال ابن حبان: "سمع هذا الخبر ابن أبي عروبة، عن قتادة ومطر الوراق، عن رجاء بن حيوة، فمرةً يُحَدِّثُ عن هذا، وأخرى عن ذلك"5.
وهذه المتابعة - لاشك - تُقَوِّي روايته وتشدها؛ ولذلك فإن إعلال الحديث بمطر غير مقبول، من جهة عدم انفراده به، لا أنه ثقة كما ذهب ابن القَيِّم رحمه الله.
لكن ماذا عن العلل الأخرى التي ذكرها ابن القَيِّم - رحمه الله - لهذا الحديث، ورأى أنها المؤثرة دون الكلام في مطر؟
أما انقطاعه بين قبيصة بن ذؤيب، وعمرو بن العاص: فقد أَعَلَّهُ
__________
1 تهذيب التهذيب: (10/168) .
(4/203) .
(7/447 - 448) .
(3/309) ح 244.
5 الإحسان: (6/250) .(3/36)
بذلك الدارقطني رحمه الله، فإنه قال: "وهو مرسل؛ لأنَّ قبيصة لم يسمع من عمرو"1 يعني أنه منقطع. ولم أر أحداً قال ذلك غير الدارقطني، - وتابعه ابن القَيِّم - بل روايته عن عمرو بن العاص مذكورة في (التهذيب) وغيره، وإنما تكلموا في روايته عن عمر بن الخطاب، ومع ذلك لم يجزموا بعدم سماعه منه، ففي (تهذيب الكمال) 2: "روى عن عمر بن الخطاب، ويقال: مرسل". فإذا كان سماعه من عمر بن الخطاب محتملاً - وقد تأخرت وفاته عن عمرو بن العاص بنحو عشرين سنة - فإمكان سماعه من عمرو من باب أولى. ولكن على القول باشتراط ثبوت اللقاء - وهو الأحوط - فإنه قد يتوجه الحكم بالانقطاع.
وأما القول بأن الصواب فيه الوقف: فقد قال به الدارقطني أيضاً، فإنه أخرجه في (سننه) 3 من طريق: حفص بن غيلان4، عن سليمان بن موسى، أن رجاء بن حيوة حَدّثه، أن قبيصة حدثه، أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "عِدَّة أُمِّ الولد إذا تُوفي عنها سيدها: أربعة أشهر وعشراً، وإذا أُعْتِقَت: فعدتها ثلاثُ حِيَض". قال الدارقطني: "موقوف، وهو الصواب".
وأخرجه مرة أخرى من طريق: الوليد بن مسلم، عن سعيد بن
__________
1 سنن الدارقطني: (3/310) . وانظر: (ص 309) .
(23/477) .
(3/310) ح 248.
4 أبو معيد - مُصَغَّر - وهو بها أشهر.(3/37)
ساقطة(3/38)
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث لا يصحُّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وغايته أن يكون من كلام عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد اختار ابن القَيِّم - رحمه الله - إعلاله فأصاب، والله أعلم.(3/39)
11- من كتاب البيوع
1 - باب ما جاء في أداء الأمانة واجتناب الخيانة
79- (1) قوله صلى الله عليه وسلم: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ".
أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث عند كلامه على مسألة الظَّفْر1، واستدل به على أنَّ من جُحِدَ له مالٌ، فَتَمَكَّنَ من مال الجاحد، فإنه لا يأخذ منه حقه إذا كان سبب الحق خفياً، بحيث يُتَّهَمُ بالأخذ، وينسب إلى الخيانة ظاهراً، وإن كان في الباطن آخذاً حَقَّه.
وقد أورد هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، وخلص إلى القول بأنه صحيح بشواهده2.
قلت: هذا الحديث يُروى عن جماعة من الصحابة، منهم: أبو هريرة، وأنس، ورجل سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم. وأذكرها فيما يلي حسب ترتيب ابن القَيِّم لها:
عن يوسف بن ماهك قال: "كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم، فغالطوه بألف درهم، فَأَدَّاهَا إليهم، فأدركت له من أموالهم مثلها، فقلت: اقبض الألف الذي ذهبوا به منك، قال: لا. حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ".
__________
1 وهو: الفوز بالمطلوب. لسان العرب: (ص2750) . والمراد هنا: الظفر بِحَقِّهِ الذَّي سُلِبَ منه.
2 إغاثة اللهفان: (2/75 - 78) .(3/43)
أخرجه أبو داود في (سننه) 1، وأحمد في (مسنده) 2، والدولابي في (الكنى) 3، والبيهقي في (سننه) 4، كلهم من طريق: حميد الطويل، عن يوسف بن ماهك5 به، كذا هو عند أبي داود والدولابي باللفظ السابق، وأما أحمد فعنده: "كنت أنا ورجل من قريش نلي مال أيتام، ... " الحديث.
وقد أخرج الدارقطني6 هذا الحديث، فقال فيه: عن حميد الطويل، عن يوسف بن يعقوب، عن رجل من قريش، عن أبي بن كعب ... بالمرفوع منه، دون ذكر القصة. فهل أبيُّ بن كعب رضي الله عنه هو الصحابيُّ الذي سَقَطَ في الطريق السابق؟؟ قد يكون ذلك محتملاً، ولكن يبقى الراوي عنه مجهولاً.
ولذلك فقد أُعِلَّ هذا الحديث، فقال البيهقي - رحمه الله -: " ... في حكم المنقطع؛ حيث لم يذكر يوسف بن ماهك اسم من حَدَّثَهُ،
__________
(3/804) ح 3534 ك البيوع والإجارات، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده.
(3/414) .
(1/63) .
(10/270) .
5 ابن بهزاد، الفارسي، المكيِّ، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة 106هـ/ع. (التقريب611) .
6 في سننه: (3/35) ح 141.(3/44)
ولا اسم من حَدَّثَ عنه من حدثه"1.
ولكن يقال: إن الجهل بحال الصحابي لا يضرُّ، فيبقى معلولاً بشيخ يوسف بن ماهك فقط.
وأعلَّ ابن حجر طريق أبي بن كعب السالف، فقال: "وفي إسناده من لا يُعرف"2. ومع هذا فقد صححه ابن السكن، كما نقل ذلك عنه ابن حجر3، ولا يخفى ما فيه.
وأشار ابن القَيِّم إلى عِلَّتِه هذه فقال: "وهذا وإن كان في حكم المنقطع، فإنه له شاهداً من وجه آخر"4. ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو:
80- (2) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَدِّ الأَمَانَةَ لِمَن ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ".
وهذا أخرجه: أبو داود والترمذي في (سننيهما) 5، والدارمي في (مسنده) 6، والدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 7، والحاكم في
__________
1 سنن البيهقي: (10/271) .
2 التلخيص الحبير: (3/97) .
3 المصدر السابق.
4 إغاثة اللهفان: (2/77) .
5 د: (3/805) ح 3535. ت: (3/555) ح 1264، ك البيوع، باب 38.
(2/178) ح 2600، ك البيوع، باب في أداء الأمانة واجتناب الخيانة.
7 قط: (3/35) ح 142. هق: (10/271) .(3/45)
(المستدرك) 1، والأصبهاني في (الترغيب والترهيب) 2، وابن الجوزي في (العلل المتناهية) 3، كلهم من طريق: طلق بن غَنَّام، عن شريك وقيس بن الربيع4، عن أبي حصين5، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
وقد أَعَلَّ جماعةٌ هذا الحديث، فقال أبو حاتم في طلق بن غَنَّام: "روى حديثاً منكراً عن شريك وقيس، عن أبي حصين، عن أبي صالح ... ولم يرو هذا الحديث غيره"6. وقال البيهقي: "وحديث أبي حصين: تَفَرَّدَ به عنه شريك القاضي وقيس بن الربيع، وقيس ضعيف، وشريك لم يحتج به أكثر أهل العلم بالحديث، وإنما ذكره مسلم بن الحجاج في الشواهد"7. وقال ابن حزم: "هو من رواية: طلق بن غَنَّام، عن شريك وقيس بن الربيع، وكلهم ضعيف"8. وقد انفرد ابن حزم وحده بتضعيف
__________
(2/46) .
(1/120) ح 223، باب الترغيب في أداء الأمانة.
(2/102) ح 973.
4 الأَسَدِي، أبو محمد الكوفي، صدوق تَغَيَّرَ لَمَّا كبر وأَدْخَلَ عليه ابنه ما ليس من حديثه فَحَدَّثَ به، من السابعة، مات سنة بضع وستين ومائة/ د ت ق. (التقريب 457) .
5 هو: عثمان بن عاصم بن حصين الأَسَدِي، الكوفي، ثقة ثبتٌ سُنِّيٌّ، وَرُبَّمَا دَلَّسَ، من الرابعة، مات سنة 127هـ ويقال بعدها/ ع. (التقريب 384) .
6 علل ابن أبي حاتم: (1/375) ح 1114.
7 سنن البيهقي: (10/271) .
8 الْمُحَلَّى: (8/647) .(3/46)
طلق بن غَنَّام، ولم يشاركه في ذلك أحد1.
وقال الترمذي: "حسن غريب". قال ابن القطان: "والمانع من تصحيحه: أن شريكاً، وقيس بن الربيع مختلفٌ فيهما"2. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. قال الشيخ الألباني: "فيه نظرٌ؛ فإن شريكاً ... إنما أَخْرَجَ له مسلم في المتابعات"3.
قلت: أما شريك وقيس بن الربيع، فقد تَكَلَّمَ الأئمة فيهما من جهة سوء حفظهما، ووجود الخطأ في حديثهما، ولكنَّ اقترانهما في هذا الإسناد يجعل كلَّ واحدٍ منهما يَتَقَوَّى بصاحبه، ولذلك قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وشريك ثقة، وقد قَوِيَ بمتابعة قيسٍ له، وإن كان فيه ضعفٌ"4. وقال ابن التركماني في قيس بن الربيع: "والقول فيه ما قال شعبة، وأنه لا بأس به، وأقلُّ أحواله: أن تكون روايته شاهدةً لرواية شريك"5. وقال الشيخ الألباني: "فأحدهما يُقَوِّي الآخر"6.
وأما ما حكم به أبو حاتم من نكارة هذا الحديث، وأنَّ طلق بن غنام انفرد به، ولم يروه غيره: فلم يتبين لي ما وجه ذلك؛ فإن طلق
__________
1 انظر: تهذيب التهذيب: (5/34) .
2 نصب الراية: (4/119) .
3 إرواء الغليل: (5/381) .
4 إغاثة اللهفان: (2/77) .
5 الجوهر النقي: (10/271) .
6 إرواء الغليل: (5/381) .(3/47)
ابن غنام ثقة، فلو سلمنا انفراده، برواية ذلك، لم يكن من قبيل الشاذِّ ولا المنكر، فكيف وقد رُوِيَ الحديث من أوجه أخرى كثيرة؟
وقال الشيخ الألباني معقباً على كلام أبي حاتم هذا: "لعلَّ وجهه: أن طلقاً لم يثبت عند أبي حاتم عدالته، فقد أورده ابنه في الجرح والتعديل ... ثم لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذلك مما لا يضرهُ، فقد ثبتت عدالته بتوثيق من وثقه، لاسيما وقد احتجَّ به الإمام البخاري في صحيحه"1.
فالذي يترجح في حديث أبي هريرة هذا: ما ذهب إليه ابن القَيِّم رحمه الله من أنه وإن كان في إسناده ضعيفان، إلا أنه باقترانهما يُقَوِّي كلُّ منهما صاحبه، وينجبر الضعف الموسوم به كلٌّ منهما إذا انفرد.
ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - شاهداً آخر لهذا الحديث، وهو:
حديث أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما تقدم، ثمَّ أشار إلي ضَعْفٍ في إسناده، إلا أنه - مع ذلك - يَصْلُحُ للاستشهاد به2.
قلت: هذا الحديث أخرجه الطبراني في (المعجم الصغير) 3، والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 4، والحاكم في (المستدرك) 5 كلهم من طريق:
__________
1 إرواء الغليل: (5/382) .
2 إغاثة اللهفان: (2/77) .
(1/171) .
4 قط: (3/35) ح 143. هق: (10/271) .
(2/46) .(3/48)
أيوب بن سويد، عن ابن شوذب1، عن أبي التيَّاح2، عن أنس رضي الله عنه به.
قال الطبراني عقبه: " ... تَفَرَّدَ به أيوب، ولا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد". وقد ضَعَّفَهُ جماعة لأجل أيوب هذا، فقال البيهقي: "رواه أيوب بن سويد، وهو ضعيف"3. وقال ابن الجوزي: "فيه أيوب ابن سويد، قال ابن المبارك: ارم به. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة"4. وقال الحافظ ابن حجر: "وفيه أيوب بن سويد، مختلف فيه"5.
قلت: لم أر فيه اختلافاً كثيراً، بل إنَّ الأئمة كالمجمعين على ضَعْفِهِ6، ولعلَّ أحسن ما قيل فيه هو قول ابن عديِّ رحمه الله، إذ قال: "له حديث صالح عن شيوخ معروفين، منهم: يونس بن يزيد بنسخة الزهري، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وابن جريج، والأوزاعي، والثوري، وغيرهم. ويقع في حديثه ما يوافقه الثقات عليه، ويقع فيه ما لا
__________
1 هو: عبد الله بن شَوْذَبَ الخراساني، أبو عبد الرحمن، سكن البصرة ثم الشام، صدوق عابدٌ، من السابعة، مات سنة 156هـ أو 157هـ / بخ4. (التقريب 308) .
2 هو: يزيد بن حميد الضُّبَعي، بصريٌّ، مشهورٌ بكنيته، ثقةٌ ثبتٌ، من الخامسة، مات سنة 128هـ/ع. (التقريب 600) .
3 سنن البيهقي: (10/271) .
4 العلل المتناهية: (2/103) .
5 التلخيص الحبير: (3/97) .
6 انظر: تهذيب الكمال: (3/474 - 477) .(3/49)
يوافقونه عليه، ويُكتب حديثه في جملة الضعفاء"1. وقال ابن حجر: "صدوق يخطئ".
فمثله يُكْتَبُ حديثه للاعتبار، ويُسْتَشْهَدُ به إن وافقتْ روايته رواية غيره، كما قال ابن القَيِّم - رحمه الله -: "وأيوب بن سويد وإن كان فيه ضعف، فحديثه يَصْلُحُ للاستشهادِ به"2.
ثم وقفت على متابعة جيدة لأيوب بن سويد هذا، وذلك فيما أخرجه الطبراني في (الكبير) 3 من طريق: ضمرة بن ربيعة4، عن ابن شوذب، عن أبي التياح، عن أنس رضي الله عنه به.
فهذا "ضمرة بن ربيعة" - راوية ابن شوذب والمختص به5 - قد رواه عن ابن شوذب، متابعاً بذلك أيوب بن سويد في روايته السالفة.
وَضَمُرَةُ هذا وَثقَهُ غير واحد من الأئمة6، وله أوهام قليلة - كما قال الحافظ ابن حجر: "يهم قليلاً" - لا تؤثر في ثقته وإتقانه،
__________
1 الكامل: (1/363) .
2 إغاثة اللهفان: (2/77) .
(1/234) ح 760.
4 الفلسطيني، أبو عبد الله، أصله دمشقي، صدوق يَهِمُ قليلاً، من التاسعة، مات سنة 202هـ/ بخ4. (التقريب 280) .
5 انظر: تهذيب التهذيب: (5/255) ترجمة عبد الله بن شوذب.
6 تهذيب التهذيب: (4/461) .(3/50)
ومثله حديثه لا ينزل عن درجة الحسن، وانضمام رواية أيوب بن سويد السابقة إليه تزيده قوة، وقد صَحَّحَ الحافظ الهيثمي - رحمه الله - إسناد رواية ضمرة هذه، فقال: "رواه الطبراني في الكبير، والصغير، ورجال الكبير ثقات"1.
فيصحُّ بهذه المتابعات حديث أنس، أو يكون حسناً على أقل أحواله، ولم أر أحداً أشار إلى هذه المتابعة أو نَبَّهَ عليها، ممن وقفت على كلامهم على هذا الحديث.
ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - شاهداً آخر لهذا الحديث، وهو: حديث أبي أمامة رضي الله عنه. بنحو ما تقدم.
وهو حديث ضعيفٌ، وممن نصَّ على ضعفه: الإمام البيهقي رحمه الله، فقال: "وهذا ضعيف، لأن مكحولاً لم يسمع من أبي أمامة شيئاً، وأبو حفص الدمشقي هذا: مجهول"2. وقال الحافظ ابن حجر: "رواه البيهقي ... بسند ضعيف"3.
وبعد، فهذه طرق هذا الحديث - أو أشهرها - وهي لا تخلو من ضَعْفٍ، وبعضها أحسن من بعض، وبخاصة حديث أنس وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما، ولاشكَّ أن اجتماع هذه الطرق يُقَوَِّي هذا
__________
1 مجمع الزوائد: (4/144 - 145) .
2 السنن: (10/271) .
3 التلخيص الحبير: (3/97) .(3/51)
الحديث، وهذا ما ذهب إليه ابن القَيِّم - رحمه الله - في هذا البحث؛ إذ ساق هذه الشواهد كلها تَقْوِيةً لهذا الحديث.
وقد أَيَّدَ ابنَ القَيِّم - رحمه الله - في ذلك جماعةٌ، فقال السخاوي عن طرق هذا الحديث: "لكن بانضمامها يقوى الحديث"1. وقال الشوكاني: "ولا يخفى أن وروده بهذه الطرق المتعددة، مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها، وتحسين إمام ثالثٍ منهم، مما يصير به الحديث منتهضاً للاحتجاج"2. وقال الشيخ الألباني: "وجملة القول: أن الحديث بمجموع هذه الطرق ثابت"3. وقال مرة أخرى: "فالحديث من الطريق الأول - يعني طريق أبي هريرة - حسنٌ، وهذه الشواهد والطرق تُرَقِّيهِ إلى درجة الصحة،، لاختلاف مخارجها، ولخلوها عن متهم"4.
وقد رمز له الحافظ السيوطي بالصحة في (الجامع الصغير) 5. هذا مع ما تقدم من تحسين الترمذي، وتصحيح الحاكم وغيره له.
وأما ما ذهب إليه بعض الأئمة من تضعيف هذا الحديث، كقول الشافعي: "ليس بثابت عند أهل الحديث"6. وقول الإمام أحمد: "باطل،
__________
1 المقاصد الحسنة: (ص76) .
2 نيل الأوطار: (5/335) .
3 إرواء الغليل: (5/383) .
4 السلسلة الصحيحة: (ح 424) .
5 مع فيض القدير: (1/223) ح 308.
6 سنن البيهقي: (10/271) .(3/52)
لا أعرفه من وجه يصح"1. وقول ابن ماجه: "وله طرقٌ ستة كلها ضعيفة"2: فقد ظهر من هذه الدراسة أنَّ الأمر على خلاف ذلك، وأن هذا الحديث لا ينزل بحال من الأحوال عن درجة الحسن، إن لم يكن صحيحاً، ولذلك ردَّ الحافظ السَّخَاويُّ القول بضعف طرقه كلها قائلاً: "لكن بانضمامها يَقْوى الحديث". وقال الشيخ الألباني ردًّا على ذلك: "فما نُقِلَ عن بعض المتقدمين: أنه ليس بثابت، فذلك باعتبار ما وقع له من طرق، لا بمجموع ما وصل منها إلينا"3. وهذا كلامٌ جيد منه رحمه الله، ومثله قوله: "وهذه الشواهد والطرق ترقيه إلى درجة الصحة، لاختلاف مخارجها، ولخلوها عن متهم". وهذا هو الصواب، والله أعلم.
__________
1 التلخيص الحبير: (3/97) .
2 المقاصد الحسنة: (ص 76) .
3 إرواء الغليل: (5/383) .(3/53)
2- باب ما جاء من الرخصة في ثمن الكلب
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - الأحاديث الصحيحة الواردة في تحريم بيع الكلب، وأن ذلك يشمل كلَّ كلب: صغيراً كان أو كبيراً، للصيد أو للماشية أو لغير ذلك.
ثم تناول أدلة القائلين باستثناء كلب الصيد من هذا النهي، وناقش هذه الأدلة مبيناً ضعفها، فمن أدلة هذا الفريق:
81- (3) حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، إلاّ كَلْبَ صَيْدٍ".
أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث من طريقين عن أبي هريرة، ونقل عن الإمام أحمدَ تضعيف الأول منهما. وضَعَّفَ الثاني: بالمثنى بن الصباح، ويحيى بن أيوب1.
أما الطريق الأول: فقد أخرجه الترمذي في (جامعه) 2 من طريق: حَمَّاد بن سلمة، عن أبي الْمُهَزِّم، عن أبي هريرة به.
وقد أَعَلَّهُ غير واحد بأبي الْمُهَزِّم، فقال الترمذي عقب إخراجه: "هذا الحديث لا يصحُّ من هذا الوجه، وأبو الْمُهَزِّم: اسمه يزيد بن سفيان3، وتكلم فيه شعبة بن الحجاج وضعفه". وقال ابن حجر:
__________
1 زاد المعاد: (5/770 - 771) .
(3/569) ح 1281 ك البيوع، باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب والسنور.
3 التميمي، البصري، اسمه يزيد - وقيل: عبد الرحمن - بن سفيان، متروك، من الثالثة/ د ت ق. (التقريب 676) .(3/54)
" ... لكنه من رواية أبي المهزم عنه، وهو ضعيف"1.
قلت: وأبو الْمُهَزِّم هذا ضعيفٌ بإجماعهم2، بل قال فيه النسائي: "متروك الحديث"3. وقال البخاريّ: "تركه شعبة"4.
وأما الطريق الثاني: فقد ساقه ابن القَيِّم5 من حديث قاسم بن أصبغ بإسناده إلى يحيى بن أيوب، ثنا المثنى بن الصباح6، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثمن الكلب سُحْتٌ7، إلا كلب صيد".
وقد ضَعَّفَ ابن القَيِّم هذا الطريق، فقال: "وأما حديث الْمُثَنَّى ... فباطلٌ؛ لأنَّ فيه يحيى بن أيوب، وقد شَهِدَ مالكٌ عليه بالكذب، وجرحه الإمام أحمد. وفيه المثنى بن الصباح، وضَعْفُهُ عندهم مشهور"8.
__________
1 التلخيص الحبير: (3/4) .
2 انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب: (12/249) .
3 الضعفاء والمتروكين: (ص 111) .
4 الضعفاء الصغير: (ص 254) .
5 زاد المعاد: (5/769) .
6 اليماني الأبناوي، أبو عبد الله أو أبو يحيى، نزيل مكة، ضعيفٌ، اختلط بآخرة، وكان عابداً، من كبار السابعة، مات سنة 149 هـ / د ت ق. (التقريب 519) .
7 السُّحْتُ: الحرام الذي لا يحلُّ كسبه؛ لأنه يَسْحَتُ البركةَ: أي يُذْهِبُهَا. (النهاية2/345) .
8 زاد المعاد: (5/771) .(3/55)
قلت: أما المثنى بن الصباح: فهو ضعيف باتفاق، وأما يحيى بن أيوب فإنه مختلف فيه، فقد ضَعَّفَهُ جماعة وَوَثَّقَهُ آخرون، ولذلك قال ابن حجر: "صدوق ربما أخطأ". وأما اتهام مالك له بالكذب فلم أقف على قولته تلك، والظاهر أن ابن القَيِّم - رحمه الله - قد تابع ابن حزم في ذلك؛ فقد ضعف الحدث بهذين الرجلين، ونقل مقالة مالك هذه في يحيى1.
وقد أخرجه الدارقطني في (سننه) 2 من طريق: محمد بن سلمة3، عن المثنى بن الصباح، عن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاث كلهنَّ سحت: كسب الحجام سُحْتٌ، ومهر الزانية سحتٌ، وثمن الكلب- إلا كلباً ضارياً- سحت".
فهذه متابعة من محمد بن سلمة - وهو ثقة - ليحيى بن أيوب الماضي ذكره، ولكن يبقى الإسناد ضعيفاً بالمثنى بن الصباح، ولذلك قال الدارقطني - عقب إخراجه من هذا الطريق-: "المثنى ضعيف".
وَثَمَّةَ متابعة أخرى للمثنى بن الصباح، أخرجها الدارقطني في (سننه) أيضاً4 من طريق: الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح، عن عمه
__________
(9/619 - 620) .
(3/73) ح 275.
3 ابن عبد الله الباهلي مولاهم، الحَرَّاني، ثقة، من التاسعة، مات سنة 191هـ على الصحيح / ر م 4. (التقريب 481) .
(3/72) ح 273.(3/56)
عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة مرفوعاً، بمثل حديث محمد بن سلمة السابق. قال الدارقطني: "الوليد بن عبيد الله ضعيف".
وإذا كانت هذه المتابعة ضعيفة أيضاً، فإن حديث أبي هريرة هذا يبقى على حاله من الضعف.
وقد استدل ابن القَيِّم - رحمه الله - على عدم صحة هذا المرفوع بما رُوِيَ عن أبي هريرة موقوفاً بدون هذا الاستثناء، فقال: "ويدل على بطلان الحديث: ما رواه النسائي1: حدثنا الحسن بن أحمد بن حبيب، حدثنا محمد بن عبيد الله بن نمير، حدثنا أسباط، حدثنا الأعمش، عن عطاء ابن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "أربعٌ من السُّحْتِ: ضِرَابُ الفحل، وثمنُ الكلب، ومهر البغيِّ، وكسبُ الحجَّام"2.
فتلخص من ذلك: أن استثناء ثمن كلب الصيد من النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصحُّ، قال البيهقي رحمه الله: "والأحاديث الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ثمن الكلب خالية عن هذا الاستثناء، وإنما الاستثناء في الأحاديث الصِحَّاحِ في النهي عن الاقتناء"3. وقال النووي رحمه الله: "وأما الجواب عمَّا احتجوا به من الأحاديث والآثار: فكلها ضعيفة باتِّفَاق
__________
1 السنن الكبرى: (4/427) ح 4677.
2 زاد المعاد: (5/771) .
3 سنن البيهقي: (6/7) .(3/57)
الْمُحَدِّثِين"1. وقال السيوطي: "والجمهور على الْمَنْعِ، وأجابوا عن هذا: بأن الحديث ضعيف باتفاق أئمة الحديث"2.
وبذلك يَتَرَجَّحُ ما ذهبَ إليه ابن القَيِّم رحمه الله، والله أعلم.
__________
1 المجموع: (9/216) .
2 زهر الرُّبى: (7/191) .(3/58)
3- باب ما جاء في بيع الْمُغنيات
82- (4) عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَبِيعُوا القَيْنَاتِ1، ولا تَشْتَرُوهُنَّ، ولا تُعَلِّمُوهُنَّ، ولا خَيْرَ فِي تِجَارةٍ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حرامٌ. في مثل هذا نزلت هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] ".
تَكَلَّمَ ابن القَيِّم - رحمه الله - على هذا الحديث عند تفسيره لهو الحديث بأنه: الغناء، فقال: "وقد جاء تفسير لهو الحديث بالغناء مرفوعاً إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ففي مسند أحمد، ومسند عبد الله بن الزبير الحميدي، وجامع الترمذي من حديث أبي أمامة ... " فساق الحديث، ثم قال:
"وهذا الحديث وإن كان مداره على: عبيد الله بن زَحْرٍ، عن علي بن يزيد الأَلْهَانِي، عن القاسم - فعبيد الله بن زَحْر: ثقةٌ، والقاسمُ: ثقة، وعليٌّ: ضعيفٌ - إلا أن للحديث شواهد ومتابعات، سنذكرها إن شاء الله، ويَكْفِي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث: بأنه الغناء"2.
قلت: هذا الحديث أخرجه الترمذي في (جامعه) 3، وأحمد في
__________
1 قال ابن الأثير: "القَيْنَةُ: الأَمَةُ غَنَّتَ أو لم تُغَن ... وكثيرا ما تُطلق على المغنية من الإماء ... وتجمعُ على: قِيان أيضاً". (النهاية 4/135) .
2 إغاثة اللهفان: (1/239 - 240) .
(3/570) ح 1282 ك البيوع، باب كراهية بيع المغنيات. و (5/345) ح 3195 ك التفسير، باب تفسير سورة لقمان.(3/59)
(مسنده) 1 كلاهما من طريق: بكر بن مُضَر2.
وأخرجه: الحميدي في (مسنده) 3، والطبراني في (معجمه الكبير) 4، والطبري في (تفسيره) 5، ثلاثتهم من طريق: مُطَّرِح بن يزيد6.
وأخرجه: أحمد في (مسنده) 7، والطبراني في (الكبير) 8، والطبري في (تفسيره) 9، كلهم من طريق: خَلاّد10 الصفَّار - ووقع عند أحمد: خالد، وهو خطأ-.
وأخرجه الطبراني في (الكبير) 11 من طريق: يحيى بن أيوب.
__________
(5/264) .
2 ابن محمد بن حكيم المصري، أبو محمد، ثقة ثبت، من الثامنة، مات سنة 173 أو 174هـ / خ م د ت س. (التقريب 127) .
(2/405) ح 910.
(8/233) ح 7805.
5 جامع البيان: (21/60) .
6 أبو المهلّب الكوفي، نَزَلَ الشّام، يقال: هو الأسدِي، ومنهم من غاير بينهما، ضعيف، من السادسة/ ق. (التقريب 534) .
(5/252) .
(8/254) ح 7862.
9 جامع البيان: (21/60) .
10 ابن أسلم الصفَّار، أبو بكر البغدادي، أصْلُهُ من مرو، ثقة، من العاشرة، مات سنة 249هـ / ت س. (التقريب 196) .
11 (8/251) ح 7855.(3/60)
وأخرجه الطبراني - أيضاً - في (الكبير) 1 من طريق: ليث بن أبي سليم2. كلهم عن:
عبيد الله بن زَحْر3، عن عليِّ بن يزيد4، عن القاسم بن عبد الرحمن5، عن أبي أمامة رضي الله عنه به، وألفاظهم متقاربة.
وقد أخرجه ابن ماجه في (سننه) 6 من طريق: مُطَّرِح أبي المهلب، عن عبيد الله بن زحر، عن أبي أمامة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. هكذا بإسقاط علي بن يزيد، والقاسم بن عبد الرحمن من الإسناد، فيكون هذا الإسناد معضلاً، وقد صَرَّحَ الحافظ ابن حجر بأن عبيد الله بن زحر يُرْسِلُ عن أبي أمامة7، فيكون هذا من مراسليه عنه.
وهذا الحديث ضَعَّفَهُ بعض الأئمة، وَطَعَنُوا في إسناده، فقال الترمذي: "هذا حديث غريب، إنما يُروى من حديث القاسم، عن أبي أمامة.
__________
(8/253) ح 7861.
2 ابن زنيم.
3 الضَّمْري مولاهم، الأفريقي، صدوق يخطئ، من السادسة / بخ 4. (التقريب 371) .
4 ابن أبي زياد الألهاني، أبو عبد الملك الدمشقي، ضعيف، من السادسة، مات سنة بضع عشرة ومائة/ ت ق. (التقريب 406) .
5 الدمشقي، أبو عبد الرحمن، صاحب أبي أمامة، صدوقٌ يغرُب كثيراً، من الثالثة، مات سنة 112هـ / بخ 4. (التقريب 450) .
(2/733) ح 2168 ك التجارات، باب ما لا يحلُّ بيعه.
7 تهذيب التهذيب: (7/12) .(3/61)
والقاسم ثقةٌ، وعلى بن يزيد يُضَعَّفُ في الحديث"1. وسأل البخاريَّ عن إسناده؟ فقال: "عبيد الله بن زحر ثقة، وعليُّ بن يزيد ذاهب الحديث، والقاسم بن عبد الرحمن مولى ثقة"2. وأورده ابن حزم في (المحلى) 3 من طريق: مُطَّرِح أبي المهلب، عن عبيد الله بن زحر ... ثم قال: "مطرح مجهولٌ، وعبيد الله بن زحر ضعيف، والقاسم ضعيف، وعليُّ بن يزيد دمشقي مطرح، متروك الحديث". كذا قال أبو محمد رحمه الله.
قلت: وإسناد هذا الحديث مداره - كما قال ابن القَيِّم - على هؤلاء الثلاثة: عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم.
أما عبيد الله بن زَحْر: فقد اختلفت فيه أقوال الأئمة، فجرحه جماعةٌ، واحتمله آخرون، فَضَعَّفَهُ الإمام أحمد في رواية حرب4. وقال عليُّ بن المديني: "منكر الحديث"5. وقال ابن معين: "ليس بشيء"6. وقال مرة: "كلٌّ حديثه عندي ضعيف"7. وقال مرة: "ضعيف"8. وقال
__________
1 جامع الترمذي: (5/346) .
2 علل الترمذي: (1/512) .
(2/705 - 706) .
4 تهذيب التهذيب: (7/12) .
5 العلل: (ص 90) .
6 تاريخ يحيى - رواية الدوري: (2/382) .
7 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص 174) رقم 626.
8 سؤالات ابن الجنيد لابن معين: (ص 396) رقم 513.(3/62)
أبو حاتم: "لَيِّنُ الحديث"1. وقال الدارقطني: "ضعيف"2. وقال ابن حبان: "منكر الحديث جدًّا، يَروي الموضوعات عن الأثبات ... "3. وضعفه غير هؤلاء4.
وَضَعَّفَ ابن حبان والدارقطني روايته عن عليِّ بن يزيد خاصة، قال ابن حبان: "وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبرٍ: عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن، لا يكون متن ذلك الخبر إلاّ مما عملته أيديهم، فلا يَحِلُّ الاحتجاج بهذه الصحيفة، بل التَّنَكُّبُ عن رواية عبيد الله بن زحر - على الأحوال - أولى"5. وقال الدارقطني: "عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد: نسخة باطلة"6.
ومع ذلك فقد وَثقَهُ جماعةٌ، قال النسائي: "ليس به بأس"7. وقال البخاريُّ: "ثقة"8. وقال أبو زرعة: "لا بأس به، صدوق"9. وقال
__________
1 الجرح والتعديل: (2/2/315) .
2 تهذيب التهذيب: (7/13) .
3 المجروحين: (2/62) .
4 انظر: تهذيب التهذيب: (7/13) .
5 المجروحين: (2/62 - 63) .
6 الضعفاء والمتروكين: (ص 268) .
7 تهذيب التهذيب: (7/13) .
8 علل الترمذي: (1/512) .
9 الجرح والتعديل: (2/2/315) .(3/63)
أحمدُ بن صالح: "ثقة"1. وذكره العِجْلِي في (الثقات) 2 وقال: "يُكْتَبُ حديثه، وليس بالقويِّ".
والذي يظهر - والله أعلم - أنه "إلى الضَّعْفِ أقرب"3 كما قال الذهبي رحمه الله.
وأما عليُّ بن يزيد الألهاني، شيخ عبيد الله السابق: فقد "اتفق أهل العلم على ضعفه". كما قال السَّاجي4 رحمه الله.
وأما القاسم بن عبد الرحمن: فقد اختلفت فيه أقوال الأئمة أيضاً5، وقال أبو حاتم: "حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به، وإِنَّمَا يُنْكَرُ عنه الضعفاء"6.
قلت: وهذا الحديث من رواية ضعيف عنه، وهو: علي بن يزيد.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الإسناد ضعيفٌ لا تقوم بمثله حُجَّةٌ، ولكن وُجدَت متابعات لعبيد الله بن زحر، وعلى بن يزيد، وربما تَصْلُحُ لتقوية هذا الحديث.
__________
1 تهذيب التهذيب: (7/13) .
2 بترتيب الهيثمي: (ص 316) .
3 المغني: (2/415) .
4 تهذيب التهذيب: (7/397) .
5 انظر: ترجمته في الميزان: (3/373) ، والتهذيب: (8/322) .
6 تهذيب التهذيب: (8/324) .(3/64)
فقد تابع عبيد الله بن زحر: الفرجُ بنُ فَضَالَة، فساقه ابن حزم في (المحلى) 1 من طريق: سعيد بن منصور، نا الفرج بن فضالة، عن علي بن يزيد به، ثم ضَعَّفَهُ بالقاسم. وأشار البيهقي في (سننه) 2 إلى هذه الرواية.
قلت: وتضعيفه بالفرج بن فضالة أولى من تضعيفه بالقاسم.
وأما عليُّ بن يزيد الألهاني: فقد تابعه يحيى بن الحارث3، أخرجه الطبراني في (معجمه الكبير) 4 من طريق: الوليد بن الوليد5، ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان6، عن يحيى بن الحارث، عن القاسم، عن أبي أمامة رضي الله عنه عنه، وزاد في آخره: حتى فَرَغَ من الآية ثم أتبعها: "والذي بعثني بالحقِّ، ما رفَعَ رجلٌ عَقِيرَتَهُ7 بالغناء، إلا بَعَثَ الله عز وجل عند ذلك شيطانين يرتقدان على عاتقيه، ثم لا يزالان يضربان بأرجلهما على صدره - وأشار إلى صدر نفسه - حتى يكون هو الذي يسكت".
__________
(9/707) .
(6/14) .
3 الذِّماري، أبو عمرو الشامي، القاري، ثقة، من الخامسة، مات سنة 145هـ/ 4. (التقريب 589) .
(8/212) ح 7749.
5 ابن زيد العنسي، الدمشقي، أبو العباس، قال أبو حاتم: صدوقٌ. وقال الدارقطني وغيره: متروك. انظر: الميزان: (4/350) .
6 العنسي، الدمشقي.
7 أي: صوته. وقيل: أصله أن رجلاً قُطِعت رِجله، فكان يرفعُ المقطوعة على الصحيحة ويصيح من شدة وجعها بأعلى صوته، فقيل لكلِّ رافعٍ صوته: رَفَعَ عَقِيرَتَهُ. (النهاية 3/275) .(3/65)
والوليد بن الوليد: قال فيه أبو حاتم: "صدوقٌ، ما بحديثه بأس، حديثه صحيح"1: وضعفه غيره. وعبد الرحمن بن ثوبان وإن ضَعَّفَهُ جماعة، فقد وثقه آخرون، وهو ممن يكتب حديثه على ضعفه، كما قال ابن معين، وابن عدي2.
فهاتان المتابعتان - لعبيد الله بن زَحْر، ثم لعليِّ بن يزيد - تصلحان لتقوية هذا الحديث، وإخراجه من حيز الضعف إلى حيز القبول، ويكون - إن شاء الله - حَسَناً لغيره.
ثم إنه قد وُجدَ لهذا الحديث شاهدٌ من حديث عائشة رضي الله عنها، ذكره ابن القَيِّم - رحمه الله - في (الكلام على مسألة السماع) 3 فقال: "وَرُوِيَ في ذلك حديث مرفوع من حديث عائشة رضي الله عنها" فذكره.
وأشار البيهقي - رحمه الله - إلى هذا الحديث، فقال: "وروي عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عائشة، وليس بمحفوظ. وروي عن ليث راجعاً إلى الإسناد الأول - يعني: رواية ليث عن عبيد الله ابن زحر - خَلَّطَ فيه ليث"4.
وعزاه الهيثمي إلى الطبراني، فقال: "ورواه الطبراني في الأوسط،
__________
1 الجرح والتعديل: (4/2/19) .
2 انظر: تهذيب التهذيب: (6/151) .
(ص112) .
4 سنن البيهقي: (6/14) .(3/66)
وفيه اثنان لم أجد من ذكرهما، وليث بن أبي سليم: وهو مُدَلِّسٌ"1.
وهذا مع ضعفه، فإنه يُستأنس به، ويصلح لتقوية حديث أبي أمامة السابق، هذا مع ما ذكره ابن القَيِّم - رحمه الله - من تفسير كثير من الصحابة للهو الحديث بأنه الغناء، قال: "فقد صحَّ ذلك عن ابن عباس، وابن مسعود ... وصحَّ عن ابن عمر رضي الله عنهما - أيضاً -: أنه الغناء"2.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن حديث أبي أمامة رضي الله عنه يَتَقَوَّى بمتابعات، وشاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، مع ما جاء من أقوال الصحابة المؤيدة لهذا المرفوع، كما قَرَّرَهُ ابن القَيِّم رحمه الله، والله أعلم.
__________
1 مجمع الزوائد: (4/91) .
2 إغاثة اللهفان: (1/240) . وينظر: جامع البيان للطبري: (21/60 - 62) .(3/67)
4- باب ما جاء في النهي عن العينة
83- (5) عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بالدِّينَارِ والدِّرْهَمِ، وتَبَايَعُوا بِالعِيْنَةِ1، واتَّبَعُوا أَذْنَابَ البَقَرِ، وتركوا الجهادَ في سبيل الله: أنزلَ الله بهم بلاءً، فلا يَرْفَعُهُ عنهم حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُم ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في عدد من كتبه2، مستدلاً به على تحريم العينة. وقد ساقه من طريقين، وَبَيَّنَ أن كلاً منهما يَشُدُّ الآخرَ، ويُثْبتُ أن للحديث أصلاً محفوظاً، هذا مع قوله بأن في الإسنادين كلاماً يسيرًا3. وقد حَكَمَ بحسن هذين الإسنادين، فقال: "وهذان إسنادان حَسَنَان يشدُّ أحدهما الآخر"4.
قلت: هذا الحديث يُروى عن ابن عمر - رضي الله عنهما - من طريقين:
__________
1 العِيْنَةُ: السَّلَفُ، واعْتَانَ الرجل: اشترى الشيء بالشيء نسيئةً.... وفسرها الفقهاء: "بأن يبيع الرجل متاعه إلى أجلٍ، ثم يشتريه في المجلس بثمنٍ حالٍ لِيَسْلَمَ به من الرِّبَا، وقيل لهذا البيع عينة؛ لأنَّ مشتري السِّلْعَةَ إلى أجلٍ يأخذ بدلها عَيْناً، أي نقداً حاضراً". (المصباح المنير 2/441) .
2 ينظر: تهذيب السنن: (5/103 - 104) ، وإعلام الموقعين: (3/165 - 166) ، والداء والدواء: (ص63) .
3 تهذيب السنن: (5/104) .
4 تهذيب السنن: (5/104) .(3/68)
الطريق الأول: أخرجه أبو داود في (سننه) 1، والبيهقي كذلك في (سننه) 2، وأبو بشر الدولابي في (الكنى) 3، ثلاثتهم من طريق:
حيوة بن شريح4، عن إسحاق5 أبي عبد الرحمن الخراساني، أن عطاء الخراساني حَدَّثَهُ، أن نافعاً حَدَّثَهُ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، مرفوعاً بنحو ما تَقَدَّمَ، إلا أن فيه: "سلط الله عليكم ذلاً ... ".
وقد ضَعَّفَ جماعةٌ إسناد هذا الحديث بأبي عبد الرحمن الخُراساني، فقال ابن القطان: "الحديث من أجله - يعني إسحاق بن أَسِيد - لا يصحُّ"6. وقال المنذريُّ: "في إسناده إسحاق بن أسيد، أبو عبد الرحمن الخراساني،.. لا يُحْتَجُّ بحديثه"7. وجعل الذهبي هذا الحديث من مناكير إسحاق هذا، فقال: "ومن مناكيره في سنن أبي داود: حدثنا عطاء الخراساني ... "8. وقال الحافظ ابن حجر: "إسناده
__________
(3/740) ح 3462 ك البيوع، باب النهي عن العينة.
(5/316) .
(2/65) .
4 ابن صفوان التجيبي، أبو زرعة المصري، ثقةٌ ثبتٌ فقيهٌ زاهدٌ، من السابعة، مات سنة 158هـ وقيل 159هـ/ ع. (التقريب 185) .
5 ابن أَسيد، الأنصاري، أبو عبد الرحمن الخراساني، ويقال: أبو محمد المروزي، نزيل مصر، فيه ضعف، من الثامنة. (التقريب ص 100) .
6 بيان الوهم والإيهام: (5/294 – 295) ح 2484.
7 مختصر سنن أبي داود: (5/102 - 103) .
8 الميزان: (4/547) .(3/69)
ضعيف"1. وقال أيضاً: "في إسناده مقال"2. فقال الصنعاني مُبَيِّنَاً ذلك: "لأن في إسناده أبا عبد الرحمن الخراساني"3.
وأَعَلَّهُ المنذريُّ - فوق ذلك - بعطاء الخراساني، فقال: "وفيه أيضاً: عطاء الخراساني، وفيه مقال"4.
وخالف هؤلاء جميعاً: ابن تيمية رحمه الله، فقال: "إسنادٌ جيدٌ"5. وابن القَيِّم رحمه الله، فقال: "إسنادٌ حسن"6!
قلت: أما إسحاق بن أسيد هذا: فقد ضَعَّفَهُ غير واحدٍ، فقال أبو حاتم: "ليس بالمشهور، ولا يُشتغل بحديثه"7. وقال أبو أحمد الحاكم: "مجهول"8. وقال الأزديُّ: "منكر الحديث، تركوه"9. وقال ابن بكير: "لا أدري حاله"10. وذكره ابن حبان في (الثقات) 11 لكن قال:
__________
1 الدراية: (2/151) .
2 بلوغ المرام: (ح860) .
3 سبل السلام: (3/80) .
4 مختصر سنن أبي داود: (5/103) .
5 القواعد النورانية: (ص142) .
6 تهذيب السنن: (5/104) .
7 الجرح والتعديل: (1/1/213) .
8 تهذيب التهذيب: (1/227) .
9 المصدر السابق.
10 المصدر السابق.
11 (6/50) .(3/70)
"يخطئ". وقال المنذري: "لا يحتجُّ بحديثه"1. وَضَعَّفَهُ ابن القطان كما مرَّ. وقال الذهبي: "ضُعِّفَ"2. وقال ابن حجر: "فيه ضعف"3.
والذي يظهر من أمرِ هذا الرَّجُل: أنه ضعيفٌ، لكنه ليس شديد الضَّعْفِ، ولذلك لم يجزم فيه الذهبي ولا ابن حجر بالضعف - وقد تقدم قولهما - بل قال الذهبي مرة: "وهو جائز الحديث"4. وهذا يدلُّ على أن ضعفه محتمل عندهما.
وقد وُجدَتْ متابعةٌ لإسحاق هذا في شيخ شيخه، أشار إليها أبو نعيم في (الحلية) 5، فقال: "ورواه فضالة بن حصين، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر". وذكر الشيخ الألباني أنَّ هذه المتابعة أخرجها ابن شاهين في (الأفراد) ، وقال: "تفرد به فضالة"6.
ولكن فضالة هذا متكلم فيه أيضاً، قال عنه أبو حاتم: "مضطرب الحديث"7. وقال ابن حبان: "شيخ يَروي عن محمد بن عمر الذي لم يتابع عليه، وعن غيره من الثقات ما ليس من أحاديثهم"8.
__________
1 مختصر السنن: (5/102) .
2 الكاشف: (1/60) .
3 التقريب: (ص100) .
4 الميزان: (1/184) .
(3/319) .
6 السلسلة الصحيحة: (1/16) ح 11.
7 الجرح والتعديل: (3/2/78) .
8 المجروحين: (2/205) .(3/71)
فَتَبَيَّنَ من ذلك: أن هذا الإسناد ضعيفٌ بأبي عبد الرحمن الخراساني، وأنَّ المتابعة التي وُجدتْ له - مع كونها قاصرة - لا تُسْعِفُه، لضعف إسنادها بفضالة بن حصين، وقد يكون اختلط عليه إسناد هذا الحديث فجعله عن أيوب، فإنه مضطرب الحديث.
ومن هذا يتبين أنَّ تحسين ابن القَيِّم إسناده غير جيد، إلا أن يريد بذلك: بمجموع طرقه، فقد يحتمل ذلك.
الطريق الثاني: عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر. ويروى عن عطاء من وجهين:
الوجه الأول: ما أخرجه أحمد في (مسنده) 1، والطبرانيُّ في (الكبير) 2، من طريق: أبي بكر بن عَيَّاش، عن الأعمش، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر رضي الله عنهما، مرفوعاً بنحو اللفظ المتقدم أول البحث.
وقد صَحَّحَ هذا الإسناد جماعةٌ: فقال ابن القطان: "هذا حديث صحيحٌ، ورجاله ثقات"3. وقال ابن تيمية: "إسناد جيد"4. وقال ابن القَيِّم: "إسناد حسن"5. وقال الحافظ ابن حجر: "رجاله ثقات،
__________
(2/28) .
(12/432) ح 13583.
3 بيان الوهم والإيهام: (5/295 - 296) .
4 القواعد النورانية: (ص 142) .
5 تهذيب السنن: (5/104) .(3/72)
وصححه ابن القطان"1. ووصفَ إسنادَهُ بأنه أجودُ وأمثلُ من إسناد إسحاق بن أسيد، عن عطاء الخراساني الماضي2. وقال مرة: "أصحُّ ما ورد في ذَمِّ بيع العِيْنَة: ما رواه أحمد والطبراني، من طريق أبي بكر بن عياش ... "3. وحسَّنَ السيوطيُّ إسناده4. وقال أحمد شاكر: "إسناده صحيح"5.
وَضَعَّفَهُ البيهقيُّ، فقال: "ورُوِيَ من وجهين ضعيفين: عن عطاء ابن أبي رباح، عن ابن عمر"6. وقال المناويُّ: "أبو بكر بن عياش مختلفٌ فيه"7.
وَأَعَلَّهُ الحافظ ابن حجر بعنعنة الأعمش وهو مُدَلِّسُ، فقال: "وعندي أن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلولٌ؛ لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحاً؛ لأن الأعمش مُدَلِّس، ولم يذكر سماعه من عطاء، وعطاء يحتمل أن يكون هو عطاء الخراساني، فيكون فيه تدليس التسوية: بإسقاط نافع بين عطاء وابن عمر، فرجع الحديث إلى
__________
1 بلوغ المرام: (ح 860) .
2 الدراية: (2/151) .
3 التلخيص الحبير: (3/19) .
4 الجامع الصغير مع فيض القدير: (1/397) ح 740.
5 التعليق على مسند أحمد: (7/27) ح 4825.
6 السنن: (5/316) .
7 فيض القدير: (1/397) .(3/73)
الإسناد الأول، وهو المشهور"1. يعني حديث إسحاق الخراساني.
وقد أَبْدَى ابن القَيِّم - رحمه الله - تَخَوُّفَهُ من احتمال وقوع ذلك، فقال: " ... وإِنَّمَا يُخَافُ ألا يكون الأعمش سمعه من عطاء، أو أنَّ عطاء لم يسمعه من ابن عمر"2. فأضاف بذلك علة أخرى، وهي: احتمال إرسال عطاء له. وكلام ابن القَيِّم هذا كأنه أخذه من شيخه ابن تيمية رحمهما الله، فإنه نسبه إليه في موضع آخر3.
قلتُ: أما غَمْزُ هذا الإسناد بأبي بكر بن عَيَّاش فلا ينبغي؛ فإن الرجل ثقةٌ، فقد وثقه غير واحد من الأئمة، إلا أنه كان يخطئ، قال الذهبي رحمه الله: "أحدُ الأعلام، ثقة يغلط"4. وقال ابن عديّ: "لم أجد له حديثاً منكراً إذا روى عنه ثقة، إلا أن يروي عنه ضعيف"5. وقال ابن حبان: "والصواب في أمره: مجانبة ما عُلِمَ أنه أخطأ فيه، والاحتجاج بما يرويه، سواء وافق الثقات أو خالفهم؛ لأنه داخلٌ في جملة أهل العدالة، ومن صَحَّتْ عدالته لم يستحق القدح ولا الجرح إلا بعد زوال العدالة عنه بأحد أسباب الجرح، وهكذا حُكْمُ كلِّ مُحَدِّثٍ ثقةِ صَحَّت عدالته وتَبَيَّنَ خطؤه"6. ومع ذلك: فقد روى هذا الحديث عنه ثقة، وهو الأسود بن
__________
1 التلخيص الحبير: (3/19) .
2 تهذيب السنن: (5/104) .
3 انظر: إعلام الموقعين: (3/166) .
4 المغني: (2/774) .
5 الكامل: (4/30) .
6 الثقات: (7/670) .(3/74)
عامر الشامي1، وذلك في إسناد الإمام أحمد.
وأما ما قاله ابن حجر من تدليس الأعمش، فإنَّ كلامه قد تَضَمَّنَ أموراً:
1- أن الأعمش قد عنعنه، وهو مدلس.
2- أن عطاء الذي عنعن عنه الأعمش، قد يكون عطاء الخراساني، فيكون قد حصل تدليس تسوية بإسقاط نافع بين عطاء وابن عمر.
3- وإذا كان كذلك، فإنَّ هذا الإسناد يرجع إلى الإسناد الأول، الذي رواه: أبو عبد الرحمن الخراساني، عن عطاء الخراساني، عن نافع، عن ابن عمر.
وأقول: أما عنعنة الأعمش، فإنها عِلَّةٌ ولا شكَّ في هذا الإسناد، ولكنه ممن احْتُمِلَ تدليسهم: لإمامتهم، وقلة تدليسهم في جنب ما رووه، ولذلك جعله الحافظ ابن حجر في "الطبقة الثانية" من طبقات المدلسين2 الذين هذه صفتهم. ومع ذلك فإنه قد تُوبِعَ على هذه الرواية، كما سيأتي بيانه.
وأما القول بأنَّ عطاءً يحتمل أن يكون ابن أبي مسلم الخراساني: فلا أَدْرِي ما الذي دعا الحافظ ابن حجر إلى إيراد هذا الاحتمال؟ فإنه قد جاء منسوباً في روايتي الطبرانيِّ وأحمد، إذ جاء عندهما: "عطاء بن أبي
__________
1 انظر: التقريب: (ص 111) .
2 طبقات المدلسين: (ص 49) .(3/75)
رباح". وإذا كان كذلك فإنه لا يلتبس بعطاء الخراساني، فلعلَّ الحافظ ابن حجر - رحمه الله - لم يقف عليه منسوباًَ، فقال ما قال!
وأما ما ذهب إليه من تدليس التسوية: فإنه بناه على الاحتمال السابق وقد عُرِفَ ما فيه، ومع ذلك فلو سُلِّمَ للحافظ القول به، فإنه لا يكونُ كما قال؛ فإنَّ المعروف في تدليس التسوية أنه يُلجأ إليه لإسقاط ضعيفٍ من الإسناد بين ثقتين، فهل نافع مولى ابن عمر الإمام الثبت ضعيفٌ حتى يسقطه الأعمش من الإسناد؟ هذا لازم قول الحافظ ابن حجر، ولكنه لا يلتزمه ولا يقول بضعف نافع أبداً.
بَقِيَ الكلام في سماع عطاء من ابن عمر رضي الله عنهما - وهو ما تَخَوَّفَ منه ابن القَيِّم رحمه الله -: فقد قال الإمام أحمد وعليُّ بن المديني: إنه رأى ابن عمر ولم يسمع منه1.
وقد ضَعَّفَ الأئمة مرسلات عطاء ولم يحمدوها، فقال علي بن المديني: "مرسلات مجاهد أحبُّ إليَّ من مرسلات عطاء بكثير؛ كان عطاء يأخذ عن كلِّ ضربٍ"2. وقال الإمام أحمد: "ليس في المرسلات أضعفُ من مرسلات الحسن وعطاء؛ فإنَّهما كانا يأخذان عن كلِّ أحدٍ"3.
__________
1 المراسيل - ابن أبي حاتم: (154 - 155) ، وجامع التحصيل: (ص 290) .
2 تهذيب التهذيب: (7/202) .
3 المصدر السابق.(3/76)
فإذا كان كذلك، فإنَّ هذه عِلَّةُ أخرى في هذا الإسناد تضاف إلى ما سبق، وهي: انقطاعه بين عطاء وابن عمر.
الوجه الثاني1: ما أخرجه أبو يعلى في (مسنده) 2، والطبراني في (الكبير) 3، من طريق: ليث بن أبي سليم، عن عبد الملك بن أبي سليمان4، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بنحو حديث الأعمش الماضي.
وهذا الإسناد ضعيفٌ؛ لضعف ليث بن أبي سليم. وعبد الملك بن أبي سليمان فيه كلامٌ يسيرٌ لا يضره، وقد ضَعَّفَ البيهقي - رحمه الله - هذا الإسناد. فقال عنه وعن طريق الأعمش السابق: "ورُوي ذلك من وجهين ضعيفين عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر"5.
ولكن، مع ما في هذا الإسناد من ضعفٍ، فإنه إذا ضُمَّ إلى إسناد الأعمش الماضي تَقَوَّى كلٌّ منهما بالآخر، وإذا ضُمَّ الاثنان إلى حديث عطاء الخراساني، عن نافع، عن ابن عمر، فإنهما - كما قال ابن القيم رحمه الله -: "يَشُدُّ أحدهما الآخر"6، مع ما تَقَدَّمَ من تصحيح
__________
1 من وجوه الرواية عن عطاء، عن ابن عمر.
(10/29) ح 5659.
(12/433) ح 13585.
4 العَرْزَمِي، صدوقٌ له أوهامٌ، من الخامسة، مات سنة 145هـ/ خت م 4. (التقريب 363) .
5 سنن البيهقي: (5/316) .
6 تهذيب السنن: (5/104) .(3/77)
بعض الأئمة لبعض طرق حديث عطاء، وتحسين آخرين له، وبذلك يَتَبَيَّنُ: "أن للحديث أصلاً محفوظاً عن ابن عمر"1. فيكون هذا الحديث بمجموع طرقه حسناً، وقد صَحَّحَهُ الشيخ الألباني بمجموع طرقه2، ولعل الأليق به أن يكون حسناً، والله أعلم.
__________
1 تهذيب السنن: (5/104) .
2 السلسلة الصحيحة: (ح11) .(3/78)
5- باب في بيع أمهات الأولاد
84- (6) عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، فَوَلَدَتْ له، فهي مُعْتَقَةٌ عن دُبُرٍ1 منه".
تناول ابن القَيِّم - رحمه الله - قضية بيع أمهات الأولاد، فكان مما قال: "وقد احْتُجَّ على منع البيع بحجج كلها ضعيفة". ثمَّ ذكر منها حديث ابن عباس هذا، قال: "وفي لفظ: أيما امرأةٍ عَلِقَتْ2 من سَيِّدِهَا، فهي معتقة عن دُبُرٍ منه - أو قال - من بعده".
قال رحمه الله: "وهذا الحديث مداره على حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس، وهو ضعيف الحديث، ضَعَّفَهُ الأئمة"3.
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (سننه) 4، وأحمد، والدارمي في (مسنديهما) 5، والطبراني في (الكبير) 6، والحاكم في
__________
1 أي: بعد موته. يقال: دَبَّرْتَ العبدَ، إذا عَلَّقْتَ عِتْقَهُ بموتك، وهو التدبير: أي أنه يُعْتق بعدما يُدَبِّره سَيِّدُهُ ويموت. (النهاية 2/98) .
2 عَلِقَتِ المرأة بالولد - وكل أنثى - تَعْلَقُ: حَبِلَتْ. (المصباح المنير ص 425) .
3 تهذيب السنن: (5/411) .
(2/841) ح 2515 ك العتق، باب أمهات الأولاد.
5 حم: (1/303، 317، 320) . مي: (2/172) ح 2577. ك البيوع، باب في بيع أمهات الأولاد.
(11/209) ح 11519.(3/79)
(المستدرك) 1، والبيهقي في (سننه) 2، كلهم من طريق: شريك.
وأخرجه الدارقطني في (سننه) 3 من طريق: أبي أُوَيْس. كلاهما عن:
حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحو اللفظ المتقدم.
وهذا الإسناد ضَعِيفٌ جدَّاً؛ فإنَّ مداره على حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وقد أجمعوا على ضَعْفِهِ، بل قال النسائي: "متروك"4. وقد ضُعِّفَ هذا الحديث لأجله، فقال البيهقي عقبه: "حسين ضَعَّفَهُ أكثر أصحاب الحديث". وقال البوصيري: "هذا إسناد ضعيف، حسين بن عبد الله ... تركه ابن المديني ... ، وَضَعَّفَهُ أبو حاتم وأبو زرعة، وقال البخاريُّ: يُقال إنه كان يُتَّهَمُ بالزندقة"5. وقال الحافظ ابن حجر: "في إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي، وهو ضعيف جداً"6.
وخالف الحاكم رحمه الله، فقال: "حديث صحيح الإسناد، ولم
__________
(2/19) .
(10/346) .
(4/132) ح 24، (4/133) ح 27.
4 تهذيب التهذيب: (2/342) .
5 مصباح الزجاجة: (2/65 - 66) .
6 التلخيص الحبير: (4/217) .(3/80)
يخرجاه". فَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بقوله: "قلت: حسين متروك"1، وابن الملقن بقوله: "وفيه نظرٌ قويٌّ، سيما رواية الدارقطني"2.
وقد روي حديث ابن عباس هذا على وجهٍ آخر عنه رضي الله عنه أنه قال: ذُكِرَتْ أُمُّ إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أَعْتَقَهَا وَلَدهَا".
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (سننه) 3 من طريق: أبي بكر النَّهْشَلِي، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وهو ضعيفٌ كالذي قبله؛ لأن "حسين بن عبد الله" في هذا الإسناد أيضاً، وقد تَقَدَّمَ بيان حاله، وقد أشار ابن القَيِّم - رحمه الله - إلى تضعيفه بذلك، فقال: "وهو أيضاً من رواية حسين"4.
ولكن قد رُوِيَ بهذا اللفظ من غير طريق حسين هذا، وذلك فيما أورده ابن القَطَّان من طريق: قاسم بن أصبغ، عن محمد بن وَضَّاح، عن مصعب بن سعيد، ثنا عبيد الله بن عمرو الرَّقِّي، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: لما ولدت ماريةُ إبراهيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعتقها ولدها" 5.
__________
1 تلخيص المستدرك: (2/19) .
2 خلاصة البدر المنير: (2/464) ح 2989.
(2/841) ح 2516.
4 تهذيب السنن: (5/411 - 412) .
5 بيان الوهم والإيهام: (2/85) ح 58.(3/81)
وهذا الإسناد فيه مصعب بن سعيد، وهو المصيصي، أبو خيثمة، قال فيه صالح جزرة: "شيخ ضريرٌ لا يَدْرِي ما يقول"1. وقال ابن عديّ: "يُحَدِّثُ عن الثقات بالمناكير، ويُصَحِّفُ عليهم"2 وقال ابن القطان: "يُضَعَّفُ"3.
ولكن سُئل عنه أبو حاتم؟ فَقَطَّبَ وجهه، وقال: "عبد الله بن جعفر أحبُّ إليَّ منه، وكان صدوقاً"4. وذكره ابن حبان في (الثقات) 5، وقال: "ربما أخطأ، يُعْتَبَرُ حديثه إذا روى عن الثقات، وَبَيَّنَ السماع في خبره؛ لأنه كان مدلساً". وقال الذهبي: "صدوق"6. وذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من طبقات المدلسين7.
وعل ما قاله ابن حبان رحمه الله: فإنَّ هذا الإسناد لا بأس به؛ لأنَّ شيخ مصعب في هذا الإسناد ثقةٌ، وقد صَرَّحَ مصعبٌ بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه.
وقد صَحَّحَ رواية قاسم بن أصبغ هذه جماعة من الأئمة، فنقل
__________
1 لسان الميزان: (6/44) .
2 الكامل: (6/364) .
3 بيان الوهم والإيهام: (2/86) .
4 الجرح والتعديل: (4/1/309) .
(9/175) .
6 المغني: (2/660) .
7 طبقات المدلسين: (ص 111) .(3/82)
الزيلعي عن ابن القطان أنه قال: "إسناد جيد"1. - ولم أقف عليه في كتاب ابن القطان2 عند كلامه على هذا الحديث -، وقال ابن الملقن: "رواه ... ابن حزم بإسناد صحيح، وصححه"3. وقال الحافظ ابن حجر: "له طريق عند قاسم بن أصبغ إسنادها جيد"4.
فتلخص من ذلك: أن الحديث ضعيف بالإسناد الذي أورده ابن القَيِّم رحمه الله - وهو ما حكم به عليه -، لكن الحديث وردَ من طريق أخرى صَحَّحَ جمعٌ من الأئمة إسنادها، مما يفيد أن لهذا الحديث أصلاً، والله أعلم.
__________
1 نصب الراية: (3/287) .
2 انظر: (بيان الوهم والإيهام 2/85) .
3 خلاصة البدر المنير: (2/464) ح 2991.
4 الدراية: (2/87) ح 621.(3/83)
12- من كتاب الأطعمة والصيد والذبائح
1- باب في الطافي من صيد البحر
85- (1) عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أو جَزَرَ1 عنه فَكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فيه وَطَفَا فلا تَأْكُلُوهُ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - تضعيف عبد الحق لرفع هذا الحديث، وأن الصواب وَقْفُهُ على جابر رضي الله عنه، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أُسْنِدَ من وجه ضعيفٍ: عن يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن جابر. ومن حديث: عبد العزيز بن عبد الله بن حمزة بن صهيب، وهو ضعيفٌ.
ثم نَقَلَ ابن القَيِّم اعتراض ابن القطَّان على عبد الحق، إذ قال: "فإنْ كان عبد الحق ضَعَّفَ المرفوع لكونه من رواية أبي الزبير: فقد تناقض، لتصحيحه الموقوف، وهو عنه. وإن عَنَى به ضعف يحيى بن سليم: تناقض أيضاً، فكم من حديث صححه من روايته، ولم يخالف يحيى بن سليم في رفعه عن إسماعيل بن أمية إلاّ من هو دونه، وهو إسماعيل بن عَيَّاش، وأما إسماعيل بن أميَّة: فلا يُسْأَلُ عن مثله".
ثم تَعَقَّبَ ابن القَيِّم ابن القطان، فقال: "وهذا تَعَنُّتٌ من ابن القطان، والحديثُ إنما ضُعِّفَ لأن الناس رووه موقوفاً على جابر، وانفرد برفعه يحيى بن سليم، وهو مع سوء حفظه قد خَالَفَ الثقات، وانفرد عنهم، ومثل هذا لا يحتجُّ به أهل الحديث، فهذا هو الذي أراده
__________
1 أي: ما انكشف عنه الماءُ من حيوان البحر، يُقال: جَزَرَ الماءُ، يجزر جَزْرًا: إذا ذهب ونقص. ومنه الجزر والمدُّ، وهو رجوع الماءِ إلى خلفٍ. (النهاية 1/268) .(3/87)
أبو داود وغيره من تضعيف الحديث"1.
ثم أَخَذَ في توجيه صنيع عبد الحق في كَوْنِهِ صَحَّحَ حديث يحيى بن سليم في غير هذا الموضع وَضَعَّفَهُ هنا، فَبَيَّنَ أن هذه هي "طريقةُ أئمةِ الحديث العارفين بعلله: يُصَحِّحُونَ حديثَ الرَّجُلِ في موضع، ويضعفون حديثه في موضع آخر إذا انفرد أو خالف الثقات ... "2.
قلت: هذا الحديث مداره على: أبي الزبير، ووهب بن كيسان3، كلاهما عن جابر رضي الله عنه.
أما حديث أبي الزبير: فقد رُوِيَ عنه من عِدَّة طرق:
الطريق الأول: أخرجه أبو داود، وابن ماجه في (سننيهما) 4، والطبراني في (الأوسط) 5، ثلاثتهم من طريق:
أحمد بن عبدة، عن يحيى بن سليم6، عن إسماعيل بن أمية7، عن
__________
1 تهذيب السنن: (5/324 - 325) .
2 المصدر السابق: (5/ 325 - 326) .
3 القُرشي مولاهم، أبو نعيم، المدني الْمُعَلِّم، ثقةٌ، من كبار الرابعة، مات سنة 127هـ/ع. (التقريب 585) .
4 د: (4/165) ح 3815 ك الأطعمة، باب في أكل الطافي من السمك. جه: (2/1081) ح 3247 ك الصيد، باب الطافي من صيد البحر.
(3/410) ح 2880.
6 الطائفي، نزيل مكة، صدوقٌ سيء الحفظ، من التاسعة، مات سنة 193هـ أو بعدها/ ع. (التقريب 591) .
7 ابن عمرو بن سعيد بن العاص، الأموي، ثقةٌ ثبتٌ، من السادسة، مات سنة 144هـ / ع. (التقريب 106) .(3/88)
أبي الزبير، عن جابر به، ولفظه هو المذكور أول البحث.
ومن طريق أبي داود أخرجه: الدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 1، وابن عبد البر في (التمهيد) 2.
الطريق الثاني: أخرجه الدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 3 من طريق: أبي أحمد الزبيري4، عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير به.
الطريق الثالث: أخرجه الترمذي في (علله) 5 من طريق: الحسين ابن يزيد6، عن حفص بن غياث، عن ابن أبي ذئب، عن أبي الزبير به، ولفظه: "ما اصطدتموه وهو حيٌّ فكلوه، وما وجدتموه ميتاً طافياً فلا تأكلوه".
الطريق الرابع: من رواية يحيى بن أبي أنيسة7، عن أبي الزبير به، أشار إليه البيهقي في (سننه) 8.
__________
1 قط: (4/268) ح 8. هق: (9/255) .
(16/225) .
3 قط: (4/268) ح 7. هق: (9/255) .
4 هو: محمد بن عبد الله بن الزبير.
(2/636) .
6 ابن يحيى الطَحَّان الأنصاري، الكوفي، لَيِّنُ الحديثِ، من العاشرة، مات سنة 244هـ / د ت. (التقريب 169) .
7 أبو زيد الجزري، ضعيفٌ، من السادسة، مات سنة 146هـ/ ت. (التقريب 588) .
(9/256) .(3/89)
الطريق الخامس: من رواية الأوزاعي عن أبي الزبير به، أشار إليه البيهقي - أيضاً - في (سننه) 1.
فهذه طرقُ حديث أبي الزبير، عن جابر، ولا يخلو واحدٍ منها من عِلَّةٍ، وقد بين الأئمة ما فيها:
أما رواية يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية: فقال أبو داود عقب إخراجها: "روى هذا الحديث: سفيان الثوري، وأيوب، وحماد، عن أبي الزبير، أوقفوه على جابر". وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل إلا يحيى". وقال الدارقطني: "لا يصحُّ رفعه، رَفَعَهُ يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية، وَوَقَفَهُ غيره"2. وقال البيهقي: "يحيى بن سليم كثير الوهم، سيئ الحفظ، وقد رواه غيره عن إسماعيل بن أمية موقوفاً"3.
والرواية التي أشار إليها البيهقي رحمه الله، أَخْرَجَهَا الدارقطني في (سننه) 4 من طريق: إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه موقوفاً من قوله، قال الدارقطني: " ... موقوف، هو الصحيح".
فقد خالف إسماعيل بن عياش يحيى بن سليم، فجاء به عن
__________
(9/256) .
2 سنن الدارقطني: (4/268) .
3 السنن: (9/256) .
(4/269) ح 9.(3/90)
إسماعيل بن أمية موقوفاً، ورواية ابن عياش هذه عن غير الشاميين، فهي ضعيفةٌ عند العلماء، وقد قال ابن القطان - في رَدِّهِ على عبد الحق -: "ولم يخالف يحيى بن سليم في رفعه عن إسماعيل بن أمية إلا من هو دونه، وهو إسماعيل بن عياش"1. وَأَعَلَّه كذلك صاحب (الجوهر النقي) 2 بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين.
قلت: فلذلك لا تُعَلُّ رواية يحيى بن سليم بمخالفة إسماعيل بن عياش له عن إسماعيل بن أمية، ولكن تعلُّ رواية إسماعيل بن أمية بمخالفة الأئمة الجهابذة له: الثوري، وأيوب السختياني، وحماد بن سلمة، وعبيد الله بن عمر وغيرهم؛ إذ جاءوا به عن أبي الزبير، عن جابر موقوفاً، وهذا الذي سَلَكَه أبو داود - رحمه الله - في إعلال رواية يحيى بن سليم الطائفي.
وحينئذٍ يمكن لنا أن نقول: إن رواية هؤلاء الأثبات لهذا الحديث عن أبي الزبير موقوفاً، تُقَوِّي رواية ابن عياش له عن إسماعيل بن أمية موقوفاً، لموافقتها رواية هؤلاء الحفاظ، وعند ذلك ينسب الوهم ليحيى ابن سليم في رفعه عن إسماعيل بن أمية؛ فإنه كان سيئ الحفظ، كما قال غيرُ واحدٍ من أهل العلم3.
وأما رواية أبي أحمد الزبيري، عن الثوري، عن أبي الزبير: فقد
__________
1 بيان الوهم والإيهام: (3/577) ح 1366.
(9/256) .
3 انظر: تهذيب التهذيب: (11/226 - 227) .(3/91)
ضَعَّفَهَا العلماءُ أيضاً، فقال الدارقطني: "لم يُسْنِده عن الثوري غير أبي أحمد، وخالفه وكيعٌ، والعَدَنِيَّان1، وعبد الرزاق، ومؤمل، وأبو عاصم وغيرهم: عن الثوري رووه موقوفاً، وهو الصواب"2. ونقل البيهقي عن سليمان بن أحمد اللَّخْمي- شيخ شيخ البيهقيِّ في هذا الحديث - قوله: "لم يرفع هذا الحديث عن سفيان إلا أبو أحمد"3.
وقد كان أبو أحمد الزبيري هذا يخطئ في حديث الثوري4، وقد خالف - مع ذلك - الأثبات من أصحاب الثوري - وعلى رأسهم وكيع - لذا وجب تقديم رواية الجماعة، والحكم على روايته بالخطأ، وهذا ما سَلَكَهُ الدارقطني رحمه الله.
وأما روايةُ ابن أبي ذئب عن أبي الزبير: فقد ضَعَّفَهُا الإمام البخاري، فقال: "ليس هو بمحفوظ، ويروي عن جابر خلاف هذا، ولا أعرفُ لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئاً"5.
قلت: وفي الإسناد "الحسين بن يزيد الطحان" لَيَّنَهُ أبو حاتم6، وتبعه الحافظ ابن حجر7.
__________
1 هما: عبد الله بن الوليد العدني، ويزيد بن أبي حكيم العدني. (تهذيب الكمال11/163– 164) .
2 سنن الدارقطني: (4/268) .
3 سنن البيهقي: (9/255) .
4 تهذيب التهذيب: (9/255) .
5 علل الترمذي: (2/636) .
6 الجرح والتعديل: (1/2/67) .
7 التقريب: (ص 169) .(3/92)
وأما رواية ابن أبي أنيسة، عن أبي الزبير: فقد ضَعَّفَها البيهقي قائلاً: "ويحيى ابن أبي أنيسة متروكٌ لا يحتجُّ به"1.
وضعف أيضاً رواية الأوزاعي، فقال: "رواه بقية بن الوليد، عن الأوزاعي، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً، ولا يحتجُّ بما ينفرد به بقية، فكيف بما يخالف فيه"2.
فهذا مجملُ القولِ في طرق هذا الحديث عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً، وقد تَبَيَّنَ عدمُ انتهاض أيٍّ منها للحجة، وبخاصة إذا عورضت برواية الثقات الأثبات - الذين تقدم ذكرهم - له عن جابر موقوفاً.
وأما الطريق الثاني: من طرق هذا الحديث عن جابر رضي الله عنه، وهي رواية وهب بن كيسان: فقد أخرجها الدارقطني في (سننه) 3، والطحاويُّ في (أحكام القرآن) 4، وابن عدي في (الكامل) 5، من طريق: إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة6، عن وهب، عن جابر مرفوعاً. وهو عند ابن عديّ: عن وهب، ونعيم بن عبد الله.
__________
1 السنن: (9/256) .
2 المصدر السابق.
(4/267) ح 6.
4 كما في نصب الراية: (4/203) .
(5/1923) .
6 ابن صهيب بن سنان الحمصي، ضعيفٌ، ولم يرو عنه غير إسماعيل بن عياش، من السابعة/ ق. (التقريب 358) .(3/93)
وقد ضُعِّفَ هذا الطريق أيضاً، قال ابن أبي حاتم: "سألت أبا زرعة عن حديث رواه إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، عن وهب بن كيسان ونعيم بن عبد الله ... ؟ قال أبو زرعة: هذا خطأٌ، إنما هو موقوفٌ عن جابر فقط، وعبد العزيز بن عبيد الله: واهي الحديث"1. وقال ابن عدي: "هذا إنما يرفعه عبد العزيز بن عبيد الله، عن وهب بن كيسان ونعيم بن عبد الله"2. ثم قال - بعد أن سرد له أحاديث -: "وهذه الأحاديث التي ذكرتها لعبد العزيز: مناكير كلها، وما رأيت أحداً يحدث عنه غير إسماعيل بن عياش"3. وقال الدارقطني: "تفرد به عبد العزيز بن عبيد الله، عن وهب، وعبد العزيز ضعيفٌ، لا يحتجُّ به"4. وضعفه كذلك البيهقي5 بعبد العزيز هذا، وكذا ابن الجوزي في (العلل المتناهية) 6.
فهذا كلام الأئمة رحمهم الله: أبو داود، والبخاريُّ، وأبو زرعة، وابن عدي، والدارقطني، والبيهقي في تضعيف هذا الحديث مرفوعاً، وتصحيح رواية الوقف، مع ما تقدم من كلام عبد الحق رحمه الله، وكأن البغوي مال إليه ترجيح الوقف أيضاً، فقال: "ورواه سفيان
__________
1 علل ابن أبي حاتم: (2/46) ح 1620. وانظر: (2/49) ح 1630.
2 الكامل: (5/1923) .
3 الكامل: (5/1924) .
4 سنن الدارقطني: (4/268) .
5 السنن: (9/256) .
(2/175- 176) ح1105.(3/94)
الثوري، وأيوب، وحماد: عن أبي الزبير، وأوقفوه على جابر"1. وضعفه مرفوعاً أيضاً: الشيخ الألباني2 رحمه الله.
قال البيهقي رحمه الله - بعد أن رَجَّحَ وقفه -: "وقول الجماعة من الصحابة على خلاف قول جابر، مع ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" 3. وقال الحافظ ابن حجر: "وإذا لم يصحّ إلا موقوفاً، فقد عارضه قول أبي بكر وغيره، والقياس يقتضي حله؛ لأنه سمك، لو مات في البر لأكل بغير تذكية، ولو نضب عنه الماء، أو قتلته سمكة أخرى فمات لأكل، فكذلك إذا مات وهو في البحر"4.
فتحصَّلَ من ذلك: أن ابن القَيِّم - رحمه الله - قد أصاب في إعلاله الرواية المرفوعة، وتقديم الموقوفة عليها، وأن ابن القطان لم يُصب حين ذهب إلى تقوية المرفوع، وبالله التوفيق.
__________
1 شرح السنة: (11/245) .
2 ضعيف ابن ماجه: (ح 699) ، وضعيف الجامع: (ح 5021) .
3 السنن: (9/256) . وانظر: التمهيد: (16/226 - 228) .
4 فتح الباري: (9/619) .(3/95)
2- باب الفأرة تقع في السمن فتموت فيه
86- (2) عن ميمونة رضي الله عنها: "أن فأرةً وقعت في سَمْنٍ فماتت، فَسُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "أَلْقُوهَا وَمَا حَولَهَا، وَكُلُوهُ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "اخْتُلِفَ فيه إسناداً ومتناً، والحديث من حديث: الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أنه سمع ابن عباس يُحَدِّثُ عن ميمونة، ولفظه: "أن فأرة وقعت في سمن فماتت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها؟ فقال: "ألقوها وما حولها، وكلوه". رواه الناسُ عن الزهري بهذا المتن والإسناد، ومتنه خرجه البخاريُّ في (صحيحه) ، والترمذي، والنسائي. وأصحاب الزهري كالمجمعين على ذلك.
وخالفهم معمرٌ في إسناده ومتنه، فرواه عن: الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: "إن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه".
ولما كان ظاهر هذا الإسناد في غاية الصحة، صَحَّحَ الحديث جماعةٌ، وقالوا: هو على شرط الشيخين، وحكي عن محمد بن يحيى الذُّهَلِي تصحيحه. ولكن أئمة الحديث طعنوا فيه، ولم يروه صحيحاً، بل رأوه خطأ محضاً"1. ثم نقل كلام الأئمة: البخاري، والترمذي في إعلاله، وردَّ على ابن حبان في تصحيحه إياه.
__________
1 تهذيب السنن: (5/ 336 - 340) .(3/96)
وقال مرة: "ولم يصح فيه التفصيل بين الجامد والمائع"1.
قلت: هذا الحديث مداره على الزهري، ويُروى عنه على أوجه مختلفة:
الوجه الأول: عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود2، عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه عن الزهري هكذا: مالكٌ، وابن عيينة، والأوزاعي، وعبد الرحمن بن إسحاق، ومعمر في رواية، وغيرهم.
أما مالك، فقد اختلف عنه:
فرُوي عنه: عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة مرفوعاً.
وروي عنه: عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر "ميمونة".
وروي عنه: عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مقطوعاً، أسقطوا منه ابن عباس، وميمونة.
ورواه يحيى القطان، وجويرية: عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس: أن ميمونة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه أوجه الاختلاف على مالك في رواية هذا الحديث، ذكرها
__________
1 إعلام الموقعين: (4/279) .
2 الهُذَلي، أبو عبد الله المدني، ثقةٌ فقيهٌ ثبتٌ، من الثالثة، مات سنة 94هـ، وقيل غير ذلك/ ع. (التقريب 372) .(3/97)
الدارقطني في (علله) 1، ثم قال: "والصحيحُ: عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة".
وقال ابن عبد البر: "وهذا اضطرب شديد عن مالك في إسناد هذا الحديث.... والصواب فيه: ما قاله يحيى ومن تابعه"2.
وأما رواية ابن عيينة، عن الزهري: فأخرجها الحميدي في (مسنده) 3 - ومن طريقه: البخاريّ في (صحيحه) 4، والطبراني في (الكبير) 5 - قال: ثنا سفيان، ثنا الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة رضي الله عنها به.
وأخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) 6 - ومن طريقه الطبراني في (الكبير) 7 - قال: حدثنا سفيان به، بنحو ما تقدم. وسقط من الطبراني لفظة "فماتت"، وهي في المصنف.
وأخرجه أحمد في (المسند) 8: حدثني سفيان به.
__________
1 ج5 (ق 180/ب) .
2 التمهيد: (9/34) .
(1/149 - 150) ح 312.
4 ك الذبائح والصيد: ح 5538.
(23/429) ح 1043.
(8/280) ح 4444.
(24/15) ح 25.
(6/329) .(3/98)
وأخرجه أبو داود في (سننه) 1: حدثنا مسدد، والترمذي في (جامعه) 2: حدثنا سعيد المخزومي وأبو عمار، والنسائي في (سننه) 3: أخبرنا قتيبة، كلهم عن: سفيان، عن الزهري به، بنحو ما تقدم، غير أن أبا داود سقطت من عنده لفظة: "فماتت".
وأخرجه الطيالسي في (مسنده) 4: حدثنا سفيان ... فذكره، لكنه قال فيه: "أن فأرة وقعت في سمن جامد لآل ميمونة". فزاد فيه كلمة "جامد"، لكن قال الحافظ ابن حجر: "ورواه الحميدي والحفاظ أصحاب ابن عيينة بدونها"5. وسيأتي أن حجاج بن منهال تابع الطيالسي على هذه اللفظة عن سفيان.
وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) 6 من طريق إسحاق بن راهويه، قال: أخبرنا سفيان ... عن ميمونة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن؟ فقال: "إن كان جامداً فألقوها وما حولها وكلوه، وإن كان ذائباً فلا تقربوه".
قال ابن حجر عن رواية إسحاق، عن سفيان هذه: "تفرد بالتفصيل عن سفيان دون حفاظ أصحابه، مثل أحمد والحميدي ومسدد
__________
(4/180) ح 3841 ك الأطعمة، باب الفأرة تقع في السمن.
(4/256) ح 1798 ك الأطعمة، باب الفأرة تموت في السمن.
(7/178) .
(ح 2716) .
5 فتح الباري: (1/344) .
6 الإحسان: (2/335) ح 1389.(3/99)
وغيرهم"1. وقال مرة: "هذه الزيادة في رواية ابن عيينة غريبة"2. هذا ما يتعلق برواية ابن عيينة.
وأما رواية الأوزاعي، عن الزهري: فأخرجها الإمام أحمد في (مسنده) 3 عن محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن الزهري ... بالإسناد السابق إلى ميمونة: أنها استفتتْ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في فأرة سقطت في سمن لهم جامد ... الحديث.
فهؤلاء أشهر الرواة عن الزهري: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن ميمونة رضي الله عنها به.
وخالف هؤلاء جميعاً - من بين أصحاب الزهري -: معمرُ بن راشد، فقال فيه: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، وهو:
الوجه الثاني عن الزهري:
أخرجه من هذا الطريق: عبد الرزاق في (مصنفه) 4 عنه، ولفظه: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن، قال: "إذا كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه".
__________
1 فتح الباري: (9/669) .
2 المصدر السابق: (9/668) .
(6/330) .
(1/84) ح 278.(3/100)
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه: أبو داود في (سننه) 1، وابن حبان في (صحيحه) 2 والبيهقي في (سننه) 3.
وأخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) 4: حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري بإسناد عبد الرزاق، لكن بدون تفصيل، ففيه: أنه سئل عن فأرة ماتت في السمن؟ فقال: "ألقوها وما حولها، وكلوه". فيكون هذا اختلافاً على معمر في متن هذا الحديث5، وستأتي الإشارة إلى أنه اختلف عليه في إسناده أيضاً.
وأهل العلم إزاء هذا الاختلاف في هذا الحديث فريقان:
فطائفة منهم رجحوا رواية الجماعة من أصحاب الزهري: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن ميمونة. وحكموا على رواية معمر بالوهم والغلط، قال الترمذي: "حديث غير محفوظ"6. وسأل عنه البخاريَّ، فقال: "حديث معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة: وَهِمَ فيه معمر، ليس له أصل"7. وقال
__________
(4/181) ح 3842.
2 الإحسان: (2/335) ح 1390، 1391.
(9/353) .
(8/280) ح 4445.
5 وقد نَبَّهَ على هذا الاختلاف الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : (6/669) .
6 جامع الترمذي: (4/257) .
7 علل الترمذي: (2/758 - 759) .(3/101)
أبو حاتم: "وهمٌ، والصحيح: الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم"1. وذهب إلى هذا: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال باضطراب معمر وخطئه في هذا الحديث2. وذكر الحافظُ ابن حجر أن أبا زرعة الرازي، والدارقطني قالا بذلك أيضاً، ولم أجد قول واحد منهما، إلا أن الدارقطني قد صحح هذا الطريق بالنسبة للخلاف الحاصل فيه عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة، لكنه لم يتعرض - فيما وقفت عليه من نسخة (العلل) - لرواية الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة3.
وطائفةٌ أخرى ذهبت إلى أن الطريقين محفوظان عن معمر، منهم: محمد بن يحيى الذهلي، فقال: "والطريقان عندنا محفوظان إن شاء الله، لكن المشهور: حديث ابن شهاب، عن عبيد الله"4. وصححه أيضاً: الإمام أحمد5، وابن حبان رحمهما الله، فإنه ترجم له بقوله: "ذكر الخبر الدال على أن الطريقين اللذين ذكرناهما لهذه السنة جميعاً محفوظان". ثم أخرج تحت هذه الترجمة رواية معمر للطريقين كليهما6. واختار
__________
1 علل ابن أبي حاتم: (2/12) ح 1507.
2 انظر: مجموع الفتاوى: (21/490، 516، 526) .
3 انظر: علل الدارقطني: ج 5 (ق 180/ب - 181/أ) .
4 التمهيد: (9/35) ، وانظر: فتح الباري: (1/344) وفيه قوله: "لكن طريق ... ميمونة أشهر".
5 مسائل الإمام أحمد - رواية عبد الله: (1/17) رقم 20.
6 الإحسان: (2/335) ح 1391.(3/102)
تصحيح الطريقين أيضاً: ابن رجب الحنبلي1 رحمه الله.
وقد اختار ابن القَيِّم توهيمَ معمر، وتصويب رواية غيره عن الزهري، وقد مضى كلامه أول هذا البحث، وسيأتي مزيد كلام له في هذا.
واستدلَّ الفريق الأول على ترجيح رواية من رواه: عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة بأدلة، منها:
الأول: ما جاء في رواية الحميدي لهذا الحديث، عن سفيان - ومن طريقه البخاريُّ والطبراني - من أنه قيل لسفيان: فإن معمراً يحدِّثه2: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؟ قال: ما سمعت الزهري يقول إلا: عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولقد سمعته منه مراراً. فهذا سفيان بن عيينة - رحمه الله - يجزم بأنه لم يسمعه من الزهري إلا من حديث ميمونة.
الثاني: ما أخرجه البخاري في (صحيحه) 3: حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري: عن الدابة4 تموت في الزيت والسمن، وهو جامد أو غير جامد، الفأرة أو غيرها؟ قال: "بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قرب منها فطرح، ثم أكل" عن حديث عبيد الله بن عبد الله.
__________
1 شرح علل الترمذي: (ص 485 - 486) .
2 أي: يحدِّث به.
3 ك الصيد والذبائح، ح 5539.
4 أي: في حكم الدابة.(3/103)
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "واحتجاجه - أي الزهري - بالحديث من غير تفصيل: دليلٌ على أن المحفوظ من رواية الزهري إنما هو الحديث المطلق الذي لا تفصيل فيه، وأنه مذهبه، فهو رأيه وروايته، ولو كان عنده حديث التفصيل بين الجامد والمائع لأفتى به واحتجَّ به، فحيثُ أفتى بحديث الإطلاق، واحتجَّ به: دلَّ على أن معمراً غلط عليه في الحديث إسناداً ومتناً"1. وقال الحافظ ابن حجر: "وهذا يقدح في صحة من زاد في هذا الحديث عن الزهري التفرقة بين الجامد والذائب ... لأنه لو كان عنده مرفوعاً، ما سوَّى في فتواه بين الجامد وغير الجامد"2.
الثالث: من أدلة هذا الفريق: أن معمراً قد اضطرب في هذا الحديث في الإسناد والمتن، فقد قال عبد الرزاق: "وقد كان معمر- أيضاً- يذكره عن الزهري، عن عبيد الله ... عن ابن عباس، عن ميمونة. وكذلك أخبرناه ابن عيينة"3. فهذا اضطراب سنده.
وأما اضطراب متنه: فقال ابن القَيِّم رحمه الله: " ... قد اضطرب حديث معمر، فقال عبد الرزاق عنه: فلا تقربوه. وقال عبد الواحد بن زياد عنه: وإن كان ذائباً أو مائعاً لم يؤكل. وقال البيهقي: وعبد الواحد بن زياد أحفظ منه. يعني: من عبد الرزاق. وفي بعض طرقه: فاستصبحوا به. وكل هذا غير محفوظ في حديث الزهري"4.
__________
1 تهذيب السنن: (5/337) .
2 فتح الباري: (9/669) .
3 المصنف: (1/84) ح 279.
4 تهذيب السنن: (5/337) .(3/104)
ثم ساق ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثاً آخر في معنى حديث أبي هريرة الْمُفَصَّل فقال: "وأما الحديث الذي رواه ابن وهب، عن عبد الجبار بن عمر، عن ابن شهاب، عن سالم، عن:
87- (3) ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن فَأْرَةٍ وَقَعَتْ في سَمْنٍ؟ فقال: "أَلْقُوها وما حَولَهَا، وكُلُوا ما بَقِيَ" فقيل: يَا نبيَّ الله، أَرَأَيْتَ إن كان السَّمْنُ مَائِعَاً؟ قال: "انْتَفِعُوا به، ولا تَأْكُلُوهُ".
قال ابن القَيِّم: "فعبد الجبار بن عمر: ضعيفٌ، لا يحتجُّ به. وَرُوِيَ من وجهٍ آخرَ ضعيف: عن ابن جريج، عن ابن شهاب. قال البيهقي: والصحيح عن ابن عمر من قوله في فأرة وقعت في زيت، قال: "استصبحوا به، وادهنوا به أدمكم""1.
قلت: هذا هو:
الوجه الثالث: من أوجه رواية هذا الحديث عن الزهري: وقد أخرجه: ابن وهب في (موطئه) كما ذكر ذلك ابن عبد البر في (التمهيد) 2، ومن طريقه: أخرجه البيهقي في (سننه) 3، من طريق: عبد الجبار بن عمر4 به.
__________
1 تهذيب السنن: (5/340) .
(9/36) .
(9/354) .
4 الأيلي، الأموي مولاهم ضعيفٌ، من السابعة، مات بعد الستين/ ت ق. (التقريب332) .(3/105)
وقد ضَعَّفَهُ جماعة من العلماء: قال أبو حاتم: " ... وَهْمٌ، والصحيح: الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة"1. وقال محمد بن يحيى الذهلي: "وهذا الإسناد عندنا غير محفوظ، وهو خطأ، ولا يُعرف هذا الحديث من حديث سالم، وعبد الجبار ضعيفٌ جداً"2. وقال الدارقطني: "ورواه عبد الجبار بن عمر، عن الزهري ... ووهم فيه"3. وقال البيهقي: "عبد الجبار بن عمر غير محتج به"4.
وأما الطريق الآخر الذي أشار إليه ابن القَيِّم: فأخرجه الدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 5، من طريق: يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن ابن شهاب ... بمثل إسناد عبد الجبار المتقدم.
قال البيهقي: "والطريق إليه - يعني إلى ابن جريج - غيرُ قويٍّ، والصحيح عن ابن عمر: من قوله، موقوفاً عليه غير مرفوع". واختار الحافظ ابن حجر تصحيح الوقف6.
فتلخص من ذلك: أن الصحيح في هذا الحديث: عن الزهري،
__________
1 علل ابن أبي حاتم: (2/12) ح 1507.
2 التمهيد: (9/36) .
3 العلل: ج 5 (ق180/ب) .
4 السنن: (9/354) .
5 قط: (4/291) ح 80. هق: (9/354) .
6 فتح الباري: (9/669) .(3/106)
عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة رضي الله عنهم. بدون ذكر التفصيل بين الجامد والمائع. وهو الذي اختاره ابن القَيِّم رحمه الله.
ومع ذلك، فإن الجمهور على العمل برواية التفصيل والأخذ بمقتضاها1؛ قال ابن عبد البر رحمه الله: "في هذا الحديث معانٍ من الفقه، منها ما اجْتُمِعَ عليه، ومنها ما اخْتُلِفَ فيه، فأما ما اجتمع عليه العلماء من ذلك: أن الفأرة، ومثلها من الحيوان كله يموت في سمنٍ جامدٍ، أو ما كان مثله من الجامدات، أنها تُطْرَحُ وما حولها من ذلك الجامد، ويؤكل سائره إذا استيقن أنه لم تصل الميتة إليه، وكذا أجمعوا: أن السَّمْنَ - وما كان مثله - إذا كان مائعاً ذائباً، فماتتْ فيه فأرةٌ - أو وقعت وهي ميتة - أنه قد نجس كله، وسواء وقعت فيه ميتة، أو حية فماتت، يتنجس بذلك، قليلاً كان أو كثيراً. هذا قول جمهور الفقهاء، وجماعة العلماء"2. والله أعلم.
__________
1 انظر: فتح الباري: (1/344) .
2 التمهيد: (9/40) .(3/107)
3- باب في الأكل مع المجذوم
88- (4) عن جابر رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ، فَأَدْخَلَهَا مَعه في القَصْعَةِ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: " ... حديثٌ لا يثبتُ ولا يصحُّ، وغايةُ ما قال فيه الترمذيُّ: إنه غريب، لم يصححه ولم يحسنه، وقد قال شعبة: اتَّقُوا هذه الغرائب. قال الترمذيُّ: ويُروى هذا من فِعْلِ عمر، وهو أثبتُ"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه في (سننهم) 2، وابن حبان في (صحيحه) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، والعقيلي في (الضعفاء) 5، وابن عدي في (الكامل) 6، والبيهقي في (شعب الإيمان) 7، كلهم من طريق:
__________
1 زاد المعاد: (4/153) .
2 د: (4/239) ح 3925 ك الطب، باب في الطيرة. ت: (4/266) ح 1817 ك الأطعمة، باب ما جاء في الأكل مع المجذوم. جه: (2/1172) ح 3542، ك الطب، باب الجذام.
3 الإحسان: (7/641) ح 6087.
(4/136 - 137) .
(4/242) .
(6/2404) .
(3/513) ح 1294.(3/108)
الْمُفَضَّل بن فضالة، عن حبيب بن الشَّهيد1، عن محمد بن المنكدر، عن جابر: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ2 فَوَضَعَهَا مَعَه في القَصْعَةِ، وقال: كُلْ ثقةً بالله، وتَوَكُّلاً عليه". هذا لفظ أبي داود، وابن ماجه. وعند الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والعقيلي، والبيهقي: "كُلْ بسم الله، ثقة بالله ... ".
قال أبو عيسى الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يونس بن محمد3، عن المفضل بن فضالة، والمفضل بن فضالة هذا شيخٌ بصريٌّ. والمفضل بن فضالة شيخ آخر مصري أوثقُ من هذا وأشهر. وقد روى شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن ابن بريدة: أن عمر4 أخذ بيد مجذوم. وحديث شعبة أثبت عندي وأصحّ".
وهذا الكلام بحروفه - مع تقديم وتأخير - هو كلام الإمام البخاريِّ رحمه الله؛ فإنَّ الترمذي أخرجَ هذا الحديث في (علله) 5 وقال: "سألتُ محمداً عن هذا الحديث ... " فذكره.
__________
1 الأزدي، أبو محمد البصري، ثقةٌ ثبت، من الخامسة، مات سنة 145هـ / ع. (التقريب151) .
2 يقال: رجلٌ أَجْذَمٌ وَمَجْذُومٌ وَمُجَذَّمٌ إذا تَهَافَتَتْ أَطْرَافُهُ من داءِ الجُذَامِ. (لسان العرب: ص 578، مادة: جذم) .
3 ابن مسلم البغدادي، أبو محمد المؤدب، ثقة ٌثبتٌ، من صغار التاسعة، مات سنة 207هـ / ع. (التقريب 614) .
4 في بعض نسخ الترمذي: "ابن عمر". والمثبت هو الصواب؛ فإنه هكذا في رواية الترمذي في (العلل) ، وكذا في (تحفة الأشراف) : (2/358) ، وهو الذي نقله ابن القَيِّم عن الترمذي.
(2/770) ك الأطعمة، باب ما جاء في الأكل مع المجذوم.(3/109)
وقال ابن عدي: "هذا لا أعلم يرويه غير حبيب، ولمفضل بن فضالة عن هشام، عن عروة نسخة ... غير أني لم أر في حديثه أنكر من هذا الحديث، والذي أمليته - يعني حديث الأكل مع المجذوم - وباقي حديثه مستقيم".
وأخرجه ابن الجوزي في (العلل المتناهية) 1 بإسناده إلى الحاكم، ثم قال: "قال الدارقطني: تفرد بن المفضل، قال يحيى: ليس المفضل بذاك".
قلت: وقد تُوبع المفضل بن فضالة على روايته هذه، فأخرجه ابن الجوزي في (العلل المتناهية) 2 من حديث: عبيد الله بن تمام، عن إسماعيل المكي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر به، ولفظه: "كُلْ بسم الله، إيماناً بالله، وتوكلاً عليه".
ولكن هذا الإسناد ضعيفٌ جداً؛ فإن عبيد الله بن تمام، أبا عاصم الواسطي: ضعفه الدارقطني، وأبو حاتم، وأبو زرعة3. وإسماعيل المكي: هو ابن مسلم، قال ابن الجوزي عقب إخراجه: "قال أحمد: إسماعيل المكي منكر الحديث. قال يحيى: لم يزل مختلطاً، وليس بشيء ... وقال النسائي: متروك الحديث"4. فلا تفيد هذه المتابعة الحديث شيئاً.
وأما رواية شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن ابن بريدة، عن
__________
(2/386) ح 1456، ك المرض، حديث في الأكل مع المجذوم.
(2/387) .
3 الميزان: (3/4) .
4 انظر أقوال العلماء فيه في: تهذيب التهذيب: (1/331 - 333) .(3/110)
عمر رضي الله عنه في أكله مع المجذوم - التي صَوَّبَهَا البخاريُّ والترمذي -: فلم أقف على من أخرجها، لكن أخرج العقيليُّ من طريق: عبد الرحمن بن زياد، عن شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن عبد الله بن بريدة قال: "كان سلمان يعملُ بيديه، ثم يشتري طعاماً، ثم يبعث إلى الْمُجَذَّمين فيأكلون معه"1 فجعل "سلمان" مكان "عمر" ثم قال العقيلي عقبه: "هذا أصلُ الحديث، وهذه الرواية أولى". قال الشيخ الألباني: "ولعله الصواب؛ فإن إسناده صحيحٌ، وعبد الرحمن بن زياد هذا: هو الرصاصي، قال أبو حاتم: صدوق. وقال أبو زرعة: لا بأس به"2.
وأما قصة أكل عمر مع المجذوم: فقد أخرج عبد الرزاق في (المصنف) 3 عن معمر، عن أبي الزناد: أن عمر قال لمعيقيب4 الدَّوسي: "ادن مني، فلو كان غيرك ما قعد مني إلا كقيد رمح". وكان أجذم.
وهذا مرسلٌ؛ فإنَّ أبا الزناد لم يدرك ابن عمر ولم يره كما قال أبو حاتم5، فكيف بروايته عن عمر؟!
__________
1 الضعفاء: (4/242 - 243) .
2 السلسلة الضعيفة: (3/282) ح 1144.
(10/405) ح 19510.
4 ابن أبي فاطمة الدوسي، حليف بني عبد شمس، من السابقين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد المشاهد، وولي بيت المال لعمر، ومات في خلافة عثمان أو علي/ع. (التقريب 542) .
5 المراسيل: (ص 111) .(3/111)
فإذا تَقَرَّرَ عندنا ضعفُ حديث جابر هذا، علمنا أن قول الحاكم: "صحيح الإسناد". وموافقة الذهبي له، وقول ابن حجر: "حسن"1، وقول السيوطي: "صحيح"2: ليس بصواب، وأنَّ الصواب: ما ذهب إليه ابن القَيِّم من ضَعْفِ هذا الحديث، والله أعلم.
__________
1 كما نقله صاحب فيض القدير: (5/41) .
2 في الجامع الصغير مع فيض القدير: (5/41) . وقد ضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع الصغير رقم 4200) .(3/112)
13- من كتاب الأيمان والنذور
1 - باب النذر في المعصية، ومن رأى أن عليه الكفارة
89 - (1) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ، وكَفَّاَرُتُه كَفَّاَرُة يَمَيٍن" 1.
استدل ابن القَيِّم - رحمه الله - بهذا الحديث للقائلين بوجوب الكفارة في نذر المعصية، وذهب إلى صِحَّةِ الحديثِ بطرقهِ وشواهِدِهِ كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وذكر - رحمه الله - عند كلامه على حكم طلاق الغضبان حديث:
90- (2) عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نَذْرَ في غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ".
قال ابن القَيِّم: "وهو حديث صحيحٌ، وله طرقٌ"2.
وقد أورده - رحمه الله - للاستدلال به على أنَّ طلاق الغضبان لا يقع، وذلك بطريق الأولى، فقال: "فإذا كان النذر – الذي أثنى الله على من أوفى به، وأمر رسوله بالوفاء بما كان منه طاعة – قد أَثَرَّ الغضب في انعقاده، لكون الغضبان لم يقصده ... فالطلاق بطريق الأولى والأحرى"3.
__________
1 تهذيب السنن: (4/373 – 376) .
2 الإغاثة الصغرى: (ص 39 – 40) .
3 الإغاثة الصغرى: (ص 41) .(3/115)
قلت: أما حديث عائشة رضي الله عنها فقد أخرجه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في (سننهم) 1، وأحمد في (مسنده) 2، والبيهقي في (سننه) 3، من طرق:
عن يونس بن يزيد4، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة به.
وهذا الإسناد رجاله ثقاتٌ، إلا أنه معلولٌ، كما قال الحافظ ابن حجر5 رحمه الله. وقد بَيَّنَ الأئمة عِلَّتَهُ، فقال الترمذي عقبه: "هذا حديث لا يصحُّ؛ لأنَّ الزهريَّ لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة". وقال النسائيُّ: "وقد قيل: إنَّ الزهريَّ لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة" وقال البيهقي مثل ذلك.
قلت: فيكون هذا الإسناد منقطعاً.
ودليلهم على عدم سماع الزهري هذا الحديث من أبي سلمة: أنه قد روى عن الزهري على غير هذا الوجه.
__________
1 د: (3/594) ح 3290، 3291، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية. ت: (4/103) ح 1524، باب ما جاء عن رسول الله أن لا نذر في معصية. س: (7/26- 27) ، باب كفارة النذر. جه: (1/686) ح 2125، باب النذر في المعصية. كلهم في كتاب الأيمان والنذور، إلا ابن ماجه، فهو عنده في (الكفارات) .
(6/247) .
(10/69) .
4 ابن النَّجَّاد الأيلي، أبو يزيد، مولى آل أبي سفيان، ثقةٌ، إلا أنَّ في روايته عن الزهري وهماً قليلاً، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة 159هـ على الصحيح/ ع. (التقريب 614) .
5 انظر: فتح الباري: (11/587) ، والتلخيص الحبير: (4/175) .(3/116)
فرواه عبد الله بن أبي عتيق1، وموسى بن عقبة، كلاهما عن الزهري، عن سليمان بن أرقم2، عن يحيى بن أبي كثير3، عن أبي سلمة، عن عائشة به.
أخرجه بهذا الإسناد: أبو داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي في (سننهم) 4. قال البخاريُّ – بعد أن ساقه من طريق سليمان بن أرقم هذه-: "والحديث هو هذا"5. وكذا صححه الدارقطني فقال – بعد أن ساق وجوه الاختلاف فيه -: "والصحيح: حديث ابن أبي عتيق، وموسى بن عقبة، عن الزهري"6.
فَتَبَيَّنَ من ذلك: أن الزهريَّ – رحمه الله – إنما سمع الحديث من سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، "فَدَلَّسَهُ بإسقاط اثنين" - كما قال ابن حجر7- ورواه عن أبي سلمة مباشرة.
ونازع الشيخ الألباني في القول بتدليس الزهريِّ هنا، وأنه يحتمل
__________
1 عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أبو بكر، صدوقٌ فيه مزاحٌ، من الثالثة/ خ م س ق. (التقريب 321) .
2 البصري، أبو معاذ، ضعيفٌ، من السابعة/ د ت س. (التقريب 250) .
3 أبو نصر اليمامي.
4 د: (3/595) ح 3292، ت: (4/103) ح 1525، س: (7/27) ، هق: (10/69) .
5 جامع الترمذي: (4/103) ، وانظر العلل له: (2/651 – 652) .
6 علل الدارقطني: ج5 (ق 72) .
7 فتح الباري: (11/587) . وانظر: جامع التحصيل: (ص 331) .(3/117)
أن يكون له فيه إسنادان، أحدهما: عن سليمان بن أرقم، عن يحيى، عن أبي سلمة، والآخر: عن أبي سلمة مباشرة قال: "ويؤيد هذا أنه قد صَرَّحَ بالتحديث في رواية له" فذكر رواية عند النسائي1 وفيها قول الزهري: "حدثنا أبو سلمة"2.
قلت: وما ذكره الشيخ الألباني – رحمه الله – لو صحَّ لكانَ دليلاً على سماع الزهريَّ الحديث من أبي سلمة، لكن يبدو أنَ كلمة "حَدَّثَنا" مُصَحَّفَةٌ، وصوابها: "حَدَّثَ"، كذا نقله المزِّي في (تحفة الأشراف) 3، ونقله الدارقطني في (علله) 4 فقال: " ... وقال أبو ضمرة: عن يونس، عن ابن شهاب قال: حدث أبو سلمة". وحينئذٍ تكونُ هذه اللفظة من الزهري دليلاً على عدم سماعه منه لا العكس.
وَيُؤَكِّدُ ذلك: أنَّ أبا داود قال عقب رواية الزهري عن أبي سلمة هذه: "وسمعت أحمد بن شبويه يقول: قال ابن المبارك - يعني في هذا الحديث -: حَدَّثَ أبو سلمة. فدلَّ على أن الزهريَّ لم يسمعه من أبي سلمة"5. والله أعلم.
على أن طريق سليمان بن أرقم المتصلة هذه معلولة - أيضاً - بأمور:
__________
1 سنن النسائي: (7/27) .
2 إرواء الغليل: (8/216) .
(12/367) .
4 ج 5 (ق 72) .
5 سنن أبي داود: (3/595) .(3/118)
أولها: اتِّفَاقُهم على ضعف "سليمان بن أرقم": قال البخاريُّ - عقب حكايته هذه الطريق -: "وسليمان بن أرقم متروكٌ، ذاهب الحديث"1. وكذا قال النسائي - عقب روايته الحديث -: "سليمان ابن أرقم متروك الحديث"، وقال ابن حجر: "ضعيف باتفاقهم"2.
ثانيها: أنَّ سليمان بن أرقم - مع ضعفه - قد وَهِمَ في هذا الحديث؛ فإنَّ غير واحدٍ من أصحاب يحيى بن أبي كثير خالفوه في إسناده، فرووه عن: محمد بن الزبير الحنظلي، عن أبيه، عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود – عقب إخراج حديث سليمان بن أرقم -: "قال أحمد بن محمد المروزي: إنما الحديث حديث على بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن الزبير، عن أبيه، عن عمران بن حصين" قال أبو داود: "أراد: أن سليمان بن أرقم وَهِمَ فيه، وحمله عنه الزهري، وأرسله عن أبي سلمة، عن عائشة"3. ثم قال أبو داود: "روى بقية، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن محمد بن الزبير، بإسناد علي بن المبارك مثله".
قلت: والحديث من طريق علي بن المبارك، ومن طريق الأوزاعي
__________
1 علل الترمذي: (2/652) .
2 فتح الباري: (11/587) . وينظر كلام العلماء عليه مُفَصَّلاً في تهذيب التهذيب: (4/168 – 169) .
3 سنن أبي داود: (3/596) .(3/119)
أخرجه: النسائي في (سننه) 1، وأخرجه البيهقي من طريق الأوزاعي2 فقط.
وحديث يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن الزبير هذا: هو الذي ساقه ابن القَيِّم - رحمه الله - بلفظ "لا نَذْرَ في غضبٍ ... ". وسيأتي بيان هذا اللفظ.
فَرَجَعَ بذلك حديث أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، إلى حديث: محمد بن الزبير، عن أبيه، عن عمران بن حصين.
إلا أنَّ حديث عمران هذا معلوٌلٌ - أيضاً - بثلاث علل، وهي:
1- ضعف إسناده. 2- انقطاعه. 3- اضطرابه سنداً ومتناً. وبيان ذلك:
أولاً: ضعف إسناده: فإنَّ "محمدَ بن الزبير الحَنْظَلِيّ" ضَعَّفَهُ غيرُ واحدٍ من العلماء، حتى قال البخاريُّ: "منكر الحديث"، وقال أبو حاتم: "في حديثه إنكار"3. وقال الحافظ ابن حجر: "متروك"4.
وكذلك أبوه الزبير: لم يرو عنه إلا ابنه محمد، وذكره أبو العرب
__________
(7/27 – 28) .
2 سنن البيهقي: (10/70) .
3 تنظر أقوال العلماء فيه في (تهذيب التهذيب) : (9/167) .
4 التقريب: (ص 478) .(3/120)
في كتابه (الضعفاء) 1. وقال ابن حجر: "لَيِّنُ الحديث"2.
ثانياً: انقطاعه: فقال النسائي: "قيل: إن الزبير لم يسمع هذا الحديث من عمران بن حصين"3. وقال البيهقي مثل ذلك، ثم ساق بإسناده إلى يحيى بن معين أنه قال: "قيل لمحمد بن الزبير الحنظلي: سمع أبوك من عمران بن حصين؟ قال: لا"4.
ومما يدلُّ على انقطاعه: ما أخرجه النسائي5، والبيهقي6 من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن الزبير، عن أبيه، عن رجل صَحِبَهُ، عن عمران به. هذا سياق البيهقي، وعند النسائي: "عن أبيه، عن رجل من أهل البصرة قال: صحبت عمران بن حصين، وفيه قصة، ولفظه: "لا نذر في غضب ... ".
وأخرج النسائي7 من حديث عبد الوارث بن سعيد، عن محمد بن الزبير، عن أبيه، أن رجلاً حَدَّثَهُ: أنه سأل عمران. ولفظه: "لا نَذْرَ في غَضَبٍ ... ".
__________
1 انظر: تهذيب التهذيب: (3/320 – 321) .
2 التقريب: (ص 214) .
3 سنن النسائي: (7/28) .
4 سنن البيهقي: (10/70) . وانظر: تهذيب التهذيب: (3/320) .
(7/28) .
(10/70) .
(7/29) .(3/121)
قال أبو حاتم الرازي - بعد أن بَيَّنَ وجوهَ الاختلاف فيه على محمد بن الزبير-: "حديث عبد الوارث أشبه، لأنه قد بَيَّنَ عورة الحديث"1.
ثالثاً: اضطرابه سَنَدَاً وَمَتْنَاً: أما اضطراب إسناده: فإنه رُوِيَ عن محمد بن الزبير على أوجه مختلفة، وقد ذكرنا بعضها فيما مضى، ونضيف إليها هنا:
- أنه رواه سفيان الثوري، عن محمد بن الزبير، عن الحسن، عن عمران بن حصين به، أخرجه النسائي2، وأحمد3، والحاكم4، والبيهقي5. ولفظه: "لا نذر في معصية ولا غضب ... ".
- وأخرجه النسائي6 من طريق: منصور بن زاذان، عن الحسن، عن عمران بن حصين، لم يذكر محمد بن الزبير.
قال البيهقي: "وهذا - أيضاً - منقطعٌ، ولا يصحُّ عن الحسن عن عمران سماع من وجه صحيح يثبت مثله"7. ثم ساق بإسناده
__________
1 علل ابن أبي حاتم: (1/440) .
2 السنن: (7/29) .
3 المسند: (4/443) .
4 المستدرك: (4/305) .
5 السنن: (10/70) .
(7/29) .
7 سنن البيهقي: (10/70 – 71) .(3/122)
إلى علي بن المديني - رحمه الله - القول بعدم صحة ذلك1.
- وخالف هؤلاء - أيضاً - علي بن زيد بن جدعان، فجعله عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه النسائي2، ثم قال: "عليُّ بن زيد ضعيف، وهذا الحديثُ خطأ، والصواب: عمران بن حصين".
وأما اضطراب متنه: فقد جاء لفظه مرةً: "لا نذر في معصية ... "، ومرة جاء: "لا نذر في غضب ... "، وجاء مرةً: "لا نذر في معصية ولا غضب ... ". وتقدمت كل هذه الألفاظ.
وقد أشار الحافظ العراقيُّ إلى الاضطراب في حديث محمد بن الزبير هذا3. وقال الشيخ الألباني - بعد أن ذكر بعض وجوه الاختلاف في إسناده -: "وهذا اضطراب شديد يسقط الحديث بمثله لو كان من رواية ثقة؛ لأنَّ الاضطراب في روايته يدل على أنه لم يحفظه، فكيف إذا كان الراوي واهياً، وهو محمد بن الزبير؟ "4.
ونعود الآن إلى موقف ابن القَيِّم - رحمه الله - من هذين الحديثين، وما استند إليه في تصحيحهما:
__________
1 وانظر: المراسيل لابن أبي حاتم: (ص 38) .
2 السنن: (7/29 – 30) .
3 كما في فيض القدير: (6/437) .
4 إرواء الغليل: (8/213) .(3/123)
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "هذه الآثار قد تَعَدَّدَتْ طرقها، ورواتها ثقاتٌ"1. كذا قال رحمه الله.
قلت: أما تعدد طرقها: فقد تَبَيَّنَ مما مضى أن طرق هذه الأحاديث وإن تعددت، فإنها مختلفة مضطربة، فلم يزدد الحديث بها إلاّ اضطراباً، كما ظهر لنا أن الحديثين – بكل طرقهما – إنما يرجعان إلى طريق واحدٍ هو: محمد بن الزبير، عن أبيه، عن عمران بن حصين.
وأما ثقة رواتها: فقد وُجِدَ الأمر على خلاف ذلك، ففي طريق عائشة: "سليمان بن أرقم" المتروكُ الذي لا تقوم به حجة، وفي طريق عمران بن حصين: "محمد بن الزبير" الضعيفُ، "وأبوه" المجهول.
ثم قال ابن القَيِّم: "وإن كان الزهريُّ لم يسمعه من أبي سلمة، فإنَّ له شواهدَ تُقَوِّيِهِ"2 وذكر من هذه الشواهد حديث عمران بن حصين.
قلت: قد تقدم ضعف حديث عمران وشدة اضطرابه، وعلمنا أن حديث عائشة هو نفسه حديث عمران بن حصين، وإنما غَلِطَ فيه سليمان ابن أرقم، وخالفه غيره. فكيف يكون أحد الحديثين شاهداً للآخر؟!
ثم أشار ابن القَيِّم - رحمه الله - إلى شاهدٍ آخر، وهو: ما أخرجه
__________
1 تهذيب السنن: (4/374) .
2 تهذيب السنن: (4/374) .(3/124)
ابن الجارود في (المنتقى) 1 من طريق: موسى بن أعين، ثنا خطاب2، ثنا عبد الكريم، عن عطاء بن أبي رباح:
91- (3) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النذرُ نَذْرَان: فما كان لله كفارته الوفاء، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه، وعليه كفارة يمين".
قال الشيخ الألباني: "وهذا إسناد صحيحٌ، رجاله كلهم ثقات رجال البخاريِّ، غير خَطَّاب، وهو ابن القاسم الحراني، وهو ثقة كما قال ابن معين وأبو زرعة في رواية عنه، وقال البرذعي عنه: منكر الحديث، يقال: إنه اختلط قبل موته. وذكره ابن حبان في الثقات"3. ثم اعترض على ابن حجر في جزمه باختلاط خطاب هذا حيث إنه لم يذكره به سوى أبي زرعة، ومع ذلك لم يجزم به.
قلت: وأخرج هذا الحديث البيهقيُّ في (سننه) 4 - من طريق ابن الجارود - وَضَعَّفَهُ!
ثم ذكر ابن القَيِّم شاهداً آخر. وَصَحَّحَ إسناده، وهو ما رواه الطحاوي:
__________
(ح 935) .
2 ابن القاسم الحرَّاني، قاضيها، ثقةٌ اختلط قبل موته، من الثامنة/ د س. (التقريب194) .
3 السلسلة الصحيحة: (ح479) .
(10/72) .(3/125)
92- (4) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَذَرَ أن يطيعَ الله فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَر أن يعصي الله فلا يعصه، ويُكَفِّر عن يمينه".
قال ابن القَيِّم: "وهو عند البخاري إلا ذكر الكفارة"1. ثم نقل عن عبد الحق قوله: "وهذا أصحُ إسناداً، وأحسن من حديث أبي داود" يعني: حديث الزهري، عن أبي سلمة المتقدم.
قلت: هذا الحديث أخرجه الطحاوي في (مشكل الآثار) 2 من طريق: حفص بن غياث، قال: سمعت ابن مُجَبَّر3، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها به.
وأخرجه البخاري في (صحيحه) 4 من طريق: طلحة بن عبد الملك5، عن القاسم، عن عائشة به، بدون هذه الزيادة التي فيها ذكر الكفارة.
وابن مجبر - راويه عن القاسم عند الطحاوي - هو: عبد الرحمن ابن مجبّر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، روى عن: سالم بن عبد الله،
__________
1 تهذيب السنن: (4/374 – 375) .
(1/470 – 471) ، (3/37) .
3 وقع في المشكل: "ابن محرز"، والصواب ما أثبته. انظر: (الجوهر النقي 10/71) ، (وفتح الباري 11/581) .
4 ك الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة. ح 6696 (الفتح: 11/581) .
5 الأيلي، ثقة، من السادسة / خ 4. (التقريب 282) .(3/126)
وروى عنه: مالك بن أنس، وثقه عمرو بن علي1، وكذا ابن حبان2.
وقد روى الحديث: طلحةُ بن عبد الملك الأيلي - كما عند البخاري - وتابعه عليه: أيوب السختياني3، كلاهما عن القاسم به، ولم يذكرا هذه الزيادة، فإمَّا أن يُقال: ابن مجبر ثقة فزيادته مقبولة، وإما أن يقال: إنه قد خالف من هو أوثقُ منه وأكثر عدداً فتردُّ زيادته، ولعلَّ هذا الأخير هو ما تطمئن إليه النفس، وقد قال ابن القطان رحمه الله: "عندي شكُّ في رفع هذه الزيادة"4.
وبعد، فهذا ما انتهى إليه البحث، مع الإمام ابن القَيِّم -رحمه الله- في هذه القضية، وخلاصة ذلك:
أن حديث أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها في كفارة النذر غير صحيح، بل فيه ضعفٌ واضطراب، ولا يصلح حديث عمران بن حصين شاهداً له؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها قد رجع إلى حديث عمران. هذا مع ضعف حديث عمران أيضاً.
أما الشواهد التي ساقها ابن القَيِّم: فلا يصلح أكثرها لتقوية هذا الحديث، وقد ثبت منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما إذا ترجح
__________
1 الجرح والتعديل: (2/2/287) .
2 الثقات: (7/76) .
3 وروايته عند ابن حبان: (الإحسان 6/287) ح 4373.
4 التلخيص الحبير: (4/175) ح 2057.(3/127)
توثيق خطاب بن القاسم. وكذلك حديث عائشة - عند الطحاوي - فقد يصلح شاهداً إذا قيل بقبول الزيادة فيه من الثقة.
ثم إن مضمون هذا الحديث - وهو القول بالكفارة في نذر المعصية - قد ذهب إليه: الإمام أحمد، وإسحاق، وبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. والجمهور على خلاف ذلك، مع اتفاقهم على الشطر الأول من الحديث وهو: أنه لا يجب الوفاء بنذر المعصية1، والله أعلم.
__________
1 انظر: جامع الترمذي: (4/104 – 105) ، وفتح الباري: (11/587) .(3/128)
14- من كتاب العتق
1 - باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم
93- (1) عن سمرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُو حُرُّ ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "هذا الحديث له خمسُ عللٍ:
إحداها: تَفَرد حماد بن سلمة به، فإنه لم يحدث به غيره1.
العلة الثانية: أنه اختلف فيه حماد وشعبة، عن قتادة، فشعبة أرسله، وحمادٌ وصله، وشعبةُ هو شعبةُ.
العلة الثالثة: أن سعيد بن أبي عروبة خالفهما، فرواه: عن قتادة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله.
العلة الرابعة: أن محمدَ بن يسار رواه: عن معاذ، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن قوله. وقد ذكر أبو داود هذين الأثرين.
العلة الخامسة: الاختلاف في سماع الحسن من سمرة"2.
قلت: هذا الحديث أخرجه: أبو داود في (سننه) 3، والترمذي في: (جامعه) 4، و (علله) 5، والنسائي في (الكبرى) 6، وأحمد، والطيالسي
__________
1 ومراده: أنه تفرد بوصله، وأنه لم يُحَدِّث به كذلك غيره.
2 تهذيب السنن: (5/407) .
(4/259) ح 3949 ك العتق، باب فيمن ملك ذا رحم محرم.
(3/637) ح 1365 ك الأحكام، باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم.
(1/561) .
(5/14) ح 4881.(3/131)
في (مسنديهما) 1، وابن الجارود في (المنتقى) 2، والطبراني في (الكبير) 3، والبيهقي في (سننه) 4 - من طريق أبي داود - من طرق، عن:
حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن5، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم به، ولفظه كما تقدم، لكن وقع في إحدى روايات الإمام أحمد: "فهو عتيقٌ" بدل: "فهو حر".
ووقع عند أبي داود من طريق موسى بن إسماعيل - أحد رواته عن حماد -: "عن سمرة بن جندب فيما يحسب حماد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ".
قال أبو داود: "لم يُحَدِّث ذلك الحديث إلا حماد بن سلمة، وقد شكَّ فيه". وقال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه مسنداً إلا من حديث حماد بن سلمة". وسأل الترمذي البخاريَّ عنه؟ فلم يعرفه عن الحسن، عن سمرة إلا من حديث حماد بن سلمة"6. ونقل المنذري عن علي بن المديني قوله: "هذا عندي منكرٌ"7.
__________
1 حم: (5/15، 18، 20) . طس: (ح 910) .
(ح 973) .
(7/248) ح 6852.
(10/289) .
5 ابن أبي الحسن البصري، واسم أبيه: يسار، الأنصاري مولاهم، ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ مشهورٌ، وكان يُرْسِلُ كثيراً ويُدَلِّس، وهو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة110هـ / ع. (التقريب 160) .
6 علل الترمذي: (1/561) .
7 مختصر السنن: (5/408) .(3/132)
وكلام هؤلاء الأئمة - رحمهم الله - ظاهرٌ في كون حماد تَفَرَّدَ بوصل هذا الحديث، وعبارة الترمذي صريحة في ذلك، فإن هذا الحديث يُروى من وجه آخر عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، بدون ذكر "سمرة". وقد نقل المنذري وغيره عن أبي داود أنه قال: "شعبة أحفظ من حماد بن سلمة". قال المنذري: "يعني أنَّ شعبة رواه مرسلاً"1. وقال الخطابي: "أراد أبو داود من هذا: أنَّ الحديثَ ليس بمرفوع، أو ليس بمتصل، إنما هو: عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم"2.
قلت: وكلمة أبي داود هذه لم أرها هكذا، والذي في (السنن) قوله: "سعيد أحفظ من حماد". وذلك أن أبا داود – رحمه الله – أخرجه من طريق: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن موقوفاً عليه3. وأخرجه مرة أخرى عن سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد والحسن مثله4. وأخرجه - قبل هذين الأثرين - من حديث سعيد أيضاً، عن قتادة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: "من ملك ذا رحم ... " الحديث5. وأشار إلى الموقوف على عمر: الترمذيُّ6، والبخاريُّ7،
__________
1 مختصر السنن: (5/408) .
2 معالم السنن: (5/408) .
3 سنن أبي داود: (4/261) ح 3951.
4 سنن أبي داود: (ح3952) .
5 المصدر السابق: (ح3950) .
6 في جامعه: (3/638) .
7 علل الترمذي: (1/561) .(3/133)
لكنهما قالا: عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن عمر رضي الله عنه، فلعلها رواية أخرى عن قتادة. فهذه الروايات من طريق سعيد هي التي قال أبو داود عقبها: "سعيد أحفظ من حماد".
فَتَحَصَّلَ من ذلك أن هذا الحديث يُروى عن قتادة على عدة أوجه:
1- حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، مرفوعاً.
2- شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ولم أقف على هذه الرواية، ولكن تَقَدَّمَ نقل المنذري لكلام أبي داود فيها، وكذا كلام الخطابي.
3- سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن من قوله. مقطوعاً.
4- سعيد، عن قتادة، عن الحسن وجابر بن زيد من قولهما.
5- سعيد، عن قتادة، عن عمر بن الخطاب من قوله، وتقدم أن أبا داود أخرج هذه الروايات الثلاث الأخيرة، وأخرجها أيضاً: النسائي في (سننه الكبرى) 1.
6- سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن عمر رضي الله عنه موقوفاً عليه. ولم أقف على هذه الرواية أيضاً، لكن ذكرها البخاري والترمذي كما تقدم.
__________
(5/14 – 15) ح 4883 – 4886.(3/134)
فهذه وجوه رواية هذا الحديث عن قتادة، والخوف أن يكون ذلك اضطراباً في هذا الحديث، لكن الذي يهمنا في هذا المقام: أن هذا الحديث لا يصحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولاً، فهو ما بين: موقوف على عمر رضي الله عنه، أو مُرْسَل: عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم - وقد ضَعَّفَ مراسليه جماعة -1 أو مقطوع من كلام الحسن رحمه الله. وقد تَقَدَّمَ كلامُ أبي داود في ترجيح الرواية المرسلة، وكذا ترجيح الموقوف من طريق سعيد، وقال الحافظ ابن حجر: "وَرَجَّحَ جمعٌ من الحفاظ أنه موقوف"2.
وحتى لو حُكِمَ للرواية الموصولة، فإنها تبقى معلولةً – كما أشار ابن القَيِّم – بالخلاف في سماع الحسن من سمرة؛ فإنَّ كثيرين لا يثبتون له سماعاً منه، والحسن مدلس، وقد عنعن في هذا الحديث.
وَثَمَّةَ شاهدٌ لحديث سمرة هذا، يُروى عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولم يتعرض له ابن القَيِّم رحمه الله:
وهو ما أخرجه: النسائي في (الكبرى) 3، وابن ماجه في (سننه) 4، وابن الجارود في (المنتقى) 5، والحاكم في (المستدرك) 6،
__________
1 انظر جامع التحصيل: (ص 100 – 101) .
2 بلوغ المرام مع سبل السلام: (4 / 1501) ح 1339.
(5/13) ح 4877.
(2/844) ح 2525.
(ح 972) .
(2/214) .(3/135)
والبيهقي في (سننه) 1، وَعَلَّقَهُ الترمذي في (جامعه) 2، كلهم من طريق: ضمرة بن ربيعة3، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً بمثل حديث سمرة. ووقع عند ابن الجارود، والبيهقي: "فهو عتيق ".
وقد ضَعَّفَ الأئمة هذا الحديث - عن ابن عمر رضي الله عنهما - وأنكروه: فأنكره الإمام أحمد وردَّه ردّاً شديداً، وقال: "لو قال رجلٌ: إن هذا كذبٌ، لما كان مخطئاً"4. وذُكِرَ له مرة، فقال: "ليس من ذا شيء، وَهِمَ ضمرة"5. وقال الترمذي: "ولم يُتابع ضمرة على هذا الحديث، وهو حديث خطأ عند أهل الحديث"6. وقال النسائي: "لا نعلم أن أحداً روى هذا الحديث عن سفيان غير ضمرة، وهو حديث منكر"7. ونقل البيهقي عن الطبراني - وقد رواه من طريقه - قوله: "لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا ضمرة"8. وقال البيهقي: "وهم فيه
__________
(10/289) .
(3/638) .
3 الفلسطيني.
4 تهذيب التهذيب: (4/461) .
5 مسائل أبي داود للإمام أحمد: (ص 314) .
6 جامع الترمذي: (3/638) .
7 السنن الكبرى: (5/13) ح 4877.
8 سنن البيهقي: (10/289) .(3/136)
راويه ... المحفوظ بهذا الإسناد: حديث نهى عن بيع الولاء وهبته"1. وقال البوصيري: "هذا إسناد فيه مقال"2.
ومع ذلك، فقد صححه الحاكم! فقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي! وصححه كذلك: عبد الحق، وابن حزم3، وابن القطان4. والقول ما قاله هؤلاء الأئمة، من أنَّ هذا الحديث منكرٌ؛ فإنَّ ضمرة وإن كان صدوقاً، فإنه كان يَهِمُ، وعنده بعض المناكير5، ولعل هذا من مناكيره، والله أعلم.
فتلخص من ذلك: أنَّ حديث سمرة بن جندب هذا معلولٌ كما ذكر ابن القَيِّم رحمه الله، وأن ما وُجدَ له من شاهد عن ابن عمر: منكرٌ، فلا يصلح لتقويته، وبذلك يبقى الحديث على ضعفه، والله أعلم.
ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثاً آخر في هذا الباب، وَأَعَلَّهُ، فقال: "وقد روى البيهقيُّ وغيره، من حديث أبي صالح، عن:
94- (2) ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: جاء رجلٌ - يقال له: صالح - بأخيه فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أَعْتِقَ أخي هذا، فقال: "إِنَّ اللهَ أَعْتَقَهُ حِينَ مَلَكْتَهُ ".
__________
1 سنن البيهقي: (10/289) .
2 مصباح الزجاجة: (2/67) . ط / يوسف الحوت.
3 المحلى: (10/223) . تحقيق / حسن زيدان.
4 التلخيص الحبير: (4/212) .
5 تهذيب التهذيب: (4/461) .(3/137)
قال ابن القَيِّم: "ولكن في هذا الحديث بَلِيَّتَانِ عظيمتان: العرزمي - وهو عبد الرحمن بن محمد - عن الكلبيِّ: كُسَيْرٌ عن عُوَيْرٍ"1.
قلت: هذا الحديث: أخرجه الدارقطني في (سننه) 2 – ومن طريقه: البيهقي3 – من طريق:
عبد الرحمن بن محمد4 العرزمي، عن أبي النضر5، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قال الدارقطني عقبه: "العرزميُّ تركه ابن المبارك، ويحيى القطان، وابن مهدي. وأبو النضر هو: محمد بن السائب الكلبي، المتروك أيضاً، وهو القائل: كل ما حَدَّثْتُ عن أبي صالح كذب".
وَتَعَقَّبَ ابن القطان عبد الحق بأنه ذَكَرَ هذا الحديث ولم يُبَيِّنْ علته، ثم أَعَلَّهُ بنحو ما أعله به الدراقطني6.
__________
1 تهذيب السنن: (5/409) .
(4/129) ح 15.
3 السنن: (10/290) .
4 ابن عبيد الله الفزاري، العَرْزَمي. يروي عن: جابر الجعفي، وعبد الملك بن أبي سليمان، وجماعة. روى عنه: ابنه محمد، وعبيد الرحمن بن صالح العتكي وغيرهما. قال أبو حاتم: "ليس بقوي". وضعفه الدارقطني. الجرح والتعديل: (2/2/282) ، والضعفاء والمتروكين للدارقطني: (ص 275) رقم 339.
5 هو: محمد بن السائب بن بشر الكلبي، أبو النضر الكوفي، النسَّابة، مُتَّهَمٌ بالكذب، ورمي بالرفض، من السادسة، مات سنة 146هـ/ ت فق. (التقريب 479) .
6 بيان الوهم والإيهام: (3/553) ح 1332.(3/138)
فَتَحَصَّلَ من ذلك: أن الأمر على ما وصف ابن القَيِّم رحمه الله، وأن هذا الحديث لا يصحُّ؛ لأن في إسناده مَتْرُوكَيْن كما تقدم، والله أعلم.(3/139)
15- من كتاب الحدود والديات
1 - باب الشفاعة في الحدود
95- (1) عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دون حَدٍّ من حُدُودِ الله، فَقَد ضَادَّ1 اللهَ في أَمْرِهِ".
قال ابن القيم رحمه الله: "رواه أحمد وغيره بإسناد جيد"2.
قلت: الحديث بهذا اللفظ أخرجه: الطبراني في (الكبير) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، كلاهما من طريق:
عبد الله بن جعفر5، عن مسلم بن أبي مريم6، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن ابن عمر رضي الله عنهما به.
وسكت عنه الحاكم والذهبي، وهو ضعيفٌ بهذا الإسناد؛ للاتفاق على ضعفِ عبد الله بن جعفر المديني.
وقد رُوي عن ابن عمر من وجه آخر، من غير طريق عبد الله بن
__________
1 ضَادَّه، مضادَّةً: إذا باينه مخالفةً. (المصباح المنير: 2/359) .
2 إعلام الموقعين: (4/404) .
(12/270) ح 13084.
(4/383) .
5 ابن نَجِيح السَّعدي مولاهم، أبو جعفر المديني، والد عليٍّ، بصريٌ، أصله من المدينة، ضعيف، من الثامنة، يقال: تَغَيَّر حفظه بآخرة، مات سنة 178هـ/ت ق. (التقريب 298) .
6 المدني، مولى الأنصار، ثقة، من الرابعة/ خ م د س ق. (التقريب 530) .(3/143)
جعفر، فقد أخرجه: أبو داود في (سننه) 1 من طريق:
المثنى بن يزيد2، عن مطر الوراق، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما بمعنى الحديث المتقدم، وفيه زيادة، وهي: "وَمَنْ أَعَانَ عَلى خُصُومَةٍ بِظُلمٍ، فقد بَاء بغضب الله عزوجل".
وهذا الإسناد ضعيف أيضاً؛ لضعف مطر الوراق، وجهالة المُثَنَّى بن يزيد.
ولكنه جاء من طريق ثالث صحيحٍ، وهو ما أخرجه: أحمد في (مسنده) 3، وأبو داود في (سننه) 4والحاكم في (المستدرك) 5،كلهم من طريق: زهير بن معاوية، عن عمارة بن غُزَيَّة6، عن يحيى بن راشد7، عن ابن عمر رضي الله عنهما به. ولفظه: "من حالتْ شفاعته دون حدٍّ
__________
(4/23) ح 3598 ك الأقضية، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها.
2 بصري أو مدني، مجهولٌ، من الثامنة/ د س. (التقريب 519) .
(2/70) .
(4/23) ح 3597.
(2/27) .
6 ابن الحارث الأنصاري المازِني، المدني، لا بأسَ به، وروايته عن أنس مرسلةٌ، من السادسة، مات سنة 140هـ / خت م 4. (التقريب 409) .
7 ابن مسلم الليثي، أبو هشام الدمشقي، الطويل، ثقة، من الرابعة / د. (التقريب590) .(3/144)
من حدود الله، فقد ضادَّ الله في أمره، ومن مات وعليه دَيْنٌ، فليس ثمَّ دينار ولا درهم، ولكنها الحسنات والسيئات، ومن خاصم في باطلٍ وهو يعلم لم يزل في سخط الله حَتَّى يَنْزِعَ، ومن قال في مؤمنٍ ما ليس فيه حبس في رَدْغَةِ الخَبَال1 حتى يأتي بالمخرج مما قال".
قال أبو عبد الله الحاكم: "حديث صحيحُ الإسناد، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي رحمه الله. وقال الحافظ المنذري: " ... إسناد جيدٌ"2. وقال الشيخ الألباني: "إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، غير يحيى بن راشد، وهو ثقةٌ"3. وسبق أنَّ ابن القيم جَوَّدَ هذا الإسناد.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث صحيحٌ، وأن الضَّعْفَ الواقعَ في بعض طرقه ينجبر بمجيئه من طريقٍ آخر صحيحٍ جَوَّدَهُ ابن القيم - رحمه الله - فأصاب، والله أعلم.
__________
1 الرَّدَْغَةُ - بسكون الدال وفتحها - طينٌ ووحلٌ كثير، وتجمع على رَدَغٌ ورِدَاغٌ. (النهاية 2/215) . والخَبَال في الأصل: الفساد، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول، ومعناه في الحديث: عصارة أهل النار. (النهاية 2/8) .
2 الترغيب والترهيب: (3/198) .
3 إرواء الغليل: (7/349) .(3/145)
2 - باب في قطع جاحد العارية
96- (2) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كانت امرأة مخزومية تَسْتَعِير الْمَتَاع وَتَجْحَدُهُ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد فَكَلَّمُوه، فَكَلَّم أَسَامةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا أسامة! لا تَزَالُ تَكَلَّمُ في حَدٍّ من حدودِ الله" ثم قامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خطيباً، فقال: "إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بأنَّه إذا سَرَقَ فيهم الشَّريف تركوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضَّعيفَ قَطَعُوه، والذي نفسي بيدهِ، لو كانت فَاطِمَةُ ابنةُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعَ يَدَهَا".
ذكر ابن القيم - رحمه الله - أن طائفةً من الناس أعَلَّت هذا الحديث، فقالوا: إن معمراً تفرد من بين سائر الرواة بذكر "العارية"، وخالفه سائر أصحاب الزهري فقالوا: "سرقت"، ومعمر لا يقاوِمُ هؤلاء.
قالوا: ثم إن الحديث لو ثبت، فإن وصف العارية إنما هو لمجرد التعريف بالمرأة، لا أنه سبب قطع يدها1.
ثم أخذ ابن القيم - رحمه الله - في الجواب عن ذلك، فقال: "فأما تعليله بما ذُكِرَ: فباطلٌ". ثم بَيَّنَ أن معمراً تُوبع على هذه اللفظة، وسيأتي الكلام على هذه المتابعات إن شاء الله.
__________
1 تهذيب السنن: (6/209) .(3/146)
ثم ذكر ابن القيم - رحمه الله - أن لحديث عائشة شاهداً من رواية ابن عمر رضي الله عنهما، بمثل رواية معمر، وبَيَّنَ أنَّ هذا اللفظ روي أيضاً عن سعيد بن المسيب مرسلاً عند النسائي1، وبذلك تزول دعوى تفرد معمر بهذه الرواية.
ثم أخذ في الجواب على بقية ما أُعِلَّ به هذا الحديث، وسيأتي كلامه أثناء البحث إن شاء الله.
قلت: هذا الحديث معروفٌ من حديث عائشة رضي الله عنها، ومداره على: الزهري، عن عروة بن الزبير، عنها. وقد رُوِيَ - كما تقدم - على وجهين: "أَنَّ امرأةً سرقت"، و "أَنَّ امرأةً كانت تستعير المتاعَ فتجحده".
أما رواية السَّرقة: فقد أخرجها أصحاب الكتب الستة2، والدارمي في (مسنده) 3 من طريق: الليث. وأخرجه البخاري، ومسلم
__________
1 تهذيب السنن: (6/210) .
2 خ: ك أحاديث الأنبياء، ح 3475 (الفتح 6/513) . وفي ك فضائل الصحابة، باب ذكر أسامة بن زيد ح 3732 (فتح الباري: 7/87) . م: (3/1315) ح 1688 (8) ، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود. د: (4/537) ح 4373، ك الحدود، باب في الحد يشفع فيه. ت: (4/37) ح 1430، ك الحدود، باب كراهية أن يشفع في الحدود. س: (8/73) ك قطع السارق، باب ما يكون حرزاً، وما لا يكون. جه: (2/851) ح 2547، ك الحدود، باب الشفاعة في الحدود.
(2/94) ح 2307، ك الحدود، باب الشفاعة في الحدود دون السلطان.(3/147)
في (صحيحيهما) 1، والنسائي في (سننه) 2 من طريق: يونس بن يزيد. وأخرجه النسائي3 من طريق: إسماعيل بن أمية، ومن طريق: إسحاق بن راشد. كلهم عن: الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشاً أَهَمَّهُم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فذكر الحديث بنحو ما تقدم، وزاد ابن ماجه وحده في آخر قول محمد بن رمح - راويه عن الليث -: "سمعت الليث بن سعد يقول: قد أعاذها الله - عزوجل - أن تسرق، وكل مسلم ينبغي له أن يقول هذا" يعني: فاطمة رضي الله عنها.
كذا رواه هؤلاء الجماعة: الليث، ويونس، وإسماعيل بن أمية، وإسحاق بن راشد: عن الزهري بلفظ: "سرقت".
وخالف هؤلاء جميعاً: معمر بن راشد، فقال فيه: "كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده". أخرجه: عبد الرزاق في (مصنفه) 4: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به، ولفظه هو المذكور
__________
1 خ: ك الشهادات، باب شهادة القاذف والسارق والزاني، ح2648 (الفتح 5/255) ، وفي ك المغازي، ح4304 (الفتح8/24) . م: (3/1315) ح1688 (9) .
(8/74) .
(8/74) .
(10/201) ح 18830 ك اللقطة، باب الذي يستعير المتاع ثم يجحده.(3/148)
أول هذا البحث. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه: مسلم في (صحيحه) 1، وأبو داود في (سننه) 2، وأحمد في (مسنده) 3 - ومن طريقه البيهقي في (سننه) 4 - من طرق، عن عبد الرزاق به.
وقد ادُّعِيَ - كما مرَّ في كلام ابن القيم رحمه الله - أن معمراً قد تَفَرَّدَ عن الزهري بهذا اللفظ، فقال النوويُّ: " ... إن جماعةً من الأئمة قالوا: هذه الرواية شاذة؛ فإنها مخالفة لجماهير الرواة، والشاذة لا يُعْمَلُ بها"5. ونقل ابن حجر مثل ذلك عن: ابن المنذر، والمحب الطبري، والقاضي عياض. وقال القرطبي: "رواية أنها سرقت أكثر وأشهر من رواية الجحد، فقد انفرد بها معمر وحده من بين الأئمة الحفاظ، وتابعه على ذلك من لا يُقْتَدى بحفظه: كابن أخي الزهري ونمطه. هذا قول المحدثين"6.
ودعوى انفراد معمر بهذا لا تصحُ؛ فإنه قد وافقه عليه جماعة كما بَيَّنَ ابن القيم رحمه الله، ومن هؤلاء الذين تابعوه:
__________
(3/1316) ح 1688 (10) .
(4/538) ح 4374. و (4/557) ح 4397.
(6/162) .
(8/280) .
5 شرح مسلم: (11/188) .
(69 فتح الباري: (12/90 - 91) .(3/149)
1- شعيب بن أبي حمزة1: أخرجه النسائي في (سننه) 2 من حديث: بشر بن شعيب3، عن أبيه، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: استعارت امرأةٌ على ألسنة أناسٍ يُعْرَفُون وهي لا تُعْرَف حُلِيّاً، فباعته وأخذت ثمنه، ... الحديث، وفي آخره: "ثم قطعت تلك المرأة".
2- يونس بن يزيد4: أخرج حديثه أبو داود في (سننه) 5 من طريق: الليث، حدثني يونس، عن ابن شهاب ... فذكره بنحو حديث شعيب الذي قبله، وأخرجه البيهقي في (سننه) 6 من طريق أبي داود.
ولكن اختلف على يونس في هذا الحديث سنداً ومتناً: فرواه أبو داود عن الليث عن يونس هكذا، وخالف اللَّيْثَ: عبد الله بن وهب7، وعبد الله بن المبارك8، فروياه عن: يونس، عن الزهري، عن عروة، عن
__________
1 الأموي مولاهم، واسم أبيه: دينار، أبو بشر الحمصي، ثقةٌ عابدٌ، قال ابن معين: من أثبت الناس في الزهري، من السابعة، مات سنة 162هـ أو بعدها/ ع. (التقريب 267) .
(8/73) .
3 أبو القاسم الحمصي، ثقة، من كبار العاشرة، توفي سنة 213هـ / خ ت س. (التقريب 123) .
4 هو: الأيلي.
(4/556) ح 4396.
(8/280) .
7 تقدمت روايته عند البخاري برقم (2648) .
8 تقدمت روايته عند البخاري برقم (4304) .(3/150)
عائشة: أن امرأة سرقت في غزوة الفتح ... الحديث.
قال البيهقي - رحمه الله - عن رواية ابن وهب وابن المبارك هذه: "وروايتهما أولى بالصحة من رواية أبي صالح"1.
3- أيوب بن موسى2: وقد اختُلِفَ على أيوب في روايته - أيضاً - سنداً ومتناً، فأخرجه البخاري في (صحيحه) 3 عن علي بن المديني، حدثنا ابن عيينة، قال: ذهبت أسأل الزهري عن حديث المخزومية فصاح بي. قلت لسفيان: فلم تحمله عن أحدٍ؟ قال: وجدته في كتاب كان كتبه أيوب بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: "أن امرأة من بني مخزوم سرقت ... " الحديث.
وأخرجه النسائي في (سننه) 4 من حديث إسحاق بن إبراهيم، عن سفيان قال: "كانت مخزومية تستعير متاعاً وتجحده" ... قيل لسفيان: من ذكره؟ قال: أيوب بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة إن شاء الله تعالى. ثم أخرجه النسائي5 من حديث: محمد بن منصور، عن سفيان، عن أيوب بن موسى هكذا متصلاً، وفيه: "أن امرأة سرقت".
__________
1 سنن البيهقي: (8/281) .
2 ابن عمرو بن سعيد بن العاص، أبو موسى المكي الأموي، ثقة، من السادسة، مات سنة 132هـ / ع. (التقريب 119) .
3 ح رقم 3733 (الفتح 7/87) .
(8/72) .
5 السنن: (8/72) .(3/151)
ثم أخرجه من طريق: رزق الله بن موسى، عن سفيان، عن أيوب بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعه، قالوا: ما كنا نريد أن يبلغ منه هذا. قال: "لو كانت فاطمة لقطعتها"1. وأخرجه أحمد في (مسنده) 2: ثنا سفيان فذكره بمثل حديث رزق الله بن موسى، وزاد في آخره: "ثم قال سفيان: لا أدري كيف هو".
قال الحافظ العراقي: "وابن عيينة لم يسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، إنما وجده في كتاب أيوب بن موسى، ولم يصرح بسماعه من أيوب بن موسى، ولهذا قال في رواية أحمد: لا أدري كيف هو"3.
4- ابن أخي الزهري: وهذه المتابعة أخرجها ابن أيمن في (مصنفه) كما قال ابن حجر4.
فهؤلاء أربعةٌ تابعوا معمراً على روايته هذا الحديث بلفظ "العارية": يونس بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة، وأيوب بن موسى، وابن أخي الزهري. أما رواية يونس، وأيوب، فقد اختلف عليهما كما مضى، وسلمت رواية شعيب، وابن أخي الزهري. وشعيب من أثبت
__________
1 سنن النسائي: (8/72) .
(6/41) .
3 فتح الباري: (12/90) .
4 فتح الباري: (12/90) .(3/152)
الناس في الزهري - كما قال ابن معين1 رحمه الله - فلو لم توجد إلا روايته لكانت كافيةً لدفع دعوى التفرد عن رواية معمر، فكيف وقد انضم إليها غيرها؟
وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - من هذه المتابعات: رواية أيوب ابن موسى، وشعيب بن أبي حمزة، ردًّا على من أعلَّ الحديث بتفرد معمر، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك أول البحث.
فثبت أن الحديثين محفوظان عن الزهري، لذا فإنه لا سبيل لإعلال أحدهما بالآخر، بل إن الجمع بينهما أولى، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والذي اتَّضَحَ لي: أن الحديثين محفوظان عن الزهري، وأنه كان يُحَدِّثُ تارةً بهذا وتارةً بها، فَحَدَّثَ يونس عنه بالحديثين، واقتصرتْ كلُّ طائفة من أصحاب الزهري - غير يونس - على أحد الحديثين"2.
ثم نقل ابن حجر - رحمه الله - عن بعض الْمُحَدِّثِين أنه عَكَسَ القضية على من طَعَنَ في رواية معمر، فقال: لم يختلف على معمر ولا على شعيب، وهما في غاية الجلالة في الزهري، وقد وافقهما ابن أخي الزهري. وأما الليث ويونس - وإن كانا في الزهري كذلك - فقد اختلف عليهما فيه. وأما إسماعيل بن أمية وإسحاق بن راشد3: فدون معمر وشعيب في الحفظ. ثم قال رحمه الله: "وعلى هذا، فيتعادل الطريقان، ويتعين
__________
1 سؤالات ابن الجنيد لابن معين (رقم 507) .
2 فتح الباري: (12/90) .
3 وقد روياه عن الزهري بلفظ "السرقة".(3/153)
الجمعُ، فهو أولى من اطِّراح أحد الطريقين"1.
قلت: ومعنى هذا الكلام: أنَّا إذا استثنينا رواية من اختلف عليه من الطرفين، فإنه يتحصل عندنا: أن معمراً، وشعيب بن أبي خالد روياه بلفظ "العارية"، وفي مقابلهما: إسماعيل بن أمية، وإسحاق بن راشد، وقد روياه بلفظ "السرقة"، وهما دون الأولين، وهذا إيراد متينٌ، وبه تزداد رواية معمر - ومن تابعه - قوةً، ويبعد أيُّ احتمال لإعلالها. هذا فيما يتعلق بالجواب عمَّا أُعِلَّتْ به رواية العارية.
وأما ما ذهبوا إليه من تأويل رواية العارية - على فرض ثبوتها -: بأن القطع كان للسرقة لا للعارية، وأن ذكر العارية إنما هو للتعريف المجرد بالمرأة، فإنَّ هذه محاولة للجمع بين الروايتين بعد تسليم ثبوت رواية العارية، وقد قرر البيهقيُّ - رحمه الله - ذلك بقوله: "ويحتمل أن يكون رواية من روى العارية على تعريفها، والقطع كان سبب سرقتها التي نُقلت في سائر الروايات، فلا تكون مختلفة، ويكون التقدير: أن امرأةً مخزومية كانت تستعير المتاعَ وتجحده - كما رواه معمر - سرقتْ - كما رواه غيره - فقطعت، يعني للسرقة"2.
وقد ردَّ ابن القيم - رحمه الله - هذا التأويل ودفعه، فقال: "وأما قولهم: إن ذكر جحد العارية للتعريف، لا أنه الْمُؤَثِّرُ: فكلامٌ في غاية الفساد، لو صحَّ مثله - وحاشا وكلاَّ - لذهب من أيدينا عامة الأحكام
__________
1 فتح الباري: (12/91) .
2 السنن: (8/281) .(3/154)
المترتبة على الأوصاف، وهذه طريقة لا يرتضيها أئمة العلم، ولا يرُدُّونَ بمثلها السنن، وإنما يسلكها بعض الْمُقَلِّدين من الأتباع"1.
ثم أَكَّدَ ابن القيم - رحمه الله - كون جحد العارية سبب القطع بما جاء في رواية ابن عمر رضي الله عنهما: أن امرأة كانت تستعير الحُلِيَّ للناس ثم تمسكه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتب هذه المرأة إلى الله ورسوله، وتَرُدُّ ما تأخذ على القوم" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها" 2. وفي رواية أخرى أنه قال: "لتتب هذه المرأة، ولتؤدي ما عندها". مراراً، فلم تفعل، فأمر بها فقطعت3.
فهذا الحديث صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطعها من أجل جحدها العارية، قال ابن القيم رحمه الله: "وهذا يُبْطِلُ قول من قال: إن ذكر هذا الوصف للتعريف المجرد"4.
ولكن ذكر البيهقي أن حديث ابن عمر هذا قد اختلف عن نافع في إسناده5.
ثم ذهب ابن القيم - رحمه الله - إلى أن الجمع بين الخبرين ممكنٌ، ذلك أنه لا تنافي بين جحد العارية وبين السرقة؛ فإن ذلك داخلٌ في اسم
__________
1 تهذيب السنن: (6/211) .
2 أخرجه النسائي في سننه: (8/71) .
3 أخرجه النسائي أيضاً: (8/71) .
4 تهذيب السنن: (6/210) .
5 سنن البيهقي: (8/281) .(3/155)
السرقة، قال: "فإن هؤلاء الذين قالوا: إنها جحدت العارية، وذكروا أن قطعها لهذا السبب، قالوا: إنها سرقت، فأطلقوا على ذلك اسم السرقة. فثبت لغةً: أن فاعل ذلك - يعني جحد العارية - سارقٌ، وثبت شرعاً أن حَدَّهُ قطع اليد"1.
وَتَعَقَّبَهُ الحافظ ابن حجر رحمه الله، فقال: "كذا قال، ولا يخفى بُعْدُهُ"2.
فتلخص من ذلك: أن حديث المخزومية التي قطعت ثابتٌ، وأن ما ذُكِرَ فيه من أن هذه المرأة كانت تجحد العارية: صحيحٌ لا وجه لإعلاله، كما قَرَّرَه ابن القيم رحمه الله، وتأكد من خلال هذه الدراسة.
ولكن مع ثبوت هذا الحديث، يبقى الخلاف في: هل قَطْعُ هذه المرأة كان للسرقة، أو لجحد العارية؟ الجمهور على أنها قطعت للسرقة، وأن ما ذكر من جحدها للعارية صفة لها، لا أنه سبب القطع. وأيضاً: فإن جاحد العارية لا يقطع قياساً على المختلس والمنتهب والخائن، الذين جاء النص بعدم قطعهم. وأيضاً: لو قيل بقطع جاحد العارية لقطع جاحد غير العارية، ولا يقولون به. فهذا مذهب جمهور العلماء: أنه لا قطع على جاحد العارية3.
__________
1 تهذيب السنن: (6/211) .
2 فتح الباري: (12/92) .
3 فتح الباري: (12/90) .(3/156)
وتمسك ابن القيم - رحمه الله - بظاهر الحديث، ولم يرَ فرقاً بين السارق والجاحد في القطع، وهو مذهب الإمام أحمد والظاهرية، والله أعلم.(3/157)
3 - باب ما جاء في الرجل يزني بجارية امرأته
97- (3) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، أَنَّهُ قَال: لأَقْضِيَنَّ فيكَ بِقَضِيَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَة، وإن لم تكن أحلتها لك رَجَمْتُكَ بِالْحِجَارِةِ"، فوجدوه قد أحلتها له، فَجَلَدَهُ مائة.
ذكر ابن القيم هذا الحديث، وعزاه إلى (المسند) و (السنن الأربعة) ، ثم نقل كلام الأئمة في تضعيفه: فالترمذي والنسائي أعلاَّه بالاضطراب، والبخاري قال بانقطاعه، وأعله أبو حاتم بجهالة خالد بن عُرْفُطَة. ثم ذكر عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه أخذ بهذا الحديث في ظاهر مذهبه. ثم أخذ - رحمه الله - في الدفاع عن هذا الحديث والتوجه إلى تقويته، فقال: "فإن الحديث حسنٌ، وخالد بن عرفطة قد روى عنه ثِقَتَان: قتادة، أبو بشر، ولم يُعرفْ فيه قدحٌ، والجهالة ترتفع عنه برواية ثقتين"1.
قلت: هذا الحديث مداره على حبيب بن سالم2، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، ويرويه عن حبيب بن سالم جماعة:
__________
1 زاد المعاد: (5/37 - 38) .
2 الأنصاري، مولى النعمان بن بشير وكاتبه، لا بأس به، من الثالثة/ م 4. (التقريب151) .(3/158)
فأخرجه الترمذي في (جامعه) 1، والنسائي وابن ماجه في (سننيهما) 2، وأحمد في (مسنده) 3، من طريق: قتادة، عن حبيب بن سالم، أنه قال: رُفِعَ إلى النعمان بن بشير رجلٌ وقع على جارية امرأته، فقال: لأقضين ... الحديث، ووقع في رواية أحمد: "رُفِعَ إلى النعمان رجلٌ أَحَلَّت له امرأته جاريتها". أما لفظ النسائي عن النعمان: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في رجل ... " بدون ذكر قصة الرجل الذي رُفع إليه.
وهذا الإسناد منقطعٌ؛ فإنَّ قتادة لم يسمع هذا الحديث من حبيب ابن سالم، كما قال البخاري4 رحمه الله، وقد سأله عنه الترمذي؟ فقال: "أنا أنفي هذا الحدث، إنما رواه قتادة، عن خالد بن عرفطة، عن حبيب ابن سالم"5.
وحديث قتادة، عن خالد بن عرفطة هذا: أخرجه أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 6، وأحمد، والدارمي في (مسنديهما) 7، كلهم من طريق:
__________
(4/54) ح 1451 ك الحدود، باب الرجل يقع على جارية امرأته.
2 س: (6/124) ك النكاح، باب إحلال الفرج. جه: (2/853) ح 2551 ك الحدود، باب من وقع على جارية امرأته.
(4/272) .
4 انظر: جامع الترمذي: (4/54) .
5 علل الترمذي: (2/614) .
6 د: (4/604) ح 4458. س: (6/124) .
7 حم: (4/275 - 276) ، مي: (2/102) ح 2334.(3/159)
أبان بن يزيد العطار، عن قتادة، عن خالد بن عرفطة1، عن حبيب ابن سالم: أن رجلاً يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته، فرفع إلى النعمان ... الحديث، وفي آخره: قال قتادة: "كتبتُ إلى حبيب ابن سالم فكتب إليَّ بهذا".
وخالد بن عرفطة: جَهَّلَهُ أبو حاتم، والبزار2، قال أبو حاتم: "خالد بن عرفطة مجهولٌ، لا نعرف أحداً يقال له خالد بن عرفطة إلا واحد، الذي له صحبة"3. وقال الذهبي: "لا يُعرف"4.
وأما ما قاله ابن القيم رحمه الله، من أن خالداً هذا روى عنه ثقتان، وبذلك تزول عنه الجهالة: فإنه غير مُسَلَّم؛ لأنه وإن ارتفعت عنه جهالة العين برواية أكثر من واحد، فإنه يبقى مجهول الحال؛ لأنه لم يوثقه أحد، فالحكم بصحة هذا الإسناد أو حسنه متوقف على العلم بحال خالد هذا، نعم وثقه ابن حبان5، ولكن قد علم أن ابن حبان لا يعتمد قوله في ذلك، لما عُرِفَ من توثيقه المجهولين، فكيف إذا عورض توثيقه بتجهيل مثل أبي حاتم، والبزار لهذا الرجل؟
وقد رُوي الحديث عن قتادة على غير هذين الوجهين:
__________
1 مقبولٌ، من السادسة/ بخ د س. (التقريب 189) .
2 انظر: تهذيب التهذيب: (3/107) .
3 الجرح والتعديل: (1/2/340) ، وعلل ابن أبي حاتم: (1/448) .
4 المغني: (1/204) .
5 الثقات: (6/258) .(3/160)
فأخرجه النسائي في (الكبرى) 1، والبيهقي في (سننه) 2 من طريق:
همام بن يحيى، عن قتادة، عن حبيب بن سالم، عن حبيب بن يساف3: أن رجلاً وَطِئ جارية امرأته، فرفع إلى النعمان ... الحديث.
وقد سُئِلَ أبو حاتم عن حديث همام عن قتادة، وحديث أبان عن قتادة الماضي، فقال: "حديث همام أشبه". ثم قال: "وحبيب بن يساف مجهولٌ، لا أعلم أحداً روى عنه غير قتادة هذا الحديث الواحد"4.
قلت: ومع جهالة حبيب بن يساف، فقد رواه هَمَّام من وجه آخر، فرواه عن قتادة، عن حبيب بن يساف، عن حبيب بن سالم، فعكسه. أخرجه البيهقي في (سننه) 5 بإسناده إلى همام.
فهذه أربعة أوجه عن قتادة في رواية هذا الحديث.
وقد روى من وجه آخر عن حبيب بن سالم، فأخرجه الترمذي في (جامعه) 6، و (علله) 7، والنسائي في (الكبرى) 8، والطيالسي في
__________
(5/237) ح 5528.
(8/239) .
3 مجهولٌ، من الثالثة/ س. (التقريب 152) .
4 علل ابن أبي حاتم: (1/448) .
(8/239) .
(4/54) ح 1452.
(2/614) .
(5/237) ح 5527.(3/161)
(مسنده) 1 - ومن طريقه البيهقي2 - كلهم من طريق:
هشيم، عن أبي بشر3، عن حبيب بن سالم: أن امرأة أتت النعمان بن بشير فقالت: إن زوجي وقع على جاريتي بغير إذني، فقال النعمان: إن عندي في هذا قضاءً شافياً أخذته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لم تكوني أذنتِ له رجمته، وإن كنتِ أذنتِ له جلدته مائة".فقال لها الناس: ويحك! أبو ولدك يرجم؟ فجاءت فقالت: قد كنت أذنت له، ولكني حملتني الغيرة على ما قلت. فجلده مائة. وهذا سياق أبي داود الطيالسي.
وهذا الإسناد منقطعٌ أيضاً، قال الترمذي: "وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا أيضاً، إنما رواه عن خالد بن عرفطة". وكذا قال البيهقي في (سننه) وفي (المراسيل) 4 لابن أبي حاتم، بإسناده إلى شعبة، أنه قال: "لم يسمع أبو بشر من حبيب بن سالم". وفي (تهذيب التهذيب) 5 قول يحيى بن سعيد: "كان شعبة يضعف أحاديث أبي بشر عن حبيب بن سالم".
__________
(ح 796) .
2 في سننه: (8/239) .
3 هو: جعفر بن إياس، أبو بشر بن أبي وَحْشِيَّة، ثقةٌ، من أثبت النَّاس في سعيد بن جبير، وَضَعَّفَهُ شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد، من الخامسة، مات سنة 125هـ وقيل: 126هـ / ع. (التقريب 139) .
(ص 26) .
(2/83) .(3/162)
وقد رواه عنه شعبة نفسه متصلاً، فأخرجه أبو داود والنسائي في (سننيهما) 1، وأحمد، والدارمي في (مسنديهما) 2، والحاكم في (المستدرك) 3 - وأخرجه البيهقي4 من طريق أحمد - كلهم من طريق:
شعبة، عن أبي بشر، عن خالد بن عرفطة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه ذكر قصة الرجل الذي وقع على جارية امرأته.
فرجع الحديث بذلك إلى خالد بن عرفطة الماضي ذكره، وقد تَقَدَّمَ من كلام أبي حاتم، والبزار، والذهبي: أنه مجهول، فَيُتَعَجَّبُ حينئذٍ من الحاكم رحمه الله، إذ قال: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي، مع قوله في خالد بن عرفطة: "لا يعرف". كما تقدم نقل ذلك عنه.
ويتلخص من ذلك: أن هذا الحديث يدور إسناده ما بين: الضعف، والانقطاع، والاضطراب، وقد تقدمت أقوال بعض الأئمة في ذلك، ويضاف هنا قول الترمذي - عقب تخريجه هذا الحديث -: "حديث النعمان في إسناده اضطراب". وقال النسائي: "أحاديث النعمان
__________
1 د: (4/605) ح 4459. س: (6/123) .
2 حم: (4/277) . مي: (2/103) ح 2335.
(4/365) .
(8/239) .(3/163)
هذه مضطربة"1. وقال الخطابي: "هذا حديث غير متصل، وليس العمل عليه"2.
ولذلك فإن حكم ابن القيم - رحمه الله - على هذا الحديث بالحُسْنِ فيه نظرٌ، ومع أنه قد وقف على أقوال الأئمة في إعلاله - بل ونقلها - إلا أنه لم يتعرض في جوابه إلا للقول بجهالة خالد بن عرفطة، مع أنَّ إعلاله بالاضطراب قوي، والله أعلم.
98- (4) عن سلمة بن الْمُحَبِّق رضي الله عنه: "أَنَّ رَسول الله قَضى في رَجُلٍ وَقَع على جَارِيَةِ امرأته: إنِ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا، فَهِي حُرَّةٌ، وعليه لسيدتها مثلها، وإن كانت طَاوَعَتْهُ، فهي له، وعليه لسيدتها مثلها".
ذكر ابن القيم هذا الحديث وَعَلَّقَ القول به على ثبوت صِحَّتِه، فقال: "وأما حديث سلمة بن المحبق، فإنْ صَحَّ، تَعَيَّنَ القولُ به ولم يعدل عنه". ثم نقل أقوال الأئمة: النسائي، وأحمد، وابن المنذر، والخطابي، والبيهقي في تضعيف هذا الحديث.
ثم بَيَّنَ - رحمه الله - أن جماعةً قبلوه، وهؤلاء فريقان: فريق قال بأنه منسوخ، وفريق ثانٍ قال هو مُحْكَمٌ، وَبَيَّنَ وجهه.
هكذا يعرض ابن القيم موقف العلماء من هذا الحديث، ويُبْدي تَوَقُّفَهُ فيه، على أنه - في نظره - إن صحَّ تعين القول به؛ لأنه موافق
__________
1 تحفة الأشراف: (9 / 17 - 18) .
2 معالم السنن: (6/269) .(3/164)
للقياس، ولا يضرُّ حينئذٍ كثرة المخالفين1.
على أنَّ ابن القيم - رحمه الله - في موضع آخر يرى احتمال تحسين هذا الحديث، فيقول: "وضعَّفه بعضهم من قِبَلِ إسناده، وهو حديثٌ حسنٌ، يَحْتَجُّون بما هو دونه في القوة، ولكن لإشكاله أقدموا على تضعيفه، مع لينٍ في سنده"2
والظاهر أن هذا الحكم الأخير هو اختياره؛ لأنه حتى حينما كان متوقفاً عن تصحيح هذا الحديث، نجد أنه كان يميل إلى العمل به، وأن العمل بمقتضاه هو الذي يوافق القياس.
قلت: هذا الحديث مداره على الحسن بن أبي الحسن البصري، واختلف عليه:
فقيل: عنه، عن سلمة بن المحبق. أخرجه أبو داود والنسائي في (سننيهما) 3، وأحمد في (مسنده) 4، والترمذي في (علله) 5 من طريق: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. وأخرجه أحمد في (المسند) 6، والطبراني في (الكبير) 7، والبيهقي في (السنن) 8 من طريق: عمرو بن دينار.
__________
1 زاد المعاد: (5/39 - 40) .
2 إعلام الموقعين: (2/24) .
3 د: (4/607) ح 4461. س: (6/125) .
(5/6) .
(2/616) .
(5/6) .
(7/51) ح 6337، 6338.
(8/240) .(3/165)
وأخرجه ابن ماجه، والدارقطني في (سننيهما) 1 من طريق: عبد السلام بن حرب، عن هشام بن حسان. وأخرجه أحمد في (المسند) 2 من طريق: المبارك بن فضالة، كلهم عن:
الحسن البصري، عن سلمة بن الْمُحَبَّق، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو اللفظ المتقدم، لكن وقع عند أبي داود: "وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها". وكذا عند النسائي، لكن بلفظ: " ... وإن كانت طاوعته فهي لسيدتها ومثلها من ماله". وأما لفظ هشام بن حسان عند ابن ماجه والدارقطني فهكذا: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه رجل وقع على جارية امرأته، فلم يحدّه".
وهذا الإسناد منقطع؛ فإن بين الحسن وسلمة فيه: قبيصة بن حريث، قال الترمذي: "سألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا الحديث؟ فقال: رواه الفضل بن دلهم، ومنصور بن زاذان، وسلام بن مسكين: عن الحسن، عن قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبق، وهو أصحُّ من حديث قتادة"3. وقال ابن أبي حاتم في (علله) 4: "قلت - يعني لأبيه-: الحسن عن سلمة مُتَّصِل؟ قال: لا، حدثنا القاسم بن سلام، عن أبيه، عن الحسن، قال: حدثني قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبق، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأدخل بينهما قبيصة بن حريث، فاتَّصَل الإسناد. قلت: -
__________
1 جه: (2/853) ح 2552. قط: (3/84) ح 11.
(3/476) .
3 علل الترمذي: (2/616) .
(1/447 - 448) ح 1346.(3/166)
القائل ابن أبي حاتم - الحسن سمع من سلمة، وقال1 محمد بن مسلم الطائفي: عن عمرو بن دينار، عن الحسن: سمعت سلمة بن المحبق؟ قال: هذا عندي غلط غير محفوظ".
ومما يؤكد ما ذهب إليه البخاري وأبو حاتم رحمهما الله: أنه وقع في رواية الطبراني - وهي من طريق علي بن المديني، عن عمرو بن دينار، عن الحسن -: قال علي بن المديني: فقلت لسفيان: فإنَّ قتادةَ يقول: عن الحسن، عن قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبق؟ فقال لسفيان: قال عمرو: بينهما إنسان أو رجل؟ فقال له الهذلي - يعني أبا بكر الهذلي -: بينهما قبيصة بن حريث. قال سفيان: وإنما عُرِفَ هذا الهذلي أنه من قوم سلمة2.
وأخرج الحديث بهذا الإسناد المتصل: عبد الرزاق في (مصنفه) 3، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن، عن قبيصة بن حريث4، عن سلمة بن المحبق رضي الله عنه به، باللفظ المذكور أول البحث. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه: أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 5، وأحمد في (مسنده) 6،
__________
1 هذه الجملة واقعة موقع التعليل لما قبلها؛ فكأنه قال: لأن الطائفي قال: عن عمرو بن دينار ... إلخ. والجملة في سياق السؤال.
2 المعجم الكبير: (7/52) .
(7/342) ح 13417.
4 ويقال: حريث بن قبيصة، والأول أشهر، الأنصاري، البصري، صدوقٌ، من الثالثة، مات سنة 67هـ / د ت س. (التقريب 453) .
5 د: (4/605) ح 4460. س: (6/124) .
(5/6) .(3/167)
والطبراني في (الكبير) 1. فثبت بذلك أنَّ قتادة عنده - أيضاً - فيه رواية متصلة، وأن ذلك هو الصحيح عنه.
وأخرجه الطبراني في (الكبير) 2، وابن أبي حاتم في (العلل) 3 عن أبيه، والبيهقي في (السنن) 4 من طريق: سلام بن مسكين5، عن الحسن، عن قبيصة، عن سلمة بن المحبق رضي الله عنه به، وفيه قصة، وهي: أن امرأة أرسلت جاريتها مع زوجها في سفر تخدمه، فوقع بالجارية، فأخبرت المرأة النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره، وفي آخره: "ولم يقم فيه حَدّاً".
فثبتَ بذلك اتصال الحديث من وجهين عن الحسن رحمه الله، وأن الأئمة: البخاري، وأبا حاتم رَجَّحَا هذه الرواية الموصولة، ورأيا أنها أصح من تلك.
فهذان وجهان عن الحسن في رواية هذا الحديث، وقد رُوي عنه على وجه ثالث، فأخرجه الطبراني في (الكبير) 6، والبيهقي في
__________
(7/51) ح 6336.
(7/52) ح 639.
(1/247 - 248) .
(8/240) .
5 ابن ربيعة الأزدي، البصري، أبو روح، ثقةٌ رُمِيَ بالقدر، من السابعة، مات سنة 167هـ / خ م د س ق. (التقريب 261) .
(7/51) ح 6335.(3/168)
(السنن) 1، من طريق: شعبة، عن:
قتادة، عن الحسن، عن جون بن قتادة2، عن سلمة بن المحبق به.
وجون هذا: قال عنه الإمام أحمد: "لا يُعرف"3. وذكره علي بن المديني ضمن المجهولين من شيوخ الحسن البصري4. ولعلَّ هذا من الاضطراب في هذا الحديث على قتادة، عن الحسن، وقد حكم عليه العقيلي بذلك كما سيأتي.
وقد تقدم معنا أن جماعةً من أهل العلم ضَعَّفُوا هذا الحديث ولم يثبتوه، وبالنظر إلى كلامهم، نجد أنهم حملوا في هذا الحديث على "قبيصة بن حريث" فذهب الإمام أحمد، والخطابي، والبيهقي إلى أنه لا يُعرف، وقال البخاري: "في حديثه نظر". كما نقل عنهم ذلك ابن القيم5 رحمه الله، ومن قبله المنذري6.
وقبيصة هذا: لم يرو عنه إلا الحسن، ولم يوثقه - مع ذلك -
__________
(8/240) .
2 ابن الأعور بن ساعدة التميمي ثم السعدي، البصري، لم تصح صحبته، ولأبيه صحبة، وهو مقبول، من الثانية/ د س. (التقريب 143) .
3 الميزان: (1/427) ، وتهذيب التهذيب: (2/122) .
4 تهذيب التهذيب: (2/122) .
5 زاد المعاد: (5/39) .
6 مختصر السنن: (6/271) .(3/169)
أحدٌ إلا ابن حبان1، وذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أن أبا العرب التميمي نقل توثيقه عن العجلي2، ولم أجده في (ثقات) العجلي، وقد ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 3 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً على عادته في أمثاله. فالظاهر - والله أعلم - أن الرجل مجهولٌ كما حَكَمَ به غيرُ واحد من الأئمة: أحمد، والخطابي، والبيهقي، وجهله كذلك: ابن القطان4، وضعفه ابن حزم5. بالإضافة إلى قول البخاري: "في حديثه نظر"6.
ولذلك ضَعَّفَ الأئمة هذا الحديث كما تقدم، وقال النسائي - وقد ساق الحديث من طرق-: "ليس في هذا الباب شيء صحيح يحتجُّ به"7. وقال ابن المنذر: "لا يثبت"8. وقال الخطابي: "منكر"9. وقال العقيلي: "حديث فيه اضطراب"10. هذا بالإضافة إلى ما تقدم من تضعيف الإمام أحمد والبخاري له.
__________
1 الثقات: (5/319) .
2 تهذيب التهذيب: (8/346) .
(3/2/125) .
4 بيان الوهم والإيهام: (4/135) .
5 فقال: "ضعيف مطروح" (تهذيب التهذيب: 8/346) .
6 الميزان: (3/383) .
7 السنن الكبرى: (6/448) .
8 مختصر السنن: (6/272) .
9 معالم السنن: (6/271) .
10 الضعفاء: (3/484) .(3/170)
فتلخص: أن هذا الحديث ضعيفٌ، كما ذهب إليه أكثر أهل العلم، وعلى هذا، فاحتمال تحسينه - كما يرى ابن القيم - تَبَيَّنَ مِمَّا قَرَّروهُ - أنه مرجوح، وربما ظهرَ له هذا أولاً ثم رجع عنه؛ فقد تقدم أنه - رحمه الله - توقف فيه مرةً، وعَلَّقَ القول به على ثبوت صحته، وبناءً على ذلك فلا يحكم بمخالفته - رحمه الله - لهؤلاء الأئمة، والله أعلم.(3/171)
4- باب فيمن تزوج بامرأة أبيه
99- (5) عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: "بَيْنَمَا أَنَا أَطُوفُ على إبلٍ لي ضَلَّتْ، إذ أَقْبَلَ رَكْبٌ - أو فوارس - معهم لواء، فجعلَ الأعرابُ يُطِيفونَ بي لِمَنْزِلَتِي من النبي صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَتَوا قُبَّةً، فاسْتَخْرَجُوا منها رَجُلاً، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَسَأَلْتُ عنه، فذكروا أنه أَعْرَسَ بامرأةِ أبيهِ".
ذكر المنذري في (مختصر السنن) 1 أن هذا الحديث قد اخْتُلِفَ فيه اختلافاً كثيراً، فروي عن البراء على عدة أوجه.
فقال ابن القيم - رحمه الله - معقباً عليه:
"وهذا كُلُّه يدلُّ على أن الحديثَ محفوظٌ، ولا يوجبُ هذا تركه بوجهٍ".
ثم أخذ في التوفيق بين الأوجه التي ظاهرها التعارض في إسناد الحديث، ثم قال: "والحديث له طرقٌ حسان يُؤَيِّدُ بعضها بعضاً"2 فساق جملة منها.
قلت: هذا الحديث يروى عن عديّ بن ثابت3، واختلف عليه:
__________
(6/268 - 269) .
2 تهذيب السنن: (6/266 - 267) .
3 الأنصاري، الكوفي، ثقةٌ رُمِيَ بالتشيع، من الرابعة، مات سنة 116هـ/ ع. (التقريب 388) .(3/172)
فأخرجه الترمذي في (جامعه) 1، وابن ماجه في (سننه) 2، وأحمد في (مسنده) 3، والدارقطني في (السنن) 4، وابن أبي حاتم في (العلل) 5 من طرق، عن:
أشعث بن سَوَّار، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أنه قال: مرَّ بي خالي أبو بردة بن نيار6 ومعه لواء، فقلت: أين تريد؟ قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجلٍ تَزَوَّجَ امرأة أبيه، أن آتيه برأسه". هذا لفظ الترمذي، وابن أبي حاتم.
كذا وقعت رواية أشعث عند هؤلاء الجماعة، وأخرجه ابن أبي حاتم7، والبيهقي في (سننه) 8 من طريق:
أبي خالد الأحمر، عن عدي بن ثابت، عن يزيد بن البراء، عن خاله: "أن رجلاً تزوج امرأة أبيه أو امرأة ابنه، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله". كذا بجعل "يزيد بن البراء" مكان أبيه، وبالشكِّ في متنه.
__________
(3/634) ح 1362 ك الأحكام، باب فيمن تزوج امرأة أبيه.
(2/869) ح 2607 ك الحدود، باب من تزوج امرأة أبيه من بعده.
3) 4/292) .
(3/196) ح 337.
(1/403) ح 1207.
6 البلوي، حليف الأنصار، صحابيُّ، اسمه: هانئ، وقيل: الحارث بن عمرو، وقيل: مالك بن هبيرة، مات سنة 41 وقيل بعدها/ ع. (التقريب 621) .
7 العلل: (1/403) ح 1207.
(8/237) .(3/173)
وقد وقع في البيهقي: " ... عن يزيد بن البراء، عن البراء" على الجادة، وهو خطأ، فقد جاء عند ابن أبي حاتم على الصواب بدون ذكر البراء، وسيأتي من كلام أبي حاتم ما يدلُّ على صحة ذلك.
وقد تابع أشعثَ بن سَوَّار على الإسناد الأول - عدي بن ثابت، عن البراء -:السُّدِّيُّ1. فأخرجه النسائي في (سننه) 2، وابن حبان في (صحيحه) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، من طريق:
الحسن بن صالح، عن السُّدِّيُّ، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لقيت خالي ومعه الراية ... الحديث.
قال الحاكم: "حديث صحيحٌ على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
قلت: ومع أنه على شرط مسلم، إلا أنَّ السُّدِّي قد تَكَلَّمَ فيه غير واحدٍ، واحتمله بعضهم5.
وثَمَّةَ متابعة أخرى لأشعث بن سوار على روايته هذه، فقد
__________
1 هو: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، أو محمد الكوفي، صدوقٌ يَهِمُ، ورمي بالتشيع، من الرابعة، مات سنة 127هـ / م 4. (التقريب 108) .
(6/109) .
3 الإحسان: (6/165) ح 4100.
(2/191) .
5 انظر: تهذيب التهذيب: (1/313 - 314) .(3/174)
أخرجه الإمام أحمد في (مسنده) 1 - ومن طريقه الحاكم في (المستدرك) 2 - من طريق:
شعبة، عن ربيع بن ركين، قال: سمعت عدي بن ثابت يحدث عن البراء بن عازب، قال: مرَّ بنا ناسٌ منطلقون ... الحديث.
والربيع هذا: هو الربيع بن رُكَيْن بن ربيع بن عميلة الفزاري، ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 3 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وبقية الإسناد ثقات.
فهذا حديث أشعث بن سوار - ومن تابعه على روايته -: عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضي الله عنه، على خلاف في رواية أشعث تقدم بيانه.
وقد خالف هؤلاء جميعاً: زيد بن أبي أنيسة4، فأخرجه أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 5، والدارمي في (مسنده) 6، والحاكم في (المستدرك) 7، كلهم من طريق:
__________
(4/292) .
(2/191 - 192) .
(1/2/460) .
4 الجَزَري، أبو أسامة، أصله من الكوفة، ثم سكن الرُّها، ثقةٌ له أفراد، من السادسة، مات سنة 119هـ، وقيل: 124هـ / ع. (التقريب 222) .
5 د: (4/602) ح 4457. س: (6/110) .
(2/76) ح 2245 ك النكاح، باب الرجل يتزوج امرأة أبيه.
(4/357) .(3/175)
عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن يزيد بن البراء1، عن أبيه، قال: لقيت عمي ومعه راية، فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجلٍ نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه، وآخذ ماله". هكذا، فزاد في إسناده "يزيد بن البراء" بين عدي والبراء. وزاد في متنه: "الأمر بأخذ ماله".
وجاء أول السند عند الحاكم هكذا: "حدثني ابن أبي أنيسة"، وكأنه شيخه، وفي أول سنده سقطٌ ولا بدّ؛ فأين الحاكم من ابن أبي أنيسة؟!
ويزيد بن البراء: وَثَّقَه العجلي2، وابن حبان3، وبقية الإسناد ثقاتٌ.
وقد قَدَّمَ أبو حاتم - رحمه الله - حديثَ ابن أبي أنيسة هذا على حديث أشعث بن سَوَّار ومن وافقه، فقد سأله ابن أبي حاتم عن حديث أبي خالد الأحمر، عن أشعث، عن عدي بن ثابت، عن يزيد بن البراء عن خاله. وحديث حفص بن غياث، عن أشعث، عن عدي، عن البراء، فقال رحمه الله: "وَهِمَا جميعاً، إنما هو كما رواه زيدُ بن أبي أنيسة، عن عديّ، عن يزيد بن البراء، عن البراء، عن خاله أبي بردة. ومنهم من يقول: عن عمه أبي بردة"4.
__________
1 ابن عازب، الأنصاري، الكوفي، صدوقٌ، من الثالثة/ د س. (التقريب 600) .
2 تاريخ الثقات: (ص 477) .
3 الثقات: (5/534) .
4 علل ابن أبي حاتم: (1/403) ح 1207.(3/176)
وقد تَقَدَّمَ أنَّ أشعثَ بن سوار مع ضَعْفِهِ، اخْتُلِف عليه في رواية هذا الحديث إسناداً ومتناً، والمتابعون له: ما بين متكلم فيه، وهو: السُّدِّيُّ، ومجهول - أو كالمجهول - وهو الربيع بن ركين.
وأما ابن أبي أنيسة: فهو ثقةٌ، ولم يُخْتلف عليه مع ذلك، ولذلك قَدَّمَ أبو حاتم حديثه على حديث غيره، وإذا أمكن ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، فإنه لا يبقى هناك تعارض.
وأما ما وقع في حديث ابن أبي أنيسة من قول بعضهم: "خالي" بدل "عمي" - كما أشار إليه أبو حاتم قبل قليل -: فإنه لا يضرُّ، وقد أجاب عنه ابن القيم رحمه الله، فقال: " ... فإنَّ البراء بن عازب حَدَّثَ به عن أبي بردة ... وهو عمه وخاله، وهذا واقعٌ في النسب"1.
ومع ذلك: فقد روى الحديث من وجه آخر عن البراء بن عازب رضي الله عنه، فقد أخرجه: أبو داود في (سننه) 2، وأحمد في (مسنده) 3، والدارقطني في (سننه) 4، والحاكم في (المستدرك) 5 من طرق، عن:
__________
1 تهذيب السنن: (6/266) . فقد يجتمع في شخصٍ واحدٍ أنه خال لشخص آخر وعمٌّ له بالرضاعة في الوقت نفسه.
(4/602) ح 4456.
(4/295) .
(3/196) ح 338.
(2/192) و (4/356) .(3/177)
مُطَرِّف بن طريف1، عن أبي الجهم2، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: بينا أنا أطوف على إبل لي ... الحديث. ولفظه هو الذي سقناه أول هذا البحث. وهو سياق أبي داود، وعند الباقين نحوه.
وهذا إسنادٌ رجالهُ ثقاتٌ رجال الصحيحين، خلا أبي الجهم، ومع ذلك فهو ثقة، قال الذهبي - رحمه الله - في (تلخيص المستدرك) 3: "قلت: إسناده مليح". وقال مرة: "صحيح"4.
وقد حَسَّنَ ابن القيم هذا الطريق؛ فإنه قال: "والحديث له طرق حسان يقوِّي بعضها بعضاً، منها: مطرف عن أبي الجهم، عن البراء ... "5.
وقد أورد ابن القيم - رحمه الله - لهذا الحديث شاهداً من رواية معاوية بن قرة عن أبيه، عن جده، بنحو حديث البراء المتقدم، ثم نقل عن ابن معين قوله: "هذا إسناد صحيح"6. قلت: وقال البوصيري
__________
1 الكوفي، أبو بكر أو أبو عبد الرحمن، ثقةٌ فاضلٌ، من صغار السادسة، مات سنة 141هـ أو بعد ذلك/ ع. (التقريب 534) .
2 هو: سليمان بن الجهم بن أبي الجهم الأنصاري الحارثي، الجوزجاني، مولى البراء، ثقةٌ، من الثالثة/ د س ق. (التقريب 250) .
3 المستدرك: (2/192) .
4 المصدر السابق: (4/356) .
5 تهذيب السنن: (6/266) .
6 زاد المعاد: (5/15) .(3/178)
أيضاً: "إسناد صحيح رجاله ثقات"1.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث وإن كان في بعض طرقه اضطراب، فإن له طرقاً أخرى صحيحة لا مطعن فيها، ولا علة لها، فيكون الاعتماد عليها في الحكم بصحة هذا الحديث - أو حُسْنِهِ على الأقل - كمال حكم ابن القيم - رحمه الله - بحسن هذه الطرق، وذهب إلى أنها يؤيد بعضها بعضاً. ثم أيَّد ذلك بشاهد قويٍّ من حديث معاوية ابن قرة عن أبيه عن جده.
__________
1 مصباح الزجاجة: (2/78) . طبعة الحوت.(3/179)
5- باب في أنه لا يقتل المسلم بالكافر
ذكر ابن القيم - رحمه الله - بعضَ الأحاديث الواردة في قتل المسلم بالكافر، وَبَيَّنَ أنها معلولة، قال: "وأما الحديث الذي ذكره أبو داود في (المراسيل) عن:
100- (6) عبد الله بن عبد العزيز الحضرمي، قال: قَتَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ خيبرَ مسلماً بكافرٍ، قَتَلَهُ غِيلَةً1، وقال: "أنا أَوْلَى، وَأَحقُّ من أَوْفَى بِذِمَّتِه": فمرسل لا يثبت" 2.
قلت: أخرجه أبو داود في (المراسيل) 3 من طريق:
ابن وهب، عن عبد الله بن يعقوب4، عن عبد الله بن عبد العزيز بن صالح5 به، وفيه: "أنا أولى أو أحق".
ووقع في (تحفة الأشراف) 6 أن ذلك كان يوم "حنين"، والذي أثبته ابن القيم - رحمه الله - هو الموجود في نسختين من (المراسيل) ،
__________
1 أي: في خُفْيَةٍ واغتيالٍ، وهو أن يُخْدَعَ ويقتل في موضعٍ لا يراه فيه أحدٌ. (النهاية 3/403) .
2 تهذيب السنن: (6/330) .
(ح 251) باب الديات: في المسلم يقاد بالكافر إذا قتله.
4 ابن إسحاق المدني، مجهول الحال، من التاسعة/ د ت. (التقريب 330) .
5 الحضرمي، حجازيٌّ، مجهولٌ، من الرابعة، أَرْسَلَ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً / مد. (التقريب311) .
(13/257) .(3/180)
ولكن وقع في (تهذيب التهذيب) 1 ما يوافق نقل المزي، وكذا في (نصب الراية) 2، فالظاهرُ أنه الصواب، وقد رَجَّحَه محقق (تحفة الأشراف) .
وهذا الحديث - مع إرساله - في إسناده مجهولان: "الحضرمي" مُرسِلُه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، و"عبد الله بن يعقوب" الراوي عنه، وبهما أَعَلَّهُ ابن القطان رحمه الله3.
ثم أشار ابن القيم - رحمه الله - إلى مرسلٍ آخر يرويه ابن البيلماني، ثم قال: "ولا يصحُ من الوجهين: الإرسال، وابن البيلماني"4. ولم يذكر ابن القيم لفظه، وهو:
101- (7) عن عبد الرحمن بن البيلماني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ برجلٍ من المسلمين قَتَلَ معاهداً من أهل الذمة، فَقَدَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم، فضَرَب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى من وَفَّى بِذِمَّتِه".
قال ابن القيم رحمه الله: "وقد أسنده بعضهم من حديث ابن البيلماني، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يصحُّ، وهذا الحديث مداره على ابن البيلماني، والْبَلِيَّة فيه منه، وهو مجمعٌ على ترك الاحتجاج به، فضلاً عن تقديم روايته على أحاديث الثقات الأئمة، المخرجة في
__________
(6/86) .
(4/336) .
3 بيان الوهم والإيهام: (3/70) ح 739.
4 تهذيب السنن: (6/330) .(3/181)
الصحاح كلها"1.
قلت: قد رُوِيَ حديث ابن البيلماني هذا مرسلاً، ومسنداً.
أما المرسل: فقد أخرجه أبو داود في (المراسيل) 2 - ومن طريقه: الحازمي في (الاعتبار) 3 - من طريق: ابن وهب، عن سليمان بن بلال. وأخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) 4- ومن طريقه: الدارقطني في (سننه) 5 - من طريق: عبد الرحيم بن سليمان، عن حجاج. وأخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 6 - ومن طريقه: الدارقطني7، والبيهقي8، والحازمي9 - عن: الثوري. وأخرجه البيهقي في (سننه) 10 من طريق: سعيد بن منصور، عن عبد العزيز بن محمد. كلهم عن:
ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن البيلماني11، عن
__________
1 تهذيب السنن: (6/330) .
(ح 250) .
(ص 189) .
(5/408) ح 27460 - تحقيق: الحوت.
(3/135) ح 167.
(10/101) ح 18514.
(3/135) ح 166.
8 السنن: (8/30) .
9 الاعتبار: (ص 189) .
10 (8/30) .
11 مولى عمر، مدني نزل حرّان، ضعيفٌ، من الثالثة/ 4. (التقريب 337) .(3/182)
النبي صلى الله عليه وسلم به، واللفظ المذكور هو لفظ أبي داود، وفي آخره: "قال ابن وهب: تفسيره أنه قتله غيلة". وألفاظ الباقين بنحوه.
وأخرجه الشافعي في (مسنده) 1، والبيهقي في (سننه) 2 من طريق: إبراهيم بن محمد، عن:
محمد بن المنكدر، عن ابن البيلماني، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو لفظ أبي داود.
فهكذا روي هذا المرسل عن ربيعة، ومحمد بن المنكدر، كلاهما عن ابن البيلماني به، لكن روى البيهقي بإسناده إلى أبي عبيد القاسم بن سلاّم، أنه قال: " ... بلغني عن ابن أبي يحيى أنه قال: أنا حَدَّثتُ ربيعة بهذا الحديث. فإنما دار الحديث على ابن أبي يحيى، عن عبد الرحمن بن البيلماني ... "3.
ومهما يكن من أمر، فإن هذا المرسلَ ضعيفٌ، لوجود ابن البيلماني في إسناده، فإنه ضعيف عند جمهور العلماء4، ولذلك قال الدارقطني عقبه: "وابن البيلماني ضعيفٌ لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث، فكيف بما يرسله". ونقل البيهقي في (سننه) 5 عن صالح بن محمد جزرة أنه قال: "عبد الرحمن بن البيلماني حديثه منكر، وروى عنه
__________
(ص 343) من ك الديات والقصاص.
(8/30) .
3 سنن البيهقي: (8/31) .
4 انظر أقوالهم فيه في تهذيب التهذيب: (6/149 - 150) .
(8/31) .(3/183)
ربيعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلماً بمعاهد، وهو مرسلٌ منكر".
وفي الطريق الآخر: "إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى" وهو متروك الحديث باتفاقهم، فإذا نظرنا في كلام أبي عبيد الماضي: في أن ربيعة إنما أخذه من ابن أبي يحيى، وأنَّ الحديث حديث ابن أبي يحيى، فإنَّ هذا الإسناد يكون معلولاً بهذين الرجلين: ابن أبي يحيى، وابن البيلماني، هذا بالإضافة إلى كونه مرسلاً غير مسند. هذا فيما يتعلق بالطريق المرسل.
وأما الطريق المسند: فقد أخرجه الدارقطني في (سننه) 1 - ومن طريقه البيهقي في (سننه) 2 - من طريق:
عمَّار بن مطر، عن إبراهيم بن محمد، عن ربيعة، عن ابن البيلماني، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَتَلَ مسلماً بمعاهدٍ، وقال: "أَنَا أَكْرَم مَن وَفَّى بذمته".
وهذه الرواية الموصولة فيها عدة علل، كما بَيَّنَ ذلك الأئمة رحمهم الله:
قال الدارقطني: "لم يسنده غير إبراهيم بن أبي يحيى، وهو متروك الحديث، والصواب: عن ربيعة، عن ابن البيلماني - مرسلٌ - عن النبي صلى الله عليه وسلم"3. ثم ذكر ضعف ابن البيلماني، وقد سبق. وقال البيهقي:
__________
(4/134) ح 165.
(8/30) .
3 سنن الدارقطني: (3/135) .(3/184)
"هذا خطأ من وجهين: أحدهما: وصله بذكر ابن عمر فيه، وإنما هو: عن ابن البيلماني، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. والآخر: روايته عن إبراهيم، عن ربيعة، وإنما يرويه إبراهيم عن: ابن المنكدر، والحمل فيه على عمار بن مطر الرُّهَاوي؛ فقد كان يقلب الأسانيد، ويسرق الأحاديث حتى كثر ذلك في رواياته، وسقط عن حد الاحتجاج به"1. وقال الحازمي - بعد أن ذكر الجماعة الذين رووه مرسلاً -: "وقد خالفهم إبراهيم بن أبي يحيى في ذلك، فرواه عن: ربيعة، عن ابن البيلماني، عن ابن عمر مرفوعاً. وليس ابن أبي يحيى ممن يُفْرح بحديثه"2. وقال الحافظُ ابن حجر: "وَتَبَيَّنَ أنَّ عمار بن مطر خَبَطَ في سنده"3.
قلت: وعمار بن مطر - الذي جاء منه البلاء والخبط في هذا الحديث -: هو أبو عثمان الرُّهَاوي، ضَعَّفَهُ الأئمة ورموا أحاديثه بالنكارة، فقال أبو حاتم: "كان يكذب"4. وقال العقيلي: "يُحَدِّث عن الثقات بمناكير"5. وقال ابن حبان: "يروى عن ابن ثوبان وأهل العراق المقلوبات، يسرق الحديث ويقلبه ... "6. وقال ابن عدي: "متروك
__________
1 سنن البيهقي: (8/30) .
2 الاعتبار: (ص 190) .
3 فتح الباري: (12/262) .
4 الجرح والتعديل: (3/1/394) .
5 الضعفاء: (3/327) .
6 المجروحين: (2/196) .(3/185)
الحديث ... الضعف على رواياته بَيِّنٌ"1. وقال الدارقطني: "ضعيف"2. وقال الذهبي: "هالك"3.
فتلخص أن هذا المسند فيه بلايا: عمار بن مطر الهالك، وابن أبي يحيى المتروك، وابن البيلماني الضعيف، ومع كل ذلك: فإنَّ وَصْلَهُ خطأٌ، وأنَّ الصواب: إرساله، وهذا المرسل ضعيف أيضاً، لا يثبت مثله، وقد تقدم ذلك كله في كلام ابن القيم رحمه الله.
__________
1 الكامل: (5/ 72 - 73) .
2 السنن: (1/211) .
3 الميزان: (3/169) .(3/186)
6 - باب البدء في القسامة بأيمان المدعي
102- (8) عن سهل بن أبي حَثْمَةَ: أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقُوا فيها، فَوَجَدُوا أَحَدَهُم قتيلاً، فقالوا للذين وجدوه عندهم: قتلتم صَاحِبَنَا. فقالوا: ما قَتَلْنَاه ولا علمنا قاتلاً، فانطلقنا إلى نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال لَهُم: "تَأْتُونِي بِالبَيِّنَة على من قَتَلَ هذا؟ " قالوا: مَا لَنَا بَيِّنة، قال: "فَيَحْلِفُوَن لكم؟ " قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فَكَرِهَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطِلَ دَمَهُ، فَوَدَاهُ مائة من إبل الصَّدَقَةِ.
هكذا رُوِيَ هذا الحديث عند أبي داود وجماعة، والمشهور في هذه القصة خلافه، حيث بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بأيمان الْمُدَّعِين، فلما لم يحلفوا طلب أيمان اليهود، ولا ذكر فيه للبينة. ووقع فيه خلاف آخر ستأتي الإشارة إليه.
قال ابن القيم رحمه الله: "والصَّوابُ: روايةُ الجماعة الذين هم أئمةٌ أثباتٌ: أنه بدأَ بأَيمان الْمُدَّعِين، فلما لم يحلفوا ثَنَّى بأيمانِ اليهود. وهذا هو المحفوظُ في هذه القصة، وما سواه وَهْمٌ"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه البخاري في (صحيحه) 2، وأبو داود، والنسائي في (سننيهما) 3، وكذا الدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 4 من
__________
1 تهذيب السنن: (6/321) .
2 ك الديات، باب القسامة، ح 6898 (فتح الباري 12/229) .
3 د: (4/661) ح 4523 ك الديات، باب ترك القود بالقسامة. س (8/12) ك القسامة، باب تبدئة أهل الدم في القسامة.
4 قط: (3/110) ح 95. هق: (8/120) .(3/187)
طرق، عن: أبي نعيم1. وأخرجه مسلم في (صحيحه) 2 من طريق: عبد الله بن نمير. كلاهما عن:
سعيد بن عبيد3، عن بشير بن يسار4، عن سهل بن أبي حَثْمَةَ5 رضي الله عنه به. واللفظ المذكور هو لفظ أبي داود، ولفظ الباقين مثله، غير أنه جاء عند البخاري: " ... فَكَرِهَ أن يُطَلَّ6 دمه" بدل "يبطل" عند الآخرين. أما مسلم، فإنه لم يسق لفظه في (صحيحه) . وساقه في كتابه (التمييز) بنحو لفظ البخاري، وسيأتي كلامه.
هكذا رواه سعيد بن عبيد، عن بشير، وخالفه يحيى بن سعيد القطان، فأخرجه مسلم في (صحيحه) 7، والنسائي في (سننه) 8، والشافعي في (رواية المزني) 9 ثلاثتهم من طريق: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي. وأخرجه مسلم10 أيضاً، والترمذي11، والنسائي12، ثلاثتهم
__________
1 هو: الفضل بن دكين.
(3/1294) ح 1669 (5) ، ك القسامة والمحاربين ... ، باب القسامة.
3 الطائي، أبو الهذيل الكوفي، ثقةٌ، من السادسة / خ د ت س. (التقريب 239) .
4 الحارثي، مولى الأنصار، مدني، ثقةٌ فقيهٌ، من الثالثة/ ع. (التقريب 126) .
5 ابن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي، المدني، صحابي صغير، ولد سنة ثلاث من الهجرة، وله أحاديث، مات في خلافة معاوية / ع. (التقريب 257) .
6 يقال: طُلَّ دمهُ، وأُطِلَّ، وأَطَلَّهُ الله: إذا أُهْدِرَ. (النهاية 3/136) .
(3/1293) ح 1669.
(8/10) .
(ص 423) ح 624 باب ما جاء في القسامة.
10 ح 1669 (1) .
11 في جامعه: (4/30) ح 1422 ك الديات، باب ما جاء في القسامة.
12 (8/7) .(3/188)
من طريق: الليث بن سعد. وأخرجه الترمذي1 وحده من طريق: يزيد ابن هارون. وأخرجه مسلم، والنسائي2، والدارقطني3 من طريق: بشر ابن الفضل. وأخرجه النسائي4، والشافعي5 من طريق: سفيان بن عيينة. كلهم عن:
يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حَثْمَةَ - ووقعَ في رواية الليث بن سعد: عن سهل بن أبي حثمة، قال يحيى: وحسبت عن رافع بن خديج - أنهما قالا: خرج عبد الله بن سهل بن زيد، ومحيصة بن مسعود بن زيد، حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك.." فساقا الحديث بنحو ما تقدم، وفيه: فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقتل عبد الله بن سهل، فقال لهم: "أتحلفون خمسين يميناً فتستحقون صاحبكم؟ " قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد؟ قال: "فتبرئكم يهود بخمسين يميناً؟ " قالوا: وكيف نقبلُ أيمان قومٍ كُفَّار؟ فما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى عقله6.
هذا سياق مسلم، ولفظ الآخرين نحوه.
فقد خالف يحيى بن سعيد - في حديثه هذا - سعيد بن عبيد في
__________
(4/31) .
(8/9) .
(3/108) ح 91.
(8/11) .
5 رواية المزني: (ح 622) .
6 العقل: الدِّيَة. (النهاية 3/278) .(3/189)
موضعين: فلم يذكر فيه سُوءَالَهُم البَيِّنَة، وذكر فيه طلبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أيمان الْمُدَّعين.
فذهب بعض أهل العلم إلى تقديم رواية يحيى بن سعيد، وقد قَرَّرَ ذلك الإمام مسلم - رحمه الله - في كتابه (التمييز) فقال - بعد أن ساق الحديث بإسناده إلى سعيد بن عبيد -: "هذا خبرٌ لم يحفظه سعيد ابن عبيد على صحته، ودخله الوهمُ حتى أغفل موضع حُكْمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهته. وذلك أن في الخبر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة: أن يحلف المدَّعون خمسين يميناً ويستحقون قاتلهم، فأبوا أن يحلفوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تبرئكم يهود بخمسين يميناً. فلم يقبلوا أيمانهم، فعند ذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عقله"1. ثم ساق الحديث من عدة طرق إلى يحيى بن سعيد على نحو ما تقدم، ثم قال: "وَتَواُطُؤ هذه الأخبار التي ذكرناها بخلاف رواية سعيد، يَقْضِي على سعيد بالغلط والوهم في خبر القسامة. وغير مشكل على من عقل التمييز من الحفاظ من نقلة الأخبار، ومن ليس كمثلهم: أن يحيى بن سعيد أحفظ من سعيد بن عبيد، وأرفع منه شأناً في طريق العلم وأسبابه"2.
ونقل ابن القيم - رحمه الله - عن النسائي قوله: "لا نعلمُ أحداً تابع سعيد بن عبيد على روايته عن بشير بن يسار"3.
__________
1 التمييز: (ص 192) .
2 التمييز: (ص 194) .
3 تهذيب السنن: (6/320) .(3/190)
وقال المنذري - في كلامه على حديث سعيد بن عبيد-: "وقد ذكرنا ... اتفاق الحفاظ على البداءة بالمدعين"1.
فهذا مسلك هؤلاء في هذين الخبرين.
ورأى آخرون أنه لا تعارضَ بين الروايتين، وأن الجمع ممكن، فقال البيهقيُّ رحمه الله: "وإن صَحَّتْ رواية سعيد فهي لا تخالف رواية يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، لأنه قد يريد بالبَيِّنَة: الأيمان مع اللَّوث2، كما فسره يحيى بن سعيد، وقد يطالبهم بالبينة - كما في هذه الرواية - ثم يعرض عليهم الأيمان مع وجود اللوث، كما في رواية يحيى بن سعيد، ثم يَرُدُّها على الْمُدَّعَى عليهم عند نكول الْمُدَّعِين، كما في الروايتين"3.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ... في رواية سعيد بن عبيد: لم يذكر عرض الأيمان على المدعين، كما لم يقع في رواية يحيى بن سعيد طلب البينة أولاً، وطريق الجمع أن يقال: حَفِظَ أحدهم مالم يحفظ الآخر، فيحمل على أنه طلب البينة أولاً فلم تكن لهم بينة، فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا، فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم فأبوا". قال: "وقد وجدنا لطلب البينة في هذه القصة شاهداً من وجه آخر، أخرجه النسائي4 من طريق: عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن
__________
1 مختصر السنن: (6/321) .
2 اللَّوْثُ: البَيِّنَة الضعيفة غير الكاملة. (المصباح المنير: 2/560) .
3 سنن البيهقي: (8/120) .
4 في سننه: (8/12) .(3/191)
ابن محيصة الأصغر أصبحَ قتيلاً على أبواب خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَقِمْ شاهدين على من قتله، أَدْفَعْهُ إليك بِرِمَّتِهِ". قال: يا رسول الله أنَّى أصيبُ شاهدين، وإنما أصبح قتيلاً على أبوابهم؟ قال: "فتحلف خمسين قسامة". قال: فكيف أحلف على ما لا أعلم. قال: "تستحلف خمسين منهم". قال: كيف وهم يهود؟. قال: "وهذا السندُ صحيحٌ حسنٌ، وهو نصٌ في الحمل الذي ذكرته، فتعين المصير إليه"1.
وكأنَّ ابن القيم - رحمه الله - لم يستبعد إمكان الجمع أيضاً؛ فإنه بعد أن نقل كلام البيهقي السابق، قال: "ويدلُّ على ما ذكره البيهقي: حديث النسائي عن عمرو بن شعيب"2. وهذا بعينه مسلك ابن حجر كما مرَّ، إلا أنه - مع ذلك - قد صَوَّبَ ما ذهب إليه الإمام مسلم - رحمه الله - من ترجيح رواية يحيى بن سعيد، وتخطئة ما سواها.
قلت: ومسلكُ الجمع وجيهٌ؛ إذ إنَّ الجمع بين الوجوه التي ظاهرها التعارض، أولى من تخطئة الثقة بلا برهانٍ واضحٍ، وبَيِّنَةِ ظاهرة، لا سيما وقد وُجِدَتْ متابعة لرواية سعيد بن عبيد، كما مضى في كلام ابن حجر رحمه الله.
ثم إنه قد وقع خلافٌ على يحيى بن سعيد في روايته، ففي رواية حماد بن زيد عند مسلم3 وأبي داود4، أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يُقْسِمُ خمسون
__________
1 فتح الباري: (12/234) .
2 تهذيب السنن: (6/321) .
3 صحيح مسلم: ح 1669 (2) .
4 السنن: (4/655) ح 4520.(3/192)
منكم على رجلٍ منهم فيدفع برمته". قال البيهقي: "هكذا رواه حماد بن زيد ... والعدد أولى بالحفظ من الواحد"1. يعني أنهم لم يذكروا قوله: "على رجلٍ منهم".
وَثَمَّةَ خلاف آخر على يحيى بن سعيد؛ فقد أخرج البيهقي - رحمه الله - هذا الحديث من طريق ابن عيينة، عن يحيى، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "فتبرئكم يهود بخمسين يميناً ... " 2. فَقَدَّمَ أيمان اليهود.
قال أبو داود - وقد أشار إلى هذه الرواية -: "وهذا وَهْمٌ من ابن عيينة"3.
وقد نقل الشافعي عن ابن عيينة أنه لم يتقنه، فقال: "فكان سفيان يحدثه هكذا، وربما قال: لا أدري أَبَدَأَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصارَ في اليمين أم يهود؟ فقال له: إن الناس يحدثون أنه بدأ الأنصار، قال: فهو ذلك. وربما حَدَّثَهُ ولم يشكّ فيه"4. واستدلَّ البيهقي - رحمه الله - بذلك على أن ابن عيينة لم يتقنه إتقان الجماعة الكثيرين الذين رووه عن يحيى بخلاف ذلك5.
__________
1 سنن البيهقي: (8/119) .
2 سنن البيهقي: (8/119) .
3 سنن أبي داود: (4/658) .
4 السنن المأثورة (رواية المزني) : (ص 423) .
5 سنن البيهقي: (8/119) .(3/193)
فتلخص من ذلك: أن ابن القيم - رحمه الله - قد اختار رواية من روى البدءَ بأيمان الْمُدَّعِين، ولم يذكر طلبَ البينة، ورأى أنَّ ذلك هو الصواب، وأن ما عدا ذلك وَهْمٌ من قائله. وقد سبقه إلى ذلك: الإمام مسلم، والنسائي رحمهما الله. ومع ذلك، فإن القولَ بالجمع بين الخبرين، وعدم تعارضهما قول لا ينبغي إهماله أيضاً؛ لأن التأليف بين الأخبار أولى؛ لكون ذلك فيه إعمال لها جميعاً كما مضى، والله أعلم.(3/194)
من كتاب الأدب
1 ـ باب كم مرة يشمت العاطس؟
...
1 - باب كم مرة يشمت العاطس؟
103- (1) عن أبي هريرة موقوفاً عليه: "شَمِّتْ1 أخَاكَ ثَلاثَاً، فما زَادَ فهو زُكَامٌ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث وعزاه إلى أبي داود، ثم ذكر أن أبا داود أخرجه من وجه آخر عن ابن عجلان، وفيه قول سعيد المقبري: "لا أعلمه إلا أنه رَفَعَ الحديث - يعني أبا هريرة - إلى النبي صلى الله عليه وسلم". ثم ذكرَ روايةً أُخرى عَلَّقَها أبو داود أيضاً، ثم حَكَمَ عليها بالحسن2.
قلت: أما الرواية الموقوفة، فقد أخرجها أبو داود في (سننه) 3 من طريق: يحيى القطان. والبخاري في (الأدب المفرد) 4 من طريق: ابن عيينة، كلاهما عن: محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري5، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
وفي إسناده "محمد بن عجلان"، وقد تُكُلِّم في روايته عن المقبري،
__________
1 التَّشْمِيتُ - بالشين والسين-: الدعاء بالخيرِ والبركةِ، والمعجمة أعلاهما. (النهاية 2/499) .
2 زاد المعاد: (2/440 - 441) .
(5/290) ح 5034، ك الأدب، باب كم مرة يشمت العاطس.
(ص 137) باب من عطس مراراً.
5 أبو سعيد المدني، ثقةٌ، من الثالثة، تَغَيَّرَ قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة، مات في حدود 120هـ /ع. (التقريب 236) .(3/197)
عن أبي هريرة، قال يحيى القطان: "سمعتُ محمد بن عجلان يقولُ: كان سعيدٌ المقبري يُحَدِّث عن أبيه عن أبي هريرة، وعن أبي هريرة، فاختلط عليَّ فجعلتها كلها عن أبي هريرة"1.
قال ابن حبان عقب إيراده هذه الحكاية: "وليس هذا مما يَهِي الإنسان به؛ لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة، فما قال ابن عجلان: عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. فذاكَ مما حَمَلَ عنه قديماً قبل اختلاط صحيفته عليه، وما قال عن سعيد عن أبي هريرة: فبعضها متصل صحيحٌ، وبعضها منقطع لأنه أسقط أباه منها، فلا يجب الاحتجاج - عند الاحتياط - إلا بما يَرْوي الثقات المتقنون عنه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ... "2.
فَتَبَيَّنَ من هذا أن ما ينفردُ به ابنُ عجلان عن المقبري عن أبي هريرة: ينبغي التوقف فيه احتياطاً، لاحتمال أن يكون منقطعاً.
فإن قيل: وعلى القول بالانقطاع فإنه لا يضرُّ؛ لأنَّ الواسطة بين المقبري وأبي هريرة: "أبو سعيد المقبري"، ومع العلم بالواسطة فإنه لا يضر سقوطها؟
قيل: إنَّ تخليط ابن عجلان في حديث سعيد المقبري ليس قاصراً على رواية المقبري عن أبيه، بل منها ما كان عن سعيد عن غير أبيه، فقد
__________
1 الثقات لابن حبان: (7/386) . وانظر: الميزان: (3/645) مع اختلاف يسير.
2 الثقات: (7/387) .(3/198)
وَرَدَ في حكايته آنفة الذكر: أن سعيداً كان يُحَدِّثُ عن أبيه، عن أبي هريرة. وعن رجل، عن أبي هريرة، فاختلط عليه فجعلهما عن أبي هريرة1.
وليس ذلك فحسب، بل اختلطت على ابن عجلان أحاديثُ المقبري عن أخيه عن أبي هريرة، وغيره من مشايخ سعيد، كما قاله النسائي رحمه الله2.
هذا ما يتعلق بالكلام على إسناد هذا الحديث، أما من ناحية رفعه:
فقد أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والطبراني في (الدعاء) 4، وابن السُنِّي في (عمل اليوم والليلة) 5، ثلاثتهم من طريق:
الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة - قال: لا أعلمه إلا رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم - بمعنى الحديث المتقدم.
وأخرجه الطبراني في (الدعاء) 6 من طريق ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ... ، وقد تَقَدَّمَ أن
__________
1 الميزان: (3/645) .
2 ينظر حول ذلك: (الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم) : (ص 223 - 225) .
(5/290) ح 5035.
(3/1695) ح 1999.
(ص 125) ح 250 باب تشميت العاطس ثلاثاً.
(3/1695) ح 2001.(3/199)
البخاري أخرجه في (الأدب) من طريق ابن عيينة موقوفاً.
وقد رُوي مرفوعاً من وجهٍ آخر، عَلَّقَه أبو داود1 فقال: "رواه أبو نعيم، عن موسى بن قيس، عن محمد بن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعاً".
ووصله الطبراني في (الدعاء) 2، فقال: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم ... به، إلا أنه وقع عنده: "موسى بن موسى الأنصاري" بدل "موسى بن قيس" وأشار المحقق إلى عدم وقوفه على ترجمته.
والرجل - كما جاء في إسناد أبي داود - هو موسى بن قيس3، قال ابن القَيِّم: "هو الحضرميُّ الكوفيُّ، يعرفُ بعصفور الجنة، قال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم الرازي: لا بأس به"4.
وقد حَسَّنَ ابن القَيِّم - رحمه الله - حديث موسى بن قيس هذا، فقال: "وهو حديث حسن"5.
وقد سألَ ابن أبي حاتم أباه عن حديث أبي هريرة هذا موقوفاً؟ فقال: "منهم من يرفعه" قلت: من يرفعه؟ وأيهما أصح؟ فقال: "قوم من الثقات يرفعونه"6.
__________
1 السنن: (5/290) .
(3/1694) ح 1998.
3 قال الحافظ ابن حجر: "صدوق رُمِيَ بالتشيع، من السادسة/ د س". (التقريب:553) .
4 زاد المعاد: (2/440 - 441) . وانظر: ترجمته في تهذيب التهذيب (10/366) .
5 زاد المعاد: (2/441) .
6 علل ابن أبي حاتم: (2/291) ح 2376.(3/200)
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث يُروى عن أبي هريرة موقوفاً ومرفوعاً، وأن رَفْعَهُ زيادة من الثِّقَةِ فهي مقبولة، والحديث حَسَنٌ لغيره، وذلك أنه من رواية ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وقد تقدم أن الاحتياط التوقف في رواية ابن عجلان ما لم يتابع عليها، وقد وجدت الشيخ الألباني - رحمه الله - نَبَّه على متابعة له تجعل حديثه مقبولاً، ولا ينزل عن درجة الحسن، وهي:
ما أخرجه الديلمي في (مسند الفردوس) من طريق: علي بن عاصم: حدثنا ابن جريج، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به.
أشار - رحمه الله - إلى هذه المتابعة في (السلسلة الصحيحة) 1 ثم قال: "وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير علي بن عاصم، قال الحافظ: صدوقٌ يخطئ ويهم".
قلت: وحديثه لا بأس به في المتابعات، وإذا ضُمَّ إلى طرق حديث ابن عجلان المتقدمة تَقَوَّى كل منهما بالآخر.
وثمة متابعة أخرى لسعيد المقبري نفسه، وذلك فيما أخرجه ابن السني في (عمل اليوم والليلة) 2 من طريق: محمد بن سليمان بن أبي داود3، عن أبيه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن
__________
(ح 1330) .
(ص 126) ح251.
3 الحراني، اسم جده: سالم أو عطاء، صدوقٌ، من التاسعة، مات 213هـ / ق. (التقريب 481) .(3/201)
النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا تشميت بعد ثلاث مرات".
وأشار النووي - رحمه الله - إلى هذه الطريق في (الأذكار) 1 فقال: "وروينا في كتاب ابن السني - بإسناد فيه رجل لم أتحقق حاله، وباقي إسناده صحيح - عن أبي هريرة ... " فذكره.
قال ابن حجر - رحمه الله - عقب نقله كلام النووي هذا: "الرجل المذكور هو: سليمان بن أبي داود الحراني، والحديث عندهما - يعني عند ابن السني وأبي يعلى- من رواية محمد بن سليمان عن أبيه، ومحمد موثَّق، وأبوه2 يقال له: الحراني، ضعيف، قال فيه النسائي: ليس بثقة ولا مأمون"3.
ولا شك أن هذه الطريق وإن كانت ضعيفة، فإنَّها تتقوى بما سبق، وإذا انضمت إلى الطريق السابقة أعطتها قوة.
ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام: أن ابن القَيِّم - رحمه الله - قد أشار إلى رواية ابن المسيب عن أبي هريرة الأخيرة، فبعد أن فرغ من الكلام على حديث ابن عجلان قال: "وفي الباب حديث آخر عن أبي هريرة يرفعه ... " فذكره، إلا أنه حدث له وهم يرحمه الله، وهو أنه جعل لهذا المتن إسناداً آخر، فقال: "وهذا الحديث هو حديث أبي داود الذي
__________
(ص 234) .
2 انظر ترجمته في الميزان: (2/206) .
3 فتح الباري: (10/605) .(3/202)
قال فيه: رواه أبو نعيم، عن موسى بن قيس، عن محمد بن عجلان، عن سعيد ... "1. وقد علم مما تقدم أنهما حديثان متغايران.
هذا، وقد حَسَّنَ حديث أبي هريرة من طريق المقبري: البغوي2، والسيوطي3، والألباني4. وجوّد الحافظ العراقي إسناده5.
ومن هذا يتبين أنَّ الحديث حسنٌ بتلك المتابعات، كما حَكَمَ بذلك ابن القَيِّم رحمه الله.
ومن الشواهد التي ذكرها ابنُ القَيِّم - رحمه الله - لهذا الحديث:
104- (2) حديث عبيد بن رفاعة الزرقي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "تشمتُ العاطسَ ثلاثاً، فإنْ شئت فشَمِّتْهُ، وإن شئت فَكُفّ ".
قال ابن القَيِّم - رحمه الله - عقب إيراده هذا الحديث: "ولكن له علتان:
إحداهما: إرساله؛ فإن عبيداً هذا ليست له صحبة.
والثانية: أن فيه أبا خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني، وقد تُكِلِّم فيه"6.
__________
1 زاد المعاد: (2/441) .
2 في مصابيحه، انظر: (المشكاة) : (ح 4743) .
3 في الجامع الصغير، انظر: فيض القدير مع الجامع: (4/164) ح 4898.
4 في صحيح الجامع: (ح 3715) .
5 كما في فيض القدير: (4/164) .
6 زاد المعاد: (2/441) .(3/203)
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 1، والترمذي في (جامعه) 2، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 3، كلهم من طريق: عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن4، وإلى هنا اتفقوا جميعا ثم حصل اختلاف:
فأما أبو داود وابن السُّني فقالا: عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أمه حميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة، عن أبيها عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الترمذي فقال: عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة، عن أمه عن أبيها، كذا سماه عمر، ولم يسم أمه ولا أباها. ولذلك فقد قال الترمذي عقب إخراجه "حديث غريب، وإسناده مجهول". وَضَعَّفَهُ النوويُّ5 معتمداً في ذلك على قول الترمذي.
ولكن تَعَقَّبَ الحافظ ابن حجر النوويَّ، فقال: "إطلاقه عليه الضعف ليس بجيد؛ إذ لا يلزم من الغرابة الضعف، وأما وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولاً: فلم يُرِدْ جميع رجال الإسناد؛ فإنَّ معظمهم
__________
(5/291) ح 5036.
(5/85) ح2744 ك الأدب، باب ما جاء كم يشمت العاطس.
(ح 252) .
4 أبو خالد الدالاني، الأسدي، الكوفي، صدوقٌ يخطئ كثيراً، وكان يُدَلِّس، من السابعة/ 4. (التقريب 636) .
5 في الأذكار: (ص 234) .(3/204)
مُوثَّقُون، وإنما وقع في روايته تغيير اسم بعض رواته وإبهام اثنين منهم". ثم ساق إسناد أبي داود وقال: "وهذا إسناد حسن، والحديث مع ذلك مرسل".
ثم ساق إسناد الترمذي، وقال: "وكأنه لم يمعن النظر، فمن ثم قال: إنه إسناد مجهول. وقد تَبَيَّنَ أنه ليس بمجهول، وأن الصوابَ: يحيى بن إسحاق، لا عمر"1.
فتبين من ذلك أنَّ هذا الحديث وإن كان مرسلا إلا أنه حسن الإسناد، وأبو خالد الدالاني وإن كان متكلماً فيه إلا أنه لا يصل إلى درجة من يُترك حديثه، وأن أقلَّ أحوالِ هذا المرسل أنه يصلحُ شاهداً لحديث أبي هريرة المتقدم، والله أعلم.
__________
1 فتح الباري: (10/605 - 606) .(3/205)
2 - باب هل يجزئ عن الجماعة أن يسلم أو يرد أحدهم؟
105- (3) عن علي رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُجْزِئ عن الجماعةِ إذا مَرُّوا أن يُسَلِّم أَحَدُهُم، ويُجْزِئ عن الجُلوسِ أن يَرُدَّ أَحَدُهُم ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "ذهب إلى هذا الحديث من قال: إنَّ الرَّد فرضُ كفاية، يقومُ فيه الواحدُ مقامَ الجميع، لكن ما أَحْسَنَهُ لو كان ثابتاً؛ فإنَّ هذا الحديث رواه أبو داود من رواية سعيد بن خالد الخُزاعي المدني. قال أبو زرعة الرازي: مدنِيٌّ ضعيف. وقال أبو حاتم الرازي: ضعيفُ الحديثِ. وقال البخاري: فيه نَظَرٌ. وقال الدارقطني: ليس بالقوي"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2 - ومن طريقه البيهقي3 - وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 4، ثلاثتهم من طريق:
سعيد بن خالد الخزاعي5، حدثني عبد الله بن الفضل6، حدثنا
__________
1 زاد المعاد: (2/426 - 427) .
(5/387) ح 5210 ك الأدب، باب ما جاء في ردِّ الواحد عن الجماعة.
3 السنن: (9/48 - 49) ك السير، باب النفير وما يستدل به على أنَّ الجهاد فرض على الكفاية.
(ص 114) ح 224، باب سلام الواحد من الجماعة على الجماعة.
5 المدني، ضعيف، من السابعة، مات بعد الخمسين/ د. (التقريب 235) .
6 ابن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، المدني، ثقةٌ، من الرابعة/ ع. (التقريب 317) .(3/206)
عبيد الله بن أبي رافع، عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه به، واللفظ الذي ساقه ابن القَيِّم هو لفظ أبي داود. ولفظ ابن السُّني نحوه.
وأخرجه جماعة غير هؤلاء، ذكرهم الشيخ الألباني في (إرواء الغليل) 1.
والحديثُ بهذا الإسنادِ ضعيفٌ؛ لضعف سعيد بن خالد كما مَرَّ من كلام ابن القَيِّم رحمه الله. وقال الدارقطني: "الحديثُ غيرُ ثابت، تَفَرَّد به سعيد بن خالد المدني ... وليس بالقوي"2. وَضَعَّفَهُ المنذريُّ3 بسعيد هذا، وكذا الضياء المقدسي4.
وللحديث شاهدٌ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أشارَ إليه الشيخ الألباني5 رحمه الله، وأخرجه ابن السُّنِّي في (عمل اليوم والليلة) 6 من طريق: حفص بن عمرو بن زريق، ثنا عبد الرحمن بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله! القوم يمُرُّون يسلِّم رجل منهم، يجزئ ذلك عنهم؟ قال: "نعم". قال: فيردُّ رجل من القوم، أيجزئ
__________
(3/242) .
2 العلل: (4/22) .
3 مختصر السنن: (8/79) .
4 نقله عنه في إرواء الغليل: (3/242) .
5 الإرواء: (3/243) .
(ص 118) ح 234.(3/207)
ذلك عنهم؟ قال: "نعم".
وهذا الإسناد رجاله ثقات، غير حفص بن عمرو فلم أقف على من تَرْجَمَهُ، وعبد الرحمن بن الحسن: كذا هو عند ابن السُّنِّي، وصوابه: عبد الله، فهو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب1، فقد أورده الشيخ الألباني في (الإرواء) 2 من رواية أبي سهل القَطَّان في (حديثه) ، فقال فيه: عبد الله بن حسن بن حسن بن علي ...
وله شاهد آخر أرشد إليه الشيخُ الألباني رحمه الله، وهو من رواية الحسن بن علي رضي الله عنه، أورده الهيثميُّ في (مجمع الزوائد) 3 بمثل لفظ حديث أبي سعيد المتقدم قبل قليل، ثم قال: "رواه الطبراني، وفيه كثير بن يحيى، وهو ضعيف".
ويشهد له أيضاً: ما أخرجه مالكٌ في (الموطأ) 4 عن زيد بن أسلم، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُسَلِّمُ الراكبُ على الماشي، وإذا سَلَّمَ مِن القوم واحدٌ أجزأَ عنهم". والمراد: الإجزاء في الردِّ5.
__________
1 أبو محمد، ثقةٌ جليل القدر، من الخامسة، مات في أول سنة 145هـ /4. (التقريب 300) .
(3/243) .
(8/35) .
(2/959) ح 1، ك السلام، باب العمل في السلام.
5 انظر: التمهيد: (5/289) فقد أَوَّلَهُ ابن عبد البر على هذا المعنى.(3/208)
قال الإمام النووي رحمه الله: "هذا مرسلٌ صحيحُ الإسناد"1. وقال الشيخ الألباني: "وزيد بن أسلم ثقةٌ عالم من رجال الستة، وكان يرسل، وهذا من مرسلاته"2. وقال الشيخ الأرناؤوط: "مرسلٌ صحيح"3.
وقد تابعَ مالكاً على هذا المرسل: ابن جريج، فأخرجه ابن عبد البَرِّ في (التمهيد) 4 بإسناده إليه، عن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرَّ القوم على المجلس فَسَلَّمَ منهم رجلٌ، أجزأَ ذلك عنهم. وإذا رَدَّ من أهلِ المجلس رجلٌ أجزأ ذلك عنهم".
ولعلَّ الحديث بهذه الشواهدِ يَتَقَوَّى فيصلُ إلى رتبةِ الحَسَنِ، وقد حَسَّنَه أبو سعيد النيسابوري في (الأربعين) كما نقله عنه الشيخُ الألباني، ثم تعقبه بقوله: "ولعله يعني: حسن لغيره"5. وقال ابن عبد البر: "حديث حسن لا معارضَ له"6. وحسَّنَه الشيخُ الألباني أيضاً7.
فإذا تقرر ذلك، فإنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - لم يكن مُصيباً في القول بعدم ثبوت الحديث، ولعله لم يتهيأ له الوقوف على شواهده؛
__________
1 الأذكار: (ص 211) .
2 السلسلة الصحيحة: (ح 1148) .
3 التعليق على زاد المعاد: (2/427) .
(5/291) .
5 إرواء الغليل: (3/242) .
6 التمهيد: (5/290) .
7 إرواء الغليل: (3/242) .(3/209)
فإنَّ الحديث حسن لغيره بشواهد عديدة كما تقدم، والله أعلم.
وقد استدلَّ بهذا الحديث: مالكٌ والشافعيُّ وأصحابهما على أن رَدَّ السَّلام فرضٌ على الكفاية، إذا قامَ به بعض القوم أجزأ عن غيرهم1، وقد أشار ابن القَيِّم - رحمه الله - إلى ذلك أول البحث.
__________
1 انظر: التمهيد: (5/287 - 288) .(3/210)
3 - باب ما جاء في المصافحة
106- (4) عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ: الأَخْذُ باليَدِ " 1.
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (تهذيب السنن) 2، ثم قال:"وله علتان:
إحداهما: رواية يحيى بن سُلَيْم له.
والثانية: أن راويه عن ابن مسعود رجلٌ مجهولٌ". ثم نقل عن الترمذي أنه سألَ البخاريَّ عنه، فلم يُعُدَّه محفوظاً.
قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذيُّ في: (جامعه) 3، و (علله) 4، وأبو أحمد الحاكم في (الفوائد) 5 من طريق: يحيى بن سليم الطَّائفي، عن سفيان، عن منصور، عن خيثمة6، عن رجلٍ، عن ابن مسعود رضي الله عنه به.
__________
1 نقل ابن حجر في فتح الباري: (11/56) عن ابن بطال قوله: "الأخذ باليد: هو مبالغة المصافحة ... ".
(8/79) .
(5/75) ح 2730 ك الاستئذان، باب ما جاء في المصافحة.
(2/863) .
5 كما أفاده الشيخ الألباني في الضعيفة: (3/449) .
6 ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة، الجُعْفي، الكوفي، ثقةٌ، وكان يُرْسِلُ، من الثالثة، مات بعد سنة 80هـ/ ع. (التقريب 197) .(3/211)
وقد أَعَلَّ الأئمة هذا الحديث وَضَعَّفُوه، فقال الترمذي عقبه: "هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم عن سفيان، وسألت محمدَ بنَ إسماعيل عن هذا الحديث، فلم يُعدَّه محفوظاً، وقال: إنما أراد عندي: حديث سفيان، عن منصور، عن خيثمة، عمن سمع ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا سَمَرَ إلا لِمُصَلٍّ أو مُسَافِرٍ".
قلت: فقد حمل البخاريُّ - رحمه الله - في هذا الحديث على يحيى بن سليم الطائفي، وأنه انقلبَ عليه، فجاء بمتنِ حديثِ الأخذِ باليد فَرَكَّبَهُ على إسناد حديث آخر، وهو حديث: "لا سَمَرَ إلا لِمُصَلٍّ ... " 1.
وقال البخاري مرة: "هذا حديث خطأ"2. ثم بيَّنَ الصوابَ في حديث المصافحة هذا، فقال: "وإنما يُرْوَى عن منصور، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد - أو غيره - قال: من تَمَام التحية ... "3. كذا في (جامع الترمذي) ، وفي (العلل) 4 له: "وإنما يُروى عن منصور، عن الأسود بن يزيد - أو عبد الرحمن بن يزيد - أنه قال ... ".
ويحيى بن سليم: سيئُ الحفظ، يَهِمُ ويخطئ، ولذلك قال الإمام
__________
1 جامع الترمذي: (5/75 - 76) .
2 علل الترمذي: (2/863) .
3 جامع الترمذي: (5/76) .
(2/863) .(3/212)
أحمد: "أتيته فكتبت عنه شيئاً، فرأيته يُخَلِّطُ في الأحاديث فتركته"1. وخطَّأه غيره.
وقال أبو حاتم رحمه الله: "حديثٌ باطلٌ"2 ولَعَلَّه - رحمه الله - يشير إلى العِلَّة التي ذكرها البخاري. وقد ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة يحيى الطائفي من (ميزانه) 3 على عادته في ذكر شئٍ من حديث الراوي مما انفرد به، أو أُنْكِرَ عليه.
وقد ضَعَّفَ إسناده أيضاً: الحافظُ ابن حجر، فقال: "إسناده ضعيف"4 وقال مرة: "في سنده ضعف"5.
ويضافُ إلى ما تَقَدَّمَ: الجهالةُ في إسناده، حيث لم يُسَمّ الرَّاوي عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقد أشار الزيلعي إلى ذلك، فقال: "وفيه أيضاً مجهولٌ"6. ونقل المناوي في (فيض القدير) 7 عن المنذريِّ مثل ذلك.
وقد أورد الشيخُ الألبانيُّ هذا الحديث في (السلسلة الضعيفة) 8،
__________
1 انظر: الميزان: (4/384) ، وتهذيب التهذيب: (11/226 - 227) .
2 علل ابن أبي حاتم: (2/307) ح 2433.
(4/384) .
4 الدارية: (2/234) .
5 فتح الباري: (11/56) .
6 نصب الراية: (4/260) .
(6/11) .
(3/449) ح 1288.(3/213)
ونقل أقوال الأئمة في تضعيفه، ثم ذكر له بعضَ الشواهد من حديث: أبي أمامة، والبراء بن عازب، وَضَعَّفها، ثم قال: "وجملة القول: أنَّ طرقَ هذا الحديث كلها واهيةٌ، وبعضها أشد ضعفاً من بعض، فليس فيها ما يمكنُ الاعتمادُ عليه كشاهدٍ صالح، فالذي أستخيرُ الله فيه: أَنَّهُ ضعيفٌ مرفوعاً، صحيحٌ موقوفاً، والله أعلم".
فَتَلَخَّصَ من ذلك أن هذا الحديث:
1- ضعيف السند؛ لوجود يحيى الطائفي فيه.
2- ومقلوبُ المتن؛ إذ رُكِّبَ متنه على إسناد آخر.
3- وفي إسناده راوٍ مجهولٌ.
4- وأنَّ الصواب فيه: الوقفُ على الأسود بن يزيد، أو عبد الرحمن بن يزيد.
وبذلك يكون للحديث علتان أخريان زيادة على ما ذكر ابن القَيِّم رحمه الله.
ومع كل هذا، فقد رَمَزَ له السيوطي في (الجامع الصغير) 1 بالحُسْن! فلعله حَدَثَ خطأٌ؛ إذ إنَّ هذه الرموزُ قد يغلبُ عليها تحريف النساخ، كما نَبَّه عليه الشيخ الألباني2. فالله أعلم.
__________
1 مع فيض القدير: (6/11) ح 8238.
2 مقدمة ضعيف الجامع: (1/13) .(3/214)
4 ـ باب الرجل يدعى إلى طعام، هل يكون ذللك إذنا له؟
...
4- باب الرجل يدعى إلى طعام، هل يكون ذلك إذنا له؟
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وقد روى أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم، من حديث قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: "رسولُ الرَّجُلِ إلى الرَّجُلِ إِذْنُه". وفي لفظ: "إذا دُعِيَ أَحَدُكُم إلى طَعَامٍ، ثُمَّ جَاءَ مَعَ الرَّسُولِ، فإِنِّ ذَلِك إذْنٌ لَهُ".
ثم قال: "وهذا الحديث فيه مقالٌ، قال أبو عليٍّ اللؤلؤي: سمعتُ أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع. وقال البخاريُّ في (صحيحه) : وقال سعيد: عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: هو إذنه. فَذَكَرَهُ تعليقاً لأجل الانقطاع في إسناده"1.
قلت: عند التدقيق نجد أن المذكور في كلام ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثان، أما أولهما، فهو:
107- (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رسولُ الرَّجُلِ إلى الرَّجُلِ إِذْنُه ".
وهذا الحديث أخرجه، أبو داود في (سننه) 2، والبخاري في (الأدب المفرد) 3، والبيهقي في (سننه) 4 من طريق: حَمَّاد بن سلمة،
__________
1 زاد المعاد: (2/432) .
(5/376) ح 5189.
(ص 157) .
(8/340) .(3/215)
عن هشام بن حسان1 وحبيب بن الشَّهيد.
وأخرجه: ابن حبان في (صحيحه) 2، والبيهقي في (سننه) 3 من طريق: حماد بن سلمة أيضاً، لكن عن: أيوب وحبيب بن الشَّهيد. ثلاثتهم عن:
محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
قلت: هكذا إسنادُ الحديث بهذا اللفظ عند الأئمة المذكورين، خلافاً لما يظهر من كلام ابن القَيِّم السالف؛ حيث جعل هذا اللفظ من رواية: قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة! وسيأتي أن هذا الإسناد الذي ساقه ابن القَيِّم إنما هو إسناد الحديث الثاني الآتي بعد هذا إن شاء الله.
وهذا الإسنادُ صحيحٌ، رجاله ثقاتٌ؛ فقد رواه عن ابن سيرين جماعة كما تقدم، وفيهم هشام بن حَسَّان الذي هو من أثبتِ الناسِ في ابن سيرين.
وأما الحديث الثاني، فهو:
108- (6) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دُعِيَ أَحَدُكُم إلى طَعَامٍ، فجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ، فإِنِّ ذَلِك له إذْنٌ ".
__________
1 الأزدي، القردوسي، أبو عبد الله البصري، ثقةٌ، من أثبت النَّاس في ابن سيرين، من السادسة، مات سنة 147 أو 148هـ / ع. (التقريب 572) .
2 الإحسان: (7/526) ح 5781.
(8/340) .(3/216)
هذا الحديث أخرجه، أبو داود في (سننه) 1، والبخاري في (الأدب المفرد) 2، والبيهقي في (سننه) 3. وعلقه البخاري في (صحيحه) 4 - كما مضى في كلام ابن القَيِّم - كلهم من طريق:
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع5، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. واللفظُ المذكور هو لفظ أبي داود، ومثله لفظ البخاريّ والبيهقي، ولكن ليس عندهما قوله: "إلى طعام ".
ووقع في (سنن أبي داود) عقب الحديث: قال أبو علي اللؤلؤي: "سمعت أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئاً". وقد وقعت كلمة "شيئاً" في السنن بين قوسين، وَنَبَّه الحافظ ابن حجر على أن هذه اللفظة في رواية أبي الحسن بن العبد6. كذا أَعَلَّهُ أبو داود - رحمه الله - بالانقطاع، ووافقه على ذلك المنذري في (مختصر السنن) 7، وَأَيَّدَه بإخراج البخاري له معلقاً، وكأنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - نقل كلام المنذري بعينه.
__________
(5/376) ح 5190. ك الأدب، باب في الرجل يُدعى، أيكون ذلكَ إذنه؟
(ص 157) باب دعاء الرجل إذنه.
(8/340) .
4 ك الاستئذان، باب إذا دُعِيَ الرجلُ فجاء هل يستأذنُ (فتح الباري 11/31) .
5 هو: نُفَيْع الصائغ، المدني، نزيل البصرة، ثقةٌ ثبتٌ، مشهور بكنيته، من الثانية/ ع. (التقريب 565) .
6 فتح الباري: (11/31) .
(8/64) .(3/217)
أما عدمُ سماع قتادة من أبي رافع، فقد قاله أيضاً: شعبة1، وابن معين2.
ولكن رَدَّ ذلك الحافظ الذهبي، ومن بَعْدِه الحافظ ابنُ حجر رحمهما الله تعالى، قال الذهبي - مُعَقَّبَاً على مقالة أبي داود -: "قلتُ: بل سمع منه؛ ففي صحيح البخاريَّ حديث سليمان التيمي، عن قتادة، سمعت أبا رافع، عن أبي هريرة حديث: إنَّ رحمتي غلبت غضبي"3. وكذا قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) 4، وأما في (تهذيب التهذيب) 5 فإنه أوردَ مقالةَ أبي داود ثم قال: "كأنه يعني حديثاً مخصوصاً، وإلا ففي صحيح البخاريِّ تصريحٌ بالسماع منه".
وعلى القول بثبوت سماع قتادة من أبي رافع في هذا الحديث، فإن هذا الإسنادَ يبقى معلولاً بعنعنة قتادة؛ فإنه مدلس6، ولم يُصَرِّح بسماعه في هذا الحديث، قال الذهبي رحمه الله: "وهو حجة بالإجماع إذا بَيَّنَ السَّماع؛ فإنه مدلسٌ معروفٌ بذلك ... "7.
__________
1 علل ابن أبي حاتم: (ص 170) ، وجامع التحصيل: (ص 312) .
2 جامع التحصيل: (ص 312 - 313) .
3 سير النبلاء: (5/283) .
(11/31 - 32) .
(8/354) .
6 انظر طبقات المدلسين: (ص 102) .
7 سير أعلام النبلاء: (5/271) .(3/218)
ولكن يشهد له حديث أبي هريرة الماضي، الذي ذكره ابن القَيِّم - رحمه الله - مع حديث قتادة.
فَتَلَخَّصَ من هذا: أن المذكور في كلام ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثان، لكل منهما إسناد غير إسناد الحديث الآخر، وإن اتفقا في الصحابي، وأن التعليل الذي ذكره - رحمه الله - ينصرف إلى الثاني منهما كما يتضح من الدراسة السابقة، لكن الحديث الأول يشهد له ويقويه، فيصح الحديث بذلك، والله أعلم.
قال البيهقي رحمه الله عقب هذين الحديثين: "وهذا عندي - والله أعلم - فيما إذا لم يكن في الدار حُرْمَة، فإن كان فيها حُرْمَةٌ، فلا بد من الاستئذان بعد نزول آية الحجاب".(3/219)
5 - باب ما جاء في التنفير من الكذب
109- (7) عن عائشة رضي الله عنها: "ما كان شيءٌ أَبْغَضَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من الكَذِبِ، وما جَرَّبَ على أَحَدٍ كَذِبَاً فَرَجَعَ إِليه مَا كَانَ حَتَّى يَعْرِفَ منه تَوْبَةً ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "حديثٌ حسنٌ، رواه الحاكم في المستدرك من طريق: ابن وهب، عن محمد بن مُسْلم، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عائشة رضي الله عنها"1.
قلت: هذا الحديث يرويه: معمر، عن أيوب2، عن ابن أبي مُلَيْكَة3 أو غيره، عن عائشة رضي الله عنها.
أخرجه كذلك: عبد الرزاق في (مصنفه) 4: أخبرنا معمر به، ولفظه: "ما كان خُلُقٌ أبغضَ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذبِ، ولقد كانَ الرَّجُلُ يكذب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكِذْبَة فما يزال في نَفسِهِ عليه، حتى يعلَم أنْ قد أحْدَثَ منها توبة ".
__________
1 إعلام الموقعين: (1/119 - 120) .
2 هو السختياني.
3 عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان، التيمي، المدني، أدرك ثلاثين من الصحابة، ثقةٌ فقيهٌ، من الثالثة، مات سنة 117هـ/ ع. (التقريب 312) .
(11/158) ح 20195.(3/220)
ورواه عن عبد الرزاق: أحمد وابن راهويه في (مسنديهما) 1، وبلفظه، لكن قال فيه ابن راهويه: "ما كان خُلُقٌ أبغضَ إلى رسول الله ... " وكذا هو عند ابن حبان في (صحيحه) 2 من طريق عبد الرزاق.
وتابع معمراً: محمدُ بن مسلم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها. أخرج ذلك البيهقي في (سننه) 3 من رواية:
مروان بن محمد4، محمد بن مسلم5، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة به، ولفظه هو الذي ذكرناه أول الباب.
وخالف ابنُ وهب مروانَ بن محمد، فرواه عن: محمد بن مسلم، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عائشة به.
أخرج ذلك الحاكمُ في (المستدرك) 6، ولفظه: "ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، وما جَرَّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد - وإنْ قَلَّ - فيخرج له من نفسه حتى يجدد له توبة" قال أبو عبد الله: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبيُّ.
__________
1 حم: (6/152) ، سق: (3/654) ح 702.
2 الإحسان: (7/495) ح 5706.
(10/196) .
4 ابن حسان الأسدي، الدِّمشقي، الطَاطَري، ثِقَةٌ، من التاسعة، مات سنة210هـ/ م 4. (التقريب 526) .
5 الطائفي، صدوقٌ يخطئ من حفظه، من الثامنة، مات قبل التسعين/ خت م 4.
(4/98) .(3/221)
ولكن سُئل أبو حاتم - رحمه الله - عن حديث مروان بن محمد هذا؟ فقال: "ما أدري ما هذا؟ إِنَّمَا يُرْوَى هذا الحديثُ عن أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة1، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلٌ. ومن يقول: عن ابن أبي مليكة، ليس بِمُصِيبٍ عندي". ثم حَدَّثَ في موضع آخر من (العلل) 2 بحديث ابن وهب، عن محمد بن مسلم - الذي سبق قبل قليل عند الحاكم - ثم قال: "إِنمَّا هو عن إبراهيم بن ميسرة، عن عائشة مرسلٌ".
وقد ذهب الحافظ الدارقطني - رحمه الله - إلى ذلك أيضاً، فذكر في (علله) 3 أوجه الاختلاف على أيوب، ثم ذكر أنَّ حماد بن زيد، وحاتم ابن وردان، ووهيب رووه عن أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة مرسلاً، قال: "وهو الصواب".
والمراد بذلك: انقطاعه بين إبراهيم بن ميسرة وعائشة رضي الله عنها؛ فإنه لم يُعرف برواية عنها ولا أدركها، وإنما يَرْوي عن: سعيد بن جبير، وابن المسيب، وطاووس، ومجاهد وطبقتهم4.
فإذا ثبت أن الصواب في هذا الحديث: ما ذكره ابن أبي حاتم،
__________
1 الطائفي: نزيل مكة، ثَبْتٌ حافظٌ، من الخامسة، مات سنة 132هـ / ع. (التقريب94) .
2 العلل: (2/236) ح 2198.
3 ج5 (ق 87) .
4 انظر: تهذيب الكمال: (2/221 - 222) .(3/222)
والدارقطني، وأنه ليس لابن أبي مليكة ذكر فيه، فإنه يكون معلولاً بالانقطاع، مع ما تقدم من الاختلاف على أيوب في إسناده، وما جاء عند عبد الرزاق من الشك في إسناده، وقوله: عن ابن أبي مليكة أو غيره. وهذا الغير مجهول لا يُعرف، وهو يؤكد ما ذهب إليه ابن أبي حاتم وغيره من عدم صحة ذكر ابن أبي مليكة في إسناده.
وكذا الاختلاف في لفظه: فعند عبد الرزاق "ما كان خلقٌ أبغض إلى أصحاب رسول الله ... ". وعند غيره: " ... أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
فإذا عُلِمَ ذلك، فإنَّ تحسينَ ابن القَيِّم - رحمه الله - له: لا يصحُّ، لما تقدم من حاله، والله أعلم.(3/223)
6 - باب ما جاء في ذَم الغناء
110- (8) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: "الغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ في القَلْبِ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (إغاثة اللهفان) 1، فقال: "وقال شعبة: حدثنا الحكم، عن حماد، عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود ... " فذكره.
ثم قال: "وهو صحيحٌ عن ابن مسعود من قوله. وقد رُوِيَ عن ابن مسعود مرفوعاً، رواه ابن أبي الدنيا في ذَمِّ الملاهي قال: أخبرنا عصمة بن الفضل، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا سلاّم بن مسكين، حدثنا شيخٌ عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الغناءُ ينبت النفاقَ في القلب كما ينبت الماءُ البقل" ".
قال: "وقد تابع حَرَمِيَّ بن عمارة عليه بهذا الإسناد والمتن: مسلمُ بن إبراهيم" ثم ساقه من طريقه عند ابن الْمُنَادى في أحكام الملاهي، ثم قال: "فمداره على هذا الشيخ المجهول. وفي رَفْعِهِ نظرٌ، والموقوف أصح".
__________
(1/248) .(3/224)
وقال في كتابه (الكلام على مسألة السماع) 1: "صحَّ ذلك عنه - أي ابن مسعود - ومن الناس من يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه موقوف".
قلت: أما الموقوف على ابن مسعود، فقد أخرجه البيهقي في (سننه) 2 عن ابن أبي الدنيا، وذلك من طريقين:
الطريق الأول: - وهو الذي ساقه ابن القَيِّم - عن غندر3، عن شعبة، عن الحكم4، عن إبراهيم5، عن ابن مسعود6.
وهذا الإسناد صحيحٌ، إلا أنه منقطع بين إبراهيم وابن مسعود؛ لأنه لم يلقه على قول أكثر أهل العلم7، ولكن احتملَ بعض الأئمة مراسيله وقَدَّمَها على مراسيل غيره، قال يحيى بن معين: "مراسيل إبراهيم أحبُّ إليَّ من مراسيل الشَّعْبِيِّ"8. ونقل العلائي عن الإمام أحمد بن حنبل
__________
(ص 473) .
(10/223) .
3 هو: محمد بن جعفر الهُذَلي، ثقةٌ صحيح الكتاب إلا أنَّ فيه غفلةً/ ع. (التقريب 472) .
4 هو: ابن عتيبة، الكوفي.
5 هو: النخعي.
6 وانظر: ذم الملاهي: (ص 38) ح 13.
7 انظر: المراسيل لابن أبي حاتم: (ص 8-10) ، وجامع التحصيل: (ص 168) .
8 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/18) .(3/225)
أنه قال: "مرسلاتُ إبراهيم النخعي لا بأس بها"1. ثم قال: "وخَصَّ البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود دون غيره"2.
وعلى كلِّ حالٍ فإن إبراهيم لم ينفرد برواية ذلك عن ابن مسعود، وإنما تابعه عليه محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، وهو:
الطريق الثاني: أخرجه البيهقي - أيضاً - في (سننه) 3 من طريق ابن أبي الدنيا، عن: علي بن الجعد4، عن محمد بن طلحة5، عن سعيد ابن كعب المرادي، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد6، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: "الغناءُ ينبتُ النفاق في القلبِ كما ينبتُ الماءُ الزرعَ، والذِّكْرُ ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع" 7.
وهذا الإسناد رجاله ثقاتٌ، إلا سعيد بن كعب؛ فإنه - فيما فتشت - لم يرو عنه غير محمد بن طلحة، وذكره ابن أبي حاتم في (الجرح
__________
1 جامع التحصيل: (ص 99) .
2 المصدر السابق، وانظر (ص 168) .
(10/223) .
4 ابن عبيد الجوهري، البغدادي، ثقةٌ ثبتٌ رُمِي بالإرجاء، من صغار التاسعة، مات سنة 230هـ / خ د. (التقريب 398) .
5 ابن مُصَرِّف اليامي، كوفيٌّ، صدوقٌ له أوهام، وأنكروا سماعه من أبيه لصغره، من السابعة، مات سنة 167هـ/ خ م د ت عس ق (التقريب 485) .
6 ابن قيس النَّخَعي، أبو جعفر الكوفي، ثقةٌ، من السادسة/ بخ 4. (التقريب 493) .
7 وانظر: ذَمّ الملاهي: (ص 38) ح 12.(3/226)
والتعديل) 1 فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في (الثقات) 2، ساكتاً عنه أيضاً، فالظاهر - والله أعلم - أنه إلى الجهالة أقرب.
ولكن إذا ضُمَّ هذا الطريقٌ إلى طريق الحكم عن إبراهيم الماضي، تَقَوَّى كلّ منهما بالآخر، وقد تقدم أن ابن القَيِّم صَحَّحَ الموقوفَ، ونقل ابن حجر الهيثمي عن البيهقي قوله: "إن وقفه عليه هو الصحيح"3.
هذا فيما يتعلق بالرواية الموقوفة، وأما الرواية المرفوعة:
فأخرجها أبو داود في (سننه) 4، وابن المنادى في (أحكام الملاهي) 5 من طريق:
مسلم بن إبراهيم6، حدثنا سلاّم بن مسكين، عن شيخ شَهِدَ أبا وائل7 في وليمةٍ، فجعلوا يلعبون، يَتَلَعَّبُون، يُغَنُّونَ، فحلَّ أبو وائل
__________
(2/1/57) .
(8/262) .
3 كَفُّ الرِّعَاعِ: (ص 65) .
(5/223) ح 4927 ك الأدب، باب كراهية الغناء والزمر.
5 انظر: إغاثة اللهفان: (1/248) .
6 الأزدي الفراهيدي، أبو عمرو البصري، ثقةٌ مأمونٌ مُكْثِرٌ، عَمِيَ بآخرة، من صغار التاسعة، مات سنة 222هـ/ ع. (التقريب 529) .
7 هو: شقيق بن سلمة.(3/227)
حُبْوَتَه1، وقال: سمعت عبد الله - يعني ابن مسعود - يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الغناء ينبت النفاق في القلب". هذا سياق أبي داود.
وتابع مسلمَ بن إبراهيم على هذه الرواية: حَرَمِيُّ بن عمارة2، قال: حدثنا سلاّم بن مسكين به3، أخرجه عنه: ابن أبي الدنيا في (ذم الملاهي) - ومن طريقه البيهقي في (سننه) 4 - ولفظه: "الغِنَاءُ ينبت النِّفَاقُ في القلب، كما ينبت الماء البقل ".
وهذا الإسناد رجاله رجال الصحيح، إلا أنَّ عِلَّتَهُ هذا الشيخ المجهول، فإنَّ مداره عليه، ولذلك ضَعَّفَهُ جماعةٌ، فقال الغزالي في (الإحياء) 5: " ... ورفعه بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غير صحيح". قال العراقيُّ في تخريجه لأحاديث الإحياء - عقب كلام الغزالي -: "لأنَّ في إسناده من لم يُسَمِّ"6. وَضَعَّفَهُ ابن القَطَّان7. وقال النوويُّ: "لا يصحُّ".
1 قال أبو موسى في المجموع المغيث: (1/396) : "الاحتباءُ: جلسة الأعراب ... وهو ضَمُّ الساقين إلى البطن بثوبٍ يلفونه عليهما". وقال في (لسان العرب) : (ص765) : "الحِْبْوَة والحُبْوة: الثوب الذي يَحْتَبِي به".
2 ابن أبي حفصة، العَتَكِي، البصري، أبو روح، صدوقٌ يَهِمْ، من التاسعة، مات سنة
__________
201هـ / خ م د س ق. (التقريب 156) .
3 وسبق تنبيه ابن القَيِّم على هذه المتابعة.
(10/223) .
(2/283) .
6 المصدر السابق.
7 فيض القدير: (4/413) .(3/228)
ووافقه الزركشي1. ورمز له السيوطي بالضعف في (الجامع الصغير) 2. وَضَعَّفَهُ الشيخ الألباني3. وقد سبق قولُ ابن القَيِّم رحمه الله: "في رَفْعِه نَظرٌ".
فتلخص من ذلك: أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الصواب وَقْفُهُ على ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا ما قَرَّرَهُ ابن القَيِّم رحمه الله.
قال ابن حجر الهيتمي: "ومثله لا يقال من قِبَلِ الرأي؛ لأنه إخبارٌ عن أمرٍ غيبي، فإذا صحَّ عن الصحابة فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو مقررٌ عند أئمة الحديث والأصول4 ... وحينئذٍ فالحجة فيه دون سواه"5.
__________
1 فيض القدير: (4/413) .
2 انظر: فيض القدير مع الجامع الصغير: (4/413) ح 5809.
3 ضعيف الجامع: (ح3941) .
4 انظر: حول ذلك: تدريب الراوي: (1/190) .
5 كفُّ الرِّعاع: (ص 65 - 66) .(3/229)
7 - باب في الأمر بتحسين الأسماء
111- (9) عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي، أنه قال: "إِنَّكُم تُدْعَونَ يَومَ القِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُم وأَسْمَاءِ آبَائِكُم، فَأَحْسِنُوا أَسَمَاءَكُم".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "رواه أبو داود بإسناد حسن"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2. وأحمد في (مسنده) 3، وابن حبان في (صحيحه) 4، والبيهقي في (سننه) 5، كلهم من طريق:
هشيم، عن داود بن عمرو6، عن عبد الله بن أبي زكريا7، عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وهذا الإسناد لا يقلُّ عن درجة الحَسَنِ إذا سَلِمَ من الانقطاع. قال عنه النووي: "إسناد جيدٌ"8. ولكنه إسناد منقطع كما بيَّنه غيرُ واحدٍ:
__________
1 تحفة المودود: (ص 111) .
(5/236) ح 4948 ك الأدب، باب في تغيير الأسماء.
(5/194) .
4 الإحسان: (7/528) ح 5788.
(9/306) .
6 الأزدي، الدمشقي، عاملُ واسط، صدوقٌ يخطئ، من السابعة/د. (التقريب199) .
7 الخُزاعي، أبو يحيى الشَّامي، واسم أبيه: إياس، وقيل: زيد، ثقةٌ فقيهٌ عابدٌ، من الرابعة، مات سنة 119هـ/د. (التقريب303) .
8 الأذكار: (ص246) .(3/230)
قال أبو داود عقب إخراجه: "ابن أبي زكريا لم يدرك أبا الدرداء". وقال البيهقي: "هذا مرسلٌ، ابن أبي زكريا لم يسمع من أبي الدرداء"1. وقال المنذري: "عبد الله بن أبي زكريا: كنيته أبو يحيى ... ثقةٌ عابدٌ، لم يسمع من أبي الدرداء، فالحديث منقطع"2. وقال ابن حجر: "رجاله ثقات، إلا أنَّ في سنده انقطاعاً بين عبد الله بن أبي زكريا - راويه عن أبي الدرداء - وأبي الدرداء؛ فإنه لم يدركه"3.
وقد رمز له السيوطي في (الجامع الصغير) 4 بالحُسْنِ، فلم يصب، وقد أورده الشيخ الألباني في (ضعيف الجامع) 5 وقال: "ضعيف".
فَتَبَيَّنَ من ذلك أنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - لا يُوافَقُ على الحكم بحُسْنِ هذا الإسناد؛ لما فيه من الانقطاع.
ولكن يشهد لمعنى هذا الحديث: ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من تغييره بعض الأسماء إلى أسماء حسنة، وأيضاً: ما صحَّ من أن الناس يُنْسَبُونَ يوم القيامة إلى آبائهم.
وقد أشار ابن القَيِّم - رحمه الله - إلى هذا المعنى، فقال - عند كلامه على حديث أبي الدرداء الذي معنا -: "وفي هذا الحديث رَدٌّ على
__________
1 سنن البيهقي: (9/306) .
2 مختصر السنن: (7/251) .
3 فتح الباري: (10/577) . وانظر: المراسيل لابن أبي حاتم: (ص113) .
4 مع فيض القدير: (2/553) ح2533.
(ح2035) .(3/231)
من قال: إن الناس يوم القيامة إنما يُدْعَوْنَ بأمهاتهم لا آبائهم، وقد تَرْجَمَ البخاري في صحيحه لذلك، فقال: باب يُدْعَى الناس بآبائهم، وذكر فيه حديث نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغَادِرُ يُرْفَعُ له لواءٌ يومَ القيامة، يقال له: هذه غدرة فلان بن فلان" 1.
قال ابن حجر - رحمه الله - في كلامه على هذا الحديث: "فَتَضَمَّنَ الحديث: أنه ينسب إلى أبيه في الموقف الأعظم"2.
وأما الأحاديث التي فيها الأمر بتغيير الأسماء إلى أحسن منها: فقد أخرج البخاري - أيضاً - منها جملة3.
فثبتَ بذلك: أن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وإن كان منقطعاً، فإن معناه قد صحَّ من جهات أخرى، وأن إطلاق ابن القَيِّم - رحمه الله - الحكم بحسنِ إسناده فيه نظر، والله أعلم.
__________
1 تهذيب السنن: (7/250) . وانظر: صحيح البخاري: ك الأدب، باب ما يُدْعى الناس بآبائهم ح6177، 6178. (فتح الباري10/563) .
2 فتح الباري: (10/563) .
3 صحيح البخاري: ك الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه، ح6191 - 6193. (فتح الباري 10/575) .(3/232)
8 - باب ما جاء في الديك
112- (10) عن زيد بن خالد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَسُبُّوا الديك؛ فَإِنَّه يُوقِظُ للصَّلاةِ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ... "1 فذكره.
قلت: هذا الحديث يرويه أبو داود في (سننه) 2 من طريق: عبد العزيز ابن محمد. وأحمد، والطيالسي في (مسنديهما) 3، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) 4، وابن حبان في (صحيحه) 5 من طريق: عبد العزيز6 بن أبي سلمة. وعبد الرزاق في (المصنف) 7 من طريق: معمر، كُلُّهم عن: صالح بن كيسان8، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن زيد بن خالد الجُهَني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَسُبُّوا الديك؛ فَإِنَّه يُوقِظُ للصَّلاةِ".
__________
1 زاد المعاد: (2/471) .
(5/331) ح 5101، ك الأدب، باب ما جاء في الديك والبهائم.
3 حم: (5/192-193) ، طس: (ح957) .
(ص525) ح945.
5 الإحسان: (7/493) ح5701.
6 ابن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، المدني، نزيل بغداد، ثقةٌ فقيهٌ مصنِّفٌ، من السابعة، مات سنة 164هـ/ ع. (التقريب 357) .
(11/262) ح20498.
8 المدنيُّ، أبو محمد أو أبو الحارث، مُؤَدِّب ولدِ عمر بن عبد العزيز، ثقة ثبتٌ فقيهٌ، من الرابعة، مات بعد سنة ثلاثين، أو بعد الأربعين /ع. (التقريب 273) .(3/233)
هذا لفظ أبي داود، ولفظ الطيالسي، وابن حبان، وأحدُ لفظي أحمد: " ... فإنه يدعو إلى الصلاة ". ولفظ النسائي واللفظ الآخر لأحمد: "فإنه يُؤَذِّنُ بالصلاة ".
وعند عبد الرزاق ذكر سبب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولفظه: "لَعَنَ رَجُلٌ دِيكاً صَاحَ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تلعنه؛ فإنَّه يدعو للصلاة ".
وقد رُوي عن صالح بن كيسان على أوجه أخر؛ فأخرجه الطيالسي في (مسنده) 1، فقال: " ... عن عبد العزيز الماجشون، عن صالح، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه". قال راوي المسند: "وهذا أثبت عندي". لكن سأل ابن أبي حاتم أباه عنه؟ فقال: "ليس لابن أبي قتادة عن أبيه هاهنا معنى، وحديث صالح، عن عبيد الله بن عبد الله، عن زيد ابن خالد: صحيحٌ"2.
وأخرجه البزار في (مسنده) 3 من طريق: مسلم بن خالد، عن صالح بن كيسان، عن عون بن عبد الله، عن أبيه، عن ابن مسعود به.
قال البزار: "أخطأَ فيه مسلم بن خالد، والصواب: عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله، عن زيد بن خالد". وكذا قال أبو حاتم الرازي لما سُئل عنه4.
__________
(ح957) .
2 علل ابن أبي حاتم: (2/345) ح2559.
3 كشف الأستار: (2/433) ح2040.
4 علل ابن أبي حاتم: (2/277) ح2332.(3/234)
قلت: فعادَ الحديث إلى زيدِ بن خالد، وقد ثبَتَ صحته عنه رضي الله عنه، فقد تَقَدَّم تصحيح أبي حاتم - رحمه الله - له، ونقلَ الحافظ ابن حجر تصحيح ابن حبان له وأقَرَّهُ1، وقال الإمام النووي رحمه الله: "إسنادٌ صحيحُ"2. ورمز له السيوطي بالصحَّة في (الجامع الصغير) 3. ونقل المناوي كلام النووي في تصحيح إسناده، ثم قال: "وقال غيره: رجاله ثقات"4. وصححه الشيخ الألباني5.
فإذا تَقَرَّرَ ذلك، وأنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - قد وافَقَهُ على تصحيحه جماعة من العلماء، فإن قوله - رحمه الله - في (المنار المنيف) 6: "وبالجملة: فكل أحاديث الدِّيك كذبٌ، إلا حديثاً واحداً: "إذا سَمِعْتُمْ صياح الدِّيَكَة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت مَلَكَاً " فيه نظرٌ؛ فإنَّ تصحيحه هذا الحديث هنا يُسْتدركُ به على إطلاقه هذا الحكم في المنار، فلعله - رحمه الله - غفل عن ذلك هناك. والله أعلم.
__________
1 فتح الباري: (6/353) .
2 رياض الصالحين: (ص655) ح1728.
3 مع فيض القدير: (6/399) ح9786.
4 المصدر السابق.
5 صحيح الجامع: (ح7314) ، والتعليق على المشكاة: (ح4136) .
(ص56) .(3/235)
17- من كتاب الفرائض
1- باب ما جاء في ميراث ذوي الأرحام
113- (1) عن المقدام بن معدي كَرِب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَكَ كَلاًّ1 فإليَّ - وَرُبَّما قال: إلى الله وإلى رسوله - وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَن لا وَارِثَ لَه: أَعْقِلُ له2، وأَرِثُهُ، والخالُ وارثُ من لا وَارِثَ له: يَعْقِلُ عنه، وَيَرِثُهُ ".
قال المنذري - رحمه الله - عَقِبَ هذا الحديث: "واخْتُلِفَ في هذا الحديث، فروي عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام. وروي عن راشد بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، مُرْسَلاً".
قال: "وقال أبو بكر البيهقي في هذا الحديث: كان يحيى بن معين يُضَعِّفُهُ، ويقول: ليس فيه حديث قويٌّ"3.
وقد تعقب ابن القَيِّم رحمه الله المنذري، فقال: "فهذا ما رُدَّ به حديث الخالِ، وهي بأَسْرِهَا وجوهٌ ضعيفةٌ".
قال: "أما قولهم: إن أَحَادِيثَهُ ضَعيفةٌ. فكلام فيه إجمالٌ، فإن أُرِيَد بها: أنها ليست في درجة الصحاح التي لا عِلَّة فيها: فصحيح، ولكن هذا لا يَمْنَعُ الاحتجاجَ بها، ولا يوجب انحطاطها عن درجة
__________
1 الكَلُّ: الثِّقَلُ، والعِيَالُ، وهو أيضاً: اليتيم. المصباح المنير: (2/538) .
2 العَقْلُ: الدِّيَة، وعَقَلْتُ له دَمَ فلان: إذا تركتُ القَوَدَ للدِيَة. المصباح المنير: (2/423) .
3 مختصر السنن: (4/170) .(3/239)
الحسن، بل هذه الأحاديث وأمثالها هي الأحاديث الحسان، فإنها قد تعددت طرقها، ورويت من وجوه مختلفة، وعرفت مخارجها، ورواتُها ليسوا بمجروحين ولا مُتَّهَمِين ... "1.
ثمَّ ذكر - رحمه الله - أنه يُروى كذلك من حديث: عمر بن الخطاب، وعائشة رضي الله عنهما، ثم أخذ في بيان ما أُعِلَّت به، والجواب عن ذلك.
قلت: حديث المقدام هذا مداره على راشد بن سعد2، وَرُوِيَ عنه على أربعةِ أوجه:
أولها: ما أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في (سننهم) 3، وأحمد في (مسنده) 4، وسعيد بن منصور في (سننه) 5، وابن حِبَّان في (صحيحه) 6، والطبراني في (الكبير) 7، والبيهقي في (سننه) 8، كلهم من طريق: شعبة.
__________
1 تهذيب السنن: (4/170 - 171) .
2 الْمَقْرَئي، الحمصي، ثقةٌ كثير الإرسالِ، من الثالثة، مات سنة 108هـ، وقيل 113هـ/ بخ 4. (التقريب 204) .
3 د: (3/320) ح2899 ك الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام. س: الكبرى (6/116) ح6322. جه: (2/914) ح 2738 ك الفرائض، باب ذوي الأرحام.
(4/131، 133) .
(3/1/72) ح 172.
6 الإحسان: (7/611) ح 6003.
(20/264) ح 625.
(6/214) .(3/240)
وأخرجه: أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 1، وأحمد في (مسنده) 2، وابن الجارود في (المنتقى) 3، والطبراني في (الكبير) 4، والدارقطني في (سننه) 5، والحاكم في (المستدرك) 6، والبيهقي في (سننه) 7 - من طريق أبي داود - كلهم من طريق: حماد بن زيد. كلاهما - حماد وشعبة - عن:
بُدَيْل بن ميسرة، عن عليِّ بن أبي طلحة8، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهَوْزَنيِّ9، عن المقدام رضي الله عنه به.
واللفظ المذكور في مطلع البحث هو لفظ رواية شعبة، والسياق لأبي داود من بينهم، وأما لفظ رواية حماد بن زيد فهكذا: +
__________
1 د: (3/320) ح 2900. س: الكبرى (6/116) ح 6321.
(4/133) .
(ح 965) .
(20/265) ح 626.
(4/85) ح 57، 58.
(4/344) .
(6/214) .
8 واسم أبي طلحة: سالم. مولى بني العباس، سكن حمص، أَرْسَلَ عن ابن عباس ولم يره، من السادسة، صدوقٌ قد يُخْطئ، مات سنة 143هـ / م د س ق. (التقريب402) .
9 هو: عبد الله بن لُحَيّ، الحِمْصي، ثقةٌ مخضرم، من الثانية/ د س ق. (التقريب319) .
10 فَسَّر أبو داود الضيعة عقب الحديث بِأَنَّهَا: العِيَال. قال المنذري في (مختصره 4/170) : "وقال غيره: ضيعة أي عيالاً ذوي ضيعةً، أي تُركوا فَضُيِّعوا، وهو مصدر، يقال: ضَاعَ عيالُ الرجلِ، ضيعةً، وضياعاً بالفتح ... ". وانظر النهاية: (3/107) .(3/241)
وأنا مولى من لا مولى له: أرث ماله، وأفكُّ عَانَه1، والخال مولى من لا مولى له: يرث ماله، ويفك عانه". سياق أبي داود، والباقون بنحوه. وعند الدارقطني: "ضياعاً"، وعنده: "عانيه".
والحديث بهذا الإسناد حَسَّنَهُ أبو زرعة2، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" لكن تعقبه الذهبي، فقال: "عليٌّ: قال أحمد: له أشياء منكرات. قلت: لم يخرج له البخاريُّ"3.
قلت: وعليُّ بنُ أبي طلحة قال فيه أبو داود: "هو إن شاء الله مستقيم الحديث"4. وقال النسائي: "ليس به بأس"5 وَوَثَّقَهُ العجليُّ6. وذكره ابن حبان في (الثقات) 7. وقال ابن القطان: "ثقة"8.
فالرجل على هذا صالحُ الأمر، مستقيم الحال، ووجود بعض المنكرات في حديثه لا يخرجُهُ عن حَدِّ الاحتجاج به، ولا يَنْزِلُ بحديثه عن درجة الحسن،
__________
1 قال الخطابي: "يريد: عانيه، فحذف الياء، والعاني: الأسير". (معالم السنن 4/107) .
2 علل ابن أبي حاتم: (2/50) ح 1636.
3 تلخيص المستدرك: (4/344) .
4 تهذيب التهذيب: (7/339 - 340) .
5 المصدر السابق.
6 المصدر السابق: (7/341) .
(7/211) .
8 بيان الوهم والإيهام: (3/541) .(3/242)
ولا سيما إذا تُوبع على روايته - كما في هذا الحديث -،فالحكمُ ما حَكَمَ أبو زرعة - رحمه الله - من تحسين الحديث بهذا الإسناد.
الوجه الثاني من وجوه روايته عن راشد بن سعد: ما أخرجه النسائي في (الكبرى) 1،وأحمد في (مسنده) 2، والطبراني في (الكبير) 3- وأشار إليه أبو داود4 - من طريق:
معاوية بن صالح5، عن راشد بن سعد، عن المقدام بن معدي كرب بنحو ما تَقَدَّمَ، إلا أن الطبراني ليس عنده ذكر الخال.
هكذا رواه معاوية بن صالح، فأسقط منه أبا عامر الهوزني، وجعله عن: راشد، عن المقدام.
وقد حكم الدارقطنيُّ - رحمه الله - للرواية المتَّصِلَة، فنقل عنه صاحب (الجوهر النقي) 6 أنه ذَكَرَ: أن شعبة وحماداً وإبراهيم بن طهمان رووه عن بديل، عن عليِّ بن أبي طلحة، عن راشد، عن أبي عامر، عن
__________
(6/115) ح 6320.
(4/133) .
(20/266) ح 628.
4 السنن: (3/321) .
5 ابن حُدَير، الحَضْرَمي، أبو عمر أو أبو عبد الرحمن، الحِمْصي، قاضي الأندلس، صدوقٌ له أوهامٌ، من السابعة، مات سنة 158هـ / ر م 4. (التقريب 538) .
(6/214) .(3/243)
المقدام. وأن معاوية بن صالح خالفهم، فلم يذكر أبا عامر بين راشد والمقدام، ثم قال الدارقطني: "والأول أشبهُ بالصواب". وَأَيَّدَ ابن القطَّان كلام الدارقطني هذا، فقال: "وهو على ما قال؛ فإنَّ عليَّ بنَ أبي طلحة ثقة، وقد زاد في الإسناد من يتصلُّ به، فلا يضره إرسالُ من قَطَعَهُ ولو كان ثقةً، فكيف إذا كان فيه مقالٌ؟ فنَرَى هذا الحديث حديثاً صحيحاً"1.
الوجه الثالث: ما أخرجه ابن حبان في (صحيحه) 2، والطبراني في (الكبير) 3 - وأشار إليه أبو داود أيضاً - من طريق:
عبد الله بن سالم4، عن الزُّبَيْدِي5، عن راشد بن سعد، عن ابن عائذ6 عن المقدام به، بنحو ما تقدم في حديث حماد بن زيد.
__________
1 بيان الوهم والإيهام: (3/541) ح 1319.
2 الإحسان: (7/611) ح 6004.
(20/265) ح 627.
4 الأشعري، أبو يوسف الحمصي، ثقةٌ رُمِيَ بالنَّصْبِ، من السابعة، مات سنة 179هـ / خ د س. (التقريب 304) .
5 هو: محمد بن الوليد بن عامر الزُّبَيْدي، أبو الوليد الحمصي، القاضي، ثقة ثبتٌ، من كبار أصحاب الزهري، من السابعة/خ م د س ق. (التقريب ص 511) .
6 سمَّاه ابنُ حبان - عقب إخراج روايته -: عبد الله بن عائذ، وبهذا الاسم ترجمة ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/2/122) فقال: "عبد الله بن عائذ الثمالي، أبو الحجاج، له صحبة ... ". وذكره في (2/2/102) باسم: عبد بن عبد الثمالي، وقال: "روى عن النبي صلى الله عليه وسلم". وَجَزَم ابنُ حجر في (الإصابة 2/339) بأنهما واحد، يُقال له هذا وهذا.(3/244)
وقد اعتبر ابنُ حبان - رحمه الله - هذه الرواية محفوظة أيضاً؛ فإنه لما أخرجَ رواية علي بن أبي طلحة المتقدمة، أعقبها رواية الزبيدي هذه، ثم قال: "سمع هذا الخبر راشدُ بن سعد: عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام. وسمعه: عن عبد الله بن عائذ الأزدي، عن المقدام بن معدي كرب، فالطريقان جميعاً محفوظان، ومتناهما متباينان".
قلت: وأما قوله: "متناهما متباينان" لأنه أخرج رواية أبي عامر الهوزني من طريق شعبة، وقد تقدم لفظها، لكن قد رويت من طريق حماد بن زيد بنحو رواية ابن عائذ هذه، فلا اختلاف إذن.
وعلى ما قاله ابن حبان، تكون هذه رواية أخرى لراشد بن سعد، تابع فيها ابن عائذ أبا عامر الهوزني المتقدمة روايته، وحينئذٍ لا يكون هذا من الاختلاف بين الروايات.
الوجه الرابع: ما أخرجه النسائي في (الكبرى) 1 من طريق: ثور ابن يزيد، عن راشد بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً. وقد سبق في كلام المنذريِّ الإشارة إلى هذا المرسل، وأَنَّه جَعَلَ ذلك من الاختلاف على راشد.
وهذا المُرْسل لا تُعَلُّ به الروايات المتصلة، فراشد بن سعد كان معروفاً - مع ثقته - بكثرة الإرسال، ولا مانع أن يكون رواه مرة مرسلاً، مع روايته إياه متصلاً من أكثر من وجه، كما تقدم.
__________
(6/116) ح 6323.(3/245)
فهذه أوجه روايته عن راشد بن سعد، وقد رَجَّحَ الدارقطني - كما تقدم - رواية عليِّ بن أبي طلحة على رواية معاوية بن صالح، وجمعَ ابنُ حبان بين رواية عليِّ بن أبي طلحة، ورواية الزبيدي، فلا تؤثر الرواية المرسلة على الروايات المتصلة، وبذلك يتبين أنه لا مجال لإعلال رواية راشد بن سعد هذه بالاختلاف، وأن الحديث من هذا الطريق حسنٌ كما تقدم تقريره.
وثمة طريق آخر لحديث المقدام هذا من غير رواية راشد بن سعد، وهو ما أخرجه أبو داود في (سننه) 1 - ومن طريقه البيهقي2 - من طريق: إسماعيل بن عياش، عن يزيد بن حجر3، عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب4، عن أبيه5، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا وارث من لا وارث له: أفك عانيه، وأرث ماله. والخال وارث من لا وارث له: يفك عانيه، ويرث ماله".
وهذا الإسناد ضعيفٌ: فيزيد بن حجر: مجهول، وكذا يحيى بن المقدام، وبينهما: صالح بن يحيى، ليِّن الحديث. وإذا كان كذلك، فإنَّ الاعتماد يكون على رواية راشد بن سعد المتقدمة.
__________
(3/321) ح 2901.
(6/214) .
3 الشَّامي، مجهول، من السابعة/ د. (التقريب 600) .
4 الكِنْدي، الشَّامي، لَيِّنٌ، من السادسة/ د س ق. (التقريب 274) .
5 يحيى بن المقدام بن معدي كرب، مستور، من الرابعة/ د س ق. (التقريب 597) .(3/246)
ثم انتقل ابن القَيِّم بعد ذلك إلى حديث آخر في توريث الخال، وهو حديث:
114- (2) عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كتب إلى أبي عبيدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَن لا مَوْلَى له، والخَالَ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ ".
وقد عزاه ابن القَيِّم إلى الترمذي - وأنه حَسَّنَه - وابن حبان، ثم رَدَّ القولَ بإعلاله، فقال: "ولم يصنعْ من أَعَلَّ هذا الحديثَ بحكيم بن حكيم، وأنه مجهول شيئاً؛ فإنه قد رَوَى عنه: سهيل بن أبي صالح، وعبد الرحمن بن الحارث، وعثمان بن حكيم أخوه. ولم يُعْلَمْ أن أحداً جَرَحَهُ، وبمثل هذا يَرْتَفِعُ عنه الجهالة، ويحتجُّ بحديثه"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذي في (جامعه) 2، والنسائي في (الكبرى) 3، وابن ماجه في (سننه) 4، وأحمد في (مسنده) 5، وابن الجارود في (المنتقى) 6، وابن حبان في (صحيحه) 7، والدارقطني،
__________
1 تهذيب السنن: (4/171) .
(4/421) ح 2103 ك الفرائض، باب ما جاء في ميراث الخال.
(6/114) ح 6317.
(2/914) ح 2737.
(1/28، 46) .
(ح 964) .
7 الإحسان: (7/612) ح 6005.(3/247)
والبيهقي في (سننيهما) 1، كلهم من طريق: سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث2، عن حكيم بن حكيم3، عن أبي أمامة4 بن سهل بن حنيف، أنه قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة: أن عَلِّموا صبيانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي. قال: فكانوا يختلفون بين الأغراض. قال: فجاء سهم غَرْب5، فأصاب غلاماً فقتله، ولم يُعْلَمْ للغلام أهلٌ إلا خاله، فكتبَ أبو عبيدة إلى عمر، فذكر له شأن الغلام: إلى من يَدْفَع عقله؟ فكتب إليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخالُ وارث من لا وارث له". هذا لفظ ابن حبان، وابن الجارود، والبيهقي، وأحمد في رواية، والسياق لابن حبان، وعند الباقين: "ولم يُعلم للغلام أصل"، وأنه كان "في حِجْرِ خال له".
وأما لفظ أحمد في الرواية الأخرى، وابن ماجه، والدارقطني، عن
__________
1 قط: (4/84) ح 53. هق: (6/214) .
2 ابن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعة المخزومي، أبو الحارث المدني، صدوقٌ له أوهامٌ، من السابعة، مات سنة 143هـ / بخ 4. (التقريب 338) .
3 ابن عباد بن حنيف الأنصاري الأوسي، صدوقٌ، من الخامسة/4. (التقريب 176) .
4 هو: أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري، معروف بكنيته، معدودٌ في الصحابة، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة 100هـ/ ع. (التقريب 104) .
5 سهم غَرَْب: أي لا يُعرف راميه. يقال: سهم غرب، بفتح الراء وسكونها، وبالإضافة وغير الإضافة. وقيل: بالسكون: إذا أتاه من حيث لا يدري، وبالفتح: إذا رماه فأصاب غيره. ولم يثبت بعضهم إلا الفتح. (النهاية 3/350 - 351) .(3/248)
أبي أمامة: أن رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله، وليس له وارثٌ إلا خالٌ، فكتب في ذلك أبو عبيدة إلى عمر ... الحديث، بمثل ما تقدم.
وأما الترمذي: فليس عنده إلا المرفوع فقط، دون باقي القصة.
وهذا الإسناد لا بأسَ به في المتابعات؛ فإن عبد الرحمن بن الحارث تَكَلَّمَ فيه بعضهم، فقال الإمام أحمد: "متروك"1. وقال النسائي: "ليس بالقوي"2 وَضَعَّفَهُ ابن المديني3. لكن قال فيه ابن سعد: "ثقة"4. وقال ابن معين: "صالح"5. وقال مرة: "ليس به بأس"6. وقال أبو حاتم: "شيخ"7. وقال العجلي: "مدنيٌّ ثقة"8. وقال ابن نمير: "لا أُقْدِمُ على ترك حديثه"9 وذكره ابن حبان في (الثقات) 10، وقال: "كان من أهل العلم". ولذلك قال عنه الحافظ ابن حجر: "صدوق له أوهام". فمثله يُحَسَّنُ حديثُهُ إذا اعتضد.
__________
1 تهذيب التهذيب: (6/156) .
2 المصدر السابق.
3 المصدر السابق.
4 المصدر السابق.
5 المصدر السابق.
6 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص 164) رقم 586.
7 الجرح والتعديل: (2/2/224) .
8 تهذيب التهذيب: (6/156) .
9 المصدر السابق.
10 (7/69 - 70) .(3/249)
وأما حكيم بن حكيم - شيخه في هذا الإسناد -: فقد تقدم في كلام ابن القَيِّم - رحمه الله - أن بعضهم أَعَلَّ الحديث بجهالته، ولم أر ذلك إلا لابن القطان؛ فإنه قال: "لا يُعرف حاله"1. وقال عنه ابن سعد: "كان قليل الحديث ولا يحتجون به"2.
ولكن قال العجلي: "ثقة"3. وذكره ابن حبان في (الثقات) 4. وصَحَّحَ له الترمذيُّ وابن خزيمة وغيرهما، كما قال ابن حجر5 رحمه الله، وقال الذهبي: "ثقة"6. وقال مرة: "حسن الحديث"7. وقال ابن حجر: "صدوق"8. هذا مع رواية جماعة عنه كما تقدم في كلام ابن القَيِّم رحمه الله، فمثله قد خَرَجَ عن وصفِ الجهالة، وحديثه لا يقلُّ - أيضاً - عن رتبة الحَسَنِ، كما وصفه بذلك الذهبي رحمه الله.
وقد حَسَّنَ الترمذي هذا الحديث، وفي النسخة التي بين أيدينا قوله: "حسن صحيح". ولكن في (تحفة الأشراف) 9: "حسن" فقط،
__________
1 تهذيب التهذيب: (2/449) .
2 المصدر السابق: (2/448) .
3 تاريخ الثقات: (ترتيب الهيثمي) : (ص 129) .
(6/214) .
5 تهذيب التهذيب: (2/449) .
6 المغني: (1/186) .
7 الكاشف: (1/185) .
8 كما تقدم في ترجمته له.
(8/4) .(3/250)
وكذا نقل عنه الذهبي رحمه الله في (الميزان) 1. وقال أبو بكر البزار: "أحسن إسنادٍ فيه: حديث أبي أمامة بن سهل ... "2. يعني هذا. وقال الحافظ ابن حجر: "حديثٌ حسنٌ"3. وقال الشيخ الألباني: "إسناده حسن"4. وقال مرة: "صحيح"5.
فتلخص من ذلك: أن حديث أبي أمامة هذا، عن عمر رضي الله عنه حديثٌ حسنٌ لغيره، وأنَّ الطعن فيه بجهالة حكيم بن حكيم لا ينتهض لإعلاله؛ لما تَقَدَّمَ من توثيق جماعةٍ له، ورواية آخرين عنه، بما يوجب رفع الجهالة عنه. وأما عبد الرحمن بن الحارث: فإنه وإن وَثَّقَهُ بعضهم، إلا أنَّ كلام من تكلم فيه يقتضي ثبوت بعض الضعف فيه، ولكن مثله مقبول في المتابعات والشواهد.
ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - حديثاً آخر في هذا المعنى، وهو حديث:
115- (3) عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الخالُ وارثُ من لا وارث له".
عزاه ابن القَيِّم إلى الترمذي، وأنه قال: "وقد أرسله بعضهم، ولم يَذْكُرْ فيه عن عائشة".
__________
(1/584) .
2 مسند البزار: (1/376) .
3 فتح الباري: (12/30) .
4 الإرواء: (6/137) .
5 صحيح ابن ماجه: (ح2212) .(3/251)
ثم قال رحمه الله: "وهذا على طريقة منازعينا لا يضرُّ الحديث شيئاً، لوجهين:
أحدهما: أنهم يحكمون بزيادة الثقة، والذي وصله ثقةٌ. وقد زاد، فيجبُ عندهم قبولُ زيادته.
الثاني: أنه مُرْسَلٌ قد عَمِلَ به أكثر أهل العلم - كما قال الترمذي - ومثل هذا حجة عند من يرى المرسلَ حجة، كما نص عليه الشافعيِّ"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذي في (جامعه) 2، والنسائي في (الكبرى) 3، والدارقطني في (سننه) 4، كلهم من طريق: أبي عاصم5.
وأخرجه النسائي في (الكبرى) 6، والحاكم في (المستدرك) 7، من طريق: مخلد بن يزيد8. كلاهما عن:
__________
1 تهذيب السنن: (4/172) .
(4/422) ح 2104.
(6/115) ح 6318.
(4/85) ح54، 55.
5 هو: الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، النبيل، البصري، ثِقَةٌ ثبْتٌ، من التاسعة، مات سنة 212هـ أو بعدها/ع.
(6/115) ح6319.
(4/344) .
8 القرشي، الحرَّاني، صدوق له أوهامٌ، من كبار التاسعة، مات سنة 193هـ /خ (التقريب524) .(3/252)
ابن جريج، عن عمرو بن مسلم1، عن طاوس، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن قال: "الله ورسولُهُ مولى من لا مولى له، والخالُ وارثُ من لا وارثَ له". هذا لفظ الحاكم، وعند الدارقطني: "الله مولى ... "، أما لفظ الترمذي ففيه ذكر الخال فقط، وهو الذي قدمناه.
قال أبو عيسى الترمذي: "حديث حسن غريب". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي رحمه الله.
وقد رُوِيَ عن أبي عاصم من وجه آخر موقوفاً على عائشة رضي الله عنها، فأخرجه الدارمي في (مسنده) 2، والدارقطني في (سننه) 3، والبيهقي في (سننه) 4، ثلاثتهم عن: أبي عاصم، بالإسناد الماضي إلى عائشة رضي الله عنها قولها، وعندهم: "الله ورسوله ... ".
زاد الدارقطني في روايته: "فقيل لأبي عاصم: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فسكت. فقال له الشاذكوني: حَدِّثْنَا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسكت".
وقد تابع أبا عاصم على هذه الرواية الموقوفة: عبد الرزاق، فأخرجه في (مصنفه) 5: أخبرنا ابن جريج ... فذكره.
__________
1 الجندي، صدوقٌ له أوهامٌ، من السادسة / عخ م د ت س. (التقريب 427) .
(2/265) ح2981 ك الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام.
(4/85) ح55، 56.
(6/215) .
(9/20) ح16202.(3/253)
قال البيهقي: "هذا هو المحفوظ، من قول عائشة موقوفاً عليها ... وقد كان أبو عاصم يرفعه في بعض الروايات عنه، ثم شكَّ فيه، فالرفع غير محفوظ".
كذا قال البيهقي رحمه الله، وقد تقدم أنَّ مخلد بن يزيد الجَزَرِي قد تابع أبا عاصم على هذه الرواية المرفوعة، ومخلد هذا "صدوقٌ مشهورٌ"1 من رجال مسلم، فأبو عاصم وإن كان تَوَقَّفَ مرَّةً في رفعه، فمتابعة مخلد له على الرفع تدلُّ على أن للمرفوع أصلاً، ولا مانع من أن يكون جاء عن عائشة على الوجهين.
على أن النسائي - رحمه الله - قد أعله "بعمرو بن مسلم"، وبالاختلاف فيه على ابن جريج، فقال: "عمرو بن مسلم ليس بذاك القويِّ، وقد اخْتُلِفَ فيه على ابن جريج". ونقله عنه المزيِّ في (تحفة الأشراف) 2.
أما عمرو بن مسلم فقد ضَعَّفَه أيضاً: أحمد، وابن معين في رواية، وابن خِرَاش. وقال السَّاجي: "صدوقٌ يهم"3. وقال ابن معين مرة: "لا بأس به"4. وذكره ابن حبان في (الثقات) 5. وقال الذهبي: "صالح
__________
1 الذهبي: (الميزان) : (4/84) .
(11/426) .
3 تهذيب التهذيب: (8/105) .
4 سؤالات ابن الجنيد لابن معين: (ص346) رقم303.
(7/217) .(3/254)
الحديث"1. ومع ذلك، فهو من رجال مسلم، فمثله - والله أعلم - حديثه حسنٌ على أقل تقدير، وقد حسَّن له الترمذيُّ كما مضى، كما أنه لم ينفرد بروايةِ هذا الأصلِ، بل جاء من غير طريقه.
وأما الاختلاف فيه على ابن جريج: فإن قيل: إن الكل محفوظٌ، فلا إشكالَ. وإن قيل بترجيح الوقف - كما سبق عن البيهقي، ونقَلَهُ ابن حجر2 عن الدارقطني أيضاً - فليس الاعتماد عليه وحده، وإنما يكون الاعتمادُ على ما تقدم من المرفوعات، ويكون هذا الموقوف للاستشهاد.
وأما ما أشار إليه الترمذي من كونه يُرْوَى مرسلاً - وهو ما نقله ابن القَيِّم عنه وأجاب عنه بما تقدم -: فقد أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 3: عن معمر، عن ابن طاوس4، قال: سمعت بالمدينة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخالُ وارثُ من لا وارثَ له".
فإنَّ هذا المرسلَ يعتضدُ بقول عائشة رضي الله عنها الماضي، وبالأحاديث المسندة في الباب، وبعمل أهل العلم به، كما قَرَّرَهُ ابن القَيِّم رحمه الله، ولا تناقض بينه وبين ما تقدم.
__________
1 الميزان: (3/289) .
2 التلخيص الحبير: (3/80-81) .
(9/19) ح16199.
4 هو: عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقةٌ فاضلٌ عابدٌ، من السادسة، مات سنة 132هـ/ع. (التقريب 308) .(3/255)
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن حديث توريثِ الخالِ حديثٌ حسنٌ كما قال ابن القَيِّم رحمه الله، وأنَّه وإن كان في بعض طرقه مقالٌ، فإنَّ في اجتماع هذه الطرق - مع تعدُّدِها، واختلاف مخارجها - ما يقَوِّي هذا الحديثَ ولا يجعله ينزل - بحال - عن درجة الحسن، وقد تَقَدَّم تحسين جماعةٍ له: فحسَّن الترمذيُّ حديثي عمر، وعائشة. وحسن أبو زرعة حديث المقدام، مع تصحيح الحاكم لحديثي عائشة والمقدام رضي الله عنهم أجمعين، وكذا حسَّن الحافظ ابن حجر حديث عمر. كلُّ ذلك يُؤكِّد ما قرَّرَه ابن القَيِّم - رحمه الله تعالى - من تحسين هذا الحديث، وهو ما ثبتَ من خلال هذه الدراسة، والله أعلم.(3/256)
2 - باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل
116- (4) عن تميم الداري رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله، مَا السُّنَّة في الرَّجُلِ يُسْلِمُ على يدي الرجلِ من المسلمين؟ قال: "هُوَ أَوْلَى النَّاس بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - أن الذين رَدُّوا هذا الحديث، منهم من رَدَّهُ لِضَعْفِهِ، ومنهم من ذهب إلى كونه منسوخاً، ومنهم من تَأَوَّلَهُ - على تقدير صحته - بأن معناه: هو أحقُّ به: يواليه وينصره، ويبره ويصله ويرعى ذِمَامَهُ، ويغسله ويصلي عليه ويدفنه، فهذه أولويته به، لا أنها أولويته بميراثه، قال ابن القَيِّم: "وهذا هو التأويل"1.
ثم ردَّ على من قال بضعفه، فقال: "وحديث تميم وإن لم يكن في رتبة الصحيح، فلا ينحطُّ عن أدنى درجاتِ الحسنِ"2.
قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذيُّ، وابن ماجه في (سننيهما) 3، وأحمد في (مسنده) 4 - ومن طريقه: ابن عساكر في (تاريخ دمشق) 5 - كلهم من طريق: وكيع - وعند الترمذي: عن أبي أسامة، وابن نمير، ووكيع -.
__________
1 تهذيب السنن: (4/185) .
2 المصدر السابق: (4/186) .
3 ت: (4/427) ح 2112 باب ميراث الذي يسلم على يدي الرجل. جه: (2/919) باب الرجل يسلم على يدي الرجل. كلاهما في ك الفرائض.
(4/103) .
(39/181) . في ترجمة "عبد الله بن موهب".(3/257)
وأخرجه: أحمد في (مسنده) 1 - ومن طريقه: ابن عساكر في (تاريخ دمشق) 2 - والدارمي في (مسنده) 3، وابن أبي حاتم في (علله) 4 عن أبيه، كلهم من طريق: أبي نعيم.
وأخرجه النسائي في (الكبرى) 5 من طريق: عبد الله بن داود6.
وأخرجه أبو يعلى في (مسنده) 7 - ومن طريقه ابن عساكر8 - والدارقطني في (سننه) 9 من طريق: علي بن مسهر10.
وأخرجه النسائي في (الكبرى) 11 - ومن طريقه: ابن عساكر في
__________
(4/103) .
(39/182) .
(2/272) ح 3037 ك الفرائض، باب الرجل يُوالي الرجل.
(2/52) ح 1642.
(6/134) ح 6380.
6 ابن عامر الهَمْدَاني، أبو عبد الرحمن الخريبي، كوفيُّ الأصل، ثقةٌ عابدٌ، من التاسعة، مات سنة 213هـ / خ 4. (القريب 301) .
(13/102) ح 7165.
(39/184) .
(4/181) ح 33.
10 القرشي، الكوفي، قاضي الموصل، ثقةٌ له غرائبُ بعد أن أُضِرَّ، من الثامنة، مات سنة 189هـ/ ع. (التقريب 405) .
11 (6/133) ح 6379.(3/258)
(تاريخه) 1 - من طريق يونس بن أبي إسحاق2.
وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف) 3 من طريق: عبد الله بن المبارك، وأحمد في (مسنده) 4 - وعنه ابن عساكر5 - من طريق: إسحاق بن يوسف. والطبراني في (الكبير) 6 من طريق: حفص بن غياث. والدارقطني في (سننه) 7 من طريق: إسماعيل بن عياش. وابن عساكر8 من طريق: يونس بن بكير9 كلهم عن: عبد العزيز بن عمر10، عن عبد الله بن مَوْهَب11، عن تميم
__________
(39/185) .
2 السبيعي، أبو إسرائيل الكوفي، صدوقٌ يَهِمُ قليلاً، من الخامسة، مات سنة 152هـ على الصحيح/ رم 4. (التقريب 613) .
(9/39) ح 16271.
(4/102) .
(39/186) .
(2/45) ح 1272.
(4/181) ح 31.
(39/182) .
9 ابن واصل الشيباني، أبو بكر الكوفي، صدوقٌ يخطئ، مات سنة 199هـ/ خت م د ت ق. (التقريب 613) .
10 ابن عبد العزيز بن مروان الأموي، أبو محمد المدني، نزيل الكوفة، صدوقٌ يخطئ، من السابعة، مات في حدود 150هـ / ع. (التقريب 358) .
11 الشامي، أبو خالد، قاضي فلسطين لعمر بن عبد العزيز، ثقةٌ لكن لم يسمع من تميم الداري، من الثالثة/ ع. (التقريب 325) .(3/259)
الداري رضي الله عنه بنحو ما تقدم، وعند الطبراني: "قلت: يا رسول الله، الرجل يسلم على يديَّ فيموت؟ ". وعند عبد الرزاق قوله صلى الله عليه وسلم: "من أسلم على يدي رجل فهو مولاه" بدون سؤال تميم.
وقد تابع عبد العزيز بن عمر على روايته هذه: أبو إسحاق السَّبيعي، فأخرجه النسائي في (الكبرى) 1، والطبراني في (الكبير) 2، والحاكم في (المستدرك) 3 ومن طريقه: البيهقي في (سننه) 4 - كلهم من طريق: يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عبد الله بن مَوْهَب، عن تميم الداري رضي الله عنه به.
وخالف هؤلاء جميعاً: يحيى بن حمزة، فرواه عن: عبد العزيز بن عمر، عن عبد الله بن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن تميم الداري به. فزاد في الإسناد "قبيصة بن ذؤيب" بين ابن موهب، وتميم الداري.
أخرجه كذلك: أبو داود في (سننه) 5 - ومن طريقه البيهقي6-
__________
(6/133) ح 6378.
(2/45) ح 1274.
(2/219) .
(10/297) .
(3/333) ح 2918 ك الفرائض، باب في الرجل يسلم على يدي الرجل.
(10/296) .(3/260)
والطبراني في (الكبير) 1، والبخاري في (تاريخه) 2، والحاكم في (المستدرك) 3، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) 4، والبيهقي5 من وجه آخر، كلهم من طريق: يحيى بن حمزة، عن عبد العزيز بن عمر، أنه قال: سمعتُ عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز، عن قبيصة بن ذؤيب، أن تميماً الداري رضي الله عنه قال: يا رسول الله، ما السنة في الرجل ... ؟ الحديث بنحو ما تقدم، وزاد ابن عساكر في روايته: "قال عبد العزيز بن عمر: وشهدتُ عمرَ بن عبد العزيز قضى بذلك في رجلٍ أسلم على يدي رجلٍ، فماتَ وتركَ مالاً، وابنةً له، فأعطى عمر ابنته النِّصْفَ، والذي أسلم على يديه النصف".
وقد حَكَمَ البعض بتقديم رواية الجماعة المتقدمين، التي ليس فيها ذكرٌ لقبيصة، وخطَّأوا من وزاد فيه "قبيصة". فقال الترمذي: "وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن موهب، وبين تميم الداري: قبيصة بن ذؤيب، ولا يصحُّ". وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه يحيى بن حمزة، عن عبد العزيز بن عمر، عن ابن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن تميم الداري ... ؟ قال أبي: حدثني أبو نعيم، عن عبد العزيز، عن ابن موهب،
__________
(2/45) ح 1273.
(3/1/198 - 199) .
(2/219) .
(39/179 - 180) .
(10/296) .(3/261)
قال: سمعت تميماً الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبي: أبو نعيم أحفظُ وأتقنُ. قلت لأبي: يحيى بن حمزة أفهم بأهل بلده. قال: أبو نعيم في كل شيء أحفظُ وأتقن"1. وقال الحافظ ابن حجر: "تَفَرَّدَ يحيى بن حمزة بهذه الزيادة، وقد رواه بدونها من أسلفنا"2.
ومال آخرون إلى إثبات الرواية التي فيها ذِكْرُ قبيصة، فقد ذكر عبد الله بن الإمام أحمد لأبيه حديث ابن موهب، عن تميم، فقال: "قال يحيى بن حمزة: عن عبد العزيز بن عمر، عن ابن موهب، عن قبيصة، عن تميم"3. وفي لفظ: "إنما هو عن ابن موهب، عن قبيصة، عن تميم"4
وسُئل ابن معين عن هذا الحديث؟ فقال: "أهل الشام يقولون: عن قبيصة"5. وفي (تاريخ أبي زرعة الدمشقي) 6: أنَّ ابنَ معين كتبَ إلى أبي نعيم: أن بينهما رجلاً. فأنكر ذلك أبو نعيم من كتابه. وكان أبو نعيم ينكر وجود قبيصة في الإسناد، ويقول: "أنا سمعت عبد العزيز بن عمر، يذكر عن عبد الله بن موهب، قال: سمعتُ تميماً الداري". فلما احتجوا عليه برواية يحيى بن حمزة، قال: "ومن يحيى بن حمزة حتَّى يُحْتَجَّ عليَّ به؟! ". فقيل له: يا أبا نعيم، لو قيل لك في نُبْلِ رِجَالِك: من
__________
1 علل ابن أبي حاتم: (2/52) ح 1642.
2 تغليق التعليق: (5/226) .
3 علل أحمد: (2/8) رقم 22.
4 جامع التحصيل: (ص 264) .
5 الجرح والتعديل: (2/2/174) .
(1/570) .(3/262)
الأعمش؟ من فلان؟ ألم يكن القائلُ يستطيع أن يقول: لكلِّ قومٍ عِلْمٌ، ولكل قومٍ رجالٌ، وهم أعلم بما رووا؟ فسكت أبو نعيم1.
وقال ابن القطان: "ورواه يحيى بن حمزة عنه، فأدخل بينهما: قبيصة بن ذؤيب، وهو الأصوب"2. وكأنَّ أبا زرعة الدمشقي - رحمه الله - يُرَجِّح ذلك أيضاً، فإنه قال: "فوجهُ مدخل قبيصة بن ذؤيب في حديثه هذا - فيما نرى، والله أعلم - أن عبد العزيز بن عمر حَدَّثَ يحيى بن حمزة بهذا الحديث من كتابه، وحدثهم بالعراق حفظاً"3. يعني أن الرواية التي حَدَّث بها من كتابه أصحُّ، وهي التي فيها ذكر قبيصة.
وإذا ما راعينا قول الإمام أحمد في عبد العزيز بن عمر: "ليس هو من أهل الحفظ والإتقان"4. وقول ابن حبان: "يخطئ"5. علمنا أن الوهم فيه من عبد العزيز هذا جائز، وأنه ربما أخطأ لمَّا حَدَّثَ من حفظه، فأسقط قبيصة من الإسناد، حتَّى إنَّ أبا نعيم - رحمه الله - لما عُورض برواية يحيى بن حمزة هذه سكت.
فإذا قُبلَ هذا الترجيح للرواية المتصلة، فإنه لم يبق سببٌ لإعلال
__________
1 تاريخ أبي زرعة الدمشقي: (1/570 - 571) ، وتاريخ دمشق: (39/ 187 - 188) .
2 بيان الوهم والإيهام: (3/546) ح 1324.
3 تاريخ أبي زرعة الدمشقي: (1/571) .
4 تهذيب التهذيب: (6/350) .
5 الثقات: (7/114) .(3/263)
الحديث بالانقطاع بين ابن موهب، وتميم الداري، كما أعله بذلك: يعقوب بن سفيان1، والشافعي2 رحمهما الله؛ لأنَّ هذه الرواية - والحالة هذه - تصبحُ مرجوحةً.
لكن يبقى بعد ذلك الكلام على بعض العلل التي رُمِي بها الحديث، فمن ذلك:
إعلاله بالاضطراب: قاله ابن المنذر، وابن القطان3. وهذا مبنيٌّ على ما تقدم من كونه رُوي مرةً مرسلاً، ومرةً متصلاً، ومع إمكان الترجيح لإحدى الروايتين على الأخرى، لا يبقى وجهٌ للحكم باضطرابه، وقد أمكن ذلك كما تقدم.
ومن ذلك: جهالة عبد الله بن موهب. قال ابنُ معين وقد سئل عنه: "لا أعرفه"4. وقال الشافعي: "وابن موهب ليس بمعروف عندنا"5. وقال ابن القطان: "وعلة هذا الحديث: الجهل بحال عبد الله بن موهب؛ فإنه لا تُعرف حاله وإن كان قاضي فلسطين، ولم يعرفه ابن معين"6.
__________
1 سنن البيهقي: (10/296) .
2 المصدر السابق: (10/297) .
3 انظر: نصب الراية: (4/157) .
4 الجرح والتعديل: (2/2/174) .
5 سنن البيهقي: (10/297) .
6 بيان الوهم والإيهام: (3/546) .(3/264)
قلت: وقد وَثقَهُ جماعةٌ؛ فقال العجلي: "شاميٌّ ثقةٌ"1. وقال يعقوب بن سفيان: "ثقة"2. وقال الذهبي: "صدوق"3. وقال ابن حجر - كما مر -: "ثقة". ولا شكَّ أن توثيق هؤلاء الأئمة له يدفع القول بجهالته.
ومما أُعِلَّ به أيضاً: ضعف عبد العزيز بن عمر: فنقل الخطابيُّ عن الإمام أحمد قوله: "عبد العزيز - راويه - ليس من أهل الحفظ والإتقان"4. وقال ابن المنذر: "لم يروه غير عبد العزيز بن عمر، وهو شيخٌ ليس من أهل الحفظ والإتقان"5.
وأقول: عبد العزيز بن عمر وَثقَهُ - أيضاً - جماعةٌ؛ فقال ابن معين: "ثقة"6. وقال مرة: "ليس به بأس، ثقة"7. وقال النسائي: "ليس به بأس"8. وقال أبو داود: "ثقة"9. وقال يعقوب بن سفيان: "ثقة"10.
__________
1 تهذيب التهذيب: (6/47) .
2 المعرفة والتاريخ: (2/439) .
3 الكاشف: (2/121) .
4 معالم السنن: (4/186) .
5 نصب الراية: (4/157) .
6 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/367) .
7 سؤالات ابن الجنيد ليحيى: (ص 308) رقم 144.
8 تهذيب التهذيب: (6/350) .
9 تهذيب التهذيب: (6/350) .
10 المعرفة والتاريخ: (2/439) .(3/265)
وقال أبو زرعة: "لا بأس به"1. وقال أبو حاتم: "يُكْتَبُ حديثه"2. وقال ابن عمار: "ثقة، ليس بين الناس اختلاف"3. وقال ابن شاهين: "ثقة ثقة، قاله أحمد ويحيى"4. وقال الذهبي: "ثقة"5. فإذا ظهر ذلك، فإنه لا متعلق لأحدٍ على عبد العزيز في تضعيف هذا الحديث.
ويتلخص من ذلك أن ما أُعِلَّ به الحديث لا يضره، بل صححه الحافظ أبو زرعة الدمشقي رحمه الله، فقال: "وهذا حديثٌ مُتَّصِلٌ حسنُ المخرج والاتصال، لم أر أحداً من أهل العلم يدفعه"6. وقال مرة: "ولم أر أبا مسهر لما تَحَدَّثَ بهذا الحديث أنكره، ولا رَدَّهُ"7. ولذلك - والله أعلم - قال البخاريُّ - رحمه الله - وقد علقه في (صحيحه) 8 بصيغة تمريض، فقال: ويذكر عن تميم الداري رفعه ... - قال: "واختلفوا في صحة هذا الخبر". فلم يقطع - رحمه الله - بضعفه.
ثم إن البخاريَّ - رحمه الله - قد ردَّ هذا الخبر لا لِعِلَّةٍ فيه، وإنما
__________
1 الجرح والتعديل: (2/2/389) .
2 الجرح والتعديل: (2/2/389) .
3 تهذيب التهذيب: (6/350) .
4 تاريخ الثقات: (ص 162) رقم 932.
5 الكاشف: (2/177) .
6 تاريخ أبي زرعة الدمشقي: (1/571) .
7 المصدر السابق.
8 ك الفرائض، باب إذا أسلم على يديه ... فتح الباري: (12/45) .(3/266)
لمعارضته خبراً آخر، فإنه قال في (تاريخه) 1 - بعد أن أخرجه -: "ولا يصح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق".
وَرَدَّهُ الأوزاعي - أيضاً - من وجه آخر، فروى أبو زرعة الدمشقي بسنده إلى الوليد بن مسلم: أن الأوزاعي كان يدفع هذا الحديث، ولا يرى له وجهاً، ويحتجُّ على ذلك: بأنه لم يكن للمسلمين يومئذٍ ذمةٌ ولا خراجٌ2.
ولكن تأويلّ هذا الحديث على الوجه الذي اختاره ابن القَيِّم رحمه الله - من أن المقصود بالأولوية: أولوية النصرة، والتأييد، والمعاونة، لا أولوية الميراث - يدفع هذا الإشكال، وقال ابن حجر بأن هذا اختيار الجمهور، قال: "ورجحانه ظاهر"3.
فتلخص من ذلك: أن هذا الحديث قد أُعِلَّ بما لا يؤثر فيه، وأنه بهذا الإسناد يصلُ إلى درجة الحَسَنِ - أو أدنى الحسن - كما قال ابن القَيِّم رحمه الله.
ثم ذكر ابن القَيِّم بعد ذلك شاهداً لهذا الحديث، فقال: "وأما تضعيفُ الحديث: فقد رُوِيَت له شواهد. منها: حديث أبي أمامة".
قلت: يشير - رحمه الله - إلى: ما رُوي:
__________
1 الكبير: (3/1/198 - 199) .
2 تاريخ أبي زرعة: (1/571) .
3 فتح الباري: (12/47) .(3/267)
117- (5) عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أَسْلَمَ على يدي رجلٍ، فله ولاؤه ".
ثم ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - أن هذا الحديث وإن رُدَّ بـ"جعفر ابن الزبير" فإنه قد رُوي من طريق آخر عند سعيد بن منصور1.
قلت: حديثُ سعيد بن منصور هذا مُخَرَّجٌ في (سننه) 2، وأخرجه أيضاً: الطبراني في (الكبير) 3، والدارقطني في (سننه) 4، وابن عدي في (الكامل) 5 - ومن طريقه البيهقي في (سننه) 6 - كلهم من طريق: عيسى بن يونس7، عن معاوية بن يحيى8، عن القاسم بن عبد الرحمن9، عن أبي أمامة رضي الله عنه به. وعند الطبراني: "فهو مولاه" بدل: "فله ولاؤه".
__________
1 تهذيب السنن: (4/186) .
(3/1/78) ح 200.
(8/223) ح 7781.
(4/181) ح 32.
(6/401) .
(10/298) .
7 ابن أبي إسحاق السٍّبيعي، أخو إسرائيل، كوفيٌّ نزل الشام مرابطاً، ثقةٌ مأمونٌ، من الثامنة، مات سنة 187هـ وقيل: 191هـ / ع. (التقريب 441) .
8 الصَّدَفي، أبو روح الدمشقي، سكن الرَّي، ضعيفٌ، وما حَدَّثَ بالشام أحسن مما حدث بالرَّيِّ، من السابعة/ ت ق. (التقريب 538) .
9 الدمشقي، أبو عبد الرحمن.(3/268)
وهذا الإسناد ضعيفٌ لأجل معاوية بن يحيى، فقد أجمعوا على ضعفه1، ولذلك فقد أعلَّ هذا الحديث به: ابنُ عدي، والدارقطني، والبيهقي، والهيثمي2. وقال ابن أبي حاتم في (العلل) 3: "وسمعت أبا زرعة وقرأ علينا كتاب الفرائض، فانتهى إلى حديث كان عنده عن: عمرو الناقد، عن عيسى بن يونس، عن معاوية بن يحيى ... فامتنع أبو زرعة من فراءته علينا، ولم نسمعه منه".
قلت: ومعاوية بن يحيى وإن كان ضعيفاً، فقد ذهب بعضهم إلى أنَّ ما حَدَّثَ به بالشام أحسنُ حالاً من غيره4، وإسناد هذا الحديث شاميٌّ، فالغالب أنه مما حَدَّثَ به بالشام، فلعل ذلك يُعطي هذا الحديث قوةً، وأنه - مع ضعف إسناده - إذا ضُمَّ إلى حديث تميم الداري المتقدم، تَقَوَّى كلُّ منهما بالآخر.
وأما رواية جعفر بن الزبير5 التي أشار إليها ابن القَيِّم آنفاً: فأخرجها ابن عديٍّ في (الكامل) 6 - ومن طريقه البيهقي في (سننه) 7 -
__________
1 انظر ترجمته في الميزان: (4/138) ، وتهذيب التهذيب: (10/219) .
2 مجمع الزوائد: (5/334) .
(2/53) ح 1646.
4 قاله أبو زرعة، انظر: الجرح والتعديل: (4/1/384) .
5 الحنفي، أو الباهلي، الدمشقي، نزيل البصرة، متروك الحديث، وكان صالحاً في نفسه، من السابعة، مات بعد 140هـ / ق. (التقريب 140) .
(2/135) .
(10/298) .(3/269)
من طريق: عيسى بن يونس، عن جعفر بن الزبير، وبالإسناد المتقدم في حديث معاوية.
ولكنَّ جعفر بن الزبير متروك الحديث عندهم1، فيكون الاعتماد في حديث أبي أمامة هذا على ما جاء من رواية معاوية بن يحيى الصدفي - على ما فيها من ضَعْفٍ - فإنها تصلح شاهداً لحديث تميم الماضي، كما ذهب إلى ذلك ابن القَيِّم رحمه الله، والله أعلم.
__________
1 انظر تهذيب التهذيب: (2/90 - 92) .(3/270)
18- من كتاب الأذكار
1 - باب ما يقول من نسي التسمية في أول طعامه
118- (1) عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرَ اسْمَ الله تعالى، فَإِنْ نَسِيَ أن يَذْكُرَ اسم الله تعالى في أَوَّلِهِ فَلْيَقُل: بِسْم اللهِ في أَوَّلِهِ وآخره".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "حديث صحيح"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2 من طريق: إسماعيل بن عُلَيَّة. والترمذي في (جامعه) 3، وأحمد في (المسند) 4 من طريق: وكيع. والدارمي في (مسنده) 5 من طريق: معاذ بن هشام. والحاكم في (المستدرك) 6 من طريق: عَفَّان بن مسلم. والبيهقي في (سننه) 7 من طريق: روح، وكذا أحمد في رواية8. والنسائي في (عمل اليوم والليلة) 9 من طريق: المعتمر بن سليمان. والطيالسي في (مسنده) 10،
__________
1 زاد المعاد: (2/397) .
(4/139) ح 3767، ك الأطعمة، باب التسمية على الطعام.
(4/288) ح 1858. ك الأطعمة، باب ما جاء في التسمية على الطعام.
(6/208) .
(2/21) ح 2027.
(4/108) .
(7/276) .
(6/246) .
(ص 261) ح 281، باب ما يقول إذا نسي التسمية ثم ذكر.
10 ح 1566.(3/273)
كلهم عن: هشام الدستوائي، عن بُدَيْل بن ميسرة، عن عبد الله بن عبيد ابن عُمَير1، عن أم كلثوم - وفي رواية أبي داود، وكذا الطيالسي: عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم - عن عائشة رضي الله عنها به.
وأخرجه ابن ماجه في (سننه) 2، وأحمد والدارمي في (مسنديهما) 3، وابن حبان في (صحيحه) 4، أربعتهم عن: يزيد بن هارون، عن هشام الدستوائي بالإسناد المتقدم، إلا أنه ليس فيه ذكر لأم كلثوم، وفي هذه الرواية قصة.
وهذا الإسناد منقطع؛ فإن عبد الله بن عبيد بن عمير لم يسمع من عائشة، كما قال ابن حزم5 رحمه الله. ولا شكَّ أنَّ رواية الجماعة الذين ذكروا "أم كلثوم" أولى من رواية يزيد بن هارون الذي انفرد بإسقاطها، فتقدم عليها.
وهذا الحديث قال فيه الترمذي: "حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. مع تصحيح ابن حبان إياه.
__________
1 الليثي، الْمَكِّي، ثقة، من الثالثة، استشهد غازياً سنة 113 هـ/ م 4. (التقريب 312) .
(2/1086) ح 3264.
3 حم: (6/ 143) ، مي: (2/21) ح 2026.
4 الإحسان: (7/323) ح 5191.
5 انظر: تهذيب التهذيب: (5/308) .(3/274)
قلت: لكن في الإسناد أم كلثوم، راوية الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وقد وقع خلاف فيها، فقال الترمذي - رحمه الله - عقب إخراجه حديثها: "هي بنت محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه". قال ابن حجر عقبه: "كذا في عدة أصول، ولا يعكر عليه إلا ما وقع في رواية أبي داود، عن عبد الله بن عبيد، عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم"1. وقال في (التقريب) 2 - معقباً على قول الترمذي -: "فعلى هذا فهي تيمية لا ليثية". وتردد فيها المزي فترجمها: "الليثية أو المكية"3 لكن قال ابن حجر: "فقول ابن عمير: عن امرأة منهم. قابل للتأويل، فينظر فيه، فلعل قوله: منهم أي كانت منهم بسبب: إما بالمصاهرة، أو بغيرها من الأسباب"، قال: "والعمدة على قول الترمذي"4. وقال في (النكت الظراف) 5: "ويمكن تأويل قوله: منهم. أي من أهل جوارهم".
وعلى كُلِّ حالٍ، فسواء أكانت ليثية أم تيمية، فإنها لا يُعْرَفُ لها حال ولا عينٌ، فلم يرو عنها غير: عبد الله بن عمير الليثي" هذا، ولم يوثقها أحد فيما فتشت عنها، ولذلك ذكرها الحافظ الذهبي في آخر كتابه (الميزان) 6 ضمن النساء المجهولات، فقال: "تفرد عنها عبد الله بن عبيد بن عمير في التسمية على الأكل".
__________
1 النكت الظراف: (12/ 443) .
(ص 758) .
3 تهذيب الكمال: (35/382) .
4 تهذيب التهذيب: (12/478) .
(12/443) .
(4/613) .(3/275)
وعلى هذا: فإنَّ الحُكْمَ على هذا السند متوقفٌ على العلم بحال أم كلثوم هذه، إلا أن يُحْمَل تصحيح من صححه على قول الذهبي رحمه الله: "وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها"1، ومع ذلك فالحديث له شواهد يمكن أن يَتَقَوَّى بها، فمن هذه الشواهد:
حديث أُمَيَّة بن مَخْشِيِّ، ذكره ابن حجر في (فتح الباري) 2 عقب حديث عائشة السالف، فقال: "وله شاهد من حديث أمية بن مخشي ... ".
قلت: وهذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والطبراني في (معجمه الكبير) 4 من طريق: عيسى بن يونس. وأخرجه: أحمد في (مسنده) 5، والطبراني - أيضا - في (معجمه) 6، والنسائي وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 7، والحاكم في (المستدرك) 8، خمستهم من طريق: يحيى بن سعيد، كلاهما عن:
__________
1 الميزان: (4/604) .
(9/521) .
(4/140) ح 3768.
(1/268) ح 855.
(4/336) .
(1/268) ح 854.
7 سي: (ص 262) ح282. ابن السني: (ص 218) ح461.
(4/108) .(3/276)
جابر بن صُبْح1، عن المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي2، عن عمه أمية بن مخشي3 - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه قال: "بسم الله أوله وآخره". فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ما زالَ الشيطان يأكلُ معه، فلما ذَكَرَ اسم الله - عز وجل - استقاء ما في بطنه". لفظ رواية عيسى بن يونس.
وقد وقع في رواية عيسى بن يونس: أن أُمَيَّة بن مخشي عمُّ الْمُثَنَّى، وفي رواية يحيى بن سعيد: أنه جده. وكأن ابن حجر - رحمه الله - يُضَعِّفُ القول الثاني؛ فإنه قال: "روي عن أمية بن مخشي وهو عمه، ويقال: جده"4.
والْمُثَنَّى بن عبد الرحمن تَفَرَّدَ عنه جابر بن صبح5، لم يرو عنه غيره، ولم يوثقه أحد غير ابن حبان6، وقال علي بن المديني: "مجهول"7. وقال الذهبي: "لا يعرف"8. وسكت عنه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 9.
__________
1 الرَّاسبي، أبو بشر البصري، صدوق، من السابعة/ د ت س. (التقريب 136) .
2 مستور، من الثالثة / د س. (التقريب 519) .
3 صحابيٌّ، يكنى أبا عبد الله / د س. (التقريب 115) .
4 تهذيب التهذيب: (10/ 37) .
5 انظر: الميزان: (3/ 435) .
6 الثقات: (7/ 503) .
7 تهذيب التهذيب: (10/ 37) .
8 الميزان: (3/ 435) .
(4/ 1/ 326) .(3/277)
ومن هذا يعلم أن قول الحاكم رحمه الله: "صحيح الإسناد"، وموافقة الذهبي إياه غير مقبول منهما؛ إذ الجهل بحال الْمُثَنَّى يمنع من الحكم بصحة إسناده.
وثَمَّةَ شاهد آخر من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
أخرجه: ابن حبان في (صحيحه) 1، والطبراني في (الكبير) 2، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 3، ثلاثتهم من طريق: خليفة بن خياط، عن عمر بن علي المقدمي4، عن موسى5 الجهني، عن القاسم ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود6، عن أبيه7، عن جده رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من نَسِيَ أن يذكر الله في أول طعامه، فليقل حين يذكر: بسم الله في أوله وآخره؛ فإنه يستقبل طعاماً جديداً، ويمنع الخبيث ما كان يصيب منه ".
__________
1 الإحسان: (7/ 322) ح 5190.
(10/210) ح 10354.
(ص 217) ح 459.
4 بصري، أصله واسطي، ثقة وكان يدلس تدليساً شديداً، من الثامنة، مات سنة 190 هـ/ ع. (التقريب 416) .
5 ابن عبد الله، ويقال: ابن عبد الرحمن، أبو سلمة الكوفي، ثقة عابد، لم يصح أنَّ القطان طَعَنَ فيه، من السادسة، مات سنة 144 هـ/ م ت س ق. (التقريب552) .
6 المسعودي، أبو عبد الرحمن، الكوفي، ثقةٌ عابدٌ، من الرابعة، مات سنة 120 هـ أو قبلها/ خ 4. (التقريب 450) .
7 عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، الكوفي، ثقة، من صغار الثانية، مات سنة79 هـ، وقد سمع من أبيه، لكن شيئاً يسيراً / ع. (التقريب 344) .(3/278)
وهذا الإسناد رجاله ثقات، غير أنه يُخْشَى من عَدَمِ سماع عبد الرحمن بن عبد الله هذا الحديث من أبيه، فإنه قد تُكُلِّمَ في سماعه منه، واختلف الأئمة في ذلك، فمنهم من أثبت له السماع، ومنهم من نفاه، وقال علي بن المديني: "سمع من أبيه حديثين: حديث الضبِّ، وحديث تأخير الوليد للصلاة"1.
وفي الإسناد أيضاً: عمر بن علي الْمُقَدَّمي، وهو شديد التدليس، كما وصفه بذلك ابن حجر2 رحمه الله، ولكنه صَرَّحَ هنا بالسماع، فانتفى بذلك احتمال تدليسه.
وذكر له الشيخ الألباني شاهداً ثالثاً3: من رواية امرأة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعزاه لأبي يعلى4، وقال: "بسند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، غير إبراهيم بن الحجاج، وهو ثقة". ثم نقل عن الهيثمي قوله: "رجاله ثقات"5. وصحح إسناده أيضاً: محقق المسند.
فَتَحَصَّلَ من ذلك: أن حديثَ الباب وإن كان فيه ضعف، فإنه يَتَقَوَّى بهذه الشواهد، ويصير بذلك حسناً على أقل أحواله. أما تصحيح
__________
1 تهذيب التهذيب: (6/215 - 216) . وانظر: جامع التحصيل: (ص 272) .
2 طبقات المدلسين: (ص 130) في الطبقة الرابعة، وانظر: تهذيب التهذيب: (7/486) .
3 إرواء الغليل: (7/27) .
4 المسند: (13/78) ح7153.
5 مجمع الزوائد: (5/22) .(3/279)
ابن القَيِّم - رحمه الله - إياه فلا يوافق عليه، لما تقدم من الكلام في طرقه، فلعله - رحمه الله - وقف عليه من طرق صحيحة غير هذه، أو قصد: أنه صحيح بشواهده، والله أعلم.
وقد رمز له السيوطي بالصحة1، وصححه الشيخ الألباني2، مع ما تقدم من تصحيح الترمذي والحاكم والذهبي لرواية عائشة رضي الله عنها.
__________
1 الجامع الصغير مع فيض القدير: (1/296) ح476.
2 إرواء الغليل: (7/24) ح 1965، وصحيح الجامع رقم: (380) .(3/280)
2 - باب ما يقول إذا دخل السوق
119- (2) عن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ دَخَل السُّوق فقال: لا إِلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ، له الْمُلْكُ وله الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ، وهو حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخير، وهو على كُلِّ شَيءٍ قَدير: كُتِبَ له ألفُ ألفِ حسنة، ومُحِيَ عنه ألفُ ألفِ سيئة، وَرُفِعَ لَهُ ألفُ ألفِ درجة".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (تهذيب السنن) 1 ثم قال: "حديثٌ معلولٌ، لا يثبتُ مثله، وذكر له الترمذيُّ طرقاً". ثم ذكر هذه الطرق، وبيّن عِلَّةَ كل طريق منها:
أما الطريق الأولى: فإنها أمثل طرقه، لكن فيها أزهر بن سنان، وهو لا بأس به، وقد تكلم فيه بعضهم.
وأما الطريق الثانية: ففيها عمرو بن دينار2، وقد ضُعِّفَ.
وأما الطريق الثالثة: ففيها عمران بن مسلم، وهو منكر الحديث.
قلت: هذا الحديث مداره على: سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله، عن جَدِّه عمر رضي الله عنه. وله عن سالم طرق:
__________
(7/336 - 337) . وانظر: المنار المنيف: (ص41 - 43) .
2 البصري، الأعور، قهرمان آل الزبير، أبو يحيى، ضعيفٌ، من السادسة / ت ق. (التقريب 421) .(3/281)
الطريق الأول: رواه عمرو بن دينار، عن سالم به.
أخرجه: ابن ماجه في (سننه) 1، وأحمد والطيالسي في (مسنديهما) 2، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) 3، والطبراني في (الدعاء) 4، كلهم من طريق: حماد بن زيد.
وأخرجه الترمذي في (جامعه) 5 من طريق: المعتمر بن سليمان وحماد بن زيد.
وأخرجه الطبراني في (الدعاء) 6 من طريق: ثابت بن يزيد7.
وأخرجه الطبراني في (الدعاء) 8 - أيضاً - من طريق: عبد الله بن بكر السهمي9، عن هشام بن حسان. جميعهم عن: عمرو بن دينار، عن سالم به.
__________
(2/752) ح 2235. ك التجارات، باب الأسواق ودخولها.
2 حم: (1/47) . طس: (ح 12) .
(ص95) ح182. باب ما يقول إذا دخل السوق.
(2/1165) ح789، باب القول عند دخول الأسواق.
(5/491) ح3429. ك الدعوات، باب ما يقول إذا دخل السوق.
(2/1166) ح791.
7 الأحول، أبو زيد البصري، ثقة ثَبْتٌ، من السابعة، مات سنة 169 هـ/ع. (التقريب 133) .
(2/1166) ح790.
9 أبو وهب البصري، ثقةٌ، مات سنة 208 هـ / ع. (التقريب 297) .(3/282)
وخالف فضيل بن عياض1 عبد الله السهمي، فرواه عن: هشام بن حسان، عن سالم، عن ابن عمر2. فأسقط منه "عمرو بن دينار" و"عمر ابن الخطاب".
وخالفهما: سويد بن عبد العزيز، فرواه عن: هشام، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب موقوفاً عليه3، ولم يذكر فيه "سالماً".
وقد أُعِلَّ هذا الطريق بعلل:
أولها: أنه مضطرب، قال الإمام الدارقطني - بعد أن ذكرَ أوجه الاختلاف فيه -: "ويشبه أن يكون الاضطراب فيه من عمرو بن دينار"4.
ثانيها: ضعف عمرو بن دينار5، وقد أَعَلَّهُ بذلك الدارقطني أيضاً6.
ثالثها: نكارته، قال أبو حاتم: "هذا حديث منكر جداً، لا يحتمل سالم هذا الحديث"7.
__________
1 ابن مسعود التميمي، أبو علي، الزاهد المشهور، ثقةٌ عابدٌ إمامٌ، من الثامنة، مات سنة 187 هـ، وقيل: قبلها/ خ م د ت س. (التقريب 448) .
2 انظر: علل الدارقطني: (2/49) .
3 المصدر السابق.
4 علل الدارقطني: (2/49) .
5 انظر أقوال العلماء فيه في: تهذيب التهذيب: (8/30 - 31) .
6 علل الدارقطني: (2/49) .
7 علل ابن أبي حاتم: (2/171) .(3/283)
الطريق الثاني عن سالم: رواه عنه محمد بن واسع1.
أخرجه الترمذي في (جامعه) 2، والدارمي في (مسنده) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، والعقيلي في (الضعفاء) 5 كلهم من طريق: يزيد بن هارون.
وأخرجه الطبراني في (الدعاء) 6 من طريق: سعيد بن سليمان الواسطي. كلاهما عن:
أزهر بن سنان7، عن محمد بن واسع قال: قدمتُ مكة فلقيني أخي سالم بن عبد الله بن عمر، فَحَدَّثَنِي عن أبيه، عن جَدِّه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره. وزاد الدارمي والعقيلي قول محمد بن واسع: "فقدمت خراسان فلقيتُ قتيبة بن مسلم، فقلت: إني أتيتك بهدية، فحدثته، فكان يركب في موكبه، فيأتي السوق، فيقوم فيقولها، ثم يرجع".
ووقع في المستدرك: "قدمت المدينة" بدل "مكة". ولعله خطأ.
__________
1 ابن جابر بن الأخنس الأزدي، أبو بكر أو أبو عبد الله، البصري، ثقةٌ عابدٌ كثيرُ المناقب، من الخامسة، مات سنة 123 هـ/ م د ت س. (التقريب 511) .
(5/491) ح 2428.
(2/203) ح2695، ك الاستئذان، باب ما يقول إذا دخل السوق.
(1/538) .
(1/133) .
(2/1167) ح792.
7 البصري، أبو خالد القرشي، ضعيف، من السابعة/ ت. (التقريب 97) .(3/284)
وأزهر بن سنان ضعيف، قال ابن معين: "لا شيء"1. ولَيَّنَه الإمام أحمد2. وقال الساجي: "فيه ضعف"3. وقال العقيلي: "في حديثه وهم"4. وقال ابن حبان: " ... منكر الرواية في قلته، لم يتابع الثقات فيما رواه"5. وقال الذهبي: "فيه لين"6.
قلت: ومع ضعف أزهر هذا، فقد خالفه فيه يزيد الدورقي صاحب الجواليق7، فقد أخرج العقيلي في (ضعفائه) 8 من حديث إبراهيم بن حبيب بن الشهيد9، قال: حدثنا يزيد الدورقي أبو الفضل - صاحب الجواليق - قال: كان محمد بن واسع الأزدي لا يزال يجيء إلى دكان، فيقعد ساعة في أصحاب الجواليق، فنرى أنه يذكر ربه، فحدثنا، قال: كنت بخراسان مع قتيبة، فاستأذنته في الحج، فأذن لي، فلقيت سالم ابن عبد الله، فسمعته يذكر: أنه من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله ... قال: فلما رجعت إلى خراسان قال لي قتيبة: ما أفدتنا؟ فحدثته بهذا
__________
1 الجرح والتعديل: (1/1/ 314) .
2 تهذيب التهذيب: (1/204) .
3 المصدر السابق.
4 تهذيب الكمال: (2/327) . ولم أجده في العقيلي.
5 المجروحين: (1/178) .
6 المغني: (1/65) .
7 الجُوَالِقَ: وعاءٌ. والجمع: الجَوَالِقَ، بالفتح، والجَوَالِيق. (مختار الصحاح 106) .
(1/134) .
9 الأزدي، أبو إسحاق البصري، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة 203 هـ/ س. (التقريب 88) .(3/285)
الحديث. فكان قتيبة يركب في الأيام، فيقف في السوق فيقولها أربعين مرة، ثم ينصرف.
فهو هنا موقوفٌ على سالم من قوله، ولم أقف - بعد البحث - على ترجمة يزيد صاحب الجواليق، لكن قدم العقيلي هذه الرواية على رواية أزهر السالفة، فقال: "وهذا أولى من حديث أزهر"1.
وقد حكم الأئمة على رواية أزهر بالنكارة والضعف، فقد نقل أبو غالب الأزدي عن علي بن المديني أنه ضعّف أزهر بن سنان جداً في حديث رواه عن محمد بن واسع، وأشار ابن حجر - رحمه الله - إلى أن المقصود هو هذا الحديث2.
وحكم أبو حاتم على الحديث بالنكارة، وحمل ذلك على محمد بن واسع، فقال: "روى عن سالم، عن ابن عمر حديثاً منكراً"3. لكن تعقبه الذهبي رحمه الله، فقال: "النكارة إنما هي من قِبَلِ الراوي عنه"4. يعني: أزهر بن سنان.
فقد تَبَيَّنَ من ذلك أن حديث أزهر هذا ضعيف السَّنَد، وأنَّ الصَّوابَ وقفه على سالم بن عبد الله بن عمر، مع الحكم بنكارته: ربما من أجل متنه كما سيأتي، وربما من أجل المخالفة في إسناده، فإن المشهور أنه: عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله.
__________
1 الضعفاء: (1/134) .
2 تهذيب التهذيب: (1/204) .
3 الجرح والتعديل: (4/1/ 113) .
4 الميزان: (4/58) .(3/286)
ومن أجل ذلك فقد حكم الترمذي على حديث أزهر هذا بالغرابة، فقال: "هذا حديث غريب".
ولهذا الحديث طريق ثالث:
أخرجه الترمذي في (علله) 1 - وعلقه في (جامعه) 2 - والعقيلي في (الضعفاء) 3، والحاكم في (المستدرك) 4 من طريق:
يحيى بن سليم الطائفي، عن عمران بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعاً.
وعمران بن مسلم اختلف فيه الأئمة في هذا الحديث: هل هو عمران القصير أم غيره؟ فَفَرَّقَ البخاريُّ بينهما، وجعل الراوي هنا غير القصير، فقد سأله الترمذي: من عمران بن مسلم هذا، هو عمران القصير؟ فقال البخاري: "لا، هذا شيخ منكر الحديث"5. وفرق بينهما العقيلي في (الضعفاء) 6، وكذا ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 7.
وخالفهم في ذلك الدارقطني رحمه الله، فقال: "وقد قيل إن
__________
(2/912) باب ما يقول إذا دخل السوق.
(5/492) .
(3/304) .
(1/539) .
5 علل الترمذي: (2/912) .
(3/304 - 305) .
(3/1/304 - 305) .(3/287)
عمران بن مسلم هذا ليس بعمران القصير، ذكره أبو عيسى ... عن البخاري، وهو عندي عمران القصير ... ليس فيه شك"1.
وحاصل الخلاف في ذلك: أَنَّ عمران القصير من رجال الصحيح، أما الآخر - فكما قال البخاري -: منكر الحديث، ولكن مهما يكن من أمر فإن هذه الرواية قد ضَعَّفَها الأئمة، فقال الإمام البخاري - لما سأله عنها الترمذي -: "هذا حديث منكر"2. وكذا قال أبو حاتم3 رحمه الله.
وقال ابن أبي حاتم: "وهذا الحديث هو خطأ، إِنَّمَا أراد: عمران ابن مسلم، عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، عن سالم، عن أبيه. فغلط وجعل بدل عمرو: عبد الله بن دينار، وأسقط سالماً من الإسناد"4. ثم ساقه بإسناده إلى عمران بن مسلم على الصواب.
قلت: وعلى قول من ذهب إلى أن عمران هذا هو القصير، فَإِنَّه - أيضاً - ينفردُ بأشياء لا يرويها غيره5. وقد ذكره ابن حبان في (الثقات) 6 لكنه قال: "إلا أن في رواية يحيى بن سليم عنه بعض
__________
1 علل الدارقطني: ج4 ق (58/ أ) .
2 علل الترمذي: (2/912) .
3 علل ابن أبي حاتم: (2/181) .
4 المصدر السابق.
5 انظر: تهذيب التهذيب: (8/138) .
(7/242) .(3/288)
المناكير ... ". وهذا الحديث هو من رواية يحيى بن سليم عنه، فيكون قد وقع فيه خطأ على ما بَيَّنَ ابن أبي حاتم رحمه الله، ويرجع الحديث بذلك إلى رواية عمرو بن دينار عن سالم المتقدمة، وقد تبين ما فيها من مقال.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أنَّ أسانيدَ هذا الحديثِ لا تخلو من مقال، قال العقيلي رحمه الله: "والأسانيد فيه فيها لين"1. وقد مضى معنا حكم جماعة من العلماء عليه بالنكارة، فقد تكون النكارة في متنه من جهة ذكر هذا العدد فيه على هذه الصورة، وقد أشار إلى ذلك الإمام الشوكاني بقوله: " ... وإن كان في ذكر العدد على هذه الصفة نكارة"2. فقد علم أن من جملة القرائن التي يستدل بها على بطلان الحديث: اشتماله على الإفراط بالوعد العظيم على الفعل اليسير3.
وقد ضَعَّفَهُ أيضاً الأئمة: النسائي، والدارمي، وأبو زرعة كما في (كشف الخفاء) 4. وقال العلامة أحمد شاكر: "إسناده ضعيف جداً"5. يشير إلى رواية عمرو بن دينار المتقدمة.
وأما جعل البغوي له في (مصابيح السنة) 6 من قسم الحسن،
__________
1 الضعفاء: (3/ 305) .
2 تحفة الذاكرين: (ص 209) .
3 انظر: النكت على ابن الصلاح، لابن حجر: (2/843) .
(2/248) ح2472.
5 التعليق على المسند: (1/297) ح327.
(1/118) .(3/289)
وكذا تحسين الشوكاني له1، ثم الشيخ الألباني2: فلم أر أن الصواب قد حالفهم في ذلك، ويكون ابن القَيِّم - رحمه الله - بذلك قد أصاب في إعلاله هذا الحديث، وقوله إنه "لا يثبت مثله" والله تعالى أعلم.
__________
1 تحفة الذاكرين: (ص 209) .
2 في صحيح الجامع: (ح 6231) .(3/290)
3 - باب من قال: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس
120- (3) عن عبد الرحيم بن زيد العَمِّي، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذكروني عند ثلاث: تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث دليلاً للقائلين بعدم استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس، ثم قال: "لا يصح ... وله ثلاث علل:
إحداها: تَفَرُّدُ سليمان بن عيسى به، قال البيهقي: وهو في عِدَادِ من يَضَعُ الحديث.
الثانية: ضَعْفُ عبد الرحيم العَمِّي.
الثالثة: انقطاعه"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه البيهقي في (سننه) 2 من طريق: يحيى ابن يحيى، عن سليمان بن عيسى3، عن عبد الرحيم بن زيد4 العمي، عن أبيه5، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
__________
1 جلاء الأفهام: (ص 237) .
(9/286) .
3 هو: سليمان بن عيسى بن نجيح السجزي.
4 ابن الحواري، البصري، أبو زيد، متروك، كَذَّبَهُ ابن معين، من الثامنة، مات سنة 184 هـ / ق. (التقريب 354) .
5 زيد بن الحواري، أبو الحواري، قاضي هَرَاة، ضعيف، من الخامسة/4. (التقريب223) .(3/291)
وقد ذكر البيهقي - رحمه الله - العلل الثلاث، وأشار إلى عِلَّةٍ رابعة لم يَتَعَرَّض لها ابن القَيِّم رحمه الله، وهي: ضعف زيد العَمِّي، والد عبد الرحيم.
أما العلة الأولى، وهي الكلام في سليمان بن عيسى: فإنه كما قال البيهقي، فقد قال الجوزجاني: "كان كَذَّابَاً مُصَرِّحَاً"1. وقال أبو حاتم: "رَوَى أحاديث موضوعة، وكان كَذَّابَاً"2. وقال الذهبي: "هالكٌ"3. وتتمة كلام البيهقي - كما في (السنن) 4 له -: "ولو عرف يحيى بن يحيى حالَه، لما استجازَ الرواية عنه".
وأما العِلَّةَ الثانية، وهي ضَعْفُ عبد الرحيم العَمِّي: فإن حاله أسوأ مما قال ابن القَيِّم رحمه الله، فقد كَذَّبَه ابن معين5. وقال البخاري: "تركوه"6. وقال النسائي: "متروك"7. وقال أبو حاتم: "ترك حديثه"8. وقال أبو زرعة: "واهي، ضعيف الحديث"9. وقال
__________
1 أحوال الرجال: (ص 207) .
2 الجرح والتعديل: (2/1/ 134) .
3 الميزان: (2/218) .
(9/286) .
5 الميزان: (2/605) .
6 الضعفاء الصغير: (ص 157) .
7 الضعفاء والمتروكين: (ص 69) .
8 الجرح والتعديل: (2/2/340) .
9 المصدر السابق.(3/292)
الجوزجاني: "غير ثقة"1. وقال ابن حبان: "يروي عن أبيه العجائب، لا يشك من الحديث صناعته أنها معمولة أو مقلوبة كلها ... "2. وقال الحافظ ابن حجر: "متروك".
وأما أبوه زيد: فإنه وإن كان أحسن حالاً من ولده، إلا أنه قد ضُعِّفَ أيضاً، فقال ابن معين: "ليس بشيء"3. وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، يُكْتَبُ حديثه ولا يحتجُّ به"4. وقال ابن حبان في ترجمة ابنه: " ... فأما ما روى عن أبيه: فالجرحُ ملزقٌ بأحدهما أو بهما"5.
وقد سبق التنبيه على أنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - لم يذكر سوى ثلاث علل، ولم يذكر ضعف "زيد العمي" والد عبد الرحيم، ولعل السبب في ذلك هو أنه أورد الحديث من رواية: عبد الرحيم بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بدون ذكر أبيه، ولكن الحديث في (سنن البيهقي) : عن عبد الرحيم بن زيد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب.
وأما العلة الثالثة، وهي انقطاعه: فلم يذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - وجهه، ولعل موضعه: بين زيد العمي والنبي صلى الله عليه وسلم، فإن زيداً هذا لم
__________
1 أحوال الرجال: (ص 197) .
2 المجروحين: (2/161) .
3 رواية الدقاق عن ابن معين: (ص 40) رقم 47.
4 الجرح والتعديل: (1/2/560) .
5 المجروحين: (2/161) .(3/293)
يدرك النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً، بل تُكُلِّم في روايته عن مرة الهمداني1.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن الحديث لا يصحُّ كما قال ابن القَيِّم رحمه الله، بل قال الشيخ الألباني: "موضوع"2.
__________
1 انظر: (المراسيل) لابن أبي حاتم: (ص 65) .
2 السلسلة الضعيفة: (ح 539) .(3/294)
19- من كتاب الفضائل
1 - باب في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
121- (1) عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيّ صَلاةً لَمْ تَزَل الملائكةُ تُصَلِّي عليه ما صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبدٌ من ذلك أو لِيُكْثِرْ".
أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث من طريق الإمام أحمد، بإسناد فيه عاصم بن عبيد الله، ثم أورده من طريق عبد الرزاق: عن عبد الله بن عمر العمري بلفظ قريب، ثم قال: "وعاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر العُمَرِي، وإن كان في حديثهما بعض الضعف، فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين، يدلُّ على أن له أصلاً، وهذا لا ينزل عن وسط درجات الحسن"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (سننه) 2، وأحمد والطيالسي في (مسنديهما) 3، وإسماعيل بن محمد الأصبهاني في (الترغيب والترهيب) 4 وإسماعيل بن إسحاق القاضي في (فضل الصلاة على
__________
1 جلاء الأفهام: (ص 29) ح 46، 47.
(1/ 294) ح 907، ك إقامة الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
3 حم: (3/ 445) . طس: (ح 1142) .
(2/ 686) ح 1652، باب الترغيب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.(3/297)
النبي) 1 - وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) 2 من طريق الطيالسي - كلهم من طريق: شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه عامر بن ربيعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم به. واللفظ المذكور هو لفظ الإمام أحمد، وفيه قول عامر بن ربيعة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول ... فذكره، وألفاظ الباقين بنحوه.
وهذا الإسناد ضعيف من أجل عاصم بن عبيد الله؛ فإن الجمهور على ضعفه3، بل قال فيه البخاري4، وأبو زرعة، وأبو حاتم5: "منكر الحديث". وقال الدارقطني: "مدنيٌّ يترك هو مُغَفَّلٌ"6.
قلت: وكأنَّ الكلام فيه من قِبَلِ حفظه، فقد كان يخطئ ويَهِمُ، ومع ذلك فقد احتمله البعضُ، قال العجلي: "لا بأس به"7. وقال ابن عدي: "روى عنه ثقات الناس واحتملوه، وهو مع ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حديثه"8. وقد جعله بعضُ الأئمة في مرتبة عبد الله بن محمد بن عقيل،
__________
1 انظره مع تخريج الألباني: (ص 27) ح6.
(1/ 180) .
3 انظر ترجمته في: الميزان: (2/353 - 354) . وتهذيب التهذيب: (5/46 - 49) .
4 الضعفاء الصغير: (ص 180) .
5 الجرح والتعديل: (3/ 1/ 348) .
6 سؤالات البرقاني للدار قطني: (ص 49) رقم 339.
7 الثقات: (بترتيب الهيثمي) : (ص 241) .
8 الكامل: (5/ 228) .(3/298)
فقال يحيى القطان: "هو عندي نحو ابن عقيل"1. وقال الإمام أحمد: "ما أَقْرَبُهُمَا"2. والمعلوم أنَّ ابن عقيل صدوقٌ، قد احتمله بعض الأئمة، وقال البخاريُّ رحمه الله: "كان أحمد، وإسحاق، والحميدي يحتجون بحديثه"3. وقال الذهبي: "حديثه في مرتبة الحسن"4. فهذا حال عبد الله بن عقيل، وإذا كان عاصم - بمقتضى كلام هؤلاء الأئمة - في رتبته، فإن حاله يكون كحاله، وأمره يحتمل كأمره.
وقد روى عنه شعبة مع تشدده في الرجال، ولم يكن يروي إلا عن ثقة إلا في النادر، قال السخاوي: " ... وعلى كل حال: فهو لا يروي - يعني شعبة - عن متروك، ولا من أجمع على ضعفه"5. وهذا الحديث من روايته عنه.
وأيضاً: فالترمذي - رحمه الله - يصحح كثيراً من حديثه، ولذلك فقد جعله الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في قسم المختلف فيهم: هل هم ممن غلب على حديثهم الوهم والغلط أم لا؟ 6.
وما دامَ الرجلُ بهذه المثابة، وأنَّ بعضَ الأئمةِ قد احتملوه، ولم يُجْمِع أهل هذا الشأن على ضعفه، وروى عنه أئمة معتبرون،
__________
1 تهذيب التهذيب: (5/ 47) .
2 المصدر السابق.
3 شرح علل الترمذي: (ص 249) ، والميزان: (2/ 484) .
4 الميزان: (2/ 485) .
5 فتح المغيث: (1/ 314) .
6 شرح علل الترمذي: (ص 249) .(3/299)
وصَحَّحَ - مع ذلك - له مثل الترمذي، فإن حديثه يكون مُحْتَمَلاً، وبخاصة إذا تابعه غيره ممن هو مثله أو أعلى منه رتبة، وسيأتي أنه توبع على هذه الرواية.
ولذلك فقد قَبلَ هذا الحديث بعضهم، وجعله حسناً، فقال المنذري رحمه الله: "وعاصم وإن كان واهي الحديث، فقد مشاه بعضهم وصحح له الترمذي، وهذا الحديث حسن في المتابعات"1. وَحَسَّنَه كذلك الحافظ ابن حجر2. ووافقهما على ذلك السخاوي3 رحمه الله.
وقد ذكر السخاويُّ أن عاصماً اختلف عليه في هذا الحديث، فقيل: عنه، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه كما مضى. وقيل: عنه، عن عبد الله بن عامر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لكن صحح السخاوي كونه عن عامر بن ربيعة، فقال: "وهو أصح"4.
وقد تُوبعَ عاصمٌ على رواية هذا الحديث، تابعه: عبد الرحمن بن القاسم5، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 6 - ومن طريقه
__________
1 الترغيب والترهيب: (2/ 500) ح 19.
2 القول البديع: (ص 121) .
3 المصدر السابق.
4 المصدر السابق: (ص 114) .
5 ابن محمد بن بكر الصديق، التيمي، أبو محمد المدني، ثقة جليل، من السادسة، مات سنة 126 هـ، وقيل بعدها / ع. (التقريب 348) .
(2/ 215) ح 3115.(3/300)
أبو نعيم في (الحلية) 1 - عن:
عبد الله بن عمر2، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من صَلَّى عليّ صلاةً، صَلَّى الله عليه، فأكثروا أو أَقِلُّوا". وعند أبي نعيم: "من صَلَّى عليّ صَلاةً، صَلَّى الله عليه عشراً ... ".
وقد سقط من مصنف عبد الرزاق "عبد الرحمن بن القاسم" وجاء تاماً في (الحلية) ، وكذا ساقه ابن القَيِّم - رحمه الله - من طريق عبد الرزاق تاماً3.
فهذه متابعة جيدةٌ من عبد الرحمن بن القاسم - وهو إمام جليل - لعاصم بن عبيد الله، وهي وإن اختلف لفظها قليلاً عن لفظ رواية عاصم، إلا أن المعنى متقارب، وتشهد لها في الجملة.
وأما وجود عبد الله العمري في سند هذه المتابعة فإنه لا يَضُرُّ؛ لأنَّه وإن ضُعِّفَ، إلا أن أمره قد احْتُمِل، قال الحافظ الذهبي رحمه الله: "وحديثه يتردد فيه الناقد، أما إن تَابَعَه شيخ في روايته: فذلك حسن قوي إن شاء الله"4. ولَمَّا لم ينفردْ برواية هذا الحديث، وإنما جاء من وجهٍ
__________
(1/ 180) .
2 ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن، العمري، المدني، ضعيف عابد، من السابعة، مات سنة 171 هـ/ م 4. (التقريب 314) .
3 جلاء الأفهام: (ص 29) ح 47.
4 سير أعلام النبلاء: (7/ 341) .(3/301)
آخر كما تقدم، فإنَّ الأمر يكون على ما وصف الذهبي إن شاء الله، ويتأيد حينئذ قول ابن القَيِّم رحمه الله: " ... فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين، يدلُّ على أن له أصلاً".
وقد قَوَّى الشيخ الألباني - رحمه الله - حديث عاصم السابق بهذه المتابعة، فقال: "ثم وجدتُ لعاصم متابعاً عند أبي نعيم في (الحلية) ، فالحديث حسن على الأقل"1. وحَسَّنَه كذلك في صحيح ابن ماجه2.
فتلخص من ذلك: أن الحديثَ وإن كان فيه بعض الضعف، فإنَّه يَتَقَوَّى بمجيئه من وجهين مختلفين، وأن ذلك لا يقل عن وسط درجات الحسن، كما قال ابن القَيِّم رحمه الله.
__________
1 تخريج أحاديث فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لإسماعيل القاضي: (ص 27) ح6.
(ح 379) .(3/302)
2 - باب ما جاء في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
122- (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "مَنْ قَرَأ سورةَ الكهف يوم الجمعة، سَطَعَ له نور من تحتِ قدمه إلى عَنَانِ1 السَّمَاء، يُضيء به يوم القيامة، وغُفِرَ له ما بين الجمعتين ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث ضمن كلامه على خصائص يوم الجمعة، وصدره بصيغة التمريض: "رُوِي" ثم قال: "وذكره سعيد بن منصور من قول أبي سعيد الخدري، وهو أشبه"2.
قلت: أما حديث أبي سعيد، فقد أخرجه: الحاكم في (المستدرك) 3 - وعنه البيهقي في (سننه) 4 - من طريق: نعيم بن حماد5، عن هشيم، عن أبي هاشم6، عن أبي مجلز7،
__________
1 العَنَانُ: السَّحَاب، وزناً ومعنىً، واحدته: عَنَانَة، وقيل: ما عَنّ لك منها، أي اعترض وبدا لك إذا رفعت رأسك. (النهاية 3/ 313، المصباح المنير ص 433 - عنن) .
2 زاد المعاد: (1/ 377 - 378) .
(2/ 368) .
(3/ 249) .
5 ابن معاوية بن الحارث الخُزَاعي، أبو عبد الله المروزي، نزيل مصر، صدوق يخطئ كثيراً، فقيه عارف بالفرائض، من العاشرة، مات سنة 228 هـ على الصحيح / خ مق د ت ق. (التقريب 564) .
6 الرُّمَّاني، الواسطي، واسمه: يحيى بن دينار، ثقة، من السادسة، مات سنة 122 هـ/ ع. (التقريب 680) .
7 هو: لاحق بن حميد بن سعيد السَّدوسي، البصري، مشهور بكنيته، ثقة، من كبار الثالثة، مات سنة 106 هـ وقيل: 109هـ/ ع. (التقريب 586) .(3/303)
عن قيس بن عباد1: عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قَرَأَ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين ".
قال أبو عبد الله الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". لكن تعقبه الذهبي فقال: "نعيم ذو مناكير".
وقد تابع نعيمَ بن حماد على هذه الرواية: يزيدُ بن مخلد بن يزيد2، عن هشيم، وقال فيه: "أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق". أشارَ إلى هذه المتابعة: البيهقي في (سننه) 3.
وخالفهما: سعيد بن منصور، وأبو النعمان، وأبو عبيد، وأحمد بن خلف البغدادي، فرووه عن هشيم، فجعلوه موقوفاً على أبي سعيد من قوله.
أما حديث سعيد بن منصور: فهو في (سننه) ، كما أشار البيهقي - رحمه الله - إلى ذلك4. ورواية أبي عبيد: أخرجها في (فضائل القرآن) 5 له، قال: حدثني هشيم. وأخرج الدرامي في (مسنده) 6 رواية
__________
1 الضبعي، أبو عبد الله البصري، ثقة مخضرم، من الثانية، مات بعد سنة 80 هـ، ووهم من عده من الصحابة / خ م د س ق. (التقريب 457) .
2 له ترجمة في الجرح والتعديل: (4/ 2/ 291) وسكت عنه ابن أبي حاتم.
(3/ 249) .
4 في سننه: (3/249) . ولم أقف عليه في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور.
(2/52) ح 459.
(2/326) ح3410.(3/304)
أبي النعمان1: حدثنا هشيم. وأما رواية أحمد بن خلف: فأخرجها ابن الضريس في (فضائل القرآن) 2 عن هشيم، والخطيب في (تاريخ بغداد) 3 بإسناده إلى هشيم. وجاء عند هؤلاء: " ... أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".
فهؤلاء الأربعة قد رووه موقوفاً، وفيهم إمامان جليلان: سعيد ابن منصور، وأبو عبيد، وأما أبو النعمان: فهو ثقة أيضاً، إلا أنه تغير بآخرة. وأحمد بن خلف: ذكره الخطيب في (تاريخه) 4، وقال: "وهو شيخ غير مشهور عندنا".
ولا شَكَّ أن رواية من وقفه أرجحُ من الأخرى؛ إذ هم أوثق، وأشهر، وأثبت ممن رفعوه، فنعيم بن حماد - أحد رواة الرفع - كثير الخطأ، ويزيد بن مخلد - مُتَابِعُهُ - شبه المجهول، فلا يقاومان هؤلاء الأئمة.
وقد وقع في بعض ألفاظه: "ليلة الجمعة" بدل: "يوم الجمعة"، وانفرد بذلك أبو النعمان دون سائر من رواه، وذلك فيما أخرجه الدارمي، ولعل ذلك من تخليط أبي النعمان المعروف بـ"عارم"؛ فإنه اختلط في آخر حياته.
__________
1 هو: محمد بن الفضل السدوسي، لقبه: عارم، ثقة تغير في آخر عمره، من صغار التاسعة، مات سنة 223 أو 224 هـ /ع. (التقريب 502) .
(ص 164) ح 212.
(4/ 134 - 135) .
(4/ 134) .(3/305)
ووقع فيه اختلاف آخر، إذ إن سائر الروايات قد وردت بلفظ: " ... ما بينه وبين البيت العتيق". وخالف نعيم بن حماد وحده، فقال: "ما بين الجمعتين"، ولعلَّ ذلك من مناكيره؛ فإنه لم يوافقه على هذه اللفظة أحد، حتى أن يزيد بن مخلد - الذي تابعه على رفع هذا الحديث - جاء به موافقاً للفظ الجماعة، مما يؤكد أن نعيم بن حماد قد أخطأ في متنه كما أصابه الخطأ في سنده.
وقد تُوبع هشيمٌ على معنى هذا الحديث، تابعه: سفيان الثوري، وشعبة.
أما حديث سفيان: فأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) 1، وعبد الرزاق في (مصنفه) 2، والحاكم في (المستدرك) 3 - وأشار إليه البيهقي4 - كلهم من طريق: سفيان، عن أبي هاشم، بالإسناد الماضي إلى أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: "من قَرَأَ سورة الكهف كما أنزلت، ثم أدرك الدجال، لم يُسَلَّطْ عليه، أو لم يكن له عليه سبيل، ومن قرأ سورة الكهف كان له نوراً من حيث قرأها ما بينه وبين مكة". هذا لفظ النسائي، ونحوه لفظ عبد الرزاق، والحاكم، ووقع في أوله عند عبد الرزاق: "من توضأ ثم فرغ من وضوئه،
__________
(ص 529) ح 954.
(3/ 378) ح 6023.
(1/ 564) ، (4/ 511) .
(3/ 249) .(3/306)
ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. خُتِمَ عليها بخاتم، فوضعت تحت العرش، فلا تكسر إلى يوم القيامة، ومن قرأ سورة الكهف ... ".
وهذا وإن لم يكن فيه النص على "يوم الجمعة"، إلا أنه في جملته يشهد لحديث هشيم الماضي، ويؤكد صحة من أتى به عنه موقوفاً، فقد اتفق عبد الرزاق، وعبد الرحمن بن مهدي على روايته عن سفيان موقوفاً على أبي سعيد.
قال أبو عبد الله الحاكم: "حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
وأما شعبة: فقد اختلف عليه فيه، فأخرجه النسائي في (اليوم والليلة) 1 من طريق: غندر، عن شعبة، به موقوفاً. وأخرجه النسائي2 أيضاً، والطبراني في (الأوسط) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، ثلاثتهم من طريق: يحيى بن كثير5، عن شعبة به مرفوعاً. ولفظه بنحو لفظ حديث الثوري، إلا أن عندهم: " ... ومن قرأ بعشر آيات من آخرها، فخرج
__________
(ص 528) ح 953.
(ص 528) ح 952.
(2/271) ح 1478.
(1/564) .
5 ابن درهم العنبري مولاهم، البصري، أبو غسان، ثقة، من التاسعة، مات سنة 206 هـ/ ع. (التقريب 595) .(3/307)
الدجال ... ". وعند الطبراني زيادة دعاء الوضوء الماضي في حديث الثوري.
قال النسائي عقبه: "الصواب في هذا الحديث موقوف"1. وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث مرفوعاً عن شعبة إلا يحيى بن كثير". ومال الدارقطني إلى ترجيح الوقف أيضاً، فقال: " ... وقيل ... عن يحيى، عن شعبة مرفوعاً، ولم يثبت، ورواه غندر وأصحاب شعبة، عن شعبة موقوفاً"2.
فَتَبَيَّنَ من ذلك صِحَّة رواية الوقف عن شعبة، وبذلك توافق رواية الثوري وهشيم المتقدمتين، ويترجح بذلك كون الموقوف عن أبي سعيد أصحّ.
فإذا ثبت أنَّ الصواب في هذا الحديث الوقف، فإنَّه يكون من قبيل المرفوع، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ومثله لا يقال من قبل الرأي، فله حكم المرفوع"3.
هذا فيما يتعلق بحديث أبي سعيد.
وأما اللفظ الذي ذكره ابن القَيِّم رحمه الله، وهو: "من قَرَأَ سورة
__________
1 وهذه العبارة ليست في المطبوع من (اليوم والليلة) لكن استدركها المحقق من هامش إحدى النسخ، وكذا نقلها عن النسائي: الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/ 239) .
2 العلل: ج4 (ق 2/ أ) .
3 النكت الظراف: (3/447) .(3/308)
الكهف يوم الجمعة، سَطَعَ له نورٌ من تحتِ قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة، وغُفِرَ له ما بين الجمعتين". فليس هذا من حديث أبي سعيد كما هو المتبادر من كلام ابن القَيِّم، وإنما هو من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وقد عزاه ابن كثير في (تفسيره) 1 إلى ابن مردويه، فقال: "وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره - بإسناد له غريب - عن خالد بن سعيد بن أبي مريم2، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال ... " فذكره، وقال: "وهذا الحديث في رفعه نظر، وأحسن أحواله الوقف".
وأورده المنذري في (الترغيب والترهيب) 3، قال: " ... بإسناد لا بأس به".
وترجيحُ الحافظ ابن كثير كونه موقوفاً لا يضره، بل يُقال فيه ما قيل في حديث أبي سعيد المتقدم: من أنه موقوف له حكم الرفع.
فالحاصل: أن حديثَ ابن عمر هذا يصلح شاهداً في الجملة لحديث أبي سعيد المتقدم، وبخاصة ما جاء في لفظ رواية نعيم بن حماد،
__________
(3/70) .
2 المدني، مولى ابن جدعان، مقبول، من الرابعة/د ق. (التقريب 188) .
(1/ 513) ك الجمعة، باب الترغيب في قراءة سورة الكهف ... ليلة الجمعة ويوم الجمعة.(3/309)
عن هشيم عند الحاكم: "أضاء له من النور ما بين الجمعتين". فإنَّ كلاً منهما يشهد للآخر، ويتقوى به.
ويتلخص من ذلك: أن الحديثَ الذي أشارَ إليه ابنُ القَيِّم من رواية أبي سعيد صحيحُ الإسنادِ، إلا أنَّ الصوابَ فيه الوقفُ كما اختاره رحمه الله، ومع ذلك فإنَّ له حكم الرفع كما مضى. وله شاهدٌ من حديث ابن عمر، والراجحُ فيه الوقف أيضاً، فيكونُ هو الآخر في حكم المرفوع، وبمجموعهما يتأكد ثبوت الحديث، والله أعلم.(3/310)
20- من كتاب التفسير
1 - باب في تفسير قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}
123- (1) عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: "كُلُّ حرفٍ في القرآنِ في القُنُوتِ: فهو الطاعة ".
أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث مستدلاً به على ما قاله من رَفْع ابن حبان الموقوفات، فقال: "كما رَفَعَ قولَ أُبَيِّ بن كعب ... وهذا لا يُشْبهُ كلام رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وغايته أن يكون كلام أُبَيٍّ"1.
قلت: هذا الحديث مداره على: دَرَّاج2، عن أبي الهيثم3، عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً.
أخرجه أحمد، وأبو يعلى في (مسنديهما) 4 من طريق: حسن بن موسى5، عن ابن لهيعة، عن دَرَّاج به.
__________
1 أحكام أهل الذمة: (2/ 623) .
2 ابن سمعان، أبو السَّمْح، قيل: اسمه عبد الرحمن، وَدَرَّاج لقب، السهمي مولاهم، المصري، صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، من الرابعة، مات سنة 126هـ/ بخ 4. (التقريب 201) .
3 هو: سليمان بن عمرو بن عبد - أو عبيد- الليثي، المصري، ثقة، من الرابعة/ بخ4. (التقريب 253) .
4 حم: (3/ 75) ، يع: (2/ 522) ح 1379.
5 الأشيب، أبو علي البغدادي، قاضي الموصل وغيرها، ثقة، مات سنة 209 أو210هـ/ ع. (التقريب 164) .(3/313)
وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) 1، وابن أبي حاتم في (تفسيره) - كما ساقه عنه ابن كثير2 - كلاهما من طريق: ابن وهب.
وأخرجه الطبراني في (الأوسط) 3 من طريق: رشدين بن سعد4، كلاهما عن: عمرو بن الحارث، عن دَرَّاج به.
ولفظه عند الجميع: "كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة". إلا أنه جاء عند الطبراني بلفظ: "كلُّ قنوت في القرآن فهو طاعة".
قال الطبراني عقب روايته: "لم يرو هذا الحديث عن عمرو إلا رشدين".
وهذا الحديث ضعيفٌ، ضَعَّفَهُ غير واحدٍ من الأئمة، وذلك أن مداره على دَرَّاج أبي السمح، وقد ضَعَّفه الأكثرون، فقال الإمام أحمد: "حديثه منكر"5. وقال النسائي: "ليس بالقوي"6. وقال مرة: "منكر
__________
1 الإحسان: (1/ 264) ح 309.
2 تفسير القرآن العظيم: (1/160-161) .
(2/480) ح 1829.
4 ابن مفلح المهري، أبو الحجاج المصري، ضعيف، رَجَّحَ أبو حاتم عليه ابن لهيعة، وقال ابن يونس: "كان صالحاً في دينه فأدركته غفلة الصالحين فَخَلَّطَ في الحديث"، من السابعة، مات سنة 188 هـ / ت ق. (التقريب 209) .
5 تهذيب التهذيب: (3/208) .
6 الضعفاء والمتروكين: (ص 39) .(3/314)
الحديث"1. وقال الدارقطني: "ضعيف"2 ومرة قال "متروك"3. وقال فضلك الرازي: "ليس بثقة ولا كرامة"4.
وضَعَّفَه الإمام أحمد، وأبو داود في روايته عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد خاصة5.
وَوَثَّقَه مع ذلك: ابن معين6، وابن حبان7، وابن شاهين8. وقال عثمان الدارمي: "صدوق"9.
ويَتَبَيَّنُ من هذا أنَّ جانب الضَّعْفِ أقوى في حقِّ دَرَّاج هذا، وبخاصة في روايته عن: أبي الهيثم، عن أبي سعيد كما قال أحمد، وأبو داود. واختاره ابن حجر.
وهذا الحديث من روايته عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، فيكون ضعيفاً، ولذلك قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
__________
1 تهذيب التهذيب: (3/208) .
2 سؤالات الحاكم للدارقطني: (ص 170) رقم 261.
3 سؤالات البرقاني: (ص 29) رقم 142.
4 تهذيب التهذيب: (3/208) .
5 تهذيب التهذيب: (3/208 - 209) .
6 تاريخ الدوري عن ابن معين: (2/ 155) .
7 الثقات: (5/ 114) .
8 الثقات: (ص 83) .
9 تاريخ الدارمي عن ابن معين: (ص 107) رقم 315.(3/315)
"في هذا الإسناد ضعفٌ، لا يعتمد عليه، ورفع هذا الحديث منكرٌ، وقد يكون من كلام الصحابي أو من دونه، والله أعلم. وكثيراً ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نكارة، فلا يغتر بها، فإن السند ضعيف"1. وهذا الكلام من ابن كثير - رحمه الله - يؤكد أَنَّ الضعف فيه من دَرَّاج.
ومع ذلك، فإنَّ في أكثر طرق هذا الحديث من يُضَعَّف غير دَرَّاج هذا؛ ففي إسناد أحمد وأبي يعلى: "ابن لهيعة"، وليس الحديث من رواية أحد من العبادلة عنه، وفيه ضعف في غير روايتهم عنه، ولذلك قال الهيثمي: "وفي إسناد أحمد وأبي يعلى: ابن لهيعة، وهو ضعيف"2.
أما إسناد الطبراني، ففيه: "رشدين بن سعد"، وهو ضعيف أيضاً.
وقال الشيخ الألباني: "ضعيف"3.
فتلخص من ذلك: أنَّ هذا الحديث ضعيف الإسناد، وأنَّ رفعه لا يصحُّ، كما قال ابن كثير رحمه الله، واختاره ابن القَيِّم أيضاً.
فإذا تَبَيَّنَ ذلك، فإن لنا مع ابن القَيِّم - رحمه الله - وقفات:
الأولى: في نسبته رفع هذا الحديث إلى ابن حبان، ولا أدري ما وجه ذلك؟ فقد شارك ابن حبان في روايته مرفوعاً جماعة، وفيهم من هو متقدم على ابن حبان.
__________
1 تفسير القرآن العظيم: (1/ 161) .
2 مجمع الزوائد: (6/320) .
3 ضعيف الجامع: (ح4230) .(3/316)
الثانية: لم يُنَبِّهْ - رحمه الله - على ضعف إسناده، بل أشارَ - فقط - إلى رجحان وقفه، وهذا لا يُغْني عن بيان ضعف سنده.
الثالثة: نسبته هذا الحديث إلى أُبَيِّ بن كعب، وقد علمنا أنه مرويٌّ عن أبي سعيد رضي الله عنه، ولم أقف على من نسبه إليه غيره، ولم أجده من روايته بعد البحث، فلعله وَهِمَ في ذلك رحمه الله.
وقد أوردَ ابن كثير - رحمه الله - هذا الحديث في تفسير قوله تعالى من سورة البقرة: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116] .
ثم ذكر معاني {قَانِتُونَ} ، وأن اختيار ابن جرير: أنها بمعنى "مطيعون". وأن هذا القول يجمع الأقوال كلها، ثم أورد هذا الحديث في بيان معنى القنوت في القرآن، وذكر أنه لا يصح مرفوعاً كما تقدم من قوله، والله أعلم.(3/317)
21- من كتاب التوحيد والأسماء والصفات
1 - باب في علو الله - عزوجل - واستوائه على عرشه
124- (1) عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: كُنْتُ في البَطْحَاءِ في عِصَابِةٍ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّتْ بهم سحابةٌ، فَنَظَر إليها، فقال: "ما تُسَمُّونَ هذه؟ " قالوا: السَّحَاب. قال: "والْمُزْن؟ " 1. قالوا: والمزن. قال: "والعَنَان؟ " 2. قالوا: والعنان - قال أبو داود في حديثه: لم أَتْقنْ العنان جيداً - قال: "هل تدرون ما بُعْد ما بين السماء والأرض؟ ". قالوا: لا ندري. قال: "إنَّ بُعْدَ ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء فوقها كذلك" حتى عَدَّ سبع سموات "ثم فوق السابعة بحرٌ، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوْعَالٍ3، بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهم العرش، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله - تبارك وتعالى - فوق ذلك".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - أن هذا الحديث قد رُدّ بأن في إسناده "الوليد بن أبي ثور" وهو ضعيف، وبحديث أبي هريرة الذي رُوي بمعنى حديث العباس، ولكن جاء فيه أن ما بين الأرض والسماء خمسمائة سنة.
__________
1 الْمُزْن: هو الغَيْم والسَّحاب، واحدته: مُزْنَةٌ، وقيل: هي السحابة البيضاء. (النهاية 4/325) .
2 تقدم معناه في ص (303) .
3 الوَعِلُ: الشاةُ الجَبَلِيَّة الذَّكَر، والأنثى منها: أَرْوِيَّة، والجمع: أَوْعَالٌ. (المجموع المغيث 3/435) مادة: وعل.(3/321)
ثم أجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - عن ذلك: بأنَّ الوليدَ لم ينفرد به، بل تَابَعَهُ عليه جماعةٌ، منهم: إبراهيم بن طهمان، وعمرو بن أبي قيس، فلا تعلق على الوليد في ذلك.
وبأن معارضته بحديث أبي هريرة: فاسدةٌ؛ لأن الترمذيَّ ضَعَّفَهُ، وأنَّ جماعةً قالوا بعدم سماع الحسن من أبي هريرة1.
وساقه - رحمه الله - مرة من طريق أبي داود، ثم قال: "حديث حسن صحيح"2. وقال مرة: "رواه أبو داود بإسناد جيد"3.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود، وابن ماجه في (سننيهما) 4، وأحمد في (مسنده) 5، والدارمي في (الرد على بشر المريسي) 6، وابن أبي شيبة في (العرش) 7، وعلقه ابن خزيمة في (التوحيد) 8، والآجري في (الشريعة) 9، واللالكائي في (شرح اعتقاد أهل السنة) 10، والعقيلي في
__________
1 تهذيب السنن: (7/ 91 - 93) .
2 اجتماع الجيوش الإسلامية: (ص 93) .
3 مختصر الصواعق: (2/ 356) .
4 د: (5/93) ح 4723 ك السنة، باب في الجهمية. جه: (1/69) ح193 المقدمة.
(1/207) .
(ص 90 - 91) .
(ص 55) ح 9.
(1/236) .
(ص 292) .
10 (3/390) ح 651.(3/322)
(الضعفاء) 1، وابن الجوزي في (العلل المتناهية) 2، كلهم من طريق: الوليد ابن أبي ثور3، عن: سماك بن حرب، عن عبد الله بن عميرة4، عن الأحنف ابن قيس5، عن العباس رضي الله عنه به. واللفظ المذكور هو لفظ أبي داود، ومثله لفظ: ابن ماجه، وابن أبي شيبة، واللالكائي، والآجري، إلا أنه جاء عند ابن أبي شيبة: "ثمانية أملاك، أو أوعال". وأما الدارمي فقد وقع عنده: " ... بينهما مسيرة خمسمائة سنة، وكذلك غلظ كل سماء". وكذا لفظ الإمام أحمد، وزاد: "وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء".
قلت: وفي هذا الإسناد الوليد بن أبي ثور، وقد ضَعَّفَهُ الأئمة: ذأحمد، وصالح جزرة، وابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن نمير6. وقال العقيلي: "يُحَدِّث عن سماك بمناكير لا يتابع عليها"7. وقال ابن حبان: "منكر الحديث جداً، في أحاديثه أشياء لا تشبه أحاديث الأثبات ... "8.
__________
(2/284) في ترجمة "عبد الله بن عميرة".
(1/9) ح6.
3 هو: الوليد بن عبد الله بن أبي ثور الهمداني، الكوفي، وقد ينسب لجده، ضعيف، من الثامنة، مات سنة 172 هـ/ بخ د ت ق. (التقريب 582) .
4 كوفي، مقبول، من الثانية / د ت ق. (التقريب 316) .
5 ابن معاوية بن حصين التميمي السعدي، أبو بحر، اسمه الضَّحَّاك، وقيل: صخر، مخضرم، ثقة، قيل: مات سنة 67 هـ، وقيل 72 هـ/ع. (التقريب96) .
6 انظر: الميزان: (4/340 - 341) ، وتهذيب التهذيب: (11/ 138) .
7 كذا في التهذيب: (11/ 138) ، ولم أجده في الضعفاء للعقيلي، انظره: (4/319) .
8 المجروحين: (3/ 79) .(3/323)
ولذلك فقد أعلَّ الحديثَ به: ابن الجوزي1 رحمه الله، والمنذري، فقال: "وفي إسناده: الوليد بن أبي ثور، ولا يحتجُّ بحديثه"2.
ولكن الوليد بن أبي ثور لم ينفرد بروايته عن سماك، وإنما تابعه جماعةٌ كما تقدم من كلام ابن القَيِّم رحمه الله، فمن هؤلاء:
1- عمرو بن أبي قيس3: أخرجه من طريقه: أبو داود في (سننه) 4، والترمذي في (جامعه) 5، وابن أبي عاصم في (السنة) 6، وابن خزيمة في (التوحيد) 7، وأبو الشيخ في (العظمة) 8، واللالكائي في (شرح اعتقاد أهل السنة) 9، من طرق، عن: عمرو بن أبي قيس، عن سماك، عن عبد الله بن عميرة به، ولفظه عندهم كلفظ حديث أبي داود المتقدم من رواية الوليد بن أبي ثور، إلا أنه وقع عند أبي الشيخ: "والله - تبارك وتعالى - فوق ذلك بعلمه على العرش". ولم أر كلمة "بعلمه" إلا عنده.
__________
1 العلل المتناهية: (1/ 10) .
2 تهذيب السنن: (7/ 93) .
3 الرازي، الأزرق، كوفي نزل الري، صدوق له أوهام، من الثامنة / خت 4. (التقريب 426) .
(5/ 94) ح 2724.
(5/ 424) ح 3320 ك التفسير، من سورة الحاقة.
(1/ 253) ح 577.
(1/ 234) ح 144.
(2/ 566) ح 204.
(3/ 389) ح 650.(3/324)
وعمرو بن أبي قيس: صدوق، لكن في حديثه بعض الخطأ، ويَهِمُ قليلاً1، ومثله لا بأس بحديثه في المتابعات، وقد قال الترمذي عقبه: "حديث حسن غريب".
2- إبراهيم بن طهمان: أخرجه من طريقه: أبو داود في (سننه) 2، والآجري في (الشريعة) 3، والبيهقي في (الأسماء والصفات) 4 ثلاثتهم من طريق: إبراهيم بن طهمان، عن سماك، عن عبد الله بن عميرة به، ولفظه بنحو ما تقدم في حديث الوليد بن أبي ثور، وهذه متابعة جيدة- أيضاً - للوليد بن أبي ثور، عن سماك.
3- شعيب بن خالد5: أخرجه من طريقه: أحمد في (مسنده) 6، وابن أبي شيبة في (العرش) 7 عن محمد بن أبان. والحاكم في (المستدرك) 8 عن إسحاق بن إبراهيم، ثلاثتهم عن:
__________
1 انظر: تهذيب التهذيب: (8/ 94) .
(5/94) ح 2725.
(ص 292) .
(ص 526) .
5 البجلي، الرازي، القاضي، ليس به بأس، من السابعة / د. (التقريب 267) .
(1/206) .
(ص 55) ح10.
(2/ 412) .(3/325)
عبد الرزاق، عن يحيى بن العلاء1، عن عمه شعيب بن خالد، عن سماك، عن عبد الله بن عميرة، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه به بإسقاط الأحنف بن قيس، ونَبَّهَ ابن أبي شيبة في حديثه على ذلك، فقال: "ولم يَذْكُر عبد الرزاق في حديثه الأحنف".
وقد أخرجه الحاكم2 مرة أخرى بالإسناد نفسه، فذكر فيه الأحنف بن قيس! وقد وقع عندهم أن المسافة بين السماء والأرض خمسمائة سنة.
وهذه المتابعة في إسنادها يحيى بن العلاء الرازي، وقد كذبه بعضهم، ورمي بالوضع.
ولذا لما قال الحاكم عقبه: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"! تَعَقَّبَهُ الذهبي رحمه الله، فقال: "يحيى واهٍ". وقال ابن الجوزي رحمه الله - بعد أن أخرجه من طريق الإمام أحمد -: "هذا حديث لا يصحُّ، قال بعض الحفاظ: تَفَرَّدَ به يحيى بن العلاء، قال أحمد، هو كذاب يضع الحديث. وقال يحيى: ليس بثقة ... "3. وقال الذهبي - بعد أن أخرجه أيضاً من طريق أحمد -: "ويحيى بن العلاء متروك الحديث"4.
__________
1 البجلي، أبو عمرو أو أبو سلمة، الرَّازِي، رُمي بالوضع، من الثامنة، مات قرب 160 هـ/ د ق. (التقريب 595) .
2 المستدرك: (2/501) .
3 العلل المتناهية: (1/ 8 - 9) ح 5.
4 العلو: (ص 50) .(3/326)
فإذا عُرف حالُ هذه المتابعة، وأن مدارها على يحيى هذا، فإنَّه لا قيمةَ لها في تقوية رواية الوليد بن أبي ثور، إذ وجودها - والحالة هذه - كعدمها.
4- شريك: وأشار إلى روايته الترمذي، فقال: "وروى شريك، عن سماك بعض هذا الحديث، وأوقفه ولم يرفعه".
قلت: أخرج رواية شريك هذه: ابن خزيمة في (التوحيد) 1، والحاكم في (المستدرك) 2 من طرق، عن شريك، عن سماك بإسناد الوليد ابن أبي ثور الماضي، إلى العباس رضي الله عنه في قوله عز وجل: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] قال: "ثمانية أملاك، على صورة الأوعال، بين أظلافهم إلى ركبهم مسيرة ثلاث وستين سنة". وفي رواية ابن خزيمة: "قال شريك مرة: ومناكبهم ناشبة بالعرش".
قال أبو عبد الله الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي! وفيه نظر؛ فإن عبد الله بن عميرة لم يخرج له مسلم كما تَقَدَّم في ترجمته.
فهذه المتابعاتُ للوليد بن أبي ثور يزول بها ما يخشى من التَّفَرُّدِ في هذا الحديث عن سماك بن حرب.
__________
(1/ 251) ح 158.
(2/ 500) .(3/327)
ولكن هل يصحُّ إسناد هذا الحديث بعد وجود هذه المتابعات؟ كلاّ فإنه لا يزال مُعَلاًّ.
وبيان ذلك: أن مدار هذا الحديث على عبد الله بن عميرة، وقد تَفَرَّد عنه سماك بن حرب، لم يرو عنه أحد غيره، ولم يوثقه مع ذلك أحد إلا ابن حبان1، وذكره ابن أبي حاتم في كتابه، فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً2. ولذلك قال عنه إبراهيم الحربي: "لا أعرفه"3 وقال الذهبي: "فيه جهالة"4. وقال مرة: "لا يعرف"5. وتوثيق ابن حبان هنا لا ينفعه شيئاً، لما عرف من عادته في توثيق المجهولين، علماً بأنه قد اشتبه عليه رجل بآخر؛ فإنه جعل "عبد الله بن عميرة القيسي أبا المهاجر"، هو نفسه "عبد الله بن عميرة الكوفي" الذي معنا، وهما عند البخاري6، وابن أبي حاتم7 اثنان، فلينظر في ذلك. وقد قال فيه الحافظ ابن حجر "مقبول" يعني: حيث يُتَابع، ولم يتابع هنا، فهو لين الحديث.
فالحاصلُ: أن الرَّجُلَ مجهول، وبذلك أَعَلَّ الذهبي الحديث، فقال: "تَفَرَّدَ به سماك عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة"8.
__________
1 الثقات: (5/ 42) .
2 الجرح والتعديل: (2/ 2/ 124) .
3 تهذيب التهذيب: (5/ 344) .
4 الميزان: (2/ 469) .
5 المغني: (1/ 350) .
6 التاريخ الكبير: (3/ 1/ 159) رقم 494، 495.
7 الجرح والتعديل: (2/ 2/ 124 - 125) رقم 572، 573.
8 العلو: (ص 50) .(3/328)
فإذا أُضِيف إلى ذلك: تَفَرُّدُ سماك عنه، كانت تلك عِلَّة أخرى، فقد قال الإمام النسائي - رحمه الله - في حق سماك: "إذا انفرد بأصل لم يكن حُجَّةً؛ لأنَّهُ كان يُلَقَّنُ فيتلقن"1. وقال يعقوب بن شيبة: "ومن سمع منه قديماً، مثل: شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيح مستقيم"2. وليس هذا الحديث من رواية واحد من هؤلاء القدامى عن سماك، وكان قد اختلط بآخره كما مَرَّ.
وثمةَ عِلَّةٌ أخرى في هذا الإسناد أيضاً، قال البخاريُّ - رحمه الله - في ترجمة عبد الله بن عميرة هذا: "لا نعلم له سماعاً من الأحنف"3. فإذا ثبت ذلك، فإنه يكون منقطعاً.
وأيضاً قد اختلف في ألفاظ هذا الحديث، فروى "إما واحدة، أو اثنتان، أو ثلاث وسبعون سنة" وروي: "خمسمائة سنة" وروي: "ثلاث وستين سنة". ووقع عند أبي الشيخ: "والله فوق ذلك بعلمه ... " وغيره لا يذكر هذه اللفظة. هذا مع رواية بعضهم له عن سماك موقوفاً، وهذا لا شك اختلاف يورث ضعفاً في الحديث.
فتلخص من ذلك: أن هذا الحديثَ ضعيفُ الإسنادِ، لا يثبت مثله، ولم يُصِبْ ابنُ القَيِّم - رحمه الله - في تصحيحه إياه أو حتى تحسينه؛ إذ قد تَبَيَّن من خلال هذه الدراسة أن الأمرَ على خلاف ذلك،
__________
1 تهذيب التهذيب: (4/ 234) .
2 المصدر السابق.
3 التاريخ الكبير: (3/ 1/ 159) .(3/329)
وقد ضَعَّفه الذهبي كما مضى، وضَعَّفَ ابن الجوزي بعض طرقه1، وأورده العقيلي في (ضعفائه) 2 في ترجمة ابن عميرة، ونقل كلام البخاري في عدمِ سماعه من الأحنف. وقال الشيخ الألباني: "إسناده ضعيف"3 والله أعلم.
__________
1 العلل المتناهية: (1/ 8 - 10) .
(2/284) .
3 ظلال الجنة: (1/ 254) ، وتخريج الطحاوية: (ص310) .(3/330)
2 - باب آخر منه
125- (2) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... إِنَّ عرشه على سمواته لهكذا" وقال بأصبعه مثل القبة عليه. "وإنَّه لَيَئِطُّ1 به أطيط الرَّحْلِ بالراكبِ".
تناول ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (تهذيب السنن) 2، وتَوَسَّعَ في الكلام عليه، والردِّ على من ضَعَّفَهُ، والجواب عن العلل التي أُعِلَّ بها، وخلص إلى القول بثبوت الحديث، وأنه حديث حسن. وستأتي أجوبته - رحمه الله - أثناء هذا البحث إن شاء الله تعالى.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3، عن أحمد بن سعيد4 وجماعة واللفظ لأحمد.
وأخرجه ابن أبي عاصم في (السنة) 5، واللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) 6، والبيهقي في (الأسماء والصفات) 7، والذهبي
__________
1 الأطّ والأَطِيطُ: نقيضُ صوت الْمَحَامِل والرِّحَالِ إذا ثَقُلَ عليها الركبان، وأطّ الرَّحْلُ والنَّسْعُ، يَئِطُّ أطّاً وأطِيطاً: صَوَّتَ. (لسان العرب ص: 92، مادة: أطط) .
(7/ 94 - 98) .
(5/ 94) ح 4726 ك السنة، باب في الجهمية.
4 ابن إبراهيم الرِّباطي المروزي، أبو عبد الله الأشقر، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة 246 هـ/ خ م د ت س. (التقريب 79) .
(1/ 253) ح 576.
(3/ 394) ح 656.
(ص 526) .(3/331)
في (العلو) 1 كلهم من طريق: أحمد بن الأزهر2.
وأخرجه الدارقطني في (الصفات) 3، والطبراني في (الكبير) 4، من طريق: علي بن المديني، ويحيى بن معين كليهما.
وأخرجه الدارقطني في (الصفات) 5 - أيضاً - من طريق: محمد ابن يزيد المعروف بأخي كَرْخَويه - قال الدارقطني: "وكان من الثقات"-
وأخرجه ابن خزيمة في (التوحيد) 6 من طريق: محمد بن بشار7. كلهم عن:
وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن يعقوب ابن عتبة8، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم9، عن أبيه10، عن
__________
(ص 37) .
2 ابن منيع، أبو الأزهر العبدي النيسابوري، صدوق كان يحفظ، ثم كبر فصار كتابه أثبت من حفظه، من الحادية عشرة، مات سنة 263 هـ / س ق. (التقريب 77) .
(ص 52) ح 39.
(2/ 132) ح 1547.
(ص 50) ح 38.
(1/ 239) ح 147.
7 ابن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر، بندار، ثقة، من العاشرة، مات سنة 252 هـ / ع. (التقريب 469) .
8 ابن المغيرة بن الأخنس الثقفي، ثقة، من السادسة، مات سنة 128 هـ / د س ق. (التقريب 608) .
9 مقبول، من السادسة / د. (التقريب 138) .
10 هو: محمد بن جبير بن مطعم، ثقة عارف بالنسب، من الثالثة، مات على رأس المائة / ع. (التقريب 471) .(3/332)
جده جبير بن مطعم رضي الله عنه.
وأخرجه الآجري في (الشريعة) 1 عن حفص بن عبد الرحمن2، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بالإسناد السابق إلى جبير بن مطعم.
ولفظه: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس، وضاعت العيال ... فذكر حديث الاستسقاء، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "ويحك!! أَتَدْرِي ما الله؟ إن عرشه على سمواته لهكذا" - وقال بأصبعه مثل القُبَّة عليه - "وإنه ليئطُ به أطيطَ الرَّحْلِ بالرَّاكِبِ". هذا سياق أبي داود، وعند ابن خزيمة: "إن الله على عرشه، وعرشه على سمواته، وسمواته على أرضه هكذا ... ". ولفظ الآجري: " إنه لفوق سماواته، وهو على عرشه"، وقريب منه لفظ البيهقي. وجاء عند اللالكائي مختصراً بدون ذكر القبة والأطيط، ولفظه: "إنه لفوق سماواته على عرشه".
وقد رُوِيَ هذا الحديثُ على وجه آخرَ، فأخرجه أبو داود في (سننه) 3 عن: محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، وعبد الأعلى. وابن أبي شيبة في كتاب (العرش) 4 عن: عبد الأعلى. وأبو الشيخ في (العظمة)
__________
(ص 293) .
2 ابن عمر، أبو عمر البَلْخِي الفقيه، النيسابوري قاضيها، صدوقٌ عابدٌ، رُمِيَ بالإرجاء، من التاسعة، مات سنة199هـ/ قد س. (التقريب 172) .
(5/ 94 - 96) ح 4726.
(ص 56) ح 11.
(2/ 554) ح 198.(3/333)
عن: محمد بن المثنى. وابن أبي عاصم في (السنة) 1 عن: ابن المثنى، وعبد الأعلى. والدارمي في (الرد على بشر المريسي) 2 عن: ابن بشار. كلهم عن: وهب بن جرير بالإسناد السابق، لكنهم قالوا فيه: عن: محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، وجبير بن محمد، كلاهما عن محمد بن جبير به. وجاء عند الدارمي مختصراً ليس فيه قصة الأعرابي.
قال أبو داود - عقب إشارته إلى هذا الخلاف في إسناده -: "والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح - يعني: عن يعقوب، عن جبير - وافقه عليه جماعة، منهم: يحيى بن معين وعلي بن المديني، ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضاً"3. وَصَوَّبَ الدارقطني - أيضاً - ما صَوَّبَه أبو داود هنا4، وكذا صَوَّبَه المزي5.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث بعدَّة علل، أجمل ذلك المنذري في (تهذيب السنن) 6، فقال: "قال أبو بكر البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه، إلا من هذا الوجه. ولم يقل فيه محمد بن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة".
__________
(1/ 252) ح 575.
(ص 105) .
3 سنن أبي داود: (5/ 96) .
4 الصفات: (ص 53) .
5 تهذيب الكمال: (4/ 506) .
(7/ 97 - 101) .(3/334)
قال المنذري: "ومحمد بن إسحاق مُدَلِّس، وإذا قال المدلس: عن فلان. ولم يقل: حدثنا، أو سمعت، أو أخبرنا، لا يحتجُّ بحديثه، وإلى هذا أشار البزار، مع أن ابن إسحاق إذا صَرَّحَ بالسماع: اختلف الحفاظ في الاحتجاج بحديثه، فكيف إذا لم يصرح به". قال: "وقد رواه يحيى بن معين وغيره، فلم يذكروا فيه لفظة: به"1. قال: "وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي2: وقد تَفَرَّدَ به يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس الثقفي الأخنسي، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ... وليس لهما في صحيحي ... البخاري ... ومسلم رواية. وانفرد به محمد بن إسحاق بن يسار عن يعقوب. وابن إسحاق: لا يحتجُّ بحديثه، وقد طعن فيه غير واحد من الأئمة، وَكَذَّبَه جماعة منهم".
فهذا حاصلُ ما أُعِلَّ به هذا الحديث، وقد تناول ابنُ القَيِّم هذه العلل بالجواب، فكان حاصل ما أجاب به:
أولاً: أما الطَّعْنُ في محمد بن إسحاق: فإنَّه مردود، قال: "إن ابن إسحاق بالموضع الذي جعله الله: من العلم والأمانة"3. ثم أخذ في نقل أقوال الأئمة في الثناء على محمد بن إسحاق ومدحه، وأن الترمذي صحح
__________
1 كما عند ابن أبي عاصم: (ح 575) ، والدارقطني: (ح 39) ، والآجري: (ص293) .
2 هو ابن عساكر، وقد ألف في تضعيف هذا الحديث جزءاً سماه (تبيان الوهم والتخليط فيما أخرجه أبو داود من حديث الأطيط) . أفاد ذلك محقق كتاب (العرش) لابن أبي شيبة.
3 تهذيب السنن: (7/ 94) .(3/335)
له حديثاً لم يأت إلا من طريقه، وهو حديث سهل بن حنيف، قال: كنت ألقى من المذي شدة ... الحديث، قال ابن القَيِّم: "فهذا حكم قد تَفَرَّدَ به ابن إسحاق في الدنيا، وقد صححه الترمذي".
وأما القول بتكذيبه: فإن ذلك مبنيٌّ على ما حُكي عن هشام بن عروة، إذ قال: "حَدَّثَ عن امرأتي فاطمة بنت المنذر، وأُدْخِلْتُ عليها وهي بنت تسع، وما رآها رجل حتى لقيتُ الله".
وأجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - عن ذلك: بأن سليمان بن داود الشاذكوني - راوي هذه الحكاية - اتُّهِم بالكذب، فلا يجوز القدح في الرجل بمثل روايته. ثم إن هشاماً نفى رؤيته لها، ولم ينف سماعه منها، ومعلوم أنه لا يلزم من انتفاء الرؤية انتفاء السماع، وفي هذا يقول الإمام أحمد: "لعله سمع منها في المسجد، أو دخل عليها فحدثته من وراء حجاب، فأي شيء في هذا؟ فقد كانت امرأة كبرت وأسنت"1. وقد رَدَّ الحافظ الذهبي - رحمه الله - هذه الحكاية بنحو ذلك2.
قلت: ولعلَّ الذي تطمئنُ إليه النفسُ في أمر ابن إسحاق: ما قرره الذهبيُّ رحمه الله؛ حيث قال: " ... له ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السِّير، وأمَّا في أحاديث الأحكام: فينحطُّ حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شَذَّ فيه، فإنه يعد منكراً"3. وقال مرة: "فالذي
__________
1 تهذيب السنن: (7/94) .
2 سير أعلام النبلاء: (7/ 49) .
3 المصدر السابق: (7/ 41) .(3/336)
يظهر لي: أن ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال صدوق، وما انفرد به: ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئاً"1.
قلت: وهذا الحديثُ من هذا القبيل؛ فإنَّ مداره على ابن إسحاق وحده، وإذا كان ما ينفرد به في الأحكام على هذه الصفة التي حكى الذهبيُّ - صاحب الاستقراء التام في الرِّجال - فإن ما ينفرد به في العقائد أولى أن يُتَوَقَّفَ فيه.
وعلى هذا، فإن إطلاق ابنِ القَيِّم القول بتوثيقِهِ، والاحتجاجِ بروايته لا يخلو من نظر.
ثانياً: وأما القولُ بأنَّ ابنَ إسحاقَ عنعنه، ولم يُصَرِّحْ بسماعه من يعقوب بن عتبة: فأجاب ابن القَيِّم بقوله: "فعلى تقدير العلم بهذا النفي: لا يخرج الحديث عن كونه حسناً، فإنه قد لقي يعقوب وسمع منه، وفي الصحيح قطعة من الاحتجاج بعنعنة الْمُدَلِّس: كأبي الزبير عن جابر، وسفيان عن عمرو بن دينار، ونظائر كثيرة لذلك"2. كذا قال ابن القَيِّم رحمه الله! وهاهنا وقفات:
- الأولى: هل عنعنة الراوي عن شيخه تحمل على الاتصال بمجرد ثبوت اللقاء؟ الجمهور على أن ذلك لا يكون متصلاً إلا بشرط عدم
__________
1 الميزان: (3/ 475) .
2 تهذيب السنن: (7/ 98) .(3/337)
كون المعنعن مُدَلِّسَاً1، وهذا شرط أساسي، قال الحافظ الذهبي رحمه الله: "ثم بتقدير تيقن اللقاء، يشترط أن لا يكون الراوي عن شيخه مدلساً ... فإن كان مدلساً: فالأظهر أنه لا يحمل على السماع"2. ولما كان ابن إسحاق مدلساً، فإن عنعنته لا تحمل هنا على الاتصال، خلافاً لما اختاره ابن القَيِّم رحمه الله.
- الثانية: فإذا ثبت أن ابن إسحاق من المدلسين، فهل يحتج بما قال فيه: "عن"، ولم يصرح بسماعه؟ قال النووي رحمه الله: " والصحيح التفصيل: فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع: فمرسل، وما بينه فيه: كسمعت وحدثنا ... فمقبول محتج به"3. وقال العلائي: "الصحيح الذي عليه جمهور أئمة الحديث والفقه والأصول: الاحتجاج بما رواه المدلس الثقة مما صرح فيه بالسماع، دون ما رواه بلفظ محتمل"4. وقال ابن حجر: "وحكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلاً: أن لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث على الأصح"5. فظهر من ذلك عدم الاحتجاج برواية المدلس ما لم يصرح بالسماع أو التحديث، خلافاً لما قاله ابن القَيِّم هنا.
وأما ما ذهب إليه - رحمه الله - من القول بالاحتجاج في
__________
1 انظر: تدريب الراوي: (1/ 214 - 215) .
2 الموقظة: (ص 45) .
3 تدريب الراوي: (1/ 229 - 230) .
4 جامع التحصيل: (ص 111 - 112) .
5 نزهة النظر مع النخبة: (ص 43) .(3/338)
الصحيح بعنعنة المدلسين، كأبي الزبير عن جابر، وسفيان عن عمرو بن دينار: فقد أجيب عن ذلك بأنه محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى1، على أن هذا قد نوزع فيه أيضاً2.
وبعد ذلك كله: فإن ابن إسحاق قد عده الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الطبقة الرابعة3 من طبقات المدلسين، وهم: "الذين اتُّفِقَ على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل"4.
فإذا ثبت ذلك، فإن عنعنة ابن إسحاق وعدم تصريحه بالسماع في هذا الحديث تبقى علة لا يمكن دفعها، خلافاً لابن القَيِّم رحمه الله.
ثالثاً: أما عن تَفَرُّدِ جبير بن محمد به: فقد أجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - عن ذلك: بأن محمد بن جبير ثقة، وعدم رواية أصحاب الصحيحين عنه ليس بعلة5. كذا وقع عند ابن القَيِّم "محمد بن جبير"، وقد تَقَدَّمَ أن كلام ابن عساكر في ابنه "جبير بن محمد بن جبير". ولا أدري: هل هذا خطأ طباعي، أم أن ابن القَيِّم فعلاً أراد محمد بن جبير؟
__________
1 تدريب الراوي: (1/ 230) . وانظر الكلام على ذلك فيما تقدم (ص 319 - 321) .
2 انظر: النكت على ابن الصلاح: (2/ 635) .
3 طبقات المدلسين: (ص 132) .
4 المصدر السابق: (ص 24) .
5 انظر: تهذيب السنن: (7/ 98) .(3/339)
وعلى كلِّ حال، فإنَّ جبير بن محمد مما يُعَلُّ به هذا الحديث، كما ذُكِر عن ابن عساكر؛ فإنه لم يرو عنه إلا: يعقوب بن عتبة، وحصين ابن عبد الرحمن1، ولم يوثقه مع ذلك أحد إلا ابن حبان، فإنه ذكره في (ثقاته) 2.
وهو بهذه المثابة مجهول الحال، وقد قال عنه الحافظ ابن حجر: "مقبول"، يعني: حيث يتابع، ولم يتابعه أحد على هذا الحديث، فهو إذن لين الحديث.
ثم أخذ ابن القَيِّم في الجواب عن باقي علل هذا الحديث: كالقول باضطراب إسناده ومتنه وغير ذلك، فذهب إلى أن زيادة لفظة (به) من باب زيادة الثقات، وذلك لا يوجبُ رَدَّ الحديث3.
والذي يتلخصُ من ذلك: أن هذا الحديثَ ضعيفُ السَّنَدِ، غريبُ المتن:
__________
1- لتفرد ابن إسحاق به، وقد عُرف القول فيما ينفردُ به.
2- وعنعنته إياه، وهو مدلس.
3- وضعفِ جبير بن محمد، إلى غير ذلك مما أعل به.
وأما جواب ابن القَيِّم عن هذه العلل: فإنه لا يُغْنِي عن ضعف
1 انظر: تهذيب التهذيب: (2/ 63) .
(6/ 148) .
3 تهذيب السنن: (7/ 98) .(3/340)
الحديث شيئاً، - كما تقدم –؛ فإن جمعاً من الأئمة على إعلاله، وقد تقدم من ذلك قول: البزار، وابن عساكر، والمنذري، وأعَلَّهُ أيضاً: البيهقي رحمه الله، فقال: "وهذا حديث ينفرد به محمد بن إسحاق ... "1. فذكر نحواً من الكلام المتقدم.
وقال الحافظ الذهبي: "هذا حديثٌ غريبٌ جداً فردٌ، وابن إسحاق حجةٌ في المغازي إذا أَسْنَدَ، وله مناكيرُ وعجائبُ، فالله أعلم أقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا أم لا ... "2. واسْتَغْرَبَهُ كذلك الحافظ ابن كثير3 رحمه الله. وقال الشيخ الألباني: "إسناده ضعيف، ورجاله ثقات. لكن ابن إسحاق مُدَلِّس، ومثله لا يحتج به إلا إذا صرح بالتحديث، وهذا ما لم يفعله فيما وقفت عليه من الطرق إليه ... "4.
والخطابي - رحمه الله - مع أنه أخذَ في تأويل هذا الحديث، إلا أنه - فيما يبدو - قد اختار إعلاله؛ إذ قال: "وذكر البخاري هذا الحديث في التاريخ5 ... ولم يُدْخِلْهُ في الجامع الصحيح"6.
ثم توجَّهَ ابن القَيِّم - رحمه الله - بعد ذلك إلى نفي تَفَرُّدِ ابنِ
__________
1 الأسماء والصفات: (ص 528) .
2 العلو للعلي الغفار: (ص 39) .
3 تفسير القرآن العظيم: (1/ 310) .
4 ظلال الجنة في تخريج السنة: (ص 252) .
(1/ 2/ 224) .
6 معالم السنن: (7/ 97) .(3/341)
إسحاق برواية هذا المعنى، فقال: "وقد رُوِيَ هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير حديث ابن إسحاق. فقال محمد بن عبد الله الكوفي - المعروف بمُطَيَّن-: حدثنا عبد الله بن الحكم وعثمان، قالا: حدثنا يحيى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن:
126- (3) عمر رضي الله عنه، أنه قال: أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امرأةٌ، فقالت: ادْعُ الله أن يُدْخِلَنِي الجنة. فَعَظَّمَ أَمْرَ الرَّبِّ، ثم قال: " إِنَّ كُرْسِيَّه فوقَ السموات والأرض، وأنه يقعدُ عليه، فما يَفْضُل منه مقدار أربع أصابع" ثم قال بأصابعه فجمعها، "وأنَّ له أطيطاً كأطيط الرحل " 1.
ثم قال ابن القَيِّم رحمه الله: "فإن قيل: عبد الله بن الحكم، وعثمان لا يعرفان. قيل: بل هما ثقتان مشهوران: عثمان بن أبي شيبة، وعبد الله بن الحكم القطواني، وهما من رجال الصحيح"2.
قلت: هذا الحديث أخرجه هكذا مسنداً: ابن أبي عاصم في (السنة) 3 عن: إسماعيل بن سالم الصائغ. والبزار في (مسنده) 4 عن: الفضل بن سهل. وابن خزيمة في (التوحيد) 5 عن: يعقوب بن إبراهيم
__________
1 تهذيب السنن: (7/ 98) .
2 المصدر السابق: (7/ 99) .
(1/ 251) ح 574.
(1/ 457) ح 325.
(1/ 244) ح 150، 151.(3/342)
الدورقي. والطبراني1 عن: عبيد الله بن أبي زياد القطواني. وأبو الشيخ في (العظمة) 2 عن: أبي بكر ابن إسحاق، والحسن بن ناصح. والدارقطني في (الصفات) 3 عن: أحمد بن منصور بن سيار، كلهم عن: يحيى بن أبي بكير4، عن إسرائيل5، عن أبي إسحاق6 السبيعي، عن عبد الله بن خليفة7، عن عمر رضي الله عنه به بنحو ما تقدم.
واللفظ الذي أورده ابن القَيِّم - رحمه الله - هو لفظ ابن الجوزي في (العلل المتناهية) 8، من الطريق التي ذكرها ابن القَيِّم.
وفي هذا الحديث عِدُّة علل:
__________
1 أخرجه من طريقه: أبو العلاء الهمداني في فتياه حول الصفات (100/ 1) ، والضياء المقدسي في المختارة: (1/59) ، وأبو محمد الدشتي في إثبات الحد: (134 - 135) . أفاد ذلك الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة: (2/257) ح866.
(2/ 548) ح193.
(ص 48) ح35.
4 واسم أبي بكير: نسر، الكرماني، كوفي الأصل، نزل بغداد، ثقة، من التاسعة، مات سنة 208 هـ أو 209 هـ/ع. (التقريب 588) .
5 ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أبو يوسف الكوفي، ثقة تُكُلِّم فيه بلا حجة، من السابعة، مات سنة 160 هـ وقيل بعدها / ع. (التقريب 104) .
6 هو: عمرو بن عبد الله بن عبيد - ويقال: علي، ويقال: ابن أبي شعيرة - الهمداني، ثقة مكثر عابد، من الثالثة، اختلط بآخرة، مات سنة 129هـ/ع. (التقريب423) .
7 الهمداني، مقبول، من الثانية / فق. (التقريب 301) .
(1/ 4) ح 3 باب ذكر الاستواء على العرش.(3/343)
أولها: جهالة عبد الله بن خليفة، راويه عن عمر: فقد ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 1 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وانفرد ابن حبان بتوثيقه2 على قاعدته، فيكون بهذه المثابة مجهول الحال، إذ انتفت جهالة عينه برواية أبي إسحاق، ويونس بن أبي إسحاق3 عنه، ولذلك قال عنه الذهبي رحمه الله: "لا يكاد يعرف"4. وقال الحافظ ابن كثير: "ليس بذاك المشهور"5. وقال فيه الحافظ ابن حجر: "مقبول" يعني: حيث يتابع، وإلا يكون لين الحديث، وهو لم يتابع هنا، إذ مدار الحديث عليه وحده.
العلة الثانية: اضطرابُه سنداً ومتناً: فقد رُوي عن عبد الله بن خليفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، أخرجه كذلك الدارمي في (الرد على المريسي) 6 من طريق: عبد الله بن رجاء، عن إسرائيل به، وفيه: " ... وإنه ليقعدُ عليه، فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع - وَمَدَّ أصابعه الأربع - وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركبه من يثقله". وأخرجه ابن الجوزي في (العلل المتناهية) 7 من طريق: وكيع، عن إسرائيل به، ولفظه
__________
(2/ 2/ 45) .
2 الثقات: (5/ 28) .
3 تهذيب التهذيب: (5/ 198) .
4 الميزان: (2/ 414) .
5 تفسير القرآن العظيم: (1/ 310) .
(ص 74) .
(1/ 4) ح 2.(3/344)
عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الكرسيُّ الذي يجلس عليه عز وجل، ما يفضل منه ... ".
وقد وقع الحديث عند ابن خزيمة بالشك، ففيه: " ... عبد الله بن خليفة - أظنه عن عمر - أن امرأة ... " قال ابن خزيمة رحمه الله: "ما أدري: الشك والظن أنه عن عمر، هو من يحيى بن أبي بكير، أم من إسرائيل، قد رواه وكيع بن الجراح، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة مرسلاً، ليس فيه ذكر عمر لا بيقين ولا ظن"1.
وقد روي مع ذلك موقوفاً على عمر رضي الله عنه، رواه كذلك: الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر رضي الله عنه أنه قال: " إذ جَلَسَ - تبارك وتعالى - على الكرسي، سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد". أخرجه من هذا الطريق: عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب (السنة) 2، وقد أشار البزار - رحمه الله - إلى هذه الرواية الموقوفة، فقال: "وقد روى الثوري هذا الحديث عن: أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر موقوفاً"3.
وقد أَعَلَّ الأئمة هذا الحديث من أجل هذا الاضطراب، فقال ابن الجوزي في (العلل المتناهية) 4: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسناده مضطرب جداً ... وتارة يرويه ابن خليفة: عن عمر،
__________
1 التوحيد: (1/ 245) .
(ص 79) ح 402، باب ذكر الكرسي.
3 مسند البزار: (1/ 458) .
(1/ 5 - 6) .(3/345)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتارة يقفه على عمر. وتارة يوقف على ابن خليفة. وتارة يأتي: فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع. وتارة يأتي: فما يفضل منه مقدار أربع أصابع، وكل هذا تخليط من الرواة، فلا يُعَوَّل عليه". وقال الحافظ ابن كثير: " ... منهم من يرويه عنه، عن عمر موقوفاً، ومنهم من يرويه عنه مرسلاً، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة، ومنهم من يحذفها"1.
العلة الثالثة: أن أبا إسحاق السَّبيعي عَنْعَنَهُ، وهو مُدَلِّسٌ: وقد ذكره الحافظ ابن حجر - رحمه الله - ضمن الطبقة الثالثة من المدلسين2، والراجح في شأنهم: عدم قبول رواياتهم إلا إذا صرحوا بالسماع.
وعلة رابعة: ذكرها الحافظُ ابن كثير رحمه الله، فقال: "وفي سماعه - يعني عبد الله بن خليفة - من عمر نظر"3.
وكأن ابن خزيمة - رحمه الله - رَجَّحَ كونه مرسلا، ولذلك قال: "وليس هذا الخبر من شرطنا؛ لأنه غير متصل الإسناد. لسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل والمنقطعات"4.
فإذا تَبَيَّنَ ضعف هذا الحديث، فإن الهيثمي - رحمه الله - لم يُصِبْ
__________
1 تفسير القرآن العظيم: (1/ 310) .
2 طبقات المدلسين: (ص 101) .
3 تفسير القرآن العظيم: (1/ 310) .
4 التوحيد: (1/ 245 - 246) .(3/346)
حين قال: "رجاله رجال الصحيح"1. فإنَّ عبد الله بن خليفة لم يخرج له أحد من أصحاب السنن الأربعة، فضلاً عن الصحيحين، ومثله قول أبي محمد الدّشتي في كتاب إثبات الحدِّ: "حديث صحيح، رواته على شرط البخاري ومسلم". نقل ذلك عنه الشيخ الألباني، ثم قال: "وهو خطأ بَيّنٌ مزدوج، فليس الحديث بصحيح، ولا رواته على شرطهما ... فأنّى للحديث الصحة؟! بل هو حديث منكر عندي"2.
فتلخص من ذلك: أنَّ هذا الحديثَ ضعيفُ السَّنَدِ، مضطربٌ سنداً ومتناً، فمثله لا يصلح الاعتماد عليه في تقوية حديث ابن إسحاق الماضي. ومن ذلك يتضح عدم إصابة ابن القَيِّم - رحمه الله - حينما حاول تقوية هذا الحديث، حيث أخذ يقوي أمر عبد الله بن الحكم القطواني، وعثمان بن أبي شيبة، والحديث معلول من جهات أخرى كما تقدم.
وبالجملة: فقد نفى الحافظ الذهبي - رحمه الله - ثبوتَ لفظ الأطيط في أي خبر، فقال: "لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت"3.
وابن القَيِّم - رحمه الله - أورد ذلك في مقام الاستدلال على علوِّ الله عز وجل واستوائه على عرشه، وفيما صحَّ من الأحاديث والآثار في هذا الباب كفايةٌ، وقد ساق ابن القَيِّم بعد هذين الحديثين جملة من
__________
1 مجمع الزوائد: (1/ 84) .
2 السلسلة الضعيفة: (2/ 257) ح 866.
3 العلو: (ص 39) .(3/347)
الأحاديث الصحيحة في إثبات ذلك1، ولسنا بحاجة إذن إلى الاحتجاج بما اشتمل على بعض الألفاظ المنكرة.
يوضح ذلك ويبينه: قول الذهبي - رحمه الله - عقب هذا الحديث: "وقولنا في هذه الأحاديث: أننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره، فأما ما في إسناده مقال، واختلف العلماء في قبوله وتأويله: فإنا لا نَتَعَرَّضُ له بتأويل، بل نرويه في الجملة ونبين حاله، وهذا الحديث - يعني حديث الأطيط - إنما سُقْنَاه لما فيه مما تواتر من علو الله - تعالى - فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب"2.
__________
1 تهذيب السنن: (7/ 99 - 101) .
2 العلو: (ص 39) .(3/348)
3 ـ باب ما جاء في نهي النبي صلى الله عليه عن اتخاذ قبره عيدا
...
3 - باب ما جاء في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيدا
127- (4) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُم قبوراً، ولا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً، وَصَلُّوا عَلَيّ، فإن صَلاتَكُم تَبْلُغُنِي حيث كُنْتُم".
قال ابن القَيِّم رحمه الله - وقد ساقه بإسناد أبي داود -: "هذا إسناد حسن، رواته كلهم ثقات مشاهير"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2، وأحمد في (مسنده) 3، والحسين بن أحمد بن إبراهيم بن نفيل في (جزئه) 4، من طرق، عن: عبد الله بن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
قال المنذري في (تهذيب السنن) 5: "في إسناده عبد الله بن نافع الصائغ ... ".
ثم نقل كلام الأئمة في تضعيفه، وتوثيق ابن معين وأبي زرعة له.
__________
1 إغاثة اللهفان: (1/ 191) .
(2/ 534) ح 2042، ك المناسك، باب زيارة القبور.
(2/ 367) .
4 كما أفاده ابن القَيِّم - رحمه الله - في جلاء الأفهام: (ص 17) .
(2/ 447) .(3/349)
قلت: وعبد الله بن نافع هذا قد تُكُلِّمَ فيه من قِبَلِ حفظه1، ومع ذلك فقد وَثَّقَهُ بعض الأئمة، فقال النسائي: "ثقة"2. ومرة قال: "ليس به بأس"3. وقال ابن معين: "ثقة"4. وقال أبو زرعة: "لا بأس به"5. وقال العجلي: "ثقة"6.
وقال الدارقطني: "يعتبر به"7. وقال الخليلي: "ثقة"8. وقال ابن قانع: "مدني صالح"9. وذكره ابن حبان في (الثقات) 10 وقال: "وكان صحيحَ الكِتَابِ، وإذا حَدَّثَ من حفظه رُبَّمَا أَخْطَأ".
فهذه أقوالُ الأئمةِ في عبد الله بن نافع، ويظهر منها أن الرَّجُلَ قد وَثَّقَهُ أئمةٌ معتبرون، فما قِيل من ضعفٍ في حفظه فإنه لا يُرَدُّ حديثه لأجله، اللهم إلا إذا خالفه من هو أحفظ منه وأثبت، فحينئذ يتوقف في حديثه.
__________
1 انظر ترجمته في: الميزان: (2/ 513) ، وتهذيب التهذيب: (6/ 51) .
2 تهذيب التهذيب: (6/ 51) .
3 تهذيب التهذيب: (6/ 51) .
4 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص 153) رقم 532.
5 الجرح والتعديل: (2/2/184) .
6 تاريخ الثقات: (ص 281) .
7 سؤالات البرقاني للدارقطني: (ص 40) رقم 256.
8 الإرشاد: (1/ 316) .
9 تهذيب التهذيب: (6/ 52) .
10 (8/ 348) .(3/350)
وقد رُوِيَ هذا الحديث من وجهٍ آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه، فأخرجه أبو نعيم في (الحلية) 1 من طريق: عبد الله بن هشام الدستوائي، عن أبيه، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعاً، ولفظه: "لا تتخذوا قَبْرِي عيداً، لَعَنَ اللهُ قوماً اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد يُصَلُّون إليها، وصلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً".
وفي إسناده: عبد الله بن هشام، قال عنه أبو حاتم: "متروك الحديث"2.
وللحديث شاهد من حديث عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، أخرجه ابنُ أبي شيبة في (مصنفه) 3 - وعنه أبو يعلى في (مسنده) 4 - والضياء المقدسي في (المختارة) كما أفاده ابن القَيِّم5 رحمه الله، كلهم من طريق: جعفر بن إبراهيم، عن علي بن عمر، عن أبيه، عن عليِّ بن الحسين: أَنَّهُ رأى رجلاً يجيء إلى فُرْجَة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها، فيدعو. فنهاه، وقال: ألا أُحَدِّثُكَ حديثاً سمعته من أبي، عن جَدِّي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً،
__________
(6/ 283) .
2 الجرح والتعديل: (2/2/193) .
(2/375) .
(1/361) ح 469.
5 انظر إغاثة اللهفان: (1/ 191) .(3/351)
وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني أينما كنتم".
قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) 1: "فيه جعفر بن إبراهيم الجعفري، ذكره ابن أبي حاتم2، ولم يذكر فيه جرحاً، وبقية رجاله ثقات".
قلت: "وعليُّ بن عمر" هو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال فيه ابن حجر: "مستور"3. فيكون هذا الإسناد - والحالة هذه - ضعيفاً، إلا أنه يصلح للاستشهاد به، وإذا انضم إلى حديث أبي هريرة السابق أعطاه قوة، وتَبَيَّنَ أن للحديث أصلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد ابن القَيِّم - رحمه الله - بعد ذلك حديثين مرسلين من رواية: أبي سعيد مولى المهري، والحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بلفظ قريب من اللفظ الماضي، ثم قال: "فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين، يَدُلاّنِ على ثبوتِ الحديث، لاسيما وقد احتجَّ به من أرسله، وذلك يقتضي ثبوته عنده، هذا لو لم يكن رُوِيَ من وجوه مسندة غير هذين، فكيف وقد تَقَدَّمَ مسنداً؟ "4.
__________
(4/ 3) .
2 انظر: الجرح والتعديل: (1/ 1/ 474) ، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 160) .
3 التقريب: (ص 404) .
4 إغاثة اللهفان: (1/ 192) .(3/352)
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أَنَّ حديثَ أبي هريرة الماضي حديثٌ حسنُ الإسناد، كما حَكَمَ ابن القَيِّم - رحمه الله - عليه، وأنه قد يعتضد بهذه الشواهد - المسند منها والمرسل - فيصبح صحيحاً لغيره، فإن وقف عند كونه حسناً، فحسبه ذلك.
وقد حسنه - أيضاً -: الحافظ ابن حجر1، والشيخ الألباني رحمه الله، فقال: "رواه أبو داود وأحمد بسند حسن"2. وقال مرة: "وسنده حسن، ومن صححه فقد ذهل أو تساهل، نعم الحديث صحيح باعتبار ما له من الشواهد ... "3.
قلت: وصحح النووي إسناده4، وهو غير مُسَلَّم لما مضى بيانه، والله أعلم.
__________
1 كما في الفتوحات الربانية: (3/ 313) .
2 تحذير الساجد: (ص 142) .
3 التعليق على المشكاة: (1/ 292) .
4 الأذكار: (ص 97) .(3/353)
4 - باب ما جاء في أطفال المشركين
128- (5) عن أبي رجاء العطاردي قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول وهو على المنبر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزالُ أمرُ هذه الأمَّة مواتياً1 - أو مقارباً - ما لم يتكلموا في الولدان والقدر". قال أبو حاتم - يعني ابن حبان -: "الولدان. أراد بهم: أطفال المشركين".
عزا ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث إلى (صحيح ابن حبان) ، ثم قال: "وأَمَّا حديث أبي رجاءٍ العطاردي، عن ابن عباس: ففي رَفْعِهِ نَظَرٌ، والنَّاس إنما رووه موقوفاً عليه، وهو الأشبهُ، وابن حِبَّان كثيراً ما يرفعُ في كتابه ما يَعْلَمُ أئمة الحديث أنه موقوف"2.
وقال في موضع آخر: "في القلب من رَفْعِهِ شيءٌ، وإن أَخْرَجَهُ ابن حبان في (صحيحه) ، وهو يدلُّ على ذَمِّ من تَكَلَّمَ فيهم بغير علم، أو ضَرَبَ النُّصوصَ بعضها ببعض فيهم ... وأما من تَكَلَّمَ فيهم بعلمٍ وحقٍّ: فلا"3.
__________
1 المواتاة: حسنُ المطاوعة والموافقة، وأصله الهمز فخفف وكثر، حتى صار يقال بالواو الخالصة، وليس بالوجه. (النهاية 1/ 22) .
2 أحكام أهل الذمة: (2/ 622 - 623) .
3 طريق الهجرتين: (ص 674) .(3/354)
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن حبان في (صحيحه) 1، والحاكم في (المستدرك) 2، كلاهما من طريق: الحسن بن سفيان، عن محمد بن أبان الواسطي3 ويزيد بن صالح اليشكري4.
وأخرجه الحاكم في (مستدركه) من طريق: أبي داود السجستاني، عن سليمان بن حرب5 وشيبان بن أبي شيبة6. كلهم من طريق: جرير بن حازم، عن أبي رجاء العطاردي7، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً، باللفظ المتقدم، ووقع عند الحاكم: "مُؤَامراً" بدل "مواتياً".
قال أبو عبد الله الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولا نعلم
__________
1 الإحسان: (8/ 255) ح 6689.
(1/33) .
3 الطَحَّان، صدوقٌ تَكَلَّمَ فيه الأزدي، من العاشرة، مات سنة 238 هـ/خ. (التقريب 465) .
4 أبو خالد، الفَرَّاء، النيسابوري، قال أبو حاتم: "مجهول"، فرده الذهبي بقوله: "بل مشهور صدوق". وَوَثَّقَه ابن حبان. الجرح والتعديل: (4/2/272) ، ثقات ابن حبان: (9/275) ، المغني في الضعفاء: (2/750) . (وانظر الميزان: 4/ 429) .
5 الأزدي، البصري، قاضي مكة، ثقة إمام حافظ /ع. (التقريب 250) .
6 هو: شيبان بن فروخ الحبطي الأبلي، صدوق يهم ورمي بالقدر/ م د س. (التقريب269) .
7 هو: عمران بن ملحان - ويقال: ابن تيم - مشهور بكنيته، مخضرم، ثقة، مُعَمَّر، مات سنة 105هـ/ ع. (التقريب430) .(3/355)
له علة، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي - رحمه الله -. قال الشيخ الألباني: "وهو كما قالا"1.
وساقه الحافظ الذهبي - رحمه الله - في ترجمة ابن حبان من (سير النبلاء) 2 بإسناده إليه، ثم قال: "هذا حديث صحيح، ولم يخرج في الكتب الستة".
وعزاه الهيثمي إلى البزار والطبراني، ثم قال: "ورجال البزار رجال الصحيح"3.
فقد صحح الحديث مرفوعاً - كما نرى -: ابن حبان، والحاكم، والذهبي، والهيثمي، والألباني، ولم يقل أحد منهم: بأن رفعه خطأ.
وحينئذ فلا وجه لما قاله ابن القَيِّم من أن الصواب وقفه على ابن عباس، وأما قوله: "والناس إنما رووه موقوفاً عليه" فلم أقف بعد البحث على من رواه كذلك.
وأما تضعيفه من قِبَلِ ابن حبان، وأنه هو الذي رفعه: فغير مقبول أيضاً، وقد رواه الحاكم – كما سلف - من غير طريق ابن حبان، والبزار - وهو متقدم على ابن حبان - فكلهم جاء به مرفوعاً، فلم يبق متعلق في ذلك على ابن حبان، والله أعلم.
__________
1 السلسلة الصحيحة: (4/ 19 - 20) ح 1515.
(16/ 103 - 104) .
3 مجمع الزوائد: (7/ 202) .(3/356)
الخاتمة
في نهاية دراستي هذه لابن القَيِّم وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها، وبعد هذا التجوال في تراثه وآثاره النافعة، أسجل خلاصة ما تَضَمَّنَهُ بحثي هذا وأهمَّ النتائج التي أسفرتْ عنها هذه الدراسة:
1- أَنَّ هذا الدِّين محفوظ بحفظ الله - عز وجل - له، وأنَّ من مظاهر هذا الحفظ: أولئك الأعلام الأفذاذ، والجهابذة الحُفَّاظ، الذين هَيَّأَهُم اللهُ - سبحانه - للذود عن دينه، ونُصْرَةِ شَرِيعَتِهِ، وأنَّ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ تأييداً خَاصَّاً من الله عز وجل.
2- أنَّ ابن القَيِّم - رحمه الله - كان واحداً من أولئك الأعلام الذين نَصَرَ الله بهم الحق وهزم الباطل، وأظهر بهم السنة وقَمَعَ البدعة.
3- كانت العلاقة وثيقة بين ابن القَيِّم وبين العصر الذي عاش فيه تأثراً وتأثيراً؛ لذا فقد كان للأوضاع السياسية، والاجتماعية، والدينية الْمُتَرَدِّيَةِ آنذاك أكبر الأثر على تَوَجُّهَاتِ ابن القَيِّم ودعوته الإصلاحية.
4- أن ابن القَيِّم ولد في أُسْرَةٌ طَيِّبَة، وأن والده كان من أهل العلم والفضل، مما كان له - بتوفيق الله - أثر كبير في النشأة الصالحة لابن القَيِّم رحمه الله، وسلوكه طريق العلم وأهله.
5- لقد كان ابن القَيِّم - رحمه الله - متحلياً بمحاسن الأخلاق، وجميل العادات، مع الاجتهاد في الطاعة والجدِّ في العبادة، وذلك بشهادة كل من عرفه وعايشه، فجمع - رحمه الله - بذلك بين العلم والعمل،(3/359)
فبورك له في علمه ودعوته، وعمَّ النفع بهما، وَسَرَتْ بركة ذلك في الأجيال من بعده إلى يومنا هذا.
6- عاش ابن القَيِّم حياته مجاهداً من أجل تحقيق أهداف نبيلة وغايات جليلة، تمثلت في: الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسُّنَّة الصحيحة، ونبذ ما سوى ذلك من البدع الْمُحْدَثَةِ والآراءِ المستحدثة، ومحاربة التَّعَصُّبِ المذهبيِّ، والتقليد الأعمى. ولقد كان ملتزماً ذلك في حياته كلها عملاً وسلوكاً، فأحيا الله على يديه - ومن قبله شيخه ابن تَيْمِيَّة - الدعوة السلفية النَيِّرَة في تلك الحقبة المظلمة.
7- تَعَرَّضَ ابن القَيِّم - رحمه الله - في مسيرته الإصلاحية لمحنٍ شديدة وابتلاءات عديدة، نتيجة لصدعه بالحق، وقيامه في وجه الباطل، فلم يزده ذلك إلا ثباتاً على مبادئه، وصلابةً في مواجهة أعداء السُّنَّة وأهلها، فضرب - رحمه الله - بذلك أروع الأمثلة في الصبر والثبات وتحمل الأذى في ذات الله عز وجل.
8- أما عن حياته العلمية: فقد بَرَّزَ وتفوق - رحمه الله - في علوم عديدة، بشهادة الأئمة الأعلام له بذلك، وهنا نقف على حقيقة مهمة، وهي: صعوبةُ الحُكْمِ على ابن القَيِّم - رحمه الله - بالتَّخَصُّصِ في فَنٍّ بعينه على حساب الفنون الأخرى؛ فقد شُهِدَ له بالتفوق في سائر العلوم والتقدم فيها.
9- لقد كان لتتلمذ ابن القَيِّم - رحمه الله - على خيرةِ علماءِ عصرهِ وأعلام وقته - مع ولوعه باقتناء الكتب وجمعها - أثر كبير في تفوقه وبروزه العلمي.(3/360)
10- وبعد هذه الرحلة المباركة في خدمة هذا الدين، ترك ابن القَيِّم - رحمه الله - كتباً ومؤلفات مباركة، عَمَّ النفع بها على مَرِّ العصور والأزمان، حتى وقتنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فانقطع عمله - رحمه الله - من الدنيا، إلا من هذا العلم النافع، فلا زال النفع به مستمراً، جزاه الله عن الإسلام وأهله خيراً.
11- ولقد توافرت لمؤلفات ابن القَيِّم - رحمه الله - خصائص وميزات عديدة، كان لها أثر كبير في رِفْعَةِ شأنها وذيوعِ صيتها، وعشقِ القلوب لها، مع انتفاعِ البعيد والقريب بها.
12- وفيما يتعلق بجانب الحديث وعلومه - موضوع هذه الدراسة - تبرز بعض الحقائق المهمة، فمن ذلك:
- تَمَكُّنُ ابن القَيِّم - رحمه الله - من قواعد (مصطلح الحديث) ، ومعرفته التامة بها، وتطبيقه لتلك القواعد واستفادته منها أثناء دراسته للأحاديث النبوية ومناقشتها.
بل إن له فضل السبق والتميز في بعض قضايا المصطلح؛ ككلامه في تقسيم الحديث الحسن إلى ثلاث مراتب، كما مرّ معنا.
- معرفته التامة بقواعد "الجرح والتعديل ونقد الرواة" ورسوخ قدمه في ذلك، كما سبق بيانه عند الكلام على إفاداته في هذا الباب، ومَنْ وَقَفَ على ما أضافه من ضوابط وتفصيلات في مسألة "طلب تفسير الجرح"، - مثلا - عَلِمَ إمامة الرجل في هذا الفنِّ.(3/361)
- لابن القَيِّم - رحمه الله - في نقد رواة الأحاديث، والكلام على الرجال جرحاً وتعديلاً منهج مميزٌ، مع معرفة تامة بأقوال أئمة الشأن في الرواة: عالماً بمراميها، مُرَجِّحَاً بين مختلفها، موفقاً بين ما ظاهره التعارض منها.
- ومع كل ذلك: نرى اجتهاد ابن القَيِّم - رحمه الله - في إصدار أحكامٍ جامعةٍ على كثير من الرواة، وبيان مرتبتهم ومنزلتهم من القبول أو الردِّ؛ بما يدلُّ على شخصية مستقلة، وقدمٍ راسخةٍ، وإمامةٍ وتقدُّم في هذا الفن.
وحسبه في هذا الباب شرفاً أن يعتمد على أقواله في الرجال مثل الحافظ ابن حجر، كما تقدَّمَ نقل أمثلة لذلك عند الكلام على "أهمية أقوال ابن القَيِّم في الجرح والتعديل"، بل لعل قوله - رحمه الله - في العلاء ابن إسماعيل: (مجهول) ، يُعَدُّ المصدر الوحيد - فيما أعلم - للحكم على هذا الرجل.
- ظهرت ثمرة تمكن ابن القَيِّم من قواعد علوم الحديث في تطبيقه لتلك القواعد واستفادته منها في الحكم على المرويات ونقدها، بعد بذل الجهد في تخريجها وجمع طرقها.
وبذلك تبرز قيمة هذه القواعد وفائدتها في تحقيق الهدف الأسمى والمطلوب الأعلى، وهو: تمييز صحيح الأخبار من سقيمها، ومعلولها من سليمها.(3/362)
13- لم تقف جهود ابن القَيِّم عند هذا الحدِّ في مجال علوم الحديث وفنونه المختلفة، بل كانت له إسهامات مميزةٌ في جوانب أخرى، تمثل ذلك في: شرح الحديث، وبيان غريبه، واستنباط فقهه وأحكامه، واستخراج فوائده، والكشف عن دقائقه.
وبذلك يقدِّم لنا - رحمه الله - مثالاً يُحْتَذى في الجمع بين: المعرفة بقواعد الحديث وقوانين روايته، والفقه فيه ومعرفة أحكامه ودرايته. وذلك - لا شكَّ - من أعظم المقاصد، وأسمى المطالب.
14- وتأكيداً للجانب العملي التطبيقي في إبراز جهود ابن القَيِّم في خدمة السنة النبوية وعلومها، فقد تناول هذا البحث مجموعة من الأحاديث التي حكم عليها ابن القَيِّم بتصحيح أو تضعيف أو غير ذلك، وتمت دراستها في ضوء أقوال الأئمة المعتبرين وحكمهم عليها، وقد بلغ عدد الأحاديث المدروسة حوالي مائة وأربعين حديثاً، أصاب ابن القَيِّم - رحمه الله - في الحكم على أكثرها، وجاء حكمه مرجوحاً في عدد قليل منها، ولا يضره ذلك ولا يقلل من مكانته؛ فإن ذلك يُعَدُّ قليلاً في جنب ما وُفِّقَ وسُدِّد فيه رحمه الله.
15- هذه الأحكام التي صدرت من هذا الإمام الجهبذ، تعد خدمةً جليلةً في مجال نقد المرويات الحديثية، وبيان درجتها، وتمييز صحيحها من غيره، وتمثل حلقة في سلسلة الجهود المباركة لأئمة النقد وفرسانه على مرِّ العصور.(3/363)
وفي النية - إن شاء الله - حَصْرُ كُلِّ الأحاديث التي تَكَلَّم عليها في جميع مؤلفاته، وتصنيفها، وإخراجها مطبوعة بحول الله وقوته، خدمة للسنة النبوية المشرفة، ولبنة تضاف إلى البناء الموسوعي في مجال نقد المرويات الحديثية والحكم عليها.
16- وأخيراً: فإنه لا يفوتني أن أُسَجِّل توصيةً واقتراحاً ظهرت لي أهميته خلال رحلتي مع هذا الإمام العلامة، وهو: أنَّ تراثَ ذلك الإمام البحر لا يزال في حاجة مَاسَّة إلى خدمة أهل العلم وطلابه، وذلك باستخراج مكنون فوائده، وتقريب علومه للناس عامة، وأحسب أن ما قام به الشيخ بكر أبو زيد في كتابه: (تقريب فقه ابن القَيِّم) يمثل نموذجاً يُحْتَذَى في بقية علوم ابن القَيِّم.
فإنَّ استخراج الفوائد المتعلقة بكلِّ فَنٍّ من كُتب ابن القَيِّم المختلفة، وضَمِّ ما توافَقَ من ذلك في شكل موسوعي، أمرٌ تتطلبه ظروف الحياة العلمية في وقتنا الحاضر.
ولذلك فإنني أهيبُ بالهيئات العلمية المتخصصة - وعلى رأسها أقسام الدراسات العليا في هذه البلاد المباركة - أن توجه جهود باحثيها إلى خدمة علوم هذا الإمام وتراثه المبارك.
وَيُقَال مثل ذلك عن كتبه ومؤلفاته؛ فإن الكثير منها لا يزال بحاجة إلى تحقيق عِلْمِيٍّ يليقُ بمكانة هذا الإمام، ويتيح فرصاً أكثر للانتفاع بها.(3/364)
ولذلك فإنني ألفت أنظار أهل العلم الغيورين على تراث هذا الإمام، المحبين له ولعلومه، إلى أن يولوا هذا الأمر عنايتهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(3/365)
مصادر ومراجع
...
المصادر المطبوعة
1- ابن قيم الجوزية - حياته وآثاره.
د/ بكر بن عبد الله أبو زيد. نشر المكتب الإسلامي - بيروت، ومكتبة الرشد - الرياض، ط2، 1403هـ.
2- ابن قيم الجوزية وجهوده في الدفاع عن عقيدة السلف.
د/ عبد الله محمد جار النبي. نشر مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، ط1، 1406هـ.
3- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.
لابن القيم. تصحيح لجنة بإشراف الناشر - نشر دار الكتب العلمية - بيروت، ط1، 1404هـ.
4- الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة.
لأبي الحسنات، محمد بن عبد الحي، اللكنوي، الهندي (ت1304هـ) . تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة - نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط2، 1404هـ.(3/469)
5- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان.
ترتيب علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت 739هـ) . تحقيق: كمال يوسف الحوت - نشر دار الكتب العلمية - بيروت، ط1، 1407هـ.
6- أحكام أهل الذمة.
لابن القيم. تحقيق: د/ صبحي الصالح - نشر دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1401هـ.
7- أحوال الرجال.
لأبي إسحاق، إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت 259هـ) . تحقيق: السيد صبحي السامرائي - نشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1405هـ.
8- اختصار علوم الحديث.
للحافظ ابن كثير (ت 774هـ) . تحقيق: أحمد محمد شاكر - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، (مطبوع مع الباعث الحثيث) .
9- اختلاف الحديث.
للإمام الشافعي محمد بن إدريس (ت 204هـ) . تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1406هـ.(3/470)
10- آداب الزفاف في السنة المطهرة.
لمحمد ناصر الدين الألباني. نشر مكتبة التراث الإسلامي، عمان الأردن، ط2، للطبعة الجديدة بالقاهرة، 1409هـ.
11- الأدب المفرد.
للإمام البخاري، محمد بن إسماعيل (ت 256هـ) . نشر دار الكتب العلمية، بيروت.
12- الأذكار النووية.
للنووي، محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت 676هـ) . تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - نشر دار الملاح، 1391هـ.
13- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل.
للشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني. إشراف/ زهير الشاويش - نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1399هـ.
14- الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار
لابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد (ت 463هـ) . تحقيق: علي النجدي ناصف - نشر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1393هـ.(3/471)
15- الاستيعاب في أسماء الأصحاب.
لأبي عمر بن عبد البر. مطبوع بهامش الإصابة - (انظر الإصابة) .
16- الأسماء والصفات.
للبيهقي، أحمد بن علي بن الحسين (ت 458هـ) . نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405هـ.
17- الإصابة في تمييز الصحابة.
لابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر (ت 852هـ) . نشر مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1328هـ.
18- أصول التخريج ودراسة الأسانيد.
للدكتور/ محمود الطحان. نشر مكتبة الرشد، الرياض، السعودية، ط5، 1403هـ.
19- الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار.
لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي (ت 584هـ) . تعليق: راتب حاكمي - نشر مطبعة الأندلس، حمص، ط1، 1386هـ.
20- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين.
للرازي، فخر الدين محمد بن عمر (ت 606هـ) . تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، ومصطفى الهواري - نشر مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1398هـ.(3/472)
21- إعلام الموقعين عن رب العالمين.
لابن القيم، شمس الدين، محمد بن أبي بكر (ت 751هـ) . تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، نشر دار الجيل، بيروت.
22- إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان.
لابن القيم. تحقيق: محمد عفيفي - نشر المكتب الإسلامي، الرياض، السعودية، ومكتبة فرقد الخاني، ط1، 1406هـ.
23- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان.
لابن القيم. تحقيق: محمد حامد الفقي - نشر دار المعرفة، بيروت، ط2، 1395هـ.
24- الاقتراح في بيان الاصطلاح.
لتقي الدين بن دقيق العيد (ت 702هـ) . تحقيق: قحطان الدوري - نشر مطبعة الإرشاد، بغداد، 1402هـ
25- الإلزامات والتتبع.
للدارقطني، علي بن عمر (ت 385هـ) . تحقيق: مقبل بن هادي الوادعي - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1405هـ.(3/473)
26- الإلمام بأحاديث الأحكام.
لتقي الدين ابن دقيق العيد. تعليق: محمد سعيد المولوي - نشر دار الثقافة الإسلامية، الرياض، ط1، 1383هـ.
27- الأمثال في القرآن الكريم.
لابن القيم. تحقيق: سعيد محمد نمر الخطيب - نشر دار المعرفة، بيروت، 1981م.
28- الأمصار ذوات الآثار.
للحافظ الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) . تحقيق: قاسم علي سعد - نشر دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1406هـ.
29- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث.
لأحمد محمد شاكر. نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط2 (مطبوع مع اختصار علوم الحديث) .
30- البداية والنهاية:
لابن كثير، عماد الدين أبي الفداء (ت 774هـ) . تحقيق: د/ أحمد أبو ملحم، د/ علي نجيب عطوي وآخرون - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ.(3/474)
31- بدائع الفوائد.
لابن القيم. نشر دار الكتاب العربي، بيروت.
32- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع.
للشوكاني، محمد بن عليّ بن محمد (ت1250هـ) . نشر الشيخ معروف باسندوه، القاهرة، ط1، 1348هـ.
33- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس.
لأحمد بن يحيى الضَّبِّي (ت 599هـ) . نشر دار الكاتب العربي، بيروت 1967م.
34- بغية الملتمس في سباعيات حديث مالك بن أنس.
للعلائي، صلاح الدين خليل بن كيكلدي (ت 761هـ) . تحقيق: حمدي السلفي - نشر عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1405هـ.
35- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة.
لجلال الدين السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) . تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم - نشر دار الفكر، ط4، 1399هـ.
36- بلوغ المرام من أدلة الأحكام.
لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . تحقيق: محمد حامد الفقي - نشر دار النهضة.(3/475)
37- التاج المكلل من جواهر الطراز الآخر والأول.
لصديق حسن خان (ت 1307هـ) . تحقيق: عبد الحكيم شرف الدين - نشر المطبعة الهندية، بمباي - الهند، ط2، 1383هـ.
38- التاريخ.
ليحيى بن معين، برواية الدوري عنه. تحقيق: د/ أحمد نور سيف - نشر مركز البحث العلمي لإحياء التراث، بجامعة أم القرى، ط1، 1399هـ.
39- تاريخ أبي زرعة الدمشقي.
لعبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان، البصري (ت 281هـ) . تحقيق: شكر الله قوجاني.
40- تاريخ أسماء الثقات.
لابن شاهين، أبي حفص عمر بن شاهين (ت 385هـ) . تحقيق: صبحي السامرائي - نشر الدار السلفية، الكويت، ط1، 1404هـ.
41- تاريخ بغداد.
لأبي بكر، أحمد بن علي بن ثابت، الخطيب (ت 463هـ) . نشر دار الكتاب العربي، بيروت.(3/476)
42- تاريخ الثقات.
للحافظ، أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي (ت 261هـ) (بترتيب الهيثمي) . تحقيق: عبد المعطي قلعجي - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ.
43- تاريخ الدارمي عن ابن معين في تجريح الرواة وتعديلهم.
لعثمان بن سعيد الدارمي (ت 280هـ) . تحقيق: د/ أحمد نور سيف - نشر مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى بمكة.
44- التاريخ الكبير.
لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ) . نشر دار الكتب العلمية، بيروت (عن طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الهند، 1361هـ) .
45- تأويل مختلف الحديث.
لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276هـ) . تصحيح: محمد زهري النجار - نشر دار الجيل، بيروت، 1393هـ.(3/477)
46- تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد.
للشيخ: محمد ناصر الدين الألباني. نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1398هـ.
47- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي.
للمباركفوري (ت 1253هـ) . تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان - نشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط2، 1384هـ.
48- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف.
للحافظ جمال الدين، أبي الحجاج المزي (ت 742هـ) . تحقيق: عبد الصمد شرف الدين - نشر الدار القيمة، بمباي، الهند، ط1، 1403هـ.
49- تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين.
للشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت 1250هـ) . تحقيق: محمد بن محمد زبارة - نشر شركة مصطفى الحلبي، القاهرة، ط2، 1375هـ.
50- تحفة المودود بأحكام المولود.
لابن القيم. تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - نشر مكتبة دار البيان، دمشق، ط1، 1391هـ.(3/478)
51- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي.
لجلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ) . تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف - نشر دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط2، 1385هـ.
52- تذكرة الحفاظ.
لأبي عبد الله الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) . نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1.
53- تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم.
لابن جماعة، إبراهيم بن سعد الله (ت 733هـ) . تحقيق: السيد محمد هاشم الندوي - نشر دائرة المعارف العثمانية، الهند، 1354هـ (وعنها صورته دار الكتب العلمية - بيروت) .
54- الترغيب والترهيب.
للأصبهاني، أبي القاسم إسماعيل بن محمد (ت 535هـ) . تحقيق: محمد بسيوني زغلول - نشر مكتبة النهضة الحديثة.
55- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف.
لزكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656هـ) . تحقيق: مصطفى محمد عمارة - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1406هـ.(3/479)
56- التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح.
لأبي الوليد الباجي (ت 474هـ) . تحقيق: د/ أبو لبابة حسين - نشر دار اللواء، الرياض، ط1، 1406هـ.
57- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس.
لابن حجر العسقلاني، (ت 852هـ) . تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، ومحمد أحمد عبد العزيز - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ.
58- تغليق التعليق على صحيح البخاري.
لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . تحقيق: سعيد موسى القزقي - نشر المكتب الإسلامي، دار عمار، ط1، 1405هـ.
59- تفسير القرآن العظيم.
لابن كثير، عماد الدين (ت 774هـ) . تصحيح: نخبة من العلماء - نشر دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
60- تقريب التهذيب.
لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . تحقيق: محمد عوامة - نشر دار الرشيد، حلب، سوريا، ط1، 1406هـ.(3/480)
61- التقريب والتيسير.
للإمام النووي، محيي الدين يحيى بن شرف (ت 676هـ) . نشر مكتبة خاور، باكستان، لا هور، 1399هـ.
62- التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح.
للحافظ عبد الرحيم بن الحسين، العراقي (ت 806هـ) . تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان - نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط1، 1389هـ.
63- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير.
لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني - نشر المدينة المنورة، 1384هـ.
64- تمام المنة في التعليق على فقه السنة.
لمحمد ناصر الدين الألباني. نشر المكتبة الإسلامية، الأردن، ودار الراية، الرياض، ط2، 1408هـ.
65- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد.
لأبي عمر بن عبد البر (ت 463هـ) . تحقيق: مجموعة من المحققين - نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، (ج1 - 21) من سنة 1387 - 1410هـ.(3/481)
66- التمييز.
للإمام مسلم بن الحجاج (ت 261هـ) . تحقيق: د/ محمد مصطفى الأعظمي - نشر شركة الطباعة السعودية، الرياض، ط2، 1402هـ.
67- تهذيب التهذيب.
لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . نشر دار الفكر العربي، صورة عن طبعة دائرة المعارف النظامية بالهند، ط1، 1327هـ.
68- تهذيب سنن أبي داود.
لابن القيم. تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي - نشر دار المعرفة، بيروت.
69- تهذيب الكمال في أسماء الرجال.
للمزي، جمال الدين، أبي الحجاج يوسف المزي (ت 742هـ) . تحقيق: بشار عواد - نشر مؤسسة الرسالة، بيروت.
70- التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل.
لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311هـ) . تحقيق: د/ عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان - نشر دار الرشيد، الرياض، ط1، 1408هـ.(3/482)
71- الثقات.
لأبي حاتم، محمد بن حبان البستي (ت 354هـ) . نشر مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، ما بين (1393 - 1403هـ) ط1.
- (الثقات) لابن شاهين = تاريخ أسماء الثقات.
- (الثقات) للعجلي = تاريخ الثقات.
72- جامع الأصول في أحاديث الرسول.
لأبي السعادات، المبارك بن محمد بن الأثير (ت 606هـ) . تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - نشر مكتبة دار البيان، بيروت وغيرها، 1392هـ.
73- جامع البيان عن تأويل آي القرآن.
للطبري، محمد بن جرير (ت 310هـ) . تحقيق: محمود محمد شاكر، وأحمد محمد شاكر - نشر دار المعارف، القاهرة.
74- جامع التحصيل في أحكام المراسيل.
لصلاح الدين العلائي (ت 761هـ) . تحقيق: حمدي السلفي - نشر وزارة الأوقاف بالعراق، 1398هـ.(3/483)
75- جامع الترمذي.
لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279هـ) . تحقيق: أحمد محمد شاكر، وجماعة - نشر مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط2، 1398هـ.
76- الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير.
للسيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) . نشر دار المعرفة، بيروت، ط2، 1391هـ (ومعه: فيض القدير شرح الجامع الصغير) .
77- الجرح والتعديل.
لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ) . تحقيق: عبد الرحمن المعلمي اليماني - نشر دار الكتب العلمية، بيروت (صورة عن الطبعة الأولى في دائرة المعارف العثمانية، الهند، 1271هـ) .
78- جزء القراءة خلف الإمام.
للإمام البخاري (ت 256هـ) . تحقيق: فضل الرحمن الثوري - نشر المكتبة السلفية، لاهور - باكستان، ط1، 1400هـ.
79- جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام.
لابن القيم. نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ.(3/484)
80- جلاء العينين في محاكمة الأحمدين.
للألوسي، نعمان بن محمود خير الدين (ت 1317هـ) . نشر مطبعة المدني، القاهرة، 1381هـ.
81- الجمع بين رجال الصحيحين.
لأبي الفضل محمد بن طاهر بن القيسراني (ت 507هـ) . نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1405هـ. - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء.
82- الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد.
لابن عبد الهادي، يوسف بن الحسن بن عبد الهادي، الدمشقي (ت909هـ) .
تحقيق: د/ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين - نشر مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1407هـ.
83- الجوهر النقي في الرد على البيهقي.
لعلاء الدين بن علي بن عثمان المارديني، ابن التركماني (ت 745هـ) . نشر دار الفكر، بيروت (مطبوع مع سنن البيهقي) .
84- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
لابن القيم. تحقيق: د/ السيد الجميلي - نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1406هـ.(3/485)
85- حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
لابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (ت 456هـ) . تحقيق: د/ ممدوح حقي - نشر دار اليقظة العربية، بيروت، ط2، 1966م.
86- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة.
للسيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) . تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم - نشر دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط1، 1387هـ.
87- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء.
لأبي نعيم، أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430هـ) . نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1400هـ.
88- حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.
لمحمد بهجة البيطار. نشر المكتب الإسلامي، ط2.
89- الداء والدواء.
لابن القيم. تحقيق: محمد جميل غازي - نشر مطبعة المدني، القاهرة، 1398هـ.(3/486)
90- الدارس في تاريخ المدارس.
للنعيمي، عبد القادر بن محمد الدمشقي (ت 927هـ) . تحقيق: جعفر الحسني - نشر الثقافة الدينية، 1988م.
91- دراسات في علوم الحديث.
للدكتور/ العجمي دمنهوري. نشر دار الطباعة المحمدية، القاهرة، ط1، 1403هـ.
92- الدراية في تخريج أحاديث الهداية.
لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني - نشر دار المعرفة، بيروت.
93- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . تحقيق: محمد سيد جاد الحق - نشر دار الكتب الحديثة، القاهرة.
94- الدعاء.
لأبي القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360هـ) . تحقيق: د/ محمد سعيد بن محمد حسن البخاري - نشر دار البشائر الإسلامية، ط1، 1407هـ.
95- الدليل الشافي على المنهل الصافي.
لابن تَغْري بردي، (ت 874هـ) . تحقيق: فهيم محمد شلتوت - نشر مركز البحث العلمي، كلية الشريعة، مكة المكرمة.(3/487)
96- ذم الملاهي.
لابن أبي الدنيا، أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد (ت 281هـ) . تحقيق: محمد عبد القادر عطا - نشر دار الاعتصام، القاهرة، 1387م.
97- الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام.
للدكتور/ بشار عواد. نشر مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1976م
98- ذيل ابن عبد الهادي على طبقات ابن رجب.
ليوسف بن حسن بن عبد الهادي (ت 909هـ) . تحقيق: محمود بن محمد الحداد - نشر دار العاصمة، الرياض، ط1، 1408هـ.
99- ذيل تذكرة الحفاظ.
لأبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني، الدمشقي (ت 765هـ) . نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.
100- ذيل تذكرة الحفاظ.
للحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) . نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.(3/488)
101- ذيل طبقات الحنابلة.
لأبي الفرج، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (ت 795هـ) . تحقيق: محمد حامد الفقي - نشر مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1372هـ.
102- ذيل العبر في خبر من غبر.
لأبي المحاسن الدمشقي، محمد بن علي بن الحسن الحسيني (ت 765هـ) .
تحقيق: أبي هاجر محمد بسيوني زغلول - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ.
103- رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد.
تحقيق: محمد حامد الفقي - نشر حديث أكادمي، فيصل آباد، باكستان، 1402هـ.
104- الرد الوافر.
لابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842هـ) . تحقيق: زهير الشاويش - نشر المكتب الإسلامي.
105- الرسالة.
للإمام الشافعي (ت 204هـ) . تحقيق: أحمد محمد شاكر. (بدون تاريخ طبع، وبدون ناشر) .(3/489)
106- رسالة في الرد على الرافضة.
لأبي حامد محمد المقدسي (ت 888هـ) . تحقيق: عبد الوهاب خليل الرحمن - نشر الدار السلفية، الهند، ط1، 1403هـ.
107- الرفع والتكميل في الجرح والتعديل.
لمحمد بن عبد الحي اللكنوي (ت 1304هـ) . تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة - نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا، ط3، 1407هـ.
108- الروح.
لابن القيم. نشر مكتبة المدني، جدة، السعودية.
109- الروض الأنف في شرح السيرة النبوية.
لعبد الرحمن السهيلي (ت 581هـ) . تحقيق: عبد الرحمن الوكيل - نشر دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1390هـ.
110- روضة المحبين ونزهة المشتاقين.
لابن القيم. تحقيق: د/ السيد الجميلي - نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1407هـ.(3/490)
111- رياض الصالحين.
للنووي، محيي الدين، يحيى بن شرف (ت676هـ) . تحقيق: عبد العزيز رباح وأحمد الدقاق - نشر دار المأمون للتراث، بيروت، ط2.
112- زاد المعاد في هدي خير العباد.
لابن القيم. تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عبد القادر الأرنؤوط - نشر مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار، ط3، 1406هـ.
113 - سبل السلام شرح بلوغ المرام.
للصنعاني، محمد بن إسماعيل الأمير (ت 1182هـ) . تحقيق: محمد عبد العزيز الخولي - نشر دار الجيل، 1400هـ.
114- سلسلة الأحاديث الصحيحة.
لمحمد ناصر الدين الألباني. نشر المكتب الإسلامي، ط2، 1399هـ.
115- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
لمحمد ناصر الدين الألباني. نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط4، 1398هـ.(3/491)
116- السلوك لمعرفة دول الملوك.
للمقريزي، أبي العباس، أحمد بن علي (ت 845هـ) . تحقيق: محمد مصطفى زيادة - نشر مطبعة لجنة التأليف والنشر والترجمة، القاهرة، ط1، 1958م.
117- السنن.
لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275هـ) . تحقيق: عزت عبيد الدعاس - نشر محمد علي السيد، حمص، سوريا، ط1، 1388هـ.
118- السنن.
لأبي عبد الله، محمد بن يزيد بن ماجه، القزويني (ت 275هـ) . تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي - نشر دار إحياء الكتب العربية.
119- السنن.
للإمام علي بن عمر الدارقطني (ت 358هـ) . نشر دار الفكر، بيروت. (معه: التعليق المغني) .
120- السنن.
لسعيد بن منصور (ت 227هـ) . تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ.
121- السنن الصغرى (المجتبى) .
للإمام أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) . نشر إحياء التراث العربي، بيروت.(3/492)
122- السنن الكبرى.
لأبي بكر، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458هـ) . نشر دار الفكر، بيروت.
123- السُّنَّة.
للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل - عن أبيه. تحقيق: أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ.
124- السُّنَّة.
لابن أبي عاصم، الضحاك بن مخلد الشيباني (ت 287هـ) . نشر المكتب الإسلامي، ط1، 1400هـ.
125- سؤالات الآجري أبا داود في الجرح والتعديل ج3.
تحقيق: محمد علي قاسم العمري - نشر المجلس العلمي، إحياء التراث الإسلامي، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط1، 1403هـ.
126- سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين.
لإبراهيم بن عبد الله الختلي (ت 260هـ) . تحقيق: د/ أحمد محمد نور سيف - نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة، ط1، 1408هـ.
127- سؤالات البرقاني للدارقطني.
تحقيق: د/ عبد الرحيم القشقري - نشر أحمد ميان تهانوي، لاهور، باكستان، ط1، 1404هـ.(3/493)
128- سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني.
تحقيق: د/ موفق بن عبد الله بن عبد القادر - نشر مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1404هـ.
129- سؤالات حمزة السهمي للدارقطني وغيره من المشايخ.
تحقيق: د/ موفق بن عبد الله - نشر مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1404هـ.
130- سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني في الجرح والتعديل.
تحقيق: د/ موفق بن عبد الله - نشر مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1404هـ.
131- سير أعلام النبلاء.
للحافظ أبي عبد الله الذهبي (ت 748هـ) . تحقيق: بشار عواد، وشعيب الأرنؤوط وغيرهما - نشر مؤسسة الرسالة ما بين سنة (1401 - 1405هـ) .
132- السيرة النبوية.
لابن هشام. تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي - القاهرة، ط2، 1375هـ.
133- شذرات الذهب في أخبار من ذهب.
لأبي الفلاح، عبد الحيِّ بن العماد (ت 1089هـ) . نشر المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت.(3/494)
134- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.
لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (ت 418هـ) .
تحقيق: د/ أحمد سعد حمدان - نشر دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض.
135- شرح ألفية العراقي.
للعراقي عبد الرحيم بن الحسين (ت 806هـ) . نشر دار الكتب العلمية، بيروت.
136- شرح السنة.
لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (ت 510هـ) .
تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير الشاويش - نشر المكتب الإسلامي، ط1، 1400هـ.
137- شرح صحيح مسلم.
للإمام النووي، محيي الدين، يحيى بن شرف (ت 676هـ) . نشر مكتبة الرياض الحديثة.
138- شرح علل الترمذي.
لزين الدين، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (ت 795هـ) . تحقيق: صبحي جاسم الحميد - نشر وزارة الأوقاف بالعراق.(3/495)
139- شرح معاني الآثار.
للطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة (ت 321هـ) . تحقيق: محمد زهري النجار - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1399هـ.
140- شرح المواهب اللدنية.
للزرقاني، محمد بن عبد الباقي بن يوسف (ت 1122هـ) . نشر دار المعرفة، بيروت، ط2، 1393هـ.
141- شرف أصحاب الحديث.
للخطيب البغدادي، أحمد بن علي بن ثابت (ت 463هـ) . تحقيق: محمد سعيد أوغلي - نشر دار إحياء السنة النبوية، أنقرة، تركيا.
142- الشريعة.
لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت 360هـ) . تحقيق: محمد حامد الفقي - نشر باكستان، حديث أكادمي، فيصل آباد، ط1، 1403هـ.
143- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.
لابن القيم. نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1407هـ.(3/496)
144- الشمائل المحمدية.
لأبي عيسى الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة (ت 279هـ) . تعليق: محمد عفيف الزعبي - نشر دار العلم للطباعة والنشر، جدة، ط1، 1403هـ.
145- صحيح ابن خزيمة.
لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311هـ) . تحقيق: د/ محمد مصطفى الأعظمي - نشر شركة الطباعة السعودية المحدودة، الرياض، ط2، 1401هـ.
146- صحيح البخاري.
لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ) . تصحيح: محب الدين الخطيب - نشر وتوزيع إدارة البحوث والإفتاء، الرياض (مطبوع مع فتح الباري) .
147- صحيح الجامع الصغير وزيادته.
للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي، ط1، 1388هـ.
148- صحيح سنن ابن ماجه.
لناصر الدين الألباني. نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1407هـ.(3/497)
149- صحيح مسلم.
لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261هـ) . تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي - توزيع إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، 1400هـ.
150- الصفات.
لعليّ بن عمر الدارقطني (ت 385هـ) . تحقيق: د/ علي بن محمد بن ناصر فقيهي - ط1، 1403هـ.
151- صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. نشر المكتب الإسلامي، ط8، 1397هـ.
152- الصلاة، وحكم تاركها.
لابن القيم. تحقيق: تيسير زعيتر - نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ.
153- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.
لابن القيم. تحقيق: د/ علي بن محمد الدخيل الله - نشر دار العاصمة، الرياض، ط1، 1408هـ. (قطعة منه في أربعة مجلدات) .(3/498)
154- الضعفاء الصغير.
لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ) . تحقيق: بوران الضناوي - نشر عالم الكتب، بيروت، ط1، 1404هـ.
155- الضعفاء الكبير.
لأبي جعفر، محمد بن عمرو بن موسى العقيلي (ت 322هـ) . تحقيق: عبد المعطي قلعجي - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1404هـ.
156- الضعفاء والمتروكين.
لأبي الحسن الدارقطني (ت 385هـ) . تحقيق: د/ موفق بن عبد الله بن عبد القادر - نشر مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1404هـ.
157- الضعفاء والمتروكين.
لأبي عبد الرحمن، أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) . تحقيق: محمود إبراهيم زايد - نشر دار الوعي، حلب.
158- الضعفاء والمتروكين.
لأبي الفرج بن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597هـ) .
تحقيق: عبد الله القاضي - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1406هـ.(3/499)
159- ضعيف الجامع الصغير وزيادته.
للشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني. نشر المكتب الإسلامي، ط2، 1399هـ.
160- ضعيف سنن ابن ماجه.
للشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني. نشر المكتب الإسلامي، ط1، 1408هـ.
161- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع.
لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902هـ) . نشر مكتبة الحياة، بيروت.
162- طبقات الحفاظ.
لجلال الدين السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) . مراجعة: لجنة من العلماء بإشراف الناشر - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ.
163- طبقات الشافعية.
لأبي بكر بن قاضي شهبة (ت 851هـ) . تحقيق: د/ عبد العليم خان - نشر مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند، ط1، 1398هـ.
164- الطبقات الكبرى.
لابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري (ت 230هـ) . نشر دار صادر، بيروت.(3/500)
- طبقات المدلسين = تعريف أهل التقديس.
165- طبقات المفسرين.
للداودي، محمد بن علي بن أحمد (ت 945هـ) . تحقيق: علي بن محمد عمر - نشر مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1392هـ.
166- طرح التثريب في شرح التقريب.
لأبي زرعة العراقي (ت 826هـ) . نشر دار المعارف، سوريا، حلب.
167- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.
لابن القيم. تحقيق: محمد حامد الفقي - نشر دار الكتب العلمية، بيروت.
168- طريق الهجرتين وباب السعادتين.
لابن القيم. تحقيق: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري - نشر إدارة الشؤون الدينية بدولة قطر، 1397هـ.
169- ظلال الجنة في تخريج السنة.
للشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني. نشر المكتب الإسلامي، ط1، 1400هـ.(3/501)
170- عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي.
لابن العربي المالكي (ت 543هـ) . نشر دار العلم للجميع، سوريا.
171- عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين.
لابن القيم. تحقيق: زكريا علي يوسف - نشر مطبعة الإمام، القاهرة.
172- العرش وما روي فيه.
لابن أبي شيبة، محمد بن عثمان العبسي (ت 297هـ) . تحقيق: محمد بن حمد الحمود - نشر مكتبة المعلا، الكويت، ط1، 1406هـ.
173- عشرة النساء.
للإمام النسائي، أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) . تحقيق: عمرو علي عمر - نشر مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1408هـ.
174- العصر المماليكي في مصر والشام.
للدكتور/ سعيد عاشور. نشر دار النهضة العربية، ط1، 1965م.(3/502)
175- العظمة.
لأبي الشيخ الأصبهاني، عبد الله بن محمد إدريس (ت 369هـ) . تحقيق: د/ رضاء الله بن محمد إدريس - نشر دار العاصمة، الرياض، ط1، 1408هـ.
176- العلل.
لابن المديني، علي بن عبد الله السعدي (ت 234هـ) . تحقيق: د/ محمد مصطفى الأعظمي - نشر المكتب الإسلامي، 1980م.
177- علل الترمذي الكبير.
لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279هـ) . ترتيب: أبي طالب القاضي.
تحقيق ودراسة: حمزة ديب مصطفى - نشر مكتبة الأقصى، عمان، الأردن، ط1، 1406هـ.
178- علل الحديث.
لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ) . نشر دار المعرفة، بيروت.
179- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.
لأبي الفرج بن الجوزي (ت 597هـ) . تحقيق: إرشاد الحق الأثري - نشر إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباد، باكستان، ط1، 1399هـ.(3/503)
180- العلل الواردة في الأحاديث النبوية.
للدارقطني، علي بن عمر (ت 385هـ) . تحقيق: د/ محفوظ الرحمن السلفي - نشر دار طيبة، الرياض، الأجزاء (1 - 7) ، ط1 (سنة 1405 - 1409هـ) .
181- العلل ومعرفة الرجال.
للإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) . تحقيق: د/ طلعت بيكيت، د/ إسماعيل أوغلي - نشر المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا، 1987م.
182- عمل اليوم والليلة.
للنسائي، أحمد بن شعيب (ت 303هـ) . تحقيق: د/ فاروق حمادة - نشر مؤسسة الرسالة، ط1، 1406هـ.
183- عمل اليوم والليلة.
لأبي بكر، أحمد بن محمد المعروف بـ "ابن السُّنِّي" (ت 364هـ) . تحقيق: بشير محمد عيون - نشر مكتبة دار البيان، دمشق، ط1، 1407هـ.
184- العلو للعليّ الغفار.
للذهبي (ت 748هـ) . تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان - نشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط2، 1388هـ.(3/504)
185- فتح الباري شرح صحيح البخاري.
لابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر (ت 852هـ) . توزيع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (انظر: صحيح البخاري) .
186- فتح المغيث شرح ألفية الحديث.
لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902هـ) . تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي - نشر مطبعة الأعظمي، الهند (ج1) .
187- الفتوحات الربانية على الأذكار النووية.
لمحمد بن علان الصديقي الشافعي (ت 1057هـ) . نشر جمعية النشر والتأليف الأزهرية، القاهرة، ط1، 1348هـ.
188- الفروسية.
لابن القيم. تحقيق: عزت العطار الحسيني - نشر دار الكتب العلمية، بيروت.
189- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال.
لأبي عبيد البكري. تحقيق: د/ إحسان عباس، د/ عبد المجيد عابدين - نشر دار الأمانة، مؤسسة الرسالة، 1391هـ.(3/505)
190- الفصل للوصل المدرج في النقل.
للخطيب البغدادي، أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت463هـ) . تحقيق: عبد السميع محمد الأنيس - نشر: دار ابن الجوزي - السعودية. ط1، 1418هـ - 1997م.
191- الفوائد.
لابن القيم. نشر المكتبة القيمة، القاهرة، ط1، 1400هـ.
192- فيض القدير شرح الجامع الصغير.
لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي. نشر دار المعرفة، بيروت، ط2 (مطبوع مع الجامع الصغير) .
193- القراءة خلف الإمام.
للبيهقي، أحمد بن الحسين بن علي (ت 458هـ) . تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد زغلول - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ.
194- قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث.
لمحمد جمال الدين القاسمي. تحقيق: محمد بهجة البيطار - نشر دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.(3/506)
195- القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع.
لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902هـ) . نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ.
196- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة.
للذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) . مراجعة: لجنة بإشراف الناشر - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ.
197- الكامل في ضعفاء الرجال.
لابن عدي، أحمد بن عبد الله الجُرْجَاني (ت 365هـ) . تحقيق: لجنة بإشراف الناشر - نشر دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ (وط 3، 1409هـ) .
198- كشف الأستار عن زوائد البزار.
لنور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807هـ) . تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي - نشر مؤسسة الرسالة، ط2، 1404هـ.
199- الكفاية في علم الرواية.
للخطيب البغدادي (ت 463هـ) . تحقيق: محمد الحافظ التيجاني - نشر دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط1.(3/507)
200- كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع.
للهيثمي، أحمد بن محمد بن علي بن حجر المكي (ت 974هـ) . تحقيق: محمد عبد القادر عطا - نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1406هـ.
201- الكلام على مسألة السماع.
لابن القيم. تحقيق: راشد بن عبد العزيز الحمد - نشر دار العاصمة، الرياض، ط1، 1409هـ.
202- الكنى والأسماء.
للدولابي، محمد بن أحمد بن حماد (ت 310هـ) . نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1403هـ.
203- الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات.
لمحمد بن أحمد المعروف بابن الكيال (ت 939هـ) . تحقيق: عبد القيوم عبد رب النبيِّ - نشر المجلس العلمي بجامعة أم القرى، مكة، 1401هـ.
204- لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ.
لتقي الدين محمد بن فهد المكي (ت 871هـ) . نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.(3/508)
205- لسان العرب.
لابن منظور (ت 711هـ) . تحقيق: عبد الله علي الكبير، ومحمد أحمد حسب الله، وهشام محمد الشاذلي - نشر دار المعارف، القاهرة.
206- لسان الميزان.
لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . نشر مؤسسة الأعظمي للمطبوعات، بيروت، ط2، 1390هـ.
207- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين.
لمحمد بن حبان البستي (ت 354هـ) . تحقيق: محمود إبراهيم زايد - نشر دار المعرفة، بيروت.
208- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد.
لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807هـ) . نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1402هـ.
209- المجموع شرح المهذب.
للنووي، يحيى بن شرف (ت 676هـ) . تحقيق: محمد نجيب المطيعي - نشر مكتبة الإرشاد، جدة، السعودية.(3/509)
210- مجموع الفتاوى.
لشيخ الإسلام ابن تيمية. جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد العاصمي النجدي، وولده محمد - طبعة الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين.
211- المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث.
لأبي موسى المديني (ت 581هـ) . تحقيق: عبد الكريم الغرباوي - من مطبوعات مركز البحث العلمي، بجامعة أم القرى، ط1، 1406هـ.
212- الْمُحَلَّى.
لابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد (ت 456هـ) . نسخة مقابلة على نسخة الشيخ/ أحمد شاكر - نشر المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت.
213- مختار الصحاح.
لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت 666هـ) . نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1967م.
214- مختصر سنن أبي داود.
للمنذري، محمد بن عبد العظيم بن عبد القوي (ت 656هـ) . تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي - نشر دار المعرفة، بيروت.(3/510)
215- مختصر (الشمائل المحمدية) - للترمذي.
اختصره: الشيخ الألباني. نشر المكتبة الإسلامية، عمان - الأردن، ط1، 1405هـ.
216- مختصر (الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة) - لابن القيم.
اختصره: محمد الموصلي. نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ.
217- مختصر طبقات الحنابلة.
للشطي، محمد بن عمر بن محمد (ت 1379هـ) . نشر دمشق، 1339هـ.
218- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
لابن القيم. مراجعة: لجنة من العلماء بإشراف الناشر - نشر دار الكتب العلمية، ط1، 1403هـ.
219- مدينة دمشق - دراسة في جغرافية المدن.
للدكتور/ صفوح خير. من منشورات وزارة الثقافة والسياحة - سوريا، 1969م.
220- المراسيل.
لأبي داود السجستاني (ت 275هـ) . تحقيق: شعيب الأرنؤوط - نشر مؤسسة الرسالة، ط1، 1408هـ.(3/511)
221- المراسيل.
لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327هـ) . تحقيق: شكر الله نعمة الله قوجاني - نشر مؤسسة الرسالة، 1397هـ.
222- مسائل الإمام أحمد بن حنبل - رواية ابنه عبد الله.
تحقيق: علي سليمان المهنا - نشر مكتبة الدار، المدينة المنورة، ط1، 1406هـ.
223- المستدرك على الصحيحين.
لأبي عبد الله الحاكم، محمد بن محمد (ت 405هـ) . نشر دار الكتاب العربي، بيروت.
224- المسند.
للإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) . نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1398هـ.
225- المسند.
للإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) . تحقيق: أحمد محمد شاكر - نشر دار المعارف، القاهرة، ط4، 1373هـ.
226- مسند أبي عوانة.
ليعقوب بن إسحاق الإسفراييني (ت 310هـ) . طبع دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند، 1362هـ.(3/512)
227- مسند إسحاق بن راهويه (مسند أم المؤمنين عائشة) .
لابن راهويه، إسحاق بن إبراهيم بن مخلد (ت 238هـ) . تحقيق د/ عبد الغفور البلوشي.
نشر مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، ط1، 1410هـ (ج2 - 3) .
228- مسند البزار.
لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق: د/ محفوظ الرحمن زين الله - نشر مؤسسة علوم القرآن، بيروت، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط1، 1409هـ (الأجزاء 1 - 9) .
229- مسند الدارمي.
لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255هـ) . تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني - نشر السنة، ملتان، باكستان.
230- مسند أبي داود الطيالسي.
لسليمان بن داود (ت 204هـ) . نشر دار المعرفة، بيروت.
231- مسند الشافعي.
نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1400هـ.
232- مسند أبي يعلى الموصلي.
لأحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت 307هـ) . تحقيق: حسين سليم أسد - نشر دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، ط1 (1404هـ إلى 1409هـ) .(3/513)
233- مشكاة المصابيح.
لمحمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، توفي بعد (737هـ) . تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني - نشر المكتب الإسلامي، ط2، 1399هـ
234- مصابيح السنة.
للبغوي، أبي محمد، الحسين بن مسعود الفراء (ت 516هـ) . نشر مطبعة بولاق، القاهرة، تم طبعه 1294هـ.
235- مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه.
أحمد بن أبي بكر، شهاب الدين البوصيري (ت 840هـ) . تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي - نشر الدار العربية للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1402هـ.
236- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير.
لأحمد بن محمد بن علي الفيومي (ت 770هـ) . نشر المكتبة العلمية، بيروت.
237- المصنف.
لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت 335هـ) . تحقيق: عبد الخالق الأفغاني - نشر الدار السلفية، بمباي، الهند، 1399هـ.
238- المصنف.
لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211هـ) . تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي - 1390هـ.(3/514)
239- معالم السنن.
لأبي سليمان الخطابي (ت 388هـ) . تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي - نشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت (مطبوع مع مختصر المنذري، وتهذيب ابن القيم) .
240- معالم وأعلام في بلاد العرب.
لأحمد قدامة. دمشق، سوريا، 1385هـ.
241- المعجم الأوسط.
للحافظ أبي القاسم الطبراني، سليمان بن أحمد (ت 360هـ) . تحقيق: محمود الطحان - نشر مكتبة المعارف، الرياض (الأجزاء 1 - 3) ط1 (1405 - 1407هـ) .
242- معجم البلدان.
لياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626هـ) . نشر دار صادر، دار بيروت، بيروت.
243- معجم الشيوخ - المعجم الكبير.
لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748هـ) . تحقيق: د/ محمد الحبيب الهيلة - نشر مكتبة الصديق، الطائف، السعودية، ط1، 1408هـ.(3/515)
244- المعجم الصغير.
لأبي القاسم الطبراني، سليمان بن أحمد (ت 360هـ) . نشر دار الكتب العلمية، 1403هـ.
245- المعجم الكبير.
لأبي القاسم الطبراني، سليمان بن أحمد (ت 360هـ) . تحقيق: حمدي السلفي - نشر الدار العربية للطباعة والنشر، ط1، (ما بين 1978م - 1983م) .
246- المعجم المختص بالمحدثين.
للذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) . تحقيق: د/ محمد الحبيب الهيلة - نشر مكتبة الصديق، الطائف، السعودية، ط1، 1408هـ.
247- معرفة علوم الحديث.
لأبي عبد الله الحاكم، محمد بن محمد (ت 405هـ) . تحقيق: معظم حسين - نشر دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط2، 1397هـ.
248- المعرفة والتاريخ.
لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277هـ) . تحقيق: د/ أكرم ضياء العمري - نشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1401هـ.(3/516)
249- المغني في الضعفاء.
للحافظ شمس الدين الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) .
تحقيق: د/ نور الدين عتر.
250- مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة.
لابن القيم. تحقيق: فكري أبي النصر - نشر دار الكتب العلمية، بيروت.
251- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة.
للسخاوي، محمد بن عبد الرحمن (ت 902هـ) . تحقيق: محمد عثمان الخشت - دار الكتاب العربي، بيروت، 1405هـ.
252- مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث.
لأبي عمرو، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (ت 643هـ) . نشر دار الكتب العلمية، بيروت، 1398هـ.
253- منادمة الأطلال ومسامرة الخيال.
لعبد القادر بدران (ت 1346هـ) . نشر المكتب الإسلامي، دمشق.
254- من كلام أبي زكريا بن معين في الرجال رواية أبي خالد الدقاق:
تحقيق: د/ أحمد نور سيف - نشر دار المأمون للتراث، ط1.(3/517)
255- المنار المنيف في الصحيح والضعيف.
لابن القيم. تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة - نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا، ط2، 1402هـ.
256- المنتقى.
لابن الجارود، عبد الله بن علي (ت 307هـ) . نشر حديث أكادمي، فيصل آباد، باكستان، 1403هـ.
257- المهذب في اختصار (السنن الكبير) للبيهقي.
اختصره: الذهبي (ت 748هـ) . تحقيق: حامد إبراهيم أحمد، ومحمد حسين العقبي، وزكريا علي يوسف، مطبعة الإمام - القاهرة.
258- موضح أوهام الجمع والتفريق.
لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463هـ) . نشر دار الكتب العلمية، بيروت (مصورة عن طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند) 1378هـ.
259- الموضوعات من الأحاديث المرفوعات.
لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت 597هـ) . تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان - نشر المكتبة السلفية، السعودية، المدينة المنورة، ط1، 1386هـ.(3/518)
260- موطأ مالك.
تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي - نشر دار إحياء التراث العربي.
261- الموقظة في علم مصطلح الحديث.
للذهبي (ت 748هـ) . تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة - نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، سوريا، حلب، ط1، 1405هـ.
262- ميزان الاعتدال في نقد الرجال.
لأبي عبد الله الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) . تحقيق: علي محمد البجاوي - نشر دار المعرفة، بيروت، 1382هـ.
263- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة.
لابن تغري بردي (ت 874هـ) . نشر المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة
264- نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر.
لابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (ت 852هـ) . نشر المكتبة العلمية، بيروت (ومعه: نزهة النظر) .
265- نزهة النظر شرح نخبة الفكر.
لابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي. انظر: (نخبة الفكر) .(3/519)
266- النزول.
لعلي بن عمر الدارقطني (ت 385هـ) . تحقيق: د/ علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، ط1، 1403هـ.
267- نصب الراية لأحاديث الهداية.
للزيلعي عبد الله بن يوسف (ت 762هـ) . تصحيح: إدارة المجلس العلمي - نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1393هـ.
268- النكت على كتاب ابن الصلاح.
لابن حجر العسقلاني. تحقيق: د/ ربيع بن هادي المدخلي - نشر المجلس الأعلى لإحياء التراث، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1404هـ.
269- النهاية في غريب الحديث.
لابن الأثير المبارك بن محمد (ت 606هـ) . تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود الطناحي - نشر المكتبة الإسلامية.
270- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار.
للشوكاني، محمد بن علي (ت 1255هـ) . نشر دار الجيل، بيروت، 1973م.
271- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.
لابن القيم. نشر الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1396هـ(3/520)
272- هدي الساري مقدمة فتح الباري.
لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . تحقيق: الشيخ عبد العزيز بن باز - نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية بالسعودية.
273- الوابل الصيب من الكلم الطيب.
لابن القيم. تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - نشر مكتبة دار البيان، دمشق، ط2، 1399هـ.
274- الوافي بالوفيات.
للصفدي، خليل بن أيبك (ت 764هـ) . تحقيق: س. ديد رينغ - نشر فرانز شتاير، 1394هـ.
275- الوفيات.
لتقي الدين أبي المعالي محمد بن رافع السلامي (ت 774هـ) . تحقيق: صالح مهدي عباس - نشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1402هـ.(3/521)
المخطوطات
276- البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير.
لابن الملقن، عمر بن علي (ت 804هـ) .
نسخة محفوظة بمكتبة المخطوطات، الجامعة الإسلامية، تحت رقم (2247، 2248) ، ومصورة عن المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة. (أربعة أجزاء في مجلدين) .
277- العلل الواردة في الأحاديث النبوية.
لأبي الحسن، علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني (ت 385هـ) .
نسخة بالمكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية تحت رقم (217 - 223) ، ومصورة عن "دار الكتب المصرية". وتقع في خمس مجلدات.
278- فوائد في الكلام على حديث الغمامة، وحديث الغزالة
لابن القيم.
نسخة محفوظة بمكتبة الشيخ حماد الأنصاري باسم: (رسالة في الأحاديث الموضوعة) ، مصورة عن نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق، تحت رقم (5485) ق 100/1 - 117/2) .(3/522)
279- المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي.
لابن تغري بردي، أبي المحاسن، يوسف بن تغري بردي (ت874هـ) .
نسخة محفوظة في مكتبة عارف حكمت، بالمدينة المنورة، 3 مجلدات. رقم عام: (3983 - 3985) ، رقم التصنيف: (237/900 - 239/900) .(3/523)