الصَّدْرِ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَسَنِ ابْنِ العَجَمِيّ الحَلَبِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَابْن طَبَرْزَذَ.
رَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيُّ، وَالبَدرُ ابْنُ التُّوْزِيِّ، وَالكَمَالُ إِسْحَاقُ ابْنُ النَّحَّاسِ، وَحَفِيْدَاهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنَا مُحَمَّدِ ابْنِ العَجَمِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
تلفَ بِعذابِ التَّتَار عَلَى المَالِ، فِي صَفَرٍ (1) ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً (2) ، ضَربوهُ وَصبُّوا عَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ مَاءً بَارِداً فَتَشَنَّج وَمَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ-.
248 - القَزْوِيْنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ القَزْوِيْنِيُّ الأَصْلِ، ثُمَّ الحَلَبِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ 572.
وَسَمِعَ أَجزَاء مِنْ يَحْيَى الثَّقَفِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيُّ، وَالعِمَادُ ابْنُ البَالِسِيِّ، وَقَاضِي حَمَاةَ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ العَدِيْم، وَإِسْحَاقُ الأَسَدِيّ، وَالتَّاجُ صَالِحٌ الفَرَضِيّ، وَحَفِيْدُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) في صلة التكملة وفي تاريخ الإسلام انه توفي في الرابع والعشرين منه.
(2) في صلة التكملة أنه ولد في سنة تسع وستين وخمس مئة.
(*) صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني الورقة 53، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 187، العبر للذهبي: 5 / 250، شذرات الذهب 5 / 295.(23/349)
مَاتَ: بِحَلَبَ، بَعْد الكَائِنَةِ الكُبْرَى فِي أَوَائِل رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
249 - لاَحِقٌ أَبُو الكَرَمِ لاَحِقُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ *
الشَّيْخُ، أَبُو الكَرَمِ لاَحِقُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ قَاسمِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمْدٍ (1) الأَنْصَارِيُّ، الأَرتَاحِيُّ الأَصْلِ، المِصْرِيُّ، اللَّبَّانُ، الحَرِيْرِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ (2) وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَرَّد بِإِجَازَةِ المُبَارَكِ بن عَلِيٍّ ابْن الطّبّاخِ، فَرَوَى بِهَا (دَلاَئِلَ النُّبُوَّةِ) لِلْبَيْهَقِيِّ، وَسَمِعَ مِنْ عَمِّ جدِّه مُحَمَّدِ بن حَمْدٍ الأَرتَاحِيِّ.
وَكَانَ صَالِحاً مُتَعَفِّفاً.
رَوَى عَنْهُ: الحُفَّاظ المُنْذِرِيُّ، وَالرَّشِيْدُ العَطَّارُ، وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَعَلَم الدِّيْنِ الدوَادَارِيّ، وَيُوْسُفُ بنُ عُمَرَ الخُتَنِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ يُوْسُفَ ابْن الصّنَّاج، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى (3) الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ وَمائَةٍ، وَآخِرُ أصْحَابِهِ مَوْتاً أَبُو بَكْرٍ بنُ يُوْسُفَ الصّنَاجُ.
__________
(*) صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني الورقة 55، تاريخ الإسلام، الورقة: 188 (أيا صوفيا 3013) ، والعبر: 5 / 251، حسن المحاضرة للسيوطي: 1 / 379 الترجمة 78، شذرات الذهب: 5 / 296.
(1) زاد في صلة التكملة: بن حامد بن مفرج بن غياث الأنصاري..
(2) في الأصل: " بعد التسعين " مصحف، فقد ذكر المؤلف في تاريخ الإسلام بخطه انه ولد في حدود سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة، وفي " صلة التكملة " انه ولد في سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة أيضا.
(3) في صلة التكملة انه توفي في ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة.(23/350)
250 - ابْنُ عَمِّهِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ حَامِدِ بنِ أَحْمَدَ الأَرتَاحِيُّ *
الإِمَامُ، المُقرِئُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ حَامِدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمْدِ بنِ حَامِدٍ (1) الأَرتَاحِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ (2) وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدِّهِ لأُمِّهِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ يَاسِيْنَ، وَهِبَةِ اللهِ البُوْصِيْرِيّ، وَعِدَّةٍ.
وَلاَزَمَ الحَافِظَ عَبْدَ الغَنِيِّ وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَأَقَرَأَ القُرْآنَ.
رَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيُّ، وَالدوَادَارِيُّ، وَالشَّيْخُ شَعْبَانُ، وَيُوْسُفُ بنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ الصّعبِيُّ.
تُوُفِّيَ: فِي رَجَبٍ (3) ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
251 - الشَّارعِيُّ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ مَكِّيِّ بنِ عُثْمَانَ **
الإِمَامُ، العَالِمُ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ ابنُ أَبِي الحرمِ مَكِّيِّ بنِ
__________
(*) الصحيح انه ابن عم أبيه، انظر ترجمته في صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني الورقة 60، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 188، العبر 5 / 253، الوافي بالوفيات: 6 / 300 الترجمة 2801، ذيل طبقات الحنابلة: 2 / 273 الترجمة 384، المنهل الصافي: 1 / 244 الترجمة 136، حسن المحاضرة: 1 / 379 الترجمة 79، شذرات الذهب: 5 / 297.
(1) في صلة التكملة وتاريخ الإسلام وذيل طبقات الحنابلة: حامد بن مفرج، وقد حذف صاحب الوفيات والمنهل الصافي (حامدا) ووضع بدله (مفرجا) .
(2) في صلة التكملة انه ولد في التاسع عشر من ذي القعدة سنة اربع وسبعين وخمس مئة، وفي المطبوع من المنهل الصافي انه ولد سنة اربع وخمسين وخمس مئة.
(3) في صلة التكملة وتاريخ الإسلام وذيل طبقات الحنابلة انه توفي في الرابع عشر من رجب.
(* *) تكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني: 226 - 227، صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني االورقة 59، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 191، العبر: 5 / =(23/351)
عُثْمَانَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (1) بن إِبْرَاهِيْمَ (2) بنِ شَبِيْبٍ السَّعْدِيُّ، المِصْرِيُّ، الشَّارعِيُّ، الوَاعِظُ.
وُلِدَ (3) : سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَقَاسمِ بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ يَاسِيْنَ، وَهِبَةِ اللهِ البُوْصِيْرِيِّ، وَخَلْقٍ، فَأَكْثَرَ، وَعُنِي بِالحَدِيْثِ وَالعِلْمِ، وَشَاركَ فِي الفَضَائِلِ مَعَ التَّقْوَى وَحُسن التَّذكِيْرِ وَسعَةِ المَحْفُوْظِ، وَكَانَ رَأْساً فِي مَعْرِفَةِ الوَقْتِ.
حَدَّثَ هُوَ أَبُوْهُ وَجدُّهُ وَإِخْوَتُه وَذُرِّيَتُهُ.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ (4) الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الدُّوَادَارِيُّ، وَابْنُ الظَّاهِرِيّ، وَشَعْبَانُ الإِرْبِلِيُّ، وَآخَرُوْنَ، آخرهُم نَافلتُه المُتَوْفَّى سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ.
252 - ابْنُ دِرْبَاسٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عِيْسَى المَارَانِيُّ *
الإِمَامُ، القَاضِي، كَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ ابْنُ قَاضِي القُضَاةِ صَدرِ
__________
= 254، النجوم الزاهرة: 7 / 205، شذرات الذهب: 5 / 298 وهو منسوب إلى " الشارع " ظاهر القاهرة.
(1) سقط اسم (اسماعيل) من سلسلة نسبه في تكملة الكمال الإكمال ومن تذكرة الحفاظ 4 / 1452.
(2) الزيادة من صلة التكملة ومن تاريخ الإسلام وتذكرة الحفاظ.
(3) في صلة التكملة: ولد في الرابع والعشرين من محرم.
(4) ذكر ابن الصابوني انه توفي بكرة يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ربيع الآخر، وذكر الحسيني والذهبي في تاريخ الإسلام انه توفي في الخامس والعشرين منه.
(*) عقود الجمان في شعراء هذا الزمان لابن الشعار الموصلي (نسخة أسعد أفندي 2328) ج 7 الورقة 195 ب، صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني الورقة 61، ذيل مرآة الزمان =(23/352)
الدِّيْنِ عَبْدِ المَلِكِ بن عِيْسَى بنِ دِرْبَاس المَارَانِيّ، المِصْرِيّ، الشَّافِعِيّ، الضّرِيرُ، المُعَدَّلُ.
وُلِدَ (1) : سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَالبُوْصِيْرِيَّ، وَالأَرتَاحِيَّ، وَالقَاسِمَ ابنَ عَسَاكِرَ، وَأَبَا الجُودِ، وَجَمَاعَةً.
وَأَجَازَ لَهُ السِّلَفِيُّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَعَلَمُ الدِّيْنِ الدُّوَادَارِيُّ، وَالشَّيْخُ شَعْبَانُ الإِرْبِلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنُ الظَّاهِرِيِّ، وَالمِصْرِيُّونَ.
وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ المَشَايِخِ.
دَرَّسَ، وَأَفتَى، وَأَشغلَ، وَنَظَمَ الشِّعْرَ، وَجَالَسَ المُلُوْكَ.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ (2) ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
253 - العِزُّ الضَّرِيرُ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ نَجَا الإِرْبِلِيُّ *
العَلاَّمَةُ المُتَفَنِّنُ، الفَيْلَسُوْفُ، الأُصُوْلِيُّ، عِزُّ الدِّيْنِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ
__________
= لليونيني: 1 / 472، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 183، العبر: 5 / 256، الوافي بالوفيات 4 / 43 الترجمة 1499، النجوم الزاهرة: 7 / 205، شذرات الذهب: 5 / 299.
(1) في صلة التكملة: ولد في ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، وحدد اليونيني ولادته في الذيل بأنها ليلة الثلاثاء، ولكن محقق الذيل اختار نسخة مخطوءة إذ ثبت ولادته في الثاني والعشرين من ربيع الأول وترك النسخة الصحيحة التي تنص على ان ولادته في الثاني عشر إذ ثبتها في الهامش، فليلاحظ ذلك.
(2) ذكر الحسيني في صلة التكملة والذهبي في تاريخ الإسلام ان وفاته كانت في الخامس من شوال، وحدد اليونيني وفاته بأنها كانت سحر يوم السبت.
(*) ذيل الروضتين 216، ذيل مرآة الزمان لليونيني: 1 / 501 - 504، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 197، العبر: 5 / 259 - 260، فوات الوفيات 1 / 362 - 365 الترجمة 131، عيون التواريخ 20 / 268 - 272، البداية والنهاية 13 / 235، النجوم الزاهرة: 7 / 207 - 208، بغية الوعاة للسيوطي: 1 / 518 - 519 الترجمة 1074، نكت الهميان: 143، شذرات الذهب: 5 / 301.(23/353)
بنِ نَجَا الإِرْبِلِيُّ، الضّرِيرُ، الرَّافضِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
كَانَ بَاهِراً فِي عُلُوْمِ الأَوَائِلِ.
أَقرَأَ فِي بَيْتِهِ مُدَّةً، وَكَانَ يُقْرِئُ الفَلاَسِفَةَ وَالمُسْلِمِيْنَ وَالذِمَّةَ، وَلَهُ هَيْبَةٌ وَصَوْلَةٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخِلُّ بِالصَّلَوَاتِ، وَطَوِيَّتُهُ خبيثَةٌ، وَكَانَ قَذِراً، لاَ يَتوقَّى النّجَاسَات، ابْتُلِيَ بِأَمْرَاضٍ وَعُمِّرَ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذكيَاءِ.
مَاتَ (1) : سَنَةَ سِتِّيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً (2) .
254 - الإِرْبِلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحُسَيْنِ *
العَلاَّمَةُ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحُسَيْنِ الهَذَبَانِيّ، الإِرْبِلِيّ، الشَّافِعِيّ، اللُّغَوِيّ.
وُلِدَ: بِإِرْبِلَ، سَنَةَ (3) 568.
وَقَدِمَ دِمَشْقَ، فَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ: الخُشُوْعِيِّ، وَعَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، وَحَنْبَلٍ، وَالكِنْدِيّ، وَعِدَّةٍ.
وَبِبَغْدَادَ مِنَ: الفَتْحِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَجَمَاعَةٍ.
__________
(1) ذكر اليونيني وأبو شامة انه توفي في أواخر ربيع الآخر واقتصر غيرهما على ذكر الشهر فقط.
(2) ذكر اليونيني في الذيل والذهبي في التاريخ انه ولد في سنة ست وثمانين وخمس مئة.
(*) ذيل الروضتين: 201، صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني الورقة 41، ذيل مرآة الزمان 1 / 125 - 126، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 149، العبر: 5 / 228، الوافي بالوفيات: 12 / 318 الترجمة 296، عيون التواريخ 20 / 168، بغية الوعاة 1 / 528 الترجمة 1096، شذرات الذهب: 5 / 274، واضافوا في نسبته (الكوراني) .
(3) في صلة التكملة وذيل مرآة الزمان والبغية ان مولده كان في يوم الاثنين السابع عشر من ربيع الأول. وفي عيون التواريخ انه ولد في سابع ذي القعدة.(23/354)
وَكَانَ رَأْساً فِي الآدَابِ، يَحفظُ (دِيْوَانَ المتنبِي) وَ (خُطَبَ ابْنِ نُبَاتَةَ) ، وَ (المَقَامَاتِ) وَيدرِيهَا وَيَحلّهَا، وَكَانَ ثِقَةً خَيِّراً، تَخَرَّج بِهِ الفُضَلاَءُ.
وَرَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الزَّرَّادِ، وَقُطْبُ الدِّيْنِ ابْنُ اليُونِينِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي ثَانِي (1) ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
255 - البَهَاءُ زُهَيْرٌ أَبُو العَلاَءِ زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَزْدِيُّ *
الصَّاحِبُ الأَوْحَدُ، بَهَاءُ الدِّيْنِ، أَبُو العَلاَءِ زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَزْدِيُّ، المُهَلَّبِيُّ، المَكِّيُّ، ثُمَّ القُوْصِيُّ، الكَاتِبُ.
لَهُ (دِيْوَانٌ) مَشْهُوْرٌ، وَشعرٌ رَائِقٌ.
مَوْلِدُهُ (2) : سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيِّ بن أَبِي الكَرَمِ البنَّاءِ.
كَتَبَ الإِنشَاءَ لِلسُّلْطَانِ الملكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّيْنِ، ثُمَّ فِي الآخِرِ
__________
(1) في ذيل مرآة الزمان انه توفي في عصر يوم الجمعة واكتفى السيوطي في البلغة بذكر اليوم فقط وهو يوم الجمعة، وذكر أبو شامة في ذيل الروضتين انه توفي في ثالث ذي القعدة.
(*) ذيل الروضتين: 201، وفيات الأعيان: 2 / 332 - 338، صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني الورقة 42، ذيل مرآة لليونيني: 1 / 184 - 197، تاريخ الإسلام للذهبي: (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 153 - 154، دول الإسلام: 2 / 121، العبر: 5 / 230، عيون التواريخ: 20 / 179 - 188، البداية والنهاية: 13 / 211 - 212، السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي: ج 1 قسم 2 ص 413، النجوم الزاهرة 7 / 62 - 63، حسن المحاضرة: 1 / 567 الترجمة: 30، شذرات الذهب: 5 / 276 - 277، وقد أشار كحالة في معجم المؤلفين 4 / 187، والزركلي في الاعلام (ط 4) 3 / 52 إلى مصادر أخري قديمة وحديثة.
(2) نقل ابن خلكان عن البهاء زهير أنه ولد في خامس ذي الحجة، وذكر الحسيني أنه ولد في ليلة الخامس من ذي الحجة.(23/355)
أَبْعَدَهُ السُّلْطَانُ، فَوَفَدَ عَلَى صَاحِبِ حَلَب الملكِ النَّاصِرِ، ثُمَّ فِي آخِرِ أَمرِهِ افْتقر، وَبَاعَ كُتُبَهُ، وَكَانَ ذَا مَكَارِمَ وَأَخلاَقٍ.
تُوُفِّيَ (1) : سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي ذِي القَعْدَةِ.
256 - المَلِكُ الرَّحِيْمُ أَبُو الفَضَائِلِ لُؤْلُؤٌ الأَرْمَنِيُّ النُّوْرِيُّ الأَتَابَكِيُّ *
السُّلْطَانُ، بَدْرُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَضَائِلِ لُؤْلُؤ الأَرْمَنِيُّ، النُّوْرِيُّ، الأَتَابَكِيُّ، مَمْلُوْكُ السُّلْطَانِ نُوْرِ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن شَاه ابْنِ السُّلْطَانِ عِزّ الدِّيْنِ مَسْعُوْدِ بن مَوْدُوْدِ بنِ زِنْكِي بنِ أَقسُنْقُر صَاحِبِ المَوْصِلِ.
كَانَ مِنْ أَعزِّ مَمَالِيْكِ نُوْرِ الدِّيْنِ عَلَيْهِ، وَصَيَّرَهُ أُسْتَاذ دَارهِ وَأَمَّرَهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، تَملَّك ابْنُه القَاهِرُ، وَفِي سَنَةِ وَفَاةِ الملكِ العَادلِ سلطنَ القَاهِرُ عزُّ الدِّيْنِ مَسْعُوْدٌ وَلَدَهُ، ومَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ- فَنَهَضَ لُؤْلُؤٌ بِتَدبِيرِ المَمْلَكَةِ، وَالصَّبِيُّ وأَخوَه صُوْرَةٌ، وَهُمَا ابْنَا بِنْتِ مُظَفَّر الدِّيْنِ صَاحِبِ إِرْبِلَ، أقَامَهُمَا لُؤْلُؤ وَاحِداً بَعْد وَاحِدٍ، ثُم تَسَلطنَ هُو فِي سَنةِ ثَلاثينَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً حَازِماً مُدَبِّراً سَائِساً جَبَّاراً ظلُوْماً، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى الرَّعِيَّةِ، فِيْهِ كَرمٌ وَرِئَاسَةٌ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الرِّجَالِ شَكْلاً، وَكَانَ يَبذُلُ لِلْقُصَّادِ وَيُدَارِي وَيَتحرَّزُ وَيُصَانِعُ التَّتَارُ وَمُلُوْكَ الإِسْلاَمِ، وَكَانَ عَظِيْم
__________
(1) ذكر ابن خلكان أن البهاء زهيرا توفي قبيل المغرب يوم الأحد رابع ذي القعدة، وذكر الحسيني أنه توفي في عشية الخامس منه، أما اليونيني فقد ذكر أنه توفي قبل المغرب من يوم الأحد رابع ذي القعدة قال: وقيل: خامسه.
(*) سيرته مشهورة في الكتب التي تناولت تاريخ هذه الحقبة منها: ذيل الروضتين: 203، كنز الدرر وجامع الغرر للداوداري: 8 / 44، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 171، دول الإسلام: 2 / 122، العبر 5 / 240، عيون التواريخ: 20 / 216 مرآة الجنان: 4 / 148، البداية والنهاية: 13 / 213، النجوم الزاهرة: 7 / 70، شذرات الذهب: 5 / 289.(23/356)
الهَيْبَةِ، خَلِيْقاً لِلإِمَارَةِ.
قَتَلَ عِدَّةَ أُمَرَاءٍ، وَقَطَعَ وَشَنَقَ وَهَذَّبَ مَمَالِك الجَزِيْرَةِ، وَكَانَ النَّاسُ يَتغَالَوْنَ وَيُسمَّونَه قَضِيبَ الذَّهَبِ، وَكَانَ كَثِيْرَ البحثِ عَنْ أَحْوَال رَعِيَّتِهِ، عَاشَ قَرِيْباً مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَوجهُهُ مُورَّدٌ وَقَامَتُهُ حَسَنَةٌ، يظنُّه مَنْ يَرَاهُ كَهْلاً، وَكَانَ يَحتفل لِعِيد الشّعَانِيْنَ لبقَايَا فِيْهِ مِنْ شعَار أَهْلِه، فَيمدّ سِمَاطاً عَظِيْماً إِلَى الغَايَةِ، وَيُحضر المغَانِي، وَفِي غُضونِ ذَلِكَ أَوَانِي الخُمُوْر، فَيفرح وَيَنثر الذَّهَبَ مِنَ القَلْعَةِ، وَيَتخَاطَفَهُ الرِّجَالُ، فَمُقِتَ لإِحيَاءِ شِعَارِ النَّصَارَى، وَقِيْلَ فِيْهِ:
يُعَظِّمُ أَعيَادَ النَّصَارَى مَحَبَّةً ... وَيَزْعُمُ أَنَّ اللهَ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمِ
إِذَا نبَّهته نَخوَةٌ أَرِيحيَّةٌ ... إِلَى المَجْدِ قَالَتْ: أَرْمَنِيَّتُهُ: نَمِ
وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَارَ إِلَى خدمَةِ هُولاَكو، وَتَلَطَّفَ بِهِ، وَقَدَّمَ تُحَفاً جَلِيْلَةً، مِنْهَا جَوْهَرَةُ يَتيمَةٌ، وَطلبَ أَنْ يَضعهَا فِي أُذن هُولاَكو، فَاتَّكَأَ، فَفَرَكَ أُذُنَهُ، وَأَدخل الحَلْقَةَ فِي أُذُنِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بِلاَده مُتوليّاً مِنْ قِبَلِهِ، وَقرَّر عَلَيْهِ مَالاً يَحملُه، ثُمَّ مَاتَ (1) فِي ثَالِثِ شَعْبَانَ، بِالمَوْصِلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
فَلَمَّا مَاتَ، تَملَّكَ وَلدُهُ الْملك الصَّالِح إِسْمَاعِيْلُ، وَتَزَوَّجَ بِابْنَةِ هُولاَكو، فَأَغضبهَا وَأَغَارهَا، وَنَازلتِ التَّتَارُ المَوْصِلَ، وَاسْتمرَّ الحصَارُ عَشْرَةَ أَشهرٍ، ثُمَّ أُخِذت، وَخَرَجَ إِلَيْهِم الصَّالِحُ بِالأَمَانِ، فَغدرُوا بِهِ، وَاستباحُوا المَوْصِلَ - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ -.
وَبَدْرُ الدِّيْنِ مِمَّنْ كَمَّلَ الثَّمَانِيْنَ، وَكَانَ ابْنُهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيْلُ قَدْ سَارَ فِي العَامِ الَّذِي قُتل فِيْهِ إِلَى مِصْرَ، وَاسْتنجدَ بِالمُسْلِمِيْنَ، وَأَقْبَلَ فَالتَقَى العَدُوَّ بِنَصِيْبِيْنَ، فَهَزمَهُم، وَقَتَلَ مُقَدَّمَهُم إِيلكَا، فَتَنَمَّر هُولاَكو، وَبَعَثَ سندَاغو،
__________
(1) في تاريخ الإسلام للذهبي أنه مات يوم الجمعة.(23/357)
فَنَازل المَوْصِل أَشْهُراً، وَجَرَى مَا لاَ يُعَبَّر عَنْهُ.
257 - المُعَظَّمُ الحَلَبِيُّ أَبُو المَفَاخِرِ تُوْرَانْشَاه بنُ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ *
المَلِكُ المُعَظَّمُ، أَبُو المَفَاخِرِ تُوْرَانْشَاه ابْنُ السُّلْطَانِ الكَبِيْرِ المُجَاهِدِ صلاَحِ الدُّنْيَا وَالدّينِ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ، آخر مَنْ بَقِيَ مِنْ إِخْوَته.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
فَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: يَحْيَى الثَّفَقِيّ، وَابْنِ صَدَقَةَ الحَرَّانِيّ.
وَأَجَاز لَهُ: عَبْد اللهِ بن بَرِّيّ.
انتخبَ لَهُ شَيْخُنَا الدِّمْيَاطِيّ (جُزْءاً) سَمِعَهُ مِنْهُ هُوَ، وَسُنْقُر القَضَائِيّ، وَالقَاضِي شُقَيْر أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ، وَالتَّاجُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ النَّصِيْبِيّ، وَجَمَاعَةٌ؛ سَمِعُوا مِنْهُ فِي حَال الاسْتقَامَةِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَل المُسكرَ.
وَكَانَ كَبِيْرَ آلِ بَيْتهِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ الملكُ النَّاصِر يُوْسُفُ يَتَأَدَّبُ مَعَهُ وَيُجلّه لأَنَّه أَخُو جدّه، فَكَانَ يَتصرَّف فِي الخَزَائِنِ وَالمَمَالِيْكِ، وَقَدْ حضَرَ غَيْرَ مَصَافّ، وَكَانَ فَارِساً شُجَاعاً عَاقِلاً دَاهِيَةً، وَكَانَ مُقدّمَ العَسَاكِرِ الحَلَبيَّةِ مِنْ دَهْرٍ، وَهُوَ كَانَ المقدَّم يَوْمَ كسرهِ الخُوَارِزْمِيَّةَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِقُرْبِ الفُرَات، فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ مُثْخَناً بِالجرَاحِ، وَانْهَزَم أَصْحَابُهُ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ الملكُ الصَّالِحُ وَلدُ الملكِ الأَفْضَلِ عَلِيِّ ابْنِ صَلاَحِ الدِّيْنِ. وَلَمَّا أَخَذَ
__________
(*) ذيل مرآة الزمان: 1 / 429، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 177، دول الإسلام: 2 / 124 العبر: 5 / 245، الوافي بالوفيات: 10 / 443 - 444 الترجمة 4934، عيون التواريخ: 20 / 234، السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي: 1 / 441، النجوم الزاهرة: 7 / 90، شفاء القلوب في مناقب بني أيوب لأحمد بن إبراهيم الحنبلي ص 268 - 269 الترجمة 23 شذرات الذهب 5 / 292، ترويح القلوب في ذكر ملوك بني أيوب للمرتضى الزبيدي (ط الترقي دمشق 1969) ص 100.(23/358)
هُولاَكو حَلَب، عَصَتْ قلعتُهَا وَبِهَا المُعَظَّم هَذَا، فَحمَاهَا، ثُمَّ سلَّمهَا بِالأَمَانِ، وَعجز عَنْهَا، وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَهَا إِلاَّ أَيَّاماً.
مَاتَ: فِي أَوَاخِرِ (1) رَبِيْعٍ الأَوّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِدِهليز ِدَارِهِ.
258 - الظَّاهِرُ غَازِي ابنُ العَزِيْزِ مُحَمَّدِ ابْنِ الظَّاهِرِ غَازِي *
الملكُ الظَّاهِرُ غَازِي ابْنُ الملكِ العَزِيْزِ مُحَمَّدِ ابْنِ الظَّاهِرِ غَازِي أَخُو صَاحِبِ الشَّامِ الملكِ النَّاصِرِ يُوْسُفَ، يُلَقَّبُ سَيْفَ الدِّيْنِ، وَهُوَ شقيقُ النَّاصِرِ.
كَانَ شُجَاعاً جَوَاداً مَلِيْحَ الصُّوْرَةِ كَرِيْمَ الأَخْلاَقِ عَزِيزاً عَلَى أَخِيْهِ إِلَى الغَايَة، وَلَقَدْ أَرَادَ جَمَاعَةٌ مِنَ الأُمَرَاءِ العَزِيْزِيَّةِ القبضَ عَلَى النَّاصِرِ وَتَمليك هَذَا، فَشعر بِهِم السُّلْطَانُ، وَوقعت الوحشَةُ.
وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ زَالت دَوْلَة النَّاصِرِ، وَفَارقَ غَازِي أَخَاهُ، فَاجْتَمَعَ بِغَزَّةَ عَلَى طَاعتِهِ البَحرِيَّةُ وَسلطنوهُ، فَدَهَمَهُم هُولاَكو، ثُمَّ اجْتَمَع الأَخَوَانِ وَدخلاَ البرِيَّةَ، وَتوجّهَا مَعاً إِلَى حتفِهمَا.
وَخلّف غَازِي وَلداً بَدِيْعَ الحُسْنِ، اسْمُهُ زُبالَةُ، وَأَمَةً جَارِيَةً اسْمُهَا وَجهُ القَمَرِ، فَتزوّجت بِأَيدغدِي العَزِيْزِيّ ثُمَّ بِالبيسرِيّ، وَمَاتَ زُبالَةُ بِمِصْرَ شَابّاً، وَقُتِلَ غَازِي صَبْراً مَعَ أَخِيْهِ بِأَذْرَبِيْجَانَ؛ فَذَكَرَ ابْنُ وَاصِلٍ أَنَّ هُولاَكو أَحضَرَ النَّاصِر وَأَخَاهُ، وَقَالَ: أَنْتَ قُلْتَ:
مَا فِي البِلاَد أَحَدٌ، وَإِنَّ مَنْ فِيْهَا فِي طَاعتِكَ
__________
(1) في تاريخ الإسلام للذهبي والوافي أنه توفي في السابع والعشرين منه.
(*) تاريخ الإسلام (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 192، دول الإسلام: / 125، العبر: 5 / 255، النجوم الزاهرة: 7 / 206، شفاء القلوب في مناقب بني أيوب لأحمد بن إبراهيم الحنبلي: 421 الترجمة 108، شذرات الذهب: 5 / 298.(23/359)
حَتَّى غررْت بِالمغل؟ فَقَالَ: أَنَا فِي تورِيزَ فِي قبضَتِكَ، كَيْفَ يَكُوْن لِي حُكم عَلَى مَنْ هُنَاكَ؟
فَرمَاهُ بِسَهْم، فَصَاح: الصَّنِيعَة يَا خوند.
فَقَالَ أَخُوْهُ: اسْكُتْ، تَقُوْلُ لِهَذَا الكَلْب هَذَا القَوْل، وَقَدْ حضَرتْ!
فَرمَاهُ هُولاَكو بِسَهْم آخر قضَى عَلَيْهِ، وَضُرِبَتْ عُنُقُ الظَّاهِر وَأَصْحَابِهِمَا (1) .
259 - شُعْلَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيُّ *
الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، الذّكيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حُسَيْنٍ المَوْصِلِيّ، الحَنْبَلِيّ، المُقْرِئُ، شُعْلَةُ، نَاظمُ (الشَّمْعَةِ فِي السَّبْعَةِ) ، وَشَارحُ (الشَّاطبيَةِ) وَأَشيَاءَ.
تَلاَ عَلَى: عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الإِرْبِلِيّ، وَلَهُ نَظْمٌ فِي غَايَة الاختصَارِ وَنِهَايَةِ الجَوْدَةِ، وَكَانَ صَالِحاً خَيِّراً تَقيّاً مُتَوَاضِعاً.
حَدَّثَنِي تَقِيّ الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ المقصَّاتِي: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ:
كَانَ شُعْلَةُ نَائِماً إِلَى جَنبِي، فَاسْتيقظَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الآنَ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطلبتُ مِنْهُ العِلْمَ، فَأَطعمنِي تَمرَاتٍ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ: فَمِنْ ذَلِكَ الوَقْت فُتِحَ عَلَيْهِ، وَكَانَ المقصَّاتِي قَدْ جلسَ إِلَى شُعْلَةَ، وَسَمِعَ بُحوثَهُ، فَقَالَ لِي: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ (2) ، عَاشَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) وذلك في أواخر سنة 659 كما مر ذلك في هذا الكتاب وكما يفهم من عبارة الذهبي في " دول الإسلام ".
ولم يشر الذهبي في العبر ولا في التاريخ إلى الشهر الذي حدثت فيه وفاته هو وأخوه وانما اكتفى بادراج اسميهما ضمن وفيات سنة 659.
(*) تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 162، دول الإسلام: 2 / 121، العبر: 5 / 234، معرفة القراء الكبار: 2 / 536 الترجمة الرابعة من الطبقة السادسة عشرة، الوافي بالوفيات: 2 / 122 الترجمة 469، ذيل طبقات الحنابلة: 2 / 256 الترجمة 364، غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري: 2 / 80 - 81 الترجمة 2780، طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة 1 / 55 الترجمة 30، شذرات الذهب 5 / 281 - 282.
(2) قال ابن رجب بعد أن نقل قول الذهبي هذا: وقرأت على بعض شيوخنا أنه توفي سنة خمسين والله أعلم.(23/360)
260 - الفَاسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ *
شَيْخُ القُرَّاءِ، العَلاَّمَةُ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفَاسِيُّ، مصَنّفُ (شرحِ الشَّاطبيَةِ) .
أَخَذَ القِرَاءاتِ عَنِ: ابْنِ عِيْسَى، وَأَصْحَابِ الشَّاطِبِيّ، وَالقَاضِي بَهَاءِ الدِّيْنِ ابْنِ شَدَّادٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَتَفَقَّهَ لأَبِي حَنِيْفَةَ، وَكَانَ رَأْساً فِي القِرَاءاتِ وَالنَّحْوِ، دَيِّناً صَيِّناً وَقُوْراً متثبِّتاً، مَلِيْحَ الخَطِّ.
أَخَذَ عَنْهُ: بَدْرُ الدِّيْنِ البَاذقِيُّ، وَبَهَاءُ الدِّيْنِ ابْن النَّحَّاسِ، وَحُسَيْنُ بنُ قَتَادَةَ الشَّرِيْفُ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بنُ رفيعَا الجَزَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَاسْتَوْطَنَ حَلَبَ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ (1) ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
261 - ابْنُ العَلْقمِيِّ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ **
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، المُدبرُ، المُبِير، مُؤَيَّد الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(*) ذيل الروضتين: 199، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 163 - 164، دول الإسلام: 2 / 121 - 122، العبر: 5 / 235، معرفة القراء الكبار: 2 / 533، الترجمة الأولى من الطبقة السادسة عشرة، الوافي بالوفيات: 2 / 354 الترجمة 820، الجواهر المضية للقرشي: 2 / 45 - 46 الترجمة 143، غاية النهاية من طبقات القراء لابن الجزري: 2 / 122 - 123 الترجمة 2942، النجوم الزاهر: 7 / 69، شذرات الذهب 5 / 283 - 284.
(1) ذكر أبو شامة في حوادث شهر ربيع الآخر قوله: وجاءنا الخبر من حلب بموت الشيخ أبي عبد الله الفاسي، وقد نقل الذهبي ذلك في تاريخ الإسلام.
(2) في تاريخ الإسلام ومعرفة القراء الكبار وغاية النهاية أنه ولد بعد الثمانين وخمس مئة.
(* *) الفخري في الآداب السلطانية: 236 - 237، جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله الهمداني المجلد 2 ج 1 ص 262 - 264 الحوادث الجامعة (صفحات متفرقة) تاريخ الإسلام =(23/361)
مُحَمَّدِ (1) بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ ابْن العَلْقَمِيّ البَغْدَادِيّ، الرَّافضِيّ، وَزِيْرُ المُسْتَعْصِم.
وَكَانَتْ دَوْلَتُه أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَفشَى الرَّفْض، فَعَارضه السُّنَّة، وَأُكْبِتَ، فَتَنَمَّرَ، وَرَأَى أَنَّ هُولاَكو عَلَى قصد العِرَاق، فَكَاتَبَه وَجَسَّرَهُ، وَقوَّى عَزْمه عَلَى قصد العِرَاق، لِيتَّخذَ عِنْدَهُ يَداً، وَلِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَغرَاضِهِ، وَحَفَر لِلأُمِّةِ قَلِيْباً، فَأُوقع فِيْهِ قَرِيْباً، وَذَاقَ الهوَانَ، وَبَقِيَ يَرْكَبُ كديشاً وَحْدَهُ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ ركبته تُضَاهِي مَوْكِبَ سُلْطَان، فَمَاتَ غَبْناً وَغَمّاً، وَفِي الآخِرَةِ أَشدَّ خِزْياً وَأَشَدَّ تَنكيلاً.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ابْن المُسْتَعْصِم وَالدُّويدَار الصَّغِيْر قَدْ شدَّا عَلَى أَيدِي السُّنَّةِ حَتَّى نُهِبَ الكَرْخ، وَتَمَّ عَلَى الشِّيْعَة بلاَءٌ عَظِيْمٌ، فَحنق لِذَلِكَ مُؤَيَّد الدِّيْنِ بِالثَّأْر بِسيف التَّتَار مِنَ السُّنَّةِ، بَلْ وَمِنَ الشِّيْعَةِ وَاليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى، وَقُتِلَ الخَلِيْفَةُ وَنَحْوُ السَّبْعِيْنَ مِنْ أَهْلِ العقد وَالحلّ، وَبُذِلَ السَّيْف فِي بَغْدَادَ تِسْعَةً وَثَلاَثِيْنَ نَهَاراً حَتَّى جرت سُيُول الدِّمَاء، وَبقيت البلدَة كَأَمس الذَّاهب - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ - وَعَاشَ ابْن العَلْقَمِيّ بَعْد الكَائِنَة ثَلاَثَة أَشْهُرٍ، وَهَلَكَ (2) .
وَمَاتَ قَبْلَهُ بِأَيَّام أَخُوْهُ الصَّاحِبُ عَلَمُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ.
وَمَاتَ بَعْدَهُ ابْنه مُحَمَّدٌ أَحَد البُلغَاء المُنْشِئِين.
وَعَاشَ الوَزِيْرُ سِتّاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
__________
= (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 164 - 165، دول الإسلام 2 / 122، العبر 5 / 225، الوافي بالوفيات: 1 / 184 - 186 الترجمة 114، فوات الوفيات: 3 / 252 - 255 الترجمة 415، عيون التواريخ: 20 / 193 - 194، مرآة الجنان: 4 / 147، البداية والنهاية: 13 / 212 - 213 العسجد المسبوك: 640 - 641، شذرات الذهب: 5 / 272.
(1) في البداية والنهاية وفي الشذرات: " محمد بن أحمد " محرف.
(2) ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه توفي في مستهل جمادى الآخرة من هذه السنة (يعني سنة 656) وذكر الصفدي في الوافي وابن شاكر في الفوات أنه توفي في أوائل سنة 657، وأضاف الصفدي أن مولده كان في شهر ربيع الأول سنة 591.(23/362)
262 - البَاخَرْزِيُّ أَبُو المَعَالِي سَعِيْدُ بنُ المُطَهَّرِ بنِ سَعِيْدِ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ خُرَاسَان، سَيْفُ الدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي سَعِيْدُ بنُ المُطَهَّرِ بن سَعِيْدِ بنِ عَلِيٍّ القَائِدِي، البَاخَرْزِيّ، نَزِيْلُ بُخَارَى.
كَانَ إِمَاماً مُحَدِّثاً، وَرِعاً زَاهِداً، تَقيّاً أَثرِيّاً، مُنْقَطِع القَرِيْنِ، بعيد الصِّيت، لَهُ وَقْعٌ فِي القُلُوبِ وَمَهَابَةٌ فِي النُّفُوْسِ.
صَحِبَ الشَّيْخَ نَجْمَ الدِّيْنِ الخِيْوَقِيّ (1) .
وَسَمِعَ مِنَ: المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَغَيْرِهِ.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيّ، وَأَبِي الفُتُوْح الحُصَرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ سَعْدِ اللهِ بنِ حَمْدِي، وَمُشْرفٍ الخَالصيِّ، وَبِنَيْسَابُوْر مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بن سَالاَرَ الخُوَارِزْمِيّ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ وَلَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَسَمِعَ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيّ؛ فَإِنَّهُ وُلِدَ فِي تَاسعِ شَعْبَانَ، سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي (مُعْجَم الأَلقَابِ) ابْنُ الفُوَطِيِّ، فَقَالَ فِيْهِ (2) : هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ الزَّاهِدُ الوَاعِظُ، كَانَ شَيْخاً بَهِيّاً عَارِفاً، تَقيّاً فَصِيْحاً، كَلِمَاته كَالدُّرّ، رَوَى عَنْ أَبِي الجِنَّاب الخِيْوَقِيّ، وَلَبِسَ مِنْهُ (3) ، وَشَيخُهُ لَبِسَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ القَصْرِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ نَاكيل، عَنْ دَاودَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ بن إِدْرِيْسَ، عَنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ رَمَضَان، عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ الطَّبَرِيّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ النَّهْرجُورِي، عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ
__________
(*) تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 191، العبر: 5 / 254، الوافي بالوفيات: 15 / 262 الترجمة 369، شذرات الذهب: 5 / 298.
(1) هو نجم الدين الكبرى، وقد مرت ترجمته.
(2) ضاع هذا القسم من كتاب ابن الفوطي.
(3) يعني: لبس خرقة التصوف.(23/363)
السُّوْسِيّ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
هُوَ لَبِسَهَا مَنْ يَدِ كَمِيْل بن زِيَادٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
قُلْتُ: هَذِهِ الطُّرُقُ ظُلُمَاتٍ مُدْلَهِمَّة، مَا أَشْبَههَا بِالوَضْعِ!
قَالَ ابْنُ الفُوَطِيّ: قَرَأْتُ فِي سِيرَةِ البَاخَرْزِيّ لِشيخِنَا مِنْهَاج الدِّيْنِ النَّسَفِيّ، وَكَانَ مُتَأَدِّباً بِأَفعَالِهِ، فَقَالَ:
كَانَ الشَّيْخُ مُتَابعاً لِلْحَدِيْثِ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، لَمْ يَنظر فِي تَقوِيْمٍ وَلاَ طِبٍّ، بَلْ إِذَا وُصِفَ لَهُ دوَاء، خَالفهُم مُتَابعاً لِلسُّنَّةِ (1) ، وَكَانَتْ طرِيقتُه عَارِيَةً عَنِ التَّكَلُّف، كَانَ فِي علمه وَفضله كَالبَحْر الزَّاخر، وَفِي الحقيقَةِ مَفْخَر الأَوَائِل وَالأَوَاخِر، لَهُ الجَلاَلَةُ وَالوجَاهَةُ، وَانتشر صِيْتُهُ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَالكُفَّارِ، وَبِهِمَّتِهِ اشْتُهِرَ عِلْم الأَثَرِ بِمَا وَرَاء النَّهْر وَتُرْكستَانَ، وَكَانَ عِلْمُهُم الجَدَل وَالقَوْل بِالخِلاَفِيَات وَتَرْك العملِ، فَأَظْهَرَ أَنوَار الأَخْبَار فِي تِلْكَ الدِّيَار.
وُلِدَ بِبَاخَرْز، وَهِيَ وِلاَيَة بَيْنَ نَيْسَابُوْر وَهَرَاةَ قَصَبَتُهَا مَالِيْنُ، وَصَحِبَ نَجم الكُبْرَى، وَبَهَاء الدِّيْنِ السَّلاَمِهِي، وَتَاج الدِّيْنِ مَحْمُوْداً الأَشنهِي، وَسَعْد الصَّرَّام الهَرَوِيّ، وَمُخْتَاراً الهَرَوِيّ، وَحَجّ فِي صِبَاهُ.
ثُمَّ دَخَلَ بَغْدَادَ ثَانِياً، وَقَرَأَ عَلَى السُّهْرَوَرْدِيّ، وَبِخُرَاسَانَ عَلَى المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيّ، وَفضل الله بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ النُّوْقَانِيّ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بدِهِسْتَان عَلَى النَّاسِ، وَقَرَأَ عَلَى الخَطِيْبِ جَلاَل الدِّيْنِ ابْن الشَّيْخ شَيْخِ الإِسْلاَمِ بُرْهَان الدِّيْنِ المَرْغِيْنَانِيّ كِتَابَ (الهدَايَةِ) فِي الفِقْه مِنْ تَصَانِيْفِ أَبِيْهِ.
ثُمَّ قَدِمَ خُوَارِزْم، وَقَرَأَ بِبُخَارَى عَلَى المَحْبُوبِيّ، وَالكَرْدَرِيّ، وَأَبِي رشيد الأَصْبَهَانِيّ.
وَلَمَّا خَرَّبَ التَّتَار بُخَارَى وَغَيْرهَا، أَمر نَجْمُ الدِّيْنِ الكُبْرَى أَصْحَابَه
__________
(1) هذا كلام غير دقيق، إذ السنة لا تمنع من استشارة الطبيب وأخذ الدواء الذي يقرره، بل تحض عليه.(23/364)
بِالخُرُوج مِنْ خُوَارِزْم إِلَى خُرَاسَانَ مِنْهُم سَعْد الدِّيْنِ، وَآخَى بَيْنَ البَاخَرْزِيّ وَسَعْد الدِّيْنِ، وَقَالَ لِلبَاخَرْزِي: اذهبْ إِلَى مَا وَرَاءِ النَّهْر.
وَفِي تِلْكَ الأَيَّام هَرَبَ خُوَارِزْم شَاه، فَقَدِمَ سَيْف الدِّيْنِ بُخَارَى وَقَدِ احْتَرَقت وَمَا بِهَا مَوْضِع يَنْزِل بِهِ، فَتكلّم بِهَا، وَتَجَمَّع إِلَيْهِ النَّاس، فَقَرَأَ لَهُم (البُخَارِيَّ) عَلَى جَمَال الدِّيْنِ عُبَيْد اللهِ بن إِبْرَاهِيْمَ المَحْبُوبِيّ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، ثُمَّ أَقَامَ، وَوعظ وَفَسَّرَ، وَلَمَّا غَمَرتْ بُخَارَى، أَخذُوا فِي حَسَدِهِ وَتَكلّمُوا فِي اعْتِقَادِه، وَكَانَ يُصَلِّي صَلاَةَ التَّسبيحِ جَمَاعَةً وَيَحضر السَّمَاع.
وَلَمَّا جَاءَ مَحْمُوْد يَلوَاج بُخَارَى ليضع القلاَن؛ وَهُوَ أَنْ يَعد النَّاس وَيَأْخذ مِنَ الرَّأْس دِيْنَاراً وَالعُشر مِنَ التِّجَارَة، فَدَخَلَ عَلَى سَيْفِ الدِّيْنِ، فَرَأَى وَجْهَهُ يُشْرِقُ كَالقَمَرِ، وَكَانَ الشَّيْخُ جَمِيْلاً بِحَيْثُ إِن نَجْم الدِّيْنِ الكُبْرَى أَمره لَمَّا أَتَاهُ أَنْ يَتنقب لِئَلاَّ يَفتتن بِهِ النَّاس، فَأَحَبّ يَلوَاج الشَّيْخ، وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَلف دِيْنَار، فَمَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا.
ثُمَّ خَرَجَ بِبُخَارَى التَّارَابِيّ، وَحشد وَجَمَعَ، فَالتَقَى المغُل، وَأَوهَم أَنَّهُ يَسْتَحضر الجِنّ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ جَمْعِهِ سلاَحٌ، فَاغتَرُّوا بِقَوْلِهِ، فَقَتَلَت المَغُلُ فِي سَاعَةٍ سَبْعَةَ آلاَفٍ مِنْهُم، أَوَّلُهُم التَّارَابِيّ، فَأَوهَمَ خَوَاصَّهُ أَنَّهُ قَدْ طَارَ، وَمَا نَجَا إِلاَّ مِنْ تَشَفَّعَ بِالبَاخَرْزِيِّ، لَكِنْ وَسَمَتهُم التَّتَار بِالكَيِّ عَلَى جِبَاهِهِم ...
إِلَى أَنْ قَالَ: وَوَقَعَ خوف البَاخَرْزِيّ فِي قُلُوبِ الكُفَّارِ، فَلَمْ يُخَالِفه أَحَدٌ فِي شَيْءٍ يُرِيْده، وَكَانَ بايقوا (1) - أَخُو قآن - ظَالِماً غَاشِماً سَفَّاكاً، قتلَ أَهْلَ تِرْمِذ حَتَّى الدَّوَابّ وَالطيور، وَالتحق بِهِ كُلُّ مُفْسِد، فَشغبوهُ عَلَى البَاخَرْزِيّ، وَقَالُوا: مَا جَاءَ إِلَيْكَ، وَهُوَ يُرِيْد أَنْ يَصِيْر خَلِيْفَة.
فَطَلَبَهُ إِلَى سَمَرْقَنْد مُقَيَّداً، فَقَالَ: إِنِّيْ سَأَرَى بَعْد هَذَا الذُّلّ عِزّاً.
فَلَمَّا قرب، مَاتَ بايقوا، فَأَطلقُوا الشَّيْخَ،
__________
(1) هذا وأمثاله أسماء تترية تكتب بأشكال مختلفة، وقد حافظنا على رسم المخطوطة جهد المستطاع.(23/365)
وَأَسْلَمَ عَلَى يَده جَمَاعَة.
وَزَارَ بِخَرْتَنْك قَبْرَ البُخَارَي، وَجدد قُبَّتَهُ، وَعَلَّقَ عَلَيْهَا السّتُور وَالقَنَادِيْل، فَسَأَلَهُ أَهْل سَمَرْقَنْد أَنْ يَقيم عِنْدَهُم، فَأَقَامَ أَيَّاماً، وَرَجَعَ إِلَى بُخَارَى، وَأَسْلَمَ عَلَى يَده أَمِيْرٌ وَصَارَ بَوَّاباً لِلشيخِ، فَسَمَّاهُ الشَّيْخُ مُؤْمِناً.
وَعُرِفَ الشَّيْخُ بَيْنَ التَّتَارِ بِأُلُغْ شَيْخ -يَعْنِي الشَّيْخ الكَبِيْر- وَبِذَلِكَ كَانَ يَعرفه هُولاَكو، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ بَرَكَة (1) بن تَوشِي بن جنكزخَان مِنْ سَقسين رَسُوْلاً ليَأْخذ لَهُ العَهْدَ بِالإِسْلاَمِ، وَكَانَ أَخُوْهُ بَاتوا كَافِراً ظَلُوْماً، قَدِ اسْتولَى عَلَى بِلاَدِ سَقسين وَبُلْغَار وَصقلاَب وَقفجَاق إِلَى الدَّرْبَنْد، وَكَانَ لِبَرَكَةَ أَخ أَصْغَر مِنْهُ، يُقَالَ لَهُ: بركَة حَرْ، وَكَانَ بَاتوا مَعَ كُفْره يُحِبّ الشَّيْخ، فَلَمَّا عرف أَنْ أَخَاهُ بركَة خَان قَدْ صَارَ مُرِيْداً لِلشيخِ فَرحَ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي زِيَارَةِ الشَّيْخ، فَأَذِنَ لَهُ، فَسَارَ مِنْ بُلغَار إِلَى جَنْد ثُمَّ إِلَى أُترَار، ثُمَّ أَتَى بُخَارَى، فَجَاءَ بَعْد العشَاء فِي الثُّلُوجِ، فَمَا اسْتَأْذن إِلَى بُكرَة، فَحكَى لِي مَنْ لاَ يُشَك فِي قَوْله أَن بركَة خَان قَامَ تِلْكَ اللَّيْلَة عَلَى البَابِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَكَانَ يُصَلِّي فِي أَثْنَاء ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ فَقَبَّلَ رِجْلَ الشَّيْخِ، وَصَلَّى تَحيَّةَ البُقْعَة، فَأعجبَ الشَّيْخ ذَلِكَ، وَأَسْلَمَ جَمَاعَة مِنْ أُمَرَائِهِ، وَأَخَذَ الشَّيْخ عَلَيْهِم العَهْد، وَكَتَبَ لَهُ الأَوْرَاد وَالدّعوَات، وَأَمره بِالرُّجُوْع، فَلَمْ تَطب نَفْسه، فَقَالَ: إِنَّك قَصَدْتَنَا وَمعكَ خلقٌ كَثِيْرٌ، وَمَا يُعْجِبنِي أَنْ تَأْمرهُم بِالانْصِرَافِ، لأَنِّي أَشتهِي أَنْ تَكُوْنَ فِي سُلْطَانكِ.
وَكَانَ عِنْدَهُ سِتُّوْنَ (2) زَوْجَة، فَأَمره بِاتِّخَاذ أَرْبَع وَفرَاق البَاقيَات، فَفَعَل، وَرجع، وَأَظهرَ شعَارَ المِلَّة، وَأَسْلَمَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَأَخَذُوا فِي تَعْلِيْم الْفَرْض، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِ الأَئِمَّة، ثُمَّ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْن عَمِّهِ هُولاَكو حُرُوْب، وَمَاتَ بَرَكَة خَان فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، وَكَانَتْ خَيْرَاتُهُ مُتوَاصِلَةً إِلَى أَكْثَر العُلَمَاء.
__________
(1) ترجم له الذهبي ترجمة جيدة في وفيات سنة 665 من " تاريخ الإسلام " الورقة 265 (أيا صوفيا 3013) بخطه.
(2) في الأصل: ستين.(23/366)
وَكَانَ المُسْتَعْصِم يهدِي مِنْ بَغْدَادَ إِلَى البَاخَرْزِيّ التُّحَفَ؛ مِنْ ذَلِكَ مُصْحَفٌ بِخَطِّ الإِمَام عَلِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَكَانَ مُظَفَّر الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ بنُ سَعْدٍ صَاحِب شِيرَازَ يهدِي إِلَى الشَّيْخِ فِي السَّنَةِ أَلفَ دِيْنَارٍ، وَأَنفذَ لَهُ لُؤْلُؤ صَاحِب المَوْصِل.
وَأَهْدَت لَهُ مَلِكَة بِنْت أُزبكَ بنِ البَهْلَوَان صَاحِبِ أَذْرَبِيْجَانَ سِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كُسِرَ يَوْمَ أُحُدٍ.
وَكَانَ يَمْنَع التَّتَار مِنْ قَصدِ العِرَاقِ، وَيُفَخِّمُ أَمرَ الخَلِيْفَة.
وَمِمَّنْ رَاسلَه سُلْطَانُ الهِنْدِ نَاصِر الدِّيْنِ أَيبك، وَصَاحِب السِّنْد وَمُلتَان غِيَاث الدِّيْنِ بَلْبَان.
قَالَ (1) : وَبَعَثَ إِلَيْهِ منكوقآن لَمَّا جلسَ عَلَى سَرِيرِ السَّلْطَنَةِ بِأَمْوَالٍ كَثِيْرَةٍ، وَكَذَلِكَ وَزِيْره بُرْهَان الدِّيْنِ مَسْعُوْد بن مَحْمُوْدٍ يَلَوَاج، وَكَانَ عَالِماً بِالخلاَفِ وَالنُّكت، أَنشَأَ مَدْرَسَةً بكلاَباذ، وَكَانَ مُعْتَزِلياً، وَكَانَ إِذَا جَاءَ إِلَى الشَّيْخِ، قَبَّلَ العتبَةَ، وَوَقَفَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ أَبِي فَعلَ ذَلِكَ، وَلأَنَّ لَهُ هَيْبَةً فِي قُلُوْبِ ملوكِنَا، حَتَّى لَوْ أَمرهُم بِقَتلِي لَمَا تَوقَّفُوا!
قَالَ: وَمِنْ جُمْلَةِ المُلاَزِمِين لَهُ نَجْم الدِّيْنِ مَا قِيْلَ (2) المُقْرِئ، وَسَعْد الدِّيْنِ سرجنبَان، وَروح الدِّيْنِ الخُوَارِزْمِيّ، وَشَمْس الدِّيْنِ الكَبِيْر، وَمُحَمَّد كلاَنَة، وَأَخِي صَادِقٌ، وَنَافِعُ الدِّيْنِ بَدِيْع ... ، ثُمَّ سردَ عِدَّة.
قَالَ: وَقَدْ أَجَاز لِمَنْ أَدْرَكَ زَمَانه، وَامْتَدَحَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم سَعْدُ الدِّيْنِ ابْنُ حَمُّوَيْه، كَتَبَ إِلَيْهِ بِأَبيَاتٍ مِنْهَا:
يَا قُرَّةَ العَيْنِ سَلْ عَيْنِي هَلِ اكْتَحَلَتْ ... بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ مُذْ غِبْتَ عَنْ عَيْنِي؟
وَمَدَحَهُ الصَّاحِبُ بَهَاءُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، وَابْنُهُ
__________
(1) يعني ابن الفوطي.
(2) هكذا قرأناها، ولم نعرفه.(23/367)
الصَّاحب عَلاَء الدِّيْنِ عَطَا ملك صَاحِب الدِّيْوَانِ (1) ، وَكَانَ إِذَا رَقِيَ المِنْبَرَ، تَكَلَّمَ عَلَى الخوَاطرِ، وَيستشهد بِأَبيَاتٍ مِنْهَا:
إِذَا مَا تَجَلَّى لِي فَكُلِّي نَوَاظِرٌ ... وَإِنْ هُوَ نَادَانِي فَكُلِّي مَسَامِعُ
وَمِنْه:
وَكَّلْتُ إِلَى المَحْبُوبِ أَمرِيَ كُلَّهُ ... فَإِنْ شَاءَ أَحيَانِي وَإِنْ شَاءَ أَتْلَفَا
وَمِنْهَا:
وَمَا بَيْنَنَا إِلاَّ المُدَامَةُ ثَالِثٌ ... فَيُمْلِي وَيَسقينِي وَأُملِي وَيَشربُ
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي العِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ (2) .
أُعْتِقَ لَهُ مَا نَيَّفَ عَلَى أَرْبَعِ مائَةِ مَمْلُوْكٍ، وَأَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي خِرْقَةِ شَيْخِهِ نَجْمِ الكُبْرَى، وَأَنْ لاَ يُقرَأَ قُدَّام جِنَازَته وَلاَ يُنَاح عَلَيْهِ.
وَكَانَ يَوْمَ وَفَاتِهِ يَوْماً مَشْهُوْداً لَمْ يَتَخَلَّف أَحَدٌ، حُزِرَ العَالِم بِأَرْبَعِ مائَة أَلْفِ إِنْسَانٍ.
وَمِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ ابْنٍ -وَهُم: جَلاَلُ الدِّيْنِ مُحَمَّد، وَبُرْهَان الدِّيْنِ أَحْمَدَ، وَمَظْهَرُ الدِّيْنِ مُطَهَّر-: ثَلاَث مائَة وَثَلاَثِيْنَ ثَوْباً مَا بَيْنَ قَمِيْصٍ وَمِنْدِيْلٍ وَعِمَامَةٍ وَفَرْوَةٍ.
وَكَانَتْ لَهُ فَرْوَةُ آسِ (3) مِنَ الفَاقم (4) ، أُعْطِي فِيْهَا أَلف دِيْنَار، وَكَانَتْ مَسَامِيْر المدَاسَات فِضَّةً، وَكَانَ لَهُ كُرْسِيّ تَحْتَ رِجْلَيْهِ مُذَهَّب بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الخَيْلِ وَالمَوَاشِي مَا يُسَاوِي عَشْرَة آلاَف دِيْنَارٍ، وَكَانَ لَهُ مِنَ العَبِيْدِ سِتُّوْنَ عَبْداً مِنْ حُفَّاظِ القُرْآنِ وَتَعَلَّمُوا الخَطَّ
__________
(1) وصاحب الكتاب المشهور: جهان كشاي " غازي العالم ".
(2) لم يذكر الذهبي هنا سنة وفاته، ووضع ترجمته في حوادث سنة 659 من العبر وعلى هوامش حوادثها في تاريخ الإسلام، وذكره ضمن من توفي في هذه السنة من تذكرة الحفاظ: 4 / 1451 - 1452، ونص الصفدي عليها في الوافي وكذا وضعه فيها ابن العماد في الشذرات.
(3) هكذا في الأصل.
(4) الفاقم: الشديد السواد.(23/368)
وَالعَرَبِيَّةَ وَسَمِعُوا الحَدِيْثَ ... ، وَسَرَدَهُم (1) ، مِنْهُم نَافِعُ الدِّيْنِ، وَقَدْ كَتَبَ لِلشَيْخِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ مُصْحَفاً وَكِتَاباً وَحَجَّ وَخلعَ عَلَيْهِ بِالدِّيْوَانِ، وَلَهُ مِنَ الفَلاَّحِينَ أَزْيَدُ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ نَفْسٍ، وَلَهُ قُرَى وَبَسَاتِيْنُ عِدَّة -وَسَمَّاهَا- وَرثَاهُ بِهَذِهِ كَمَال الدِّيْنِ حَسَن بن مُظَفَّر الشَّيْبَانِيّ البَلَدِيّ:
أَمَا تَرَى أَنَّ سَيْفَ الحَقِّ قَدْ صَدَأ ... وَأَنَّ دِيْنَ الهُدَى وَالشَّرْعِ قَدْ رُزِئَا
وَأَنَّ شَمْسَ المَعَالِي وَالعُلَى غَرَبَتْ ... وَأَنَّ نُورَ التُّقَى وَالعِلْمِ قَدْ طُفِئَا
بِمَوْتِ سَيْفِ الهُدَى وَالدِّيْنِ أَفْضَل مَنْ ... بَعْدَ النَّبِيِّ عَلَى هَذَا الثَّرَى وَطِئَا
شَيْخِ الزَّمَانِ سَعِيْدِ بنِ المُطَهَّرِ مَنْ ... إِلَيْهِ كَانَ الهُدَى قَدْ كَانَ مُلْتَجِئَا
شَأَى الأَنَامَ بِأَوْصَافٍ مُهَذَّبَةٍ ... وَمَنْ حَوَى مَا حَوَاهُ فِي الأَنَامِ شآ
قَدْ عَاشَ سَبْعِيْنَ عَاماً فِي نَزَاهَتِهِ ... لَمْ يَتَّخِذْ لَعِباً يَوْماً وَلاَ هُزؤَا
مَنْ كَانَ شَاهَدَ أَيَّاماً لَهُ حَسُنَتْ ... لاَ شَكَّ شَاهَدَ عَصْرَ المُصْطَفَى وَرَأَى
بِحُرِّ لَفْظٍ يُزِيْلُ السُّقمَ أَيسرُهُ ... فَلَو يُعَالَجُ مَلْسُوعٌ بِهِ برِئَا
وَحَرّ وَعْظٍ يُذِيْبُ الصَّخْرَ أَهْوَنُهُ ... حَتَّى لَوِ اخْتَارَ مَقرُوْرٌ بِهِ دفئَا
المَوْتُ حَتمٌ يهدُّ النَّاسَ كُلَّهُم ... بِنَابِهِ وَيَصِيْدُ اللَّيْثَ وَالرَّشَآ
مَا غَادَرَ المَوْتُ عَدْنَاناً وَلاَ مُضَراً ... كَلاَّ وَلاَ فَاتَ قَحْطَاناً وَلاَ سَبآ
يَا لَيْتَ أُذُنَيَّ قَدْ صُمَّتْ وَلاَ سَمِعْتُ ... فِي رزئه مِنْ فَم الدَّاعِي لَهُ نبآ
وَهِيَ طَوِيْلَةٌ غَرَّاءُ.
أَخْبَرَنَا نَافِعُ الهِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ المُطَهَّرِ، أَخْبَرَنَا المُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ -وَأَخْبَرْنَا ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ المُؤَيَّد-: أَخْبَرَنَا السَّيِّدِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ
__________
(1) يعني: ابن الفوطي.(23/369)
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الوِصَالِ.
قَالُوا: فَإِنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟!
قَالَ: (إِنِّيْ لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّيْ أُطْعَمُ وَأُسْقَى) .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) .
263 - إِقْبَالٌ شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو الفَضَائِلِ الحَبَشِيُّ المُسْتَنْصِرِيُّ *
جَمَالُ الدَّوْلَةِ، أَمِيْرُ الجُيُوْشِ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَضَائِلِ الحَبَشِيّ، المُسْتَنْصِرِيّ، الشَّرَابِيُّ.
جُعِلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ مُقَدَّم جُيُوش العِرَاق، وَأَنشَأَ مَدْرَسَةً فِي غَايَةِ الحُسْنِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ لِلشَّافِعِيَّةِ، فَدَرَّسَ بِهَا التَّاج الأُرْمَوِيّ، ثُمَّ أَنشَأَ مَدْرَسَةً أُخْرَى سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَدَرَّسَ بِهَا زَيْن الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ نَجَا الوَاسِطِيُّ، وَأَنْشَأَ بِمَكَّةَ رِبَاطاً، وَلَهُ مَعْرُوفٌ كَثِيْرٌ، وَفِيْهِ دين وَخُشوع، وَلَهُ مَحَاسِن وَجُوْد، غمرَ وَبَذَلَ لِلصُّلحَاء وَالشُّعَرَاء، وَالتقَىَ التَّتَار فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَهَزمهُم، فَعظم بِذَلِكَ وَارتفع قدرُهُ، وَصَارَ مِنْ أَكْبَرِ المُلُوْك، إِلَى أَنْ تَوجّه فِي خدمَة المُسْتَعْصِم نَحْو الحِلَّة لزِيَارَة المَشْهَد (2) ، فَمَرِضَ إِقبالٌ فِي الحِلَّةِ، فَيُقَالَ: سُقِيَ فِي تُفَّاحَة، فَلَمَّا أَكلهَا أَحسَّ بِالشَّرّ.
رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ منحدراً فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَتُوُفِّيَ بِهَا (3) .
__________
(1) قال شعيب: هو في البخاري (1922) و (1962) ومسلم (1102) ، وأخرجه مالك 1 / 300، وابو داود (2360) والبيهقي 4 / 281، 282.
(*) الفخري في الآداب السلطانية: 22 - 27، 243، الحوادث الجامعة: 308، عيون التواريخ 20 / 84 - 85، العسجد المسبوك 612 - 613، النجوم الزاهرة: 7 / 51، الدارس في أخبار المدارس: 1 / 159 - 160، شذرات الذهب: 5 / 261، وقد كتب المرحوم الدكتور ناجي معروف رسالة بعنوان (حياة اقبال الشرابي) مطبعة الارشاد بغداد 1966 في 108 صفحات، والف كتاب (المدارس الشرابية ببغداد وواسط ومكة (الطبعة الثانية بمطبعة دار الشعب بالقاهرة 1367 / 1977) في 512 صفحة.
(2) يعني: مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(3) في العسجد المسبوك أنه توفي في يوم الاثنين السابع والعشرين من شوال، وقد جعل ابن تغري بردي وفاته سنة 655.(23/370)
264 - الدُّوَيدَارُ مُجَاهِدُ الدِّيْنِ أَيْبَكُ الدُّوَيدَارُ الصَّغِيْرُ *
الملكُ، مُقَدَّم جَيْش العِرَاق، مُجَاهِد الدِّيْنِ أَيْبَك الدُّوَيدَار الصَّغِيْر.
أَحدُ الأَبْطَالِ المَذْكُوْرِيْنَ وَالشُّجْعَانِ المَوْصُوْفِيْن الَّذِي كَانَ يَقُوْلُ: لَوْ مَكَّننِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ المُسْتَعْصِم، لَقَهَرتُ التَّتَار، وَلَشغلتُ هُوْلاَكُو بِنَفْسِهِ.
وَكَانَ مُغرَى بِالكيمِيَاء، لَهُ بَيْت كَبِيْر فِي دَارِهِ فِيْهَا عِدَّة مِنَ الصُّنَّاعِ وَالفُضَلاَء لِعمل الكيمِيَاءِ، وَلاَ تَصِحّ؛ فَحكَى شَيْخنَا مُحْيِي الدِّيْنِ ابْن النَّحَّاسِ، قَالَ:
مَضَيْت رَسُوْلاً، فَأَرَانِي الدُّوَيدَار دَار الكيمِيَاء، وَحَدَّثَنِي، قَالَ:
عَارضنِي فَقير، وَقَالَ: يَا مَلِكُ، خُذْ هَذَا المثقَالَ، وَأَلقِهِ عَلَى عَشْرَة آلاَف مِثقَالٍ يَصِيْر الكُلّ ذَهَباً.
فَفَعَلتُ، فَصحَّ قَوْلُهُ، ثُمَّ لَقِيْتُهُ بَعْد مُدَّةٍ، فَقُلْتُ: عَلِّمنِي الصَّنْعَة.
قَالَ: لاَ أَعْرفهَا، لَكِن رَجُلٌ صَالِحٌ أَعْطَانِي خَمْسَة مَثَاقيلَ، فَأَعْطيتك مثقَالاً، وَلِمَلِكِ الهِنْدِ مِثقَالاً، وَلآخَرِيْنَ مِثقَالَيْنِ، وَبَقِيَ لِي مِثقَالٌ أُنفق مِنْهُ.
ثُمَّ أَرَانِي الدُّوَيدَار قطعَة فُولاَذ قَدْ أُحْمِيَتْ، وَأَلقَى عَلَيْهَا مَغْرِبِيٌّ شَيْئاً، فَصَارَ مَا حَمَى مِنْهَا ذهباً وَبَاقيهَا فُولاَذ.
قَالَ الكَازَرُوْنِيّ (1) فِيمَا أَنْبَأَنِي: إِنَّ الخَلِيْفَةَ قُتِلَ مَعَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَعمَامِه وَأَوْلاَدِه وَابْن الجَوْزِيِّ وَمُجَاهِد الدِّيْنِ الدُّوَيدَار الَّذِي تَزَوَّجَ بِبنتِ بَدْر الدِّيْنِ صَاحِب المَوْصِل، وَحُمِلَ رَأْسه وَرَأْس الْملك سُلَيْمَان شَاه وَأَمِيْر الحَجِّ فَلكِ الدِّيْنِ، فَنُصبُوا بِالمَوْصِلِ.
__________
(*) الفخري في الآداب السلطانية (صبيح) : 271، الحوادث الجامعة: 328، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة الملحقة بالورقة 162، دول الإسلام 2 / 122، الوافي بالوفيات: 9 / 475 - 476 الترجمة 4432، عيون التواريخ 20 / 124، العسجد المسبوك: 633.
(1) لم نجد هذا النقل في ما طبع باسم مختصر التاريخ لابن الكازروني.(23/371)
265 - ابْنُ أَبِي الحديدِ قَاسِمُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ *
العَلاَّمَةُ البَارِعُ، مُوَفَّقُ الدِّيْنِ قَاسم بن هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ أَبِي الْحَدِيد، أَبُو المَعَالِي المَدَائِنِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، الأَدِيْبُ، الكَاتِبُ، البَلِيْغُ.
أَجَاز لَهُ: عَبْد اللهِ بن أَبِي المَجْدِ.
أَخَذَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ أَنْجَب، وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَلَهُ بَاعٌ مَديدٌ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَكَانَ ابْنُ العَلْقَمِيّ يُكرمه، وَيُنوِّهُ بِذِكرِهِ كَثِيْراً وَبِذكر أَخِيْهِ الأَوْحَد عِزّ الدِّيْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد الحَمِيْدِ، فَمَاتَ الوَزِيْر ابْن العَلْقَمِيّ، فَتُوُفِّيَ بَعْدَهُ المُوَفَّق بِأَرْبَع لَيَالٍ، فِي نَحْو اليَوْم الخَامِس مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، بَعْدَ مُقَاسَاة تِلْكَ الشَّدَائِد، فَرثَاهُ أَخُوْهُ العِزّ، فَقَالَ:
أَبَا المَعَالِي هَلْ سَمِعْتَ تَأَوُّهِي*؟ ... وَلَقَدْ عَهِدْتُكَ فِي الحَيَاةِ سَمِيْعَا
عَيْنِي بَكَتْكَ وَلَوْ تُطِيْقُ جَوَانِحِي ... وَجَوَارحِي أَجْرَتْ عَلَيْهِ نَجيعَا
وَوَفَيْتَ لِلولَى الوَزِيْرِ فَلَمْ تَعِشْ ... مِنْ بَعْدِهِ شَهْراً وَلاَ أُسْبُوْعَا
وَبقيتُ بَعْدَكُمَا فَلَو كَانَ الرَّدَى ... بِيَدِي لَفَارقتُ الحَيَاةَ جَمِيْعا
فَمَا عَاشَ العِزُّ بَعْد أَخِيْهِ إِلاَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَفِي (مُعْجَم) شَيْخنَا الدِّمْيَاطِيّ: أَن مَوْت المُوَفَّق فِي رَجَبٍ، وَالأَوّل أَصحّ.
266 - ابْنُ الجَوْزِيِّ مُحْيِي الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ أَبِي الفَرَجِ القُرَشِيُّ **
الصَّاحِبُ، العَلاَّمَةُ، أُسْتَاذُ دَارِ الخِلاَفَةِ، مُحْيِي الدِّيْنِ يُوْسُف ابْن الشَّيْخِ
__________
(*) مرت ترجمة الموفق وأخيه العز انظر الترجمة 334 و335 من هذا الجزء.
(* *) عقود الجمان في شعراء هذا الزمان لابن الشعار الموصلي (أسعد أفندي 2330) =(23/372)
جَمَالُ الدِّيْنِ أَبِي الفَرَجِ ابْن الجَوْزِيِّ القُرَشِيّ، البَكْرِيّ، الحَنْبَلِيّ.
وُلِدَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ (1) وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَيَحْيَى بن بَوْش، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْد السَّلاَمِ، وَذَاكر بن كَامِل، وَابْن كُلَيْب، وَعِدَّة.
وَتَلاَ بِوَاسِط لِلْعَشْرَة عَلَى ابْنُ البَاقِلاَنِيِّ، بِحَضرَةِ أَبِيْهِ عِنْدَمَا أُطْلِقَ مِنَ الحَبْس.
رَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيُّ، وَالرَّشِيْدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، وَجَمَاعَةٌ.
وَدَرَّسَ، وَأَفتَى، وَنَاظر، وَتَصَدَّرَ لِلْفقه، وَوعظَ.
وَكَانَ صَدْراً كَبِيْراً، وَافر الجَلاَلَةِ، ذَا سَمْتٍ وَهَيْبَةٍ وَعبَارَةٍ فَصيحَةٍ، رُوسِلَ بِهِ إِلَى المُلُوْك، وَبلغ أَعْلَى المَرَاتِبِ، وَكَانَ مَحْمُوْد الطَّرِيقَة، مُحبَّباً إِلَى الرَّعِيَّةِ، بَقِيَ فِي الأُسْتَاذ دَارِيَّةِ سَائِرَ أَيَّامِ المُسْتَعْصِمِ.
قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ كِتَابَ (الوَفَا فِي فَضَائِلِ المُصْطَفَى) لأَبِيْهِ، وَأَنْشَدَنَا لِنَفْسِهِ، وَوصَلنِي بِذَهب.
قَالَ شَمْس الدِّيْنِ ابْن الفَخْر: أَمَّا رِيَاسته وَعَقْله فَتُنْقَل بِالتَّوَاتُرِ حَتَّى
قَالَ السُّلْطَان الْملك الكَامِل: كُلّ أَحَدٍ يُعوِزُهُ عَقْلٌ سِوَى مُحْيِي الدِّيْنِ، فَإِنَّهُ يُعوزه نَقص عقل!
وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مُسكته وَتَصمِيمه وَقُوَّة نَفْسِهِ؛ تُحَكَى عَنْهُ عَجَائِب فِي ذَلِكَ: مَرَّ بِبَابِ البَرِيْد فَوَقَعَ حَانُوْت فِي السُّويقَةِ، وَضَجَّ النَّاسُ، وَسقطت خَشَبَة
__________
= ج 10 الورقة 229 ب، صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني الورقة 35، الحوادث الجامعة 328، ذيل مرآة الزمان لليونيني: 1 / 332 - 340، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 168، دول الإسلام: 2 / 122، العبر: 5 / 237، عيون التواريخ 20 / 207 - 210، البداية والنهاية: 13 / 203، ذيل طبقات الحنابلة: 2 / 258 - 261 الترجمة 365، العسجد المسبوك: 635 شذرات الذهب: 5 / 286 - 287.
(1) تصحفت في المطبوع من العبر إلى ثمان.(23/373)
عَلَى كفل البَغْلَة فَمَا الْتَفَت وَلاَ تَغَيَّر، وَكَانَ يُنَاظر وَلاَ يُحرك لَهُ جَارحة.
أَنشَأَ بِدِمَشْقَ مَدْرَسَةً كَبِيْرَةً، وَقَدِمَ رَسُوْلاً غَيْرَ مَرَّةٍ، وَحَدَّثَ بِأَمَاكن.
ضُرِبَتْ عُنُقُهُ صَبْراً عِنْدَ هُوْلاَكُو، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي نَحْو مِنْ سَبْعِيْنَ صَدْراً مِنْ أَعيَانِ بَغْدَاد، مِنْهُم: أَوْلاَده (1) ؛ المُحْتَسِب جَمَال الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، وَشَرَف الدِّيْنِ عَبْد اللهِ، وَتَاج الدِّيْنِ عَبْد الكَرِيْمِ -رَحِمَهُمُ الله-.
ابْنه:
267 - الصَّاحِبُ شَرَفُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ
ابْنِ الجَوْزِيِّ الحَنْبَلِيُّ، المُدَرِّسُ.
مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، كَثِيْر التِّلاَوَةِ، جَيِّد الفِقْه وَأُصُوْله، وَلَمَّا وَلِي أَخُوْهُ العَلاَّمَة الأَوْحَد جَمَالُ الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ تَدْرِيس المستنصرِيَة سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، وُلِّي شَرَف الدِّيْنِ حِسْبَة بَغْدَادَ، وَرُفعت بَيْنَ يَدَيْهِ الغَاشيَةُ، وَدَرَّسَ بِالبَشِيْرِيَّةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَدْ أَرْسَله المُسْتَعْصِم إِلَى خُرَاسَانَ إِلَى هُوْلاَكُو ثُمَّ رَجَعَ، وَأَخبرَ بصحَة عَزْمه عَلَى قَصْد العِرَاق فِي جَيْش عَظِيْم، فَلَمْ يَسْتَعدُّوا لِلْقَائِهِ، وَلَمَّا خَرَجَ المُسْتَعْصِم إِلَيْهِ، طَلَبَ مِنْهُ أَن ينفّذ إِلَى خُورستَان مَنْ يُسلّمهَا، فَنفذ شَرَف الدِّيْنِ هَذَا بِخَاتم الخَلِيْفَة، فَتوجّه مَعَ جَمَاعَة مِنَ الْمغول، وَعرَّفَهُم حقيقَة الحَال، فَلَمَّا رَجَعَ كَانَ هُوْلاَكُو قَدْ ترحَّل عَنْ بَغْدَادَ بَعْدَ أَنْ صِيَّرَهَا دكّاً، فَلَقِيَهُ بِأَسد آبَاذ، فَأُعْلِمَ هُوْلاَكُو بِنصيحَةِ شَرَفِ الدِّيْنِ لأَهْل خُورستَان، فَقَتَلَهُ بِأَسد آبَاذ.
__________
(1) في الأصل: " أولاد " والصحيح ما أثبتناه، وانظر العسجد المسبوك: 635 - 637.(23/374)
268 - وَاقِفُ الصَّدْرِيَّةِ أَسَعْدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَسَعْدَ التَّنُوْخِيُّ *
القَاضِي الرَّئِيْسُ، صَدْرُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ أَسَعْدُ بنُ عُثْمَانَ ابْنِ شَيْخِ الحَنَابِلَةِ وَجِيْهِ الدِّيْنِ أَسَعْدَ بنِ المُنَجَّى بنِ بَرَكَاتِ بنِ المُؤَمَّلِ التَّنُوْخِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، المُعَدَّلُ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: حَنْبَل، وَابْن طَبَرْزَذ.
رَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيُّ، وَابْنُ الخَبَّاز، وَالعَلاَءُ الكِنْدِيُّ، وَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ البَلَد.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ (1) ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَدُفِنَ بِمَدْرَسَتِهِ، وَهُوَ أَخُو شَيْخَيْنَا: وَجِيْه الدِّيْنِ، وَمُفْتِي الشَّام زَيْن الدِّيْنِ.
269 - المُحِبُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ **
المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، مُفِيْدُ الطَّلبَةِ، مُحِبُّ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ
__________
(*) ذيل الروضتين: 203، صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني الورقة 49، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 170، العبر: 5 / 239، الوافي بالوفيات 9 / 43 الترجمة 3947، عيون التواريخ: 20 / 216 - 217 وفيه ورد اسمه أسعد بن المنجا بن بركات، ولاشك أن هذه التسمية هي لجده المتوفى 606 هـ وليست له، البداية والنهاية 13 / 216، ذيل طبقات الحنابلة: 2 / 268 الترجمة 379، النجوم الزاهرة: 7 / 71، شذرات الذهب: 5 / 288.
(1) ذكر الحسيني في صلة التكملة والذهبي في تاريخ الإسلام وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة أنه توفي في التاسع عشر من رمضان.
(* *) عقود الجمان في شعراء هذا الزمان لابن الشعار الموصلي (نسخة أسعد أفندي 2324) ج 3 الورقة 129 / ب صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني المجلد الثاني الورقة 55، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 178 - 179، العبر: 5 / 246 ذيل طبقات الحنابلة: 2 / 268 - 269 الترجمة 380، شذرات الذهب: 5 / 292.(23/375)
ابْنِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ السَّعْدِيّ، المَقْدِسِيّ، الصَّالِحيّ، الحَنْبَلِيّ.
رَوَى عَنِ: الشَّيْخِ مُوَفَّق الدِّيْنِ حُضُوْراً، وَعَنِ ابْنِ البُنِّ، وَابْن صَصْرَى، وَابْنِ الزَّبِيْدِيّ.
وَارْتَحَلَ فَأَكْثَر عَنِ: ابْنِ القُبَّيْطِيّ، وَابْن أَبِي الفَخَارِ، وَابْن الخَازن، وَالكَاشْغَرِيّ، وَبَالَغَ، وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازل، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ سَنَوَات فِي الطَّلَب.
رَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيُّ، وَابْنُ الخَبَّاز، وَمُحَمَّدُ ابْنُ النُّمَيْرِيّ، وَابْنُهُ الشَّيْخ مُحَمَّدُ ابْنُ المُحِبِّ، وَآخَرُوْنَ، وَعَاشَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ (1) ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ- وَفِي أَوْلاَده عِلمٌ وَاعتنَاء بِالحَدِيْثِ.
270 - النَّاصِرُ دَاوُدُ ابنُ المُعَظَّمِ عِيْسَى ابنِ العَادِلِ *
السُّلْطَان، الْملك النَّاصِر، صَلاَح الدِّيْنِ، أَبُو المَفَاخِرِ دَاوُد ابْنُ السُّلْطَان المَلِك المُعَظَّم عِيْسَى بن العَادلِ.
مَوْلِدُهُ: بِدِمَشْقَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ (2) .
__________
(1) ذكر الحسيني في صلة التكملة والذهبي في تاريخ الإسلام وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة وابن العماد في الشذرات أنه توفي في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، وإن انفرد الحسيني بذكر ليلة الثاني والعشرين منه فانها تعتبر في التاريخ عندهم منه.
(*) ذيل مرآة الزمان: 1 / 126 - 184 وهي ترجمة مطولة فيها كثير من شعره، تاريخ الإسلام للذهبي: (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 149 - 153، دول الإسلام: 2 / 121، العبر: 5 / 229 - 230، عيون التواريخ: 20 / 168 - 176 فوات الوفيات: 1 / 419 - 428، الترجمة 149، البداية والنهاية 13 / 214، العسجد المسبوك: 643، النجوم الزاهرة: 7 / 61 - 62، شفاء القلوب في مناقب بني أيوب، لأحمد بن إبراهيم الحنبلي: 346 - 358، الترجمة 75، شذرات الذهب: 5 / 275 وللدكتور ناظم رشيد شيخو رسالة دكتوراه في حياته وأدبه نوقشت في كلية الآداب بجامعة بغداد سنة 1981.
(2) في جمادى الآخرة.(23/376)
أَجَاز لَهُ: المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَأَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيّ، وَسَمِعَ فِي كبره مِنْ أَبِي الحَسَنِ القَطِيْعِيّ بِبَغْدَادَ، وَمِنِ ابْنِ اللُّتِّيّ بِالكَرَك.
وَكَانَ فَقِيْهاً حنفِياً ذَكِيّاً، مُنَاظِراً، أَدِيْباً شَاعِراً بَدِيْع النَّظْمِ، مُشَارِكاً فِي عُلُوْم، تَسَلْطَن عِنْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ، وَأَحَبّه أَهْلُ البَلَدِ، فَأَقْبَل عَمَّاهُ الكَامِل وَالأَشْرَف فَحَاصَرَاهُ أَشْهُراً، ثُمَّ انْفَصل عَنْ دِمَشْق فِي أَثْنَاء سَنَة سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، وَقنع بِالكَرَك، وَأَعْطَوْهُ مَعَهَا نَابُلُس وَعَجْلُوْنَ وَالصَّلْت وَقُرَى بَيْت المَقْدِسِ سِوَى البَلَدِ فَإِنَّهُ أَخَذَه الأَنبروز الإِفرنجِي الَّذِي أَنْجَدَ الكَامِل، ثُمَّ زَوَّجَهُ الكَامِل بِابْنته فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنهُمَا، فَفَارقَ البِنْتَ، ثُمَّ بَعْدَ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ سَارَ إِلَى المُسْتَنْصِر بِاللهِ، وَقَدَّمَ لَهُ تُحَفاً، وَاجْتَمَعَ بِهِ وَأَكْرَمَهُ بَعْد امتنَاع بِعَمَلِ قَصِيدتِهِ الفَائِقَةِ (1) وَهِيَ:
وَدَانٍ أَلَمَّتْ بِالكَثِيْبِ ذَوَائِبُهْ ... وَجُنْحُ الدُّجَى وَحْف (2) تَجول غَيَاهِبُهْ
تُقَهْقِهُ فِي تِلْكَ الرُّبوعِ رُعُوْدُهُ ... وَتَبْكِي عَلَى تِلْكَ الطُّلولِ سَحَائِبُهْ
إِلَى أَنْ بدَا مِنْ أَشْقَرِ الصُّبْحِ قَادِمٌ ... يُرَاعُ لَهُ مِنْ أَدْهَمِ اللَّيْلِ هَارِبُهْ
منهَا:
أَلاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَمَنْ غَدَتْ ... عَلَى كَاهِلِ الجَوْزَاء تَعْلُو مَرَاتِبُهْ
أَيَحْسُنُ فِي شَرْعِ المَعَالِي وَدِيْنِهَا ... وَأَنْتَ الَّذِي تُعْزَى إِلَيْهِ مَذَاهِبُهْ؟
بِأَنِّي أَخوضُ الدوَّ (3) وَالدوُّ مُقفرٌ ... سَبَارِيْتُهُ مُغبرَةٌ وَسَبَاسِبُهْ
__________
(1) أورد القصيدة اليونيني في ذيل المرآة: 1 / 133 - 135، والذهبي في تاريخ الإسلام الورقة 150، وابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات: 1 / 420 - 422، وأحمد بن إبراهيم الحنبلي في شفاء القلوب: 348 - 351 وغيرها، وانظر رسالة الدكتور ناظم رشيد شيخو: 402 - 406 (طبعة المناقشة) .
(2) في الأصل: " وقف " وليس بشيء، والتصحيح من خط المؤلف في تاريخ الإسلام وغيره، والوحف: الشديد السواد.
(3) الدو: الغلاة.(23/377)
وَقَدْ رَصَدَ الأَعْدَاءُ لِي كُلَّ مَرْصَدٍ ... فَكُلُّهُم نَحْوِي تَدِبُّ عَقَارِبُهْ
وَآتيكَ وَالعَضْبُ (1) المُهَنَّد مُصْلَتٌ ... طرِير (2) شبَاهُ قَانِيَاتٌ ذوَائِبُه
وَأُنْزلُ آمَالِي بِبَابِكَ رَاجِياً ... بَوَاهِرَ جَاه يَبْهَرُ النَّجْمَ ثَاقِبُه
فَتقبل مِنِّي عَبْدَ رقٍّ فَيغتدِي ... لَهُ الدَّهْر عَبْداً خَاضِعاً (3) لاَ يُغَالِبُه
وَتُنْعِمُ فِي حقِّي بِمَا أَنْتَ أَهْلُه ... وَتُعلِي مَحَلِّي فَالسُّهَا (4) لاَ يُقَارِبُه
وَتُلبِسنِي مِنْ نسجِ ظلِّك حُلَّةً ... تشرف قدر النَّيِّرِيْنَ جلاَبِبُهْ
وَتُركبنِي نُعْمِى أَيَادِيك مَرْكباً ... عَلَى الفَلَكِ الأَعْلَى تَسِيرُ مَرَاكِبُه (5)
وَيَأْتيك غَيْرِي مِنْ بِلاَدٍ قَرِيْبَة ... لَهُ الأَمْنُ فِيْهَا صَاحِبٌ لاَ يُجَانِبُه
فَيلقَى دنُوّاً مِنْكَ لَمْ أَلقَ مِثْلَهُ ... وَيَحْظَى وَلاَ أَحْظَى بِمَا أَنَا طَالِبُه
وَيَنْظُرُ مِنْ لأْلاَءِ قُدْسِكَ نَظرَةً ... فَيَرْجِعُ وَالنُّوْرُ الإِمَامِيُّ (6) صَاحِبُه
وَلَوْ كَانَ يَعْلُونِي بنَفْسٍ وَرُتبَةٍ ... وَصِدْقِ وَلاَءٍ لَسْتُ فِيْهِ أُصَاقِبُه
لَكُنْتُ أُسلِّي النَّفْسَ عَمَّا تَرُومُه ... وَكُنْتُ أَذُودُ العَيْنَ عَمَّا تُرَاقِبُه
وَلَكِنَّهُ مِثْلِي، وَلَو قُلْتُ: إِنَّنِي ... أَزِيْدُ عَلَيْهِ، لَمْ يَعِبْ ذَاكَ عَائِبُه
وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَملأ المَالُ عَينَهُ ... وَلاَ بِسوَى التَّقْرِيْب تُقْضَى مَآرِبُه
وَلاَ بِالَّذِي يُرْضِيْهِ دُوْنَ نَظِيْرِهِ ... وَلَوْ أُنْعِلَتْ بِالنَّيِّرَات مَرَاكِبُه
وَبِي ظَمَأٌ رُؤيَاكَ مَنْهَلُ ريِّهِ ... وَلاَ غروَ أَنْ تَصفو لَدَيَّ مَشَارِبُه
__________
(1) العضب: السيف القاطع.
(2) طرير: محدد.
(3) هكذا في الأصل، وفي تاريخ الإسلام بخط المؤلف، وفي غيره من المصادر: " طائعا ".
(4) السها: كوكب صغير.
(5) هكذا هي بخط المؤلف في تاريخ الإسلام "، وفي بعض المصادر الأخرى: مواكبه.
(6) في الأصل: " الأماني " وليس بشيء، والتصحيح من خط المؤلف في " تاريخ الإسلام ".(23/378)
وَمِنْ عَجَبٍ أَنِّي لَدَى البَحْرِ وَاقِفٌ ... وَأَشْكُو الظَّمَا وَالبَحْرُ جَمٌّ عَجَائِبُه
وَغَيْرُ ملُوْمٍ مَنْ يَؤمُّك قَاصِداً ... إِذْ عَظُمَت أَغرَاضُهُ وَمَذَاهِبُهُ
فَوَقَعت الأَبيَات مِنَ الخَلِيْفَة بِموقع، وَأُدخل لَيلاً، وَوَانَسَهُ وَذَاكَرَهُ، وَأُخْرِج سرّاً رعَايَةً لِخَاطر الكَامِل.
ثُمَّ حضَر النَّاصِر درسَ المُسْتَنْصِرِيَّة، فَبحثَ وَنَاظرَ وَالخَلِيْفَةُ فِي مَنْظَرته، فَقَامَ الوَجِيْه القَيْرَوَانِي، وَمدح الخَلِيْفَة بِأَبيَاتٍ مِنْهَا:
لَوْ كُنْتَ فِي يَوْم السَّقيفَة حَاضِراً ... كُنْتَ المُقَدَّم وَالإِمَامَ الأَورعَا
فَقَالَ النَّاصِرُ: أَخْطَأْت، قَدْ كَانَ العَبَّاس جدّ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ حَاضِراً وَلَمْ يَكُنِ المُقَدَّم إِلاَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ.
فَأُمر بِنَفْيِ الوَجِيْه، فَسَافر، وَوَلِيَ بِمِصْرَ تَدْرِيساً، ثُمَّ خَلَعُوا عَلَى النَّاصِر وَحَاشيته، وَجَاءَ مَعَهُ رَسُوْلُ الدِّيْوَانِ، فَأَلْبَسَه الخِلْعَة بِالكَرَك، وَركب بِالسَّنْجق الخليفْتِي، وَزِيْد فِي لَقَبِهِ: الوَلِيّ المُهَاجِر، ثُمَّ رَاسلَهُ الكَامِل وَالأَشْرَف لَمَّا اخْتَلَفَا، وَطلب كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُؤَازره، وَجَاءهُ فِي الرّسليَة مِنْ مِصْرَ القَاضِي الأَشْرَف، فَرجح جَانب الكَامِل، ثُمَّ تَوجّه إِلَيْهِ، فَبَالغَ فِي تَعْظِيْمِهِ، وَأَعَاد إِلَى عصمته ابْنته عَاشُورَاء، وَأَرْكَبَهُ فِي دَسْت السَّلْطَنة، فَحْملَ لَهُ الغاشيةَ الملكُ العَادلُ وَلدُ الكَامِلِ، وَوعدَهُ بِأَخْذِ دِمَشْق مِنَ الأَشْرَف وَردِّهَا إِلَيْهِ.
وَلَمَّا مَاتَ الكَامِل بِدِمَشْقَ، مَا شكّ النَّاسُ أَنَّ النَّاصِر يَملكهَا، فَلَو بَذَلَ ذَهَباً لأَخْذَهَا، فَسلطنُوا الجَوَاد، فَفَارق النَّاصِر البَلَدَ، وَسَارَ إِلَى عَجْلُوْنَ، وَنَدِمَ فَجمعَ وَحشد وَاسْتَوْلَى عَلَى كَثِيْر مِنَ السَّاحِل، فَالتقَاهُ الجَوَادُ بِقُرْبِ جِنِيْنَ، فَانْكَسَرَ النَّاصِر وَذَهَبت خَزَائِنه، وَطلع إِلَى الكَرَك.
ثُمَّ إِنَّ الجَوَاد تَمَاهَنَ، وَأَعْطَى دِمَشْق لِلصَّالح، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ، وَظَفِرَ النَّاصِر بِالصَّالِحِ، وَبَقِيَ فِي قَبضته أَشْهُراً، ثُمَّ ذهب مَعَهُ عَلَى عُهُود وَموَاثيق، فَملَّكَهُ مِصْرَ، وَلَمْ يَف لَهُ الصَّالِح عجزاً(23/379)
أَوِ اسْتكثَاراً؛ فَإِنَّهُ شَرَطَ أَنْ تَكُوْنَ لَهُ دِمَشْق وَشَطْر مِصْر وَأَشيَاء.
وَمِنْ حَسَنَاتِ النَّاصِر أَنَّ عَمَّهُ أَعْطَى الفِرَنْج القُدْس، فَعمرُوا لَهُم قَلْعَةً، فَجَاءَ النَّاصِر وَنصب عَلَيْهَا المَجَانِيْق، وَأَخَذَهَا بِالأَمَان وَهَدَّ القَلْعَة، وَنَظَّفَ البَلَد مِنَ الفِرَنْج.
ثُمَّ إِنَّ الْملك الصَّالِح أَسَاءَ إِلَى النَّاصِر، وَجَهَّزَ عَسْكَراً، فَشعثُوا بِلاَده، وَأَخَذُوا مِنْهَا، وَلَمْ يَزَلْ يُنَاكده وَمَا بَقَّى لَهُ سِوَى الكَرَك، ثُمَّ حَاصره فِي سَنَةِ 644 فَخرُ الدِّيْنِ ابْن الشَّيْخ أَيَّاماً وَتَرَحَّل، وَقَلَّ مَا بِيَدِ النَّاصِرِ، وَنفذَ رَسُوْلَهُ الخُسْرُوْشَاهِي مِنْ عِنْدِهِ إِلَى الصَّالِح، وَمَعَهُ ابْنه الأَمْجَد أَنْ يُعْطِيه خُبْزاً بِمِصْرَ وَيَتسلَّم الكَرَك فَأَجَابَهُ، وَمَرِضَ، فَانثنَىَ عزم النَّاصِر، وَضَاقَ النَّاصِر بكُلَف السَّلْطَنَة، فَاسْتنَاب ابْنه عِيْسَى بِالكَرَك، وَأَخَذَ مَعَهُ جَوَاهر وَذخَائِر، فَأَكْرَمَه صَاحِب حَلَب، ثُمَّ سَارَ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَودع تِلْكَ النفَائِس عِنْد المُسْتَعْصِم وَهِيَ بِنَحْوٍ مِنْ مائَة أَلْف دِيْنَار، فَلَمْ يَصل إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا (1) .
وَبعدُ تَأَلَّمَ الأَمْجَدُ وَأَخُوْهُ الظَّاهِر لِكَوْنِ أَبِيهِمَا اسْتنَاب عَلَيْهِمَا المُعَظَّم عِيْسَى مَعَ كَوْنِه ابْنَ جَارِيَة، وَهُمَا فَأُمُّهُمَا بِنْتُ الكَامِلِ، وَكَانَتْ أُمّهُمَا مُحْسنَةً إِلَى الْملك الصَّالِح أَيَّام اعتقَاله بِالكَرَك؛ لأَنَّه أَخُوْهَا، فَكَانَ هَذَانِ يُحِبَّانه، وَيَأْنَس بِهِمَا، فَاتفقَا مَعَ أُمِّهِمَا عَلَى الْقَبْض علَى المُعَظَّمِ، فَفَعلاَ، وَاسْتوليَا عَلَى الكَرَك، وَسَارَ الأَمْجَد بِمفَاتِيحهَا إِلَى الصَّالِح، وَتوثَّق مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ خُبْزاً بِمِصْرَ، وَتَحَوَّلَ إِلَى بَابِ الصَّالِح بَنو النَّاصِر فأقطعهم، وَعظم هَذَا عَلَى النَّاصِر لَمَّا سَمِعَ بِهِ، فاغتمّ الصّالح أَن مَاتَ، وَانضمَّ النَّاصِر إِلَى النَّاصِر (2) لَمَّا تَسَلْطَن بِالشَّامِ، فَتمرَّض السُّلْطَان، فَبَلَغَهُ أَن دَاوُد تَكَلَّمَ فِي أَمر الْملك، فَحَبَسَهُ بِحِمْصَ مُدَّة، ثُمَّ جَاءت
__________
(1) حيث لم يعطها له الخليفة، فلم يكن أمينا على الامانة، والقصة مشهورة.
(2) صاحب حلب، وقد مرت ترجمته.(23/380)
شَفَاعَةٌ مِنَ الخَلِيْفَةِ، فَأُطلق، فَسَارَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ إِلَى بَغْدَادَ ليطْلب وَديعتَه، فَمَا مُكِّن مِنَ العُبُور إِلَى بَغْدَادَ، فَنَزَلَ بِالمَشْهَد (1) ، وَحَجّ وَتَشَفَّعَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنشِداً قصيدَةً (2) ، ثُمَّ إِنَّهُ مرض بِدِمَشْقَ وَمَاتَ، وَدُفِنَ بِالمُعَظَّمِيَّةِ عِنْد أَبِيْهِ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الدِّمْيَاطِيّ فِي (مُعْجَمِهِ) ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا العَلاَّمَةُ الفَاضِل الْملك النَّاصِر.
قُلْتُ: مَاتَ فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، مَاتَ بِطَاعُوْنٍ -رَحِمَهُ اللهُ- وَشيّعه السُّلْطَان مِنَ البُوَيضَاءِ، وَحزن عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا كَبِيْرُنَا وَشيخُنَا، وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْمِيَّة عَاشت بَعْدَهُ.
271 - المَنْصُوْرُ نُوْرُ الدِّيْنِ عَلِيُّ ابْنُ المُعِزِّ أَيْبَكَ التُّرْكِيُّ التُّرُكْمَانِيُّ *
السُّلْطَانُ، الملكُ المَنْصُوْرُ، نُوْرُ الدِّيْنِ عَلِيُّ ابْنُ السُّلْطَانِ المَلِكِ المُعِزِّ أَيْبَكَ التُّرْكِيُّ، التُّرُكْمَانِيُّ، الصَّالِحيُّ.
لَمَّا قُتِلَ وَالِدُهُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، سَلطَنُوا هَذَا، وَعَمِلَ نِيَابَتَهُ مَمْلُوْكَ أَبِيْهِ قُطُزَ الَّذِي كَسَرَ التَّتَارَ نَوْبَةَ عَيْنِ جَالُوتَ، وَضُرِبَتِ السِّكَةُ وَالخُطْبَةُ بِاسمِ المَنْصُوْرِ، وَلَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَامَ دَسْتُهُ بِالأُمَرَاءِ المُعِزِّيَةِ غِلمَانِ وَالِدِهِ، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ سَنَتَيْنِ وَنِصْفاً، وَدَهَمَ العَدُوُّ مَعَ
__________
(1) مشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما، بكربلا. وسير من المشهد قصيدة يمدح بها الخليفة ويتلطفه في رد وديعته فلم ينفع ذلك.
(2) هي القصيدة اللامية المشهورة ومطلعها: إليك امتطينا اليعملات رواسما * يجبن الفلا ما بين رضوى ويذبل
(*) تاريخ الإسلام، الورقة: 148 (أيا صوفيا 3013) في ترجمة أبيه، وحوادث سنة 655 منه (الورقة: 210، ودول الإسلام: 2 / 120 والعبر: 5 / 222.(23/381)
هُوْلاَكُو البِلاَدَ، فَبَايَعُوا قُطُزَ بِالسَّلطَنَةِ، وَعَزَلُوا المَنْصُوْرَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَلَمَّا قُتِلَ قُطُزُ وَتَمَلَّكَ الظَّاهِرُ، نَفَى أَوْلاَدَ المُعِزِّ إِلَى عِنْدِ الأَشْكرِيِّ فِي البَحْرِ، وَانقَضَتْ أَيَّامُهُم.
وَاتَّفَقَ أَن فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ رَأَوا شَابّاً عِنْد قَبْرِ المُعِزِّ يَبْكِي، فَأُحضِرَ إِلَى السُّلْطَانِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ قَليجَ قَانَ وَلَدَ المُعِزِّ، وَأَنَّهُ قَدِمَ مِنَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ مِنْ سِتِّ سِنِيْنَ، وَأَنَّهُ يَتَوَكَّلُ لأَجنَاد، فَسَجَنَهُ السُّلْطَانُ، فَبَقِي سَبْعَ سِنِيْنَ، حَتَّى أَخْرَجَهُ المَلِكُ المَنْصُوْرُ، فَاتَّفَقَ رُؤْيَتِي لَهُ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيْلٍ عِنْدَ قَاضِي القُضَاةِ تَقِيِّ الدِّيْنِ (1) فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ، فَرَأَيْتُهُ شَيْخاً جُندِيّاً جَلْداً فَصِيحَ العِبَارَةِ حَافِظاً لِلْقُرْآنِ، فَذَكَرَ أَنَّ لَهُ ابْناً شَيْخاً قَدْ نَيَّفَ عَلَى السِّتِّيْنَ،
وَقَالَ:
قَدْ وُلِدْتُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَتَنَصَّرَ أَخِي المَنْصُوْرُ بِبِلاَدِ الأَشْكرِيِّ، وَتَأَخَّرَ إِلَى قَرِيْبِ سَنَةِ سَبْعٍ مائَة، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ نَصَارَى، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ المَكْرِ!
قَالَ: وَجَاءنِي مِنْهُ كِتَابٌ فِيْهِ: أَخُوْهُ مِيْخَائِيْلُ بنُ أَيْبَكَ، فَلَمْ أَقرَأْهُ.
قَالَ: وَلَبِستُ بِالفَقِيْرِيِّ مُدَّةً، وَحَضَرتُ عِنْدَ المَلِكِ الأَشْرَفِ، فَسَأَلَنِي عَنْ لاَجِيْنَ -يَعْنِي: الَّذِي تَسَلطَنَ- فَقُلْتُ: هُوَ عَلَى مُلْكِي.
فَطَلَبَهُ، فَأَقَرَّ لِي بِالرِّقِّ، فَبِعتُهُ لِلأَشْرَفِ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ سَارِقٌ آبِقٌ بِقَتْلِ أُسْتَاذِهِ.
قَالَ: وَوَرِثتُ بِالوَلاَءِ جَمَاعَةَ أُمَرَاءٍ مِنْ غِلمَانِ أَبِي، وَاسْمِي قَلِيْج قَانَ، لَقَبُهُ سَيْفُ الدِّيْنِ.
__________
(1) أحسبه يقصد: تقي الدين السبكي، لأنه تولى قضاء القضاة في تلك السنة، انظر مقدمة تهذيب الكمال: 1 / 27.(23/382)
تَمَّ الجُزْءُ الثَّالِثُ وَالعِشْرُوْنَ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاءِ) لِلْشَيْخِ الإِمَامِ العَالِمِ العَامِلِ الحُجَّةِ النَّاقِدِ البَارِعِ، جَامِعِ أَشْتَاتِ الفُنُونِ، مُؤَرِّخِ الإِسْلامِ شَمْسِ الدِّيْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ، فَسَّحَ اللهُ فِي مُدَّتِهِ.
وَهِيَ أَوَّلُ نُسْخَةٍ نُسِخَتْ مِنْ خَطِّ المُصَنِّفِ، وَقُوْبِلَتْ عَلَى حَسَبِ الإِمْكَانِ.
وَكَانَ الفَرَاغُ مِنْهُ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ، وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.(23/383)